#####ARABICA#SUBJECT# ######## BEGofRECORD ################################################### #000000# 000.SortField :: JK_000001 #NewRec# 000.BookURI :: NOCODE #NewRec# 010.AuthorAKA :: الغزالي #NewRec# 010.AuthorNAME :: محمد بن محمد الغزالي أبو حامد #NewRec# 011.AuthorBORN :: 450 #NewRec# 011.AuthorDIED :: 505 #NewRec# 019.AuthorDIED :: NODATA #NewRec# 020.BookTITLE :: إحياء علوم الدين #NewRec# 020.BookTITLESUB :: NODATA #NewRec# 021.BookSUBJ :: كتب أخرى :: كتب الأخلاق والسلوك :: كتب متفرقة في الأخلاق والسلوك #NewRec# 022.BookVOLS :: 4 #NewRec# 025.BookLANG :: NODATA #NewRec# 029.BookTITLEalt :: إحياء علوم الدين #NewRec# 030.LibURI :: JK_000001 #NewRec# 030.LibURIextra :: NODATA #NewRec# 031.LibREADONLINE :: NODATA #NewRec# 031.LibURL :: NODATA #NewRec# 031.LibURLFILE :: NODATA #NewRec# 031.LibURLextra :: NODATA #NewRec# 040.EdALL :: NODATA #NewRec# 040.EdEDITOR :: NODATA #NewRec# 041.EdNUMBER :: NODATA #NewRec# 041.EdNumber :: NODATA #NewRec# 043.EdPUBLISHER :: دار االمعرفة #NewRec# 044.EdPLACE :: بيروت #NewRec# 045.EdYEAR :: NODATA #NewRec# 049.EdISBN :: NODATA #NewRec# 049.EdPAGES :: NODATA #NewRec# 049.EdPHYSICAL :: NODATA #NewRec# 049.EdVOLUME :: NODATA #NewRec# 090.RecMISC :: NODATA #NewRec# 999.MiscINFO :: NODATA #####FILENAME#JK_000001 # # | بسم الله الرحمن الرحيم # أحمد الله أولا حمدا كثيرا متواليا وإن كان يتضاءل دون حق جلاله حمد ~~الحامدين وأصلي وأسلم على رسله ثانيا صلاة تستغرق مع سيد البشر سائر ~~المرسلين وأستخيره تعالى ثالثا فيما انبعث عزمي من تحرير كتاب في إحياء ~~علوم الدين وأنتدب لقطع تعجبك رابعا أيها العاذل المتغالي في العذل من بين ~~زمرة الجاحدين المسرف في التقريع + بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي أحيا علوم الدين فأينعت بعد اضمحلالها وأعيا فهوم ~~الملحدين عن دركها فرجعت بكلالها أحمده وأستكين له من مظالم انقضت الظهور ~~بأثقالها وأعبده وأستعين به لعصام الأمور وعضالها وأشهد أن لا إله إلا الله ~~وحده لا شريك له شهادة وافية بحصول الدرجات وظلالها واقية من حلول الدركات ~~وأهوالها وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أطلع به فجر الإيمان من ظلمة ~~القلوب وضلالها وأسمع به وقر الآذان وجلا به رين القلوب بصقالها صلى الله ~~عليه وعلى آله وصحبه وسلم صلاة لا قاطع لاتصالها # وبعد فلما وفق الله تعالى لإكمال الكلام على أحاديث إحياء علوم الدين في ~~سنة إحدى وخمسين تعذر الوقوف على بعض أحاديثه فأخرت تبييضه إلى سنة ستين ~~فظفرت بكثير مما عزب عني علمه ثم شرعت في تبييضه في مصنف متوسط حجمه وأنا ~~مع ذلك متباطىء في إكماله غير متعرض لتركه وإهماله إلى أن ظفرت بأكثر ما ~~كنت لم أقف عليه وتكرر السؤال من جماعة في إكماله فأجبت وبادرت إليه ولكني ~~اختصرته في غاية الاختصار ليسهل تحصيله وحمله في الأسفار فاقتصرت فيه على ~~ذكر طرف الحديث وصحابيه ومخرجه وبيان صحته أو حسنه أو ضعف مخرجه فإن ذلك هو ~~المقصود الأعظم عند أبناء الآخرة بل وعند كثير من المحدثين عند المذاكرة ~~والمناظرة وأبين ما ليس له أصل في كتب الأصول والله أسأل أن ينفع به إنه ~~خير مسئول # فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بعزوه إليه وإلا عزوته إلى ~~من خرجه من بقية الستة وحيث كان في أحد الستة لم أعزه إلى غيرها إلا لغرض ~~صحيح بأن يكون في كتاب التزم مخرجه الصحة أو يكون أقرب إلى لفظه في الإحياء ~~وحيث كرر المصنف ذكر الحديث فإن كان في باب واحد منه اكتفيت بذكره أول مرة ~~وربما ذكرته فيه ثانيا وثالثا لغرض أو لذهول عن كونه تقدم وإن كرره في باب ~~آخر ذكرته ونبهت على أنه قد تقدم وربما لم أنبه على تقدمه لذهول عنه وحيث ~~عزوت الحديث لمن خرجه من الأئمة فلا أريد ذلك اللفظ بعينه بل قد يكون بلفظه ~~وقد يكون بمعناه أو باختلاف على قاعدة المستخرجات وحيث لم أجد ذلك الحديث ~~ذكرت ما يغنى عنه غالبا وربما لم أذكره وسميته المغني عن حمل الأسفار في ~~الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار # جعله الله خالصا لوجهه الكريم ووسيلة إلى النعيم المقيم + PageV01P001 ~~والإنكار من بين طبقات المنكرين الغافلين فلقد حل عن لساني عقدة الصمت ~~وطوقني عهدة الكلام وقلادة النطق ما أنت مثابر عليه من العمى عن جلية الحق ~~مع اللجاج في نصرة الباطل وتحسين الجهل والتشغيب على من آثر النزوع قليلا ~~عن مراسم الخلق ومال ميلا يسيرا عن ملازمة الرسم إلى العمل بمقتضى العلم ~~طمعا في نيل ما تعبده الله تعالى به من تزكية النفس وإصلاح القلب وتداركا ~~لبعض ما فرط من إضاعة العمر يائسا عن تمام حاجتك في الحيرة وانحيازا عن ~~غمار من قال فيهم صاحب الشرع صلوات الله عليه وسلامه أشد الناس عذابا يوم ~~القيامة عالم لم ينفعه الله سبحانه بعلمه + حديث أشد الناس عذابا يوم ~~القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه رواه الطبراني في الصغير والبيهقي في شعب ~~الإيمان من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف + ولعمري إنه لا سبب لإصرارك على ~~التكبر إلا الداء الذي عم الجم الغفير بل شمل الجماهير من القصور عن ملاحظة ~~ذروة هذا الأمر والجهل بأن الأمر إد والخطب جد والآخرة مقبلة والدنيا مدبرة ~~والأجل قريب والسفر بعيد والزاد طفيف والخطر عظيم والطريق سد وما سوى ~~الخالص لوجه الله من العلم والعمل عند الناقد البصير رد وسلوك طريق الآخرة ~~مع كثرة الغوائل من غير دليل ولا رفيق متعب ومكد فأدلة الطريق هم العلماء ~~الذين هم ورثة الأنبياء وقد شغر منهم الزمان ولم يبق إلا المترسمون وقد ~~استحوذ على أكثرهم الشيطان واستغواهم الطغيان وأصبح كل واحد بعاجل حظه ~~مشغوفا فصار يرى المعروف منكرا والمنكر معروفا حتى ظل علم الدين مندرسا ~~ومنار الهدى في أقطار الأرض منطمسا ولقد خيلوا إلى الخلق أن لا علم إلا ~~فتوى حكومة تستعين به القضاة على فصل الخصام عند تهاوش الطغام أو جدل يتدرع ~~به طالب المباهاة إلى الغلبة والإفحام أو سجع مزخرف يتوسل به الواعظ إلى ~~استدراج العوام إذ لم يروا ما سوى هذه الثلاثة مصيدة للحرام وشبكة للحطام # فأما علم طريق الآخرة وما درج عليه السلف الصالح مما سماه الله سبحانه في ~~كتابه فقها وحكمة وعلما وضياء ونورا وهداية ورشدا فقد أصبح من بين الخلق ~~مطويا وصار نسيا منسيا # ولما كان هذا ثلما في الدين ملما وخطبا مدلهما رأيت الاشتغال بتحرير هذا ~~الكتاب مهما إحياء لعلوم الدين وكشفا عن مناهج الأئمة المتقدمين وإيضاحا ~~لمباهي العلوم النافعة عند التبيين والسلف الصالحين # وقد أسسته على أربعة أرباع وهي ربع العبادات وربع العادات وربع المهلكات ~~وربع المنجيات # وصدرت الجملة بكتاب العلم لأنه غاية المهم لأكشف أولا عن العلم الذي تعبد ~~الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم الأعيان بطلبه إذ قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم + حديث طلب العلم فريضة ~~على كل مسلم رواه ابن ماجه من حديث أنس وضعفه أحمد والبيهقي وغيرهما + ~~وأميز فيه العلم النافع من الضار إذ قال صلى الله عليه وسلم نعوذ بالله من ~~علم لا ينفع + حديث نعوذ بالله من علم لا ينفع رواه ابن ماجه من حديث جابر ~~بإسناد حسن + وأحقق ميل أهل العصر عن شاكلة الصواب وانخداعهم بلامع السراب ~~واقتناعهم من العلوم بالقشر عن اللباب # ويشتمل ربع العبادات على عشرة كتب كتاب العلم وكتاب قواعد العقائد وكتاب ~~أسرار الطهارة وكتاب أسرار الصلاة وكتاب أسرار الزكاة وكتاب أسرار الصيام ~~وكتاب أسرار الحج وكتاب آداب تلاوة القرآن وكتاب الأذكار والدعوات وكتاب ~~ترتيب الأوراد في الأوقات PageV01P002 # وأما ربع العادات فيشتمل على عشرة كتب كتاب آداب الأكل وكتاب آداب النكاح ~~وكتاب أحكام الكسب وكتاب الحلال والحرام وكتاب آداب الصحبة والمعاشرة مع ~~أصناف الخلق وكتاب العزلة وكتاب آداب السفر وكتاب السماع والوجد وكتاب ~~الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة # وأما ربع المهلكات فيشتمل على عشرة كتب كتاب شرح عجائب القلب وكتاب رياضة ~~النفس وكتاب آفات الشهوتين شهوة البطن وشهوة الفرج وكتاب آفات اللسان وكتاب ~~آفات الغضب والحقد والحسد وكتاب ذم الدنيا وكتاب ذم المال والبخل وكتاب ذم ~~الجاه والرياء وكتاب ذم الكبر والعجب وكتاب ذم الغرور # وأما ربع المنجيات فيشتمل على عشرة كتب كتاب التوبة وكتاب الصبر والشكر ~~وكتاب الخوف والرجاء وكتاب الفقر والزهد وكتاب التوحيد والتوكل وكتاب ~~المحبة والشوق والأنس والرضا وكتاب النية والصدق والإخلاص وكتاب المراقبة ~~والمحاسبة وكتاب التفكر وكتاب ذكر الموت # فأما ربع العبادات فأذكر فيه خفايا آدابها ودقائق سننها وأسرار معانيها ~~ما يضطر العالم العامل إليه بل لا يكون من علماء الآخرة من لا يطلع عليه ~~وأكثر ذلك مما أهمل في فن الفقهيات # وأما ربع العادات فأذكر فيه أسرار المعاملات الجارية بين الخلق وأغوارها ~~ودقائق سننها وخفايا الورع في مجاريها وهي مما لا يستغني عنها متدين # وأما ربع المهلكات فأذكر فيه كل خلق مذموم ورد القرآن بإماطته وتزكية ~~النفس عنه وتطهير القلب منه وأذكر من كل واحد من تلك الأخلاق حده وحقيقته ~~ثم أذكر سببه الذي منه يتولد ثم الآفات التي عليها تترتب ثم العلامات التي ~~بها تتعرف ثم طرق المعالجة التي بها منها يتخلص كل ذلك مقرونا بشواهد ~~الآيات والأخبار والآثار # وأما ربع المنجيات فأذكر فيه كل خلق محمود وخصلة مرغوب فيها من خصال ~~المقربين والصديقين التي بها يتقرب العبد من رب العالمين وأذكر في كل خصلة ~~حدها وحقيقتها وسببها الذي به تجتلب وثمرتها التي منها تستفاد وعلامتها ~~التي بها تتعرف وفضيلتها التي لأجلها فيها يرغب مع ما ورد فيها من شواهد ~~الشرع والعقل ولقد صنف الناس في بعض هذه المعاني كتبا ولكن يتميز هذا ~~الكتاب عنها بخمسة أمور # الأول حل ما عقدوه وكشف ما أجملوه # الثاني ترتيب ما بددوه ونظم ما فرقوه # الثالث إيجاز ما طولوه وضبط ما قرروه # الرابع حذف ما كرروه وإثبات ما حرروه # الخامس تحقيق أمور غامضة اعتاصت على الأفهام لم يتعرض لها في الكتب أصلا ~~إذ الكل وإن تواردوا على منهج واحد فلا مستنكر أن يتفرد كل واحد من ~~السالكين بالتنبيه لأمر يخصه ويغفل عنه رفقاؤه أو لا يغفل عن التنبيه ولكن ~~يسهو عن إيراده في الكتب أو لا يسهو ولكن يصرفه عن كشف الغطاء عنه صارف ~~فهذه خواص هذا الكتاب مع كونه حاويا لمجامع هذه العلوم # وإنما حملني على تأسيس هذا الكتاب على أربعة أرباع أمران أحدهما وهو ~~الباعث الأصلي أن هذا الترتيب في التحقيق والتفهيم كالضرورة لأن العلم الذي ~~يتوجه به إلى الآخرة ينقسم إلى علم المعاملة وعلم المكاشفة وأعني ~~PageV01P003 بعلم المكاشفة ما يطلب منه كشف المعلوم فقط وأعني بعلم ~~المعاملة ما يطلب منه مع الكشف العمل به والمقصود من هذا الكتاب علم ~~المعاملة فقط دون علم المكاشفة التي لا رخصة في إيداعها الكتب وإن كانت هي ~~غاية مقصد الطالبين ومطمع نظر الصديقين وعلم المعاملة طريق إليه ولكن لم ~~يتكلم الأنبياء صلوات الله عليهم مع الخلق إلا في علم الطريق والإرشاد إليه # وأما علم المكاشفة فلم يتكلموا فيه إلا بالرمز والإيماء على سبيل التمثيل ~~والإجمال علما منهم بقصور أفهام الخلق عن الاحتمال والعلماء ورثة الأنبياء ~~فما لهم سبيل إلى العدول عن نهج التأسي والاقتداء ثم إن علم المعاملة ينقسم ~~إلى علم ظاهر أعني العلم بأعمال الجوارح وإلى علم باطن أعنى العلم بأعمال ~~القلوب والجاري على الجوارح إما عادة وإما عبادة والوارد على القلوب التي ~~هي بحكم الاحتجاب عن الحواس من عالم الملكوت إما محمود وإما مذموم فبالواجب ~~انقسم هذا العلم إلى شطرين ظاهر وباطن والشطر الظاهر المتعلق بالجوارح ~~انقسم إلى عادة وعبادة والشطر الباطن المتعلق بأحوال القلب وأخلاق النفس ~~انقسم إلى مذموم ومحمود فكان المجموع أربعة أقسام ولا يشذ نظر في علم ~~المعاملة عن هذه الأقسام # الباعث الثاني # أني رأيت الرغبة من طلبة العلم صادقة في الفقه الذي صلح عند من لا يخاف ~~الله سبحانه وتعالى المتدرع به إلى المباهاة والاستظهار بجاهه ومنزلته في ~~المنافسات وهو مرتب على أربعة أرباع والمتزيي بزي المحبوب محبوب فلم أبعد ~~أن يكون تصوير الكتاب بصورة الفقه تلطفا في استدراج القلوب ولهذا تلطف بعض ~~من رام استمالة قلوب الرؤساء إلى الطب فوضعه على هيئة تقويم النجوم موضوعا ~~في الجداول والرقوم وسماه تقويم الصحة ليكون أنسهم بذلك الجنس جاذبا لهم ~~إلى المطالعة والتلطف في اجتذاب القلوب إلى العلم الذي يفيد حياة الأبد أهم ~~من التلطف في اجتذابها إلى الطب الذي لا يفيد إلا صحة الجسد فثمرة هذا ~~العلم طب القلوب والأرواح المتوصل به إلى حياة تدوم أبد الآباد فأين منه ~~الطب الذي يعالج به الأجساد وهي معرضة بالضرورة للفساد في أقرب الآماد ~~فنسأل الله سبحانه التوفيق للرشاد والسداد إنه كريم جواد # | كتاب العلم # وفيه سبعة أبواب الباب الأول في فضل العلم والتعليم والتعلم # الباب الثاني في فرض العين وفرض الكفاية من العلوم وبيان حد الفقه ~~والكلام من علم الدين وبيان علم الآخرة وعلم الدنيا # الباب الثالث فيما تعده العامة من علوم الدين وليس منه وفيه بيان جنس ~~العلم المذموم وقدره # الباب الرابع في آفات المناظرة وسبب اشتغال الناس بالخلاف والجدل # الباب الخامس في آداب المعلم والمتعلم # الباب السادس في آفات العلم والعلماء والعلامات الفارقة بين علماء الدنيا ~~والآخرة # الباب السابع في العقل وفضله وأقسامه وما جاء فيه من الأخبار $ الباب ~~الأول في فضل العلم والتعليم والتعلم وشواهده من النقل والعقل فضيلة العلم # شواهدها من القرآن قوله عز وجل شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة ~~وأولو العلم قائما بالقسط فانظر PageV01P004 كيف بدأ سبحانه وتعالى بنفسه ~~وثنى بالملائكة وثلث بأهل العلم وناهيك بهذا شرفا وفضلا وجلاء ونبلا وقال ~~الله تعالى @QB@ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات @QE@ ~~قال ابن عباس رضي الله عنهما للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ما ~~بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام # وقال عز وجل @QB@ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون @QE@ وقال ~~تعالى @QB@ إنما يخشى الله من عباده العلماء @QE@ وقال تعالى @QB@ قل كفى ~~بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب @QE@ وقال تعالى @QB@ قال ~~الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به @QE@ تنبيها على أنه اقتدر بقوة العلم # وقال عز وجل @QB@ وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن ~~وعمل صالحا @QE@ بين أن عظم قدر الآخرة يعلم بالعلم # وقال تعالى @QB@ وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون @QE@ ~~وقال تعالى @QB@ ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين ~~يستنبطونه منهم @QE@ رد حكمه في الوقائع إلى استنباطهم وألحق رتبتهم برتبة ~~الأنبياء في كشف حكم الله # وقيل في قوله تعالى يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم يعني ~~العلم وريشا يعني اليقين ولباس التقوى يعني الحياء # وقال عز وجل @QB@ ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم @QE@ وقال تعالى @QB@ ~~فلنقصن عليهم بعلم @QE@ وقال عز وجل @QB@ بل هو آيات بينات في صدور الذين ~~أوتوا العلم @QE@ وقال تعالى @QB@ خلق الإنسان علمه البيان @QE@ وإنما ذكر ~~ذلك في معرض الامتنان # وأما الأخبار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا ~~يفقهه في الدين ويلهمه رشده + حديث من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ~~ويلهمه رشده متفق عليه من حديث معاوية دون قوله ويلهمه رشده وهذه الزيادة ~~عند الطبراني في الكبير + وقال صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء + ~~حديث العلماء ورثة الأنبياء أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان ~~في صحيحه من حديث أبي الدرداء + ومعلوم أنه لا رتبة فوق النبوة ولا شرف فوق ~~شرف الوراثة لتلك الرتبة # وقال صلى الله عليه وسلم يستغفر للعالم ما في السموات والأرض + حديث ~~يستغفر للعالم ما في السموات والأرض هو بعض حديث أبي الدرداء المتقدم + وأي ~~منصب يزيد على منصب من تشتغل ملائكة السموات والأرض بالاستغفار له # وقال صلى الله عليه وسلم إن الحكمة تزيد الشريف شرفا وترفع المملوك حتى ~~يدرك مدارك الملوك + حديث الحكمة تزيد الشريف شرفا الحديث أخرجه أبو نعيم ~~في الحلية وابن عبد البر في بيان العلم وعبد الغني الأزدي في آداب المحدث ~~من حديث أنس بإسناد ضعيف + وقد نبه بهذا على ثمراته في الدنيا ومعلوم أن ~~الآخرة خير وأبقى # وقال صلى الله عليه وسلم خصلتان لا يكونان في منافق حسن سمت وفقه في ~~الدين + حديث خصلتان لا تجتمعان في منافق الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي ~~هريرة وقال حديث غريب + ولا تشكن في الحديث لنفاق بعض فقهاء الزمان فإنه ما ~~أراد به الفقه الذي ظننته وسيأتي معنى الفقه # وأدنى درجات الفقيه أن يعلم أن الآخرة خير من الدنيا وهذه المعرفة إذا ~~صدقت وغلبت عليه برىء بها من النفاق والرياء # وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الناس المؤمن العالم الذي إن احتيج إليه ~~نفع وإن استغنى عنه أغنى نفسه + حديث أفضل الناس المؤمن العالم الحديث ~~أخرجه البيهقي في شعب الإيمان موقوفا على أبي الدرداء بإسناد ضعيف ولم أره ~~مرفوعا + وقال صلى الله عليه وسلم الإيمان عريان ولباسه التقوى وزينته ~~الحياء وثمرته العلم + حديث الإيمان عريان الحديث أخرجه الحاكم في تاريخ ~~نيسابور من حديث أبي الدرداء بإسناد ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم أقرب ~~الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد أما أهل العلم فدلوا الناس على ما ~~جاءت به الرسل وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم PageV01P005 على ما جاءت ~~به الرسل + حديث أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد الحديث أخرجه ~~أبو نعيم في فضل العالم العفيف من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم لموت قبيلة أيسر من موت عالم + حديث لموت قبيلة ~~أيسر من موت عالم أخرجه الطبراني وابن عبد البر من حديث أبي الدرداء وأصل ~~الحديث عند أبي الدرداء + وقال عليه الصلاة والسلام الناس معادن كمعادن ~~الذهب والفضة فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا + حديث ~~الناس معادن الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة + وقال صلى الله عليه وسلم ~~يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدم الشهداء + حديث يوزن يوم القيامة مداد ~~العلماء ودماء الشهداء أخرجه ابن عبد البر من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف + ~~وقال صلى الله عليه وسلم من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة حتى يؤديها ~~إليهم كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة + حديث من حفظ على أمتي أربعين ~~حديثا من السنة حتى يؤديها إليهم كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة أخرجه ~~ابن عبد البر في العلم من حديث ابن عمر وضعفه + وقال صلى الله عليه وسلم من ~~حمل من أمتي أربعين حديثا لقي الله عز وجل يوم القيامة فقيها عالما + حديث ~~من حمل من أمتي أربعين حديثا لقي الله يوم القيامة فقيها عالما أخرجه ابن ~~عبد البر من حديث أنس وضعفه + وقال صلى الله عليه وسلم من تفقه في دين الله ~~عز وجل كفاه الله تعالى ما أهمه ورزقه من حيث لا يحتسب + حديث من تفقه في ~~دين الله كفاه الله همه الحديث رواه الخطيب في التاريخ من حديث عبد الله بن ~~جزء الزبيدي بإسناد ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم أوحى الله عز وجل إلى ~~إبراهيم عليه السلام يا إبراهيم إني عليم أحب كل عليم + حديث أوحى الله إلى ~~إبراهيم يا إبراهيم إني عليم أحب كل عليم ذكر ابن عبد البر تعليقا ولم أظفر ~~له بإسناد + وقال صلى الله عليه وسلم العالم أمين الله سبحانه في الأرض + ~~حديث العالم أمين الله في الأرض أخرجه ابن عبد البر من حديث معاذ بسند ضعيف ~~+ وقال صلى الله عليه وسلم صنفان من أمتي إذا صلحوا صلح الناس وإذا فسدوا ~~فسد الناس الأمراء والفقهاء + حديث صنفان من أمتي إذا صلحوا صلح الناس ~~الحديث أخرجه ابن عبد البر وأبو نعيم من حديث ابن عباس بسند ضعيف + وقال ~~صلى الله عليه وسلم إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علما يقربني إلى الله عز ~~وجل فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم + حديث إذا أتى علي يوم لا أزداد ~~فيه علما يقربني الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية وابن ~~عبد البر في العلم من حديث عائشة بإسناد ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم في ~~تفضيل العلم على العبادة والشهادة فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى ~~رجل من أصحابي + حديث فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي ~~أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة وقال حسن صحيح + فانظر كيف جعل العلم ~~مقارنا لدرجة النبوة وكيف حط رتبة العمل المجرد عن العلم وإن كان العابد لا ~~يخلو عن علم بالعبادة التي يواظب عليها ولولاه لم تكن عبادة وقال صلى الله ~~عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب + ~~حديث فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب أخرجه ~~أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان وهو قطعة من حديث أبي الدرداء ~~المتقدم + وقال صلى الله عليه وسلم يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم ~~العلماء ثم الشهداء + حديث يشفع يوم القيامة الأنبياء ثم العلماء ثم ~~الشهداء رواه ابن ماجه من حديث عثمان بن عفان بإسناد ضعيف + فأعظم بمرتبة ~~هي تلو النبوة وفوق الشهادة مع ما ورد في فضل الشهادة # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عبد الله تعالى بشيء أفضل من فقه ~~في الدين ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ولكل شيء عماد وعماد هذا ~~الدين الفقه + حديث ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين الحديث رواه ~~الطبراني في الأوسط وأبو بكر الآجري في كتاب فضل العلم وأبو نعيم في رياضة ~~المتعلمين من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف وعند الترمذي وابن ماجه من حديث ~~ابن عباس بسند ضعيف فقيه أشد على الشيطان من ألف عابد + وقال صلى الله عليه ~~وسلم خير دينكم أيسره وخير العبادة الفقه + حديث خير دينكم أيسره وأفضل ~~العبادة الفقه أخرجه ابن عبد البر من حديث أنس بسند ضعيف والشطر الأول عند ~~أحمد من حديث محجن ابن الأدرع بإسناد جيد والشطر الثاني عند الطبراني من ~~حديث ابن عمر بسند ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم فضل المؤمن العالم على ~~PageV01P006 المؤمن العابد بسبعين درجة + حديث فضل المؤمن العالم على ~~المؤمن العابد بسبعين درجة أخرجه ابن عدي من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف ~~ولأبي يعلى نحوه من حديث عبد البر بن عوف + وقال صلى الله عليه وسلم إنكم ~~أصبحتم في زمن كثير فقهاؤه قليل قراؤه وخطباؤه قليل سائلوه كثير معطوه ~~العمل فيه خير من العلم وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه كثير خطباؤه ~~قليل معطوه كثير سائلوه العلم فيه خير من العمل + حديث إنكم أصبحتم في زمان ~~كثير فقهاؤه الحديث أخرجه الطبراني من حديث حزام بن حكيم عن عمه وقيل عن ~~أبيه وإسناده ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم بين العالم والعابد مائة درجة ~~بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة + حديث بين العالم والعابد مائة ~~درجة الأصفهاني في الترغيب والترهيب من حديث ابن عمر عن أبيه وقال سبعون ~~درجة بسند ضعيف وكذا رواه صاحب مسند الفردوس من حديث أبي هريرة + وقيل يا ~~رسول الله أي الأعمال أفضل فقال العلم بالله عز وجل فقيل أي العلم تريد قال ~~صلى الله عليه وسلم العلم بالله سبحانه فقيل له نسأل عن العمل وتجيب عن ~~العلم فقال صلى الله عليه وسلم إن قليل العمل ينفع مع العلم بالله وإن كثير ~~العمل لا ينفع مع الجهل بالله + حديث قيل يا رسول الله أي الأعمال أفضل ~~فقال العلم بالله الحديث أخرجه ابن عبد البر من حديث أنس بسند ضعيف + وقال ~~صلى الله عليه وسلم يبعث الله سبحانه العباد يوم القيامة ثم يبعث العلماء ~~ثم يقول يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم إلا لعلمي بكم ولم أضع علمي ~~فيكم لأعذبكم اذهبوا فقد غفرت لكم + حديث يبعث الله العباد يوم القيامة ثم ~~يبعث العلماء الحديث رواه الطبراني من حديث أبي موسى بسند ضعيف + نسأل الله ~~حسن الخاتمة # وأما الآثار فقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكميل يا كميل العلم ~~خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال والعلم حاكم والمال محكوم عليه ~~والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق # وقال علي أيضا رضي الله عنه العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد وإذا ~~مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه وقال رضي الله عنه ~~نظما # ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم % على الهدى لمن استهدى أدلاء # وقدر كل امرىء ما كان يحسنه % والجاهلون لأهل العلم أعداء # ففز بعلم تعش حيا به أبدا % الناس موتى وأهل العلم أحياء # وقال أبو الأسود ليس شيء أعز من العلم الملوك حكام على الناس والعلماء ~~حكام على الملوك وقال ابن عباس رضي الله عنهما خير سليمان بن داود عليهما ~~السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه وسئل ~~ابن المبارك من الناس فقال العلماء قيل فمن الملوك قال الزهاد قيل فمن ~~السفلة قال الذين يأكلون الدنيا بالدين ولم يجعل غير العالم من الناس لأن ~~الخاصية التي يتميز بها الناس عن سائر البهائم هو العلم فالإنسان إنسان بما ~~هو شريف لأجله وليس ذلك بقوة شخصه فإن الجمل أقوى منه ولا بعظمه فإن الفيل ~~أعظم منه ولا بشجاعته فإن السبع أشجع منه ولا بأكله فإن الثور أوسع بطنا ~~منه ولا ليجامع فإن أخس العصافير أقوى على السفاد منه بل لم يخلق إلا للعلم # وقال بعض العلماء ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم وأي شيء فاته من ~~أدرك العلم # وقال عليه الصلاة والسلام من أوتي القرآن فرأى أن أحدا أوتي خيرا منه فقد ~~حقر ما عظم الله تعالى وقال فتح الموصلي رحمه الله أليس المريض إذا منع ~~الطعام والشراب والدواء يموت قالوا بلى قال كذلك القلب إذا منع عنه الحكمة ~~والعلم ثلاثة أيام يموت # ولقد صدق فإن غذاء القلب العلم والحكمة وبهما حياته كما أن غذاء الجسد ~~الطعام ومن فقد العلم فقلبه مريض وموته لازم ولكنه لا يشعر به إذ حب الدنيا ~~PageV01P007 وشغله بها أبطل إحساسه كما أن غلبة الخوف قد تبطل ألم الجراح ~~في الحال وإن كان واقعا فإذا حط الموت عنه أعباء الدنيا أحسن بهلاكه وتحسر ~~تحسرا عظيما ثم لا ينفعه وذلك كإحساس الآمن خوفه والمفيق من سكره بما أصابه ~~من الجراحات في حالة السكر أو الخوف فنعوذ بالله من يوم كشف الغطاء فإن ~~الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وقال الحسن رحمه الله يوزن مداد العلماء بدم ~~الشهداء فيرجح مداد العلماء بدم الشهداء # وقال ابن مسعود رضي الله عنه عليكم بالعلم قبل أن يرفع ورفعه موت رواته ~~فوالذي نفسي بيده ليودن رجال قتلوا في سبيل الله شهداء أن يبعثهم الله ~~علماء لما يرون من كرامتهم فإن أحدا لم يولد عالما وإنما العلم بالتعلم # وقال ابن عباس رضي الله عنهما تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من إحيائها ~~وكذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه وأحمد بن حنبل رحمه الله # وقال الحسن في قوله تعالى @QB@ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ~~@QE@ إن الحسنة في الدنيا هي العلم والعبادة وفي الآخرة هي الجنة # وقيل لبعض الحكماء أي الأشياء تقتني قال الأشياء التي إذا غرقت سفينتك ~~سبحت معك يعني العلم وقيل أراد بغرق السفينة هلاك بدنه بالموت # وقال بعضهم من اتخذ الحكمة لجاما اتخذه الناس إماما ومن عرف بالحكمة ~~لاحظته العيون بالوقار # وقال الشافعي رحمة الله عليه من شرف العلم أن كل من نسب إليه ولو في شيء ~~حقير فرح ومن رفع عنه حزن # وقال عمر رضي الله عنه يا أيها الناس عليكم بالعلم فإن لله سبحانه رداء ~~يحبه فمن طلب بابا من العلم رداه الله عز وجل بردائه فإن أذنب ذنبا استعتبه ~~ثلاث مرات لئلا يسلبه رداءه ذلك وإن تطاول به ذلك الذنب حتى يموت # وقال الأحنف رحمه الله كاد العلماء أن يكونوا أربابا وكل عز لم يوطد بعلم ~~فإلى ذل مصيره # وقال سالم بن أبي الجعد اشتراني مولاي بثلثمائة درهم وأعتقني فقلت بأي ~~شيء أحترف فاحترفت بالعلم فما تمت لي سنة حتى أتاني أمير المدينة زائرا فلم ~~آذن له # وقال الزبير بن أبي بكر كتب إلي أبي بالعراق عليك بالعلم فإنك إن افتقرت ~~كان لك مالا وإن استغنيت كان لك جمالا وحكى ذلك في وصايا لقمان لابنه قال ~~يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله سبحانه يحيي القلوب بنور ~~الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء # وقال بعض الحكماء إذا مات العالم بكاه الحوت في الماء والطير في الهواء ~~ويفقد وجهه ولا ينسى ذكره # وقال الزهري رحمه الله العلم ذكر ولا تحبه إلا ذكران الرجال فضيلة التعلم # أما الآيات فقوله تعالى @QB@ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا ~~في الدين @QE@ وقوله عز وجل @QB@ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون @QE@ ~~وأما الأخبار فقوله صلى الله عليه وسلم من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك ~~الله به طريقا إلى الجنة + حديث من سلك طريقا يطلب فيه علما الحديث أخرجه ~~مسلم من حديث أبي هريرة + وقال صلى الله عليه وسلم إن الملائكة لتضع ~~أجنحتها لطالب العلم رضاء بما يصنع + حديث إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب ~~العلم رضاء بما يصنع أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه من حديث صفوان بن ~~عسال + وقال صلى الله عليه وسلم لأن تغدو فتتعلم بابا من العلم خير من أن ~~تصلي مائة ركعة + حديث لأن تغدو فتتعلم بابا من الخير خير من أن تصلي مائة ~~ركعة أخرجه ابن عبد البر من حديث أبي ذر وليس إسناده بذاك والحديث عند ابن ~~ماجه بلفظ آخر + وقال صلى الله عليه وسلم باب من العلم يتعلمه الرجل خير له ~~من الدنيا وما فيها + حديث باب من العلم يتعلمه الرجل خير له من الدنيا ~~أخرجه ابن حبان في روضة العقلاء وابن عبد البر موقوفا على الحسن البصري ولم ~~أره مرفوعا إلا بلفظ خير له من مائة ركعة رواه الطبراني في الأوسط بسند ~~ضعيف من حديث أبي ذر + وقال صلى الله عليه وسلم اطلبوا العلم PageV01P008 ~~ولو بالصين + حديث اطلبوا العلم ولو بالصين أخرجه ابن عدي والبيهقي في ~~المدخل والشعب من حديث أنس وقال البيهقي متنه مشهور وأسانيده ضعيفة + وقال ~~صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم وقال صلى الله عليه وسلم ~~العلم خزائن مفاتيحها السؤال ألا فاسألوا فإنه يؤجر فيه أربعة السائل ~~والعالم والمستمع والمحب لهم + حديث العلم خزائن مفاتيحها السؤال الحديث ~~رواه أبو نعيم من حديث علي مرفوعا بإسناد ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم ~~لا ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله ولا للعالم أن يسكت على علمه + حديث لا ~~ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله أخرجه الطبراني في الأوسط وابن مردويه في ~~التفسير وابن السني وأبو نعيم في رياضة المتعلمين من حديث جابر بسند ضعيف + ~~وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه حضور مجلس عالم أفضل من صلاة ألف ركعة وعيادة ~~ألف مريض وشهود ألف جنازة فقيل يا رسول الله ومن قراءة القرآن فقال صلى ~~الله عليه وسلم وهل ينفع القرآن إلا بالعلم + حديث أبي ذر حضور مجلس علم ~~أفضل من صلاة ألف ركعة الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات من حديث عمر ~~ولم أجده من طريق أبي ذر + وقال عليه الصلاة والسلام من جاءه الموت وهو ~~يطلب العلم ليحيي به الإسلام فبينه وبين الأنبياء في الجنة درجة واحدة + ~~حديث من جاءه الموت وهو يطلب العلم الحديث أخرجه الدارمي وابن السني في ~~رياضة المتعلمين من حديث الحسن فقيل هو ابن علي وقيل هو ابن يسار البصري ~~مرسلا + وأما الآثار فقال ابن عباس رضي الله عنهما ذللت طالبا فعززت مطلوبا # وكذلك قال ابن أبي مليكة رحمه الله ما رأيت مثل ابن عباس إذا رأيته رأيت ~~أحسن الناس وجها وإذا تكلم فأعرب الناس لسانا وإذا أفتى فأكثر الناس علما # وقال ابن المبارك رحمه الله عجبت لمن لم يطلب العلم كيف تدعوه نفسه إلى ~~مكرمة وقال بعض الحكماء إني لا أرحم رجالا كرحمتي لأحد رجلين رجل يطلب ~~العلم ولا يفهم ورجل يفهم العلم ولا يطلبه # وقال أبو الدرداء رضي الله عنه لأن أتعلم مسألة أحب إلي من قيام ليلة # وقال أيضا كن عالما أو متعلما أو مستمعا ولا تكن الرابع فتهلك # وقال عطاء مجلس علم يكفر سبعين مجلسا من مجالس اللهو # وقال عمر رضي الله عنه موت ألف عابد قائم الليل صائم النهار أهون من موت ~~عالم بصير بحلال الله وحرامه # وقال الشافعي رضي الله عنه طلب العلم أفضل من النافلة # وقال ابن عبد الحكم رحمه الله كنت عند مالك أقرأ عليه العلم فدخل الظهر ~~فجمعت الكتب لأصلي فقال يا هذا ما الذي قمت إليه بأفضل مما كنت فيه إذا صحت ~~النية # وقال أبو الدرداء رضي الله عنه من رأى أن الغدو إلى طلب العلم ليس بجهاد ~~فقد نقص في رأيه وعقله فضيلة التعليم # أما الآيات فقوله عز وجل @QB@ ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم ~~يحذرون @QE@ والمراد هو التعليم والإرشاد # وقوله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس ولا ~~يكتمونه وهو إيجاب للتعليم # وقوله تعالى @QB@ وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون @QE@ وهو تحريم ~~للكتمان كما قال تعالى في الشهادة @QB@ ومن يكتمها فإنه آثم قلبه @QE@ وقال ~~صلى الله عليه وسلم ما آتى الله عالما علما إلا وأخذ عليه من الميثاق ما ~~أخذ على النبيين أن يبينوه للناس ولا يكتموه + حديث ما آتى الله عالما علما ~~إلا أخذ عليه من الميثاق ما أخذ على النبيين أن يبينوه للناس ولا يكتموه ~~أخرجه أبو نعيم في فضل العالم العفيف من حديث ابن مسعود بنحوه وفي الخلعيات ~~نحوه من حديث أبي هريرة + وقال تعالى @QB@ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ~~وعمل صالحا @QE@ وقال تعالى @QB@ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ~~@QE@ وقال تعالى @QB@ ويعلمهم الكتاب والحكمة @QE@ وأما الأخبار فقوله صلى ~~الله عليه وسلم لما بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن لأن يهدي الله بك ~~رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها + حديث قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن ~~لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك الحديث أخرجه أحمد من حديث معاذ وفي ~~الصحيحين من حديث سهل ابن سعد أنه قال ذلك لعلي PageV01P009 وقال صلى الله ~~عليه وسلم من تعلم بابا من العلم ليعلم الناس أعطي ثواب سبعين صديقا + حديث ~~من تعلم بابا من العلم ليعلم الناس أعطي ثواب سبعين صديقا رواه أبو منصور ~~الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن مسعود بسند ضعيف + وقال عيسى صلى الله ~~عليه وسلم من علم وعمل وعلم فذلك يدعى عظيما في ملكوت السموات # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة يقول الله سبحانه ~~للعابدين والمجاهدين ادخلوا الجنة فيقول العلماء بفضل علمنا تعبدوا وجاهدوا ~~فيقول الله عز وجل أنتم عندي كبعض ملائكتي اشفعوا تشفعوا فيشفعون ثم يدخلون ~~الجنة + حديث إذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى للعابدين والمجاهدين ~~ادخلوا الجنة الحديث أخرجه أبو العباس الذهبي في العلم من حديث ابن عباس ~~بسند ضعيف + وهذا إنما يكون بالعلم المتعدي بالتعليم لا العلم اللازم الذي ~~لا يتعدى # وقال صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل لا ينتزع العلم انتزاعا من الناس ~~بعد أن يؤتيهم إياه ولكن يذهب بذهاب العلماء فكلما ذهب عالم ذهب بما معه من ~~العلم حتى إذا لم يبق إلا رؤساء جهالا إن سئلوا أفتوا بغير علم فيضلون ~~ويضلون + حديث إن الله لا ينتزع العلم انتزاعا من الناس الحديث متفق عليه ~~من حديث عبد الله بن عمرو + وقال صلى الله عليه وسلم من علم علما فكتمه ~~ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار + حديث من علم علما فكتمه ألجم يوم ~~القيامة بلجام من نار رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم ~~وصححه من حديث أبي هريرة قال الترمذي حديث حسن + وقال صلى الله عليه وسلم ~~نعم العطية ونعم الهدية كلمة حكمة تسمعها فتطوى عليها ثم تحملها إلى أخ لك ~~مسلم تعلمه إياها تعدل عبادة سنة + حديث نعم العطية ونعم الهدية كلمة حكمة ~~تسمعها الحديث أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس نحوه بإسناد ضعيف + وقال ~~صلى الله عليه وسلم الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله سبحانه وما ~~والاه أو معلما أو متعلما + حديث الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الحديث أخرجه ~~الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال الترمذي حسن غريب + وقال صلى الله ~~عليه وسلم إن الله سبحانه وملائكته وأهل سمواته وأرضه حتى النملة في جحرها ~~حتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير + حديث إن الله وملائكته ~~وأهل السموات وأهل الأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون ~~على معلم الناس الخير أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة وقال غريب وفي نسخة ~~حسن صحيح + وقال صلى الله عليه وسلم ما أفاد المسلم أخاه فائدة أفضل من ~~حديث حسن بلغه فبلغه + حديث ما أفاد المسلم أخاه فائدة أفضل من حديث حسن ~~الحديث أخرجه ابن عبد البر من رواية محمد بن المنكدر مرسلا نحوه ولأبي نعيم ~~من حديث عبد الله بن عمرو ما أهدى مسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة تزيده هدى ~~أو ترده عن ردى + وقال صلى الله عليه وسلم كلمة من الخير يسمعها المؤمن ~~فيعلمها ويعمل بها خير له من عبادة سنة + حديث كلمة من الحكمة يسمعها ~~المؤمن فيعمل بها ويعلمها الحديث أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق من ~~رواية زيد بن أسلم مرسلا نحوه وفي مسند الفردوس من حديث أبي هريرة بسند ~~ضعيف كلمة حكمة يسمعها الرجل خير له من عبادة سنة + وخرج رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ذات يوم فرأى مجلسين أحدهما يدعون الله عز وجل ويرغبون إليه ~~والثاني يعلمون الناس فقال أما هؤلاء فيسألون الله تعالى فإن شاء أعطاهم ~~وإن شاء منعهم وأما هؤلاء فيعلمون الناس وإنما بعثت معلما ثم عدل إليهم ~~وجلس معهم + حديث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على أصحابه ~~فرأى مجلسين أحدهما يدعون الله الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن ~~عمرو بسند ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم مثل ما بعثني الله عز وجل به من ~~الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت منها بقعة قبلت الماء ~~فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها بقعة أمسكت الماء فنفع الله عز وجل ~~بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وكانت منها طائفة قيعان لا تمسك ماء ~~ولا تنبت كلأ + حديث مثل ما بعثني الله به من العلم والهدى الحديث متفق ~~عليه من حديث أبي موسى + اه فالأول ذكره مثلا للمنتفع بعلمه والثاني ذكره ~~مثلا للنافع والثالث للمحروم منهما PageV01P010 وقال صلى الله عليه وسلم ~~إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به الحديث + حديث إذا ~~مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + ~~وقال صلى الله عليه وسلم الدال على الخير كفاعله + حديث الدال على الخير ~~كفاعله أخرجه الترمذي من حديث أنس وقال غريب ورواه مسلم وأبو داود والترمذي ~~وصححه عن أبي مسعود البدري بلفظ من دل على خير فله مثل أجر فاعله + وقال ~~صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله عز وجل حكمة فهو ~~يقضي بها ويعلمها الناس ورجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الخير + ~~حديث لا حسد إلا في اثنتين الحديث متفق عليه من حديث ابن مسعود + وقال صلى ~~الله عليه وسلم على خلفائي رحمة الله قيل ومن خلفاؤك قال الذين يحيون سنتي ~~ويعلمونها عباد الله + حديث على خلفائي رحمة الله الحديث رواه ابن عبد البر ~~في العلم والهروي في ذم الكلام من حديث الحسن فقيل هو ابن علي وقيل ابن ~~يسار البصري فيكون مرسلا ولابن السني وأبي نعيم في رياضة المتعلمين من حديث ~~علي نحوه + وأما الآثار فقد قال عمر رضي الله عنه من حدث حديثا فعمل به فله ~~مثل أجر من عمل ذلك العمل # وقال ابن عباس رضي الله عنهما معلم الناس الخير يستغفر له كل شيء حتى ~~الحوت في البحر # وقال بعض العلماء العالم يدخل فيما بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل # وروى أن سفيان الثوري رحمه الله قدم عسقلان فمكث لا يسأله إنسان فقال ~~اكروا لي لأخرج من هذا البلد هذا بلد يموت فيه العلم # وإنما قال ذلك حرصا على فضيلة التعليم واستبقاء العلم به وقال عطاء رضي ~~الله عنه دخلت على سعيد بن المسيب وهو يبكي فقلت ما يبكيك قال ليس أحد ~~يسألني عن شيء وقال بعضهم العلماء سرج الأزمنة كل واحد مصباح زمانه يستضيء ~~به أهل عصره # وقال الحسن رحمه الله لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم أي أنهم ~~بالتعليم يخرجون الناس من حد البهيمية إلى حد الإنسانية # وقال عكرمة إن لهذا العلم ثمنا قيل وما هو قال أن تضعه فيمن يحسن حمله ~~ولا يضيعه # وقال يحيى بن معاذ العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم ~~وأمهاتهم قيل وكيف ذلك قال لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا وهم ~~يحفظونهم من نار الآخرة # وقيل أول العلم الصمت ثم الاستماع ثم الحفظ ثم العمل ثم نشره # وقيل علم علمك من يجهل وتعلم ممن يعلم ما تجهل فإنك إذا فعلت ذلك علمت ما ~~جهلت وحفظت ما علمت # وقال معاذ بن جبل في التعليم والتعلم ورأيته أيضا مرفوعا تعلموا العلم ~~فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة ومدارسته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه من ~~لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة وهو الأنيس في الوحدة والصاحب في الخلوة ~~والدليل على الدين والمصبر على السراء والضراء والوزير عند الأخلاء والقريب ~~عند الغرباء ومنار سبيل الجنة يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة ~~سادة هداة يقتدى بهم أدلة في الخير تقتص آثارهم وترمق أفعالهم وترغب ~~الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم وكل رطب ويابس لهم يستغفر حتى حيتان ~~البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه والسماء ونجومها + حديث معاذ تعلموا العلم ~~فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة الحديث بطوله رواه أبو الشيخ ابن حبان في ~~كتاب الثواب وابن عبد البر وقال ليس له إسناد قوي + لأن العلم حياة القلوب ~~من العمى ونور الأبصار من الظلم وقوة الأبدان من الضعف يبلغ به العبد منازل ~~الأبرار والدرجات العلى والتفكر فيه يعدل بالصيام ومدارسته بالقيام به يطاع ~~الله عز وجل وبه يعبد وبه يوحد وبه يمجد وبه يتورع وبه توصل الأرحام وبه ~~يعرف الحلال والحرام وهو إمام والعمل تابعه يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء ~~نسأل الله تعالى حسن التوفيق PageV01P011 # | في الشواهد العقلية # اعلم أن المطلوب من هذا الباب معرفة فضيلة العلم ونفاسته وما لم تفهم ~~الفضيلة في نفسها ولم يتحقق المراد منها لم يمكن أن تعلم وجودها صفة للعلم ~~أو لغيره من الخصال فلقد ضل عن الطريق من طمع أن يعرف أن زيدا حكيم أم لا ~~وهو بعد لم يفهم معنى الحكمة وحقيقتها # والفضيلة مأخوذة من الفضل وهي الزيادة فإذا تشارك شيئان في أمر واختص ~~أحدهما بمزيد يقال فضله وله الفضل عليه مهما كانت زيادته فيما هو كمال ذلك ~~الشيء كما يقال الفرس أفضل من الحمار بمعنى أنه يشاركه في قوة الحمل ويزيد ~~عليه بقوة الكر والفر وشدة العدو وحسن الصورة فلو فرض حمار اختص بسلعة ~~زائدة لم يقل إنه أفضل لأن تلك زيادة في الجسم ونقصان في المعنى وليست من ~~الكمال في شيء والحيوان مطلوب لمعناه وصفاته لا لجسمه فإذا فهمت هذا لم يخف ~~عليك أن العلم فضيلة إن أخذته بالإضافة إلى سائر الأوصاف كما أن للفرس ~~فضيلة إن أخذته بالإضافة إلى سائر الحيوانات بل شدة العدو فضيلة في الفرس ~~وليست فضيلة على الإطلاق والعلم فضيلة في ذاته وعلى الإطلاق من غير إضافة ~~فإنه وصف كمال الله سبحانه وبه شرف الملائكة والأنبياء بل الكيس من الخيل ~~خير من البليد فهي فضيلة على الإطلاق من غير إضافة # واعلم أن الشيء النفيس المرغوب فيه ينقسم إلى ما يطلب لغيره وإلى ما يطلب ~~لذاته وإلى ما يطلب لغيره ولذاته جميعا فما يطلب لذاته أشرف وأفضل مما يطلب ~~لغيره والمطلوب لغيره الدراهم والدنانير فإنهما حجران لا منفعة لهما ولولا ~~أن الله سبحانه وتعالى يسر قضاء الحاجات بهما لكانا والحصباء بمثابة واحدة # والذي يطلب لذاته فالسعادة في الآخرة ولذة النظر لوجه الله تعالى # والذي يطلب لذاته ولغيره فكسلامة البدن فإن سلامة الرجل مثلا مطلوبة من ~~حيث إنها سلامة للبدن عن الألم ومطلوبة للمشي بها والتوصل إلى المآرب ~~والحاجات وبهذا الاعتبار إذا نظرت إلى العلم رأيته لذيذا في نفسه فيكون ~~مطلوبا لذاته ووجدته وسيلة إلى دار الآخرة وسعادتها وذريعة إلى القرب من ~~الله تعالى ولا يتوصل إليه إلا به وأعظم الأشياء رتبة في حق الآدمي السعادة ~~الأبدية وأفضل الأشياء ما هو وسيلة إليها ولن يتوصل إليها إلا بالعلم ~~والعمل ولا يتوصل إلى العمل إلا بالعلم بكيفية العمل فأصل السعادة في ~~الدنيا والآخرة هو العلم فهو إذن أفضل الأعمال وكيف لا وقد تعرف فضيلة ~~الشيء أيضا بشرف ثمرته وقد عرفت أن ثمرة العلم القرب من رب العالمين ~~والالتحاق بأفق الملائكة ومقارنة الملأ الأعلى # هذا في الآخرة وأما في الدنيا فالعز والوقار ونفوذ الحكم على الملوك ~~ولزوم الاحترام في الطباع حتى إن أغبياء الترك وأجلاف العرب يصادفون طباعهم ~~مجبولة على التوقير لشيوخهم لاختصاصهم بمزيد علم مستفاد من التجربة بل ~~البهيمة بطبعها توقر الإنسان لشعورها بتمييز الإنسان بكمال مجاوز لدرجتها ~~هذه فضيلة العلم مطلقا ثم تختلف العلوم كما سيأتي بيانه وتتفاوت لا محالة ~~فضائلها بتفاوتها # وأما فضيلة التعليم والتعلم فظاهرة مما ذكرناه فإن العلم إذا كان أفضل ~~الأمور كان تعلمه طلبا للأفضل فكان تعليمه إفادة للأفضل وبيانه أن مقاصد ~~الخلق مجموعة في الدين والدنيا ولا نظام للدين إلا بنظام الدنيا فإن الدنيا ~~مزرعة الآخرة وهي الآلة الموصلة إلى الله عز وجل لمن اتخذها آلة ومنزلا لمن ~~يتخذها مستقرا ووطنا وليس ينتظم أمر الدنيا إلا بأعمال الآدميين # وأعمالهم وحرفهم وصناعاتهم تنحصر في ثلاثة أقسام # أحدها أصول لا قوام للعالم دونها وهي أربعة الزراعة وهي للمطعم # والحياكة وهي للملبس # والبناء PageV01P012 وهو للمسكن # والسياسة وهي للتأليف والاجتماع والتعاون على أسباب المعيشة وضبطها # الثاني ما هي مهيئة لكل واحدة من هذه الصناعات وخادمة لها كالحدادة فإنها ~~تخدم الزراعة وجملة من الصناعات بإعداد آلاتها كالحلاجة والغزل فإنها تخدم ~~الحياكة بإعداد عملها # الثالث ما هي متممة للأصول ومزينة كالطحن والخبز للزراعة وكالقصارة ~~والخياطة للحياكة وذلك بالإضافة إلى قوام أمر العالم الأرضي مثل أجزاء ~~الشخص بالإضافة إلى جملته فإنها ثلاثة أضرب أيضا إما أصول كالقلب والكبد ~~والدماغ وإما خادمة لها كالمعدة والعروق والشرايين والأعصاب والأوردة وإما ~~مكملة لها ومزينة كالأظفار والأصابع والحاجبين وأشرف هذه الصناعات أصولها ~~وأشرف أصولها السياسة بالتأليف والاستصلاح ولذلك تستدعى هذه الصناعة من ~~الكمال فيمن يتكفل بها ما لا يستدعيه سائر الصناعات ولذلك يستخدم لا محالة ~~صاحب هذه الصناعة سائر الصناع والسياسة في استصلاح الخلق وإرشادهم إلى ~~الطريق المستقيم المنجي في الدنيا والآخرة على أربع مراتب الأولى وهي ~~العليا سياسة الأنبياء عليهم السلام وحكمهم على الخاصة والعامة جميعا في ~~ظاهرهم وباطنهم # والثانية الخلفاء والملوك والسلاطين وحكمهم على الخاصة والعامة جميعا ~~ولكن على ظاهرهم لا على باطنهم # والثالثة العلماء بالله عز وجل وبدينه الذين هم ورثة الأنبياء وحكمهم على ~~باطن الخاصة فقط ولا يرتفع فهم العامة على الاستفادة منهم ولا تنتهي قوتهم ~~إلى التصرف في ظواهرهم بالإلزام والمنع والشرع # والرابعة الوعاظ وحكمهم على بواطن العوام فقط فأشرف هذه الصناعات الأربع ~~بعد النبوة إفادة العلم وتهذيب نفوس الناس عن الأخلاق المذمومة المهلكة ~~وإرشادهم إلى الأخلاق المحمودة المسعدة وهو المراد بالتعليم وإنما قلنا إن ~~هذا أفضل من سائر الحرف والصناعات لأن شرف الصناعات يعرف بثلاثة أمور إما ~~بالالتفات إلى الغريزة التي بها يتوصل إلى معرفتها كفضل العقول العقلية على ~~اللغوية إذ تدرك الحكمة بالعقل واللغة بالسمع والعقل أشرف من السمع وإما ~~بالنظر إلى عموم النفع كفضل الزراعة على الصياغة وإما بملاحظة المحل الذي ~~فيه التصرف كفضل الصياغة على الدباغة إذ محل أحدهما الذهب ومحل الآخر جلد ~~الميتة وليس يخفى أن العلوم الدينية وهي فقه طريق الآخرة إنما تدرك بكمال ~~العقل وصفاء الذكاء والعقل أشرف صفات الإنسان كما سيأتي بيانه إذ به تقبل ~~أمانة الله وبه يتوصل إلى جوار الله سبحانه # وأما عموم النفع فلا يستراب فيه فإن نفعه وثمرته سعادة الآخرة # وأما شرف المحل فكيف يخفى والمعلم متصرف في قلوب البشر ونفوسهم وأشرف ~~موجود على الأرض جنس الإنس وأشرف جزء من جواهر الإنسان قلبه والمعلم مشتغل ~~بتكميله وتجليته وتطهيره وسياقته إلى القرب من الله عز وجل فتعليم العلم من ~~وجه عبادة لله تعالى ومن وجه خلافة لله تعالى وهو من أجل خلافة الله فإن ~~الله تعالى قد فتح على قلب العالم العلم الذي هو أخص صفاته فهو كالخازن ~~لأنفس خزائنه ثم هو مأذون له في الإنفاق منه على كل محتاج إليه فأي رتبة ~~أجل من كون العبد واسطة بين ربه سبحانه وبين خلقه في تقريبهم إلى الله زلفى ~~وسياقتهم إلى جنة المأوى جعلنا الله منهم بكرمه وصلى الله على كل عبد مصطفى # | الباب الثاني في العلم المحمود والمذموم وأقسامهما وأحكامهما # وفيه بيان ما هو فرض عين وما هو فرض كفاية وبيان أن موقع الكلام والفقه ~~من علم الدين إلى أي حد هو وتفضيل علم الآخرة PageV01P013 # بيان العلم الذي هو فرض عين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب العلم ~~فريضة على كل مسلم وقال أيضا صلى الله عليه وسلم اطلبوا العلم ولو بالصين ~~واختلف الناس في العلم الذي هو فرض على كل مسلم فتفرقوا فيه أكثر من عشرين ~~فرقة ولا نطيل بنقل التفصيل ولكن حاصله أن كل فريق نزل الوجوب على العلم ~~الذي هو بصدده فقال المتكلمون هو علم الكلام إذ به يدرك التوحيد ويعلم به ~~ذات الله سبحانه وصفاته وقال الفقهاء هو علم الفقه إذ به تعرف العبادات ~~والحلال والحرام وما يحرم من المعاملات وما يحل وعنوا به ما يحتاج إليه ~~الآحاد دون الوقائع النادرة وقال المفسرون والمحدثون هو علم الكتاب والسنة ~~إذ بهما يتوصل إلى العلوم كلها # وقال المتصوفة المراد به هذا العلم فقال بعضهم هو علم العبد بحاله ومقامه ~~من الله عز وجل # وقال بعضهم هو العلم بالإخلاص وآفات النفوس وتمييز لمة الملك من لمة ~~الشيطان # وقال بعضهم هو علم الباطن وذلك يجب على أقوام مخصوصين هم أهل ذلك وصرفوا ~~اللفظ عن عمومه # وقال أبو طالب المكي هو العلم بما يتضمنه الحديث الذي فيه مباني الإسلام ~~وهو قوله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله ~~+ حديث بني الإسلام على خمس الحديث متفق عليه من حديث ابن عمر + إلى آخر ~~الحديث لأن الواجب هذه الخمس فيجب العلم بكيفية العمل فيها وبكيفية الوجوب # والذي ينبغي أن يقطع به المحصل ولا يستريب فيه ما سنذكره وهو أن العلم ~~كما قدمناه في خطبة الكتاب ينقسم إلى علم معاملة وعلم مكاشفة وليس المراد ~~بهذا العلم إلا علم المعاملة والمعاملة التي كلف العبد العاقل البالغ العمل ~~بها ثلاثة اعتقاد وفعل وترك فإذا بلغ الرجل العاقل بالاحتلام أو السن ضحوة ~~نهار مثلا فأول واجب عليه تعلم كلمتي الشهادة وفهم معناهما وهو قول لا إله ~~إلا الله محمد رسول الله وليس يجب عليه أن يحصل كشف ذلك لنفسه بالنظر ~~والبحث وتحرير الأدلة بل يكفيه أن يصدق به ويعتقده جزما من غير اختلاج ريب ~~واضطراب نفس وذلك قد يحصل بمجرد التقليد والسماع من غير بحث ولا برهان إذ ~~اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجلاف العرب بالتصديق والإقرار من ~~غير تعلم دليل + حديث اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجلاف العرب ~~بالتصديق والإقرار من غير تعلم دليل مشهور في كتب السير والحديث فعند مسلم ~~قصة ضمام بن ثعلبة + # فإذا فعل ذلك فقد أدى واجب الوقت وكان العلم الذي هو فرض عين عليه في ~~الوقت تعلم الكلمتين وفهمهما وليس يلزمه أمر وراء هذا في الوقت بدليل أنه ~~لو مات عقيب ذلك مات مطيعا لله عز وجل غير عاص له وإنما يجب غير ذلك بعوارض ~~تعرض وليس ذلك ضروريا في حق كل شخص بل يتصور الانفكاك وتلك العوارض إما أن ~~تكون في الفعل وإما في الترك وإما في الإعتقاد # أما الفعل فبأن يعيش من ضحوة نهاره إلى وقت الظهر فيتجدد عليه بدخول وقت ~~الظهر تعلم الطهارة والصلاة فإن كان صحيحا وكان بحيث لو صبر إلى وقت زوال ~~الشمس لم يتمكن من تمام التعلم والعمل في الوقت بل يخرج الوقت لو اشتغل ~~بالتعلم فلا يبعد أن يقال الظاهر بقاؤه فيجب عليه تقديم التعلم على الوقت # ويحتمل أن يقال وجوب العلم الذي هو شرط العمل بعد وجوب العمل فلا يجب قبل ~~الزوال وهكذا في بقية الصلوات فإن عاش إلى رمضان تجدد بسببه وجوب تعلم ~~الصوم وهو أن وقته من الصبح إلى غروب الشمس وأن الواجب فيه النية والإمساك ~~عن الأكل والشرب والوقاع وأن ذلك يتمادى إلى رؤية الهلال أو شاهدين فإن ~~تجدد له مال أو كان له مال عند بلوغه لزمه تعلم ما يجب عليه من الزكاة ولكن ~~لا يلزمه في الحال إنما يلزمه عند PageV01P014 تمام الحول من وقت الإسلام ~~فإن لم يملك إلا الإبل لم يلزمه إلا تعلم زكاة الإبل وكذلك في سائر الأصناف ~~فإذا دخل في أشهر الحج فلا يلزمه المبادرة إلى علم الحج مع أن فعله على ~~التراخي فلا يكون تعلمه على الفور ولكن ينبغي لعلماء الإسلام أن ينبهوه على ~~أن الحج فرض على التراخي على كل من ملك الزاد والراحلة إذا كان هو مالكا ~~حتى ربما يرى الحزم لنفسه في المبادرة فعند ذلك إذا عزم عليه لزمه تعلم ~~كيفية الحج ولم يلزمه إلا تعلم أركانه وواجباته دون نوافله فإن فعل ذلك نفل ~~فعلمه أيضا نفل فلا يكون تعلمه فرض عين وفي تحريم السكوت عن التنبيه على ~~وجوب أصل الحج في الحال نظر يليق بالفقه وهكذا التدريج في علم سائر الأفعال ~~التي هي فرض عين # وأما التروك فيجب تعلم علم ذلك بحسب ما يتجدد من الحال وذلك يختلف بحال ~~الشخص إذ لا يجب على الأبكم تعلم ما يحرم من الكلام ولا على الأعمى تعلم ما ~~يحرم من النظر ولا على البدوي تعلم ما يحرم الجلوس فيه من المساكن فذلك ~~أيضا واجب بحسب ما يقتضيه الحال فما يعلم أنه ينفك عنه لا يجب تعلمه وما هو ~~ملابس له يجب تنبيهه عليه كما لو كان عند الإسلام لابسا للحرير أو جالسا في ~~الغصب أو ناظرا إلى غير ذي محرم فيجب تعريفه بذلك وما ليس ملابسا له ولكنه ~~بصدد التعرض له على القرب كالأكل والشرب فيجب تعليمه حتى إذا كان في بلد ~~يتعاطى فيه شرب الخمر وأكل لحم الخنزير فيجب تعليمه ذلك وتنبيهه عليه وما ~~وجب تعليمه وجب عليه تعلمه # وأما الاعتقادات وأعمال القلوب فيجب علمها بحسب الخواطر فإن خطر له شك في ~~المعاني التي تدل عليها كلمتا الشهادة فيجب عليه تعلم ما يتوصل به إلى ~~إزالة الشك # فإن لم يخطر له ذلك ومات قبل أن يعتقد أن كلام الله سبحانه قديم وأنه ~~مرئي وأنه ليس محلا للحوادث إلى غير ذلك مما يذكر في المعتقدات فقد مات على ~~الإسلام إجماعا ولكن هذه الخواطر الموجبة للاعتقادات بعضها يخطر بالطبع ~~وبعضها يخطر بالسماع من أهل البلد فإن كان في بلد شاع فيه الكلام وتناطق ~~الناس بالبدع فينبغي أن يصان في أول بلوغه عنها بتلقين الحق فإنه لو ألقى ~~إليه الباطل لوجبت إزالته عن قلبه وربما عسر ذلك كما أنه لو كان هذا المسلم ~~تاجرا وقد شاع في البلد معاملة الربا وجب عليه تعلم الحذر من الربا وهذا هو ~~الحق في العلم الذي هو فرض عين ومعناه العلم بكيفية العمل الواجب فمن علم ~~العلم الواجب ووقت وجوبه فقد علم العلم الذي هو فرض عين وما ذكره الصوفية ~~من فهم خواطر العدو ولمة الملك حق أيضا ولكن في حق من يتصدى له فإذا كان ~~الغالب أن الإنسان لا ينفك عن دواعي الشر والرياء والحسد فيلزمه أن يتعلم ~~من علم ربع المهلكات ما يرى نفسه محتاجا إليه وكيف لا يجب عليه وقد قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء ~~بنفسه + حديث ثلاث مهلكات شح مطاع الحديث أخرجه البزار والطبراني وأبو نعيم ~~والبيهقي في الشعب من حديث أنس بإسناد ضعيف + ولا ينفك عنها بشر وبقية ما ~~سنذكره من مذمومات أحوال القلب كالكبر والعجب وأخواتها تتبع هذه الثلاث ~~المهلكات وإزالتها فرض عين ولا يمكن إزالتها إلا بمعرفة حدودها ومعرفة ~~أسبابها ومعرفة علاماتها ومعرفة علاجها فإن من لا يعرف الشر يقع فيه ~~والعلاج هو مقابلة السبب بضده وكيف يمكن دون معرفة السبب والمسبب وأكثر ما ~~ذكرناه في ربع المهلكات من فروض الأعيان وقد تركها الناس كافة اشتغالا بما ~~لا يعنى # ومما لا ينبغي أن يبادر في إلقائه إليه إذا لم يكن قد انتقل عن ملة إلى ~~ملة أخرى الإيمان بالجنة والنار والحشر والنشر حتى يؤمن به ويصدق وهو من ~~تتمة كلمتي الشهادة فإنه بعد التصديق بكونه عليه السلام رسولا PageV01P015 ~~ينبغي أن يفهم الرسالة التي هو مبلغها وهو أن من أطاع الله ورسوله فله ~~الجنة ومن عصاهما فله النار فإذا انتبهت لهذا التدريج علمت أن المذهب الحق ~~هو هذا وتحققت أن كل عبد هو في مجاري أحواله في يومه وليلته لا يخلو من ~~وقائع في عبادته ومعاملاته عن تجدد لوازم عليه فيلزمه السؤال عن كل ما يقع ~~له من النوادر ويلزمه المبادرة إلى تعلم ما يتوقع وقوعه على القرب غالبا ~~فإذا تبين أنه عليه الصلاة والسلام إنما أراد بالعلم المعرف بالألف واللام ~~في قوله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم علم العمل الذي هو ~~مشهور الوجوب على المسلمين لا غير فقد اتضح وجه التدريج ووقت وجوبه والله ~~أعلم # | بيان العلم الذي هو فرض كفاية # اعلم أن الفرض لا يتميز عن غيره إلا بذكر أقسام العلوم والعلوم بالإضافة ~~إلى الغرض الذي نحن بصدده تنقسم إلى شرعية وغير شرعية وأعني بالشرعية ما ~~استفيد من الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه ولا يرشد العقل إليه مثل ~~الحساب ولا التجربة مثل الطب ولا السماع مثل اللغة فالعلوم التي ليست ~~بشرعية تنقسم إلى ما هو محمود وإلى ما هو مذموم وإلى ما هو مباح فالمحمود ~~ما يرتبط به مصالح أمور الدنيا كالطب والحساب وذلك ينقسم إلى ما هو فرض ~~كفاية وإلى ما هو فضيلة وليس بفريضة أما فرض الكفاية فهو علم لا يستغنى عنه ~~في قوام أمور الدنيا كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان وكالحساب فإنه ~~ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما وهذه هي العلوم التي ~~لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض ~~عن الآخرين # فلا يتعجب من قولنا إن الطب والحساب من فروض الكفايات فإن أصول الصناعات ~~أيضا من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة بل الحجامة والخياطة ~~فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم وحرجوا بتعريضهم أنفسهم ~~للهلاك # فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء وأرشد إلى استعماله وأعد الأسباب ~~لتعاطيه فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله # وأما ما يعد فضيلة لا فريضة فالتعمق في دقائق الحساب وحقائق الطب وغير ~~ذلك مما يستغنى عنه ولكنه يفيد زيادة قوة في القدر المحتاج إليه # وأما المذموم فعلم السحر والطلسمات وعلم الشعبذة والتلبيسات # وأما المباح منه فالعلم بالأشعار التي لا سخف فيها وتواريخ الأخبار وما ~~يجري مجراه # أما العلوم الشرعية وهي المقصودة بالبيان فهي محمودة كلها ولكن قد يلتبس ~~بها ما يظن أنها شرعية وتكون مذمومة فتنقسم إلى المحمودة والمذمومة # أما المحمودة فلها أصول وفروع ومقدمات ومتممات وهي أربعة أضرب # الضرب الأول الأصول وهي أربعة كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وإجماع الأمة وآثار الصحابة والإجماع أصل من حيث إنه يدل على ~~السنة فهو أصل في الدرجة الثالثة # وكذا الأثر فإنه أيضا يدل على السنة لأن الصحابة رضي الله عنهم قد شاهدوا ~~الوحي والتنزيل وأدركوا بقرائن الأحوال ما غاب عن غيرهم عيانه وربما لا ~~تحيط العبارات بما أدرك بالقرائن # فمن هذا الوجه رأى العلماء الاقتداء بهم والتمسك بآثارهم وذلك بشرط مخصوص ~~على وجه مخصوص عند من يراه ولا يليق بيانه بهذا الفن # الضرب الثاني الفروع وهو ما فهم من هذه الأصول لا بموجب ألفاظها بل بمعان ~~تنبه لها العقول فاتسع بسببها الفهم حتى فهم من اللفظ الملفوظ به غيره كما ~~فهم من قوله عليه السلام لا يقضي القاضي وهو غضبان + حديث لا يقضي القاضي ~~وهو غضبان متفق عليه من حديث أبي بكرة + أنه لايقضي إذا كان خائفا أو جائعا ~~أو متألما بمرض PageV01P016 # وهذا على ضربين أحدهما يتعلق بمصالح الدنيا ويحويه كتب الفقه والمتكفل به ~~الفقهاء وهم علماء الدنيا # والثاني ما يتعلق بمصالح الآخرة وهو علم أحوال القلب وأخلاقه المحمودة ~~والمذمومة وما هو مرضي عند الله تعالى وما هو مكروه وهو الذي يحويه الشطر ~~الأخير من هذا الكتاب أعني جملة كتاب إحياء علوم الدين ومنه العلم بما ~~يترشح من القلب على الجوارح في عباداتها وعاداتها وهو الذي يحويه الشطر ~~الأول من هذا الكتاب # والضرب الثالث المقدمات وهي التي تجري منه مجرى الآلات كعلم اللغة والنحو ~~فإنهما آلة لعلم كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وليست اللغة ~~والنحو من العلوم الشرعية في أنفسهما ولكن يلزم الخوض فيهما بسبب الشرع إذ ~~جاءت هذه الشريعة بلغة العرب وكل شريعة لا تظهر إلا بلغة فيصير تعلم تلك ~~اللغة آلة ومن الآلات علم كتابة الخط إلا أن ذلك ليس ضروريا إذ كان رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم + حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أميا أي ~~لا يحسن الكتابة أخرجه ابن مردويه في التفسير من حديث عبد الله بن عمر ~~مرفوعا أنا محمد النبي الأمي وفيه ابن لهيعة ولابن حبان والدارقطني والحاكم ~~والبيهقي وصححه من حديث ابن مسعود قولوا اللهم صل على محمد النبي الأمي ~~وللبخاري من حديث البراء وأخذ الكتاب وليس محسن يكتب + أميا # ولو تصور استقلال الحفظ بجميع ما يسمع لاستغنى عن الكتابة ولكنه صار بحكم ~~العجز في الغالب ضروريا # الضرب الرابع المتممات وذلك في علم القرآن فإنه ينقسم إلى ما يتعلق ~~باللفظ كتعلم القراءات ومخارج الحروف وإلى ما يتعلق بالمعنى كالتفسير فإن ~~اعتماده أيضا على النقل إذ اللغة بمجردها لا تستقل به وإلى ما يتعلق ~~بأحكامه كمعرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والنص والظاهر # وكيفية استعمال البعض منه مع البعض وهو العلم الذي يسمى أصول الفقه ~~ويتناول السنة أيضا # وأما المتممات في الآثار والأخبار فالعلم بالرجال وأسمائهم وأنسابهم ~~وأسماء الصحابة وصفاتهم والعلم بالعدالة في الرواة والعلم بأحوالهم ليميز ~~الضعيف عن القوي والعلم بأعمارهم ليميز المرسل عن المسند وكذلك ما يتعلق به ~~فهذه هي العلوم الشرعية وكلها محمودة بل كلها من فروض الكفايات فإن قلت لم ~~ألحقت الفقه بعلم الدنيا فاعلم أن الله عز وجل أخرج آدم عليه السلام من ~~التراب وأخرج ذريته من سلالة من طين ومن ماء دافق فأخرجهم من الأصلاب إلى ~~الأرحام ومنها إلى الدنيا ثم إلى القبر ثم إلى العرض ثم إلى الجنة أو إلى ~~النار فهذا مبدؤهم وهذا غايتهم وهذه منازلهم # وخلق الدنيا زادا للمعاد ليتناول منها ما يصلح للتزود فلو تناولوها ~~بالعدل لانقطعت الخصومات وتعطل الفقهاء ولكنهم تناولوها بالشهوات فتولدت ~~منها الخصومات فمست الحاجة إلى سلطان يسوسهم واحتاج السلطان إلى قانون ~~يسوسهم به فالفقيه هو العالم بقانون السياسة وطريق التوسط بين الخلق إذا ~~تنازعوا بحكم الشهوات فكان الفقيه معلم السلطان ومرشده إلى طرق سياسة الخلق ~~وضبطهم لينتظم باستقامتهم أمورهم في الدنيا ولعمري إنه متعلق أيضا بالدين ~~لكن لا بنفسه بل بواسطة الدنيا فإن الدنيا مزرعة الآخرة ولا يتم الدين إلا ~~بالدنيا # والملك والدين توأمان فالدين أصل والسلطان حارس وما لا أصل له فمهدوم وما ~~لا حارس له فضائع ولا يتم الملك والضبط إلا بالسلطان وطريق الضبط في فصل ~~الحكومات بالفقه # وكما أن سياسة الخلق بالسلطنة ليس من علم الدين في الدرجة الأولى بل هو ~~معين على ما لا يتم الدين إلا به فكذلك معرفة طريق السياسة فمعلوم أن الحج ~~لا يتم إلا ببذرقة تحرس من العرب في الطريق ولكن الحج شيء وسلوك الطريق إلى ~~الحج شيء ثان والقيام بالحراسة التي لا يتم الحج إلا بها شيء ثالث ومعرفة ~~طرق الحراسة وحيلها وقوانينها شيء رابع وحاصل فن الفقه معرفة طرق السياسة ~~والحراسة ويدل على ذلك ما روي مسندا لا يفتي الناس إلا ثلاثة أمير أو مأمور ~~PageV01P017 أو متكلف + حدث لا يفتي الناس إلا ثلاثة الحديث أخرجه ابن ماجه ~~من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ لا يقض على الناس وإسناده حسن + ~~فالأمير هو الإمام وقد كانوا هم المفتون والمأمور نائبه والمتكلف غيرهما ~~وهو الذي يتقلد تلك العهدة من غير حاجة # وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحترزون عن الفتوى حتى كان يحيل كل منهم ~~على صاحبه وكانوا لا يحترزون إذا سئلوا عن علم القرآن وطريق الآخرة # وفي بعض الروايات بدل المتكلف المرائي فإن من تقلد خطر الفتوى وهو غير ~~متعين للحاجة فلا يقصد به إلا طلب الجاه والمال # فإن قلت هذا إن استقام لك في أحكام الجراحات والحدود والغرامات وفصل ~~الخصومات فلا يستقيم فيما يشتمل عليه ربع العبادات من الصيام والصلاة ولا ~~فيما يشتمل عليه ربع العادات من المعاملات من بيان الحلال والحرام فاعلم أن ~~أقرب ما يتكلم الفقيه فيه من الأعمال التي هي أعمال الآخرة ثلاثة الإسلام ~~والصلاة والزكاة والحلال والحرام فإذا تأملت منتهى نظر الفقيه فيها علمت ~~أنه لا يجاوز حدود الدنيا إلى الآخرة وإذا عرفت هذا في هذه الثلاثة فهو في ~~غيرها أظهر # أما الإسلام فيتكلم الفقيه فيما يصح منه وفيما يفسد وفي شروطه وليس يلتفت ~~فيه إلا إلى اللسان # وأما القلب فخارج عن ولاية الفقيه لعزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~أرباب السيوف والسلطنة عنه حيث قال هلا شققت عن قلبه + حديث هلا شققت عن ~~قلبه أخرجه مسلم من حديث أسامة بن زيد + للذي قتل من تكلم بكلمة الإسلام ~~معتذرا بأنه قال ذلك من خوف السيف بل يحكم الفقيه بصحة الإسلام تحت ظلال ~~السيوف مع أنه يعلم أن السيف لم يكشف له عن نيته ولم يدفع عن قلبه غشاوة ~~الجهل والحيرة ولكنه مثير على صاحب السيف فإن السيف ممتد إلى رقبته واليد ~~ممتدة إلى ماله وهذه الكلمة باللسان تعصم رقبته وماله ما دام له رقبة ومال ~~وذلك في الدنيا ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى ~~يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم + حديث ~~أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله الحديث متفق عليه من حديث ~~أبي هريرة وعمر وابن عمر + جعل أثر ذلك في الدم والمال # وأما الآخرة فلا تنفع فيها الأموال بل أنوار القلوب وأسرارها وإخلاصها ~~وليس ذلك من الفقه وإن خاض الفقيه فيه كان كما لو خاض في الكلام والطب وكان ~~خارجا عن فنه # وأما الصلاة فالفقيه يفتي بالصحة إذا أتى بصورة الأعمال مع ظاهر الشروط ~~وإن كان غافلا في جميع صلاته من أولها إلى آخرها مشغولا بالتفكير في حساب ~~معاملاته في السوق إلا عند التكبير وهذه الصلاة لا تنفع في الآخرة كما أن ~~القول باللسان في الإسلام لا ينفع ولكن الفقيه يفتي بالصحة أي أن ما فعله ~~حصل به امتثال صيغة الأمر وانقطع به عنه القتل والتعزير فأما الخشوع وإحضار ~~القلب الذي هو عمل الآخرة وبه ينفع العمل الظاهر لا يتعرض له الفقيه ولو ~~تعرض له لكان خارجا عن فنه وأما الزكاة فالفقيه ينظر إلى ما يقطع به مطالبة ~~السلطان حتى إنه إذا امتنع عن أدائها فأخذها السلطان قهرا حكم بأنه برئت ~~ذمته # وحكى أن أبا يوسف القاضي كان يهب ماله لزوجته آخر الحول ويستوهب مالها ~~إسقاطا للزكاة فحكي ذلك لأبي حنيفة رحمه الله فقال ذلك من فقهه # وصدق فإن ذلك من فقه الدنيا ولكن مضرته في الآخرة أعظم من كل جناية ومثل ~~هذا هو العلم الضار # وأما الحلال والحرام فالورع عن الحرام من الدين ولكن الورع له أربع مراتب # الأولى الورع الذي يشترط في عدالة الشهادة وهو الذي يخرج بتركه الإنسان ~~عن أهلية الشهادة والقضاء والولاية وهو الاحتراز عن الحرام الظاهر # الثانية ورع الصالحين وهو التوقي من الشبهات التي يتقابل فيها الاحتمالات # قال صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى مالا يريبك + حديث دع ما يريبك ~~إلى ما لا يريبك أخرجه الترمذي وصححه والنسائي وابن حبان من حديث الحسن بن ~~علي + وقال صلى الله عليه وسلم الإثم حزاز القلوب + حديث الإثم حزاز القلوب ~~أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن مسعود ورواه العدني في مسنده ~~موقوفا عليه + # الثالثة ورع PageV01P018 المتقين وهو ترك الحلال المحض الذي يخاف منه ~~أداؤه إلى الحرام # قال صلى الله عليه وسلم لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع ما لا بأس به ~~مخافة مما به بأس + حديث لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع ما لا بأس به ~~الحديث أخرجه الترمذي وحسنه وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث عطية السعدي + ~~وذلك مثل التورع عن التحدث بأحوال الناس خيفة من الانجرار إلى الغيبة ~~والتورع عن أكل الشهوات خيفة من هيجان النشاط والبطر المؤدي إلى مقارفة ~~المحظورات # الرابعة ورع الصديقين وهو الإعراض عما سوى الله تعالى خوفا من صرف ساعة ~~من العمر إلى ما لا يفيد زيادة قرب عند الله عز وجل وإن كان يعلم ويتحقق ~~أنه لا يفضي إلى حرام فهذه الدرجات كلها خارجة عن نظر الفقيه إلا الدرجة ~~الأولى وهو ورع الشهود والقضاء وما يقدح في العدالة والقيام بذلك لا ينفي ~~الإثم في الآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوابصة استفت قلبك وإن ~~أفتوك وإن أفتوك + حديث استفت قلبك وإن أفتوك أخرجه أحمد من حديث وابصة + ~~والفقيه لا يتكلم في حزازات القلوب وكيفية العمل بها بل فيما يقدح في ~~العدالة فقط فإن جميع نظر الفقيه مرتبط بالدنيا التي بها صلاح طريق الآخرة ~~فإن تكلم في شيء من صفات القلب وأحكام الآخرة فذلك يدخل في كلامه على سبيل ~~التطفل كما قد يدخل في كلامه شيء من الطب والحساب والنجوم وعلم الكلام وكما ~~تدخل الحكمة في النحو والشعر # وكان سفيان الثوري وهو إمام في علم الظاهر يقول إن طلب هذا ليس من زاد ~~الآخرة كيف وقد اتفقوا على أن الشرف في العلم العمل به فكيف يظن أنه علم ~~الظهار واللعان والسلم والإجارة والصرف ومن تعلم هذه الأمور ليتقرب بها إلى ~~الله تعالى فهو مجنون وإنما العمل بالقلب والجوارح في الطاعات والشرف هو ~~تلك الأعمال فإن قلت لم سويت بين الفقه والطب إذ الطب أيضا يتعلق بالدنيا ~~وهو صحة الجسد وذلك يتعلق به أيضا صلاح الدين وهذه التسوية تخالف إجماع ~~المسلمين فاعلم أن التسوية غير لازمة بل بينهما فرق وأن الفقه أشرف منه من ~~ثلاثة أوجه # أحدها أنه علم شرعي إذ هو مستفاد من النبوة بخلاف الطب فإنه ليس من علم ~~الشرع # والثاني أنه لا يستغني عنه أحد من سالكي طريق الآخرة ألبتة لا الصحيح ولا ~~المريض # وأما الطب فلا يحتاج إليه إلا المرضى وهم الأقلون # والثالث أن علم الفقه مجاور لعلم طريق الآخرة لأنه نظر في أعمال الجوارح ~~ومصدر أعمال الجوارح ومنشؤها صفات القلوب فالمحمود من الأعمال يصدر عن ~~الأخلاق المحمودة المنجية في الآخرة والمذموم يصدر من المذموم وليس يخفى ~~اتصال الجوارح بالقلب # وأما الصحة والمرض فمنشؤهما صفاء في المزاج والأخلاط وذلك من أوصاف البدن ~~لا من أوصاف القلب فمهما أضيف الفقه إلى الطب ظهر شرفه وإذا أضيف علم طريق ~~الآخرة إلى الفقه ظهر أيضا شرف علم طريق الآخرة # فإن قلت فصل لي علم طريق الآخرة تفصيلا يشير إلى تراجمه وإن لم يمكن ~~استقصاء تفاصيله # فاعلم أنه قسمان علم مكاشفة وعلم معاملة فالقسم الأول علم المكاشفة وهو ~~علم الباطن وذلك غاية العلوم فقد قال بعض العارفين من لم يكن له نصيب من ~~هذا العلم أخاف عليه سوء الخاتمة وأدنى نصيب منه التصديق به وتسليمه لأهله # وقال آخر من كان فيه خصلتان لم يفتح له بشيء من هذا العلم بدعة أو كبر ~~وقيل من كان محبا للدنيا أو مصرا على هوى لم يتحقق به وقد يتحقق بسائر ~~العلوم وأقل عقوبة من ينكره أنه لا يذوق منه شيئا وينشد على قوله # وأرض لمن غاب عنك غيبته % فذاك ذنب عقابه فيه # وهو علم الصديقين والمقربين أعني علم المكاشفة فهو عبارة عن نور يظهر في ~~القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته PageV01P019 المذمومة وينكشف من ذلك ~~النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل أسماءها فيتوهم لها معاني مجملة غير ~~متضحة فتتضح إذ ذاك حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه وبصفاته ~~الباقيات التامات وبأفعاله وبحكمه في خلق الدنيا والآخرة ووجه ترتيبه ~~للآخرة على الدنيا والمعرفة بمعنى النبوة والنبي ومعنى الوحي ومعنى الشيطان ~~ومعنى لفظ الملائكة والشياطين وكيفية معاداة الشياطين للإنسان وكيفية ظهور ~~الملك للأنبياء وكيفية وصول الوحي إليهم والمعرفة بملكوت السموات والأرض ~~ومعرفة القلب وكيفية تصادم جنود الملائكة والشياطين فيه ومعرفة الفرق بين ~~لمة الملك ولمة الشيطان ومعرفة الآخرة والجنة والنار وعذاب القبر والصراط ~~والميزان والحساب ومعنى قوله تعالى @QB@ اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك ~~حسيبا @QE@ ومعنى قوله تعالى @QB@ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا ~~يعلمون @QE@ ومعنى لقاء الله عز وجل والنظر إلى وجهه الكريم ومعنى القرب ~~منه والنزول في جواره ومعنى حصول السعادة بمرافقة الملأ الأعلى ومقارنة ~~الملائكة والنبيين ومعنى تفاوت درجات أهل الجنان حتى يرى بعضهم البعض كما ~~يرى الكوكب الدري في جوف السماء إلى غير ذلك مما يطول تفصيله إذ للناس في ~~معاني هذه الأمور بعد التصديق بأصولها مقامات شتى فبعضهم يرى أن جميع ذلك ~~أمثلة وأن الذي أعده الله لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا ~~خطر على قلب بشر وأنه ليس مع الخلق من الجنة إلا الصفات والأسماء # وبعضهم يرى أن بعضها أمثلة وبعضها يوافق حقائقها المفهومة من ألفاظها ~~وكذا يرى بعضهم أن منتهى معرفة الله عز وجل الاعتراف بالعجز عن معرفته ~~وبعضهم يدعي أمورا عظيمة في المعرفة بالله عز وجل وبعضهم يقول حد معرفة ~~الله عز وجل ما انتهى إليه اعتقاد جميع العوام وهو أنه موجود عالم قادر ~~سميع بصير متكلم فنعني بعلم المكاشفة أن يرتفع الغطاء حتى تتضح له جلية ~~الحق في هذه الأمور اتضاحا يجري مجرى العيان الذي لا يشك فيه وهذا ممكن في ~~جوهر الإنسان لولا أن مرآة القلب قد تراكم صدؤها وخبثها بقاذورات الدنيا ~~وإنما نعني بعلم طريق الآخرة العلم بكيفية تصقيل هذه المرأة عن هذه الخبائث ~~التي هي الحجاب عن الله سبحانه وتعالى وعن معرفة صفاته وأفعاله وإنما ~~تصفيتها وتطهيرها بالكف عن الشهوات والاقتداء بالأنبياء صلوات الله وسلامه ~~عليهم في جميع أحوالهم فبقدر ما ينجلي من القلب ويحاذي به شطر الحق يتلألأ ~~فيه حقائقه ولا سبيل إليه إلا بالرياضة التي يأتي تفصيلها في موضعها ~~وبالعلم والتعليم وهذه هي العلوم التي لا تسطر في الكتب ولا يتحدث بها من ~~أنعم الله عليه بشيء منها إلا مع أهله وهو المشارك فيه على سبيل المذاكرة ~~وبطريق الأسرار وهذا هو العلم الخفي الذي أراده صلى الله عليه وسلم بقوله ~~إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله تعالى فإذا ~~نطقوا به لم يجهله إلا أهل الاغترار بالله تعالى فلا تحقروا عالما آتاه ~~الله تعالى علما منه فإن الله عز وجل لم يحقره إذ آتاه إياه + حديث إن من ~~العلم كهيئة المكنون الحديث رواه أبو عبد الرحمن السلمي في الأربعين له في ~~التصوف من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف + وأما القسم الثاني وهو علم ~~المعاملة فهو علم أحوال القلب أما ما يحمد منها فكالصبر والشكر والخوف ~~والرجاء والرضا والزهد والتقوى والقناعة والسخاء ومعرفة المنة لله تعالى في ~~جميع الأحوال والإحسان وحسن الظن وحسن الخلق وحسن المعاشرة والصدق والإخلاص ~~فمعرفة حقائق هذه الأحوال وحدودها وأسبابها التي با تكتسب وثمرتها وعلامتها ~~ومعالجة ما ضعف منها حتى يقوى وما زال حتى يعود من علم الآخرة PageV01P020 ~~وأما ما يذم فخوف الفقر وسخط المقدور والغل والحقد والحسد والغش وطلب العلو ~~وحب الثناء وحب طول البقاء في الدنيا للتمتع والكبر والرياء والغضب والأنفة ~~والعداوة والبغضاء والطمع والبخل والرغبة والبذخ والأشر والبطر وتعظيم ~~الأغنياء والاستهانة بالفقراء والفخر والخيلاء والتنافس والمباهاة ~~والاستكبار عن الحق والخوض فيما لا يعنى وحب كثرة الكلام والصلف والتزين ~~للخلق والمداهنة والعجب والاشتغال عن عيوب النفس بعيوب الناس وزوال الحزن ~~من القلب وخروج الخشية منه وشدة الانتصار للنفس إذا نالها الذل وضعف ~~الانتصار للحق واتخاذ إخوان العلانية على عداوة السر والأمن من مكر الله ~~سبحانه وتعالى في سلب ما أعطى والاتكال على الطاعة والمكر والخيانة ~~والمخادعة وطول الأمل والقسوة والفظاظة والفرح بالدنيا والأسف على فواتها ~~والأنس بالمخلوقين والوحشة لفراقهم والجفاء والطيش والعجلة وقلة الحياء ~~وقلة الرحمة فهذه وأمثالها من صفات القلب مغارس الفواحش ومنابت الأعمال ~~المحظورة # وأضدادها وهي الأخلاق المحمودة منبع الطاعات والقربات فالعلم بحدود هذه ~~الأمور وحقائقها وأسبابها وثمراتها وعلاجها هو علم الآخرة وهو فرض عين في ~~فتوى علماء الآخرة فالمعرض عنها هالك بسطوة ملك الملوك في الآخرة كما أن ~~المعرض عن الأعمال الظاهرة هالك بسيف سلاطين الدنيا بحكم فتوى فقهاء الدنيا ~~فنظر الفقهاء في فروض العين بالإضافة إلى صلاح الدنيا وهذا بالإضافة إلى ~~صلاح الآخرة ولو سئل فقيه عن معنى من هذه المعاني حتى عن الإخلاص مثلا أو ~~عن التوكل أو عن وجه الاحتراز عن الرياء لتوقف فيه مع أنه فرض عينه الذي في ~~إهماله هلاكه في الآخرة ولو سألته عن اللعان والظهار والسبق والرمي لسرد ~~عليك مجلدات من التفريعات الدقيقة التي تنقضي الدهور ولا يحتاج إلى شيء ~~منها وإن احتيج لم تخل البلد عمن يقوم بها ويكفيه مؤنة التعب فيها فلا يزال ~~يتعب فيها ليلا ونهارا وفي حفظه ودرسه يغفل عما هو مهم في نفسه في الدين ~~وإذا روجع فيه قال اشتغلت به لأنه علم الدين وفرض الكفاية ويلبس على نفسه ~~وعلى غيره في تعلمه والفطن يعلم أنه لو كان غرضه أداء حق الأمر في فرض ~~الكفاية لقدم عليه فرض العين بل قدم عليه كثيرا من فروض الكفايات فكم من ~~بلدة ليس فيها طبيب إلا من أهل الذمة ولا يجوز قبول شهادتهم فيما يتعلق ~~بالأطباء من أحكام الفقه ثم لا نرى أحدا يشتغل به ويتهاترون على علم الفقه ~~لا سيما الخلافيات والجدليات والبلد مشحون من الفقهاء بمن يشتغل بالفتوى ~~والجواب عن الوقائع فليت شعري كيف يرخص فقهاء الدين في الاشتغال بفرض كفاية ~~قد قام به جماعة وإهمال ما لا قائم به هل لهذا سبب إلا أن الطب ليس يتيسر ~~الوصول به إلى تولي الأوقاف والوصايا وحيازة مال الأيتام وتقلد القضاء ~~والحكومة والتقدم به على الأفران والتسلط به على الأعداء هيهات هيهات قد ~~اندرس علم الدين بتلبيس العلماء السوء فالله تعالى المستعان وإليه الملاذ ~~في أن يعيذنا من هذا الغرور الذي يسخط الرحمن ويضحك الشيطان وقد كان أهل ~~الورع من علماء الظاهر مقرين بفضل علماء الباطن وأرباب القلوب كان الإمام ~~الشافعي رضي الله عنه يجلس بين يدي شيبان الراعي كما يقعد الصبي في المكتب ~~ويسأله كيف يفعل في كذا وكذا فيقال له مثلك يسأل هذا البدوي فيقول إن هذا ~~وفق لما أغفلناه # وكان أحمد بن حنبل رضي الله عنه ويحيى بن معين يختلفان إلى معروف الكرخي ~~ولم يكن في علم الظاهر بمنزلتهما وكانا يسألانه وكيف وقد قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم لما قيل له كيف نفعل إذا جاءنا أمر لم نجده في كتاب ولا سنة ~~فقال صلى الله عليه وسلم سلوا الصالحين واجعلوه شورى بينهم PageV01P021 + ~~حديث قيل له كيف نفعل إذا جاء أمر لم نجده في كتاب الله ولا سنة رسوله ~~الحديث رواه الطبراني من حديث ابن عباس وفيه عبد الله بن كيسان ضعفه ~~الجمهور + ولذلك قيل علماء الظاهر زينة الأرض والملك وعلماء الباطن زينة ~~السماء والملكوت # وقال الجنيد رحمه الله قال لي السري شيخي يوما إذا قمت من عندي فمن تجالس ~~قلت المحاسبي فقال نعم خذ من علمه وأدنه ودع عنك تشقيقه الكلام ورده على ~~المتكلمين ثم لما وليت سمعته يقول جعلك الله صاحب حديث صوفيا ولا جعلك ~~صوفيا صاحب حديث أشار إلى أن من حصل الحديث والعلم ثم تصوف أفلح ومن تصوف ~~قبل العلم خاطر بنفسه # فإن قلت فلم لم تورد في أقسام العلوم الكلام والفلسفة وتبين أنهما ~~مذمومان أو محمودان فاعلم أن حاصل ما يشتمل عليه علم الكلام من الأدلة التي ~~ينتفع بها فالقرآن والأخبار مشتملة عليه وما خرج عنهما فهو إما مجادلة ~~مذمومة وهي من البدع كما سيأتي بيانه وإما مشاغبة بالتعلق بمناقضات الفرق ~~لها وتطويل بنقل المقالات التي أكثرها ترهات وهذيانات تزدريها الطباع ~~وتمجها الأسماع وبعضها خوض فيما لا يتعلق بالدين ولم يكن شيء منه مألوفا في ~~العصر الأول وكان الخوض فيه بالكلية من البدع ولكن تغير الآن حكمه إذ حدثت ~~البدعة الصارفة عن مقتضى القرآن والسنة ونبعت جماعة لفقهوا لها شبها ورتبوا ~~فيها كلاما مؤلفا فصار ذلك المحذور بحكم الضرورة مأذونا فيه بل صار من فروض ~~الكفايات وهو القدر الذي يقابل به المبتدع إذا قصد الدعوة إلى البدعة وذلك ~~إلى حد محدود سنذكره في الباب الذي يلي هذا إن شاء الله تعالى وأما الفلسفة ~~فليست علما برأسها بل هي أربعة أجزاء # أحدها الهندسة والحساب وهما مباحان كما سبق ولا يمنع عنهما إلا من يخاف ~~عليه أن يتجاوز بهما إلى علوم مذمومة فإن أكثر الممارسين لهما قد خرجوا ~~منهما إلى البدع فيصان الضعيف عنهما لا لعينهما كما يصان عصبي عن شاطىء ~~النهر خيفة عليه من الوقوع في النهر وكما يصان حديث العهد بالإسلام عن ~~مخالطة الكفار خوفا عليه مع أن القوي لا يندب إلى مخالطتهم # الثاني المنطق وهو بحث عن وجه الدليل وشروطه ووجه الحد وشروطه وهما ~~داخلان في علم الكلام # الثالث الإلهيات وهو بحث عن ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته وهو داخل في ~~الكلام أيضا والفلاسفة لم ينفردوا فيها بنمط آخر من العلم بل انفردوا ~~بمذاهب بعضها كفر وبعضها بدعة وكما أن الاعتزال ليس علما برأسه بل أصحابه ~~طائفة من المتكلمين وأهل البحث والنظر انفردوا بمذاهب باطلة فكذلك الفلاسفة # والرابع الطبيعيات وبعضها مخالف للشرع والدين والحق فهو جهل وليس بعلم ~~حتى نورده في أقسام العلوم وبعضها بحث عن صفات الأجسام وخواصها وكيفية ~~إستحالتها وتغيرها وهو شبيه بنظر الأطباء إلا أن الطبيب ينظر في بدن ~~الإنسان على الخصوص من حيث يمرض ويصح وهم ينظرون في جميع الأجسام من حيث ~~تتغير وتتحرك ولكن للطب فضل عليه وهو أنه محتاج إليه # وأما علومهم في الطبيعيات فلا حاجة إليها فإذن الكلام صار من جملة ~~الصناعات الواجبة على الكفاية حراسة لقلوب العوام عن تخيلات المبتدعة وإنما ~~حدث ذلك بحدوث البدع كما حدثت حاجة الإنسان إلى استئجار البذرقة في طريق ~~الحج بحدوث ظلم العرب وقطعهم الطريق ولو ترك العرب عدوانهم لم يكن استئجار ~~الحراس من شروط طريق الحج فلذلك لو ترك المبتدع هذيانه لما افتقر إلى ~~الزيادة على ما عهد في عصر الصحابة رضي الله عنهم فليعلم المتكلم حده من ~~الدين وأن موقعه منه موقع الحارس في طريق الحج فإذا تجرد الحارس للحراسة لم ~~يكن من جملة الحاج والمتكلم إذا تجرد للمناظرة والمدافعة ولم يسلك طريق ~~الآخرة ولم يشتغل بتعهد PageV01P022 القلب وصلاحه لم يكن من جملة علماء ~~الدين أصلا وليس عند المتكلم من الدين إلا العقيدة التي شاركه فيها سائر ~~العوام وهي من جملة أعمال ظاهر القلب واللسان وإنما يتميز عن العامي بصنعة ~~المجادلة والحراسة فأما معرفة الله تعالى وصفاته وأفعاله وجميع ما أشرنا ~~إليه في علم المكاشفة فلايحصل من علم الكلام بل يكاد أن يكون الكلام حجابا ~~عليه ومانعا عنه وإنما الوصول إليه بالمجاهدة التي جعلها الله سبحانه مقدمة ~~للهداية حيث قال تعالى @QB@ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله ~~لمع المحسنين @QE@ # فإن قلت فقد رددت حد المتكلم إلى حراسة عقيدة العوام عن تشويش المبتدعة ~~كما أن حد البذرقة حراسة أقمشة الحجيج عن نهب العرب ورددت حد الفقيه إلى ~~حفظ القانون الذي به يكف السلطان شر بعض أهل العدوان عن بعض وهاتان رتبتان ~~نازلتان بالإضافة إلى علم الدين وعلماء الأمة المشهورون بالفضل هم الفقهاء ~~والمتكلمون وهم أفضل الخلق عند الله تعالى فكيف تنزل درجاتهم إلى هذه ~~المنزلة السافلة بالإضافة إلى علم الدين فاعلم أن من عرف الحق بالرجال حار ~~في متاهات الضلال فاعرف الحق تعرف أهله إن كنت سالكا طريق الحق وإن قنعت ~~بالتقليد والنظر إلى ما اشتهر من درجات الفضل بين الناس فلا تغفل عن ~~الصحابة وعلو منصبهم فقد أجمع الذين عرضت بذكرهم على تقدمهم وأنهم لا يدرك ~~في الدين شأوهم ولا يشق غبارهم ولم يكن تقدمهم بالكلام والفقه بل بعلم ~~الآخرة وسلوك طريقها وما فضل أبو بكر رضي الله عنه الناس بكثرة صيام ولا ~~صلاة ولا بكثرة رواية ولا فتوى ولا كلام ولكن بشيء وقر في صدره + حديث ما ~~فضل أبو بكر الناس بكثرة صلاة ولا كثرة صيام الحديث أخرجه الترمذي الحكيم ~~في النوادر من قول أبي بكر بن عبد الله المزني ولم أجده مرفوعا + كما شهد ~~له سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فليكن حرصك في طلب ذلك السر فهو الجوهر ~~النفيس والدر المكنون ودع عنك ما تطابق أكثر الناس عليه وعلى تفخيمه ~~وتعظيمه لأسباب ودواع يطول تفصيلها فلقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~عن آلاف من الصحابة رضي الله عنهم كلهم علماء بالله أثنى عليهم رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ولم يكن فيهم أحد يحسن صنعة الكلام ولا نصب نفسه للفتيا ~~منهم أحد إلا بضعة عشر رجلا ولقد كان ابن عمر رضي الله عنهما منهم وكان إذا ~~سئل عن الفتيا يقول للسائل اذهب إلى فلان الأمير الذي تقلد أمور الناس ~~وضعها في عنقه إشارة إلى أن الفتيا في القضايا والأحكام من توابع الولاية ~~والسلطنة ولما مات عمر رضي الله عنه قال ابن مسعود مات تسعة أعشار العلم ~~فقيل له أتقول ذلك وفينا جلة الصحابة فقال لم أرد علم الفتيا والأحكام إنما ~~أريد العلم بالله تعالى أفترى أنه أراد صنعة الكلام والجدل فما بالك لا ~~تحرص على معرفة ذلك العلم الذي مات بموت عمر تسعة أعشاره وهو الذي سد باب ~~الكلام والجدل وضرب ضبيعا بالدرة لما أورد عليه سؤالا في تعارض آيتين في ~~كتاب الله وهجره وأمر الناس بهجره وأما قولك إن المشهورين من العلماء هم ~~الفقهاء والمتكلمون فاعلم أن ما ينال به الفضل عند الله شيء وما ينال به ~~الشهرة عند الناس شيء آخر فلقد كان شهرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ~~بالخلافة وكان فضله بالسر الذي وقر في قلبه وكان شهرة عمر رضي الله عنه ~~بالسياسة وكان فضله بالعلم بالله الذي مات تسعة أعشاره بموته وبقصده التقرب ~~إلى الله عز وجل في ولايته وعدله وشفقته على خلقه وهو أمر باطن في سره فأما ~~سائر أفعاله الظاهرة فيتصور صدورها من طالب الجاه والاسم والسمعة والراغب ~~في الشهرة فتكون الشهرة فيما هو المهلك والفضل فيما هو سر لا يطلع عليه أحد ~~فالفقهاء والمتكلمون مثل الخلفاء والقضاء والعلماء وقد انقسموا فمنهم من ~~أراد الله سبحانه بعلمه وفتواه وذبه عن PageV01P023 سنة نبيه ولم يطلب به ~~رياء ولا سمعة فأولئك أهل رضوان الله تعالى وفضلهم عند الله لعملهم بعلمهم ~~ولإرادتهم وجه الله سبحانه بفتواهم ونظرهم فإن كل علم عمل فإنه فعل مكتسب ~~وليس كل عمل علما والطبيب يقدر على التقرب إلى الله تعالى بعلمه فيكون ~~مثابا على علمه من حيث إنه عامل لله سبحانه وتعالى به والسلطان يتوسط بين ~~الخلق لله فيكون مرضيا عند الله سبحانه ومثابا لا من حيث إنه متكفل بعلم ~~الدين بل من حيث هو متقلد بعمل يقصد به التقرب إلى الله عز وجل بعلمه # وأقسام ما يتقرب به إلى الله تعالى ثلاثة علم مجرد وهو علم المكاشفة وعمل ~~مجرد وهو كعدل السلطان مثلا وضبطه للناس ومركب من عمل وعلم وهو علم طريق ~~الآخرة فإن صاحبه من العلماء والعمال جميعا فانظر إلى نفسك أتكون يوم ~~القيامة في حزب علماء الله وأعمال الله تعالى أوفى حزبيهما فتضرب بسهمك مع ~~كل فريق منهما فهذا أهم عليك من التقليد لمجرد الاشتهار كما قيل # خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به % في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل # على أنا سننقل من سيرة فقهاء السلف ما تعلم به أن الذين انتحلوا مذاهبهم ~~ظلموهم وأنهم من أشد خصمائهم يوم القيامة فإنهم ما قصدوا بالعلم إلا وجه ~~الله تعالى وقد شوهد من أحوالهم ما هو من علامات علماء الآخرة كما سيأتي ~~بيانه في باب علامات علماء الآخرة فإنهم ما كانوا متجردين لعلم الفقه بل ~~كانوا مشتغلين بعلم القلوب ومراقبين لها ولكن صرفهم عن التدريس والتصنيف ~~فيه ما صرف الصحابة عن التصنيف والتدريس في الفقه مع أنهم كانوا فقهاء ~~مستقلين بعلم الفتوى والصوارف والدواعي متيقنة ولا حاجة إلى ذكرها # ونحن الآن نذكر من أحوال فقهاء الإسلام ما تعلم به أن ما ذكرناه ليس طعنا ~~فيهم بل هو طعن فيمن أظهر الاقتداء بهم منتحلا مذاهبهم وهو مخالف لهم في ~~أعمالهم وسيرهم فالفقهاء الذين هم زعماء الفقه وقادة الخلق أعني الذين كثر ~~أتباعهم في المذاهب خمسة الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة وسفيان ~~الثوري رحمهم الله تعالى # وكل واحد منهم كان عابدا وزاهدا وعالما بعلوم الآخرة وفقيها في مصالح ~~الخلق في الدنيا ومريدا بفقهه وجه الله تعالى فهذه خمس خصال اتبعهم فقهاء ~~العصر من جملتها على خصلة واحدة وهي التشمير والمبالغة في تفاريع الفقه لأن ~~الخصال الأربع لا تصلح إلا للآخرة وهذه الخصلة الواحدة تصلح للدنيا والآخرة ~~إن أريد بها الآخرة قل صلاحها للدنيا شمروا لها وادعوا بها مشابهة أولئك ~~الأئمة وهيهات أن تقاس الملائكة بالحدادين فلنورد الآن من أحوالهم ما يدل ~~على هذه الخصال الأربع فإن معرفتهم بالفقه ظاهرة # أما الإمام الشافعي رحمه الله فيدل على أنه كان عابدا ما روي أنه كان ~~يقسم الليل ثلاثة أجزاء ثلثا للعلم وثلثا للعبادة وثلثا للنوم قال الربيع ~~كان الشافعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان ستين مرة كل ذلك في الصلاة ~~وكان البويطي أحد أصحابه يختم القرآن في رمضان في كل يوم مرة وقال الحسن ~~الكرابيسي بت مع الشافعي غير ليلة فكان يصلي نحوا من ثلث الليل فما رأيته ~~يزيد على خمسين آية فإذا أكثر فمائة آية وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل ~~الله لنفسه ولجميع المسلمين والمؤمنين ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ فيها ~~وسأل النجاة لنفسه وللمؤمنين وكأنما جمع له الرجاء والخوف معا فانظر كيف ~~يدل اقتصاره على خمسين آية على تبحره في أسرار القرآن وتدبره فيها وقال ~~الشافعي رحمه الله ما شبعت منذ ست عشرة سنة لأن الشبع يثقل البدن ويقسي ~~القلب ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة فانظر إلى حكمته في ~~ذكر آفات الشبع ثم في جده في العبادة إذ طرح الشبع لأجلها ورأس التعبد ~~تقليل الطعام وقال الشافعي رحمه الله ما حلفت بالله تعالى لا صادقا ولا ~~كاذبا قط فانظر PageV01P024 إلى حرمته وتوقيره لله تعالى ودلالة ذلك على ~~علمه بجلال الله سبحانه # وسئل الشافعي رضي الله عنه عن مسئلة فسكت فقيل له ألا تجيب رحمك الله ~~فقال حتى أدري الفضل في سكوتي أو في جوابي فانظر في مراقبته للسانه مع أنه ~~أشد الأعضاء تسلطا على الفقهاء وأعصاها على الضبط والقهر وبه يستبين أنه ~~كان لا يتكلم ولا يسكت لا لنيل الفضل وطلب الثواب # وقال أحمد بن يحيى بن الوزير خرج الشافعي رحمه الله تعالى يوما من سوق ~~القناديل فتبعناه فإذا رجل يسفه على رجل من أهل العلم فالتفت الشافعي إلينا ~~وقال نزهوا أسماعكم عن استماع الخنا كما تنزهون ألسنتكم عن النطق به فإن ~~المستمع شريك القائل وإن السفيه لينظر إلى أخبث شيء في إنائه فيحرص أن ~~يفرغه في أوعيتكم ولو ردت كلمة السفيه لسعد رادها كما شقي بها قائلها # وقال الشافعي رضي الله عنه كتب حكيم إلى حكيم قد أوتيت علما فلا تدنس ~~علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم # وأما زهده رضي الله عنه فقد قال الشافعي رحمه الله من ادعى أنه جمع بين ~~حب الدنيا وحب خالقها في قلبه فقد كذب # وقال الحميدي خرج الشافعي رحمه الله إلى اليمن مع بعض الولاة فانصرف إلى ~~مكة بعشرة آلاف درهم فضرب له خباء في موضع خارجا من مكة فكان الناس يأتونه ~~فما برح من موضعه ذلك حتى فرقها كلها وخرج من الحمام مرة فأعطى الحمامي ~~مالا كثيرا وسقط سوطه من يده مرة فرفعه إنسان إليه فأعطاه جزاء عليه خمسين ~~دينارا # وسخاوة الشافعي رحمه الله أشهر من أن تحكى ورأس الزهد السخاء لأن من أحب ~~شيئا أمسكه ولم يفارق المال إلا من صغرت الدنيا في عينه وهو معنى الزهد # ويدل على قوة زهده وشدة خوفه من الله تعالى واشتغال همته بالآخرة ما روي ~~أنه روى سفيان بن عيينة حديثا في الرقائق فغشي على الشافعي فقيل له قد مات ~~فقال إن مات فقد مات أفضل زمانه # وما روى عبد الله بن محمد البلوي قال كنت أنا وعمر بن نباتة جلوسا نتذاكر ~~العباد والزهاد فقال لي عمر ما رأيت أورع ولا أفصح من محمد بن إدريس ~~الشافعي رضي الله عنه خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد إلى الصفا وكان الحارث ~~تلميذ الصالح المري فافتتح يقرأ وكان حسن الصوت فقرأ هذه الآية عليه @QB@ ~~هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون @QE@ فرأيت الشافعي رحمه الله وقد ~~تغير لونه واقشعر جلده واضطرب اضطرابا شديدا وخر مغشيا عليه فلما أفاق جعل ~~يقول أعوذ بك من مقام الكاذبين وإعراض الغافلين اللهم لك خضعت قلوب ~~العارفين وذلت لك رقاب المشتاقين إلهي هب لي جودك وجللني بسترك واعف عن ~~تقصيري بكرم وجهك # قال ثم مشى وانصرفنا فلما دخلت بغداد وكان هو بالعراق فقعدت على الشط ~~أتوضأ للصلاة إذ مر بي رجل فقال لي يا غلام أحسن وضوءك أحسن الله إليك في ~~الدنيا والآخرة فالتفت فإذا أنا برجل يتبعه جماعة فأسرعت في وضوئي وجعلت ~~أقفو أثره فالتفت إلي فقال هل لك من حاجة فقلت نعم تعلمني مما علمك الله ~~شيئا فقال لي اعلم أن من صدق الله نجا ومن أشفق على دينه سلم من الردى ومن ~~زهد في الدنيا قرت عيناه مما يراه من ثواب الله تعالى غدا أفلا أزيدك قلت ~~نعم قال من كان فيه ثلاث خصال فقد استكمل الإيمان من أمر بالمعروف وائتمر ~~ونهى عن المنكر وانتهى وحافظ على حدود الله تعالى ألا أزيدك قلت بلى فقال ~~كن في الدنيا زاهدا وفي الآخرة راغبا واصدق الله تعالى في جميع أمورك تنج ~~مع الناجين ثم مضى فسألت من هذا فقالوا هو الشافعي فانظر إلى سقوطه مغشيا ~~عليه ثم إلى وعظه كيف يدل ذلك على زهده وغاية خوفه ولا يحصل هذا الخوف ~~والزهد إلا من معرفة الله عز وجل فإنه @QB@ إنما يخشى الله من عباده ~~العلماء @QE@ ولم يستفد الشافعي رحمه الله هذا الخوف والزهد من علم كتاب ~~السلم والإجارة وسائر كتب الفقه بل هو من علوم الآخرة المستخرجة من القرآن ~~والأخبار PageV01P025 إذ حكم الأولين والآخرين مودعة فيهما # وأما كونه عالما بأسرار القلب وعلوم الآخرة فتعرفه من الحكم المأثورة عنه ~~روي أنه سئل عن الرياء فقال على البديهة الرياء فتنة عقدها الهوى حيال ~~أبصار قلوب العلماء فنظروا إليها بسوء اختيار النفوس فأحبطت أعمالهم # وقال الشافعي رحمه الله تعالى إذا أنت خفت على عملك العجب فانظر رضا من ~~تطلب وفي أي ثواب ترغب ومن أي عقاب ترهب وأي عافية تشكر وأي بلاء تذكر فإنك ~~إذا تفكرت في واحد من هذه الخصال صغر في عينك عملك فانظر كيف ذكر حقيقة ~~الرياء وعلاج العجب وهما من كبار آفات القلب وقال الشافعي رضي الله عنه من ~~لم يصن نفسه لم ينفعه علمه وقال رحمه الله من أطاع الله تعالى بالعلم نفعه ~~سره # وقال ما من أحد إلا له محب ومبغض فإذا كان كذلك فكن مع أهل طاعة الله عز ~~وجل وروي أن عبد القاهر بن عبد العزيز كان رجلا صالحا ورعا وكان يسأل ~~الشافعي رضي الله عنه عن مسائل في الورع والشافعي رحمه الله يقبل عليه ~~لورعه وقال للشافعي يوما أيما أفضل الصبر أو المحنة أو التمكين فقال ~~الشافعي رحمه الله التمكين درجة الأنبياء ولا يكون التمكين إلا بعد المحنة ~~فإذا امتحن صبر وإذا صبر مكن ألا ترى أن الله عز وجل امتحن إبراهيم عليه ~~السلام ثم مكنه وامتحن موسى عليه السلام ثم مكنه وامتحن أيوب عليه السلام ~~ثم مكنه وامتحن سليمان عليه السلام ثم مكنه وآتاه ملكا والتمكين أفضل ~~الدرجات قال الله عز وجل @QB@ وكذلك مكنا ليوسف في الأرض @QE@ وأيوب عليه ~~السلام بعد المحنة العظيمة مكن قال الله تعالى وآتيناه أهله ومثلهم معهم ~~الآية فهذا الكلام من الشافعي رحمه الله يدل على تبحره في أسرار القرآن ~~واطلاعه على مقامات السائرين إلى الله تعالى من الأنبياء والأولياء وكل ذلك ~~من علوم الآخرة # وقيل للشافعي رحمه الله متى يكون الرجل عالما قال إذا تحقق في علم الدين ~~فعلمه وتعرض لسائر العلوم فنظر فيما فاته فعند ذلك يكون عالما فإنه قيل ~~لجالينوس إنك تأمر للداء الواحد بالأدوية الكثيرة المجمعة فقال إنما ~~المقصود منها واحد وإنما يجعل معه غيره لتسكن حدته لأن الإفراد قاتل فهذا ~~وأمثاله مما لا يحصى يدل على علو رتبته في معرفة الله تعالى وعلوم الآخرة # وأما إرادته بالفقه والمناظرة فيه وجه الله تعالى فيدل عليه ما روي عنه ~~قال وددت أن الناس انتفعوا بهذا العلم وما نسب إلي شيء منه فانظر كيف اطلع ~~على آفة العلم وطلب الاسم له وكيف كان منزه القلب عن الالتفات إليه مجرد ~~النية فيه لوجه الله تعالى # وقال الشافعي رضي الله عنه ما ناظرت أحدا قط فأحببت أن يخطىء # وقال ما كلمت أحدا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من ~~الله تعالى وحفظ وما كلمت أحدا قط وأنا أبالي أن يبين الله الحق على لساني ~~أو على لسانه وقال ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلها مني إلا هبته ~~واعتقدت محبته ولا كابرني أحد على الحق ودافع الحجة إلا سقط من عيني ورفضته ~~فهذه العلامات هي التي تدل على إرادة الله تعالى بالفقه والمناظرة فانظر ~~كيف تابعه الناس من جملة هذه الخصال الخمس على خصلة واحدة فقط ثم كيف ~~خالفوه فيها أيضا ولهذا قال أبو ثور رحمه الله ما رأيت ولا رأى الراءون مثل ~~الشافعي رحمه الله تعالى # وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا ~~أدعو للشافعي رحمه الله تعالى فانظر إلى إنصاف الداعي وإلى درجة المدعو له ~~وقس به الأقران والأمثال من العلماء في هذه الأعصار وما بينهم من المشاحنة ~~والبغضاء لتعلم تقصيرهم في دعوى الاقتداء بهؤلاء ولكثرة دعائه له قال له ~~ابنه أي رجل كان الشافعي حتى تدعو له كل هذا الدعاء فقال أحمد يا بني كان ~~الشافعي رحمه الله تعالى كالشمس للدنيا وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من ~~خلف وكان أحمد رحمه الله يقول ما مس أحد بيده محبرة إلا وللشافعي رحمه الله ~~في عنقه منة # وقال يحيى بن سعيد القطان PageV01P026 ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا ~~وأنا أدعو فيها للشافعي لما فتح الله عز وجل عليه من العلم ووفقه للسداد ~~فيه # ولنقتصر على هذه النبذة من أحواله فإن ذلك خارج عن الحصر وأكثر هذه ~~المناقب نقلناه من الكتاب الذي صنفه الشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي رحمه ~~الله تعالى في مناقب الشافعي رضي الله عنه وعن جميع المسلمين # وأما الإمام مالك رضي الله عنه فإنه كان أيضا متحليا بهذه الخصال الخمس ~~فإنه قيل له ما تقول يا مالك في طلب العلم فقال حسن جميل ولكن انظر إلى ~~الذي يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فالزمه وكان رحمه الله تعالى في تعظيم ~~علم الدين مبالغا حتى كان إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح ~~لحيته واستعمل الطيب وتمكن من الجلوس على وقار وهيبة ثم حدث فقيل له في ذلك ~~فقال أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم # وقال مالك العلم نور يجعله الله حيث يشاء وليس بكثرة الرواية وهذا ~~الاحترام والتوقير يدل على قوة معرفته بجلال الله تعالى وأما إرادته وجه ~~الله تعالى بالعلم فيدل عليه قوله الجدال في الدين ليس بشيء # ويدل عليه قول الشافعي رحمه الله إني شهدت مالكا وقد سئل عن ثمان وأربعين ~~مسئلة فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري # ومن يرد غير وجه الله تعالى بعلمه فلا تسمح نفسه بأن يقر على نفسه بأنه ~~لا يدري ولذلك قال الشافعي رضي الله عنه إذا ذكر العلماء فمالك النجم ~~الثاقب وما أحد أمن علي من مالك # وروي أن أبا جعفر المنصور منعه من رواية الحديث في طلاق المكره ثم دس ~~عليه من يسأله فروى على ملأ من الناس ليس على مستكره طلاق فضربه بالسياط ~~ولم يترك رواية الحديث # وقال مالك رحمه الله ما كان رجل صادقا في حديثه ولا يكذب إلا متع بعقله ~~ولم يصبه مع الهرم آفة ولا خرف # وأما زهده في الدنيا فيدل عليه ما روي أن المهدي أمير المؤمنين سأله فقال ~~له هل لك من دار فقال لا ولكن أحدثك سمعت ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول نسب ~~المرء داره وسأله الرشيد هل لك دار فقال لا فأعطاه ثلاثة آلاف دينار وقال ~~اشتر بها دارا فأخذها ولم ينفقها فلما أراد الرشيد الشخوص قال لمالك رحمه ~~الله ينبغي أن تخرج معنا فإني عزمت على أن أحمل الناس على الموطأ كما حمل ~~عثمان رضي الله عنه الناس على القرآن فقال له أما حمل الناس على الموطأ ~~فليس إليه سبيل لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم افترقوا بعده في ~~الأمصار فحدثوا فعند كل أهل مصر علم وقد قال صلى الله عليه وسلم اختلاف ~~أمتي رحمة + حديث اختلاف أمتي رحمة ذكره البيهقي في رسالته الأشعرية تعليقا ~~وأسنده في المدخل من حديث ابن عباس بلفظ اختلاف أصحابي لكم رحمة وإسناده ~~ضعيف + وأما الخروج معك فلا سبيل إليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون + حديث المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ~~متفق عليه من حديث سفيان ابن أبي زهير + وقال صلى الله عليه وسلم المدينة ~~تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد + حديث المدينة تنفي خبثها الحديث ~~متفق عليه من حديث أبي هريرة + وهذه دنانيركم كما هي إن شئتم فخذوها وإن ~~شئتم فدعوها يعني أنك إنما تكلفني مفارقة المدينة لما اصطنعته إلي فلا أوثر ~~الدنيا على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهكذا كان زهد مالك في ~~الدنيا ولما حملت إليه الأموال الكثيرة من أطراف الدنيا لانتشار علمه ~~وأصحابه كان يفرقها في وجوه الخير ودل سخاؤه على زهده وقلة حبه للدنيا وليس ~~الزهد فقد المال وإنما الزهد فراغ القلب عنه ولقد كان سليمان عليه السلام ~~في ملكه من الزهاد # ويدل على احتقاره للدنيا ما روي عن الشافعي رحمه الله أنه قال رأيت على ~~باب مالك كراعا من أفراس خراسان ويقال مصر ما رأيت أحسن منه فقلت لمالك ~~رحمه الله ما أحسنه فقال هو هدية مني إليك يا أبا عبد الله فقلت دع لنفسك ~~منها دابة تركبها PageV01P027 فقال إني أستحي من الله تعالى أن أطأ تربة ~~فيها نبي الله صلى الله عليه وسلم بحافر دابة فانظر إلى سخائه إذ وهب جميع ~~ذلك دفعة واحدة وإلى توقيره لتربة المدينة # ويدل على إرادته بالعلم وجه الله تعالى واستحقار للدنيا ما روي أنه قال ~~دخلت على هارون الرشيد فقال لي يا أبا عبد الله ينبغي أن تختلف إلينا حتى ~~يسمع صبياننا منك الموطأ قال فقلت أعز الله مولانا الأمير إن هذا العلم ~~منكم خرج فإن أنتم أعزرتموه عز وإن أنتم أذللتموه ذل والعلم يؤتى ولا يأتي ~~فقال صدقت اخرجوا إلى المسجد حتى تسمعوا مع الناس # وأما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فلقد كان أيضا عابدا زاهدا بالله تعالى ~~خائفا منه مريدا وجه الله تعالى بعلمه فأما كونه عابدا فيعرف بما روي عن ~~ابن المبارك أنه قال كان أبو حنيفة رحمه الله له مروءة وكثرة صلاة # وروى حماد بن أبي سليمان أنه كان يحيي الليل كله # وروي أنه كان يحيي نصف الليل فمر يوما في طريق فأشار إليه إنسان وهو يمشي ~~فقال لآخر هذا هو الذي يحيي الليل كله فلم يزل بعد ذلك يحيى الليل كله وقال ~~أنا أستحي من الله سبحانهأن أوصف بما ليس في من عبادته # وأما زهده فقد روي عن الربيع بن عاصم قال أرسلني يزيد بن عمر بن هبيرة ~~فقدمت بأبي حنيفة عليه فأراده أن يكون حاكما على بيت المال فأبى فضربه ~~عشرين سوطا # فانظر كيف هرب من الولاية واحتمل العذاب قال الحكم بن هشام الثقفي حدثت ~~بالشام حديثا في أبي حنيفة أنه كان من أعظم الناس أمانة وأراده السلطان على ~~أن يتولى مفاتيح خزائنه أو يضرب ظهره فاختار عذابهم له على عذاب الله تعالى # وروى أنه ذكر أبو حنيفة عند ابن المبارك فقال أتذكرون رجلا عرضت عليه ~~الدنيا بحذافيرها ففر منها # وروي عن محمد بن شجاع عن بعض أصحابه أنه قيل لأبي حنيفة قد أمر لك أمير ~~المؤمنين أبو جعفر المنصور بعشرة آلاف درهم قال فما رضي أبو حنيفة قال فلما ~~كان اليوم الذي توقع أن يؤتى بالمال فيه صلى الصبح ثم تغشى بثوبه فلم يتكلم ~~فجاء رسول الحسن بن قحطبة بالمال فدخل عليه فلم يكلمه فقال بعض من حضر ما ~~يكلمنا إلا بالكلمة بعد الكلمة أي هذه عادته فقال ضعوا المال في هذا الجراب ~~في زاوية البيت ثم أوصى أبو حنيفة بعد ذلك بمتاع بيته وقال لابنه إذا مت ~~ودفنتموني فخذ هذه البدرة واذهب بها إلى الحسن ابن قحطبة فقل له خذ وديعتك ~~التي أودعتها أبا حنيفة # قال ابنه ففعلت ذلك فقال الحسن رحمة الله على أبيك فلقد كان شحيحا على ~~دينه # وروي أنه دعي إلى ولاية القضاء فقال أنا لا أصلح لهذا فقيل له لم فقال إن ~~كنت صادقا فما أصلح لها وإن كنت كاذبا فالكاذب لا يصلح للقضاء # وأما علمه بطريق الآخرة وطريق أمور الدين ومعرفته بالله عز وجل فيدل عليه ~~شدة خوفه من الله تعالى وزهده في الدنيا وقد قال ابن جريج قد بلغني عن ~~كوفيكم هذا النعمان بن ثابت أنه شديد الخوف لله تعالى # وقال شريك النخعي كان أبو حنيفة طويل الصمت دائم الفكر قليل المحادثة ~~للناس فهذا من أوضح الأمارات على العلم الباطني والاشتغال بمهمات الدين فمن ~~أوتي الصمت والزهد فقد أوتي العلم كله فهذه نبذة من أحوال الأئمة الثلاثة # وأما الإمام أحمد بن حنبل وسفيان الثوري رحمهما الله تعالى فأتباعهما أقل ~~من أتباع هؤلاء وسفيان أقل أتباعا من أحمد ولكن اشتهارهما بالورع والزهد ~~أظهر وجميع هذا الكتاب مشحون بحكايات أفعالهما وأقوالهما فلا حاجة إلى ~~التفصيل الآن فانظر الآن في غير هؤلاء الأئمة الثلاثة وتأمل أن هذه الأحوال ~~والأقوال والأفعال في الإعراض عن الدنيا والتجرد لله عز وجل هل يثمرها مجرد ~~العلم بفروع الفقه من معرفة السلم والإجارة والظهار والإيلاء واللعان أو ~~يثمرها علم آخر أعلى وأشرف منه وانظر إلى الذين ادعوا الاقتداء بهؤلاء ~~أصدقوا في دعواهم أم لا PageV01P028 # | الباب الثالث فيما يعده العامة من العلوم المحمودة وليس منها وفيه # بيان الوجه الذي قد يكون به بعض العلوم مذموما وبيان تبديل أسامي العلوم ~~وهو الفقه والعلم والتوحيد والتذكير والحكمة وبيان القدر المحمود من العلوم ~~الشرعية والقدر المذموم منها # بيان علة ذم العلم المذموم لعلك تقول العلم هو معرفة الشيء على ما هو به ~~وهو من صفات الله تعالى فكيف يكون الشيء علما ويكون مع كونه علما مذموما ~~فاعلم أن العلم لا يذم لعينه وإنما يذم في حق العباد لأحد أسباب ثلاثة # الأول أن يكون مؤديا إلى ضرر ما إما لصاحبه أو لغيره كما يذم علم السحر ~~والطلسمات وهو حق إذ شهد القرآن له وأنه سبب يتوصل به إلى التفرقة بين ~~الزوجين وقد سحر + حديث سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه من ~~حديث عائشة + رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرض بسببه حتى أخبره جبريل ~~عليه السلام بذلك وأخرج السحر من تحت حجر في قعر بئر وهو نوع يستفاد من ~~العلم بخواص الجواهر وبأمور حسابية في مطالع النجوم فيتخذ من تلك الجواهر ~~هيكل على صورة الشخص المسحور ويرصد به وقت مخصوص من المطالع وتقرن به كلمات ~~يتلفظ بها من الكفر والفحش المخالف للشرع ويتوصل بسببها إلى الاستعانة ~~بالشياطين ويحصل من مجموع ذلك بحكم إجراء الله تعالى العادة أحوال غريبة في ~~الشخص المسحور ومعرفة هذه الأسباب من حيث إنها معرفة ليست بمذمومة ولكنها ~~ليست تصلح إلا للإضرار بالخلق والوسيلة إلى الشر شر فكان ذلك هو السبب في ~~كونه علما مذموما بل من اتبع وليا من أولياء الله ليقتله وقد اختفى منه في ~~موضع حريز إذا سأل الظالم عن محله لم يجز تنبيهه عليه بل وجب الكذب فيه ~~وذكر موضعه إرشاد وإفادة علم بالشيء على ما هو عليه ولكنه مذموم لأدائه إلى ~~الضرر # الثاني أن يكون مضرا بصاحبه في غالب الأمر كعلم النجوم فإنه في نفسه غير ~~مذموم لذاته إذ هو قسمان قسم حسابي وقد نطق القرآن بأن مسير الشمس والقمر ~~محسوب إذ قال عز وجل @QB@ الشمس والقمر بحسبان @QE@ وقال عز وجل @QB@ ~~والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم @QE@ والثاني الأحكام وحاصله ~~يرجع إلى الاستدلال على الحوادث بالأسباب وهو يضاهي استدلال الطبيب بالنبض ~~على ما سيحدث من المرض وهو معرفة لمجاري سنة الله تعالى وعادته في خلقه ~~ولكن قد ذمه الشرع # قال صلى الله عليه وسلم إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا ~~وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا + حديث إذا ذكر القدر فأمسكوا الحديث رواه ~~الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد حسن + # وقال صلى الله عليه وسلم أخاف على أمتي بعدي ثلاثا حيف الأئمة والإيمان ~~بالنجوم والتكذيب بالقدر + حديث أخاف على أمتي بعدي ثلاثا حيف الأئمة ~~الحديث أخرجه ابن عبد البر من حديث أبي محجن بإسناد ضعيف + # وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعلموا من النجوم ما تهتدون به في البر ~~والبحر ثم أمسكوا وإنما زجر عنه من ثلاثة أوجه أحدها أنه مضر بأكثر الخلق ~~فإنه إذا ألقى إليهم أن هذه الآثار تحدث عقيب سير الكواكب وقع في نفوسهم أن ~~الكواكب هي المؤثرة وأنها الآلهة المدبرة لأنها جواهر شريفة سماوية ويعظم ~~وقعها في القلوب فيبقى القلب ملتفتا إليها ويرى الخير والشر محذورا أو ~~مرجوا من جهتها PageV01P029 وينمحي ذكر الله سبحانه عن القلب فإنه الضعيف ~~يقصر نظره على الوسائط والعالم الراسخ هو الذي يطلع على أن الشمس والقمر ~~والنجوم مسخرات بأمره سبحانه وتعالى ومثال نظر الضعيف إلى حصول ضوء الشمس ~~عقيب طلوع الشمس مثال النملة لو خلق لها عقل وكانت على سطح قرطاس وهي تنظر ~~إلى سواد الخط يتجدد فتعتقد أنه فعل القلم ولا تترقى في نظرها إلى مشاهدة ~~الأصابع ثم منها إلى اليد ثم منها إلى الإرادة المحركة اليد ثم منها إلى ~~الكاتب القادر المريد ثم منه إلى خالق اليد والقدرة والإرادة فأكثر نظر ~~الخلق مقصور على الأسباب القريبة السافلة مقطوع من الترقي إلى مسبب الأسباب ~~فهذا أحد أسباب النهي عن النجوم # وثانيها أن أحكام النجوم تخمين محض ليس يدرك في حق آحاد الأشخاص لا يقينا ~~ولا ظنا فالحكم به حكم يجهل فيكون ذمه على هذا من حيث إنه جهل لا من حيث ~~إنه علم فلقد كان ذلك معجزة لإدريس عليه السلام فيما يحكى وقد اندرس وانمحى ~~ذلك العلم وانمحق وما يتفق من إصابة المنجم على ندور فهو اتفاق لأنه قد ~~يطلع على بعض الأسباب ولا يحصل المسبب عقيبها إلا بعد شروط كثيرة ليس في ~~قدرة البشر الاطلاع على حقائقها فإن اتفق أن قدر الله تعالى بقية الأسباب ~~وقعت الإصابة وإن لم يقدر أخطأ ويكون ذلك كتخمين الإنسان في أن السماء تمطر ~~اليوم مهما رأى الغيم يجتمع وينبعث من الجبال فيتحرك ظنه بذلك وربما يحمى ~~النهار بالشمس ويذهب الغيم وربما يكون بخلافه ومجرد الغيم ليس كافيا في ~~مجيء المطر وبقية الأسباب لا تدرى وكذلك تخمين الملاح أن السفينة تسلم ~~اعتمادا على ما ألفه من العادة في الرياح ولتلك الرياح أسباب خفية هو لا ~~يطلع عليها فتارة يصيب في تخمينه وتارة يخطىء ولهذه العلة يمنع القول عن ~~النجوم أيضا # وثالثها أنه لا فائدة فيه فأقل أحواله أنه خوض في فضول لا يغني وتضييع ~~العمر الذي هو أنفس بضاعة الإنسان في غير فائدة وذلك غاية الخسران فقد مر ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل والناس مجتمعون عليه فقال ما هذا فقالوا ~~رجل علامة فقال بماذا قالوا بالشعر وأنساب العرب فقال علم لا ينفع وجهل لا ~~يضر + حديث مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل والناس مجتمعون فقال ما ~~هذا فقالوا رجل علامة الحديث أخرجه ابن عبد البر من حديث أبي هريرة وضعفه ~~وفي آخر الحديث إنما العلم آية محكمة إلى آخره وهذه القطعة عند أبي داود ~~وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو + وقال صلى الله عليه وسلم إنما العلم ~~آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة فإذن الخوض في النجوم وما يشبهه ~~اقتحام خطر وخوض في جهالة من غير فائدة فإن ما قدر كائن والاحتراز منه غير ~~ممكن بخلاف الطب فإن الحاجة ماسة إليه وأكثر أدلته بما يطلع عليه وبخلاف ~~التعبير وإن كان تخمينا لأنه جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ولا خطر ~~فيه # السبب الثالث الخوض في علم لا يستفيد الخائض فيه فائدة علم فهو مذموم في ~~حقه كتعلم دقيق العلوم قبل جليلها وخفيها قبل جليها وكالبحث عن الأسرار ~~الإلهية إذ يطلع الفلاسفة والمتكلمون إليها ولم يستقلوا بها ولم يستقل بها ~~وبالوقوف على طرق بعضها إلا الأنبياء والأولياء فيجب كف الناس عن البحث ~~عنها وردهم إلى ما نطق به الشرع ففي ذلك مقنع للموفق فكم من شخص خاض في ~~العلوم واستضر بها ولو لم يخض فيها لكان حاله أحسن في الدين مما صار إليه ~~ولا ينكر كون العلم ضارا لبعض الناس كما يضر لحم الطير وأنواع الحلوى ~~اللطيفة بالصبي الرضيع بل رب شخص ينفعه الجهل ببعض الأمور فلقد حكي أن بعض ~~الناس شكا إلى طبيب عقم امرأته وأنها لا تلد فجس الطبيب نبضها وقال لا حاجة ~~لك إلى دواء الولادة فإنك ستموتين إلى PageV01P030 أربعين يوما وقد دل ~~النبض عليه فاستشعرت المرأة الخوف العظيم وتنغص عليها عيشها وأخرجت أموالها ~~وفرقتها وأوصت وبقيت لا تأكل ولا تشرب حتى انقضت المدة فلم تمت فجاء زوجها ~~إلى الطبيب وقال له لم تمت فقال الطبيب قد علمت ذلك فجامعها الآن فإنها تلد ~~فقال كيف ذاك قال رأيتها سمينة وقد انعقد الشحم على فم رحمها فعلمت أنها لا ~~تهزل إلا بخوف الموت فخوفتها بذلك حتى هزلت وزال المانع من الولادة فهذا ~~ينبهك على استشعار خطر بعض العلوم ويفهمك معنى قوله صلى الله عليه وسلم ~~نعوذ بالله من علم لا ينفع + حديث نعوذ بالله من علم لا ينفع أخرجه ابن عبد ~~البر من حديث جابر بسند حسن وهو عند ابن ماجه بلفظ تعوذوا وقد تقدم + ~~فاعتبر بهذه الحكاية ولا تكن بحاثا عن علوم ذمها الشرع وزجر عنها ولازم ~~الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم واقتصر على اتباع السنة فالسلامة في ~~الاتباع والخطر في البحث عن الأشياء والاستقلال ولا تكثر اللجج برأيك ~~ومعقولك ودليلك وبرهانك وزعمك أني أبحث عن الأشياء لأعرفها على ما هي عليه ~~فأي ضرر في التفكر في العلم فإن ما يعود عليك من ضرره أكثر وكم من شيء تطلع ~~عليه فيضرك اطلاعك عليه ضررا يكاد يهلكك في الآخرة إن لم يتداركك الله ~~برحمته # واعلم أنه كما يطلع الطبيب الحاذق على أسرار في المعالجات يستبعدها من لا ~~يعرفها فكذلك الأنبياء أطباء القلوب والعلماء بأسباب الحياة الأخروية فلا ~~تتحكم على سننهم بمعقولك فتهلك فكم من شخص يصيبه عارض في أصبعه فيقتضي عقله ~~أن يطليه حتى ينبهه الطبيب الحاذق أن علاجه أن بطلي الكف من الجانب الآخر ~~من البدن فيستبعد ذلك غاية الاستبعاد من حيث لا يعلم كيفية انشعاب الأعصاب ~~ومنابتها ووجه التفافها على البدن فهكذا الأمر في طريق الآخرة وفي دقائق ~~سنن الشرع وآدابه وفي عقائده التي تعبد الناس بها أسرار ولطائف ليست في سعة ~~العقل وقوته الإحاطة بها كما أن في خواص الأحجار أمورا عجائب غاب عن أهل ~~الصنعة علمها حتى لم يقدر أحد على أن يعرف السبب الذي به يجذب المغناطيس ~~الحديد فالعجائب والغرائب في العقائد والأعمال وإفادتها لصفاء القلوب ~~ونقائها وطهارتها وتزكيتها وإصلاحها للترقي إلى جوار الله تعالى وتعرضها ~~لنفحات فضله أكثر وأعظم مما في الأدوية والعقاقير وكما أن العقول تقصر عن ~~إدراك منافع الأدوية مع أن التجربة سبيل إليها فالعقول تقصر عن إدراك ما ~~ينفع في حياة الآخرة مع أن التجربة غير متطرقة إليها وإنما كانت التجربة ~~تتطرق إليها لو رجع إلينا بعض الأموات فأخبرنا عن الأعمال المقبولة النافعة ~~المقربة إلى الله تعالى زلفى وعن الأعمال المبعدة عنه وكذا عن العقائد وذلك ~~مما لا يطمع فيه فيكفيك من منفعة العقل أن يهديك إلى صدق النبي صلى الله ~~عليه وسلم ويفهمك موارد إشاراته فاعزل العقل بعد ذلك عن التصرف ولازم ~~الاتباع فلا تسلم إلا به والسلام ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن من العلم ~~جهلا وإن من القول عيا + حديث إن من العلم جهلا الحديث رواه أبو داود من ~~حديث بريدة وفي إسناده من يجهل + ومعلوم أن العلم لا يكون جهلا ولكنه يؤثر ~~تأثير الجهل في الإضرار وقال أيضا صلى الله عليه وسلم قليل من التوفيق خير ~~من كثير من العلم + حديث قليل من التوفيق خير من كثير من العلم لم أجد له ~~أصلا وقد ذكره صاحب الفردوس من حديث أبي الدرداء وقال العقل بدل العلم ولم ~~يخرجه ولده في مسنده + وقال عيسى عليه السلام ما أكثر الشجر وليس كلها ~~بمثمر وليس كلها بطيب وما أكثر العلوم وليس كلها بنافع # | بيان ما بدل من ألفاظ العلوم # اعلم أن منشأ التباس العلوم المذمومة بالعلوم الشرعية تحريف الأسامي ~~المحمودة وتبديلها ونقلها بالأغراض PageV01P031 الفاسدة إلى معان غير ما ~~أراده السلف الصالح والقرن الأول وهي خمسة ألفاظ الفقه والعلم والتوحيد ~~والتذكير والحكمة فهذه أسام محمودة والمتصفون بها أرباب المناصب في الدين ~~ولكنها نقلت الآن إلى معان مذمومة فصارت القلوب تنفر عن مذمة من يتصف ~~بمعانيها لشيوع إطلاق هذه الأسامي عليهم # اللفظ الأول الفقه فقد تصرفوا فيه بالتخصيص لا بالنقل والتحويل إذا خصصوه ~~بمعرفة الفروع الغريبة في الفتاوى والوقوف على دقائق عللها واستكثار الكلام ~~فيها وحفظ المقالات المتعلقة بها فمن كان أشد تعمقا فيها وأكثر اشتغالا بها ~~يقال هو الأفقه ولقد كان اسم الفقه في العصر الأول مطلقا على علم طريق ~~الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال وقوة الإحاطة بحقارة ~~الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب ويدلك عليه ~~قوله عز وجل @QB@ ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم @QE@ ~~وما يحصل به الإنذار والتخويف هو هذا الفقه دون تفريعات الطلاق والعتاق ~~واللعان والسلم والإجارة فذلك لا يحصل به إنذار ولا تخويف بل التجرد له على ~~الدوام يقسي القلب وينزع الخشية منه كما نشاهد الآن من المتجردين له # وقال تعالى @QB@ لهم قلوب لا يفقهون بها @QE@ وأراد به معاني الإيمان دون ~~الفتاوى ولعمري إن الفقه والفهم في اللغة اسمان بمعنى واحد وإنما يتكلم في ~~عادة الاستعمال به قديما وحديثا # قال تعالى @QB@ لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله @QE@ الآية فأحال قلة ~~خوفهم من الله واستعظامهم سطوة الخلق على قلة الفقه فانظر إن كان ذلك نتيجة ~~عدم الحفظ لتفريعات الفتاوى أو هو نتيجة عدم ما ذكرناه من العلوم # وقال صلى الله عليه وسلم علماء فقهاء + حديث علماء حكماء فقهاء رواه أبو ~~نعيم في الحلية والبيهقي في الزهد والخطيب في التاريخ من حديث سويد بن ~~الحارث بإسناد ضعيف + للذين وفدوا عليه وسئل سعد بن إبراهيم الزهري رحمه ~~الله أي أهل المدينة أفقه فقال أتقاهم لله تعالى فكأنه أشار إلى ثمرة الفقه ~~والتقوى ثمرة العلم الباطني دون الفتاوى والأقضية # وقال صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بالفقيه كل الفقيه قالوا بلى قال من ~~لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤمنهم من مكر الله ولم يؤيسهم من روح الله ~~ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه + حديث ألا أنبئكم بالفقيه كل الفقيه ~~الحديث رواه أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق وأبو بكر بن السني وابن عبد ~~البر من حديث علي وقال ابن عبد البر أكثرهم يوقفونه عن علي + ولما روى أنس ~~بن مالك قوله صلى الله عليه وسلم لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من ~~غدوة إلى طلوع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب + حديث أنس لأن أقعد مع ~~قوم يذكرون الله تعالى من غدوة إلى طلوع الشمس الحديث رواه أبو داود بإسناد ~~حسن + قال فالتفت إلى زيد الرقاشي وزياد النميري وقال لم تكن مجالس الذكر ~~مثل مجالسكم هذه يقص أحدكم وعظه على أصحابه ويسرد الحديث سردا إنما كنا ~~نقعد فنذكر الإيمان ونتدبر القرآن ونتفقه في الدين ونعد نعم الله علينا ~~تفقها فسمى تدبر القرآن وعد النعم تفقها # قال صلى الله عليه وسلم لا يفقه العبد كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات ~~الله وحتى يرى القرآن وجوها كثيرة + حديث لا يفقه العبد كل الفقه حتى يمقت ~~الناس في ذات الله الحديث أخرجه ابن عبد البر من حديث شداد بن أوس وقال لا ~~يصح مرفوعا + وروى أيضا موقوفا على أبي الدرداء رضي الله عنه مع قوله ثم ~~يقبل على نفسه فيكون لها أشد مقتا وقد سأل فرقد السبخي الحسن عن الشيء ~~فأجابه فقال إن الفقهاء يخالفونك فقال الحسن رحمه الله ثكلتك أمك فريقد وهل ~~رأيت فقيها بعينك إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير ~~بدينه المداوم على عبادة ربه الورع الكاف نفسه عن أعراض المسلمين العفيف عن ~~أموالهم الناصح لجماعتهم ولم يقل في جميع في ذلك الحافظ لفروع الفتاوى ولست ~~أقول إن اسم الفقه لم يكن متناولا للفتاوى في الأحكام الظاهرة ولكن كان ~~بطريق PageV01P032 العموم والشمول أو بطريق الاستتباع فكان إطلاقهم له على ~~علم الآخرة أكثر # فبان من هذا التخصيص تلبيس بعث الناس على التجرد له والإعراض عن علم ~~الآخرة وأحكام القلوب ووجدوا على ذلك معينا من الطبع فإن علم الباطن غامض ~~والعمل به عسير والتوصل به إلى طلب الولاية والقضاء والجاه والمال متعذر ~~فوجد الشيطان مجالا لتحسين ذلك في القلوب بواسطة تخصيص اسم الفقه الذي هو ~~اسم محمود في الشرع # اللفظ الثاني العلم وقد كان يطلق ذلك على العلم بالله تعالى وبآياته ~~وبأفعاله في عباده وخلقه حتى أنه لما مات عمر رضي الله عنه قال ابن مسعود ~~رحمه الله لقد مات تسعة أعشار العلم فعرفه بالألف واللام ثم فسره العلم ~~بالله سبحانه وتعالى وقد تصرفوا فيه أيضا بالتخصيص حتى شهروه في الأكثر بمن ~~يشتغل بالمناظرة مع الخصوم في المسائل الفقهية وغيرها فيقال هو العالم على ~~الحقيقة وهو الفحل في العلم ومن لا يمارس ذلك ولا يشتغل به يعد من جملة ~~الضعفاء ولا يعدونه في زمرة أهل العلم # وهذا أيضا تصرف بالتخصيص ولكن ما ورد من فضائل العلم والعلماء أكثره في ~~العلماء بالله تعالى وبأحكامه وبأفعاله وصفاته # وقد صار الآن مطلقا على من لا يحيط من علوم الشرع بشيء سوى رسوم جدلية في ~~مسائل خلافية فيعد بذلك من فحول العلماء مع جهله بالتفسير والأخبار وعلم ~~المذهب وغيره وصار ذلك سببا مهلكا لخلق كثير من أهل الطلب للعلم # اللفظ الثالث التوحيد وقد جعل الآن عبارة عن صناعة الكلام ومعرفة طريق ~~المجادلة والإحاطة بطرق مناقضات الخصوم والقدرة على التشدق فيها بتكثير ~~الأسئلة وإثارة الشبهات وتأليف الإلزامات حتى لقب طوائف منهم أنفسهم بأهل ~~العدل والتوحيد وسمى المتكلمون العلماء بالتوحيد مع أن جميع ما هو خاصة هذه ~~الصناعة لم يكن يعرف منها شيء في العصر الأول بل كان يشتد منهم النكير على ~~من كان يفتح بابا من الجدل والمماراة فأما ما يشتمل عليه القرآن من الأدلة ~~الظاهرة التي تسبق الأذهان إلى قبولها في أول السماع فلقد كان ذلك معلوما ~~للكل وكان العلم بالقرآن هو العلم كله وكان التوحيد عندهم عبارة عن أمر آخر ~~لا يفهمه أكثر المتكلمين وإن فهموه لم يتصفوا به وهو أن يرى الأمور كلها من ~~الله عز وجل رؤية تقطع التفاته عن الأسباب والوسائط فلا يرى الخير والشر ~~كله إلا منه جل جلاله فهذا مقام شريف إحدى ثمراته التوكل كما سيأتي بيانه ~~في كتاب التوكل # ومن ثمراته أيضا ترك شكاية الخلق وترك الغضب عليهم والرضا والتسليم لحكم ~~الله تعالى # وكانت إحدى ثمراته قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما قيل له في مرضه ~~أنطلب لك طبيبا فقال الطبيب أمرضني وقول آخر لما مرض فقيل له ماذا قال لك ~~الطبيب في مرضك فقال قال لي إني فعال لما أريد # وسيأتي في كتاب التوكل وكتاب التوحيد شواهد ذلك # والتوحيد جو هو نفيس وله قشران أحدهما أبعد عن اللب من الآخر فخصص الناس ~~الاسم بالقشر وبصنعة الحراسة للقشر وأهملوا اللب بالكلية فالقشر الأول هو ~~أن تقول بلسانك لا إله إلا الله وهذا يسمى توحيدا مناقضا للتثليث الذي صرح ~~به النصارى ولكنه قد يصدر من المنافق الذي يخالف سره جهره # والقشر الثاني أن لا يكون في القلب مخالفة وإنكار لمفهوم هذا القول بل ~~يشتمل ظاهر القلب على اعتقاده وكذلك التصديق به وهو توحيد عوام الخلق ~~والمتكلمون كما سبق حراس هذا القشر عن تشويش المبتدعة # والثالث وهو اللباب أن يرى الأمور كلها من الله تعالى رؤية تقطع التفاته ~~عن الوسائط وأن يعبده عبادة يفرده بها فلا يعبد غيره ويخرج عن هذا التوحيد ~~أتباع الهوى فكل متبع هواه فقد اتخذ هواه معبوده # قال الله تعالى @QB@ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه @QE@ وقال صلى الله عليه ~~وسلم أبغض إله عبد في الأرض PageV01P033 عند الله تعالى هو الهوى + حديث ~~أبغض إله عبد في الأرض عند الله هو الهوى أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة ~~بإسناد ضعيف + وعلى التحقيق من تأمل عرف أن عابد الصنم ليس يعبد الصنم ~~وإنما يعبد هواه إذ نفسه مائلة إلى دين آبائه فيتبع ذلك الميل وميل النفس ~~إلى المألوفات أحد المعاني التي يعبر عنها بالهوى ويخرج من هذا التوحيد ~~التسخط على الخلق والالتفات إليهم فإن من يرى الكل من الله عز وجل كيف ~~يتسخط على غيره فلقد كان التوحيد عبارة عن هذا المقام وهو مقام الصديقين ~~فانظر إلى ماذا حول وبأي قشر قنع منه وكيف اتخذوا هذا معتصما في التمدح ~~والتفاخر بما اسمه محمود مع الإفلاس عن المعنى الذي يستحق الحمد الحقيقي ~~وذلك كإفلاس من يصبح بكرة ويتوجه إلى القبلة ويقول وجهت وجهي للذي فطر ~~السموات والأرض حنيفا وهو أول كذب يفاتح الله به كل يوم إن لم يكن وجه قلبه ~~متوجها إلى الله تعالى على الخصوص فإنه إن أراد بالوجه وجه الظاهر فما وجهه ~~إلا إلى الكعبة وما صرفه إلا عن سائر الجهات والكعبة ليست جهة للذي فطر ~~السموات والأرض حتى يكون المتوجه إليها متوجها إليه تعالى عن أن تحده ~~الجهات والأقطار # وإن أراد به وجه القلب وهو المطلوب المتعبد به فكيف يصدق في قوله وقلبه ~~متردد في أوطاره وحاجاته الدنيوية ومتصرف في طلب الحيل في جمع الأموال ~~والجاه واستكثار الأسباب ومتوجه بالكلية إليها فمتى وجه وجهه للذي فطر ~~السموات والأرض وهذه الكلمة خبر عن حقيقة التوحيد فالموحد هو الذي لا يرى ~~إلا الواحد ولا يوجه وجهه إلا إليه وهو امتثال قوله تعالى @QB@ قل الله ثم ~~ذرهم في خوضهم يلعبون @QE@ وليس المراد به القول باللسان فإنما اللسان ~~ترجمان يصدق مرة ويكذب أخرى # وإنما موقع نظر الله تعالى المترجم عنه هو القلب وهو معدن التوحيد ومنبعه # اللفظ الرابع الذكر والتذكير فقد قال الله تعالى @QB@ وذكر فإن الذكرى ~~تنفع المؤمنين @QE@ وقد ورد في الثناء على مجالس الذكر أخبار كثيرة كقوله ~~صلى الله عليه وسلم إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل وما رياض الجنة قال ~~مجالس الذكر + حديث إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا الحديث أخرجه الترمذي من ~~حديث أنس وحسنه + وفي الحديث إن لله تعالى ملائكة سياحين في الدنيا سوى ~~ملائكة الخلق إذا رأوا مجالس الذكر ينادي بعضهم بعضا ألا هلموا إلى بغيتكم ~~فيأتونهم ويحفون بهم ويستمعون ألا فاذكروا الله وذكروا أنفسكم + حديث إن ~~لله ملائكة سياحين في الهواء سوى ملائكة الخلق الحديث متفق عليه من حديث ~~أبي هريرة دون قوله في الهواء والترمذي سياحين في الأرض وقال مسلم سيارة + ~~فنقل ذلك إلى ما ترى أكثر الوعاظ في هذا الزمان يواظبون عليه وهو القصص ~~والأشعار والشطح والطامات أما القصص فهي بدعة وقد ورد نهي السلف عن الجلوس ~~إلى القصاص وقالوا لم يكن ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم + حديث ~~لم تكن القصص في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن ماجه من حديث ~~عمر بإسناد حسن + ولا في زمن أبي بكر ولا عمر رضي الله عنهما حتى ظهرت ~~الفتنة وظهر القصاص وروى أن ابن عمر رضي الله عنهما خرج من المسجد فقال ما ~~أخرجني إلا القاص ولولاه لما خرجت # وقال ضمرة قلت لسفيان الثوري نستقبل القاص بوجوهنا فقال ولوا البدع ~~ظهوركم وقال ابن عون دخلت على ابن سيرين فقال ما كان اليوم من خبر فقلت نهى ~~الأمير القصاص أن يقصوا فقال وفق للصواب # ودخل الأعمش جامع البصرة فرأى قاصا يقص ويقول حدثنا الأعمش فتوسط الحلقة ~~وجعل ينتف شعر إبطه فقال القاص يا شيخ ألا تستحي فقال لم أنا في سنة وأنت ~~في كذب أنا الأعمش وما حدثتك وقال أحمد أكثر الناس كذبا القصاص والسؤال # وأخرج علي رضي الله عنه القصاص من مسجد جامع البصرة PageV01P034 فلما سمع ~~كلام الحسن البصري لم يخرجه إذا كان يتكلم في علم الآخرة والتفكير بالموت ~~والتنبيه على عيوب النفس وآفات الأعمال وخواطر الشيطان ووجه الحذر منها ~~ويذكر بآلاء الله ونعمائه وتقصير العبد في شكره ويعرف حقارة الدنيا وعيوبها ~~وتصرمها ونكث عهدها وخطر الآخرة وأهوالها فهذا هو التذكير المحمود شرعا ~~الذي روى الحث عليه في حديث أبي ذر رضي الله عنه حيث قال حضور مجلس ذكر ~~أفضل من صلاة ألف ركعة وحضور مجلس علم أفضل من عيادة ألف مريض وحضور مجلس ~~علم أفضل من شهود ألف جنازة فقيل يا رسول الله ومن قراءة القرآن قال وهل ~~تنفع قراءة القرآن إلا بالعلم + حديث أبي ذر حضور مجلس علم أفضل من صلاة ~~ألف ركعة تقدم في الباب الأول + وقال عطاء رحمه الله مجلس ذكر يكفر سبعين ~~مجلسا من مجالس اللهو فقد اتخذ المزخرفون هذه الأحاديث حجة على تزكية ~~أنفسهم ونقلوا اسم التذكير إلى خرافاتهم وذهلوا عن طريق الذكر المحمود ~~واشتغلوا بالقصص التي تتطرق إليها الاختلافات والزيادة والنقص وتخرج عن ~~القصص الواردة في القرآن وتزيد عليها فإن من القصص ما ينفع سماعه ومنها ما ~~يضر وإن كان صدقا # ومن فتح ذلك الباب على نفسه اختلط عليه الصدق بالكذب والنافع بالضار فمن ~~هذا نهى عنه ولذلك قال أحمد بن حنبل رحمه الله ما أحوج الناس إلى قاص صادق ~~فإن كانت القصة من قصص الأنبياء عليهم السلام فيما يتعلق بأمور دينهم وكان ~~القاص صادقا صحيح الرواية فلست أرى بها بأسا فليحذر الكذب وحكايات أحوال ~~تومىء إلى هفوات أو مساهلات يقصر فهم العوام عن درك معانيها أو عن كونها ~~هفوة نادرة مردفة بتفكيرات متداركة بحسنات تغطى عليها فإن العامي يعتصم ~~بذلك في مساهلاته وهفواته ويمهد لنفسه عذرا فيه ويحتج بأنه حكى كيت وكيت عن ~~بعض المشايخ وبعض الأكابر فكلنا بصدد المعاصي فلا غرو إن عصيت الله تعالى ~~فقد عصاه من هو أكبر مني ويفيده ذلك جراءة على الله تعالى من حيث لا يدرى ~~فبعد الاحتراز عن هذين المحذورين فلا بأس به وعند ذلك يرجع إلى القصص ~~المحمودة وإلى ما يشتمل عليه القرآن ويصح في الكتب الصحيحة من الأخبار ومن ~~الناس من يستجيز وضع الحكايات المرغبة في الطاعات ويزعم أن قصده فيها دعوة ~~الخلق إلى الحق فهذه من نزعات الشيطان فإن في الصدق مندوحة عن الكذب وفيما ~~ذكر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم غنية عن الاختراع في الوعظ كيف ~~وقد كره تكلف السجع وعد ذلك من التصنع # قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لابنه عمر وقد سمعه يسجع هذا الذي ~~يبغضك إلي لا قضيت حاجتك أبدا حتى تتوب وقد كان جاءه في حاجة وقد قال صلى ~~الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحة في سجع من ثلاث كلمات إياك والسجع يا ~~ابن رواحة + حديث إياك والسجع يا ابن رواحة لم أجده هكذا ولأحمد وأبي علي ~~وابن السني وأبي نعيم في كتاب الرياضة من حديث عائشة بإسناد صحيح أنها قالت ~~للسائب إياك والسجع فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا لا يسجعون ~~ولابن حبان واجتنب السجع وفي البخاري نحوه من قول ابن عباس + فكأن السجع ~~المحذور المتكلف ما زاد على كلمتين ولذلك لما قال الرجل في دية الجنين كيف ~~ندي من لا شرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل ومثل ذلك يطل فقال النبي صلى الله ~~عليه وسلم أسجع كسجع الأعراب + حديث أسجع كسجع الأعراب أخرجه مسلم من حديث ~~المغيرة + # وأما الأشعار فتكثيرها في المواعظ مذموم # قال الله تعالى @QB@ والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد ~~يهيمون @QE@ وقال تعالى @QB@ وما علمناه الشعر وما ينبغي له @QE@ وأكثر ما ~~اعتاده الوعاظ من الأشعار ما يتعلق بالتواصف في العشق وجمال المعشوق وروح ~~الوصال وألم الفراق والمجلس لا يحوى إلا أجلاف العوام وبواطنهم مشحونة ~~بالشهوات وقلوبهم غير منفكة عن الالتفات إلى الصور المليحة فلا تحرك ~~الأشعار من قلوبهم إلا ما هو مستكن PageV01P035 فيها فتشتعل فيها نيران ~~الشهوات فيزعقون ويتواجدون وأكثر ذلك أو كله يرجع إلى نوع فساد فلا ينبغي ~~أن يستعمل من الشعر إلا ما فيه موعظة أو حكمة على سبيل استشهاد واستئناس # وقد قال صلى الله عليه وسلم إن من الشعر لحكمة + حديث إن من الشعر لحكمة ~~أخرجه البخاري من حديث أبيبن كعب + ولو حوى المجلس الخواص الذين وقع ~~الاطلاع على استغراق قلوبهم بحب الله تعالى ولم يكن معهم غيرهم فإن أولئك ~~لا يضر معهم الشعر الذي يشير ظاهره إلى الخلق فإن المستمع ينزل كل ما يسمعه ~~على ما يستولي على قلبه كما سيأتي تحقيق ذلك في كتاب السماع ولذلك كان ~~الجنيد رحمه الله يتكلم على بضعة عشر رجلا فإن كثروا لم يتكلم وما تم أهل ~~مجلسه قط عشرين # وحضر جماعة باب دار ابن سالم فقيل له تكلم فقد حضر أصحابك فقال لا ما ~~هؤلاء أصحابي إنما هم أصحاب المجلس إن أصحابي هم الخواص وأما الشطح فنعني ~~به صنفين من الكلام أحدثه بعض الصوفية # أحدهما الدعاوى الطويلة العريضة في العشق مع الله تعالى والوصال المغني ~~عن الأعمال الظاهرة حتى ينتهي قوم إلى دعوى الاتحاد وارتفاع الحجاب ~~والمشاهدة بالرؤية والمشافهة بالخطاب فيقولون قيل لنا كذا وقلنا كذا ~~ويتشبهون فيه بالحسين بن منصور الحلاج الذي صلب لأجل إطلاقه كلمات من هذا ~~الجنس ويستشهدون بقوله أنا الحق وبما حكى عن أبي يزيد البسطامي أنه قال ~~سبحاني سبحاني وهذا فن من الكلام عظيم ضرره في العوام حتى ترك جماعة من أهل ~~الفلاحة فلاحتهم وأظهروا مثل هذه الدعاوى فإن هذا الكلام يستلذه الطبع إذ ~~فيه البطالة من الأعمال مع تزكية النفس بدرك المقامات والأحوال فلا تعجز ~~الأغبياء عن دعوى ذلك لأنفسهم ولا عن تلقف كلمات مخبطة مزخرفة ومهما أنكر ~~عليهم ذلك لم يعجزوا عن أن يقولوا هذا إنكار مصدره العلم والجدال والعلم ~~حجاب والجدل عمل النفس وهذا الحديث لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفة نور الحق ~~فهذا ومثله مما قد استطار في البلاد شرره وعظم في العوام ضرره حتى من نطق ~~بشيء منه فقتله أفضل في دين الله من إحياء عشرة وأما أبو يزيد البسطامي ~~رحمه الله فلا يصح عنه ما يحكى وإن سمع ذلك منه فلعله كان يحكيه عن الله عز ~~وجل في كلام يردده في نفسه كما لو سمع وهو يقول @QB@ إنني أنا الله لا إله ~~إلا أنا فاعبدني @QE@ فإنه ما كان ينبغي أن يفهم منه ذلك إلا على سبيل ~~الحكاية # الصنف الثاني من الشطح كلمات غير مفهومة لها ظواهر رائقة وفيها عبارات ~~هائلة وليس وراءها طائل إما أن تكون غير مفهومة عند قائلها بل يصدرها عن ~~خبط في عقله وتشويش في خياله لقلة إحاطته بمعنى كلام قرع سمعه وهذا هو ~~الأكثر # وإما أن تكون مفهومة له ولكنه لا يقدر على تفهيمها وإيرادها بعبارة تدل ~~على ضميره لقلة ممارسته للعلم وعدم تعلمه طريق التعبير عن المعاني بالألفاظ ~~الرشيقة ولا فائدة لهذا الجنس من الكلام إلا أنه يشوش القلوب ويدهش العقول ~~ويحير الأذهان أو يحمل على أن يفهم منها معاني ما أريدت بها ويكون فهم كل ~~واحد على مقتضى هواه وطبعه # وقد قال صلى الله عليه وسلم ما حدث أحدكم قوما بحديث لا يفقهونه إلا كان ~~فتنة عليهم + حديث ما حدث أحدكم قوما بحديث لا يفهمونه إلا كان فتنة عليهم ~~رواه العقيلي في الضعفاء وابن السني وأبو نعيم في الرياء من حديث ابن عباس ~~بإسناد ضعيف ولمسلم في مقدمة صحيحه موقوفا على ابن مسعود + وقال صلى الله ~~عليه وسلم كلموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتريدون أن يكذب الله ~~ورسوله + حديث كلموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون الحديث رواه البخاري ~~موقوفا على علي ورفعه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي نعيم ~~+ وهذا فيما يفهمه صاحبه ولا يبلغه عقل المستمع فكيف فيما لا يفهمه قائله # فإن كان يفهمه القائل دون المستمع فلا يحل ذكره # وقال عيسى PageV01P036 عليه السلام لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها ~~فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم كونوا كالطبيب الرفيق يضع الدواء في ~~موضع الداء # وفي لفظ آخر من وضع الحكمة في غير أهلها فقد جهل ومن منعها أهلها فقد ظلم ~~إن للحكمة حقا وإن لها أهلا فأعط كل ذي حق حقه # وأما الطامات فيدخلها ما ذكرناه في الشطح وأمر آخر يخصها وهو صرف ألفاظ ~~الشرع عن ظواهرها المفهومة إلى أمور باطنة لا يسبق منها إلى الأفهام فائدة ~~كدأب الباطنية في التأويلات فهذا أيضا حرام وضرره عظيم فإن الألفاظ إذا ~~صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع ومن غير ضرورة ~~تدعو إليه من دليل العقل اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ وسقط به منفعة ~~كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فإن ما يسبق منه إلى الفهم ~~لا يوثق به والباطن لا ضبط له بل تتعارض فيه الخواطر ويمكن تنزيله على وجوه ~~شتى وهذا أيضا من البدع الشائعة العظيمة الضرر وإنما قصد أصحابها الإغراب ~~لأن النفوس مائلة إلى الغريب ومستلذة له وبهذا الطريق توصل الباطنية إلى ~~هدم جميع الشريعة بتأويل ظواهرها وتنزيلها على رأيهم كما حكيناه من مذاهبهم ~~في كتاب المستظهر المصنف في الرد على الباطنية # ومثال تأويل أهل الطامات قول بعضهم في تأويل قوله تعالى @QB@ اذهب إلى ~~فرعون إنه طغى @QE@ أنه إشارة إلى قلبه وقال هو المراد بفرعون وهو الطاغي ~~على كل إنسان # وفي قوله تعالى @QB@ وأن ألق عصاك @QE@ أي ما يتوكأ عليه ويعتمده مما سوى ~~الله عز وجل فينبغي أن يلقيه # وفي قوله صلى الله عليه وسلم تسحروا فإن في السحور بركة + حديث تسحروا ~~فإن في السحور بركة متفق عليه من حديث أنس + أراد به الاستغفار في الأسحار ~~وأمثال ذلك حتى يحرفون القرآن من أوله إلى آخره عن ظاهره وعن تفسيره ~~المنقول عن ابن عباس وسائر العلماء وبعض هذه التأويلات يعلم بطلانها قطعا ~~كتنزيل فرعون على القلب فإن فرعون شخص محسوس تواتر إلينا النقل بوجوده ~~ودعوة موسى له وكأبي جهل وأبي لهب وغيرهما من الكفار وليس من جنس الشياطين ~~والملائكة مما لم يدرك بالحس حتى يتطرق التأويل إلى ألفاظه وكذا حمل السحور ~~على الاستغفار فإنه كان صلى الله عليه وسلم يتناول الطعام ويقول تسحرو + ~~حديث تناول الطعام في السحور رواه البخاري من حديث أنس أن النبي صلى الله ~~عليه وسلم وزيد بن ثابت تسحرا + و هلموا إلى الغذاء المبارك + حديث هلموا ~~إلى الغذاء المبارك رواه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث العرباض بن ~~سارية وضعفه ابن القطان + فهذه أمور يدرك بالتواتر والحس بطلانها نقلا ~~وبعضها يعلم بغالب الظن وذلك في أمور لا يتعلق بها الإحساس فكل ذلك حرام ~~وضلالة وإفساد للدين على الخلق ولم ينقل شيء من ذلك عن الصحابة ولا عن ~~التابعين ولا عن الحسن البصري مع إكبابه على دعوة الخلق ووعظهم فلا يظهر ~~لقوله صلى الله عليه وسلم من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار + ~~حديث من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار أخرجه الترمذي من حديث ~~ابن عباس وحسنه وهو عند أبي داود من رواية ابن العبد وعند النسائي في ~~الكبرى + معنى إلا هذا النمط وهو أن يكون غرضه ورأيه تقرير أمر وتحقيقه ~~فيستجر شهادة القرآن إليه ويحمله عليه من غير أن يشهد لتنزيله عليه دلالة ~~لفظية لغوية أو نقلية ولا ينبغي أن يفهم منه أنه يجب أن لا يفسر القرآن ~~بالاستنباط والفكر فإن من الآيات ما نقل فيها عن الصحابة والمفسرين خمسة ~~معان وستة وسبعة # ونعلم أن جميعها غير مسموع من النبي صلى الله عليه وسلم فإنها قد تكون ~~متنافية لا تقبل الجمع فيكون ذلك مستنبطا بحسن الفهم وطول الفكر ولهذا قال ~~صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه اللهم فقهه في الدين وعلمه ~~التأويل + حديث اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل قاله لابن عباس رواه ~~البخاري من حديث ابن عباس دون قوله وعلمه التأويل وهو بهذه الزيادة عند ~~أحمد وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد + PageV01P037 ومن يستجيز من أهل ~~الطامات مثل هذه التأويلات مع علمه بأنها غير مرادة بالألفاظ ويزعم أنه ~~يقصد بها دعوة الخلق إلى الخالق يضاهي من يستجيز الاختراع والوضع على رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم لما هو في نفسه حق ولكن لم ينطق به الشرع كمن يضع ~~في كل مسألة يراها حقا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فذلك ظلم وضلال ~~ودخول في الوعيد المفهوم من قوله صلى الله عليه وسلم من كذب علي متعمدا ~~فليتبوأ مقعده من النار + حديث من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ~~متفق عليه من حديث أبي هريرة وعلي وأنس + بل الشر في تأويل هذه الألفاظ أطم ~~وأعظم لأنها مبدلة للثقة بالألفاظ وقاطعة طريق الاستفادة والفهم من القرآن ~~بالكلية فقد عرفت كيف صرف الشيطان دواعي الخلق عن العلوم المحمودة إلى ~~المذمومة فكل ذلك من تلبيس علماء السوء بتبديل الأسامي فإن اتبعت هؤلاء ~~اعتمادا على الاسم المشهور من غير التفات إلى ما عرف في العصر الأول كنت ~~كمن طلب الشرف بالحكمة باتباع من يسمى حكيما فإن اسم الحكيم صار يطلق على ~~الطبيب والشاعر والمنجم في هذا العصر وذلك بالغفلة عن تبديل الألفاظ اللفظ ~~الخامس وهو الحكمة فإن اسم الحكيم صار يطلق على الطبيب والشاعر والمنجم حتى ~~على الذي يدحرج القرعة على أكف السوادية في شوارع الطرق # والحكمة هي التي أثنى الله عز وجل عليها فقال تعالى @QB@ يؤتي الحكمة من ~~يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا @QE@ وقال صلى الله عليه وسلم ~~كلمة من الحكمة يتعلمها الرجل خير له من الدنيا وما فيها + حديث كلمة من ~~الحكمة يتعلمها الرجل خير له من الدنيا تقدم بنحوه + فانظر ما الذي كانت ~~الحكمة عبارة عنه وإلى ماذا نقل وقس به بقية الألفاظ واحترز عن الاغترار ~~بتلبيسات علماء السوء فإن شرهم على الدين أعظم من شر الشياطين إذ الشيطان ~~بواسطتهم يتدرج إلى انتزاع الدين من قلوب الخلق ولهذا لما سئل رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم عن شر الخلق أبى وقال اللهم اغفر حتى كرروا عليه فقال ~~هم علماء السوء + حديث لما سئل عن شر الخلق أبي وقال اللهم اغفر الحديث ~~رواه الدارمي بنحوه من رواية الأحوص بن حكيم عن أبيه مرسلا وهو ضعيف ورواه ~~البزار في مسنده من حديث معاذ بسند ضعيف + فقد عرفت العلم المحمود والمذموم ~~ومثار الالتباس وإليك الخيرة في أن تنظر لنفسك فتقتدي بالسلف أو تتدلى بحبل ~~الغرور وتتشبه بالخلف فكل ما ارتضاه السلف من العلوم قد اندرس وما أكب ~~الناس عليه فأكثره مبتدع ومحدث وقد صح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء فقيل ومن الغرباء ~~قال الذين يصلحون ما أفسده الناس من سنتي والذين يحيون ما أماتوه من سنتي + ~~حديث بدأ الإسلام غريبا الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة مختصرا وهو ~~بتمامه عند الترمذي من حديث عمرو بن عوف وحسنه + وفي آخر هم المتمسكون بما ~~أنتم عليه اليوم + حديث هم المتمسكون بما أنتم عليه اليوم يقوله في وصف ~~الغرباء لم أر له أصلا + وفي حديث آخر الغرباء ناس قليل صالحون بين ناس ~~كثير ومن يبغضهم في الخلق أكثر ممن يحبهم + حديث الغرباء ناس قليلون صالحون ~~أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو + وقد صارت تلك العلوم غريبة بحيث ~~يمقت ذاكرها ولذلك قال الثوري رحمه الله إذا رأيت العالم كثير الأصدقاء ~~فاعلم أنه مخلط لأنه إن نطق بالحق أبغضوه # | بيان القدر المحمود من العلوم المحمودة # اعلم أن العلم بهذا الاعتبار ثلاثة أقسام قسم هو مذموم قليله وكثيره وقسم ~~هو محمود قليله وكثيرة وكلما كان أكثر كان أحسن وأفضل وقسم يحمد منه مقدار ~~الكفاية ولا يحمد الفاضل عليه والاستقصاء فيه وهو مثل PageV01P038 أحوال ~~البدن فإن منها ما يحمد قليله وكثيره كالصحة والجمال ومنها ما يذم قليله ~~وكثيره كالقبح وسوء الخلق ومنها ما يحمد الاقتصاد فيه كبذل المال فإن ~~التبذير لا يحمد فيه وهو بذل وكالشجاعة فإن التهور لا يحمد فيها وإن كان من ~~جنس الشجاعة فكذلك العلم # فالقسم المذموم منه قليله وكثيره هو ما لا فائدة فيه في دين ولا دنيا إذ ~~فيه ضرر يغلب نفعه كعلم السحر والطلسمات والنجوم فبعضه لا فائدة فيه أصلا ~~وصرف العمر الذي هو أنفس ما يملكه الإنسان إليه إضاعة وإضاعة النفيس مذمومة # ومنه ما فيه ضرر يزيد على ما يظن أنه يحصل به من قضاء وطر في الدنيا فإن ~~ذلك لا يعتد به بالإضافة إلى الضرر الحاصل عنه # وأما القسم المحمود إلى أقصى غايات الاستقصاء فهو العلم بالله تعالى ~~وبصفاته وأفعاله وسنته في خلقه وحكمته في ترتيب الآخرة على الدنيا فإن هذا ~~علم مطلوب لذاته وللتوصل به إلى سعادة الآخرة وبذل المقدور فيه إلى أقصى ~~الجهد قصور عن حد الواجب فإنه البحر الذي لا يدرك غوره وإنما يحوم الحائمون ~~على سواحله وأطرافه بقدر ما يسر لهم وما خاض أطرافه إلا الأنبياء والأولياء ~~والراسخون في العلم على اختلاف درجاتهم بحسب اختلاف قوتهم وتفاوت تقدير ~~الله تعالى في حقهم وهذا هو العلم المكنون الذي لا يسطر في الكتب ويعين على ~~التنبه له التعلم ومشاهدة أحوال علماء الآخرة كما سيأتي علامتهم هذا في أول ~~الأمر ويعين عليه في الآخرة المجاهدة والرياضة وتصفية القلب وتفريغه عن ~~علائق الدنيا والتشبه فيها بالأنبياء والأولياء ليتضح منه لكل ساع إلى طلبه ~~بقدر الرزق لا بقدر الجهد ولكن لا غنى فيه عن الاجتهاد فالمجاهدة مفتاح ~~الهداية لا مفتاح لها سواها وأما العلوم التي لا يحمد منها إلا مقدار مخصوص ~~فهي العلوم التي أوردناها في فروض الكفايات فإن في كل علم منها اقتصارا وهو ~~الأقل واقتصادا وهو الوسط واستقصاء وراء ذلك الاقتصاد لا مرد له إلى آخر ~~العمر فكن أحد رجلين إما مشغولا بنفسك وإما متفرغا لغيرك بعد الفراغ من ~~نفسك وإياك أن تشتغل بما يصلح غيرك قبل إصلاح نفسك فإن كنت المشغول بنفسك ~~فلا تشتغل إلا بالعلم الذي هو فرض عليك بحسب ما يقتضيه حالك وما يتعلق منه ~~بالأعمال الظاهرة من تعلم الصلاة والطهارة والصوم وإنما الأهم الذي أهمله ~~الكل علم صفات القلب وما يحمد منها وما يذم إذ لا ينفك بشر عن الصفات ~~المذمومة مثل الحرص والحسد والرياء والكبر والعجب وأخواتها وجميع ذلك ~~مهلكات وإهمالها من الواجبات مع أن الاشتغال بالأعمال الظاهرة يضاهي ~~الاشتغال بطلاء ظاهر البدن عند التأذي بالجرب والدماميل والتهاون بإخراج ~~المادة بالفصد والإسهال وحشوية العلماء يشيرون بالأعمال الظاهرة كما يشير ~~الطرقية من الأطباء بطلاء ظاهر البدن وعلماء الآخرة لا يشيرون إلا بتطهير ~~الباطن وقطع مواد الشر بإفساد منابتها وقلع مغارسها من القلب وإنما فزع ~~الأكثرون إلى الأعمال الظاهرة عن تطهير القلوب لسهولة أعمال الجوارح ~~واستصعاب أعمال القلوب كما يفزع إلى طلاء الظاهر من يستصعب شرب الأدوية ~~المرة فلا يزال يتعب في الطلاء ويزيد في المواد وتتضاعف به الأمراض فإن كنت ~~مريدا للآخرة وطالبا للنجاة وهاربا من الهلاك الأبدي فاشتغل بعلم العلل ~~الباطنة وعلاجها على ما فصلناه في ربع المهلكات ثم ينجر بك ذلك إلى ~~المقامات المحمودة المذكورة في ربع المنجيات لا محالة فإن القلب إذا فرغ من ~~المذموم امتلأ بالمحمود والأرض إذا نقيت من الحشيش نبت فيها أصناف الزرع ~~والرياحين وإن لم تفرغ من ذلك لم تنبت ذاك فلا تشتغل بفروض الكفاية لا سيما ~~وفي زمرة الخلق من قد قام بها فإن مهلك نفسه فيما به صلاح غيره سفيه فما ~~أشد حماقة من دخلت الأفاعي والعقارب تحت ثيابه وهمت بقتله وهو يطلب مذبة ~~يدفع بها الذباب عن غيره ممن لا يغنيه ولا ينجيه مما يلاقيه من تلك الحيات ~~والعقارب إذا همت به # وإن تفرغت من نفسك وتطهيرها وقدرت على ترك ظاهر الإثم وباطنه وصار ذلك ~~ديدنا PageV01P039 لك وعادة متيسرة فيك وما أبعد ذلك منك فاشتغل بفروض ~~الكفايات وراع التدريج فيها فابتدىء بكتاب الله تعالى ثم بسنة رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ثم بعلم التفسير وسائر علوم القرآن من علم الناسخ ~~والمنسوخ والمفصول والموصول والمحكم والمتشابه وكذلك في السنة ثم اشتغل ~~بالفروع وهو علم المذهب من علم الفقه دون الخلاف ثم بأصول الفقه وهكذا إلى ~~بقية العلوم على ما يتسع له العمر ويساعد فيه الوقت ولا تستغرق عمرك في فن ~~واحد منها طلبا للاستقصاء فإن العلم كثير والعمر قصير وهذه العلوم آلات ~~ومقدمات وليست مطلوبة لعينها بل لغيرها وكل ما يطلب لغيره فلا ينبغي أن ~~ينسى فيه المطلوب ويستكثر منه فاقتصر من شائع علم اللغة على ما تفهم منه ~~كلام العرب وتنطق به ومن غريبه على غريب القرآن وغريب الحديث ودع التعمق ~~فيه واقتصر من النحو على ما يتعلق بالكتاب والسنة فما من علم إلا وله ~~اقتصار واقتصاد واستقصاء # ونحن نشير إليها في الحديث والتفسير والفقه والكلام لتقيس بها غيرها ~~فالاقتصار في التفسير ما يبلغ ضعف القرآن في المقدار كما صنفه على الواحدي ~~النيسابوري وهو الوجيز والاقتصاد ما يبلغ ثلاثة أضعاف القرآن كما صنفه من ~~الوسيط فيه وما وراء ذلك استقصاء مستغنى عنه فلا مرد له إلى انتهاء العمر # وأما الحديث فالاقتصار فيه تحصيل ما في الصحيحين بتصحيح نسخة على رجل ~~خبير بعلم متن الحديث # واما حفظ أسامي الرجال فقد كفيت فيه بما تحمله عنك من قبلك ولك أن تعول ~~على كتبهم وليس يلزمك حفظ متون الصحيحين ولكن تحصله تحصيلا تقدر منه على ~~طلب ما تحتاج إليه عند الحاجة وأما الاقتصاد فيه فأن تضيف إليهما ما خرج ~~عنهما مما ورد في المسندات الصحيحة # وأما الاستقصاء فما وراء ذلك إلى استيعاب كل ما نقل من الضعيف والقوي ~~والصحيح والسقيم مع معرفة الطرق الكثيرة في النقل ومعرفة أحوال الرجال ~~وأسمائهم وأوصافهم # وأما الفقه فالاقتصار فيه على ما يحويه مختصر المزني رحمه الله وهو الذي ~~رتبناه في خلاصة المختصر والاقتصاد فيه ما يبلغ ثلاثة أمثاله وهو القدر ~~الذي أوردناه في الوسيط من المذهب والاستقصاء ما أوردناه في البسيط إلى ما ~~وراء ذلك من المطولات # وأما الكلام فمقصوده حماية المعتقدات التي نقلها أهل السنة من السلف ~~الصالح لا غير وما وراء ذلك طلب لكشف حقائق الأمور من غير طريقتها ومقصود ~~حفظ السنة تحصيل رتبة الاقتصار منه بمعتقد مختصر وهو القدر الذي أوردناه في ~~كتاب قواعد العقائد من جملة هذا الكتاب والاقتصاد فيه ما يبلغ قدر مائة ~~ورقة وهو الذي أوردناه في كتاب الاقتصاد في الإعتقاد ويحتاج إليه لمناظرة ~~مبتدع ومعارضة بدعته بما يفسدها وينزعها عن قلب العامي وذلك لا ينفع إلا مع ~~العوام قبل اشتداد تعصبهم وأما المبتدع بعد أن يعلم من الجدل ولو شيئا ~~يسيرا فقلما ينفع معه الكلام فإنك إن أفحمته لم يترك مذهبه وأحال بالقصور ~~على نفسه وقدر أن عند غيره جوابا ما وهو عاجز عنه وإنما أنت ملبس عليه بقوة ~~المجادلة # وأما العامي إذا صرف عن الحق بنوع جدل يمكن أن يرد إليه بمثله قبل أن ~~يشتد التعصب للأهواء فإذا اشتد تعصبهم وقع اليأس منهم إذ التعصب سبب يرسخ ~~العقائد في النفوس وهو من آفات علماء السوء فإنهم يبالغون في التعصب للحق ~~وينظرون إلى المخالفين بعين الازدراء والاستحقار فتنبعث منهم الدعوى ~~بالمكافأة والمقابلة والمعاملة وتتوفر بواعثهم على طلب نصرة الباطل ويقوى ~~غرضهم في التمسك بما نسبوا إليه ولو جاءوا من جانب اللطف والرحمة والنصح في ~~الخلوة لا في معرض التعصب والتحقير لا نجحوا فيه ولكن لما كان الجاه لا ~~يقوم إلا بالاستتباع ولا يستميل الأتباع مثل التعصب واللعن والشتم للخصوم ~~اتخذوا التعصب عادتهم وآلتهم وسموه ذبا عن الدين ونضالا عن المسلمين وفيه ~~على التحقيق هلاك الخلق ورسوخ البدعة PageV01P040 في النفوس # وأما الخلافيات التي أحدثت في هذه الأعصار المتأخرة وأبدع فيها من ~~التحريرات والتصنيفات والمجادلات ما لم يعهد مثلها في السلف فإياك وأن تحوم ~~حولها واجتنبها اجتناب السم القاتل فإنها الداء العضال وهو الذي رد الفقهاء ~~كلهم إلى طلب المنافسة والمباهاة على ما سيأتيك تفصيل غوائلها وآفاتها # وهذا الكلام ربما يسمع من قائله فيقال الناس أعداء ما جهلوا فلا تظن ذلك ~~فعلى الخبير سقطت # فاقبل هذه النصيحة ممن ضيع العمر فيه زمانا وزاد فيه على الأولين تصنيفا ~~وتحقيقا وجدلا وبيانا ثم ألهمه الله رشده وأطلعه على عيبه فهجره واشتغل ~~بنفسه فلا يغرنك قول من يقول الفتوى عماد الشرع ولا يعرف علله إلا بعلم ~~الخلاف فإن علل المذهب مذكورة في المذهب والزيادة عليها مجادلات لم يعرفها ~~الأولون ولا الصحابة وكانوا أعلم بعلل الفتاوى من غيرهم بل هي مع أنها غير ~~مفيدة في علم المذهب ضارة مفسدة لذوق الفقه فإن الذي يشهد له حدس المفتي ~~إذا صح ذوقه في الفقه لا يمكن تمشيته على شروط الجدل في أكثر الأمر فمن ألف ~~طبعه رسوم الجدل أذعن ذهنه لمقتضيات الجدل وجبن عن الإذعان لذوق الفقه ~~وإنما يشتغل به من يشتغل لطلب الصيت والجاه ويتعلل بأنه يطلب علل المذهب ~~وقد ينقضي عليه العمر ولا تنصرف همته إلى علم المذهب فكن من شياطين الجن في ~~أمان واحترز من شياطين الإنس فإنهم أراحوا شياطين الجن من التعب في الإغواء ~~والإضلال وبالجملة فالمرضى عند العقلاء أن تقدر نفسك في العالم وحدك مع ~~الله وبين يديك الموت والعرض والحساب والجنة والنار وتأمل فيما يعنيك مما ~~بين يديك ودع عنك ما سواه والسلام # وقد رأى بعض الشيوخ بعض العلماء في المنام فقال له ما خبر تلك العلوم ~~التي كنت تجادل فيها وتناظر عليها فبسط يده ونفخ فيها وقال طاحت كلها هباء ~~منثورا وما انتفعت إلا بركعتين خلصتا لي في جوف الليل # وفي الحديث ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل + حديث ما ضل ~~قوم بعد هدي كانوا عليه إلا أوتوا الجدل رواه الترمذي وابن ماجه من حديث ~~أبي أمامة قال الترمذي حسن صحيح + ثم قرأ ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم ~~خصمون وفي الحديث في معنى قوله تعالى @QB@ فأما الذين في قلوبهم زيغ @QE@ ~~الآية هم أهل الجدل الذين عناهم الله بقوله تعالى فاحذرهم + حديث هم أهل ~~الجدل الذين عنى الله بقوله فاحذرهم متفق عليه من حديث عائشة + وقال بعض ~~السلف يكون في آخر الزمان قوم يغلق عليهم باب العمل ويفتح لهم باب الجدل # وفي بعض الأخبار إنكم في زمان ألهمتم فيه العمل وسيأتي قوم يلهمون الجدل ~~+ حديث إنكم في زمان ألهمتم فيه العمل وسيأتي قوم يلهمون الجدل لم أجده + ~~وفي الخبر المشهور أبغض الخلق إلى الله تعالى الألد الخصم + حديث أبغض ~~الخلق إلى الله الألد الخصم متفق عليه من حديث عائشة + وفي الخبر ما أتى ~~قوم المنطق إلا منعوا العمل + حديث ما أوتي قوم المنطق إلا منعوا العمل لم ~~أجد له أصلا + والله أعلم # | الباب الرابع في سبب إقبال الخلق على علم الخلاف وتفصيل آفات # المناظرة والجدل وشروط إباحتها # اعلم أن الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تولاها الخلفاء ~~الراشدون المهديون وكانوا أئمة علماء بالله تعالى فقهاء في أحكامه وكانوا ~~مستقلين بالفتاوى في الأقضية فكانوا لا يستعينون بالفقهاء إلا نادرا في ~~وقائع لا يستغنى فيها عن المشاورة فتفرغ العلماء لعلم الآخرة وتجردوا لها ~~وكانوا يتدافعون الفتاوى وما يتعلق بأحكام الخلق من الدنيا وأقبلوا على ~~الله تعالى بكنه اجتهادهم كما نقل من سيرهم فلما أفضت الخلافة بعدهم إلى ~~أقوام تولوها PageV01P041 بغير استحقاق ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام ~~اضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم لاستفتائهم ~~في مجاري أحكامهم وكان قد بقي من علماء التابعين من هو مستمر على الطراز ~~الأول وملازم صفو الدين ومواظب على سمت علماء السلف فكانوا إذا طلبوا هربوا ~~وأعرضوا فاضطر الخلفاء إلى الإلحاح في طلبهم لتولية القضاء والحكومات فرأى ~~أهل تلك الأعصار عز العلماء وإقبال الأئمة والولاة عليهم مع إعراضهم عنهم ~~فاشرأبوا لطلب العلم توصلا إلى نيل العز ودرك الجاه من قبل الولاة فأكبوا ~~على علم الفتاوى وعرضوا أنفسهم على الولاة وتعرفوا إليهم وطلبوا الولايات ~~والصلات منهم فمنهم من حرم ومنهم من أنجح والمنجح لم يخل من ذل الطلب ~~ومهانة الابتذال فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مطلوبين طالبين وبعد أن كانوا ~~أعزة بالإعراض عن السلاطين أذلة بالإقبال عليهم إلا من وفقه الله تعالى في ~~كل عصر من علماء دين الله وقد كان أكثر الإقبال في تلك الأعصار على علم ~~الفتاوى والأقضية لشدة الحاجة إليها في الولايات والحكومات ثم ظهر بعدهم من ~~الصدور والأمراء من يسمع مقالات الناس في قواعد العقائد ومالت نفسه إلى ~~سماع الحجج فيها فعلمت رغبته إلى المناظرة والمجادلة في الكلام فأكب الناس ~~على علم الكلام وأكثروا فيه التصانيف ورتبوا فيه طرق المجادلات واستخرجوا ~~فنون المناقضات في المقالات وزعموا أن غرضهم الذب عن دين الله والنضال عن ~~السنة وقمع المبتدعة كما زعم من قبلهم أن غرضهم بالاشتغال بالفتاوى الدين ~~وتقلد أحكام المسلمين إشفاقا على خلق الله ونصيحة لهم # ثم ظهر بعد ذلك من الصدور من لم يستصوب الخوض في الكلام وفتح باب ~~المناظرة فيه لما كان قد تولد من فتح بابه من التعصبات الفاحشة والخصومات ~~الفاشية المفضية إلى إهراق الدماء وتخريب البلاد ومالت نفسه إلى المناظرة ~~في الفقه وبيان الأولى من مذهب الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما على ~~الخصوص فترك الناس الكلام وفنون العلم وانثالوا على المسائل الخلافية بين ~~الشافعي وأبي حنيفة على الخصوص وتساهلوا في الخلاف مع مالك وسفيان وأحمد ~~رحمهم الله تعالى وغيرهم وزعموا أن غرضهم استنباط دقائق الشرع وتقرير علل ~~المذهب وتمهيد أصول الفتاوى وأكثروا فيها التصانيف والاستنباطات ورتبوا ~~فيها أنواع المجادلات والتصنيفات وهم مستمرون عليه إلى الآن ولسنا ندري ما ~~الذي يحدث الله فيما بعدنا من الأعصار فهذا هو الباعث على الإكباب على ~~الخلافيات والمناظرات لا غير ولو مالت نفوس أرباب الدنيا إلى الخلاف مع ~~إمام آخر من الأئمة أو إلى علم آخر من العلوم لمالوا أيضا معهم ولم يسكنوا ~~عن التعلل بأن ما اشتغلوا به هو علم الدين وأن لا مطلب لهم سوى التقرب إلى ~~رب العالمين # | بيان التلبيس في تشبيه هذه المناظرات بمشاورات الصحابة ومفاوضات # السلف # اعلم أن هؤلاء قد يستدرجون الناس إلى ذلك بأن غرضنا من المناظرات ~~المباحثة عن الحق ليتضح فإن الحق مطلوب والتعاون على النظر في العلم وتوارد ~~الخواطر مفيد ومؤثر هكذا كان عادة الصحابة رضي الله عنهم في مشاوراتهم ~~كتشاورهم في مسألة الجد والأخوة وحد شرب الخمر ووجوب الغرم على الإمام إذا ~~أخطأ كما تقل من إجهاض المرأة جنينها خوفا من عمر رضي الله عنه وكما نقل من ~~مسائل الفرائض وغيرها وما نقل عن الشافعي وأحمد ومحمد بن الحسن ومالك وأبي ~~يوسف وغيرهم من العلماء رحمهم الله تعالى # ويطلعك على هذا التلبيس ما أذكره وهو أن التعاون على طلب الحق من الدين ~~ولكن له شروط وعلامات ثمان الأول أن لا يشتغل به وهو من PageV01P042 فروض ~~الكفايات من لم يتفرغ من فروض الأعيان ومن عليه فرض عين فاشتغل بفرض كفاية ~~وزعم أن مقصده الحق فهو كذاب # ومثاله من يترك الصلاة في نفسه ويتجرد في تحصيل الثياب ونسجها ويقول عرضي ~~أستر عورة من يصلي عريانا ولا يجد ثوبا فإن ذلك ربما يتفق ووقوعه ممكن كما ~~يزعم الفقيه أن وقوع النوادر التي عنها البحث في الخلاف ممكن # والمشتغلون بالمناظرة مهملون لأمور هي فرض عين بالاتفاق ومن توجه عليه رد ~~وديعة في الحال فقام وأحرم بالصلاة التي هي أقرب القربات إلى الله تعالى ~~عصى به فلا يكفي في كون الشخص مطيعا كون فعله من جنس الطاعات ما لم يراع ~~فيه الوقت والشروط والترتيب # الثاني أن لا يرى فرض كفاية أهم من المناظرة فإن رأى ما هو أهم وفعل غيره ~~عصى بفعله وكان مثاله مثال من يرى جماعة من العطاش أشرفوا على الهلاك وقد ~~أهملهم الناس وهو قادر على إحيائهم بأن يسقيهم الماء فاشتغل بتعلم الحجامة ~~وزعم أنه من فروض الكفايات ولو خلا البلد عنها لهلك الناس وإذا قيل له في ~~البلد جماعة من الحجامين وفيهم غنية فيقول هذا لا يخرج هذا الفعل عن كونه ~~فرض كفاية # فحال من يفعل هذا ويهمل الاشتغال بالواقعة الملمة بجماعة العطاش من ~~المسلمين كحال المشتغل بالمناظرة وفي البلد فروض كفايات مهملة لا قائم بها ~~فأما الفتوى فقد قام بها جماعة ولا يخلو بلد من جملة الفروض المهملة ولا ~~يلتفت الفقهاء إليها وأقربها الطب إذ لا يوجد في أكثر البلاد طبيب مسلم ~~يجوز اعتماد شهادته فيما يعول فيه على قول الطبيب شرعا ولا يرغب أحد من ~~الفقهاء في الاشتغال به وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو من فروض ~~الكفايات وربما يكون المناظر في مجلس مناظرته مشاهدا للحرير ملبوسا ومفروشا ~~وهو ساكت ويناظر في مسألة لا يتفق وقوعها قط وإن وقعت قام بها جماعة من ~~الفقهاء ثم يزعم أنه يريد أن يتقرب إلى الله تعالى بفروض الكفايات # وقد روى أنس رضي الله عنه أنه قيل يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف ~~والنهي عن المنكر فقال عليه السلام إذا ظهرت المداهنة في خياركم والفاحشة ~~في شراركم وتحول الملك في صغاركم والفقه في أراذلكم + حديث أنس قيل يا رسول ~~الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحديث أخرجه ابن ماجه ~~بإسناد حسن + # الثالث أن يكون المناظر مجتهدا يفتي برأيه لا بمذهب الشافعي وأبي حنيفة ~~وغيرهما حتى إذا ظهر له الحق من مذهب أبي حنيفة ترك ما يوافق رأي الشافعي ~~وأفتى بما ظهر له كما كان يفعله الصحابة رضي الله عنهم والأئمة # فأما من ليس له رتبة الاجتهاد وهو حكم كل أهل العصر وإنما يفتي فيما يسأل ~~عنه ناقلا عن مذهب صاحبه فلو ظهر له ضعف مذهبه لم يجز له أن يتركه فأي ~~فائدة له في المناظرة ومذهبه معلوم وليس له الفتوى بغيره وما يشكل عليه ~~يلزمه أن يقول لعل عند صاحب مذهبي جوابا عن هذا فإني لست مستقلا بالاجتهاد ~~في أصل الشرع ولو كانت مباحثته عن المسائل التي فيها وجهان أو قولان لصاحبه ~~لكان أشبه فإنه ربما يفتي بأحدهما فيستفيد من البحث ميلا إلى أحد الجانبين ~~ولا يرى المناظرات جارية فيها قط بل ربما ترك المسألة التي فيها وجهان أو ~~قولان وطلب مسألة يكون الخلاف فيها مبتوتا # الرابع أن لا يناظر إلا في مسألة واقعة أو قريبة الوقوع غالبا فإن ~~الصحابة رضي الله عنهم ما تشاوروا إلا فيما تجدد من الوقائع أو ما يغلب ~~وقوعه كالفرائض ولا نرى المناظرين يهتمون بانتقاد المسائل التي تعم البلوى ~~بالفتوى فيها بل يطلبون الطبوليات التي تسمع فيتسع مجال الجدل فيها كيفما ~~كان الأمر PageV01P043 وربما يتركون ما يكثر وقوعه ويقولون هذه مسألة خبرية ~~أو هي من الزوايا وليست من الطبوليات فمن العجائب أن يكون المطلب هو الحق ~~ثم يتركون المسألة لأنها خبرية ومدرك الحق فيها هو الإخبار أو لأنها ليست ~~من الطبول فلا نطول فيها الكلام # والمقصود في الحق أن يقصر الكلام ويبلغ الغاية على القرب لا أن يطول # الخامس أن تكون المناظرة في الخلوة أحب إليه وأهم من المحافل وبين أظهر ~~الأكابر والسلاطين فإن الخلوة أجمع للفهم وأحرى بصفاء الذهن والفكر ودرك ~~الحق وفي حضور الجمع ما يحرك دواعي الرياء ويوجب الحرص على نصرة كل واحد ~~نفسه محقا كان أو مبطلا وأنت تعلم أن حرصهم على المحافل والمجامع ليس لله ~~وأن الواحد منهم يخلو بصاحبه مدة طويلة فلا يكلمه وربما يقترح عليه فلا ~~يجيب وإذا ظهر مقدم أو انتظم مجمع لم يغادر في قوس الاحتيال منزعا حتى يكون ~~هو المتخصص بالكلام # السادس أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرق بين أن تظهر الضالة على ~~يده أو على يد من يعاونه ويرى رفيقه معينا لا خصما ويشكره إذا عرفه الخطأ ~~وأظهر له الحق كما لو أخذ طريقا في طلب ضالته فنبهه صاحبه على ضالته في ~~طريق آخر فإنه كان يشكره ولا يذمه ويكرمه ويفرح به فهكذا كانت مشاورات ~~الصحابة رضي الله عنهم حتى أن امرأة ردت على عمر رضي الله عنه ونبهته على ~~الحق وهو في خطبته على ملإ من الناس فقال أصابت امرأة وأخطأ رجل # وسأل رجل عليا رضي الله عنه فأجابه فقال ليس كذلك يا أمير المؤمنين ولكن ~~كذا كذا فقال أصبت وأخطأت وفوق كل ذي علم عليم # واستدرك ابن مسعود على أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال أبو موسى لا ~~تسألوني عن شيء وهذا الحبر بين أظهركم # وذلك لما سئل أبو موسى عن رجل قاتل في سبيل الله فقتل فقال هو في الجنة ~~وكان أمير الكوفة فقام ابن مسعود فقال أعده على الأمير فلعله لم يفهم ~~فأعادوا عليه فأعاد الجواب فقال ابن مسعود وأنا أقول إن قتل فأصاب الحق فهو ~~في الجنة فقال أبو موسى الحق ما قال وهكذا يكون إنصاف طلب الحق ولو ذكر مثل ~~هذا الآن لأقل فقيه لأنكره واستبعده وقال لا يحتاج إلى أن يقال أصاب الحق ~~فإن ذلك معلوم لكل أحد # فانظر إلى مناظري زمانك اليوم كيف يسود وجه أحدهم إذا اتضح الحق على لسان ~~خصمه وكيف يخجل به وكيف يجهد في مجاحدته بأقصى قدرته وكيف يذم من أفحمه طول ~~عمره ثم لا يستحي من تشبيه نفسه بالصحابة رضي الله عنهم في تعاونهم على ~~النظر في الحق السابع أن لا يمنع معينه في النظر من الانتقال من دليل إلى ~~دليل ومن إشكال إلى إشكال فهكذا كانت مناظرات السلف ويخرج من كلامه جميع ~~دقائق الجدل المبتدعة فيما له وعليه كقوله هذا لا يلزمني ذكره وهذا يناقض ~~كلامك الأول فلا يقبل منك فإن الرجوع إلى الحق مناقض للباطل ويجب قبوله # وأنت ترى أن جميع المجالس تنقضي في المدافعات والمجادلات حتى يقيس ~~المستدل على أصل بعلة يظنها فيقال له ما الدليل على أن الحكم في الأصل معلل ~~بهذه العلة فيقول هذا ما ظهر لي فإن ظهر لك ما هو أوضح منه وأولى فاذكره ~~حتى أنظر فيه # فيصر المعترض ويقول فيه معان سوى ما ذكرته وقد عرفتها ولا أذكرها إذ لا ~~يلزمني ذكرها ويقول المستدل عليك إيراد ما تدعيه وراء هذا ويصر المعترض على ~~أنه لا يلزمه ويتوخى مجالس المناظرة بهذا الجنس من السؤال وأمثاله ولا يعرف ~~هذا المسكين أن قوله إني أعرفه ولا أذكره إذ لا يلزمني كذب على الشرع فإنه ~~إن كان لا يعرف معناه وإنما يدعيه ليعجز خصمه فهو فاسق كذاب عصى الله تعالى ~~وتعرض لسخطه بدعواه معرفة هو خال عنها وإن كان صادقا فقد فسق بإخفائه ما ~~عرفه من أمر الشرع # وقد سأله أخوه المسلم ليفهمه وينظر فيه فإن كان قويا رجع إليه وإن كان ~~ضعيفا أظهر له ضعفه وأخرجه عن ظلمة الجهل إلى نور العلم # ولا خلاف أن إظهار PageV01P044 ما علم من علوم الدين بعد السؤال عنه واجب ~~لازم فمعنى قوله لا يلزمني أي في شرع الجدل الذي أبدعناه بحكم التشهي ~~والرغبة في طريق الاحتيال والمصارعة بالكلام لا يلزمني وإلا فهو لازم ~~بالشرع فإنه بامتناعه عن الذكر إما كاذب وإما فاسق فتفحص عن مشاورات ~~الصحابة ومفاوضات السلف رضي الله عنهم هل سمعت فيها ما يضاهي هذا الجنس وهل ~~منع أحد من الانتقال من دليل إلى دليل ومن قياس إلى أثر ومن خبر إلى آية بل ~~جميع مناظراتهم من هذا الجنس إذ كانوا يذكرون كل ما يخطر لهم كما يخطر ~~وكانوا ينظرون فيه # الثامن أن يناظر من يتوقع الاستفادة منه ممن هو مشتغل بالعلم # والغالب أنهم يحترزون من مناظرة الفحول والأكابر خوفا من ظهور الحق على ~~ألسنتهم فيرغبون فيمن دونهم طمعا في ترويج الباطل عليهم ووراء هذه شروط ~~دقيقة كثيرة ولكن في هذه الشروط الثمانية ما يهديك إلى من يناظر لله ومن ~~يناظر لعلة # واعلم بالجملة أن من لا يناظر الشيطان وهو مستول على قلبه وهو أعدى عدو ~~له ولا يزال يدعوه إلى هلاكه ثم يشتغل بمناظرة غيره في المسائل التي ~~المجتهد فيها مصيب أو مساهم للمصيب في الأجر فهو ضحكة الشيطان وعبرة ~~للمخلصين ولذلك شمت الشيطان به لما غمسه فيه من ظلمات الآفات التي نعددها ~~ونذكر تفاصيلها فنسأل الله حسن العون والتوفيق # | بيان آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق # اعلم وتحقق أن المناظرة الموضوعة لقصد الغلبة والإفحام وإظهار الفضل ~~والشرف والتشدق عند الناس وقصد المباهاة والمماراة واستمالة وجوه الناس هي ~~منبع جميع الأخلاق المذمومة عند الله المحمودة عند عدو الله إبليس # ونسبتها إلى الفواحش الباطنة من الكبر والعجب والحسد والمنافسة وتزكية ~~النفس وحب الجاه وغيرها كنسبة شرب الخمر إلى الفواحش الظاهرة من الزنا ~~والقذف والقتل والسرقة # وكما أن الذي خير بين الشرب والفواحش وسائر الفواحش استصغر الشرب فأقدم ~~عليه فدعاه ذلك إلى ارتكاب بقية الفواحش في سكره فكذلك من غلب عليه حب ~~الإفحام والغلبة في المناظرة وطلب الجاه والمباهاة دعاه ذلك إلى إضمار ~~الخبائث كلها في النفس وهيج فيه جميع الأخلاق المذمومة # وهذه الأخلاق ستأتي أدلة مذمتها من الأخبار والآيات في ربع المهلكات # ولكنا نشير الآن إلى مجامع ما تهيجه المناظرة فمنها الحسد وقد قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب + حديث ~~الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة ~~وقال البخاري لا يصح وهو عند ابن ماجه من حديث أنس بإسناد ضعيف وفي تاريخ ~~بغداد بإسناد حسن + ولا ينفك المناظر عن الحسد فإنه تارة يغلب وتارة يغلب ~~وتارة يحمد كلامه وأخرى يحمد كلام غيره # فما دام يبقى في الدنيا واحد يذكره بقوة العلم والنظر أو يظن أنه أحسن ~~منه كلاما وأقوى نظرا فلا بد أن يحسده ويحب زوال النعم عنه وانصراف القلوب ~~والوجوه عنه إليه # والحسد نار محرقة فمن بلى به فهو في العذاب في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد ~~وأعظم ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما خذوا العلم حيث وجدتموه ولا ~~تقبلوا قول الفقهاء بعضهم على بعض فإنهم يتغايرون كما تتغاير التيوس في ~~الزريبة # ومنها التكبر والترفع على الناس فقد قال صلى الله عليه وسلم من تكبر وضعه ~~الله ومن تواضع رفعه الله + حديث من تكبر وضعه الله الحديث أخرجه الخطيب من ~~حديث عمر بإسناد صحيح وقال غريب من حديث الثوري ولابن ماجه نحوه من حديث ~~أبي سعيد بسند حسن + وقال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى العظمة ~~إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته + حديث الكبرياء ردائي ~~والعظمة إزاري الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان من حديث أبي ~~هريرة وهو عند مسلم بلفظ الكبرياء رداؤه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد + ولا ~~ينفك المناظر عن التكبر على PageV01P045 الأقران والأمثال والترفع إلى فوق ~~قدره حتى إنهم ليتقاتلون على مجلس من المجالس يتنافسون فيه في الارتفاع ~~والانخفاض والقرب من وسادة الصدر والبعد منها والتقدم في الدخول عند مضايق ~~الطرق وربما يتعلل الغبي والمكار الخداع منهم بأنه يبغي صيانة عز العلم وأن ~~المؤمن منهي عن الإذلال لنفسه + حديث نهى المؤمن عن إذلال نفسه أخرجه ~~الترمذي وصححه وابن ماجه من حديث حذيفة لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه + ~~فتعبر عن التواضع الذي أثنى الله عليه وسائر أنبيائه بالذل وعن التكبر ~~الممقوت عند الله بعز الدين تحريفا للاسم وإضلالا للخلق به كما فعل في اسم ~~الحكمة والعلم وغيرهما # ومنها الحقد فلا يكاد المناظر يخلو عنه # وقد قال صلى الله عليه وسلم المؤمن ليس بحقود + حديث المؤمن ليس بحقود لم ~~أقف له على أصل + وورد في ذم الحقد ما لا يخفى # ولا ترى مناظرا يقدر على أن لا يضمر حقدا على من يحرك رأسه من كلام خصمه ~~ويتوقف في كلامه فلا يقابله بحسن الإصغاء بل يضطر إذا شاهد ذلك إلى إضمار ~~الحقد وتربيته في نفسه وغاية تماسكه الإخفاء بالنفاق ويترشح منه إلى الظاهر ~~لا محالة في غالب الأمر # وكيف ينفك عن هذا ولا يتصور اتفاق جميع المستمعين على ترجيح كلامه ~~واستحسان جميع أحواله في إيراده وإصداره بل لو صدر من خصمه أدنى سبب فيه ~~قلة مبالاة بكلامه انغرس في صدره حقد لا يقلعه مدى الدهر إلى آخر العمر # ومنها الغيبة وقد شبهها الله بأكل الميتة ولا يزال المناظر مثابرا على ~~أكل الميتة فإنه لا ينفك عن حكاية كلام خصمه ومذمته وغاية تحفظه أن يصدق ~~فيما يحكيه عليه ولا يكذب في الحكاية عنه فيحكي عنه لا محالة ما يدل على ~~قصور كلامه وعجزه ونقصان فضله وهو الغيبة فأما الكذب فبهتان وكذلك لا يقدر ~~على أن يحفظ لسانه عن التعرض لعرض من يعرض عن كلامه ويصغي إلى خصمه ويقبل ~~عليه حتى ينسبه إلى الجهل والحماقة وقلة الفهم والبلادة # ومنها تزكية النفس قال الله سبحانه وتعالى فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن ~~اتقى وقيل لحكيم ما الصدق القبيح فقال ثناء المرء على نفسه # ولا يخلو المناظر من الثناء على نفسه بالقوة والغلبة والتقدم على الأقران ~~ولا ينفك في أثناء المناظرة عن قوله لست ممن يخفى عليه أمثال هذه الأمور ~~وأنا المتفنن في العلوم والمستقل بالأصول وحفظ الأحاديث وغير ذلك مما يتمدح ~~به تارة على سبيل الصلف وتارة للحاجة إلى ترويج كلامه # ومعلوم أن الصلف والتمدح مذمومان شرعا وعقلا ومنها التجسس وتتبع عورات ~~الناس وقد قال تعالى ولا تجسسوا والمناظر لا ينفك عن طلب عثرات أقرانه ~~وتتبع عورات خصومه حتى إنه ليخبر بورود مناظر إلى بلده فيطلب من يخبر بواطن ~~أحواله ويستخرج بالسؤال مقابحه حتى يعدها ذخيرة لنفسه في إفضاحه وتخجيله ~~إذا مست إليه حاجة حتى إنه ليستكشف عن أحوال صباه وعن عيوب بدنه فعساه يعثر ~~على هفوة أو على عيب به من قرع أو غيره ثم إذا أحس بأدنى غلبة من جهته عرض ~~به إن كان متماسكا ويستحسن ذلك منه ويعد من لطائف التسبب ولا يمتنع عن ~~الإفصاح به إن كان متبجحا بالسفاهة والاستهزاء كما حكى عن قوم من أكابر ~~المناظرين المعدودين من فحولهم # ومنها الفرح لمساءة الناس والغم لمسارهم ومن لا يحب لأخيه المسلم ما يحب ~~لنفسه فهو بعيد من أخلاق المؤمنين فكل من طلب المباهاة بإظهار الفضل يسره ~~لا محالة ما يسوء أقرانه وأشكاله الذين يسامونه في الفضل ويكون التباغض ~~بينهم كما بين الضرائر فكما أن إحدى الضرائر إذا رأت صاحبتها من بعيد ~~ارتعدت فرائصها واصفر لونها فكذا ترى المناظر إذا رأى مناظرا تغير لونه ~~واضطرب عليه فكره فكأنه يشاهد شيطانا ماردا أو سبعا ضاريا فأين الاستئناس ~~والاسترواح الذي كان يجري بين علماء الدين عند اللقاء وما نقل عنهم من ~~المؤاخاة والتناصر والتساهم في السراء PageV01P046 والضراء حتى قال الشافعي ~~رضي الله عنه العلم بين أهل الفضل والعقل رحم متصل فلا أدري كيف يدعي ~~الاقتداء بمذهبه جماعة صار العلم بينهم عداوة قاطعة فهل يتصور أن ينسب ~~الأنس بينهم مع طلب الغلبة والمباهاة هيهات هيهات وناهيك بالشر شرا أن ~~يلزمك أخلاق المنافقين ويبرئك عن أخلاق المؤمنين والمتقين # ومنها النفاق فلا يحتاج إلى ذكر الشواهد في ذمه وهم مضطرون إليه فإنهم ~~يلقون الخصوم ومحبيهم وأشياعهم ولا يجدون بدا من التودد إليهم باللسان ~~وإظهار الشوق والاعتداد بمكانهم وأحوالهم ويعلم ذلك المخاطب والمخاطب وكل ~~من يسمع منهم أن ذلك كذب وزور ونفاق وفجور فإنهم متوددون بالألسنة متباغضون ~~بالقلوب نعوذ بالله العظيم منه فقد قال صلى الله عليه وسلم إذا تعلم الناس ~~العلم وتركوا العمل وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا في الأرحام ~~لعنهم الله عند ذلك فأصمهم وأعمى أبصارهم + حديث إذا تعلم الناس العلم ~~وتركوا العمل وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب الحديث أخرجه الطبراني من ~~حديث سلمان بإسناد ضعيف + رواه الحسن وقد صح ذلك بمشاهدة هذه الحالة # ومنها الاستكبار عن الحق وكراهته والحرص على المماراة فيه حتى إن أبغض ~~شيء إلى المناظر أن يظهر على لسان خصمه الحق ومنهما ظهر تشمر لجحده وإنكاره ~~بأقصى جهده وبذل غاية إمكانه في المخادعة والمكر والحيلة لدفعه حتى تصير ~~المماراة فيه عادة طبيعية فلا يسمع كلاما إلا وينبعث من طبعه داعية ~~الاعتراض عليه حتى يغلب ذلك على قلبه في أدلة القرآن وألفاظ الشرع فيضرب ~~البعض منها بالبعض والمراء في مقابلة الباطل محذور إذ ندب رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم إلى ترك المراء بالحق على الباطل # قال صلى الله عليه وسلم من ترك المراء وهو مبطل بنى الله له بيتا في ربض ~~الجنة ومن ترك المراء وهو محق بنى الله له بيتا في أعلى الجنة + حديث من ~~ترك المراء وهو مبطل الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أنس مع اختلاف ~~قال الترمذي حسن + وقد سوى الله تعالى بين من افترى على الله كذبا وبين من ~~كذب بالحق فقال تعالى ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما ~~جاءه وقال تعالى فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه ومنها ~~الرياء وملاحظة الخلق والجهد في استمالة قلوبهم وصرف وجوههم # والرياء هو الداء العضال الذي يدعو إلى أكبر الكبائر كما سيأتي في كتاب ~~الرياء والمناظر لا يقصد إلا الظهور عند الخلق وانطلاق ألسنتهم بالثناء ~~عليه فهذه عشر خصال من أمهات الفواحش الباطنة سوى ما يتفق لغير المتماسكين ~~منهم من الخصام المؤدي إلى الضرب واللكم واللطم وتمزيق الثياب والأخذ ~~باللحى وسب الوالدين وشتم الأستاذين والقذف الصريح فإن أولئك ليسوا معدودين ~~في زمرة الناس المعتبرين وإنما الأكابر والعقلاء منهم هم الذين لا ينفكون ~~عن هذه الخصال العشر نعم قد يسلم بعضهم من بعضها مع من هو ظاهر الانحطاط ~~عنه أو ظاهر الارتفاع عليه أو هو بعيد عن بلده وأسباب معيشته ولا ينفك أحد ~~منهم عنه مع أشكاله المقارنين له في الدرجة # ثم يتشعب من كل واحدة من هذه الخصال العشر عشر أخرى من الرذائل لم نطول ~~بذكرها وتفصيل آحادها مثل الأنفة والغضب والبغضاء والطمع وحب طلب المال ~~والجاه للتمكن من الغلبة والمباهاة والأشر والبطر وتعظيم الأغنياء ~~والسلاطين والتردد إليهم والأخذ من حرامهم والتجمل بالخيول والمراكب ~~والثياب المحظورة والاستحقار للناس بالفخر والخيلاء والخوض فيما لا يعني ~~وكثرة الكلام وخروج الخشية والخوف والرحمة من القلب واستيلاء الغفلة عليه ~~حتى لا يدري المصلي منهم في صلاته ما صلى وما الذي يقرأ ومن الذي يناجيه ~~ولايحس بالخشوع من قلبه مع استغراق العمر في العلوم التي تعين في المناظرة ~~مع أنها لا تنفع في الآخرة من تحسين العبارة وتسجيع اللفظ PageV01P047 وحفظ ~~النوادر إلى غير ذلك من أمور لا تحصى # والمناظرون يتفاوتون فيها على حسب درجاتهم ولهم درجات شتى ولا ينفك ~~أعظمهم دينا وأكثرهم عقلا عن جمل من مواد هذه الأخلاق وإنما غايته إخفاؤها ~~ومجاهدة النفس بها # واعلم أن هذه الرذائل لازمة للمشتغل بالتذكير والوعظ أيضا إذا كان قصده ~~طلب القبول وإقامة الجاه ونيل الثروة والعزة وهي لازمة أيضا للمشتغل بعلم ~~المذهب والفتاوى إذا كان قصده طلب القضاء وولاية الأوقاف والتقدم على ~~الأقران # وبالجملة هي لازمة لكل من يطلب بالعلم غير ثواب الله تعالى في الآخرة ~~فالعلم لا يهمل العالم بل يهلكه هلاك الأبد أو يحييه حياة الأبد ولذلك قال ~~صلى الله عليه وسلم أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لا ينفعه الله بعلمه ~~فلقد ضره مع أنه لم ينفعه وليته نجا منه رأسا برأس وهيهات هيهات فخطر العلم ~~عظيم وطالبه طلب الملك المؤبد والنعيم السرمد فلا ينفك عن الملك أو الهلك ~~وهو كطالب الملك في الدنيا فإن لم يتفق له الإصابة في الأموال لم يطمع في ~~السلامة من الإذلال بل لا بد من لزوم أفضح الأحوال فإن قلت في الرخصة في ~~المناظرة فائدة وهي ترغيب الناس في طلب العلم إذ لولا حب الرياسة لاندرست ~~العلوم فقد صدقت فيما ذكرته من وجه ولكنه غير مفيد إذ لولا الوعد بالكرة ~~والصولجان واللعب بالعصافير ما رغب الصبيان في المكتب وذلك لا يدل على أن ~~الرغبة فيه محمودة ولولا حب الرياسة لاندرس العلم # ولا يدل ذلك على أن طالب الرياسة ناج بل هو من الذين قال صلى الله عليه ~~وسلم فيهم إن الله ليؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم + حديث إن الله يؤيد ~~هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم أخرجه النسائي من حديث أنس بإسناد صحيح + ~~وقال صلى الله عليه وسلم إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر + حديث إن ~~الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر متفق عليه من حديث أبي هريرة + فطالب ~~الرياسة في نفسه هالك وقد يصلح بسببه غيره إن كان يدعو إلى ترك الدنيا وذلك ~~فيمن كان ظاهر حاله في ظاهر الأمر ظاهر حال علماء السلف ولكنه يضمر قصد ~~الجاه فمثاله مثال الشمع الذي يحترق في نفسه ويستضيء به غيره فصلاح غيره في ~~هلاكه فأما إذا كان يدعو إلى طلب الدنيا فمثاله مثال النار المحرقة التي ~~تأكل نفسها وغيرها # فالعلماء ثلاثة إما مهلك نفسه وغيره وهم المصرحون بطلب الدنيا والمقبلون ~~عليها وإما مسعد نفسه وغيره وهم الداعون الخلق إلى الله سبحانه ظاهرا ~~وباطنا وإما مهلك نفسه مسعد غيره وهو الذي يدعو إلى الآخرة وقد رفض الدنيا ~~في ظاهره وقصده في الباطن قبول الخلق وإقامة الجاه فانظر من أي الأقسام أنت ~~ومن الذي اشتغلت بالاعتداد له فلا تظنن أن الله تعالى يقبل غير الخالص ~~لوجهه تعالى من العلم والعمل # وسيأتيك في كتاب الرياء بل في جميع ربع المهلكات ما ينفي عنك الريبة فيه ~~إن شاء الله تعالى # | الباب الخامس في آداب المتعلم والمعلم أما المتعلم فآدابه ووظائفه # الظاهرة كثيرة ولكن تنظم تفاريقها عشر جمل الوظيفة الأولى تقديم طهارة ~~النفس عن رذائل الأخلاق ومذموم الأوصاف إذ العلم عبادة القلب وصلاة السر ~~وقربة الباطن إلى الله تعالى وكما لا تصح الصلاة التي هي وظيفة الجوارح ~~الظاهرة إلا بتطهير الظاهر عن الأحداث والأخباث فكذلك لا تصح عبادة الباطن ~~وعمارة القلب بالعلم إلا بعد طهارته عن خبائث الأخلاق وأنجاس PageV01P048 ~~الأوصاف # قال صلى الله عليه وسلم بني الدين على النظافة + حديث بني الدين على ~~النظافة لم أجده هكذا وفي الضعفاء لابن حبان من حديث عائشة تنظفوا فإن ~~الإسلام نظيف وللطبراني في الأوسط بسند ضعيف جدا من حديث ابن مسعود النظافة ~~تدعو إلى الإيمان + وهو كذلك باطنا وظاهرا قال الله تعالى إنما المشركون ~~نجس تنبيها للعقول على الطهارة والنجاسة غير مقصورة على الظواهر بالحس ~~فالمشرك قد يكون نظيف الثوب مغسول البدن ولكنه نجس الجوهر أي باطنه ملطخ ~~بالخبائث # والنجاسة عبارة عما يجتنب ويطلب البعد منه وخبائث صفات الباطن أهم ~~بالاجتناب فإنها مع خبثها في الحال مهلكات في المآل # ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب + حديث لا ~~تدخل الملائكة بيتا فيه كلب متفق عليه من حديث أبي طلحة الأنصاري + والقلب ~~بيت هو منزل الملائكة ومهبط أثرهم ومحل استقرارهم والصفات الرديئة مثل ~~والغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها كلاب نابحة فأنى ~~تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب ونور العلم لا يقذفه الله تعالى في القلب ~~إلا بواسطة الملائكة وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ~~أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء وهكذا ما يرسل من رحمة العلوم إلى ~~القلوب إنما تتولاها الملائكة الموكلون بها وهم المقدسون المطهرون المبرءون ~~عن الصفات المذمومات فلا يلاحظون إلا طيبا ولا يعمرون بما عندهم من خزائن ~~رحمة الله إلا طيبا طاهرا # ولست أقول المراد بلفظ البيت هو القلب وبالكلب هو الغضب والصفات المذمومة ~~ولكني أقول هو تنبيه عليه وفرق بين تعبير الظواهر إلى البواطن وبين التنبيه ~~للبواطن من ذكر الظواهر مع تقرير الظواهر ففارق الباطنية بهذه الدقيقة فإن ~~هذه طريق الاعتبار وهو مسلك العلماء والأبرار إذ معنى الاعتبار أن يعبر ما ~~ذكر إلى غيره فلا يقتصر عليه كما يرى العاقل مصيبة لغيره فيكون فيها له ~~عبرة بأن يعبر منها إلى التنبه لكونه أيضا عرضة للمصائب وكون الدنيا بصدد ~~الانقلاب فعبوره من غيره إلى نفسه ومن نفسه إلى أصل الدنيا عبرة محمودة ~~فاعبر أنت أيضا من البيت الذي هو بناء الخلق إلى القلب الذي هو بيت من بناء ~~الله تعالى ومن الكلب الذي ذم لصفته لا لصورته وهو ما فيه من سبعية ونجاسة ~~إلى الروح الكلبية وهي السبعية # واعلم أن القلب المشحون بالغضب والشره إلى الدنيا والتكلب عليها والحرص ~~على التمزيق لأعراض الناس كلب في المعنى وقلب في الصورة فنور البصيرة يلاحظ ~~المعاني لا الصور # والصور في هذا العالم غالبة على المعاني والمعاني باطنة فيها # وفي الآخرة تتبع الصور المعاني وتغلب المعاني # فلذلك يحشر كل شخص على صورته المعنوية فيحشر الممزق لأعراض الناس كلبا ~~ضاريا والشره إلى أموالهم ذئبا عاديا والمتكبر عليهم في صورة نمر وطالب ~~الرياسة في صورة أسد + حديث حشر الممزق لأعراض الناس في صورة كلب ضار ~~الحديث أخرجه الثعلبي في التفسير من حديث البراء بسند ضعيف + وقد وردت بذلك ~~الأخبار وشهد به الاعتبار عند ذوي البصائر والأبصار فإن قلت كم من طالب ~~ردىء الأخلاق حصل العلوم فهيهات ما أبعده عن العلم الحقيقي النافع في ~~الآخرة الجالب للسعادة فإن من أوائل ذلك العلم أن يظهر له أن المعاصي سموم ~~قاتلة مهلكة وهل رأيت من يتناول سما مع علمه بكونه سما قاتلا إنما الذي ~~تسمعه من المترسمين حديث يلفقونه بألسنتهم مرة ويرددونه بقلوبهم أخرى وليس ~~ذلك من العلم في شيء # قال ابن مسعود رضي الله عنه ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم نور يقذف ~~في القلب # وقال بعضهم إنما العلم الخشية لقوله تعالى إنما يخشى الله من عباده ~~العلماء وكأنه أشار إلى أخص ثمرات العلم # ولذلك قال بعض المحققين معنى قولهم تعلمنا العلم لغير الله فأبى العلم أن ~~يكون إلا لله أن العلم أبى وامتنع علينا فلم تنكشف لنا حقيقته وإنما حصل ~~لنا PageV01P049 حديثه وألفاظه فإن قلت أرى جماعة من العلماء والفقهاء ~~المحققين برزوا في الفروع والأصول وعدوا من جملة الفحول وأخلاقهم ذميمة لم ~~يتطهروا منها فيقال إذا عرفت مراتب العلوم وعرفت علم الآخرة استبان لك أن ~~ما اشتغلوا به قليل الغناء من حيث كونه علما وإنما غناؤه من حيث كونه عملا ~~لله تعالى إذا قصد به التقرب إلى الله تعالى وقد سبقت إلى هذا إشارة # وسيأتيك فيه مزيد بيان وإيضاح إن شاء الله تعالى # الوظيفة الثانية أن يقلل علائقه من الاشتغال بالدنيا ويبعد عن الأهل ~~والوطن فإن العلائق شاغلة وصارفة ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ومهما ~~توزعت الفكرة قصرت عن درك الحقائق ولذلك قيل العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيك ~~كلك فإذا أعطيته كلك فأنت من إعطائه إياك بعضه على خطر والفكرة المتوزعة ~~على أمور متفرقة كجدول تفرق ماؤه فنشفت الأرض بعضه واختطف الهواء بعضه فلا ~~يبقى منه ما يجتمع ويبلغ المزدرع # الوظيفة الثالثة أن لا يتكبر على العلم ولا يتأمر على معلم بل يلقى إليه ~~زمام أمره بالكلية في كل تفصيل ويذعن لنصيحته إذعان المريض الجاهل للطبيب ~~المشفق الحاذق # وينبغي أن يتواضع لمعلمه ويطلب الثواب والشرف بخدمته # قال الشعبي صلى زيد بن ثابت على جنازة فقربت إليه بغلته ليركبها فجاء ابن ~~عباس فأخذ بركابه فقال زيد خل عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فقال ابن عباس هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء والكبراء فقبل زيد بن ثابت يده ~~وقال هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم + حديث أخذ ابن ~~عباس بركاب زيد بن ثابت وقوله هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء أخرجه الطبراني ~~والحاكم والبيهقي في المدخل إلا أنهم قالوا هكذا نفعل قال الحاكم صحيح ~~الإسناد على شرط مسلم + وقال صلى الله عليه وسلم ليس من أخلاق المؤمن ~~التملق إلا في طلب العلم + حديث ليس من أخلاق المؤمن الملق إلا في طلب ~~العلم أخرجه ابن عدي من حديث معاذ وأبي أمامة بإسنادين ضعيفين + فلا ينبغي ~~لطالب العلم أن يتكبر على المعلم ومن تكبره على المعلم أن يستنكف عن ~~الاستفادة إلا من المرموقين المشهورين وهو عين الحماقة فإن العلم سبب ~~النجاة والسعادة ومن يطلب مهربا من سبع ضار يفترسه لم يفرق بين أن يرشده ~~إلى الهرب مشهور أو خامل وضراوة سباع النار بالجهال بالله تعالى أشد من ~~ضراوة كل سبع فالحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يظفر بها ويتقلد المنة لمن ~~ساقها إليه كائنا من كان فلذلك قيل # العلم حرب للفتى المتعالي % كالسيل حرب للمكان العالي # فلا ينال العلم إلا بالتواضع وإلقاء السمع قال الله تعالى @QB@ إن في ذلك ~~لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد @QE@ ومعنى كونه ذا قلب أن ~~يكون قابلا للعلم فهما ثم لا تعينه القدرة على الفهم حتى يلقى السمع وهو ~~شهيد حاضر القلب ليستقيل كل ما ألقى إليه بحسن الإصغاء والضراعة والشكر ~~والفرح وقبول المنة # فليكن المتعلم لمعلمه كأرض دمثة نالت مطرا غزيرا فتشربت جميع أجزائها ~~وأذعنت بالكلية لقبوله # ومهما أشار عليه المعلم بطريق في التعلم فليقلده وليدع رأيه فإن خطأ ~~مرشده أنفع له من صوابه في نفسه إذ التجربة تطلع على دقائق يستغرب سماعها ~~مع أنه يعظم نفعها فكم من مريض محرور يعالجه الطبيب في بعض أوقاته بالحرارة ~~ليزيد في قوته إلى حد يحتمل صدمة العلاج فيعجب منه من لا خبرة له به وقد ~~نبه الله تعالى بقصة الخضر وموسى عليهما السلام حيث قال الخضر @QB@ إنك لن ~~تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا @QE@ ثم شرط عليه السكوت ~~والتسليم فقال @QB@ فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ~~@QE@ ثم لم يصبر ولم يزل في مراودته إلى أن كان ذلك سبب الفراق بينهما # وبالجملة كل متعلم استبقى لنفسه رأيا واختيارا PageV01P050 دون اختيار ~~المعلم فاحكم عليه بالإخفاق والخسران # فإن قلت فقد قال الله تعالى @QB@ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ~~@QE@ فالسؤال مأمور به فاعلم أنه كذلك ولكن فيما يأذن المعلم في السؤال عنه ~~فإن السؤال عما لم تبلغ مرتبتك إلى فهمه مذموم ولذلك منع الخضر موسى عليه ~~السلام من السؤال أي دع السؤال قبل أوانه فالمعلم أعلم بما أنت أهل له ~~وبأوان الكشف # وما لم يدخل أوان الكشف في كل درجة من مراقي الدرجات لا يدخل أوان السؤال ~~عنه # وقد قال علي رضي الله عنه إن من حق العالم أن لا تكثر عليه بالسؤال ولا ~~تعنته في الجواب ولا تلح عليه إذا كسل ولا تأخذ بثوبه إذا نهض ولا تفشي له ~~سرا ولا تغتابن أحدا عنده ولا تطلبن عثرته وإن زل قبلت معذرته وعليك أن ~~توقره وتعظمه لله تعالى ما دام يحفظ أمر الله تعالى ولا تجلس أمامه وإن ~~كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته # الوظيفه الرابعة أن يحترز الخائض في العلم في مبدأ الأمر عن الإضغاء إلى ~~اختلاف الناس سواء كان ما خاض فيه من علوم الدنيا أو من علوم الآخرة فإن ~~ذلك يدهش عقله ويحير ذهنه ويفتر رأيه ويؤيسه عن الإدراك والاطلاع بل ينبغي ~~أن يتقن أولا الطريق الحميدة الواحدة المرضية عند أستاذه ثم بعد ذلك يصغي ~~إلى المذاهب والشبه # وإن لم يكن أستاذه مستقلا باختيار رأي واحد وإنما عادته نقل المذاهب وما ~~قيل فيها فليحذر منه فإن إضلاله أكثر من إرشاده فلا يصلح الأعمى لقود ~~العميان وإرشادهم ومن هذا حاله يعد في عمى الحيرة وتيه الجهل ومنع المبتدىء ~~عن الشبه يضاهي منع الحديث العهد بالإسلام عن مخالطة الكفار وندب القوى إلى ~~النظر في الاختلافات يضاهي حث القوى على مخالطة الكفار ولهذا يمنع الجبان ~~عن التهجم على صف الكفار ويندب الشجاع له # ومن الغفلة عن هذه الدقيقة ظن بعض الضعفاء أن الاقتداء بالأقوياء فيما ~~ينقل عنهم من المساهلات جائز ولم يدر أن وظائف الأقوياء تخالف وظائف ~~الضعفاء # وفي ذلك قال بعضهم من رآني في البداية صار صديقا ومن رآني في النهاية صار ~~زنديقا إذ النهاية ترد الأعمال إلى الباطن وتسكن الجوارح إلا عن رواتب ~~الفرائض فيتراءى للناظرين أنها بطالة وكسل وإهمال وهيهات فذلك مرابطة القلب ~~في عين الشهود والحضور وملازمة الذكر الذي هو أفضل الأعمال على الدوام ~~وتشبه الضعيف بالقوي فيما يرى من ظاهره أنه هفوة يضاهي اعتذار من يلقى ~~نجاسة يسيرة في كوز ماء ويتعلل بأن أضعاف هذه النجاسة قد يلقى في البحر ~~والبحر أعظم من الكوز فما جاز للبحر فهو للكوز أجوز # ولا يدري المسكين أن البحر بقوته يحيل النجاسة ماء فتنقلب عين النجاسة ~~باستيلائه إلى صفته والقليل من النجاسة يغلب على الكوز ويحيله إلى صفته ~~ولمثل هذا جوز للنبي صلى الله عليه وسلم ما لم يجوز لغيره حتى أبيح له تسع ~~نسوة + حديث أبيح له صلى الله عليه وسلم تسعة نسوة وهو معروف وفي الصحيحين ~~من حديث ابن عباس كان عند النبي صلى الله عليه وسلم تسع الحديث + إذ كان له ~~من القوة ما يتعدى منه صفة العدل إلى نسائه وإن كثرن وأما غيره فلا يقدر ~~على بعض العدل بل يتعدى ما بينهن من الضرار إليه حتى ينجر إلى معصية الله ~~تعالى في طلبه رضاهن # فما أفلح من قاس الملائكة بالحدادين # الوظيفة الخامسة أن لا يدع طالب العلم فنا من العلوم المحمودة ولا نوعا ~~من أنواعه إلا وينظر فيه نظرا يطلع به على مقصده وغايته ثم إن ساعده العمر ~~طلب التبحر فيه وإلا اشتغل بالأهم منه واستوفاه وتطرف من البقية فإن العلوم ~~متعاونة وبعضها مرتبط ببعض ويستفيد منه في الحال الانفكاك عن عداوة ذلك ~~العلم بسبب PageV01P051 جهله فإن الناس أعداء ما جهلوا قال تعالى وإذا لم ~~يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم قال الشاعر # ومن يك ذا فم مر مريض % يجد مرا به الماء الزلالا # فالعلوم على درجاتها إما سالكة بالعبد إلى الله تعالى أو معينة على ~~السلوك نوعا من الإعانة ولها منازل مرتبة في القرب والبعد من المقصود ~~والقوام بها حفظة كحفاظ الرباطات والثغور ولكل واحد رتبة وله بحسب درجته ~~أجر في الآخرة إذا قصد به وجه الله تعالى # الوظيفة السادسة أن لا يخوض في فن من فنون العلم دفعة بل يراعى الترتيب ~~ويبتدىء بالأهم فإن العمر إذا كان لا يتسع لجميع العلوم غالبا فالحزم أن ~~يأخذ من كل شيء أحسنه ويكتفي منه بشمه ويصرف جمام قوته في الميسور من علمه ~~إلى استكمال العلم الذي هو أشرف العلوم وهو علم الآخرة أعني قسمي المعاملة ~~والمكاشفة فغاية المعاملة المكاشفة # وغاية المكاشفة معرفة الله تعالى ولست أعني به الإعتقاد الذي يتلقفه ~~العامي وراثة أو تلقفا ولا طريق تحرير الكلام والمجادلة في تحصين الكلام عن ~~مراوغات الخصوم كما هو غاية المتكلم بل ذلك نوع يقين هو ثمرة نور يقذفه ~~الله تعالى في قلب عبد طهر بالمجاهدة باطنه عن الخبائث حتى ينتهي إلى رتبة ~~إيمان أبي بكر رضي الله عنه الذي لو وزن بإيمان العالمين لرجح + حديث لو ~~وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين لرجح أخرجه ابن عدي من حديث ابن عمر ~~بإسناد ضعيف ورواه البيهقي في الشعب موقوفا على عمر بإسناد صحيح + كما شهد ~~له به سيد البشر صلى الله عليه وسلم فما عندي أن ما يعتقده العامي ويرتبه ~~المتكلم الذي لا يزيد على العامي إلا في صنعة الكلام ولأجله سميت صناعته ~~كلاما وكان يعجز عنه عمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة رضي الله عنهم حتى كان ~~يفضلهم أبو بكر بالسر الذي وقر في صدره # والعجب ممن يسمع مثل هذه الأقوال من صاحب الشرع صلوات الله وسلامه عليه ~~ثم يزدري ما يسمعه على وفقه ويزعم أنه من ترهات الصوفية وأن ذلك غير معقول ~~فينبغي أن تتئد في هذا فعنده ضيعت رأس المال فكن حريصا على معرفة ذلك السر ~~الخارج عن بضاعة الفقهاء والمتكلمين ولا يرشدك إليه إلا حرصك في الطلب # وعلى الجملة فأشرف العلوم وغايتها معرفة الله عز وجل وهو بحر لا يدرك ~~منتهى غوره وأقصى درجات البشر فيه رتبة الأنبياء ثم الأولياء ثم الذين ~~يلونهم # وقد روي أنه رؤي صورة حكيمين من الحكماء المتقدمين في مسجد وفي يد أحدهما ~~رقعة فيها إن أحسنت كل شيء فلا تظنن أنك أحسنت شيئا حتى تعرف الله تعالى ~~وتعلم أنه مسبب الأسباب وموجد الأشياء # وفي يد الآخر كنت قبل أن أعرف الله تعالى أشرب وأظمأ حتى إذا عرفته رويت ~~بلا شرب # الوظيفة السابعة أن لا يخوض في فن حتى يستوفي الفن الذي قبله فإن العلوم ~~مرتبة ترتيبا ضروريا وبعضها طريق إلى بعض والموفق من راعى ذلك الترتيب ~~والتدريج # قال الله تعالى @QB@ الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته @QE@ أي لا ~~يجاوزون فنا حتى يحكموه علما وعملا وليكن قصده في كل علم يتحراه الترقي إلى ~~ما هو فوقه فينبغي ألا يحكم على علم بالفساد لوقوع الخلف بين أصحابه فيه ~~ولا بخطأ واحد أو آحاد فيه ولا بمخالفتهم موجب علمهم بالعمل فترى جماعة ~~تركوا النظر في العقليات والفقهيات متعللين فيها بأنها لو كان لها أصل ~~لأدركه أربابها وقد مضى كشف هذه الشبه في كتاب معيار العلم وترى طائفة ~~يعتقدون بطلان الطب لخطأ شاهدوه من طبيب وطائفة اعتقدوا صحة النجوم لصواب ~~اتفق لواحد وطائفة اعتقدوا بطلانه لخطأ اتفق لآخر # والكل خطأ بل PageV01P052 ينبغي أن يعرف الشيء في نفسه فلا كل علم يستقل ~~بالإحاطة به كل شخص ولذلك قال علي رضي الله عنه لا تعرف الحق بالرجال اعرف ~~الحق تعرف أهله # الوظيفة الثامنة أن يعرف السبب الذي به يدرك أشرف العلوم وأن ذلك يراد به ~~شيئان أحدهما شرف الثمرة والثاني وثاقة الدليل وقوته وذلك كعلم الدين وعلم ~~الطب فإن ثمرة أحدهما الحياة الأبدية وثمرة الآخر الحياة الفانية فيكون علم ~~الدين أشرف # ومثل علم الحساب وعلم النجوم فإن علم الحساب أشرف لوثاقة أدلته وقوتها ~~وإن نسب الحساب إلى الطب كان الطب أشرف باعتبار ثمرته والحساب أشرف باعتبار ~~أدلته وملاحظة الثمرة أولى ولذلك كان الطب أشرف وإن كان أكثره بالتخمين # وبهذا تبين أن أشرف العلوم العلم بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله ~~والعلم بالطريق الموصل إلى هذه العلوم فإياك أن ترغب إلا فيه وأن تحرص إلا ~~عليه # الوظيفة التاسعة أن يكون قصد المتعلم في الحال تحلية باطنه وتجميله ~~بالفضيلة وفي المآل القرب من الله سبحانه والترقي إلى جوار الملأ الأعلى من ~~الملائكة والمقربين ولا يقصد به الرياسة والمال والجاه ومماراة السفهاء ~~ومباهاة الأقران وإن كان هذا مقصده طلب لا محالة الأقرب إلى مقصوده وهو علم ~~الآخرة ومع هذا فلا ينبغي له أن ينظر بعين الحقارة إلى سائر العلوم أعني ~~علم الفتاوى وعلم النحو واللغة المتعلقين بالكتاب والسنة وغير ذلك مما ~~أوردناه في المقدمات والمتممات من ضروب العلوم التي هي فرض كفاية ولا تفهمن ~~من غلونا في الثناء على علم الآخرة تهجين هذه العلوم فالمتكفلون بالعلوم ~~كالمتكفلين بالثغور والمرابطين بها والغزاة المجاهدين في سبيل الله فمنهم ~~المقاتل ومنهم الردء ومنهم الذي يسقيهم الماء ومنهم الذي يحفظ دوابهم ~~ويتعهدهم ولا ينفك أحد منهم عن أجر إذا كان قصده إعلاء كلمة الله تعالى دون ~~حيازة الغنائم فكذلك العلماء قال الله تعالى @QB@ يرفع الله الذين آمنوا ~~منكم والذين أوتوا العلم درجات @QE@ وقال تعالى @QB@ هم درجات عند الله ~~@QE@ والفضيلة نسبية # واستحقارنا للصيارفة عند قياسهم بالملوك لا يدل على حقارتهم إذا قيسوا ~~بالكناسين فلا تظن أن ما نزل عن الرتبة القصوى ساقط القدر بل الرتبة العليا ~~للأنبياء ثم الأولياء ثم العلماء الراسخين في العلم ثم للصالحين على تفاوت ~~درجاتهم وبالجملة @QB@ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا ~~يره @QE@ ومن قصد الله تعالى بالعلم أي علم كان نفعه ورفعه لا محالة # الوظيفة العاشرة أن يعلم نسبة العلوم إلى المقصد كيما يؤثر الرفيع القريب ~~على البعيد والمهم على غيره ومعنى المهم ما يهمك ولا يهمك إلا شأنك في ~~الدنيا والآخرة # وإذا لم يمكنك الجمع بين ملاذ الدنيا ونعيم الآخرة كما نطق به القرآن ~~وشهد له من نور البصائر ما يجري مجرى العيان فالأهم ما يبقى أبد الآباد ~~وعند ذلك تصير الدنيا منزلا والبدن مركبا والأعمال سعيا إلى المقصد ولا ~~مقصد إلا لقاء الله تعالى ففيه النعيم كله وإن كان لا يعرف في هذا العالم ~~قدره إلا الأقلون # والعلوم بالإضافة إلى سعادة لقاء الله سبحانه والنظر إلى وجهه الكريم ~~أعني النظر الذي طلبه الأنبياء وفهموه دون ما سبق إلى فهم العوام ~~والمتكلمين على ثلاث مراتب تفهمها بالموازنة بمثال وهو أن العبد الذي علق ~~عتقه وتمكينه من الملك بالحج وقيل له إن حججت وأتممت وصلت إلى العتق والملك ~~جميعا وإن ابتدأت بطريق الحج والاستعداد له وعافك في الطريق مانع ضروري فلك ~~العتق والخلاص من شقاء الرق فقط دون سعادة الملك فله ثلاثة أصناف من الشغل # الأول تهيئة الأسباب بشراء الناقة وخرز الراوية وإعداد الزاد والراحلة # والثاني السلوك ومفارقة الوطن بالتوجه إلى الكعبة منزلا بعد منزل # والثالث الاشتغال بأعمال الحج ركنا بعد ركن ثم بعد الفراغ والنزوع عن ~~هيئة الإحرام وطواف الوداع استحق التعرض للملك والسلطنة وله في كل مقام ~~منازل من أول إعداد الأسباب إلى آخره PageV01P053 من أول سلوك البوادي إلى ~~آخره ومن أول أركان الحج إلى آخره # وليس قرب من ابتدأ بأركان الحج من السعادة كقرب من هو بعد في إعداد الزاد ~~والراحلة ولا كقرب من ابتدأ بالسلوك بل هو أقرب منه فالعلوم أيضا ثلاثة ~~أقسام قسم يجري مجرى إعداد الزاد والراحلة وشراء الناقة وهو علم الطب ~~والفقه وما يتعلق بمصالح البدن في الدنيا # وقسم يجري مجرى سلوك البوادي وقطع العقبات وهو تطهير الباطن عن كدورات ~~الصفات وطلوع تلك العقبات الشامخة التي عجز عنها الأولون والآخرون إلا ~~الموفقين فهذا سلوك الطريق وتحصيل علمه كتحصيل علم جهات الطريق ومنازله ~~وكما لا يغني علم المنازل وطرق البوادي دون سلوكها كذلك لا يغني علم تهذيب ~~الأخلاق دون مباشرة التهذيب ولكن المباشرة دون العلم غير ممكن # وقسم ثالث يجري مجرى نفس الحج وأركانه وهو العلم بالله تعالى وصفاته ~~وملائكته وأفعاله وجميع ما ذكرناه في تراجم المكاشفة وههنا نجاة وفوز ~~بالسعادة والنجاة حاصلة لكل سالك للطريق إذا كان غرضه المقصد الحق وهو ~~السلامة # وأما الفوز بالسعادة فلا يناله إلا العارفون بالله تعالى وهم المقربون ~~المنعمون في جوار الله تعالى بالروح والريحان وجنة النعيم وأما الممنوعون ~~دون ذروة الكمال فلهم النجاة والسلامة كما قال الله عز وجل @QB@ فأما إن ~~كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام ~~لك من أصحاب اليمين @QE@ وكل من لم يتوجه إلى المقصد ولم ينتهض له أو انتهض ~~إلى جهته لا على قصد الامتثال والعبودية بل لغرض عاجل فهو من أصحاب الشمال ~~ومن الضالين فله نزل من حميم وتصلية جحيم # واعلم أن هذا هو حق اليقين عند العلماء الراسخين أعني أنهم أدركوه ~~بمشاهدة من الباطن هي أقوى وأجلى من مشاهدة الأبصار وترقوا فيه عن حد ~~التقليد لمجرد السماع وحالهم حال من أخبر فصدق ثم شاهد فحقق وحال غيرهم حال ~~من قبل بحسن التصديق والإيمان ولم يحظ بالمشاهدة والعيان # فالسعادة وراء علم المكاشفة وعلم المكاشفة وراء علم المعاملة التي هي ~~سلوك طريق الآخرة وقطع عقبات الصفات # وسلوك طريق محو الصفات المذمومة وراء علم الصفات وعلم طريق المعالجة ~~وكيفية السلوك في ذلك وراء علم سلامة البدن ومساعدة أسباب الصحة # وسلامة البدن بالاجتماع والتظاهر والتعاون الذي يتوصل به إلى الملبس ~~والمطعم والمسكن وهو منوط بالسلطان وقانونه في ضبط الناس على منهج العدل ~~والسياسة في ناصية الفقيه # وأما أسباب الصحة ففي ناصية الطبيب ومن قال العلم علمان علم الأبدان وعلم ~~الأديان وأشار به إلى الفقه أراد به العلوم الظاهرة الشائعة لا للعلوم ~~العزيزة الباطنة # فإن قلت لم شبهت علم الطب والفقه بإعداد الزاد والراحلة فاعلم أن الساعي ~~إلى الله تعالى لينال قربه هو القلب دون البدن ولست أعني بالقلب اللحم ~~المحسوس بل هو من أسرار الله عز وجل لا يدركه الحس ولطيفة من لطائفه تارة ~~يعبر عنه بالروح وتارة بالنفس المطمئنة والشرع يعبر عنه بالقلب لأنه المطية ~~الأولى لذلك السر وبواسطته صار جميع البدن مطية وآلة لتلك اللطيفة وكشف ~~الغطاء عن ذلك السر من علم المكاشفة وهو مضنون به بل لا رخصة في ذكره وغاية ~~المأذون فيه أن يقال هو جوهر نفيس ودر عزيز أشرف من هذه الأجرام المرئية ~~وإنما هو أمر إلهي كما قال تعالى ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ~~وكل المخلوقات منسوبة إلى الله تعالى ولكن نسبته أشرف من نسبة سائر أعضاء ~~البدن فلله الخلق والأمر جميعا والأمر أعلى من الخلق # وهذه الجوهرة النفيسة الحاملة لأمانة الله تعالى المتقدمة بهذه الرتبة ~~على السموات والأرضين والجبال إذ أبين أن يحملنها وأشفقن منها من عالم ~~الأمر ولا يفهم من هذا أنه تعريض بقدمها فإن القائل بقدم الأرواح مغرور ~~جاهل لا يدري ما يقول فلنقبض عنان البيان عن هذا الفن فهو وراء ما نحن ~~بصدده # والمقصود أن هذه اللطيفة هي الساعية إلى قرب الرب لأنها من أمر الرب فمنه ~~مصدرها وإليه PageV01P054 مرجعها وأما البدن فمطيتها التي تركبها وتسعى ~~بواسطتها فالبدن لها في طريق الله تعالى كالناقة للبدن في طريق الحج ~~وكالراوية الخازنة للماء الذي يفتقر إليه البدن فكل علم مقصده مصلحة البدن ~~فهو من جملة مصالح المطية # ولا يخفى أن الطب كذلك فإنه قد يحتاج إليه في حفظ الصحة على البدن ولو ~~كان الإنسان وحده لاحتاج إليه والفقه يفارقه في أنه لو كان الإنسان وحده ~~ربما كان يستغنى عنه ولكنه خلق على وجه لا يمكنه أن يعيش وحده إذ لا يستقل ~~بالسعي وحده في تحصيل طعامه بالحراثة والزرع والخبز والطبخ وفي تحصيل ~~الملبس والمسكن وفي إعداد آلات ذلك كله فاضطر إلى المخالطة والاستعانة # ومهما اختلط الناس وثارت شهواتهم تجاذبوا أسباب الشهوات وتنازعوا ~~وتقاتلوا وحصل من قتالهم هلاكهم بسبب التنافس من خارج كما يحصل هلاكهم بسبب ~~تضاد الأخلاط من داخل وبالطب يحفظ الاعتدال في الأخلاط المتنازعة من داخل ~~وبالسياسة والعدل يحفظ الاعتدال في التنافس من خارج وعلم طريق اعتدال ~~الأخلاط طب وعلم طريق اعتدال أحوال الناس في المعاملات والأفعال فقه # وكل ذلك لحفظ البدن الذي هو مطية فالمتجرد لعلم الفقه أو الطب إذا لم ~~يجاهد نفسه ولا يصلح قلبه كالمتجرد لشراء الناقة وعلفها وشراء الراوية ~~وخرزها إذا لم يسلك بادية الحج # والمستغرق عمره في دقائق الكلمات التي تجري في مجادلات الفقه كالمستغرق ~~عمره في دقائق الأسباب التي بها تستحكم الخيوط التي تخرز بها الراوية للحج # ونسبة هؤلاء من السالكين لطريق إصلاح القلب الموصل إلى علم المكاشفة ~~كنسبة أولئك إلى سالكي طريق الحج أو ملابسي أركانه فتأمل هذا أولا واقبل ~~النصيحة مجانا ممن قام عليه ذلك غالبا ولم يصل إليه إلا بعد جهد جهيد ~~وجراءة تامة على مباينة الخلق العامة والخاصة في النزوع من تقليدهم بمجرد ~~الشهوة فهذا القدر كاف في وظائف المتعلم # | بيان وظائف المرشد المعلم # اعلم أن للإنسان في علمه أربعة أحوال كحاله في اقتناء الأموال إذ لصاحب ~~المال حال استفادة فيكون مكتسبا وحال ادخار لما اكتسبه فيكون به غنيا عن ~~السؤال وحال إنفاق على نفسه فيكون منتفعا وحال بذل لغيره فيكون به سخيا ~~متفضلا وهو أشرف أحواله # فكذلك العلم يقتنى كما يقتنى المال فله حال طلب واكتساب وحال تحصيل يغني ~~عن السؤال وحال استبصار وهو التفكر في المحصل والتمتع به وحال تبصير وهو ~~أشرف الأحوال فمن علم وعمل وعلم فهو الذي يدعى عظيما في ملكوت السموات فإنه ~~كالشمس تضيء لغيرها وهي مضيئة في نفسها وكالمسك الذي يطيب غيره وهو طيب # والذي يعلم ولا يعمل به كالدفتر الذي يفيد غيره وهو خال عن العلم وكالمسن ~~الذي يشحذ غيره ولا يقطع والإبرة التي تكسو غيرها وهي عارية وذبالة المصباح ~~تضيء لغيرها وهي تحترق كما قيل # ما هو إلا ذبالة وقدت % تضيء للناس وهي تحترق # ومهما اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمرا عظيما وخطرا جسيما فليحفظ آدابه ~~ووظائفه # الوظيفة الأولى الشفقة على المتعلمين وأن يجريهم مجرى بنيه قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إنما أنا لكم مثل الوالد لولده + حديث إنما أنا لكم مثل ~~الوالد لولده أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث أبي ~~هريرة + بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة وهو أهم من إنقاذ الوالدين ولدهما ~~من نار الدنيا ولذلك صار حق المعلم أعظم من حق الوالدين فإن الوالد سبب ~~الوجود الحاضر والحياة الفانية والمعلم سبب الحياة الباقية # ولولا المعلم لانساق ما حصل من جهة الأب إلى الهلاك الدائم وإنما المعلم ~~هو المفيد للحياة الأخروية الدائمة أعني معلم علوم الآخرة أو علوم ~~PageV01P055 الدنيا على قصد الآخرة لا على قصد الدنيا فأما التعليم على قصد ~~الدنيا فهو هلاك وإهلاك نعوذ بالله منه # وكما أن حق أبناء الرجل الواحد أن يتحابوا ويتعاونوا على المقاصد كلها ~~فكذلك حق تلامذة الرجل الواحد التحاب والتوادد ولا يكون إلا كذلك إن كان ~~مقصدهم الآخرة ولا يكون إلا التحاسد والتباغض إن كان مقصدهم الدنيا # فإن العلماء وأبناء الآخرة مسافرون إلى الله تعالى وسالكون إليه الطريق ~~من الدنيا وسنوها وشهورها منازل الطريق # والترافق في الطريق بين المسافرين إلى الأمصار سبب التواد والتحاب فكيف ~~السفر إلى الفردوس الأعلى والترافق في طريقه ولا ضيق في سعادة الآخرة فلذلك ~~لا يكون بين أبناء الآخرة تنازع ولا سعة في سعادات الدنيا فلذلك لا ينفك عن ~~ضيق التزاحم # والعادلون إلى طلب الرياسة بالعلوم خارجون عن موجب قوله تعالى @QB@ إنما ~~المؤمنون إخوة @QE@ وداخلون في مقتضى قوله تعالى @QB@ الأخلاء يومئذ بعضهم ~~لبعض عدو إلا المتقين @QE@ الوظيفة الثانية أن يقتدى بصاحب الشرع صلوات ~~الله عليه وسلامه فلا يطلب على إفادة العلم أجرا ولا يقصد به جزاء ولا شكرا ~~بل يعلم لوجه الله تعالى وطلبا للتقرب إليه ولا يرى لنفسه منة عليهم وإن ~~كانت المنة لازمة عليهم بل يرى الفضل لهم إذ هذبوا قلوبهم لأن تتقرب إلى ~~الله تعالى بزراعة العلوم فيها كالذي يعيرك الأرض لتزرع فيها لنفسك زراعة ~~فمنفعتك بها تزيد على منفعة صاحب الأرض فكيف تقلده منة وثوابك في التعليم ~~أكثر من ثواب المتعلم عند الله تعالى ولولا المتعلم ما نلت هذا الثواب فلا ~~تطلب الأجر إلا من الله تعالى كما قال عز وجل @QB@ ويا قوم لا أسألكم عليه ~~مالا إن أجري إلا على الله @QE@ فإن المال وما في الدنيا خادم البدن والبدن ~~مركب النفس ومطيتها والمخدوم هو العلم إذ به شرف النفس # فمن طلب بالعلم المال كان كمن مسح أسفل مداسه بوجهه لينظفه فجعل المخدوم ~~خادما والخادم مخدوما وذلك هو الانتكاس على أم الرأس ومثله هو الذي يقوم في ~~العرض الأكبر مع المجرمين ناكسي رءوسهم عند ربهم # وعلى الجملة فالفضل والمنة للمعلم فانظر كيف انتهى أمر الدين إلى قوم ~~يزعمون أن مقصودهم التقرب إلى الله تعالى بما هم فيه من علم الفقه والكلام ~~والتدريس فيهما وفي غيرهما فإنهم يبذلون المال والجاه ويتحملون أصناف الذل ~~في خدمة السلاطين لاستطلاق الجرايات ولو تركوا ذلك لتركوا ولم يختلف إليهم ~~ثم يتوقع المعلم من المتعلم أن يقوم له في كل نائبة وينصر وليه ويعادي عدوه ~~وينتهض جهارا له في حاجاته ومسخرا بين يديه في أوطاره فإن قصر في حقه ثار ~~عليه وصار من أعدى أعدائه فأخسس بعالم يرضى لنفسه بهذه المنزلة ثم يفرح بها ~~ثم لا يستحي من أن يقول غرضي من التدريس نشر العلم تقربا إلى الله تعالى ~~ونصرة لدينه فانظر إلى الأمارات حتى ترى ضروب الاغترارات # الوظيفة الثالثة أن لا يدع من نصح المتعلم شيئا وذلك بأن يمنعه من التصدي ~~لرتبة قبل استحقاقها والتشاغل بعلم خفي قبل الفراغ من الجلى ثم ينبهه على ~~أن الغرض بطلب العلوم القرب إلى الله تعالى دون الرياسة والمباهاة ~~والمنافسة ويقدم تقبيح ذلك في نفسه بأقصى ما يمكن فليس ما يصلحه العالم ~~الفاجر بأكثر مما يفسده فإن علم من باطنه أنه لا يطلب العلم إلا للدنيا نظر ~~إلى العلم الذي يطلبه فإن كان هو علم الخلاف في الفقه والجدل في الكلام ~~والفتاوى في الخصومات والأحكام فيمنعه من ذلك فإن هذه العلوم ليست من علوم ~~الآخرة ولا من العلوم التي قيل فيها تعلمنا العلم لغير الله فأبى العلم أن ~~يكون إلا لله وإنما ذلك علم التفسير وعلم الحديث وما كان الأولون يشتغلون ~~به من علم الآخرة ومعرفة أخلاق النفس وكيفية تهذيبها فإذا تعلمه الطالب ~~وقصد به الدنيا فلا بأس أن يتركه فإنه يثمر له طمعا في الوعظ والاستتباع ~~ولكن قد يتنبه في أثناء الأمر أو آخره إذ فيه العلوم المخوفة من الله تعالى ~~المحقرة للدنيا المعظمة للآخرة وذلك PageV01P056 يوشك أن يؤدي إلى الصواب ~~في الآخرة حتى يتعظ بما يعظ به غيره # ويجري حب القبول والجاه مجرى الحب الذي ينثر حوالي الفخ ليقتنص به الطير ~~وقد فعل الله ذلك بعباده إذ جعل الشهوة ليصل الخلق بها إلى بقاء النسل # وخلق أيضا حب الجاه ليكون سببا لإحياء العلوم وهذا متوقع في هذه العلوم ~~فأما الخلافيات المحضة ومجادلات الكلام ومعرفة التفاريع الغريبة فلا يزيد ~~التجرد لها مع الإعراض عن غيرها إلا قسوة القلب وغفلة عن الله تعالى ~~وتماديا في الضلال وطلبا للجاه إلا من تداركه الله تعالى برحمته أو مزج به ~~غيره من العلوم الدينية # ولا برهان على هذا كالتجربة والمشاهدة فانظر واعتبر واستبصر لتشاهد تحقيق ~~ذلك في العباد والبلاد والله المستعان # وقد رؤي سفيان الثوري رحمه الله حزينا فقيل له ما لك فقال صرنا متجرا ~~لأبناء الدنيا يلزمنا أحدهم حتى إذا تعلم جعل قاضيا أو عاملا أو قهرمانا # الوظيفة الرابعة وهي من دقائق صناعة التعليم أن يزجر المتعلم عن سوء ~~الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ ~~فإن التصريح يهتك حجاب الهيئة ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف ويهيج الحرص ~~على الإصرار إذ قال صلى الله عليه وسلم وهو مرشد كل معلم لو منع الناس عن ~~فت البعر لفتوه وقالوا ما نهينا عنه إلا وفيه شيء + حديث لو منع الناس عن ~~فت البعر لفتوه الحديث لم أجده + وينبهك على هذا قصة آدم وحواء عليهما ~~السلام وما نهيا عنه فما ذكرت القصة معك لتكون سمرا بل لتتنبه بها على سبيل ~~العبرة ولأن التعريض أيضا يميل النفوس الفاضلة والأذهان الذكية إلى استنباط ~~معانيه فيفيد فرح التفطن لمعناه رغبة في العلم به ليعلم أن ذلك مما لا يعزب ~~عن فطنته # الوظيفة الخامسة أن المتكفل ببعض العلوم ينبغي أن لا يقبح في نفس المتعلم ~~العلوم التي وراءه كمعلم اللغة إذ عادته تقبيح علم الفقه # ومعلم الفقه عادته تقبيح علم الحديث والتفسير وأن ذلك نقل محض وسماع وهو ~~شأن العجائز ولا نظر للعقل فيه ومعلم الكلام ينفر عن الفقه ويقول ذلك فروع ~~وهو كلام في حيض النسوان فأين ذلك من الكلام في صفة الرحمن فهذه أخلاق ~~مذمومة للمعلمين ينبغي أن تجتنب بل المتكفل بعلم واحد ينبغي أن يوسع على ~~المتعلم طريق التعلم في غيره وإن كان متكفلا بعلوم فينبغي أن يراعى التدريج ~~في ترقية المتعلم من رتبة إلى رتبة # الوظيفة السادسة أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه فلا يلقى إليه ما لا ~~يبلغه عقله فينفره أو يخبط عليه عقله اقتداء في ذلك بسيد البشر صلى الله ~~عليه وسلم حيث قال نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلمهم ~~على قدر عقولهم + حديث نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ~~الحديث رويناه في جزء من حديث أبي بكر بن الشخير من حديث عمر أخصر منه وعند ~~أبي داود من حديث عائشة أنزلوا الناس منازلهم + فليبث إليه الحقيقة إذا علم ~~أنه يستقل بفهمها وقال صلى الله عليه وسلم ما أحد يحدث قوما بحديث لا تبلغه ~~عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم وقال علي رضي الله عنه وأشار إلى صدره إن ~~ههنا لعلوما جمة لو وجدت لها حملة وصدق رضي الله عنه فقلوب الأبرار قبور ~~الأسرار # فلا ينبغي أن يفشي العالم كل ما يعلم إلى كل أحد هذا إذا كان يفهمه ~~المتعلم ولم يكن أهلا للانتفاع به فكيف فيما لا يفهمه وقال عيسى عليه ~~السلام لا تعلقوا الجواهر في أعناق الخنازير فإن الحكمة خير من الجوهر ومن ~~كرهها فهو شر من الخنازير ولذلك قيل كل لكل عبد بمعيار عقله وزن له بميزان ~~فهمه حتى تسلم منه وينتفع بك وإلا وقع الإنكار لتفاوت المعيار وسئل بعض ~~العلماء عن شيء فلم يجب فقال السائل أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~قال من كتم علما نافعا جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار + حديث من كتم ~~علما نافعا جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار أخرجه ابن ماجه من حديث أبي ~~سعيد بإسناد ضعيف وتقدم حديث أبي هريرة بنحوه + فقال PageV01P057 اترك ~~اللجام واذهب فإن جاء من يفقه وكتمته فليلجمني فقد قال الله تعالى @QB@ ولا ~~تؤتوا السفهاء أموالكم @QE@ تنبيها على أن حفظ العلم ممن يفسده ويضره أولى ~~وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق # أأنثر درا بين سارحة النعم % فأصبح مخزونا براعية الغنم # لأنهم أمسوا بجهل لقدره % فلا أنا أضحى أن أطوقه البهم # فإن لطف الله اللطيف بلطفه % وصادفت أهلا للعلوم وللحكم # نشرت مفيدا واستفدت مودة % وإلا فمخزون لدي ومكتتم # فمن منج الجهال علما أضاعه % ومن منع المستوجبين فقد ظلم # الوظيفة السابعة أن المتعلم القاصر ينبغي أن يلقى إليه الجلى اللائق به ~~ولا يذكر له وراء هذا تدقيقا وهو يدخره عنه فإن ذلك يفتر رغبته في الجلى ~~ويشوش عليه قلبه ويوهم إليه البخل به عنه إذ يظن كل أحد أنه أهل لكل علم ~~دقيق # فما من أحد إلا وهو راض عن الله سبحانه في كمال عقله وأشدهم حماقة ~~وأضعفهم عقلا هو أفرحهم بكمال عقله # وبهذا يعلم أن من تقيد من العوام بقيد الشرع ورسخ في نفسه العقائد ~~المأثورة عن السلف من غير تشبيه ومن غير تأويل وحسن مع ذلك سريرته ولم ~~يحتمل عقله أكثر من ذلك فلا ينبغي أن يشوش عليه اعتقاده بل ينبغي أن يخلى ~~وحرفته فإنه لو ذكر له تأويلات الظاهر اتحل عنه قيد العوام ولم يتيسر قيده ~~بقيد الخوض فيرتفع عنه السد الذي بينه وبين المعاصي وينقلب شيطانا مريدا ~~بهلك نفسه وغيره بل لا ينبغي أن يخاض مع العوام في حقائق العلوم الدقيقة بل ~~يقتصر معهم على تعليم العبادات وتعليم الأمانة في الصناعات التي هم بصددها ~~ويملأ قلوبهم من الرغبة والرهبة في الجنة والنار كما نطق به القرآن ولا ~~يحرك عليهم شبهة فإنه ربما تعلقت الشبهة بقلبه ويعسر عليه حلها فيشقى ويهلك ~~وبالجملة لا ينبغي أن يفتح للعوام باب البحث فإنه يعطل عليهم صناعاتهم التي ~~بها قوام الخلق ودوام عيش الخواص # الوظيفة الثامنة أن يكون المعلم عاملا بعلمه فلا يكذب قوله فعله لأن ~~العلم يدرك بالبصائر والعمل يدرك بالأبصار وأرباب الأبصار أكثر # فإذا خالف العمل العلم منع الرشد وكل من تناول شيئا وقال للناس لا ~~تتناولوه فإنه سم مهلك سخر الناس به واتهموه وزاد حرصهم على ما نهوا عنه ~~فيقولون لولا أنه أطيب الأشياء وألذها لما كان يستأثر به # ومثل المعلم المرشد من المسترشدين مثل النقش من الطين والظل من العود ~~فكيف ينتقش الطين بما لا نقش فيه ومتى استوى الظل والعود أعوج ولذلك قيل في ~~المعنى # لا تنه عن خلق وتأتي مثله % عار عليك إذا فعلت عظيم # وقال الله تعالى @QB@ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم @QE@ ولذلك كان ~~وزر العالم في معاصيه أكثر من وزر الجاهل إذ يزل بزلته عالم كثير ويقتدون ~~به # ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها # ولذلك قال علي رضي الله عنه قصم ظهري رجلان عالم متهتك وجاهل متنسك ~~فالجاهل يغر الناس بتنسكه والعالم يغرهم بتهتكه والله أعلم # | الباب السادس في آفات العلم وبيان علامات علما الآخرة والعلماء السوء # قد ذكرنا ما ورد من فضائل العلم والعلماء وقد ورد في العلماء السوء ~~تشديدات عظيمة دلت على أنهم أشد الخلق عذابا يوم القيامة # فمن المهمات العظيمة معرفة العلامات الفارقة بين علماء الدنيا وعلماء ~~الآخرة ونعني بعلماء الدنيا PageV01P058 علماء السوء الذين قصدهم من العلم ~~التنعم بالدنيا والتوصل إلى الجاه والمنزلة عند أهلها قال صلى الله عليه ~~وسلم إن أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه وعنه صلى ~~الله عليه وسلم أنه قال لا يكون المرء عالما حتى يكون بعلمه عاملا + حديث ~~لا يكون المرء عالما حتى يكون بعلمه عاملا أخرجه ابن حبان في كتاب روضة ~~العقلاء والبيهقي في المدخل موقوفا على أبي الدرداء ولم أجده مرفوعا + وقال ~~صلى الله عليه وسلم العلم علمان علم على اللسان فذلك حجة الله تعالى على ~~خلقه وعلم في القلب فذلك العلم النافع + حديث العلم علمان علم على اللسان ~~الحديث أخرجه الترمذي الحكيم في النوادر وابن عبد البر من حديث الحسن مرسلا ~~بإسناد صحيح وأسنده الخطيب في التاريخ من رواية الحسن عن جابر بإسناد جيد ~~وأعله ابن الجوزي + وقال صلى الله عليه وسلم يكون في آخر الزمان عباد جهال ~~وعلماء فساق + حديث يكون في آخر الزمان عباد جهال وعلماء فسقة أخرجه الحاكم ~~من حديث أنس وهو ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم لا تتعلموا العلم لتباهوا ~~به العلماء ولتماروا به السفهاء ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم فمن فعل ذلك ~~فهو في النار + حديث لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء أخرجه ابن ماجه ~~من حديث جابر بإسناد صحيح + وقال صلى الله عليه وسلم من كتم علما عنده ~~ألجمه الله بلجام من نار وقال صلى الله عليه وسلم لأنا من غير الدجال أخوف ~~عليكم من الدجال فقيل وما ذلك فقال من الأئمة المضلين + حديث لأنا من غير ~~الدجال أخوف عليكم من الدجال الحديث أخرجه أحمد من حديث أبي ذر بإسناد جيد ~~+ وقال صلى الله عليه وسلم من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلا ~~بعدا + حديث من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلا بعدا أخرجه ~~أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس وحديث علي بإسناد ضعيف إلا أنه قال زهدا ~~وروى ابن حبان في روضة العقلاء موقوفا على الحسن من ازداد علما ثم ازداد ~~على الدنيا حرصا لم يزدد من الله إلا بعدا وروى أبو الفتح الأزدي في ~~الضعفاء من حديث علي من ازداد بالله علما ثم ازداد للدنيا حبا ازداد الله ~~عليه غضبا + وقال عيسى عليه السلام إلى متى تصفون الطريق للمدلجين وأنتم ~~مقيمون مع المتحيرين فهذا وغيره من الأخبار يدل على عظيم خطر العلم فإن ~~العالم إما متعرض لهلاك الأبد أو لسعادة الأبد وإنه بالخوض في العلم قد حرم ~~السلامة إن لم يدرك السعادة # وأما الآثار فقد قال عمر رضي الله عنه إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة ~~المنافق العليم # قالوا وكيف يكون منافقا عليما # قال عليم اللسان جاهل القلب والعمل # وقال الحسن رحمه الله لا تكن ممن يجمع علم العلماء وطرائف الحكماء ويجري ~~في العمل مجرى السفهاء # وقال رجل لأبي هريرة رضي الله عنه أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه ~~فقال كفى بترك العلم إضاعة له # وقيل لإبراهيم بن عيينة أي الناس أطول ندما قال أما في عاجل الدنيا فصانع ~~المعروف إلى من لا يشكره وأما عند الموت فعالم مفوط # وقال الخليل بن أحمد الرجال أربعة رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم ~~فاتبعوه ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك نائم فأيقظوه ورجل لا يدري ويدري ~~أنه لا يدري فذلك مسترشد فأرشدوه ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك ~~جاهل فارفضوه # وقال سفيان الثوري رحمه الله يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل # وقال ابن المبارك لا يزال المرء عالما ما طلب العلم فإذا ظن أنه قد علم ~~فقد جهل # وقال الفضيل ابن عياض رحمه الله إني لأرحم ثلاثة عزيز قوم ذل وغني قوم ~~افتقر وعالما تلعب به الدنيا # وقال الحسن عقوبة العلماء موت القلب وموت القلب طلب الدنيا بعمل الآخرة ~~وأنشدوا # عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى % ومن يشتري دنياه بالدين أعجب # وأعجب من هذين من باع دينه % بدنيا سواه فهو من ذين أعجب PageV01P059 # وقال صلى الله عليه وسلم إن العالم ليعذب عذابا يطيف به أهل النار ~~استعظاما لشدة عذابه + حديث إن العالم يعذب عذابا يطيف به أهل النار الحديث ~~لم أجده بهذا اللفظ وهو معنى حديث أسامة المذكور بعده + أراد به العالم ~~الفاجر # وقال أسامة بن زيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى بالعالم ~~يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار ~~بالرحى فيطيف به أهل النار فيقولون ما لك فيقول كنت آمر بالخير ولا آتيه ~~وأنهى عن الشر وآتيه + حديث أسامة بن زيد يؤتى بالعالم يوم القيامة ويلقى ~~في النار فتندلق أقتابه الحديث متفق عليه بلفظ الرجل @QB@ بدل @QE@ العالم ~~+ وإنما يضاعف عذاب العالم في معصيته لأنه عصى من علم ولذلك قال الله عز ~~وجل إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار لأنهم جحدوا بعد العلم وجعل ~~اليهود شرا من النصارى مع أنهم ما جعلوا لله سبحانه ولدا ولا قالوا إنه ~~ثالث ثلاثة إلا أنهم أنكروا بعد المعرفة إذ قال الله يعرفونه كما يعرفون ~~أبناءهم وقال تعالى فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ~~وقال تعالى في قصة بلعام بن باعوراء واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا ~~فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين حتى قال فمثله كمثل الكلب إن ~~تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث فكذلك العالم الفاجر فإن بلعام أوتي كتاب ~~الله تعالى فأخلد إلى الشهوات فشبه بالكلب أي سواء أوتي الحكمة أو لم يؤت ~~فهو يلهث إلى الشهوات # وقال عيسى عليه السلام مثل علماء السوء كمثل صخرة وقعت على فم النهر لا ~~هي تشرب الماء ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزرع ومثل علماء السوء مثل قناة ~~الحش ظاهرها جص وباطنها نتن ومثل القبور ظاهرها عامر وباطنها عظام الموتى ~~فهذه الأخبار والآثار تبين أن العالم الذي هو من أبناء الدنيا أخس حالا ~~وأشد عذابا من الجاهل # وأن الفائزين المقربين هم علماء الآخرة ولهم علامات فمنها أن لا يطلب ~~الدنيا بعلمه فإن أقل درجات العالم أن يدرك حقارة الدنيا وخستها وكدورتها ~~وانصرامها وعظم الآخرة ودوامها وصفاء نعيمها وجلالة ملكها ويعلم أنهما ~~متضادتان وأنهما كالضرتين مهما أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى وأنهما ككفتي ~~الميزان مهما رجحت إحداهما خفت الأخرى وأنهما كالمشرق والمغرب مهما قربت من ~~احدهما بعدت عن الآخر وأنهما كقدحين أحدهما مملوء والآخر فارغ فبقدر ما تصب ~~منه في الآخر حتى يمتلىء يفرغ الآخر # فإن من لا يعرف حقارة الدنيا وكدورتها وامتزاج لذاتها بألمها ثم انصرام ~~ما يصفو منها فهو فاسد العقل # فإن المشاهدة والتجربة ترشد إلى ذلك فكيف يكون من العلماء من لا عقل له ~~ومن لا يعلم عظم أمر الآخرة ودوامها فهو كافر مسلوب الإيمان فكيف يكون من ~~العلماء من لا إيمان له ومن لا يعلم مضادة الدنيا للآخرة وأن الجمع بينهما ~~طمع في غير مطمع فهو جاهل بشرائع الأنبياء كلهم بل هو كافر بالقرآن كله من ~~أوله إلى آخر فكيف يعد من زمرة العلماء ومن علم هذا كله ثم لم يؤثر الآخرة ~~على الدنيا فهو أسير الشيطان قد أهلكته شهوته وغلبت عليه شقوته فكيف يعد من ~~حزب العلماء من هذه درجته وفي أخبار داود عليه السلام حكاية عن الله تعالى ~~إن أدنى ما أصنع بالعالم إذا آثر شهوته على محبتي أن أحرمه لذيذ مناجاتي يا ~~داود لا تسأل عني عالما قد أسكرته الدنيا فيصدك عن طريق محبتي أولئك قطاع ~~الطريق على عبادي يا داود إذا رأيت لي طالبا فكن له خادما يا داود من رد ~~إلي هاربا كتبته جهبذا ومن كتبته جهبذا لم أعذبه أبدا ولذلك قال الحسن رحمه ~~الله عقوبة العلماء موت القلب وموت القلب طلب الدنيا بعمل الآخرة # ولذلك قال يحيى بن معاذ إنما يذهب بهاء العلم والحكمة إذا طلب بهما ~~الدنيا # وقال سعيد بن المسيب رحمه الله إذا رأيتم العالم يغشى الأمراء ~~PageV01P060 فهو لص وقال عمر رضي الله عنه إذا رأيتم للعالم محبا للدنيا ~~فاتهموه على دينكم فإن كل محب يخوض فيما أحب وقال مالك بن دينار رحمه الله ~~قرأت في بعض الكتب السالفة إن الله تعالى يقول إن أهون ما أصنع بالعالم إذا ~~أحب الدنيا أن أخرج حلاوة مناجاتي من قلبه # وكتب رجل إلى أخ له إنك قد أوتيت علما فلا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب ~~فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم في نور علمهم وكان يحيى بن معاذ الرازي ~~رحمه الله يقول لعلماء الدنيا يا أصحاب العلم قصوركم قيصرية وبيوتكم كسروية ~~وأثوابكم ظاهرية وأخفافكم جالوتية ومراكبكم قارونية وأوانيكم فرعونية ~~ومآثمكم جاهلية ومذاهبكم شيطانية فأين الشريعة المحمدية قال الشاعر # وراعى الشاة يحمي الذئب عنها % فكيف إذا الرعاة لها ذئاب # وقال الآخر # يا معشر القراء يا ملح البلد % مايصلح الملح إذا الملح فسد # وقيل لبعض العارفين أترى أن من تكون المعاصي قرة عينه لا يعرف الله قال ~~لا شك أن من تكون الدنيا عنده آثر من الآخرة أنه لا يعرف الله تعالى # وهذا دون ذلك بكثير ولا تظنن أن ترك المال يكفي في اللحوق بعلماء الآخرة ~~فإن الجاه أضر من المال ولذلك قال بشر حدثنا باب من أبواب الدنيا فإذا سمعت ~~الرجل يقول حدثنا فإنما يقول أوسعوا لي # ودفن بشر بن الحرث بضعة عشر ما بين قمطرة وقوصرة من الكتب وكان يقول أنا ~~أشتهي أن أحدث ولو ذهبت عني شهوة الحديث لحدثت وقال هو وغيره إذا اشتهيت أن ~~تحدث فاسكت فإذا لم تشته فحدث # وهذا لأن التلذذ بجاه الإفادة ومنصب الإرشاد أعظم لذة من كل تنعم في ~~الدنيا فمن أجاب شهوته فيه فهو من أبناء الدنيا # ولذلك قال الثوري فتنة الحديث أشد من فتنة الأهل والمال والولد وكيف لا ~~تخاف فتنته وقد قيل لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ولولا أن ثبتناك لقد ~~كدت تركن إليهم شيئا قليلا وقال سهل رحمه الله العلم كله دنيا والآخرة منه ~~العمل به والعمل كله هباء إلا الإخلاص # وقال الناس كلهم موتى إلا العلماء والعلماء سكارى إلا العاملين والعاملون ~~كلهم مغرورون إلا المخلصين والمخلص على وجل حتى يدري ماذا يختم له به # وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله إذا طلب الرجل الحديث أو تزوج أو ~~سافر في طلب المعاش فقد ركن إلى الدنيا وإنما أراد به طلب الأسانيد العالية ~~أو طلب الحديث الذي لا يحتاج إليه في طلب الآخرة وقال عيسى عليه السلام كيف ~~يكون من أهل العلم من مسيره إلى آخرته وهو مقبل على طريق دنياه وكيف يكون ~~من أهل العلم من يطلب الكلام ليخبر به لا ليعمل به وقال صالح بن كيسان ~~البصري أدركت الشيوخ وهم يتعوذون بالله من الفاجر العالم بالسنة # وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ~~طلب علما مما يبتغي به وجه الله تعالى ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف ~~الجنة يوم القيامة + حديث أبي هريرة من طلب علما مما يبتغي به وجه الله ~~ليصيب به عرضا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه بإسناد جيد + وقد وصف الله ~~علماء السوء بأكل الدنيا بالعلم ووصف علماء الآخرة بالخشوع والزهد فقال عز ~~وجل في علماء الدنيا وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ~~ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا وقال تعالى في علماء ~~الآخرة وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ~~خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم وقال ~~بعض السلف العلماء يحشرون في زمرة الأنبياء والقضاة يحشرون في زمرة ~~السلاطين # وفي معنى القضاة كل فقيه قصده طلب الدنيا بعلمه # وروى PageV01P061 أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ~~أنه قال أوحى الله عز وجل إلى بعض الأنبياء قل للذين يتفقهون لغير الدين ~~ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة يلبسون للناس مسوك الكباش ~~وقلوبهم كقلوب الذئاب ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر إياي ~~يخادعون وبي يستهزئون لأفتحن لهم فتنة تذر الحليم حيران + حديث أبي الدرداء ~~أوحى الله إلى بعض الأنبياء قل للذين يتفقهون لغير الدين الحديث أخرجه ابن ~~عبد البر بإسناد ضعيف + وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم علماء هذه الأمة رجلان رجل آتاه الله علما ~~فبذله للناس ولم يأخذ عليه طمعا ولم يشتر به ثمنا فذلك يصلي عليه طير ~~السماء وحيتان الماء ودواب الأرض والكرام الكاتبون يقدم على الله عز وجل ~~يوم القيامة سيدا شريفا حتى يوافق المرسلين ورجل آتاه الله علما في الدنيا ~~فضن به على عباد الله وأخذ عليه طمعا واشترى به ثمنا فذلك يأتي يوم القيامة ~~ملجما بلجام من نار ينادي مناد على رؤوس الخلائق هذا فلان بن فلان آتاه ~~الله علما في الدنيا فضن به على عباده وأخذ به طمعا واشترى به ثمنا فيعذب ~~حتى يفرغ من حساب الناس + حديث ابن عباس علماء هذه الأمة رجلان الحديث ~~أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف + وأشد من هذا ما روي أن رجلا كان ~~يخدم موسى عليه السلام فجعل يقول حدثني موسى صفي الله حدثني موسى نجي الله ~~حدثني موسى كليم الله حتى أثرى وكثر ماله ففقده موسى عليه السلام فجعل يسأل ~~عنه ولا يحس له خبرا حتى جاءه رجل ذات يوم وفي يده خنزير وفي عنقه حبل أسود ~~فقال له موسى عليه السلام أتعرف فلانا قال نعم قال هو هذا الخنزير فقال ~~موسى يا رب أسألك أن ترده إلى حاله حتى أسأله بم أصابه هذا فأوحى الله عز ~~وجل إليه لو دعوتني بالذي دعاني به آدم فمن دونه ما أجبتك فيه ولكن أخبرك ~~لم صنعت هذا به لأنه كان يطلب الدنيا بالدين وأغلظ من هذا ما روى معاذ بن ~~جبل رضي الله عنه موقوفا ومرفوعا في رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ~~من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع + حديث معاذ من فتنة ~~العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع الحديث أخرجه أبو نعيم وابن ~~الجوزي في الموضوعات + وفي الكلام تنميق وزيادة ولا يؤمن على صاحبه الخطأ ~~وفي الصمت سلامة وعلم ومن العلماء من يخزن علمه فلا يحب أن يوجد عند غيره ~~فذلك في الدرك الأول من النار ومن العلماء من يكون في علمه بمنزلة السلطان ~~إن رد عليه شيء من علمه أو تهوون بشيء من حقه غضب فذلك في الدرك الثاني من ~~النار # ومن العلماء من يجعل علمه وغرائب حديثه لأهل الشرف واليسار ولا يرى أهل ~~الحاجة له أهلا فذلك في الدرك الثالث من النار # ومن العلماء من ينصب نفسه للفتيا فيفتي بالخطأ والله تعالى يبغض ~~المتكلفين فذلك في الدرك الرابع من النار # ومن العلماء من يتكلم بكلام اليهود والنصارى ليغزر به علمه فذلك في الدرك ~~الخامس من النار # ومن العلماء من يتخذ علمه مروءة ونبلا وذكرا في الناس فذلك في الدرك ~~السادس من النار # ومن العلماء من يستفزه الزهو والعجب فإن وعظ عنف وإن وعظ أنف فذلك في ~~الدرك السابع من النار # فعليك يا أخي بالصمت فيه تغلب الشيطان وإياك أن تضحك من غير عجب أو تمشي ~~في غير أرب # وفي خبر آخر إن العبد لينشر له من الثناء ما يملأ ما بين المشرق والمغرب ~~وما يزن عند الله جناح بعوضة + حديث إن العبد لينشر له من الثناء ما بين ~~المشرق والمغرب وما يزن عند الله جناح بعوضة لم أجده هكذا وفي الصحيحين من ~~حديث أبي هريرة إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله ~~جناح بعوضة + وروى أن الحسن حمل إليه رجل من خراسان كيسا بعد انصرافه من ~~مجلسه فيه خمسة آلاف درهم وعشرة أثواب من رقيق البز وقال يا أبا سعيد هذه ~~نفقة وهذه كسوة فقال الحسن عافاك الله تعالى ضم إليك نفقتك وكسوتك فلا حاجة ~~لنا بذلك إنه من PageV01P062 جلس مثل مجلسي هذا وقبل من الناس مثل هذا لقى ~~الله تعالى يوم القيامة ولا خلاق له # وعن جابر رضي الله عنه موقوفا ومرفوعا قال قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم لا تجلسوا عند كل عالم إلا إلى عالم يدعوكم من خمس إلى خمس من الشك ~~إلى اليقين ومن الرياء إلى الإخلاص ومن الرغبة إلى الزهد ومن الكبر إلى ~~التواضع ومن العداوة إلى النصيحة + حديث جابر لا تجلسوا عند كل عالم الحديث ~~أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن الجوزي في الموضوعات + وقال تعالى فخرج على ~~قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي ~~قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن ~~الآية فعرف أهل العلم بإيثار الآخرة على الدنيا # ومنها أن لا يخالف فعله قوله بل لا يأمر بالشيء ما لم يكن هو أول عامل به ~~قال الله تعالى أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وقال تعالى كبر مقتا عند ~~الله أن تقولوا ما لا تفعلون وقال تعالى في قصة شعيب وما أريد أن أخالفكم ~~إلى ما أنهاكم عنه وقال تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله وقال تعالى واتقوا ~~الله واعلموا واتقوا الله واسمعوا وقال تعالى لعيسى عليه السلام يا ابن ~~مريم عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني وقال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم مررت ليلة أسري بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت من ~~أنتم فقالوا كنا نأمر بالخير ولا نأتيه وننهى عن الشر ونأتيه + حديث مررت ~~ليلة أسري بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار الحديث أخرجه ابن حبان من ~~حديث أنس + وقال صلى الله عليه وسلم هلاك أمتي عالم فاجر وعابد جاهل وشر ~~الشرار شرار العلماء وخير الخيار خيار العلماء + حديث هلاك أمتي عالم فاجر ~~وشر الشرار شرار العلماء الحديث أخرجه الدارمي من رواية الأحوص بن حكيم عن ~~أبيه مرسلا بآخر الحديث نحوه وقد تقدم ولم أجد صدر الحديث + وقال الأوزاعي ~~رحمه الله شكت النواويس ما تجد من نتن جيف الكفار فأوحى الله إليها بطون ~~علماء السوء أنتن مما أنتم فيه # وقال الفضيل بن عياض رحمه الله بلغني أن الفسقة من العلماء يبدأ بهم يوم ~~القيامة قبل عبدة الأوثان # وقال أبو الدرداء رضي الله عنه ويل لمن لا يعلم مرة وويل لمن يعلم ولا ~~يعمل سبع مرات # وقال الشعبي يطلع يوم القيامة قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار ~~فيقولون لهم ما أدخلكم النار وإنما أدخلنا الله الجنة بفضل تأديبكم ~~وتعليمكم فيقولون إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله وننهى عن الشر ونفعله # وقال حاتم الأصم رحمه الله ليس في القيامة أشد حسرة من رجل علم الناس ~~علما فعملوا به ولم يعمل هو به ففازوا بسببه وهلك هو # وقال مالك بن دينار إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب ~~كما يزل القطر عن الصفا وأنشدوا # يا واعظ الناس قد أصبحت متهما % إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها # أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهدا % فالموبقات لعمري أنت جانيها # تعيب دنيا وناسا راغبين لها % وأنت أكثر منهم رغبة فيها # وقال آخر # لا تنه عن خلق وتأتي مثله % عار عليك إذا فعلت عظيم # وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله مررت بحجر بمكة مكتوب عليه اقلبني تعتبر ~~فقلبته فإذا عليه مكتوب أنت بما تعلم لا تعمل فكيف تطلب علم ما لم تعلم ~~وقال ابن السماك رحمه الله كم من مذكر بالله ناس لله وكم من مخوف بالله ~~جرىء على الله وكم من مقرب إلى الله بعيد من الله وكم من داع إلى الله فار ~~من الله وكم من تال كتاب الله منسلخ عن آيات الله وقال إبراهيم بن أدهم ~~رحمه الله لقد أعربنا في كلامنا فلم نلحن ولحنا في أعمالنا فلم نعرب # وقال الأوزاعي إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع # وروى مكحول عن عبد الرحمن بن غنم أنه قال حدثني عشرة PageV01P063 من ~~أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا كنا ندرس العلم في مسجد قباء إذ ~~خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعلموا ما شئتم أن تعلموا فلن ~~يأجركم الله حتى تعملوا + حديث عبد الرحمن بن غنم عن عشرة من الصحابة ~~تعلموا ما شئتم أن تعلموا فلن يأجركم الله حتى تعملوا علقه ابن عبد البر ~~وأسنده ابن عدي وأبو نعيم والخطيب في كتاب اقتضاء العلم للعمل من حديث معاذ ~~فقط بسند ضعيف ورواه الدارمي موقوفا على معاذ بسند صحيح + وقال عيسى عليه ~~السلام مثل الذي يتعلم العلم ولا يعمل به كمثل امرأة زنت في السر فحملت ~~فظهر حملها فافتضحت فكذلك من لا يعمل بعلمه يفضحه الله تعالى يوم القيامة ~~على رءوس الأشهاد # وقال معاذ رحمه الله احذروا زلة العالم لأن قدره عند الخلق عظيم فيتبعونه ~~على زلته # وقال عمر رضي الله عنه إذا زل العالم زل بزلته عالم من الخلق وقال عمر ~~رضي الله عنه ثلاث بهن ينهدم الزمان إحداهن زلة العالم # وقال ابن مسعود سيأتي على الناس زمان تملح فيه عذوبة القلوب فلا ينتفع ~~بالعلم يومئذ عالمه ولا متعلمه فتكون قلوب علمائهم مثل السباخ من ذوات ~~الملح ينزل عليها قطر السماء فلا يوجد لها عذوبة وذلك إذا مالت قلوب ~~العلماء إلى حب الدنيا وإيثارها على الآخرة فعند ذلك يسلبها الله تعالى ~~ينابيع الحكمة ويطفىء مصابيح الهدى من قلوبهم فيخبرك عالمهم حين تلقاه أنه ~~يخشى الله بلسانه والفجور ظاهر في عمله فما أخصب الألسن يومئذ وما أجدب ~~القلوب فوالله الذي لا إله إلا هو ما ذلك إلإ لأن المعلمين علموا لغير الله ~~تعالى والمتعلمين تعلموا لغير الله تعالى # وفي التوراة والإنجيل مكتوب لا تطلبوا علم ما لم تعلموا حتى تعملوا بما ~~علمتم # وقال حذيفة رضي الله عنه إنكم في زمان من ترك فيه عشر ما يعلم هلك وسيأتي ~~زمان من عمل فيه بعشر ما يعلم نجا وذلك لكثرة البطالين # واعلم أن مثل العالم مثل القاضي وقد قال صلى الله عليه وسلم القضاة ثلاثة ~~قاض قضى بالحق وهو يعلم فذلك في الجنة وقاض قضى بالجور وهو يعلم أو لا يعلم ~~فهو في النار وقاض قضى بغير ما أمر الله به فهو في النار + حديث القضاة ~~ثلاثة الحديث أخرجه أصحاب السنن من حديث بريدة وهو صحيح + وقال كعب رحمه ~~الله يكون في آخر الزمان علماء يزهدون الناس في الدنيا ولا يزهدون ويخوفون ~~الناس ولا يخافون وينهون عن غشيان الولاة ويأتونهم ويؤثرون الدنيا على ~~الآخرة يأكلون بألسنتهم يقربون الأغنياء دون الفقراء يتغايرون على العلم ~~كما تتغاير النساء على الرجال يغضب أحدهم على جليسه إذا جالس غيره أولئك ~~الجبارون أعداء الرحمن # وقال صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ربما يسوفكم بالعلم فقيل يا رسول ~~الله وكيف ذلك قال صلى الله عليه وسلم يقول اطلب العلم ولا تعمل حتى تعلم ~~فلا يزال للعلم قائلا وللعمل مسوفا حتى يموت وما عمل + حديث إن الشيطان ~~ربما يسوفكم بالعلم الحديث في الجامع من حديث أنس بسند ضعيف + وقال سرى ~~السقطي اعتزل رجل للتعبد كان حريصا على طلب علم الظاهر فسألته فقال رأيت في ~~النوم قائلا يقول لي إلى كم تضيع العلم ضيعك الله فقلت إني لأحفظه فقال حفظ ~~العلم العمل به فتركت الطلب وأقبلت على العمل # وقال ابن مسعود رضي الله عنه ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم الخشية ~~وقال الحسن تعلموا ما شئتم أن تعلموا فوالله لا يأجركم الله حتى تعملوا فإن ~~السفهاء همتهم الرواية والعلماء همتهم الرعاية وقال مالك رحمه الله إن طلب ~~العلم لحسن وإن نشره لحسن إذا صحت فيه النية ولكن انظر ما يلزمك من حين ~~تصبح إلى حين تمسي فلا تؤثرن عليه شيئا # وقال ابن مسعود رضي الله عنه أنزل القرآن ليعمل به فاتخذتم دراسته عملا ~~وسيأتي قوم يثقفونه مثل القناة ليسوا بخياركم والعالم الذي لا يعمل كالمريض ~~الذي يصف الدواء وكالجائع الذي يصف لذائذ الأطعمة ولا يجدها # وفي مثله قوله تعالى ولكم الويل مما تصفون وفي الخبر إنما أخاف على أمتي ~~زلة عالم PageV01P064 وجدال منافق في القرآن + حديث إنما أخاف على أمتي زلة ~~عالم الحديث أخرجه الطبراني من حديث أبي الدرداء ولابن حبان نحوه من حديث ~~عمران بن حصين + ومنها أن تكون عنايته بتحصيل العلم النافع في الآخرة ~~المرغب في الطاعات مجتنبا للعلوم التي يقل نفعها ويكثر فيها الجدال والقيل ~~والقال # فمثال من يعرض عن علم الأعمال ويشتغل بالجدال مثل رجل مريض به علل كثيرة ~~وقد صادف طبيبا حاذقا في وقت ضيق يخشى فواته فاشتغل بالسؤال عن خاصية ~~العقاقير والأدوية وغرائب الطب وترك مهمه الذي هو مؤاخذ به وذلك محض السفه # وقد روي أن رجلا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علمني من غرائب ~~العلم فقال له ما صنعت في رأس العلم فقال وما رأس العلم فقال صلى الله عليه ~~وسلم هل عرفت الرب تعالى قال نعم قال فما صنعت في حقه قال ما شاء الله فقال ~~صلى الله عليه وسلم هل عرفت الموت قال نعم قال فما أعددت له قال ما شاء ~~الله قال صلى الله عليه وسلم إذهب فأحكم ما هناك ثم تعال نعلمك من غرائب ~~العلم + حديث أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علمني من ~~غرائب العلم الحديث رواه ابن السني وأبو نعيم في كتاب الرياضة لهما وابن ~~عبد البر من حديث عبد الله بن المسور مرسلا وهو ضعيف جدا + بل ينبغي أن ~~يكون المتعلم من جنس ما روى عن حاتم الأصم تلميذ شقيق البلخي رضي الله ~~عنهما أنه قال له شقيق منذ كم صحبتني قال حاتم منذ ثلاث وثلاثين سنة قال ~~فما تعلمت مني في هذه المدة قال ثماني مسائل قال شقيق له إنا لله وإنا إليه ~~راجعون ذهب عمري معك ولم تتعلم إلا ثماني مسائل قال يا أستاذ لم أتعلم ~~غيرها وإني لا أحب أن أكذب فقال هات هذه الثماني مسائل حتى أسمعها قال حاتم ~~نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد يحب محبوبا فهو مع محبوبه إلى القبر فإذا ~~وصل إلى القبر فارقه فجعلت الحسنات محبوبي فإذا دخلت القبر دخل محبوبي معي ~~فقال أحسنت يا حاتم فما الثانية فقال نظرت في قول الله عز وجل وأما من خاف ~~مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى فعلمت أن قوله سبحانه ~~وتعالى هو الحق فأجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى # الثالثة أني نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل ممن معه شيء له قيمة ومقدار ~~رفعه وحفظه ثم نظرت إلى قول الله عز وجل ما عندكم ينفذ وما عند الله باق ~~فكلما وقع معي شيء له قيمة ومقدار وجهته إلى الله ليبقى عنده محفوظا # الرابعة أني نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يرجع إلى المال وإلى ~~الحسب والشرف والنسب فنظرت فيها فإذا هي لا شيء ثم نظرت إلى قول الله تعالى ~~إن أكرمكم عند الله أتقاكم فعملت في التقوى حتى أكون عند الله كريما # الخامسة أني نظرت إلى هذا الخلق وهم يطعن بعضهم في بعض ويلعن بعضهم بعضا ~~وأصل هذا كله الحسد ثم نظرت إلى قول الله عز وجل نحن قسمنا بينهم معيشتهم ~~في الحياة الدنيا فتركت الحسد واجتنبت الخلق وعلمت أن القسمة من عند الله ~~سبحانه وتعالى فتركت عداوة الخلق عني # السادسة نظرت إلى هذا الخلق يبغي بعضهم على بعض ويقاتل بعضهم بعضا فرجعت ~~إلى قول الله عز وجل إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا فعاديته وحده واجتهدت ~~في أخذ حذري منه لأن الله تعالى شهد عليه أنه عدو لي فتركت عداوة الخلق ~~غيره # السابعة نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يطلب هذه الكسرة فيذل ~~فيها نفسه ويدخل فيما لا يحل له ثم نظرت إلى قوله تعالى وما من دابة في ~~الأرض إلا على الله رزقها فعلمت أني واحد من هذه الدواب التي على الله ~~رزقها فاشتغلت بما لله تعالى علي وتركت ما لي عنده # الثامنة نظرت إلى هذا الخلق فرأيتهم كلهم متوكلين على مخلوق هذا على ~~ضيعته وهذا على تجارته وهذا على صناعته وهذا على صحة بدنه وكل مخلوق متوكل ~~على مخلوق مثله فرجعت إلى PageV01P065 قوله تعالى ومن يتوكل على الله فهو ~~حسبه فتوكلت على الله عز وجل فهو حسبي قال شقيق يا حاتم وفقك الله تعالى ~~فإني نظرت في علوم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم فوجدت جميع ~~أنواع الخير والديانة وهي تدور على هذه الثمان مسائل فمن استعملها فقد ~~استعمل الكتب الأربعة فهذا الفن من العلم لا يهتم بإدراكه والتفطن له إلا ~~علماء الآخرة فأما علماء الدنيا فيشتغلون بما يتيسر به اكتساب المال والجاه ~~ويهملون أمثال هذه العلوم التي بعث الله بها الأنبياء كلهم عليهم السلام ~~وقال الضحاك بن مزاحم أدركتهم وما يتعلم بعضهم من بعض إلا الورع وهم اليوم ~~ما يتعلمون إلا الكلام ومنها أن يكون غير مائل إلى الترفه في المطعم ~~والمشرب والتنعم في الملبس والتجمل في الأثاث والمسكن بل يؤثر الاقتصاد في ~~جميع ذلك ويتشبه فيه بالسلف رحمهم الله تعالى ويميل إلى الاكتفاء بالأقل في ~~جميع ذلك وكلما زاد إلى طرف القلة ميله ازداد من الله قربه وارتفع في علماء ~~الآخرة حزبه # ويشهد لذلك ما حكي عن أبي عبد الله الخواص وكان من أصحاب حاتم الأصم قال ~~دخلت مع حاتم إلى الري ومعنا ثلثمائة وعشرون رجلا يريد الحج وعليهم ~~الزرمانقات وليس معهم جراب ولا طعام فدخلنا على رجل من التجار متقشف يحب ~~المساكين فأضافنا تلك الليلة فلما كان من الغد قال لحاتم ألك حاجة فإني ~~أريد أن أعود فقيها لنا هو عليل قال حاتم عيادة المريض فيها فضل والنظر إلى ~~الفقيه عبادة وأنا أيضا أجيء معك # وكان العليل محمد بن مقاتل قاضي الري فلما جئنا إلى الباب فإذا قصر مشرف ~~حسن فبقي حاتم متفكرا يقول باب عالم على هذه الحالة ثم أذن لهم فدخلوا فإذا ~~دار حسناء فوراء واسعة نزهة وإذا بزة وستور فبقي حاتم متفكرا ثم دخلوا إلى ~~المجلس الذي هو فيه وإذا بفرش وطيئة وهو راقد عليها وعند رأسه غلام وبيده ~~مذبة فقعد الزائر عند رأسه وسأل عن حاله وحاتم قائم فأومأ إليه ابن مقاتل ~~أن اجلس فقال لا أجلس فقال لعل لك حاجة فقال نعم قال وما هي قال مسئلة ~~أسألك عنها قال سل قال قم فاستو جالسا حتى أسألك # فاستوى جالسا قال حاتم علمك هذا من أين أخذته فقال من الثقات حدثوني به ~~قال عمن قال عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأصحاب رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم عمن قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ورسول ~~الله صلى الله عليه وسلم عمن قال عن جبرائيل عليه السلام عن الله عز وجل # قال حاتم ففيما أداه جبرائيل عليه السلام عن الله عز وجل إلى رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم وأداه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وأصحابه ~~إلى الثقات وأداه الثقات إليك هل سمعت فيه من كان في داره إشراف وكانت ~~سعتها أكثر كان له عند الله عز وجل المنزلة أكبر قال لا قال فكيف سمعت قال ~~سمعت أنه من زهد في الدنيا ورغب في الآخرة وأحب المساكين وقدم لآخرته كانت ~~له عند الله المنزلة قال له حاتم فأنت بمن اقتديت ابالنبي صلى الله عليه ~~وسلم وأصحابه رضي الله عنهم والصالحين رحمهم الله أم بفرعون ونمروذ أول من ~~بنى بالجص والآجر يا علماء السوء مثلكم يراه الجاهل المتكالب على الدنيا ~~الراغب فيها فيقول العالم على هذه الحالة أفلا أكون أنا شرا منه وخرج من ~~عنده فازداد ابن مقاتل مرضا وبلغ أهل الري ما جرى بينه وبين ابن مقاتل ~~فقالوا له إن الطنافسي بقزوين أكثر توسعا منه # فسار حاتم متعمدا فدخل عليه فقال رحمك الله أنا رجل أعجمي أحب أن تعلمني ~~مبتدأ ديني ومفتاح صلاتي كيف أتوضأ للصلاة قال نعم وكرامة يا غلام هات إناء ~~فيه ماء # فأتي به فقعد الطنافسي فتوضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال هكذا فتوضأ فقال حاتم ~~مكانك حتى أتوضأ بين يديك فيكون أوكد لما أريد فقام الطنافسي وقعد حاتم ~~فتوضأ ثم غسل ذراعيه أربعا أربعا فقال الطنافسي يا هذا أسرفت قال له حاتم ~~فبماذا قال غسلت ذراعيك أربعا فقال حاتم يا سبحان الله العظيم أنا في كف من ~~ماء أسرفت وأنت في جميع هذا كله لم تسرف فعلم الطنافسي PageV01P066 أنه قصد ~~ذلك دون التعلم فدخل منزله فلم يخرج إلى الناس أربعين يوما فلما دخل حاتم ~~بغداد اجتمع إليه أهل بغداد فقالوا يا أبا عبد الرحمن أنت رجل ولكن أعجمي ~~وليس يكلمك أحد إلا قطعته قال معي ثلاث خصال أظهر بهن على خصمي أفرح إذا ~~أصاب خصمي وأحزن إذا أخطأ وأحفظ نفسي أن لا أجهل عليه # فبلغ ذلك الإمام أحمد بن حنبل فقال سبحان الله ما أعقله قوموا بنا إليه # فلما دخلوا عليه قال له يا أبا عبد الرحمن ما السلامة من الدنيا قال يا ~~أبا عبد الله لا تسلم من الدنيا حتى يكون معك أربع خصال تغفر للقوم جهلهم ~~وتمنع جهلك منهم وتبذل لهم شيئك وتكون من شيئهم آيسا فإذا كنت هكذا سلمت ثم ~~سار إلى المدينة فاستقبله أهل المدينة فقال يا قوم أية مدينة هذه قالوا ~~مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأين قصر رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم حتى أصلي فيه قالوا ما كان له قصر إنما كان له بيت لاطىء بالأرض قال ~~فأين قصور أصحابه رضي الله عنهم قالوا ما كان لهم قصور إنما كان لهم بيوت ~~لاطئة بالأرض قال حاتم يا قوم فهذه مدينة فرعون فأخذوه وذهبوا به إلى ~~السلطان وقالوا هذا العجمي يقول هذه مدينة فرعون قال الوالي ولم ذلك قال ~~حاتم لا تعجل علي أنا رجل أعجمي غريب دخلت البلد فقلت مدينة من هذه فقالوا ~~مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت فأين قصر وقص القصة ثم قال وقد ~~قال الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة فأنتم بمن تأسيتم ~~أبرسول الله صلى الله عليه وسلم أم بفرعون أول من بنى بالجص والآجر فخلوا ~~عنه وتركوه # فهذه حكاية حاتم الأصم رحمه الله تعالى # وسيأتي من سيرة السلف في البذاذة وترك التجمل ما يشهد لذلك في مواضعه ~~والتحقيق فيه أن التزين بالمباح ليس بحرام ولكن الخوض فيه يوجب الأنس به ~~حتى يشق تركه واستدامة الزينة لا تمكن إلا بمباشرة أسباب في الغالب يلزم من ~~مراعاتها ارتكاب المعاصي من المداهنة ومراعاة الخلق ومراءاتهم وأمور أخر هي ~~محظورة والحزم اجتناب ذلك لأن من خاض في الدنيا لا يسلم منها ألبتة ولو ~~كانت السلامة مبذولة مع الخوض فيها لكان صلى الله عليه وسلم لا يبالغ في ~~ترك الدنيا حتى نزع القميص المطرز بالعلم + حديث نزع القميص المعلم متفق ~~عليه من حديث عائشة + ونزع خاتم الذهب في أثناء الخطبة + حديث نزع الخاتم ~~الذهب في أثناء الخطبة متفق عليه من حديث ابن عمر + إلى غير ذلك مما سيأتي ~~بيانه # وقد حكى أن يحيى بن يزيد النوفلي كتب إلى مالك ابن أنس رضي الله عنهما ~~بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على رسوله محمد في الأولين والآخرين من ~~يحيى ابن يزيد بن عبد الملك إلى مالك بن أنس أما بعد فقد بلغني أنك تليس ~~الدقاق وتأكل الرقاق وتجلس على الوطىء وتجعل على بابك حاجبا وقد جلست مجلس ~~العلم وقد ضربت إليك المطى وارتحل إليكالناس واتخذوك إماما ورضوا بقولك ~~فاتق الله تعالى يا مالك وعليك بالتواضع كتبت إليك بالنصيحة مني كتابا ما ~~اطلع عليه غير الله سبحانه وتعالى والسلام فكتب إليه مالك بسم الله الرحمن ~~الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم من مالك بن أنس إلى يحيى ~~بن يزيد سلام الله عليك أما بعد فقد وصل إلي كتابك فوقع مني موقع النصيحة ~~والشفقة والأدب أمتعك الله بالتقوى وجزاك بالنصيحة خيرا وأسأل الله تعالى ~~التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فأما ما ذكرت لي أني آكل ~~الرقاق وألبس الدقاق وأحتجب وأجلس على الوطىء فنحن نفعل ذلك ونستغفر الله ~~تعالى فقد قال الله تعالى @QB@ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ~~والطيبات من الرزق @QE@ وإني لأعلم أن ترك ذلك خير من الدخول فيه ولا تدعنا ~~من كتابك فلسنا ندعك من كتابنا والسلام فانظر إلى إنصاف مالك إذ اعترف أن ~~PageV01P067 ترك ذلك خير من الدخول فيه وأفتى بأنه مباح وقد صدق فيهما ~~جميعا ومثل مالك في منصبه إذا سمحت نفسه بالإنصاف والاعتراف في مثل هذه ~~النصيحة فتقوى أيضا نفسه على الوقوف على حدود المباح حتى لا يحمله ذلك على ~~المراءاة والمداهنة والتجاوز إلى المكروهات وأما غيره فلا يقدر عليه ~~فالتعريج على التنعم بالمباح خطر عظيم وهو بعيد من الخوف والخشية وخاصية ~~علماء الله تعالى الخشية وخاصية الخشية التباعد من مظان الخطر # ومنها أن يكون مستقصيا عن السلاطين فلا يدخل عليهم ألبتة ما دام يجد إلى ~~الفرار عنهم سبيلا بل ينبغي أن يحترز عن مخالطتهم وإن جاءوا إليه فإن ~~الدنيا حلوة خضرة وزمامها بأيدي السلاطين # والمخالط لا يخلو عن تكلف في طيب مرضاتهم واستمالة قلوبهم مع أنهم ظلمة # ويجب على كل متدين الإنكار عليهم وتضييق صدرهم بإظهار ظلمهم وتقبيح فعلهم ~~فالداخل عليهم إما أن يلتفت إلى تجملهم فيزدري نعمة الله عليه أو يسكت عن ~~الإنكار عليهم فيكون مداهنا لهم أو يتكلف في كلامه كلاما لمرضاتهم وتحسين ~~حالهم وذلك هو البهت الصريح أو أن يطمع في أن ينال من دنياهم وذلك هو السحت ~~وسيأتي في كتاب الحلال والحرام ما يجوز أن يؤخذ من أموال السلاطين وما لا ~~يجوز من الإدرار والجوائز وغيرها # وعلى الجملة فمخالطتهم مفتاح للشرور وعلماء الآخرة طريقهم الاحتياط # وقال صلى الله عليه وسلم من بدا جفا يعني من سكن البادية جفا ومن اتبع ~~الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن + حديث من بدا جفا الحديث أخرجه أبو داود ~~والترمذي وحسنه والنسائي من حديث ابن عباس + وقال صلى الله عليه وسلم سيكون ~~عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون فمن أنكر فقد برىء ومن كره فقد سلم ولكن ~~من رضي وتابع أبعده الله تعالى قيل أفلا نقاتلهم قال صلى الله عليه وسلم لا ~~ما صلوا + حديث سيكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون الحديث أخرجه مسلم ~~من حديث أم سلمة + وقال سفيان في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزائرون ~~للملوك # وقال حذيفة إياك ومواقف الفتن قيل وما هي قال أبواب الأمراء يدخل أحدكم ~~على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول فيه ما ليس فيه # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم العلماء أمناء الرسل على عباد الله ~~تعالى ما لم يخالطوا السلاطين فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل فاحذروهم ~~واعتزلوهم + حديث أنس العلماء أمناء الرسل على عباد الله الحديث أخرجه ~~العقيلي في الضعفاء وذكره ابن الجوزي في الموضوعات + رواه أنس # وقيل للأعمش ولقد أحييت العلم لكثرة من يأخذه عنك فقال لا تعجلوا ثلث ~~يموتون قبل الإدراك وثلث يلزمون أبواب السلاطين فهم شر الخلق والثلث الباقي ~~لا يفلح منه إلا القليل ولذلك قال سعيد ابن المسيب رحمه الله إذا رأيتم ~~العالم يغشى الأمراء فاحترزوا منه فإنه لص # وقال الأوزاعي ما من شيء أبغض إلى الله تعالى من عالم يزور عاملا # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شرار العلماء الذين يأتون الأمراء ~~وخيار الأمراء الذين يأتون العلماء + حديث شرار العلماء الذين يأتون ~~الأمراء وخيار الأمراء الذين يأتون العلماء أخرجه ابن ماجه بالشطر الأول ~~نحوه من حديث أبي هريرة بسند ضعيف + وقال مكحول الدمشقي رحمه الله من تعلم ~~القرآن وتفقه في الدين ثم صحب السلطان تملقا إليه وطمعا فيما لديه خاض في ~~بحر من نار جهنم بعدد خطاه # وقال سمنون ما أسمج بالعالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد فيسئل عنه فيقال ~~هو عند الأمير قال وكنت أسمع أنه يقال إذا رأيتم العالم يحب الدنيا فاتهموه ~~على دينكم حتى جربت ذلك إذ ما دخلت قط على هذا السلطان إلا وحاسبت نفسي بعد ~~الخروج فأرى عليها الدرك وأنتم ترون ما ألقاه به من الغلظة والفظاظة وكثرة ~~المخالفة لهواه ولوددت أن أنجو من الدخول عليه كفافا مع أني لا آخذ منه ~~شيئا ولا أشرب له شربة ماء # ثم قال وعلماء زماننا شر من علماء بني إسرائيل يخبرون السلطان بالرخص ~~وبما يوافق PageV01P068 هواه ولو أخبروه بالذي عليه وفيه نجاته لاستثقلهم ~~وكره دخولهم عليه وكان ذلك نجاة لهم عند ربهم # وقال الحسن كان فيمن كان قبلكم رجل له قدم في الإسلام وصحبة لرسول الله ~~صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن المبارك عنى به سعد بن أبي وقاص رضي ~~الله عنه قال وكان لا يغشى السلاطين وينفر عنهم فقال له بنوه يأتي هؤلاء من ~~ليس هو مثلك في الصحبة والقدم في الإسلام فلو أتيتهم فقال يا بني آتي جيفة ~~قد أحاط بها قوم والله لئن استطعت لا أشاركهم فيها قالوا يا أبانا إذن نهلك ~~هزالا قال يا بني لأن أموت مؤمنا مهزولا أحب إلى من أن أموت منافقا سمينا ~~قال الحسن خصمهم والله إذ علم أن التراب يأكل اللحم والسمن دون الإيمان # وفي هذا إشارة إلى أن الداخل على السلطان لا يسلم من النفاق ألبتة وهو ~~مضاد للإيمان # وقال أبو ذر لسلمة يا سلمة لا تغش أبواب السلاطين فإنك لا تصيب شيئا من ~~دنياهم إلا أصابوا من دينك أفضل منه # وهذه فتنة عظيمة للعلماء وذريعة صعبة للشيطان عليهم لا سيما من له لهجة ~~مقبولة وكلام حلو إذ لا يزال الشيطان يلقى إليه أن في وعظك لهم ودخولك ~~عليهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم شعائر الشرع إلى أن يخيل إليه أن الدخول ~~عليهم من الدين ثم إذا دخل لم يلبث أن يتلطف في الكلام ويداهن ويخوض في ~~الثناء والإطراء وفيه هلاك الدين # وكان يقال العلماء إذا علموا عملوا فإذا عملوا شغلوا فإذا شغلوا فقدوا ~~فإذا فقدوا طلبوا فإذا طلبوا هربوا وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى ~~الحسن أما بعد فأشر علي بأقوام أستعين بهم على أمر الله تعالى فكتب إليه ~~أما أهل الدين فلا يريدونك وأما أهل الدنيا فلن تريدهم ولكن عليك بالأشراف ~~فإنهم يصونون شرفهم أن يدنسوه بالخيانة # هذا في عمر بن عبد العزيز رحمه الله وكان أزهد أهل زمانه فإذا كان شرط ~~أهل الدين الهرب منه فكيف يستنسب طلب غيرهم ومخالطته ولم يزل السلف العلماء ~~مثل الحسن والثوري وابن المبارك والفضيل وإبراهيم بن أدهم ويوسف بن أسباط ~~يتكلمون في علماء الدنيا من أهل مكة والشام وغيرهم إما لميلهم إلى الدنيا ~~وإما لمخالطتهم السلاطين منها أن لا يكون مسارعا إلى الفتيا بل يكون متوقفا ~~ومحترزا ما وجد إلى الخلاص سبيلا # فإن سئل عما يعلمه تحقيقا بنص كتاب الله أو بنص حديث أو إجماع أو قياس ~~جلي أفتى وإن سئل عما يشك فيه قال لا أدري وإن سئل عما يظنه باجتهاد وتخمين ~~احتاط ودفع عن نفسه وأحال على غيره إن كان في غيره غنية هذا هو الحزم لأن ~~تقلد خطر الاجتهاد عظيم وفي الخبر العلم ثلاثة كتاب ناطق وسنة قائمة ولا ~~أدري + حديث العلم ثلاثة كتاب ناطق وسنة قائمة ولا أدري أخرجه الخطيب في ~~أسماء من روى عن مالك موقوفا على ابن عمر ولأبي داود وابن ماجه من حديث عبد ~~الله بن عمر مرفوعا نحوه مع اختلاف وقد تقدم + قال الشعبي لا أدري نصف ~~العلم # ومن سكت حيث لا يدرى لله تعالى فليس بأقل أجرا ممن نطق لأن الاعتراف ~~بالجهل أشد على النفس فهكذا كانت عادة الصحابة والسلف رضي الله عنهم # كان ابن عمر إذا سئل عن الفتيا قال اذهب إلى هذا الأمير الذي تقلد أمور ~~الناس فضها في عنقه وقال ابن مسعود رضي الله عنه إن الذي يفتي الناس في كل ~~ما يستفتونه لمجنون وقال جنة العالم لا أدري فإن أخطأها فقد أصيبت مقاتله # وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله ليس شيء أشد على الشيطان من عالم يتكلم ~~بعلم ويسكت بعلم يقول انظروا إلى هذا سكوته أشد علي من كلامه # ووصف بعضهم الأبدال فقال أكلهم فاقة ونومهم غلبة وكلامهم ضرورة أي لا ~~يتكلمون حتى يسألوا وإذا سئلوا ووجدوا من يكفيهم سكتوا فإن اضطروا أجابوا ~~وكانوا يعدون الابتداء قبل السؤال من الشهوة الخفية للكلام # ومر علي وعبد الله رضي الله عنهما برجل يتكلم على الناس فقال هذا يقول ~~اعرفوني # وقال بعضهم إنما العالم الذي إذا سئل عن المسئلة فكأنما يقلع ضرسه # وكان ابن عمر يقول تريدون PageV01P069 أن تجعلونا جسرا تعبرون علينا إلى ~~جهنم # وقال أبو حفص النيسابوري العالم هو الذي يخاف عند السؤال أن يقال له يوم ~~القيامة من أين أجبت وكان إبراهيم التيمي إذا سئل عن مسئلة يبكي ويقول لم ~~تجدوا غيري حتى احتجتم إلي # وكان أبو العالية الرياحي وإبراهيم بن أدهم والثوري يتكلمون على الاثنين ~~والثلاثة والنفر اليسير فإذا كثروا انصرفوا # وقال صلى الله عليه وسلم ما أدري أعزير نبي أم لا وما أدري أتبع ملعون أم ~~لا وما أدري ذو القرنين نبي أم لا + حديث ما أدري أعزير نبي أم لا الحديث ~~أخرجه أبو داود والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة + ولما سئل رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم عن خير البقاع في الأرض وشرها قال لا أدري حتى نزل عليه ~~جبريل عليه السلام فسأله فقال لا أدري إلى أن أعلمه الله عز وجل أن خير ~~البقاع المساجد وشرها الأسواق + حديث لما سئل عن خير البقاع وشرها قال لا ~~أدري حتى نزل جبريل الحديث أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم وصححه ~~ونحوه من حديث ابن عمر + وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسئل عن عشر مسائل ~~فيجيب عن واحدة ويسكت عن تسع وكان ابن عباس رضي الله عنهما يجيب عن تسع ~~ويسكت عن واحدة # وكان في الفقهاء من يقول لا أدري أكثر مما يقول أدري منهم سفيان الثوري ~~ومالك بن أنس وأحمد بن حنبل والفضيل ابن عياض وبشر بن الحرث # وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى أدركت في هذا المسجد مائة وعشرين من أصحاب ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم أحد يسئل عن حديث أو فتيا إلا ود أن ~~أخاه كفاه ذلك # وفي لفظ آخر كانت المسئلة تعرض على أحدهم فيردها إلى الآخر ويردها الآخر ~~إلى الآخر حتى تعود إلى الأول وروي أن أصحاب الصفة أهدى إلى واحد منهم رأس ~~مشوي وهو في غاية الضر فأهداه إلى الآخر وأهداه الآخر إلى الآخر هكذا دار ~~بينهم حتى رجع إلى الأول # فانظر الآن كيف انعكس أمر العلماء فصار المهروب منه مطلوبا والمطلوب ~~مهروبا عنه ويشهد لحسن الاحتراز من تقلد الفتاوى ما روي مسندا عن بعضهم أنه ~~قال لايفتى الناس إلا ثلاثة أمير أو مأمور أو متكلف # وقال بعضهم كان الصحابة يتدافعون أربعة أشياء الإمامة والوصية والوديعة ~~والفتيا # وقال بعضهم كان أسرعهم إلى الفتيا أقلهم علما وأشدهم دفعا لها أورعهم # وكان شغل الصحابة والتابعين رضي الله عنهم في خمسة أشياء قراءة القرآن ~~وعمارة المساجد وذكر الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك لما ~~سمعوه من قوله صلى الله عليه وسلم كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا ثلاثة ~~أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله تعالى + حديث كل كلام ابن آدم عليه ~~لا له إلا ثلاثة الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أم حبيبة قال ~~الترمذي حديث غريب + وقال تعالى لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة ~~أو معروف أو إصلاح بين الناس الآية # ورأى بعض العلماء بعض أصحاب الرأي من أهل الكوفة في المنام فقال ما رأيت ~~فيما كنت عليه من الفتيا والرأي فكره وجهه وأعرض عنه وقال ما وجدناه شيئا ~~وما حمدنا عافيته # وقال ابن حصين إن أحدهم ليفتي في مسئلة لو وردت على عمر بن الخطاب رضي ~~الله عنه لجمع لها أهل بدر # فلم يزل السكوت دأب أهل العلم إلا عند الضرورة # وفي الحديث إذا رأيتم الرجل قد أوتي صمتا وزهدا فاقتربوا منه فإنه يلقن ~~الحكمة + حديث إن رأيتم الرجل قد أوتى صمتا وزهدا الحديث أخرجه ابن ماجه من ~~حديث ابن خلاد بإسناد ضعيف + وقيل العالم إما عالم عامة وهو المفتي وهم ~~أصحاب السلاطين أو عالم خاصة وهو العالم بالتوحيد وأعمال القلوب وهم أصحاب ~~الزوايا المتفرقون المنفردون # وكان يقال مثل أحمد بن حنبل مثل دجلة كل أحد يغترف منها ومثل بشر بن ~~الحرث مثل بئر عذبة مغطاة لا يقصدها إلا واحد بعد واحد # وكانوا يقولون فلان عالم PageV01P070 وفلان متكلم وفلان أكثر كلاما وفلان ~~أكثر عملا وقال أبو سليمان المعرفة إلى السكوت أقرب منها إلى الكلام وقيل ~~إذا كثر العلم قل الكلام وإذا كثر الكلام قل العلم وكتب سلمان إلى أبي ~~الدرداء رضي الله عنهما وكان قد آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم + ~~حديث مؤاخاته صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء أخرجه البخاري من ~~حديث أبي جعفة + يا أخي بلغني أنك قعدت طبيبا تداوي المرضى فانظر فإن كنت ~~طبيبا فتكلم فإن كلامك شفاء وإن كنت متطببا فالله الله لا تقتل # مسلما فكان أبو الدرداء يتوقف بعد ذلك إذا سئل وكان أنس رضي الله عنه إذا ~~سئل يقول سلوا مولانا الحسن # وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا سئل يقول سلوا حارثة ابن زيد وكان ابن ~~عمر رضي الله عنهما يقول سلوا سعيد بن المسيب # وحكى أنه روى صحابي في حضرة الحسن عشرين حديثا فسئل عن تفسيرها فقال ما ~~عندي إلا ما رويت فأخذ الحسن في تفسيرها حديثا حديثا فتعجبوا من حسن تفسيره ~~وحفظه فأخذ الصحابي كفا من حصى ورماهم به وقال تسألوني عن العلم وهذا الحبر ~~بين أظهركم # ومنها أن يكون أكثر اهتمامه بعلم الباطن ومراقبة القلب ومعرفة طريق ~~الآخرة وسلوكه وصدق الرجاء في انكشاف ذلك من المجاهدة والمراقبة فإن ~~المجاهدة تفضي إلى المشاهدة ودقائق علوم القلب تنفجر بها ينابيع الحكمة من ~~القلب وأما الكتب والتعليم فلا تفي بذلك بل الحكمة الخارجة عن الحصر والعد ~~إنما تتفتح بالمجاهدة والمراقبة ومباشرة الأعمال الظاهرة والباطنة والجلوس ~~مع الله عز وجل في الخلوة مع حضور القلب بصافي الفكرة والانقطاع إلى الله ~~تعالى عما سواه فذلك مفتاح الإلهام ومنبع الكشف فكم من متعلم طال تعلمه ولم ~~يقدر على مجاوزة مسموعه بكلمة وكم من مقتصر على المهم في التعلم ومتوفر على ~~العمل ومراقبة القلب فتح الله له من لطائف الحكمة ما تحار فيه عقول ذوي ~~الألباب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم ~~يعلم + حديث + من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم أخرجه أبو نعيم في ~~الحلية من حديث أنس وضعفه + وفي بعض الكتب السالفة يا بني إسرائيل لا ~~تقولوا العلم في السماء من ينزل به إلى الأرض ولا في تخوم الأرض من يصعد به ~~ولا من وراء البحار من يعبر به العلم مجعول في قلوبكم تأدبوا بين يدي بآداب ~~الروحانيين وتخلقوا لي بأخلاق الصديقين أظهر العلم في قلوبكم حتى يغطيكم ~~ويغمركم # وقال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله خرج العلماء والعباد والزهاد من ~~الدنيا وقلوبهم مقفلة ولم تفتح إلا قلوب الصديقين والشهداء # ثم تلا قوله تعالى @QB@ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو @QE@ الآية ~~ولولا أن إدراك قلب من له قلب بالنور الباطن حاكم على علم الظاهر لما قال ~~صلى الله عليه وسلم استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك وأفتوك وقال صلى الله عليه ~~وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ~~فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به الحديث + حديث لا يزال العبد يتقرب إلي ~~بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا متفق عليه من حديث أبي ~~هريرة بلفظ سمعه وبصره وهو في الحلية كما ذكره المؤلف من حديث أنس بسند ~~ضعيف + فكم من معان دقيقة من أسرار القرآن تخطر على قلب المتجردين للذكر ~~والفكر تخلو عنها كتب التفاسير ولا يطلع عليها أفاضل المفسرين وإذا انكشف ~~ذلك للمريد المراقب وعرض على المفسرين استحسنوه وعلموا أن ذلك من تنبيهات ~~القلوب الزكية وألطاف الله تعالى بالهمم العالية المتوجهة إليه # وكذلك في علوم المكاشفة وأسرار علوم المعاملة ودقائق خواطر القلوب فإن كل ~~علم من هذه العلوم بحر لا يدرك عمقه وإنما يخوضه كل طالب بقدر ما رزق منه ~~وبحسب ما وفق له من حسن العمل وفي وصف هؤلاء العلماء قال علي رضي الله عنه ~~في حديث طويل القلوب أوعية وخيرها أوعاها للخير والناس ثلاثة عالم رباني ~~ومتعلم على سبيل النجاة وهمج رعاع أتباع لكل ناعق يميلون مع كل ريح لم ~~يستضيئوا PageV01P071 بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق العلم خير من ~~المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال # والعلم يزكو على الإنفاق والمال ينقصه الإنفاق والعلم دين يدان به تكتسب ~~به الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته العلم حاكم والمال محكوم عليه ~~ومنفعة المال تزول بزواله مات خزان الأموال وهم أحياء والعلماء أحياء باقون ~~ما بقي الدهر ثم تنفس الصعداء وقال هاه إن ههنا علما جما لو وجدت له حملة ~~بل أجد طالبا غير مأمون يستعمل آلة الدين في طلب الدنيا ويستطيل بنعم الله ~~على أوليائه ويستظهر بحجته على خلقه أو منقادا لأهل الحق لكن ينزرع الشك في ~~قلبه بأول عارض من شبهة لا بصيرة له لا ذا ولا ذاك أو منهوما باللذات سلس ~~القياد في طلب الشهوات أو مغرى بجمع الأموال والادخار منقادا لهواه أقرب ~~شبها بهم الأنعام السائمة اللهم هكذا يموت العلم إذا مات حاملوه ثم لا تخلو ~~الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهر مكشوف وإما خائف مقهور لكيلا تبطل حجج ~~الله تعالى وبيناته وكم وأين أولئك هم الأقلون عددا الأعظمون قدرا أعيانهم ~~مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة يحفظ الله تعالى بهم حججه حتى يودعوها من ~~وراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فباشروا ~~روح اليقين فاستلانوا ما استوعر منه المترفون وأنسوا بما استوحش منه ~~الغافلون صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى أولئك أولياء ~~الله عز وجل من خلقه وأمناؤه وعماله في أرضه والدعاة إلى دينه ثم بكى وقال ~~واشوقاه إلى رؤيتهم فهذا الذي ذكره أخيرا هو وصف علماء الآخرة وهو العلم ~~الذي يستفاد أكثره من العمل والمواظبة على المجاهدة # ومنها أن يكون شديد العناية بتقوية اليقين فإن اليقين هو رأس مال الدين ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اليقين الإيمان كله + حديث اليقين ~~الإيمان كله أخرجه البيهقي في الزهد والخطيب في التاريخ من حديث ابن مسعود ~~بإسناد حسن + فلا بد من تعلم علم اليقين أعني أوائله ثم ينفتح للقلب طريقه ~~ولذلك قال صلى الله عليه وسلم تعلموا اليقين + حديث تعلموا اليقين أخرجه ~~أبو نعيم من رواية ثور بن يزيد مرسلا وهو معضل رواه ابن أبي الدنيا في ~~اليقين من قول خالد بن معدان + ومعناه جالسوا الموقنين واستمعوا منهم علم ~~اليقين وواظبوا على الاقتداء بهم ليقوى يقينكم كما قوي يقينهم وقليل من ~~اليقين خير من كثير من العمل # وقال صلى الله عليه وسلم لما قيل له رجل حسن اليقين كثير الذنوب ورجل ~~مجتهد في العبادة قليل اليقين فقال صلى الله عليه وسلم ما من آدمي إلا وله ~~ذنوب ولكن من كان غريزته العقل وسجيته اليقين لم تضره الذنوب لأنه كلما ~~أذنب تاب واستغفر وندم فتكفر ذنوبه ويبقى له فضل يدخل به الجنة + حديث قيل ~~له رجل حسن اليقين كثير الذنوب أخرجه الترمذي الحكيم في النوادر من حديث ~~أنس بإسناد مظلم + ولذلك قال صلى الله عليه وسلم من أقل ما أوتيتم اليقين ~~وعزيمة الصبر ومن أعطى حظه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام ~~النهار + حديث من أولى ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر الحديث لم أقف له على ~~أصل وروى ابن عبد البر من حديث معاذ ما أنزل الله شيئا أقل من اليقين ولا ~~قسم شيئا بين الناس أقل من الحلم الحديث + وفي وصية لقمان لابنه يا بني لا ~~يستطاع العمل إلا باليقين ولا يعمل المرء إلا بقدر يقينه ولا يقصر عامل حتى ~~ينقص يقينه وقال يحيى بن معاذ إن للتوحيد نورا وللشرك نارا وإن نور التوحيد ~~أحرق لسيئات الموحدين من نار الشرك لحسنات المشركين وأراد به اليقين وقد ~~أشار الله تعالى في القرآن إلى ذكر الموقنين في مواضع دل بها على أن اليقين ~~هو الرابطة للخيرات والسعادات # فإن قلت فما معنى اليقين وما معنى قوته وضعفه فلا بد من فهمه أولا ثم ~~الاشتغال بطلبه وتعلمه فإن ما لا تفهم صورته لا يمكن طلبه فاعلم أن اليقين ~~لفظ مشترك يطلقه فريقان لمعنيين مختلفين أما النظار والمتكلمون فيعبرون به ~~عن عدم الشك إذ ميل النفس إلى التصديق بالشيء له أربع مقامات الأول أن ~~يعتدل التصديق والتكذيب ويعبر عنه بالشك كما إذا سئلت عن PageV01P072 شخص ~~معين أن الله تعالى يعاقبه أم لا وهو مجهول الحال عندك فإن نفسك لا تميل ~~إلى الحكم فيه بإثبات ولا نفي بل يستوي عندك إمكان الأمرين فيسمى هذا شكا # الثاني أن تميل نفسك إلى أحد الأمرين مع الشعور بإمكان نقيضه ولكنه إمكان ~~لا يمنع ترجيح الأول كما إذا سئلت عن رجل تعرفه بالصلاح والتقوى أنه بعينه ~~لو مات على هذه الحالة هل يعاقب فإن نفسك تميل إلى أنه لايعاقب أكثر من ~~ميلها إلى العقاب وذلك لظهور علامات الصلاح # ومع هذا فأنت تجوز اختفاء أمر موجب للعقاب في باطنه وسريرته فهذا التجويز ~~مساو لذلك الميل ولكنه غير دافع رجحانه فهذه الحالة تسمى ظنا # الثالث أن تميل النفس إلى التصديق بشيء بحيث يغلب عليها ولا يخطر بالبال ~~غيره ولو خطر بالبال تأبى النفس عن قبوله ولكن ليس ذلك مع معرفة محققة إذ ~~لو أحسن صاحب هذا المقام التأمل والإصغاء إلى التشكيك والتجويز اتسعت نفسه ~~للتجويز وهذا يسمى اعتقادا مقاربا لليقين وهو اعتقاد العوام في الشرعيات ~~كلها إذ رسخ في نفوسهم بمجرد السماع حتى إن كل فرقة تثق بصحة مذهبها وإصابة ~~إمامها ومتبوعها ولو ذكر لأحدهم إمكان خطأ إمامه نفر عن قبوله # الرابع المعرفة الحقيقية الحاصلة بطريق البرهان الذي لا يشك فيه ولا ~~يتصور الشك فيه فإذا امتنع وجود الشك وإمكانه يسمى يقينا عند هؤلاء ومثاله ~~أنه إذا قيل للعاقل هل في الوجود شيء هو قديم فلا يمكنه التصديق به ~~بالبديهة لأن القديم غير محسوس لا كالشمس والقمر فإنه يصدق بوجودهما بالحس ~~وليس العلم بوجوده شيء قديم أزلي ضروريا مثل العلم بأن الاثنين أكثر من ~~الواحد ومثل العلم بأن حدوث حادث بلا سبب محال فإن هذا أيضا ضروري فحق ~~غريزة العقل أن تتوقف عن التصديق بوجود القديم على الارتجال والبديهة ثم من ~~الناس من يسمع ذلك ويصدق بالسماع تصديقا جزما ويستمر عليه وذلك هو الإعتقاد ~~وهو حال جميع العوام # ومن الناس من يصدق به بالبرهان وهو أن يقال له إن لم يكن في الوجود قديم ~~فالموجودات كلها حادثة فإن كانت كلها حادثة فهي حادثة بلا سبب أو فيها حادث ~~بلا سبب وذلك محال فالمؤدي إلى المحال محال فيلزم في العقل التصديق بوجود ~~شيء قديم بالضرورة لأن الأقسام ثلاثة وهي أن تكون الموجودات كلها قديمة أو ~~كلها حادثة أو بعضها قديمة وبعضها حادثة فإن كانت كلها قديمة فقد حصل ~~المطلوب إذ ثبت على الجملة قديم وإن كان الكل حادثا فهو محال إذ يؤدي إلى ~~حدوث بغير سبب فيثبت القسم الثالث أو الأول # وكل علم حصل على هذا الوجه يسمى يقينا عند هؤلاء سواء حصل بنظر مثل ما ~~ذكرناه أو حصل بحس أو بغريزة العقل كالعلم باستحالة حادث بلا سبب أو بتواتر ~~كالعلم بوجود مكة أو بتجربة كالعلم بأن السقمونيا المطبوخ مسهل أو بدليل ~~كما ذكرنا فشرط إطلاق هذا الاسم عندهم عدم الشك فكل علم لا شك فيه يسمى ~~يقينا عند هؤلاء وعلى هذا لا يوصف اليقين بالضعف إذ لا تفاوت في نفي الشك # الإصطلاح الثاني اصطلاح الفقهاء والمتصوفة وأكثر العلماء وهو أن لا يلتفت ~~فيه إلى اعتبار التجويز والشك بل إلى استيلائه وغلبته على العقل حتى يقال ~~فلان ضعيف اليقين بالموت مع أنه لا شك فيه ويقال فلان قوي اليقين في إتيان ~~الرزق مع أنه قد يجوز أنه لا يأتيه فمهما مالت النفس إلى التصديق بشيء وغلب ~~ذلك على القلب واستولى حتى صار هو المتحكم والمتصرف في النفس بالتجويز ~~والمنع سمى ذلك يقينا ولا شك في أن الناس يشتركون في القطع بالموت ~~والانفكاك عن الشك فيه ولكن فيهم من لا يلتفت إليه ولا إلى الاستعداد له ~~وكأنه غير موقن به # ومنهم من استولى ذلك على قلبه حتى استغرق جميع همه بالاستعداد له ولم ~~يغادر فيه متسعا لغيره فيعبر عن مثل هذه الحالة بقوة اليقين ولذلك قال ~~بعضهم ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من PageV01P073 الموت ~~وعلى هذا الإصطلاح يوصف اليقين بالضعف والقوة ونحن إنما أردنا بقولنا إن من ~~شأن علماء الآخرة صرف العناية إلى تقوية اليقين بالمعنيين جميعا وهو نفي ~~الشك ثم تسليط اليقين على النفس حتى يكون هو الغالب المتحكم عليها المتصرف ~~فيها # فإذا فهمت هذا علمت أن المراد من قولنا إن اليقين ينقسم ثلاثة أقسام ~~بالقوة والضعف والكثرة والقلة والخفاء والجلاء فأما بالقوة والضعف فعلى ~~الإصطلاح الثاني وذلك في الغلبة والاستيلاء على القلب ودرجات معاني اليقين ~~في القوة والضعف لا تتناهى وتفاوت الخلق في الاستعداد للموت بحسب تفاوت ~~اليقين بهذه المعاني وأما التفاوت بالخفاء والجلاء في الإصطلاح الأول فلا ~~ينكر أيضا أما فيما يتطرق إليه التجويز فلا ينكر أعني الإصطلاح الثاني ~~وفيما انتفى الشك أيضا عنه لا سبيل إلى إنكاره فإنك تدرك تفرقة بين تصديقك ~~بوجود مكة ووجود فدك مثلا وبين تصديقك بوجود موسى ووجود يوشع عليهما السلام ~~مع أنك لا تشك في الآمرين جميعا فمستندهما جميعا التواتر ولكن ترى أحدهما ~~أجلى وأوضح في قلبك من الثاني لأن السبب في أحدهما أقوى وهو كثرة المخبرين ~~وكذلك يدرك الناظر هذا في النظريات المعروفة بالأدلة فإنه ليس وضوح ما لاح ~~له بدليل واحد كوضوح ما لاح له بالأدلة الكثيرة مع تساويهما في نفي الشك ~~وهذا قد ينكره المتكلم الذي يأخذ العلم من الكتب والسماع ولا يراجع نفسه ~~فيما يدركه من تفاوت الأحوال # واما القلة والكثرة فذلك بكثرة متعلقات اليقين كما يقال فلان أكثر علما ~~من فلان أي معلوماته أكثر # ولذلك قد يكون العالم قوي اليقين في جميع ما ورد الشرع به وقد يكون قوي ~~اليقين في بعضه فإن قلت قد فهمت اليقين وقوته وضعفه وكثرته وقلته وجلاءه ~~وخفاءه بمعنى نفي الشك أو بمعنى الاستيلاء على القلب فما معنى متعلقات ~~اليقين ومجاريه وفي ماذا يطلب اليقين فإني ما لم أعرف ما يطلب فيه اليقين ~~لم أقدر على طلبه فاعلم أن جميع ما ورد به الأنبياء صلوات الله وسلامه ~~عليهم من أوله إلى آخره هو من مجاري اليقين فإن اليقين عبارة عن معرفة ~~مخصوصة ومتعلقه المعلومات التي وردت بها الشرائع فلا مطمع في إحصائها ولكني ~~أشير إلى بعضها وهي أمهاتها فمن ذلك التوحيد وهو أن يرى الأشياء كلها من ~~مسبب الأسباب ولا يلتفت إلى الوسائط بل يرى الوسائط مسخرة لا حكم لها ~~فالمصدق بهذا موقن فإن انتفى عن قلبه مع الإيمان إمكان الشك فهو موقن بأحد ~~المعنيين فإن غلب على قلبه مع الإيمان غلبة أزالت عنه الغضب على الوسائط ~~والرضا عنهم والشكر لهم ونزل الوسائط في قلبه منزلة القلم واليد في حق ~~المنعم بالتوقيع فإنه لا يشكر القلم ولا اليد ولا يغضب عليهما بل يراهما ~~آلتين مسخرتين وواسطتين فقد صار موقنا بالمعنى الثاني وهو الإشراف وهو ثمرة ~~اليقين الأول وروحه وفائدته # ومهما تحقق أن الشمس والنجوم والجمادات والنبات والحيوان وكل مخلوق فهي ~~مسخرات بأمره حسب تسخير القلم في يد الكاتب وأن القدرة الأزلية هي المصدر ~~للكل استولى على قلبه غلبة التوكل والرضا والتسليم وصار موقنا بريئا من ~~الغضب والحقد والحسد وسوء الخلق فهذا أحدد أبواب اليقين # ومن ذلك الثقة بضمان الله سبحانه بالرزق في قوله تعالى @QB@ وما من دابة ~~في الأرض إلا على الله رزقها @QE@ واليقين بأن ذلك يأتيه وأن ما قدر له ~~سيساق إليه ومهما غلب ذلك على قلبه كان مجملا في الطلب ولم يشتد حرصه وشرهه ~~وتأسفه على ما فاته وأثمر هذا اليقين أيضا جملة من الطاعات والأخلاق ~~الحميدة # ومن ذلك أن يغلب على قلبه أن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ~~ذرة شرا يره وهو اليقين بالثواب والعقاب حتى يرى نسبة الطاعات إلى الثواب ~~كنسبة الخبز إلى الشبع ونسبة المعاصي إلى العقاب كنسبة السموم والأفاعي إلى ~~الهلاك فكما يحرص على التحصيل للخبز طلبا للشبع فيحفظ قليله وكثيره فكذلك ~~يحرص على الطاعات كلها قليلها PageV01P074 وكثيرها وكما يجتنب قليل السموم ~~وكثيرها فكذلك يجتنب المعاصي قليلها وكثيرها وصغيرها وكبيرها فاليقين ~~بالمعنى الأول قد يوجد لعموم المؤمنين أما بالمعنى الثاني فيختص به ~~المقربون وثمرة هذا اليقين صدق المراقبة في الحركات والسكنات الخطرات ~~والمبالغة في التقوى والتحرز عن كل السيئات وكلما كان اليقين أغلب كان ~~الاحتراز أشد والتشمير أبلغ # ومن ذلك اليقين بأن الله تعالى مطلع عليك في كل حال ومشاهد لهواجس ضميرك ~~وخفايا خواطرك وفكرك فهذا متيقن عند كل مؤمن بالمعنى الأول وهو عدم الشك ~~وأما بالمعنى الثاني وهو المقصود فهو عزيز يختص به الصديقون وثمرته أن يكون ~~الإنسان في خلوته متأدبا في جميع أحواله كالجالس بمشهد ملك معظم ينظر إليه ~~فإنه لا يزال مطرقا متأدبا في جميع أعماله متماسكا محترزا عن كل حركة تخالف ~~هيئة الأدب ويكون في فكرته الباطنة كهو في أعماله الظاهرة إذ يتحقق أن الله ~~تعالى مطلع على سريرته كما يطلع الخلق على ظاهره فتكون مبالغته في عمارة ~~باطنه وتطهيره وتزيينه بعين الله تعالى الكائنة أشد من مبالغته في تزيين ~~ظاهره لسائر الناس وهذا المقام في اليقين يورث الحياء والخوف والانكسار ~~والذل والاستكانة والخضوع وجملة من الأخلاق المحمودة وهذه الأخلاق تورث ~~أنواعا من الطاعات رفيعة فاليقين في كل باب من هذه الأبواب مثل الشجرة وهذه ~~الأخلاق في القلب مثل الأغصان المتفرعة منها وهذه الأعمال والطاعات الصادرة ~~من الأخلاق كالثمار وكالأنوار المتفرعة من الأغصان فاليقين هو الأصل ~~والأساس وله مجار وأبواب أكثر مما عددناه وسيأتي ذلك في ربع المنجيات إن ~~شاء الله تعالى # وهذا القدر كاف في معنى اللفظ الآن # ومنها أن يكون حزينا منكسرا مطرقا صامتا يظهر أثر الخشية على هيئته ~~وكسوته وسيرته وحركته وسكونه ونطقه وسكوته لا ينظر إليه ناظر إلا وكان نظره ~~مذكرا لله تعالى وكانت صورته دليلا على عمله فالجواد عينه مرآته وعلماء ~~الآخرة يعرفون بسيماهم في السكينة والذلة والتواضع وقد قيل ما ألبس الله ~~عبدا لبسة أحسن من خشوع في سكينة فهي لبسة الأنبياء وسيما الصالحين ~~والصديقين والعلماء وأما التهافت في الكلام والتشدق والاستغراق في الضحك ~~والحدة في الحركة والنطق فكل ذلك من آثار البطر والأمن والغفلة عن عظيم ~~عقاب الله تعالى وشديد سخطه وهو دأب أبناء الدنيا الغافلين عن الله دون ~~العلماء به وهذا لأن العلماء ثلاثة كما قال سهل التستري رحمه الله عالم ~~بأمر الله تعالى لا بأيام الله وهم المفتون في الحلال والحرام وهذا العلم ~~لا يورث الخشية وعالم بالله تعالى لا بأمر الله ولا بأيام الله وهم عموم ~~المؤمنين وعالم بالله تعالى وبأمر الله تعالى وبأيام الله تعالى وهم ~~الصديقون والخشية والخشوع إنما تغلب عليهم وأراد بأيام الله أنواع عقوباته ~~الغامضة ونعمه الباطنة التي أفاضها على القرون السالفة واللاحقة فمن أحاط ~~علمه بذلك عظم خوفه وظهر خشوعه # وقال عمر رضي الله عنه تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والوقار ~~والحلم وتواضعوا لمن تتعلمون منه وليتواضع لكم من يتعلم منكم ولا تكونوا من ~~جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكم # ويقال ما آتى الله عبدا علما إلا آتاه معه حلما وتواضعا وحسن خلق ورفقا ~~فذلك هو العلم النافع # وفي الأثر من آتاه الله علما وزهدا وتواضعا وحسن خلق فهو إمام المتقين # وفي الخبر إن من خيار أمتي قوما يضحكون جهرا من سعة رحمة الله ويبكون سرا ~~من خوف عذابه أبدانهم في الأرض وقلوبهم في السماء أرواحهم في الدنيا ~~وعقولهم في الآخرة يتمشون بالسكينة ويتقربون بالوسيلة + حديث إن من خيار ~~أمتي قوما يضحكون جهرا من سعة رحمة الله ويبكون سرا من خوف عذابه الحديث ~~أخرجه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه من حديث عياض بن سليمان + وقال ~~الحسن الحلم وزير العلم والرفق أبوه والتواضع سرباله # وقال بشر بن الحارث من طلب PageV01P075 الرياسة بالعلم فتقرب إلى الله ~~تعالى ببغضه فإنه ممقوت في السماء والأرض # ويروى في الإسرائيليات أن حكيما صنف ثلثمائة وستين مصنفا في الحكمة حتى ~~وصف بالحكيم فأوحى الله تعالى إلى نبيهم قل لفلان قد ملأت الأرض نفاقا ولم ~~تردني من ذلك بشيء وإني لا أقبل من نفاقك شيئا فندم الرجل وترك ذلك وخالط ~~العامة في الأسواق وواكل بني إسرائيل وتواضع في نفسه فأوحى الله تعالى إلى ~~نبيهم قل له الآن وفقت لرضاي # وحكى الأوزاعي رحمه الله عن بلال بن سعد أنه كان يقول ينظر أحدكم إلى ~~الشرطي فيستعيذ بالله منه وينظر إلى علماء الدنيا المتصنعين للخلق ~~المتشوفين إلى الرياسة فلا يمقتهم وهم أحق بالمقت من ذلك الشرطي # وروي أنه قيل يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال اجتناب المحارم ولا يزال ~~فوك رطبا من ذكر الله تعالى قيل فأي الأصحاب خير قال صلى الله عليه وسلم ~~صاحب إن ذكرت الله أعانك وإن نسيته ذكرك قيل فأي الأصحاب شر قال صلى الله ~~عليه وسلم صاحب إن نسيت لم يذكرك وإن ذكرت لم يعنك قيل فأي الناس أعلم قال ~~أشدهم لله خشية قيل فأخبرنا بخيارنا نجالسهم قال صلى الله عليه وسلم الذين ~~إذا رؤوا ذكر الله قيل فأي الناس شر قال اللهم غفرا قالوا أخبرنا يا رسول ~~الله قال العلماء إذا فسدوا + حديث قيل يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال ~~اجتناب المحارم ولا يزال فوك رطبا من ذكر الله الحديث لم أجده هكذا بطوله ~~وفي زيادات الزهد لابن المبارك من حديث الحسن مرسلا سئل النبي صلى الله ~~عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال أن تموت يوم تموت ولسانك رطب من ذكر الله ~~تعالى وللدارمي من رواية الأحوص بن حكيم عن أبيه مرسلا ألا إن شر الشر شرار ~~العلماء وإن خير الخير خيار العلماء وقد تقدم + وقال صلى الله عليه وسلم إن ~~أكثر الناس أمانا يوم القيامة أكثرهم فكرا في الدنيا وأكثر الناس ضحكا في ~~الآخرة أكثرهم بكاء في الدنيا وأشد الناس فرحا في الآخرة أطولهم حزنا في ~~الدنيا + حديث إن أكثر الناس أمنا يوم القيامة أكثرهم خوفا في الدنيا ~~الحديث لم أجد له أصلا + وقال علي رضي الله عنه في خطبة له ذمتي رهينة وأنا ~~به زعيم إنه لا يهيج على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على الهدى سنخ أصل وإن ~~أجهل الناس من لا يعرف قدره وإن أبغض الخلق إلى الله تعالى رجل قمش علما ~~أغار به في أغباش الفتنة سماه أشباه له من الناس وأرذالهم عالما ولم يعش في ~~العلم يوما سالما تكثر واستكثر فما قل منه وكفى خير مما كثر وألهى حتى إذا ~~ارتوى من ماء آجن وأكثر من غير طائل جلس للناس معلما لتخليص ما التبس على ~~غيره فإن نزلت به إحدى المهمات هيأ لها من رأيه حشو الرأي فهو ومن قطع ~~الشبهات في مثل نسج العنكبوت لا يدري أخطأ أم أصاب ركاب جهالات خباط عشوات ~~لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم ولا يعض على العلم بضرس قاطع فيغنم تبكي منه ~~الدماء وتستحل بقضائه الفروج الحرام لا ملىء والله بإصدار ما ورد عليه ولا ~~هو أهل لما فوض إليه أولئك الذين حلت عليهم المثلات وحقت عليهم النياحة ~~والبكاء أيام حياة الدنيا # وقال علي رضي الله عنه إذا سمعتم العلم فاكظموا عليه ولا تخلطوه بهزل ~~فتمجه القلوب # وقال بعض السلف العالم إذا ضحك ضحكة مج من العلم مجة # وقيل إذا جمع المعلم ثلاثا تمت النعمة بها على المتعلم الصبر والتواضع ~~وحسن الخلق وإذا جمع المتعلم ثلاثا تمت النعمة بها على المعلم العقل والأدب ~~وحسن الفهم # وعلى الجملة فالأخلاق التي ورد بها القرآن لا ينفك عنها علماء الآخرة ~~لأنهم يتعلمون القرآن للعمل لا للرياسة # وقال ابن عمر رضي الله عنهما لقد عشنا برهة من الدهر وإن أحدنا يؤتى ~~الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة فيتعلم حلالها وحرامها وأوامرها وزواجرها ~~وما ينبغي أن يقف عنده منها ولقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ~~فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لايدرى ما آمره وما زاجره وما ينبغي ~~أن يقف عنده ينثره الدقل + حديث ابن عمر لقد عشنا برهة من الدهر وإن أحدنا ~~يؤتى الإيمان قبل القرآن الحديث أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ~~والبيهقي + وفي خبر آخر بمثل معناه كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~PageV01P076 أوتينا الإيمان قبل القرآن وستأتي بعدكم قوم يؤتون القرآن قبل ~~الإيمان يقيمون حروفه ويضيعون حدوده وحقوقه يقولون قرأنا فمن أقرأ منا ~~وعلمنا فمن أعلم منا فذلك حظهم + حديث كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أوتينا الإيمان قبل القرآن الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث جندب مختصرا ~~مع اختلاف + # وفي لفظ أولئك شرار هذه الأمة # وقيل خمس من الأخلاق هي من علامات علماء الآخرة مفهومة من خمس آيات من ~~كتاب الله عز وجل الخشية والخشوع والتواضع وحسن الخلق وإيثار الآخرة على ~~الدنيا وهو الزهد فأما الخشية فمن قوله تعالى إنما يخشى الله من عباده ~~العلماء وأما الخشوع فمن قوله تعالى خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا ~~قليلا وأما التواضع فمن قوله تعالى واخفض جناحك للمؤمنين وأما حسن الخلق ~~فمن قوله تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم وأما الزهد فمن قوله تعالى وقال ~~الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولما تلا رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره ~~للإسلام فقيل له ما هذا الشرح فقال إن النور إذا قذف في القلب انشرح له ~~الصدر وانفسح قيل فهل لذلك من علامة قال صلى الله عليه وسلم نعم التجافي عن ~~دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله + حديث لما ~~تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم @QB@ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره ~~للإسلام @QE@ الحديث أخرجه الحاكم والبيهقي في الزهد من حديث ابن مسعود + ~~ومنها أن يكون أكثر بحثه عن علم الأعمال وعما يفسدها ويشوش القلوب ويهيج ~~الوسواس ويثير الشر فإن أصل الدين التوقي من الشر ولذلك قيل # عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه % # ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه % # ولأن الأعمال الفعلية قريبة وأقصاها بل أعلاها المواظبة على ذكر الله ~~تعالى بالقلب واللسان وإنما الشأن في معرفة ما يفسدها ويشوشها وهذا مما ~~تكثر شعبه ويطول تفريعه وكل ذلك مما يغلب مسيس الحاجة إليه وتعم به البلوى ~~في سلوك طريق الآخرة واما علماء الدنيا فإنهم يتبعون غرائب التفريعات في ~~الحكومات والأقضية ويتعبون في وضع صور تنقضي الدهور ولا تقع أبدا وإن وقعت ~~فإنما تقع لغيرهم لا لهم وإذا وقعت كان في القائمين بها كثرة ويتركون ما ~~يلازمهم ويتكرر عليهم آناء الليل وأطراف النهار في خواطرهم ووساوسهم ~~وأعمالهم وما أبعد عن السعادة من باع مهم نفسه اللازم يمهم غيره النادر ~~إيثارا للتقرب والقبول من الخلق على التقرب من الله سبحانه # وشرها في أن يسميه البطالون من أبناء الدنيا فاضلا محققا عالما بالدقائق ~~وجزاؤه من الله أن لا ينتفع في الدنيا بقبول الخلق بل يتكدر عليه صفوه ~~بنوائب الزمان ثم يرد القيامة مفلسا متحسرا على ما يشاهده من ربح العاملين ~~وفوز المقربين وذلك هو الخسران المبين ولقد كان الحسن البصري رحمه الله ~~أشبه الناس كلاما بكلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأقربهم هديا من ~~الصحابة رضي الله عنهم اتفقت الكلمة في حقه على ذلك وكان أكثر كلامه في ~~خواطر القلوب وفساد الأعمال ووساس النفوس والصفات الخفية الغامضة من شهوات ~~النفس وقد قيل له يا أبا سعيد إنك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك فمن أين ~~أخذته قال من حذيفة بن اليمان # وقيل لحذيفة نراك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك من الصحابة فمن أين أخذته ~~قال خصني به رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الناس يسألونه عن الخير وكنت ~~أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه وعلمت أن الخير لا يسبقني علمه + حديث ~~حذيفة كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله ~~عن الشر الحديث أخرجاه مختصرا + وقال مرة فعلمت أن من PageV01P077 لا يعرف ~~الشر لا يعرف الخير # وفي لفظ آخر كانوا يقولون يا رسول الله ما لمن عمل كذا وكذا يسألونه عن ~~فضائل الأعمال وكنت أقول يا رسول الله ما يفسد كذا وكذا فلما رآني أسأله عن ~~آفات الأعمال خصني بهذا العلم # وكان حذيفة رضي الله عنه أيضا قد خص بعلم المنافقين وأفرد بمعرفة علم ~~النفاق وأسبابه ودقائق الفتن فكان عمر وعثمان وأكابر الصحابة رضي الله عنهم ~~يسألونه عن الفتن العامة والخاصة وكان يسأل عن المنافقين فيخبر بعدد من بقي ~~منهم ولا يخبر بأسمائهم وكان عمر رضي الله عنه يسأل عن نفسه هل يعلم فيه ~~شيئا من النفاق فبرأه من ذلك وكان عمر رضي الله عنه إذا دعي إلى جنازة ~~ليصلي عليها نظر فإن حضر حذيفة صلى عليها وإلا ترك وكان يسمى صاحب السر # فالعناية بمقامات القلب وأحواله دأب علماء الآخرة لأن القلب هو الساعي ~~إلى قرب الله تعالى وقد صار هذا الفن غريبا مندرسا وإذا تعرض العالم لشيء ~~منه استغرب واستبعد وقيل هذا تزويق المذكرين فأين التحقيق ويرون أن التحقيق ~~في دقائق المجادلات ولقد صدق من قال # الطرق شتى وطرق الحق مفردة % والسالكون طريق الحق أفراد # لا يعرفون ولا تدرى مقاصدهم % فهم على مهل يمشون قصاد # والناس في غفلة عما يراد بهم % فجلهم عن سبيل الحق رقاد # وعلى الجملة فلا يميل أكثر الخلق إلا إلى الأسهل والأوفق لطباعهم فإن ~~الحق مر والوقوف عليه صعب وإدراكه شديد وطريقه مستوعر ولا سيما معرفة صفات ~~القلب وتطهيره عن الأخلاق المذمومة فإن ذلك نزع للروح على الدوام وصاحبه ~~ينزل منزلة الشارب للدواء يصبر على مرارته رجاء الشفاء وينزل منزلة من جعل ~~مدة العمر صومه فهو يقاسي الشدائد ليكون فطره عند الموت ومتى تكثر الرغبة ~~في هذا الطريق ولذلك قيل إنه كان في البصرة مائة وعشرين متكلما في الوعظ ~~والتذكير ولم يكن من يتكلم في علم اليقين وأحوال القلوب وصفات الباطن إلا ~~ثلاثة منهم سهل التستري والصبيحي وعبد الرحيم وكان يجلس إلى أولئك الخلق ~~الكثير الذي لا يحصى وإلى هؤلاء عدد يسير قلما يجاوز العشرة لأن النفيس ~~العزيز لا يصلح إلا لأهل الخصوص وما يبذل للعموم فأمره قريب # ومنها أن يكون اعتماده في علومه على بصيرته وإدراكه بصفاء قلبه لا على ~~الصحف والكتب ولا على تقليد ما يسمعه من غيره وإنما المقلد صاحب الشرع ~~صلوات الله عليه وسلامه فيما أمر به وقاله وإنما يقلد الصحابة رضي الله ~~عنهم من حيث إن فعلهم يدل على سماعهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم # ثم إذا قلد صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم في تلقي أقواله وأفعاله ~~بالقبول فينبغي أن يكون حريصا على فهم أسراره فإن المقلد إنما يفعل الفعل ~~لأن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم فعله وفعله لا بد وأن يكون لسر فيه ~~فينبغي أن يكون شديد البحث عن أسرار الأعمال والأقوال فإنه إن اكتفى بحفظ ~~ما يقال كان وعاء للعلم ولا يكون عالما # ولذلك كان يقال فلان من أوعية العلم فلا يسمى عالما إذا كان شأنه الحفظ ~~من غير اطلاع على الحكم والأسرار # ومن كشف عن قلبه الغطاء واستنار بنور الهداية صار في نفسه متبوعا مقلدا ~~فلا ينبغي أن يقلد غيره # ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما ما من أحد إلا يؤخذ من علمه ويترك إلا ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم + حديث ابن عباس ما من أحد إلا يؤخذ من علمه ~~ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الطبراني من حديثه يرفعه ~~بلفظة من قوله ويدع + وقد كان تعلم من زيد بن ثابت الفقه وقرأ على أبي بن ~~كعب ثم خالفهما في الفقه PageV01P078 والقراءة جميعا # وقال بعض السلف ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلناه على ~~الرأس والعين وما جاءنا عن الصحابة رضي الله عنهم فنأخذ منه ونترك وما ~~جاءنا عن التابعين فهم رجال ونحن رجال وإنما فضل الصحابة لمشاهدتهم قرائن ~~أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتلاق قلوبهم أمورا أدركت بالقرائن ~~فسددهم ذلك إلى الصواب من حيث لا يدخل في الرواية والعبارة إذ فاض عليهم من ~~نور النبوة ما يحرسهم في الأكثر عن الخطأ # وإذا كان الاعتماد على المسموع من الغير تقليدا غير مرضي فالاعتماد على ~~الكتب والتصانيف أبعد # بل الكتب والتصانيف محدثة لم يكن شيء منها في زمن الصحابة وصدر التابعين ~~وإنما حدثت بعد سنة مائة وعشرين من الهجرة وبعد وفاة جميع الصحابة وجملة ~~التابعين رضي الله عنهم وبعد وفاة سعيد بن المسيب والحسن وخيار التابعين بل ~~كان الأولون يكرهون كتب الأحاديث وتصنيف الكتب لئلا يشتغل الناس بها عن ~~الحفظ وعن القرآن وعن التدبر والتذكر وقالوا احفظوا كما كنا نحفظ # ولذلك كره أبو بكر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم تصحيف القرآن في مصحف ~~وقالوا كيف نفعل شيئا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وخافوا اتكال ~~الناس على المصاحف وقالوا نترك القرآن يتلقاه بعضهم من بعض بالتلقين ~~والإقراء ليكون هذا شغلهم وهمهم حتى أشار عمر رضي الله عنه وبقية الصحابة ~~بكتب القرآن خوفا من تخاذل الناس وتكاسلهم وحذرا من أن يقع نزاع فلا يوجد ~~أصل يرجع إليه في كلمة أو قراءة من المتشابهات فانشرح صدر أبي بكر رضي الله ~~عنه لذلك فجمع القرآن في مصحف واحد # وكان أحمد بن حنبل ينكر على مالك في تصنيفه الموطأ ويقول ابتدع ما لم ~~تفعله الصحابة رضي الله عنهم وقيل أول كتاب صنف في الإسلام كتاب ابن جريج ~~في الآثار وحروف التفاسير عن مجاهد وعطاء وأصحاب ابن عباس رضي الله عنهم ~~بمكة # ثم كتاب معمر بن راشد الصنعاني باليمن جمع فيه سننا مأثورة نبوية ثم كتاب ~~الموطأ بالمدينة لمالك بن أنس ثم جامع سفيان الثوري # ثم في القرن الرابع حدثت مصنفات الكلام وكثر الخوض في الجدال والغوص في ~~إبطال المقالات ثم مال الناس إليه وإلى القصص والوعظ بها فأخذ علم اليقين ~~في الاندراس من ذلك الزمان فصار بعد ذلك يستغرب علم القلوب والتفتيش عن ~~صفات النفس ومكايد الشيطان وأعرض عن ذلك إلا الأقلون فصار يسمى المجادل ~~المتكلم عالما والقاص المزخرف كلامه بالعبارات المسجعة عالما وهذا لأن ~~العوام هم المستمعون إليهم فكان لا يتميز لهم حقيقة العلم من غيره ولم تكن ~~سيرة الصحابة رضي الله عنهم وعلومهم ظاهرة عندهم حتى كانوا يعرفون بها ~~مباينة هؤلاء لهم فاستمر عليهم اسم العلماء وتوارث اللقب خلف عن سلف وأصبح ~~علم الآخرة مطويا وغاب عنهم الفرق بين العلم والكلام إلا عن الخواص منهم ~~كانوا إذا قيل لهم فلان أعلم أم فلان يقولون فلان أكثر علما وفلان أكثر ~~كلاما # فكان الخواص يدركون الفرق بين العلم وبين القدرة على الكلام # هكذا ضعف الدين في قرون سالفة فكيف الظن بزمانك هذا وقد انتهى الأمر إلى ~~أن مظهر الإنكار يستهدف لنسبته إلى الجنون فالأولى أن يشتغل الإنسان بنفسه ~~ويسكت # ومنها أن يكون شديد التوقي من محدثات الأمور وإن اتفق عليها الجمهور فلا ~~يغرنه إطباق الخلق على ما أحدث بعد الصحابة رضي الله عنهم وليكن حريصا على ~~التفتيش عن أحوال الصحابة وسيرتهم وأعمالهم وما كان فيه أكثر همهم أكان في ~~التدريس والتصنيف والمناظرة والقضاء والولاية وتولي الأوقاف والوصايا وأكل ~~مال الأيتام ومخالطة السلاطين ومجاملتهم في العشرة أم كان في الخوف والحزن ~~والتفكر المجاهدة ومراقبة الظاهر والباطن واجتناب دقيق الإثم وجليله والحرص ~~على إدراك خفايا شهوات النفوس ومكايد الشيطان إلى غير ذلك PageV01P079 من ~~علوم الباطن واعلم تحقيقا أن أعلم أهل الزمان وأقربهم إلى الحق أشبههم ~~بالصحابة وأعرفهم بطريق السلف فمنهم أخذ الدين # ولذلك قال علي رضي الله عنه خيرنا أتبعنا لهذا الدين لما قيل له خالفت ~~فلانا فلا ينبغي أن يكترث بمخالفة أهل العصر في موافقة أهل عصر رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فإن الناس رأوا رأيا فيما هم فيه لميل طباعهم إليه ولم ~~تسمح نفوسهم بالاعتراف بأن ذلك سبب الحرمان من الجنة فادعوا أنه لا سبيل ~~إلى الجنة سواه # ولذلك قال الحسن محدثان أحدثا في الإسلام رجل ذو رأي سيىء زعم أن الجنة ~~لمن رأى مثل رأيه ومترف يعبد الدنيا لها يغضب ولها يرضى وإياها يطلب ~~فارفضوهما إلى النار # وإن رجلا أصبح في هذه الدنيا بين مترف يدعوه إلى دنياه وصاحب هوى يدعوه ~~إلى هواه وقد عصمه الله تعالى منهما يحن إلى السلف الصالح يسأل عن أفعالهم ~~ويقتفي آثارهم متعرض لأجر عظيم فكذلك كونوا # وقد روي عن ابن مسعود موقوفا ومسندا أنه قال إنما هما اثنتان الكلام ~~والهدى فأحسن الكلام كلام الله تعالى وأحسن الهدى هدى رسول الله تعالى صلى ~~الله عليه وسلم ألا وإياكم ومحدثات الأمور فإن شر الأمور محدثاتها وأن كل ~~محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة ألا لا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم ألا ~~كل ما هو آت قريب ألا إن البعيد ما ليس بآت + حديث ابن مسعود إنما هما ~~اثنتان الكلام والهدى الحديث أخرجه ابن ماجه + وفي خطبة رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وأنفق من مال اكتسبه من غير ~~معصية وخالط أهل الفقه والحكم وجانب أهل الزلل والمعصية طوبى لمن ذل في ~~نفسه وحسنت خليقته وصلحت سريرته وعزل عن الناس شره طوبى لمن عمل بعلمه ~~وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله ووسعته السنة ولم يعدها إلى بدعة ~~+ حديث طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وأنفق مالا اكتسبه الحديث أخرجه ~~أبو نعيم من حديث الحسين بن علي بسند ضعيف والبزار من حديث أنس أول الحديث ~~وآخره والطبراني والبيهقي من حديث ركب المصري وسط الحديث وكلها ضعيفة + ~~وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول حسن الهدى في آخر الزمان خير من كثير من ~~العمل وقال أنتم في زمان خيركم فيه المسارع في الأمور وسيأتي بعدكم زمان ~~يكون خيرهم فيه المتثبت المتوقف لكثرة الشبهات # وقد صدق فمن لم يتوقف في هذا الزمان ووافق الجماهير فيما هم عليه وخاض ~~فيما خاضوا فيه هلك كما هلكوا # وقال حذيفة رضي الله عنه أعجب من هذا أن معروفكم اليوم منكر زمان قد مضى ~~وأن منكركم اليوم معروف زمان قد أتى وإنكم لا تزالون بخير ما عرفتم الحق ~~وكان العالم فيكم غير مستخف به # ولقد صدق فإن أكثر معروفات هذه الأعصار منكرات في عصر الصحابة رضي الله ~~عنهم إذ من غرر المعروفات في زماننا تزيين المساجد وتنجيدها وإنفاق الأموال ~~العظيمة في دقائق عماراتها وفرش البسط الرفيعة فيها ولقد كان يعد فرش ~~البواري في المسجد بدعة وقيل إنه من محدثات الحجاج # فقد كان الأولون قلما يجعلون بينهم وبين التراب حاجزا وكذلك الاشتغال ~~بدقائق الجدل والمناظرة من أجل علوم أهل الزمان ويزعمون أنه من أعظم ~~القربات وقد كان من المنكرات # ومن ذلك التلحين في القرآن والآذان # ومن ذلك التعسف في النظافة والوسوسة في الطهارة وتقدير الأسباب البعيدة ~~في نجاسة الثياب مع التساهل في حل الأطعمة وتحريمها إلى نظائر ذلك # ولقد صدق ابن مسعود رضي الله عنه حيث قال أنتم اليوم في زمان الهوى فيه ~~تابع للعلم وسيأتي عليكم زمان يكون العلم فيه تابعا للهوى # وقد كان أحمد بن حنبل يقول تركوا العلم وأقبلوا على الغرائب ما أقل العلم ~~فيهم والله المستعان # وقال مالك بن أنس رحمه الله لم تكن الناس فيما مضى يسألون عن هذه الأمور ~~كما يسأل الناس اليوم ولم يكن العلماء يقولون حرام ولا حلال ولكن أدركتهم ~~يقولون مستحب ومكروه PageV01P080 ومعناه أنهم كانوا ينظرون في دقائق ~~الكراهة والاستحباب فأما الحرام فكان فحشه ظاهرا وكان هشام بن عروة يقول لا ~~تسألوهم اليوم عما أحدثوه بأنفسهم فإنهم قد أعدوا له جوابا ولكن سلوهم عن ~~السنة فإنهم لا يعرفونها # وكان أبو سليمان الداراني رحمه الله يقول لا ينبغي لمن ألهم شيئا من ~~الخير أن يعمل به حتى يسمع به في الأثر فيحمد الله تعالى إذا وافق ما في ~~نفسه وإنما قال هذا لأن ما قد أبدع من الآراء قد قرع الأسماع وعلق بالقلوب ~~وربما يشوش صفاء القلب فيتخيل بسببه الباطل حقا فيحتاط فيه بالاستظهار ~~بشهادة الآثار # ولهذا لما أحدث مروان المنبر في صلاة العيد عند المصلى قام إليه أبو سعيد ~~الخدري رضي الله عنه فقال يا مروان ما هذه البدعة فقال إنها ليست ببدعة ~~إنها خير مما تعلم إن الناس قد كثروا فأردت أن يبلغهم الصوت فقال أبو سعيد ~~والله لا تأتون بخير مما أعلم أبدا ووالله لا صليت وراءك اليوم وإنما أنكر ~~ذلك عليه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوكأ في خطبة العيد ~~والاستسقاء على قوس أو عصا لا على المنبر + حديث كان يتوكأ في خطبة العيد ~~والاستسقاء على قوس أو عصا أخرجه الطبراني من حديث البراء ونحوه في يوم ~~الأضحى ليس فيه الاستسقاء وهو ضعيف رواه في الصغير من حديث سعد القرظي كان ~~إذا خطب في العيدين خطب على قوس وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا وهو عند ~~ابن ماجه بلفظ كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس الحديث + وفي الحديث ~~المشهور من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد + حديث من أحدث في ديننا ما ~~ليس فيه فهو رد متفق عليه من حديث عائشة بلفظ في أمرنا ما ليس منه وعند أبي ~~داود @QB@ فيه @QE@ + وفي خبر آخر من غش أمتي فعليه لعنة الله والملائكة ~~والناس أجمعين قيل يا رسول الله وما غش أمتك قال أن يبتدع بدعة يحمل الناس ~~عليها + حديث من غش أمتي فعليه لعنة الله الحديث أخرجه الدارقطني في ~~الأفراد من حديث أنس بسند ضعيف جدا + وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ~~لله عز وجل ملكا ينادى كل يوم من خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ~~تنله شفاعته + حديث إن لله ملكا ينادى كل يوم من خالف سنة رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم لم تنله شفاعته لم أجد له أصلا + ومثال الجاني على الدين ~~بإبداع ما يخالف السنة بالنسبة إلى من يذنب ذنبا مثال من عصى الملك في قلب ~~دولته بالنسبة إلى من خالف أمره في خدمة معينة وذلك قد يغفر له فأما في قلب ~~الدولة فلا # وقال بعض العلماء ما تكلم فيه السلف فالسكوت عنه جفاء وما سكت عنه السلف ~~فالكلام فيه تكلف # وقال غيره الحق ثقيل من جاوزه ظلم ومن قصر عنه عجز ومن وقف معه اكتفى # وقال صلى الله عليه وسلم عليكم بالنمط الأوسط الذي يرجع إليه العالي ~~ويرتفع إليه التالي + حديث عليكم بالنمط الأوسط الحديث أخرجه أبو عبيد في ~~غريب الحديث موقوفا على علي بن أبي طالب ولم أجده مرفوعا + وقال ابن عباس ~~رضي الله عنهما الضلالة لها حلاوة في قلوب أهلها قال الله تعالى @QB@ وذر ~~الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا @QE@ وقال تعالى @QB@ أفمن زين له سوء عمله ~~فرآه حسنا @QE@ فكل ما أحدث بعد الصحابة رضي الله عنهم مما جاوز قدر ~~الضرورة والحاجة فهو من اللعب واللهو # وحكى عن إبليس لعنه الله أنه بث جنوده في وقت الصحابة رضي الله عنهم ~~فرجعوا إليه محسورين فقال ما شأنكم قالوا ما رأينا مثل هؤلاء ما نصيب منهم ~~شيئا وقد أتعبونا فقال إنكم لا تقدرون عليهم قد صحبوا نبيهم وشهدوا تنزيل ~~ربهم ولكن سيأتى بعدهم قوم تنالون منهم حاجتكم # فلما جاء التابعون بث جنوده فرجعوا إليه منكسين فقالوا ما رأينا أعجب من ~~هؤلاء نصبب منهم الشيء بعد الشيء من الذنوب فإذا كان آخر النهار أخذوا في ~~الاستغفار فيبدل الله سيئاتهم حسنات فقال إنكم لن تنالوا من هؤلاء شيئا ~~لصحة توحيدهم واتباعهم لسنة نبيهم ولكن سيأتي بعد هؤلاء قوم تقر أعينكم بهم ~~تلعبون بهم لعبا وتقودونهم بأزمة أهوائهم كيف شئتم إن استغفروا لم يغفر لهم ~~ولا يتوبون فيبدل الله سيئاتهم PageV01P081 حسنات قال فجاء قوم بعد القرن ~~الأول فبث فيهم الأهواء وزين لهم البدع فاستحلوها واتخذوها دينا لا ~~يستغفرون الله منها ولا يتوبون عنها فسلط عليهم الأعداء وقادوهم أين شاءوا # فإن قلت من أين عرف قائل هذا ما قاله إبليس ولم يشاهد إبليس ولا حدثه ~~بذلك فاعلم أن أرباب القلوب يكاشفون بأسرار الملكوت تارة على سبيل الإلهام ~~بأن يخطر لهم على سبيل الورود عليهم من حيث لا يعلمون وتارة على سبيل ~~الرؤيا الصادقة وتارة في اليقظة على سبيل كشف المعاني بمشاهدة الأمثلة كما ~~يكون في المنام وهذا أعلى الدرجات وهي من درجات النبوة العالية كما أن ~~الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة # فإياك أن يكون حظك من هذا العلم إنكار ما جاوز حد قصورك ففيه هلك ~~المتحذلقون من العلماء الزاعمون أنهم أحاطوا بعلوم العقول فالجهل خير من ~~عقل يدعو إلى إنكار مثل هذه الأمور لأولياء الله تعالى ومن أنكر ذلك ~~للأولياء لزمه إنكار الأنبياء وكان خارجا عن الدين بالكلية # قال بعض العارفين إنما انقطع الأبدال في أطراف الأرض واستتروا عن أعين ~~الجمهور لأنهم لا يطيقون النظر إلى علماء الوقت لأنهم عندهم جهال بالله ~~تعالى وهم عند أنفسهم وعند الجاهلين علماء # قال سهل التستري رضي الله عنه إن من أعظم المعاصي الجهل بالجهل والنظر ~~إلى العامة واستماع كلام أهل الغفلة # وكل عالم خاض في الدنيا فلا ينبغي أن يصغي إلى قوله بل ينبغي أن يتهم في ~~كل ما يقول لأن كل إنسان يخوض فيما أحب ويدفع ما لا يوافق محبوبه ولذلك قال ~~الله عز وجل @QB@ ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره ~~فرطا @QE@ والعوام العصاة أسعد حالا من الجهال بطريق الدين المعتقدين أنهم ~~من العلماء لأن العامي العاصي معترف بتقصيره فيستغفر ويتوب وهذا الجاهل ~~الظان أنه عالم وأن ما هو مشتغل به من العلوم التي هي وسائله إلى الدنيا عن ~~سلوك طريق الدين فلا يتوب ولا يستغفر بل لا يزال مستمرا عليه إلى الموت # وإذ غلب هذا على أكثر الناس إلا من عصمه الله تعالى وانقطع الطمع من ~~إصلاحهم فالأسلم لذي الدين المحتاط العزلة والانفراد عنهم كما سيأتي في ~~كتاب العزلة بيانه إن شاء الله تعالى ولذلك كتب يوسف بن أسباط إلى حذيفة ~~المرعشي ما ظنك بمن بقي لا يجد أحدا يذكر الله تعالى معه إلا كان آثما أو ~~كانت مذاكرته معصية وذلك أنه لا يجد أهله ولقد صدق فإن مخالطة الناس لا ~~تنفك عن غيبة أو سماع غيبة أو سكوت على منكر وأن أحسن أحواله أن يفيد علما ~~أو يستفيده ولو تأمل هذا المسكين وعلم أن إفادته لا تخلو عن شوائب الرياء ~~وطلب الجمع والرياسة علم أن المستفيد إنما يريد أن يجعل ذلك آلة إلى طلب ~~الدنيا ووسيلة إلى الشر فيكون هو معينا له على ذلك وردءا وظهيرا ومهيئا ~~لأسبابه كالذي يبيع السيف من قطاع الطريق # فالعلم كالسيف وصلاحه للخير كصلاح السيف للغزو ولذلك لا يرخص له في البيع ~~ممن يعلم بقرائن أحواله أنه يريد به الاستعانة على قطع الطريق # فهذه اثنتا عشرة علامة من علامات علماء الآخرة تجمع كل واحدة منها جملة ~~من أخلاق علماء السلف فكن أحد رجلين إما متصفا بهذه الصفات أو معترفا ~~بالتقصير مع الإقرار به وإياك أن تكون الثالث فتلبس على نفسك بأن تبدل آلة ~~الدنيا بالدين وتشبه سيرة البطالين بسيرة العلماء الراسخين وتلتحق بجهلك ~~وإنكارك بزمرة الهالكين الآيسين # نعوذ بالله من خدع الشيطان فبها هلك الجمهور # فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن لا تغره الحياة الدنيا ولا يغره بالله ~~الغرور PageV01P082 # | الباب السابع في العقل وشرفه وحقيقته وأقسامه بيان شرف العقل اعلم # أن هذا مما لا يحتاج إلى تكلف في إظهاره لا سيما وقد ظهر شرف العلم من ~~قبل العقل والعقل منبع العلم ومطلعه وأساسه والعلم يجري منه مجرى الثمرة من ~~الشجرة والنور من الشمس والرؤية من العين فكيف لا يشرف ما هو وسيلة السعادة ~~في الدنيا والآخرة أو كيف يستراب فيه والبهيمة مع قصور تمييزها تحتشم العقل ~~حتى إن أعظم البهائم بدنا وأشدها ضراوة وأقواها سطوة إذا رأى صورة الإنسان ~~احتشمه وهابه لشعوره باستيلائه عليه لما خص به من إدراك الحيل # ولذلك قال صلى الله عليه وسلم الشيخ في قومه كالنبي في أمته + حديث الشيخ ~~في قومه كالنبي في أمته أخرجه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمر وأبو ~~منصور الديلمي من حديث أبي رافع بسند ضعيف + وليس ذلك لكثرة ماله ولا لكبر ~~شخصه ولا لزيادة قوته بل لزيادة تجربته التي هي ثمرة عقله # ولذلك ترى الأتراك والأكراد وأجلاف العرب وسائر الخلق مع قرب منزلتهم من ~~رتبة البهائم يوقرون المشايخ بالطبع # ولذلك حين قصد كثير من المعاندين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ~~وقعت أعينهم عليه واكتحلوا بغرته الكريمة هابوه وتراءى لهم ما كان يتلألأ ~~على ديباجة وجهه من نور النبوة وإن كان ذلك باطنا في نفسه بطون العقل فشرف ~~العقل ما يدرك بالضرورة وإنما القصد أن نورد ما وردت به الأخبار والآيات في ~~ذكر شرفه وقد سماه الله نورا في قوله تعالى الله نور السموات والأرض مثل ~~نوره كمشكاة وسمى العلم المستفاد منه روحا ووحيا وحياة فقال تعالى @QB@ ~~وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا @QE@ وقال سبحانه أومن كان ميتا فأحييناه ~~وجعلنا له نورا يمشي به في الناس وحيث ذكر النور والظلمة أراد به العلم ~~والجهل كقوله @QB@ يخرجهم من الظلمات إلى النور @QE@ وقال صلى الله عليه ~~وسلم يا أيها الناس اعقلوا عن ربكم وتواصوا بالعقل تعرفوا ما أمرتم به وما ~~نهيتم عنه واعلموا أنه ينجدكم عند ربكم واعلموا أن العاقل من أطاع الله وإن ~~كان دميم المنظر حقير الخطر دنىء المنزلة رث الهيئة وأن الجاهل من عصى الله ~~تعالى وإن كان جميل المنظر عظيم الخطر شريف المنزلة حسن الهيئة فصيحا نطوقا ~~فالقردة والخنازير أعقل عند الله تعالى ممن عصاه ولا تغتر بتعظيم أهل ~~الدنيا إياهم فإنهم من الخاسرين + حديث يا أيها الناس اعقلوا عن ربكم ~~وتواصوا بالعقل الحديث أخرجه داود بن المجبر أحد الضعفاء في كتاب العقل من ~~حديث أبي هريرة وهو في مسند الحارث بن أبي أسامة عن داود + # وقال صلى الله عليه وسلم أول ما خلق الله العقل فقال له أقبل فأقبل ثم ~~قال له أدبر فأدبر ثم قال الله عز وجل وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم على ~~منك بك آخذ وبك أعطي وبك أثيب وبك أعاقب + حديث أول ما خلق الله العقل قال ~~له أقبل الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي أمامة وأبو نعيم من ~~حديث عائشة بإسنادين ضعيفين + # فإن قلت فهذا العقل إن كان عرضا فكيف خلق قبل الأجسام وإن كان جوهرا فكيف ~~يكون جوهر قائم بنفسه ولا يتحيز فأعلم أن هذا من علم المكاشفة فلا يليق ~~ذكره بعلم المعاملة وغرضنا الآن ذكر علوم المعاملة # وعن أنس رضي الله عنه قال أثنى قوم على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم ~~حتى بالغوا فقال صلى الله عليه وسلم كيف عقل الرجل فقالوا نخبرك عن اجتهاده ~~في العبادة وأصناف الخير وتسألنا عن عقله فقال صلى الله عليه وسلم إن ~~الأحمق يصيب بجهله أكثر من فجور PageV01P083 الفاجر وإنما يرتفع العباد غدا ~~في الدرجات الزلفى من ربهم على قدر عقولهم + حديث أنس أثنى قوم على رجل عند ~~النبي صلى الله عليه وسلم حتى بالغوا في الثناء فقال كيف عقل الرجل @QB@ ~~الحديث @QE@ أخرجه ابن المجبر في العقل بتمامه والترمذي الحكيم في النوادر ~~مختصرا + # وعن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اكتسب رجل ~~مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى وما تم إيمان عبد ولا استقام ~~دينه حتى يكمل عقله + حديث عمر ما اكتسب رجل مثل فضل عقل الحديث أخرجه ابن ~~المجبر في العقل وعنه الحارث بن أبي أمامة + وقال صلى الله عليه وسلم إن ~~الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ولا يتم لرجل حسن خلقه حتى يتم ~~عقله فعند ذلك تم إيمانه وأطاع ربه وعصى عدوه إبليس + حديث إن الرجل ليدرك ~~بحسن خلقه درجة الصائم القائم ولا يتم لرجل حسن خلقه حتى يتم عقله الحديث ~~أخرجه ابن المجبر من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به والحديث عند ~~الترمذي مختصر دون قوله ولا يتم من حديث عائشة وصححه + وعن أبي سعيد الخدري ~~رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل شيء دعامة ودعامة ~~المؤمن عقله فبقدر عقله تكون عبادته أما سمعتم قول الفجار في النار لو كنا ~~نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير + حديث أبي سعيد لكل شيء دعامة ودعامة ~~المؤمن عقله الحديث أخرجه ابن المجبر وعنه الحارث + وعن عمر رضي الله عنه ~~أنه قال لتميم الدارى ما السودد فيكم قال العقل قال صدقت سألت رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم كما سألتك فقال كما قلت ثم قال سألت جبريل عليه السلام ~~ما السودد فقال العقل + حديث عمر أنه قال لتميم الداري ما السودد فيكم قال ~~العقل قال صدقت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث أخرجه ابن المجبر ~~وعنه الحارث + وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال كثرت المسائل يوما على ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس إن لكل شيء مطية ومطية ~~المرء العقل وأحسنكم دلالة ومعرفة بالحجة أفضلكم عقلا + حديث البراء كثرت ~~المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس إن لكل شيء ~~مطية الحديث أخرجه ابن المجبر وعنه الحارث + وعن أبي هريرة رضي الله عنه ~~قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة أحد سمع الناس يقولون ~~فلان أشجع من فلان وفلان أبلى ما لم يبل فلان ونحو هذا فقال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم أما هذا فلا علم لكم به قالوا وكيف ذلك يا رسول الله فقال ~~صلى الله عليه وسلم إنهم قاتلوا على قدر ما قسم الله لهم من العقل وكانت ~~نصرتهم ونيتهم على قدر عقولهم فأصيب منهم من أصيب على منازل شتى فإذا كان ~~يوم القيامة اقتسموا المنازل على قدر نياتهم وقدر عقولهم + حديث أبي هريرة ~~لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة أحد سمع الناس يقولون كان ~~فلان أشجع من فلان الحديث أخرجه ابن المجبر + وعن البراء بن عازب أنه صلى ~~الله عليه وسلم قال جد الملائكة واجتهدوا في طاعة الله سبحانه وتعالى ~~بالعقل وجد المؤمنون من بني آدم على قدر عقولهم فأعملهم بطاعة الله عز وجل ~~أوفرهم عقلا + حديث البراء بن عازب جد الملائكة واجتهدوا في طاعة الله ~~بالعقل الحديث أخرجه ابن المجبر كذلك وعنه الحارث في مسنده ورواه البغوي في ~~معجم الصحابة من حديث ابن عازب رجل من الصحابة غير البراء وهو بالسند الذي ~~رواه ابن المجبر + وعن عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله بم ~~يتفاضل الناس في الدنيا قال بالعقل قلت وفي الآخرة قال بالعقل قلت أليس ~~إنما يجزون بأعمالهم فقال صلى الله عليه وسلم يا عائشة وهل عملوا إلا بقدر ~~ما أعطاهم عز وجل من العقل فبقدر ما أعطوا من العقل كانت أعمالهم وبقدر ما ~~عملوا يجزون + حديث عائشة قالت يا رسول الله بأي شيء يتفاضل الناس في ~~الدنيا قال بالعقل الحديث أخرجه ابن المجبر والترمذي الحكيم في النوادر ~~نحوه + وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~لكل شيء آلة وعدة وإن آلة المؤمن العقل ولكل شيء مطية ومطية المرء العقل ~~ولكل شيء دعامة ودعامة الدين العقل ولكل قوم غاية وغاية العباد العقل ولكل ~~قوم داع وداعى العابدين العقل ولكل تاجر بضاعة وبضاعة المجتهدين العقل ولكل ~~أهل بيت قيم وقيم بيوت الصديقين العقل ولكل خراب PageV01P084 عمارة وعمارة ~~الآخرة العقل ولكل امرىء عقب ينسب إليه ويذكر به وعقب الصديقين الذيينسبون ~~إليه ويذكرون به العقل ولكل سفر فسطاط وفسطاط المؤمنين العقل + حديث ابن ~~عباس لكل شيء آلة وعدة وإن آلة المؤمن العقل الحديث أخرجه ابن المجبر وعنه ~~الحارث + وقال صلى الله عليه وسلم إن أحب المؤمنين إلى الله عز وجل من نصب ~~في طاعة الله عز وجل ونصح لعباده وكمل عقله ونصح نفسه فأبصر وعمل به أيام ~~حياته فأفلح وأنجح + حديث إن أحب المؤمنين إلى الله من نصب في طاعة الله ~~الحديث أخرجه ابن المجبر من حديث ابن عمر ورواه أبو منصور الديلمي في مسند ~~الفردوس بإسناد آخر ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم أتمكم عقلا أشدكم لله ~~تعالى خوفا وأحسنكم فيما أمركم به ونهى عنه نظرا وإن كان أقلكم تطوعا + ~~حديث أتمكم عقلا أشدكم لله خوفا الحديث أخرجه ابن المجبر من حديث أبي قتادة ~~+ # | بيان حقيقة العقل وأقسامه # اعلم أن الناس اختلفوا في حد العقل وحقيقته وذهل الأكثرون عن كون هذا ~~الاسم مطلقا على معان مختلفة فصار ذلك سبب اختلافهم # والحق الكاشف للغطاء فيه أن العقل اسم يطلق بالاشتراك على أربعة معان كما ~~يطلق اسم العين مثلا على معان عدة وما يجري هذا المجرى فلا ينبغي أن يطلب ~~لجميع أقسامه حد واحد بل يفرد كل قسم بالكشف عنه فالأول الوصف الذي يفارق ~~الإنسان به سائر البهائم وهو الذي استعد به لقبول العلوم النظرية وتدبير ~~الصناعات الخفية الفكرية وهو الذي أراده الحارث بن أسد المحاسبي حيث قال في ~~حد العقل إنه غريزة يتهيأ بها إدراك العلوم النظرية وكأنه نور يقذف في ~~القلب به يستعد لإدراك الأشياء ولم ينصف من أنكر هذا ورد العقل إلى مجرد ~~العلوم الضرورية فإن الغافل عن العلوم والنائم يسميان عاقلين باعتبار وجود ~~هذه الغريزة فيهما مع فقد العلوم وكما أن الحياة غريزة بها يتهيأ الجسم ~~للحركات الاختيارية والإدراكات الحسية فكذلك العقل غريزة بها تتهيأ بعض ~~الحيوانات للعلوم النظرية ولو جاز أن يسوى بين الإنسان والحمار في الغريزة ~~والإدراكات الحسية # فيقال لا فرق بينهما إلا أن الله تعالى بحكم إجراء العادة يخلق في ~~الإنسان علوما وليس يخلقها في الحمار والبهائم لجاز أن يسوى بين الحمار ~~والجماد في الحياة ويقال لا فرق إلا أن الله عز وجل يخلق في الحمار حركات ~~مخصوصة بحكم إجراء العادة # فإنه لو قدر الحمار جمادا ميتا لوجب القول بأن كل حركة تشاهد منه فالله ~~سبحانه وتعالى قادر على خلقها فيه على الترتيب المشاهد # وكما وجب أن يقال لم يكن مفارقته للجماد في الحركات إلا بغريزة اختصت به ~~عبر عنها بالحياة فكذا مفارقة الإنسان البهيمة في إدراك العلوم النظرية ~~بغريزة يعبر عنها بالعقل وهو كالمرآة التي تفارق غيرها من الأجسام في حكاية ~~الصور والألوان بصفة اختصت بها وهي الصقالة # وكذلك العين تفارق الجبهة في صفات وهيئات بها استعدت للرؤية فنسبه هذه ~~الغريزة إلى العلوم كنسبة العين إلى الرؤية ونسبة القرآن والشرع إلى هذه ~~الغريزة في سياقها إلى انكشاف العلوم لها كنسبة نور الشمس إلى البصر فهكذا ~~ينبغي أن تفهم هذه الغريزة # الثاني هي العلوم التي تخرج إلى الوجود في ذات الطفل المميز بجواز ~~الجائزات واستحالة المستحيلات كالعلم بأن الاثنين أكثر من الواحد وأن الشخص ~~الواحد لا يكون في مكانين في وقت واحد وهو الذي عناه بعض المتكلمين حيث قال ~~في حد العقل إنه بعض العلوم الضرورية كالعلم بجواز الجائزات واستحالة ~~المستحيلات وهو أيضا صحيح في نفسه لأن هذه العلوم موجودة وتسميتها عقلا ~~ظاهر وإنما الفاسد أن تنكر تلك الغريزة ويقال لا موجود إلا هذه العلوم # الثالث علوم تستفاد من التجارب بمجاري الأحوال فإن من حنكته التجارب ~~وهذبته المذاهب يقال إنه عاقل في العادة ومن لا يتصف بهذه الصفة فيقال ~~PageV01P085 إنه غبي غمر جاهل فهذا نوع آخر من العلوم يسمى عقلا # الرابع أن تنتهي قوة تلك الغريزة إلى أن يعرف عواقب الأمور ويقمع الشهوة ~~الداعية إلى اللذة العاجلة ويقهرها فإذا حصلت هذه القوة سمى صاحبها عاقلا ~~من حيث إن إقدامه وإحجامه بحسب ما يقتضيه النظر في العواقب لا بحكم الشهوة ~~العاجلة وهذه أيضا من خواص الإنسان التي بها يتميز عن سائر الحيوان فالأول ~~هو الأس والسنخ والمنبع # والثاني هو الفرع الأقرب إليه # والثالث فرع الأول والثاني إذ بقوة الغريزة والعلوم الضرورية تستفاد علوم ~~التجارب # والرابع هو الثمرة الأخيرة وهو الغاية القصوى فالأولان بالطبع والأخيران ~~بالاكتساب # ولذلك قال علي كرم الله وجهه # رأيت العقل عقلين % فمطبوع ومسموع # ولا ينفع مسموع % إذا لم يك مطبوع # كما لا تنفع الشمس % وضوء العين ممنوع # والأول هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم ما خلق الله عز وجل خلقا أكرم ~~عليه من العقل + حديث ما خلق الله خلقا أكرم عليه من العقل أخرجه الترمذي ~~الحكيم في النوادر بسند ضعيف من رواية الحسن عن عدة من الصحابة + والأخير ~~هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم إذا تقرب الناس بأبواب البر والأعمال ~~الصالحة فتقرب أنت بعقلك + حديث إذا تقرب الناس بأنواع البر فتقرب أنت ~~بعقلك أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث علي إذا اكتسب الناس من أنواع البر ~~ليتقربوا بها إلى ربنا عز وجل فاكتسب أنت من أنواع العقل تسبقهم بالزلفة ~~والقرب وإسناده ضعيف + وهو المراد بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ~~الدرداء رضي الله عنه ازدد عقلا تزدد من ربك قربا فقال بأبي أنت وأمي وكيف ~~لي بذلك فقال اجتنب محارم الله تعالى وأد فرائض الله سبحانه تكن عاقلا ~~واعمل بالصالحات من الأعمال تزدد في عاجل الدنيا رفعة وكرامة وتنل في آجل ~~العقبى بها من ربك عز وجل القرب والعز + حديث ازدد عقلا تزدد من ربك قربا ~~الحديث قاله لأبي الدرداء أخرجه ابن المجبر ومن طريقه الحارث ابن أبي أسامة ~~والترمذي الحكيم في النوادر + وعن سعيد بن المسيب أن عمر وأبي بن كعب وأبا ~~هريرة رضي الله عنهم دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول ~~الله من أعلم الناس فقال صلى الله عليه وسلم العاقل قالوا فمن أعبد الناس ~~قال العاقل قالوا فمن أفضل الناس قال العاقل قالوا أليس العاقل من تمت ~~مروءته وظهرت فصاحته وجادت كفه وعظمت منزلته فقال صلى الله عليه وسلم @QB@ ~~وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين @QE@ إن العاقل ~~هو المتقي وإن كان في الدنيا خسيسا ذليلا + حديث ابن المسيب أن عمر وأبي بن ~~كعب وأبا هريرة دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول ~~الله من أعلم الناس فقال العاقل الحديث أخرجه ابن المجبر + قال صلى الله ~~عليه وسلم في حديث آخر إنما العاقل من آمن بالله وصدق رسله وعمل بطاعته + ~~حديث إنما العاقل من آمن بالله وصدق رسله وعمل بطاعته أخرجه ابن المجبر من ~~حديث سعيد بن المسيب مرسلا وفيه قصة + ويشبه أن يكون أصل الاسم في أصل ~~اللغة لتلك الغريزة وكذلك في الاستعمال وإنما أطلق على العلوم من حيث إنها ~~ثمرتها كما يعرف الشيء بثمرته فيقال العلم هو الخشية والعالم من يخشى الله ~~تعالى # فإن الخشية ثمرة العلم فتكون كالمجاز لغير تلك الغريزة ولكن ليس الغرض ~~البحث عن اللغة # والمقصود أن هذه الأقسام الأربعة موجودة والاسم يطلق على جميعها ولا خلاف ~~في وجود جميعها إلا في القسم الأول والصحيح وجودها بل هي الأصل # وهذه العلوم كأنها مضمنة في تلك الغريزة بالفطرة ولكن تظهر في الوجود إذا ~~جرى سبب يخرجها إلى الوجود حتى كأن هذه العلوم ليست بشيء وارد عليها من ~~خارج وكأنها كانت مستكنة فيها فظهرت ومثاله الماء في الأرض فإنه يظهر بحفر ~~البئر ويجتمع ويتميز بالحس لا بأن يساق إليها شيء جديد وكذلك الدهن في ~~اللوز وماء الورد في الورد ولذلك قال تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ~~ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم PageV01P086 ألست بربكم قالوا بلى ~~فالمراد به إقرار نفوسهم لا إقرار الألسنة فإنهم انقسموا في إقرار الألسنة ~~حيث وجدت الألسنة والأشخاص إلى مقر وإلى جاحد ولذلك قال تعالى ولئن سألتهم ~~من خلقهم ليقولن الله معناه إن اعتبرت أحوالهم شهدت بذلك نفوسهم وبواطنهم ~~فطرة الله التي فطر الناس عليها أي كل آدمي فطر على الإيمان بالله عز وجل ~~بل على معرفة الأشياء على ما هي عليه أعني أنها كالمضمنة فيها لقرب ~~استعدادها للإدراك # ثم لما كان الإيمان مركوزا في النفوس بالفطرة انقسم الناس إلى قسمين إلى ~~من أعرض فنسي وهم الكفار وإلى من أجال خاطره فتذكر فكان كمن حمل شهادة ~~فنسيها بغفلة ثم تذكرها # ولذلك قال عز وجل لعلهم يتذكرون وليتذكر أولوا الألباب واذكروا نعمة الله ~~عليكم وميثاقه الذي واثقكم به ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر وتسمية ~~هذا النمط تذكرا ليس ببعيد فكأن التذكر ضربان أحدهما # أن يذكر صورة كانت حاضرة الوجود في قلبه لكن غابت بعد الوجود الآخر # والآخر أن يذكر صورة كانت مضمنة فيه بالفطرة # وهذه حقائق ظاهرة للناظر بنور البصيرة ثقيلة على من يستروجه + قوله ~~يستروجه من الرواج أي يكون السماع والتقليد رائجا عنده فتأمل اه مصححه + ~~السماع والتقليد دون الكشف والعيان # ولذلك تراه يتخبط في مثل هذه الآيات ويتعسف وفي تأويل التذكر بإقرار ~~النفوس أنواعا من التعسفات ويتخايل إليه في الأخبار والآيات ضروب من ~~المناقضات وربما يغلب ذلك عليه حتى ينظر إليها بعين الاستحقار ويعتقد فيها ~~التهافت # ومثاله مثال الأعمى الذي يدخل دارا فيعثر فيها بالأواني المصفوفة في ~~الدار فيقول ما لهذه الأواني لا ترفع من الطريق وترد إلى مواضعها فيقال له ~~إنها في مواضعها وإنما الخلل في بصرك # فكذلك خلل البصيرة يجري مجراه وأطم منه وأعظم إذ النفس كالفارس والبدن ~~كالفرس وعمى الفارس أضر من عمى الفرس ولمشابهة بصيرة الباطن لبصيرة الظاهر ~~قال الله تعالى ما كذب الفؤاد ما رأى وقال تعالى وكذلك نرى إبراهيم ملكوت ~~السموات والأرض الآية وسمى ضده عمى فقال تعالى فإنها لا تعمى الأبصار ولكن ~~تعمى القلوب التي في الصدور وقال تعالى ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة ~~أعمى وأضل سبيلا وهذه الأمور التي كشفت للأنبياء بعضها كان بالبصر وبعضها ~~كان بالبصيرة وسمى الكل رؤية # وبالجملة من لم تكن بصيرته الباطنة ثاقبة لم يعلق به من الدين إلا قشوره ~~وأمثلته دون لبابه وحقائقه # فهذه أقسام ما ينطلق اسم العقل عليها # | بيان تفاوت النفوس في العقل # قد اختلف الناس في تفاوت العقل ولا معنى للاشتغال بنقل كلام من قل تحصيله ~~بل الأولى والأهم المبادرة إلى التصريح بالحق # والحق الصريح فيه أن يقال إن التفاوت يتطرق إلى الأقسام الأربعة سوى ~~القسم الثاني وهو العلم الضروري بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات # فإن من عرف أن الاثنين أكثر من الواحد عرف أيضا استحالة كون الجسم في ~~مكانين وكون الشيء الواحد قديما حادثا وكذا سائر النظائر وكل ما يدركه ~~إدراكا محققا من غير شك وأما الأقسام الثلاثة فالتفاوت يتطرق إليها أما ~~القسم الرابع وهو استيلاء القوة على قمع الشهوات فلا يخفى تفاوت الناس فيه ~~بل لا يخفى تفاوت أحوال الشخص الواحد فيه وهذا التفاوت يكون تارة لتفاوت ~~الشهوة إذ قد يقدر العاقل ترك بعض الشهوات دون بعض ولكن غير مقصور عليه # فإن الشاب قد يعجز عن ترك الزنا وإذا كبر وتم عقله قدر عليه وشهوة الرياء ~~والرياسة تزداد قوة بالكبر لا ضعفا وقد يكون سببه التفاوت في العلم المعرف ~~لغائلة تلك الشهوة ولهذا يقدر الطبيب على الاحتماء عن بعض الأطعمة المضرة ~~وقدم من يساويه في العقل على ذلك PageV01P087 إذا لم يكن طبيبا وإن كان ~~يعتقد على الجملة فيه مضرة لكن إذا كان علم الطبيب أتم كان خوفه أشد فيكون ~~الخوف جندا للعقل وعدة له في قمع الشهوات وكسرها # وكذلك يكون العالم أقدر على ترك المعاصي من الجاهل لقوة علمه بضرر ~~المعاصي وأعني به العالم الحقيقي دون أرباب الطيالسة وأصحاب الهذيان # فإن كان التفاوت من جهة الشهوة لم يرجع إلى تفاوت العقل وإن كان من جهة ~~العلم فقد سمينا هذا الضرب من العلم عقلا أيضا فإنه يقوي غريزة العقل فيكون ~~التفاوت فيما رجعت التسمية إليه وقد يكون بمجرد التفاوت في غريزة العقل ~~فإنها إذا قويت كان قمعها للشهوة لا محالة أشد # وأما القسم الثالث وهو علوم التجارب فتفاوت الناس فيها لا ينكر فإنهم ~~يتفاوتون بكثرة الإصابة وسرعة الإدراك ويكون سببه إما تفاوتا في الغريزة ~~وإما تفاوتا في الممارسة فأما الأول وهو الأصل أعني الغريزة فالتفاوت فيه ~~لا سبيل إلى جحده فإنه مثل نور يشرق على النفس ويطلع صبحه ومبادىء إشراقه ~~عند سن التمييز ثم لا يزال ينمو ويزداد نموا خفي التدريج إلى أن يتكامل ~~بقرب الأربعين سنة ومثاله نور الصبح فإن أوائله تخفى خفاء يشق إدراكه ثم ~~يتدرج إلى الزيادة إلى أن يكمل بطلوع قرص الشمس # وتفاوت نور البصيرة كتفاوت نور البصر والفرق مدرك بين الأعمش وبين حاد ~~البصر بل سنة الله عز وجل جارية في جميع خلقه بالتدريج في الإيجاد حتى إن ~~غريزة الشهوة لا تظهر في الصبي عند البلوغ دفعة وبغتة بل تظهر شيئا فشيئا ~~على التدريج وكذلك جميع القوى والصفات ومن أنكر تفاوت الناس في هذه الغريزة ~~فكأنه منخلع عن ربقة العقل ومن ظن أن عقل النبي صلى الله عليه وسلم مثل عقل ~~آحاد السوادية وأجلاف البوادي فهو أخس في نفسه من آحاد السوادية وكيف ينكر ~~تفاوت الغريزة ولولاه لما اختلف الناس في فهم العلوم ولما انقسموا إلى بليد ~~لا يفهم بالتفهيم إلا بعد تعب طويل من المعلم وإلى ذكي يفهم بأدنى رمز ~~وإشارة وإلى كامل تنبعث من نفسه حقائق الأمور بدون التعليم كما قال تعالى ~~يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور وذلك مثل الأنبياء عليهم ~~السلام إذ يتضح لهم في بواطنهم أمور غامضة من غير تعلم وسماع ويعبر عن ذلك ~~بالإلهام وعن مثله عبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال إن روح القدس نفث ~~في روعي أحبب من أحببت فإنك مفارقه وعش ما شئت فإنك ميت واعمل ما شئت فإنك ~~مجزي به + حديث إن روح القدس نفث في روعي أحبب من أحببت فإنك مفارقه الحديث ~~أخرجه الشيرازي في الألقاب من حديث سهل بن سعد نحوه والطبراني في الأصغر ~~والأوسط من حديث علي وكلاهما ضعيف + وهذا النمط من تعريف الملائكة للأنبياء ~~يخالف الوحي الصريح الذي هو سماع الصوت بحاسة الأذن ومشاهدة الملك بحاسة ~~البصر ولذلك أخبر عن هذا بالنفث في الروع ودرجات الوحي كثيرة والخوض فيها ~~لا يليق بعلم المعاملة بل هو من علم المكاشفة # ولا تظنن أن معرفة درجات الوحي تستدعي منصب الوحي إذ لا يبعد أن يعرف ~~الطبيب المريض درجات الصحة ويعلم العالم الفاسق درجات العدالة وإن كان ~~خاليا عنها فالعلم شيء ووجود المعلوم شيء آخر فلا كل من عرف النبوة ~~والولاية كان نبيا ولا وليا ولا كل من عرف التقوى والورع ودقائقه كان تقيا # وانقسام الناس إلى من يتنبه من نفسه ويفهم وإلى من لا يفهم إلا بتنبيه ~~وتعليم وإلى من لا ينفعه التعليم أيضا ولا التنبيه كانقسام الأرض إلى ما ~~يجتمع فيه الماء فيقوى فيتفجر بنفسه عيونا وإلى ما يحتاج إلى الحفر ليخرج ~~إلى القنوات وإلى ما لا ينفع فيه الحفر وهو اليابس وذلك لاختلاف جواهر ~~الأرض في صفاتها فكذلك اختلاف النفوس في غريزة العقل # ويدل على تفاوت العقل من جهة النقل ما روي أن عبد الله بن سلام رضي الله ~~عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل في آخره وصف عظم العرش وأن ~~الملائكة قالت يا ربنا هل خلقت شيئا أعظم من العرش PageV01P088 قال نعم ~~العقل قالوا وما بلغ من قدره قال هيهات لا يحاط بعلمه هل لكم علم بعدد ~~الرمل قالوا لا قال الله عز وجل فإني خلقت العقل أصنافا شتى كعدد الرمل فمن ~~الناس من أعطى حبة ومنهم من أعطى حبتين ومنهم من أعطى الثلاث والأربع ومنهم ~~من أعطى فرقا ومنهم من أعطى وسقا ومنهم من أعطى أكثر من ذلك + حديث ابن ~~سلام سئل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل في آخره وصف عظم العرش وأن ~~الملائكة قالت يا رب هل خلقت شيئا أعظم من العرش الحديث أخرجه ابن المجبر ~~من حديث أنس بتمامه والترمذي الحكيم في النوادر مختصرا + # فإن قلت فما بال أقوام من المتصوفة يذمون العقل بالمعقول فاعلم أن السبب ~~فيه أن الناس نقلوا اسم العقل المعقول إلى المجادلة والمناظرة بالمناقضات ~~والإلزامات وهو صنعة الكلام فلم يقدروا على أن يقرروا عندهم أنكم أخطأتم في ~~التسمية إذ كان لا ينمحي عن قلوبهم بعد تداول الألسنة به ورسوخه في القلوب ~~فذموا العقل والمعقول وهو المسمى به عندهم # فأما نور البصيرة التي بها يعرف الله تعالى ويعرف صدق رسله فكيف يتصور ~~ذمه وقد أثنى الله تعالى عليه وإن ذم فما الذي بعده يحمد فإن كان المحمود ~~هو الشرع فبم علم صحة الشرع فإن علم بالعقل المذموم الذي لا يوثق به فيكون ~~الشرع أيضا مذموما ولا يلتفت إلى من يقول إنه يدرك بعين اليقين ونور ~~الإيمان لا بالعقل فإنا نريد بالعقل ما يريده بعين اليقين ونور الإيمان وهي ~~الصفة الباطنة التي يتميز بها الآدمي عن البهائم حتى أدرك بها حقائق الأمور ~~وأكثر هذه التخبيطات إنما ثارت من جهل أقوام طلبوا الحقائق من الألفاظ ~~فتخبطوا فيها لتخبط اصطلاحات الناس في الألفاظ فهذا القدر كاف في بيان ~~العقل والله أعلم # تم كتاب العلم بحمد الله تعالى ومنه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى كل ~~عبد مصطفى من أهل الأرض والسماء # يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب قواعد العقائد والحمد لله وحده أولا وآخرا # | بسم الله الرحمن الرحيم # كتاب قواعد العقائد وفيه أربعة فصول الفصل الأول في ترجمة عقيدة أهل ~~السنة في كلمتي الشهادة التي هي أحد مباني الإسلام # فنقول وبالله التوفيق الحمد لله المبدىء المعيد الفعال لما يريد ذي العرش ~~المجيد والبطش الشديد الهادي صفوة العبيد إلى المنهج الرشيد والمسلك السديد ~~المنعم عليهم بعد شهادة التوحيد بحراسة عقائدهم عن ظلمات التشكيك والترديد ~~السالك بهم إلى اتباع رسوله المصطفى واقتفاء آثار صحبه الأكرمين المكرمين ~~بالتأييد والتسديد المتجلي لهم في ذاته وأفعاله بمحاسن أوصافه التي لا ~~يدركها إلا من ألقى السمع وهو شهيد المعرف إياهم أنه في ذاته واحد لا شريك ~~له فرد لا مثيل له صمد لا ضد له منفرد لا ند له وأنه واحد قديم لا أول له ~~أزلي لا بداية له مستمر الوجود لا آخر له أبدي لا نهاية له قيوم لا انقطاع ~~له دائم لا انصرام له لم يزل ولا يزال موصوفا بنعوت الجلال PageV01P089 لا ~~يقضي عليه بالانقضاء والانفصال بتصرم الآباد وانقراض الآجال بن هو الأول ~~والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم # التنزيه وأنه ليس بجسم مصور ولا جوهر محدود مقدر وأنه لا يماثل والأجسام ~~ولا في التقدير ولا في قبول الانقسام وأنه ليس بجوهر ولا تحله الجواهر ولا ~~بعرض ولا تحله الأعراض بل لا يماثل موجودا ولا يماثله موجود ليس كمثله شيء ~~ولا هو مثل شيء # وأنه لا يحده المقدار ولا تحويه الأقطار ولا تحيط به الجهات ولا تكتنفه ~~الأرضون ولا السموات # وأنه مستو على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواء ~~منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال لا يحمله العرش بل ~~العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ومقهورون في قبضته # وهو فوق العرش والسماء وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى فوقية لا تزيده قربا ~~إلى العرش والسماء كما لا تزيده بعدا عن الأرض والثرى بل هو رفيع الدرجات ~~عن العرش والسماء كما أنه رفيع الدرجات عن الأرض والثرى # وهو مع ذلك قريب من كل موجود وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد وهو على ~~كل شيء شهيد إذ لا يماثل قربه قرب الأجسام كما لا تماثل ذاته ذات الأجسام ~~وأنه لا يحل في شيء ولا يحل فيه شيء تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدس عن أن ~~يحده زمان بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان # وأنه بائن عن خلقه بصفاته ليس في ذاته سواه ولا في سواه ذاته وأنه مقدس ~~عن التغير والانتقال لا تحله الحوادث ولا تعتريه العوارض بل لا يزال في ~~نعوت جلاله منزها عن الزوال وفي صفات كماله مستغنيا عن زيادة الاستكمال # وأنه في ذاته معلوم الوجود بالعقول مرئي الذات بالأبصار نعمة منه ولطفا ~~بالأبرار في دار القرار وإتماما منه للنعيم بالنظر إلى وجهه الكريم # الحياة والقدرة وأنه تعالى حي قادر جبار قاهر لا يعتريه قصور ولا عجز ولا ~~تأخذه سنة ولا نوم ولا يعارضه فناء ولا موت وأنه ذو الملك والملكوت والعزة ~~والجبروت له السلطان والقهر والخلق والأمر والسموات مطويات بيمينه والخلائق ~~مقهورون في قبضته # وأنه المنفرد بالخلق والاختراع المتوحد بالإيجاد والإبداع خلق الخلق ~~وأعمالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم لا يشذ عن قبضته مقدور ولا يعزب عن قدرته ~~تصاريف الأمور لا تحصى مقدوراته ولا تتباهى معلوماته # العلم وأنه عالم بجميع المعلومات محيط بما يجري من تخوم الأرضين إلى أعلى ~~السموات وأنه عالم لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء بل ~~يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ويدرك حركة ~~الذر في جو الهواء ويعلم السر وأخفى ويطلع على هواجس الضمائر وحركات ~~الخواطر وخفيات السرائر بعلم قديم أزلي لم يزل موصوفا به في أزل الآزال لا ~~بعلم متجدد حاصل في ذاته بالحلول والانتقال # الإرادة وأنه تعالى مريد للكائنات مدبر للحادثات فلا يجري في الملك ~~والملكوت قليل أو كثير صغير أو كبير خير أو شر نفع أو ضر إيمان أو كفر ~~عرفان أو نكر فوز أو خسران زيادة أو نقصان طاعة أو عصيان إلا بقضائه وقدره ~~وحكمته ومشيئته # فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن لا يخرج عن مشيئته لفتة ناظر ولا فلتة ~~خاطر بل هو المبدىء المعيد الفعال لما يريد لا راد لأمره ولا معقب لقضائه ~~ولا مهرب لعبد عن معصيته إلا بتوفيقه ورحمته # ولا قوة له على طاعته إلا بمشيئته وإرادته فلو اجتمع الإنس والجن ~~والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها دون إرادته ~~ومشيئته لعجزوا عن ذلك # وأن إرادته قائمة بذاته في جملة صفاته لم يزل كذلك موصوفا بها ~~PageV01P090 مريدا في أزله لوجود الأشياء في أوقاتها التي قدرها فوجدت في ~~أوقاتها كما أراده في أزله من غير تقدم ولا تأخر بل وقعت على وفق علمه ~~وإرادته من غير تبدل ولا تغير # دبر الأمور لا بترتيب أفكار ولا تربص زمان فلذلك لم يشغله شأن عن شأن # السمع والبصر وأنه تعالى سميع بصير يسمع ويرى ولا يعرب عن سمعه مسموع وإن ~~خفي # ولا يغيب عن رؤيته مرئي وإن دق # ولا يحجب سمعه بعد ولا يدفع رؤيته ظلام # يرى من غير حدقة وأجفان ويسمع من غير أصمخة وآذان كما يعلم بغير قلب ~~ويبطش بغير جارحة ويخلق بغير آلة إذ لا تشبه صفاته صفات الخلق كما لا تشبه ~~ذاته ذوات الخلق # الكلام وأنه تعالى متكلم آمرناه واعد متوعد بكلام أزلي قديم قائم بذاته ~~لا يشبه كلام الخلق فليس بصوت يحدث من انسلال هواه أو اصطكاك أجرام ولا ~~بحرف ينقطع بإطباق شفة أو تحريك لسان # وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كتبه المنزلة على رسله عليهم ~~السلام # وأن القرآن مقروء بالألسنة مكتوب في المصاحف محفوظ في القلوب وأنه مع ذلك ~~قديم قائم بذات الله تعالى لا يقبل الانفصال والافتراق بالانتقال إلى ~~القلوب والأوراق وأن موسى صلى الله عليه وسلم سمع كلام الله بغير صوت ولا ~~حرف كما يرى الأبرار ذات الله تعالى في الآخرة من غير جوهر ولا عرض # وإذا كانت له هذه الصفات كان حيا عالما قادرا مريدا سميعا بصيرا متكلما ~~بالحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام لا بمجرد الذات # الأفعال وأنه سبحانه وتعالى لا موجود سواه إلا وهو حادث بفعله وفائض من ~~عدله على أحسن الوجوه وأكملها وأتمها وأعدلها وأنه حكيم في أفعاله عادل في ~~أقضيته لا يقاس عدله بعدل العباد إذ العبد يتصور منه الظلم بتصرفه في ملك ~~غيره # ولا يتصور الظلم من الله تعالى فإنه لا يصادف لغيره ملكا حتى يكون تصرفه ~~فيه ظلما فكل ما سواه من إنس وجن وملك وشيطان وسماء وأرض وحيوان ونبات ~~وجماد وجوهر وعرض ومدرك ومحسوس حادث اخترعه بقدرته بعد العدم اختراعا ~~وأنشأه إنشاء بعد أن لم يكن شيئا إذ كان موجودا وحده ولم يكن معه غيره ~~فأحدث الخلق بعد ذلك إظهارا لقدرته وتحقيقا لما سبق من إرادته ولما حق في ~~الأزل من كلمته لا لافتقاره إليه وحاجته # وأنه متفضل بالخلق والاختراع والتكليف لا عن وجوب ومتطول بالإنعام ~~والإصلاح لا عن لزوم فله الفضل والإحسان والنعمة والامتنان إذ كان قادرا ~~على أن يصب على عباده أنواع العذاب ويبتليهم بضروب الآلام والأوصاب ولو فعل ~~ذلك لكان منه عدلا ولم يكن منه قبيحا ولا ظلما # وأنه عز وجل يثبت عباده المؤمنين على الطاعات بحكم الكرم والوعد لا بحكم ~~الاستحقاق واللزوم له إذ لا يجب عليه لأحد فعل ولا يتصور منه ظلم ولا يجب ~~لأحد عليه حق # وأن حقه في الطاعات وجب على الخلق بإيجابه على ألسنة أنبيائه عليهم ~~السلام لا بمجرد العقل ولكنه بعث الرسل وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهرة ~~فبلغوا أمره ونهيه ووعده ووعيده فوجب على الخلق تصديقهم فيما جاءوا به # معنى الكلمة الثانية وهي الشهادة للرسل بالرسالة وأنه بعث النبي الأمي ~~القرشي محمدا صلى الله عليه وسلم برسالته إلى كافة العرب والعجم والجن ~~والإنس فنسخ بشريعته الشرائع إلا ما قرره منها # وفضله على سائر الأنبياء وجعله سيد البشر # ومنع كمال الإيمان بشهادة التوحيد وهو قول لا إله إلا الله ما لم تقترن ~~بها شهادة الرسول وهو قولك محمد رسول الله وألزم الخلق تصديقه في جميع ما ~~أخبر عنه من أمور الدنيا والآخرة # وأنه لا يتقبل PageV01P091 إيمان عبد حتى يؤمن بما أخبر به بعد الموت ~~وأوله سؤال منكر ونكير وهما شخصان مهيبان هائلان يقعدان العبد في قبره سويا ~~ذا روح وجسد فيسألانه عن التوحيد والرسالة ويقولان له من ربك وما دينك ومن ~~نبيك + حديث سؤال منكر ونكير أخرجه الترمذي وصححه ابن حبان من حديث أبي ~~هريرة إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما ~~المنكر وللآخر النكير وفي الصحيحين من حديث أنس إن العبد إذا وضع في قبره ~~وتولى عنه أصحابه وأنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه الحديث + وهما ~~فتانا القبر + حديث إنهما فتانا القبر أخرجه أحمد وابن حبان من حديث عبد ~~الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتاني القبر فقال عمر ~~أترد علينا عقولنا الحديث + وسؤالهما أول فتنة بعد الموت + حديث إن سؤالهما ~~أول فتنة بعد الموت لم أجده + # وأن يؤمن بعذاب القبر + حديث عذاب القبر أخرجاه من حديث عائشة إنكم ~~تفتنون أو تعذبون في قبوركم الحديث ولهما من حديث أبي هريرة وعائشة ~~استعاذته صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر + وأنه حق وحكمة عدل على الجسم ~~والروح على ما يشاء # وأن يؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان وصفته في العظم أنه مثل طبقات ~~السموات والأرض توزن الأعمال بقدرة الله تعالى والصنج يومئذ مثاقيل الذر ~~والخردل تحقيقا لتمام العدل وتوضح صحائف الحسنات في صورة حسنة في كفة النور ~~فيثقل بها الميزان على قدر درجاتها عند الله بفضل الله وتطرح صحائف السيئات ~~في صورة قبيحة في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله + حديث الإيمان ~~بالميزان ذي الكفتين واللسان وصفته في العظم أنه مثل طباق السموات والأرض ~~أخرجه البيهقي في البعث من حديث عمر قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ~~ورسله وتؤمن بالجنة والنار والميزان الحديث وأصله عند مسلم ليس فيه ذكر ~~الميزان ولأن داود من حديث عائشة أما في ثلاثة مواطن لا يذكر أحد أحدا عند ~~الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل زاد ابن مردويه في تفسيره قالت عائشة ~~أي حتى قد علمنا الموازين هي الكفتان فيوضع في هذه الشيء ويوضع في هذه ~~الشيء فترجع إحداهما وتخف الأخرى والترمذي وحسنه من حديث أنس واطلبنني عند ~~الميزان ومن حديث عبد الله بن عمر في حديث البطاقة فتوضع السجلات في كفة ~~والبطاقة في كفة الحديث وروى ابن شاهين في كتاب السنة عن ابن عباس كفة ~~الميزان كأطباق الدنيا كلها + # وأن يؤمن بأن الصراط حق وهو جسر ممدود على متن جهنم أحد من السيف وأدق من ~~الشعرة تزل عليه أقدام الكافرين بحكم الله سبحانه فتهوى بهم إلى النار ~~وتثبت عليه أقدام المؤمنين بفضل الله فيساقون إلى دار القرار + حديث ~~الإيمان بالصراط وهو جسر ممدود على متن جهنم أحد من السيف وأدق من الشعر ~~أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم ولهما من ~~حديث أبي سعيد ثم يضرب الجسر على جهنم زاد مسلم قال أبو سعيد إن الجسر أدق ~~من الشعر وأحد من السيف ورفعه أحمد من حديث عائشة والبيهقي في الشعب والبعث ~~من حديث أنس وضعفه وفي البعث من رواية عبد الله بن عمير مرسلا ومن قول ابن ~~مسعود الصراط كحد السيف وفي آخر الحديث ما يدل على أنه مرفوع + # وأن يؤمن بالحوض المورود حوض محمد صلى الله عليه وسلم يشرب منه المؤمنون ~~قبل دخول الجنة وبعد جواز الصراط + حديث الإيمان بالحوض وأنه يشرب منه ~~المؤمنون أخرجه مسلم من حديث أنس في نزول @QB@ إنا أعطيناك الكوثر @QE@ هو ~~حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم ولهما من حديث ابن مسعود ~~وعقبة بن عامر وجندب وسهل بن سعد أنا فرطكم على الحوض ومن حديث ابن عمر ~~أمالكم حوض كما بين جرباء وأدرج وقال الطبراني كما بينكم وبين جرباء وأدرج ~~وهو الصواب وذكر الحوض في الصحيح من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وعبد الله بن ~~عمر وحذيفة وأبي ذر وحابس ابن سمرة وحارثة بن وهب وثوبان وعائشة وأم سلمة ~~وأسماء + من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا عرضه مسيرة شهر ماؤه أشد ~~بياضا من اللبن وأحلى من العسل حوله أباريق عددها بعدد نجوم السماء + حديث ~~من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا عرضه مسيرة شهر أشد بياضا من اللبن ~~وأحلى من العسل حوله أباريق عدد نجوم السماء من حديث عبد الله بن عمرو ~~ولهما من حديث أنس فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء وفي رواية لمسلم أكثر ~~من عدد النجوم # فيه ميزابان يصبان فيه من الكوثر + حديث فيه ميزابان يصبان من الكوثر ~~أخرجه مسلم من حديث ثوبان يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب ~~والآخر من ورق + # وأن يؤمن بالحساب وتفاوت الناس فيه إلى مناقش في الحساب وإلى مسامح فيه ~~وإلى من يدخل PageV01P092 الجنة بغير حساب وهم المقربون فيسأل الله تعالى + ~~حديث الإيمان بالحساب وتفاوت الخلق فيه إلى مناقش في الحساب ومسامح فيه ~~وإلى من يدخل الجنة بغير حساب أخرجه البيهقي في البعث من حديث عمر فقال يا ~~رسول الله ما الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالموت ~~والبعث من بعد الموت والحساب والجنة والنار والقدر كله الحديث وهو عند مسلم ~~دون ذكر @QB@ الحساب @QE@ وللشيخين من حديث عائشة من نوقش الحساب عذب قالت ~~قلت يقول الله تعالى فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال ذلك العرض ولهما من حديث ~~ابن عباس عرضت علي الأمم فقيل هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير ~~حساب ولا عذاب ولمسلم من حديث أبي هريرة وعمران بن حصين يدخل من أمتي الجنة ~~سبعون ألفا بغير حساب زاد البيهقي في البعث من حديث عمرو بن حزم وأعطاني مع ~~كل واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا زاد أحمد من حديث عبد الرحمن بن أبي ~~بكر بعده هذه الزيادة فقال فهلا استزدته قال قد استزدته فأعطاني مع كل رجل ~~سبعين ألفا قال عمر فهلا استزدته قال قد استزدته فأعطاني هكذا وفرج عبد ~~الرحمن بن أبي بكر بين يديه الحديث + من شاء من الأنبياء عن تبليغ الرسالة ~~ومن شاء من الكفار عن تكذيب المرسلين + حديث سؤال من شاء من الأنبياء عن ~~تبليغ الرسالة ومن شاء من الكفار عن تكذيب المرسلين أخرجه البخاري من حديث ~~أبي سعيد يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول هل بلغت ~~فيقول نعم فيقال لأمته فيقولون ما أتانا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول ~~محمد وأمته الحديث ولابن ماجه يجيء النبي يوم القيامة الحديث وفيه فيقال هل ~~بلغت قومك الحديث + ويسأل المبتدعة عن السنة + حديث سؤال المبتدعة عن السنة ~~رواه ابن ماجه من حديث عائشة من تكلم بشيء من القدر سئل عنه يوم القيامة ~~ومن حديث أبي هريرة ما من داع يدعو إلى شيء إلا وقف يوم القيامة لازما ~~لدعوة ما دعا إليه وإن دعا رجل رجلا وإسنادهما ضعيف + ويسأل المسلمين عن ~~الأعمال + حديث سؤال المسلمين عن الأعمال أخرجه أصحاب السنن من حديث أبي ~~هريرة إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته الحديث وسيأتي ~~في الصلاة + # وأن يؤمن بإخراج الموحدين من النار بعد الانتقام حتى لا يبقى في جهنم ~~موحد بفضل الله تعالى فلا يخلد في النار موحد + حديث إخراج الموحدين من ~~النار حتى لا يبقى فيها موحد بفضل الله سبحانه أخرجه الشيخان من حديث أبي ~~هريرة في حديث طويل حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج ~~برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا ~~يشرك بالله شيئا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله الحديث + # وأن يؤمن بشفاعة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ثم سائر المؤمنين على ~~حسب جاهه ومنزلته عند الله تعالى ومن بقي من المؤمنين ولم يكن له شفيع أخرج ~~بفضل الله عز وجل فلا يخلد في النار مؤمن بل يخرج منها من كان في قلبه ~~مثقال ذرة من الإيمان + حديث شفاعة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ثم سائر ~~المؤمنين ومن بقي من المؤمنين ولم يكن لهم شفيع أخرج بفضل الله فلا يخلد في ~~النار مؤمن بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان أخرجه ابن ~~ماجه من حديث عثمان بن عفان يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم ~~الشهداء وقد تقدم في العلم وللشيخين من حديث أبي سعيد الخدري من وجدتم في ~~قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان فأخرجوه وفي رواية من خير @QB@ وفيه ~~@QE@ فيقول الله تعالى شفعت الملائكة وشفعت النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق ~~إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط ~~الحديث + # وأن يعتقد فضل الصحابة رضي الله عنهم وترتيبهم وأن أفضل الناس بعد النبي ~~صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم + حديث ~~أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم ~~علي أخرجه البخاري من حديث ابن عمر قال كنا نخير بين الناس في زمن النبي ~~صلى الله عليه وسلم فخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ولأبي ~~داود كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل أمة النبي صلى الله ~~عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم زاد الطبراني ويسمع ذلك ~~النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكره + # وأن يحسن الظن بجميع الصحابة ويثني عليهم كما أثنى الله عز وجل ورسوله ~~صلى الله عليه وسلم عليهم أجمعين + حديث إحسان الظن بجميع الصحابة والثناء ~~عليهم أخرجه الترمذي من حديث عبد الله ابن مغفل الله الله في أصحابي لا ~~تتخذوهم غرضا بعدي وللشيخين من حديث أبي سعيد لا تسبوا أصحابي وللطبراني من ~~حديث ابن مسعود إذا ذكر أصحابي فأمسكوا + فكل ذلك مما وردت به الأخبار ~~وشهدت به الآثار فمن اعتقد جميع ذلك موقنا به كان من أهل الحق وعصابة السنة ~~وفارق رهط الضلال وحزب البدعة # فنسأل الله كمال اليقين وحسن الثبات في الدين لنا ولكافة المسلمين برحمته ~~إنه أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى كل عبد مصطفى PageV01P093 # | الفصل الثاني في وجه التدريج إلى الإرشاد وترتيب درجات الإعتقاد # اعلم أن ما ذكرناه في ترجمة العقيدة ينبغي أن يقدم إلى الصبي في أول نشوه ~~ليحفظه حفظا ثم لا يزال ينكشف له معناه في كبره شيئا فشيئا فابتداؤه الحفظ ~~ثم الفهم ثم الإعتقاد والإيقان والتصديق به وذلك مما يحصل في الصبي بغير ~~برهان # فمن فضل الله سبحانه على قلب الإنسان أن شرحه في أول نشوه للإيمان من غير ~~حاجة إلى حجة وبرهان وكيف ينكر ذلك وجميع عقائد العوام مباديها التلقين ~~المجرد والتقليد المحض نعم يكون الإعتقاد الحاصل بمجرد التقليد غير خال عن ~~نوع من الضعف في الابتداء على معنى أنه يقبل الإزالة بنقيضه لو ألقى إليه ~~فلا بد من تقويته وإثباته في نفس الصبي والعامي حتى يترسخ ولا يتزلزل # وليس الطريق في تقويته وإثباته أن يعلم صنعة الجدل والكلام بل يشتغل ~~بتلاوة القرآن وتفسيره وقراءة الحديث ومعانيه # ويشتغل بوظائف العبادات فلا يزال اعتقاده يزداد رسوخا بما يقرع سمعه من ~~أدلة القرآن وحججه وبما يرد عليه من شواهد الأحاديث وفوائدها وبما يسطع ~~عليه من أنوار العبادات ووظائفها وبما يسرى إليه من مشاهدة الصالحين ~~ومجالستهم وسيماهم وسماعهم وهيآتهم في الخضوع لله عز وجل والخوف منه ~~والاستكانة له فيكون أول التلقين كإلقاء بذر في الصدر وتكون هذه الأسباب ~~كالسقى والتربية له حتى ينمو ذلك البذر يقوى ويرتفع شجرة طيبة راسخة أصلها ~~ثابت وفرعها في السماء # وينبغي أن يحرس سمعه من الجدل والكلام غاية الحراسة فإن ما يشوشه الجدل ~~أكثر مما يمهده وما يفسده أكثر مما يصلحه بل تقويته بالجدل تضاهي ضرب ~~الشجرة بالمدقة من الحديد رجاء تقويتها بأن تكثر أجزاؤها وربما يفتتها ذلك ~~ويفسدها وهو الأغلب # والمشاهدة تكفيك في هذا بيانا فناهيك بالعيان برهانا # فقس عقيدة أهل الصلاح والتقى من عوام الناس بعقيدة المتكلمين والمجادلين ~~فترى اعتقاد العامي في الثبات كالطود الشامخ لا تحركه الدواهي والصواعق ~~وعقيدة المتكلم الحارس اعتقاده بتقسيمات الجدل كخيط مرسل في الهواء تفيئه ~~الرياح مرة هكذا ومرة هكذا إلا من سمع منهم دليل الإعتقاد فتلقفه تقليدا ~~كما تلقف نفس الإعتقاد تقليدا إذ لا فرق في التقليد بين تعليم الدليل أو ~~تعلم المدلول فتلقين الدليل شيء والاستدلال بالنظر شيء آخر بعيد عنه # ثم الصبي إذا وقع نشوه على هذه العقيدة إن اشتغل بكسب الدنيا لم ينفتح له ~~غيرها ولكنه يسلم في الآخرة باعتقاد أهل الحق إذ لم يكلف الشرع أجلاف العرب ~~أكثر من التصديق الجازم بظاهر هذه العقائد فأما البحث والتفتيش وتكلف نظم ~~الأدلة فلم يكلفوه أصلا # وإن أراد أن يكون من سالكي طريق الآخرة وساعده التوفيق حتى اشتغل بالعمل ~~ولازم التقوى ونهى النفس عن الهوى واشتغل بالرياضة والمجاهدة انفتحت له ~~أبواب من الهداية تكشف عن حقائق هذه العقيدة بنور إلهي يقذف في قلبه بسبب ~~المجاهدة تحقيقا لوعده عز وجل إذ قال والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ~~وإن الله لمع المحسنين وهو الجوهر النفيس الذي هو غاية إيمان الصديقين ~~والمقربين وإليه الإشارة بالسر الذي وقر في صدر أبي بكر الصديق رضي الله ~~عنه حيث فضل به الخلق # وانكشاف ذلك السر بل تلك الأسرار له درجات بحسب درجات المجاهدة ودرجات ~~الباطن في النظافة والطهارة عما سوى الله تعالى وفي الاستضاءة بنور اليقين ~~وذلك كتفاوت الخلق في أسرار الطب والفقه وسائر العلوم إذ يختلف ذلك باختلاف ~~الاجتهاد واختلاف الفطرة في الذكاء والفطنة وكما لا تنحصر تلك الدرجات ~~فكذلك هذه مسألة فإن قلت تعلم الجدل والكلام مذموم كتعلم النجوم أو هو ~~PageV01P094 مباح أو مندوب إليه فاعلم أن للناس في هذا غلوا وإسرافا في ~~أطراف فمن قائل إنه بدعة أو حرام وأن العبد إن لقي الله عز وجل بكل ذنب سوى ~~الشرك خير له من أن يلقاه بالكلام ومن قائل إنه واجب وفرض إما على الكفاية ~~أو على الأعيان وأنه أفضل الأعمال وأعلى القربات فإنه تحقيق لعلم التوحيد ~~ونضال عن دين الله تعالى # وإلى التحريم ذهب الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان وجميع أهل الحديث ~~من السلف # قال ابن عبد الأعلى رحمه الله سمعت الشافعي رضي الله عنه يوم ناظر حفصا ~~الفرد وكان من متكلمي المعتزلة يقول لأن يلقى الله عز وجل العبد بكل ذنب ما ~~خلا الشرك بالله خير من أن يلقاه بشيء من علم الكلام ولقد سمعت من حفص ~~كلاما لا أقدر أن أحكيه وقال أيضا قد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننته ~~قط ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر ~~في الكلام # وحكى الكرابيسي أن الشافعي رضي الله عنه سئل عن شيء من الكلام فغضب وقال ~~سل عن هذا حفصا الفرد وأصحابه أخزاهم الله ولما مرض الشافعي رضي الله عنه ~~دخل عليه حفص الفرد فقال له من أنا فقال حفص الفرد لا حفظك الله ولا رعاك ~~حتى تتوب مما أنت فيه # وقال أيضا لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه فرارهم من ~~الأسد وقال أيضا إذا سمعت الرجل يقول الاسم هو المسمى أو غير المسمى فاشهد ~~بأنه من أهل الكلام ولا دين له # قال الزعفراني قال الشافعي حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد ويطاف ~~بهم في القبائل والعشائر ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في ~~الكلام وقال أحمد بن حنبل لا يفلح صاحب الكلام أبدا ولا تكاد ترى أحدا نظر ~~في الكلام إلا وفي قلبه دغل وبالغ في ذمه حتى هجر الحارث المحاسبي مع زهده ~~وورعه بسبب تصنيفه كتابا في الرد على المبتدعة وقال له ويحك ألست تحكي ~~بدعتهم أولا ثم ترد عليهم ألست تحمل الناس بتصنيفك على مطالعة البدعة ~~والتفكر في تلك الشبهات فيدعوهم ذلك إلى الرأي والبحث وقال أحمد رحمه الله ~~علماء الكلام زنادقة # وقال مالك رحمه الله أرأيت إن جاءه من هو أجدل منه أيدع دينه كل يوم لدين ~~جديد يعني أن أقوال المتجادلين تتفاوت # وقال مالك رحمه الله أيضا لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء فقال بعض ~~أصحابه في تأويله أنه أراد بأهل الأهواء أهل الكلام على أي مذهب كانوا # وقال أبو يوسف من طلب العلم بالكلام تزندق # وقال الحسن لا تجادلوا أهل الأهواء ولا تجالسوهم ولا تسمعوا منهم وقد ~~اتفق أهل الحديث من السلف على هذا # ولا ينحصر ما نقل عنهم من التشديدات فيه وقالوا ما سكت عنه الصحابة مع ~~أنهم أعرف بالحقائق وأفصح بترتيب الألفاظ من غيرهم إلا لعلمهم بما يتولد ~~منه من الشر # ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك ~~المتنطعون + حديث هلك المتنطعون أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود + أي ~~المتعمقون في البحث والاستقصاء # واحتجوا أيضا بأن ذلك لو كان من الدين لكان ذلك أهم ما يأمر به رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ويعلم طريقه ويثني عليه وعلى أربابه فقد علمهم ~~الاستنجاء + حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم الاستنجاء أخرجه مسلم ~~من حديث سلمان الفارسي + وندبهم إلى علم الفرائض وأثنى عليهم + حديث ندبهم ~~إلى علم الفرائض وأثنى عليهم أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة تعلموا ~~الفرائض وعلموها الناس الحديث وللترمذي من حديث أنس وأفرضهم زيد بن ثابت + ~~ونهاهم عن الكلام في القدر وقال أمسكوا + حديث نهاهم عن الكلام في القدر ~~وقال أمسكوا تقدم في العلم + عن القدر # وعلى هذا استمر الصحابة رضي الله عنهم فالزيادة على الأستاذ طغيان وظلم # وهم الأستاذون والقدوة ونحن الأتباع والتلامذة # وأما الفرقة الأخرى فاحتجوا بأن قالوا إن المحذور من الكلام إن كان هو ~~لفظ الجوهر والعرض وهذه الاصطلاحات الغريبة التي لم تعهدها الصحابة ~~PageV01P095 رضي الله عنهم فالأمر فيه قريب إذا ما من علم إلا وقد أحدث فيه ~~اصطلاحات لأجل التفهيم كالحديث والتفسير والفقه ولو عرض عليهم عبارة النقض ~~والكسر والتركيب والتعدية وفساد الوضع إلى جميع الأسئلة التي تورد على ~~القياس لما كانوا يفقهونه # فإحداث عبارة للدلالة بها على مقصود صحيح كإحداث آنية على هيئة جديدة ~~لاستعمالها في مباح وإن كان المحذور هو المعنى فنحن لا نعني به إلا معرفة ~~الدليل على حدوث العالم ووحدانية الخالق وصفاته كما جاء في الشرع فمن أين ~~تحرم معرفة الله تعالى بالدليل وإن كان المحذور هو التشعب والتعصب والعداوة ~~والبغضاء وما يفضي إليه الكلام فذلك محرم ويجب الاحتراز عنه كما أن الكبر ~~والعجب والرياء وطلب الرياسة مما يفضي إليه علم الحديث والتفسير والفقه وهو ~~محرم يجب الاحتراز عنه ولكن لا يمنع من العلم لأجل أدائه إليه وكيف يكون ~~ذكر الحجة والمطالبة بها والبحث عنها محظورا وقد قال الله تعالى قل هاتوا ~~برهانكم وقال عز وجل ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وقال تعالى ~~هل عندكم من سلطان بهذا أي حجة وبرهان وقال تعالى قل فلله الحجة البالغة ~~وقال تعالى ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه إلى قوله فبهت الذي كفر إذ ~~ذكر سبحانه احتجاج إبراهيم ومجادلته وإفحامه خصمه في معرض الثناء عليه وقال ~~عز وجل وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه وقال تعالى قالوا يا نوح قد ~~جادلتنا فأكثرت جدالنا وقال تعالى في قصة فرعون وما رب العالمين إلى قوله ~~أولوا جئتك بشيء مبين وعلى الجملة فالقرآن من أوله إلى آخره محاجة مع ~~الكفار فعمده أدلة المتكلمين في التوحيد قوله تعالى @QB@ لو كان فيهما آلهة ~~إلا الله لفسدتا @QE@ وفي النبوة @QB@ وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ~~فأتوا بسورة من مثله @QE@ وفي البعث @QB@ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ~~@QE@ إلى غير ذلك من الآيات والأدلة # ولم تزل الرسل صلوات الله عليهم يحاجون المنكرين ويجادلونهم قال تعالى ~~@QB@ وجادلهم بالتي هي أحسن @QE@ فالصحابة رضي الله عنهم أيضا كانوا يحاجون ~~المنكرين ويجادلون ولكن عند الحاجة # وكانت الحاجة إليه قليلة في زمانهم وأول من سن دعوة المبتدعة بالمجادلة ~~إلى الحق علي ابن أبي طالب رضي الله عنه إذ بعث ابن عباس رضي الله عنهما ~~إلى الخوارج فكلمهم فقال ما تنقمون على إمامكم قالوا قاتل ولم يسب ولم يغنم ~~فقال ذلك في قتال الكفار أرأيتم لو سببت عائشة رضي الله عنها في سهم أحدكم ~~أكنتم تستحلون منها ما تستحلون من ملككم وهي أمكم في نص الكتاب فقالوا لا ~~فرجع منهم إلى الطاعة بمجادلته ألفان # وروى أن الحسن ناظر قدريا فرجع عن القدر # وناظر علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رجلا من القدرية # وناظر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يزيد بن عميرة في الإيمان قال عبد ~~الله لو قلت إني مؤمن لقلت إني في الجنة فقال له يزيد بن عميرة يا صاحب ~~رسول الله هذه زلة منك وهل الإيمان إلا أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ~~والبعث والميزان وتقيم الصلاة والصوم والزكاة ولنا ذنوب لو نعلم أنها تغفر ~~لنا لعلمنا أننا من أهل الجنة فمن أجل ذلك نقول إنا مؤمنون ولا نقول إنا من ~~أهل الجنة # فقال ابن مسعود صدقت والله إنها مني زلة فينبغي أن يقال كان خوضهم فيه ~~قليلا لا كثيرا وقصيرا لا طويلا وعند الحاجة لا بطريق التصنيف والتدريس ~~واتخاذه صناعة فيقال أما قلة خوضهم فيه فإنه كان لقلة الحاجة إذا لم تكن ~~البدعة تظهر في ذلك الزمان وأما القصر فقد كان الغاية إفحام الخصم واعترافه ~~وانكشاف الحق وإزالة الشبهة فلو طال إشكال الخصم أو لجاجه لطال لا محالة ~~إلزامهم # وما كانوا يقدرون قدر الحاجة بميزان ولا مكيال بعد الشروع فيها وأما عدم ~~تصديهم للتدريس والتصنيف فيه فهكذا كان دأبهم في الفقه والتفسير والحديث ~~أيضا فإن جاز تصنيف الفقه ووضع الصور النادرة التي لا تتفق إلا على الندور ~~إما إدخار اليوم وقوعها وإن كان نادرا أو تشحيذا للخواطر فنحن أيضا نرتب ~~طرق PageV01P096 المجادلة لتوقع وقوع الحاجة بثوران شبهة أو هيجان مبتدع أو ~~لتشحيذ الخاطر أو لادخار الحجة حتى لا يعجز عنها عند الحاجة على البديهة ~~والارتجال كمن يعد السلاح قبل القتال ليوم القتال فهذا ما يمكن أن يذكر ~~للفريقين # فإن قلت فما المختار عندك فيه فاعلم أن الحق فيه أن إطلاق القول بذمه في ~~كل حال أو بحمده في كل حال خطأ بل لا بد فيه من تفصيل # فاعلم أولا أن الشيء قد يحرم لذاته كالخمر والميتة وأعني بقولي لذاته أن ~~علة تحريمه وصف في ذاته وهو الإسكار والموت # وهذا إذا سئلنا عنه أطلقنا القول بأنه حرام ولا يلتفت إلى إباحة الميتة ~~عند الاضطرار وإباحة تجرع الخمر إذا غص الإنسان بلقمة ولم يجد ما يسيغها ~~سوى الخمر وإلى ما يحرم لغيره كالبيع على بيع أخيك المسلم في وقت الخيار ~~والبيع وقت النداء وكأكل الطين فإنه يحرم لما فيه من الإضرار وهذا ينقسم ~~إلى ما يضر قليله وكثيره فيطلق القول عليه بأنه حرام كالسم الذي يقتل قليله ~~وكثيره وإلى ما يضر عند الكثرة فيطلق القول عليه بالإباحة كالعسل فإن كثيره ~~يضر بالمحرور وكأكل الطين # وكأن إطلاق التحريم على الطين والخمر والتحليل على العسل التفات إلى أغلب ~~الأحوال فإن تصدى شيء تقابلت فيه الأحوال فالأولى والأبعد عن الالتباس أن ~~يفصل فنعود إلى علم الكلام ونقول إن فيه منفعة وفيه مضرة فهو باعتبار ~~منفعته في وقت الانتفاع حلال أو مندوب إليه أو واجب كما يقتضيه الحال وهو ~~باعتبار مضرته في وقت الاستضرار ومحله حرام أما مضرته فإثارة الشبهات ~~وتحريك العقائد وإزالتها عن الجزم والتصميم فذلك مما يحصل في الابتداء ~~ورجوعها بالدليل مشكوك فيه ويختلف فيه الأشخاص فهذا ضرره في الإعتقاد الحق # وله ضرر آخر في تأكيد اعتقاد المبدعة للبدعة وتثبيته في صدورهم بحيث ~~تنبعث دواعيهم ويشتد حرصهم على الإصرار عليه ولكن هذا الضرر بواسطة التعب ~~الذي يثور من الجدل ولذلك ترى المبتدع العامي يمكن أن يزول اعتقاده باللطف ~~في أسرع زمان إلا إذا كان نشؤه في بلد يظهر فيها الجدل والتعصب فإنه لو ~~اجتمع عليه الأولون والآخرون لم يقدروا على نزع البدعة من صدره بل الهوى ~~والتعصب وبغض خصوم المجادلين وفرقة المخالفين يستولي على قلبه ويمنعه من ~~إدراك الحق حتى لو قيل له هل تريد أن يكشف الله تعالى لك الغطاء ويعرفك ~~بالعيان أن الحق مع خصمك لكره ذلك خيفة من أن يفرح به خصمه وهذا هو الداء ~~العضال الذي استطار في البلاد والعباد وهو نوع فساد أثاره المجادلون ~~بالتعصب فهذا ضرره # وأما منفعته فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه ~~وهيهات فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف ولعل التخبيط والتضليل فيه ~~أكثر من الكشف والتعريف وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوى ربما خطر ببالك أن ~~الناس أعداء ما جهلوا فاسمع هذا ممن خبر الكلام ثم قلاه بعد حقيقة الخبرة ~~وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم ~~أخر تناسب نوع الكلام وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه ~~مسدود # ولعمري لا ينفك الكلام عن كشف وتعريف وإيضاح لبعض الأمور ولكن على الندور ~~في أمور جلية تكاد تفهم قبل التعمق في صنعة الكلام بل منفعته شيء واحد وهو ~~حراسة العقيدة التي ترجمناها على العوام وحفظها عن تشويشات المبتدعة بأنواع ~~الجدل فإن العامي ضعيف يستفزه جدل المبتدع وإن كان فاسدا ومعارضة الفاسد ~~بالفاسد تدفعه # والناس متعبدون بهذه العقيدة التي قدمناها إذ ورد الشرع بها لما فيها من ~~صلاح دينهم ودنياهم وأجمع السلف الصالح عليها والعلماء يتعبدون بحفظها على ~~العوام من تلبيسات المبتدعة كما تعبد السلاطين بحفظ أموالهم عن تهجمات ~~الظلمة والغصاب وإذا وقعت الإحاطة بضرره ومنفعته فينبغي أن يكون كالطبيب ~~الحاذق في استعمال الدواء الخطر إذ لا يضعه إلا في موضعه وذلك في وقت ~~الحاجة وعلى قدر الحاجة # وتفصيله أن العوام المشتغلين بالحرف والصناعات يجب أن يتركوا على سلامة ~~عقائدهم PageV01P097 التي اعتقدوها مهما تلقنوا الإعتقاد الحق الذي ذكرناه ~~فإن تعليمهم الكلام ضرر محض في حقهم إذ ربما يثير لهم شكا ويزلزل عليهم ~~الإعتقاد ولا يمكن القيام بعد ذلك بالإصلاح # وأما العامى المعتقد للبدعة فينبغي أن يدعى إلى الحق بالتلطف لا بالتعصب ~~وبالكلام اللطيف المقنع للنفس المؤثر في القلب القريب من سياق أدلة القرآن ~~والحديث الممزوج بفن من الوعظ والتحذير فإن ذلك أنفع من الجدال الموضوع على ~~شرط المتكلمين إذ العامي إذا سمع ذلك اعتقد أنه نوع صنعة من الجدل تعلمها ~~المتكلم ليستدرج الناس إلى اعتقاده فإن عجز عن الجواب قدر أن المجادلين من ~~أهل مذهبه أيضا يقدرون على دفعه # فالجدل مع هذا ومع الأول حرام وكذلك مع من وقع في شك إذ يجب إزالته ~~باللطف والوعظ والأدلة القريبة المقبولة البعيدة عن تعمق الكلام # واستقصاء الجدل إنما ينفع في موضع واحد وهو أن يفرض عامي اعتقد البدعة ~~بنوع جدل سمعه فيقابل ذلك الجدل بمثله فيعود إلى اعتقاد الحق وذلك فيمن ظهر ~~له من الأنس بالمجادلة ما يمنعه عن القناعة بالمواعظ والتحذيرات العامية ~~فقد انتهى هذا إلى حالة لا يشفيه منها إلا دواء الجدل فجاز أن يلقى إليه # وأما في بلاد تقل فيها البدعة ولا تختلف فيها المذاهب فيقتصر فيها على ~~ترجمة الإعتقاد الذي ذكرناه ولا يتعرض للأدلة ويتربص وقوع شبهة فإن وقعت ~~ذكر بقدر الحاجة فإن كانت البدعة شائعة وكان يخاف على الصبيان أن يخدعوا ~~فلا بأس أن يعلموا القدر الذي أودعناه كتاب الرسالة القدسية ليكون ذلك سببا ~~لدفع تأثير مجادلات المبتدعة إن وقعت إليهم وهذا مقدار مختصر وقد أودعناه ~~هذا الكتاب لاختصاره فإن كان فيه ذكاء وتنبه بذكائه لموضع سؤال أو ثارت في ~~نفسه شبهة فقد بدت العلة المحذورة وظهر الداء فلا بأس أن يرقى منه إلى ~~القدر الذي ذكرناه في كتاب الاقتصاد في الإعتقاد وهو قدر خمسين ورقة وليس ~~فيه خروج عن النظر في قواعد العقائد إلى غير ذلك من مباحث المتكلمين # فإن أقنعه ذلك كف عنه وإن لم يقنعه ذلك فقد صارت العلة مزمنة والداء ~~غالبا والمرض ساريا فليتلطف به الطبيب بقدر إمكانه وينتظر قضاء الله تعالى ~~فيه إلى أن ينكشف له الحق بتنبيه من الله سبحانه أو يستمر على الشك والشبهة ~~إلى ما قدر له فالقدر الذي يحويه ذلك الكتاب وجنسه من المصنفات هو الذي ~~يرجى نفعه # فأما الخارج منه فقسمان أحدهما بحث عن غير قواعد العقائد كالبحث عن ~~الاعتمادات وعن الأكوان وعن الإدراكات وعن الخوض في الرؤية هل لها ضد يسمى ~~المنع أو العمى وإن كان فذلك واحد هو منع عن جميع ما لا يرى أو ثبت لكل ~~مرئي يمكن رؤيته منع بحسب عدده إلى غير ذلك من الترهات المضلات # والقسم الثاني زيادة تقرير لتلك الأدلة في غير تلك القواعد وزيادة أسئلة ~~وأجوبة وذلك أيضا استقصاء لا يزيد إلا ضلالا وجهلا في حق من لم يقنعه ذلك ~~القدر فرب كلام يزيده الإطناب والتقرير غموضا # ولو قال قائل البحث عن حكم الإدراكات والاعتمادات فيه فائدة تشحيذ ~~الخواطر # والخاطر آلة الدين كالسيف آلة الجهاد فلا بأس بتشحيذه كان كقوله لعب ~~الشطرنج يشحذ الخاطر فهو من الدين أيضا وذلك هوس فإن الخاطر يتشحذ بسائر ~~علوم الشرع ولا يخاف فيها مضرة فقد عرفت بهذا القدر المذموم والقدر المحمود ~~من الكلام والحال التي يذم فيها والحال التي يحمد فيها والشخص الذي ينتفع ~~به والشخص الذي لا ينتفع به # فإن قلت مهما اعترفت بالحاجة إليه في دفع المبتدعة والآن قد ثارت البدع ~~وعمت البلوى وأرهقت الحاجة فلا بد أن يصير القيام بهذا العلم من فروض ~~الكفايات كالقيام بحراسة الأموال وسائر الحقوق كالقضاء والولاية وغيرهما ~~وما لم يشتغل العلماء بنشر ذلك والتدريس فيه والبحث عنه لا يدوم ولو ترك ~~بالكلية لاندرس وليس في مجرد الطباع كفاية لحل شبه المبتدعة ما لم ~~PageV01P098 يتعلم فينبغي أن يكون التدريس فيه والبحث عنه أيضا من فروض ~~الكفايات بخلاف زمن الصحابة رضي الله عنهم فإن الحاجة ما كانت ماسة إليه # فاعلم أن الحق أنه لا بد في كل بلد من قائم بهذا العلم مستقل يدفع شبه ~~المبتدعة التي ثارت في تلك البلدة وذلك يدوم بالتعليم ولكن ليس من الصواب ~~تدريسه على العموم كتدريس الفقه والتفسير فإن هذا مثل الدواء والفقه مثل ~~الغذاء وضرر الغذاء لا يحذر وضرر الدواء محذور لما ذكرنا فيه من أنواع ~~الضرر # فالعالم الذي ينبغي أن يخصص بتعليم هذا العلم من فيه ثلاث خصال إحداها ~~التجرد للعلم والحرص عليه فإن المحترف يمنعه الشغل عن الاستتمام وإزالة ~~الشكوك إذا عرضت # الثانية الذكاء والفطنة والفصاحة فإن البليد لا ينتفع بفهمه والفدم لا ~~ينتفع بحجاجه فيخاف عليه من ضرر الكلام ولا يرجى فيه نفعه # الثالثة أن يكون في طبعه الصلاح والديانة والتقوى ولا تكون الشهوات غالبة ~~عليه فإن الفاسق بأدنى شبهة ينخلع عن الدين فإن ذلك يحل عنه الحجر ويرفع ~~للسد الذي بينه وبين الملاذ فلا يحرص على إزالة الشبهة بل يغتنمها ليتخلص ~~من أعباء التكليف فيكون ما يفسده مثل هذا المتعلم أكثر مما يصلحه # وإذا عرفت هذه الانقسامات اتضح لك أن هذه الحجة المحمودة في الكلام إنما ~~هي من جنس حجج القرآن من الكلمات اللطيفة المؤثرة في القلوب المقنعة للنفوس ~~دون التغلغل في التقسيمات والتدقيقات التي لا يفهمها أكثر الناس وإذا ~~فهموها اعتقدوا أنها شعوذة وصناعة تعلمها صاحبها للتلبيس فإذا قابله مثله ~~في الصنعة قاومه # وعرفت أن الشافعي وكافة السلف إنما منعوا عن الخوض فيه والتجرد له لما ~~فيه من الضرر الذي نبهنا عليه # وأن ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما من مناظرة الخوارج وما نقل عن علي ~~رضي الله عنه من المناظرة في القدر وغيره كان من الكلام الجلي الظاهر وفي ~~محل الحاجة وذلك محمود في كل حال # نعم قد تختلف الأعصار في كثرة الحاجة وقلتها فلا يبعد أن يختلف الحكم ~~لذلك فهذا حكم العقيدة التي تعبد الخلق بها وحكم طريق النضال عنها وحفظها ~~فأما إزالة الشبهة وكشف الحقائق ومعرفة الأشياء على ما هي عليه وإدراك ~~الأسرار التي يترجمها ظاهر ألفاظ هذه العقيدة فلا مفتاح له إلا المجاهدة ~~وقمع الشهوات والإقبال بالكلية على الله تعالى وملازمة الفكر الصافي عن ~~شوائب المجادلات وهي رحمة من الله عز وجل تفيض على من يتعرض لنفحاتها بقدر ~~الرزق وبحسب التعرض وبحسب قبول المحل وطهارة القلب وذلك البحر الذي لا يدرك ~~غوره ولا يبلغ ساحله # مسألة فإن قلت هذا الكلام يشير إلى أن هذه العلوم لها ظواهر وأسرار ~~وبعضها جلي يبدو أولا وبعضها خفي يتضح بالمجاهدة والرياضة والطلب الحثيث ~~والفكر الصافي والسر الخالي عن كل شيء من أشغال الدنيا سوى المطلوب وهذا ~~يكاد يكون مخالفا للشرع إذ ليس للشرع ظاهر وباطن وسر وعلن بل الظاهر ~~والباطن والسر والعلن واحد فيه فاعلم أن انقسام هذه العلوم إلى خفية وجلية ~~لا ينكرها ذو بصيرة وإنما ينكرها القاصرون الذي تلقفوا في أوائل الصبا شيئا ~~وجمدوا عليه فلم يكن لهم ترق إلى شأو العلاء ومقامات العلماء والأولياء ~~وذلك ظاهر من أدلة الشرع قال صلى الله عليه وسلم إن للقرآن ظاهرا وباطنا ~~وحدا ومطلعا + حديث إن للقرآن ظاهرا وباطنا الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه ~~من حديث ابن مسعود بنحوه + وقال علي رضي الله عنه وأشار إلى صدره إن ههنا ~~علوما جمة لو وجدت لها حملة # وقال صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر ~~عقولهم + حديث نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم ~~الحديث تقدم في العلم + وقال صلى الله عليه وسلم ما حدث أحد قوما بحديث لم ~~تبلغه عقولهم إلا كان فتنة عليهم + حديث ما حدث أحد قوما بحديث لم تبلغه ~~عقولهم الحديث تقدم في العلم + وقال الله تعالى @QB@ وتلك الأمثال نضربها ~~للناس وما يعقلها إلا العالمون @QE@ وقال PageV01P099 صلى الله عليه وسلم ~~إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العالمون بالله تعالى + حديث إن من ~~العلم كهيئة المكنون الحديث تقدم في العلم + الحديث إلى آخره كما أوردناه ~~في كتاب العلم # وقال صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا + ~~حديث لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا أخرجاه من حديث عائشة ~~وأنس + فليت شعري إن لم يكن ذلك سرا منع من إفشائه لقصور الأفهام عن إدراكه ~~أو لمعنى آخر فلم لم يذكره لهم ولا شك أنهم كانوا يصدقونه لو ذكره لهم وقال ~~ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض ~~مثلهن يتنزل الأمر بينهن لو ذكرت تفسيره لرجمتموني # وفي لفظ آخر لقلتم إنه كافر وقال أبو هريرة رضي الله عنه حفظت من رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم وعاءين أما أحدهما فبثثته وأما الآخر لو بثثته ~~لقطع هذا الحلقوم # وقال صلى الله عليه وسلم ما فضلكم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولكن بسر ~~وقر في صدره + حديث ما فضلكم أبو بكر بكثرة صيام الحديث تقدم في العلم + ~~رضي الله عنه ولا شك في أن ذلك السر كان متعلقا بقواعد الدين غير خارج منها ~~وما كان من قواعد الدين لم يكن خافيا بظواهره على غيره وقال سهل التستري ~~رضي الله عنه للعالم ثلاثة علوم علم ظاهر يبذله لأهل الظاهر وعلم باطن لا ~~يسعه إظهاره إلا لأهله وعلم هو بينه وبين الله تعالى لا يظهره لأحد # وقال بعض العارفين إفشاء سر الربوبية كفر # وقال بعضهم للربوبية سر لو أظهر لبطلت النبوة وللنبوة سر لو كشف لبطل ~~العلم وللعلماء بالله سر لو أظهروه لبطلت الأحكام وهذا القائل إن لم يرد ~~بذلك بطلان النبوة في حق الضعفاء لقصور فهمهم فما ذكره ليس بحق بل الصحيح ~~أنه لا تناقص فيه وأن الكامل من لا يطفي نور معرفته نور ورعه وملاك الورع ~~النبوة # مسألة فإن قلت هذه الآيات والأخبار يتطرق إليها تأويلات فبين لنا كيفية ~~اختلاف الظاهر والباطن فإن الباطن إن كان مناقضا للظاهر ففيه إبطال الشرع ~~وهو قول من قال إن الحقيقة خلاف الشريعة وهو كفر لأن الشريعة عبارة عن ~~الظاهر والحقيقة عبارة عن الباطن وإن كان لا يناقضه ولا يخالفه فهو هو ~~فيزول به الانقسام ولا يكون للشرع سر لا يفشى بل يكون الخفي والجلي واحد ~~فاعلم أن هذا السؤال يحرك خطبا عظيما وينجر إلى علوم المكاشفة ويخرج عن ~~مقصود علم المعاملة وهو غرض هذه الكتب فإن العقائد التي ذكرناها من أعمال ~~القلوب وقد تعبدنا بتلقينها بالقبول والتصديق بعقد القلب عليها لا بأن ~~يتوصل إلى أن ينكشف لنا حقائقها فإن ذلك لم يكلف به كافة الخلق ولولا أنه ~~من الأعمال لما أوردناه في هذا الكتاب ولولا أنه عمل ظاهر القلب لا عمل ~~باطنه لما أوردناه في الشطر الأول من الكتاب وإنما الكشف الحقيقي هو صفة سر ~~القلب وباطنه ولكن إذا انجر الكلام إلى تحريك خيال في مناقضة الظاهر للباطن ~~فلا بد من كلام وجيز في حله # فمن قال إن الحقيقة تخالف الشريعة أو الباطن يناقض الظاهر فهو إلى الكفر ~~أقرب منه إلى الإيمان بل الأسرار التي يختص بها المقربون بدركها ولا ~~يشاركهم الأكثرون في علمها ويمتنعون عن إفشائها إليهم ترجع إلى خمسة أقسام ~~القسم الأول أن يكون الشيء في نفسه دقيقا تكل أكثر الأفهام عن دركه فيختص ~~بدركه الخواص وعليهم أن لا يفشوه إلى غير أهله فيصير ذلك فتنة عليهم حيث ~~تقصر أفهامهم عن الدرك # وإخفاء سر الروح وكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيانه + حديث كف ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيان الروح أخرجه الشيخان من حديث ابن ~~مسعود حين سأله اليهود عن الروح قال فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ~~يرد عليهم شيئا الحديث + من هذا القسم فإن حقيقته بما تكل الأفهام عن دركه ~~وتقصر الأوهام عن تصور كنهه # ولا تظنن أن ذلك لم يكن مكشوفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن من لم ~~يعرف الروح فكأنه لم يعرف نفسه ومن لم يعرف نفسه PageV01P100 فكيف يعرف ربه ~~سبحانه ولا يبعد أن يكون ذلك مكشوفا لبعض الأولياء والعلماء وإن لم يكونوا ~~أنبياء ولكنهم يتأدبون بآداب الشرع فيسكتون عما سكت عنه بل في صفات الله عز ~~وجل من الخفايا ما تقصر أفهام الجماهير عن دركه ولم يذكر رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم منها إلا الظواهر للأفهام من العلم والقدرة وغيرهما حتى ~~فهمها الخلق بنوع مناسبة توهموها إلى علمهم وقدرتهم إذ كان لهم من الأوصاف ~~ما يسمى علما وقدرة فيتوهمون ذلك بنوع مقايسة # ولو ذكر من صفاته ما ليس للخلق مما يناسبه بعض المناسبة شيء لم يفهموه بل ~~لذة الجماع إذا ذكرت للصبي أو العنين لم يفهمها إلا بمناسبة إلى لذة ~~المطعوم الذي يدركه ولا يكون ذلك فهما على التحقيق # والمخالفة بين علم الله تعالى وقدرته وعلم الخلق وقدرتهم أكثر من ~~المخالفة بين لذة الجماع والأكل # وبالجملة فلا يدرك الإنسان إلا نفسه وصفات نفسه مما هي حاضرة له في الحال ~~أو مما كانت له من قبل ثم بالمقايسة إليه يفهم ذلك لغيره ثم قد يصدق بأن ~~بينهما تفاوتا في الشرف والكمال فليس في قوة البشر إلا أن يثبت لله تعالى ~~ما هو ثابت لنفسه من الفعل والعلم والقدرة وغيرها من الصفات مع التصديق بأن ~~ذلك أكمل وأشرف فيكون معظم تحريمه على صفات نفسه لا على ما اختص الرب تعالى ~~به من الجلال # ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ~~+ حديث لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك أخرجه مسلم من حديث عائشة ~~أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك في سجوده + وليس المعنى ~~أني أعجز عن التعبير عما أدركته بل هو اعتراف بالقصور عن إدراك كنه جلاله # ولذلك قال بعضهم ما عرف الله بالحقيقة سوى الله عز وجل # وقال الصديق رضي الله عنه الحمد لله الذي لم يجعل للخلق سبيلا إلى معرفته ~~إلا بالعجز عن معرفته # ولنقبض عنان الكلام عن هذا النمط ولنرجع إلى الغرض وهو أن أحد الأقسام ما ~~تكل الأفهام عن إدراكه ومن جملته الروح ومن جملته بعض صفات الله تعالى # ولعل الإشارة إلى مثله في قوله صلى الله عليه وسلم إن لله سبحانه وتعالى ~~سبعين حجابا من نور لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل من أدركه بصره + حديث إن ~~لله سبعين حجابا من نور لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره أخرجه ~~أبو الشيخ ابن حبان في كتاب العظمة من حديث أبي هريرة بين الله وبين ~~الملائكة الذين حول العرش سبعون حجابا من نور وإسناده ضعيف وفيه أيضا من ~~حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل هل ترى ربك قال إن ~~بيني وبينه سبعين حجابا من نور وفي الأكبر للطبراني من حديث سهل بن سعد دون ~~الله تعالى ألف حجاب من نور وظلمة ولمسلم من حديث أبي موسى حجابه النور لو ~~كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ولابن ماجه شيء أدركه ~~بصره + # القسم الثاني من الخفيات التي تمتنع الأنبياء والصديقون عن ذكرها ما هو ~~مفهوم في نفسه لا يكل الفهم عنه لكن ذكره يضر بأكثر المستمعين ولا يضر ~~بالأنبياء والصديقين # وسر القدر الذي منع أهل العلم من إفشائه من هذا القسم فلا يبعد أن يكون ~~ذكر بعض الحقائق مضرا ببعض الخلق كما يضر نور الشمس بأبصار الخفافيش وكما ~~تضر رياح الورد بالجعل وكيف يبعد هذا وقولنا إن الكفر والزنا والمعاصي ~~والشرور كله بقضاء الله تعالى وإرادته ومشيئته حق في نفسه وقد أضر سماعه ~~بقوله إذ أوهم ذلك عندهم أنه دلالة على السفه ونقيض الحكمة والرضا بالقبيح ~~والظلم وقد ألحد ابن الراوندي وطائفة من المخذولين بمثل ذلك # وكذلك سر القدر لو أفشى لأوهم عند أكثر الخلق عجزا إذ تقصر أفهامهم عن ~~إدراك ما يزيل ذلك الوهم عنهم ولو قال قائل إن القيامة لو ذكر ميقاتها ~~وأنها بعد ألف سنة أو أكثر أو أقل لكان مفهوما ولكن لم يذكر لمصلحة العباد ~~وخوفا من الضرر فلعل المدة إليها بعيدة فيطول الأمد وإذا استبطأت النفوس ~~وقت العقاب قل اكتراثها ولعلها كانت قريبة في علم الله سبحانه ولو ذكرت ~~لعظم الخوف وأعرض الناس عن الأعمال وخربت الدنيا فهذا المعنى لو اتجه وصح ~~فيكون مثالا لهذا القسم PageV01P101 # القسم الثالث أن يكون الشيء بحيث لو ذكر صريحا لفهم ولم يكن فيه ضرر ولكن ~~يكنى عنه على سبيل الاستعارة والرمز ليكون وقعه في قلب المستمع أغلب وله ~~مصلحة في أن يعظم وقت ذلك الأمر في قلبه كما لو قال قائل رأيت فلانا يقلد ~~الدر في أعناق الخنازير فكنى به عن إفشاء العلم وبث الحكمة إلى غير أهلها ~~فالمستمع قد يسبق إلى فهمه ظاهر اللفظ والمحقق إذا نظر وعلم أن ذلك الإنسان ~~لم يكن معه در ولا كان في موضعه خنزير تفطن لدرك السر والباطن فيتفاوت ~~الناس في ذلك ومن هذا قال الشاعر # رجلان خياط وآخر حائك % متقابلان على السماك الأعزل # لا زال ينسج ذاك خرقة مدبر % ويخيط صاحبه ثياب المقبل # فإنه عبر عن سبب سماوي في الإقبال والإدبار برجلين صانعين وهذا النوع ~~يرجع إلى التعبير عن المعنى بالصورة التي تتضمن عين المعنى أو مثله ومنه ~~قوله صلى الله عليه وسلم إن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة على ~~النار + حديث إن المسجد لينزوي من النخامة الحديث لم أجد له أصلا + وأنت ~~ترى أن ساحة المسجد لا تنقبض بالنخامة ومعناه أن روح المسجد كونه معظما ~~ورمى النخامة فهو تحقير له فيضاد معنى المسجدية مضادة النار لاتصال أجزاء ~~الجلدة وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام ~~أن يحول رأسه رأس حمار + حديث أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام الحديث ~~أخرجاه من حديث أبي هريرة + وذلك من حيث الصورة لم يكن قط ولا يكون ولكن من ~~حيث المعنى هو كائن إذ رأس الحمار لم يكن بحقيقته لكونه وشكله بل بخاصيته ~~وهي البلادة والحمق ومن رفع رأسه قبل الإمام فقد صار رأسه رأس حمار في معنى ~~البلادة والحمق وهو المقصود دون الشكل الذي هو قالب المعنى # إذ من غاية الحمق أن يجمع بين الاقتداء وبين التقدم فإنهما متناقضان # وإنما يعرف أن هذا السر على خلاف الظاهر إما بدليل عقلي أو شرعي أما ~~العقلي فأن يكون حمله على الظاهر غير ممكن كقوله صلى الله عليه وسلم قلب ~~المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن + حديث قلب العبد بين أصبعين من أصابع ~~الرحمن أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو + إذ لو فتشنا عن قلوب ~~المؤمنين لم نجد فيها أصابع فعلم أنها كناية عن القدرة التي هي سر الأصابع ~~وروحها الخفي وكنى بالأصابع عن القدرة لأن ذلك أعظم وقعا في تفهم تمام ~~الاقتدار # ومن هذا القبيل في كنايته عن الاقتدار قوله تعالى إنما قولنا لشيء إذا ~~أردناه أن نقول له كن فيكون فإن ظاهره ممتنع إذ قوله كن إن كان خطابا للشيء ~~قبل وجوده فهو محال إذا المعدوم لا يفهم الخطاب حتى يمثل وإن كان بعد ~~الوجود فهو مستغن عن التكوين # ولكن لما كانت هذه الكناية أوقع في النفوس في تفهيم غاية الاقتدار عدل ~~إليها وأما المدرك بالشرع فهو أن يكون إجراؤه على الظاهر ممكنا ولكنه يروى ~~أنه أريد به غير الظاهر كما ورد في تفسير قوله تعالى أنزل من السماء ماء ~~فسالت أودية بقدرها الآية وأن معنى الماء ههنا هو القرآن ومعنى الأودية هي ~~القلوب وأن بعضها احتملت شيئا كثيرا وبعضها قليلا وبعضها لم يحتمل # والزبد مثل الكفر والنفاق فإنه وإن ظهر وطفا على رأس الماء فإنه لا يثبت ~~والهداية التي تنفع الناس تمكث # وفي هذا القسم تعمق جماعة فأولوا ما ورد في الآخرة من الميزان والصراط ~~وغيرهما وهو بدعة إذ لم ينقل ذلك بطريق الرواية وإجراؤه على الظاهر غير ~~محال فيجب إجراؤه على الظاهر # القسم الرابع أن يدرك الإنسان الشيء جملة ثم يدركه تفصيلا بالتحقيق ~~والذوق بأن يصير حالا ملابسا له فيتفاوت العلمان ويكون الأول كالقشر ~~والثاني كاللباب والأول كالظاهر والثاني كالباطن PageV01P102 # وذلك كما يتمثل للإنسان في عينه شخص في الظلمة أو على البعد فيحصل له نوع ~~علم فإذا رآه بالقرب أو بعد زوال الظلام أدرك تفرقة بينهما ولا يكون الأخير ~~ضد الأول بل هو استكمال له # فكذلك العلم والإيمان والتصديق إذ قد يصدق الإنسان بوجود العشق والمرض ~~والموت قبل وقوعه ولكن تحققه به عند الوقوع أكمل من تحققه قبل الوقوع بل ~~للإنسان في الشهوة والعشق وسائر الأحوال ثلاثة أحوال متفاوتة وإدراكات ~~متباينة # الأول تصديقه بوجوده قبل وقوعه # والثاني عند وقوعه # والثالث بعد تصرفه # فإن تحققك بالجوع بعد زواله يخالف التحقيق قبل الزوال وكذلك من علوم ~~الدين ما يصير ذوقا فيكمل فيكون ذلك كالباطن بالإضافة إلى ما قبل ذلك ففرق ~~بين علم المريض بالصحة وبين علم الصحيح بها # ففي هذه الأقسام الأربعة تتفاوت الخلق وليس في شيء منها باطن يناقض ~~الظاهر بل يتممه ويكمله كما يتمم اللب القشر والسلام # الخامس أن يعبر بلسان المقال عن لسان الحال فالقاصر الفهم يقف على الظاهر ~~ويعتقده نطقا والبصير بالحقائق يدرك السر فيه وهذا كقول القائل قال الجدار ~~للوتد لم تشقني قال سل من يدقني فلم يتركني ورائي الحجر الذي ورائي فهذا ~~تعبير عن لسان الحال بلسان المقال ومن هذا قوله تعالى ثم استوى إلى السماء ~~وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فالبليد ~~يفتقر في فهمه إلى أن يقدر لهما حياة وعقلا وفهما للخطاب وخطابا هو صوت ~~وحرف تسمعه السماء والأرض فتجيبان بحرف وصوت وتقولان أتينا طائعين والبصير ~~يعلم أن ذلك لسان الحال وأنه إنباء عن كونهما مسخرتين بالضرورة ومضطرتين ~~إلى التسخير # ومن هذا قوله تعالى وإن من شيء إلا يسبح بحمده فالبليد يفتقر فيه إلى أن ~~يقدر للجمادات حياة وعقلا ونطقا بصوت وحرف حتى يقول سبحان الله ليتحقق ~~تسبيحه # والبصير يعلم أنه ما أريد به نطق اللسان بل كونه مسبحا بوجوده ومقدسا ~~بذاته وشاهدا بوحدانية الله سبحانه كما يقال # وفي كل شيء له آية % تدل على أنه الواحد # وكما يقال هذه الصنعة المحكمة تشهد لصانعها بحسن التدبير وكمال العلم لا ~~بمعنى أنها تقول أشهد بالقول ولكن بالذات والحال # وكذلك ما من شيء إلا وهو محتاج في نفسه إلى موجد يوجده ويبقيه ويديم ~~أوصافه ويردده في أطواره فهو بحاجته يشهد لخالقه بالتقديس يدرك شهادته ذوو ~~البصائر دون الجامدين على الظواهر # ولذلك قال تعالى ولكن لا تفقهون تسبيحهم وأما القاصرون فلا يفقهون أصلا ~~وأما المقربون والعلماء الراسخون فلا يفقهون كنهه وكماله إذ لكل شيء شهادات ~~شتى على تقديس الله سبحانه وتسبيحه ويدرك كل واحد بقدر عقله وبصيرته وتعداد ~~تلك الشهادات لا يليق بعلم المعاملة # فهذا الفن أيضا مما يتفاوت أرباب الظواهر وأرباب البصائر في علمه وتظهر ~~به مفارقة الباطن للظاهر # وفي هذا المقام لأرباب المقامات إسراف واقتصاد فمن مسرف في رفع الظواهر ~~انتهى إلى تغيير جميع الظواهر والبراهين أو أكثرها حتى حملوا قوله تعالى ~~وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم وقوله تعالى وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ~~قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وكذلك المخاطبات التي تجري من منكر ~~ونكير وفي الميزان والصراط والحساب ومناظرات أهل النار وأهل الجنة في قولهم ~~أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله زعموا أن ذلك كله بلسان الحال # وغلا آخرون في حسم الباب منهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه حتى منع تأويل ~~قوله كن فيكون وزعموا أن ذلك خطاب بحرف وصوت يوجد من الله تعالى في كل لحظة ~~بعدد كون مكون حتى سمعت بعض أصحابه يقول إنه حسم باب التأويل إلا لثلاثة ~~ألفاظ قوله PageV01P103 صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود يمين الله في أرضه ~~+ حديث الحجر يمين الله في الأرض أخرجه الحاكم وصححه من حديث عبد الله بن ~~عمر + وقوله صلى الله عليه وسلم قلب المؤمنين بين أصبعين من أصابع الرحمن ~~وقوله صلى الله عليه وسلم إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمين + حديث إني ~~لأجد نفس الرحمن من جانب اليمين أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة في حديث قال ~~فيه وأجد نفس ربكم من قبل اليمن ورجاله ثقات + ومال إلى حسم الباب أرباب ~~الظواهر # والظن بأحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه علم أن الاستواء ليس هو الاستقرار ~~والنزول ليس هو الانتقال ولكنه منع من التأويل حسما للباب ورعاية لصلاح ~~الخلق # فإنه إذا فتح الباب اتسع الخرق وخرج الأمر عن الضبط وجاوز حد الاقتصاد إذ ~~حد ما جاوز الإقتصاد لا ينضبط فلا بأس بهذا الزجر ويشهد له سيرة السلف ~~فإنهم كانوا يقولون أمروها كما جاءت حتى قال مالك رحمه الله لما سئل عن ~~الاستواء الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والإيمان به واجب والسؤال عنه ~~بدعة # وذهبت طائفة إلى الاقتصاد وفتحوا باب التأويل في كل ما يتعلق بصفات الله ~~سبحانه وتركوا ما يتعلق بالآخرة على ظواهرها ومنعوا التأويل فيه وهم ~~الأشعرية # وزاد المعتزلة عليهم حتى أولوا من صفاته تعالى الرؤية وأولوا كونه سميعا ~~بصيرا وأولوا المعراج وزعموا أنه لم يكن بالجسد وأولوا عذاب القبر والميزان ~~والصراط وجملة من أحكام الآخرة ولكن أقروا بحشر الأجساد وبالجنة واشتمالها ~~على المأكولات والمشمومات والمنكوحات والملاذ المحسوسة وبالنار واشتمالها ~~على جسم محسوس يحرق بحرق الجلود ويذيب الشحوم # ومن ترقيهم إلى هذا الحد زاد الفلاسفة فأولوا كل ما ورد في الآخرة وردوه ~~إلى آلام عقلية وروحانية ولذات عقلية وأنكروا حشر الأجساد وقالوا ببقاء ~~النفوس وأنها تكون إما معذبة وإما منعمة بعذاب ونعيم لا يدرك بالحس وهؤلاء ~~هم المسرفون # وحد الاقتصاد بين هذا الانحلال كله وبين جمود الحنابلة دقيق غامض لا يطلع ~~عليه إلا الموفقون الذين يدركون الأمور بنور إلهي لا بالسماع ثم إذا انكشفت ~~لهم أسرار الأمور على ما هي عليه نظروا إلى السمع والألفاظ الواردة فما ~~وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه وما خالف أولوه # فأما من يأخذ معرفة هذه الأمور من السمع المجرد فلا يستقر له فيها قدم ~~ولا يتعين له موقف # والألبق بالمقتصر على السمع المجرد مقام أحمد بن حنبل رحمه الله # والآن فكشف الغطاء عن حد الاقتصاد في هذه الأمور داخل في علم المكاشفة ~~والقول فيه يطول فلا نخوض فيه والغرض بيان موافقة الباطن الظاهر وأنه غير ~~مخالف له فقد انكشف بهذه الأقسام الخمسة أمور كثيرة # وإذا رأينا أن نقتصر بكافة العوام على ترجمة العقيدة التي حررناها وأنهم ~~لا يكلفون غير ذلك فى الدرجة الأولى إلا إذا كان خوف تشويش لشيوع البدعة ~~فيرقى في الدرجة الثانية إلى عقيدة فيها لوامع من الأدلة مختصرة من غير ~~تعمق # فلنورد في هذا الكتاب تلك اللوامع ولنقتصر فيها على ما حررناه لأهل القدس ~~وسميناه الرسالة القدسية في قواعد العقائد وهي مودعة في هذا الفصل الثالث ~~من هذا الكتاب # | الفصل الثالث من كتاب قواعد العقائد في لوامع الأدلة للعقيدة التي # ترجمناها بالقدس فنقول بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي ميز عصابة السنة بأنوار اليقين وآثر رهط الحق بالهداية ~~إلى دعائم الدين وجنبهم زيغ الزائغين وضلال الملحدين ووفقهم للاقتداء بسيد ~~المرسلين وسددهم للتأسي بصحبة الأكرمين ويسر لهم اقتفاء آثار السلف ~~PageV01P104 الصالحين حتى اعتصموا من مقتضيات العقول بالحبل المتين ومن سير ~~الأولين وعقائدهم بالمنهج المبين فجمعوا بالقول بين نتائج العقول وقضايا ~~الشرع المنقول وتحققوا أن النطق بما تعبدوا به من قول لا إله إلا الله محمد ~~رسول الله ليس له طائل ولا محصول إن لم تتحقق الإحاطة بما تدور عليه هذه ~~الشهادة من الأقطاب والأصول وعرفوا أن كلمتي الشهادة على إيجازها تتضمن ~~إثبات ذات الإله وإثبات صفاته وإثبات أفعاله وإثبات صدق الرسول وعلموا أن ~~بناء الإيمان على هذه الأركان وهي أربعة ويدور كل ركن منها على عشرة أصول # الركن الأول في معرفة ذات الله تعالى ومداره على عشرة أصول وهي العلم ~~بوجود الله تعالى وقدمه وبقائه وأنه ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض وأنه سبحانه ~~ليس مختصا بجهة ولا مستقرا على مكان وأنه يرى وأنه واحد # الركن الثاني في صفاته ويشتمل على عشرة أصول وهو العلم بكونه حيا عالما ~~قادرا مريدا سميعا بصيرا متكلما منزها عن حلول الحوادث وأنه قديم الكلام ~~والعلم والإرادة # الركن الثالث في أفعاله تعالى ومداره على عشرة أصول وهي أن أفعال العباد ~~مخلوقة لله تعالى وأنها مكتسبة للعباد وأنها مرادة لله تعالى وأنه متفضل ~~بالخلق والاختراع وأن له تعالى تكليف ما لا يطاق وأن له إيلام البريء ولا ~~يجب عليه رعاية الأصلح وأنه لا واجب إلا بالشرع وأن بعثة الأنبياء جائزة ~~وأن نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثابتة مؤيدة بالمعجزة # الركن الرابع في السمعيات ومداره على عشرة أصول وهي إثبات الحشر والنشر ~~وسؤال منكر ونكير وعذاب القبر والميزان والصراط وخلق الجنة والنار وأحكام ~~الإمامة وأن فضل الصحابة على حسب ترتيبهم وشروط الإمامة فأما الركن الأول ~~من أركان الإيمان في معرفة ذات الله سبحانه وتعالى وأن الله تعالى واحد ~~ومداره على عشرة أصول # الأصل الأول معرفة وجوده تعالى وأول ما يستضاء به من الأنوار ويسلك من ~~طريق الاعتبار ما أرشد إليه القرآن فليس بعد بيان الله سبحانه بيان وقد قال ~~تعالى ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم ~~سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا ~~وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا ~~وجنات ألفافا وقال تعالى إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ~~والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء ~~فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب ~~المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون وقال تعالى ألم تروا كيف خلق ~~الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم ~~من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا وقال تعالى أفرأيتم ما تمنون ~~أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون إلى قوله للمقوين فليس يخفى على من معه أدنى ~~مسكة من عقل إذا تأمل بأدنى فكرة مضمون هذه الآيات وأدار نظره على عجائب ~~خلق الله في الأرض والسموات وبدائع فطرة الحيوان والنبات أن هذا الأمر ~~العجيب والترتيب المحكم لا يستغني عن صانع يدبره وفاعل يحكمه ويقدره بل ~~تكاد فطرة النفوس تشهد بكونها مقهورة تحت تسخيره ومصرفة بمقتضى تدبيره # ولذلك قال الله تعالى أفي الله شك فاطر السموات والأرض ولهذا بعث ~~الأنبياء صلوات الله عليهم لدعوة الخلق إلى التوحيد ليقولوا لا إله إلا ~~الله وما أمروا أن يقولوا لنا إله وللعالم إله # فإن ذلك كان مجبولا في فطرة عقولهم من مبدأ نشؤهم وفي عنفوان شبابهم # ولذلك قال عز وجل ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله وقال ~~تعالى فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي PageV01P105 فطر الناس عليها ~~لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم فإذا في فطرة الإنسان وشواهد القرآن ما ~~يغني عن إقامة البرهان # ولكنا على سبيل الاستظهار والاقتداء بالعلماء النظار نقول من بدائه ~~العقول أن الحادث لا يستغنى في حدوثه عن سبب يحدثه والعالم حادث فإذا لا ~~يستغنى في حدوثه عن سبب # أما قولنا إن الحادث لا يستغنى في حدوثه عن سبب فجلي فإن كل حادث مختص ~~بوقت يجوز في العقل تقدير تقديمه وتأخيره فاختصاصه بوقته دون ما قبله وما ~~بعده يفتقر بالضرورة إلى المخصص وأما قولنا العالم حادث فبرهانه أن أجسام ~~العالم لا تخلو عن الحركة والسكون وهما حادثان وما لا يخلو عن الحوادث فهو ~~حادث # ففي هذا البرهان ثلاث دعاوى الأولى قولنا إن الأجسام لا تخلو عن الحركة ~~والسكون وهذه مدركة بالبديهة والاضطرار فلا يحتاج فيها إلى تأمل وافتكار ~~فإن من عقل جسما لا ساكنا ولا متحركا كان لمتن الجهل راكبا وعن نهج العقل ~~ناكبا # الثانية قولنا إنهما حادثان ويدل على ذلك تعاقبهما ووجود البعض منهما بعد ~~البعض وذلك مشاهد في جميع الأجسام ما شوهد منها وما لم يشاهد فما من ساكن ~~إلا والعقل قاض بجواز حركته وما من متحرك إلا والعقل قاض بجواز سكونه ~~فالطارىء منهما حادث لطريانه والسابق حادث لعدمه لأنه لو ثبت قدمه لاستحال ~~عدمه على ما سيأتي بيانه وبرهانه في إثبات بقاء الصانع تعالى وتقدس # الثالثة قولنا ما لايخلو عن الحوادث فهو حادث وبرهانه أنه لو لم يكن كذلك ~~لكان قبل كل حادث حوادث لا أول لها ولو لم تنقض تلك الحوادث بجملتها لا ~~تنتهي النوبة إلى وجود الحادث الحاضر في الحال وانقضاء ما لا نهاية له محال ~~ولأنه لو كان للفلك دورات لا نهاية لها لكان لا يخلو عددها عن أن تكون شفعا ~~أو وترا أو شفعا ووترا جميعا أو لا شفعا ولا وترا ومحال أن يكون شفعا ووترا ~~جميعا أو لا شفعا ولا وترا # فإن ذلك جمع بين النفي والإثبات إذ في إثبات أحدهما نفي الآخر وفي نفي ~~أحدهما إثبات الآخر # ومحال أن يكون شفعا لأن الشفع يصير وترا بزيادة واحد # وكيف يعوز ما لا نهاية له واحد ومحال أن يكون وترا إذ الوتر يصير شفعا ~~بواحد فكيف يعوزها واحد مع أنه لا نهاية لأعدادها # ومحال أن يكون لا شفعا ولا وترا إذ له نهاية # فتحصل من هذا أن العالم لا يخلو عن الحوادث وما لا يخلو عن الحوادث فهو ~~إذن حادث # وإذا ثبت حدوثه كان افتقاره إلى المحدث من المدركات بالضرورة # الأصل الثاني العلم بأن الله تعالى قديم لم يزل أزلي ليس لوجوده أول بل ~~هو أول كل شيء وقبل كل ميت وحي # وبرهانه أنه لو كان حادثا ولم يكن قديما لافتقر هو أيضا إلى محدث وافتقر ~~محدثه إلى محدث وتسلسل ذلك إلى ما لا نهاية وما تسلسل لم يتحصل أو ينتهي ~~إلى محدث قديم هو الأول وذلك هو المطلوب الذي سميناه صانع العالم ومبدئه ~~وبارئه ومحدثه ومبدعه الأصل الثالث العلم بأنه تعالى مع كونه أزليا أبديا ~~ليس لوجوده آخر فهو الأول والآخر والظاهر والباطن لأن ما ثبت قدمه استحال ~~عدمه وبرهانه أنه لو انعدم لكان لا يخلو إما أن ينعدم بنفسه أو بمعدم يضاده ~~ولو جاز أن ينعدم شيء يتصور دوامه لجاز أن يوجد شيء يتصور عدمه بنفسه فكما ~~يحتاج طريان الوجود إلى سبب فكذلك يحتاج طريان العدم إلى سبب # وباطل أن ينعدم بمعدم يضاده لأن ذلك المعدم لو كان قديما لما تصور الوجود ~~معه # وقد ظهر بالأصلين السابقين وجوده وقدمه فكيف كان وجوده في القدم ومعه ضده ~~فإن كان الضد المعدم حادثا كان محالا إذ ليس الحادث في مضادته للقديم حتى ~~يقطع وجوده بأولى من القديم في مضادته للحادث حتى يدفع وجوده بل الدفع أهون ~~من القطع والقديم أقوى وأولى من الحادث # الأصل الرابع العلم بأنه تعالى ليس بجوهر يتحيز بل يتعالى ويتقدس عن ~~مناسبة الحيز # وبرهانه أن كل جوهر متحيز فهو مختص بحيزه ولا يخلو من أن يكون ساكنا فيه ~~أو متحركا عنه فلا يخلو عن الحركة أو السكون PageV01P106 وهما حادثان وما ~~لا يخلو عن الحوادث فهو حادث # ولو تصور جوهر متحيز قديم لكان يعقل قدم جواهر العالم فإن سماه مسم جوهرا ~~ولم يرد به المتحيز كان مخطئا من حيث اللفظ لا من حيث المعنى # الأصل الخامس العلم بأنه تعالى ليس بجسم مؤلف من جواهر إذ الجسم عبارة عن ~~المؤلف من الجواهر وإذا بطل كونه جوهرا مخصوصا بحيز بطل كونه جسما لأن كل ~~جسم مختص بحيز ومركب من جوهر فالجوهر يستحيل خلوه عن الافتراق والاجتماع ~~والحركة والسكون والهيئة والمقدار وهذه سمات الحدوث # ولو جاز أن يعتقد أن صانع العالم جسم لجاز أن يعتقد الإلهية للشمس والقمر ~~أو لشيء آخر من أقسام الأجسام # فإن تجاسر متجاسر على تسميته تعالى جسما من غير إرادة التأليف من الجواهر ~~كان ذلك غلطا في الاسم مع الإصابة في نفي معنى الجسم # الأصل السادس العلم بأنه تعالى ليس بعرض قائم بجسم أو حال في محل لأن ~~العرض ما يحل في الجسم فكل جسم فهو حادث لا محالة ويكون محدثه موجودا قبله ~~فكيف يكون حالا في الجسم وقد كان موجودا في الأزل وحده وما معه غيره ثم ~~أحدث الأجسام والأعراض بعده ولأنه عالم قادر مريد خالق كما سيأتي بيانه ~~وهذه الأوصاف تستحيل على الأعراض بل لا تعقل إلا لموجود قائم بنفسه مستقل ~~بذاته # وقد تحصل من هذه الأصول أنه موجود قائم بنفسه ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض # وأن العالم كله جواهر وأعراض وأجسام فإذا لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء بل ~~هو الحي القيوم الذي ليس كمثله شيء وأنى يشبه المخلوق خالقه والمقدور مقدره ~~والمصور مصوره # والأجسام والأعراض كلها من خلقه وصنعه فاستحال القضاء عليها بمماثلته ~~ومشابهته # الأصل السابع العلم بأن الله تعالى منزه الذات عن الاختصاص بالجهات فإن ~~الجهة إما فوق وإما أسفل وإما يمين وإما شمال أو قدام أو خلف وهذه الجهات ~~هو الذي خلقها وأحدثها بواسطة خلق الإنسان إذ خلق له طرفين أحدهما يعتمد ~~على الأرض ويسمى رجلا والآخر يقابله ويسمى رأسا # فحدث اسم الفوق لما يلي جهة الرأس واسم السفل لما يلي جهة الرجل حتى إن ~~النملة التي تدب منكسة تحت السقف تنقلب جهة الفوق في حقها تحتا وإن كان في ~~حقنا فوقا # وخلق للإنسان اليدين وإحداهما أقوى من الأخرى في الغالب فحدث اسم اليمين ~~للأقوى واسم الشمال لما يقابله وتسمى الجهة التي تلي اليمين يمينا والأخرى ~~شمالا وخلق له جانبين يبصر من أحدهما ويتحرك إليه فحدث اسم القدام للجهة ~~التي يتقدم إليها بالحركة واسم الخلف لما يقابلها فالجهات حادثة بحدوث ~~الإنسان ولو لم يخلق الإنسان بهذه الخلقة بل خلق مستديرا كالكرة لم يكن ~~لهذه الجهات وجود البتة # فكيف كان في الأزل مختصا بجهة والجهة حادثة وكيف صار مختصا بجهة بعد أن ~~لم يكن له أبأن خلق العالم فوقه ويتعالى عن أن يكون له فوق إذ تعالى أن ~~يكون له رأس والفوق عبارة عما يكون جهة الرأس أو خلق العالم تحته فتعالى عن ~~أن يكون له تحت إذ تعالى عن أن يكون له رجل والتحت عبارة عما يلي جهة الرجل ~~وكل ذلك مما يستحيل في العقل ولأن المعقول من كونه مختصا بجهة أنه مختص ~~بحيز اختصاص الجواهر أو مختص بالجواهر اختصاص العرض وقد ظهر استحالة كونه ~~جوهرا أو عرضا فاستحال كونه مختصا بالجهة وإن أريد بالجهة غير هذين ~~المعنيين كان غلطا في الاسم مع المساعدة على المعنى ولأنه لو كان فوق ~~العالم لكان محاذيا له وكل محاذ لجسم فإما أن يكون مثله أو أصغر منه أو ~~أكبر وكل ذلك تقدير محوج بالضرورة إلى مقدر ويتعالى عنه الخالق الواحد ~~المدبر فأما رفع الأيدي عند السؤال إلى جهة السماء فهو لأنها قبلة الدعاء # وفيه أيضا إشارة إلى ما هو وصف للمدعو من الجلال والكبرياء تنبيها بقصد ~~جهة العلو على صفة المجد والعلاء فإنه تعالى فوق كل موجود بالقهر ~~والاستيلاء # الأصل PageV01P107 الثامن العلم بأنه تعالى مستو على عرشه بالمعنى الذي ~~أراد الله تعالى بالاستواء وهو الذي لا ينافي وصف الكبرياء ولا يتطرق إليه ~~سمات الحدوث والفناء وهو الذي أريد بالاستواء إلى السماء حيث قال في القرآن ~~ثم استوى إلى السماء وهي دخان وليس ذلك إلا بطريق القهر والاستيلاء كما قال ~~الشاعر # قد استوى بشر على العراق % من غير سيف ودم مهراق # واضطر أهل الحق إلى هذا التأويل كما التأويل كما اضطر أهل الباطن إلى ~~تأويل قوله تعالى وهو معكم أينما كنتم إذ حمل ذلك بالاتفاق على الإحاطة ~~والعلم وحمل قوله صلى الله عليه وسلم قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع ~~الرحمن على القدرة والقوة وحمل قوله صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود يمين ~~الله في أرضه على التشريف والإكرام لأنه لو ترك على ظاهره للزم منه المحال ~~فكذا الاستواء لو ترك على الاستقرار والتمكن لزم منه كون المتمكن جسما ~~مماسا للعرش إما مثله أو أكبر منه أو أصغر وذلك محال وما يؤدي إلى المحال ~~فهو محال # الأصل التاسع العلم بأنه تعالى مع كونه منزها عن الصورة والمقدار مقدسا ~~عن الجهات والأقطار مرئي بالأعين والأبصار في الدار الآخرة دار القرار ~~لقوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ولا يرى في الدنيا تصديقا ~~لقوله عز وجل لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ولقوله تعالى في خطاب موسى ~~عليه السلام لن تراني وليت شعري كيف عرف المعتزل من صفات رب الأرباب ما ~~جهله موسى عليه السلام وكيف سأل موسى عليه السلام الرؤية مع كونها محالا ~~ولعل الجهل بذوي البدع والأهواء من الجهلة الأغبياء أولى من الجهل ~~بالأنبياء صلوات الله عليهم وأما وجه إجراء آية الرؤية على الظاهر فهو أنه ~~غير مؤد إلى المحال فإن الرؤية نوع كشف وعلم إلا أنه أتم وأوضح من العلم ~~فإذا جاز تعلق العلم به وليس في جهة جاز تعلق الرؤية به وليس بجهة وكما ~~يجوز أن يرى الله تعالى الخلق وليس في مقابلتهم جاز أن يراه الخلق من غير ~~مقابلة وكما جاز أن يعلم من غير كيفية وصورة جاز أن يرى كذلك # الأصل العاشر العلم بأن الله عز وجل واحد لا شريك له فرد لا ند له انفرد ~~بالخلق والإبداع واستند بالإيجاد والاختراع لا مثل له يساهمه ويساويه ولا ~~ضد له فينازعه ويناويه وبرهانه قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله ~~لفسدتا وبيانه أنه لو كانا اثنين وأراد أحدهما أمرا فالثاني إن كان مضطرا ~~إلى مساعدته كان هذا الثاني مقهورا عاجزا ولم يكن إلها قادرا وإن كان قادرا ~~على مخالفته ومدافعته كان الثاني قويا قاهرا والأول ضعيفا قاصرا ولم يكن ~~إلها قادرا الركن الثاني العلم بصفات الله تعالى ومداره على عشرة أصول # الأصل الأول العلم بأن صانع العالم قادر وأنه تعالى في قوله وهو على كل ~~شيء قدير صادق لأن العالم محكم في صنعته مرتب في خلقته ومن رأى ثوبا من ~~ديباج حسن النسج والتأليف متناسب التطريز والتطريف ثم توهم صدور نسجه عن ~~ميت لا استطاعة له أو عن إنسان لا قدرة له كان منخلعا عن غريزة العقل ~~ومنخرطا في سلك أهل الغباوة والجهل # الأصل الثاني العلم بأنه تعالى عالم بجميع الموجودات ومحيط بكل المخلوقات ~~لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء صادق في قوله وهو بكل ~~شيء عليم ومرشد إلى صدقه بقوله تعالى ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ~~أرشدك إلى الاستدلال بالخلق على العلم بأنك لا تستريب في دلالة الخلق ~~اللطيف والصنع المزين بالترتيب ولو في الشيء الحقير الضعيف على علم الصانع ~~بكيفية الترتيب والترصيف فما ذكره الله سبحانه هو المنتهى في الهداية ~~والتعريف # الأصل الثالث العلم بكونه عز وجل حيا فإن من ثبت PageV01P108 علمه وقدرته ~~ثبت بالضرورة حياته ولو تصور قادر وعالم فاعل مدبر دون أن يكون حيا لجاز أن ~~يشك في حياة الحيوانات عند ترددها في الحركات والسكنات بل في حياة أرباب ~~الحرف والصناعات وذلك انغماس في غمرة الجهالات والضلالات # الأصل الرابع العلم بكونه تعالى مريدا لأفعاله فلا موجود إلا وهو مستند ~~إلى مشيئته وصادر عن إرادته فهو المبدىء المعيد والفعال لما يريد وكيف لا ~~يكون مريدا وكل فعل صدر منه أمكن أن يصدر منه ضده وما لا ضد له أمكن أن ~~يصدر منه ذلك بعينه قبله أو بعده # والقدرة تناسب الضدين والوقتين مناسبة واحدة فلا بد من إرادة صارفة ~~للقدرة إلى أحد المقدورين # ولو أغنى العلم عن الإرادة في تخصيص المعلوم حتى يقال إنما وجد في الوقت ~~الذي سبق بوجوده لجاز أن يغني عن القدرة حتى يقال وجد بغير قدرة لأنه سبق ~~العلم بوجوده فيه # الأصل الخامس العلم بأنه تعالى سميع بصير لا يعزب عن رؤيته هواجس الضمير ~~وخفايا الوهم والتفكير ولا يشذ عن سمعه صوت دبيب النملة السوداء في الليلة ~~الظلماء على الصخرة الصماء وكيف لا يكون سميعا بصيرا والسمع والبصر كمال لا ~~محالة وليس بنقص فكيف يكون المخلوق أكمل من الخالق والمصنوع أسنى وأتم من ~~الصانع وكيف تعتدل القسمة مهما وقع النقص في جهته والكمال في خلقه وصنعته ~~أو كيف تستقيم حجة إبراهيم صلى الله عليه وسلم على أبيه إذ كان يعبد ~~الأصنام جهلا وغيا فقال له لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ~~ولو انقلب ذلك عليه في معبوده لأضحت حجته داحضة ودلالته ساقطة ولم يصدق ~~قوله تعالى وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه وكما عقل كونه فاعلا بلا ~~جارحة وعالما بلا قلب ودماغ فليعقل كونه بصيرا بلا حدقة وسميعا بلا أذن إذ ~~لا فرق بينهما # الأصل السادس أنه سبحانه وتعالى متكلم بكلام وهو وصف قائم بذاته ليس بصوت ~~ولا حرف بل لا يشبه كلامه كلام غيره كما لا يشبه وجوده وجود غيره # والكلام بالحقيقة كلام النفس وإنما الأصوات قطعت حروفا للدلالات كما يدل ~~عليها تارة بالحركات والإشارات وكيف التبس هذا على طائفة من الأغبياء ولم ~~يلتبس على جهلة الشعراء حيث قال قائلهم # إن الكلام لفي الفؤاد وإنما % جعل اللسان على الفؤاد دليلا # ومن لم يعقله عقله ولا نهاه نهاه عن أن يقول لساني حادث ولكن ما يحدث فيه ~~بقدرتي الحادثة قديم فاقطع عن عقله طمعك وكف عن خطابه لسانك # ومن لم يفهم أن القديم عبارة عما ليس قبله شيء # وأن الباء قبل السين في قولك بسم الله فلا يكون السين المتأخر عن الباء ~~قديما فنزه عن الالتفات إليه قلبك فلله سبحانه سر في إبعاد بعض العباد ومن ~~يضلل الله فما له من هاد ومن استبعد أن يسمع موسى عليه السلام في الدنيا ~~كلاما ليس بصوت ولا حرف فليستنكر أن يرى في الآخرة موجودا ليس بجسم ولا لون ~~وإن عقل أن يرى ما ليس بلون ولا جسم ولا قدر ولا كمية وهو إلى الآن لم ير ~~غيره فليعقل في حاسة السمع ما عقله في حاسة البصر # وإن عقل على أن يكون له علم واحد هو علم بجميع الموجودات فليعقل صفة ~~واحدة للذات هو كلام بجميع ما دل عليه من العبارات # وإن عقل كون السموات السبع وكون الجنة والنار مكتوبة في ورقة صغيرة ~~ومحفوظة في مقدار ذرة من القلب وأن كل ذلك مرئي في مقدار عدسة من الحدقة من ~~غير أن تحل ذات السموات والأرض والجنة والنار في الحدقة والقلب والورقة ~~فليعقل كون الكلام مقروءا بالألسنة محفوظا في القلوب مكتوبا في المصاحف من ~~غير حلول ذات الكلام فيها إذ لو حلت بكتاب الله ذات الكلام في الورق لحل ~~ذات الله تعالى بكتابة اسمه في الورق وحلت ذات النار بكتابة اسمها في الورق ~~ولاحترق # الأصل السابع أن الكلام القائم بنفسه قديم وكذا جميع صفاته إذ يستحيل أن ~~يكون محلا PageV01P109 للحوادث داخلا تحت التغير بل يجب للصفات من نعوت ~~القدم ما يجب للذات فلا تعتريه التغيرات ولا تحله الحادثات بل لم يزل في ~~قدمه موصوفا بمحامد الصفات ولا يزل في أبده كذلك منزها عن تغير الحالات لأن ~~ما كان محل الحوادث لا يخلو عنها وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث # وإنما ثبت نعت الحدوث للأجسام من حيث تعرضها للتغير وتقلب الأوصاف فكيف ~~يكون خالقها مشاركا لها في قبول التغير وينبني على هذا أن كلامه قديم قائم ~~بذاته وإنما الحادث هي الأصوات الدالة عليه وكما عقل قيام طلب التعلم ~~وإرادته بذات الوالد للولد قبل أن يخلق ولده حتى إذا خلق ولده وعقل وخلق ~~الله له علما متعلقا بما في قلب أبيه من الطلب صار مأمورا بذلك الطلب الذي ~~قام بذات أبيه ودام وجوده إلى وقت معرفة ولده له فليعقل قيام الطلب الذي دل ~~عليه قوله عز وجل اخلع نعليك بذات الله ومصير موسى عليه السلام مخاطبا به ~~بعد وجوده إذ خلقت له معرفة بذلك الطلب وسمع لذلك الكلام القديم # الأصل الثامن أن علمه قديم فلم يزل عالما بذاته وصفاته وما يحدثه من ~~مخلوقاته # ومهما حدثت المخلوقات لم يحدث له علم بها بل حصلت مكشوفة له بالعلم ~~الأزلي إذ لو خلق لنا علم به بقدوم زيد عند طلوع الشمس ودام ذلك العلم ~~تقديرا حتى طلعت الشمس لكان قدوم زيد عند طلوع الشمس معلوما لنا بذلك العلم ~~من غير تجدد علم آخر # فهكذا ينبغي أن يفهم قدم علم الله تعالى # الأصل التاسع أن إرادته قديمة وهي في القدم تعلقت بإحداث الحوادث في ~~أوقاتها اللائقة بها على وفق سبق العلم الأزلي إذ لو كانت حادثة لصار محل ~~الحوادث ولو حدثت في غير ذاته لم يكن هو مريدا لها كما لا تكون أنت متحركا ~~بحركة ليست في ذاتك وكيفما قدرت فيفتقر حدوثها إلى إرادة أخرى وكذلك ~~الإرادة الأخرى تفتقر إلى أخرى ويتسلسل الأمر إلى غير نهاية ولو جاز أن ~~يحدث إرادة بغير إرادة لجاز أن يحدث العالم بغير إرادة # الأصل العاشر أن الله تعالى عالم بعلم حي بحياة قادر بقدرة ومريد بإرادة ~~ومتكلم بكلام وسميع بسمع وبصير ببصر وله هذه الأوصاف من هذه الصفات القديمة # وقول القائل عالم بلا علم كقوله غني بلا مال وعلم بلا عالم وعالم بلا ~~معلوم فإن العلم والمعلوم والعالم متلازمة كالقتل والمقتول والقاتل وكما لا ~~يتصور قاتل بلا قتل ولا قتيل ولا يتصور قتيل بلا قاتل ولا قتل كذلك لا ~~يتصور عالم بلا علم ولا علم بلا معلوم ولا معلوم بلا عالم بل هذه الثلاثة ~~متلازمة في العقل لا ينفك بعض منها عن البعض فمن جوز انفكاك العالم عن ~~العلم فليجوز انفكاكه عن المعلوم وانفكاك العلم عن العالم إذ لا فرق بين ~~هذه الأوصاف الركن الثالث العلم بأفعال الله تعالى ومداره على عشرة أصول # الأصل الأول العلم بأن كل حادث في العالم فهو فعله وخلقه واختراعه لا ~~خالق له سواه ولا محدث له إلا إياه # خلق الخلق وصنعهم وأوجد قدرتهم وحركتهم فجميع أفعال عباده مخلوقة له ~~ومتعلقة بقدرته تصديقا له في قوله تعالى الله خالق كل شيء وفي قوله تعالى ~~والله خلقكم وما تعملون وفي قوله تعالى وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم ~~بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير أمر العباد بالتحرز في ~~أقوالهم وأفعالهم وإسرارهم وإضمارهم لعلمه بموارد أفعالهم # واستدل على العلم بالخلق وكيف لا يكون خالقا لفعل العبد وقدرته تامة لا ~~قصور فيها وهي متعلقة بحركة أبدان العباد والحركات متماثلة وتعلق القدرة ~~بها لذاتها فما الذي يقصر تعلقها عن بعض الحركات دون البعض مع تماثلها أو ~~كيف يكون الحيوان مستبدا بالاختراع ويصدر من العنكبوت والنحل وسائر ~~الحيوانات من لطائف الصناعات ما يتحير فيه عقول ذوي الألباب فكيف انفردت هي ~~باختراعها دون رب الأرباب وهي غير عالمة بتفصيل ما يصدر منها من الاكتساب ~~هيهات هيهات ذلت المخلوقات وتفرد بالملك والملكوت PageV01P110 جبار الأرض ~~والسموات # الأصل الثاني أن انفراد الله سبحانه باختراع حركات العباد لا يخرجها عن ~~كونها مقدورة للعباد على سبيل الاكتساب بل الله تعالى خلق القدرة والمقدور ~~جميعا وخلق الاختيار والمختار جميعا # فأما القدرة فوصف للعبد وخلق للرب سبحانه وليست بكسب له # وأما الحركة فخلق للرب تعالى ووصف للعبد وكسب له فإنها خلقت مقدورة بقدرة ~~هي وصفه وكانت للحركة نسبة إلى صفة أخرى تسمى قدرة فتسمى باعتبار تلك ~~النسبة كسبا وكيف تكون جبرا محضا وهو بالضرورة يدرك التفرقة بين الحركة ~~المقدورة والرعدة الضرورية أو كيف يكون خلقا للعبد وهو لا يحيط علما ~~بتفاصيل أجزاء الحركات المكتسبة وأعدادها وإذا بطل الطرفان لم يبق إلا ~~الاقتصاد في الإعتقاد وهو أنها مقدورة بقدرة الله تعالى اختراعا وبقدرة ~~العبد على وجه آخر من التعليق يعبر عنه بالاكتساب # وليس من ضرورة تعلق القدرة بالمقدور أن يكون بالاختراع فقط إذ قدرة الله ~~تعالى في الأزل قد كانت متعلقة بالعالم ولم يكن الاختراع حاصلا بها وهي عند ~~الاختراع متعلقة به نوعا آخر من التعلق فيه يظهر أن تعلق القدرة ليس مخصوصا ~~بحصول المقدور بها # الأصل الثالث أن فعل العبد وإن كان كسبا للعبد فلا يخرج عن كونه مرادا ~~لله سبحانه # فلا يجري في الملك والملكوت طرفة عين ولا لفتة خاطر ولا فلتة ناظر إلا ~~بقضاء الله وقدرته وبإرادته ومشيئته # ومنه الشر والخير والنفع والضر والإسلام والكفر والعرفان والنكر والفوز ~~والخسران والغواية والرشد والطاعة والعصيان والشرك والإيمان لا راد لقضائه ~~ولا معقب لحكمه يضل من يشاء ويهدي من يشاء لا يسئل عما يفعل وهم يسألون ~~ويدل عليه من النقل قول الأمة قاطبة ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وقول ~~الله عز وجل أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا وقوله تعالى ولو شئنا لآتينا ~~كل نفس هداها ويدل عليه من جهة العقل أن المعاصي والجرائم إن كان الله ~~يكرهها ولا يريدها وإنما هي جارية على وفق إرادة العدو إبليس لعنه الله مع ~~أنه عدو لله سبحانه والجاري على وفق إرادة العدو أكثر من الجاري على وفق ~~إرادته تعالى فليت شعري كيف يستجيز المسلم أن يرد ملك الجبار ذي الجلال ~~والإكرام إلى رتبة لو ردت إليها رياسة زعيم ضيعة لاستنكف منها إذ لو كان ما ~~يستمر لعدو الزعيم في القرية أكثر مما يستقيم له لاستنكف من زعامته وتبرأ ~~عن ولايته # والمعصية هي الغالبة على الخلق وكل ذلك جار عند المبتدعة على خلاف إرادة ~~الحق تعالى وهذا غاية الضعف والعجز تعالى رب الأرباب عن قول الظالمين علوا ~~كبيرا # ثم مهما ظهر أن أفعال العباد مخلوقة لله صح أنها مرادة له # فإن قيل فكيف ينهى عما يريد ويأمر بما لا يريد قلنا الأمر غير الإرادة # ولذلك إذا ضرب السيد عبده فعاتبه السلطان عليه فاعتذر بتمرد عبده عليه ~~فكذبه السلطان فأراد إظهار حجته بأن يأمر العبد بفعل ويخالفه بين يديه فقال ~~له أسرج هذه الدابة بمشهد من السلطان فهو يأمره بما لايريد امتثاله ولو لم ~~يكن آمرا لما كان عذره عند السلطان ممهدا ولو كان مريدا لامتثاله لكان ~~مريدا لهلاك نفسه وهو محال # الأصل الرابع أن الله تعالى متفضل بالخلق والاختراع ومتطول بتكليف العباد ~~ولم يكن الخلق والتكليف واجبا عليه # وقالت المعتزلة وجب عليه ذلك لما فيه من مصلحة العباد وهو محال إذ هو ~~الموجب والآمر والناهي وكيف يتهدف لإيجاب أو يتعرض للزوم وخطاب والمراد ~~بالواجب أحد أمرين إما الفعل الذي في تركه ضرر إما آجل كما يقال يجب على ~~العبد أن يطيع الله حتى لا يعذبه في الآخرة بالنار أو ضرر عاجل كما يقال ~~يجب على العطشان أن يشرب حتى لا يموت # وإما أن يراد به الذي يؤدي عدمه إلى محال كما يقال وجود المعلوم واجب إذ ~~عدمه يؤدي إلى محال وهو أن يصير العلم جهلا فإن أراد الخصم بأن الخلق واجب ~~على الله بالمعنى الأول PageV01P111 فقد عرضه للضرر وإن أراد به المعنى ~~الثاني فهو مسلم إذ بعد سبق العلم لا بد من وجود المعلوم وإن أراد به معنى ~~ثالثا فهو غير مفهوم # وقوله يجب لمصلحة عباده كلام فاسد فإنه إذا لم يتضرر بترك مصلحة العباد ~~لم يكن للوجوب في حقه معنى # ثم إن مصلحة العباد في أن يخلقهم في الجنة فأما أن يخلقهم في دار البلايا ~~ويعرضهم للخطايا ثم يهدفهم لخطر العقاب وهول العرض والحساب فما في ذلك غبطة ~~عند ذوي الألباب # الأصل الخامس أنه يجوز على الله سبحانه أن يكلف الخلق ما لا يطيقونه ~~خلافا للمعتزلة ولو لم يجز ذلك لاستحال سؤال دفعه وقد سألوا ذلك فقالوا ~~ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ولأن الله تعالى أخبر نبيه صلى الله ~~عليه وسلم بأن أبا جهل لا يصدقه ثم أمره بأن يأمره بأن يصدقه في جميع ~~أقواله وكان من جملة أقواله أنه لا يصدقه فكيف يصدقه في أنه لا يصدقه وهل ~~هذا إلا محال وجوده # الأصل السادس أن لله عز وجل إيلام الخلق وتعذيبهم من غير جرم سابق ومن ~~غير ثواب لاحق خلافا للمعتزلة لأنه متصرف في ملكه ولا يتصور أن يعدو تصرفه ~~ملكه والظلم هو عبارة عن التصرف في ملك الغير بغير إذنه وهو محال على الله ~~تعالى فإنه لا يصادف لغيره ملكا حتى يكون تصرفه فيه ظلما ويدل على جواز ذلك ~~وجوده فإن ذبح البهائم إيلام لها وما صب عليها من أنواع العذاب من جهة ~~الآدميين لم يتقدمها جريمة # فإن قيل إن الله تعالى يحشرها ويجازيها على قدر ما قاسته من الآلام ويجب ~~ذلك على الله سبحانه فقول من زعم أنه يجب على الله إحياء كل نملة وطئت وكل ~~بقة عركت حتى يثيبها على آلامها فقد خرج عن الشرع والعقل إذ يقال وصف ~~الثواب والحشر بكونه واجبا عليه إن كان المراد به أن يتضرر بتركه فهو محال ~~وإن أريد به غيره فقد سبق أنه غير مفهوم إذ خرج عن المعاني المذكورة للواجب # الأصل السابع أنه تعالى يفعل بعباده ما يشاء فلا يجب عليه رعاية الأصلح ~~لعباده لما ذكرناه من أنه لا يجب عليه سبحانه شيء بل لا يعقل في حقه الوجوب ~~فإنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وليت شعري بما يجيب المعتزلي في قوله إن ~~الأصلح واجب عليه في مسألة نعرضها عليه وهو أن يفرض مناظرة في الآخرة بين ~~صبي وبين بالغ ماتا مسلمين فإن الله سبحانه يزيد في درجات البالغ ويفضله ~~على الصبي لأنه تعب بالإيمان والطاعات بعد البلوغ ويجب عليه ذلك عند ~~المعتزلي فلو قال الصبي يا رب لم رفعت منزلته علي فيقول لأنه بلغ واجتهد في ~~الطاعات ويقول الصبي أنت أمتني في الصبا فكان يجب عليك أن تديم حياتي حتى ~~أبلغ فأجتهد فقد عدلت عن العدل في التفضل عليه بطول العمر له دوني فلم ~~فضلته فيقول الله تعالى لأني علمت أنك لو بلغت لأشركت أو عصيت فكان الأصلح ~~لك الموت في الصبا هذا عذر المعتزلي عن الله عز وجل وعند هذا ينادى الكفار ~~من دركات لظى ويقولون يا رب أما علمت أننا إذا بلغنا أشركنا فهلا أمتنا في ~~الصبا فإنا رضينا بما دون منزلة الصبي المسلم فبماذا يجاب عن ذلك وهل يجب ~~عند هذا إلا القطع بأن الأمور الإلهية تتعالى بحكم الجلال عن أن توزن ~~بميزان أهل الاعتزال # فإن قيل مهما قدر على رعاية الأصلح للعباد ثم سلط عليهم أسباب العذاب كان ~~ذلك قبحا لا يليق بالحكمة قلنا القبح ما لا يوافق الغرض حتى إنه قد يكون ~~الشيء قبيحا عند شخص حسنا عند غيره إذا وافق غرض أحدهما دون الآخر حتى ~~يستقبح قتل الشخص أولياؤه ويستحسنه أعداؤه # فإن أريد بالقبيح ما لا يوافق غرض الباري سبحانه فهو محال إذ لا غرض له ~~فلا يتصور منه قبح كما لا يتصور منه ظلم إذ لا يتصور منه التصرف في ملك ~~الغير # وإن أريد بالقبيح ما لا يوافق غرض الغير فلم قلتم إن ذلك عليه محال وهل ~~هذا إلا مجرد تشه يشهد بخلافه ما قد فرضناه من مخاصمة أهل النار ثم الحكيم ~~معناه العالم بحقائق الأشياء القادر على إحكام فعلها على وفق إرادته وهذا ~~من أين يوجب رعاية PageV01P112 الأصلح وأما الحكيم منا يراعي الأصلح نظرا ~~لنفسه ليستفيد به في الدنيا ثناء وفي الآخرة ثوابا أو يدفع به عن نفسه آفة # وكل ذلك محال على الله سبحانه وتعالى # الأصل الثامن أن معرفة الله سبحانه وطاعته واجبة بإيجاب الله تعالى وشرعه ~~لا بالعقل خلافا للمعتزلة لأن العقل وإن أوجب الطاعة فلا يخلو إما أن ~~يوجبها لغير فائدة وهو محال فإن العقل لا يوجب العبث وإما أن يوجبها لفائدة ~~وغرض وذلك لا يخلو إما أن يرجع إلى المعبود وذلك محال في حقه تعالى فإنه ~~يتقدس عن الأغراض والفوائد بل الكفر والإيمان والطاعة والعصيان في حقه ~~تعالى سيان وإما أن يرجع ذلك إلى عرض العبد وهو أيضا محال لأنه لا غرض له ~~في الحال بل يتعب به وينصرف عن الشهوات لسببه وليس في المآل إلا الثواب ~~والعقاب # ومن أين يعلم أن الله تعالى يثيب على المعصية والطاعة ولا يعاقب عليهما ~~مع أن الطاعة والمعصية في حقه يتساويان إذ ليس له إلى أحدهما ميل ولا به ~~لأحدهما اختصاص وإنما عرف تمييز ذلك بالشرع ولقد زل من أخذ هذا من المقايسة ~~بين الخالق والمخلوق حيث يفرق بين الشكر والكفران لما له من الارتياح ~~والاهتزاز والتلذذ بأحدهما دون الآخر # فإن قيل فإذا لم يجب النظر والمعرفة إلا بالشرع والشرع لا يستقر ما لم ~~ينظر المكلف فيه فإذا قال المكلف للنبي إن العقل ليس يوجب على النظر والشرع ~~لا يثبت عندي إلا بالنظر ولست أقدم على النظر أدى ذلك إلى إفحام الرسول صلى ~~الله عليه وسلم قلنا هذا يضاهي قول القائل للواقف في موضع من المواضع إن ~~وراءك سبعا ضاريا فإن لم تبرح عن المكان قتلك وإن التفت وراءك ونظرت عرفت ~~صدقي فيقول الواقف لا يثبت صدقك ما لم ألتفت ورائي ولا ألتفت ورائي ولا ~~أنظر ما لم يثبت صدقك فيدل هذا على حماقة هذا القائل وتهدفه للهلاك ولا ضرر ~~فيه على الهادي المرشد فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن وراءكم ~~الموت ودونه السباع الضارية والنيران المحرقة إن لم تأخذوا منها حذركم ~~وتعرفوا لي صدقي بالالتفات إلى معجزتي وإلا هلكتم فمن التفت عرف واحترز ~~ونجا ومن لم يلتفت وأصر هلك وتردى ولا ضرر علي إن هلك الناس كلهم أجمعون ~~وإنما علي البلاغ المبين فالشرع يعرف وجود السباع الضارية بعد الموت والعقل ~~يفيد فهم كلامه والإحاطة بإمكان ما يقوله في المستقبل # والطبع يستحث على الحذر من الضرر ومعنى كون الشيء واجبا أن في تركه ضررا ~~ومعنى كون الشرع موجبا أنه معرف للضرر المتوقع فإن العقل لا يهدى إلى ~~التهدف للضرر بعد الموت عند اتباع الشهوات فهذا معنى الشرع والعقل ~~وتأثيرهما في تقدير الواجب ولولا خوف العقاب على ترك ما أمر به لم يكن ~~الوجوب ثابتا إذ لا معنى للواجب إلا ما يرتبط بتركه ضرر في الآخرة # الأصل التاسع أنه ليس يستحيل بعثة الأنبياء عليهم السلام خلافا للبراهمة ~~حيث قالوا لا فائدة في بعثتهم إذ في العقل مندوحة عنهم لأن العقل لا يهدى ~~إلى الأفعال المنجية في الآخرة كما لا يهدى إلى الأدوية المفيدة للصحة ~~فحاجة الخلق إلى الأنبياء كحاجتهم إلى الأطباء ولكن يعرف صدق الطبيب ~~بالتجربة ويعرف صدق النبي بالمعجزة # الأصل العاشر أن الله سبحانه قد أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما ~~للنبيين وناسخا لما قبله من شرائع اليهود والنصارى والصابئين وأيده ~~بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة كانشقاق القمر + حديث انشقاق القمر متفق ~~عليه من حديث أنس وابن مسعود وابن عباس + وتسبيح الحصى + حديث تسبيح الحصى ~~أخرجه البيهقي في دلائل النبوة من حديث أبي ذر وقال صالح بن أبي الأخضر ليس ~~بالحافظ والمحفوظ رواية رجل من بني سليم لم يسم عن أبي ذر + وإنطاق العجماء ~~+ حديث إنطاق العجماء أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد صحيح من حديث يعلى بن مرة ~~في البعير الذي شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أهله وقد ورد في كلام ~~الضب والذئب والحمرة أحاديث رواها البيهقي في الدلائل + وما تفجر من بين ~~أصابعه من الماء # ومن آياته الظاهرة التي تحدى بها مع كافة العرب القرآن العظيم ~~PageV01P113 فإنهم مع تمييزهم بالفصاحة والبلاغة تهدفوا لسبه ونهيه وقتله ~~وإخراجه كما أخبر الله عز وجل عنهم ولم يقدروا على معارضته بمثل القرآن إذ ~~لم يكن في قدرة البشر الجمع بين جزالة القرآن ونظمه هذا مع ما فيه من أخبار ~~الأولين مع كونه أميا غير ممارس للكتب والإنباء عن الغيب في أمور تحقق صدقه ~~فيها في الاستقبال كقوله تعالى لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ~~محلقين رؤوسكم ومقصرين وكقوله ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد ~~غلبهم سيغلبون في بضع سنين ووجه دلالة المعجزة على صدق الرسل أن كل ما عجز ~~عنه البشر لم يكن إلا فعلا لله تعالى # فمهما كان مقرونا بتحدي النبي صلى الله عليه وسلم ينزل منزلة قوله صدقت ~~وذلك مثل القائل بين يدي 2 الملك المدعى على رعيته أنه رسول الملك إليهم ~~فإنه مهما قال لذلك إن كنت صادقا فقم على سريرك ثلاثا واقعد على خلاف عادتك ~~ففعل الملك ذلك حصل للحاضرين علم ضروري بأن ذلك نازل منزلة قوله صدقت الركن ~~الرابع في السمعيات وتصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عنه ومداره على ~~عشرة أصول # الأصل الأول الحشر والنشر + حديث الحشر والنشر أخرجه الشيخان من حديث ابن ~~عباس إنكم لمحشورون إلى الله الحديث ومن حديث سهل يحشر الناس يوم القيامة ~~على أرض بيضاء الحديث ومن حديث عائشة يحشرون يوم القيامة حفاة ومن حديث أبي ~~هريرة يحشر الناس على ثلاث طرائق الحديث ولابن ماجه من حديث ميمونة مولاة ~~النبي صلى الله عليه وسلم أفتنا في بيت المقدس وأرض المحشر والمنشر الحديث ~~وإسناده جيد + وقد ورد بهما الشرع وهو حق والتصديق بهما واجب لأنه في العقل ~~ممكن ومعناه الإعادة بعد الإفناء وذلك مقدور لله تعالى كابتداء الإنشاء قال ~~الله تعالى قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ~~فاستدل بالابتداء على الإعادة وقال عز وجل ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس ~~واحدة والإعادة ابتداء ثان فهو ممكن كالابتداء الأول # الأصل الثاني سؤال منكر ونكير + حديث سؤال منكر ونكير تقدم + وقد وردت به ~~الأخبار فيجب التصديق به لأنه ممكن إذ ليس يستدعى إلا إعادة الحياة إلى جزء ~~من الأجزاء الذي به فهم الخطاب وذلك ممكن في نفسه ولا يدفع ذلك ما يشاهد من ~~سكون أجزاء الميت وعدم سماعنا للسؤال له فإن النائم ساكن بظاهره ويدرك ~~بباطنه من الآلام واللذات ما يحس بتأثيره عند التنبه وقد كان رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يسمع كلام جبريل عليه السلام ويشاهده ومن حوله لا يسمعونه ~~ولا يرونه + حديث كان يسمع كلام جبريل ويشاهده ومن حوله لا يسمعونه ولا ~~يرونه أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يوما يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام فقلت وعليه السلام ورحمة الله ~~وبركاته ترى ما لا أرى قلت وهذا هو الأغلب وإلا فقد رأى جبريل جماعة من ~~الصحابة منهم عمر وابنه عبد الله وكعب بن مالك وغيرهم + ولا يحيطون بشيء من ~~علمه إلا بما شاء فإذا لم يخلق لهم السمع والرؤية لم يدركوه # الأصل الثالث عذاب القبر وقد ورد الشرع به قال الله تعالى النار يعرضون ~~عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب واشتهر عن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح الاستعاذة من عذاب القبر + ~~حديث استعاذ من عذاب القبر أخرجاه من حديث أبي هريرة وعائشة وقد تقدم + وهو ~~ممكن فيجب التصديق به ولا يمنع من التصديق به تفرق أجزاء الميت في بطون ~~السباع وحواصل الطيور فإن المدرك لألم العذاب من الحيوان أجزاء مخصوصة يقدر ~~الله تعالى على إعادة الإدراك إليها # الأصل الرابع الميزان وهو حق قال الله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم ~~القيامة وقال تعالى فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه ~~الآية ووجهها أن الله تعالى يحدث في صحائف الأعمال وزنا بحسب درجات الأعمال ~~عند الله تعالى فتصير مقادير أعمال العباد معلومة PageV01P114 للعباد حتى ~~يظهر لهم العدل في العقاب أو الفضل في العفو وتضعيف الثواب # الأصل الخامس الصراط وهو جسر ممدود على متن جهنم أرق من الشعرة وأحد من ~~السيف قال الله تعالى فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسئولون وهذا ~~ممكن فيجب التصديق به فإن القادر على أن يطير الطير في الهواء قادر على أن ~~يسير الإنسان على الصراط # الأصل السادس أن الجنة والنار مخلوقتان قال الله تعالى وسارعوا إلى مغفرة ~~من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين فقوله تعالى أعدت دليل على ~~أنها مخلوقة فيجب إجراؤه على الظاهر إذ لا استحالة فيه ولا يقال لا فائدة ~~في خلقهما قبل يوم الجزاء لأن الله تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون # الأصل السابع أن الإمام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ~~ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم ولم يكن نص رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم على إمام أصلا إذ لو كان لكان أولى بالظهور من نصبه آحاد الولاة ~~والأمراء على الجنود في البلاد ولم يخف ذلك فكيف خفي هذا وإن ظهر فكيف ~~اندرس حتى لم ينقل إلينا فلم يكن أبو بكر إماما إلا بالاختيار والبيعة وأما ~~تقدير النص على غيره فهو نسبة للصحابة كلهم إلى مخالفة رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وخرق الإجماع وذلك مما لا يستجرىء على اختراعه إلا الروافض ~~واعتاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة والثناء عليهم كما أثنى الله سبحانه ~~وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم # وما جرى بين معاوية وعلي رضي الله عنهما كان مبنيا على الاجتهاد لا ~~منازعة من معاوية في الإمامة إذ ظن علي رضي الله عنه أن تسليم قتلة عثمان ~~مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بالعسكر يؤدي إلى اضطراب أمر الإمامة في بدايتها ~~فرأى التأخير أصوب وظن معاوية أن تأخير أمرهم مع عظم جنايتهم يوجب الإغراء ~~بالأئمة ويعرض الدماء للسفك # وقد قال أفاضل العلماء كل مجتهد مصيب # وقال قائلون المصيب واحد ولم يذهب إلى تخطئة على ذو تحصيل أصلا # الأصل الثامن أن فضل الصحابة رضي الله عنهم على ترتيبهم في الخلافة إذ ~~حقيقة الفضل ما هو فضل عند الله عز وجل وذلك لا يطلع عليه إلا رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم # وقد ورد في الثناء على جميعهم آيات وأخبار كثيرة + حديث الثناء على ~~الصحابة تقدم + وإنما يدرك دقائق الفضل والترتيب فيه المشاهدون للوحي ~~والتنزيل بقرائن الأحوال ودقائق التفصيل فلولا فهمهم ذلك لما رتبوا الأمر ~~كذلك إذ كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يصرفهم عن الحق صارف # الأصل التاسع أن شرائط الإمامة بعد الإسلام والتكليف خمسة الذكورة والورع ~~والعلم والكفاية ونسبة قريش لقوله صلى الله عليه وسلم الأئمة من قريش + ~~حديث الأئمة من قريش أخرجه النسائي من حديث أنس والحاكم من حديث ابن عمر + ~~وإذا اجتمع عدد من الموصوفين بهذه الصفات فالإمام من انعقدت له البيعة من ~~أكثر الخلق والمخالف للأكثر باغ يجب رده إلى الانقياد إلى الحق # الأصل العاشر أنه لو تعذر وجود الورع والعلم فيمن يتصدى للإمامة وكان في ~~صرفه إثارة فتنة لا تطاق حكمنا بانعقاد إمامته لأنا بين أن نحرك فتنة ~~بالاستبدال فما يلقى المسلمون فيه من الضرر يزيد على ما يفوتهم من نقصان ~~هذه الشروط التي أثبتت لمزية المصلحة فلا يهدم أصل المصلحة شغفا بمزاياها ~~كالذي يبني قصرا ويهدم مصرا وبين أن نحكم بخلو البلاد عن الإمام وبفساد ~~الأقضية وذلك محال # ونحن نقضي بنفوذ قضاء أهل البغي في بلادهم لمسيس حاجتهم فكيف لا نقضي ~~بصحة الإمامة عند الحاجة والضرورة فهذه الأركان الأربعة الحاوية للأصول ~~الأربعين هي قواعد العقائد فمن اعتقدها كان موافقا لأهل السنة ومباينا لرهط ~~البدعة # فالله تعالى يسددنا بتوفيقه ويهدينا إلى الحق وتحقيقه بمنه وسعة جوده ~~وفضله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وكل عبد مصطفى PageV01P115 # | الفصل الرابع من قواعد العقائد # في الإيمان والإسلام وما بينهما من الاتصال وما يتطرق إليه من الزيادة ~~والنقصان ووجه استثناء السلف فيه وفيه ثلاث مسائل # مسألة اختلفوا في أن الإسلام هو الإيمان أو غيره وإن كان غيره فهل هو ~~منفصل عنه يوجد دونه أو مرتبط به يلازمه فقيل إنهما شيء واحد وقيل إنهما ~~شيئان لا يتواصلان وقيل إنهما شيئان ولكن يرتبط أحدهما بالآخر # وقد أورد أبو طالب المكي في هذا كلاما شديد الاضطراب كثير التطويل فلنهجم ~~الآن على التصريح بالحق من غير تعريج على نقل ما لا تحصيل له فنقول في هذا ~~ثلاثة مباحث بحث عن موجب اللفظين في اللغة وبحث عن المراد بهما في إطلاق ~~الشرع وبحث عن حكمهما في الدنيا والآخرة والبحث الأول لغوي والثاني تفسيري ~~والثالث فقهي شرعي # البحث الأول في موجب اللغة والحق فيه أن الإيمان عبارة عن التصديق قال ~~الله تعالى وما أنت بمؤمن لنا أي بمصدق والإسلام عبارة عن التسليم ~~والاستسلام بالإذعان والانقياد وترك التمرد والإباء والعناد وللتصديق محل ~~خاص وهو القلب واللسان ترجمان # وأما التسليم فإنه عام في القلب واللسان والجوارح فإن كل تصديق بالقلب ~~فهو تسليم وترك الإباء والجحود وكذلك الاعتراف باللسان وكذلك الطاعة ~~والانقياد بالجوارح # فموجب اللغة أن الإسلام أعم والإيمان أخص فكان الإيمان عبارة عن أشرف ~~أجزاء الإسلام فإذن كل تصديق تسليم وليس كل تسليم تصديقا # البحث الثاني عن إطلاق الشرع والحق فيه أن الشرع قد ورد باستعمالهما على ~~سبيل الترادف والتوارد وورد على سبيل الاختلاف وورد على سبيل التداخل أما ~~الترادف ففيقوله تعالى فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير ~~بيت من المسلمين ولم يكن بالاتفاق إلا بيت واحد وقال تعالى يا قوم إن كنتم ~~آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين وقال صلى الله عليه وسلم بني ~~الإسلام على خمس + حديث بني الإسلام على خمس أخرجاه من حديث ابن عمر + # وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة عن الإيمان فأجاب بهذه الخمس + ~~حديث سئل عن الإيمان فأجاببهذه الخمس أخرجه البيهقي في الإعتقاد من حديث ~~ابن عباس في قصة وفد عبد القيس تدرون ما الإيمان شهادة أن لا إله إلا الله ~~وأن محمدا رسول الله وأن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتصوموا رمضان وتحجوا ~~البيت الحرام والحديث في الصحيحين لكن ليس فيه ذكر الحج وزاد وأن تؤتوا ~~خمسا من المغنم + وأما الاختلاف فقوله تعالى @QB@ قالت الأعراب آمنا قل لم ~~تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا @QE@ ومعناه استسلمنا في الظاهر فأراد بالإيمان ~~ههنا التصديق بالقلب فقط وبالإسلام الاستسلام ظاهرا باللسان والجوارح وفي ~~حديث جبرائيل عليه السلام لما سأله عن الإيمان فقال أن تؤمن بالله وملائكته ~~وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالبعث بعد الموت وبالحساب وبالقدر خيره وشره ~~فقال فما الإسلام فأجاب بذكر الخصال الخمس + حديث جبريل لما سأله عن ~~الإيمان فقال أن تؤمن بالله وملائكته الحديث أخرجاه من حديث أبي هريرة ~~ومسلم من حديث عمر دون ذكر @QB@ الحساب @QE@ فرواه البيهقي في البعث وقد ~~تقدم + فعبر بالإسلام عن تسليم الظاهر بالقول والعمل # وفي الحديث عن سعد أنه صلى الله عليه وسلم أعطى رجلا عطاء ولم يعط الآخر ~~فقال له سعد يا رسول الله تركت فلانا لم تعطه وهو مؤمن فقال صلى الله عليه ~~وسلم أو مسلم فأعاد عليه فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث سعد أعطى ~~رجلا عطاء ولم يعط الآخر فقال له سعد يا رسول الله تركت فلانا لم تعطه وهو ~~مؤمن فقال أو مسلم الحديث أخرجاه بنحوه + وأما التداخل فما روي أيضا أنه ~~PageV01P116 سئل فقيل أي الأعمال أفضل فقال صلى الله عليه وسلم الإسلام ~~فقال أي الإسلام أفضل فقال صلى الله عليه وسلم الإيمان + حديث سئل أي ~~الأعمال أفضل فقال الإسلام فقال أي الإسلام أفضل فقال الإيمان أخرجه أحمد ~~والطبراني من حديث عمرو بن عنبسة بالشطر الأخير فقال يا رسول الله أي ~~الإسلام أفضل قال الإيمان وإسناده صحيح + وهذا دليل على الاختلاف وعلى ~~التداخل وهو أوفق الاستعمالات في اللغة لأن الإيمان عمل من الأعمال وهو ~~أفضلها والإسلام هو تسليم إما بالقلب وإما باللسان وإما بالجوارح وأفضلها ~~الذي بالقلب وهو التصديق الذي يسمى إيمانا والاستعمال لهما على سبيل ~~الاختلاف وعلى سبيل التداخل وعلى سبيل الترادف كله غير خارج عن طريق التجوز ~~في اللغة # أما الاختلاف فهو أن يجعل الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب فقط وهو موافق ~~للغة والإسلام عبارة عن التسليم ظاهرا وهو أيضا موافق للغة فإن التسليم ~~ببعض محال التسليم ينطلق عليه اسم التسليم فليس من شرط حصول الاسم عموم ~~المعنى لكل محل يمكن أن يوجد المعنى فيه فإن من لمس غيره ببعض بدنه يسمى ~~لامسا وإن لم يستغرق جميع بدنه فإطلاق اسم الإسلام على التسليم الظاهر عند ~~عدم تسليم الباطن مطابق للسان وعلى هذا الوجه جرى قوله تعالى @QB@ قالت ~~الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا @QE@ وقوله صلى الله عليه ~~وسلم في حديث سعد أو مسلم لأنه فضل أحدهما على الآخر ويريد بالاختلاف تفاضل ~~المسميين # وأما التداخل فموافق أيضا للغة في خصوص الإيمان وهو أن يجعل الإسلام ~~عبارة عن التسليم بالقلب والقول والعمل جميعا والإيمان عبارة عن بعض ما دخل ~~في الإسلام وهو التصديق بالقلب وهو الذي عنيناه بالتداخل وهو موافق للغة في ~~خصوص الإيمان وعموم الإسلام للكل وعلى هذا خرج قوله @QB@ الأيمان @QE@ في ~~جواب قول السائل أي الإسلام أفضل لأنه جعل الإيمان خصوصا من الإسلام فأدخله ~~فيه وأما استعماله فيه على سبيل الترادف بأن يجعل الإسلام عبارة عن التسليم ~~بالقلب والظاهر جميعا فإن كل ذلك تسليم وكذا الإيمان ويكون التصرف في ~~الإيمان على الخصوص بتعميمه وإدخال الظاهر في معناه وهو جائز لأن تسليم ~~الظاهر بالقول والعمل ثمرة تصديق الباطن ونتيجته وقد يطلق اسم الشجر ويراد ~~به الشجر مع ثمره على سبيل التسامح فيصير بهذا القدر من التعميم مرادفا ~~لاسم الإسلام ومطابقا له فلا يزيد عليه ولا ينقص وعليه خرج قوله @QB@ فما ~~وجدنا فيها غير بيت من المسلمين @QE@ # البحث الثالث عن الحكم الشرعي # والإسلام والإيمان حكمان أخروي ودنيوي # أما الأخروي فهو الإخراج من النار ومنع التخليد إذ قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان + حديث ~~يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان أخرجاه من حديث أبي ~~سعيد الخدري في الشفاعة وفيه اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان ~~فأخرجوه الحديث ولهما من حديث أنس فيقال انطلق فأخرج منها من كان في قلبه ~~مثقال ذرة أو خردلة من إيمان لفظ البخاري @QB@ منهما @QE@ وله تعليقا من ~~حديث أنس يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من إيمان ~~وهو عندهما متصل بلفظ @QB@ خير @QE@ مكان @QB@ أيمان @QE@ + وقد اختلفوا في ~~أن هذا الحكم على ماذا يترتب وعبروا عنه بأن الإيمان ماذا هو فمن قائل إنه ~~مجرد العقد ومن قائل يقول إنه عقد بالقلب وشهادة باللسان ومن قائل يزيد ~~ثالثا وهو العمل بالأركان ونحن نكشف الغطاء عنه ونقول من جمع بين هذه ~~الثلاثة فلا خلاف في أن مستقره الجنة وهذه درجة # الدرجة الثانية أن يوجد اثنان وبعض الثالث وهو القول والعقد وبعض الأعمال ~~ولكن ارتكب صاحبه كبيرة أو بعض الكبائر فعند هذا قالت المعتزلة خرج بهذا عن ~~الإيمان ولم يدخل في الكفر بل اسمه فاسق وهو على منزلة بين المنزلتين وهو ~~مخلد في النار وهذا باطل كما سنذكره # الدرجة الثالثة أن يوجد التصديق بالقلب والشهادة باللسان دون الأعمال ~~بالجوارح وقد PageV01P117 اختلفوا في حكمه فقال أبو طالب المكي العمل ~~بالجوارح من الإيمان ولا يتم دونه وادعى الإجماع فيه واستدل بأدلة تشعر ~~بنقيض غرضه كقوله تعالى @QB@ الذين آمنوا وعملوا الصالحات @QE@ إذ هذا يدل ~~على أن العمل وراء الإيمان لا من نفس الإيمان وإلا فيكون العمل في حكم ~~المعاد والعجب أنه ادعى الإجماع في هذا وهو مع ذلك ينقل قوله صلى الله عليه ~~وسلم لا يكفر أحد إلا بعد جحوده لما أقر به + حديث لا تكفروا أحدا إلا ~~بجحود بما أقر به أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد لن يخرج أحد ~~من الإيمان إلا بجحود ما دخل فيه وإسناده ضعيف + وينكر على المعتزلة قولهم ~~بالتخليد في النار بسبب الكبائر والقائل بهذا قائل بنفس مذهب المعتزلة إذ ~~يقال له من صدق بقلبه وشهد بلسانه ومات في الحال فهل هو في الجنة فلا بد أن ~~يقول نعم وفيه حكم بوجود الإيمان دون العمل فنزيد ونقول لو بقي حيا حتى دخل ~~عليه وقت صلاة واحدة فتركها ثم مات أو زنى ثم مات فهل يخلد في النار فإن ~~قال نعم فهو مراد المعتزلة وإن قال لا فهو تصريح بأن العمل ليس ركنا من نفس ~~الإيمان ولا شرطا في وجوده ولا في استحقاق الجنة به وإن قال أردت به أن ~~يعيش مدة طويلة ولا يصلي ولا يقدم على شيء من الأعمال الشرعية فنقول فما ~~ضبط تلك المدة وما عدد تلك الطاعات التي بتركها يبطل الإيمان وما عدد ~~الكبائر التي بارتكابها يبطل الإيمان وهذا لا يمكن التحكم بتقديره ولم يصر ~~إليه صائر أصلا # الدرجة الرابعة أن يوجد التصديق بالقلب قبل أن ينطق باللسان أو يشتغل ~~بالأعمال ومات فهل نقول مات مؤمنا بينه وبين الله تعالى وهذا مما اختلف فيه ~~ومن شرط القول لتمام الإيمان يقول هذا مات قبل الإيمان وهو فاسد إذ قال صلى ~~الله عليه وسلم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان وهذا ~~قلبه طافح بالإيمان فكيف يخلد في النار ولم يشترط في حديث جبريل عليه ~~السلام للإيمان إلا التصديق بالله تعالى وملائكته وكتبه واليوم الآخر كما ~~سبق # الدرجة الخامسة أن يصدق بالقلب ويساعده من العمر مهلة النطق بكلمتي ~~الشهادة وعلم وجوبها ولكنه لم ينطق بها فيحتمل أن يجعل امتناعه عن النطق ~~كامتناعه عن الصلاة ونقول هو مؤمن غير مخلد في النار والإيمان هو التصديق ~~المحض واللسان ترجمان الإيمان فلا بد أن يكون الإيمان موجودا بتمامه قبل ~~اللسان حتى يترجمه اللسان وهذا هو الأظهر إذ لا مستند إلا اتباع موجب ~~الألفاظ ووضع اللسان أن الإيمان هو عبارة عن التصديق بالقلب # وقد قال صلى الله عليه وسلم يخرج من كان في قلبه مثقال ذرة ولا ينعدم ~~الإيمان من القلب بالسكوت عن النطق الواجب كما لا ينعدم بالسكوت عن الفعل ~~الواجب وقال قائلون القول ركن إذ ليس كلمتا الشهادة إخبارا عن القلب بل هو ~~إنشاء عقد آخر وابتداء شهادة والتزام والأول أظهر وقد غلا في هذا طائفة ~~المرجئة فقالوا هذا لا يدخل النار أصلا وقالوا إن المؤمن وإن عصى فلا يدخل ~~النار وسنبطل ذلك عليهم # الدرجة السادسة أن يقول بلسانه لا إله إلا الله محمد رسول الله ولكن لم ~~يصدق بقلبه فلا نشك في أن هذا في حكم الآخرة من الكفار وأنه مخلد في النار ~~ولا نشك في أنه في حكم الدنيا للذي يتعلق بالأئمة والولاة من المسلمين لأن ~~قلبه لا يطلع عليه وعلينا أن نظن به أنه ما قاله بلسانه إلا وهو منطو عليه ~~في قلبه وإنما نشك في أمر ثالث وهو الحكم الدنيوي فيما بينه وبين الله ~~تعالى # وذلك بأن يموت له في الحال قريب مسلم ثم يصدق بعد ذلك بقلبه ثم يستفتى ~~ويقول كنت غير مصدق بالقلب حالة الموت والميراث الآن في يدي فهل يحل لي ~~بيني وبين الله تعالى أو نكح مسلمة ثم صدق بقلبه هل تلزمه إعادة النكاح هذا ~~محل نظر فيحتمل أن يقال أحكام الدنيا منوطة بالقول الظاهر ظاهرا وباطنا ~~ويحتمل أن يقال تناط بالظاهر في حق غيره لأن باطنه غير ظاهر لغيره وباطنه ~~ظاهر له في نفسه بينه وبين الله تعالى والأظهر والعلم عند الله PageV01P118 ~~تعالى أنه لا يحل له ذلك الميراث ويلزمه إعادة النكاح ولذلك كان حذيفة رضي ~~الله عنه لا يحضر جنازة من يموت من المنافقين وعمر رضي الله عنه كان يراعي ~~ذلك منه فلا يحضر إذا لم يحضر حذيفة رضي الله عنه والصلاة فعل ظاهر في ~~الدنيا وإن كانت من العبادات # والتوقي عن الحرام أيضا من جملة ما يجب لله كالصلاة لقوله صلى الله عليه ~~وسلم طلب الحلال فريضة بعد فريضة وليس هذا مناقضا لقولنا إن الإرث حكم ~~الإسلام وهو الاستسلام بل الاستسلام التام هو ما يشمل الظاهر والباطن وهذه ~~مباحث فقهية ظنية تبنى على ظواهر الألفاظ والعمومات والأقيسة فلا ينبغي أن ~~يظن القاصر في العلوم أن المطلوب فيه القطع من حيث جرت العادة بإيراده في ~~فن الكلام الذي يطلب فيه القطع فما أفلح من نظر إلى العادات والمراسم في ~~العلوم # فإن قلت فما شبهة المعتزلة والمرجئة وما حجة بطلان قولهم فأقول شبهتهم ~~عمومات القرآن أما المرجئة فقالوا لا يدخل المؤمن النار وإن أتى بكل ~~المعاصي لقوله عز وجل @QB@ فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا @QE@ ~~ولقوله سبحانه وتعالى @QB@ والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ~~@QE@ الآية ولقوله تعالى كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها إلى قوله فكذبنا ~~وقلنا ما نزل الله من شيء فقوله @QB@ كلما ألقي فيها فوج @QE@ عام فينبغي ~~أن يكون من ألقي في النار مكذبا ولقوله تعالى @QB@ لا يصلاها إلا الأشقى ~~الذي كذب وتولى @QE@ وهذا حصر وإثبات ونفي ولقوله تعالى @QB@ من جاء ~~بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون @QE@ فالإيمان رأس الحسنات ~~ولقوله تعالى @QB@ والله يحب المحسنين @QE@ وقال تعالى @QB@ إنا لا نضيع ~~أجر من أحسن عملا @QE@ ولا حجة لهم في ذلك فإنه حيث ذكر الإيمان في هذه ~~الآيات أريد به الإيمان مع العمل إذ بينا أن الإيمان قد يطلق ويراد به ~~الإسلام وهو الموافقة بالقلب والقول والعمل ودليل هذا التأويل أخبار كثيرة ~~في معاقبة العاصين ومقادير العقاب وقوله صلى الله عليه وسلم يخرج من النار ~~من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان فكيف يخرج إذا لم يدخل ومن القرآن قوله ~~تعالى @QB@ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء @QE@ ~~والاستثناء بالمشيئة يدل على الانقسام وقوله تعالى @QB@ ومن يعص الله ~~ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها @QE@ وتخصيصه بالكفر تحكم وقوله تعالى ~~@QB@ ألا إن الظالمين في عذاب مقيم @QE@ وقال تعالى @QB@ ومن جاء بالسيئة ~~فكبت وجوههم في النار @QE@ فهذه العمومات في معارضة عموماتهم ولا بد من ~~تسليط التخصص والتأويل على الجانبين لأن الأخبار مصرحة بأن العصاة يعذبون + ~~حديث تعذيب العصاة أخرجه البخاري من حديث أنس ليصيبن أقواما سنع من النار ~~بذنوب أصابوها الحديث ويأتي في ذكر الموت عدة أحاديث + بل قوله تعالى وإن ~~منكم إلا واردها كالصريح في أن ذلك لا بد منه للكل إذ لا يخلو مؤمن عن ذنب ~~يرتكبه وقوله تعالى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى أراد به من جماعة ~~مخصوصين أو أراد بالأشقى شخصا معينا أيضا وقوله تعالى كلما ألقي فيها فوج ~~سألهم خزنتها أي فوج من الكفار وتخصيص العمومات قريب # ومن هذه الآية وقع للأشعري وطائفة من المتكلمين إنكار صيغ العموم وأن هذه ~~الألفاظ يتوقف فيها إلى ظهور قرينة تدل على معناها # وأما المعتزلة فشبهتهم قوله تعالى وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم ~~اهتدى وقوله تعالى والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات وقوله تعالى وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا @QB@ ثم ~~قال @QE@ ثم ننجي الذين اتقوا وقوله تعالى ومن يعص الله ورسوله فإن له نار ~~جهنم وكل آية ذكر الله عز وجل العمل الصالح فيها مقرونا بالإيمان وقوله ~~تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وهذه العمومات أيضا ~~مخصوصة بدليل قوله تعالى PageV01P119 ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فينبغي أن ~~تبقى له مشيئة في مغفرة ما سوى الشرك # وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة ~~من إيمان وقوله تعالى إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا وقوله تعالى إن الله لا ~~يضيع أجر المحسنين فكيف يضيع أجر أصل الإيمان وجميع الطاعات بمعصية واحدة ~~وقوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا أي لإيمانه وقد ورد على مثل هذا السبب # فإن قلت فقد مال الاختيار إلى أن الإيمان حاصل دون العمل # وقد اشتهر عن السلف قولهم الإيمان عقد وقول وعمل فما معناه قلنا لا يبعد ~~أن يعد العمل من الإيمان لأنه مكمل له ومتمم كما يقال الرأس واليدان من ~~الإنسان ومعلوم أنه يخرج عن كونه إنسانا بعدم الرأس ولا يخرج عنه بكونه ~~مقطوع اليد وكذلك يقال التسبيحات والتكبيرات من الصلاة وإن كانت لا تبطل ~~بفقدها فالتصديق بالقلب من الإيمان كالرأس من وجود الإنسان إذ ينعدم بعدمه ~~وبقية الطاعات كالأطراف بعضها أعلى من بعض وقد قال صلى الله عليه وسلم لا ~~يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن + حديث لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ~~متفق عليه من حديث أبي هريرة + والصحابة رضي الله عنهم ما اعتقدوا مذهب ~~المعتزلة في الخروج عن الإيمان بالزنا ولكن معناه غير مؤمن حقا إيمانا تاما ~~كاملا كما يقال للعاجز المقطوع الأطراف هذا ليس بإنسان أي ليس له الكمال ~~الذي هو وراء حقيقة الإنسانية # مسألة فإن قلت فقد اتفق السلف على أن الإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعة ~~وينقص بالمعصية فإذا كان التصديق هو الإيمان فلا يتصور فيه زيادة ولا نقصان ~~فأقول السلف هم الشهود العدول وما لأحد عن قولهم عدول فما ذكروه حق وإنما ~~الشأن في فهمه وفيه دليل على أن العمل ليس من أجزاء الإيمان وأركان وجوده ~~بل هو مزيد عليه يزيد به والزائد موجود والناقص موجود والشيء لا يزيد بذاته ~~فلا يجوز أن يقال الإنسان يزيد برأسه بل يقال يزيد بلحيته وسمنه ولا يجوز ~~أن يقال الصلاة تزيد بالركوع والسجود بل تزيد بالآداب والسنن فهذا تصريح ~~بأن الإيمان له وجود ثم بعد الوجود يختلف حاله بالزيادة والنقصان # فإن قلت فالإشكال قائم في أن التصديق كيف يزيد وينقص وهو خصلة واحدة ~~فأقول إذا تركنا المداهنة ولم نكترث بتشغيب من تشغب وكشفنا الغطاء ارتفع ~~الإشكال فنقول الإيمان اسم مشترك يطلق من ثلاثة أوجه الأول أنه أنه يطلق ~~للتصديق بالقلب على سبيل الإعتقاد والتقليد من غير كشف وانشراح صدر وهو ~~إيمان العوام بل إيمان الخلق كلهم إلا الخواص وهذا الإعتقاد عقدة عن القلب ~~تارة تشتد وتقوى وتارة تضعف وتسترخي كالعقدة على الخيط مثلا ولا تستبعد هذا ~~واعتبره باليهودي وصلابته في عقيدته التي لا يمكن نزوعه عنها بتخويف وتحذير ~~ولا بتخييل ووعظ ولا تحقيق وبرهان وكذلك النصراني والمبتدعة وفيهم من يمكن ~~تشكيكه بأدنى كلام ويمكن استنزاله عن اعتقاده بأدنى استمالة أو تخويف مع ~~أنه غير شاك في عقده كالأول ولكنهما متفاوتان في شدة التصميم # وهذا موجود في الإعتقاد الحق أيضا والعمل يؤثر في نماء هذا التصميم ~~وزيادته كما يؤثر سقي الماء في نماء الأشجار ولذلك قال الله تعالى فزادتهم ~~إيمانا وقال تعالى ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم وقال صلى الله عليه وسلم ~~فيما يروى في بعض الأخبار الإيمان يزيد وينقص + حديث الإيمان يزيد وينقص ~~أخرجه ابن عدي في الكامل وأبو الشيخ في كتاب الثواب من حديث أبي هريرة وقال ~~ابن عدي باطل فيه محمد بن أحمد بن حرب الملحي يتعمد الكذب وهو عند ابن ماجه ~~موقوف على أبي هريرة وابن عباس وأبي الدرداء + وذلك بتأثير الطاعات في ~~القلب وهذا لا يدركه إلا من راقب أحوال نفسه في أوقات المواظبة على العبادة ~~والتجرد لها بحضور القلب مع أوقات الفتور وإدراك التفاوت في السكون إلى ~~عقائد الإيمان في هذه الأحوال حتى يزيد عقده استعصاء على من يريد حله ~~بالتشكيك بل من يعتقد في اليتيم معنى الرحمة إذا عمل بموجب اعتقاده فمسح ~~رأسه وتلطف به أدرك PageV01P120 من باطنه تأكيد الرحمة وتضاعفها بسبب العمل ~~وكذلك معتقد التواضع إذا عمل بموجبه عملا مقبلا أو ساجدا لغيره أحس من قلبه ~~بالتواضع عند إقدامه على الخدمة # وهكذا جميع صفات القلب تصدر منها أعمال الجوارح ثم يعود أثر الأعمال ~~عليها فيؤكدها ويزيدها وسيأتي هذا في ربع المنجيات والمهلكات عند بيان وجه ~~تعلق الباطن بالظاهر والأعمال بالعقائد والقلوب فإن ذلك من جنس تعلق الملك ~~بالملكوت وأعني بالملك عالم الشهادة المدرك بالحواس وبالملكوت عالم الغيب ~~المدرك بنور البصيرة والقلب من عالم الملكوت والأعضاء وأعمالها من عالم ~~الملك # ولطف الارتباط ودقته بين العالمين انتهى إلى حد ظن بعض الناس اتحاد ~~أحدهما بالآخر وظن آخرون أنه لا عالم إلا عالم الشهادة وهو هذه الأجسام ~~المحسوسة # ومن أدرك الأمرين وأدرك تعددهما ثم ارتباطهما عبر عنه فقال # رق الزجاج ورقت الخمر % وتشابها فتشاكل الأمر # فكأنما خمر ولا قدح % وكأنما قدح ولا خمر # ولنرجع إلى المقصود فإن هذا العلم خارج عن علم المعاملة ولكن بين العلمين ~~أيضا اتصال وارتباط فلذلك ترى علوم المكاشفة تتسلق كل ساعة على علوم ~~المعاملة إلى أن تنكشف عنها بالتكليف فهذا وجه زيادة الإيمان بالطاعة بموجب ~~هذا الإطلاق ولهذا قال علي كرم الله وجهه إن الإيمان ليبدو لمعة بيضاء فإذا ~~عمل العبد الصالحات نمت فزادت حتى يبيض القلب كله وإن النفاق ليبدو نكتة ~~سوداء فإذا انتهك الحرمات نمت وزادت حتى يسود القلب كله فيطبع عليه فذلك هو ~~الختم وتلا قوله تعالى كلا بل ران على قلوبهم الآية # الإطلاق الثاني أن يراد به التصديق والعمل جميعا كما قال صلى الله عليه ~~وسلم الإيمان بضع وسبعون بابا + حديث الإيمان بضع وسبعون بابا وذكر بعد هذا ~~فزاد فيه أدناها إماطة الأذى عن الطريق أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي ~~هريرة الإيمان بضع وسبعون زاد مسلم في رواية وأفضلها قول لا إله إلا الله ~~وأدناها فذكره ورواه بلفظ المصنف الترمذي وصححه + وقال صلى الله عليه وسلم ~~لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن وإذا دخل العمل في مقتضى لفظ الإيمان لم ~~تخف زيادته ونقصانه وهل يؤثر ذلك في زيادة الإيمان الذي هو مجرد التصديق ~~هذا فيه نظر وقد أشرنا إلى أنه يؤثر فيه # الإطلاق الثالث أن يراد به التصديق اليقيني على سبيل الكشف وانشراح الصدر ~~والمشاهدة بنور البصيرة وهذا أبعد الأقسام عن قبول الزيادة ولكني أقول ~~الأمر اليقيني الذي لا شك فيه تختلف طمأنينة النفس إليه فليس طمأنينة النفس ~~إلى أن الاثنين أكثر من الواحد كطمأنينتها إلى أن العالم مصنوع حادث وإن ~~كان لا شك في واحد منهما فإن اليقينيات تختلف في درجات الإيضاح ودرجات ~~طمأنينة النفس إليها وقد تعرضنا لهذا في فصل اليقين من كتاب العلم في باب ~~علامات علماء الآخرة فلا حاجة إلى الإعادة # وقد ظهر في جميع الإطلاقات أن ما قالوه من زيادة الإيمان ونقصانه حق وكيف ~~وفي الأخبار أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان وفي بعض ~~المواضع في خبر آخر مثقال دينار + حديث يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ~~دينار متفق عليه من حديث أبي سعيد وسيأتي ذكر الموت وما بعده + فأي معنى ~~لاختلاف مقاديره إن كان ما في القلب لا يتفاوت # مسألة فإن قلت ما وجه قول السلف أنا مؤمن إن شاء الله والاستثناء شك ~~والشك في الإيمان كفر وقد كانوا كلهم يمتنعون عن جزم الجواب بالإيمان ~~ويحترزون عنه # فقال سفيان الثوري رحمه الله من قال أنا مؤمن عند الله فهو من الكذابين ~~ومن قال أنا مؤمن حقا فهو بدعة فكيف يكون كاذبا وهو يعلم أنه مؤمن في نفسه ~~ومن كان مؤمنا في نفسه كان مؤمنا عند الله كما أن من كان طويلا وسخيا في ~~نفسه وعلم ذلك كان كذلك عند الله وكذا من PageV01P121 كان مسرورا أو حزينا ~~أو سميعا أو بصيرا ولو قيل للإنسان هل أنت حيوان لم يحسن أن يقول أنا حيوان ~~إن شاء الله # ولما قال سفيان ذلك قيل له فماذا نقول قال قولوا آمنا بالله وما أنزل ~~إلينا وأي فرق بين أن يقول آمنا بالله وما أنزل إلينا وبين أن يقول أنا ~~مؤمن وقيل للحسن أمؤمن أنت فقال إن شاء الله فقيل له لم تستثني يا أبا سعيد ~~في الإيمان فقال أخاف أن أقول نعم فيقول الله سبحانه كذبت يا حسن فتحق علي ~~الكلمة # وكان يقول ما يؤمنني أن يكون الله سبحانه قد اطلع علي في بعض ما يكره ~~فمقتني وقال اذهب لا قبلت لك عملا فأنا أعمل في غير معمل # وقال إبراهيم بن أدهم إذا قيل لك أمؤمن أنت فقل لا إله إلا الله وقال مرة ~~قل أنا لا أشك في الإيمان وسؤالك إياي بدعة # وقيل لعلقمة أمؤمن أنت قال أرجو إن شاء الله # وقال الثوري نحن مؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله وما ندري ما نحن عند ~~الله تعالى فما معنى هذه الاستثناءات فالجواب أن هذا الاستثناء صحيح وله ~~أربعة أوجه وجهان مستندان إلى الشك لا في أصل الإيمان ولكن في خاتمته أو ~~كماله ووجهان لا يستندان إلى الشك # الوجه الأول الذي لا يستند إلى معارضة الشك الاحتراز من الجزم خيفة ما ~~فيه من تزكية النفس قال الله تعالى فلا تزكوا أنفسكم @QB@ وقال @QE@ ألم تر ~~إلى الذين يزكون أنفسهم وقال تعالى انظر كيف يفترون على الله الكذب وقيل ~~لحكيم ما الصدق القبيح فقال ثناء المرء على نفسه # والإيمان من أعلى صفات المجد والجزم تزكية مطلقة وصيغة الاستثناء كأنها ~~ثقل من عرف التزكية كما يقال للإنسان أنت طبيب أو فقيه أو مفسر فيقول نعم ~~إن شاء الله لا في معرض التشكيك ولكن لإخراج نفسه عن تزكية نفسه فالصيغة ~~صيغة الترديد والتضعيف لنفس الخبر ومعناه التضعيف اللازم من لوازم الخبر ~~وهو التزكية # وبهذا التأويل لو سئل عن وصف ذم لم يحسن الاستثناء # الوجه الثاني التأدب بذكر الله تعالى في كل حال وإحالة الأمور كلها إلى ~~مشيئة الله سبحانه فقد أدب الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى ~~ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ثم لم يقتصر على ذلك ~~فيما لا يشك فيه بل قال تعالى لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ~~محلقين رءؤسكم ومقصرين وكان الله سبحانه عالما بأنهم يدخلون لا محالة وأنه ~~شاءه ولكن المقصود تعليمه ذلك فتأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما ~~كان يخبر عنه معلوما كان أو مشكوكا حتى قال صلى الله عليه وسلم لما دخل ~~المقابر السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون + حديث ~~لما دخل المقابر قال السلام عليكم دار قوم مؤمنين الحديث أخرجه مسلم من ~~حديث أبي هريرة + واللحوق بهم غير مشكوك فيه ولكن مقتضى الأدب ذكر الله ~~تعالى وربط الأمور به # وهذه الصيغة دالة عليه حتى صار بعرف الاستعمال عبارة عن إظهار الرغبة ~~والتمني فإذا قيل لك إن فلانا يموت سريعا فتقول إن شاء الله فيفهم منه ~~رغبتك لا تشككك وإذا قيل لك فلان سيزول مرضه ويصح فتقول إن شاء الله بمعنى ~~الرغبة فقد صارت الكلمة معدولة عن معنى التشكيك إلى معنى الرغبة وكذلك ~~العدول إلى معنى التأدب لذكر الله تعالى كيف كان الأمر # الوجه الثالث مستنده الشك ومعناه أنا مؤمن حقا إن شاء الله إذ قال الله ~~تعالى لقوم مخصوصين بأعيانهم أولئك هم المؤمنون حقا فانقسموا إلى قسمين ~~ويرجع هذا إلى الشك في كمال الإيمان لا في أصله وكل إنسان شاك في كمال ~~إيمانه وذلك ليس بكفر # والشك في كمال الإيمان حق من وجهين أحدهما من حيث إن النفاق يزيل كمال ~~الإيمان وهو خفي لا تتحقق البراءة منه # والثاني أنه يكمل بأعمال الطاعات ولا يدري وجودها على الكمال أما العمل ~~فقد قال الله تعالى إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ~~وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون @QB@ فيكون @QE@ ~~PageV01P122 الشك في هذا الصدق وكذلك قال الله تعالى ولكن البر من آمن ~~بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين فشرط عشرين وصفا كالوفاء ~~بالعهد والصبر على الشدائد # ثم قال تعالى أولئك الذين صدقوا وقد قال تعالى يرفع الله الذين آمنوا ~~منكم والذين أوتوا العلم درجات وقال تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل ~~الفتح وقاتل الآية وقد قال تعالى هم درجات عند الله وقال صلى الله عليه ~~وسلم الإيمان عريان ولباسه التقوى + حديث الإيمان عريان تقدم في العلم + ~~الحديث وقال صلى الله عليه وسلم الإيمان بضع وسبعون بابا أدناها إماطة ~~الأذى عن الطريق فهذا ما يدل على ارتباط كمال الإيمان بالأعمال وأما ~~ارتباطه بالبراءة عن النفاق والشرك الخفي فقوله صلى الله عليه وسلم أربع من ~~كن فيه فهو منافق خالص وإن صام وصلى وزعم أنه مؤمن من إذا حدث كذب وإذا وعد ~~أخلف وإذا اؤتمن خان وإذا خاصم فجر + حديث أربع من كن فيه فهو منافق الحديث ~~متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو + وفي بعض الروايات وإذا عاهد غدر وفي ~~حديث أبي سعيد الخدري القلوب أربعة قلب أجرد وفيه سراج يزهر فذلك قلب ~~المؤمن وقلب مصفح فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها ~~الماء العذب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والصديد فأي المادتين ~~غلب عليه حكم له بها + حديث القلوب أربعة قلب أجرد الحديث أخرجه أحمد من ~~حديث أبي سعيد وفيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه + وفي لفظ آخر غلبت عليه ~~ذهبت به وقال عليه السلام أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها + حديث أكثر منافقي ~~هذه الأمة قراؤها أخرجه أحمد والطبراني من حديث عقبة بن عامر + وفي حديث ~~الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا + حديث الشرك أخفى في أمتي من ~~دبيب النمل على الصفا أخرجه أبو يعلى وابن عدي وابن حبان في الضعفاء من ~~حديث أبي بكر ولأحمد والطبراني نحوه من حديث أبي موسى وسيأتي في ذم الجاه ~~والرياء + وقال حذيفة رضي الله عنه كان الرجل يتكلم بالكلمة على عهد رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يصير بها منافقا إلى أن يموت وإني لأسمعها من ~~أحدكم في اليوم عشر مرات + حديث حذيفة كان الرجل يتكلم بالكلمة على عهد ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يصير بها منافقا الحديث أخرجه أحمد بإسناد ~~فيه جهالة وحديث حذيفة المنافقون اليوم أكثر منهم على عهد رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم الحديث أخرجه البخاري إلا أنه قال شر بدل أكثر + وقال بعض ~~العلماء أقرب الناس من النفاق من يرى أنه برىء من النفاق # وقال حذيفة المنافقون اليوم أكثر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ~~فكانوا إذ ذاك يخفونه وهم اليوم يظهرونه وهذا النفاق يضاد صدق الإيمان ~~وكماله وهو خفي وأبعد الناس منه من يتخوفه وأقربهم منه من يرى أنه برىء منه # فقد قيل للحسن البصري يقولون أن لا نفاق اليوم فقال يا أخي لو هلك ~~المنافقون لاستوحشتم في الطريق # وقال هو أو غيره لو نبتت للمنافقين أذناب ما قدرنا أن نطأ على الأرض ~~بأقدامنا وسمع ابن عمر رضي الله عنه رجلا يتعرض للحجاج فقال أرأيت لو كان ~~حاضرا يسمع أكنت تتكلم فيه فقال لا فقال كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم + حديث سمع ابن عمر رجلا يتعرض للحجاج فقال أرأيت ~~لو كان حاضرا أكنت تتكلم فيه قال لا قال كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد والطبراني بنحوه وليس فيه ذكر الحجاج + ~~وقال صلى الله عليه وسلم من كان ذا لسانين في الدنيا جعله الله ذا لسانين ~~في الآخرة وقال أيضا صلى الله عليه وسلم شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي ~~هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه وقيل للحسن إن قوما يقولون إنا لا نخاف النفاق ~~فقال والله لأن أكون أعلم أني بريء من النفاق أحب إلي من تلاع الأرض ذهبا # وقال الحسن إن من النفاق اختلاف اللسان والقلب والسر والعلانية والمدخل ~~والمخرج # وقال رجل لحذيفة رضي الله عنه إني أخاف أن أكون منافقا فقال لو كنت ~~منافقا ما خفت النفاق إن المنافق قد أمن النفاق # وقال ابن أبي مليكة أدركت PageV01P123 ثلاثين ومائة وفي رواية خمسين ~~ومائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخافون النفاق # وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا في جماعة من أصحابه ~~فذكروا رجلا وأكثروا الثناء عليه فبيناهم كذلك إذ طلع عليهم الرجل ووجهه ~~يقطر ماء من أثر الوضوء وقد علق نعله بيده وبين عينيه أثر السجود فقالوا يا ~~رسول الله هذا هو الرجل الذي وصفناه فقال صلى الله عليه وسلم أرى على وجهه ~~سفعة من الشيطان فجاء الرجل حتى سلم وجلس مع القوم فقال النبي صلى الله ~~عليه وسلم نشدتك الله هل حدثت نفسك حين أشرفت على القوم أنه ليس فيهم خير ~~منك فقال اللهم نعم + حديث كان جالسا في جماعة من أصحابه فذكروا رجلا ~~فأكثروا الثناء عليه فبينما هم كذلك إذ طلع رجل عليهم ووجهه يقطر ماء من ~~أثر الوضوء الحديث أخرجه أحمد والبزار والدار قطني من حديث أنس + فقال صلى ~~الله عليه وسلم في دعائه اللهم إني أستغفرك لما علمت ولما لم أعلم فقيل له ~~أتخاف يا رسول الله فقال وما يؤمنني والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ~~يقلبها كيف يشاء وقد قال سبحانه @QB@ وبدا لهم من الله ما لم يكونوا ~~يحتسبون @QE@ + حديث اللهم إني أستغفرك لما علمت وما لم أعلم الحديث أخرجه ~~مسلم من حديث عائشة اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل ~~ولأبي بكر بن الضحاك في الشمائل في حديث مرسل وشر ما أعلم وشر ما لا أعلم + ~~قيل في التفسير عملوا أعمالا ظنوا أنها حسنات فكانت في كفة السيئات # وقال سرى السقطي لو أن إنسانا دخل بستانا فيه من جميع الأشجار عليها من ~~جميع الطيور فخاطبه كل طير منها بلغة فقال السلام عليك يا ولي الله فسكنت ~~نفسه إلى ذلك كان أسيرا في يديها فهذه الأخبار والآثار تعرفك خطر الأمر ~~بسبب دقائق النفاق والشرك الخفي وأنه لا يؤمن منه حتى كان عمر بن الخطاب ~~رضي الله عنه يسأل حذيفة عن نفسه وأنه هل ذكر في المنافقين وقال أبو سليمان ~~الداراني سمعت من بعض الأمراء شيئا فأردت أن أنكره فخفت أن يأمر بقتلي ولم ~~أخف من الموت ولكن خشيت أن يعرض لقلبي التزين للخلق عند خروج روحي فكففت # وهذا من النفاق الذي يضاد حقيقة الإيمان وصدقه وكماله وصفاءه لا أصله # فالنفاق نفاقان أحدهما يخرج من الدين ويلحق بالكافرين ويسلك في زمرة ~~المخلدين في النار # والثاني يفضي بصاحبه إلى النار مدة أو ينقص من درجات عليين ويحط من رتبة ~~الصديقين وذلك مشكوك فيه ولذلك حسن الاستثناء فيه # وأصل هذا النفاق تفاوت بين السر والعلانية والأمن من مكر الله والعجب ~~وأمور أخر لا يخلو عنها إلا الصديقون # الوجه الرابع وهو أيضا مستند إلى الشك وذلك من خوف الخاتمة فإنه لا يدري ~~أيسلم له الإيمان عند الموت أم لا فإن ختم له بالكفر حبط عمله السابق لأنه ~~موقوف على سلامة الآخر ولو سئل الصائم ضحوة النهار عن صحة صومه فقال أنا ~~صائم قطعا فلو أفطر في أثناء نهاره بعد ذلك لتبين كذبه إذ كانت الصحة ~~موقوفة على التمام إلى غروب الشمس من آخر النهار # وكما أن النهار ميقات تمام الصوم فالعمر ميقات تمام صحة الإيمان ووصفه ~~بالصحة قبل آخره بناء على الاستصحاب وهو مشكوك فيه والعاقبة مخوفة وللها ~~كان بكاء أكثر الخائفين لأجل أنها ثمرة القضية السابقة والمشيئة الأزلية ~~التي لا تظهر إلا بظهور المقضي به ولا مطلع عليه لأحد من البشر فخوف ~~الخاتمة كخوف السابقة وربما يظهر في الحال ما سبقت الكلمة بنقيضه فمن الذي ~~يدري أنه من الذين سبقت لهم من الله الحسنى وقيل في معنى قوله تعالى @QB@ ~~وجاءت سكرة الموت بالحق @QE@ أي بالسابقة يعني أظهرتها # وقال بعض السلف إنما يوزن من الأعمال خواتيمها # وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يحلف بالله ما من أحد يأمن أن يسلب إيمانه ~~إلا سلبه # وقيل من الذنوب ذنوب عقوبتها سوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك # وقيل هي عقوبات دعوى الولاية والكرامة بالافتراء # وقال بعض العارفين لو عرضت على الشهادة عند باب الدار والموت على التوحيد ~~PageV01P124 عند باب الحجرة لاخترت الموت على التوحيد عند باب الحجرة لأني ~~لا أدري ما يعرض لقلبي من التغيير عن التوحيد إلى باب الدار وقال بعضهم لو ~~عرفت واحدا بالتوحيد خمسين سنة ثم حال بيني وبينه سارية ومات لم أحكم أنه ~~مات على التوحيد # وفي الحديث من قال أنا مؤمن فهو كافر ومن قال أنا عالم فهو جاهل + حديث ~~من قال أنا مؤمن فهو كافر ومن قال أنا عالم فهو جاهل أخرجه الطبراني في ~~الأوسط بالشطر الأخير منه من حديث ابن عمر وفيه ليث بن أبي سليم تقدم ~~والشطر الأول روي من قول يحيى بن أبي كثير رواه الطبراني في الأصغر بلفظ من ~~قال أنا في الجنة فهو في النار وسنده ضعيف + وقيل في قوله تعالى وتمت كلمات ~~ربك صدقا وعدلا صدقا لمن مات على الإيمان وعدلا لمن مات على الشرك وقد قال ~~تعالى @QB@ ولله عاقبة الأمور @QE@ فمهما كان الشك بهذه المثابة كان ~~الاستثناء واجبا لأن الإيمان عبارة عما يفيد الجنة كما أن الصوم عبارة عما ~~يبرىء الذمة # وما فسد قبل الغروب لا يبرىء الذمة فيخرج عن كونه صوما فكذلك الإيمان بل ~~لا يبعد أن يسأل عن الصوم الماضي الذي لا يشك فيه بعد الفراغ منه فيقال ~~أصمت بالأمس فيقول نعم إن شاء الله تعالى إذ الصوم الحقيقي هو المقبول ~~والمقبول غائب عنه لا يطلع عليه إلا الله تعالى فمن هذا حسن الاستثناء في ~~جميع أعمال البر ويكون ذلك شكا في القبول إذ يمنع من القبول بعد جريان ظاهر ~~شروط الصحة أسباب خفيفة لا يطلع عليها إلا رب الأرباب جل جلاله فيحسن الشك ~~فيه # فهذه وجوه حسن الاستثناء في الجواب عن الإيمان وهي آخر ما نختم به كتاب ~~قواعد العقائد # تم الكتاب بحمد الله تعالى و صلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد وعلى كل ~~عبد مصطفى # | كتاب أسرار الطهارة وهو الكتاب الثالث من ربع العبادات بسم الله # الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي تلطف بعباده فتعبدهم بالنظافة وأفاض على قلوبهم تزكية ~~لسرائرهم أنواره وألطافه وأعد لظواهرهم تطهيرا لها الماء المخصوص بالرقة ~~واللطافة وصلى الله على النبي محمد المستغرق بنور الهدى أطراف العالم ~~وأكنافه وعلى آله الطيبين الطاهرين صلاة تنجينا بركاتها يوم المخافة وتنتصب ~~جنة بيننا وبين كل آفة # أما بعد # فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بني الدين على النظافة + حديث بني ~~الدين على النظافة لم أجده هكذا وفي الضعفاء لابن حبان من حديث عائشة ~~تنظفوا فإن الإسلام نظيف والطبراني في الأوسط بسند ضعيف جدا من حديث ابن ~~مسعود النظافة تدعو إلى الإيمان + وقال صلى الله عليه وسلم مفتاح الصلاة ~~الطهور + حديث مفتاح الصلاة الطهور أخرجه د ت م من حديث علي قال الترمذي ~~هذا أصح شيء في هذا الباب وأحسن + وقال الله تعالى @QB@ فيه رجال يحبون أن ~~يتطهروا والله يحب المطهرين @QE@ وقال النبي صلى الله عليه وسلم الطهور نصف ~~الإيمان + حديث الطهور نصف الإيمان أخرجه ت من حديث رجل من بني سليم وقال ~~حسن ورواه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري بلفظ @QB@ شطر @QE@ كما في ~~الإحياء + وقال الله تعالى @QB@ ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ~~ليطهركم @QE@ فتفطن ذوو البصائر بهذه الظواهر أن أهم الأمور تطهير السرائر ~~إذ يبعد أن يكون المراد بقوله صلى الله عليه وسلم الطهور نصف الإيمان عمارة ~~الظاهر بالتنظيف بإفاضة الماء وإلقائه وتخريب الباطن وإبقائه مشحونا ~~بالأخباث والأقذار هيهات PageV01P125 هيهات والطهارة لها أربع مراتب # المرتبة الأولى تطهير الظاهر عن الأحداث وعن الأخباث والفضلات # المرتبة الثانية تطهير الجوارح عن الجرائم والآثام # المرتبة الثالثة تطهير القلب عن الأخلاق المذمومة والرذائل الممقوتة # المرتبة الرابعة تطهير السر عما سوى الله تعالى وهي طهارة الأنبياء صلوات ~~الله عليهم والصديقين والطهارة في كل رتبة نصف العمل الذي فيها فإن الغاية ~~القصوى في عمل السر أن ينكشف له جلال الله تعالى وعظمته ولن تحل معرفة الله ~~تعالى بالحقيقة في السر ما لم يرتحل ما سوى الله تعالى عنه # ولذلك قال الله عز وجل @QB@ قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون @QE@ لأنهما ~~لا يجتمعان في قلب وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وأما عمل القلب ~~فالغاية القصوى عمارته بالأخلاق المحمودة والعقائد المشروعة ولن يتصف بها ~~ما لم ينظف عن نقائضها من العقائد الفاسدة والرذائل الممقوتة فتطهيره أحد ~~الشطرين وهو الشطر الأول الذي هو شرط في الثاني فكان الطهور شطر الإيمان ~~بهذا المعنى وكذلك تطهير الجوارح عن المناهي أحد الشطرين وهو الشطر الأول ~~الذي هو شرط في الثاني فتطهيره أحد الشطرين وهو الشطر الأول وعمارتها ~~بالطاعات الشطر الثاني فهذه مقامات الإيمان ولكل مقام طبقة ولن ينال العبد ~~الطبقة العالية إلا أن يجاوز الطبقة السافلة فلا يصل إلى طهارة السر عن ~~الصفات المذمومة وعمارته بالمحمودة ما لم يفرغ من طهارة القلب عن الخلق ~~المذموم وعمارته بالخلق المحمود ولن يصل إلى ذلك من لم يفرغ عن طهارة ~~الجوارح عن المناهي وعمارتها بالطاعات وكلما عز المطلوب وشرف صعب مسلكه ~~وطال طريقه وكثرت عقباته فلا تظن أن هذا الأمر يدرك وينال بالهوينى نعم من ~~عميت بصيرته عن تفاوت هذه الطبقات لم يفهم من مراتب الطهارة إلا الدرجة ~~الأخيرة التي هي كالقشرة الأخيرة الظاهرة بالإضافة إلى اللب المطلوب فصار ~~يمعن فيها ويستقصي في مجاريها ويستوعب جميع أوقاته في الاستنجاء وغسل ~~الثياب وتنظيف الظاهر وطلب المياه الجارية الكثيرة ظنا منه بحكم الوسوسة ~~وتخيل العقل أن الطهارة المطلوبة الشريفة هي هذه فقط وجهالة بسيرة الأولين ~~واستغراقهم جميع الهم والفكر في تطهير القلب وتساهلهم في أمر الظاهر حتى إن ~~عمر رضي الله عنه مع علو منصبه توضأ من ماء في جرة نصرانية وحتى إنهم ما ~~كانوا يغسلون اليد من الدسومات والأطعمة بل كانوا يمسحون أصابعهم بأخمص ~~أقدامهم وعدوا الأشنان من البدع المحدثة ولقد كانوا يصلون على الأرض في ~~المساجد ويمشون حفاة في الطرقات ومن كان لا يجعل بينه وبين الأرض حاجزا في ~~مضجعه كان من أكابرهم وكانوا يقتصرون على الحجارة في الاستنجاء # وقال أبو هريرة وغيره من أهل الصفة كنا نأكل الشواء فتقام الصلاة فندخل ~~أصابعنا في الحصى ثم نفركها بالتراب ونكبر + حديث كنا نأكل الشواء فتقام ~~الصلاة فندخل أصابعنا في الحصباء الحديث أخرجه من حديث عبد الله بن الحارث ~~ابن جزء ولم أره من حديث أبي هريرة + وقال عمر رضي الله عنه ما كنا نعرف ~~الأشنان في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كانت مناديلنا بطون ~~أرجلنا + حديث عمر ما كنا نعرف الأشنان على عهد رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وإنما كانت مناديلنا باطن أرجلنا الحديث لم أجده من حديث عمر ولابن ~~ماجه نحوه مختصرا من حديث جابر + كنا إذا أكلنا الغمر مسحنا بها ويقال أول ~~ما ظهر من البدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع المناخل والأشنان ~~والموائد والشبع # فكانت عنايتهم كلها بنظافة الباطن حتى قال بعضهم الصلاة في النعلين أفضل ~~لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزع نعليه في صلاته بإخبار جبريل ~~عليه السلام له أن بهما نجاسة وخلع الناس نعالهم قال صلى الله عليه وسلم لم ~~خلعتم نعالكم + حديث خلع نعليه في الصلاة إذ أخبره جبريل عليه الصلاة ~~والسلام أن عليه نجاسة أخرجه د ك وصححه من حديث أبي سعيد الخدري + وقال ~~النخعي في الذين يخلعون نعالهم وددت لو أن محتاجا جاء إليها فأخذها منكرا ~~لخلع النعال # فهكذا كان تساهلهم في هذه الأمور بل كانوا يمشون في طين الشوارع حفاة ~~ويجلسون عليها ويصلون PageV01P126 في المساجد على الأرض ويأكلون من دقيق ~~البر والشعير وهو يداس بالدواب وتبول عليه ولا يحترزون من عرق الإبل والخيل ~~مع كثرة تمرغها في النجاسات ولم ينقل قط عن أحد منهم سؤال في دقائق ~~النجاسات فهكذا كان تساهلهم فيها # وقد انتهت النوبة الآن إلى طائفة يسمون الرعونة نظافة فيقولون هي مبنى ~~الدين فأكثر أوقاتهم في تزيينهم الظواهر كفعل الماشطة بعروسها والباطن خراب ~~مشحون بخبائث الكبر والعجب والجهل والرياء والنفاق ولا يستنكرون ذلك ولا ~~يتعجبون منه ولو اقتصر مقتصر على الاستنجاء بالحجر أو مشى على الأرض حافيا ~~أو صلى على الأرض أو على بواري المسجد من غيرسجادة مفروشة أو مشى على الفرش ~~من غير غلاف للقدم من أدم أو توضأ من آنية عجوز أو رجل غير متقشف أقاموا ~~عليه القيامة وشدوا عليه النكير ولقيوه بالقذر وأخرجوه من زمرتهم واستنكفوا ~~عن مؤاكلته ومخالطته # فسموا البذاذة التي هي من الإيمان قذارة والرعونة نظافة فانظر كيف صار ~~المنكر معروفا والمعروف منكرا وكيف اندرس من الدين رسمه كما اندرس حقيقته ~~وعلمه # فإن قلت أفتقول إن هذه العادات التي أحدثها الصوفية في هيئاتهم ونظافتهم ~~من المحظورات أو المنكرات فأقول حاش لله أن أطلق القول فيه من غير تفصيل ~~ولكني أقول إن هذا التنظيف والتكلف وإعداد الأواني والآلات واستعمال غلاف ~~القدم والإزار المقنع به لدفع الغبار وغير ذلك من هذه الأسباب إن وقع النظر ~~إلى ذاتها على سبيل التجرد فهي من المباحات وقد يقترن بها أحوال ونيات ~~تلحقها تارة بالمعروفات وتارة بالمنكرات فأما كونها مباحة في نفسها فلا ~~يخفى أن صاحبها متصرف بها في ماله وبدنه وثيابه فيفعل بها ما يريد إذا لم ~~يكن فيه إضاعة وإسراف وأما مصيرها منكرا فبأن يجعل ذلك أصل الدين ويفسر به ~~قوله صلى الله عليه وسلم بني الدين على النظافة حتى ينكر به على من يتساهل ~~فيه الأولين أو يكون القصد به تزيين الظاهر للخلق وتحسين موقع نظرهم فإن ~~ذلك هو الرياء المحظور فيصير منكرا بهذين الاعتبارين أما كونه معروفا فبأن ~~يكون القصد منه الخير دون التزين وأن لا ينكر على من ترك ذلك ولا يؤخر ~~بسببه الصلاة عن أوائل الأوقات ولا يشتغل به عن عمل هو أفضل منه أو عن علم ~~أو غيره فإذا لم يقترن به شيء من ذلك فهو مباح يمكن أن يجعل قربة بالنية ~~ولكن لا يتيسر ذلك إلا للبطالين الذين لو لم يشتغلوا بصرف الأوقات فيه ~~لاشتغلوا بنوم أو حديث فيما لا يعنى فيصير شغلهم به أولى لأن الاشتغال ~~بالطهارات يجدد ذكر الله تعالى وذكر العبادات فلا بأس به إذا لم يخرج إلى ~~منكر أو إسراف # وأما أهل العلم والعمل فلا ينبغي أن يصرفوا من أوقاتهم إليه إلا قدر ~~الحاجة فالزيادة عليه منكر في حقهم وتضييع العمر الذي هو أنفس الجواهر ~~وأعزها في حق من قدر على الانتفاع به # ولا يتعجب من ذلك فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين # ولا ينبغي للبطال أن يترك النظافة وينكر على المتصوفة ويزعم أنه يتشبه ~~بالصحابة إذ التشبه بهم في أن لا يتفرغ إلا لما هو أهم منه كما قيل لداود ~~الطائي لم لا تسرح لحيتك قال إني إذن لفارغ # فلهذا لا أرى للعالم ولا للمتعلم ولا للعامل أن يضيع وقته في غسل الثياب ~~احترازا من أن يلبس الثياب المقصورة وتوهما بالقصار تقصيرا في الغسل فقد ~~كانوا في العصر الأول يصلون في الفراء المدبوغة ولم يعلم منهم من فرق بين ~~المقصورة والمدبوغة في الطهارة والنجاسة بل كانوا يجتنبون النجاسة إذا ~~شاهدوها ولا يدققون نظرهم في استنباط الاحتمالات الدقيقة بل كانوا يتأملون ~~في دقائق الرياء والظلم حتى قال سفيان الثوري لرفيق له كان يمشي معه فنظر ~~إلى باب دار مرفوع معمور لا تفعل ذلك فإن الناس لو لم ينظروا إليه لكان ~~صاحبه لا يتعاطى هذا الإسراف # فالناظر إليه معين له على الإسراف # فكانوا يعدون جمام الذهن لاستنباط مثل هذه الدقائق لا في احتمالات ~~النجاسة # فلو وجد العالم عاميا PageV01P127 يتعاطى له غسل الثياب محتاطا فهو أفضل ~~فإنه بالإضافة إلى التساهل خير # وذلك العامي ينتفع بتعاطيه إذ يشغل نفسه الأمارة بالسوء بعمل المباح في ~~نفسه فيمتنع عليه المعاصي في تلك الحال # والنفس إن لم تشغل بشيء شغلت صاحبها وإذا قصد به التقرب إلى العالم صار ~~ذلك عنده من أفضل القربات # فوقت العالم أشرف من أن يصرفه إلى مثله فيبقى محفوظا عليه وأشرف وقت ~~العامي أن يشتغل بمثله فيتوفر الخير عليه من الجوانب كلها # وليتفطن بهذا المثل لنظائره من الأعمال وترتيب فضائلها ووجه تقديم البعض ~~منها على بعض فتدقيق الحساب في حفظ لحظات العمر بصرفها إلى الأفضل أهم من ~~التدقيق في أمور الدنيا بحذافيرها # وإذا عرفت هذه المقدمة واستبنت أن الطهارة لها أربع مراتب # فاعلم أنا في هذا الكتاب لسنا نتكلم إلا في المرتبة الرابعة وهي نظافة ~~الظاهر لأنا في الشطر الأول من الكتاب لا نتعرض قصدا إلا للظواهر # فنقول طهارة الظاهر ثلاثة أقسام طهارة عن الخبث وطهارة عن الحدث وطهارة ~~عن فضلات البدن وهي التي تحصل بالقلم والاستحداد واستعمال النورة والختان ~~وغيره القسم الأول في طهارة الخبث والنظر فيه يتعلق بالمزال والمزال به ~~والإزالة الطرف الأول في المزال # وهي النجاسة # والأعيان ثلاثة جمادات وحيوانات وأجزاء حيوانات # أما الجمادات فطاهرة كلها إلا الخمر وكل منتبذ مسكر والحيوانات طاهرة ~~كلها إلا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما # فإذا ماتت فكلها نجسة إلا خمسة الآدمي والسمك والجراد ودود التفاح وفي ~~معناه كل ما يستحيل من الأطعمة وكل ما ليس له نفس سائلة كالذباب والخنفساء ~~وغيرهما فلا ينجس الماء بوقوع شيء منها فيه # وأما أجزاء الحيوانات فقسمان أحدهما ما يقطع منه وحكمه حكم الميت # والشعر لا ينجس بالجز والموت والعظم ينجس # الثاني الرطوبات الخارجة من باطنه فكل ما ليس مستحيلا ولا له مقر فهو ~~طاهر كالدمع والعرق واللعاب والمخاط وما له مقر وهو مستحيل فنجس إلا ما هو ~~مادة الحيوان كالمني والبيض # والقيح والدم والروث والبول نجس من الحيوانات كلها # ولا يعفى عن شيء من هذه النجاسات قليلها وكثيرها إلا عن خمسة الأول أثر ~~النجو بعد الاستجمار بالأحجار يعفى عنه ما لم يعد المخرج # والثاني طين الشوارع وغبار الروث في الطريق يعفى عنه مع تيقن النجاسة ~~بقدر ما يتعذر الاحتراز عنه وهو الذي لا ينسب المتلطخ به إلى تفريط أو سقطة # الثالث ما على أسفل الخف من نجاسة لا يخلو الطريق عنها فيعفى عنه بعد ~~الدلك للحاجة # الرابع دم البراغيث ما قل منه أو كثر إلا إذا جاوز حد العادة سواء كان في ~~ثوبك أو في ثوب غيرك فلبسته # الخامس دم البثرات وما ينفصل منها من قيح وصديد # ودلك ابن عمر رضي الله عنه بثرة على وجهه فخرج منها الدم وصلى ولم يغتسل # وفي معناه ما يترشح من لطخات الدماميل التي تدوم غالبا وكذلك أثر الفصد ~~إلا ما يقع نادرا من خراج أو غيره فيلحق بدم الاستحاضة ولا يكون في معنى ~~البثرات التي لا يخلو الإنسان عنها في أحواله # ومسامحة الشرع في هذه النجاسات الخمس تعرفك أن أمر الطهارة على التساهل ~~وما ابتدع فيها وسوسة لا أصل لها الطرف الثاني في المزال به # وهو إما جامد وإما مائع أما الجامد فحجر الاستنجاء وهو مطهر تطهير تخفيف ~~بشرط أن يكون صلبا طاهرا منشفا غير محترم وأما المائعات فلا تزال النجاسات ~~بشيء منها إلا الماء ولا كل ماء بل الطاهر الذي لم يتفاحش PageV01P128 ~~تغيره بمخالطة ما يستغنى عنه # ويخرج الماء عن الطهارة بأن يتغير بملاقاة النجاسة طعمه أو لونه أو ريحه # فإن لم يتغير وكان قريبا من مائتين وخمسين منا وهو خمسمائة رطل برطل ~~العراق لم ينجس لقوله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا ~~+ حديث إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا أخرجه أصحاب السنن وابن حبان ~~والحاكم وصححه من حديث ابن عمر + وإن كان دونه صار نجسا عند الشافعي رضي ~~الله عنه هذا في الماء الراكد # وأما الماء الجاري إذا تغير بالنجاسة فالجرية المتغيرة نجسة دون ما فوقها ~~وما تحتها لأن جريات الماء متفاصلات # وكذا النجاسة الجارية إذا جرت بمجرى الماء فالنجس موقعها من الماء وما عن ~~يمينها وشمالها إذا تقاصر عن قلتين # وإن كان جرى الماء أقوى من جري النجاسة فما فوق النجاسة طاهر وما سفل ~~عنها فنجس وإن تباعد وكثر إلا إذا اجتمع في حوض قدر قلتين # وإذا اجتمع قلتان من ماء نجس طهر ولا يعود نجسا بالتفريق # هذا هو مذهب الشافعي رضي الله عنه # وكنت أود أن يكون مذهبه كمذهب مالك رضي الله عنه في أن الماء وإن قل لا ~~ينجس إلا بالتغير إذ الحاجة ماسة إليه ومثار الوسواس اشترط القلتين ولأجله ~~شق على الناس ذلك وهو لعمري سبب المشقة ويعرفه من يجربه ويتأمله # ومما لا أشك فيه أن ذلك لو كان مشروطا لكان أولى المواضع بتعسر الطهارة ~~مكة والمدينة إذ لا يكثر فيهما المياه الجارية ولا الراكدة الكثيرة # ومن أول عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر عصر أصحابه لم تنقل ~~واقعة في الطهارة ولا سؤال عن كيفية حفظ الماء عن النجاسات # وكانت أواني مياههم يتعاطاها الصبيان والإماء الذين لا يحترزون عن ~~النجاسات # وقد توضأ عمر رضي الله عنه بماء في جرة نصرانية وهذا كالصريح في أنه لم ~~يعول إلا على عدم تغير الماء وإلا فنجاسة النصرانية وإنائها غالبة تعلم بظن ~~قريب فإذا عسر القيام بهذا المذهب # وعدم وقوع السؤال في تلك الأعصار دليل أول # وفعل عمر رضي الله عنه دليل ثان # والدليل الثالث إصغاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الإناء للهرة + حديث ~~إصغاء الإناء للهرة أخرجه الطبراني في الأوسط والدار قطني من حديث عائشة ~~وروى أصحاب السنن ذلك من فعل أبي قتادة + وعدم تغطية الأواني منها بعد أن ~~يرى أنها تأكل الفأرة ولم يكن في بلادهم حياض تلغ السنانير فيها وكانت لا ~~تنزل الآبار # والرابع أن الشافعي رضي الله عنه نص على أن غسالة النجاسة طاهرة إذا لم ~~تتغير ونجسة إن تغيرت وأي فرق بين أن يلاقي الماء النجاسة بالورود عليها أو ~~بورودها عليه وأي معنى لقول القائل إن قوة الورود تدفع النجاسة مع أن ~~الورود لم يمنع مخالطة النجاسة وإن أحيل ذلك على الحاجة فالحاجة أيضا ماسة ~~إلى هذا فلا فرق بين طرح الماء في إجانة فيها ثوب نجس أو طرح الثوب النجس ~~في الإجانة وفيها ماء وكل ذلك معتاد في غسل الثياب والأواني والخامس أنهم ~~كانوا يستنجون على أطراف المياه الجارية القليلة ولا خلاف في مذهب الشافعي ~~رضي الله عنه أنه إذا وقع بول في ماء جار ولم يتغير أنه يجوز التوضؤ به وإن ~~كان قليلا # وأي فرق بين الجاري والراكد وليت شعري هل الحوالة على عدم التغير أولى أو ~~على قوة الماء بسبب الجريان ثم ما حد تلك القوة أتجري في المياه الجارية في ~~أنابيب الحمامات أم لا فإن لم تجر فما الفرق وإن جرت فما الفرق بين ما يقع ~~فيها وبين ما يقع في مجرى الماء من الأواني على الأبدان وهي أيضا جارية ثم ~~البول أشد اختلاطا بالماء الجاري من نجاسة جامدة ثابتة إذا قضى بأن ما يجري ~~عليها وإن لم يتغير نجس أن يجتمع في مستنقع قلتان فأي فرق بين الجامد ~~والمائع والماء واحد والاختلاط أشد من المجاورة # والسادس أنه إذا وقع رطل من البول في قلتين ثم فرقتا فكل كوز يغترف منه ~~طاهر ومعلوم أن البول منتشر فيه وهو قليل وليت شعري هل تعليل طهارته بعدم ~~التغير أولى أو بقوة الماء بعد انقطاع الكثرة وزوالها مع PageV01P129 تحقق ~~بقاء أجزاء النجاسة فيها # والسابع أن الحمامات لم تزل في الأعصار الخالية يتوضأ فيها المتقشفون ~~ويغمسون الأيدي والأواني في تلك الحياض مع قلة الماء ومع العلم بأن الأيدي ~~النجسة والطاهرة كانت تتوارد عليها # فهذه الأمور مع الحاجة الشديدة تقوى في النفس أنهم كانوا ينظرون إلى عدم ~~التغير معولين على قوله صلى الله عليه وسلم خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء ~~إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه + حديث خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء ~~إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة بإسناد ~~ضعيف وقد رواه بدون الاستثناء أبو داود والنسائي والترمذي من حديث أبي سعيد ~~وصححه أبو داود وغيره + وهذا فيه تحقيق وهو أن طبع كل مائع أن يقلب إلى صفة ~~نفسه كل ما يقع فيه وكان مغلوبا من جهته فكما ترى الكلب يقع في المملحة ~~فيستحيل ملحا ويحكم بطهارته بصيرورته ملحا وزوال صفة الكلبية عنه فكذلك ~~الخل يقع في الماء وكذا اللبن يقع فيه وهو قليل فتبطل صفته ويتصور بصفة ~~الماء وينطبع بطبعه إلا إذا كثر وغلب وتعرف غلبته بغلبة طعمه أو لونه أو ~~ريحه فهذا المعيار # وقد أشار الشرع إليه في الماء القوي على إزالة النجاسة وهو جدير بأن يعول ~~عليه فيندفع به الحرج ويظهر به معنى كونه طهورا إذ يغلب عليه فيطهره كما ~~صار كذلك فيما بعد القلتين وفي الغسالة وفي الماء الجاري وفي إصغاء الإناء ~~للهرة ولا تظن ذلك عفوا إذ لو كان كذلك لكان كأثر الاستنجاء ودم البراغيث ~~حتى يصير الماء الملاقى له نجسا ولا ينجس بالغسالة ولا بولوغ السنور في ~~الماء القليل # وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا يحمل خبثا فهو في نفسه مبهم فإنه يحمل ~~إذا تغير # فإن قيل أراد به إذا لم يتغير فيمكن أن يقال إنه أراد به أنه في الغالب ~~لا يتغير بالنجاسات المعتادة ثم هو تمسك بالمفهوم فيما إذا لم يبلغ قلتين ~~وترك المفهوم بأقل من الأدلة التي ذكرناها ممكن وقوله لا يحمل خبثا ظاهره ~~نفي الحمل أي يقلبه إلى صفة نفسه كما يقال للمملحة لا تحمل كلبا ولا غيره ~~أي ينقلب وذلك لأن الناس قد يستنجون في المياه القليلة وفي الغدران ويغمسون ~~الأواني النجسة فيها ثم يترددون في أنها تغيرت تغيرا مؤثر أم لا فتبين أنه ~~إذا كان قلتين لا يتغير بهذه النجاسة المعتادة # فإن قلت فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يحمل خبثا ومهما كثرت حملها ~~فهذا ينقلب عليك فإنها مهما كثرت حملها حكما كما حملها حسا # فلا بد من التخصيص بالنجاسات المعتادة على المذهبين جميعا # وعلى الجملة فميلي في أمور النجاسات المعتادة إلى التساهل فهما من سيرة ~~الأولين وحسما لمادة الوسواس وبذلك أفتيت بالطهارة فيما وقع الخلاف فيه في ~~مثل هذه المسائل الطرف الثالث في كيفية الإزالة # والنجاسة إن كانت حكمية وهي التي ليس لها جرم محسوس فيكفي إجراء الماء ~~على جميع مواردها وإن كانت عينية فلا بد من إزالة العين وبقاء الطعم يدل ~~على بقاء العين وكذا بقاء اللون إلا فيما يلتصق به فهو معفو عنه بعد الحت ~~والقرص # أما الرائحة فبقاؤها يدل على بقاء العين ولا يعفى عنها إلا إذا كان الشيء ~~له رائحة فائحة يعسر إزالتها فالدلك والعصر مرات متواليات يقوم مقام الحت ~~والقرص في اللون والمزيل للوسواس أن يعلم أن الأشياء خلقت طاهرة بيقين فما ~~لا يشاهد عليه نجاسة ولا يعلمها يقينا يصلى معه ولا ينبغي أن يتوصل ~~بالاستنباط إلى تقدير النجاسات # القسم الثاني طهارة الأحداث ومنها الوضوء والغسل والتيمم ويتقدمها ~~الاستنجاء فلنورد كيفيتها على الترتيب مع آدابها وسننها مبتدئين بسبب ~~الوضوء وآداب قضاء الحاجة إن شاء الله تعالى # | باب آداب قضاء الحاجة # ينبغي أن يبعد عن أعين الناظرين في الصحراء وأن يستتر بشيء إن وجده وأن ~~لا يكشف عورته قبل الانتهاء PageV01P130 إلى موضع الجلوس وأن لا يستقبل ~~الشمس والقمر وأن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها إلا إذا كان في بناء ~~والعدول أيضا عنها في البناء أحب وإن استتر في الصحراء براحلته جاز وكذلك ~~بذيله وأن يتقي الجلوس في متحدث الناس وأن لا يبول في الماء الراكد ولا تحت ~~الشجرة المثمرة ولا في الجحر وأن يتقي الموضع الصلب ومهاب الرياح في البول ~~استنزاها من رشاشه وأن يتكىء في جلوسه على الرجل اليسرى وإن كان في بنيان ~~يقدم الرجل اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج ولا يبول قائما # قالت عائشة رضي الله عنها من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول ~~قائما فلا تصدقوه + حديث عائشة من حديثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ~~يبول قائما فلا تصدقوه أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه قال الترمذي هو ~~أحسن شيء في هذا الباب وأصح + وقال عمر رضي الله عنه رآني رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وأنا أبول قائما فقال يا عمر لا تبل قائما + حديث عمر رآني ~~النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما فقال يا عمر لا تبل قائما أخرجه ~~ابن ماجه بإسناد ضعيف رواه ابن حبان من حديث ابن عمر ليس فيه ذكر لعمر + ~~قال عمر فما بلت قائما بعد وفيه رخصة إذ روى حذيفة رضي الله عنه أنه عليه ~~الصلاة والسلام بال قائما فأتيته بوضوء فتوضأ ومسح على خفيه + حديث أنه ~~عليه الصلاة والسلام بال قائما الحديث متفق عليه + ولا يبول في المغتسل قال ~~صلى الله عليه وسلم عامة الوسواس منه + حديث قال في البول في المغتسل عامة ~~الوسواس منه أخرجه أصحاب السنن من حديث عبد الله بن مغفل قال الترمذي غريب ~~قلت وإسناده صحيح + وقال ابن المبارك قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى ~~الماء عليه ذكره الترمذي وقال عليه الصلاة والسلام لا يبولن أحدكم في ~~مستحمه ثم يتوضأ فيه فإن عامة الوسواس منه وقال ابن المبارك إن كان الماء ~~جاريا فلا بأس به ولا يستصحب شيئا عليه اسم الله تعالى أو رسوله صلى الله ~~عليه وسلم ولا يدخل بيت الماء حاسر الرأس # وأن يقول عند الدخول بسم الله أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث ~~الشيطان الرجيم وعند الخروج الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى علي ~~ما ينفعني ويكون ذلك خارجا عن بيت الماء وأن يعد النبل قبل الجلوس وأن لا ~~يستنجي بالماء في موضع الحاجة وأن يستبرىء من البول بالتنحنح والنثر ثلاثا ~~وإمرار اليد على أسفل القضيب ولا يكثر التفكر في الاستبراء فيتوسوس ويشق ~~عليه الأمر وما يحس به من بلل فليقدر أنه بقية الماء # فإن كان يؤذيه ذلك فليرش عليه الماء حتى يقوى في نفسه ذلك ولا يتسلط عليه ~~الشيطان بالوسواس # وفي الخبر أنه صلى الله عليه وسلم فعله أعني رش الماء + حديث رش الماء ~~بعد الوضوء وهو الانتضاح أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان ~~بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان وهو مضطرب كما قاله الترمذي وابن عبد ~~البر + وقد كان أخفهم استبراء أفقههم فتدل الوسوسة فيه على قلة الفقه # وفي حديث سلمان رضي الله عنه علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء ~~حتى الخراءة فأمرنا أن لا نستنجي بعظم ولاروث ونهانا أن نستقبل القبلة ~~بغائط أو بول + حديث سلمان علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى ~~الخراءة الحديث أخرجه مسلم وقد تقدم في قواعد العقائد + وقال رجل لبعض ~~الصحابة من الأعراب وقد خاصمه لا أحسبك تحسن الخراء قال بلى وأبيك إني ~~لأحسنها وإني بها لحاذق أبعد الأثر وأعد المدر وأستقبل الشيح وأستدبر الريح ~~وأقعى إقعاء الظبي وأجفل إجفال النعام الشيح نبت طيب الرائحة بالبادية ~~والإقعاء ههنا أن يستوفز على صدور قدميه والإجفال أن يرفع عجزه # ومن الرخصة أن يبول الإنسان قريبا من صاحبه مستترا عنه + حديث البول ~~قريبا من صاحبه متفق عليه من حديث حذيفة + فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم مع شدة حيائه ليبين للناس ذلك PageV01P131 كيفية الاستنجاء # ثم يستنجي لمقعدته بثلاثة أحجار فإن أنقى وإلا استعمل رابعا فإن أنقى ~~وإلا استعمل خامسا لأن الإنقاء واجب والإيتار مستحب # قال صلى الله عليه وسلم من استجمر فليوتر + حديث من استجمر فليوتر متفق ~~عليه من حديث أبي هريرة + ويأخذ الحجر بيساره ويضعه على مقدم المقعدة قبل ~~موضع النجاسة ويمره بالمسح والإدارة إلى المؤخر ويأخذ الثاني ويضعه على ~~المؤخر كذلك ويمره إلى المقدمة ويأخذ الثالث فيديره حول المسربة إدارة فإن ~~عسرت الإدارة ومسح من المقدمة إلى المؤخرة أجزأه ثم يأخذ حجرا كبيرا بيمينه ~~والقضيب بيساره ويمسح الحجر بقضيبه ويحرك اليسار فيمسح ثلاثا في ثلاثة ~~مواضع أوفى ثلاثة أحجار أو في ثلاثة مواضع من جدار إلى أن لا يرى الرطوبة ~~في محل المسح فإن حصل ذلك بمرتين أتى بالثالثة ووجب ذلك إن أراد الاقتصار ~~على الحجر وإن حصل بالرابعة استحب الخامسة للإيتار # ثم ينتقل من ذلك الموضع إلى موضع آخر ويستنجي بالماء بأن يفيضه باليمنى ~~على محل النجو ويدلك باليسرى حتى لا يبقى أثر يدركه الكف بحس اللمس ويدرك ~~الاستقصاء فيه بالتعرض للباطن فإن ذلك منبع الوسواس وليعلم أن كل ما لا يصل ~~إليه الماء فهو باطن ولا يثبت حكم النجاسة للفضلات الباطنة ما لم تظهر وكل ~~ما هو ظاهر وثبت له حكم النجاسة فحد ظهوره أن يصل الماء إليه فيزيله ولا ~~معنى للوسواس # ويقول عند الفراغ من الاستنجاء اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من ~~الفواحش ويدلك يده بحائط أو بالأرض إزالة للرائحة إن بقيت # والجمع بين الماء والحجر مستحب فقد روى أنه لما نزل قوله تعالى @QB@ فيه ~~رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين @QE@ قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم لأهل قباء ما هذه الطهارة التي أثنى الله بها عليكم قالوا كنا ~~نجمع بين الماء والحجر + حديث لما نزل قوله تعالى فيه رجال يحبون أن ~~يتطهروا الحديث في أهل قباء وجمعهم بين الحجر والماء أخرجه البزار من حديث ~~ابن عباس بسند ضعيف ورواه ابن ماجه والحاكم وصححه من حديث أبي أيوب وجابر ~~وأنس في الاستنجاء بالماء ليس فيه ذكر الحجر وقول النووي تبعا لابن الصلاح ~~إن الجمع بين الماء والحجر في أهل قباء لا يعرف مردود بما تقدم + كيفية ~~الوضوء # إذا فرغ من الاستنجاء اشتغل بالوضوء فلم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~قط خارجا من الغائط إلا توضأ ويبتدىء بالسواك فقد قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إن أفواهكم طرق القرآن فطيبوها بالسواك + حديث إن أفواهكم طرق ~~القرآن أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث علي ورواه ابن ماجه موقوفا على ~~علي وكلاهما ضعيف + فينبغي أن ينوي عند السواك تطهير فمه لقراءة القرآن ~~وذكر الله تعالى في الصلاة وقال صلى الله عليه وسلم صلاة على أثر سواك أفضل ~~من خمس وسبعين صلاة بغير سواك @QB@ حديث @QE@ صلاة على أثر سواك أفضل من ~~خمس وسبعين صلاة بغير سواك رواه أبو نعيم في كتاب السواك من حديث ابن عمر ~~بإسناد ضعيف ورواه أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي وضعفه من حديث عائشة ~~وضعفه بلفظ من سبعين صلاة + وقال صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي ~~لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة + حديث لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك ~~عند كل صلاة متفق عليه من حديث أبي هريرة + وقال صلى الله عليه وسلم ما لي ~~أراكم تدخلون علي قلحا استاكوا + حديث ما لي أراكم تدخلون علي قلحا استاكوا ~~أخرجه البزار والبيهقي من حديث العباس بن عبد المطلب وأبو داود والبغوي من ~~حديث تمام بن العباس والبيهقي من حديث عبد الله بن عباس وهو مضطرب + أي صفر ~~الأسنان وكان صلى الله عليه وسلم يستاك في الليلة مرارا + حديث كان يستاك ~~من الليل مرارا أخرجه مسلم من حديث ابن عباس + وعن ابن عباس رضي الله عنه ~~أنه قال لم يزل صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالسواك حتى ظننا أنه سينزل عليه ~~فيه شيء + حديث ابن عباس لم يزل يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بالسواك حتى ظننا أنه سينزل عليه فيه شيء رواه أحمد + وقال عليه السلام ~~عليكم بالسواك فإنه PageV01P132 مطهرة للفم ومرضاة للرب + حديث عليكم ~~بالسواك فإنه مطهرة للفم مرضاة للرب أخرجه البخاري تعليقا مجزوما من حديث ~~عائشة والنسائي وابن خزيمة موصولا قلت وصل المصنف هذا الحديث بحديث ابن ~~عباس الذي قبله وقد رواه من حديث ابن عباس الطبراني في الأوسط والبيهقي في ~~شعب الإيمان + وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه السواك يزيد في الحفظ ~~ويذهب البلغم + حديث كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يروحون ~~والسواك على آذانهم أخرجه الخطيب في كتاب أسماء من روى عن مالك وعند أبي ~~داود والترمذي وصححه أن زيد بن خالد كان يشهد الصلوات وسواكه على أذنه موضع ~~القلم من أذن الكاتب + وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يروحون والسواك ~~على آذانهم # وكيفيته أن يستاك بخشب الأراك أو غيره من قضبان الأشجار مما يخشن ويزيل ~~القلح ويستاك عرضا وطولا وإن اقتصر فعرضا # ويستحب السواك عند كل صلاة وعند كل وضوء وإن لم يصل عقيبه وعند تغير ~~النكهة بالنوم أو طول الأزم أو كل ما تكره رائحته ثم عند الفراغ من السواك ~~يجلس للوضوء مستقبل القبلة ويقول بسم الله الرحمن الرحيم قال صلى الله عليه ~~وسلم لا وضوء لمن لم يسم الله تعالى + حديث لا وضوء لمن لم يسم الله أخرجه ~~الترمذي وابن ماجه من حديث سعيد بن زيد أحد العشرة ونقل الترمذي من البخاري ~~أنه أحسن شيء في هذا الباب + أي لا وضوء كامل # ويقول عند ذلك أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ثم يغسل ~~يديه ثلاثا قبل أن يدخلهما الإناء ويقول اللهم إني أسألك اليمن والبركة ~~وأعوذ بك من الشؤم والهلكة ثم ينوي رفع الحدث أو استباحة الصلاة ويستديم ~~النية إلى غسل الوجه فإن نسيها عند الوجه لم يجزه ثم يأخذ غرفة لفيه بيمينه ~~فيتمضمض بها ثلاثا ويغرغر بأن يرد الماء إلى الغلصمة إلا أن يكون صائما ~~فيرفق ويقول اللهم أعني على تلاوة كتابك وكثرة الذكر لك ثم يأخذ غرفة لأنفه ~~ويستنشق ثلاثا ويصعد الماء بالنفس إلى خياشيمه ويستنثر ما فيها ويقول في ~~الاستنشاق اللهم أوجد لي رائحة الجنة وأنت عني راض وفي الاستنثار اللهم إني ~~أعوذ بك من روائح النار ومن سوء الدار لأن الاستنشاق إيصال والاستنثار ~~إزالة ثم يغرف غرفة لوجهه فيغسله من مبدأ سطح الجبهة إلى منتهى ما يقبل من ~~الذقن في الطول ومن الأذن إلى الأذن في العرض ولا يدخل في حد الوجه ~~النزعتان اللتان على طرفي الجبينين فهما من الرأس ويوصل الماء إلى موضع ~~التحذيف وهو ما يعتاد النساء تنحية الشعر عنه وهو القدر الذي يقع في جانب ~~الوجه مهما وضع طرف الخيط على رأس الأذن والطرف الثاني على زاوية الجبين ~~ويوصل الماء إلى منابت الشعور الأربعة الحاجبان والشاربان والعذاران ~~والأهداب لأنها خفيفة في الغالب # والعذاران هما ما يوازيان الأذنين من مبدأ اللحية # ويجب إيصال الماء إلى منابت اللحية الخفيفة أعني ما يقبل من الوجه وأما ~~الكثيفة فلا وحكم العنفقة حكم اللحية في الكثافة والخفة ثم يفعل ذلك ثلاثا ~~ويفيض الماء على ظاهر ما استرسل من اللحية ويدخل الأصابع في محاجر العينين ~~وموضع الرمص ومجتمع الكحل وينقيهما # فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك + حديث إدخاله الأصبع في محاجر ~~العينين وموضع الرمص ومجتمع الكحل أخرجه أحمد من حديث أبي أمامة كان يتعاهد ~~المنافقين ورواه الدارقطني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف أشربوا الماء ~~أعينكم + ويأمل عند ذلك خروج الخطايا من عينيه وكذلك عند كل عضو ويقول عنده ~~اللهم بيض وجهي بنورك يوم تبيض وجوه أوليائك ولا تسود وجهي بظلماتك يوم ~~تسود وجوه أعدائك ويخلل اللحية الكثيفة عند غسل الوجه فإنه مستحب ثم يغسل ~~يديه إلى مرفقيه ثلاثا ويحرك الخاتم ويطيل الغرة ويرفع الماء إلى أعلى ~~العضد فإنهم يحشرون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء كذلك ورد الخبر # قال صلى الله عليه وسلم من استطاع أن PageV01P133 يطيل غرته فليفعل + ~~حديث من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل أخرجاه من حديث أبي هريرة + وروى ~~أن الحلية تبلغ مواضع الوضوء + حديث تبلغ الحلية من المؤمن ما يبلغ ماء ~~الوضوء أخرجاه من حديثه + ويبدأ باليمنى ويقول اللهم أعطني كتابي بيميني ~~وحاسبني حسابا يسيرا ويقول عند غسل الشمال اللهم إني أعوذ بك أن تعطيني ~~كتابي بشمالي أو من وراء ظهري ثم يستوعب رأسه بالمسح بأن يبل يديه ويلصق ~~رءوس أصابع يديه اليمنى باليسرى ويضعهما على مقدمة الرأس ويمدهما إلى القفا ~~ثم يردهما إلى المقدمة وهذه مسحة واحدة يفعل ذلك ثلاثا ويقول اللهم اغشني ~~برحمتك وأنزل علي من بركاتك وأظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ثم يمسح ~~أذنيه ظاهرهما وباطنهما بماء جديد بأن يدخل مسبحتيه في صماخي أذنيه ويدير ~~إبهاميه على ظاهر أذنيه ثم يضع الكف على الأذنين استظهارا ويكرره ثلاثا ~~ويقول اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم أسمعني ~~منادي الجنة مع الأبرار ثم يمسح رقبته بماء جديد لقوله صلى الله عليه وسلم ~~مسح الرقبة أمان من الغل يوم القيامة + حديث مسح الرقبة أمان من الغل أخرجه ~~أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث عمر وهو ضعيف + ويقول اللهم فك ~~رقبتي من النار وأعوذ بك من السلاسل والأغلال ثم يغسل رجله اليمنى ثلاثا ~~ويخلل باليد اليسرى من أسفل أصابع الرجل اليمنى ويبدأ بالخنصر من الرجل ~~اليمنى ويختم بالخنصر من الرجل اليسرى ويقول اللهم ثبت قدمي على الصراط ~~المستقيم يوم تزل الأقدام في النار ويقول عند غسل اليسرى أعوذ بك أن تزل ~~قدمي عن الصراط يوم تزل فيه أقدام المنافقين ويرفع الماء إلى أنصاف الساقين # فإذا فرغ رفع رأسه إلى السماء وقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ~~له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت ~~سوءا وظلمت نفسي أستغفرك اللهم وأتوب إليك فاغفر لي وتب علي إنك أنت التواب ~~الرحيم اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك ~~الصالحين واجعلني عبدا صبورا شكورا واجعلني أذكرك كثيرا وأسبحك بكرة وأصيلا ~~يقال إن من قال هذا بعد الوضوء ختم على وضوئه بخاتم ورفع له تحت العرش فلم ~~يزل يسبح الله تعالى ويقدسه ويكتب له ثواب ذلك إلى يوم القيامة # ويكره في الوضوء أمور منها أن يزيد على الثلاث فمن زاد فقد ظلم وأن يسرف ~~في الماء توضأ عليه السلام ثلاثا وقال من زاد فقد ظلم وأساء + حديث توضأ ~~ثلاثا ثلاثا وقال من زاد فقد أساء وظلم أخرجه أبو داود والنسائي واللفظ له ~~وابن ماجه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده + وقال سيكون قوم من هذه ~~الأمة يعتدون في الدعاء والطهور + حديث سيكون قوم من هذه الأمة يعتدون في ~~الدعاء والطهور أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث عبد ~~الله بن مغفل + ويقال من وهن علم الرجل ولوعه بالماء في الطهور + حديث من ~~وهن علم الرجل ولوعه في الماء في التطهير لم أجد له أصلا + وقال إبراهيم بن ~~أدهم يقال إن أول ما يبتدىء الوسواس من قبل الطهور وقال الحسن إن شيطانا ~~يضحك بالناس في الوضوء يقال له الولهان # ويكره أن ينفض اليد فيرش الماء وأن يتكلم في أثناء الوضوء وأن يلطم وجهه ~~بالماءلطما # وكره قوم التنشيف وقالوا الوضوء يوزن قاله سعيد بن المسيب والزهري لكن ~~روى معاذ رضي الله عنه أنه عليه السلام مسح وجهه بطرف ثوبه + حديث معاذ أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم مسح وجهه بطرف ثوبه أخرجه الترمذي وقال غريب ~~وإسناده ضعيف + وروت عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كانت له ~~منشفة + حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له منشفة أخرجه ~~الترمذي وقال ليس بالقائم قال ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا ~~الباب شيء + ولكن طعن في هذه الرواية عن عائشة # ويكره أن يتوضأ من إناء صفر وأن يتوضأ بالماء المشمس وذلك من جهة الطب # وقد روي عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما كراهية إناء الصفر وقال ~~بعضهم أخرجت لشعبة ماء في إناء صفر فأبى أن يتوضأ منه # ونقل كراهية PageV01P134 ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما # ومهما فرغ من وضوئه وأقبل على الصلاة فينبغي أن يخطر بباله أنه طهر ظاهره ~~وهو موضع نظر الخلق أن يستحي من مناجاة الله تعالى من غير تطهير قلبه وهو ~~موضع نظر الرب سبحانه # وليحقق طهارة القلب بالتوبة # والخلو عن الأخلاق المذمومة والتخلق بالأخلاق الحميدة أولى # وأن من يقتصر على طهارة الظاهر كمن يدعو ملكا إلى بيته فتركه مشحونا ~~بالقاذورات واشتغل بتجصيص ظاهر الباب البراني من الدار # وما أجدر مثل هذا الرجل بالتعرض للمقت والبوار والله سبحانه وتعالى أعلم ~~فضيلة الوضوء # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين لم ~~يحدث نفسه فيهما بشيء من الدنيا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه + حديث من ~~توضأ وأسبغ الوضوء وصلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا خرج من ~~ذنوبه كيوم ولدته أمه وفي لفظ آخر لم يسه فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه ~~أخرجه ابن المبارك في كتاب الزهد والرقائق باللفظين معا وهو متفق عليه من ~~حديث عثمان بن عفان دون قوله بشيء من الدنيا ودون قوله لم يسه فيهما وأخرجه ~~أبو داود من حديث زيد بن خالد ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما الحديث + وفي ~~لفظ آخر ولم يسه فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه وقال صلى الله عليه وسلم ~~أيضا ألا أنبئكم بما يكفر الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء ~~على المكاره ونقل الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم ~~الرباط ثلاث مرات + حديث ألا أنبئكم بما يكفر الله به الخطايا ويرفع به ~~الدرجات الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة + وتوضأ صلى الله عليه وسلم مرة ~~مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به وتوضأ مرتين مرتين وقال من ~~توضأ مرتين مرتين أتاه الله أجره مرتين وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا وضوئي ~~ووضوء الأنبياء من قبلي ووضوء خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام + حديث توضأ ~~مرة مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به الحديث أخرجه ابن ماجه ~~من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم من ذكر الله عند ~~وضوئه طهر الله جسده كله ومن لم يذكر الله لم يطهر منه إلا ما أصاب الماء + ~~حديث من ذكر الله عند وضوئه طهر الله جسده كله الحديث رواه الدار قطني من ~~حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم من توضأ على طهر كتب ~~الله له به عشر حسنات + حديث من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات أخرجه ~~أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف + وقال صلى الله ~~عليه وسلم الوضوء على الوضوء نور على نور + حديث الوضوء على الوضوء نور على ~~نور لم أجد له أصلا + وهذا كله حث على تجديد الوضوء وقال عليه السلام إذا ~~توضأ العبد المسلم فتمضمض خرجت الخطايا من فيه فإذا استنثر خرجت الخطايا من ~~أنفه فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه فإذا ~~غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفاره فإذا مسح برأسه خرجت ~~الخطايا من رأسه حتى تخرج من تحت أذنيه وإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من ~~رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له ~~+ حديث إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه الحديث ~~أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث الصنابحي إسناده صحيح ولكن اختلف في صحته ~~وعند مسلم من حديث أبي هريرة وعمرو بن عنبسة نحوه مختصرا + ويروى إن الطاهر ~~كالصائم + حديث الطاهر النائم كالصائم أخرجه أبو منصور الديلمي من حديث ~~عمرو بن حريث الطاهر النائم كالصائم القائم وسنده ضعيف + قال صلى الله عليه ~~وسلم من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا ~~الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة ~~الثمانية يدخل من أيها شاء + حديث من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى ~~السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله الحديث أخرجه أبو داود من حديث عقبة ~~بن عامر وهو عند مسلم دون قوله ثم رفع هكذا عزاه المزي في الأطراف وقد رواه ~~النسائي في اليوم والليلة من رواية عقبة بن عامر وكذا رواه الدارمي في ~~مسنده + وقال عمر رضي الله عنه PageV01P135 إن الوضوء الصالح يطرد عنك ~~الشيطان # وقال مجاهد من استطاع أن لا يبيت إلا طاهرا ذاكرا مستغفرا فليفعل فإن ~~الأرواح تبعث على ما قبضت عليه كيفية الغسل # وهو أن يضع الإناء عن يمينه ثم يسمي الله تعالى ويغسل يديه ثلاثا ثم ~~يستنجي كما وصفت لك ويزيل ما على بدنه من نجاسة إن كانت ثم يتوضأ وضوءه ~~للصلاة كما وصفنا إلا غسل القدمين فإنه يؤخرهما فإن غسلهما ثم وضعهما على ~~الأرض كان إضاعة للماء ثم يصب الماء على رأسه ثلاثا ثم على شقه الأيمن ~~ثلاثا ثم على شقه الأيسر ثلاثا ثم يدلك ما أقبل من بدنه ويخلل شعر الرأس ~~واللحية ويوصل الماء إلى منابت ما كثف منه أو خف وليس على المرأة نقض ~~الضفائر إلا إذا علمت أن الماء لا يصل إلى خلال الشعر ويتعهد معاطف البدن ~~وليتق أن يمس ذكره في أثناء ذلك فإن فعل ذلك فليعد الوضوء وإن توضأ قبل ~~الغسل فلا يعيده بعد الغسل # فهذه سنن الوضوء والغسل ذكرنا منها ما لا بد لسالك طريق الآخرة من علمه ~~وعمله وما عداه من المسائل التي يحتاج إليها في عوارض الأحوال فليرجع فيها ~~إلى كتب الفقه # والواجب من جملة ما ذكرناه في الغسل أمران النية واستيعاب البدن بالغسل # وفروض الوضوء النية وغسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين ومسح ما ينطلق ~~عليه الاسم من الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين والترتيب # وأما الموالاة فليست بواجبة # والغسل الواجب بأربعة بخروج المني والتقاء الختانين والحيض والنفاس وما ~~عداه من الأغسال سنة كغسل العيدين والجمعة والأعياد والإحرام والوقوف بعرفة ~~ومزدلفة ولدخول مكة وثلاثة أغسال أيام التشريق ولطواف الوداع على قول ~~والكافر إذا أسلم غير جنب والمجنون إذا أفاق ولمن غسل ميتا فكل ذلك مستحب ~~كيفية التيمم # من تعذر عليه استعمال الماء لفقده بعد الطلب أو بمانع له عن الوصول إليه ~~من سبع أو حابس أو كان الماء الحاضر يحتاج إليه لعطشه أو لعطش رفيقه أو كان ~~ملكا لغيره ولم يبعه إلا بأكثر من ثمن المثل أو كان به جراحة أو مرض وخاف ~~من استعماله فساد العضو أو شدة الضنا فينبغي أن يصبر حتى يدخل عليه وقت ~~الفريضة ثم يقصد صعيدا طيبا عليه تراب طاهر خالص لين بحيث يثور منه غبار ~~ويضرب عليه كفيه ضاما بين أصابعه ويمسح بهما جميع وجهه مرة واحدة وينوي عند ~~ذلك استباحة الصلاة ولا يكلف إيصال الغبار إلى ما تحت الشعور خفت أو كثفت ~~ويجتهد أن يستوعب بشرة وجهه بالغبار ويحصل ذلك بالضربة الواحدة فإن عرض ~~الوجه لا يزيد على عرض الكفين ويكفي في الاستيعاب غالب الظن ثم ينزع خاتمه ~~ويضرب ضربة ثانية يفرج فيها بين أصابعه ثم يلصق ظهور يده اليمنى ببطون ~~أصابع يده اليسرى بحيث لا يجاوز أطراف الأنامل من إحدى الجهتين عرض المسبحة ~~من الأخرى ثم يمر يده اليسرى من حيث وضعها على ظاهر ساعده الأيمن إلى ~~المرفق ثم يقلب بطن كفه اليسرى على باطن ساعده الأيمن ويمرها إلى الكوع ~~ويمر بطن إبهامه اليسرى على ظاهر إبهامه اليمنى ثم يفعل باليسرى كذلك # ثم يمسح كفيه ويخلل بين أصابعه وغرض هذا التكليف تحصيل الأستيعاب إلى ~~المرفقين بضربة واحدة فإن عسر عليه ذلك فلا بأس بأن يستوعب بضربتين وزيادة # وإذا صلى به الفرض فله أن يتنفل كيف شاء فإن جمع بين فريضتين فينبغي أن ~~يعيد التيمم للثانية # وهكذا يفرد كل فريضة بتيمم والله أعلم PageV01P136 القسم الثالث من ~~النظافة التنظيف عن الفضلات الظاهرة وهي نوعان أوساخ وأجزاء النوع الأول ~~الأوساخ والرطوبات المترشحة وهي ثمانية # الأول ما يجتمع في شعر الرأس من الدرن والقمل فالتنظيف عنه مستحب بالغسل ~~والترجيل والتدهين إزالة للشعث عنه وكان صلى الله عليه وسلم يدهن الشعر ~~ويرجله غبا ويأمر به + حديث كان يدهن الشعر ويرجله أخرجه الترمذي في ~~الشمائل بإسناد ضعيف من حديث أنس كان يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته وفي ~~الشمائل أيضا بإسناد حسن من حديث صحابي لم يسم أنه كان صلى الله عليه وسلم ~~يترجل غبا + ويقول صلى الله عليه وسلم ادهنوا غبا + حديث ادهنوا غبا قال ~~ابن الصلاح لم أجد له أصلا وقال النووي غير معروف وعند أبي داود والترمذي ~~والنسائي من حديث عبد الله بن مغفل النهي عن الترجل إلا غبا بإسناد صحيح + ~~وقال صلى الله عليه وسلم من كان له شعرة فليكرمها + حديث من كانت له شعرة ~~فليكرمها من حديث أبي هريرة وقال به شعر فليكرمه وليس إسناده بالقوي + أي ~~ليصنها عن الأوساخ ودخل عليه رجل ثائر الرأس أشعث اللحية فقال أما كان لهذا ~~دهن يسكن به شعره ثم قال يدخل أحدكم كأنه شيطان + حديث دخل عليه رجل ثائر ~~الرأس أشعث اللحية فقال أما كان لهذا دهن يسكن به شعره الحديث أخرجه أبو ~~داود والترمذي وابن حبان من حديث جابر بإسناد جيد + # الثاني ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن والمسح يزيل ما يظهر منه وما ~~يجتمع في قعر الصماخ فينبغي أن ينظف برفق عند الخروج من الحمام فإن كثرة ~~ذلك ربما تضر بالسمع # الثالث ما يجتمع في داخل الأنف من الرطوبات المنعقدة الملتصقة بجوانبه ~~ويزيلها بالاستنشاق والاستنثار # الرابع ما يجتمع على الأسنان وطرف اللسان من القلح فيزيله السواك ~~والمضمضة وقد ذكرناهما # الخامس ما يجتمع في اللحية من الوسخ والقمل إذا لم يتعهد ويستحب إزالة ~~ذلك بالغسل والتسريح بالمشط # وفي الخبر المشهور أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يفارقه المشط والمدرى ~~والمرآة في سفر ولا حضر + حديث كان لا يفارقه المشط والمدرى في سفر ولا حضر ~~أخرجه ابن طاهر في كتاب صفة التصوف من حديث أبي سعيد كان لايفارق مصلاه ~~سواكه ومشطه ورواه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة وإسنادهما ضعيف وسيأتي ~~في آداب السفر مطولا + وهي سنة العرب وفي خبر غريب أنه صلى الله عليه وسلم ~~كان يسرح لحيته في اليوم مرتين + حديث كان يسرح لحيته كل يوم مرتين تقدم ~~حديث أنس كان يكثر تسريح لحيته وللخطيب في الجامع من حديث الحكم مرسلا كان ~~يسرح لحيته بالمشط + وكان صلى الله عليه وسلم كث اللحية + حديث كان كث ~~اللحية أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث هند ابن أبي هالة وأبو نعيم في ~~دلائل النبوة من حديث علي وأصله عند الترمذي + وكذلك كان أبو بكر وكان ~~عثمان طويل اللحية رقيقها وكان علي عريض اللحية قد ملأت ما بين منكبيه # وفي حديث أغرب منه قالت عائشة رضي الله عنها اجتمع قوم بباب رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فرأيته يطلع في الحب يسوي من رأسه ولحيته + ~~حديث عائشة اجتمع قوم بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فرأيته ~~يطلع في الحب يسوي من رأسه ولحيته أخرجه ابن عدي وقال حديث منكر + فقلت ~~أوتفعل ذلك يا رسول الله فقال نعم إن الله يحب من عبده أن يتجمل لإخوانه ~~إذا خرج إليهم والجاهل ربما يظن أن ذلك من حب التزين للناس قياسا على أخلاق ~~غيره وتشبيها للملائكة بالحدادين وهيهات فقد كان رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم مأمورا بالدعوة وكان من وظائفه أن يسعى في تعظيم أمر نفسه في قلوبهم ~~كيلا تزدريه نفوسهم ويحسن صورته في أعينهم كيلا تستصغره أعينهم فينفرهم ذلك ~~ويتعلق المنافقون بذلك في تنفيرهم # وهذا القصد واجب على كل عالم تصدى لدعوة الخلق إلى الله عز وجل وهو أن ~~يراعى من ظاهره ما لا يوجب نفرة الناس عنه # والاعتماد في مثل هذه الأمور على النية فإنها أعمال في أنفسها تكتسب ~~الأوصاف من المقصود فالتزين PageV01P137 على هذا القصد محبوب وترك الشعث في ~~اللحية إظهارا للزهد وقلة المبالاة بالنفس محذور وتركه شغلا بما هو أهم منه ~~محبوب # وهذه أحوال باطنة بين العبد وبين الله عز وجل # والناقد بصير والتلبيس غير رائج عليه بحال وكم من جاهل يتعاطى هذه الأمور ~~التفاتا إلى الخلق وهو يلبس على نفسه وعلى غيره ويزعم أن قصده الخير فترى ~~جماعة من العلماء يلبسون الثياب الفاخرة ويزعمون أن قصدهم إرغام المبتدعة ~~والمجادلين والتقرب إلى الله تعالى به # وهذا أمر ينكشف يوم تبلى السرائر ويوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في ~~الصدور فعند ذلك تتميز السبيكة الخالصة من البهرجة فنعوذ بالله من الخزي ~~يوم العرض الأكبر # السادس وسخ البراجم وهي معاطف ظهور الأنامل كانت العرب لا تكثر غسل ذلك ~~لتركها غسل اليد عقيب الطعام فيجتمع في تلك الغضون وسخ فأمرهم رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم بغسل البراجم + حديث الأمر بغسل البراجم أخرجه الترمذي ~~الحكيم في النوادر من حديث عبد الله ابن بسر نقوا براجمكم ولابن عدي في ~~حديث لأنس وأن يتعاهد البراجم إذا توضأ # ولمسلم من حديث عائشة عشر من الفطرة وفيه وغسل البراجم + # السابع تنظيف الرواجب + الأمر بتنظيف الرواجب أخرجه أحمد من حديث ابن ~~عباس أنه قيل له يا رسول الله لقد أبطأ عنك جبريل فقيل ولم لا يبطىء وأنتم ~~لا تستنون ولا تقلمون أظافركم ولا تقصون شواربكم ولا تنقون رواجبكم وفيه ~~إسماعيل بن عياش + أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب بتنظيفها وهي ~~رءوس الأنامل وما تحت الأظفار من الوسخ لأنها كانت لا يحضرها المقراض في كل ~~وقت فتجتمع فيها أوساخ فوقت لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلم الأظفار ~~ونتف الإبط وحلق العانة أربعين يوما + حديث التوقيت في قلم الأظافر ونتف ~~الإبط وحلق العانة أربعين يوما أخرجه مسلم من حديث أنس + لكنه أمر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم بتنظيف ما تحت الأظفار + حديث الأمر بتنظيف ما تحت ~~الأظافر أخرجه الطبراني من حديث وابصة بن سعيد سألت النبي صلى الله عليه ~~وسلم عن كل شيء حتى سألته عن الوسخ الذي يكون بين الأظافر فقال دع ما يريبك ~~إلى ما لا يريبك + وجاء في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم استبطأ الوحي ~~فلما هبط عليه جبريل عليه السلام قال له كيف ننزل عليكم وأنتم لا تغسلون ~~براجمكم ولا تنظفون رواجبكم + حديث استبطاء الوحي فلما هبط عليه جبريل قال ~~له كيف ننزل عليكم وأنتم لا تغسلون براجمكم ولا تنظفون رواجبكم تقدم قبل ~~هذا بحديثين + وقلحا لا تستاكون مر أمتك بذلك وإلاف وسخ الظفر والتف وسخ ~~الأذن وقوله عز وجل @QB@ فلا تقل لهما أف @QE@ تعبهما أي بما تحت الظفر من ~~الوسخ وقيل لا تتأذ بهما كما تتأذى بما تحت الظفر # الثامن الدرن الذي يجتمع على جميع البدن برشح العرق وغبار الطريق وذلك ~~يزيله الحمام ولا بأس بدخول الحمام دخل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~حمامات الشام وقال بعضهم نعم البيت بيت الحمام يطهر البدن ويذكر النار روى ~~ذلك عن أبي الدرداء وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما # وقال بعضهم بئس البيت بيت الحمام يبدي العورة ويذهب الحياء فهذا تعرض ~~لآفته وذاك تعرض لفائدته ولا بأس بطلب فائدته عند الاحتراز من آفته # ولكن على داخل الحمام وظائف من السنن والواجبات فعليه واجبان في عورته ~~وواجبان في عورة غيره # أما الواجبان في عورته فهو أن يصونها عن نظر الغير ويصونها عن مس الغير ~~فلا يتعاطى أمرها وإزالة وسخها إلا بيده ويمنع الدلاك من مس الفخذ وما بين ~~السرة إلى العانة وفي إباحة مس ما ليس بسوءة لإزالة الوسخ احتمال ولكن ~~الأقيس التحريم إذألحق مس السوأتين في التحريم بالنظر فكذلك ينبغي أن تكون ~~بقية العورة أعني الفخذين # والواجبان في عورة الغير أن يغض بصر نفسه عنها وأن ينهى عن كشفها لأن ~~النهي عن المنكر واجب وعليه ذكر ذلك وليس عليه القبول ولا يسقط عنه وجوب ~~الذكر إلا لخوف ضرب أو شتم أو ما يجري عليه مما هو حرام في نفسه فليس عليه ~~أن ينكر حراما يرهق المنكر عليه إلى مباشرة حرام آخر # فأما قوله أعلم أن ذلك لا يفيد ولا يعمل به فهذا PageV01P138 لا يكون ~~عذرا بل لا بد من الذكر فلا يخلو قلب عن التأثر من سماع الإنكار واستشعار ~~الاحتراز عند التعبير بالمعاصي وذلك يؤثر في تقبيح الأمر في عينه وتنفير ~~نفسه فلا يجوز تركه ولمثل هذا صار الحزم ترك دخول الحمام في هذه الأوقات إذ ~~لا تخلو عن عورات مكشوفة لا سيما ما تحت السرة إلى ما فوق العانة إذ الناس ~~لا يعدونها عورة وقد ألحقها الشرع بالعورة وجعلها كالحريم لها ولهذا يستحب ~~تخلية الحمام # وقال بشر بن الحرث ما أعنف رجلا لا يملك إلا درهما دفعه ليخلى له الحمام # ورؤي ابن عمر رضي الله عنهما في الحمام ووجهه إلى الحائط وقد عصب عينيه ~~بعصابة وقال بعضهم لا بأس بدخول الحمام ولكن بإزارين إزار للعورة وإزار ~~للرأس يتقنع به ويحفظ عينيه وأما السنن فعشرة فالأول النية وهو أن لا يدخل ~~لعاجل دنيا ولا عابثا لأجل هوى بل يقصد به التنظف المحبوب تزينا للصلاة ثم ~~يعطى الحمامي الأجرة قبل الدخول فإن ما يستوفيه مجهول وكذا ما ينتظره ~~الحمامي فتسليم الأجرة قبل الدخول دفع للجهالة من أحد العوضين وتطييب لنفسه ~~ثم يقدم رجله اليسرى عند الدخول ويقول بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله ~~من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم ثم يدخل وقت الخلوة أو يتكلف ~~تخلية الحمام فإنه إن لم يكن في الحمام إلا أهل الدين والمحتاطين للعورات ~~فالنظر إلى الأبدان مكشوفة فيه شائبة من قلة الحياء وهو مذكر للنظر في ~~العورات ثم لا يخلو الإنسان في الحركات عن انكشاف العورات بانعطاف في أطراف ~~الإزار فيقع البصر على العورة من حيث لا يدرى ولأجله عصب ابن عمر رضي الله ~~عنهما عينيه ويغسل الجناحين عند الدخول ولا يعجل بدخول البيت الحار حتى ~~يعرق في الأول وأن لا يكثر صب الماء بل يقتصر على قدر الحاجة فإنه المأذون ~~فيه بقرينة الحال والزيادة عليه لو علمه الحمامي لكرهه لا سيما الماء الحار ~~فله مئونة وفيه تعب وأن يتذكر حر النار بحرارة الحمام ويقدر نفسه محبوسا في ~~البيت الحار ساعة ويقيسه إلى جهنم فإنه أشبه بيت بجهنم النار من تحت ~~والظلام من فوق نعوذ بالله من ذلك بل العاقل لا يغفل عن ذكر الآخرة في لحظة ~~فإنها مصيره ومستقره فيكون له في كل ما يراه من ماء أو نار أو غيرهما عبرة ~~وموعظة فإن المرء ينظر بحسب همته # فإذا دخل بزاز ونجار وبناء وحائك دارا معمورة مفروشة فإذا تفقدتهم رأيت ~~البزاز ينظر إلى الفرش يتأمل قيمتها والحائك ينظر إلى الثياب يتأمل نسجها ~~والنجار ينظر إلى السقف يتأمل كيفية تركيبها والبناء ينظر إلى الحيطان ~~يتأمل كيفية إحكامها واستقامتها # فكذلك سالك طريق الآخرة لا يرى من الأشياء شيئا إلا ويكون له موعظة وذكرى ~~للآخرة بل لا ينظر إلى شيء إلا ويفتح الله عز وجل له طريق عبرة فإن نظر إلى ~~سواد تذكر ظلمة اللحد وإن نظر إلى حية تذكر أفاعي جهنم وإن نظر إلى صورة ~~قبيحة شنيعة تذكر منكرا ونكيرا والزبانية وإن سمع صوتا هائلا تذكر نفخة ~~الصور وإن رأى شيئا حسنا تذكر نعيم الجنة وإن سمع كلمة رد أو قبول في سوق ~~أو دار تذكر ما ينكشف من آخر أمره بعد الحساب من الرد والقبول وما أجدر أن ~~يكون هذا هو الغالب على قلب العاقل إلا لا يصرفه عنه إلا مهمات الدنيا فإذا ~~نسب مدة المقام في الدنيا إلى مدة المقام في الآخرة استحقرها إن لم يكن ممن ~~أغفل قلبه وأعميت بصيرته # ومن السنن أن لا يسلم عند الدخول وإن سلم عليه لم يجب بلفظ السلام بل ~~يسكت إن إجاب غيره وإن أحب قال عافاك الله ولا بأس بأن يصافح الداخل ويقول ~~عافاك الله لابتداء الكلام # ثم لا يكثر الكلام في الحمام ولا يقرأ القرآن إلا سرا ولا بأس بإظهار ~~الاستعاذة من الشيطان ويكره دخول الحمام بين العشاءين وقريبا من الغروب فإن ~~ذلك وقت انتشار الشياطين ولا بأس أن يدلكه غيره فقد نقل ذلك عن يوسف بن ~~أسباط أوصى بأن يغسله إنسان لم يكن من أصحابه وقال إنه دلكني في الحمام مرة ~~فأردت أن أكافئه بما يفرح به وإنه PageV01P139 ليفرح بذلك # ويدل على جوازه ما روي بعض الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل ~~منزلا في بعض أسفاره فنام على بطنه وعبد أسود يغمز ظهره فقلت ما هذا يا ~~رسول الله فقال إن الناقة تقحمت بي + حديث نزل منزلا في بعض أسفاره فنام ~~على بطنه وعبد أسود يغمز ظهره الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عمر ~~بسند ضعيف + ثم مهما فرغ من الحمام شكر الله عز وجل على هذه النعمة # فقد قيل الماء الحار في الشتاء من النعيم الذي يسأل عنه # وقال ابن عمر رضي الله عنهما الحمام من النعيم الذي أحدثوه # هذا من جهة الشرع # أما من جهة الطب فقد قيل الحمام بعد النورة أمان من الجذام وقيل النورة ~~في كل شهر مرة تطفىء المرة الصفراء وتنقي اللون وتزيد في الجماع # وقيل بولة في الحمام قائما في الشتاء أنفع من شربة دواء # وقيل نومة في الصيف بعد الحمام تعدل شربة دواء # وغسل القدمين بماء بارد بعد الخروج من الحمام أمان من النقرس # ويكره صب الماء البارد على الرأس عند الخروج وكذا شربه هذا حكم الرجال ~~وأما النساء فقد قال صلى الله عليه وسلم لا يحل للرجل أن يدخل حليلته ~~الحمام + حديث لا يحل لرجل أن يدخل حليلته الحمام الحديث يأتي في الذي يليه ~~مع اختلاف + وفي البيت مستحم والمشهور أنه حرام على الرجال دخول الحمام إلا ~~بمئزر + حديث حرام على الرجال دخول الحمام إلا بمئزر الحديث أخرجه النسائي ~~والحاكم وصححه من حديث جابر من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل ~~الحمام إلا بمئزر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ~~وللحاكم من حديث عائشة الحمام حرام على نساء أمتي قال صحيح الإسناد ولأبي ~~داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر فلا يدخلها الرجال الإ بالإزار ~~وامنعوها النساء إلا من مريضة أو نفساء + وحرام على المرأة دخول الحمام إلا ~~نفساء أو مريضة # ودخلت عائشة رضي الله عنها حماما من سقم بها # فإن دخلت لضرورة فلا تدخل إلا بمئزر سابغ ويكره للرجل أن يعطيها أجرة ~~الحمام فيكون معينا لها على المكروه # | النوع الثاني فيما يحدث في البدن من الأجزاء وهي ثمانية # الأول شعر الرأس ولا بأس بحلقه لمن أراد التنظيف ولا بأس بتركه لمن يدهنه ~~ويرجله إلا إذا تركه قزعا أي قطعا وهو دأب أهل الشطارة أو أرسل الذوائب على ~~هيئة أهل الشرف حيث صار ذلك شعارا لهم فإنه إذا لم يكن شريفا كان ذلك ~~تلبيسا # الثاني شعر الشارب وقد قال صلى الله عليه وسلم قصوا الشارب وفي لفظ آخر ~~جزوا الشوارب وفي لفظ آخر حفوا الشوارب وأعفوا اللحى + حديث قصوا وفي لفظ ~~جزوا وفي لفظ احفواالشوارب واعفوا اللحى متفق عليه من حديث ابن عمر بلفظ ~~احفوا ولمسلم من حديث أبي هريرة جزوا ولأحمد من حديثه قصوا + أي اجعلوها ~~حفاف الشفة أي حولها وحفاف الشيء حوله ومنه @QB@ وترى الملائكة حافين من ~~حول العرش @QE@ وفي لفظ آخر احفوا وهذا يشعر بالاستئصال وقوله حفوا يدل على ~~ما دون ذلك # وقال الله عز وجل إن يسئلكموها فيحفكم تبخلوا أي يستقصي عليكم وأما الحلق ~~فلم يرد # والإحفاء القريب من الحلق نقل عن الصحابة نظر بعض التابعين إلى رجل أحفى ~~شاربه فقال ذكرتني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم # وقال المغيرة بن شعبة نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طال ~~شاربي فقال تعال فقصه لي على سواك + حديث المغيرة بن شعبة نظر إلي رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم وقد طال شاربي فقال تعال فقصه لي على سواك أخرجه ~~أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل + ولا بأس بترك سباليه وهما طرفا ~~الشارب فعل ذلك عمر وغيره لأن ذلك لا يستر الفم ولا يبقى فيه غمر الطعام إذ ~~لا يصل إليه وقوله صلى الله عليه وسلم اعفوا اللحى أي كثروها وفي الخبر إن ~~اليهود يعفون شواربهم PageV01P140 ويقصون لحاهم فخالفوهم + حديث إن اليهود ~~يعفون شواربهم ويقصون لحاهم فخالفوهم أخرجه أحمد من حديث أبي أمامة قلنا يا ~~رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم فقال قصوا سبالكم ~~ووفروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب قلت والمشهور أن هذا فعل المجوس ففي ~~صحيح ابن عمر في المجوس أنهم يوفرون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم + وكره ~~بعض العلماء الحلق ورآه بدعة # الثالث شعر الإبط ويستحب نتفه في كل أربعين يوما مرة وذلك سهل على من ~~تعود نتفه في الابتداء فأما من تعود الحلق فيكفيه الحلق إذ في النتف تعذيب ~~وإيلام والمقصود النظافة وأن لا يجتمع الوسخ في خللها ويحصل ذلك بالحلق # الرابع شعر العانة ويستحب إزالة ذلك إما بالحلق أو بالنورة ولا ينبغي أن ~~تتأخر عن أربعين يوما # الخامس الأظفار وتقليمها مستحب لشناعة صورتها إذا طالت ولما يجتمع فيها ~~من الوسخ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة أقلم أظفارك فإن ~~الشيطان يقعد على ما طال منها + حديث يا أبا هريرة قلم ظفرك فإن الشيطان ~~يقعد على ما طال منها أخرجه الخطيب في الجامع بإسناد ضعيف من حديث جابر ~~قصوا أظافيركم فإن الشيطان يجري ما بين اللحم والظفر + ولو كان تحت الظفر ~~وسخ فلا يمنع ذلك صحة الوضوء لأنه لا يمنع وصول الماءولأنه يتساهل فيه ~~للحاجة لا سيما في أظفار الرجل وفي الأوساخ التي تجتمع على البراجم وظهور ~~الأرجل والأيدي من العرب وأهل السواد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يأمرهم بالقلم وينكر عليهم ما يرى تحت أظفارهم من الأوساخ ولم يأمرهم ~~بإعادة الصلاة ولو أمر به لكان فيه فائدة أخرى وهو التغليظ والزجر عن ذلك # ولم أر في الكتب خبرا مرويا في ترتيب قلم الأظفار ولكن سمعت أنه صلى الله ~~عليه وسلم بدأ بمسبحته اليمنى وختم بإبهامه اليمنى وابتدأ في اليسرى ~~بالخنصر إلى الإبهام + حديث البداءة في قلم الأظافر بمسبحة اليمنى والختم ~~بإبهامها وفي اليسرى بالخنصر إلى الإبهام لم أجد له أصلا وقد أنكره أبو عبد ~~الله المازري في الرد على الغزالي وشنع عليه به + ولما تأملت في هذا خطر لي ~~من المعنى ما يدل على أن الرواية فيه صحيحة إذ مثل هذا المعنى لا ينكشف ~~ابتداء إلا بنور النبوة وأما العالم ذو البصيرة فغايته أن يستنبطه من العقل ~~بعد نقل الفعل إليه # فالذي لاح لي فيه والعلم عند الله سبحانه أنه لا بد من قلم أظفار اليد ~~والرجل واليد أشرف من الرجل فيبدأ بها ثم اليمنى أشرف من اليسرى فيبدأ بها ~~ثم على اليمنى خمسة أصابع والمسبحة أشرفها إذ هي المشيرة في كلمتي الشهادة ~~من جملة الأصابع ثم بعدها ينبغي أن يبتدىء بما على يمينها إذ الشرع يستحب ~~إدارة الطهور وغيره على اليمين وإن وضعت ظهر الكف على الأرض فالإبهام هو ~~اليمين وإن وضعت بطن الكف فالوسطى هي اليمنى واليد إذا تركت بطبعها كان ~~الكف مائلا إلى جهة الأرض إذ جهة حركة اليمين إلى اليسار واستتمام الحركة ~~إلى اليسار يجعل ظهر الكف عاليا فما يقتضيه الطبع أولى ثم إذا وضعت الكف ~~على الكف صارت الأصابع في حكم حلقة دائرة فيقتضي ترتيب الدور الذهاب عن ~~يمين المسبحة إلى أن يعود إلى المسبحة فتقع البداءة بخنصر اليسرى والختم ~~بإبهامها ويبقى إبهام اليمنى فيختم به التقليم # وإنما قدرت الكف موضوعة على الكف حتى تصير الأصابع كأشخاص في حلقة ليظهر ~~ترتيبها # وتقدير ذلك أولى من تقدير وضع الكف على ظهر الكف أو وضع ظهر الكف على ظهر ~~الكف فإن ذلك لا يقتضيه الطبع # وأما أصابع الرجل فالأولى عندي إن لم يثبت فيها نقل أن يبدأ بخنصر اليمنى ~~ويختم بخنصر اليسرى كما في التخليل فإن المعاني التي ذكرها في اليد لا تتجه ~~ههنا إذ لا مسبحة في الرجل # وهذه الأصابع في حكم صف واحد ثابت على الأرض فيبدأ من جانب اليمنى فإن ~~تقديرها حلقة بوضع الأخمص على الأخمص يأباه الطبع بخلاف اليدين # وهذه الدقائق في الترتيب تنكشف بنور النبوة في لحظة واحدة وإنما يطول ~~التعب علينا # ثم لو سئلنا ابتداء عن الترتيب في ذلك ربما لم يخطر لنا # وإذا ذكرنا فعله صلى الله عليه وسلم PageV01P141 وترتيبه ربما تيسر لنا ~~مما عاينه صلى الله عليه وسلم بشهادة الحكم وتنبيهه على المعنى استنباط ~~المعنى ولا تظنن أن أفعاله صلى الله عليه وسلم في جميع حركاته كانت خارجة ~~عن وزن وقانون وترتيب بل جميع الأمور الاختيارية التي ذكرناها يتردد فيها ~~الفاعل بين قسمين أو أقسام كان لا يقدم على واحد معين بالاتفاق بل بمعنى ~~يقتضي الإقدام والتقديم فإن الاسترسال مهملا كما يتفق سجية البهائم وضبط ~~الحركات بموازين المعاني سجية أولياء الله تعالى # وكلما كانت حركات الإنسان وخطراته إلى الضبط أقرب وعن الإهمال وتركه سدى ~~أبعد كانت مرتبته إلى رتبة الأنبياء والأولياء أكثر وكان قربه من الله عز ~~وجل أظهر إذ القريب من النبي صلى الله عليه وسلم هو القريب من الله عز وجل ~~والقريب من الله لا بد أن يكون قريبا فالقريب من القريب قريب بالإضافة إلى ~~غيره فنعوذ بالله أن يكون زمام حركاتنا وسكناتنا في يد الشيطان بواسطة ~~الهوى # واعتبر في ضبط الحركات باكتحاله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يكتحل في ~~عينه اليمنى ثلاثا وفي اليسرى اثنين + حديث كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاثا ~~وفي اليسرى اثنين أخرجه الطبراني من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف + فيبدأ ~~باليمنى لشرفها # وتفاوته بين العينين لتكون الجملة وترا فإن للوتر فضلا عن الزوج فإن الله ~~سبحانه وتر يحب الوتر فلا ينبغي أن يخلو فعل العبد من مناسبة لوصف من أوصاف ~~الله تعالى # ولذلك استحب الإيتار في الاستجمار # وإنما لم يقتصر على الثلاث وهو وتر لأن اليسرى لا يخصها إلا واحدة ~~والغالب أن الواحدة لا تستوعب أصول الأجفان بالكحل وإنما خصص اليمين ~~بالثلاث لأن التفضيل لا بد منه للإيتار واليمين أفضل فهي بالزيادة أحق # فإن قلت فلم اقتصر على اثنين لليسرى وهي زوج فالجواب أن ذلك ضرورة إذ لو ~~جعل لكل واحدة وتر لكان المجموع زوجا إذ الوتر مع الوتر زوج ورعايته ~~الإيتار في مجموع الفعل وهو في حكم الخصلة الواحدة أحب من رعايته في الآحاد # ولذلك أيضا وجه وهو أن يكتحل في كل واحدة ثلاثا على قياس الوضوء + حديث ~~الاكتحال في كل عين ثلاثا قال الغزالي ونقل ذلك في الصحيح قلت هو عند ~~الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس قال الترمذي حديث حسن + وقد نقل ذلك في ~~الصحيح وهو الأولى # ولو ذهبت أستقصي دقائق ما راعاه صلى الله عليه وسلم في حركاته لطال الأمر ~~فقس بما سمعته ما لم تسمعه # واعلم أن العالم لا يكون وارثا للنبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا اطلع ~~على جميع معاني الشريعة حتى لا يكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ~~إلا درجة واحدة وهي درجة النبوة وهي الدرجة الفارقة بين الوارث والموروث إذ ~~الموروث هو الذي حصل المال له واشتغل بتحصيله واقتدر عليه والوارث هو الذي ~~لم يحصل ولم يقدر عليه ولكن انتقل إليه وتلقاه منه بعد حصوله له فأمثال هذه ~~المعاني مع سهولة أمرها بالإضافة إلى الأغوار والأسرار لا يستقل بدركها ~~ابتداء إلا الأنبياء ولا يستقل باستنباطها تلقيا بعد تنبيه الأنبياء عليها ~~إلا العلماء الذين هم ورثة الأنبياء عليهم السلام # السادس والسابع زيادة السرة وقلفة الحشفة أما السرة فتقطع في أول الولادة ~~وأما التطهير بالختان فعادة اليهود في اليوم السابع من الولادة ومخالفتهم ~~بالتأخير إلى أن يثغر الولد أحب وأبعد عن الخطر قال صلى الله عليه وسلم ~~الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء + حديث الختان سنة للرجال مكرمة للنساء ~~أخرجه أحمد والبيهقي من رواية أبي المليح بن أسامة عن أبيه بإسناد ضعيف + ~~وينبغي أن لا يبالغ في خفض المرأة قال صلى الله عليه وسلم لأم عطية وكانت ~~تخفض يا أم عطية أشمي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج + حديث أم ~~عطية أشمي ولا تنهكي الحديث أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث الضحاك بن قيس ~~ولأبي داود نحوه من حديث أم عطية وكلاهما ضعيف + أي أكثر لماء الوجه ودمه ~~وأحسن في جماعها فانظر إلى جزالة لفظه صلى الله عليه وسلم في الكناية وإلى ~~إشراق نور النبوة من مصالح الآخرة التي هي أهم مقاصد النبوة إلى ~~PageV01P142 مصالح الدنيا حتى انكشف له وهو أمي من هذا الأمر النازل قدره ~~ما لو وقعت الغفلة عنه خيف ضرره فسبحان من أرسله رحمة للعالمين ليجمع لهم ~~بيمن بعثته مصالح الدنيا والدين صلى الله عليه وسلم # الثامنة ما طال من اللحية وإنما أخرناها لنلحق بها ما في اللحية من السنن ~~والبدع إذ هذا أقرب موضع يليق به ذكرها وقد اختلفوا فيما طال منها فقيل إن ~~قبض الرجل على لحيته وأخذ ما فضل عن القبضة فلا بأس فقد فعله ابن عمر ~~وجماعة من التابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين وكرهه الحسن وقتادة وقالا ~~تركها عافية أحب لقوله صلى الله عليه وسلم اعفوا اللحى والأمر في هذا قريب ~~إن لم ينته إلى تقصيص اللحية وتدويرها من الجوانب فإن الطول المفرط قد يشوه ~~الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين بالنبذ إليه فلا بأس بالاحتراز عنه على هذه ~~النية # وقال النخعي عجبت لرجل عاقل طويل اللحية كيف لا يأخذ من لحيته ويجعلها ~~بين لحيتين فإن التوسط في كل شيء حسن ولذلك قيل كلما طالت اللحية تشمر ~~العقل # | فصل وفي اللحية عشر خصال مكروهة وبعضها أشد كراهة من بعض خضابها # بالسواد وتبييضها بالكبريت ونتفها ونتف الشيب منها والنقصان منها ~~والزيادة وتسريحها تصنعا لأجل الرياء وتركها شعثة إظهارا للزهد والنظر إلى ~~سوادها عجبا بالشباب وإلى بياضها تكبرا بعلو السن وخضابها بالحمرة والصفرة ~~من غير نية تشبها بالصالحين # أما الأول وهو الخضاب بالسواد فهو منهي عنه لقوله صلى الله عليه وسلم خير ~~شبابكم من تشبه بشيوخكم وشر شيوخكم من تشبه بشبابكم + حديث خير شبابكم من ~~تشبه بكهولكم الحديث أخرجه الطبراني من حديث وائلة بإسناد ضعيف + والمراد ~~بالتشبه بالشيوخ في الوقار لا في تبييض الشعر و نهى عن الخضاب بالسواد + ~~حديث نهى عن الخضاب بالسواد أخرجه ابن سعد في الطبقات من حديث عمرو بن ~~العاص بإسناد منقطع ولمسلم من حديث جابر وغيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد ~~قاله حين رأى بياض شعر أبي قحافة + وقال هو خضاب أهل النار + حديث الخضاب ~~بالسواد خضاب أهل النار وفي لفظ خضاب الكفار أخرجه الطبراني والحاكم من ~~حديث ابن عمر بلفظ @QB@ الكافر @QE@ قال ابن أبي حاتم منكر + وفي لفظ آخر ~~الخضاب بالسواد خضاب الكفار وتزوج رجل على عهد عمر رضي الله عنه وكان يخضب ~~بالسواد فنصل خضابه وظهرت شيبته فرفعه أهل المرأة إلى عمر رضي الله عنه فرد ~~نكاحه وأوجعه ضربا وقال غررت القوم بالشباب ولبست عليهم شيبتك ويقال أول من ~~خضب بالسواد فرعون لعنه الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى ~~الله عليه وسلم أنه قال يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل ~~الحمام لا يريحون رائحة الجنة + حديث يكون في آخر الزمان قوم يخضبون ~~بالسواد الحديث أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس بإسناد جيد + # الثاني الخضاب بالصفرة والحمرة وهو جائز تلبيسا للشيب على الكفار في ~~الغزو والجهاد فإن لم يكن على هذه النية بل للتشبه بأهل الدين فهو مذموم ~~وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفرة خضاب المسلمين والحمرة خضاب ~~المؤمنين + حديث الصفرة خضاب المسلمين والحمرة خضاب المؤمنين أخرجه ~~الطبراني والحاكم بلفظ الإفراد من حديث ابن عمر قال ابن أبي حاتم منكر + ~~وكانوا يخضبون بالحناء للحمرة وبالخلوق والكتم للصفرة وخضب بعض العلماء ~~بالسواد لأجل الغزو وذلك لا بأس به إذا صحت النية ولم يكن فيه هوى وشهوة # الثالث تبييضها بالكبريت استعجالا لإظهار علو السن توصلا إلى التوقير ~~وقبول الشهادة والتصديق بالرواية عن الشيوخ وترفعا عن الشباب وإظهارا لكثرة ~~العلم ظنا بأن كثرة الأيام تعطيه فضلا وهيهات فلا يزيد كبر السن للجاهل إلا ~~جهلا فالعلم ثمرة العقل وهي غريزة ولا يؤثر الشيب فيها ومن كانت غريزته ~~الحمق فطول المدة يؤكد حماقته وقد كان الشيوخ يقدمون الشباب PageV01P143 ~~بالعلم # كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقدم ابن عباس وهو حديث السن على أكابر ~~الصحابة ويسأله دونهم # وقال ابن عباس رضي الله عنهما ما آتى الله عز وجل عبدا علما إلا شابا ~~والخير كله في الشباب ثم تلا قوله عز وجل @QB@ قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال ~~له إبراهيم @QE@ وقوله تعالى @QB@ إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى @QE@ ~~وقوله تعالى @QB@ وآتيناه الحكم صبيا @QE@ وكان أنس رضي الله عنه يقول قبض ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء فقيل ~~له يا أبا حمزة فقد أسن فقال لم يشنه الله بالشيب فقيل أهو شين فقال كلكم ~~يكرهه + حديث قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في رأسه ولحيته عشرون ~~شعرة بيضاء فقيل له يا أبا حمزة وقد أسن فقال لم يشبه الله بالشيب متفق ~~عليه من حديث أنس دون قوله فقيل الخ ولمسلم من حديثه وسئل عن شيب رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم قال ما شانه الله ببيضاء + ويقال إن يحيى بن أكثم ولي ~~القضاء وهو ابن إحدى وعشرين سنة فقال له رجل في مجلسه يريد أن يخجله بصغر ~~سنه كم سن القاضي أيده الله فقال مثل سن عتاب بن أسيد حين ولاه رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إمارة مكة وقضاءها فأفحمه + حديث يحيى بن أكثم ولي ~~القضاء وهو ابن إحدى وعشرين سنة فقيل له كم سن القاضي فقال مثل سن عتاب بن ~~أسيد حين ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إمارة مكة وقضاءها يوم الفتح ~~وأنا أكبر من معاذ بن جبل حين وجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا ~~على أهل اليمن أخرجه الخطيب في التاريخ بإسناد فيه نظر وما ذكره ابن أكثم ~~صحيح بالنسبة إلى عتاب بن أسيد فإنه كان حين الولاية ابن عشرين وأما ~~بالنسبة إلى معاذ فإنما يتم له ذلك على قول يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك ~~وابن أبي حاتم إنه كان حين مات ابن ثمان وعشرين سنة والمرجح أنه مات ابن ~~ثلاث وثلاثين سنة في الطاعون سنة ثمانية عشر والله أعلم + وروي عن مالك ~~رحمه الله أنه قال قرأت في بعض الكتب لا تغرنكم اللحى فإن التيس له لحية ~~وقال أبو عمرو بن العلاء إذا رأيت الرجل طويل القامة صغير الهامة عريض ~~اللحية فاقض عليه بالحمق ولو كان أمية بن عبد شمس وقال أيوب السختياني ~~أدركت الشيخ ابن ثمانين سنة يتبع الغلام يتعلم منه # وقال علي بن الحسين من سبق فيه العلم قبلك فهو إمامك فيه وإن كان أصغر ~~سنا منك وقيل لأبي عمرو بن العلاء أيحسن من الشيخ أن يتعلم من الصغير فقال ~~إن كان الجهل يقبح به فالتعلم يحسن به وقال يحيى بن معين لأحمد بن حنبل وقد ~~رآه يمشي خلف بغلة الشافعي يا أبا عبد الله تركت حديث سفيان بعلوه وتمشي ~~خلف بغلة هذا الفتى وتسمع منه فقال له أحمد لو عرفت لكنت تمشي من الجانب ~~الآخر إن علم سفيان إن فاتني بعلو أدركته بنزول وإن عقل هذا الشاب إن فاتني ~~لم أدركه بعلو ولا نزول # الرابع نتف بياضها استنكافا من الشيب وقد نهى عليه السلام عن نتف الشيب ~~وقال هو نور المؤمن + حديث نهى عن نتف الشيب وقال هو نور المؤمن أخرجه أبو ~~داود والترمذي وحسنه النسائي وابن ماجه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن ~~جده + وهو في معنى الخضاب بالسواد وعلة الكراهية ما سبق والشيب نور الله ~~تعالى والرغبة عنه رغبة عن النور # الخامس نتفها أو نتف بعضها بحكم العبث والهوس وذلك مكروه ومشوه للخلقة ~~ونتف الفنيكين بدعة وهما جانبا العنفقة # شهد عند عمر بن عبد العزيز رجل كان ينتف فنيكيه فرد شهادته ورد عمر بن ~~الخطاب رضي الله عنه وابن أبي ليلى قاضي المدينة شهادة من كان ينتف لحيته ~~وأما نتفها في أول النبات تشبها بالمرد فمن المنكرات الكبار فإن اللحية ~~زينة الرجال فإن لله سبحانه ملائكة يقسمون والذي زين بني آدم باللحى وهو من ~~تمام الخلق وبها يتميز الرجال عن النساء وقيل في غريب التأويل اللحية هي ~~المراد بقوله تعالى @QB@ يزيد في الخلق ما يشاء @QE@ قال أصحاب الأحنف بن ~~قيس وددنا أن نشتري للأحنف لحية ولو بعشرين ألفا وقال شريح القاضي وددت أن ~~لي لحية ولو بعشرة آلاف وكيف تكره اللحية وفيها تعظيم الرجل والنظر إليه ~~بعين العلم والوقار والرفع في المجالس وإقبال الوجوه إليه والتقديم على ~~الجماعة ووقاية العرض فإن من يشتم يعرض باللحية إن كان للمشتوم لحية وقد ~~قيل إن أهل الجنة مرد إلا هارون أخا موسى صلى الله عليهما وسلم فإن له لحية ~~إلى سرته تخصيصا له وتفضيلا # السادس تقصيصها كالتعبية طاقة على طاقة PageV01P144 للتزين للنساء ~~والتصنع قال كعب يكون في آخر الزمان أقوام يقصون لحاهم كذنب الحمامة ~~ويعرقبون نعالهم كالمناجل أولئك لا خلاق لهم # السابع الزيادة فيها وهو أن يزيد في شعر العارضين من الصدغين وهو من شعر ~~الرأس حتى يجاوز عظم اللحى وينتهي إلى نصف الخد وذلك يباين هيئة أهل الصلاح # الثامن تسريحها لأجل الناس قال بشر في اللحية شركان تسريحها لأجل الناس ~~وتركها متفتلة لإظهار الزهد # التاسع والعاشر النظر في سوادها أو في بياضها بعين العجب وذلك مذموم في ~~جميع أجزاء البدن بل في جميع الأخلاق والأفعال على ما سيأتي بيانه فهذا ما ~~أردنا أن نذكره من أنواع التزين والنظافة وقد حصل من ثلاثة أحاديث من سنن ~~الجسد اثنتا عشرة خصلة خمس منها في الرأس وهي فرق شعر الرأس + حديث فرق شعر ~~الرأس الخ من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره ~~إلى أن قال ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه + والمضمضة ~~والاستنشاق + حديث عشر من الفطرة الحديث أخرجه مسلم من حديث عائشة ولفظه قص ~~الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاقه الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ~~ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء قال وكيع يعني الاستنجاء قال مصعب ~~ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة ضعفه النسائي ولأبي داود وابن ماجه من ~~حيث عمار بن ياسر نحوه فذكر فيه المضمضة والاختتان والانتضاح ولم يذكر ~~إعفاء اللحية وانتقاص الماء قال أبو داود روى نحوه عن ابن عباس قال خمس ~~كلها في الرأس وذكر منها الفرق ولم يذكر إعفاء اللحية وفي الصحيحين من حديث ~~أبي هريرة الفطرة خمس الختان الحديث + وقص الشارب والسواك وثلاثة في اليد ~~والرجل وهي القلم وغسل البراجم وتنظيف الرواجب + حديث تنظيف الرواجب تقدم + ~~وأربعة في الجسد وهي نتف الإبط والاستحداد والختان والاستنجاء بالماء فقد ~~وردت الأخبار بمجموع ذلك وإذا كان غرض هذا الكتاب التعرض للطهارة الظاهرة ~~دون الباطنة فلنتقصر على هذا وليتحقق أن فضلات الباطن وأوساخه التي يجب ~~التنظيف منها أكثر من أن تحصى وسيأتي تفصيلها في ربع المهلكات مع تعريف ~~الطرق في إزالتها وتطهير القلب منها إن شاء الله عز وجل # تم كتاب أسرار الطهارة بحمد الله تعالى وعونه # ويتلوه إن شاء الله تعالى كتاب أسرار الصلاة والحمد لله وحده وصلى الله ~~على سيدنا محمد وعلى كل عبد مصطفى # | كتاب أسرار الصلاة ومهماتها # بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي غمر العباد بلطائفه وعمر قلوبهم بأنوار الدين ووظائفه ~~التي تنزل عن عرش الجلال إلى السماء الدنيا من درجات الرحمة إحدى عواطفه ~~فارق الملوك مع التفرد بالجلال والكبرياء بترغيب الخلق في السؤال والدعاء ~~فقال هل من داع فأستجيب له وهل من مستغفر فأغفر له وباين السلاطين بفتح ~~الباب ورفع الحجاب فرخص للعباد في المناجاة بالصلوات كيفما تقلبت بهم ~~الحالات في الجماعات والخلوات ولم يقتصر على الرخصة بل تلطف بالترغيب ~~والدعوة وغيره من ضعفاء الملوك لا يسمح بالخلوة إلا بعد تقديم الهدية ~~والرشوة فسبحانه ما أعظم شأنه وأقوى سلطانه وأتم لطفه وأعم إحسانه والصلاة ~~على محمد نبيه المصطفى ووليه المجتبى وعلى آله وأصحابه مفاتيح الهدى ~~ومصابيح الدجى وسلم تسليما # أما بعد فإن الصلاة عماد الدين وعصام اليقين ورأس القربات وغرة الطاعات ~~وقد استقصينا في فن الفقه في بسيط المذهب ووسيطه ووجيزه أصولها وفروعها ~~صارفين جمام العناية إلى تفاريعها النادرة # ووقائعها الشاذة لتكون خزانة للمفتي منها يستمد ومعولا له إليها يفزع ~~ويرجع # ونحن الآن PageV01P145 في هذا الكتاب نقتصر على ما لا بد للمريد منه من ~~أعمالها الظاهرة وأسرارها الباطنة وكاشفون من دقائق معانيها الخفية في ~~معاني الخشوع والإخلاص والنية ما لم تجر العادة بذكره في فن الفقه ومرتبون ~~الكتاب على سبعة أبواب # الباب الأول في فضائل الصلاة # الباب الثاني في تفضيل الأعمال الظاهرة من الصلاة # الباب الثالث في تفضيل الأعمال الباطنة منها # الباب الرابع في الإمامة والقدوة # الباب الخامس في صلاة الجمعة وآدابها # الباب السادس في مسائل متفرقة تعم بها البلوى يحتاج المريد إلى معرفتها # الباب السابع في التطوعات وغيرها # | الباب الأول في فضائل الصلاة السجود والجماعة والأذان وغيرها # فضيلة الأذان # قال صلى الله عليه وسلم ثلاثة يوم القيامة على كثيب من مسك أسود لا ~~يهولهم حساب ولا ينالهم فزع حتى يفرغ مما بين الناس رجل قرأ القرآن ابتغاء ~~وجه الله عز وجل وأم بقوم وهم به راضون ورجل أذن في مسجد ودعا إلى الله عز ~~وجل ابتغاء وجه الله ورجل ابتلي بالرزق في الدنيا فلم يشغله ذلك عن عمل ~~الآخرة + حديث ثلاثة يوم القيامة على كثيب من مسك الحديث أخرجه الترمذي ~~وحسنه من حديث ابن عمر مختصرا وهو في الصغير للطبراني بنحو مما ذكره المؤلف ~~+ وقال صلى الله عليه وسلم لا يسمع نداء المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد ~~له يوم القيامة + حديث لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولاشيء إلا شهد له ~~يوم القيامة أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد + وقال صلى الله عليه وسلم يد ~~الرحمن على رأس المؤذن حتى يفرغ من أذانه + حديث يد الرحمن على رأس المؤذن ~~حتى يفرغ من أذانه أخرجه الطبراني في الأوسط والحسن بن سعيد في مسنده من ~~حديث أنس بإسناد ضعيف + وقيل في تفسير قوله عز وجل ومن أحسن قولا ممن دعا ~~إلى الله وعمل صالحا نزلت في المؤذنين وقال صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم ~~النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن + حديث إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما ~~يقول المؤذن متفق عليه من حديث أبي سعيد + وذلك مستحب إلا في الحيعلتين ~~فإنه يقول فيهما لا حول ولا قوة إلا بالله وفي قوله قد قامت الصلاة أقامها ~~الله وأدامها ما دامت السموات والأرض وفي التثويب صدقت وبررت ونصحت وعند ~~الفراغ يقول اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة ~~والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف ~~الميعاد # وقال سعيد بن المسيب من صلى بأرض فلاة صلى عن يمينه ملك وعن شماله ملك ~~فإن أذن وأقام صلى وراءه أمثال الجبال من الملائكة فضيلة المكتوبة # قال الله تعالى إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وقال صلى الله ~~عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئا ~~استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له ~~عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة + حديث خمس صلوات كتبهن الله ~~على العباد الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث ~~عبادة بن الصامت وصححه ابن عبد البر + وقال صلى الله عليه وسلم مثل الصلوات ~~الخمس كمثل نهر عذب غمر بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات فما ترون ذلك ~~يبقي من درنه قالوا لا شيء قال صلى الله عليه وسلم PageV01P146 فإن الصلوات ~~الخمس تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن + حديث مثل خمس صلوات كمثل نهر ~~الحديث أخرجه مسلم من حديث جابر ولهما نحوه من حديث أبي هريرة + وقال صلى ~~الله عليه وسلم إن الصلوات كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر + حديث ~~الصلوات كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + ~~وقال صلى الله عليه وسلم بيننا وبين المنافقين شهود العتمة والصبح لا ~~يستطيعونهما + حديث بيننا وبين المنافقين شهود العتمة والصبح أخرجه مالك من ~~رواية سعيد بن المسيب مرسلا + وقال صلى الله عليه وسلم من لقي الله وهو ~~مضيع للصلاة لم يعبأ الله بشيء من حسناته + حديث من لقي الله مضيعا للصلاة ~~لم يعبأ الله بشيء من حسناته وفي معناه حديث أول ما يحاسب به العبد الصلاة ~~@QB@ وفيه @QE@ فإن فسدت فسد سائر عمله رواه الطبراني في الأوسط من حديث ~~أنس + وقال صلى الله عليه وسلم الصلاة عماد الدين فمن تركها فقد هدم الدين ~~+ حديث الصلاة عماد الدين رواه البيهقي في الشعب بسند ضعفه من حديث عمر قال ~~الحاكم عكرمة لم يسمع من عمر قال ورواه ابن عمر لم يقف عليه ابن الصلاح ~~فقال في مشكل الوسيط إنه غير معروف + وسئل صلى الله عليه وسلم أي الأعمال ~~أفضل فقال الصلاة لمواقيتها + حديث سئل أي الأعمال أفضل فقال الصلاة ~~لمواقيتها متفق عليه من حديث ابن مسعود + وقال صلى الله عليه وسلم من حافظ ~~على الخمس بإكمال طهورها ومواقيتها كانت له نورا وبرهانا يوم القيامة ومن ~~ضيعها حشر مع فرعون وهامان + حديث من حافظ على الخمس بإكمال طهورها ~~ومواقيتها كانت له نورا وبرهانا الحديث أخرجه أحمد وابن حبان من حديث عبد ~~الله بن عمرو + وقال صلى الله عليه وسلم مفتاح الجنة الصلاة + حديث مفاتيح ~~الجنة الصلاة رواه أبو داود والطيالسي من حديث جابر وهو عند الترمذي ولكن ~~ليس داخلا في الرواية + وقال ما افترض الله على خلقه بعد التوحيد أحب إليه ~~من الصلاة ولو كان شيء أحب إليه منها لتعبد به ملائكته فمنهم راكع ومنهم ~~ساجد ومنهم قائم وقاعد + حديث ما افترض الله على خلقه بعد التوحيد شيئا أحب ~~إليه من الصلاة الحديث لم أجده هكذا وآخر الحديث عند الطبراني من حديث جابر ~~وعند الحاكم من حديث ابن عمر + وقال النبي صلى الله عليه وسلم من ترك صلاة ~~متعمدا فقد كفر + حديث من ترك صلاة متعمدا فقد كفر أخرجه البزار من حديث ~~أبي الدرداء بإسناد فيه مقال + أي قارب أن ينخلع عن الإيمان بانحلال عروته ~~وسقوط عماده كما يقال لمن قارب البلدة إنه بلغها ودخلها # وقال صلى الله عليه وسلم من ترك صلاة متعمدا فقد برىء من ذمة محمد عليه ~~السلام + حديث من ترك صلاة متعمدا فقد تبرأ من ذمة محمد صلى الله عليه وسلم ~~أخرجه أحمد والبيهقي من حديث أم أيمن بنحوه ورجاله ثقات + وقال أبو هريرة ~~رضي الله عنه من توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى الصلاة فإنه في صلاة ما ~~كان يعمد إلى الصلاة وأنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة وتمحى عنه بالأخرى ~~سيئة فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا ينبغي له أن يتأخر فإن أعظمكم أجرا أبعدكم ~~دارا قالوا لم يا أبا هريرة قال من أجل كثرة الخطا # ويروى إن أول ما ينظر فيه من عمل العبد يوم القيامة الصلاة + حديث أول ما ~~ينظر الله فيه يوم القيامة من عمل العبد الصلاة الحديث رويناه في الطيوريات ~~من حديث أبي سعيد بإسناد ضعيف ولأصحاب السنن الحاكم وصحح إسناده نحوه من ~~حديث أبي هريرة وسيأتي + فإن وجدت تامة قبلت منه وسائر عمله وإن وجدت ناقصة ~~ردت عليه وسائر عمله وقال صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة مر أهلك بالصلاة ~~فإن الله يأتيك بالرزق من حيث لا تحتسب + حديث يا أبا هريرة مر أهلك ~~بالصلاة فإن الله يأتيك بالرزق من حيث لا تحتسب لم أقف له على أصل + وقال ~~بعض العلماء مثل المصلي مثل التاجر الذي لا يحصل له الربح حتى يخلص له رأس ~~المال وكذلك المصلي لا تقبل له نافلة حتى يؤدي الفريضة # وكان أبو بكر رضي الله عنه يقول إذا حضرت الصلاة قوموا إلى ناركم التي ~~أوقدتموها فأطفئوها فضيلة إتمام الأركان # قال صلى الله عليه وسلم مثل الصلاة المكتوبة كمثل الميزان من أوفى استوفى ~~+ حديث مثل الصلاة المكتوبة كمثل الميزان من أوفى استوفى أخرجه ابن المبارك ~~في الزهد من حديث الحسن مرسلا وأسنده البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس ~~بإسناد فيه جهالة + وقال يزيد الرقاشي كانت PageV01P147 صلاة رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم مستوية كأنها موزونة + حديث يزيد الرقاشي كانت صلاة رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم مستوية كأنها موزونة رواه ابن المبارك في الزهد ~~ومن طريقه أبو الوليد الصفار في كتاب الصلاة وهو مرسل ضعيف + وقال صلى الله ~~عليه وسلم إن الرجلين من أمتي ليقومان إلى الصلاة وركوعهما وسجودهما واحد ~~وإن ما بين صلاتيهما ما بين السماء والأرض + حديث إن الرجلين من أمتي ~~ليقومان إلى الصلاة وركوعها وسجودهما واحد الحديث أخرجه ابن المجبر في ~~العقل من حديث أبي أيوب الأنصاري بنحوه وهو موضوع ورواه الحارث ابن أبي ~~أسامة في مسنده عن ابن المجبر + وأشار إلى الخشوع وقال صلى الله عليه وسلم ~~لا ينظر الله يوم القيامة إلى العبد لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده + حديث ~~لا ينظر الله إلى عبد لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده أخرجه أحمد من حديث ~~أبي هريرة بإسناد صحيح + وقال صلى الله عليه وسلم أما يخاف الذي يحول وجهه ~~في الصلاة أن يحول الله وجهه وجه حمار + حديث أما يخاف الذي يحول وجهه في ~~الصلاة أن يحول الله وجهه وجه حمار أخرجه ابن عدي في عوالي مشايخ مصر من ~~حديث جابر ما يؤمنه إذا التفت في صلاته أن يحول الله عز وجل وجهه وجه كلب ~~أو وجه خنزير قال منكر بهذا الإسناد وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أما ~~يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله وجهه وجه حمار + وقال صلى ~~الله عليه وسلم من صلى صلاة لوقتها وأسبغ وضوءها وأتم ركوعها وسجودها ~~وخشوعها عرجت وهي بيضاء مسفرة تقول حفظك الله كما حفظتني ومن صلى لغير ~~وقتها ولم يسبغ وضوءها ولم يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها عرجت وهي ~~سوداء مظلمة تقول ضيعك الله كما ضيعتني حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما ~~يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه + حديث من صلى الصلاة لوقتها فأسبغ وضوءها ~~وأتم ركوعها وسجودها وخشوعها عرضت وهي بيضاء مسفرة تقول حفظك الله كما ~~حفظتني الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أنس بسند ضعيف والطيالسي ~~والبيهقي في الشعب من حديث عبادة ابن الصامت بسند ضعيف نحوه + وقال صلى ~~الله عليه وسلم أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته + حديث أسوأ الناس سرقة ~~الذي يسرق من صلاته أخرجه أحمد والحاكم وصحح إسناده من حديث أبي قتادة + ~~وقال ابن مسعود رضي الله عنه وسلمان رضي الله عنه الصلاة مكيال فمن أوفى ~~استوفى ومن طفف فقد علم ما قال الله في المطففين فضيلة الجماعة # قال صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة + ~~حديث صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة متفق عليه من حديث ابن ~~عمر + وروى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم فقد ناسا في بعض الصلوات فقال ~~لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فأحرق ~~عليهم بيوتهم + حديث أبي هريرة لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أخالف ~~إلى رجال يتخلفون الحديث متفق عليه + وفي رواية أخرى ثم أخالف إلى رجال ~~يتخلفون عنها فآمر بهم فتحرق عليهم بيوتهم بحزم الحطب ولو علم أحدهم أنه ~~يجد عظما سمينا أو مرماتين لشهدها يعني صلاة العشاء # وقال عثمان رضي الله عنه مرفوعا من شهد العشاء فكأنما قام نصف ليلة ومن ~~شهد الصبح فكأنما قام ليلة + حديث عثمان من شهد صلاة العشاء فكأنما قام نصف ~~ليلة الحديث أخرجه مسلم من حديثه مرفوعا قال الترمذي وروي عن عثمان موقوفا ~~+ وقال صلى الله عليه وسلم من صلى صلاة في جماعة فقد ملأ نحره عبادة + حديث ~~من صلى صلاة في جماعة فقد ملأ نحره عبادة لم أجده مرفوعا وإنما هو من قول ~~سعيد بن المسيب رواه محمد بن نصر في كتاب الصلاة + وقال سعيد بن المسيب ما ~~أذن مؤذن منذ عشرين سنة إلا وأنا في المسجد # وقال محمد بن واسع ما أشتهي من الدنيا إلا ثلاثة أخا إنه إن تعوجت قومني ~~وقوتا من الرزق عفوا من غير تبعة وصلاة في جماعة يرفع عني سهوها ويكتب لي ~~فضلها # وروي أن أبا عبيدة بن الجراح أم قوما مرة فلما انصرف قال ما زال الشيطان ~~بي آنفا حتى أريت أن لي فضلا عن غيري لا أؤم أبدا # وقال الحسن لا تصلوا خلف رجل لا يختلف إلى العلماء # وقال النخعي مثل الذي يؤم الناس بغير علم مثل الذي يكيل الماء في البحر ~~لا يدري PageV01P148 زيادته من نقصانه وقال حاتم الأصم فاتتني الصلاة في ~~الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشر ~~آلاف لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا # وقال ابن عباس رضي الله عنهما من سمع المنادي فلم يجب لم يرد خيرا لم يرد ~~به خير # وقال أبو هريرة رضي الله عنه لأن تملأ أذن ابن آدم رصاصا مذابا خير له من ~~أن يسمع النداء ثم لا يجيب # وروي أن ميمون بن مهران أتى المسجد فقيل له إن الناس قد انصرفوا فقال إنا ~~لله وإنا إليه راجعون لفضل هذه الصلاة أحب إلي من ولاية العراق # وقال صلى الله عليه وسلم من صلى أربعين يوما الصلوات في جماعة لا تفوته ~~فيها تكبيرة الإحرام كتب الله له براءتين براءة من النفاق وبراءة من النار ~~+ حديث من صلى أربعين يوما الصلوات في جماعة لا تفوته تكبيرة الإحرام ~~الحديث أخرجه الترمذي من حديث أنس بإسناد رجاله ثقات + ويقال إنه إذا كان ~~يوم القيامة يحشر قوم وجوههم كالكوكب الدري فتقول لهم الملائكة ما كانت ~~أعمالكم فيقولون كنا إذا سمعنا الأذان قمنا إلى الطهارة لا يشغلنا غيرها ثم ~~تحشر طائفة وجوههم كالأقمار فيقولون بعد السؤال كنا نتوضأ قبل الوقت ثم ~~تحشر طائفة وجوههم كالشمس فيقولون كنا نسمع الأذان في المسجد # وروي أن السلف كانوا يعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتتهم التكبيرة الأولى ~~ويعزون سبعا إذا فاتتهم الجماعة فضيلة السجود # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقرب العبد إلى الله بشيء أفضل من ~~سجود خفي + حديث ما تقرب العبد إلى الله بشيء أفضل من سجود خفي رواه ابن ~~المبارك في الزهد من حديث ضمرة بن حبيب مرسلا + وقال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ما من مسلم يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها ~~سيئة + حديث ما من مسلم يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه ~~خطيئة أخرجه ابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت بإسناد صحيح ولمسلم نحوه من ~~حديث ثوبان وأبي الدرداء + وروي أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ادع الله أن يجعلني من أهل شفاعتك وأن يرزقني مرافقتك في الجنة فقال صلى ~~الله عليه وسلم أعني بكثرة السجود + حديث إن رجلا قال لرسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ادع الله أن يجعلني من أهل شفاعتك ويرزقني مرافقتك في الجنة ~~الحديث أخرجه مسلم من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي نحوه وهو الذي سأله ذلك + ~~وقيل إن أقرب ما يكون العبد من الله تعالى أن يكون ساجدا + حديث إن أقرب ما ~~يكون العبد إلى الله أن يكون ساجدا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + وهو ~~معنى قوله عز وجل واسجد واقترب وقال عز وجل سيماهم في وجوههم من أثر السجود ~~فقيل هو ما يلتصق بوجوههم من الأرض عند السجود وقيل هو نور الخشوع فإنه ~~يشرق من الباطن على الظاهر وهو الأصح وقيل هي الغرر التي تكون في وجوههم ~~يوم القيامة من أثر الوضوء وقال صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ابن آدم السجدة ~~فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويلاه أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة ~~وأمرت أنا بالسجود فعصيت فلى النار + حديث إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ~~اعتزل الشيطان يبكي الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + ويروى عن علي بن ~~عبد الله بن عباس أنه كان يسجد في كل يوم ألف سجدة وكانوا يسمونه السجاد # ويروى أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان لا يسجد إلا على التراب # وكان يوسف بن أسباط يقول يا معشر الشباب بادروا بالصحة قبل المرض فما بقي ~~أحد أحسده إلا رجل يتم ركوعه وسجوده وقد حيل بيني وبين ذلك # وقال سعيد بن جبير ما آسى على شيء من الدنيا إلا على السجود # وقال عقبة بن مسلم ما من خصلة في العبد أحب إلى الله عز وجل من رجل يحب ~~لقاء الله عز وجل وما من ساعة العبد فيها أقرب إلى الله عز وجل PageV01P149 ~~منه حيث يخر ساجدا # وقال أبو هريرة رضي الله عنه أقرب ما يكون للعبد إلى الله عز وجل إذا سجد ~~فأكثروا الدعاء عند ذلك فضيلة الخشوع # قال الله تعالى وأقم الصلاة لذكري وقال تعالى ولا تكن من الغافلين وقال ~~عز وجل لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون قيل سكارى من ~~كثرة الهم وقيل من حب الدنيا # وقال وهب المراد به ظاهره ففيه تنبيه على سكر الدنيا إذ بين فيه العلة ~~فقال حتى تعلموا ما تقولون وكم من مصل لم يشرب خمرا وهو لا يعلم ما يقول في ~~صلاته # وقال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى ركعتين لم يحدث نفسه فيهما بشيء من ~~الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه + حديث من صلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه ~~بشيء من الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف من ~~حديث صلة بن أشيم مرسلا وهو في الصحيحين من حديث عثمان بزيادة في أوله دون ~~قوله بشيء من الدنيا وزاد الطيالسي إلا بخير + وقال صلى الله عليه وسلم ~~إنما الصلاة تمسكن وتواضع وتضرع وتأوه وتنادم وتضع يديك فتقول اللهم اللهم ~~فمن لم يفعل فهي خداج + حديث إنما الصلاة تمسكن ودعاء وتضرع الحديث أخرجه ~~الترمذي والنسائي بنحوه من حديث الفضل بن عباس بإسناد مضطرب + وروي عن الله ~~سبحانه في الكتب السالفة أنه قال ليس كل مصل أتقبل صلاته إنما أقبل صلاة من ~~تواضع لعظمتي ولم يتكبر على عبادي وأطعم الفقير الجائع لوجهي وقال صلى الله ~~عليه وسلم إنما فرضت الصلاة وأمر بالحج والطواف وأشعرت المناسك لإقامة ذكر ~~الله تعالى فإذا لم يكن في قلبك للمذكور الذي هو المقصود والمبتغى عظمة ولا ~~هيبة فما قيمة ذكرك + حديث إنما فرضت الصلاة وأمر بالحج والطواف وأشعرت ~~المناسك لإقامة ذكر الله أخرجه أبو داود والترمذي من حديث عائشة نحوه دون ~~ذكر @QB@ الصلاة @QE@ قال الترمذي حسن صحيح + وقال صلى الله عليه وسلم للذي ~~أوصاه وإذا صليت فصل صلاة مودع + حديث إذا صليت فصل صلاة مودع أخرجه ابن ~~ماجه من حديث أبي أيوب والحاكم من حديث سعد بن أبي وقاص وقال صحيح الإسناد ~~والبيهقي في الزهد من حديث ابن عمر ومن حديث + أي مودع لنفسه مودع لهواه ~~مودع لعمره سائر إلى مولاه كما قال عز وجل @QB@ يا أيها الإنسان إنك كادح ~~إلى ربك كدحا فملاقيه @QE@ وقال تعالى @QB@ واتقوا الله ويعلمكم الله @QE@ ~~وقال تعالى @QB@ واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه @QE@ وقال صلى الله عليه ~~وسلم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا + حديث ~~من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا أخرجه علي ~~بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية من حديث الحسن مرسلا بإسناد صحيح ورواه ~~الطبراني وأسنده ابن مردويه في تفسيره من حديث ابن عباس بإسناد لين ~~والطبراني من قول ابن مسعود من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهه عن المنكر ~~الحديث وإسناده صحيح + والصلاة مناجاة فكيف تكون مع الغفلة وقال بكر بن عبد ~~الله يا ابن آدم إذاشئت أن تدخل على مولاك بغير إذن وتكلمه بلا ترجمان دخلت ~~قيل وكيف ذلك قال تسبغ وضوءك وتدخل محرابك فإذا أنت قد دخلت على مولاك بغير ~~إذن فتكلمه بغير ترجمان # وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ~~ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه + حديث عائشة كان رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ~~ولم نعرفه أخرجه الأزدي في الضعفاء من حديث سويد بن غفلة مرسلا كان النبي ~~صلى الله عليه وسلم إذا سمع الأذان كأنه لا يعرف أحدا من الناس + اشتغالا ~~بعظمة الله عز وجل وقال صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر ~~الرجل فيها قلبه مع بدنه + حديث لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها ~~قلبه مع بدنه لم أجده بهذا اللفظ وروى محمد بن نصر في كتاب الصلاة من رواية ~~عثمان بن دهرش مرسلا لا يقبل الله من عبد عملا حتى يهد قلبه مع بدنه ورواه ~~أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي بن كعب وإسناده ضعيف + وكان ~~إبراهيم الخليل إذا قام إلى الصلاة يسمع وجيب قلبه على ميلين # وكان سعيد التنوخي إذا صلى لم تنقطع الدموع من خديه على لحيته ~~PageV01P150 ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة ~~فقال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه + حديث رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة ~~فقال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه أخرجه الترمذي الحكيم في النوادر من حديث ~~أبي هريرة بسند ضعيف أنه من قول سعيد بن المسيب رواه ابن أبي شيبة في ~~المصنف وفيه رجل لم يسم + ويروى أن الحسن نظر إلى رجل يعبث بالحصى ويقول ~~اللهم زوجني الحور العين فقال بئس الخاطب أنت تخطب الحور العين وأنت تعبث ~~بالحصى # وقيل لخلف بن أيوب ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها قال لا أعود نفسي ~~شيئا يفسد علي صلاتي قيل له وكيف تصبر على ذلك قال بلغني أن الفساق يصبرون ~~تحت أسواط السلطان ليقال فلان صبور ويفتخرون بذلك فأنا قائم بين يدي ربي ~~أفأتحرك لذبابة ويروى عن مسلم بن يسار أنه كان إذا أراد الصلاة قال لأهله ~~تحدثوا أنتم فإني لست أسمعكم # ويروى عنه أنه كان يصلي يوما في جامع البصرة فسقطت ناحية من المسجد ~~فاجتمع الناس لذلك فلم يشعر به حتى انصرف من الصلاة # وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه إذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ~~ويتلون وجهه فقيل له مالك يا أمير المؤمنين فيقول جاء وقت أمانة عرضها الله ~~على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها # ويروى عن علي بن الحسين أنه كان إذا توضأ اصفر لونه فيقول له أهله ما هذا ~~الذي يعتريك عند الوضوء فيقول أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم ويروى عن ابن ~~عباس رضي الله عنهما أنه قال قال داود عليه السلام في مناجاته إلهي من يسكن ~~بيتك وممن تتقبل الصلاة فأوحى الله إليه يا داود إنما يسكن بيتي وأقبل ~~الصلاة منه من تواضع لعظمتي وقطع نهاره بذكري وكف نفسه عن الشهوات من أجلي ~~يطعم الجائع ويؤوى الغريب ويرحم المصاب فذلك الذي يضيء نوره في السموات ~~كالشمس إن دعاني لبيته وإن سألني أعطيته أجعل له في الجهل حلما وفي الغفلة ~~ذكرا وفي الظلمة نورا وإنما مثله في الناس كالفردوس في أعلى الجنان لا نيبس ~~أنهارها ولا تتغير ثمارها ويروى عن حاتم الأصم رضي الله عنه أنه سئل عن ~~صلاته فقال إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة ~~فيه فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي ثم أقوم إلى صلاتي وأجعل الكعبة بين حاجبي ~~والصراط تحت قدمي والجنة عن يميني والنار عن شمالي وملك الموت ورائي أظنها ~~آخر صلاتي ثم أقوم بين الرجاء والخوف وأكبر تكبيرا بتحقيق وأقرأ قراءة ~~بترتيل وأركع ركوعا بتواضع وأسجد سجودا بتخشع وأقعد على الورك الأيسر وأفرش ~~ظهر قدمها وأنصب القدم اليمنى على الإبهام وأتبعها الإخلاص ثم لا أدري ~~أقبلت مني أم لا وقال ابن عباس رضي الله عنهما ركعتان مقتصدتان في تفكر خير ~~من قيام ليلة والقلب ساه فضيلة المسجد وموضع الصلاة # قال الله عز وجل @QB@ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ~~@QE@ وقال صلى الله عليه وسلم من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له ~~قصرا في الجنة + حديث من بنى لله مسجدا ولو مثل مفحص قطاة الحديث أخرجه ابن ~~ماجه من حديث جابر بسند صحيح وابن حبان من حديث أبي ذر وهو متفق عليه من ~~حديث عثمان دون قوله ولو مثل مفحص القطاة + وقال صلى الله عليه وسلم من ألف ~~المسجد ألفه الله تعالى + حديث من ألف المسجد ألفه الله تعالى أخرجه ~~الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد بسند ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم ~~إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس + حديث إذا دخل أحدكم ~~المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس متفق عليه من حديث أبي قتادة + وقال صلى ~~الله عليه وسلم لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد + حديث لا صلاة لجار ~~المسجد إلا في المسجد أخرجه الدار قطني من حديث جابر وأبي هريرة بإسنادين ~~ضعيفين والحاكم من حديث أبي هريرة + وقال صلى الله عليه وسلم الملائكة تصلي ~~على أحدكم ما دام PageV01P151 في مصلاه الذي يصلي فيه تقول اللهم صل عليه ~~اللهم ارحمه اللهم اغفر له ما لم يحدث أو يخرج من المسجد + حديث الملائكة ~~تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة + وقال ~~صلى الله عليه وسلم يأتي في آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد فيقعدون ~~فيها حلقا حلقا ذكرهم الدنيا وحب الدنيا لا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة + ~~حديث يأتي في آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا حلقا ~~ذكرهم الدنيا الحديث أخرجه ابن حبان من حديث ابن مسعود والحاكم من حديث أنس ~~وقال صحيح الإسناد + وقال صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل في بعض الكتب ~~إن بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ~~ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره + حديث قال الله تعالى إن ~~بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري فيها عمارها الحديث أخرجه أبو نعيم من ~~حديث أبي سعيد بسند ضعيف يقول الله عز وجل يوم القيامة أين جيراني فتقول ~~الملائكة من هذا الذي ينبغي له أن يجاورك فيقول أين قراء القرآن وعمار ~~المساجد وهو في الشعب نحوه موقوفا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بإسناد صحيح وأسند ابن حبان في الضعفاء آخر الحديث من حديث سلمان وضعفه + ~~وقال صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان ~~+ حديث إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان رواه الترمذي ~~وحسنه وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد + وقال سعيد بن المسيب من ~~جلس في المسجد فإنما يجالس ربه فما حقه أن يقول إلا خيرا # ويرى في الأثر أو الخبر الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهائم ~~الحشيش + حديث الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش لم ~~أقف له على أصل + وقال النخعي كانوا يرون أن المشي في الليلة المظلمة إلى ~~المسجد موجب للجنة وقال أنس بن مالك من أسرج في المسجد سراجا لم تزل ~~الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوءه # وقال علي كرم الله وجهه إذا مات العبد يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد ~~عمله من السماء ثم قرأ @QB@ فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ~~@QE@ وقال ابن عباس تبكي عليه الأرض أربعين صباحا # وقال عطاء الخراساني ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا ~~شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت # وقال أنس بن مالك ما من بقعة يذكر الله تعالى عليها بصلاة أو ذكر إلا ~~افتخرت على ما حولها من البقاع واستبشرت بذكر الله عز وجل إلى منتهاها من ~~سبع أرضين وما من عبد يقوم يصلي إلا تزخرفت له الأرض ويقال ما من منزل ينزل ~~فيه قوم إلا أصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم # | الباب الثاني في كيفية الأعمال الظاهرة من الصلاة والبداءة بالتكبير # وما قبله # ينبغي للمصلي إذا فرغ من الوضوء والطهارة من الخبث في البدن والمكان ~~والثياب وستر العورة من السرة إلى الركبة أن ينتصب قائما متوجها إلى القبلة ~~ويزاوج بين قدميه ولا يضمهما فإن ذلك مما كان يستدل به على فقه الرجل وقد ~~نهى صلى الله عليه وسلم عن الصفن والصفد في الصلاة + حديث النهي عن الصفن ~~والصفد في الصلاة عزاه رزين إلى الترمذي ولم أجده عنده ولا عند غيره وإنما ~~ذكره أصحاب الغريب كابن الأثير في النهاية وروى سعيد بن منصور أن ابن مسعود ~~رأى رجلا صافا أو صافنا قدميه فقال أخطأ هذا السنة + والصفد هو اقتران ~~القدمين معا ومنه قوله تعالى @QB@ مقرنين في الأصفاد @QE@ والصفن هو رفع ~~إحدى الرجلين ومنه قوله عز وجل @QB@ الصافنات الجياد @QE@ هذا ما يراعيه في ~~رجليه عند القيام ويراعي في ركبتيه ومعقد نطاقه الانتصاب وأما رأسه إن شاء ~~تركه على استواء القيام وإن شاء أطرق والإطراق أقرب للخشوع وأغض للبصر ~~وليكن بصره محصورا على مصلاه الذي يصلي عليه فإن لم يكن له PageV01P152 ~~مصلى فليقرب من جدار الحائط أو ليخط خطا فإن ذلك يقصر مسافة البصر ويمنع ~~تفوق الفكر وليحجر على بصره أن يجاوز أطراف المصلى وحدود الخط وليدم على ~~هذا القيام كذلك إلى الركوع من غير التفات # هذا أدب القيام فإذا استوى قيامه واستقباله وإطراقه كذلك فليقرأ @QB@ قل ~~أعوذ برب الناس @QE@ تحصنا به من الشيطان ثم ليأت بالإقامة وإن كان يرجو ~~حضور من يقتدي به فليؤذن أولا ثم ليحضر النية وهو أن ينوي في الظهر مثلا ~~ويقول بقلبه أؤدي فريضة الظهر لله ليميزها بقوله أؤدي عن القضاء وبالفريضة ~~عن النفل وبالظهر عن العصر وغيره ولتكن معاني هذه الألفاظ حاضرة في قلبه ~~فإنه هو النية والألفاظ مذكرات وأسباب لحضورها ويجتهد أن يستديم ذلك إلى ~~آخر التكبير حتى لا يعزب فإذا حضر في قلبه ذلك فليرفع يديه إلى حذو منكبيه ~~بعد إرسالهما بحيث يحاذي بكفيه منكبيه وبإبهاميه شحمتي أذنيه وبرؤوس أذنيه ~~+ حديث رفع اليدين إلى حذو المنكبين ورد إلى شحمة أذنيه وورد إلى رؤوس ~~أذنيه متفق عليه من حديث ابن عمر باللفظ الأول وأبو داود من حديث وائل بن ~~حجر بإسناد ضعيف إلى شحمة أذنيه ولمسلم من حديث مالك بن الحويرث فروع أذنيه ~~+ ليكون جامعا بين الأخبار الواردة فيه ويكون مقبلا بكفيه وإبهاميه إلى ~~القبلة ويبسط الأصابع ولا يقبضها ولا يتكلف فيها تفريجا ولا ضما بل يتركها ~~على مقتضى طبعها إذ نقل في الأثر النشر والضم + حديث نشر الأصابع عند ~~الافتتاح ونقل ضمها وقال عطاء وابن خزيمة من حديث أبي هريرة والبيهقي ولم ~~يفرج بين أصابعه ولم يضمها ولم أجد التصريح بضم الأصابع + وهذا بينهما فهو ~~أولى وإذا استقرت اليدان في مقرهما ابتدأ التكبير مع إرسالهما وإحضار النية ~~ثم يضع اليدين على ما فوق السرة وتحت الصدر ويضع اليمنى على اليسرى إكراما ~~لليمنى بأن تكون محمولة وينشر المسبحة والوسطى من اليمنى على طول الساعد ~~ويقبض بالإبهام والخنصر والبنصر على كوع اليسرى وقد روي أن التكبير مع رفع ~~اليدين + حديث التكبير مع رفع اليدين أخرجه البخاري من حديث ابن عمر كان ~~يرفع يديه حين يكبر ولأبي داود من حديث وائل يرفع يديه مع التكبير + مع ~~استقرارهما + حديث التكبير مع استقرار اليدين أي مرفوعتين أخرجه مسلم من ~~حديث ابن عمر كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم كبر ~~زاد أبو داود وهما كذلك + ومع الإرسال + حديث التكبير مع إرسال اليدين ~~أخرجه أبو داود من حديث أبي حميد كان إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى ~~يحاذي بهما منكبيه ثم كبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا قال ابن الصلاح ~~في المشكل فكلمة حتى التي هي للغاية تدل بالمعنى على ما ذكره أي من ابتداء ~~التكبير مع الإرسال + فكل ذلك لا حرج فيه وأراه بالإرسال أليق فإنه كلمة ~~العقد ووضع إحدى اليدين على الأخرى في صورة العقد ومبدؤه الإرسال وآخره ~~الوضع # ومبدأ التكبير الألف وآخره الراء فيليق مراعاة التطابق بين الفعل والعقد ~~وأما رفع اليد فكالمقدمة لهذه البداية # ثم لا ينبغي أن يرفع يديه إلى قدام رفعا عند التكبير ولا يردهما إلى خلف ~~منكبيه ولا ينفضهما عن يمين وشمال نفضا إذا فرغ من التكبير ويرسلهما إرسالا ~~خفيفا رفيقا ويستأنف وضع اليمين على الشمال بعد الإرسال وفي بعض الروايات ~~أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر أرسل يديه وإذا أراد أن يقرأ وضع ~~اليمنى على اليسرى + كان إذا كبر أرسل يديه فإذا أراد أن يقرأ وضع اليمنى ~~على اليسرى أخرجه الطبراني من حديث معاذ بإسناد ضعيف + فإن صح هذا فهو أولى ~~مما ذكرناه # وأما التكبير فينبغي أن يضم الهاء من قوله الله ضمة خفيفة من غير مبالغة ~~ولا يدخل بين الهاء والألف شبه الواو وذلك ينساق إليه بالمبالغة ولا يدخل ~~بين باء أكبر ورائه ألفا كأنه يقول أكبار ويجزم راء التكبير ولا يضمها فهذه ~~هيئة التكبير وما معه القراءة # ثم يبتدىء بدعاء الاستفتاح وحسن أن يقول عقب قوله الله أكبر الله أكبر ~~كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان PageV01P153 الله بكرة وأصيلا + حديث أنه ~~يقول بعد قوله الله أكبر الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله ~~بكرة وأصيلا أخرجه مسلم من حديث ابن عمر قال بينما نحن نصلي مع رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم الله أكبر كبيرا الحديث أخرجه أبو ~~داود وابن ماجه من حديث جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يصلي صلاة قال الله أكبر كبيرا الحديث + وجهت وجهي إلى قوله وأنا من ~~المسلمين + حديث دعاء الاستفتاح وجهت وجهي الحديث أخرجه مسلم من حديث علي + ~~ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وجل ثناؤك ولا إله ~~غيرك + حديث سبحانك اللهم وبحمدك الحديث في الاستفتاح أيضا أخرجه أبو داود ~~والترمذي والحاكم وصححه من حديث عائشة وضعفه الترمذي والدار قطني ورواه ~~مسلم موقوفا على عمر وعند البيهقي من حديث جابر الجمع بين وجهت @QB@ وبين ~~@QE@ سبحانك اللهم + ليكون جامعا بين متفرقات ما ورد في الأخبار # وإن كان خلف الإمام اختصر إن لم يكن للإمام سكتة طويلة يقرأ فيها ثم يقول ~~أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يقرأ الفاتحة يبتدىء فيها ب بسم الله ~~الرحمن الرحيم بتمام تشديداتها وحروفها ويجتهد في الفرق بين الضاد والظاء ~~ويقول آمين في آخر الفاتحة ويمدها مدا ولا يصل آمين بقوله ولا الضالين وصلا # ويجهر بالقراءة في الصبح والمغرب والعشاء إلا أن يكون مأموما ويجهر ~~بالتأمين # ثم يقرأ السورة أو قدر ثلاث آيات من القرآن فما فوقها ولا يصل آخر السورة ~~بتكبير الهوى بأن يفصل بينهما بقدر قوله سبحان الله ويقرأ في الصبح من ~~السور الطوال من المفضل وفي المغرب من قصاره وفي الظهر والعصر والعشاء نحوه ~~والسماء ذات البروج وما قاربها # وفي الصبح في السفر قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد وكذلك في ركعتي ~~الفجر والطواف والتحية وهو في جميع ذلك مستديم للقيام ووضع اليدين كما ~~وصفنا في أول الصلاة الركوع ولواحقه # ثم يركع ويراعي فيه أمورا وهو أن يكبر للركوع وأن يرفع يديه مع تكبيرة ~~الركوع وأن يمد التكبير مدا إلى الانتهاء إلى الركوع وأن يضع راحتيه على ~~ركبتيه في الركوع وأصابعه منشورة موجهة نحو القبلة على طول الساق وأن ينصب ~~ركبتيه ولا يثنيهما وأن يمد ظهره مستويا وأن يكون عنقه ورأسه مستويين مع ~~ظهره كالصفيحة الواحدة لا يكون رأسه أخفض ولا أرفع وأن يجافي مرفقيه عن ~~جنبيه # وتضم المرأة مرفقيها إلى جنبيها # وأن يقول سبحان ربي العظيم ثلاثا والزيادة إلى السبعة وإلى العشرة حسن إن ~~لم يكن إماما ثم يرتفع من الركوع إلى القيام ويرفع يديه ويقول سمع الله لمن ~~حمده ويطمئن في الاعتدال ويقول ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ~~ما شئت من شيء بعد ولا يطول هذا ا لقيام إلا في صلاة التسبيح والكسوف ~~والصبح # ويقنت في الصبح في الركعة الثانية بالكلمات المأثورة قبل السجود + حديث ~~القنوت في الصبح بالكلمات المأثورة أخرجه البيهقي من حديث ابن عباس كان ~~النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح وفي وتر الليل بهؤلاء الكلمات ~~اللهم اهدني فيمن هديت الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي من ~~حديث الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمه هؤلاء الكلمات يقولهن في ~~الوتر وإسناده صحيح + السجود # ثم يهوي إلى السجود مكبرا فيضع ركبتيه على الأرض ويضع جبهته وأنفه وكفيه ~~مكشوفة ويكبر عند الهوى ولا يرفع يديه في غير الركوع وينبغي أن يكون أول ما ~~يقع منه على الأرض ركبتاه وأن يضع بعدهما يديه ثم يضع بعدهما وجهه وأن يضع ~~جبهته وأنفه على الأرض وأن يجافي مرفقيه عن جنبيه ولا تفعل المرأة ذلك # وأن يفرج بين رجليه ولا تفعل المرأة ذلك # وأن يكون في سجوده مخويا على الأرض ولا تكون المرأة مخوية PageV01P154 ~~والتخوية رفع البطن عن الفخذين والتفريج بين الركبتين # وأن يضع يديه على الأرض حذاء منكبيه ولا يفرج بين أصابعهما بل يضمهما ~~ويضم الإبهام إليهما وإن لم يضم الإبهام فلا بأس ولا يفترش ذراعيه على ~~الأرض كما يفترش الكلب + حديث النهي عن أن يفرش ذراعيه على الأرض كما يفرش ~~الكلب متفق عليه من حديث أنس + فإنه منهي عنه # وأن يقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا فإن زاد فحسن إلا أن يكون إماما # ثم يرفع من السجود فيطمئن جالسا معتدلا فيرفع رأسه مكبرا ويجلس على رجله ~~اليسرى وينصب قدمه اليمنى ويضع يديه على فخذيه والأصابع منشورة ولا يتكلف ~~ضمها ولا تفريجها # ويقول رب اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني واجبرني وعافني واعف عني ولا ~~يطول هذه الجلسة إلا في سجود التسبيح # ويأتي بالسجدة الثانية كذلك ويستوي منها جالسا جلسة خفيفة للاستراحة في ~~كل ركعة لا تشهد عقيبها # ثم يقوم فيضع اليد على الأرض ولا يقدم إحدى رجليه في حال الارتفاع ويمد ~~التكبير حتى يستغرق ما بين وسط ارتفاعه من القعود إلى وسط ارتفاعه إلى ~~القيام # بحيث تكون الهاء من قوله الله عند استوائه جالسا وكاف أكبر عند اعتماده ~~على اليدللقيام وراء أكبر في وسط ارتفاعه إلى القيام ويبتدىء في وسط ~~ارتفاعه إلى القيام حتى يقع التكبير في وسط انتقاله ولا يخلو عنه إلا طرفاه ~~وهو أقرب إلى التعميم # ويصلي الركعة الثانية كالأولى ويعيد التعوذ كالابتداء التشهد # ثم يتشهد في الركعة الثانية التشهد الأول # ثم يصلي عى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله ويضع يده اليمنى على ~~فخذه اليمنى ويقبض أصابعه اليمنى إلا المسبحة ولا بأس بإرسال الإبهام أيضا ~~ويشير بمسبحة يمناه وحدها عند قوله إلا الله لا عند قوله لا إله ويجلس في ~~هذا التشهد على رجله اليسرى كما بين السجدتين # وفي التشهد الأخير يستكمل الدعاء المأثور + حديث الدعاء المأثور بعد ~~التشهد أخرجه مسلم من حديث علي في دعاء الاستفتاح قال ثم يكون من آخر ما ~~يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت الحديث وفي الصحيحين من ~~حديث عائشة إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع من عذاب جهنم الحديث وفي ~~الباب غير ذلك جميعها في الأصل + بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ~~وسننه كسنن التشهد الأول لكن يجلس في الأخير على وركه الأيسر لأنه ليس ~~مستوفزا للقيام بل هو مستقر ويضجع رجله اليسرى خارجة من تحته وينصب اليمنى ~~ويضع رأس الإبهام إلى جهة القبلة إن لم يشق عليه # ثم يقول السلام عليكم ورحمة الله ويلتفت يمينا بحيث يرى خده الأيمن من ~~وراءه من الجانب اليمين ويلتفت شمالا كذلك # ويسلم تسليمة ثانية وينوي الخروج من الصلاة بالسلام وينوي بالسلام من على ~~يمينه الملائكة والمسلمين في الأولى وينوي مثل ذلك في الثانية # ويجزم التسليم + حديث جزم السلام سنة أخرجه أبو داود والترمذي من حديث ~~أبي هريرة وقال حسن صحيح وضعفه ابن القطان + ولا يمده مدا فهو السنة # وهذه هيئة صلاة المنفرد ويرفع صوته بالتكبيرات ولا يرفع صوته إلا بقدر ما ~~يسمع نفسه وينوي الإمام الإمامة لينال الفضل فإن لم ينو صحت صلاة القوم إذا ~~نووا الاقتداء ونالوا فضل الجماعة ويسر بدعاء الاستفتاح والتعوذ كالمنفرد ~~ويجهر بالفاتحة والسورة في جميع الصبح وأوليي العشاء والمغرب وكذلك المنفرد # ويجهر بقوله آمين في الصلاة الجهرية وكذلك المأموم # ويقرن المأموم تأمينه بتأمين الإمام معا لا تعقيبا # ويسكت الإمام سكتة عقيب الفاتحة ليثوب إليه نفسه ويقرأ المأموم الفاتحة ~~في الجهرية في هذه السكتة ليتمكن من الاستماع عند قراءة الإمام # ولايقرأ المأموم السور في الجهرية إلا إذا لم يسمع صوت الإمام # ويقول الإمام سمع الله لمن حمده عند رفع رأسه من الركوع وكذا المأموم # ولا يزيد الإمام على الثلاث في تسبيحات الركوع والسجود ولا يزيد ~~PageV01P155 في التشهد الأول بعد قوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ~~ويقتصر في الركعتين الأخيرتين على الفاتحة ولا يطول على القوم ولا يزيد في ~~دعائه في التشهد الأخير على قدر التشهد والصلاة على رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم # وينوي عند السلام السلام على القوم والملائكة # وينوي القوم بتسليمهم جوابه ويثبت الإمام ساعة حتى يفرغ الناس من السلام ~~ويقبل على الناس بوجهه # والأولى أن يثبت إن كان خلف الرجال نساء لينصرفن قبله # ولا يقوم واحد من القوم حتى يقوم # وينصرف الإمام حيث يشاء عن يمينه وشماله واليمين أحب إلي # ولا يخص الإمام نفسه بالدعاء في قنوت الصبح بل يقول اللهم اهدنا ويجهر به ~~ويؤمن القوم ويرفعون أيديهم حذاء الصدور ويمسح لوجه عند ختم الدعاء # لحديث نقل فيه وإلا فالقياس أن لا يرفع اليد كما في آخر التشهد المنهيات # نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصفن في الصلاة والصفد وقد ~~ذكرناهما وعن الإقعاء + حديث النهي عن الإقعاء أخرجه الترمذي وابن ماجه من ~~حديث علي بسند ضعيف لا يقع بين السجدتين ومسلم من حديث عائشة كان ينهى عن ~~عقبة الشيطان والحاكم من حديث سمرة وصححه نهى عن الإقعاء + وعن السدل + ~~حديث نهى عن السدل في الصلاة أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه من ~~حديث أبي هريرة + والكفت + حديث النهي عن الكفت في الصلاة متفق عليه من ~~حديث ابن عباس أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نسجد على سبعة أعظم ولا ~~نكفت شعرا ولا ثوبا + وعن الاختصار + حديث النهي عن الاختصار أخرجه أبو ~~داود والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة وهو متفق عليه بلفظ نهى أن يصلي ~~الرجل مختصرا + وعن الصلب + حديث النهي عن الصلب في الصلاة أخرجه أبو داود ~~والنسائي من حديث ابن عمر بإسناد صحيح + وعن المواصلة + حديث النهي عن ~~المواصلة عزاه رزين إلى الترمذي ولم أجده عنده وقد فسره الغزالي بوصل ~~القراءة بالتكبير ووصل القراءة بالركوع وغير ذلك وقد روى أبو داود والترمذي ~~وحسنه وابن ماجه من حديث سمرة سكتتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم إذا دخل في صلاته إذا فرغ من قراءته وإذا فرغ من قراءة القرآن وفي ~~الصحيحين من حديث أبي هريرة كان يسكت بين التكبير والقراءة إسكاتة الحديث + ~~وعن صلاة الحاقن + حديث النهي عن صلاة الحاقن أخرجه ابن ماجه والدار قطني ~~من حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل وهو ~~حاقن وأبو داود من حديث أبي هريرة لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن ~~يصلي وهو حاقن وله وللترمذي وحسنه نحوه من حديث ثوبان ومسلم من حديث عائشة ~~لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان + والحاقب + حديث النهي عن ~~صلاة الحاقب لم أجده بهذا اللفظ وفسره المصنف تبعا للأزهري بمدافعة الغائط ~~وفيه حديث عائشة الذي قبل هذا + والحازق + حديث النهي عن صلاة الحازق عزاه ~~رزين إلى الترمذي ولم أجده عنده والذي ذكره أصحاب الغريب حديث لا رأي لحازق ~~وهو صاحب الخف الضيق + وعن صلاة الجائع والغضبان والمتلثم + حديث النهي عن ~~التلثم في الصلاة أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة بسند حسن نهى ~~أن يغطي الرجل فاه في الصلاة رواه الحاكم وصححه وقال الخطابي هو التلثم على ~~الأفواه + وهو ستر الوجه # أما الإقعاء فهو عند أهل اللغة أن يجلس على وركيه وينصب ركبتيه ويجعل ~~يديه على الأرض كالكلب # وعند أهل الحديث أن يجلس على ساقيه جاثيا وليس على الأرض منه إلا رؤوس ~~أصابع الرجلين والركبتين # وأما السدل فمذهب أهل الحديث فيه أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل ~~فيركع ويسجد كذلك # وكان هذا فعل اليهود في صلاتهم فنهوا عن التشبه بهم # والقميص في معناه فلا ينبغي أن يركع ويسجد ويداه في بدن القميص # وقيل معناه أن يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من ~~غير أن يجعلهما على كتفيه # والأول أقرب # وأما الكف فهو أن يرفع ثيابه من بين يديه أو من خلفه إذا أراد السجود # وقد يكون الكف في شعر الرأس فلا يصلين وهو عاقص شعره والنهي للرجال # وفي الحديث @QB@ أمرت @QE@ PageV01P156 أن أسجد على سبعة أعضاء ولا أكفت ~~شعرا ولا ثوبا + حديث أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء ولا أكفت شعرا ولا ثوبا ~~متفق عليه من حديث ابن عباس + وكره أحمد بن حنبل رضي الله عنه أن يأتزر فوق ~~القميص في الصلاة ورآه من الكفت وأما الاختصار فأن يضع يديه على خاصرتيه # وأما الصلب فأن يضع يديه على خاصرتيه في القيام ويجافي بين عضديه في ~~القيام # وأما المواصلة فهي خمسة اثنان على الإمام أن لا يصل قراءته بتكبيرة ~~الإحرام ولا ركوعه بقراءته واثنان على المأموم أن لا يصل تكبيرة الإحرام ~~بتكبيرة الإمام ولا تسليمه بتسليمه وواحدة بينهما أن لا يصل تسليمة الفرض ~~بالتسليمة الثانية وليفصل بينهما # وأما الحاقن فمن البول والحاقب من الغائط والحازق صاحب الخف الضيق # فإن كل ذلك يمنع من الخشوع # وفي معناه الجائع والمهتم # وفهم نهي الجائع من قوله صلى الله عليه وسلم إذا حضر العشاء وأقيمت ~~الصلاة فابدءوا بالعشاء إلا أن يضيق الوقت أو يكون ساكن القلب + حديث إذا ~~حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء متفق عليه من حديث ابن عمر ~~وعائشة + وفي الخبر لا يدخلن أحدكم الصلاة وهو مقطب ولا يصلين أحدكم وهو ~~غضبان + حديث لا يدخل أحدكم الصلاة وهو مقطب ولا يصلين أحدكم وهو غضبان لم ~~أجده + وقال الحسن كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع # وفي الحديث سبعة أشياء في الصلاة من الشيطان الرعاف والنعاس والوسوسة ~~والتثاؤب والحكاك والالتفات والعبث بالشيء + حديث سبعة أشياء من الشيطان في ~~الصلاة الرعاف والنعاس والوسوسة والتثاؤب والالتفات وزاد بعضهم السهو والشك ~~أخرجه الترمذي من رواية عدي بن ثابت عن أبيه عن جده فذكر منها الرعاف ~~والنعاس والتثاؤب وزاد ثلاثة أخرى وقال حديث غريب ولمسلم من حديث عثمان بن ~~أبي العاص يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي الحديث وللبخاري ~~من حديث عائشة في الالتفات في الصلاة وهو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة ~~أحدكم وللشيخين من حديث أبي هريرة التثاؤب من الشيطان ولهما من حديث أبي ~~هريرة إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فليس عليه صلاته حتى لا يدري كم ~~صلى + وزاد بعضهم السهو والشك وقال بعض السلف أربعة في الصلاة من الجفاء ~~الإلتفات ومسح الوجه وتسوية الحصى وأن تصلى بطريق من يمر بين يديك ونهى ~~أيضا عن أن يشبك أصابعه + حديث النهي عن تشبيك الأصابع أخرجه أحمد وابن ~~حبان والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن ~~حبان نحوه من حديث كعب بن عجره + أو يفرقع أصابعه + حديث النهي عن تفقيع ~~الأصابع في الصلاة أخرجه ابن ماجه من حديث علي بإسناد ضعيف لا تفقع في ~~أصابعك الصلاة + أو يستر وجهه + حديث النهي عن ستر الوجه أخرجه أبو داود ~~وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة + أو يضع إحدى كفيه على الأخرى ~~يدخلهما بين فخذيه في الركوع + حديث النهي عن التطبيق في الركوع متفق عليه ~~من حديث سعد بن أبي وقاص كنا نفعله فنهينا عنه وأمرنا أن نضع الأيدي على ~~الركب + وقال بعض الصحابة رضي الله عنهم كنا نفعل ذلك فنهينا عنه # ويكره أيضا أن ينفخ في الأرض عند السجود للتنظيف وأن يسوي الحصى بيده ~~فإنها أفعال مستغنى عنها ولا يرفع إحدى قدميه فيضعها على فخذه ولا يستند في ~~قيامه إلى حائط فإن استند بحيث لو سل ذلك الحائط لسقط فالأظهر بطلان صلاته ~~والله أعلم تمييز الفرائض والسنن # جملة ما ذكر يشتمل على فرائض وسنن وآداب وهيئات مما ينبغي لمريد طريق ~~الآخرة أن يراعى جميعها # فالفرض من جملتها اثنتا عشرة خصلة النية والتكبير والقيام والفاتحة ~~والانحناء في الركوع إلى أن تنال راحتاه ركبتيه مع الطمأنينة والاعتدال عنه ~~قائما والسجود مع الطمأنينة ولا يجب وضع اليدين والاعتدال عنه قاعدا ~~والجلوس للتشهد الأخير والتشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه ~~وسلم والسلام الأول # فأما نية الخروج فلا تجب وما عدا هذا فليس بواجب بل هي سنن وهيئات فيها ~~وفي الفرائض أما السنن فمن الأفعال أربعة رفع اليدين في تكبيرة الإحرام ~~وعند الهوى إلى الركوع وعند الارتفاع إلى القيام والجلسة للتشهد الأول # فأما ما ذكرناه من كيفية PageV01P157 نشر الأصابع وحد رفعها فهي هيئات ~~تابعة لهذه السنة والتورك والافتراش هيئات تابعة للجلسة والإطراق وترك ~~الالتفات هيئات للقيام وتحسين صورته وجلسة الاستراحة لم نعدها من أصول ~~السنة في الأفعال لأنها كالتحسين لهيئة الارتفاع من السجود إلى القيام ~~لأنها ليست مقصودة في نفسها ولذلك لم تفرد بذكر # وأما السنن من الأذكار فدعاء الاستفتاح ثم التعوذ ثم قوله آمين فإنه سنة ~~مؤكدة ثم قراءة السورة ثم تكبيرات الانتقالات ثم الذكر في الركوع والسجود ~~والاعتدال عنهما ثم التشهد الأول والصلاة فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ~~ثم الدعاء في آخر التشهد الأخير ثم التسليمة الثانية وإن جمعناها في اسم ~~السنة فلها درجات متفاوتة إذ تجبر أربعة منها بسجود السهو # وأما من الأفعال فواحدة وهي الجلسة الأولى للتشهد الأول فإنها مؤثرة في ~~ترتيب نظم الصلاة في أعين الناظرين حتى يعرف بها أنها رباعية أم لا بخلاف ~~رفع اليدين فإنه لا يؤثر في تغيير النظم فعبر عن ذلك بالبعض # وقيل الأبعاض تجبر بالسجود وأما الأذكار فكلها لا تقتضي سجود السهو إلا ~~ثلاثة القنوت والتشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه ~~بخلاف تكبيرات الانتقالات وأذكار الركوع والسجود والإعتدال عنهما لأن ~~الركوع والسجود في صورتهما مخالفان للعادة ويحصل بهما معنى العبادة مع ~~السكوت عن الأذكار وعن تكبيرات الإنتقالات فعدم تلك الأذكار لا تغير صورة ~~العبادة # وأما الجلسة للتشهد الأول ففعل معتاد وما زيدت إلا للتشهد فتركها ظاهر ~~التأثير # وأما دعاء الاستفتاح والسورة فتركهما لا يؤثر مع أن القيام صار معمورا ~~بالفاتحة ومميزا عن العادة بها وكذلك الدعاء في التشهد الأخير والقنوت أبعد ~~ما يجبر بالسجود ولكن شرع مد الاعتدال في الصبح لأجله فكان كمد جلسة ~~الاستراحة إذ صارت بالمد مع التشهد جلسة للتشهد الأول # فبقي هذا قياما ممدودا معتادا ليس فيه ذكر واجب وفي الممدود احتراز عن ~~غير الصبح وفي خلوه عن ذكر واجب احتراز عن أصل القيام في الصلاة # فإن قلت تمييز السنن عن الفرائض معقول إذ تفوت الصحة بفوت الفرض دون ~~السنة ويتوجه العقاب به دونها فأما تمييز سنة عن سنة والكل مأمور به على ~~سبيل الاستحباب ولا عقاب في ترك الكل والثواب موجود على الكل فما معناه ~~فاعلم أن اشتراكهما في الثواب والعقاب والاستحباب لا يرفع تفاوتهما ولنكشف ~~ذلك لك بمثال وهو أن الإنسان لا يكون إنسانا موجودا كاملا إلا بمعنى باطن ~~وأعضاء ظاهرة فالمعنى الباطن هو الحياة والروح والظاهر أجسام أعضائه # ثم بعض تلك الأعضاء ينعدم الإنسان بعدمها كالقلب والكبد والدماغ وكل عضو ~~تفوت الحياة بفواته وبعضها لا تفوت بها الحياة ولكن يفوت بها مقاصد الحياة ~~كالعين واليد والرجل واللسان وبعضها لا يفوت بها الحياة ولا مقاصدها ولكن ~~يفوت بها الحسن كالحاجبين واللحية والأهداب وحسن اللون وبعضها لا يفوت بها ~~أصل الجمال ولكن كماله كاستقواس الحاجبين وسواد شعر اللحية والأهداب وتناسب ~~خلقة الأعضاء وامتزاج الحمرة بالبياض في اللون فهذه درجات متفاوتة فكذلك ~~العبادة صورة صورها الشرع وتعبدنا باكتسابها فروحها وحياتها الباطنة الخشوع ~~والنية وحضور القلب والإخلاص كما سيأتي ونحن الآن فى أجزائها الظاهرة ~~فالركوع والسجود والقيام وسائر الأركان تجري منها مجرى القلب والرأس والكبد ~~إذ يفوت وجود الصلاة بفواتها # والسنن التي ذكرناها من رفع اليدين ودعاء الاستفتاح والتشهد الأول تجري ~~منها مجرى اليدين والعينين والرجلين ولا تفوت الصحة بفواتها كما لا تفوت ~~الحياة بفوات هذه الأعضاء ولكن يصير الشخص بسبب فواتها مشوه الخلقة مذموما ~~غير مرغوب فيه فكذلك من اقتصر على أقل ما يجزي من الصلاة كان كمن أهدى إلى ~~ملك من الملوك عبدا حيا مقطوع الأطراف # وأما الهيئات وهي ما وراء السنن فتجري مجرى أسباب الحسن من الحاجبين ~~واللحية والأهداب PageV01P158 وحسن اللون وأما وظائف الأذكار في تلك السنن ~~فهي مكملات للحسن كاستقواس الحاجبين واستدارة اللحية وغيرهما # فالصلاة عندك قربة وتحفة تتقرب بها إلى حضرة ملك الملوك كوصيفة يهديها ~~طالب القربة من السلاطين إليهم وهذه التحفة تعرض على الله عز وجل # ثم ترد عليك يوم العرض الأكبر فإليك الخيرة في تحسين صورتها وتقبيحها # فإن أحسنت فلنفسك وإن أسأت فعليها # ولا ينبغي أن يكون حظك من ممارسة الفقه أن يتميز لك السنة عن الفرض فلا ~~يعلق بفهمك من أوصاف السنة إلا أنه يجوز تركها فتتركها فإن ذلك يضاهي قول ~~الطبيب إن فقء العين لا يبطل وجود الإنسان ولكن يخرجه عن أن يصدق رجاء ~~المتقرب في قبول السلطان إذا أخرجه في معرض الهدية فهكذا ينبغي أن تفهم ~~مراتب السنن والهيئات والآداب فكل صلاة لم يتم الإنسان ركوعها وسجودها فهي ~~الخصم الأول على صاحبها تقول ضيعك الله كما ضيعتني # فطالع الأخبار التي أوردناها في كمال أركان الصلاة ليظهر لك وقعها # | الباب الثالث في الشروط الباطنة من أعمال القلب ولنذكر في هذا # الباب ارتباط الصلاة بالخشوع وحضور القلب # ثم نذكر المعاني الباطنة وحدودها وأسبابها وعلاجها # ثم لنذكر تفصيل ما ينبغي أن يحضر في كل ركن من أركان الصلاة لتكون صالحة ~~لزاد الآخرة # | بيان اشتراط الخشوع وحضور القلب # اعلم أن أدلة ذلك كثيرة فمن ذلك قوله تعالى أقم الصلاة لذكري وظاهر الأمر ~~الوجوب والغفلة تضاد الذكر فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيما للصلاة ~~لذكره وقوله تعالى ولا تكن من الغافلين نهى وظاهره التحريم وقوله عز وجل ~~حتى تعلموا ما تقولون تعليل لنهي السكران وهو مطرد في الغافل المستغرق الهم ~~بالوسواس وأفكار الدنيا وقوله صلى الله عليه وسلم إنما الصلاة تمسكن وتواضع ~~حصر بالألف واللام وكلمة إنما للتحقيق والتوكيد وقد فهم الفقهاء من قوله ~~صلى الله عليه وسلم إنما الشفعة فيما لم يقصر الحصر والإثبات والنفي وقوله ~~صلى الله عليه وسلم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله ~~إلا بعدا وصلاة الغافل لا تمنع من الفحشاء والمنكر وقال صلى الله عليه وسلم ~~كم من قائم حظه من صلاته التعب والنصب + حديث كم من قائم حظه من صلاته ~~التعب والنصب أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة رب قائم ليس له من قيامه إلا ~~السهر ولأحمد رب قائم حظه من صلاته السهر وإسناده حسن + وما أراد به إلا ~~الغافل وقال صلى الله عليه وسلم ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها + حديث ~~ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل لم أجده مرفوعا وروى محمد بن نصر المروزي في ~~كتاب الصلاة من رواية عثمان ابن أبي دهرش مرسلا لا يقبل الله من عبد عملا ~~حتى يشهد قلبه مع بدنه ورواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ~~أبي بن كعب ولابن المبارك في الزهد موقوفا على عمار لا يكتب للرجل من صلاته ~~ما سها عنه + والتحقيق فيه أن المصلي مناج ربه عز وجل + حديث المصلي يناجي ~~ربه متفق عليه من حديث أنس + كما ورد به الخبر والكلام مع الغفلة ليس ~~بمناجاة ألبتة وبيانه أن الزكاة إن غفل الإنسان عنها مثلا فهي في نفسها ~~مخالفة للشهوة شديدة على النفس وكذا الصوم قاهر للقوى كاسر لسطوة الهوى ~~الذي هو آلة للشيطان عدو الله فلا يبعد أن يحصل منها مقصود مع الغفلة وكذلك ~~الحج أفعاله شاقة شديدة وفيه من المجاهدة ما يحصل به PageV01P159 الإيلام ~~كان القلب حاضرا مع أفعاله أو لم يكن أما الصلاة فليس فيها إلا ذكر وقراءة ~~وركوع وسجود وقيام وقعود فأما الذكر فإنه مجاورة ومناجاة مع الله عز وجل ~~فأما أن يكون المقصود منه كونه خطابا ومحاورة أو المقصود منه الحروف ~~والأصوات امتحانا للسان بالعمل كما تمتحن المعدة والفرج بالإمساك في الصوم ~~وكما يمتحن البدن بمشاق الحج ويمتحن بمشقة إخراج الزكاة واقتطاع المال ~~المعشوق # ولا شك أن هذا القسم باطل فإن تحريك اللسان بالهذيان ما أخفه على الغافل ~~فليس فيه امتحان من حيث أنه عمل بل المقصود الحروف من حيث أنه نطق ولا يكون ~~نطقا إلا إذا أعرب عما في الضمير ولا يكون معربا إلا بحضور القلب فأي سؤال ~~في قوله إهدنا الصراط المستقيم إذا كان القلب غافلا وإذا لم يقصد كونه ~~تضرعا ودعاء فأي مشقة في تحريك اللسان به مع الغفلة لا سيما بعد الاعتياد ~~هذا حكم الأذكار بل أقول لو حلف الإنسان وقال لأشكرن فلانا وأثني عليه ~~وأسأله حاجة ثم جرت الألفاظ الدالة على هذه المعاني على لسانه في النوم لم ~~يبر في يمينه ولو جرت على لسانه في ظلمة وذلك الإنسان حاضر وهو لا يعرف ~~حضوره ولا يراه لا يصير بارا في يمينه إذ لا يكون كلامه خطابا ونطقا معه ما ~~لم يكن هو حاضرا في قلبه فلو كانت تجري هذه الكلمات على لسانه وهو حاضر إلا ~~أنه في بياض النهار غافل لكونه مستغرق الهم بفكر من الأفكار ولم يكن له قصد ~~توجيه الخطاب إليه عند نطقه لم يصر بارا في يمينه # ولا شك أن المقصود من القراءة والأذكار الحمد والثناء والتضرع والدعاء ~~والمخاطب هو الله عز وجل وقلبه بحجاب الغفلة محجوب عنه فلا يراه ولا يشاهده ~~بل هو غافل عن المخاطب ولسانه يتحرك بحكم العادة فما أبعد هذا عن المقصود ~~بالصلاة التي شرعت لتصقيل القلب وتجديد ذكر الله عز وجل ورسوخ عقد الإيمان ~~به هذا حكم القراءة والذكر # وبالجملة فهذه الخاصية لا سبيل إلى إنكارها في النطق وتمييزها عن الفعل # وأما الركوع والسجود فالمقصود بهما التعظيم قطعا ولو جاز أن يكون معظما ~~لله عز وجل بفعله وهو غافل عنه لجاز أن يكون معظما لصنم موضوع بين يديه وهو ~~غافل عنه أو يكون معظما للحائط الذي بين يديه وهو غافل عنه وإذا خرج عن ~~كونه تعظيما لم يبق إلا مجرد حركة الظهر والرأس وليس فيه من المشقة ما يقصد ~~الإمتحان به ثم يجعله عماد الدين والفاصل بين الكفر والإسلام ويقدم على ~~الحج وسائر العبادات ويجب القتل بسبب تركه على الخصوص وما أرى أن هذه ~~العظمة كلها للصلاة من حيث أعمالها الظاهرة إلا أن يضاف إليها مقصود ~~المناجاة فإن ذلك يتقدم على الصوم والزكاة والحج وغيره بل الضحايا ~~والقرابين التي هي مجاهدة للنفس بتنقيص المال قال الله تعالى لن ينال الله ~~لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم أي الصفة التي استولت على القلب ~~حتى حملته على امتثال الأوامر هي المطلوبة فكيف الأمر في الصلاة ولا أرب في ~~أفعالها فهذا ما يدل من حيث المعنى على اشتراط حضور القلب # فإن قلت إن حكمت ببطلان الصلاة وجعلت حضور القلب شرطا في صحتها خالفت ~~إجماع الفقهاء فإنهم لم يشترطوا إلا حضور القلب عند التكبير فاعلم أنه قد ~~تقدم في كتاب العلم أن الفقهاء لا يتصرفون في الباطن ولا يشقون عن القلوب ~~ولا في طريق الآخرة بل يبنون أحكام الدين على ظاهر أعمال الجوارح وظاهر ~~الأعمال كاف لسقوط القتل وتعزير السلطان فأما أنه ينفع في الآخرة فليس هذا ~~من حدود الفقه على أنه لا يمكن أن يدعي الإجماع # فقد نقل عن بشر بن الحارث فيما رواه عنه أبو طالب المكي عن سفيان الثوري ~~أنه قال من لم يخشع فسدت صلاته وروى عن الحسن أنه قال كل صلاة لا يحضر فيها ~~القلب فهي إلى العقوبة أسرع # وعن معاذ بن جبل من عرف من على يمينه وشماله متعمدا وهو في الصلاة فلا ~~صلاة له # وروي أيضا مسندا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم PageV01P160 إن العبد ~~ليصلي الصلاة لا يكتب له سدسها ولا عشرها وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل ~~منها + حديث إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له سدسها ولا عشرها الحديث ~~أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث عمار بن ياسر بنحوه + وهذا لو ~~نقل عن غيره لجعل مذهبا فكيف لا يتمسك به وقال عبد الواحد بن زيد أجمعت ~~العلماء على أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها فجعله إجماعا وما نقل ~~من هذا الجنس عن الفقهاء المتورعين وعن علماء الآخرة أكثر من أن يحصى # والحق الرجوع إلى أدلة الشرع والأخبار والآثار ظاهرة في هذا الشرط إلا أن ~~مقام الفتوى في التكليف الظاهر يتقدر بقدر قصور الخلق # فلا يمكن أن يشترط على الناس إحضار القلب في جميع الصلاة فإن ذلك يعجز ~~عنه كل البشر إلا الأقلين وإذا لم يمكن اشتراط الاستيعاب للضرورة فلا مرد ~~له إلا أن يشترط منه ما يطلق عليه الاسم ولو في اللحظة الواحدة وأولى ~~اللحظات به لحظة التكبير فاقتصرنا على التكليف بذلك # ونحن مع ذلك نرجو أن لا يكون حال الغافل في جميع صلاته مثل حال التارك ~~بالكلية # فإنه على الجملة أقدم على العمل ظاهرا وأحضر القلب لحظة # وكيف لا والذي صلى مع الحدث ناسيا صلاته باطلة عند الله تعالى ولكن له ~~أجر ما يحسب فعله وعلى قدر قصوره وعذره ومع هذا الرجاء فيخشى أن يكون حاله ~~أشد من حال التارك وكيف لا والذي يحضر الخدمة ويتهاون بالحضرة ويتكلم بكلام ~~الغافل المستحقر أشد حالا من الذي يعرض عن الخدمة وإذا تعارض أسباب الخوف ~~والرجاء وصار الأمر مخطرا في نفسه فإليك الخيرة بعده في الاحتياط والتساهل # ومع هذا فلا مطمع في مخالفة الفقهاء فيما أفتوا به من الصحة مع الغفلة ~~فإن ذلك من ضرورة الفتوى كما سبق التنبيه عليه ومن عرف سر الصلاة علم أن ~~الغفلة تضادها # ولكن قد ذكرنا في باب الفرق بين العلم الباطن والظاهر في كتاب قواعد ~~العقائد أن قصور الخلق أحد الأسباب المانعة عن التصريح بكل ما ينكشف من ~~أسرار الشرع # فلنقتصر على هذا القدر من البحث فإن فيه مقنعا للمريد الطالب لطريق ~~الآخرة # وأما المجادل المشغب فلسنا نقصد مخاطبته الآن وحاصل الكلام أن حضور القلب ~~هو روح الصلاة وأن أقل ما يبقى به رمق الروح الحضور عند التكبير # فالنقصان منه هلاك وبقدر الزيادة عليه تنبسط الروح في أجزاء الصلاة # وكم من حي لا حراك به قريب من ميت فصلاة الغافل في جميعها إلا عند ~~التكبير كمثل حي لا حراك به نسأل الله حسن العون # | بيان المعاني الباطنة التي تتم بها حياة الصلاة # اعلم أن هذه المعاني تكثر العبارات عنها ولكن يجمعها ست جمل وهي حضور ~~القلب والتفهم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء # فلنذكر تفاصيلها ثم أسبابها ثم العلاج في اكتسابها # أما التفاصيل فالأول حضور القلب ونعني به أن يفرغ القلب عن غير ما هو ~~ملابس له ومتكلم به فيكون العلم بالفعل والقول مقرونا بهما ولا يكون الفكر ~~جائلا في غيرهما ومهما انصرف في الفكر عن غير ما هو فيه وكان في قلبه ذكر ~~لما هو فيه ولم يكن فيه غفلة عن كل شيء فقد حصل حضور القلب ولكن التفهم ~~لمعنى الكلام أمر وراء حضور القلب فربما يكون القلب حاضرا مع اللفظ ولا ~~يكون حاضرا مع معنى اللفظ فاشتمال القلب على العلم بمعنى اللفظ هو الذي ~~أردناه بالتفهم # وهذا مقام يتفاوت الناس فيه إذ ليس يشترك الناس في تفهم المعاني للقرآن ~~والتسبيحات # وكم من معان لطيفة يفهمها المصلي في أثناء الصلاة ولم يكن قد خطر بقلبه ~~ذلك قبله ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر فإنها تفهم ~~أمورا تلك الأمور تمنع عن الفحشاء لا محالة # وأما التعظيم فهو أمر وراء حضور القلب والفهم إذ الرجل يخاطب عبده بكلام ~~هو حاضر القلب PageV01P161 فيه ومتفهم لمعناه ولا يكون معظما له فالتعظيم ~~زائد عليهما # وأما الهيبة فزائدة على التعظيم بل هي عبارة عن خوف منشؤه التعظيم لأن من ~~لا يخاف لا يسمى هائبا والمخافة من العقرب وسوء خلق العبد وما يجري مجراه ~~من الأسباب الخسيسة لا تسمى مهابة بل الخوف من السلطان المعظم يسمى مهابة ~~والهيبة خوف مصدرها الإجلال # وأما الرجا فلا شك أنه زائد فكم من معظم ملكا من الملوك يهابه أو يخاف ~~سطوته ولكن لا يرجو مثوبته # والعبد ينبغي أن يكون راجيا بصلاته ثواب الله عز وجل كما أنه خائف ~~بتقصيره عقاب الله عز وجل وأما الحياء فهو زائد على الجملة لأن مستنده ~~استشعار تقصير وتوهم ذنب ويتصور التعظيم والخوف والرجاء من غير حياء حيث لا ~~يكون توهم تقصير وارتكاب ذنب # وأما أسباب هذه المعاني الستة فاعلم أن حضور القلب سببه الهمة فإن قلبك ~~تابع لهمتك فلا يحضر إلا فيما يهمك # ومهما أهمك أمر حضر القلب فيه شاء أم أبى فهو مجبول على ذلك ومسخر فيه # والقلب إذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلا بل جائلا فيما الهمة مصروفة ~~إليه من أمور الدنيا فلا حيلة ولا علاج لإحضار القلب إلا بصرف الهمة إلى ~~الصلاة والهمة لا تنصرف إليها ما لم يتبين أن الغرض المطلوب منوط بها وذلك ~~هو الإيمان والتصديق بأن الآخرة خير وأبقى وأن الصلاة وسيلة إليها فإذا ~~أضيف هذا إلى حقيقة العلم بحقارة الدنيا ومهماتها حصل من مجموعها حضور ~~القلب في الصلاة وبمثل هذه العلة يحضر قلبك إذا حضرت بين يدي بعض الأكابر ~~ممن لا يقدر على مضرتك ومنفعتك فإذا كان لا يحضر عند المناجاة مع ملك ~~الملوك الذي بيده الملك والملكوت والنفع والضر فلا تظنن أن له سببا سوى ضعف ~~الإيمان فاجتهد الآن في تقوية الإيمان وطريقه يستقصى في غير هذا الموضع ~~وأما التفهم فسببه بعد حضور القلب إدمان الفكر وصرف الذهن إلى إدراك المعنى ~~وعلاجه ما هو علاج إحضار القلب مع الإقبال على الفكر والتشمر لدفع الخواطر # وعلاج دفع الخواطر الشاغلة قطع موادها أعني النزوع عن تلك الأسباب التي ~~تنجذب الخواطر إليها وما لم تنقطع تلك المواد لا تنصرف عنها الخواطر فمن ~~أحب شيئا أكثر ذكره فذكر المحبوب يهجم على القلب بضرورة لذلك ترى أن من أحب ~~غير الله لا تصفو له صلاة عن الخواطر # وأما التعظيم فهي حالة للقلب تتولد من معرفتين إحداهما معرفة جلال الله ~~عز وجل وعظمته وهو من أصول الإيمان فإن من لا يعتقد عظمته لا تذعن النفس ~~لتعظيمه # الثانية معرفة حقارة النفس وخستها وكونها عبدا مسخرا مربوبا حتى يتولد من ~~المعرفتين الاستكانة والانكسار والخشوع لله سبحانه فيعبر عنه بالتعظيم وما ~~لم تمتزج معرفة حقارة النفس بمعرفة جلال الله لا تنتظم حالة التعظيم ~~والخشوع فإن المستغنى عن غيره الآمن على نفسه يجوز أن يعرف من غيره صفات ~~العظمة ولا يكون الخشوع والتعظيم حاله لأن القرينة الأخرى وهي معرفة حقارة ~~النفس وحاجتها لم تقترن إليه وأما الهيبة والخوف فحالة للنفس تتولد من ~~المعرفة بقدرة الله وسطوته ونفوذ مشيئته فيه مع قلة المبالاة به وأنه لو ~~أهلك الأولين والآخرين لم ينقص من ملكه ذرة هذا مع مطالعة ما يجري على ~~الأنبياء والأولياء من المصائب وأنواع البلاء مع القدرة على الدفع على خلاف ~~ما يشاهد من ملوك الأرض # وبالجملة كلما زاد العلم بالله زادت الخشية والهيبة وسيأتي أسباب ذلك في ~~كتاب الخوف من ربع المنجيات وأما الرجاء فسببه معرفة لطف الله عز وجل وكرمه ~~وعميم إنعامه ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة فإذا حصل ~~اليقين بوعده والمعرفة بلطفه انبعث من مجموعهما الرجاء لا محالة وأما ~~الحياء فباستشعاره التقصير في العبادة وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق ~~الله عز وجل ويقوى ذلك بالمعرفة بعيوب النفس وآفاتها وقلة إخلاصها وخبث ~~دخلتها وميلها إلى الحظ العاجل في جميع أفعالها مع العلم بعظيم ما يقتضيه ~~جلال الله عز وجل والعلم PageV01P162 بأنه مطلع على السر وخطرات القلب وإن ~~دقت وخفيت وهذه المعارف إذا حصلت يقينا انبعث منها بالضرورة حالة تسمى ~~الحياء فهذه أسباب هذه الصفات وكل ما طلب تحصيله فعلاجه إحضار سببه ففي ~~معرفة السبب معرفة العلاج # ورابطة جميع هذه الأسباب الإيمان # واليقين أعني به هذه المعارف التي ذكرناها ومعنى كونها يقينا انتفاء الشك ~~واستيلاؤها على القلب كما سبق في بيان اليقين من كتاب العلم وبقدر اليقين ~~يخشع القلب ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة كأنه لم يعرفنا ولم نعرفه وقد روي أن ~~الله سبحانه أوحى إلى موسى عليه السلام يا موسى إذا ذكرتني فاذكرني وأنت ~~تنتفض أعضاؤك وكن عند ذكري خاشعا مطمئنا وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء ~~قلبك وإذا قمت بين يدي فقم قيام العبد الذليل وناجني بقلب وجل ولسان صادق ~~وروي أن الله تعالى أوحى إليه قل لعصاة أمتك لا يذكروني فإني آليت على نفسي ~~أن من ذكرني ذكرته فإذا ذكروني ذكرتهم باللعنة هذا في عاص غير غافل في ذكره ~~فكيف إذا اجتمعت الغفلة والعصيان وباختلاف المعاني التي ذكرناها في القلوب ~~انقسم الناس إلى غافل يتمم صلاته ولم يحضر قلبه في لحظة منها وإلى من يتمم ~~ولم يغب قلبه في لحظة بل ربما كان مستوعب الهم بها بحيث لا يحس بما يجري ~~بين يديه # ولذلك لم يحس مسلم بن يسار بسقوط الأسطوانة في المسجد اجتمع الناس عليها # وبعضهم كان يحضر الجماعة مدة ولم يعرف قط من على يمينه ويساره # ووجيب قلب إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه كان يسمع على ميلين # وجماعة كانت تصفر وجوههم وترتعد فرائصهم # وكل ذلك غير مستبعد فإن أضعافه مشاهد في همم أهل الدنيا وخوف ملوك الدنيا ~~مع عجزهم وضعفهم وخساسة الحظوظ الحاصلة منهم حتى يدخل الواحد على ملك أو ~~وزير ويحدثه بمهمته ثم يخرج ولو سئل عمن حواليه أو عن ثوب الملك لكان لا ~~يقدر على الإخبار عنه لاشتغال همه به عن ثوبه وعن الحاضرين حواليه ولكل ~~درجات مما عملوا فحظ كل واحد من صلاته بقدر خوفه وخشوعه وتعظيمه فإن موضع ~~نظر الله سبحانه القلوب دون ظاهر الحركات # ولذلك قال بعض الصحابة رضي الله عنهم يحشر الناس يوم القيامة على مثال ~~هيئتهم في الصلاة من الطمأنينة والهدوء ومن وجود النعيم بها واللذة ولقد ~~صدق فإنه يحشر كل على ما مات عليه ويموت على ما عاش عليه ويراعى في ذلك حال ~~قلبه لا حال شخصه فمن صفات القلوب تصاغ الصور في الدار الآخرة ولا ينجو إلا ~~من أتى الله بقلب سليم نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه # | بيان الدواء النافع في حضور القلب # اعلم أن المؤمن لا بد أن يكون معظما لله عز وجل وخائفا منه وراجيا له ~~ومستحييا من تقصيره فلا ينفك عن هذه الأحوال بعد إيمانه وإن كانت قوتها ~~بقدر قوة يقينه فانفكاكه عنها في الصلاة لا سبب له إلا تفرق الفكر وتقسيم ~~الخاطر وغيبة القلب عن المناجاة والغفلة عن الصلاة # ولا يلهى عن الصلاة إلا الخواطر الواردة الشاغلة فالدواء في إحضار القلب ~~هو دفع تلك الخواطر ولا يدفع الشيء إلا بدفع سببه فلتعلم سببه # وسبب موارد الخواطر إما أن يكون أمرا خارجا أو أمرا في ذاته باطنا # أما الخارج فما يقرع السمع أو يظهر للبصر فإن ذلك قد يختطف الهم حتى ~~يتبعه ويتصرف فيه ثم تنجر منه الفكرة إلى غيره ويتسلسل ويكون الإبصار سببا ~~للافتكار ثم تصير بعض تلك الأفكار سببا للبعض # ومن قويت نيته وعلت همته لم يلهه ما جرى على حواسه ولكن الضعيف لا بد وأن ~~يتفرق به فكره # وعلاجه قطع هذه الأسباب بأن يغض بصره أو يصلى في بيت مظلم أو لا يترك بين ~~يديه ما يشغل حسه ويقرب من حائط عند صلاته حتى لا تتسع مسافة بصره ويحترز ~~من الصلاة على الشوارع PageV01P163 وفي المواضع المنقوشة المصنوعة وعلى ~~الفرش المصبوغة # ولذلك كان المتعبدون يتعبدون في بيت صغير مظلم سعته قدر السجود ليكون ذلك ~~أجمع للهم # والأقوياء منهم كانوا يحضرون المساجد ويغضون البصر ولا يجاوزون به موضع ~~السجود ويرون كمال الصلاة في أن لا يعرفوا من على يمينهم وشمالهم # وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يدع في موضع الصلاة مصحفا ولا سيفا إلا ~~نزعه ولا كتابا إلا محاه # وأما الأسباب الباطنة فهي أشد فإن من تشعبت به الهموم في أودية الدنيا لا ~~ينحصر فكره في فن واحد بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب وغض البصر لا ~~يغنيه فإن ما وقع في القلب من قبل كاف للشغل فهذا طريقة أن يرد النفس قهرا ~~إلى فهم ما يقرؤه في الصلاة ويشغلها به عن غيره ويعينه على ذلك أن يستعد له ~~قبل التحريم بأن يحدد على نفسه ذكر الآخرة وموقف المناجاة وخطر المقام بين ~~يدي الله سبحانه وهو المطلع ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه فلا ~~يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي شيبة إني نسيت أن أقول ~~لك أن تخمر القدر الذي في البيت + حديث إني نسيت أن أقول لك بخمر القربتين ~~اللتين في البيت الحديث أخرجه أبو داود من حديث عثمان الحجبي وهو عثمان بن ~~طلحة كما في مسند أحمد ووقع للمصنف أنه قال ذلك لعثمان بن أبي شيبة وهو وهم ~~+ فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل الناس عن صلاتهم فهذا طريق ~~تسكين الأفكار # فإن كان لا يسكن هوائج أفكاره بهذا الدواء المسكن فلا ينجيه إلا المسهل ~~الذي يقمع مادة الداء من أعماق العروق وهو أن ينظر في الأمور الصارفة ~~الشاغلة عن إحضار القلب ولا شك أنها تعود إلى مهماته وأنها إنما صارت مهمات ~~لشهواته فيعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات وقطع تلك العلائق فكل ما يشغله ~~عن صلاته فهو ضد دينه وجند إبليس عدوه فإمساكه أضر عليه من إخراجه فيتخلص ~~منه بإخراجه كما روى أنه صلى الله عليه وسلم لما لبس الخميصة التي أتاه بها ~~أبو جهم وعليها علم وصلى بها نزعها بعد صلاته وقال صلى الله عليه وسلم ~~اذهبوا بها إلى أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي وائتوني بأنبجانية أبي ~~جهم + حديث نزع الخميصة وقال ائتوني بأنبجانية أبي جهم متفق عليه من حديث ~~عائشة وقد تقدم في العلم + # وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجديد شراك نعله ثم نظر إليه في ~~صلاته إذ كان جديدا فأمر أن ينزع منها ويرد الشراك الخلق + حديث أمره بنزع ~~الشراك الجديد ورد الشراك الخلق إذ نظر إليه في صلاته أخرجه ابن المبارك في ~~الزهد من حديث أبي النضر مرسلا بإسناد صحيح + # وكان صلى الله عليه وسلم قد احتذى نعلا فأعجبه حسنها فسجد وقال تواضعت ~~لربي عز وجل كي لا يمقتني ثم خرج بها فدفعها إلى أول سائل لقيه ثم أمر عليا ~~رضي الله عنه أن يشتري له نعلين سبتيتين جرداوين فلبسهما + حديث احتذى نعلا ~~فأعجبه حسنها فسجد وقال تواضعت لربي الحديث أخرجه أبو عبد الله ابن حقيق في ~~شرف الفقراء من حديث عائشة بإسناد ضعيف + # وكان صلى الله عليه وسلم في يده خاتم من ذهب قبل التحريم وكان على المنبر ~~فرماه وقال شغلني هذا نظرة إليه ونظرة إليكم + حديث رميه بالخاتم الذهب من ~~يده وقال شغلني هذا نظرة إليه ونظرة إليكم أخرجه النسائي من حديث ابن عباس ~~بإسناد صحيح وليس فيه بيان أن الخاتم كان ذهبا ولا فضة إنما هو مطلق + وروى ~~أن أبا طلحة صلى في حائط وفيه شجر فأعجبه دبسي طار في الشجر يلتمس مخرجا ~~فأتبعه بصره ساعة ثم لم يدركم صلى فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما ~~أصابه من الفتنة ثم قال يا رسول الله هو صدقة فضعه حيث شئت + حديث إن أبا ~~طلحة صلى في حائط له فيه شجر فأعجبه ريش طائر في الشجر الحديث أخرجه في ~~سهوه في الصلاة وتصدقه بالحائط مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا طلحة ~~الأنصاري فذكره بنحوه + # وعن رجل آخر أنه صلى في حائط له والنخل مطوقة بثمرها فنظر إليها فأعجبته ~~ولم يدر كم صلى فذكر ذلك لعثمان رضي الله عنه وقال هو صدقة فاجعله في سبيل ~~الله عز وجل PageV01P164 فباعه عثمان بخمسين ألفا # فكانوا يفعلون ذلك قطعا لمادة الفكر وكفارة لما جرى من نقصان الصلاة وهذا ~~هو الدواء القاطع لمادة العلة ولا يغني غيره # فأما ما ذكرناه من التلطف بالتسكين والرد إلى فهم الذكر فذلك ينفع في ~~الشهوات الضعيفة والهمم التي لا تشغل إلا حواشي القلب # فأما الشهوة القوية المرهقة فلا ينفع فيها التسكين بل لا تزال تجاذبها ~~وتجاذبك ثم تغلبك وتنقضي جميع صلاتك في شغل المجاذبة # ومثاله رجل تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره وكانت أصوات العصافير تشوش ~~عليه فلم يزل يطيرها بخشبة في يده ويعود إلى فكره فتعود العصافير فيعود إلى ~~التنفير بالخشبة فقيل له إن هذا أسير السواني ولا ينقطع فإن أردت الخلاص ~~فاقطع الشجرة # فكذلك شجرة الشهوات إذا تشعبت وتفرعت أغصانها انجذبت إليها الأفكار ~~انجذاب العصافير إلى الأشجار وانجذاب الذباب إلى الأقذار والشغل يطول في ~~دفعها فإن الذباب كلما ذب آب ولأجله سمي ذبابا # فكذلك الخواطر وهذه الشهوات كثيرة وقلما يخلو العبد عنها ويجمعها أصل ~~واحد وهو حب الدنيا وذلك رأس كل خطيئة وأساس كل نقصان ومنبع كل فساد # ومن انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال إلى شيء منها لا ليتزود منها ولا ~~ليستعين بها على الآخرة فلا يطمعن في أن تصفو له لذة المناجاة في الصلاة # فإن من فرح بالدنيا لا يفرح بالله سبحانه وبمناجاته # وهمة الرجل مع قرة عينه فإن كانت قرة عينه في الدنيا انصرف لا محالة ~~إليها همه ولكن مع هذا فلا ينبغي أن يترك المجاهدة ورد القلب إلى الصلاة ~~وتقليل الأسباب الشاغلة فهذا هو الدواء المر ولمرارته استبشعته الطباع ~~وبقيت العلة مزمنة وصار الداء عضالا حتى إن الأكابر اجتهدوا أن يصلوا ~~ركعتين لا يحدثوا أنفسهم فيها بأمور الدنيا فعجزوا عن ذلك فإذن لا مطمع فيه ~~لأمثالنا وليته سلم لنا من الصلاة شطرها أو ثلثها من الوسواس لنكون ممن خلط ~~عملا صالحا وآخر سيئا # وعلى الجملة فهمة الدنيا وهمة الآخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح ~~مملوء بخل فبقدر ما ندخل فيه من الماء يخرج منه من الخل لا محالة ولا ~~يجتمعان $ بيان تفصيل ما ينبغي أن يحضر في القلب عند كل ركن وشرط من أعمال ~~الصلاة # فنقول حقك إن كنت من المريدين للآخرة أن لا تغفل أولا عن التنبيهات التي ~~في شروط الصلاة وأركانها # أما الشروط السوابق فهي الأذان والطهارة وستر العورة واستقبال القبلة ~~والانتصاب قائما والنية # فإذا سمعت نداء المؤذن فأحضر في قلبك هول النداء يوم القيامة وتشمر ~~بظاهرك وباطنك للإجابة والمسارعة فإن المسارعين إلى هذا النداء هم الذين ~~ينادون باللطف يوم العرض الأكبر فاعرض قلبك على هذا النداء فإن وجدته ~~مملوءا بالفرح والاستبشار مشحونا بالرغبة إلى الابتدار فاعلم أنه يأتيك ~~النداء بالبشرى والفوز يوم القضاء # ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أرحنا يا بلال + حديث بها أرحنا يا بلال ~~أخرجه الدارقطني في العلل من حديث بلال ولأبي داود نحوه من حديث رجل من ~~الصحابة لم يسم بإسناد صحيح + أي أرحنا بها وبالنداء إليها إذ كان قرة عينه ~~فيها صلى الله عليه وسلم # وأما الطهارة فإذا أتيت بها في مكانك وهو ظرفك الأبعد ثم في ثيابك وهي ~~غلافك الأقرب ثم في بشرتك وهي قشرك الأدنى فلا تغفل عن لبك الذي هو ذاتك ~~وهو قلبك فاجتهد له تطهيرا بالتوبة والندم على ما فرطت وتصميم العزم على ~~الترك في المستقبل فطهر بها باطنك فإنه موضع نظر معبودك # وأما ستر العورة فاعلم أن معناه تغطية مقابح بدنك عن أبصار الخلق فإن ~~ظاهر بدنك مرتع لنظر الخلق فما بالك في عورات باطنك وفضائح سرائرك التي لا ~~يطلع عليها إلا ربك عز وجل فاحضر تلك الفضائح ببالك وطالب نفسك بسترها ~~وتحقق أنه لا يستر عن عين الله سبحانه PageV01P165 ساتر # وإنما يغفرها الندم والحياء والخوف فتستفيد بإحضارها في قلبك انبعاث جنود ~~الخوف والحياء من مكامنهما فتدل بها بنفسك ويستكين تحت الخجلة قلبك وتقوم ~~بين يدي الله عز وجل قيام العبد المجرم المسيء الآبق الذي ندم فرجع إلى ~~مولاه ناكسا رأسه من الحياء والخوف # وأما الاستقبال فهو صرف ظاهر وجهك عن سائر الجهات إلى جهة بيت الله تعالى ~~أفترى أن صرف القلب عن سائر الأمور إلى الله عز وجل ليس مطلوبا منك هيهات ~~فلا مطلوب سواه # وإنما هذه الظواهر تحريكات للبواطن وضبط للجوارح وتسكين لها بالإثبات في ~~جهة واحدة حتى لا تبغي على القلب فإنها إذا بغت وظلمت في حركاتها والتفاتها ~~إلى جهاتها استتبعت القلب وانقلبت به عن وجه الله عز وجل فليكن وجه قلبك مع ~~وجه بدنك # فاعلم أنه كما لا يتوجه الوجه إلى جهة البيت إلا بالانصراف عن غيرها فلا ~~ينصرف القلب إلى الله عز وجل إلا بالتفرغ عما سواه وقد قال صلى الله عليه ~~وسلم إذا قام العبد إلى صلاته فكان هواه ووجهه وقلبه إلى الله عز وجل انصرف ~~كيوم ولدته أمه + حديث إذا قام العبد إلى صلاته وكان وجهه وهواه إلى الله ~~انصرف كيوم ولدته أمه لم أجده + وأما الاعتدال قائما فإنما هو مثول بالشخص ~~والقلب بين يدي الله عز وجل فليكن رأسك الذي هو أرفع أعضائك مطرقا مطأطئا ~~متنكسا وليكن وضع الرأس عن ارتفاعه تنبيها على إلزام القلب التواضع والتذلل ~~والتبري عن الترؤس والتكبر وليكن على ذكرك ههنا خطر القيام بين يدي الله عز ~~وجل في هول المطلع عند العرض للسؤال # واعلم في الحال أنك قائم بين يدي الله عز وجل وهو مطلع عليك فقم بين يديه ~~قيامك بين يدي بعض ملوك الزمان إن كنت تعجز عن معرفة كنه جلاله بل قدر في ~~دوام قيامك في صلاتك أنك ملحوظ ومرقوب بعين كالئة من رجل صالح من أهلك أو ~~ممن ترغب في أن يعرفك بالصلاح فإنه تهدأ عند ذلك أطرافك وتخشع جوارحك وتسكن ~~جميع أجزائك خيفة أن ينسبك ذلك العاجز المسكين إلى قلة الخشوع # وإذا أحسست من نفسك بالتماسك عند ملاحظة عبد مسكين فعاتب نفسك وقل لها ~~إنك تدعين معرفة الله وحبه أفلا تستحين من استجرائك عليه مع توقيرك عبدا من ~~عباده أو تخشين الناس ولا تخشينه وهو أحق أن يخشى ولذلك لما قال أبو هريرة ~~كيف الحياء من الله فقال صلى الله عليه وسلم تستحي منه كما تستحي من الرجل ~~الصالح من قومك + حديث قال أبو هريرة كيف الحياء من الله قال تستحي منه كما ~~تستحي من الرجل الصالح من قومك أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي ~~في الشعب من حديث سعيد بن زيد مرسلا بنحوه وأرسله البيهقي بزيادة ابن عمر ~~في السند وفي العلل الدارقطني عن ابن عمر له وقال إنه أشبه شيء بالصواب ~~لوروده من حديث سعيد بن زيد أحد العشرة + وروي من أهلك وأما النية فاعزم ~~على إجابة الله عز وجل في امتثال أمره بالصلاة وإتمامها والكف عن نواقضها ~~ومفسداتها وإخلاص جميع ذلك لوجه الله سبحانه رجاء لثوابه وخوفا من عقابه ~~وطلبا للقربة منه متقلدا للمنة منه بإذنه إياك في المناجاة مع سوء أدبك ~~وكثرة عصيانك وعظم في نفسك قدر مناجاته وانظر من تناجي وكيف تناجي وبماذا ~~تناجي وعند هذا ينبغي أن يعرق جبينك من الخجل وترتعد فرائصك من الهيبة ~~ويصفر وجهك من الخوف # وأما التكبير فإذا نطق به لسانك فينبغي أن لا يكذبه قلبك فإن كان في قلبك ~~شيء هو أكبر من الله سبحانه فالله يشهد إنك لكاذب وإن كان الكلام صدقا كما ~~شهد على المنافقين في قولهم إنه صلى الله عليه وسلم رسول الله # فإن كان هواك أغلب عليك من أمر الله عز وجل فأنت أطوع له منك لله تعالى ~~فقد اتخذته إلهك وكبرته فيوشك أن يكون قولك الله أكبر كلاما باللسان المجرد ~~وقد تخلف القلب عن مساعدته وما أعظم الخطر في ذلك لولا التوبة والاستغفار ~~وحسن الظن بكرم الله تعالى وعفوه # وأما دعاء الاستفتاح فأول كلماته قولك وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ~~وليس المراد بالوجه الوجه الظاهر فإنك إنما وجهته إلى جهة القبلة والله ~~سبحانه يتقدس PageV01P166 عن أن تحده الجهات حتى تقبل بوجه بدنك عليه # وإنما وجه القلب هو الذي تتوجه به إلى فاطر السماوات والأرض فانظر إليه ~~أمتوجه هو إلى أمانيه وهمه في البيت والسوق ومتبع للشهوات أو مقبل على فاطر ~~السموات وإياك أن تكون أول مفاتحتك للمناجاة بالكذب والاختلاق # ولن ينصرف الوجه إلى الله تعالى إلا بانصرافه عما سواه فاجتهد في الحال ~~في صرفه إليه وإن عجزت عنه على الدوام فليكن قولك في الحال صادقا # وإذا قلت حنيفا مسلما فينبغي أن يخطر ببالك أن المسلم هو الذي سلم ~~المسلمون من لسانه ويده فإن لم تكن كذلك كنت كاذبا فاجتهد في أن تعزم عليه ~~في الاستقبال وتندم على ما سبق من الأحوال # وإذا قلت وما أنا من المشركين فأخطر ببالك الشرك الخفي فإن قوله تعالى ~~فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا نزل ~~فيمن يقصد بعبادته وجه الله وحمد الناس وكن حذرا مشفقا من هذا الشرك ~~واستشعر الخجلة في قلبك إن وصفت نفسك بأنك لست من المشركين من غير براءة عن ~~هذا الشرك فإن اسم الشرك يقع على القليل والكثير منه # وإذا قلت محياي ومماتي لله فاعلم أن هذا حال عبد مفقود لنفسه موجود لسيده ~~وأنه إن صدر ممن رضاه وغضبه وقيامه وقعوده ورغبته في الحياة ورهبته من ~~الموت لأمور الدنيا لم يكن ملائما للحال # وإذا قلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فاعلم أنه عدوك ومترصد لصرف قلبك ~~عن الله عز وجل حسدا لك على مناجاتك مع الله عز وجل وسجودك له مع أنه لعن ~~بسبب سجدة واحدة تركها ولم يوفق لها وأن استعاذتك بالله سبحانه منه بترك ما ~~يحبه وتبديله بما يحب الله عز وجل لا بمجرد قولك فإن من قصده سبع أو عدو ~~ليفترسه أو يقتله فقال أعوذ منك بذلك الحصن الحصين وهو ثابت على مكانه فإن ~~ذلك لا ينفعه بل لا يعيذه إلا تبديل المكان فكذلك من يتبع الشهوات التي هي ~~محاب الشيطان ومكاره الرحمن فلا يغنيه مجرد القول فليقترن قوله بالعزم على ~~التعوذ بحصن الله عز وجل عن شر الشيطان وحصنه لا إله إلا الله إذ قال عز ~~وجل فيما أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله حصني فمن دخل ~~حصني أمن من عذابي + حديث قال الله تعالى لا إله إلا الله حصني أخرجه ~~الحاكم في التاريخ وأبو نعيم في الحلية من طريق أهل البيت من حديث علي ~~بإسناد ضعيف جدا وقول أبي منصور الديلمي إنه حديث ثابت مردود عليه + ~~والمتحصن به لا معبود له سوى الله سبحانه فأما من اتخذ إلهه هواه فهو في ~~ميدان الشيطان لا في حصن الله عز وجل # واعلم أن من مكايده أن يشغلك في صلاتك بذكر الآخرة وتدبير فعل الخيرات ~~ليمنعك عن فهم ما تقرأ # فاعلم أن كل ما يشغلك عن فهم معاني قراءتك فهو وسواس فإن حركة اللسان غير ~~مقصودة بل المقصود معانيها فأما القراءة فالناس فيها ثلاثة رجل يتحرك لسانه ~~وقلبه غافل ورجل يتحرك لسانه وقلبه يتبع اللسان فيفهم ويسمع منه كأنه يسمعه ~~من غيره وهي درجات أصحاب اليمين ورجل يسبق قلبه إلى المعاني أولا ثم يخدم ~~اللسان القلب فيترجمه # ففرق بين أن يكون اللسان ترجمان القلب أو يكون معلم القلب والمقربون ~~لسانهم ترجمان يتبع القلب ولا يتبعه القلب # وتفصيل ترجمة المعاني أنك إذا قلت بسم الله الرحمن الرحيم فانو به التبرك ~~لابتداء القراءة لكلام الله سبحانه وافهم أن الأمور كلها بالله سبحانه # وأن المراد بالاسم ههنا هو المسمى # وإذا كانت الأمور بالله سبحانه فلا جرم كان الحمد لله ومعناه أن الشكر ~~لله إذ النعم من الله # ومن يرى من غير الله نعمة أو يقصد غير الله سبحانه بشكر لا من حيث إنه ~~مسخر من الله عز وجل ففي تسميته وتحميده نقصان بقدر التفاته إلى غير الله ~~تعالى # فإذا قلت الرحمن الرحيم فأحضر في قلبك جميع أنواع لطفه لتتضح لك رحمته ~~فينبعث بها رجاؤك # ثم استثر من قلبك التعظيم والخوف بقولك مالك يوم الدين أما العظمة فلأنه ~~لا ملك إلا له PageV01P167 وأما الخوف فلهول يوم الجزاء والحساب الذي هو ~~مالكه # ثم جدد الإخلاص بقولك إياك نعبد وجدد العجز والاحتياج والتبري من الحول ~~والقوة بقولك وإياك نستعين وتحقق أنه ما تيسرت طاعتك إلا بإعانته وأن له ~~المنة إذ وفقك لطاعته واستخدمك لعبادته وجعلك أهلا لمناجاته # ولو حرمك التوفيق لكنت من المطرودين مع الشيطان اللعين # ثم إذا فرغت من التعوذ ومن قولك بسم الله الرحمن الرحيم ومن التحميد ومن ~~إظهار الحاجة إلى الإعانة مطلقا فعين سؤالك ولا تطلب إلا أهم حاجاتك وقل ~~إهدنا الصراط المستقيم الذي يسوقنا إلى جوارك ويفضي بنا إلى مرضاتك # وزده شرحا وتفصيلا وتأكيدا واستشهادا بالذين أفاض عليهم نعمة الهداية من ~~النبيين والصديقين والشهداء والصالحين دون الذين غضب عليهم من الكفار ~~والزائغين من اليهود والنصارى والصابئين ثم التمس الإجابة وقل آمين فإذا ~~تلوت الفاتحة كذلك فيشبه أن تكون من الذين قال الله تعالى فيهم فيما أخبر ~~عنه النبي صلى الله عليه وسلم قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ~~ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل + حديث قسمت الصلاة بيني وبينعبدي نصفين الحديث ~~أخرجه مسلم عن أبي هريرة + يقول العبد الحمد لله رب العالمين فيقول الله عز ~~وجل حمدني عبدي وأثنى علي # وهو معنى قوله سمع الله لمن حمده الحديث الخ فلو لم يكن لك من صلاتك حظ ~~سوى ذكر الله لك في جلاله وعظمته فناهيك بذلك غنيمة فكيف بما ترجوه من ~~ثوابه وفضله وكذلك ينبغي أن تفهم ما تقرؤه من السور كما سيأتي في كتاب ~~تلاوة القرآن فلا تغفل عن أمره ونهيه ووعده ووعيده ومواعظه وأخبار أنبيائه ~~وذكر مننه وإحسانه # ولكل واحد حق فالرجاء حق الوعد والخوف حق الوعيد والعزم حق الأمر والنهي ~~والاتعاظ حق الموعظة والشكر حق ذكر المنة والاعتبار حق إخبار الأنبياء # وروي أن زرارة بن أوفى لما انتهى إلى قوله تعالى @QB@ فإذا نقر في ~~الناقور @QE@ خر ميتا وكان إبراهيم النخعي إذا سمع قوله تعالى @QB@ إذا ~~السماء انشقت @QE@ اضطرب حتى تضطرب أوصاله # وقال عبد الله بن واقد رأيت ابن عمر يصلي مغلوبا عليه وحق له أن يحترق ~~قلبه بوعد سيده ووعيده فإنه عبد مذنب ذليل بين يدي جبار قاهر # وتكون هذه المعاني بحسب درجات الفهم ويكون الفهم بحسب وفور العلم وصفاء ~~القلب # ودرجات ذلك لا تنحصر # والصلاة مفتاح القلوب فيها تنكشف أسرار الكلمات فهذا حق القراءة وهو حق ~~الأذكار والتسبيحات أيضا # ثم يراعى الهيبة في ا لقراءة فيرتل ولا يسرد فإن ذلك أيسر للتأمل # ويفرق بين نغماته في آية الرحمة والعذاب والوعد والوعيد والتحميد ~~والتعظيم والتمجيد # كان النخعي إذا مر بمثل قوله عز وجل @QB@ ما اتخذ الله من ولد وما كان ~~معه من إله @QE@ يخفض صوته كالمستحيي عن أن يذكره بكل شيء لا يليق به # وروي أنه يقال لقارىء القرآن إقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا + ~~حديث يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي ~~من حديث عبد الله بن عمر وقال الترمذي حسن صحيح + وأما دوام القيام فإنه ~~تنبيه على إقامة القلب مع الله عز وجل على نعت واحد من الحضور قال صلى الله ~~عليه وسلم إن الله عز وجل مقبل على المصلي ما لم يلتفت + إن الله يقبل على ~~المصلي ما لم يلتفت أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصحح إسناده أبي ذر + ~~وكما تجب حراسة الرأس والعين عن الالتفات إلى الجهات فكذلك تجب حراسة السر ~~عن الالتفات إلى غير الصلاة # فإذا التفت إلى غيره فذكره باطلاع الله عليه وبقبح التهاون بالمناجي عند ~~غفلة المناجي ليعود إليه # وألزم لخشوع القلب فإن الخلاص عن الالتفات باطنا وظاهرا ثمرة الخشوع # ومهما خشع الباطن خشع الظاهر قال صلى الله عليه وسلم وقد رأى رجلا مصليا ~~يعبث بلحيته أما هذا PageV01P168 لو خشع قلبه لخشعت جوارحه فإن الرعية بحكم ~~الراعي # ولهذا ورد في الدعاء اللهم أصلح الراعي والرعية + حديث اللهم أصلح الراعي ~~والرعية لم أقف له على أصل فسره المصنف بالقلب والجوارح + وهو القلب ~~والجوارح # وكان الصديق رضي الله عنه في صلاته كأنه وتد # وابن الزبير رضي الله عنه كأنه عود # وبعضهم كان يسكن في ركوعه بحيث تقع العصافير عليه كأنه جماد وكل ذلك ~~يقتضيه الطبع بين يدي من يعظم من أبناء الدنيا فكيف لا يتقاضاه بين يدي ملك ~~الملوك عند من يعرف ملك الملوك وكل من يطمئن بين يدي غير الله عز وجل خاشعا ~~وتضطرب أطرافه بين يدي الله عابثا فذلك لقصور معرفته عن جلال الله عز وجل ~~وعن اطلاعه على سره وضميره # وقال عكرمة في قوله عز وجل الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين قال ~~قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه # وأما الركوع والسجود فينبغي أن تجدد عندهما ذكر كبرياء الله سبحانه وترفع ~~يديك مستجيرا بعفو الله عز وجل من عقابه بتجديد نية ومتبعا سنة نبيه صلى ~~الله عليه وسلم # ثم تستأنف له ذلا وتواضعا بركوعك وتجتهد في ترقيق قلبك وتجديد خشوعك ~~وتستشعر ذلك وعز مولاك واتضاعك وعلو ربك # وتستعين على تقرير ذلك في قلبك بلسانك فتسبح ربك وتشهد له بالعظمة وأنه ~~أعظم من كل عظيم وتكرر ذلك على قلبك لتؤكده بالتكرار # ثم ترتفع من ركوعك راجيا أنه راحم لك ومؤكدا للرجاء في نفسك بقولك سمع ~~الله لمن حمده أي أجاب لمن شكره # ثم تردف ذلك الشكر المتقاضي للمزيد فتقول ربنا لك الحمد وتكثر الحمد ~~بقولك ملء السموات وملء الأرض ثم تهوى إلى السجود وهو أعلى درجات الاستكانة ~~فتمكن أعز أعضائك وهو الوجه من أذل الأشياء وهو التراب # وإن أمكنك أن لا تجعل بينهما حائلا فتسجد على الأرض فافعل فإنه أجلب ~~للخشوع وأدل على الذل # وإذا وضعت نفسك موضع الذل فاعلم أنك وضعتها موضعها ورددت الفرع إلى أصله ~~فإنك من التراب خلقت وإليه تعود فعند هذا جدد على قلبك عظمة الله وقل سبحان ~~ربي الأعلى وأكده بالتكرار فإن الكرة الواحدة ضعيفة الأثر فإذا رق قلبك ~~وظهر ذلك فلتصدق رجاءك في رحمة الله فإن رحمته تتسارع إلى الضعف والذل لا ~~إلى التكبر والبطر فارفع رأسك مكبرا وسائلا حاجتك وقائلا رب اغفر وارحم ~~وتجاوز عما تعلم أو ما أردت من الدعاء # ثم أكد التواضع بالتكرار فعد إلى السجود ثانيا كذلك # وأما التشهد فإذا جلست له فاجلس متأدبا وصرح بأن جميع ما تدلي به من ~~الصلوات والطيبات أي من الأخلاق الطاهرة لله # وكذلك الملك لله وهو معنى التحيات وأحضر في قلبك النبي صلى الله عليه ~~وسلم وشخصه الكريم وقل سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وليصدق ~~أملك في أنه يبلغه ويرد عليك ما هو أوفى منه # ثم تسلم على نفسك وعلى جميع عباد الله الصالحين # ثم تأمل أن يرد الله سبحانه عليك سلاما وافيا بعدد عباده الصالحين # ثم تشهد له تعالى بالوحدانية ولمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة ~~مجددا عهد الله سبحانه بإعادة كلمتي الشهادة ومستأنفا للتحصن بها ثم ادع في ~~آخر صلاتك بالدعاء المأثور مع التواضع والخشوع والضراعة والابتهال وصدق ~~الرجاء بالإجابة # وأشرك في دعائك أبويك وسائر المؤمنين # واقصد عند التسليم السلام على الملائكة والحاضرين وانو ختم الصلاة به # واستشعر شكر الله سبحانه على توفيقه لإتمام هذه الطاعة # وتوهم أنك مودع لصلاتك هذه وأنك ربما لا تعيش لمثلها # وقال صلى الله عليه وسلم للذي أوصاه صل صلاة مودع ثم أشعر قلبك الوجل ~~والحياء من التقصير في ا الصلاة وخف أن لا تقبل صلاتك وأن تكون ممقوتا بذنب ~~ظاهر أو باطن فترد صلاتك في وجهك وترجو مع ذلك أن يقلبها بكرمه وفضله # كان يحيى بن وثاب إذا صلى مكث ما شاء الله تعرف عليه كآبة الصلاة ~~PageV01P169 # وكان إبراهيم يمكث بعد الصلاة ساعة كأنه مريض # فهذا تفصيل صلاة الخاشعين الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم على ~~صلواتهم يحافظون والذين هم على صلاتهم دائمون # والذين هم يناجون الله على قدر استطاعتهم في العبودية فليعرض الإنسان ~~نفسه على هذه الصلاة فبالقدر الذي يسر له منه ينبغي أن يفرح وعلى ما يفوته ~~ينبغي أن يتحسر وفي مداراة ذلك ينبغي أن يجتهد # وأما صلاة الغافلين فهي مخطرة إلا أن يتغمده الله برحمته والرحمة واسعة ~~والكرم فائض فنسأل الله أن يتغمدنا برحمته ويغمرنا بمغفرته إذ لا وسيلة لنا ~~إلا الاعتراف بالعجز عن القيام بطاعته # واعلم أن تخليص الصلاة عن الآفات وإخلاصها لوجه الله عز وجل وأداءها ~~بالشروط الباطنة التي ذكرناها من الخشوع والتعظيم والحياء سبب لحصول أنوار ~~في القلب تكون تلك الأنوار مفاتيح علوم المكاشفة # فأولياء الله المكاشفون بملكوت السموات والأرض وأسرار الربوبية إنما ~~يكاشفون في الصلاة لا سيما في السجود إذ يتقرب العبد من ربه عز وجل بالسجود # ولذلك قال تعالى واسجد واقترب وإنما تكون مكاشفة كل مصل على قدر صفائه عن ~~كدورات الدنيا ويختلف ذلك بالقوة والضعف والقلة والكثرة وبالجلاء والخفاء ~~حتى ينكشف لبعضهم الشيء بعينه وينكشف لبعضهم الشيء بمثاله كما كشف لبعضهم ~~الدنيا في صورة جيفة والشيطان في صورة كلب جاثم عليها يدعو إليها # ويختلف أيضا بما فيه المكاشفة فبعضهم ينكشف له من صفات الله تعالى وجلاله ~~ولبعضهم من أفعاله ولبعضهم من دقائق علوم المعاملة # ويكون لتعين تلك المعاني في كل وقت أسباب خفية لا تحصى وأشدها مناسبة ~~الهمة فإنها إذا كانت مصروفة إلى شيء معين كان ذلك أولى بالانكشاف ولما ~~كانت هذه الأمور لا تتراءى إلا في المرائي الصقيلة وكانت المرآة كلها صدئة ~~فاحتجبت عنها الهداية لا لبخل من جهة المنعم بالهداية بل لخبث متراكم الصدأ ~~على مصب الهداية تسارعت الألسنة إلى إنكار مثل ذلك إذ الطبع مجبول على ~~إنكار غير الحاضر ولو كان للجنين عقل لأنكر إمكان وجود الإنسان في متسع ~~الهواء ولو كان للطفل تمييز ما ربما أنكر ما يزعم العقلاء إدراكه من ملكوت ~~السموات والأرض وهكذا الإنسان في كل طور يكاد ينكر ما بعده # ومن أنكر طور الولاية لزمه أن ينكر طور النبوة وقد خلق الخلق أطوارا فلا ~~ينبغي أن ينكر كل واحد ما وراء درجته نعم لما طلبوا هذا من المجادلة ~~والمباحثة المشوشة ولم يطلبوها من تصفية القلوب عما سوى الله عز وجل فقدوه ~~فأنكروه # ومن لم يكن من أهل المكاشفة فلا أقل من أن يؤمن بالغيب ويصدق به إلى أن ~~يشاهد بالتجربة ففي الخبر إن العبد إذا قام في الصلاة رفع الله سبحانه ~~الحجاب بينه وبين عبده وواجهه بوجهه وقامت الملائكة من لدن منكبيه إلى ~~الهواء بصلاته ويؤمنون على دعائه وإن المصلي لينثر عليه البر من عنان ~~السماء إلى مفرق رأسه وينادي مناد لو علم هذا المناجي ما التفت وإن أبواب ~~السماء تفتح للمصلين # وإن الله عز وجل يباهي ملائكته بعبده المصلي + حديث إن العبد إذا قام في ~~الصلاة رفع الله الحجاب بينه وبين عبده الحديث لم أجده + ففتح أبواب السماء ~~ومواجهة الله تعالى إياه بوجهه كناية عن الكشف الذي ذكرناه # وفي التوراة مكتوب يا ابن آدم لا تعجز أن تقوم بين يدي مصليا باكيا فأنا ~~الله الذي اقتربت من قلبك وبالغيب رأيت نوري قال فكنا نرى أن تلك الرقة ~~والبكاء والفتوح الذي يجده المصلي في قلبه من دنو الرب سبحانه من القلب # وإذا لم يكن هذا الدنو هو القرب بالمكان فلا معنى له إلا الدنو بالهداية ~~والرحمة وكشف الحجاب # ويقال إن العبد إذا صلى ركعتين عجب منه عشرة صفوف من الملائكة كل صف منهم ~~عشرة آلاف وباهى الله به مائة ألف ملك # وذلك أن العبد قد جمع في الصلاة بين القيام والقعود والركوع والسجود وقد ~~فرق الله ذلك على أربعين ألف ملك فالقائمون PageV01P170 لا يركعون إلى يوم ~~القيامة والساجدون لا يرفعون إلى يوم القيامة وهكذا الراكعون والقاعدون فإن ~~ما رزق تعالى الملائكة من القرب والرتبة لازم مستمر على حال واحد لا يزيد ~~ولا ينقص لذلك أخبر الله عنهم أنهم قالوا وما منا إلا له مقام معلوم وفارق ~~الإنسان الملائكة في الترقي من درجة إلى درجة فإنه لا يزال يتقرب إلى الله ~~تعالى فيستفيد مزيد قربه وباب المزيد مسدود على الملائكة عليهم السلام وليس ~~لكل واحد إلا رتبته التي هي وقف عليه # وعبادته التي هو مشغول بها لا ينتقل إلى غيرها ولا يفتر عنها لا يستكبرون ~~عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون ومفتاح مزيد ~~الدرجات هي الصلوات # قال الله عز وجل قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون فمدحهم بعد ~~الإيمان بصلاة مخصوصة وهي المقرونة بالخشوع # ثم ختم أوصاف المفلحين بالصلاة أيضا فقال تعالى والذين هم على صلواتهم ~~يحافظون ثم قال تعالى في ثمرة تلك الصفات أولئك هم الوارثون الذين يرثون ~~الفردوس هم فيها خالدون فوصفهم بالفلاح أولا وبوراثة الفردوس آخرا وما عندي ~~أن هذرمة اللسان مع غفلة القلب تنتهي إلى هذا الحد ولذلك قال الله عز وجل ~~في أضدادهم ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين فالمصلون هم ورثة ~~الفردوس وهم المشاهدون لنور الله تعالى والمتمتعون بقربه ودنوه من قلوبهم # نسأل الله أن يجعلنا منهم وأن يعيذنا من عقوبة من تزينت أقواله وقبحت ~~أفعاله إنه الكريم المنان القديم الإحسان وصلى الله على كل عبد مصطفى ~~حكايات وأخبار في صلاة الخاشعين رضي الله عنهم # اعلم أن الخشوع ثمرة الإيمان ونتيجة اليقين الحاصل بجلال الله عز وجل ومن ~~رزق ذلك فإنه يكون خاشعا في الصلاة وفي غير الصلاة بل في خلوته وفي بيت ~~المال عند الحاجة فإن موجب الخشوع معرفته اطلاع الله تعالى على العبد ~~ومعرفة جلاله ومعرفة تقصير العبد فمن هذه المعارف يتولد الخشوع وليست مختصة ~~بالصلاة ولذلك روى عن بعضهم أنه لم يرفع رأسه إلى السماء أربعين سنة حياء ~~من الله سبحانه وخشوعا له وكان الربيع بن خيثم من شدة غضه لبصره وإطراقه ~~يظن بعض الناس أنه أعمى وكان يختلف إلى منزل ابن مسعود عشرين سنة فإذا رأته ~~جاريته قالت لابن مسعود صديقك الأعمى قد جاء فكان يضحك ابن مسعود من قولها ~~وكان إذا دق الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقا غاضا بصره وكان ابن مسعود ~~إذا نظر إليه يقول وبشر المخبتين أما والله لو رآك محمد صلى الله عليه وسلم ~~لفرح بك وفي لفظ آخر لأحبك وفي لفظ آخر لضحك ومشى ذات يوم مع ابن مسعود في ~~الحدادين فلما نظر إلى الأكوار تنفخ وإلى النار تلتهب صعق وسقط مغشيا عليه ~~وقعد ابن مسعود عند رأسه إلى وقت الصلاة فلم يفق فحمله على ظهره إلى منزله ~~فلم يزل مغشيا عليه إلى مثل الساعة التي صعق فيها ففاتته خمس صلوات وابن ~~مسعود عند رأسه يقول هذا والله هو الخوف # وكان الربيع يقول ما دخلت في صلاة قط فأهمني فيها إلا ما أقول وما يقال ~~لي وكان عامر بن عبد الله من خاشعي المصلين وكان إذا صلى ربما ضربت ابنته ~~بالدف وتحدث النساء بما يردن في البيت ولم يكن يسمع ذلك ولا يعقله وقيل له ~~ذات يوم هل تحدثك نفسك في الصلاة بشيء قال نعم بوقوفي بين يدي الله عز وجل ~~ومنصرفي إحدى الدارين قيل فهل تجد شيئا مما نجد من أمور الدنيا فقال لأن ~~تختلف الأسنة في أحب إلي من أن أجد في صلاتي ما تجدون وكان يقول لو كشف ~~الغطاء ما ازددت يقينا # وقد كان مسلم بن يسار منهم وقد نقلنا أنه لم يشعر بسقوط اسطوانة في ~~المسجد وهو في الصلاة # وتآكل طرف من أطراف بعضهم واحتيج فيه إلى القطع فلم يمكن منه فقيل إنه في ~~الصلاة لا يحس بما يجري عليه فقطع وهو في الصلاة # وقال بعضهم الصلاة من الآخرة فإذا دخلت فيها PageV01P171 خرجت من الدنيا ~~وقيل لآخر هل تحدث نفسك بشيء من الدنيا في الصلاة فقال لا في الصلاة ولا في ~~غيرها # وسئل بعضهم هل تذكر في الصلاة شيئا فقال وهل شيء أحب إلي من الصلاة ~~فأذكره فيها وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول من فقه الرجل أن يبدأ ~~بحاجته قبل دخوله في الصلاة ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ # وكان بعضهم يخفف الصلاة خيفة الوسواس وروى أن عمار بن ياسر صلى صلاة ~~فأخفها فقيل له خففت يا أبا اليقظان فقال هل رأيتموني نقصت من حدودها شيئا ~~قالوا لا قال إني بادرت سهو الشيطان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ~~إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له نصفها ولا ثلثها ولا ربعها ولا خمسها ولا ~~سدسها ولا عشرها وكان يقول إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها + حديث إن ~~عمار بن ياسر صلى فأخفها فقيل له خففت يا أبا اليقظان الحديث @QB@ وفيه ~~@QE@ إن العبد ليصلي صلاة لا يكتب له نصفها ولا ثلثها إلى آخره أخرجه أحمد ~~بإسناد صحيح وتقدم المرفوع عنه وهو عند أبي داود والنسائي + ويقال إن طلحة ~~والزبير وطائفة من الصحابة رضي الله عنهم كانوا أخف الناس صلاة وقالوا ~~نبادر بها وسوسة الشيطان # وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال على المنبر إن الرجل ليشيب ~~عارضاه في الإسلام وما أكمل لله تعالى صلاة قيل وكيف ذلك قال لا يتم خشوعها ~~وتواضعها وإقباله على الله عز وجل فيها وسئل أبو العالية عن قوله تعالى ~~الذين هم عن صلاتهم ساهون قال هو الذي يسهو في صلاته فلا يدري على كم ينصرف ~~أعلى شفع أم على وتر وقال الحسن هو الذي يسهو عن وقت الصلاة حتى تخرج وقال ~~بعضهم هو الذي إن صلاها في أول الوقت لم يفرح وإن أخرها عن الوقت لم يحزن ~~فلا يرى تعجيلها خيرا ولا تأخيرا إثما واعلم أن الصلاة قد يحسب بعضها ويكتب ~~بعضها دون بعض كما دلت الأخبار عليه وإن كان الفقيه يقول إن الصلاة في ~~الصحة لا تتجزأ ولكن ذلك له معنى آخر ذكرناه وهذا المعنى دلت عليه الأحاديث ~~إذ ورد جبر نقصان الفرائض بالنوافل + حديث جبر نقصان الفرائض بالنوافل رواه ~~أصحاب السنن والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة إن أول ما يحاسب به العبد يوم ~~القيامة من عمله صلاته وفيه فإن انتقص من فرضه شيئا قال الرب عز وجل انظروا ~~هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما نقص من الفريضة + وفي الخبر قال عيسى عليه ~~السلام يقول الله تعالى بالفرائض نجا مني عبدي وبالنوافل تقرب إلي عبدي ~~وقال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى لا ينجو مني عبدي إلا بأداء ~~ما افترضته عليه + حديث قال الله تعالى لا ينجو مني عبدي إلا بأداء ما ~~افترضت عليه لم أجده + وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فترك من ~~قراءتها آية فلما انفتل قال ماذا قرأت فسكت القوم فسأل أبي بن كعب رضي الله ~~عنه فقال قرأت سورة كذا وتركت آية كذا فما ندري أنسخت أم رفعت فقال أنت لها ~~يا أبي ثم أقبل على الآخرين فقال ما بال أقوام يحضرون صلاتهم ويتمون صفوفهم ~~ونبيهم بين أيديهم لا يدرون ما يتلو عليهم من كتاب ربهم ألا إن بني إسرائيل ~~كذا فعلوا فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن قل لقومك تحضروني أبدانكم ~~وتعطوني ألسنتكم وتغيبون عني بقلوبكم باطل ما تذهبون إليه + حديث صلى صلاة ~~فترك من قراءتها آية فلما التفت قال ماذا قرأت فسكت القوم فسأل أبي بن كعب ~~الحديث رواه محمد بن نصر في كتاب الصلاة مرسلا وأبو منصور الديلمي من حديث ~~أبي بن كعب ورواه النسائي مختصرا من حديث عبد الرحمن بن أبزى بإسناد صحيح + ~~وهذا يدل على أن استماع ما يقرأ الإمام وفهمه يدل على قراءة السور بنفسه ~~وقال بعضهم إن الرجل يسجد السجدة عنده أنه تقرب بها إلى الله عز وجل ولو ~~قسمت ذنوبه في سجدته على أهل مدينته لهلكوا قيل وكيف يكون ذلك قال يكون ~~ساجدا عند الله وقلبه مصغ إلى هوى ومشاهد لباطل قد استولى عليه # فهذه صفة الخاشعين # فدلت هذه الحكايات والأخبار مع ما سبق على أن الأصل في الصلاة الخشوع ~~وحضور القلب وأن مجرد الحركات مع الغفلة قليل الجدوى في المعاد والله أعلم # نسأل الله حسن التوفيق PageV01P172 # | الباب الرابع في الإمامة والقدوة وعلى الإمام وظائف قبل الصلاة # وفي القراءة وفي أركان الصلاة وبعد السلام # أما الوظائف التي هي قبل الصلاة فستة أولها أن لا يتقدم للإمامة على قوم ~~يكرهونه فإن اختلفوا كان النظر إلى الأكثرين فإن كان الأقلون هم أهل الخير ~~والدين فالنظر إليهم أولى وفي الحديث ثلاثة لا تجاوز صلاتهم رءوسهم العبد ~~الآبق وامرأة زوجها ساخط عليها وإمام أم قوما وهم له كارهون + حديث ثلاثة ~~لا تجاوز صلاتهم رءوسهم العبد الآبق الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي ~~أمامة وقال حسن غريب وضعفه البيهقي + وكما ينهى عن تقدمه مع كراهيتهم فكذلك ~~ينهى عن التقدمة إن كان وراء من هو أفقه منه إلا إذا امتنع من هو أولى منه ~~فله التقدم فإن لم يكن شيء من ذلك فليتقدم مهما قدم وعرف من نفسه القيام ~~بشروط الإمامة # ويكره عند ذلك المدافعة فقد قيل إن قوما تدافعوا الإمامة بعد إقامة ~~الصلاة فخسف بهم # وما روى من مدافعة الإمامة بين الصحابة رضي الله عنهم فسببه إيثارهم من ~~رأوه أنه أولى بذلك أو خوفهم على أنفسهم السهو وخطر ضمان صلاتهم فإن الأئمة ~~ضمناء وكأن من لم يتعود ذلك ربما يشتغل قلبه ويتشوش عليه الإخلاص في صلاته ~~حياء من المقتدين لا سيما في جهره بالقراءة فكان لاحتراز من احترز أسباب من ~~هذا الجنس # الثانية إذا خير المرء بين الأذان والإمامة فينبغي أن يختار الإمامة فإن ~~لكل واحد منهما فضلا ولكن الجمع مكروه بل ينبغي أن يكون الإمام غير المؤذن ~~وإذا تعذر الجمع فالإمامة أولى # وقال قائلون الأذان أولى لما نقلناه من فضيلة الأذان ولقوله صلى الله ~~عليه وسلم الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن + حديث جبر الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن ~~أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة وحكي عن ابن المديني أنه لم ~~يثبته ورواه أحمد من حديث أبي أمامة بإسناد حسن + فقالوا فيها خطر الضمان ~~وقال صلى الله عليه وسلم الإمام أمين فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا + ~~حديث الإمام أمين فإذا ركع فاركعوا الحديث أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة ~~دون قوله الإمام أمين وهو بهذه الزيادة في مسند الحميري وهو متفق عليه من ~~حديث أنس دون هذه الزيادة + وفي الحديث فإن أتم فله ولهم وإن نقص فعليه لا ~~عليهم + حديث فإن أتم فله ولهم وإن انتقص فعليه ولا عليهم أخرجه أبو داود ~~وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث عقبة بن عامر والبخاري من حديث أبي هريرة ~~يصلون بكم فإن أصابوا فلكم وإن أخطئوا فلكم وعليهم + ولأنه صلى الله عليه ~~وسلم قال اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين + حديث اللهم أرشد الأئمة واغفر ~~للمؤذنين هو بقية حديث الإمام ضامن وتقدم قبل بحديثين + والمغفرة أولى ~~بالطلب فإن الرشد يراد للمغفرة وفي الخبر من أم في مسجد سبع سنين وجبت له ~~الجنة بلا حساب ومن أذن أربعين عاما دخل الجنة بغير حساب + حديث من أذن في ~~مسجد سبع سنين وجبت له الجنة ومن أذن أربعين عاما دخل الجنة بغير حساب ~~أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس بالشطر الأول نحوه قال الترمذي ~~حديث غريب + ولذلك نقل عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يتدافعون ~~الإمامة والصحيح أن الإمامة أفضل إذ واظب عليها رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما والأئمة بعدهم # نعم فيها خطر الضمان والفضيلة مع الخطر كما أن رتبة الإمارة أفضل لقوله ~~صلى الله عليه وسلم ليوم من سلطان عادل أفضل من عبادة سبعين سنة + حديث ~~ليوم من سلطان عادل أفضل من عبادة سبعين سنة أخرجه الطبراني من حديث ابن ~~عباس بسند حسن بلفظ ستين + ولكن فيها خطر ولذلك وجب تقديم الأفضل ~~PageV01P173 والأفقه فقد قال صلى الله عليه وسلم أئمتكم شفعاؤكم أو قال ~~وفدكم إلى الله فإن أردتم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم + حديث أئمتكم ~~وفدكم إلى الله تعالى فإن أردتم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم أخرجه ~~الدارقطني والبيهقي وضعف إسناده من حديث ابن عمر والبغوي وابن قانع ~~والطبراني في معاجمهم والحاكم من حديث مرثد بن أبي مرثد نحوه وهو منقطع ~~وفيه يحيى بن يحيى الأسلمي وهو ضعيف + وقال بعض السلف ليس بعد الأنبياء ~~أفضل من العلماء ولا بعد العلماء أفضل من الأئمة المصلين لأن هؤلاء قاموا ~~بين يدي الله عز وجل وبين خلقه هذا بالنبوة وهذا بالعلم وهذا بعماد الدين ~~وهو الصلاة # وبهذه الحجة احتج الصحابة في تقديم أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعنهم ~~للخلافة إذ قالوا نظرنا فإذا الصلاة عماد الدين فاخترنا لدنيانا من رضيه ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا + حديث تقديم الصحابة أبا بكر وقولهم ~~اخترنا لدنيانا من اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أخرجه ابن ~~شاهين في شرح مذهب أهل السنة من حديث علي قال لقد أمر رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس وإني شاهد ما أنا بغائب ولا بي مرض ~~فرضينا لدنيانا ما رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا والمرفوع منه ~~متفق عليه من حديث عائشة وأبي موسى في حديث قال مروا أبا بكر فليصل بالناس ~~+ وما قدموا بلالا احتجاجا بأنه رضيه للأذان + حديث تقديم الصحابة بلالا ~~احتجاجا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضيه للأذان أما المرفوع منه ~~فرواه أبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان من حديث عبد ~~الله بن زيد في بدء الأذان وفيه قم مع بلال فألق عليه ما رأيت فيؤذن به ~~الحديث وأما تقديمهم له بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فروى الطبراني أن ~~بلالا جاء إلى أبي بكر فقال يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أردت أن ~~أربط نفسي في سبيل الله حتى أموت فقال أبو بكر أنشدك بالله يا بلال وحرمتي ~~وحقي لقد كبرت سني وضعفت قوتي واقترب أجلي فأقام بلال معه فلما توفي أبو ~~بكر جاء عمر فقال له مثل ما قال لأبي بكر فأبى عليه فقال عمر فمن يا بلال ~~فقال إلى سعد فإنه قد أذن بقباء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ~~عمر الأذان إلى سعد وعقبة وفي إسناده جهالة + وما روي أنه قال له رجل يا ~~رسول الله دلني على عمل أدخل به الجنة قال كن مؤذنا قال لا أستطيع قال كن ~~إماما قال لا أستطيع قال صل بإزاء الإمام + حديث قال له رجل يا رسول الله ~~دلني على عمل أدخل به الجنة فقال كن مؤذنا الحديث أخرجه البخاري في التاريخ ~~والعقيلي في الضعفاء والطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف + ~~فلعله ظن أنه لا يرضى بإمامته إذ الأذان إليه والإمامة إلى الجماعة ~~وتقديمهم له # ثم بعد ذلك توهم أنه ربما يقدر عليها الثالثة أن يراعي الإمام أوقات ~~الصلوات فيصلي في أوائلها ليدرك رضوان الله سبحانه ففضل أول الوقت على آخره ~~كفضل الآخرة على الدنيا + حديث فضل أول الوقت على آخره كفضل الآخرة على ~~الدنيا أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر بسند ضعيف ~~+ هكذا روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث إن العبد ليصلي ~~الصلاة في آخر وقتها ولم تفته ولما فاته من أول وقتها خير له من الدنيا وما ~~فيها + حديث إن العبد ليصلي الصلاة في آخر وقتها ولم تفته الحديث أخرجه ~~الدارقطني من حديث أبي هريرة نحوه بإسناد ضعيف + ولا ينبغي أن يؤخر الصلاة ~~لانتظار كثرة الجماعة بل عليهم المبادرة لحيازة فضيلة أول الوقت فهي أفضل ~~من كثرة الجماعة ومن تطويل السورة # وقد قيل كانوا إذا حضر اثنان في الجماعة لم ينتظروا الثالث وإذا حضر ~~أربعة في الجنازة لم ينتظروا الخامس وقد تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~عن صلاة الفجر وكانوا في سفر وإنما تأخر للطهارة فلم ينتظر وقدم عبد الرحمن ~~بن عوف فصلى بهم حتى فاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة فقام يقضيها ~~قال فأشفقنا من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أحسنتم هكذا ~~فافعلوا + حديث تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما عن صلاة الفجر وكان ~~في سفر وإنما تأخر للطهارة فقدموا عبد الرحمن بن عوف الحديث متفق عليه من ~~حديث المغيرة + وقد تأخر في صلاة الظهر فقدموا أبا بكر رضي الله عنه حتى ~~جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فقام إلى جانبه + حديث ~~تأخر في صلاة الظهر فقدموا أبا بكر الحديث متفق عليه من حديث سهل بن سعد + ~~وليس على الإمام انتظار المؤذن وإنما على المؤذن انتظار الإمام للإقامة ~~فإذا حضر فلا ينتظر غيره الرابعة أن يؤم مخلصا لله عز وجل ومؤديا أمانة ~~الله تعالى في طهارته وجميع شروطصلاته # أما الإخلاص PageV01P174 فبأن لا يأخذ عليها أجرة فقد أمر رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص الثقفي وقال اتخذ مؤذنا لا يأخذ على ~~الأذان أجرا + حديث اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرة أخرجه أصحاب السنن ~~والحاكم وصححه من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي + فالأذان طريق إلى ~~الصلاة فهي أولى بأن لا يؤخذ عليها أجر فإن أخذ رزقا من مسجد قد وقف على من ~~يقوم بإمامته أو من السلطان أو آحاد الناس فلا يحكم بتحريمه ولكنه مكروه # والكراهية في الفرائض أشد منها في التراويح وتكون أجرة له على مداومته ~~على حضور الموضع ومراقبة مصالح المسجد في إقامة الجماعة لا على نفس الصلاة # وأما الأمانة فهي الطهارة باطنا عن الفسق والكبائر والإصرار على الصغائر ~~فالمترشح للإمامة ينبغي أن يحترز عن ذلك بجهده فإنه كالوفد والشفيع للقوم ~~فينبغي أن يكون خير القوم وكذا الطهارة ظاهرا عن الحدث والخبث فإنه لا يطلع ~~عليه سواه فإن تذكر في أثناء صلاته حدثا أو خرج منه ريح فلا ينبغي أن يستحي ~~بل يأخذ بيد من يقرب منه ويستخلفه فقد تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~الجنابة في أثناء الصلاة فاستخلف واغتسل ثم رجعودخل في الصلاة + حديث تذكر ~~النبي صلى الله عليه وسلم الجنابة في صلاته فاستخلف واغتسل ثم رجع أخرجه ~~أبو داود من حديث أبي بكرة بإسناد صحيح وليس فيه ذكر الاستخلاف وإنما قال ~~ثم أومأ إليهم أن مكانكم الحديث وورد الاستخلاف من فعل عمر وعلي وعند ~~البخاري استخلاف عمر في قصة طعنه + وقال سفيان صل خلف كل بر وفاجر إلا مدمن ~~خمر أو معلن بالفسوق أو عاق لوالديه أو صاحب بدعة أو عبد آبق # الخامسة أن لا يكبر حتى تستوي الصفوف فليلتفت يمينا وشمالا فإن رأى خللا ~~أمر بالتسوية # قيل كانوا يتحاذون بالمناكب ويتضامون بالكعاب # ولا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة # والمؤذن يؤخر الإقامة عن الأذان بقدر استعداد الناس في الصلاة # ففي الخبر ليتمهل المؤذن بين الأذان والإقامة بقدر ما يفرغ الآكل من ~~طعامه والمعتصر من اعتصاره + حديث يمهل المؤذن بين الأذان والإقامة بقدر ما ~~يفرغ الآكل من طعامه والمعتصر من اعتصاره أخرجه الترمذي والحاكم من حديث ~~جابر يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من ~~شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته قال الترمذي إسناده مجهول وقال الحاكم ~~ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن قايد # قلت بل فيه عبد المنعم الدياجي منكر الحديث قاله البخاري وغيره + وذلك ~~لأنه نهى عن مدافعة الأخبثين + حديث النهي عن مدافعة الأخبثين أخرجه مسلم ~~من حديث عائشة بلفظ صلاة وللبيهقي لا يصلين أحدكم الحديث + وأمر بتقديم ~~العشاء على العشاء + الأمر بتقديم العشاء على العشاء تقدم من حديث ابن عمر ~~وعائشة إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء متفق عليه + طلبا ~~لفراغ القلب # السادسة أن يرفع صوته بتكبيرة الإحرام وسائر التكبيرات ولا يرفع المأموم ~~صوته إلا بقدر ما يسمع نفسه # وينوي الإمامة لينال الفضل فإن لم ينو صحت صلاته وصلاة القوم إذا نووا ~~الاقتداء # ونالوا فضل القدوة وهو لا ينال فضل الإمامة وليؤخر المأموم تكبيره عن ~~تكبيرة الإمام فيبتدىء بعد فراغه والله أعلم # واما وظائف القراءة فثلاثة # أولها أن يسر بدعاء الاستفتاح والتعوذ كالمنفرد ويجهر بالفاتحة والسورة ~~بعدها في جميع الصبح وأوليي العشاء والمغرب وكذلك المنفرد # ويجهر بقوله @QB@ آمين @QE@ في الصلاة الجهرية وكذا المأموم ويقرن ~~المأموم تأمينه بتأمين الإمام معا لا تعقيبا + حديث الجهر ب @QB@ بسم الله ~~الرحمن الرحيم @QE@ أخرجه الدارقطني والحاكم وصححه من حديث ابن عباس + ~~ويجهر ب @QB@ بسم الله الرحمن الرحيم @QE@ والأخبار فيه متعارضة + حديث ترك ~~الجهر بها أخرجه مسلم من حديث أنس صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي ~~بكر وعمر فلم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم وللنسائي يجهر ~~له ببسم الله الرحمن الرحيم + واختيار الشافعي رضي الله عنه الجهر الثانية ~~أن يكون للإمام في القيام ثلاث سكتات + حديث سمرة بن جندب وعمران بن حصين ~~في سكتات الإمام رواه الإمام أحمد من حديث سمرة قال كانت لرسول الله صلى ~~الله عليه وسلم سكتات في صلاته وقال عمران أنا أحفظها عن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فكتبوا في ذلك إلى أبي بن كعب فكتب إن سمرة قد حفظ هكذا ~~وجدته في غير نسخة صحيحة من المسند والمعروف أن عمران أنكر ذلك على سمرة ~~هكذا في غير موضع من المسند رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان وروى ~~الترمذي فأنكر ذلك عمران وقال حفظنا سكتة وقال حديث حسن انتهى وليس في حديث ~~سمرة إلا سكتتان ولكن اختلف عنه في محل الثانية فروى عنه بعد الفاتحة وروى ~~عنه بعد السورة وللدارقطني من حديث أبي هريرة وضعفه من صلى صلاة مكتوبة مع ~~الإمام فليقرأ بفاتحة الكتاب في سكتاته + هكذا رواه سمرة بن جندب وعمران بن ~~الحصين عن PageV01P175 رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاهن إذا كبر وهي ~~الطولى منهن مقدار ما يقرأ من خلفه فاتحة الكتاب وذلك وقت قراءته لدعاء ~~الاستفتاح فإنه إن لم يسكت يفوتهم الاستماع فيكون عليه ما نقص من صلاتهم ~~فإن لم يقرءوا الفاتحة في سكوته واشتغلوا بغيرها فذلك عليه لا عليهم # السكتة الثانية إذا فرغ من الفاتحة ليتم من يقرأ الفاتحة في السكتة ~~الأولى فاتحته وهي كنصف السكتة الأولى # السكتة الثالثة إذا فرغ من السورة قبل أن يركع وهي أخفها وذلك بقدر ما ~~تنفصل القراءة عن التكبير فقد نهى عن الوصل فيه # ولا يقرأ المأموم وراء الإمام إلا الفاتحة فإن لم يسكت الإمام قرأ فاتحة ~~الكتاب معه والمقصر هو الإمام # وإن لم يسمع المأموم في الجهرية لبعده أو كان في السرية فلا بأس بقراءة ~~السورة # الوظيفة الثالثة أن يقرأ في الصبح سورتين من المثاني ما دون المائة فإن ~~الإطالة في قراءة الفجر والتغليس بها سنة ولا يضره الخروج منها مع الإسفار ~~ولا بأس بأن يقرأ في الثانية بأواخر السور نحو الثلاثين أو العشرين إلى أن ~~يختمها لأن ذلك لا يتكرر على الأسماع كثيرا فيكون أبلغ في الوعظ وأدعى إلى ~~التفكر وإنما كره بعض العلماء قراءة بعض أول السور وقطعها # وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بعض سورة يونس فلما انتهى إلى ذكر ~~موسى وفرعون قطع فركع + حديث قرأ بعض سورة يونس فلما انتهى إلى ذكر موسى ~~وفرعون قطع وركع أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن السائب وقال سورة المؤمنين ~~وقال موسى وهارون وعلقه البخاري + وروي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ~~الفجر آية من البقرة + حديث قرأ في الفجر قولوا آمنا بالله الآية وفي ~~الثانية ربنا آمنا بما أنزلت أخرجه مسلم من حديث ابن عباس كان يقرأ في ~~ركعتي الفجر في الأولى منها قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا الآية التي في ~~البقرة وفي الآخرة منها آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون رواه أبو داود من ~~حديث أبي هريرة قل آمنا بالله وما أنزل علينا الآية وفي الركعة الآخرة ربنا ~~آمنا بما أنزلت @QB@ أو @QE@ إنا أرسلناك بالحق + وهي قوله قولوا آمنا ~~بالله وما أنزل إلينا وفي الثانية ربنا آمنا بما أنزلت وسمع بلالا يقرأ من ~~ههنا وههنا فسأله عن ذلك فقال أخلط الطيب بالطيب فقال أحسنت + حديث سمع ~~بلالا يقرأ من ههنا ومن ههنا فسأله عن ذلك فقال أخلط الطيب بالطيب فقال ~~أحسنت أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح نحوه + ويقرأ في الظهر ~~بطوال المفصل إلى ثلاثين آية وفي العصر بنصف ذلك وفي المغرب بأواخر المفصل # وآخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب قرأ فيها سورة ~~المرسلات ما صلى بعدها حتى قبض + حديث قراءته في المغرب بالمرسلات وهي آخر ~~صلاة صلاها متفق عليه من حديث أم الفضل + # وبالجملة التخفيف أولى لا سيما إذا كثر الجمع قال صلى الله عليه وسلم في ~~هذه الرخصة إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والكبير وذا ~~الحاجة وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء + حديث إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف ~~الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة + وقد كان معاذ بن جبل يصلي بقوم ~~العشاء فقرأ البقرة فخرج رجل من الصلاة وأتم لنفسه فقالوا نافق الرجل ~~فتشاكيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزجر رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم معاذا فقال أفتان أنت يا معاذ اقرأ سورة سبح والسماء والطارق والشمس ~~وضحاها + حديث صلى معاذ بقوم العشاء فقرأ البقرة فخرج رجل من الصلاة الحديث ~~متفق عليه من حديث جابر وليس فيه ذكر والسماء والطارق وهي عند البيهقي + # وأما وظائف الأركان فثلاثة # أولها أن يخفف ا لركوع والسجود فلا يزيد في التسبيحات على ثلاث فقد روي ~~عن أنس أنه قال ما رأيت أخف صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام ~~+ حديث أنس ما رأيت أخف صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام متفق ~~عليه + نعم روي أيضا أن أنس بن مالك لما صلى خلف عمر بن عبد العزيز وكان ~~أميرا بالمدينة قال ما صليت وراء أحد أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم PageV01P176 من هذا الشاب قال وكنا نسبح وراءه عشرا عشرا + حديث ~~أنس أنه صلى خلف عمر بن عبد العزيز فقال ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول ~~الله صلى الله عليه وسلم من هذا الشاب الحديث أخرجه أبو داود والنسائي ~~بإسناد جيد وضعفه ابن القطان + وروى مجملا أنهم قالوا كنا نسبح وراء رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود عشرا عشرا + حديث كنا نسبح وراء ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود عشرا لم أجد له أصلا في ~~الحديث الذي قبله وفيه فخررنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات ~~+ وذلك حسن ولكن الثلاث إذا كثر الجمع أحسن # فإذا لم يحضر إلا المتجردون للدين فلا بأس بالعشر هذا وجه الجمع بين ~~الروايات # وينبغي أن يقول الإمام عند رفع رأسه من الركوع سمع الله لمن حمده # الثانية في المأموم ينبغي أن لا يساوي الإمام في الركوع والسجود بل يتأخر ~~فلا يهوى للسجود إلا إذا وصلت جبهة الإمام إلى المسجد هكذا كان اقتداء ~~الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم + حديث كان الصحابة لا يهوون للسجود ~~إلا إذا وصلت جبهة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأرض متفق عليه من حديث ~~البراء بن عازب + ولا يهوي للركوع حتى يستوي الإمام راكعا # وقد قيل إن الناس يخرجون من الصلاة على ثلاثة أقسام طائفة بخمس وعشرين ~~صلاة وهم الذين يكبرون ويركعون بعد الإمام وطائفة بصلاة واحدة وهم الذين ~~يساوونه وطائفة بلا صلاة وهم الذين يسابقون الإمام # وقد اختلف في أن الإمام في الركوع هل ينتظر لحوق من يدخل لينال فضل ~~الجماعة وإدراكهم لتلك الركعة ولعل الأولى أن ذلك مع الإخلاص لا بأس به إذا ~~لم يظهر تفاوت ظاهر للحاضرين فإن حقهم مرعي في ترك التطويل عليهم # الثالثة لا يزيد في دعاء التشهد على مقدار التشهد حذرا من التطويل ولا ~~يخص نفسه في الدعاء بل يأتي بصيغة الجمع فيقول اللهم اغفر لنا ولا يقول ~~@QB@ اغفر لي @QE@ فقد كره للإمام أن يخص نفسه ولا بأس أن يستعيذ في التشهد ~~بالكلمات الخمس المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول نعوذ بك من ~~عذاب جهنم وعذاب القبر ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح ~~الدجال وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين + حديث التعوذ في ~~التشهد من عذاب جهنم وعذاب القبر الحديث تقدم وزاد فيه الغزالي هنا وإذا ~~أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ولم أجده مقيدا بآخر الصلاة ~~وللترمذي من حديث ابن عباس وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ~~روى الحاكم نحوه من حديث ثوبان وعبد الرحمن بن عايش وصححهما وسيأتي في ~~الدعاء + وقيل سمي مسيحا لأنه يمسح الأرض بطولها وقيل لأنه ممسوح العين أي ~~مطموسها وأما وظائف التحلل فثلاثة أولها أن ينوي بالتسليمتين السلام على ~~القوم والملائكة # الثانية أن يثبت عقيب السلام كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو ~~بكر وعمر رضي الله عنهما فيصلي النافلة في موضع آخر # فإن كان خلفه نسوة لم يقم حتى ينصرفن + حديث المكث بعد السلام أخرجه ~~البخاري من حديث أم سلمة + وفي الخبر المشهور أنه صلى الله عليه وسلم لم ~~يكن يقعد إلا قدر قوله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال ~~والإكرام + حديث إنه لم يكن يقعد إلا بقدر قوله اللهم أنت السلام ومنك ~~السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام أخرجه مسلم من حديث عائشة + # الثالثة إذا وثب فينبغي أن يقبل بوجهه على الناس ويكره للمأموم القيام ~~قبل انتقال الإمام # فقد روى عن طلحة والزبير رضي الله عنهما أنهما صليا خلف إمام فلما سلما ~~قالا للإمام ما أحسن صلاتك وأتمها إلا شيئا واحدا أنك لما سلمت لم تتفتل ~~بوجهك # ثم قالا للناس ما أحسن صلاتكم إلا أنكم انصرفتم قبل أن ينفتل إمامكم # ثم ينصرف الإمام حيث شاء من يمينه وشماله واليمين أحب هذه وظيفة الصلوات ~~وأما الصبح فزيد فيها القنوت فيقول اللهم اهدنا ولا يقول اللهم اهدني ويؤمن ~~المأموم فإذا انتهى إلى قوله إنك تقضي ولا يقضى عليك فلا يليق به التأمين ~~وهو ثناء فيقرأ معه فيقول مثل قوله أو يقول بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ~~أو صدقت وبررت وما أشبه ذلك # وقد روى حديث في رفع اليدين في القنوت + حديث رفع اليدين في القنوت أخرجه ~~البيهقي من حديث أنس بسند جيد في قصة قتل القراء ولقد رأيت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم + فإذا صح PageV01P177 ~~الحديث استحب ذلك وإن كان على خلاف الدعوات في آخر التشهد إذ لا يرفع ~~بسببها اليد بل التعويل على التوقيف وبينهما أيضا فرق أن للأيدي وظيفة في ~~التشهد وهو الوضع على الفخذين على هيئة مخصوصة ولا وظيفة لهما ههنا فلا ~~يبعد أن يكون رفع اليدين هو الوظيفة في القنوت فإنه لائق بالدعاء والله ~~أعلم # فهذه جمل آداب القدوة والإمامة والله الموفق # | الباب الخامس فضل الجمعة وآدابها وسننها وشروطها فضيلة الجمعة # اعلم أن هذا يوم عظيم عظم الله به الإسلام وخصص به المسلمين # قال الله تعالى @QB@ إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ~~وذروا البيع @QE@ فحرم الاشتغال بأمور الدنيا وبكل صارف عن السعي إلى ~~الجمعة # وقال صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل فرض عليكم الجمعة في يومي هذا في ~~مقامي هذا + حديث إن الله فرض عليكم الجمعة في يومي هذا الحديث أخرجه ابن ~~ماجه من حديث جابر بإسناد ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم من ترك الجمعة ~~ثلاثا من غير عذر طبع الله على قلبه + حديث من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر ~~طبع الله على قلبه أخرجه أحمد واللفظ له وأصحاب السنن ورواه الحاكم وصححه ~~من حديث أبي الجعد الضمري + وفي لفظ آخر فقد نبذ الإسلام وراء ظهره + حديث ~~من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر فقد نبذ الإسلام وراء ظهره أخرجه البيهقي ~~في الشعب من حديث ابن عباس + واختلف رجل إلى ابن عباس يسأله عن رجل مات لم ~~يكن يشهد جمعة ولا جماعة فقال في النار فلم يزل يتردد إليه شهرا يسأله عن ~~ذلك وهو يقول في النار وفي الخبر إن أهل الكتابين أعطوا يوم الجمعة ~~فاختلفوا فيه فصرفوا عنه وهدانا الله تعالى له وأخره لهذه الأمة وجعله عيدا ~~لهم فهم أولى الناس به سبقا وأهل الكتابين لهم تبع + حديث إن أهل الكتابين ~~أعطوا يوم الجمعة فاختلفوا فيه الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة بنحوه + ~~وفي حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أتاني جبريل عليه السلام ~~في كفة مرآة بيضاء وقال هذه الجمعة يفرضها عليك ربك لتكون لك عيدا ولأمتك ~~من بعدك قلت فما لنا فيها قال لكم فيها خير ساعة من دعا فيها بخير قسم له ~~أعطاه الله سبحانه إياه أو ليس له قسم ذخر له ما هو أعظم منه أو تعوذ من شر ~~مكتوب عليه إلا أعاذه الله عز وجل من أعظم منه وهو سيد الأيام عندنا ونحن ~~ندعوه في الآخرة يوم المزيد قلت ولم قال إن ربك عز وجل اتخذ في الجنة واديا ~~أفيح من المسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة نزل تعالى من عليين على كرسيه ~~فيتجلى لهم حتى ينظروا إلى وجهه الكريم + حديث أنس أتاني جبريل في كفة مرآة ~~بيضاء فقال هذه الجمعة الحديث أخرجه الشافعي في المسند والطبراني في الأوسط ~~وابن مردويه في التفسير بأسانيد ضعيفة مع اختلاف + وقال صلى الله عليه وسلم ~~خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم عليه السلام وفيه أدخل ~~الجنة وفيه أهبط إلى الأرض وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وهو ~~عند الله يوم المزيد كذلك تسميه الملائكة في السماء وهو يوم النظر إلى الله ~~تعالى في الجنة + حديث خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة الحديث أخرجه ~~مسلم من حديث أبي هريرة + وفي الخبر إن لله عز وجل في كل جمعة ستمائة ألف ~~عتيق من النار + حديث إن لله في كل جمعة ستمائة ألف عتيق من النار أخرجه ~~ابن عدي وابن حبان في الضعفاء وفي الشعب من حديث أنس قال الدارقطني في ~~العلل والحديث غير ثابت + وفي حديث أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه ~~وسلم PageV01P178 قال إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام + حديث أنس إذا سلمت ~~الجمعة سلمت الأيام أخرجه ابن حبان في الضعفاء وأبو نعيم في الحلية ~~والبيهقي في الشعب من حديث عائشة ولم أجده من حديث أنس + وقال صلى الله ~~عليه وسلم إن الجحيم تسعر في كل يوم قبل الزوال عند استواء الشمس في كبد ~~السماء فلا تصلوا فى هذه الساعة إلا يوم الجمعة فإنه صلاة كله وإن جهنم لا ~~تسعر فيه + حديث إن الجحيم تسعر كل يوم قبل الزوال عند استواء الشمس إلى أن ~~قال إلا يوم الجمعة الحديث أخرجه أبو داود من حديث أبي قتادة وأعله ~~بالانقطاع + وقال كعب إن الله عز وجل فضل من البلدان مكة ومن الشهور رمضان ~~ومن الأيام الجمعة ومن الليالي ليلة القدر ويقال إن الطير والهوام يلقى ~~بعضها بعضا في يوم الجمعة فتقول سلام سلام يوم صالح وقال صلى الله عليه ~~وسلم من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة كتب الله له أجر شهيد ووقي فتنة ~~القبر + حديث من مات يوم الجمعة كتب الله له أجر شهيد ووقي فتنة القبر ~~أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث جابر روى الزندي نحوه مختصرا من حديث عبد ~~الله بن عمر وقال غريب ليس إسناده بمتصل قلت وصله الترمذي الحكيم في ~~النوادر # | بيان شروط الجمعة # اعلم أنها تشارك جميع الصلوات في الشروط وتتميز عنها بستة شروط # @QB@ الأول @QE@ الوقت فإن وقعت تسليمة الإمام في وقت العصر فاتت الجمعة ~~وعليه أن يتمها ظهرا أربعا والمسبوق إذا وقعت ركعته الأخيرة خارجا من الوقت ~~ففيه خلاف # الثاني المكان فلا تصح في الصحاري والبراري وبين الخيام بل لا بد من بقعة ~~جامعة لأبنية لا تنقل يجمع أربعين ممن تلزمهم الجمعة والقرية فيه كالبلد ~~ولا يشترط فيه حضور السلطان ولا إذنه ولكن الأحب استئذانه # الثالث العدد فلا تنعقد بأقل من أربعين ذكورا مكلفين أحرارا مقيمين لا ~~يظعنون عنها شتاء ولا صيفا فإن انفضوا حتى نقص العدد إما في الخطبة أو في ~~الصلاة لم تصح الجمعة بل لا بد منهم من الأول إلى الآخر # الرابع الجماعة فلو صلى أربعون في قرية أو في بلد متفرقين لم تصح جمعتهم # ولكن المسبوق إذا أدرك الركعة الثانية جاز له الانفراد بالركعة الثانية # وإن لم يدرك ركوع الركعة الثانية اقتدى ونوى الظهر وإذا سلم الإمام تممها ~~ظهرا # الخامس أن لا تكون الجمعة مسبوقة بأخرى في ذلك البلد # فإن تعذر اجتماعهم في جامع واحد جاز في جامعين وثلاثة وأربعة بقدر الحاجة ~~وإن لم تكن حاجة فالصحيح الجمعة التي يقع بها التحريم أولا وإذا تحققت ~~الحاجة فالأفضل الصلاة خلف الأفضل من الإمامين فإن تساويا فالمسجد الأقدم ~~فإن تساويا ففي الأقرب ولكثرة الناس أيضا فضل يراعى # السادس الخطبتان فهما فريضتان والقيام فيهما فريضة والجلسة بينهما فريضة # وفي الأولى أربع فرائض التحميد وأقله الحمد لله # والثانية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم # والثالثة الوصية بتقوى الله سبحانه وتعالى # والرابعة قراءة آية من القرآن # وكذا فرائض الثانية أربعة إلا أنه يجب فيها الدعاء بدل القراءة # واستماع الخطبتين واجب من الأربعين # وأما السنن فإذا زالت الشمس وأذن المؤذن وجلس الإمام على المنبر انقطعت ~~الصلاة سوى التحية والكلام لا ينقطع إلا بافتتاح الخطبة # ويسلم الخطيب على الناس إذا أقبل عليهم بوجهه ويردون عليه السلام فإذا ~~فرغ المؤذن قام مقبلا على الناس بوجهه لا يلتفت يمينا ولا شمالا ويشغل يديه ~~بقائم السيف أو العنزة والمنبر كي لا يعبث بهما أو يضع إحداهما على الأخرى # ويخطب خطبتين بينهما جلسة خفيفة # ولا يستعمل غريب اللغة ولا يمطط ولا يتغنى # وتكون الخطبة قصيرة بليغة جامعة # ويستحب أن يقرأ آية في الثانية أيضا ولا يسلم من دخل والخطيب يخطب فإن ~~سلم لم يستحق جوابا والإشارة بالجواب حسن ولا يشمت العاطسين أيضا # هذه شروط الصحة # فأما شروط الوجوب فلا تجب الجمعة إلا على ذكر بالغ عاقل مسلم حر مقيم في ~~قرية تشتمل على أربعين جامعين PageV01P179 لهذه الصفات أو في قرية من سواد ~~البلد يبلغها نداء البلد من طرف بابها والأصوات ساكنة والمؤذن رفيع الصوت ~~لقوله تعالى @QB@ إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا ~~البيع @QE@ ويرخص لهؤلاء في ترك الجمعة لعذر المطر والوحل والفزع والمرض ~~والتمريض إذا لم يكن للمريض قيم غيره # ثم يستحب لهم أعني أصحاب الأعذار تأخير الظهر إلى أن يفرغ الناس من ~~الجمعة فإن حضر الجمعة مريض أو مسافر أو عبد أو امرأة صحت جمعتهم وأجزأت عن ~~الظهر والله أعلم # | بيان آداب الجمعة على ترتيب العادة وهي عشر جمل # @QB@ الأول @QE@ أن يستعد لها يوم الخميس عزما عليها واستقبالا لفضلها ~~فيشتغل بالدعاء والاستغفار والتسبيح بعد العصر يوم الخميس لأنها ساعة قوبلت ~~بالساعة المبهمة في يوم الجمعة # قال بعض السلف إن لله عز وجل فضلا سوى أرزاق العباد لا يعطى من ذلك الفضل ~~إلا من سأله عشية الخميس ويوم الجمعة ويغسل في هذا اليوم ثيابه ويبيضها ~~ويعد الطيب إن لم يكن عنده ويفرغ قلبه من الأشغال التي تمنعه من البكور إلى ~~الجمعة وينوي في هذه الليلة صوم يوم الجمعة فإن له فضلا وليكن مضموما إلى ~~يوم الخميس أو السبت لا مفردا فإنه مكروه ويشتغل بإحياء هذه الليلة بالصلاة ~~وختم القرآن فلها فضل كثير وينسحب عليها فضل يوم الجمعة # ويجامع أهله في هذه الليلة أو في يوم الجمعة فقد استحب ذلك قوم حملوا ~~عليه قوله صلى الله عليه وسلم رحم الله من بكر وابتكر وغسل واغتسل + حديث ~~رحم الله من بكر وابتكر وغسل واغتسل الحديث رواه أصحاب السنن وابن حبان ~~والحاكم وصححه من حديث أوس بن أوس من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ~~الحديث وحسنه الترمذي + وهو حمل الأهل على الغسل وقيل معناه غسل ثيابه فروي ~~بالتخفيف واغتسل لجسده وبهذا تتم آداب الاستقبال ويخرج من زمرة الغافلين ~~الذين إذا أصبحوا قالوا ما هذا اليوم قال بعض السلف أوفى الناس نصيبا من ~~الجمعة من انتظرها ورعاها من الأمس وأخفهم نصيبا من إذا أصبح يقول أيش ~~اليوم وكان بعضهم يبيت ليلة الجمعة في الجامع لأجلها # الثاني إذا أصبح ابتدأ بالغسل بعد طلوع الفجر وإن كان لا يبكر فأقربه إلى ~~الرواح أحب ليكون أقرب عهدا بالنظافة فالغسل مستحب استحبابا مؤكدا وذهب بعض ~~العلماء إلى وجوبه قال صلى الله عليه وسلم غسل الجمعة واجب على كل محتلم + ~~حديث غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم متفق عليه من حديث أبي سعيد + ~~والمشهور من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما من أتى الجمعة فليغتسل + ~~حديث نافع عن ابن عمر من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل متفق عليه ~~وهذا لفظ ابن حبان + وقال صلى الله عليه وسلم من شهد الجمعة من الرجال ~~والنساء فليغتسل + حديث من شهد الجمعة من الرجال والنساء فليغتسلوا أخرجه ~~ابن حبان والبيهقي من حديث ابن عمر + وكان أهل المدينة إذا تساب المتسابان ~~يقول أحدهما للآخر لأنت أشر ممن لا يغتسل يوم الجمعة # وقال عمر لعثمان رضي الله عنهما لما دخل وهو يخطب أهذه الساعة منكرا عليه ~~ترك البكور فقال ما زدت بعد أن سمعت الأذان على أن توضأت وخرجت فقال ~~والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالغسل ~~+ حديث قال عمر لعثمان لما دخل وهو يخطب أهذه الساعة الحديث إلى أن قال ~~والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل ~~متفق عليه من حديث أبي هريرة ولم يسم البخاري عثمان + وقد عرف جواز ترك ~~الغسل بوضوء عثمان رضي الله تعالى عنه وبما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال ~~من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل + حديث من توضأ يوم ~~الجمعة فبها ونعمت الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ورواه النسائي من ~~حديث سمرة + ومن اغتسل للجنابة فليفض الماء على بدنه مرة أخرى PageV01P180 ~~على نية غسل الجمعة فإن اكتفى بغسل واحد أجزأه وحصل له الفضل إذا نوى ~~كليهما ودخل غسل الجمعة في غسل الجنابة وقد دخل بعض الصحابة على ولده وقد ~~اغتسل فقال له أللجمعة فقال بل عن الجنابة فقال أعد غسلا ثانيا وروى الحديث ~~في غسل الجمعة على كل محتلم # وإنما أمره به لأنه لم يكن نواه # وكان لا يبعد أن يقال المقصود النظافة وقد حصلت دون النية ولكن هذا ينقدح ~~في الوضوء أيضا وقد جعل في الشرع قربة فلا بد من طلب فضلها # ومن اغتسل ثم أحدث توضأ ولم يبطل غسله والأحب أن يحترز عن ذلك # @QB@ الثالثة @QE@ الزينة وهي مستحبة في هذا اليوم وهي ثلاثة الكسوة ~~والنظافة وتطييب الرائحة # أما النظافة فبالسواك وحلق الشعر وقلم الظفر وقص الشارب وسائر ما سبق في ~~كتاب الطهارة # قال ابن مسعود من قلم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله عز وجل منه داء وأدخل ~~فيه شفاء فإن كان قد دخل الحمام في الخميس أو الأربعاء فقد حصل المقصود ~~فليتطيب في هذا اليوم بأطيب طيب عنده ليغلب بها الروائح الكريهة ويوصل بها ~~الروح والرائحة إلى مشام الحاضرين في جواره وأحب طيب الرجال ما ظهر ريحه ~~وخفي لونه وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه + حديث طيب الرجال ما ظهر ~~ريحه وخفي لونه وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه أخرجه أبو داود والترمذي ~~وحسنه والنسائي من حديث أبي هريرة + وروي ذلك في الأثر # وقال الشافعي رضي الله عنه من نظف ثوبه قل همه ومن طاب ريحه زاد عقله # وأما الكسوة فأحبها البياض من الثياب إذ أحب الثياب إلى الله تعالى البيض ~~ولا يلبس ما فيه شهرة # ولبس السواد ليس من السنة ولا فيه فضل بل كره جماعة النظر إليه لأنه بدعة ~~محدثة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمامة مستحبة في هذا اليوم # وروى واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله ~~وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة + حديث واثلة بن الأسقع إن ~~الله وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة أخرجه الطبراني وعدي ~~وقال منكر من حديث أبي الدرداء ولم أره من حديث واثلة + فإن أكربه الحر فلا ~~بأس بنزعها قبل الصلاة وبعدها ولكن لا ينزع في وقت السعي من المنزل إلى ~~الجمعة ولا في وقت الصلاة ولا عند صعود الإمام المنبر وفي خطبته # الرابع البكور إلى الجامع ويستحب أن يقصد الجامع من فرسخين وثلاث وليبكر ~~ويدخل وقت البكور بطلوع الفجر وفضل البكور عظيم # وينبغي أن يكون في سعيه إلى الجمعة خاشعا متواضعا ناويا للاعتكاف في ~~المسجد إلى وقت الصلاة قاصدا للمبادرة إلى جواب نداء الله عز وجل إلى ~~الجمعة إياه والمسارعة إلى مغفرته ورضوانه وقد قال صلى الله عليه وسلم من ~~راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة ~~الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ~~ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما أهدى دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة ~~فكأنما أهدى بيضة فإذا خرج الإمام طويت الصحف ورفعت الأقلام واجتمعت ~~الملائكة عند المنبر يستمعون الذكر فمن جاء بعد ذلك فأنما جاء لحق الصلاة ~~ليس له من الفضل شيء + حديث من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب ~~بدنة الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وأنس وفيه رفعت الأقلام وهذه ~~اللفظة عند البيهقي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده + والساعة الأولى ~~طلوع الشمس والثانية إلى ارتفاعها والثالثة إلى انبساطها حين ترمض الأقدام ~~والرابعة والخامسة بعد الضحى الأعلى إلى الزوال وفضلها قليل ووقت الزوال حق ~~الصلاة ولا فضل فيه # وقال صلى الله عليه وسلم ثلاث لو يعلم الناس ما فيهن لركضوا ركض الإبل في ~~طلبهن الأذان والصف الأول والغدو إلى الجمعة + حديث ثلاث لو يعلم الناس ما ~~فيهن لركضوا ركض الإبل في طلبهن الأذان والصف الأول والغدو إلى الجمعة ~~أخرجه أبو الشيخ في ثواب الأعمال من حديث أبي هريرة ثلاث لو يعلم الناس ما ~~فيهن ما أخذنهن إلا بالإستهام عليهن حرصا على ما فيهن من الخير والبركة ~~الحديث قال والتهجير إلى الجمعة وفي الصحيحين من حديثه لو يعلم الناس ما في ~~النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا ولو يعلمون ما في ~~التهجير لاستبقوا إليه + وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه أفضلهن الغدو إلى ~~الجمعة # وفي الخبر PageV01P181 إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب ~~المساجد بأيديهم صحف من فضة وأقلام من ذهب يكتبون الأول فالأول على مراتبهم ~~+ حديث إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد بأيديهم صحف من ~~فضة وأقلام من ذهب الحديث أخرجه ابن مردويه في التفسير من حديث علي بإسناد ~~ضعيف إذا كان يوم الجمعة نزل جبريل فركز لواء بالمسجد الحرام وغدا سائر ~~الملائكة إلى المساجد التي يجمع فيها يوم الجمعة فركزوا ألويتهم وراياتهم ~~بباب المسجد ثم نشروا قراطيس من فضة وأقلاما من ذهب + وجاء في الخبر أن ~~الملائكة يتفقدون الرجل إذا تأخر عن وقته يوم الجمعة فيسأل بعضهم بعضا عنه ~~ما فعل فلان وما الذي أخره عن وقته فيقولون اللهم إن كان أخره فقر فأغنه ~~وإن كان أخره مرض فاشفه وإن كان أخره شغل ففرغه لعبادتك وإن كان أخره لهو ~~فأقبل بقلبه إلى طاعتك + حديث إن الملائكة يفتقدون العبد إذا تأخر عن وقته ~~يوم الجمعة فيسأل بعضهم بعضا ما فعل فلان أخرجه البيهقي من رواية عمرو بن ~~شعيب عن أبيه عن جده مع زيادة ونقص بإسناد حسن واعلم أن المصنف ذكر هذا فإن ~~لم يرد به حديثا مرفوعا فليس من شرطنا وإنما ذكرناه احتياطا + وكان يرى في ~~القرن الأول سحرا وبعد الفجر الطرقات مملوءة من الناس يمشون في السرج ~~ويزدحمون بها إلى الجامع كأيام العيد حتى اندرس ذلك فقيل أول بدعة حدثت في ~~الإسلام ترك البكور إلى الجامع # وكيف لا يستحي المسلمون من اليهود والنصارى وهم يبكرون إلى البيع ~~والكنائس يوم السبت والأحد وطلاب الدنيا كيف يبكرون إلى رحاب الأسواق للبيع ~~والشراء والربح فلم لا يسابقهم طلاب الآخرة ويقال إن الناس يكونون في قربهم ~~عند النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى على قدر بكورهم إلى الجمعة # ودخل ابن مسعود رضي الله عنه بكرة الجامع فرأى ثلاثة نفر قد سبقوه ~~بالبكور فاغتم لذلك وجعل يقول في نفسه معاتبا لها رابع أربعة وما رابع ~~أربعة من البكور ببعيد # الخامس في هيئة الدخول ينبغي أن لا يتخطى رقاب الناس ولا يمر بين أيديهم ~~والبكور يسهل ذلك عليه فقد ورد وعيد شديد في تخطي الرقاب وهو أنه يجعل جسرا ~~يوم القيامة يتخطاه الناس + حديث من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا ~~إلى جهنم أخرجه الترمذي وضعفه وابن ماجه من حديث معاذ بن أنس + وروى ابن ~~جريج مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ ~~رأى رجلا يتخطى رقاب الناس حتى تقدم فجلس فلما قضى النبي صلى الله عليه ~~وسلم صلاته عارض الرجل حتى لقيه فقال يا فلان ما منعك أن تجمع اليوم معنا ~~قال يا نبي الله قد جمعت معكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألم نرك تتخطى ~~رقاب الناس + حديث ابن جريج مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو ~~يخطب إذ رأى رجلا يتخطى رقاب الناس الحديث وفيه ما منعك أن تجمع معنا اليوم ~~أخرجه ابن المبارك في الرقائق + أشار به إلى أنه أحبط عمله # وفي حديث مسند أنه قال ما منعك أن تصلي معنا قال أو لم ترني يا رسول الله ~~فقال صلى الله عليه وسلم رأيتك تأنيت وآذيت + حديث ما منعك أن تصلي معنا ~~فقال أو لم ترني قال رأيتك آنيت وآذيت أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان ~~والحاكم من حديث عبد الله بن بسر مختصرا + أي تأخرت عن البكور وآذيت الحضور # ومهما كان الصف الأول متروكا خاليا فله أن يتخطى رقاب الناس لأنهم ضيعوا ~~حقهم وتركوا موضع الفضيلة # قال الحسن تخطوا رقاب الناس الذين يقعدون على أبواب الجوامع يوم الجمعة ~~فإنه لا حرمة لهم # وإذا لم يكن في المسجد إلا من يصلي فينبغي أن لا يسلم لأنه تكليف جواب في ~~غير محله # السادس أن لا يمر بين يدي الناس ويجلس حيث هو إلى قرب أسطوانة أو حائط ~~حتى لا يمرون بين يديه أعني بين يدي المصلي فإن ذلك لا يقطع الصلاة ولكنه ~~منهي عنه قال صلى الله عليه وسلم لأن يقف أربعين عاما خير له من أن يمر بين ~~يدي المصلي + حديث لأن يقف أربعين سنة خير له من أن يمر بين يدي المصلي ~~أخرجه البزار من حديث زيد بن خالد وفي الصحيحين من حديث أبي جهم أن يقف ~~أربعين قال أبو النضر لا أدري أربعين يوما أو شهرا أو سنة رواه أبو داود ~~وابن حبان من حديث أبي هريرة مائة عام + وقال صلى الله عليه وسلم لأن يكون ~~الرجل رمادا أو رميما PageV01P182 تذروه الرياح خير من أن يمر بين يدي ~~المصلي + حديث لأن يكون الرجل رمادا تذروه الرياح خيرا له من أن يمر بين ~~يدي المصلي أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان وابن عبد البر في التمهيد ~~موقوفا على عبد الله بن عمر وزاد متعمدا + وقد روي في حديث آخر في المار ~~والمصلي حيث صلى على الطريق أو قصر في الدفع فقال لو يعلم المار بين يدي ~~المصلي والمصلى ما عليهما في ذلك لكان أن يقف أربعين سنة خيرا له من أن يمر ~~بين يديه + حديث لو يعلم المار بين يدي المصلى والمصلي ما عليهما في ذلك ~~الحديث رواه هكذا أبو العباس محمد بن يحيى السراج في مسنده من حديث زيد بن ~~خالد بإسناد صحيح + والأسطوانة والحائط والمصلى المفروش حد للمصلي فمن ~~اجتاز به فينبغي أن يدفعه قال صلى الله عليه وسلم ليدفعه فإن أبى فليدفعه ~~فإن أبى فليقاتله فإنه شيطان + حديث أبي سعيد فليدفعه فإنأبى فليقابله ~~فإنما هو شيطان متفق عليه + وكان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يدفع من يمر ~~بين يديه حتى يصرعه فربما تعلق به الرجل فاستعدى عليه عند مروان فيخبره أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك فإن لم يجد أسطوانة فلينصب بين يديه ~~شيئا طوله قدر ذراع ليكون ذلك علامة لحده # السابع أن يطلب الصف الأول فإن فضله كثير كما رويناه وفي الحديث من غسل ~~واغتسل وبكر وابتكر ودنا من الإمام واستمع كان ذلك له كفارة لما بين ~~الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام + حديث من غسل واغتسل وبكر وابتكر ودنا من ~~الإمام واستمع الحديث أخرجه الحاكم من حديث أوس بن أوس وأصله عند أصحاب ~~السنن + وفي لفظ آخر غفر الله له إلى الجمعة الأخرى وقد اشترط في بعضها ولم ~~يتخط رقاب الناس + حديث أنه اشترط في بعضها ولم يتخط رقاب الناس أخرجه أبو ~~داود وابن حبان والحاكم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وقال صحيح على شرط ~~مسلم + ولا يغفل في طلب الصف الأول عن ثلاثة أمور أولها أنه إذا كان يرى ~~بقرب الخطيب منكرا يعجز عن تغييره من لبس حرير من الإمام أو غيره أو صلى في ~~سلاح كثير ثقيل شاغل أو سلاح مذهب أو غير ذلك مما يجب فيه الإنكار فالتأخر ~~له أسلم وأجمع للهم فعل ذلك جماعة من العلماء طلبا للسلامة # قيل لبشر بن الحرث نراك تبكر وتصلي في آخر الصفوف فقال إنما يراد قرب ~~القلوب قرب الأجساد # وأشار به إلى أن ذلك أقرب لسلامة قلبه # ونظر سفيان الثوري إلى شعيب بن حرب عند المنبر يسمع إلى الخطبة من أبي ~~جعفر المنصور فلما فرغ من الصلاة قال شغل قلبي قربك من هذا هل أمنت أن تسمع ~~كلاما يجب عليك إنكاره فلا تقوم به ثم ذكر ما أحدثوا من لبس السواد فقال يا ~~أبا عبد الله أليس في الخبر أدن واستمع + حديث ادن فاستمع أخرجه أبو داود ~~من حديث سمرة احضروا الذكر وادنوا من الإمام وتقدم بلفظ من هجر ودنا واستمع ~~وهو عند أصحاب السنن من حديث شداد + فقال ويحك ذاك للخلفاء الراشدين ~~المهديين فأما هؤلاء فكلما بعدت عنهم ولم تنظر إليهم كان أقرب إلى الله عز ~~وجل # وقال سعيد بن عامر صليت إلى جنب أبي الدرداء فجعل يتأخر في الصفوف حتى ~~كنا في آخر صف فلما صلينا قلت له أليس يقال خير الصفوف أولها قال نعلم إلا ~~أن هذه الأمة مرحومة منظور إليها من بين الأمم + حديث أبي الدرداء إن هذه ~~الأمة مرحومة منظور إليها من بين الأمم وإن الله إذا نظر إلى عبد في الصلاة ~~غفر له ولمن وراءه من الناس لم أجده + فإن الله تعالى إذا نظر إلى عبد في ~~الصلاة غفر له ولمن وراءه من الناس فإنما تأخرت رجاء أن يغفر لي بواحد منهم ~~ينظر الله إليه # وروى بعض الرواة أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك فمن ~~تأخر على هذه النية إيثارا وإظهارا لحسن الخلق فلا بأس وعند هذا يقال ~~الأعمال بالنيات ثانيها إن لم تكن مقصورة عند الخطيب مقتطعة عن المسجد ~~للسلاطين فالصف الأول محبوب وإلا فقد كره بعض العلماء دخول المقصورة # كان الحسن وبكر المزني لا يصليان في المقصورة ورأيا أنها قصرت على ~~السلاطين وهي بدعة أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المساجد # والمسجد مطلق لجميع الناس وقد اقتطع ذلك على خلافة # وصلى أنس بن مالك PageV01P183 وعمران بن حصين في المقصورة ولم يكرها ذلك ~~لطلب القرب # ولعل الكراهية تختص بحالة التخصيص والمنع فأما مجرد المقصورة إذا لم يكن ~~منع فلا يوجد كراهة وثالثها أن المنبر يقطع بعض الصفوف وإنما الصف الأول ~~الواحد المتصل الذي في فناء المنبر وما على طرفيه مقطوع # وكان الثوري يقول الصف الأول هو الخارج بين يدي المنبر وهو متجه لأنه ~~متصل ولأن الجالس فيه يقابل الخطيب ويسمع منه # ولا يبعد أن يقال الأقرب إلى القبلة هو الصف الأول ولا يراعى هذا المعنى # وتكره الصلاة في الأسواق والرحاب الخارجة عن المسجد وكان بعض الصحابة ~~يضرب الناس ويقيمهم من الرحاب # الثامن أن يقطع الصلاة عند خروج الإمام ويقطع الكلام أيضا بل يشتغل بجواب ~~المؤذن ثم باستماع الخطبة # وقد جرت عادة بعض العوام بالسجود عند قيام المؤذنين ولم يثبت له أصل في ~~أثر ولا خبر ولكنه إن وافق سجود تلاوة فلا بأس بها للدعاء لأنه وقت فاضل ~~ولا يحكم بتحريم هذا السجود فإنه لا سبب لتحريمه وقد روي عن علي وعثمان رضي ~~الله عنهما أنهما قالا من استمع وأنصت فله أجران ومن لم يستمع وأنصت فله ~~أجر ومن سمع ولغا فعليه وزران ومن لم يستمع ولغا فعليه وزر واحد # وقال صلى الله عليه وسلم من قال لصاحبه والإمام يخطب أنصت أو مه فقد لغا ~~ومن لغا والإمام يخطب فلا جمعة له + حديث من قال لصاحبه والإمام يخطب أنصت ~~فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة روى ~~الترمذي قوله ومن لغا فلا جمعة له قال الترمذي حديث حسن صحيح وهو في ~~الصحيحين بلفظ إذا قلت لصاحبك أخرجه أبو داود من حديث علي من قال صه فقد ~~لغا ومن لغا فلا جمعة له + وهذا يدل على أن الإسكات ينبغي أن يكون بإشارة ~~أو رمي حصاة لا بالنطق # وفي حديث أبي ذر أنه لما سأل أبيا والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال ~~متى أنزلت هذه السورة فأومأ إليه أن أسكت فلما نزل رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم قال له أبي اذهب فلا جمعة لك فشكاه أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه ~~وسلم فقال صدق أبي + حديث أبي ذر لما سأل أبيا والنبي صلى الله عليه وسلم ~~يخطب وقال متى أنزلت هذه السورة الحديث أخرجه البيهقي وقال في المعرفة ~~إسناده صحيح أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي بن كعب بسند صحيح أن ~~السائل له أبو الدرداء وأبو ذر ولأحمد من حديث أبي الدرداء أنه سأل أبيا ~~ولابن حبان من حديث جابر أن السائل عبد الله بن مسعود ولأبي يعلى من حديث ~~جابر قال قال سعد بن أبي وقاص لرجل لا جمعة لك فقال له النبي صلى الله عليه ~~وسلم لم يا سعد فقال لأنه كان يتكلم وأنت تخطب فقال صدق سعد + وإن كان ~~بعيدا من الإمام فلا ينبغي أن يتكلم في العلم وغيره بل يسكت لأن كل ذلك ~~يتسلل ويفضي إلى هينمة حتى ينتهي إلى المستمعين ولا يجلس في حلقة من يتكلم ~~فمن عجز عن الاستماع بالبعد فلينصت فهو المستحب # وإذا كان تكره الصلاة في وقت خطبة الإمام فالكلام أولى بالكراهية # وقال علي كرم الله وجهه تكره الصلاة في أربع ساعات بعد الفجر وبعد العصر ~~ونصف النهار والصلاة والإمام يخطب # التاسع أن يراعى في قدوة الجمعة ما ذكرناه في غيرها فإذا سمع قراءة ~~الإمام لم يقرأ سوى الفاتحة # فإذا فرغ من الجمعة قرأ الحمد لله سبع مرات قبل أن يتكلم وقل هو الله أحد ~~والمعوذتين سبعا سبعا وروى بعض السلف أن من فعله عصم من الجمعة إلى الجمعة ~~وكان حرزا له من الشيطان ويستحب أن يقول بعد الجمعة اللهم يا غني يا حميد ~~يا مبدىء يا معيد يا رحيم يا ودود أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك ~~يقال من داوم على هذا الدعاء أغناه الله سبحانه عن خلقه ورزقه من حيث لا ~~يحتسب ثم يصلي بعد الجمعة ست ركعات فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى ~~الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين + حديث ابن عمر في الركعتين بعد ~~الجمعة متفق عليه + وروى أبو هريرة أربعا + حديث أبي هريرة في الأربع ركعات ~~بعد الجمعة أخرجه مسلم إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا + وروى علي ~~وعبد الله ابن عباس رضي الله عنهم ستا + حديث علي وعبد الله في صلاة ست ~~ركعات بعد الجمعة أخرجه البيهقي مرفوعا عن علي وله موقوفا على ابن مسعود ~~أربعا وأبو داود من حديث ابن عمر كان إذا كان بمكة صلى بعد الجمعة ستا + ~~والكل صحيح في أحوال مختلفة والأكمل أفضل PageV01P184 العاشر أن يلازم ~~المسجد حتى يصلي العصر فإن أقام إلى المغرب فهو الأفضل يقال من صلى العصر ~~في الجامع كان له ثواب الحج ومن صلى المغرب فله ثواب حجة وعمرة فإن لم يأمن ~~التصبع ودخول الآفة عليه من نظر الخلق إلى اعتكافه أو خاف الخوض فيما لا ~~يعني فالأفضل أن يرجع إلى بيته ذاكرا الله عز وجل مفكرا في آلائه شاكر الله ~~تعالى على توفيقه خائفا من تقصيره مراقبا لقلبه ولسانه إلى غروب الشمس حتى ~~لا تفوته الساعة الشريفة ولا ينبغي أن يتكلم في الجامع وغيره من المساجد ~~بحديث الدنيا قال صلى الله عليه وسلم يأتي على الناس زمان يكون حديثهم في ~~مساجدهم أمر دنياهم ليس لله تعالى فيهم حاجة فلا تجالسوهم @QB@ حديث @QE@ ~~يأتي على أمتي زمن يكون حديثهم في مساجدهم أمر دنياهم الحديث أخرجه البيهقي ~~في الشعب من حديث الحسن مرسلا وأسنده الحاكم من حديث أنس وصحح إسناده وأخرج ~~ابن حبان نحوه من حديث ابن مسعود وقد تقدم + $ بيان الآداب والسنن الخارجة ~~عن الترتيب السابق الذي يعم جميع النهار وهي سبعة أمور # الأول أن يحضر مجالس العلم بكرة أو بعد العصر ولا يحضر مجالس القصاص فلا ~~خير في كلامهم # ولا ينبغي أن يخلو المريد في جميع يوم الجمعة عن الخيرات والدعوات حتى ~~توافيه الساعة الشريفة وهو في خير ولا ينبغي أن يحضر الحلق قبل الصلاة # وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ~~التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة + حديث عبد الله بن عمر في النهي عن التحلق ~~يوم الجمعة أخرجه أبو داود والنسائي ورواه ابن ماجه من رواية عمرو بن شعيب ~~عن أبيه عن جده من حديث ابن عمر + إلا أن يكون عالما بالله يذكر بأيام الله ~~ويفقه في دين الله يتكلم في الجامع بالغداة فيجلس إليه فيكون جامعا بين ~~البكور وبين الاستماع # واستماع العلم النافع في الآخرة أفضل من اشتغاله بالنوافل فقد روى أبو ذر ~~إن حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة + حديث أبي ذر حضور مجلس علم أفضل ~~من صلاة ألف ركعة تقدم في العلم + قال أنس بن مالك في قوله تعالى فإذا قضيت ~~الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله أما إنه ليس بطلب دنيا لكن ~~عيادة مريض وشهود جنازة وتعلم علم وزيارة أخ في الله عز وجل # وقد سمى الله عز وجل العلم فضلا في مواضع قال تعالى وعلمك ما لم تكن تعلم ~~وكان فضل الله عليك عظيما وقال تعالى ولقد آتينا داود منا فضلا يعني العلم ~~فتعلم العلم في هذا اليوم وتعليمه من أفضل القربات # والصلاة أفضل من مجالس القصاص إذ كانوا يرونه بدعة ويخرجون القصاص من ~~الجامع بكر ابن عمر رضي الله عنهما إلى مجلسه في المسجد الجامع فإذا قاص في ~~موضعه فقال قم عن مجلسي فقال لا أقوم وقد جلست وسبقتك إليه فأرسل ابن عمر ~~إلى صاحب الشرطة فأقامه # فلو كان ذلك من السنة لما جازت إقامته فقد قال صلى الله عليه وسلم لا ~~يقيمن أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا + حديث لا ~~يقيمن أحدكم أخاه من مجلسه الحديث متفق عليه من حديث ابن عمر + وكان ابن ~~عمر إذا قام الرجل له من مجلسه لم يجلس فيه حتى يعود إليه # وروى أن قاصا كان يجلس بفناء حجرة عائشة رضي الله عنها فأرسلت إلى ابن ~~عمر إن هذا قد آذاني بقصصه وشغلني عن سبحتي فضربه ابن عمر حتى كسر عصاه على ~~ظهره ثم طرده # الثاني أن يكون حسن المراقبة للساعة الشريفة ففي الخبر المشهور إن في ~~الجمعة ساعة لايوافقها عبد مسلم يسأل الله عز وجل فيها شيئا إلا أعطاه + ~~حديث إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه ~~أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن عوف المزني + وفي خبر آخر لا ~~يصادفها عبد يصلي + حديث لا يصادفها عبد يصلي متفق عليه من حديث أبي هريرة ~~+ واختلف فيها فقيل إنها عند طلوع الشمس وقيل عند الزوال وقيل مع الأذان ~~وقيل إذا صعد الإمام المنبر وأخذ في الخطبة وقيل إذا قام PageV01P185 الناس ~~إلى الصلاة وقيل آخر وقت العصر أعني وقت الاختيار وقيل قبل غروب الشمس ~~وكانت فاطمة رضي الله عنها تراعي ذلك الوقت وتأمر خادمتها أن تنظر إلى ~~الشمس فتؤذنها بسقوطها فتأخذ في الدعاء والاستغفار إلى أن تغرب الشمس وتخبر ~~بأن تلك الساعة هي المنتظرة وتؤثره عن أبيها صلى الله عليه وسلم وعليها + ~~حديث فاطمة في ساعة الجمعة أخرجه الدار قطني في العلل والبيهقي في الشعب ~~وعلته الاختلاف + وقال بعض العلماء هي مبهمة في جميع اليوم مثل ليلة القدر ~~تتوفر الدواعي على مراقبتها # وقيل إنها تنتقل في ساعات يوم الجمعة كتنقل ليلة القدر وهذا هو الأشبه ~~وله سر لا يليق بعلم المعاملة ذكره ولكن ينبغي أن يصدق بما قال صلى الله ~~عليه وسلم إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها + حديث إن لربكم ~~في أيام دهركم نفحات الحديث أخرجه الحكيم في النوادر والطبراني في الأوسط ~~من حديث محمد بن مسلمة ولابن عبد البر في التمهيد نحوه من حديث أنس ورواه ~~ابن أبي الدنيا في كتاب الفرج من حديث أبي هريرة واختلف في إسناده + ويوم ~~الجمعة من جملة تلك الأيام فينبغي أن يكون العبد في جميع نهاره متعرضا لها ~~بإحضار القلب وملازمة الذكر والنزوع عن وساوس الدنيا فعساه يحطى بشيء من ~~تلك النفحات # وقد قال كعب الأحبار إنها في آخر ساعة من يوم الجمعة وذلك عند الغروب ~~فقال أبو هريرة وكيف تكون آخر ساعة وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول لا يوافقها عبد يصلي ولات حين صلاة فقال كعب ألم يقل رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم من قعد ينتظر الصلاة فهو في الصلاة + حديث اختلاف كعب وأبي ~~هريرة في ساعة الجمعة وقول أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول لا يوافقها عبد يصلي ولات حين صلاة فقال كعب ألم يقل صلى الله عليه ~~وسلم من قعد ينتظر الصلاة فهو في صلاة قلت في الإحياء أن كعبا هو القائل ~~إنها آخر ساعة وليس كذلك وإنما هو عبد الله بن سلام وأما كعب فإنما قال ~~إنها في كل سنة مرة ثم رجع والحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ~~حبان من حديث أبي هريرة وابن ماجه ونحوه من حديث عبد الله بن سلام + قال ~~بلى قال فذلك صلاة فسكت أبو هريرة # وكان كعب مائلا إلى أنها رحمة من الله سبحانه للقائمين بحق هذا اليوم ~~وأوان إرسالها عند الفراغ من تمام العمل # وبالجملة هذا وقت شريف مع وقت صعود الإمام المنبر فليكثر الدعاء فيهما # الثالث يستحب أن يكثر الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا ~~اليوم فقد قال صلى الله عليه وسلم من صلى علي في يوم الجمعة ثمانين مرة غفر ~~الله له ذنوب ثمانين سنة قيل يا رسول الله كيف الصلاة عليك قال تقول اللهم ~~صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وتعقد واحدة وإن قلت اللهم صلي ~~على محمد وعلى آل محمد صلاة تكون لك رضاء ولحقه أداء وأعطه الوسيلة وابعثه ~~المقام المحمود الذي وعدته واجزه عنا ما هو أهله واجزه أفضل ما جازيت نبيا ~~عن أمته وصل عليه وعلى جميع إخوانه من النبيين والصالحين يا أرحم الراحمين ~~+ حديث من صلى علي في يوم الجمعة ثمانين مرة الحديث أخرجه الدار قطني من ~~رواية ابن المسيب قال أظنه عن أبي هريرة وقال حديث غريب وقال ابن النعمان ~~حديث حسن + تقول هذا سبع مرات فقد قيل من قالها في سبع جمع في كل جمعة سبع ~~مرات وجبت له شفاعته صلى الله عليه وسلم # وإن أراد أن يزيد أتى بالصلاة المأثورة فقال اللهم اجعل فضائل صلواتك ~~ونوامي بركاتك وشرائف زكواتك ورأفتك ورحمتك وتحيتك على محمد سيد المرسلين ~~وإمام المتقين وخاتم النبيين ورسول رب العالمين قائد الخير وفاتح البر ونبي ~~الرحمة وسيد الأمة اللهم ابعثه مقاما محمودا تزلف به قربه وتقر به عينه ~~يغبطه به الأولون والآخرون اللهم أعطه الفضل والفضيلة والشرف والوسيلة ~~والدرجة الرفيعة والمنزلة الشامخة المنيفة اللهم أعط محمدا سؤله وبلغه ~~مأموله واجعله أول شافع وأول مشفع اللهم عظم برهانه وثقل ميزانه وأبلج حجته ~~وارفع في أعلى المقربين درجته اللهم احشرنا في زمرته واجعلنا من أهل شفاعته ~~وأحينا على سنته وتوفنا على ملته PageV01P186 وأوردنا حوضه واسقنا بكأسه ~~غير خزايا ولا نادمين ولا شاكين ولا مبدلين ولا فاتنين ولا مفتونين آمين يا ~~رب العالمين + حديث اللهم اجعل فضائل صلواتك الحديث أخرجه ابن أبي عاصم في ~~كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود نحوه بسند ~~ضعيف وقفه على ابن مسعود + # وعلى الجملة فكل ما أتى به من ألفاظ الصلاة ولو بالمشهورة في التشهد كان ~~مصليا # وينبغي أن يضيف إليه الاستغفار فإن ذلك أيضا مستحب في هذا اليوم # الرابع قراءة القرآن فليكثر منه وليقرأ سورة الكهف خاصة # فقد روى عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما أن من قرأ سورة الكهف ~~ليلة الجمعة أو ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أعطي نورا من حيث يقرؤها إلى مكة ~~وغفر له إلى يوم الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام وصلى عليه سبعون ألف ملك ~~حتى يصح وعوفي من الداء والدبيلة وذات الجنب والبرص والجذام وفتنة الدجال + ~~حديث ابن عباس وأبي هريرة من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أو يوم الجمعة ~~الحديث لم أجده من حديثهما + ويستحب أن يختم القرآن في يوم الجمعة وليلتها ~~إن قدر وليكن ختمه للقرآن في ركعتي الفجر إن قرأ بالليل أو في ركعتي المغرب ~~أو بين الأذان والإقامة للجمعة فله فضل عظيم # وكان العابدون يستحبون أن يقرءوا يوم الجمعة قل هو الله أحد ألف مرة # ويقال إن من قرأها في عشر ركعات أو عشرين فهو أفضل من ختمة وكانوا يصلون ~~على النبي صلى الله عليه وسلم ألف مرة وكانوا يقولون سبحان الله والحمد لله ~~ولا إله إلا الله والله أكبر ألف مرة وإن قرأ المسبعات الست في يوم الجمعة ~~أو ليلتها فحسن # وليس يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ سورا بأعيانها إلا ~~في يوم الجمعة وليلتها كان يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة قل يا أيها ~~الكافرون وقل هو الله أحد وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة ~~سورة الجمعة والمنافقين + حديث القراءة في المغرب ليلة الجمعة قل يا أيها ~~الكافرون وقل هو الله أحد وفي عشائها الجمعة والمنافقين أخرجه ابن حبان ~~والبيهقي من حديث سمرة وفي ثقات ابن حبان المحفوظ عن سماك مرسلا قلت لا يصح ~~مسندا ولا مرسلا + وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرؤهما في ركعتي ~~الجمعة # وكان يقرأ في الصبح يوم الجمعة سورة سجدة لقمان وسورة هل أتى على الإنسان ~~+ حديث القراءة في الجمعة بالجمعة والمنافقين وفي صبح الجمعة بالسجدة وهل ~~أتى أخرجه مسلم من حديث ابن عباس وأبي هريرة + # الخامس الصلوات يستحب إذا دخل الجامع أن لا يجلس حتى يصلي أربع ركعات ~~يقرأ فيهن قل هو الله أحد مائتي مرة في كل ركعة خمسين مرة + حديث من دخل ~~يوم الجمعة المسجد فصلى أربع ركعات يقرأ فيها قل هو الله أحد مائتي مرة ~~الحديث أخرجه الخطيب في الرواة عن مالك من حديث ابن عمر وقال غريب جدا + ~~فقد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من فعله لم يمت حتى يرى مقعده ~~من الجنة أو يرى له ولا يدع ركعتي التحية وإن كان الإمام يخطب ولكن يخفف # أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك + حديث الأمر بالتخفيف في التحية ~~إذا دخل والإمام يخطب أخرجه مسلم من حديث جابر والبخاري والأمر بالركعتين ~~ولم يذكر التخفيف + وفي حديث غريب أنه صلى الله عليه وسلم سكت للداخل حتى ~~صلاهما + حديث سكوته صلى الله عليه وسلم عن الخطبة للداخل حتى فرغ من ~~التحية أخرجه الدار قطني من حديث أنس وقال أسنده عبيد بن محمد ووهم فيه ~~والصواب عن معتمر عن أبيه مرسلا + فقال الكوفيون إن سكت له الإمام صلاهما # ويستحب في هذا اليوم أو في ليلته أن يصلي أربع ركعات بأربع سور الأنعام ~~والكهف وطه ويس # فإن لم يحسن قرأ يس وسورة سجدة لقمان وسورة الدخان وسورة الملك # ولا يدع قراءة هذه الأربع سور في ليلة الجمعة ففيها فضل كثير # ومن لا يحسن القرآن قرأ ما يحسن فهو له بمنزلة الختمة # ويكثر من قراءة سورة الإخلاص # ويستحب أن يصلي صلاة التسبيح كما سيأتي في باب التطوعات كيفيتها لأنه صلى ~~الله عليه وسلم قال لعمه العباس صلها في كل جمعة + حديث صلاة التسبيح وقوله ~~لعمه العباس صلها في كل جمعة أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم ~~من حديث ابن عباس وقال العقيلي وغيره ليس فيها حديث صحيح + وكان ابن عباس ~~رضي الله عنهما لا يدع هذه الصلاة يوم الجمعة بعد الزوال PageV01P187 وكان ~~يخبر عن جلالة فضلها # والأحسن أن يجعل وقته إلى الزوال للصلاة وبعد صلاة الجمعة إلى العصر ~~لاستماع العلم وبعد العصر إلى المغرب للتسبيح والاستغفار # السادس الصدقة مستحبة في هذا اليوم خاصة فإنها تتضاعف إلا على من سأل ~~والإمام يخطب وكان يتكلم في كلام الإمام فهذا مكروه # وقال صالح بن محمد سأل مسكين يوم الجمعة والإمام يخطب وكان إلى جانب أبي ~~فأعطى رجل أبي قطعة ليناوله إياها فلم يأخذها منه أبي # وقال ابن مسعود إذا سأل الرجل في المسجد فقد استحق أن لا يعطى وإذا سأل ~~على القرآن فلا تعطوه # ومن العلماء من كره الصدقة على السؤال في الجامع الذين يتخطون رقاب الناس ~~إلا أن يسأل قائما أو قاعدا في مكانه من غير تخط # وقال كعب الأحبار من شهد الجمعة ثم انصرف فتصدق بشيئين مختلفين من الصدقة ~~ثم رجع فركع ركعتين يتم ركوعهما وسجودهما وخشوعهما ثم يقول اللهم إني أسألك ~~باسمك بسم الله الرحمن الرحيم وباسمك الذي لا إله إلا الله هو الحي القيوم ~~الذي لا تأخذه سنة ولا نوم لم يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه # وقال بعض السلف # من أطعم مسكينا يوم الجمعة ثم غدا وابتكر ولم يؤذ أحدا ثم قال حين يسلم ~~الإمام بسم الله الرحمن الرحيم الحي القيوم أسألك أن تغفر لي وترحمني ~~وتعافيني من النار ثم دعا بما بدا له استجيب له # السابع أن يجعل يوم الجمعة للآخرة فيكف فيه عن جميع أشغال الدنيا ويكثر ~~فيه الأوراد ولا يبتدىء فيه السفر فقد روي أنه من سافر في ليلة الجمعة دعا ~~عليه ملكاه + حديث من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه أخرجه الدار قطني في ~~الأفراد من حديث ابن عمر وفيه ابن لهيعة وقال غريب والخطيب في الرواة عن ~~مالك من حديث أبي هريرة بسند ضعيف + وهو بعد طلوع الفجر حرام إلا إذا كانت ~~الرفقة تفوت # وكره بعض السلف شراء الماء في المسجد من السقاء ليشربه أو يسبله حتى لا ~~يكون مبتاعا في المسجد فإن البيع والشراء في المسجد مكروه # وقالوا لا بأس لو أعطى القطعة خارج المسجد ثم شرب أو سبل في المسجد # وبالجملة ينبغي أن يزيد في الجمعة في أوراده وأنواع خيراته فإن الله ~~سبحانه إذا أحب عبدا استعمله في الأوقات الفاضلة بفواضل الأعمال وإذا مقته ~~استعمله في الأوقات الفاضلة بسيء الأعمال ليكون ذلك أوجع في عقابه وأشد ~~لمقته لحرمانه بركة الوقت وانتهاكه حرمة الوقت # ويستحب في الجمعة دعوات وسيأتي ذكرها في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى # وصلى الله على كل عبد مصطفى # | الباب السادس في مسائل متفرقة تعم بها البلوى ويحتاج المريد إلى # معرفتها فأما المسائل التي تقع نادرة فقد استقصيناها في كتب الفقه # مسألة الفعل القليل وإن كان لا يبطل الصلاة فهو مكروه إلا لحاجة وذلك في ~~دفع المار وقتل العقرب التي تخاف ويمكن قتلها بضربة أو ضربتين فإذا صارت ~~ثلاثة فقد كثرت وبطلت الصلاة وكذلك القملة والبرغوث مهما تأذى بهما كان له ~~دفعهما وكذلك حاجته إلى الحك الذي يشوش عليه الخشوع # كان معاذ يأخذ القملة والبرغوث في الصلاة # وابن عمر كان يقتل القملة في الصلاة حتى يظهر الدم على يده # وقال النخعي يأخذها ويوهنها ولا شيء عليه إن قتلها # وقال ابن المسيب يأخذها ويخدرها ثم يطرحها # وقال مجاهد الأحب إلى أن يدعها إلا أن تؤذيه فتشغله عن صلاته فيوهنها قدر ~~ما لا تؤذي ثم يلقيها # وهذه رخصة وإلا فالكمال الاحتراز عن الفعل وإن قل # ولذلك كان بعضهم لا يطرد الذباب وقال لا أعود نفسي ذلك فأفسد علي صلاتي # وقد سمعت أن الفساق بين يدي PageV01P188 الملوك يصبرون على أذى كثير ولا ~~يتحركون # ومهما تثاءب فلا بأس أن يضع يده على فيه وهو الأولى # وإن عطس حمد الله عز وجل في نفسه ولا يحرك لسانه # وأن تجشأ فينبغي أن لا يرفع رأسه إلى السماء وإن سقط رداؤه فلا ينبغي أن ~~يسويه وكذلك أطراف عمامته فكل ذلك مكروه إلا لضرورة # مسألة الصلاة في النعلين جائزة وإن كان نزع النعلين سهلا وليست الرخصة في ~~الخف لعسر النزع بل هذه النجاسة معفو عنها # وفي معناها المداس صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نعليه ثم نزع ~~فنزع الناس نعالهم فقال لم خلعتم نعالكم قالوا رأيناك خلعت فخلعنا قال صلى ~~الله عليه وسلم إن جبرائيل عليه السلام أتاني فأخبرني أن بهما خبثا فإذا ~~أراد أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن رأى خبثا فليمسحه بالأرض ~~وليصل فيهما + حديث صلى في نعليه ثم نزع فنزع الناس نعالهم الحديث أخرجه ~~أحمد واللفظ لابن ماجه وأبو داود والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد + وقال ~~بعضهم الصلاة في النعلين أفضل لأنه صلى الله عليه وسلم قال لم خلعتم نعالكم ~~وهذه مبالغة فإنه صلى الله عليه وسلم سألهم ليبين لهم سبب خلعه إذ علم أنهم ~~خلعوا على موافقته # وقد روى عبد الله بن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعليه + ~~حديث عبد الله بن السائب في خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه أخرجه مسلم ~~+ فإذن قد فعل كليهما فمن خلع فلا ينبغي أن يضعهما عن يمينه ويساره فيضيق ~~الموضع ويقطع الصف بل يضعهما بين يديه ولا يتركهما وراءه فيكون قلبه ملتفتا ~~إليهما # ولعل من رأى الصلاة فيهما أفضل راعى هذا المعنى وهو التفات القلب إليهما # روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا صلى ~~أحدكم فليجعل نعليه بين رجليه + حديث أبي هريرة إذا صلى أحدكم فليجعل نعليه ~~بين رجليه أخرجه أبو داود بسند صحيح وضعفه المنذري وليس بجيد + وقال أبو ~~هريرة لغيره اجعلهما بين رجليك ولا تؤذ بهما مسلما # ووضعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على يساره وكان إماما + حديث وضعه ~~نعليه على يساره أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن السائب + فللإمام أن يفعل ~~ذلك إذ لا يقف أحد على يساره # والأولى أن لا يضعهما بين قدميه فتشغلانه ولكن قدام قدميه ولعله المراد ~~بالحديث # وقد قال جبير بن مطعم وضع الرجل نعليه بين قدميه بدعة # مسألة إذا بزق في صلاته لم تبطل صلاته لأنه فعل قليل # وما لا يحصل به صوت لا يعد كلاما وليس على شكل حروف الكلام إلا أنه مكروه ~~فينبغي أن يحترز منه إلا كما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه إذ روى ~~بعض الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في القبلة نخامة فغضب ~~غضبا شديدا ثم حكها بعرجون كان في يده وقال ائتوني بعبير فلطخ أثرها ~~بزعفران ثم التفت إلينا وقال أيكم يحب أن يبزق في وجهه فقلنا لا أحد قال ~~فإن أحدكم إذا دخل في الصلاة فإن الله عز وجل بينه وبين القبلة + حديث رأى ~~في القبلة نخامة فغضب الحديث أخرجه مسلم من حديث جابر واتفقا عليه مختصرا ~~من حديث أنس وعائشة وأبي سعيد وأبي هريرة وابن عمر + وفي لفظ آخر واجهه ~~الله تعالى فلا يبزقن أحدكم تلقاء وجهه ولا عن يمينه ولكن عن شماله أو تحت ~~قدمه اليسرى فإن بدرته بادرة فليبصق في ثوبه وليقل به هكذا ودلك بعضه ببعض # مسألة لوقوف المقتدي سنة وفرض أما السنة فأن يقف الواحد عن يمين الإمام ~~متأخرا عنه قليلا والمرأة الواحدة تقف خلف الإمام فإن وقفت بجنب الإمام لم ~~يضر ذلك ولكن خالفت السنة # فإن كان معها رجل PageV01P189 وقف الرجل عن يمين الإمام وهي خلف الرجل # ولا يقف أحد خلف الصف منفردا بل يدخل في الصف أو يجر إلى نفسه واحدا من ~~الصف # فإن وقف منفردا صحت صلاته مع الكراهية # وأما الفرض # فاتصال الصف وهو أن يكون بين المقتدي والإمام رابطة جامعة فإنهما في ~~جماعة فإن كانا في مسجد كفى ذلك جامعا لأنه بنى له فلا يحتاج إلى اتصال صف ~~بل إلى أن يعرف أفعال الإمام صلى أبو هريرة رضي الله عنه على ظهر المسجد ~~بصلاة الإمام # وإذا كان المأموم على فناء المسجد في طريق أو صحراء مشتركة وليس بينهما ~~اختلاف بناء مفرق فيكفي القرب بقدر غلوة سهم وكفى بها رابطة إذ يصل فعل ~~أحدهما إلى الآخر # وإنما يشترط إذا وقف في صحن دار على يمين المسجد أو يساره وبابها لاطىء ~~في المسجد فالشرط أن يمد صف المسجد في دهليزها من غير انقطاع إلى الصحن # ثم تصح صلاة من في ذلك الصف ومن خلفه دون من تقدم عليه وهكذا حكم الأبنية ~~المختلفة فأما البناء الواحد والعرصة الواحدة فكالصحراء # مسألة المسبوق إذا أدرك آخر صلاة الإمام فهو أول صلاته فليوافق الإمام ~~وليبن عليه وليقنت في الصبح في آخر صلاة نفسه # وإن قنت مع الإمام وإن أدرك مع الإمام بعض القيام فلا يشتغل بالدعاء ~~وليبدأ بالفاتحة وليخففها # فإن ركع الإمام قبل تمامها وقدر على لحوقه في اعتداله من الركوع فليتم # فإن عجز وافق الإمام وركع وكان لبعض الفاتحة حكم جميعها فتسقط عنه بالسبق # وإن ركع الإمام وهو في السورة فليقطعها # وإن أدرك الإمام في السجود أو التشهد كبر للإحرام ثم جلس ولم يكبر بخلاف ~~ما إذا أدركه في الركوع فإنه يكبر ثانيا في الهوى لأن ذلك انتقال محسوب له # والتكبيرات للانتقالات الأصلية في ا لصلاة لا للعوارض بسبب القدوة # ولا يكون مدركا الركعة ما لم يطمئن راكعا في الركوع والإمام بعد في حد ~~الراكعين # فإن لم يتم طمأنينته إلا بعد مجاوزة الإمام حد الراكعين فاتته تلك الركعة # مسألة من فاتته صلاة الظهر إلى وقت العصر فليصل الظهر أولا ثم العصر فإن ~~ابتدأ بالعصر أجزأه ولكن ترك الأولى واقتحم شبهة الخلاف # فإن وجد إماما فليصل العصر ثم ليصل الظهر بعده فإن الجماعة بالأداء أولى # فإن صلى منفردا في أول الوقت ثم أدرك جماعة صلى في الجماعة ونوى صلاة ~~الوقت والله يحتسب أيهما شاء # فإن نوى فائتة أو تطوعا جاز # وإن كان قد صلى في الجماعة فأدرك جماعة أخرى فلينو الفائتة أو النافلة ~~فإعادة المؤداة بالجماعة مرة أخرى لا وجه له وإنما احتمل ذلك لدرك فضيلة ~~الجماعة # مسألة من صلى ثم رأى على ثوبه نجاسة فالأحب قضاء الصلاة ولا يلزمه # ولو رأى النجاسة في أثناء الصلاة رمى بالثوب وأتم والأحب الاستئناف # وأصل هذا قصة خلع النعلين حين أخبر جبرائيل عليه السلام رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم بأن عليهما نجاسة فإنه صلى الله عليه وسلم لم يستأنف الصلاة # مسألة من ترك التشهد الأول أو القنوت أو ترك الصلاة على رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم في التشهد الأول أو فعل فعلا سهوا وكانت تبطل الصلاة بتعمده ~~أو شك فلا يدر أصلى ثلاثا أو أربعا أخذ باليقين وسجد سجدتي السهو قبل ~~السلام # فإن نسي فبعد السلام مهما تذكر على القرب # فإن سجد بعد السلام وبعد أن أحدث بطلت صلاته # فإنه لما دخل في السجود كأنه جعل سلامه نسيانا في غير محله فلا يحصل ~~التحلل به وعاد إلى الصلاة فلذلك يستأنف السلام بعد السجود # فإن تذكر سجود السهو بعد خروجه من المسجد أو بعد طول الفصل فقد فات # مسألة الوسوسة في نية الصلاة سببها خبل في العقل أو جهل بالشرع لأن ~~امتثال أمر الله عز وجل مثل PageV01P190 امتثال أمر غيره وتعظيمه كتعظيم ~~غيره في حق القصد # ومن دخل عليه عالم فقام له فلو قال نويت أن أنتصب قائما تعظيما لدخول زيد ~~الفاضل لأجل فضله مقبلا عليه بوجهي كان سفها في عقله بل كما يراه ويعلم ~~فضله تنبعث داعية التعظيم فتقيمه ويكون معظما إلا إذا قام لشغل آخر أو في ~~غفلة # واشتراط كون الصلاة ظهرا أداء فرضا في كونه امتثالا كاشتراط كون القيام ~~مقرونا بالدخول مع الإقبال بالوجه على الداخل وانتفاء باعث آخر سواه # وقصد التعظيم به ليكون تعظيما # فإنه لو قام مدبرا عنه أو صبر فقام بعد ذلك بمدة لم يكن معظما # ثم هذه الصفات لا بد وأن تكون معلومة وأن تكون مقصودة ثم لا يطول حضورها ~~في النفس في لحظة واحدة وإنما يطول نظم الألفاظ الدالة عليها إما تلفظا ~~باللسان وإما تفكرا بالقلب # فمن لم يفهم نية الصلاة على هذا الوجه فكأنه لم يفهم النية # فليس فيه إلا أنك دعيت إلى أن تصلي في وقت فأجبت وقمت فالوسوسة محض الجهل # فإن هذه القصود وهذه العلوم تجتمع في النفس في حالة واحدة ولا تكون مفصلة ~~الآحاد في الذهن بحيث تطالعها النفس وتتأملها # وفرق بين حضور الشيء في النفس وبين تفصيله بالفكر # والحضور مضاد للعزوب والغفلة وإن لم يكن مفصلا # فإن من علم الحادث مثلا فيعلمه بعلم واحد في حالة واحدة وهذا العلم يتضمن ~~علوما هي حاضرة وإن لم تكن مفصلة فإن من علم الحادث فقد علم الموجود ~~والمعدوم والتقدم والتأخر والزمان وأن التقدم للعدم وأن التأخر للوجود فهذه ~~العلوم منطوية تحت العلم بالحادث بدليل أن العالم بالحادث إذا لم يعلم غيره ~~لو قيل له هل علمت التقدم فقط أو التأخر أو العدم أو تقدم العدم أو تأخر ~~الوجود أو الزمان المنقسم إلى المتقدم والمتأخر فقال ما عرفته قط كان كاذبا ~~وكان قوله مناقضا لقوله إني أعلم الحادث # ومن الجهل بهذه الدقيقة يثور الوسواس فإن الموسوس يكلف نفسه أن يحضر في ~~قلبه الظهرية والأدائية والفرضية في حالة واحدة مفصلة بألفاظها وهو يطالعها ~~وذلك محال # ولو كلف نفسه ذلك في القيام لأجل العالم لتعذر عليه # فبهذه المعرفة يندفع الوسواس وهو أن امتثال أمر الله سبحانه في النية ~~كامتثال أمر غيره ثم أزيد على سبيل التسهيل والترخص # وأقول لو لم يفهم الموسوس النية إلا بإحضار هذه الأمور مفصلة ولم يمثل في ~~نفسه الامتثال دفعة واحدة وأحضر جملة ذلك في أثناء التكبير من أوله إلى ~~أخره بحيث لا يفرغ من التكبير إلا وقد حصلت النية كفاه ذلك ولا نكلفه أن ~~يقرن الجميع بأول التكبير أو آخره فإن ذلك تكليف شطط # ولو كان مأمورا به لوقع للأولين سؤال عنه ولوسوس واحد من الصحابة في ~~النية فعدم وقوع ذلك دليل على أن الأمر على التساهل فكيفما تيسرت النية ~~للموسوس ينبغي أن يقنع به حتى يتعود ذلك وتفارقه الوسوسة ولا يطالب نفسه ~~بتحقيق ذلك فإن التحقيق يزيد في الوسوسة # وقد ذكرنا في الفتاوى وجوها من التحقيق في تحقيق العلوم # والقصود المتعلقة بالنية تفتقر العلماء إلى معرفتها أما العامة فربما ~~ضرها سماعها ويهيج عليها الوسواس فلذلك تركناها # مسألة ينبغي أن لا يتقدم المأموم على الإمام في الركوع والسجود والرفع ~~منهما ولا في سائر الأعمال ولا ينبغي أن يساويه بل يتبعه ويقفو أثره فهذا ~~معنى الاقتداء فإن ساواه عمدا لم تبطل صلاته كما لو وقف بجنيه غير متأخر ~~عنه # فإن تقدم عليه ففي بطلان صلاته خلاف ولا يبعد أن يقضي بالبطلان تشبيها ~~بما لو تقدم في الموقف على الإمام بل هذا أولى لأن الجماعة اقتداء في الفعل ~~لا في الموقف فالتبعية في الفعل أهم # وإنما شرط ترك التقدم في الموقف تسهيلا للمتابعة في الفعل وتحصيلا لصورة ~~التبعية إذ اللائق بالمقتدى به أن يتقدم فالتقدم عليه في الفعل لا وجه له ~~إلا أن يكون سهوا # ولذلك شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم النكير فيه فقال أما يخشى ~~PageV01P191 الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار + حديث ~~أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام متفق عليه من حديث أبي هريرة + وأما ~~التأخر عنه بركن واحد فلا يبطل الصلاة وذلك بأن يعتدل الإمام عن ركوعه وهو ~~بعد لم يركع ولكن التأخر إلى هذا الحد مكروه فإن وضع الإمام جبهته على ~~الأرض وهو بعد لم ينته إلى حد الراكعين بطلت صلاته # وكذا إن وضع الإمام جبهته للسجود الثاني وهو بعد لم يسجد السجود الأول # مسألة حق على من حضر الصلاة إذا رأى من غيره إساءة في صلاته أن يغيره ~~وينكر عليه # وإن صدر من جاهل رفق بالجاهل وعلمه # فمن ذلك الأمر بتسوية الصفوف ومنع المنفرد بالوقوف خارج الصف والإنكار ~~على من يرفع رأسه قبل الإمام إلى غير ذلك من الأمور # فقد قال صلى الله عليه وسلم ويل للعالم من الجاهل حيث لا يعلمه + حديث ~~ويل للعالم من الجاهل الحديث أخرجه صاحب مسند الفردوس من حديث أنس بسند ~~ضعيف + وقال ابن مسعود رضي الله عنه من رأى من يسيء صلاته فلم ينهه فهو ~~شريكه في وزرها # وعن بلال بن سعد أنه قال الخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها فإذا أظهرت ~~فلم تغير أضرت بالعامة # وجاء في الحديث أن بلالا كان يسوي الصفوف ويضرب عراقيبهم بالدرة + حديث ~~أن بلالا كان يسوي الصفوف ويضرب عراقيبهم بالدرة لم أجده + وعن عمر رضي ~~الله عنه قال تفقدوا إخوانكم في الصلاة فإذا فقدتموهم فإن كانوا مرضى ~~فعودوهم وإن كانوا أصحاء فعاتبوهم # والعتاب إنكار على من ترك الجماعة ولا ينبغي أن يتساهل فيه # وقد كان الأولون يبالغون فيه حتى كان بعضهم يحمل الجنازة إلى بعض من تخلف ~~عن الجماعة إشارة إلى أن الميت هو الذي يتأخر عن الجماعة دون الحي # ومن دخل المسجد ينبغي أن يقصد يمين الصف ولذلك تزاحم الناس عليه في زمن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قيل له تعطلت الميسرة فقال صلى الله عليه ~~وسلم من عمر ميسرة المسجد كان له كفلان من الأجر + حديث قيل له قد تعطلت ~~الميسرة فقال من عمر ميسرة المسجد الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث عمر بسند ~~ضعيف + ومهما وجد غلاما في الصف ولم يجد لنفسه مكانا فله أن يخرجه إلى خلف ~~ويدخل فيه أعني إذا لم يكن بالغا وهذا ما أردنا أن نذكره من المسائل التي ~~تعم بها البلوى # وسيأتي أحكام الصلوات المتفرقة في كتاب الأوراد إن شاء الله تعالى # | الباب السابع في النوافل من الصلوات اعلم أن ما عدا الفرائض # من الصلوات ينقسم إلى ثلاثة أقسام سنن ومستحبات وتطوعات # ونعني بالسنن ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المواظبة عليه ~~كالرواتب عقيب الصلوات وصلاة الضحى والوتر والتهجد وغيرها لأن السنة عبارة ~~عن الطريق المسلوكة # ونعني بالمستحبات ما ورد الخبر بفضله ولم ينقل المواظبة عليه كما سننقله ~~في صلوات الأيام والليالي في الأسبوع وكالصلاة عند الخروج من المنزل ~~والدخول فيه وأمثاله # ونعني بالتطوعات ما وراء ذلك مما لم يرد في عينه أثر ولكنه تطوع به العبد ~~من حيث رغب في مناجاة الله عز وجل بالصلاة التي ورد الشرع بفضلها مطلقا ~~فكأنه متبرع به إذا لم يندب إلى تلك الصلاة بعينها وإن ندب إلى الصلاة ~~مطلقا والتطوع عبارة عن التبرع # وسميت الأقسام الثلاثة نوافل من حيث إن النفل هو الزيادة وجملتها زائد ~~على الفرائض # فلفظ النافلة والسنة والمستحب والتطوع أردنا الإصطلاح عليه لتعريف هذه ~~المقاصد # ولا حرج على من يغير هذا الإصطلاح فلا مشاحة في الألفاظ بعد فهم المقاصد # وكل قسم من هذه الأقاسم تتفاوت درجاته في PageV01P192 الفضل بحسب ما ورد ~~فيها من الأخبار والآثار المعرفة لفضلها وبحسب طول مواظبة رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم عليها وبحسب صحة الأخبار الواردة فيها واشتهارها ولذلك يقال ~~سنن الجماعات أفضل من سنن الانفراد # وأفضل سنن الجماعات صلاة العيد ثم الكسوف ثم الاستسقاء # وأفضل سنن الانفراد الوتر ثم ركعتا الفجر ثم ما بعدهما من الرواتب على ~~تفاوتها # واعلم أن النوافل باعتبار الإضافة إلى معلقاتها تنقسم إلى ما يتعلق ~~بأسباب كالكسوف والاستسقاء وإلى ما يتعلق بأوقات والمتعلق بالأوقات ينقسم ~~إلى ما يتكرر بتكرر اليوم والليلة أو بتكرر الأسبوع أو بتكرر السنة فالجملة ~~أربعة أقسام القسم الأول ما يتكرر بتكرر الأيام والليالي وهي ثمانية خمسة ~~هي رواتب الصلوات الخمس وثلاثة وراءها وهي صلاة الضحى وإحياء ما بين ~~العشاءين والتهجد # الأولى راتبة الصبح وهي ركعتان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتا ~~الفجر خير من الدنيا وما فيها + حديث ركعتا الفجر خير من الدنيا الحديث ~~أخرجه مسلم من حديث عائشة + ويدخل وقتها بطلوع الفجر الصادق وهو المستطير ~~دون المستطيل # وإدراك ذلك بالمشاهدة عسير في أوله إلا أن يتعلم منازل القمر أو يعلم ~~اقتراع طلوعه بالكواكب الظاهرة للبصر فيستدل بالكواكب عليه ويعرف بالقمر في ~~ليلتين من الشهر فإن القمر يطلع مع الفجر في ليلة ست وعشرين ويطلع الصبح مع ~~غروب القمر ليلة اثني عشر من الشهر هذا هو الغالب ويتطرق إليه تفاوت في بعض ~~البروج وشرح ذلك يطول # وتعلم منازل القمر من المهمات للمريد حتى يطلع به على مقادير الأوقات ~~بالليل وعلى الصبح ويفوت وقت ركعتي الفجر بفوات وقت فريضة الصبح وهو طلوع ~~الشمس ولكن السنة أداؤهما قبل الفرض فإن دخل المسجد وقد قامت الصلاة ~~فليشتغل بالمكتوبة فإنه صلى الله عليه وسلم قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة ~~إلا المكتوبة + حديث إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة أخرجه مسلم من ~~حديث أبي هريرة + ثم إذا فرغ من المكتوبة قام إليهما وصلاهما # والصحيح أنهما أداء ما وقعتا قبل طلوع الشمس لأنهما تابعتان للفرض في ~~وقته وإنما الترتيب بينهما سنة في التقديم والتأخير إذا لم يصادف جماعة ~~فإذا صادف جماعة انقلب الترتيب وبقيتا أداء # والمستحب أن يصليهما في المنزل ويخففهما ثم يدخل المسجد ويصلي ركعتين ~~تحية المسجد ثم يجلس ولا يصلي إلى أن يصلي المكتوبة وفيما بين الصبح إلى ~~طلوع الشمس الأحب فيه الذكر والفكر والاقتصار على ركعتي الفجر والفريضة # الثانية راتبة الظهر وهي ست ركعات ركعتان بعدها وهي أيضا سنة مؤكدة وأربع ~~قبلها وهي أيضا سنة وإن كانت دون الركعتين الأخيرتين روى أبو هريرة رضي ~~الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى أربع ركعات بعد زوال ~~الشمس يحسن قراءتهن وركوعهن وسجودهن صلى معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى ~~الليل + حديث أبي هريرة من صلى أربع ركعات بعد زوال الشمس يحسن قراءتهن ~~الحديث ذكره عبد الملك بن حبيب بلاغا + من حديث أبي مسعود ولم أره من حديث ~~أبي هريرة وكان صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعا بعد الزوال يطيلهن ويقول ~~إن أبواب السماء تفتح في هذه الساعة فأحب أن يرفع لي فيها عمل + حديث أبي ~~أيوب كان لا يدع أربعا بعد الزوال الحديث أخرجه أحمد بسند ضعيف نحوه وهو ~~عند أبي داود وابن ماجه مختصرا وروى الترمذي نحوه من حديث عبد الله بن ~~السائب وقال حسن + رواه أبو أيوب الأنصاري وتفرد به ودل عليه أيضا ما روت ~~أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى في كل يوم اثنتي ~~عشرة ركعة غير المكتوبة بني له بيت في الجنة PageV01P193 ركعتين قبل الفجر ~~وأربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين قبل العصر وركعتين بعد المغرب + ~~حديث أم حبيبة من صلى في يوم اثنتي عشرة ركعة الحديث أخرجه النسائي والحاكم ~~وصحح إسناده على شرط مسلم ورواه مسلم مختصرا ليس فيه تعيين أوقات الركعات + ~~وقال ابن عمر رضي الله عنهما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ~~يوم عشر ركعات + حديث ابن عمر حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم ~~عشر ركعات الحديث * متفق عليه واللفظ للبخاري ولم يقل في كل يوم + فذكر ما ~~ذكرته أم حبيبة رضي الله عنها إلا ركعتي الفجر فإنه قال تلك ساعة لم يكن ~~يدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حدثتني أختي حفصة رضي ~~الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين في بيتها ثم يخرج # وقال في حديثه ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد العشاء فصارت الركعتان قبل ~~الظهر آكد من جملة الأربعة # ويدخل وقت ذلك بالزوال # والزوال يعرف بزيادة ظل الأشخاص المنتصبة مائلة إلى جهة الشرق إذ يقع ~~للشخص ظل عند الطلوع في جانب المغرب يستطيل فلا تزال الشمس ترتفع والظل ~~ينقص وينحرف عن جهة المغرب إلى أن تبلغ الشمس منتهى ارتفاعها وهو قوس نصف ~~النهار فيكون ذلك منتهى نقصان الظل # فإذا زالت الشمس عن منتهى الارتفاع أخذ الظل في الزيادة فمن حيث صارت ~~الزيادة مدركة بالحس دخل وقت الظهر # ويعلم قطعا أن الزوال في علم الله سبحانه وقع قبله ولكن التكاليف لا ~~ترتبط إلا بما يدخل تحت الحس # والقدر الباقي من الظل الذي منه يأخذ في الزيادة يطول في الشتاء ويقصر في ~~الصيف ومنتهى طوله بلوغ الشمس أول الجدي ومنتهى قصره بلوغها أول السرطان # ويعرف ذلك بالأقدام والموازين # ومن الطرق القريبة من التحقيق لمن أحسن مراعاته أن يلاحظ القطب الشمالي ~~بالليل ويضع على الأرض لوحا مربعا وضعا مستويا بحيث يكون أحد أضلاعه من ~~جانب القطب بحيث لو توهمت سقوط حجر من القطب إلى الأرض ثم توههمت خطا من ~~مسقط الحجر إلى الضلع الذي يليه من اللوح لقام الخط على الضلع على زاويتين ~~قائمتين أي لا يكون الخط مائلا إلى أحد الضلعين ثم تنصب عمودا على اللوح ~~نصبا مستويا في موضع علامة 5 وهو بإزاء القطب فيقع ظله على اللوح في أول ~~النهار مائلا إلى جهة المغرب في صوب خط أ ثم لا يزال يميل على أن ينطبق على ~~خط ب بحيث لو مد رأسه لانتهى على الاستقامة إلى مسقط الحجر ويكون موازيا ~~للضلع الشرقي والغربي غير مائل إلى أحدهما فإذا بطل ميله إلى الجانب الغربي ~~فالشمس في منتهى الإرتفاع فإذا انحرف الظل عن الخط الذي على اللوح إلى جانب ~~الشرق فقد زالت الشمس # وهذا يدرك بالحس تحقيقا في وقت هو قريب من أول الزوال في علم الله تعالى ~~ثم يعلم على رأس الظل عند انحرافه علامة فإذا صار الظل من تلك العلامة مثل ~~العمود دخل وقت العصر فهذا القدر لا بأس بمعرفته في علم الزوال وهذه صورته # الثالثة راتبة العصر وهي أربع ركعات قبل العصر # روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال رحم ~~الله عبدا صلى قبل العصر أربعا + حديث أبي هريرة رحم الله عبدا صلى أربعا ~~قبل العصر أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان من حديث ابن عمر وأعله ابن ~~القطان ولم أره من حديث أبي هريرة + ففعل ذلك على رجاء الدخول في دعوة رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم مستحب استحبابا مؤكدا فإن دعوته تستجاب لا محالة ~~له ولم تكن مواظبته على السنة قبل العصر كمواظبته على ركعتين قبل الظهر # الرابعة راتبة المغرب وهما ركعتان بعد الفريضة لم PageV01P194 تختلف ~~الرواية فيهما وأما ركعتان قبلهما بين أذان المؤذن وإقامة المؤذن على سبيل ~~المبادرة فقد نقل عن جماعة من الصحابة كأبي بن كعب وعبادة بن الصامت وأبي ~~ذر وزيد بن ثابت وغيرهم قال عبادة أو غيره كان المؤذن إذا أذن لصلاة المغرب ~~ابتدر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السواري يصلون ركعتين + حديث ~~عبادة أو غيره في ابتدار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السواري إذا ~~أذن لصلاة المغرب متفق عليه من حديث أنس لا من حديث عبادة وروى عبد الله بن ~~أحمد في زيادات المسند أن أبي بن كعب وعبد الرحمن بن عوف كانا يركعان حين ~~تغرب الشمس ركعتين قبل المغرب + وقال بعضهم كنا نصلي الركعتين قبل المغرب ~~حتى يدخل الداخل فيحسب أنا صلينا فيسأل أصليتم المغرب + حديث كنا نصلي ~~الركعتين قبل المغرب حتى يدخل الداخل فيحسب أنا صلينا أخرجه مسلم من حديث ~~أنس + وذلك يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة لمن ~~شاء + حديث بين كل أذانين صلاة لمن شاء متفق عليه من حديث عبد الله بن مغفل ~~+ وكان أحمد بن حنبل يصليهما فعابه الناس فتركهما فقيل له في ذلك فقال لم ~~أر الناس يصلونهما فتركتهما وقال لئن صلاهما الرجل في بيته أو حيث لا يراه ~~الناس فحسن # ويدخل وقت المغرب بغيبوبة الشمس عن الأبصار في الأراضي المستوية التي ~~ليست محفوفة بالجبال فإن كانت محفوفة بها في جهة المغرب فيتوقف إلى أن يرى ~~إقبال السواد من جانب المشرق قال صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من ~~ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم + حديث إذا أقبل الليل من ههنا ~~الحديث متفق عليه من حديث عمر + والأحب المبادرة في صلاة المغرب خاصة وإن ~~أخرت وصليت قبل غيبوبة الشفق الأحمر وقعت أداء ولكنه مكروه # وأخر عمر رضي الله عنه صلاة المغرب ليلة حتى طلع نجم فأعتق رقبة وأخرها ~~ابن عمر حتى طلع كوكبان فأعتق رقبتين # الخامسة راتبة العشاء الآخرة أربع ركعات بعد الفريضة # قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد ~~العشاء الآخرة أربع ركعات ثم ينام + حديث عائشة كان يصلي بعد العشاء الآخرة ~~أربع ركعات ثم ينام أخرجه أبو داود + واختار بعض العلماء من مجموع الأخبار ~~أن يكون عدد الرواتب سبع عشرة كعدد المكتوبة ركعتان قبل الصبح وأربع قبل ~~الظهر وركعتان بعدها وأربع قبل العصر وركعتان بعد المغرب وثلاث بعد العشاء ~~الآخرة وهي الوتر + حديث الوتر بثلاث بعد العشاء أخرجه أحمد واللفظ له ~~والنسائي من حديث عائشة كان يوتر بثلاث لا يفصل بينهن + ومهما عرفت ~~الأحاديث الواردة فيه فلا معنى للتقدير فقد قال صلى الله عليه وسلم الصلاة ~~خير موضع فمن شاء أكثر ومن شاء أقل + حديث الصلاة خير موضع أخرجه أحمد وابن ~~حبان والحاكم وصححه من حديث أبي ذر + فإذا اختيار كل مريد من هذه الصلاة ~~بقدر رغبته في الخير فقد ظهر فيما ذكرناه أن بعضها آكد من بعض وترك الآكد ~~أبعد لا سيما والفرائض تكمل بالنوافل فمن لم يستكثر منها يوشك أن لا تسلم ~~له فريضة من غير جابر # السادسة الوتر قال أنس بن مالك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر ~~بعد العشاء بثلاث ركعات يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل ~~يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد + حديث أنس كان يوتر بعد ~~العشاء بثلاث ركعات يقرأ في الأولى سبح الحديث أخرجه ابن عدي في ترجمة محمد ~~بن أبان ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس بسند صحيح + وجاء في ~~الخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسا وفي بعضها ~~متربعا + حديث كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسا أخرجه مسلم من حديث عائشة + ~~وفي بعض الأخبار إذا أراد أن يدخل فراشه زحف إليه وصلى فوقه ركعتين قبل أن ~~يرقد يقراء فيهما إذا زلزلت الأرض وسورة التكاثر + حديث إذا أراد أن يدخل ~~فراشه زحف إليه ثم صلى ركعتين الحديث أخرجه البيهقي من حديث أبي أمامة وأنس ~~نحوه وضعفه وليس فيه زحف إليه ولا ذكر ألهاكم التكاثر + وفي رواية أخرى قل ~~يا أيها الكافرون ويجوز الوتر مفصولا وموصولا بتسليمة واحدة PageV01P195 ~~وتسليمتين وقد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم بركعة + حديث الوتر بركعة ~~متفق عليه من حديث ابن عمر وهو لمسلم من حديث عائشة + وثلاث + حديث الوتر ~~بثلاث تقدم + وخمس + حديث الوتر بخمس من حديث عائشة يوتر من ذلك بخمس ولا ~~يجلس في شىء إلا في آخرها + وهكذا بالأوتار + حديث الوتر بسبع أخرجه مسلم ~~وأبو داود والنسائي واللفظ من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~لما كبر وضعف أوتر بسبع ركعات لا يقعد إلا في السادسة ثم ينهض ولا يسلم ~~فيصلي السابعة @QB@ حديث @QE@ الوتر بتسع أخرجه مسلم من حديث عائشة وهو في ~~الذي قبله + إلى إحدى عشرة ركعة + حديث الوتر بإحدى عشرة أخرجه أبو داود ~~بإسناد صحيح من حديث عائشة كان يوتر أربع وثلاث وست وثلاث وثمان وثلاث وعشر ~~وثلاث الحديث ولمسلم من حديثها كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة الحديث + ~~والرواية مترددة في ثلاث عشرة + حديث الوتر بثلاث عشرة تقدم في الذي قبله ~~وللترمذي والنسائي من حديث أم سلمة كان يوتر بثلاث عشرة وقال الترمذي حسن ~~ولمسلم من حديث عائشة كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة زاد في رواية ~~بركعتي الفجر + وفي حديث شاذ سبع عشرة ركعة + حديث الوتر سبع عشرة أخرجه ~~ابن المبارك من حديث طاوس مرسلا كان يصلي سبع عشرة ركعة من الليل + وكانت ~~هذه الركعات أعني ما سمينا جملتها وترا صلاة بالليل وهو التهجد والتهجد ~~بالليل سنة مؤكدة وسيأتي ذكر فضائلها في كتاب الأوراد وفي الأفضل خلاف فقيل ~~إن الإيتار بركعة فردة أفضل إذ صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يواظب على ~~الإيتار بركعة فردة وقيل الموصولة أفضل للخروج عن شبهة الخلاف لا سيما ~~الإمام إذ قد يقتدي به من لا يرى الركعة الفردة صلاة فإن صلى موصولا نوى ~~بالجميع الوتر وإن اقتصر على ركعة واحدة بعد ركعتي العشاء أو بعد فرض ~~العشاء نوى الوتر وصح # لأن شرط الوتر أن يكون في نفسه وترا وأن يكون موترا لغيره مما سبق قبله ~~وقد أوتر الفرض ولو أوتر قبل العشاء لم يصح أي لا ينال فضيلة الوتر الذي هو ~~خير له من حمر النعم + حديث الوتر خير من حمر النعم أخرجه أبو داود ~~والترمذي وابن ماجه من حديث خارجة بن حذافة إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم ~~من حمر النعم وضفه البخاري وغيره + كما ورد به الخبر # وإلا فركعة فردة صحيحة في أي وقت كان وإنما لم يصح قبل العشاء لأنه خرق ~~إجماع الخلق في الفعل ولأنه لم يتقدم ما يصير به وترا # فأما إذا أراد أن يوتر بثلاث مفصولة ففي نيته في الركعتين نظر # فإنه إن نوى بهما التهجد أو سنة العشاء لم يكن هو من الوتر # وإن نوى الوتر لم يكن هو في نفسه وترا وإنما الوتر ما بعده ولكن الأظهر ~~أن ينوى الوتر كما ينوى في الثلاث الموصولة الوتر ولكن للوتر معنيان أحدهما ~~أن يكون في نفسه وترا والآخر أن ينشأليجعل وترا بما بعده فيكون مجموع ~~الثلاثة وترا والركعتان من جملة الثلاث إلا أن وتريته موقوفة على الركعة ~~الثالثة # وإذا كان هو على عزم أن يوترهما بثالثة كان له أن ينوي بهما الوتر # والركعة الثالثة وتر بنفسها وموترة لغيرها # والركعتان لا يوتران غيرهما وليستا وترا بأنفسهما ولكنهما موترتان ~~بغيرهما # والوتر ينبغي أن يكون آخر صلاة الليل فيقع بعد التهجد # وسيأتي فضائل الوتر والتهجد وكيفية الترتيب بينهما في كتاب ترتيب الأوراد # السابعة صلاة الضحى فالمواظبة عليها من عزائم الأفعال وفواضلها أما عدد ~~ركعاتها فأكثر ما نقل فيه ثمان ركعات # روت أم هانىء أخت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم ~~صلى الضحى ثماني ركعات أطالهن وحسنهن + حديث أم هانىء صلى الضحى ثماني ~~ركعات أطالهن وأحسنهن متفق عليه دون زيادة أطالهن وأحسنهن وهي منكرة + ولم ~~ينقل هذا القدر غيرها # فأما عائشة رضي الله عنها فإنها ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ~~الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله سبحانه + حديث عائشة كان يصلي الضحى أربعا ~~ويزيد ما شاء الله أخرجه مسلم + فلم تحد الزيادة إلى أنه كان يواظب على ~~الأربعة ولا ينقص منها وقد يزيد زيادات # وروى في حديث مفرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى ست ركعات ~~+ حديث كان يصلي الضحى ست ركعات أخرجه الحاكم في فضل صلاة الضحى من حديث ~~جابر ورجاله ثقات + وأما وقتها فقد روى علي رضي الله عنه أنه PageV01P196 ~~صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى ستا في وقتين إذا أشرقت الشمس وارتفعت ~~قام وصلى ركعتين وهو أول الورد الثاني من أوراد النهار كما سيأتي وإذا ~~انبسطت الشمس وكانت في ربع السماء من جانب الشرق صلى أربعا + حديث كان إذا ~~أشرقت وارتفعت قام وصلى ركعتين وإذا انبسطت الشمس وكانت في ربع النهار من ~~جانب المشرق صلى أربعا أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث علي كان ~~نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس من مطلعها قيد رمح أو رمحين ~~كقدر صلاة العصر من مغربها صلى ركعتين ثم أمهل حتى إذا ارتفع الضحى صلى ~~أربع ركعات لفظ النسائي وقال الترمذي حسن + فالأول إنما يكون إذا ارتفعت ~~الشمس قيد نصف رمح والثاني إذا مضى من النهار ربعه بإزاء صلاة العصر فإن ~~وقته أن يبقى من النهار ربعه والظهر على منتصف النهار ويكون الضحى على ~~منتصف ما بين طلوع الشمس إلى الزوال كما أن العصر على منتصف ما بين الزوال ~~إلى # الغروب وهذا أفضل الأوقات # ومن وقت ارتفاع الشمس إلى ما قبل الزوال وقت للضحى على الجملة # الثامنة إحياء ما بين العشاءين وهي سنة مؤكدة ومما نقل عدده من فعل رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم بين العشاءين ست ركعات + حديث صلى بين العشاءين ست ~~ركعات أخرجه ابن منده في الضحى والطبراني في الأوسط والأصغر من حديث عمار ~~بن ياسر بسند ضعيف والترمذي وضعفه من حديث أبي هريرة من صلى بعد المغرب ست ~~ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة + ولهذه ~~الصلاة فضل عظيم # وقيل إنها المراد بقوله عز وجل تتجافى جنوبهم عن المضاجع وقد روى عنه صلى ~~الله عليه وسلم أنه قال من صلى بين المغرب والعشاء فإنها من صلاة الأوابين ~~+ حديث من صلى بين والمغرب والعشاء فإنها من صلاة الأوابين أخرجه ابن ~~المباركك في الرقائق من رواية ابن المنذر مرسلا + وقال صلى الله عليه وسلم ~~من عكف نفسه فيما بين المغرب والعشاء في مسجد جماعة لم يتكلم إلا بصلاة أو ~~بقرآن كان حقا على الله أن يبني له قصرين في الجنة مسيرة كل قصر منهما مائة ~~عام ويغرس له بينهما غراسا لوطافة أهل الأرض لوسعهم + حديث من عكف نفسه بين ~~المغرب والعشاء في مسجد جماعة أخرجه أبو الوليد الصفار في كتاب الصلاة من ~~طريق عبد الملك بن حبيب بلاغا له من حديث عبد الله بن عمر + وسيأتي بقية ~~فضائلها في كتاب الأوراد إن شاء الله تعالى القسم الثاني ما يتكرر بتكرر ~~الأسابيع وهي صلاة أيام الأسبوع ولياليه لكل يوم ولكل ليلة # أما الأيام فنبدأ فيها بيوم الأحد # يوم الأحد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ~~قال من صلى يوم الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وآمن ~~الرسول مرة كتب الله له بعدد كل نصراني ونصرانية حسنات وأعطاه الله ثواب ~~نبي وكتب له حجة وعمرة وكتب له بكل ركعة ألف صلاة وأعطاه الله في الجنة بكل ~~حرف مدينة من مسك أذفر + حديث من صلى يوم الأحد أربع ركعات الحديث أخرجه ~~أبو موسى المديني من حديث أبي هريرة بسند ضعيف + وروي عن علي بن أبي طالب ~~رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وحدوا الله بكثرة الصلاة ~~يوم الأحد فإنه سبحانه واحد لا شريك له فمن صلى يوم الأحد بعد صلاة الظهر ~~أربع ركعات بعد الفريضة والسنة يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وتنزيل السجدة ~~وفي الثانية فاتحة الكتاب وتبارك الملك ثم تشهد وسلم ثم قام فصلى ركعتين ~~أخريين يقرأ فيهما فاتحة الكتاب وسورة الجمعة وسأل الله سبحانه حاجته كان ~~حقا على الله أن يقضي حاجته + حديث علي وحدوا الله بكثرة الصلاة يوم الأحد ~~الحديث ذكره أبو موسى المديني فيه بغير إسناد + # يوم الإثنين روى جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى ~~يوم الإثنين عند ارتفاع النهار ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ~~وآية الكرسي مرة وقل هو الله أحد والمعوذتين مرة مرة فإذا سلم PageV01P197 ~~استغفر الله عشر مرات وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم عشر مرات غفر الله ~~تعالى له ذنوبه كلها + حديث جابر من صلى يوم الإثنين عند ارتفاع النهار ~~ركعتين الحديث أخرجه أبو موسى المديني من حديث جابر عن عمر مرفوعا وهو حديث ~~منكر + وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى يوم ~~الإثنين ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة فإذا ~~فرغ قرأ قل هو الله أحد اثنتي عشرة واستغفر اثنتي عشرة مرة ينادي به يوم ~~القيامة أين فلان بن فلان ليقم فليأخذ ثوابه من الله عز وجل فأول ما يعطى ~~من الثواب ألف حلة ويتوج ويقال له ادخل الجنة فيستقبله مائة ألف ملك مع كل ~~ملك هدية يشيعونه حتى يدور على ألف قصر من نور يتلألأ + حديث أنس من صلى ~~يوم الإثنين اثنتي عشرة ركعة الحديث ذكره أبو موسى المديني بغير سند وهو ~~منكر + # يوم الثلاثاء روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال قال صلى الله عليه ~~وسلم من صلى يوم الثلاثاء عشر ركعات عند انتصاف النهار + حديث يزيد الرقاشي ~~عن أنس من صلى يوم الثلاثاء عشر ركعات عند انتصاف النهار الحديث أخرجه أبو ~~موسى المديني بسند ضعيف ولم يقل عند انتصاف النهار ولا عند ارتفاعه + وفي ~~حديث آخر عند ارتفاع النهار يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة ~~وقل هو الله أحد ثلاث مرات لم تكتب عليه خطيئة إلى سبعين يوما فإن مات إلى ~~سبعين يوما مات شهيدا وغفر له ذنوب سبعين سنة # يوم الأربعاء روى أبو إدريس الخولاني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى يوم الأربعاء ثنتي عشرة ركعة عند ~~ارتفاع النهار يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة وقل هو الله ~~أحد ثلاث مرات والمعوذتين ثلاث مرات نادى مناد عند العرش يا عبد الله ~~استأنف العمل فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك ورفع الله سبحانه عنك عذاب القبر ~~وضيقه وظلمته ورفع عنك شدائد القيامة ورفع له من يومه عمل نبي + حديث أبي ~~إدريس الخولاني عن معاذ من صلى يوم الأربعاء اثنتي عشرة ركعة الحديث أخرجه ~~أبو موسى المديني وقال رواته ثقات والحديث مركب قلت بل فيه غير مسمى وهو ~~محمد بن حميد الرازي أحد الكذابين + # يوم الخميس عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~من صلى يوم الخميس بين الظهر والعصر ركعتين يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب ~~وآية الكرسي مائة مرة وفي الثانية فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد مائة مرة ~~ويصلي على محمد مائة مرة أعطاه الله ثواب من صام رجب وشعبان ورمضان وكان له ~~من الثواب مثل حاج البيت وكتب له بعدد كل من آمن بالله سبحانه وتوكل عليه ~~حسنة + حديث عكرمة عن ابن عباس من صلى يوم الخميس بين الظهر والعصر ركعتين ~~الحديث أخرجه أبو موسى المديني بسند ضعيف جدا + # يوم الجمعة روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم أنه قال يوم الجمعة صلاة كله ما من عبد مؤمن قام إذا استقلت الشمس ~~وارتفعت قدر رمح أو أكثر من ذلك فتوضأ ثم أسبغ الوضوء فصلى سبحة الضحى ~~ركعتين إيمانا واحتسابا إلا كتب الله له مائتي حسنة ومحا عنه مائتي سيئة ~~ومن صلى أربع ركعات رفع الله سبحانه له في الجنة أربعمائة درجة ومن صلى ~~ثماني ركعات رفع الله تعالى له في الجنة ثمانمائة درجة وغفر له ذنوبه كلها ~~ومن صلى ثنتي عشرة ركعة كتب الله له ألفين ومائتي حسنة ومحا عنه ألفين ~~ومائتي سيئة ورفع له في الجنة ألفين ومائتي درجة + حديث علي يوم الجمعة ~~صلاة كله ما من عبد مؤمن قام إذا استقلت الشمس الحديث لم أجد له أصلا وهو ~~باطل + وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ~~أنه قال من دخل الجامع PageV01P198 يوم الجمعة فصلى أربع ركعات قبل صلاة ~~الجمعة يقرأ في كل ركعة الحمد لله وقل هو الله أحد خمسين مرة لم يمت حتى ~~يرى مقعده من الجنة أو يرى له + حديث نافع عن ابن عمر من دخل الجامع يوم ~~الجمعة فصلى أربع ركعات الحديث أخرجه الدار قطني في غرائب مالك وقال لا يصح ~~وعبد الله بن وصيف مجهول والخطيب في الرواة عن مالك وقال غريب جدا ولا أعرف ~~له وجها غير هذا + # يوم السبت روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى يوم ~~السبت أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد ثلاث ~~مرات فإذا فرغ قرأ آية الكرسي كتب الله له بكل حرف حجة وعمرة ورفع له بكل ~~حرف أجر سنة صيام نهارها وقيام ليلها وأعطاه الله عز وجل بكل حرف ثواب شهيد ~~وكان تحت ظل عرش الله مع النبيين والشهداء + حديث أبي هريرة من صلى يوم ~~السبت أربع ركعات الحديث أخرجه أبو موسى المديني في كتاب وظائف الليالي ~~والأيام بسند ضعيف جدا + # وأما الليالي # ليلة الأحد روى أنس بن مالك في ليلة الأحد أنه صلى الله عليه وسلم قال من ~~صلى ليلة الأحد عشرين ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ~~خمسين مرة والمعوذتين مرة مرة واستغفر الله عز وجل مائة مرة واستغفر لنفسه ~~ولوالديه مائة مرة وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة وتبرأ من ~~حوله وقوته والتجأ الله إلى ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن آدم ~~صفوة الله وفطرته وإبراهيم خليل الله وموسى كليم الله وعيسى روح الله ~~ومحمدا حبيب الله كان له من الثواب بعدد من دعا لله ولدا ومن لم يدع لله ~~ولدا وبعثه الله عز وجل يوم القيامة مع الآمنين وكان حقا على الله تعالى أن ~~يدخله الجنة مع النبيين + حديث من صلى ليلة الأحد عشرين ركعة الحديث ذكره ~~أبو موسى المديني بغير إسناد وهو منكر وروى أبو موسى من حديث أنس في فضل ~~الصلاة فيها ست ركعات وأربع ركعات وكلاهما ضعيف جدا + # ليلة الإثنين روى الأعمش عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ~~صلى ليلة الإثنين أربع ركعات يقرأ في الركعة الأولى الحمد لله وقل هو الله ~~أحد عشر مرات وفي الركعة الثانية الحمد لله وقل هو الله أحد عشر مرات وفي ~~الركعة الثانية الحمد لله وقل هو الله أحد عشرين مرة وفي الثالثة الحمد لله ~~وقل هو الله أحد ثلاثين مرة وفي الرابعة الحمد لله وقل هو الله أحد أربعين ~~مرة ثم يسلم ويقرأ قل هو الله أحد خمسا وسبعين مرة واستغفر الله لنفسه ~~ولوالديه خمسا وسبعين مرة ثم سأل الله حاجته كان حقا على الله أن يعطيه ~~سؤله ما سأل + حديث الأعمش عن أنس من صلى ليلة الإثنين أربع ركعات الحديث ~~ذكره أبو موسى المديني هكذا عن الأعمش بغير إسناد من رواية يزيد الرقاشي عن ~~أنس حديثا في صلاة ست ركعات فيها وهو منكر + وهي صلاة الحاجة # ليلة الثلاثاء من صلى ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله ~~أحد والمعوذتين خمس عشرة مرة ويقرأ بعد التسليم خمس عشرة مرة آية الكرسي ~~واستغفر الله تعالى خمس عشرة مرة كان له ثواب عظيم وأجر جسيم # وروي عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى ~~ليلة الثلاثاء ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وإنا أنزلناه وقل ~~هو الله أحد سبع مرات أعتق الله رقبته من النار ويكون له يوم القيامة قائده ~~ودليله إلى الجنة + حديث الصلاة في ليلة الثلاثاء ركعتين الحديث ذكره أبو ~~موسى بغير إسناد حكاية عن بعض المصنفين وأسند من حديث ابن مسعود وجابر ~~حديثا في صلاة أربع ركعات فيها وكلها منكرة + # ليلة الأربعاء روت فاطمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ~~قال من صلى ليلة الأربعاء ركعتين يقرأ في الأول فاتحة الكتاب وقل أعوذ برب ~~الفلق عشر مرات وفي الثانية بعد الفاتحة قل أعوذ برب الناس عشر مرات ~~PageV01P199 ثم إذا سلم استغفر الله عشر مرات ثم يصلي على محمد صلى الله ~~عليه وسلم عشر مرات نزل من كل سماء سبعون ألف ملك يكتبون ثوابه إلى يوم ~~القيامة + حديث من صلى ليلة الأربعاء ركعتين الحديث لم أجد فيه إلا حديث ~~جابر في صلاة أربع ركعات فيها ورواه أبو موسى المديني وروى من حديث أنس ~~ثلاثين ركعة + وفي حديث آخر ست عشرة ركعة يقرأ بعد الفاتحة ما شاء الله ~~ويقرأ في آخر الركعتين آية الكرسي ثلاثين مرة وفي الأوليين ثلاثين مرة قل ~~هو الله أحد يشفع في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت عليهم النار وروت فاطمة ~~رضي الله عنها أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى ليلة ~~الأربعاء ست ركعات قرأ في ركعة بعد الفاتحة قل اللهم مالك الملك إلى آخر ~~الآية فإذا فرغ من صلاته يقول جزى الله محمدا عنا ما هو أهله غفر له ذنوب ~~سبعين سنة وكتب له براءة من النار + حديث فاطمة من صلى ست ركعات أي ليلة ~~الأربعاء الحديث أخرجه أبو موسى المديني بسند ضعيف جدا + # ليلة الخميس قال أبو هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم من ~~صلى ليلة الخميس ما بين المغرب والعشاء ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة ~~الكتاب وآية الكرسي خمس مرات وقل هو الله أحد خمس مرات والمعوذتين خمس مرات ~~فإذا فرغ من صلاته استغفر الله تعالى خمس عشرة مرة وجعل ثوابه لوالديه فقد ~~أدى حق والديه عليه وإن كان عاقا لهما وأعطاه الله تعالى ما يعطي الصديقين ~~والشهداء + حديث أبي هريرة من صلى ليلة الخميس ما بين المغرب والعشاء ~~ركعتين الحديث أخرجه أبو موسى المديني وأبو منصور الديلمي في مسند الفردوس ~~بسند ضعيف جدا وهو منكر + # ليلة الجمعة قال جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى ليلة ~~الجمعة بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب ~~مرة وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة فكأنما عبد الله تعالى اثنتي عشرة سنة ~~صيام نهارها وقيام ليلها + حديث جابر من صلى ليلة الجمعة بين المغرب ~~والعشاء اثنتي عشرة ركعة الحديث باطل لا أصل له + وقال أنس قال النبي صلى ~~الله عليه وسلم من صلى ليلى الجمعة صلاة العشاء الآخرة في جماعة وصلى ركعتي ~~السنة ثم صلى بعدهما عشر ركعات قرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله ~~أحد والمعوذتين مرة مرة ثم أوتر بثلاث ركعات ونام على جنبه الأيمن وجهه إلى ~~القبله فكأنما أحيا ليلة القدر + حديث أنس من صلى ليلة الجمعة العشاء ~~الآخرة في جماعة وصلى ركعتي السنة ثم صلى بعدها عشر ركعات الحديث باطل لا ~~أصل له وروى المظفر بن الحسين الأرجاني في كتاب فضائل القرآن وإبراهيم بن ~~المظفر في كتاب وصول القرآن للميت من حديث أنس من صلى ركعتين ليلة الجمعة ~~قرأ فيهما بفاتحة الكتاب وإذا زلزلت خمس عشرة مرة وقال إبراهيم بن المظفر ~~خمسين مرة أمنه الله من عذاب القبر ومن أهوال يوم القيامة ورواه أبو منصور ~~الديلمي في مسند الفردوس من هذا الوجه ومن حديث ابن عباس أيضا وكلها ضعيفة ~~منكرة وليس يصح في أيام الأسبوع ولياليه شيء والله أعلم + وقال صلى الله ~~عليه وسلم أكثروا من الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر ليلة ~~الجمعة ويوم الجمعة + حديث أكثروا علي من الصلاة في الليلة الغراء واليوم ~~الأزهر أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة وفيه عبد المنعم بن ~~بشير ضعف ابن معين وابن حبان + # ليلة السبت قال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى ليلة السبت ~~بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة بني له قصر في الجنة وكأنما تصدق على ~~كل مؤمن ومؤمنة وتبرأ من اليهود وكان حقا على الله أن يغفر له + حديث أنس ~~من صلى ليلة السبت بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة الحديث لم أجد له ~~أصلا + القسم الثالث ما يتكرر بتكرر السنين # وهي أربعة صلاة العيدين والتراويح وصلاة رجب وشعبان # الأولى صلاة العيدين وهي سنة مؤكدة وشعار من شعائر الدين وينبغي أن يراعى ~~فيها سبعة أمور الأول التكبير ثلاثا نسقا فيقول الله أكبر الله أكبر ~~PageV01P200 الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا لا ~~إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين ولو كره الكافرون يفتتح ~~بالتكبير ليلة الفطر إلى الشروع في صلاة العيد وفي العيد الثاني يفتتح ~~التكبير عقيب الصبح يوم عرفة إلى آخر النهار يوم الثالث عشر وهذا أكمل ~~الأقاويل # ويكبر عقيب الصلوات المفروضة وعقيب النوافل وهو عقيب الفرائض آكد # الثاني إذا أصبح يوم العيد يغتسل ويتزين ويتطيب كما ذكرناه في الجمعة ~~والرداء والعمامة هو الأفضل للرجال وليجنب الصبيان الحرير والعجائز التزين ~~عند الخروج # الثالث أن يخرج من طريق ويرجع من طريق آخر + حديث الخروج في طريق والرجوع ~~في أخرى أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور + حديث كان ~~يأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور متفق عليه من حديث أم عطية + # الرابع المستحب الخروج إلى الصحراء إلا بمكة وبيت المقدس فإن كان يوم مطر ~~فلا بأس بالصلاة في المسجد ويجوز في يوم الصحو أن يأمر الإمام رجلا يصلي ~~بالضعفة في المسجد ويخرج بالأقوياء مكبرين # الخامس يراعي الوقت فوقت صلاة العيد ما بين طلوع الشمس إلى الزوال # ووقت الذبح للضحايا ما بين ارتفاع الشمس بقدر خطبتين وركعتين إلى آخر ~~اليوم الثالث عشر # ويستحب تعجيل صلاة الأضحى لأجل الذبح وتأخير صلاة الفطر لأجل تفريق صدقة ~~الفطر قبلها # هذه سنة رسول الله + صلى الله عليه وسلم حديث تعجيل صلاة الأضحى وتأخير ~~صلاة الفطر أخرجه الشافعي من رواية أبي الحويرث مرسلا أن النبي صلى الله ~~عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران أن عجل الأضحى وأخر الفطر + # السادس في كيفية الصلاة فليخرج الناس مكبرين في الطريق # وإذا بلغ الإمام المصلى لم يجلس ولم يتنفل ويقطع الناس التنفل # ثم ينادي مناد الصلاة جامعة # ويصلي الإمام بهم ركعتين يكبر في الأولى سوى تكبيرة الإحرام والركوع سبع ~~تكبيرات يقول بين كل تكبيرتين سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ~~والله أكبر ويقول وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض عقيب تكبيرة الافتتاح ~~ويؤخر الاستعاذة إلى ما وراء الثامنة ويقرأ سورة ق في الأولى بعد الفاتحة ~~واقتربت في الثانية # والتكبيرات الزائدة في الثانية خمس سوى تكبيرتي القيام والركوع # وبين كل تكبيرتين ما ذكرناه # ثم يخطب خطبتين بينهما جلسة ومن فاتته صلاة العيد قضاها # السابع أن يضحي بكبش ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين ~~وذبح بيده وقال بسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي + حديث ~~ضحى بكبشين أملحين وذبح بيده وقال بسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح ~~من أمتي متفق عليه دون قوله عني الخ من حديث أنس وهذه الزيادة عند أبي داود ~~والترمذي من حديث جابر وقال الترمذي غريب ومنقطع + وقال صلى الله عليه وسلم ~~من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا + ~~حديث من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظفاره أخرجه ~~من حديث أم سلمة + قال أبو أيوب الأنصاري كان الرجل يضحي على عهد رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم بالشاة عن أهل بيته ويأكلون ويطعمون + حديث أبي أيوب ~~كان الرجل يضحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاة عن أهله ~~فيأكلون ويطعمون أخرجه الترمذي وابن ماجه قال الترمذي حسن صحيح + # وله أن يأكل من الضحية بعد ثلاثة أيام فما فوق وردت فيه الرخصة بعد النهي ~~عنه # وقال سفيان الثوري يستحب أن يصلي بعد عيد الفطر اثنتي عشرة ركعة وبعد عيد ~~الأضحى ست ركعات + قال سفيان الثوري من السنة أن يصلي بعد الفطر اثنتي عشرة ~~ركعة وبعد الأضحى ست ركعات لم أجد له أصلا في كونه سنة وفي الحديث الصحيح ~~ما يخالفه وهو أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها وقد اختلفوا ~~في قول التابعي من السنة كذا وأما قول تابعي التابع كذلك كالثوري فهو مقطوع ~~+ وقال هو من السنة # الثانية التراويح وهي عشرون ركعة PageV01P201 وكيفيتها مشهورة وهي سنة ~~مؤكدة وإن كانت دون العيدين واختلفوا في أن الجماعة فيها أفضل أم الانفراد ~~وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ليلتين أو ثلاثا للجماعة ثم لم ~~يخرج وقال أخاف أن توجب عليكم + حديث خروجه لقيام رمضان ليلتين أو ثلاثا ثم ~~لم يخرج وقال أخاف أن يوجب عليكم متفق عليه من حديث عائشة بلفظ خشيت أن ~~تفرض عليكم + وجمع عمر رضي الله عنه الناس عليها في الجماعة حيث أمن من ~~الوجوب بانقطاع الوحي فقيل إن الجماعة أفضل لفعل عمر رضى الله عنه ولأن ~~الاجتماع بركة وله فضيلة بدليل الفرائض ولأنه ربما يكسل في الانفراد وينشط ~~عند مشاهدة الجمع # وقيل الإنفراد أفضل لأن هذه سنة ليست من الشعائر كالعيدين فإلحاقها بصلاة ~~الضحى وتحية المسجد أولى ولم تشرع فيها جماعة # وقد جرت العادة بأن يدخل المسجد جمع معا ثم لم يصلوا التحية بالجماعة ~~ولقوله صلى الله عليه وسلم فضل صلاة التطوع في بيته على صلاته في المسجد ~~كفضل صلاة المكتوبة في المسجد على صلاته في البيت + حديث فضل صلاة التطوع ~~في بيته على صلاته في المسجد كفضل صلاة المكتوبة في المسجد على صلاته في ~~البيت رواه آدم بن أبي إياس في كتاب القوات من حديث ضمرة بن حبيب مرسلا ~~ورواه ابن أبي شيبة في المصنف فجعله عن ضمرة بن حبيب عن رجل من أصحاب النبي ~~صلى الله عليه وسلم موقوفا # وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح من حديث زيد بن ثابت صلاة المرء في بيته ~~أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة + وروي أنه صلى الله عليه وسلم ~~قال صلاة في مسجدي هذا أفضل من مائة صلاة في غيره من المساجد وصلاة في ~~المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة في مسجدي وأفضل من ذلك كله رجل يصلي في ~~زاوية بيته ركعتين لا يعلمهما إلا الله عز وجل + حديث صلاة في مسجدي هذا ~~أفضل من مائة صلاة في غيره وصلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة في ~~مسجدي وأفضل من هذا كله رجل يصلي ركعتين في زاوية بيته لا يعلمها إلا الله ~~أخرجه أبو الشيخ في الثواب من حديث أنس صلاة في مسجدي تعدل بعشرة آلاف صلاة ~~وصلاة في المسجد الحرام تعدل بمائة ألف صلاة والصلاة بأرض الرباط تعدل ~~بألفي ألف صلاة وأكثر من ذلك كله الركعتان يصليهما العبد في جوف الليل لا ~~يريد بهما إلا وجه الله عز وجل وإسناده ضعيف وذكر أبو الوليد الصفار في ~~كتاب الصلاة تعليقا من حديث الأوزاعي قال دخلت على يحيى فأسند لي حديثا ~~فذكره إلا أنه قال في الأولى ألف وفي الثانية مائة + وهذا لأن الرياء ~~والتصنع ربما يتطرق إليه في الجمع ويأمن منه في الوحدة فهذا ما قيل فيه # والمختار أن الجماعة أفضل كما رآه عمر رضي الله عنه # فإن بعض النوافل قد شرعت فيها الجماعة وهذا جدير بأن يكون من الشعائر ~~التي تظهر # وأما الإلتفات إلى الرياء في الجمع والكسل في الإنفراد عدول عن مقصود ~~النظر في فضيلة الجمع من حيث إنه جماعة وكأن قائله يقول الصلاة خير من ~~تركها بالكسل والإخلاص خير من الرياء # فلنفرض المسألة فيمن يثق بنفسه أنه لا يكسل لو انفرد ولا يرائي لو حضر ~~الجمع فأيهما أفضل له فيدور النظر بين بركة الجمع وبين مزيد قوة الإخلاص ~~وحضور القلب في الوحدة فيجوز أن يكون في تفضيل أحدهما على الآخر تردد ومما ~~يستحب القنوت في الوتر في النصف الأخير من رمضان # أما صلاة رجب فقد روي بإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ما ~~من أحد يصوم أول خميس من رجب ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ~~ركعة يفصل بين كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة وإنا ~~أنزلناه في ليلة القدر ثلاث مرات وقل هو الله أحد اثنتي عشرة مرة فإذا فرغ ~~من صلاته صلى علي سبعين مرة يقول اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آله ~~ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة سبوح قدوس رب الملائكة والروح ثم يرفع ~~رأسه ويقول سبعين مرة رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم ~~ثم يسجد سجدة أخرى ويقول فيها مثل ما قال في السجدة الأولى ثم يسأل حاجته ~~في سجوده فإنها تقضى + حديث ما من أحد يصوم أول خميس من رجب الحديث في صلاة ~~الرغائب أورده رزين في كتابه وهو حديث موضوع + قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم لا يصلي أحد هذه الصلاة إلا غفر PageV01P202 الله تعالى له جميع ذنوبه ~~ولو كانت مثل زبد البحر وعدد الرمل ووزن الجبال وورق الأشجار ويشفع يوم ~~القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار فهذه صلاة مستحبة ~~وإنما أوردناها في هذا القسم لأنها تتكرر بتكرر السنين وإن كانت رتبتها لا ~~تبلغ رتبة التراويح وصلاة العيد لأن هذه الصلاة نقلها الآحاد ولكني رأيت ~~أهل القدس بأجمعهم يواظبون عليها ولا يسمحون بتركها فأحببت إيرادها # وأما صلاة شعبان فليلة الخامس عشر منه يصلي مائة ركعة كل ركعتين بتسليمة ~~يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة وإن شاء صلى عشر ~~ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة مائة مرة قل هو الله أحد فهذا أيضا مروي ~~في جملة الصلوات كان السلف يصلون هذه الصلاة ويسمونها صلاة الخير ويجتمعون ~~فيها وربما صلوها جماعة # روي عن الحسن أنه قال حدثني ثلاثون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن ~~من صلى هذه الصلاة في هذه الليلة نظر الله إليه سبعين نظرة وقضى له بكل ~~نظرة سبعين حاجة أدناها المغفرة + حديث صلاة ليلة نصف شعبان حديث باطل رواه ~~ابن ماجه من حديث علي إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا ~~نهارها وإسناده ضعيف + القسم الرابع من النوافل ما يتعلق بأسباب عارضة ولا ~~يتعلق بالمواقيت وهي تسعة # صلاة الخسوف والكسوف والاستسقاء وتحية المسجد وركعتي الوضوء وركعتين بين ~~الأذان والإقامة وركعتين عند الخروج من المنزل والدخول فيه # ونظائر ذلك فنذكر منها ما يحضرنا الآن # الأولى صلاة الخسوف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشمس والقمر ~~آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا ~~إلى ذكر الله والصلاة + حديث إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله الحديث ~~أخرجاه من حديث المغيرة بن شعبة + قال ذلك لما مات ولده إبراهيم صلى الله ~~عليه وسلم وكسفت الشمس فقال الناس إنما كسفت لموته # والنظر في كيفيتها ووقتها أما الكيفية فإذا كسفت الشمس في وقت الصلاة فيه ~~مكروهة أو غير مكروهة نودي الصلاة جامعة وصلى الإمام بالناس في المسجد ~~ركعتين وركع في كل ركعة ركوعين أوائلهما أطول من أواخرهما # ولا يجهر فيقرأ في الأولى من قيام الركعة الأولى الفاتحة والبقرة وفي ~~الثانية الفاتحة وآل عمران وفي الثالثة الفاتحة وسورة النساء وفي الرابعة ~~الفاتحة وسورة المائدة أو مقدار ذلك من القرآن من حيث أراد ولو اقتصر على ~~الفاتحة في كل قيام أجزأه ولو اقتصر على سور قصار فلا بأس # ومقصود التطويل دوام الصلاة إلى الإنجلاء # ويسبح في الركوع الأول قدر مائة آية وفي الثاني قدر ثمانين وفي الثالث ~~قدر سبعين وفي الرابع قدر خمسين # وليكن السجود على قدر الركوع في كل ركعة # ثم يخطب خطبتين بعد الصلاة بينهما جلسة ويأمر الناس بالصدقة والعتق ~~والتوبة # وكذلك يفعل بخسوف القمر إلا أنه يجر فيها لأنها ليلية # فأما وقتها فعند ابتداء الكسوف إلى تمام الإنجلاء ويخرج وقتها بأن تغرب ~~الشمس كاسفة # وتفوت صلاة خسوف القمر بأن يطلع قرص الشمس إذ يبطل سلطان الليل ولا تفوت ~~بغروب القمر خاسفا لأن الليل كله سلطان القمر فإن انجلى في أثناء الصلاة ~~أتمها مخففة # ومن أدرك الركوع الثاني مع الإمام فقد فاتته تلك الركعة لأن الأصل هو ~~الركوع الأول # الثانية صلاة الاستسقاء فإذا غارت الأنهار وانقطعت الأمطار أو انهارت ~~قناة فيستحب للإمام أن يأمر الناس أولا بصيام ثلاثة أيام وما أطاقوا من ~~الصدقة والخروج من المظالم والتوبة من المعاصي ثم يخرج بهم في اليوم الرابع ~~وبالعجائز والصبيان متنظفين في ثياب بذلة واستكانة متواضعين بخلاف العيد ~~وقيل يستحب PageV01P203 إخراج الدواب لمشاركتها في الحاجة ولقوله صلى الله ~~عليه وسلم لولا صبيان رضع ومشايخ ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا + ~~حديث لولا صبيان رضع ومشايخ ركع الحديث أخرجه البيهقي وضعفه من حديث أبي ~~هريرة + ولو خرج أهل الذمة أيضا متميزين لم يمنعوا فإذا اجتمعوا في المصلى ~~الواصل من الصحراء نودي الصلاة جامعة فصلى بهم الإمام ركعتين مثل صلاة ~~العيد بغير تكبير ثم يخطب خطبتين وبينهما جلسة خفيفة وليكن الإستغفار معظم ~~الخطبتين وينبغي في وسط الخطبة الثانية أن يستدبر الناس ويستقبل القبلة ~~ويحول رداءه في هذه الساعة تفاؤلا بتحويل الحال + حديث استدار الناس ~~واستقبال القبلة وتحويل الرداء في الإستسقاء أخرجاه من حديث عبد الله بن ~~زيد المازني + هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعل أعلاه أسفله ~~وما على اليمين على الشمال وما على الشمال وما على اليمين # وكذلك يفعل الناس ويدعون في هذه الساعة سرا ثم يستقبلهم فيختم الخطبة ~~ويدعون أرديتهم محولة كما هي حتى ينزعوها متى نزعوا الثياب # ويقول في الدعاء اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك فقد دعوناك كما ~~أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا اللهم فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتك في ~~سقيانا وسعة أرزاقنا # ولا بأس بالدعاء أدبار الصلوات في الأيام الثلاثة قبل الخروج ولهذا ~~الدعاء آداب وشروط باطنة من التوبة ورد المظالم وغيرها وسيأتي ذلك في كتاب ~~الدعوات # الثالثة صلاة الجنائز وكيفيتها مشهورة وأجمع دعاء مأثور ما روي في الصحيح ~~عن عوف بن مالك قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فحفظت ~~من دعائه اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله ~~واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من ~~الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه ~~وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار + حديث عوف بن مالك في ~~الصلاة على الجنازة اللهم اغفر لي وله وارحمني وارحمه وعافني وعافه الحديث ~~أخرجه مسلم دون الدعاء للمصلي + حتى قال عوف تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت # ومن أدرك التكبيرة الثانية فينبغي أن يراعى ترتيب الصلاة في نفسه ويكبر ~~مع تكبيرات الإمام فإذا سلم الإمام قضى تكبيره الذي فات كفعل المسبوق فإنه ~~لو بادر التكبيرات لم تبق للقدوة في هذه الصلاة معنى فالتكبيرات هي الأركان ~~الظاهرة وجدير بأن تقام مقام الركعات في سائر الصلوات هذا هو الأوجه عندي ~~وإن كان غيره محتملا # والأخبار الواردة في فضل صلاة الجنازة وتشييعها مشهورة فلا نطيل بإيرادها ~~وكيف لا يعظم فضلها وهي من فرائض الكفايات وإنما تصير نفلا في حق من لم ~~تتعين عليه بحضور غيره ثم ينال بها فضل فرض الكفاية وإن لم يتعين لأنهم ~~بجملتهم قاموا بما هو فرض الكفاية وأسقطوا الحرج عن غيرهم فلا يكون ذلك ~~كنفل لا يسقط به فرض عن أحد ويستحب طلب كثرة الجمع تبركا بكثرة الهمم ~~والأدعية واشتماله على ذي دعوة مستجابة لما روى كريب عن ابن عباس أنه مات ~~له ابن فقال يا كريب انظر ما اجتمع له من الناس قال فخرجت فإذا ناس قد ~~اجتمعوا له فأخبرته فقال تقول هم أربعون قلت نعم قال أخرجوه فإني سمعت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون ~~رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله عز وجل فيه + حديث ابن عباس ما ~~من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون الحديث أخرجه مسلم + وإذا شيع ~~الجنازة فوصل المقابر أو دخلها ابتداء قال السلام عليكم أهل هذه الديار من ~~المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء ~~الله بكم لاحقون # والأولى أن لا ينصرف حتى يدفن الميت فإذا سوى على الميت قبره قام عليه ~~وقال اللهم عبدك رد إليك فارأف به وارحمه اللهم جاف الأرض عن جنبيه وافتح ~~أبواب ا لسماء لروحه وتقبله منك بقول حسن اللهم PageV01P204 إن كان محسنا ~~فضاعف له في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه # الرابعة تحية المسجد ركعتان فصاعدا سنة مؤكدة حتى أنها لا تسقط وإن كان ~~الإمام يخطب يوم الجمعة مع تؤكد وجوب الإصغاء إلى الخطيب # وإن اشتغل بفرض أو قضاء تأدى به التحية وحصل الفضل إذ المقصود أن لا يخلو ~~ابتداء دخوله عن العبادة الخاصة بالمسجد قياما بحق المسجد # ولهذا يكره أن يدخل المسجد على غير وضوء فإن دخل لعبور أو جلوس فليقل ~~سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يقولها أربع مرات يقال ~~إنها عدل ركعتين في الفضل # ومذهب الشافعي رحمه الله أنه لا تكره التحية في أوقات الكراهية وهي بعد ~~العصر وبعد الصبح ووقت الزوال ووقت الطلوع والغروب لما روي أنه صلى الله ~~عليه وسلم صلى ركعتين بعد العصر فقيل له أما نهيتنا عن هذا فقال هما ركعتان ~~كنت أصليهما بعد الظهر فشغلني عنهما الوفد + حديث صلى ركعتين بعد العصر قيل ~~له أما نهيتنا عن هذا فقال هما ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر الحديث أخرجاه ~~من حديث أم سلمة ولمسلم من حديث عائشة كان يصلي ركعتين قبل العصر ثم إنه ~~شغل عنهما الحديث + فأفاد هذا الحديث فائدتين إحداهما أن الكراهية مقصورة ~~على صلاة لا سبب لها ومن أضعف الأسباب قضاء النوافل إذ اختلف العلماء في أن ~~النوافل هل تقضى وإذا فعل مثل ما فاته هل يكون قضاء وإذا انتفت الكراهية ~~بأضعف الأسباب فبأحرى أن تنتفي بدخول المسجد وهو سبب قوي # ولذلك لا تكره صلاة الجنازة إذا حضرت ولا صلاة الخسوف والاستسقاء في هذه ~~الأوقات لأن لها أسبابا # الفائدة الثانية قضاء النوافل إذ قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ~~ولنا فيه أسوة حسنة # وقالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو مرض فلم يقم تلك الليلة صلى من أول ~~النهار اثنتي عشرة ركعة + حديث عائشة كان إذا غلبه نوم أو مرض فلم يقم تلك ~~الليلة الحديث أخرجه مسلم + وقد قال العلماء من كان في الصلاة ففاته جواب ~~المؤذن فإذا سلم قضى وأجاب وإن كان المؤذن سكت ولا معنى الآن لقول من يقول ~~إن ذلك مثل الأول وليس يقضى إذ لو كان كذلك لما صلاها رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم في وقت الكراهة # نعم من كان له ورد فعاقه عن ذلك عذر فينبغي أن لا يرخص لنفسه في تركه بل ~~يتداركه في وقت آخر حتى لا تميل نفسه إلى الدعة والرفاهية # وتداركه حسن على سبيل مجاهدة النفس ولأنه صلى الله عليه وسلم قال أحب ~~الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل + حديث أحب الأعمال إلى الله أدومها ~~وإن قل أخرجاه من حديث عائشة + فيقصد به أن لا يفتر في دوام عمله وروت ~~عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من عبد الله عز ~~وجل بعبادة ثم تركها ملالة مقته الله عز وجل + حديث عائشة من عبد الله ~~عبادة ثم تركها ملالة مقته الله ورواه ابن السني في رياضة المتعبدين موقوفا ~~على عائشة + فليحذر أن يدخل تحت الوعيد # وتحقيق هذا الخبر # أنه مقته الله تعالى بتركها ملالة فلولا المقت والإبعاد لما سلطت الملالة ~~عليه # الخامسة ركعتان بعد الوضوء مستحبتان لأن الوضوء قربة ومقصودها الصلاة ~~والأحداث عارضة فربما يطرأ الحدث قبل صلاة فينتقض الوضوء ويضيع السعي ~~فالمبادرة إلى ركعتين استيفاء المقصود الوضوء قبل الفوات # وعرف ذلك بحديث بلال إذ قال صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فرأيت بلالا ~~فيها فقلت لبلال بم سبقتني إلى الجنة فقال بلال لا أعرف شيئا إلا أني لا ~~أحدث وضوءا إلا أصلي عقيبه ركعتين + حديث دخلت الجنة فرأيت بلالا فيها فقلت ~~يا بلال بم سبقتني إلى الجنة الحديث أخرجاه من حديث أبي هريرة + # السادسة ركعتان عند دخول المنزل وعند الخروج منه روى أبو هريرة رضي الله ~~عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرجت من منزلك فصل ركعتين ~~يمنعانك مخرج السوء وإذا دخلت إلى منزلك فصل ركعتين PageV01P205 يمنعانك ~~مدخل السوء + حديث أبي هريرة إذا خرجت من منزلك فصلي ركعتين يمنعانك مخرج ~~السوء وإذا دخلت منزلك الحديث أخرجه البيهقي في الشعب من رواية بسكر بن ~~عمرو عن صفوان بن سليم قال بكر حسبته عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره وروى ~~الخرائطي في مكارم الأخلاق وابن عدي في الكامل من حديث أبي هريرة إذا دخل ~~أحدكم بيته فلا يجلس حتى يركع ركعتين فإن الله جاعل له من ركعتيه خيرا قال ~~ابن عدي وهو بهذا الإسناد منكر وقال البخاري لا أصل له + وفي معنى هذا كل ~~أمر يبتدأ به مما له وقع ولذلك ورد ركعتان عند الإحرام + حديث ركعتي ~~الإحرام أخرجه البخاري من حديث ابن عمر + وركعتان عند ابتداء السفر + حديث ~~صلاة ركعتين عند ابتداء السفر أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أنس ~~ما استخلف في أهله من خليفة أحب إلى الله من أربع ركعات يصليهن العبد في ~~بيته إذا شد عليه ثياب سفره الحديث وهو ضعيف + وركعتان عند الرجوع من السفر ~~+ حديث الركعتين عند القدوم من السفر أخرجاه من حديث كعب بن مالك + في ~~المسجد قبل دخول البيت فكل ذلك مأثور من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم # وكان بعض الصالحين إذا أكل أكلة صلى ركعتين وإذا شرب شربة صلى ركعتين ~~وكذلك في كل أمر يحدثه # وبداية الأمور ينبغي أن يتبرك فيها بذكر الله عز وجل وهي على ثلاث مراتب ~~بعضها يتكرر مرارا كالأكل والشرب فيبدأ فيه باسم الله عز وجل وقال صلى الله ~~عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر + ~~حديث كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر أخرجه أبو داود ~~والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة + # الثانية ما لا يكثر تكرره وله وقع كعقد النكاح وابتداء النصيحة والمشورة ~~فالمستحب فيها أن يصدر بحمد الله فيقول المزوج الحمد لله والصلاة على رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم زوجتك ابنتى ويقول القابل الحمد لله والصلاة على ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلت النكاح وكانت عادة الصحابة رضي الله ~~عنهم في ابتداء أداء الرسالة والنصيحة والمشورة تقديم التحميد # الثالثة ما لا يتكرر كثيرا وإذا وقع دام وكان له وقع كالسفر وشراء دار ~~جديدة والإحرام وما يجري مجراه فيستحب تقديم ركعتين عليه وأدناه الخروج من ~~المنزل والدخول إليه فإنه نوع سفر قريب # السابعة صلاة الاستخارة فمن هم بأمر وكان لا يدري عاقبته ولا يعرف أن ~~الخير في تركه أو في الإقدام عليه فقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بأن يصلي ركعتين يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون وفي ~~الثانية الفاتحة وقل هو الله أحد فإذا فرغ دعا وقال اللهم إني أستخيرك ~~بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا ~~أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ~~ودنياي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاقدره لي وبارك لي فيه ثم يسره لي وإن ~~كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله وآجله ~~فاصرفني عنه واصرفه عني واقدر لي الخير أينما كان إنك على كل شيء قدير + ~~حديث صلاة الاستخارة أخرجه البخاري من حديث جابر قال أحمد حديث منكر + رواه ~~جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة ~~في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن وقال صلى الله عليه وسلم إذا ~~هم أحدكم بأمر فليصل ركعتين ثم ليسم الأمر ويدعو بما ذكرناه وقال بعض ~~الحكماء من أعطي أربعا لم يمنع أربعا من أعطي الشكر لم يمنع المزيد ومن ~~أعطي التوبة لم يمنع القبول ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة ومن أعطي ~~المشورة لم يمنع الصواب # الثامنة صلاة الحاجة + حديث ابن مسعود في صلاة الحاجة اثنتي عشرة ركعة ~~أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس بإسنادين ضعيفين جدا فيهما عمرو ~~بن هارون البلحي كذبه ابن معين وفيه علل أخرى وقد وردت صلاة الحاجة ركعتين ~~رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن أبي أوفى وقال الترمذي حديث ~~غريب وفي إسناده مقال + فمن ضاق عليه الأمر ومسته حاجة في صلاح دينه ودنياه ~~إلى أمر تعذر عليه فليصل هذه الصلاة فقد روى عن وهيب بن الورد أنه قال إن ~~من الدعاء الذي لا يرد أن يصلي العبد ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة ~~PageV01P206 بأم الكتاب وآية الكرسي وقل هو الله أحد فإذا فرغ خر ساجدا ثم ~~قال سبحان الذي لبس العز وقال به سبحان الذي تعطف بالمجد وتكرم به سبحان ~~الذي أحصى كل شيء بعلمه سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له سبحان ذي المن ~~والفضل سبحان ذي العز والكرم سبحان ذي الطول أسألك بمعاقد العز من عرشك ~~ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامات العامات ~~التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر أن تصلى على محمد وعلى آل محمد ثم يسأل حاجته ~~التي لا معصية فيها فيجاب إن شاء الله عز وجل # قال وهيب بلغنا أنه كان يقال لا تعلموها لسفهائكم فيتعاونون بها على ~~معصية الله عز وجل # التاسعة صلاة التسبيح وهذه الصلاة مأثورة على وجها ولا تختص بوقت ولا ~~بسبب ويستحب أن لا يخلو الأسبوع عنها مرة واحدة أو الشهر مرة # فقد روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله منها أنه صلى الله عليه وسلم قال ~~للعباس بن عبد المطلب ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك بشيء إذا أنت فعلته ~~غفر الله لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه خطأه وعمده سره وعلانيته تصلي ~~أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغت من القراءة في ~~أول ركعة وأنت قائم تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله ~~أكبر # خمس عشرة مرة ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشر مرات ثم ترفع من الركوع ~~فتقولها قائما عشرا ثم تسجد فتقولها عشرا ثم ترفع من السجود فتقولها جالسا ~~عشرا ثم تسجد فتقولها وأنت ساجد عشرا ثم ترفع من السجود فتقولها عشرا فذلك ~~خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات إن استطعت أن تصليها في كل ~~يوم مرة فافعل فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة فإن ~~لم تفعل ففي السنة مرة + حديث صلاة التسبيح تقدم + وفي رواية أخرى أنه يقول ~~في أول الصلاة سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وتقدست أسماؤك ~~ولا إله غيرك ثم يسبح خمس عشرة تسبيحة قبل القراءة وعشرا بعد القراءة ~~والباقي كما سبق عشرا عشرا ولا يسبح بعد السجود الأخير قاعدا وهذا هو ~~الأحسن وهو اختيار ابن المبارك # والمجموع من الروايتين ثلثمائة تسبيحة فإن صلاها نهارا فبتسليمة واحدة ~~وإن صلاها ليلا فبتسليمتين أحسن إذ ورد # أن صلاة الليل مثنى مثنى + حديث صلاة الليل مثنى مثنى أخرجاه من حديث ابن ~~عمر + وإن زاد بعد التسبيح قوله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فهو ~~حسن فقد ورد ذلك في بعض الروايات فهذه الصلوات المأثورة # ولا يستحب شيء من هذه النوافل في الأوقات المكروهة إلا تحية المسجد وما ~~أوردناه بعد التحية من ركعتي الوضوء وصلاة السفر والخروج من المنزل ~~والاستخارة فلا لأن النهي مؤكد وهذه الأسباب ضعيفة فلا تبلغ درجة الخسوف ~~والاستسقاء والتحية # وقد رأيت بعض المتصوفة يصلي في الأوقات المكروهة ركعتي الوضوء وهو في ~~غاية البعد لأن الوضوء لا يكون سببا الصلاة بل الصلاة سبب الوضوء # فينبغي أن يتوضأ ليصلي لا أنه يصلي لأنه توضأ # وكل محدث يريد أن يصلي في وقت الكراهية فلا سبيل له إلا أن يتوضأ ويصلي ~~فلا يبقى للكراهية معنى # ولا ينبغي أن ينوي ركعتي الوضوء كما ينوي ركعتي التحية بل إذا توضأ صلى ~~ركعتين تطوعا كيلا يتعطل وضوءه كما كان يفعله بلال فهو تطوع محض يقع عقيب ~~الوضوء # وحديث بلال لم يدل على أن الوضوء سبب كالخسوف والتحية حتى ينوي ركعتي ~~الوضوء فيستحيل أن ينوي بالصلاة الوضوء بل ينبغي أن ينوي بالوضوء الصلاة # وكيف ينتظم أن يقول في وضوئه أتوضأ لصلاتي وفي صلاته يقول أصلي لوضوئي بل ~~من أراد أن يحرس وضوءه عن التعطيل في وقت الكراهية فلينو قضاء إن كان يجوز ~~أن يكون في ذمته صلاة تطرق إليها خلل لسبب من الأسباب فإن قضاء الصلوات في ~~أوقات الكراهية غير مكروه فأمانية التطوع فلا وجه لها # ففي النهي في أوقات الكراهية مهمات ثلاثة PageV01P207 # أحدها التوقي من مضاهاة عبدة الشمس # والثاني الاحتراز من انتشار الشياطين إذ قال صلى الله عليه وسلم إن الشمس ~~لتطلع ومعها قرن الشيطان فإذا طلعت قارنها وإذا ارتفعت فارقها فإن استوت ~~قارنها فإذا زالت فارقها فإذا تضيفت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها + حديث ~~إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا طلعت قارنها الحديث أخرجه النسائي من ~~حديث عبد الله الصنابحي وهو مرسل ومالك هو الذي يقول عبد الله الصنابحي ~~ووهم فيه والصواب عبد الرحمن ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم + ونهى عن ~~الصلوات في هذه الأوقات ونبه به على العلة # والثالث أن سالكي طريق الآخرة لا يزالون يواظبون على الصلوات في جميع ~~الأوقات # والمواظبة على نمط واحد من العبادات يورث الملل # ومهما منع منها ساعة زاد النشاط وانبعثت الدواعي والإنسان حريص على ما ~~منع منه ففي تعطيل هذه الأوقات زيادة تحريض وبعث على انتظار انقضاء الوقت ~~فخصصت هذه الأوقات بالتسبيح والاستغفار حذرا من الملل بالمداومة وتفرجا ~~بالانتقال من نوع عبادة إلى نوع آخر # ففي الاستطراف والاستجداد لذة ونشاط وفي الاستمرار على شيء واحد استثقال ~~وملالا ولذلك لم تكن الصلاة سجودا مجردا ولا ركوعا مجردا ولا قياما مجردا ~~بل رتبت العبادات من أعمال مختلفة وأذكار متباينة فإن القلب يدرك من كل عمل ~~منهما لذة جديدة عند الانتقال إليها ولو واظب على الشيء الواحد لتسارع إليه ~~الملل # فإذا كانت هذه أمورا مهمة في النهي عن ارتكاب أوقات الكراهة إلى غير ذلك ~~من أسرار أخرى ليس في قوة البشر الإطلاع عليها والله ورسوله أعلم بها # فهذه المهمات لا تترك إلا بأسباب مهمة في الشرع مثل قضاء الصلوات وصلاة ~~الاستسقاء والخسوف وتحية المسجد # فأما ما ضعف عنها فلا ينبغي أن يصادم به مقصود النهي # هذا هو الأوجه عندنا والله أعلم # كمل كتاب أسرار الصلاة من كتاب إحياء علوم الدين # يتلوه إن شاء الله كتاب أسرار الزكاة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه # والحمد لله وحده وصلاته على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ~~كثيرا # | كتاب أسرار الزكاة # بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أسعد وأشقى وأمات وأحيا وأضحك ~~وأبكى وأوجد وأفنى وأفقر وأغنى وأضر وأقنى الذي خلق الحيوان من نطفة تمنى ~~ثم تفرد عن الخلق بوصف الغنى ثم خصص بعض عباده بالحسنى فأفاض عليهم من نعمة ~~ما أيسر به من شاء واستغنى وأحوج إليه من أخفق في رزقه وأكدى إظهارا ~~للامتحان والابتلا # ثم جعل الزكاة للدين أساسا ومبنى وبين أن بفضله تزكى من عباده من تزكى ~~ومن غناه زكى ماله من زكى والصلاة على محمد المصطفى سيد الورى وشمس الهدى ~~وعلى آله وأصحابه المخصوصين بالعلم والتقى # أما بعد فإن الله تعالى جعل الزكاة إحدى مباني الإسلام وأردف بذكرها ~~الصلاة التي هي أعلى الأعلام فقال تعالى @QB@ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ~~@QE@ وقال صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا ~~الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة + حديث بني الإسلام ~~على خمس أخرجاه من حديث ابن عمر + وشدد الوعيد على المقصرين فيها فقال @QB@ ~~والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ~~@QE@ ومعنى الإنفاق في سبيل الله إخراج حق الزكاة قال PageV01P208 الأحنف ~~بن قيس كنت في نفر من قريش فمر أبو ذر فقال بشر الكانزين بكى في ظهورهم ~~يخرج من جنوبهم وبكى في أقفائهم يخرج من جباههم # وفي رواية أنه يوضع على حلمة ثدي أحدهم فيخرج من نغض كتفيه ويوضع على نغض ~~كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل وقال أبو ذر انتهيت إلى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال هم الأخسرون ورب ~~الكعبة فقلت ومن هم قال الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ~~ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم ~~لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها ~~وتطؤه بأظلافها كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضي بين الناس + ~~حديث أبي ذر انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة ~~فلما رآني قال هم الأخسرون ورب الكعبة الحديث أخرجاه مسلم والبخاري + وإذا ~~كان هذا التشديد مخرجا في الصحيحين فقد صار من مهمات الدين الكشف عن أسرار ~~الزكاة وشروطها الجلية والخفية ومعانيها الظاهرة والباطنة مع الاقتصار على ~~ما لا يستغنى عن معرفته مؤدى الزكاة وقابضها وينكشف ذلك في أربعة فصول # الفصل الأول في أنواع الزكاة وأسباب وجوبها # الثاني آدابها وشروطها الباطنة والظاهرة # الثالث في القابض وشروط استحقاقه وآداب قبضه # الرابع في صدقة التطوع وفضلها # | الفصل الأول في أنواع الزكاة وأسباب وجوبها والزكوات باعتبار # متعلقاتها ستة أنواع زكاة النعم والنقدين والتجارة وزكاة الركاز والمعادن ~~وزكاة المعشرات وزكاة الفطر النوع الأول زكاة النعم # ولا تجب هذه الزكاة وغيرها إلا على حر مسلم # ولا يشترط البلوغ بل تجب في مال الصبي والمجنون هذا شرط من عليه # وأما المال فشروطه خمسة أن يكون نعما سائمة باقية حولا نصابا كاملا ~~مملوكا على الكمال # الشرط الأول كونه نعما فلا زكاة إلا في الإبل والبقر والغنم # أما الخيل والبغال والحمير والمتولد من بين الظباء والغنم فلا زكاة فيها # الثاني السوم فلا زكاة في معلوفة وإذا أسيمت في وقت وعلفت في وقت تظهر ~~بذلك مؤنتها فلا زكاة فيها # الثالث الحول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا زكاة في مال حتى يحول ~~عليه الحول + حديث لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول أخرجه أبو داود من ~~حديث علي بإسناد جيد وابن ماجه من حديث عائشة بإسناد ضعيف + ويستثنى من هذا ~~نتاج الحول # الرابع كمال الملك والتصرف فتجب الزكاة في الماشية المرهونة لأنه الذي ~~حجر على نفسه فيه ولا تجب في الضال والمغصوب إلا إذا عاد بجميع نمائه فيجب ~~زكاة ما مضى عند عوده ولو كان عليه دين يستغرق ماله فلا زكاة عليه فإنه ليس ~~غنيا به إذ الغنى ما يفضل عن الحاجة # الخامس كمال النصاب # أما الإبل فلا شيء فيها حتى تبلغ خمسا ففيها جذعة من الضأن والجذعة هي ~~التي تكون في السنة الثانية أو ثنية من المعز وهي التي تكون في السنة ~~الثالثة # وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه # وفي عشرين أربع شياه # وفي خمس وعشرين بنت مخاض وهي التي في السنة الثانية فإن لم يكن في ماله ~~بنت مخاض فابن لبون ذكر وهو الذي في السنة الثالثة يؤخذ إن كان قادرا على ~~شرائها وفي ست وثلاثين ابنة لبون # ثم إذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة وهي التي في السنة الرابعة # فإذا صارت إحدى وستين ففيها جذعة وهي التي في السنة الخامسة # فإذا صارت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون # فإذا صارت إحدى وتسعين ففيها حقتان # فإذا صارت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون # فإذا صارت مائة وثلاثين فقد استقر الحساب ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ~~بنت لبون PageV01P209 # وأما البقر فلا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين ففيها تبيع وهو الذي في السنة ~~الثانية # ثم في أربعين مسنة وهي التي في السنة الثالثة # ثم في ستين تبيعان # واستقر الحساب بعد ذلك # ففي كل أربعين مسنة # وفي كل ثلاثين تبيع # وأما الغنم فلا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين ففيها شاة جذعة من الضأن أو ~~ثنية من المعز # ثم لا شيء فيها حتى تبلغ مائة وعشرين وواحدة ففيها شاتان # إلى مائتي شاة وواحدة فيها ثلاث شياه إلى أربعمائة ففيها أربع شياه # ثم استقر الحساب في كل مائة شاة # وصدقة الخليطين كصدقة المالك الواحد في النصاب فإذا كان بين رجلين أربعون ~~من الغنم ففيها شاة # وإن كان بين ثلاثة نفر مائة شاة وعشرون ففيها شاة واحدة # على جميعهم # وخلطة الجوار كخلطة الشيوع ولكن يشترط أن يريحا معا ويسقيا معا ويحلبا ~~معا ويسرحا معا ويكون المرعى معا ويكون إنزاء الفحل معا # وأن يكونا جميعا من أهل الزكاة ولا حكم للخلطة مع الذمي والمكاتب # ومهما نزل في واجب الإبل عن سن إلى سن فهو جائز ما لم يجاوز بنت مخاض في ~~النزول # ولكن تضم إليه جبران السن لسنة واحدة شاتين أو عشرين درهما # ولسنتين أربع شياه أو اربعين درهما # وله أن يصعد في السن ما لم يجاوز الجذعة في الصعود ويأخذ الجبران من ~~الساعين من بيت المال # ولا تؤخذ في الزكاة مريضة إذا كان بعض المال صحيحا ولو واحدة # ويؤخذ من الكرائم كريمة ومن اللئام لئيمة # ولا يؤخذ من المال الأكولة ولا الماخض ولا الربا ولا الفحل ولا غراء ~~المال # | النوع الثاني زكاة المعشرات # فيجب العشر في كل مستنبت مقتات بلغ ثمانمائة من ولا شيء فيما دونها ولا ~~في الفواكه والقطن ولكن في الحبوب التي تقتات وفي التمر والزبيب # ويعتبر أن تكون ثمانمائة من تمرا أو زبيبا لا رطبا وعنبا ويخرج ذلك بعد ~~التجفيف # ويكمل مال أحد الخليطين بمال الآخر في خلطة الشيوع كالبستان المشترك بين ~~ورثة لجميعهم ثمانمائة من من زبيب فيجب على جميعهم ثمانون منا من زبيب بقدر ~~حصصهم # ولا يعتبر خلطة الجوار فيه # ولا يكمل نصاب الحنطة بالشعير # ويكمل نصاب الشعير بالسلت فإنه نوع منه هذا قدر الواجب إن كان يسقى بسيح ~~أو قناة فإن كان يسقى بنضح أو دالية فيجب نصف العشر فإن اجتمعا فالأغلب ~~يعتبر # وأما صفة الواجب فالتمر والزبيب اليابس والحب اليابس بعد التنقية # ولا يؤخذ عنب ولا رطب إلا إذا حلت بالأشجار آفة وكانت المصلحة في قطعها ~~قبل تمام الإدراك فيؤخذ الرطب فيكال تسعة للمالك وواحد للفقير # ولا يمنع من هذه القسمة قولنا إن القسمة بيع بل يرخص في مثل هذا للحاجة # ووقت الوجوب أن يبدو الصلاح في الثمار وأن يشتد الحب # ووقت الأداء بعد الجفاف # | النوع الثالث زكاة النقدين # فإذا تم الحول على وزن مائتي درهم بوزن مكة نقرة خالصة ففيها خمسة دراهم ~~وهو ربع العشر وما زاد فبحسابه ولو درهما # ونصاب الذهب عشرون مثقالا خالصا بوزن مكة ففيها ربع العشر وما زاد ~~فبحسابه وإن نقص من النصاب حبة فلا زكاة # وتجب على من معه دراهم مغشوشة إذا كان فيها هذا المقدار من النقرة ~~الخالصة # وتجب الزكاة في التبر وفي الحلي المحظور كأواني الذهب والفضة ومراكب ~~الذهب للرجال # ولا تجب في الحلي المباح # وتجب في الدين الذي هو على مليء ولكن تجب عند الاستيفاء وإن كان مؤجلا ~~فلا تجب إلا عند حلول الأجل PageV01P210 # | النوع الرابع زكاة التجارة # وهي كزكاة النقدين وإنما ينعقد الحول من وقت ملك النقد الذي به اشترى ~~البضاعة إن كان النقد نصابا فإن كان ناقصا أو اشترى بعرض على نية التجارة ~~فالحول من وقت الشراء # وتؤدى الزكاة من نقد البلد وبه يقوم # فإن كان ما به الشراء نقدا وكان نصابا كاملا كان التقويم به أولى من نقد ~~البلد # ومن نوى التجارة من مال قنية فلا ينعقد الحول بمجرد نيته حتى يشتري به ~~شيئا ومهما قطع نية التجارة قبل تمام الحول سقطت الزكاة # والأولى أن تؤدى زكاة تلك السنة وما كان من ربح في السلعة في آخر الحول ~~وجبت الزكاة فيه بحول رأس المال ولم يستأنف له حولا كما في النتاج # وأموال الصيارفة لا ينقطع حولها بالمبادلة الجارية بينهم كسائر التجارات ~~وزكاة ربح مال القراض على العامل وإن كان قبل القسمة هذا هو الأقيس # | النوع الخامس الركاز والمعدن # والركاز مال دفن في الجاهلية ووجد في أرض لم يجر عليها في الإسلام ملك ~~فعلى واجده في الذهب والفضة منه الخمس والحول غير معتبر # والأولى أن لا يعتبر النصاب أيضا لأن إيجاب الخمس يؤكد شبهه بالغنيمة ~~واعتباره أيضا ليس ببعيد لأن مصرف الزكاة ولذلك يخصص على الصحيح بالنقدين # وأما المعادن فلا زكاة فيما استخرج منها سوى الذهب والفضة ففيها بعد ~~الطحن والتخليص ربع العشر على أصح القولين وعلى هذا يعتبر النصاب # وفي الحول قولان وفي قول يجب الخمس فعلى هذا لا يعتبر # وفي النصاب قولان والأشبه والعلم عند الله تعالى أن يلحق في قدر الواجب ~~بزكاة التجارة فإنه نوع اكتساب # وفي الحول بالمعشرات فلا يعتبر لأنه عين الرفق ويعتبر النصاب كالمعشرات ~~والاحتياط أن يخرج الخمس من القليل والكثير ومن عين النقدين أيضا خروجا عن ~~شبهة هذه الاختلافات فإنها ظنون قريبة من التعارض وجزم الفتوى فيها خطر ~~لتعارض الاشتباه # | النوع السادس في صدقة الفطر # وهي واجبة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل مسلم فضل عن ~~قوته وقوت من يقوته يوم الفطر وليلته صاع مما يقتات + حديث وجوب صدقة الفطر ~~على كل مسلم أخرجاه من حديث ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~زكاة الفطر من رمضان الحديث + بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منوان ~~وثلثا من يخرجه من جنس قوته أو من أفضل منه # فإن اقتات بالحنطة لم يجز الشعير # وإن اقتات حبوبا مختلفة اختار خيرها ومن أيها أخرج أجزأه # وقسمتها كقسمة زكاة الأموال فيجب فيها استيعاب الأصناف ولا يجوز إخراج ~~الدقيق والسويق # ويجب على الرجل المسلم فطرة زوجته ومماليكه وأولاده وكل قريب هو في نفقته ~~أعني من تجب عليه نفقته من الآباء والأمهات والأولاد قال صلى الله عليه ~~وسلم أدوا صدقة الفطر عمن تمونون + حديث أدوا زكاة الفطر عمن تمونون أخرجه ~~الدار قطني والبيهقي من حديث ابن عمر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون قال البيهقي إسناده ~~غير قوي + وتجب صدقة العبد المشترك على الشريكين ولا تجب صدقة العبد الكافر # وإن تبرعت الزوجة بالإخراج عن نفسها أجزأها وللزوج الإخراج عنها دون ~~إذنها # وإن فضل عنه ما يؤدي عن بعضهم أدى عن بعضهم وأولاهم بالتقديم من كانت ~~نفقته آكد # وقد PageV01P211 قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة الولد على نفقة ~~الزوجة ونفقتها على نفقة الخادم + حديث قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~نفقة الولد على نفقة الزوجة ونفقتها على نفقة الخادم أخرجه أبو داود من ~~حديث أبي هريرة بسند صحيح وابن حبان والحاكم وصححه ورواه النسائي وابن حبان ~~بتقديم الزوجة على الولد وسيأتي + فهذه أحكام فقهية لا بد للغني من معرفتها ~~وقد تعرض له وقائع نادرة خارجة عن هذا فله أن يتكل فيها على الاستفتاء عند ~~نزول الواقعة بعد إحاطته بهذا المقدار # | الفصل الثاني في الأداء وشروطه الباطنة والظاهرة # اعلم أنه يجب على مؤدي الزكاة خمسة أمور # الأول النية وهو أن ينوي بقلبه زكاة الفرض ويسن عليه تعيين الأموال # فإن كان له مال غائب فقال هذا عن مالي الغائب إن كان سالما وإلا فهو ~~نافلة جاز لأنه إن لم يصرح به فكذلك يكون عند إطلاقه # ونية الولي تقوم مقام نية المجنون والصبي # ونية السلطان تقوم مقام نية المالك الممتنع عن الزكاة ولكن في ظاهر حكم ~~الدنيا أعني في قطع المطالبة عنه أما في الآخرة فلا بل تبقى ذمته مشغولة ~~إلى أن يستأنف الزكاة وإذا وكل بأداء الزكاة ونوى عند التوكيل أو وكل ~~الوكيل بالنية كفاه لأن توكيله بالنية نية # الثاني البدار عقيب الحول وفي زكاة الفطر لا يؤخرها عن يوم الفطر # ويدخل وقت وجوبها بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان ووقت تعجيلها شهر ~~رمضان كله # ومن أخر زكاة ماله مع التمكن عصى ولم يسقط عنه بتلف ماله وتمكنه بمصادقة ~~المستحق # وإن أخر لعدم المستحق فتلف ماله سقطت الزكاة عنه # وتعجيل الزكاة جائز بشرط أن يقع بعد كمال النصاب وانعقاد الحول # ويجوز تعجيل زكاة حولين # ومهما عجل فمات المسكين قبل الحول أو ارتد أو صار غنيا بغير ما عجل إليه ~~أو تلف مال المالك أو مات فالمدفوع ليس بزكاة واسترجاعه غير ممكن إلا إذا ~~قيد الدفع بالاسترجاع فليكن المعجل مراقبا آخر الأمور وسلامة العاقبة # الثالث أن لا يخرج بدلا باعتبار القيمة بل يخرج المنصوص عليه فلا يجزىء ~~ورق عن ذهب ولا ذهب عن ورق وإن زاد عليه في القيمة # ولعل بعض من لا يدرك غرض الشافعي رضي الله عنه يتساهل في ذلك ويلاحظ ~~المقصود من سد الخلة وما أبعده عن التحصيل فإن سد الخلة مقصود وليس هو كل ~~المقصود بل واجبات الشرع ثلاثة أقسام قسم هو تعبد محض لا مدخل للحظوظ ~~والأغراض فيه # وذلك كرمي الجمرات مثلا إذ لا حظ للجمرة في وصول الحصى إليها فمقصود ~~الشرع فيه الابتلاء بالعمل ليظهر العبد رقه وعبودته بفعل ما لا يعقل له ~~معنى لأن ما يعقل معناه فقد يساعده الطبع عليه ويدعوه إليه فلا يظهر به ~~خلوص الرق والعبودية إذ العبودية تظهر بأن تكون الحركة لحق أمر المعبود فقط ~~لا لمعنى آخر وأكثر أعمال الحج كذلك ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في ~~إحرامه لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا + حديث لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا أخرجه ~~البزار والدار قطني في العلل من حديث أنس + تنبيها على أن ذلك إظهار ~~للعبودية بالانقياد لمجرد الأمر وامتثاله كما أمر من غير استئناس العقل منه ~~بما يميل إليه ويحث عليه # القسم الثاني من واجبات الشرع ما المقصود منه حظ معقول وليس يقصد منه ~~التعبد كقضاء دين الآدميين ورد المغصوب فلا جرم لا يعتبر فيه فعله ونيته # ومهما وصل الحق إلى مستحقه بأخذ المستحق أو ببدل عنه عند رضاه تأدى ~~الوجوب وسقط خطاب الشرع # فهذان قسمان لا تركيب فيهما يشترك في دركهما جميع الناس # والقسم الثالث هو المركب الذي يقصد منه الأمران جميعا وهو حظ العباد ~~وامتحان المكلف بالاستعباد فيجتمع فيه تعبد رمي الجمار وحظ رد الحقوق فهذا ~~قسم في نفسه معقول فإن ورد الشرع به وجب الجمع بين المعنيين ولا ينبغي أن ~~PageV01P212 ينسى أدق المعنيين وهو التعبد والاسترقاق بسبب أجلاهما ولعل ~~الأدق هو الأهم والزكاة من هذا القبيل ولم ينتبه له غير الشافعي رضي الله ~~عنه فحظ الفقير مقصود في سد الخلة وهو جلي سابق إلى الأفهام وحق التعبد في ~~اتباع التفاصيل مقصود للشرع # وباعتباره صارت الزكاة قرينة للصلاة والحج في كونها من مباني الإسلام # ولا شك في أن على المكلف تعبا في تمييز أجناس ماله وإخراج حصة كل مال من ~~نوعه وجنسه وصفته ثم توزيعه على الأصناف الثمانية كما سيأتي والتساهل فيه ~~غير قادح في حظ الفقير لكنه قادح في التعبد # ويدل على أن التعبد مقصود بتعيين الأنواع أمور ذكرناها في كتب الخلاف من ~~الفقهيات # ومن أوضحها أن الشرع أوجب في خمس من الإبل شاة فعدل من الإبل إلى الشاة ~~ولم يعدل إلى النقدين والتقويم وإن قدر أن ذلك لقلة النقود في أيدي العرب ~~بطل بذكره عشرين درهما في الجبران مع الشاتين فلم يذكر في الجبران قدر ~~النقصان من القيمة ولمقدر بعشرين درهما وشاتين وإن كانت الثياب والأمتعة ~~كلها في معناها # فهذا وأمثاله من التخصيصات يدل على أن الزكاة لم تترك خالية عن التعبدات ~~كما في الحج ولكن جمع بين المعنيين والأذهان الضعيفة تقصر عن درك المركبات ~~فهذا شأن الغلط فيه # الرابع أن لا ينقل الصدقة إلى بلد آخر فإن أعين المساكين في كل بلدة تمتد ~~إلى أموالها وفي النقل تخييب للظنون فإن فعل ذلك أجزأه في قول ولكن الخروج ~~عن شبهة الخلاف أولى فليخرج زكاة كل مال في تلك البلدة ثم لا بأس أن يصرف ~~إلى الغرباء في تلك البلدة # الخامس أن يقسم ماله بعدد الأصناف الموجودين في بلده فإن استيعاب الأصناف ~~واجب وعليه يدل ظاهر قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية فإنه ~~يشبه قول المريض إنما ثلث مال للفقراء والمساكين وذلك يقتضي التشريك في ~~التمليك # والعبادات ينبغي أن يتوقى عن الهجوم فيها على الظواهر # وقد عدم من الثمانية صنفان في أكثر البلاد وهم المؤلفة قلوبهم والعاملون ~~على الزكاة # ويوجد في جميع البلاد أربعة أصناف الفقراء والمساكين والغارمون ~~والمسافرون أعني أبناء السبيل وصنفان يوجدان في بعض البلاد دون البعض وهم ~~الغزاة والمكاتبون # فإن وجد خمسة أصناف مثلا قسم بينهم زكاة ماله بخمسة أقسام متساوية أو ~~متقاربة وعين لكل صنف قسم ثم قسم كل قسم ثلاثة أسهم فما فوقه إما متساوية ~~أو متفاوتة وليس عليه التسوية بين آحاد الصنف فإن له أن يقسمه على عشرة ~~وعشرين فينقص نصيب كل واحد # وأما الأصناف فلا تقبل الزيادة والنقصان فلاينبغي أن ينقص في كل صنف عن ~~ثلاثة إن وجد ثم لو لم يجب إلا صاع للفطرة ووجد خمسة أصناف فعليه أن يوصله ~~إلى خمسة عشر نفرا ولو نقص منهم واحد مع الإمكان غرم نصيب ذلك الواحد فإن ~~عسر عليه ذلك لقلة الواجب فليتشارك جماعة ممن عليهم الزكاة وليخلط مال نفسه ~~بمالهم وليجمع المستحقين وليسلم إليهم حتى يتساهموا فيه فإن ذلك لا بد منه # | بيان دقائق الآداب الباطنة في الزكاة # اعلم أن على مريد طريق الآخرة بزكاته وظائف الوظيفة الأولى فهم وجوب ~~الزكاة ومعناها ووجه الامتحان فيها وأنها لم جعلت من مباني الإسلام مع أنها ~~تصرف مالي وليست من عبادة الأبدان وفيه ثلاث معان الأول أن التلفظ بكلمتي ~~الشهادة التزام للتوحيد وشهادة بإفراد المعبود وشرط تمام الوفاء به أن لا ~~يبقى للموحد محبوب سوى الواحد الفرد فإن المحبة لا تقبل الشركة والتوحيد ~~باللسان قليل الجدوى وإنما يمتحن به درجة المحب بمفارقة المحبوب والأموال ~~محبوبة عند الخلائق لأنها آلة تمتعهم بالدنيا وبسببها يأنسون بهذا العالم ~~وينفرون عن الموت مع أن فيه لقاء المحبوب فامتحنوا بتصديق دعواهم في ~~المحبوب واستنزلوا عن المال الذي هو مرموقهم ومعشوقهم ولذلك قال ~~PageV01P213 @QB@ الله تعالى @QE@ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ~~وأموالهم بأن لهم الجنة وذلك بالجهاد وهو مسامحة بالمهجة شوقا إلى لقاء ~~الله عز وجل والمسامحة بالمال أهون # ولما فهم هذا المعنى في بذل الأموال انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام قسم ~~صدقوا التوحيد ووفوا بعهدهم ونزلوا عن جميع أموالهم فلم يدخروا دينارا ولا ~~درهما فأبوا أن يتعرضوا لوجوب الزكاة عليهم حتى قيل لبعضهم كم يجب من ~~الزكاة في مائتي درهم فقال أما على العوام بحكم الشرع فخمسة دراهم وأما نحن ~~فيجب علينا بذل الجميع ولهذا تصدق أبو بكر رضي الله عنه بجميع ماله وعمر ~~رضي الله عنه بشطر ماله فقال صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك فقال مثله ~~وقال لأبي بكر رضي الله عنه ما أبقيت لأهلك قال الله ورسوله فقال صلى الله ~~عليه وسلم بينكما ما بين كلمتيكما + حديث جاء أبو بكر بجميع ماله وعمر بشطر ~~ماله الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه من حديث ابن عمر وليس ~~فيه قوله بينكما ما بين كلمتيكما + فالصديق وفى بتمام الصدق فلم يمسك سوى ~~المحبوب عنده وهو الله ورسوله # القسم الثاني درجتهم دون درجة هذا وهم الممسكون أموالهم المراقبون ~~لمواقيت الحاجات ومواسم الخيرات فيكون قصدهم في الادخار الإنفاق على قدر ~~الحاجة دون التنعم وصرف الفاضل عن الحاجة إلى وجوه البر مهما ظهر وجوهها ~~وهؤلاء لا يقتصرون على مقدار الزكاة # وقد ذهب جماعة من التابعين إلى أن في المال حقوقا سوى الزكاة كالنخعي ~~والشعبي وعطاء ومجاهد قال الشعبي بعد أن قيل له هل في المال حق سوى الزكاة ~~قال نعم أما سمعت قوله عز وجل وآتى المال على حبه ذوي القربى الآية ~~واستدلوا بقوله عز وجل ومما رزقناهم ينفقون وبقوله تعالى وأنفقوا مما ~~رزقناكم وزعموا أن ذلك غير منسوخ بآية الزكاة بل هو داخل في حق المسلم على ~~المسلم ومعناه أنه يجب على الموسر مهما وجد محتاجا أن يزيل حاجته فضلا عن ~~مال الزكاة والذي يصح في الفقه من هذا الباب أنه مهما أرهقته حاجته كانت ~~إزالتها فرض كفاية إذ لا يجوز تضييع مسلم ولكن يحتمل أن يقال ليس على ~~الموسر إلا تسليم ما يزيل الحاجة فرضا ولا يلزمه بذله بعد أن أسقط الزكاة ~~عن نفسه ويحتمل أن يقال يلزمه بذله في الحال ولا يجوز له الاقتراض أي لا ~~يجوز له تكليف الفقير قبول القرض وهذا مختلف فيه والاقتراض نزول إلى الدرجة ~~الأخيرة من درجات العوام وهي درجة القسم الثالث الذين يقتصرون على أداء ~~الواجب فلا يزيدون عليه ولا ينقصون عنه وهي أقل الرتب وقد اقتصر جميع ~~العوام عليه لبخلهم بالمال وميلهم إليه وضعف حبهم للآخرة قال الله تعالى إن ~~يسألكموها فيحفكم تبخلوا يحفكم أي يستقص عليكم فكم بين عبد اشترى منه ماله ~~ونفسه بأن له الجنة وبين عبد لا يستقصى عليه لبخله فهذا أحد معاني أمر الله ~~سبحانه عبادة ببذل الأموال # المعنى الثاني التطهير من صفة البخل فإنه من المهلكات قال صلى الله عليه ~~وسلم ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه + حديث ثلاث ~~مهلكاتالحديث تقدم + وقال تعالى ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وسيأتي ~~في ربع المهلكات وجه كونه مهلكا وكيفية التقصي منه وإنما تزول صفة البخل ~~بأن تتعود بذل المال فحب الشيء لا ينقطع إلا بقهر النفس على مفارقته حتى ~~يصير ذلك اعتيادا فالزكاة بهذا المعنى طهرة أي تطهر صاحبها عن خبث البخل ~~المهلك وإنما طهارته بقدر بذله وبقدر فرحه بإخراجه واستبشاره بصرفه إلى ~~الله تعالى # المعنى الثالث شكر النعمة فإن لله عز وجل على عبده نعمة في نفسه وفي ماله ~~فالعبادات البدنية شكر لنعمة البدن والمالية شكر لنعمة المال وما أخس من ~~ينظر إلى الفقير وقد ضيق عليه الرزق وأحوج إليه ثم لا تسمح نفسه بأن يؤدي ~~شكر الله تعالى على إغنائه عن السؤال وإحواج غيره إليه بربع العشر أو العشر ~~من ماله PageV01P214 # الوظيفة الثانية في وقت الأداء ومن آداب ذوي الدين التعجيل عن وقت الوجوب ~~إظهارا للرغبة في الامتثال بإيصال السرور إلى قلوب الفقراء ومبادرة لعوائق ~~الزمان أن تعوقه عن الخيرات وعلما بأن في التأخير آفات مع ما يتعرض العبد ~~له من العصيان لو أخر عن وقت الوجوب # ومهما ظهرت داعية الخير من الباطن فينبغي أن يغتنم فإن ذلك لمة الملك ~~وقلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن فما أسرع تقلبه والشيطان يعد الفقر ~~ويأمر بالفحشاء والمنكر وله لمة عقيب لمة الملك فليغتنم الفرصة فيه وليعين ~~لزكاتها إن كان يؤديها جميعا شهرا معلوما وليجتهد أن يكون من أفضل الأوقات ~~ليكون ذلك سببا لنماء قريته وتضاعف زكاته وذلك كشهر المحرم فإنه أول السنة ~~وهو من الأشهر الحرم أو رمضان فقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الخلق وكان ~~في رمضان كالريح المرسلة لا يمسك فيه شيئا + حديث كان رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أجود الخلق وأجود ما يكون في رمضان الحديث أخرجاه من حديث ابن ~~عباس + ولرمضان فضيلة ليلة القدر وأنه أنزل فيه القرآن # وكان مجاهد يقول لا تقولوا رمضان فإنه اسم من أسماء الله تعالى ولكن ~~قولوا شهر رمضان # وذو الحجة أيضا من الشهور الكثيرة الفضل فإنه شهر حرام وفيه الحج الأكبر ~~وفيه الأيام المعلومات وهي العشر الأول والأيام المعدودات وهي أيام التشريق ~~وأفضل أيام شهر رمضان العشر الأواخر وأفضل أيام ذي الحجة العشر الأول # الوظيفة الثالثة الإسرار فإن ذلك أبعد عن الرياء والسمعة قال صلى الله ~~عليه وسلم أفضل الصدقة جهد المقل إلى فقير في سر + حديث أفضل الصدقة جهد ~~المقل إلى فقير في سر أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث أبي ذر ولأبي ~~داود من حديث أبي هريرة أي الصدقة أفضل قال جهد المقل + وقال بعض العلماء ~~ثلاث من كنوز البر منها إخفاء الصدقة + حديث ثلاث من كنوز البر فذكر منها ~~إخفاء الصدقة أخرجه أبو نعيم في كتاب الإيجاز وجوامع الكلم من حديث ابن ~~عباس بسند ضعيف + وقد روي أيضا مسندا # وقال صلى الله عليه وسلم إن العبد ليعمل عملا في السر فيكتبه الله له سرا ~~فإن أظهره نقل من السر وكتب في العلانية فإن تحدث به نقل من السر والعلانية ~~وكتب رياء + حديث إن العبد ليعمل عملا في السر فيكتبه الله له سرا فإن ~~أظهره نقل من السر الحديث أخرج الخطيب في التاريخ من حديث أنس نحوه بإسناد ~~ضعيف + وفي الحديث المشهور سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله أحدهم رجل ~~تصدق بصدقة فلم تعلم شماله بما أعطت يمينه + حديث سبعة يظلهم الله في ظله ~~الحديث أخرجاه من حديث أبي هريرة + وفي الخبر صدقة السر تطفىء غضب الرب + ~~حديث صدقة السر تطفىء غضب الرب أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة ورواه أبو ~~الشيخ في كتاب الثواب والبيهقي في الشعب من حديث أبي سعيد كلاهما ضعيف ~~والترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة إن الصدقة لتطفىء غضب الرب ولابن حبان ~~نحوه من حديث أنس وهو ضعيف أيضا + وقال تعالى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء ~~فهو خير لكم وفائدة الإخفاء الخلاص من آفات الرياء والسمعة فقد قال صلى ~~الله عليه وسلم لا يقبل الله من مسمع ولا مراء ولا منان والمتحدث بصدقته ~~يطلب السمعة والمعطى في ملأ من الناس يبغي الرياء والإخفاء والسكوت هو ~~المخلص منه + حديث لا يقبل الله من مسمع ولا مراء ولا منان لم أظفر به هكذا ~~+ وقد بالغ في فضل الإخفاء جماعة حتى اجتهدوا أن لا يعرف القابض المعطى ~~فكان بعضهم يلقيه في يد أعمى وبعضهم يلقيه في طريق الفقير وفي موضع جلوسه ~~حيث يراه ولا يرى المعطى وبعضهم كان يصره في ثوب الفقير وهو نائم وبعضهم ~~كان يوصل إلى يد الفقير على يد غيره بحيث لا يعرف المعطي وكان يستكتم ~~المتوسط شأنه ويوصيه بأن لا يفشيه كل ذلك توصلا إلى إطفاء غضب الرب سبحانه ~~واحترازا من الرياء والسمعة # ومهما لم يتمكن إلا بأن يعرفه شخص واحد فتسليمه إلى وكيل ليسلم إلى ~~المسكين والمسكين لا يعرف أولى إذ في معرفة المسكين الرياء والمنة جميعا ~~وليس في معرفة المتوسط إلا الرياء ومهما كانت الشهرة مقصودة له PageV01P215 ~~حبط عمله لأن الزكاة إزالة للبخل وتضعيف لحب المال وحب الجاه أشد استيلاء ~~على النفس من حب المال وكل واحد منهما مهلك في الآخرة ولكن صفة البخل تنقلب ~~في القبر في حكم المثال عقربا لادغا وصفة الرياء تقلب في القبر أفعى من ~~الأفاعي وهو مأمور بتضعيفها أو قتلهما لدفع أذاهما أو تخفيف أذاهما فمهما ~~قصد الرياء والسمعة فكأنه جعل بعض أطراف العقرب مقويا للحية فبقدر ما ضعف ~~من العقرب زاد في قوة الحية ولو ترك الأمر كما كان لكان الأمر أهون عليه # وقوة هذه الصفات التي بها قوتها العمل بمقتضاها وضعفت هذه الصفات ~~بمجاهدتها ومخالفتها والعمل بخلاف مقتضاها فأي فائدة في أن يخالف دواعي ~~البخل ويجيب دواعي الرياء فيضعف الأدنى ويقوي الأقوى وستأتي أسرار هذه ~~المعاني في ربع المهلكات # الوظيفة الرابعة أن يظهر حيث يعلم أن في إظهاره ترغيبا للناس في الاقتداء ~~ويحرس سره من داعية الرياء بالطريق الذي سنذكره في معالجة الرياء في كتاب ~~الرياء فقد قال الله عز وجل إن تبدوا الصدقات فنعما هي وذلك حيث يقتضي ~~الحال الإبداء إما للاقتداء وإما لأن السائل إنما سأل على ملأ من الناس فلا ~~ينبغي أن يترك التصدق خيفة من الرياء في الإظهار بل ينبغي أن يتصدق ويحفظ ~~سره عن الرياء بقدر الإمكان وهذا لأن في الإظهار محذورا ثالثا سوى المن ~~والرياء وهو هتك ستر الفقير فإنه ربما يتأذى بأن يرى في صورة المحتاج فمن ~~أظهر السؤال فهو الذي هتك ستر نفسه فلا يحذر هذا المعنى في إظهاره وهو ~~كإظهار الفسق على من تستر به فإنه محظور والتجسس فيه والاعتياد بذكره منهي ~~عنه فأما من أظهره فإقامة الحد عليه إشاعة ولكن هو السبب فيها وبمثل هذا ~~المعنى قال صلى الله عليه وسلم من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له + حديث من ~~ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له أخرجه ابن عدي وابن حبان في الضعفاء من حديث ~~أنس بسند ضعيف + وقد قال الله تعالى وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ندب ~~إلى العلانية أيضا لما فيها من فائدة الترغيب فليكن العبد دقيق التأمل في ~~وزن هذه الفائدة بالمحذور الذي فيه فإن ذلك يختلف بالأحوال والأشخاص فقد ~~يكون الإعلان في بعض الأحوال لبعض الأشخاص أفضل ومن عرف الفوائد والغوائل ~~ولم ينظر بعين الشهوة اتضح له الأولى والأليق بكل حال # الوظيفة الخامسة أن لا يفسد صدقته بالمن والأذى قال الله تعالى لا تبطلوا ~~صدقاتكم بالمن والأذى واختلفوا في حقيقة المن والأذى فقيل المن أن يذكرها ~~والأذى أن يظهرها وقال سفيان من من فسدت صدقته فقيل له كيف المن فقال أن ~~يذكره ويتحدث به وقيل المن أن يستخدمه بالعطاء والأذى أن يعيره بالفقر وقيل ~~المن أن يتكبر عليه لأجل عطائه والأذى أن ينتهره أو يوبخه بالمسألة # وقد قال صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صدقة منان + حديث لا يقبل الله ~~صدقة منان هو كالذي قبله بحديث لم أجده + وعندي أن المن له أصل ومغرس وهو ~~من أحوال القلب وصفاته ثم يتفرع عليه أحوال ظاهرة على اللسان والجوارح ~~فأصله أن يرى نفسه محسنا إليه ومنعما عليه وحقه أن يرى الفقير محسنا إليه ~~بقبول حق الله عز وجل منه الذي هو طهرته ونجاته من النار وأنه لو يقبله ~~لبقي مرتهنا به فحقه أن يتقلد منه الفقير إذ جعل كفه نائبا عن الله عز وجل ~~في قبض حق الله عز وجل # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصدقة تقع بيد الله عز وجل قبل أن ~~تقع في يد السائل + حديث إن الصدقة تقع بيد الله قبل أن تقع في يد السائل ~~أخرجه الدار قطني في الأفراد من حديث ابن عباس وقال غريب من حديث عكرمة عنه ~~ورواه البيهقي في الشعب بسند ضعيف + فليتحقق أنه مسلم إلى الله عز وجل حقه ~~والفقير آخذ من الله تعالى رزقه بعد صيرورته إلى الله عز وجل # ولو كان عليه دين لإنسان فأحال به عبده أو خادمه الذي هو متكفل برزقه ~~PageV01P216 لكان اعتقاد مؤدى الدين كون القابض تحت منته سفها وجهلا فإن ~~المحسن إليه هو المتكفل برزقه # أما هو فإنما يقضي الذي لزمه بشراء ما أحبه فهو ساع في حق نفسه فلم يمن ~~به على غيره # ومهما عرف المعاني الثلاثة التي ذكرناها في فهم وجوب الزكاة أو أحدها لم ~~ير نفسه محسنا إلا إلى نفسه إما ببذل ماله إظهارا لحب الله تعالى أو تطهيرا ~~لنفسه عن رذيلة البخل أو شكرا على نعمة المال طلبا للمزيد # وكيفما كان فلا معاملة بينه وبين الفقير حتى يرى نفسه محسنا إليه ومهما ~~حصل هذا الجهل بأن رأى نفسه محسنا إليه تفرع منه على ظاهره ما ذكر في معنى ~~المن وهو التحدث به وإظهاره وطلب المكافأة منه بالشكر والدعاء والخدمة ~~والتوقير والتعظيم والقيام بالحقوق والتقديم في المجالس والمتابعة في ~~الأمور فهذه كلها ثمرات المنة ومعنى المنة في الباطن ما ذكرناه # وأما الأذى فظاهره التوبيخ والتعيير وتخشين الكلام وتقطيب الوجه وهتك ~~الستر بالإظهار وفنون الاستخفاف وباطنه وهو منبعه أمران أحدهما كراهيته ~~لرفع اليد عن المال وشدة ذلك على نفسه فإن ذلك يضيق الخلق لا محالة # والثاني رؤيته أنه خير من الفقير وأن الفقير لسبب حاجته أخس منه وكلاهما ~~منشؤه الجهل # أما كراهية تسليم المال فهو حمق لأن من كره بذل درهم في مقابلة ما يساوي ~~ألفا فهو شديد الحمق # ومعلوم أنه يبذل المال لطلب رضا الله عز وجل والثواب في الدار الآخرة ~~وذلك أشرف مما بذله أو يبذله لتطهير نفسه عن رذيلة البخل أو شكرا لطلب ~~المزيد وكيفما فرض فالكراهة لا وجه لها # وأما الثاني فهو أيضا جهل لأنه لو عرف فضل الفقر على الغنى وعرف خطر ~~الأغنياء لما استحقر الفقير بل تبرك به وتمنى درجته فصلحاء الأغنياء يدخلون ~~الجنة بعد الفقراء بخمسمائة عام ولذلك قال صلى الله عليه وسلم هم الأخسرون ~~ورب الكعبة فقال أبو ذر من هم قال هم الأكثرون أموالا الحديث ثم كيف يستحقر ~~الفقير وقد جعله الله تعالى متجرة له إذ يكتسب المال بجهدك ويستكثر منه ~~ويجتهد في حفظه بمقدار الحاجة وقد ألزم أن يسلم إلى الفقير قدر حاجته ويكف ~~عنه الفاضل الذي يضره لو سلم إليه فالغني مستخدم للسعي في رزق الفقير ~~ويتميز عليه بتقليد المظالم والتزام المشاق وحراسة الفضلات إلى أن يموت ~~فيأكله أعداؤه فإن مهما انتقلت الكراهية وتبدلت بالسرور والفرح بتوفيق الله ~~تعالى له أداء الواجب وتفضيله الفقير حتى يخلصه عن عهدته بقبوله منه انتفى ~~الأذى والتوبيخ وتقطيب الوجه وتبدل بالاستبشار والثناء وقبول المنة فهذا ~~منشأ المن والأذى # فإن قلت فرؤيته نفسه في درجة المحسن أمر غامض فهل من علامة يمتحن بها ~~قلبه فيعرف بها أنه لم ير نفسه محسنا فاعلم أن له علامة دقيقة واضحة وهو أن ~~يقدر أن الفقير لو جنى عليه جناية أو مالا عدوا له عليه مثلا هل كان يزيد ~~في استنكاره واستبعاده له على استنكاره قبل التصدق فإن زاد لم تخل صدقته عن ~~شائبة المنة لأنه توقع بسببه ما لم يكن يتوقع قبل ذلك # فإن قلت فهذا أمر غامض ولا ينفك قلب أحد عنه فما دواؤه فاعلم أن له دواء ~~باطنا ودواء ظاهرا أما الباطن فالمعرفة بالحقائق التي ذكرناها في فهم ~~الوجوب وأن الفقير هو المحسن إليه في تطهيره بالقبول # وأما الظاهر فالأعمال التي يتعاطاها متقلد المنة فإن الأفعال التي تصدر ~~عن الأخلاق تصبغ القلب بالأخلاق كما سيأتي أسراره في الشطر الأخير من ~~الكتاب ولهذا كان بعضهم يضع الصدقة بين يدي الفقير ويتمثل قائما بين يديه ~~حتى يسأله قبولها حتى يكون هو في صورة السائلين وهو يستشعر مع ذلك كراهية ~~لو رده وكان بعضهم يبسط كفه ليأخذ الفقير من كفه وتكون يد الفقير هي العليا # وكانت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما إذا أرسلتا معروفا إلى فقير قالتا ~~للرسول احفظ ما يدعو به ثم كانتا تردان عليه مثل قوله وتقولان هذا بذاك حتى ~~تخلص لنا صدقتنا فكانوا لا يتوقعون الدعاء لأنه شبه المكافأة وكانوا ~~يقابلون الدعاء PageV01P217 بمثله وهكذا فعل عمر بن الخطاب وابنه عبد الله ~~رضي الله عنهما وهكذا كان أرباب القلوب يداوون قلوبهم ولا دواء من حيث ~~الظاهر إلا هذه الأعمال الدالة على التذلل والتواضع وقبول المنة ومن حيث ~~الباطن المعارف التي ذكرناها هذا من حيث العمل وذلك من حيث العلم # ولا يعالج القلب إلا بمعجون العلم والعمل وهذه الشريطة من الزكوات تجري ~~مجرى الخشوع من الصلاة وثبت ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ليس للمرء من ~~صلاته إلا ما عقل منها + حديث ليس للمؤمن من صلاته إلا ما عقل منها تقدم في ~~الصلاة + وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم لا يتقبل الله صدقة منان وكقوله عز ~~وجل لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى وأما فتوى الفقيه بوقوعها موقعها ~~وبراءة ذمته عنها دون هذا الشرط فحديث آخر وقد أشرنا إلى معناه في كتاب ~~الصلاة # الوظيفة السادسة أن يستصغر العطية فإنه إن استعظمها أعجب بها والعجب من ~~المهلكات وهو محبط للأعمال قال تعالى ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن ~~عنكم شيئا ويقال إن الطاعة كلما استصغرت عظمت عند الله عز وجل # والمعصية كلما استعظمت صغرت عند الله عز وجل # وقيل لا يتم المعروف إلا بثلاثة أمور تصغيره وتعجيله وستره وليس ~~الاستعظام هو المن والأذى فإنه لو صرف ماله إلى عمارة مسجد أو رباط أمكن ~~فيه الاستعظام ولا يمكن فيه المن والأذى بل العجب والاستعظام يجري في جميع ~~العبادات ودواؤه علم وعمل # امام العلم فهو أن يعلم أن العشر أو ربع العشر قليل من كثير وأنه قد قنع ~~لنفسه بأخس درجات البذل كما ذكرنا في فهم الوجوب فهو جدير بأن يستحيي منه ~~فكيف يستعظمه وإن ارتقى إلى الدرجة العليا فبذل كل ماله أو أكثره فليتأمل ~~أنه من أين له المال وإلى ماذا يصرفه فالمال لله عز وجل وله المنة عليه إذ ~~أعطاه ووفقه لبذله فلم يستعظم في حق الله تعالى ما هو عين حق الله سبحانه ~~وإن كان مقامه يقتضي أن ينظر إلى الآخرة وأنه يبذله للثواب فلم يستعظم بذل ~~ما ينتظر عليه أضعافه # وأما العمل فهو أن يعطيه عطاء الخجل من بخل بإمساك بقية ماله عن الله عز ~~وجل فتكون هيئته الانكسار والحياء كهيئة من يطالب برد وديعة فيمسك بعضها ~~ويرد البعض لأن المال كله لله عز وجل وبذل جميعه هو الأحب عند الله سبحانه ~~وإنما لم يأمر به عبده لأنه يشق عليه بسبب بخله كما قال الله عز وجل فيحفكم ~~تبخلوا # الوظيفة السابعة أن ينتقي من ماله أجوده وأحبه إليه وأجله وأطيبه فإن ~~الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإذا كان المخرج من شبهة فربما لا يكون ~~ملكا له مطلقا فلا يقع الموقع # وفي حديث أبان عن أنس بن مالك طوبى لعبد أنفق من مال اكتسبه من غير معصية ~~+ حديث أنس طوبى لعبد أنفق من مال اكتسبه من غير معصية أخرجه ابن عدي ~~والبزار + وإذا لم يكن المخرج من جيد المال فهو من سوء الأدب إذ قد يمسك ~~الجيد لنفسه أو لعبده أو لأهله فيكون قد آثر على الله عز وجل غيره ولو فعل ~~هذا بضيفه وقدم إليه أردأ طعام في بيته لأوغر بذلك صدره هذا إن كان نظره ~~إلى الله عز وجل وإن كان نظره إلى نفسه وثوابه في الآخرة فليس بعاقل من ~~يؤثر غيره على نفسه وليس له من ماله إلا ما تصدق به فأبقى أو أكل فأفنى ~~والذي يأكله قضاء وطر في الحال فليس من العقل قصر النظر على العاجلة وترك ~~الادخار وقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ~~ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا ~~أن تغمضوا فيه أي لا تأخذوه إلا مع كراهية وحياء وهو معنى الإغماض فلا ~~تؤثروا به ربكم # وفي الخبر سبق درهم مائة ألف درهم + حديث سبق درهم مائة ألف أخرجه ~~النسائي وابن حبان وصححه من حديث أبي هريرة + PageV01P218 وذلك بأن يخرجه ~~الإنسان وهو من أحل ماله وأجوده فيصدر ذلك عن الرضا والفرح بالبذل وقد يخرج ~~مائة ألف درهم مما يكره من ماله فيدل ذلك على أنه ليس يؤثر الله عز وجل ~~بشيء مما يحبه # وبذلك ذم الله تعالى قوما جعلوا لله ما يكرهون فقال تعالى ويجعلون لله ما ~~يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا وقف بعض القراء على النفي ~~تكذيبا لهم ثم ابتدأ وقال جرم أن لهم النار أي كسب لهم جعلهم لله ما يكرهون ~~النار # الوظيفة الثامنة أن يطلب لصدقته من تزكو به الصدقة ولا يكتفي بأن يكون من ~~عموم الأصناف الثمانية فإن في عمومهم خصوص صفات فليراع خصوص تلك الصفات وهي ~~ستة # الأولى أن يطلب الأتقياء المعرضين عن الدينا المتجردين لتجارة الآخرة قال ~~صلى الله عليه وسلم لا تأكل إلا طعام تقي ولا يأكل طعامك إلا تقي + حديث لا ~~تأكل إلا طعام تقي ولا يأكل طعاعته إلا تقي أخرجه أبو داود والترمذي من ~~حديث أبي سعيد بلفظ لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي + وهذا لأن ~~التقي يستعين به على التقوى فتكون شريكا في طاعته بإعانتك إياه وقال صلى ~~الله عليه وسلم أطعموا طعامكم الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين + حديث ~~أطعموا طعامكم الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين أخرجه ابن المبارك في البر ~~والصلة من حديث أبي سعيد الخدري قال ابن طاهر غريب فيه مجهول + وفي لفظ آخر ~~أضف بطعامك من تحبه في الله تعالى + حديث أضف بطعامك من يحبه الله أخرجه ~~ابن المبارك أنبأنا جويبر عن الضحاك مرسلا + وكان بعض العلماء يؤثر بالطعام ~~فقراء الصوفية دون غيرهم فقيل له لو عممت بمعروفك جميع الفقراء لكان أفضل ~~فقال لا هؤلاء قوم همهم لله سبحانه فإذا طرقتهما فاقة تشتت هم أحدهم فلأن ~~أرد همة واحد إلى الله عز وجل أحب إلي من أن أعطى ألفا ممن همته الدنيا ~~فذكر هذا الكلام للجنيد فاستحسنه وقال هذا ولي من أولياء الله تعالى وقال ~~ما سمعت منذ زمان كلاما أحسن من هذا ثم حكى أن هذا الرجل اختل حاله وهم ~~بترك الحانوت فبعث إليه الجنيد مالا وقال اجعله بضاعتك ولا تترك الحانوت ~~فإن التجارة لا تضر مثلك وكان هذا الرجل بقالا لا يأخذ من الفقراء ثمن ما ~~يبتاعون منه # الصفة الثانية أن يكون من أهل العلم خاصة فإن ذلك إعانة له على العلم ~~والعلم أشرف العبادات مهما صحت فيه النية # وكان ابن المبارك يخصص بمعروفه أهل العلم فقيل له لو عممت فقال إني لا ~~أعرف بعد مقام النبوة أفضل من مقام العلماء فإذا اشتغل قلب أحدهم بحاجته لم ~~يتفرغ للعلم ولم يقبل على التعلم فتفريغهم للعلم أفضل # الصفة الثالثة أن يكون صادقا في تقواه وعلمه بالتوحيد # وتوحيده أنه إذا أخذ العطاء حمد الله عز وجل وشكره ورأى أن النعمة منه ~~ولم ينظر إلى واسطة فهذا هو أشكر العباد لله سبحانه وهو أن يرى أن النعمة ~~كلها منه # وفي وصية لقمان لابنه لا تجعل بينك وبين الله منعما واعدد نعمة غيره عليك ~~مغرما # ومن شكر غير الله سبحانه فكأنه لم يعرف المنعم ولم يتيقن أن الواسطة ~~مقهور مسخر بتسخير الله عز وجل إذ سلط الله تعالى عليه دواعي الفعل ويسر له ~~الأسباب فأعطى وهو مقهور ولو أراد تركه لم يقدر عليه بعد أن ألقى الله عز ~~وجل في قلبه أن صلاح دينه ودنياه في فعله # فمهما قوي الباعث أوجب ذلك جزم الإرادة وانتهاض القدرة ولم يستطع العبد ~~مخالفة الباعث القوي الذي لا تردد فيه والله عز وجل خالق للبواعث ومهيجها ~~ومزيل للضعف والتردد عنها ومسخر القدرة للانتهاض بمقتضى البواعث فمن تيقن ~~هذا لم يكن له نظر إلا إلى مسبب الأسباب وتيقن مثل هذا العبد أنفع للمعطى ~~من ثناء غيره وشكره فذلك حركة لسان يقل في الأكثر جدواه وإعانة مثل هذا ~~العبد الموحد لا تضيع وأما الذي يمدح بالعطاء ويدعو بالخير فسيذم بالمنع ~~ويدعو بالشر عند الإيذاء وأحواله متفاوتة # وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم بعث معروفا إلى بعض الفقراء وقال للرسول ~~احفظ ما يقول فلما أخذ قال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يضيع من ~~شكره ثم قال اللهم إنك لم تنس فلانا يعني نفسه فاجعل فلانا لا ينساك يعني ~~بفلان نفسه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك PageV01P219 فسر وقال ~~صلى الله عليه وسلم علمت أنه يقول ذلك + حديث بعث معروفا إلى بعض الفقراء ~~وقال للرسول احفظ ما يقول فلما أخذه قال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ~~الحديث لم أجد له أصلا إلا في حديث ضعيف من حديث ابن عمر وروى ابن منده في ~~الصحابة أوله ولم يسق هذه القطعة التي أوردها المصنف وسمى الرجل حديرا فقد ~~رويا من طريق البيهقي أنه وصل لحدير من أبي الدرداء شيء فقال اللهم إنك لم ~~تنس حديرا فاجعل حديرا لا ينساك وقيل إن هذا آخر لا صحبة له يكنى أبا جريرة ~~وقد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين + فانظر كيف قصر التفاته على الله وحده ~~وقال صلى الله عليه وسلم لرجل تب فقال أتوب إلى الله وحده ولا أتوب إلى ~~محمد فقال صلى الله عليه وسلم عرف الحق لأهله + حديث قال لرجل تب فقال أتوب ~~إلى الله ولا اتوب إلى محمد الحديث أخرجه أحمد والطبراني من حديث الأسود ~~ابن سريع بسند ضعيف + ولما نزلت براءة عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك ~~قال أبو بكر رضي الله عنه قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فقالت والله لا أفعل ولا أحمد إلا الله فقال صلى الله عليه وسلم دعها يا ~~أبا بكر + حديث لما نزلت براءة عائشة قال أبو بكر قومي فقبلي رأس رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم الحديث أخرجه أبو داود من حديث عائشة بلفظ فقال أبواي ~~قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أحمد الله لا إياكما ~~وللبخاري تعليقا فقال أبواي قومي إليه فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا ~~أحمدكما ولكن أحمد الله وله ولمسلم فقالت لي أمي قومي إليه فقلت لا والله ~~لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله وللطبراني فقالت بحمد الله لا بحمد صاحبك ~~وله من حديث ابن عباس فقالت لا بحمدك ولا بحمد صاحبك وله من حديث ابن عمر ~~فقال أبو بكر قومي فاحتضني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا والله لا ~~أدنو منه الحديث وفيه أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم بحمد الله لا ~~بحمدك + وفي لفظ آخر أنها رضي الله عنها قالت لأبي بكر رضي الله عنه بحمد ~~الله لا بحمدك ولا بحمد صاحبك فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ~~ذلك مع أن الوحي وصل إليها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم # ورؤية الأشياء من غير الله سبحانه وصف الكافرين قال الله تعالى @QB@ وإذا ~~ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه ~~إذا هم يستبشرون @QE@ ومن لم يصف باطنه عن رؤية الوسائط إلا من حيث إنهم ~~وسائط فكأنه لم ينفك عن الشرك الخفي سره # فليتق الله سبحانه في تصفية توحيده عن كدورات الشرك وشوائبه # الصفة الرابعة أن يكون مستترا مخفيا حاجته لا يكثر البث والشكوى أو يكون ~~من أهل المروءة ممن ذهبت نعمته وبقيت عادته فهو يتعيش في جلباب التجمل قال ~~الله تعالى @QB@ يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون ~~الناس إلحافا @QE@ أي لا يلحون في السؤال لأنهم أغنياء بيقينهم أعزة بصبرهم ~~وهذا ينبغي أن يطلب بالتفحص عن أهل الدين في كل محلة ويستكشف عن بواطن أحول ~~أهل الخير والتجمل فثواب صرف المعروف إليهم أضعاف ما يصرف إلى المجاهرين ~~بالسؤال # الصفة الخامسة أن يكون معيلا أو محبوسا بمرض أو بسبب من الأسباب فيوجد ~~فيه معنى قوله عز وجل @QB@ للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله @QE@ أي ~~حبسوا في طريق الآخرة بعيلة أو ضيق معيشة أو إصلاح قلب @QB@ لا يستطيعون ~~ضربا في الأرض @QE@ لأنهم مقصوصوا الجناح مقيدوا الأطراف # فبهذه الأسباب كان عمر رضي الله عنه يعطي أهل البيت القطيع من الغنم ~~العشرة فما فوقها وكان صلى الله عليه وسلم يعطي العطاء على مقدار العيلة + ~~حديث كان يعطي العطاء على مقدار العيلة لم أر له أصلا ولأبي داود من حديث ~~عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه الفيء قسمه في ~~يومه وأعطى الآهل حظين وأعطى العزب حظا + وسأل عمر رضي الله عنه عن جهد ~~البلاء فقال كثرة العيال وقلة المال # الصفة السادسة أن يكون من الأقارب وذوي الأرحام فتكون صدقة وصلة رحم وفي ~~صلة الرحم من الثواب ما لا يحصى قال علي رضي الله عنه لأن أصل أخا من ~~إخواني بدرهم أحب إلي من أن أتصدق بعشرين درهما ولأن أصله بعشرين درهما أحب ~~إلي من أن أتصدق بمائة درهم ولأن أصله بمائة درهم أحب إلي من أن أعتق رقبة # والأصدقاء وإخوان الخير أيضا PageV01P220 يقدمون على المعارف كما يتقدم ~~الأقارب على الأجانب فليراع هذه الدقائق فهذه هي الصفات المطلوبة وفي كل ~~صفة درجات فينبغي أن يطلب أعلاها فإن وجد من جمع جملة من هذه الصفات فهي ~~الذخيرة الكبرى والغنيمة العظمى # ومهما اجتهد في ذلك وأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد فإن أحد أجريه ~~في الحال تطهيره نفسه عن صفة البخل وتأكيد حب الله عز وجل في قلبه واجتهاده ~~في طاعته وهذه الصفات هي التي تقوى في قلبه فتشوقه إلى لقاء الله عز وجل ~~والأجر الثاني ما يعود إليه من فائدة دعوة الآخذ وهمته فإن قلوب الأبرار ~~لها آثار في الحال والمآل فإن أصاب حصل الأجران وإن أخطأ حصل الأول دون ~~الثاني فبهذا يضاعف أجر المصيب في الاجتهاد ههنا وفي سائر المواضع والله ~~أعلم $ الفصل الثالث في القابض وأسباب استحقاقه ووظائف قبضه بيان أسباب ~~الاستحقاق # اعلم أنه لا يستحق الزكاة إلا حر مسلم ليس بهاشمي ولا مطلبي اتصف بصفة من ~~صفات الأصناف الثمانية المذكورين في كتاب الله عز وجل # ولا تصرف زكاة إلى كافر ولا إلى عبد ولا إلى هاشمي ولا إلى مطلبي # أما الصبي والمجنون فيجوز الصرف إليهما إذا قبض وليهما فلنذكر صفات ~~الأصناف الثمانية # الصنف الأول الفقراء والفقير هو الذي ليس له مال ولا قدرة له على الكسب ~~فإن كان معه قوت يومه وكسوة حاله فليس بفقير ولكنه مسكين وإن كان معه نصف ~~قوت يومه فهو فقير وإن كان معه قميص وليس معه منديل ولا خف ولا سراويل ولم ~~تكن قيمة القميص بحيث تفي بجميع ذلك كما يليق بالفقراء فهو فقير لأنه في ~~الحال قد عدم ما هو محتاج إليه وما هو عاجز عنه فلا ينبغي أن يشترط في ~~الفقير أن لا يكون له كسوة سوى ساتر العورة فإن هذا غلو والغالب أنه لا ~~يوجد مثله ولا يخرجه عن الفقر كونه معتادا للسؤال فلا يجعل السؤال كسبا ~~بخلاف ما لو قدر على كسب فإن ذلك يخرجه عن الفقر فإن قدر على الكسب بآلة ~~فهو فقير ويجوز أن يشتري له آلة وإن قدر على كسب لا يليق بمروءة وبحال مثله ~~فهو فقير وإن كان متفقها ويمنعه الاشتغال بالكسب عن التفقه فهو فقير ولا ~~تعتبر قدرته وإن كان متعبدا يمنعه الكسب من وظائف العبادات وأوراد الأوقات ~~فليكتسب لأن الكسب أولى من ذلك قال صلى الله عليه وسلم طلب الحلال فريضة ~~بعد الفريضة + حديث طلب الحلال فريضة بعد الفريضة أخرجه الطبراني والبيهقي ~~في شعب الإيمان من حديث ابن مسعود بسند ضعيف + وأراد به السعي في الاكتساب ~~وقال عمر رضي الله عنه كسب في شبهة خير من مسألة وإن كان مكتفيا بنفقة أبيه ~~أو من تجب عليه نفقته فهذا أهون من الكسب فليس بفقير # الصنف الثاني المساكين والمسكين هو الذي لا يفي دخله بخرجه فقد يملك ألف ~~درهم وهو مسكين وقد لا يملك إلا فأسا وحبلا وهو غني والدويرة التي يسكنها ~~والثوب الذي يستره على قدر حاله لا يسلبه اسم المسكين وكذا أثاث البيت أعني ~~ما يحتاج إليه وذلك ما يليق به وكذا كتب الفقه لا تخرجه عن المسكنة وإذا لم ~~يملك إلا الكتب فلا تلزمه صدقة الفطر # وحكم الكتاب حكم الثوب وأثاث البيت فإنه محتاج إليه ولكن ينبغي أن يحتاط ~~في قطع الحاجة بالكتاب فالكتاب محتاج إليه لثلاثة أغراض التعليم والاستفادة ~~والتفرج بالمطالعة # أما حاجة التفرج فلا تعتبر كاقتناء كتب الأشعار وتواريخ الأخبار وأمثال ~~ذلك مما لا ينفع في الآخرة ولا يجري في الدنيا إلا مجرى التفرج والاستئناس ~~فهذا يباع في الكفارة وزكاة الفطر وتمنع اسم المسكنة # وأما حاجة التعليم إن كان لأجل الكسب كالمؤدب والمعلم والمدرس بأجره فهذه ~~آلته فلا تباع في الفطرة كأدوات الخياط وسائر المحترفين وإن كان يدرس ~~للقيام بفرض PageV01P221 الكفاية فلا تباع ولا يسلبه ذلك اسم المسكين لأنها ~~حاجة مهمة # وأما حاجة الاستفادة والتعلم من الكتاب كادخاره كتب طب ليعالج بها نفسه ~~أو كتاب وعظ ليطالع فيه ويتعظ به فإن كان في البلد طبيب وواعظ فهذا مستغنى ~~عنه وإن لم يكن فهو محتاج إليه ثم ربما لا يحتاج إلى مطالعة الكتاب إلا بعد ~~مدة فينبغي أن يضبط مدة الحاجة والأقرب أن يقال ما لا يحتاج إليه في السنة ~~فهو مستغنى عنه فإن من فضل من قوت يومه شيء لزمته الفطرة فإذا قدرنا القوت ~~باليوم فحاجة أثاث البيت وثياب البدن ينبغي أن تقدر بالسنة فلا تباع ثياب ~~الصيف في الشتاء والكتب بالثياب والأثاث أشبه وقد يكون له من كتاب نسختان ~~فلا حاجة إلى إحداهما # فإن قال إحداهما أصح والأخرى أحسن فأنا محتاج إليهما قلنا اكتف بالأصح ~~وبع الأحسن ودع التفرج والترفه وإن كان نسختان من علم واحد إحداهما بسيطة ~~والأخرى وجيزة فإن كان مقصوده الاستفادة فليكتف بالبسيطة وإن كان قصده ~~التدريس فيحتاج إليهما إذ في كل واحدة فائدة ليست في الأخرى # وأمثال هذه الصور لا تنحصر ولم يتعرض له في فن الفقه وإنما أوردناه لعموم ~~البلوى والتنبيه بحسن هذا النظر على غيره فإن استقصاء هذه الصور غير ممكن ~~إذ يتعدى مثل هذا النظر في أثاث البيت في مقدارها وعددها ونوعها وفي ثياب ~~البدن وفي الدار وسعتها وضيقها وليس لهذه الأمور حدود محدودة ولكن الفقيه ~~يجتهد فيها برأيه ويقرب في التحديدات بما يراه ويقتحم فيه خطر الشبهات # والمتورع يأخذ فيه بالأحوط ويدع ما يريبه إلى ما لا يريبه والدرجات ~~المتوسطة المشكلة بين الأطراف المتقابلة الجلية كثيرة ولا ينجي منها إلا ~~الاحتياط والله أعلم # الصنف الثالث العاملون وهم السعاة الذين يجمعون الزكوات سوى الخليفة ~~والقاضي ويدخل فيه العريف والكاتب والمستوفي والحافظ والنقال ولا يزاد واحد ~~منهم على أجرة المثل فإن فضل شيء من الثمن عن أجر مثلهم رد على بقية ~~الأصناف وإن نقص كمل من مال المصالح # الصنف الرابع المؤلفة قلوبهم على الإسلام وهم الأشراف الذين أسلموا وهم ~~مطاعون في قومهم وفي إعطائهم تقريرهم على الإسلام وترغيب نظائرهم وأتباعهم # الصنف الخامس المكاتبون فيدفع إلى السيد سهم المكاتب وإن دفع إلى المكاتب ~~جاز ولا يدفع السيد زكاته إلى مكاتب نفسه لأنه يعد عبدا له # الصنف السادس الغارمون والغارم هو الذي استقرض في طاعة أو مباح وهو فقير ~~فإن استقرض في معصية فلا يعطى إلا إذا تاب وإن كان غنيا لم يقض دينه إلا ~~إذا كان قد استقرض لمصلحة أو إطفاء فتنة # الصنف السابع الغزاة الذين ليس لهم مرسوم في ديوان المرتزقة فيصرف إليهم ~~سهم وإن كانوا أغنياء إعانة لهم على الغزو # الصنف الثامن ابن السبيل وهو الذي شخص من بلده ليسافر في غير معصية أو ~~اجتاز بها فيعطى إن كان فقيرا وإن كان له مال ببلد آخر أعطى بقدر بلغته # فإن قلت فبم تعرف هذه الصفات قلنا أما الفقر والمسكنة فبقول الآخذ ولا ~~يطالب ببينة ولا يحلف بل يجوز اعتماد قوله إذا لم يعلم كذبه # وأما الغزو والسفر فهو أمر مستقبل فيعطى بقوله إني غاز فإن لم يف به ~~استرد وأما بقية الأصناف فلا بد فيها من البينة فهذه شروط الاستحقاق وأما ~~مقدار ما يصرف إلى كل واحد فسيأتي # | بيان وظائف القابض وهي خمسة # الأولى أن يعلم أن الله عز وجل أوجب صرف الزكاة إليه ليكفي همه ويجعل ~~همومه هما واحدا فقد تعبد الله عز وجل الخلق بأن يكون همهم واحدا وهو الله ~~سبحانه واليوم الآخر وهو المعني بقوله تعالى @QB@ وما خلقت الجن والإنس إلا ~~ليعبدون @QE@ ولكن لما اقتضت الحكمة أن يسلط على العبد الشهوات والحاجات ~~وهي تفرق همه PageV01P222 اقتضى الكرم إفاضة نعمة تكفي الحاجات فأكثر ~~الأموال وصبها في أيدي عباده لتكون آلة لهم في دفع حاجاتهم ووسيلة لتفرغهم ~~لطاعاتهم فمنهم من أكثر ماله فتنة وبلية فأقحمه في الخطر ومنهم من أحبه ~~فحماه عن الدنيا كما يحمى المشفق مريضه فزوى عنه فضولها وساق إليه قدر ~~حاجته على يد الأغنياء ليكون سهل الكسب والتعب في الجمع والحفظ عليهم ~~وفائدته تنصب إلى الفقراء فيتجردون لعبادة الله والاستعداد لما بعد الموت ~~فلا تصرفهم عنها فضول الدنيا ولا تشغلهم عن التأهب الفاقة وهذا منتهى ~~النعمة فحق الفقير أن يعرف قدر نعمة الفقر ويتحقق أن فضل الله عليه فيما ~~زواه عنه أكثر من فضله فيما أعطاه كما سيأتي في كتاب الفقر تحقيقه وبيانه ~~إن شاء الله تعالى فليأخذ ما يأخذه من الله سبحانه رزقا له وعونا له على ~~الطاعة ولتكن نيته فيه أن يتقوى به على طاعة الله فإن لم يقدر عليه فليصرفه ~~إلى ما أباحه الله عز وجل فإن استعان به على معصية الله كان كافرا لأنعم ~~الله عز وجل مستحقا للبعد والمقت من الله سبحانه # الثانية أن يشكر المعطى ويدعو له ويثني عليه ويكون شكره ودعاؤه بحيث لا ~~يخرجه عن كونه واسطة ولكنه طريق وصول نعمة الله سبحانه إليه وللطريق حق من ~~حيث جعله الله طريقا وواسطة وذلك لا ينافي رؤية النعمة من الله سبحانه فقد ~~قال صلى الله عليه وسلم من لم يشكر الناس لم يشكر الله + حديث من لم يشكر ~~الناس لم يشكر الله أخرجه الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد وله ولأبي داود ~~وابن حبان نحوه من حديث أبي هريرة وقال حسن صحيح + وقد أثنى الله عز وجل ~~على عباده في مواضع على أعمالهم وهو خالقها وفاطر القدرة عليها نحو قوله ~~تعالى @QB@ نعم العبد إنه أواب @QE@ إلى غير ذلك # وليقل القابض في دعائه طهر الله قلبك في قلوب الأبرار وزكى عملك في عمل ~~الأخيار وصلى على روحك في أرواح الشهداء وقد قال صلى الله عليه وسلم من ~~أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تستطيعوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد ~~كافأتموه + حديث من أسدى إليكم معروفا فكافئوه الحديث أخرجه أبو داود ~~والنسائي من حديث ابن عمر بإسناد صحيح بلفظ من صنع + ومن تمام الشكر أن ~~يستر عيوب العطاء إن كان فيه عيب ولا يحقره ولا يذمه ولا يعيره بالمنع إذا ~~منع ويفخم عند نفسه وعند الناس صنيعه # فوظيفة المعطى الاستصغار ووظيفة القابض تقلد المنة والاستعظام وعلى كل ~~عبد القيام بحقه وذلك لا تناقض فيه إذ موجبات التصغير والتعظيم تتعارض # والنافع للمعطي ملاحظة أسباب التصغير ويضره خلافه والآخذ بالعكس منه وكل ~~ذلك لا يناقض رؤية النعمة من الله عز وجل فإن من لا يرى الواسطة واسطة فقد ~~جهل وإنما المنكر أن يرى الواسطة أصلا # الثالثة أن ينظر فيما يأخذه فإن لم يكن من حل تورع عنه @QB@ ومن يتق الله ~~يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب @QE@ ولن يعدم المتورع عن الحرام ~~فتوحا من الحلال فلا يأخذ من أموال الأتراك والجنود وعمال السلاطين ومن ~~أكثر كسبه من الحرام إلا إذا ضاق الأمر عليه وكان ما يسلم إليه لا يعرف له ~~مالكا معينا فله أن يأخذ بقدر الحاجة فإن فتوى الشرع في مثل هذا أن يتصدق ~~به على ما سيأتي بيانه في كتاب الحلال والحرام وذلك إذا عجز عن الحلال فإذا ~~أخذ لم يكن أخذه أخذ زكاة إذ لا يقع زكاة عن مؤديه وهو حرام # الرابعة أن يتوقى مواقع الريبة والاشتباه في مقدار ما يأخذه فلا يأخذ إلا ~~المقدار المباح ولا يأخذ إلا إذا تحقق أنه موصوف بصفة الاستحققا فإن كان ~~يأخذه بالكتابة والغرامة فلا يزيد على مقدار الدين وأن كان يأخذ بالعمل فلا ~~يزيد على أجرة المثل وإن أعطى زيادة أبى وامتنع إذ ليس المال للمعطي حتى ~~يتبرع به وإن كان مسافرا لم يزد على الزاد وكراء الدابة إلى مقصده وإن كان ~~غازيا لم يأخذ إلا ما يحتاج إليه للغزو خاصة من خيل وسلاح ونفقة # وتقدير ذلك بالاجتهاد وليس له حد وكذا زاد السفر والورع ترك ما يريبه إلى ~~ما لا يريبه # وإن أخذ بالمسكنة فلينظر أولاالى أثاث بيته وثيابه PageV01P223 وكتبه هل ~~فيها ما يستغنى عنه بعينه أو يستغنى عن نفاسته فيمكن أن يبدل بما يكفي ~~ويفضل بعض قيمته وكل ذلك إلى اجتهاده وفيه طرف ظاهر يتحقق معه أنه مستحق ~~وطرف آخر مقابل يتحقق معه أنه غير مستحق وبينهما أوساط مشتبهة ومن حام حول ~~الحمى يوشك أن يقع فيه والاعتماد في هذا على قول الآخذ ظاهرا وللمحتاج في ~~تقدير الحاجات مقامات في التضييق والتوسيع ولا تحصر مراتبه وميل الورع إلى ~~التضييق وميل المتساهل إلى التوسيع حتى يرى نفسه محتاجا إلى فنون من التوسع ~~وهو ممقوت في الشرع # ثم إذا تحققت حاجته فلا يأخذن مالا كثيرا بل ما يتمم كفايته من وقت أخذه ~~إلى سنة # فهذا أقصى ما يرخص فيه من حيث أن السنة إذا تكررت تكررت أسباب الدخل ومن ~~حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخر لعياله قوت سنة + حديث ادخر ~~لعياله قوت سنة أخرجاه من حديث عمر كان يعزل نفقة أهله سنة وللطبراني في ~~الأوسط من حديث أنس كان إذا ادخر لأهله قوت سنة تصدق بما بقي قال الذهبي ~~حديث منكر + فهذا أقرب ما يحد به حد الفقير والمسكين ولو اقتصر على حاجة ~~شهره أو حاجة يومه فهو أقرب للتقوى # ومذاهب العلماء في قدر المأخوذ بحكم الزكاة والصدقة مختلفة فمن مبالغ في ~~التقليل إلى حد أوجب الاقتصار على قدر قوت يومه وليلته وتمسكوا بما روى سهل ~~بن الحنظلية أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن السؤال مع الغنى فسئل عن غناه ~~فقال صلى الله عليه وسلم غداؤه وعشاؤه + حديث سهل بن الحنظلية في النهي عن ~~السؤال مع الغنى فيسأل ما يغنيه فقال غداؤه وعشاؤه أخرجه أبو داود وابن ~~حبان بلفظ من سأل وله ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم الحديث + وقال ~~آخرون يأخذ إلى حد الغنى # حد الغنى نصاب الزكاة إذ لم يوجب الله تعالى الزكاة إلا على الأغنياء ~~فقالوا له أن يأخذ بنفسه ولكل واحد من عياله نصاب زكاة وقال آخرون حد الغنى ~~خمسون درهما أو قيمتها من الذهب لما روى ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم ~~قال من سأل وله مال يغنيه جاء يوم القيامة وفي وجهه خموش فسئل وما غناه قال ~~خمسون درهما أو قيمتها من الذهب + حديث ابن مسعود من سأل وله ما يغنيه جاء ~~يوم القيامة وفي وجهه خموش الحديث أخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وضعفه ~~النسائي والخطابي + وقيل راويه ليس بقوي وقال قوم أربعون لما رواه عطاء بن ~~يسار منقطعا أنه صلى الله عليه وسلم قال من سأل وله أوقية فقد ألحف في ~~السؤال + حديث عطاء بن يسار منقطعا من سأل وله أوقية فقد ألحف في السؤال ~~أخرجه أبو داود والنسائي من رواية عطاء عن رجل من بني أسد متصلا وليس ~~بمنقطع كما ذكر المصنف لأن الرجل صحابي فلا يضر عدم تسميته وأخرجه أبو داود ~~والنسائي وابن حبان من حديث أبي سعيد + وبالغ آخرون في التوسيع فقالوا له ~~أن يأخذ مقدار ما يشتري به ضيعة فيستغني به طول عمره أو يهيىء بضاعة ليتجر ~~بها ويستغني بها طول عمره لأن هذا هو الغنى وقد قال عمر رضي الله عنه إذا ~~أعطيتم فأغنوا حتى ذهب قوم إلى أن من افتقر فله أن يأخذ بقدر ما يعود به ~~إلى مثل حاله ولو عشرة آلاف درهم إلا إذا خرج عن حد الاعتدال # ولما شغل أبو طلحة ببستانه عن الصلاة قال جعلته صدقه # فقال صلى الله عليه وسلم اجعله في قرابتك فهو خير لك + حديث لما شغل أبا ~~طلحة بستانه عن الصلاة قال جعلته صدقة تقدم في الصلاة + فأعطاه حسان وأبا ~~قتادة # فحائط من نخل لرجلين كثير مغن وأعطى عمر رضي الله عنه أعرابيا ناقة معها ~~ظئر لها فهذا ما حكى فيه فأما التقليل إلى قوت اليوم أو الأوقية فذلك ورد ~~في كراهية السؤال والتردد على الأبواب وذلك مستنكر وله حكم آخر بل التجويز ~~إلى أن يشتري ضيعة فيستغني بها أقرب إلى الاحتمال وهو أيضا مائل إلى ~~الإسراف # والأقرب إلى الاعتدال كفاية سنة فما وراءه فيه خطر وفيما دونه تضييق # وهذه الأمور إذا لم يكن فيها تقدير جزم بالتوقيف فليس للمجتهد إلا الحكم ~~بما يقع # له ثم يقال للورع استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك + حديث استفت قلبك وإن ~~أفتوك تقدم في العلم + كما قاله صلى الله عليه وسلم إذ الإثم حزاز القلوب ~~فإذا وجد القابض في نفسه شيئا مما يأخذه فليتق الله فيه ولا يترخص تعللا ~~بالفتوى من PageV01P224 علماء الظاهر فإن لفتواهم قيودا ومطلقات من ~~الضرورات وفيها تخمينات واقتحام شبهات # والتوقي من الشبهات من شيم ذوي الدين وعادات السالكين لطريق الآخرة # الخامسة أن يسأل صاحب المال عن قدر الواجب عليه فإن كان ما يعطيه فوق ~~الثمن فلا يأخذه منه فإنه لا يستحق مع شريكه إلا الثمن فلينقص من الثمن ~~مقدار ما يصرف إلى اثنين من صنفه وهذا السؤال واجب على أكثر الخلق فإنهم لا ~~يراعون هذه القسمة إما لجهل وإما لتساهل وإنما يجوز ترك السؤل عن مثل هذه ~~الأمور إذا لم يغلب على الظن احتمال التحريم وسيأتي ذكر مظان السؤال ودرجة ~~الاحتمال في كتاب الحلال والحرام إن شاء الله تعالى $ الفصل الرابع في صدقة ~~التطوع وفضلها وآداب أخذها وإعطائها بيان فضيلة الصدقة # من الأخبار قوله صلى الله عليه وسلم تصدقوا ولو بتمرة فإنها تسد من ~~الجائع وتطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار + حديث تصدقوا ولو بتمرة ~~فإنها تسد من الجائع وتطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار أخرجه ابن ~~المبارك في الزهد من حديث عكرمة مرسلا ولأحمد من حديث عائشة بسند حسن ~~استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشيعان ولأبي ~~يعلى والبزار من حديث أبي بكر اتقوا النار ولو بشق تمرة فإنها تقوم العوج ~~وتدفع ميتة السوء وتقع من الجائع موقعها من الشبعان وإسناده ضعيف وللترمذي ~~والنسائي في الكبرى وابن ماجه في حديث معاذ والصدقة تطفىء الخطيئة كما ~~يطفىء الماء النار + وقال صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن ~~لم تجدوا فبكلمة طيبة + حديث اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة ~~طيبة أخرجاه من حديث عدي بن حاتم + وقال صلى الله عليه وسلم ما من عبد مسلم ~~يتصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا إلا كان الله آخذها بيمينه ~~فيربيها كما يربي أحدكم فصيله حتى تبلغ التمرة مثل أحد + حديث ما من عبد ~~مسلم يتصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا الحديث أخرجه البخاري ~~تعليقا ومسلم والترمذي والنسائي في الكبرى واللفظ لابن ماجه من حديث أبي ~~هريرة + وقال صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها ~~ثم انظر إلى أهل بيت من جيرانك فأصبهم منه بمعروف + حديث قال لأبي الدرداء ~~إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها الحديث أخرجه من حديث أبي ذر أنه قال ذلك له وما ~~ذكره المصنف أنه قال لأبي الدرداء وهم + وقال صلى الله عليه وسلم ما أحسن ~~عبد الصدقة إلا أحسن الله عز وجل الخلافة على تركته + حديث ما أحسن عبد ~~الصدقة إلا أحسن الله الخلافة على تركته أخرجه ابن المبارك في الزهد من ~~حديث ابن شهاب مرسلا بإسناد صحيح وأسنده الخطيب فيمن روى عن مالك من حديث ~~ابن عمر وضعفه + وقال صلى الله عليه وسلم كل امرىء في ظل صدقته حتى يقضى ~~بين الناس + حديث كل امرىء في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس أخرجه ابن حبان ~~والحاكم وصححه على شرط مسلم من حديث عقبة بن عامر + وقال صلى الله عليه ~~وسلم الصدقة تسد سبعين بابا من الشر + حديث الصدقة تسد سبعين بابا من الشر ~~أخرجه ابن المبارك في البر من حديث أنس بسند ضعيف إن الله ليدرأ بالصدقة ~~سبعين بابا من ميتة السوء + وقال صلى الله عليه وسلم صدقة السر تطفىء غضب ~~الرب عز وجل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذي أعطى من سعة بأفضل ~~أجرا من الذي يقبل من حاجة + حديث ما المعطي من سعة بأفضل أجرا من الذي ~~يقبل من حاجة أخرجه ابن حبان في الضعفاء والطبراني في الأوسط من حديث أنس ~~ورواه في الكبير من حديث ابن عمر بسند ضعيف + ولعل المراد به الذي يقصد من ~~دفع حاجته التفرغ للدين فيكون مساويا للمعطي الذي يقصد بإعطائه عمارة دينه # وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل قال أن تصدق وأنت صحيح ~~تأمل البقاء وتخشى الفاقة ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ~~ولفلان كذا وقد كان لفلان + حديث سئل أي الصدقة أفضل قال أن تصدق وأنت صحيح ~~شحيح الحديث أخرجاه من حديث أبي هريرة + وقد قال صلى الله عليه وسلم يوما ~~لأصحابه تصدقوا فقال رجل إن عندي دينارا فقال أنفقه على نفسك فقال إن عندي ~~آخر قال أنفقه PageV01P225 على زوجتك قال إن عندي آخر قال أنفقه على ولدك ~~قال إن عندي آخر قال أنفقه على خادمك قال إن عندي آخر قال صلى الله عليه ~~وسلم أنت أبصربه + حديث قال يوما لأصحابه تصدقوا فقال رجل إن عندي دينارا ~~فقال أنفقه على نفسك الحديث أخرجه أبو داود والنسائي واللفظ له وابن حبان ~~والحاكم من حديث أبي هريرة وقد تقدم قبل بيسير + وقال صلى الله عليه وسلم ~~لا تحل الصدقة لآل محمد إنما هي أوساخ الناس + حديث لا تحل الصدقة لآل محمد ~~الحديث أخرجه مسلم من حديث المطلب بن ربيعة + وقال ردوا مذمة السائل ولو ~~بمثل رأس الطائر من الطعام + حديث ردوا مذمة السائل ولو بمثل رأس الطائر من ~~الطعام أخرجه العقيلي في الضعفاء من حديث عائشة + وقال صلى الله عليه وسلم ~~لو صدق السائل ما أفلح من رده + حديث لو صدق السائل ما أفلح من رده أخرجه ~~العقيلي في الضعفاء وابن عبد البر في التمهيد من حديث عائشة قال العقيلي لا ~~يصح في هذا الباب شيء وللطبراني نحوه من حديث أبي أمامة بسند ضعيف + وقال ~~عيسى عليه السلام # من رد سائلا خائبا من بيته لم تغش الملائكة ذلك البيت سبعة أيام وكان ~~نبينا صلى الله عليه وسلم لا يكل خصلتين إلى غيره كان يضع طهوره بالليل ~~ويخمره وكان يناول المسكين بيده + حديث كان لا يكل خصلتين إلى غيره الحديث ~~أخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس بسند ضعيف ورواه ابن المبارك في البر ~~مرسلا + وقال صلى الله عليه وسلم ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ~~واللقمة واللقمتان إنما المسكين المتعفف اقرءوا إن شئتم لا يسألون الناس ~~إلحافا + حديث ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان الحديث متفق عليه من ~~حديث عائشة + وقال صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يكسو مسلما إلا كان في ~~حفظ الله عز وجل ما دامت عليه منه رقعه + حديث ما من مسلم يكسو مسلما إلا ~~كان في حفظ الله الحديث أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم وصحح إسناده من حديث ~~ابن عباس وفيه خالد بن طهمان ضعيف + # الآثار قال عروة بن الزبير لقد تصدقت عائشة رضي الله عنها بخمسين ألفا ~~وإن درعها لمرقع وقال مجاهد في قول الله عز وجل ويطعمون الطعام على حبه ~~مسكينا ويتيما وأسيرا فقال وهم يشتهونه وكان عمر رضي الله عنه يقول اللهم ~~اجعل الفضل عند خيارنا لعلهم يعودون به على ذوي الحاجة منا وقال عمر عبد ~~العزيز الصلاة تبلغك نصف الطريق والصوم يبلغك باب الملك والصدقة تدخلك عليه ~~وقال ابن أبي الجعد إن الصدقة لتدفع سبعين بابا من السوء وفضل سرها على ~~علانيتها بسبعين ضعفا وإنها لتفك لحيي سبعين شيطانا # وقال ابن مسعود إن رجلا عبد الله سبعين سنة ثم أصاب فاحشة فأحبط عمله ثم ~~مر بمسكين فتصدق عليه برغيف فغفر الله له ذنبه ورد عليه عمل السبعين سنة # وقال لقمان لابنه إذا أخطأت خطيئة فأعط الصدقة وقال يحيى بن معاذ ما أعرف ~~حبة تزن جبال الدنيا إلا الحبة من الصدقة # وقال عبد العزيز بن أبي رواد كان يقال ثلاثة من كنوز الجنة كتمان المرض ~~وكتمان الصدقة وكتمان المصائب # وروى مسندا وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن الأعمال تباهت فقالت ~~الصدقة أنا أفضلكن # وكان عبد الله بن عمر يتصدق بالسكر ويقول سمعت الله يقول لن تنالوا البر ~~حتى تنفقوا مما تحبون والله يعلم أني أحب السكر # وقال النخعي إذا كان الشيء لله عز وجل لا يسرني أن يكون فيه عيب # وقال عبيد بن عمير يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط وأعطش ما ~~كانووا قط وأعرى ما كانوا قط فمن أطعم لله عز وجل أشبعه الله ومن سقى لله ~~عز وجل سقاه الله ومن كسا لله عز وجل كساه الله وقال الحسن لو شاء الله ~~لجعلكم أغنياء لا فقير فيكم ولكنه ابتلى بعضكم ببعض # وقال الشعبي من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد ~~أبطل صدقته وضرب بها وجهه # وقال مالك لا نرى بأسا بشرب المؤمن من الماء الذي يتصدق به ويسقي في ~~المسجد لأنه إنما جعل للعطشان من كان ولم يرد به أهل الحاجة والمسكنة على ~~الخصوص ويقال إن الحسن مر به نخاس PageV01P226 ومعه جارية فقال للنخاس ~~أترضى في ثمنها الدرهم والدرهمين قال لا قال فاذهب فإن الله عز وجل رضي في ~~الحور العين بالفلس واللقمة # | بيان إخفاء الصدقة وإظهارها # قد اختلف طريق طلاب الإخلاص في ذلك فمال قوم إلى أن الإخفاء أفضل ومال ~~قوم إلى أن الإظهار أفضل ونحن نشير إلى ما في كل واحد من المعاني والآفات ~~ثم نكشف الغطاء عن الحق فيه # أما الإخفاء ففيه خمسة معان # الأول أنه أبقى للستر على الآخذ فإن أخذه ظاهرا هتك لستر المروءة وكشف عن ~~الحاجة وخروج عن هيئة التعفف والتصون المحبوب الذي يحسب الجاهل أهله أغنياء ~~من التعفف # الثاني أنه أسلم لقلوب الناس وألسنتهم فإنهم ربما يحسدون أو ينكرون عليه ~~أخذه ويظنون أنه آخذ مع الاستغناء أو ينسبونه إلى أخذ زيادة # والحسد وسوء الظن والغيبة من الذنوب الكبائر وصيانتهم عن هذه الجرائم ~~أولى # وقال أبو أيوب السختياني إني لأترك لبس الثوب الجديد خشية أن يحدث في ~~جيران حسدا # وقال بعض الزهاد ربما تركت استعمال الشيء لأجل إخواني يقولون من أين له ~~هذا وعن إبراهيم التيمي أنه رؤي عليه قميص جديد فقال بعض إخوانه من أين لك ~~هذا فقال كسانيه أخي خيثمة ولو علمت أن أهله علموا به ما قبلته # الثالث إعانة المعطي على إسرار العمل فإن فضل السر على الجهر في الإعطاء ~~أكثر والإعانة على إتمام المعروف معروف والكتمان لا يتم إلا باثنين فمهما ~~أظهر هذا انكشف أمر المعطي ودفع رجل إلى بعض العلماء شيئا ظاهرا فرده إليه ~~ودفع إليه آخر شيئا في السر فقبله فقيل له في ذلك فقال إن هذا عمل الأدب في ~~إخفاء معروفه فقبلته وذاك أساء أدبه في عمله فرددته عليه وأعطى رجل لبعض ~~الصوفية شيئا في الملأ فرده فقال له لم ترد على الله عز وجل ما أعطاك فقال ~~إنك أشركت غير الله سبحانه فيما كان لله تعالى ولم تقنع بالله عز وجل فرددت ~~عليك شركك # وقبل بعض العارفين في السر شيئا كان رده في العلانية فقيل له في ذلك فقال ~~عصيت الله بالجهر فلم أك عونا لك على المعصية وأطعته بالإخفاء فأعنتك على ~~برك # وقال الثوري لو علمت أن أحدكم لا يذكر صدقته ولا يتحدث بها لقبلت صدقته # الرابع أن في إظهار الأخذ ذلا وامتهانا وليس للمؤمن أن يذل نفسه # كان بعض العلماء يأخذ في السر ولا يأخذ في العلانية ويقول إن في إظهاره ~~إذلالا للعلم وامتهانا لأهله فما كنت بالذي أرفع شيئا من الدنيا بوضع العلم ~~وإذلال أهله # الخامس الاحتراز عن شبهة الشركة قال صلى الله عليه وسلم من أهدى له هدية ~~وعنده قوم فهم شركاؤه فيها + حديث من أهدى له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه ~~فيها أخرجه العقيلي وابن حبان في الضعفاء والطبراني في الأوسط والبيهقي من ~~حديث ابن عباس قال العقيلي لا يصح في هذا المتن حديث + وبأن يكون ورقا أو ~~ذهبا لا يخرج عن كونه هدية قال صلى الله عليه وسلم أفضل ما يهدي الرجل إلى ~~أخيه ورقا أو يطعمه خبزا + حديث أفضل ما يهدي الرجل إلى أخيه ورقا أو يعطيه ~~خبزا أخرجه ابن عدي وضعفه من حديث ابن عمر أفضل العمل عند الله أن يقضي عن ~~مسلم دينه أو يدخل عليه سرورا أو يطعمه خبزا ولأحمد والترمذي وصححه من حديث ~~البراء من منح منحة ورق أو منحة لبن أو أهدى رقاقا فهو كعتاق نسمة + فجعل ~~الورق هدية بانفراده فما يعطى في الملأ مكروه إلا برضا جميعهم ولا يخلو عن ~~شبهة فإذا انفرد سلم من هذه الشبهة # أما الإظهار والتحدث به ففيه معان أربعة # الأول الإخلاص والصدق والسلامة عن تلبيس الحال والمراءاة # والثاني إسقاط الجاه والمنزلة وإظهار العبودية والمسكنة والتبري عن ~~الكبرياء ودعوى الاستغناء وإسقاط النفس من أعين الخلق # قال بعض العارفين لتلميذه أظهر الأخذ على كل حال إن كنت آخذ فإنك لا تخلو ~~عن أحد رجلين PageV01P227 رجل تسقط من قلبه إذا فعلت ذلك فذلك هو المراد ~~لأنه أسلم لدينك وأقل لآفات نفسك أو رجل تزداد في قلبه بإظهارك الصدق فذلك ~~الذي يريده أخوك لأنه يزداد ثوابا بزيادة حبه لك وتعظيمه إياك فتؤجر أنت إذ ~~كنت سبب مزيد ثوابه # الثالث هو أن العارف لا نظر له إلا إلى الله عز وجل والسر والعلانية في ~~حقه واحد فاختلاف الحال شرك في التوحيد قال بعضهم كنا لا نعبأ بدعاء من ~~يأخذ في السر ويرد في العلانية # والالتفات إلى الخلق حضروا أم غابوا نقصان في الحال بل ينبغي أن يكون ~~النظر مقصور على الواحد الفرد # حكي أن بعض الشيوخ كان كثير الميل إلى واحد من جملة المريدين فشق على ~~الآخرين فأراد أن يظهر لهم فضيلة ذلك المريد فأعطى كل واحد منهم دجاجة وقال ~~لينفرد كل واحد منكم بها وليذبحها حيث لا يراه أحد فانفرد كل واحد وذبح إلا ~~ذلك المريد فإنه رد الدجاجة فسألهم فقالوا فعلنا ما أمرنا به الشيخ فقال ~~الشيخ للمريد ما لك لم تذبح كما ذبح أصحابك فقال ذلك المريد لم أقدر على ~~مكان لا يراني فيه أحد فإن الله يراني في كل موضع فقال الشيخ لهذا أميل ~~إليه لأنه لا يلتفت لغير الله عز وجل # الرابع أن الإظهار إقامة لسنة الشكر وقد قال تعالى وأما بنعمة ربك فحدث ~~والكتمان كفران النعمة وقد ذم الله عز وجل من كتم ما آتاه الله عز وجل ~~وقرنه بالبخل فقال تعالى الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما ~~آتاهم الله من فضله وقال صلى الله عليه وسلم إذا أنعم الله على عبد نعمة ~~أحب أن ترى نعمته عليه + حديث إذا أنعم الله تعالى على عبد نعمة أحب أن ترى ~~عليه أخرجه أحمد من حديث عمران بن حصين بسند صحيح وحسنه الترمذي من حديث ~~عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده + وأعطى رجل بعض الصالحين شيئا في السر فرفع ~~به يده وقال هذا من الدنيا والعلانية فيها أفضل والسر في أمور الآخرة أفضل ~~ولذلك قال بعضهم إذا أعطيت في الملأ فخذ ثم اردد في السر والشكر فيه محثوث ~~عليه # قال صلى الله عليه وسلم من لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجل + حديث من ~~لم يشكر الناس لم يشكر الله تقدم + والشكر قائم مقام المكافأة حتى قال صلى ~~الله عليه وسلم من أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تستطيعوا فأثنوا عليه ~~به خيرا وادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه ولما قال المهاجرين في ~~الشكر يا رسول الله ما رأينا خيرا من قوم نزلنا عندهم قاسمونا الأموال حتى ~~خفنا أن يذهبوا بالأجر كله فقال صلى الله عليه وسلم كل ما شكرتم لهم ~~وأثنيتم عليهم به فهو مكافإة + حديث قالت المهاجرون يا رسول الله ما رأينا ~~خيرا من قوم نزلنا عليهم الحديث أخرجه الترمذي وصححه من حديث أنس ورواه ~~مختصرا أبو داود والنسائي في اليوم والليلة والحاكم وصححه ابن ماجه + # فالآن إذا عرفت هذه المعاني فاعلم أن ما نقل من اختلاف الناس فيه ليس ~~اختلافا في المسئلة بل هو اختلاف حال فكشف الغطاء في هذا أنا لا نحكم حكما ~~بتا بأن الإخفاء أفضل في كل حال أو الإظهار أفضل بل يختلف ذلك باختلاف ~~النيات وتختلف النيات باختلاف الأحول والأشخاص فينبغي أن يكون المخلص ~~مراقبا لنفسه حتى لا يتدلى بحبل الغرور ولا ينخدع بتلبيس الطبع ومكر ~~الشيطان والمكر والخداع أغلب في معاني الإخفاء منه في الإظهار مع أن له ~~دخلا في كل واحد منهما # فأما مدخل الخداع في الإسرار فمن ميل الطبع إليه لما فيه من في خفض الجاه ~~والمنزلة وسقوط القدر عن أعين الناس ونظر الخلق إليه بعين الازدراء وإلى ~~المعطي بعين المنعم المحسن فهذا هو الداء الدفين ويستكن في النفس وللشيطان ~~بواسطته يظهر معاني الخير حتى يتعلل بالمعاني الخمسة التي ذكرناها # ومعيار كل ذلك ومحكه أمر واحد وهو أن يكون تألمه بانكشاف أخذه الصدقة ~~كتألمه بانكشاف صدقة أخذها بعض نظرائه وأمثاله فإنه إن كان يبغي صيانة ~~الناس عن الغيبة والحسد وسوء الظن أو يتقي PageV01P228 انتهاك الستر أو ~~إعانة المعطي على الإسرار أو صيانة العلم عن الابتذال فكل ذلك مما يحصل ~~بانكشاف صدقة أخيه فإن كان انكشاف أمره أثقل عليه من انكشاف أمر غيره ~~فتقديره الحذر من هذه المعاني أغاليظ وأباطيل من مكر الشيطان وخدعه فإن ~~إذلال العلم محذور من حيث إنه علم لا من حيث إنه علم زيد أو علم عمرو # والغيبة محذورة من حيث إنها تعرض لعرض مصون لا من حيث إنها تعرض لعرض زيد ~~على الخصوص ومن أحسن من ملاحظة مثل هذا ربما يعجز الشيطان عنه وإلا فلا ~~يزال كثير العمل قليل الحظ # وأما جانب الإظهار فميل الطبع إليه من حيث إنه تطييب لقلب المعطي ~~واستحثاث له على مثله وإظهاره عند غيره أنه من المبالغين في الشكر حتى ~~يرغبوا في إكرامه وتفقده وهذا داء دفين في الباطن والشيطان لا يقدر على ~~المتدين إلا بأن يروج عليه هذا الخبث في معرض السنة ويقول له الشكر من ~~السنة والإخفاء من الرياء ويورد عليه المعاني التي ذكرناها ليحمله على ~~الإظهار وقصده الباطن ما ذكرناه ومعيار ذلك ومحكه أن ينظر إلى ميل نفسه إلى ~~الشكر حيث لا ينتهي الخبر إلى المعطي ولا إلى من يرغب في عطائه وبين يدي ~~جماعة يكرهون إظهار العطية ويرغبون في إخفائها وعادتهم أنهم لا يعطون إلا ~~من يخفى ولا يشكر # فإن استوت هذه الأحوال عنده فليعلم أن باعثه هو إقامة السنة في الشكر ~~والتحدث بالنعمة وإلا فهو مغرور # ثم إذا علم أن باعثه السنة في الشكر فلا ينبغي أن يغفل عن قضاء حق المعطي ~~فينظر فإن كان هو ممن يحب الشكر والنشر فينبغي أن يخفى ولا يشكر لأن قضاء ~~حقه أن لا ينصره على الظلم وطلبه الشكر ظلم # وإذا علم من حاله أنه لا يحب الشكر ولايقصده فعند ذلك يشكره ويظهر صدقته ~~ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي مدح بين يديه ضربتم عنقه لو سمعها ~~ما أفلح + حديث قال للرجل الذي مدح بين يديه ضربتم عنقه لو سمعها ما أفلح ~~متفق عليه من حديث أبي بكرة بلفظ ويحك قطعت عنق صاحبك زاد الطبراني في ~~رواية والله لو سمعها ما أفلح أبدا وفي سنده علي بن زيد بن جدعان متكلم فيه ~~وابن ماجه نحوه من حديث أبي موسى + مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يثني على ~~قوم في وجوههم لثقته بيقينهم وعلمه بأن ذلك لا يضرهم بل يزيد في رغبتهم في ~~الخير فقال لواحد إنه سيد أهل الوبر + حديث إنه سيد الوبر أخرجه العنبري ~~والطبراني وابن قانع في معاجمهم وابن حبان في الثقات من حديث قيس بن عاصم ~~المقري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ذلك + وقال صلى الله عليه وسلم ~~في آخر إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه + حديث إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه ~~أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر ورواه أبو داود في المراسيل من حديث الشعبي ~~مرسلا بسند صحيح وقال روى متصلا وهو ضعيف والحاكم نحوه من حديث معبد بن ~~خالد الأنصاري عن أبيه وصحح إسناده + وسمع كلام رجل فأعجبه فقال صلى الله ~~عليه وسلم إن من البيان لسحرا + حديث إن من البيان لسحرا أخرجه البخاري من ~~حديث ابن عمر + وقال صلى الله عليه وسلم إذا علم أحدكم من أخيه خيرا ~~فليخبره فإنه يزداد رغبة في الخير + حديث إذا علم أحدكم من أخيه خيرا ~~فليخبره فإنه يزداد رغبة في الخير أخرجه الدار قطني في العلل من رواية ابن ~~المسيب عن أبي هريرة وقال لايصح عن الزهري وروي عن ابن المسيب مرسلا + وقال ~~صلى الله عليه وسلم إذا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه + حديث إذا مدح ~~المؤمن ربا الإيمان في قلبه أخرجه الطبراني من حديث أسامة بن زيد بسند ضعيف ~~+ وقال الثوري من عرف نفسه لم يضره مدح الناس وقال أيضا ليوسف بن أسباط إذا ~~أوليتك معروفا كنت أنا أسر به منك ورأيت ذلك نعمة من الله عز وجل علي فاشكر ~~وإلا فلا تشكر # ورقائق هذه المعاني ينبغي أن يلحظها من يراعى قلبه فإن أعمال الجوارح مع ~~إهمال هذه الدقائق ضحكة للشيطان وشماته له لكثرة التعب وقلة النفع ومثل هذا ~~العلم هو الذي يقال فيه إن تعلم مسألة واحدة منه أفضل من عبادة سنة إذ بهذا ~~العلم تحيا عبادة العمل وبالجهل به تموت عبادة العمل كله وتتعطل وعلى ~~الجملة فالأخذ في الملأ والرد في السر أحسن المسالك وأسلمها فلا ينبغي أن ~~يدفع بالتزويقات إلا أن تكمل المعرفة PageV01P229 بحيث يستوي السر ~~والعلانية وذلك هو الكبريت الأحمر الذي يتحدث به ولا يرى نسأل الله الكريم ~~حسن العون والتوفيق # | بيان الأفضل من أخذ الصدقة أو الزكاة # كان إبراهيم الخواص والجنيد وجماعة يرون أن الأخذ من الصدقة أفضل فإن في ~~أخذ الزكاة مزاحمة للمساكين وتضييقا عليهم ولأنه ربما لا يكمل في أخذه صفة ~~الاستحقاق كما وصف في الكتاب العزيز وأما الصدقة فالأمر فيها أوسع وقال ~~قائلون بأخذ الزكاة دون الصدقة لأنها إعانة على الواجب ولو ترك المساكين ~~كلهم أخذ الزكاة لأثموا ولأن الزكاة لامنه فيها وإنما هو حق واجب لله ~~سبحانه رزقا لعبادة المحتاجين ولأنه أخذ بالحاجة والإنسان يعلم حاجة نفسه ~~قطعا وأخذ الصدقة أخذ بالدين فإن الغالب أن المتصدق يعطى من يعتقد فيه خيرا ~~ولأن مرافقة المساكين أدخل في الذل والمسكنة وأبعد من التكبر إذ قد يأخذ ~~الإنسان الصدقة في معرض الهدية فلا تتميز عنه وهذا تنصيص على ذل الأخذ ~~وحاجته # والقول الحق في هذا يختلف بأحوال الشخص وما يغلب عليه وما يحضره من النية ~~فإن كان في شبهة من اتصافه بصفة الاستحقاق فلا ينبغي أن يأخذ الزكاة فإذا ~~علم أنه مستحق قطعا إذا حصل عليه دين صرفه إلى خير وليس له وجه في قضائه ~~فهو مستحق قطعا فإذا خير هذا بين الزكاة وبين الصدقة فإذا كان صاحب الصدقة ~~لا يتصدق بذلك المال لو لم يأخذه هو فليأخذ الصدقة فإن الزكاة الواجبة ~~يصرفها صاحبها إلى مستحقها ففي ذلك تكثير للخير وتوسيع على المساكين # وإن كان المال معرضا للصدقة ولم يكن في أخذ الزكاة تضييق على المساكين ~~فهو مخير والأمر فيهما يتفاوت وأخذ الزكاة أشد في كسر النفس وإذلالها في ~~أغلب الأحوال والله أعلم # كمل كتاب أسرار الزكاة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه ويتلوه إن شاء الله ~~تعالى كتاب أسرار الصوم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد ~~وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى الملائكة والمقربين من أهل السموات ~~والأرضين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين والحمد لله ~~وحده وحسبنا الله ونعم الوكيل # | كتاب أسرار الصوم # بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أعظم على عباده المنة بما دفع ~~عنهم كيد الشيطان وفنه ورد أمله وخيب ظنه إذ جعل الصوم حصنا لأوليائه وجنة ~~وفتح لهم به أبواب الجنة وعرفهم أن وسيلة الشيطان إلى قلوبهم الشهوات ~~المستكنة وإن بقمعها تصبح النفس المطمئنة ظاهرة الشوكة في قصم خصمها قوية ~~المنة والصلاة على محمد قائد الخلق وممهد السنة وعلى آله وأصحابه ذوي ~~الأبصار الثاقبة والعقول المرجحة وسلم تسليما كثيرا # أما بعد فإن الصوم ربع الإيمان بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم الصوم نصف ~~الصبر + حديث الصوم نصف الصبر أخرجه الترمذي وحسنه من حديث رجل من بني سليم ~~وابن ماجه من حديث أبي هريرة + وبمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم الصبر نصف ~~PageV01P230 @QB@ الأيمان @QE@ + حديث الصبر نصف الإيمان أخرجه أبو نعيم في ~~الحلية والخطيب في التاريخ من حديث ابن مسعود بسند حسن + ثم هو متميز ~~بخاصية النسبة إلى الله تعالى من بين سائر الأركان إذ قال الله تعالى فيما ~~حكاه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ~~إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به + حديث كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ~~ضعف إلا الصوم الحديث 000 أخرجاه من حديث أبي هريرة + وقد قال الله تعالى ~~@QB@ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب @QE@ والصوم نصف الصبر فقد جاوز ~~ثوابه قانون التقدير والحساب وناهيك في معرفة فضله قوله صلى الله عليه وسلم ~~والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يقول الله عز ~~وجل إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجلي فالصوم لي وأنا أجزي به + حديث ~~والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائمالحديث أخرجاه من حديثه وهو بعض الذي قبله ~~+ وقال صلى الله عليه وسلم للجنة باب يقال له الريال لا يدخله إلا الصائمون ~~وهو موعود بلقاء الله تعالى في جزء صومه + حديث للجنة باب يقال له الريان ~~الحديث أخرجاه من حديث سهل بن سعد + وقال صلى الله عليه وسلم للصائم فرحتان ~~فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه + حديث للصائم فرحتانالحديث أخرجاه من ~~حديث أبي هريرة + وقال صلى الله عليه وسلم لكل شيء باب وباب العبادة الصوم ~~+ حديث لكل شيء باب وباب العبادة الصوم أخرجه ابن المبارك في الزهد ومن ~~طريقه أبو الشيخ في الثواب من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف + وقال صلى الله ~~عليه وسلم نوم الصائم عبادة + حديث نوم الصائم عبادة رويناه في أمالي ابن ~~منده من رواية ابن المغيرة القواس عن عبد الله بن عمر بسند ضعيف ولعله عبد ~~الله بن عمرو فإنهم لم يذكروا لابن المغيرة رواية إلا عنه ورواه أبو منصور ~~الديلمي في مسند الفردوس من حديث عبد الله بن أبي أوفى وفيه سليمان بن عمرو ~~النخعي أحد الكذابين + وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم ~~قال إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ~~ونادى مناد يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر + حديث إذا دخل شهر رمضان ~~فتحت أبواب الجنة أخرجه الترمذي وقال غريب وابن ماجه والحاكم وصححه على ~~شرطهما من حديث أبي هريرة وصحح البخاري وقفه على مجاهد وأصله متفق عليه دون ~~قوله ونادى مناد + وقال وكيع في قوله تعالى @QB@ كلوا واشربوا هنيئا بما ~~أسلفتم في الأيام الخالية @QE@ هي أيام الصيام إذ تركوا فيها الأكل والشرب ~~وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رتبة المباهاة بين الزهد في ~~الدنيا وبين الصوم فقال إن الله تعالى يباهي ملائكته بالشاب العابد فيقول ~~أيها الشاب التارك شهوته لأجلي المبذل شبابه لي أنت عندي كبعض ملائكتي + ~~حديث إن الله تعالى يباهي ملائكته بالشاب العابد فيقول أيها الشاب التارك ~~شهوته الحديث أخرجه ابن عدي من حديث ابن مسعود بسند ضعيف + وقال صلى الله ~~عليه وسلم في الصائم يقول الله عز وجل انظروا يا ملائكتي إلى عبدي ترك ~~شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي + حديث يقول الله تعالى لملائكته يا ~~ملائكتي انظروا إلى عبدي ترك شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي + وقيل في ~~قوله تعالى @QB@ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا ~~يعملون @QE@ قيل كان عملهم الصيام لأنه قال @QB@ إنما يوفى الصابرون أجرهم ~~بغير حساب @QE@ فيفرغ للصائم جزاؤه إفراغا ويجازف جزافا فلا يدخل تحت وهم ~~وتقدير وجدير بأن يكون كذلك لأن الصوم إنما كان له ومشرفا بالنسبة إليه وإن ~~كانت العبادات كلها له كما شرف البيت بالنسبة إلى نفسه والأرض كلها له ~~لمعنيين # أحدهما أن الصوم كف وترك وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد # وجميع أعمال الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى والصوم لا يراه إلا الله عز ~~وجل فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد # والثاني أنه قهر لعدو الله عز وجل فإن وسيلة الشيطان لعنه الله الشهوات ~~وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم @QB@ إن ~~الشيطان @QE@ PageV01P231 ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع ~~+ حديث إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم الحديث متفق عليه من حديث ~~صفية دون قوله فضيقوا مجاريه بالجوع + ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعائشة ~~رضي الله عنها داومي قرع باب الجنة قالت بماذا قال صلى الله عليه وسلم ~~بالجوع + حديث قال لعائشة داومي قرع باب الجنة الحديث لم أجد له أصلا + ~~وسيأتي فضل الجوع في كتاب شره الطعام وعلاجه من ربع المهلكات فلما كان ~~الصوم على الخصوص قمعا للشيطان وسدا لمسالكه وتضييقا لمجاريه استحق التخصيص ~~بالنسبة إلى الله عز وجل ففي قمع عدو الله نصرة لله سبحانه وناصر الله ~~تعالى موقوف على النصرة له قال الله تعالى @QB@ إن تنصروا الله ينصركم ~~ويثبت أقدامكم @QE@ فالبداية بالجهد من العبد والجزاء بالهداية من الله عز ~~وجل ولذلك قال تعالى @QB@ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا @QE@ وقال ~~تعالى @QB@ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم @QE@ وإنما ~~التغير تكثير الشهوات فهي مرتع الشياطين ومرعاهم فما دامت مخصبة لم ينقطع ~~ترددهم وما داموا يترددون لم ينكشف للعبد جلال الله سبحانه وكان محجوبا عن ~~لقائه # وقال صلى الله عليه وسلم لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم ~~لنظروا إلى ملكوت السموات + حديث لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم ~~الحديث أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بنحوه + فمن هذا الوجه صار الصوم باب ~~العبادة وصار جنة وإذا عظمت فضيلته إلى هذا الحد فلا بد من بيان شروطه ~~الظاهرة والباطنة بذكر أركانه وسننه وشروطه الباطنة ونبين ذلك بثلاثة فصول ~~$ الفصل الأول في الواجبات والسنن الظاهرة واللوازم بإفساده أما الواجبات ~~الظاهرة فستة # الأول مراقبة أول شهر رمضان وذلك برؤية الهلال فإن غم فاستكمال ثلاثين ~~يوما من شعبان # ونعني بالرؤية العلم ويحصل ذلك بقول عدل واحد ولا يثبت هلال شوال إلا ~~بقول عدلين احتياطا للعبادة # ومن سمع عدلا ووثق بقوله وغلب على ظنه صدقه لزمه الصوم وإن لم يقض القاضي ~~به فليتبع كل عبد في عبادته موجب ظنه وإذا رؤي الهلال ببلدة ولم ير بأخرى ~~وكان بينهما أقل من مرحلتين وجب الصوم على الكل وإن كان أكثر كان لكل بلدة ~~حكمها ولا يتعدى الوجوب # الثاني النية ولا بد لكل ليلة من نية مبيتة معينة جازمة فلو نوى أن يصوم ~~شهر رمضان دفعة واحدة لم يكفه وهو الذي عنينا بقولنا كل ليلة ولو نوى ~~بالنهار لم يجزه صوم رمضان ولا صوم الفرض إلا التطوع وهو الذي عنينا بقولنا ~~مبيتة ولو نوى الصوم مطلقا أو الفرض مطلقا لم يجزه حتى ينوي فريضة الله عز ~~وجل صوم رمضان ولو نوى ليلة الشك أن يصوم غدا إن كان من رمضان لم يجزه ~~فإنها ليست جازمة إلا أن تستند نيته إلى قول شاهد عدل واحتمال غلط العدل أو ~~كذبه لايبطل الجزم أو يستند إلى استصحاب حال كالشك في الليلة الأخيرة من ~~رمضان فذلك لا يمنع جزم النية أو يستند إلى اجتهاد كالمحبوس في المطمورة ~~إذا غلب على ظنه دخول رمضان باجتهاده فشكه لا يمنعه من النية # ومهما كان شاكا ليلة الشك لم ينفعه جزمه النية باللسان فإن النية محلها ~~القلب # ولا يتصور فيه جزم القصد مع الشك كما لو قال في وسط رمضان أصوم غدا إن ~~كان من رمضان فإن ذلك لايضره لأنه ترديد لفظ ومحل النية لا يتصور فيه تردد ~~بل هو قاطع بأنه من رمضان ومن نوى ليلا ثم أكل لم تفسد نيته ولو نوت امرأة ~~في الحيض ثم طهرت قبل الفجر صح صومها # الثالث الإمساك عن إيصال شيء إلى الجوف عمدا مع ذكر الصوم فيفسد صومه ~~بالأكل والشرب والسعوط والحقنة # ولا يفسد بالفصد والحجامة PageV01P232 والاكتحال وإدخال الميل في الأذن ~~والإحليل إلا أن يقطر فيه ما يبلغ المثانة وما يصل بغير قصد من غبار الطريق ~~أو ذبابة تسبق إلى جوفه أو ما يسبق إلى جوفه في المضمضة فلا يفطر إلا إذا ~~بالغ في المضمضة فيفطر لأنه مقصر وهو الذي أردنا بقولنا عمدا فأما ذكر ~~الصوم فأردنا به الاحتراز عن الناسي فإنه لايفطر # أما من أكل عامدا في طرفي النهار ثم ظهر له أنه أكل نهارا بالتحقيق فعليه ~~القضاء وإن بقى على حكم ظنه واجتهاده فلا قضاء عليه ولا ينبغي أن يأكل في ~~طرفى النهار إلا بنظر واجتهاد # الرابع الإمساك عن الجماع وحده مغيب الحشفة وإن جامع ناسيا لم يفطر وإن ~~جامع ليلا أو احتلم فأصبح جنبا لم يفطر وإن طلع الفجر وهو مخالط أهله فنزع ~~في الحال صح صومه فإن صبر فسد ولزمته الكفارة # الخامس الإمساك عن الاستمناء وهو إخراج المني قصدا بجماع أو بغير جماع ~~فإن ذلك يفطر ولا يفطر بقبلة زوجته ولا بمضاجعتها ما لم ينزل لكن يكره ذلك ~~إلا أن يكون شيخا أو مالكا لإربه فلا بأس بالتقبيل وتركه أولى # وإذا كان يخاف من التقبيل أن ينزل فقبل وسبق المني أفطر لتقصيره # السادس الإمساك عن إخراج القيء فالاستقاء يفسد الصوم وإن ذرعه القيء لم ~~يفسد صومه وإذا ابتلع نخامة من حلقه أو صدره لم يفسد صومه رخصة لعموم ~~البلوى به إلا أن يبتلعه بعد وصوله إلى فيه فإنه يفطر عند ذلك وأما لوازم ~~الإفطار فأربعة # القضاء والكفارة والفدية وإمساك بقية النهار تشبيها بالصائمين # أما القضاء فوجوبه عام على كل مسلم مكلف ترك الصوم بعذر أو بغير عذر ~~فالحائض تقضي الصوم وكذا المرتد وأما الكافر والصبي والمجنون فلا قضاء ~~عليهم ولا يشترط التتابع في قضاء رمضان ولكن يقضي كيف شاء متفرقا ومجموعا # وأما الكفارة فلا تجب إلا بالجماع وأما الاستمناء والأكل والشرب وما عدا ~~الجماع لا يجب به كفارة فالكفارة عتق رقبة فإن أعسر فصوم شهرين متتابعين ~~وإن عجز فإطعام ستين مسكينا مدا مدا # وأما إمساك بقية النهار فيجب على من عصى بالفطر أو قصر فيه ولا يجب على ~~الحائض إذا طهرت إمساك بقية نهارها ولا على المسافر إذا قدم مفطرا من سفر ~~بلغ مرحلتين ويجب الإمساك إذا شهد بالهلال عدل واحد يوم الشك والصوم في ~~السفر أفضل من الفطر إلا إذا لم يطق ولا يفطر يوم يخرج وكان مقيما في أوله ~~ولا يوم يقدم إذا قدم صائما # وأما الفدية فتجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على ولديهما لكل ~~يوم مد حنطة لمسكين واحد مع القضاء والشيخ الهرم إذا لم يصم تصدق عن كل يوم ~~مدا # وأما السنن فست تأخير السحور وتعجيل الفطر بالتمر أو الماء قبل الصلاة ~~وترك السواك بعد الزوال والجود في شهر رمضان لما سبق من فضائله في الزكاة ~~ومدارسة القرآن والاعتكاف في المسجد لا سيما في العشر الأخير فهو عادة رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر طوى الفراش وشد المئزر ~~ودأب وأدأب أهله + حديث كان إذا دخل العشر الأواخر طوى الفراش الحديث متفق ~~عليه من حديث عائشة بلفظ أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر + أي أداموا ~~النصب في العبادة إذ فيها ليلة القدر والأغلب أنها في أوتارها وأشبه ~~الأوتار ليلة إحدى وثلاث وخمس وسبع # والتتابع في هذا الاعتكاف أولى فإن نذر اعتكافا متتابعا أو نواه انقطع ~~تتابعه بالخروج من PageV01P233 غير ضرورة كما لو خرج لعيادة أو شهادة أو ~~جنازة أو زيارة أو تجديد طهارة وإن خرج لقضاء الحاجة لم ينقطع وله أن يتوضأ ~~في البيت ولا ينبغي أن يعرج على شغل آخر كان صلى الله عليه وسلم لا يخرج ~~إلا لحاجة الإنسان ولا يسأل عن المريض إلا مارا + حديث كان لا يخرج إلا ~~لحاجة ولا يسأل عن المريض إلا مارا متفق على الشطر الأول من حديث عائشة ~~والشطر الثاني رواه أبو داود بنحوه بسند لين + ويقطع التتابع بالجماع ولا ~~ينقطع بالتقبيل ولا بأس في المسجد بالطيب وعقد النكاح وبالأكل والنوم وغسل ~~اليد في الطست فكل ذلك قد يحتاج إليه في التتابع ولا ينقطع التتابع بخروج ~~بعض بدنه كان صلى الله عليه وسلم يدني رأسه فترجله عائشة رضي الله عنها وهي ~~في الحجرة + حديث كان يدني رأسه لعائشة متفق عليه من حديثها + ومهما خرج ~~المعتكف لقضاء حاجته فإذا عاد ينبغي أن يستأنف النية إلا إذا كان قد نوى ~~أولا عشرة أيام مثلا والأفضل مع ذلك التجديد # | الفصل الثاني في أسرار الصوم وشروطه الباطنة اعلم أن الصوم ثلاث # درجات صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص # وأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله # وأما صوم الخصوص فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح ~~عن الآثام # وما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهضم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه ~~عما سوى الله عز وجل بالكلية ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى ~~الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين فإن ذلك ~~من زاد الآخرة وليس من الدنيا حتى قال أرباب القلوب من تحركت همته بالتصرف ~~في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل ~~الله عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود وهذه رتبة الأنبياء والصديقين ~~والمقربين ولا يطول النظر في تفصيلها قولا ولكن في تحقيقها عملا فإنه إقبال ~~بكنه الهمة على الله عز وجل وانصراف عن غير الله سبحانه وتلبس بمعنى قوله ~~عز وجل قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون # وأما صوم الخصوص وهو صوم الصالحين فهو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة ~~أمور # الأول غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره وإلى كل ما ~~يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل قال صلى الله عليه وسلم النظرة سهم ~~مسموم من سهام إبليس لعنه الله فمن تركها خوفا من الله آتاه الله عز وجل ~~إيمانا يجد حلاوته في قلبه + حديث النظرة سهم مسموم من سهام إبليس الحديث ~~أخرجه الحاكم وصحح إسناده من حديث حذيفة + وروى جابر عن أنس عن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم أنه قال خمس يفطرن الصائم الكذب والغيبة والنميمة ~~واليمين الكاذبة والنظر بشهوة + حديث جابر عن أنس خمس يفطرن الصائم الحديث ~~أخرجه الأزدي في الضعفاء من رواية جابان عن أنس وقوله جابر تصحيف قال أبو ~~حاتم الرازي هذا كذاب + # الثاني حفظ اللسان عن الهذبان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء ~~والخصومة والمراء وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن ~~فهذا صوم اللسان # وقد قال سفيان الغيبة تفسد الصوم رواه بشر بن الحارث عنه # وروى ليث عن مجاهد خصلتان يفسدان الصيام الغيبة والكذب # وقال صلى الله عليه وسلم إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ~~ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم + حديث الصوم ~~جنة فإذا كان أحدكم صائما الحديث أخرجاه من حديث أبي هريرة + وجاء في الخبر ~~أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهدهما الجوع ~~والعطش من آخر النهار حتى كادتا أن تتلفا فبعثتا إلى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يستأذناه في الإفطار فأرسل إليهما قدحا وقال صلى الله عليه وسلم ~~قل لهما PageV01P234 قيئا فيه ما أكلتما فقاءت إحداهما نصفه دما عبيطا ~~ولحما غريضا وقاءت الأخرى مثل ذلك حتى ملأتاه فعجب الناس من ذلك فقال صلى ~~الله عليه وسلم هتان صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله ~~تعالى عليهما قعدت إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يغتابان الناس فهذا ما أكلتا ~~من لحومهم + حديث إن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~الحديث في الغيبة للصائم أخرجه أحمد من حديث عبيد مولى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم الحديث بسند فيه مجهول + # الثالث كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء ~~إليه ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى سماعون ~~للكذب أكالون للسحت وقال عز وجل لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم ~~الإثم وأكلهم السحت فالسكوت على الغيبة حرام وقال تعالى إنكم إذا مثلهم ~~ولذلك قال صلى الله عليه وسلم المغتاب والمستمع شريكان في لإثم + حديث ~~المغتاب والمستمع شريكان في الإثم غريب وللطبراني من حديث ابن عمر بسند ~~ضعيف نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة وعن الاستماع إلى الغيبة ~~+ # الرابع كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره وكف البطن ~~عن الشبهات وقت الإفطار # فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام فمثال ~~هذا الصائم مثال من يبني قصرا ويهدم مصرا فإن الطعام الحلال إنما يضر ~~بكثرته لا بنوعه فالصوم لتقليله # وتارك الاستكثار من الدواء خوفا من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان ~~سفيها والحرام سم مهلك للدين والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره وقصد ~~الصوم تقليله وقد قال صلى الله عليه وسلم كم من صائم ليس له من صومه إلا ~~الجوع والعطش + حديث كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش أخرجه ~~النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة + فقيل هو الذي يفطر على الحرام وقيل ~~هو الذي يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام وقيل ~~هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام # الخامس أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلىء جوفه فما ~~من وعاء أبغض إلى الله عز وجل من بطن مليء من حلال # وكيف يستفاد من الصوم قهر عدو الله وكسر الشهوة إذا تدارك الصائم عند ~~فطره ما فاته ضحوة نهاره وربما يزيد عليه في ألوان الطعام حتى استمرت ~~العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في ~~عدة أشهر # ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى وإذا ~~دفعت المعدة من ضحوة نهار إلى العشاء حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها ثم ~~أطعمت من اللذات وأشبعت زادت لذتها وتضاعفت قوتها وانبعث من الشهوات ما ~~عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها # فروح الصوم وسره تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور ~~ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو ~~لم يصم فأما إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلا فلم ينتفع ~~بصومه بل من الآداب أن لا يكثر النوم بالنهار حتى يحس بالجوع والعطش ~~ويستشعر ضعف القوى فيصفو عند ذلك قلبه ويستديم في كل ليلة قدرا من الضعف ~~حتى يخف عليه تهجده وأوراده فعسى الشيطان أن لا يحوم على قلبه فينظر إلى ~~ملكوت السماء # وليلة القدر عبارة عن الليلة التي ينكشف فيها شيء من الملكوت وهو المراد ~~بقوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر ومن جعل بين قلبه وبين صدره مخلاة ~~من الطعام فهو عنه محجوب ومن أخلى معدته فلا يكفيه ذلك لرفع الحجاب ما لم ~~يخل همته عن غير الله عز وجل وذلك هو الأمر كله ومبدأ جميع ذلك تقليل ~~الطعام وسيأتي له مزيد بيان في كتاب الأطعمة إن شاء الله عز وجل # السادس أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقا مضطربا بين الخوف والرجاء إذ ليس ~~يدرى أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين وليكن كذلك ~~في آخر كل عبادة يفرغ PageV01P235 منها فقد روى عن الحسن بن أبي الحسن ~~البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون فقال إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا ~~لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا فالعجب كل ~~العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون # أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أي كان ~~سرور المقبول يشغله عن اللعب وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك وعن الأحنف ~~بن قيس أنه قيل له إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك فقال إني أعده لسفر طويل ~~والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه فهذه هي المعاني ~~الباطنة في الصوم # فإن قلت فمن اقتصر على كف شهوة البطن والفرج وترك هذه المعاني فقد قال ~~الفقهاء # صومه صحيح فما معناه فاعلم أن فقهاء الظاهر يثبتون شروط الظاهر بأدلة هي ~~أضعف من هذه الأدلة التي أوردناها في هذه الشروط الباطنة لا سيما الغيبة ~~وأمثالها ولكن ليس إلى فقهاء الظاهر من التكليفات إلا ما يتيسر على عموم ~~الغافلين المقبلين على الدنيا الدخول تحته # فأما علماء الآخرة فيعنون بالصحة القبول وبالقبول الوصول إلى المقصود ~~ويفهمون أن المقصود من الصوم التخلق بخلق من أخلاق الله عز وجل وهو الصمدية ~~والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات بحسب الإمكان فإنهم منزهون عن ~~الشهوات # والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته ودون ~~رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه وكونه مبتلى بمجاهدتها فكلما انهمك في ~~الشهوات انحط إلى أسفل السافلين والتحق بغمار البهائم وكلما قمع الشهوات ~~ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة # والملائكة مقربون من الله عز وجل والذي يقتدى بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب ~~من الله عز وجل كقربهم فإن الشبيه من القريب قريب وليس القريب ثم بالمكان ~~بل بالصفات # وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب فأي جدوى لتأخير ~~أكلة وجمع أكلتين عند العشاء مع الإنهماك في الشهوات الآخر طول النهار ولو ~~كان لمثله جدوى فأي معنى لقوله صلى الله عليه وسلم كم من صائم ليس له من ~~صومه إلا الجوع والعطش ولهذا قال أبو الدرداء يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم ~~كيف لا يعيبون صوم الحمقى وسهرهم ولذرة من ذوي يقين وتقوى أفضل وأرجح من ~~أمثال الجبال عبادة من المغتربين ولذلك قال بعض العلماء كم من صائم مفطر ~~وكم من مفطر صائم # والمفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب والصائم ~~المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه # ومن فهم معنى الصوم وسره علم أن مثل من كف عن الأكل والجماع وأفطر ~~بمخالطة الآثام كمن مسح على عضو من أعضائه في الوضوء ثلاث مرات فقد وافق في ~~الظاهر العدد إلا أنه ترك المهم وهو الغسل فصلاته مردودة عليه بجهله ومثل ~~من أفطر بالأكل وصام بجوارحه عن المكاره كمن غسل أعضاؤه مرة مرة فصلاته ~~متقبلة إن شاء الله لإحكامه الأصل وإن ترك الفضل # ومثل من جمع بينهما كمن غسل كل عضو ثلاث مرات فجمع بين الأصل والفضل وهو ~~الكمال وقد قال صلى الله عليه وسلم إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته + ~~حديث إنما الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته أخرجه الخرائطي في مكارم ~~الأخلاق من حديث ابن مسعود في حديث في الأمانة والصوم وإسناده حسن + ولما ~~تلا قوله عز وجل إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وضع يده على ~~سمعه وبصره فقال السمع أمانة والبصر أمانة + حديث لما تلا قوله تعالى إن ~~الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وضع يده على سمعه وبصره وقال ~~السمع أمانة والبصر أمانة أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة دون قوله السمع ~~أمانة + ولولا أنه من أمانات الصوم لما قال صلى الله عليه وسلم فليقل إني ~~صائم أي إني أودعت لساني لأحفظه فكيف أطلقه بجوابك فإذن قد ظهر أن لكل ~~عبادة ظاهرا وباطنا PageV01P236 وقشرا ولبا ولقشرها درجات ولكل درجة طبقات ~~فإليك الخيرة الآن في أن تقنع بالقشر عن اللباب أو تتحيز إلى غمار أرباب ~~الألباب # | الفصل الثالث في التطوع بالصيام وترتيب الأوراد فيه # اعلم أن استحباب الصوم يتأكد في الأيام الفاضلة وفواضل الأيام بعضها يوجد ~~في كل سنة وبعضها يوجد في كل شهر وبعضها في كل أسبوع # أما في السنة بعد أيام رمضان فيوم عرفة ويوم عاشوراء والعشر الأول من ذي ~~الحجة والعشر الأول من المحرم وجميع الأشهر الحرم مظان الصوم وهي أوقات ~~فاضلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر صوم شعبان حتى كان يظن أنه ~~في رمضان + حديث كان يكثر صيام شعبان الحديث متفق عليه من حديث عائشة + وفي ~~الخبر أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم + حديث أفضل الصيام بعد ~~شهر رمضان شهر الله المحرم أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + لأنه ابتداء ~~السنة فبناؤها على الخير أحب وأرجى لدوام بركته # وقال صلى الله عليه وسلم صوم يوم من شهر حرام أفضل من ثلاثين من غيره ~~وصوم يوم من رمضان أفضل من ثلاثين من شهر حرام + حديث صوم يوم من شهر حرام ~~أفضل من صوم ثلاثين الحديث لم أجده هكذا وفي المعجم الصغير للطبراني من ~~حديث ابن عباس من صام يوما من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوما + # وفي الحديث من صام ثلاثة أيام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب ~~الله له بكل يوم عبادة تسعمائة عام + حديث من صام ثلاثة أيام من شهر حرام ~~الخميس والجمعة والسبت الحديث أخرجه الأزدي في الضعفاء من حديث أنس + # وفي الخبر إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان + حديث إذا كان ~~النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان أخرجه الأربعة من حديث أبي هريرة وابن ~~حبان في صحيحه عنه إذا كان النصف من شعبان فأفطروا حتى يجيء رمضان وصححه ~~الترمذي + ولهذا يستحب أن يفطر قبل رمضان أياما فإن وصل شعبان برمضان فجائز ~~+ حديث وصل شعبان برمضان مرة أخرجه الأربعة من حديث أم سلمة لم يكن يصوم من ~~السنة شهرا تاما إلا شعبان يصل به رمضان وأخرج أبو داود والنسائي نحوه من ~~حديث عائشة + فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة وفصل مرارا كثيرة + ~~حديث فصل شعبان من رمضان مرارا أخرجه أبو داود من حديث عائشة قالت كان رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره فإن غم ~~عليه عد ثلاثين يوما ثم صام وأخرجه الدارقطني وقال إسناده صحيح والحاكم ~~وقال صحيح على شرط الشيخين + ولا يجوز أن يقصد استقبال رمضان بيومين أو ~~ثلاثة إلا أن يوافق وردا له وكره بعض الصحابة أن يصام رجب كله حتى لا يضاهي ~~بشهر رمضان # فالأشهر الفاضلة ذو الحجة والمحرم ورجب وشعبان # والأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب واحد فرد وثلاثة سرد # وأفضلها ذو الحجة لأن فيه الحج والأيام المعلومات والمعدودات وذو القعدة ~~من الأشهر الحرم وهو من أشهر الحج وشوال من أشهر الحج وليس من الحرم ~~والمحرم ورجب ليسا من أشهر الحج وفي الخبر ما من أيام العمل فيهن أفضل وأحب ~~إلى الله عز وجل من أيام عشر ذي الحجة إن صوم يوم منه يعدل صيام سنة وقيام ~~ليلة منه تعدل قيام ليلة القدر قيل ولا الجهاد في سبيل الله تعالى قال ولا ~~الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا من عقر جواده وأهريق دمه + حديث ما من أيام ~~العمل فيهن أفضل وأحب إلى الله من عشر ذي الحجة الحديث أخرجه الترمذي وابن ~~ماجه من حديث أبي هريرة دون قوله قيل ولا الجهاد الخ وعند البخاري من حديث ~~ابن عباس ما العمل في أيام أفضل من العمل في هذا العشر قالوا ولا الجهاد ~~قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء + # وأما ما يتكرر في الشهر فأول الشهر وأوسطه وآخره ووسطه الأيام البيض وهي ~~الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر # وأما في الأسبوع فالإثنين والخميس والجمعة فهذه هي الأيام الفاضلة فيستحب ~~فيها الصيام وتكثير الخيرات لتضاعف أجورها ببركة هذه الأوقات # وأما صوم الدهر فإنه PageV01P237 شامل للكل وزيادة وللسالكين فيه طرق ~~فمنهم من كره ذلك إذ وردت أخبار تدل على كراهته # والصحيح أنه إنما يكره لشيئين أحدهما أن لا يفطر في العيدين وأيام ~~التشريق فهو الدهر كله + الأحاديث الدالة على كراهة صيام الدهر أخرجها ~~البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو وفي حديث لابن ماجه لا صام من صام ~~الأبد ولمسلم من حديث أبي قتادة قيل يا رسول الله كيف بمن صام الدهر قال لا ~~صام ولا أفطر وأخرج النسائي نحوه من حديث عبد الله بن عمر وعمران بن حصين ~~وعبد الله بن الشخير + والآخر أن يرغب عن السنة في الإفطار ويجعل الصوم ~~حجرا على نفسه مع أن الله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه # فإذا لم يكن شيء من ذلك ورأى صلاح نفسه في صوم الدهر فليفعل ذلك فقد فعله ~~جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم # وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو موسى الأشعري من صام الدهر كله ~~ضيقت عليه جهنم وعقد تسعين + حديث أبي موسى الأشعري من صام الدهر كله ضيقت ~~عليه جهنم هكذا وعقد تسعين أخرجه أحمد والنسائي في الكبرى وابن حبان وحسنه ~~أبو علي الطوسي + ومعناه لم يكن له فيها موضع ودونه درجة أخرى وهو صوم نصف ~~الدهر بأن يصوم يوما ويفطر يوما وذلك أشد على النفس وأقوى في قهرها وقد ورد ~~في فضله أخبار كثيرة لأن العبد فيه بين صوم يوم وشكر يوم فقد قال صلى الله ~~عليه وسلم عرضت علي مفاتيح خزائن الدنيا وكنوز الأرض فرددتها وقلت أجوع ~~يوما وأشبع يوما أحمدك إذا شبعت وأتضرع إليك إذا جعت + حديث عرضت علي ~~مفاتيح خزائن الدنيا الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة بلفظ عرض علي ~~ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا وقال حسن + وقال صلى الله عليه وسلم أفضل ~~الصيام صوم أخي داود كان يصوم ويفطر يوما + حديث أفضل الصيام صوم أخي داود ~~الحديث أخرجاه من حديث عبد الله بن عمر + ومن ذلك منازلته صلى الله عليه ~~وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الصوم وهو يقول إني أطيق أكثر من ~~ذلك فقال صلى الله عليه وسلم صم يوما وأفطر يوما فقال إني أريد أفضل من ذلك ~~قال صلى الله عليه وسلم لا أفضل من ذلك + حديث منازلته لعبد الله بن عمر ~~وقوله صلى الله عليه وسلم صم يوما وأفطر يوما الحديث أخرجاه من حديثه + وقد ~~روي أنه صلى الله عليه وسلم ما صام شهرا كاملا قط إلا رمضان + حديث ما صام ~~شهرا كاملا قط إلا رمضان أخرجاه من حديث عائشة + بل كان يفطر منه ومن لا ~~يقدر على صوم نصف الدهر فلا بأس بثلثه وهو أن يصوم ويفطر يومين # وإذا صام ثلاثة من من أول الشهر وثلاثة من الوسط وثلاثة من الآخر فهو ثلث ~~وواقع في الأوقات الفاضلة # وإن صام الإثنين والخميس والجمعة فهو قريب من الثلث # وإذا ظهرت أوقات الفضيلة فالكمال في أن يفهم الإنسان معنى الصوم وأن ~~مقصوده تصفية القلب وتفريغ الهم لله عز وجل # والفقيه بدقائق الباطن ينظر إلى أحواله فقد يقتضي حاله دوام الصوم وقد ~~يقتضي دوام الفطر وقد يقتضي مزج الإفطار بالصوم # وإذا فهم المعنى وتحقق حده في سلوك طريق الآخرة بمراقبة القلب لم يخف ~~عليه صلاح قلبه وذلك لا يوجب ترتيبا مستمرا ولذلك روي أنه صلى الله عليه ~~وسلم كان يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم وينام حتى يقال لا ~~يقوم ويقوم حتى يقال لا ينام + حديث كان يصوم حتى يقال لا يفطر الحديث ~~أخرجاه من حديث عائشة وابن عباس دون ذكر القيام والنوم والبخاري من حديث ~~أنس كان يفطر من الشهر حتى يظن أن لا يصوم منه شيئا ويصوم حتى يظن أن لا ~~يفطر منه شيئا وكان لا تشاه تراه من الليل مصليا إلا رأيته ولا نائما إلا ~~رأيته + وكان ذلك بحسب ما ينكشف له بنور النبوة من القيام بحقوق الأوقات # وقد كره العلماء أن يوالي بين الإفطار أكثر من أربعة أيام تقديرا بيوم ~~العيد وأيام التشريق وذكروا أن ذلك يقسي القلب ويولد رديء العادات ويفتح ~~أبواب الشهوات ولعمري هو كذلك في حق أكثر الخلق لا سيما من يأكل في اليوم ~~والليل مرتين فهذا ما أردنا ذكره من ترتيب الصوم المتطوع به والله أعلم ~~بالصواب # تم كتاب أسرار الصوم والحمد لله بجميع محامده كلها ما علمنا منها وما لم ~~نعلم على جميع نعمه كلها ما علمنا منها PageV01P238 وما لم نعلم وصلى الله ~~على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وكرم وعلى كل عبد مصطفى من أهل الأرض ~~والسماء يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب أسرار الحج والله المعين لا رب غيره ~~وما توفيقي إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل # | كتاب أسرار الحج # بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل كلمة التوحيد لعباده حرزا ~~وحصنا وجعل البيت العتيق مثابة للناس وأمنا وأكرمه بالنسبة إلى نفسه تشريفا ~~وتحصينا ومنا وجعل زيارته والطواف به حجابا بين العبد وبين العذاب ومجنا ~~والصلاة على محمد نبي الرحمة وسيد الأمة وعلى آله وصحبه قادة الحق وسادة ~~الخلق وسلم تسليما كثيرا # أما بعد فإن الحج من بين أركان الإسلام ومبانيه عبادة العمر وختام الأمر ~~وتمام الإسلام وكمال الدين فيه أنزل الله عز وجل @QB@ اليوم أكملت لكم ~~دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا @QE@ وفيه قال صلى الله ~~عليه وسلم من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا + حديث من ~~مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا أخرجه ابن عدي من حديث ~~أبي هريرة والترمذي نحوه من حديث علي وقال غريب وفي إسناده مقال + فأعظم ~~بعبادة يعدم الدين بفقدها الكمال ويساوي تاركها اليهود والنصارى في الضلال ~~وأجدر بها أن تصرف العناية إلى شرحها وتفصيل أركانها وسننها وآدابها ~~وفضائلها وأسرارها # وجملة ذلك ينكشف بتوفيق الله عز وجل في ثلاثة أبواب # الباب الأول في فضائلها وفضائل مكة والبيت العتيق وجمل أركان وشرائط ~~وجوبها # الباب الثاني في أعمالها الظاهرة على الترتيب من مبدأ السفر إلى الرجوع # الباب الثالث في آدابها الدقيقة وأسرارها الخفية وأعمالها الباطنة فلنبدأ ~~بالباب الأول وفيه فصلان # | الفصل الأول في فضائل الحج وفضيلة البيت ومكة والمدينة حرسهما الله ~~تعالى وشد الرحال إلى المساجد # فضيلة الحج # قال الله عز وجل @QB@ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ~~يأتين من كل فج عميق @QE@ وقال قتادة لما أمر الله عز وجل إبراهيم صلى الله ~~عليه وسلم وعلى نبينا وعلى كل عبد مصطفى أن يؤذن في الناس بالحج نادى يا ~~أيها الناس إن الله عز وجل بنى بيتا فحجوه وقال تعالى @QB@ ليشهدوا منافع ~~لهم @QE@ قيل التجارة في الموسم والأجر في الآخرة # ولما سمع بعض السلف هذا قال غفر لهم ورب الكعبة وقيل في تفسير قوله عز ~~وجل @QB@ لأقعدن لهم صراطك المستقيم @QE@ أي طريق مكة يقعد الشيطان عليها ~~ليمنع الناس منها وقال صلى الله عليه وسلم من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق ~~خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه + حديث من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ~~ذنوبه كيوم ولدته أمه أخرجاه من حديث أبي هريرة + وقال أيضا صلى الله عليه ~~وسلم ما رؤي PageV01P239 الشيطان في يوم أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ ~~منه يوم عرفة + حديث ما رؤي الشيطان في يوم هو أصغر الحديث أخرجه مالك عن ~~إبراهيم بن أبي عيلة عن طلحة بن عبد الله بن كريز مرسلا + وما ذلك إلا لما ~~يرى من نزول الرحمة وتجاوز الله سبحانه عن الذنوب العظام إذ يقال إن من ~~الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة + حديث من الذنوب ذنوب لا يكفرها ~~إلا الوقوف بعرفة لم أجد له أصلا + وقد أسنده جعفر بن محمد إلى رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم # وذكر بعض المكاشفين من المقربين أن إبليس لعنة الله عليه ظهر له في صورة ~~شخص بعرفة فإذا هو ناحل الجسم مصفر اللون باكي العين مقصوف الظهر فقال له ~~ما الذي أبكى عينك قال خروج الحاج إليه بلا تجارة أقول قد قصدوه أخاف أن لا ~~يخيبهم فيحزنني ذلك قال فما الذي أنحل جسمك قال صهيل الخيل في سبيل الله عز ~~وجل ولو كانت في سبيلي كان أحب إلي قال فما الذي غير لونك قال تعاون ~~الجماعة على الطاعة ولو تعاونوا على المعصية كان أحب إلي قال فما الذي قصف ~~ظهرك قال قول العبد أسألك حسن الخاتمة أقول يا ويلتى متى يعجب هذا بعمله ~~أخاف أن يكون قد فطن وقال صلى الله عليه وسلم من خرج من بيته حاجا أو ~~معتمرا فمات أجرى له أجر الحاج المعتمر إلى يوم القيامة ومن مات في أحد ~~الحرمين لم يعرض ولم يحاسب وقيل له ادخل الجنة + حديث من خرج من بيته حاجا ~~أو معتمرا فمات أجرى الله له أجر الحاج المعتمر إلى يوم القيامة ومن مات في ~~أحد الحرمين لم يعرض ولم يحاسب وقيل له ادخل الجنة أخرجه البيهقي في الشعب ~~بالشطر الأول من حديث أبي هريرة وروى هو والدار قطني من حديث عائشة الشطر ~~الثاني نحوه وكلاهما ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم حجة مبرورة خير من ~~الدنيا وما فيها وحجة مبرورة ليس لها جزاء إلا الجنة + حديث حجة مبرورة خير ~~من الدنيا وما فيها وحجة مبرورة ليس لها جزاء إلا الجنة أخرجاه من حديث أبي ~~هريرة الشطر الثاني بلفظ الحج المبرور وقال إن الحجة المبرورة وعند ابن عدي ~~حجة مبرورة + وقال صلى الله عليه وسلم الحجاج والعمار وفد الله عز وجل ~~وزواره إن سألوه أعطاهم وإن استغفروه غفر لهم وإن دعوا استجيب لهم وإن ~~شفعوا شفعوا + حديث الحجاج والعمار وفد الله وزواره الحديث أخرجه من حديث ~~أبي هريرة دون قوله وزواره ودون قوله إن سألوه أعطاهم وإن شفعوا شفعوا وله ~~من حديث ابن عمر وسألوه فأعطاهم ورواه ابن حبان + وفي حديث مسند من طريق ~~أهل البيت عليهم السلام أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن أن الله تعالى لم ~~يغفر له + حديث أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن أن الله لم يغفر له أخرجه ~~الخطيب في المتفق والمفترق وأبو منصور شهر دار بن شيرويه الديلمي في مسند ~~الفردوس من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف + وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن ~~النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ينزل على هذا البيت في كل يوم مائة ~~وعشرون رحمة ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين + حديث ينزل ~~على هذا البيت في كل يوم مائة وعشرون رحمة أخرجه ابن حبان في الضعفاء ~~والبيهقي في الشعب من حديث ابن عباس بإسناد حسن وقال أبو حاتم حديث منكر + ~~وفي الخبر استكثروا من الطواف بالبيت فإنه من أجل شيء تجدونه في صحفكم يوم ~~القيامة وأغبط عمل تجدونه + حديث استكثروا من الطواف بالبيت الحديث أخرجه ~~ابن حبان والحاكم من حديث ابن عمر استمتعوا من هذا البيت فإنه هدم مرتين ~~ويرفع في الثالثة وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين + ولهذا يستحب الطواف ~~ابتداء من غير حج ولا عمرة وفي الخبر من طاف أسبوعا حافيا حاسرا كان له ~~كعتق رقبة ومن طاف أسبوعا في المطر غفر له ما سلف من ذنبه + حديث من طاف ~~أسبوعا حافيا حاسرا كان له كعتق رقبة ومن طاف أسبوعا في المطر غفر له ما ~~سلف من ذنوبه لم أجده هكذا وعند الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر من طاف ~~بهذا البيت أسبوعا فأحصاه كان كعتق رقبة لفظ الترمذي وحسنه + ويقال إن الله ~~عز وجل إذا غفر لعبد ذنبا في الموقف غفره لكل من أصابه في ذلك الموقف # وقال بعض السلف إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكل أهل عرفة وهو أفضل ~~PageV01P240 يوم في الدنيا وفيه حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة ~~الوداع وكان واقفا إذ نزل قوله عز وجل @QB@ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت ~~عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا @QE@ + حديث وقوله وقوفه في حجة الوداع ~~يوم الجمعة ونزول اليوم أكملت لكم دينكم @QB@ الحديث @QE@ أخرجاه من حديث ~~عمر + قال أهل الكتاب لو أنزلت هذه الآية علينا لجعلناها يوم عيد فقال عمر ~~رضي الله عنه أشهد لقد نزلت هذه الآية في يوم عيدين اثنين يوم عرفة ويوم ~~جمعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة # وقال صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج + حديث ~~اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة ~~وقال صحيح على شرط مسلم + ويروى أن علي بن موفق حج عن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم حججا قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي ~~يا ابن موفق حججت عني قلت نعم قال ولبيت عني قلت نعم # قال فإني أكافئك بها يوم القيامة آخذ بيدك في الموقف فأدخلك الجنة ~~والخلائق في كرب الحساب # وقال مجاهد وغيره من العلماء إن الحجاج إذا قدموا مكة تلقتهم الملائكة ~~فسلموا على ركبان الإبل وصافحوا ركبان الحمر واعتنقوا المشاة اعتناقا # وقال الحسن من مات عقيب رمضان أو عقيب غزو أو عقيب حج مات شهيدا # وقال عمر رضي الله عنه الحاج مغفور له ولمن يستغفر له في شهر ذي الحجة ~~والمحرم وصفر وعشرين من ربيع الأول # وقد كان من سنة السلف رضي الله عنهم أن يشيعوا الغزاة وأن يستقبلوا الحاج ~~ويقبلوا بين أعينهم ويسألوهم الدعاء ويبادرون ذلك قبل أن يتدنسوا بالآثام # ويروى عن علي بن موفق قال حججت سنة فلما كان ليلة عرفة نمت بمنى في مسجد ~~الخيف فرأيت في المنام كأن ملكين قد نزلا من السماء عليهما ثياب خضر فنادى ~~أحدهما صاحبه يا عبد الله فقال الآخر لبيك يا عبد الله قال تدري كم حج بيت ~~ربنا عز وجل في هذه السنة قال لا أدري قال حج بيت ربنا ستمائة ألف أفتدري ~~كم قبل منهم قال لا قال ستة أنفس قال ثم ارتفعا في الهواء فغابا عني ~~فانتبهت فزعا واغتممت غما شديدا وأهمني أمري فقلت إذا قبل حج ستة أنفس فأين ~~أكون أنا في ستة أنفس فلما أفضت من عرفة قمت عند المشعر الحرام فجعلت أفكر ~~في كثرة الخلق وفي قلة من قبل منهم فحملني النوم فإذا الشخصان قد نزلا على ~~هيئتهما فنادى أحدهما صاحبه وأعاد الكلام بعينه ثم قال أتدري ماذا حكم ربنا ~~عز وجل في هذه الليلة قال لا قال فإنه وهب لكل واحد من الستة مائة ألف قال ~~فانتبهت وبي من السرور ما يجل عن الوصف # وعنه أيضا رضي الله عنه قال حججت سنة فلما قضيت مناسكي تفكرت فيمن لا ~~يقبل حجه فقلت اللهم إني قد وهبت حجتي وجعلت ثوابها لمن لم تقبل حجته قال ~~فرأيت رب العزة في النوم جل جلاله فقال لي يا علي تتسخى علي وأنا خلقت ~~السخاء والأسخياء وأنا أجود الأجودين وأكرم الأكرمين وأحق بالجود والكرم من ~~العالمين قد وهبت كل من لم أقبل حجه لمن قبلته فضيلة البيت ومكة المشرفة # قال صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل قد وعد هذا البيت أن يحجه كل سنة ~~ستمائة ألف فإن نقصوا أكملهم الله عز وجل من الملائكة + حديث إن الله قد ~~وعد هذا البيت أن يحجه في كل سنة ستمائة ألف الحديث لم أجد له أصلا + وإن ~~الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة وكل من حجها يتعلق بأستارها يسعون حولها حتى ~~تدخل الجنة فيدخلون معها وفي الخبر إن الحجر الأسود ياقوتة من يواقيت الجنة ~~وإنه يبعث يوم القيامة له عينان ولسان ينطق PageV01P241 به يشهد لكل من ~~استلمه بحق وصدق + حديث إن الحجر ياقوتة من يواقيت الجنة ويبعث يوم القيامة ~~له عينان الحديث أخرجه الترمذي وصححه النسائي من حديث ابن عباس الحجر ~~الأسود من الجنة لفظ النسائي وباقي الحديث رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه ~~وابن حبان والحاكم وصحح إسناده من حديث ابن عباس أيضا وللحاكم من حديث أنس ~~إن الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة وصحح إسناده ورواه النسائي وابن ~~حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو + وكان صلى الله عليه وسلم يقبله ~~كثيرا + حديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبله كثيرا أخرجاه من حديث عمر ~~دون قوله كثيرا والنسائي أنه كان يقبله كل مرة ثلاثا إن رآه خاليا + وروي ~~أنه صلى الله عليه وسلم سجد عليه وكان يطوف على الراحلة فيضع المحجن عليه ~~ثم يقبل طرف المحجن + حديث إنه كان يسجد عليه أخرجه البزار والحاكم من حديث ~~عمر وصحح إسناده + وقبله عمر رضي الله عنه ثم قال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ~~ولا تنفع + قبله عمر وقال إني لأعلم أنك حجر أخرجاه دون الزيادة التي رواها ~~علي ورواه بتلك الزيادة الحاكم وقال ليس من شرط الشيخين + ولولا أني رأيت ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ثم بكى حتى علا نشيجه فالتفت ~~إلى ورائه فرأى عليا كرم الله وجهه ورضي الله عنه فقال يا أبا الحسن ههنا ~~تسكب العبرات وتستجاب الدعوات فقال علي رضي الله عنه يا أمير المؤمنين بل ~~هو يضر وينفع قال وكيف قال إن الله تعالى لما أخذ الميثاق على الذرية كتب ~~عليهم كتابا ثم ألقمه هذا الحجر فهو يشهد للمؤمن بالوفاء ويشهد على الكافر ~~بالجحود قيل فذلك هو معنى قول الناس عند الاستلام اللهم إيمانا بك وتصديقا ~~بكتابك ووفاء بعهدك # وروي عن الحسن البصري رضي الله عنه أن صوم يوم فيها بمائة ألف يوم وصدقة ~~درهم بمائة ألف درهم وكذلك كل حسنة بمائة ألف ويقال طواف سبعة أسابيع أيام ~~يعدل عمرة وثلاث عمر تعدل حجة # وفي الخبر الصحيح عمرة في رمضان كحجة معي + حديث عمرة في رمضان كحجة معي ~~أخرجاه من حديث ابن عباس دون قوله معي فهي عند مسلم على الشك تقضي حجة أو ~~حجة معي ورواه الحاكم بزيادتها من غير شك + وقال صلى الله عليه وسلم أنا ~~أول من تنشق عنه الأرض ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي ثم آتي أهل مكة فأحشر ~~بين الحرمين + حديث أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم آتي أهل البقيع فيحضرون ~~معي الحديث أخرجه الترمذي وحسنه ابن حبان من حديث ابن عمر + # وفي الخبر إن آدم صلى الله عليه وسلم لما قضى مناسكه لقيته الملائكة ~~فقالوا بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام + حديث إن آدم ~~لما قضى مناسكه لقيته الملائكة فقالوا بر حجك يا آدم الحديث رواه المفضل ~~الجعدي ومن طريقه ابن الجوزي في العلل من حديث ابن عباس وقال لا يصح ورواه ~~الأزرقي في تاريخ مكة موقوفا على ابن عباس + # وجاء في الأثر إن الله عز وجل ينظر في كل ليلة إلى أهل الأرض فأول من ~~ينظر إليه أهل الحرم وأول من ينظر إليه من أهل الحرم أهل المسجد الحرام فمن ~~رآه طائفا غفر له ومن رآه مصليا غفر له ومن رآه قائما مستقبل الكعبة غفر له # وكوشف بعض الأولياء رضي الله عنهم قال إني رأيت الثغور كلها تسجد لعبادان ~~ورأيت عبادان ساجدة لجدة # ويقال لا تغرب الشمس من يوم إلا ويطوف بهذا البيت رجل من الأبدال ولا ~~يطلع الفجر من ليلة إلا طاف به واحد من الأوتاد وإذا انقطع ذلك كان سبب ~~رفعه من الأرض فيصبح الناس وقد رفعت الكعبة لا يرى الناس لها أثرا وهذا إذا ~~أتى عليها سبع سنين لم يحجها أحد ثم يرفع القرآن من المصاحف فيصبح الناس ~~فإذا الورق أبيض يلوح ليس فيه حرف ثم ينسخ القرآن من القلوب فلا يذكر منه ~~كلمه ثم يرجع الناس إلى الأشعار والأغاني وأخبار الجاهلية ثم يخرج الدجال ~~وينزل عيسى عليه السلام فيقتله والساعة عند ذلك بمنزلة الحامل المقرب التي ~~تتوقع ولادتها # وفي الخبر استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يرفع فقد هدم مرتين ~~ويرفع في الثالثة + حديث استكثروا من الطواف بهذا البيت الحديث أخرجه ~~البزار وابن حبان والحاكم وصححه من حديث ابن عمر استمتعوا من هذا البيت ~~فإنه هدم مرتين ويرفع في الثالثة + # وروي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قال ~~PageV01P242 الله تعالى إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي فخربته ثم أخرب ~~الدنيا على أثره + حديث قال الله إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي ~~فخربته ثم أخرب الدنيا على أثره ليس له أصل + فضيلة المقام بمكة حرسها الله ~~تعالى وكراهيته # كره الخائفون المحتاطون من العلماء المقام بمكة لمعان ثلاثة # الأول خوف التبرم والأنس بالبيت فإن ذلك ربما يؤثر في تسكين حرقة القلب ~~في الاحترام وهكذا كان عمر رضي الله عنه يضرب الحجاج إذا حجوا ويقول يا أهل ~~اليمن يمنكم ويا أهل الشام شامكم ويا أهل العراق عراقكم ولذلك هم عمر رضي ~~الله عنه بمنع الناس من كثرة الطواف وقال خشيت أن يأنس الناس بهذا البيت # الثاني تهييج الشوق بالمفارقة لتنبعث داعية العودة فإن الله تعالى جعل ~~البيت مثابة للناس وأمنا أي يثوبون ويعودون إليه مرة بعد أخرى ولا يقضون ~~منه وطرا # وقال بعضهم تكون في بلد وقلبك مشتاق إلى مكة متعلق بهذا البيت خير لك من ~~أن تكون فيه وأنت متبرم بالمقام وقلبك في بلد آخر # وقال بعض السلف كم من رجل بخراسان هو أقرب إلى هذا البيت ممن يطوف به ~~ويقال إن لله تعالى عبادا تطوف بهم الكعبة تقربا إلى الله عز وجل # الثالث الخوف من ركوب الخطايا والذنوب بها فإن ذلك مخطر وبالحرى أن يورث ~~مقت الله عز وجل لشرف الموضع # وروي عن وهيب بن الورد المكي قال كنت ذات ليلة في الحجر أصلي فسمعت كلاما ~~بين الكعبة والأستار يقول إلى الله أشكو ثم إليك يا جبرائيل ما ألقى من ~~الطائفين حولي من تفكرهم في الحديث ولغوهم ولهوهم لئن لم ينتهوا عن ذلك ~~لأنتفضن انتفاضة يرجع كل حجر مني إلى الجبل الذي قطع منه # وقال ابن مسعود رضي الله عنه ما من بلد يؤاخذ فيه العبد بالنية قبل العمل ~~إلا مكة وتلا قوله تعالى ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم أي أنه ~~على مجرد الإرادة # ويقال إن السيئات تضاعف بها كما تضاعف الحسنات وكان ابن عباس رضي الله ~~عنه يقول الاحتكار بمكة من الإلحاد في الحرم وقيل الكذب أيضا وقال ابن عباس ~~لأن أذنب سبعين ذنبا بركية أحب إلي من أن أذنب ذنبا واحدا بمكة وركية منزل ~~بين مكة والطائف والخوف ذلك انتهى بعض المقيمين إلى أن لم يقض حاجته في ~~الحرم بل كان يخرج إلى الحل عند قضاء الحاجة # وبعضهم أقام شهرا وما وضع جنبه على الأرض # وللمنع من الإقامة كره بعض العلماء أجور دور مكة ولا تظنن أن كراهة ~~المقام يناقض فضل البقعة لأن هذه كراهة علتها ضعف الخلق وقصورهم عن القيام ~~بحق الموضع فمعنى قولنا إن ترك المقام به أفضل أي بالإضافة إلى مقام مع ~~التقصير والتبرم أما أن يكون أفضل من المقام مع الوفاء بحقه فهيهات وكيف لا ~~ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة استقبل الكعبة وقال إنك ~~لخير أرض الله عز وجل وأحب بلاد الله تعالى إلي ولولا أني أخرجت منك لما ~~خرجت + حديث إنك لخير أرض الله وأحب بلاد الله إلى الله ولولا أني أخرجت ~~منك ما خرجت أخرجه الترمذي وصححه النسائي في الكبرى وابن ماجه وابن حبان من ~~حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء + وكيف لا والنظر إلى البيت عبادة ~~والحسنات فيها مضاعفة كما ذكرناه فضيلة المدينة الشريفة على سائر البلاد # ما بعد مكة بقعة أفضل من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأعمال ~~فيها أيضا مضاعفة قال صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا خير من ألف ~~صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام + حديث صلاة في مسجدي هذا خير من ألف ~~صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام متفق عليه من حديث أبي هريرة ورواه مسلم ~~من حديث ابن عمر + وكذلك كل عمل بالمدينة بألف PageV01P243 وبعد مدينته ~~الأرض المقدسة فإن الصلاة فيها بخمسمائة صلاة فيما سواها إلا المسجد الحرام ~~وكذلك سائر الأعمال # وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة في مسجد المدينة ~~بعشرة آلاف صلاة وصلاة في المسجد الأقصى بألف صلاة وصلاة في المسجد الحرام ~~بمائة ألف صلاة + حديث ابن عباس صلاة في مسجد المدينة بعشرة آلاف صلاة ~~وصلاة في المسجد الأقصى بألف صلاة وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ~~غريب لم أجده بجملته هكذا وأخرجه ابن ماجه من حديث ميمونة بإسناد جيد في ~~بيت المقدس ائتوه فصلوا فيه فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره ولابن ماجه ~~من حديث أنس صلاة بالمسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة وصلاة في مسجدي بخمسين ~~ألف صلاة وليس في إسناده من ضعف وقال الذهبي إنه منكر + وقال صلى الله عليه ~~وسلم من صبر على شدتها ولأوائها كنت له شفيعا يوم القيامة + حديث لا يصبر ~~على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا يوم القيامة من حديث أبي هريرة ~~وابن عمر وأبي سعيد + وقال صلى الله عليه وسلم من استطاع أن يموت بالمدينة ~~فليمت فإنه لن يموت بها أحد إلا كنت له شفيعا يوم القيامة + حديث من استطاع ~~أن يموت بالمدينة فليمت بها الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن ~~عمر قال الترمذي حسن صحيح + وما بعد هذه البقاع الثلاث فالمواضع فيها ~~متساوية إلا الثغور فإن المقام بها للمرابطة فيها فيه فضل عظيم # ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد ~~الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى + حديث لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة ~~مساجد الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد + وقد ذهب بعض العلماء ~~إلى الاستدلال بهذا الحديث في المنع من الرحلة لزيارة المشاهد وقبور ~~العلماء والصلحاء وما تبين لي أن الأمر كذلك بل الزيارة مأمور بها قال صلى ~~الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا + حديث ~~كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها أخرجه مسلم من حديث بريدة بن الحصيب + ~~والحديث إنما ورد في المساجد وليس في معناها المشاهد لأن المساجد بعد ~~المساجد الثلاثة متماثلة ولا بلد إلا وفيه مسجد فلا معنى للرحلة إلى مسجد ~~آخر وأما المشاهد فلا تتساوى بل بركة زيارتها على قدر درجاتهم عند الله عز ~~وجل نعم لو كان في موضع لا مسجد فيه فله أن يشد الرحال إلى موضع فيه مسجد ~~وينتقل إليه بالكلية إن شاء ثم ليت شعري هل يمنع هذا القائل من شد الرحال ~~إلى قبور الأنبياء عليهم السلام مثل إبراهيم وموسى ويحيى وغيرهم عليهم ~~السلام فالمنع من ذلك في غاية الإحالة فإذا جوز هذا فقبور الأولياء ~~والعلماء والصلحاء في معناها فلا يبعد أن يكون ذلك من أغراض الرحلة كما أن ~~زيارة العلماء في الحياة من المقاصد هذا في الرحلة أما المقام فالأولى ~~بالمريد أن يلازم مكانه إذا لم يكن قصده من السفر استفادة العلم مهما سلم ~~له حاله في وطنه فإن لم يسلم فيطلب من المواضع ما هو أقرب إلى الخمول وأسلم ~~للدين وأفرغ للقلب وأيسر للعبادة فهو أفضل المواضع له قال صلى الله عليه ~~وسلم البلاد بلاد الله عز وجل والخلق عباده فأي موضع رأيت فيه رفقا فأقم ~~واحمد الله تعالى + حديث البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فأي موضع رأيت ~~فيه رفقا فأقم أخرجه أحمد والطبراني من حديث الزبير بسند ضعيف + وفي الخبر ~~من بورك له في شيء فليلزمه ومن جعلت معيشته في شيء فلا ينتقل عنه حتى يتغير ~~عليه + حديث من رزق في شيء فليلزمه ومن جعلت معيشته في شيء فلا ينتقل عنه ~~حتى يتغير عليه أخرجه ابن ماجه من حديث أنس بالجملة الأولى بسند حسن ومن ~~حديث عائشة بسند فيه جهالة بلفظ إذا سبب الله لأحدكم رزقا من وجه فلا يدعه ~~حتى يتغير أو يتنكر له + وقال أبو نعيم رأيت سفيان الثوري وقد جعل جرابه ~~على كتفه وأخذ نعليه بيده فقلت إلى أين يا أبا عبد الله قال إلى بلد أملأ ~~فيه جرابي بدرهم # وفي حكاية أخرى بلغني عن قرية فيها رخص أقيم فيها قال فقلت وتفعل هذا يا ~~أبا عبد الله فقال نعم إذا سمعت برخص في بلد فاقصده فإنه أسلم لدينك وأقل ~~لهمك وكان يقول هذا زمان سوء لا يؤمن فيه على الخاملين فكيف PageV01P244 ~~بالمشهورين هذا زمان تنقل يتنقل الرجل من قرية إلى قرية يفر بدينه من الفتن # ويحكى عنه أنه قال والله ما أدري أي البلاد أسكن فقيل له خراسان فقال ~~مذاهب مختلفة وآراه فاسدة قيل فالشام قال يشار إليك بالأصابع أراد الشهرة ~~قيل فالعراق قال بلد الجبابرة قيل مكة قال مكة تذيب الكيس والبدن وقال له ~~رجل غريب عزمت على المجاورة بمكة فأوصني قال أوصيك بثلاث لا تصلين في الصف ~~الأول ولا تصحبن قرشيا ولا تظهرن صدقة وإنما كره الصف الأول لأنه يشتهر ~~فيفتقد إذا غاب فيختلط بعمله التزين والتصنع # | الفصل الثاني في شروط وجوب الحج وصحة أركانه وواجباته ومحظوراته # أما الشرائط فشرط صحة الحج اثنان الوقت والإسلام فيصح حج الصبي ويحرم ~~بنفسه إن كان مميزا ويحرم عنه وليه إن كان صغيرا ويفعل به ما يفعل في الحج ~~من الطواف والسعي وغيره # وأما الوقت فهو شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من يوم ~~النحر فمن أحرم بالحج في غير هذه المدة فهي عمرة وجميع السنة وقت العمرة ~~ولكن من كان معكوفا على النسك أيام منى فلا ينبغي أن يحرم بالعمرة لأنه لا ~~يتمكن من الاشتغال عقيبه لاشتغاله بأعمال منى # وأما شروط وقوعه عن حجة الإسلام فخمسة الإسلام والحرية والبلوغ والعقل ~~والوقت # فإن أحرم الصبي أو العبد ولكن عتق العبد وبلغ الصبي بعرفة أو بمزدلفة ~~وعاد إلى عرفة قبل طلوع الفجر أجزأهما عن حجة الإسلام لأن الحج عرفة وليس ~~عليهما دم إلا شاة # وتشترط هذه الشرائط في وقوع العمرة عن فرض الإسلام إلا الوقت وأما شروط ~~وقوع الحج نفلا عن الحر البالغ فهو بعد براءة ذمته عن حجة الإسلام فحج ~~الإسلام متقدم ثم القضاء لمن أفسده في حالة الوقوف ثم النذر ثم النيابة ثم ~~النفل وهذا الترتيب مستحق وكذلك يقع وإن نوى خلافه # وأما شروط لزوم الحج فخمسة البلوغ والإسلام والعقل والحرية والاستطاعة # ومن لزمه فرض الحج لزمه فرض العمرة ومن أراد دخول مكة لزيارة أو تجارة ~~ولم يكن حطابا لزمه الإحرام على قول ثم يتحلل بعمل عمرة أو حج # وأما الاستطاعة فنوعان أحدهما المباشرة وذلك له أسباب أما في نفسه ~~فبالصحة وأما في الطريق فبأن تكون خصبة آمنة بلا بحر مخطر ولا عدو قاهر ~~وأما في المال فبأن يجد نفقة ذهابه وإيابه إلى وطنه كان له أهل أو لم يكن ~~لأن مفارقة الوطن شديدة وأن يملك نفقة من تلزمه نفقته في هذه المدة وأن ~~يملك ما يقضي به ديونه وأن يقدر على راحلة أو كرائها بمحمل أو زاملة إن ~~استمسك على الزاملة # وأما النوع الثاني فاستطاعة المغضوب بماله وهو أن يستأجر من يحج عنه بعد ~~فراغ الأجير عن حجة الإسلام لنفسه ويكفي نفقة الذهاب بزاملة في هذا النوع ~~والابن إذا عرض طاعته على الأب الزمن صار به مستطيعا ولو عرض ماله لم يصر ~~به مستطيعا لأن الخدمة بالبدن فيها شرف للولد وبذل المال فيه منة على ~~الوالد # ومن استطاع لزمه الحج وله التأخير ولكنه فيه على خطر فإن تيسر له ولو في ~~آخر عمره سقط عنه # وإن مات قبل الحج لقي الله عز وجل عاصيا بترك الحج وكان الحج في تركته ~~يحج عنه وإن لم يوص كسائر ديونه # وإن استطاع في سنة فلم يخرج مع الناس وهلك ماله في تلك السنة قبل حج ~~الناس ثم مات لقي الله عز وجل ولا حج عليه # ومن مات ولم يحج مع اليسار فأمره شديد عند الله تعالى قال عمر رضي الله ~~عنه لقد هممت أن أكتب في الأمصار بضرب الجزية على من لم يحج ممن يستطيع ~~إليه سبيلا # وعن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ومجاهد وطاوس لو علمت رجلا غنيا وجب ~~عليه الحج ثم مات قبل أن يحج ما صليت عليه وبعضهم كان له جار موسر فمات ولم ~~يحج فلم يصل عليه # وكان ابن عباس يقول من مات ولم يزك ولم يحج سأل الرجعة إلى الدنيا وقرأ ~~قوله عز وجل رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت @QB@ قال @QE@ ~~PageV01P245 الحج # وأما الأركان التي لا يصح الحج بدونها فخمسة الإحرام والطواف والسعي بعده ~~والوقوف بعرفة والحلق بعده على قول وأركان العمرة كذلك إلا الوقوف # والواجبات المجبورة بالدم ست الإحرام من الميقات فمن تركه وجاوز الميقات ~~محلا فعليه شاة والرمي فيه الدم قولا واحدا وأما الصبر بعرفة إلى غروب ~~الشمس والمبيت بمزدلفة والمبيت بمنى وطواف الوداع فهذه الأربعة يجبر تركها ~~بالدم على أحد القولين وفي القول الثاني فيها دم على وجه الاستحباب # وأما وجوه أداء الحج والعمرة فثلاثة # الأول الإفراد وهو الأفضل وذلك أن يقدم الحج وحده فإذا فرغ خرج إلى الحل ~~فأحرم واعتمر وأفضل الحل لإحرام العمرة الجعرانة ثم التنعيهم ثم الحديبية ~~وليس على المفرد دم إلا أن يتطوع # الثاني القران وهو أن يجمع فيقول لبيك بحجة وعمرة معا فيصير محرما بهما ~~ويكفيه أعمال الحج وتندرج العمرة تحت الحج كما يندرج الوضوء تحت الغسل إلا ~~أنه إذا طاف وسعى قبل الوقوف بعرفة فسعيه محسوب من النسكين وأما طوافه فغير ~~محسوب لأن شرط الطواف الفرض في الحج أن يقع بعد الوقوف وعلى القارن دم شاة ~~إلا أن يكون مكيا فلا شيء عليه لأنه لم يترك ميقاته إذ ميقاته مكة # الثالث التمتع وهو أن يجاوز الميقات محرما بعمرة ويتحلل بمكة ويتمتع ~~بالمحظورات إلى وقت الحج ثم يحرم بالحج ولا يكون متمتعا إلا بخمس شرائط # أحدها أن لا يكون من حاضري المسجدد الحرام وحاضره من كان منه على مسافة ~~لا تقصر فيها الصلاة # الثاني أن يقدم العمرة على الحج # الثالث أن تكون عمرته في أشهر الحج # الرابع أن لا يرجع إلى ميقات الحج ولا إلى مثل مسافته لإحرام الحج # الخامس أن يكون حجه وعمرته عن شخص واحد فإذا وجدت هذه الأوصاف كان متمتعا ~~ولزمه دم شاة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم النحر متفرقة أو ~~متتابعة وسبعة إذا رجع إلى الوطن وإن لم يصم الثلاثة حتى رجع إلى الوطن صام ~~العشرة تتابعا أو متفرقا وبدل دم القران والتمتع سواء # والأفضل الإفراد ثم التمتع ثم القرن # وأما محظورات الحج والعمرة فستة # الأول اللبس للقميص والسراويل والخف والعمامة بل ينبغي أن يلبس إزارا ~~ورداء ونعلين فإن لم يجد نعلين فمكعبين فإن لم يجد إزارا فسراويل ولا بأس ~~بالمنطقة والاستظلال في المحمل ولكن لا ينبغي أن يغطي رأسه فإن إحرامه في ~~الرأس وللمرأة أن تلبس كل مخيط بعد أن لا تستر وجهها بما يماسه فإن إحرامها ~~في وجهها # الثاني الطيب فليجتنب كل ما يعده العقلاء طيبا فإن تطيب أو لبس فعليه دم ~~شاة # الثالث الحلق والقلم وفيهما الفدية أعني دم شاة ولا بأس بالكحل ودخول ~~الحمام والفصد والحجامة وترجيل الشعر # الرابع الجماع وهو مفسد قبل التحلل الأول وفيه بدنة أو بقرة أو سبع شياه ~~وإن كان بعد التحلل الأول لزمه البدنة ولم يفسد حجه # والخامس مقدمات الجماع كالقبلة والملامسة التي تنقض الطهر مع النساء فهو ~~محرم وفيه شاة وكذا في الاستمناء ويحرم النكاح والإنكاح ولا دم فيه لأنه لا ~~ينعقد # السادس قتل صيد البر أعني ما يؤكل أو هو متولد من الحلال والحرام فإن قتل ~~صيدا فعليه مثله من النعم يراعى فيه التقارب في الخلقة وصيد البحر حلال ولا ~~جزاء فيه # | الباب الثاني في ترتيب الأعمال الظاهرة من أول السفر إلى الرجوع وهي # عشر جمل الجملة الأولى في السير من أول الخروج إلى الإحرام وهي ثمانية # الأولى في المال فينبغي أن يبدأ بالتوبة ورد المظالم وقضاء الديون وإعداد ~~النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع ويرد ما عنده من الودائع ويستصحب ~~من المال الحلال الطيب ما يكفيه لذهابه وإيابه من غير PageV01P246 تقتير بل ~~على وجه يمكنه معه التوسع في الزاد والرفق بالضعفاء والفقراء # ويتصدق بشيء قبل خروجه ويشتري لنفسه دابة قوية على الحمل لا تضعف أو ~~يكتريها فإن اكترى فليظهر للمكاري كل ما يريد أن يحمله من قليل أو كثير ~~ويحصل رضاه فيه # الثانية في الرفيق ينبغي أن يلتمس رفيقا صالحا محبا للخير معينا عليه إن ~~نسي ذكره وإن ذكر أعانه وإن جبن شجعه وإن عجز قواه وإن ضاق صدره صبره # ويودع رفقاءه المقيمين وإخوانه وجيرانه فيودعهم ويلتمس أدعيتهم فإن الله ~~تعالى جاعل في أدعيتهم خيرا والسنة في الوداع أن يقول أستودع الله دينك ~~وأمانتك وخواتيم عملك + حديث أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك أخرجه ~~الترمذي وصححه والنسائي من حديث ابن عمر أنه كان يقول للرجل إذا أراد سفرا ~~ادن حتى أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا + وكان صلى ~~الله عليه وسلم يقول لمن أراد السفر في حفظ الله وكنفه زودك الله التقوى ~~وغفر ذنبك ووجهك للخير أينما كنت + حديث كان صلى الله عليه وسلم يقول لمن ~~أراد سفرا في حفظ الله وكنفه زودك الله التقوى وغفر الله ذنبك ووجهك للخير ~~أينما توجهت أخرجه الطبراني في الدعاء من حديث أنس وهو عند الترمذي وحسنه ~~دون قوله في حفظ الله وكنفه + # الثالثة في الخروج من الدار ينبغي إذا هم بالخروج أن يصلي ركعتين أولا ~~يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون وفي الثانية الإخلاص فإذا ~~فرغ رفع يديه ودعا الله سبحانه عن إخلاص صاف ونية صادقة وقال اللهم أنت ~~الصاحب في السفر وأنت الخليفة في الأهل والمال والولد والأصحاب احفظنا ~~وإياهم من كل آفة وعاهة اللهم إنا نسألك في مسيرنا هذا البر والتقوى ومن ~~العمل ما ترضى اللهم إنا نسألك أن تطوي لنا الأرض وتهون علينا السفر وأن ~~ترزقنا في سفرنا سلامة البدن والدين والمال وتبلغنا حج بيتك وزيارة قبر ~~نبيك محمد صلى الله عليه وسلم اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة ~~المنظر وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد والأصحاب اللهم اجعلنا وإياهم ~~في جوارك ولا تسلبنا وإياهم نعمتك ولا تغير ما بنا وبهم من عافيتك # الرابعة إذا حصل على باب الدار قال بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا ~~قوة إلا بالله أعوذ بالله رب أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أذل أو أذل أو أزل ~~أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي اللهم إني لم أخرج أشرا ولا ~~بطرا ولا رياء ولا سمعة بل خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك وقضاء فرضك ~~واتباع سنة نبيك وشوقا إلى لقائك فإذا مشى قال اللهم بك انتشرت وعليك توكلت ~~وبك اعتصمت وإليك توجهت اللهم أنت ثقتي وأنت رجائي فاكفني ما أهمني وما لا ~~أهتم به وما أنت أعلم به مني عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك اللهم زودني ~~التقوى واغفر لي ذنبي ووجهني للخير أينما توجهت ويدعو بهذا الدعاء في كل ~~منزل يدخل عليه # الخامسة في الركوب فإذا ركب الراحلة يقول بسم الله وبالله والله أكبر ~~توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ما شاء الله كان ~~وما لم يشأ لم يكن سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا ~~لمنقلبون اللهم إني وجهت وجهي إليك وفوضت أمري كله إليك وتوكلت في جميع ~~أموري عليك أنت حسبي ونعم الوكيل # فإذا استوى على الراحلة واستوت تحته قال سبحان الله والحمد لله ولا إله ~~إلا الله والله أكبر سبع مرات وقال الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا ~~لنهتدي لولا أن هدانا الله اللهم أنت الحامل على الظهر وأنت المستعان على ~~الأمور # السادسة في النزول والسنة أن لا ينزل حتى يحمى النهار ويكون أكثر سيره ~~بالليل قال صلى الله عليه وسلم عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل ما لا ~~تطوى بالنهار + حديث عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى ~~بالنهار أخرجه أبو داود من حديث أنس دون قوله ما لا تطوى بالنهار وهذه ~~الزيادة في الموطأ من حديث خالد بن معدان مرسلا + وليقلل نومه بالليل حتى ~~يكون PageV01P247 عونا على السير # ومهما أشرف على المنزل فليقل اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب ~~الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين ورب ~~البحار وما جرين أسألك خير هذا المنزل وخير أهله وأعوذ بك من شره وشر ما ~~فيه اصرف عني شر شرارهم # فإذا نزل المنزل صلى ركعتين فيه ثم قال أعوذ بكلمات الله التامات التي لا ~~يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق # فإذا جن عليه الليل يقول يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما ~~فيك وشر ما دب عليك أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود وحية وعقرب ومن شر ساكن ~~البلد ووالد وما ولد وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم # السابعة في الحراسة ينبغي أن يحتاط بالنهار فلا يمشي منفردا خارج القافلة ~~لأنه ربما يغتال أو ينقطع ويكون بالليل متحفظا عند النوم فإن نام في ابتداء ~~الليل افترش ذراعه وإن نام في آخر الليل نصب ذراعه نصبا وجعل رأسه في كفه ~~هكذا كان ينام رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره + حديث كان إذا نام في ~~أول الليل افترش ذراعه وإذا نام في آخر الليل نصب ذراعه نصبا وجعل ذراعه في ~~كفه أخرجه أحمد والترمذي في الشمائل من حديث أبي قتادة بإسناد صحيح وعزاه ~~أبو مسعود الدمشقي والحميدي إلى مسلم ولم أره فيه + لأنه ربما استثقل النوم ~~فتطلع الشمس وهو لا يدري فيكون ما يفوته من الصلاة أفضل مما يناله من الحج ~~والأحب في الليل أن يتناوب الرفيقان في الحراسة فإن نام أحدهما حرس الآخر + ~~حديث تناوب الرفيقين في الحراسة فإذا نام أحدهما حرس الآخر أخرجه البيهقي ~~من طريق ابن إسحاق من حديث جابر في حديث فيه فقال الأنصاري أي الليل أحب ~~إليك أن أكفيكه أوله أو آخره فقال بل اكفني أوله فاضطجع المهاجري الحديث ~~والحديث عند أبي داود ولكن ليس فيه قول الأنصاري للمهاجرين + فهو السنة فإن ~~قصده عدو أو سبع في ليل أو نهار فليقرأ آية الكرسي وشهد الله والإخلاص ~~والمعوذتين وليقل بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله حسبي الله توكلت ~~على الله ما شاء الله لا يأتي بالخير إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء ~~إلا الله حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء الله منتهى ولا دون ~~الله ملجأ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز تحصنت بالله العظيم ~~واستغثت بالحي الذي لا يموت اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واكنفنا بركنك ~~الذي لا يرام اللهم ارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وأنت ثقتنا ورجاؤنا اللهم ~~اعطف علينا قلوب عبادك وإمائك برأفة ورحمة إنك أنت أرحم الراحمين # الثامنة مهما علا نشزا من الأرض في الطريق فيستحب أن يكبر ثلاثا ثم يقول ~~اللهم لك الشرف على كل شرف ولك الحمد على كل حال ومهما هبط سبح ومهما خاف ~~الوحشة في سفره قال سبحان الله الملك القدوس رب الملائكة والروح جللت ~~السموات بالعزة والجبروت الجملة الثانية في آداب الإحرام من الميقات إلى ~~دخول مكة وهي خمسة # الأول أن يغتسل وينوي به غسل الإحرام أعني إذا انتهى إلى الميقات المشهور ~~الذي يحرم الناس منه ويتمم غسله بالتنظيف ويسرح لحيته ورأسه ويقلم أظفاره ~~ويقص شاربه ويستكمل النظافة التي ذكرناها في الطهارة # الثاني أن يفارق الثياب المخيطة ويلبس ثوبي الإحرام فيرتدي ويتزر بثوبين ~~أبيضين فالأبيض هو أحب الثياب إلى الله عز وجل ويتطيب في ثيابه وبدنه ولا ~~بأس بطيب يبقى جرمه بعد الإحرام فقد رؤي بعض المسك على مفرق رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم بعد الإحرام مما كان استعمله قبل الإحرام + حديث رؤية وبيص ~~المسك على مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الإحرام متفق عليه من ~~حديث عائشة قالت كأنما أنظر إلى وبيص المسك الحديث + # الثالث أن يصبر بعد لبس الثياب حتى تنبعث به راحلته إن كان راكبا أو يبدأ ~~بالسير إن كان راجلا فعند ذلك ينوي الإحرام بالحج أو بالعمرة PageV01P248 ~~قرانا أو إفرادا كما أراد # ويكفي مجرد النية لانعقاد الإحرام ولكن السنة أن يقرن بالنية لفظ التلبية ~~فيقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا ~~شريك لك وإن زاد قال لبيك وسعديك والخير كله بيديك والرغباء إليك لبيك بحجة ~~حقا تعبدا ورقا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد # الرابع إذا انعقد إحرامه بالتلبية المذكورة فيستحب أن يقول اللهم إني ~~أريد الحج فيسره لي وأعني على أداء فرضه وتقبله مني اللهم إني نويت أداء ~~فريضتك في الحج فاجعلني من الذين استجابوا لك وآمنوا بوعدك واتبعوا أمرك ~~واجعلني من وفدك الذين رضيت عنهم وارتضيت وقبلت منهم اللهم فيسر لي أداء ما ~~نويت من الحج اللهم قد أحرم لك لحمي وشعري ودمي وعصبي ومخي وعظامي وحرمت ~~على نفسي النساء والطيب ولبس المخيط ابتغاء وجهك والدار الآخرة # ومن وقت الإحرام حرم عليه المحظورات الستة التي ذكرناها من قبل فليجتنبها # الخامس يستحب تجديد التلبية في دوام الإحرام خصوصا عند اصطدام الرفاق ~~وعند اجتماع الناس وعند كل صعود وهبوط وعند كل ركوب ونزول رافعا بها صوته ~~بحيث لا يبح حلقه ولا ينبهر فإنه لا ينادي أصم ولا غائبا + حديث إنكم لا ~~تنادون أصم ولا غائبا متفق عليه من حديث أبي موسى + كما ورد في الخبر # ولا بأس برفع الصوت بالتلبية في المساجد الثلاثة فإنها مظنة المناسك أعني ~~المسجد الحرام ومسجد الخيف ومسجد الميقات وأما سائر المساجد فلا بأس فيها ~~بالتلبية من غير رفع صوت وكان صلى الله عليه وسلم إذا أعجبه شيء قال لبيك ~~إن العيش عيش الآخرة + حديث كان إذا أعجبه شيء قال لبيك إن العيش عيش ~~الآخرة أخرجه الشافعي في المسند من حديث مجاهد مرسلا بنحوه وللحاكم وصححه ~~من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بعرفات فلما قال ~~لبيك اللهم لبيك @QB@ قال @QE@ إنما الخير خير الآخرة + الجملة الثالثة في ~~آداب دخول مكة إلى الطواف وهي ستة # الأول أن يغتسل بذي طوى لدخول مكة # والاغتسالات المستحبة المسنونة في الحج تسعة # الأول للإحرام من الميقات ثم لدخول مكة ثم لطواف القدوم ثم للوقوف بعرفة ~~ثم للوقوف بمزدلفة ثم ثلاثة أغسال لرمي الجمار الثلاث ولا غسل لرمي جمرة ~~العقبة ثم لطواف الوداع ولم ير الشافعي رضي الله عنه في الجديد الغسل لطواف ~~الزيارة ولطواف الوداع فتعود إلى سلعة # الثاني أن يقول عند الدخول في أول الحرم وهو خارج مكة اللهم هذا حرمك ~~وأمنك فحرم لحمي ودمي وشعري وبشري على النار وآمني من عذابك يوم تبعث عبادك ~~واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك # الثالث أن يدخل مكة من جانب الأبطح وهو ثنية كدا بفتح الكاف عدل رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم من جادة الطريق إليها + حديث دخول رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم من ثنية كداء بفتح الكاف متفق عليه من حديث ابن عمر قال كان ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة دخل من الثنية العلياء التي ~~بالبطحاء الحديث + فالتأسي به أولى وإذا خرج خرج من ثنية كدى بضم الكاف وهي ~~الثنية السفلى والأولى هي العليا # الرابع إذا دخل مكة وانتهى إلى رأس الردم فعنده يقع بصره على البيت فليقل ~~لا إله إلا الله والله أكبر اللهم أنت السلام ومنك السلام ودارك دار السلام ~~تباركت يا ذا الجلال والإكرام اللهم إن هذا بيتك عظمته وكرمته وشرفته اللهم ~~فزده تعظيما وزده تشريفا وتكريما وزده مهابة وزد من حجه برا وكرامة اللهم ~~افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني جنتك وأعذني من الشيطان الرجيم # الخامس إذا دخل المسجد الحرام فليدخل من باب بني شيبة وليقل بسم الله ~~وبالله ومن الله وإلى وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فإذا قرب من البيت قال الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى اللهم ~~PageV01P249 صل على محمد عبدك ورسولك وعلى إبراهيم خليلك وعلى جميع أنبيائك ~~ورسلك وليرفع يديه وليقل اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن ~~تتقبل توبتي وأن تتجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري الحمد لله الذي بلغني بيته ~~الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمنا وجعله مباركا وهدى للعالمين اللهم إني ~~عبدك والبلد بلدك والحرم حرمك والبيت بيتك جئتك أطلب رحمتك وأسألك مسألة ~~المضطر الخائف من عقوبتك الراجي لرحمتك الطالب مرضاتك # السادس أن تقصد الحجر الأسود بعد ذلك وتمسه بيدك اليمنى وتقبله وتقول ~~اللهم أمانتي أديتها وميثاقي وفيته اشهد لي بالموافاة فإن لم يستطيع ~~التقبيل وقف في مقابلته ويقول ذلك ثم لا يعرج على شيء دون الطواف وهو طواف ~~القدوم إلا أن يجد الناس في المكتوبة فيصلي معهم ثم يطوف الجملة الرابعة في ~~الطواف # فإذا أراد افتتاح الطواف إما للقدوم وإما لغيره فينبغي أن يراعي أمورا ~~ستة # الأول أن يراعي شروط الصلاة من طهارة الحدث والخبث في الثوب والبدن ~~والمكان وستر العورة # فالطواف بالبيت صلاة ولكن الله سبحانه أباح فيه الكلام وليضطبع قبل ~~ابتداء الطواف وهو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه اليمنى ويجمع طرفيه على ~~منكبه الأيسر فيرخى طرفا وراء ظهره وطرفا على صدره ويقطع التلبية عند ~~ابتداء الطواف ويشتغل بالأدعية التي سنذكرها # الثاني إذا فرغ من الاضطباع فليجعل البيت على يساره وليقف عند الحجر ~~الأسود وليتنح عنه قليلا ليكون الحجر قدامه فيمر بجميع الحجر بجميع بدنه في ~~ابتداء طوافه # وليجعل بينه وبين البيت قدر ثلاث خطوات ليكون قريبا من البيت فإنه أفضل ~~ولكيلا يكون طائفا على الشاذروان فإنه من البيت وعند الحجر الأسود قد يتصل ~~الشاذروان بالأرض ويلتبس به والطائف عليه لا يصح طوافه لأنه طائف في البيت ~~والشاذروان هو الذي فضل عن عرض جدار البيت بعد أن ضيق أعلى الجدار ثم من ~~هذا الموقف يبتدىء الطواف # الثالث أن يقول قبل مجاوزة الحجر بل في ابتداء الطواف بسم الله والله ~~أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد ~~صلى الله عليه وسلم ويطوف # فأول ما يجاوز الحجر ينتهي إلى باب البيت فيقول اللهم هذا البيت بيتك ~~وهذا الحرم حرمك وهذا الأمن أمنك وهذا مقام العائذ بك من النار # وعند ذكر المقام يشير بعينه إلى مقام إبراهيم عليه السلام اللهم إن بيتك ~~عظيم ووجهك كريم وأنت أرحم الراحمين فأعذني من النار ومن الشيطان الرجيم ~~وحرم لحمي ودمي على النار وآمني من أهوال يوم القيامة واكفني مؤنة الدنيا ~~والآخرة # ثم يسبح الله تعالى ويحمده حتى يبلغ الركن العراقي فعنده يقول اللهم إني ~~أعوذ بك من الشرك الشك والكفر والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق وسوء المنظر في ~~الأهل والمال والولد # فإذا بلغ الميزاب قال اللهم أظلنا تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك اللهم ~~اسقني بكأس محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا أظمأ بعدها أبدا # فإذا بلغ الركن الشامي قال اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا ~~مغفورا وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك ~~أنت الأعز الأكرم فإذا بلغ الركن اليماني قال اللهم إني أعوذ بك من الكفر ~~وأعوذ بك من الفقر ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من ~~الخزي في الدنيا والآخرة ويقول بين الركن اليماني والحجر الآسود اللهم ربنا ~~آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك فتنة القبر وعذاب النار ~~فإذا بلغ الحجر الأسود قال اللهم اغفر لي برحمتك أعوذ برب هذا الحجر من ~~الدين والفقر وضيق الصدر وعذاب القبر وعند ذلك قد تم شوط واحد فيطوف كذلك ~~سبعة أشواط فيدعو بهذه الأدعية في كل شوط # الرابع أن يرمل في ثلاثة أشواط ويمشي في الأربعة الأخر PageV01P250 على ~~الهيئة المعتادة # ومعنى الرمل الإسراع في المشي مع تقارب الخطا وهو دون العدو وفوق المشي ~~المعتاد # والمقصود منه ومن الاضطباع إظهار الشطارة والجلادة والقوة هكذا كان القصد ~~أولا قطعا لطمع الكفار وبقيت تلك السنة + حديث مشروعية الرمل والاضطباع ~~قطعا لطمع الكفار وبقيت تلك السنة أما الرمل فمتفق عليه من حديث ابن عباس ~~قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال المشركون إنه يقدم ~~عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ~~الأشواط الثلاثة الحديث وأما الاضطباع فروى أبو داود وابن ماجه والحاكم ~~وصححه من حديث عمر قال فيم الرملان الآن والكشف عن المناكب وقد أظهر الله ~~الإسلام ونفى الكفر وأهله ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم + والأفضل الرمل مع الدنو من البيت فإن لم يمكنه للزحمة ~~فالرمل مع البعد أفضل فيخرج إلى حاشية المطاف وليرمل ثلاثا ثم ليقرب إلى ~~البيت في المزدحم وليمش أربعا # وأن إمكنه استلام الحجر في كل شوط فهو الأحب وإن منعه الزحمة أشار باليد ~~وقبل يده وكذلك استلام الركن اليماني يستحب من سائر الأركان # وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يستلم الركن اليماني + حديث استلامه صلى ~~الله عليه وسلم للركن اليماني متفق عليه من حديث ابن عمر قال رأيت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود الحديث ولهما ~~من حديثه لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس من الأركان إلا اليمانيين ~~ولمسلم من حديث ابن عباس لم أره يستلم غير الركنين اليمانيين وله من حديث ~~جابر الطويل حتى إذا أتيت البيت معه استلم الركن + ويقبله + حديث تقبيله ~~صلى الله عليه وسلم له متفق عليه من حديث عمر أنه قبل الحجر وقال لولا أني ~~رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك وللبخاري من حديث ابن عمر ~~رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله وله في التاريخ من حديث ~~ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلم الركن اليماني قبله + ~~ويضع خده عليه + حديث وضع الخد عليه أخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الركن اليماني الحديث قال الحاكم صحيح ~~الإسناد قلت فيه عبد الله بن مسلم بن هرمز ضعفه الجمهور + ومن أراد تخصيص ~~الحجر بالتقبيل واقتصر في الركن اليماني على الاستلام أغنى عن اللمس باليد ~~فهو أولى # الخامس إذا تم الطواف سبعا فليأت الملتزم وهو بين الحجر والباب وهو موضع ~~استجابة الدعوة وليلتزق بالبيت وليتعلق بالأستار وليلصق بطنه بالبيت وليضع ~~عليه خده الأيمن وليبسط عليه ذراعيه وكفيه وليقل اللهم يا رب البيت العتيق ~~أعتق رقبتي من النار وأعذني من الشيطان الرجيم وأعذني من كل سوء وقنعني بما ~~رزقتني وبارك لي فيما آتيتني اللهم إن هذا البيت بيتك والعبد عبدك وهذا ~~مقام العائذ بك من النار اللهم اجعلني من أكرم وفدك عليك ثم ليحمد الله ~~كثيرا في هذا الموضع وليصل على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الرسل ~~كثيرا وليدع بحوائجه الخاصة وليستغفر من ذنوبه # كان بعض السلف في هذا الموضع يقول لمواليه تنحوا عني حتى أقر لربي بذنوبي # السادس إذا فرغ من ذلك ينبغي أن يصلي خلف المقام ركعتين يقرأ في الأولى ~~قل يا أيها الكافرون وفي الثانية الإخلاص وهما ركعتا الطواف # قال الزهري مضت السنة أن يصلي لكل سبع ركعتين + حديث الزهري مضت السنة أن ~~يصلي لكل أسبوع ركعتين ذكره البخاري تعليقا السنة أفضل لم يطف النبي صلى ~~الله عليه وسلم أسبوعا إلا صلى ركعتين وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قدم ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين + ~~وإن قرن بين أسابيع وصلى ركعتين جاز + حديث قرانه صلى الله عليه وسلم بين ~~أسابيع رواه ابن أبي حاتم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن ~~ثلاثة أطواف ليس بينهما صلاة ورواه العقيلي في الضعفاء وابن شاهين في ~~أماليه من حديث أبي هريرة وزاد ثم صلى لكل أسبوع ركعتين وفي إسنادهما عبد ~~السلام بن أبي الحبوب منكر الحديث + فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وكل أسبوع طواف # وليدع بعد ركعتي الطواف وليقل اللهم يسر لي اليسرى وجنبني العسرى واغفر ~~لي في الآخرة والأولى واعصمني بألطافك حتى لا أعصيك وأعني على طاعتك ~~بتوفيقك وجنبني معاصيك واجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ورسلك ويحب عبادك ~~الصالحين اللهم حببني إلى ملائكتك ورسلك وإلى عبادك الصالحين اللهم فكما ~~هديتني إلى الإسلام فثبتني عليه بألطافك وولايتك واستعملني لطاعتك وطاعة ~~رسولك وأجرني من مضلات PageV01P251 الفتن # ثم ليعد إلى الحجر وليستلمه وليختم به الطواف قال صلى الله عليه وسلم من ~~طاف بالبيت أسبوعا وصلى ركعتين فله من الأجر كعتق رقبة + حديث من طاف ~~بالبيت أسبوعا وصلى ركعتين فله من الأجر كعتق رقبة أخرجه الترمذي وحسنه ~~والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عمر من طاف بالبيت وصلى ركعتين كان كعتق ~~رقبة لفظ ابن ماجه وقال الآخر من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه كان كعتق ~~رقبة وللبيهقي في الشعب من طاف أسبوعا وركع ركعتين كانت كعتاق رقبة + وهذه ~~كيفية الطواف # والواجب من جملته بعد شروط الصلاة أن يستكمل عدد الطواف سبعا بجميع البيت ~~وأن يبتدىء بالحجر الأسود ويجعل البيت على يساره وأن يطوف داخل المسجد ~~وخارج البيت لا على الشاذروان ولا في الحجر وأن يوالي بين الأشواط ولا ~~يفرقها تفريقا خارجا عن المعتاد وما عدا هذا فهو سنن وهيئات الجملة الخامسة ~~في السعي # فإذا فرغ من الطواف فليخرج من باب الصفا وهو في محاذاة الضلع الذي بين ~~الركن اليماني والحجر فإذا خرج من ذلك الباب وانتهى إلى الصفا وهو جبل ~~فيرقى فيه درجات في حضيض الجبل بقدر قامة الرجل رقى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم حتى بدت له الكعبة + حديث أنه رقى على الصفا حتى بدت له الكعبة ~~أخرجه مسلم من حديث جابر فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت وله من حديث ~~أبي هريرة أتى الصفا فعلا عليه حتى نزل إلى البيت + # وابتداء السعي من أصل الجبل كاف وهذه الزيادة مستحبة ولكن بعض تلك الدرج ~~مستحدثة فينبغي أن لا يخلفها وراء ظهره فلا يكون متمما للسعي وإذا ابتدأ من ~~ههنا سعى بينه وبين المروة سبع مرات # وعند رقيه في الصفا ينبغي أن يستقبل البيت ويقول الله أكبر الله أكبر ~~الحمد لله على ما هدانا الحمد لله بمحامده كلها على جميع نعمه كلها لا إله ~~إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو ~~على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم ~~الأحزاب وحده لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا ~~الله مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين فسبحان الله حين تمسون وحين ~~تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ~~ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ومن آياته أن ~~خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون اللهم إني أسألك إيمانا دائما ~~ويقينا صادقا وعلما نافعا وقلبا خاشعا ولسانا ذاكرا وأسألك العفو والعافية ~~والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة ويصلي على محمد صلى الله عليه وسلم ~~ويدعو الله عز وجل بما شاء من حاجته عقيب هذا الدعاء # ثم ينزل ويبتدىء السعي وهو يقول رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت ~~الأعز الأكرم اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ~~ويمشي على هينه حتى ينتهى إلى الميل الأخضر وهو أول ما يلقاه إذا نزل من ~~الصفا وهو على زاوية المسجد الحرام فإذا بقي بينه وبين محاذاة الميل ستة ~~أذرع أخذ في السير السريع وهو الرمل حتى ينتهي إلى الميلين الأخضرين # ثم يعود إلى الهينة فإذا انتهى إلى المروة صعدها كما صعد الصفا وأقبل ~~بوجهه على الصفا ودعا بمثل ذلك الدعاء وقد حصل السعي مرة واحدة فإذا عاد ~~إلى الصفا حصلت مرتان يفعل ذلك سبعا ويرمل في موضع الرمل في كل مرة ويسكن ~~في موضع السكون كما سبق وفي كل نوبة يصعد الصفا والمروة فإذا فعل ذلك فقد ~~فرغ من طواف القدوم والسعي وهما سنتان # والطهارة مستحبة للسعي وليست بواجبة بخلاف الطواف وإذا سعى فينبغي أن لا ~~يعيد السعي بعد الوقوف ويكتفي بهذا ركنا فإنه ليس من شروط السعي أن يتأخر ~~عن الوقوف وإنما ذلك شرط في طواف الركن نعم شرط كل سعي أن يقع بعد طواف أي ~~طواف كان PageV01P252 الجملة السادسة في الوقوف وما قبله # الحاج إذا انتهى يوم عرفة إلى عرفات يتفرغ لطواف القدوم ودخول مكة قبل ~~الوقوف وإذا وصل قبل ذلك بأيام فطاف طواف القدوم فيمكث محرما إلى اليوم ~~السابع من ذي الحجة فيخطب الإمام بمكة خطبة بعد الظهر عند الكعبة ويأمر ~~الناس بالاستعداد للخروج إلى منى يوم التروية والمبيت بها وبالغدو منها إلى ~~عرفة لإقامة فرض الوقوف بعد الزوال إذ وقت الوقوف من الزوال إلى طلوع الفجر ~~الصادق من يوم النحر فينبغي أن يخرج إلى منى ملبيا ويستحب له المشي من مكة ~~في المناسك إلى انقضاء حجته إن قدر عليه والمشي من مسجد إبراهيم عليه ~~السلام إلى الموقف أفضل وآكد # فإذا انتهى إلى منى قال اللهم هذه منى فامنن علي بما مننت به على أوليائك ~~وأهل طاعتك وليمكث هذه الليلة بمنى وهو مبيت منزل لا يتعلق به نسك فإذا ~~أصبح يوم عرفة صلى الصبح فإذا طلعت الشمس على ثبير سار إلى عرفات ويقول ~~اللهم اجعلها خير غدوة غدوتها قط وأقربها من رضوانك وأبعدها من سخطك اللهم ~~إليك غدوت وإياك رجوت وعليك اعتمدت ووجهك أردت فاجعلني ممن تباهي به اليوم ~~من هو خير مني وأفضل # فإذا أتى عرفات فليضرب خباءه بنمرة قريبا من المسجد فثم ضرب رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم قبته + حديث ضربه صلى الله عليه وسلم قبته بنمرة أخرجه ~~مسلم من حديث جابر الطويل أمر بقبة من شعر تضرب له بثمرة الحديث + ونمرة هي ~~بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة وليغتسل للوقوف فإذا زالت الشمس خطب الإمام ~~خطبة وجيزة وقعد وأخذ المؤذن في المؤذن في الأذان والإمام في الخطبة ~~الثانية ووصل الإقامة بالأذان وفرغ الإمام مع تمام إقامة المؤذن ثم جمع بين ~~الظهر والعصر بأذان وإقامتين وقصر الصلاة وراح إلى الموقف فليقف بعرفة ولا ~~يقفن في وادي عرنة وأما مسجد إبراهيم عليه السلام فصدره في الوادي وأخرياته ~~من عرفة فمن وقف في صدر المسجد لم يحصل له الوقوف بعرفة # ويتميز مكان عرفة من المسجد بصخرات كبار فرشت ثم # والأفضل أن يقف عند الصخرات بقرب الإمام مستقبلا للقبلة راكبا وليكثر من ~~أنواع التحميد والتسبيح والتهليل والثناء على الله عز وجل والدعاء والتوبة # ولا يصوم في هذا اليوم ليقوى على المواظبة على الدعاء # ولا يقطع التلبية يوم عرفة بل الأحب أن يلبي تارة ويكب على الدعاء أخرى # وينبغي أن لا ينفصل من طرف عرفة إلا بعد الغروب ليجمع في عرفة بين الليل ~~والنهار وإن أمكنه الوقوف يوم الثامن ساعة عند إمكان الغلط في الهلال فهو ~~الحزم وبه الأمن من الفوات # ومن فاته الوقوف حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج فعليه أن يتحلل ~~عن إحرامه بأعمال العمرة ثم يريق دما لأجل الفوات ثم يقضي العام الآتي ~~وليكن أهم اشتغاله في هذا اليوم الدعاء ففي مثل تلك البقعة ومثل ذلك الجمع ~~ترجى إجابة الدعوات # والدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم + حديث الدعاء المأثور ~~في يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث أخرجه الترمذي من ~~رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير ~~الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله ~~وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقال حسن غريب وله ~~من حديث علي قال أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في ~~الموقف اللهم لك الحمد كالذي تقول وخيرا مما نقول لك صلاتي ونسكي ومحياي ~~ومماتي وإليك مآبي ولك رب تراثي اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح ~~وقال ليس بالقوي إسناده وروى المستغفري في الدعوات من حديثه يا علي إن أكثر ~~دعاء من قبلي يوم عرفة أن أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك ~~وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في صدري نورا وفي سمعي نورا وفي ~~قلبي نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري اللهم إني أعوذ بك من وسواس ~~الصدر وشتات الأمر وفتنة القبر وشر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار ~~وشر ما تهب به الرياح ومن شر بوائق الدهر وإسناده ضعيف وروى الطبراني في ~~المعجم الصغير من حديث ابن عباس قال كان مما دعا به رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم عشية عرفة اللهم إنك ترى مكاني وتسمع كلامي وتعلم سري وعلانيتي ~~ولا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير فذكر الحديث إلى قوله يا خير ~~المسئولين ويا خير المعطين وإسناده ضعيف وباقي الدعاء من دعاء بعض السلف في ~~بعضه ما هو مرفوع ولكن ليس مقيدا بموقف عرفة + وعن السلف PageV01P253 في ~~يوم عرفة أول ما يدعو به فليقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك ~~وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير # اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا وفي لساني نورا # اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري وليقل # اللهم رب الحمد لك الحمد كما تقول وخيرا مما نقول لك صلاتي ونسكي ومحياي ~~ومماتي وإليك مآبي وإليك ثوابي # اللهم إني أعوذ بك من وساوس الصدر وشتات الأمر وعذاب القبر # اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل ومن شر ما يلج في النهار ومن شر ~~ما تهب به الرياح ومن شر بوائق الدهر # اللهم إني أعوذ بك من تحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك # اللهم اهدني بالهدى واغفر لي في الآخرة والأولى يا خير مقصود وأسنى منزول ~~به وأكرم مسئول ما لديه أعطني العشية أفضل ما أعطيت أحدا من خلقك وحجاج ~~بيتك يا أرحم الراحمين # اللهم يا رفيع الدرجات ومنزل البركات ويا فاطر الأرضين والسموات ضجت إليك ~~الأصوات بصنوف اللغات يسألونك الحاجات وحاجتي إليك أن لا تنساني في دار ~~البلاء إذا نسيني أهل الدنيا # اللهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي ولا يخفى عليك شيء ~~من أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المعترف بذنه ~~أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف ~~الضرير دعاء من خضعت لك رقبته وفاضت لك عبرته وذل لك جسده ورغم لك أنفه # اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا وكن بي رءوفا رحيما يا خير المسئولين ~~وأكرم المعطين # إلهي من مدح لك نفسه فإني لائم نفسي # إلهي أخرست المعاصي لساني فما لي وسيلة عن عمل ولا شفيع سوى الأمل # إلهي إني أعلم أن ذنوبي لم تبق لي عندك جاها ولا للاعتذار وجها ولكنك ~~أكرم الأكرمين # إلهي إن لم أكن أهلا أن أبلغ رحمتك فإن رحمتك أهل أن تبلغني ورحمتك وسعت ~~كل شيء وأنا شيء # إلهي إن ذنوبي وإن كانت عظاما ولكنها صغار في جنب عفوك فاغفرها لي يا ~~كريم # إلهي أنت أنت وأنا أنا أنا العواد إلى الذنوب وأنت العواد إلى المغفرة # إلهي إن كنت لا ترحم إلا أهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون # إلهي تجنبت عن طاعتك عمدا وتوجهت إلى معصيتك قصدا فسبحانك ما أعظم حجتك ~~علي وأكرم عفوك عني فبوجوب حجتك علي وانقطاع حجتي عنك وفقري إليك وغناك عني ~~إلا غفرت لي يا خير من دعاه داع وأفضل من رجاه راج بحرمة الإسلام وبذمة ~~محمد صلى الله عليه وسلم أتوسل إليك فاغفر لي جميع ذنوبي واصرفني من موقفي ~~هذا مقضي الحوائج وهب لي ما سألت وحقق رجائي فيما تمنيت # إلهي دعوتك بالدعاء الذي علمتنيه فلا تحرمني الرجاء الذي عرفتنيه # إلهي ما أنت صانع العشية بعبد مقر لك بذنبه خاشع لك بذلته مستكين بجرمه ~~متضرع إليك من عمله تائب إليك من اقترافه مستغفر لك من ظلمه مبتهل إليك في ~~العفو عنه طالب إليك نجاح حوائجه راج إليك في موقفه مع كثرة ذنوبه فيا ملجأ ~~كل حي وولي كل مؤمن من أحسن فبرحمتك يفوز ومن أخطأ فبخطيئته يهلك # اللهم إليك خرجنا وبفنائك أنخنا وإياك أملنا وما عندك طلبنا ولإحسانك ~~تعرضنا ورحمتك رجونا ومن عذابك أشفقنا وإليك بأثقال الذنوب هربنا ولبيتك ~~الحرام حججنا يا من يملك حوائج السائلين ويعلم ضمائر الصامتين يا من ليس ~~معه رب يدعى ويا من ليس فوقه خالق يخشى ويا من ليس له وزير يؤتى ولا حاجب ~~يرشى يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا جودا وكرما وعلى كثرة الحوائج إلا ~~تفضلا وإحسانا # اللهم إنك جعلت لكل ضيف قرى ونحن أضيافك فاجعل قرانا منك الجنة # اللهم إن لكل وفد جائزة ولكل زائر كرامة ولكل سائل عطية ولكل راج ثوابا ~~ولكل ملتمس لم عندك جزاء ولكل PageV01P254 مسترحم عندك رحمة ولكل راغب إليك ~~زلفى ولكل متوسل إليك عفوا وقد وفدنا إلى بيتك الحرام ووقفنا بهذه المشاعر ~~العظام وشهدنا هذه المشاهد الكرام رجاء لما عندك فلا تخيب رجاءنا # إلهنا تابعت النعم حتى اطمأنت الأنفس بتتابع نعمك وأظهرت العبر حتى نطقت ~~الصوامت بحجتك وظاهرت المنن حتى اعترف أولياؤك بالتقصير عن حقك وأظهرت ~~الآيات حتى أفصحت السموات والأرضون بأدلتك وقهرت بقدرتك حتى خضع كل شيء ~~لعزتك وعنت الوجوه لعظمتك إذا أساءت عبادك حلمت وأمهلت وإن أحسنوا تفضلت ~~وقبلت وإن عصوا سترت وإن أذنبوا عفوت وغفرت وإذا دعونا أجبت وإذا نادينا ~~سمعت وإذا أقبلنا إليك قربت وإذا ولينا عنك دعوت # إلهنا إنك قلت في كتابك المبين لمحمد خاتم النبيين @QB@ قل للذين كفروا ~~إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف @QE@ فأرضاك عنهم بالإقرار بكلمة التوحيد بعد ~~الجحود وإنا نشهد لك بالتوحيد مخبتين ولمحمد بالرسالة مخلصين فاغفر لنا ~~بهذه الشهادة سوالف الإجرام ولا تجعل حظنا فيه أنقص من حظ من دخل في ~~الإسلام # إلهنا إنك أحببت التقرب إليك بعتق ما ملكت أيماننا ونحن عبيدك وأنت أولى ~~بالتفضل فاعتقنا # وإنك أمرتنا أن نتصدق على فقرائنا ونحن فقراؤك وأنت أحق بالتطول فتصدق ~~علينا # ووصيتنا بالعفو عمن ظلمنا وقد ظلمنا أنفسنا وأنت أحق بالكرم فاعف عنا # ربنا اغفر لنا وارحمنا أنت مولانا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة ~~حسنة وقنا برحمتك عذاب النار # وليكثر من دعاء الخضر عليه السلام وهو أن يقول يا من لا يشغله شأن عن شأن ~~ولا سمع عن سمع ولا تشتبه عليه الأصوات يا من لا تغلطه المسائل ولا تختلف ~~عليه اللغات يا من لا يبرمه إلحاح الملحين ولا تضجره مسألة السائلين أذقنا ~~برد عفوك وحلاوة مناجاتك # وليدع بما بدا له وليستغفر له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات وليلح ~~في الدعاء وليعظم المسأله فإن الله لا يتعاظمه شيء وقال مطرف بن عبد الله ~~هو بعرفة اللهم لا ترد الجميع من أجلي # وقال بكر المزني قال رجل لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم ~~لولا أني كنت فيهم الجملة السابعة في بقية أعمال الحج بعد الوقوف من المبيت ~~والرمي والنحر والحلق والطواف # فإذا أفاض من عرفة بعد غروب الشمس فينبغي أن يكون على السكينة والوقار ~~وليجتنب وجيف الخيل وإيضاع الإبل كما يعتاده بعض الناس فإن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم نهى عن وجيف الخيل وإيضاع الإبل وقال اتقوا الله وسيروا ~~سيرا جميلا لا تطأوا ضعيفا ولا تؤذوا مسلما + حديث نهى النبي عن وجيف الخيل ~~وإيضاع الإبل أخرجه النسائي والحاكم وصححه من حديث أسامة بن زيد عليكم ~~بالسكينة والوقار فإن البر ليس في إيضاع الإبل وقال الحاكم ليس البر بإيجاف ~~الخيل والإبل وللبخاري من حديث ابن عباس فإن البر ليس بالإيضاع + # فإذا بلغ المزدلفة اغتسل لها لأن المزدلفة من الحرم فليدخله بغسل وإن قدر ~~على دخوله ماشيا فهو أفضل وأقرب إلى توقير الحرم ويكون في الطريق رافعا ~~صوته بالتلبية فإذا بلغ المزدلفة قال اللهم إن هذه مزدلفة جمعت فيها ألسنة ~~مختلفة تسألك حوائج مؤتنفة فاجعلني ممن دعاك فاستجبت له وتوكل عليك فكفيته ~~ثم يجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء قاصرا له بأذان وإقامتين ~~ليس بينهما نافلة ولكن يجمع نافلة المغرب والعشاء والوتر بعد الفريضتين ~~ويبدأ بنافلة المغرب ثم بنافلة العشاء كما في الفريضتين فإن ترك النوافل في ~~السفر خسران ظاهر وتكليف إيقاعها في الأوقات إضرار وقطع للتبعية بينهما ~~وبين الفرائض فإذا جاز أن يؤدي النوافل مع الفرائض بتيمم واحد بحكم التبعية ~~فبأن يجوز أداؤهما على حكم الجمع بالتبعية أولى ولا يمنع من هذا مفارقة ~~النفل للفرض في جواز أدائه على الراحلة لما أو مأنا إليه من التبعية ~~والحاجة # ثم يمكث تلك الليلة PageV01P255 بمزدلفة وهو مبيت نسك ومن خرج منها في ~~النصف الأول من الليل ولم يبت فعليه دم وإحياء هذه الليلة الشريفة من محاسن ~~القربات لمن يقدر عليه ثم إذا انتصف الليل يأخذ في التأهب للرحيل ويتزود ~~الحصى منها ففيها أحجار رخوة فليأخذ سبعين حصاة فإنها قدر الحاجة ولا بأس ~~بأن يستظهر بزيادة فربما يسقط منه بعضها ولتكن الحصى خفافا بحيث يحتوي عليه ~~أطراف البراجم # ثم ليغلس بصلاة الصبح وليأخذ في المسير حتى إذا انتهى إلى المشعر الحرام ~~وهو آخر المزدلفة فيقف ويدعو إلى الإسفار ويقول اللهم بحق المشعر الحرام ~~والبيت الحرام والشهر الحرام والركن والمقام أبلغ روح محمد منا التحية ~~والسلام وأدخلنا دار السلام يا ذا الجلال والإكرام ثم يدفع منها قبل طلوع ~~الشمس حتى ينتهي إلى موضع يقال له وادي محسر فيستحب له أن يحرك دابته حتى ~~يقطع عرض الوادي وإن كان راجلا أسرع في المشي # ثم إذا أصبح يوم النحر خلط التلبية بالتكبير فيلبي تارة ويكبر أخرى ~~فينتهي إلى منى ومواضع الجمرات وهي ثلاثة فيتجاوز الأولى والثانية فلا شغل ~~له معهما يوم النحر حتى ينتهي إلى جمرة العقبة وهي على يمين مستقبل القبلة ~~في الجادة والمرمى مرتفع قليلا في سفح الجبل وهو ظاهر بمواقع الجمرات ويرمي ~~جمرة العقبة بعد طلوع الشمس بقدر رمح وكيفيته أن يقف مستقبلا القبلة وإن ~~استقبل الجمرة فلا بأس ويرمي سبع حصيات رافعا يده ويبدل التلبية بالتكبير ~~ويقول مع كل حصاة الله أكبر على طاعة الرحمن ورغم الشيطان اللهم تصديقا ~~بكتابك واتباعا لسنة نبيك فإذا رمى قطع التلبية والتكبير إلا التكبير عقيب ~~فرائض الصلوات من ظهر يوم النحر إلى عقيب الصبح من آخر أيام التشريق ولا ~~يقف في هذا اليوم للدعاء بل يدعو في منزله # وصفة التكبير أن يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا والحمد لله ~~كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له ~~الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم ~~الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر ثم ليذبح الهدي إن كان معه ~~والأولى أن يذبح بنفسه وليقل بسم الله والله أكبر اللهم منك وبك وإليك تقبل ~~مني كما تقبلت من خليلك إبراهيم والتضحية بالبدن أفضل ثم بالبقر ثم بالشاة ~~والشاة أفضل من مشاركة ستة في البدنة أو البقرة والضأن أفضل من المعز قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الأضحية الكبش الأقرن والبيضاء أفضل من ~~الغبراء والسوداء + حديث خير الأضحية الكبش أخرجه أبو داود من حديث عبادة ~~بن الصامت والترمذي من حديث أبي أمامة قال الترمذي غريب وعفير يضعف في ~~الحديث + وقال أبو هريرة البيضاء أفضل في الأضحى من دم سوداوين وليأكل منه ~~إن كانت من هدي التطوع ولا يضحين بالعرجاء والجدعاء والعضباء والجرباء ~~والشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة والعجفاء والجدع في الأنف والأذن ~~للقطع منهما والعضب في القرن وفي نقصان القوائم والشرقاء المشقوقة الأذن من ~~فوق والخرقاء من أسفل والمقابلة المخروقة في الأذن من قدام والمدابرة من ~~خلف والعجفاء المهزولة التي لا تنقى أي لا مخ فيها من الهزال ثم ليحلق بعد ~~ذلك والسنة أن يستقبل القبلة ويبتدىء بمقدم رأسه فيحلق الشق الأيمن إلى ~~العظمين المشرفين على القفا ثم ليحلق الباقي ويقول اللهم أثبت لي بكل شعرة ~~حسنة وامح عني بها سيئة وارفع لي بها عندك درجة والمرأة تقصر الشعر والأصلع ~~يستحب له إمرار الموسى على رأسه ومهما حلق بعد رمي الجمرة فقد حصل له ~~التحلل الأول وحل له كل المحذورات إلا النساء والصيد # ثم يفيض إلى مكة ويطوف كما وصفناه وهذا الطواف طواف ركن في الحج ويسمى ~~طواف الزيارة وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر وأفضل وقته يوم النحر ~~ولا آخر لوقته بل له أن يؤخر إلى أي وقت شاء ولكن يبقى مقيدا بعلقة الإحرام ~~فلا تحل له النساء إلى أن يطوف فإذا طاف تم التحلل وحل الجماع وارتفع ~~الإحرام بالكلية ولم يبق PageV01P256 إلا رمي أيام التشريق والمبيت بمنى ~~وهي واجبات بعد زوال الإحرام على سبيل الاتباع للحق وكيفية هذا الطواف مع ~~الركعتين كما سبق في طواف القدوم فإذا فرغ من الركعتين فليسع كما وصفنا إن ~~لم يكن سعى بعد طواف القدوم وإن كان قد سعى فقد وقع ذلك ركنا فلا ينبغي أن ~~يعيد السعي # وأسباب التحلل ثلاثة الرمي والحلق والطواف الذي هو ركن # ومهما أتى باثنين من هذه الثلاثة فقد تحلل أحد التحللين ولا حرج عليه في ~~التقديم والتأخير بهذه الثلاث مع الذبح ولكن الأحسن أن يرمى ثم يذبح ثم ~~يحلق ثم يطوف # والسنة للإمام في هذا اليوم أن يخطب بعد الزوال وهي خطبة وداع رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ففي الحج أربع خطب خطبة يوم السابع وخطبة يوم عرفة ~~وخطبة يوم النحر + حديث الخطبة يوم النحر وهي خطبة وداع رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أخرجه البخاري من حديث أبي بكرة خطبنا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يوم النحر وله من حديث ابن عباس خطب الناس يوم النحر وفي حديث علقمة ~~البخاري ووصله ابن ماجه من حديث ابن عمر وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم ~~النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها فقال أي يوم هذا الحديث وفيه ثم ~~ودع الناس فقالوا هذه حجة الوداع + وخطبة يوم النفر الأول وكلها عقيب ~~الزوال وكلها إفراد إلا خطبة يوم عرفة فإنها خطبتان بينهما جلسة # ثم إذا فرغ من الطواف عاد إلى منى للمبيت والرمي فيبيت تلك الليلة بمنى ~~وتسمى ليلة القر لأن الناس في غد يقرون بمنى ولا ينفرون # فإذا أصبح اليوم الثاني من العيد وزالت الشمس اغتسل للرمي وقصد الجمرة ~~الأولى التي تلي عرفة وهي على يمين الجادة ويرمي إليها بسبع حصيات فإذا ~~تعداها انحرف قليلا عن يمين الجادة ووقف مستقبل القبلة وحمد الله تعالى ~~وهلل وكبر ودعا مع حضور القلب وخشوع الجوارح ووقف مستقبل القبلة قدر قراءة ~~سورة البقرة مقبلا على الدعاء ثم يتقدم إلى الجمرة الوسطى ويرمي كما رمى ~~الأولى ويقف كما وقف للأولى ثم يتقدم إلى جمرة العقبة ويرمي سبعا ولا يعرج ~~على شغل بل يرجع إلى منزله ويبيت تلك الليلة بمنى وتسمى هذه الليلة ليلة ~~النفر الأول ويصبح فإذا صلى الظهر في اليوم الثاني من أيام التشريق رمى في ~~هذا اليوم إحدى وعشرين حصاة كاليوم الذي قبله # ثم هو مخير بين المقام بمنى وبين العود إلى مكة # فإن خرج من منى قبل غروب الشمس فلا شيء عليه وإن صبر إلى الليل فلا يجوز ~~له الخروج بل لزمه المبيت حتى يرمي في يوم النفر الثاني أحدا وعشرين حجرا ~~كما سبق # وفي ترك المبيت والرمي إراقة دم وليتصدق باللحم # وله أن يزور البيت في ليالي منى بشرط أن لا يبيت إلا بمنى كان رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك + حديث زيارة البيت في ليالي منى والمبيت بمنى ~~أخرجه أبو داود في المراسيل من حديث طاوس قال أشهد أن ابن عباس قال كان ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور البيت أيام منى وفيه عمرو بن رباح ضعيف ~~والمرسل صحيح الإسناد ولأبي داود من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه ~~وسلم مكث بمنى ليالي أيام التشريق + ولا يتركن حضور الفرائض مع الإمام في ~~مسجد الخيف فإن فضله عظيم فإذا أفاض من منى فالأولى أن يقيم بالمحصب من منى ~~ويصلي العصر والمغرب والعشاء ويرقد رقدة + حديث نزول المحصب وصلاة العصر ~~والمغرب والعشاء به والرقود به رقدة أخرجه البخاري من حديث أنس أن النبي ~~صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع هجعة ~~الحديث + فهو السنة # رواه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم فإن لم يفعل ذلك فلا شيء عليه ~~الجملة الثامنة في صفة العمرة وما بعدها إلى طواف الوداع # من أراد أن يعتمر قبل حجه أو بعده كيفما أراد فليغتسل ويلبس ثياب الإحرام ~~كما سبق في الحج ويحرم بالعمرة من ميقاتها وأفضل مواقيتها الجعرانة ثم ~~التنعيم ثم الحديبية # وينوي العمرة ويلبي ويقصد مسجد عائشة رضي الله PageV01P257 عنها ويصلي ~~ركعتين ويدعو بما شاء ثم يعود إلى مكة وهو يلبي حتى يدخل المسجد الحرام ~~فإذا دخل المسجد ترك التلبية وطاف سبعا وسعى سبعا كما وصفنا فإذا فرغ حلق ~~رأسه وقد تمت عمرته والمقيم بمكة ينبغي أن يكثر الاعتمار والطواف وليكثر ~~النظر إلى البيت فإذا دخله فليصل ركعتين بين العمودين فهو الأفضل وليدخله ~~حافيا موقرا # قيل لبعضهم هل دخلت بيت ربك اليوم فقال والله ما أرى هاتين القدمين أهلا ~~للطواف حول بيت ربي فكيف أراهما أهلا لأن أطأ بهما بيت ربي وقد علمت حيث ~~مشيتا وإلى أين مشيتا وليكثر شرب ماء زمزم وليستق بيده من غير استنابة إن ~~أمكنه وليرتو منه حتى يتضلع وليقل اللهم اجعله شفاء من كل داء وسقم وارزقني ~~الإخلاص واليقين والمعافاة في الدنيا والآخرة قال صلى الله عليه وسلم ماء ~~زمزم لما شرب له + حديث ماء زمزم لما شرب له أخرجه ابن ماجه من حديث جابر ~~بسند ضعيف ورواه الدار قطني والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس قال ~~الحاكم صحيح الإسناد إن سلم من محمد بن حبيب الجلارودي قال ابن القطان سلم ~~منه فإن الخطيب قال فيه كان صدوقا قال ابن القطان لكن الراوي عنه مجهول وهو ~~محمد بن هشام المروزي + أي يشفى ما قصد به الجملة التاسعة في طواف الوداع # مهما عن له الرجوع إلى الوطن بعد الفراغ من إتمام الحج والعمرة فلينجز ~~أولا أشغاله وليشد رحاله وليجعل آخر أشغاله وداع البيت ووداعه بأن يطوف به ~~سبعا ما سبق ولكن من غير رمل واضطباع فإذا فرغ منه صلى ركعتين خلف المقام ~~وشرب من ماء زمزم ثم يأتي الملتزم ويدعو ويتضرع ويقول اللهم إن البيت بيتك ~~والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني ~~في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك فإن كنت رضيت عني ~~فازدد عني رضا وإلا فمن الآن قبل تباعدي عن بيتك هذا أوان انصرافي إن أذنت ~~لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك # اللهم أصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني ~~طاعتك أبدا ما أبقيتني واجمع لي خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير # اللهم لا تجعل هذا آخر عهدي ببيتك الحرام وإن جعلته آخر عهدي فعوضني عنه ~~الجنة والأحب أن لا يصرف بصره عن البيت حتى يغيب عنه الجملة العاشرة في ~~زيارة المدينة وآدابها # قال صلى الله عليه وسلم من زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي + حديث ~~من زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي أخرجه الطبراني والدار قطني من ~~حديث ابن عمر + وقال صلى الله عليه وسلم من وجد سعة ولم يفد إلي فقد جفاني ~~+ حديث من وجد سعة ولم يفد إلي فقد جفاني أخرجه ابن عدي والدار قطني في ~~غرائب مالك وابن حبان في الضعفاء والخطيب في الرواة عن مالك في حديث ابن ~~عمر من حج ولم يزرني فقد جفاني وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وروى ابن ~~النجار في تاريخ المدينة من حديث أنس ما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني ~~فليس له عذر + وقال صلى الله عليه وسلم من جاءني زائرا لا يهمه إلا زيارتي ~~كان حقا على الله سبحانه أن أكون له شفيعا + حديث من جاءني زائرا لا تهمه ~~إلا زيارتي كان حقا على الله أن أكون له شفيعا أخرجه الطبراني من حديث ابن ~~عمر وصححه ابن السكن + فمن قصد زيارة المدينة فليصل على رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم في طريقه كثيرا # فإذا وقع بصره على حيطان المدينة وأشجاره قال اللهم هذا حرم رسولك فاجعله ~~لي وقاية من النار وأمانا من العذاب وسوء الحساب وليغتسل قبل الدخول من بئر ~~الحرة وليتطيب وليلبس أنظف ثيابه فإذا دخلها فليدخلها PageV01P258 متواضعا ~~معظما وليقل بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم رب أدخلني ~~مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ثم يقصد المسجد ~~ويدخله ويصلي بجنب المنبر ركعتين ويجعل عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن ~~ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق وتكون الدائرة التي في قبلة ~~المسجد بين عينيه فذلك موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يغير ~~المسجد وليجتهد أن يصلي في المسجد الأول قبل أن يزاد فيه ثم يأتي قبر النبي ~~صلى الله عليه وسلم فيقف عند وجهه وذلك بأن يستدبر القبلة ويستقبل جدار ~~القبر على نحو من أربعة أذرع من السارية التي في زاوية جدار القبر ويجعل ~~القنديل على رأسه وليس من السنة أن يمس الجدار ولا أن يقبله بل الوقوف من ~~بعد أقرب للاحترام فيقف ويقول السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبي ~~الله السلام عليك يا أمين الله السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا ~~صفوة الله السلام عليك يا خيرة الله السلام عليك يا أحمد السلام السلام ~~عليك يا محمد السلام عليك يا أبا القاسم السلام عليك يا ماحي السلام عليك ~~يا عاقب السلام عليك يا حاشر السلام عليك يا بشير السلام عليك يا نذير ~~السلام عليك يا طهر السلام عليك يا طاهر السلام عليك يا أكرم ولد آدم ~~السلام عليك يا سيد المرسلين السلام عليك يا خاتم النبيين السلام عليك يا ~~رسول رب العالمين السلام عليك يا قائد الخير السلام عليك يا فاتح البر ~~السلام عليك يا نبي الرحمة السلام عليك يا هادي الأمة السلام عليك يا قائد ~~الغر المحجلين السلام عليك وعلى أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم الرجس ~~وطهرهم تطهيرا السلام عليك وعلى أصحابك الطيبين وعلى أزواجك الطاهرات أمهات ~~المؤمنين جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبيا عن قومه ورسولا عن أمته وصلى عليك ~~كلما ذكرك الذاكرون وكلما غفل عنك الغافلون وصلى عليك في الأولين والآخرين ~~أفضل وأكمل وأعلى وأجل وأطيب وأطهر ما صلى على أحد من خلقه كما استنقذنا بك ~~من الضلالة وبصرنا بك من العماية وهدانا بك من الجهالة أشهد أن لا إله إلا ~~الله وحده لا شريك له وأشهد أنك عبده ورسوله وأمينه وصفيه وخيرته من خلقه ~~وأشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت عدوك وهديت ~~أمتك وعبدت ربك حتى أتاك اليقين فصلى الله عليك وعلى أهل بيتك الطيبين وسلم ~~وشرف وكرم وعظم وإن كان قد أوصى بتبليغ سلام فيقول السلام عليك من فلان ~~السلام عليك من فلان # ثم يتأخر قدر ذراع ويسلم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأن رأسه عند ~~منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأس عمر رضي الله عنه عند منكب أبي بكر ~~رضي الله عنه # ثم يتأخر قدر ذراع ويسلم على الفاروق عمر رضي الله عنه ويقول السلام ~~عليكما يا وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعاونين له على القيام ~~بالدين ما دام حيا والقائمين في أمته بعده بأمور الدين تتبعان في ذلك آثاره ~~وتعملان بسنته فجزاكما الله خير ما جزى وزيري نبي عن دينه ثم يرجع فيقف عند ~~رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين القبر والاسطوانة اليوم ويستقبل ~~القبلة وليحمد الله عز وجل وليمجده وليكثر من الصلاة على رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ثم يقول اللهم إنك قد قلت وقولك الحق ولو أنهم إذ ظلموا ~~أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ~~اللهم إنا قد سمعنا قولك وأطعنا أمرك وقصدنا نبيك متشفعين به إليك في ~~ذنوبنا وما أثقل ظهورنا من أوزارنا تائبين من زللنا معترفين بخطايانا ~~وتقصيرنا فتب اللهم علينا وشفع نبيك هذا فينا وارفعنا بمنزلته عندك وحقه ~~عليك # اللهم اغفر للمهاجرين والأنصار واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا ~~بالأيمان اللهم لا تجعله آخر العهد من قبر نبيك ومن حرمك يا أرحم الراحمين # ثم يأتي الروضة فيصلى فيها ركعتين ويكثر من الدعاء ما استطاع لقوله صلى ~~الله عليه وسلم PageV01P259 ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري ~~على حوضي + حديث ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي ~~متفق عليه من حديث أبي هريرة وعبد الله ابن زيد + ويدعو عند المنبر ويستحب ~~أن يضع يده على الرمانة السفلى التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع ~~يده عليها عند الخطبة + حديث وضعه صلى الله عليه وسلم يده عند الخطبة على ~~رمانة المنبر لم أقف له على أصل وذكر محمد بن الحسن ابن زبالة في تاريخ ~~المدينة أن طول رمانتي المنبر اللتين كان يمسكهما صلى الله عليه وسلم بيديه ~~الكريمتين إذا جلس شبر وأصبعان + ويستحب له أن يأتي أحدا يوم الخميس ويزور ~~قبور الشهداء فيصلي الغداة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخرج ويعود ~~إلى المسجد لصلاة الظهر فلا يفوته فريضة في الجماعة في المسجد # ويستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع بعد السلام على رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ويزور قبر عثمان رضي الله عنه وقبر الحسن بن علي رضي الله عنهما ~~وفيه أيضا قبر علي ابن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد رضي الله عنهم ~~ويصلي في مسجد فاطمة رضي الله عنها ويزور قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وقبر صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك كله ~~بالبقيع # ويستحب له أن يأتي مسجد قباء في كل سبت ويصلي فيه لما روى أن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم قال من خرج من بيته حتى يأتي مسجد قباء ويصلي فيه كان ~~له عدل عمرة + حديث من خرج من بيته حتى يأتي مسجد قباء ويصلي فيه كان عدل ~~عمرة أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث سهل بن حنيف بإسناد صحيح + ويأتي بئر ~~أريس يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم تفل فيها وهي عند المسجد فيتوضأ ~~منها ويشرب من مائها + حديث إن النبي صلى الله عليه وسلم تفل في بئر أريس ~~لم أقف له على أصل وإنما ورد أنه تفل في بئر البصة وبئر غرس كما سيأتي عند ~~ذكرها + ويأتي مسجد الفتح وهو على الخندق # وكذا يأتي سائر المساجد والمشاهد ويقال إن جميع المشاهد والمساجد ~~بالمدينة ثلاثون موضعا يعرفها أهل البلد فيقصد ما قدر عليه وكذلك يقصد ~~الآبار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها ويغتسل ويشرب ~~منها + حديث الآبار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويغتسل ويشرب ~~منها وهي سبعة آبار قلت وهي بئر أريس وبئر حا وبئر رومة وبئر غرس وبئر ~~بضاعة وبئر البصة وبئر السقيا أو العهن أو بئر جمل فحديث بئر أريس رواه ~~مسلم من حديث أبي موسى الأشعري في حديث فيه حتى دخل بئر أريس قال فجلست عند ~~بابها وبابها من حديد حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وتوضأ ~~الحديث وحديث بئر حا متفق عليه من حديث أنس قال كان أبو طلحة أكثر أنصاري ~~بالمدينة نخلا وكان أحب أمواله إليه بئر حال وكانت مستتقبلة المسجد وكان ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب الحديث وحديث ~~بئر رومة رواه الترمذي والنسائي من حديث عثمان أنه قال أنشدكم الله ~~والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ~~ماء يستعذب غير بئر رومة فقال من يشتري بئر رومة ويجعل دلوه مع دلاء ~~المسلمين الحديث قال الترمذي حديث حسن وفي رواية لهما هل تعلمون أن رومة لم ~~يكن يشرب منها أحد إلا بالثمن فابتعتها فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل ~~الحديث وقال حسن صحيح وروى البغوي والطبراني من حديث بشير الأسلمي قال لما ~~قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها ~~رومة وكان يبيع منها القربة بمد الحديث وحديث بئر غرس رواه ابن حبان في ~~الثقات من حديث أنس أنه قال ائتوني بماء من بئر غرس فإني رأيت رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم يشرب منها ويتوضأ ولابن ماجه بإسناد جيد مرفوعا إذا أنا ~~مت فاغسلوني بسبع قرب من بئري بئر غرس وروينا في تاريخ المدينة لابن النجار ~~بإسناد ضعيف مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ منها وبزق فيها وغسل ~~منها حين توفي وحديث بئر بضاعة رواه أصحاب السنن من حديث أبي سعيد الخدري ~~أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من بئر بضاعة وفي رواية أنه ~~يستقى لك من بئر بضاعة الحديث قال يحيى بن معين إسناده جيد وقال الترمذي ~~حسن وللطبراني من حديث أبي أسيد بصق النبي صلى الله عليه وسلم في بئر بضاعة ~~ورويناه أيضا في تاريخ ابن النجار من حديث سهل بن سعد وحديث بئر البصة رواه ~~ابن عدي من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه يوما ~~فقال هل عندكم من سدر أغسل به رأسي فإن اليوم الجمعة قال نعم فأخرج له سدرا ~~وخرج معه إلى البصة فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وصب غسالة رأسه ~~ومراق شعره في البصة وفيه محمد بن الحسن بن زبالة ضعيف وحديث بئر السقيا ~~رواه أبو داود من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعذب له من ~~بيوت السقيا زاد البزار في مسنده أو من بئر السقيا ولأحمد من حديث علي ~~خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالسقيا التي كانت لسعد ~~بن أبي وقاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوني بوضوء فلما توضأ قام ~~الحديث وأما بئر جمل ففي الصحيحين من حديث أبي الجهم أقبل رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم نحو بئر جمل الحديث وصله البخاري وعلقه مسلم والمشهور أن ~~الآثار بالمدينة سبعة وقد روى الدارمي من حديث عائشة أن النبي صلى الله ~~عليه وسلم قال في مرضه صبوا علي سبع قرب من آبار شتى الحديث وهو عند ~~البخاري دون قوله من آبار شتى + وهي سبع آبار طلبا للشفاء PageV01P260 ~~وتبركا به صلى الله عليه وسلم وإن أمكنه الأقامة بالمدينة مع مراعاة الحرمة ~~فلها فضل عظيم قال صلى الله عليه وسلم لا يصبر على لاوائها وشدتها أحد إلا ~~كنت له شفيعا يوم القيامة + حديث لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت ~~له شفيعا يوم القيامة تقدم في الباب قبله + وقال صلى الله عليه وسلم من ~~استطاع أن يموت بالمدينة فليمت فإنه لن يموت بها أحد إلا كنت له شفيعا أو ~~شهيدا يوم القيامة + حديث من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها الحديث ~~تقدم في الباب قبله + ثم إذا فرغ من أشغاله وعزم على الخروج من المدينة ~~فالمستحب أن يأتي القبر الشريف ويعيد دعاء الزيارة كما سبق ويودع رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ويسأل الله عز وجل أن يرزقه العودة إليه ويسأل السلامة ~~في سفره # ثم يصلي ركعتين في الروضة الصغيرة وهي موضع مقام رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم قبل أن زيدت المقصورة في المسجد فإذا خرج فليخرج رجله اليسرى أولا ثم ~~اليمنى وليقل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ولا تجعله آخر العهد بنبيك ~~وحط أوزاري بزيارته وأصحبني في سفري السلامة ويسر رجوعي إلى أهلي ووطني ~~سالما يا ارحم الراحمين وليتصدق على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بما قدر عليه وليتتبع المساجد التي بين المدينة ومكة فيصلي فيها وهي عشرون ~~موضعا # | فصل في سنن الرجوع من السفر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا # قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على رأس كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ~~ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء ~~قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده ~~وهزم الأحزاب وحده + حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو أو ~~حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض الحديث متفق عليه من حديث ابن عمر وما ~~زاده في آخره في بعض الروايات من قوله وكل شيء هالك إلا وجهه له الحكم ~~وإليه ترجعون رواه المحاملي في الدعاء بإسناد جيد + وفي بعض الروايات وكل ~~شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون فينبغي أن يستعمل هذه السنة في ~~رجوعه # وإذا أشرف على مدينته يحرك الدابة ويقول اللهم اجعل لنا بها قرارا ورزقا ~~حسنا # ثم ليرسل إلى أهله من يخبرهم بقدومه كي لا يقدم عليهم بغتة فذلك هو السنة ~~+ حديث إرسال المسافر إلى أهل بيته من يخبرهم بقدومه كيلا يقدم عليهم بغتة ~~لم أجد فيه ذكر الإرسال وفي الصحيحين من حديث جابر كنا مع رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم في غزاة فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل فقالوا أمهلوا حتى ~~ندخل ليلا أن عشاء كي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة + ولا ينبغي أن يطرق ~~أهله ليلا فإذا دخل البلد فليقصد المسجد أولا وليصل ركعتين فهو السنة + ~~حديث صلاة ركعتين في المسجد عند القدوم من السفر تقدم في الصلاة + كذلك كان ~~يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا دخل بيته قال توبا توبا لربنا أو ~~با لا يغادر علينا حوبا فإذا استقر في منزله فلا ينبغي أن ينسى ما أنعم ~~الله به عليه من زيارة بيته وحرمه وقبر نبيه صلى الله عليه وسلم فيكفر تلك ~~النعمة بأن يعود إلى الغفلة واللهو والخوض في المعاصي فما ذلك علامة الحج ~~المبرور بل علامته أن يعود زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة متأهبا للقاء ~~رب البيت بعد لقاء البيت # | الباب الثالث في الآداب الدقيقة والأعمال الباطنة بيان دقائق # الآداب وهي عشرة # الأول أن تكون النفقة حلالا وتكون اليد خالية من تجارة تشغل القلب وتفرق ~~الهم حتى يكون الهم مجردا PageV01P261 لله تعالى والقلب مطمئنا منصرفا إلى ~~ذكر الله تعالى وتعظيم شعائره # وقد روي في خبر من طريق أهل البيت إذا كان آخر الزمان خرج الناس إلى الحج ~~أربعة أصناف سلاطينهم للنزهة وأغنياؤهم للتجارة وفقراؤهم للمسألة وقراؤهم ~~للسمعة + حديث إذا كان في آخر الزمان خرج الناس للحج أربعة أصناف سلاطينهم ~~للنزهة وأغنياؤهم للتجارة وفقراؤهم للسؤال وقراؤهم للسمعة أخرجه الخطيب من ~~حديث أنس بإسناد مجهول وليس فيه ذكر السلاطين ورواه أبو عثمان الصابوني في ~~كتاب المائتين فقال تحج أغنياء أمتي للنزهة وأوساطهم للتجارة وفقراؤهم ~~للمسألة وقراؤهم للرياء والسمعة + وفي الخبر إشارة إلى جملة أغراض الدنيا ~~التي يتصور أن تتصل بالحج فكل ذلك مما يمنع فضيلة الحج ويخرجه عن حيز حج ~~الخصوص لا سيما إذا كان متجردا بنفس الحج بأن يحج لغيره بأجرة فيطلب الدنيا ~~بعمل الآخرة # وقد كره الورعون وأرباب القلوب ذلك إلا أن يكون قصده المقام بمكة ولم يكن ~~له ما يبلغه فلا بأس أن يأخذ ذلك على هذا القصد لا ليتوصل بالدين إلى ~~الدنيا بل بالدنيا إلى الدين # فعند ذلك ينبغي أن يكون قصده زيارة بيت الله عز وجل ومعاونة أخيه المسلم ~~بإسقاط الفرض عنه # وفي مثله ينزل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الله سبحانه بالحجة ~~الواحدة ثلاثة الجنة الموصى بها والمنفذ لها ومن حج بها عن أخيه + حديث ~~يدخل بالحجة الواحدة ثلاثة الجنة الموصى بها والمنفذ لها ومن حج بها عن ~~أخيه أخرجه البيهقي من حديث جابر بسند ضعيف + ولست أقول لا تحل الأجرة أو ~~يحرم ذلك بعد أن أسقط فرض الإسلام عن نفسه ولكن الأولى أن لا يفعل ولا يتخذ ~~ذلك مكسبه ومتجره فإن الله عز وجل يعطي الدنيا بالدين ولا يعطى الدين ~~بالدنيا # وفي الخبر مثل الذي يغزو في سبيل الله عز وجل ويأخذ أجرا مثل أم موسى ~~عليه السلام ترضع ولدها وتأخذ أجرها + حديث مثل الذي يغزو ويأخذ أجرا مثل ~~أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها أخرجه ابن عدي من حديث معاذ وقال مستقيم ~~الإسناد منكر المتن + فمن كان مثاله في أخذ الأجرة على الحج مثال أم موسى ~~فلا بأس بأخذه فإنه يأخذ ليتمكن من الحج والزيارة فيه وليس يحج ليأخذ ~~الأجرة بل يأخذ الأجرة ليحج كما كانت تأخذ أم موسى ليتيسر لها الإرضاع ~~بتلبيس حالها عليهم # الثاني أن لا يعاون أعداء الله سبحانه بتسليم المكس وهم الصادون عن ~~المسجد الحرام من أمراء مكة والأعراب المترصدين في الطريق # فإن تسليم المال إليهم إعانة على الظلم وتيسير لأسبابه عليهم فهو ~~كالإعانة بالنفس فليتلطف في حيلة الخلاص فإن لم يقدر فقد قال بعض العلماء ~~ولا بأس بما قاله إن ترك التنفل بالحج والرجوع عن الطريق أفضل من إعانة ~~الظلمة فإن هذه بدعة أحدثت وفي الإنقياد لها ما يجعلها سنة مطردة وفيه ذل ~~وصغار على المسلمين ببذل جزية # ولا معنى لقول القائل إن ذلك يؤخذ مني وأنا مضطر فإنه لو قعد في البيت أو ~~رجع من الطريق لم يؤخذ منه شيء بل ربما يظهر أسباب الترفه فتكثر مطالبته ~~فلو كان في زي الفقراء لم يطالب فهو الذي ساق نفسه إلى حالة الاضطرار # الثالث التوسع في الزاد وطيب النفس بالبذل والإنفاق من غير تقتير ولا ~~إسراف بل على اقتصاد وأعني بالإسراف التنعم بأطيب الأطعمة والترفه بشرب ~~أنواعها على عادة المترقين # فأما كثرة البذل فلا سرف فيه إذ لا خير في السرف ولا سرف في الخير كما ~~قيل وبذل الزاد في طريق الحج نفقته في سبيل عز وجل والدرهم بسبعمائة درهم # قال ابن عمر رضي الله عنهما من كرم الرجل طيب زاده في سفره وكان يقول ~~أفضل الحاج أخلصهم نية وأزكاهم نفقة وأحسنهم يقينا وقال صلى الله عليه وسلم ~~الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة فقيل له يا رسول الله ما بر الحج فقال ~~طيب الكلام وإطعام الطعام + حديث الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة فقيل ~~له ما بر الحج قال طيب الكلام وإطعام الطعام أخرجه أحمد من حديث جابر ~~بإسناد لين ورواه الحاكم مختصرا وقال صحيح الإسناد + # الرابع ترك الرفث والفسوق PageV01P262 والجدال كما نطق به القرآن # والرفث اسم جامع لكل لغو وخنى وفحش من الكلام ويدخل فيه مغازلة النساء ~~ومداعبتهن والتحدث بشأن الجماع ومقدماته فإن ذلك يهيج داعية الجماع المحظور ~~والداعي إلى المحظور محظور # والفسق اسم جامع لكل خروج عن طاعة الله عز وجل # والجدال هو المبالغة في الخصومة والمماراة بما يورث الضغائن ويفرق في ~~الحال الهمة ويناقض حسن الخلق وقد قال سفيان من رفث فسد حجه # وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب الكلام مع إطعام الطعام من بر ~~الحج # والمماراة تناقض طيب الكلام فلا ينبغي أن يكون كثير الاعتراض على رفيقه ~~وجماله وعلى غيره من أصحابه بل يلين جانبه ويخفض جناحه للسائرين إلى بيت ~~الله عز وجل ويلزم حسن الخلق وليس حسن الخلق كف الأذى بل احتمال الأذى وقيل ~~سمى السفر سفرا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ولذلك قال عمر رضي الله عنه لمن ~~زعم أنه يعرف رجلا هل صحبته في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق قال ~~لا فقال ما أراك تعرفه # الخامس أن يحج ماشيا إن قدر عليه فذلك الأفضل أوصى عبد الله بن عباس رضي ~~الله عنهما بنيه عند موته فقال يا بني حجوا مشاة فإن للحاج الماشي بكل خطوة ~~يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم قيل وما حسنات الحرم قال الحسنة بمائة ~~ألف والاستحباب في المشي في المناسك والتردد من مكة إلى الموقف وإلى منى ~~آكد منه في الطريق # وإن أضاف إلى المشي الإحرام من دويرة أهله فقد قيل إن ذلك من إتمام الحج ~~قاله عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم في معنى قوله عز وجل وإتموا الحج ~~والعمرة لله وقال بعض العلماء الركوب أفضل لما فيه من الإنفاق والمؤنة ~~ولأنه أبعد عن ضجر النفس وأقل لأذاه وأقرب إلى سلامته وتمام حجه # وهذا عند التحقيق ليس مخالفا للأول بل ينبغي أن يفصل ويقال من سهل عليه ~~المشي فهو أفضل فإن كان يضعف ويؤدى به ذلك إلى سوء الخلق وقصور عن عمل ~~فالركوب له أفضل كما أن الصوم للمسافر أفضل وللمريض ما لم يفض إلى ضعف وسوء ~~خلق # وسئل بعض العلماء عن العمرة أيمشي فيها أو يكتري حمارا بدرهم فقال إن كان ~~وزن الدرهم أشد عليه فالكراء أفضل من المشي وإن كان المشي أشد عليه ~~كالأغنياء فالمشي له أفضل فكأنه ذهب فيه إلى طريق مجاهدة النفس وله وجه # ولكن الأفضل له أن يمشي ويصرف ذلك الدرهم إلى خير فهو أولى من صرفه إلى ~~المكاري عوضا عن ابتذال الدابة فإذا كانت لا تتسع نفسه للجمع بين مشقة ~~النفس ونقصان المال فما ذكره غير بعيد فيه # السادس أن لا يركب إلا زاملة أما المحمل فليجتنبه إلا إذا كان يخاف على ~~الزاملة أن لا يستمسك عليها لعذر وفيه معنيان أحدهما التخفيف على البعير ~~فإن المحمل يؤذيه # والثاني اجتنات زي المترفين المتكبرين حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~على راحلة وكان تحته رحل رث وقطيفة خلقة قيمتها أربعة دراهم + حديث حج رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وكان تحته رجل رث وقطيفة خلقة قيمتها ~~أربعة دراهم أخرجه الترمذي في الشمائل وابن ماجه من حديث أنس بسند ضعيف + ~~وطاف على الراحلة لينظر الناس إلى هديه وشمائله + حديث طوافه صلى الله عليه ~~وسلم على راحلته تقدم + وقال صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم + حديث ~~خذوا عني مناسككم أخرجه مسلم والنسائي واللفظ له من حديث جابر + وقيل إن ~~هذه المحامل أحدثها الحجاج وكان العلماء في وقته ينكرونها فروى سفيان ~~الثوري عن أبيه أنه قال برزت من الكوفة إلى القادسية للحج ووافيت الرفاق من ~~البلدان فرأيت الحاج كلهم على زوامل وجوالقات ورواحل وما رأيت في جميعهم ~~إلا محملين # وكان ابن عمر إذا نظر إلى ما أحدث الحجاج من الزي والمحامل يقول الحاج ~~قليل والركب كثير ثم نظر إلى رجل مسكين رث الهيئة تحته جوالق فقال هذا نعم ~~من الحجاج PageV01P263 # السابع أن يكون رث الهيئة أشعث أغبر غير مستكثر من الزينة ولا مائل إلى ~~أسباب التفاخر والتكاثر فيكتب في ديوان المتكبرين المترفهين ويخرج عن حزب ~~الضعفاء والمساكين وخصوص الصالحين فقد أمر صلى الله عليه وسلم بالشعث ~~والاختفاء + حديث الأمر بالشعث والاختفاء أخرجه البغوي والطبراني من حديث ~~عبد الله بن أبي حدرد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تمعددوا ~~واخشوشنوا وانتضلوا وامشوا حفاة وفيه اختلاف ورواه ابن عدي من حديث أبي ~~هريرة وكلاهما ضعيف + ونهى عن التنعم والرفاهية + حديث فضالة بن عبيد في ~~النهي عن التنعم والرفاهية وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كثير ~~من الإرفاه ولأحمد من حديث معاذ إياك والتنعم الحديث + في حديث فضالة بن ~~عبيد وفي الحديث إنما الحاج الشعث النفث + حديث إنما الحاج الشعث التفث ~~أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر وقال غريب + ويقول الله تعالى ~~انظروا إلى زوار بيتي قد جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق + حديث يقول الله ~~تعالى انظروا إلى زوار بيتي قد جاءوا شعثا غبرا من كل فج عميق أخرجه الحاكم ~~وصححه من حديث أبي هريرة دون قوله من كل فج عميق وكذا رواه أحمد من حديث ~~عبد الله بن عمر + وقال تعالى ثم ليقضوا تفثهم والتفث الشعث والاغبرار ~~وقضاؤه بالحلق وقص الشارب والأظفار # وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد اخلولقوا واخشوشنوا ~~أي البسوا الخلقان واستعملوا الخشونة في الأشياء وقد قيل زين الحجيج أهل ~~اليمن لأنهم على هيئة التواضع والضعف وسيرة السلف # فينبغي أن يجتنب الحمرة في زيه على الخصوص والشهرة كيفما كانت على العموم ~~فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر فنزل أصحابه منزلا فسرحت الإبل ~~فنظر إلى أكسية حمر على الأقتاب فقال صلى الله عليه وسلم أرى هذه الحمرة قد ~~غلبت عليكم + حديث أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر فنزل أصحابه منزلا ~~فسرحت الإبل فنظر إلى أكسية حمر على الأقتاب فقال أرى هذه الحمرة قد غلبت ~~عليكم الحديث أخرجه أبو داود من حديث رافع بن خديج وفيه رجل لم يسم + قالوا ~~فقمنا إليها ونزعناها عن ظهورها حتى شرد بعض الإبل # الثامن أن يرفق بالدابة فلا يحملها ما لا تطيق والمحمل خارج عن حد طاقتها ~~والنوم عليها يؤذيها ويثقل عليها كان أهل الورع لا ينامون على الدواب إلا ~~غفوة عن قعود وكانوا لا يقفون عليها الوقوف الطويل قال صلى الله عليه وسلم ~~لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسي + حديث لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسي أخرجه ~~أحمد من حديث سهل بن معاذ بسند ضعيف ورواه الحاكم وصححه من رواية معاذ بن ~~أنس عن أبيه + ويستحب أن ينزل عن دابته غدوة وعشية يروحها بذلك فهو سنة + ~~حديث النزول عن الدابة غدوة وعشية يريحها بذلك أخرجه الطبراني في الأوسط من ~~حديث أنس بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر في ~~السفر مشى ورواه البيهقي في الأدب وقال مشى قليلا وناقته تقاد + وفيه آثار ~~عن السلف # وكان بعض السلف يكتري بشرط أن لا ينزل ويوفي الأجرة ثم كان ينزل عنها ~~ليكون بذلك محسنا إلى الدابة فيكون في حسناته ويوضع في ميزانه لا في ميزان ~~المكاري # وكل من آذى بهيمة وحملها ما لا تطيق طولب به يوم القيامة قال أبو الدرداء ~~لبعير له عند الموت يا أيها البعير لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أكن أحملك ~~فوق طاقتك # وعلى الجملة في كل كبد حراء أجر فليراع حق الدابة وحق المكاري جميعا وفي ~~نزوله ساعة ترويح الدابة وسرور قلب المكاري # قال رجل لابن المبارك احمل لي هذا الكتاب معك لتوصله فقال حتى أستأمر ~~الجمال فإني قد اكتريت # فانظر كيف تورع من استصحاب كتاب لا وزن له وهو طريق الحزم في الورع فإنه ~~إذا فتح باب القليل انجر إلى الكثير يسيرا يسيرا # التاسع أن يتقرب بإراقة دم وإن لم يكن واجبا عليه ويجتهد أن يكون من سمين ~~النعم ونفيسه وليأكل منه إن كان تطوعا ولا يأكل منه إن كان واجبا قيل في ~~تفسير قوله تعالى ذلك ومن يعظم شعائر الله إنه تحسينه وتسمينه # وسوق الهدي من الميقات أفضل إن كان لا يجهده ولا يكده وليترك المكاس في ~~شرائه فقد كانوا يغالون في ثلاث ويكرهون PageV01P264 المكاس فيهن الهدي ~~والأضحية والرقبة فإن أفضل ذلك أغلاه ثمنا وأنفسه عند أهله وروى ابن عمر أن ~~عمر رضي الله عنهما أهدى بختية فطلبت منه بثلثمائة دينار فسأل رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثمنها بدنا فنهاه عن ذلك وقال بل ~~أهدها + حديث ابن عمر أن عمر أهدى نجيبة فطلبت منه بثلثمائة دينار فسأل ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثمنها بدنا فنهاه عن ذلك ~~وقال بل اهدها أخرجه أبو داود وقال انحرها + وذلك لأن القليل الجيد خير من ~~الكثير الدون وفي ثلثمائة دينار قيمة ثلاثين بدنة وفيها تكثير اللحم ولكن ~~ليس المقصود اللحم إنما المقصود تزكية النفس وتطهيرها عن صفة البخل ~~وتزيينها بجمال التعظيم لله عز وجل ف @QB@ لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ~~ولكن يناله التقوى منكم @QE@ وذلك يحصل بمراعاة النفاسة في القيمة كثر ~~العدد أو قل وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بر الحج فقال العج والثج ~~+ حديث سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بر الحج فقال العج والثج أخرجه ~~الترمذي واستغربه وابن ماجه والحاكم وصححه والبزار واللفظ له من حديث أبي ~~بكر وقال الباقولي أي الحج أفضل + والعج هو رفع الصوت بالتلبية والثج هو ~~نحر البدن # وروت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما عمل ~~آدمي يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من إهراقه دما وإنها لتأتي يوم القيامة ~~بقرونها وأظلافها وإن الدم يقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع بالأرض ~~فطيبوا بها نفسا + حديث عائشة ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من ~~إهراقه دما الحديث أخرجه الترمذي وحسنه ابن ماجه وضعفه ابن حبان وقال ~~البخاري إنه مرسل ووصله ابن خزيمة + وفي الخبر لكم بكل صوفة من جلدها حسنة ~~وكل قطرة من دمها حسنة وإنها لتوضع في الميزان فأبشروا + حديث لكم بكل صوفة ~~من جلدها حسنة وكل قطرة من دمها حسنة وإنها لتوضع في الميزان فأبشروا أخرجه ~~ابن ماجه وصححه البيهقي من حديث زيد بن أرقم في حديث فيه بكل شعرة حسنة ~~قالوا فالصوف قال بكل شعرة من الصوف حسنة وفي رواية للبيهقي لكل قطرة حسنة ~~قال البخاري لا يصح وروى أبو الشيخ في كتاب الضحايا من حديث علي أما إنها ~~يجاء بها يوم القيامة بلحومها ودمائها حتى توضع في ميزانك يقولها لفاطمة + ~~وقال صلى الله عليه وسلم استنجدوا هداياكم فإنها مطاياكم يوم القيامة # العاشر أن يكون طيب النفس بما أنفقه من نفقة وهدي وبما أصابه من خسران ~~ومصيبة في مال أو بدن إن أصابه ذلك فإن ذلك من دلائل قبول حجه فإن المصيبة ~~في طريق الحج تعدل النفقة في سبيل الله عز وجل الدرهم بسبعمائة درهم بمثابة ~~الشدائد في طريق الجهاد فله بكل أذى احتمله وخسران أصابه ثواب فلا يضيع منه ~~شيء عند الله عز وجل # ويقال إن من علامة قبول الحج أيضا ترك ما كان عليه من المعاصي وأن يتبدل ~~بإخوانه البطالين إخوانا صالحين وبمجالس اللهو والغفلة مجالس الذكر واليقظة # | بيان الأعمال الباطنة ووجه الإخلاص في النية وطريق الاعتبار بالمشاهد # الشريفة وكيفية الافتكار فيها والتذكر لأسرارها ومعانيها من أول الحج إلى ~~آخره # اعلم أن أول الحج الفهم أعني فهم موقع الحج في الدين ثم الشوق إليه ثم ~~العزم عليه ثم قطع العلائق المانعة منه ثم شراء ثوب الإحرام ثم شراء الزاد ~~ثم اكتراء الراحلة ثم الخروج ثم المسير في البادية ثم الإحرام من الميقات ~~بالتلبية ثم دخول مكة ثم استتمام الأفعال كما سبق # وفي كل واحد من هذه الأمور تذكرة للمتذكر وعبرة للمعتبر وتنبيه للمريد ~~الصادق وتعريف وإشارة للفطن # فلنرمز إلى مفاتحها حتى إذا انفتح بابها وعرفت أسبابها انكشفت لكل حاج من ~~أسرارها ما يقتضيه صفاء قلبه وطهارة باطنه وغزارة فهمه # أما الفهم اعلم أنه لا وصول إلى الله سبحانه وتعالى إلا بالتنزه عن ~~الشهوات والكف عن اللذات والاقتصار على الضرورات فيها والتجرد لله سبحانه ~~في جميع الحركات والسكنات # ولأجل هذا انفرد الرهبانيون في الملل السالفة PageV01P265 عن الخلق ~~وانحازوا إلى قلل الجبال وآثروا التوحش عن الخلق لطلب الأنس بالله عز وجل ~~فتركوا لله عز وجل اللذات الحاضرة وألزموا أنفسهم المجاهدات الشاقة طمعا في ~~الآخرة وأثنى الله عز وجل عليهم في كتابه فقال @QB@ ذلك بأن منهم قسيسين ~~ورهبانا وأنهم لا يستكبرون @QE@ فلما اندرس ذلك وأقبل الخلق على اتباع ~~الشهوات وهجروا التجرد لعبادة الله عز وجل وفتروا عنه بعث الله عز وجل نبيه ~~محمدا صلى الله عليه وسلم لإحياء طريق الآخرة وتجديد سنة المرسلين في ~~سلوكها # فسأله أهل الملل عن الرهبانية والسياحة في دينه فقال صلى الله عليه وسلم ~~أبدلنا الله بها الجهاد والتكبير على كل شرف + حديث سئل عن الرهبانية ~~والسياحة فقال بدلنا الله بها الجهاد والتكبير على كل شرف أخرجه أبو داود ~~من حديث أبي أمامة أن رجلا قال يا رسول الله ائذن لي في السياحة فقال إن ~~سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله رواه الطبراني بلفظ إن لكل أمة سياحة ~~وسياحة أمتي الجهاد في سبيل الله ولكل أمة رهبانية ورهبانية امتي الرباط في ~~نحر العدو وللبيهقي في الشعب من حديث أنس رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله ~~وكلاهما ضعيف والترمذي وحسنه والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه من حديث ~~أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله إني أريد أن أسافر فأوصني قال عليك ~~بتقوى الله والتكبير على كل شرف + يعني الحج # وسئل صلى الله عليه وسلم عن السائحين فقال هم الصائمون + حديث سئل عن ~~السائحين فقال هم الصائمون أخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة وقال ~~المحفوظ عن عبيد بن عمير عن عمر مرسلا + فأنعم الله عز وجل على هذه الأمة ~~بأن جعل الحج رهبانية لهم فشرف البيت العتيق بالإضافة إلى نفسه تعالى # ونصبه مقصدا لعباده وجعل ما حواليه حرما لبيته تفخيما لأمره # وجعل عرفات كالميزاب على فناء حوضه وأكد حرمة الموضع بتحريم صيده وشجره # ووضعه على مثال حضرة الملوك يقصده الزوار من كل فج عميق ومن كل أوب سحيق ~~شعثا غبرا متواضعين لرب البيت ومستكينين له خضوعا لجلاله واستكانة لعزته مع ~~الاعتراف بتنزيهه عن أن يحويه بيت أو يكتنفه بلد ليكون ذلك أبلغ في رقهم ~~وعبوديتهم وأتم في إذعانهم وانقيادهم # ولذلك وظف عليهم فيها أعمالا لا تأنس بها النفوس ولا تهتدي إلى معانيها ~~العقول كرمي الجمار بالأحجار والتردد بين الصفا والمروة على سبيل التكرار # وبمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرق والعبودية # فإن الزكاة إرفاق ووجهه مفهوم وللعقل إليه ميل # والصوم كسر للشهوة التي هي آلة عدو الله وتفرغ للعبادة بالكف عن الشواغل # والركوع والسجود في الصلاة تواضع لله عز وجل بأفعال هي هيئة التواضع ~~وللنفوس أنس بتعظيم الله عز وجل # فأما ترددات السعي ورمي الجمار وأمثال هذه الأعمال فلا حظ للنفوس ولا أنس ~~فيها ولا اهتداء للعقل إلى معانيها فلا يكون في الإقدام عليها باعث إلا ~~الأمر المجرد وقصد الامتثال للأمر من حيث إنه أمر واجب الإتباع فقط وفيه ~~عزل للعقل عن تصرفه وصرف النفس والطبع عن محل أنسه فإن كل ما أدرك العقل ~~معناه مال الطبع إليه ميلا ما فيكون ذلك الميل معينا للأمر وباعثا معه على ~~الفعل فلا يكاد يظهر به كمال الرق والانقياد ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ~~في الحج على الخصوص لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا + حديث لبيك بحجة حقا تعبدا ~~ورقا تقدم في الزكاة + ولم يقل ذلك في صلاة ولا غيرها # وإذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى ربط نجاة الخلق بأن تكون أعمالهم على ~~خلاف هوى طباعهم وأن يكون زمامها بيد الشرع فيترددون في أعمالهم على سنن ~~الانقياد وعلى مقتضى الإستعباد كان ما لا يهتدى إلى معانيه أبلغ أنواع ~~التعبدات في تزكية النفوس وصرفها عن مقتضى الطباع والأخلاق مقتضى الإسترقاق # وإذا تفطنت لهذا فهمت أن تعجب النفوس من هذه الأفعال العجيبة مصدره ~~الذهول عن أسرار التعبدات وهذا القدر كاف في تفهم أصل الحج إن شاء الله ~~تعالى # وأما الشوق فإنما ينبعث بعد الفهم والتحقق بأن البيت بيت الله عز وجل ~~وأنه وضع على مثال حضرة الملوك PageV01P266 فقاصده قاصد إلى الله عز وجل ~~وزائر له وأن من قصد البيت في الدنيا جدير بأن لا يضيع زيارته فيرزق مقصود ~~الزيارة في ميعاده المضروب له وهو النظر إلى وجه الله الكريم في دار القرار ~~من حيث إن العين القاصرة الفانية في دار الدنيا لا تتهيألقبول النظر إلى ~~وجه الله عز وجل ولا تطيق احتماله ولا تستعد للاكتحال به لقصورها وأنها إن ~~أمدت في الدار الآخرة بالبقاء ونزهت عن أسباب التغير والفناء استعدت للنظر ~~والإبصار ولكنها بقصد البيت والنظر إليه تستحق لقاء رب البيت بحكم الوعد ~~الكريم # فالشوق إلى لقاء الله عز وجل يشوقه إلى أسباب اللقاء لا محالة هذا مع أن ~~المحب مشتاق إلى كل ماله إلى محبوبه إضافة والبيت مضاف إلى الله عز وجل ~~فبالحرى أن يشتاق إليه لمجرد هذه الإضافة فضلا عن الطلب لنيل ما وعد عليه ~~من الثواب الجزيل # وأما العزم فليعلم أنه بعزمه قاصدا إلى مفارقة الأهل والوطن ومهاجرة ~~الشهوات واللذات متوجها إلى زيارة بيت الله عز وجل وليعظم في نفسه قدر ~~البيت وقدر رب البيت وليعلم أنه عزم على أمر رفيع شأنه خطير أمره وأن من ~~طلب عظيما خاطر بعظيم # وليجعل عزمه خالصا لوجه الله سبحانه بعيدا عن شوائب الرياء والسمعة ~~وليتحقق أنه لا يقبل من قصده وعمله إلا الخالص وإن من أفحش الفواحش أن يقصد ~~بيت الله وحرمه والمقصود غيره # فليصحح مع نفسه العزم وتصحيحه بإخلاصه وإخلاصه باجتناب كل ما فيه رياء ~~وسمعة فليحذر أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير # وأما قطع العلائق فمعناه رد المظالم والتوبة الخالصة لله تعالى عن جملة ~~المعاصي فكل مظلمة علاقة وكل علاقة مثل غريم حاضر متعلق بتلابيبه ينادي ~~عليه ويقول إلى أين تتوجه أتقصد بيت ملك الملوك وأنت مضيع أمره في منزلك ~~هذا ومستهين به ومهمل له أولا تستحي أن تقدم عليه قدوم العبد العاصي فيردك ~~ولا يقبلك فإن كنت راغبا في قبول زيارتك فنفذ أوامره ورد المظالم وتب إليه ~~أولا من جميع المعاصي واقطع علاقة قلبك عن الالتفات إلى ما وراءك لتكون ~~متوجها إليه بوجه قلبك كما أنك متوجه إلى بيته بوجه ظاهرك # فإن لم تفعل ذلك لم يكن لك من سفرك أولا إلا النصب والشقاء وآخرا إلا ~~الطرد والرد # وليقطع العلائق عن وطنه انقطع من قطع عنه وقدر أن لا يعود إليه وليكتب ~~وصيته لأولاده وأهله فإن المسافر وماله لعلى خطر إلا من وقى الله سبحانه # وليتذكر عند قطعه العلائق لسفر الحج قطع العلائق لسفر الآخرة فإن ذلك بين ~~يديه على القرب وما يقدمه من هذا السفر طمع في تيسير ذلك السفر فهو المستقر ~~وإليه المصير # فلا ينبغي أن يغفل عن ذلك السفر عند الاستعداد بهذا السفر # وأما الزاد فليطلبه من موضع حلال وإذا أحس من نفسه الحرص على استكثاره ~~وطلب ما يبقى منه على طول السفر ولا يتغير ولا يفسد قبل بلوغ المقصد ~~فليتذكر أن سفر الآخرة أطول من هذا السفر وأن زاده التقوى وأن ما عداه مما ~~يظن أنه زاده يتخلف عنه عند الموت ويخونه فلا يبقى معه كالطعام الرطب الذي ~~يفسد في أول منازل السفر فيبقى وقت الحاجة متحير محتاجا لا حيلة له # فليحذر أن تكون أعماله التي هي زاده إلى الآخرة لا تصحبه بعد الموت بل ~~يفسدها شوائب الرياء وكدورات التقصير # وأما الراحلة إذا أحضرها فليشكر الله بقلبه على تسخير الله عز وجل له ~~الدواب لتحمل عنه الأذى وتخفف عنه المشقة # وليتذكر عنده المركب الذي يركبه إلى دار الآخرة وهي الجنازة التي يحمل ~~عليها فإن أمر الحج من وجه يوازي أمر السفر إلى الآخرة ولينظر أيصلح سفره ~~على هذا المركب لأن يكون زادا له لذلك السفر على ذلك المركب فما أقرب ذلك ~~منه وما يدريه لعل الموت قريب ويكون ركوبه للجنازة قبل ركوبه للجمل وركوب ~~PageV01P267 الجنازة مقطوع به وتيسر أسباب السفر مشكوك فيه فكيف يحتاط في ~~أسباب السفر المشكوك فيه ويستظهر في زاده وراحلته ويهمل أمر السفر المستيقن # وأما شراء ثوبي الإحرام فليتذكر عنده الكفن ولفه فيه فإنه فيه سيرتديه ~~ويتزر بثوبي الإحرام عند القرب من بيت الله عز وجل وربما لا يتم سفره إليه ~~وأنه سيلقى الله عز وجل ملفوفا في ثياب الكفن لا محالة فكما لا يلقى بيت ~~الله عز وجل إلا مخالفا عاداته في الزي والهيئة فلا يلقى الله عز وجل بعد ~~الموت إلا في زي مخالف لزي الدنيا وهذا الثوب قريب من ذلك الثوب إذ ليس فيه ~~مخيط كما في الكفن # وأما الخروج من البلد فليعلم عنده أنه فارق الأهل والوطن متوجها إلى الله ~~عز وجل في سفر لا يضاهي أسفار الدنيا فليحضر في قلبه أنه ماذا يريد وأين ~~يتوجه وزيارة من يقصد وأنه متوجه إلى ملك الملوك في زمرة الزائرين له الذين ~~نودوا فأجابوا وشوقوا فاشتاقوا واستنهضوا فنهضوا وقطعوا العلائق وفارقوا ~~الخلائق وأقبلوا على بيت الله عز وجل الذي فخم أمره وعظم شأنه ورفع قدره ~~تسليا بلقاء البيت عن لقاء رب البيت إلى أن يرزقوا منتهى مناهم ويسعدوا ~~بالنظر إلى مولاهم وليحضر في قلبه رجاء الوصول والقبول لا إدلالا بأعماله ~~في الارتحال ومفارقة الأهل والمال ولكن ثقة بفضل الله عز وجل ورجاء لتحقيقه ~~وعده لمن زار بيته وليرج أنه إن لم يصل إليه وأدركته المنية في الطريق لقي ~~الله عز وجل وافدا إليه إذ قال جل جلاله @QB@ ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى ~~الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله @QE@ # وأما دخول البادية إلى الميقات ومشاهدة تلك العقبات فليتذكر فيها ما بين ~~الخروج من الدنيا بالموت إلى ميقات يوم القيامة وما بينهما من الأهوال ~~والمطالبات وليتذكر من هول قطاع الطريق هول سؤال منكر ونكير ومن سباع ~~البوادي عقارب القبر وديدانه وما فيه من الأفاعي والحيات ومن انفراده من ~~أهله وأقاربه وحشة القبر وكربته ووحدته وليكن في هذه المخاوف في أعماله ~~وأقواله متزودا لمخاوف القبر # وأما الإحرام والتلبية من الميقات فليعلم أن معناه إجابة نداء الله عز ~~وجل فارج أن تكون مقبولا واخش أن يقال لك لا لبيك ولا سعديك فكن بين الرجاء ~~والخوف مترددا وعن حولك وقوتك متبرئا وعلى فضل الله عز وجل وكرمه متكلا فإن ~~وقت التلبية هو بداية الأمر وهي محل الخطر # قال سفيان بن عيينة حج علي بن الحسين رضي الله عنهما فلما أحرم واستوت به ~~راحلته اصفر لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبي فقيل له لم ~~لا تلبي فقال أخشى أن يقال لي لا لبيك ولا سعديك فلما لبى غشي عليه ووقع عن ~~راحلته فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه وقال أحمد بن أبي الحواري كنت مع ~~أبي سليمان الداراني رضي الله عنه حين أراد الإحرام فلم يلب حتى سرنا ميلا ~~فأخذته الغشية ثم أفاق وقال يا أحمد إن الله سبحانه أوحى إلى موسى عليه ~~السلام مر ظلمة بني إسرائيل أن يقلوا من ذكري فإني أذكر من ذكرني منهم ~~باللعنة ويحك يا أحمد بلغني أن من حج من غير حلة ثم لبى قال الله عز وجل لا ~~لبيك ولا سعديك حتى ترد ما في يديك فما نأمن أن يقال لنا ذلك # وليتذكر الملبي عند رفع الصوت بالتلبية في الميقات إجابته لنداء الله عز ~~وجل إذ قال @QB@ وأذن في الناس بالحج @QE@ ونداء الخلق بنفخ الصور وحشرهم ~~من القبور وازدحامهم في عرصات القيامة مجيبين لنداء الله سبحانه ومنقسمين ~~إلى مقربين وممقوتين ومقبولين ومردودين ومترددين في أول الأمر بين الخوف ~~والرجاء تردد الحاج في الميقات حيث لا يدرون أيتيسر لهم إتمام الحج وقبوله ~~أم لا PageV01P268 وأما دخول مكة فليتذكر عندها أنه قد انتهى إلى حرم الله ~~تعالى آمنا وليرج عنده أن يأمن بدخوله من عقاب الله عز وجل وليخش أن لا ~~يكون أهلا للقرب فيكون بدخوله الحرم خائبا ومستحقا للمقت وليكن رجاؤه في ~~جميع الأوقات غالبا فالكرم عميم والرب رحيم وشرف البيت عظيم وحق الزائر ~~مرعي وذمام المستجير اللائذ غير مضيع # وأما وقوع البصر على البيت فينبغي أن يحضر عنده عظمة البيت في القلب ~~ويقدر كأنه مشاهد لرب البيت لشدة تعظيمه إياه وارج أن يرزقك الله تعالى ~~النظر إلى وجهه الكريم كما رزقك الله النظر إلى بيته العظيم واشكر الله ~~تعالى على تبليغه إياك هذه الرتبة وإلحاقه إياك بزمرة الوافدين عليه واذكر ~~عند ذلك انصباب الناس في القيامة إلى جهة الجنة آملين لدخولها كافة ثم ~~انقسامهم إلى مأذونين في الدخول ومصروفين انقسام الحاج إلى مقبولين ~~ومردودين ولا تغفل عن تذكر أمور الآخرة في شيء مما تراه فإن كل أحوال الحاج ~~دليل على أحوال الآخرة # وأما الطواف بالبيت فاعلم أنه صلاة فأحضر في قلبك فيه من التعظيم والخوف ~~والرجاء والمحبة ما فصلناه في كتاب الصلاة واعلم أنك بالطواف متشبه ~~بالملائكة المقربين الحافين حول العرش الطائفين حوله ولا تظنن أن المقصود ~~طواف جسمك بالبيت بل المقصود طواف قلبك بذكر رب البيت حتى لا تبتدىء الذكر ~~إلا منه ولا تختم إلا به كما تبتدىء الطواف من البيت وتختم بالبيت # واعلم أن الطواف الشريف هو طواف القلب بحضرة الربوبية وأن البيت مثال ~~ظاهر في عالم الملك لتلك الحضرة التي لا تشاهد بالبصر وهي عالم الملكوت كما ~~أن البدن مثال ظاهر في عالم الشهادة للقلب الذي لا يشاهد بالبصر وهو في ~~عالم الغيب # وأن عالم الملك والشهادة مدركة إلى عالم الغيب والملكوت لمن فتح الله له ~~الباب وإلى هذه الموازنة وقعت الإشارة بأن البيت المعمور في السموات بإزاء ~~الكعبة فإن طواف الملائكة به كطواف الإنس بهذا البيت ولما قصرت رتبة أكثر ~~الخلق عن مثل ذلك الطواف أمروا بالتشبه بهم بحسب الإمكان ووعدوا بأن من ~~تشبه بقوم فهو منهم + حديث من تشبه بقوم فهو منهم أخرجه أبو داود من حديث ~~ابن عمر بسند صحيح + والذي يقدر على مثل ذلك الطواف هو الذي يقال إن الكعبة ~~تزوره وتطوف به على ما رآه بعض المكاشفين لبعض أولياء الله سبحانه وتعالى # وأما الاستلام فاعتقد عنده أنك مبايع لله عز وجل على طاعته فصمم عزيمتك ~~على الوفاء ببيعتك فمن غدر في المبايعة استحق المقت وقد روى ابن عباس رضي ~~الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الحجر الأسود يمين الله ~~عز وجل في الأرض يصافح بها خلقه كما يصافح الرجل أخاه + حديث ابن عباس ~~الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها خلقه الحديث تقدم في العلم من ~~حديث عبد الله بن عمرو + # وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالملتزم فلتكن نيتك في الالتزام ~~طلب القرب حبا وشوقا للبيت ولرب البيت وتبركا بالمماسة ورجاء للتحصن عن ~~النار في كل جزء من بدنك لا في البيت ولتكن نيتك في التعلق بالستر الإلحاح ~~في طلب المغفرة وسؤال الأمان كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه المتضرع ~~إليه في عفوه عنه المظهر له أنه لا ملجأ له منه إلا إليه ولا مفزع له إلا ~~كرمه وعفوه وأنه لا يفارق ذيله إلا بالعفو وبذل الأمن في المستقبل # وأما السعي بين الصفا والمروة في فناء البيت فإنه يضاهي تردد العبد بفناء ~~دار الملك جائيا وذاهبا مرة بعد أخرى PageV01P269 إظهارا للخلوص في الخدمة ~~ورجاء للملاحظة بعين الرحمة كالذي دخل على الملك وخرج وهو لا يدري ما الذي ~~يقضي به الملك في حقه من قبول أو رد فلا يزال يتردد على فناء الدار مرة بعد ~~أخرى يرجو أن يرحم في الثانية إن لم يرحم في الأولى وليتذكر عند تردده بين ~~الصفا والمروة تردده بين كفتي الميزان في عرصات القيامة وليمثل الصفا بكفة ~~الحسنات والمروة بكفة السيئات وليتذكر تردده بين الكفتين ناظرا إلى الرجحان ~~والنقصان مترددا بين العذاب والغفران # وأما الوقوف بعرفة فاذكر بما ترى من ازدحام الخلق وارتفاع الأصوات ~~وباختلاف اللغات واتباع الفرق أئمتهم في الترددات على المشاعر اقتفاء لهم ~~وسيرا بسيرهم عرصات القيامة واجتماع الأمم مع الأنبياء والأئمة واقتفاء كل ~~أمة نبيها وطمعهم في شفاعتهم وتحيرهم في ذلك الصعيد الواحد بين الرد ~~والقبول وإذا تذكرت ذلك فألزم قلبك الضراعة والابتهال إلى الله عز وجل ~~فتحشر في زمرة الفائزين المرحومين وحقق رجاءك بالإجابة فالموقف شريف ~~والرحمة إنما تصل من حضرة الجلال إلى كافة الخلق بواسطة القلوب العزيزة من ~~أوتاد الأرض # ولا ينفك الموقف عن طبقة من الأبدال والأوتاد وطبقة من الصالحين وأرباب ~~القلوب فإذا اجتمعت هممهم وتجردت للضراعة والابتهال قلوبهم وارتفعت إلى ~~الله سبحانه أيديهم وامتدت إلى أعناقهم وشخصت نحو السماء أبصارهم مجتمعين ~~بهمة واحدة على طلب الرحمة فلا تظنن أنه يخيب أملهم ويضيع سعيهم ويدخر عنهم ~~رحمة تغمرهم ولذلك قيل إن من أعظم الذنوب أن يحضر عرفات ويظن أن الله تعالى ~~لم يغفر له وكأن اجتماع الهمم والاستظهار بمجاورة الأبدال والأوتاد ~~المجتمعين من أقطار البلاد هو سر الحج وغاية مقصوده فلا طريق إلى استدرار ~~رحمة الله سبحانه مثل اجتماع الهمم وتعاون القلوب في وقت واحد # وأما رمي الجمار فاقصد به الإنقياد للأمر إظهارا للرق والعبودية وانتهاضا ~~لمجرد الإمتثال من غير حظ للعقل والنفس فيه ثم اقصد به التشبه بإبراهيم ~~عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه ~~شبهة أو يفتنه بمعصية فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طردا له وقطعا ~~لأمله # فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه وأما أنا فليس يعرض لي ~~الشيطان فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر ~~عزمك في الرمي ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل ~~به فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان # واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة وفي الحقيقة ترمي به وجه ~~الشيطان وتقصم به ظهره إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه ~~وتعالى تعظيما له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه # وأما ذبح الهدي فاعلم أنه تقرب إلى الله تعالى بحكم الإمتثال فأكمل الهدي ~~وارج أن يعتق الله بكل جزء منه جزءا منك من النار + حديث أنه يعتق بكل جزء ~~من الأضحية جزءا من المضحي من النار لم أقف له على أصل وفي كتاب الضحايا ~~لأبي الشيخ من حديث أبي سعيد فإن لك بأول قطرة تقطر من دمها أن يغفر لك ما ~~تقدم من ذنوبك يقوله لفاطمة رضي الله عنها وإسناده ضعيف + فهكذا ورد الوعد ~~فكلما كان الهدي أكبر وأجزاؤه أوفر كان فداؤك من النار أعم # وأما زيارة المدينة فإذا وقع بصرك على حيطانها فتذكر أنها البلدة التي ~~اختارها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وجعل إليها هجرته وأنها داره ~~التي شرع فيها فرائض ربه عز وجل وسنته وجاهد عدوه وأظهر بها دينه إلى أن ~~PageV01P270 توفاه الله عز وجل ثم جعل تربته فيها وتربة وزيريه القائمين ~~بالحق بعده رضي الله عنهما # ثم مثل في نفسك مواقع أقدام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تردداته ~~فيها وأنه ما من موضع قدم تطؤه إلا وهو موضع أقدامه العزيزة فلا تضع قدمك ~~عليه إلا عن سكينة ووجل # وتذكر مشيه وتخطيه في سككها وتصور خشوعه وسكينته في المشي وما استودع ~~الله سبحانه قلبه من عظيم معرفته ورفعة ذكره مع ذكره تعالى حتى قرنه بذكر ~~نفسه وإحباطه عمل من هتك حرمته ولو برفع صوته فوق صوته # ثم تذكر ما من الله تعالى به على الذين أدركوا صحبته وسعدوا بمشاهدته ~~واستماع كلامه وأعظم تأسفك على ما فاتك من صحبته وصحبة أصحابه رضي الله ~~عنهم # ثم اذكر أنك قد فاتتك رؤيته في الدنيا وأنك من رؤيته في الآخرة على خطر ~~وأنك ربما لا تراه إلا بحسرة وقد حيل بينك وبين قبوله إياك بسوء عملك كما ~~قال صلى الله عليه وسلم يرفع الله إلي أقواما فيقولون يا محمد فأقول يا رب ~~أصحابي فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول بعدا وسحقا + حديث يرفع إلي ~~أقوام فيقولون يا محمد يا محمد فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا تدري ما ~~أحدثوا بعدك فأقول بعدا وسحقا متفق عليه من حديث ابن مسعود وأنس وغيرهم دون ~~قوله يا محمد يا محمد + فإن تركت حرمة شريعته ولو في دقيقة من الدقائق فلا ~~تأمن أن يحال بينك وبينه بعدولك عن محجته # وليعظم مع ذلك رجاؤك أن لا يحول الله تعالى بينك وبينه بعد أن رزقك ~~الإيمان وأشخصك من وطنك لأجل زيارته من غير تجارة ولا حظ في الدنيا بل لمحض ~~حبك له وشوقك إلى أن تنظر إلى آثاره وإلى حائط قبره إذ سمحت نفسك بالسفر ~~بمجرد ذلك لما فاتتك رؤيته فما أجدرك بأن ينظر الله تعالى إليك بعين الرحمة # فإذا بلغت المسجد فاذكر أنها العرصة التي اختارها الله سبحانه لنبيه صلى ~~الله عليه وسلم ولأول المسلمين وأفضلهم عصابة وأن فرائض الله سبحانه أول ما ~~أقيمت في تلك العرصة وأنها جمعت أفضل خلق الله حيا وميتا فليعظم أملك في ~~الله سبحانه أن يرحمك بدخولك إياه فادخله خاشعا معظما # وما أجدر هذا المكان بأن يستدعي الخشوع من قلب كل مؤمن كما حكي عن أبي ~~سليمان أنه قال حج أويس القرني رضي الله عنه ودخل المدينة فلما وقف على باب ~~المسجد قيل له هذا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فغشي عليه فلما أفاق قال ~~أخرجوني فليس يلذ لي بلد فيه محمد صلى الله عليه وسلم مدفون # وأما زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم فينبغي أن تقف بين يديه كما ~~وصفنا وتزوره ميتا كما تزوره حيا ولا تقرب من قبره إلا كما كنت تقرب من ~~شخصه الكريم لو كان حيا # وكما كنت ترى الحرمة في أن لا تمس شخصه ولا تقبله بل تقف من بعد ماثلا ~~بين يديه فكذلك فافعل فإن المس والتقبيل للمشاهد عادة النصارى واليهود # واعلم أنه عالم بحضورك وقيامك وزيارتك وأنه يبلغه سلامك وصلاتك فمثل ~~صورته الكريمة في خيالك موضوعا في اللحد بإزائك وأحضر عظيم رتبته في قلبك ~~فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى وكل بقبره ملكا يبلغه سلام ~~من سلم عليه من أمته + حديث إن الله وكل بقبره صلى الله عليه وسلم ملكا ~~يبلغه سلام من سلم عليه من أمته أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم من حديث ~~ابن مسعود بلفظ إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام + ~~وهذا في حق من لم يحضر قبره فكيف بمن فارق الوطن وقطع البوادي شوقا إلى ~~لقائه واكتفى بمشاهدة مشهده الكريم إذ فاته مشاهدة غرته الكريمة وقد قال ~~صلى الله عليه وسلم من صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه عشرا + حديث من صلى ~~علي واحدة صلى الله عليه عشرا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وعبد الله بن ~~عمرو + فهذا جزاءه في الصلاة عليه بلسانه فكيف بالحضور لزيارته ببدنه ثم ~~ائت منبر الرسول صلى الله عليه وسلم وتوهم صعود النبي صلى الله عليه وسلم ~~المنبر ومثل في قلبك طلعته البهية كأنها على المنبر PageV01P271 وقد أحدق ~~به المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم وهو صلى الله عليه وسلم يحثهم على ~~طاعة الله عز وجل بخطبته وسل الله عز وجل أن لا يفرق في القيامة بينك وبينه ~~فهذه وظيفة القلب في أعمال الحج # فإذا فرغ منها كلها فينبغي أن يلزم قلبه الحزن والهم والخوف وأنه ليس ~~يدري أقبل منه حجه وأثبت في زمرة المحبوبين أم رد حجه وألحق بالمطرودين ~~وليتعرف ذلك من قلبه وأعماله فإن صادف قلبه قد ازداد تجافيا عن دار الغرور ~~وانصرافا إلى دار الأنس بالله تعالى ووجد أعماله قد اتزنت بميزان الشرع ~~فليثق بالقبول فإن الله تعالى لا يقبل إلا من أحبه ومن أحبه تولاه وأظهر ~~عليه آثار محبته وكف عنه سطوة عدوه إبليس لعنه الله # فإذا ظهر ذلك عليه دل على القبول وإن كان الأمر الآخر بخلافه فيوشك أن ~~يكون حظه من سفره العناء والتعب نعوذ بالله سبحانه وتعالى من ذلك # تم كتاب أسرار الحج يتلوه إن شاء الله تعالى # | كتاب آداب تلاوة القرآن # كتاب آداب تلاوة القرآن بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي امتن على عباده بنبيه المرسل صلى الله عليه وسلم وكتابه ~~المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ~~حتى اتسع على أهل الأفكار طريق الاعتبار بما فيه من القصص والأخبار واتضح ~~به سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم بما فصل فيه من الأحكام وفرق بين ~~الحلال والحرام فهو الضياء والنور وبه النجاة من الغرور وفيه شفاء لما في ~~الصدور ومن خالفه من الجبابرة قصمه الله ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله ~~هو حبل الله المتين ونوره المبين والعروة الوثقى والمعتصم الأوفى وهو ~~المحيط بالقليل والكثير والصغير والكبير لا تنقضي عجائبه ولا تتناهى غرائبه ~~لا يحيط بفوائده عند أهل العلم تحديد ولا يخلقه عند أهل التلاوة كثرة ~~الترديد هو الذي أرشد الأولين والآخرين ولما سمعه الجن لم يلبثوا أن ولوا ~~إلى قومهم منذرين @QB@ فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا ~~به ولن نشرك بربنا أحدا @QE@ فكل من آمن به فقد وفق ومن قال به فقد صدق ومن ~~تمسك به فقد هدي ومن عمل به فقد فاز وقال تعالى @QB@ إنا نحن نزلنا الذكر ~~وإنا له لحافظون @QE@ ومن أسباب حفظه في القلوب والمصاحف استدامة تلاوته ~~والمواظبة على دراسته مع القيام بآدابه وشروطه والمحافظة على ما فيه من ~~الأعمال الباطنة والآداب الظاهرة وذلك لا بد من بيانه وتفصيله وتنكشف ~~مقاصده في أربعة أبواب # الباب الأول في فضل القرآن وأهله # الباب الثاني في آداب التلاوة في الظاهر # الباب الثالث في الأعمال الباطنة عند التلاوة # الباب الرابع في فهم القرآن وتفسيره بالرأي وغيره # | الباب الأول في فضل القرآن وأهله وذم المقصرين في تلاوته فضيلة # القرآن # قال صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن ثم رأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي ~~فقد استصغر ما عظمه الله PageV01P272 تعالى + حديث من قرأ القرآن ثم رأى أن ~~أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظمه الله أخرجه الطبراني من حديث ~~عبد الله بن عمرو بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم ما من شفيع أفضل منزلة عند الله تعالى من القرآن ~~لا نبي ولا ملك ولا غيره + حديث ما من شفيع أعظم منزلة عند الله من القرآن ~~لا نبي ولا ملك ولا غيره رواه عبد الملك بن حبيب من رواية سعيد بن سليم ~~مرسلا وللطبراني من حديث ابن مسعود القرآن شافع مشفع ولمسلم من حديث أبي ~~أمامة اقرءوا القرآن فإنه يجيء يوم القيامة شفيعا لصاحبه + # وقال صلى الله عليه وسلم لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار + حديث لو ~~كان القرآن في إهاب ما مسته النار أخرجه الطبراني وابن حبان في الضعفاء من ~~حديث سهل بن سعد ولأحمد والدارمي والطبراني من حديث عقبة بن عامر وفيه ابن ~~لهيعة ورواه ابن عدي والطبراني والبيهقي في الشعب من حديث عصمة بن مالك ~~بإسناد ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن + حديث أفضل عبادة ~~أمتي تلاوة القرآن أخرجه أبو نعيم في فضائل القرآن من حديث النعمان بن بشير ~~وأنس وإسنادهما ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم أيضا إن الله عز وجل قرأ طه ويس قبل أن يخلق ~~الخلق بألف عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت طوبى لأمة ينزل عليهم هذا ~~وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسنة تنطق بهذا + حديث إن الله عز وجل قرأ ~~طه ويس قبل أن يخلق الخلق بألف عام الحديث أخرجه الدارمي من حديث أبي هريرة ~~بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم خيركم من تعلم القرآن وعلمه + حديث خيركم من ~~تعلم القرآن وعلمه أخرجه البخاري من حديث عثمان بن عفان + # وقال صلى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى من شغله قراءة القرآن عن ~~دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين + حديث يقول الله من شغله قراءة ~~القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته ثواب الشاكرين أخرجه الترمذي من حديث أبي ~~سعيد من شغله القرآن عن ذكري أو مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وقال ~~حسن غريب ورواه ابن شاهين بلفظ المصنف + # وقال صلى الله عليه وسلم ثلاثة يوم القيامة على كثيب من مسك أسود لا ~~يهولهم فزع ولا ينالهم حساب حتى يفرغ ما بين الناس رجل قرأ القرآن ابتغاء ~~وجه الله عز وجل والخ أم به قوما وهم به راضون + حديث ثلاثة يوم القيامة ~~على كثيب من مسك الحديث تقدم في الصلاة + # وقال صلى الله عليه وسلم أهل القرآن أهل الله وخاصته + حديث أهل القرآن ~~أهل الله وخاصته أخرجه النسائي في السكبرى وابن ماجه والحاكم من حديث أنس ~~بإسناد حسن + # وقال صلى الله عليه وسلم إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد فقيل يا رسول ~~الله وما جلاؤها فقال تلاوة القرآن وذكر الموت + حديث إن هذه القلوب تصدأ ~~كما يصدأ الحديد قيل ما جلاؤها قال تلاوة القرآن وذكر الموت أخرجه البيهقي ~~في الشعب من حديث ابن عمر بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم لله أشد أذنا إلى قارىء القرآن من صاحب القينة ~~إلى قينته + حديث لله أشد أذنا إلى قارىء القرآن من صاحب القينة إلى قينته ~~أخرجه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه من حديث فضالة بن عبيد + # الآثار قال أبو أمامة الباهلي اقرءوا القرآن ولا تغرنكم هذه المصاحف ~~المعلقة فإن الله لا يعذب قلبا هو وعاء للقرآن # وقال ابن مسعود إذا أردتم العلم فانثروا القرآن فإن فيه علم الأولين ~~والآخرين # وقال أيضا اقرءوا القرآن فإنكم تؤجرون عليه بكل حرف منه عشر حسنات أما ~~إني لا أقول الحرف ألم ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف # وقال أيضا لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن ويعجبه ~~فهو يحب الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم وإن كان يبغض القرآن فهو ~~يبغض الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم # وقال عمرو بن العاص كل آية في القرآن درجة في الحنة ومصباح في بيوتكم ~~وقال أيضا من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه # وقال أبو هريرة PageV01P273 إن البيت الذى يتلى فيه القرآن اتسع بأهله ~~وكثر خيره وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين وإن البيت الذي لايتلى فيه ~~كتاب الله عز وجل ضاق بأهله وقل خيره وخرجت منه الملائكة وحضرته الشياطين # وقال أحمد بن حنبل رأيت الله عز وجل في المنام فقلت يا رب ما أفضل ما ~~تقرب به المتقربون إليك قال بكلامي يا أحمد قال قلت يا رب بفهم أو بغير فهم ~~قال بفهم وبغير فهم # وقال محمد بن كعب القرظي إذا سمع الناس القرآن من الله عز وجل يوم ~~القيامة فكأنهم لم يسمعوه قط # وقال الفضيل بن عياض ينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له إلى أحد حاجة ولا ~~إلى الخلفاء فمن دونهم فينبغي أن تكون حوائج الخلق إليه # وقال أيضا حامل القرآن حامل راية الإسلام فلا ينبغي أن يلهو مع من يلهو ~~ولا يسهو مع من يسهو ولا يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن # وقال سفيان الثوري إذا قرأ الرجل القرآن قبل الملك بين عينيه # وقال عمرو بن ميمون من نشر مصحفا حين يصلي الصبح فقرأ منه مائة آية رفع ~~الله عز وجل له مثل عمل جميع أهل الدنيا # ويروى أن خالد بن عقبة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اقرأ ~~علي القرآن فقرأ عليه إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى الآية ~~فقال له فأعاد فقال والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمورق ~~وأن أعلاه لمثمر وما يقول هذا بشر + حديث أن خالد بن عقبة جاء إلى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم وقال اقرأ علي القرآن فقرأ عليه إن الله يأمر ~~بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى فقال أعد فأعاد فقال إن له لحلاوة وإن ~~عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر وما يقول هذا بشر ذكره ابن ~~عبد البر في الاستيعاب بغير إسناد ورواه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس ~~بسند جيد إلا أنه قال الوليد بن المغيرة بدل خالد بن عقبة وكذا ذكره ابن ~~إسحاق في السيرة بنحوه + # وقال الحسن والله ما دون القرآن من غنى ولا بعده من فاقه # وقال الفضيل من قرأ خاتمة سورة الحشر حين يصبح ثم مات من يومه ختم له ~~بطابع الشهداء ومن قرأها حين يمسي ثم مات من ليلته ختم له بطابع الشهداء # وقال القاسم بن عبد الرحمن قلت لبعض النساك ما ههنا أحد نستأنس به فمد ~~يده إلى المصحف ووضعه على حجره وقال هذا # وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثلاث يزدن في الحفظ ويذهبن البلغم ~~السواك والصيام وقراءة القرآن # | في ذم تلاوة الغافلين # قال أنس بن مالك رب تال للقرآن والقرآن يلعنه وقال ميسرة الغريب هو ~~القرآن في جوف الفاجر وقال أبو سليمان الداراني الزبانية أسرع إلى حملة ~~القرآن الذين يعصون الله عز وجل منهم إلى عبدة الأوثان حين عصوا الله ~~سبحانه بعد القرآن # وقال بعض العلماء إذا قرأ ابن آدم القرآن ثم خلط ثم عاد فقرأ قيل له مالك ~~ولكلامي وقال ابن الرماح ندمت على استظهاري القرآن لأنه بلغني أن أصحاب ~~القرآن يسألون عما يسأل عنه الأنبياء يوم القيامة # وقال ابن مسعود ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس ينامون ~~وبنهاره إذا الناس يفرطون وبحزنه إذا الناس يفرحون وببكائه إذا الناس ~~يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخشوعه إذا الناس يختالون وينبغي لحامل ~~القرآن أن يكون مستكينا لينا ولاينبغي له أن يكون جافيا ولا مماريا ولا ~~صياحا ولا صخابا ولا حديدا # وقال صلى الله عليه وسلم أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها + حديث أكثر ~~منافقي أمتي قراؤها أخرجه أحمد من حديث عقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو ~~وفيهما ابن لهيعة + وقال صلى الله عليه وسلم اقرأ القرآن ما نهاك فإن لم ~~ينهك فلست تقرؤه + حديث إقرأ القرآن ما نهاك فإن لم ينهك فلست تقرؤه أخرجه ~~الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بسند ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم ما ~~آمن بالقرآن من استحل محارمه + حديث ما آمن بالقرآن من استحل محارمه أخرجه ~~الترمذي من حديث صهيب وقال ليس إسناده بالقوي + وقال بعض السلف PageV01P274 ~~إن العبد ليفتتح سورة فتصلي عليه الملائكة حتى يفرغ منها وإن العبد ليفتتح ~~سورة فتلعنه حتى يفرغ منها فقيل له وكيف ذلك فقال إذا أحل حلالها وحرم ~~حرامها صلت عليه وإلا لعنته # وقال بعض العلماء إن العبد ليتلو القرآن فيلعن نفسه وهو لا يعلم يقول ~~@QB@ ألا لعنة الله على الظالمين @QE@ وهو ظالم نفسه ألا لعنة الله على ~~الكاذبين وهو منهم # وقال الحسن إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملا فأنتم ~~تركبونه فتقطعون به مراحله وإن من كان قبلكم رأوه رسائل من ربهم فكانوا ~~يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار # وقال ابن مسعود أنزل القرآن عليهم ليعملوا به فاتخذوا دراسته عملا إن ~~أحدكم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا وقد أسقط العمل ~~به # وفي حديث ابن عمر وحديث جندب رضي الله عنهما لقد عشنا دهرا طويلا وأحدنا ~~يؤتى الإيمان قبل القرآن فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم ~~حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها # ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة ~~الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه ~~ينثره نثر الدقل + حديث ابن عمر وحديث جندب لقد عشنا دهرا وأحدنا يؤتى ~~الإيمان قبل القرآن الحديث تقدما في العلم + وقد ورد في التوراة يا عبدي ~~أما تستحي مني يأتيك كتاب من بعض إخوانك وأنت في الطريق تمشي فتعدل عن ~~الطريق وتقعد لأجله وتقرؤه وتتدبره حرفا حرفا حتى لا يفوتك شيء منه وهذا ~~كتابي أنزلته إليك انظر كم فصلت لك فيه من القول وكم كررت عليك فيه لتتأمل ~~طوله وعرضه ثم أنت معرض عنه أفكنت أهون عليك من بعض إخوانك يا عبدي يقعد ~~إليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغي إلى حديثه بكل قلبك فإن تكلم ~~متكلم أو شغلك شاغل عن حديثه أومأت إليه أن كف وها أنا ذا مقبل عليك ومحدث ~~لك وأنت معرض بقلبك عني أفجعلتني أهون عندك من بعض إخوانك # | الباب الثاني في ظاهر آداب التلاوة وهي عشرة الأول في حال # القارىء وهو أن يكون على الوضوء واقعا على هيئة الأدب والسكون إما قائما ~~وإما جالسا مستقبل القبلة مطرقا رأسه غير متربع ولا متكىء ولا جالس على ~~هيئة التكبر ويكون جلوسه وحده كجلوسه بين يدي أستاذه # وأفضل الأحوال أن يقرأ في الصلاة قائما وأن يكون في المسجد فذلك من أفضل ~~الأعمال # فإن قرأ على غير وضوء وكان مضطجعا في الفراش فله أيضا فضل ولكنه دون ذلك ~~قال الله تعالى الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في ~~خلق السموات والأرض فأثنى على الكل ولكن قدم القيام في الذكر ثم القعود ثم ~~الذكر مضطجعا # قال علي رضي الله عنه من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة كان له بكل حرف ~~مائة حسنة ومن قرأه وهو جالس في الصلاة فله بكل حرف خمسون حسنة ومن قرأه في ~~غير صلاة وهو على وضوء فخمس وعشرون حسنة ومن قرأه على غير وضوء فعشر حسنات # وما كان من القيام بالليل فهو أفضل لأنه أفرغ للقلب قال أبو ذر الغفاري ~~رضي الله عنه إن كثرة السجود بالنهار وإن طول القيام بالليل أفضل # الثاني في مقدار القرآن وللقراء عادات مختلفة في الاستكثار والاختصار ~~فمنهم من يختم القرآن في اليوم والليلة مرة وبعضهم مرتين وانتهى بعضهم إلى ~~ثلاث ومنهم من يختم في الشهر مرة وأولى ما يرجع إليه في التقديرات قول رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه + حديث من ~~قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه أخرجه أصحاب السنن من حديث عبد الله بن ~~عمرو وصححه الترمذي + وذلك لأن الزيادة عليه تمنعه الترتيل وقد قالت عائشة ~~PageV01P275 رضي الله تعالى عنها لما سمعت رجلا يهذر القرآن هذرا إن هذا ما ~~قرأ القرآن ولا سكت وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر رضي ~~الله عنهما أن يختم القرآن في كل سبع + حديث أمر رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم عبد الله بن عمرو أن يختم القرآن في كل أسبوع متفق عليه من حديثه + ~~وكذلك كان جماعة من الصحابة رضي الله عنهم يختمون القرآن في كل جمعة كعثمان ~~وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهم ففي الختم أربع درجات ~~الختم في يوم وليلة وقد كرهه جماعة والختم في كل شهر كل يوم جزء من ثلاثين ~~جزءا وكأنه مبالغة في الاقتصار كما أن الأول مبالغة في الاستكثار وبينهما ~~درجتان معتدلتان إحداهما في الأسبوع مرة والثانية في الأسبوع مرتين تقريبا ~~من الثلاث # والأحب أن يختم ختمة بالليل وختمة بالنهار ويجعل ختمه بالنهار يوم ~~الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما ويجعل ختمه بالليل ليلة الجمعة في ركعتي ~~المغرب أو بعدهما ليستقبل أول النهار وأول الليل بختمته فإن الملائكة عليهم ~~السلام تصلي عليه إن كانت ختمته ليلا حتى يصبح وإن كان نهارا حتى يمسي ~~فتشمل بركتهما جميع الليل والنهار # والتفصيل في مقدار القراءة أنه إن كان من العابدين السالكين طريق العمل ~~فلا ينبغي أن ينقص عن ختمتين في الأسبوع # وإن كان من السالكين بأعمال القلب وضروب الفكر أو من المشتغلين بنشر ~~العلم فلا بأس أن يقتصر في الأسبوع على مرة وإن كان نافذ الفكر في معاني ~~القرآن فقد يكتفي في الشهر بمرة لكثرة حاجته إلى كثرة الترديد والتأمل # الثالث في وجه القسمة أما من ختم في الأسبوع مرة فيقسم القرآن سبعة أحزاب ~~فقد حزب الصحابة رضي الله عنهم أحزابا + حديث تحزيب القرآن على سبعة أجزاء ~~أخرجه ابن ماجه من حديث أوس بن حذيفة في حديث فيه طرأ على حزبي من القرآن ~~قال أوس فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن قالوا ~~ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل وفي رواية للطبراني ~~فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يجزىء القرآن فقالوا كان يجزئه ثلاثا فذكره مرفوعا وإسناده حسن + ~~فروي أن عثمان رضي الله عنه كان يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة إلى المائدة ~~وليلة السبت بالأنعام إلى هود وليلة الأحد بيوسف إلى مريم وليلة الاثنين ~~بطه إلى طسم موسى وفرعون وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى ص وليلة الأربعاء ~~بتنزيل إلى الرحمن ويختم ليلة الخميس # وابن مسعود كان يقسمه أقساما لا على هذا الترتيب وقيل أحزاب القرآن سبعة ~~فالحزب الأول ثلاث سور والحزب الثاني خمس سور والحزب الثالث سبع سور ~~والرابع تسع سور والخامس إحدى عشرة سورة والسادس ثلاث عشرة سورة والسابع ~~المفصل من ق إلى آخره # فهكذا حزبه الصحابة رضي الله عنهم وكانوا يقرءونه كذلك وفيه خبر عن رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم وهذا قبل أن تعمل الأخماس والأعشار والأجزاء فما ~~سوى هذا محدث # الرابع في الكتابة يستحب تحسين كتابة القرآن وتبيينه ولا بأس بالنقط ~~والعلامات بالحمرة وغيرها فإنها تزيين وتبيين وصد عن الخطأ واللحن لمن ~~يقرؤه وقد كان الحسن وابن سيرين ينكرون الأخماس والعواشر والأجزاء # وروي عن الشعبي وإبراهيم كراهية النقط بالحمرة وأخذ الأجرة على ذلك ~~وكانوا يقولون جردوا القرآن والظن بهؤلاء أنهم كرهوا فتح هذا الباب خوفا من ~~أن يؤدي إلى إحداث زيادات وحسما للباب وتشوقا إلى حراسة القرآن عما يطرق ~~إليه تغييرا وإذا لم يؤد إلى محظور واستقر أمر الأمة فيه على ما يحصل به ~~مزيد معرفة فلا بأس به ولا يمنع من ذلك كونه محدثا فكم من محدث حسن كما قيل ~~في إقامة الجماعات في التراويح إنها من محدثات عمر رضي الله عنه وأنها بدعة ~~حسنة إنما البدعة المذمومة ما يصادم السنة القديمة أو يكاد يفضي إلى ~~تغييرها # وبعضهم كان يقول أقرأ من المصحف في المنقوط ولا أنقطه بنفسي وقال ~~الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير كان القرآن مجردا في المصاحف فأول ما أحدثوا ~~فيه النقط على الباء والتاء وقالوا PageV01P276 لا بأس به فإنه نور له # ثم أحدثوا بعده نقطا كبارا عند منتهى الآي فقالوا لا بأس به يعرف به رأس ~~الآية # ثم أحدثوا بعد ذلك الخواتم والفواتح # قال أبو بكر الهذلي سألت الحسن عن تنقيط المصاحف بالأحمر فقال وما ~~تنقيطها قال يعربون الكلمة بالعربية قال أما إعراب القرآن فلا بأس به وقال ~~خالد الحذاء دخلت على ابن سيرين فرأيته يقرأ في مصحف منقوط وقد كان يكره ~~النقط # وقيل إن الحجاج هو الذي أحدث ذلك وأحضر القراء حتى عدوا كلمات القرآن ~~وحروفه وسووا أجزاءه وقسموه إلى ثلاثين جزءا وإلى أقسام أخر # الخامس الترتيل هو المستحب في هيئة القرآن لأنا سنبين أن المقصود من ~~القراءة التفكر والترتيل معين عليه # ولذلك نعتت أم سلمة رضي الله عنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا + حديث نعتت أم سلمة قراءة النبي صلى ~~الله عليه وسلم فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا أخرجه أبو داود ~~والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح + وقال ابن عباس رضي الله عنه لأن أقرأ ~~البقرة وآل عمران أرتلهما وأتدبرهما أحب إلي من أن أقرأ القرآن هذرمة # وقال أيضا لأن أقرأ إذا زلزلت والقارعة أتدبرهما أحب إلي من أن أقرأ ~~البقرة وآل عمران تهذيرا # وسئل مجاهد عن رجلين دخلا في الصلاة فكان قيامهما واحدا إلا أن أحدهما ~~قرأ البقرة فقط والآخر القرآن كله فقال هما في الأجر سواء # واعلم أن الترتيل مستحب لا لمجرد التدبر فإن العجمي الذي لا يفهم معنى ~~القرآن يستحب له في القراءة أيضا الترتيل والتؤدة لأن ذلك أقرب إلى التوقير ~~والاحترام وأشد تأثيرا في القلب من الهذرمة والاستعجال # السادس البكاء البكاء مستحب مع القراءة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا + حديث اتلوا القرآن وابكوا فإن ~~لم تبكوا فتباكوا أخرجه ابن ماجه من حديث سعد بن أبي وقاص بإسناد جيد + ~~وقال صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يتغن بالقرآن + حديث ليس منا من لم ~~يتغن بالقرآن أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة + وقال صالح المري قرأت ~~القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي يا صالح هذه ~~القراءة فأين البكاء وقال ابن عباس رضي الله عنهما إذا قرأتم سجدة سبحان ~~فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه وإنما طريق ~~تكلف البكاء أن يحضر قلبه الحزن فمن الحزن ينشأ البكاء قال صلى الله عليه ~~وسلم إن القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا + حديث إن القرآن نزل بحزن ~~فإذا قرأتموه فتحازنوا أخرجه أبو يعلى وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر ~~بسند ضعيف + ووجه إحضار الحزن أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد ~~والمواثيق والعهود ثم يتأمل تقصيره في أوامره وزواجره فيحزن لا محالة ويبكي ~~فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر أرباب القلوب الصافية فليبك على فقد الحزن ~~والبكاء فإن ذلك أعظم المصائب # السابع أن يراعي حق الآيات فإذا مر بآية سجدة سجد وكذلك إذا سمع من غيره ~~سجدة سجد إذا سجد التالي ولا يسجد إلا إذا كان على طهارة وفي القرآن أربع ~~عشرة سجدة وفي الحج سجدتان وليس في ص سجدة وأقله أن يسجد بوضع جبهته على ~~الأرض وأكمله أن يكبر فيسجد ويدعو في سجوده بما يليق بالآية التي قرأها مثل ~~أن يقرأ قوله تعالى @QB@ خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون @QE@ ~~فيقول اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذ بك أن أكون من ~~المستكبرين عن أمرك أو على أوليائك وإذا قرأ قوله تعالى @QB@ ويخرون ~~للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا @QE@ فيقول اللهم اجعلني من الباكين إليك ~~الخاشعين لك وكذلك كل سجدة ويشترط في هذه السجدة شروط الصلاة من ستر العورة ~~واستقبال القبلة وطهارة الثوب والبدن من الحدث والخبث # ومن لم يكن على طهارة عند السماع فإذا تطهر يسجد وقد قيل في كمالها أنه ~~يكبر رافعا يديه لتحريمه ثم يكبر للهوى للسجود ثم يكبر للارتفاع ثم يسلم ~~وزاد زائدون PageV01P277 التشهد ولا أصل لهذا إلا القياس على سجود الصلاة ~~وهو بعيد فإنه ورد الأمر في السجود فليتبع فيه الأمر وتكبيرة الهوى أقرب ~~للبداية وما عدا ذلك ففيه بعد # ثم المأموم ينبغي أن يسجد عند سجود الإمام ولا يسجد لتلاوة نفسه إذا كان ~~مأموما # الثامن أن يقول في مبتدأ قراءته أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان ~~الرجيم @QB@ رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون @QE@ ~~وليقرأ قل أعوذ برب الناس وسورة الحمد لله وليقل عند فراغه من القراءة صدق ~~الله تعالى وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم انفعنا به وبارك لنا ~~فيه الحمد لله رب العالمين وأستغفر الله الحي القيوم # وفي أثناء القراءة إذا مر بآية تسبيح سبح وكبر وإذا مر بآية دعاء ~~واستغفار دعا واستغفر وإن مر بمرجو سأل وإن مر بمخوف استعاذ يفعل ذلك ~~بلسانه أو بقلبه فيقول سبحان الله نعوذ بالله اللهم ارزقنا اللهم ارحمنا # قال حذيفة صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأ سورة البقرة فكان ~~لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا بآية عذاب إلا استعاذ ولا بآية تنزيه إلا سبح ~~+ حديث حذيفة كان لا يمر بآية عذاب إلا تعوذ ولا بآية رحمة إلا سأل ولا ~~بآية تنزيه إلا سبح أخرجه مسلم مع اختلاف لفظ + فإذا فرغ قال ما كان يقول ~~صلوات الله وسلامه عند ختم القرآن اللهم ارحمني بالقرآن واجعله لي إماما ~~ونورا وهدى ورحمة اللهم ذكرني منه ما نسيت وعلمني منه ما جهلت وارزقني ~~تلاوته آناء الليل وأطراف النهار واجعله لي حجة يا رب العالمين + حديث كان ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند ختم القرآن اللهم ارحمني بالقرآن ~~واجعله لي إماما وهدى ورحمة اللهم ذكرني منه ما نسيت وعلمني منه ما جهلت ~~وارزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار واجعله لي حجة يا رب العالمين ~~رواه أبو منصور المظفر بن الحسين الأرجاني في فضائل القرآن وأبو بكر بن ~~الضحاك في الشمائل كلاهما من طريق أبي ذر الهروي من رواية داود بن قيس ~~معضلا + # التاسع في الجهر بالقراءة ولا شك في أنه لا بد أن يجهر به إلى حد يسمع ~~نفسه إذ القراءة عبارة عن تقطيع الصوت بالحروف ولا بد من صوت فأقله ما يسمع ~~نفسه فإن لم يسمع نفسه لم تصح صلاته # فأما الجهر بحيث يسمع غيره فهو محبوب على وجه ومكروه على وجه آخر ويدل ~~على استحباب الإسرار ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال فضل قراءة السر على ~~قراءة العلانية كفضل صدقة السر على صدقة العلانية وفي لفظ آخر الجاهر ~~بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر به كالمسر بالصدقة + حديث فضل قراءة السر ~~على قراءة العلانية كفضل صدقة السر على صدقة العلانية قال وفي لفظ آخر ~~الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة أخرجه أبو ~~داود والنسائي والترمذي وحسنه من حديث عقبة بن عامر باللفظ الثاني + وفي ~~الخبر العام يفضل عمل السر على العلانية سبعين ضعفا + حديث يفضل عمل السر ~~على عمل العلانية بسبعين ضعفا أخرجه البيهقي في الشعب من حديث عائشة + ~~وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم خير الرزق ما يكفي وخير الذكر الخفي + حديث ~~خير الرزق ما يكفي وخير الذكر الخفي أخرجه أحمد وابن حبان من حديث سعد بن ~~أبي وقاص + وفي الخبر لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة بين المغرب والعشاء ~~+ حديث لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة بين المغرب والعشاء رواه أبو داود ~~من حديث البياضي دون قوله بين المغرب والعشاء والبيهقي في الشعب من حديث ~~علي قبل العشاء وبعدها وفيه الحارث الأعور وهو ضعيف + # وسمع سعيد بن المسيب ذات ليلة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ~~بن عبد العزيز يجهر بالقراءة في صلاته وكان حسن الصوت فقال لغلامه اذهب إلى ~~هذا المصلي فمره أن يخفض صوته فقال الغلام إن المسجد ليس لنا وللرحل فيه ~~نصيب فرفع سعيد صوته وقال يا أيها المصلي إن كنت تريد الله عز وجل بصلاتك ~~فاخفض صوتك وإن كنت تريد الناس فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا فسكت عمر ~~بن عبد العزيز وخفف ركعته فلما سلم أخذ نعليه وانصرف وهو يومئذ أمير ~~المدينة # ويدل على استحباب الجهر ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع جماعة من ~~أصحابه يجهرون في صلاة الليل فصوب ذلك + حديث أنه سمع جماعة من الصحابة ~~يجهرون في صلاة الليل فصوب ذلك ففي الصحيحين من حديث عائشة أن رجلا قام من ~~الليل فقرأ فرفع صوته بالقرآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله ~~فلانا الحديث ومن حديث أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو ~~رأيتني وأنا أسمع قراءتك البارحة الحديث ومن حديث أيضا إنما أعرف أصوات ~~رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل وأعرف منازلهم من أصواتهم ~~بالقرآن الحديث + وقد قال صلى الله عليه وسلم PageV01P278 إذا قام أحدكم من ~~الليل يصلي فليجهر بالقراءة فإن الملائكة وعمار الدار يستمعون قراءته ~~ويصلون بصلاته + حديث إذا قام أحدكم من الليل يصلي فليجهر بقراءته فإن ~~الملائكة وعمار الدار يستمعون إلى قراءته ويصلون بصلاته رواه بنحوه بزيادة ~~فيه أبو بكر البزار ونصر المقدسي في المواعظ وأبو شجاع من حديث معاذ بن جبل ~~وهو حديث منكر منقطع + # ومر صلى الله عليه وسلم بثلاثة من أصحابه رضي الله عنهم مختلفي الأحوال ~~فمر على أبي بكر رضي الله عنه وهو يخافت فسأله عن ذلك فقال إن الذي أناجيه ~~هو يسمعني ومر على عمر رضي الله عنه وهو يجهر فسأله عن ذلك فقال أوقط ~~الوسنان وأزجر الشيطان ومر على بلال وهو يقرأ آيا من هذه السورة وآيا من ~~هذه السورة فسأله عن ذلك فقال أخلط الطيب بالطيب فقال صلى الله عليه وسلم ~~كلكم قد أحسن وأصاب + حديث مروره صلى الله عليه وسلم بأبي بكر وهو يخافت ~~وبعمر وهو يجهر وببلال وهو يقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة الحديث تقدم ~~في الصلاة + # فالوجه في الجمع بين هذه الأحاديث أن الإسرار أبعد عن الرياء والتصنع فهو ~~أفضل في حق من يخاف ذلك على نفسه فإن لم يخف ولم يكن في الجهر ما يشوش ~~الوقت على مصل آخر فالجهر أفضل لأن العمل فيه أكثر ولأن فائدته أيضا تتعلق ~~بغيره فالخير المتعدي أفضل من اللازم ولأنه يوقظ قلب القارىء ويجمع همه إلى ~~الفكر فيه ويصرف إليه سمعه ولأنه يطرد النوم في رفع الصوت ولأنه يزيد في ~~نشاطه للقراءة ويقلل من كسله ولأنه يرجو بجهره تيقظ نائم فيكون هو سبب ~~إحيائه ولأنه قد يراه بطال غافل فينشط بسبب نشاطه ويشتاق إلى الخدمة فمتى ~~حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل # وإن اجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر وبكثرة النيات تزكو أعمال الأبرار ~~وتتضاعف أجورهم فإن كان في العمل الواحد عشر نيات كان فيه عشر أجور ولهذا ~~نقول قراءة القرآن في المصاحف أفضل إذ يزيد في العمل النظر وتأمل المصحف ~~وحمله فيزيد الأجر بسببه وقد قيل الختمة في المصحف بسبع لأن النظر في ~~المصحف أيضا عبادة # وخرق عثمان رضي الله عنه مصحفين لكثرة قراءته منهما فكان كثير من الصحابة ~~يقرؤون في المصاحف ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف # ودخل بعض فقهاء مصر على الشافعي رضي الله عنه في السحر وبين يديه مصحف ~~فقال له الشافعي شغلكم الفكر عن القرآن إني لأصلي العتمة وأضع المصحف بين ~~يدي فما أطبقه حتى أصبح # العاشر تحسين القراءة وترتيلها بترديد الصوت من غير تمطيط مفرط يغير ~~النظم فذلك سنة قال صلى الله عليه وسلم زينوا القرآن بأصواتكم + حديث زينوا ~~القرآن بأصواتكم أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم ~~وصححه من حديث البراء بن عازب + وقال عليه السلام ما أذن الله لشيء إذنه ~~لحسن الصوت بالقرآن + حديث ما أذن الله لشيء إذنه لحسن الصوت بالقرآن متفق ~~عليه من حديث أبي هريرة بلفظ ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن ~~زاد مسلم لنبي حسن الصوت وفي رواية له كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن + وقال صلى ~~الله عليه وسلم ليس منا من لم يتغن بالقرآن فقيل أراد به الاستغناء وقيل ~~أراد به الترنم وترديد الألحان به وهو أقرب عند أهل اللغة # وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ليلة ينتظر عائشة رضي الله ~~عنها فأبطأت عليه فقال صلى الله عليه وسلم ما حبسك قالت يا رسول الله كنت ~~أستمع قراءة رجل ما سمعت أحسن صوتا منه فقام صلى الله عليه وسلم حتى استمع ~~إليه طويلا ثم رجع فقال صلى الله عليه وسلم هذا سالم مولى أبي حذيفة الحمد ~~لله الذي جعل في أمتي مثله + حديث كان ينتظر عائشة فأبطأت عليه فقال ما ~~حبسك قالت يا رسول الله كنت أسمع قراءة رجل ما سمعت أحسن صوتا منه فقام صلى ~~الله عليه وسلم حتى استمع إليه طويلا ثم رجع فقال هذا سالم مولى أبي حذيفة ~~الحمد لله الذي جعل في أمتي مثله أخرجه أبو داود من حديث عائشة ورجال ~~إسناده ثقات + واستمع صلى الله عليه وسلم أيضا ذات ليلة إلى عبد الله بن ~~مسعود ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فوقفوا طويلا ثم قال PageV01P279 ~~صلى الله عليه وسلم من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأه على ~~قراءة ابن أم عبد + حديث استمع ذات ليلة إلى عبد الله بن مسعود ومعه أبو ~~بكر وعمر فوقفوا طويلا ثم قال من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه ~~على قراءة ابن أم عبد أخرجه أحمد والنسائي في الكبرى من حديث عمر والترمذي ~~وابن ماجه من حديث ابن مسعود أن أبا بكر وعمر بشراه أن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم قال من أحب أن يقرأ القرآن الحديث قال الترمذي حسن صحيح + وقال ~~صلى الله عليه وسلم لابن مسعود اقرأ علي فقال يا رسول الله أقرأ عليك وعليك ~~أنزل فقال صلى الله عليه وسلم إني أحب أن أسمعه من غيري فكان يقرأ وعينا ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم تفيضان + حديث أنه قال لابن مسعود اقرأ فقال ~~يا رسول الله اقرأ وعليك أنزل فقال إني أحب أن أسمعه من غيري الحديث متفق ~~عليه من حديث ابن مسعود + واستمع صلى الله عليه وسلم إلى قراءة أبي موسى ~~فقال لقد أوتي هذا من مزامير آل داود فبلغ ذلك أبا موسى فقال يا رسول الله ~~لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا + حديث استمع إلى قراءة أبي موسى فقال ~~لقد أوتي هذا من مزامير آل داود متفق عليه من حديث أبي موسى + ورأى هيثم ~~القارىء رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام قال فقال لي أنت الهيثم ~~الذي تزين القرآن بصوتك قلت نعم قال جزاك الله خيرا # وفي الخبر كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا ~~أحدهم أن يقرأ سورة من القرآن وقد كان عمر يقول لأبي موسى رضي الله عنهما ~~ذكرنا ربنا فيقرأ عنده حتى يكاد وقت الصلاة أن يتوسط فيقال يا أمير ~~المؤمنين الصلاة الصلاة فيقول أولسنا في صلاة إشارة إلى قوله عز وجل ولذكر ~~الله أكبر وقال صلى الله عليه وسلم من استمع إلى آية من كتاب الله عز وجل ~~كانت له نورا يوم القيامة + حديث من استمع إلى آية من كتاب الله كانت له ~~نورا يوم القيامة وفي الخبر كتب له عشر حسنات أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة ~~من استمع إلى آية من كتاب الله كتب له حسنة مضاعفة ومن تلاها كانت له نورا ~~يوم القيامة وفيه ضعف وانقطاع + وفي الخبر كتب له عشر حسنات ومهما عظم أجر ~~الاستماع وكان التالي هو السبب فيه كان شريكا في الأجر إلا أن يكون قصده ~~الرياء والتصنع # | الباب الثالث في أعمال الباطن في التلاوة وهي عشرة فهم # أصل الكلام ثم التعظيم ثم حضور القلب ثم التدبر ثم التفهم ثم التخلي ~~عنموانع الفهم ثم التخصيص ثم التأثر ثم الترقي ثم التبري # فالأول فهم عظمة الكلام وعلوه وفضل الله سبحانه وتعالى ولطفه بخلقه في ~~نزوله عن عرش جلاله إلى درجة إفهام خلقه # فلينظر كيف لطف بخلقه في إيصال معاني كلامه الذي هو صفة قديمة قائمة ~~بذاته إلى أفهام خلقه وكيف تجلت لهم تلك الصفة في طي حروف وأصوات هي صفات ~~البشر إذ يعجز البشر عن الوصول إلى فهم صفات الله عز وجل إلا بوسيلة صفات ~~نفسه # ولولا استتار كنه جلالة كلامه بكسوة الحروف لما ثبت لسماع الكلام عرش ولا ~~ثرى ولتلاشى ما بينهما من عظمة سلطانه وسبحات نوره ولولا تثبيت الله عز وجل ~~لموسى عليه السلام لما أطاق لسماع كلامه كما لم يطق الجبل مبادي تجليه حيث ~~صار دكا ولا يمكن تفهيم عظمة الكلام إلا بأمثلة على حد فهم الخلق # ولهذا عبر بعض العارفين عنه فقال إن كل حرف من كلام الله عز وجل في اللوح ~~المحفوظ أعظم من جبل قاف وإن الملائكة عليهم السلام لو اجتمعت على الحرف ~~الواحد أن يقلوه ما أطاقوه حتى يأتي إسرافيل عليه السلام وهو ملك اللوح ~~فيرفعه فيقله بإذن الله عز وجل ورحمته لا بقوته وطاقته ولكن الله عز وجل ~~طوقه ذلك واستعمله به ولقد تألق بعض الحكماء في التعبير عن وجه اللطف في ~~إيصال معاني الكلام مع علو درجته إلى فهم الإنسان وتثبيته مع قصور رتبته ~~وضرب له مثلا لم يقصر فيه وذلك أنه دعا PageV01P280 بعض الملوك حكيم إلى ~~شريعة الأنبياء عليهم السلام فسأله الملك عن أمور فأجاب بما لا يحتمله فهمه ~~فقال الملك أرأيت ما تأتي به الأنبياء إذا ادعت أنه ليس بكلام الناس وأنه ~~كلام الله عز وجل فيكف يطيق الناس حمله فقال الحكيم إنا رأينا الناس لما ~~أرادوا أن يفهموا بعض الدواب والطير ما يريدون من تقديمها وتأخيرها ~~وإقبالها وإدبارها ورأوا الدواب يقصر تمييزها عن فهم كلامهم الصادر عن ~~أنوار عقولهم مع حسنه وتزيينه وبديع نظمه فنزلوا إلى درجة تمييز البهائم ~~وأوصلوا مقاصدهم إلى بواطن البهائم بأصوات يضعونها لائقة بهم من النقر ~~والصفير والأصوات القريبة من أصواتها لكي يطيقوا حملها وكذلك الناس يعجزون ~~عن حمل كلام الله عز وجل بكنهه وكمال صفاته فصاروا بما تراجعوا بينهم من ~~الأصوات التي سمعوا بها الحكمة كصوت النقر والصفير الذي سمعت به الدواب من ~~الناس # ولم يمنع ذلك معاني الحكمة المخبوءة في تلك الصفات من أن شرف الكلام أي ~~الأصوات لشرفها وعظم لتعظيمها فكان الصوت للحكمة جسدا ومسكنا والحكمة للصوت ~~نفسا وروحا # فكما أن أجساد البشر تكرم وتعز لمكان الروح فكذلك أصوات الكلام تشرف ~~للحكمة التي فيها # والكلام على المنزلة رفيع الدرجة قاهر السلطان نافذ الحكم في الحق ~~والباطل وهو القاضي العدل والشاهد المرتضى يأمر وينهى ولا طاقة للباطل أن ~~يقوم قدام كلام الحكمة كما لا يستطيع الظل أن يقول قدام شعاع الشمس ولا ~~طاقة للبشر أن ينفذوا غور الحكمة كما لا طاقة لهم أن ينفذوا بأبصارهم ضوء ~~عين الشمس ولكنهم ينالون من ضوء عين الشمس ما تحيا به أبصارهم ويستدلون به ~~على حوائجهم فقط # فالكلام كالملك المحجوب الغائب وجهه النافذ أمره وكالشمس الغزيرة الظاهرة ~~مكنون عنصرها وكالنجوم الزهرة التي قد يهتدي بها من لا يقف على سيرها فهو ~~مفتاح الخزائن النفيسة وشراب الحياة الذي من شرب منه لم يمت ودواء الأسقام ~~الذي من سقى منه لم يسقم فهذا الذي ذكره الحكيم نبذة من تفهيم معنى الكلام ~~والزيادة عليه لا تليق بعلم المعاملة فينبغي أن يقتصر عليه # الثاني التعظيم للمتكلم فالقارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر ~~في قلبه عظمة المتكلم ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر وإن في تلاوة ~~كلام الله عز وجل غاية الخطر فإنه تعالى قال @QB@ لا يمسه إلا المطهرون ~~@QE@ وكما أن ظاهر جلد المصحف وورقه محروس عن ظاهر بشرة اللامس إلا إذا كان ~~متطهرا فباطن معناه أيضا بحكم عزه وجلاله محجوب عن باطن القلب إلا إذا كان ~~متطهرا عن كل رجس ومستنيرا بنور التعظيم والتوقير وكما لا يصلح لمس جلد ~~المصحف كل يد فلا يصلح لتلاوة حروفه كل لسان ولا لنيل معانيه كل قلب ولمثل ~~هذا التعظيم كان عكرمة بن أبي جهل إذا نشر المصحف غشي عليه ويقول هو كلام ~~ربي هو كلام ربي فتعظيم الكلام تعظيم المتكلم ولن تحضره عظمة المتكلم ما لم ~~يتفكر في صفاته وجلاله وأفعاله فإذا حضر بباله العرش والكرسي والسموات ~~والأرض وما بينهما من الجن والإنس والدواب والأشجار وعلم أن الخالق لجميعها ~~والقادر عليها والرازق لها واحد وأن الكل في قبضة قدرته مترددون بين فضله ~~ورحمته وبين نقمته وسطوته إن أنعم فبفضله وإن عاقب فبعدله وأنه الذي يقول ~~هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي وهؤلاء إلى النار ولا أبالي وهذا غاية العظمة ~~والتعالي فبالتفكر في أمثال هذا يحضر تعظيم المتكلم ثم تعظيم الكلام # الثالث حضور القلب وترك حديث النفس قيل في تفسير @QB@ يا يحيى خذ الكتاب ~~بقوة @QE@ أي بجد واجتهاد وأخذه بالجد أن يكون متجردا له عند قراءته منصرف ~~الهمة إليه عن غيره وقيل لبعضهم إذا قرأت القرآن تحدث نفسك بشيء فقال أو ~~شيء أحب إلي من القرآن حتى أحدث به نفسي وكان بعض السلف إذا قرأ آية لم يكن ~~قلبه فيها أعادها ثانية وهذه الصفة تتولد عما قبلها من التعظيم فإن المعظم ~~للكلام الذي يتلوه يستبشر به ويستأنس ولا يغفل عنه ففي القرآن ما يستأنس به ~~القلب إن كان التالي أهلا له فكيف يطلب الأنس بالفكر في غيره وهو في متنزه ~~ومتفرج PageV01P281 والذي يتفرج في المتنزهات لا يتفكر في غيرها فقد قيل إن ~~في القرآن ميادين وبساتين ومقاصير وعرائس وديابيج ورياضا وخانات فالميمات ~~ميادين القرآن والراءات بساتين القرآن والحاءات مقاصيره والمسبحات عرائس ~~القرآن والحاميمات ديابيج القرآن والمفصل رياضه والخانات ما سوى ذلك فإذا ~~دخل القارىء الميادين وقطف من البساتين ودخل المقاصير وشهد العرائس ولبس ~~الديابيج وتنزه في الرياض وسكن غرف الخانات استغرقه ذلك وشغله عما سواه فلم ~~يعزب قلبه ولم يتفرق فكره # الرابع التدبر وهو وراء حضور القلب فإنه قد لا يتفكر في غير القرآن ولكنه ~~يقتصر على سماع القرآن من نفسه وهو لا يتدبره # والمقصود من القراءة التدبر ولذلك سن لأن الترتيل فيه الترتيل في الظاهر ~~ليتمكن من التدبر بالباطن # قال علي رضي الله عنه لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا في قراءة لا تدبر ~~فيها # وإذا لم يتمكن من التدبر إلا بترديد فليردد إلا أن يكون خلف إمام فإنه لو ~~بقي في تدبر آية وقد اشتغل الإمام بآية أخرى كان مسيئا مثل من يشتغل ~~بالتعجب من كلمة واحدة ممن يناجيه عن فهم بقية كلامه وكذلك إن كان في تسبيح ~~الركوع وهو متفكر في آية قرأها إمامه فهذا وسواس فقد روى عن عامر بن عبد ~~قيس أنه قال الوسواس يعتريني في الصلاة فقيل في أمر الدنيا فقال لأن تختلف ~~في الأسنة أحب إلي من ذلك ولكن يشتغل قلبي بموقفي بين يدي ربي عز وجل وأنى ~~كيف انصرف فعد ذلك وسواسا وهو كذلك فإنه يشغله عن فهم ما هو فيه والشيطان ~~لا يقدر على مثله إلا بأن يشغله بمهم ديني ولكن يمنعه به عن الأفضل ولما ~~ذكر ذلك للحسن قال إن كنتم صادقين عنه فما اصطنع الله ذلك عندنا ويروى أنه ~~صلى الله عليه وسلم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فرددها عشرين مرة + حديث ~~أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فرددها عشرين مرة رواه أبو ذر الهروي في ~~معجمه من حديث أبي هريرة بسند ضعيف + وإنما رددها صلى الله عليه وسلم ~~لتدبره في معانيها # وعن أبي ذر قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا ليلة فقام بآية ~~يرددها وهي إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم + حديث أبي ذر قام رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فينا ليلة بآية يرددها وهي @QB@ إن تعذبهم فإنهم ~~عبادك @QE@ أخرجه النسائي وابن ماجه بسند صحيح + الآية وقام تميم الداري ~~ليلة بهذه الآية @QB@ أم حسب الذين اجترحوا السيئات @QE@ الآية # وقام سعيد بن جبير ليلة يردد هذه الآية وامتازوا اليوم أيها المجرمون ~~وقال بعضهم إني لأفتتح السورة فيوقفني بعض ما أشهد فيها عن الفراغ منها حتى ~~يطلع الفجر وكان بعضهم يقول آية لا أتفهمها ولا يكون قلبي فيها لا أعد لها ~~ثوابا وحكي عن أبي سليمان الداراني أنه قال إني لأتلو الآية فأقيم فيها ~~أربع ليال أو خمس ليال ولولا أني أقطع الفكر فيها ما جاوزتها إلى غيرها # وعن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ من التدبر ~~فيها # وقال بعض العارفين لي في كل جمعة ختمة وفي كل شهر ختمة وفي كل سنة ختمة ~~ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد وذلك بحسب درجات تدبره وتفتيشه ~~وكان هذا أيضا يقول أقمت نفسي مقام الأجراء فأنا أعمل مياومة ومجامعة ~~ومشاهرة ومسانهة # الخامس التفهم وهو أن يستوضح من كل آية ما يليق بها إذ القرآن يشتمل على ~~ذكر صفات الله عز وجل وذكر أفعاله وذكر أحوال الأنبياء عليهم السلام وذكر ~~أحوال المكذبين لهم وأنهم كيف أهلكوا وذكر أوامره وزواجره وذكر الجنة ~~والنار # أما صفات الله عز وجل فكقوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ~~وكقوله تعالى الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ~~فليتأمل معاني هذه الأسماء والصفات لينكشف له أسرارها فتحتها معان ~~PageV01P282 مدفونة لا تنكشف إلا للموفقين وإليه أشار علي رضي الله عنه ~~بقوله ما أسر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كتمه عن الناس إلا أن ~~يؤتى الله عز وجل عبدا فهما في كتابه فليكن حريصا على طلب ذلك الفهم + حديث ~~علي ما أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كتمه عن الناس إلا أن ~~يؤتي الله عبدا فهما في كتابه أخرجه النسائي من رواية أبي جحيفة قال سألنا ~~عليا فقلنا هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن قال ~~لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي الله عبدا فهما في كتابه ~~الحديث وهو عند البخاري بلفظ هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ~~ليس في القرآن وفي رواية وقال مرة ما ليس عند الناس ولأبي داود والنسائي ~~فقلنا هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس ~~قال لا إلا ما في كتابي هذا الحديث ولم يذكر الفهم في القرآن + وقال ابن ~~مسعود رضي الله عنه من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن وأعظم علوم ~~القرآن تحت أسماء الله عز وجل وصفاته إذ لم يدرك أكثر الخلق منها إلا أمورا ~~لائقة بأفهامهم ولم يعثروا على أغوارها # وأما أفعاله تعالى فكذكره خلق السموات والأرض وغيرها فليفهم التالي منها ~~صفات الله عز وجل وجلاله إذا الفعل يدل على الفاعل فتدل عظمته على عظمته ~~فينبغي أن يشهد في العقل الفاعل دون الفعل فمن عرف الحق رآه في كل شيء إذ ~~كل شيء فهو منه وإليه وبه وله فهو الكل على التحقيق ومن لا يراه في كل ما ~~يراه فكأنه ما عرفه ومن عرفه عرف أن كل شيء ما خلا الله باطل وأن كل شيء ~~هالك إلا وجهه لا أنه سيبطل في ثاني الحال بل هو الآن باطل إن اعتبر ذاته ~~من حيث هو إلا أن يعتبر وجوده من حيث إنه موجود بالله عز وجل وبقدرته فيكون ~~له بطريق التبعية ثبات وبطريق الاستقلال بطلان محض وهذا مبدأ من مبادىء علم ~~المكاشفة ولهذا ينبغي إذا قرأ التالي قوله عز وجل أفرأيتم ما تحرثون ~~أفرأيتم ما تمنون أفرأيتم الماء الذي تشربون أفرأيتم النار التي تورون فلا ~~يقصر نظره على الماء والنار والحرث والمني بل يتأمل في المني وهو نطفة ~~متشابهة الأجزاء ثم ينظر في كيفية انقسامها إلى اللحم والعظم والعروق ~~والعصب وكيفية تشكل أعضائها بالأشكال المختلفة من الرأس واليد والرجل ~~والكبد والقلب وغيرها ثم إلى ما ظهر فيها من الصفات الشريفة من السمع ~~والبصر والعقل وغيرها ثم إلى ما ظهر فيها من الصفات المذمومة من الغضب ~~والشهوة والكبر والجهل والتكذيب والمجادلة كما قال تعالى أولم ير الإنسان ~~أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين فليتأمل هذه العجائب ليترقى منها إلى ~~عجب العجائب وهو الصفة التي منها صدرت هذه الأعاجيب فلا يزال ينظر إلى ~~الصنعة فيرى الصانع # وأما أحوال الأنبياء عليهم السلام فإذا سمع منها كيف كذبوا وضربوا وقتل ~~بعضهم فليفهم منه صفة الاستغناء لله عز وجل عن الرسل والمرسل إليهم وأنه لو ~~أهلك جميعهم لم يؤثر في ملكه شيئا وإذا سمع نصرتهم في آخر الأمر فليفهم ~~قدرة الله عز وجل وإرادته لنصرة الحق # وأما أحوال المكذبين كعاد وثمود وما جرى عليهم فليكن فهمه منه استشعار ~~الخوف من سطوته ونقمته وليكن حظه منه الاعتبار في نفسه وأنه إن غفل وأساء ~~الأدب واغتر بما أمهل فربما تدركه النقمة وتنفذ فيه القضية وكذلك إذا سمع ~~وصف الجنة والنار وسائر ما في القرآن فلا يمكن استقصاء ما يفهم منه لأن ذلك ~~لا نهاية له وإنما لكل عبد بقدر رزقه فلا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين قل ~~لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا ~~بمثله مددا ولذلك قال علي رضي الله عنه لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير ~~فاتحة الكتاب # فالغرض مما ذكرناه التنبيه على طريق التفهيم لينفتح بابه فأما الاستقصاء ~~فلا مطمع فيه ومن لم يكن له فهم ما في القرآن ولو في أدنى الدرجات دخل في ~~قوله تعالى ومنهم من يستمع إليك حتى إذا PageV01P283 خرجوا من عندك قالوا ~~للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم والطابع ~~هي الموانع التي سنذكرها في موانع الفهم وقد قيل لا يكون المريد مريدا حتى ~~يجد في القرآن كل ما يريد ويعرف منه النقصان من المزيد ويستغني بالمولى عن ~~العبيد # السادس التخلي عن موانع الفهم فإن أكثر الناس منعوا عن فهم معاني القرآن ~~لأسباب وحجب أسدلها الشيطان على قلوبهم فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن قال ~~صلى الله عليه وسلم لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ~~الملكوت + حديث لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ~~الملكوت تقدم في الصلاة + ومعاني القرآن من جملة الملكوت وكل ما غاب عن ~~الحواس ولم يدرك إلا بنور البصيرة فهو من الملكوت # وحجب الفهم أربعة أولها أن يكون الهم منصرفا إلى تحقيق الحروف بإخراجها ~~من مخارجها وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن فهم معاني كلام ~~الله عز وجل فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف يخيل إليهم أنه لم يخرج من ~~مخرجه # فهذا يكون تأمله مقصورا على مخارج الحروف فأنى تنكشف له المعاني وأعظم ~~ضحكة للشيطان من كان مطيعا لمثل هذا التلبيس # ثانيها أن يكون مقلدا لمذهب سمعه بالتقليد وجمد عليه وثبت في نفسه التعصب ~~له بمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة فهذا شخص قيده ~~معتقده عن أن يجاوزه فلا يمكنه أن يخطر بباله غير معتقده فصار نظره موقوفا ~~على مسموعه فإن لمع برق على بعد وبدا له معنى من المعاني التي تباين مسموعه ~~حمل عليه شيطان التقليد حملة وقال كيف يخطر هذا ببالك وهو خلاف معتقد آبائك ~~فيرى أن ذلك غرور من الشيطان فيتباعد منه ويحترز عن مثله # ولمثل هذا قالت الصوفية إن العلم حجاب وأرادوا بالعلم العقائد التي استمر ~~عليها أكثر الناس بمجرد التقليد أو بمجرد كلمات جدلية حررها المتعصبون ~~للمذاهب وألقوها إليهم # فأما العلم الحقيقي الذي هو الكشف والمشاهدة بنور البصيرة فكيف يكون ~~حجابا وهو منتهى المطلب وهذا التقليد قد يكون باطلا فيكون مانعا كمن يعتقد ~~في الاستواء على العرش التمكن والاستقرار فإن خطر له مثلا في القدوس أنه ~~المقدس عن كل ما يجوز على خلقه لم يمكنه تقليده من أن يستقر ذلك في نفسه ~~ولو استقر في نفسه لانجر إلى كشف ثاني وثالث ولتواصل ولكن يتسارع إلى دفع ~~ذلك عن خاطره لمناقضته تقليده بالباطل وقد يكون حقا ويكون أيضا مانعا من ~~الفهم والكشف لأن الحق الذي كلف الخلق اعتقاده له مراتب ودرجات وله مبدأ ~~ظاهر وغور باطن وجمود الطبع على الظاهر يمنع من الوصول إلى الغور الباطن ~~كما ذكرناه في الفرق بين العلم الظاهر والباطن في كتاب قواعد العقائد # ثالثها أن يكون مصرا على ذنب أو متصفا بكبر أو مبتلى في الجملة بهوى في ~~الدنيا مطاع فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصدئه وهو كالخبث على المرآة فيمنع ~~جلية الحق من أن يتجلى فيه وهو أعظم حجاب للقلب وبه حجب الأكثرون # وكلما كانت الشهوات أشد تراكما كما كانت معاني الكلام أشد احتجابا وكلما ~~خف عن القلب أثقال الدنيا قرب تجلي المعنى فيه # فالقلب مثل المرآة والشهوات مثل الصدأ ومعاني القرآن مثل الصور التي ~~تتراءى في المرآة # والرياضة للقلب بإماطة الشهوات مثل تصقيل الجلاء للمرآة ولذلك قال صلى ~~الله عليه وسلم إذا عظمت أمتي الدينار والدرهم نزع منها هيبة الإسلام وإذا ~~تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرموا بركة الوحي + حديث إذا عظمت ~~أمتي الدينار والدرهم نزع منها هيبة الإسلام وإذا تركوا الأمر بالمعروف ~~حرموا بركة الوحي رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف معضلا من ~~حديث الفضل بن عياض قال ذكر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم + قال الفضيل ~~يعني حرموا فهم القرآن # وقد شرط الله عز وجل الإنابة في الفهم والتذكير فقال تعالى @QB@ تبصرة ~~وذكرى لكل عبد منيب @QE@ وقال عز وجل @QB@ وما يتذكر إلا من ينيب @QE@ وقال ~~تعالى @QB@ إنما يتذكر أولوا الألباب @QE@ فالذي آثر غرور الدنيا على نعيم ~~الآخرة PageV01P284 فليس من ذوي الألباب ولذلك لا تنكشف له أسرار الكتاب # رابعها أن يكون قد قرأ تفسيرا ظاهرا واعتقد أنه لا معنى لكلمات القرآن ~~إلا ما تناوله النقل عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما وأن ما وراء ذلك تفسير ~~بالرأي وأن من فسر القرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار فهذا أيضا من ~~الحجب العظيمة # وسنبين معنى التفسير بالرأي في الباب الرابع وأن ذلك لا يناقض قول علي ~~رضي الله عنه إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن وأنه لو كان المعنى هو ~~الظاهر المنقول لما اختلفت الناس فيه # السابع التخصيص وهو أن يقدر أنه المقصود بكل خطاب في القرآن فإن سمع أمرا ~~أو نهيا قدر أنه المنهي والمأمور وإن سمع وعدا أو وعيدا فكمثل ذلك وإن سمع ~~قصص الأولين والأنبياء علم أن السمر غير مقصود وإنما المقصود ليعتبر به ~~وليأخذ من تضاعيفه ما يحتاج إليه فما من قصة في القرآن إلا وسياقها لفائدة ~~في حق النبي صلى الله عليه وسلم وأمته ولذلك قال تعالى @QB@ ما نثبت به ~~فؤادك @QE@ فليقدر العبد أن الله ثبت فؤاده بما يقصه عليه من أحوال ~~الأنبياء وصبرهم على الإيذاء وثباتهم في الدين لانتظار نصر الله تعالى # وكيف لا يقدر هذا والقرآن ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~لرسول الله خاصة بل هو شفاء وهدى ورحمة ونور للعالمين ولذلك أمر الله تعالى ~~الكافة بشكر نعمة الكتاب فقال تعالى @QB@ واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل ~~عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به @QE@ وقال عز وجل لقد أنزلنا إليكم كتابا ~~فيه ذكركم أفلا تعقلون وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم كذلك ~~يضرب الله للناس أمثالهم واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم هذا بصائر ~~للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين وإذا قصد ~~بالخطاب جميع الناس فقد قصد الآحاد فهذا القارىء الواحد مقصود فما له ~~ولسائر الناس فليقدر أنه المقصود قال الله تعالى وأوحى إلي هذا القرآن ~~لأنذركم به ومن بلغ قال محمد بن كعب القرظي من بلغه القرآن فكأنما كلمه ~~الله وإذا قدر ذلك لم يتخذ دراسة القرآن عمله بل يقرؤه كما يقرأ العبد كتاب ~~مولاه الذي كتبه إليه ليتأمله ويعمل بمقتضاه ولذلك قال بعض العلماء هذا ~~القرآن رسائل أتتنا من قبل ربنا عز وجل بعهوده نتدبرها في الصلوات ونقف ~~عليها في الخلوات وننفذها في الطاعات والسنن المتبعات # وكان مالك بن دينار يقول ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن إن ~~القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض # وقال قتادة لم يجالس أحد هذا القرآن إلا قام بزيادة أو نقصان قال تعالى ~~هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا # الثامن التأثر وهو أن يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون ~~له بحسب كل فهم حال ووجد يتصف به قلبه من الحزن والخوف والرجاء وغيره # ومهما تمت معرفته كانت الخشية أغلب الأحوال على قلبه فإن التضييق غالب ~~على آيات القرآن فلا يرى ذكر المغفرة والرحمة إلا مقرونا بشروط يقصر العارف ~~عن نيلها كقوله عز وجل وإني لغفار ثم أتبع ذلك بأربعة شروط لمن تاب وآمن ~~وعمل صالحا ثم اهتدى وقوله تعالى والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين ~~آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ذكر أربعة شروط وحيث ~~اقتصر ذكر شرطا جامعا فقال تعالى إن رحمة الله قريب من المحسنين فالإحسان ~~يجمع الكل وهكذا من يتصفح القرآن من أوله إلى آخره # ومن فهم ذلك فجدير بأن يكون حاله الخشية والحزن ولذلك قال الحسن والله ما ~~أصبح اليوم عبد يتلو القرآن يؤمن به إلا كثر حزنه وقل فرحه وكثر بكاؤه وقل ~~ضحكه وكثر نصبه وشغله وقلت راحته وبطالته # وقال وهيب بن الورد نظرنا في هذه الأحاديث والمواعظ فلم نجد شيئا أرق ~~للقلوب ولا أشد استجلابا للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره # فتأثر العبد بالتلاوة أن يصير بصفة الآية المتلوة فعند الوعيد وتقييد ~~المغفرة بالشروط يتضاءل من خيفته كأنه يكاد يموت وعند التوسع ووعد المغفرة ~~يستبشر كأنه يطير من PageV01P285 الفرح وعند ذكر الله وصفاته وأسمائه ~~يتطأطأ خضوعا لجلاله واستشعارا لعظمته وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله ~~عز وجل كذكرهم لله عز وجل ولدا وصاحبة يغض صوته ويكسر في باطنه حياء قبح ~~مقالتهم وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقا إليها وعند وصف النار ترتعد ~~فرائصه خوفا منها ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود اقرأ ~~علي + حديث أنه قال لابن مسعود اقرأ علي الحديث تقدم في الباب قبله + قال ~~فافتتحت سورة النساء فلما بلغت @QB@ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا ~~بك على هؤلاء شهيدا @QE@ رأيت عينيه تذرفان بالدمع فقال لي حسبك الآن وهذا ~~لأن مشاهدة تلك الحالة استغرقت قلبه بالكلية # ولقد كان في الخائفين من خر مغشيا عليه عند آيات الوعيد # ومنهم من مات في سماع الآيات فمثل هذه الأحوال يخرجه عن أن يكون حاكيا في ~~كلامه فإذا قال إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ولم يكن خائفا كان ~~حاكيا # وإذا قال عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ولم يكن حاله التوكل ~~والإنابة كان حاكيا # وإذا قال ولنصبرن على ما آذيتمونا فليكن حاله الصبر أو العزيمة عليه حتى ~~يجد حلاوة التلاوة # فإن لم يكن بهذه الصفات ولم يتردد قلبه بين هذه الحالات كان حظه من ~~التلاوة حركة اللسان مع صريح اللعن على نفسه في قوله تعالى ألا لعنة الله ~~على الظالمين وفي قوله تعالى كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون وفي ~~قوله عز وجل وهم في غفلة معرضون وفي قوله فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد ~~إلا الحياة الدنيا وفي قوله تعالى ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون إلى غير ~~ذلك من الآيات وكان داخلا في معنى قوله عز وجل ومنهم أميون لا يعلمون ~~الكتاب إلا أماني يعني التلاوة المجردة وقوله عز وجل وكأين من آية في ~~السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون لأن القرآن هو المبين لتلك ~~الآيات في السموات والأرض ومهما تجاوزها ولم يتأثر بها كان معرضا عنها ~~ولذلك قيل إن من لم يكن متصفا بأخلاق القرآن فإذا قرأ القرآن ناداه الله ~~تعالى مالك ولكلامي وأنت معرض عني دع عنك كلامي إن لم تتب إلي # ومثال العاصي إذا قرأ القرآن وكرره مثال من يكرر كتاب الملك في كل يوم ~~مرات وقد كتب إليه في عمارة مملكته وهو مشغول بتخريبها ومقتصر على دراسة ~~كتابه فلعله لو ترك الدراسة عند المخالفة لكان أبعد عن الاستهزاء واستحقاق ~~المقت # ولذلك قال يوسف بن أسباط إني لأهم بقراءة القرآن فإذا ذكرت ما فيه خشيت ~~المقت فاعدل إلى التسبيح والاستغفار # والمعرض عن العمل به أريد بقوله عز وجل فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ~~ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا ~~القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم ولانت له جلودكم فإذا اختلفتم فلستم تقرءونه ~~وفي بعضها فإذا اختلفتم فقوموا عنه + حديث اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه ~~قلوبكم ولانت له جلودكم فإذا اختلفتم فلستم تقرءونه وفي بعضها فإذا اختلفتم ~~فقوموا عنه متفق عليه من حديث جندب بن عبد الله البجلي في اللفظ الثاني دون ~~قوله ولانت جلودكم + قال الله تعالى الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا ~~تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون وقال صلى الله عليه وسلم ~~إن أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله تعالى ~~+ حديث إن أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله ~~تعالى أخرجه ابن ماجه بسند ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم لا يسمع القرآن ~~من أحد أشهى ممن يخشى الله عز وجل + حديث لا يسمع القرآن من أحد أشهى ممن ~~يخشى الله تعالى رواه أبو عبد الله الحاكم فيما ذكره أبو القاسم الغافقي في ~~كتاب فضائل القرآن + يراد لاستجلاب هذه الأحوال إلى القلب والعمل به وإلا ~~فالمؤنة في تحريك اللسان بحروفه خفيفة ولذلك قال بعض القراء قرأت القرآن ~~على شيخ لي ثم رجعت لأقرأ ثانيا فانتهرني وقال جعلت القرآن علي عملا اذهب ~~فاقرأ على الله عز وجل فانظر بماذا يأمرك وبماذا ينهاك # وبهذا كان شغل PageV01P286 الصحابة رضي الله عنهم في الأحوال والأعمال ~~فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشرين ألفا من الصحابة لم يحفظ ~~القرآن منهم إلا ستة اختلف في اثنين منهم # وكان أكثرهم يحفظ السورة والسورتين وكان الذي يحفظ البقرة والأنعام من ~~علمائهم + حديث مات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشرين ألفا من الصحابة ~~لم يحفظ القرآن منهم إلا ستة اختلف في اثنين منهم وكان أكثرهم يحفظ السورة ~~والسورتين وكان الذي يحفظ البقرة والأنعام من علمائهم قلت قوله مات عن ~~عشرين ألفا لعله أراد بالمدينة وإلا فقد رويا عن أبي زرعة الرازي أنه قال ~~قبض عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه انتهى ~~وأما من حفظ القرآن على عهده ففي الصحيحين من حديث أنس قال جمع القرآن على ~~عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ ~~بن جبل وزيد وأبو زيد قلت ومن أبو زيد قال أحد عمومتي وزاد ابن أبي شيبة ~~كالمصنف من رواية الشعبي مرسلا وأبو الدرداء وسعيد بن عبيد وفي الصحيحين من ~~حديث عبد الله بن عمرو استقرئوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود ~~وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وروى ابن الأنباري بسنده ~~إلى عمر قال كان الفاضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر هذه ~~الأمة من يحفظ من القرآن السورة ونحوها الحديث وسنده ضعيف وللترمذي وحسنه ~~من حديث أبي هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا وهم ذو عدد ~~فاستقرأهم فاستقرأ كل رجل ما معه من القرآن فأتي على رجل من أحدثهم سنا ~~فقال ما معك يا فلان قال معي كذا وكذا وسورة البقرة فقال أمعك سورة البقرة ~~قال نعم قال اذهب فأنت أميرهم الحديث + ولما جاء واحد ليتعلم القرآن فانتهى ~~إلى قوله عز وجل @QB@ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا ~~يره @QE@ + حديث الرجل الذي جاء ليتعلم فانتهى إلى قوله تعالى فمن يعمل ~~مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فقال يكفني هذا وانصرف فقال ~~النبي صلى الله عليه وسلم انصرف الرجل وهو فقيه أخرجه أبو داود والنسائي في ~~الكبرى وابن حبان والحاكم وصححه من حديث عبد الله بن عمرو قال أتى رجل رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فقال أقرئني يا رسول الله الحديث وفيه فأقرأه رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم إذا زلزلت حتى فرغ منها فقال الرجل والذي بعثك ~~بالحق لا أزيد عليهما أبدا ثم أدبر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أفلح الرويجل أفلح الرويجل ولأحمد والنسائي في الكبرى من حديث صعصعة ~~عم الفرزدق أنه صاحب النصة فقال حسبي لا أبالي أن لا أسمع غيرها + قال يكفي ~~هذا وانصرف فقال صلى الله عليه وسلم انصرف الرجل وهو فقيه وإنما العزيز مثل ~~تلك الحالة التي من الله عز وجل بها على قلب المؤمن عقيب فهم الآية # فأما مجرد حركة اللسان فقليل الجدوى بل التالي باللسان المعرض عن العمل ~~جدير بأن يكون هو المراد بقوله تعالى @QB@ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ~~ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى @QE@ وبقوله عز وجل @QB@ كذلك أتتك آياتنا ~~فنسيتها وكذلك اليوم تنسى @QE@ أي تركتها ولم تنظر إليها ولم تعبأ بها فإن ~~المقصر في الأمر يقال إنه نسي الأمر وتلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك ~~فيه اللسان والعقل والقلب فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل وحظ العقل ~~تفسير المعاني وحظ القلب الاتعاظ والتأثر بالانزجار والائتمار # فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ # التاسع الترقي وأعني به أن يترقى إلى أن يسمع الكلام من الله عز وجل لا ~~من نفسه فدرجات القراءة ثلاث أدناها أن يقدر العبد كأنه يقرؤه على الله عز ~~وجل واقفا بين يديه وهو ناظر إليه ومستمع منه فيكون حاله عند هذا التقدير ~~السؤال والتملق والتضرع والابتهال # الثانية أن يشهد بقلبه كأن الله عز وجل يراه ويخاطبه بألطافه ويناجيه ~~بإنعامه وإحسانه فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم # الثالثة أن يرى في الكلام المتكلم وفي الكلمات الصفات فلا ينظر إلى نفسه ~~ولا إلى قراءته ولا إلى تعلق الإنعام به من حيث إنه منعم عليه بل يكون ~~مقصور الهم على المتكلم موقوف الفكر عليه كأنه مستغرق بمشاهدة المتكلم عن ~~غيره # وهذه درجة المقربين وما قبله درجة أصحاب اليمين وما خرج عن هذا فهو درجات ~~الغافلين # وعن الدرجة العليا أخبر جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه قال والله لقد ~~تجلى الله عز وجل لخلقه في كلامه ولكنهم لا يبصرون وقال أيضا وقد سألوه عن ~~حالة لحقته في الصلاة حتى خر مغشيا عليه فلما سرى عنه قيل له في ذلك فقال ~~ما زلت أردد الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلم PageV01P287 بها فلم ~~يثبت جسمي لمعاينة قدرته ففي مثل هذه الدرجة تعظم الحلاوة ولذة المناجاة ~~ولذلك قال بعض الحكماء كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة حتى تلوته كأني ~~أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوه على أصحابه ثم رفعت إلى مقام ~~فوقه كنت أتلوه كأني أسمعه من جبريل عليه السلام يلقيه على رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ثم جاء الله بمنزلة أخرى فأنا الآن أسمعه من المتكلم به ~~فعندها وجدت له لذة ونعيما لا أصبر عنه # وقال عثمان وحذيفة رضي الله عنهما لو طهرت القلوب لم تشبع من قراءة ~~القرآن وإنما قالوا ذلك لأنها بالطهارة تترقى إلى مشاهدة المتكلم في الكلام ~~ولذلك قال ثابت البناني كابدت القرآن عشرين سنة وتنعمت به عشرين سنة ~~وبمشاهدة المتكلم دون ما سواه يكون العبد ممتثلا لقوله عز وجل ففروا إلى ~~الله ولقوله ولا تجعلوا مع الله إلها آخر فمن لم يره في كل شيء فقد رأى ~~غيره وكل ما التفت إليه العبد سوى الله تعالى تضمن التفاته شيئا من الشرك ~~الخفي بل التوحيد الخالص أن لا يرى في كل شيء إلا الله عز وجل # العاشر التبري وأعني به أن يتبرأ من حوله وقوته والالتفات إلى نفسه بين ~~الرضا والتزكية فإذا تلا بآيات الوعد والمدح للصالحين فلا يشهد نفسه عند ~~ذلك بل يشهد الموقنين والصديقين فيها ويتشوف إلى أن يلحقه الله عز وجل بهم ~~وإذا تلا آيات المقت وذم العصاة والمقصرين شهد على نفسه هناك وقدر أنه ~~المخاطب خوفا وإشفاقا ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول اللهم إني ~~أستغفرك لظلمي وكفري فقيل له هذا الظلم فما بال الكفر فتلا قوله عز وجل إن ~~الإنسان لظلوم كفار وقيل ليوسف ابن أسباط إذا قرأت القرآن بماذا تدعو فقال ~~بماذا أدعو أستغفر الله عز وجل من تقصيري سبعين مرة فإذا رأى نفسه بصورة ~~التقصير في القراءة كان رؤيته سبب قربه فإن من شهد البعد في القرب لطف به ~~في الخوف حتى يسوقه الخوف إلى درجة أخرى في القرب وراءها ومن شهد القرب في ~~البعد مكربه بالأمن الذي يفضيه إلى درجة أخرى في البعد أسفل مما هو فيه ~~ومهما كان مشاهدا نفسه بعين الرضا صار محجوبا بنفسه فإذا جاوز حد الالتفات ~~إلى نفسه ولم يشاهد إلا الله تعالى في قراءته كشف له سر الملكوت # قال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه وعد ابن ثوبان أخا له أن يفطر عنده ~~فأبطأ عليه حتى طلع الفجر فلقيه أخوه من الغد فقال له وعدتني أنك تفطر عندي ~~فأخلفت فقال لولا ميعادي معك ما أخبرتك الذي حبسني عنك إني لما صليت العتمة ~~قلت أوتر قبل أن أجيئك لأني لا آمن ما يحدث من الموت فلما كنت في الدعاء من ~~الوتر رفعت إلى روضة خضراء فيها أنواع الزهر من الجنة فما زلت أنظر إليها ~~حتى أصبحت # وهذه المكاشفات لا تكون إلا بعد التبري عن النفس وعدم الالتفات إليها ~~وإلى هواها ثم تخصص هذه المكاشفات بحسب أحوال المكاشف فحيث يتلو آيات ~~الرجاء ويغلب على حاله الاستبشار تنكشف له صورة الجنة فيشاهدها كأنه يراها ~~عيانا وإن غلب عليه الخوف كوشف بالنار حتى يرى أنواع عذابها وذلك لأن كلام ~~الله عز وجل يشتمل على السهل اللطيف والشديد العسوف والمرجو والمخوف وذلك ~~بحسب أوصافه إذ منها الرحمة واللطف والانتقام والبطش فبحسب مشاهدة الكلمات ~~والصفات يتقلب في اختلاف الحالات وبحسب كل حالة منها يستعد للمكاشفة بأمر ~~يناسب تلك الحالة ويقاربها إذ يستحيل أن يكون حالة المستمع واحدا والمسموع ~~مختلفا إذ فيه كلام راض وكلام غضبان وكلام منعم وكلام منتقم وكلام جبار ~~متكبر لا يبالي وكلام حنان متعطف لا يهمل # | الباب الرابع في فهم القرآن وتفسيره بالرأي من غير نقل لعلك # تقول عظمت الأمر فيما سبق في فهم أسرار القرآن وما ينكشف لأرباب القلوب ~~الزكية من معانيه PageV01P288 فكيف يستحب ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم ~~من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار + حديث من فسر القرآن برأية ~~فليتبوأ مقعده من النار تقدم في الباب الثالث من العلم + وعن هذا شنع أهل ~~العلم بظاهر التفسير على أهل التصوف من المقصرين المنسوبين إلى التصوف في ~~تأويل كلمات في القرآن على خلاف ما نقل عن ابن عباس وسائر المفسرين وذهبوا ~~إلى أنه كفر فإن صح ما قاله أهل التفسير فما معنى فهم القرآن سوى حفظ ~~تفسيره وإن لم يصح ذلك فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم من فسر القرآن ~~برأيه فليتبوأ مقعده من النار فاعلم أن من زعم أن لا معنى للقرآن إلا ما ~~ترجمه ظاهر التفسير فهو مخبر عن حد نفسه وهو مصيب في الإخبار عن نفسه ولكنه ~~مخطئ في الحكم برد الخلق كافة إلى درجته التي هي حده ومحطه بل الأخبار ~~والآثار تدل على أن في معاني القرآن متسعا لأرباب الفهم + حديث الأخبار ~~والآثار الدالة على أن في معاني القرآن متسعا لأرباب الفهم تقدم قول علي في ~~الباب إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في كتابه + قال علي رضي الله عنه إلا أن ~~يؤتى الله عبدا فهما في القرآن فإن لم يكن سوى الترجمة المنقولة فما ذلك ~~الفهم وقال صلى الله عليه وسلم إن للقرآن ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا + حديث إن ~~للقرآن ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا تقدم في قواعد العقائد + ويروى أيضا عن ابن ~~مسعود موقوفا عليه وهو من علماء التفسير فما معنى الظهر والبطن والحد ~~والمطلع وقال علي كرم الله وجهه لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة ~~الكتاب فما معناه وتفسير ظاهرها في غاية الاقتصار وقال أبو الدرداء لا يفقه ~~الرجل حتى يجعل للقرآن وجوها # وقد قال بعض العلماء لكل آية ستون ألف فهم وما بقي من فهمها أكثر وقال ~~آخرون القرآن يحوى سبعة وسبعين ألف علم ومائتي علم إذ كل كلمة علم ثم ~~يتضاعف ذلك أربعة أضعاف إذ لكل كلمة ظاهر وباطن وحد ومطلع وترديد رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم عشرين مرة + حديث تكرير النبي ~~صلى الله عليه وسلم البسملة عشرين مرة تقدم في الباب قبله + لا يكون إلا ~~لتدبره باطن معانيها وإلا فترجمتها وتفسيرها ظاهر لا يحتاج مثله إلى تكرير ~~وقال ابن مسعود رضي الله عنه من أراد علم الأولين والآخرين فليتدبر القرآن ~~وذلك لا يحصل بمجرد تفسير الظاهر وبالجملة فالعلوم كلها داخلة في أفعال ~~الله عز وجل وصفاته وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته وهذه العلوم لا ~~نهاية لها وفي القرآن إشارة إلى مجامعها والمقامات في التعمق في تفصيله ~~راجع إلى فهم القرآن ومجرد ظاهره التفسير لا يشير إلى ذلك بل كل ما أشكل ~~فيه على النظار واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات ففي القرآن إليه ~~رموز ودلالات عليه يختص أهل الفهم بدركها فيكف يفي بذلك ترجمة ظاهره ~~وتفسيره ولذلك قال صلى الله عليه وسلم اقرءوا القرآن والتمسوا غرائبه + ~~حديث اقرءوا القرآن والتمسوا غرائبه أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وأبو ~~يعلى الموصلي والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة بلفظ أعربوا وسنده ضعيف ~~+ وقال صلى الله عليه وسلم في حديث علي كرم الله وجهه والذي بعثني بالحق ~~نبيا ليفترقن أمتي عن أصل دينها وجماعتها على اثنتين وسبعين فرقة كلها ضالة ~~مضلة يدعون إلى النار فإذا كان ذلك فعليكم بكتاب الله عز وجل فإن فيه نبأ ~~من كان قبلكم ونبأ ما يأتي بعدكم وحكم ما بينكم من خالفه من الجبابرة قصمه ~~الله عز وجل ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله عز وجل وهو حبل الله المتين ~~ونوره المبين وشفاؤه النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يموج ~~فيقوم ولا يزيغ فيستقيم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلقه كثرة الترديد + حديث ~~علي والذي بعثني بالحق لتفترقن أمتي على أصل دينها وجماعتها على اثنتين ~~وسبعين فرقة كلها ضالة مضلة يدعو إلى النار فإذا كان ذلك فعليكم بكتاب الله ~~فإن فيه نبأ من كان قبلكم الحديث بطوله وهو عند الترمذي دون ذكر افتراق ~~الأمة بلفظ ألا إنها ستكون فتنة مضلة فقلت ما المخرج منها يا رسول الله قال ~~كتاب الله فيه نبأ من كان قبلكم فذكره مع اختلاف وقال غريب وإسناده مجهول + ~~PageV01P289 الحديث وفي حديث حذيفة لما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بالاختلاف والفرقة بعده قال فقلت يا رسول الله فماذا تأمرني إن أدركت ذلك ~~فقال تعلم كتاب الله واعمل بما فيه فهو المخرج من ذلك قال فأعدت عليه ذلك ~~ثلاثا فقال صلى الله عليه وسلم ثلاثا تعلم كتاب الله عز وجل واعمل بما فيه ~~ففيه النجاة + حديث حذيفة في الاختلاف والفرقة بعده فقلت ما تأمرني إن ~~أدركت ذلك قال تعلم كتاب الله واعمل بما به الحديث أخرجه أبو داود والنسائي ~~في الكبرى وفيه تعلم كتاب الله واتبع ما فيه ثلاث مرات + وقال علي كرم الله ~~وجهه من فهم القرآن فسر به جمل العلم أشار به إلى أن القرآن يشير إلى مجامع ~~العلوم كلها وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ومن يؤت الحكمة ~~فقد أوتي خيرا كثيرا يعني الفهم في القرآن وقال عز وجل ففهمناها سليمان ~~وكلا آتينا حكما وعلما سمى ما آتاهما علما وحكما وخصص ما انفرد به سليمان ~~بالتفطن له باسم الفهم وجعله مقدما على الحكم والعلم فهذه الأمور تدل على ~~أن في فهم معاني القرآن مجالا رحبا ومتسعا بالغا وأن المنقول من ظاهر ~~التفسير ليس منتهى الإدراك فيه # فأما قوله صلى الله عليه وسلم من فسر القرآن برأيه ونهيه عنه + حديث ~~النهي عن تفسير القرآن بالرأي غريب + صلى الله عليه وسلم وقول أبي بكر رضي ~~الله عنه أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في القرآن برأيي إلى غير ذلك ~~مما ورد في الأخبار والآثار في النهي عن تفسير القرآن بالرأي فلا يخلو إما ~~أن يكون المراد به الاقتصار على النقل والمسموع وترك الاستنباط والاستقلال ~~بالفهم أو المراد به أمرا آخر وباطل قطعا أن يكون المراد به أن لا يتكلم ~~أحد في القرآن إلا بما يسمعه لوجوه # أحدها أنه يشترط أن يكون ذلك مسموعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ومسندا إليه وذلك مما لا يصادف إلا في بعض القرآن فأما ما يقوله ابن عباس ~~وابن مسعود من أنفسهم فينبغي أن لا يقبل ويقال هو تفسير بالرأي لأنهم لم ~~يسمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا غيرهم من الصحابة رضي الله ~~عنهم # والثاني أن الصحابة والمفسرين اختلفوا في تفسير بعض الآيات فقالوا فيها ~~أقاويل مختلفة لا يمكن الجمع بينها وسماع جميعها من رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم محال ولو كان الواحد مسموعا لرد الباقي فتبين على القطع أن كل ~~مفسر قال في المعنى بما ظهر له باستنباطه حتى قالوا في الحروف التي في ~~أوائل السور سبعة أقاويل مختلفة لا يمكن الجمع بينها فقيل إن الر هي حروف ~~من الرحمن وقيل إن الألف الله واللام لطيف والراء رحيم وقيل غير ذلك والجمع ~~بين الكل غير ممكن فكيف يكون الكل مسموعا # والثالث أنه صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس رضي الله عنه وقال اللهم ~~فقه في الدين وعلمه التأويل + حديث دعائه لابن عباس اللهم فقهه في الدين ~~وعلمه التأويل تقدم في الباب الثاني من العلم + فإن كان التأويل مسموعا ~~كالتنزيل ومحفوظا مثله فما معنى تخصيصه بذلك # والرابع أنه قال عز وجل لعلمه الذي يستنبطونه منهم فأثبت لأهل العلم ~~استنباطا ومعلوم أنه وراء السماع # وجملة ما نقلناه من الآثار في فهم القرآن يناقض هذا الخيال فبطل أن يشترط ~~السماع في التأويل وجاز لكل واحد أن يستنبط من القرآن بقدر فهمه وحد عقله ~~وأما النهي فإنه ينزل على أحد وجهين أحدهما أن يكون له في الشيء رأي وإليه ~~ميل من طبعه وهواه فيتأول القرآن على وفق رأيه وهواه وليحتج على تصحيح غرضه ~~ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى وهذا ~~تارة يكون مع العلم كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته وهو يعلم ~~أنه ليس المراد بالآية ذلك ولكن يلبس به على خصمه وتارة يكون مع الجهل ولكن ~~إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي PageV01P290 يوافق غرضه ~~ويرجح ذلك الجانب برأيه وهواه فيكون قد فسر برأيه أي رأيه هو الذي حمله على ~~ذلك التفسير ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه وتارة قد يكون له غرض ~~صحيح فيطلب له دليلا من القرآن ويستدل عليه مما يعلم أنه ما أريد به كمن ~~يدعو إلى الاستغفار بالأسحار فيستدل بقوله صلى الله عليه وسلم تسحروا فإن ~~في السحور بركة + حديث تسحروا فإن في السحور بركة تقدم في الباب الثالث من ~~العلم + ويزعم أن المراد به التسحر بالذكر وهو يعلم أن المراد به الأكل ~~وكالذي يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول قال الله عز وجل إذهب إلى فرعون ~~إنه طغى ويشير إلى قلبه ويومئ إلى أنه المراد بفرعون وهذا الجنس قد يستعمله ~~بعض الوعاظ في المقاصد الصحيحة تحسينا للكلام وترغيبا للمستمع وهو ممنوع ~~وقد تستعمله الباطنية في المقاصد الفاسدة لتغرير الناس ودعوتهم إلى مذهبهم ~~الباطل فينزلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم على أمور يعلمون قطعا أنها ~~غير مرادة به فهذه الفنون أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي ويكون المراد ~~بالرأي الرأي الفاسد الموافق للهوى دون الاجتهاد الصحيح والرأي يتناول ~~الصحيح والفاسد والموافق للهوى قد يخصص باسم الرأي # والوجه الثاني أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار ~~بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة ~~والمبدلة وما فيه من الاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير فمن لم ~~يحكم بظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعانى بمجرد فهم العربية كثر غلطه ~~ودخل في زمرة من يفسر بالرأي # فالنقل والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير أولا ليتقي به مواضع الغلط ثم ~~بعد ذلك يتسع التفهم والاستنباط والغرائب التي لا تفهم إلا بالسماع كثيرة ~~ونحن نرمز إلى جمل منها ليستدل بها على أمثالها ويعلم أنه لا يجوز التهاون ~~بحفظ التفسير الظاهر أولا ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر # ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن يدعي البلوغ ~~إلى صدر البيت قبل مجاوزة الباب أو يدعي فهم مقاصد الأتراك من كلامهم وهو ~~لا يفهم لغة الترك فإن ظاهر التفسير يجري مجرى تعليم اللغة التي لا بد منها ~~للفهم وما لا بد فيه من السماع فنون كثيرة منها الإيجار بالحذف والإضمار ~~كقوله تعالى وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها معناه آية مبصرة فظلموا ~~أنفسهم بقتلها فالناظر إلى ظاهر العربية يظن أن المراد به أن الناقة كانت ~~مبصرة ولم تكن عمياء ولم يدر أنهم بماذا ظلموا غيرهم أو أنفسهم وقوله تعالى ~~وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم أي حب العجل فحذف الحب وقوله عز وجل إذا ~~لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات أي ضعف عذاب الأحياء وضعف عذاب الموتى فحذف ~~العذاب وأبدل الأحياء والموتى بذكر الحياة والموت وكل ذلك جائز في فصيح ~~اللغة # وقوله تعالى واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها أي أهل ~~العير فالأهل فيهما محذوف مضمر وقوله عز وجل ثقلت في السموات والأرض معناه ~~خفيت على أهل السموات والأرض والشيء إذا خفي ثقل فأبدل اللفظ به وأقيم في ~~مقام على وأضمر الأهل وحذف # وقوله تعالى وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون أي شكر رزقكم وقوله عز وجل وآتنا ~~ما وعدتنا على رسلك أي على ألسنة رسلك فحذف ألسنة وقوله تعالى إنا أنزلناه ~~في ليلة القدر أراد القرآن وما سبق له ذكر # وقال عز وجل حتى توارت الحجاب أراد الشمس وما سبق لها ذكر وقوله تعالى ~~والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى أي ~~يقولون ما نعبدهم # وقوله عز وجل فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ما أصابك من حسنة ~~فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك معناه لا يفقهون حديثا يقولون ما ~~أصابك من حسنة فمن الله فإن لم يرد هذا كان مناقضا لقوله قل كل من عند الله ~~وسبق إلى الفهم منه مذهب القدرية ومنها المنقول المنقلب كقوله تعالى وطور ~~سينين أي طور PageV01P291 سيناء سلام على إل ياسين أي على الياس وقيل إدريس ~~لأن في حرف ابن مسعود سلام على إدراسين ومنها المكرر القاطع لوصل الكلام في ~~الظاهر كقوله عز وجل وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا ~~الظن وقوله عز وجل قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن ~~آمن منهم معناه الذين استكبروا لمن آمن من الذين استضعفوا ومنها المقدم ~~والمؤخر وهو مظنة الغلط كقوله عز وجل ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما ~~وأجل مسمى معناه لولا الكلمة وأجل مسمى لكان لزاما ولولاه لكان نصبا ~~كاللزام وقوله تعالى يسألونك كأنك حفى عنها أي يسألونك عنها كأنك حفي بها ~~وقوله عز وجل لهم مغفرة ورزق كريم كما أخرجك ربك من بيتك بالحق فهذا الكلام ~~غير متصل وإنما هو عائد إلى قوله السابق قل الانفال لله والرسول كما أخرجك ~~ربك من بيتك بالحق أي فصارت أنفال الغنائم لك إذ أنت راض بخروجك وهم كارهون ~~فاعترض بين الكلام الأمر بالتقوى وغيره ومن هذا النوع قوله عز وجل حتى ~~تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه الآية ومنها المبهم وهو اللفظ ~~المشترك بين معن من كلمة أو حرف أما الكلمة فكالشيء والقرين والأمة والروح ~~ونظائرها قال الله تعالى ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء أراد ~~به النفقة مما رزق وقوله عز وجل وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر ~~على شيء أي الأمر بالعدل والاستقامة وقوله عز وجل فإن اتبعتني فلا تسألني ~~عن شيء اراد به من صفات الربوبية وهو العلوم التي لا يحل السؤال عنها حتى ~~يبتدئ بها العارف في أوان الاستحقاق # وقوله عز وجل أم خلقوا من غير شي أم هم الخالقون أي من غير خالق فربما ~~يتوهم به أنه يدل على أنه لا يخلق شيء إلا من شيء # وأما القرين فكقوله عز وجل وقال قرينه هذا ما لدى عتيد ألقيا في جهنم كل ~~كفار أراد به الملك الموكل به وقوله تعالى قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن ~~كان أراد به الشيطان # وأما الأمة فتطلق على ثمانية أوجه الأمة الجماعة كقوله تعالى وجد عليه ~~أمة من الناس يسقون وأتباع الأنبياء كقولك عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ~~ورجل جامع للخير يقتدي به كقوله تعالى إن إبراهيم كان أمة قانتا لله والأمة ~~الدين كقوله عز وجل إنا وجدنا آباءنا على أمة والأمة الحين والزمان كقوله ~~عز وجل إلى أمة معدودة وقوله عز وجل وادكر بعد أمة والأمة القامة يقال فلان ~~حسن الأمة أي القامة وأمة رجل منفرد بدين لا يشركه فيه أحد قال صلى الله ~~عليه وسلم يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده + حديث يبعث زيد بن عمرو بن ~~نفيل أمة واحدة أخرجه النسائي في الكبرى من حديث زيد بن حارثة وأسماء بنت ~~أبي بكر بإسنادين جيدين + والأمة يقال هذه أمة زيد أي أم زيد والروح أيضا ~~ورد في القرآن على معان كثيرة فلا نطول بإيرادها وكذلك قد يقع الأبهام في ~~الحروف مثل قوله عز وجل قأثرن به نقعا فوسطن به جمعا فالهاء الأولى كناية ~~عن الحوافر وهي الموريات أي أثرن بالحوافر نقعا والثانية كناية عن الإغارة ~~وهي المغيرات صبحا فوسطن به جمعا جمع المشركون فأغاروا بجمعهم وقوله تعالى ~~فأنزلنا به الماء يعني السحاب فأخرجنا به من كل الثمرات يعني الماء وأمثال ~~هذا في القرآن لا ينحصر ومنها التدريج في البيان كقوله عز وجل شهر رمضان ~~الذي أنزل فيه القرآن إذ لم يظهر به أنه ليل أو نهار وبان بقوله عز وجل إنا ~~أنزلناه في ليلة مباركة ولم يظهر به أي ليلة فظهر بقوله تعالى إنا أنزلناه ~~في ليلة القدر وربما يظن في الظاهر الاختلاف بين هذه الآيات فهذا وأمثاله ~~مما لا يغني فيه إلا النقل والسماع فالقرآن من أوله إلى آخره غير خال عن ~~هذا الجنس لأنه أنزل بلغة العرب فكان مشتملا على أصناف كلامهم من إيجاز ~~وتطويل وإضمار وحذف وإبدال وتقديم وتأخير ليكون ذلك مفحما لهم ومعجزا في ~~حقهم فكل من اكتفى بفهم ظاهر العربية وبادر إلى تفسير القرآن ولم يستظهر ~~بالسماع والنقل في هذه الأمور فهو داخل فيمن فسر القرآن برأيه مثل أن يفهم ~~من الأمة المعنى الأشهر منه فيميل طبعه ورأيه إليه فإذا سمعه في موضع آخر ~~مال برأيه إلى ما سمعه من مشهور PageV01P292 معناه وترك تتبع النقل في كثير ~~معانيه فهذا ما يمكن أن يكون منهيا عنه دون التفهم لأسرار المعاني كما سبق ~~فإذا حصل السماع بأمثال هذه الأمور علم ظاهر التفسير وهو ترجمة الألفاظ ولا ~~يكفى ذلك في فهم حقائق المعاني ويدرك الفرق بين حقائق المعاني وظاهر ~~التفسير بمثال وهو أن الله عز وجل قال وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ~~فظاهره تفسير واضح وحقيقة معناه غامض فإنه إثبات للرمي ونفي له وهما ~~متضادان في الظاهر ما لم يفهم أنه رمى من وجه ولم يرم من وجه ومن الوجه ~~الذي لم يرم رماه الله عز وجل # وكذلك قال تعالى قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم فإذا كانوا هم المقاتلين ~~كيف يكون الله سبحانه هو المعذب وإن كان الله تعالى هو المعذب بتحريك ~~أيديهم فما معنى أمرهم بالقتال فحقيقة هذا يستمد من بحر عظيم من علوم ~~المكاشفات لا يغنى عنه ظاهر التفسير وهو أن يعلم وجه ارتباط الأفعال ~~بالقدرة الحادثة ويفهم وجه ارتباط القدرة بقدرة الله عز وجل حتى ينكشف بعد ~~إيضاح أمور كثيرة غامضة صدق قوله عز وجل وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ~~ولعل العمر لو أنفق في استكشاف أسرار هذا المعنى وما يرتبط بمقدماته ~~ولواحقه لانقضى العمر قبل استيفاء جميع لواحقه وما من كلمة من القرآن إلا ~~وتحقيقها محوج إلى مثل ذلك وإنما ينكشف للراسخين في العلم من أسراره بقدر ~~غزارة علومهم وصفاء قلوبهم وتوفر دواعيهم على التدبر وتجردهم للطلب ويكون ~~لكل واحد حد في الترقي إلى درجة أعلى منه فأما الاستيفاء فلا مطمع فيه ولو ~~كان البحر مدادا والأشجار أقلاما فأسرار كلمات الله لا نهاية لها فتنفد ~~الأبحر قبل أن تنفد كلمات الله عز وجل # فمن هذا الوجه تتفاوت الخلق في الفهم بعد الاشتراك في معرفة ظاهر التفسير ~~وظاهر التفسير لا يغنى عنه ومثاله فهم بعض أرباب القلوب من قوله صلى الله ~~عليه وسلم في سجوده أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك ~~منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك + حديث قوله صلى الله عليه ~~وسلم في سجوده أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك الحديث أخرجه ~~مسلم من حديث عائشة + أنه قبل له اسجد واقترب فوجد القرب في السجود فنظر ~~إلى الصفات فاستعاذ ببعضها من بعض فإن الرضا والسخط وصفان ثم زاد قربه ~~فاندرج القرب الأول فيه فرقى إلى الذات فقال أعوذ بك منك ثم زاد قربه بما ~~استحيا به من الاستعاذة على بساط القرب فالتجأ إلى الثناء فأثنى بقوله لا ~~أحصى ثناء عليك ثم علم أن ذلك قصور فقال أنت كما أثنيت على نفسك فهذه خواطر ~~تفتح لأرباب القلوب ثم لها أغوار وراء هذا وهو فهم معنى القرب واختصاصه ~~بالسجود ومعنى الاستعاذة من صفة بصفة ومنه به # وأسرار ذلك كثيرة ولا يدل تفسير ظاهر عليه وليس اللفظ هو مناقضا لظاهر ~~التفسير بل هو استكمال له ووصول إلى لبابه عن ظاهره فهذا ما نورده لفهم ~~المعاني الباطنة لا ما يناقض الظاهر والله أعلم # تم كتاب آداب التلاوة والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد ~~خاتم النبيين وعلى كل عبد مصطفى من كل العالمين وعلى آل محمد وصحبه وسلم # يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب الأذكار والدعوات والله المستعان لا رب ~~سواه # | كتاب الأذكار والدعوات بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الشاملة # رأفته العامة رحمته الذي جازى عباده عن ذكرهم بذكرهم فقال تعالى فاذكروني ~~أذكركم PageV01P293 ورغبهم في السؤال والدعاء بأمره فقال ادعوني أستجب لكم ~~فأطمع المطيع والعاصي والداني والقاصي في الانبساط إلى حضرة جلاله برفع ~~الحاجات والأماني بقوله فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان والصلاة على ~~محمد سيد أنبيائه وعلى آله وأصحابه خيرة أصفيائه وسلم تسليما كثيرا # أما بعد # فليس بعد تلاوة كتاب الله عز وجل عبادة تؤدى باللسان أفضل من ذكر الله ~~تعالى ورفع الحاجات بالأدعية الخالصة إلى الله تعالى فلا بد من شرح فضيلة ~~الذكر على الجملة ثم على التفصيل في أعيان الأذكار # وشرح فضيلة الدعاء وشروطه وآدابه ونقل المأثور من الدعوات الجامعة لمقاصد ~~الدين والدنيا والدعوات الخاصة لسؤال المغفرة والاستعاذة وغيرها # ويتحرر المقصود من ذلك بذكر أبواب خمسة # الباب الأول في فضيلة الذكر وفائدته جملة وتفصيلا # الباب الثاني في فضيلة الدعاء وآدابه وفضيلة الاستغفار والصلاة على رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم # الباب الثالث في أدعية مأثورة ومعزية إلى أصحابها وأسبابها # الباب الرابع في أدعية منتخبة محذوفة الإسناد من الأدعية المأثورة # الباب الخامس في الأدعية المأثورة عند حدوث الحوادث # | الباب الأول في فضيلة الذكر وفائدته على الجملة والتفصيل من الآيات # والأخبار والآثار # ويدل على فضيلة الذكر على الجملة من الآيات قوله سبحانه وتعالى فاذكروني ~~أذكركم قال ثابت البناني رحمه الله إني أعلم متى يذكرني ربي عز وجل ففزعوا ~~منه وقالوا كيف تعلم ذلك فقال إذا ذكرته ذكرني وقال تعالى اذكروا الله ذكرا ~~كثيرا وقال تعالى فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ~~واذكروه كما هداكم وقال عز وجل فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم ~~آباءكم أو أشد ذكرا وقال تعالى الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ~~وقال تعالى فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم قال ~~ابن عباس رضي الله عنهما أي بالليل والنهار في البر والبحر والسفر والحضر ~~والغنى والفقر والمرض والصحة والسر والعلانية # وقال تعالى في ذم المنافقين ولا يذكرون الله إلا قليلا وقال عز وجل واذكر ~~ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من ~~الغافلين وقال تعالى ولذكر الله أكبر قال ابن عباس رضي الله عنهما له وجهان ~~أحدهما أن ذكر الله تعالى لكم أعظم من ذكرككم إياه والآخر أن ذكر الله أعظم ~~من كل عبادة سواه إلى غير ذلك من الآيات # وأما الأخبار فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاكر الله في ~~الغافلين كالشجرة في وسط الهشيم + حديث ذاكر الله في الغافلين كالشجرة ~~الخضراء في وسط الهشيم أخرجه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب من حديث ~~ابن عمر بسند ضعيف وقال في وسط الشجر الحديث + وقال صلى الله عليه وسلم ~~ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل بين الفارين وقال صلى الله عليه وسلم يقول ~~الله عز وجل أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت شفتاه بي + حديث يقول الله تعالى ~~أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه أخرجه البيهقي وابن حبان من حديث أبي ~~هريرة والحاكم من حديث أبي الدرداء وقال صحيح الإسناد + وقال صلى الله عليه ~~وسلم ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل قالوا ~~يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن ~~تضرب بسيفك حتى ينقطع ثم PageV01P294 تضرب به حتى ينقطع ثم تضرب به حتى ~~ينقطع + حديث ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله ~~قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله ~~إلا أن تضرب بسيفك حتى ينقطع ثلاث مرات أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ~~والطبراني من حديث معاذ بإسناد حسن + فقال صلى الله عليه وسلم من أحب أن ~~يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله عز وجل + حديث من أحب أن يرتع في رياض ~~الجنة فليكثر ذكر الله تعالى أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والطبراني من ~~حديث معاذ بسند ضعيف ورواه الطبراني في الدعاء من حديث أنس وهو عند الترمذي ~~بلفظ إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا وقد تقدم في الباب الثالث من العلم + ~~وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل فقال أن تموت ولسانك ~~رطب بذكر الله عز وجل + حديث سئل أي الأعمال أفضل قال أن تموت ولسانك رطب ~~من ذكر الله تعالى أخرجه ابن حبان والطبراني في الدعاء والبيهقي في الشعب ~~من حديث معاذ + وقال صلى الله عليه وسلم أصبح وأمس ولسانك رطب بذكر الله ~~تصبح وتمسي وليس عليك خطيئة + حديث أمس وأصبح ولسانك رطب بذكر الله تصبح ~~وتمسي وليس عليك خطيئة أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب من ~~حديث أنس من أصبح وأمسى ولسانه رطب من ذكر الله يمسي ويصبح وليس عليه خطيئة ~~أخرجهوفيه من لا يعرف + وقال صلى الله عليه وسلم لذكر الله عز وجل بالغداة ~~والعشي أفضل من حطم السيوف في سبيل الله ومن إعطاء المال سحا + حديث لذكر ~~الله بالغداة والعشي أفضل من حطم السيوف في سبيل الله ومن إعطاء المال سحا ~~رويناه من حديث أنس بسند ضعيف في الأصل وهو معروف من قول ابن عمر كما رواه ~~ابن عبد البر في التمهيد + وقال صلى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى ~~إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير ~~من ملئه وإذا تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه ~~باعا وإذا مشى إلي هرولت إليه + حديث قال الله عز وجل إذا ذكرني عبدي في ~~نفسه ذكرته في نفسي الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة + يعني بالهرولة ~~سرعة الإجابة # وقال صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ~~ظله من جملتهم رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه من خشية الله + حديث سبعة ~~يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله من جملتهم رجل ذكر الله خاليا ففاضت ~~عيناه متفق عليه من حديث أبي هريرة أيضا + وقال أبو الدرداء قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في ~~درجاتكم وخير لكم من إعطاء الورق والذهب وخير لكم من أن تلقوا عدوكم ~~فتضربون أعناقهم ويضربون أعناقكم قالوا وما ذاك يا رسول الله قال ذكر الله ~~عز وجل دائما + حديث ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها ~~في درجاتكم الحديث أخرجه الترمذي والحاكم وابن ماجه وصحح إسناده من حديث ~~أبي الدرداء + وقال صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل من شغله ذكري عن ~~مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين + حديث قال الله تعالى من شغله ذكري ~~عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين أخرجه البخاري في التاريخ والبزار ~~في المسند والبيهقي في الشعب من حديث عمر بن الخطاب وفيه صفوان بن أبي ~~الصفا ذكره ابن حبان في الضعفاء وفي الثقات أيضا + وأما الآثار فقد قال ~~الفضيل بلغنا أن الله عز وجل قال عبدي اذكرني بعد الصبح ساعة وبعد العصر ~~ساعة أكفك ما بينهما # وقال بعض العلماء إن الله عز وجل يقول أيما عبد اطلعت على قلبه فرأيت ~~الغالب عليه التمسك بذكري توليت سياسته وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه # وقال الحسن الذكر ذكران ذكر الله عز وجل بين نفسك وبين الله عز وجل ما ~~أحسنه وأعظم أجره وأفضل من ذلك ذكر الله سبحانه عند ما حرم الله عز وجل # ويروى أن كل نفس تخرج من الدنيا عطشى إلا ذاكر الله عز وجل وقال معاذ بن ~~جبل رضي الله عنه ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم ~~يذكروا الله سبحانه فيها والله تعالى أعلم PageV01P295 فضيلة مجالس الذكر # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله عز وجل ~~إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله تعالى فيمن عنده + حديث ~~ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله تعالى إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ~~وذكرهم الله فيمن عنده أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + وقال صلى الله عليه ~~وسلم ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله تعالى لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ~~ناداهم مناد من السماء قوموا مغفورا لكم قد بدلت لكم سيئاتكم حسنات + حديث ~~ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله تعالى لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم ~~مناد من السماء قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات أخرجه أحمد وأبو ~~يعلى والطبراني بسند ضعيف من حديث أنس + وقال أيضا صلى الله عليه وسلم ما ~~قعد قوم مقعدا لم يذكروا الله سبحانه وتعالى فيه ولم يصلوا على النبي صلى ~~الله عليه وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة + حديث ما قعد قوم مقعدا لم ~~يذكروا الله ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فيه إلا كان عليهم ~~حسرة يوم القيامة أخرجه الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة + وقال داود صلى ~~الله عليه وسلم إلهي إذا رأيتني أجاوز مجالس الذاكرين إلى مجالس الغافلين ~~فاكسر رجلي دونهم فإنها نعمة تنعم بها علي # وقال صلى الله عليه وسلم المجلس الصالح يكفر عن المؤمن ألفى ألف مجلس من ~~مجالس السوء + حديث المجلس الصالح يكفر عن المؤمن ألفي ألف مجلس من مجالس ~~السوء ذكره صاحب الفردوس من حديث ابن وداعة وهو مرسل ولم يخرجه ولده وكذلك ~~لم أجد له إسنادا + وقال أبو هريرة رضي الله عنه إن أهل السماء ليتراءون ~~بيوت أهل الأرض التي يذكر فيها اسم الله تعالى كما تتراءى النجوم # وقال سفيان بن عيينة رحمه الله إذا اجتمع قوم يذكرون الله تعالى اعتزل ~~الشيطان والدنيا فيقول الشيطان للدنيا ألا ترين ما يصنعون فتقول الدنيا ~~دعهم فإنهم إذا تفرقوا أخذت بأعناقهم إليك # وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه إذا دخل السوق وقال أراكم ههنا وميراث ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم في المسجد فذهب الناس إلى المسجد وتركوا ~~السوق فلم يروا ميراثا فقالوا يا أبا هريرة ما رأينا ميراثا يقسم في المسجد ~~قال فماذا رأيتم قالوا رأينا قوما يذكرون الله عز وجل ويقرءون القرآن قال ~~فذلك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم + حديث أبي هريرة أنه دخل السوق ~~وقال أراكم ههنا وميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم في المسجد فذهب ~~الناس إلى المسجد وتركوا السوق الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الصغير ~~بإسناد فيه جهالة أو انقطاع + وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي ~~سعيد الخدري عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إن لله عز وجل ملائكة سياحين ~~في الأرض فضلا عن كتاب الناس فإذا وجدوا قوما يذكرون الله عز وجل تنادوا ~~هلموا بغيتكم فيجيئون فيحفون بهم إلى السماء فيقول الله تبارك وتعالى أي ~~شيء تركتم عبادي يصنعونه فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويسبحونك فيقول ~~الله تبارك وتعالى وهل رأوني فيقولون لا فيقول جل جلاله كيف لو رأوني ~~فيقولون لو رأوك لكانوا أشد تسبيحا وتحميدا وتمجيدا فيقول لهم من أي شيء ~~يتعوذون فيقولون من النار فيقول تعالى وهل رأوها فيقولون لا فيقول الله عز ~~وجل فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها لكانوا أشد هربا منها وأشد نفورا فيقول ~~الله عز وجل وأي شيء يطلبون فيقولون الجنة فيقول تعالى وهل رأوها فيقولون ~~لا فيقول تعالى فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها لكانوا أشد عليها حرصا ~~فيقول جل جلاله إني أشهدكم أني قد غفرت لهم فيقولون كان فيهم فلان لم يردهم ~~إنما جاء لحاجة فيقول الله عز وجل هم القوم لا يشقى جليسهم + حديث الأعمش ~~عن أبي صالح عن أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري عنه صلى الله عليه وسلم أنه ~~قال إن لله عز وجل ملائكة سياحين في الأرض فضلا عن كتاب الناس الحديث رواه ~~الترمذي من هذا الوجه والحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة وحده وقد تقدم ~~في الباب الثالث من العلم + PageV01P296 فضيلة التهليل # قال صلى الله عليه وسلم أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا ~~الله وحده لا شريك له + حديث أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا ~~الله الحديث تقدم في الباب الثاني من الحج + وقال صلى الله عليه وسلم من ~~قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء ~~قدير كل يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه ~~مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل ~~مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك + حديث من قال لا إله إلا الله وحده لا ~~شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة الحديث متفق عليه ~~من حديث أبي هريرة + وقال صلى الله عليه وسلم ما من عبد توضأ فأحسن الوضوء ~~ثم رفع طرفه إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ~~وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء + ~~حديث ما من عبد توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال أشهد أن لا ~~إله إلا الله الحديث أخرجه من حديث عقبة بن عامر وقد تقدم في الطهارة + ~~وقال صلى الله عليه وسلم ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا ~~في نشورهم كأني أنظر إليهم عند الصيحة ينفضون رؤوسهم من التراب ويقولون ~~الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور + حديث ليس على أهل لا ~~إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في النشور الحديث أخرجه أبو يعلى ~~والطبراني والبيهقي في الشعب من حديث ابن عمر بسند ضعيف + وقال صلى الله ~~عليه وسلم أيضا لأبي هريرة يا أبا هريرة إن كل حسنة تعملها توزن يوم ~~القيامة إلا شهادة أن لا إله إلا الله فإنها لا توضع في ميزان لأنها لو ~~وضعت في ميزان من قالها صادقا ووضعت السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن ~~كان لا إله إلا الله أرجح من ذلك + حديث يا أبا هريرة إن كل حسنة تعملها ~~توزن يوم القيامة إلا شهادة أن لا إله إلا الله فإنها لا توضع في ميزان ~~لأنها لو وضعت في ميزان من قالها صادقا ووضعت السموات السبع والأرضون السبع ~~وما فيهن كان لا إله إلا الله أرجح من ذلك قلت وصية أبي هريرة هذه موضوعة ~~وآخر الحديث رواه المستغفري في الدعوات ولو جعلت لا إله إلا الله وهو معروف ~~من حديث أبي سعيد مرفوعا لو أن السموات السبع والأرضين السبع في كفة مالت ~~بهن لا إله إلا الله رواه النسائي في اليوم والليلة وابن حبان والحاكم ~~وصححه + وقال صلى الله عليه وسلم لو جاء قائل لا إله إلا الله صادقا بقراب ~~الأرض ذنوبا لغفر الله له ذلك + حديث لو جاء حامل لا إله إلا الله صادقا ~~بقراب الأرض ذنوبا لغفر الله له غريب بهذا اللفظ وللترمذي في حديث لأنس ~~يقول الله يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي ~~شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ولأبي الشيخ في الثواب من حديث أنس يا رب ما ~~جزاء من هلل مخلصا من قلبه قال جزاؤه أن يكون كيوم ولدته أمه من الذنوب ~~وفيه انقطاع + وقال صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة لقن الموتى شهادة أن ~~لا إله إلا الله فإنها تهدم الذنوب هدما قلت يا رسول الله هذا للموتى فكيف ~~للأحياء قال صلى الله عليه وسلم هي أهدم وأهدم + حديث يا أبا هريرة لقن ~~الموتى شهادة أن لا إله إلا الله فإنها تهدم الذنوب الحديث أخرجه أبو منصور ~~الديلمي في مسند الفردوس من طريق ابن المقري من حديث أبي هريرة وفيه موسى ~~ابن وردان مختلف فيه ورواه أبو يعلى من حديث أنس بسند ضعيف ورواه ابن أبي ~~الدنيا في المحتصرين من حديث الحسن مرسلا + وقال صلى الله عليه وسلم من قال ~~لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة + حديث من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل ~~الجنة أخرجه الطبراني من حديث زيد بن أرقم بإسناد ضعيف + وقال صلى الله ~~عليه وسلم لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد عن الله عز وجل شراد البعير ~~عن أهله فقيل يا رسول الله من الذي يأبى ويشرد عن الله قال من لم يقل لا ~~إله إلا الله + حديث لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد على الله شرود ~~البعير على أهله أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة كل أمتي يدخلون الجنة إلا ~~من أبى زاد الحاكم وصححها وشرد على الله شرود البعير على أهله قال البخاري ~~قالوا يا رسول الله ومن يأبى قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ~~ولابن عدي وأبي يعلى والطبراني في الدعاء من حديثه أكثروا من قول لا إله ~~إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها وفيه ابن وردان أيضا ولأبي الشيخ في ~~الثواب من حديث الحكم بن عمير الثمالي مرسلا إذا قلت لا إله إلا الله وهي ~~كلمة التوحيد الحديث والحكم ضعيف ولأبي بكر بن الضحاك في الشمائل من حديث ~~ابن مسعود في إجابة المؤذن اللهم رب هذه الدعوة المجابة المستجاب لها دعوة ~~الحق وكلمة الإخلاص ولابن عدي من حديث ابن عمر في إجابة المؤذن @QB@ دعوة ~~الحق @QE@ وللطبراني في الدعاء عن عبد الله بن عمرو كلمة الإخلاص لا إله ~~إلا الله الحديث وللطبراني من حديث سلمة بن الأكوع وألزمهم كلمة التقوى قال ~~لا إله إلا الله وللطبراني في الدعاء عن ابن عباس كلمة طيبة قال شهادة أن ~~لا إله إلا الله وله عنه في قوله @QB@ دعوة الحق @QE@ قال شهادة أن لا إله ~~إلا الله وله عنه فقد استمسك بالعروة الوثقى قال لا إله الا الله ولابن عدى ~~والمستغفري من حديث أنس ثمن الجنة لا اله إلا الله ولا يصح شيء منها + ~~فأكثروا من قول لا إله إلا الله قبل أن PageV01P297 يحال بينكم وبينها ~~فإنها كلمة التوحيد وهي كلمة الإخلاص وهي كلمة التقوى وهي كلمة طيبة وهي ~~دعوة الحق وهي العروة الوثقى وهي ثمن الجنة وقال الله عز وجل @QB@ هل جزاء ~~الإحسان إلا الإحسان @QE@ فقيل الإحسان في الدنيا قول لا إله إلا الله وفي ~~الآخرة الجنة وكذا قوله تعالى @QB@ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة @QE@ وروى ~~البراء بن عازب أنه صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله وحده لا ~~شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كانت له عدل رقبة ~~أو قال نسمة + حديث البراء من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث ~~أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد على شرط الشيخين وهو في مسند أحمد دون قوله ~~عشر مات + وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم من قال في يوم مائتي مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له ~~له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لم يسبقه أحد كان قبله ولا يدركه ~~أحد بعده إلا من عمل بأفضل من عمله + حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه ~~صلى الله عليه وسلم قال من قال في كل يوم مائة مرة لا إله إلا الله وحده لا ~~شريك له الحديث أخرجه أحمد بلفظ مائة وكذا رواه الحاكم في المستدرك وإسناده ~~جيد وهكذا هو في بعض نسخ الإحياء + وقال صلى الله عليه وسلم من قال في سوق ~~من الأسواق لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت ~~وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة وبنى ~~له بيتا في الجنة ويروى إن العبد إذا قال لا إله إلا الله أتت إلى صحيفته ~~فلا تمر على خطيئه إلى محتها حتى تجد حسنة مثلها فتجلس إلى جنبها + حديث إن ~~العبد إذا قال لا إله إلا الله أتت إلى صحيفته فلا تمر على خطيئة إلا محتها ~~حتى تجد حسنة مثلها فتجلس إليها أخرجه أبو يعلى من حديث أنس بسند ضعيف + ~~وفي الصحيح عن أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من قال لا إله إلا ~~الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان ~~كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل صلى الله عليه وسلم + حديث أبي أيوب من ~~قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء ~~قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل متفق عليه + وفي ~~الصحيح أيضا عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ~~تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ~~وهو على كل شيء قدير سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ~~ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال اللهم اغفر لي غفر له أو ~~دعا استجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته + حديث عبادة بن الصامت من تعار من ~~الليل فقال لا إله إلا الله الحديث رواه البخاري + فضيلة التسبيح والتحميد ~~وبقية الأذكار # قال صلى الله عليه وسلم من سبح دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد ثلاثا ~~وثلاثين وكبر ثلاثا وثلاثين وختم المائة بلا إله إلا الله لا شريك له له ~~الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر + ~~حديث من سبح دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي ~~هريرة + وقال صلى الله عليه وسلم من قال سبحان الله وبحمده في اليوم مائة ~~مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر + حديث من قال سبحان الله ~~وبحمده مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر متفق عليه من حديث أبي ~~هريرة + وروى أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تولت عني ~~الدنيا وقلت ذات PageV01P298 يدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين ~~أنت من صلاة الملائكة وتسبيح الخلائق وبها يرزقون قال فقلت وماذا يا رسول ~~الله قال قل سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أستغفر الله مائة مرة ما ~~بين طلوع الفجر إلى أن تصلى الصبح تأتيك الدنيا راغمة صاغرة ويخلق الله عز ~~وجل من كل كلمة ملكا يسبح الله تعالى إلى يوم القيامة لك ثوابه + حديث أن ~~رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال تولت عني الدنيا وقلت ذات يدي ~~فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين أنت عن صلاة الملائكة وتسبيح ~~الخلائق وبها يرزقون الحديث أخرجه المستغفري في الدعوات من حديث ابن عمر ~~وقال غريب من حديث مالك ولا أعرف له أصلا في حديث مالك ولأحمد من حديث عبد ~~الله بن عمرو أن نوحا قال لابنه آمرك بلا إله إلا الله الحديث @QB@ ثم قال ~~@QE@ وسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق الخلق وإسناده صحيح + ~~وقال صلى الله عليه وسلم إذا قال العبد الحمد لله ملأت ما بين السماء ~~والأرض فإذا قال الحمد لله الثانية ملأت ما بين السماء السابعة إلى الأرض ~~السفلى فإذا قال الحمد لله الثالثة قال الله عز وجل سل تعط + حديث إذا قال ~~العبد الحمد لله ملأت ما بين السماء والأرض وإذا قال الحمد لله الثانية ~~ملأت ما بين السماء السابعة إلى الأرض وإذا قال الحمد لله الثالثة قال الله ~~تعالى سل تعطه غريب بهذا اللفظ لم أجده + وقال رفاعة الزرقي كنا يوما نصلي ~~وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركوع وقال سمع الله ~~لمن حمده قال رجل وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ربنا لك الحمد حمدا ~~كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاته ~~قال من المتكلم آنفا قال أنا يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم لقد ~~رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولا + حديث رفاعة الزرقي ~~كنا يوما نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركوع وقال ~~سمع الله لمن حمده قال رجل وراءه ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ~~الحديث رواه البخاري + وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الباقيات ~~الصالحات هن لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ~~ولا قوة إلا بالله + حديث الباقيات الصالحات هن لا إله إلا الله وسبحان ~~الله والله أكبر والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله أخرجه النسائي في ~~اليوم والليلة وابن حبان والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد والنسائي والحاكم ~~من حديث أبي هريرة دون قوله ولا حول ولا قوة إلا بالله + وقال صلى الله ~~عليه وسلم ما على الأرض رجل يقول لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله ~~والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله إلا غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد ~~البحر + حديث ما على الأرض رجل يقول لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان ~~الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله إلا غفرت ذنوبه ولو كانت مثل ~~زبد البحر أخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو وقال صحيح على شرط مسلم ~~وهو عند الترمذي وحسنه والنسائي في اليوم والليلة مختصرا دون قوله سبحان ~~الله والحمد لله + رواه ابن عمر وروى النعمان بن بشير عنه صلى الله عليه ~~وسلم أنه قال الذين يذكرون من جلال الله وتسبيحه وتكبيره وتحميده ينعطفن ~~حول العرش لهن دوى كدوي النحل يذكرون بصاحبهن أو لا يحب أحدكم أن لا يزال ~~عند الله ما يذكر به + حديث النعمان بن بشير الذين يذكرون من جلال الله ~~وتسبيحه وتمجيده وتهليله وتحميده ينعطف حول العرش له دوي كدوي النحل يذكرون ~~بصاحبهن الحديث أخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه على شرط مسلم + وروى أبو ~~هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله ~~إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس + حديث أبي هريرة لأن ~~أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت ~~عليه الشمس وزاد في رواية ولا حول ولا قوة إلا بالله وقال خير من الدنيا ~~وما فيها أخرجه مسلم باللفظ الأول وللمستغفري في الدعوات من رواية مالك بن ~~دينار أن أبا أمامة قال للنبي صلى الله عليه وسلم قلت سبحان الله والحمد ~~لله ولا إله إلا الله والله أكبر خير من الدنيا وما فيها قال أنت أغنم ~~القوم وهو مرسل جيد الإسناد + وفي رواية أخرى زاد لا حول ولا قوة إلا بالله ~~وقال هي خير من الدنيا وما فيها وقال صلى الله عليه وسلم أحب الكلام إلى ~~الله تعالى أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا ~~يضرك بأيهن بدأت + حديث سمرة بن جندب أحب الكلام إلى الله أربع الحديث رواه ~~مسلم + رواه سمرة بن جندب PageV01P299 وروى أبو مالك الأشعري أن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم كان يقول الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان ~~وسبحان الله والله أكبر يملآن ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة ~~برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه ~~فموبقها أو مشتر نفسه فمعتقها + حديث أبي مالك الأشعري الطهور شطر الإيمان ~~والحمد لله تملأ الميزان الحديث رواه مسلم وقد تقدم في الطهارة + وقال أبو ~~هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان ~~في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم + حديث ~~أبي هريرة كلمتان خفيفتان على اللسان الحديث متفق عليه + وقال أبو ذر رضي ~~الله عنه قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الكلام أحب إلى الله عز وجل ~~قال صلى الله عليه وسلم ما اصطفى الله سبحانه لملائكته سبحان الله وبحمده ~~سبحان الله العظيم + حديث أبي ذر أي الكلام أحب إلى الله قال ما اصطفى الله ~~لملائكته سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم رواه مسلم وأبو داود ~~والنسائي قوله سبحان الله العظيم + وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إن الله تعالى اصطفى من الكلام سبحان الله والحمد لله ولا إله ~~إلا الله والله أكبر + حديث إن الله اصطفى من الكلام سبحان الله والحمد لله ~~الحديث أخرجه النسائي في اليوم والليلة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ~~وصححه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد إلا أنهما قالا في ثواب الحمد لله كتبت ~~له ثلاثون حسنة وحطت عنه ثلاثون سيئة + فإذا قال العبد سبحان الله كتبت له ~~عشرون حسنة وتحط عنه عشرون سيئة وإذا قال الله أكبر فمثل ذلك وذكر إلى آخر ~~الكلمات # وقال جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال سبحان الله وبحمده ~~غرست له نخلة في الجنة + حديث جابر من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة ~~في الجنة أخرجه الترمذي وقال حسن والنسائي في اليوم والليلة وابن حبان ~~والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وصححه + وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال ~~قال الفقراء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون ~~كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم فقال أو ليس قد جعل لكم ~~ما تصدقون به إن بكل تسبيحة صدقة وتحميدة صدقة وتهليلة صدقة وتكبيرة صدقة ~~وأمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ويضع أحدكم اللقمة في في أهله فهي له ~~صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له ~~فيها أجر قال صلى الله عليه وسلم أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها ~~وزر قالوا نعم قال كذلك إن وضعها في الحلال كان له فيها أجر + حديث أبي ذر ~~قال الفقراء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون ~~كما نصلي الحديث رواه مسلم + # وقال أبو ذر رضي الله عنه قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سبق أهل ~~الأموال بالأجر يقولون كما نقول وينفقون ولا ننفق فقال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أفلا أدلك على عمل إذا أنت عملته أدركت من قبلك وفقت من بعدك إلا ~~من قال مثل قولك تسبح الله بعد كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمده ثلاثا وثلاثين ~~وتكبر أربعا وثلاثين + حديث أبي ذر قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سبق ~~أهل الأموال بالأجر يقولون كما نقول وينفقون ولا ننفق الحديث رواه ابن ماجه ~~إلا أنه قال قال سفيان لا أدري أيتهن أربع ولأحمد في هذا الحديث وتحمد ~~أربعا وثلاثين وإسنادهما جيد ولأبي الشيخ في الثواب من حديث أبي الدرداء ~~وتكبر أربعا وثلاثين كما ذكر المصنف + وروت بسرة عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم أنه قال عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس فلا تغفلن واعقدن بالأنامل ~~فإنها مستنطقات + حديث بسرة عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس ولا تغفلن ~~واعقدن بالأنامل فإنها مستنطقات أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم بإسناد ~~جيد + يعني بالشهادة في القيامة # وقال ابن عمر رأيته صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح + حديث ابن عمر ~~رأيته صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح قلت إنما هو عبد الله بن عمرو بن ~~العاص كما رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه والحاكم + وقد قال صلى ~~الله عليه وسلم فيما شهد عليه أبو هريرة وأبو سعيد الخدري إذا قال العبد لا ~~إله إلا الله والله أكبر قال الله عز وجل صدق عبدي لا إله إلا أنا وأنا ~~أكبر وإذا قال العبد لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال تعالى صدق عبدي ~~لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي وإذا قال لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة ~~PageV01P300 إلا بالله يقول الله سبحانه صدق عبدي لا حول ولا قوة إلا بي ~~ومن قالهن عند الموت لم تمسه النار + حديث أبي هريرة وأبي سعيد إذا قال ~~العبد لا إله إلا الله والله أكبر قال الله صدق عبدي الحديث أخرجه الترمذي ~~وقال حسن والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه والحاكم وصححه + وروى مصعب ~~بن سعد عن أبيه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ~~ألف حسنة فقيل كيف ذلك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم يسبح الله ~~مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة ويحط عنه ألف سيئة + حديث مصعب بن سعد عن ~~أبيه أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة الحديث أخرجه مسلم إلا أنه قال ~~أو يحط كما ذكره المصنف وقال حسن صحيح + وقال صلى الله عليه وسلم يا عبد ~~الله بن قيس أو يا أبا موسى أولا أدلك على كنز من كنوز الجنة قال بلى قال ~~قل لا حول ولا قوة إلا بالله + حديث يا عبد الله بن قيس أو يا أبا موسى ألا ~~أدلك على كنز من كنوز الجنة قال بلى قال لا حول ولا قوة إلا بالله متفق ~~عليه + وفي رواية أخرى ألا أعلمك كلمة من كنز تحت العرش لا حول ولا قوة إلا ~~بالله وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلك على عمل ~~من كنوز الجنة من تحت العرش قول لا حول ولا قوة إلا بالله يقول الله تعالى ~~أسلم عبدي واستسلم + حديث أبي هريرة عمل من كنز الجنة ومن تحت العرش قول لا ~~حول ولا قوة إلا بالله يقول الله أسلم عبدي واستسلم أخرجه النسائي في اليوم ~~والليلة والحاكم من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ~~ولا حول ولا قوة إلا بالله قال أسلم عبدي واستسلم وقال صحيح الإسناد + قال ~~صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا ~~وبالقرآن إماما وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا كان حقا على الله أن ~~يرضيه يوم القيامة + حديث من قال حين يصبح رضيت بالله ربا الحديث أخرجه أبو ~~داود والنسائي في اليوم والليلة والحاكم وقال صحيح الإسناد من حديث خادم ~~النبي صلى الله عليه وسلم ورواه الترمذي من حديث ثوبان وحسنه وفيه نظر ففيه ~~سعد بن المرزبان ضعيف جدا + وفي رواية من قال ذلك رضي الله عنه وقال مجاهد ~~إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله قال الملك هديت فإذا قال توكلت على ~~الله قال الملك كفيت وإذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله قال الملك وقيت ~~فتتفرق عنه الشياطين فيقولون ما تريدون من رجل قد هدي وكفي ووقي لا سبيل ~~لكم إليه # فإن قلت فما بال ذكر الله سبحانه مع خفته على اللسان وقلة التعب فيه صار ~~أفضل وأنفع من جملة العبادات مع كثرة المشقات فيها فاعلم أن تحقيق هذا لا ~~يليق إلا بعلم المكاشفة # والقدر الذي يسمح بذكره في علم المعاملة أن المؤثر النافع هو الذكر على ~~الدوام مع حضور القلب فأما الذكر باللسان والقلب لاه فهو قليل الجدوى # وفي الأخبار ما يدل عليه أيضا + حديث الدال على أن الذكر والقلب لاه قليل ~~الجدوى أخرجه الترمذي وقال حسن والحاكم وقال حديث مستقيم الإسناد من حديث ~~أبي هريرة واعلموا أن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاه + وحضور القلب في ~~لحظة بالذكر والذهول عن الله عز وجل مع الاشتغال بالدنيا أيضا قليل الجدوى ~~بل حضور القلب مع الله تعالى على الدوام أو في أكثر الأوقات هو المقدم على ~~العبادات بل به تشرف سائر العبادات وهو غاية ثمرة العبادات العملية # وللذكر أول وآخر فأوله يوجب الأنس والحب لله وآخره يوجب الأنس والحب ~~ويصدر عنه والمطلوب ذلك الأنس والحب فإن المريد في بداية أمره قد يكون ~~متكلفا بصرف قلبه ولسانه عن الوسواس إلى ذكر الله عز وجل فإن وفق للمداومة ~~أنس به وانغرس في قلبه حب المذكور ولا ينبغي أن يتعجب من هذا فإن من ~~المشاهد في العادات أن تذكر غائبا غير مشاهد بين يدي شخص وتكرر ذكر خصاله ~~عنده فيحبه وقد يعشق بالوصف وكثرة الذكر ثم إذا عشق بكثرة الذكر المتكلف ~~أولا صار مضطرا إلى كثرة الذكر آخرا بحيث لا يصبر عنه فإن من أحب شيئا أكثر ~~من ذكره # ومن أكثر من ذكر شيء وإن كان تكلفا أحبه فكذلك أول الذكر متكلف إلى أن ~~يثمر الأنس بالمذكور والحب له ثم يمتنع الصبر عنه آخرا فيصير الموجب موجبا ~~PageV01P301 والثمر مثمرا # وهذا معنى قول بعضهم كابدت القرآن عشرين سنة ثم تنعمت به عشرين سنة ولا ~~يصدر التنعيم إلا من الأنس والحب ولا يصدر الأنس إلا من المداومة على ~~المكابدة والتكلف مدة طويلة حتى يصير التكلف طبعا فكيف يستبعد هذا وقد ~~يتكلف الإنسان تناول طعام يستبشعه أولا ويكابد أكله ويواظب عليه فيصير ~~موافقا لطبعه حتى لا يصبر عنه فالنفس معتادة متحملة لما تتكلف # هي النفس ما عودتها تتعود % # أي ما كلفتها أولا يصير لها طبعا آخرا # ثم إذا حصل الأنس بذكر الله سبحانه انقطع عن غير ذكر الله وما سوى الله ~~عز وجل هو الذي يفارقه عند الموت فلا يبقى معه في القبر أهل ولا مال ولا ~~ولد ولا ولاية ولا يبقى إلا ذكر الله عز وجل # فإن كان قد أنس به تمتع به وتلذذ بانقطاع العوائق الصارفة عنه إذ ضرورات ~~الحاجات في الحياة الدنيا تصد عن ذكر الله عز وجل ولا يبقى بعد الموت عائق ~~فكأنه خلى بينه وبين محبوبه فعظمت غبطته وتخلص من السجن الذي كان ممنوعا ~~فيه عما به أنسه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن روح القدس نفث في روعي ~~أحبب من أحببت فإنك مفارقه + حديث إن روح القدس نفث في روعي أحبب من أحببت ~~فإنك مفارقه تقدم في الكتاب السابع من العلم + أراد به كل ما يتعلق بالدنيا ~~فإن ذلك يفنى في حقه بالموت ف كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال ~~والإكرام وإنما تفنى الدنيا بالموت في حقه إلى أن تفنى في نفسها عند بلوغ ~~الكتاب أجله # وهذا الأنس يتلذذ به العبد بعد موته إلى أن ينزل في جوار الله عز وجل ~~ويترقى من الذكر إلى اللقاء وذلك بعد أن يبعثر ما في القبور ويحصل ما في ~~الصدور ولا ينكر بقاء ذكر الله عز وجل معه الموت فيقول إنه أعدم فكيف يبقى ~~معه ذكر الله عز وجل فإنه لم يعدم عدما يمنع الذكر بل عدما من الدنيا وعالم ~~الملك والشهادة لا من عالم الملكوت # وإلى ما ذكرناه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم القبر إما حفرة من حفر ~~النار أو روضة من رياض الجنة + حديث القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة ~~من رياض الجنة أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد بتقديم وتأخير وقال غريب قلت ~~فيه عبيد الله بن الوليد الوصافي ضعيف + وبقوله صلى الله عليه وسلم أرواح ~~الشهداء في حواصل طيور خضر + حديث أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر أخرجه ~~مسلم من حديث ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية @QB@ ولا تحسبن الذين قتلوا ~~في سبيل الله أمواتا @QE@ الآية قال أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال أرواحهم ~~في جوف طير خضر فلم يسم فيه النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية الترمذي ~~أما إنا سألنا عن ذلك فأخبرنا وذكر صاحب مسند الفردوس أن ابن منيع صرح ~~برفعه في مسنده + وبقوله صلى الله عليه وسلم لقتلى بدر من المشركين يا فلان ~~ويا فلان وقد سماهم النبي صلى الله عليه وسلم هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ~~فإني وجدت ما وعدني ربي حقا + حديث ندائه لقتلى بدر من المشركين يا فلان يا ~~فلان وقد سماهم إني قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ~~أخرجه مسلم من حديث أنس + فسمع عمر رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم ~~فقال يا رسول الله كيف يسمعون وأنى يجيبون وقد جيفوا فقال صلى الله عليه ~~وسلم والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لكلامي منهم ولكنهم لا يقدرون أن ~~يجيبوا والحديث في الصحيح هذا قوله صلى الله عليه وسلم في المشركين فأما ~~المؤمنون والشهداء فقد قال صلى الله عليه وسلم أرواحهم في حواصل طيور خضر ~~معلقة تحت العرش + حديث أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر معلقة تحت العرش ~~أخرجه ابن ماجه من حديث كعب بن مالك أن أرواح المؤمنين في حواصل طير خضر ~~تعلق بشجر الجنة وروى النسائي بلفظ إنما نسمة المؤمن طائر ورواه الترمذي ~~بلفظ أرواح الشهداء وقال حسن صحيح + وهذه الحالة وما أشير بهذه الألفاظ ~~إليه لا ينافي ذكر الله عز وجل وقال تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل ~~الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ~~ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الآية ولأجل شرف ذكر الله عز وجل ~~عظمت رتبة الشهادة لأن المطلوب الخاتمة ونعني بالخاتمة وداع الدنيا والقدوم ~~على الله والقلب مستغرق بالله عز وجل منقطع العلائق PageV01P302 عن غيره # فإن قدر عبد على أن يجعل همه مستغرقا بالله عز وجل فلا يقدر على أن يموت ~~على تلك الحالة إلا في صف القتال # فإنه قطع الطمع عن مهجته وأهله وماله وولده بل من الدنيا كلها فإنه ~~يريدها لحياته وقد هون على قلبه حياته في حب الله عز وجل وطلب مرضاته فلا ~~تجرد لله أعظم من ذلك ولذلك عظم أمر الشهادة وورد فيه من الفضائل ما لا ~~يحصى # فمن ذلك أنه لما استشهد عبد الله بن عمرو الأنصاري يوم أحد قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم لجابر ألا أبشرك يا جابر قال بلى بشرك الله بالخير قال ~~إن الله عز وجل أحيا أباك فأقعده بين يديه وليس بينه وبينه ستر فقال تعالى ~~تمن علي يا عبدي ما شئت أعطيكه فقال يا رب أن تردني إلى الدنيا حتى أقتل ~~فيك وفي نبيك مرة أخرى فقال عز وجل سبق القضاء مني بأنهم إليها لا يرجعون + ~~حديث ألا أبشرك يا جابر قال بلى بشرك الله بالخير قال إن الله أحيا أباك ~~وأقعده بين يديه وليس بينه وبينه ستر فقال تعالى تمن علي الحديث أخرجه ~~الترمذي وقال حسن وابن ماجه والحاكم وصحح إسناده من حديث جابر + ثم القتل ~~سبب الخاتمة على مثل هذه الحالة فإنه لو لم يقتل وبقي مدة ربما عادت شهوات ~~الدنيا إليه وغلبت على ما استولى على قلبه من ذكر الله عز وجل # ولهذا عظم خوف أهل المعرفة من الخاتمة فإن القلب وإن ألزم ذكر الله عز ~~وجل فهو متقلب لا يخلو عن الالتفات إلى شهوات الدنيا ولا ينفك عن فترة ~~تعتريه # فإذا تمثل في آخر الحال في قلبه أمر من الدنيا واستولى عليه وارتحل عن ~~الدنيا والحالة هذه فيوشك أن يبقى استيلاؤه عليه فيحن بعد الموت إليه ~~ويتمنى الرجوع إلى الدنيا # وذلك لقلة حظه في الآخرة إذ يموت المرء على ما عاش عليه ويحشر على ما مات ~~عليه # فأسلم الأحوال عن هذا الخطر خاتمة الشهادة إذ لم يكن قصد الشهيد نيل مال ~~أو أن يقال شجاع أو غير ذلك + حديث الرجل يقاتل لنيل مال أو أن يقال شجاع ~~أو غير ذلك متفق عليه من حديث أبي موسى قال جاء رجل إلى النبي صلى الله ~~عليه وسلم فقال الرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليرى ~~مكانه فمن في سبيل الله قال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل ~~الله + كما ورد به الخبر بل حب الله عز وجل وإعلاء كلمته فهذه الحالة هي ~~التي عبر عنها @QB@ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم ~~الجنة @QE@ ومثل هذا الشخص هو البائع للدنيا بالآخرة # وحالة الشهيد توافق معنى قولك @QB@ لا إله إلا الله @QE@ فإنه لا مقصود ~~له سوى الله عز وجل وكل مقصود معبود وكل معبود إله فهذا الشهيد قائل بلسان ~~حاله @QB@ لا إله إلا الله @QE@ إذ لا مقصود له سواه # ومن يقول ذلك بلسانه ولم يساعده حاله فأمره في مشيئة الله عز وجل ولا ~~يؤمن في حقه الخطر # ولذلك فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم قول لا إله إلا الله على سائر ~~الأذكار + حديث تفضيل لا إله إلا الله على سائر الأذكار أخرجه الترمذي وقال ~~حسن والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه من حديث جابر + وذكر ذلك مطلقا في ~~مواضع الترغيب ثم ذكر في بعض المواضع الترغيب # ثم ذكر في بعض المواضع الصدق والإخلاص فقال مرة من قال لا إله إلا الله ~~مخلصا ومعنى الإخلاص مساعدة الحال للمقال # فنسأل الله تعالى أن يجعلنا في الخاتمة من أهل لا إله إلا الله حالا ~~ومقالا ظاهرا وباطنا حتى نودع الدنيا غير متلفتين إليها بل متبرمين بها ~~ومحبين للقاء الله فإن من أحب لقاء الله تعالى أحب الله لقاءه ومن كره لقاء ~~الله كره الله لقاءه فهذه مرامز إلى معاني الذكر التي لا يمكن الزيادة ~~عليها في علم المعاملة # | الباب الثاني في آداب الدعاء وفضله وفضل بعض الأدعية المأثورة # وفضيلة الاستغفار والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فضيلة الدعاء # قال الله تعالى @QB@ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا ~~دعان فليستجيبوا لي @QE@ وقال تعالى PageV01P303 @QB@ ادعوا ربكم تضرعا ~~وخفية إنه لا يحب المعتدين @QE@ وقال تعالى @QB@ وقال ربكم ادعوني أستجب ~~لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين @QE@ وقال عز وجل ~~@QB@ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى @QE@ ~~وروى النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الدعاء هو ~~العبادة ثم قرأ ادعوني أستجب لكم + حديث النعمان بن بشير إن الدعاء هو ~~العبادة أخرجه أصحاب السنن والحاكم وقال صحيح الإسناد وقال الترمذي حسن ~~صحيح + الآية وقال صلى الله عليه وسلم الدعاء مخ العبادة + حديث الدعاء مخ ~~العبادة أخرجه الترمذي من حديث أنس وقال غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من ~~حديث ابن لهيعة + وروى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال ليس شيء أكرم ~~على الله عز وجل من الدعاء + حديث أبي هريرة ليس شيء أكرم عند الله من ~~الدعاء أخرجه الترمذي وقال غريب وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال صحيح ~~الإسناد + وقال صلى الله عليه وسلم إن العبد لا يخطئه من الدعاء إحدى ثلاث ~~إما ذنب يغفر له وإما خير يعجل له وإما خير يدخر له + حديث إن العبد لا ~~يخطئه من الدعاء إحدى ثلاث إما ذنب يغفر له وإما خير يعجل له وإما خير يدخر ~~له أخرجه الديلمي في الفردوس من حديث أنس وفيه روح أخرجه ابن مسافر عن أبان ~~بن عياش وكلاهما ضعيف ولأحمد والبخاري في الأدب والحاكم وصحح إسناده من ~~حديث أبي سعيد إما أن تعجل له دعوته وإما أن يدخر له في الآخرة وإما أن ~~يدفع عنه من السوء مثلها + وقال أبو ذر رضي الله عنه يكفي من الدعاء مع ~~البر ما يكفي الطعام من الملح وقال صلى الله عليه وسلم سلوا الله تعالى من ~~فضله فإن الله تعالى يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج + حديث سلوا ~~الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج أخرجه ~~الترمذي من حديث ابن مسعود وقال حماد بن واقد ليس بالحافظ قلت وضعفه ابن ~~معين وغيره + آداب الدعاء وهي عشرة # الأول أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة ورمضان من ~~الأشهر ويوم الجمعة من الأسبوع ووقت السحر من ساعات الليل قال تعالى ~~وبالأسحار هم يستغفرون وقال صلى الله عليه وسلم ينزل الله تعالى كل ليلة ~~إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول عز وجل من يدعوني فأستجيب ~~له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له + حديث ينزل الله كل ليلة إلى ~~سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة + وقيل ~~إن يعقوب صلى الله عليه وسلم إنما قال سوف أستغفر لكم ربي ليدعو في وقت ~~السحر فقيل إنه قام في وقت السحر يدعو وأولاده يؤمنون خلفه فأوحى الله عز ~~وجل إني قد غفرت لهم وجعلتهم أنبياء # الثاني أن يغتنم الأحوال الشريفة قال أبو هريرة رضي الله عنه إن أبواب ~~السماء تفتح عند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى وعند نزول الغيث وعند إقامة ~~الصلوات المكتوبة فاغتنموا الدعاء فيها وقال مجاهد إن الصلاة جعلت في خير ~~الساعات فعليكم بالدعاء خلف الصلوات # وقال صلى الله عليه وسلم الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد + حديث ~~الدعاء بين الأذان والإقامة لايرد أخرجه أبو داود والنسائي في اليوم ~~والليلة والترمذي وحسنه من حديث أنس وضعفه ابن عدي وابن القطان ورواه في ~~اليوم والليلة بإسناد آخر جيد وابن حبان والحاكم وصححه + وقال صلى الله ~~عليه وسلم أيضا الصائم لا ترد دعوته + حديث الصائم لا ترد دعوته أخرجه ~~الترمذي وقال حسن وابن ماجه من حديث أبي هريرة بزيادة فيه + وبالحقيقة يرجع ~~شرف الأوقات إلى شرف الحالات أيضا إذ وقت السحر وقت صفاء القلب وإخلاصه ~~وفراغه من المشوشات ويوم عرفة ويوم الجمعة وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب ~~على استدرار رحمة الله عز وجل فهذا أحد أسباب شرف الأوقات سوى ما فيها من ~~أسرار لا يطلع البشر عليها # وحالة السجود أيضا أجدر بالإجابة قال أبو هريرة رضي الله عنه قال النبي ~~PageV01P304 صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد ~~فأكثروا فيه من الدعاء + حديث أبي هريرة أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ~~ساجد فأكثروا من الدعاء رواه مسلم + وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ~~صلى الله عليه وسلم أنه قال إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما ~~الركوع فعظموا فيه الرب تعالى وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء فإنه قمن ~~أن يستجاب لكم + حديث ابن عباس إنني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا ~~الحديث أخرجه مسلم أيضا + # الثالث أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه بحيث يرى بياض إبطيه وروى جابر ~~بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الموقف بعرفة واستقبل ~~القبلة ولم يزل يدعو حتى غربت الشمس + حديث جابر أن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أتي الموقف بعرفة واستقبل القبلة ولم يزل يدعو حتى غربت الشمس ~~الحديث أخرجه مسلم دون قوله يدعو فقال مكانها واقفا والنسائي من حديث أسامة ~~بن زيد كنت ردفه بعرفات فرفع يديه يدعو ورجاله ثقات + # وقال سلمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ربكم حيي كريم يستحي من ~~عبيده إذا رفعوا أيديهم إليه أن يردها صفرا + حديث سلمان إن ربكم حيي كريم ~~يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفرا أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ~~وابن ماجه والحاكم وقال إسناده صحيح على شرطهما + # وروى أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه في ~~الدعاء ولا يشير بأصبعيه + حديث أنس كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه في ~~الدعاء ولا يشير بأصبعه أخرجه مسلم دون قوله ولا يشير بأصبعه والحديث متفق ~~عليه لكن مقيد بالاستسقاء + # وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم مر على إنسان يدعو ~~ويشير بإصبعيه السبابتين فقال صلى الله عليه وسلم أحد أحد + حديث أبي هريرة ~~مر على إنسان يدعو بأصبعيه السبابتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~أحد أحد أخرجه النسائي وقال حسن وابن ماجه والحاكم وقال صحيح الإسناد + أي ~~اقتصر على الواحدة # وقال أبو الدرداء رضي الله عنه ارفعوا هذه الأيدي قبل أن تغل بالأغلال ثم ~~ينبغي أن يمسح بهما وجهه في آخر الدعاء قال عمر رضي الله عنه كان رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إذا مد يديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه + ~~حديث عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مد يديه في الدعاء لم ~~يردهما حتى يمسح بهما وجهه أخرجه الترمذي وقال غريب والحاكم في المستدرك ~~وسكت عليه وهو ضعيف + # وقال ابن عباس كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا ضم كفيه وجعل بطونهما مما ~~يلي وجهه + حديث ابن عباس كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا ضم كفيه وجعل ~~بطونهما مما يلي وجهه أخرجه الطبراني في الكبير بسند ضعيف + # فهذه هيئات اليد ولا يرفع بصره إلى السماء قال صلى الله عليه وسلم ~~لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء أو لتخطفن أبصارهم + ~~حديث لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء أو لتخطفن ~~أبصارهم أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وقال عند الدعاء في الصلاة + # الرابع خفض الصوت بين المخافتة والجهر لما روى أن أبا موسى الأشعري قال ~~قدمنا مع رسول الله فلما دنونا من المدينة كبر وكبر الناس ورفعوا أصواتهم ~~فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس إن الذي تدعون ليس بأصم ولا ~~غائب إن الذي تدعون بينكم وبين أعناق ركابكم + حديث أبي موسى الأشعري يا ~~أيها الناس إن الذي تدعون ليس بأصم ولا غائب متفق عليه مع اختلاف واللفظ ~~الذي ذكره المصنف لأبي داود + # وقالت عائشة رضي الله عنه في قوله عز وجل @QB@ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت ~~بها @QE@ + حديث عائشة في قوله تعالى @QB@ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ~~@QE@ أي بدعائك متفق عليه + أي بدعائك وقد أثنى الله عز وجل على نبيه ~~زكرياء عليه السلام حيث قال @QB@ إذ نادى ربه نداء خفيا @QE@ وقال عز وجل ~~@QB@ ادعوا ربكم تضرعا وخفية @QE@ # الخامس أن لا يتكلف السجع في الدعاء فإن حال الداعي ينبغي أن يكون حال ~~متضرع والتكلف لا يناسبه قال صلى الله عليه وسلم سيكون قوم يعتدون في ~~الدعاء + حديث سيكون قوم يعتدون في الدعاء وفي رواية والطهور أخرجه أبو ~~داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن مغفل + وقد قال عز ~~وجل @QB@ ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه @QE@ PageV01P305 @QB@ لا يحب ~~المعتدين @QE@ قيل معناه التكلف للأسجاع والأولى أن لا يجاوز الدعوات ~~المأثورة فإنه قد يعتدى في دعائه فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته فما كل أحد ~~يحسن الدعاء ولذلك روي عن معاذ رضي الله عنه إن العلماء يحتاج إليهم في ~~الجنة إذ يقال لأهل الجنة تمنوا فلا يدرون كيف يتمنون حتى يتعلموا من ~~العلماء وقد قال صلى الله عليه وسلم إياكم والسجع في الدعاء حسب أحدكم أن ~~يقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار ~~وما قرب إليها من قول وعمل + حديث إياكم والسجع في الدعاء بحسب أحدكم أن ~~يقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار ~~وما قرب إليها من قول وعمل غريب بهذا السياق وللبخاري عن ابن عباس وانظر ~~السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ~~يفعلون إلا ذلك وابن ماجه والحاكم واللفظ له وقال صحيح الإسناد من حديث ~~عائشة عليك بالكوامل وفيه وأسألك الجنة إلى آخره + وفي الخبر سيأتي قوم ~~يعتدون في الدعاء والطهور ومر بعض السلف بقاص يدعو بسجع فقال له أعلى الله ~~تبالغ أشهد لقد رأيت حبيبا العجمي يدعو وما يزيد على قوله اللهم اجعلنا ~~جيدين اللهم لا تفضحنا يوم القيامة اللهم وفقنا للخير والناس يدعون من كل ~~ناحية وراءه وكان يعرف بركة دعائه # وقال بعضهم ادع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق # ويقال إن العلماء الأبدال لا يزيدون في الدعاء على سبع كلمات فما دونها ~~ويشهد له آخر سورة البقرة فإن الله تعالى لم يخبر في موضع من أدعية عبادة ~~أكثر من ذلك # واعلم أن المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام فإن ذلك لا يلائم الضراعة ~~والذلة وإلا ففي الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات ~~متوازنة لكنها غير متكلفة كقوله صلى الله عليه وسلم أسألك الأمن من يوم ~~الوعيد والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود والركع السجود الموفين ~~بالعهود إنك رحيم ودود وإنك تفعل ما تريد + حديث أسألك الأمن يوم الوعيد ~~والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود والركع السجود الموفين بالعهود إنك ~~رحيم ودود وإنك تفعل ما تريد أخرجه الترمذي من حديث ابن عباس سمعت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يقول ليلة حين فرغ من صلاته فذكر حديثا طويلا مع ~~جملته هذا وقال حديث غريب انتهى وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيىء ~~الحفظ + وأمثال ذلك فليقتصر على المأثور من الدعوات أو ليلتمس بلسان التضرع ~~والخشوع من غير سجع وتكلف فالتضرع هو المحبوب عند الله عز وجل # السادس التضرع والخشوع والرغبة والرهبة قال الله تعالى @QB@ إنهم كانوا ~~يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا @QE@ وقال عز وجل @QB@ ادعوا ربكم ~~تضرعا وخفية @QE@ وقال صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله عبدا ابتلاه حتى ~~يسمع تضرعه + حديث إذا أحب الله عبدا ابتلاه حتى يسمع تضرعه أخرجه أبو ~~منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس إذا أحب الله عبدا صب عليه ~~البلاء صبا الحديث وفيه دعه فإني أحب أن أسمع صوته وللطبراني من حديث أبي ~~أمامة إن الله يقول للملائكة انطلقوا إلى عبدي فصبوا عليه البلاء الحديث ~~@QB@ وفيه @QE@ فإني أحب أن أسمع صوته وسندهما ضعيف + # السابع أن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه فيه # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر لي إن ~~شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مكره له + حديث لا يقل ~~أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا ~~مكره له متفق عليه من حديث أبي هريرة + وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء + حديث إذا دعا أحدكم ~~فليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أخرجه ابن حبان من حديث أبي هريرة + ~~وقال صلى الله عليه وسلم ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله ~~عز وجل لا يستجيب دعاء من قلب غافل + حديث ادعوا الله وأنتم موقنون ~~بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل أخرجه الترمذي من ~~حديث أبي هريرة وقال غريب والحاكم وقال مستقيم الإسناد وتفرد به صالح المري ~~وهو أحد زهاد البصرة قلت لكنه ضعيف في الحديث + وقال سفيان بن عيينة لا ~~يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق ~~إبليس لعنه الله إذ قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين # الثامن أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثا قال ابن مسعود PageV01P306 كان صلى ~~الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا + حديث ابن مسعود كان ~~صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا رواه مسلم وأصله ~~متفق عليه + وينبغي أن لا يستبطىء الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم يستجاب ~~لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي فإذا دعوت فاسأل الله كثيرا ~~فإنك تدعو كريما + حديث يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول دعوت فلم يستجب لي ~~متفق عليه من حديث أبي هريرة + وقال بعضهم إني أسأل الله عز وجل منذ عشرين ~~سنة حاجة وما أجابني وأنا أرجو الإجابة سألت الله تعالى أن يوفقني لترك ما ~~لا يعنيني # وقال صلى الله عليه وسلم إذا سأل أحدكم ربه مسألة فتعرف الإجابة فليقل ~~الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ومن أبطأ عنه من ذلك فليقل الحمد لله ~~على كل حال + حديث إذا سأل أحدكم مسألة فتعرف الإجابة فليقل الحمد لله الذي ~~بنعمته تتم الصالحات ومن أبطأ عنه من ذلك شيء فليقل الحمد لله على كل حال ~~أخرجه البيهقي في الدعوات من حديث أبي هريرة وللحاكم نحوه من حديث عائشة ~~مختصرا بإسناد ضعيف + # التاسع أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل فلا يبدأ بالسؤال قال سلمة بن ~~الأكوع ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الدعاء إلا استفتحه ~~بقول سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب + حديث سلمة بن الأكوع ما سمعت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الدعاء إلا استفتحه وقال سبحان ربي العلي ~~الأعلى الوهاب أخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد قلت فيه عمر بن راشد ~~اليماني ضعفه الجمهور + قال أبو سليمان الداراني رحمه الله من أراد أن يسأل ~~الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأله حاجته ثم ~~يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين ~~وهو أكرم من أن يدع ما بينهما وروى في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أنه قال إذا سألتم الله عز وجل حاجة فابتدئوا بالصلاة علي فإن الله ~~تعالى أكرم من أن يسئل حاجتين فيقضي إحداهما ويرد الأخرى + حديث إذا سألتم ~~الله حاجة فابدءوا بالصلاة علي فإن الله تعالى أكرم من أن يسأل حاجتين ~~فيعطي إحداهما ويرد الأخرى لم أجده مرفوعا وإنما هو موقوف على أبي الدرداء ~~+ رواه أبو طالب المكي # العاشر وهو الأدب الباطن وهو الأصل في الإجابة التوبة ورد المظالم ~~والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة فذلك هو السبب القريب في الإجابة ~~فيروى عن كعب الأحبار أنه قال أصاب الناس قحط شديد على عهد موسى رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فخرج موسى ببني إسرائيل يستسقى بهم فلم يسقوا حتى خرج ~~ثلاث مرات ولم يسقوا فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام إني لا أستجيب ~~لك ولا لمن معك وفيكم نمام فقال موسى يا رب ومن هو حتى نخرجه من بيننا ~~فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نماما فقال موسى ~~لبني إسرائيل توبوا إلى ربكم بأجمعكم عن النميمة فتابوا فأرسل الله تعالى ~~عليهم الغيث # وقال سعيد بن جبير قحط الناس في زمن ملك من ملوك بني إسرائيل فاستسقوا ~~فقال الملك لبني إسرائيل ليرسلن الله تعالى علينا السماء أو لنؤذينه قيل له ~~وكيف تقدر أن تؤذيه وهو في السماء فقال أقتل أولياءه وأهل طاعته فيكون ذلك ~~أذى له فأرسل الله تعالى عليهم السماء # وقال سفيان الثوري بلغني أن بني إسرائيل قحطوا سبع سنين حتى أكلوا الميتة ~~من المزابل وأكلوا الأطفال وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرعون ~~فأوحى الله عز وجل إلى أنبيائهم عليهم السلام لو مشيتم إلي بأقدامكم حتى ~~تحفى ركبكم وتبلغ أيديكم عنان السماء وتكل ألسنتكم عن الدعاء فإني لا أجيب ~~لكم داعيا ولا أرحم لكم باكيا حتى تردوا المظالم إلى أهلها ففعلوا فمطروا ~~من يومهم # وقال مالك بن دينار أصاب الناس في بني إسرائيل قحط فخرجوا مرارا فأوحى ~~الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم أنكم تخرجون إلى بأبدان نجسة وترفعون إلي ~~أكفا قد سفكتم بها الدماء وملأتم بطونكم من الحرام الآن قد اشتد غضبي عليكم ~~ولن تزدادوا مني إلا بعدا وقال أبو الصديق الناجي خرج سليمان عليه السلام ~~يستسقى فمر بنملة ملقاة على ظهرها رافعة قوائمها PageV01P307 إلى السماء ~~وهي تقول اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب ~~غيرنا فقال سليمان عليه السلام ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم # وقال الأوزاعي خرج الناس يستسقون فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى ~~عليه ثم قال يا معشر من حضر ألستم مقرين بالإساءة فقالوا اللهم نعم فقال ~~اللهم إنا قد سمعناك تقول ما على المحسنين من سبيل وقد أقررنا بالإساءة فهل ~~تكون مغفرتك إلا لمثلنا اللهم فاغفر لنا وارحمنا واسقنا فرفع يديه ورفعوا ~~أيديهم فسقوا # وقيل لمالك بن دينار ادع لنا ربك فقال إنكم تستبطئون المطر وأنا أستبطىء ~~الحجارة وروى أن عيسى صلوات الله عليه وسلامه خرج يستسقي فلما ضجروا قال ~~لهم عيسى عليه السلام من أصاب منكم ذنبا فليرجع فرجعوا كلهم ولم يبق معه في ~~المفازة إلا واحد فقال له عيسى عليهم السلام أما لك من ذنب فقال والله ما ~~علمت من شيء غير أني كنت ذات يوم أصلي فمرت بي امرأة فنظرت إليها بعيني هذه ~~فلما جاوزتني أدخلت أصبعي في عيني فانتزعتها وتبعت المرأة بها فقال له عيسى ~~عليه السلام فادع الله حتى أؤمن على دعائك قال فدعا فتجللت السماء سحابا ثم ~~صبت فسقوا وقال يحيى الغساني أصاب الناس قحط على عهد داود عليه السلام ~~فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتى يستسقوا بهم فقال أحدهم اللهم إنك ~~أنزلت في توراتك أن نعفو عمن ظلمنا اللهم إنا قد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا ~~وقال الثاني اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقاءنا اللهم إنا أرقاؤك ~~فأعتقنا وقال الثالث اللهم إنك أنزلت في توراتك أن لا نرد المساكين إذا ~~وقفوا بأبوابنا اللهم إنا مساكينك وقفنا ببابك فلا ترد دعاءنا فسقوا وقال ~~عطاء السلمي منعنا الغيث فخرجنا نستسقي فإذا نحن بسعدون المجنون في المقابر ~~فنظر إلي فقال يا عطاء أهذا يوم النشور أوبعثر ما في القبور فقلت لا ولكنا ~~منعنا الغيث فخرجنا نستسقي فقال يا عطاء بقلوب أرضية أم بقلوب سماوية فقلت ~~بل بقلوب سماوية فقال هيهات يا عطاء قل للمتبهرجين لا تتبهرجوا فإن الناقد ~~بصير ثم رمق السماء بطرفه وقال إلهي وسيدي ومولاي لا تهلك بلادك بذنوب ~~عبادك ولكن بالسر المكنون من أسمائك وما وارت الحجب من آلائك إلا ما سقيتنا ~~ماء غدقا فراتا تحيي به العباد وتروي به البلاد يا من هو على كل شيء قدير ~~قال عطاء فما استتم الكلام حتى أرعدت السماء وأبرقت وجادت بمطر كأفواه ~~القرب فولى وهو يقول # أفلح الزاهدون والعابدونا % إذ لمولاهم أجاعوا البطونا # أسهروا الأعين العليلة حبا % فانقضى ليلهم وهم ساهرونا # شغلتهم عبادة الله حتى % حسب الناس أن فيهم جنونا # وقال ابن المبارك قدمت المدينة في عام شديد القحط فخرج الناس يستسقون ~~فخرجت معهم إذ أقبل غلام أسود عليه قطعتا خيش قد اتزر بإحداهما وألقى ~~الأخرى على عاتقه فجلس إلى جنبي فسمعته يقول إلهي أخلقت الوجوه عندك كثرة ~~الذنوب ومساوي الأعمال وقد حبست عنا غيث السماء لتؤدب عبادك بذلك فأسألك يا ~~حليما ذا أناة يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل أن تسقيهم الساعة الساعة ~~فلم يزل يقول الساعة الساعة حتى اكتست السماء بالغمام وأقبل المطر من كل ~~جانب قال ابن المبارك فجئت إلى الفضيل فقال ما لي أراك كئيبا فقلت أمر ~~سبقنا إليه غيرنا فتولاه دوننا وقصصت عليه القصة فصاح الفضيل وخر مغشيا ~~عليه # ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس رضي الله عنه فلما ~~فرغ عمر من دعائه قال العباس اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ~~ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك صلى الله عليه ~~وسلم وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة وأنت PageV01P308 الراعي ~~لا تهمل الضالة ولا تدع الكبير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورق الكبير ~~وارتفعت الأصوات بالشكوى وأنت تعلم السر وأخفى اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن ~~يقنطوا فيهلكوا فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون قال فما تم ~~كلامه حتى ارتفعت السماء مثل الجبال فضيلة الصلاة على رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وفضله صلى الله عليه وسلم # قال الله تعالى @QB@ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ~~آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما @QE@ وروى أنه صلى الله عليه وسلم جاء ذات ~~يوم والبشرى ترى في وجهه فقال صلى الله عليه وسلم إنه جاءني جبريل عليه ~~السلام فقال أما ترضى يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك صلاة واحدة إلا ~~صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا + حديث أنه ~~صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشرى ترى في وجهه فقال إنه جاءني جبريل ~~عليه الصلاة والسلام فقال أما ترضى يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك ~~إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا أخرجه ~~النسائي وابن حبان من حديث أبي طلحة بإسناد جيد + وقال صلى الله عليه وسلم ~~من صلى علي صلت عليه الملائكة ما صلى علي فليقلل عند ذلك أو ليكثر + حديث ~~من صلى علي صلت عليه الملائكة ما صلى فليقلل عبد من ذلك أو ليكثر أخرجه ابن ~~ماجه من حديث عامر بن ربيعة بإسناد ضعيف والطبراني في الأوسط بإسناد حسن + ~~وقال صلى الله عليه وسلم إن أولى الناس بي أكثرهم علي صلاة + حديث إن أولى ~~الناس بي أكثرهم علي صلاة أخرجه الترمذي من حديث ابن مسعود وقال حسن غريب ~~وابن حبان + وقال صلى الله عليه وسلم بحسب المؤمن من البخل أن أذكر عنده ~~فلا يصلي علي + حديث بحسب امرىء من البخل أن أذكر عنده فلا يصلي علي أخرجه ~~قاسم بن أصبغ من حديث الحسن بن علي هكذا والنسائي وابن حبان من حديث أخيه ~~الحسين البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي ورواه الترمذي من رواية الحسين بن ~~علي عن أبيه وقال حسن صحيح + وقال صلى الله عليه وسلم أكثروا من الصلاة علي ~~يوم الجمعة + حديث أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة أخرجه أبو داود ~~والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري من حديث ~~أوس بن أوس وذكره ابن أبي حاتم في العلل وحكى عن أبيه أنه حديث منكر + وقال ~~صلى الله عليه وسلم من صلى علي من أمتي كتبت له عشر حسنات ومحيت عنه عشر ~~سيئات + حديث من صلى علي من أمتي كتبت له عشر حسنات ومحيت عنه عشر سيئات ~~أخرجه النسائي في اليوم والليلة من حديث عمرو بن دينار وزاد فيه مخلصا من ~~قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات وله في السير ولابن ~~حبان من حديث أنس نحوه دون قوله مخلصا من قلبه ودون ذكر محو السيئات ولم ~~يذكر ابن حبان أيضا رفع الدرجات + وقال صلى الله عليه وسلم من قال حين يسمع ~~الأذان والإقامة اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد ~~عبدك ورسولك وأعطه الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والشفاعة يوم القيامة ~~حلت له شفاعتي + حديث من قال حين يسمع الأذان والإقامة اللهم رب هذه الدعوة ~~التامة والصلاة القائمة صل على محمد عبدك ورسولك وأعطه الوسيلة والفضيلة ~~والشفاعة يوم القيامة حلت له شفاعتي أخرجه البخاري من حديث جابر دون ذكر ~~الإقامة والشفاعة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقال النداء ~~وللمستغفري في الدعوات حين يسمع الدعاء للصلاة وزاد ابن وهب ذكر الصلاة ~~والشفاعة فيه بسند ضعيف وزاد الحسن بن علي المعمري في اليوم والليلة من ~~حديث أبي الدرداء ذكر الصلاة فيه وله وللمستغفري في الدعوات سند ضعيف من ~~حديث أبي رافع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الأذان فذكر حديثا ~~فيه وإذا قال قد قامت الصلاة قال اللهم رب هذه الدعوة التامة الحديث وزاد ~~وتقبل شفاعته في أمته ولمسلم من حديث عبد الله بن عمرو إذا سمعتم المؤذن ~~فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي ثم سلوا الله لي الوسيلة وفيه فمن سأل ~~الوسيلة حلت عليه الشفاعة + وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى علي ~~في كتاب لم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب + حديث من ~~صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب ~~أخرجه الطبرانى في الأوسط وأبو الشيج في الثواب والمستغفرى في الدعوات من ~~حديث أبي هريرة بسند ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم إن في الأرض ملائكة ~~سياحين يبلغوني عن أمتي السلام + حديث إن في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني ~~عن أمتي السلام تقدم في آخر الحج + وقال صلى الله عليه وسلم PageV01P309 ~~ليس أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام + حديث ليس أحد ~~يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام أخرجه أبو داود من حديث ~~أبي هريرة بسند جيد + و قيل له يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال قولوا ~~اللهم صل على محمد عبدك وعلى آله وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وآل ~~إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ~~إنك حميد مجيد + حديث قيل له يا رسول الله كيف نصلي عليك قال قولوا اللهم ~~صل على محمد وعلى آله وأزواجه وذريته الحديث متفق عليه من حديث أبي حميد ~~الساعدي + وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع بعد موت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يبكي ويقول بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد كان جذع تخطب ~~الناس عليه فلما كثر الناس اتخذت منبرا لتسمعهم فحن الجذع لفراقك حتى جعلت ~~يدك عليه فسكن فأمتك كانت أولى بالحنين إليك لما فارقتهم بأبي أنت وأمي يا ~~رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن جعل طاعتك طاعته فقال عز وجل من يطع ~~الرسول فقد أطاع الله بأبي أنت وأمى يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده ~~أن أخبرك بالعفو عنك قبل أن يخبرك بالذنب فقال تعالى عفا الله عنك لم أذنت ~~لهم بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن بعثك آخر ~~الأنبياء وذكرك في أولهم فقال عز وجل وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ~~ومن نوح وإبراهيم الآية بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده ~~أن أهل النار يودون أن يكونوا قد أطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون يقولون يا ~~ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان موسى ~~بن عمران أعطاه الله حجرا تنفجر منه الأنهار فماذا بأعجب من أصابعك حين نبع ~~منها الماء صلى الله عليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان سليمان بن ~~داود أعطاه الله الريح غدوها شهر ورواحها شهر فماذا بأعجب من البراق حين ~~سريت عليه إلى السماء السابعة ثم صليت الصبح من ليلتك بالأبطح صلى الله ~~عليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان عيسى بن مريم أعطاه الله إحياء ~~الموتى فماذا بأعجب من الشاة المسمومة حين كلمتك وهي مشوية فقالت لك الذراع ~~لا تأكلني فأني مسمومة بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد دعا نوح على قومه ~~فقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ولو دعوت علينا بمثلها لهلكنا ~~فلقد وطىء ظهرك وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيرا فقلت ~~اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد اتبعك في ~~قلة سنك وقصر عمرك ما لم يتبع نوحا في كثرة سنه وطول عمره ولقد آمن بك ~~الكثير وما آمن معه إلا القليل بأبي أنت وأمي يا رسول الله لو لم تجالس إلا ~~كفؤا لك ما جالستنا ولو لم تنكح إلا كفؤا لك ما نكحت إلينا ولو لم تؤاكل ~~إلا كفؤا لك ما واكلتنا فلقد والله جالستنا ونكحت إلينا وواكلتنا ولبست ~~الصوف وركبت الحمار وأردفت خلفك ووضعت طعامك على الأرض ولعقت أصابعك تواضعا ~~منك صلى الله عليه وسلم + حديث عمر في حنين الجذع ونبع الماء من بين أصابعه ~~والإسراء به على البراق إلى السماء السابعة ثم صلاة الصبح من ليلته بالأبطح ~~وكلام الشاة المسمومة وأنه دمى وجهه وكسرت رباعيته فقال اللهم اغفر لقومي ~~فإنهم لا يعلمون وأنه لبس الصوف وركب الحمار وأردف خلفه ووضع طعامه بالأرض ~~ولعق أصابعه وهو غريب بطوله من حديث عمر وهو معروف من أوجه أخرى فحديث حنين ~~الجذع متفق عليه من حديث جابر وابن عمر وحديث نبع الماء من بين أصابعه متفق ~~عليه من حديث أنس وغيره وحديث الإسراء متفق عليه من حديث أنس دون ذكر صلاة ~~الصبح بالأبطح وحديث كلام الشاة المسمومة رواه أبو داود من حديث جابر وفيه ~~انقطاع وحديث أنه دمى وجهه وكسرت رباعيته متفق عليه من حديث سهل بن سعد في ~~غزوة أحد وحديث اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون رواه البيهقي في دلائل ~~النبوة والحديث في الصحيح من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم حكاه ~~عن نبي من الأنبياء ضربه قومه وحديث لبس الصوف رواه الطيالسي من حديث سهل ~~بن سعد وحديث ركوبه الحمار وإردافه خلفه متفق عليه من حديث أسامة بن زيد ~~وحديث وضع طعامه بالأرض رواه أحمد في الزهد من حديث الحسن مرسلا وللبخاري ~~من حديث أنس ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان قط وحديث لعقه ~~أصابعه رواه مسلم من حديث كعب بن مالك وأنس بن مالك + وقال بعضهم كنت أكتب ~~PageV01P310 الحديث وأصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيه ولا أسلم فرأيت ~~النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي أما تتم الصلاة علي في كتابك ~~فما كتبت بعد ذلك إلا صليت وسلمت عليه # وروي عن أبي الحسن قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا ~~رسول الله بم جوزي الشافعي عنك حيث يقول في كتابه الرسالة وصلى الله على ~~محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون فقال صلى الله عليه وسلم ~~جوزي عني أنه لا يوقف للحساب فضيلة الاستغفار # قال عز وجل والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا ~~لذنوبهم وقال علقمة والأسود قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم في كتاب ~~الله عز وجل آيتان ما أذنب عبد ذنبا فقرأهما واستغفر الله عز وجل إلا غفر ~~الله تعالى له والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم الآية وقوله عز وجل ~~ومن يعمل سوءا أو يظلم به ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما وقال عز وجل ~~فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا وقال تعالى والمستغفرين بالأسحار ~~وكان صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي ~~إنك أنت التواب الرحيم + حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول ~~سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم أخرجه الحاكم من ~~حديث ابن مسعود وقال صحيح إن كان أبو عبيدة سمع من أبيه والحديث متفق عليه ~~من حديث عائشة أنه كان يكثر أن يقول ذلك في ركوعه وسجوده دون قوله إنك أنت ~~التواب الرحيم + وقال صلى الله عليه وسلم من أكثر من الاستغفار جعل الله عز ~~وجل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا وارزقه من حيث لا يحتسب + حديث من ~~أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل غم مخرجا ورزقه من حيث ~~لا يحتسب أخرجه أبو داود والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه والحاكم وقال ~~صحيح الإسناد من حديث ابن عباس وضعفه ابن حبان + وقال صلى الله عليه وسلم ~~إني لأستغفر الله تعالى وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة + حديث إني لأستغفر ~~الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة إلا ~~أنه قال أكثر من سبعين وهو في الدعاء للطبراني كما ذكره المصنف + هذا مع ~~أنه صلى الله عليه وسلم غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقال صلى الله ~~عليه وسلم إنه ليغان على قلبي حتى إني لأستغفر الله تعالى في كل يوم مائة ~~مرة + حديث إنه ليغان على قلبي حتى إني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة ~~أخرجه مسلم من حديث الأغر + وقال صلى الله عليه وسلم من قال حين يأوي إلى ~~فراشه أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث ~~مرات غفر الله له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر أو عدد رمل عالج أو عدد ورق ~~الشجر أو عدد أيام الدنيا + حديث من قال حين يأوي إلى فراشه أستغفر الله ~~العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفر الله له ~~ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد وقال ~~غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن الوليد الوصافي قلت الوصافي وإن كان ~~ضعيفا فقد تابعه عليه عصام بن قدامة وهو ثقة ورواه البخاري في التاريخ دون ~~قوله حين يأوي إلى فراشه وقوله ثلاث مرات + وقال صلى الله عليه وسلم في ~~حديث آخر من قال ذلك غفرت ذنوبه وإن كان فارا من الزحف + حديث من قال ذلك ~~غفرت ذنوبه وإن كان فارا من الزحف أخرجه أبو داود والترمذي من حديث زيد ~~مولى النبي صلى الله عليه وسلم وقال غريب قلت ورجاله موثقون ورواه ابن ~~مسعود والحاكم من حديث ابن مسعود وقال صحيح على شرط الشيخين + وقال حذيفة ~~كنت ذرب اللسان على أهلي فقلت يا رسول الله لقد خشيت أن يدخلني لساني النار ~~فقال النبي صلى الله عليه وسلم فأين أنت من الاستغفار فإني لأستغفر الله في ~~اليوم مائة مرة + حديث حذيفة كنت ذرب اللسان على أهلي الحديث وفيه أين أنت ~~من الاستغفار أخرجه النسائي في اليوم والليلة وابن ماجه والحاكم وقال صحيح ~~على شرط الشيخين + وقالت عائشة رضي الله عنها قال لي رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن التوبة من الذنب ~~الندم والاستغفار + حديث عائشة إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله فإن التوبة ~~من الذنب الندم والاستغفار متفق عليه دون قوله فإن التوبة الخ وزاد أو توبي ~~إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه وللطبراني في الدعاء ~~فإن العبد إذا أذنب ثم استغفر الله غفر له + وكان صلى الله عليه وسلم ~~PageV01P311 يقول في الاستغفار اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري ~~وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي ~~اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني ~~أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير + حديث كان يقول اللهم اغفر ~~لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي جدي ~~وهزلي متفق عليه من حديث أبي موسى واللفظ لمسلم + وقال علي رضي الله عنه ~~كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله عز ~~وجل بما شاء أن ينفعني منه وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته فإذا حلف ~~صدقته قال وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ~~ركعتين ثم يستغفر الله عز وجل إلا غفر له ثم تلا قوله عز وجل والذين إذا ~~فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم + حديث علي عن أبي بكر ما من عبد يذنب ذنبا ~~فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له أخرجه ~~أصحاب السنن وحسنه الترمذي + الآية وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم أنه قال إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ~~ونزع واستغفر صقل قلبه منها فإن زاد زادت حتى تغلف قلبه + حديث أبي هريرة ~~إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل ~~قلبه الحديث أخرجه الترمذي وصححه والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه وابن ~~حبان والحاكم + فذلك الران الذي ذكره الله عز وجل في كتابه @QB@ كلا بل ران ~~على قلوبهم ما كانوا يكسبون @QE@ وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله ~~عليه وسلم قال إن الله سبحانه ليرفع الدرجة للعبد في الجنة فيقول يا رب أنى ~~لي هذه فيقول عز وجل باستغفار ولدك لك + حديث أبي هريرة إن الله ليرفع ~~العبد الدرجة في الجنة فيقول يا رب أنى لي هذه فيقول باستغفار ولدك لك رواه ~~أحمد بإسناد حسن + وروت عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال ~~اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساؤوا استغفروا + حديث ~~عائشة اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساؤوا استغفروا ~~أخرجه ابن ماجه وفيه علي بن زيد بن جدعان مختلف فيه + وقال صلى الله عليه ~~وسلم إذا أذنب العبد ذنبا فقال اللهم اغفر لي فيقول الله عز وجل أذنب عبدي ~~ذنبا فعلم أن له ربا يأخذ بالذنب ويغفر الذنب عبدي اعمل ما شئت فقد غفرت لك ~~+ حديث إذا أذنب العبد فقال اللهم اغفر لي يقول الله أذنب عبدي ذنبا فعلم ~~أن له ربا يأخذ بالذنب ويغفر الذنب الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة + ~~وقال صلى الله عليه وسلم ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة + ~~حديث ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة أخرجه أبو داود والترمذي ~~من حديث أبي بكر وقال غريب وليس إسناده بالقوي + وقال صلى الله عليه وسلم ~~إن رجلا لم يعمل خيرا قط نظر إلى السماء فقال إن لي ربا يا رب فاغفر لي ~~فقال الله عز وجل قد غفرت لك + حديث إن رجلا لم يعمل خيرا قط نظر إلى ~~السماء فقال إن لي ربا يا رب اغفر لي فقال الله تعالى قد غفرت لك لم أقف له ~~على أصل + وقال صلى الله عليه وسلم من أذنب ذنبا فعلم أن الله قد اطلع عليه ~~غفر له وإن لم يستغفر + حديث من أذنب فعلم أن الله قد اطلع عليه غفر له وإن ~~لم يستغفر أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ابن مسعود بسند ضعيف + وقال ~~صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيته ~~فاستغفروني أغفر لكم ومن علم أني ذو قدرة على أن أغفر له غفرت له ولا أبالي ~~+ حديث يقول الله يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيته فاستغفروني أغفر لكم ~~ومن علم أني ذو قدرة على أن أغفر له غفرت له ولا أبالي أخرجه الترمذي وابن ~~ماجه من حديث أبي ذر وقال الترمذي حسن وأصله عند مسلم بلفظ آخر + وقال صلى ~~الله عليه وسلم من قال سبحانك ظلمت نفسي وعملت سوءا فاغفر لي فإنه لا يغفر ~~الذنوب إلا أنت غفرت له ذنوبه ولو كانت كمدب النمل + حديث من قال سبحانك ~~ظلمت نفسي وعملت سوءا فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت غفرت ذنوبه وإن ~~كانت كمدب النمل أخرجه البيهقي في الدعوات من حديث علي أن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم قال ألا أعلمك كلمات تقولهن لو كان عليك كعدد النمل أو كعدد ~~الذر ذنوبا غفرها الله لك فذكره بزيادة لا إله إلا أنت في أوله وفيه ابن ~~لهيعة + وروى PageV01P312 إن أفضل الاستغفار اللهم أنت ربي وأنا عبدك ~~خلقتني وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك ~~بنعمتك علي وأبوء على نفسي بذنبي فقد ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ~~ذنوبي ما قدمت منها وما أخرت فإنه لا يغفر الذنوب جميعا إلا أنت + حديث ~~أفضل الاستغفار اللهم أنت ربي وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ~~الحديث أخرجه البخاري من حديث شداد بن أوس دون قوله وقد ظلمت نفسي واعترفت ~~بذنبي ودون قوله ذنوبي ما قدمت منها وما أخرت ودون قوله جميعا + والآثار ~~قال خالد بن معدان يقول الله عز وجل إن أحب عبادي إلي المتحابون بحبي ~~والمتعلقة قلوبهم بالمساجد والمستغفرون بالأسحار أولئك الذين إذا أردت أهل ~~الأرض بعقوبة ذكرتهم فتركتهم وصرفت العقوبة عنهم # وقال قتادة رحمه الله القرآن يدلكم عن دائكم ودوائكم أما داؤكم فالذنوب ~~وأما دواؤكم فالاستغفار وقال علي كرم الله وجهه العجب ممن يهلك ومعه النجاة ~~قيل وما هي قال الاستغفار وكان يقول ما ألهم الله سبحانه عبدا الاستغفار ~~وهو يريد أن يعذبه # وقال الفضيل قول العبد أستغفر الله تفسيرها أقلني وقال بعض العلماء العبد ~~بين ذنب ونعمة لا يصلحهما إلا الحمد والاستغفار وقال الربيع بن خيثم رحمه ~~الله لا يقولن أحدكم أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنبا وكذبا إن لم يفعل ~~ولكن ليقل اللهم اغفر لي وتب علي # قال الفضيل رحمه الله الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين وقالت رابعة ~~العدوية رحمها الله استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير # قال بعض الحكماء من قدم الاستغفار على الندم كان مستهزئا بالله عز وجل ~~وهو لا يعلم وسمع أعرابي وهو متعلق بأستار الكعبة يقول اللهم إن استغفاري ~~مع إصراري للؤم وإن تركي استغفارك مع علمي بسعة عفوك لعجز فكم تتحبب إلي ~~بالنعم مع غناك عني وكم أتبغض إليك بالمعاصي مع فقري إليك يا من إذا وعد ~~وفى وإذا أوعد عفا أدخل عظيم جرمي في عظيم عفوك يا أرحم الراحمين وقال أبو ~~عبد الله الوراق لو كان عليك مثل عدد القطر وزبد البحر ذنوبا لمحيت عنك إذا ~~دعوت ربك بهذا الدعاء مخلصا إن شاء الله تعالى اللهم إني أستغفرك من كل ذنب ~~تبت إليك منه ثم عدت فيه وأستغفرك من كل ما وعدتك به من نفسي ولم أوف لك به ~~وأستغفرك من كل عمل أرد به وجهك فخالطه غيرك وأستغفرك من كل نعمة أنعمت بها ~~علي فاستعنت بها على معصيتك وأستغفرك يا عالم الغيب والشهادة من كل ذنب ~~أتيته في ضياء النهار وسواد الليل في ملأ أو خلاء وسر وعلانية يا حليم ~~ويقال إنه استغفار آدم عليه السلام وقيل الخضر عليه الصلاة والسلام # | الباب الثالث في أدعية مأثورة ومعزية إلى أسبابها وأربابها مما يستحب # أن يدعو بها المرء صباحا ومساء وبعقب كل صلاة # فمنها دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ركعتي الفجر قال ابن عباس ~~رضي الله عنهما بعثني العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته ~~ممسيا وهو في بيت خالتي ميمونة فقام يصلي من الليل فلما صلى ركعتي الفجر ~~قبل صلاة الصبح قال اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها ~~شملي وتلم بها شعثي وترد بها الفتن عني وتصلح بها ديني وتحفظ بها غائبي ~~وترفع بها شاهدي وتزكي بها عملي وتبيض بها وجهي وتلهمني بها رشدي وتعصمني ~~بها من كل سوء # اللهم أعطني إيمانا صادقا ويقينا ليس بعده كفر ورحمة أنال بها شرف كرامتك ~~في الدنيا والآخرة # اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء ومنازل الشهداء وعيش السعداء والنصر ~~على الأعداء ومرافقة الأنبياء # اللهم إني PageV01P313 أنزل بك حاجتي وإن ضعف رأيي وقلت حيلتي وقصر عملي ~~وافتقرت إلى رحمتك فأسألك يا كافي الأمور ويا شافي الصدور كما تجير بين ~~البحور أن تجيرني من عذاب السعير ومن دعوة الثبور ومن فتنة القبور # اللهم ما قصر عنه رأيي وضعف عنه عملي ولم تبلغه نيتي وأمنيتي من خير ~~وعدته أحدا من عبادك أو خير أنت معطيه أحدا من خلقك فإني أرغب إليك فيه ~~وأسألكه يا رب العالمين # اللهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين حربا لأعدائك وسلما ~~لأوليائك نحبب بحبك من أطاعك من خلقك ونعادي بعداوتك من خالفك من خلقك # اللهم هذا الدعاء وعليك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان وإنا لله وإنا ~~إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ذي الحبل الشديد ~~والأمر الرشيد أسألك الأمن يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع المقربين ~~الشهود والركع السجود الموفين بالعهود إنك رحيم ودود وأنت تفعل ما تريد # سبحان الذي لبس العز وقال به سبحان الذى تعطف بالمجد وتكرم به سبحان الذى ~~لا ينبغي التسبيح إلا له سبحان ذي الفضل والنعم سبحان ذي العزة والكرم ~~سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه # اللهم اجعل لي نورا في قلبي ونورا في قبري ونورا في سمعي ونورا في بصري ~~ونورا في شعري ونورا في بشري ونورا في لحمي ونورا في دمي ونورا في عظامي ~~ونورا من بين يدي ونورا من خلفي ونورا عن يميني ونورا عن شمالي ونورا من ~~فوقي ونورا من تحتي اللهم زدني نورا وأعطني نورا واجعل لي نورا + حديث ابن ~~عباس اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها شملي وتلم بها ~~شعثي الحديث أخرجه الترمذي وقال غريب ولم يذكر في أوله بعث العباس لابنه ~~عبد الله ولا نومه في بيت ميمونة وهو بهذه الزيادة في الدعاء للطبراني + ~~دعاء عائشة رضي الله عنها # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها عليك بالجوامع ~~الكوامل قولي اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم ~~أعلم وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت وما لم أعلم وأسألك الجنة ~~وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ~~وأسألك من الخير ما سألك عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وأستعيذك مما ~~استعاذك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وأسألك ما قضيت لي من أمر ~~أن تجعل عاقبته رشدا برحمتك يا أرحم الراحمين + حديث قوله لعائشة عليك ~~بالجوامع الكوامل قولي اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت ~~منه وما لم أعلم الحديث أخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه من حديثها + دعاء ~~فاطمة رضي الله عنها # | قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فاطمة ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك ~~به أن تقولي يا # حي يا قيوم برحمتك أستغيث لا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله ~~+ حديث يا فاطمة ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي يا حي يا قيوم ~~برحمتك أستغيث لا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله أخرجه النسائي ~~في اليوم والليلة والحاكم من حديث أنس وقال صحيح على شرط الشيخين + دعاء ~~أبي بكر الصديق رضي الله عنه # علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يقول ~~اللهم إني أسألك بمحمد نبيك وإبراهيم خليلك وموسى نجيك وعيسى كلمتك وروحك ~~وبتوراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وفرقان محمد صلى الله عليه وسلم ~~PageV01P314 وعليهم أجمعين وبكل وحي أوحيته أو قضاء قضيته أو سائل أعطيته ~~أو غني أفقرته أو فقير أغنيته أو ضال هديته وأسألك باسمك الذي أنزلته على ~~موسى صلى الله عليه وسلم وأسألك باسمك الذي بثثت به أرزاق العباد وأسألك ~~باسمك الذي وضعته على الأرض فاستقرت وأسألك باسمك الذي وضعته على السموات ~~فاستقلت وأسألك باسمك الذي وضعته على الجبال فرست وأسألك باسمك الذي استقل ~~به عرشك وأسألك باسمك الطهر الطاهر الأحد الصمد الوتر المنزل في كتابك من ~~لدنك من النور المبين وأسألك باسمك الذي وضعته على النهار فاستنار وعلى ~~الليل فأظلم وبعظمتك وكبريائك وبنور وجهك الكريم أن ترزقني القرآن والعلم ~~به وتخلطه بلحمي ودمي وسمعي وبصري وتستعمل به جسدي بحولك وقوتك فإنه لا حول ~~ولا قوة إلا بك يا أرحم الراحمين + حديث علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يقول اللهم إني أسألك بمحمد نبيك وإبراهيم ~~خليلك وموسى نجيك وعيسى كلمتك الحديث في الدعاء لحفظ القرآن رواه أبو الشيخ ~~ابن حبان في كتاب الثواب من رواية عبد الملك بن هارون بن عبثرة عن أبيه أن ~~أبا بكر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أتعلم القرآن وينفلت مني ~~فذكره وعبد الملك وأبوه ضعيفان وهو منقطع بين هارون وأبي بكر + دعاء بريدة ~~الأسلمي رضي الله عنه # وروي أنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بريدة ألا أعلمك كلمات ~~من أراد بهن خيرا علمهن إياه ثم لم ينسهن إياه أبدا قال فقلت بلى يا رسول ~~الله قال قل اللهم إني ضعيف فقو في رضاك ضعفي وخذ إلى الخير بناصيتي واجعل ~~الإسلام منتهى رضاي اللهم إني ضعيف فقوني وإني ذليل فأعزني وإني فقير ~~فأغنني يا أرحم الراحمين + حديث يا بريدة ألا أعلمك كلمات من أراد الله به ~~خيرا علمهن إياه الحديث أخرجه الحاكم من حديث بريدة وقال صحيح الإسناد + ~~دعاء قبيصة بن المخارق # إذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم علمني كلمات ينفعني الله عز وجل ~~بها فقد كبر سني وعجزت عن أشياء كثيرة كنت أعملها فقال صلى الله عليه وسلم ~~أما لدنياك فإذا صليت الغداة فقل ثلاث مرات سبحان الله وبحمده سبحان الله ~~العظيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنك إذا قلتهن أمنت من الغم ~~والجذام والبرص والفالج وأما لآخرتك فقل اللهم أهدني من عندك وأفض علي من ~~فضلك وانشر علي من رحمتك وأنزل علي من بركاتك ثم قال صلى الله عليه وسلم ~~أما إنه إذا وافى بهن عبد يوم القيامة لم يدعهن فتح له أربعة أبواب من ~~الجنة يدخل من أيها شاء + حديث إن قبيصة بن المخارق قال لرسول الله صلى ~~الله عليه وسلم علمني كلمات ينفعني الله بها فقد كبرت سني وعجزت الحديث ~~أخرجه ابن السني في اليوم والليلة من حديث ابن عباس وهو عند أحمد في المسند ~~مختصرا من حديث قبيصة نفسه وفيه رجل لم يسم + دعاء أبي الدرداء رضي الله ~~عنه # قيل لأبي الدرداء رضي الله عنه قد احترقت دارك وكانت النار قد وقعت في ~~محلته فقال ما كان الله ليفعل ذلك فقيل له ذلك ثلاثا وهو يقول ما كان الله ~~ليفعل ذلك ثم أتاه آت فقال يا أبا الدرداء إن النار حين دنت من دارك طفئت ~~قال قد علمت ذلك فقيل له ما ندري أي قوليك أعجب قال إني سمعت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم قال من يقول هؤلاء الكلمات في ليل أو نهار لم يضره شيء وقد ~~قلتهن وهي اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ~~لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ~~أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء ~~عددا اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي PageV01P315 ومن شر كل دابة أنت آخذ ~~بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم + حديث قيل لأبي الدرداء أحرقت دارك فقال ~~ما كان الله ليفعل ذلك الحديث أخرجه الطبراني في الدعاء من حديث أبي ~~الدرداء ضعيف + دعاء الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام # كان يقول إذا أصبح اللهم إن هذا خلق جديد فافتحه علي بطاعتك واختمه لي ~~بمغفرتك ورضوانك وارزقني فيه حسنة تقبلها مني وزكها وضعفها لي وما عملت فيه ~~من سيئة فاغفرها لي إنك غفور رحيم ودود كريم قال ومن دعا بهذا الدعاء إذا ~~أصبح فقد أدى شكر يومه دعاء عيسى عليه الصلاة والسلام # كان يقول اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره ولا أملك نفع ما أرجو ~~وأصبح الأمر بيد غيري وأصبحت مرتهنا بعملي فلا فقير أفقر مني اللهم لا تشمت ~~بي عدوي ولا تسؤ بي صديقي ولا تجعل مصيبتي في ديني ولا تجعل الدنيا أكبر ~~همي ولا تسلط علي من لا يرحمني يا حي يا قيوم دعاء الخضر عليه السلام # يقال إن الخضر وإلياس عليهما السلام إذا التقيا في كل موسم لم يفترقا إلا ~~عن هذه الكلمات بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله ما شاء الله كل نعمة ~~من الله ما شاء الله الخير كله بيد الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا ~~الله فمن قالها ثلاث مرات إذا أصبح أمن من الحرق والغرق والسرق إن شاء الله ~~تعالى دعاء معروف الكرخي رضي الله عنه # قال محمد بن حسان قال لي معروف الكرخي رحمه الله ألا أعلمك عشر كلمات خمس ~~للدنيا وخمس للآخرة من دعا الله عز وجل بهن وجد الله تعالى عندهن قلت ~~اكتبها لي قال لا ولكن أرددها عليك كما رددها علي بكر بن خنيس رحمه الله ~~حسبي الله لديني حسبي الله لدنياي حسبي الله الكريم لما أهمني حسبي الله ~~الحليم القوي لمن بغى علي حسبي الله الشديد لمن كادني بسوء حسبي الله ~~الرحيم عند الموت حسبي الله الرؤوف عند المسألة في القبر حسبي الله الكريم ~~عند الحساب حسبي الله اللطيف عند الميزان حسبي الله القدير عند الصراط حسبي ~~الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم وقد روي عن أبي الدرداء ~~أنه قال من قال في كل يوم سبع مرات فإن تولوا فقل حسبى الله لا إله إلا هو ~~عليه توكلت وهو رب العرش العظيم كفاه الله عز وجل ما أهمه من أمر آخرته ~~صادقا كان أو كاذبا دعاء عتبة الغلام # وقد رؤي في المنام بعد موته فقال دخلت الجنة بهذه الكلمات اللهم يا هادي ~~المضلين ويا راحم المذنبين ويا مقيل عثرات العاثرين ارحم عبدك ذا الخطر ~~العظيم والمسلمين كلهم أجمعين واجعلنا مع الأخيار المرزوقين الذين أنعمت ~~عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين يا رب العالمين دعاء ~~آدم عليه الصلاة والسلام # قالت عائشة رضي الله عنها لما أراد الله عز وجل أن يتوب على آدم صلى الله ~~عليه وسلم طاف بالبيت سبعا PageV01P316 وهو يومئذ ليس بمبنى ربوة حمراء ثم ~~قام فصلى ركعتين ثم قال اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم ~~حاجتي فأعطني سؤلي وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي اللهم إني أسألك إيمانا ~~يباشر قلبي ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبته علي والرضا ~~بما قسمته لي يا ذا الجلال والإكرام فأوحى الله عز وجل إليه إني قد غفرت لك ~~ولم يأتني أحد من ذريتك فيدعوني بمثل الذي دعوتني به إلا غفرت له وكشفت ~~غمومه وهمومه ونزعت الفقر من بين عينيه واتجرت له من وراء كل تاجر وجاءته ~~الدنيا وهي راغمة وإن كان لا يريدها دعاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه # رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله تعالى يمجد نفسه كل ~~يوم ويقول إني أنا الله رب العالمين إني أنا الله لا إله إلا أنا الحي ~~القيوم إني أنا الله لا إله إلا أنا العلي العظيم إني أنا الله لا إله إلا ~~أنا لم ألد ولم أولد إني أنا الله لا إله إلا أنا العفو الغفور إني أنا ~~الله لا إله إلا أنا مبدىء كل شيء وإلي يعود العزيز الحكيم الرحمن الرحيم ~~مالك يوم الدين خالق الخير والشر خالق الجنة والنار الواحد الأحد الفرد ~~الصمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا الفرد الوتر عالم الغيب والشهادة الملك ~~القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارىء المصور ~~الكبير المتعال المقتدر القهار الحليم الكريم أهل الثناء والمجد أعلم السر ~~وأخفى القادر الرزاق فوق الخلق والخليقة + حديث علي إن الله تعالى يمجد ~~نفسه كل يوم فيقول إني أنا الله رب العالمين إني أنا الله لا إله إلا أنا ~~الحي القيوم الحديث بطوله لم أجد له أصلا + وذكر قبل كل كلمة إني أنا الله ~~لا إله إلا أنا كما أوردناه في الأول فمن دعا بهذه الأسماء فليقل إنك أنت ~~الله لا إله إلا أنت كذا وكذا فمن دعا بهن كتب من الساجدين المخبتين الذين ~~يجاورون محمدا وإبراهيم وموسى وعيسى والنبيين صلوات الله عليهم في دار ~~الجلال وله ثواب العابدين في السموات والأرضين وصلى الله على محمد وعلى كل ~~عبد مصطفى دعاء ابن المعتمر وهو سليمان التيمي وتسبيحاته رضي الله عنه # روي أن يونس بن عبيد رأى رجلا في المنام ممن قتل شهيدا ببلاد الروم فقال ~~ما أفضل ما رأيت ثم من الأعمال قال رأيت تسبيحات ابن المعتمر من الله عز ~~وجل بمكان وهي هذه سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا ~~حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عد ما خلق وعدد ما هو خالق وزنة ما خلق ~~وزنة ما هو خالق وملء ما خلق وملء ما هو خالق وملء سمواته وملء أرضه ومثل ~~ذلك وأضعاف ذلك وعدد خلقه وزنة عرشه ومنتهى رحمته ومداد كلماته ومبلغ رضاه ~~حتى يرضى وإذا رضي وعدد ما ذكره به خلقه في جميع ما مضى وعدد ما هم ذاكروه ~~فيما بقي في كل سنة وشهر وجمعة ويوم وليلة وساعة من الساعات وشم ونفس من ~~الأنفاس وأبد من الآباد من أبد إلى أبد أبد الدنيا وأبد الآخرة وأكثر من ~~ذلك لا ينقطع أوله ولاينفد آخره دعاء إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه # روى إبراهيم بن بشار خادمة أنه كان يقول هذا الدعاء في كل يوم جمعة إذا ~~أصبح وإذا أمسى مرحبا بيوم المزيد والصبح الجديد والكاتب والشهيد يومنا هذا ~~يوم عيد اكتب لنا فيه ما نقول بسم الله الحميد المجيد الرفيع الودود الفعال ~~في خلقه ما يريد أصبحت بالله مؤمنا وبلقائه مصدقا وبحجته معترفا ومن ذنبي ~~مستغفرا ولربوبية الله خاضعا PageV01P317 ولسوى الله في الآلهة جاحدا وإلى ~~الله فقيرا وعلى الله متكلا وإلى الله منيبا أشهد الله وأشهد ملائكته ~~وأنبيائه ورسله وحملة عرشه ومن خلقه ومن هو خالقه بأنه هو الله الذي لا إله ~~إلا هو وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وأن ~~الجنة حق وأن النار حق والحوض حق والشفاعة حق ومنكرا ونكيرا حق ووعدك حق ~~ووعيدك حق ولقاءك حق والساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ~~على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله # اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما ~~استطعت أعوذ بك اللهم من شر ما صنعت ومن شر كل ذي شر # اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني ~~لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف ~~سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله بيديك أنا لك وإليك أستغفرك وأتوب ~~إليك آمنت اللهم بما أرسلته من رسول وآمنت اللهم بما أنزلت من كتاب وصلى ~~الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم تسليما كثيرا خاتم كلامي ومفتاحه ~~وعلى أنبيائه ورسله أجمعين آمين يا رب العالمين # اللهم أوردنا حوض محمد واسقنا بكأسه مشربا رويا سائغا هنيا لا نظمأ بعده ~~أبدا واحشرنا في زمرته غير خزايا ولا ناكثين للعهد ولا مرتابين ولا مفتونين ~~ولا مغضوب علينا ولا ضالين # اللهم اعصمني من فتن الدنيا ووفقني لما تحب وترضى وأصلح لي شأني كله ~~وثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولا تضلني وإن كنت ظالما ~~سبحانك سبحانك يا علي يا عظيم يا بارىء يا رحيم يا عزيز يا جبار سبحان من ~~سبحت له السموات بأكنافها وسبحان من سبحت له البحار بأمواجها وسبحان من ~~سبحت له الجبال بأصدائها وسبحان من سبحت له الحيتان بلغاتها وسبحان من سبحت ~~له النجوم في السماء بأبراجها وسبحان من سبحت له الأشجار بأصولها وثمارها ~~وسبحان من سبحت له السموات السبع والأرضون السبع ومن فيهن ومن عليهن سبحان ~~من سبح له كل شيء من مخلوقاته تباركت وتعاليت سبحانك سبحانك يا حي يا قيوم ~~يا عليم يا حليم سبحانك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك تحيي وتميت وأنت حي ~~لا تموت بيدك الخير وأنت على كل شيء قدير # | الباب الرابع في أدعية مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ~~رضي الله عنهم # محذوفة الأسانيد منتخبة من جملة ما جمعه أبو طالب المكي وابن خزيمة وابن ~~منذر رحمهم الله # يستحب للمريد إذا أصبح أن يكون أحب أوراده الدعاء كما سيأتي ذكره في كتاب ~~الأوراد فإن كنت من المريدين لحرث الآخرة المقتدين برسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فيما دعا به فقل في مفتتح دعواتك + حديث افتتاح الدعاء بسبحان ~~ربي العلي الأعلى الوهاب تقدم في الباب الثاني في الدعاء + أعقاب صلواتك + ~~حديث القول عقب الصلوات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله ~~الحمد وهو على كل شيء قدير متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة + سبحان ربي ~~العلي الأعلى الوهاب لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ~~وهو على كل شيء قدير وقل رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله ~~عليه وسلم نبيا + حديث رضيت بالله ربا الحديث تقدم في الباب الأول من ~~الأذكار + ثلاث مرات وقل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب ~~كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان ~~وشركه + حديث اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ~~ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه أخرجه ~~أبو داود والترمذي وصححه وابن حبان والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة أن أبا ~~بكر الصديق قال يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت قال ~~قل اللهم فذكره + وقل اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ~~ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي وأقل PageV01P318 عثراتي واحفظني من ~~بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك أن أغتال من تحتي ~~+ حديث اللهم إني أسألك العافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر ~~عورتي وآمن روعتي وأقل عثرتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن ~~شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي أخرجه أبو داود والنسائي ~~وابن ماجه والحاكم من حديث ابن عمر قال لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ~~يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح + اللهم لا تؤمني مكرك ولا تولني ~~غيرك ولا تنزع عني سترك ولا تنسني ذكرك ولا تجعلني من الغافلين + حديث ~~اللهم لا تؤمني مكرك ولا تولني غيرك ولا ترفع عني سترك ولا تنسني ذكرك ولا ~~تجعلني من الغافلين رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن ~~عباس دون قوله ولا تولني غيرك وإسناده ضعيف + وقل اللهم أنت ربي لا إله إلا ~~أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت ~~أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت + ~~حديث اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ~~ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي ~~إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أخرجه البخاري من حديث شداد بن أوس وقد تقدم + ~~ثلاث مرات وقل اللهم عافني في بدني وعافني في سمعي وعافني في بصري لا إله ~~إلا أنت + حديث اللهم عافني في بدني وعافني في سمعي وعافني في بصري لا إله ~~إلا أنت ثلاث مرات أخرجه أبو داود والنسائي في اليوم والليلة من حديث أبي ~~بكرة وقال النسائي جعفر بن ميمون ليس بالقوي + ثلاث مرات وقل اللهم إني ~~أسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك الكريم ~~وشوقا إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم ~~أو أعتدي أو يعتدى علي أو أكسب خطيئة أو ذنبا لا تغفره + حديث اللهم إني ~~أسألك الرضا بعد القضاء الحديث إلى قوله أو ذنبا لا يغفر أخرجه أحمد ~~والحاكم من حديث زيد بن ثابت في أثناء حديث وقال صحيح الإسناد + اللهم إني ~~أسألك الثبات في الأمر والعزيمة في الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ~~وأسألك قلبا خاشعا سليما وخلقا مستقيما ولسانا صادقا وعملا متقبلا وأسألك ~~من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم فإنك تعلم ولا ~~أعلم وأنت علام الغيوب + حديث اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة ~~على الرشد الحديث إلى قوله وأنت علام الغيوب أخرجه الترمذي والنسائي ~~والحاكم وصححه من حديث شداد بن أوس قلت بل هو منقطع وضعيف + اللهم اغفر لي ~~ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني فإنك أنت المقدم ~~وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير وعلى كل غيب شهيد + حديث اللهم اغفر لي ~~ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت الحديث إلى قوله وعلى كل غيب شهيد ~~متفق عليه من حديث أبي موسى دون قوله وعلى كل غيب شهيد وقد تقدم في الباب ~~الثاني من هذا الكتاب + اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد ونعيما لا ينفد ~~وقرة عين الأبد ومرافقة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الخلد + ~~حديث اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد ونعيما لا ينفد وقرة عين الأبد الحديث ~~أخرجه النسائي في اليوم والليلة والحاكم من حديث عبد الله بن مسعود دون ~~قوله وقرة عين الأبد وقال صحيح الإسناد والنسائي من حديث عمار بن ياسر ~~بإسناد جيد وأسألك نعيما لا يبيد وقرة عين لا تنقطع + اللهم إني أسألك ~~الطيبات وفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين أسألك حبك وحب من أحبك ~~وحب كل عمل يقرب إلى حبك وأن تتوب علي وتغفر لي وترحمني وإذا أردت بقوم ~~فتنة فاقبضني إليك غير مفتون + حديث اللهم إني أسألك الطيبات وفعل الخيرات ~~الحديث إلى قوله غير مفتون أخرجه الترمذي من حديث معاذ اللهم إني أسألك فعل ~~الخيرات الحديث وقال حسن صحيح ولم يذكر @QB@ الطيبات @QE@ وهي في الدعاء ~~للطبراني من حديث عبد الرحمن بن عايش وقال أبو حاتم ليست له صحبة + اللهم ~~بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني ما كانت ~~الوفاة خيرا لي أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة العدل في الرضا والغضب ~~والقصد في الغنى والفقر ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك وأعوذ بك من ~~ضراء مضرة وفتنة مضلة واللهم زينا PageV01P319 بزينة الإيمان واجعلنا هداة ~~مهتدين + حديث اللهم إني أسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما كانت ~~الحياة خيرا لي الحديث إلى قوله واجعلنا هداة مهتدين أخرجه النسائي والحاكم ~~وقال صحيح الإسناد من حديث عمار بن ياسر قال كان رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يدعو به + اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن ~~طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا والآخرة ~~+ حديث اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك الحديث أخرجه ~~الترمذي وقال حسن والنسائي في اليوم والليلة والحاكم وقال صحيح على شرط ~~البخاري من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختم مجلسه بذلك ~~+ اللهم املأ وجوهنا منك حياء وقلوبنا منك فرقا واسكن في نفوسنا من عظمتك ~~ما تذلل به جوارحنا لخدمتك واجعلك اللهم أحب إلينا ممن سواك واجعلنا أخشى ~~لك ممن سواك + حديث اللهم املأ وجوهنا منك حياء وقلوبنا بك فرحا الحديث إلى ~~قوله واجعلنا أخشى لك من سواك لم أقف له على أصل + اللهم اجعل أول يومنا ~~هذا صلاحا وأوسطه فلاحا وآخره نجاحا اللهم اجعل أوله رحمة وأسطه نعمة وآخره ~~تكرمة ومغفرة + حديث اللهم اجعل أول يومنا هذا صلاحا وأوسطه فلاحا وآخره ~~نجاحا اللهم اجعل أوله رحمة وأوسطه نعمة وآخره تكرمة أخرجه عبد بن حميد في ~~المنتخب والطبراني من حديث ابن أوفى بالشطر الأول فقط إلى قوله نجاحا ~~وإسناده ضعيف + الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته وذل كل شيء لعزته وخضع ~~كل شيء لملكه واستسلم كل شيء لقدرته والحمد لله الذي سكن كل شيء لهيبته ~~وأظهر كل شيء بحكمته وتصاغر كل شيء لكبريائه + حديث الحمد لله الذي تواضع ~~كل شيء لعظمته وذل كل شيء لعزته الحديث إلى قوله وتصاغر كل شيء لكبريائه ~~أخرجه الطبراني من حديث ابن عمر بسند ضعيف دون قوله والحمد لله الذي سكن كل ~~شيء لهيبته إلى آخره وكذلك رواه في الدعاء من حديث أم سلمة وسنده ضعيف أيضا ~~+ اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأزواج محمد وذريته وبارك على محمد وعلى ~~آله وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك ~~حميد مجيد + حديث اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته الحديث إلى قوله @QB@ ~~حميد مجيد @QE@ تقدم في الباب الثاني + اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ~~ورسولك النبي الأمي رسولك الأمين وأعطه المقام المحمود الذي وعدته يوم ~~الدين + حديث اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي رسول ~~الأميين وأعطه المقام المحمود يوم الدين لم أجده بهذا اللفظ مجموعا ~~والبخاري من حديث أبي سعيد اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وابن حبان ~~والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث ابن مسعود اللهم صل على محمد النبي ~~الأمي والنسائي من حديث جابر وابعثه المقام المحمود الذي وعدته وهو عند ~~البخاري بلفظ وابعثه مقاما محمودا قال الدارقطني إسناده حسن وقال الحاكم ~~صحيح وقال البيهقي في المعرفة إسناده صحيح + اللهم اجعلنا من أوليائك ~~المتقين وحزبك المفلحين وعبادك الصالحين واستعملنا لمرضاتك عنا ووفقنا ~~لمحابك منا وصرفنا بحسن اختيارك لنا + حديث اللهم اجعلنا من أوليائك ~~المتقين وحزبك المفلحين الحديث إلى قوله صرفنا بحسن اختيارك لنا لم أقف له ~~على أصل + نسألك جوامع الخير وفواتحه وخواتمه ونعوذ بك من جوامع الشر ~~وفواتحه وخواتمه + حديث نسألك جوامع الخير وفواتحه وخواتمه ونعوذ بك من ~~جوامع الشر وفواتحه وخواتمه أخرجه الطبراني من حديث أم سلمة أنه كان يدعو ~~بهؤلاء الكلمات فذكر منها اللهم إني أسألك فواتح الخير وخواتمه وأوله وآخره ~~وظاهره وباطنه والدرجات العلى من الجنة آمين فيه عاصم بن عبيد لا أعلم روى ~~عنه إلا موسى بن عقبة + اللهم بقدرتك علي تب علي إنك أنت التواب الرحيم ~~وبحلمك عني اعف عني إنك أنت الغفار الحليم وبعلمك بي ارفق بي إنك أنت أرحم ~~الراحمين وبملكك لي ملكني نفسي ولا تسلطها علي إنك أنت الملك الجبار + حديث ~~اللهم بقدرتك علي تب علي إنك أنت التواب الرحيم وبحلمك علي اعف عني الحديث ~~إلى قوله إنك الملك الجبار لم أقف له على أصل + سبحانك اللهم وبحمدك لا إله ~~إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنك أنت ربي ولا يغفر الذنوب ~~إلا أنت + حديث سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي ~~فاغفر لي ذنبي أنت ربي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أخرجه البيهقي في ~~الدعوات من حديث علي دون قوله ذنبي إنك أنت ربي وقد تقدم في الباب الثاني + ~~اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي + حديث اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي ~~أخرجه الترمذي من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه ~~لحصين وقال حسن غريب ورواه النسائي في اليوم والليلة والحاكم من حديث حصين ~~والد عمران وقال صحيح على شرط الشيخين + اللهم ارزقني حلالا لا تعاقبني ~~عليه وقنعني بما رزقتني PageV01P320 واستعملني به صالحا تقبله مني + حديث ~~اللهم ارزقني حلالا لا تعاقبني فيه وقنعني بما رزقتني واستعملني به صالحا ~~تقبله مني أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم ~~يدعو اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه وأخلف علي كل غائبة لي بخير وقال ~~صحيح الإسناد ولم يخرجاه + اللهم إني أسألك العفو والعافية وحسن اليقين ~~والمعافاة في الدنيا والآخرة + حديث اللهم إني أسألك العفو والعافية ~~والمعافاة وحسن اليقين في الدنيا والآخرة أخرجه النسائي من حديث أبي بكر ~~الصديق بلفظ سلوا الله المعافاة فإنه لم يؤت أحد بعد اليقين خيرا من ~~المعافاة وفي رواية للبيهقي سلوا الله العفو والعافية واليقين في الأولى ~~والآخرة فإنه ما أوتي العبد بعد اليقين خيرا من العافية وفي رواية لأحمد ~~أسأل الله العفو والعافية + يا من لا تضره الذنوب ولا تنقصه المغفرة هب لي ~~ما لا يضرك وأعطني ما لا ينقصك ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين أنت ولي ~~في الدنيا والآخرة توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين # أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا ~~حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ~~ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر ~~لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ~~وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين ~~سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ~~ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ربنا آتنا في الدنيا حسنة ~~وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان إلى ~~قوله عز وجل إنك لا تخلف الميعاد ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ~~إلى آخر السورة + حديث يا من لا تضره الذنوب ولا تنقصه المغفرة هب لي ما لا ~~يضرك وأعطني ما لا ينقصك أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ~~علي بسند ضعيف + رب اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا واغفر ~~للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات + حديث رب ~~اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا واغفر للمؤمنين والمؤمنات ~~والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات أخرجه أبو داود وابن ماجه ~~بإسناد حسن من حديث أبي أسيد الساعدي قال رجل من بني سلمة هل بقي علي من بر ~~أبوي شيء قال نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما الحديث ولأبي الشيخ ابن ~~حبان في الثواب والمستغفري في الدعوات من حديث أنس من استغفر للمؤمنين ~~والمؤمنات رد الله عليه عن كل مؤمن مضى من أول الدهر أو هو كائن إلى يوم ~~القيامة وسنده ضعيف وفي صحيح ابن حبان من حديث أبي سعيد أيما رجل مسلم لم ~~يكن عنده صدقة فليقل في دعائه اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وصل على ~~المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات فإنها زكاة + رب اغفر وارحم وتجاوز ~~عما تعلم وأنت الأعز الأكرم وأنت خير الراحمين وأنت خير الغافرين وإنا لله ~~وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم ~~الوكيل وصلى الله على محمد خاتم النبيين وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا + ~~حديث رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم وأنت خير الراحمين ~~وخير الغافرين أخرجه أحمد من حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~كان يقول رب اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم وفيه علي بن زيد بن جدعان ~~مختلف فيه وللطبراني في الدعاء من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم ~~كان يقول إذا سعى في بطن المسيل اللهم اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم وفيه ~~ليث بن أبي سليم مختلف فيه ورواه موقوفا عليه بسند صحيح + أنواع الاستعاذة ~~المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم # اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من أن أرد إلى ~~أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر + حديث اللهم ~~إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر ~~وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر أخرجه البخاري من حديث ~~سعيد بن أبي وقاص + اللهم إني أعوذ بك من طبع يهدي إلى طمع ومن طمع في غير ~~مطمع ومن PageV01P321 طمع حيث لا مطمع + حديث اللهم إني أعوذ بك من طبع ~~يهدى إلى طمع وطمع في غير مطمع ومن طمع حيث لا مطمع أخرجه أحمد والحاكم من ~~حديث معاذ وقال مستقيم الإسناد + اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا ~~يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع وأعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع ومن ~~الخيانة فإنها بئست البطانة ومن الكسل والبخل والجبن والهرم ومن أن أرد إلى ~~أرذل العمر ومن فتنة الدجال وعذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات اللهم إنا ~~نسألك قلوبا أواهة مخبتة منيبة في سبيلك اللهم إني أسألك عزائم مغفرتك ~~وموجبات رحمتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة ~~من النار + حديث اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ودعاء ~~لايسمع الحديث إلى قوله والنجاة من النار أخرجه الحاكم من حديث ابن مسعود ~~وقال صحيح الإسناد وليس كما قال إلا أنه ورد مفرقا في أحاديث جيدة الأسانيد ~~+ اللهم إني أعوذ بك من التردي وأعوذ بك من الغم والغرق والهدم وأعوذ بك من ~~أن أموت في سبيلك مدبرا وأعوذ بك من أن أموت في تطلب الدنيا + حديث اللهم ~~إني أعوذ بك من التردي وأعوذ بك من الغم الحديث إلى قوله وأعوذ بك أن أموت ~~في تطلب الدنيا أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصحح إسناده من حديث أبي ~~اليسر واسمه كعب بن عمر بزيادة فيه دون قوله وأعوذ بك أن أموت في تطلب دنيا ~~وتقدم من عند البخاري الاستعاذة من فتنة الدنيا + اللهم إني أعوذ بك شر ما ~~علمت ومن شر ما لم أعلم + حديث اللهم إني أعوذ بك من شر ما علمت ومن شر ما ~~لم أعلم قلت هكذا في غير نسخة علمت وإنما هو عملت وأعمل كذا رواه مسلم من ~~حديث عائشة ولأبي بكر بن الضحاك في الشمائل في حديث مرسل في الاستعاذة وفيه ~~وشر ما لم أعمل وشر ما لم أعلم + اللهم جنبني منكرات الأخلاق والأعمال ~~والأدواء والأهواء + حديث اللهم جنبني منكرات الأخلاق والأعمال والأدواء ~~والأهواء أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه واللفظ له من حديث قطبة بن ~~مالك + اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة ~~الأعداء + حديث اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء ~~وشماتة الأعداء متفق عليه من حديث أبي هريرة + اللهم إني أعوذ بك من الكفر ~~والدين والفقر وأعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة الدجال + حديث اللهم ~~إني أعوذ بك من الكفر والدين والفقر وأعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من ~~فتنة الدجال أخرجه النسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد من حديث أبي سعيد ~~الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول من الكفر والدين وفي ~~رواية للنسائي من الكفر والفقر ولمسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله ~~عليه وسلم أنه كان يتعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة الدجال وللشيخين ~~من حديث عائشة في حديث قال فيه ومن شر فتنة المسيح الدجال + اللهم إني أعوذ ~~بك من شر سمعي وبصري وشر لساني وقلبي وشر منيي + حديث اللهم إني أعوذ بك من ~~شر سمعي وشر بصري وشر لساني وقلبي وشر منيي أخرجه أبو داود والنسائي ~~والترمذي وحسنه الحاكم وصحح إسناده من حديث سهل بن حميد + اللهم إني أعوذ ~~بك من جار السوء في دار المقامة فإن جار البادية يتحول + حديث اللهم إني ~~أعوذ بك من جاء السوء في دار المقامة فإن جار البادية يتحول أخرجه النسائي ~~والحاكم من حديث أبي هريرة وقال صحيح على شرط مسلم + اللهم إني أعوذ بك من ~~القسوة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة وأعوذ بك من الكفر والفقر والفسوق ~~والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وضيق الأرزاق والسمعة والرياء وأعوذ بك من ~~الصمم والبكم والعمى والجنون والجذام والبرص وسيىء الأسقام + حديث اللهم ~~إني أعوذ بك من القسوة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة وأعوذ بك من الفقر ~~والكفر والفسوق والشقاق والنفاق والسمعة والرياء وأعوذ بك من الصمم والبكم ~~والجنون والجذام والبرص وسيىء الأسقام أخرجه أبو داود والنسائي مقتصرين على ~~الأربعة الأخيرة والحاكم بتمامه من حديث أنس وقال صحيح على شرط الشيخين + ~~اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ومن تحول عافيتك ومن فجأة نقمتك ومن جميع ~~سخطك + حديث اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك ومن ~~جميع سخطك أخرجه مسلم من حديث ابن عمر + اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار ~~وفتنة النار وعذاب القبر وشر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر وشر فتنة ~~PageV01P322 المسيح الدجال وأعوذ بك من المغرم والمأثم + حديث اللهم إني ~~أعوذ بك من عذاب النار وفتنة النار وعذاب القبر وفتنة القبر وشر فتنة الغنى ~~وشر فتنة الفقر وشر فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من المأثم والمغرم متفق ~~عليه من حديث عائشة + اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع وقلب لا يخشع وصلاة ~~لا تنفع ودعوة لا تستجاب وأعوذ بك من شر الغم وفتنة الصدر + حديث اللهم إني ~~أعوذ بك من نفس لا تشبع وقلب لا يخشع وصلاة لا تنفع ودعوة لا تستجاب وأعوذ ~~بك من سوء العمر وفتنة الصدر أخرجه مسلم من حديث زيد بن أرقم في أثناء حديث ~~اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ونفس لا تشبع وعمل لا يرفع ودعوة لا ~~يستجاب لها وصلاة لا تنفع وشك أبو المعتمر في سماعه من أنس وللنسائي بإسناد ~~جيد من حديث عمر في أثناء حديث @QB@ وأعوذ بك @QE@ وأبو داود من حديث أنس ~~اللهم إني أعوذ بك من سوء العمر وأعوذ بك من فتنة الصدر + اللهم إني أعوذ ~~بك من غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء + حديث اللهم إني أعوذ بك من ~~غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء أخرجه النسائي والحاكم من حديث عبد ~~الله بن عمرو وقال صحيح على شرط مسلم + وصلى الله على محمد وعلى كل عبد ~~مصطفى من كل العالمين آمين # | الباب الخامس في الأدعية المأثورة عند حدوث كل حادث من الحوادث # إذا أصبحت وسمعت الأذان فيستحب لك جواب المؤذن وقد ذكرناه وذكرنا أدعية ~~دخول الخلاء والخروج منه وأدعية الوضوء في كتاب الطهارة فإذا خرجت إلى ~~المسجد فقل اللهم اجعل في قلبي نورا وفي لساني نورا واجعل في سمعي نورا ~~واجعل في بصري نورا واجعل خلفي نورا وأمامي نورا واجعل من فوقي نورا اللهم ~~أعطني + حديث القول عند الخروج إلى المسجد اللهم اجعل في قلبي نورا وفي ~~لساني نورا الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس + نورا وقل أيضا اللهم إني ~~أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا إليك + حديث اللهم إني إسألك بحق ~~السائلين عليك وبحق ممشاي هذا إليك الحديث من حديث أبي سعيد الخدري بإسناد ~~حسن + فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك ~~وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر ~~الذنوب إلا أنت # فإن خرجت من المنزل لحاجة فقل بسم الله رب أعوذ بك أن أظلم أو أظلم أو ~~أجهل أو يجهل علي + حديث القول عند الخروج من المنزل لحاجته بسم الله رب ~~أعوذ بك أن أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي أخرجه أصحاب السنن من حديث أم ~~سلمة قال الترمذي حسن صحيح + بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا ~~بالله العلي العظيم بسم الله التكلان على الله + حديث بسم الله الرحمن ~~الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله التكلان على الله أخرجه ابن ماجه من حديث ~~أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من منزله قال بسم الله ~~فذكره إلا أنه لم يقل @QB@ الرحمن الرحيم @QE@ وفيه ضعف + # فإذا انتهيت إلى المسجد تريد دخوله فقل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ~~وسلم اللهم اغفر لي جميع ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك + حديث القول عند دخول ~~المسجد اللهم صل على محمد اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك أخرجه ~~الترمذي وابن ماجه من حديث فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ~~الترمذي حسن وليس إسناده بمتصل ولمسلم من حديث أبي حميد أو أبي أسيد إذا ~~دخل أحدكم المسجد فليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وزاد أبو داود في أوله ~~فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم + وقدم رجلك اليمنى في الدخول فإذا ~~رأيت في المسجد من يبيع أو يبتاع فقل لا أربح الله تجارتك + حديث القول إذا ~~رأى من يبيع أو يبتاع في المسجد لا أربح الله تجارتك أخرجه الترمذي وقال ~~حسن غريب والنسائي في اليوم والليلة من حديث أبي هريرة + وإذا رأيت من ينشد ~~ضالة في المسجد فقل لا ردها الله عليك أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~+ حديث القول إذا رأى من ينشد ضالة في المسجد لا ردها الله عليك أخرجه مسلم ~~من حديث أبي هريرة + فإذا صليت ركعتي الصبح فقل بسم الله اللهم إني أسألك ~~رحمة من عندك تهدي بها قلبي الدعاء إلى آخره + حديث ابن عباس في القول بعد ~~ركعتي الصبح اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي الخ قد تقدم في ~~الدعاء + PageV01P323 كما أوردناه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى ~~الله عليه وسلم فإذا ركعت فقل في ركوعك اللهم لك ركعت ولك خشعت وبك آمنت ~~ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي خشع سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت ~~به قدمي لله رب العالمين + حديث ابن عباس في القول في الركوع اللهم لك ركعت ~~ولك أسلمت الحديث أخرجه مسلم من حديث علي + وإن أحببت فقل سبحان ربي العظيم ~~ثلاث مرات + حديث القول فيه سبحان ربي العظيم ثلاثا أخرجه أبو داود ~~والترمذي والبيهقي من حديث ابن مسعود وفيه انقطاع + أو سبوح قدوس رب ~~الملائكة والروح + حديث القول فيه سبوح قدوس رب الملائكة والروح أخرجه مسلم ~~من حديث عائشة + فإذا رفعت رأسك من الركوع فقل سمع الله لمن حمده ربنا لك ~~الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد ~~أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ~~ينفع ذا الجد منك الجد + حديث القول عند الرفع من الركوع سمع الله لمن حمده ~~ربنا لك الحمد الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري وابن عباس دون ~~قوله سمع الله لمن حمده فهي في اليوم والليلة للحسن بن علي المعمري وهي عند ~~مسلم من حديث ابن أبي أوفى وعند البخاري من حديث أبي هريرة + وإذا سجدت فقل ~~اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره ~~فتبارك الله أحسن الخالقين اللهم سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي أبوء ~~بنعمتك علي وأبوء بذنبي وهذا ما جنيت على نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر ~~الذنوب إلا أنت + حديث القول في السجود اللهم لك سجدت الحديث أخرجه مسلم من ~~حديث علي اللهم سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي أبوء بنعمتك علي وأبوء ~~بذنبي وهذا ما جنيت على نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أخرجه ~~الحاكم من حديث ابن مسعود وقال صحيح الإسناد وليس كما قال بل هو ضعيف + أو ~~تقول سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات + حديث سبحان ربي الأعلى ثلاثا أخرجه أبو ~~داود والترمذي والبيهقي من حديث ابن مسعود وهو منقطع + فإذا فرغت من الصلاة ~~فقل اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام + حديث ~~القول إذا فرغ من الصلاة اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال ~~والإكرام أخرجه مسلم من حديث ثوبان + وتدعو بسائر الأدعية التي ذكرناها # فإذا قمت من المجلس وأردت دعاء يكفر لغو المجلس فقل سبحانك اللهم وبحمدك ~~أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي ~~فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت + حديث كفارة المجلس سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ~~أن لا إله إلا أنت أخرجه النسائي في اليوم والليلة من حديث رافع بن خديج ~~بإسناد حسن + # فإذا دخلت السوق فقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ~~يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير + حديث القول ~~عند دخول السوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ~~ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير من حديث عمر وقال ~~غريب والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين + بسم الله اللهم إني أسألك خير ~~هذه السوق وخير ما فيها اللهم إني أعوذ بك من شرها وشر ما فيها اللهم إني ~~أعوذ بك أن أصيب فيها يمينا فاجرة أو صفقة خاسرة + حديث بسم الله اللهم إني ~~أسألك خير هذه السوق وخير ما فيها اللهم إني أعوذ بك من شرها وشر ما فيها ~~اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يمينا فاجرة أو صفقة خاسرة أخرجه الحاكم من ~~حديث بريدة وقال أقربها لشرائط هذا الكتاب حديث بريدة قلت فيه أبو عمر جار ~~لشعيب بن حرب ولعله حفص بن سليمان الأسدي مختلف فيه + # فإن كان عليك دين فقل اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك ~~+ حديث دعاء الدين اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك أخرجه ~~الترمذي وقال حسن غريب والحاكم وقال صحيح الإسناد من حديث علي بن أبي طالب ~~+ # فإذا لبست ثوبا جديدا فقل اللهم كسوتني هذا الثوب فلك الحمد أسألك من ~~خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له + حديث الدعاء إذا لبس ~~ثوبا جديدا اللهم كسوتني هذا الثوب فلك الحمد أسألك من خيره وخير ما صنع له ~~وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له أخرجه أبو داود والترمذي وقال حسن والنسائي ~~في اليوم والليلة من حديث أبي سعيد الخدري ورواه ابن السني بلفظ المصنف + # وإذا PageV01P324 رأيت شيئا من الطيرة تكرهه فقل اللهم لا يأتي بالحسنات ~~إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله + حديث القول ~~إذا رأى شيئا من الطيرة يكرهه اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يذهب ~~بالسيئات إلا أنت لا حول ولا قوة إلا بالله أخرجه ابن أبي شيبة وأبو نعيم ~~في اليوم والليلة والبيهقي في الدعوات من حديث عروة بن عامر مرسلا ورجاله ~~ثقات وفي اليوم والليلة لابن السني عن عقبة بن عامر فجعله مسندا + # وإذا رأيت الهلال فقل اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والبر والسلامة ~~والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى والحفظ عمن تسخط ربي وربك الله + حديث ~~التكبير عند رؤية الهلال ثلاثا ثم يقول اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان ~~والسلامة والإسلام ربي وربك الله أخرجه الدارمي من حديث ابن عمر إلا أنه ~~أطلق التكبير ولم يقل ثلاثا ورواه الترمذي وحسنه من حديث طلحة بن عبيد الله ~~دون ذكر التكبير وللبيهقي في الدعوات من حديث قتادة مرسلا كان النبي صلى ~~الله عليه وسلم إذا رأى الهلال كبر ثلاثا + ويقول هلال رشد وخير آمنت ~~بخالقك + حديث هلال خير ورشد آمنت بخالقك أخرجه أبو داود مرسلا من حديث ~~قتادة أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال هلال ~~خير ورشد هلال خير ورشد آمنت بالذي خلقك ثلاث مرات وأسنده الدارقطني في ~~الأفراد والطبراني في الأوسط من حديث أنس وقال أبو داود وليس في هذا عن ~~النبي صلى الله عليه وسلم حديث مسند صحيح + اللهم إني أسألك خير هذا الشهر ~~وخير القدر وأعوذ بك من شر يوم الحشر + حديث اللهم إني أسألك خير هذا الشهر ~~وخير القدر وأعوذ بك من شر يوم الحشر أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في مسنديهما ~~من حديث عبادة بن الصامت وفيه من لم يسم بل قال الراوي عنه حدثني من لا ~~أتهم + وتكبر قبله أولا ثلاثا # وإذا هبت الريح فقل اللهم إني أسألك خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما ~~أرسلت به ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها ومن شر ما أرسلت به + حديث القول ~~إذا هبت الريح اللهم إني أسألك خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أرسلت ~~به ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به أخرجه الترمذي وقال حسن ~~صحيح والنسائي في اليوم والليلة من حديث أبي بن كعب + # وإذا بلغك وفاة أحد فقل إنا لله وإنا إليه راجعون وإنا إلى ربنا لمنقلبون ~~اللهم اكتبه في المحسنين واجعل كتابه في عليين واخلفه على عقبه في الغابرين ~~اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله + حديث القول إذا بلغه ~~وفاة أحد إنا لله وإنا إليه راجعون وإنا إلى ربنا لمنقلبون اللهم اكتبه من ~~المحسنين واجعل كتابه في عليين واخلفه على عقبه في الغابرين اللهم لا ~~تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله أخرجه ابن السني في اليوم ~~والليلة وابن حبان من حديث أم سلمة إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل إنا لله ~~وإنا إليه راجعون ولمسلم من حديثها اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في ~~المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح ~~له في قبره ونور له فيه + # وتقول عند التصدق @QB@ ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم @QE@ # وتقول عند الخسران @QB@ عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا ~~راغبون @QE@ # وتقول عند ابتداء الأمور ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدا ~~رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري # وتقول عند النظر إلى السماء ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب ~~النار تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا # وإذا سمعت صوت الرعد فقل سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته + ~~حديث القول إذا سمع صوت الرعد سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من ~~خيفته أخرجه مالك في الموطأ عن عبد الله بن الزبير موقوفا ولم أجده مرفوعا ~~+ # فإن رأيت الصواعق فقل اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا ~~قبل ذلك + حديث القول عند الصواعق اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك ~~وعافنا قبل ذلك أخرجه الترمذي وقال غريب والنسائي في اليوم والليلة من حديث ~~ابن عمر وابن السني بإسناد حسن + قاله كعب # فإذا أمطرت السماء فقل اللهم سقيا هنيئا وصيبا نافعا + حديث القول عند ~~المطر اللهم سقيا هنيئا وصيبا نافعا أخرجه البخاري من حديث عائشة كان إذا ~~رأى المطر قال اللهم اجعله صيبا نافعا وابن ماجه سيبا بالسين أوله والنسائي ~~في اليوم والليلة اللهم اجعله صيبا هنيئا وإسنادهما صحيح + اللهم اجعله صيب ~~رحمة ولا تجعله صيب عذاب + حديث اللهم اجعله صيب رحمة ولا تجعله صيب عذاب ~~أخرجه النسائي في اليوم والليلة من حديث سعيد بن المسيب مرسلا + # فإذا غضبت فقل اللهم اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي PageV01P325 وأجرني من ~~الشيطان الرجيم + حديث القول إذا غضب اللهم اغفر ذنبي وأذهب غيظ قلبي ~~وأجرني من الشيطان الرجيم أخرجه ابن السني في اليوم والليلة من حديث عائشة ~~بسند ضعيف + # فإذا خفت قوما فقل اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم + حديث ~~القول إذا خاف قوما اللهم إني أجعلك في نحورهم وأعوذ بك من شرورهم أخرجه ~~أبو داود والنسائي في اليوم والليلة من حديث أبي موسى بسند صحيح + # فإذا غزوت فقل اللهم أنت عضدي ونصيري وبك أقاتل + حديث القول إذا غزا ~~اللهم أنت عضدي ونصيري بك أقاتل أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ~~أنس قال الترمذي حسن غريب + # وإذا طنت أذنك فصل على محمد صلى الله عليه وسلم وقل ذكر الله من ذكرني ~~بخير + حديث القول عند طنين الأذن اللهم صل على محمد ذكر الله بخير من ~~ذكرني أخرجه الطبراني وابن عدي وابن السني في اليوم والليلة من حديث أبي ~~رافع بسند ضعيف + # فإذا رأيت استجابة دعائك فقل الحمد لله الذي بعزته وجلاله تتم الصالحات # وإذا أبطأت فقل الحمد لله على كل حال + حديث القول إذا رأى استجابة دعائه ~~الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات تقدم في الدعاء + # وإذا سمعت أذان المغرب فقل اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات ~~دعاتك وحضور صلواتك أسألك أن تغفر لي + حديث القول إذا سمع أذان المغرب ~~اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعائك وحضور صلواتك أسألك أن ~~تغفر لي أخرجه الترمذي وأبو داود وقال غريب والحاكم من حديث أم سلمة دون ~~قوله وحضور صلواتك فإنها عند الخرائطي في مكارم الأخلاق والحسن بن علي ~~المعمري في اليوم والليلة + # وإذا أصابك هم فقل اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض ~~في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ~~أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ~~ربيع قلبي ونور صدري وجلاء غمي وذهاب حزني وهمي + حديث القول إذا أصابه هم ~~اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك الحديث أخرجه أحمد وابن ~~حبان والحاكم من حديث ابن مسعود وقال صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال ~~عبد الرحمن عن أبيه فإنه مختلف في سماعه من أبيه + قال صلى الله عليه وسلم ~~ما أصاب أحدا حزن فقال ذلك إلا أذهب الله همه وأبدله مكانه فرحا فقيل له يا ~~رسول الله أفلا نتعلمها فقال صلى الله عليه وسلم بلى ينبغي لمن سمعها أن ~~يتعلمها # وإذا وجدت وجعا في جسدك أو جسد غيرك فارقه برقية رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم كان إذا اشتكى الإنسان قرحة أو جرحا وضع سبابته على الأرض ثم رفعها ~~وقال بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا + حديث رقية ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفي سقيمنا ~~بإذن ربنا متفق عليه من حديث عائشة + # وإذا وجدت وجعا في جسدك فضع يدك على الذي يتألم من جسدك وقل بسم الله ~~ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر + حديث وضع ~~يده على الذي يألم من جسده ويقول بسم الله ثلاثا ويقول أعوذ بعزة الله ~~وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات أخرجه مسلم من حديث عثمان بن أبي ~~العاص + # فإذا أصابك كرب فقل لا إله إلا الله العلي الحليم لا إله إلا الله رب ~~العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم + حديث ~~دعاء الكرب لا إله إلا الله العلي الحليم الحديث متفق عليه من حديث ابن ~~عباس + # فإن أردت النوم فتوضأ أولا ثم توسد على يمينك مستقبل القبلة ثم كبر الله ~~تعالى أربعا وثلاثين وسبحه ثلاثا وثلاثين واحمده ثلاثا وثلاثين + حديث ~~التكبير عند النوم أربعا وثلاثين والتسبيح ثلاثا وثلاثين والتحميد ثلاثا ~~وثلاثين متفق عليه من حديث علي + ثم قل اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ~~وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك اللهم إني لا أستطيع أن أبلغ ثناء عليك ~~ولو حرصت ولكن أنت كما أثنيت على نفسك + حديث القول عند إرادة النوم اللهم ~~إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك اللهم لا أستطيع ~~أن أبلغ ثناء عليك ولو حرصت ولكن أنت كما أثنيت على نفسك أخرجه النسائي في ~~اليوم والليلة من حديث علي وفيه انقطاع + اللهم باسمك أحيا وأموت + حديث ~~اللهم باسمك أحيا وأموت أخرجه البخاري من حديث حذيفة ومسلم من حديث البراء ~~+ اللهم رب السموات ورب الأرض ورب كل شيء ومليكه فالق الحب والنوى ومنزل ~~التوراة والإنجيل PageV01P326 والقرآن أعوذ بك من شر كل ذي شر ومن شر كل ~~دابة أنت آخذ بناصيتها أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء ~~وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين وأغنني ~~من الفقر + حديث اللهم رب السموات والأرض رب كل شيء ومليكه فالق الحب ~~والنوى الحديث إلى قوله وأغننا من الفقر أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + ~~اللهم إنك خلقت نفسي وأنت تتوفاها لك مماتها ومحياها اللهم إن أمتها فاغفر ~~لها وإن أحييتها فاحفظها اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة + حديث ~~اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها الحديث إلى قوله اللهم إني أسألك العافية ~~أخرجه مسلم من حديث ابن عمر + باسمك ربي وضعت جنبي فاغفر لي ذنبي + حديث ~~باسمك ربي وضعت جنبي فاغفر لي ذنبي أخرجه النسائي في اليوم والليلة من حديث ~~عبد الله بن عمرو بسند جيد وللشيخين من حديث أبي هريرة باسمك ربي وضعت جنبي ~~وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فاغفر لها وقال البخاري فارحمها وإن أرسلتها ~~فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين + اللهم قني عذابك يوم تجمع عبادك + ~~حديث اللهم قني عذابك يوم تجمع عبادك أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث ابن ~~مسعود وهو عند أبي داود من حديث حفصة بلفظ تبعث وكذا رواه الترمذي من حديث ~~حذيفة وصححه من حديث البراء وحسنه + اللهم أسلمت لك نفسي إليك ووجهت وجهي ~~إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا ~~منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت + حديث اللهم إني ~~أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك الحديث متفق عليه من حديث البراء + # ويكون هذا آخر دعائك فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وليقل ~~قبل ذلك اللهم أيقظني في أحب الساعات إليك واستعملني بأحب الأعمال إليك ~~تقربني إليك زلفى وتبعدني من سخطك بعدا أسألك فتعطيني وأستغفرك فتغفر لي ~~وأدعوك فتستجيب لي + حديث اللهم أيقظني في أحب الساعات إليك واستعملني في ~~أحب الأعمال إليك تقربني إليك زلفى وتبعدني من سخطك بعدا أسألك فتعطيني ~~وأستغفرك فتغفر لي وأدعوك فتستجيب لي أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند ~~الفردوس من حديث ابن عباس اللهم ابعثنا في أحب الساعات إليك حتى نذكرك ~~فتذكرنا ونسألك فتعطينا وندعوك فتستجيب لنا ونستغفرك فتغفر لنا وإسناده ~~ضعيف وهو معروف من قول حبيب الطائي كما رواه ابن أبي الدنيا في الدعاء + # فإذا استيقظت من نومك عند الصباح فقل الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا ~~وإليه النشور + حديث القول إذا استيقظ من منامه الحمد لله الذي أحيانا بعد ~~ما أماتنا وإليه النشور أخرجه البخاري من حديث حذيفة ومسلم من حديث البراء ~~+ أصبحنا وأصبح الملك لله والعظمة والسلطان لله والعزة والقدرة لله + حديث ~~أصبحنا وأصبح الملك لله والعظمة والسلطان لله والعزة والقدرة لله أخرجه ~~الطبراني في الأوسط من حديث عائشة أصبحنا وأصبح الملك والحمد والحول والقوة ~~والقدرة والسلطان والسموات والأرض وكل شيء لله رب العالمين وله في الدعاء ~~من حديث ابن أبي أوفى أصبحت وأصبح الملك والكبرياء والعظمة والخلق والليل ~~والنهار وما سكن فيهما لله وإسنادهما ضعيف ولمسلم من حديث ابن مسعود أصبحنا ~~وأصبح الملك لله + أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وعلى دين نبينا ~~محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين + ~~حديث أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد صلى الله عليه ~~وسلم وملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين أخرجه النسائي في اليوم ~~والليلة من حديث عبد الرحمن بن أبزى بسند صحيح ورواه أحمد من حديث ابن أبزى ~~عن أبي بن كعب مرفوعا + اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت ~~وإليك المصير + حديث اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك ~~المصير أخرجه أصحاب السنن وابن حبان وحسنه الترمذي إلا أنهم قالوا وإليك ~~النشور ولابن السني @QB@ وإليك المصير @QE@ + اللهم إني أسألك أن تبعثنا في ~~هذا اليوم إلى كل خير ونعوذ بك أن نجترح فيه سوءا أو نجره إلى مسلم فإنك ~~قلت @QB@ وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ~~ليقضى أجل مسمى @QE@ + حديث اللهم إنا نسألك أن تبعثنا في هذا اليوم إلى كل ~~خير ونعوذ بك أن نجترح فيه سوءا أو نجره إلى مسلم الحديث لم أجد أوله ~~والترمذي من حديث أبي بكر في حديث له وأعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان ~~وشركه وأن نقترف على أنفسنا سوءا أو نجره إلى مسلم رواه أبو داود من حديث ~~أبي مالك الأشعري بإسناد جيد + اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس ~~والقمر حسبانا أسألك خير هذا اليوم وخير ما فيه وأعوذ بك من شره وشر ما فيه ~~+ حديث اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا أسألك ~~خير هذا اليوم وخير ما فيه وأعوذ بك من شره وشر ما فيه قلت هو مركب من ~~حديثين فروى أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي سعيد قال كان ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا ~~والشمس والقمر حسبانا اقض عني الدين وأغنني من الفقر وقوني على الجهاد في ~~سبيلك وللدار قطني في الأفراد من حديث البراء نسألك خير هذا اليوم وخير ما ~~بعده ونعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما بعده وأبو داود من حديث أبي مالك ~~الأشعري اللهم إنا نسألك خير هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وهداه وبركته ~~وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده وسنده جيد وللحسن بن علي المعمري في ~~اليوم واليلة من حديث ابن مسعود اللهم إني أسألك خير ما في هذا اليوم وخير ~~ما بعده وأعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما بعده والحديث عند مسلم في المساء ~~خير ما في هذه الليلة الحديث ثم قال وإذا أصبح قال ذلك أيضا + بسم الله ما ~~شاء الله لا قوة إلا بالله ما شاء الله PageV01P327 كل نعمة من الله ما شاء ~~الله الخير كله بيد الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله + حديث بسم ~~الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله ما شاء الله كل نعمة فمن الله ما شاء ~~الله الخير كله بيد الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله عد في الكامل ~~من حديث ابن عباس ولا أعلمه إلا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ~~يلتقي الخضر وإلياس عليهما الصلاة والسلام كل عام بالموسم بمنى فيحلق كل ~~واحد منهما رأس صاحبه فيفترقان عن هذه الكلمات فذكره ولم يقل الخير كله بيد ~~الله قال موضعها لا يسوق الخير إلا الله قال ابن عباس من قالهن حين يصبح ~~وحين يمسي أمنه الله من الغرق والحرق وأحسبه قال ومن الشيطان والسطان ~~والحية والعقرب أورده في ترجمة الحسين بن رزين قال ليس بالمعروف وهو بهذا ~~الإسناد منكر + رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم ~~نبيا ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير + حديث رضيت بالله ربا ~~وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا تقدم في الباب الأول + وإذا أمسى قال ذلك إلا ~~أنه يقول أمسينا ويقول مع ذلك أعوذ بكلمات الله التامات وأسمائه كلها من شر ~~ما ذرأ وبرأ ومن شر كل ذي شر ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على ~~صراط مستقيم + حديث القول عند المساء مثل الصباح إلا أنك تقول أمسينا وتقول ~~مع ذلك أعوذ بكلمات الله التامات وأسمائه كلها من شر ما ذرأ وبرأ ومن شر كل ~~ذي شر ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم أخرجه أبو ~~الشيخ في كتاب الثواب من حديث عبد الرحمن بن عوف من قال حين يصبح أعوذ ~~بكلمات التامات الله التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وبرأ وذرأ ~~اعتصم من شر الثقلين الحديث وفيه وإن قالهن حين يمسي كن له كذلك حتى يصبح ~~وفيه ابن لهيعة ولأحمد من حديث عبد الرحمن بن حسن في حديث إن جبريل قال يا ~~محمد قل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل ~~من السماء الحديث + وإسناده جيد ولمسلم من حديث أبي هريرة في الدعاء عند ~~النوم أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها وللطبراني في الدعاء من حديث ~~أبي الدرداء + أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة الخ الحديث وقد تقدم في ~~الباب الثاني + وإذا نظر في المرآة قال الحمد لله الذي سوى خلقي فعدله وكرم ~~صورة وجهي وحسنها وجعلني من المسلمين + حديث القول إذا نظر في المرآة الحمد ~~لله الذي سوى خلقي فعدله وكرم صورة وجهي وحسنها وجعلني من المسلمين أخرجه ~~الطبراني في الأوسط وابن السني في اليوم والليلة من حديث أنس بسند ضعيف + ~~وإذا اشتريت خادما أو غلاما أو دابة فخذ بناصيته وقل اللهم إني أسألك خيره ~~وخير ما جبل عليه وأعوذ بك من شره وشر ما جبل عليه + حديث القول إذا اشترى ~~خادما أو دابة اللهم إني أسألك خيره وخير ما جبل عليه وأعوذ بك من شره وشر ~~ما جبل عليه أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ~~بسند جيد + وإذا هنأت بالنكاح فقل بارك الله فيك وبارك عليك وجمع بينكما في ~~خير + حديث التهنئة بالنكاح بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير ~~أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال الترمذي حسن صحيح ~~+ وإذا قضيت الدين فقل للمقضي له بارك الله لك في أهلك ومالك إذ قال صلى ~~الله عليه وسلم وإنما جزاء السلف الحمد والأداء + حديث الدعاء لصاحب الدين ~~إذا قضى الله دينه بارك الله لك في أهلك ومالك إنما جزاء السلف الحمد ~~والأداء أخرجه النسائي من حديث عبد الله بن أبي ربيعة قال استقرض مني النبي ~~صلى الله عليه وسلم أربعين ألفا فجاءه مال فدفعه إلي قال فذكره وإسناده حسن ~~+ # فهذه أدعية لا يستغنى المريد عن حفظها وما سوى ذلك من أدعية السفر ~~والصلاة والوضوء ذكرناها في كتاب الحج والصلاة والطهارة فإن قلت فما فائدة ~~الدعاء والقضاء لا مرد له فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء ~~سبب PageV01P328 لرد البلاء واستجلاب الرحمة كما أن الترس سبب لرد السهم ~~والماء سبب لخروج النبات من الأرض فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان ~~فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى أن ~~لا يحمل السلاح وقد قال تعالى @QB@ خذوا حذركم @QE@ وأن لا يسقي الأرض بعد ~~بث البذر فيقال إن سبق القضاء بالنبات نبت البذر وإن لم يسبق لم ينبت بل ~~ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر أو هو أقرب ~~وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر ~~والذي قدر الخير قدره بسبب والذي قدر الشر قدر لدفعه سببا فلا تناقض بين ~~هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته ثم في الدعاء من الفائدة ما ذكرناه في ~~الذكر فإنه يستدعي حضور القلب مع الله وهو منتهى العبادات ولذلك قال صلى ~~الله عليه وسلم الدعاء مخ العبادة + حديث الدعاء مخ العبادة تقدم في الباب ~~الأول + والغالب على الخلق أنه لا تنصرف قلوبهم إلى ذكر الله عز وجل إلا ~~عند إلمام حاجة وإرهاق ملمة فإن الإنسان إذا مسه الشر فذو دعاء عريض ~~فالحاجة تحوج إلى الدعاء والدعاء يرد القلب إلى الله عز وجل بالتضرع ~~والاستكانة فيحصل به الذكر الذي هو أشرف العبادات ولذلك صار البلاء موكلا ~~بالأنبياء عليهم السلام ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل لأنه يرد القلب ~~بالافتقار والتضرع إلى الله عز وجل ويمنع من نسيانه وأما الغنى فسبب للبطر ~~في غالب الأمور فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى فهذا ما أردنا أن نورده من ~~جملة الأذكار والدعوات والله الموفق للخير وأما بقية الدعوات في الأكل ~~والسفر وعيادة المريض وغيرها فستأتي في مواضعها إن شاء الله تعالى وعلى ~~الله التكلان نجز كتاب الأذكار والدعوات بكماله يتلوه إن شاء الله تعالى ~~كتاب الأوراد والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله ~~وصحبه وسلم # | كتاب ترتيب الأوراد وتفصيل إحياء الليل # وهو الكتاب العاشر من إحياء علوم الدين وبه اختتام ربع العبادات نفع الله ~~به المسلمين بسم الله الرحمن الرحيم # نحمد الله على آلائه حمدا كثيرا ونذكره ذكرا لا يغادر في القلب استكبارا ~~ولا نفورا ونشكره إذ جعل الليل والنهار خلفه لمن أراد أن يذكر أو أراد ~~شكورا ونصلي على نبيه الذي بعثه بالحق بشيرا ونذيرا وعلى آله الطاهرين ~~وصحبة الأكرمين الذين اجتهدوا في عبادة الله غدوة وعشيا وبكرة وأصيلا حتى ~~أصبح كل واحد منهم نجما في الدين هاديا وسراجا منيرا # أما بعد فإن الله تعالى جعل الأرض ذلولا لعباده إلا ليستقروا في مناكبها ~~بل ليتخذوها منزلا فيتزودوا منها زادا يحملهم في سفرهم إلى أوطانهم ~~ويكتنزون منها تحفا لنفوسهم عملا وفضلا محترزين من مصايدها ومعاطبها ~~ويتحققون أن العمر يسير بهم سير السفينة براكبها فالناس في هذا العالم سفر ~~وأول منازلهم المهد وآخرها اللحد والوطن هو الجنة أو النار والعمر مسافة ~~السفر فسنوه مراحله وشهوره فراسخه وأيامه أمياله وأنفاسه خطواته وطاعته ~~بضاعته وأوقاته رءوس أمواله وشهواته وأغراضه قطاع طريقه وربحه الفوز بلقاء ~~الله تعالى في دار السلام مع الملك PageV01P329 الكبير والنعيم المقيم ~~وخسرانه البعد من الله تعالى مع الأنكال والأغلال والعذاب الأليم في دركات ~~الجحيم # فالغافل في نفس من أنفاسه حتى ينقضي في غير طاعة تقربه إلى الله زلفى ~~متعرض في يوم التغابن لغبينة وحسرة ما لها منتهى ولهذا الخطر العظيم والخطب ~~الهائل شمر الموفقون عن ساق الجد وودعوا بالكلية ملاذ النفس واغتنموا بقايا ~~العمر ورتبوا بحسب تكرر الأوقات وظائف الأوراد حرصا على إحياء الليل ~~والنهار في طلب القرب من الملك الجبار والسعي إلى دار القرار فصار من مهمات ~~علم طريق الآخرة تفصيل القول في كيفية قسمة الأوراد وتوزيع العبادات التي ~~سبق شرحها على مقادير الأوقات ويتضح هذا المهم بذكر بابين # الباب الأول في فضيلة الأوراد وترتيبها في الليل والنهار # الباب الثاني في كيفية إحياء الليل وفضيلته وما يتعلق به # | الباب الأول في فضيلة الأوراد وترتيبها وأحكامها فضيلة الأوراد # وبيان أن المواظبة عليها هي الطريق إلى الله تعالى # اعلم أن الناظرين بنور البصيرة علموا أنه لا نجاة إلا في لقاء الله تعالى ~~وأنه لا سبيل إلى اللقاء إلا بأن يموت العبد محبا لله تعالى وعارفا بالله ~~سبحانه # وأن المحبة والأنس لا تحصل إلا من دوام ذكر المحبوب والمواظبة عليه وأن ~~المعرفة به لا تحصل إلا بدوام الفكر فيه وفي صفاته وأفعاله وليس في الوجود ~~سوى الله تعالى وأفعاله ولن يتيسر دوام الذكر والفكر إلا بوداع الدنيا ~~وشهواتها والاجتزاء منها بقدر البلغة والضرورة وكل ذلك لا يتم إلا باستغراق ~~أوقات الليل والنهار في وظائف الأذكار والأفكار والنفس لما جبلت عليه من ~~السآمة والملال لا تصبر على فن واحد من الأسباب المعينة على الذكر والفكر ~~بل إذا ردت إلى نمط واحد أظهرت الملال والاستثقال وأن الله تعالى لا يمل ~~حتى تملوا فمن ضرورة اللطف بها أن تروح بالتنقل من فن إلى فن ومن نوع إلى ~~نوع بحسب كل وقت لتغزر بالانتقال لذتها وتعظم باللذة رغبتها وتدوم بدوام ~~الرغبة مواظبتها فلذلك تقسم الأوراد قسمة مختلفة فالذكر والفكر ينبغي أن ~~يستغرقا جميع الأوقات أو أكثرها فإن النفس بطبعها مائلة إلى ملاذ الدنيا ~~فإن صرف العبد شطر أوقاته إلى تدبيرات الدنيا وشهواتها المباحة مثلا والشطر ~~الآخر إلى العبادات رجح جانب الميل إلى الدنيا لموافقتها الطبع إذ يكون ~~الوقت متساويا فأنى يتقاومان والطبع لأحدهما مرجح إذ الظاهر والباطن ~~يتساعدان على أمور الدنيا ويصفو في طلبها القلب ويتجرد وأما الرد إلى ~~العبادات فمتكلف ولا يسلم إخلاص القلب فيه وحضوره إلا في بعض الأوقات فمن ~~أراد أن يدخل الجنة بغير حساب فليستغرق أوقاته في الطاعة ومن أراد أن تترجح ~~كفة حسناته وتثقل موازين خيراته فليستوعب في الطاعة أكثر أوقاته فإن خلط ~~عملا صالحا وآخر سيئا فأمره مخطر ولكن الرجاء غير منقطع والعفو من كرم الله ~~منتظر فعسى الله تعالى أن يغفر له بجوده وكرمه فهذا ما انكشف للناظرين بنور ~~البصيرة فإن لم تكن من أهله فانظر إلى خطاب الله تعالى لرسوله واقتبسه بنور ~~الإيمان فقد قال الله تعالى لأقرب عبادة إليه وارفعهم درجة لديه @QB@ إن لك ~~في النهار سبحا طويلا واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا @QE@ وقال تعالى ~~@QB@ واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا @QE@ ~~وقال تعالى @QB@ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه ~~وأدبار السجود @QE@ وقال سبحانه @QB@ وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل ~~فسبحه وإدبار النجوم @QE@ وقال تعالى @QB@ إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم ~~قيلا @QE@ وقال تعالى @QB@ ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ~~@QE@ وقال عز وجل @QB@ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات ~~يذهبن السيئات @QE@ ثم انظر كيف وصف الفائزين من عباده وبماذا وصفهم فقال ~~تعالى @QB@ أم من هو قانت @QE@ PageV01P330 @QB@ آناء الليل ساجدا وقائما ~~يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ~~@QE@ وقال تعالى @QB@ تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا @QE@ ~~وقال عز وجل @QB@ والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما @QE@ وقال عز وجل @QB@ ~~كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون @QE@ وقال عز وجل ~~@QB@ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون @QE@ وقال تعالى @QB@ ولا تطرد ~~الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه @QE@ فهذا كله يبين لك أن ~~الطريق إلى تعالى مراقبة الأوقات وعمارتها بالأوراد على سبيل الدوام # ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس ~~والقمر والأظلة لذكر الله تعالى + # | كتاب الأوراد وفضل إحياء الليل # الباب الأول في فضيلة الأوراد حديث أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون ~~الشمس والقمر والأهلة لذكر الله أخرجه الطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد ~~من حديث ابن أبي أوفى بلفظ خيار عباد الله + وقد قال تعالى @QB@ الشمس ~~والقمر بحسبان @QE@ وقال تعالى @QB@ ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء ~~لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا @QE@ ~~وقال تعالى @QB@ والقمر قدرناه منازل @QE@ وقال تعالى @QB@ وهو الذي جعل ~~لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر @QE@ فلا تظنن أن المقصود من ~~سير الشمس والقمر بحسبان منظوم مرتب ومن خلق الظل والنور والنجوم أن يستعان ~~بها على أمور الدنيا بل لتعرف بها مقادير الأوقات فتشتغل فيها بالطاعات ~~والتجارة للدار الآخرة يدلك عليه قوله تعالى @QB@ وهو الذي جعل الليل ~~والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا @QE@ أي يخلف أحدهما الآخر ~~ليتدارك في أحدهما ما فات في الآخر وبين أن ذلك للذكر والشكر لا غير وقال ~~تعالى @QB@ وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار ~~مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب @QE@ وإنما الفضل ~~المبتغى هو الثواب والمغفرة ونسأل الله حسن التوفيق لما يرضيه # | بيان أعداد الأوراد وترتيبها # اعلم أن أوراد النهار سبعة فما بين طلوع الصبح إلى طلوع قرص الشمس ورد ~~وما بين طلوع الشمس إلى الزوال وردان وما بين الزوال إلى وقت العصر وردان ~~وما بين العصر إلى المغرب وردان والليل ينقسم إلى أربعة أوراد وردان من ~~المغرب إلى وقت نوم الناس ووردان من النصف الأخير من الليل إلى طلوع الفجر ~~فلنذكر فضيلة كل ورد ووظيفته وما يتعلق به # فالورد الأول ما بين طلوع الصبح إلى طلوع الشمس وهو وقت شريف ويدل على ~~شرفه وفضله إقسام الله تعالى به إذ قال @QB@ والصبح إذا تنفس @QE@ وقدحه به ~~إذ قال @QB@ فالق الإصباح @QE@ وقال تعالى @QB@ قل أعوذ برب الفلق @QE@ ~~وإظهاره القدرة بقبض الظل فيه إذ قال تعالى @QB@ ثم قبضناه إلينا قبضا ~~يسيرا @QE@ وهو وقت قبض ظل الليل ببسط نور الشمس وإرشاده الناس إلى التسبيح ~~فيه بقوله تعالى @QB@ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون @QE@ وبقوله تعالى ~~فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وقوله عز وجل @QB@ ومن آناء ~~الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى @QE@ وقوله تعالى @QB@ واذكر اسم ربك ~~بكرة وأصيلا @QE@ # فأما ترتيبه فليأخذ من وقت انتباهه من النوم فإذا انتبه فينبغي أن يبتدىء ~~بذكر الله تعالى فيقول الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ~~إلى آخر الأدعية والآيات التي ذكرناها في دعاء الاستيقاظ من كتاب الدعوات ~~PageV01P331 وليلبس ثوبه وهو في الدعاء وينوي به ستر عورته امتثالا لأمر ~~الله تعالى واستعانة به على عبادته من غير قصد رياء ولا رعونة ثم يتوجه إلى ~~بيت الماء إن كان به حاجة إلى بيت الماء ويدخل أولا رجله اليسرى ويدعو ~~بالأدعية التي ذكرناها فيه في كتاب الطهارة عند الدخول والخروج ثم يستاك ~~على السنة كما سبق ويتوضأ مراعيا لجميع السنن والأدعية التي ذكرناها في ~~الطهارة فإنا إنما قدمنا آحاد العبادات لكي نذكر في هذا الكتاب وجه التركيب ~~والترتيب فقط فإذا فرغ من الوضوء صلى ركعتي الفجر أعني السنة في منزله + ~~حديث صلاة ركعتي الصبح في المنزل متفق عليه من حديث حفصة + كذلك كان يفعل ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرأ بعد الركعتين سواء أداهما في البيت أو ~~المسجد الدعاء الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما ويقول اللهم إني أسألك ~~رحمة من عندك تهدي بها قلبي إلا آخر الدعاء + حديث الدعاء بعد ركعتي الصبح ~~اللهم إني أسألك رحمة من عندك الحديث تقدم + ثم يخرج من البيت متوجها إلى ~~المسجد ولا ينسى دعاء الخروج إلى المسجد لا يسعى إلى الصلاة سعيا بل يمشي ~~وعليه السكينة والوقار + حديث المشي إلى الصلاة وعليه السكينة متفق عليه من ~~حديث أبي هريرة + كما ورد به الخبر ولا يشبك بين أصابعه ويدخل المسجد ويقدم ~~رجله اليمنى ويدعو بالدعاء المأثور لدخول المسجد + حديث الدعاء المأثور ~~لدخول المسجد تقدم في الباب الخامس من الأذكار + ثم يطلب من المسجد الصف ~~الأول إن وجد متسعا ولا يتخطى رقاب الناس ولا يزاحم كما سبق ذكره في كتاب ~~الجمعة ثم يصلي ركعتي الفجر إن لم يكن صلاهما في البيت ويشتغل بالدعاء ~~المذكور بعدهما وإن كان قد صلى ركعتي الفجر صلى ركعتي التحية وجلس منتظرا ~~للجماعة والأحب التغليس بالجماعة فقد كان صلى الله عليه وسلم يغلس بالصبح + ~~حديث التغليس في الصبح متفق عليه من حديث عائشة + ولا ينبغي أن يدع الجماعة ~~في الصلاة عامة وفي الصبح والعشاء خاصة فلهما زيادة فضل # فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ~~قال في صلاة الصبح من توضأ ثم توجه إلى المسجد ليصلي فيه الصلاة كان له بكل ~~خطوة حسنة ومحى عنه سيئة والحسنة بعشر أمثالها فإذا صلى ثم انصراف عند طلوع ~~الشمس كتب له بكل شعرة في جسده حسنة وانقلب بحجة مبرورة فإن جلس حتى يركع ~~الضحى كتب له بكل ركعة ألفا ألف حسنة ومن صلى العتمة فله مثل ذلك وانقلب ~~بعمرة مبرورة + حديث أنس في صلاة الصبح من توضأ ثم توجه إلى المسجد يصلي ~~فيه الصلاة كان له بكل خطوة حسنة ومحى عنه سيئة والحسنة بعشر أمثالها وإذا ~~صلى ثم انصرف عند طلوع الشمس كتب له بكل شعرة في جسده حسنة وانقلب بحجة ~~مبرورة فإن جلس حتى يركع كتب له بكل ركعة ألفا ألف حسنة ومن صلى العتمة فله ~~مثل ذلك وانقلب بحجة مبرورة لم أجد له أصلا بهذا السياق وفي شعب الإيمان ~~للبيهقي من حديث أنس بسند ضعيف ومن صلى المغرب في جماعة كان له كحجة مبرورة ~~وعمرة متقبلة + وكان من عادة السلف دخول المسجد قبل طلوع الفجر # قال رجل من التابعين دخلت المسجد قبل طلوع الفجر فلقيت أبا هريرة قد ~~سبقني فقال لي يا ابن أخي لأي شيء خرجت من منزلك في هذه الساعة فقلت لصلاة ~~الغداة فقال أبشر فإنا كنا نعد خروجنا وقعودنا في المسجد في هذه الساعة ~~بمنزلة غزوة في سبيل الله تعالى + حديث أبي هريرة كنا نعد خروجنا وقعودنا ~~في المجلس في هذه الساعة بمنزلة غزوة في سبيل الله لم أقف له على أصل + أو ~~قال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى ~~الله عليه وسلم طرقه وفاطمة رضي الله عنهما وهما نائمان فقال ألا تصليان ~~قال علي فقلت يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله تعالى فإذا شاء أن يبعثها ~~بعثها فانصرف صلى الله عليه وسلم فسمعته وهو منصرف يضرب فخذه ويقول وكان ~~الإنسان أكثر شيء جدلا + حديث علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه ~~وفاطمة وهما نائمان فقال ألا تصليان قال علي فقلت يا رسول الله إنما أنفسنا ~~بيد الله الحديث متفق عليه + ثم ينبغي أن يشتغل بعد ركعتي الفجر ودعائه ~~بالاستغفار والتسبيح إلى أن تقام الصلاة فيقول أستغفر الله الذي لا إله إلا ~~هو الحي القيوم وأتوب إليه سبعين مرة PageV01P332 وسبحان الله والحمد لله ~~ولا إله إلا الله والله أكبر مائة مرة ثم يصلي الفريضة مراعيا جميع ما ~~ذكرناه من الآداب الباطنة والظاهرة في الصلاة والقدوة فإذا فرغ منها قعد في ~~المسجد إلى طلوع الشمس في ذكر الله تعالى كما سنرتبه فقد قال صلى الله عليه ~~وسلم لأن أقعد في مجلسي أذكر الله تعالى فيه من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس ~~أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب + حديث لأن أقعد في مجلس أذكر الله فيه من ~~صلاة الغداة إلى طلوع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب أخرجه أبو داود ~~من حديث أنس وتقدم في الباب الثالث من العلم + وروي أنه صلى الله عليه وسلم ~~كان إذا صلى الغداة قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس وفي بعضها ويصلي ركعتين + ~~حديث كان إذا صلى الغداة قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس وفي بعضها ويصلي ~~ركعتين أي بعد الطلوع أخرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة دون ذكر الركعتين ~~والترمذي من حديث أنس وحسنه من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى ~~حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة + أي ~~بعد الطلوع وقد ورد في فضل ذلك ما لا يحصى وروى الحسن أن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم كان فيما يذكره من رحمة ربه يقول إنه قال يا ابن آدم اذكرني ~~بعد صلاة الفجر ساعة وبعد صلاة العصر ساعة أكفك ما بينهما + حديث الحسن أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيما يذكر من رحمة ربه أنه قال يا ابن ~~آدم اذكرني من بعد صلاة الفجر ساعة وبعد صلاة العصر ساعة أكفك ما بينهما ~~أخرجه ابن المبارك في الزهد هكذا مرسلا + وإذا ظهر فضل ذلك فليقعد ولا ~~يتكلم إلى طلوع الشمس بل ينبغي أن تكون وظيفته إلى الطلوع أربعة أنواع ~~أدعية وأذكار ويكررها في سبحة وقراءة قرآن وتفكر # أما الأدعية فكلما يفرغ من صلاته فليبدأ وليقل اللهم صلى على محمد وعلى ~~آل محمد وسلم اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام حينا ربنا ~~بالسلام وأدخلنا دار السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم يفتتح الدعاء ~~بما كان يفتتح به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله سبحان ربي العلي ~~الأعلى الوهاب لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ~~ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله أهل ~~النعمة والفضل والثناء الحسن لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له ~~الدين ولو كره الكافرون + حديث كان يفتتح الدعاء بسبحان ربي العلي الأعلى ~~الوهاب تقدم + ثم يبدأ بالأدعية التي أوردناها في الباب الثالث والرابع من ~~كتاب الأدعية فيدعو بجميعها إن قدر عليه أو يحفظ من جملتها ما يراه أوفق ~~بحاله وأرق لقلبه وأخف على لسانه # وأما الأذكار المكررة فهي كلمات ورد في تكرارها فضائل لم نطول بإيرادها ~~وأقل ما ينبغي أن يكرر كل واحد منها ثلاثا أو سبعا وأكثره مائة أو سبعون ~~وأوسطه عشر فليكررها بقدر فراغه وسعة وقته وفضل الأكثر أكثروالأوسط الأقصد ~~أن يكررها عشر مرات فهو أجدر بأن يدوم عليه خير الأمور ادومها وإن قل وكل ~~وظيفة لا يمكن المواظبة على كثيرها فقليلها مع المداومة أفضل وأشد تأثيرا ~~في القلب مع كثيرها مع الفترة ومثال القليل الدائم كقطرات ماء تتقاطر على ~~الأرض على التوالي فتحدث فيها حفيرة ولو وقع ذلك على الحجر ومثال الكثير ~~المتفرق ماء يصب دفعة أو دفعات متفرقة متباعدة الأوقات فلا يبين لها أثر ~~ظاهر وهذه الكلمات عشرة الأولى قوله لا إله إلا الله وحده لا شريك له له ~~الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ~~+ حديث الفضل في تكرار لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ~~يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير تقدم من حديث ~~أبي أيوب تكرارها عشرا دون قوله يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير ~~فإنها في اليوم والليلة للنسائي من حديث أبي ذر دون قوله وهو حي لا يموت ~~وهي كلها عند البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف فيما يقال عند الصباح ~~والمساء وتقدم تكرارها مائة ومائتين وللطبراني الدعاء من حديث عبد الله بن ~~عمر وتكرارها ألف مرة وإسناد ضعيف + # الثانية قوله سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ~~ولا قوة إلا بالله PageV01P333 العلي العظيم + حديث الفضل في تكرار سبحان ~~الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ~~أخرجه النسائي في اليوم والليلة وابن حبان والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد ~~الخدري استكثروا من الباقيات الصالحات فذكرها + الثالثة قوله سبوح قدوس رب ~~الملائكة والروح + حديث تكرار سبوح قدوس رب الملائكة والروح لم أجد ذكرها ~~مكررة ولكن عند مسلم من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقولها في ~~ركوعه وسجوده وقد تقدم ولأني الشيخ في الثواب من حديث البراء أكثر من أن ~~تقول سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح + الرابعة قوله سبحان الله ~~العظيم وبحمده + حديث تكرار سبحان الله وبحمده متفق عليه من حديث أبي هريرة ~~من قال ذلك في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر + الخامسة ~~قوله أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأسأله التوبة + ~~حديث تكرار أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأسأله التوبة ~~أخرجه المستغفري في الدعوات من حديث معاذ أن من قالها بعد الفجر وبعد العصر ~~ثلاث مرات كفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ولفظه وأنوب إليه وفيه ضعف ~~وهكذا رواه الترمذي من حديث أبي سعيد في قولها ثلاثا وللبخاري من حديث أبي ~~هريرة إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ولم يقل ~~الطبراني أكثر ولمسلم من حديث الأعرابي لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة ~~تقدمت هذه الأحاديث في الباب الثاني من الأذكار + السادسة قوله اللهم لا ~~مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد + حديث تكرار ~~اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد لم ~~أجد تكرارها في حديث وإنما وردت مطلقة عقب الصلوات وفي الرفع من الركوع + ~~السابعة قوله لا إله إلا الله الملك الحق المبين + حديث تكرار لا إله إلا ~~الله الملك الحق المبين أخرجه المستغفري في الدعوات والخطيب في الرواة عن ~~مالك من حديث علي من قالها في يوم مائة مرة كان له أمان من الفقر وأمان من ~~وحشة القبر واستجلب به الغنى واستقرع باب الجنة وفيه الفضل بن غانم ضعيف ~~ولأبي نعيم في الحلية من قال ذلك في كل يوم وليلة مائتى مرة لم يسأل الله ~~فيهما حاجة الا قضاها وفيه سليم الخواص وقال فيه أظنه عن علي + الثامنة ~~قوله بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع ~~العليم + حديث تكرار بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في ~~السماء وهو السميع العليم أخرجه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم وصححه من ~~حديث عثمان من قال ذلك ثلاث مرات حين يمسي لم يصبه فجأة بلاء حتى يصبح ومن ~~قالها حين يصبح ثلاث مرات لم يصبه فجأة بلاء حتى يمسي قال الترمذي حسن صحيح ~~غريب + التاسعة اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله ~~وصحبه وسلم + حديث تكرار اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي ~~وعلى آل محمد ذكره أبو القاسم محمد بن عبد الواحد الغافقي في فضائل القرآن ~~من حديث ابن أبي أوفى من أراد أن يموت في السماء الرابعة فليقل كل يوم ثلاث ~~مرات فذكره وهو منكر قلت ورد التكرار عند الصباح والمساء من غير تعبير لهذه ~~الصبغة رواه الطبراني من حديث أبي الدرداء بلفظ من صلى علي حين يصبح عشرا ~~وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة وفيه انقطاع + العاشرة قوله أعوذ ~~بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ ~~بك رب أن يحضرون + حديث تكرار أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ~~أعوذ بالله من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون أخرجه الترمذي من حديث ~~معقل بن يسار من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من ~~الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ~~ملك الحديث ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة وقال حسن غريب ولابن أبي ~~الدنيا من حديث أنس مثل حديث مقطوع قبله من قالها حين يصبح عشر مرات أجير ~~من الشيطان إلى الصبح الحديث ولأبي الشيخ في الثواب من حديث عائشة ألا ~~أعلمك يا خالد كلمات تقولها ثلاث مرات قل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه ~~وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون والحديث عند أبي داود ~~والترمذي وحسنه والحاكم وصححه فيما يقال عند الفزع دون تكرارها ثلاثا من ~~حديث عبد الله بن عمرو + فهذه العشر كلمات إذا كرر كل واحدة عشر مرات حصل ~~له مائة مرة فهو أفضل من أن يكرر ذكرا واحدا مائة مرة لأن لكل واحدة من ~~هؤلاء الكلمات فضلا على حياله وللقلب بكل واحد نوع تنبه وتلذذ وللنفس في ~~الانتقال من كلمة إلى كلمة نوع استراحة وأمن من الملل # فأما القراءة فيستحب له قراءة جملة من الآيات PageV01P334 وردت الأخبار ~~بفضلها وهو أن يقرأ سورة الحمد + حديث فضل سورة الحمد أخرجه البخاري من ~~حديث أبي سعيد بن المعلى أنها أعظم السور في القرآن ومسلم من حديث ابن عباس ~~في الملك الذي نزل إلى الأرض وقال للنبي صلى الله عليه وسلم أبشر بنورين ~~أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتم سورة البقرة لم تقرأ بحرف ~~منها إلا أعطيته + وآية الكرسي + حديث فضل آية الكرسي أخرجه مسلم من حديث ~~أبي بن كعب يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم قلت الله لا ~~إله إلا هو الحي القيوم الحديث والبخاري من حديث أبي هريرة في توكيله بحفظ ~~تمر الصدقة ومجيء الشيطان إليه وقوله إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ~~فإنه لن يزال عليك من الله حافظ الحديث @QB@ وفيه @QE@ فقال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم أما إنه قد صدقك وهو كذوب + وخاتمة البقرة + حديث فضل خاتمة ~~البقرة متفق عليه من حديث أبي مسعود من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ~~ليلة كفتاه وتقدم حديث ابن عباس قبله بحديث + من قوله آمن الرسول وشهد الله ~~+ حديث فضل شهد الله أخرجه أبو الشيخ وابن حبان في كتاب الثواب من حديث ابن ~~مسعود من قرأ شهد الله إلى قوله الإسلام ثم قال وأنا أشهد بما شهد الله به ~~وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عنده وديعة جيء به يوم القيامة فقيل له ~~عبدي هذا عهد إلي عهدا وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة وفيه عمر ~~بن المختار روى الأباطيل قاله ابن عدي وسيأتي حديث علي بعده + وقل اللهم ~~مالك الملك الآيتين + حديث فضل قل اللهم مالك الملك الآيتين أخرجه ~~المستغفري في الدعوات من حديث علي أن فاتحة الكتاب وآية الكرسي والآيتين من ~~آل عمران شهد الله إلى قوله الإسلام وقل اللهم مالك الملك إلى قوله بغير ~~حساب معلقات ما بينهن وبين الله حجاب الحديث وفيه فقال الله لا يقرأ كل أحد ~~من عبادي دبر كل صلاة إلا جعلت الجنة مثواه الحديث وفيه الحارث بن عمير وفي ~~ترجمته ذكره ابن حبان في الضعفاء وقال موضوع لا أصل له والحارث يروي عن ~~الأثبات الموضوعات قلت وثقه حماد بن زيد وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم ~~والنسائي وروى له البخاري تعليقا + وقوله تعالى @QB@ لقد جاءكم رسول من ~~أنفسكم @QE@ إلى آخرها + حديث فضل @QB@ لقد جاءكم رسول من أنفسكم @QE@ إلى ~~آخرها أخرجه الطبراني في الدعاء من حديث أنس بسند ضعيف علمني رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ما أحترز به من كل شيطان رجيم ومن كل جبار عنيد فذكر حديثا ~~وفي آخره فقل حسبي الله إلى آخر السورة وذكر أبو القاسم الغافقي في فضائل ~~القرآن في رغائب القرآن لعبد الملك بن حبيب من رواية محمد بن بكار أن رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم قال من لزم قراءة لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى ~~آخر السورة لم يمت هدما ولا غرقا ولا حرقا ولا ضربا بحديدة وهو ضعيف + ~~وقوله تعالى @QB@ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق @QE@ إلى آخرها + حديث ~~فضل @QB@ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق @QE@ لم أجد فيه حديثا يخصها لكن ~~في فضل سورة الفتح ما رواه أبو الشيخ في كتاب من حديث أبي بن كعب من قرأ ~~سورة الفتح فكأنما شهد فتح مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث موضوع ~~+ وقوله سبحانه الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا + حديث فضل @QB@ الحمد لله ~~الذي لم يتخذ ولدا @QE@ الآية أخرجه أحمد والطبراني من حديث معاذ بن أنس ~~آية العز الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا الآية كلها وإسناده ضعيف + الآية ~~وخمس آيات من أول الحديد + حديث فضل خمس آيات من أول الحديد ذكر أبو القاسم ~~الغافقي في فضائل القرآن من حديث علي إذا أردت أن تسأل الله حاجة فاقرأ خمس ~~آيات من أول سورة الحديد إلى قوله عليم بذات الصدور ومن آخر سورة الحشر من ~~قوله لو أنزلنا هذا القرآن على جبل إلى آخر السورة ثم تقول يا من هو كذا ~~افعل بي كذا وتدعو بما تريد + وثلاثا من آخر سورة الحشر + حديث فضل ثلاث ~~آيات من آخر سورة الحشر أخرجه الترمذي من حديث معقل بن يسار وقد تقدم قبل ~~هذا وللبيهقي في الشعب من حديث أبي أمامة بسند ضعيف من قرأ خواتيم سورة ~~الحشر في ليل أو نهار فمات من يومه أو ليلته فقد أوجب الله له الجنة + وإن ~~قرأ المسبعات العشر التي أهداها الخضر عليه السلام إلى إبراهيم التيمي رحمه ~~الله ووصاه أن يقولها غدوة وعشية فقد استكمل الفضل وجمع له ذلك فضيلة جملة ~~الأدعية المذكورة # فقد روي عن كرز بن وبرة رحمه الله وكان من الأبدال قال أتاني أخ لي من ~~أهل الشام فأهدى لي هدية وقال يا كرز اقبل مني هذه الهدية فإنها نعمت ~~الهدية فقلت يا أخي ومن أهدى لك هذه الهدية قال أعطانيها إبراهيم التيمي ~~قلت أفلم تسأل إبراهيم من أعطاه إياها قال كنت جالسا في فناء الكعبة وأنا ~~في التهليل والتسبيح والتحميد والتمجيد فجاءني رجل فسلم علي وجلس عن يميني ~~فلم أر في زماني أحسن منه وجها ولا أحسن منه ثيابا ولا أشد بياضا ولا أطيب ~~ريحا منه فقلت يا عبد الله من أنت ومن أين جئت فقال أنا الخضر فقلت في أي ~~شيء جئتني فقال جئتك للسلام عليك وحبا لك في الله وعندي هدية أريد أن ~~أهديها لك فقلت ما هي قال أن تقول PageV01P335 قبل طلوع الشمس وقبل ~~انبساطها على الأرض وقبل الغروب سورة الحمد وقل أعوذ برب الناس وقل أعوذ ~~برب الفلق وقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون وآية الكرسي كل واحدة سبع ~~مرات وتقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر سبعا وتصلي ~~على النبي صلى الله عليه وسلم سبعا وتستغفر لنفسك ولوالديك والمؤمنين ~~وللمؤمنات سبعا وتقول اللهم افعل بي وبهم عاجلا وآجلا في الدين والدنيا ~~والآخرة ما أنت له أهل ولا تفعل بنا يا مولانا ما نحن له أهل إنك غفور حليم ~~جواد كريم رءوف رحيم سبع مرات وانظر أن لا تدع ذلك غدوة وعشية فقلت أحب أن ~~تخبرني من أعطاك هذه العطية العظيمة فقال أعطانيها محمد صلى الله عليه وسلم ~~+ حديث كرز بن وبرة من أهل الشام عن إبراهيم التيمي أن الخضر علمه المسبعات ~~العشرة وقال في آخرها أعطانيها محمد صلى الله عليه وسلم ليس له أصل ولم يصح ~~في حديث قط اجتماع الخضر بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا عدم اجتماعه ولا ~~حياته ولا موته + فقلت أخبرني بثواب ذلك فقال إذا لقيت محمدا صلى الله عليه ~~وسلم فاسأله عن ثوابه فإنه يخبرك بذلك فذكر إبراهيم التيمي أنه رأى ذات يوم ~~في منامه كأن الملائكة جاءته فاحتملته حتى أدخلوه الجنة فرأى ما فيها ووصف ~~أمورا عظيمة مما رآه في الجنة قال فسألت الملائكة فقلت لمن هذا فقالوا للذي ~~يعمل مثل عملك وذكر أنه أكل من ثمرها وسقوه من شرابها قال قال فأتاني النبي ~~صلى الله عليه وسلم ومعه سبعون نبيا وسبعون صفا من الملائكة كل صف مثل ما ~~بين المشرق والمغرب فسلم علي وأخذ بيدي فقلت يا رسول الله الخضر أخبرني أنه ~~سمع منك هذا الحديث فقال صدق الخضر صدق الخضر وكل ما يحكيه فهو حق وهو عالم ~~أهل الأرض وهو رئيس الأبدال وهو من جنود الله تعالى في الأرض فقلت يا رسول ~~الله فمن فعل هذا أو عمله ولم ير مثل الذي رأيت في منامي هل يعطى شيئا مما ~~أعطيته فقال والذي بعثني بالحق نبيا إنه ليعطى العامل بهذا وإن لم يرني ولم ~~ير الجنة إنه ليغفر له جميع الكبائر التي عملها ويرفع الله تعالى عنه غضبه ~~ومقته ويأمر صاحب الشمال أن لا يكتب عليه خطيئة من السيئات إلى سنة والذي ~~بعثني بالحق نبيا ما يعمل بهذا إلا من خلقه الله سعيدا ولا يتركه إلا من ~~خلقه الله شقيا وكان إبراهيم التيمي يمكث أربعة أشهر لم يطعم ولم يشرب ~~فلعله كان بعد هذه الرؤيا فهذه وظيفة القراءة فإن أضاف إليها شيئا مما ~~انتهى إليه ورده من القرآن أو اقتصر عليه فهو حسن فإن القرآن جامع لفضل ~~الذكر والفكر والدعاء مهما كان بتدبر كما ذكرنا فضله وآدابه في باب التلاوة ~~وأما الأفكار فليكن ذلك إحدى وظائفه وسيأتي تفصيل ما يتفكر فيه وكيفيته في ~~كتاب التفكر من ربع المنجيات ولكن مجامعه ترجع إلى فنين أحدهما أن يتفكر ~~فيما ينفعه من المعاملة بأن يحاسب نفسه فيما سبق من تقصيره ويرتب وظائفه في ~~يومه الذي بين يديه ويدبر في دفع الصوارف والعوائق الشاغلة له عن الخير ~~ويتذكر تقصيره وما يتطرق إليه الخلل من أعماله ليصلحه ويحضر في قلبه النيات ~~الصالحة من أعماله في نفسه وفي معاملته للمسلمين والفن الثاني فيما ينفعه ~~في علم المكاشفة وذلك بأن يتفكر مرة في نعم الله تعالى وتواتر آلاته ~~الظاهرة والباطنة لتزيد معرفته بها ويكثر شكره عليها أو في عقوباته ونقماته ~~لتزيد معرفته بقدرة الإله واستغنائه ويزيد خوفه منها ولكل واحد من هذه ~~الأمور شعب كثيرة يتسع التفكر فيها على بعض الخلق دون البعض وإنما نستقضي ~~ذلك في كتاب التفكر ومهما تيسر الفكر فهو أشرف العبادات إذ فيه معنى الذكر ~~لله تعالى وزيادة أمرين أحدهما زيادة المعرفة إذ الفكر مفتاح المعرفة ~~والكشف والثاني زيادة المحبة إذ لا يحب القلب إلا من اعتقد تعظيمه ولا ~~تنكشف عظمة الله سبحانه وجلاله إلا بمعرفة صفاته ومعرفة قدرته وعجائب ~~أفعاله فيحصل من الفكر المعرفة ومن المعرفة التعظيم ومن التعظيم المحبة ~~والذكر أيضا يورث الأنس وهو نوع من المحبة ولكن المحبة التي سببها المعرفة ~~PageV01P336 أقوى وأثبت وأعظم ونسبة محبة العارف إلى أنس الذاكر من غير ~~تمام الاستبصار كنسبة عشق من شاهد جمال شخص بالعين واطلع على حسن أخلاقه ~~وأفعاله وفضائله وخصاله الحميدة بالتجربة إلى أنس من كرر على سمعه وصف شخص ~~غائب عن عينه بالحسن في الخلق والخلق مطلقا من غير تفصيل وجوه الحسن فيهما ~~فليس محبته له كمحبة المشاهد وليس الخبر كالمعاينة فالعباد المواظبون على ~~ذكر الله بالقلب واللسان الذين يصدقون بما جاءت به الرسل بالإيمان التقليدي ~~ليس معهم من محاسن صفات الله تعالى إلا أمور جميلة اعتقدوها بتصديق عن ~~وصفها لهم والعارفون هم الذين شاهدوا ذلك الجلال والجمال بعين البصيرة ~~الباطنة التي هي أقوى من البصر الظاهر لأن أحدا لم يحط بكنه جلاله وجماله ~~فإن ذلك غير مقدور لأحد من الخلق ولكن كل واحد شاهد بقدر ما رفع له من ~~الحجاب ولا نهاية لجمال حضرة الربوبية ولا لحجبها وإنما عدد حجبها التي ~~استحقت أن تسمى نورا وكاد يظن الواصل إليها أنه قد تم وصوله إلى الأصل ~~سبعون حجابا # قال صلى الله عليه وسلم إن لله سبعين حجابا من نور لو كشفها لأحرقت سبحات ~~وجهه كل ما أدرك بصره + حديث إن لله سبعين حجابا من نور الحديث تقدم في ~~قواعد العقائد + وتلك الحجب أيضا مترتبة وتلك الأنوار متفاوتة في الرتب ~~تفاوت الشمس والقمر والكواكب ويبدو في الأول أصغرها ثم ما يليه وعليه أول ~~بعض الصوفية درجات ما كان يظهر لإبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم في ~~ترقيه وقال @QB@ فلما جن عليه الليل @QE@ أي أظلم عليه الأمر @QB@ رأى ~~كوكبا @QE@ أي وصل إلى حجاب من حجب النور فعبر عنه بالكوكب وما أريد به هذه ~~الأجسام المضيئة فإن آحاد العوام لا يخفى عليهم أن الربوبية لا تليق ~~بالأجسام بل يدركون ذلك بأوائل نظرهم فما لا يضلل العوام لا يضلل الخليل ~~عليه السلام والحجب المسماة أنوارا ما أريد بها الضوء المحسوس بالبصر بل ~~أريد بها ما أريد بقوله تعالى الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة ~~فيها مصباح الآية ولنتجاوز هذه المعاني فإنها خارجة عن علم المعاملة ولا ~~يوصل إلى حقائقها إلا الكشف التابع للفكر الصافي وقل من ينفتح له بابه ~~والمتيسر على جماهير الخلائق الفكر فيما يفيد في علم المعاملة وذلك أيضا ~~مما تغزر فائدته ويعظم نفعه فهذه الوظائف الأربعة أعني الدعاء والذكر ~~والقراءة والفكر ينبغي أن تكون وظيفة المريد بعد صلاة الصبح بل في كل ورد ~~بعد الفراغ من وظيفة الصلاة فليس بعد الصلاة وظيفة سوى هذه الأربع ويقوى ~~على ذلك بأن يأخذ سلاحه ومجنته والصوم هو الجنة التي تضيق مجاري الشيطان ~~المعادي الصارف له على سبيل الرشاد وليس بعد طلوع الصبح صلاة سوى ركعتي ~~الفجر وفرض الصبح إلى طلوع الشمس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وأصحابه رضى الله عنهم يشتغلون في هذا الوقت بالأذكار + حديث اشتغاله ~~بالأذكار من الصبح إلى طلوع الشمس تقدم حديث جابر بن سمرة عند مسلم في ~~جلوسه صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر في مجلسه حتى تطلع الشمس وليس فيه ~~ذكر اشتغاله بالذكر وإنما هو من قوله عما تقدم من حديث أنس + وهو الأولى ~~إلى أن يغلبه النوم قبل الفرض ولم يندفع إلا بالصلاة فلو صلى لذلك فلا بأس ~~به # الورد الثاني ما بين طلوع الشمس إلى ضحوة النهار وأعني بالضحوة منتصف ما ~~بين طلوع الشمس إلى الزوال وذلك بمضي ثلاث ساعات من النهار إذا فرض النهار ~~اثنتي عشرة ساعة وهو الربع وفي هذا الربع من النهار وظيفتان زائدتان ~~إحداهما صلاة الضحى وقد ذكرناها في كتاب الصلاة وأن الأولى أن يصلي ركعتين ~~عند الإشراق وذلك إذا انبسطت الشمس وارتفعت قدر نصف رمح ويصلي أربعا أو ستا ~~أو ثمانيا إذا رمضت الفصال وضحيت الأقدام بحر الشمس فوقت الركعتين هو الذي ~~أراد الله تعالى بقوله @QB@ يسبحن بالعشي والإشراق @QE@ فإنه وقت إشراق ~~الشمس وهو ظهور تمام نورها بارتفاعها عن موازات البخارات والغبارات التي ~~على وجه الأرض PageV01P337 فإنها تمنع إشرافها التام ووقت الركعات الأربع ~~هو الضحى الأعلى الذي أقسم الله تعالى به فقال @QB@ والضحى والليل إذا سجى ~~@QE@ وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يصلون عند الإشراق ~~فنادى بأعلى صوته ألا إن صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال + حديث خرج على ~~أصحابه وهم يصلون عند الإشراق فنادى بأعلى صوته إلا إن صلاة الأوابين إذا ~~رمضت الفصال أخرجه الطبراني من حديث زيد بن أرقم دون قوله فنادى بأعلى صوته ~~وهو عند مسلم دون ذكر الإشراق + فلذلك نقول إذا كان يقتصر على مرة واحدة في ~~الصلاة فهذا الوقت أفضل لصلاة الضحى وإن كان أصل الفضل يحصل بالصلاة بين ~~طرفي وقتي الكراهة وهو ما بين ارتفاع الشمس بطلوع نصف رمح بالتقريب إلى ما ~~قبل الزوال في ساعة الاستواء واسم الضحى ينطلق على الكل وكأن ركعتي الإشراق ~~تقع في مبتدأ وقت الإذن في الصلاة وانقضاء الكراهة إذ قال صلى الله عليه ~~وسلم إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها + حديث إن الشمس ~~تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها تقدم في الصلاة + فأقل ارتفاعها ~~أن ترتفع عن بخارات الأرض وغبارها وهذا يراعى بالتقريب # الوظيفة الثانية في هذا الوقت الخيرات المتعلقة بالناس التي جرت بها ~~العادات بكرة من عيادة مريض وتشييع جنازة ومعاونة على بر وتقوى وحضور مجلس ~~علم وما يجري مجراه من قضاء حاجة لمسلم وغيرها فإن لم يكن شيء من ذلك عاد ~~إلى الوظائف الأربع التي قدمناها من الأدعية والذكر والقراءة والفكر ~~والصلوات المتطوع بها إن شاء فإنها مكروهة بعد صلاة الصبح وليست مكروهة ~~الآن فتصير الصلاة قسما خامسا من جملة وظائف هذا الوقت لمن أراده أما بعد ~~فريضه الصبح فتكره كل صلاة لا سبب لها وبعد الصبح الأحب أن يقتصر على ركعتي ~~الفجر وتحية المسجد ولا يشتغل بالصلاة بل بالأذكار والقراءة والدعاء والفكر # الورد الثالث من ضحوة النهار إلى الزوال ونعني بالضحوة المنتصف وما قبله ~~بقليل وإن كان بعد كل ثلاث ساعات أمر بصلاة فإذا انقضى ثلاث ساعات بعد ~~الطلوع فعندها وقبل مضيها صلاة الضحى فإذا مضت ثلاث ساعات أخرى فالظهر فإذا ~~مضت ثلاث ساعات أخرى فالعصر فإذا مضت ثلاث أخرى فالمغرب ومنزلة الضحى بين ~~الزوال والطلوع كمنزلة العصر بين الزوال والغروب إلا أن الضحى لم تفرض لأنه ~~وقت انكباب الناس على أشغالهم فخفف عنهم الوظيفة الرابعة في هذا الوقت ~~الأقسام الأربعة وزيد أمران أحدهما الاشتغال بالكسب وتدبير المعيشة وحضور ~~السوق فإن كان تاجرا فينبغي أن يتجر بصدق وأمانة وإن كان صاحب صناعة فبنصح ~~وشفقة ولا ينسى ذكر الله تعالى في جميع أشغاله ويقتصر من الكسب على قدر ~~حاجته ليومه مهما قدر على أن يكتسب في كل يوم لقوته فإذا حصل كفاية يومه ~~فليرجع إلى بيت ربه وليتزود لآخرته فإن الحاجة إلى زاد الآخرة أشد والتمتع ~~به أدوم فاشتغاله بكسبه أهم من طلب الزيادة على حاجة الوقت فقد قيل لا يوجد ~~المؤمن إلا في ثلاث مواطن مسجد يعمره أو بيت يستره أو حاجة لا بد له منها ~~وقل من يعرف القدر فيما لا بد منه بل أكثر الناس يقدرون فيما عنه بد أنه لا ~~بد لهم منه وذلك لأن الشيطان يعدهم الفقر ويأمرهم بالفحشاء فيصغون إليه ~~ويجمعون ما لا يأكلون خيفة الفقر والله يعدهم مغفرة منه وفضلا فيعرضون عنه ~~ولا يرغبون فيه الأمر الثاني القيلولة وهي سنة يستعان بها على قيام الليل ~~كما أن التسحر سنة يستعان به على صيام النهار فإن كان لا يقوم بالليل لكن ~~لو لم ينم لم يشتغل بخير وربما خالط أهل الغفلة وتحدث معهم فالنوم أحب له ~~إذا كان لا ينبعث نشاطه للرجوع إلى الأذكار والوظائف المذكورة إذ في النوم ~~الصمت والسلامة وقد قال بعضهم يأتي على الناس زمان الصمت والنوم فيه أفضل ~~أعمالهم وكم من عابد أحسن أحواله النوم وذلك إذا كان يرائى بعبادته ولا ~~يخلص فيها فكيف بالغافل PageV01P338 الفاسق قال سفيان الثوري رحمه الله كان ~~يعجبهم إذا تفرغوا أن يناموا طلبا للسلامة فإذا كان نومه على قصد طلب ~~السلامة ونية قيام الليل كان نومه قربة ولكن ينبغي أن يتنبه قبل الزوال ~~بقدر الاستعداد للصلاة بالوضوء وحضور المسجد قبل دخول وقت الصلاة فإن ذلك ~~من فضائل الأعمال وإن لم ينم ولم يشتغل بالكسب واشتغل بالصلاة والذكر فهو ~~أفضل أعمال النهار لأنه وقت غفلة الناس عن الله عز وجل واشتغالهم بهموم ~~الدنيا فالقلب المتفرغ لخدمة ربه عند إعراض العبيد عن بابه جدير بأن يزكيه ~~الله تعالى ويصطفيه لقربه ومعرفته وفضل ذلك كفضل إحياء الليل فإن الليل وقت ~~الغفلة بالنوم وهذا وقت الغفلة باتباع الهوى والاشتغال بهموم الدنيا وأحد ~~معنى قوله تعالى @QB@ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر ~~@QE@ أي يخلف أحدهما الآخر في الفضل والثاني أنه يخلفه فيتدارك فيه ما فات ~~في أحدهما # الورد الرابع ما بين الزوال إلى الفراغ من صلاة الظهر وراتبته وهذا أقصر ~~أوراد النهار وأفضلها فإذا كان قد توضأ قبل الزوال وحضر المسجد فمهما زالت ~~الشمس وابتدأ المؤذن الأذان فليصبر إلى الفراغ من جواب أذانه ثم ليقم إلى ~~إحياء ما بين الأذان والإقامة فهو وقت الإظهار الذي أراده الله تعالى بقوله ~~@QB@ وحين تظهرون @QE@ وليصل في هذا الوقت أربع ركعات لا يفصل بينهن ~~بتسليمة واحدة + حديث صلاة أربع بعد الزوال بتسليمة واحدة وفيه أنها فيها ~~تفتح أبواب السماء وأنها ساعة يستجاب فيها الدعاء فأحب أن يرفع لي فيها عمل ~~صالح أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي أيوب وقد تقدم في الصلاة في ~~الباب السادس + وهذه الصلاة وحدها من بين سائر صلوات النهار نقل بعض ~~العلماء أنه يصليها بتسليمة واحدة ولكن طعن في تلك الرواية ومذهب الشافعي ~~رضي الله عنه أنه يصلي مثنى مثنى كسائر النوافل ويفصل بتسليمة + حديث صلاة ~~الليل والنهار مثنى مثنى أخرجه أبو داود وابن حبان من حديث ابن عمر + وهو ~~الذي صحت به الأخبار وليطول هذه الركعات إذ فيها تفتح أبواب السماء كما ~~أوردنا الخبر فيه في باب صلاة التطوع وليقرأ فيها سورة البقرة أو سورة من ~~المئين أو أربعا من المثاني فهذه ساعات يستجاب فيها الدعاء وأحب رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم أن يرتفع له فيها عمل ثم يصلي الظهر بجماعة بعد أربع ~~ركعات طويلة كما سبق أو قصيرة لا ينبغي أن يدعها ثم ليصل بعد الظهر ركعتين ~~ثم أربعا فقد كره ابن مسعود أن تتبع الفريضة بمثلها من غير فاصل ويستحب أن ~~يقرأ في هذه النافلة آية الكرسي وآخر سورة البقرة والآيات التي أوردناها في ~~الورد الأول ليكون ذلك جامعا له بين الدعاء والذكر والقراءة والصلاة ~~والتحميد والتسبيح مع شرف الوقت # الورد الخامس ما بعد ذلك إلى العصر ويستحب فيه العكوف في المسجد مشتغلا ~~بالذكر والصلاة أو فنون الخير ويكون في انتظار الصلاة معتكفا فمن فضائل ~~الأعمال انتظار الصلاة بعد الصلاة وكان ذلك سنة السلف كان الداخل يدخل ~~المسجد بين الظهر والعصر فيسمع للمصلين دويا كدوى النحل من التلاوة فإن كان ~~بيته أسلم لدينه وأجمع لهمه فالبيت أفضل في حقه فإحياء هذا الورد وهو أيضا ~~وقت غفله الناس كإحياء الورد الثالث في الفضل وفي هذا الوقت يكره النوم لمن ~~نام قبل الزوال إذ يكره نومتان بالنهار قال بعض العلماء ثلاث يمقت الله ~~عليها الضحك بغير عجب والأكل من غير جوع والنوم بالنهار من غير سهر بالليل ~~والحد في النوم أن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة فالاعتدال في نومه ثمان ~~ساعات في الليل والنهار جميعا فإن نام هذا القدر بالليل فلا معنى للنوم ~~بالنهار وإن نقص منه مقدارا استوفاه بالنهار فحسب ابن آدم إن عاش ستين سنة ~~أن ينقص من عمره عشرون سنة ومهما نام ثمان ساعات وهو الثلث فقد نقص من عمره ~~الثلث ولكن لما كان النوم غذاء الروح كما أن الطعام غذاء الأبدان ~~PageV01P339 وكما أن العلم والذكر غذاء القلب لم يمكن قطعه عنه وقدر ~~الاعتدال هذا والنقصان منه ربما يفضي إلى اضطراب البدن إلا من يتعود السهر ~~تدريجا فقد يمرن نفسه عليه من غير اضطراب وهذا الورد من أطول الأوراد ~~وأمتعها للعباد وهو أحد والآصال التي ذكرها الله تعالى إذ قال ولله يسجد من ~~في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال وإذا سجد لله عز وجل ~~الجمادات فكيف يجوز أن يغفل العبد العاقل عن أنواع العبادات # الورد السادس إذا دخل وقت العصر دخل وقت الورد السادس وهو الذي أقسم الله ~~تعالى به فقال تعالى @QB@ والعصر @QE@ هذا أحد معنيي الآية وهو المراد ~~بالآصال في أحد التفسيرين وهو العشي المذكور في قوله @QB@ وعشيا @QE@ وفي ~~قوله @QB@ بالعشي والإشراق @QE@ وليس في هذا الورد صلاة إلا أربع ركعات بين ~~الأذان والإقامة كما سبق في الظهر ثم يصلي الفرض ويشتغل بالأقسام الأربعة ~~المذكورة في الورد الأول إلى أن ترتفع الشمس إلى رءوس الحيطان وتصفر ~~والأفضل فيه إذ منع عن الصلاة تلاوة القرآن بتدبر وتفهم إذ يجمع ذلك بين ~~الذكر والدعاء والفكر فيندرج في هذا القسم أكثر مقاصد الأقسام الثلاثة # الورد السابع إذا اصفرت الشمس بأن تقرب من الأرض بحيث يغطى نورها ~~العبارات والبخارات التي على وجه الأرض ويرى صفرة في ضوئها دخل وقت هذا ~~الورد وهو مثل الورد الأول من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لأنه قبل الغروب ~~كما أن ذلك قبل الطلوع وهو المراد بقوله تعالى @QB@ فسبحان الله حين تمسون ~~وحين تصبحون @QE@ وهذا هو الطرف الثاني المراد بقوله تعالى @QB@ فسبح ~~وأطراف النهار @QE@ قال الحسن كانوا أشد تعظيما للعشى منهم لأول النهار ~~وقال بعض السلف كانوا يجعلون أول النهار للدنيا وآخره للآخرة فيستحب في هذا ~~الوقت التسبيح والاستغفار خاصة وسائر ما ذكرناه في الورد الأول مثل أن يقول ~~أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأسأله التوبة وسبحان الله ~~العظيم وبحمده مأخوذ من قوله تعالى @QB@ واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك ~~بالعشي والإبكار @QE@ والاستغفار على الأسماء التي في القرآن أحب كقوله ~~استغفر الله إنه كان غفارا أستغفر الله إنه كان توابا رب اغفر وارحم وأنت ~~خير الراحمين فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاغفر لنا وارحمنا وأنت ~~خير الغافرين ويستحب أن يقرأ قبل غروب الشمس والشمس وضحاها والليل إذا يغشى ~~والمعوذتين ولتغرب الشمس عليه وهو في الاستغفار فإذا سمع الأذان قال اللهم ~~هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك كما سبق ثم يجيب المؤذن ويشتغل ~~بصلاة المغرب وبالغروب قد انتهت أوراد النهار فينبغي أن يلاحظ العبد أحواله ~~ويحاسب نفسه فقد انقضى من طريقه مرحلة فان ساوى يومه أمسه فيكون مغبونا وإن ~~كان شرا منه فيكون معلونا فقد قال صلى الله عليه وسلم لا بورك لي في يوم لا ~~أزداد فيه خيرا + حديث لا بورك لي في يوم لا أزداد فيه خيرا تقدم في العلم ~~في الباب الأول إلا أنه قال علما بدل خيرا + فإن رأى نفسه متوفرا على الخير ~~جميع نهاره مترفها عن التجشم كانت بشارة فليشكر الله تعالى على توفيقه ~~وتسديده إياه لطريقه وإن تكن الأخرى فالليل خلفه النهار فليعزم على تلافي ~~ما سبق من تفريطه فإن الحسنات يذهبن السيئات وليشكر الله تعالى على صحة ~~جسمه وبقاء بقية من عمره طول ليله ليشتغل بتدارك تقصيره وليحضر في قلبه أن ~~نهار العمر له آخر تغرب فيه شمس الحياة فلا يكون لها بعدها طلوع وعند ذلك ~~يغلق باب التدارك والاعتذار فليس العمر إلا أياما معدودة تنقضي لا محالة ~~جملتها بانقضاء آحادها PageV01P340 # | بيان أوراد الليل وهي خمسة # الأول إذا غربت الشمس صلى المغرب واشتغل بإحياء ما بين العشاءين فآخر هذا ~~الورد عند غيبوبة الشفق أعنى الحمرة التي بغيبوبتها يدخل وقت العتمة وقد ~~أقسم الله تعالى به فقال @QB@ فلا أقسم بالشفق @QE@ والصلاة فيه هي ناشئة ~~الليل لأنه أول نشوء ساعاته وهو آن من الآناء المذكورة في قوله تعالى @QB@ ~~ومن آناء الليل فسبح @QE@ وهي صلاة الأوابين وهي المراد بقوله تعالى @QB@ ~~تتجافى جنوبهم عن المضاجع @QE@ روى ذلك عن الحسن وأسنده ابن أبي زياد إلى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن هذه الآية فقال صلى الله عليه ~~وسلم الصلاة بين العشاءين ثم قال صلى الله عليه وسلم عليكم بالصلاة بين ~~العشاءين فإنها تذهب بملاغات النهار وتهذب آخره + حديث سئل عن قوله تعالى ~~تتجافى جنوبهم عن المضاجع @QB@ فقال @QE@ الصلاة بين العشاءين @QB@ ثم قال ~~@QE@ عليكم بالصلاة بين العشاءين فإنها تذهب بملاغات النهار وتهذب آخره قال ~~المصنف أسنده ابن أبي الزناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت إنما هو ~~إسماعيل بن أبي زياد بالياء المثناة من تحت رواه أبو منصور الديلمي في مسند ~~الفردوس من رواية إسماعيل بن أبي زياد الشامي عن الأعمش حدثنا أبو العلاء ~~العنبري عن سلمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالصلاة بين ~~العشاءين فإنها تذهب بملاغات أول النهار ومهذبة آخره وإسماعيل هذا متروك ~~يضع الحديث قاله الدارقطني واسم أبي زياد مسلم وقد اختلف فيه على الأعمش ~~ولابن مردويه من حديث أنس أنها نزلت في الصلاة بين المغرب والعشاء والحديث ~~عند الترمذي وحسنه بلفظ نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة + ~~والملاغات جمع ملغاة من اللغو وسئل أنس رحمه الله عمن ينام بين العشاءين ~~فقال لا تفعل فإنها الساعة المعنية بقوله تعالى @QB@ تتجافى جنوبهم عن ~~المضاجع @QE@ وسيأتي فضل إحياء ما بين العشاءين في الباب الثاني وترتيب هذا ~~الورد أن يصلى بعد المغرب ركعتين أولا يقرأ فيهما قل يا أيها الكافرون وقل ~~هو الله أحد ويصليهما عقيب المغرب من غير تخلل كلام ولا شغل ثم يصلي أربعا ~~يطيلها ثم يصلى إلى غيبوبة الشفق ما تيسر له وإن كان المسجد قريبا من ~~المنزل فلا بأس أن يصليها في بيته إن لم يكن عزمه العكوف في المسجد وإن عزم ~~على العكوف في انتظار العتمة فهو الأفضل إذا كان آمنا من التصنع والرياء # والورد الثاني يدخل بدخول وقت العشاء الآخرة إلى حد نومة الناس وهو أول ~~استحكام الظلام وقد أقسم الله تعالى به إذ قال @QB@ والليل وما وسق @QE@ أي ~~وما جمع من ظلمته وقال @QB@ إلى غسق الليل @QE@ فهناك يغسق الليل وتستوسق ~~ظلمته وترتيب هذا الورد بمراءة ثلاثة أمور الأول أن يصلي سوى فرض العشاء ~~عشر ركعات أربعا قبل الفرض إحياء لما بين الأذانين وستا بعد الفرض ركعتين ~~ثم أربعا ويقرأ فيها من القرآن الآيات المخصوصة كآخر البقرة وآية الكرسي ~~وأول الحديد وآخر الحشر وغيرها والثاني أن يصلي ثلاث عشرة ركعة آخرهن الوتر ~~فإنه أكثر ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بها من الليل + حديث ~~الوتر ثلاث عشرة ركعة يعني بالليل وأنه أكثر ما صلى به النبي صلى الله عليه ~~وسلم من الليل أخرجه أبو داود من حديث عائشة لم يكن يوتر بأنقص من سبع ولا ~~بأكثر من ثلاث عشرة ركعة والبخاري من حديث ابن عباس وكانت صلاته ثلاث عشرة ~~ركعة يعني بالليل ومسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة وفي رواية ~~للشيخين منها ركعتا الفجر ولهما أيضا ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على ~~إحدى عشرة ركعة + والأكياس يأخذون أوقاتهم من أول الليل والأقوياء من آخره ~~والحزم التقديم فإنه ربما لا يستيقظ أو يثقل عليه القيام إلا إذا صار ذلك ~~عادة له فآخر الليل أفضل ثم ليقرأ في هذه الصلاة قدر ثلثمائة آية من السور ~~المخصوصة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر قراءتها مثل يس وسجدة ~~لقمان وسورة الدخان وتبارك الملك والزمر والواقعة + حديث إكثار صلى الله ~~عليه وسلم من قراءة يس وسجدة لقمان وسورة الدخان وتبارك الملك والزمر ~~والواقعة غريب لم أقف على ذكر الإكثار فيه وابن حبان من حديث جندب من قرأ ~~يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له والترمذي من حديث جابر كان لا ينام حتى ~~يقرأ ألم تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك وله من حديث عائشة كان لا ~~ينام حتى يقرأ بني إسرائيل والزمر وقال حسن غريب وله من حديث أبي هريرة من ~~قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك قال غريب ولأبي الشيخ ~~في الثواب من حديث عائشة من قرأ في ليلة الم تنزيل ويس وتبارك الذي بيده ~~الملك واقتربت كن له نورا الحديث ولأبي منصور المظفر بن الحسين الغزنوي في ~~فضائل القرآن من حديث علي يا علي أكثر من قراءة يس الحديث وهو منكر وللحارث ~~بن أبي أسامة من حديث ابن مسعود بسند ضعيف من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة ~~لم تصبه فاقة أبدا والترمذي من حديث ابن عباس شيبتني هود والواقعة الحديث ~~وقال حسن غريب + فإن لم يصل فلا يدع قراءة هذه السور أو بعضها PageV01P341 ~~قبل النوم فقد روى في ثلاث أحاديث ما كان يقرؤه رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم في كل ليلة أشهرها السجدة وتبارك الملك + حديث كان يقرأ في كل ليلة ~~الزمر وبني إسرائيل أخرجه الترمذي وتقدم في حديث قبله + والزمر والواقعة ~~وفي رواية الزمر وبني إسرائيل + حديث كان يقرأ المسبحات في كل ليلة ويقول ~~فيهن آية أفضل من ألف آية أخرجه أبو داود والترمذي وقال حسن والنسائي في ~~الكبرى من حديث عرباض بن سارية + وكان العلماء يجعلونها ستا فيزيدون سبح ~~اسم ربك الأعلى إذ في الخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب سبح اسم ربك ~~الأعلى وكان يقرأ في ثلاث ركعات الوتر ثلاث سور سبح اسم ربك الأعلى + حديث ~~كان يحب سبح اسم ربك الأعلى أخرجه أحمد والبزار من حديث علي بسند ضعيف + ~~وقل يا أيها الكافرون والإخلاص + حديث كان يقرأ في ثلاث ركعات الوتر بسبح ~~اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون والإخلاص أخرجه أبو داود والنسائي ~~وابن ماجه من حديث أبي بن كعب بإسناد صحيح وتقدم في الصلاة من حديث أنس + ~~فإذا فرغ قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات # الثالث الوتر وليوتر قبل النوم إن لم يكن عادته القيام قال أبو هريرة رضي ~~الله عنه أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أنام إلا على وتر + ~~حديث أبي هريرة أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أنام إلا على ~~وتر متفق عليه بلفظ أن أوتر قبل أن أنام + وإن كان معتادا صلاة الليل ~~فالتأخير أفضل قال صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح ~~فأوتر بركعة + حديث صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة متفق ~~عليه من حديث ابن عمر + وقالت عائشة رضي الله عنها أوتر رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أول الليل وأوسطه وآخره وانتهى وتره إلى السحر + حديث عائشة أوتر ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الليل وأوسطه وآخره وانتهى وتره إلى ~~السحر متفق عليه + وقال علي رضي الله عنه الوتر على ثلاثة أنحاء إن شئت ~~أوترت أول الليل ثم صليت ركعتين ركعتين يعني أنه يصير وترا بما مضى وإن شئت ~~أوترت بركعة فإذا استيقظت شفعت إليها أخرى ثم أوترت من آخر الليل وإن شئت ~~أخرت الوتر ليكون آخر صلاتك هذا ما روى عنه والطريق الأول والثالث لا بأس ~~به وأما نقض الوتر فقد صح فيه نهي فلا ينبغي أن ينقض + حديث النهي عن نقض ~~الوتر قال المصنف صح فيه نهي قلت وإنما صح من قول عابد بن عمرو وله صحبة ~~كما رواه البخاري ومن قول ابن عباس كما رواه البيهقي ولم يصرح بأنه مرفوع ~~فالظاهر أنه إنما أراد ما ذكرناه من الصحابة + وروى مطلقا أنه صلى الله ~~عليه وسلم قال لا وتران في ليلة + حديث لا وتران في ليلة أخرجه أبو داود ~~والترمذي وحسنه والنسائي من حديث طلق بن علي + ولمن يتردد في استيقاظه تلطف ~~استحسنه بعض العلماء وهو أن يصلي بعد الوتر ركعتين جالسا على فراشه عند ~~النوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزحف إلى فراشه ويصليهما ويقرأ ~~فيهما إذا زلزلت وألهاكم + حديث الركعتين بعد الوتر جالسا تقدم في الصلاة ~~رواه مسلم من حديث عائشة + لما فيهما من التحذير والوعيد وفي رواية قل يا ~~أيها الكافرون لما فيها من التبرئة وإفراد العبادة لله تعالى فقيل إن ~~استيقظ قامتا مقام ركعة واحدة وكان له أن يوتر بواحدة في آخر صلاة الليل ~~وكأنه صار ما مضى شفعا بهما وحسن استئناف الوتر واستحسن هذا أبو طالب المكي ~~وقال فيه ثلاثة أعمال قصر الأمل وتحصيل الوتر والوتر آخر الليل وهو كما ~~PageV01P342 ذكره لكن ربما يخطر أنهما لو شفعتا ما مضى لكان كذلك وإن لم ~~يستيقظ وأبطل وتره الأول فكونه شافعا إن استيقظ غير مشفع إن نام فبه نظر ~~إلا أن يصح من رسول الله صلى الله عليه وسلم إيتاره قبلهما وإعادته الوتر ~~فيفهم منه أن الركعتين شفع بصورتهما وتر بمعناهما فيحسب وترا إن لم يستيقظ ~~وشفعا إن استيقط # ثم يستحب بعد التسليم من الوتر أن يقول سبحان الملك القدوس رب الملائكة ~~والروح جللت السموات والأرض بالعظمة والجبروت وتعززت بالقدرة وقهرت العباد ~~بالموت روى أنه صلى الله عليه وسلم ما مات حتى كان أكثر صلاته جالسا إلا ~~المكتوبة + حديث ما مات حتى كان أكثر صلاته جالسا إلا المكتوبة متفق عليه ~~من حديث عائشة لما بدن النبي صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالسا ~~+ وقد قال للقاعد نصف أجر القائم وللنائم نصف أجر القاعد + حديث للقاعد نصف ~~أجر القائم وللنائم نصف أجر القاعد أخرجه البخاري من حديث عمران بن حصين + ~~وذلك يدل على صحة النافلة دائما # الورد الثالث النوم ولا بأس أن يعد ذلك في الأوراد فإنه إذا روعيت آدابه ~~احتسب عبادة فقد قيل إن للعبد إذا نام على طهارة وذكر الله تعالى يكتب ~~مصليا حتى يستيقظ ويدخل في شعاره ملك فإن تحرك في نومه فذكر الله تعالى دعا ~~له الملك واستغفر له الله + حديث قيل إنه إذا نام على طهارة ذاكرا لله ~~تعالى يكتب مصليا ويدخل في شعاره ملك الحديث أخرجه ابن حبان من حديث ابن ~~عمر من بات طاهرا بات في شعاره ملك فلم يستيقظ إلا قال الملك اللهم اغفر ~~لعبدك فلان فإنه بات طاهرا + وفي الخبر إذا نام على طهارة رفع روحه إلى ~~العرش + حديث إذا نام على الطهارة رفع روحه إلى العرش أخرجه ابن المبارك في ~~الزهد موقوفا على أبي الدرداء والبيهقي في الشعب موقوفا على عبد الله بن ~~عمرو بن العاص وروى الطبراني في الأوسط من حديث علي ما من عبد ولا أمة تنام ~~فتثقل نوما إلا عرج بروحه إلى العرش فالذي لا يستيقظ إلا عند العرش فتلك ~~الرؤيا التي تصدق والذي يستيقظ دون العرش فهي الرؤيا التي تكتب + هو ضعيف + ~~هذا في العوام فكيف بالخواص والعلماء وأرباب القلوب الصافية فإنهم يكاشفون ~~بالأسرار في النوم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم نوم العالم عبادة ونفسه ~~تسبيح + حديث نوم العالم عبادة ونفسه تسبيح قلت المعروف فيه الصائم دون ~~العالم وقد تقدم في الصوم + وقال معاذ لأبي موسى كيف تصنع في قيام الليل ~~فقال أقوم الليل أجمع لا أنام منه شيئا واتفوق في القرآن فيه تفوقا قال ~~معاذ لكني أنا أنام ثم أقوم وأحتسب في نومتي ما أحتسب من قومتي فذكرا ذلك ~~لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال معاذ أفقه منك + حديث قال معاذ لأبي ~~موسى كيف تصنع في قيام الليل فقال أقوم الليل أجمع لا أنام منه شيئا وأتفوق ~~القرآن تفوقا قال معاذ لكني أنام ثم أقوم وأحتسب في نومتي ما احتسب في ~~قومتي فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال معاذ أفقه منك متفق عليه ~~بنحوه من حديث أبي سعيد وليس فيه أنهما ذكرا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ~~ولا قوله معاذ أفقه منك وإنما زاد فيه الطبراني فكان معاذ أفضل منه + وآداب ~~النوم عشرة الأول الطهارة والسواك قال صلى الله عليه وسلم إذا نام العبد ~~على طهرة عرج بروحه إلى العرش فكانت رؤياه صادقة وإن لم ينم على طهارة قصرت ~~روحه عن البلوغ فتلك المنامات أضغاث أحلام لا تصدق + حديث إذا نام العبد ~~على طهارة عرج بروحه إلى العرش فكانت رؤياه صادقة الحديث تقدم + وهذا أريد ~~به طهارة الظاهر والباطن جميعا وطهارة الباطن هي المؤثرة في انكشاف حجب ~~الغيب الثاني أن يعد عنه رأسه سواكه وطهوره وينوي القيام للعبادة عند ~~التيقظ وكلما يتنبه يستاك كذلك كان يفعله بعض السلف وروى عن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم أنه كان يستاك في كل ليلة مرارا عند كل نومة وعند التنبه ~~منها + حديث أنه كان يستاك في كل ليلة مرارا عند كل نومة وعند التنبه منها ~~تقدم في الطهارة + وإن لم يتيسر له الطهارة يستحب له مسح الأعضاء بالماء ~~فإن لم يجد فليقعد وليستقبل القبله وليشتغل بالذكر والدعاء والتفكر في آلاء ~~الله تعالى وقدرته فذلك يقوم مقام قيام الليل وقال صلى الله عليه وسلم من ~~أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى يصبح كتب له ما ~~نوى وكان نومه صدقة عليه من الله تعالى + حديث من أتى فراشه وهو ينوي أن ~~يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى يصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة من ~~الله عليه أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث أبي الدرداء + بسند صحيح + ~~الثالث أن لا يبيت من له وصية إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه فإنه لا يأمن ~~PageV01P343 القبض في النوم فإن من مات من غير وصية لم يؤذن له في الكلام ~~بالبرزخ إلى يوم القيامة يتزاوره الأموات ويتحدثون وهو لا يتكلم فيقول ~~بعضهم لبعض هذا المسكين مات من غير وصية وذلك مستحب خوف موت الفجأة وموت ~~الفجأة تخفيف إلا لمن ليس مستعدا للموت بكونه مثقل الظهر بالمظالم الرابع ~~أن ينام تائبا من كل ذنب سليم القلب لجميع المسلمين لا يحدث نفسه بظلم أحد ~~ولا يعزم على معصية إن استيقظ قال صلى الله عليه وسلم من أوى إلى فراشه لا ~~ينوي ظلم أحد ولا يحقد على أحد غفر له ما اجترم + حديث من آوى إلى فراشه لا ~~ينوي ظلم أحد ولا يحقد على أحد غفر له ما اجترم أخرجه ابن أبي الدنيا في ~~كتاب النية من حديث أنس من أسبع ولم يهم بظلم أحد غفر له ما اجترم وسنده ~~ضعيف + الخامس أن لا يتنعم بتمهيد الفرش الناعمة بل يترك ذلك أو يقتصد فيه ~~كان بعض السلف يكره التمهيد للنوم ويرى ذلك تكلفا وكان أهل الصفة لا يجعلون ~~بينهم وبين التراب حاجزا ويقولون منها خلقنا وإليها نرد وكانوا يرون ذلك ~~أرق لقلوبهم وأجدر بتواضع نفوسهم فمن لم تسمح بذلك نفسه فليقتصد السادس أن ~~لا ينام ما لم يغلبه النوم ولا يتكلف استجلابه إلا إذا قصد به الاستعانة ~~على القيام في آخر الليل فقد كان نومهم غلبة وأكلهم فاقة وكلامهم ضرورة ~~ولذلك وصفوا بأنهم كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وإن غلبه النوم عن ~~الصلاة والذكر وصار لا يدري ما يقول فلينم حتى يعقل ما يقول وكان ابن عباس ~~رضي الله عنه يكره النوم قاعدا وفي الخبر لا تكابدوا الليل + حديث لا ~~تكابدوا الليل أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس بسند ~~ضعيف وفي جامع سفيان الثوري موقوفا على ابن مسعود لا تعالوا هذا الليل + ~~وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانة تصلي بالليل فإذا غلبها النوم ~~تعلقت بحبل فنهى عن ذلك وقال ليصل أحدكم من الليل ما تيسر له فإذا غلبه ~~النوم فليرقد + حديث قيل له إن فلانة تصلي فإذا غلبها النوم تعلقت بحبل ~~فنهاهن عن ذلك الحديث متفق عليه من حديث أنس + وقال صلى الله عليه وسلم ~~تكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لن يمل حتى تملوا + حديث تكلفوا من ~~العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا متفق عليه من حديث عائشة بلفظ ~~اكلفوا + وقال صلى الله عليه وسلم خير هذا الذين أيسره + حديث خير هذا ~~الدين أيسره أخرجه أحمد من حديث محجن بن الأدرع وتقدم في العلم + وقيل له ~~صلى الله عليه وسلم إن فلانا يصلي فلا ينام ويصوم فلا يفطر فقال لكني أصلي ~~وأنام وأصوم وأفطر هذه سنتي فمن رغب عنها فليس مني + حديث قيل له إن فلانا ~~يصلي ولا ينام ويصوم ولا يفطر فقال لكنني أصلي وأنام وأصوم وأفطر هذه سنتي ~~فمن رغب عنها فليس مني أخرجه النسائي من حديث عبد الله بن عمرو دون قوله ~~هذه سنتي الخ وهذه الزيادة لابن خزيمة من رغب عن سنتي فليس مني وهي متفق ~~عليها من حديث أنس + وقال صلى الله عليه وسلم لا تشادوا هذا الدين فإنه ~~متين فمن يشاده يغلبه فلا تبغض إلى نفسك عبادة الله + حديث لا تشادوا هذا ~~الدين فإنه متين فمن يشاده يغلبه ولا تبغض إلى نفسك عباده الله أخرجه ~~البخاري من حديث أبي هريرة لن يشاد هذا الدين أحدا إلا غلبه فسددوا وقاربوا ~~وللبيهقي من حديث جابر إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك ~~عبادة الله ولا يصح إسناده + السابع أن ينام مستقبل القبلة والاستقبال على ~~ضربين أحدهما استقبال المحتضر وهو المستلقي على قفاه فاستقباله أن يكون ~~وجهه وأخمصاه إلى القبلة والثاني استقبال اللحد وهو أن ينام على جنب بأن ~~يكون وجهه إليها مع قبالة بدنه إذا نام على شقه الأيمن الثامن الدعاء عند ~~النوم فيقول باسمك ربي وضعت جنبي وباسمك أرفعه إلى آخر الدعوات المأثورة ~~التي أوردناها في كتاب الدعوات + حديث الدعاء المأثور عند النوم باسمك ~~اللهم رب وضعت جنبي الحديث إلى آخر الدعوات المأثورة التي أوردناها في ~~الدعوات تقدم هناك وبقية الدعوات + ويستحب أن يقرأ الآيات المخصوصة مثل آية ~~الكرسي وآخر البقرة وغيرهما وقوله تعالى وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو إلى ~~قوله لقوم يعقلون يقال إن من قرأها عند النوم حفظ الله عليه القرآن فلم ~~ينسه ويقرأ من سورة الأعراف هذه الآية إن ربكم الله الذي خلق السموات ~~والأرض في ستة أيام إلى قوله PageV01P344 قريب من المحسنين وآخر بني ~~إسرائيل قل ادعوا الله الآيتين فإنه يدخل في شعاره ملك يوكل بحفظه فيستغفر ~~له ويقرأ المعوذتين وينفث بهن في يديه ويمسح بهما وجهه وسائر جسده كذلك روى ~~من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم + حديث قراءة المعوذتين عند النوم ~~ينفث بهن في يديه ويمسح بهما وجهه وسائر جسده متفق عليه من حديث عائشة + ~~وليقرأ عشرا من أول الكهف وعشرا من آخرها وهذه الآي للاستيقاظ لقيام الليل ~~وكان علي كرم الله وجهه يقول ما أرى أن رجلا مستكملا عقله ينام قبل أن يقرأ ~~الآيتين من آخر سورة البقرة وليقل خمسا وعشرين مرة سبحان الله والحمد لله ~~ولا إله إلا الله والله أكبر ليكون مجموع هذه الكلمات الأربع مائة مرة ~~التاسع أن يتذكر عند النوم أن النوم نوع وفاة والتيقظ نوع بعث قال الله ~~تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها @QB@ وقال @QE@ ~~وهو الذي يتوفاكم بالليل فسماه توفيا وكما أن المستيقظ تنكشف له مشاهدات لا ~~تناسب أحواله في النوم فكذلك المبعوث يرى ما لم يخطر قط بباله ولا شاهده ~~حسه ومثل النوم بين الحياة والموت مثل البزخ بين الدنيا والآخرة وقال لقمان ~~لابنه يا بني إن كنت تشك في الموت فلا تنم فكما أنك تنام كذلك تموت وإن كنت ~~تشك في البعث فلا تنتبه فكما أنك تنتبه بعد نومك فكذلك تبعث بعد موتك وقال ~~كعب الأحبار إذا نمت فاضطجع على شقك الأيمن واستقبل القبلة بوجهك فإنها ~~وفاة وقالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر ما ~~يقول حين ينام وهو واضع خده على يده اليمنى وهو يرى أنه ميت في ليلته تلك ~~اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء ومليكه + حديث ~~عائشة كان آخر ما يقول حين ينام وهو واضع خده على يده اليمنى اللهم رب ~~السموات السبع ورب العرش العظيم الحديث تقدم في الدعوات دون وضع الخد على ~~اليد وتقدم من حديث حفصة + الدعاء إلى آخره كما ذكرناه في كتاب الدعوات فحق ~~على العبد أن يفتش عن ثلاثة عند نومه أنه على ماذا ينام وما الغالب عليه حب ~~الله تعالى وحب لقائه أو حب الدنيا وليتحقق أنه يتوفى على ما هو الغالب ~~عليه ويحشر على ما يتوفى عليه فإن المرء مع من أحب ومع ما أحب # العاشر الدعاء عن التنبه فليقل في تيقظاته وتقلباته مهما تنبه ما كان ~~يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله الواحد القهار رب ~~السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار + حديث كان يقول عند تيقظه لا إله ~~إلا الله الواحد القهار رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار أخرجه ~~ابن السني وأبو نعيم في كتابيهما عمل اليوم والليلة من حديث عائشة + ~~وليجتهد أن يكون آخر ما يجري على قلبه عند النوم ذكر الله تعالى وأول ما ~~يرد على قلبه عند التيقظ ذكر الله تعالى فهو علامة الحب ولا يلازم القلب في ~~هاتين الحالتين إلا ما هو الغالب عليه فليجرب قلبه به فهو علامة الحب فإنها ~~علامة تكشف من باطن القلب وإنما استحبت هذه الأذكار لتستجر القلب إلى ذكر ~~الله تعالى فإذا استيقظ ليقوم قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا ~~وإليه النشور إلى آخر ما أوردناه من أدعية التيقظ # الورد الرابع يدخل بمضي النصف الأول من الليل إلى أن يبقى من الليل سدسه ~~وعند ذلك يقوم العبد للتهجد فاسم التهجد يختص بما بعد الهجود والهجوع وهو ~~النوم وهذا وسط الليل ويشبه الورد الذي بعد الزوال وهو وسط النهار وبه أقسم ~~الله تعالى فقال والليل إذا سجى أي إذا سكن وسكونه هدوه في هذا الوقت فلا ~~تبقى عين إلا نائمة سوى الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم وقيل إذا ~~سجى إذا امتد وطال وقيل إذا أظلم وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ~~الليل أسمع فقال جوف الليل + حديث سئل أي الليل أسمع قال جوف الليل أخرجه ~~أبو داود والترمذي وصححه من حديث عمرو بن عنبسه + وقال داود صلى الله عليه ~~وسلم إلهي إني أحب أن أتعبد لك فأي وقت أفضل فأوحى الله تعالى إليه يا داود ~~لا تقم أول الليل ولا آخره فإن من قام PageV01P345 أوله نام آخره ومن قام ~~آخره لم يقم أوله ولكن قم وسط الليل حتى تخلو بي وأخلو بك وارفع إلى جوائجك ~~وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الليل أفضل فقال نصف الليل الغابر + ~~حديث سئل أي الليل أفضل قال نصف الليل الغابر أخرجه أحمد وابن حبان من حديث ~~أبي ذر دون قوله 2 الغابر وهي في بعض طرق حديث عمرو بن عنبسة + يعني الباقي ~~وفي آخر الليل وردت الأخبار باهتزاز العرش وانتشار الرياح من جنات عدن ومن ~~نزول الجبار تعالى إلى سماء الدنيا + الأخبار الواردة في اهتزاز العرش ~~وانتشار الرياح من جنات عدن في آخر الليل ونزول الجبار إلى سماء الدنيا أما ~~حديث النزول فقد تقدم وأما الباقي فهي آثار رواها محمد بن نصر في قيام ~~الليل من رواية سعيد الجريري قال قال داود يا جبريل أي الليل أفضل قال ما ~~أدري غير أن العرش يهتز من السحر وفي رواية له عن الجريري عن سعيد بن أبي ~~الحسن قال إذا كان من السحر ألا ترى كيف تفوح ريح كل شجر وله من حديث أبي ~~الدرداء مرفوعا إن الله تبارك وتعالى لينزل في ثلاث ساعات بقين من الليل ~~يفتتح الذكر في الساعة الأولى @QB@ وفيه @QE@ ثم ينزل في الساعة الثانية ~~إلى جنة عدن الحديث وهو مثله + وغير ذلك من الأخبار وترتيب هذا الورد أنه ~~بعد الفراغ من الأدعية التي للاستيقاظ يتوضأ وضوءا كما سبق بسننه وآدابه ~~وأدعيته ثم يتوجه إلى مصلاه ويقوم مستقبلا القبلة ويقول الله أكبر كبيرا ~~والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ثم يسبح عشرا وليحمد الله عشرا ~~ويهلل عشرا وليقل الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة والجلال ~~والقدرة وليقل هذه الكلمات فإنها مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~في قيامه للتهجد اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ولك الحمد انت بهاء ~~السموات والأرض ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ولك الحمد أنت قيوم ~~السموات والأرض ومن فيهن ومن عليهن أنت الحق ومنك الحق ولقاؤك حق والجنة حق ~~والنار حق والنشور حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق اللهم لك ~~أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما ~~قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وأسرفت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله ~~إلا أنت + حديث القول في قيامه للتهجد اللهم لك الحمد أنت نور السموات ~~والأرض الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس دون قوله أنت بهاء السموات ~~والأرض ولك الحمد أنت زين السموات والأرض ودون قوله ومن عليهن ومنك الحق + ~~اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها + حديث ~~اللهم آت نفسي تقرأها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها أخرجه أحمد ~~بإسناد جيد من حديث عائشة أنها فقدت النبي صلى الله عليه وسلم من مضجعه ~~فلمسته بيدها فوقعت عليه وهو ساجد وهو يقول رب أعط نفسي تقواها الحديث + ~~اللهم اهدني لأحسن الأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا ~~يصرف عني سيئها إلا أنت + حديث اللهم اهدني لأحسن الأعمال لا يهدي لأحسنها ~~إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت أخرجه مسلم من حديث علي ~~عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة فذكره بلفظ ~~لأحسن الأخلاق وفيه زيادة في أوله + أسألك مسألة البائس المسكين وأدعوك ~~دعاء المفتقر الذليل فلا تجعلني بدعائك رب شقيا وكن بي رءوفا رحيما يا خير ~~المسئولين وأكرم المعطين + حديث أسألك مسألة البائس المسكين وأدعوك دعاء ~~المضطر الذليل الحديث أخرجه الطبراني في الصغير من حديث ابن عباس أنه كان ~~من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عشية عرفة تقدم في الحج + وقالت عائشة ~~رضي الله عنها كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته قال ~~اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة ~~أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق ~~بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيما + حديث عائشة كان إذا قام من ~~الليل افتتح صلاته قال اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات ~~والأرض الحديث رواه مسلم + ثم يفتتح الصلاة ويصلى ركعتين خفيفتين ثم يصلي ~~مثنى مثنى ما تيسر له ويختم بالوتر إن لم يكن قد صلى الوتر ويستحب أن يفصل ~~بين الصلاتين عند تسليمه بمائة تسبيحة ليستريح ويزيد نشاطه للصلاة وقد صح ~~في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل أنه صلى أولا ركعتين خفيفتين ~~ثم ركعتين طويلتين ثم ركعتين دون اللتين قبلهما ثم لم يزل يقصر بالتدريج ~~إلى ثلاث عشرة PageV01P346 ركعة + حديث أنه صلى بالليل أولا ركعتين خفيفتين ~~ثم ركعتين طويلتين ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم لم يزل يقصر ~~بالتدريج إلى ثلاث عشرة ركعة أخرجه مسلم من حديث زيد بن خالد الجهني + ~~وسئلت عائشة رضي الله عنها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر في قيام ~~الليل أم يسر فقالت ربما جهر وربما أسر + حديث سئلت عائشة أكان يجهر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل أم يسر فقالت ربما جهر وربما أسر ~~أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح + وقال صلى الله عليه وسلم ~~صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة + حديث صلاة الليل مثنى ~~مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة متفق عليه وقد تقدم + وقال صلاة المغرب ~~أوترت صلاة النهار فأوتروا صلاة الليل + حديث صلاة المغرب أوترت صلاة ~~النهار فأوتروا صلاة الليل أخرجه أحمد من حديث ابن عمر بإسناد صحيح + وأكثر ~~ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل ثلاث عشرة ركعة + ~~حديث القيام من الليل ثلاث عشرة ركعة فإنه أكثر ما صح عنه تقدم + ويقرأ في ~~هذه الركعات من ورده من القرآن أو من السور المخصوصة ما خف عليه وهو في حكم ~~هذا الورد قريب من السدس الأخير من الليل # الورد الخامس السدس الأخير من الليل وهو وقت السحر فإن الله تعالى قال ~~@QB@ وبالأسحار هم يستغفرون @QE@ قيل يصلون لما فيها من الاستغفار وهو ~~مقارب للفجر الذي هو وقت انصراف ملائكة الليل وإقبال ملائكة النهار وقد أمر ~~بهذا الورد سلمان أخاه أبا الدرداء رضي الله عنهما ليلة زاره + حديث زار ~~سلمان أبا الدرداء فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم فقال له سلمان نم ~~فنام الحديث وفي آخره فقال صدق سلمان أخرجه البخاري من حديث أبي جحيفة + في ~~حديث طويل قال في آخره فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم فقال له سلمان ~~نم فنام ثم ذهب ليقوم فقال له نم فنام فلما كان عند الصبح قال له سلمان قم ~~الآن فقاما فصليا فقال إن لنفسك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لأهلك ~~عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه وذلك أن امرأة أبي الدرداء أخبرت سلمان أنه لا ~~ينام الليل قال فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال صدق ~~سلمان وهذا هو الورد الخامس وفيه يستحب السحور وذلك عند خوف طلوع الفجر ~~والوظيفة في هذين الوردين الصلاة فإذا طلع الفجر انقضت أوراد الليل ودخلت ~~أوراد النهار فيقوم ويصلي ركعتي الفجر وهو المراد بقوله تعالى ومن الليل ~~فسبحه وإدبار النجوم ثم يقرأ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة إلى ~~آخرها ثم يقول وأنا أشهد بما شهد الله به لنفسه وشهدت به ملائكته وأولو ~~العلم من خلقه وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله تعالى وديعة ~~وأسأله حفظها حتى يتوفاني عليها اللهم احطط عني بها وزرا واجعلها لي عندك ~~ذخرا واحفظها علي وتوفني عليها حتى ألقاك بها غير مبدل تبديلا فهذا ترتيب ~~الأوراد للعباد وقد كانوا يستحبون أن يجمعوا مع ذلك في كل يوم بين أربعة ~~أمور صوم وصدقة وإن قلت وعيادة مريض وشهود جنازة ففي الخبر من جمع بين هذه ~~الأربع في يوم غفر له + حديث من جمع بين صوم وصدقة وعيادة مريض وشهود جنازة ~~في يوم غفر له وفي رواية دخل الجنة أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ما اجتمعن ~~في امرىء إلا دخل الجنة + وفي رواية دخل الجنة فإن أنفق بعضها وعجز عن ~~الآخر كان له أجر الجميع بحسب نيته وكانوا يكرهون أن ينقضي اليوم ولم ~~يتصدقوا فيه بصدقة ولو بتمرة أو بصلة أو كسرة خبز لقوله صلى الله عليه وسلم ~~الرجل في ظل صدقته حتى يقضي بين الناس + حديث الرجل في ظل صدقته حتى يقضى ~~بين الناس تقدم في الزكاة + ولقوله صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق ~~تمرة + حديث اتقوا النار ولو بشق تمرة تقدم في الزكاة + ودفعت عائشة رضي ~~الله عنها إلى سائل عنبة واحدة فأخذها فنظر من كان عندها بعضهم إلى بعض ~~فقالت ما لكم إن فيها لمثاقيل ذر كثير وكانوا لا يستحبون رد السائل إذ كان ~~من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك PageV01P347 ما سأله أحد شيئا ~~فقال لا ولكنه إن لم يقدر عليه سكت + حديث ما سأله أحد شيئا فقال لا إن لم ~~يقدر عليه سكت أخرجه مسلم من حديث جابر وللبزار من حديث أنس أو يسكت + وفي ~~الخبر يصبح ابن آدم وعلى كل سلامى من جسده صدقة يعني المفصل وفي جسده ~~ثلثمائة وستون مفصلا فأمرك بالمعروف صدقة ونهيك عن المنكر صدقة وحملك عن ~~الضعيف صدقة وهدايتك إلى الطريق صدقة وإماطتك الأذى صدقة حتى ذكر التسبيح ~~والتهليل ثم قال وركعتا الضحى تأتي على ذلك كله أو تجمعن لك ذلك كله + حديث ~~يصبح ابن آدم وعلى كل سلامى من جسده صدقة الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي ذر ~~+ # | بيان اختلاف الأوراد باختلاف الأحوال # اعلم أن المريد لحرث الآخرة السالك لطريقها لا يخلو عن ستة أحوال فإنه ~~إما عابد وإما عالم وإما متعلم وإما وال وإما محترف وإما موحد مستغرق ~~بالواحد الصمد عن غيره الأول العابد وهو المتجرد للعبادة الذي لا شغل له ~~غيرها أصلا ولو ترك العبادة لجلس بطالا فترتيب أوراده ما ذكرناه نعم لا ~~يبعد أن تختلف وظائفه بأن يستغرق أكثر أوقاته إما في الصلاة أو القراءة أو ~~في التسبيحات فقد كان في الصحابة رضي الله عنهم من ورده في اليوم اثنا عشر ~~ألف تسبيحة وكان فيهم من ورده ثلاثون ألفا وكان فيهم من ورده ثلثمائة ركعة ~~إلى ستمائة وإلى ألف ركعة وأقل ما نقل في أورادهم من الصلاة مائة ركعة في ~~اليوم والليلة وكان بعضهم أكثر ورده القرآن وكان يختم الواحد منهم في اليوم ~~مرة وروى مرتين عن بعضهم وكان بعضهم يقضي اليوم أو الليل في التفكر في آية ~~واحدة يرددها وكان كرز بن وبرة مقيما بمكة فكان يطوف في كل يوم سبعين ~~أسبوعا وفي كل ليلة سبعين أسبوعا وكان مع ذلك يختم القرآن في اليوم والليلة ~~مرتين فحسب ذلك فكان عشرة فراسخ ويكون مع كل أسبوع ركعتان فهو مائتان ~~وثمانون ركعة وختمتان وعشرة فراسخ فإن قلت فما الأولى أن يصرف إليه أكثر ~~الأوقات من هذه الأوراد فاعلم أن قراءة القرآن في الصلاة قائما مع التدبر ~~يجمع الجميع ولكن ربما تعسر المواظبة عليه فالأفضل يختلف باختلاف حال الشخص ~~ومقصود الأوراد تزكية القلب وتطهيره وتحليته بذكر الله تعالى وإيناسه به ~~فلينظر المريد إلى قلبه فما يراه أشد تأثيرا فيه فليواظب عليه فإذا أحس ~~بملالة منه فلينتقل إلى غيره ولذلك نرى الأصوب لأكثر الخلق توزيع هذه ~~الخيرات المختلفة على الأوقات كما سبق والانتقال فيها من نوع إلى نوع لأن ~~الملال هو الغالب على الطبع وأحوال الشخص الواحد في ذلك أيضا تختلف ولكن ~~إذا فهم فقه الأوراد وسرها فليتبع المعنى فإن سمع تسبيحة مثلا وأحس لها ~~بوقع قلبه فليواظب على تكرارها ما دام يجد لها وقعا وقد روى عن إبراهيم بن ~~أدهم عن بعض الأبدال أنه قام ذات ليلة يصلى على شاطىء البحر فسمع صوتا ~~عاليا بالتسبيح ولم ير أحدا فقال من أنت أسمع صوتك ولا أرى شخصك فقال أنا ~~ملك من الملائكة موكل بهذا البحر أسبح الله تعالى بهذا التسبيح منذ خلقت ~~قلت فما اسمك قال مهلهيائيل قلت فما ثواب من قاله قال من قاله مائة مرة لم ~~يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له والتسبيح هو قوله سبحان الله العلي ~~الديان سبحان الله الشديد الأركان سبحان من يذهب بالليل ويأتي بالنهار ~~سبحان من لا يشغله شأن عن شأن سبحان الله الحنان المنان سبحان الله المسبح ~~في كل مكان فهذا وأمثاله إذا سمعه المريد ووجد له في قلبه وقعا فليلازمه ~~وأيا ما وجد القلب عنده وفتح له فيه خير فليواظب عليه الثاني العالم الذي ~~ينفع الناس بعلمه في فتوى أو تدريس أو تصنيف فترتيبه الأوراد يخالف ترتيب ~~العابد فإنه يحتاج إلى المطالعة للكتب وإلى التصنيف والإفادة ويحتاج إلى ~~مدة لها لا محالة فإن أمكنه استغراق الأوقات فيه فهو أفضل ما يشتغل ~~PageV01P348 به بعد المكتوبات ورواتبها ويدل على ذلك جميع ما ذكرناه في ~~فضيلة التعليم والتعلم في كتاب العلم وكيف لا يكون كذلك وفي العلم المواظبة ~~على ذكر الله تعالى وتأمل ما قال الله تعالى وقال رسوله وفيه منفعة الخلق ~~وهدايتهم إلى طريق الآخرة ورب مسألة واحدة يتعلمها المتعلم فيصلح بها عبادة ~~عمره ولو لم يتعلمها لكان سعيه ضائعا وإنما نعني بالعلم المقدم على العبادة ~~العلم الذي يرغب الناس في الآخرة ويزهدهم في الدنيا أو العلم الذي يعينهم ~~على سلوك طريق الآخرة إذا تعلموه على قصد الاستعانة به على السلوك دون ~~العلوم التي تزيد بها الرغبة في المال والجاه وقبول الخلق والأولى بالعالم ~~أن يقسم أوقاته أيضا فإن استغراق الأوقات في ترتيب العلم لا يحتمله الطبع ~~فينبغي أن يخصص ما بعد الصبح إلى طلوع الشمس بالأذكار والأوراد كما ذكرناه ~~في الورد الأول وبعد الطلوع إلى ضحوة النهار في الإفادة والتعليم إن كان ~~عنده من يستفيد علما لأجل الآخرة وإن لم يكن فيصرفه إلى الفكر ويتفكر فيما ~~يشكل عليه من علوم الدين فإن صفاء القلب بعد الفراغ من الذكر وقبل الاشتغال ~~بهموم الدنيا يعين على التفطن للمشكلات ومن ضحوة النهار إلى العصر للتصنيف ~~والمطالعة لا يتركها إلا في وقت أكل وطهارة ومكتوبة وقيلولة خفيفة إن طال ~~النهار ومن العصر إلى الاصفرار يشتغل بسماع ما يقرأ بين يديه من تفسير أو ~~حديث أو علم نافع ومن الاصفرار إلى الغروب يشتغل بالذكر والاستغفار ~~والتسبيح فيكون ورده الأول قبل طلوع الشمس في عمل اللسان وورده الثاني في ~~عمل القلب بالفكر إلى الضحوة وورده الثالث إلى العصر في عمل العين واليد ~~بالمطالعة والكتابة وورده الرابع بعد العصر في عمل السمع ليروح فيه العين ~~واليد فإن المطالعة والكتابة بعد العصر ربما أضرا بالعين وعند الاصفرار ~~يعود إلى ذكر اللسان فلا يخلو جزء من النهار عن عمل له بالجوارح مع حضور ~~القلب في الجميع وأما الليل فأحسن قسم فيه قسمة الشافعي رضي الله عنه إذ ~~كان يقسم الليل ثلاثة أجزاء ثلثا للمطالعة وترتيب العلم وهو الأول وثلثا ~~للصلاة وهو الوسط وثلثا للنوم وهو الأخير وهذا يتيسر في ليالي الشتاء ~~والصيف ربما لا يحتمل ذلك إلا إذا كان أكثر النوم بالنهار فهذا ما نستحبه ~~من ترتيب أوراد العالم الثالث المتعلم والاشتغال بالتعلم أفضل من الاشتغال ~~بالأذكار والنوافل فحكمه حكم العالم في ترتيب الأوراد ولكن يشتغل ~~بالاستفادة حيث يشتغل العالم بالإفادة وبالتعليق والنسخ حيث يشتغل العالم ~~بالتصنيف ويرتب أوقاته كما ذكرنا وكل ما ذكرناه في فضيلة التعلم والعلم من ~~كتاب العلم يدل على أن ذلك أفضل بل إن لم يكن متعلما على معنى أنه يعلق ~~ويحصل ليصير عالما بل كان من العوام فحضوره مجالس الذكر والوعظ والعلم أفضل ~~من اشتغاله بالأوراد التي ذكرناها بعد الصبح وبعد الطلوع وفي سائر الأوقات ~~ففي حديث أبي ذر رضي الله عنه أن حضور مجلس ذكر أفضل من صلاة ألف ركعة ~~وشهود ألف جنازة وعيادة ألف مريض + حديث أبي ذر حضور مجلس علم أفضل من صلاة ~~ألف ركعة الحديث تقدم في العلم + وقال صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم رياض ~~الجنة فارتعوا فيها فقيل يا رسول الله وما رياض الجنة قال حلق الذكر + حديث ~~إذا رأيتم رياض الجنة فارتعوا فيها الحديث تقدم في العلم + وقال كعب ~~الأحبار رضي الله عنه لو أن ثواب مجالس العلماء بدا للناس لاقتتلوا عليه ~~حتى يترك كل ذي إمارة إمارته وكل ذي سوق سوقه وقال عمر بن الخطاب رضي الله ~~عنه إن الرجل ليخرج من منزله وعليه من الذنوب مثل جبال تهامة فإذا سمع ~~العالم خاف واسترجع عن ذنوبه وانصرف إلى منزله وليس عليه ذنب فلا تفارقوا ~~مجالس العلماء فإن الله عز وجل لم يخلق على وجه الأرض تربة أكرم من مجالس ~~العلماء وقال رجل للحسن رحمه الله أشكو إليك قساوة قلبي فقال أدنه من مجالس ~~الذكر PageV01P349 ورأى عمار الزاهدي مسكينة الطفاوية في المنام وكانت من ~~المواظبات على حلق الذكر فقال مرحبا يا مسكينة فقالت هيهات هيهات ذهبت ~~المسكنة وجاء الغنى فقال هيه فقالت ما تسأل عمن أبيح لها الجنة بحذافيراها ~~قال وبم ذلك قالت بمجالسة أهل الذكر وعلى الجملة فما ينحل عن القلب من عقد ~~حب الدنيا بقول واعظ حسن الكلام زكي السيرة أشرف وأنفع من ركعات كثيرة مع ~~اشتمال القلب على حب الدنيا الرابع المحترف الذي يحتاج إلى الكسب لعياله ~~فليس له أن يضيع العيال ويستغرق الأوقات في العبادات بل ورده في وقت ~~الصناعة حضور السوق والاشتغال بالكسب ولكن ينبغي أن لا ينسى ذكر الله تعالى ~~في صناعته بل يواظب على التسبيحات الأذكار وقراءة القرآن فإن ذلك يمكن أن ~~يجمع إلى العمل وإنما لا يتيسر مع العمل الصلاة إلا أن يكون ناظورا فإنه لا ~~يعجز عن إقامة أوراد الصلاة معه ثم مهما فرغ من كفايته ينبغي أن يعود إلى ~~ترتيب الأوراد وإن داوم على الكسب وتصدق بما فضل عن حاجته فهو أفضل من سائر ~~الأوراد التي ذكرناها لأن العبادات المتعدية فائدتها أنفع من اللازمة ~~والصدقة والكسب على هذه النية عبادة له في نفسه تقربه إلى الله تعالى ثم ~~يحصل به فائدة للغير وتتجذب إليه بركات دعوات المسلمين ويتضاعف به الأجر ~~الخامس الوالي مثل الإمام والقاضي والمتولي في أمور المسلمين فقيامه بحاجات ~~المسلمين وأغراضهم على وفق الشرع وقصد الإخلاص أفضل من الأوراد المذكورة ~~فحقه أن يشتغل بحقوق الناس نهارا ويقتصر على المكتوبة ويقيم الأوراد ~~المذكورة بالليل كما كان عمر رضي الله عنه يفعله إذ قال مالي وللنوم فلو ~~نمت بالنهار ضيعت المسلمين ولو نمت بالليل ضيعت نفسي وقد فهمت بما ذكرناه ~~أنه يقدم على العبادات البدنية أمران أحدهما العلم والآخر الرفق بالمسلمين ~~لأن كل واحد من العلم وفعل المعروف عمل في نفسه وعبادة تفضل سائر العبادات ~~يتعدى فائدته وانتشار جدواه فكانا مقدمين عليه السادس الموحد المستغرق ~~بالواحد الصمد الذي أصبح وهمومه هم واحد فلا يحب إلا الله تعالى ولا يخاف ~~إلا منه ولا يتوقع الرزق من غيره ولا ينظر في شيء إلا ويرى الله تعالى فيه ~~فمن ارتفعت رتبته إلى هذه الدرجة لم يفتقر إلى تنويع الأوراد واختلافها بل ~~كان ورده بعد المكتوبات واحد وهو حضور القلب مع الله تعالى في كل حال فلا ~~يخطر بقلوبهم أمر ولا يقرع سمعهم قارع ولا يلوح لأبصارهم لائح إلا كان لهم ~~فيه عبرة وفكر ومزيد فلا محرك لهم ولا مسكن إلا الله تعالى فهؤلاء جميع ~~أحوالهم تصلح أن تكون سببا لازيادهم فلا تتميز عندهم عبادة عن عبادة وهم ~~الذين فروا إلى الله عز وجل كما قال تعالى لعلكم تذكرون ففروا إلى الله ~~وتحقق فيهم قوله تعالى وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ~~ينشر لكم ربكم من رحمته وإليه الإشارة بقوله إني ذاهب إلى ربي سيهدين وهذه ~~منتهى درجات الصديقين ولا وصول إليها إلا بعد ترتيب الأوراد والمواظبة ~~عليها دهرا طويلا فلا ينبغي أن يغتر المريد بما سمعه من ذلك فيدعيه لنفسه ~~ويفتر عن وظائف عبادته فذلك علامته أن لا يهجس في قلبه وسواس ولا يخطر في ~~قلبه معصية ولا ترعجه هواجم الأهوال ولا تستفزه عظائم الأشغال وأنى ترزق ~~هذه الرتبة لكل أحد فيتعين على الكافة ترتيب الأوراد كما ذكرناه وجميع ما ~~ذكرناه طرق إلى الله تعالى قال تعالى قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن ~~هو أهدى سبيلا فكلهم مهتدون وبعضهم أهدى من بعض وفي الخبر الإيمان ثلاث ~~وثلاثون وثلثمائة طريقة من لقى الله تعالى بالشهادة على طريق منها دخل ~~الجنة + حديث الإيمان ثلاث وثلاثون وثلثمائة طريقة من لقي الله بالشهادة ~~على طريق منها دخل الجنة أخرجه ابن شاهين واللالكائي في السنة والطبراني ~~والبيهقي في الشعب من رواية المغيرة بن عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه عن جده ~~االإيمان ثلثمائة وثلاثة وثلاثون شريعة من وافى شريعة منهن دخل الجنة وقال ~~الطبراني والبيهقي ثلثمائة وثلاثون وفي إسناده جهالة + وقال بعض العلماء ~~الإيمان ثلثمائة وثلاثة عشر خلقا PageV01P350 بعدد الرسل فكل مؤمن على خلق ~~منها فهو سالك الطريق إلى الله # فإذن الناس وإن اختلفت طرقهم في العبادة فكلهم على الصواب أولئك الذين ~~يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب وإنما يتفاوتون في درجات القرب لا ~~في أصله وأقربهم إلى الله تعالى أعرفهم به وأعرفهم به لا بد وأن يكون ~~أعبدهم له فمن عرفه لم يعبد غيره والأصل في الأوراد في حق كل صنف من الناس ~~المداومة فإن المراد منه تغيير الصفات الباطنة وآحاد الأعمال يقل آثارها بل ~~لا يحس بآثارها وإنما يترتب الأثر على المجموع فإذا لم يعقب العمل الواحد ~~أثرا محسوسا ولم يردف بثان وثالث على القرب انمحى الأثر الأول وكان كالفقيه ~~يريد أن يكون فقيه النفس فإنه لا يصير فقيه النفس إلا بتكرار كثير فلو بالغ ~~ليلة في التكرار وترك شهرا أو أسبوعا ثم عاد وبالغ ليلة لم يؤثر هذا فيه ~~ولو وزع ذلك القدر على الليالي المتواصلة لأثر فيه ولهذا السر قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل + حديث أحب ~~الأعمال إلى الله أدومها وإن قل متفق عليه من حديث عائشة + وسئلت عائشة رضي ~~الله عنها عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان عمله ديمة وكان ~~إذا عمل عملا أثبته + حديث سئلت عائشة عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فقالت كان عمله ديمه وكان إذا عمل عملا أثبته رواه مسلم + ولذلك قال صلى ~~الله عليه وسلم من عوده الله عبادة فتركها ملالة مقته الله + حديث من عوده ~~الله عبادة فتركها ملالا مقته الله تقدم في الصلاة وهو موقوف على عائشة + ~~وهذا كان السبب في صلاته بعد العصر تداركا لما فاته من ركعتين شغله عنهما ~~الوفد ثم لم يزل بعد ذلك يصليهما بعد العصر ولكن في منزله لا في المسجد ~~كيلا يقتدي به + حديث شغله الوفد عن ركعتين فصلاهما بعد العصر ثم لم يزل ~~يصليهما بعد العصر في منزله متفق عليه من حديث أم سلمة أنه صلى بعد العصر ~~ركعتين وقال شغلني ناس من عبد القيس عن الركعتين بعد الظهر ولهما من حديث ~~عائشة ما تركهما حتى لقي الله وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما ولا ~~يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته والله الموفق للصواب + روته ~~عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما فإن قلت فهل لغيره أن يقتدي به في ذلك مع أن ~~الوقت وقت كراهية فاعلم أن المعاني الثلاثة التي ذكرناها في الكراهية من ~~الاحتراز عن التشبه بعبدة الشمس أو السجود وقت ظهور قرن الشيطان أو ~~الاستراحة عن العبادة حذرا من الملال لا يتحقق في حقه فلا يقاس عليه في ذلك ~~غيره ويشهد لذلك فعله في المنزل حتى لا يقتدي به صلى الله عليه وسلم # | الباب الثاني في الأسباب الميسرة لقيام الليل وفي الليالي التي يستحب # إحياؤها وفي فضيلة إحياء الليل وما بين العشاءين وكيفية قسمة الليل فضيلة ~~إحياء ما بين العشاءين # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روت عائشة رضي الله عنها إن أفضل ~~الصلوات عند الله صلاة المغرب لم يحطها عن مسافر ولا عن مقيم فتح بها فقضى ~~صلاة الليل وختم بها صلاة النهار فمن صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين بنى ~~الله له قصر في الجنة # | الباب الثاني في الاسباب الميسرة لقيام الليل حديث عائشة إن أفضل # الصلاة عند الله صلاة المغرب لم يحطها عن مسافر ولا عن مقيم الحديث رواه ~~أبو الوليد يونس بن عبيد الله الصفار في كتاب الصلاة ورواه الطبراني في ~~الأوسط مختصرا وإسناده ضعيف + قال الراوي لا أدري من ذهب أو فضة ومن صلى ~~بعدها أربع ركعات غفر له ذنب عشرين سنة أو قال أربعين سنة وروت أم سلمة ~~وأبو هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى ست ~~ركعات بعد المغرب عدلت له عبادة سنة كاملة أو كأنه صلى ليلة القدر + حديث ~~أم سلمة عن أبي هريرة من صلى ست ركعات بعد المغرب عدلت له عبادة سنة أو ~~كأنه صلى ليلة القدر أخرجه الترمذي وابن ماجه بلفظ اثنتي عشرة سنة وضعفه ~~الترمذي وأما قوله كأنه صلى ليلة القدر فهو من قول كعب الأحبار كما رواه ~~أبو الوليد الصفار ولأبي منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس ~~من صلى أربع ركعات بعد المغرب قبل أن يكلم أحدا وضعت له في عليين وكان كمن ~~أدرك ليلة القدر في المسجد الأقصى وسنده ضعيف + وعن سعيد بن جبير عن ثوبان ~~PageV01P351 قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عكف نفسه فيما بين ~~المغرب والعشاء في مسجد جماعة لم يتكلم إلا بصلاة أو قرآن كان حقا على الله ~~أن يبني له قصرين في الجنة مسيرة كل قصر منهما مائة عام ويغرس له بينهما ~~غراسا لو طافه أهل الدنيا لوسعهم + حديث سعيد بن جبير عن ثوبان من عكف نفسه ~~ما بين المغرب والعشاء في مسجد جماعة لم يتكلم إلا بصلاة أو قرآن كان حقا ~~على الله أن يبني له قصرين في الجنة لم أجد له أصلا من هذا الوجه وقد تقدم ~~في الصلاة من حديث ابن عمر + وقال صلى الله عليه وسلم من ركع عشر ركعات ما ~~بين المغرب والعشاء بنى الله له قصرا في الجنة فقال عمر رضي الله عنه إذا ~~تكثر قصورنا يا رسول الله فقال الله أكثر وأفضل أو قال أطيب + حديث من ركع ~~عشر ركعات بين المغرب والعشاء بنى الله له قصرا في الجنة فقال عمر إذا تكثر ~~قصورنا يا رسول الله الحديث أخرجه ابن المبارك في الزهد من حديث عبد الكريم ~~ابن الحارث مرسلا + وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم من صلى المغرب في جماعة ثم صلى بعدها ركعتين ولم يتكلم بشيء ~~فيما بين ذلك من أمر الدنيا ويقرأ في الركعة الأولى فاتحة الكتاب وعشر آيات ~~من أول سورة البقرة وآيتين من وسطها وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن ~~الرحيم إن في خلق السموات والأرض إلى آخر الآية وقل هو الله أحد خمس عشرة ~~مرة ثم يركع ويسجد فإذا قام في الركعة الثانية قرأ فاتحة الكتاب وآية ~~الكرسي وآيتين بعدها إلى قوله أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وثلاث آيات ~~من آخر سورة البقرة من قوله لله ما في السموات وما في الأرض إلى آخرها وقل ~~هو الله أحد خمس عشرة مرة + حديث أنس من صلى المغرب في جماعة ثم صلى بعدها ~~ركعتين ولا يتكلم بشيء فيما بين ذلك من أمر الدنيا ويقرأ في الركعة الأولى ~~بفاتحة الكتاب وعشر آيات من أول البقرة وآيتين من وسطها وإلهكم إله واحد ~~الحديث أخرجه أبو الشيخ في الثواب من رواية زياد بن ميمون عنه مع اختلاف ~~يسير وهو ضعيف + وصف من ثوابه في الحديث ما يخرج عن الحصر وقال كرز بن وبرة ~~وهو من الأبدال قلت للخضر عليه السلام علمني شيئا أعمله في كل ليلة فقال ~~إذا صليت المغرب فقم إلى وقت صلاة العشاء مصليا من غير أن تكلم أحدا وأقبل ~~على صلاتك التي أنت فيها وسلم من كل ركعتين واقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب ~~مرة وقل هو الله أحد ثلاثا فإن فرغت من صلاتك انصرف إلى منزلك ولا تكلم ~~أحدا وصل ركعتين واقرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد سبع مرات في كل ركعة ~~ثم اسجد بعد تسليمك واستغفر الله تعالى سبع مرات وقل سبحان الله والحمد لله ~~ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سبع ~~مرات ثم ارفع رأسك من السجود واستو جالسا وارفع يديك وقل يا حي يا قيوم يا ~~ذا الجلال والإكرام يا إله الأولين والآخرين يا رحمن الدنيا والآخرة ~~ورحيمهما يا رب يا رب يا رب يا الله يا الله يا الله ثم قم وأنت رافع يديك ~~وأدع بهذا الدعاء ثم نم حيث شئت مستقبل القبلة على يمينك وصل على النبي صلى ~~الله عليه وسلم وأدم الصلاة عليه حتى يذهب بك النوم فقلت له أحب أن تعلمني ~~ممن سمعت هذا فقال إني حضرت محمدا صلى الله عليه وسلم حيث علم هذا الدعاء ~~وأوحى إليه به فكنت عنده وكان ذلك بمحضر مني فتعلمته ممن علمه إياه + حديث ~~كرز بن وبرة أن الخضر علمه صلاة بين المغرب والعشاء وفيه أن كرزا سأل الخضر ~~ممن سمعت هذا قال إني حضرت محمدا صلى الله عليه وسلم حين علم هذا الدعاء ~~الحديث وهذا باطل لا أصل له + ويقال إن هذا الدعاء وهذه الصلاة من داوم ~~عليهما بحسن يقين وصدق نية رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه قبل ~~أن يخرج من الدنيا وقد فعل ذلك بعض الناس فرأى أنه أدخل الجنة ورأى فيها ~~الأنبياء ورأى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه وعلمه وعلى الجملة ~~ما ورد في فضل إحياء ما بين العشاءين كثير حتى قيل لعبيد الله مولى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصلاة ~~غير المكتوبة قال ما بين المغرب والعشاء + حديث عبيد مولى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وقيل له هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصلاة ~~غير المكتوبة قال ما بين المغرب والعشاء رواه أحمد وفيه رجل لم يسم + وقال ~~صلى الله عليه وسلم من صلى ما بين المغرب والعشاء تلك PageV01P352 صلاة ~~الأوابين + حديث من صلى ما بين المغرب والعشاء فذلك صلاة الأوابين تقدم في ~~الصلاة + وقال الأسود ما أتيت ابن مسعود رضي الله عنه في هذا الوقت إلا ~~ورأيته يصلي فسألته فقال نعم هي ساعة الغفلة وكان أنس رضي الله عنه يواظب ~~عليها ويقول هي ناشئة الليل ويقول فيها نزل قوله تعالى @QB@ تتجافى جنوبهم ~~عن المضاجع @QE@ وقال أحمد بن أبي الحواري قلت لأبي سليمان الداراني أصوم ~~النهار وأتعشى بين المغرب والعشاء أحب إليك أو أفطر بالنهار وأحيي ما ~~بينهما فقال اجمع بينهما فقلت إن لم يتيسر قال أفطر وصل ما بينهما فضيلة ~~قيام الليل # أما من الايات فقوله تعالى @QB@ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ~~@QE@ الاية وقوله تعالى @QB@ إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا @QE@ ~~وقوله سبحانه وتعالى @QB@ تتجافى جنوبهم عن المضاجع @QE@ وقوله تعالى أمن ~~هو قانت آناء الليل الآية وقوله عز وجل @QB@ والذين يبيتون لربهم سجدا ~~وقياما @QE@ وقوله تعالى @QB@ واستعينوا بالصبر والصلاة @QE@ قيل هي قيام ~~الليل يستعان بالصبر عليه على مجاهدة النفس ومن الأخبار قوله صلى الله عليه ~~وسلم يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب مكان كل ~~عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ وذكر الله تعالى انحلت عقدة فإن توضأ ~~انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس ~~كسلان + حديث يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد الحديث ~~متفق عليه من حديث أبي هريرة + وفي الخبر أنه ذكر عنده رجل ينام كل الليل ~~حتى يصبح فقال ذاك رجل بال الشيطان في ادنه + حديث ذكر عنده رجل نام حتى ~~أصبح ذاك رجل بال الشيطان في أذنه متفق عليه من حديث ابن مسعود + وفي الخبر ~~إن للشيطان سعوطا ولعوقا وذرورا فإذا أسعط العبد ساء خلقه وإذا ألعقه ذرب ~~لسانه بالشر وإذا ذره نام الليل حتى يصبح + حديث إن للشيطان سعوطا ولعوقا ~~وذرورا الحديث أخرجه الطبراني من حديث أنس إن للشيطان لعوقا وكحلا فإذا لعق ~~الإنسان من لعوقه ذرب لسانه بالشر وإذا كحله من كحله نامت عيناه عن الذكر ~~ورواه البزار من حديث سمرة بن جندب وسندهما ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم ~~ركعتان يركعهما العبد في جوف الليل خير له من الدنيا وما فيها ولولا أن أشق ~~على أمتي لفرضتهما عليهم + حديث ركعتان يركعهما العبد في جوف الليل خير له ~~من الدنيا وما فيها ولولا أن أشق على أمتي لفرضتهما عليهم أخرجه آدم بن أبي ~~إياس في الثواب ومحمد بن نصر المروزي في كتاب قيام الليل من رواية حسان بن ~~عطية مرسلا ووصله أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر ولا ~~يصح + وفي الصحيح عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن من الليل ~~ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى خيرا إلا أعطاه إياه وفي رواية ~~يسأل الله تعالى خيرا من الدنيا والآخرة وذلك في كل ليلة وقال المغيرة بن ~~شعبة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه فقيل له أما قد غفر ~~الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال أفلا أكون عبدا شكورا + حديث ~~المغيرة بن شعبة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه الحديث ~~متفق عليه + ويظهر من معناه أن ذلك كناية عن زيادة الرتبة فإن الشكر سبب ~~المزيد قال تعالى @QB@ لئن شكرتم لأزيدنكم @QE@ وقال صلى الله عليه وسلم يا ~~أبا هريرة أتريد أن تكون رحمة الله عليك حيا وميتا ومقبورا ومبعوثا قم من ~~الليل فصل وأنت تريد رضا ربك يا أبا هريرة صل في زوايا بيتك يكن نور بيتك ~~في السماء كنور الكواكب والنجم عند أهل الدنيا + حديث يا أبا هريرة أتريد ~~أن تكون رحمة الله عليك حيا وميتا ومقبورا قم من الليل فصل وأنت تريد رضا ~~ربك يا أبا هريرة صل في زوايا بيتك يكن نور بيتك في السماء كنور الكواكب ~~والنجوم عند أهل الدنيا باطل لا أصل له + وقال صلى الله عليه وسلم عليكم ~~بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم فإن قيام الليل قربة إلى الله عز وجل ~~وتكفير للذنوب PageV01P353 ومطردة للداء عن الجسد ومنهاة عن الإثم + حديث ~~عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم الحديث أخرجه الترمذي من حديث ~~بلال وقال غريب ولا يصح ورواه الطبراني والبيهقي من حديث أبي أمامة بسند ~~حسن وقال الترمذي إنه أصح + وقال صلى الله عليه وسلم ما من امرئ تكون له ~~صلاة بالليل فغلبه عليها النوم إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه صدقة عليه + ~~حديث ما من امرىء يكون له صلاة بالليل يغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر ~~صلاته وكان نومه صدقة عليه أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عائشة وفيه رجل ~~لم يسم سماه النسائي في رواية الأسود بن يزيد لكن في طريقه ابن جعفر الرازي ~~قال النسائي ليس بالقوي ورواه النسائي وابن ماجه من حديث أبي الدرداء نحوه ~~بسند صحيح وتقدم في الباب قبله + وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر لو أردت ~~سفرا أعددت له عدة قال نعم قال فكيف سفر طريق القيامة ألا أنبئك يا أبا ذر ~~بما ينفعك ذلك اليوم قال بلى بأبي أنت وأمي قال صم يوما شديد الحر ليوم ~~النشور وصل ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور وحج حجة لعظائم الأمور وتصدق ~~بصدقة على مسكين أو كلمة حق تقولها أو كلمة شر تسكت عنها + حديث إنه قال ~~لأبي ذر لو أردت سفرا أعددت له عدة فكيف بسفر طريق القيامة ألا أنبئك يا ~~أبا ذر بما ينفعك ذلك اليوم قال بلى بأبي وأمي قال صم يوما شديد الحر ليوم ~~النشور وصل ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا ~~في كتاب التهجد من رواية السري بن مخلد مرسلا والسري ضعفه الأزدي + وروى ~~أنه كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجل إذا أخذ الناس مضاجعهم وهدأت ~~العيون قام يصلي ويقرأ القرآن ويقول يا رب النار أجرني منها فذكر ذلك للنبي ~~صلى الله عليه وسلم فقال إذا كان ذلك فآذنونى فأتاه فاستمع فلما أصبح قال ~~يا فلان هلا سألت الله الجنة قال يا رسول الله إني لست هناك ولا يبلغ عملي ~~ذاك فلم يلبث إلا يسيرا حتى نزل جبرائيل عليه السلام وقال أخبر فلانا أن ~~الله قد أجاره من النار وأدخله الجنة + حديث أنه كان على عهد رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم رجل إذا أخذ الناس مضاجعهم وهدأت العيون قام يصلي ويقرأ ~~القرآن ويقول يا رب النار أجرني منها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ~~فقال إذا كان ذلك فآذنوني الحديثلم أقف له على أصل + ويروى أن جبرائيل عليه ~~السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم نعم الرجل ابن عمر لو كان يصلي بالليل ~~فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فكان يداوم بعده على قيام الليل + ~~حديث أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم نعم الرجل ابن عمر لو كان يصلي ~~بالليل الحديث متفق عليه من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ~~ذلك وليس فيه ذكر لجبريل + قال نافع كان يصلي بالليل ثم يقول يا نافع ~~أسحرنا فأقول لا فيقوم لصلاته ثم يقول يا نافع أسحرنا فأقول نعم فيقعد ~~فيستغفر الله تعالى حتى يطلع الفجر وقال علي بن أبي طالب شبع يحيى بن زكريا ~~عليهما السلام من خبز شعير فنام عن ورده حتى أصبح فأوحى الله تعالى إليه يا ~~يحيى أوجدت دارا خيرا لك من داري أم وجدت جوارا خيرا لك من جواري فوعزتي ~~وجلالي يا يحيى لو اطلعت إلى الفردوس اطلاعة لذاب شحمك ولزهقت نفسك اشتياقا ~~ولو اطلعت إلى جهنم اطلاعة لذاب شحمك ولبكيت الصديد بعد الدموع ولبست الجلد ~~بعد المسوح وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانا يصلي بالليل فإذا ~~أصبح سرق فقال سينهاه ما يعمل + حديث قيل له إن فلانا يصلي بالليل فإذا ~~أصبح سرق قال سينهاه ما يعمل أخرجه ابن حبان من حديث أبي هريرة + وقال صلى ~~الله عليه وسلم رحم الله رجلا قام من الليل فصلى ثم أيقظ امرأته فصلت فإن ~~أبت نضح في وجهها الماء + حديث رحم الله رجلا قام من الليل فصلى ثم أيقظ ~~امرأته فصلت الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة + وقال صلى ~~الله عليه وسلم رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فصلى فإن ~~أبى نضحت في وجهه الماء وقال صلى الله عليه وسلم من استيقظ من الليل وأيقظ ~~امرأته فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات + حديث من ~~استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا ~~والذاكرات أخرجه أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة وأبي سعيد بسند صحيح ~~+ وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل + حديث ~~أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + وقال ~~PageV01P354 عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم من نام عن ~~حزبه أو عن شيء منه بالليل فقرأه بين صلاة الفجر والظهر كتب له كأنما قرأه ~~من الليل + حديث عمر من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه بين صلاة والفجر ~~والظهر كتب له كأنه قرأه من الليل رواه مسلم + الآثار روى أن عمر رضي الله ~~عنه كان يمر بالآية من ورده بالليل فيسقط حتى يعاد منها أياما كثيرة كما ~~يعاد المريض وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا هدأت العيون قام فيسمع له دوي ~~كدوي النحل حتى يصبح ويقال إن سفيان الثوري رحمه الله شبع ليلة فقال إن ~~الحمار إذا زيد في علفه زيد في عمله فقام تلك الليلة حتى أصبح وكان طاوس ~~رحمه الله إذا اضطجع على فراشه يتقلى عليه كما تتقلى الحبة على المقلاة ثم ~~يثب ويصلي إلى الصباح ثم يقول طير ذكر جهنم نوم العابدين وقال الحسن رحمه ~~الله ما نعلم عملا أشد من مكابدة الليل ونفقة هذا المال فقيل له ما بال ~~المتهجدين من أحسن الناس وجوها قال لأنهم خلوا بالرحمن بالرحمن فألبسهم ~~نورا من نوره وقدم بعض الصالحين من سفره فمهد له فراش فنام عليه حتى فاته ~~ورده فحلف أن لا ينام بعدها على فراش أبدا وكان عبد العزيز بن رواد إذا جن ~~عليه الليل يأتي فراشه فيمو يده عليه ويقول إنك للين ووالله إن في الجنة ~~لألين منك ولا يزال يصلي الليل كله وقال الفضيل إني لأستقبل الليل من أوله ~~فيهولني طوله فأفتتح القرآن فأصبح وما قضيت نهمتي وقال الحسن إن الرجل ~~ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل وقال الفضيل إذا لم تقدر على قيام الليل ~~وصيام النهار فاعلم أنك محروم وقد كثرت خطيئتك وكان صلة بن أشيم رحمه الله ~~يصلي الليل كله فإذا كان في السحر قال إلهي ليس مثلي يطلب الجنة ولكن أجرني ~~برحمتك من النار وقال رجل لبعض الحكماء إني لأضعف عن قيام الليل فقال له يا ~~أخي لا تعص الله تعالى ولا تقم بالليل وكان للحسن بن صالح جارية فباعها من ~~قوم فلما كان في جوف الليل قامت الجارية فقالت يا أهل الدار الصلاة الصلاة ~~فقالوا أصبحنا أطلع الفجر فقالت وما تصلون إلا المكتوبة قالوا نعم فرجعت ~~إلى الحسن فقالت يا مولاي بعتني من قوم لا يصلون إلا المكتوبة ردني فردها ~~وقال الربيع بت في منزل الشافعي رضي الله عنه ليالي كثيرة فلم يكن ينام من ~~الليل إلا يسيرا وقال أبو الجويرية لقد صحبت أبا حنيفة رضي الله عنه ستة ~~أشهر فما فيها ليلة وضع جنبه على الأرض وكان أبو حنيفة يحيي نصف الليل فمر ~~بقوم فقالوا إن هذا يحيى الليل كله فقال إني أستحي أن أوصف بما لا أفعل ~~فكان بعد ذلك يحيى الليل كله ويروى أنه ما كان له فراش بالليل ويقال إن ~~مالك بن دينار رضي الله عنه بات يردد هذه الآية ليلة حتى أصبح أم حسب الذين ~~اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية وقال ~~المغيرة بن حبيب رمقت مالك بن دينار فتوضأ بعد العشاء ثم قام إلى مصلاه ~~فقبض على لحيته فخنقته العبرة فجعل يقول حرم شيبة مالك على النار إلهي قد ~~علمت ساكن الجنة من ساكن النار فأي الرجلين مالك وأي الدارين دار مالك فلم ~~يزل ذلك قوله حتى طلع الفجر وقال مالك بن دينار شهوت ليلة عن وردي ونمت ~~فإذا أنا في المنام بجارية كأحسن ما يكون وفي يدها رقعة فقالت لي أتحسن ~~تقرأ فقلت نعم فدفعت إلى الرقعة فإذا فيها # أألهتك اللذائذ والأماني % عن البيض الأوانس في الجنان # تعيش مخلدا لا موت فيها % وتلهو في الجنان مع الحسان # تنبه من منامك إن خيرا % من النوم التهجد بالقرآن # وقيل حج مسروق فما بات ليلة إلا ساجدا ويروى عن أزهر بن مغيث وكان من ~~القوامين أنه قال رأيت في PageV01P355 المنام امرأة لا تشبه نساء أهل ~~الدنيا فقلت لها من أنت قالت حوراء فقلت زوجيني نفسك فقالت اخطبني إلى سيدي ~~وأمهرني فقلت وما مهرك قالت طول التهجد وقال يوسف بن مهران بلغني أن تحت ~~العرش ملكا في صورة ديك براثنه من لؤلؤ وصئصئة من زبرجد أخضر فإذا مضى ثلث ~~الليل الأول ضرب بجناحيه وزقا وقال ليقم القائمون فإذا مضى نصف الليل ضرب ~~بجناحيه وزقا وقال ليقم المتهجدون فإذا مضى ثلثا الليل ضرب بجناحيه وزقا ~~وقال ليقم المصلون فإذا طلع الفجر ضرب بجناحيه وزقا وقال ليقم الغافلون ~~وعليهم أوزارهم وقبل إن وهب بن منبه اليماني ما وضع جنبه إلى الأرض ثلاثين ~~سنة وكان يقول لأن أرى في بيتي شيطانا أحب إلي من أن أرى في بيتي وسادة ~~لأنها تدعو إلى النوم وكانت له مسورة من أدم إذا غلبه النوم وضع صدره عليها ~~وخفق خفقات ثم يفزع إلى الصلاة وقال بعضهم رأيت رب العزة في النوم فسمعته ~~يقول وعزتي وجلالي لأكرمن مثوى سليمان التيمي فإنه صلى لي الغداة بوضوء ~~العشاء أربعين سنة ويقال كان مذهبه أن النوم إذا خامر القلب بطل الوضوء ~~وروى في بعض الكتب القديمة عن الله تعالى أنه قال إن عبدي الذي هو عبدي حقا ~~الذي لا ينتظر بقيامه صياح الديكة # | بيان الأسباب التي بها يتيسر قيام الليل # اعلم أن قيام الليل عسير على الخلق إلا على من وفق للقيام بشروطه الميسرة ~~له ظاهرا وباطنا فأما الظاهرة فأربعة أمور الأول أن لا يكثر الأكل فيكثر ~~الشرب فيغلبه النوم ويثقل عليه القيام كان بعض الشيوخ يقف على المائدة كل ~~ليلة ويقول معاشر المريدين لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا فترقدوا كثيرا ~~فتتحسروا عند الموت كثيرا وهذا هو الأصل الكبير وهو تخفيف المعدة عن ثقل ~~الطعام الثاني أن لا يتعب نفسه بالنهار في الاعمال التي تعيا بها الجوارح ~~وتضعف بها الأعصاب فإن ذلك ايضا مجلبة للنوم الثالث أن لا يترك القيلولة ~~بالنهار فإنها سنة للاستعانة على قيام الليل + حديث الاستعانة بقيلولة ~~النهار على قيام الليل أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس وقد تقدم + الرابع ~~أن لا يحتقب الأوزار بالنهار فإن ذلك مما يقسى القلب ويحول بينه وبين أسباب ~~الرحمة قال رجل للحسن يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد ~~طهوري فما بالي لا أقوم فقال ذنوبك قيدتك وكان الحسن رحمه الله إذا دخل ~~السوق فسمع لغطهم ولغوهم يقول أظن أن ليل هؤلاء ليل سوء فإنهم لا يقيلون ~~وقال الثورى حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته قيل وما ذاك الذنب قال ~~رأيت رجلا يبكي فقلت في نفسي هذا مراء وقال بعضهم دخلت على كرز بن وبرة وهو ~~يبكي فقلت أتاك نعي بعض أهلك فقال أشد فقلت وجع يؤلمك قال أشد قلت فما ذاك ~~قال بابي مغلق وستري مسبل ولم أقرأ حزبي البارحة وما ذاك إلا بذنب أحدثته ~~وهذا لأن الخير يدعو إلى الخير والشر يدعو إلى الشر والقليل من كل واحد ~~منهما يجر إلى الكثير ولذلك قال أبو سليمان الداراني لا تفوت أحدا صلاة ~~الجماعة إلا بذنب وكان يقول الاحتلام بالليل عقوبة والجنابة بعد وقال بعض ~~العلماء إذا صمت يا مسكين فانظر عند من تفطر وعلى أي شيء تفطر فإن العبد ~~ليأكل أكلة فينقلب قلبه عما كان عليه ولا يعود إلى حالته الأولى فالذنوب ~~كلها تورث قساوة القلب وتمنع من قيام الليل وأخصها بالتأثير تناول الحرام ~~وتؤثر اللقمة الحلال في تصفية القلب وتحريكه إلى الخير ما لا يؤثر غيرها ~~ويعرف ذلك أهل المراقبة للقلوب بالتجربة بعد شهادة الشرع له ولذلك قال ~~بعضهم كم من أكلة منعت قيام ليلة وكم من نظرة منعت قراءة سورة وإن العبد ~~ليأكل أكلة أو يفعل فعلة فيحرم بها قيام سنة وكما أن الصلاة تنهى عن ~~الفحشاء والمنكر فكذلك الفحشاء تنهى عن الصلاة وسائر الخيرات وقال بعض ~~السجانين PageV01P356 كنت سجانا نيفا وثلاثين سنة أسأل كل مأخوذ بالليل أنه ~~هل صلى العشاء في جماعة فكانوا يقولون لا وهذا تنبيه على أن بركة الجماعة ~~تنهى عن تعاطي الفحشاء والمنكر # وأما الميسرات الباطنة فأربعة أمور الأول سلامة القلب عن الحقد على ~~المسلمين وعن البدع وعن فضول هموم الدنيا فالمستغرق الهم بتدبير الدنيا لا ~~يتيسر له القيام وإن قام فلا يتفكر في صلاته إلا في مهماته ولا يجول إلا في ~~وساوسه وفي مثل ذلك يقال # يخبرني البواب أنك نائم % وأنت إذا استيقظت أيضا فنائم # الثاني خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل فإنه إذا تفكر في أهوال الآخرة ~~ودركات جهنم طار نومه وعظم حذره كما قال طاوس إن ذكر جهنم طير نوم العابدين ~~وكما حكى أن غلاما بالبصرة اسمه صهيب كان يقوم الليل كله فقالت له سيدته إن ~~قيامك بالليل يضر بعملك بالنهار فقال إن صهيبا إذا ذكر النار لا يأتيه ~~النوم وقيل لغلام آخر وهو يقوم كل الليل فقال إذا ذكرت النار اشتد خوفي ~~وإذا ذكرت الجنة اشتد شوقي فلا أقدر أن أنام وقال ذو النون المصري رحمه ~~الله # منع القرآن بوعده ووعيده % مقل العيون بليلها أن تهجعا # فهموا عن الملك الجليل كلامه % فرقابهم ذلت إليه تخضعا # وأنشدوا أيضا # يا طويل الرقاد والغفلات % كثرة النوم تورث الحسرات # إن في القبر إن نزلت إليه % لرقادا يطول بعد الممات # ومهادا ممهدا لك فيه % بذنوب عملت أو حسنات # أأمنت البيات من ملك المو % ت وكم نال آمنا ببيات # وقال ابن المبارك # إذا ما الليل أظلم كابدوه % فيسفر عنهم وهم ركوع # أطار الخوف نومهم فقاموا % وأهل الأمن في الدنيا هجوع # الثالث أن يعرف فضل قيام الليل بسماع الآيات والأخبار والآثار حتى يستحكم ~~به رجاؤه وشوقه إلى ثوابه فيهيجه الشوق لطلب المزيد والرغبة في درجات ~~الجنان كما حكى أن بعض الصالحين رجع من غزوته فمهدت امرأته فراشها وجلست ~~تنتظره فدخل المسجد ولم يزل يصلي حتى أصبح فقالت له زوجته كنا ننتظرك مدة ~~فلما قدمت صليت إلى الصبح قال والله إني كنت أتفكر في حوراء من حور الجنة ~~طول الليل فنسيت الزوجة والمنزل فقمت طول ليلتي شوقا إليها # الرابع وهو أشرف البواعث الحب لله وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم ~~بحرف إلا وهو مناج ربه وهو مطلع عليه مع مشاهدة ما يخطر بقلبه وأن تلك ~~الخطرات من الله تعالى خطاب معه فإذا أحب الله تعالى أحب لا محالة الخلوة ~~به وتلذذ بالمناجاة فتحمله لذة المناجاة بالحبيب على طول القيام ولا ينبغي ~~أن يستبعد هذه اللذة إذ يشهد لها العقل والنقل فأما العقل فليعتبر حال ~~المحب لشخص بسبب جماله أو لملك بسبب إنعامه وأمواله أنه كيف يتلذذ به في ~~الخلوة ومناجاته حتى لا يأتيه النوم طول ليله فإن قلت إن الجميل يتلذذ ~~بالنظر إليه وإن الله تعالى لا يرى فاعلم PageV01P357 أنه لو كان الجميل ~~المحبوب وراء ستر أو كان في بيت مظلم لكان المحب يتلذذ بمجاورته المجردة ~~دون النظر ودون الطمع في أمر آخر سواه وكان يتنعم بإظهار حبه عليه وذكره ~~بلسانه بمسمع منه وإن كان ذلك أيضا معلوما عنده فإن قلت إنه ينتظر جوابه ~~فليتلذذ بسماع جوابه وليس يسمع كلام الله تعالى فاعلم أنه إن كان يعلم أنه ~~لا يجيبه ويسكت عنه فقد بقيت له أيضا لذة في عرض أحواله عليه ورفع سريرته ~~إليه كيف والموقن يسمع من الله تعالى كل ما يرد على خاطره في أثناء مناجاته ~~فيتلذذ به وكذا الذي يخلو بالملك ويعرض عليه حاجاته في جنح الليل يتلذذ به ~~في رجاء إنعامه والرجاء في حق الله تعالى أصدق وما عند الله خير وأبقى ~~وأنفع مما عند غيره فكيف لا يتلذذ بعرض الحاجات عليه في الخلوات وأما النقل ~~فيشهد له أحوال قوام الليل في تلذذهم بقيام الليل واستقصارهم له كما يستقصر ~~المحب ليلة وصال الحبيب حتى قيل لبعضهم كيف أنت والليل قال ما راعيته قط ~~يريني وجهه ثم ينصرف وما تأملته بعد وقال آخر أنا والليل فرسا رهان مرة ~~يسبقني إلى الفجر ومرة يقطعني عن الفكر وقيل لبعضهم كيف الليل عليك فقال ~~ساعة أنا فيها بين حالتين أفرح بظلمته إذا جاء وأغتم بفجره إذا طلع ما تم ~~فرحى به قط وقال علي بن بكار منذ أربعين سنة ما أحزنني شيء سوى طلوع الفجر ~~وقال الفضيل بن عياض إذا غربت الشمس فرحت بالظلام لخلوتي بربي وإذا طلعت ~~حزنت لدخول الناس علي وقال أبو سليمان أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو ~~في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا وقال أيضا لو عوض الله أهل ~~الليل من ثواب أعمالهم ما يجدونه من اللذة لكان ذلك أكثر من ثواب أعمالهم ~~وقال بعض العلماء ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل ~~التملق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة وقال بعضهم لذة المناجاة ليست ~~من الدنيا إنما هي من الجنة أظهرها الله تعالى لأوليائه لا يجدها سواهم ~~وقال ابن المنكدر ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث قيام الليل ولقاء الإخوان ~~والصلاة في الجماعة وقال بعض العارفين إن الله تعالى ينظر بالأسحار إلى ~~قلوب المتيقظين فيملؤها أنوارا فترد الفوائد على قلوبهم فتستنير ثم تنتشر ~~من قلوبهم العوافى إلى قلوب الغافلين وقال بعض العلماء من القدماء إن الله ~~تعالى أوحى إلى بعض الصديقين إن لي عبادا من عبادى أحبهم ويحبونني ويشتاقون ~~إلي وأشتاق إليهم ويذكرونني وأذكرهم وينظرون إلي وأنظر إليهم فإن حذوت ~~طريقهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك قال يا رب وما علامتهم قال يراعون الظلال ~~بالنهار كما يراعى الراعي غنمه ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى ~~أوكارها فإذا جنهم الليل واختلط الظلام وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا إلى ~~أقدامهم وافترشوا إلى وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوا إلي بإنعامي فبين صارخ ~~وباكي وبين متأوه وشاكي بعيني ما يتحملون من أجلي وبسمعي ما يشتكون من حبي ~~أول ما أعطيهم أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم والثانية ~~لو كانت السموات السبع والأرضون السبع وما فيهما من موازينهم لاستقللتها ~~لهم والثالثة أقبل بوجهي عليهم أفترى من أقبلت بوجهي عليه أيعلم أحد ما ~~أريد أن أعطيه وقال مالك بن دينار رحمه الله إذا قام العبد يتهجد من الليل ~~قرب منه الجبار عز وجل وكانوا يرون ما يجدون من الرقة والحلاوة في قلوبهم ~~والأنوار من قرب الرب تعالى من القلب وهذا له سر وتحقيق ستأتي الإشارة إليه ~~في كتاب المحبة وفي الأخبار عن الله عز وجل أي عبدي أنا الله الذي اقتربت ~~من قلبك وبالغيب رأيت نوري وشكا بعض المريدين إلى أستاذه طول سهر الليل ~~وطلب حيلة يجلب بها النوم فقال أستاذه يا بني إن لله نفحات في الليل ~~والنهار تصيب القلوب المتيقظة تحظىء القلوب النائمة فتعرض لتلك النفحات ~~فقال يا سيدي تركتني لا أنام بالليل ولا بالنهار PageV01P358 # واعلم أن هذه النفحات بالليل أرجى لما في قيام الليل من صفاء القلب ~~واندفاع الشواغل وفي الخبر الصحيح عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم أنه قال إن من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله ~~تعالى خيرا إلا أعطاه إياه + حديث جابر إن من الليل ساعة لا يوافقها عبد ~~مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة ~~رواه مسلم + وفي رواية أخرى يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا ~~أعطاه وذلك كل ليلة ومطلوب القائمين تلك الساعة وهي مهمة في جملة الليل ~~كليلة القدر في شهر رمضان وكساعة يوم الجمعة وهي ساعة النفحات المذكورة ~~والله أعلم # | بيان طرق القسمة لأجزاء الليل # اعلم أن إحياء الليل من حيث المقدار له سبع مراتب الأولى إحياء كل الليل ~~وهذا شأن الأقوياء الذين تجردوا لعبادة الليل وتلذذوا بمناجاته وصار ذلك ~~غذاء لهم وحياة لقلوبهم فلم يتعبوا بطول القيام وردوا المنام إلى النهار ~~وفي وقت اشتغال الناس وقد كان ذلك طريق جماعة من السلف كانوا يصلون الصبح ~~بوضوء العشاء حكى أبو طالب المكي أن ذلك حكى على سبيل التواتر والاشتهار عن ~~أربعين من التابعين وكان فيهم من واظب عليه أربعين سنة قال منهم سعيد بن ~~المسيب وصفوان بن سليم المدنيان وفضيل بن عياض ووهيب بن الورد المكيان ~~وطاوس ووهب بن منبه اليمانيان والربيع بن خيثم والحكم الكوفيان وأبو سليمان ~~الداراني وعلي بن بكار الشاميان وأبو عبد الله الخواص وأبو عاصم العباديان ~~وحبيب أبو محمد وأبو جابر السلماني الفارسيان ومالك بن دينار سليمان التيمي ~~ويزيد الرقاشي وحبيب بن أبي ثابت ويحيى البكاء البصريون وكهمس بن المنهال ~~وكان يختم في الشهر تسعين ختمة وما لم يفهمه رجع وقرأه مرة أخرى وأيضا من ~~أهل المدينة أبو حازم ومحمد بن المنكدر في جماعة يكثر عددهم المرتبة ~~الثانية أن يقوم نصف الليل وهذا لا ينحصر عدد المواظبين عليه من السلف ~~وأحسن فيه أن ينام الثلث الأول من الليل والسدس الأخير منه حتى يقع قيامه ~~في جوف الليل ووسطه فهو الأفضل المرتبة الثالثة أن يقوم ثلث الليل فينبغي ~~أن ينام النصف الأول والسدس الأخير وبالجملة نوم آخر الليل محبوب لأنه يذهب ~~النعاس بالغداة وكانوا يكرهون ذلك ويقلل صفرة الوجه والشهرة به فلو قام ~~أكثر الليل ونام سحرا قلت صفرة وجهه وقل نعاسه وقالت عائشة رضي الله عنها ~~كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوتر من آخر الليل فإن كانت له حاجة ~~إلى أهله دنا منهن وإلا اضطجع في مصلاه حتى يأتيه بلال فيؤذنه للصلاة + ~~حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوتر من آخر الليل فإن كانت له ~~حاجة إلى أهله دنا منهن وإلا اضطجع في مصلاه حتى يأتيه بلال فيؤذن بالصلاة ~~أخرجه مسلم من حديث عائشة كان ينام أول الليل ويحيي آخره ثم إن كان له حاجة ~~إلى أهله قضى حاجته ثم ينام وقال النسائي فإذا كان من السحر أوتر ثم أتى ~~فراشه فإذا كان له حاجة إلى أهله ولأبي داود كان إذا قضى صلاته من آخر ~~الليل نظر فإن كنت مستيقظة حدثني وإن كنت نائمة أيقظني وصلى الركعتين ثم ~~اضطجع حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه بصلاة الصبح فيصلي ركعتين خفيفتين ثم يخرج ~~إلى الصلاة وهو متفق عليه بلفظ كان إذا صلى فإن كنت مستيقظه حدثني وإلا ~~اضطجع حتى يؤذن بالصلاة وقال مسلم إذا صلى ركعتي الفجر + وقالت أيضا رضي ~~الله عنها ما ألفيته بعد السحر إلا نائما + حديث عائشة ما ألقيته بعد السحر ~~الأعلى إلا نائما متفق عليه بلفظ ما ألفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~السحر الأعلى في بيتي أو عندي إلا نائما لم يقل البخاري الأعلى وقال ابن ~~ماجه ما كنت ألقى أو ألفى النبي صلى الله عليه وسلم من آخر الليل إلا وهو ~~نائم عندي + حتى قال بعض السلف هذه الضجعة قبل الصبح سنة منهم أبو هريرة ~~رضي الله عنه وكان نوم هذا الوقت سببا للمكاشفة والمشاهدة من وراء حجب ~~الغيب وذلك لأرباب القلوب وفيه استراحة PageV01P359 تعين على الورد الأول ~~من أوراد النهار وقيام ثلث الليل من النصف الأخير ونوم السدس الأخير قيام ~~داود صلى الله عليه وسلم المرتبة الرابعة أن يقوم سدس الليل أو خمسه وأفضله ~~أن يكون في النصف الأخير وقبل السدس الأخير منه المرتبة الخامسة أن لا ~~يراعي التقدير فإن ذلك إنما يتيسر لنبي يوحى إليه أو لمن يعرف منازل القمر ~~ويوكل به من يراقبه ويواظبه ويوقظه ثم ربما يضطرب في ليالي الغيم ولكنه ~~يقوم من أول الليل إلى أن يغلبه النوم فإذا انتبه قام فإذا غلبه النوم عاد ~~إلى النوم فيكون له في الليل نومتان وقومتان وهو من مكابدة الليل وأشد ~~الأعمال وأفضلها وقد كان هذا من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم + حديث ~~قيامه أول الليل إلى أن يغلبه النوم فاذا انتبه قام فإذا غلبه عاد إلى ~~النوم فيكون له في الليل نومتان أخرجه أبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه ~~من حديث أم سلمة كان يصلي وينام قدر ما صلى ثم يصلي قدر ما نام ثم ينام قدر ~~ما صلى حتى يصبح وللبخاري من حديث ابن عباس صلى العشاء ثم جاء فصلى أربع ~~ركعات ثم نام ثم قام وفيه فصلى خمس ركعات ثم صلى ركعتين ثم نام حتى سمعت ~~غطيطه الحديث + وهو طريقة ابن عمر وأولى العزم من الصحابة وجماعة من ~~التابعين رضى الله عنهم وكان بعض السلف يقول هي أول نومة فإذا انتبهت ثم ~~عدت إلى النوم فلا أنام الله لي عينا فأما قيام رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم من حيث المقدار فلم يكن على ترتيب واحد بل ربما كان يقوم نصف الليل أو ~~ثلثه أو سدسه + حديث ربما كان يقوم نصف الليل أوثلثه أو ثلثيه أو سدسه ~~أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ~~انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ الحديث وفي رواية للبخاري ~~فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء الحديث ولأبي داود قام حتى ~~إذا ذهب ثلث الليل أو نصفه استيقظ الحديث لمسلم من حديث عائشة فيبعثه الله ~~بما شاء أن يبعثه من الليل + يختلف ذلك في الليالي ودل عليه قوله تعالى في ~~الموضعين من سورة المزمل إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه ~~وثلثه فأدنى من ثلثي الليل كأنه بصفه ونصف سدسه فإن كسر قوله ونصفه وثلثه ~~كان نصف الثلثين فيقرب من الثلث والربع وإن نصب كان نصف الليل وقالت عائشة ~~رضي الله عنها كان صلى الله عليه وسلم يقوم إذا سمع الصارخ + حديث عائشة ~~كان يقوم إذا سمع الصارخ متفق عليه + يعني الديك وهذا يكون السدس فما دونه ~~وروى غير واحد أنه قال راعيت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ~~ليلا فنام بعد العشاء زمانا ثم استيقظ فنظر في الأفق فقال ربنا ما خلقت هذا ~~باطلا حتى بلغ إنك لا تخلف الميعاد ثم استل من فراشه سواكا فاستاك به وتوضأ ~~وصلى حتى قلت صلى مثل الذي نام ثم اضطجع حتى قلت نام مثل ما صلى ثم استيقظ ~~فقال ما قال أول مرة وفعل ما فعل أول مرة + حديث غير واحد قال راعيت صلاة ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ليلا فنام بعد العشاء زمانا ثم ~~استيقظ فنظر في الأفق فقال ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك حتى بلغ إنك لا ~~تخلف الميعاد ثم استل من فراشه سواكا فاستاك وتوضأ وصلى حتى قلت صلى مثل ما ~~نام الحديث أخرجه النسائي من رواية حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن رجلا من ~~أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قلت وأنا في سفر مع رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم والله لأرقبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه وروى أبو ~~الوليد بن مغيث في كتاب الصلاة من رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن ~~رجلا قال لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه أنه ~~أخذ سواكه من مؤخر الرجل وهذا يدل أنه أيضا كان في سفر + المرتبة السادسة ~~وهي الأقل أن يقوم مقدار أربع ركعات أو ركعتين أو تتعذر عليه الطهارة فيجلس ~~مستقبل القبلة ساعة مشتغلا بالذكر والدعاء فيكتب في جمله قوام الليل برحمة ~~الله وفضله وقد جاء في الأثر صل من الليل ولو قدر حلب شاة + حديث صل من ~~الليل ولو قدر حلب شاة أخرجه أبو يعلى من حديث ابن عباس في صلاة الليل ~~مرفوعا نصفه ثلثه ربعه فواق حلب ناقة فواق حلب شاة ولأبي الوليد بن مغيث من ~~رواية إياس بن معاوية مرسلا لا بد من صلاة الليل ولو حلبة ناقة أو حلبة شاه ~~+ فهذه طرق القسمة فليختر المريد لنفسه ما يراه أيسر عليه وحيث يتعذر عليه ~~القيام في وسط الليل فلا ينبغي أن يهمل إحياء ما بين العشاءين والورد الذي ~~بعد العشاء ثم يقوم قبل الصبح وقت السحر فلا يدركه الصبح PageV01P360 نائما ~~ويقوم بطرفي الليل وهذه هي المرتبة السابعة ومهما كان النظر إلى المقدار ~~فترتيب هذه المراتب بحسب طول الوقت وقصره وأما في الرتبة الخامسة والسابعة ~~لم ينظر فيهما إلى القدر فليس يجرى أمرهما في التقدم والتأخر على الترتيب ~~المذكور إذ السابعة ليست دون ما ذكرناه في السادسة ولا الخامسة دون الرابعة # | بيان الليالي والأيام الفاضلة # اعلم أن الليالي المخصوصة بمزيد الفضل التي يتأكد فيها استحباب الإحياء ~~في السنة خمس عشرة ليلة لا ينبغي أن يغفل المريد عنها فإنها مواسم الخيرات ~~ومظان التجارات ومتى غفل التاجر عن المواسم لم يربح ومتى غفل المريد عن ~~فضائل الأوقات لم ينجح فستة من هذه الليالي في شهر رمضان خمس في أوتار ~~العشر الأخير إذ فيها يطلب ليلة القدر وليلة سبع عشرة من رمضان فهي ليلة ~~صبيحتها يوم الفرقان يوم التقى الجمعان فيه كانت وقعة بدر وقال ابن الزبير ~~رحمه الله هي ليلة القدر وأما التسع الأخر فأول ليلة من المحرم وليلة ~~عاشوراء وأول ليلة من رجب وليلة النصف منه وليلة سبع وعشرين منه وهي ليلة ~~المعراج وفيها صلاة مأثورة فقد قال صلى الله عليه وسلم للعامل في هذه ~~الليلة حسنات مائة سنة + حديث الصلاة المأثورة في ليلة السابع والعشرين من ~~رجب ذكر أبو موسى المديني في كتاب فضائل والأيام الليالي أن أبا محمد ~~الحباري رواه من طريق الحاكم أبي عبد الله من رواية محمد بن الفضل عن أبان ~~عن أنس مرفوعا ومحمد بن الفضل وأبان ضعيفان جدا والحديث منكر + فمن صلى في ~~هذه الليلة اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة من القرآن ~~ويتشهد في كل ركعتين ويسلم في آخرهن ثم يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله ~~إلا الله والله أكبر مائة مرة ثم يستغفر الله مائة مرة ويصلي على النبي صلى ~~الله عليه وسلم مائة مرة ويدعو لنفسه بما شاء من أمر دنياه وآخرته ويصبح ~~صائما فإن الله يستجيب دعاءه كله إلا أن يدعو في معصية وليلة النصف من ~~شعبان ففيها مائة ركعة يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة الإخلاص عشر مرات ~~كانوا لا يتركونها كما أوردناه في صلاة التطوع وليلة عرفة وليلتا العيدين ~~قال صلى الله عليه وسلم من أحيا ليلتي العيدين لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ~~+ حديث من أحيا ليلتي العيدين لم يمت قلبه يوم تموت القلوب أخرجه بإسناد ~~ضعيف من حديث أبي أمامة + وأما الأيام الفاضلة فتسعة عشر يستحب مواصلة ~~الأوراد فيها يوم عرفة ويوم عاشوراء ويوم سبعة وعشرين من رجب له شرف عظيم ~~روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صام يوم سبع وعشرين ~~من رجب كتب الله له صيام ستين شهرا + حديث أبي هريرة من صام يوم سبع وعشرين ~~من رجب كتب الله له صيام ستين شهرا وهو اليوم الذي هبط فيه جبريل على محمد ~~صلى الله عليه وسلم رواه أبو موسى المديني في كتاب فضائل الليالي والأيام ~~من رواية شهر بن حوشب عنه + وهو اليوم الذي أهبط الله فيه جبرائيل عليه ~~السلام على محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة ويوم سبعة عشر من رمضان وهو ~~يوم وقعة بدر ويوم النصف من شعبان ويوم الجمعة ويوما العيدين والأيام ~~المعلومات وهي عشر من ذي الحجة والأيام المعدودات وهي أيام التشريق وقد روى ~~أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا سلم يوم الجمعة سلمت ~~الأيام وإذا سلم شهر رمضان سلمت السنة + حديث أنس إذا سلم يوم الجمعة سلمت ~~الأيام وإذا سلم شهر رمضان سلمت السنة تقدم في الباب الخامس من الصلاة فذكر ~~يوم الجمعة فقط وقد رواه بجملته ابن حبان في الضعفاء وأبو نعيم في الحلية ~~من حديث عائشة وهو ضعيف + وقال بعض العلماء من أخذه مهناة في الأيام الخمسة ~~في الدنيا لم ينل مهناة في الآخرة وأراد به العيدين والجمعة وعرفة وعاشوراء ~~ومن فواضل الأيام في الأسبوع يوم الخميس والاثنين ترفع فيهما الأعمال إلى ~~الله تعالى وقد ذكرنا فضائل الأشهر والأيام للصيام في كتاب الصوم فلا حاجة ~~إلى الإعادة والله أعلم وصلى الله على كل عبد مصطفى من كل العالمين ~~PageV01P361 # بسم الله الرحمن الرحيم # | كتاب آداب الأكل وهو الكتاب الأول من ربع العادات من كتاب إحياء # العلوم # الحمد لله الذي أحسن تدبير الكائنات فخلق الأرض والسماوات # وأنزل الماء الفرات من المعصرات فأخرج به الحب والنبات # وقدر الأرزاق والأفوات # وحفظ بالمأكولات قوى الحيوانات وأعان على الطاعات والأعمال الصالحات بأكل ~~الطيبات والصلاة على محمد ذي المعجزات الباهرات وعلى آله وأصحابه صلاة ~~تتوالى على ممر الأوقات وتتضاعف بتعاقب الساعات وسلم تسليما كثيرا # أما بعد فإن مقصد ذوي الألباب لقاء الله تعالى في دار الثواب ولا طريق ~~إلى الوصول للقاء الله إلى بالعلم والعمل ولا تمكن المواظبة عليهما إلا ~~بسلامة البدن ولا تصفو سلامة البدن إلا بالأطعمة والأقوات والتناول منها ~~بقدر الحاجة على تكرر الأوقات فمن هذا الوجه قال بعض السلف الصالحين إن ~~الأكل من الدين وعليه نبه رب العالمين بقوله وهو أصدق القائلين كلوا من ~~الطيبات واعملوا صالحا فمن يقدم على الأكل ليستعين به على العلم والعمل ~~ويقوى به على التقوى فلا ينبغي أن يترك نفسه مهملا سدى يسترسل في الأكل ~~استرسال البهائم في المرعى فإن ما هو ذريعة إلى الدين ووسيلة إليه ينبغي أن ~~تظهر أنوار الدين عليه # وإنما أنوار الدين آدابه وسننه التي يزم العبد بزمامها ويلجم المتقى ~~بلجامها حتى يتزن بميزان الشرع شهوة الطعام في إقدامها وإحجامها فيصير ~~بسببها مدفعة للوزر ومجلبة للأجر وإن كان فيها أوفى حظ للنفس # قال صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليؤجر حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه ~~والى في امعليه السلام رأته + حديث إن الرجل ليؤجر في اللقمة يرفعها إلى ~~فيه وإلى في امرأته أخرجه البخاري من حديث لسعد بن أبي وقاص وإنك مهما ~~أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك + # وإنما ذلك إذا رفعها بالدين وللدين مراعيا فيه آدابه ووظائفه # وها نحن نرشد إلى وظائف الدين في الأكل فرائضها وسننها وآدابها ومروءاتها ~~وهيئاتها في أربعة أبواب وفصل في آخرها # الباب الأول فيما لا بد للآكل من مراعاته وإن انفرد بالأكل # الباب الثاني فيما يزيد من الآداب بسبب الاجتماع على الأكل # الباب الثالث فيما يخص تقديم الطعام إلى الإخوان الزائرين # الباب الرابع فيما يخص الدعوة والضيافة وأشباهها PageV02P002 # | الباب الأول فيما لابد للمنفرد منه # وهو ثلاثة أقسام قسم قبل الأكل وقسم مع الأكل وقسم بعد الفراغ منه القسم ~~الأول في الآداب التي تتقدم على الأكل وهي # الأول أن يكون الطعام بعد كونه حلالا في نفسه طيبا في جهة مكسبه موافقا ~~للسنة والورع لم يكتسب بسبب مكروه في الشرع ولا بحكم هوى ومداهنة في دين ~~على ما سيأتي في معنى الطيب المطلق في كتاب الحلال والحرام وقد أمر الله ~~تعالى بأكل الطيب وهو الحلال وقدم النهي عن الأكل بالباطل على القتل تفخيما ~~لأمر الحرام وتعظيما لبركة الحلال فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا ~~تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلى قوله ولا تقتلوا أنفسكم الآية فالأصل في ~~الطعام كونه طيبا وهو من الفرائض وأصول الدين # الثاني غسل اليد قال صلى الله عليه وسلم الوضوء قبل الطعام ينفى الفقر ~~وبعده ينفى اللمم + حديث الوضوء قبل الطعام ينفى الفقر وبعده ينفى اللمم ~~وفي رواية ينفى الفقر قبل الطعام وبعده أخرجه القضاعي في مسند الشهاب من ~~رواية موسى الرضا عن آبائه متصلا باللفظ الأول وللطبراني في الأوسط من حديث ~~ابن عباس الوضوء قبل الطعام وبعده مما ينفى الفقر ولأبي داود والترمذي من ~~حديث سلمان بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده وكلها ضعيفة + # وفي رواية ينفى الفقر قبل الطعام وبعده ولأن اليد لا تخلو عن لوث في ~~تعاطي الأعمال فغسلها أقرب إلى النظافة والنزاهة # ولأن الأكل لقصد الاستعانة على الدين عبادة فهو جدير بأن يقدم عليه ما ~~يجري منه مجرى الطهارة من الصلاة # الثالث أن يوضع الطعام على السفرة الموضوعة على الأرض فهو أقرب إلى فعل ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم من رفعه على المائدة كان رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إذا أتى بطعام وضعه على الأرض + حديث كان إذا أتى بطعام وضعه على ~~الأرض أخرجه أحمد في كتاب الزهد من رواية الحسن مرسلا ورواه البزار من حديث ~~أبي هريرة نحوه وفيه جماعة وثقة أحمد وضعفه الدارقطني # فهذا أقرب إلى التواضع فإن لم يكن فعلى السفرة فإنها تذكر السفر ويتذكر ~~من السفر سفر الآخرة وحاجته إلى زاد التقوى # وقال أنس بن مالك رحمه الله ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ~~خوان ولا في سكرجة + حديث أنس ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ~~خوان ولا في سكرجة الحديث رواه البخاري + # قيل فعلى ماذا كنتم تأكلون قال على السفرة وقيل أربع أحدثت بعد رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم الموائد والمناخل والأشنان والشبع واعلم أنا وإن قلنا ~~الأكل على السفرة أولى فلسنا نقول الأكل على المائدة منهي عنه نهي كراهة أو ~~تحريم إذا لم يثبت فيه نهي # وما يقال إنه أبدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس كل ما أبدع ~~منهيا بل المنهي بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمرا من الشرع مع بقاء علته بل ~~الإبداع قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب وليس في المائدة إلا رفع ~~الطعام عن الأرض لتيسير الأكل وأمثال ذلك مما لا كراهة فيه # والأربع التي جمعت في أنها مبدعة ليست متساوية بل الأشنان حسن لما فيه من ~~النظافة فإن الغسل مستحب للنظافة والأشنان أتم في التنظيف وكانوا لا ~~يستعملونه لأنه ربما كان لا يعتاد عندهم أو لا يتيسر أو كانوا مشغولين ~~بأمور أهم من المبالغة في النظافة فقد كانوا لا يغسلون اليد أيضا وكانت ~~مناديلهم أخمص أقدامهم وذلك لا يمنع كون الغسل PageV02P003 # مستحبا # وأما المنخل فالمقصود منه تطييب الطعام وذلك مباح ما لم ينته إلى التنعم ~~المفرط # وأما المائدة فتيسير للأكل وهو أيضا مباح ما لم ينته إلى الكبر والتعاظم # وأما الشبع فهو أشد هذه الأربعة فإنه يدعو إلى تهييج الشهوات وتحريك ~~الأدواء في البدن فلتدرك التفرقة بين هذه المبدعات # الرابع أن يحسن الجلسة على السفرة في أول جلوسه ويستديمها كذلك كان رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم ربما جثا للأكل على ركبتيه وجلس على ظهر قدميه ~~وربما نصب رجله اليمنى وجلس على اليسرى + حديث ربما جثا للأكل على ركبتيه ~~وجلس على ظهر قدميه وربما نصب رجله اليمنى وجلس على اليسرى أخرجه أبو داود ~~من حديث عبد الله بن بشير في أثناء حديث أتوا القصعة فالتفوا عليها فلما ~~كثروا جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وله وللنسائي من حديث أنس ~~رأيته يأكل وهو مقنع من الجوع وروى أبو الحسن بن المقري في الشمائل من ~~حديثه كان إذا قعد على الطعام استوفز على ركبته اليسرى وأقام اليمنى ثم قال ~~إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأفعل كما يفعل العبد وإسناده ضعيف + # وكان يقول لا آكل متكئا # حديث كان يقول لا آكل متكئا أخرجه البخاري من حديث أبي جحيفة # إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد # حديث إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد تقدم قبله من ~~حديث أنس بلفظ وأفعل بدل وأجلس ورواه البزار من حديث ابن عمر دون قوله ~~وأجلس + # والشرب متكئا مكروه للمعدة أيضا ويكره الأكل نائما ومتكئا إلا ما يتنقل ~~به من الحبوب # روى عن علي كرم الله وجهه أنه أكل كعكا على ترس وهو مضطجع ويقال منبطح ~~على بطنه والعرب قد تفعله # الخامس أن ينوي بأكله أن يتقوى به على طاعة الله تعالى ليكون مطيعا ~~بالأكل ولا يقصد التلذذ والتنعم بالأكل # قال إبراهيم بن شيبان منذ ثمانين سنة ما أكلت شيئا لشهوتي # ويعزم مع ذلك على تقليل الأكل فإنه إذا أكل لأجل قوة العبادة لم تصدق ~~نيته إلا بأكل ما دون الشبع فإن الشبع يمنع من العبادة ولا يقوى عليها فمن ~~ضرورة هذه النية كسر الشهوة وإيثار القناعة على الاتساع # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه حسب ابن ~~آدم لقيمات يقمن صلبه فإن لم يفعل فثلث طعام وثلث شراب وثلث للنفس + حديث ~~ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه الحديث أخرجه الترمذي وقال حسن والنسائي ~~وابن ماجه من حديث المقداد بن معد يكرب # ومن ضرورة هذه النية أن لا يمد اليد إلى الطعام إلا وهو جائع فيكون الجوع ~~أحد ما لا بد من تقديمه على الأكل # ثم ينبغي أن يرفع اليد قبل الشبع ومن فعل ذلك استغنى عن الطبيب وسيأتي ~~فائدة قلة الأكل وكيفية التدريج في التقليل منه في كتاب كسر شهوة الطعام من ~~ربع المهلكات # السادس أن يرضى بالموجود من الرزق والحاضر من الطعام ولا يجتهد في التنعم ~~وطلب الزيادة وانتظار الأدم بل من كرامة الخبز أن لا ينتظر به الأدم وقد ~~ورد الأمر بإكرام الخبز + حديث أكرموا الخبز أخرجه البزار والطبراني وابن ~~قانع من حديث عبد الله بن أم حرام بإسناد ضعيف جدا وذكره ابن الجوزي في ~~الموضوعات + # فكل ما يديم الرمق ويقوى على العبادة فهو خير كثير لا ينبغي أن يستحقر بل ~~لا ينتظر بالخبز الصلاة إن حضر وقتها إذا كان في الوقت متسع # قال صلى الله عليه وسلم إذا حضر العشاء والعشاء فابدءوا بالعشاء + حديث ~~إذا حضر العشا والعشاء فابدءوا بالعشاء تقدم في الصلاة والمعروف وأقيمت ~~الصلاة + # وكان ابن عمر رضي الله عنهما ربما سمع قراءة الإمام ولا يقوم من عشائه # ومهما كانت النفس لا تتوق إلى الطعام ولم يكن في تأخير الطعام ضرر ~~فالأولى تقديم الصلاة # فأما إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة وكان في التأخير ما يبرد الطعام أو ~~يشوش أمره فتقديمه أحب عند اتساع الوقت تاقت النفس أو لم تتق لعموم الخبر ~~ولأن القلب لا يخلو عن الالتفات إلى الطعام الموضوع وإن لم يكن الجوع غالبا ~~PageV02P004 # السابع أن يجتهد في تكثير الأيدي على الطعام ولو من أهله وولده # قال صلى الله عليه وسلم اجتمعوا على طعامكم يبارك لكم فيه + حديث اجتمعوا ~~على طعامكم يبارك لكم فيه أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث وحشي بن حرب ~~بإسناد حسن + # وقال أنس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل وحده + ~~حديث أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل وحده رواه الخرائطي في ~~مكارم الأخلاق بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم خير الطعام ما كثرت عليه الأيدي القسم الثاني في ~~آداب حالة الأكل # وهو أن يبدأ ب بسم الله في أوله وب الحمد لله في آخره # ولو قال مع كل لقمة بسم الله فهو حسن حتى لا يشغله الشره عن ذكر الله ~~تعالى ويقول مع اللقمة الأولى بسم الله ومع الثانية بسم الله الرحمن ومع ~~الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم ويجهر به ليذكر غيره # ويأكل باليمنى ويبدأ بالملح ويختم به ويصغر اللقمة ويجود مضغها وما لم ~~يبتلعها لم يمد اليد إلى الأخرى فإن ذلك عجلة في الأكل وأن لا يذم مأكولا ~~كان صلى الله عليه وسلم لا يعيب مأكولا كان إذا أعجبه أكله وإلا تركه + ~~حديث أنس كان لا يعيب مأكولا إن أعجبه أكله وإلا تركه متفق عليه من حديث ~~أبي هريرة + # وأن يأكل مما يليه إلا الفاكهة فإن له أن يجيل يده فيها قال صلى الله ~~عليه وسلم كل مما يليك + حديث كل مما يليك متفق عليه من حديث عمر بن أبي ~~سلمة # ثم كان صلى الله عليه وسلم يدور على الفاكهة فقيل له في ذلك فقال ليس هو ~~نوعا واحدا + حديث كان يدور على الفاكهة وقال ليس هو نوعا واحدا أخرجه ~~الترمذي وابن ماجه من حديث عكراش بن دويب وفيه وجالت يد رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم في الطبق فقال يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد قال ~~الترمذي غريب ورواه ابن حبان في الضعفاء + # وأن لا يأكل من دورة القصعة ولا من وسط الطعام بل يأكل من استدارة الرغيف ~~إلا إذا قل الخبز فيكسر الخبز ولا يقطع بالسكين + حديث النهي عن قطع الخبز ~~بالسكين رواه ابن حبان في الضعفاء من حديث أبي هريرة وفيه نوح ابن أبي مريم ~~وهو كذاب ورواه البيهقي في الشعب من حديث أم سلمة بسند ضعيف + # ولا يقطع اللحم أيضا فقد نهى عنه وقال انهشوه نهشا # حديث النهي عن قطع اللحم بالسكين أخرجه أبو داود من حديث عائشة وقال ~~فانهشوه نهشا قال النسائي منكر وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث صفوان بن ~~أمية وانهشوا اللحم نهشا وسنده ضعيف + # ولا يوضع على الخبز قصعة ولا غيرها إلا ما يأكل به قال صلى الله عليه ~~وسلم أكرموا الخبز فإن الله تعالى أنزله من بركات السماء ولا يمسح يده ~~بالخبز # وقال صلى الله عليه وسلم إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها وليمط ما كان بها ~~من أذى ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا ~~يدري في أي طعامه البركة + حديث إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان ~~بها من أذى ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه ~~لا يدري في أي طعامه البركة أخرجه مسلم من حديث أنس وجابر + # ولا ينفخ في الطعام الحار + حديث النهي عن النفخ في الطعام والشراب أخرجه ~~أحمد في مسنده من حديث ابن عباس وهو عند أبي داود والترمذي وصححه ابن ماجه ~~إلا أنهم قالوا في الإناء وأخرجه الترمذي وصححه من حديث أبي سعيد نهي عن ~~النفخ في الشراب + # فهو منهي عنه بل يصبر إلى أن يسهل أكله ويأكل من التمر وترا سبعا أو إحدى ~~عشرة أو إحدى وعشرين أو ما اتفق ولا يجمع بين التمر والنوى في طبق ولا يجمع ~~في كفه بل يضع النواة من فيه على ظهر كفه ثم يلقيها وكذا كل ماله عجم وثفل # وأن لا يترك ما استرذله من الطعام ويطرحه في القصعة بل يتركه مع الثفل ~~حتى لا يلتبس على غيره فيأكله # وأن لا يكثر الشرب في أثناء الطعام إلا إذا غص بلقمة أو صدق عطشه فقد قيل ~~إن ذلك مستحب في الطب وإنه دباغ المعدة # وأما الشرب فأدبه أن يأخذ الكوز بيمينه ويقول بسم الله ويشربه مصا لا عبا ~~قال صلى الله عليه وسلم PageV02P005 # مصوا الماء مصا ولا تعبوه عبا فإنه الكباد من العب + حديث مصوا الماء مصا ~~ولا تعبوه عبا أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس بالشطر ~~الأول ولأبي داود في المراسيل من رواية عطاء بن أبي رباح إذا شربتم فاشربوا ~~مصا + # ولا يشرب قائما ولا مضطجعا فإنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما + ~~حديث النهي عن الشراب قائما أخرجه مسلم من حديث أنس وأبي سعيد وأبي هريرة + # وروى أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائما + حديث أنه صلى الله عليه وسلم ~~شرب قائما متفق عليه من حديث ابن عباس وذلك من زمزم + # ولعله كان لعذر # ويراعى أسفل الكوز حتى لا يقطر عليه وينظر في الكوز قبل الشرب ولا يتجشأ ~~ولا يتنفس في الكوز بل ينحيه عن فمه بالحمد ويرده بالتسمية # وقد قال صلى الله عليه وسلم بعد الشرب الحمد لله الذي جعله عذبا فراتا ~~برحمته ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا + حديث كان يقول بعد الشرب الحمد لله ~~الذي جعل الماء عذبا فراتا برحمته ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا أخرجه ~~الطبراني في الدعاء مرسلا من رواية أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين + # والكوز وكل ما يدار على القوم يدار يمنة وقد شرب رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم لبنا وأبو بكر رضي الله عنه عن شماله وأعرابي عن يمينه وعمر ناحيته ~~فقال عمر رضي الله عنه أعط أبا بكر فناول الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن ~~ويشرب في ثلاثة أنفاس يحمد الله في أواخرها ويسمي الله في أوائلها ويقول في ~~آخر النفس الأول الحمد لله وفي الثاني رب العالمين وفي الثالث يزيد الرحمن ~~الرحيم فهذا قريب من عشرين أدبا في حالة الأكل والشرب دلت عليها الأخبار ~~والآثار القسم الثالث ما يستحب بعد الطعام # وهو أن يمسك قبل الشبع ويلعق أصابعه ثم يمسح بالمنديل ثم يغسلها ويلتقط ~~فتات الطعام قال صلى الله عليه وسلم من أكل ما يسقط من المائدة عاش في سعة ~~وعوفي في ولده + حديث من أكل ما سقط من المائدة عاش في سعة وعوفي في ولده ~~أخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب من حديث جابر بلفظ أمن من الفقر والبرص ~~والجذام وصرف عن ولده الحمق وله من حديث الحجاج بن علاط أعطى سعة من الرزق ~~ووقى في ولده وكلاهما منكر جدا + # ويتخلل ولا يبتلع كل ما يخرج من بين أسنانه بالخلال إلا ما يجمع من أصول ~~أسنانه بلسانه أما المخرج بالخلال فيرميه وليتمضمض بعد الخلال ففيه أثر عن ~~أهل البيت عليهم السلام # وان يلعق القصعة ويشرب ماءها # ويقال من لعق القصعة وغسلها وشرب ماءها كان له عتق رقبة # وأن التقاط الفتات مهور الحور العين وأن يشكر الله تعالى بقلبه على ما ~~أطعمه فيرى الطعام نعمة منه قال الله تعالى كلوا من طيبات ما رزقناكم ~~واشكروا لله ومهما أكل حلالا قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتنزل ~~البركات اللهم أطعمنا طيبا واستعملنا صالحا # وإن أكل شبهة فليقل الحمد لله على كل حال اللهم لا تجعله قوة لنا على ~~معصيتك ويقرأ بعد الطعام قل هو الله أحد ولإيلاف قريش # ولا يقوم عن المائدة حتى ترفع أولا فإن أكل طعام الغير فليدع له وليقل ~~اللهم أكثر خيره وبارك له فيما رزقته ويسر له أن يفعل فيه خيرا وقنعه بما ~~أعطيته واجعلنا وإياه من الشاكرين # وإن أفطر عند قوم فليقل أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت ~~عليكم الملائكة # وليكثر الاستغفار والحزن على ما أكل من شبهة ليطفيء بدموعه وحزنه حر ~~النار التي تعرض لها لقوله صلى الله عليه وسلم كل لحم نبت من حرام فالنار ~~أولى به + حديث كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به هو في شعب الإيمان من ~~حديث كعب بن عجرة بلفظ سحت وهو عند الترمذي وحسنه بلفظ لا يربوا لحم نبت من ~~سحت إلا كانت النار أولى به # وليس من يأكل ويبكي كمن يأكل ويلهو # وليقل إذا أكل لبنا اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وزدنا منه + حديث القوم ~~عند أكل اللبن اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وزدنا منه أخرجه أبو داود ~~والترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث ابن عباس إذا أكل أحدكم طعاما فليقل ~~اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك ~~لنا فيه وزدنا منه + # فإن أكل غيره قال اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وارزقنا خيرا PageV02P006 ~~منه فذلك الدعاء مما خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن لعموم نفعه # ويستحب عقيب الطعام أن يقول الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ~~سيدنا ومولانا يا كافي من كل شيء ولا يكفي منه شيء أطعمت من جوع وآمنت من ~~خوف فلك الحمد آويت من يتم وهديت من ضلالة وأغنيت من عيلة فلك الحمد حمدا ~~كثيرا دائما طيبا نافعا مباركا فيه كما أنت أهله ومستحقه اللهم أطعمتنا ~~طيبا فاستعملنا صالحا واجعله عونا لنا عن طاعتك ونعوذ بك أن نستعين به على ~~معصيتك وأما غسل اليدين بالأشنان فكيفيته أن يجعل الأشنان في كفه اليسرى ~~ويغسل الأصابع الثلاث من اليد اليمنى أولا ويضرب أصابعه على الأشنان اليابس ~~فيمسح به شفتيه ثم ينعم غسل الفم بأصبعه ويدلك ظاهر أسنانه وباطنها والحنك ~~واللسان ثم يغسل أصابعه من ذلك بالماء ثم يدلك ببقية الأشنان اليابس أصابعه ~~ظهرا وبطنا ويستغني بذلك عن إعادة الأشنان إلى الفم وإعادة غسله # | الباب الثاني فيما يزيد بسبب الاجتماع والمشاركة في الأكل وهي سبعة # الأول أن لا يبتدئ بالطعام ومعه من يستحق التقديم بكبر سن أو زيادة فضل ~~إلا أن يكون هو المتبوع والمقتدى به فحينئذ ينبغي أن لا يطول عليهم ~~الانتظار إذا اشرأبوا للأكل واجتمعوا له # الثاني أن لا يسكتوا على الطعام فإن ذلك من سيرة العجم ولكن يتكلمون ~~بالمعروف ويتحدثون بحكايات الصالحين في الأطعمة وغيرها # الثالث أن يرفق برفيقه في القصعة فلا يقصد أن يأكل زيادة على ما يأكله ~~فإن ذلك حرام إن لم يكن موافقا لرضا رفيقه مهما كان الطعام مشتركا # بل ينبغي أن يقصد الإيثار ولا يأكل تمرتين في دفعة إلا إذا فعلوا ذلك أو ~~استأذنهم # فإن قلل رفيقه نشطه ورغبة في الأكل وقال له كل ولا يزيد في قوله كل على ~~ثلاث مرات فإن ذلك إلحاح وإفراط # كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خوطب في شيء ثلاثا لم يراجع بعد ~~ثلاث # حديث كان إذا خوطب في شيء ثلاثا لم يراجع بعد ثلاث أخرجه أحمد من حديث ~~جابر في حديث طويل ومن حديث أبي حدرد أيضا وإسنادهما حسن + # وكان صلى الله عليه وسلم يكرر الكلام ثلاثا + حديث كان يكرر الكلمة ثلاثا ~~أخرجه البخاري من حديث أنس كان يعيد الكلمة ثلاثا + # فليس من الأدب الزيادة عليه # فأما الحلف عليه بالأكل فممنوع قال الحسن بن علي رضي الله عنهما الطعام ~~أهون من أن يحلف عليه # الرابع أن لا يحوج رفيقه إلى أن يقول له كل # قال بعض الأدباء أحسن الآكلين أكلا من لا يحوج صاحبه إلى أن يتفقده في ~~الأكل وحمل عن أخيه مؤنة القول # ولا ينبغي أن يدع شيئا مما يشتهيه لأجل نظر الغير إليه فإن ذلك تصنع بل ~~يجري على المعتاد ولا ينقص من عادته شيئا في الوحدة ولكن يعود نفسه حسن ~~الأدب في الوحدة حتى لا يحتاج إلى التصنع عند الاجتماع # نعم لو قلل من أكله إيثارا لإخوانه ونظرا لهم عند الحاجة إلى ذلك فهو حسن ~~وإن زاد في الأكل على نية المساعدة وتحريك نشاط القوم في الأكل فلا بأس به ~~بل هو حسن وكان ابن المبارك يقدم فاخر الرطب إلى إخوانه ويقول من أكل أكثر ~~اعطيته بكل نواة درهما # وكان يعد النوى ويعطي كل من له فضل نوى بعدده دراهم وذلك لدفع الحياء ~~وزيادة النشاط في الانبساط وقال جعفر بن محمد رضي الله عنهما # أحب إخواني إلي أكثرهم أكلا وأعظمهم لقمة وأثقلهم علي من يحوجني إلى ~~تعهده في الأكل # وكل هذا إشارة إلى الجري على المعتاد وترك التصنع # وقال جعفر رحمه الله أيضا تتبين جودة محبة الرجل لأخيه بجودة أكله في ~~منزله # الخامس أن غسل اليد في الطست لا بأس به وله أن يتنخم فيه PageV02P007 # إن أكل وحده وإن أكل مع غيره فلا ينبغي أن يفعل ذلك # فإذا قدم الطست إليه غيره إكراما له فليقبله # اجتمع أنس بن مالك وثابت البناني رضي الله عنهما على طعام فقدم أنس الطست ~~إليه فامتنع ثابت فقال أنس إذا أكرمك أخوك فاقبل كرامته ولا تردها فإنما ~~يكرم الله عز وجل وروى أن هارون الرشيد دعا أبا معاوية الضرير فصب الرشيد ~~على يده في الطست فلما فرغ قال يا أبا معاوية تدري من صب على يدك فقال لا ~~قال صبه أمير المؤمنين فقال # يا أمير المؤمنين إنما أكرمت العلم وأجللته فأجلك الله وأكرمك كما أجللت ~~العلم وأهله # ولا بأس أن يجتمعوا على غسل اليد في الطست في حالة واحدة فهو أقرب إلى ~~التواضع وأبعد عن طول الانتظار # فإن لم يفعلوه فلا ينبغي أن يصب ماء كل واحد بل يجمع الماء في الطست قال ~~صلى الله عليه وسلم اجمعوا وضوءكم جمع الله شملكم + حديث اجمعوا وضوءكم جمع ~~الله شملكم رواه القضاعي في مسند الشهاب من حديث أبي هريرة بإسناد لا بأس ~~به وجعل ابن طاهر مكان أبي هريرة إبراهيم وقال إنه معضل وفيه نظر + # قيل إن المراد هذا # وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار لا يرفع الطست من بين يدي قوم إلا ~~مملوءة ولا تشبهوا بالعجم # وقال ابن مسعود اجتمعوا على غسل اليد في طست واحد ولا تستنوا بسنة ~~الأعاجم # والخادم الذي يصب الماء على اليد كره بعضهم أن يكون قائما وأحب أن يكون ~~جالسا لأنه أقرب إلى التواضع وكره بعضهم جلوسه فروى أنه صب الماء على يد ~~واحد خادم جالسا فقام المصبوب عليه فقيل له لم قمت فقال أحدنا لا بد وأن ~~يكون قائما # وهذا أولى لأنه أيسر للصب وللغسل وأقرب إلى تواضع الذي يصب وإذا كان له ~~نية فيه فتمكينه من الخدمة ليس فيه تكبر فإن العادة جارية بذلك ففي الطست ~~إذا سبعة آداب أن لا يبزق فيه وأن يقدم به المتبوع وأن يقبل الإكرام ~~بالتقديم وأن يدار يمنة وأن يجتمع فيه جماعة وأن يجمع الماء فيه وان يكون ~~الخادم قائما وأن يمج الماء من فيه ويرسله من يده برفق حتى لا يرش على ~~الفراش وعلى أصحابه وليصب صاحب المنزل بنفسه الماء على يد ضيفه هكذا فعل ~~مالك بالشافعي رضي الله عنهما في أول نزوله عليه وقال لا يروعك ما رأيت مني ~~فخدمة الضيف فرض # السادس أن لا ينظر إلى أصحابه ولا يراقب أكلهم فيستحيون بل يغض بصره عنهم ~~ويشتغل بنفسه ولا يمسك قبل إخوانه إذا كانوا يحتشمون الأكل بعده بل يمد ~~اليد ويقبضها ويتناول قليلا قليلا إلى أن يستوفوا فإن كان قليل الأكل توقف ~~في الابتداء وقلل الأكل حتى إذا توسعوا في الطعام أكل معهم أخيرا فقد فعل ~~ذلك كثير من الصحابة رضي الله عنهم فإن امتنع لسبب فليعتذر إليهم دفعا ~~للخجلة عنهم # السابع أن لا يفعل ما يستقذره غيره فلا ينفض يده في القصعة ولا يقدم ~~إليها رأسه عند وضع اللقمة في فيه وإن أخرج شيئا من فيه صرف وجهه عن الطعام ~~وأخذه بيساره ولا يغمس اللقمة الدسمة في الخل ولا الخل في الدسومة فقد ~~يكرهه غيره واللقمة التي قطعها بسنه لا يغمس بقيتها في المرقة والخل ولا ~~يتكلم بما يذكر المستقذرات # | الباب الثالث في آداب تقديم الطعام إلى الإخوان الزائرين # تقديم الطعام إلى الإخوان فيه فضل كثير # قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما إذا قعدتم مع الإخوان على المائدة ~~فأطيلوا الجلوس فإنها ساعة لا تحسب عليكم من أعماركم # وقال الحسن رحمه الله كل نفقة ينفقها الرجل على نفسه وأبويه فمن دونهم ~~يحاسب عليها ألبتة إلا نفقة الرجل على إخوانه في الطعام فإن الله يستحي أن ~~يسأل عن ذلك # هذا مع ما ورد من الأخبار في الإطعام قال صلى الله عليه وسلم لا تزال ~~الملائكة تصلي على أحدكم ما دامت مائدته موضوعة PageV02P008 بين يديه حتى ~~ترفع + حديث لا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دامت مائدته موضوعة بين ~~يديه حتى يرفع أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة بسند ضعيف + # وروى عن بعض علماء خراسان أنه كان يقدم إلى إخوانه طعاما كثيرا لا يقدرون ~~على أكل جميعه وكان يقول بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن ~~الإخوان إذا رفعوا أيديهم عن الطعام لم يحاسب من أكل فضل ذلك + حديث إن ~~الإخوان إذا رفعوا أيديهم عن الطعام لا يحاسب من أكل من فضل ذلك الطعام لم ~~أقف له على أصل + # فأنا أحب أن أستكثر مما أقدمه إليكم لنأكل فضل ذلك # وفي الخبر لا يحاسب العبد على ما يأكله مع إخوانه + حديث لا يحاسب العبد ~~بما يأكله مع إخوانه هو في الحديث الذي بعده بمعناه + # وكان بعضهم يكثر الأكل مع الجماعة لذلك ويقلل إذا أكل وحده وفي الخبر ~~ثلاثة لا يحاسب عليها العبد أكلة السحور وما أفطر عليه وما أكل مع الإخوان ~~+ حديث ثلاثة لا يحاسب عليها العبد أكلة السحور وما أفطر عليه وما أكل مع ~~الإخوان أخرجه الأزدي في الضعفاء من حديث جابر ثلاثة لا يسألون عن النعيم ~~الصائم والمتسحر والرجل يأكل مع ضيفه أورده في ترجمة سليمان بن داود الجزري ~~وقال فيه منكر الحديث ولأبي منصور الديلمي في مسند الفردوس نحوه من حديث ~~أبي هريرة + # وقال علي رضي الله عنه لأن أجمع إخواني على صاع من طعام أحب إلي من أن ~~أعتق رقبة # وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول من كرم المرء طيب زاده في سفره وبذله ~~لأصحابه وكان الصحابة رضي الله عنهم يقولون الاجتماع على الطعام من مكارم ~~الأخلاق وكانوا رضي الله عنهم يجتمعون على قراءة القرآن ولا يتفرقون إلا عن ~~ذواق # وقيل اجتماع الإخوان على الكفاية مع الأنس والألفة ليس هو من الدنيا # وفي الخبر يقول الله تعالى للعبد يوم القيامة يا ابن آدم جعت فلم تطعمني ~~فيقول كيف أطعمك وأنت رب العالمين فيقول جاع أخوك المسلم فلم تطعمه ولو ~~أطعمته كنت أطعمتني + حديث يقول الله للعبد يوم القيامة يا ابن آدم جعت فلم ~~تطعمني : الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ استطعمتك فلم تطعمني + # وقال صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم الزائر فأكرموه + حديث إذا جاءكم ~~الزائر فأكرموه أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أنس وهو حديث منكر ~~قاله ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه + # وقال صلى الله عليه وسلم إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها ~~من ظاهرها هي لمن ألان الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام + حديث ~~إن في الجنة غرفا يرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها هي لمن ألان ~~الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام أخرجه الترمذي من حديث علي ~~وقال غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن ابن إسحاق وقد تكلم فيه من قبل ~~حفظه + # وقال صلى الله عليه وسلم خيركم من أطعم الطعام + حديث خيركم من أطعم ~~الطعام أخرجه أحمد والحاكم من حديث صهيب وقال صحيح الإسناد + # وقال صلى الله عليه وسلم من أطعم أخاه حتى يشبعه وسقاه حتى يرويه بعده ~~الله من النار بسبع خنادق ما بين كل خندقين مسيرة خمسمائة عام + حديث من ~~أطعم أخاه حتى يشبعه وسقاه حتى يرويه بعده الله من النار سبع خنادق ما بين ~~كل خندقين مسيرة خمسمائة عام أخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن عمر وقال ~~ابن حبان ليس من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الذهبي غريب منكر ~~+ # وأما آدابه فبعضها في الدخول وبعضها في تقديم الطعام # أما الدخول فليس من السنة أن يقصد قوما متربصا لوقت طعامهم فيدخل عليهم ~~وقت الأكل فإن ذلك من المفاجأة وقد نهي عنه قال الله تعالى @QB@ لا تدخلوا ~~بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه @QE@ يعني منتظرين ~~حينه ونضجه # وفي الخبر من مشى إلى طعام لم يدع إليه مشى فاسقا وأكل حراما + حديث من ~~مشى إلى طعام لم يدع إليه مشى فاسقا وأكل حراما أخرجه البيهقي من حديث ~~عائشة نحوه وضعفه ولأبي داود من حديث ابن عمر من دخل على غير دعوة دخل ~~سارقا وخرج مغيرا إسناده ضعيف + # ولكن حق الداخل إذا لم يتربص واتفق أن صادفهم على طعام أن لا يأكل ما لم ~~يؤذن له فإذا قيل له كل # نظر فإن علم أنهم يقولونه على محبة لمساعدته فليساعد وإن PageV02P009 ~~كانوا يقولونه حياء منه فلا ينبغي أن يأكل بل ينبغي أن يتعلل أما إذا كان ~~جائعا فقصد بعض إخوانه ليطعمه ولم يتربص به وقت أكله فلا بأس به # قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما منزل أبي ~~الهيثم بن التيهان وأبي أيوب الأنصاري لأجل طعام يأكلونه وكانوا جياعا + ~~حديث قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما منزل ~~أبو الهيثم بن التيهان وأبي أيوب الأنصاري لأجل طعام يأكلونه أما قصة أبي ~~الهيثم فرواها الترمذي من حديث أبي هريرة وقال حسن غريب صحيح والقصة عند ~~مسلم لكن ليس فيها ذكر لأبي الهيثم وإنما قال رجل من الأنصار وأما حديث ~~قصدهم منزل أبي أيوب فرواها الطبراني في المعجم الصغير من حديث ابن عباس ~~بسند ضعيف + # والدخول على مثل هذه الحالة إعانة لذلك المسلم على حيازة ثواب الإطعام ~~وهي عادة السلف # وكان عون بن عبد الله المسعودي له ثلاثمائة وستون صديقا يدور عليهم في ~~السنة # ولآخر ثلاثون يدور عليهم في الشهر # ولآخرة سبعة يدور عليهم في الجمعة # فكان إخوانهم معلومهم بدلا عن كسبهم وكان قيام أولئك بهم على قصد التبرك ~~عبادة لهم فإن دخل ولم يجد صاحب الدار وكان واثقا بصداقته عالما بفرحه إذا ~~أكل من طعامه فله أن يأكل بغير إذنه إذ المراد من الإذن الرضا لا سيما في ~~الأطعمة وأمرها على السعة # فرب رجل يصرح بالإذن ويحلف وهو غير راض فأكل طعامه مكروه # ورب غائب لم يأذن وأكل طعامه محبوب # وقد قال تعالى @QB@ أو صديقكم @QE@ ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~دار بريرة وأكل طعامها وهي غائبة وكان الطعام من الصدقة فقال بلغت الصدقة ~~محلها + حديث دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار بريرة وأكل طعامها وهي ~~غائبة وكان من الصدقة فقال بلغت الصدقة مكانها متفق عليه من حديث عائشة ~~أهدى لبريرة لحم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو لها صدقة ولنا هدية وأما ~~قوله بلغت محلها فقاله في الشاة التي أعطيتها نسيبة من الصدقة وهو متفق ~~عليه أيضا من حديث أم عطية + # وذلك لعلمه بسرورها بذلك # لذلك يجوز أن يدخل الدار بغير استئذان اكتفاء بعلمه بالإذن فإن لم يعلم ~~فلا بد من الاستئذان أولا ثم الدخول # وكان محمد بن واسع وأصحابه يدخلون منزل الحسن فيأكلون ما يجدون بغير إذن # وكان الحسن يدخل ويرى ذلك فيسر به ويقول هكذا كنا # وروى عن الحسن رضي الله عنه أنه كان قائما يأكل من متاع بقال في السوق ~~يأخذ من هذه الجونة تينة ومن هذه قسبة فقال له هشام ما بدا لك يا أبا سعيد ~~في الورع تأكل متاع الرجل بغير إذنه فقال # يا لكع اتل علي آية الأكل فتلا إلى قوله تعالى @QB@ أو صديقكم @QE@ فقال # فمن الصديق يا أبا سعيد قال من استروحت إليه النفس واطمأن إليه القلب # ومشى قوم إلى منزل سفيان الثوري فلم يجدوه ففتحوا الباب وأنزلوا السفرة ~~وجعلوا يأكلون فدخل الثوري وجعل يقول ذكرتموني أخلاق السلف هكذا كانوا * * # وزار قوم بعض التابعين ولم يكن عنده ما يقدمه إليهم فذهب إلى منزل بعض ~~إخوانه فلم يصادفه في المنزل فدخل فنظر إلى قدر قد طبخها وإلى خبز قد خبزه ~~وغير ذلك فحمله كله فقدمه إلى أصحابه وقال # كلوا فجاء رب المنزل فلم ير شيئا فقيل له # قد أخذ فلان فقال قد أحسن فلما لقيه قال يا أخي إن عادوا فعد # فهذه آداب الدخول # وأما آداب التقديم فترك التكلف أولا وتقديم ما حضر فإن لم يحضره شيء ولم ~~يملك فلا يستقرض لأجل ذلك فيشوش على نفسه # وإن حضره ما هو محتاج إليه لقوته ولم تسمح نفسه بالتقديم فلا ينبغي أن ~~يقدم # دخل بعضهم على زاهد وهو يأكل فقال لولا أني أخذته بدين لأطعمتك منه وقال ~~بعض السلف في تفسير التكلف # أن تطعم أخاك مالا تأكله أنت بل تقصد زيادة عليه في الجودة والقيمة # وكان الفضيل يقول إنما تقاطع الناس بالتكلف يدعو أحدهم أخاه فيتكلف له ~~فيقطعه عن الرجوع إليه # وقال بعضهم # ما أبالي بمن أتاني من إخواني فإني لا أتكلف له إنما أقرب ما عندي ولو ~~تكلفت له لكرهت مجيئه ومللته وقال بعضهم كنت أدخل على أخ لي فيتكلف لي فقلت ~~له إنك لا تأكل وحدك هذا ولا أنا فما بالنا إذا اجتمعنا أكلناه فإما أن ~~تقطع هذا التكلف أو أقطع المجيء فقطع PageV02P010 # التكلف ودام اجتماعنا بسببه ومن التكلف أن يقدم جميع ما عنده فيجحف ~~بعياله ويؤذي قلوبهم # روى أن رجلا دعا عليا رضي الله عنه فقال علي أجيبك على ثلاث شرائط لا ~~تدخل من السوق شيئا ولا تدخر ما في البيت ولا تجحف بعيالك # وكان بعضهم يقدم من كل ما في البيت فلا يترك نوعا إلا ويحضر شيئا منه # وقال بعضهم دخلنا على جابر بن عبد الله فقدم إلينا خبزا وخلا وقال لولا ~~أنا نهينا عن التكلف لتكلفت لكم + حديث دخلنا على جابر بن عبد الله فقدم ~~إلينا خبزا وخلا وقال لولا أنا نهينا عن التكلف لتكلفت لكم رواه أحمد دون ~~قوله لولا أنا نهينا وهو من حديث سلمان الفارسي وسيأتي بعده وكلاهما ضعيف ~~وللبخاري عن عمر بن الخطاب نهينا عن التكلف + # وقال بعضهم إذا قصدت للزيارة فقدم ما حضر وإن استزرت فلا تبق ولا تذر # وقال سلمان أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نتكلف للضيف ما ليس ~~عندنا وأن نقدم إليه ما حضرنا + حديث سلمان أمرنا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أن لا نتكلف للضيف ما ليس عندنا وان نقدم إليه ما حضرنا أخرجه ~~الخرائطي في مكارم الأخلاق ولأحمد لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~نهانا أو لولا أنا نهينا أن يتكلف أحدنا لصاحبه لتكلفنا لك وللطبراني نهانا ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكلف للضيف ما ليس عندنا + # وفي حديث يونس النبي صلى الله عليه وسلم أنه زاره إخوانه فقدم إليهم كسرا ~~وجز لهم بقلا كان يزرعه ثم قال لهم كلوا لولا أن الله لعن المتكلفين لتكلفت ~~لكم # وعن أنس بن مالك رضي الله عنه وغيره من الصحابة أنهم كانوا يقدمون ما حضر ~~من الكسر اليابسة وحشف التمر ويقولون لا ندري أيهما أعظم وزرا الذي يحتقر ~~ما يقدم إليه أو الذي يحتقر ما عنده أن يقدمه # الأدب الثاني وهو للزائر أن لا يقترح ولا يتحكم بشيء بعينه فربما يشق على ~~المزور إحضاره فإن خيره أخوة بين طعامين فليتخير أيسرهما عليه كذلك السنة ~~ففيالخبر أنه ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار ~~أيسرهما + حديث ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار ~~أيسرهما متفق عليه من حديث عائشة وزاد ما لم يكن إثما ولم يذكرها مسلم في ~~بعض طرقه + # وروى الأعمش عن أبي وائل أنه قال مضيت مع صاحب لي نزور سلمان فقدم إلينا ~~خبز شعير وملحا جريشا فقال صاحبي لو كان في هذا الملح سعترا كان أطيب فخرج ~~سلمان فرهن مطهرته وأخذ سعترا فلما أكلنا قال صاحبي الحمد لله الذي قنعنا ~~بما رزقنا فقال سلمان لو قنعت بما رزقت لم تكن مطهرتي مرهونة # هذا إذا توهم تعذر ذلك على أخيه أو كراهته له فإن علم أنه يسر باقتراحه ~~ويتيسر عليه ذلك فلا يكره له الاقتراح فعل الشافعي رضي الله عنه ذلك مع ~~الزعفراني إذ كان نازلا عنده ببغداد وكان الزعفراني يكتب كل يوم رقعة بما ~~يطبخ من الألوان ويسلمها إلى الجارية فأخذ الشافعي الرقعة في بعض الأيام ~~وألحق بها لونا آخر بخطه فلما رأى الزعفراني ذلك اللون أنكر وقال ما أمرت ~~بهذا فعرضت عليه الرقعة ملحقا فيها خط الشافعي فلما وقعت عينه على خطه فرح ~~بذلك وأعتق الجارية سرورا باقتراح الشافعي عليه # وقال أبو بكر الكتاني دخلت على السرى فجاء بفتيت وأخذ يجعل نصفه في القدح ~~فقلت له أي شيء تعمل وأنا أشربه كله في مرة واحدة فضحك وقال هذا أفضل لك من ~~حجة # وقال بعضهم الأكل على ثلاثة أنواع مع الفقراء بالإيثار ومع الإخوان ~~بالانبساط ومع أبناء الدنيا بالأدب # الأدب الثالث أن يشهى المزور أخاه الزائر ويلتمس منه الاقتراح مهما كانت ~~نفسه طيبة بفعل ما يقترح فذلك حسن وفيه أجر وفضل جزيل # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صادف من أخيه شهوة غفر له ومن سر ~~أخاه المؤمن فقد سر الله تعالى + حديث من صادف من أخيه شهوة غفر الله له ~~ومن سر أخاه المؤمن فقد سر الله عز وجل أخرجه البزار والطبراني من حديث أبي ~~الدرداء من وافق من أخيه شهوة غفر له قال ابن الجوزي حديث موضوع وروى ابن ~~حبان والعقيلي في الضعفاء من حديث أبي بكر الصديق من سر مؤمنا فإنما سر ~~الله الحديث قال العقيلي باطل لا أصل له + # وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر من لذذ أخاه بما يشتهي كتب الله ~~له ألف ألف حسنة ومحى عنه ألف ألف سيئة PageV02P011 # ورفع له ألف ألف درجة وأطعمه الله من ثلاث جنات جنة الفردوس وجنة عدن ~~وجنة الخلد + حديث جابر من لذذ أخاه بما يشتهي كتب الله له ألف ألف حسنة ~~الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات من رواية محمد بن نعيم عن ابن الزبير ~~عن جابر وقال أحمد بن حنبل هذا باطل كذب + # الأدب الرابع أن لا يقول له هل أقدم لك طعاما بل ينبغي أن يقدم إن كان # قال الثوري إذا زارك أخوك فلا تقل له أتأكل أو أقدم إليك ولكن قدم فإن ~~أكل وإلا فارفع # وإن كان يريد أن يطعمهم طعاما فلا ينبغي أن يظهرهم عليه أو يصفه لهم # قال الثوري إذا أردت أن لا تطعم عيالك مما تأكله فلا تحدثهم به ولا يرونه ~~معك # وقال بعض الصوفية إذا دخل عليكم الفقراء فقدموا إليهم طعاما وإذا دخل ~~الفقهاء فسلوهم عن مسألة فإذا دخل القراء فدلوهم على المحراب # | الباب الرابع في آداب الضيافة # ومظان الآداب فيها ستة الدعوة أولا ثم الإجابة ثم الحضور ثم تقديم الطعام ~~ثم الأكل ثم الانصراف ولنقدم على شرحها إن شاء الله تعالى # فضيلة الضيافة قال صلى الله عليه وسلم لا تكلفوا للضيف فتبغضوه فإنه من ~~أبغض الضيف فقد أبغض الله ومن أبغض الله أبغضه الله + حديث لا تتكلفوا ~~للضيف فتبغضوه فإنه من أبغض الضيف فقد أبغض الله ومن أبغض الله أبغضه الله ~~أخرجه أبو بكر ابن لال في مكارم الأخلاق من حديث سلمان لا يتكلفن أحد لضيفه ~~ما لا يقدر عليه وفيه محمد بن الفرج الأزرق متكلم فيه + # وقال صلى الله عليه وسلم لا خير فيمن لا يضيف + حديث لا خير فيمن لا يضيف ~~أخرجه أحمد من حديث عقبة بن عامر وفيه ابن لهيعة + # ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل له إبل وبقر كثيرة فلم يضيفه ومر ~~بامرأة لها شويهات فذبحت له # فقال صلى الله عليه وسلم انظروا إليهما إنما هذه الأخلاق بيد الله فمن ~~شاء أن يمنحه خلقا حسنا فعل + حديث مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل ~~له إبل وبقر كثيرة فلم يضفه ومر بامرأة لها شويهات فذبحت لهالحديث أخرجه ~~الخرائطي في مكارم الأخلاق من رواية أبي المنهال مرسلا + # وقال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه نزل به صلى الله ~~عليه وسلم ضيف فقال # قل لفلان اليهودي نزل بي ضيف فأسلفني شيئا من الدقيق إلى رجب فقال ~~اليهودي والله ما أسلفه إلا برهن فأخبرته فقال والله إني لأمين في السماء ~~أمين في الأرض ولو أسلفني لأديته فاذهب بدرعي وارهنه عنده + حديث أبي رافع ~~أنه نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف فقال قل لفلان اليهودي نزل بي ~~ضيف فأسلفني شيئا من الدقيق إلى رجبالحديث رواه إسحاق بن راهويه في مسنده ~~والخرائطي في مكارم الأخلاق وابن مردويه في النفير بإسناد ضعيف + # وكان إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وسلامه إذا أراد أن يأكل خرج ميلا ~~أو ميلين يلتمس من يتغدى معه وكان يكنى أبا الضيفان ولصدق نيته فيه دامت ~~ضيافته في مشهده إلى يومنا هذا فلا تنقضي ليلة إلا ويأكل عنده جماعة من بين ~~ثلاثة إلى عشرة إلى مائة # وقال قوام الموضع إنه لن يخل إلى الآن ليلة عن ضيف وسئل رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ما الإيمان فقال إطعام الطعام وبذل السلام + حديث سئل رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم ما الإيمان قال إطعام الطعام وبذل السلام متفق ~~عليه من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ أي الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقري ~~السلام على من عرفت ومن لم تعرف + # وقال صلى الله عليه وسلم في الكفارات والدرجات إطعام الطعام والصلاة ~~بالليل والناس نيام + حديث قال صلى الله عليه وسلم في الكفارات والدرجات ~~إطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام أخرجه الترمذي وصححه والحاكم من ~~حديث معاذ وقد تقدم بعضه في الباب الرابع من الأذكار وهو حديث اللهم إني ~~أسألك فعل الخيرات + PageV02P012 # وسئل عن الحج المبرور فقال إطعام الطعام وطيب الكلام + حديث سئل عن الحج ~~المبرور فقال إطعام الطعام وطيب الكلام تقدم في الحج + # وقال أنس رضي الله عنه كل بيت لا يدخله ضيف لا تدخله الملائكة # والأخبار الواردة في فضل الضيافة والإطعام لا تحصى فلنذكر آدابها # أما الدعوة فينبغي للداعي أن يعمد بدعوته الأتقياء دون الفساق قال صلى ~~الله عليه وسلم أكل طعامك الأبرار + حديث أكل طعامكم الأبرار أخرجه أبو ~~داود من حديث أنس بإسناد صحيح + # في دعائه لبعض من دعا له وقال صلى الله عليه وسلم لا تأكل إلا طعام تقي ~~ولا يأكل طعامك إلا تقي + حديث لا تأكل إلا طعام تقي ولا يأكل طعامك إلا ~~تقي تقدم في الزكاة + # ويقصد الفقراء دون الأغنياء على الخصوص # قال صلى الله عليه وسلم شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء دون ~~الفقراء + حديث شر الطعام طعام الوليمة الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة ~~+ # وينبغي أن لا يهمل أقاربه في ضيافته فإن إهمالهم إيحاش وقطع رحم وكذلك ~~يراعي الترتيب في أصدقائه ومعارفه فإن في تخصيص البعض إيحاشا لقلوب الباقين # وينبغي أن لا يقصد بدعوته المباهاة والتفاخر بل استمالة قلوب الإخوان ~~والتسنن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إطعام الطعام وإدخال السرور ~~على قلوب المؤمنين # وينبغي أن لا يدعو من يعلم أنه يشق عليه الإجابة وإذا حضر تأذى بالحاضرين ~~بسبب من الأسباب # وينبغي أن لا يدعو إلا من يحب إجابته قال سفيان من دعا أحدا إلى طعام وهو ~~يكره الإجابة فعليه خطيئة فإن أجاب المدعو فعليه خطيئتان # لأنه حمله على الأكل مع كراهة ولو علم ذلك لما كان يأكله # وإطعام التقي إعانة على الطاعة وإطعام الفاسق تقوية على الفسق # قال رجل خياط لابن المبارك أنا أخيط ثياب السلاطين فهل تخاف أن أكون من ~~أعوان الظلمة قال لا إنما أعوان الظلمة من يبيع منك الخيط والإبرة أما أنت ~~فمن الظلمة نفسهم # وأما الإجابة فهي سنة مؤكدة وقد قيل بوجوبها في بعض المواضع # قال صلى الله عليه وسلم لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع لقبلت ~~+ حديث لو دعيت إلي كراع لأجبت ولو أهدى إلي ذراع لقبلت أخرجه البخاري من ~~حديث أبي هريرة + # وللإجابة خمسة آداب # الأول أن لا يميز الغني بالإجابة عن الفقير فذلك هو التكبر المنهي عنه ~~ولأجل ذلك امتنع بعضهم عن أصل الإجابة وقال انتظار المرقة ذل وقال آخر إذا ~~وضعت يدي في قصعة غيري فقد ذلت له رقبتي ومن المتكبرين من يجيب الأغنياء ~~دون الفقراء وهو خلاف السنة # كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة العبد ودعوة المسكين + حديث ~~كان يجيب دعوة العبد ودعوة المسكين أخرجه الترمذي وابن ماجة من حديث أنس ~~دون ذكر المسكين ضعفه الترمذي وصححه الحاكم + # ومر الحسن بن علي رضي الله عنهما بقوم من المساكين الذين يسألون الناس ~~على الطريق وقد نشروا كسرا على الأرض في الرمل وهم يأكلون وهو على بغلته ~~فسلم عليهم فقالوا له هلم إلى الغداء يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فقال نعم إن الله لا يحب المستكبرين فنزل وقعد معهم على الأرض وأكل ثم ~~سلم عليهم وركب وقال قد أجبتكم فأجيبوني قالوا نعم فوعدهم وقتا معلوما ~~فحضروا فقدم إليهم فاخر الطعام وجلس يأكل معهم # وأما قول القائل إن من وضعت يدي في قصعته فقد ذلت له رقبتي فقد قال بعضهم ~~هذا خلاف السنة وليس كذلك فإنه ذل إذا كان الداعي لا يفرح بالإجابة ولا ~~يتقلد منة وكان يرى ذلك يدا له على المدعو # ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحضر لعلمه أن الداعي له يتقلد منة ~~ويرى ذلك شرفا وذخرا لنفسه في الدنيا والآخرة فهذا يختلف باختلاف الحال فمن ~~ظن به أنه يستثقل الإطعام وإنما يفعل ذلك مباهاة أو تكلفا فليس من السنة ~~إجابته + حديث ليس من السنة إجابة من يطعم مباهاة أو تكلفا أخرجه أبو داود ~~من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتبارين قال ~~أبو داود من رواه عن جرير لم يذكر فيه ابن عباس وللعقيلي في الضعفاء نهى ~~النبي صلى الله عليه وسلم عن طعام المتباهيين والمتباريان المتعارضان ~~بفعلهما للمباهاة والرياء قاله أبو موسى المديني + # بل الأولى التعلل ولذلك قال بعض الصوفية # لا تجب إلا دعوة من يرى أنك أكلت رزقك وأنه PageV02P013 سلم إليك وديعة ~~كانت لك عنده ويرى لك الفضل عليه في قبول تلك الوديعة منه # وقال سرى السقطي رحمه الله آه على لقمة ليس على الله فيها تبعة ولا ~~لمخلوق فيها منة # فإذا علم المدعو أنه لا منة في ذلك فلا ينبغي أن يرد # وقال أبو تراب النخشي رحمة الله عليه عرض على طعام فامتنعت فابتليت ~~بالجوع أربعة عشر يوما فعلمت أنه عقوبته # وقيل لمعروف الكرخي رضي الله عنه كل من دعاك تمر إليه فقال أنا ضيف أنزل ~~حيث أنزلوني # الثاني أنه لا ينبغي أن يمتنع عن الإجابة لبعد المسافة كما لا يمتنع لفقر ~~الداعي وعدم جاهه بل كل مسافة يمكن احتمالها في العادة لا ينبغي أن يمتنع ~~لآجل ذلك # يقال في التوراة أو بعض الكتب سر ميلا عد مريضا سر ميلين شيع جنازة سر ~~ثلاثة أميال أجب دعوة سر أربعة أميال زر أخا في الله # ولإنما قدم إجابة الدعوة والزيارة لأن فيه قضاء حق الحي فهو أولى من ~~الميت وقال صلى الله عليه وسلم لو دعيت إلى كراع بالغميم لأجبت + حديث لو ~~دعيت إلى كراع بالغميم لأجبت ذكر الغميم فيه ليعرف والمعروف لو دعيت إلى ~~كراع كما تقدم قبله بثلاثة أحاديث ويرد هذه الزيادة ما رواه الترمذي من ~~حديث أنس لو أهدي إلي كراع لقبلت + # وهو موضع على أميال من المدينة أفطر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ~~رمضان + حديث إفطاره صلى الله عليه وسلم في رمضان لما بلغ كراع الغميم رواه ~~مسلم من حديث جابر في عام الفتح + # لما بلغه وقصر عنده في سفره + حديث قصره صلى الله عليه وسلم في سفره عند ~~كراع الغميم لم أقف له على أصل وللطبراني في الصغير من حديث ابن عمر كان ~~يقصر الصلاة بالعقيق يريد إذا بلغه وهذا يرد الأول لأن بين العقيق وبين ~~المدينة ثلاثة أميال أو أكثر وكراع الغميم بين مكة وعسفان والله أعلم + # الثالث أن لا يمتنع لكونه صائما بل يحضر فإن كان يسر أخاه إفطاره فليفطر ~~وليحتسب في إفطاره بنية إدخال السرور على قلب أخيه ما يحتسب في الصوم وأفضل ~~وذلك في صوم التطوع وإن لم يتحقق سرور قلبه فليصدقه بالظاهر وليفطر وإن ~~تحقق انه متكلف فليتعلل # وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن امتنع بعذر الصوم تكلف لك أخوك وتقول إني ~~صائم + حديث وقال لمن امتنع بعذر الصوم تكلف لك أخوك وتقول إني صائم أخرجه ~~البيهقي من حديث أبي سعيد الخدري صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما ~~وأتاني هو وأصحابه فلما وضع الطعام قال رجل من القوم إني صائم فقال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم دعاكم أخوكم وتكلف لكمالحديث وللدارقطني نحوه من ~~حديث جابر + # وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما من أفضل الحسنات إكرام الجلساء بالإفطار ~~فالإفطار عبادة بهذه النية وحسن خلق فثوابه فوق ثواب الصوم # ومهما لم يفطر فضيافته الطيب والمجمرة والحديث الطيب # وقد قيل الكحل والدهن أحد القراءين # الرابع أن يمتنع من الإجابة إن كان الطعام طعام شبهة أو الموضع أو البساط ~~المفروش من غير حلال أو كان يقام في الموضع منكر من فرش ديباج أو إناء فضة ~~أو تصوير حيوان على سقف أو حائط أو سماع شيء من المزامير والملاهي أو ~~التشاغل بنوع من اللهو والعزف والهزل واللعب واستماع الغيبة والنميمة ~~والزور والبهتان والكذب وشبه ذلك مما يمنع الإجابة واستحبابها ويوجب ~~تحريمها أو كراهيتها وكذلك إذا كان الداعي ظالما أو مبتدعا أو فاسقا أو ~~شريرا أو متكلفا طلبا للمباهاة والفخر # الخامس أن لا يقصد بالإجابة قضاء شهوة البطن فيكون عاملا في أبواب الدنيا ~~بل يحسن نيته ليصير بالإجابة عاملا للآخرة وذلك بأن تكون نيته الاقتداء ~~بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لو دعيت إلى كراع لأجبت وينوى ~~الحذر من معصية الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم من لم يجب الداعي فقد ~~عصى الله ورسوله + حديث من لم يجب الداعي فقد عصى الله ورسوله متفق عليه من ~~حديث أبي هريرة + # وينوي إكرام أخيه المؤمن اتباعا لقوله صلى الله عليه وسلم من أكرم أخاه ~~المؤمن فكأنما أكرم الله + حديث من أكرم أخاه المؤمن فإنما يكرم الله تعالى ~~ذكره الأصفهاني في الترغيب والترهيب من حديث جابر والعقيلي في الضعفاء من ~~حديث أبي بكر وإسنادهما ضعيف + # وينوي إدخال السرور على قلبه امتثالا لقوله PageV02P014 صلى الله عليه ~~وسلم من سر مؤمنا فقد سر الله + حديث من سر مؤمنا فقد سر الله تقدم في ~~الباب قبله + # وينوي مع ذلك زيارته ليكون من المتاحبين في الله إذ شرط رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فيه التزاور والتباذل لله + حديث وجبت محبتي للمتزاورين في ~~والمتباذلين في أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ولم يذكر المصنف هذاالحديث ~~وإنما أشار إليه + # وقد حصل البذل من أحد الجانبين فتحصل الزيارة من جانبه أيضاوينوي صيانة ~~نفسه عن أن يساء به الظن في امتناعه ويطلق اللسان فيه بأن يحمل على تكبر أو ~~سوء خلق أو اسحتقار أخ مسلم أو ما يجري مجراه # فهذه ست نيات تلحق إجابته بالقربات آحادها فكيف مجموعها وكان بعض السلف ~~يقول أنا أحب أن يكون لي في كل عمل نية حتى في الطعام والشراب وفي مثل هذا ~~قال صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى فمن ~~كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى ~~دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه + حديث الأعمال ~~بالنيات متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب + # والنية إنما تؤثر في المباحات والطاعات أما المنهيات فلا # فإنه لو نوى أن يسر إخوانه بمساعدتهم على شرب الخمر أو حرام آخر لم تنفع ~~النية ولم يجز أن يقال الأعمال بالنيات # بل لو قصد بالغزو الذي هو طاعة المباهاة وطلب المال انصرف عن جهة الطاعة # وكذلك المباح المردد بين وجوه الخيرات وغيرها يلتحق بوجوه الخيرات بالنية ~~فتؤثر النية في هذين القسمين لا في القسم الثالث # وأما الحضور فأدبه أن يدخل الدار ولا يتصدر فيأخذ أحسن الأماكن بل يتواضع ~~ولا يطول الانتظار عليهم ولا يعجل بحيث يفاجئهم قبل تمام الاستعداد ولا ~~يضيق المكان على الحاضرين بالزحمة بل إن أشار إليه صاحب المكان بموضع لا ~~يخالفه ألبتة فإنه قد يكون رتب في نفسه موضع كل واحد فمخالفته تشوش عليه ~~وإن أشار إليه بعض الضيفان بالارتفاع إكراما فليتواضع قال صلى الله عليه ~~وسلم إن من التواضع لله الرضا بالدون من المجلس + حديث إن من التواضع لله ~~الرضا بالدون من المجلس أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق وأبو نعيم في ~~رياضة المتعلمين من حديث طلحة بن عبيد بسند جيد + # ولا ينبغي أن يجلس في مقابلة باب الحجرة التي للنساء وسترهم # ولا يكثر النظر إلى الموضع الذي يخرج منه الطعام فإنه دليل على الشره # ويخص بالتحية والسؤال من يقرب منه إذا جلس # وإذا دخل ضيف للمبيت فليعرفه صاحب المنزل عند الدخول القبلة وبيت الماء ~~وموضع الوضوء كذلك فعل مالك بالشافعي رضي الله عنهما # وغسل مالك يده قبل الطعام قبل القوم وقال الغسل قبل الطعام لرب البيت أول ~~لأنه يدعو الناس إلى كرمه فحكمه أن يتقدم بالغسل وفي آخر الطعام يتأخر ~~بالغسل لينتظر أن يدخل من يأكل فيأكل معه # وإذا دخل فرأى منكرا غيره إن قدر وإلا أنكر بلسانه وانصرف # والمنكر فرش الديباج واستعمال أواني الفضة والذهب والتصوير على الحيطان ~~وسماع الملاهي والمزامير وحضور النسوة المتكشفات الوجوه وغير ذلك من ~~المحرمات حتى قال أحمد رحمه الله إذا رأى مكحلة رأسها مفضض ينبغي أن يخرج ~~ولم يأذن في الجلوس إلا في ضبة وقال إذا رأى كلة فينبغي أن يخرج فإن ذلك ~~تكلف لا فائدة فيه ولا تدفع حرا ولا بردا ولا تستر شيئا وكذلك قال يخرج إذا ~~رأى حيطان البيت مستورة بالديباج كما تستر الكعبة # وقال إذا اكترى بيتا فيه صورة أو دخل الحمام ورأى صورة فينبغي أن يحكها ~~فإن لم يقدر خرج # وكل ما ذكره صحيح وإنما النظر في الكلة وتزيين الحيطان بالديباج فإن ذلك ~~لا ينتهي إلى التحريم إذ الحرير يحرم على الرجال قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها + حديث هذان حرامان على ذكور ~~أمتي أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث علي وفيه أبو أفلح ~~الهمداني جهله ابن القطان والنسائي والترمذي وصححه من حديث أبي موسى بنحوه ~~قلت الظاهر انقطاعه بين سعيد بن أبي هند وأبي موسى فأدخل أحمد بينهما رجلا ~~لم يسم + # وما على PageV02P015 الحائط ليس منسوبا إلى الذكور ولو حرم هذا لحرم ~~تزيين الكعبة بل الأولى إباحته لموجب قوله @QB@ قل من حرم زينة الله @QE@ ~~لا سيما في وقت الزينة إذا لم يتخذ عادة للتفاخر # وإن تخيل أن الرجال ينتفعون بالنظر إليه ولا يحرم على الرجال الانتفاع ~~بالنظر إلى الديباج مهما لبسه الجواري والنساء # والحيطان في معنى النساء إذ لسن موصوفات بالذكورة # وأما إحضار الطعام فله آداب خمسة # الأول تعجيل الطعام فذلك من إكرام الضيف وقد قال صلى الله عليه وسلم من ~~كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه + حديث من كان يؤمن بالله واليوم ~~الآخر فليكرم ضيفه متفق عليه من حديث أبي سريج + # ومهما حضر الأكثرون وغاب واحد أو اثنان وتأخروا عن الوقت الموعود فحق ~~الحاضر في التعجيل أولى من حق أولئك في التأخير إلا أن يكون المتأخر فقيرا ~~أو ينكسر قلبه بذلك فلا بأس في التأخير وأحد المعنيين في قوله تعالى @QB@ ~~هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين @QE@ أنهم أكرموا بتعجيل الطعام إليهم ~~دل عليه قوله تعالى @QB@ فما لبث أن جاء بعجل حنيذ @QE@ وقوله @QB@ فراغ ~~إلى أهله فجاء بعجل سمين @QE@ والروغان الذهاب بسرعة وقيل في خفية وقيل جاء ~~بفخذ من لحم وإنما سمى عجلا لأنه عجله ولم يلبث # قال حاتم الأصم العجلة من الشيطان إلا في خمسة فإنها من سنة رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إطعام الضيف وتجهيز الميت وتزويج البكر وقضاء الدين ~~والتوبة من الذنب + حديث حاتم الأصم العجلة من الشيطان إلا في خمسة فإنها ~~من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إطعام الطعام وتجهيز الميت وتزويج ~~البكر وقضاء الدين والتوبة من الذنب أخرجه الترمذي من حديث سهل بن سعد ~~الأناة من الله والعجلة من الشيطان وسنده ضعيف وأما الاستثناء فروى أبو ~~داود من حديث سعد بن أبي وقاص التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة قال ~~الأعمش لا أعلم إلا أنه رفعه وروى المزي في التهذيب في ترجمة محمد بن موسى ~~بن نفيع عن مشيخة من قومه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأناة في كل ~~شيء إلا في ثلاث إذا صيح في خيل الله وإذا نودي بالصلاة وإذا كانت الجنازة ~~الحديث مرس والترمذي من حديث علي ثلاثة لا تؤخرها الصلاة إذا أتت والجنازة ~~إذا حضرت والأيم إذا وجدت كفؤا وسنده حسن + # ويستحب التعجيل في الوليمة قيل الوليمة في أول يوم سنة وفي الثاني معروف ~~وفي الثالث رياء # الثاني ترتيب الأطعمة بتقديم الفاكهة أولا إن كانت فذلك أوفق في الطب ~~فإنها أسرع استحالة فينبغي أن تقع في أسفل المعدة # وفي القرآن تنبيه على تقديم الفاكهة في قوله تعالى وفاكهة مما يتخيرون ~~@QB@ ثم قال @QE@ ولحم طير مما يشتهون ثم أفضل ما يقدم بعد الفاكهة اللحم ~~والثريد فقد قال صلى الله عليه وسلم فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على ~~سائر الطعام فإن جمع إليه حلاوة بعده فقد جمع الطيبات # ودل على حصول الإكرام باللحم قوله تعالى في ضيف إبراهيم إذ أحضر العجل ~~الحنيذ أي المحنوذ وهو الذي أجيد نضجه وهو أحد معنى الإكرام أعني تقديم ~~اللحم # وقال تعالى في وصف الطيبات وأنزلنا عليكم المن والسلوى المن العسل ~~والسلوى اللحم سمي سلوى لأنه يتسلى به عن جميع الإدام ولا يقوم غيره مقامه ~~ولذلك قال صلى الله عليه وسلم سيد الإدام اللحم ثم قال بعد ذكر المن ~~والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم فاللحم والحلاوة من الطيبات # قال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه أكل الطيبات يورث الرضا عن الله # وتتم هذه الطيبات بشرب الماء البارد وصب الماء الفاتر على اليد عند الغسل # قال المأمون شرب الماء بثلج يخلص الشكر # وقال بعض الأدباء إذا دعوت إخوانك فأطعمتهم حصرمية وبورانية وسقيتهم ماء ~~باردا فقد أكملت الضيافة # وأنفق بعضهم دراهم في ضيافة فقال بعض الحكماء لم نكن نحتاج إلى هذا إذا ~~كان خبزك جيدا وماؤك باردا وخلك حامضا فهو كفاية # وقال بعضهم الحلاوة بعد الطعام خير من كثرة الألوان والتمكن على المائدة ~~خير من زيادة لونين PageV02P016 ويقال إن الملائكة تحضر المائدة إذا كان ~~عليها بقل فذلك أيضا مستحب ولما فيه من التزين بالخضرة # وفي الخبر إن المائدة التي أنزلت على بني إسرائيل كان عليها من كل البقول ~~إلا الكراث # وكان عليها سمكة عند رأسها خل وعند ذنبها ملح وسبعة أرغفة على كل رغيف ~~زيتون وحب رمان فهذا إذا اجتمع حسن للموافقة # الثالث أن يقدم من الألوان ألطفها حتى يستوفي منها من يريد ولا يكثر ~~الأكل بعده وعادة المترفين تقديم الغليظ ليستأنف حركة الشهوة بمصادفة ~~اللطيف بعده وهو خلاف السنة فإنه حيلة في استكثار الأكل # وكان من سنة المتقدمين أن يقوموا جملة الألوان دفعة واحدة ويصففون القصاع ~~من الطعام على المائدة ليأكل كل واحد مما يشتهي # وإن لم يكن عنده إلا لون واحد ذكره ليستوفوا منه ولا ينتظروا أطيب منه # ويحكى عن بعض أصحاب المروءات أنه كان يكتب نسخة بما يستحضر من الألوان ~~ويعرض على الضيفان # وقال بعض الشيوخ قدم إلى بعض المشايخ لونا بالشام فقلت عندنا بالعراق ~~إنما يقدم هذا آخرا فقال وكذا عندنا بالشام ولم يكن له لون غيره فخجلت منه # وقال آخر كنا جماعة في ضيافة فقدم إلينا ألوان من الرءوس المشوية طبيخا ~~وقديدا فكنا لا نأكل ننتظر بعدها لونا أو حملا فجاءنا بالطست ولم يقدم ~~غيرها فنظر بعضنا إلى بعض فقال بعض الشيوخ وكان مزاحا إن الله تعالى يقدر ~~أن يخلق رءوسا بلا أبدان قال وبتنا تلك الليلة جياعا نطلب فتيتا إلى السحور # فلهذا يستحب أن يقدم الجميع أو يخبر بما عنده # الرابع أن لا يبادر إلى رفع الألوان قبل تمكنهم من الاستيفاء حتى يرفعوا ~~الأيدي عنها فلعل منهم من يكون بقية ذلك اللون أشهى عنده مما استحضروه أو ~~بقيت فيه حاجة إلى الأكل فيتنغض عليه بالمبادرة وهي من التمكن على المائدة ~~التي يقال إنها خير من لونين فيحتمل أن يكون المراد به قطع الاستعجال ~~ويحتمل أن يكون أراد به سعة المكان # حكى عن الستوري وكان صوفيا مزاحا فحضر عند واحد من أبناء الدنيا على ~~مائدة فقدم إليهم حمل وكان صاحب المائدة بخل فلما رأى القوم مزقوا الحمل كل ~~ممزق ضاق صدره وقال يا غلام ارفع إلى الصبيان فرفع الحمل إلى داخل الدار ~~فقام الستوري يعدو خلف الحمل فقيل له إلى أين فقال آكل مع الصبيان فاستحيا ~~الرجل وأمر برد الحمل # ومن هذا الفن أن لا يرفع صاحب المائدة يده قبل القوم فإنهم يستحيون بل ~~ينبغي أن يكون آخرهم أكلا # كان بعض الكرام يخبر القوم بجميع الألوان ويتركهم يستوفون فإذا قاربوا ~~الفراغ جثا على ركبتيه ومد يده إلى الطعام وأكل وقال # بسم الله ساعدوني بارك الله فيكم وعليكم وكان السلف يستحسنون ذلك منه # الخامس أن يقدم من الطعام قدر الكفاية فإن التقليل عن الكفاية نقص في ~~المروءة والزيادة عليه تصنع ومراءاة لا سيما إذا كانت نفسه لا تسمح بان ~~يأكلوا الكل إلا أن يقدم الكثير وهو طيب النفس لو أخذوا الجميع ونوى أن ~~يتبرك بفضلة طعامهم إذ في الحديث لا يحاسب عليه # أحضر إبراهيم بن أدهم رحمه الله طعاما كثيرا على مائدته فقال له سفيان يا ~~أبا إسحاق أما تخاف أن يكون هذا سرفا فقال إبراهيم ليس في الطعام سرف # فإن لم تكن هذه النية فالتكثير تكلف # قال ابن مسعود رضي الله عنه نهينا أن نجيب دعوة من يباهي بطعامه وكره ~~جماعة من الصحابة أكل طعام المباهاة # ومن ذلك كان لا يرفع من بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلة طعام ~~قط لأنهم كانوا لا يقدمون إلا قدر الحاجة ولا يأكلون تمام الشبع # وينبغي أن يعزل أولا نصيب أهل البيت حتى لا تكون أعينهم طامحة إلى رجوع ~~شيء منه فلعله لا يرجع فتضيق صدورهم وتنطلق في الضيفان ألسنتهم ويكون قد ~~أطعم الضيفان ما يتبعه كراهية قوم وذلك خيانة في حقهم # وما بقي من الأطعمة فليس للضيفان أخذه وهو الذي تسميه الصوفية الزلة إلا ~~إذا صرح PageV02P017 # صاحب الطعام بالإذن فيه عن قلب راض أو علم ذلك بقرينة حاله وأنه يفرح به ~~فإن كان يظن كراهيته # فلا ينبغي أن يؤخذ وإذا علم رضاه فينبغي مراعاة العدل والنصفة مع الرفقاء ~~فلا ينبغي أن يأخذ الواحد إلا ما يخصه أو ما يرضى به رفيقه عن طوع لا عن ~~حياء # فأما الانصراف فله ثلاثة آداب # الأول أن يخرج مع الضيف إلى باب الدار وهو سنة وذلك من إكرام الضيف وقد ~~أمر بإكرامه قال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ~~ضيفه وقال صلى الله عليه وسلم إن من سنة الضيف أن يشيع إلى باب الدار قال ~~أبو قتادة قدم وفد النجاشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يخدمهم ~~بنفسه فقال له أصحابه نحن نكفيك يا رسول الله فقال كلا إنهم كانوا لأصحابي ~~مكرمين وأنا أحب أن أكافئهم وتمام الإكرام طلاقة الوجه وطيب الحديث عند ~~الدخول والخروج وعلى المائدة # قيل للأوزاعي رضي الله عنه ما كرامة الضيف قال طلاقة الوجه وطيب الحديث # وقال يزيد بن أبي زياد ما دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى إلا حدثنا ~~حديثا حسنا وأطعمنا طعاما حسنا # الثاني أن ينصرف الضيف طيب النفس وإن جرى في حقه تقصير فذلك من حسن الخلق ~~والتواضع قال صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم ~~القائم ودعى بعض السلف برسول فلم يصادفه الرسول فلما سمع حضر وكانوا قد ~~تفرقوا وفرغوا وخرجوا فخرج إليه صاحب المنزل وقال قد خرج القوم فقال هل بقي ~~بقية قال لا قال فكسرة إن بقيت قال لم تبق قال فالقدر أمسحها قال قد غسلتها ~~فانصرف يحمد الله تعالى فقيل له في ذلك فقال قد أحسن الرجل دعانا بنية ~~وردنا بنية فهذا هو معنى التواضع وحسن الخلق # وحكى أن أستاذ أبي القاسم الجنيد دعاه صبي إلى دعوة أبيه أربع مرات فرده ~~الأب في المرات الأربع وهو يرجع في كل مرة تطييبا لقلب الصبي بالحضور ولقلب ~~الأب بالانصراف فهذه نفوس قد ذللت بالتواضع لله تعالى واطمأنت بالتوحيد ~~وصارت تشاهد في كل رد وقبول عبرة فيما بينها وبين ربها فلا تنكسر بما يجري ~~من العباد من الإذلال كما لا تستبشر بما يجري منهم من الإكرام بل يرون الكل ~~من الواحد القهار # ولذلك قال بعضهم أنا لا أجيب الدعوة إلا لأني أتذكر بها طعام الجنة أي هو ~~طعام طيب يحمل عنا كده ومؤنته وحسابه # الثالث أن لا يخرج إلا برضا صاحب المنزل وإذنه ويراعي قلبه في قدر ~~الإقامة وإذا نزل ضيفا فلا يزيد على ثلاثة أيام فربما يتبرم به ويحتاج إلى ~~إخراجه قال صلى الله عليه وسلم الضيافة ثلاثة أيام فما زاد فصدفة + حديث ~~الضيافة ثلاثة أيام فما زاد فصدفة متفق عليه من حديث أبي شريح الخزاعي + # نعم لو ألح رب البيت عليه عن خلوص قلب فله المقام إذ ذاك ويستحب أن يكون ~~عنده فراش للضيف النازل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فراش للرجل وفراش ~~للمرأة وفراش للضيف والرابع للشيطان + حديث فراش للرجل وفراش للمرأة وفراش ~~للضيف والرابع للشيطان أخرجه مسلم من حديث جابر + # | فصل يجمع آدابا ومناهي طيبة وشرعية متفرقة # الأول حكى عن إبراهيم النخعي أنه قال الأكل في السوق دناءة + حديث الأكل ~~في السوق دناءة أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة وهو ضعيف ورواه ابن عدي ~~في الكامل من حديثه وحديث أبي هريرة + # وأسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده قريب # وقد نقل ضده عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال كنا نأكل عهد رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم PageV02P018 ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام + حديث ابن عمر ~~كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام ~~أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان + # ورؤي بعض المشايخ من المتصوفة المعروفين يأكل في السوق فقيل له في ذلك ~~فقال ويحك أجوع في السوق وآكل في البيت فقيل تدخل المسجد قال أستحي أن أدخل ~~بيته للأكل فيه # ووجه الجمع أن الأكل في السوق تواضع وترك تكلف من بعض الناس فهو حسن وخرق ~~مروءة من بعضهم فهو مكروه وهو مختلف بعادات البلاد وأحوال الأشخاص فمن لا ~~يليق ذلك بسائر أعماله حمل ذلك على قلة المروءة وفرط الشره ويقدح ذلك في ~~الشهادة ومن يليق ذلك بجميع أحواله وأعمالهفي ترك التكلف كان ذلك منه ~~تواضعا # الثاني قال علي رضي الله عنه من ابتدأ غذاءه بالملح أذهب الله عنه سبعين ~~نوعا من البلاء ومن أكل في يوم سبع تمرات عجوة قتلت كل دابة في بطنه ومن ~~أكل كل يوم إحدى وعشرين زبيبة حمرا لم ير في جسده شيئا يكرهه واللحم ينبت ~~اللحم والثريد طعام العرب والبسقارجات تعظم البطن وترخي الأليتين ولحم ~~البقر داء ولبنها شفاء وسمنها دواء والشحم يخرج مثله من الداء ولن تستشفى ~~النفساء بشيء أفضل من الرطب والسمك يذيب الجسد وقراءة القرآن والسواك ~~يذهبان البلغم ومن أراد البقاء ولا بقاء فليباكر بالغداء وليكرر العشاء ~~وليلبس الحذاء ولن يتداوى الناس بشيء مثل السمن وليقل غشيان النساء وليخف ~~الرداء وهو الدين # الثالث قال الحجاج لبعض الأطباء صف لي صفة آخذ بها ولا أعدوها قال # لا تنكح من النساء إلا فتاة ولا تأكل من اللحم إلا فتيا ولا تأكل المطبوخ ~~حتى يتم نضجه ولا تشربن دواء إلا من علة ولا تأكل من الفاكهة إلا نضيجها ~~ولا تأكلن طعاما إلا أجدت مضغه وكل ما أحببت من الطعام ولا تشربن عليه فإذا ~~شربت فلا تأكلن عليه شيئا ولا تحبس الغائط والبول وإذا أكلت بالنهار فنم ~~وإذا أكلت بالليل فامش قبل أن تنام ولو مائة خطوة # وفي معناه قول العرب تغد تمد تعش تمش يعني تمدد كما قال الله تعال ثم ذهب ~~إلى أهله يتمطى أي يتمطط # ويقال إن حبس البول يفسد الجسد كما يفسد النهر ما حوله إذا سد مجراه # الرابع في الخبر قطع العروق مسقمة وترك العشاء مهرمة + حديث قطع العروق ~~مسقمة وترك العشاء مهرمة أخرجه ابن عدي في الكامل من حديث عبد الله بن جراد ~~بالشطر الأول والترمذي من حديث أنس بالشطر الثاني وكلاهما ضعيف وروى ابن ~~ماجه الشطر الثاني من حديث جابر + # والعرب تقول ترك الغداء يذهب بشحم الكاذة يعني الآلية وقال بعض الحكماء ~~لابنه يا بني لا تخرج من منزلك حتى تأخذ حلمك أي تتغذى إذ به يبقى الحلم ~~ويزول الطيش وهو أيضا أقل لشهوته لما يرى في السوق # وقال حكيم لسمين أرى عليك قطيفة من نسج أضراسك فمم هي قال من أكل لباب ~~البر وصغار المعز وأدهن بجام بنفسج والبس الكتان # الخامس الحمية تضر بالصحيح كما يضر تركها بالمريض هكذا قيل # وقال بعضهم من احتمى فهو على يقين من المكروه وعلى شك من العوافي وهذا ~~حسن في حال الصحة ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صهيبا يأكل تمرا وإحدى ~~عينيه رمداء فقال # أتأكل التمر وأنت رمد فقال يا رسول الله إنما آكل بالشق الآخر + حديث رأى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم صهيبا يأكل تمرا وإحدى عينيه رمدة فقال له ~~أتأكل التمر وأنت رمد فقال إنما أمضغ بالشق الآخر فضحك صلى الله عليه وسلم ~~أخرجه ابن ماجه من حديث صهيب بإسناد جيد + # يعني جانب السليمة فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم # السادس أنه يستحب أن يحمل طعام إلى أهل الميت ولما جاء نعي جعفر بن أبي ~~طالب قال صلى الله عليه وسلم إن آل جعفر شغلوا بميتهم عن صنع طعامهم ~~فاحملوا إليهم ما يأكلون + حديث لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب قال صلى الله ~~عليه وسلم إن آل جعفر شغلوا بميتهم عن طعامهم فاحملوا إليهم ما يأكلون ~~أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن جعفر نحوه بسند حسن ~~ولابن ماجه نحوه من حديث أسماء بنت عميس + # فذلك سنة # وإذا قدم ذلك إلى الجمع حل الأكل منه ما يهيأ للنوائح والمعينات عليه ~~بالبكاء والجزع PageV02P019 # فلا ينبغي أن يؤكل معهم # السابع لا ينبغي أن يحضر طعام ظالم فإن أكره فليقلل الأكل ولا يقصد ~~الطعام الأطيب رد بعض المزكين شهادة من حضر طعام سلطان فقال كنت مكرها فقال ~~رأيتك تقصد الأطيب وتكبر اللقمة وما كنت مكرها عليه وأجبر السلطان هذا ~~المزكي على الأكل فقال إما أن آكل وأخلي التزكية أو أزكي ولا آكل فلم يجدوا ~~بدا من تزكيته فتركوه # وحكي أن ذا النون المصري حبس ولم يأكل أياما في السجن فكانت له أخت في ~~الله فبعثت إليه طعاما من مغزلها على يد السجان فامتنع فلم يأكل فعاتبته ~~المرأة بعد ذلك فقال كان حلالا ولكن جاءني على طبق ظالم وأشار به إلى يد ~~السجان وهذا غاية الورع # الثامن حكي عن فتح الموصلي رحمه الله أنه دخل على بشر الحافي زائرا فأخرج ~~بشر درهما فدفعه لأحمد الجلاء خادمه وقال اشتر به طعاما جيدا وأدما طيبا ~~قال فاشتريت خبزا نظيفا وقلت لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لشيء ~~اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه + حديث اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه قاله ~~عند شرب اللبن تقدم في آخر الباب الأول من آداب الأكل + # سوى اللبن فاشتريت اللبن واشتريت تمرا جيدا فقدمت إليه فأكل وأخذ الباقي # فقال بشر أتدرون لم قلت اشتر طعاما طيبا لأن الطعام الطيب يستخرج خالص ~~الشكر أتدرون لم لم يقل لي كل لأنه ليس للضيف أن يقول لصاحب الدار كل ~~أتدرون لم حمل ما بقي لأنه إذا صح التوكل لم يضر الحمل # وحكى أبو علي الروذباري رحمه الله تعالى أنه اتخذ ضيافة فأوقد فيها ألف ~~سراج فقال له رجل قد أسرفت فقال له ادخل فكل ما أوقدته لغير الله فأطفئه ~~فدخل الرجل فلم يقدر على إطفاء واحد منها فانقطع # واشترى أبو علي الروذباري أحمالا من السكر وأمر الحلاويين حتى بنوا جدارا ~~من السكر عليه شرف ومحاريب على أعمدة منقوشة كلها من سكر ثم دعا الصوفية ~~حتى هدموها وانتهبوها # التاسع قال الشافعي رضي الله عنه الأكل على أربعة أنحاء : الأكل بأصبع من ~~المقت وبأصبعين من الكبر وبثلاث أصابع من السنة + حديث الأكل بثلاث أصابع ~~من السنة أخرجه مسلم من حديث كعب بن مالك كان النبي صلى الله عليه وسلم ~~يأكل بثلاث أصابع وروى ابن الجوزي في العلل من حديث ابن عباس موقوفا كل ~~بثلاث أصابع فإنه من السنة + # وبأربع وخمس من الشره وأربعة أشياء تقوى البدن : أكل اللحم وشم الطيب ~~وكثرة الغسل من غير جماع ولبس الكتان # وأربعة توهن البدن : كثرة الجماع وكثرة الهم وكثرة شرب الماء على الريق ~~وكثرة أكل الحموضة # واربعة تقوي البصر : الجلوس تجاه القبلة والكحل عند النوم والنظر إلى ~~الخضرة وتنظيف الملبس # وأربعة توهن البصر : النظر إلى القذر والنظر إلى المصلوب والنظر إلى فرج ~~المرأة والقعود في استدبار القبلة # وأربعة تزيد في الجماع : أكل العصافير وأكل الإطريفل الأكبر واكل الفستق ~~وأكل الجرجير # والنوم على أربعة أنحاء # فنوم على القفا وهو نوم الأنبياء عليهم السلام يتفكرون في خلق السموات ~~والأرض ونوم على اليمين وهو نوم العلماء والعباد ونوم على الشمال وهو نوم ~~الملوك ليهضمهم طعامهم ونوم على الوجه وهو نوم الشياطين # وأربعة تزيد في العقل : ترك الفضول من الكلام والسواك ومجالسة الصالحين ~~والعلماء # وأربعة هن من العبادة : لا يخطو خطوة إلا على وضوء وكثرة السجود ولزوم ~~المساجد وكثرة قراءة القرآن وقال أيضا عجبت لمن يدخل الحمام على الريق ثم ~~يؤخر الأكل بعد أن يخرج كيف لا يموت وعجبت لمن احتجم ثم يبادر الأكل كيف لا ~~يموت وقال : لم أر شيئاانفع في الوباء من البنفسج يدهن به ويشرب # والله اعلم بالصواب PageV02P020 # | كتاب آداب النكاح وهو الكتاب الثاني من ربع العادات من كتاب أحياء # علوم الدين # بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي لا تصادف سهام الأوهام في عجائب صنعه مجرى ولا ترجع ~~العقول عن أوائل بدائعها إلا والهة حيرى ولا تزال لطائف نعمه على العالمين ~~تترى فهي تتوالى عليهم اختيارا وقهرا # ومن بدائع ألطافه أن خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وسلط على الخلق ~~شهوة اضطرهم بها الحراثة جبرا واستبقى بهم نسلهم إقهارا وقسرا # ثم عظم أمر الأنساب وجعل لها قدرا فحرم بسببها السفاح وبالغ في تقبيحه ~~ردعا وزجرا وجعل اقتحامه جريمة فاحشة وأمر إمرا وندب إلى النكاح وحث عليه ~~استحبابا وأمرا فسبحان من كتب الموت على عباده فأذلهم به هدما وكسرا ثم بث ~~بذور النطف في أراضي الأرحام وأنشأ منها خلقا وجعله لكسر الموت جبرا تنبيها ~~على أن بحار المقادير فياضة على العالمين نفعا وضرا وخيرا وشرا وعسرا ويسرا ~~وطيا ونشرا والصلاة والسلام على محمد المبعوث بالإنذار والبشرى وعلى آله ~~وأصحابه صلاة لا يستطيع لها الحساب عدا ولا حصرا وسلم تسليما كثيرا # أما بعد فإن النكاح معين على الدين ومهين للشياطين وحصن دون عدو الله ~~حصين وسبب للتكثير الذي به مباهاة سيد المرسلين لسائر النبيين فما أحراه ~~بان تتحرى أسبابه وتحفظ سننه وآدابه وتشرح مقاصده وآرابه وتفصل فصوله ~~وأبوابه # والقدر المهم من أحكامه ينكشف في ثلاثة أبواب # الباب الأول في الترغيب فيه وعنه # الباب الثاني في الآداب المرعية في العقد والعاقدين # الباب الثالث في آداب المعاشرة بعد العقد إلى الفراق # | الباب الأول في الترغيب في النكاح والترغيب عنه # اعلم أن العلماء قد اختلفوا في فضل النكاح فبالغ بعضهم فيه حتى زعم أنه ~~أفضل من التخلي لعبادة الله واعترف آخرون بفضله ولكن قدموا عليه التخلي ~~لعبادة الله مهما لم تتق النفس إلى النكاح توقانا يشوش الحال ويدعو إلى ~~الوقاع # وقال آخرون الأفضل تركه في زماننا هذا وقد كان له فضيلة من قبل إذ لم تكن ~~الأكساب محظورة وأخلاق النساء مذمومة # ولا ينكشف الحق فيه إلا بأن نقدم أولا ما ورد من الأخبار والآثار في ~~الترغيب فيه والترغيب عنه ثم نشرح فوائد النكاح وغوائله حتى يتضح منها ~~فضيلة النكاح وتركه في حق كل من سلم من غوائله أو لم يسلم منها الترغيب في ~~النكاح # أما من الآيات فقد قال تعالى وأنكحوا الأيامى منكم وهذا أمر وقال تعالى ~~فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن وهذا منع من العضل ونهي عنه # وقال تعالى في وصف الرسل ومدحهم ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم ~~أزواجا وذرية فذكر ذلك في معرض الامتنان وإظهار الفضل # ومدح أولياءه بسؤال ذلك في الدعاء فقال والذين يقولون ربنا هب لنا من ~~أزواجنا وذرياتنا قرة أعين الآية ويقال إن الله تعالى لم يذكر PageV02P021 ~~في كتابه من الأنبياء إلا المتأهلين فقالوا إن يحيى صلى الله عليه وسلم قد ~~تزوج ولم يجامع قيل إنما فعل ذلك لنيل الفضل وإقامة السنة وقيل لغض البصر ~~وأما عيسى عليه السلام فإنه سينكح إذا نزل الأرض ويولد له # وأما الأخبار فقوله صلى الله عليه وسلم النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فقد ~~رغب عني وقال صلى الله عليه وسلم النكاح سنتي فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي + ~~حديث النكاح سنتي فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي أخرجه أبو يعلى في مسنده مع ~~تقديم وتأخير من حديث ابن عباس بسند حسن + # وقال أيضا صلى الله عليه وسلم تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم ~~القيامة حتى بالسقط + حديث تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم ~~القيامة حتى بالسقط أخرجه أبو بكر بن مردويه في تفسيره من حديث ابن عمر دون ~~قوله حتى بالسقط وإسناده ضعيف وذكره بهذه الزيادة البيهقي في المعرفة عن ~~الشافعي أنه بلغه + # وقال أيضا صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس مني وإن من سنتي ~~النكاح فمن أحبني فليستن بسنتي + حديث من رغب عن سنتي فليس مني وإن من سنتي ~~النكاح فمن أحبني فليستن بسنتي متفق على أوله من حديث أنس من رغب عن سنتي ~~فليس مني وباقيه تقدم قبله بحديث + # وقال النبي صلى الله عليه وسلم من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منا + ~~حديث من ترك التزويج خوف العيلة فليس منا رواه أبو منصور الديلمي في مسند ~~الفردوس من حديث أبي سعيد بسند ضعيف وللدارمي في مسنده والبغوي في معجمه ~~وأبي داود في المراسيل من حديث أبي نجيح من قدر على أن ينكح فلم ينكح فليس ~~منا وأبو نجيح اختلف في صحبته + # وهذا ذم لعلة الامتناع لا لأصل الترك وقال صلى الله عليه وسلم من كان ذا ~~طول فليتزوج + حديث من كان ذا طول فليتزوج أخرجه ابن ماجه من حديث عائشة ~~بسند ضعيف + # وقال من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لا ~~فليصم فإن الصوم له وجاء + حديث من استطاع منكم الباءة فليتزوج الحديث متفق ~~عليه من حديث ابن مسعود + # وهذا يدل على أن سبب الترغيب فيه خوف الفساد في العين والفرج # والوجاء هو عبارة عن رض الخصيتين للفحل حتى تزول فحولته فهو مستعار للضعف ~~عن الوقاع في الصوم # وقال صلى الله عليه وسلم إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا ~~تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير + حديث إذا أتاكم من ترضون دينه ~~وأمانته فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير أخرجه الترمذي من ~~حديث أبي هريرة ونقل عن البخاري أنه لم يعده محفوظا وقال أبو داود إنه خطأ ~~ورواه الترمذي أيضا من حديث أبي حاتم المزني وحسنه ورواه أبو داود في ~~المراسيل وأعله ابن القطان بإرساله وضعف رواته + # وهذا أيضا تعليل الترغيب لخوف الفساد # وقال صلى الله عليه وسلم من نكح لله وأنكح لله استحق ولاية الله + حديث ~~من نكح لله وأنكح لله استحق ولاية الله عز وجل أخرجه أحمد بسند ضعيف من ~~حديث معاذ بن أنس من أعطى لله وأحب لله وأبغض لله وأنكح لله فقد استكمل ~~إيمانه + # وقال صلى الله عليه وسلم من تزوج فقد أحرز شطر دينه فليتق الله في الشطر ~~الثاني + حديث من تزوج فقد أحرز شطر دينه فليتق الله في الشطر الآخر أخرجه ~~ابن الجوزي في العلل من حديث أنس بسند ضعيف وهو عند الطبراني في الأوسط ~~بلفظ فقد استكمل نصف الإيمان وفي المستدرك وصحح إسناده بلفظ من رزقه الله ~~امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينهالحديث + # وهذا أيضا إشارة إلى أن فضيلته لأجل التحرز من المخالفة تحصنا من الفساد ~~فكأن المفسد لدين المرء في الأغلب فرجه وبطنه وقد كفى بالتزويج أحدهما # وقال صلى الله عليه وسلم كل عمل ابن آدم ينقطع إلا ثلاث ولد صالح يدعو له ~~+ حديث كل عمل ابن آدم ينقطع إلا ثلاثة فذكر فيه وولد صالح يدعو له أخرجه ~~مسلم من حديث أبي هريرة بنحوه + # الحديث # ولا يوصل إلى هذا إلا بالنكاح PageV02P022 # وأما الآثار فقال عمر رضي الله عنه لا يمنع من النكاح إلا عجز أو فجور # فبين أن الدين غير مانع منه وحصر المانع في أمرين مذمومين # وقال ابن عباس رضي الله عنهما لا يتم نسك الناسك حتى يتزوج # يحتمل أن جعله من النسك وتتمة له # ولكن الظاهر أنه أراد به أنه لا يسلم قلبه لغلبة الشهوة إلا بالتزويج ولا ~~يتم النسك إلا بفراغ القلب ولذلك كان يجمع غلمانه لما أدركوا عكرمة وكريبا ~~وغيرهما ويقول إن أردتم النكاح أنكحتكم فإن العبد إذا زنى نزع الإيمان من ~~قلبه # وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول لو لم يبق من عمري إلا عشرة أيام ~~لأحببت أن أتزوج لكيلا ألقى الله عزبا ومات امرأتان لمعاذ بن جبل رضي الله ~~عنه في الطاعون وكان هو أيضا مطعونا فقال زوجوني فإني أكره أن ألقى الله ~~عزبا # وهذا منهما يدل على أنهما رأيا في النكاح فضلا لا من حيث التحرز عن غائلة ~~الشهوة # وكان عمر رضي الله عنه يكثر النكاح ويقول ما أتزوج إلا لأجل الولد وكان ~~بعض الصحابة قد انقطع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخدمه ويبيت عنده ~~لحاجة إن طرقته فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تتزوج فقال يا ~~رسول الله إني فقير لا شيء لي وأنقطع عن خدمتك فسكت # ثم عاد ثانيا فأعاد الجواب # ثم تفكر الصحابي وقال والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم اعلم بما ~~يصلحني في دنياي وآخرتي وما يقربني إلى الله مني ولئن قال لي الثالثة ~~لأفعلن # فقال له الثالثة ألا تتزوج قال فقلت يا رسول الله زوجني قال # اذهب إلى بني فلان فقل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ~~تزوجوني فتاتكم قال فقلت يا رسول الله لا شيء لي فقال لأصحابه اجمعوا ~~لأخيكم وزن نواة من ذهب فجمعوا له فذهبوا به إلى القوم فأنكحوه فقال له ~~أولم وجمعوا له من الأصحاب شاة للوليمة + حديث كان بعض الصحابة قد انقطع ~~إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبيت عنده لحاجة إن طرقته فقال له رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم ألا تتزوج الحديث أخرجه أحمد من حديث ربيعة ~~الأسلمي في حديث طويل وهو صاحب القصة بإسناد حسن + # وهذا التكرير يدل على فضل في نفس النكاح ويحتمل أنه توسم فيه الحاجة إلى ~~النكاح # وحكى أن بعض العباد في الأمم السالفة فاق أهل زمانه في العبادة فذكر لنبي ~~زمانه حسن عبادته فقال نعم الرجل هو لولا أنه تارك لشيء من السنة فاغتم ~~العابد لما سمع ذلك فسأل النبي عن ذلك فقال أنت تارك للتزويج فقال لست ~~أحرمه ولكني فقير وأنا عيال على الناس قال أنا أزوجك ابنتي فزوجه النبي ~~عليه السلام ابنته # وقال بشر بن الحرث فضل على أحمد بن حنبل بثلاث بطلب الحلال لنفسه ولغيره ~~وأنا أطلبه لنفسي فقط ولاتساعه في النكاح وضيقي عنه ولأنه نصب إماما للعامة # ويقال إن أحمد رحمه الله تزوج في اليوم الثاني لوفاة أم ولده عبد الله ~~وقال أكره أن أبيت عزبا # وأما بشر فإنه لما قيل له # إن الناس يتكلمون فيك لتركك النكاح ويقولون هو تارك للسنة فقال قولوا لهم ~~هو مشغول بالفرض عن السنة # وعوتب مرة أخرى فقال ما يمنعني من التزويج إلا قوله تعالى @QB@ ولهن مثل ~~الذي عليهن بالمعروف @QE@ فذكر ذلك لأحمد فقال وأين مثل بشر إنه قعد على ~~مثل حد السنان # ومع ذلك فقد روي انه رؤي في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال رفعت ~~منازلي في الجنة وأشرف بي على مقامات الأنبياء ولم أبلغ منازل المتأهلين # وفي رواية قال لي ما كنت أحب أن تلقاني عزبا قال فقلنا له ما فعل أبو نصر ~~التمار فقال رفع فوقي بسبعين درجة قلنا بماذا فقد كنا نراك فوقه قال بصبره ~~على بنياته والعيال # وقال سفيان بن عيينة كثرة النساء ليست من الدنيا لأن عليا رضي الله عنه ~~كان أزهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له أربع نسوة وسبع عشرة ~~سرية # فالنكاح سنة ماضية وخلق من أخلاق الأنبياء # وقال رجل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله طوبى لك فقد تفرغت للعبادة بالعزوبة ~~فقال لروعة منك بسبب العيال أفضل من جميع ما أنا فيه قال فما الذي ~~PageV02P023 يمنعك من النكاح فقال مالي حاجة في امرأة وما أريد أن أغر ~~امرأة بنفسي # وقد قيل فضل المتأهل على العزب كفضل المجاهد على القاعد # وركعة من متأهل افضل من سبعين ركعة من عزب # وأما ما جاء في الترهيب عن النكاح فقد قال صلى الله عليه وسلم خير الناس ~~بعد المائتين الخفيف الحاذ الذي لا أهل له ولا ولد + حديث خير الناس بعد ~~المائتين الخفيف الحاذ الذي لا أهل له ولا ولد أخرجه أبو يعلى من حديث ~~حذيفة ورواه الخطابي في العزلة من حديثه وحديث أبي أمامة وكلاهما ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم يأتي على الناس زمان يكون هلاك الرجل على يد ~~زوجته وأبويه وولده يعيرونه بالفقر ويكلفونه ما لا يطيق فيدخل المداخل التي ~~يذهب فيها دينه فيهلك + حديث يأتي على الناس زمان يكون هلاك الرجل على يد ~~زوجته وأبويه وولده يعيرونه بالفقر ويكلفونه ما لا يطبق فيدخل المداخل التي ~~يذهب فيها دينه فيهلك أخرجه الخطابي في العزلة من حديث ابن مسعود نحوه ~~وللبيهقي في الزهد نحوه في حديث أبي هريرة وكلاهما ضعيف + # وفي الخبر قلة العيال أحد اليسارين وكثرتهم أحد الفقرين + حديث قلة ~~العيال أحد اليسارين وكثرتهم أحد الفقرين أخرجه القضاعي في مسند الشهاب من ~~حديث علي وأبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث عبد الله بن عمر وابن ~~هلال المزني كلاهما بالشطر الأول بسندين ضعيفين + # وسئل أبو سليمان الداراني عن النكاح فقال الصبر عنهن خير من الصبر عليهن ~~والصبر عليهن خير من الصبر على النار # وقال أيضا الوحيد يجد من حلاوة العمل وفراغ القلب ما لا يجد المتأهل # وقال مرة ما رأيت أحدا من أصحابنا تزوج فثبت على مرتبته الأولى # وقال أيضا ثلاث من طلبهن فقد ركن إلى الدنيا من طلب معاشا أو تزوج امرأة ~~أو كتب الحديث # وقال الحسن رحمه الله إذا أراد الله بعبد خيرا لم يشغله بأهل ولا مال ~~وقال ابن أبي الحوارى تناظر جماعة في هذا الحديث فاستقر رأيهم على انه ليس ~~معناه أن لا يكونا له بل أن يكونا له ولا يشغلانه وهو إشارة إلى قول أبي ~~سليمان الداراني ما شغلك عن الله من أهل ومال وولد فهو عليك مشئوم وبالجملة ~~لم ينقل عن أحد الترغيب عن النكاح مطلقا إلا مقرونا بشرط # وأما الترغيب في النكاح فقد ورد مطلقا ومقرونا بشرط فلنكشف الغطاء عنه ~~بحصر آفات النكاح وفوائده # آفات النكاح وفوائده وفيه فوائد خمسة الولد وكسر الشهوة وتدبير المنزل # وكثرة العشيرة ومجاهدة النفس بالقيام بهن # الفائدة الأولى الولد وهو الأصل وله وضع النكاح # والمقصود إبقاء النسل وأن لا يخلو العالم عن جنس الأنس # وانما الشهوة خلقت باعثة مستحثة كالموكل بالفحل في إخراج البذر وبالأنثى ~~في التمكين من الحرث تلطفا بهما في السياقة إلى اقتناص الولد بسبب الوقاع ~~كالتلطف بالطير في بث الحب الذي يشتهيه ليساق إلى الشبكة وكانت القدرة ~~الأزلية غير قاصرة عن اختراع الأشخاص ابتداء من غير حراثة وازدواج ولكن ~~الحكمة اقتضت ترتيب المسببات على الأسباب مع الاستغناء عنها إظهارا للقدرة ~~وإتماما لعجائب الصنعة وتحقيقا لما سبقت به المشيئة وحقت به الكلمة وجرى به ~~القلم # وفي التوصل إلى الولد قربة من أربعة أوجه هي الأصل في الترغيب فيه عند ~~الأمن من غوائل الشهوة حتى لم يحب أحدهم أن يلقى الله عزبا # الأول موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان # والثاني طلب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكثير من مباهاته # والثالث طلب التبرك بدعاء الولد الصالح بعده # والرابع طلب الشفاعة بموت الولد الصغير إذا مات قبله # أما الوجه الأول فهو أدق الوجوه وأبعدها عن أفهام الجماهير وهو أحقها ~~وأقواها عند ذوي البصائر النافذة في عجائب صنع الله تعالى ومجاري حكمه # وبيانه أن السيد إذا سلم إلى عبده البذر وآلات الحرث وهيأ له أرضا مهيأة ~~للحراثة وكان العبد قادرا على الحراثة ووكل به من يتقاضاه عليها فإن تكاسل ~~وعطل آلة الحرث وترك البذر ضائعا PageV02P024 # حتى فسد ودفع الموكل عن نفسه بنوع من الحيلة كان مستحقا للمقت والعتاب من ~~سيده # والله تعالى خلق الزوجين وخلق الذكر والأنثيين وخلق النطفة في الفقار ~~وهيأ لها في الأنثيين عروقا ومجاري وخلق الرحم قرارا ومستودعا للنطفة وسلط ~~متقاضي الشهوة على كل واحد من الذكر والأنثى فهذه الأفعال والآلات تشهد ~~بلسان ذلق في الإعراب عن مراد خالقها وتنادي أرباب الألباب بتعريف ما أعدت ~~له # هذا إن لم يصرح به الخالق تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ~~بالمراد حيث قال تناكحوا تناسلوا فكيف وقد صرح بالأمر وباح بالسر فكل ممتنع ~~عن النكاح معرض عن الحراثة مضيع للبذر معطل لما خلق الله من الآلات المعدة ~~وجان على مقصود الفطرة والحكمة المفهومة من شواهد الخلقة المكتوبة على هذه ~~الأعضاء بخط إلهي ليس برقم حروف وأصوات يقرؤه كل من له بصيرة ربانية نافذة ~~في إدراك دقائق الحكمة الأزلية ولذلك عظم الشرع الأمر في القتل للأولاد وفي ~~الوأد لأنه منع لتمام الوجود وإليه أشار من قال العزل أحد الوأدين فالناكح ~~ساع في إتمام ما أحب الله تعالى تمامه والمعرض معطل ومضيع لما كره الله ~~ضياعه ولأجل محبة الله تعالى لبقاء النفوس أمر بالإطعام وحث عليه وعبر عنه ~~بعبادة القرض فقال من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فإن قلت قولك إن بقاء ~~النسل والنفس محبوب يوهم أن فناءها مكروه عند الله وهو فرق بين الموت ~~والحياة بالإضافة إلى إرادة الله تعالى ومعلوم أن الكل بمشيئة الله وإن ~~الله غني عن العالمين فمن أين يتميز عنده موتهم عن حياتهم أو بقاؤهم عن ~~فنائهم فاعلم أن هذه الكلمة حق أريد بها باطل فإن ما ذكرناه لا ينافي إضافة ~~الكائنات كلها إلى إرادة الله خيرها وشرها ونفعها وضرها ولكن المحبة ~~والكراهية يتضادان وكلاهما لا يضادان الإرادة فرب مراد مكروه ورب مراد ~~محبوب فالمعاصي مكروهة وهي مع الكراهة مرادة والطاعات مرادة ومزمع كونها ~~مرادة محبوبة ومرضية أما الكفر والشر فلا نقول إنه مرضي ومحبوب بل هو مراد # وقد قال الله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر فكيف يكون الفناء بالإضافة إلى ~~محبة الله وكراهته كالبقاء فإنه تعالى يقول ما ترددت في شيء كترددي في قبض ~~روح عبدي المسلم هو يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له من الموت + حديث ~~أنه تعالى يقول ما ترددت في شيء كترددي في قبض روح عبدي المسلم يكره الموت ~~وأنا أكره مساءته ولا بد منه أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة انفرد به ~~مخلد القطواني وهو متكلم فيه + # فقوله لا بد له من الموت إشارة إلى سبق الإرادة والتقدير المذكور في قوله ~~تعالى نحن قدرنا بينكم الموت وفي قوله تعالى الذي خلق الموت والحياة ولا ~~مناقضة بين قوله تعالى نحن قدرنا بينكم الموت وبين قوله وأنا أكره مساءته ~~ولكن إيضاح الحق في هذا يستدعي تحقيق معنى الإرادة والمحبة والكراهة وبيان ~~حقائقها فإن السابق إلى الأفهام منها أمور تناسب إرادة الخلق ومحبتهم ~~وكراهتهم وهيهات فبين صفات الله تعالى وصفات الخلق من البعد ما بين ذاته ~~العزيز وذاتهم وكما أن ذوات الخلق جوهر وعرض وذات الله مقدس عنه ولا يناسب ~~ما ليس بجوهر وعرض الجوهر والعرض فكذا صفاته لا تناسب صفات الخلق وهذه ~~الحقائق داخلة في علم المكاشفة ووراء سر القدر الذي منع من إفشائه فلنقصر ~~عن ذكره ولنقتصر على ما نبهنا عليه من الفرق بين الإقدام على النكاح ~~والإحجام عنه فإن أحدهما مضيع نسلا أدام الله وجوده من آدم صلى الله عليه ~~وسلم عقبا بعد عقب إلى أن انتهى إليه فالممتنع عن النكاح قد حسم الوجود ~~المستدام من لدن وجود آدم عليه السلام على نفسه فمات أبتر لا عقب له ولو ~~كان الباعث على النكاح مجرد دفع الشهوة لما قال معاذ في الطاعون زوجوني لا ~~ألقى الله عزبا فإن قلت فما كان معاذ يتوقع ولدا في ذلك الوقت فما وجه ~~رغبته فيه فأقول الولد يحصل بالوقاع PageV02P025 بباعث الشهوة وذلك أمر لا ~~يدخل في الاختيار وإنما المعلق باختيار العبد إحضار المحرك للشهوة وذلك ~~متوقع في كل حال فمن عقد فقد أدى ما عليه وفعل ما إليه والباقي خارج عن ~~اختياره ولذلك يستحب النكاح للعنين أيضا فإن نهضات الشهوة خفية لا يطلع ~~عليها حتى إن الممسوح الذي لا يتوقع له ولد لا ينقطع الاستحباب أيضا في حقه ~~على الوجه الذي يستحب للأصلع إمرار الموسى على رأسه اقتداء بغيره وتشبها ~~بالسلف الصالحين وكما يستحب الرمل والاضطباع في الحج الآن وقد كان المراد ~~منه أولا إظهار الجلد للكفار # فصار الاقتداء والتشبه بالذين أظهروا الجلد سنة في حق من بعدهم ويضعف هذا ~~الاستحباب بالإضافة إلى الاستحباب في حق القادر على الحرث وربما يزداد ضعفا ~~بما يقابله من كراهة تعطيل المرأة وتضييعها فيما يرجع إلى قضاء الوطر فإن ~~ذلك لا يخلو عن نوع من الخطر فهذا المعنى هو الذي ينبه على شدة إنكارهم ~~لترك النكاح مع فتور الشهوة # الوجه الثاني السعي في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه بتكثير ~~ما به مباهاته إذ قد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ويدل على ~~مراعاة أمر الولد جملة بالوجوه كلها ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان ~~ينكح كثيرا ويقول إنما أنكح للولد # وما روي من الأخبار في مذمة المرأة العقيم إذ قال عليه السلام لحصير في ~~ناحية البيت خير من امرأة لا تلد + حديث لحصير في ناحية البيت خير من امرأة ~~لا تلد أخرجه أبو عمر النوقاني في كتاب معاشرة الأهلين موقوفا على عمر بن ~~الخطاب ولم أجده مرفوعا + # وقال خير نسائكم الولود الودود + حديث خير نسائكم الولود الودود أخرجه ~~البيهقي من حديث ابن أبي أدية الصدفي وقال البيهقي وروي بإسناد صحيح عن ~~سعيد بن يسار مرسلا + # وقال سوداء ولود خير من حسناء لا تلد + حديث سوداء ولود خير من حسناء لا ~~تلد أخرجه ابن حبان في الضعفاء من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ولا ~~يصح + # وهذا يدل على أن طلب الولد أدخل في اقتضاء فضل النكاح من طلب دفع غائلة ~~الشهوة لأن الحسناء أصلح للتحصين وغض البصر وقطع الشهوة # الوجه الثالث أن يبقى بعده ولدا صالحا يدعو له كما ورد في الخبر أن جميع ~~عمل ابن آدم منقطع إلا ثلاثا فذكر الولد الصالح # وفي الخبر إن الأدعية تعرض على الموتى على أطباق من نور + حديث إن ~~الأدعية تعرض على الموتى على أطباق من نور رويناه في الأربعين المشهورة من ~~رواية أبي هدية عن أنس في الصدقة عن الميت وأبو هدية كذاب + # وقول القائل إن الولد ربما لم يكن صالحا لا يؤثر فإنه مؤمن والصلاح هو ~~الغالب على أولاد ذوي الدين لا سيما إذا عزم على تربيته وحمله على الصلاح ~~وبالجملة دعاء المؤمن لأبويه مفيد برا كان أو فاجرا فهو مثاب على دعواته ~~وحسناته فإنه من كسبه وغير مؤاخذ بسيئاته فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى ولذلك ~~قال تعالى ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء أي ما نقصناهم ~~من أعمالهم وجعلنا أولادهم مزيدا في إحسانهم # الوجه الرابع أن يموت الولد قبله فيكون له شفيعا فقد روي عن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الطفل يجر بأبويه إلى الجنة + حديث إن الطفل ~~يجر أبويه إلى الجنة أخرجه ابن ماجه من حديث علي وقال السقط @QB@ بدل @QE@ ~~الطفل وله من حديث معاذ إن الطفل ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا هي احتسبته ~~وكلاهما ضعيف + # وفي بعض الأخبار يأخذ بثوبه كما أنا الآن آخذ بثوبك + حديث إنه يأخذ ~~بثوبه كما أنا الآن آخذ بثوبك أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + # وقال أيضا صلى الله عليه وسلم إن المولود يقال ادخل الجنة فيقف على باب ~~الجنة فيظل محبنطئا أي ممتلئا غيظا وغضبا ويقول لا أدخل الجنة إلا وأبواي ~~معي فيقال أدخلوا أبويه معه الجنة + حديث إن المولود يقال له ادخل الجنة ~~فيقف على باب الجنة فيظل محبنطئا أي ممتلئا غيظا وغضبا ويقول لا أدخل إلا ~~وأبواي معي الحديث أخرجه ابن حبان في الضعفاء من رواية بهز بن حكيم عن أبيه ~~عن جده ولا يصح وللنسائي من حديث أبي هريرة يقال لهم ادخلوا الجنة فيقولون ~~حتى يدخل آباؤنا فيقال ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم وإسناده جيد + # وفي خبر آخر إن الأطفال PageV02P026 # يجتمعون في موقف القيامة عند عرض الخلائق للحساب فيقال للملائكة اذهبوا ~~بهؤلاء إلى الجنة فيقفون على باب الجنة فيقال لهم مرحبا بذراري المسلمين ~~ادخلوا لا حساب عليكم فيقولون فأين آباؤنا وأمهاتنا فيقول الخزنة إن آباءكم ~~وأمهاتكم ليسوا مثلكم إنه كانت لهم ذنوب وسيئات فهم يحاسبون عليها ويطالبون # قال فيتضاغون ويضجون على أبواب الجنة ضجة واحدة فيقول الله سبحانه وهو ~~أعلم بهم ما هذه الضجة فيقولون ربنا أطفال المسلمين قالوا لا ندخل الجنة ~~إلا مع آبائنا فيقول الله تعالى تخللوا الجمع فخذوا بأيدي آبائهم فأدخلوهم ~~الجنة + حديث إن الأطفال يجتمعون في موقف القيامة عند عرض الخلائق للحساب ~~فيقال للملائكة اذهبوا بهؤلاء إلى الجنة فيقفون على باب الجنة فيقال لهم ~~مرحبا بذراري المسلمين ادخلوا لا حساب عليكم فيقولون أين آباؤنا وأمهاتنا ~~الحديث بطوله لم أجد له أصلا يعتمد عليه + # وقال صلى الله عليه وسلم من مات له اثنان من الولد فقد احتظر بحظار من ~~النار + حديث من مات له اثنان من الولد احتظر بحظار من النار أخرجه البزار ~~والطبراني من حديث زهير بن أبي علقمة جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إنه مات لي ابنان سوى هذا فقال لقد ~~احتظرت من دون النار بحظار شديد ولمسلم من حديث أبي هريرة في المرأة التي ~~قالت دفنت ثلاثة لقد احتظرت بحظار شديد من النار + # وقال صلى الله عليه وسلم من مات له ثلاثة لم يبلغوا الحنث أدخله الله ~~الجنة بفضل رحمته إياهم قيل يا رسول الله واثنان قال واثنان + حديث من مات ~~له ثلاثة لم يبلغوا الحنث أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم قيل يا رسول ~~الله واثنان قال واثنان أخرجه البخاري من حديث أنس دون ذكر الاثنين وهو عند ~~أحمد بهذه الزيادة من حديث معاذ وهو متفق عليه من حديث أبي سعيد بلفظ أيما ~~امرأة بنحو منه + # وحكى أن بعض الصالحين كان يعرض عليه التزويج فيأبى برهة من دهره قال ~~فانتبه من نومه ذات يوم وقال زوجوني زوجوني فزوجوه فسئل عن ذلك فقال لعل ~~الله يرزقني ولدا ويقبضه فيكون لي مقدمة في الآخرة ثم قال رأيت في المنام ~~كأن القيامة قد قامت وكأني في جملة الخلائق في الموقف وبي من العطش ما كاد ~~أن يقطع عنقي وكذا الخلائق في شدة العطش والكرب فنحن كذلك إذ ولدان يتخللون ~~الجمع عليهم مناديل من نور وبأيديهم أباريق من فضة وأكواب من ذهب وهم يسقون ~~الواحد بعد الواحد يتخللون الجمع ويتجاوزون أكثر الناس فمددت يدي إلى أحدهم ~~وقلت اسقني فقد أجهدني العطش فقال ليس لك فينا ولد إنما نسقي آباءنا فقلت ~~ومن أنتم فقالوا نحن من مات من أطفال المسلمين # وأحد المعاني المذكورة في قوله تعالى @QB@ فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا ~~لأنفسكم @QE@ تقديم الأطفال إلى الآخرة فقد ظهر بهذه الوجوه الأربعة أن ~~أكثر فضل النكاح لأجل كونه سببا للولد # الفائدة الثانية التحصن من الشيطان وكسر التوقان ودفع غوائل الشهوة وغض ~~البصر وحفظ الفرج وإليه الإشارة بقوله عليه السلام من نكح فقد حصن نصف دينه ~~فليتق الله في الشطر الآخر وإليه الإشارة بقوله عليكم بالباءة فمن لم يستطع ~~فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء وأكثر ما نقلناه من الآثار والأخبار إشارة ~~إلى هذا المعنى وهذا المعنى دون الأول لأن الشهوة موكلة بتقاضي تحصيل الولد ~~فالنكاح كاف لشغله دافع لجعله وصارف لشر سطوته وليس من يجيب مولاه رغبة في ~~تحصيل رضاه كمن يجيب لطلب الخلاص عن غائلة التوكيل فالشهوة والولد مقدران ~~وبينهما ارتباط وليس يجوز أن يقال المقصود اللذة والولد لازم منها كما يلزم ~~مثلا قضاء الحاجة منالأكل وليس مقصودا في ذاته بل الولد هو المقصود بالفطرة ~~والحكمة والشهوة باعثة عليه ولعمري في الشهوة حكمة أخرى سوى الإرهاق إلى ~~الإيلاد وهو ما في قضائها من اللذة التي لا توازيها لذة لو دامت فهي منبهه ~~على اللذات الموعودة في الجنان إذ الترغيب في لذة لم يجد لها ذواقا لا ينفع ~~فلو رغب العنين في لذة الجماع أو الصبي في لذة PageV02P027 الملك والسلطنة ~~لم ينفع الترغيب وإحدى فوائد لذات الدنيا الرغبة في دوامها في الجنة ليكون ~~باعثا على عبادة الله # فانظر إلى الحكمة ثم إلى الرحمة ثم إلى التعبية الإلهية كيف عبيت تحت ~~شهوة واحدة حياتان حياة ظاهرة وحياة باطنة فالحياة الظاهرة حياة المرء ~~ببقاء نسله فإنه نوع من دوام الوجود والحياة الباطنة هي الحياة الأخروية ~~فإن هذه اللذة الناقصة بسرعة الانصرام تحرك الرغبة في اللذة الكاملة بلذة ~~الدوام فيستحث على العبادة الموصلة إليها فيستفيد العبد بشدة الرغبة فيها ~~تيسر المواظبة على ما يوصله إلى نعيم الجنان وما من ذرة من ذرات بدن ~~الإنسان باطنا وظاهرا بل ذرات ملكوت السموات والأرض إلا وتحتها من لطائف ~~الحكمة وعجائبها ما تحار العقول فيها ولكن إنما ينكشف للقلوب الطاهرة بقدر ~~صفائها بقدر رغبتها عن زهرة الدنيا وغرورها وغوائلها فالنكاح بسبب دفع ~~غائلة الشهوة مهم في الدين لكل من لا يؤتى عن عجز وعنة وهم غالب الخلق فإن ~~الشهوة إذا غلبت ولم يقاومها قوة التقوى جرت إلى اقتحام الفواحش وإليه أشار ~~بقوله عليه الصلاة والسلام عن الله تعالى @QB@ إلا تفعلوه تكن فتنة في ~~الأرض وفساد كبير @QE@ وإن كان ملجما بلجام التقوى فغايته أن يكف الجوارح ~~عن إجابة الشهوة فيغض البصر ويحفظ الفرج فأما حفظ القلب عن الوسواس والفكر ~~فلا يدخل تحت اختياره بل لا تزال النفس تجاذبه وتحدثه بأمور الوقاع ولا ~~يفتر عنه الشيطان الموسوس إليه في أكثر الأوقات وقد يعرض له ذلك في أثناء ~~الصلاة حتى يجري على خاطره من أمور الوقاع ما لو صرح به بين يدي أخس الخلق ~~لاستحي منه والله مطلع على قلبه والقلب في حق الله كاللسان في حق الخلق ~~ورأس الأمور للمريد في سلوك طريق الآخرة قلبه والمواظبة على الصوم لا تقطع ~~مادة الوسوسة في حق أكثر الخلق إلا أن ينضاف إليه ضعف في البدن وفساد في ~~المزاج ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما لا يتم نسك الناسك إلا بالنكاح # وهذه محنة عامة قل من يتخلص منها # قال قتادة في معنى قوله تعالى @QB@ ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به @QE@ هو ~~الغلمة # وعن عكرمة ومجاهد أنهما قالا في معنى قوله تعالى @QB@ وخلق الإنسان ضعيفا ~~@QE@ أنه لا يصبر عن النساء وقال فياض بن نجيح # إذا قام ذكر الرجل ذهب ثلثا عقله # وبعضهم يقول ذهب ثلث دينه # وفي نوادر التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما @QB@ ومن شر غاسق إذا وقب ~~@QE@ قال قيام الذكر وهذه يلية غالبة إذا هاجت لا يقاومها عقل ولا دين وهي ~~مع أنها صالحة لأن تكون باعثة على الحياتين كما سبق فهي أقوى آلة الشيطان ~~على بني آدم وإليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله ما رأيت من ناقصات عقل ~~ودين أغلب لذوي الألباب منكن + حديث ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذوي ~~الألباب منكن أخرجه مسلم من حديث ابن عمر واتفقا عليه من حديث أبي سعيد ولم ~~يسق مسلم لفظه + # وإنما ذلك لهيجان الشهوة وقال صلى الله عليه وسلم في دعائه اللهم إني ~~أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي وشر مني + حديث اللهم إني أعوذ بك من شر ~~سمعي وبصري وشر مني تقدم في الدعوات + # وقال أسألك أن تطهر قلبي وتحفظ فرجي + حديث أسألك أن تطهر قلبي وتحفظ ~~فرجي أخرجه البيهقي في الدعوات من حديث أم سلمة بإسناد فيه لين + # فما يستعيذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجوز التساهل فيه لغيره ~~وكان بعض الصالحين يكثر النكاح حتى لا يكاد يخلو من اثنتين وثلاث فأنكر ~~عليه بعض الصوفية فقال هل يعرف أحد منكم أنه جلس بين يدي الله تعالى جلسة ~~أو وقف بين يديه موقفا في معاملة فخطر على قلبه خاطر شهوة فقالوا يصيبنا من ~~ذلك كثير فقال لو رضيت في عمري كله بمثل حالكم في وقت واحد لما تزوجت لكني ~~ما خطر على قلبي خاطر يشغلني عن حالي إلا نفذته فأستريح وأرجع إلى شغلي ~~ومنذ أربعين سنة ما خطر على قلبي معصية # وأنكر بعض الناس حال الصوفية فقال له PageV02P028 بعض ذوي الدين ما الذي ~~تنكر منهم قال يأكلون كثيرا # قال وأنت أيضا لو جعت كما يجوعون لأكلت كما يأكلون قال ينكحون كثيرا # قال وأنت أيضا لو حفظت عينيك وفرجك كما يحفظون لنكحت كما ينكحون # وكان الجنيد يقول أحتاج إلى الجماع كما أحتاج إلى القوت فالزوجة على ~~التحقيق قوت وسبب لطهارة القلب ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ~~من وقع نظره على امرأة فتاقت إليها نفسه أن يجامع أهله + حديث أمر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم كل من وقع بصره على امرأة فتاقت نفسه إليها أن ~~يجامع أهله أخرجه أحمد من حديث أبي كبشة الأنماري حين مرت به امرأة فوقع في ~~قلبه شهوة النساء فدخل فأتى بعض أزواجه وقال فكذلك فافعلوا فإنه من أماثل ~~أفعالكم إتيان الحلال وإسناده جيد + # لأن ذلك يدفع الوسواس عن النفس # وروى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فدخل على ~~زينب فقضى حاجته وخرج # وقال صلى الله عليه وسلم إن المرأة إذا أقبلت أقبلت بصورة شيطان فإذا رأى ~~أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله معها مثل الذي معها + حديث جابر رأى امرأة ~~فدخل على زينب فقضى حاجته الحديث رواه مسلم والترمذي واللفظ له وقال حسن ~~صحيح + # وقال عليه السلام لا تدخلوا على المغيبات وهي التي غاب زوجها عنها فإن ~~الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم قلنا ومنك قال ومني ولكن الله أعانني عليه ~~فاسلم + حديث لا تدخلوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم ~~الحديث أخرجه الترمذي من حديث جابر وقال غريب ولمسلم من حديث عبدالله بن ~~عمر ولا يدخل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان + # قال سفيان بن عيينة فاسلم معناه فاسلم أنا منه هذا معناه فان الشيطان لا ~~يسلم وكذلك حكى علي ابن عمر رضي الله عنهما وكان من زهاد الصحابة وعلمائهم ~~انه كان يفطر من الصوم على الجماع قبل الأكل وربما انه جامع ثلاثا من ~~جواريه في شهر رمضان قبل العشاء الأخير # وقال ابن عباس خير هذه الأمة أكثرها نساء + حديث ابن عباس خير هذه الأمة ~~أكثرها نساء يعني النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري + # ولما كانت الشهوة أغلب على مزاج العرب كان استكثار الصالحين منهم لنكاح ~~أشد ولأجل فراغ القلب أبيح نكاح الأمة عند خوف العنت مع أن فيه إرقاق الولد ~~وهو نوع اهلاك وهو محرم على كل من قدر على حرة ولكن إرقاق الولد أهون من ~~إهلاك الدين وليس فيه إلا تنغيص الحياة على الولد مدة وفي اقتحام الفاحشة ~~تفويت الحياة الاخروية التي تستحقر الأعمار الطويلة بالإضافة إلى يوم من ~~أيامها # وروي أنه انصرف الناس ذات يوم من مجلس ابن عباس وبقي شاب لم يبرح فقال له ~~ابن عباس هل لك من حاجة قال نعم أردت أن اسأل مسألة فاستحييت من الناس وأنا ~~الآن أهابك وأجلك فقال ابن عباس إن العالم بمنزلة الوالد فما كنت أفضيت به ~~إلى أبيك فأفض إلي به فقال أني شاب لا زوجة لي وربما خشيت العنت على نفسي ~~فربما استمنيت بيدي فهل في ذلك معصية فأعرض عنه ابن عباس ثم قال أف وتف ~~نكاح الأمة خير منه وهو خير من الزنا فهذا تنبيه على أن العزب المغتلم مردد ~~بين ثلاثة شرور أدناها نكاح الأمة وفيه إرقاق الولد وأشد منه الاستمناء ~~باليد وأفحشه الزنا ولم يطلق ابن عباس الإباحة في شيء منه لأنهما محذوران ~~يفزع إليهما حذرا من الوقوع في محذور أشد منه كما يفزع إلى تناول الميتة ~~حذرا من هلاك النفس فليس ترجيح اهون الشرين في معنى الإباحة المطلقة ولا في ~~معنى الخير المطلق وليس قطع اليد المتأكلة من الخيرات وإن كان يؤذن فيه عند ~~إشراف النفس على الهلاك فإذا في النكاح فضل من هذا الوجه ولكن هذا لا يعم ~~الكل بل الأكثر فرب شخص فترت شهوته لكبر سن أو مرض أو غيره فينعدم هذا ~~الباعث في حقه ويبقى ما سبق من أمر الولد # فإن ذلك عام إلا للممسوح PageV02P029 # وهو نادر ومن الطباع ما تغلب عليها الشهوة بحيث لا تحصنه المرأة الواحدة ~~فيستحب لصاحبها الزيادة على الواحدة إلى الأربع فإن يسر الله له مودة ورحمة ~~واطمأن قلبه بهن وإلا فيستحب له الاستبدال فقد نكح علي رضي الله عنه بعد ~~وفاة فاطمة عليها السلام بسبع ليال ويقال إن الحسن بن علي كان منكاحا حتى ~~نكح زيادة على مائتي امرأة وكان ربما عقد على أربع في وقت واحد وربما طلق ~~أربعا في وقت واحد واستبدل بهن وقد قال صلى الله عليه وسلم للحسن أشبهت ~~خلقي وخلقي + حديث أنه قال للحسن بن علي أشبهت خلقي وخلقي قلت المعروف أنه ~~قال هذا اللفظ لجعفر بن أبي طالب كما هو متفق عليه من حديث البراء ولكن ~~الحسن أيضا كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم كما هو متفق عليه من حديث ~~أبي جحيفة والترمذي وصححه وابن حبان من حديث أنس لم يكن أحد أشبه برسول ~~الله صلى الله عليه وسلم من الحسن + # وقال صلى الله عليه وسلم حسن مني وحسين من علي + حديث حسن مني وحسين من ~~علي رواه أحمد من حديث المقداد بن معد يكرب بسند جيد + # فقال إن كثرة نكاحه أحد ما أشبه به خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وتزوج المغيرة بن شعبة بثمانين امرأة وكان في الصحابة من له الثلاث والأربع ~~ومن كان له اثنتان لا يحصى ومهما كان الباعث معلوما فينبغي أن يكون العلاج ~~بقدر العلة فالمراد تسكين النفس فلينظر إليه في الكثرة والقلة # الفائدة الثالثة ترويح النفس وإيناسها بالمجالسة والنظر والملاعبة إراحة ~~للقلب وتقوية له على العبادة فإن النفس ملول وهي عن الحق نفور لأنه على ~~خلاف طبعها فلو كلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت وثابت وإذا ~~روحت باللذات في بعض الأوقات قويت ونشطت وفي الاستئناس بالنساء من ~~الاستراحة ما يزيل الكرب ويروح القلب وينبغي أن يكون لنفوس المتقين ~~استراحات بالمباحات ولذلك قال الله تعالى @QB@ ليسكن إليها @QE@ وقال علي ~~رضي الله عنه روحوا القلوب ساعة فإنها إذا أكرهت عميت # وفي الخبر على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة ~~يحاسب فيها نفسه وساعة يخلو فيها مطعمه ومشربه فإن في هذه الساعة عونا على ~~تلك الساعات + حديث على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه ~~وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يخلو فيها بمطعمه ومشربه رواه ابن حبان من ~~حديث أبي ذر في حديث طويل أن ذلك في صحف إبراهيم + # ومثله بلفظ آخر لا يكون العاقل ظاعنا إلا في ثلاث تزود لمعاد أو مرمة ~~لمعاش أو لذة في غير محرم + حديث لا يكون العاقل ظاعنا إلا في ثلاث تزود ~~لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم رواه ابن حبان من حديث أبي ذر ~~الطويل أن ذلك في صحف إبراهيم + # وقال صلى الله عليه وسلم لكل عامل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى ~~سنتي فقد اهتدى + حديث لكل عامل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي ~~فقد اهتدى رواه أحمد والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو وللترمذي نحو من ~~هذا من حديث أبي هريرة وقال حسن صحيح + # والشرة الجد والمكابدة بحدة وقوة وذلك في ابتداء الإرادة والفترة الوقوف ~~للاستراحة وكان أبو الدرداء يقول إني لأستجم نفسي بشيء من اللهو لأتقوى ~~بذلك فيما بعد على الحق # وفي بعض الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال شكوت إلى جبريل ~~عليه السلام ضعفي عن الوقاع فدلني على الهريسة حديث شكوت إلى جبريل ضعفي عن ~~الوقاع فدلني على الهريسة أخرجه ابن عدي من حديث حذيفة وابن عباس والعقيلي ~~من حديث معاذ وجابر بن سمرة وابن حبان في الضعفاء من حديث حذيفة والأزدي في ~~الضعفاء من حديث أبي هريرة بطرق كلها ضعيفة قال ابن عدي موضوع وقال العقيلي ~~باطل + # هذا إن صح لا محمل له إلا الاستعداد للاستراحة ولا يمكن تعليله بدفع ~~الشهوة فإنه استثارة للشهوة ومن عدم الشهوة عدم الأكثر من هذا الأنس # وقال صلى الله عليه وسلم حبب إلي من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني ~~في الصلاة + حديث حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة ~~رواه النسائي والحاكم من حديث أنس بإسناد جيد وضعفه العقيلي + # فهذه أيضا فائدة لا ينكرها من جرب إتعاب نفسه في الأفكار والأذكار وصنوف ~~الأعمال وهي خارجة عن PageV02P030 # الفائدتين السابقتين حتى إنها تطرد في حق الممسوح ومن لا شهوة له إلا أن ~~هذه الفائدة تجعل للنكاح فضيلة بالإضافة إلى هذه النية وقل من يقصد بالنكاح ~~ذلك # وأما قصد الولد وقصد دفع الشهوة وأمثالها فهو مما يكثر ثم رب شخص يستأنس ~~بالنظر إلى الماء الجاري والخضرة وأمثالها ولا يحتاج إلى ترويح النفس ~~بمحادثة النساء وملاعبتهن # فيختلف هذا باختلاف الأحوال والأشخاص فليتنبه له # الفائدة الرابعة تفريغ القلب عن تدبير المنزل والتكفل بشغل الطبخ والكنس ~~والفرش وتنظيف الأواني وتهيئة أسباب المعيشة فإن الإنسان لو لم يكن له شهوة ~~الوقاع لتعذر عليه العيش في منزله وحده إذ لو تكفل بجميع أشغال المنزل لضاع ~~أكثر أوقاته ولم يتفرغ للعلم والعمل فالمرأة الصالحة للمنزل عون على الدين ~~بهذه الطريق واختلال هذه الأسباب شواغل ومشوشات للقلب ومنغصات للعيش ولذلك ~~قال أبو سليمان الداراني رحمه الله الزوجة الصالحة ليست من الدنيا فإنها ~~تفرغك للآخرة وإنما تفريغها بتدبير المنزل وبقضاء الشهوة جميعا # وقال محمد بن كعب القرظي في معنى قوله تعالى ربنا آتنا في الدنيا حسنة ~~قال المرأة الصالحة # وقال صلى الله عليه وسلم ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة ~~مؤمنة صالحة تعينه على آخرته + حديث ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا ~~وزوجة مؤمنة تعينه على آخرته أخرجه الترمذي وحسنه وابن ماجة واللفظ له من ~~حديث وفيه انقطاع + # فانظر كيف جمع بينها وبين الذكر والشكر # وفي بعض التفاسير في قوله تعالى فلنحيينه حياة طيبة قال الزوجة الصالحة ~~وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ما أعطى العبد بعد الإيمان بالله ~~خيرا من امرأة صالحة وإن منهن غنما لا يحذى منه ومنهن غلالا يفدي منه # وقوله لا يحذى أن يعتاض عنه بعطاء # وقال صلى الله عليه وسلم فضلت على آدم بخصلتين كانت زوجته عونا له على ~~المعصية وأزواجي أعوان لي على الطاعة وكان شيطانه كافرا وشيطاني مسلم لا ~~يأمر إلا بخير + حديث فضلت على آدم صلى الله عليه وسلم بخصلتين كانت زوجته ~~عونا له على المعصية وأزواجي أعوان لي على الطاعة وكان شيطانه كافرا ~~وشيطاني مسلم لا يأمر إلا بخير رواه الخطيب في التاريخ من حديث ابن عمر ~~وفيه محمد بن وليد بن أبان بن القلانسي قال ابن عدي كان يضع الحديث ولمسلم ~~من حديث ابن مسعود ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا ~~وإياك يا رسول الله قال وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم ولا يأمرني إلا ~~بخير + # فعد معاونتها على الطاعة فضيلة فهذه أيضا من الفوائد التي يقصدها ~~الصالحون إلا أنها تخص بعض الأشخاص الذين لا كافل لهم ولا مدبر ولا تدعو ~~إلى امرأتين بل الجمع ربما ينغص المعيشة ويضطرب به أمور المنزل ويدخل في ~~هذه الفائدة قصد الاستكثار بعشيرتها وما يحصل من القوة بسبب تداخل العشائر ~~فإن ذلك مما يحتاج إليه في دفع الشرور وطلب السلامة ولذلك قيل ذل من لا ~~ناصر له ومن وجد من يدفع عنه الشرور سلم حاله وفرغ قلبه للعبادة فإن الذل ~~مشوش للقلب والعز بالكثرة دافع بالذل # الفائدة الخامسة مجاهدة النفس ورياضتها بالرعاية والولاية والقيام بحقوق ~~الأهل والصبر على أخلاقهن واحتمال الأذى منهن والسعي في إصلاحهن وإرشادهن ~~إلى طريق الدين والاجتهاد في كسب الحلال لأجلهن والقيام بتربيته لأولاده ~~فكل هذه أعمال عظيمة الفضل فإنها رعاية وولاية والأهل والولد رعية وفضل ~~الرعاية عظيم إنما يحترز منها من يحترز خيفة من القصور عن القيام بحقها ~~وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم يوم من وال عادل أفضل من عبادة سبعين سنة ~~@QB@ ثم قال @QE@ ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته + حديث يوم وال عادل ~~أفضل من عبادة سبعين سنة @QB@ ثم قال @QE@ ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن ~~رعيته رواه الطبراني والبيهقي من حديث ابن عباس وقد تقدم بلفظ ستين سنة دون ~~ما بعده فإنه متفق عليه من حديث ابن عمر + # وليس من اشتغل PageV02P031 بإصلاح نفسه وغيره كمن اشتغل بإصلاح نفسه فقط ~~ولا من صبر على الأذى كمن رفه نفسه وأراحها فمقاساة الأهل والولد بمنزلة ~~الجهاد في سبيل الله ولذلك قال بشر فضل على أحمد بن حنبل بثلاث إحداها أنه ~~يطلب الحلال لنفسه ولغيره وقد قال صلى الله عليه وسلم ما أنفقه الرجل على ~~أهله فهو صدقة وإن الرجل ليؤجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته + حديث ما ~~أنفق الرجل على أهله فهو صدقة وإن الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى في امرأته ~~متفق عليه من حديث ابن مسعود إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها ~~كانت له صدقة ولهما من حديث سعد بن أبي وقاص ومهما أنفقت فهو لك صدقة حتى ~~اللقمة ترفعها إلى في امراتك + # وقال بعضهم لبعض العلماء من كل عمل أعطاني الله نصيبا حتى ذكر الحج ~~والجهاد وغيرهما فقال له أين أنت من عمل الأبدان قال وما هو قال كسب الحلال ~~والنفقة على العيال # وقال ابن المبارك وهو مع إخوانه في الغزو تعلمون عملا أفضل مما نحن فيه ~~قالوا ما نعلم ذلك # قال أنا أعلم قالوا فما هو قال رجل متعفف ذو عائلة قام من الليل فنظر إلى ~~صبيانه نياما متكشفين فسترهم وغطاهم بثوبه فعمله أفضل مما نحن فيه # وقال صلى الله عليه وسلم من حسنت صلاته وكثر عياله وقل ماله ولم يغتب ~~المسلمين كان معي في الجنة كهاتين + حديث من حسنت صلاته وكثر عياله وقل ~~ماله ولم يغتب المسلمين كان معي في الجنة كهاتين أخرجه أبو يعلى من حديث ~~أبي سعيد الخدري بسند ضعيف + # وفي حديث آخر إن الله يحب الفقير المتعفف أبا العيال + حديث إن الله يحب ~~الفقير المتعفف أبا العيال أخرجه ابن ماجه من حديث عمران بن حصين بسند ضعيف ~~+ # وفي الحديث إذا كثرت ذنوب العبد ابتلاه الله بهم العيال ليكفرها عنه + ~~حديث إذا كثرت ذنوب العبد ابتلاه الله بهم العيال ليكفرها رواه أحمد عن ~~حديث عائشة إلا أنه قال بالحزن وفيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه + # وقال بعض السلف # من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الغم بالعيال وفيه أثر عن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم أنه قال من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم بطلب المعيشة + ~~حديث من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم بطلب المعيشة أخرجه الطبراني في ~~الأوسط وأبو نعيم في الحلية والخطيب في التلخيص المتشابه من حديث أبي هريرة ~~بإسناد ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم من كان له ثلاث بنات فأنفق عليهن وأحسن إليهن ~~حتى يغنيهن الله عنه أوجب الله له الجنة ألبتة ألبتة إلا أن يعمل عملا لا ~~يغفر له + حديث من كان له ثلاث بنات فأنفق عليهن وأحسن إليهن حتى يغنيهن ~~الله عنه أوجب الله له الجنة ألبتة إلا أن يعمل عملا لا يغفر له رواه ~~الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث ابن عباس بسند ضعيف وهو عنده بلفظ آخر ~~ولأبي داود واللفظ له والترمذي من حديث أبي سعيد من عال ثلاث بنات فأدبهن ~~وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة ورجاله ثقات وفي سنده اختلاف + # وكان ابن عباس إذا حدث بهذا قال # والله هو من غرائب الحديث وغرره # وروي أن بعض المتعبدين كان يحسن القيام على زوجته إلى أن ماتت # فعرض عليه التزويج فامتنع وقال الوحدة أروح لقلبي وأجمع لهمي ثم قال رأيت ~~في المنام بعد جمعة من وفاتها كأن أبواب السماء فتحت وكأن رجالا ينزلون ~~ويسيرون في الهواء يتبع بعضهم بعضا فكلما نزل واحد نظر إلي وقال لمن وراءه ~~هذا هو المشئوم فيقول الآخر نعم ويقول الثالث كذلك ويقول الرابع نعم فخفت ~~أن أسألهم هيبة من ذلك إلى أن مر بي آخرهم وكان غلاما فقلت له يا هذا من ~~هذا المشئوم الذي تؤمئون إليه فقال أنت # فقلت ولم ذاك قال كنا نرفع عملك في أعمال المجاهدين في سبيل الله فمنذ ~~جمعة أمرنا أن نضع عملك مع الخالفين فما ندري ما أحدثت فقال لإخوانه زوجوني ~~زوجوني فلم يكن تفارقه زوجتان أو ثلاث # وفي أخبار الأنبياء عليهم السلام أن قوما دخلوا على يونس النبي عليه ~~السلام فأضافهم فكان يدخل ويخرج إلى منزله فتؤذيه امرأته وتستطيل عليه وهو ~~ساكت فتعجبوا من ذلك فقال لا تعجبوا فإني سألت الله تعالى وقلت ما أنت ~~معاقب لي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا فقال إن عقوبتك بنت فلان تتزوج ~~بها فتزوجت بها وأنا صابر على ما ترون منها وفي الصبر على ذلك رياضة النفس ~~وكسر الغضب PageV02P032 # وتحسين الخلق فإن المنفرد بنفسه أو المشارك لمن حسن خلقه لا تترشح منه ~~خبائث النفس الباطنة ولا تنكشف بواطن عيوبه فحق على سالك الطريق الآخرة أن ~~يجرب نفسه بالتعرض لأمثال هذه المحركات واعتياد الصبر عليها لتعتدل أخلاقه ~~وترتاض نفسه ويصفو عن الصفات الذميمة باطنه والصبر على العيال مع انه رياضة ~~ومجاهدة تكفل لهم وقيام بهم وعبادة في نفسها فهذه أيضا من الفوائد ولكنه لا ~~ينتفع بها إلا أحد رجلين أما رجل قصد المجاهدة والرياضة وتهذيب الأخلاق ~~لكونه في بداية الطريق فلا يبعد أن يرى هذا طريقا في المجاهدة وترتاض به ~~نفسه # وإما رجل من العابدين ليس له سير بالباطن وحركة بالفكر والقلب وانما عمله ~~عمل الجوارح بالصلاة أو حج أو غيره فعمله لأهله وأولاده بكسب الحلال لهم ~~والقيام بتربيتهم افضل له من العبادات اللازمة لبدنه التي لا يتعدى خيرها ~~إلى غيرها فأما الرجل المهذب الأخلاق أما بكفاية في اصل الخلقة أو بمجاهدة ~~سابقة إذا كان له سير في الباطن وحركة بفكر القلب في العلوم والمكاشفات فلا ~~ينبغي أن يتزوج لهذا الغرض فان الرياضة هو مكفى فيها # وأما العبادة في العمل بالكسب لهم فالعلم أفضل من ذلك لأنه أيضا عمل ~~وفائدته أكثر من ذلك وأعم وأشمل لسائر الخلق من فائدة الكسب على العيال ~~فهذه فوائد النكاح في الدين التي بها يحكم له بالفضيلة # أما آفات النكاح فثلاث # الأولى وهي أقواها العجز عن طلب الحلال فإن ذلك لا يتيسر لكل أحد لا سيما ~~في هذه الأوقات مع اضطراب المعايش فيكون النكاح سببا في التوسع للطلب ~~والإطعام من الحرام وفيه هلاكه وهلاك أهله والمتعزب في أمن من ذلك وأما ~~المتزوج ففي الأكثر يدخل في مداخل السوء فيتبع هوى زوجته ويبيع آخرته ~~بدنياه # وفي الخبر إن العبد ليوقف عند الميزان وله من الحسنات أمثال الجبال فيسأل ~~عن رعاية عائلته والقيام بهم وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه حتى يستغرق ~~بتلك المطالبات كل أعماله فلا تبقى له حسنة فتنادي الملائكة هذا الذي أكل ~~عياله حسناته في الدنيا وارتهن اليوم بأعماله + حديث إن العبد ليوقف عند ~~الميزان وله من الحسنات أمثال الجبال ويسأل عن رعاية عياله والقيام ~~بهنالحديث لم أقف له على أصل + # ويقال إن أول ما يتعلق بالرجل في القيامة أهله وولده فيوقفونه بين يدي ~~الله تعالى ويقولون يا ربنا خذ لنا بحقنا منه فإنه ما علمنا ما نجهل وكان ~~يطعمنا الحرام ونحن لا نعلم فيقتص لهم منه # وقال بعض السلف إذا أراد الله بعبد شرا سلط عليه في الدنيا أنيابا تنهشه ~~يعني العيال # وقال صلى الله عليه وسلم لا يلقى الله أحد بذنب أعظم من جهالة أهله + ~~حديث لا يلقى الله أحد بذنب أعظم من جهالة أهله ذكره صاحب الفردوس من حديث ~~أبي سعيد ولم يجده ولده أبو منصور في مسنده + # فهذه آفة عامة قل من يتخلص منها إلا من له مال موروث أو مكتسب من حلال ~~يفي به وبأهله وكان له من القناعة ما يمنعه من الزيادة فإن ذاك يتخلص من ~~هذه الآفة أو من هو محترف ومقتد على كسب حلال من المباحات باحتطاب أو ~~اصطياد أو كان في صناعة لا تتعلق بالسلاطين ويقدر على أن يعامل به أهل ~~الخير ومن ظاهره السلامة وغالب ماله الحلال وقال ابن سالم رحمه الله وقد ~~سئل عن التزويج فقال هو أفضل في زماننا هذا لمن أدركه شبق غالب مثل ~~الحماريري الأتان فلا ينتهي عنها بالضرب ولا يملك نفسه فإن ملك نفسه فتركه ~~أولى # الآفة الثانية القصور عن القيام بحقهن والصبر على أخلاقهن واحتمال الأذى ~~منهن وهذه دون الأولى في العموم فإن القدرة على هذا أيسر من القدرة على ~~الأولى وتحسين الخلق مع النساء والقيام بحظوظهن أهون من طلب الحلال وفي هذا ~~أيضا خطر لأنه راع ومسئول عن رعيته # وقال صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول + حديث كفي ~~بالمرء إثما أن يضيع من يعول رواه أبو داود والنسائي بلفظ من يقوت وهو عند ~~مسلم بلفظ آخر + PageV02P033 وروي أن الهارب من عياله بمنزلة العبد الهارب ~~الآبق لا تقبل له صلاة ولا صيام حتى يرجع إليهم ومن يقصر عن القيام بحقهن ~~وإن كان حاضرا فهو بمنزلة هارب فقد قال تعالى @QB@ قوا أنفسكم وأهليكم نارا ~~@QE@ أمرنا أن نقيهم النار كما نقي أنفسنا والإنسان قد يعجز عن القيام بحق ~~نفسه وإذا تزوج تضاعف عليه الحق وانضافت إلى نفسه نفس أخرى والنفس أمارة ~~بالسوء إن كثرت عليها الحقوق كثر الأمر بالسوء غالبا ولذلك اعتذر بعضهم من ~~التزويج وقال أنا مبتلي بنفسي وكيف أضيف إليها نفسا أخرى كما قيل # لن يسع الفأرة جحرها % علقت المكنس في دبرها # وكذلك اعتذر إبراهيم بن أدهم رحمه الله وقال لا أغر امرأة بنفسي ولا حاجة ~~لي فيهن أي من القيام بحقهن وتحصينهن وإمتاعهن وأنا عاجز عنه وكذلك اعتذر ~~بشر وقال يمنعني من النكاح قوله تعالى @QB@ ولهن مثل الذي عليهن @QE@ وكان ~~يقول لو كنت أعول دجاجة لخفت أن أصير جلادا على الجسر # ورؤي سفيان ابن عيينة رحمه الله على باب السلطان فقيل له ما هذا موقفك ~~فقال وهل رأيت ذا عيال أفلح وكان سفيان يقول # يا حبذا العزبة والمفتاح % ومسكن تخرقه الرياح % لا صخب فيه ولا صياح # فهذه آفة عامة أيضا وإن كانت دون عموم الأولى لا يسلم منها إلا حكيم عاقل ~~حسن الأخلاق بصير بعادات النساء صبور على لسانهن وقاف عن اتباع شهواتهن ~~حريص على الوفاء بحقهن يتغافل عن زللهن ويداري بعقله أخلاقهن والأغلب على ~~الناس السفه والفظاظة والحدة والطيش وسوء الخلق وعدم الإنصاف مع طلب تمام ~~الإنصاف ومثل هذا يزداد بالنكاح فسادا من هذا الوجه لا محالة فالوحدة أسلم ~~له # الآفة الثالثة وهي دون الأولى والثانية أن يكون الأهل والولد شاغلا له عن ~~الله تعالى وجاذبا له إلى طلب الدنيا وحسن تدبير المعيشة للأولاد بكثرة جمع ~~المال وادخاره لهم وطلب التفاخر والتكاثر بهم وكل ما شغل عن الله من أهل ~~ومال وولد فهو مشئوم على صاحبه ولست أعني بهذا أن يدعو إلى محظور فإن ذلك ~~مما اندرج تحت تحت الآفة الأولى والثانية بل أن يدعوه إلى التنعم بالمباح ~~بل إلى الإغراق في ملاعبة النساء ومؤانستهن والإمعان في التمتع بهن ويثور ~~من النكاح أنواع من الشواغل من هذا الجنس تستغرق القلب فينقضي الليل ~~والنهار ولا يتفرغ المرء فيهما للتفكر في الآخرة والاستعداد لها ولذلك قال ~~إبراهيم بن أدهم رحمه الله من تعود أفخاد النساء لم يجيء منه شيء # وقال أبو سليمان رحمه الله # من تزوج فقد ركن إلى الدنيا أي يدعوه ذلك إلى الركون إلى الدنيا فهذه ~~مجامع الآفات والفوائد فالحكم على شخص واحد بأن الأفضل له النكاح أو ~~العزوبة مطلقا قصور عن الإحاطة بمجامع هذه الأمور بل تتخذ هذه الفوائد ~~والآفات معتبرا ومحكما ويعرض المريد عليه نفسه فإن انتفت في حقه الآفات ~~واجتمعت الفوائد بأن كان له مال حلال وخلق حسن وجد في الدين تام لا يشغله ~~النكاح عن الله وهو مع ذلك شاب محتاج إلى تسكين الشهوة ومنفرد يحتاج إلى ~~تدبير المنزل والتحصن بالعشيرة فلا يماري في أن النكاح أفضل له مع ما فيه ~~من السعي في تحصيل الولد فإن انتفت الفوائد واجتمعت الآفات فالعزوبة أفضل ~~له وإن تقابل الأمران وهو الغالب فينبغي أن يوزن بالميزان القسط حظ تلك ~~الفائدة في الزيادة من دينه وحظ تلك الآفات في النقصان منه فإذا غلب على ~~الظن رجحان أحدهما حكم به وأظهر الفوائد الولد وتسكين الشهوة وأظهر الآفات ~~الحاجة إلى كسب الحرام والاشتغال عن الله فلنفرض تقابل هذه الأمور فنقول من ~~لم يكن في أذية من الشهوة وكانت فائدة نكاحه في السعي لتحصيل PageV02P034 ~~الولد وكانت الآفة الحاجة إلى كسب الحرام والاشتغال عن الله فالعزوبة له ~~أولى فلا خير فيما يشغل عن الله ولا خير في كسب الحرام ولا يفي بنقصان هذين ~~الأمرين أمر الولد فإن النكاح للولد سعي في طلب حياة للولد موهومة وهذا ~~نقصان في الدين ناجز فحفظه لحياة نفسه وصونها عن الهلاك أهم من السعي في ~~الولد وذلك ربح والدين رأس مال # وفي فساد الدين بطلان الحياة الأخروية وذهاب رأس المال ولا تقاوم هذه ~~الفائدة إحدى هاتين الآفتين # وأما إذا انضاف إلى أمر الولد حاجة كسر الشهوة لتوقان النفس إلى النكاح ~~نظر فإن لم يقو لجام التقوى في رأسه وخاف على نفسه الزنا فالنكاح له أولى ~~لأنه متردد بين أن يقتحم الزنا أو يأكل الحرام والكسب الحرام أهون الشرين ~~وإن كان يثق بنفسه أنه لا يزني ولكن لا يقدر مع ذلك على غض البصر عن الحرام ~~فترك النكاح أولى لأن النظر حرام والكسب من غير وجهه حرام والكسب يقع دائما ~~وفيه عصيانه وعصيان أهله والنظر يقع أحيانا وهو يخصه وينصرم على قرب والنظر ~~زنا العين ولكن إذا لم يصدقه الفرج فهو إلى العفو أقرب من أكل الحرام إلا ~~أن يخاف إفضاء النظر إلى معصية الفرج فيرجع ذلك إلى خوف العنت وإذا ثبت هذا ~~فالحالة الثالثة وهو أن يقوى على غض البصر ولكن لا يقوى على دفع الأفكار ~~الشاغلة للقلب فذلك أولى بترك النكاح لأن عمل القلب إلى العفو أقرب إنما ~~يراد فراغ القلب للعبادة ولا تتم عبادة مع الكسب الحرام وأكله وإطعامه ~~فهكذا ينبغي أن توزن هذه الآفات بالفوائد ويحكم بحسبها ومن أحاط بهذا لم ~~يشكل عليه شيء مما نقلنا عن السلف من ترغيب في النكاح مرة ورغبة عنه أخرى ~~إذ ذلك بحسب الأحوال صحيح # فإن قلت فمن أمن الآفات فما الأفضل له التخلي لعبادة الله أو النكاح ~~فأقول يجمع بينهما لأن النكاح ليس مانعا من التخلي لعبادة الله من حيث إنه ~~عقد ولكن من حيث الحاجة إلى الكسب فإن قدر على الكسب الحلال فالنكاح أيضا ~~أفضل لأن الليل وسائر أوقات النهار يمكن التخلي فيه للعبادة والمواظبة على ~~العبادة من غير استراحة غير ممكن فإن فرض كونه مستغرقا بالكسب حتى لا يبقى ~~له وقت سوى أوقات المكتوبة والنوم والأكل وقضاء الحاجة فإن كان الرجل ممن ~~لا يسلك سبيل الآخرة إلا بالصلاة النافلة أو الحج وما يجري مجراه من ~~الأعمال البدنية فالنكاح له أفضل لأن في كسب الحلال والقيام بالأهل والسعي ~~في تحصيل الولد والصبر على أخلاق النساء أنواعا من العبادات لا يقصر فضلها ~~عن نوافل العبادات وإن كان عبادته بالعلم والفكر وسير الباطن والكسب يشوش ~~عليه ذلك فترك النكاح أفضل # فإن قلت فلم ترك عيسى عليه السلام النكاح مع فضله وإن كان الأفضل التخلي ~~لعبادة الله فلم استكثر رسولنا صلى الله عليه وسلم من الأزواج فاعلم أن ~~الأفضل الجمع بينهما في حق من قدر ومن قويت منته وعلت همته فلا يشغله عن ~~الله شاغل ورسولنا صلى الله عليه وسلم أخذ بالقوة وجمع بين فضل العبادة ~~والنكاح ولقد كان مع تسع من النسوة + حديث جمعه صلى الله عليه وسلم بين تسع ~~نسوة أخرجه البخاري من حديث أنس وله من حديثه أيضا وهن إحدى عشرة + # متخليا لعبادة الله وكان قضاء الوطر بالنكاح في حقه غير مانع كما لا يكون ~~قضاء الحاجة في حق المشغولين بتدبيرات الدنيا مانعا لهم عن التدبير حتى ~~يشتغلون في الظاهر بقضاء الحاجة وقلوبهم مشغوفة بهممهم غير غافلة عن ~~مهماتهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلو درجته لا يمنعه أمر هذا ~~العالم عن حضور القلب مع الله تعالى فكان ينزل عليه الوحي وهو في فراش ~~امرأته + حديث كان ينزل عليه الوحي وهو في فراش امرأته أخرجه البخاري من ~~حديث أنس يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل على الوحي وأنا ~~في لحاف امرأة منكن غيرها + # ومتى سلم مثل هذا المنصب لغيره فلا يبعد أن يغير السواقي PageV02P035 ما ~~لا يغير البحر الخضم فلا ينبغي أن يقاس عليه غيره # وأما عيسى صلى الله عليه وسلم فإنه أخذ بالحزم لا بالقوة واحتاط لنفسه ~~ولعل حالته كانت حالة يؤثر فيها الاشتغال بالأهل أو يتعذر معها طلب الحلال ~~أو لا يتيسر فيها الجمع بين النكاح والتخلي للعبادة فآثر التخلي للعبادة ~~وهم اعلم بأسرار أحوالهم وأحكام أعصارهم في طيب المكاسب وأخلاق النساء وما ~~على الناكح من غوائل النكاح وما له فيه ومهما كانت الأحوال منقسمة حتى يكون ~~النكاح في بعضها أفضل وتركه في بعضها افضل فحقنا أن ننزل أفعال الأنبياء ~~على الأفضل في كل حال والله أعلم # | الباب الثاني فيما يراعي حالة العقد من أحوال المرأة وشروط العقد # أما العقد فأركانه وشروطه لينعقد ويفيد الحل أربعة # الأول إذن الولي فإن لم يكن فالسلطان # الثاني رضا المرأة إن كانت ثيبا بالغا أو كانت بكرا بالغا ولكن يزوجها ~~غير الأب والحد # الثالث حضور شاهدين ظاهري العدالة فإن كانا مستورين حكمنا بالانعقاد ~~للحاجة # الرابع إيجاب وقبول متصل به بلفظ الإنكاح أو التزويج أو معناهما الخاص ~~بكل لسان من شخصين مكلفين ليس فيهما امرأة سواء كان هو الزوج أو الولي أو ~~وكيلهما # وأما آدابه # فتقديم الخطبة مع الولي لا في حال عدة المرأة بل بعد انقضائها إن كانت ~~معتدة ولا في حال سبق غيره بالخطبة إذ نهي عن الخطبة على الخطبة + حديث ~~النهي عن الخطبة على الخطبة متفق عليه من حديث ابن عمر ولا يخطب على خطبة ~~أخيه حتى يترك الخاطب قبل ويأذن له # ومن آدابه # الخطبة قبل النكاح ومزج التحميد بالإيجاب والقبول فيقول المزوج الحمد لله ~~والصلاة على رسول الله زوجتك ابنتي فلانة # ويقول الزوج الحمد لله والصلاة على رسول الله قبلت نكاحها على هذا الصداق # وليكن الصداق معلوما خفيفا والتحميد قبل الخطبة أيضا مستحب ومن آدابه # أن يلقى أمر الزوج إلى سمع الزوجة وإن كانت بكرا فذلك أحرى وأولى بالألفة ~~ولذلك يستحب النظر إليها قبل النكاح فإنه أحرى أن يؤدم بينهما # ومن الآداب إحضار جمع من أهل الصلاح زيادة على الشاهدين اللذين هما ركنان ~~للصحة ومنها أن ينوي بالنكاح إقامة السنة وغض البصر وطلب الولد وسائر ~~الفوائد التي ذكرناها ولا يكون قصده مجرد الهوى والتمتع فيصير عمله من ~~أعمال الدنيا ولا يمنع ذلك هذه النيات فرب حق يوافق الهوى # قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله إذا وافق الحق الهوى فهو الزبد ~~بالنرسيان ولا يستحيل أن يكون كل واحد من حظ النفس وحق الدين باعثا معا ~~ويستحب أن يعقد في المسجد وفي شهر شوال # قالت عائشة رضي الله عنها تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال ~~وبنى بي في شوال + حديث عائشة تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال ~~وبنى بي في شوال رواه مسلم + # وأما المنكوحة فيعتبر فيها نوعان أحدهما للحل # والثاني لطيب المعيشة وحصول المقاصد # النوع الأول ما يعتبر فيها للحل وهو أن تكون خلية عن موانع النكاح ~~والموانع تسعة عشر الأول أن # تكون منكوحة للغير # الثاني أن تكون معتدة للغير سواء كانت عدة وفاة أو طلاق أو وطء شبهة أو ~~كانت في استبراء وطء عن ملك يمين # الثالث أن تكون مرتدة عن الدين لجريان كلمة على لسانها من كلمات الكفر # الرابع أن تكون مجوسية # الخامس أن تكون وثنية أو زنديقة لا تنسب إلى نبي وكتاب ومنهن المعتقدات ~~لمذهب الإباحة فلا يحل نكاحهن وكذلك كل معتقدة مذهبا فاسدا يحكم بكفر ~~معتقده # السادس أن تكون كتابية قد دانت بدينهم بعد التبديل أو بعد مبعث رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فليست من نسب بني إسرائيل فإذا عدمت كلتا ~~الخصلتين PageV02P036 لم يحل نكاحها وإن عدمت النسب فقط ففيه خلاف # السابع أن تكون رقيقة والناكح حرا قادرا على طول الحرة أو غير خائف من ~~العنت # الثامن أن تكون كلها أو بعضها مملوكا للناكح ملك يمين # التاسع أن تكون قريبة للزوج بأن تكون من أصوله أو فصوله أو فصول أول ~~أصوله أو من أول فصل من كل أصل بعده أصل وأعني بالأصول الأمهات والجدات ~~وبفصوله الأولاد والأحفاد وبفصول أول أصوله الإخوة وأولادهم وبأول فصل من ~~كل أصل بعده أصل العمات والخالات دون أولادهن # العاشر أن تكون محرمة بالرضاع ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب من ~~الأصول والفصول كما سبق ولكن المحرم خمس رضعات وما دون ذلك لا يحرم # الحادي عشر المحرم بالمصاهرة وهو أن يكون الناكح قد نكح ابنتها أو جدتها ~~أو ملك بعقد أو شبهة عقد من قبل أو وطئهن بالشبهة في عقد أو وطيء أمها أو ~~إحدى جداتها بعقد أو شبهة عقد فمجرد العقد على المرأة يحرم أمهاتها ولا ~~يحرم فروعها إلا بالوطء أو يكون قد نكحها أبوه أو ابنه قبل # الثاني عشر أن تكون المنكوحة خامسة أي يكون تحت الناكح أربع سواها إما في ~~نفس النكاح أو في عدة الرجعة فإن كانت في عدة بينونة لم تمنع الخامسة # الثالث عشر أن يكون تحت الناكح أختها أو عمتها أو خالتها فيكون بالنكاح ~~جامعا بينهما وكل شخصين بينهما قرابة لو كان أحدهما ذكرا والآخرة أنثى لم ~~يجز بينهما النكاح فلا يجوز أن يجمع بينهما # الرابع عشر أن يكون هذا الناكح قد طلقها ثلاثا فهي لا تحل له ما لم يطأها ~~زوج غيره في نكاح صحيح # الخامس عشر أن يكون الناكح قد لاعنها فإنها تحرم عليه أبدا بعد اللعان # السادس عشر أن تكون محرمة بحج أو عمرة أو كان الزوج كذلك فلا ينعقد ~~النكاح إلا بعد تمام التحلل # السابع عشر أن تكون ثيبا صغيرة فلا يصح نكاحها إلا بعد البلوغ # الثامن عشر أن تكون يتيمة فلا يصح نكاحها إلا بعد البلوغ # التاسع عشر أن تكون من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن توفي عنها ~~أو دخل بها فإنهن أمهات المؤمنين وذلك لا يوجد في زماننا فهذه هي الموانع ~~المحرمة # أما الخصال المطيبة للعيش التي لا بد من مراعاتها في المرأة ليدوم العقد ~~وتتوفر مقاصده ثمانية الدين والخلق والحسن وخفة المهر والولادة والبكارة ~~والنسب وأن لا تكون قرابة قريبة # الأولى أن تكون صالحة ذات دين فهذا هو الأصل وبه ينبغي أن يقع الاعتناء ~~فإنها إن كانت ضعيفة الدين في صيانة نفسها وفرجها أزرت بزوجها وسودت بين ~~الناس وجهه وشوشت بالغيرة قلبه وتتغص بذلك عيشه فإن سلك سبيل الحمية ~~والغيرة لم يزل في بلاء ومحنة وإن سلك سبيل التساهل كان متهاونا بدينه ~~وعرضه ومنسوبا إلى قلة الحمية والأنفة وإذا كانت مع الفساد جميلة كان ~~بلاؤها أشد إذ يشق على الزوج مفارقتها فلا يصبر عنها ولا يصبر عليها ويكون ~~كالذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إن لي امرأة ~~لا ترد يد لامس # قال طلقها فقال إني أحبها # قال أمسكها + حديث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن لي ~~امرأة لا ترد يد لامس قال طلقها الحديث رواه أبو داود والنسائي من حديث ابن ~~عباس قال النسائي ليس بثابت والمرسل أولى بالصواب وقال أحمد حديث منكر ~~وذكره ابن الجوزي في الموضوعات + # وإنما أمره بإمساكها خوفا عليه بأنه إذا طلقها أتبعها نفسه وفسد هو أيضا ~~معها فرأى ما في دوام نكاحه من دفع الفساد عنه من ضيق قلبه أولى وإن كانت ~~فاسدة الدين باستهلاك ماله أو بوجه آخر لم يزل العيش مشوشا معه # فإن سكت ولم ينكره كان شريكا في المعصية مخالفا لقوله تعالى قوا أنفسكم ~~وأهليكم نارا وإن أنكر وخاصم تنغص العمر ولهذا بالغ رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم في التحريض على ذات الدين فقال تنكح المرأة لمالها وجمالها ~~وحسبها PageV02P037 ودينها فعليك بذات الدين تربت يداك + حديث تنكح المرأة ~~لمالها وجمالها وحسبها ودينها فعليك بذات الدين متفق عليه من حديث أبي ~~هريرة + # وفي حديث آخر من نكح المرأة لمالها وجمالها حرم جمالها ومالها ومن نكحها ~~لدينها رزقه الله مالها وجمالها + حديث من نكح المرأة لمالها وجمالها حرم ~~مالها وجم الها الحديث رواه الطبراني في الأوسط من حديث أنس من تزوج امرأة ~~لعزها لم يزده الله إلا ذلا ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقرا ومن ~~تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن ~~يغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله له فيها وبارك لها فيه ورواه ~~ابن حبان في الضعفاء + وقال صلى الله عليه وسلم لا تنكح المرأة لجمالها ~~فلعل جمالها يرديها ولا لمالها فلعل مالها يطغيها وانكح المرأة لدينها 3 ~~حديث لا تنكح المرأة لجمالها فلعل جمالها يرديهاأخرجه ابن ماجة من حديث ~~عبدالله بن عمرو بسند ضعيف # وإنما بالغ في الحث على الدين لأن مثل هذه المرأة تكون عونا على الدين ~~فأما إذا لم تكن متدينة كانت شاغلة عن الدين ومشوشة له # الثانية حسن الخلق وذلك أصل مهم في طلب الفراغة والاستعانة على الدين ~~فإنها إذا كانت سليطة بذية اللسان سيئة الخلق كافرة للنعم كان الضرر منها ~~أكثر من النفع والصبر على لسان النساء مما يمتحن به الأولياء # قال بعض العرب # لا تنكحوا من النساء ستة لا أنانة ولا منانة ولا حنانة ولا تنكحوا حداقة ~~ولا براقة ولا شداقة # أما الأنانة فهي التي تكثر الأنين والتشكي وتعصب رأسها كل ساعة فنكاح ~~الممراضة أو نكاح المتمارضة لا خير فيه والمنانة التي تمن على زوجها فتقول ~~فعلت لأجلك كذا وكذا والحنانة التي تحن إلى زوج آخر أو ولدها من زوج آخر ~~وهذا أيضا مما يجب اجتنابه والحداقة التي ترمي إلى كل شيء بحدقتها فتشتهيه ~~وتكلف الزوج شراءه والبراقة تحتمل معنيين # أحدهما أن تكون طول النهار في تصقيل وجهها وتزيينه ليكون لوجهها بريق ~~محصل بالصنع # والثاني أن تغضب على الطعام فلا تأكل إلا وحدها وتستقل نصيبها من كل شيء ~~وهذه لغة يمانية يقولون برقت المرأة وبرق الصبي الطعام إذا غضب عنده ~~والشداقة المتشدقة الكثيرة الكلام ومنه قوله صلى الله عليه وسلم إن الله ~~تعالى يبغض الثرثارين المتشدقين + حديث إن الله يبغض الثرثارين المتشدقين ~~رواه الترمذي وحسنه من حديث جابر وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة ~~الثرثارون والمتفيهقون ولأبي داود والترمذي وحسنه من حديث عبد الله بن عمرو ~~إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخال بلسانه تخلل الباقرة بلسانها + # وحكي أن السائح الأزدي لقي إلياس عليه السلام في سياحته فأمره بالتزوج ~~ونهاه عن التبتل ثم قال لا تنكح أربعا المختلعة والمبارية والعاهرة والناشز ~~فأما المختلعة فهي التي تطلب الخلع كل ساعة من غير سبب والمبارية المباهية ~~بغيرها المفاخرة بأسباب الدنيا والعاهرة الفاسقة التي تعرف بخليل وخدن وهي ~~التي قال الله تعالى @QB@ ولا متخذات أخدان @QE@ والناشز التي تعلو على ~~زوجها بالفعال والمقال # والنشز العالي من الأرض وكان علي رضي الله عنه يقول شر خصال الرجال خير ~~خصال النساء # البخل والزهو والجبن فإن المرأة إذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال زوجها ~~وإذا كانت مزهوة استنكفت أن تكلم كل أحد بكلام لين مريب وإذا كانت جبانة ~~فرقت من كل شيء فلم تخرج من بيتها واتقت مواضع التهمة خيفة من زوجها فهذه ~~الحكايات ترشد إلى مجامع الأخلاق المطلوبة في النكاح # الثالثة حسن الوجه فذلك أيضا مطلوب إذ به يحصل التحصن والطبع لا يكتفي ~~بالدميمة غالبا كيف والغالب أن حسن الخلق والخلق لا يفترقان # وما نقلناه من الحث على الدين وان المرأة لا تنكح لجمالها ليس زاجر عن ~~رعاية الجمال بل هو زجر عن النكاح لأجل الجمال المحض مع الفساد في الدين ~~فإن الجمال وحده في غالب الأمر يرغب في النكاح ويهون أمر الدين ويدل على ~~الالتفات إلى معنى الجمال أن الألفة والمودة تحصل به غالبا وقد ندب الشرع ~~إلى مراعاة أسباب الألفة ولذلك استحب النظر فقال إذا أوقع الله في نفس ~~PageV02P038 أحدكم من امرأة فلينظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينهما + حديث ~~إذا أوقع الله في نفس أحدكم من امرأة فلينظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم ~~بينهما أخرجه ابن ماجة بسند ضعيف من حديث أحمد بن مسلمة دون قوله فإنه أحرى ~~وللترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة من حديث المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة ~~فقال النبي صلى الله عليه وسلم انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما + # أي يؤلف بينهما من وقوع الأدمة على الأدمة وهي الجلدة الباطنة # والبشرة الجلدة الظاهرة وإنما ذكر ذلك للمبالغة في الائتلاف # وقال صلى الله عليه وسلم إن في أعين الأنصار شيئا فإذا أراد أحدكم أن ~~يتزوج منهن فلينظر إليهن + حديث إن في أعين الأنصار شيئا فإذا أراد أحدكم ~~أن يتزوج منهن فلينظر إليهن رواه مسلم من حديث أبي هريرة نحوه + # قيل كان في أعينهن عمش # وقيل صغر وكان بعض الورعين لا ينكحون كرائمهم إلا بعد النظر احترازا من ~~الغرور # قال الأعمش # كل تزويج يقع على غير نظر فآخره هم وغم # ومعلوم أن النظر لا يعرف الخلق والدين والمال وإنما يعرف الجمال من القبح # وروي أن رجلا تزوج على عهد عمر رضي الله عنه وكان قد خضب فنصل خضابه ~~فاستعدى عليه أهل المرأة إلى عمر وقالوا حسبناه شابا فأوجعه عمر ضربا وقال ~~غررت القوم وروي أن بلالا وصهيبا أتيا أهل بيت من العرب فخطبا إليهم فقيل ~~لهما من أنتما فقال بلال أنا بلال وهذا أخي صهيب كنا ضالين فهدانا الله ~~وكنا مملوكين فأعتقنا الله وكنا عائلين فأغنانا الله فإن تزوجونا فالحمد ~~لله وإن تردونا فسبحان الله فقالوا بل تزوجان والحمد لله # فقال صهيب لو ذكرت مشاهدنا وسوابقنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فقال اسكت فقد صدقت فأنكحك الصدق # والغرور يقع في الجمال والخلق جميعا فيستحب إزالة الغرور في الجمال ~~بالنظر وفي الخلق بالوصف والاستيصاف فينبغي أن يقدم ذلك على النكاح ولا ~~يستوصف في أخلاقها وجمالها إلا من هو بصير صادق خبير بالظاهر والباطن ولا ~~يميل إليها فيفرط في الثناء ولا يحسدها فيقصر فالطباع مائلة في مبادي ~~النكاح ووصف المنكوحات إلى الإفراط والتفريط وقل من يصدق فيه ويقتصد بل ~~الخداع والإغراء أغلب والاحتياط فيه مهم لمن يخشى على نفسه التشوف إلى غير ~~زوجته # فأما من أراد من الزوجة مجرد السنة أو الولد أو تدبير المنزل فلو رغب عن ~~الجمال فهو إلى الزهد أقرب لأنه على الجملة باب من الدنيا وإن كان قد يعين ~~على الدين في حق بعض الأشخاص # قال أبو سليمان الداراني الزهد في كل شيء حتى في المرأة يتزوج الرجل ~~العجوز إيثارا للزهد في الدنيا # وقد كان مالك بن دينار رحمه الله يقول # يترك أحدكم أن يتزوج يتيمة فيؤجر فيها إن أطعمها وكساها تكون خفيفة ~~المؤنة ترضى باليسير ويتزوج بنت فلان وفلان يعني أبناء الدنيا فتشتهي عليه ~~الشهوات وتقول اكسني كذا وكذا واختار أحمد بن حنبل عوراء على أختها وكانت ~~أختها جميلة فسأل من أعقلهما فقيل العوراء فقال زوجوني إياها فهذا دأب من ~~لم يقصد التمتع فأما من لا يأمن على دينه ما لم يكن له مستمتع فليطلب ~~الجمال فالتلذذ بالمباح حصن للدين # وقد قيل إذا كانت المرأة حسناء خيرة الأخلاق سوداء الحدقة والشعر كبيرة ~~العين شديدة بيضاء اللون محبة لزوجها قاصرة الطرف عليه فهي على صورة الحور ~~العين فإن الله تعالى وصف نساء أهل الجنة بهذه الصفة في قوله @QB@ خيرات ~~حسان @QE@ أراد بالخيرات حسنات الأخلاق وفي قوله @QB@ قاصرات الطرف @QE@ ~~وفي قوله @QB@ عربا أترابا @QE@ العروب هي العاشقة لزوجها المشتهية للوقاع ~~وبه تتم اللذة والحور البياض والحوراء شديدة بياض العين شديدة سوادها في ~~سواد الشعر والعيناء الواسعة العين # وقال صلى الله عليه وسلم خير نسائكم من إذا نظر إليها زوجها سرته وإذا ~~أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله + حديث خير نسائكم التي ~~إذا نظر إليها زوجها سرته وإن أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته في نفسها ~~وماله أخرج النسائي من حديث أبي هريرة نحوه بسند صحيح وقال ولا تخالفه في ~~نفسها ولا مالها وعند أحمد في نفسها وماله ولأبي داود نحوه من حديث ابن ~~عباس بسند صحيح + # وإنما يسر بالنظر إليها إذا كانت محبة للزوج # الرابعة أن تكون خفيفة المهر PageV02P039 # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير النساء أحسنهن وجوها وأرخصهن مهورا ~~+ حديث خير النساء أحسنهن وجوها وأرخصهن مهورا أخرجه ابن حبان من حديث ابن ~~عباس خيرهن أيسرهن صداقا وله من حديث عائشة من يمن المرأة تسهيل أمرها وقلة ~~صداقها وروى أبو عمر التوقاني في كتاب معاشرة الأهلين إن أعظم النساء بركة ~~أصبحهن وجوها وأقلهن مهرا وصححه + # وقد نهي عن المغالاة في المهر + حديث النهي عن المغالاة في المهر رواه ~~أصحاب السنن الأربعة موقوفا على عمر وصححه الترمذي + # تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه على عشرة دراهم وأثاث بيت ~~وكان رحى يد وجرة ووسادة من أدم حشوها ليف + حديث تزوج رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم بعض نسائه على عشرة دراهم وأثاث بيت وكان رحى يد وجرة ووسادة من ~~أدم حشوها ليف رواه أبو داود الطيالسي والبزار من حديث أنس تزوج رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم أم سلمة على متاع بيت قيمته عشرة دراهم قال البزار ~~ورأيته في موضع آخر تزوجها على متاع بيت ورحى قيمته أربعون درهما ورواه ~~الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد وكلاهما ضعيف ولأحمد من حديث علي لما ~~زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف ورحيين وسقاء وجرتين ~~ورواه الحاكم وصحح إسناده وابن حبان مختصرا + # وعلى وأولم على بعض نسائه بمدين من شعير + حديث أولم على بعض نسائه بمدين ~~من شعير أخرجه البخاري من حديث عائشة + # وعلى أخرى بمدين من تمر ومدين من سويق + حديث وأولم على أخرى بمدي تمر ~~ومدي سويق رواه الأربعة من حديث أنس أولم على صفية بسويق وتمر ولمسلم فجعل ~~الرجل يجيء بفضل التمر وفضل السويق وفي الصحيحين التمر والأقط والسمن وليس ~~في شيء من الأصول تقييد التمر والسويق بمدين + # وكان عمر رضي الله عنه ينهى عن المغالاة في الصداق ويقول ما تزوج رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم ولا زوج بناته بأكثر من أربعمائة درهم + حديث كان ~~عمر ينهى عن المغالاة ويقول ما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زوج ~~بناته بأكثر من أربعمائة درهم رواه الأربعة من حديث عمر قال الترمذي حسن ~~صحيح + # ولو كانت المغالاة بمهور النساء مكرمة لسبق إليها رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وقد تزوج بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على نواة من ~~ذهب قيمتها خمسة دراهم + حديث تزوج بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على ~~وزن نواة من ذهب يقال قيمتها خمسة دراهم متفق عليه من حديث أنس أن عبد ~~الرحمن بن عوف تزوج على ذلك وتقويمها بخمسة دراهم رواه البيهقي + # وزوج سعيد بن المسيب ابنته من أبي هريرة رضي الله عنه على درهمين ثم ~~حملها هو إليه ليلا فأدخلها هو من الباب ثم انصرف ثم جاءها بعد سبعة أيام ~~فسلم عليها ولو تزوج على عشرة دراهم للخروج من خلاف العلماء فلا بأس به # وفي الخبر من بركة المرأة سرعة تزويجها وسرعة رحمها أي الولادة ويسر ~~مهرها + حديث من بركة المرأة سرعة تزويجها وسرعة رحمها أي الولادة وتيسير ~~مهرها رواه أحمد والبيهقي من حديث عائشة من يمن المرأة أن تتيسر خطبتها وأن ~~يتيسر صداقها وان يتيسر رحمها قال عروة يعني الولادة وإسناده جيد + # وقال أيضا أبركهن أقلهن مهرا + حديث أبركهن أقلهن مهرا رواه أبو عمر ~~التوقاني في معاشرة الأهلين من حديث عائشة إن أعظم النساء بركة أصبحهن ~~وجوها وأقلهن مهرا وقد تقدم ولأحمد والبيهقي إن أعظم النساء بركة أيسرهن ~~صداقا وإسناده جيد + # وكما تكره المغالاة في المهر من جهة المرأة فيكره السؤال عن مالها من جهة ~~الرجل # ولا ينبغي أن ينكح طمعا في المال # قال النوري إذا تزوج وقال أي شيء للمرأة فاعلم أنه لص وإذا أهدى إليهم ~~فلا ينبغي أن يهدى ليضطرهم إلى المقابلة بأكثر منه وكذلك إذا أهدوا إليه ~~فنية طلب الزيادة نية فاسدة فأما التهادي فمستحب وهو سبب المودة # قال صلى الله عليه وسلم تهادوا تحابوا + حديث تهادوا تحابوا أخرجه ~~البخاري في كتاب الأدب المفرد والبيهقي من حديث أبي هريرة بسند جيد + # وأما طلب الزيادة فداخل في قوله تعالى ولا تمنن تستكثر أي تعطي لتطلب ~~أكثر وتحت قوله تعالى وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فإن الربا هو ~~الزيادة وهذا طلب زيادة على الجملة وإن لم يكن في الأموال الربوية فكل ذلك ~~مكروه وبدعة في النكاح يشبه التجارة والقمار ويفسد مقاصد النكاح # الخامسة أن تكون المرأة ولودا فإن عرفت بالعقر فليمتنع عن تزوجها # قال صلى الله عليه وسلم عليكم PageV02P040 # بالولود الودود + حديث عليكم بالودود الولود أخرجه أبو داود والنسائي من ~~حديث معقل بن يسار تزوجوا الودود الولود وإسناده صحيح + # فإن لم يكن لها زوج و لم يعرف حالها فيراعى صحتها وشبابها فإنها تكون ~~ولودا في الغالب مع هذين الوصفين # السادسة أن تكون بكرا قال صلى الله عليه وسلم لجابر وقد نكح ثيبا هلا ~~بكرا تلاعبها وتلاعبك + حديث قال لجابر وقد نكح ثيبا هلا بكرا تلاعبها ~~وتلاعبك متفق عليه من حديث جابر + # في البكارة ثلاث فوائد # إحداها أن تحب الزوج وتألفه فيؤثر في معنى الود وقد قال صلى الله عليه ~~وسلم عليكم بالودود والطباع مجبولة على الأنس بأول مألوف # وأما التي اختبرت الرجال ومارست الأحوال فربما لا ترضى بعض الأوصاف التي ~~تخالف ما ألفته فتقلى الزوج # الثانية أن ذلك أكمل في مودته لها فإن الطبع ينفر عن التي مسها غير الزوج ~~نفرة ما وذلك يثقل على الطبع مهما يذكر وبعض الطباع في هذا أشد نفورا # الثالثة أنها لا تحن إلى الزوج الأول وآكد الحب ما يقع مع الحبيب الأول ~~غالبا # السابعة أن تكون نسيبة أعني أن تكون من أهل بيت الدين والصلاح فإنها ~~ستربي بناتها وبنيها فإذا لم تكن مؤدبة لم تحسن التأديب والتربية ولذلك قال ~~صلى الله عليه وسلم إياكم وخضراء الدمن فقيل ما خضراء الدمن قال المرأة ~~الحسناء في المنبت السوء + حديث إياكم وخضراء الدمن فقيل وما خضراء الدمن ~~قال المرأة الحسناء في المنبت السوء رواه الدارقطني في الأفراد والرامهرمزي ~~في الأمثال من حديث أبي سعيد الخدري قال الدارقطني تفرد به الواقدي وهو ~~ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم تخيروا لنطفكم فإن العرق نزاع + حديث تخيروا ~~لنطفكم فإن العرق دساس رواه ابن ماجه من حديث عائشة مختصرا دون قوله فإن ~~العرق وروى أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس تزوجوا في الحجر ~~الصالح فإن العرق دساس وروى أبو موسى المديني في كتاب تضييع العمر والأيام ~~من حديث ابن عمر وانظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس وكلاهما ضعيف + # الثامنة أن لا تكون من القرابة القريبة فإن ذلك يقلل الشهوة قال صلى الله ~~عليه وسلم لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويا + حديث لا ~~تنكحوا القرابة فإن الولد يخلق ضاويا قال ابن الصلاح لم أجد له أصلا معتمدا ~~قلت إنما يعرف من قول عمر أنه قال لآل السائب قد أضويتم فانكحوا في النوابغ ~~رواه إبراهيم الحربي في غريب الحديث وقال معناه تزوجوا الغرائب قال ويقال ~~اغربوا لا تضووا + # أي نحيفا وذلك لتأثيره في تضعيف الشهوة فإن الشهوة إنما تنبعث بقوة ~~الإحساس بالنظر واللمس وإنما يقوى الإحساس بالأمر الغريب الجديد فأما ~~المعهود الذي دام النظر إليه مدة فإنه يضعف الحس عن تمام إدراكه والتأثر به ~~ولا تنبعث به الشهوة فهذه هي الخصال المرغبة في النساء ويجب على الولي أيضا ~~أن يراعي خصال الزوج ولينظر لكريمته فلا يزوجها ممن ساء خلقه أو خلقه أو ~~ضعف دينه أو قصر عن القيام بحقها أو كان لا يكافئها في نسبها قال صلى الله ~~عليه وسلم النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته + حديث النكاح رق فلينظر ~~أحدكم أين يضع كريمته رواه أبو عمر التوقاني في معاشرة الأهلين موقوفا على ~~عائشة وأسماء ابنتي أبي بكر قال البيهقي وروى ذلك مرفوعا والموقوف أصح + # والاحتياط في حقها أهم لأنها رقيقة بالنكاح لا مخلص لها والزوج قادر على ~~الطلاق بكل حال ومهما زوج ابنته ظالما أو فاسقا أو مبتدعا أو شارب خمر فقد ~~جنى على دينه وتعرض لسخط الله لما قطع من حق الرحم وسوء الاختيار # وقال رجل للحسن قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوجها قال ممن يتقي الله فإن ~~أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها # وقال صلى الله عليه وسلم من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها + حديث من ~~زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها رواه ابن حبان في الضعفاء من حديث أنس ~~ورواه في الثقات من قول الشعبي بإسناد صحيح + PageV02P041 # | الباب الثالث في آداب المعاشرة وما يجري في دوام النكاح # والنظر فيما على الزوج وفيما على الزوجة # أما الزوج فعليه مراعاة الاعتدال والأدب في اثني عشر أمرا في الوليمة ~~والمعاشرة والدعابة والسياسة والغيرة والنفقة والتعليم والقسم والتأديب في ~~النشوز والوقاع والولادة والمفارقة بالطلاق # الأدب الأول الوليمة وهي مستحبة قال أنس رضي الله عنه رأى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أثر صفرة فقال @QB@ ما ~~هذا @QE@ فقال تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب # فقال بارك الله لك أولم ولو بشاة + حديث أنس رأى رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم على عبد الرحمن بن عوف أثر الصفرة فقال @QB@ ما هذا @QE@ قال تزوجت ~~امرأة على وزن نواة من ذهب فقال بارك الله لك أولم ولو بشاة متفق عليه + # وأولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية بتمر وسويق + حديث أولم على ~~صفية بسويق وتمر رواه الأربعة من حديث أنس ولمسلم نحوه وقد تقدم + # وقال صلى الله عليه وسلم طعام أول يوم حق وطعام الثاني سنة وطعام الثالث ~~سمعة ومن سمع سمع الله به + حديث طعام أول يوم حق وطعام الثاني سنة وطعام ~~الثالث سمعة ومن سمع سمع الله به قال المصنف لم يرفعه إلا زياد بن عبد الله ~~قلت هكذا قال الترمذي بعد أن أخرجه من حديث ابن مسعود وضعفه + # ولم يرفعه إلا زياد بن عبد الله وهو غريب # وتستحب تهنئته فيقول من دخل على الزوج بارك الله لك وبارك عليك وجمع ~~بينكما في خير + حديث أبي هريرة في تهنئة الزوج بارك الله لك وبارك عليك ~~وجمع بينكما في خير رواه أبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة وتقدم في ~~الدعوات + # وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك ويستحب ~~إظهار النكاح # قال صلى الله عليه وسلم فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت + حديث ~~فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت رواه الترمذي وحسنه وابن ماجة من ~~حديث محمد بن حاطب + # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد ~~واضربوا عليه بالدفوف + حديث أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا ~~عليه بالدف رواه الترمذي من حديث عائشة وحسنه وضعفه البيهقي + # وعن الربيع بنت معوذ قالت جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل غداة ~~بنى بي فجلس على فراشي وجويريات لنا يضربن بدفهن ويندبن من قتل من آبائي ~~إلى أن قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال لها اسكتي عن هذه وقولي ~~الذي كنت تقولين قبلها + حديث الربيع بنت معوذ جاء رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فدخل على غداة بنى بي فجلس على فراشي وجويريات لنا يضربن بدفوفهن ~~الحديث رواه البخاري وقال يوم بدر وقع في بعض نسخ الإحياء يوم بعاث وهو وهم ~~+ # الأدب الثاني حسن الخلق معهن واحتمال الأذى منهن ترحما عليهن لقصور عقلهن # وقال الله تعالى وعاشروهن بالمعروف وقال في تعظيم حقهن وأخذن منكم ميثاقا ~~غليظا @QB@ وقال @QE@ والصاحب بالجنب قيل هي المرأة وآخر ما وصى به رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم ثلاث كان يتكلم بهم حتى تلجلج لسانه وخفي كلامه ~~جعل يقول الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون # الله الله فإنهن عوان في أيديكم يعني أسراء أخذتموهن بأمانة الله ~~واستحللتم فروجهن بكلمة الله + حديث آخر ما أوصى به رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ثلاث كان يتكلم بهن حتى تلجلج لسانه وخفي كلامه جعل يقول الصلاة ~~وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون الله الله في النساء فإنهن عوان ~~عندكمالحديث أخرجه النسائي في الكبرى وابن ماجة من حديث أم سلمة أن النبي ~~صلى الله عليه وسلم وهو في الموت جعل يقول الصلاة وما ملكت أيمانكم فما زال ~~يقولها وما يقبض بها لسانه واما الوصية بالنساء فالمعروف أن ذلك كان في حجة ~~الوداع رواه مسلم من حديث جابر الطويل وفيه فاتقوا الله في النساء فإنكم ~~أخذتموهن بأمانة الله الحديث + # وقال صلى الله عليه وسلم من صبر على سوء خلق امرأته PageV02P042 أعطاه ~~الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب على بلائه ومن صبرت على سوء خلق زوجها ~~أعطاها الله مثل ثواب آسية امرأة فرعون + حديث من صبر على سوء خلق امرأته ~~أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب على بلائه الحديث لم أقف له على أصل # وأعلم انه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها والحلم ~~عند طيشها وغضبها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت أزواجه ~~تراجعنه الكلام وتهجره الواحدة منهن يوما إلى الليل + حديث كان أزواجه صلى ~~الله عليه وسلم يراجعنه الحديث وتهجره الواحدة منهن يوما إلى الليل متفق ~~عليه من حديث عمر في الحديث الطويل في قوله تعالى فان تظاهرا عليه # وراجعت امرأة عمر رضي الله عنه عمر في الكلام فقال أتراجعيني يالكعاء ~~فقالت أن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجعنه وهو خير منك + حديث ~~وراجعت امرأة عمر عمر في الكلام فقال أتراجعيني يالكعاء قالت أن أزواج رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يراجعنه وهو خير منك الحديث هو الحديث الذي قبله ~~وليس فيه قوله بالكعاء ولا قولها هو خير منك # فقال عمر خابت حفصة وخسرت إن راجعته ثم قال لحفصة # لا تغتري بابنة ابن أبي قحافة فإنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وخوفها من المراجعة # وروي انه دفعت إحداهن في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم فزبرتها أمها ~~فقال صلى الله عليه وسلم دعيها فإنهن يصنعن اكثر من ذلك + حديث دفعت إحداهن ~~في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم فزبرتها أمها فقال صلى الله عليه وسلم ~~دعيها فنهن يصنعن اكثر من ذلك لم اقف له على أصل + # وجرى بينه وبين عائشة كلام حتى أدخلا بينهما أبا بكر رضي الله عنه حكما ~~واستشهده فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمين أو أتكلم فقالت بل ~~تكلم أنت ولا تقل إلا حقا فلطمها أبو بكر حتى دمى فوها وقال يا عدية نفسها ~~أو يقول غير الحق فاستجارت برسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدت خلف ظهره ~~فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لم ندعك لهذا ولا أردنا منك هذا + حديث ~~جرى بينه وبين عائشة كلام حتى أدخل بينهما أبا بكر حكماالحديث أخرجه ~~الطبراني في الأوسط والخطيب في التاريخ من حديث عائشة بسند ضعيف + # وقالت له مرة في كلام غضبت عنده أنت الذي تزعم أنك نبي الله فتبسم رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم واحتمل ذلك حلما وكرما + حديث قالت له عائشة مرة ~~غضبت عنده وأنت الذي تزعم أنك نبي فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~أخرجه أبو يعلى في مسنده وأبو الشيخ في كتاب الأمثال من حديث عائشة وفيه ~~ابن إسحاق وقد عنعنه + # وكان يقول لها إني لأعرف غضبك من رضاك قالت وكيف تعرفه قال إذا رضيت قلت ~~لا وإله محمد وإذا غضبت قلت لا وإله إبراهيم قالت صدقت إنما أهجر اسمك + ~~حديث كان يقول لعائشة إني لأعرف غضبك من رضاك الحديث متفق عليه سن حديثها + # ويقال إن أول حب وقع في الإسلام حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي ~~الله عنها + حديث أول حب وقع في الإسلام حب النبي صلى الله عليه وسلم عائشة ~~رواه الشيخان من حديث عمرو بن العاص أنه قال أي الناس أحب إليك يا رسول ~~الله قال عائشة الحديث وأما كونه أول فرواه ابن الجوزي في الموضوعات من ~~حديث أنس ولعله أراد بالمدينة كما في الحديث الآخر أن ابن الزبير أول مولود ~~ولد في الإسلام يريد بالمدينة وإلا فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة ~~أمر معروف تشهد له الأحاديث الصحيحة + # وكان يقول لها كنت لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك + حديث كان يقول ~~لعائشة كنت لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك متفق عليه من حديث عائشة ~~دون الاستثناء ورواه بهذه الزيادة الزبير بن بكار والخطيب + # وكان يقول لنسائه لا تؤذوني في عائشة فإنه والله ما نزل على الوحي وأنا ~~في لحاف امرأة منكن غيرها + حديث لا تؤذوني في عائشة فإنه والله ما أنزل ~~علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها رواه البخاري من حديث عائشة + # وقال أنس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس ~~بالنساء والصبيان + حديث أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس ~~بالنساء والصبيان رواه مسلم بلفظ ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم زاد علي بن عبد العزيز والبغوي والصبيان + ~~PageV02P043 # الثالث أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزح والملاعبة فهي التي ~~تطيب قلوب النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهن وينزل ~~إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق حتى روي أنه صلى الله عليه وسلم كان ~~يسابق عائشة في العدو فسبقته يوما وسبقها في بعض الأيام فقال صلى الله عليه ~~وسلم هذه بتلك + حديث مسابقته صلى الله عليه وسلم لعائشة فسبقته ثم سبقها ~~وقال هذه بتلك رواه أبو داود والنسائي في الكبرى وابن ماجه من حديث عائشة ~~بسند صحيح + # وفي الخبر أنه كان صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس مع نسائه + حديث كان ~~من أفكه الناس مع نسائه رواه الحسن بن سفيان في مسنده من حديث أنس دون قوله ~~مع نسائه ورواه البزار والطبراني في الصغير والأوسط فقالا مع صبي وفي ~~إسناده ابن لهيعة + # وقالت عائشة رضي الله عنها سمعت أصوات أناس من الحبشة وغيرهم وهم يلعبون ~~في يوم عاشوراء فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحبين أن تري لعبهم ~~قالت قلت نعم فأرسل إليهم فجاؤا وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ~~البابين فوضع كفه على الباب ومد يده ووضعت ذقني على يده وجعلوا يلعبون ~~وأنظر وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول @QB@ حسبك @QE@ وأقول اسكت ~~مرتين أو ثلاثا ثم قال يا عائشة حسبك فقلت نعم فأشار إليهم فانصرفوا + حديث ~~عائشة سمعت أصوات أناس من الحبشة وغيرهم وهم يلعبون يوم عاشوراء فقال لي ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحبين أن تري لعبهم الحديث متفق عليه مع ~~اختلاف دون ذكر يوم عاشوراء وإنما قال يوم عيد ودون قولها اسكت وفي رواية ~~للنسائي في الكبرى قلت لا تعجل مرتين وفيه فقال يا حميراء وسنده صحيح + # فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ~~وألطفهم بأهله + حديث أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله رواه ~~الترمذي والنسائي واللفظ له والحاكم وقال رواته ثقات على شرط الشيخين + # وقال صلى الله عليه وسلم خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي + حديث ~~خياركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي أخرجه الترمذي وصححه من حديث أبي ~~هريرة دون قوله وأنا خيركم لنسائي وله من حديث عائشة وصححه خيركم خيركم ~~لأهله وأنا خيركم لأهلي + # وقال عمر رضي الله عنه مع خشونته ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي ~~فإذا التمسوا ما عنده وجد رجلا # وقال لقمان رحمه الله ينبغي للعاقل أن يكون في أهله كالصبي وإذا كان في ~~القوم وجد رجلا # وفي تفسير الخبر المروي إن الله يبغض الجعظري الجواظ + حديث إن الله يبغض ~~الجعظري الجواظ رواه أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق من حديث أبي هريرة ~~بسند ضعيف وهو في الصحيحين من حديث جارية بن وهب الخزاعي بلفظ ألا أخبركم ~~بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر ولأبي داود لا يدخل الجنة الجواظ ولا ~~الجعظري + # قيل هو الشديد على أهله المتكبر في نفسه وهو أحد ما قيل في معنى قوله ~~تعالى عتل قيل العتل هو اللفظ اللسان الغليظ القلب على أهله # وقال صلى الله عليه وسلم لجابر هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك + حديث قال ~~لجابر هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك متفق عليه من حديثه وقد تقدم + # ووصفت أعرابية زوجها وقد مات فقالت والله لقد كان ضحوكا إذا ولج سكيتا ~~إذا خرج آكلا ما وجد # غير مسائل عما فقد # الرابع أن لا يتبسط في الدعابة وحسن الخلق والموافقة باتباع هواها إلى حد ~~يفسد خلقها ويسقط بالكلية هيبته عندها بل يراعي الاعتدال فيه فلا يدع ~~الهيبة والانقباض مهما رأى منكرا ولا يفتح باب المساعدة على المنكرات ألبتة ~~بل مهما رأى ما يخالف الشرع والمروءة تنمر وامتعض # قال الحسن والله ما أصبح رجل يطيع امرأته فيما تهوى إلا كبه الله في ~~النار # وقال عمر رضي الله عنه خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة # وقد قيل شاوروهن وخالفوهن # وقد قال صلى الله عليه وسلم تعس عبد الزوجة + حديث تعس عبد الزوجة لم أقف ~~له على أصل والمعروف تعس عبد الدينار وعبد الدرهمالحديث رواه البخاري من ~~حديث أبي هريرة + # وإنما قال ذلك لأنه إذا أطاعها في هواها فهو عبدها PageV02P044 وقد تعس ~~فإن الله ملكه المرأة فملكها نفسه فقد عكس الأمر وقلب القضية وأطاع الشيطان ~~لما قال ولآمرنهم فليغيرن خلق الله إذ حق الرجل أن يكون متبوعا لا تابعا ~~وقد سمى الله الرجال قوامين على النساء وسمى الزوج سيدا فقال تعالى وألفيا ~~سيدها لدى الباب فإذا انقلب السيد مسخرا فقد بدل نعمة الله كفرا ونفس ~~المرأة على مثال نفسك إن أرسلت عنانها قليلا جمحت بك طويلا وإن أرخيت ~~عذارها فترا جذبتك ذراعا وإن كبحتها وشددت يدك عليها في محل الشدة ملكتها # قال الشافعي رضي الله عنه ثلاثة إن أكرمتهم أهانوك وإن أهنتهم أكرموك ~~المرأة والخادم والنبطي أراد به إن محضت الإكرام ولم تمزج غلظك بلينك ~~وفظاظتك برفقك # وكانت نساء العرب يعلمن بناتهن اختبار الأزواج وكانت المرأة تقول لابنتها ~~اختبري زوجك قبل الإقدام والجراءة عليه انزعي زج رمحه فإن سكت فقطعي اللحم ~~على ترسه فإن سكت فكسري العظام بسيفه فإن سكت فاجعلي الإكاف على ظهره ~~وامتطيه فإنما هو حمارك # وعلى الجملة فبالعدل قامت السموات والأرض فكل ما جاوز حده انعكس على ضده ~~فينبغي أن تسلك سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة وتتبع الحق في جميع ~~ذلك لتسلم من شرهن فإن كيدهن عظيم وشرهن فاش والغالب عليهن سوء الخلق ~~وركاكة العقل ولا يعتدل ذلك منهن إلا بنوع لطف ممزوج بسياسة # وقال صلى الله عليه وسلم مثل المرأة الصالحة في النساء كمثل الغراب ~~الأعصم بين مائة غراب + حديث مثل المرأة الصالحة في النساء كمثل الغراب ~~الأعصم بين مائة غراب رواه الطبراني من حديث أبي أمامة بسند ضعيف ولأحمد من ~~حديث عمرو بن العاص كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران فإذا ~~بغربان كثيرة فيها غراب أعصم أحمر المنقار فقال لا يدخل الجنة من النساء ~~إلا مثل هذا الغراب في هذه الغربان وإسناده صحيح وهو في السنن الكبرى ~~للنسائي + # والاعصم يعني الأبيض البطن # وفي وصية لقمان لابنه يا بني اتق المرأة السوء فإنها تشيبك قبل الشيب ~~واتق شرار النساء فإنهن لا يدعون إلى خير وكن من خيارهن على حذر # وقال صلى الله عليه وسلم استعيذوا من الفواقر الثلاث + حديث استعيذوا من ~~الفواقر الثلاث وعد منهن المرأة السوء فإنها المشيبة قبل الشيب وفي لفظ آخر ~~إن دخلت عليها لسنتك وان غبت عنها خانتك رواه أبو منصور الديلمي في مسند ~~الفردوس من حديث أبي هريرة بسند ضعيف واللفظ الآخر رواه الطبراني من حديث ~~فضالة بن عبيد ثلاث من الفواقر وذكر منها وامرأة إن حضرت آذتك وان غبت عنها ~~خانتك وسنده حسن + # وعد منهن المرأة السوء فإنها المشيبة قبل الشيب # وفي لفظ آخر إن دخلت عليها سبتك وان غبت عنها خانتك وقد قال صلى الله ~~عليه وسلم في خيرات النساء إنكن صواحبات يوسف + حديث إنكن صواحبات يوسف ~~متفق عليه من حديث عائشة + # يعني أن صرفكن أبا بكر عن التقدم في الصلاة ميل منكن عن الحق إلى الهوى # قال الله تعالى حين أفشين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم إن تتوبا إلى ~~الله فقد صغت قلوبكما أي مالت وقال ذلك في خير أزواجه + حديث نزول قوله ~~تعالى أن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما في خير أزواجه متفق عليه من حديث ~~عمر والمرأتان عائشة وحفصة + # وقال صلى الله عليه وسلم لا يفلح قوم تملكهم امرأة + حديث لا يفلح قوم ~~تملكهم امرأة رواه البخاري من حديث أبي بكرة نحوه # وقد زبر عمر رضي الله عنه امرأته لما راجعته وقال ما أنت إلا لعبة في ~~جانب البيت أن كانت لنا إليك حاجة وألا جلست كما أنت فأذن فيهن شر وفيهن ~~ضعف فالسياسة والخشونة علاج الشر والمطايبة والرحمة علاج الضعف فالطبيب ~~الحاذق هو الذي يقدر العلاج بقدر الداء فلينظر الرجل أولاإلى أخلاقها ~~بالتجربة ثم ليعاملها بما يصلحها كما يقتضيه حالها # الخامس الاعتدال في الغيرة وهو أن لا يتغافل عن مبادي الأمور التي تخشى ~~غوائلها ولا يبالغ في إساءة الظن والتعنت وتجسس البواطن فقد نهى رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم أن تتبع عورات النساء + حديث نهى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أن تتبع عورات النساء رواه الطبراني في الأوسط من حديث جابر نهى ~~أن تتطلب عثرات النساء والحديث عند مسلم بلفظ نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا ~~يخونهم أو يطلب عثراتهم واقتصر البخاري منه على ذكر النهي عن الطروق ليلا # وفي لفظ آخر PageV02P045 # أن تبغت النساء # ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره قال قبل دخول المدينة لا ~~تطرقوا النساء ليلا فخالفه رجلان فسبقا فرأى كل واحد في منزله ما يكره + ~~حديث أنه قال قبل دخول المدينة لا تطرقوا أهلكم ليلا فخالفه رجلان فسعيا ~~إلى منازلهما فرأى كل واحد في بيته ما يكره رواه أحمد من حديث ابن عمر بسند ~~جيد + # وفي الخبر المشهور المرأة كالضلع إن قومته كسرته فدعه تستمتع به على عوج ~~+ حديث المرأة كالضلع إن أردت تقيمه كسرتهالحديث متفق عليه من حديث أبي ~~هريرة + # وهذا في تهذيب أخلاقها # وقال صلى الله عليه وسلم إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل وهي غيرة ~~الرجل على أهله من غير ريبة + حديث غيرة يبغضها الله وهي غيرة الرجل على ~~أهله من غير ريبة رواه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث جابر بن عتيك + # لأن ذلك من سوء الظن الذي نهينا عنه فإن بعض الظن إثم # وقال علي رضي الله عنه لا تكثر الغيرة على أهلك فترمي بالسوء من أجلك # وأما الغيرة في محلها فلا بد منها وهي محمودة # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يغار والمؤمن يغار ~~وغيرة الله تعالى أن يأتي الرجل المؤمن ما حرم الله عليه + حديث الله يغار ~~والمؤمن يغار وغيرة الله تعالى أن يأتي الرجل المؤمن ما حرم الله عليه متفق ~~عليه من حديث أبي هريرة ولم يقل البخاري والمؤمن يغار + # وقال صلى الله عليه وسلم أتعجبون من غيرة سعد أنا والله أغير منه والله ~~أغير مني + حديث أتعجبون من غيرة سعد والله لأنا أغير منه والله أغيره ~~منيالحديث متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة + # ولأجل غيرة الله تعالى حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه ~~العذر من الله ولذلك بعث المنذرين والمبشرين ولا أحد أحب إليه المدح من ~~الله ولأجل ذلك وعد الجنة # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ليلة أسري بي في الجنة قصرا ~~وبفنائه جارية فقلت لمن هذا القصر فقيل لعمر فأردت أن أنظر إليها فذكرت ~~غيرتك يا عمر فبكى عمر وقال أعليك أغار يا رسول الله + حديث رأيت ليلة أسري ~~بي في الجنة قصرا وبفنائه جارية فقلت لمن هذا القصر فقيل لعمرالحديث متفق ~~عليه من حديث جابر دون ذكر ليلة أسري بي ولم يذكر الجارية وذكر الجارية في ~~آخر متفق عليه من حديث أبي هريرة بينما أنا نائم رأيتني في الجنة الحديث + # وكان الحسن يقول أتدعون نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق قبح الله من لا ~~يغار وقال عليه الصلاة والسلام إن من الغيرة ما يحبه الله ومنها ما يبغضه ~~الله ومن الخيلاء ما يحبه الله ومنها ما يبغضه الله فأما الغيرة التي يحبها ~~الله فالغيرة في الريبة والغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة ~~والاختيال الذي يحبه الله اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدمة ~~والاختيال الذي يبغضه الله الاختيال في الباطل + حديث إن من الغيرة ما يحبه ~~الله تعالى ومنها ما يبغضه الله تعالى الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ~~حبان من حديث جابر بن عتيك وهو الذي تقدم قبله بأربعة أحاديث + # وقال صلى الله عليه وسلم إني لغيور وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب ~~+ حديث إني لغيور وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب تقدم أوله وأما آخره ~~فرواه أبو عمر التوقاني في كتاب معاشرة الأهلين من رواية عبد الله بن محمد ~~مرسلا والظاهر أنه عبد الله بن الحنفية + # والطريق المغني عن الغيرة أن لا يدخل عليها الرجال وهي لا تخرج إلى ~~الأسواق # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة عليها السلام أي شيء خير ~~للمرأة قالت أن لا ترى رجلا ولا يراها رجل فضمها إليه وقال ذرية بعضها من ~~بعض + حديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة أي شيء خير ~~للمرأة فقالت أن لا ترى رجلاالحديث رواه البزار والدارقطني في الأفراد من ~~حديث علي بسند ضعيف + # فاستحسن قولها # وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسدون الكوى والثقب في الحيطان ~~لئلا تطلع النسوان إلى الرجال # ورأى معاذ امرأته تطلع في الكوة فضربها ورأى امرأته قد دفعت إلى غلامه ~~تفاحة قد أكلت منها فضربها # وقال عمر رضي الله عنه أعروا النساء يلزمن الحجال وإنما قال ذلك لأنهن لا ~~يرغبن في PageV02P046 الخروج في الهيئة الرثة # وقال عودوا نساءكم لا وكان قد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء ~~في حضور المسجد + حديث الإذن للنساء في حضور المساجد متفق عليه من حديث ابن ~~عمر ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد + # والصواب الآن المنع إلا العجائز بل استصوب ذلك في زمان الصحابة حتى قالت ~~عائشة رضي الله عنها لو علم النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدثت النساء بعده ~~لمنعهن من الخروج + حديث قالت عائشة لو علم النبي صلى الله عليه وسلم ما ~~أحدث النساء بعده لمنعهن من الخروج متفق عليه قال البخاري لمنعهن من ~~المساجد + # ولما قال ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتمنعوا إماء الله ~~مساجد الله فقال بعض ولده بلى والله لنمنعهن فضربه وغضب عليه وقال تسمعني ~~أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا فتقول بلى + حديث ابن عمر ~~لا تمنعوا إماء الله مساجد الله فقال بعض ولده بلى والله الحديث متفق عليه ~~+ # وإنما استجرأ على المخالفة لعلمه بتغير الزمان وإنما غضب عليه لإطلاقه ~~اللفظ بالمخالفة ظاهرا من غير إظهار العذر وكذلك كان رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم قد أذن لهن في الأعياد خاصة أن يخرجن + حديث الإذن لهن في الخروج ~~في الأعياد متفق عليه من حديث أم عطية + # ولكن لا يخرجن إلا برضا أزواجهن والخروج الآن مباح للمرأة العفيفة برضا ~~زوجها ولكن القعود أسلم وينبغي أن لا تخرج إلا لمهم فإن الخروج للنظارات ~~والأمور التي ليست مهمة تقدح في المروءة وربما تفضي إلى الفساد فإذا خرجت ~~فينبغي أن تغض بصرها عن الرجال ولسنا نقول إن وجه الرجل في حقها عورة كوجه ~~المرأة في حقه بل هو كوجه الصبي الأمرد في حق الرجل فيحرم النظر عند خوف ~~الفتنة فقط فإن لم تكن فتنة فلا إذ لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي ~~الوجوه والنساء يخرجن منتقبات ولو كان وجوه الرجال عورة في حق النساء ~~لأمروا بالتنقب أو منعن من الخروج إلا لضرورة # السادس الاعتدال في النفقة فلا ينبغي أن يقتر عليهن في الإنفاق ولا ينبغي ~~أن يسرف بل يقتصد # قال تعالى @QB@ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا @QE@ وقال تعالى @QB@ ولا تجعل ~~يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط @QE@ وقد قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم خيركم خيركم لأهله + حديث خيركم خيركم لأهله أخرجه الترمذي من ~~حديث عائشة وصححه وقد تقدم + # وقال صلى الله عليه وسلم دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في ~~رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي ~~أنفقته على أهلك + حديث دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ~~ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الدينار ~~الذي أنفقته على أهلك أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + # وقيل كان لعلي رضي الله عنه أربع نسوة فكان يشتري لكل واحدة في كل أربعة ~~أيام لحما بدرهم وقال الحسن رضي الله عنه كانوا في الرجال مخاصيب والإناث ~~والثياب مجاديب # وقال ابن سيرين يستحب للرجل أن يعمل لأهله في كل جمعة فالوذجة وكأن ~~الحلاوة وإن لم تكن من المهمات ولكن تركها بالكلية تقتير في العادة وينبغي ~~أن يأمرها بالتصدق ببقايا الطعام وما يفسد لو ترك فهذا أقل درجات الخير ~~وللمرأة أن تفعل ذلك بحكم الحال من غير صريح إذن من الزوج ولا ينبغي أن ~~يستأثر عن أهله بمأكول طيب فلا يطعمهم منه فإن ذلك مما يوغر الصدور ويبعد ~~عن المعاشرة بالمعروف فإن كان مزمعا على ذلك فليأكله بخفية بحيث لا يعرف ~~أهله ولا ينبغي أن يصف عندهم طعاما ليس يريد إطعامهم إياه وإذا أكل فيقعد ~~العيال كلهم على مائدته فقد قال سفيان رضي الله عنه بلغنا أن الله وملائكته ~~يصلون على أهل بيت يأكلون جماعة وأهم ما يجب عليه مراعاته في الإنفاق أن ~~يطعمها من الحلال ولا يدخل مداخل السوء لأجلها فإن ذلك جناية عليها لا ~~مراعاة لها وقد أوردنا الأخبار الواردة في ذلك عند ذكر آفات النكاح ~~PageV02P047 # السابع أن يتعلم المتزوج من علم الحيض وأحكامه ما يحترز به الاحتراز ~~الواجب ويعلم زوجته أحكام الصلاة وما يقضى منها في الحيض وما لا يقضى فإنه ~~أمر بأن يقيها النار بقوله تعالى @QB@ قوا أنفسكم وأهليكم نارا @QE@ فعليه ~~أن يلقنها اعتقاد أهل السنة ويزيل عن قلبها كل بدعة إن استمعت إليها ~~ويخوفها في الله إن تساهلت في أمر الدين ويعلمها من أحكام الحيض والاستحاضة ~~ما تحتاج إليه وعلم الاستحاضة يطول فأما الذي لا بد من إرشاد النساء إليه ~~في أمر الحيض بيان الصلوات التي تقضيها فإنها مهما انقطع دمها قبيل المغرب ~~بمقدار ركعة فعليها قضاء الظهر والعصر وإذا انقطع قبل الصبح بمقدار ركعة ~~فعليها قضاء المغرب والعشاء وهذا أقل ما يراعيه النساء فإن كان الرجل قائما ~~بتعليمها فليس لها الخروج لسؤال العلماء وإن قصر علم الرجل ولكن ناب عنها ~~في السؤال فأخبرها بجواب المفتي فليس لها خروج فإن لم يكن ذلك فلها الخروج ~~للسؤال بل عليها ذلك ويعصى الرجل بمنعها ومهما تعلمت ما هو من الفرائض ~~عليها فليس لها أن تخرج إلى مجلس ذكر ولا إلى تعلم فضل إلا برضاه ومهما ~~أهملت المرأة حكما من أحكام الحيض والاستحاضة ولم يعلمها الرجل حرج الرجل ~~معها وشاركها في الإثم # الثامن إذا كان له نسوة فينبغي أن يعدل بينهن ولا يميل إلى بعضهن فإن خرج ~~إلى سفر وأراد استصحاب واحدة أقرع بينهن + حديث القرعة بين أزواجه إذا أراد ~~سفرا متفق عليه من حديث عائشة + # كذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ظلم امرأة بليلتها قضى ~~لها فإن القضاء واجب عليه وعند ذلك يحتاج إلى معرفة أحكام القسم وذلك يطول ~~ذكره وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له امراتان فمال إلى ~~إحداهما دون الأخرى وفي لفظ ولم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ~~مائل + حديث من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى وفي لفظ آخر لم ~~يعدل بينهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل أخرجه أصحاب السنن وابن حبان ~~من حديث أبي هريرة قال أبو داود وابن حبان فمال مع إحداهما وقال الترمذي ~~فلم يعدل بينهما + # وإنما عليه العدل في العطاء والمبيت وأما في الحب والوقاع فذلك لا يدخل ~~تحت الاختيار # قال الله تعالى @QB@ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم @QE@ ~~أي أن تعدلوا في شهوة القلب وميل النفس ويتبع ذلك التفاوت في الوقاع # وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدل بينهن في العطاء والبيتوتة في ~~الليالي ويقول اللهم هذا جهدي فيما أملك ولا طاقة لي فيما تملك ولا أملك + ~~حديث كان يعدل بينهن ويقول اللهم هذا جهدي فيما أملك ولا طاقة لي فيما تملك ~~ولا أملك أخرجه أصحاب السنن وابن حبان من حديث عائشة نحوه + # يعني الحب # وقد كانت عائشة رضي الله عنها أحب نسائه إليه + حديث كانت عائشة أحب ~~نسائه إليه متفق عليه من حديث عمرو بن العاص أنه قال أي الناس أحب إليك يا ~~رسول الله قال عائشة وقد تقدم + # وسائر نسائه يعرفن ذلك # وكان يطاف به محمولا في مرضه في كل يوم وكل ليلة فيبيت عند كل واحدة منهن ~~ويقول أين أنا غدا ففطنت لذلك امرأة منهن فقالت إنما يسأل عن يوم عائشة ~~فقلن يا رسول الله قد أذنا لك أن تكون في بيت عائشة فإنه يشق عليك أن تحمل ~~في كل ليلة فقال وقد رضيتن بذلك فقلن نعم قال فحولوني إلى بيت عائشة + حديث ~~كان يطاف به محمولا في مرضه كل يوم وليلة فيبيت عند كل واحدة ويقول أين أنا ~~غداالحديث رواه ابن سعد في الطبقات من رواية محمد بن علي بن الحسين أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل في ثوب يطاف به على نسائه وهو مريض يقسم ~~بينهن وفي مرسل آخر له لما ثقل قال أين أنا غدا قالوا عند فلانة قال فأين ~~أنا بعد غد قالوا عند فلانة فعرف أزواجه أنه يريد عائشة الحديث وللبخاري من ~~حديث عائشة كان يسأل في مرضه الذي مات فيه أين أنا غدا يريد يوم عائشة فأذن ~~له أزواجه أن يكون حيث شاء وفي الصحيحين لما ثقل استأذن أزواجه أن يمرض في ~~بيتي فأذن له + # ومهما وهبت واحدة ليلتها لصاحبتها ورضي الزوج بذلك ثبت الحق لها # كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فقصد أن يطلق سودة بنت ~~زمعة لما كبرت PageV02P048 فوهبت ليلتها لعائشة وسألته أن يقرها على ~~الزوجية حتى تحشر في زمرة نسائه فتركها وكان لا يقسم لها ويقسم لعائشة ~~ليلتين ولسائر أزواجه ليلة ليلة + حديث كان يقسم بين نسائه فقصد أن يطلق ~~سودة بنت زمعة لما كبرت فوهبت ليلتها لعائشة الحديث رواه أبو داود من حديث ~~عائشة قالت سودة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يا رسول الله يومي لعائشة الحديث وللطبراني فأراد أن يفارقها وهو عند ~~البخاري بلفظ لما كبرت سودة وهبت يومها لعائشة وكان يقسم لها بيوم سودة ~~وللبيهقي مرسلا طلق سودة فقالت أريد أن أحشر في أزواجكالحديث + # ولكنه صلى الله عليه وسلم عدله وقوته كان إذا تاقت نفسه إلى واحدة من ~~النساء في غير نوبتها فجامعها طاف في يومه أو ليلته على سائر نسائه فمن ذلك ~~ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على ~~نسائه في ليلة واحدة + حديث عائشة طاف على نسائه في ليلة واحدة متفق عليه ~~بلفظ كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف على نسائه ثم يصبح يمما ~~ينضح طيبا + # وعن أنس أنه صلى الله عليه وسلم طاف على تسع نسوة في ضحوة نهار + حديث ~~أنس انه طاف على تسع نسوة في ضحوة نهار رواه ابن عدي في الكامل وللبخاري ~~كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة وله تسع نسوة + # التاسع في النشوز ومهما وقع بينهما خصام ولم يلتئم أمرهما فإن كان من ~~جانبهما جميعا أو من الرجل فلا تسلط الزوجة على زوجها ولا يقدر على إصلاحها ~~فلا بد من حكمين أحدهما من أهله والآخر من أهلها لينظرا بينهما ويصلحا ~~أمرهما @QB@ إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما @QE@ وقد بعث عمر رضي الله ~~عنه حكما إلى زوجين فعاد ولم يصلح أمرهما فعلاه بالدرة وقال إن الله تعالى ~~يقول @QB@ إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما @QE@ فعاد الرجل وأحسن النية ~~وتلطف بهما فأصلح بينهما # وإما إذا كان النشوز من المرأة خاصة فالرجال قوامون على النساء فله أن ~~يؤدبها ويحملها على الطاعة قهرا وكذا إذا كانت تاركة للصلاة فله حملها على ~~الصلاة قهرا ولكن ينبغي أن يتدرج في تأديبها وهو أن يقدم أولا الوعظ ~~والتحذير والتخويف فإن لم ينجح ولاها ظهره في المضجع أو انفرد عنها بالفراش ~~وهجرها وهو في البيت معها من ليلة إلى ثلاث ليال # فإن لم ينجح ذلك فيها ضربها ضربا غير مبرح بحيث يؤلمها ولا يكسر لها عظما ~~ولا يدمي لها جسم # ولا يضرب وجهها فذلك منهي عنه # وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما حق المرأة على الرجل قال ~~يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يقبح الوجه ولا يضرب إلا ضربا غير ~~مبرح ولا يهجرها إلا في المبيت + حديث قيل له ما حق المرأة على الرجل فقال ~~يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يقبح الوجه ولا يضرب إلا ضربا غير ~~مبرح ولا يهجرها إلا في البيت رواه أبو داود والنسائي في الكبرى وابن ماجه ~~من رواية معاوية بن حيدة بسند جيد وقال ولا يضرب الوجه ولا يقبح وفي رواية ~~لأبي داود ولا تقبح الوجه ولا تضرب + # وله أن يغضب عليها ويهجرها في أمر من أمور الدين إلى عشر والى عشرين والى ~~شهر # فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أرسل إلى زينب بهدية فردتها ~~عليه # فقالت له التي هو في بيتها لقد أقمأتك إذ ردت عليك هديتك + حديث هجره صلى ~~الله عليه وسلم نساءه شهرا لما أرسل بهدية إلى زينب فردتها فقالت له التي ~~في بيتها لقد أقمأتك الحديث ذكره ابن الجوزي في الوفاء بغير إسناد وفي ~~الصحيحين من حديث عمر كان أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن ~~وفي رواية من حديث جابر ثم اعتزلهن شهرا + # أي أذلتك واستصغرتك # فقال صلى الله عليه وسلم أنتن أهون على الله أن تقمئنني ثم غضب عليهن ~~كلهن شهرا إلى أن عاد إليهن # العاشر في آداب الجماع # ويستحب أن يبدأ باسم الله تعالى ويقرأ قل هو الله أحد أولا ويكبر ويهلل ~~ويقول بسم الله العلي العظيم # اللهم اجعلها ذرية طيبة إن كنت قدرت أن تخرج ذلك من صلبي # وقال صلى الله عليه وسلم لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال اللهم جنبني ~~الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا # فإن كان بينهما ولد لم يضره PageV02P049 @QB@ الشيطان @QE@ + حديث لو أن ~~أحدكم إذا أتي أهله قال اللهم جنبنا الشيطان الحديث متفق عليه من حديث ابن ~~عباس + # وإذا قربت من الإنزال فقل في نفسك ولا تحرك شفتيك الحمد لله الذي خلق من ~~الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا # وكان بعض أصحاب الحديث يكبر حتى يسمع أهل الدار صوته ثم ينحرف عن القبلة ~~ولا يستقبل القبلة بالوقاع إكراما للقبلة وليغط نفسه وأهله بثوب كان رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يغطي رأسه ويغض صوته ويقول للمرأة عليك بالسكينة + ~~حديث كان يغطي رأسه ويغض صوته ويقول للمرأة عليك بالسكينة رواه الخطيب من ~~حديث أم سلمة بسند ضعيف + # وفي الخبر إذا جامع أحدكم أهله فلا يتجردان تجرد العيرين + حديث إذا جامع ~~أحدكم امرأته فلا يتجردان تجرد العيرين أخرجه ابن ماجة من حديث عتبة بن عبد ~~بسند ضعيف + # أي الحمارين وليقدم التلطف بالكلام والتقبيل قال صلى الله عليه وسلم لا ~~يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة وليكن بينهما رسول قيل وما الرسول ~~يا رسول الله قال القبلة والكلام + حديث ولا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع ~~البهيمة الحديث رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس وهو ~~منكر + # وقال صلى الله عليه وسلم ثلاث من العجز في الرجل أن يلقى من يحب معرفته ~~فيفارقه قبل أن يعلم اسمه ونسبه والثاني أن يكرمه أحد فيرد عليه كرامته ~~والثالث أن يقارب الرجل جاريته أو زوجته فيصيبها قبل أن يحدثها ويؤانسها ~~ويضاجعها فيقضي حاجته منها قبل أن تقضي حاجتها منه + حديث ثلاث من العجز في ~~الرجل أن يلقى من يحب معرفته فيفارقه قبل أن يعرف اسمه الحديث رواه أبو ~~منصور الديلمي من حديث أخصر منه وهو بعض الحديث الذي قبله + # ويكره له الجماع في ثلاث ليال من الشهر الأول والآخر والنصف # يقال إن الشيطان يحضر الجماع في هذه الليالي ويقال إن الشياطين يجامعون ~~فيها وروي كراهة ذلك عن علي ومعاوية وأبي هريرة رضي الله عنهم # ومن العلماء من استحب الجماع يوم الجمعة وليلته تحقيقا لأحد التأويلين من ~~قوله صلى الله عليه وسلم رحم الله من غسل واغتسل + حديث رحم الله من غسل ~~واغتسل تقدم في الباب الخامس من الصلاة + # الحديث # ثم إذا قضى وطره فليتمهل على أهله حتى تقضي هي أيضا نهمتها فإن إنزالها ~~ربما يتأخر فيهيج شهوتها ثم القعود عنها إيذاء لها والاختلاف في طبع ~~الإنزال يوجب التنافر مهما كان الزوج سابقا إلى الإنزال والتوافق في وقت ~~الإنزال ألذ عندها ليشتغل الرجل بنفسه عنها فإنها ربما تستحي # وينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة فهو أعدل إذ عدد النساء أربعة فجاز ~~التأخير إلى هذا الحد نعم ينبغي أن يزيد أو ينقص بحسب حاجتها في التحصين ~~فإن تحصينها واجب عليه وإن كان لا يثبت المطالبة بالوطء فذلك لعسر المطالبة ~~والوفاء بها ولا يأتيها في المحيض ولا بعد انقضائه وقبل الغسل فهو محرم بنص ~~الكتاب وقيل إن ذلك يورث الجذام في الولد وله أن يستمتع بجميع بدن الحائض ~~ولا يأتيها في غير المأتى إذ حرم غشيان الحائض لأجل الأذى والأذى غير ~~المأتى دائم فهو أشد تحريما من إتيان الحائض # وقوله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم أي أي وقت شئتم وله أن يستمني بيديها ~~وان يستمتع بما تحت الإزار بما يشتهي سوى الوقاع # وينبغي أن تتزر المرأة بإزار من حقوها إلى فوق الركبة في حال الحيض فهذا ~~من الأدب وله أن يؤاكل الحائض ويخالطها في المضاجعة وغيرها وليس عليه ~~اجتنابها وإن أراد أن يجامع ثانيا بعد أخرى فليغسل فرجه أولا وإن احتلم فلا ~~يجامع حتى يغسل فرجه أو يبول ويكره الجماع في أول الليل حتى لا ينام على ~~غير طهارة فإن أراد النوم أو الأكل فليتوضأ أولا وضوء الصلاة فذلك سنة # قال ابن عمر قلت للنبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب قال نعم ~~إذا توضأ + حديث ابن عمر قلت للنبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب ~~قال نعم إذا توضأ متفق عليه من حديثه أن عمر سأل لا أن عبد الله هو السائل ~~+ # ولكن قد وردت فيه رخصة قالت عائشة رضي الله PageV02P050 عنها كان النبي ~~صلى الله عليه وسلم ينام جنبا لم يمس ماء + حديث عائشة كان ينام جنبا لم ~~يمس ماء رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال يزيد بن هارون إنه وهم ونقل ~~البيهقي عن الحافظ الطعن فيه قال وهو صحيح من جهة الرواية + # ومهما عاد إلى فراشه فليمسح وجه فراشه أو لينفضه فإنه لا يدري ما حدث ~~عليه بعده ولا ينبغي أن يحلق أو يقلم أو يستحد أو يخرج الدم أو يبين من ~~نفسه جزءا وهو جنب إذ ترد إليه سائر أجزائه في الآخرة فيعود جنبا ويقال إن ~~كل شعرة تطالبه بجنابتها ومن الآداب أن لا يعزل بل لا يسرح إلا إلى محل ~~الحرث وهو الرحم فما من نسمة قدر الله كونها إلا وهي كائنة + حديث ما من ~~نسمة قدر الله كونها إلا وهي كائنة متفق عليه من حديث أبي سعيد + # هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن عزل فقد اختلف العلماء في ~~إباحته وكراهته على أربع مذاهب فمن مبيح مطلقا بكل حال ومن محرم بكل حال ~~ومن قائل يحل برضاها ولا يحل دون رضاها وكأن هذا القائل يحرم الإيذاء دون ~~العزل ومن قائل يباح في المملوكة دون الحرة # والصحيح عندنا أن ذلك مباح واما الكراهية فإنها تطلق لنهي التحريم ولنهي ~~التنزيه ولترك الفضيلة فهو مكروه بالمعنى الثالث أي فيه ترك فضيلة كما يقال ~~يكره للقاعد في المسجد أن يقعد فارغا لا يشتغل بذكر أو صلاة ويكره للحاضر ~~في مكة مقيما بها أن لا يحج كل سنة والمراد بهذه الكراهية ترك الأولى ~~والفضيلة فقط وهذا ثابت لما بيناه من الفضيلة في الولد ولما روي عن النبي ~~صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليجامع أهله فيكتب له بجماعه أجر ولد ذكر قاتل ~~في سبيل الله فقتل + حديث إن الرجل ليجامع أهله فيكتب له من جماعة أجر ولد ~~ذكر يقاتل في سبيل الله لم أجد له أصلا + # وإنما قال ذلك لأنه لو ولد له مثل هذا الولد لكان له أجر التسبب إليه مع ~~أن الله تعالى خالقه ومحييه ومقويه على الجهاد والذي إليه من التسبب فقد ~~فعله وهو الوقاع وذلك عند الإمناء في الرحم # وإنما قلنا لا كراهة بمعنى التحريم والتنزيه لأن إثبات النهي إنما يمكن ~~بنص أو قياس على منصوص ولا نص ولا أصل يقاس عليه بل ههنا أصل يقاس عليه وهو ~~ترك النكاح أصلا أو ترك الجماع بعد النكاح أو ترك الإنزال بعد الإيلاج فكل ~~ذلك ترك للأفضل وليس بارتكاب نهي ولا فرق إذ الولد يتكون بوقوع النطفة في ~~الرحم ولها أربعة أسباب النكاح ثم الوقاع ثم الصبر إلى الإنزال بعد الجماع ~~ثم الوقوف لينصب المنى في الرحم وبعض هذه الأسباب أقرب من بعض فالامتناع عن ~~الرابع كالامتناع عن الثالث وكذا الثالث كالثاني والثاني كالأول وليس هذا ~~كالإجهاض والوأد لأن ذلك جناية على موجود حاصل وله أيضا مراتب وأول مراتب ~~الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة ~~وإفساد ذلك جناية فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش وإن نفخ فيه الروح ~~واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا ومنتهى التفاحش في الجناية بعد ~~الانفصال حيا # وإنما قلنا مبدأ سبب الوجود من حيث وقوع المنى في الرحم لا من حيث الخروج ~~من الإحليل لأن الولد لا يخلق من منى الرجل وحده بل من الزوجين جميعا إما ~~من مائه ومائها أو من مائه ودم الحيض قال بعض أهل التشريح إن المضغة تخلق ~~بتقدير الله من دم الحيض وإن الدم منها كاللبن من الرائب وإن النطفة من ~~الرجل شرط في خثور دم الحيض وانعقاده كالأنفحة للبن إذ بها ينعقد الرائب ~~وكيفما كان فماء المرأة ركن في الانعقاد فيجري الماءان مجرى الإيجاب ~~والقبول في الوجود الحكمي في العقود فمن أوجب ثم رجع قبل القبول لا يكون ~~جانيا على العقد بالنقض والفسخ ومهما اجتمع الإيجاب والقبول كان الرجوع ~~بعده رفعا وفسخا وقطعا وكما أن النطفة في الفقار لا يتخلق منها الولد فكذا ~~بعد الخروج من الإحليل ما لم يمتزج بماء المرأة ودمها فهذا هو القياس الجلي ~~PageV02P051 # فإن قلت فإن لم يكن العزل مكروها من حيث إنه دفع لوجود الولد فلا يبعد أن ~~يكره لأجل النية الباعثة عليه إذ لا يبعث عليه إلا نية فاسدة فيها شيء من ~~شوائب الشرك الخفي فأقول النيات الباعثة على العزل خمس # الأولى في السراري وهو حفظ الملك عن الهلاك باستحقاق العتاق وقصد استبقاء ~~الملك بترك الإعتاق ودفع أسبابه ليس بمنهى عنه # الثانية استبقاء جمال المرأة وسمنها لدوام التمتع واستبقاء حياتها خوفا ~~من خطر الطلق وهذا أيضا ليس منهيا عنه # الثالثة الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد والاحتراز من الحاجة إلى ~~التعب في الكسب ودخول مداخل السوء وهذا أيضا غير منهي عنه فإن قلة الحرج ~~معين على الدين نعم الكمال والفضل في التوكل والثقة بضمان الله حيث قال ~~@QB@ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها @QE@ ولا جرم فيه سقوط عن ~~ذروة الكمال وترك الأفضل ولكن النظر إلى العواقب وحفظ المال وادخاره مع ~~كونه مناقضا للتوكل لا نقول إنه منهي عنه # الرابعة الخوف من الأولاد الإناث لما يعتقد في تزويجهن من المعرة كما ~~كانت من عادة العرب في قتلهم الإناث فهذه نية فاسدة لو ترك بسببها أصل ~~النكاح أو أصل الوقاع أثم بها لا بترك النكاح والوطء فكذا في العزل والفساد ~~في اعتقاد المعرة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد وينزل منزلة ~~امرأة تركت النكاح استنكافا من أن يعلوها رجل فكانت تتشبه بالرجال ولا ترجع ~~الكراهة إلى عين ترك النكاح # الخامسة أن تمتنع المرأة لتعززها ومبالغتها في النظافة والتحرز من الطلق ~~والنفاس والرضاع وكان ذلك عادة نساء الخوارج لمبالغتهن في استعمال المياه ~~حتى كن يقضين صلوات أيام الحيض ولا يدخلن الخلاء إلا عراة فهذه بدعة تخالف ~~السنة فهي نية فاسدة واستأذنت واحدة منهن على عائشة رضي الله عنها لما قدمت ~~البصرة فلم تأذن لها فيكون القصد هو الفاسد دون منع الولادة # فإن قلت فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من ترك النكاح مخافة العيال ~~فليس منا ثلاثا + حديث من ترك النكاح مخافة العيال فليس منا تقدم في أوائل ~~النكاح + # قلت فالعزل كترك النكاح # وقوله ليس منا أي ليس موافقا لنا على سنتنا وطريقتنا وسنتنا فعل الأفضل # فإن قلت فقد قال صلى الله عليه وسلم في العزل ذاك الوأد الخفي وقرأ وإذا ~~الموءودة سئلت + حديث قال صلى الله عليه وسلم في العزل ذاك الوأد الخفي ~~أخرجه مسلم من حديث جذامة بنت وهب + # وهذا في الصحيح # قلنا وفي الصحيح أيضا أخبار صحيحة + أحاديث إباحة العزل رواها مسلم من ~~حديث أبي سعيد أنهم سألوه عن العزل فقال لا عليكم أن لا تفعلوه ورواه ~~النسائي من حديث أبي صرمة وللشيخين من حديث جابر كنا نعزل على عهد رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم زاد مسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم ~~فلم ينهنا وللنسائي من حديث أبي هريرة سئل عن العزل فقيل اليهود تزعم أنها ~~الموءودة الصغرى فقال كذبت يهود قال البيهقي رواة الإباحة أكثر وأحفظ + # في الإباحة وقوله الوأد الخفي كقوله الشرك الخفي وذلك يوجب كراهة لا ~~تحريما # فإن قلت فقد قال ابن عباس العزل هو الوأد الأصغر فإن الممنوع وجوده به هو ~~الموءودة الصغرى # قلنا هذا قياس منه لدفع الوجود على قطعه وهو قياس ضعيف ولذلك أنكره عليه ~~على رضى الله عنه لما سمعه قال ولا تكون موءودة إلا بعد سبع أي بعد الأخرى ~~سبعة أطوار وتلا الآية الواردة في أطوار الخلقة وهي قوله تعالى ولقد خلقنا ~~الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين إلى قوله ثم أنشأناه ~~خلقا آخر أي نفخنا فيه الروح ثم تلا قوله تعالى في الآية وإذا الموءودة ~~سئلت وإذا نظرت إلى ما قدمناه في طريق القياس والاعتبار ظهر لك تفاوت منصب ~~علي وابن عباس رضي الله عنهما في الغوص على المعاني ودرك PageV02P052 ~~العلوم كيف وفي المتفق عليه في الصحيحين على جابر أنه قال كنا نعزل على عهد ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل وفي لفظ آخر كنا نعزل فبلغ ذلك ~~نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا + حديث جابر المتفق عليه في ~~الصحيحين كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا هو كما ~~ذكر متفق عليه إلا أن قوله فلم ينهنا انفرد بها مسلم + # وفيه أيضا عن جابر أنه قال إن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فقال إن لي جارية خادمتنا وساقيتنا في النخل وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل ~~فقال صلى الله عليه وسلم اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها فلبث ~~الرجل ما شاء الله ثم أتاه فقال إن الجارية قد حملت فقال قد قلت سيأتيها ما ~~قدر لها + حديث جابر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن لي ~~جارية وهي خادمتنا وساقيتنا في النخل وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل فقال ~~اعزل عنها إن شئتالحديث ذكر المصنف أنه في الصحيحين وليس كذلك وإنما انفرد ~~به مسلم + # كل ذلك في الصحيحين # الحادي عشر في آداب الولادة وهي خمسة # الأول أن لا يكثر فرحه بالذكر وحزنه بالأنثى فإنه لا يدري الخيرة في ~~أيهما فكم من صاحب ابن يتمنى أن لا يكون له أو يتمنى أن يكون بنتا بل ~~السلامة منهن أكثر والثواب فيهن أجزل قال صلى الله عليه وسلم من كان له ~~ابنة فأدبها فأحسن تأديبها وغذاها فأحسن غذائها وأسبغ عليها من النعمة التي ~~أسبغ الله عليه كانت له ميمنة وميسرة من النار إلى الجنة + حديث من كانت له ~~ابنة فأدبها وأحسن أدبها وغذاها فأحسن غذاءهاالحديث أخرجه الطبراني في ~~الكبير والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث ابن مسعود بسند ضعيف + # وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ~~أحد يدرك ابنتين فيحسن إليهما ما صحبتاه إلا أدخلتاه الجنة + حديث ابن عباس ~~ما من أحد يدرك ابنتين فيحسن إليهما ما صحبتاه إلا أدخلتاه الجنة أخرجه ابن ~~ماجه والحاكم وقال صحيح الإسناد + # وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له ابنتان أو أختان ~~فأحسن إليهما ما صحبتاه كنت أنا وهو في الجنة كهاتين + حديث أنس من كانت له ~~ابنتان أو أختان فأحسن إليهما ما صحبتاه كنت أنا وهو في الجنة كهاتين رواه ~~الخرائطي في مكارم الأخلاق بسند ضعيف ورواه الترمذي بلفظ من عال جاريتين ~~وقال حسن غريب + # وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج إلى سوق من أسواق ~~المسلمين فاشترى شيئا فحمله إلى بيته فخص به الإناث دون الذكور نظر الله ~~إليه ومن نظر الله إليه لم يعذبه + حديث أنس من خرج إلى سوق من أسواق ~~المسلمين فاشترى شيئا فحمله إلى بيته فخص به الإناث دون الذكور نظر الله ~~إليه ومن نظر الله إليه لم يعذبه أخرجه الخرائطي بسند ضعيف + # وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حمل طرفة من السوق إلى ~~عياله فكأنما حمل إليهم صدقة حتى يضعها فيهم وليبدأ بالإناث قبل الذكور ~~فإنه من فرح أنثى فكأنما بكى من خشية الله ومن بكى من خشيته حرم الله بدنه ~~على النار + حديث أنس من حمل طرفة من السوق إلى عياله فكأنما حمل إليهم ~~صدقة أخرجه الخرائطي بسند ضعيف جدا وأخرجه ابن عدي في الكامل وقال ابن ~~الجوزي حديث موضوع + # وقال أبو هريرة قال صلى الله عليه وسلم من كانت له ثلاث بنات أو أخوات ~~فصبر على لأوائهن وضرائهن أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهن فقال رجل ~~وثنتان يا رسول الله قال وثنتان فقال رجل أو واحدة فقال وواحدة + حديث أبي ~~هريرة من كانت له ثلاث بنات أو أخوات فصبر على لأوائهن الحديث رواه ~~الخرائطي واللفظ له والحاكم ولم يقل أو أخوات وقال صحيح الإسناد + # الأدب الثاني أن يؤذن في إذن الولد روى رافع عن أبيه قال رأيت النبي صلى ~~الله عليه وسلم قد أذن في أذن الحسين حين ولدته فاطمة رضي الله عنها + حديث ~~أبي رافع رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسين حين ولدته ~~فاطمة أخرجه أحمد واللفظ له وأبو داود والترمذي وصححه إلا أنهما قالا الحسن ~~مكبرا وضعفه ابن القطان + # وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ولد له مولود فأذن في أذنه ~~اليمنى وأقام في أذنه اليسرى دفعت عنه أم الصبيان + حديث من ولد له مولود ~~وأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى رفعت عنه أم الصبيان أبو يعلى ~~الموصلي وابن السني في اليوم والليلة والبيهقي في شعب الإيمان من حديث ~~الحسين بن علي بسند ضعيف + # ويستحب أن يلقنوه أول انطلاق لسانه PageV02P053 # لا إله إلا الله ليكون أول حديثه والختان في اليوم السابع ورد به خبر + ~~حديث الختان في اليوم السابع رواه الطبراني في الصغير من حديث جابر بسند ~~ضعيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة ~~أيام وإسناده ضعيف واختلف في إسناده فقيل عبد الملك بن إبراهيم بن زهير عن ~~أبيه عن جده + # الأدب الثالث أن تسميه اسما حسنا فذلك من حق الولد # وقال صلى الله عليه وسلم إذا سميتم فعبدوا + حديث إذا سميتم فعبدوا رواه ~~الطبراني من حديث عبد الملك ابن أبي زهير عن أبيه معاذ وصحح إسناده ~~والبيهقي من حديث عائشة + # وقال صلى الله عليه وسلم أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن + ~~حديث أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن أخرجه مسلم من حديث ابن ~~عمر + # وقال سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي + حديث سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ~~متفق عليه من حديث جابر وفي لفظ تسموا + قال العلماء كان ذلك في عصره صلى ~~الله عليه وسلم إذ كان ينادى يا أبا القاسم والآن فلا بأس نعم لا يجمع بين ~~اسمه وكنيته وقد قال صلى الله عليه وسلم لا تجمعوا بين اسمى وكنيتي # وقيل إن هذا أيضا كان في حياته وتسمى رجل أبا عيسى فقال صلى الله عليه ~~وسلم إن عيسى لا أب له + حديث لا تجمعوا بين اسمى وكنيتي رواه أحمد وابن ~~حبان من حديث أبي هريرة ولأبي داود والترمذي وحسنه وابن حبان من حديث جابر ~~من سمى باسمى فلا يتكنى بكنيتي ومن تكنى بكنيتى فلا يتسمى باسمي حديث أن ~~عيسى لا أب له أخرجه أبو عمر التوقاني في كتاب معاشرة الأهلين من حديث ابن ~~عمر بسند ضعيف ولأبي داود أن عمر ضرب ابنا له تكنى أبا عيسى وأنكر على ~~المنيرة بن شعبة تكنيه بأبي عيسى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني ~~وإسناده صحيح + # فيكره ذلك والسقط ينبغي أن يسمى # قال عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية بلغني أن السقط يصرخ يوم القيامة وراء ~~أبيه فيقول أنت ضيعتني وتركتني لا اسم لي فقال عمر بن عبد العزيز كيف وقد ~~لا يدري أنه غلام أو جارية فقال عبد الرحمن من الأسماء ما يجمعهما كحمزة ~~وعمارة وطلحة وعتبة وقال صلى الله عليه وسلم إنكم تدعون يوم القيامة ~~بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم + حديث إنكم تدعون يوم القيامة ~~بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم أخرجه أبو داود من حديث أبي ~~الدرداء قال النووي بإسناد جيد وقال البيهقي أنه مرسل + # ومن كان له اسم يكره يستحب تبديله أبدل رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم ~~العاص بعبد الله + حديث بدل رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم العاص بعبد ~~الله رواه البيهقي من حديث عبد الله بن الحارث ابن جزء الزبيدي بسند صحيح + # وكان اسم زينب برة فقال صلى الله عليه وسلم تزكي نفسها فسماها زينب + ~~حديث قال صلى الله عليه وسلم لزينب وكان اسمها برة تزكي نفسها فسماها زينب ~~متفق عليه من حديث أبي هريرة + # وكذلك ورد النهي في تسمية أفلح ويسار ونافع وبركة + حديث النهي في تسمية ~~أفلح ويسار ونافع وبركة أخرجه مسلم من حديث سمرة بن جندب إلا أنه جعل مكان ~~بركة رباحا وله من حديث جابر أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى أن ~~يسمى بيعلى وبركة الحديث + # لأنه يقال أثم بركة فيقال لا # الرابع العقيقة عن الذكر بشاتين وعن الأنثى بشاة ذكرا كان أو أنثى # وروت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر في الغلام ~~أن يعق بشاتين مكافئتين وفي الجارية بشاة + حديث عائشة أمر في الغلام ~~بشاتين مكافئتين وفي الجارية بشاة أخرجه الترمذي وصححه + # وروي أنه عق عن الحسن بشاة + حديث عق عن الحسن بشاة أخرجه الترمذي من ~~حديث علي وقال ليس إسناده بمتصل ووصله الحاكم إلا أنه قال حسين ورواه أبو ~~داود من حديث ابن عباس إلا أنه قال كبشا + # وهذا رخصة في الاقتصار على واحدة وقال صلى الله عليه وسلم مع الغلام ~~عقيقته فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى + حديث مع الغلام عقيقته ~~فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى أخرجه البخاري من حديث سلمان بن عامر ~~الضبي + # ومن السنة أن يتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة فقد ورد فيه خبر أنه صلى الله ~~عليه وسلم أمر فاطمة رضي الله عنها يوم سابع حسين أن تحلق شعره وتتصدق بزنة ~~شعره فضة + حديث أمر فاطمة يوم سابع حسين أن يحلق شعره ويتصدق بزنة شعره ~~فضة أخرجه الحاكم وصححه من حديث علي وهو عند الترمذي منقطع بلفظ @QB@ حسن ~~@QE@ وقال ليس إسناده بمتصل ورواه أحمد من حديث أبي رافع + PageV02P054 # قالت عائشة رضي الله عنهما لا يكسر للعقيقة عظم # الخامس أن يحنكه بتمرة أو حلاوة وروي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله ~~عنهما قالت ولدت عبد الله بن الزبير بقباء ثم أتيت به رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فوضعته في حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه + حديث أسماء ~~ولدت عبد الله بن الزبير بقباء ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ~~في حجره ثم دعا بتمرة ثم تفل في فيهالحديث متفق عليه + # فكان أول شيء دخل جوفه ربق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حنكه بتمرة ~~ثم دعا له وبرك عليه وكان أول مولود ولد في الإسلام ففرحوا به فرحا شديدا ~~لأنهم قيل لهم إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم # الثاني عشر في الطلاق وليعلم أنه مباح ولكنه أبغض المباحات إلى الله ~~تعالى وإنما يكون مباحا إذا لم يكن فيه إيذاء بالباطل ومهما طلقها فقد ~~آذاها ولا يباح إيذاء الغير إلا بجناية من جانبها أو بضرورة من جانبه قال ~~الله تعالى @QB@ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا @QE@ أي لا تطلبوا حيلة ~~للفراق وإن كرهها أبوه فليطلقها # قال ابن عمر رضي الله عنهما كان تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها ~~ويأمرني بطلاقها فراجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن عمر طلق ~~امرأتك + حديث ابن عمر كانت تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني ~~بطلاقها الحديث رواه أصحاب السنن وقال الترمذي حسن صحيح + # فهذا يدل على أن حق الوالد مقدم ولكن والد يكرهها لا لغرض فاسد مثل عمر ~~ومهما آذت زوجها وبذت على أهله فهي جانية وكذلك مهما كانت سيئة الخلق أو ~~فاسدة الدين # قال ابن مسعود في قوله تعالى @QB@ ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ~~@QE@ مهما بذت على أهله وآذت زوجها فهو فاحشة وهذا أريد به في العدة ولكنه ~~تنبيه على المقصود # وإن كان الأذى من الزوج فلها أن تفتدي ببذل مال يكره للرجل أن يأخذ منها ~~أكثر مما أعطى فإن ذلك إجحاف بها وتحامل عليها وتجارة على البضع # قال تعالى @QB@ فلا جناح عليهما فيما افتدت به @QE@ فرد ما أخذته فما ~~دونه لائق بالفداء فإن سألت الطلاق بغير ما بأس فهي آثمة قال صلى الله عليه ~~وسلم أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس لم ترح رائحة الجنة + ~~حديث أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس لم ترح رائحة الجنة وفي ~~لفظ فالجنة عليها حرام رواه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حبان ~~من حديث ثوبان + # وفي لفظ آخر فالجنة عليها حرام وفي لفظ آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال ~~المختلعات هن المنافقات + حديث المختلعات هن المنافقات رواه النسائي من ~~حديث أبي هريرة وقال لم يسمع الحسن من أبي هريرة قال ومع هذا لم أسمعه إلا ~~من حديث أبي هريرة قلت رواه الطبراني من حديث عقبة بن عامر بسند ضعيف + # ثم ليراع الزوج في الطلاق أربعة أمور # الأول أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه فإن الطلاق في الحيض أو الطهر ~~الذي جامع يدعى حرام وإن كان واقعا لما فيه من تطويل العدة عليها فإن فعل ~~ذلك فليراجعها طلق ابن عمر زوجته في الحيض فقال صلى الله عليه وسلم لعمر ~~مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلقها وإن شاء أمسكها ~~فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء + حديث طلق ابن عمر زوجته في ~~الحيض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر مره فليراجعها الحديث متفق ~~عليه من حديث ابن عمر + # وإنما أمره بالصبر بعد الرجعة طهرين لئلا يكون مقصود الرجعة الطلاق فقط # الثاني أن يقتصر على طلقة واحدة فلا يجمع بين الثلاث لأن الطلقة الواحدة ~~بعد العدة تفيد المقصود ويستفيد بها الرجعة إن ندم في العدة وتجديد النكاح ~~إن أراد بعد العدة وإذا طلق ثلاثا ربما ندم فيحتاج إلى أن يتزوجها محلل ~~وإلى الصبر مدة وعقد المحلل منهي عنه ويكون هو الساعي فيه ثم يكون قلبه ~~معلقا بزوجة الغير وتطليقه أعني زوجة المحلل بعد أن زوج منه ثم يورث ذلك ~~تنفيرا من الزوجة وكل ذلك ثمرة الجمع وفي الواحدة PageV02P055 كفاية في ~~المقصود من غير محذور ولست أقول الجمع حرام لكنه مكروه بهذه المعاني وأعني ~~بالكراهة تركه النظر لنفسه # الثالث أن يتلطف في التعلل بتطليقها من غير تعنيف واستخفاف وتطييب قلبها ~~بهدية على سبيل الإمتاع والجبر لما فجعها به من أذى الفراق # قال تعالى @QB@ ومتعوهن @QE@ وذلك واجب مهما لم يسم لها مهر في أصل ~~النكاح # كان الحسن بن علي رضي الله عنهما مطلاقا ومنكاحا ووجه ذات يوم بعض أصحابه ~~لطلاق امرأتين من نسائه وقال قل لهما اعتدا وأمره أن يدفع إلى كل واحدة ~~عشرة آلاف درهم ففعل فلما رجع إليه قال ماذا فعلتا قال أما إحداهما فنكست ~~رأسها وتنكست وأما الأخرى فبكت وانتحبت وسمعتها تقول متاع قليل من حبيب ~~مفارق فأطرق الحسن وترحم لها وقال لو كنت مراجعا امرأة بعد ما فارقتها ~~لراجعتها ودخل الحسن ذات يوم على عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقيه ~~المدينة ورئيسها ولم يكن له بالمدينة نظير وبه ضربت المثل عائشة رضي الله ~~عنها حيث قالت لو لم أسر مسيري ذلك لكان أحب إلي من أن يكون لي ستة عشرا ~~ذكرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ~~فدخل عليه الحسن في بيته فعظمه عبد الرحمن وأجلسه في مجلسه وقال ألا أرسلت ~~إلي فكنت أجيئك فقال الحاجة لنا # قال وما هي قال جئتك خاطبا ابنتك فأطرق عبد الرحمن ثم رفع رأسه وقال ~~والله ما على وجه الأرض أحد يمشي عليها أعز علي منك ولكنك تعلم أن ابنتي ~~بضعة مني يسوءني ما ساءها ويسرني ما سرها وأنت مطلاق فأخاف أن تطلقها وإن ~~فعلت خشيت أن يتغير قلبي في محبتك وأكره أن يتغير قلبي عليك فأنت بضعة من ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن شرطت أن لا تطلقها زوجتك فسكت الحسن وقام ~~وخرج وقال بعض أهل بيته # سمعته وهو يمشي ويقول ما أراد عبد الرحمن إلا أن يجعل ابنته طوقا في عنقي # وكان علي رضي الله عنه يضجر من كثرة تطليقه فكان يعتذر منه على المنبر ~~ويقول في خطبته إن حسنا مطلاقا فلا تنكحوه حتى قام رجل من همدان فقال والله ~~يا أمير المؤمنين لننكحنه ما شاء فإن أحب امسك وإن شاء ترك فسر ذلك عليا ~~وقال # لو كنت بوابا على باب جنة % لقلت لهمدان ادخلي بسلام # وهذا تنبيه على أن من طعن في حبيبه من أهل وولد بنوع حياء فلا ينبغي أن ~~يوافق عليه فهذه الموافقة قبيحة بل الأدب المخالفة ما أمكن فإن ذلك أسر ~~لقلبه وأوفق لباطن ذاته والقصد من هذا بيان أن الطلاق مباح وقد وعد الله ~~الغنى في الفراق والنكاح جميعا فقال @QB@ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين ~~من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله @QE@ وقال سبحانه ~~وتعالى @QB@ وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته @QE@ # الرابع أن لا يفشى سرها لا في الطلاق ولا عند النكاح فقد ورد في إفشاء سر ~~النساء في الخبر الصحيح وعيد عظيم + حديث الوعيد في إفشاء سر المرأة رواه ~~مسلم من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أعظم ~~الخيانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم يفشي ~~سرها + # ويروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأة فقيل له ما الذي يريبك فيها ~~فقال العاقل لا يهتك ستر امرأته فلما طلقها قيل له # لم طلقتها فقال مالي ولا مرأة غيري فهذا بيان ما على الزوج القسم الثاني ~~من هذا الباب النظر في حقوق الزوج عليها # والقول الشافي فيه أن النكاح نوع رق فهي رقيقة له فعليها طاعة الزوج ~~مطلقا في كل ما طلب منها في نفسها مما لا معصية فيه وقد ورد في تعظيم حق ~~الزوج عليها أخبار كثيرة قال صلى الله عليه وسلم أيما امرأة PageV02P056 ~~ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة + حديث أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض ~~دخلت الجنة أخرجه الترمذي وقال حسن غريب وابن ماجه من حديث أم سلمة + # وكان رجل قد خرج إلى سفر وعهد إلى امرأته أن لا تنزل من العلو إلى السفل ~~وكان أبوها في الأسفل فمرض فأرسلت المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~تستأذن في النزول إلى أبيها فقال صلى الله عليه وسلم أطيعي زوجك فمات ~~فاستأمرته فقال أطيعي زوجك فدفن أبوها فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~إليها يخبرها أن الله قد غفر لأبيها بطاعتها لزوجها + حديث كان رجل خرج إلى ~~سفر وعهد إلى امرأته أن لا تنزل من العلو إلى السفل وكان أبوها في السفل ~~فمرضالحديث أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أنس بسند ضعيف إلا أنه قال ~~غفر لأبيها + # وقال صلى الله عليه وسلم إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها ~~وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها + حديث إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرهاالحديث ~~أخرجه ابن حبان من حديث أبي هريرة + # وأضاف طاعة الزوج إلى مباني الإسلام وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~النساء فقال حاملات والدات مرضعات رحيمات بأولادهن لولا ما يأتين إلى ~~أزواجهن دخل مصلياتهن الجنة + حديث ذكر النساء فقال حاملات والدات ~~مرضعاتالحديث أخرج ابن ماجة والحاكم وصححه من حديث أبي أمامة دون قوله ~~مرضعات وهي عند الطبراني في الصغير + # وقال صلى الله عليه وسلم اطلعت في النار فإذا أكثر أهلها النساء فقلن لم ~~يا رسول الله قال يكثرن اللعن ويكفرن العشير + حديث اطلعت في النار فإذا ~~أكثر أهلها النساءالحديث متفق عليه من حديث ابن عباس + # يعني الزوج المعاشر # وفي خبر آخر اطلعت في الجنة فإذا أقل أهلها النساء فقلت أين النساء قال ~~شغلهن الأحمران الذهب والزعفران + حديث اطلعت في الجنة فإذا أقل أهلها ~~النساء فقلت أين النساء قال شغلهن الأحمران الذهب والزعفران أخرجه أحمد من ~~حديث أبي أمامة بسند ضعيف وقال الحرير @QB@ بدل @QE@ الزعفران ولمسلم من ~~حديث عزة الأشجعية ويل للنساء من الأحمرين الذهب والزعفران وسنده ضعيف + # يعني الحلي ومصبغات الثياب وقالت عائشة رضي الله عنها أتت فتاة إلى النبي ~~صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني فتاة أخطب فأكره التزويج فما حق ~~الزوج على المرأة قال لو كان من فرقه إلى قدمه صديد فلحسته ما أدت شكره ~~قالت أفلا أتزوج قال بلى تزوجي فإنه خير + حديث عائشة أتت فتاة إلى النبي ~~صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله إني فتاة أخطب وإني أكره التزويج فما ~~حق الزوج على المرأة الحديث أخرجه الحاكم وصحح إسناده من حديث أبي هريرة ~~دون قوله بلى فتزوجي فإنه خير ولم أره من حديث عائشة + # قال ابن عباس أتت امرأة من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ~~إني امرأة أيم وأريد أن تزوج فما حق الزوج قال إن من حق الزوج على الزوجة ~~إذا أرادها فراودها عن نفسها وهي على ظهر بعير لا تمنعه ومن حقه أن لا تعطي ~~شيئا من بيته إلا بإذنه فإن فعلت ذلك كان الوزر عليها والأجر له ومن حقه أن ~~لا تصوم تطوعا إلا بإذنه فإن فعلت جاعت وعطشت ولم يتقبل منها وإن خرجت من ~~بيتها بغير إذنه لعنتها الملائكة حتى ترجع إلى بيته أو تتوب + حديث ابن ~~عباس أتت امرأة من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة ~~أيم وأريد أن أتزوج فما حق الزوج الحديث أخرجه البيهقي مقتصرا على شطر ~~الحديث ورواه بتمامه من حديث ابن عمر وفيه ضعف + # وقال صلى الله عليه وسلم لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد ~~لزوجها من عظم حقه عليها + حديث لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن ~~تسجد لزوجها والولد لأبيه من عظم حقهما عليهما أخرجه الترمذي وابن حبان من ~~حديث أبي هريرة دون قوله والولد لأبيه فلم أرها وكذلك رواه أبو داود من ~~حديث قيس بن سعد وابن ماجه من حديث عائشة وابن حبان من حديث ابن أبي أوفى + # وقال صلى الله عليه وسلم أقرب ما تكون المرأة من وجه ربها إذا كانت في ~~قعر بيتها وإن صلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في المسجد وصلاتها في ~~بيتها أفضل من صلاتها في صحن دارها وصلاتها PageV02P057 في مخدعها أفضل من ~~صلاتها في بيتها + حديث أقرب ما تكون المرأة من ربها إذا كانت في قعر بيتها ~~فإن صلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في المسجدالحديث أخرجه ابن حبان من ~~حديث ابن مسعود بأول الحديث دون آخره وآخره رواه أبو داود مختصرا من حديثه ~~دون ذكر صحن الدار ورواه البيهقي من حديث عائشة بلفظ ولأن تصلي في الدار ~~خير لها من أن تصلي في المسجد وإسناده حسن ولابن حبان من حديث أم حميد نحوه ~~+ # والمخدع بيت في بيت وذلك للستر ولذلك قال صلى الله عليه وسلم والمرأة ~~عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان + حديث المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها ~~الشيطان رواه الترمذي وقال حسن صحيح وابن حبان من حديث ابن مسعود + # وقال أيضا للمرأة عشر عورات فإذا تزوجت ستر الزوج عورة واحدة فإذا ماتت ~~ستر القبر العشر عورات + حديث للمرأة عشر عورات فإذا تزوجت ستر الزوج عورة ~~الحديث أخرجه الحافظ أبو بكر محمد بن عمر الجعابي في تاريخ الطالبيين من ~~حديث علي بسند ضعيف وللطبراني في الصغير من حديث ابن عباس للمرأة ستران قيل ~~وما هما قال الزوج والقبر + # فحقوق الزوج على الزوجة كثيرة وأهمها أمران أحدهما الصيانة والستر # والآخر ترك المطالبة بما وراء الحاجة والتعفف عن كسبه إذا كان حراما ~~وهكذا كانت عادة النساء في السلف كان الرجل إذا خرج من منزله تقول له ~~امرأته أو ابنته إياك وكسب الحرام فإنا نصبر على الجوع والضر ولا نصبر على ~~النار # وهم رجل من السلف بالسفر فكره جيرانه سفره فقالوا لزوجته لم ترضين بسفره ~~ولم يدع لك نفقة فقالت زوجي منذ عرفته عرفته أكالا وما عرفته رزاقا ولي رب ~~رزاق يذهب الأكال ويبقى الرزاق # وخطبت رابعة بنت إسماعيل أحمد بن أبي الحواري فكره ذلك لما كان فيه من ~~العبادة وقال لها والله مالي همة في النساء لشغلي بحالي فقالت إني لأشغل ~~بحالي منك ومالي شهوة ولكن ورثت مالا جزيلا من زوجي فأردت أن تنفقه على ~~إخوانك وأعرف بك الصالحين فيكون لي طريقا إلى الله عز وجل فقال حتى استأذن ~~أستاذي فرجع إلى أبي سليمان الداراني قال وكان ينهاني عن التزويج ويقول ما ~~تزوج أحد من أصحابنا إلا تغير فلما سمع كلامها قال تزوج بها فإنها ولية لله ~~هذا كلام الصديقين قال فتزوجتها فكان في منزلنا كن من جص ففنى من غسل أيدي ~~المستعجلين للخروج بعد الأكل فضلا عمن غسل بالأشنان # قال وتزوجت عليها ثلاث نسوة فكانت تطعمني الطيبات وتطيبني وتقول اذهب ~~بنشاطك وقوتك إلى أزواجك وكانت رابعة هذه تشبه في أهل الشام برابعة العدوية ~~بالبصرة # ومن الواجبات عليها أن لا تفرط في ماله بل تحفظه عليه # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لها أن تطعم من بيته إلا بإذنه ~~إلا الرطب من الطعام الذي يخاف فساده فإن أطعمت عن رضاه كان لها مثل أجره ~~وإن أطعمت بغير إذنه كان له الأجر وعليها الوزر + حديث لا يحل لها أن تطعم ~~من بيته إلا بإذنه إلا الرطب من الطعامالحديث أخرجه أبو داود الطيالسي ~~والبيهقي من حديث ابن عمر في حديث فيه ولا تعطي من بيته شيئا إلا بإذنه فإن ~~فعلت ذلك كان له الأجر وعليها الوزر ولأبي داود من حديث سعد قالت امرأة يا ~~رسول الله إنا كل على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم قال ~~الرطب تأكله وتهديه وصحح الدارقطني في العلل أن سعدا هذا رجل من الأنصار ~~ليس ابن أبي وقاص واختاره ابن القطان ولمسلم من حديث عائشة إذا أنفقت ~~المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما ~~كسب + # ومن حقها على الوالدين تعليمها حسن المعاشرة وآداب العشرة مع الزوج كما ~~روي أن أسماء بنت خارجة الفزاري قالت لابنتها عند التزوج إنك خرجت من العش ~~الذي فيه درجت فصرت إلى فراش لم تعرفيه وقرين لم تألفيه فكوني له أرضا يكن ~~لك سماء وكوني له مهادا يكن لك عمادا وكوني له أمة يكن لك عبدا لا تلحفي به ~~فيقلاك ولا تباعدي عنه فينساك إن دنا منك فاقربي منه وإن نأى فأبعدي عنه ~~واحفظي أنفه وسمعه وعينه فلا يشمن منك إلا طيبا ولا يسمع إلا حسنا ولا ينظر ~~إلا جميلا # وقال رجل لزوجته # خذي العفو مني تستديمي مودتي % ولا تنطقي في سورتي حين أغضب PageV02P058 # ولا تنقريني نقرك الدف مرة % فإنك لا تدرين كيف المغيب # ولا تكثري الشكوى فتذهب بالهوى % ويأباك قلبي والقلوب تقلب # فإني رأيت الحب في القلب والأذى % إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب # فالقول الجامع في آداب المرأة من غير تطويل أن تكون قاعدة في قعر بيتها ~~لازمة لمغزلها لا يكثر صعودها واطلاعها قليلة الكلام لجيرانها لا تدخل ~~عليهم إلا في حال يوجب الدخول تحفظ بعلها في غيبته وتطلب مسرته في جميع ~~أمورها ولا تخونه في نفسها وماله ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه فإن خرجت ~~بإذنه فمختفية في هيئة رئة تطلب المواضع الخالية دون الشوارع والأسواق ~~محترزة من أن يسمع غريب صوتها أو يعرفها بشخصها لا تتعرف إلى صديق بعلها في ~~حاجاتها بل تتنكر على من تظن أنه يعرفها أو تعرفه همها صلاح شأنها وتدبير ~~بيتها مقبلة على صلاتها وصيامها وإذا استأذن صديق لبعلها على الباب وليس ~~البعل حاضرا لم تستفهم ولم تعاوده في الكلام غيرة على نفسها وبعلها وتكون ~~قانعة من زوجها بما رزق الله وتقدم حقه على حق نفسها وحق سائر أقاربها ~~منتظفة في نفسها مستعدة في الأحوال كلها للتمتع بها إن شاء مشفقة على ~~أولادها حافظة للستر عليهم قصيرة اللسان عن سب الأولاد ومراجعة الزوج # وقد قال صلى الله عليه وسلم أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين في الجنة ~~امرأة آمت من زوجها وحبست نفسها على بناتها حتى ثابوا أو ماتوا + حديث أنا ~~وامرأة سفعاء الخدين كهاتينالحديث رواه أبو داود من حديث أبي مالك الأشجعي ~~بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم حرم الله على كل آدمي الجنة يدخلها قبلي غير أني ~~أنظر عن يميني فإذا امرأة تبادرني إلى باب الجنة فأقول ما لهذه تبادرني ~~فيقال لي يا محمد هذه امرأة كانت حسناء جميلة وكان عندها يتامى لها فصبرت ~~عليهن حتى بلغ أمرهن الذي بلغ فشكر الله لها ذلك + حديث حرم الله إلى كل ~~آدمي الجنة أن يدخل قبلي غير أني أنظر عن يميني فإذا امرأة تبادرني إلى باب ~~الجنة رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أبي هريرة بسند ضعيف + # ومن آدابها أن لا تتفاخر على الزوج بجمالها ولا تزدري زوجها لقبحه فقد ~~روي أن الأصمعي قال دخلت البادية فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجها تحت ~~رجل من أقبح الناس وجها فقلت لها يا هذه أترضين لنفسك أن تكوني تحت مثله ~~فقالت يا هذا اسكت فقد أسأت في قولك لعله أحسن فيما بينه وبين خالقه فجعلني ~~ثوابه أو لعلي أسأت فيما بيني وبين خالقي فجعله عقوبتي أفلا أرضى بما رضي ~~الله لي فأسكتتني # وقال الأصمعي رأيت في البادية امرأة عليها قميص أحمر وهي مختضبة وبيدها ~~سبحة فقلت ما أبعد هذا من هذا فقالت # ولله مني جانب لا أضيعه % وللهو مني والبطالة جانب # فعلمت أنها امرأة صالحة لها زوج تتزين له # ومن آداب المرأة ملازمة الصلاح والانقباض في غيبة زوجها والرجوع إلى ~~اللعب والانبساط وأسباب اللذة في حضور زوجها ولا ينبغي أن تؤذي زوجها بحال # روي عن معاذ ابن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تؤذي امرأة ~~زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله فإنما ~~هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا + حديث معاذ لا تؤذي امرأة زوجها في ~~الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيهالحديث رواه الترمذي وقال ~~حسن غريب وابن ماجة + # ومما يجب عليها من حقوق النكاح إذا مات عنها زوجها أن لا تحد عليه أكثر ~~من أربعة أشهر وعشر وتتجنب الطيب والزينة في هذه المدة قالت زينب بنت أبي ~~سلمة دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو ~~سفيان بن حرب PageV02P059 فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت به جارية ~~ثم مست بعارضيها ثم قالت والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ~~تحد على ميت أكثر من ثلاثة أيام إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا + حديث أم ~~حبيبة لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت أكثر من ثلاثة ~~أيام إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا متفق عليه + # ويلزمها لزوم مسكن النكاح إلى آخر العدة وليس لها الانتقال إلى أهلها ولا ~~الخروج إلا لضرورة ومن آدابها أن تقوم بكل خدمة في الدار تقدر عليها فقد ~~روي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنها قالت تزوجني الزبير ~~وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه وناضحه فكنت أعلف فرسه ~~وأكفيه مؤنته وأسوسه وأدق النوى لناضحه وأعلفه وأستقي الماء وأخرز غربه ~~وأعجن وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ حتى أرسل إلى أبو بكر بجارية ~~فكفتني سياسة الفرس فكأنما أعتقني + حديث أسماء تزوجني الزبير وما له في ~~الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير فرس وناضح فكنت أعلف فرسهالحديث متفق ~~عليه + # ولقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ومعه أصحابه والنوى على رأسي ~~فقال صلى الله عليه وسلم أخ أخ لينيخ ناقته ويحملني خلفه فاستحييت أن أسير ~~مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس فعرف رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أني قد استحييت فجئت الزبير فحكيت له ما جرى فقال والله لحملك ~~النوى على رأسك أشد علي من ركوبك معه # تم كتاب آداب النكاح بحمد الله ومنه وصلى الله على كل عبد مصطفى كتاب ~~آداب الكسب والمعاش وهو الكتاب الثالث من ربع العادات من كتاب إحياء علوم ~~الدين # بسم الله الرحمن الرحيم # نحمد الله حمد موحد انمحق في توحيده ما سوى الواحد الحق وتلاشر # ونمجده تمجيد من يصرح بأن كل شيء ما سوى الله باطل ولا يتحاشى # وأن كل من في السموات والأرض لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ولا فراشا # ونشكره إذ رفع السماء لعباده سقفا مبنيا ومهد الأرض بساطا لهم وفراشا # وكور الليل على النهار فجعل الليل لباسا والنهار معاشا # لينتشروا في ابتغاء فضله وينتعشوا به عن ضراعة الحاجات انتعاشا ونصلي على ~~رسوله الذي يصدر المؤمنون عن حوضه رواء بعد ورودهم عليه عطاشا # وعلى آله وأصحابه الذين لم يدعوا في نصرة دينه تشمرا وانكماشا # وسلم تسليما كثيرا # أما بعد فإن رب الأرباب ومسبب الأسباب # جعل الآخرة دار الثواب والعقاب والدنيا دار التمحل والاضطراب # والتشمر والاكتساب # وليس التشمر في الدنيا مقصورا على المعاد دون المعاش بل المعاش ذريعة إلى ~~المعاد ومعين عليه فالدنيا مزرعة الآخرة ومدرجة إليها # والناس ثلاثة رجل شغله معاشه عن معاده فهو من الفائزين والأقرب إلى ~~الاعتدال هو الثالث الذي شغله معاشه لمعاده فهو من المفتصدين # ولن ينال رتبة PageV02P060 الاقتصاد من لم يلازم في طلب المعيشة منهج ~~السداد ولن ينتهض من طلب الدنيا وسيلة إلى الآخرة وذريعة ما لم يتأدب في ~~طلبها بآداب الشريعة وها نحن نورد آداب التجارات والصناعات وضروب ~~الاكتسابات وسننها ونشرحها في خمسة أبواب # الباب الأول فضل الكسب والحث عليه # الباب الثاني في علم صحيح البيع والشراء والمعاملات # الباب الثالث في بيان العدل في المعاملة # الباب الرابع في بيان الإحسان فيها # الباب الخامس في شفقة التاجر على نفسه ودينه # | الباب الأول في فضل الكسب والحث عليه # أما من الكتاب فقوله تعالى وجعلنا النهار معاشا فذكره في معرض الامتنان # وقال تعالى وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون فجعلها ربك نعمة وطلب ~~الشكر عليها # وقال تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم وقال تعالى وآخرون ~~يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وقال تعالى فانتشروا في الأرض وابتغوا ~~من فضل الله وأما الأخبار فقد قال صلى الله عليه وسلم من الذنوب ذنوب لا ~~يكفرها إلا الهم في طلب المعيشة + حديث من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم ~~في طلب المعيشة تقدم في النكاح + # وقال صلى الله عليه وسلم التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين ~~والشهداء + حديث التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين والشهداء ~~أخرجه الترمذي والحاكم من حديث أبي سعيد قال الترمذي حسن وقال الحاكم إنه ~~من مراسيل الحسن ولابن ماجه والحاكم نحوه من حديث ابن عمر + # وقال صلى الله عليه وسلم من طلب الدنيا حلالا وتعففا عن المسئلة وسعيا ~~على عياله وتعطفا على جاره لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر + حديث من طلب ~~الدنيا حلالا وتعففا عن المسألة وسعيا على عيالهالحديث أخرجه أبو الشيخ في ~~كتاب الثواب وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي ~~هريرة بسند ضعيف + # وكان صلى الله عليه وسلم جالسا مع أصحابه ذات يوم فنظروا إلى شاب ذي جلد ~~وقوة وقد بكر يسعى فقالوا ويح هذا لو كان شبابه وجلده في سبيل الله فقال ~~صلى الله عليه وسلم لا تقولوا هذا فإنه إن كان يسعى على نفسه ليكفها عن ~~المسئلة ويغنيها عن الناس فهو في سبيل الله وإن كان يسعى على أبوين ضعيفين ~~أو ذرية ضعاف ليغنيهم ويكفيهم فهو في سبيل الله وإن كان يسعى تفاخرا ~~وتكاثرا فهو في سبيل الشيطان + حديث كان صلى الله عليه وسلم جالسا مع ~~أصحابه ذات يوم فنظر إلى شاب ذي جلد وقوة وقد بكر يسعى فقالوا ويح هذا لو ~~كان جلده في سبيل اللهالحديث أخرجه الطبراني في معاجمه الثلاثة من حديث كعب ~~بن عجرة بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم إن الله يحب العبد يتخذ المهنة ليستغني بها عن ~~الناس ويبغض العبد يتعلم العلم يتخذه مهنة + حديث إن الله يحب العبد يتخذ ~~المهنة يستغني بها عن الناسالحديث لم أجده هكذا وروى أبو منصور الديلمي في ~~مسند الفردوس من حديث علي إن الله يحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال وفيه ~~محمد بن سهل العطار قال الدارقطني يضع الحديث + # وفي الخبر إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف + حديث إن الله يحب المؤمن ~~المحترف أخرجه الطبراني وابن عدي وضعفه من حديث ابن عمر + # وقال صلى الله عليه وسلم أحل ما أكل الرجل من كسبه وكل بيع مبرور + حديث ~~أحل ما أكل الرجل من كسبه وكل بيع مبرور أخرجه أحمد من حديث رافع بن خديج ~~قيل يا رسول الله أي الكسب أطيب قال عمل الرجل بيده وكل عمل مبرور ورواه ~~البزار والحاكم من رواية سعيد بن عمير عن عنه قال الحاكم صحيح الإسناد قال ~~وذكر يحيى بن معين أن عم سعيد البراء بن عازب ورواه البيهقي من رواية سعيد ~~بن عمير مرسلا وقال هذا هو المحفوظ وخطأ قول من قال عن عمه وحكاه عن ~~البخاري ورواه أحمد والحاكم من رواية جميع ابن عمير عن خاله أبي بردة وجميع ~~ضعيف والله أعلم + PageV02P061 # وفي خبر آخر أحل ما أكل العبد كسب يد الصانع إذا نصح + حديث أحل ما أكل ~~العبد كسب الصانع إذا نصح رواه أحمد من حديث أبي هريرة خير الكسب كسب ~~العامل إذا نصح وإسناده حسن + # وقال صلى الله عليه وسلم عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق + ~~حديث عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق رواه إبراهيم الحربي في ~~غريب الحديث من حديث نعيم بن عبد الرحمن تسعة أعشار الرزق في التجارة ~~ورجاله ثقات ونعيم هذا قال فيه ابن مندة ذكر في الصحابة ولا يصح وقال أبو ~~حاتم الرازي وابن حبان أنه تابعي فالحديث مرسل + # وروي أن عيسى عليه السلام رأى رجلا فقال ما تصنع قال أتعبد قال من يعولك ~~قال أخي # قال أخوك أعبد منك # وقال نبينا صلى الله عليه وسلم إني لا أعلم شيئا يقربكم من الجنة ويبعدكم ~~من النار إلا أمرتكم به وإني لا أعلم شيئا يبعدكم من الجنة ويقربكم من ~~النار إلا نهيتكم عنه وإن الروح الأمين نفث في روعي إن نفسا لن تموت حتى ~~تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب أمر بالإجمال في ~~الطلب ولم يقل اتركوا الطلب ثم قال في آخره ولا يحملنكم استبطاء شيء من ~~الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله تعالى فإن الله لا ينال ما عنده بمعصيته + ~~حديث إني لا أعلم شيئا يبعدكم من الجنة ويقربكم من النار ألا نهيتكم عنه ~~فإن الروح الأمين نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقهاالحديث رواه ~~ابن أبي الدنيا في القناعة والحاكم من حديث ابن مسعود وذكره شاهدا لحديث ~~أبي حميد وجابر وصححهما على شرط الشيخين وهما مختصران ورواه البيهقي في شعب ~~الإيمان وقال إنه منقطع + # وقال صلى الله عليه وسلم الأسواق موائد الله تعالى فمن أتاها أصاب منها + ~~حديث الأسواق موائد الله فمن أتاها أصاب منها رويناه في الطيوريات من قول ~~الحسن البصري ولم أجده مرفوعا + # وقال صلى الله عليه وسلم لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير من أن ~~يأتي رجلا أعطاه الله من فضله فيسأله له أعطاه أو منعه + حديث لأن يأخذ ~~أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاالحديث متفق عليه من ~~حديث أبي هريرة + # وقال من فتح على نفسه بابا من السؤال فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر ~~+ حديث من فتح على نفسه بابا من السؤال فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر ~~رواه الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري ولا فتح عبد باب مسئلة إلا فتح ~~الله عليه باب فقر أو كلمة نحوها وقال حسن صحيح + # وأما الآثار فقد قال لقمان الحكيم لابنه يا بني استغن بالكسب الحلال عن ~~الفقر فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال رقة في دينه وضعف في عقله ~~وذهاب مروءته وأعظم من هذه الثلاث استخفاف الناس به # وقال عمر رضي الله عنه لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق يقول اللهم ارزقني فقد ~~علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة # وكان زيد بن مسلمة يغرس في أرضه فقال له عمر رضي الله عنه أصبت استغن عن ~~الناس يكن أصون لدينك وأكرم لك عليهم كما قال صاحبكم أحيحة # فلن أزال على الزوراء أغمرها % إن الكريم على الإخوان ذو المال # وقال ابن مسعود رضي الله عنه إني لأكره أن أرى الرجل فارغا لا في أمر ~~دنياه ولا في أمر آخرته # وسئل إبراهيم عن التاجر الصدوق أهو أحب إليك أم المتفرغ للعبادة قال ~~التاجر الصدوق أحب إلي لأنه في جهاد يأتيه الشيطان من طريق المكيال ~~والميزان ومن قبل الأخذ والعطاء فيجاهده وخالفه الحسن البصري في هذا # وقال عمر رضي الله عنه ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إلي من موطن ~~أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري # وقال الهيثم ربما يبلغني عن الرجل يقع في فأذكر استغنائي عنه فيهون ذلك ~~علي # وقال أيوب كسب فيه شيء أحب إلي من سؤال الناس # وجاءت ريح عاصفة في البحر فقال أهل السفينة لإبراهيم بن أدهم رحمه الله ~~وكان معهم فيها أما ترى هذه الشدة فقال ما هذه الشدة وإنما الشدة الحاجة ~~إلى الناس # وقال أيوب قال لي أبو قلابة الزم السوق فإن الغنى من العافية يعني الغنى ~~عن الناس # وقيل لأحمد ما تقول فيمن جلس في بيته PageV02P062 أو مسجده وقال لا أعمل ~~شيئا حتى يأتيني رزقي فقال أحمد هذا رجل جهل العلم أما سمع قول النبي صلى ~~الله عليه وسلم إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي + حديث إن الله جعل رزقي تحت ~~ظل رمحي رواه أحمد من حديث ابن عمر جعل رزقي تحت ظل رمحي وإسناده صحيح + # وقوله صلى الله عليه وسلم حين ذكر الطير فقال تغذو خماصا وتروح بطانا + ~~حديث ذكر الطير فقال تغذو خماصا وتروح بطانا أخرجه الترمذي وابن ماجه من ~~حديث عمر قال الترمذي حسن صحيح + # فذكر أنها تغدو في طلب الرزق وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم والقدوة بهم # وقال أبو قلابة لرجل لأن أراك تطلب معاشك أحب إلي من أن أراك في زاوية ~~المسجد # وروي أن الأوزاعي لقي إبراهيم بن أدهم رحمهم الله وعلى عنقه حزمة حطب ~~فقال له يا أبا إسحق إلى متى هذا إخوانك يكفونك فقال دعني عن هذا يا أبا ~~عمرو فإنه بلغني أنه من وقف موقف مذلة في طلب الحلال وجبت له الجنة # وقال أبو سليمان الداراني ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك وغيرك يقوت لك ~~ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبد # وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه ينادي مناد يوم القيامة أين بغضاء الله في ~~أرضه فيقوم سؤال المساجد فهذه مذمة الشرع للسؤال والاتكال على كفاية ~~الأغيار # ومن ليس له مال موروث فلا ينجيه من ذلك إلا الكسب والتجارة # فإن قلت فقد قال صلى الله عليه وسلم ما أوحي إلي أن أجمع المال وكن من ~~التاجرين ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى ~~يأتيك اليقين + حديث ما أوحي إلي أن اجمع المال وكن من التاجرين ولكن أوحي ~~إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين رواه ابن مردويه في التفسير من حديث ~~ابن مسعود بسند فيه لين + # وقيل لسلمان الفارسي أوصنا فقال من استطاع منكم أن يموت حاجا أو غازيا أو ~~عامرا لمسجد ربه فليفعل ولا يموتن تاجرا ولا خائنا فالجواب أن وجه الجمع ~~بين هذه الأخبار تفصيل الأحوال فنقول لسنا نقول التجارة أفضل مطلقا من كل ~~شيء ولكن التجارة إما أن تطلب بها الكفاية أو الثروة أو الزيادة على ~~الكفاية فإن طلب منها الزيادة على الكفاية لاستكثار المال وادخاره لا ليصرف ~~إلى الخيرات والصدقات فهي مذمومة لأنه إقبال على الدنيا التي حبها رأس كل ~~خطيئة فإن كان مع ذلك ظالما خائنا فهو ظلم وفسق وهذا ما أراده سلمان بقوله ~~لا تمت تاجرا ولا خائنا وأراد بالتاجر طالب الزيادة فأما إذا طلب بها ~~الكفاية لنفسه وأولاده وكان يقدر على كفايتهم بالسؤال فالتجارة تعففا عن ~~السؤال أفضل وإن كان لا يحتاج إلى السؤال وكان يعطي عن غير سؤال فالكسب ~~أفضل لأنه إنما يعطي لأنه سائل بلسان حاله ومناد بين الناس بفقره فالتعفف ~~والتستر أوفى من البطالة بل من الاشتغال بالعبادات البدنية وترك الكسب أفضل ~~لأربعة عابد بالعبادات البدنية أو رجل له سير بالباطن وعمل بالقلب في علوم ~~الأحوال والمكاشفات أو عالم مشتغل بتربية علم الظاهر مما ينتفع الناس به في ~~دينهم كالمفتي والمفسر والمحدث وأمثالهم أو رجل مشتغل بمصالح المسلمين وقد ~~تكفل بأمورهم كالسلطان والقاضي والشاهد فهؤلاء إذا كانوا يكفون من الأموال ~~المرصدة للمصالح أو الأوقاف المسبلة على الفقراء أو العلماء # فإقبالهم على ما هم فيه أفضل من اشتغالهم بالكسب ولهذا أوحي إلى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين ولم يوح إليه أن ~~كن من التاجرين لأنه كان جامعا لهذه المعاني الأربعة إلى زيادات لا يحيط ~~بها الوصف ولهذا أشار الصحابة على أبي بكر رضي الله عنهم بترك التجارة لما ~~ولي الخلافة إذ كان ذلك يشغله عن المصالح وكان يأخذ كفايته من مال المصالح ~~ورأى ذلك أولى ثم لما توفي أوصى برده إلى بيت المال ولكنه رآه في الابتداء ~~أولى ولهؤلاء الأربعة حالتان أخريان # أحداهما PageV02P063 أن تكون كفايتهم عند ترك المكسب من أيدي الناس وما ~~يتصدق به عليهم من زكاة أو صدقة من غير حاجة إلى سؤال فترك الكسب والاشتغال ~~بما هم فيه أولى إذ فيه إعانة الناس على الخيرات وقبول منهم لما هو حق ~~عليهم وأفضل لهم # الحالة الثانية الحاجة إلى السؤال وهذا في محل النظر والتشديدات التي ~~رويناها في السؤال وذمه تدل ظاهرا على أن التعفف عن السؤال أولى وإطلاق ~~القول فيه من غير ملاحظة الأحوال والأشخاص عسير بل هو موكول إلى اجتهاد ~~العبد ونظره لنفسه بأن يقابل ما يلقى في السؤال من المذلة وهتك المروءة ~~والحاجة إلى التثقيل والإلحاح بما يحصل من اشتغاله بالعلم والعمل من ~~الفائدة له ولغيره فرب شخص تكثر فائدة الخلق وفائدته في اشتغاله بالعلم أو ~~العمل ويهون عليه بأدنى تعريض في السؤال تحصيل الكفاية وربما يكون بالعكس ~~وربما يتقابل المطلوب والمحذور فينبغي أن يستفتي المريد فيه قلبه وإن أفتاه ~~المفتون فإن الفتاوى لا تحيط بتفاصيل الصور ودقائق الأحوال ولقد كان في ~~السلف من له ثلثمائة وستون صديقا ينزل على كل واحد منهم ليلة ومنهم من له ~~ثلاثون وكانوا يشتغلون بالعبادة لعملهم بأن المتكلفين بهم يتقلدون منة من ~~قبولهم لمبراتهم فكان قبولهم لمبراتهم خيرا مضافا لهم إلى عباداتهم فينبغي ~~أن يدقق النظر في هذه الأمور فإن أجر الآخذ كأجر المعطي مهما كان الآخذ ~~يستعين به على الدين والمعطي يعطيه عن طيب قلب # ومن اطلع على هذه المعاني أمكنه أن يتعرف حال نفسه ويستوضح من قلبه ما هو ~~الأفضل له بالإضافة إلى حاله ووقته فهذه فضيلة الكسب وليكن العقد الذي به ~~الاكتساب جامعا لأربعة أمور الصحة والعدل والإحسان والشفقة على الدين # ونحن نعقد في كل واحد بابا ونبتدئ بذكر أسباب الصحة في الباب الثاني # | الباب الثاني في علم الكسب بطريق البيع والربا والسلم والإجارة والقراض # والشركة وبيان شروط الشرع في صحة هذه التصرفات التي هي مدار المكاسب في ~~الشرع # اعلم أن تحصيل علم هذا الباب واجب على كل مسلم مكتسب لأن طلب العلم فريضة ~~على كل مسلم وإنما هو طلب العلم المحتاج إليه والمكتسب يحتاج إلى علم الكسب ~~ومهما حصل علم هذا الباب وقف على مفسدات المعاملة فيتقيها وما شذ عنه من ~~الفروع المشكلة فيقع على سبب إشكالها فيتوقف فيها إلى أن يسأل فإنه إذا لم ~~يعلم أسباب الفساد بعلم جملي فلا يدري متى يجب عليه التوقف والسؤال ولو قال ~~لا أقدم العلم ولكني أصبر إلى أن تقع لي الواقعة فعندها أتعلم وأستفتي ~~فيقال له وبم تعلم وقوع الواقعة مهما لم تعلم جمل مفسدات العقود فإنه يستمر ~~في التصرفات ويظنها صحيحة مباحة فلا بد له من هذا القدر من علم التجارة ~~ليتميز له المباح عن المحظور وموضع الإشكال عن موضع الوضوح ولذلك روي عن ~~عمر رضي الله عنه أنه كان يطوف السوق ويضرب بعض التجار بالدرة ويقول لا ~~يبيع في سوقنا إلا من يفقه وإلا أكل الربا شاء أم أبى وعلم العقود كثير ~~ولكن هذه العقود الستة لا تنفك المكاسب عنها وهي البيع والربا والسلم ~~والإجارة والشركة والقراض فلنشرح شروطها العقد الأول البيع # وقد أحله الله تعالى وله ثلاثة أركان العاقد والمعقود عليه واللفظ # الركن الأول العاقد ينبغي للتاجر أن لا يعامل بالبيع أربعة الصبي ~~والمجنون والعبد والأعمى لأن الصبي غير مكلف وكذا المجنون وبيعهما باطل فلا ~~يصح بيع الصبي وإن أذن له فيه الولي عند الشافعي وما أخذه منهما مضمون عليه ~~لهما PageV02P064 # وما سلمه في المعاملة إليهما فضاع في أيديهما فهو المضيع له # وأما العبد العاقل فلا يصح بيعه وشراؤه إلا بإذن سيده فعلى البقال ~~والخباز والقصاب وغيرهم أن لا يعاملوا العبيد ما لم تأذن لهم السادة في ~~معاملتهم وذلك بأن يسمعه صريحا أو ينتشر في البلد أنه مأذون له في الشراء ~~لسيده وفي البيع له فيعول على الاستفاضة أو على قول عدل يخبره بذلك فإن ~~عامله بغير إذن السيد فعقده باطل وما أخذه منه مضمون عليه لسيده وما تسلمه ~~إن ضاع في يد العبد لا يتعلق برقبته ولا يضمنه سيده بل ليس له إلا المطالبة ~~إذا عتق # وأما الأعمى فإنه يبيع ويشتري ما لا يرى فلا يصح ذلك فليأمره بأن يوكل ~~وكيلا بصيرا ليشتري له أو يبيع فيصح توكيله ويصح بيع وكيله فإن عامله ~~التاجر بنفسه فالمعاملة فاسدة وما أخذه منه مضمون عليه بقيمته وما سلمه ~~إليه أيضا مضمون له بقيمته # وأما الكافر فتجوز معاملته لكن لا يباع منه المصحف ولا العبد المسلم ولا ~~يباع منه السلاح إن كان من أهل الحرب فإن فعل فهي معاملات مردودة وهو عاص ~~بها ربه # وأما الجندية من الأتراك والتركمانية والعرب والأكراد والسراق والخونة ~~وأكلة الربا والظلمة وكل من أكثر ماله حرام فلا ينبغي أن يتملك مما في ~~أيديهم شيئا لأجل أنها حرام إلا إذا عرف شيئا بعينه أنه حلال وسيأتي تفصيل ~~ذلك في كتاب الحلال والحرام # الركن الثاني في المعقود عليه وهو المال المقصود نقله من أحد العاقدين ~~إلى الآخر ثمنا كان أو مثمنا فيعتبر فيه ستة شروط # الأول أن لا يكون نجسا في عينه فلا يصح بيع كلب وخنزير ولا بيع زبل وعذرة ~~ولا بيع العاج والأواني المتخذة منه فإن العظم ينجس بالموت ولا يطهر الفيل ~~بالدبح ولا يطهر عظمه بالتذكية ولا يجوز بيع الخمر ولا بيع الودك النجس ~~المستخرج من الحيوانات التي لا تؤكل وإن كان يصلح للاستصباح أو طلاء السفن ~~ولا بأس ببيع الدهن الطاهر في عينه الذي نجس بوقوع نجاسة أو موت فأرة فيه ~~فإنه يجوز الانتفاع به في غير الأكل وهو في عينه ليس بنجس وكذلك لا أرى ~~بأسا ببيع بزر القز فإنه أصل حيوان ينتفع به تشبيهه بالبيض وهو أصل حيوان ~~أولى من تشبيهه بالروث # ويجوز بيع فأرة المسك ويقضى بطهارتها إذا انفصلت من الظبية في حالة ~~الحياة # الثاني أن يكون منتفعا به فلا يجوز بيع الحشرات ولا الفأرة ولا الحية ولا ~~التفات إلى انتفاع المشعبذ بالحية وكذا لاالتفات إلى انتفاع أصحاب الحلق ~~بإخراجها من السلة وعرضها على الناس ويجوز بيع الهرة والنحل وبيع الفهد ~~والأسد وما يصلح لصيد أو ينتفع بجلده ويجوز بيع الفيل لأجل الحمل ويجوز بيع ~~الطوطى وهي الببغاء والطاوس والطيور المليحة الصور وإن كانت لا تؤكل فإن ~~التفرج بأصواتها والنظر إليها غرض مقصود مباح وإنما الكلب هو الذي لا يجوز ~~أن يقتنى إعجابا بصورته لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه + حديث ~~النهي عن اقتناء الكلب متفق عليه من حديث ابن عمر من اقتنى كلبا إلا كلب ~~ماشية أو ضاريا نقص من عمله كل يوم قيراطان + # ولا يجوز بيع العود والصنج والمزامير والملاهي فإنه لا منفعة لها شرعا ~~وكذا بيع الصور المصنوعة من الطين كالحيوانات التى تباع في الأعياد للعب ~~الصبيان فإن كسرها واجب شرعا وصور الأشجار متسامح بها وأما الثياب والأطباق ~~وعليها صور الحيوانات فيصح بيعها وكذا الستور وقد قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها اتخذي منها نمارق + حديث اتخذي منها نمارق ~~يقوله لعائشة متفق عليه من حديثها + # ولا يجوز استعمالها منصوبة ويجوز موضوعة وإذا جاز الانتفاع من وجه صح ~~البيع لذلك الوجه # الثالث أن يكون المتصرف فيه مملوكا للعاقد أو مأذونا من جهة المالك ولا ~~يجوز أن يشتري من غير المالك انتظارا للإذن من المالك بل لو رضى بعد ذلك ~~وجب استئناف العقد ولا ينبغي أن يشتري من الزوجة مال PageV02P065 # الزوج ولا من الزوج مال الزوجة ولا من الوالد مال الولد ولا من الولد مال ~~الوالد # اعتمادا على أنه لو عرف لرضي فإنه إذا لم يكن الرضا متقدما لم يصح البيع ~~وأمثال ذلك مما يجري في الأسواق فواجب على العبد المتدين أن يحترز منه # الرابع أن يكون المعقود عليه مقدورا على تسليمه شرعا وحسا فما لا يقدر ~~على تسليمه حسا لا يصح بيعه كالآبق والسمك في الماء والجنين في البطن وعسب ~~الفحل وكذلك بيع الصوف على ظهر الحيوان واللبن في الضرع لا يجوز فإنه يتعذر ~~تسليمه لاختلاط غير المبيع بالمبيع والمعجوز عن تسليمه شرعا كالمرهون ~~والموقوف والمستولدة فلا يصح بيعها أيضا وكذا بيع الأم دون الولد إذا كان ~~الولد صغيرا وكذا بيع الولد دون الأم لأن تسليمه تفريق بينهما وحرام فلا ~~يصح التفريق بينهما بالبيع # الخامس أن يكون المبيع معلوم العين والقدر والوصف أما العلم بالعين فبأن ~~يشير إليه بعينه فلو قال بعتك شاة من هذا القطيع أي شاة أردت أو ثوبا من ~~هذه الثياب التي بين يديك أو ذراعا من هذا الكرباس وخذه من أي جانب شئت أو ~~عشرة أذرع من هذه الأرض وخذه من أي طرف شئت فالبيع باطل وكل ذلك مما يعتاده ~~المتساهلون في الدين إلا أن يبيع شائعا مثل أن يبيع نصف الشيء أو عشرة فإن ~~ذلك جائز # وأما العلم بالقدر فإنما يحصل بالكيل أو الوزن أو النظر إليه فلو قال ~~بعتك هذا الثوب بما باع به فلان ثوبه وهما لا يدريان ذلك فهو باطل ولو قال ~~بعتك بزنة هذه الصنجة فهو باطل إذا لم تكن الصنجة معلومة ولو قال بعتك هذه ~~الصبرة من الحنطة فهو باطل أو قال بعتك بهذه الصرة من الدراهم أو بهذه ~~القطعة من الذهب وهو يراها # صح البيع وكان تخمينه بالنظر كافيا في معرفة المقدار # وأما العلم بالوصف فيحصل بالرؤية في الأعيان ولا يصح بيع الغائب إلا إذا ~~سبقت رؤيته مذ مدة لا يغلب التغير فيها والوصف لا يقوم مقام العيان هذا أحد ~~المذهبين ولا يجوز بيع الثوب في المنسج اعتمادا على الرقوم ولا بيع الحنطة ~~في سنبلها ويجوز بيع الأرز في قشرته التي يدخر فيها وكذا بيع الجوز واللوز ~~في القشرة السفلى ولا يجوز في القشرتين ويجوز بيع الباقلاء الرطب في قشرته ~~للحاجة ويتسامح ببيع الفقاع لجريان عادة الأولين به ولكن نجعله إباحة بعوض ~~فإن اشتراه ليبيعه فالقياس بطلانه لأنه ليس مستترا ستر خلقه ولا يبعد أن ~~يتسامح به إذ في إخراجه إفساده كالرمان وما يستر بستر خلق معه # السادس أن يكون المبيع مقبوضا إن كان قد استفاد ملكه بمعاوضة وهذا شرط ~~خاص وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض + حديث النهي ~~عن بيع ما لم يقبض متفق عليه من حديث ابن عباس + # ويستوي فيه العقار والمنقول فكل ما اشتراه أو باعه قبل القبض فبيعه باطل ~~وقبض المنقول بالنقل وقبض العقار بالتخلية وقبض ما ابتاعه بشرط الكيل لا ~~يتم إلا بأن يكتاله وأما بيع الميراث والوصية والوديعة وما لم يكن الملك ~~حاصلا فيه بمعاوضة فهو جائز قبل القبض # الركن الثالث لفظ العقد فلا بد من جريان إيجاب وقبول متصل به بلفظ دال ~~على المقصود مفهم إما صريح أو كناية فلو قال أعطيتك هذا بذاك بدل قوله بعتك ~~فقال قبلته جاز مهما قصدا به البيع لأنه قد يحتمل الإعارة إذا كان في ثوبين ~~أو دابتين والنية تدفع الاحتمال والصريح أقطع للخصومة ولكن الكناية تفيد ~~الملك أيضا والحل فيما يختاره ولا ينبغي أن يقرر بالبيع شرطا على خلاف ~~مقتضى العقدة فلو شرط أن يزيد شيئا آخر وأن يحمل المبيع إلى داره أو اشترى ~~الحطب بشرط النقل إلى داره كل ذلك فاسد إلا إذا أفرد استئجاره على النقل ~~بأجرة معلومة منفردة عن الشراء للمنقول ومهما لم يجر بينهما إلا المعاطاة ~~بالفعل دون التلطف باللسان لم ينعقد البيع PageV02P066 عند الشافعي أصلا ~~وانعقد عند أبي حنيفة إن كان في المحقرات ثم ضبط المحقرات عسير فإن رد ~~الأمر إلى العادات فقد جاوز الناس المحقرات في المعاطاة إذ يتقدم الدلال ~~إلى البزاز يأخذ منه ثوبا ديباجا قيمته عشرة دنانير مثلا ويحمله إلى ~~المشتري ويعود إليه بأنه ارتضاه فيقول له خذ عشرة فيأخذ من صاحبه العشرة ~~ويحملها ويسلمها إلى البزاز فيأخذها ويتصرف فيها ومشتري الثوب يقطعه ولم ~~يجر بينهما إيجاب وقبول أصلا وكذلك يجتمع المجهزون على حانوت البياع فيعرض ~~متاعا قيمته مائة دينار مثلا فيمن يزيد فيقول أحدهم هذا علي بتسعين ويقول ~~الآخر هذا علي بخمسة وتسعين ويقول الآخر هذا بمائة فيقال له زن فيزن ويسلم ~~ويأخذ المتاع من غير إيجاب وقبول فقد استمرت به العادات وهذه من المعضلات ~~التي ليست تقبل العلاج إذ الاحتمالات ثلاثة إما فتح باب المعاطاة مطلقا في ~~الحقير والنفيس وهو محال إذ فيه نقل الملك من غير لفظ دال عليه وقد أحل ~~الله البيع والبيع اسم للإيجاب والقبول ولم يجر ولم ينطلق اسم البيع على ~~مجرد فعل بتسليم وتسلم فبماذا يحكم بانتقال الملك من الجانبين لا سيما في ~~الجواري والعبيد والعقارات والدواب النفيسة وما يكثر التنازع فيه إذ للمسلم ~~أن يرجع ويقول قد ندمت وما بعته إذ لم يصدر مني إلا مجرد تسليم وذلك ليس ~~ببيع # الاحتمال الثاني أن نسد الباب بالكلية كما قال الشافعي رحمه الله من ~~بطلان العقد وفيه إشكال من وجهين # أحدهما أنه يشبه أن يكون ذلك في المحقرات معتادا في زمن الصحابة ولو ~~كانوا يتكلفون الإيجاب والقبول من البقال والخباز والقصاب لثقل عليهم فعله ~~ولنقل ذلك نقلا منتشرا ولكان يشتهر وقت الإعراض بالكلية عن تلك العادة فإن ~~الأعصار في مثل هذا تتفاوت # والثاني أن الناس الآن قد انهمكوا فيه فلا يشتري الإنسان شيئا من الأطعمة ~~وغيرها إلى ويعلم أن البائع قد ملكه بالمعاطاة فأي فائدة في تلفظه بالعقد ~~إذا كان الأمر كذلك # الاحتمال الثالث أن يفصل بين المحقرات وغيرها كما قاله أبو حنيفة رحمه ~~الله وعند ذلك يتعسر الضبط في المحقرات ويشكل وجه نقل الملك من غير لفظ يدل ~~عليه وقد ذهب ابن سريج إلى تخريج قول للشافعي رحمه الله على وفقه وهو أقرب ~~الاحتمالات إلا الاعتدال فلا بأس لو ملنا إليه لمسيس الحاجات ولعموم ذلك ~~بين الخلق ولما يغلب على الظن بأن ذلك كان معتادا في الأعصار الأولى # فأما الجواب عن الإشكالين فهو أن نقول أما الضبط في الفصل بين المحقرات ~~وغيرها فليس علينا تكلفه بالتقدير فإن ذلك غير ممكن بل له طرفان واضحان إذ ~~لا يخفى أن شراء البقل وقليل من الفواكه والخبز واللحم من المعدود من ~~الحقرات التي لا يعتاد فيها إلا المعاطاة وطالب الإيجاب والقبول فيه يعد ~~مستقصيا ويستبرد تكليفه لذلك ويستثقل وينسب إلى انه يقيم الوزن لأمر حقير ~~ولي وجه له هذا طرف الحقارة والطرف الثاني الدواب والعبيد والعقارات ~~والثياب النفيسة فذلك مما لا يستبعد تكلف الإيجاب والقبول فيها وبينهما ~~أوساط متشابهة يشك فيها هي في محل الشبهة فحق ذي الدين أن يميل فيها إلى ~~الاحتياط وجميع ضوابط الشرع فيما يعلم بالعادة كذلك ينقسم إلى أطراف واضحة ~~وأوساط مشكلة # وأما الثاني وهو طلب سبب لنقل الملك فهو أن يجعل الفعل باليد أخذا ~~وتسليما سببا لعينه بل لدلالته وهذا الفعل قد دل على مقصود البيع دلالة ~~مستمرة في العادة وانضم إليه مسيس الحاجة وعادة الأولين واطراد جميع ~~العادات بقبول الهدايا من غير إيجاب وقبول مع التصرف فيها وأي فرق بين أن ~~يكون فيه عوض أو لا يكون إذ الملك لا بد من نقله في الهبة أيضا إلا أن ~~العادة السالفة لم تفرق في الهدايا بين الحقير والنفيس بل كان طلب الإيجاب ~~والقبول يستقبح فيه كيف كان وفي المبيع لم يستقبح في غير المحقرات هذا ما ~~نراه أعدل الاحتمالات وحق الورع المتدين أن لا يدع الإيجاب والقبول للخروج ~~عن شبهة الخلاف فلا ينبغي أن يمتنع من ذلك لأجل PageV02P067 أن البائع قد ~~تملكه بغير إيجاب وقبول فإن ذلك لا يعرف تحقيقا فربما اشتراه بقبول وإيجاب ~~فإن كان حاضرا عند شرائه أو أقر البائع به فيمتنع منه وليشتر من غيره فإن ~~كان الشيء محقرا وهو إليه محتاج فليتلفظ بالإيجاب والقبول فإنه يستفيد به ~~قطع الخصومة في المستقبل معه إذ الرجوع من اللفظ الصريح غير ممكن ومن الفعل ~~ممكن # فإن قلت فإن أمكن هذا فيما يشتريه فكيف يفعل إذا حضر في ضيافة أو على ~~مائدة وهو يعلم أن أصحابها يكتفون بالمعاطاة في البيع والشراء أو سمع منهم ~~ذلك أو رآه أيجب عليه الامتناع من الأكل فأقول يجب عليه الامتناع من الشراء ~~إذا كان ذلك الشيء الذي اشتروه مقدارا نفيسا ولم يكن من المحقرات # وأما الأكل فلا يجب الامتناع منه فإني أقول إن ترددنا في جعل الفعل دلالة ~~على نقل الملك فلا ينبغي أن لا نجعله دلالة على الإباحة فإن أمر الإباحة ~~أوسع وأمر نقل الملك أضيق فكل مطعوم جرى فيه بيع معاطاة فتسليم البائع إذن ~~في الأكل يعلم ذلك بقرينة الحال كإذن الحمامي في دخول الحمام والإذن في ~~الإطعام لمن يريده المشتري فينزل منزلة ما لو قال أبحت لك أن تأكل هذا ~~الطعام أو تطعم من أردت فإنه يحل له ولو صرح وقال كل هذا الطعام ثم أغرم لي ~~عوضه لحل الأكل ويلزمه الضمان بعد الأكل هذا قياس الفقه عندي ولكنه بعد ~~المعاطاة آكل ملكه ومتلفا له فعليه الضمان وذلك في ذمته والثمن الذي سلمه ~~إن كان مثل قيمته فقد ظفر المستحق بمثل حقه فله أن يتملكه مهما عجز عن ~~مطالبة من عليه وإن كان قادرا على مطالبته فإنه لا يتملك ما ظفر به من ملكه ~~لأنه ربما لا يرضى بتلك العين أن يصرفها إلى دينه فعليه المراجعة # وأما ههنا فقد عرف رضاه بقرينة الحال عند التسليم فلا يبعد أن يجعل الفعل ~~دلالة على الرضاء بأن يستوفي دينه مما يسلم إليه فيأخذه بحقه لكن على كل ~~الأحوال جانب البائع أغمض لأن ما أخذه قد يريد المالك ليتصرف فيه ولا يمكنه ~~التملك إلا إذا أتلف عين طعامه في يد المشتري ثم ربما يفتقر إلى استئناف ~~قصد التملك ثم يكون قد تملك بمجرد رضا استفاده من الفعل دون القول # وأما جانب المشتري للطعام وهو لا يريد إلا الأكل فهين فإن ذلك يباح ~~بالإباحة المفهومة من قرينة الحال ولكن ربما يلزم من مشاورته أن الضيف يضمن ~~ما أتلفه وإنما يسقط الضمان عنه إذا تملك البائع ما أخذه من المشتري فيسقط ~~فيكون كالقاضي دينه والمتحمل عنه فهذا ما نراه في قاعدة المعاطاة على ~~غموضها والعلم عند الله وهذه احتمالات وظنون رددناها ولا يمكن بناء الفتوى ~~إلا على هذه الظنون وأما الورع فإنه ينبغي أن يستفتي قلبه ويتقي مواضع ~~الشبه العقد الثاني عقد الربا # وقد حرمه الله تعالى وشدد الأمر فيه ويجب الاحتراز منه على الصيارفة ~~المتعاملين على النقدين وعلى المتعاملين على الأطعمة إذ لا ربا إلا في نقد ~~أو في طعام # وعلى الصيرفي أن يحترز من النسيئة والفضل # أما النسيئة فأن لا يبيع شيئا من جواهر النقدين بشيء من جواهر النقدين ~~إلا يدا بيد وهو أن يجري التقابض في المجلس وهذا احتراز من النسيئة وتسليم ~~الصيارفة الذهب إلى دار الضرب وشراء الدنانير المضروبة حرام من حيث النساء ~~ومن حيث إن الغالب أن يجري فيه تفاضل إذ لا يرد المضروب بمثل وزنه # وأما الفضل فيحترز منه في ثلاثة أمور في بيع المكسر بالصحيح فلا تجوز ~~المعاملة فيهما إلا مع المماثلة # وفي بيع الجيد بالرديء فلا ينبغي أن يشتري رديئا بجيد دونه في الوزن أو ~~يبيع رديئا بجيد فوقه في الوزن أعني إذا باع الذهب بالذهب والفضة بالفضة ~~فإن اختلف الجنسان فلا حرج في الفضل # والثالث في المركبات من الذهب والفضة كالدنانير المخلوطة من الذهب والفضة ~~إن كان PageV02P068 # مقدرا الذهب مجهولا لم تصح المعاملة عليها أصلا إلا إذا كان ذلك نقدا ~~جاريا في البلد فإنا نرخص في المعاملة عليه إذا لم يقابل بالنقد وكذا ~~الدراهم المغشوشة بالنحاس إن لم تكن رائجة في البلد لم تصح المعاملة عليها ~~لأن المقصود منها النقرة وهي مجهولة وإن كان نقدا رائجا في البلد رخصنا في ~~المعاملة لأجل الحاجة وخروج النقرة عن أن يقصد استخراجها ولكن لا يقابل ~~بالنقرة أصلا وكذلك كل حلي مركب من ذهب وفضة فلا يجوز شراؤه لا بالذهب ولا ~~بالفضة بل ينبغي أن يشتري بمتاع آخر إن كان قدر الذهب منه معلوما إلا إذا ~~كان مموها بالذهب تمويها لا يحصل منه ذهب مقصود عند العرض على النار فيجوز ~~بيعها بمثلها من النقرة بما أريد من غير النقرة وكذلك لا يجوز للصيرفي أن ~~يشتري قلادة فيها خرز وذهب بذهب ولا أن يبيعه بل بالفضة يدا بيد إن لم يكن ~~فيها فضة ولا يجوز شراء ثوب منسوج بذهب يحصل منه ذهب مقصود عند العرض على ~~النار بذهب ويجوز بالفضة غيرها وأما المتعاملون على الأطعمة فعليهم التقابض ~~في المجلس اختلف جنس الطعام المبيع والمشترى أو لم يختلف فإن اتحد الجنس ~~فعليهم التقابض ومراعاة المماثلة والمعتاد في هذا معاملة القصاب بأن يسلم ~~إليه الغنم ويشتري بها اللحم نقدا أو نسيئة فهو حرام ومعاملة الخباز بأن ~~يسلم إليه الحنطة ويشتري بها الخبز نسيئة أو نقدا فهو حرام ومعاملة العصار ~~بأن يسلم إليه البزر والسمسم والزيتون ليأخذ منه الأدهان فهو حرام وكذا ~~اللبان يعطي اللبن ليؤخذ منه الجبن والسمن والزبد وسائر أجراء اللبن فهو ~~أيضا حرام ولا يباع الطعام بغير جنسه من الطعام إلا نقدا وبجنسه إلا نقدا ~~ومتماثلا وكل ما يتخذ من الشيء المطعوم فلا يجوز أن يباع به متماثلا ولا ~~متفاضلا فلا يباع بالحنطة دقيق وخبز وسويق ولا بالعنب والتمر دبس وخل وعصير ~~ولا باللبن سمن وزبد ومخيض ومصل وجبن والمماثلة لا تفيد إذا لم يكن الطعام ~~في حال كمال الادخار فلا يباع الرطب بالرطب والعنب بالعنب متفاضلا ومتماثلا ~~فهذه جمل مقنعة في تعريف البيع والتنبيه على ما يشعر التاجر بمثارات الفساد ~~حتى يستفتي فيها إذا تشكك والتبس عليه شيء منها وإذا لم يعرف هذا لم يتفطن ~~لمواضع السؤال واقتحم الربا والحرام وهو لا يدري العقد الثالث السلم # وليراع التاجر فيه عشرة شروط # الأول أن يكون رأس المال معلوما على مثله حتى لو تعذر تسليم المسلم فيه ~~أمكن الرجوع إلى قيمة رأس المال فإن أسلم كفا من الدراهم جزافا في كر حنطة ~~لم يصح في أحد القولين # الثاني أن يسلم رأس المال في مجلس العقد قبل التفرق فلو تفرقا قبل القبض ~~انفسخ السلم # الثالث أن يكون المسلم فيه مما يمكن تعريف أوصافه كالحبوب والحيوانات ~~والمعادن والقطن والصوف والإبريسم والألبان واللحوم ومتاع العطارين ~~وأشباهها ولا يجوز في المعجونات والمركبات وما تختلف أجزاؤه كالقسي المنوعة ~~والنبل المعمول والخفاف والنعال المختلفة أجزاؤها وصنعتها وجلود الحيوانات # ويجوز السلم في الخبز # وما يتطرق إليه من اختلاف قدر الملح والماء بكثرة الطبخ وقلته يعفى عنه ~~ويتسامح فيه # الرابع أن يستقصي وصف هذه الأمور القابلة للوصف حتى لا يبقى وصف تتفاوت ~~به القيمة تفاوتا لا يتغابن بمثله الناس إلا ذكره # فإن ذلك الوصف هو القائم مقام الرؤية في البيع # الخامس أن يجعل الأجل معلوما إن كان مؤجلا فلا يؤجل إلى الحصاد ولا إلى ~~إدراك انثمار بل إلى الأشهر والأيام فإن الإدراك قد يتقدم وقد يتأخر # السادس أن يكون المسلم فيه مما يقدر على تسليمه وقت المحل ويؤمن فيه ~~وجوده غالبا # فلا ينبغي أن يسلم في العنب إلى أجل لا يدرك فيه # وكذا سائر الفواكه فإن كان الغالب وجوده وجاء المحل وعجز عن التسليم بسبب ~~آفة فله أن يمهله إن شاء أو يفسخ ويرجع في رأس المال PageV02P069 إن شاء # السابع أن يذكر مكان التسليم فيما يختلف الغرض به كي لا يثير ذلك نزاعا # الثامن أن لا يعلقه بمعين فيقول من حنطة هذا الزرع أو ثمرة هذا البستان ~~فإن ذلك يبطل كونه دينا # نعم لو أضاف إلى ثمرة بلد أو قرية كبيرة لم يضر ذلك # التاسع أن لا يسلم في شيء نفيس عزيز الوجود مثل درة موصوفة يعز وجود ~~مثلها أو جارية حسناء معها ولدها أو غير ذلك مما لا يقدر عليه غالبا # العاشر أن لا يسلم في طعام مهما كان رأس المال طعاما سواء كان من جنسه أو ~~لم يكن ولا يسلم في نقد إذا كان رأس المال نقدا وقد ذكرنا هذا في الربا ~~العقد الرابع الإجارة # وله ركنان الأجرة والمنفعة فأما العاقد واللفظ فيعتبر فيه ما ذكرناه في ~~البيع والأجرة كالثمن فينبغي أن يكون معلوما وموصوفا بكل ما شرطناه في ~~المبيع إن كان عينا فإن كان دينا فينبغي أن يكون معلوم الصفة والقدر ~~وليحترز فيه عن أمور جرت العادة بها وذلك مثل كراء الدار بعمارتها فذلك ~~باطل إذ قدر العمارة مجهول # ولو قدر دراهم وشرط على المكترى أن يصرفها إلى العمارة لم يجز لأن عمله ~~في الصرف إلى العمارة مجهول # ومنها استئجار السلاخ على أن يأخذ الجلد بعد السلخ واستئجار حمال الجيف ~~بجلد الجيفة واستئجار الطحان بالنخالة أو بعض الدقيق فهو باطل وكذلك كل ما ~~يتوقف حصوله وانفصاله على عمل الأجير فلا يجوز أن يجعل أجرة # ومنها أن يقدر في إجارة الدور والحوانيت مبلغ الأجر فلو قال لكل شهر ~~دينار ولم يقدر أشهر الإجارة كانت المدة مجهولة ولم تنعقد الإجارة # الركن الثاني المنفعة المقصودة بالإجارة وهي العمل وحده إن كان عمل مباح ~~معلوم يلحق العامل فيه كلفة ويتطوع به الغير عن الغير فيجوز الاستئجار عليه ~~وجملة فروع الباب تندرج تحت هذه الرابطة ولكنا لا نطول بشرحها فقد طولنا ~~القول فيها في الفقهيات وإنما نشير إلى ما تعم به البلوى فليراع في العمل ~~المستأجر عليه خمسة أمور # الأول أن يكون متقوما بأن يكون فيه كلفة وتعب # فلو استأجر طعاما ليزين به الدكان # أو أشجارا ليجفف عليها الثياب أو دراهم ليزين بها الدكان # لم يجز فإن هذه المنافع تجري مجرى حبة سمسم وحبة بر من الأعيان وذلك لا ~~يجوز بيعه وهي كالنظر في مرآة الغير والشرب من بئره والاستظلال بجداره ~~والاقتباس من ناره ولهذا لو استأجر بياعا على أن يتكلم بكلمة يروج بها ~~سلعته لم يجز # وما يأخذه البياعون عوضا عن حشمتهم وجاههم وقبول قولهم في ترويج السلع ~~فهو حرام إذ ليس يصدر منهم إلا كلمة لا تعب فيها ولا قيمة لها وإنما يحل ~~لهم ذلك إذ تعبوا بكثرة التردد أو بكثرة الكلام في تأليف أمر المعاملة # ثم لا يستحقون إلا أجرة المثل فأما ما تواطأ عليه الباعة فهو ظلم وليس ~~مأخوذا بالحق # الثاني أن لا تتضمن الإجارة استيفاء عين مقصودة فلا يجوز إجارة الكرم ~~لارتفاقه # ولا إجارة المواشي للبنها # ولا إجارة البساتين لثمارها # ويجوز استئجار المرضعة ويكون اللبن تابعا لأن إفراده غير ممكن # وكذا يتسامح بحبر الورق وخيط الخياط # لأنهما لا يقصدان على حيالهما # الثالث أن يكون العمل مقدورا على تسليمه حسا وشرعا # فلا يصح استئجار الضعيف على عمل لا يقدر عليه # ولا استئجار الأخرس على التعليم ونحوه وما يحرم فعله فالشرع يمنع من ~~تسليمه # كالاستئجار على قلع سن سليمة أو قطع عضو لا يرخص الشرع في قطعه أو ~~استئجار الحائض على كنس المسجد # أو المعلم على تعليم السحر أو الفحش # أو استئجار زوجة الغير على الإرضاع دون إذن زوجها # أو استئجار المصور على تصوير الحيوانات # أو استئجار الصائغ على صيغة الأواني من الذهب والفضة فكل ذلك باطل # الرابع أن لا يكون العمل واجبا على الأجير # أو لا يكون بحيث لا تجري PageV02P070 # النيابة فيه عن المستأجر # فلا يجوز أخذ الأجرة على الجهاد ولا سائر العبادات التي لا نيابة فيها # إذ لا يقع ذلك عن المستأجر # ويجوز عن الحج وغسل الميت وحفر القبور ودفن الموتى وحمل الجنائز # وفي أخذ الأجرة على إمامة صلاة التراويح وعلى الأذان وعلى التصدي للتدريس ~~وإقراء القرآن خلاف # أما الاستئجار على تعليم مسئلة بعينها أو تعليم سورة بعينها لشخص معين ~~فصحيح # الخامس أن يكون العمل والمنفعة معلوما # فالخياط يعرف عمله بالثوب # والمعلم يعرف عمله بتعيين السورة ومقدارها # وحمل الدواب يعرف بمقدار المحمول وبمقدار المسافة # وكل ما يثير خصومة في العادة فلا يجوز إهماله # وتفصيل ذلك يطول # وإنما ذكرنا هذا القدر ليعرف به جليات الأحكام ويتفطن به لمواقع الإشكال # فيسأل # فإن الاستقصاء شأن المفتي لا شأن العوام العقد الخامس القراض # وليراع فيه ثلاثة أركان # الركن الأول رأس المال وشرطه أن يكون نقدا معلوما مسلما إلى العامل فلا ~~يجوز القراض على الفلوس ولا على العروض فإن التجارة تضيق فيه # ولا يجوز على صرة من الدراهم لأن قدر الربح لا يتبين فيه ولو شرط مالك ~~اليد لنفسه لم يجز لأن فيه تضييق طريق التجارة # الركن الثاني الربح وليكن معلوما بالجزئية بأن يشترط له الثلث أو النصف ~~أو ما شاء فلو قال على أن لك من الربح مائة والباقي لي لم يجز إذ ربما لا ~~يكون الربح أكثر من مائة فلا يجوز تقديره بمقدار معين بل بمقدار شائع # الثالث العمل الذي على العامل وشرطه أن يكون تجارة غير مضيقة عليه بتعيين ~~وتأقيت فلو شرط أن يشتري بالمال ماشية ليطلب نسلها فيتقاسمان النسل أو حنطة ~~فيخبزها ويتقاسمان الربح لم يصح لأن القراض مأذون فيه في التجارة وهو البيع ~~والشراء وما يقع من ضرورتهما فقط وهذا حرف أعني الخبز ورعاية المواشي ولو ~~ضيق عليه وشرط أن لا يشتري إلا من فلان أو لا يتجر إلا في الخز الأحمر أو ~~شرط ما يضيق باب التجارة فسد العقد ثم مهما انعقد فالعامل وكيل فيتصرف ~~بالغبطة تصرف الوكلاء ومهما أراد المالك الفسخ فله ذلك فإذا فسخ في حالة ~~والمال كله فيها نقد لم يخف وجه القسمة وإن كان عروضا ولا ربح فيه رد عليه ~~ولم يكن للمالك تكليفه أن يرده إلى النقد لأن العقد قد انفسخ وهو لم يلتزم ~~شيئا وإن قال العامل أبيعه وأبى المالك فالمتبوع رأى المالك إلا إذا وجد ~~العامل زبونا يظهر بسببه ربح على رأس المال ومهما كان ربح فعلى العامل بيع ~~مقدار رأس المال بجنس رأس المال لا بنقد آخر حتى يتميز الفاضل ربحا ~~فيشتركان فيه وليس عليهم بيع الفاضل على رأس المال ومهما كان رأس السنة ~~فعليهم تعرف قيمة المال لأجل الزكاة فإذا كان قد ظهر من الربح شيء فالأقيس ~~أن زكاة نصيب العامل على العامل وأنه يملك الربح بالظهور وليس للعامل أن ~~يسافر بمال القراض دون إذن المالك فإن فعل صحت تصرفاته ولكنه إذا فعل ضمن ~~الأعيان والأثمان جميعا لأن عدوانه بالنقل يتعدى إلى ثمن المنقول وإن سافر ~~بالإذن جاز ونفقة النقل وحفظ المال على مال القراض كما أن نفقة الوزن ~~والكيل والحمل الذي لا يعتاد التاجر مثله على رأس المال فأما نشر الثوب ~~وطيه والعمل اليسير المعتاد فليس له أن يبذل عليه أجرة # وعلى العامل نفقته وسكناه في البلد وليس عليه أجرة الحانوت # ومهما تجرد في السفر لمال القراض فنفقته في السفر على مال القراض فإذا ~~رجع فعليه أن يرد بقايا آلات السفر من المطهرة والسفرة وغيرها PageV02P071 ~~العقد السادس الشركة # وهي أربعة أنواع ثلاثة منها باطلة # الأول شركة المفاوضة وهو أن يقولا تفاوضنا لنشترك في كل مالنا وعلينا ~~ومالاهما ممتازان فهي باطلة # الثاني شركة الأبدان وهو أن يتشارطا الاشتراك في أجرة العمل فهي باطلة # الثالث شركة الوجوه وهو أن يكون لأحدهما حشمة وقول مقبول فيكون من جهته ~~التنفيل ومن جهة غيره العمل فهذا أيضا باطل # وإنما الصحيح العقد الرابع المسمى شركة العنان وهو أن يختلط مالاهما بحيث ~~يتعذر التمييز بينهما إلا بقسمه ويأذن كل منهما لصاحبه في التصرف ثم حكمهما ~~توزيع الربح والخسران على قدر المالين ولا يجوز أن يغير ذلك بالشرط ثم ~~بالعزل يمتنع التصرف عن المعزول وبالقسمة ينفصل الملك عن الملك والصحيح أنه ~~يجوز عقد الشركة على العروض المشتراة ولا يشترط النقد بخلاف القراض # فهذا القدر من علم الفقه يجب تعلمه على كل مكتسب وإلا اقتحم الحرام من ~~حيث لا يدري # وأما معاملة القصاب والخباز والبقال فلا يستغنى عنها المكتسب وغير ~~المكتسب والخلل فيها من ثلاثة وجوه من إهمال شروط البيع أو إهمال شروط ~~السلم أو الاقتصار على المعاطاة إذ العادات جارية بكتبه الخطوط على هؤلاء ~~بحاجات كل يوم ثم المحاسبة في كل مدة ثم التقويم بحسب ما يقع عليه التراضي ~~وذلك مما نرى القضاء بإباحته للحاجة ويحمل تسليمهم على إباحة التناول مع ~~انتظار العوض فيحل أكله ولكن يجب الضمان بأكله وتلزم قيمته يوم الإتلاف ~~فتجتمع في الذمة تلك القيم فإذا وقع التراضي على مقدار ما فينبغي أن يلتمس ~~منهم الإبراء المطلق لا تبقى عليه عهدة إن تطرق إليه تفاوت في التقويم فهذا ~~ما تجب القناعة به فإن تكليف وزن الثمن لكل حاجة من الحوائج في كل يوم وكل ~~ساعة تكليف شطط وكذا تكليف الإيجاب والقبول وتقدير ثمن كل قدر يسير منه فيه ~~عسر وإذا كثر كل نوع سهل تقويمه والله الموفق # | الباب الثالث في بيان العدل واجتناب الظلم في المعاملة # اعلم أن المعاملة قد تجري على وجه يحكم المفتي بصحتها وانعقادها ولكنها ~~تشتمل على ظلم يتعرض به المعامل لسخط الله تعالى إذ ليس كل نهي يقتضي فساد ~~العقد وهذا الظلم يعني به ما استضر به الغير وهو منقسم إلى ما يعم ضرره ~~والى ما يخص المعامل القسم الأول فيما يعم ضرره وهو أنواع # النوع الأول الاحتكار فبائع الطعام يدخر الطعام ينتظر به غلاء الأسعار ~~وهو ظلم عام وصاحبه مذموم في الشرع # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من احتكر الطعام أربعين يوما ثم تصدق ~~به لم تكن صدقته كفارة لاحتكاره + حديث من احتكر الطعام أربعين يوما ثم ~~تصدق به لم تكن صدقته كفارة لاحتكاره رواه أبو منصور الديلمي في مسند ~~الفردوس من حديث علي والخطيب في التاريخ من حديث أنس بسندين ضعيفين + # وروى ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من احتكر الطعام أربعين ~~يوما فقد برئ من الله وبرئ الله منه + حديث ابن عمر من احتكر الطعام أربعين ~~يوما فقد برئ من الله وبرئ الله منه رواه أحمد والحاكم بسند جيد وقال ابن ~~عدي ليس بمحفوظ من حديث ابن عمر + # وقيل فكأنما قتل الناس جميعا وعن علي رضي الله عنه من احتكر الطعام ~~أربعين يوما PageV02P072 قسا قلبه # وعنه أيضا أنه أحرق طعام محتكر بالنار # وروي في فضل ترك الاحتكار عنه صلى الله عليه وسلم من جلب طعاما فباعه ~~بسعر يومه فكأنما تصدق به وفي لفظ آخر فكأنما أعتق رقبة + حديث من جلب ~~طعاما فباعه بسعر يومه فكأنما تصدق به وفي لفظ آخر فكأنما أعتق رقبة أخرجه ~~ابن مردويه في التفسير من حديث ابن مسعود بسند ضعيف ما من جالب يجلب طعاما ~~إلى بلد من بلدان المسلمين فيبيعه بسعر يومه إلا كانت منزلته عند الله ~~منزلة الشهيد وللحاكم من حديث اليسع بن المغيرة إن الجالب إلى سوقا ~~كالمجاهد في سبيل الله وهو مرسل + # وقيل في قوله تعالى @QB@ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم @QE@ ~~إن الاحتكار من الظلم وداخل تحته في الوعيد # وعن بعض السلف أنه كان بواسط فجهز سفينة حنطة إلى البصرة وكتب إلى وكيله ~~بع هذا الطعام يوم يدخل البصرة ولا تؤخره إلى غد فوافق سعة في السعر فقال ~~له التجار لو أخرته جمعة ربحت فيه أضعافه فأخره جمعة فربح فيه أمثاله وكتب ~~إلى صاحبه بذلك فكتب إليه صاحب الطعام يا هذا إنا كنا قنعنا بربح يسير مع ~~سلامة ديننا وإنك قد خالفت وما نحب أن نربح أضعافه بذهاب شيء من الدين فقد ~~جنيت علينا جناية فإذا أتاك كتابي هذا فخذ المال كله فتصدق به على فقراء ~~البصرة وليتني أنجو من إثم الاحتكار كفافا لا علي ولا لي # واعلم أن النهي مطلق ويتعلق النظر به في الوقت والجنس أما الجنس فيطرد ~~النهي في أجناس الأقوات أما ما ليس بقوت ولا هو معين على القوت كالأدوية ~~والعقاقير والزعفران وأمثاله فلا يتعدى النهي إليه وإن كان مطعوما # وأما ما يعين على القوت كاللحم والفواكه وما يسد مسدا يغني عن القوت في ~~بعض الأحوال وإن كان لا يمكن المداومة عليه فهذا في محل النظر فمن العلماء ~~من طرد التحريم في السمن والعسل والشيرج والجبن والزيت وما يجري مجراه وأما ~~الوقت فيحتمل أيضا طرد النهي في جميع الأوقات وعليه تدل الحكاية التي ذكرنا ~~في الطعام الذي صادف بالبصرة سعة في السعر ويحتمل أن يخصص بوقت قلة الأطعمة ~~وحاجة الناس إليه حتى يكون في تأخير بيعه ضر ما فأما إذا اتسعت الأطعمة ~~وكثرت واستغنى الناس عنها ولم يرغبوا فيها إلا بقيمة قليلة فانتظر صاحب ~~الطعام ذلك ولم ينتظر قحطا فليس في هذا إضرار # وإذا كان الزمان زمان قحط كان في ادخار العسل والسمن والشيرج وأمثالها ~~إضرار فينبغي أن يقضي بتحريمه ويعول في نفي التحريم وإثباته على الضرار ~~فإنه مفهوم قطعا من تخصيص الطعام وإذا لم يكن ضرار فلا يخلو احتكار الأقوات ~~عن كراهية فإنه ينتظر مبادئ الضرار وهو ارتفاع الأسعار وانتظار مبادئ ~~الضرار محذور كانتظار عين الضرار ولكنه دونه وانتظار عين الضرار أيضا هو ~~دون الإضرار فبقدر درجات الإضرار تتفاوت درجات الكراهية والتحريم # وبالجملة التجارة في الأقوات مما لا يستحب لأنه طلب ربح والأقوات أصول ~~خلقت قواما والربح من المزايا فينبغي أن يطلب الربح فيما خلق من جملة ~~المزايا التي لا ضرورة للخلق إليها ولذلك أوصى بعض التابعين رجلا وقال لا ~~تسلم ولدك في بيعتين ولا في صنعتين بيع الطعام وبيع الأكفان فإنه يتمنى ~~الغلاء وموت الناس # والصنعتان أن يكون جزارا فإنها صنعة تقسي القلب أو صواغا فإنه يزخرف ~~الدنيا بالذهب والفضة # النوع الثاني ترويج الزيف من الدراهم في أثناء النقد فهو ظلم إذ يستضر به ~~المعامل إن لم يعرف وإن عرف فسيروجه على غيره فكذلك الثالث والرابع ولا ~~يزال يتردد في الأيدي ويعمم الضرر ويتسع الفساد ويكون وزر الكل ووباله ~~راجعا عليه فإنه هو الذي فتح هذا الباب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~من سن سنة سيئة فعمل بها من بعده كان عليه وزرها ومثل وزر من عمل بها لا ~~ينقص من أوزارهم شيئا + حديث من سن سنة سيئة فعمل بها من بعده كان عليه ~~وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيء أخرجه مسلم من حديث جرير بن ~~عبد الله + # وقال بعضهم إنفاق درهم PageV02P073 # زيف أشد من سرقة مائة درهم لأن السرقة معصية واحدة وقد تمت وانقطعت ~~وإنفاق الزيف بدعة أظهرها في الدين وسنة سيئة يعمل بها من بعده فيكون عليه ~~وزرها بعد موته إلى مائة سنة أو مائتي سنة إلى أن يفنى ذلك الدرهم ويكون ~~عليه ما فسد من أموال الناس بسنته وطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه والويل ~~الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة سنة ومائتي سنة أو أكثر يعذب بها في قبره ~~ويسئل عنها إلى آخر انقراضها وقال تعالى @QB@ ونكتب ما قدموا وآثارهم @QE@ ~~أي نكتب أيضا ما أخروه من آثار أعمالهم كما نكتب ما قدموه وفي مثله قوله ~~تعالى @QB@ ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر @QE@ وإنما أخر آثار أعماله من ~~سنة سيئة عمل بها غيره # وليعلم أن في الزيف خمسة أمور # الأول أنه إذا رد عليه شيء منه فينبغي أن يطرحه في بئر بحيث لا تمتد إليه ~~اليد وإياه أن يروجه في بيع آخر # وإن أفسده بحيث لا يمكن التعامل به جاز # الثاني أنه يجب على التاجر تعلم النقد لا ليستقصي لنفسه ولكن لئلا يسلم ~~إلى مسلم زيفا وهو لا يدري فيكون آثما بتقصيره في تعلم ذلك العلم # فكل علم عمل به يتم نصح المسلمين # فيجب تحصيله ولمثل هذا كان السلف يتعلمون علامات النقد نظرا لدينهم لا ~~لدنياهم # الثالث أنه إن سلم وعرف المعامل أنه زيف لم يخرج عن الإثم # لأنه ليس يأخذه إلا ليروجه على غيره ولا يخبره ولو لم يعزم على ذلك لكان ~~لا يرغب في أخذه أصلا # فإنما يتخلص من إثم الضرر الذي يخص معامله فقط # الرابع أن يأخذ الزيف ليعمل بقوله صلى الله عليه وسلم رحم الله امرأ سهل ~~البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء + حديث رحم الله امرءا سهل البيع ~~سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء أخرجه البخاري من حديث جابر + # فهو داخل في بركة هذا الدعاء إن عزم على طرحه في بئر # وإن كان عازما على أن يروجه في معاملة فهذا شر روجه الشيطان عليه في معرض ~~الخير فلا يدخل تحت من تساهل في الاقتضاء # الخامس أن الزيف نعني به ما لا نقرة فيه أصلا بل هو مموه # أو ما لا ذهب فيه أعني في الدنانير # أما ما فيه نقرة فإن كان مخلوطا بالنحاس وهو نقد البلد فقد اختلف العلماء ~~في المعاملة عليه وجل رأينا الرخصة فيه إذا كان ذلك نقد البلد سواء علم ~~مقدار النقرة أو لم يعلم وإن لم يكن هو نقد البلد لم يجز إلا إذا علم قدر ~~النقرة فإن كان في ماله قطعة نقرتها ناقصة عن نقد البلد فعليه أن يخبر به ~~معامله وأن لا يعامل به إلا من لا يستحل الترويج في جملة النقد بطريق ~~التلبيس فأما من يستحل ذلك فتسليمه إليه تسليط له على الفساد فهو كبيع ~~العنب ممن يعلم أنه يتخذه خمرا وذلك محظور وإعانة على الشر ومشاركة فيه ~~وسلوك طريق الحق بمثال هذا في التجارة أشد من المواظبة على نوافل العبادات ~~والتخلي لها ولذلك قال بعضهم التاجر الصدوق أفضل عند الله من المتعبد وقد ~~كان السلف يحتاطون في مثل ذلك حتى روي عن بعض الغزاة في سبيل الله أنه قال ~~حملت على فرسي لأقتل علجا فقصر بي فرسي فرجعت ثم دنا مني العلج فحملت ثانية ~~فقصر فرسي فرجعت ثم حملت الثالثة فنفر مني فرسي وكنت لا أعتاد ذلك منه ~~فرجعت حزينا وجلست منكس الرأس منكسر القلب لما فاتني من العلج وما ظهر لي ~~من خلق الفرس فوضعت رأسي على عمود الفسطاط وفرسي قائم فرأيت في النوم كأن ~~الفرس يخاطبني ويقول لي بالله عليك أردت أن تأخذ على العلج ثلاث مرات وأنت ~~بالأمس اشتريت لي علفا ودفعت في ثمنه درهما زائفا لا يكون هذا أبدا # قال فانتبهت فزعا فذهبت إلى العلاف وأبدلت ذلك الدرهم فهذا مثال ما يعم ~~ضرره وليقس عليه أمثاله القسم الثاني ما يخص ضرره المعامل # فكل ما يستضر به المعامل فهو ظلم وإنما العدل لا يضر بأخيه المسلم ~~والضابط الكلي فيه أن لا يحب PageV02P074 # لأخيه إلا ما يحب لنفسه فكل ما لو عومل به شق عليه وثقل على قلبه فينبغي ~~أن لا يعامل غيره به بل ينبغي أن يستوي عنده درهمه ودرهم غيره # قال بعضهم من باع أخاه شيئا بدرهم وليس يصلح له لو اشتراه لنفسه إلا ~~بخمسة دوانق فإنه قد ترك النصح المأمور به في المعاملة ولم يحب لأخيه ما ~~يحب لنفسه هذه جملته # فأما تفصيله ففي أربعة أمور # أن لا يثني على السلعة بما ليس فيها وأن لا يكتم من عيوبها وخفايا صفاتها ~~شيئا أصلا وأن لا يكتم في وزنها ومقدارها شيئا وأن لا يكتم من سعرها ما لو ~~عرفه المعامل لامتنع عنه # أما الأول فهو ترك الثناء فإن وصفه للسلعة إن كان بما ليس فيها فهو كذب ~~فإن قبل المشتري ذلك فهو تلبيس وظلم مع كونه كذبا وإن لم يقبل فهو كذب ~~وإسقاط مروءة إذ الكذب الذي لا يروج قد لا يقدح في ظاهر المروءة وإن أثنى ~~على السلعة بما فيها فهو هذيان وتكلم بكلام لا يعنيه وهو محاسب على كل كلمة ~~تصدر منه أنه لم تكلم بها # قال الله تعالى @QB@ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد @QE@ إلا أن يثني ~~على السلعة بما فيها مما لا يعرفه المشتري ما لم يذكره كما يصفه من خفى ~~أخلاق العبيد والجواري والدواب فلا بأس بذكر القدر الموجود منه من غير ~~مبالغة وإطناب وليكن قصده منه أن يعرفه أخوه المسلم فيرغب فيه وتنقضي بسببه ~~حاجته ولا ينبغي أن يحلف عليه ألبتة فإنه إن كان كاذبا فقد جاء باليمين ~~الغموس وهي من الكبائر التي تذر الديار بلاقع وإن كان صادقا فقد جعل الله ~~تعالى عرضة لأيمانه وقد أساء فيه إذ الدنيا أخس من أن يقصد ترويجها بذكر ~~اسم الله من غير ضرورة وفي الخبر ويل للتاجر من بلى والله ولا والله وويل ~~للصانع من غد وبعد + حديث ويل للتاجر من بلى والله ولا والله وويل للصانع ~~من غد وبعد غد لم أقف له على أصل وذكر صاحب مسند الفردوس من حديث أنس بغير ~~إسناد نحوه + # وفي الخبر اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للبركة + حديث اليمين ~~الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للبركة متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ الحلف ~~وهو عند البيهقي بلفظ المصنف + # وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاثة ~~لا ينظر الله إليهم يوم القيامة عتل مستكبر ومنان بعطيته ومنفق سلعته ~~بيمينه + حديث أبي هريرة ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة عائل مستكبر ~~ومنان بعطيته ومنفق سلعته بيمينه أخرجه مسلم من حديثه إلا أنه لم يذكر فيها ~~إلا عائل مستكبر ولهما ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم رجل حلف على ~~سلعة لقد أعطى فيها أكثر مما أعطى وهو كاذبالحديث ولمسلم من حديث أبي ذر ~~المنان والمسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب + # فإذا كان الثناء على السلعة مع الصدق مكروها من حيث إنه فضول لا يزيد في ~~الرزق فلا يخفى التغليظ في أمر اليمين وقد روى عن يونس بن عبيد وكان خزازا ~~أنه طلب منه خز للشراء فأخرج غلامه سقط الخز ونشره ونظر إليه وقال اللهم ~~ارزقنا الجنة فقال لغلامه رده إلى موضعه ولم يبعه وخاف أن يكون ذلك تعريضا ~~بالثناء على السلعة فمثل هؤلاء الذين اتجروا في الدنيا ولم يضيعوا دينهم في ~~تجاراتهم بل علموا أن ربح الآخرة أولى بالطلب من ربح الدنيا # الثاني أن يظهر جميع عيوب المبيع خفيها وجليها ولا يكتم منها شيئا فذلك ~~واجب فإن أخفاه كان ظالما غاشا والغش حرام وكان تاركا للنصح في المعاملة ~~والنصح واجب ومهما أظهر أحسن وجهي الثوب وأخفى الثاني كان غاشا وكذلك إذا ~~عرض الثياب في المواضع المظلمة وكذلك إذا عرض أحسن فردي الخف أو النعل ~~وأمثاله ويدل على تحريم الغش ما روي أنه مر صلى الله عليه وسلم برجل يبيع ~~طعاما فأعجبه فأدخل يده فيه فرأى بللا فقال @QB@ ما هذا @QE@ قال أصابته ~~السماء فقال فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس من غشنا فليس منا + حديث ~~مر برجل يبيع طعاما فأعجبه فأدخل يده فرأى بللا فقال ما هذاالحديث أخرجه ~~مسلم من حديث أبي هريرة + # ويدل على وجوب النصح بإظهار العيوب ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ~~لما بايع جريرا على الإسلام ذهب PageV02P075 لينصرف فجذب ثوبه واشترط عليه ~~النصح لكل مسلم + حديث جرير بن عبد الله بايعنا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم على النصح لكل مسلم متفق عليه + # فكان جرير إذا قام إلى السلعة يبيعها بصر عيوبها ثم خيره وقال إن شئت فخذ ~~وإن شئت فاترك فقيل له إنك إذا فعلت مثل هذا لم ينفذ لك بيع فقال إنا ~~بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم # وكان واثلة بن الأسقع واقفا فباع رجل ناقة له بثلثمائة درهم فغفل واثلة ~~وقد ذهب الرجل بالناقة فسعى وراءه وجعل يصيح به يا هذا اشتريتها للحم أو ~~للظهر فقال بل للظهر فقال إن بخفها نقبا قد رأيته وإنها لا تتابع السير ~~فعاد فردها فنقصها البائع مائة درهم وقال لواثلة رحمك الله أفسدت علي بيعي ~~فقال إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم وقال ~~سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لأحد يبيع بيعا إلا أن يبين ~~آفته ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا تبيينه + حديث واثلة لا يحل لأحد يبيع بيعا ~~إلا بين ما فيه ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا بينه أخرجه الحاكم وقال صحيح ~~الإسناد والبيهقي + # فقد فهموا من النصح أن لا يرضى لأخيه إلا ما يرضاه لنفسه ولم يعتقدوا أن ~~ذلك من الفضائل وزيادة المقامات بل اعتقدوا انه من شروط الإسلام الداخلة ~~تحت بيعتهم وهذا أمر يشق على أكثر الخلق فلذلك يختارون التخلي للعبادة ~~والاعتزال عن الناس لأن القيام بحقوق الله مع المخالطة والمعاملة مجاهدة لا ~~يقوم بها إلا الصديقون ولن يتيسر ذلك على العبد إلا بأن يعتقد أمرين # أحدهما أن تلبيسه العيوب وترويجه السلع لا يزيد في رزقه بل يمحقه ويذهب ~~ببركته وما يجمعه من مفرقات التلبيسات يهلكه الله دفعة واحدة فقد حكي أن ~~واحدا كان له بقرة يحلبها ويخلط بلبنها الماء ويبيعه فجاء سيل فغرق البقرة ~~فقال بعض أولاده إن تلك المياه المتفرقة التي صببناها في اللبن اجتمعت دفعة ~~واحدة وأخذت البقرة # كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم البيعان إذا صدقا ونصحا بورك لهما في ~~بيعهما وإذا كتما وكذبا نزعت بركة بيعهما + حديث البيعان إذا صدقا ونصحا ~~بورك لهما في بيعهماالحديث متفق عليه من حديث حكيم بن حزام + # وفي الحديث يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا فإذا تخاونا رفع يده ~~عنهما + حديث يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا فإذا تخاونا رفع يده ~~عنهما رواه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة وقال صحيح الإسناد + # فإذا لا يزيد مال من خيانة كما لا ينقص من صدقة من لا يعرف الزيادة ~~والنقصان إلا بالميزان لم يصدق بهذا الحديث # ومن عرف أن الدرهم الواحد قد يبارك فيه حتى يكون سببا لسعادة الإنسان في ~~الدنيا والدين والآلاف المؤلفة قد ينزع الله البركة منها حتى تكون سببا ~~لهلاك مالكها بحيث يتمنى الإفلاس منها ويراه أصلح له في بعض أحواله فيعرف ~~معنى قولنا إن الخيانة لا تزيد في المال والصدقة لا تنقص منه # والمعنى الثاني الذي لا بد من اعتقاده ليتم له النصح ويتيسر عليه أن يعلم ~~أن ربح الآخرة وغناها خير من ربح الدنيا وأن فوائد أموال الدنيا تنقضي ~~بانقضاء العمر وتبقى مظالمها وأوزارها فكيف يستجيز العاقل أن يستبدل الذي ~~هو أدنى بالذي هو خير والخير كله في سلامة الدين قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن الخلق سخط الله ما لم يؤثروا ~~صفقة دنياهم على آخرتهم + حديث لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن الخلق سخط ~~الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على أخراهمالحديث رواه أبو يعلى والبيهقي في ~~الشعب من حديث أنس بسند ضعيف وفي رواية للترمذي الحكيم في النوادر حتى إذا ~~نزلوا بالمنزل الذي لا يبالون ما نقص من دينهم إذا سلمت لهم دنياهمالحديث ~~وللطبراني في الأوسط نحوه من حديث عائشة وهو ضعيف أيضا + # وفي لفظ آخر ما لم يبالوا ما نقص من دنياهم بسلامة دينهم فإذا فعلوا ذلك ~~وقالوا لا إله إلا الله قال الله تعالى كذبتم لستم بها صادقين وفي حديث آخر ~~من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة # قيل # وما إخلاصه قال # أن يحرزه عما حرم الله + حديث من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة ~~قيل وما إخلاصها قال تحجزه عما حرم الله أخرجه الطبراني من حديث زيد بن ~~أرقم في معجمه الكبير والأوسط بإسناد حسن + # وقال أيضا # ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ومن علم PageV02P076 أن هذه الأمور قادحة ~~في إيمانه وأن إيمانه رأس ماله في الآخرة لم يضيع رأس ماله المعد لعمر لا ~~آخر له بسبب ربح ينتفع به أياما معدودة # وعن بعض التابعين أنه قال لو دخلت الجامع ومع وهو غاص بأهله وقيل لي من ~~خير هؤلاء لقلت من أنصحهم لهم فإذا قالوا هذا قلت هو خيرهم # ولو قيل لي من شرهم قلت من أغشهم لهم فإذا قيل هذا قلت هو شرهم # والغش حرام في البيوع والصنائع جميعا ولا ينبغي أن يتهاون الصانع بعمله ~~على وجه لو عامله به غيره لما ارتضاه لنفسه بل ينبغي أن يحسن الصنعة ~~ويحكمها ثم يبين عيبها إن كان فيها عيب فبذلك يتخلص # وسأل رجل حداء بن سالم فقال كيف لي أن أسلم في بيع النعال فقال اجعل ~~الوجهين سواء ولا تفضل اليمنى على الأخرى وجود الحشو وليكن شيئا واحدا تاما ~~وقارب بين الخرز ولا تطبق إحدى النعلين على الأخرى # ومن هذا الفن ما سئل عنه أحمد بن حنبل رحمه الله من الرفو بحيث لا يتبين ~~قال لا يجوز لمن يبيعه أن يخفيه وإنما يحل للرفا إذا علم أنه يظهره أو أنه ~~لا يريده للبيع # فإن قلت فلا تتم المعاملة مهما وجب على الإنسان أن يذكر عيوب المبيع ~~فأقول ليس كذلك إذ شرط التاجر أن لا يشتري للبيع إلا الجيد الذي يرتضيه ~~لنفسه لو أمسكه ثم يقنع في بيعه بربح يسير فيبارك الله له فيه ولا يحتاج ~~إلى تلبيس وإنما تعذر هذا لأنهم لا يقنعون بالربح اليسير وليس يسلم الكثير ~~إلا بتلبيس فمن تعود هذا لم يشتر المعيب فإن وقع في يده معيب نادرا فليذكره ~~وليقنع بقيمته # باع ابن سيرين شاة فقال للمشتري أبرأ إليك من عيب فيها إنها تقلب العلف ~~برجلها # وباع الحسن بن صالح جارية فقال للمشتري إنها تنخمت مرة عندنا دما فهكذا ~~كانت سيرة أهل الدين فمن لا يقدر عليه فليترك المعاملة أو ليوطن نفسه على ~~عذاب الآخرة # الثالث إلا يكتم في المقدار شيئا وذلك بتعديل الميزان والاحتياط فيه وفي ~~الكيل فينبغي أن يكيل كما يكتال قال الله تعالى ويل للمطففين الذين إذا ~~اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ولا يخلص من هذا ~~إلا بأن يرجع إذا أعطي وينقص إذا أخذ إذ العدل الحقيقي قلما يتصور فليستظهر ~~بظهور الزيادة والنقصان فإن من استقصى حقه بكماله يوشك أن يتعداه # وكان بعضهم يقول لا أشتري الويل من الله بحبة فكان إذا أخذ نقص نصف حبة ~~وإذا أعطى زاد حبة وكان يقول ويل لمن باع بحبة جنة عرضها السموات والأرض ~~وما أخسر من باع طوبى بويل # وإنما بالغوا في الاحتراز من هذا وشبهه لأنها مظالم لا يمكن التوبة منها ~~إذ لا يعرف أصحاب الحبات حتى يجمعهم ويؤدي حقوقهم ولذلك لما اشترى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم شيئا قال للوزان لما كان يزن ثمنه زن وأرجح + حديث ~~قال للوزان زن وأرجح رواه أصحاب السنن والحاكم من حديث سويد بن قيس قال ~~الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم + # ونظر فضيل إلى ابنه وهو يغسل دينارا يريد أن يصرفه ويزيل تكحيله وينقيه ~~حتى لا يزيد وزنه بسبب ذلك فقال يا بني فعلك هذا أفضل من حجتين وعشرين عمرة # وقال بعض السلف عجبت للتاجر والبائع كيف ينجو يزن ويحلف بالنهار وينام ~~بالليل # وقال سليمان عليه السلام لابنه يا بني كما تدخل الحبة بين الحجرين كذلك ~~تدخل الخطيئة بين المتبايعين # وصلى بعض الصالحين على مخنث فقيل له إنه كان فاسقا فسكت فأعيد عليه فقال ~~كأنك قلت لي كان صاحب ميزانين يعطي بأحدهما ويأخذ بالآخر أشار به إلى أن ~~فسقه مظلمة بينه وبين الله تعالى وهذا من مظالم العباد والمسامحة والعفو ~~فيه أبعد والتشديد في أمر الميزان عظيم والخلاص منه يحصل بحبة ونصف حبة # وفي قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا تطغوا في الميزان وأقيموا ~~الوزن باللسان ولا تخسروا الميزان أي لسان الميزان فإن النقصان والرجحان ~~PageV02P077 يظهر بميله وبالجملة كل من ينتصف لنفسه من غيره ولو في كلمة ~~ولا ينصف بمثل ما ينتصف فهو داخل تحت قوله تعالى ويل للمطففين الذين إذا ~~اكتالوا على الناس يستوفون الآيات فإن تحريم ذلك في المكيل ليس لكونه مكيلا ~~بل لكونه أمرا مقصودا ترك العدل والنصفة فيه فهو جار في جميع الأعمال فصاحب ~~الميزان في خطر الويل وكل مكلف فهو صاحب موازين في أفعاله وأقواله وخطراته ~~فالويل له إن عدل عن العدل ومال عن الاستقامة ولولا تعذر هذا واستحالته لما ~~ورد قوله تعالى وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا فلا ينفك عبد ~~ليس معصوما عن الميل عن الاستقامة إلا أن درجات الميل تتفاوت تفاوتا عظيما ~~فلذلك تتفاوت مدة مقامهم في النار إلى أوان الخلاص حتى لا يبقى بعضهم إلا ~~بقدر تحلة القسم ويبقى بعضهم ألفا وألوف سنين فنسأل الله تعالى أن يقربنا ~~من الاستقامة والعدل فإن الاشتداد على متن الصراط المستقيم من غير ميل عنه ~~غير مطموع فيه فإنه أدق من الشعرة وأحد من السيف ولولاه لكان المستقيم عليه ~~لا يقدر على جواز الصراط الممدود على متن النار الذي من صفته أنه أدق من ~~الشعرة وأحد من السيف وبقدر الاستقامة على هذا الصراط المستقيم يخف العبد ~~يوم القيامة على الصراط وكل من خلط بالطعام ترابا أو غيره ثم كاله فهو من ~~المطففين في الكيل وكل قصاب وزن مع اللحم عظما لم تجر العادة بمثله فهو من ~~المطففين في الوزن وقس على هذا سائر التقديرات حتى في الذرع الذي يتعاطاه ~~البزاز فإنه إذا اشترى أرسل الثوب في وقت الذرع ولم يمده مدا وإذا باعه مده ~~في الذرع ليظهر تفاوتا في القدر فكل ذلك من التطفيف المعرض صاحبه للويل # الرابع أن يصدق في سعر الوقت ولا يخفي منه شيئا فقد نهى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم عن تلقي الركبان + حديث النهي عن تلقي الركبان متفق عليه من ~~حديث ابن عباس وأبي هريرة + # ونهى عن النجش + حديث النهي عن النجش متفق عليه من حديث ابن عمر وأبي ~~هريرة + # أما تلقي الركبان فهو أن يستقبل الرفقة ويتلقى المتاع ويكذب في سعر البلد ~~فقد قال صلى الله عليه وسلم لا تتلقوا الركبان ومن تلقاها فصاحب السلعة ~~بالخيار بعد أن يقدم السوق وهذا الشراء منعقد ولكنه إن ظهر كذبه ثبت للبائع ~~الخيار وإن كان صادقا ففي الخيار خلاف لتعارض عموم الخبر مع زوال التلبيس ~~ونهى أيضا أن يبيع حاضر لباد + حديث النهي عن بيع الحاضر للبادي متفق عليه ~~من حديث ابن عباس وأبي هريرة وأنس + # وهو أن يقدم البدوي البلد ومعه قوت يريد أن يتسارع إلى بيعه فيقول له ~~الحضري اتركه عندي حتى أغالي في ثمنه وأنتظر ارتفاع سعره وهذا في القوت ~~محرم وفي سائر السلع خلاف والأظهر تحريمه لعموم النهي ولأنه تأخير للتضييق ~~على الناس على الجملة من غير فائدة للفضولي المضيق ونهى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم عن النجش # وهو أن يتقدم إلى البائع بين يدي الراغب المشتري ويطلب السلعة بزيادة وهو ~~لا يريدها وإنما يريد تحريك رغبة المشتري فيها فهذا إن لم تجر مواطأة مع ~~البائع فهو فعل حرام من صاحبه والبيع منعقد وإن جرى مواطأة ففي ثبوت الخيار ~~خلاف والأولى إثبات الخيار لأنه تغرير بفعل يضاهي التغرير في المصراة وتلقي ~~الركبان فهذه المناهي تدل على أنه لا يجوز أن يلبس على البائع والمشتري في ~~سعر الوقت ويكتم منه أمرا لو علمه لما أقدم على العقد ففعل هذا من الغش ~~الحرام المضاد للنصح الواجب فقد حكي عن رجل من التابعين أنه كان بالبصرة ~~وله غلام بالسوس يجهز إليه السكر فكتب إليه غلامه إن قصب السكر قد أصابته ~~آفة في هذه السنة فاشتر السكر قال فاشترى سكرا كثيرا فلما جاء وقته ربح فيه ~~ثلاثين ألفا فانصرف إلى منزله فأفكر PageV02P078 # ليلته وقال ربحت ثلاثين ألفا وخسرت نصح رجل من المسلمين فلما أصبح غدا ~~إلى بائع السكر فدفع إليه ثلاثين ألفا وقال بارك الله لك فيها فقال ومن أين ~~صارت لي فقال إني كتمتك حقيقة الحال وكان السكر قد غلا في ذلك الوقت فقال ~~رحمك الله قد أعلمتني الآن وقد طيبتها لك قال فرجع بها إلى منزله وتفكر ~~وبات ساهرا وقال ما نصحته فلعله استحيا مني فتركها لي فبكر إليه من الغد ~~وقال عافاك الله خذ مالك إليك فهو أطيب لقلبي فأخذ منه ثلاثين ألفا # فهذه الأخبار في المناهي والحكايات تدل على أنه ليس له أن يغتنم فرصة ~~وينتهز غفلة صاحب المتاع ويخفي من البائع غلاء السعر أو من المشتري تراجع ~~الأسعار فإن فعل ذلك كان ظالما تاركا للعدل والنصح للمسلمين ومهما باع ~~مرابحة بأن يقول بعت بما قام على أو بما اشتريته فعليه أن يصدق ثم يجب عليه ~~أن يخبر بما حدث بعد العقد من عيب أو نقصان ولو اشترى إلى أجل وجب ذكره ولو ~~اشترى مسامحة من صديقه أو ولده يجب ذكره # لأن المعامل يعول على عادته في الاستقصاء أنه لا يترك النظر لنفسه فإذا ~~تركه بسبب من الأسباب فيجب إخباره إذ الاعتماد فيه على أمانته # | الباب الرابع في الإحسان في المعاملة # وقد أمر الله تعالى بالعدل والإحسان جميعا والعدل سبب النجاة فقط وهو ~~يجري من التجارة مجرى رأس المال # والإحسان سبب الفوز ونيل السعادة وهو يجري من التجارة مجرى الربح ولا يعد ~~من الغفلاء من قنع في معاملات الدنيا برأس ماله فكذا في معاملات الآخرة فلا ~~ينبغي للمتدين أن يقتصر على العدل واجتناب الظلم ويدع أبواب الإحسان وقد ~~قال الله وأحسن كما أحسن الله إليك وقال عز وجل إن الله يأمر بالعدل ~~والإحسان وقال سبحانه إن رحمت الله قريب من المحسنين ونعني بالإحسان فعل ما ~~ينتفع به المعامل وهو غير واجب عليه ولكنه تفضل منه فإن الواجب يدخل في باب ~~العدل وترك الظلم وقد ذكرناه وتنال رتبة الإحسان بواحد من ستة أمور # الأول في المغابنة فينبغي أن لا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به في العادة ~~فأما أصل المغابنة فمأذون فيه لأن البيع للربح ولا يمكن ذلك إلا بغبن ما ~~ولكن يراعى فيه التقريب فإن بذل المشتري زيادة على الربح المعتاد إما لشدة ~~رغبته أو لشدة حاجته في الحال إليه فينبغي أن يمتنع من قبوله فذلك من ~~الإحسان # ومهما لم يكن تلبيس لم يكن أخذ الزيادة ظلما وقد ذهب بعض العلماء إلى أن ~~الغبن بما يزيد على الثلث يوجب الخيار ولسنا نرى ذلك ولكن من الإحسان أن ~~يحط ذلك الغبن # يروى أنه كان عند يونس بن عبيد حلل مختلفة الأثمان ضرب قيمة كل حلة منها ~~أربعمائة وضرب كل حلة قيمتها مائتان فمر إلى الصلاة وخلف ابن أخيه في ~~الدكان فجاء أعرابي وطلب حلة بأربعمائة فعرض عليه من حلل المائتين ~~فاستحسنها ورضيها فاشتراها فمضى بها وهي على يديه فاستقبله يونس فعرف حلته ~~فقال للأعرابي بكم اشتريت فقال بأربعمائة فقال لا تساوي أكثر من مائتين ~~فارجع حتى تردها فقال هذه تساوي في بلدنا خمسمائة وأنا أرتضيها فقال له ~~يونس انصرف فإن النصح في الدين خير من الدنيا بما فيها ثم رده إلى الدكان ~~ورد عليه مائتي درهم وخاصم ابن أخيه في ذلك وقاتله وقال أما استحييت أما ~~اتقيت الله تربح مثل الثمن وتترك النصح للمسلمين فقال والله ما أخذها إلا ~~وهو راض بها # قال فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك وهذا إن كان فيه إخفاء سعر وتلبيس فهو ~~من PageV02P079 باب الظلم وقد سبق وفي الحديث غبن المسترسل حرام + حديث غبن ~~المسترسل حرام أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة بسند ضعيف والبيهقي من ~~حديث جابر بسند جيد وقال ربا @QB@ بدل @QE@ حرام + # وكان الزبير بن عدي يقول أدركت ثمانية عشر من الصحابة ما منهم أحد يحسن ~~يشتري لحما بدرهم فغبن مثل هؤلاء المسترسلين ظلم إن كان من غير تلبيس فهو ~~من ترك الإحسان وقلما يتم هذا إلا بنوع تلبيس وإخفاء سعر الوقت # وإنما الإحسان المحض ما نقل عن السري السقطي أنه اشترى كر لوز بستين ~~دينارا وكتب في روزنامجه ثلاثة دنانير ربحه وكأنه رأى أن يربح على العشرة ~~نصف دينار فصار اللوز بتسعين فأتاه الدلال وطلب اللوز فقال خذه قال بكم ~~فقال # بثلاثة وستين فقال الدلال وكان من الصالحين فقد صار اللوز بتسعين فقال ~~السرى قد عقدت عقدا لا أحله لست أبيعه إلا بثلاثة وستين فقال الدلال وأنا ~~عقدت بيني وبين الله أن لا أغش مسلما لست آخذ منك إلا بتسعين # قال فلا الدلال اشترى منه ولا السرى باعه فهذا محض الإحسان من الجانبين ~~فإنه مع العلم بحقيقة الحال # وروي عن محمد بن المنكدر أنه كان له شقق بعضها بخمسة وبعضها بعشرة فباع ~~غلامه في غيبته شقة من الخمسيات بعشرة فلما عرف لم يزل يطلب ذلك الأعرابي ~~المشتري طول النهار حتى وجده فقال له إن الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة ~~بعشرة فقال يا هذا قد رضيت فقال وإن رضيت فإنا لا نرضى لك إلا ما نرضاه ~~لأنفسنا فاختر إحدى ثلاث خصال إما أن تأخذ شقة من العشريات بدراهمك وإما أن ~~نرد عليك خمسة وإما أن ترد شقتنا وتأخذ دراهمك فقال أعطني خمسة فرد عليه ~~خمسة وانصرف الأعرابي يسأل ويقول من هذا الشيخ فقيل له هذا محمد بن المنكدر ~~فقال لا إله إلا الله هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا قحطنا # فهذا إحسان في أن لا يربح على العشرة إلا نصفا أو واحد على ما جرت به ~~العادة في مثل ذلك المتاع في ذلك المكان ومن قنع بربح قليل كثرت معاملاته ~~واستفاد من تكررها ربحا كثيرا وبه تظهر البركة # كان علي رضي الله عنه يدور في سوق الكوفة بالدرة ويقول معاشر التجار خذوا ~~الحق تسلموا لا تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره # قيل لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ما سبب يسارك قال ثلاث ما رددت ربحا ~~قط ولا طلب مني حيوان فأخرت بيعه ولا بعت بنسيئة # ويقال إنه باع ألف ناقة فما ربح إلا عقلها باع كل عقال بدرهم فربح فيها ~~ألفا وربح من نفقته عليها ليومه ألفا # الثاني في احتمال الغبن والمشتري إن اشترى طعاما من ضعيف أو شيئا من فقير ~~فلا بأس أن يحتمل الغبن ويتساهل ويكون به محسنا وداخلا في قوله صلى الله ~~عليه وسلم رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء فأما إذا اشترى من غني تاجر ~~يطلب الربح زيادة على حاجته فاحتمال الغبن منه ليس محمودا بل هو تضييع مال ~~من غير أجر ولا حمد فقد ورد في حديث من طريق أهل البيت المغبون في الشراء ~~لا محمود ولا مأجور + حديث المغبون في الشراء لا محمود ولا مأجور أخرجه ~~الترمذي الحكيم في النوادر من رواية عبيد الله بن الحسن عن أبيه عن جده ~~ورواه أبو يعلى من حديث الحسين بن علي يرفعه قال الذهبي هو منكر + # وكان إياس ابن معاوية بن قرة قاضي البصرة وكان من عقلاء التابعين يقول ~~لست بخب والخب لا يغبنني ولا يغبن ابن سيرين ولكن يغبن الحسن ويغبن أبي ~~يعني معاوية بن قرة والكمال في أن لا يغبن ولا يغبن كما وصف بعضهم عمر ~~PageV02P080 رضي الله عنه فقال كان أكرم من أن يخدع وأعقل من أن يخدع # وكان الحسن والحسين وغيرهما من خيار السلف يستقصون في الشراء ثم يهبون مع ~~ذلك الجزيل من المال فقيل لبعضهم تستقصي في شرائك على اليسير ثم تهب الكثير ~~ولا تبالي فقال إن الواهب يعطي فضله وإن المغبون يغبن عقله # وقال بعضهم إنما أغبن عقلي وبصري فلا أمكن الغابن منه وإذا وهبت أعطى لله ~~ولا أستكثر منه شيئا # الثالث في استيفاء الثمن وسائر الديون والإحسان فيه مرة بالمسامحة وحط ~~البعض ومرة بالإمهال والتأخير ومرة بالمساهلة في طلب جودة النقد وكل ذلك ~~مندوب إليه ومحثوث عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم رحم الله امرءا سهل ~~البيع سهل الشراء سهل الاقتضاء + حديث رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء ~~تقدم في الباب قبله + فليغتنم دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم # وقال صلى الله عليه وسلم اسمح يسمح لك + حديث اسمح يسمح لك أخرجه ~~الطبراني من حديث ابن عباس ورجاله ثقات + # وقال صلى الله عليه وسلم من أنظر معسرا أو ترك له حاسبه الله حسابا يسيرا ~~وفي لفظ آخر أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله + حديث من أنظر معسرا ~~أو ترك له حاسبه الله حسابا يسيرا وفي لفظ آخر أظله الله تحت ظله يوم لا ظل ~~إلا ظله رواه مسلم باللفظ الثاني من حديث أبي اليسر كعب بن عمرو + # وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا كان مسرفا على نفسه حوسب فلم ~~يوجد له حسنة فقيل له هل عملت خيرا قط فقال لا إلا أني كنت رجلا أداين ~~الناس فأقول لفتياني # سامحوا الموسر وأنظروا المعسر + حديث ذكر رجلا كان مسرفا على نفسه حوسب ~~فلم يوجد له حسنة فقيل له هل عملت خيرا قط فقال لا إلا أني كنت رجلا أداين ~~الناس فأقول لفتياني سامحوا الموسرالحديث رواه مسلم من حديث أبي مسعود ~~الأنصاري وهو متفق عليه بنحوه من حديث حذيفة + # وفي لفظ آخر وتجاوزوا عن المعسر فقال الله تعالى نحن أحق بذلك منه فتجاوز ~~الله عنه وغفر له وقال صلى الله عليه وسلم من أقرض دينارا إلى أجل فله بكل ~~يوم صدقة إلى أجله فإذا حل الأجل فأنظره بعده فله بكل يوم مثل ذلك الدين ~~صدقة + حديث من أقرض دينارا إلى أجل فله بكل يوم صدقة إلى أجله فإذا حل ~~الأجل فأنظره بعده فله بكل يوم مثل ذلك الدين صدقة أخرجه ابن ماجة من حديث ~~بريدة من أنظر معسرا كان له كل يوم صدقة ومن أنظره بعد أجله كان له مثله في ~~كل يوم صدقة وسنده ضعيف ورواه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين + # وقد كان من السلف من لا يحب أن يقضي غريمه الدين لأجل هذا الخبر حتى يكون ~~كالمتصدق بجميعه في كل يوم # وقال صلى الله عليه وسلم رأيت على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها ~~والقرض بثمان عشرة + حديث رأيت على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها ~~والقرض بثمان عشرة أخرجه ابن ماجة من حديث أنس بإسناد ضعيف + # فقيل في معناه إن الصدقة تقع في يد المحتاج وغير المحتاج ولا يحتمل ذل ~~الاستقراض إلا محتاج # ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل يلازم رجلا بدين فأومأ إلى صاحب ~~الدين بيده أن ضع الشطر ففعل فقال للمديون قم فأعطه + حديث أومأ إلى صاحب ~~الدين بيده ضع الشطرالحديث متفق عليه من حديث كعب بن مالك + # وكل من باع شيئا وترك ثمنه في الحال ولم يرهق إلى طلبه فهو في معنى ~~المقرض # وروي أن الحسن البصري باع بغلة له بأربعمائة درهم فلما استوجب المال قال ~~له المشتري اسمح يا أبا سعيد # قال قد أسقطت عنك مائة قال له فأحسن يا أبا سعيد فقال قد وهبت لك مائة ~~أخرى فقبض من حقه مائتي درهم # فقيل له يا أبا سعيد هذا نصف الثمن فقال هكذا يكون الإحسان وإلا فلا # وفي الخبر خذ حقك في كفاف وعفاف واف أو غير واف يحاسبك الله حسابا يسيرا ~~+ حديث خذ حقك في عفافالحديث أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بإسناد حسن ~~دون قوله يحاسبك الله حسابا يسيرا وله ولابن حبان والحاكم وصححه نحوه من ~~حديث ابن عمر وعائشة + PageV02P081 # الرابع في توفية الدين # ومن الإحسان فيه حسن القضاء وذلك بأن يمشي إلى صاحب الحق ولا يكلفه أن ~~يمشي إليه يتقاضاه فقد قال صلى الله عليه وسلم خيركم أحسنكم قضاء + حديث ~~خيركم أحسنكم قضاء متفق عليه من حديث أبي هريرة + # ومهما قدر على قضاء الدين فليبادر إليه ولو قبل وقته وليسلم أجود مما شرط ~~عليه وأحسن وإن عجز فلينو قضاءه مهما قدر # قال صلى الله عليه وسلم من أدان دينا وهو ينوي قضاءه وكل الله به ملائكة ~~يحفظونه ويدعون له حتى يقضيه + حديث من أدان دينا وهو ينوي قضاءه وكل به ~~ملائكة يحفظونه ويدعون له حتى يقضيه أخرجه أحمد من حديث عائشة ما من عبد ~~كانت له نية في أداء دينه إلا كان معه من الله عون وحافظ وفي رواية له لم ~~يزل معه من الله حارس وفي رواية للطبراني في الأوسط إلا كان معه عون من ~~الله عليه حتى يقضيه عنه + # وكان جماعة من السلف يستقرضون من غير حاجة لهذا الخبر ومهما كلمه صاحب ~~الحق بكلام خشن فليحتمله وليقابله باللطف اقتداء برسول الله صلى الله عليه ~~وسلم إذ جاءه صاحب الدين عند حلول الأجل ولم يكن قد اتفق قضاؤه فجعل الرجل ~~يشدد الكلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم به أصحابه فقال دعوه فإن ~~لصاحب الحق مقالا + حديث دعوه فإن لصاحب الحق مقالا متفق عليه من حديث أبي ~~هريرة + # ومهما دار الكلام بين المستقرض والمقرض فالإحسان أن يكون الميل الأكثر ~~للمتوسطين إلى من عليه الدين فإن المقرض يقرض عن غنى والمستقرض يستقرض عن ~~حاجة وكذلك ينبغي أن تكون الإعانة للمشتري أكثر فإن البائع راغب عن السلعة ~~يبغي ترويجها والمشتري محتاج إليها هذا هو الأحسن إلا أن يتعدى من عليه ~~الدين حده فعند ذلك نصرته في منعه عن تعد به وإعانة صاحبه إذ قال صلى الله ~~عليه وسلم أنصر أخاك ظالما أو مظلوما فقيل كيف ننصره ظالما فقال منعك إياه ~~من الظلم نصرة له + حديث انصر أخاك ظالما أو مظلوماالحديث متفق عليه من ~~حديث أنس + # الخامس أن يقيل من يستقيله فإنه لا يستقيل إلا متندم مستضر بالبيع ولا ~~ينبغي أن يرضى لنفسه أن يكون سبب استضرار أخيه قال صلى الله عليه وسلم من ~~أقال نادما صفقته أقال الله عثرته يوم القيامة + حديث من أقال نادما صفقته ~~أقال الله عثرته يوم القيامة أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة ~~وقال صحيح على شرط مسلم + # أو كما قال # السادس أن يقصد في معاملته جماعة من الفقراء بالنسيئة وهو في الحال عازم ~~على أن لا يطالبهم إن لم تظهر لهم ميسرة فقد كان في صالحي السلف من له ~~دفتران للحساب أحدهما ترجمته مجهولة فيه أسماء من لا يعرفه من الضعفاء ~~والفقراء وذلك أن الفقير كان يرى الطعام أو الفاكهة فيشتهيه فيقول أحتاج ~~إلى خمسة أرطال مثلا من هذا وليس معي ثمنه فكان يقول خذه واقض ثمنه عند ~~الميسرة ولم يكن يعد هذا من الخيار بل عد من الخيار من لم يكن يثبت اسمه في ~~الدفتر أصلا ولا يجعله دينا لكن يقول خذ ما تريد فإن يسر لك فاقض وإلا فأنت ~~في حل منه وسعة فهذه طرق تجارات السلف وقد اندرست والقائم به محي لهذه ~~السنة وبالجملة التجارة محك الرجال وبها يمتحن دين الرجل وورعه ولذلك قيل # لا يغرنك من المرء قميص رقعه % أو إزارا فوق كعب الساق منه رفعه # أو جبين لاح فيه أثر قد قلعه % ولدى الدرهم فانظر غيه أو ورعه # ولذلك قيل إذا أثنى على الرجل جيرانه في الحضر وأصحابه في السفر ومعاملوه ~~في الأسواق فلا تشكوا في صلاحه # وشهد عند عمر رضي الله عنه شاهد فقال ائتني بمن يعرفك فأتاه برجل فأثنى ~~عليه خيرا فقال عمر أنت PageV02P082 جاره الأدنى الذي يعرف مدخله ومخرجه ~~قال لا فقال كنت رفيقه في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق فقال لا ~~قال فعاملته بالدينار والدرهم الذي يستبين به ورع الرجل قال لا قال أظنك ~~رأيته قائما في المسجد يهمهم بالقرآن يخفض رأسه طورا ويرفعه أخرى قال نعم ~~فقال اذهب فلست تعرفه # وقال للرجل # اذهب فائتني بمن يعرفك # | الباب الخامس في شفقة التاجر على دينه فيما يخصه ويعم آخرته # ولا ينبغي للتاجر أن يشغله معاشه عن معاده فيكون عمره ضائعا وصفقته خاسرة ~~وما يفوته من الربح في الآخرة لا يفي به ما ينال في الدنيا فيكون اشترى ~~الحياة الدنيا بالآخرة بل العاقل ينبغي أن يشفق على نفسه وشفقته على نفسه ~~يحفظ رأس ماله ورأس ماله دينه وتجارته فيه # قال بعض السلف أولى الأشياء بالعاقل أحوجه إليه في العاجل وأحوج شيء إليه ~~في العاجل أحمده عاقبة في الآجل # وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه في وصيته إنه لا بد لك من نصيبك في الدنيا ~~وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج فابدأ بنصيبك من الآخرة فخذه فإنك ستمر على ~~نصيبك من الدنيا فتنظمه # قال الله تعالى ولا تنس نصيبك من الدنيا أي لا تنس في الدنيا نصيبك منها ~~للآخرة فإنها مزرعة الآخرة وفيها تكتسب الحسنات # وإنما تتم شفقة التاجر على دينه بمراعاة سبعة أمور # الأول حسن النية والعقيدة في ابتداء التجارة فلينو بها الاستعفاف عن ~~السؤال وكف الطمع عن الناس استغناء بالحلال عنهم واستعانة بما يكسبه على ~~الدين وقياما بكفاية العيال ليكون من جملة المجاهدين به ولينو النصح ~~للمسلمين وأن يحب لسائر الخلق ما يحب لنفسه ولينو اتباع طريق العدل ~~والإحسان في معاملته كما ذكرناه ولينو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ~~كل ما يراه في السوق فإذا أضمر هذه العقائد والنيات كان عاملا في طريق ~~الآخرة فإن استفاد مالا فهو مزيد وإن خسر في الدنيا ربح في الآخرة # الثاني أن يقصد القيام في صنعته أو تجارته بفرض من فروض الكفايات فإن ~~الصناعات والتجارات لو تركت بطلت المعايش وهلك أكثر الخلق # فانتظام أمر الكل بتعاون الكل وتكفل كل فريق بعمل ولو أقبل كلهم على صنعة ~~واحدة لتعطلت البواقي وهلكوا وعلى هذا حمل بعض الناس قوله صلى الله عليه ~~وسلم اختلاف أمتي رحمة + حديث اختلاف أمتي رحمة تقدم في العلم + # أي اختلاف همهم في الصناعات والحرف # ومن الصناعات ما هي مهمة ومنها ما يستغنى عنها لرجوعها إلى طلب النعم ~~والتزين في الدنيا فليشتغل بصناعة مهمة ليكون في قيامه بها كافيا عن ~~المسلمين مهما في الدين وليجتنب صناعة النقش والصياغة وتشييد البنيان بالجص ~~وجميع ما تزخرف به الدنيا فكل ذلك كرهه ذوو الدين فأما عمل الملاهي والآلات ~~التي يحرم استعمالها فاجتناب ذلك من قبيل ترك الظلم ومن جملة ذلك خياطة ~~الخياط القباء من الإبر يسم للرجال وصياغة الصائغ مراكب الذهب أو خواتيم ~~الذهب للرجال فكل ذلك من المعاصي والأجرة المأخوذة عليه حرام ولذلك أوجبنا ~~الزكاة فيها وإن كنا لا نوجب الزكاة في الحلي لأنها إذا قصدت للرجال فهي ~~محرمة وكونها مهيأة للنساء لا يلحقها بالحلي المباح ما لم يقصد ذلك بها ~~فيكتسب حكمها من القصد # وقد ذكرنا أن بيع الطعام وبيع الأكفان مكروه لأنه يوجب انتظار موت الناس ~~وحاجتهم بغلاء السعر PageV02P083 # ويكره أن يكون جزارا لما فيه من قساوة القلب وأن يكون حجاما أو كناسا لما ~~فيه من مخامرة النجاسة وكذا الدباغ وما في معناه وكره ابن سيرين الدلالة ~~وكره قتادة أجرة الدلال ولعل السبب فيه قلة استغناء الدلال عن الكذب ~~والإفراط في الثناء على السلعة لترويجها ولأن العمل فيه لا يتقدر فقد يقل ~~وقد يكثر ولا ينظر في مقدار الأجرة إلى عمله بل إلى قدر قيمة الثوب هذا هو ~~العادة وهو ظلم بل ينبغي أن ينظر إلى قدر التعب وكرهوا شراء الحيوان ~~للتجارة لأن المشتري يكره قضاء الله فيه وهو الموت الذي بصدده لا محالة ~~وحلوله # وقيل بع الحيوان واشتر الموتان وكرهوا الصرف لأن الاحتراز فيه عن دقائق ~~الربا عسير ولأنه طلب لدقائق الصفات فيما لا يقصد أعيانها وإنما يقصد ~~رواجها وقلما يتم للصيرفي ربح إلا باعتماد جهالة معامله بدقائق النقد فقلما ~~يسلم الصيرفي وإن احتاط ويكره للصيرفي وغيره كسر الصحيح والدنانير إلا عند ~~الشك في جودته أو عند ضرورة # قال أحمد بن حنبل رحمه الله ورد نهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم + ~~حديث النهي عن كسر الدينار والدرهم رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ~~والحاكم من رواية علقمة بن عبد الله عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أن تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس زاد الحاكم أن ~~يكسر الدرهم فيجعل فضة ويكسر الدينار فيجعل ذهبا وضعفه ابن حبان + # وعن أصحابه في الصياغة من الصحاح وأنا أكره الكسر وقال يشتري بالدنانير ~~دراهم ثم يشتري بالدرهم ذهبا ويصوغه واستحبوا تجارة البز # قال سعيد بن المسيب ما من تجارة أحب إلي من البز ما لم يكن فيها أيمان # وقد روي خير تجارتكم البز وخير صنائعكم الخرز + حديث خير تجارتكم البز ~~وخير صنائعكم الخرز لم أقف له على إسناد وذكره صاحب الفردوس من حديث علي بن ~~أبي طالب + # وفي حديث آخر لو اتجر أهل الجنة لاتجروا في البز ولو اتجر أهل النار ~~لاتجروا في الصرف + حديث لو اتجر أهل الجنة لاتجروا في البز ولو اتجر أهل ~~النار لاتجروا في الصرف رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ~~أبي سعيد بسند ضعيف وروى أبو يعلى والعقيلي في الضعفاء الشطر الأول من حديث ~~أبي بكر الصديق + # وقد كان غالب أعمال الأخيار من السلف عشر صنائع الخرز والتجارة والحمل ~~والخياطة والحذو والقصارة وعمل الخفاف وعمل الحديد وعمل المغازل ومعالجة ~~صيد البر والبحر والوراقة قال عبد الوهاب الوراق # قال لي أحمد بن حنبل ما صنعتك قلت الوراقة قال كسب طيب ولو كنت صانعا ~~بيدي لصنعت صنعتك ثم قال لي لا تكتب إلا مواسطة واستبق الحواشي وظهور ~~الأجزاء # وأربعة من الصناع موسومون عند الناس بضعف الرأي الحاكة والقطانون ~~والمغازليون والمعلمون # ولعل ذلك لأن أكثر مخالطتهم مع النساء والصبيان ومخالطة ضعفاء العقول ~~تضعف العقل كما أن مخالطة العقلاء تزيد في العقل # وعن مجاهد أن مريم عليها السلام مرت في طلبها لعيسى عليه السلام بحاكة ~~فطلبت الطريق فأرشدوها غير الطريق فقالت اللهم انزع البركة من كسبهم وأمتهم ~~فقراء وحقرهم في أعين الناس فاستجيب دعاؤها # وكره السلف أخذ الأجرة على كل ما هو من قبيل العبادات وفروض الكفايات ~~كغسل الموتى ودفنهم وكذا الأذان وصلاة التراويح وإن حكم بصحة الاستئجار ~~عليه وكذا تعليم القرآن وتعليم علم الشرع فإن هذه أعمال حقها أن يتجر فيها ~~للآخرة وأخذ الأجرة عليها استبدال بالدنيا عن الآخرة ولا يستحب ذلك # الثالث أن يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة وأسواق الآخرة المساجد # قال الله تعالى رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة ~~وإيتاء الزكاة وقال الله تعالى في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ~~فينبغي أن يجعل أول النهار إلى وقت دخول السوق لآخرته فيلازم المسجد ويواظب ~~على الأوراد # كان عمر رضي الله عنه يقول للتجار اجعلوا أول نهاركم لآخرتكم وما بعده ~~لدنياكم # وكان صالحو السلف يجعلون أول PageV02P084 النهار وآخره للآخرة والوسط ~~للتجارة ولم يكن يبيع الهريسة والرءوس بكرة إلا الصبيان وأهل الذمة لأنهم ~~كانوا في المساجد بعد # وفي الخبر إن الملائكة إذا صعدت بصحيفة العبد وفيها في أول النهار وفي ~~آخره ذكر الله وخير كفر الله عنهما ما بينهما من سيئ الأعمال + حديث إن ~~الملائكة إذا صعدت بصحيفة العبد وفي أول النهار وآخره ذكر وخير كفر الله ما ~~بينهما من سيئ الأعمال أخرجه أبو يعلى من حديث أنس بسند ضعيف بمعناه + # وفي الخبر تلتقي ملائكة الليل والنهار عند طلوع الفجر وعند صلاة العصر ~~فيقول الله تعالى وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهو يصلون ~~وجئناهم وهم يصلون فيقول الله سبحانه وتعالى أشهدكم أني قد غفرت لهم + حديث ~~تلتقي ملائكة الليل وملائكة النهار عند طلوع الفجر وعند صلاة العصر فيقول ~~الله وهو أعلم كيف تركتم عباديالحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة يتعاقبون ~~فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الغداة وصلاة ~~العصرالحديث + # ثم مهما سمع الأذان في وسط النهار للأولى والعصر فينبغي أن لا يعرج على ~~شغل وينزعج عن مكانه ويدع كل ما كان فيه فما يفوته من فضيلة التكبيرة ~~الأولى مع الإمام في أول الوقت لا توازيها الدنيا بما فيها ومهما لم يحضر ~~الجماعة عصى عند بعض العلماء # وقد كان السلف يبتدرون عند الأذان ويخلون الأسواق للصبيان وأهل الذمة ~~وكانوا يستأجرون بالقراريط لحفظ الحوانيت في أوقات الصلوات وكان ذلك معيشة ~~لهم # وقد جاء في تفسير قوله تعالى @QB@ لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ~~@QE@ أنهم كانوا حدادين وخرازين فكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الإشفى ~~فسمع الأذان لم يخرج الإشفى من المغرز ولم يوقع المطرقة ورمى بها وقام إلى ~~الصلاة # الرابع أن لا يقتصر على هذا بل يلازم ذكر الله سبحانه في السوق ويشتغل ~~بالتهليل والتسبيح فذكر الله في السوق بين الغافلين أفضل # قال صلى الله عليه وسلم ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين ~~وكالحي بين الأموات وفي لفظ آخر كالشجرة الخضراء بين الهشيم وقال صلى الله ~~عليه وسلم من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله ~~الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله ~~له ألف ألف حسنة + حديث من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك ~~لهالحديث تقدم في الأذكار + # وكان ابن عمر وسالم بن عبد الله ومحمد بن واسع وغيرهم يدخلون السوق ~~قاصدين لنيل فضيلة هذا الذكر # وقال الحسن ذاكر الله في السوق يجيء يوم القيامة له ضوء كضوء القمر ~~وبرهان كبرهان الشمس ومن استغفر الله في السوق غفر الله له بعدد أهلها # وكان عمر رضي الله عنه إذا دخل السوق قال اللهم إني أعوذ بك من الكفر ~~والفسوق ومن شر ما أحاطت به السوق اللهم إني أعوذ بك من يمين فاجرة وصفقة ~~خاسرة # وقال أبو جعفر الفرغاني كنا يوما عند الجنيد فجرى ذكر ناس يجلسون في ~~المساجد ويتشبهون بالصوفية ويقصرون عما يجب عليهم من حق الجلوس ويعيبون من ~~يدخل السوق فقال الجنيد كم ممن هو في السوق حكمه أن يدخل المسجد ويأخذ بأذن ~~بعض من فيه فيخرجه ويجلس مكانه وإني لأعرف رجلا يدخل السوق ورده كل يوم ~~ثلثمائة ركعة وثلاثون ألف تسبيحة # قال فسبق إلي وهمي أنه يعني نفسه فهكذا كانت تجارة من يتجر لطلب الكفاية ~~لا للتنعم في الدنيا فإن من يطلب الدنيا للاستعانة بها على الآخرة كيف يدع ~~ربح الآخرة والسوق والمسجد والبيت له حكم واحد وإنما النجاة بالتقوى # قال صلى الله عليه وسلم اتق الله حيثما كنت + حديث اتق الله حيثما كنت ~~أخرجه الترمذي من حديث أبي ذر وصححه + # فوظيفة التقوى لا تنقطع عن المتجردين للدين كيفما تقلبت بهم الأحوال وبه ~~تكون حياتهم وعيشتهم إذ فيه يرون تجارتهم وربحهم وقد قيل من أحب الآخرة عاش ~~ومن أحب الدنيا طاش والأحمق يغدو ويروح في لاش والعاقل عن عيوب نفسه فتاش ~~PageV02P085 # الخامس أن لا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة وذلك بأن يكون أول داخل ~~وآخر خارج وبأن يركب البحر في التجارة فهما مكروهان يقال إن من ركب البحر ~~فقد استقصى في طلب الرزق # وفي الخبر لا يركب البحر إلا لحج أو عمرة أو غزو + حديث لا تركب البحر ~~إلا لحجة أو عمرة أو غزو أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو وقيل إنه ~~منقطع + # وكان عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول لا تكن أول داخل في ~~السوق ولا آخر خارج منها فإن بها باض الشيطان وفرخ # روي عن معاذ بن جبل وعبد الله بن عمر أن إبليس يقول لولده زلنبور سر ~~بكتائبك فأت أصحاب الأسواق زين لهم الكذب والحلف والخديعة والمكر والخيانة ~~وكن مع أول داخل وآخر خارج منها # وفي الخبر شر البقاع الأسواق وشر أهلها أولهم دخولا وآخرهم خروجا + حديث ~~شر البقاع الأسواق وشر أهلها أولهم دخولا وآخرهم خروجا تقدم صدر الحديث في ~~الباب السادس من العلم وروى أبو نعيم في كتاب حرمة المساجد من حديث ابن ~~عباس أبغض البقاع إلى الله الأسواق وأبغض أهلها إلى الله أولهم دخولا ~~وآخرهم خروجا + # وتمام هذا الاحتراز أن يراقب وقت كفايته فإذا حصل كفاية وقته انصرف ~~واشتغل بتجارة الآخرة هكذا كان صالحو السلف فقد كان منهم من إذا ربح دانقا ~~انصرف قناعة به # وكان حماد بن سلمة يبيع الخز في سفط بين يديه فكان إذا ربح حبتين رفع ~~سفطه وانصرف # وقال إبراهيم بن بشار قلت لإبراهيم بن أدهم رحمه الله أمر اليوم أعمل في ~~الطين فقال يا ابن بشار إنك طالب ومطلوب يطلبك من لا تفوته وتطلب ما قد ~~كفيته أما رأيت حريصا محروما وضعيفا مرزوقا فقلت إن لي دانقا عند البقال ~~فقال عز على بك تملك دانقا وتطلب العمل وقد كان فيهم من ينصرف بعد الظهر ~~ومنهم بعد العصر ومنهم من لا يعمل في الأسبوع إلا يوما أو يومين وكانوا ~~يكتفون به # السادس أن لا يقتصر على اجتناب الحرام بل يتقي مواقع الشبهات ومظان الريب ~~ولا ينظر إلى الفتاوي بل يستفتي قلبه فإذا وجد فيه حزازة اجتنبه وإذا حمل ~~إليه سلعة رابه أمرها سأل عنها حتى يعرف وإلا أكل الشبهة وقد حمل إلى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم لبن فقال من أين لكم هذا فقالوا من الشاة فقال ومن ~~أين لكم هذه الشاة فقيل من موضع كذا فشرب منه ثم قال إنا معاشر الأنبياء ~~أمرنا أن لا نأكل إلا طيبا ولا نعمل إلا صالحا + حديث سؤاله عن اللبن ~~والشاة وقوله إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن لا نأكل إلا طيبا ولا نعمل إلا ~~صالحا رواه الطبراني من حديث أم عبد الله أخت شداد بن أوس بسند ضعيف + # وقال إن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال @QB@ يا أيها ~~الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم @QE@ + حديث إن الله أمر المؤمنين ~~بما أمر به المرسلين الحديث + أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + # فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أصل الشيء وأصل أصله ولم يزد لأن ما ~~وراء ذلك يتعذر # وسنبين في كتاب الحلال والحرام موضع وجوب هذا السؤال فإنه كان صلى الله ~~عليه وسلم لا يسأل عن كل ما يحمل إليه + حديث كان لا يسأل عن كل ما يحمل ~~إليه رواه أحمد من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مروا ~~بامرأة فذبحت لهم شاة الحديث فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمة فلم ~~يستطع أن يسيغها فقال هذه شاة ذبحت بغير إذن أهلهاالحديث وله من حديث أبي ~~هريرة كان إذا أتى بطعام من غير أهله سأل عنهالحديث وإسنادهما جيد وفي هذا ~~أنه كان لا يسأل عما أتي به من عند أهله والله أعلم + # وإنما الواجب أن ينظر التاجر إلى من يعامله فكل منسوب إلى ظلم أو خيانة ~~أو سرقة أو ربا فلا يعامله وكذا الأجناد والظلمة لا يعاملهم ألبتة ولا ~~يعامل أصحابهم وأعوانهم لأنه معين بذلك على الظلم # وحكي عن رجل أنه تولى عمارة سور لثغر من الثغور # قال فوقع في نفسي من ذلك شيء وإن كان ذلك العمل من الخيرات بل من فرائض ~~الإسلام ولكن كان الأمير الذي تولى في محلته من الظلمة # قال فسألت سفيان رضي الله PageV02P086 عنه فقال لا تكن عونا لهم على قليل ~~ولا كثير فقلت هذا سور في سبيل الله للمسلمين فقال نعم ولكن أقل ما يدخل ~~عليك أن تحب بقاءهم ليوفوك أجرك فتكون قد أحببت بقاء من يعصي الله # وقد جاء في الخبر من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه + ~~حديث من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه لم أجده مرفوعا ~~وإنما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت من قول الحسن وقد ذكره المصنف ~~هكذا على الصواب في آفات اللسان + # وفي الحديث إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق + حديث إن الله ليغضب إذا مدح ~~الفاسق أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت وابن عدي في الكامل وأبو يعلى ~~والبيهقي في الشعب من حديث أنس بسند ضعيف + # وفي حديث آخر من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام + حديث من أكرم ~~فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام غريب بهذا اللفظ والمعروف من وقر صاحب بدعة ~~الحديث رواه ابن عدي من حديث عائشة والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في ~~الحلية من حديث عبد الله بن يسر بأسانيد ضعيفة قال ابن الجوزي كلها موضوعة ~~+ # ودخل سفيان على المهدي وبيده درج أبيض فقال يا سفيان أعطني الدواة حتى ~~أكتب فقال أخبرني أي شيء تكتب فإن كان حقا أعطيتك # وطلب بعض الأمراء من بعض العلماء المحبوسين عنده أن يناوله طينا ليختم به ~~الكتاب فقال ناولني الكتاب أولا حتى أنظر ما فيه فهكذا كانوا يحترزون عن ~~معاونة الظلمة ومعاملتهم أشد أنواع الإعانة فينبغي أن يجتنبها ذوو الدين ما ~~وجدوا إليه سبيلا # وبالجملة فينبغي أن ينقسم الناس عنده إلى من يعامل ومن لا يعامل وليكن من ~~يعامله أقل ممن لا يعامله في هذا الزمان قال بعضهم أتى على الناس زمان كان ~~الرجل يدخل السوق ويقول من ترون لي أن أعامل من الناس فيقال له عامل من شئت # ثم أتى زمان آخر كانوا يقولون عامل من شئت إلا فلانا وفلانا ثم أتى زمان ~~آخر فكان يقال لا تعامل أحدا إلا فلانا وفلانا وأخشى أن يأتي زمان يذهب هذا ~~أيضا # وكأنه قد كان الذي كان يحذر أن يكون إنا لله وإنا إليه راجعون # السابع ينبغي أن يراقب جميع مجاري معاملته مع واحد من معامليه فإنه مراقب ~~ومحاسب فليعد الجواب ليوم الحساب والعقاب في كل فعلة وقولة إنه لم أقدم ~~عليها ولأجل ماذا فإنه يقال إنه يوقف التاجر يوم القيامة مع كل رجل كان ~~باعه شيئا وقفه ويحاسب عن كل واحد فهو محاسب على عدد من عامله # قال بعضهم رأيت بعض التجار في النوم فقلت ماذا فعل الله بك فقال نشر على ~~خمسين ألف صحيفة فقلت هذه كلها ذنوب فقال هذه معاملات الناس بعدد كل إنسان ~~عاملته في الدنيا لكل إنسان صحيفة مفردة فيما بيني وبينه من أول معاملته ~~إلى آخرها فهذا ما على المكتسب في عمله من العدل والإحسان والشفقة على ~~الدين فإن اقتصر على العدل كان من الصالحين وإن أضاف إليه الإحسان كان من ~~المقربين وإن راعى مع ذلك وظائف الدين كما ذكر في الباب الخامس كان من ~~الصديقين والله أعلم بالصواب # تم كتاب الكسب والمعيشة بحمد الله ومنه PageV02P087 كتاب الحلال والحرام ~~وهو الكتاب الرابع من ربع العادات من كتاب إحياء علوم الدين # بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي خلق الإنسان من طين لازب وصلصال ثم ركب صورته في أحسن ~~تقويم وأتم اعتدال ثم غذاه في أول نشوه بلبن استصفاه من بين فرث ودم سائغا ~~كالماء الزلال ثم حماه بما آتاه من طيبات الرزق عن دواعي الضعف والانحلال ~~ثم قيد شهوته المعادية له عن السطوة والصيال وقهرها بما افترضه عليه من طلب ~~القوت الحلال وهزم بكسرها جند الشيطان المتشمر للإضلال ولقد كان يجري من ~~ابن آدم مجرى الدم السيال فضيق عليه عزة الحلال المجرى والمجال إذ كان لا ~~يبذرقه إلى أعماق العروق إلا الشهوة الماثلة إلى الغلبة والاسترسال فبقي ~~لما زمت بزمام الحلال خائبا خاسرا ما له من ناصر ولا وال # والصلاة على محمد الهادي من الضلال وعلى آله خير آل وسلم تسليما كثيرا # أما بعد فقد قال صلى الله عليه وسلم طلب الحلال فريضة على كل مسلم + حديث ~~ابن مسعود طلب الحلال فريضة على كل مسلم تقدم في الزكاة دون قوله على كل ~~مسلم وللطبراني في الأوسط من حديث أنس واجب على كل مسلم وإسناده ضعيف + # رواه ابن مسعود رضي الله عنه وهذه الفريضة من بين سائر الفرائض أعصاها ~~على العقول فهما وأثقلها على الجوارح فعلا ولذلك اندرس بالكلية علما وعملا ~~وصار غموض علمه سببا لاندراس عمله إذ ظن الجهال أن الحلال مفقود وأن السبيل ~~دون الوصول إليه مسدود وأنه لم يبق من الطيبات إلا الماء الفرات والحشيش ~~النابت في الموات وما عداه فقد أخبثته الأيدي العادية وأفسدته المعاملات ~~الفاسدة وإذا تعذرت القناعة بالحشيش من النبات لم يبق وجه سوى الاتساع في ~~المحرمات فرفضوا هذا القطب من الدين أصلا ولم يدركوا بين الأموال فرقا ~~وفصلا وهيهات هيهات فالحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ولا تزال ~~هذه الثلاثة مقترنات كيفما تقلبت الحالات # ولما كانت هذه بدعة عم في الدين ضررها واستطار في الخلق شررها وجب كشف ~~الغطاء عن فسادها بالإرشاد إلى مدرك الفرق بين الحلال والحرام والشبهة على ~~وجه التحقيق والبيان ولا يخرجه التضييق عن حيز الإمكان # ونحن نوضح ذلك في سبعة أبواب # الباب الأول في فضيلة طلب الحلال ومذمة الحرام ودرجات الحلال والحرام # الباب الثاني في مراتب الشبهات ومثاراتها وتمييزها عن الحلال والحرام # الباب الثالث في البحث والسؤال والهجوم والإهمال ومظانها في الحلال ~~والحرام # الباب الرابع في كيفية خروج التائب عن المظالم المالية # الباب الخامس في إدرارات السلاطين وصلاتهم وما يحل منها وما يحرم # الباب السادس في الدخول على السلاطين ومخالطتهم # الباب السابع في مسائل متفرقة PageV02P088 # | الباب الأول في فضيلة الحلال ومذمة الحرام # وبيان أصناف الحلال ودرجاته وأصناف الحرام ودرجات الورع فيه فضيلة الحلال ~~ومذمة الحرام # قال الله تعالى كلوا من الطيبات واعملوا صالحا أمر بالأكل من الطيبات قبل ~~العمل # وقيل إن المراد به الحلال # وقال تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وقال تعالى إن الذين يأكلون ~~أموال اليتامى ظلما الآية # وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن ~~كنتم مؤمنين @QB@ ثم قال @QE@ فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ~~@QB@ ثم قال @QE@ وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم @QB@ ثم قال @QE@ ومن عاد ~~فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون جعل آكل الربا أول الأمر مؤذنا بمحاربة ~~الله وفي آخره متعرضا للنار والآيات الواردة في الحلال والحرام لا تحصى # وروى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال طلب ~~الحلال فريضة على كل مسلم ولما قال صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على ~~كل مسلم + حديث طلب العلم فريضة على كل مسلم تقدم في العلم + # قال بعض العلماء أراد به طلب علم الحلال والحرام وجعل المراد بالحديثين ~~واحدا # وقال صلى الله عليه وسلم من سعى على عياله من حله فهو كالمجاهد في سبيل ~~الله ومن طلب الدنيا حلالا في عفاف كان في درجة الشهداء + حديث من سعى على ~~عياله من حله فهو كالمجاهد في سبيل الله ومن طلب الدنيا في عفاف كان في ~~درجة الشهداء أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة من سعى على عياله ~~ففي سبيل الله ولأبي منصور في مسند الفردوس من طلب مكسبة من باب حلال يكف ~~بها وجهه عن مسئلة الناس وولده وعياله جاء يوم القيامة مع النبيين ~~والصديقين وإسنادهما ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم من أكل الحلال أربعين يوما نور الله قلبه وأجرى ~~ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه + حديث من أكل الحلال أربعين يوما نور ~~الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه أخرجه أبو نعيم في الحلية ~~من حديث أبي أيوب من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على ~~لسانه ولابن عدي نحوه من حديث أبي موسى وقال حديث منكر + # وفي رواية زهده الله في الدنيا وروي أن سعدا سأل رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أن يسأل الله تعالى أن يجعله مجاب الدعوة فقال له أطب طعمتك تستجب ~~دعوتك + حديث أن سعدا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الله أن يجعله ~~مجاب الدعوة فقال له أطب طعمتك تستجب دعوتك أخرجه الطبراني في الأوسط من ~~حديث ابن عباس وفيه من لا أعرفه + # ولما ذكر صلى الله عليه وسلم الحريص على الدنيا قال رب أشعث أغبر مشرد في ~~الأسفار مطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام يرفع يديه فيقول يا رب يا رب ~~فأنى يستجاب لذلك + حديث رب أشعث أغبر مشرد في الأسفار مطعمه حرام وملبسه ~~حرامالحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ ثم ذكر الرجل يطيل السفر ~~أشعث أغبرالحديث + # وفي حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم إن لله ملكا على بيت ~~المقدس ينادي كل ليلة من أكل حراما لم يقبل منه صرف ولا عدل + حديث ابن ~~عباس إن لله ملكا على بيت المقدس ينادي كل ليلة من أكل حراما لم يقبل منه ~~صرف ولا عدل لم أقف له على أصل ولأبي منصور الديلمي في مسند الفردوس من ~~حديث ابن مسعود من أكل لقمة من حرام لم تقبل منه صلاة أربعين ليلة الحديث ~~وهو منكر + # فقيل الصرف النافلة والعدل الفريضة # وقال صلى الله عليه وسلم من اشترى ثوبا PageV02P089 بعشرة دراهم وفي ثمنه ~~درهم حرام لم يقبل الله صلاته ما دام عليه منه شيء + حديث من اشترى ثوبا ~~بعشرة دراهم في ثمنه درهم حرام لم يقبل الله صلاته وعليه منه شيء رواه أحمد ~~من حديث ابن عمر بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به + حديث كل ~~لحم نبت من الحرام فالنار أولى به أخرجه الترمذي من حديث كعب بن عجرة وحسنه ~~وقد تقدم + # وقال صلى الله عليه وسلم من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله من ~~أين أدخله النار + حديث من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله عز وجل ~~من أين أدخله النار أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن ~~عمر قال ابن العربي في عارضة الأحوذى شرح الترمذي انه باطل لم يصح ولا يصح ~~+ # و قال صلى الله عليه وسلم العبادة عشرة أجزاء تسعة منها في طلب الحلال + ~~حديث العبادة عشرة أجزاء فتسعة منها في طلب الحلال رواه أبو منصور الديلمي ~~من حديث أنس إلا أنه قال تسعة منها في الصمت والعاشرة كسب اليد من الحلال ~~وهو منكر + # روى هذا مرفوعا وموقوفا على بعض الصحابة أيضا # وقال صلى الله عليه وسلم من أمسى وانيا من طلب الحلال بات مغفورا له ~~وأصبح و الله عنه راض + حديث من أمسى وانيا من طلب الحلال بات مغفورا له ~~وأصبح والله عنه راض أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس من أمسى ~~كالا من عمل يديه أمسى مغفورا له وفيه ضعف + # وقال صلى الله عليه وسلم من أصاب مالا من مأثم فوصل به رحما أو تصدق به ~~أو أنفقه في سبيل الله جمع الله ذلك جميعا ثم قذفه في النار + حديث من أصاب ~~مالا من مأثم فوصل به رحما أو تصدق به أو أنفقه في سبيل الله جمع الله ذلك ~~جميعا ثم قذفه في النار رواه أبو داود في المراسيل من رواية القاسم بن ~~مخيمرة مرسلا + # وقال عليه السلام خير دينكم الورع + حديث خير دينكم الورع تقدم في العلم ~~+ # وقال صلى الله عليه وسلم من لقى الله ورعا أعطاه الله ثواب الإسلام كله + ~~حديث من لقى الله ورعا أعطاه ثواب الإسلام كله لم أقف له على أصل + # ويروى أن الله تعالى قال في بعض كتبه وأما الورعون فأنا أستحي أن أحاسبهم # وقال صلى الله عليه وسلم درهم من ربا أشد عند الله من ثلاثين زنية في ~~الإسلام + حديث درهم من ربا أشد عند الله من ثلاثين زنية في الإسلام رواه ~~أحمد والدارقطني من حديث عبد الله بن حنظلة وقال ستة وثلاثين ورجاله ثقات ~~وقيل عن حنظلة الزاهد عن كعب مرفوعا وللطبراني في الصغير من حديث ابن عباس ~~ثلاثة وثلاثين وسنده ضعيف + # وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المعدة حوض البدن و العروق إليها واردة ~~فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة وإذا سقمت صدرت بالسقم + حديث أبو ~~هريرة المعدة حوض البدن والعروق إليها واردة الحديث أخرجه الطبراني في ~~الأوسط و العقيلي في الضعفاء وقال باطل لا أصل له + # ومثل الطعمة من الدين مثل الأساس من البنيان فإذا ثبت الأساس وقوي استقام ~~البنيان وارتفع وإذا ضعف الأساس واعوج انهار البنيان ووقع # و قال الله عز وجل أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله الآية # وفي الحديث من اكتسب مالا من حرام فإن تصدق به لم يقبل منه وان تركه ~~وراءه كان زاده إلى النار + حديث من اكتسب مالا من حرام فإن تصدق به لم ~~يقبل منه وان تركه وراءه كان زاده إلى النار رواه أحمد من حديث ابن مسعود ~~بسند ضعيف ولأبن حبان من حديث أبي هريرة من جمع مالا من حرام ثم تصدق به لم ~~يكن له فيه أجر وكان إصره عليه + # وقد ذكرنا جملة من الأخبار في كتاب آداب الكسب تكشف عن فضيلة الكسب ~~الحلال # وأما الآثار فقد ورد أن الصديق رضي الله عنه شرب لبنا من كسب عبده ثم سأل ~~عبده فقال تكهنت لقوم فأعطوني فأدخل أصابعه في فيه وجعل يقىء حتى ظننت أن ~~نفسه ستخرج ثم قال اللهم إني أعتذر إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء + ~~حديث إن أبا بكر شرب لبنا من كسب عبده ثم سأله فقال تكهنت لقوم فأعطوبي ~~فأدخل إصبعه في فيه وجعل يقىء وفي بعض الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما ~~أخبر بذلك قال أو ما علمتم أن الصديق لا يدخل جوفه إلا طيبا رواه البخاري ~~من حديث عائشة كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج وكان أبو بكر يأكل من ~~خراجه فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام أتدرى ما هذا فقال ~~وما هو قال كنت تكهنت لأنسان في الجاهلية فذكره دون المرفوع عنه فلم أجده + # وفي بعض الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال أو علمتم # أن الصديق PageV02P090 لا يدخل جوفه إلا طيبا وكذلك شرب عمر رضي الله عنه ~~من لبن إبل الصدقة غلطا فأدخل أصبعه وتقيأ وقالت عائشة رضي الله عنها إنكم ~~لتغفلون عن أفضل العبادة هو الورع وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه لو ~~صليتم حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتار لم يقبل ذلك منكم إلا ~~بورع حاجز # وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله ما أدرك من أدرك إلا من كان يعقل ما يدخل ~~جوفه # وقال الفضيل من عرف ما يدخل جوفه كتبه الله صديقا فانظر عند من تفطر يا ~~مسكين وقيل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله لم لا تشرب من ماء زمزم فقال لو كان ~~لي دلو شربت منه # وقال سفيان الثوري رضي الله عنه من أنفق من الحرام في طاعة الله كان كمن ~~طهر الثوب النجس بالبول و الثوب النجس لا يطهره إلا الماء و الذنب لا يكفره ~~إلا الحلال # وقال يحيى بن معاذ الطاعة خزانة من خزائن الله إلا أن مفتاحها الدعاء ~~وأسنانه لقم الحلال # وقال ابن عباس رضي الله عنهما لا يقبل الله صلاة امرىء في جوفه حرام وقال ~~سهل التسترى لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يكون فيه أربع خصال أداء ~~الفرائض بالسنة وأكل الحلال بالورع واجتناب النهي من الظاهر و الباطن و ~~الصبر على ذلك إلى الموت # و قال من أحب أن يكاشف بآيات الصديقين فلا يأكل إلا حلالا ولا يعمل إلا ~~في سنة أو ضرورة # و يقال من أكل الشبهة أربعين يوما أظلم قلبه وهو تأويل قوله تعالى @QB@ ~~كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون @QE@ وقال ابن المبارك رد درهم من ~~شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف درهم ومائة ألف ومائة ألف حتى بلغ إلى ~~ستمائة ألف # و قال بعض السلف إن العبد يأكل أكله فيتقلب قلبه فينغل كما ينغل الأديم ~~ولا يعود إلى حاله أبدا # وقال سهل رضي الله عنه من أكل الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى علم أو لم ~~يعلم # ومن كانت طعمته حلالا أطاعته جوارحه ووفقت للخيرات و قال بعض السلف إن ~~أول لقمة يأكلها العبد من حلال يغفر له ما سلف من ذنوبه ومن أقام نفسه مقام ~~ذل في طلب الحلال تساقطت عنه ذنوبه كتساقط ورق الشجر # وروى في آثار السلف أن الواعظ كان إذا جلس للناس قال العلماء تفقدوا منه ~~ثلاثا فإن كان معتقدا لبدعة فلا تجالسوه فإنه عن لسان الشيطان ينطق وإن كان ~~سيء الطعمة فعن الهوى ينطق فإن لم يكن مكين العقل فإنه يفسد بكلامه أكثر ~~مما يصلح فلا تجالسوه # وفي الأخبار المشهورة عن علي عليه السلام وغيره إن الدنيا حلالها حساب ~~وحرامها عذاب # وزاد آخرون وشبهتها عتاب # وروي أن بعض الصالحين دفع طعاما إلى بعض الأبدال فلم يأكل فسأله عن ذلك ~~فقال نحن لا نأكل إلا حلالا فلذلك تستقيم قلوبنا ويدوم حالنا ونكاشف ~~الملكوت ونشاهد الآخرة ولو أكلنا مما تأكلون ثلاثة أيام لما رجعنا إلى شيء ~~من علم اليقين ولذهب الخوف والمشاهدة من قلوبنا فقال له الرجل فإني أصوم ~~الدهر وأختم القرآن في كل شهر ثلاثين مرة فقال له البدل هذه الشربة التي ~~رأيتني شربتها من الليل أحب إلى من ثلاثين ختمة في ثلثمائة ركعة من أعمالك ~~وكانت شربته من لبن ظبية وحشية # وقد كان بين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين صحبة طويلة فهجره أحمد إذ سمعه ~~يقول إني لا أسال أحدا شيئا ولو أعطاني الشيطان شيئا لأكلته حتى اعتذر يحيى ~~و قال كنت أمزح فقال تمزح بالدين أما علمت أن الأكل من الدين قدمه الله ~~تعالى على العمل الصالح فقال @QB@ كلوا من الطيبات واعملوا صالحا @QE@ وفي ~~الخبر أنه مكتوب في التوراة من لم يبال من أين مطعمه لم يبال الله من أي ~~أبواب النيران أدخله وعن علي رضي الله عنه أنه لم يأكل بعد قد قتل عثمان ~~ونهب الدار طعاما إلا مختوما حذرا من الشبهة # واجتمع الفضيل بن عياض وابن عيينة وابن المبارك عند وهيب بن الورد بمكة ~~فذكروا الرطب فقال وهيب هو من أحب الطعام إلي إلا أني لا آكله لاختلاط رطب ~~مكة ببساتين زبيدة وغيرها فقال له PageV02P091 ابن المبارك إن نظرت في مثل ~~هذا ضاق عليك الخبز # قال وما سببه قال إن أصول الضياع قد اختلط بالصوافي فغشى على وهيب فقال ~~سفيان قتلت الرجل فقال ابن المبارك ما أردت إلا أن أهون عليه فلما أفاق قال ~~لله علي أن لا آكل خبزا أبدا حتى ألقاه # قال فكان يشرب اللبن قال فأتته أمه بلبن فسألها فقالت هو من شاة بني فلان ~~فسأل عن ثمنها وأنه من أين كان لهم فذكرت فلما أدناه من فيه قال بقي أنها ~~من أين كانت ترعى فسكتت فلم يشرب لأنها كانت ترعى من موضع فيه حق للمسلمين ~~فقالت أمه اشرب فإن الله يغفر لك فقال ما أحب أن يغفر لي وقد شربته فأنال ~~مغفرته بمعصيته # وكان بشر الحافي رحمه الله من الورعين فقيل له من أين تأكل فقال من حيث ~~تأكلون ولكن ليس من يأكل وهو يبكي كمن يأكل وهو يضحك # وقال يد أقصر من يد ولقمة أصغر من لقمة وهكذا كانوا يحترزون من الشبهات ~~أصناف الحلال ومداخله # اعلم أن تفصيل الحلال و الحرام إنما يتولى بيانه كتب الفقه ويستغني ~~المريد عن تطويله بأن يكون له طعمة معينة يعرف بالفتوى حلها لا يأكل من ~~غيرها فأما من يتوسع في الأكل من وجوه متفرقة فيفتقر إلى علم الحلال ~~والحرام كله كما فصلناه في كتب الفقه # ونحن الآن نشير إلى مجامعه في سياق تقسيم وهو أن المال إنما يحرم إما ~~لمعنى في عينه أو لخلل في جهة اكتسابه القسم الأول الحرام لصفة في عينه ~~كالخمر و الخنزير وغيرهما # وتفصيله أن الأعيان المأكولة على وجه الأرض لا تعدو ثلاثة أقسام فإنها ~~إما أن تكون من المعادن كالملح و الطين وغيرهما أو من النبات أو من ~~الحيوانات # أما المعادن فهي أجزاء الأرض وجميع ما يخرج منها فلا يحرم أكله إلا من ~~حيث أنه يضر بالآكل وفي بعضها ما يجري مجرى السم والخبز لو كان مضرا لحرم ~~أكله و الطين الذي يعتاد أكله لا يحرم إلا من حيث الضرر # وفائدة قولنا انه لا يحرم مع أنه لا يؤكل أنه لو وقع شيء منها في مرقة أو ~~طعام مائع لم يصر به محرما # وأما النبات فلا يحرم منه إلا ما يزيل العقل أو يزيل الحياة أو الصحة ~~فمزيل العقل البنج و الخمر وسائر المسكرات ومزيل الحياة السموم ومزيل الصحة ~~الأدوية في غير وقتها وكأن مجموع هذا يرجع إلى الضرر إلا الخمر و المسكرات ~~فإن الذي لا يسكر منها أيضا حرام مع قلته لعينه ولصفته وهي الشدة المطربة # وأما السم فإذا خرج عن كونه مضرا لقلته أو لعجنه بغيره فلا يحرم # وأما الحيوانات فتنقسم إلى ما يؤكل وإلى ما لا يؤكل وتفصيله في كتاب ~~الأطعمة والنظر يطول في تفصيله لا سيما في الطيور الغريبة وحيوانات البر ~~والبحر وما يحل أكله منها فإنما يحل إذا ذبح ذبحا شرعيا روعي فيه شروط ~~الذابح والآلة والذبح وذلك مذكور في # | كتاب الصيد والذبائح وما لم يذبح ذبحا شرعيا أو مات فهو حرام ولا يحل # إلا ميتتان السمك والجراد وفي معناهما ما يستحيل من الأطعمة كدود التفاح ~~والخل والجبن فإن الاحتراز منهما غير ممكن فأما إذا أفردت وأكلت فحكمها حكم ~~الذباب والخنفساء والعقرب وكل ما ليس له نفس سائلة لا سبب في تحريمها إلا ~~الاستقذار ولو لم يكن لكان لا يكره فإن وجد شخص لا يستقذره لم يلتفت إلى ~~خصوص طبعه فإنه التحق بالخبائث لعموم الاستقذار فيكره أكله كما لو جمع ~~المخاط وشربه كره PageV02P092 # ذلك وليست الكراهة لنجاستها فإن الصحيح أنها لا تنجس بالموت إذ أمر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم بأن يمقل الذباب في الطعام إذا وقع فيه + حديث ~~الأمر بأن يمقل الذباب في الطعام إذا وقع فيه رواه البخاري من حديث أبي ~~هريرة + # وربما يكون حارا ويكون ذلك سبب موته ولم تهرت نملة أو ذبابة في قدر لم ~~يجب إراقتها إذ المستقذر هو جرمه إذا بقي له جرم ولم ينجس حتى يحرم ~~بالنجاسة وهذا يدل على أن تحريمه للاستقذار ولذلك نقول لو وقع جزء من آدمي ~~ميت في قدر ولو وزن دانق حرم الكل لا لنجاسته فإن الصحيح أن الآدمي لا ينجس ~~بالموت ولكن لان أكله محرم احتراما لا استقذارا # وأما الحيوانات المأكولة إذا ذبحت بشرط الشرع فلا تحل جميع أجزائها بل ~~يحرم منها الدم والفرث وكل ما يقضي بنجاسته منها بل تناول النجاسة مطلقا ~~محرم ولكن ليس في الأعيان شيء محرم نجس إلا من الحيوانات # وأما من النبات فالمسكرات فقط دون ما يزيل العقل ولا يسكر كالبنج فإن ~~نجاسة المسكر تغليظ للذجر عنه لكونه في مظنة التشوف ومهما وقعت قطرة من ~~النجاسة أو جزء من نجاسة جامدة في مرقة أو طعام أو دهن حرم أكل جميعه ولا ~~يحرم الانتفاع به لغير الأكل فيجوز الاستصباح بالدهن النجس وكذا طلاء السفن ~~و الحيوانات وغيرها فهذه مجامع ما يحرم لصفة في ذاته القسم الثاني ما يحرم ~~لخلل في جهة إثبات اليد عليه # وفيه يتسع النظر فنقول أخذ المال إما أن يكون باختيار المالك أو بغير ~~اختياره فالذي يكون بغير اختياره كالإرث والذي يكون باختياره إما أن لا ~~يكون من مالك كنيل المعادن أو يكون من مالك والذي أخذ من مالك فإما أن يؤخذ ~~قهرا أو يؤخذ تراضيا و المأخوذ قهرا إما أن يكون لسقوط عصمة المالك ~~كالغنائم أو لاستحقاق الأخذ كزكاة الممتنعين و النفقات الواجبة عليهم ~~والمأخوذ تراضيا إما أن يؤخذ بعوض كالبيع و الصداق و الأجرة وإما أن يؤخذ ~~بغير عوض كالهبة و الوصية فيحصل من هذا السياق ستة أقسام # الأول ما يؤخذ من غير مالك كنيل المعادن وإحياء الموات والاصطياد ~~والاحتطاب والاستقاء من الأنهار والاحتشاش فهذا حلال بشرط أن لا يكون ~~المأخوذ مختصا بذي حرمة من الآدميين فإذا انفك من الاختصاصات ملكها آخذها # وتفصيل ذلك في كتاب إحياء الموات # الثاني المأخوذة قهرا ممن لا حرمة له وهو الفيء والغنيمة و سائر أموال ~~الكفار والمحاربين وذلك حلال للمسلمين إذا اخرجوا منها الخمس وقسموها بين ~~المستحقين بالعدل ولم يأخذوها من كافر له حرمة وأمان وعهد # وتفصيل هذه الشروط في كتاب السير من كتاب الفيء والغنيمة وكتاب الجزية # الثالث ما يؤخذ قهرا باستحقاق عند امتناع من وجب عليه فيؤخذ دون رضاه ~~وذلك حلال إذا تم سبب الاستحقاق وتم وصف المستحق الذي به استحقاقه واقتصر ~~على القدر المستحق واستوفاه ممن يملك الاستيفاء من قاض أو سلطان أو مستحق ~~وتفصيل ذلك في # | كتاب تفريق الصدقات وكتاب الوقف وكتاب النفقات إذ فيها النظر في صفة # المستحقين للزكاة و الوقف و النفقة وغيرها من الحقوق فإذا استوفيت ~~شرائطها كان المأخوذ حلالا # الرابع ما يؤخذ تراضيا بمعاوضه وذلك حلال إذا روعي شرط العوضين وشرط ~~العاقدين وشرط اللفظين اعني الإيجاب والقبول مع ما تعبد الشرع به من اجتناب ~~الشروط المفسدة # وبيان ذلك في كتاب البيع و السلم والإجارة والحوالة والضمان والقراض ~~والشركة والمساقاة والشفعة والصلح والخلع والكتابة والصداق PageV02P093 # وسائر المعاوضات # الخامس ما يؤخذ عن رضا من غير عوض وهو حلال إذا روعى فيه شرط المعقود ~~عليه وشرط العاقدين وشرط العقد ولم يؤد إلى ضرر بوارث أو غيره وذلك مذكور ~~في كتاب الهبات والوصايا والصدقات # السادس # ما يحصل بغير اختيار كالميراث وهو حلال إذا كان الموروث قد اكتسب المال ~~من بعض الجهات الخمس على وجه حلال ثم كان ذلك بعد قضاء الدين وتنفيذ ~~الوصايا وتعديل القسمة بين الورثة وإخراج الزكاة و الحج و الكفارة إن كان ~~واجبا وذلك مذكور في كتاب الوصايا والفرائض فهذه مجامع مداخل الحلال ~~والحرام أومأنا إلى جملتها ليعلم المريد أنه إن كانت طعمته متفرقة لا من ~~جهة معينة فلا يستغنى عن علم هذه الأمور فكل ما يأكله من جهة من الجهات ~~ينبغي أن يستفتى فيه أهل العلم ولا يقدم عليه بالجهل فإنه كما يقال للعالم ~~لم خالفت علمك يقال للجاهل لم لازمت جهلك ولم تتعلم بعد أن قبل لك طلب ~~فريضة على كل مسلم درجات الحلال والحرام # اعلم أن الحرام كله خبيث لكن بعضه أخبث من بعض و الحلال كله طيب ولكن ~~بعضه أطيب من بعض وأصفى من بعض وكما أن الطبيب يحكم على كل حلو بالحرارة ~~ولكن يقول بعضها حار في الدرجة الأولى كالسكر وبعضها حار في الثانية ~~كالفانيذ وبعضها حار في الثالثة كالدبس وبعضها حار في الرابعة كالعسل # كذلك الحرام بعضه خبيث حار في الدرجة الأولى وبعضه الثانية أو الثالثة أو ~~الرابعة وكذا الحلال تتفاوت درجات صفاته وطيبه فلنقتد بأهل الطب في ~~الاصطلاح على أربع درجات تقريبا # وإن كان التحقيق لا يوجب هذا الحصر إذ يتطرق إلى كل درجة من الدرجات أيضا ~~تفاوت لا ينحصر فإن من السكر ما هو أشد حرارة من سكر آخر وكذا غيره فلذلك ~~نقول الورع عن الحرام على أربع درجات # الأولى ورع العدول وهو الذي يجب الفسق باقتحامه وتسقط العدالة به ويثبت ~~اسم العصيان و التعرض للنار بسببه وهو الورع عن كل ما تحرمه فتاوى الفقهاء # الثانية ورع الصالحين وهو الامتناع عما يتطرق إليه احتمال التحريم ولكن ~~المفتى يرخص في التناول بناء على الظاهر فهو من مواقع الشبهة على الجملة ~~فلنسم التحرج عن ذلك ورع الصالحين وهو في الدرجة الثانية # الثالثة مالا تحرمه الفتوى ولا شبهة في حله ولكن يخاف منه أداؤه إلى محرم ~~وهو ترك ما لا بأس به مخافة مما به بأس وهذا ورع المتيقن # قال صلى الله عليه وسلم لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع مالا بأس به ~~مخافة ما به بأس + حديث لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع مالا بأس به ~~مخافة ما به بأس رواه ابن ماجه وقد تقدم + # الرابعة ما لا بأس به أصلا ولا يخاف منه أن يؤدي إلى ما به بأس ولكنه ~~يتناول لغير الله وعلى غير نية التقوى به على عبادة الله أو تتطرق إلى ~~أسبابه المسهلة له كراهية أو معصية و الامتناع منه ورع الصديقين فهذه درجات ~~الحلال جملة إلى أن نفصلها بالأمثلة و الشواهد # وأما الحرام الذي ذكرناه في الدرجة الأولى هو الذي يشترط التورع عنه في ~~العدالة واطراح سمة الفسق فهو أيضا على درجات في الخبث فالمأخوذ بعقد فاسد ~~كالمعاطاة مثلا فيما لا يجوز فيه المعاطاة حرام ولكن ليس في درجة المغصوب ~~على سبيل القهر بل المغصوب أغلظ إذ فيه ترك طريق الشرع في الاكتساب وإيذاء ~~الغير PageV02P094 # وليس في المعاطاة إيذاء وإنما فيه ترك طريق التعبد فقط ثم ترك طريق ~~التعبد بالمعاطاة أهون من تركه بالربا وهذا التفاوت يدرك بتشديد الشرع ~~ووعيده وتأكيده في بعض المناهى على ما سيأتي في كتاب التوبة عند ذكر الفرق ~~بين الكبيرة والصغيرة بل المأخوذ ظلما من فقير أو صالح أو من يتيم أخبث ~~وأعظم من المأخوذ من قوي أو غني أو فاسق لأن درجات الإيذاء تختلف باختلاف ~~درجات المؤذى فهذه دقائق في تفاصيل الخبائث لا ينبغي أن يذهل عنها فلولا ~~اختلاف درجات العصاة لما اختلفت درجات النار وإذا عرفت مثارات التغليظ فلا ~~حاجة إلى حصره في ثلاث درجات أو أربعة فإن ذلك جار مجرى التحكم والتشهي وهو ~~طلب حصر فيما لا حاصر له ويدلك على اختلاف درجات الحرام في الخبث ما سيأتي ~~في تعارض المحذورات وترجيح بعضها على بعض حتى إذا اضطر إلى أكل ميتة أو أكل ~~طعام الغير أو أكل صيد الحرم فإنا نقدم بعض هذا على بعض أمثلة الدرجات ~~الأربع في الورع وشواهدها # أما الدرجة الأولى وهي ورع العدول فكل ما اقتضى الفتوى تحريمه مما يدخل ~~في المداخل الستة التي ذكرناها من مداخل الحرام لفقد شرط من الشروط فهو ~~الحرام المطلق الذي ينسب مقتحمه إلى الفسق و المعصية وهو الذي نريده ~~بالحرام المطلق ولا يحتاج إلى أمثلة وشواهد # وأما الدرجة الثانية فأمثلتها كل شبهة لا توجب اجتنابها ولكن يستجب ~~اجتنابها كما سيأتي في باب الشبهات إذ من الشبهات ما يجب اجتنابها فتلحق ~~بالحرام ومنها ما يكره اجتنابها فالورع عنها ورع الموسوسين كمن يمتنع من ~~الاصطياد خوفا من أن يكون الصيد قد أفلت من إنسان أخذه وملكه وهذا وسواس # ومنها # ما يستحب اجتنابها ولا يجب وهو الذي ينزل عليه قوله صلى الله عليه وسلم ~~دع ما يريبك إلى مالا يريبك + حديث دع ما يريبك إلى مالا يريبك أخرجه ~~النسائي والترمذي و الحاكم وصححاه من حديث الحسن بن علي + # ونحمله على نهي التنزيه وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم كل ما أصميت ودع ~~ما أنميت + حديث كل ما أصميت ودع ما أنميت أخرجه الطبراني في الأوسط من ~~حديث ابن عباس و البيهقي موقوفا عليه وقال إن المرفوع ضعيف + # والإنماء أن يجرى الصيد فيغيب عنه ثم يدركه ميتا إذ يحتمل انه مات بسقطة ~~أو بسبب آخر والذي نختاره كما سيأتي أن هذا ليس بحرام ولكن تركه من ورع ~~الصالحين # وقوله دع ما يريبك أمر تنزيه إذ ورد في بعض الروايات كل منه وإن غاب عنك ~~ما لم تجد فيه أثرا غير سهمك ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم في ~~الكلب المعلم وإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه على ~~سبيل التنزيه لأجل الخوف # إذ قال لأبي ثعلبة الخشنى كل منه فقال وإن أكل منه فقال وإن أكل + حديث ~~قال لأبي ثعلبة كل منه فقال وإن أكل قال وإن أكل رواه أبو داود من رواية ~~عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ومن حديث أبي ثعلبة أيضا مختصرا وإسنادهما جيد ~~والبيهقي موقوفا عليه وقال إن المرفوع ضعيف + # وذلك لأن حالة أبي ثعلبة وهو فقير مكتسب لا تحتمل هذا الورع وحال عدي كان ~~يحتمله # يحكى عن ابن سيرين أنه ترك لشريك له أربعة آلاف درهم لأنه حاك في قلبه ~~شيء مع اتفاق العلماء على انه لا بأس به فأمثلة هذه الدرجة نذكرها في ~~التعرض لدرجات الشبهة فكل ما هو شبهة لا يجب اجتنابه فهو مثال هذه الدرجة # أما الدرجة الثالثة وهي ورع المتقين فيشهد لها قوله صلى الله عليه وسلم ~~لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به مخافة ما به بأس وقال عمر ~~رضي الله عنه # كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام PageV02P095 # وقيل إن هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما # وقال أبو الدرداء إن من تمام التقوى أن يتقى العبد في مثال ذرة حتى يترك ~~بعض ما يرى انه حلال خشية أن يكون حراما حتى يكون حجابا بينه وبين النار ~~ولهذا كان لبعضهم مائة درهم على إنسان فحملها إليه فأخذ تسعة وتسعين وتورع ~~عن استيفاء الكل خيفة الزيادة # وكان بعضهم يتحرز فكل ما يستوفيه يأخذه ينقصان حبة وما يعطيه يوفيه ~~بزيادة حبة ليكون ذلك حاجزا من النار ومن هذه الدرجة الاحتراز عما يتسامح ~~به الناس فإن ذلك حلال في الفتوى ولكن يخاف من فتح بابه أن ينجر إلى غيره ~~وتألف النفس الاسترسال وتترك الورع فمن ذلك ما روى عن علي بن معبد انه قال ~~كنت ساكنا في بيت بكراء فكتبت كتابا وأردت أن آخذ من تراب الحائط لأتربه ~~وأجففه ثم قلت الحائط ليس لي فقالت لي نفسي وما قدر تراب من حائط فأخذت من ~~التراب حاجتي فلما نمت فإذا أنا بشخص واقف يقول يا علي بن معبد سيعلم غدا ~~الذي يقول وما قدر تراب من حائط ولعل معنى ذلك انه يرى كيف يحط من منزلته ~~فإن للتقوى درجة تفوت بفوات ورع المتقين وليس المراد به أن يستحق عقوبة على ~~فعله # ومن ذلك ما روى أن عمر رضي الله عنه وصله مسك من البحرين فقال وددت لو أن ~~امرأة وزنت حتى أقسمه بين المسلمين فقالت امرأته عاتكة أنا أجيد الوزن فسكت ~~عنها ثم أعاد القول فأعادت الجواب فقال لا أحببت أن تضعيه بكفة ثم تقولين ~~فيها أثر الغبار فتمسحين بها عنقك فأصيب بذلك فضلا على المسلمين # وكان يوزن بين يدي عمر بن عبد العزيز مسك للمسلمين # فأخذ بأنفه حتى لا تصيبه الرائحة وقال وهل ينتفع منه إلا بريحه لما ~~استعبد ذلك منه # وأخذ الحسن رضي الله عنه تمرة من تمر الصدقة وكان صغيرا فقال النبي صلى ~~الله عليه وسلم كخ كخ + حديث أخذ الحسن بن علي تمرة من الصدقة وكان ضغيرا ~~فقال النبي صلى الله عليه وسلم كخ كخ ألقها أخرجه البخاري من حديث أبي ~~هريرة # أي ألقها # ومن ذلك ما روى بعضهم أنه كان عند محتضر فمات ليلا فقال أطفئوا السراج قد ~~حدث للورثة حق في الدهن # وروى سليمان التيمي عن نعيمة العطارة قالت كان عمر رضي الله عنه يدفع إلى ~~امرأته طيبا من طيب المسلمين لتبيعه فباعتني طيبا فجعلت تقوم وتزيد وتنقص ~~وتكسر بأسنانها فتعلق بأصبعها شيء منه فقالت به هكذا بأصبعها ثم مسحت به ~~خمارها فدخل عمر رضي الله عنه فقال ما هذه الرائحة فأخبرته فقال طيب ~~المسلمين تأخذينه فانتزع الخمار من رأسها وأخذ جرة من الماء فجعل يصب على ~~الخمار ثم يدلكه في التراب ثم يشمه ثم يصب الماء ثم يدلكه في التراب ويشمه ~~حتى لم يبق له ريح قالت ثم أتيتها مرة أخرى فلما وزنت علق منه شيء بأصبعها ~~فأدخلت أصبعها في فيها ثم مسحت به التراب فهذا من عمر رضي الله عنه ورع ~~التقوى لخوف أداء ذلك إلى غيره وإلا فغسل الخمار ما كان يعيد الطبيب إلى ~~المسلمين ولكن أتلفه عليها زجرا وردعا واتقاء من أن يتعدى الأمر إلى غيره # ومن ذلك ما سئل أحمد بن حنبل رحمه الله عن رجل يكون في المسجد يحمل مجمرة ~~لبعض السلاطين ويبخر المسجد بالعود فقال ينبغي أن يخرج من المسجد فإنه لا ~~ينتفع من العود إلا برائحته وهذا قد يقارب الحرام فإن القدر الذي يعبق ~~بثوبه من رائحة الطيب قد يقصد وقد يبخل به فلان يدري أنه يتسامح به أم لا # وسئل أحمد بن حنبل عمن سقطت منه ورقة فيها أحاديث فهل لمن وجدها أن يكتب ~~منها ثم يردها فقال لا بل يستأذن ثم يكتب وهذا أيضا قد يشك في أن صاحبها هل ~~يرضى به أم لا فما هو في محل الشك والأصل تحريمه فهو حرام وتركه من الدرجة ~~الأولى # ومن ذلك التورع عن الزينة لأنه يخاف منها أن تدعو إلى غيرها وإن كانت ~~الزينة مباحة في نفسها # وقد سئل أحمد بن حنبل عن النعال السبتية فقال أما أنا فلا أستعملها ولكن ~~إن كان للطين فأرجو وأما من أراد الزينة فلا ومن ذلك أن عمر PageV02P096 ~~رضي الله عنه لما ولى الخلافة له زوجة يحبها فطلقها خفية أن تشير عليه ~~بشفاعة في باطل فيعطيها ويطلب رضاها وهذا من ترك مالا بأس به مخافة مما به ~~البأس أي مخافة من أن يفضى إليه وأكثر المباحات داعية إلى المحظورات حتى ~~استكثار الأكل واستعمال الطيب للمتعزب فإنه يحرك الشهوة ثم الشهوة تدعو إلى ~~الفكر والفكر يدعو إلى النظر والنظر يدعو إلى غيره وكذلك النظر إلى دور ~~الأغنياء وتجملهم مباح في نفسه ولكن يهيج الحرص ويدعوا إلى طلب مثله ويلزم ~~منه ارتكاب ما لا يحل في تحصيله وهكذا المباحات كلها إذا لم تؤخذ بقدر ~~الحاجة في وقت الحاجة مع التحرز من غوائها بالمعرفة أولا ثم ثانيا فقلما ~~تخلو عاقبتها عن خطر وكذا كل ما أخذ بالشهوة فقلما يخلو عن خطر حتى كره ~~أحمد بن حنبل تجصيص الحيطان و قال أما تجصيص الأرض فيمنع التراب وأما تجصيص ~~الحيطان فزينة لا فائدة فيه حتى أنكر تجصيص المساجد وتزيينها واستدل بما ~~روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سئل أن يكحل المسجد فقال لاعريش كعريش ~~موسى + حديث أنه سئل أن يكحل المسجد فقال لا عريش كعريش موسى أخرجه ~~الدارقطني في الأفراد من حديث أبي الدرداء وقال غريب + # وإنما هو شيء مثل الكحل يطلى به فلم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فيه وكره السلف الثوب الرقيق وقالوا من رق ثوبه رق دينه وكل ذلك خوفا من ~~سريان اتباع الشهوات في المباحات إلى غيرها فإن المحظور والمباح تشتهيهما ~~النفس بشهوة واحدة وإذا تعودت الشهوة المسامحة استرسلت فاقتضى خوف التقوى ~~الورع عن هذا كله فكل حلال انفك عن مثل هذه المخافة فهو الحلال الطيب في ~~الدرجة الثالثة وهو كل ما لا يخاف أداؤه إلى معصية ألبتة # أما الدرجة الرابعة وهو ورع الصديقين فالحلال عندهم كل ما لا تتقدم في ~~أسبابه معصية ولا يستعان به على معصية ولا يقصد منه في الحال والمآل قضاء ~~وطر بل يتناول لله تعالى فقد وللتقوى على عبادته واستبقاء الحياة لأجله ~~وهؤلاء هم الذين يرون كل ما ليس لله حراما امتثالا لقوله تعالى @QB@ قل ~~الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون @QE@ وهذه رتبة الموحدين المتجردين عن حظوظ ~~أنفسهم المنفردين لله تعالى بالقصد ولا شك في أن من يتورع عما يوصل إليه أو ~~يستعان عليه بمعصية ليتورع عما يقترن بسبب اكتسابه معصية أو كراهية فمن ذلك ~~ما روى عن يحيى بن كثير انه شرب الدواء فقالت له امرأته لو تمشيت في الدار ~~قليلا حتى يعمل الدواء فقال هذه مشية لا أعرفها وأنا أحاسب نفسي منذ ثلاثين ~~سنة فكأنه لم تحضره نية في هذه المشية تتعلق بالدين فلم يجز الإقدام عليها # وعن سرى رحمة الله أنه قال انتهيت إلى حشيش في جبل وماء يخرج منه فتناولت ~~من الحشيش وشربت من الماء وقلت في نفسي إن كنت قد أكلت يوما حلالا طيبا فهو ~~هذا اليوم فهتف بي هاتف إن القوة التي أوصلتك إلى هذا الموضع من أين هي ~~فرجعت وندمت # ومن هذا ما روى عن ذى النون المصري انه كان جائعا محبوسا فبعثت إليه ~~امرأة صالحة طعاما على يد السجان فلم يأكل ثم اعتذر وقال جاءني على طبق ~~ظالم يعني أن القوة التي أوصلت الطعام إلي لم تكن طيبة وهذه الغاية القصوى ~~في الورع # ومن ذلك أن بشرا رحمه الله كان لا يشرب الماء من الأنهار التي حفرها ~~الأمراء فإن النهر سبب لجريان الماء ووصوله إليه وإن كان الماء مباحا في ~~نفسه فيكون كالمنتفع بالنهر المحفور بأعمال الأجراء وقد أعطوا الأجرة من ~~الحرام ولذلك امتنع بعضهم من العنب الحلال من كرم حلال وقال لصاحبه # أفسدته إذ سقيته من الماء الذي يجري في النهر الذي حفرته الظلمة وهذا ~~أبعد عن الظلم من شرب نفس الماء لأنه احتراز من استمداد العنب من ذلك الماء # وكان بعضهم إذا مر في طريق الحج لم يشرب من المصانع التي عملتها الظلمة ~~مع أن الماء مباح ولكنه بقي محفوظا PageV02P097 # بالمصنع الذي عمل به بمال حرام فكأنه انتفاع به # وامتناع ذي النون من تناول الطعام من يد السجان أعظم من هذا كله لأن يد ~~السجان لا توصف بأنها حرام بخلاف الطبق المغصوب إذا حمل عليه ولكنه وصل ~~إليه بقوة اكتسبت بالغذاء الحرام ولذلك تقيأ الصديق رضي الله عنه من اللبن ~~خيفة من أن يحدث الحرام فيه قوة مع انه شربه عن جهل وكان لا يجب إخراجه ~~ولكن تخلية البطن عن الخبيث من ورع الصديقين ومن ذلك التورع من كسب حلال ~~اكتسبه خياط يخيط في المسجد فإن أحمد رحمه الله كره جلوس الخياط في المسجد # وسئل عن المغازلي يجلس في قبة في المقابر وفي وقت يخاف من المطر فقال # إنما هي من أمر الآخرة وكره جلوسه فيها # وأطفأ بعضهم سراجا أسرجه غلامه من قوم يكره ما لهم # وامتنع من تسجير تنور للخبز وقد بقي فيه جمر من حطب مكروه # وامتنع بعضهم من أن يحكم شسع نعله في مشعل السلطان فهذه دقائق الورع عند ~~سالكى طريق الآخرة # والتحقيق فيه أن الورع له أول وهو الامتناع عما حرمته الفتوى وهو ورع ~~العدول وله غاية وهو ورع الصديقين وذلك هو الامتناع من كل ما ليس له مما ~~أخذ بشهوة أو توصل إليه بمكروه أو اتصل بسببه مكروه وبينهما درجات في ~~الاحتياط فكلما كان العبد أشد تشديدا على نفسه كان أخف ظهرا يوم القيامة ~~وأسرع جوازا على الصراط وأبعد عن أن تترجح كفه سيئاته على كفة حسناته ~~وتتفاوت المنازل في الآخرة بحسب تفاوت هذه الدرجات في الورع كما تتفاوت ~~درجات النار في حق الظلمة بحسب تفاوت درجات الحرام في الخبث وإذا علمت ~~حقيقة الأمر فإليك الخيار فإن شئت فاستكثر من الاحتياط وإن شئت فرخص فلنفسك ~~تحتاط وعلى نفسك ترخص والسلام # | الباب الثاني في مراتب الشبهات ومثاراتها وتمييزها عن الحلال والحرام # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلال بين و الحرام بين وبينهما أمور ~~مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد أستبرأ لعرضه ودينه ~~ومن وقع في الشبهات واقع الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه + حديث ~~الحلال بين والحرام بين الحديث متفق عليه من حديث النعمان بن بشير + # فهذا الحديث نص في إثبات الأقسام الثلاثة والمشكل منها القسم المتوسط ~~الذي لا يعرفه كثير من الناس وهو الشبهة فلا بد من بيانها وكشف الغطاء عنها ~~فإن ما لا يعرفه الكثير فقد يعرف القليل فنقول # الحلال المطلق هو الذي خلا عن ذاته الصفات الموجبة للتحريم في عينه وانحل ~~عن أسبابه ما تطرق إليه تحريم أو كراهية ومثاله الماء الذي يأخذه الإنسان ~~من المطر قبل أن يقع على ملك أحد يكون هو واقفا عند جمعه وأخذه من الهواء ~~في ملك نفسه أو في أرض مباحة # والحرام المحض هو ما فيه صفة محرمة لا يشك فيها كالشدة المطربة في الخمر ~~والنجاسة في البول # أو حصل بسبب منهى عنه قطعا كالمحصل بالظلم والربا ونظائره فهذان طرفان ~~ظاهران ويلتحق بالطرفين ما تحقق أمره ولكنه احتمل تغيره ولم يكن لذلك ~~الاحتمال سبب يدل عليه فإن صيد البر والبحر حلال ومن اخذ ظبية فيحتمل أن ~~يكون قد ملكها صياد ثم أفلتت منه وكذلك السمك يحتمل أن يكون قد تزلق من ~~الصياد بعد وقوعه في يده وخريطته فمثل هذا الاحتمال لا يتطرق إلى ماء المطر ~~المختطف من الهواء ولكنه في معنى ماء المطر PageV02P098 # والاحتراز منه وسواس ولنسم هذا الفن ورع الموسوسين حتى تلتحق به أمثاله ~~وذلك لأن هذا وهم مجرد لا دلالة عليه نعم لو دل عليه دليل فإن كان قاطعا ~~كما لو وجد حلقة في أذن السمكة أو كان محتملا كما لو وجد على الظبية جراحة ~~يحتمل أن يكون كيا لا يقدر عليه إلا بعد الضبط # ويحتمل أن يكون جرحا فهذا موضع الورع وإذا انتفت الدلالة من كل وجه ~~فالاحتمال المعدوم دلالته كإحتمال المعدوم في نفسه ومن هذا الجنس من يستعير ~~دارا فيغيب عنه المعير فيخرج ويقول لعله مات وصار الحق للوارث فهذا وسواس ~~إذ لم يدل على موته سبب قاطع أو مشكك إذ الشبهة المحذورة ما تنشأ من الشك و ~~الشك عبارة عن اعتقادين متقابلين نشآ عن سببين فما لا سبب له لا يثبت عقده ~~في النفس حتى يساوي العقد المقابل له فيصير شكا ولهذا نقول من شك انه صلى ~~ثلاثا أو أربعا اخذ بالثلاث إذ الأصل عدم الزيادة # ولو سئل إنسان أن صلاة الظهر التي أداها قبل هذا بعشر سنين كانت ثلاثا أو ~~أربعا لم يتحقق قطعا أنها أربعة وإذا لم يقطع جوز أن تكون ثلاثة وهذا ~~التجويز لا يكون شكا إذ لم يحضره سبب أوجب اعتقاد كونها ثلاثا فلتفهم حقيقة ~~الشك حتى لا يشتبه الوهم و التجويز بغير سبب فهذا يلتحق بالحلال المطلق # ويلتحق بالحرام المحض ما تحقق تحريمه وإن أمكن طريان محلل ولكن لم يدل ~~عليه سبب كمن في يدل طعام لمورثه الذي لا وارث له سواه فغاب عنه فقال يحتمل ~~انه مات وقد انتقل الملك إلى فآكله فإقدامه عليه إقدام على حرام محض لأنه ~~احتمال لا مستند له فلا ينبغي أن يعد هذا النمط من أقسام الشبهات وإنما ~~الشبهة نعني بها ما اشتبه علينا أمره بأن تعارض لنا فيه اعتقادان صدرا عن ~~سببين مقتضيين للاعتقادين # ومثارات الشبهة خمسة المثار الأول الشك في السبب المحلل والمحرم # وذلك لا يخلو إما أن يكون متعادلا أو غلب أحد الاحتمالين فإن تعادل ~~الاحتمالان كان الحكم لما عرف قبله فيستصحب ولا يترك بالشك وإن غلب أحد ~~الاحتمالين عليه بأن صدر عن دلالة معتبرة كان الحكم للغالب ولا يتبين هذا ~~إلا بالأمثال و الشواهد فلنقسمه إلى أقسام أربعة # القسم الأول أن يكون التحريم معلوما من قبل ثم يقع الشك في المحل فهذه ~~شبهة يجب اجتنابها ويحرم الإقدام عليها # مثاله أن يرمى إلى صيد فيجرحه ويقع في الماء فيصادفه ميتا ولا يدري انه ~~مات بالغرق أو بالجرح فهذا حرام لأن الأصل التحريم إلا إذ مات بطريق معين ~~وقد وقع الشك في الطريق فلا يترك اليقين بالشك كما في الأحداث والنجاسات ~~وركعات الصلاة وغيرها وعلى هذا ينزل قوله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم ~~لا تأكله فلعله قتله غير كلبك + حديث لا تأكله فلعله قتله غير كلبك قاله ~~لعدي بن حاتم متفق عليه من حديثه + # فلذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا أتى بشيء اشتبه عليه أنه صدقة أو هدية ~~سأل عنه حتى يعلم أيهما هو + حديث كان إذا أتى بشيء اشتبه عليه أنه صدقة أو ~~هبة يسأل عنه أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة + # وروى انه صلى الله عليه وسلم أرق ليلة فقالت له بعض نسائه أرقت يا رسول ~~الله فقال أجل وجدت تمرة فخشيت أن تكون من الصدقة + حديث انه أرق ليلة فقال ~~له بعض نسائه أرقت يا رسول الله فقال @QB@ أجل @QE@ وجدت تمرة فأكلتها ~~فخشيت أن تكون من الصدقة أخرجه أحمد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ~~بإسناد حسن + # وفي رواية فأكلتها فخشيت أن تكون من الصدقة ومن ذلك ما روى عن بعضهم انه ~~قال كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابنا الجوع فنزلنا ~~منزلا PageV02P099 كثير الضباب فبينا القدور تغلى بها إذ قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم أمة مسخت من بني إسرائيل أخشى أن تكون هذه فأكفأنا القدور + ~~حديث كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابنا الجوع فنزلنا ~~منزلا كثير الضباب فبينا القدور تغلى بها إذ قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أمة من بني إسرائيل مسخت فأخاف أن تكون هذه فأكفأنا القدور أخرجه ابن ~~حبان والبيهقي من حديث عبد الرحمن وحسنه وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه ~~حديث ثابت بن زيد نحوه مع اختلاف قال البخاري وحديث ثابت أصح + # ثم أعمله الله بعد ذلك انه لم يمسخ الله خلقا فجعل له نسلا + حديث انه لم ~~يمسخ الله خلقا فجعل له نسلا أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود + # وكان امتناعه أولا لأن الأصل عدم الحل وشك في كون الذبح محللا # القسم الثاني أن يعرف الحل ويشك في المحرم فالأصل الحل وله الحكم # كما إذا نكح امرأتين رجلان وطار طائر فقال أحدهما إن كان هذا غرابا ~~فامرأتي طالق وقال الآخر إن لم يكن غرابا فامرأتي طالق # والتبس أمر الطائر فلا يقضي بالتحريم في واحدة منهما ولا يلزمهما ~~اجتنابهما ولكن الورع اجتنابهما وتطليقهما حتى يحلا لسائر الأزواج وقد أمر ~~مكحول بالاجتناب في هذه المسئلة وأفتى الشعبي بالاجتناب في رجلين كانا قد ~~تنازعا فقال أحدهما للآخر أنت حسود فقال الآخر احسدنا زوجته طالق ثلاثا ~~فقال الآخر نعم وأشكل الأمر وهذا إن أراد به اجتناب الورع فصحيح وإن أراد ~~التحريم المحقق فلا وجه له إذ ثبت في المياه والنجاسات والأحداث والصلوات ~~أن اليقين لا يجب تركه بالشك وهذا في معناه # فإن قلت وأي مناسبة بين هذا وبين ذلك فاعلم انه لا يحتاج إلى المناسبة ~~فإنه لازم من غير ذلك في بعض الصور فإنه مهما تيقن طهارة الماء ثم شك في ~~نجاسته جاز له أن يتوضأ به فكيف لا يجوز أن يشربه وإذا جوز الشرب فقد سلم ~~أن اليقين لا يزال بالشك إلا أن ههنا دقيقة وهو أن وزان الماء أن يشك في ~~انه طلق زوجته أم لا فيقال الأصل انه ما طلق ووزان مسئلة الطائر أن يتحقق ~~نجاسة أحد الإناءين ويشتبه عينه فلا يجوز أن يستعمل أحدهما بغير اجتهاد ~~لأنه قابل يقين النجاسة بيقين الطهارة فيبطل الاستصحاب فكذلك ههنا قد وقع ~~الطلاق على إحدى الزوجين قطعا والتبس عين المطلقة بغير المطلقة فنقول اختلف ~~أصحاب الشافعي في الإناءين على ثلاثة أوجه فقال قوم يستصحب بغير اجتهاد ~~وقال قوم بعد حصول يقين النجاسة في مقابلة يقين الطهارة يجب الاجتناب ولا ~~يغنى الاجتهاد # وقال المقتصدون يجتهد وهو الصحيح ولكن وزانه أن تكون له زوجتان فيقول إن ~~كان غرابا فزينب طلق وإن لم يكن فعمرة طالق فلا جرم لا يجوز له غشيانهما ~~بالاستصحاب ولا يجوز الاجتهاد إذ لا علامة ونحرمهما عليه لأنه لو وطئهما ~~كان مقتحما للحرام قطعا وإن وطيء إحداهما وقال أقتصر على هذه كان متحكما ~~بتعيينها من غير ترجيح # ففي هذا افترق حكم شخص واحد أو شخصين لأن التحريم على شخص واحد متحقق ~~بخلاف الشخصين # إذ كل واحد شك في التحريم في حق نفسه # فإن قيل فلو كان الإناء أن لشخصين فينبغي أن يستغنى عن الاجتهاد ويتوضأ ~~كل واحد بإنائه لأنه تيقن طهارته وقد شك الآن فيه فنقول هذا محتمل في الفقه ~~والأرجح في ظني المنع وإن تعدد الشخصين ههنا كاتحاده لأن صحة الوضوء لا ~~تستدعى ملكا بل وضوء الإنسان بماء غيره في رفع الحدث كوضوئه بماء نفسه فلا ~~يتبين لاختلاف الملك واتحاده أثر بخلاف الوطء لزوجة الغير فإنه لا يحل ولأن ~~للعلامات مدخلا في النجاسات والاجتهاد فيه ممكن بخلاف الطلاق فوجب تقوية ~~الاستصحاب بعلامة ليدفع بها قوة يقين النجاسة المقابلة ليقين الطهارة ~~وأبواب الاستصحاب والترجيحات من غوامض الفقه ودقائقه وقد استقصيناه في كتب ~~الفقه ولسنا نقصد الآن إلا التنبيه على قواعدها PageV02P100 # القسم الثالث أن يكون الأصل التحريم ولكن طرأ ما أوجب تحليله بظن غالب ~~فهو مشكوك فيه والغالب حله فهذا ينظر فيه فإن استند غلبة الظن إلى سبب ~~معتبر شرعا فالذي نختاره فيه أنه يحل وأجتنابه من الورع # مثاله أن يرمي إلى صيد فيغيب ثم يدركه ميتا وليس عليه اثر سوى سهمه ولكن ~~يحتمل انه مات بسقطه أو بسبب آخر فإن ظهر عليه أثر صدمة أو جراحة أخرى ~~التحق بالقسم الأول # وقد اختلف قول الشافعي رحمه الله في هذا القسم والمختار انه حلال لان ~~الجرح سبب ظاهر وقد تحقق و الأصل انه لم يطرأ غيره عليه فطريانه مشكوك فيه ~~فلا يدع اليقين بالشك # فإن قيل فقد قال ابن عباس كل ما أصميت ودع ما أنميت # وروت عائشة رضي الله عنها أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب ~~فقال رميتى فعرفت فيها سمهي فقال أصميت أو أنميت فقال بل أنميت قال إن ~~الليل خلق من خلق الله لا يقدر قدره إلا الذي خلقه فلعله أعان على قتله شيء ~~+ حديث عائشة أن رجلا أتى النبي بأرنب فقال رميتى عرفت فيها سهمى فقال ~~أصميت أو أنميت قال بل إنميت قال إن الليل خلق من خلق الله لا يقدر قدره ~~إلا الذي خلقه لعله أعان على قتله شيء ليس هذا من حديث عائشة وإنما رواه ~~موسى بن أبي عائشة عن أبي رزين قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ~~بصيد فقال إني رميته من الليل فأعياني ووجدت سهمى فيه من الغد وعرفت سهمى ~~فقال الليل خلق من خلق الله عظيم لعله أعانك عليها شيء رواه أبو داود في ~~المراسيل والبيهقي وقال أبو رزين اسمه مسعود والحديث مرسل قاله البخاري + # وكذلك قال صلى الله عليه وسلم لعدى بن حاتم في كلبه المعلم وإن أكل فلا ~~تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه + حديث قال لعدي في كلبه المعلم ~~وإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه متفق عليه من حديثه ~~+ # والغالب أن الكلب المعلم لا يسئ خلقه ولا يمسك إلا على صاحبه ومع ذلك نهى ~~عنه وهذا التحقيق وهو أن الحل إنما يتحقق إذا تحقق تمام السبب وتمام السبب ~~بأن يفضى إلى الموت سليما من طريان غيره عليه وقد شك فيه فهو شك في تمام ~~السبب حتى اشتبه أن موته على الحل أو على الحرمة فلا يكون هذا في معنى ما ~~تحقق موته على الحل في ساعته ثم شك فيما يطرأ عليه فالجواب أن نهى ابن عباس ~~ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمول على الورع والتنزيه بدليل ما روى ~~في بعض الروايات أنه قال كل منه وإن غاب عنك ما لم تجد فيه أثرا غير سهمك + ~~حديث كل منه وإن غاب عنك ما لم تجد فيه أثر سهم غيرك متفق عليه من حديث عدي ~~بن حاتم + # وهذا تنبيه على المعنى الذي ذكرناه وهو انه إن وجد أثرا آخر فقد تعارض ~~السببان بتعارض الظن وإن لم يجد سوى جرحه حصل غلبة الظن فيحكم به على ~~الاستصحاب كما يحكم على الاستصحاب بخبر الواحد والقياس المظنون والعمومات ~~المظنونة وغيرها # وأما قول القائل إنه لم يتحقق موته على الحل في ساعة فيكون شكا في السبب ~~فليس كذلك بل السبب قد تحقق إذ الجرح سبب الموت فطربان الغير شك فيه ويدل ~~على صحة هذا الإجماع على أن من جرح وغاب فوجد ميتا فيجب القصاص على جارحه ~~بل إن لم يغب يحتمل أن يكون موته بيهجان خلط في باطنه كما يموت الإنسان ~~فجأة فينبغي أن لا يجب القصاص إلا بحز الرقبة والجرح المذفف لأن العلل ~~القاتلة في الباطن لا تؤمن ولأجلها يموت الصحيح فجأة ولا قائل بذلك مع أن ~~القصاص مبناه على الشبهة وكذلك جنين المذكاة حلال ولعله مات قبل ذبح الأصل ~~لا بسبب ذبحه أو لم ينفخ فيه الروح وغرة الجنين تجب ولعل الروح لم ينفخ فيه ~~أو كان قد مات قبل الجناية بسبب آخر ولكن يبنى على الأسباب الظاهرة فإن ~~الاحتمال الآخر إذا لم يستند إلى دلالة تدل عليه التحق بالوهم والوسواس كما ~~ذكرناه فكذلك هذا # وأما قوله صلى الله عليه وسلم أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه فللشافعي ~~رحمه الله PageV02P101 في هذه الصورة قولان والذي نختاره الحكم بالتحريم ~~لأن السبب قد تعارض إذ الكلب المعلم كالآلة والوكيل يمسك على صاحبه فيحل ~~ولو استرسل المعلم بنفسه فأخذ لم يحل لأنه يتصور منه أن يصطاد لنفسه ومهما ~~انبعث بإشارته ثم أكل دل ابتداء انبعاثه على انه نازل منزلة آلته وأنه يسعى ~~في وكالته ونيابته ودل أكله آخرا على أنه أمسك لنفسه لا لصاحبه فقد تعارض ~~السبب الدال فيتعارض الاحتمال والأصل التحريم فيستصحب ولا يزال بالشك وهو ~~كما لو وكل رجلا بأن يشتري له جارية فاشترى له جارية ومات قبل أن يبين انه ~~اشتراها لنفسه أو لموكله يحل للموكل وطؤها لأن للوكيل قدرة على الشراء ~~لنفسه ولموكله جميعا ولا دليل مرجح والأصل التحريم فهذا يلتحق بالقسم الأول ~~لا بالقسم الثالث # القسم الرابع أن يكون الحل معلوما ولكن يغلب على الظن طريان محرم بسبب ~~معتبر في غلبة الظن شرعا فيرفع الاستصحاب ويقضى بالتحريم إذ بان لنا أن ~~الاستصحاب ضعيف ولا يبقي له حكم مع غالب الظن ومثاله أن يؤدي اجتهاده إلى ~~نجاسة أحد الإناءين بالاعتماد على علامة معينة توجب غلبة الظن فتوجب تحريم ~~شربه كما أوجبت منع الوضوء به وكذا إذا قال إن قتل زيد عمرا أو قتل زيد ~~صيدا منفردا بقتله فامرأتي طالق فجرحه وغاب عنه فوجد ميتا حرمت زوجته لأن ~~الظاهر انه منفرد بقتله كما سبق وقد نص الشافعي رحمه الله أن من وجد في ~~الغدران ماء متغيرا احتمل أن يكون تغيره بطول المكث أو بالنجاسة فيستعمله ~~ولو رأى ظبية بالت فيه ثم وجده متغيرا واحتمل أن يكون بالبول أو بطول المكث ~~لم يجز استعماله إذ صار البول المشاهد دلالة مغلبة لاحتمال النجاسة وهو ~~مثال ما ذكرناه وهذا في غلبة ظن استند إلى علامة متعلقة بعين الشيء فأما ~~غلبة الظن لا من جهة علامة تتعلق بعين الشيء فقد اختلف قول الشافعي رضي ~~الله عنه في أن اصل الحل هل يزال به إذا اختلف قوله في التوضؤ من أواني ~~المشركين ومدمن الخمر والصلاة في المقابر المنبوشة والصلاة مع طين الشوارع ~~أعنى المقدار الزائد على ما يتعذر الاحتراز عنه وعبر الأصحاب عنه بأنه إذا ~~تعارض الأصل والغالب فأيهما يعتبر وهذا جار في حل الشرب من أواني مدمن ~~الخمر والمشركين لأن النجس لا يحل شربه فإذن مأخذ النجاسة والحل واحد ~~فالتردد في أحدهما يوجب التردد في الآخر والذي أختاره أن الأصل هو المعتبر ~~وأن العلامة إذا لم تتعلق بعين المتناول لم توجب رفع الأصل وسيأتي بيان ذلك ~~وبرهانه في المثار الثاني للشبهة وهي شبهة الخلط فقد أتضح من هذا حكم حلال ~~شك في طريان محرم عليه أو ظن وحكم حرام شك في طريان محلل عليه أو ظن وبان ~~الفرق بين ظن يستند إلى علامة في عين الشيء وبين ما لا يستند إليه وكل ما ~~حكمنا في هذه الأقسام الأربعة بحله فهو حلال في الدرجة الأولى والاحتياط ~~تركه فالمقدم عليه لا يكون من زمرة المتقين والصالحين بل من زمرة العدول ~~الذين لا يقضى في فتوى الشرع بفسقهم وعصيانهم واستحقاقهم العقوبة إلا ما ~~ألحقناه برتبة الوسواس فإن الاحتراز عنه ليس من الورع أصلا المثار الثاني ~~للشبهة شك منشؤه الاختلاط # وذلك بأن يختلط الحرام بالحلال ويشتبه الأمر ولا يتميز والخلط لا يخلو ~~إما أن يقع بعدد لا يحصر من الجانبين أو من أحدهما أو بعدد محصور فإن اختلط ~~بمحصور فلا يخلو إما أن يكون اختلاط امتزاج بحيث لا يتميز بالإشارة كاختلاط ~~المائعات # أو يكون اختلاط استبهام مع التميز للأعيان كاختلاط الأعبد والدور ~~والأفراس والذي يختلط بالاستيهام فلا يخلو إما أن يكون مما يقصد عينه ~~كالعروض أو لا يقصد كالنقود PageV02P102 # فيخرج من هذا التقسيم ثلاثة أقسام # القسم الأول أن تستبهم العين بعدد محصور كما لو اختلطت الميتة بمذكاة أو ~~بعشر مذكيات أو اختلطت رضيعة بعشر نسوة أو يتزوج إحدى الأختين ثم تلتبس ~~فهذه شبهة يجب اجتنابها بالإجماع لأنه لا مجال للاجتهاد والعلامات في هذا ~~وإذا اختلطت بعدد محصور صارت الجملة كالشيء الواحد فتقابل فيه يقين التحريم ~~والتحليل ولا فرق في هذا بين أن يثبت حل فيطرأ اختلاط بمحرم كما لو أوقع ~~الطلاق على إحدى زوجتين في مسئلة الطائر أو يختلط قبل الاستحلال كما لو ~~اختلطت رضيعة بأجنبية فأراد استحلال واحدة وهذا قد يشكل في طريان التحريم ~~كطلاق إحدى الزوجتين لما سبق من الاستصحاب # وقد نبهنا على وجه الجواب وهو أن يقين التحريم قابل يقين الحل فضعف ~~الاستصحاب وجانب الحظر أغلب في نظر الشرع فلذلك ترجح وهذا إذا اختلط حلال ~~محصور بحرام محصور # فإن اختلط حلال محصور بحرام غير محصور فلا يخفي أن وجوب الاجتناب أولى # القسم الثاني حرام محصور بحلال غير محصور كما لو اختلطت رضيعة أو عشر ~~رضائع بنسوة بلد كبير فلا يلزم بهذا اجتناب نكاح نساء أهل البلد بل له أن ~~ينكح من شاء منهن وهذا لا يجوز أن يعلل بكثرة الحلال إذ يلزم عليه أن يجوز ~~النكاح إذا اختلطت واحدة حرام بتسع حلال ولا قائل به بل العله الغلبة ~~والحاجة جميعا إذ كل من ضاع له رضيع أو قريب أو محرم بمصاهرة أو سبب من ~~الأسباب فلا يمكن أن يسد عليه باب النكاح وكذلك من علم أن مال الدنيا خالطه ~~حرام قطعا لا يلزمه ترك الشراء والأكل فإن ذلك حرج وما في الدين من حرج # ويعلم هذا بأنه لما سرق في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم مجن + حديث ~~سرقه المجن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه من حديث ابن ~~عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم + # وغل واحد في الغنيمة عباءة + حديث غل واحد من الغنائم عباءة رواه البخاري ~~من حديث عبد الله ابن عمر واسم الغال كركرة + # لم يمتنع أحد من شراء المجان والعباء في الدنيا وكذلك كل ما سرق وكذلك ~~كان يعرف أن في الناس من يربى في الدراهم والدنانير # وما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الناس الدراهم والدنانير ~~بالكلية + حديث إن في الناس من كان يربى في الدراهم والدنانير وما ترك رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم ولا الناس الدراهم بالكلية هذا معروف وسيأتي حديث ~~جابر بعده بحديث وهو يدل على ذلك + # وبالجملة إنما تنفك الدنيا عن الحرام إذا عصم الخلق كلهم عن المعاصي وهو ~~محال # وإذا لم يشترط هذا في الدنيا لم يشترط أيضا في بلد إلا إذا وقع بين جماعة ~~محصورين بل اجتناب هذا من ورع الموسوسين إذا لم ينقل ذلك عن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة ولا يتصور الوفاء به في ملة من الملل ~~ولا في عصر من الأعصار # فإن قلت فكل عدد محصور في علم الله # فما حد المحصور ولو أراد الإنسان أن يحصر أهل بلد لقدر عليه أيضا إن تمكن ~~منه فاعلم أن تحديد أمثال هذه الأمور غير ممكن وإنما يضبط بالتقريب # فنقول كل عدد لو اجتمع على صعيد واحد لعسر على الناظر عدهم بمجرد النظر ~~كالألف والألفين فهو غير محصور وما سهل كالعشرة والعشرين فهو محصور وبين ~~الطرفين أوساط متشابهة تحلق بأحد الطرفين بالظن وما وقع الشك فيه أستفتى ~~فيه القلب فإن الإثم حزاز القلوب # وفي مثل هذا المقام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوابصة استفت قلبك ~~وإن أفتوك وأفتوك وأفتوك + حديث استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك وأفتوك قاله ~~لوابصة تقدم + # وكذا الأقسام الأربعة التي ذكرناها في المثال الأول يقع فيها أطراف ~~متقابلة واضحة في النفي والإثبات وأوساط متشابهة فالمفتى يفتى بالظن وعلى ~~المستفتي أن يستفتي PageV02P103 قلبه فإن حاك في صدره شيء فهو الإثم بينه ~~وبين الله فلا ينجيه في الآخرة فتوى المفتي فإنه يفتي بالظاهر والله يتولى ~~السرائر # القسم الثالث أن يختلط حرام لا يحصر بحلال لا يحصر كحكم الأموال في ~~زماننا هذا فالذي يأخذ الأحكام من الصور قد يظن أن نسبة غير المحصور إلى ~~غير المحصور كنسبة المحصور إلى المحصور وقد حكمنا ثم بالتحريم فلنحكم هنا ~~به والذي نختاره خلاف ذلك وهو أنه لا يحرم بهذا الاختلاط أن يتناول شيء ~~بعينه احتمل انه حرام وأنه حلال إلا أن يقترن بتلك العين علامة تدل على انه ~~من الحرام فإن لم يكن في العين علامة تدل على أنه من الحرام فتركه ورع ~~وأخذه حلال لا يفسق به آكله # ومن العلامات أن يأخذه من يد سلطان ظالم إلى غير ذلك من العلامات التي ~~سيأتي ذكرها ويدل عليه الأثر والقياس فأما الأثر # فما علم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده إذ ~~كانت أثمان الخمور ودراهم الربا من أيدي أهل الذمة مختلطة بالأموال وكذا ~~غلول الأموال وكذا غلول الغنيمة ومن الوقت الذي نهى صلى الله عليه وسلم عن ~~الربا إذ قال أول ربا أضعه ربا العباس + حديث أول ربا أضعه ربا العباس ~~أخرجه مسلم من حديث جابر + # ما ترك الناس الربا بأجمعهم كما لم يتركوا شرب الخمور وسائر المعاصي حتى ~~روى أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باع الخمر فقال عمر رضي الله ~~عنه # لعن الله فلاناهو أول من سن بيع الخمر إذ لم يكن قد فهم أن تحريم الخمر ~~تحريم لثمنها # وقال صلى الله عليه وسلم إن فلانا يجر في النار عباءة قد غلها + حديث إن ~~فلانا في النار يجر عباءة قد غلها رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر ~~وتقدم قبله بثلاثة أحاديث + # وقتل رجل ففتشوا متاعه فوجدوا فيه خرزات من خرز اليهود لا تساوي درهمين ~~قد غلها + حديث قتل رجل ففتشوا متاعه فوجدوا فيه خرزا من خرز اليهود لا ~~يساوي درهمين قد غله رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث زيد بن خالد ~~الجهني + # وكذلك أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمراء الظلمة ولم يمتنع ~~أحد منهم عن الشراء والبيع في السوق بسبب نهب المدينة وقد نهبها أصحاب يزيد ~~ثلاثة أيام وكان من يمتنع من تلك الأموال مشارا إليه في الورع والأكثرون لم ~~يمتنعوا مع الاخلاط وكثرة الأموال المنهوبة في أيام الظلمة # ومن أوجب ما لم يوجبه السلف الصالح وزعم أنه تفطن من الشر ما لم يتفطنوا ~~له فهو موسوس مختل العقل ولو جاز أن يزاد عليهم في أمثال هذا لجاز مخالفتهم ~~في مسائل لا مستند فيها سوى اتفاقهم كقولهم إن الجدة كالأم في التحريم وابن ~~الابن كالابن وشعر الخنزير وشحمه كاللحم المذكور تحريمه في القرآن والربا ~~جار فيما عدا الاشياء الستة وذلك محال فإنهم أولى بفهم الشرع من غيرهم وأما ~~القياس فهو أنه لو فتح هذا الباب لانسد باب جميع التصرفات وخرب العالم إذ ~~الفسق يغلب على الناس ويتساهلون بسببه في شروط الشرع في العقود ويؤدي ذلك ~~لا محالة إلى الاختلاط # فإن قيل قد نقلتم أنه صلى الله عليه وسلم امتنع من الضب وقال أخشى أن ~~يكون مما مسخه الله وهو في اختلاط غير المحصور قلنا يحمل ذلك على التنزه ~~والورع أو نقول الضب شكل غريب ربما يدل على أنه من المسخ فهي دلالة في عين ~~المتناول # فإن قيل هذا معلوم في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان الصحابة ~~بسبب الربا والسرقة والنهب وغلوك الغنيمة وغيرها ولكن كانت هي الأقل ~~بالإضافة إلى الحلال فما تقول في زماننا وقد صار الحرام أكثر ما في أيدي ~~الناس لفساد المعاملات وإهمال شروطها وكثرة الربا وأموال السلاطين الظلمة ~~فمن أخذ مالا لم يشهد PageV02P104 عليه علامة معينة في عينه للتحريم فهل هو ~~حرام أم لا # فأقول ليس ذلك حراما وإنما الورع تركه وهذا الورع أهم من الورع إذا كان ~~قليلا # ولكن الجواب عن هذا أن قول القائل أكثر الأموال حرام في زماننا غلط محض ~~ومنشؤه الغفلة عن الفرق بين الكثير والأكثر فأكثر الناس بل أكثر الفقهاء ~~يظنون أن ما ليس بنادر فهو الأكثر ويتوهمون أنهما قسمان متقابلان ليس ~~بينهما ثالث وليس كذلك بل الأقسام ثلاثة قليل وهو النادر وكثير وأكثر ~~ومثاله أن الخنثى فيما بين الخلق نادر وإذا أضيف إليه المريض وجد كثيرا ~~وكذا السفر حتى يقال المرض والسفر من الأعذار العامة والاستحاضة من الأعذار ~~النادرة ومعلوم أن المرض ليس بنادر وليس بالأكثر أيضابل هو كثير والفقيه ~~إذا تساهل وقال المرض والسفر غالب وهو عذر عام أراد به أنه ليس بنادر فإن ~~لم يرد هذا فهو غلط والصحيح والمقيم هو الأكثر والمسافر والمريض كثير ~~والمستحاضة والخنثى نادر فإذا فهم هذا فنقول : قول القائل الحرام أكثر باطل ~~لأن مستند هذا القائل إما أن يكون كثرة الظلمة والجندية أو كثرة الربا ~~والمعاملات الفاسدة أو كثرة الأيدي التي تكررت من أول الإسلام إلى زماننا ~~هذا على أصول الأموال الموجودة اليوم أما المستند الأول فباطل فإن الظالم ~~كثير وليس هو بالأكثر فإنهم الجندية إذ لا يظلم إلا ذو غلبة وشوكة وهم إذا ~~أضيفوا إلى كل العالم لم يبلغوا عشر عشيرهم فكل سلطان يجتمع عليه من الجنود ~~مائة ألف مثلا فيملك إقليمايجمع ألف ألف وزيادة ولعل بلدة واحدة من بلاد ~~مملكته يزيد عددها على جميع عسكره ولو كان عدد السلاطين أكثر من عدد ~~الرعايا لهلك الكل إذ كان يجب على كل واحد من الرعية أن يقوم بعشرة منهم ~~مثلا مع تنعمهم في المعيشة ولا يتصور ذلك بل كفاية الواحد كان منهم تجمع من ~~ألف من الرعية وزيادة وكذا القول في السراق فإن البلدة الكبيرة تشتمل منهم ~~على قدر قليل # وأما المستند الثاني وهو كثرة الربا والمعاملات الفاسدة فهي أيضا كثيرة ~~وليست بالأكثر إذ أكثر المسلمين يتعاملون بشروط الشرع فعدد هؤلاء أكثر ~~والذي يعامل بالربا أو غيره فلو عددت معاملاته وحده لكان عدد الصحيح منها ~~يزيد على الفاسد إلا أن يطلب الإنسان بوهمه في البلد مخصوصا بالمجانة ~~والخبث وقلة الدين حتى يتصور أن يقال معاملاته الفاسدة أكثر ومثل ذلك ~~المخصوص نادر وإن كان كثيرا فليس بالأكثر لو كان كل معاملاته فاسدة كيف ولا ~~يخلو هو أيضا عن معاملات صحيحة تساوي الفاسدة أو تزيد عليها وهذا مقطوع به ~~لمن تأمله وإنما غلب هذا على النفوس لاستكثار النفوس الفساد واستبعادها ~~إياه واستعظامها له وإن كان نادراحتى ربما يظن أن الربا وشرب الخمر قد شاع ~~كما شاع الحرام فيتخيل أنهم الأكثرون وهو خطأ فإنهم الأقلون وإن كان فيهم ~~كثرة # وأما المستند الثالث وهو أخيلها أن يقال الأموال إنما تحصل من المعادن ~~والنبات والحيوان والنبات والحيوان حاصلان بالتوالد فإذا نظرنا إلى شاة ~~مثلا وهي تلد في كل سنة فيكون عدد أصولها إلى زمان رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم قريبا من خمسمائة ولا يخلو هذا أن يتطرق إلى أصل من تلك الأصول غصب أو ~~معاملة فاسدة فكيف يقدر أن تسلم أصولها عن تصرف باطل إلى زماننا هذا وكذا ~~بذور الحبوب والفواكه تحتاج إلى خمسمائة أصل أو ألف أصل مثلا إلى أول زمان ~~الشرع ولا يكون هذا حلالا ما لم يكن أصله وأصل أصله كذلك إلى أول زمان ~~النبوة حلالا وأما المعادن فهي التي يمكن نيلها على سبيل الابتداء وهي أقل ~~الأموال وأكثر ما يستعمل منها الدراهم والدنانير ولا تخرج إلا من دار الضرب ~~وهي في أيدي الظلمة مثل المعادن في أيديهم يمنعون الناس منها ويلزمون ~~الفقراء إستخراجها بالأعمال الشاقة ثم يأخذونها منهم غصبا فإذا نظر إلى هذا ~~علم أن بقاء دينار واحد بحيث لا يتطرق إليه عقد فاسد PageV02P105 ولا ظلم ~~وقت النيل ولا وقت الضرب في دار الضرب ولا بعده في معاملات الصرف والربا ~~بعيد نادر أو محال فلا يبقي إذن حلال إلا الصيد والحشيش في الصحارى الموات ~~والمفاوز والحطب المباح ثم من يحصله لا يقدر على أكله فيفتقر إلى أن يشتري ~~به الحبوب والحيوانات التي لا تحصل إلا بالإستنبات والتوالد فيكون قد بذل ~~حلالا في مقابلة حرام فهذا هو أشد الطرق تخيلا # والجواب أن هذه الغلبة لم تنشأ من كثرة الحرام المخلوط بالحلال فخرج عن ~~النمط الذي نحن فيه والتحق بما ذكرناه من قبل وهو تعارض الأصل والغالب إذ ~~الأصل في هذه الأموال قبولها للتصرفات وجواز التراضي عليها وقد عارضه سبب ~~غالب يخرجه عن الصلاح له فيصاهي هذا محل القولين للشافعي رضي الله عنه في ~~حكم النجاسات والصحيح عندنا أنه تجوز الصلاة في الشوارع إذا لم يجد فيها ~~نجاسة فإن طين الشوارع طاهر وأن الوضوء من أواني المشركين جائز وأن الصلاة ~~في المقابر المنبوشة جائزة فثبت هذا أولاثم نقيس ما نحن فيه عليه ويدل على ~~ذلك توضؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مزادة مشركة وتوضؤ عمر رضي الله ~~عنه من جرة نصرانية مع أن مشربهم الخمر ومطعمهم الخنزير ولا يحترزون عما ~~نجسه شرعنا فكيف تسلم أوانيهم من أيديهم بل نقول نعلم قطعا أنهم كانوا ~~يلبسون الفراء المدبوغة والثياب المصبوغة والمقصورة ومن تأمل أحول الدباغين ~~والقصارين والصباغين علم أن الغالب عليهم النجاسة وأن الطهارة في تلك ~~الثياب محال أو نادر بل نقول نعلم أنهم كانوا يأكلون خبز البر والشعير ولا ~~يغسلونه مع أنه يداس بالبقر والحيوانات وهي تبول عليه وتروث وقلما يخلص ~~منها وكانوا يركبون الدواب وهي تعرق وما كانوا يغسلون ظهورها مع كثرة ~~تمرغها في النجاسات بل كل دابة تخرج من بطن أمها وعليها رطوبات نجسة قد ~~تزيلها الأمطار وقد لا تزيلها وما كان يحترز عنها وكانوا يمشون حفاة في ~~الطرق وبالنعال ويصلون معها ويجلسون على التراب ويمشون في الطين من غير ~~حاجة وكانوا لا يمشون في البول والعذرة ولا يجلسون عليهما ويستنزهون منه ~~ومتى تسلم الشوارع عن النجاسات مع كثرة الكلاب وأبوالها وكثرة الدواب ~~وأرواثها ولا ينبغي أن نظن أن الأعصار أو الأمصار تختلف في مثل هذا حتى يظن ~~أن الشوارع كانت تغسل في عصرهم أو كانت تحرس من الدواب هيهات فذلك معلوم ~~استحالته بالعادة قطعا فدل على أنهم لم يحترزوا إلا من نجاسة مشاهدة أو ~~علامة على النجاسة دالة على العين # فأما الظن الغالب الذي يستثار من رد الدراهم إلى مجاري الأحوال فلم ~~يعتبروه وهذا عند الشافعي رحمه الله وهو يرى أن الماء القليل ينجس من غير ~~تغير واقع إذ لم يزل الصحابة يدخلون الحمامات ويتوضئون من الحياض وفيها ~~المياه القليلة والأيدي المختلفة تغمس فيها على الدوام وهذا قاطع في هذا ~~الغرض ومهما ثبت جواز التوضؤ من جرة نصرانية ثبت جواز شربه والتحق حكم الحل ~~بحكم النجاسة # فإن قيل لا يجوز قياس الحل على النجاسة إذ كانوا يتوسعون في أمور ~~الطهارات ويحترزون من شبهات الحرام غاية التحرز فكيف يقاس عليها قلنا إن ~~أريد به أنهم صلوا معها مع النجاسة والصلاة معصية وهي عماد الدين فبئس الظن ~~بل يجب أن نعتقد فيهم أنهم احترزوا عن كل نجاسة وجب اجتنابها وإنما تسامحوا ~~حيث لم يجب وكان في محل تسامحهم هذه الصورة التي تعارض فيها الأصل والغالب ~~فبان أن الغالب الذي لا يستند إلى علامة تتعلق بعين ما فيه النظر مطرح وأما ~~تورعهم في الحلال فكان بطريق التقوى وهو ترك ما لا بأس به مخافة ما به بأس ~~لأن أمر الأموال مخوف والنفس تميل إليها إن لم تضبط عنها وأمر الطهارة ليس ~~كذلك فقد امتنع طائفة منهم عن الحلال المحض خيفة أن يشغل قلبه وقد حكى عن ~~واحد منهم أنه احترز من الوضوء بماء البحر وهو الطهور المحض فالافتراق في ~~ذلك لا يقدح في الغرض الذي أجمعنا فيه على أنا نجري في هذا المستند ~~PageV02P106 على الجواب الذي قدمنا في المستندين السابقين ولا نسلم ما ~~ذكروه من أن الأكثر هو الحرام لأن المال وإن كثرت أصوله فليس بواجب أن يكون ~~في أصوله حرام بل الأموال الموجودة اليوم مما تطرق الظلم إلى أصول بعضها ~~دون بعض وكما أن الذي يبتدأ غصبه اليوم هو الأقل بالإضافة إلى ما لا يغصب ~~ولا يسرق فهكذا كل مال في كل عصر وفي كل أصل فالمغصوب من مال الدنيا ~~والمتناول في كل زمان بالفساد بالإضافة إلى غيره أقل ولسنا ندري أن هذا ~~الفرع بعينه من أي القسمين فلا نسلم أن الغالب تحريمه فإنه كما يزيد ~~المغصوب بالتوالد يزيد غير المغصوب بالتوالد فيكون فرع الأكثر لا محالة في ~~كل عصر وزمان أكثر بل الغالب أن الحبوب المغصوبة تغصب للأكل لا للبذر وكذا ~~الحيوانات المغصوبة أكثرها يؤكل ولا يقتني للتوالد فكيف يقال إن فروع ~~الحرام أكثر ولم تزل أصول الحلال أكثر من أصول الحرام وليتفهم المسترشد من ~~هذا طريق معرفة الأكثر فإنه مزلة قدم وأكثر العلماء يغلطون فيه فكيف العوام ~~هذا في المتولدات من الحيوانات والحبوب فأما المعادن فإنها مخلاة مسبلة ~~يأخذها في بلاد الترك وغيرها من شاء ولكن قد يأخذ السلاطين بعضها منهم أو ~~يأخذون الأقل لا محالة لا الأكثر ومن حاز من السلاطين معدنا فظلمه يمنع ~~الناس منه فأما ما يأخذه الآخذ منه فيأخذه من السلطان بأجرة والصحيح أنه ~~يجوز الاستنابة في إثبات اليد على المباحات والاستئجار عليها فالمستأجر على ~~الاستقاء إذا حاز الماء دخل في ملك المستقى له واستحق الأجرة فكذلك النيل ~~فإذا فرعنا على هذا لم تحرم عين الذهب إلا أن يقدر ظلمه بنقصان أجرة العمل ~~وذلك قليل بالإضافة ثم لا يوجب تحريم عين الذهب بل يكون ظالما ببقاء الأجرة ~~في ذمته وأما دار الضرب فليس الذهب الخارج منها من أعيان ذهب السلطان الذي ~~غصبه وظلم به الناس بل التجار يحملون إليهم الذهب المسبوك أو النقد الرديء ~~ويستأجرونهم على السبك والضرب ويأخذون مثل وزن ما سلموه إليهم إلا شيئا ~~قليلا يتركونه أجرة لهم على العمل وذلك جائز وإن فرض دنانير مضروبة من ~~دنانير السلطان فهو بالإضافة إلى مال التجار أقل لا محالة نعم السلطان يظلم ~~أجراء دار الضرب بأن يأخذ منهم ضريبة لأنه خصصهم بها من بين سائر الناس حتى ~~توفر عليهم مال بحشمة السلطان فما يأخذه السلطان عوض من حشمته وذلك من باب ~~الظلم وهو قليل بالإضافة إلى ما يخرج من دار الضرب فلا يسلم لأهل دار الضرب ~~والسلطان من جملة ما يخرج منه من المائة واحد وهو عشر العشير فكيف يكون هو ~~الأكثر فهذه أغاليط سبقت إلى القلوب بالوهم وتشمر لتزيينها جماعة ممن رق ~~دينهم حتى قبحوا الورع وسدوا بابه واستقبحوا تمييز من يميز بين مال ومال ~~وذلك عين البدعة والضلال # فإن قيل : فلو قدر غلبة الحرام وقد اختلط غير محصور بغير محصور فماذا ~~تقولون فيه إذا لم يكن في العين المتناولة علامة خاصة فنقول الذي نراه أن ~~تركه ورع وأن أخذه ليس بحرام لأن الأصل الحل ولا يرفع إلا بعلامة معينة كما ~~في طين الشوارع ونظائرها بل أزيد وأقول لو طبق الحرام الدنيا حتى علم يقينا ~~أنه لم يبق في الدنيا حلال لكنت أقول نستأنف تمهيد الشروط من وقتنا ونعفو ~~عما سلف ونقول ما جاوز حده انعكس إلى ضده فمهما حرم الكل حل الكل وبرهانه ~~أنه إذا وقعت هذه الواقعة فالاحتمالات خمسة أحدها أن يقال يدع الناس الأكل ~~حتى يموتوا من عند آخرهم # الثاني أن يقتصروا منها على قدر الضرورة وسد الرمق يزجون عليها أياما إلى ~~الموت # الثالث أن يقال يتناولون قدر الحاجة كيف شاءوا سرقة وغصبا وتراضيا من غير ~~تمييز بين مال ومال وجهة وجهة # الرابع أن يتبعوا شروط الشرع ويستأنفوا قواعده من غير اقتصار على قدر ~~الحاجة # الخامس PageV02P107 أن يقتصروا مع شروط الشرع على قدر الحاجة # أما الأول فلا يخفى بطلانه # وأما الثاني فباطل قطعا لأنه إذا اقتصر الناس على سد الرمق وزجوا أوقاتهم ~~على الضعف فشا فيهم الموتان وبطلت الأعمال والصناعات وخربت الدنيا بالكلية ~~وفي خراب الدنيا خراب الدين لأنها مزرعة الآخرة وأحكام الخلافة والقضاء ~~والسياسات بل أكثر أحكام الفقه مقصودها حفظ مصالح الدنيا ليتم بها مصالح ~~الدين # وأما الثالث وهو الاقتصار على قدر الحاجة من غير زيادة عليه مع التسوية ~~بين مال ومال بالغضب والسرقة والتراضي وكيفما اتفق فهو رفع لسد الشرع بين ~~المفسدين وبين أنواع الفساد فتمتد الأيدي بالغصب والسرقة وأنواع الظلم ولا ~~يمكن زجرهم منه إذ يقولون ليس يتميز صاحب اليد باستحقاق عنا فإنه حرام عليه ~~وعلينا وذو اليد له قدر الحاجة فقط فإن كان هو محتاجا فإنا أيضا محتاجون ~~وإن كان الذي أخذته في حقي زائدا على الحاجة فقد سرقته ممن هو زائد على ~~حاجته يومه وإذا لم يراع حاجة اليوم والسنة فما الذي نراعي وكيف يضبط وهذا ~~يؤدي إلى بطلان سياسة الشرع وإغراء أهل الفساد بالفساد فلا يبقى إلا ~~الاحتمال الرابع وهو أن يقال كل ذي يد على ما في يده وهو أولى به لا يجوز ~~أن يؤخذ منه سرقة وغصبا بل يؤخذ برضاه والتراضي هو طريق الشرع وإذ لم يجز ~~إلا بالتراضي فللتراضي أيضا منهاج في الشرع تتعلق به المصالح فإن لم يعتبر ~~فلم يتعين أصل التراضي وتعطل تفصيله وأما الاحتمال الخامس وهو الاقتصار على ~~قدر الحاجة مع الاكتساب بطريق الشرع من أصحاب الأيدي فهو الذي نراه لائقا ~~بالورع لمن يريد سلوك طريق الآخر ولكن لا وجه لإيجابه على الكافة ولا ~~لإدخاله في فتوى العامة لأن أيدي الظلمة تمتد إلى الزيادة على قدر الحاجة ~~في أيدي الناس وكذا أيدي السراق وكل من غلب سلب وكل من وجد فرصة سرق ويقول ~~لا حق له إلا في قدر الحاجة وأنا محتاج ولا يبقى إلا أن يجب على السلطان أن ~~يخرج كل زيادة على قدر الحاجة من أيدي الملاك ويستوعب بها أهل الحاجة ويدر ~~على الكل الأموال يوما فيوما أو سنة فسنة وفيه تكليف شطط وتضييع أموال أما ~~تكليف الشطط فهو أن السلطان لا يقدر على القيام بهذا مع كثرة الخلق بل لا ~~يتصور ذلك أصلا وأما التضييع فهو أن ما فضل عن الحاجة من الفواكه واللحوم ~~والحبوب ينبغي أن يلقى في البحر أو يترك حتى يتعفن فإن الذي خلقه الله من ~~الفواكه والحبوب زائد عن قدر توسع الخلق وترفههم فكيف على قدر حاجتهم ثم ~~يؤدي ذلك إلى سقوط الحج والزكاة والكفارات المالية وكل عبادة نيطت بالغنى ~~عن الناس إذا أصبح الناس لا يملكون إلا قدر حاجتهم وهو في غاية القبح بل ~~أقول لو ورد نبي في مثل هذا الزمان لوجب عليه أن يستأنف الأمر ويمهد تفصيل ~~أسباب الأملاك بالتراضي وسائر الطرق ويفعل ما يفعله لو وجد جميع الأموال ~~حلالا من غير فرق # وأعني بقولي يجب عليه إذا كان النبي ممن بعث لمصلحة الخلق في دينهم ~~ودنياهم إذ لا يتم الصلاح برد الكافة إلى قدر الضرورة والحاجة إليه فإن لم ~~يبعث للصلاح لم يجب هذا # ونحن نجوز أن يقدر الله سببا يهلك به الخلق عن آخرهم فيفوت دنياهم ويضلون ~~في دينهم فإنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء ويميت من يشاء ويحيي من يشاء ~~ولكنا نقدر الأمر جاريا على ما ألف من سنة الله تعالى في بعثة الأنبياء ~~لصلاح الدين والدنيا # وما لي أقدر هذا وقد كان ما أقدره فلقد بعث الله نبينا صلى الله عليه ~~وسلم على فترة من الرسل وكان شرع عيسى عليه السلام قد مضى عليه قريب من ~~ستمائة سنة والناس منقسمون إلى مكذبين له من اليهود وعبدة الأوثان وإلى ~~مصدقين له قد شاع الفسق فيهم كما شاع في زماننا الآن والكفار مخاطبون بفروع ~~الشريعة # والأموال كانت في أيدي المكذبين له والمصدقين أما المكذبون فكانوا ~~يتعاملون بغير شرع عيسى عليه السلام وأما المصدقون فكان يتساهلون مع أصل ~~التصديق PageV02P108 كما يتساهل الآن المسلمون مع أن العهد بالنبوة أقرب ~~فكانت الأموال كلها أو أكثرها أو كثير منها حراما وعفا صلى الله عليه وسلم ~~عما سلف ولم يتعرض له وخصص أصحاب الأيدي بالأموال ومهد الشرع وما ثبت ~~تحريمه في شرع لا ينقلب حلالا لبعثة رسول ولا ينقلب حلالا بأن بسلم الذي في ~~يده الحرام فإنا لا نأخذ في الجزية من أهل الذمة ما نعرفه بعينه أنه ثمن ~~خمر أو مال ربا فقد كانت أموالهم في ذلك الزمان كأموالنا الآن وأمر العرب ~~كان أشد لعموم النهب والغارة فيهم # فبان أن الاحتمال الرابع متعين في الفتوى والاحتمال الخامس هو طريق الورع ~~بل تمام الورع الاقتصار في المباح على قدر الحاجة وترك التوسع في الدنيا ~~بالكلية وذلك طريق الاخرة # ونحن الآن نتكلم في الفقه المنوط بمصالح الخلق وفتوى الظاهر له حكم ~~ومنهاج على حسب مقتضى المصالح وطريق الدين الذي لا يقدر على سلوكه إلا ~~الآحاد ولو اشتغل الخلق كلهم به لبطل النظام وخرب العالم فإن ذلك طلب ملك ~~كبير في الآخرة ولو اشتغل كل الخلق بطلب ملك الدنيا وتركوا الحرف الدنيئة ~~والصناعات الخسيسة لبطل النظام ثم يبطل ببطلانه الملك أيضا # فالمحترفون إنما سخروا لينتظم الملك للملوك وكذلك المقبلون على الدنيا ~~سخروا ليسلم طريق الدين لذوي الدين وهو ملك الآخرة ولولاه لما سلم لذوي ~~الدين أيضا دينهم فشرط سلامة الدين لهم أن يعرض الأكثرون عن طريقهم ~~ويشتغلوا بأمور الدنيا وذلك قسمة سبقت بها المشيئة الأزلية وإليه الإشارة ~~بقوله تعالى : @QB@ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم ~~فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا @QE@ # فإن قيل : لا حاجة إلى تقدير عموم التحريم حتى لا يبقى حلال فإن ذلك غير ~~واقع وهو معلوم ولا شك في أن البعض حرام وذلك البعض هو الأقل أو الأكثر فيه ~~نظر وما ذكرتموه من أنه الأقل بالإضافة إلى الكل جلي ولكن لا بد من دليل ~~محصل على تجويزه ليس من المصالح المرسلة وما ذكرتموه من التقسيمات كلها ~~مصالح مرسلة فلا بد لها من شاهد معين تقاس عليه حتى يكون الدليل مقبولا ~~بالاتفاق فإن بعض العلماء لا يقبل المصالح المرسلة # فأقول : إن سلم أن الحرام هو الأقل فيكفينا برهانا عصر رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم والصحابة مع وجود الربا والسرقة والغلول والنهب وإن قدر ~~زمان يكون الأكثر الحرام هو فيحل التناول أيضا فبرهانة ثلاثة أمور : # @QB@ الأول @QE@ التقسيم الذي حصرناه وأبطلنا منه أربعة وأثبتنا القسم ~~الخامس فإن ذلك إذا أجرى فيما إذا كان الكل حراما كان أحرى فيما إذا كان ~~الحرام هو الأكثر أو الأقل وقول القائل هو مصلحة مرسلة : هوس فإن ذلك إنما ~~تخيل من تخيله في أمور مظنونة وهذا مقطوع به فإنا لا نشك في أن مصلحة الدين ~~والدنيا مراد الشرع وهو معلوم بالضرورة إلى وليس بمظنون ولا شك في أن رد ~~كافة الناس إلى قدر الضرورة أو الحاجة أو الحشيش والصيد مخرب للدنيا أولا ~~وللدين بواسطة الدنيا ثانيا فما لا يشك فيه لا يحتاج إلى أصل يشهد له وإنما ~~يستشهد على الخيالات المظنونة المتعلقة بآحاد الأشخاص # البرهان الثاني أن يعلل بقياس محرر مردود إلى أصل يتفق الفقهاء الآنسون ~~بالأقيسة الجزئية عليه وإن كانت الجزئيات مستحقرة عند المحصلين بالإضافة ~~إلى مثل ما ذكرناه من الأمر الكلي الذي هو ضرورة النبي لو بعث في زمان عم ~~التحريم فيه حتى لو حكم بغيره لخرب العالم والقياس المحرر الجزئي هو أنه قد ~~تعارض أصل وغالب فيما انقطعت فيه العلامات المعينة من الأمور التي ليس ~~محصورة فيحكم بالأصل لا بالغالب قياسا على طين الشوارع وجرة النصرانية ~~وأواني المشركين وذلك قد أثبتناه من قبل بفعل الصحابة وقولنا انقطعت ~~العلامات المعينة احتراز عن الأواني التي يتطرق الاجتهاد إليها وقولنا ليست ~~محصورة احتراز عن التباس الميتة والرضيعة بالذكية والأجنبية PageV02P109 # فإن قيل : كون الماء طهورا مستيقن وهو الأصل ومن يسلم أن الأصل في ~~الأموال الحل بل الأصل فيها التحريم # فنقول : الأمور لا تحرم لصفة في عينها حرمة الخمر والخنزير خلقت على صفة ~~تستعد لقبول المعاملات بالتراضي كما خلق الماء مستعدا للوضوء وقد وقع الشك ~~في بطلان هذا الاستعداد منهما فلا فرق بين الأمرين فإنها تخرج عن قبول ~~المعاملة بالتراضي بدخول الظلم عليها كما يخرج الماء عن قبول الوضوء بدخول ~~النجاسة عليه ولا فرق بين الأمرين # والجواب الثاني : أن اليد دلالة ظاهرة دالة على الملك نازلة منزلة ~~الاستصحاب وأقوى منه بدليل أن الشرع الحقه به إذ من ادعى عليه دين فالقول ~~قوله لأن الأصل براءة ذمته وهذا استصحاب # ومن ادعى عليه ملك في يده فالقول أيضا قوله إقامة لليد مقام الاستصحاب ~~فكل ما وجد في يد إنسان فالأصل أنه ملكه ما لم يدل على خلافه علامة معينة # البرهان الثالث هو أن كل ما دل على جنس لا يحصر ولا يدل على معين لم ~~يعتبر وإن كان قطعا فبان لا يعتبر إذا دل بطريق الظن أولى وبيانه أن ما علم ~~أنه ملك زيد فحقه يمنع من التصرف فيه بغير إذنه ولو علم أن له مالكا في ~~العالم ولكن وقع اليأس عن الوقوف عليه وعلى وارثه فهو مال مرصد لمصالح ~~المسلمين يجوز التصرف فيه بحكم المصلحة ولو دل على أن له مالكا محصورا في ~~عشرة مثلا أو عشرين امتنع التصرف فيه بحكم المصلحة فالذي يشك في أن له ~~مالكا سوى صاحب اليد أم لا لا يزيد على الذي يتيقن قطعا أن له مالكا ولكن ~~لا يعرف عينه فليجز التصرف فيه بالمصلحة والمصلحة ما ذكرناه في الأقسام ~~الخمسة فيكون هذا الأصل شاهدا له وكيف لا وكل مال ضائع فقد مالكه يصرفه ~~السلطان إلى المصالح ومن المصالح الفقراء وغيرهم فلو صرف إلى فقير ملكه ~~ونفذ فيه تصرفه فلو سرقه منه سارق قطعت يده فكيف نفذ تصرفه في ملك الغير ~~ليس ذلك إلا لحكمنا بأن المصلحة تقتضي أن ينتقل الملك إليه ويحل له فقضينا ~~بموجب المصلحة # فإن قيل : ذلك يختص بالتصرف فيه السلطان # فنقول : والسلطان لم يجوز له التصرف في ملك غيره بغير إذنه لا سبب له إلا ~~المصلحة وهو أنه لو ترك لضاع فهو مردد بين تضييعه وصرفه إلى مهم والصرف إلى ~~مهم أصلح من التضييع فرجح عليه والمصلحة فيما يشك فيه ولا يعلم تحريمه أن ~~يحكم فيه بدلالة اليد ويترك على أرباب الأيدي إذ انتزاعها بالشك وتكليفهم ~~الاقتصار على الحاجة يؤدي إلى الضرر الذي ذكرناه وجهات المصلحة تختلف فإن ~~السلطان تارة يرى أن المصلحة أن يبني بذلك المال قنطرة وتارة أن يصرفه إلى ~~جند الإسلام وتارة إلى الفقراء ويدور مع المصلحة كيفما دارت وكذلك الفتوى ~~في مثل هذا تدور على المصلحة وقد خرج من هذا أن الخلق غير مأخوذين في أعيان ~~الأموال بظنون لا تستند إلى خصوص دلالة في ملك الأعيان كما لم يؤاخذ ~~السلطان والفقراء الآخذون منه بعلمهم أن المال له مالك حيث لم يتعلق العلم ~~بعين مالك مشار إليه ولا فرق بين عين المالك وبين عين الأملاك في هذا ~~المعنى فهذا بيان شبهة الاختلاط ولم يبق إلا النظر في امتزاج المائعات ~~والدراهم والعروض في يد مالك واحد وسيأتي بيانه في باب تفصيل طريق الخروج ~~من المظالم المثار الثالث للشبهة أن يتصل بالسبب المحلل معصية # إما في قرائنه وإما في لواحقه وإما في سوابقه أو في عوضه وكانت من ~~المعاصي التي لا توجب فساد العقد وإبطال السبب المحلل # مثال المعصية في القرائن : البيع في وقت النداء يوم الجمعة والذبح ~~بالسكين المغصوبة والاحتطاب بالقدوم المغصوب PageV02P110 والبيع على بيع ~~الغير والسوم على سومه فكل نهي ورد في العقود ولم يدل على فساد العقد فإن ~~الامتناع من جميع ذلك ورع وإن لم يكن المستفاد بهذه الأساليب محكوما ~~بتحريمه # وتسمية هذا النمط شبهة فيه تسامح لأن الشبهة في غالب الأمر تطلق لإرادة ~~الاشتباه والجهل ولا اشتباه ههنا بل العصيان بالذبح بسكين الغير معلوم وحل ~~الذبيحة أيضا معلوم ولكن قد تشتق الشبهة من المشابهة وتناول الحاصل من هذه ~~الأمور مكروه والكراهة تشبه التحريم فإن أريد بالشبهة هذا فتسمية هذا شبهة ~~له وجه وإلا فينبغي أن يسمى هذا كراهة لا شبهة وإذا عرف المعنى فلا مشاحة ~~في الأسامي فعادة الفقهاء التسامح في الاطلاقات # ثم أعلم أن هذه الكراهة لها ثلاث درجات : الأولى منها تقرب من الحرام ~~والورع عنه مهم والأخيرة تنتهى إلى نوع من المبالغة تكاد تلتحق بورع ~~الموسوسين وبينهما أوساط نازعة إلى الطرفين فالكراهة في صيد كلب مغصوب أشد ~~منها في الذبيحة بسكين مغصوب أو المقتنص بسهم مغصوب إذ الكلب له اختيار وقد ~~اختلف في أن الحاصل به لمالك الكلب أو للصياد ويليه شبه البذر المزروع في ~~الأرض المغصوبة فإن الزرع لمالك البذر ولكن فيه شبهة ولو أثبتنا حق الحبس ~~لمالك الأرض في الزرع لكان كالثمن الحرام ولكن الأقيس أن لا يثبت حق حبس ~~كما لو طحن بطاحونة مغصوبة واقتنص بشبكة مغصوبة إذا لا يتعلق حق صاحب ~~الشبكة في منفعتها بالصيد ويليه الاحتطاب بالقدوم المغصوب ثم ذبحه ملك نفسه ~~بالسكين المغصوب إذ لم يذهب أحد إلى تحريم الذبيحة ويليه البيع في وقت ~~النداء فإنه ضعيف التعلق بمقصود العقد وإن ذهب قوم إلى فساد العقد إذ ليس ~~فيه إلا أنه اشتغل بالبيع عن واجب آخر كان عليه ولو أفسد البيع بمثله لأفسد ~~بيع كل من عليه درهم زكاة أو صلاة فائتة وجوبها على الفور أو في ذمته مظلمة ~~دانق فإن الاشتغال بالبيع مانع له عن القيام بالواجبات فليس للجمعة إلا ~~الوجوب بعد النداء وينجر ذلك إلى أن لا يصح نكاح أولاد الظلمة وكل من في ~~ذمته درهم لأنه اشتغل بقوله عن الفعل الواجب عليه إلا من حيث ورد في يوم ~~الجمعة نهى على الخصوص ربما سبق إلى الأفهام خصوصية فيه فتكون الكراهة أشد ~~ولا بأس بالحذر منه ولكن قد ينجر إلى الوسواس حتى يتحرج عن نكاح بنات أرباب ~~المظالم وسائر معاملاتهم # وقد حكي عن بعضهم أنه اشترى شيئا من رجل فسمع أنه اشتراه يوم الجمعة فرده ~~خيفة أن يكون ذلك مما اشتراه وقت النداء وهذا غاية المبالغة أنه رد بالشك # ومثل هذا الوهم في تقدير المناهي أو المفسدات لا ينقطع عن يوم السبت ~~وسائر الأيام والورع حسن والمبالغة فيه أحسن ولكن إلى حد معلوم فقد قال صلى ~~الله عليه وسلم هلك المتنطعون + حديث هلك المتنطعون أخرجه مسلم من حديث ابن ~~مسعود وتقدم في قواعد العقائد + فليحذر من أمثال هذه المبالغات فإنها وإن ~~كانت لا تضر صاحبها ربما أوهم عند الغير أن مثل ذلك مهم ثم يعجز عما هو ~~أيسر منه فيترك أصل الورع وهو مستند أكثر الناس في زماننا هذا إذ ضيق عليهم ~~الطريق فأيسوا عن القيام به فأطرحوه فكما أن الموسوس في الطهارة قد يعجز عن ~~الطهارة فيتركها فكذا بعض الموسوسين في الحلال سبق إلى أوهامهم أن مال ~~الدنيا كله حرام فتوسعوا فتركوا التمييز وهو عين الضلال # وأما مثال اللواحق : فهو كل تصرف يفضي في سياقه إلى معصية وأعلاه بيع ~~العنب من الخمار وبيع الغلام من المعروف بالفجور بالغلمان وبيع السيف من ~~قطاع الطريق # وقد اختلف العلماء في صحة ذلك وفي حل الثمن المأخوذ منه # والأقيس أن ذلك صحيح والمأخوذ حلال والرجل عاص بعقده كما يعصي بالذبح ~~بالسكين المغصوب والذبيحة حلال ولكنه يعصي عصيان الإعانة على المعصية إذ لا ~~يتعلق ذلك بعين العقد فالمأخوذ من هذا مكروه كراهية شديدة وتركه من الورع ~~المهم وليس بحرام ويليه في الرتبة بيع العنب ممن يشرب الخمر ولم يكن خمارا ~~وبيع السيف ممن PageV02P111 يغزو ويظلم أيضا لأن الاحتمال قد تعارض # وقد كره السلف بيع السيف في وقت الفتنة خيفة أن يشتريه ظالم فهذا ورع فوق ~~الأول والكراهية فيه أخف ويليه ما هو مبالغة ويكاد يلتحق بالوسواس وهو قول ~~جماعة أنه لا تجوز معاملة الفلاحين بآلات الحارث لأنهم يستعينون بها على ~~الحراثة ويبيعون الطعام من الظلمة ولا يباع منهم البقر والفدان وآلات الحرث ~~وهذا ورع الوسوسة إذ ينجر إلى أن لا يباع من الفلاح طعام لأنه يتقوى به على ~~الحراثة ولا يسقي من الماء العام لذلك وينتهي هذا حد التنطع المنهي عنه وكل ~~متوجه إلى شيء على قصد خير لا بد وأن يسرف إن لم يذمه العلم المحقق وربما ~~يقدم على ما يكون بدعة في الدين ليستضر الناس بعده بها وهو يظن أنه مشغول ~~بالخير ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى ~~رجل من أصحابي + # حديث فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي تقدم في العلم ~~+ والمتنطعون هم الذين يخشى عليهم أن يكونوا ممن قيل فيهم الذي ضل سعيهم في ~~الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وبالجملة لا ينبغي للإنسان أن ~~يشتغل بدقائق الورع إلا بحضرة عالم متقن فإنه إذا جاوز ما رسم وتصرف بذهنه ~~من غير سماع كان ما يفسده أكثر مما يصلحه وقد روى عن سعد بن أبي وقاص رضي ~~الله عنه أنه أحرق كرمه خوفا من أن يباع العنب ممن يتخذه خمرا وهذا لا أعرف ~~له وجها إن لم يعرف هو سببا خاصا يوجب الإحراق إذا ما أحرق كرمه ونخله من ~~كان أرفع قدرامنه من الصحابة # ولو جاز هذا لجاز قطع الذكر خيفة من الزنا وقطع اللسان خيفة من الكذب إلى ~~غير ذلك من الإتلافات # وأما المقدمات : فلتطرق المعصية إليها ثلاث درجات : الدرجة العليا التي ~~يشتد الكراهة فيها : ما بقي أثره في المتناول كالأكل من شاة علفت بعلف ~~مغصوب أو رعت في مرعى حرام فإن ذلك معصية وقد كان سببا لبقائها وربما يكون ~~الباقي من دمها ولحمها وأجزائها من ذلك العلف وهذا الورع مهم وإن لم يكن ~~واجبا ونقل ذلك عن جماعة من السلف # وكان لأبي عبدالله الطوسي التروغندي شاة يحملها على رقبته كل يوم إلى ~~الصحراء ويرعاها وهو يصلي وكان يأكل من لبنها فغفل عنها ساعة فتناولت من ~~ورق كرم على طرف بستان فتركها في البستان ولم يستحل أخذها # فإن قيل : فقد روى عن عبد الله بن عمر وعبيد الله أنهما اشتريا إبلا ~~فبعثاها إلى الحمى فرعته إبلهما حتى سمنت فقال عمر رضي الله عنه : ~~أرعيتماها في الحمى فقالا : نعم فشاطرهما # وفهذا يدل على أنه رأى اللحم الحاصل من العلف لصاحب العلف فليوجب هذا ~~تحريما # قلنا : ليس كذلك فإن العلف يفسد بالأكل واللحم خلق جديد وليس عين العلف ~~فلا شركة لصاحب العلف شرعا ولكن عمر غرمهما قيمة الكلأ ورأى ذلك مثل شطر ~~الإبل فأخذ الشطر بالاجتهاد كما شاطر سعد بن أبي وقاص ماله لما أن قدم من ~~الكوفة وكذلك شاطر أبا هريرة رضي الله عنه إذ رأى أن كل ذلك لا يستحقه ~~العامل ورأى شطر ذلك كافيا على حق عملهم وقدره بالشطر اجتهادا # الرتبة الوسطى ما نقل عن بشر بن الحارث من امتناعه عن الماء المساق في ~~نهر احتفره الظلمة لأن النهر موصل إليه وقد عصى الله بحفره # وامتنع آخر عن عنب كرم يسقى بماء يجري في نهر حفر ظلما وهو أرفع منه ~~وأبلغ في الورع # وامتنع آخر من الشرب من مصانع السلاطين في الطرق # وأعلى من ذلك امتناع ذي النون من طعام حلال أوصل إليه على يد سجان وقوله ~~: إنه جاءني على يد ظالم ودرجات هذه الرتب لا تنحصر # الرتبة الثالثة وهي قريب من الوسواس والمبالغة أن يمتنع من حلال وصل على ~~يد رجل عصى الله بالزنا أو القذف وليس هو كما لو عصى بأكل PageV02P112 ~~الحرام فإن الموصل قوته الحاصلة من الغذاء الحرام والزنا والقذف لا يوجب ~~قوة يستعان بها على الحمل بل الامتناع من أخذ حلال وصل على يد كافر وسواس ~~بخلاف أكل الحرام إذ الكفر لا يتعلق بحمل الطعام وينجر هذا إلى أن لا يؤخذ ~~من يد من عصى الله ولو بغيبة أو كذبة وهو غاية التنطع والإسراف فليضبط ما ~~عرف من ورع ذي النون وبشر بالمعصية في السبب الموصل كالنهر وقوة اليد ~~المستفادة بالغذاء الحرام # ولو امتنع عن الشرب بالكوز لأن صانع الفخار الذي عمل الكوز كان قد عصى ~~الله يوما بضرب إنسان أو شتمه لكان هذا وسواسا # ولو امتنع من لحم شاة ساقها آكل حرام فهذا أبعد من يد السجان لأن الطعام ~~يسوقه قوة السجان والشاة تمشي بنفسها والسائق يمنعها عن العدول في الطريق ~~فقط فهذا قريب من الوسواس # فانظر كيف تدرجنا في بيان ما تتداعى إليه هذه الأمور # واعلم أن كل هذا خارج عن فتوى علماء الظاهر فإن فتوى الفقيه تختص بالدرجة ~~الأولى التي يمكن تكليف عامة الخلق بها ولو اجتمعوا عليه لم يخرب العالم ~~دون ما عداه من ورع المتقين والصالحين # والفتوى في هذا ما قاله صلى الله عليه وسلم لوابصة إذ قال : استفت قلبك ~~وإن أفتوك وأفتوك وأفتوك وعرف ذلك إذ قال الإثم حزاز القلوب + حديث الإثم ~~حزاز القلوب تقدم في العلم + # وكل ما حاك في صدر المريد من هذه الأسباب فلو أقدم عليه مع حزازة القلب ~~استضربه وأظلم قلبه بقدر الحزازة التي يجدها بل لو أقدم على حرام في علم ~~الله وهو يظن أنه حلال لم يؤثر ذلك في قساواة قلبه ولو أقدم على ما هو حلال ~~في فتوى علماء الظاهر ولكنه يجد حزازة في قلبه فذلك يضره # وإنما الذي ذكرناه في النهي عن المبالغة أردنا به أن القلب الصافي ~~المعتدل هو الذي لا يجد حزاز في مثل تلك الأمور فإن مال قلب موسوس عن ~~الاعتدال ووجد الحزازة فأقدم مع ما يجد في قلبه فذلك يضره لأنه مأخوذ في حق ~~نفسه بينه وبين الله تعالى بفتوى قلبه # وكذلك يشدد على الموسوس في الطهارة ونية الصلاة فإنه إذا غلب على قلبه أن ~~الماء لم يصل إلى جميع أجزائه بثلاث مرات لغلبة الوسوسة عليه فيجب عليه أن ~~يستعمل الرابعة وصار ذلك حكما في حقه وإن كان مخطئا في نفسه أولئك قوم ~~شددوا فشدد الله عليهم ولذلك شدد على قوم موسى عليه السلام لما استقصوا في ~~السؤال عن البقرة ولو أخذوا أولا بعموم لفظ البقرة وكل ما ينطلق عليه الاسم ~~لأجزأهم ذلك # فلا تغفل عن هذه الدقائق التي رددناها نفيا وإثباتا فإن من لا يطلع على ~~كنه الكلام ولا يحيط بمجامعه يوشك أن يزل في درك مقاصده # وأما المعصية في العوض فله أيضا درجات الدرجة العليا التي تشتد الكراهة ~~فيها أن يشتري شيئا في الذمة ويقضى ثمنه من غصب أو مال حرام فينظر فإن سلم ~~إليه البائع الطعام قبل قبض الثمن بطيب قلبه فأكله قبل قضاء الثمن فهو حلال ~~وتركه ليس بواجب بالإجماع أعني قبل قضاء الثمن ولا هو أيضا من الورع المؤكد ~~فإن قضى الثمن بعد الأكل من الحرام فكأنه لم يقض الثمن ولو لم يقضه أصلا ~~لكان متقلدا للمظلمة بترك ذمته مرتهنة بالدين ولا ينقلب ذلك حراما # فإن قضى الثمن من الحرام وأبرأه البائع مع العلم بأنه حرام فقد برئت ذمته ~~ولم يبق عليه إلا مظلمة تصرفه في الدراهم الحرام بصرفها إلى البائع وإن ~~أبرأه على ظن أن الثمن حلال فلا تحصل البراءة لأنه يبرئه مما أخذه إبراء ~~استيفاء ولا يصلح ذلك للإيفاء # هذا حكم المشتري والأكل منه وحكم الذمة وإن لم يسلم إليه بطيب قلب ولكن ~~أخذه فأكله حرام سواء أكله قبل توفية الثمن من الحرام أو بعده لأن الذي ~~تومئ الفتوى به ثبوت حق الحبس للبائع حتى يتعين ملكه بإقباض النقد كما تعين ~~ملك المشتري وإنما يبطل حق حبسه إما بالإبراء PageV02P113 أو الاستيفاء ولم ~~يجر شيء منهما ولكنه أكل ملك نفسه وهو عاص به عصيان الراهن للطعام إذا أكله ~~بغير إذن المرتهن وبينه وبين أكل طعام الغير فرق ولكن أصل التحريم شامل هذا ~~كله إذا قبض قبل توفية الثمن إما بطيبة قلب البائع أو من غير طيبة قلبه # فأما إذا وفى الثمن الحرام أولا ثم قبض فإن كان البائع عالما بأن الثمن ~~حرام ومع هذا أقبض المبيع بطل حق حبسه وبقي له الثمن في ذمته إذ ما أخذه ~~ليس بثمن ولا يصير أكل المبيع حراما بسبب بقاء الثمن فأما إذا لم يعلم أنه ~~حرام وكانت بحيث لو علم لما رضي به ولا أقبض المبيع فحق حبسه لا يبطل بهذا ~~التلبيس فأكله حرام تحريم أكله المرهون إلى أن يبرئه أو يوفي من حلال أو ~~يرضى هو بالحرام ويبرئ فيصح إبراؤه ولا يصح رضاه بالحرام فهذا مقتضى الفقه ~~وبيان الحكم في الدرجة الأولى من الحلل والحرمة فأما الامتناع عنه فمن ~~الورع المهم لأن المعصية إذا تمكنت من السبب الموصل إلى الشيء تشتد ~~الكراهية فيه كما سبق وأقوى الأسباب الموصلة الثمن ولولا الثمن الحرام لما ~~رضي الله البائع بتسلميه إليه فرضاه لا يخرجه عن كونه مكروها كراهية شديدة ~~ولكن العدالة لا تنخرم به وتزول به درجة التقوى والورع # ولو اشترى سلطان مثلا ثوبا أو أرضا في الذمة وقبضه برضا البائع قبل توفية ~~الثمن وسلمه إلى فقيه أو غيره صلة أو خلعة وهو شاك في أنه سيقضي ثمنه من ~~الحلال أو الحرام فهذا أخف إذ وقع الشك في تطرق المعصية إلى الثمن وتفاوت ~~خفته بتفاوت كثرة الحرام وقلته في مال ذلك السلطان وما يغلب على الظن فيه ~~وبعضه أشد من بعض والرجوع فيه إلى ما ينقدح في القلب # الرتبة الوسطى أن لا يكون العوض غصبا ولا حراما ولكن يتهيأ لمعصية كما لو ~~سلم عوضا عن الثمن عنبا والآخذ شارب الخمر أو سيفا وهو قاطع طريق فهذا لا ~~يوجب تحريما في مبيع اشتراه في الذمة ولكن يقتضي فيه كراهية دون الكراهية ~~التي في الغصب وتتفاوت درجات هذه الرتبة أيضا بتفاوت غلبة المعصية على قابض ~~الثمن وندوره ومهما كان العوض حراما فبذله حرام وإن احتمل تحريمه ولكن أبيح ~~بظن فبذله مكروه وعليه ينزل عندي النهي عن كسب الحجام وكراهته + حديث النهي ~~عن كسب الحجام وكراهته : رواه ابن ماجة من حديث أبي مسعود الأنصاري ~~والنسائي من حديث أبي هريرة بإسنادين صحيحين نهى رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم عن كسب الحجام وللبخاري من حديث أبي جحيفة : نهى عن ثمن الدم ولمسلم ~~من حديث رافع بن خديج كسب الحجام خبيث + # إذ نهى عنه عليه السلام مرات ثم أمر بأن يعلف الناضح + حديث : نهى عنه ~~مرات ثم أمر بأن يعلف الناضح رواه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة من ~~حديث محيصة أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فنهاه ~~عنها فلم يزل يسأل ويستأذن حتى قال : أعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك وفي رواية ~~لأحمد أنه زجره عن كسبه فقال : ألا أطعمه أيتاما لي قال لا قال : أفلا ~~أتصدق به قال : لا فرخص له أن يعلفه ناضحه + # وما سبق إلى الوهم من أن سببه مباشرة النجاسة والقذر فاسد إذ يجب طرده في ~~الدباغ والكناس ولا قائل به وإن قيل به فلا يمكن طرده في القصاب إذ كيف ~~يكون كسبه مكروها وهو بدل عن اللحم واللحم في نفسه غير مكروه ومخامرة ~~القصاب النجاسة أكثر منه للحجام والفصاد فإن الحجام يأخذ الدم بالمحجمة ~~ويمسحه بالقطنة ولكن السبب أن في الحجامة والفصد تخريب بنية الحيوان ~~وإخراجها لدمه وبه قوام حياته والأصل فيه التحريم وإنما يحل بضرورة وتعلم ~~الحاجة والضرورة بحدس واجتهاد وربما يظن نافعا ويكون ضارا فيكون حراما عند ~~الله تعالى ولكن يحكم بحله بالظن والحدس # ولذلك لا يجوز للفصاد فصد صبي وعبد ومعتوه إلا بإذن وليه وقول طبيب ولولا ~~أنه حلال في الظاهر لما أعطى عليه السلام أجرة الحجام + حديث : أعطى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم أجرة الحجام متفق عليه من حديث ابن عباس + # ولولا أنه يحتمل التحريم لما نهى عنه فلا يمكن الجمع بين إعطائه ونهيه ~~إلا باستنباط هذا المعنى # وهذا كان ينبغي أن نذكره في القرائن المقرونة بالسبب فإنه أقرب إليه # الرتبة السفلى وهي درجة الموسوسين وذلك أن يحلف إنسان على PageV02P114 أن ~~لا يلبس من غزل أمه فباع غزلها واشترى به ثوبا فهذا لا كراهية فيه والورع ~~عنه وسوسة # وروي عن المغيرة أنه قال في هذه الواقعة : لا يجوز واستشهد بأن النبي صلى ~~الله عليه وسلم قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الخمور فباعوها وأكلوا ~~أثمانها + حديث المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن اليهود إذ حرمت ~~عليهم الخمور فباعوها : لم أجده هكذا والمعروف أن ذلك في الشحوم ففي ~~الصحيحين من حديث جابر قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها ~~جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه + # وهذا غلط لأن بيع الخمور باطل إذ لم يبق للخمر منفعه في الشرع وثمن البيع ~~الباطل حرام وليس هذا من ذلك بل مثال هذا أن يملك الرجل جارية هي أخته من ~~الرضاع فتباع بجارية أجنبية فليس لأحد أن يتورع منه وتشبيه ذلك ببيع الخمر ~~غاية السرف في هذا الطرف # وقد عرفنا جميع الدرجات وكيفية التدريج فيها وإن كان تفاوت هذه الدرجات ~~لا ينحصر في ثلاث أو أربع ولا في عدد ولكن المقصود من التعديد التقريب ~~والتفهيم # فإن قيل : فقد قال صلى الله عليه وسلم من اشترى ثوبا بعشرة دراهم فيها ~~درهم حرام لم يقبل الله له صلاة ما كان عليه + حديث من اشترى ثوبا بعشرة ~~دراهمالحديث تقدم في الباب قبله + # ثم أدخل ابن عمر أصبعيه في أذنيه وقال : صمتا إن لم أكن سمعته منه قلنا ~~ذلك محمول على ما لو اشترى بعشرة بعينها لا في الذمة وإذا اشترى في الذمة ~~فقد حكمنا بالتحريم في أكثر الصور فليحمل عليها ثم كم من ملك يتوعد عليه ~~بمنع قبول الصلاة لمعصية تطرقت إلى سببه وإن لم يدل ذلك على فساد العقد ~~كالمتشري في الوقت النداء وغيره المثار الرابع الاختلاف في الأدلة # فإن ذلك كالاختلاف في السبب لأن السبب سبب لحكم الحل والحرمة # والدليل سبب لمعرفة الحل والحرمة فهو السبب في حق المعرفة ولم يثبت في ~~معرفة الغير فلا فائدة لثبوته في نفسه وإن جرى سببه في علم الله وهو إما أن ~~يكون لتعارض أدلة الشرع أو لتعارض العلامات الدالة أو لتعارض التشابه # القسم الأول : أن تتعارض أدلة الشرع مثل تعارض عمومين من القرآن أو السنة ~~أو التعارض قياسين أو تعارض قياس وعموم # وكل ذلك يورث الشك ويرجع فيه إلى الاستصحاب أو الأصل المعلوم قبله إن لم ~~يكن ترجيح فإن ظهر ترجيح في جانب الحظر وجب الأخذ به وإن ظهر في جانب الحل ~~جاز الأخذ به ولكن الورع تركه # واتقاء مواضع الخلاف مهم في الورع في حق المفتي والمقلد وإن كان المقلد ~~يجوز له أن يأخذ بما أفتى له مقلده الذي يظن أنه أفضل علماء بلده ويعرف ذلك ~~بالتسامع كما يعرف أفضل أطباء البلد بالتسامع والقرائن وإن كان لا يحسن ~~الطب # وليس للمستفتي أن ينتقد من المذاهب أوسعها عليه بل عليه أن يبحث حتى يغلب ~~على ظنه الأفضل ثم يتبعه فلا يخالفه أصلا نعم إن أفتى له إمامه بشيء ~~ولإمامه فيه مخالف فالفرار من الخلاف إلى الإجماع من الورع المؤكد وكذا ~~المجتهد إذا تعارضت عنده الأدلة ورجح جانب الحل بحدس وتخمين وظن فالورع له ~~الاجتناب # فلقد كان المفتون يفتون بحل أشياء لا يقدمون عليها قط تورعا منها وحذرا ~~من الشبهة فيها فلنقسم هذا أيضا على ثلاثة مراتب # الرتبة الأولى ما يتأكد الاستحباب في التورع عنه وهو ما يقوى فيه دليل ~~المخالف ويدق وجه ترجيح المذهب الآخر عليه # فمن المهمات التورع عن فريسة الكلب المعلم إذا أكل منها وإن أفتى المفتي ~~بأنه حلال لأن الترجيح فيه غامض وقد اخترنا أن ذلك حرام وهو أقيس قولي ~~الشافعي رحمه الله # ومهما وجد للشافعي PageV02P115 قول جديد موافق لمذهب أبي حنيفة رحمه الله ~~أو غيره من الأئمة كان الورع فيه مهما وإن أفتى المفتي بالقول الآخر # ومن ذلك الورع عن متروك التسمية وإن لم يختلف فيه قول الشافعي رحمه الله ~~لأن الآية ظاهرة في إيجابها والأخبار متواترة فيه فإنه صلى الله عليه وسلم ~~قال لكل من سأله عن الصيد إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت عليه اسم الله فكل + ~~حديث إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل متفق عليه من حديث عدي بن حاتم ومن ~~حديث أبي ثعلبة الخشني + # ونقل ذلك على التكرر وقد شهر الذبح بالبسملة + حديث التسمية على الذبح : ~~متفق عليه من حديث رافع بن خديج ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلواليس ~~السن والظفر + # وكل ذلك يقوي دليل الاشتراط ولكن لما صح قوله صلى الله عليه وسلم المؤمن ~~يذبح على اسم الله تعالى سمى أو لم يسم + حديث المؤمن يذبح على اسم الله ~~تعالى سمى أو لم يسم قال المصنف إنه صح قلت : لا يعرف بهذا اللفظ فضلا عن ~~صحته ولأبي داود في المراسيل من رواية الصلت مرفوعا ذبيحة المسلم حلال ذكر ~~اسم الله أو لم يذكر وللطبراني في الأوسط والدارقطني وابن عدي والبيهقي من ~~حديث أبي هريرة قال رجل : يا رسول الله الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي الله ~~فقال اسم الله على كل مسلم قال ابن عدي منكر والدارقطني والبيهقي من حديث ~~ابن عباس المسلم يكفيه اسمه فإن نسي أن يسمي حين يذبح فليسم وليذكر اسم ~~الله ثم ليأكل فيه محمد بن سنان ضعفه الجمهور + # واحتمل أن يكون هذا عاما موجبا لصرف الآية وسائر الأخبار عن ظواهرها ~~ويحتمل أن يخصص هذا بالناسي ويترك الظواهر ولا تأويل وكان حمله على الناس ~~ممكنا تمهيدا لعذره في ترك التسمية بالنسيان وكان تعميمه وتأويل الآية ~~ممكنا إمكانا أقرب رجحنا ذلك ولا ننكر رفع الاحتمال المقابل له فالورع عن ~~مثل هذا مهم واقع في الدرجة الأولى # الرتبة الثانية وهي مزاحمة لدرجة الوسواس أن يتورع الإنسان عن أكل الجنين ~~الذي يصادف في بطن الحيوان المذبوح وعن الضب # وقد صح في الصحاح من الأخبار حديث الجنين إن ذكاته ذكاة أمه + حديث ذكاة ~~الجنين ذكاة أمه قال المصنف إنه صح صحة لا يتطرق احتمال إلى متنه ولا ضعف ~~إلى سنده وأخذ هذا من إمام الحرمين فإنه كذا قال في الأساليب والحديث رواه ~~أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن حبان من حديث أبي سعيد والحاكم من ~~حديث أبي هريرة وقال : صحيح الإسناد وليس كذلك للطبراني في الصغير من حديث ~~ابن عمر بسند جيد وقال عبد الحق : لا يحتج بأسانيدها كلها + # صحة لا يتطرق احتمال إلى متنه ولا ضعف إلى سنده وكذلك صح أنه أكل الضب ~~على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم + حديث أكل الضب على مائدة رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم قال المصنف : هو في الصحيحين وهو كما ذكره من حديث ~~ابن عمر وابن عباس وخالد بن الوليد + # وقد نقل ذلك في الصحيحين # وأظن أن أبا حنيفة لم تبلغه هذه الأحاديث ولو بلغته لقال بها وإن أنصف ~~وإن لم ينصف منصف فيه كان خلافه غلط لا يعتد به ولا يورث شبهة كما لو لم ~~يخالف وعلم الشيء بخبر الواحد # الرتبة الثالثة أن لا يشتهر في المسألة خلاف أصلا ولكن يكون الحل معلوما ~~بخبر الواحد فيقول القائل قد اختلف الناس في خبر الواحد فمنهم من لا يقبله ~~فأنا أتورع # فإن النقلة وإن كانوا عدولا فالغلط جائز عليهم والكذب لغرض خفي جائز ~~عليهم لأن العدل أيضا قد يكذب والوهم جائز عليه فإنه قد يسبق إلى سمعهم ~~خلاف ما يقوله القائل وكذا إلى فهمهم فهذا ورع لم ينقل مثله عن الصحابة ~~فيما كانوا يسمعونه من عدل تسكن نفوسهم إليه # وأما إذا تطرقت شبهة بسبب خاص ودلالة معينة في حق الراوي فللتوقف وجه ~~ظاهر وإن كان عدلا # وخلاف من خالف في أخبار الآحاد غير معتد به وهو كخلاف النظام في أصل ~~الإجماع # وقوله إنه ليس بحجة ولو جاز مثل هذا الورع لكان من الورع أن يمتنع ~~الإنسان من أن يأخذ ميراث الجد أبي الأب ويقول ليس في كتاب الله ذكر إلا ~~للبنين وإلحاق ابن الابن بالابن بإجماع الصحابة وهم غير معصومين والغلط ~~عليهم جائز إذ خالف النظام فيه وهذا هوس ويتداعى إلى أن يترك ما علم ~~بعمومات القرآن إذ من المتكلمين من ذهب إلى أن PageV02P116 العمومات لا صيغ ~~لها وإنما يحتج بما فهمه الصحابة منها بالقرائن والدلالات وكل ذلك وسواس # فإذن لا طرف من أطراف الشبهات إلا وفيها غلو وإسراف فليفهم ذلك # ومهما أشكل أمر من هذه الأمور فليستفت فيه القلب وليدع الورع ما يريبه ~~إلى ما لا يربيه وليترك حزاز القلوب وحكاكات الصدور وذلك يختلف بالأشخاص ~~والوقائع ولكن ينبغي أن يحفظ قلبه عن دواعي الوسواس حتى لا يحكم إلا بالحق ~~فلا ينطوي على حزازة في مظان الوسواس ولا يخلو عن الحزازة في مظان الكراهة ~~وما أعز مثل هذا القلب ولذلك لم يرد عليه السلام كل أحد إلى فتوى القلب ~~وإنما قال ذلك لوابصة لما كان قد عرف من حاله + حديث : لم يرد كل أحد إلى ~~فتوى قلبه وإنما قال ذاك لوابصة وتقدم حديث وابصة وروى الطبراني من حديث ~~واثلة أنه قال ذلك لواثلة أيضا وفيه العلاء بن ثعلبة مجهول + # القسم الثاني : تعارض العلامات الدالة على الحل والحرمة فإنه قد ينهب نوع ~~من المتاع في وقت ويندر وقوع مثله من غير النهب فيرى مثلا في يد رجل من أهل ~~الصلاح فيدل صلاحه على أنه حلال ويدل نوع المتاع وندوره من غير المنهوب على ~~أنه حرام فيتعارض الأمران # وكذلك يخبر عدل أنه حرام وآخر أنه حلال أو تتعارض شهادة فاسقين أو قول ~~صبي وبالغ فإن ظهر ترجيح حكم به والورع الاجتناب وإن لم يظهر ترجيح وجب ~~التوقف وسيأتي تفصيله في باب التعرف والبحث والسؤال # القسم الثالث : تعارض الأشباه في الصفات التي تناط بها الأحكام # مثاله أن يوصى بمال للفقهاء فيعلم أن الفاضل في الفقه داخل فيه وأن الذي ~~ابتدأ التعلم من يوم أو شهر لا يدخل فيه وبينهما درجات لا تحصى يقع الشك ~~فيها فالمفتي يفتي بحسب الظن والورع الاجتناب وهذ أغمض مثارات الشبهة فإن ~~فيها صورا يتحير المفتي فيها تحيرا لازما لا حيلة له فيه إذ يكون المتصف ~~بصفة في درجة متوسطة بين الدرجتين المتقابلتين لا يظهر له ميله إلى أحدهما # وكذلك الصدقات المصروفة إلى المحتاجين فإن مما لا شيء له معلوم أنه محتاج ~~ومن له مال كثير معلوم أنه غني ويتصد بينهما مسائل غامضة كمن له دار وأثاث ~~وثياب وكتب فإن قدر الحاجة منه لا يمنع من الصرف إليه والفاضل يمنع والحاجة ~~ليست محدودة وإنما تدرك بالتقريب ويتعدى منه النظر في مقدار سعة الدار ~~وأبنيتها ومقدار قيمتها لكونها في وسط البلد ووقوع الاكتفاء بدار دونها ~~وكذلك في نوع أثاث البيت إذا كان من الصفر لا من الخزف وكذلك في عددها ~~وكذلك في قيمتهما وكذلك فيما لا يحتاج إليه كل يوم وما يحتاج إليه كل سنة ~~من آلات الشتاء وما لا يحتاج إليه إلا في سنين وشيء من ذلك لا حد له # والوجه في هذا ما قاله عليه السلام دع ما يريبك إلى ما لا يريبك + حديث : ~~دع ما يريبك إلى ما لا يريبك تقدم في باب قبله + # كل ذلك في محل الريب إن توقف المفتي فلا وجهه إلا التوقف وهو أهم مواقع ~~الورع # وكذلك ما يجب بقدر الكفاية من نفقة الأقارب وكسوة الزوجات وكفاية الفقهاء ~~والعلماء على بيت المال إذ فيه طرفان يعلم أن أحدهما قاصر وأن الآخر زائد ~~وبينهما أمور متشابهة تختلف باختلاف الشخص والحال # والمطلع على الحاجات هو الله تعالى وليس للبشر وقوف على حدودها فما دون ~~الرطل المكي في اليوم قاصر عن كفاية الرجل الضخم وما فوق ثلاثة أرطال زائد ~~على الكفاية وما بينهما لا يتحقق له حد # فليدع الورع ما يريبه وهذا جار في كل حكم نيط السبب يعرف ذلك بلفظ العرب ~~إذ العرب وسائر أهل اللغات لم يقدروا متضمنات اللغات بحدود محدودة تنقطع ~~أطرافها عن مقابلاتها كلفظ الستة فإنه لا يحتمل ما دونها وما فوقها من ~~الأعداد وسائر ألفاظ الحساب والتقديرات فليست الألفاظ اللغوية كذلك فلا لفظ ~~في كتاب الله وسنة رسول الله PageV02P117 صلى الله عليه وسلم إلا ويتطرق ~~الشك إلى أوساط في مقتضياتها تدور بين أطراف متقابلة فتعظم الحاجة إلى هذا ~~الفن في الوصايا والأوقاف على الصوفية مثلامما يصح ومن الداخل تحت موجب هذا ~~اللفظ هذا من الغوامض فكذلك سائر الألفاظ # وسنشير إلى مقتضى لفظ الصوفي على الخصوص ليعلم به طريق التصرف في الألفاظ ~~وإلا فلا مطمع في استيفائها فهذه اشتباهات تثور من علامات متعارضة تجذب إلى ~~طرفين متقابلين وكل ذلك من الشبهات يجب اجتنابها إذا لم يترجح جانب الحل ~~بدلالة تغلب على الظن أو باستصحاب بموجب قوله صلى الله عليه وسلم دع ما ~~يريبك إلى ما لا يريبك وبموجب سائر الأدلة التي سبق ذكرها # فهذه مثارات الشبهات وبعضها أشد من بعض ولو تظاهرت شبهات شتى على شيء ~~واحد كان الأمر أغلظ مثل أن يأخذ طعاما مختلفا فيه عوضا عن عنب باعه من ~~خمار بعد النداء يوم الجمعة والبائع قد خالط ماله حرام وليس هو أكثر ماله ~~ولكنه صار مشتبها به فقد يؤدي ترادف الشبهات إلى أن يشتد الأمر في اقتحامها ~~فهذه مراتب عرفنا طريق الوقوف عليها وليس في قوة البشر حصرها فما اتضح من ~~هذا الشرح أخذ به وما التبس فليجتنب فإن الإثم حزاز القلب # وحيث قضينا باستفتاء القلب أردنا به حيث أباح المفتي أما حيث حرمه فيجب ~~الامتناع # ثم لا يعول على كل قلب فرب موسوس ينفر عن كل شيء ورب شره متساهل يطمئن ~~إلى كل شيء ولا اعتبار بهذين القلبين وإنما الاعتبار بقلب العالم الموفق ~~المراقب لدقائق الأحوال وهو المحك الذي يمتحن به خفايا الأمور وما أعز هذا ~~القلب في القلوب فمن لم يثق بقلب نفسه فليلتمس النور من قلب هذه الصفة ~~وليعرض عليه واقعته وجاء في الزبور إن الله تعالى أوحى إلى داود عليه ~~السلام : قل لبني إسرائيل إني لا أنظر إلى صلاتكم ولا صيامكم ولكن أنظر إلى ~~من شك في شيء فتركه لأجلي فذاك الذي أنظر إليه وأؤيده بنصري وأباهي به ~~ملائكتي # | الباب الثالث : في البحث والسؤال والهجوم والإهمال ومظانها # اعلم أن كل من قدم إليك طعاما أو هدية أو أردت أن تشتري منه أو تتهب فليس ~~لك أن تفتش عنه وتسأل وتقول : هذا مما لا أتحقق حله فلا آخذه بل أفتش عنه # وليس لك أيضا أن تترك البحث فتأخذ كل ما لا تتيقن تحريمه بل السؤال واجب ~~مرة وحرام مرة ومندوب مرة ومكروه مرة فلا بد من تفصيله والقول الشافي فيه ~~هو أن مظنة السؤال مواقع الريبة ومنشأ الريبة ومثارها إما أمر يتعلق بالمال ~~أو يتعلق بصاحب المال المثار الأول : أحوال المالك # وله بالإضافة إلى معرفتك ثلاثة أحوال : إما أن يكون مجهولا أو مشكوكا فيه ~~أو معلوما بنوع ظن يستند إلى دلالة # الحالة الأولى : أن يكون مجهولا والمجهول هو الذي ليس معه قرينة تدل على ~~فساده وظلمه كزى الأجناد ولا ما يدل على صلاحه كثياب أهل التصوف والتجارة ~~والعلم وغيرها من العلامات # فإذا دخلت قرية لا تعرفها فرأيت رجلا لا تعرف من حاله شيئا ولا عليه ~~علامة تنسبه إلى أهل صلاح أو أهل فساد فهو مجهول وإذا دخلت بلدة غريبا ~~ودخلت سوقا ووجدت رجلا خبازا أو قصابا أو غيره ولا علامة تدل على كونه ~~مريبا أو خائنا ولا ما يدل على نفيه فهو مجهول ولا يدرى حاله ولا نقول إنه ~~مشكوك فيه لأن الشك عبارة عن اعتقادين متقابلين لهما سببان متقابلان وأكثر ~~الفقهاء لا يدركون الفرق بين ما لا يدرى وبين ما يشك فيه وقد عرفت مما سبق ~~أن الورع ترك ما لا يدرى # قال يوسف بن أسباط منذ ثلاثين سنة ما حاك في قلبي شيء إلا تركته # وتكلم جماعة في أشق الأعمال PageV02P118 فقالوا هو الورع فقال لهم حسان ~~بن أبي سنان ما شيء عندي أسهل من الورع إذا حاك في صدري شيء تركته # فهذا شرط الورع وإنما نذكر الآن حكم الظاهر فنقول حكم هذه الحالة أن ~~المجهول إن قدم إليك طعاما أو حمل إليك هدية أو أردت أن تشتري من دكانه ~~شيئا فلا يلزمك السؤال بل يده وكونه مسلما دلالتان كافيتان في الهجوم على ~~أخذه # وليس لك أن تقول الفساد والظلم غالب على الناس فهذه وسوسة وسوء ظن بهذا ~~المسلم بعينه وإن بعض الظن إثم # وهذا المسلم يستحق بإسلامه عليك أن لا تسيء الظن به فإن أسأت الظن به في ~~عينه لأنك رأيت فسادا من غيره فقد جنيت عليه وأثمت به في الحال نقدا من غير ~~شك ولو أخذت المال لكان كونه حراما مشكوكا فيه # ويدل عليه أنا نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم في غزواتهم وأسفارهم كانوا ~~ينزلون في القرى ولا يردون القرى ويدخلون البلاد ولا يحترزون من الأسواق ~~وكان الحرام أيضا موجودا في زمانهم وما نقل عنهم سؤال إلا عن ريبة إذ كان ~~صلى الله عليه وسلم لا يسأل عن كل ما يحمل إليه بل سأل في أول قدومه إلى ~~المدينة عما يحمل إليه أصدقه أم هدية + حديث سؤاله في أول قدومه إلى ~~المدينة عما يحمل إليه أصدقة أم هدية رواه أحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد ~~من حديث سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أتاه سلمان ~~بطعام فسأله عنه أصدقة أم هدية الحديث تقدم في الباب قبله من حديث أبي ~~هريرة + # لأن قرينة الحال تدل وهو دخول المهاجرين المدينة وهم فقراء فغلب على الظن ~~أن ما يحمل إليهم بطريق الصدقة ثم إسلام المعطى ويده لا يدلان على أنه ليس ~~بصدقة # وكان يدعى إلى الضيافات فيجيب ولا يسأل أصدقة أم لا + حديث كان يدعى إلى ~~الضيافات فيجيب ولا يسأل أصدقة أم لا هذا معروف مشهور من ذلك في الصحيحين ~~من حديث أبي مسعود الأنصاري في صنيع أبي شعيب طعاما لرسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ودعاء خامس خمسة + إذ العادة ما جرت بالتصدق بالضيافة # ولذلك دعته أم سليم + حديث دعته أم سليم : متفق عليه من حديث أنس + # ودعاه الخياط + حديث أنس : أن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فقدم إليه طعاما فيه قرع متفق عليه + # كما في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه وقدم إليه طعاما فيه ~~قرع ودعاه الرجل الفارسي فقال عليه الصلاة والسلام أنا وعائشة فقال : لا ~~فقال : @QB@ فلا @QE@ ثم أجابه بعد فذهب هو وعائشة يتساوقان فقرب إليهما ~~إهالة + حديث دعاه الرجل الفارسي فقال أنا وعائشة الحديث رواه مسلم عن أنس ~~+ # ولم ينقل السؤال في شيء من ذلك وسأل أبو بكر رضي الله عنه عبده عن كسبه ~~لما رابه من أمره وسأل عمر رضي الله عنه الذي سقاه من لبن إبل الصدقة إذ ~~رابه وكان أعجبه طعمه ولم يكن على ما كان يألفه كل مرة # وهذه أسباب الريبة وكل من وجد ضيافة عند رجل مجهول لم يكن عاصيا بإجابته ~~من غير تفتيش بل لو رأى في داره تجملا ومالا كثيرا فليس له أن يقول الحلال ~~عزيز وهذا كثير فمن أين يجتمع هذا من الحلال بلى هذا الشخص بعينه يحتمل أن ~~يكون ورث مالا أو اكتسبه فهو بعينه يستحق إحسان الظن به وأزيد على هذا ~~وأقول : ليس له أن يسأله بل إن كان يتورع فلا يدخل جوفه إلا ما يدرى من أين ~~هو فهو حسن فليتلطف في الترك وإن كان لا بدله من أكله فليأكل بغير سؤال إذ ~~السؤال إيذاء وهتك ستر وإيحاش وهو حرا م بلا شك # فإن قلت لعله لا يتأذى فأقول : لعله يتأذى فإنت تسأل حذرا من لعل فإن ~~قنعت فلعل ماله حلال وليس الإثم المحذور في إيذاء مسلم بأقل من الإثم في ~~أكل الشبهة والحرام والغالب على الناس الاستيحاش بالتفتيش ولا يجوز له أن ~~يسأل من غيره من حيث يدرى هو به لأن الإيذاء في ذلك أكثر وإن سأل من حيث لا ~~يدرى هو ففيه إساءة ظن وهتك ستر وفيه تجسس وفيه تشبث بالغيبة وإن لم يكن ~~ذلك صريحا # وكل ذلك منهي عنه في آية PageV02P119 عليه السلام واحدة قال الله تعالى ~~اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا وكم ~~زاهد جاهل يوحش القلوب في التفتيش ويتكلم الكلام الخشن المؤذى وإنما يحسن ~~الشيطان ذلك عنده طلبا للشهرة بأكل الحلال ولو كان باعثه محض الدين لكان ~~خوفه على قلب مسلم أن يتأذى أشد من خوفه على بطنه أن يدخله ما لا يدرى وهو ~~غير مؤاخذ بما لا يدري إذ لم يكن ثم علامة توجب الاجتناب فليعلم أن طريق ~~الورع الترك دون التجسس وإذا لم يكن بد من الأكل فالورع الأكل وإحسان الظن # هذا هو المألوف من الصحابة رضي الله عنهم ومن زاد عليهم في الورع فهو ضال ~~مبتدع وليس بمتبع فلن يبلغ أحد مد أحدهم ولا نصيفه ولو انفق ما في الأرض ~~جميعا كيف وقد أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام بريرة فقيل : إنه ~~صدقة فقال : هو لها صدقة ولنا هدية + حديث أكله طعام بريرة فقيل إنها صدقة ~~فقال هو لها صدقة ولنا هدية متفق عليه من حديث أنس + # ولم يسأل على المتصدق عليها فكان مجهولا عنده ولم يمتنع # الح الة الثانية أن يكون مشكوكا فيه بسبب دلالة أورثت ريبة فلنذكر صورة ~~ريبة ثم حكمها # أما الخلقة فبأن يكون على خلقة الأتراك والبوادي والمعروفين بالظلم وقطع ~~الطريق وأن يكون طويل الشارب وأن يكون الشعر مفرقا على رأسه على دأب أهل ~~الفساد # وأما الثياب : فالقباء والقلنسوة وزي أهل الظلم والفساد من الأجناد ~~وغيرهم # وأما الفعل والقول : فهو أن يشاهد منه الإقدام على ما لا يحل فإن ذلك يدل ~~على أنه يتساهل أيضا في المال ويأخذ ما لا يحل فهذه مواضع الريبة # فإذا أراد أن يشتري من مثل هذا شيئا ويأخذ منه هدية أو يجيبه إلى ضيافة ~~وهو غريب مجهول عنده لم يظهر له منه الا هذه العلامات فيحتمل أن يقال إن ~~اليد تدل على الملك وهذه الدلالات ضعيفة فالإقدام جائز والترك من الورع # ويحتمل أن يقال إن اليد دلالة ضعيفة وقد قابلها مثل هذه الدلالة فأورثت ~~ريبة فالهجوم غير جائز وهو الذي نختاره ونفتي به لقوله صلى الله عليه وسلم ~~دع ما يريبك إلى ما لا يريبك + حديث دع ما يريبك تقدم في البابين قبله + # فظاهره أمر وإن كان يحتمل الاستحباب لقوله صلى الله عليه وسلم الإثم حزاز ~~القلوب + حديث الإثم حزاز القلوب تقدم في العلم + # وهذا له وقع في القلب لا ينكر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل : أصدقة ~~هو أهدية وسأل أبو بكر رضي الله عنه غلامه # وسأل عمر رضي الله عنه # وكل ذلك كان في موضع الريبة وحمله على الورع وإن كان ممكنا ولكن لا يحمل ~~عليه إلا بقياس حكمى والقياس ليس يشهد بتحليل هذا فإن دلالة اليد والإسلام ~~وقد عارضتها هذه الدلالات أورثت ريبة فإذا تقابلا فالاستحلال لا مستند له # وإنما لا يترك حكم اليد والاستصحاب بشك لا يستند إلى علامة كما إذا وجدنا ~~الماء متغيرا واحتمل أن يكون بطول المكث فإن راينا ظبية بالت فيه ثم احتمل ~~أن التغيير به تركنا الاستصحاب وهذا قريب منه # ولكن بين هذه الدلالات تفاوت فإن طول الشوارب ولبس القباء وهيئة الأجناد ~~يدل على الظلم بالمال # أما القول والفعل المخالفان للشرع إن تعلقا بظلم المال فهو أيضا دليل ~~ظاهر كما لو سمعه يأمر بالغصب والظلم أو يعقد عقد الربا # فأما إذا رآه قد شتم غيره في غضبه أو اتبع نظره امرأة مرت به فهذه ~~الدلالة ضعيفة فكم من إنسان يتحرج في طلب المال ولا يكتسب الا الحلال ومع ~~ذلك فلا يملك نفسه عند هيجان الغضب والشهوة فليتنبه لهذا التفاوت ولا يمكن ~~أن يضبط هذا بحد فليستفت العبد في مثل ذلك قلبه # وأقول إن هذا إن رآه من مجهول فله حكم وإن رآه ممن عرفه بالورع في ~~الطهارة والصلاة وقراءة القرآن فله حكم آخر إذ تعارضت PageV02P120 الدلالات ~~بالإضافة إلى المال وتساقطنا وعاد الرجل كالمجهول إذ ليست إحدى الدلالتين ~~تناسب المال على الخصوص فكم من متحرج في المال لا يتحرج في غيره وكم من ~~محسن للصلاة والوضوء والقراءة ويأكل من حيث يجد فالحكم في هذه المواقع ما ~~يميل إليه القلب فإن هذا أمر بين العبد وبين الله فلا يبعد أن يناط بسبب ~~خفي لا يطلع عليه الا هو ورب الأرباب وهو حكم حزازة القلب # ثم ليتنبه لدقيقة أخرى وهو أن هذه الدلالة ينبغي أن تكون بحيث تدل على أن ~~أكثر ماله حرام بأن يكون جنديا أو عامل سلطان أو نائحة أو مغنية فإن دل على ~~أن في ماله حراما قليلا لم يكن السؤال واجبا بل كان السؤال من الورع # الحالة الثالثة أن تكون الحالة معلومة بنوع خبرة وممارسة بحيث يوجب ذلك ~~ظنا في حل المال أو تحريمه مثل أن يعرف صلاح الرجل وديانته وعدالته في ~~الظاهر وجوز أن يكون الباطن بخلافه فههنا لا يجب السؤال ولا يجوز كما في ~~المجهول فالأولى الإقدام # والإقدام ههنا أبعد عن الشبهة من الإقدام على طعام المجهول فإن ذلك بعيد ~~عن الورع وإن لم يكن حراما # وأما أكل طعام أهل الصلاح فدأب الأنبياء والأولياء قال صلى الله عليه ~~وسلم لا تأكل إلا طعام تقي ولا يأكل طعامك إلا تقي + حديث لا تأكل إلا طعام ~~تقي ولا يأكل طعامك الا تقي تقدم في الزكاة + # فأما إذا علم بالخبرة أنه جندي أو مغن أو مرب واستغنى عن الاستدلال عليه ~~بالهيئة والشكل والثيابفههنا السؤال واجب لا محالة كما في موضع الريبة بل ~~أولى المثار الثاني ما يستند الشك فيه إلى سبب المال لا في حال المالك # وذلك بأن يختلط الحلال بالحرام كما إذا طرح في سوق أحمال من طعام غصب ~~واشتراها أهل السوق فليس يجب على من يشتري في تلك البلدة وذلك السوق أن ~~يسأل عما يشتريه الا أن يظهر أن أكثر ما في أيديهم حرام فعند ذلك يجب ~~السؤال فإن لم يكن هو الأكثر فالتفتيش من الورع وليس بواجب # والسوق الكبير حكمه حكم بلد والدليل على أنه لا يجب السؤال والتفتيش إذا ~~لم يكن الأغلب الحرام أن الصحابة رضي الله عنهم لم يمتنعوا من الشراء من ~~الأسواق وفيها دراهم الربا وغلول الغنيمة وغيرها وكانوا لا يسألون في كل ~~عقد وإنما السؤال نقل عن آحادهم نادرافي بعض الأحوال وهي محال الريبة في حق ~~ذلك الشخص المعين وكذلك كانوا يأخذون الغنائم من الكفار الذين كانوا قد ~~قاتلوا المسلمين وربما أخذوا أموالهم واحتمل ان يكون في تلك الغنائم شيء ~~مما أخذوه من المسلمين وذلك لا يحل أخذه مجانا بالاتفاق بل يرد على صاحبه ~~عند الشافعي رحمه الله وصاحبه أولى به بالثمن عند أبي حنيفة رحمه الله ولم ~~ينقل قط التفتيش عن هذا وكتب عمر رضي الله عنه إلى أذربيجان إنكم في بلاد ~~تذبح فيها الميتة فانظروا ذكيه من ميته أذن في السؤال وأمر به ولم يأمر ~~بالسؤال عن الدراهم التي هي أثمانها لأن أكثر دراهمهم لم تكن أثمان الجلود ~~وإن كانت هي أيضا تباع وأكثر الجلود كان كذلك وكذلك قال ابن مسعود رضي الله ~~عنه إنكم في بلاد أكثر قصابيها المجوس فانظروا الذكي من الميتة فخص بالأكثر ~~الأمر بالسؤال ولا يتضح مقصود هذا الباب إلا بذكر صور وفرض مسائل يكثر ~~وقوعها في العادات فلنفرضها # مسألة شخص معين خالط ماله الحرام مثل أن يباع على دكان طعام مغصوب أو مال ~~منهوب ومثل أن يكون القاضي أو الرئيس أو العامل أو الفقيه الذي له إدرار ~~على سلطان ظالم له أيضا مال موروث ودهقنة أو تجارة أو رجل PageV02P121 تاجر ~~يعامل بمعاملات صحيحة ويربي أيضا فإن كان الأكثر من ماله حراما لا يجوز ~~الأكل من ضيافته ولا قبول هديته ولا صدقته الا بعد التفتيش فإن ظهر أن ~~المأخوذ من وجه حلال فذاك وإلا ترك وإن كان الحرام أقل والمأخوذ مشتبه فهذا ~~في محل النظر لأنه على رتبة بين الرتبتين إذ قضينا بأنه لو اشتبه ذكية بعشر ~~ميتات مثلا وجب اجتناب الكل وهذا يشبهه من وجه من حيث إن مال الرجل الواحد ~~كالمحصور ولا سيما إذا لم يكن كثير المال مثل السلطان ويخالفه من وجه إذ ~~الميتة يعلم وجودها في الحال يقينا والحرام الذي خالط ماله يحتمل أن يكون ~~قد خرج من يده وليس موجودا في الحال وإن كان المال قليلا وعلم قطعا أن ~~الحرام موجود في الحال فهو ومسألة اختلاط الميتة واحد وإن كثر المال واحتمل ~~أن يكون الحرام غير موجود في الحال فهذا أخف من ذلك ويشبه من وجه الاختلاط ~~بغير محصور كما في الأسواق والبلاد ولكنه أغلظ منه لاختصاصه بشخص واحد ولا ~~يشك في أن الهجوم عليه بعيد من الورع جدا ولكن النظر في كونه فسقا مناقض ~~للعدالة وهذا من حيث النقل أيضا غامض لتجاذب الأشياء ومن حيث النقل أيضا ~~غامض لأن ما ينقل فيه عن الصحابة من الامتناع في مثل هذا وكذا عن التابعين ~~يمكن حمله على الورع ولا يصادف فيه نص على التحريم وما ينقل من إقدام على ~~الأكل كأكل أبي هريرة رضي الله عنه طعام معاوية مثلا إن قدر في جملة ما في ~~يده حرام فذلك أيضا يحتمل أن يكون إقدامه بعد التفتيش واستبانة أن عين ما ~~يأكله من وجه مباح فالأفعال في هذا ضعيفة الدلالة ومذاهب العلماء المتأخرين ~~مختلفة حتى قال بعضهم لو أعطاني السلطان شيئا لأخذته وطرد الإباحة فيما إذا ~~كان الأكثر أيضا حراما مهما لم يعرف عين المأخوذ واحتمل أن يكون حلالا ~~واستدل بأخذ بعض السلف جوائز السلاطين كما سيأتي في باب بيان أموال ~~السلاطين فأما إذا كان الحرام هو الأقل واحتمل أن لا يكون موجودا في الحال ~~لم يكن الأكل حراما وإن تحقق وجوده في الحال كما في مسألة اشتباه الذكية ~~بالميتة فهذا مما لا أدري ما أقول فيه وهو من المتشابهات التي يتحير المفتي ~~فيها لأنها مترددة بين مشابهة المحصور وغير المحصور والرضيعة إذا اشتبهت ~~بقرية فيها عشر نسوة وجب الاجتناب وإن كانت ببلدة فيها عشرة آلاف لم يجب ~~وبينهما أعداد ولو سئلت عنها لكنت لا أدري ما أقول فيها ولقد توقف العلماء ~~في مسائل هي أوضح من هذه إذ سئل أحمد بن حنبل رحمه الله عن رجل رمى صيدا ~~فوقع في ملك غيره أيكون الصيد للرامي أو لمالك الأرض فقال لا أدري فروجع ~~فيه مرات فقال لا أدري وكثيرا من ذلك حكيناه عن السلف في كتاب العلم فليقطع ~~المفتي طمعه عن درك الحكم في جميع الصور وقد سأل ابن المبارك صاحبه من ~~البصرة عن معاملته قوما يعاملون السلاطين فقال إن لم يعاملوا سوى السلطان ~~فلا تعاملهم وإن عاملوا السلطان وغيره فعاملهم وهذا يدل على المسامحة في ~~الأقل ويحتمل المسامحة في الأكثر أيضا وبالجملة فلم ينقل عن الصحابة أنهم ~~كانوا يهجرون بالكلية معاملة القصاب والخباز والتاجر لتعاطيه عقدا واحدا ~~فاسدا أو لمعاملة السلطان مرة وتقدير ذلك فيه بعد والمسألة مشكلة في نفسها # فإن قيل فقد روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه رخص فيه وقال خذ ما ~~يعطيك السلطان فإنما يعطيك من الحلال وما يأخذ من الحلال أكثر من الحرام ~~وسئل ابن مسعود رضي الله عنه ذلك فقال له السائل إن لي جارا لا أعلمه إلا ~~خبيثا يدعونا أو نحتاج فنستسلفه فقال إذا دعاك فأجبه وإذا احتجت فاستسلفه ~~فإن لك المهنأ وعليه المأثم وأفتى سلمان بمثل ذلك وقد علل علي الكثرة وعلل ~~ابن مسعود رضي الله عنه بطريق الاشارة بأن عليه المأثم لأنه يعرفه ولك ~~المهنأ أي أنت # لا تعرفه وروى أنه قال رجل لابن مسعود PageV02P122 رضي الله عنه إن لي ~~جارا يأكل الربا فيدعونا إلى طعامه أفنأتيه فقال نعم # وروي في ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه روايات كثيرة مختلفة وأخذ الشافعي ~~ومالك رضي الله عنهما جوائز الخلفاء والسلاطين مع العلم بأنه قد خالط مالهم ~~الحرام قلنا أما ما روي عن علي رضي الله عنه فقد اشتهر من ورعه ما يدل على ~~خلاف ذلك فإنه كان يمتنع من مال بيت المال حتى يبيع سيفه ولا يكون له إلا ~~قميص واحد في وقت واحد في وقت الغسل لا يجد غيره ولست أنكر أن رخصته صريح ~~في الجواز وفعله محتمل للورع ولكنه لو صح فمال السلطان له حكم آخر فإنه ~~بحكم كثرته يكاد يلتحق بما لا يحصر وسيأتي بيان ذلك وكذا فعل الشافعي ومالك ~~رضي الله عنهما متعلق بمال السلطان وسيأتي حكمه وإنما كلامنا في آحاد الخلق ~~وأموالهم قريبة من الحصر وأما قول ابن مسعود رضي الله عنه فقيل إنه إنما ~~نقله خوات التيمي وإنه ضعيف الحفظ والمشهور عنه ما يدل على توفي الشبهات إذ ~~قال لا يقولن أحدكم أخاف وأرجو فإن الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور ~~مشتبهات فدع مايريبك إلى ما لا يريبك وقال اجتنبوا الحكاكات ففيها الإثم ~~فإن قيل فلم قلتم إذا كان الأكثر حراما لم يجز الأخذ مع أن المأخوذ ليس فيه ~~علامة تدل على تحريمه على الخصوص واليد علامة على الملك حتى إن من سرق مال ~~مثل هذا الرجل قطعت يده والكثرة توجب ظنا مرسلا لا يتعلق بالعين فليكن ~~كغالب الظن في طين الشوارع وغالب الظن في الاختلاط بغير محصور إذا كان ~~الأكثر هو الحرام ولايجوز أن يستدل على هذا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم ~~دع مايريبك إلى ما لا يريبك لأنه مخصوص ببعض المواضع بالاتفاق وهو أن يريبه ~~بعلامة في عين الملك بدليل اختلاط القليل بغير المحصور فإن ذلك يوجب ريبة ~~ومع ذلك قطعتم بأنه لا يحرم فالجواب أن اليد دلالة ضعيفة كالاستصحاب وإنما ~~تؤثر إذا سلمت عن معارض قوى # فإذا تحققنا الاختلاط وتحققنا أن الحرام المخالط موجود في الحال والمال ~~غير خال عنه وتحققنا أن الأكثر هو الحرام وذلك في حق شخص معين يقرب ماله من ~~الحصر ظهر وجوب الإعراض عن مقتضى اليد وإن لم يحمل عليه قوله عليه السلام ~~دع مايريبك إلى ما لا يريبك لا يبقى له محمل إذ لا يمكن أن يحمل على اختلاط ~~قليل بحلال غير محصور إذ كان ذلك موجودا في زمانه وكان لا يدعه وعلى أي ~~موضع حمل هذا كان هذا في معناه # وحمله على التنزيه صرف له عن ظاهرة بغير قياس فإن تحريم هذا غير بعيد عن ~~قياس العلامات والاستصحاب وللكثرة تأثير في تحقيق الظن وكذا للحصر وقد ~~اجتمعا حتى قال أبو حنيفة رضي الله عنه لا تجتهد في الأواني إلا إذا كان ~~الطاهر هو الأكثر فاشترط اجتماع الاستصحاب والاجتهاد بالعلامة وقوة الكثرة ~~ومن قال يأخذ أي آنية أراد بلا اجتهاد بناء على مجرد الاستصحاب فيجوز الشرب ~~أيضا فيلزمه التجويز ههنا بمجرد علامة اليد ولا يجرى ذلك في بول اشتبه بماء ~~إذ لا استصحاب فيه ولا نطرده أيضا في ميتة اشتبهت بذكية إذ لا استصحاب في ~~الميتة واليد لا تدل على أنه غير ميتة وتدل في الطعام المباح على أنه ملك ~~فههنا أربع متعلقات استصحاب وقلة في المخلوط أو كثرة وانحصار أو اتساع في ~~المخلوط وعلامة خاصة في عين الشيء يتعلق بها الاجتهاد فمن يغفل عن مجموع ~~الأربعة ربما يغلط فيشبه بعض المسائل بما لايشبهه فحصل مما ذكرناه أن ~~المختلط في ملك شخص واحد إما أن يكون الحرام أكثره أو أقلة وكل واحد إما أن ~~يعلم بيقين أو بظن عن علامة أو توهم فالسؤال يجب في موضعين وهو أن يكون ~~الحرام أكثر يقينا أو ظنا كما لو رأى تركيا مجهولا يحتمل أن يكون كل ماله ~~من غنيمة وإن كان الأقل معلوما باليقين فهو محل التوقف وتكاد تسير سير أكثر ~~السلف وضرورة الأحوال إلى الميل إلى الرخصة وأما الأقسام الثلاثة الباقية ~~PageV02P123 فالسؤال واجب فيها أصلا مسألة إذا حضر طعام إنسان علم أنه دخل ~~في يده حرام من إدرار كان قد أخذه أو وجه آخر ولا يدرى أنه بقي إلى الآن أم ~~لا قله الأكل ولايلزمه التفتيش وإنما التفتيش فيه من الورع ولو علم أنه قد ~~بقى منه شيء ولكن لم يدر أنه الأ قل أو الأكثر فله أن يأخذ بأنه الأقل وقد ~~سبق أن أمر الأقل مشكل وهذا يقرب منه مسألة إذا كان يد المتولى للخيرات أو ~~الأوقاف أو الوصايا مالان يستحق هو أحدهما ولا يستحق الثاني لأنه غير موصوف ~~بتلك الصفة فهل له أن يأخذ ما يسلمه إليه صاحب الوقف نظرفإن كانت تلك الصفة ~~ظاهرة يعرفها المتولي وكان المتولى ظاهر العدالة فله أن يأخذ بغير بحث لأن ~~الظن بالمتولى أنه لا يصرف إليه ما يصرفه إلا من المال الذي يستحقه وإن ~~كانت الصفة خفية وإن كان المتولي ممن عرف حاله أنه يخلط ولا يبالي كيف يفعل ~~فعليه السؤال إذ ليس ههنا يد ولا استصحاب يعول عليه وهو وزان سؤال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم عن الصدقة والهدية عند تردده فيهما لأن اليد لا ~~تخصص الهدية عن الصدقة ولا الاستصحاب فلا ينجي منه إلا السؤال فإن السؤال ~~حيث أسقطناه في المجهول أسقطناه بعلامة اليد والإسلام حتى لو لم يعلم أنه ~~مسلم وأراد أن يأخذ من يده لحما من ذبيحته واحتمل أن يكون مجوسيا لم يجر له ~~ما لم يعرف أنه مسلم إذ اليد لا تدل في الميتة ولا الصورة تدل على الإسلام ~~إلا إذا كان أكثر أهل البلدة مسلمين فيجوز أن يظن بالذي ليس عليه علامة ~~الكفر أنه مسلم وإن كان الخطأ ممكنا فيه فلا ينبغي أن تلتبس المواضع التي ~~تشهد فيها اليد والحال بالتي لا تشهد # مسألة له أن يشتري في البلد دارا وإن علم أنها تشتمل على دور مغصوبة لأن ~~ذلك الاختلاط بغير محصور ولكن السؤال احتياط وورع وإن كان في سكة عشر دور ~~مثلا إحداها مغصوب أو وقف لم يجز الشراء ما لم يتميز ويجب البحث عنه ومن ~~دخل بلدة وفيها رباطات خصص بوقفها أرباب المذاهب وهو على مذهب واحد من جملة ~~تلك المذاهب فليس له أن يسكن أيها شاء ويأكل من وقفها بغير سؤال لأن ذلك من ~~باب اختلاط المحصور فلا بد من التمييز ولا يجوز الهجوم مع الابهام لأن ~~الرباطات والمدارس في البلد لابد أن تكون محصورة # مسألة حيث جعلنا السؤال من الورع فليس له أن يسأل صاحب الطعام والمال إذا ~~لم يأمن غضبه وإنما أوجبنا السؤال إذا تحقق أن أكثر ماله حرام وعند ذلك لا ~~يبالي بغضب مثله إذ يجب إيذاء الظالم باكثر من ذلك والغالب أن مثل هذا لا ~~يغضب من السؤال نعم إن كان يأخذ من يد وكيله أو غلامه أو تلميذه أو بعض ~~أهله ممن هو تحت رعايته فله أن يسأل مهما استراب لأنهم لا يغضبون من سؤاله ~~ولأن عليه أن يسأل ليعلمهم طريق الحلال ولذلك سأل أبو بكر رضي الله عنه ~~غلامه وسأل عمر من سقاه من إبل الصدقة وسأل أبا هريرة رضي الله عنه أيضا ~~لما أن قدم عليه بمال كثير فقال ويحك أكل هذا طيب من حيث إنه تعجب من كثرته ~~وكان هو من رعيته لا سيما وقد رفق في صيغة السؤال وكذك قال علي رضي الله ~~عنه ليس شيء أحب إلى الله تعالى من عدل إمام ورفقه ولا شيء أبغض إليه من ~~جوره وخرقه # مسألة قال الحارث المحاسبي رحمه الله لو كان له صديق أو أخ وهو يأمن غضبه ~~لو سأله فلا ينبغي أن يسأله لأجل الورع لأنه ربما يبدو له ما كان مستورا ~~عنه فيكون قد حمله على هتك الستر ثم يؤدي ذلك إلى البغضاء وما ذكره حسن لأن ~~السؤال إذا كان من الورع لا من الوجوب فالورع في مثل هذه الأمور الاحتراز ~~عن هتك الستر وإثارة البغضاء أهم وزاد على هذا فقال وإن رابه منه شيء أيضا ~~لم يسأله ويظن به أنه يطعمه من الطيب PageV02P124 ويجنبه الخبيث فإن كان لا ~~يطمئن قلبه إليه فيحترز متلطفا ولا يهتك ستره بالسؤال قال لأني لم أر أحدا ~~من العلماء فعله فهذا منه مع ما اشتهر به من الزهد يدل على مسامحة فيما إذا ~~خالط المال الحرام القليل ولكن ذلك عند التوهم لا عند التحقيق لأن لفظ ~~الريبة يدل على التوهم بدلالة تدل عليه ولا يوجب اليقين فليراع هذه الدقائق ~~بالسؤال # مسالة ربما يقول القائل أي فائدة في السؤال ممن بعض ماله حرام ومن يستحل ~~المال الحرام ربما يكذب فإن وثق بأمانته فليثق بديانته في الحلال فأقول ~~مهما علم مخالطة الحرام لمال إنسان وكان له غرض في حضورك ضيافته أو قبولك ~~هديته فلا تحصل الثقة بقوله فلا فائدة للسؤال منه فينبغي أن يسأل من غيره ~~وكذا إن كان بياعا وهو يرغب في البيع لطلب الربح فلا تحصل الثقة بقوله إنه ~~حلال ولا فائدة في السؤال منه وإنما يسأل من غيره وإنما يسأل من صاحب اليد ~~إذا لم يكن متهما كما يسأل المتولى على المال الذي يسلمه أنه من أي جهة ~~وكما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهدية والصدقة فإن ذلك لا يؤذى ~~ولا يتهم القائل فيه وكذلك إذا اتهمه بأنه ليس يدرى طريق كسب الحلال فلا ~~يتهم في قوله إذا أخبر عن طريق صحيح وكذلك يسأل عبده وخادمه ليعرف طريق ~~اكتسابه فههنا يفيد السؤال فإذا كان صاحب المال متهما فليسأل من غيره فإذا ~~أخبره عدل واحد قبله وإن أخبره فاسق يعلم من قرينه حاله أنه لا يكذب حيث لا ~~غرض له فيه جاز قبوله لأن هذا أمر بينه وبين الله تعالى والمطلوب ثقة النفس ~~وقد يحصل من الثقة بقول الفاسق ما لا يحصل بقول عدل في بعض الأحوال وليس كل ~~من فسق يكذب ولا كل من ترى العدالة في ظاهره يصدق وإنما نيطت الشهادة ~~بالعدالة الظاهرة لضرورة الحكم فإن البواطن لا يطلع عليها وقد قبل أبو ~~حنيفة رحمه الله شهادة الفاسق وكم من شخص تعرفه وتعرف أنه قد يقتحم المعاصي ~~ثم إذا أخبرك بشيء وثقت به وكذلك إذا اخبر به صبي مميز ممن عرفته بالتثبت ~~فقد تحصل الثقة بقوله فيحل الاعتماد عليه فأما إذا أخبر به مجهول لا يدري ~~من حاله شيء أصلا فهذا ممن جوزنا الأكل من يده لأن يده دلالة ظاهرة على ~~ملكه # وربما يقال إسلامه دلالة ظاهرة على صدقة وهذا فيه نظر ولا يخلو قوله عن ~~أثر ما في النفس حتى لو اجتمع منهم جماعة تفيد ظنا قويا إلا أن أثر الواحد ~~فيه في غاية الضعف فلينظر إلى حد تأثيره في القلب فإن المفتي هو القلب في ~~مثل هذا الموضع وللقلب التفاتات إلى قرائن خفية يضيق عنها نطاق النطق ~~فليتأمل فيه ويدل على وجوب الالتفات إليه ما روى عن عقبة بن الحارث أنه جاء ~~إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني تزوجت امرأة فجاءت أمة سوداء ~~فزعمت أنها قد ارضعتنا وهي كاذبة فقال دعها فقال إنها سوداء يصغر من شأنها ~~فقال عليه السلام فكيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما لا خير لك فيها دعها عنك ~~+ حديث عقبة إني تزوجت امرأة فجائتنا أمة سوداء فزعمت أنها قد أرضعتنا وهي ~~كاذبة رواه البخاري من حديث عقبة ابن الحارث + # وفي لفظ آخر كيف وقد قيل ومهما لم يعلم كذب المجهول ولم تظهر أمارة غرض ~~له فيه كان له وقع في القلب لا محالة فلذلك يتأكد الأمر بالاحتراز فإن ~~اطمأن إليه القلب كان الاحتراز حتما واجبا # مسألة حيث يجب السؤال فلو تعارض قول عدلين تساقطا وكذا قول فاسقين ويجوز ~~أن يترجح في قلبه قول أحد العدلين أو أحد الفاسقين ويجوز أن يرجح أحد ~~الجانبين بالكثرة أو بالاختصاص بالخبرة والمعرفة وذلك مما يتشعب تصويره # مسالة لو نهب متاع مخصوص فصادف من ذلك النوع متاعا في يد إنسان وأراد أن ~~يشتريه واحتمل أن لا يكون PageV02P125 من المغصوب فإن كان ذلك الشخص ممن ~~عرفه بالصلاح جاز الشراء وكان تركه من الورع وإن كان الرجل مجهولا لا يعرف ~~منه شيئا فإن كان يكثر نوع ذلك المتاع من غير المغصوب فله أن يشتري وإن كان ~~لا يوجد ذلك المتاع في تلك البقعة الا نادرا وإنما كثر بسبب الغصب فليس بدل ~~على الحل الا اليد وقد عارضته علامة خاصة من شكل المتاع ونوعه فالامتناع عن ~~شرائه من الورع المهم ولكن الوجوب فيه نظر فإن العلامة متعارضة ولست أقدر ~~على أن أحكم فيه بحكم إلا أردة إلى قلب المستفتي لينظر ما الأقوى في نفسه ~~فإن كان الأقوى أنه مغصوب لزمه تركه وإلا حل له شراؤه وأكثر هذه الوقائع ~~يلتبس الأمر فيها فهي من المتشابهات التي لا يعرفها كثير الناس فمن توقاها ~~فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن اقتحمها فقد حام حول الحمى وخاطر بنفسه # مسألة لو قال قائل قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبن قدم إليه ~~فذكر أنه من شاة فسأل عن الشاة من أين هي فذكر له فسكت عن السؤال + حديث ~~سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبن قدم إليه الحديث تقدم في الباب ~~الخامس من آداب الكسب والمعاش + فيجب السؤال عن أصل المال أم لا وإن وجب ~~فعن أصل واحد أو اثنين أو ثلاثة وما الضبط فيه فأقول لا ضبط فيه ولا تقدير ~~بل ينظر إلى الريبة المقتضية للسؤال إما وجوبا أو ورعا ولا غاية للسؤال الا ~~حيث تنقطع الريبة المقتضية له وذلك يختلف باختلاف الأحوال فإن كانت التهمة ~~من حيث لا يدري صاحب اليد كيف طريق الكسب الحلال فإن قال اشتريت انقطع ~~بسؤال واحد وإن قال من شاتي وقع الشك في الشاة فإذا قال اشتريت انقطع وإن ~~كانت الريبة من الظلم وذلك مما في أيدي العرب ويتوالد في أيديهم المغصوب ~~فلا تنقطع الريبة بقوله إنه من شاتي ولا بقوله إن الشاة ولدتها شاتي فإن ~~أسنده إلى الوراثة من أبيه وحالة أبيه مجهولة انقطع السؤال وإن كان يعلم أن ~~جميع مال أبيه حرام فقد ظهر التحريم وإن كان يعلم أن أكثره حرام فبكثرة ~~التوالد وطول الزمان وتطرق الإرث إليه لا يغير حكمه فلينظر في هذه المعاني # مسألة سئلت عن جماعة من سكان خانقاه الصوفية وفي يد خادمهم الذي يقدم ~~إليهم الطعام وقف على ذلك المسكن ووقف آخر على جهة أخرى غير هؤلاء وهو يخلط ~~الكل وينفق على هؤلاء وهؤلاء فأكل طعامه حلال أو حرام أو شبهة فقلت إن هذا ~~يلتفت إلى سبعة أصول # الأصل الأول أن الطعام الذي يقدم إليهم في الغالب يشتريه بالمعاطاة والذي ~~اخترناه صحة المعاطاة لا سيما في الأطعمة والمستحقرات فليس في هذا إلا شبهة ~~الخلاف # الأصل الثاني أن ينظر أن الخادم هل يشتريه بعين المال الحرام أو في الذمة ~~فإن اشتراه بعين المال الحرام فهو حرام وإن لم يعرف فالغالب أنه يشتري في ~~الذمة ويجوز الأخذ بالغالب ولا ينشأ من هذا تحريم بل شبهة احتمال بعيد وهو ~~شراؤه بعين مال حرام # الأصل الثالث أنه من أين يشتريه فإن اشترى ممن أكثر ماله حرام لم يجز وإن ~~كان اقل ماله ففيه نظر قد سبق وإذا لم يعرف جاز له الأخذ بأنه يشتريه ممن ~~ماله حلال أو ممن لا يدري المشتري حاله بيقين كالمجهول وقد سبق جواز الشراء ~~من المجهول لأن ذلك هو الغالب فلا ينشأ من هذا تحريم بل شبهة احتمال # الأصل الرابع أن يشتريه لنفسه أو للقوم فإن المتولي والخادم كالنائب وله ~~أن يشتري له ولنفسه ولكن يكون ذلك بالنية أو صريح اللفظ وإذا كان الشراء ~~يجري بالمعاطاة فلا يجري اللفظ والغالب أنه لا ينوي عند المعاطاة والقصاب ~~والخباز ومن يعامله يعول عليه ويقصد البيع منه لا ممن لا يحضرون فيقع عن ~~جبهته ويدخل في ملكه وهذا الأصل ليس فيه تحريم ولا شبهة ولكن يثبت أنهم ~~يأكلون من ملك الخادم PageV02P126 # الأصل الخامس أن الخادم يقدم الطعام إليهم فلا يمكن أن يجعل ضيافة وهدية ~~بغير عوض فإنه لا يرضى بذلك وإنما يقدم اعتمادا على عوضه من الوقف فهو ~~معاوضة ولكن ليس ببيع ولا إقراض لأنه لو انتهض لمطالبتهم بالثمن استبعد ذلك ~~وقرينة الحال لا تدل عليه فأشبه أصل ينزل عليه هذه الحالة الهبة بشرط ~~الثواب أعني هدية لا لفظ فيها من شخص تقتضي قرينة حاله أنه يطمع في ثواب ~~وذلك صحيح والثواب لازم وههنا ما طمع الخادم في أن يأخذ ثوابا فيما قدمه ~~إلا حقهم من الوقف ليقضي به دينه من الخباز والقصاب والبقال فهذا ليس فيه ~~شبهة إذ لا يشترط لفظ في الهدية ولا في تقديم الطعام وإن كان مع انتظار ~~الثواب ولا مبالاة بقول من لا يصحح هدية في انتظار ثواب # الأصل السادس أن الثواب الذي يلزم فيه خلاف فقيل إنه أقل متمول وقيل قدر ~~القيمة وقيل ما يرضى به الواهب حتى له أن لا يرضى بأضعاف القيمة والصحيح ~~أنه يتبع رضاه فإذا لم يرض يرد عليه وههنا الخادم قد رضي بما يأخذ من حق ~~السكان على الوقف فإن كان لهم من الحق بقدر ما أكلوه فقد تم الأمر وإن كان ~~ناقصا ورضي به الخادم صح أيضا وإن علم أن الخادم لا يرضى لولا أن في يده ~~الوقف الآخر الذي يأخذه بقوة هؤلاء السكان فكأنه رضي في الثواب بمقدار بعضه ~~حلال وبعضه حرام والحرام لم يدخل في أيدي السكان فهذا كالخلل المتطرق إلى ~~الثمن وقد ذكرنا حكمه من قبل وأنه متى يقتضي التحريم ومتى يقتضي الشبهة ~~وهذا لا يقتضي تحريما على ما فصلناه فلا تنقلب الهدية حراما يتوصل المهدي ~~بسبب الهدية إلى حرام # الأصل السابع أنه يقضي دين الخباز والقصاب والبقال من ريع الواقفين فإن ~~وفى ما أخذ من حقهم بقيمة ما أطعمهم فقد صح الأمر وإن قصر عنه فرضي القصاب ~~والخباز بأي ثمن كان حراما أو حلالا فهذا خلل تطرق إلى ثمن الطعام أيضا ~~فليلتفت إلى ما قدمنا من الشراء في الذمة ثم قضاء الثمن من الحرام هذا إذا ~~علم أنه قضاه من حرام فإن احتمل ذلك واحتمل غيره فالشبهة أبعدوقد خرج من ~~هذا أن أكل هذا ليس بحرام ولكنه أكل شبهة وهو بعيد من الورع لأن هذه الأصول ~~إذا كثرت وتطرق إلى كل واحد احتمال صار احتمال الحرام بكثرته أقوى في النفس ~~كما أن الخبر إذا طال إسناده صار احتمال الكذب والغلط فيه أقوى مما إذا قرب ~~إسناده فهذا حكم هذه الواقعة وهي من الفتاوى وإنما أوردناها ليعرف كيفية ~~تخريج الوقائع الملتفة الملتبسة وأنها كيف ترد إلى الأصول فإن ذلك مما يعجز ~~عنه أكثر المفتين # | الباب الرابع في كيفة خروج التائب عن المظالم المالية # اعلم أن من تاب وفي يده مختلط فعليه وظيفة في تمييز الحرام وإخراجه ~~ووظيفة أخرى في مصرف المخرج فلينظر فيهما النظر الأول في كيفية التمييز ~~والإخراج أعلم أن كل من تاب وفي يده ما هو حرام معلوم العين من غصب أو ~~وديعة أو غيره فأمره سهل فعليه تمييز الحرام وإن كان ملتبسا مختلطا فلا ~~يخلو إما أن يكون في مال هو من ذوات الأمثال كالحبوب والنقود والأدهان وإما ~~أن يكون في أعيان متمايزة كالعبيد والدور والثياب # فإن كان في المتماثلات أو كان شائعا في كله كمن اكتسب المال بتجارة يعلم ~~أنه قد كذب في بعضها في المرابحة وصدق في بعضها أو من غصب دهنا وخلطه بدهن ~~نفسه أو فعل ذلك في الحبوب أوالدراهم والدنانير فلا يخلو ذلك إما أن يكون ~~معلوم القدر أو مجهولا فإن كان معلوم القدر PageV02P127 مثل أن يعلم أن قدر ~~النصف من جملة ماله حرام فعليه تمييز النصف وإن شكل فله طريقان أحدهما ~~الأخذ باليقين والآخر الأخذ بغالب الظن وكلاهما قد قال به العلماء في ~~اشتباه ركعات الصلاة ونحن لا نجوز في الصلاة إلا الأخذ باليقين فإن الأصل ~~اشتغال الذمة فيستصحب ولا يغير إلا بعلامة قوية وليس في أعداد الركعات ~~علامات يوثق بها وأما ههنا فلا يمكن أن يقال الأصل أن ما في يده حرام بل هو ~~مشكل فيجوز له الأخذ بغالب الظن اجتهادا ولكن الورع في الأخذ باليقين فإن ~~أراد الورع فطريق التحري والإجتهاد أن لا يستبقي إلا القدر الذي يتيقن أنه ~~حلال وإن أراد الأخذ بالظن فطريقة مثلا أن يكون في يده مال تجارة فسد بعضها ~~فيتيقن أن النصف حلال وأن الثلث مثلا حرام ويبقى سدس يشك فيه فيحكم فيه ~~بغالب الظن وهكذا طريق التحري في كل مال وهو أن يقتطع القدر المتيقن من ~~الجانبين في الحل والحرمة والقدر المتردد فيه إن غلب على ظنه التحريم أخرجه ~~وإن غلب الحل جاز له الإمساك والورع إخراجه وإن شك فيه جاز الإمساك والورع ~~إخراجه وهذا الورع آكد لأنه صار مشكوكا فيه وجاز إمساكه اعتمادا على أنه في ~~يده فيكون الحل أغلب عليه وقد صار ضعيفا بعد يقين اختلاط الحرام ويحتمل أن ~~يقال الأصل التحريم ولا يأخذ إلا ما يغلب على ظنه أنه حلال وليس أحد ~~الجانبين بأولى من الآخر وليس يتبين لي في الحال ترجيح وهو من المشكلات # فإن قيل هب أنه أخذ باليقين لكن الذي يخرجه ليس يدري أنه عين الحرام فلعل ~~الحرام ما بقي في يده فكيف يقدم عليه ولو جاز هذا لجاز أن يقال إذا اختلطت ~~ميتة بتسع مذكاة فهي العشر فله أن يطرح واحدة أي واحدة كانت ويأخذ الباقي ~~ويستحله ولكن يقال لعل الميتة فيما استبقاه بل لو طرح التسع واستبقى واحدة ~~لم تحل لاحتمال أنها الحرام فنقول هذه الموازنة كانت تصح لولا أن المال يحل ~~بإخراج البدل لتطرق المعاوضة إليه وأما الميتة فلا تتطرق المعاوضة إليها ~~فليكشف الغطاء عن هذا الإشكال بالفرض في درهم معين اشتبه بدرهم آخر فيمن له ~~درهمان أحدهما حرام قد اشتبه عينه وقد سئل أحمد بن حنبل رضي الله عنه عن ~~مثل هذا فقال يدع الكل حتى يتبين وكان قد رهن آنية فلما قضى الدين حمل إليه ~~المرتهن آنيتين وقال لا أدري أيتهما آنيتك فتركهما فقال المرتهن هذا الذي ~~هو لك وإنما كنت اختبرك فقضى دينه ولم يأخذ الرهن وهذا ورع ولكنا نقول إنه ~~غير واجب فلنفرض المسألة في درهم له مالك معين حاضر فنقول إذا رد أحد ~~الدرهمين عليه ورضي به مع العلم بحقيقة الحال حل له الدرهم الآخر لأنه لا ~~يخلو إما أن يكون المردود في علم الله هو المأخوذ فقد حصل المقصود وإن كان ~~غير ذلك فقد حصل لكل واحد درهم في يد صاحبه فالاحتياط أن يتبايعا باللفظ ~~فإن لم يفعلا وقع التقاص والتبادل بمجرد المعاطاة وإن كان المغصوب منه قد ~~فات له درهم في يد الغاصب وعسر الوصول إلى عينه واستحق ضمانه فلما أخذه وقع ~~عن الضمان بمجرد القبض وهذا في جانبه واضح فإن المضمون له يملك الضمان ~~بمجرد القبض من غير لفظ والإشكال في الجانب الآخر أنه لم يدخل في ملكه ~~فنقول لأنه أيضا إن كان قد تسلم درهم نفسه فقد فات له أيضا درهم في يد ~~الآخر فليس يمكن الوصول إليه فهو كالغائب فيقع هذا بدلا عنه في علم الله إن ~~كان الأمر كذلك ويقع هذا التبادل في علم الله كما يقع التقاص لو أتلف رجلان ~~كل واحد منهما درهما على صاحبه بل في عين مسألتنا لو ألقى كل واحد ما في ~~يده في البحر أو أحرقه كان قد اتلفه ولم يكن عليه عهدة للآخر بطريق التاقص ~~فكذا إذا لم يتلف فإن القول بهذا أولى من المصير إلى أن من يأخذ درهما ~~حراما ويطرحه في ألف ألف درهم لرجل آخر يصير كل المال محجورا عليه لا يجوز ~~التصرف PageV02P128 فيه وهذا المذهب يؤدي إليه فانظر ما في هذا من البعد ~~وليس فيما ذكرناه الا ترك اللفظ والمعاطاة بيع ومن لا يجعلها بيعا فحيث ~~يتطرق إليها احتمال إذ الفعل يضعف دلالته وحيث يمكن التلفظ وههنا هذا ~~التسليم والتسلم للمبادلة قطعا والبيع غير ممكن لأن المبيع غير مشار إليه ~~ولا معلوم في عينه وقد يكون مما لا يقبل البيع كما لو خلط رطل دقيق بألف ~~رطل دقيق لغيره وكذا الدبس والرطب وكل ما لا يباع البعض منه بالبعض # فإن قيل فأنتم جوزتم تسليم قدر حقه في مثل هذه الصورة وجعلتموه بيعا قلنا ~~لا نجعله بيعا بل نقول هو بدل عما فات في يده فيملكه كما يملك المتلف عليه ~~من الرطب إذا أخذ مثله هذا إذا ساعده صاحب المال فإن لم يساعده وأضر به ~~وقال لا آخذ درهما أصلا الا عين ملكي فإن استهم فأتركه ولا أهبة وأعطل عليك ~~مالك # فأقول على القاضي أن ينوب عنه في القبض حتى يطيب للرجل ماله فإن هذا محض ~~التعنت والتضييق والشرع لم يرد به فإن عجز عن القاضي ولم يجده فليحكم رجلا ~~متدينا ليقبض عنه فإن عجز فيتولى هو بنفسه ويفرد على نية الصرف إليه درهما ~~ويتعين ذلك له ويطيب له الباقي وهذا في خلط المائعات أظهر وألزم # فإن قيل فينبغي أن يحل له الأخذ وينتقل الحق إلى ذمته فأي حاجة إلى ~~الإخراج اولا ثم التصرف في الباقي قلنا قال قائلون يحل له أن يأخذ ما دام ~~يبقى قدر الحرام ولا يجوز أن يأخذ الكل ولو أخذ لم يجز له ذلك وقال آخرون ~~ليس له أن يأخذ ما لم يخرج قدر الحرام بالتوبة وقصد الإبدال وقال آخرون ~~يجوز للآخذ في التصرف أن يأخذ منه وأما هو فلا يعطي فإن أعطى عصى هو دون ~~الآخذ منه وما جوز أحد أخذ الكل وذلك لأن المالك لو ظهر فله أن يأخذ حقه من ~~هذه الجملة إذ يقول لعل المصروف إلي يقع عين حقي وبالتعيين وإخراج حق الغير ~~وتمييزه يندفع هذا الاحتمال فهذا المال يترجح بهذا الاحتمال على غيره وما ~~هو أقرب إلى الحق مقدم كما يقدم المثل على القيمة والعين على المثل فكذلك ~~ما يحتمل فيه رجوع المثل مقدم على ما يحتمل فيه رجوع القيمة وما يحتمل فيه ~~رجوع العين يقدم على ما يحتمل فيه رجوع المثل ولو جاز لهذا أن يقول ذلك ~~لجاز لصاحب الدرهم الآخر أن يأخذ الدرهمين ويتصرف فيهما ويقول على قضاء حقك ~~من موضع آخر إذ الاختلاط من الجانبين وليس ملك أحدهما بأن يقدر فائتا بأولى ~~من الآخر الا أن ينظر إلى الأقل فيقدر أنه فائت فيه أو ينظر إلى الذي خلط ~~فيجعل بفعله متلفا لحق غيره وكلاهما بعيدان جدا وهذا واضح في ذوات الأمثال ~~فإنها تقع عوضا في الإتلافات من غير عقد فأما إذا اشتبه دار بدور أو عبد ~~بعبيد فلا سبيل إلى المصالحة والتراضي فإن ابى أن يأخذ الا عين حقه ولم ~~يقدر عليه وأراد الآخر أن يعوق عليه جميع ملكه فإن كانت متماثلة القيم ~~فالطريق أن يبيع القاضي جميع الدور ويوزع عليهم الثمن بقدر النسبة وإن كانت ~~متفاوتة أخذ من طالب البيع قيمة أنفس الدور وصرف إلى الممتنع منه مقدار ~~قيمة الأقل ويوقف قدر التفاوت إلى البيان أو الإصلاح لأنه مشكل وإن لم يوجد ~~القاضي فللذي يريد الخلاص وفي يده الكل أن يتولى ذلك بنفسه هذه هي المصلحة ~~وما عداها من الاحتمالات ضعيفة لا نختارها وفيما سبق تنبيه على العلة وهذا ~~في الحنطة ظاهر وفي النقود دونه وفي العروض أغمض إذ لا يقع البعض بدلا عن ~~البعض فذلك احتيج إلى البيع ولترسم مسائل يتم بها البيان هذا الأصل # مسألة إذا ورث مع جماعة وكان السلطان قد غصب ضيعة لمورثهم فرد عليه قطعة ~~معينة فهي لجميع الورثة ولو رد من الضيعة نصفا وهو قدر حقه ساهمه الورثة ~~فإن النصف الذي له لا يتميز حتى يقال هو المردود والباقي هو المغصوب ولا ~~يصير مميزا بنية السلطان وقصده حصر الغصب في نصيب الآخرين PageV02P129 # مسألة # إذا وقع في يده مال أخذه من سلطان ظالم ثم تاب و المال عقار و كان قد حصل ~~منه انتفاع فينبغي أن يحسب أجر مثله لطول تلك المدة و كذلك كل مغصوب له ~~منفعة أو حصل منه زيادة فلا تصح توبته مالم يخرج أجرة المغصوب وكذلك كل ~~زيادة حصلت منه وتقدير أجرة العبيد و الثياب والأواني وأمثال ذلك مما لا ~~يعتاد إجارتها مما يعسر ولا يدرك ذلك إلا باجتهاد وتخمين وهكذا كل ~~التقويمات تقع بالاجتهاد و طريق الورع الأخذ بالأقصى وما ربحه على المال ~~المغصوب في عقود عقدها على الذمة و قضى الثمن منه فهو ملك له ولكن فيه شبهة ~~إذ كان ثمنه حراما كما سبق حكمه وان كان بأعيان تلك الأموال فالعقود كانت ~~فاسدة وقد قيل تنفذ بإجازة المغصوب منه للمصلحة فيكون المغصوب منه أولى به ~~والقياس أن تلك العقود تفسخ وتسترد الثمن و ترد الأعواض فإن عجز عنه لكثرته ~~فهي أموال حرام حصلت في يده فللمغصوب منه قدر رأس ماله و الفضل حرام يجب ~~إخراجه لتتصدق به ولا يحل للغاصب ولا للمغصوب منه بل حكمة حكم كل حرام يقع ~~في يده # مسألة من ورث مالا ولم يدر أن مورثه من أين اكتسبه أمن حلال أم من حرام ~~ولم يكن ثم علامة فهو حلال باتفاق العلماء وان علم أن فيه حراما وشك في ~~قدره أخرج مقدار الحرام بالتحرى فإن لم يعلم ذلك ولكن علم أن مورثه كان ~~يتولى أعمالا للسلاطين واحتمل انه لم يكن ] خذ في عمله شيئا أو كان قد أخذ ~~ولم يبق في يده منه شيء لطول المدة فهذه شبهة يحسن التورع عنها ولا يجب وان ~~علم أن بعض ماله كان من الظلم فيلزمه إخراج ذلك القدر بالاجتهاد و قال بعض ~~العلماء لا يلزمه و الإثم على المورث واستدل بما روى أن رجلا ممن ولى عمل ~~السلطان مات فقال صحابي الآن طاب ماله أي لوارثه وهذا ضعيف لأنه لم يذكر ~~اسم الصحابي ولعله صدر من متساهل فقد كان في الصحابة من يتساهل و لكن لا ~~نذكره لحرمة الصحبة و كيف يكون موت الرجل مبيحا للحرام المتيقن المختلط ومن ~~أين يؤخذ هذا نعم إذا لم يتيقن يجوز أن يقال هو غير مأخوذ بما لا يدري ~~فيطيب لوارث لا يدرى أن فيه حراما يقينا النظر الثاني في المصرف # فإذا أخرج الحرام فله ثلاثة أحوال # إما أن يكون له مالك معين فيجب الصرف إليه أو إلى وارثه وان كان غائبا ~~فينتظر حضوره أو الإيصال إليه وإن كانت له زيادة و منفعة فلتجمع فوائده إلى ~~وقت حضوره # وإما أن يكون لمالك غير معين وقع اليأس من الوقوف على عيبه ولا يدري أنه ~~مات عن وارث أم لا فهذا لا يمكن الرد فيه للمالك ويوقف حتى يتضح الأمر فيه ~~وربما لا يمكن الرد لكثرة الملاك كغلول الغنيمة فإنها بعد تفرق الغزاة كيف ~~يقدر على جمعهم وان قدر فكيف يفرق دينارا واحد مثلا على ألف أو ألفين فهذا ~~ينبغي أن يتصدق به # وإما من مال الفئ و الأموال المرصدة لمصالح المسلمين كافة فيصرف ذلك إلى ~~القناطر و المساجد والرباطات ومصانع طريق مكة و أمثال هذه الأمور التي ~~يشترك في الانتفاع بها كل من يمر بها من المسلمين ليكون عاما للمسلمين وحكم ~~القسم الأول لا شبهة فيه أما التصدق وبناء القناطر فينبغي أن يتولاه القاضي ~~فيسلم إليه المال إن وجد قاضيا متدينا وان كان القاضى مستحلا فهو بالتسليم ~~إليه ضامن لو ابتدأ به فيما لا يضمنه فكيف يسقط عنه به ضمان قد استقر عليه ~~بل يحكم من أهل البلد عالما متدينا فإن التحكيم أولى من الانفراد فإن عجز ~~فليتول PageV02P130 ذلك بنفسه فإن المقصود الصرف # وأما عين الصارف فإنما نطلبه لمصارف دقيقة في المصالح فلا يترك اصل الصرف ~~بسبب العجز عن صارف هو أولى عند القدرة عليه # فإن قيل ما دليل جواز التصدق بما هو حرام وكيف يتصدق بما لا يملك وقد ذهب ~~جماعة إلى أن ذلك غير جائز لانه حرام وحكى عن الفضيل انه وقع في يده درهمان ~~فلما علم أنهما من غير وجههما رماهما بين الحجارة وقال لا أتصدق إلا بالطيب ~~ولا أرضى لغيري مالا أرضاه لنفسي فنقول نعم ذلك له وجه واحتمال وإنما ~~اخترنا خلافه للخبر والأثر و القياس أما الخير فأمر رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم بالتصدق بالشاة المصلية التي قدمت إليه فكلمته بأنها حرام إذ قال ~~صلى الله عليه وسلم أطعموها الأسارى + حديث أمر رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم بالتصدق بالشاة المصلية التي قدمت بين يديه وكلمته بأنها حرام إذ قال ~~أطعموها الأسارى رواه أحمد من حديث رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما رجعنا لقينا راعي امرأة من قريش فقال أن ~~فلانة تدعوك ومن معك إلى طعام الحديث وفيه فقال أجد لحم شاة أخذت بغير أذن ~~أهلها وفيه فقال أطعموها الأسارى وإسناده جيد + # ولما نزل قوله تعالى @QB@ الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم ~~سيغلبون @QE@ كذبه المشركون و قالوا للصحابة إلا ترون ما يقول صاحبكم يزعم ~~أن الروم ستغلب فخاطرهم أبو بكر رضي الله عنه بإذن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فلما حقق الله صدقه وجاء أبو بكر رضي الله عنه بما قامرهم به قال عليه ~~الصلاة و السلام هذا سحت فتصدق به وفرح المؤمنون بنصر الله و كان قد نزل ~~تحريم القمار بعد إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم له في المخاطرة مع ~~الكفار + حديث مخاطرة أبي بكر المشركين بأذنه صلى الله عليه وسلم لما نزل ~~قوله تعالى @QB@ الم غلبت الروم @QE@ وفيه فقال صلى الله عليه وسلم هذا سحت ~~فتصدق به أخرجه البيهقي في دلائل النبوة من حديث ابن عباس وليس فيه أن ذلك ~~كان بأذنه صلى الله عليه وسلم و الحديث عند الترمذي وحسنه و الحاكم وصححه ~~دون قوله أيضا هذا سحت فتصدق به + # وأما الأثر فإن ابن مسعود رضي الله عنه اشترى جارية فلم يظفر بمالكها ~~لينقده الثمن فطلبه كثيرا فلم يجده فتصدق بالثمن وقال اللهم هذا عنه إن رضي ~~وإلا فالأجر لي # وسئل الحسن رضي الله عنه عن توبة الغال وما يؤخذ منه بعد تفرق الجيش فقال ~~يتصدق به # وروى أن رجلا سولت له نفسه فغل مائة دينار من الغنيمة ثم أتى اميرة ~~ليردها عليه فأبى أن يقبضها و قال له تفرق الناس فأتى معاوية فأبى أن يقبض ~~فأتى بعض النساك فقال ادفع خمسها إلى معاوية وتصدق بما يبقى فبلغ معاوية ~~قوله فتلهف إذا لم يخطر له ذلك وقد ذهب أحمد بن حنبل و الحارس المحاسبى و ~~جماعة من الورعين إلى ذلك # وأما القياس فهو أن يقال أن هذا المال مردد بين أن يضيع وبين أن يصرف إلى ~~خير إذ قد وقع اليأس من مالكه وبالضرورة يعلم أن صرفه إلى خير أولى من ~~إلقائه في البحر فأنا أن رميناه في البحر فقد فوتناه على أنفسنا وعلى ~~المالك ولم تحصل منه فائدة وإذا رميناه في يد فقير يدعو لمالكه حصل للمالك ~~بركة دعائه وحصل للفقير سد حاجته وحصول الأجر للمالك بغير اختياره في ~~التصدق لا ينبغي أن ينكر فإن في الخبر الصحيح أن للزارع و الغارس أجرا في ~~كل ما يصيبه الناس و الطيور من ثماره وزرعه + حديث أجر الزارع و الغارس في ~~كل ما يصيب الناس والطيور أخرجه البخاري من حديث انس ما من مسلم يغرس غرسا ~~أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له صدقة + # وذلك بغير اختياره واما قول القائل لا نتصدق إلا بالطيب فذلك إذا طلبنا ~~الأجر لأنفسنا ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة لا الأجر PageV02P131 # وترددنا بين التضييع وبين التصدق ورجحنا جانب التصدق على جانب التضييع # وقول القائل لا نرضى لغيرنا مالا نرضاه لأنفسنا فهو كذلك ولكنه علينا ~~حرام لاستغنائنا عنه وللفقير حلال إذ أحله دليل الشرع وإذا اقتضت المصلحة ~~التحليل وجب التحليل و إذا حل فقد رضينا له الحلال ونقول أن له أن يتصدق ~~على نفسه وعياله إذا كان فقيرا # أما عياله وأهله فلا يخفي لان الفقر لا ينتفى عنهم بكونهم من عياله وأهله ~~بل هم أولى من يتصدق عليهم وأما هو فله أن يأخذ منه قدر حاجته لانه أيضا ~~فقير ولو تصدق به على فقير لجاز وكذا إذا كان هو الفقير ولنرسم في بيان هذا ~~الأصل أيضا مسائل # مسألة إذا وقع في يده مال من يد سلطان قال قوم يرد إلى السلطان فهو أعلم ~~بما تولاه فيقلده ما تقلده وهو خير من أن يتصدق به واختار المحاسبي ذلك ~~وقال كيف يتصدق به فلعل له مالكا معينا ولو جاز ذلك لجاز أن يسرق من ~~السلطان ويتصدق به و قال قوم يتصدق به إذا علم أن السلطان لا يرده إلى ~~المالك لان ذلك إعانة للظالم وتكثير لأسباب ظلمه فالرد إليه تضييع لحق ~~المالك والمختار انه إذا علم من عادة السلطان انه لا يرده إلى مالكه فيتصدق ~~به عن مالكه فهو خير للمالك أن كان له مالك معين من أن يرد على السلطان ~~لأنه ربما لا يكون له مالك معين ويكون حق المسلمين فرده على السلطان تضييع ~~فإن كان له مالك معين فالرد على السلطان تضييع وإعانة للسلطان الظالم ~~وتفويت لبركة دعاء الفقير على المالك وهذا ظاهر فإذا وقع في يده من ميراث ~~ولم يتعد هو بالأخذ من للسلطان فإنه شبيه باللقطة التي أيس عن معرفة صاحبها ~~إذا لم يكن له أن يتصرف فيها بالتصدق عن المالك ولكن له أن يتملكها ثم وان ~~كان غنيا من حيث انه اكتسبه من وجه مباح وهو الالتقاط وههنا لم يحصل المال ~~من وجه مباح فيؤثر في منعه من التملك ولا يؤثر في المنع من التصدق # مسألة إذا حصل في يده مال لا مالك له وجوزنا له أن يأخذ قدر حاجته لفقره ~~ففي قدر حاجته نظر ذكرناه في كتاب أسرار الزكاة فقد قال قوم يأخذ كفاية سنة ~~لنفسه وعياله وإن قدر على شراء ضيعة أو تجارة يكتسب بها للعائلة فعل وهذا ~~ما اختاره المحاسبي ولكنه قال الأولى أن يتصدق بالكل أن وجد من نفسه قوة ~~التوكل وينتظر لطف الله تعالى في الحلال فإن لم يقدر فله أن يشتري ضيعة أو ~~يتخذ رأس مال يتعيش بالمعروف منه وكل يوم وجد فيه حلالا أمسك ذلك اليوم عنه ~~فإذا فنى عاد إليه فإذا وجد حلالا معينا تصدق بمثل ما أنفقه من قبل ويكون ~~ذلك قرضا عنده ثم انه يأكل الخبز ويترك اللحم أن قوي عليه و إلا أكل اللحم ~~من غير تنعم وتوسع وما ذكره لا مزيد عليه ولكن جعل ما أنفقه قرضا عنده فيه ~~نظر ولا شك في أن الورع أن يجعله قرضا فإذا وجد حلالا تصدق بمثله ولكن مهما ~~لم يجب ذلك على الفقير الذي يتصدق به عليه فلا يبعد أن لا يجب عليه أيضا ~~إذا أخذه لفقره لا سيما إذا وقع في يده من ميراث ولم يكن متعديا بغصبه ~~وكسبه حتى يغلظ الأمر عليه فيه # مسألة إذا كان في يده حلال وحرام أو شبهة وليس يفضل الكل عن حاجته فإذا ~~كان له عيال فليخص نفسه بالحلال لأن الحجة عليه أوكد في نفسه منه في عبده ~~وعياله وأولاده الصغار و الكبار من الأولاد يحرسهم من الحرام أن كان لا ~~يفضى بهم إلى ما هو أشد منه فإن أفضى فيطعمهم بقدر الحاجة # وبالجملة ما يحذره في غيره فهو محذور في نفسه وزيادة وهو أنه يتناول مع ~~العلم و العيال ربما تعذر إذا لم تعلم إذ لم تتول الأمر بنفسها فليبدأ ~~بالحلال بنفسه ثم بمن يعول وإذا تردد في حق نفسه بين ما يخص قوته وكسوته ~~وبين غيره من المؤن كأجرة الحجام و الصباغ والقصار والحمال والأطلاء ~~بالنورة والدهن وعمارة المنزل وتعهد الدابة وتسجير التنور وثمن الحطب ودهن ~~السراج فليخص PageV02P132 بالحلال قوته ولباسه فإن ما يتعلق ببدنه ولا غنى ~~به عنه هو أولى بان يكون طيبا وإذا دار الأمر بين القوت واللباس فيحتمل أن ~~يقال يخص القوت بالحلال لانه ممتزج بلحمه ودمه وكل لحم نبت من حرام فالنار ~~أولى به # واما الكسوة ففائدتها ستر عورته ودفع الحر والبرد والأبصار عن بشرته وهذا ~~هو الأظهر عندي # وقال الحارث المحاسبي يقدم اللباس لأنه يبقى عليه مدة و الطعام لا يبقي ~~عليه لما روي أنه لا يقبل الله صلاة من عليه ثوب اشتراه بعشرة دراهم فيها ~~درهم حرام + حديث لا تقبل صلاة من عليه ثوب اشتراه بعشرة دارهم وفيها درهم ~~حرام أخرجه أحمد من حديث ابن عمر وقد تقدم + # وهذا محتمل ولكن أمثال هذا قد ورد فيمن في بطنه حرام ونبت لحمه من حرام + ~~حديث الجسد نبت من الحرام تقدم + # فمراعاة اللحم والعظم أن ينبته من الحلال أولى ولذلك تقيأ الصديق رضي ~~الله عنه ما شربه مع الجهل حتى لا ينبت منه لحم يثبت ويبقى # فإن قيل فإذا كان الكل منصرفا إلى أغراضه فأي فرق بين نفسه وغيره وبين ~~جهة وجهة وما مدرك هذا الفرق قلنا عرف ذلك بما روى أن رافع بن خديج رحمه ~~الله مات وخلف ناضحا وعبدا حجاما فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ~~فنهى عن كسب الحجام فروجع مرات فمنع منه فقيل إن له أيتاما فقال أعلفوه ~~الناضح + حديث أن رافع بن خديج مات وخلف ناضحا وعبدا حجاما الحديث وفيه ~~أعلفوه الناضح أخرجه أحمد والطبراني من رواية عباية بن رفاعة بن خديج أن ~~جده حين مات ترك جارية وناضحا وغلاما حجاما الحديث وليس المراد بجده رافع ~~بن خديج فإنه بقى إلى سنة أربع وسبعين فيحتمل أن المراد جده الأعلى وهو ~~خديج ولم أر له ذكرا في الصحابة وفي رواية للطبراني عن عباية بن رفاعه عن ~~أبيه قال مات أبى وفي رواية له عن عباية قال مات رفاعة على عهد النبي صلى ~~الله عليه وسلم الحديث وهو مضطرب + # فهذا يدل على الفرق بين مايأكله هو أو دابته فإذا انفتح سبيل الفرق فقس ~~عليه التفصيل الذي ذكرناه # مسألة الحرام الذي في يده لو تصدق به على الفقراء فله يوسع عليهم وإذا ~~أنفق على نفسه فليضيق ما قدر وما أنفق على عياله فليقتصد وليكن وسطا بين ~~التوسيع والتضييق فيكون الأمر على ثلاث مراتب فإن أنفق على ضيف قدم عليه ~~وهو فقير فليوسع عليه وان كان غنيا فلا يطعمه إلا إذا كان في برية أو قدم ~~ليلا ولم يجد شيئا فإنه في ذلك الوقت فقير وان كان الفقير الذي حضر ضيفا ~~تقيا لو علم ذلك لتورع عنه فليعرض الطعام وليخبره جمعا بين حق الضيافة وترك ~~الخداع فلا ينبغي أن يكرم أخاه بما يكره ولا ينبغي أن يعول على انه لا يدري ~~فلا يضره فإن الحرام إذا حصل في المعدة أثر في قساوة القلب وان لم يعرفه ~~صاحبه ولذلك تقيأ أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وكانا قد شربا على جهل وهذا ~~وان أفتينا بأنه حلال للفقراء أحللناه بحكم الحاجة إليه فهو كالخنزير و ~~الخمر إذا أحللناهما بالضرورة فلا يلتحق بالطيبات # مسألة إذا كان الحرام أو الشبهة في يد أبويه فليمتنع عن مؤاكلتهما فإن ~~كانا يسخطان فلا يوافقهما على الحرام المحض بل ينهاهما فلا طاعة لمخلوق في ~~معصية الله تعالى فان كان شبهة وكان امتناعه للورع فهذا قد عارضه أن الورع ~~طلب رضاهما بل هو واجب فليتلطف في الامتناع فإن لم يقدر فليوافق وليقلل ~~الأكل بأن يصغر اللقمة ويطيل المضغ ولا يتوسع فإن ذلك عدوان والأخ والأخت ~~قريبان من ذلك لان حقهما أيضا مؤكد وكذلك إذا ألبسته أمه ثوبا من شبهة ~~وكانت تسخط برده فليقبل وليلبس بين يديها ولينزع في غيبتها وليجتهد أن لا ~~يصلى فيه إلا عند حضورها فيصلي فيه صلاة المضطر وعند تعارض أسباب الورع ~~ينبغي أن يتفقد هذه الدقائق # وقد حكى عن بشر رحمه الله انه سلمت إليه أمه رطبة و قالت بحقى عليك أن ~~تأكلها وكان يكرهه فأكل ثم صعد غرفة فصعدت PageV02P133 أمه وراءه فرأته ~~يتقيأ وإنما فعل ذلك لأنه أراد أن يجمع بين رضاها وبين صيانة المعدة # وقد قيل لأحمد بن حنبل سئل بشر هل للوالدين طاعة في الشبهة فقال لا فقال ~~أحمد هذا شديد # فقيل له سئل محمد بن مقاتل العباداني عنها فقال بر والديك فماذا تقول ~~فقال للسائل أحب أن تعفيني فقد سمعت ما قالا ثم قال ما أحسن أن تداريهما # مسألة من في يده مال حرام محض فلا حج عليه ولا يلزمه كفارة مالية لأنه ~~مفلس ولا تجب عليه الزكاة إذ معنى الزكاة وجوب إخراج ربع العشر مثلا وهذا ~~يجب عليه إخراج الكل إما ردا على المالك أن عرفه أو صرفا إلى الفقراء إن لم ~~يعرف المالك وأما إذا كان مال شبهة يحتمل أنه حلال فإذا لم يخرجه من يده ~~لزمه الحج لأن كونه حلالا ممكن ولا يسقط الحج إلا بالفقر ولم يتحقق فقره ~~وقد قال الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وإذا وجب ~~عليه التصدق بما يزيد على حاجته حيث يغلب على ظنه تحريمه فالزكاة أولى ~~بالوجوب وان لزمته كفارة فليجمع بين الصوم والإعتاق ليتخلص بيقين # وقد قال قوم يلزمه الصوم دون الإطعام إذ ليس له يسار معلوم # وقال المحاسبي يكفيه الإطعام # والذي نختاره أن كل شبهة حكمنا بوجوب اجتنابها وألزمناه إخراجها من يده ~~لكون احتمال الحرام أغلب على ما ذكرناه فعليه الجمع بين الصوم والإطعام أما ~~الصوم فلأنه مفلس حكما وأما الإطعام فلأنه قد وجب عليه التصدق بالجميع ~~ويحتمل أن يكون له فيكون اللزوم من جهة الكفارة # مسألة من في يده مال حرام أمسكه للحاجة فأراد أن يتطوع بالحج فإن كان ~~ماشيا فلا بأس له لأنه سيأكل هذا المال في غير عبادة فأكله في عبادة أولى # وان كان لا يقدر على أن يمشي ويحتاج إلى زيادة للمركوب فلا يجوز الأخذ ~~لمثل هذه الحاجة في الطريق كما لا يجوز شراء المركوب في البلد # وإن كان يتوقع القدرة على حلال لو أقام بحيث يستغنى به عن بقية الحرام ~~فالأقامة في انتظاره أولى من الحج ماشيا بالمال الحرام # مسألة من خرج لحج واجب بمال فيه شبهة فليجتهد أن يكون قوته من الطيب فان ~~لم يقدر في قوت الإحرام إلى التحلل فإن لم يقدر فليجتهد يوم عرفة أن لا ~~يكون قيامه بين يدي الله ودعاؤه في وقت مطعمه حرام وملبسه حرام فليجتهد أن ~~لا يكون في بطنه حرام ولا على ظهره حرام فأنا وان جوزنا هذا بالحاجة فهو ~~نوع ضرورة وما ألحقناه بالطيبات فان لم يقدر فليلازم قلبه الخوف والغم لما ~~هو مضطر إليه من تناول ما ليس بطيب فعساه ينظر إليه بعين الرحمة ويتجاوز ~~عنه بسبب حزنه وخوفه وكراهته # مسألة سئل أحمد بن حنبل رحمه الله فقال له قائل مات أبي وترك مالا وكان ~~يعامل من تكره معاملته فقال تدع من ماله بقدر ما ربح فقال له دين وعليه دين ~~فقال تقضي وتقتضى فقال أفترى ذلك فقال أفتدعه محتبسا بدينه وما ذكره صحيح ~~وهو يدل على انه رأى التحري بإخراج مقدار الحرام إذ قال يخرج قدر الربح ~~وائه رأى أن أعيان أمواله ملك له بدلا عما بذله في المعاوضات الفاسدة بطريق ~~التقاص والتقابل مهما كثر التصرف وعسر الرد وعول في قضاء دينه على أنه يقين ~~فلا يترك بسبب الشبهة PageV02P134 # | الباب الخامس في إدرارات السلاطين وصلاتهم وما يحل منها وما يحرم # أعلم أن من أخذ مالا من سلطان فلا بد له من النظر في ثلاثة أمور في مدخل ~~ذلك إلى يد السلطان من أين هو وفي صفته التي بها يستحق الأخذ # وفي المقدار الذي يأخذه هل يستحقه إذا أضيف إلى حاله وحال شركائه في ~~الاستحقاق النظر الأول في جهات الدخل للسلطان # و كل ما يحل للسلطان سوى الأحياء وما يشترك فيه الرعية قسمان # مأخوذ من الكفار وهو الغنيمة المأخوذة بالقهر والفيء وهو الذي حصل من ~~مالهم في يده من غير قتال والجزية وأموال المصالحة وهي التي تؤخذ بالشروط ~~والمعاقدة # والقسم الثاني المأخوذ من المسلمين فلا يحل منه إلا قسمان المواريث وسائر ~~الأمور الضائعة التي لا يتعين لها مالك والأوقاف التي لا متولى لها أما ~~الصدقات فليست توجد في هذا الزمان # وما عدا ذلك من الخراج المضروب على المسلمين و المصادرات وأنواع الرشوة ~~كلها حرام # فإذا كتب لفقيه أو غيره إدرار أو صلة أو خلعة على جهة فلا يخلو من أحوال ~~ثمانية فانه أما أن يكتب له ذلك على الجزية أو على المواريث أو على الأوقاف ~~أو على ملك أحياء السلطان أو على ملك اشتراه أو على عامل خراج المسلمين أو ~~على بياع من جملة التجار أو على الخزانة # فالأول هو الجزية وأربعة أخماسها للمصالح وخمسها لجهات معينة # فما يكتب على الخمس من تلك الجهات أو على الأخماس الأربعة لما فيه مصلحة ~~وروعي فيه الاحتياط في القدر فهو حلال بشرط أن لا تكون الجزية إلا مضروبة ~~على وجه شرعى ليس فيها زيادة على دينار أو على أربعة دنانير فإنه أيضا في ~~محل الاجتهاد وللسلطان أن يفعل ما هو في محل الاجتهاد وبشرط أن يكون الذمي ~~الذي تؤخذ الجزية منه مكتسبا من وجه لا يعلم تحريمه فلا يكون عامل سلطان ~~ظالما ولا بياع خمر ولا صبيا ولا امرأة إذ لا جزية عليهما # فهذه أمور تراعى في كيفية ضرب الجزية ومقدارها وصفة من تصرف إليه ومقدار ~~ما يصرف فيجب النظر في جميع ذلك # الثاني المواريث والأموال الضائعة فهي للمصالح و النظر أن الذي خلفه هل ~~كان ماله كله حراما أو أكثره أو أقله وقد سبق حكمه فان لم يكن حراما بقى ~~النظر في صفة من يصرف إليه بأن يكون في الصرف إليه مصلحة ثم في المقدار ~~المصروف # الثالث الأوقاف وكذا يجرى النظر فيها كما يجري في الميراث مع زيادة أمر ~~وهو شرط المواقف حتى يكون المأخوذ موافقا له في جميع شرائطه # الرابع ما أحياه السلطان وهذا لا يعتبر فيه شرط إذ له أن يعطى من ملكه ~~لمن شاء أي قدر شاء # وإنما النظر في أن الغالب انه أحياه بإكراه الأجراء أو بأداء أجرتهم من ~~حرام # فإن الأحياء يحصل بحفر القناة و الأنهار وبناء الجدران وتسوية الأرض ولا ~~يتولاه السلطان بنفسه # فإن كانوا مكرهين على الفعل لم يملكه السلطان وهو حرام وان كانوا ~~مستأجرين ثم قضيت أجورهم من الحرام فهذا يورث شبهة قد نبهنا عليها في تعلق ~~الكرامة بالأعواض PageV02P135 # الخامس ما اشتراه السلطان في الذمة من ارض أو ثياب خلعة أو فرس أو غيره ~~فهو ملكه وله أن يتصرف فيه ولكنه سيقضى ثمنه من حرام وذلك يوجب التحريم ~~تارة و الشبهة أخرى وقد سبق تفصيله # السادس أن يكتب على عامل خراج المسلمين أو من يجمع أمواله القسمة و ~~المصادرة وهو الحرام السحت الذي لا شبهة فيه وهو اكثر الإدرارات في هذا ~~الزمان إلا ما على أراضي العراق فإنها وقف عند الشافعي رحمه الله على مصالح ~~المسلمين # السابع ما يكتب على بياع يعامل السلطان فإن كان لا يعامل غيره فماله له ~~كمال خزانة السلطان # وان كان يعامل غير السلاطين اكثر فما يعطيه قرض على السلطان وسيأخذ بدله ~~من الخزانة فالخلل يتطرق إلى العوض # وقد سبق حكم الثمن الحرام # الثامن ما يكتب على الخزانة أو على عامل يجتمع عنده من الحلال والحرام ~~فإن لم يعرف للسلطان دخل إلا من الحرام فهو سحت محض وان عرف يقينا أن ~~الخزانة تشتمل على مال حلال ومال حرام واحتمل أن يكون ما يسلم إليه بعينه ~~من الحلال احتمالا قريبا له وقع في النفس واحتمل أن يكون من الحرام وهو ~~الأغلب لان أغلب أموال السلاطين حرام في هذه الإعصار و الحلال في أيديهم ~~معدوم أو عزيز فقد اختلف الناس في هذا فقال قوم كل ما لا أتيقن انه حرام ~~فلى أن آخذه و قال آخرون لا يحل أن يؤخذ مالم يتحقق انه حلال فلا تحل شبهة ~~أصلا # وكلاهما إسراف و الاعتدال ما قدمنا ذكره وهو الحكم بأن الأغلب إذا كان ~~حراما حرم وان كان الأغلب حلالا وفيه يقين حرام فهو موضع توقفنا فيه كما ~~سبق # لقد احتج من جوز اخذ أموال السلاطين إذا كان فيها حرام وحلال مهما لم ~~يتحقق أن عين المأخوذ حرام بما روى عن جماعة من الصحابة انهم أدركوا أيام ~~الأئمة الظلمة وأخذوا الأموال منهم أبو هريرة وأبو سعيد الخدرى وزيد بن ~~ثابت وأبو أيوب الأنصاري وجرير بن عبد الله وجابر وانس بن مالك والمسور بن ~~مخرمة # فأخذ أبو سعيد وأبو هريرة من مروان ويزيد بن عبد الملك # وأخذ ابن عمر وابن عباس من الحجاج # وأخذ كثير من التابعين منهم كالشعبي وإبراهيم والحسن وابن أبي ليلى # وأخذ الشافعي من هرون الرشيد ألف دينار في دفعة # وأخذ مالك من الخلفاء أموالا جمة و قال علي رضي الله عنه خذ ما يعطيك ~~السلطان فإنما يعطيك من الحلال وما يأخذ من الحلال أكثر # وإنما ترك من ترك العطاء منهم تورعا مخافة على دينه أن يحمل على مالا يحل # ألا ترى قول أبي ذر للأحنف بن قيس خذ العطاء ما كان نحلة فإذا كان اثمان ~~دينكم فدعوه و قال أبو هريرة رضي الله عنه إذا أعطينا قبلنا وإذا منعنا لم ~~نسأل # وعن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه كان إذا أعطاه معاوية سكت ~~وإن منعه وقع فيه # وعن الشعبي عن مسروق لا يزال العطاء بأهل العطاء حتى يدخلهم النار أي ~~يحمله ذلك على الحرام لا انه في نفسه حرام وروى نافع عن ابن عمر رضي الله ~~عنهما أن المختار كان يبعث إليه المال فيقبله ثم يقول لا أسال أحدا ولا أرد ~~ما رزقني الله # وأهدي إليه ناقة فقبلها وكان يقال لها ناقة المختار ولكن هذا يعارضه ما ~~روى أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يرد هدية أحد إلا هدية المختار و الإسناد ~~في رده أثبت # وعن نافع أنه قال بعث ابن معمر إلى ابن عمر بستين ألفا فقسمها على الناس ~~ثم جاءه سائل فاستقرض له من بعض من أعطاه وأعطى السائل # ولما قدم الحسن بن علي رضي الله عنهما على معاوية رضي الله عنه فقال ~~لأجيزك بجائزة لم أجزها أحدا قبلك من العرب ولا أجيزها أحدا بعدك من العرب ~~قال فأعطاه أربعمائة ألف درهم فأخذها # وعن حبيب PageV02P136 ابن أبي ثابت قال لقد رأيت جائزة المختار لابن عمر ~~وابن عباس فقبلاها فقيل ما هي قال مال وكسوة # وعن الزبير بن عدي أنه قال قال سلمان إذا كان لك صديق عامل أو تاجر يقارف ~~الربا فدعاك إلى طعام أو نحوه أو أعطاك شيئا فاقبل فإن المهنأ لك وعليه ~~الوزر # فإن ثبت هذا في المربى فالظالم في معناه # وعن جعفر عن أبيه أن الحسن و الحسين عليهما السلام كانا يقبلان جوائز ~~معاوية # وقال حكيم بن جبير مررنا على سعيد بن جبير وقد جعل عاملا على أسفل الفرات ~~فأرسل إلى العشارين أطعمونا مما عندكم فارسلوا بطعام فأكل وأكلنا معه وقال ~~العلاء بن زهير الازدى أتى إبراهيم أبى وهو عامل على حلوان فأجازه فقبل و ~~قال إبراهيم لا بأس بجائزة العمال أن للعمال مؤنة ورزقا # ويدخل بيت ماله الخبيث و الطيب فما أعطاك فهو من طيب ماله # فقد اخذ هؤلاء كلهم جوائز السلاطين الظلمة وكلهم طعنوا على من أطاعهم في ~~معصية الله تعالى # وزعمت هذه الفرقة أن ما ينقل من امتناع جماعة من السلف لا يدل على ~~التحريم بل على الورع كالخلفاء الراشدين وأبى ذر وغيرهم من الزهاد فإنهم ~~امتنعوا من الحلال المطلق زهدا ومن الحلال الذي يخاف إفضاؤه إلى محذور ورعا ~~وتقوى # فإقدام هؤلاء يدل على الجواز وامتناع أولئك لا يدل على التحريم # وما نقل عن سعيد بن المسيب انه ترك عطاءه في بيت المال حتى اجتمع بضعة ~~وثلاثين ألفا وما نقل عن الحسن من قوله لا أتوضأ من ماء صيرفي ولو ضاق وقت ~~الصلاة لأني لا أدري اصل ماله كل ذلك ورع لا ينكر واتباعهم عليه أحسن من ~~اتباعهم على الاتساع ولكن لا يحرم اتباعهم على الاتساع أيضا # فهذه هي شبهة من يجوز اخذ مال السلطان الظالم # و الجواب أن ما نقل من اخذ هؤلاء محصور قليل بالإضافة إلى ما نقل من ردهم ~~وإنكارهم وان كان يتطرق إلى امتناعهم احتمال الورع فيتطرق إلى اخذ من أخذ ~~ثلاثة احتمالات متفاوتة في الدرجة بتفاوتهم في الورع فإن للورع في حق ~~السلاطين أربع درجات # الدرجة الأولى أن لا يأخذ من أموالهم شيئا أصلا كما فعله الورعون منهم ~~وكما كان يفعله الخلفاء الراشدون حتى أن أبا بكر رضي الله عنه حسب جميع ما ~~كان أخذه من بيت المال فبلغ ستة آلاف درهم فغرمها لبيت المال وحتى أن عمر ~~رضي الله عنه كان يقسم مال بيت المال يوما فدخلت ابنة له وأخذت درهما من ~~المال فنهض عمر في طلبها حتى سقطت الملحفة من أحد منكبيه ودخلت الصبية إلى ~~بيت أهلها تبكي وجعلت الدرهم في فيها فأدخل عمر أصبعه فأخرجه من فيها وطرحه ~~على الخراج و قال أيها الناس ليس لعمر ولا لآل عمر إلا ما للمسلمين قريبهم ~~وبعيدهم # وكسح أبو موسى الاشعري بيت المال فوجد درهما فمر بنى لعمر رضي الله عنه ~~فأعطاه إياه فرأى عمر ذلك في يد الغلام فسأله عنه فقال أعطانيه أبو موسى ~~فقال # يا أبا موسى ما كان في أهل المدينة بيت أهون عليك من آل عمر أردت أن لا ~~يبقي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أحد إلا طلبنا بمظلمة ورد الدرهم إلى ~~بيت المال # هذا مع أن المال كان حلالا ولكن خاف أن لا يستحق هو ذلك القدر فكان ~~يستبريء لدينه ويقتصر على الأقل امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم دع ما ~~يريبك إلى ما لا يريبك + حديث دع ما يريبك إلى ما لا يريبك تقدم في الباب ~~الأول من الحلال والحرام + # ولقوله ومن تركها فقد استبرأ لعرضه ودينه + حديث من تركها فقد استبرأ ~~لدينه وعرضه متفق عليه من حديث النعمان بن بشير وقد تقدم أوله في أول الباب ~~الثاني من الحلال والحرام + # ولما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من التشديدات في الأموال ~~السلطانية حتى قال صلى الله عليه وسلم حين PageV02P137 بعث عبادة بن الصامت ~~إلى الصدقة اتق الله يا أبا الوليد لا تجيء يوم القيامة ببعير تحمله على ~~رقبتك له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة لها تؤاج فقال يا رسول الله أهكذا ~~يكون قال نعم والذي نفسي بيده إلا من رحم الله # قال فوالذي بعثك بالحق لا اعمل على شيء أبدا + حديث قيل العبادة بن ~~الصامت حين بعثه إلى الصدقة اتق الله يا أبا الوليد لا تجيء يوم القيامة ~~ببعير تحمله على رقبتك الحديث أخرجه الشافعي في المسند من حديث طاوس مرسلا ~~ولأبي يعلى في المعجم من حديث ابن عمر مختصرا انه قاله لسعد بن عبادة ~~وإسناده صحيح + # و قال صلى الله عليه وسلم أني لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدي إنما أخاف ~~عليكم أن تنافسوا + حديث أني لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدى إنما أخاف عليكم ~~أن تنافسوا متفق عليه من حديث عقبة بن عامر + # وإنما خاف التنافس في المال # ولذلك قال عمر رضي الله عنه في حديث طويل يذكر فيه مال بيت المال أني لم ~~اجد نفسي فيه إلا كالوالى مال اليتيم أن استغنيت استعففت وان افتقرت أكلت ~~بالمعروف # وروى أن ابنا لطاوس افتعل كتابا عن لسانه إلى عمر بن عبد العزيز فأعطاه ~~ثلثمائة دينار فباع طاوس ضيعة له وبعث من ثمنها إلى عمر بثلثمائة دينار هذا ~~مع أن السلطان ليس مثل عمر بن عبد العزيز # فهذه الدرجة العليا في الورع # الدرجة الثانية هو أن يأخذ مال السلطان ولكن إنما يأخذ إذا علم أن ما ~~يأخذه من جهة حلال فاشتمال يد السلطان على حرام آخر لا يضره وعلى هذا ينزل ~~جميع ما نقل من الآثار أو أكثرها أو ما اختص منها باكابر الصحابة والورعين ~~منهم مثل ابن عمر فإنه كان من المبالغين في الورع فكيف يتوسع في مال ~~السلطان وقد كان من أشدهم إنكارا عليهم وأشدهم ذما لأموالهم وذلك انهم ~~اجتمعوا عند ابن عامر وهو في مرضه وأشفق على نفسه من ولايته وكونه مأخوذا ~~عند الله تعالى بها فقالوا له إنا لنرجو لك الخير حفرت الآبار وسقيت الحاج ~~وصنعت وصنعت وابن عمر ساكت فقال ماذا تقول يا ابن عمر فقال أقول ذلك إذا ~~طاب المكسب وزكت النفقة وسترد فترى # وفي حديث آخر انه قال أن الخبيث لا يكفر الخبيث وانك قد وليت البصرة ولا ~~احسبك إلا قد أصبت منها شرا # فقال له ابن عامر إلا تدعو لى فقال ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يقول لا يقبل الله صلاة بغير طهورا ولا صدقة من غلول + حديث لا يقبل ~~الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول أخرجه مسلم من حديث ابن عمر + # وقد وليت البصرة فهذا قوله فيما صرفه إلى الخيرات # وعن ابن عمر رضي الله عنهما انه قال في أيام الحجاج ما شبعت من الطعام ~~منذ انتهبت الدار إلى يومي هذا وروي عن علي رضي الله عنه انه كان له سويق ~~في أناء مختوم يشرب منه فقيل أتفعل هذا بالعراق مع كثرة طعامه فقال أما أني ~~لا أختمه بخلابه ولكن أكره أن يجعل فيه ما ليس منه واكره أن يدخل بطني غير ~~طيب فهذا هو المألوف منهم وكان ابن عمر لا يعجبه شيء إلا خرج عنه فطلب منه ~~نافع بثلاثين آلفا فقال أني أخاف أن تقتنى دراهم ابن عامر وكان هو الطالب ~~اذهب فأنت حر # و قال أبو سعيد الخدري ما منا أحد إلا مالت به الدنيا إلا ابن عمر فبهذا ~~يتضح انه لا يظن به وبمن كان في منصبه إنه أخذ مالا يدري أنه حلال # الدرجة الثالثة أن يأخذ ما أخذه من السلطان ليتصدق به على الفقراء أو ~~يفرقه على المستحقين فإن ما لا يتعين مالكه هذا حكم الشرع فيه # فإذا كان السلطان أن لم يأخذ منه لم يفرقه واستعان به على ظلم فقد نقول ~~أخذه منه وتفرقته أولى من تركه في يده وهذا قد رآه بعض العلماء وسيأتي وجهه # وعلى هذا ينزل ما أخذه أكثرهم ولذلك قال ابن المبارك إن الذين يأخذون ~~الجوائز اليوم ويحتجون بابن عمر وعائشة ما يقتدون بهما لان ابن عمر فرق ما ~~اخذ حتى استقرض في مجلسه بعد تفرقته ستين ألفا وعائشة فعلت مثل ذلك وجابر ~~بن زيد جاءه مال فتصدق به و قال رأيت أن آخذه منهم و أتصدق أحب إلي من أن ~~أدعها في أيديهم وهكذا فعل الشافعي رحمه الله بما قبله PageV02P138 من هرون ~~الرشيد فإنه فرقه على قرب حتى لم يمسك لنفسه حبة واحدة # الدرجة الرابعة أن لا يتحقق أنه حلال ولا يفرق بل يستبقى ولكن يأخذ من ~~سلطان اكثر ماله حلال وهكذا كان الخلفاء في زمان الصحابة رضي الله عنهم و ~~التابعين بعد الخلفاء الراشدين ولم يكن أكثر مالهم حراما # ويدل عليه تعليل على رضى الله عنه حيث قال فإن ما يأخذه من الحلال أكثر # فهذا مما قد جوزه جماعة من العلماء تعويلا على الأكثر # ونحن إنما توقفنا فيه في حق آحاد الناس ومال السلطان أشبه بالخروج عن ~~الحصر فلا يبعد أن يؤدي اجتهاد مجتهد إلى جواز أخذ ما لم يعلم أنه حرام ~~اعتمادا على الأغلب و إنما منعناه إذا كان الأكثر حراما فإذا فهمت هذه ~~الدرجات تحققت أن إدرارات الظلمة في زماننا لا تجري مجرى ذلك وأنها تفارقه ~~من وجهين قاطعين # أحدهما أن أموال السلاطين في عصرنا حرام كلها أو أكثرها وكيف لا و الحلال ~~هو الصدقات و الفيء و الغنيمة لا وجود لها و ليس يدخل منها شيء في يد ~~السلطان ولم يبق إلا الجزية وأنها تؤخذ بأنواع من الظلم لا يحل أخذها به ~~فإنهم يجاوزون حدود الشرع فى المأخوذ والمأخوذ منه والوفاء له بالشرط ثم ~~إذا نسبت ذلك إلى ما ينصب إليهم من الخراج المضروب على المسلمين ومن ~~المصادرات و الرشا وصنوف الظلم لم يبلغ عشر معشار عشيره # والوجه الثاني أن الظلمة في العصر الأول لقرب عهدهم بزمان الخلفاء ~~الراشدين كانوا مستشعرين من ظلمهم ومتشوفين إلى استمالة قلوب الصحابة و ~~التابعين وحريصين على قبولهم عطاياهم وجوائزهم و كانوا يبعثون إليهم من غير ~~سؤال و إذلال بل كانوا يتقلدون المنة بقبولهم ويفرحون به وكانوا يأخذون ~~منهم ويفرقون ولا يطيعون السلاطين في أغراضهم ولا يغشون مجالسهم ولا يكثرون ~~جمعهم ولا يحبون بقاءهم بل يدعون عليهم ويطلقون اللسان فيهم وينكرون ~~المنكرات منهم عليهم فما كان يحذر أن يصيبوا من دينهم بقدر ما أصابوا من ~~دنياهم ولم يكن يأخذهم بأس فأما الآن فلا تسمح نفوس السلاطين بعطية إلا لمن ~~طمعوا في استخدامهم و التكثر بهم و الاستعانة بهم على أغراضهم و التجمل ~~بغشيان مجالسهم وتكليفهم المواظبة على الدعاء و الثناء و التزكية والإطراء ~~في حضورهم ومغيبهم # فلو لم يذل الآخذ نفسه بالسؤال أولا و بالتردد في الخدمة ثانيا وبالثناء ~~و الدعاء ثالثا وبالمساعدة له على أغراضه عند الاستعانة رابعا وبتكثير جمعه ~~في مجلسه وموكبه خامسا وبإظهار الحب و الموالاة و المناصرة له على أعدائه ~~سادسا وبالستر على ظلمه ومقابحه ومساوي أعماله سابعا لم ينعم عليه بدرهم ~~واحد ولو كان في فضل الشافعي رحمه الله مثلا فإذا لا يجوز أن يؤخذ منهم في ~~هذا الزمان ما يعلم انه حلال لإفضائه إلى هذه المعاني فكيف ما يعلم انه ~~حرام أو يشك فيه فمن استجرأ على أموالهم وشبه نفسه بالصحابة و التابعين فقد ~~قاس الملائكة بالحدادين # ففي أخذ الأموال منهم حاجة إلى مخالطتهم ومراعاتهم وخدمة عمالهم واحتمال ~~الذل منهم والثناء عليهم والتردد إلى أبوابهم وكل ذلك معصية على ما سنبين ~~في الباب الذي يلي هذا فإذا قد تبين مما تقدم مداخل أموالهم وما يحل منها ~~وما لا يحل # فلو تصور أن يأخذ الإنسان منها ما يحل بقدر استحقاقه وهو جالس في بيته ~~يساق إليه ذلك لا يحتاج فيه إلى تفقد عامل وخدمته ولا إلى الثناء عليهم ~~وتزكيتهم ولا إلى مساعدتهم فلا يحرم الأخذ ولكن يكره لمعان وسننبه عليها في ~~الباب الذي يلي هذا النظر الثاني من هذا الباب في قدر المأخوذ وصفة الأخذ # ولنفرض المال من أموال المصالح كأربعة أخماس الفيء والمواريث فإن ما عداه ~~مما قد تعين مستحقه أن كان من وقف أو صدقة أو خمس فيء أو خمس غنيمة وما كان ~~من ملك السلطان مما احياه أو اشتراه فله أن يعطي PageV02P139 ما شاء لمن ~~شاء # وانما النظر في الأموال الضائعة ومال المصالح فلا يجوز صرفه إلا إلى من ~~فيه مصلحة عامة أو هو محتاج إليه عاجز عن الكسب فأما الغني الذي لا مصلحة ~~فيه فلا يجوز صرف مال من بيت المال إليه هذا هو الصحيح وان كان العلماء قد ~~اختلفوا فيه # وفي كلام عمر رضي الله عنه ما يدل على أن لكل مسلم حقا في بيت المال ~~لكونه مسلما مكثرا جمع الإسلام ولكنه مع هذا ما كان يقسم المال على ~~المسلمين كافة بل على مخصوصين بصفات # فإذا ثبت هذا فكل من يتولى أمرا يقوم به تتعدى مصلحته إلى المسلمين ولو ~~اشتغل بالكسب لتعطل عليه ما هو فيه فله في بيت المال حق الكفاية # ويدخل فيه العلماء كلهم أعنى العلوم التي تتعلق بمصالح الدين من علم ~~الفقه و الحديث و التفسير و القراءة حتى يدخل فيه المعلمون و المؤذنون # وطلبة هذه العلوم أيضا يدخلون فيه فإنهم إن لم يكفوا لم يتمكنوا من الطلب # ويدخل فيه العمال وهم الذين ترتبط مصالح الدنيا بأعمالهم وهم الأجناد ~~المرتزقة الذين يحرسون المملكة بالسيوف عن أهل العداوة وأهل البغي وأعداء ~~الإسلام # ويدخل فيه الكتاب و الحساب و الوكلاء وكل من يحتاج إليه في ترتيب ديوان ~~الخراج أعنى العمال على الأموال الحلال لا على الحرام فإن هذا المال ~~للمصالح # و المصلحة إما أن تتعلق بالدين أو بالدنيا فبالعلماء حراسة الدين ~~وبالأجناد حراسة الدنيا # و الدين و الملك توأمان فلا يستغني أحدهما عن الآخر # و الطبيب وان كان لا يرتبط بعلمه أمر ديني ولكن يرتبط به صحة الجسد و ~~الدين يتبعه فيجوز أن يكون له ولمن يجري مجراه في العلوم المحتاج إليها في ~~مصلحة الأبدان أو مصلحة البلاد إدرار من هذه الأموال ليتفرغوا لمعالجة ~~المسلمين أعنى من يعالج منهم بغير أجرة وليس يشترط في هؤلاء الحاجة بل يجوز ~~أن يعطوا مع من الغنى # فإن الخلفاء الراشدين كانوا يعطون المهاجرين و الأنصار ولم يعرفوا ~~بالحاجة # وليس يتقدر أيضا بمقدار بل هو إلى اجتهاد الإمام وله أن يوسع ويغني وله ~~أن يقتصر على الكفاية على ما يقتضيه الحال وسعة المال # فقد اخذ الحسن عليه السلام من معاوية في دفعة واحدة أربعمائة ألف درهم # وقد كان عمر رضي الله عنه يعطي لجماعة اثني عشر ألف درهم نقرة في السنة # وأثبتت عائشة رضي الله عنها في هذه الجريدة ولجماعة عشرة آلاف ولجماعة ~~ستة آلاف وهكذا # فهذا مال هؤلاء فيوزع عليهم حتى لا يبقى منه شيء # فإن خص واحدا منه بمال كثير فلا بأس # وكذلك للسلطان أن يخص من هذا المال ذوي الخصائص بالخلع و الجوائز فقد كان ~~يفعل ذلك في السلف ولكن ينبغي أن يلتفت فيه إلى المصلحة # ومهما خص عالم أو شجاع بصلة كان فيه بعث للناس وتحريض على الاشتغال و ~~التشبه به فهذه فائدة الخلع والصلات وضروب التخصيصات وكل ذلك منوط باجتهاد ~~السلطان # وإنما النظر في السلاطين الظلمة في شيئين أحدهما أن السلطان الظالم عليه ~~أن يكف عن ولايته وهو إما معزول أو واجب العزل فكيف يجوز أن يأخذ من يده ~~وهو على التحقيق ليس بسلطان والثاني انه ليس يعمم بماله جميع المستحقين ~~فكيف يجوز للآحاد أن يأخذوا أفيجوز لهم الأخذ بقدر حصصهم أم لا يجوز أصلا ~~أم يجوز أن يأخذ كل واحد ما أعطى # أما الأول : فالذي نراه أنه لا يمنع اخذ الحق لأن السلطان الظالم الجاهل ~~مهما ساعدته الشوكة وعسر خلعه وكان في الاستبدال به فتنة ثائرة لا تطاق وجب ~~تركه ووجبت الطاعة له كما تجب طاعة الأمراء إذ قد ورد في الأمر بطاعة ~~الأمراء + حديث الأمر بطاعة الأمراء أخرجه البخاري من حديث انس اسمعوا ~~وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ولمسلم من حديث أبي ~~هريرة عليك بالطاعة في منشطك ومكرهك الحديث وله من حديث أبي ذر أوصاني ~~النبي صلى الله عليه وسلم أن أسمع وأطيع ولو لعبد مجدع الأطراف + # والمنع من سل اليد عن مساعدتهم + حديث المنع من سل اليد عن مساعدتهم ~~أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ~~ميتة جاهلية ولمسلم من حديث أبى هريرة من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات ~~مات ميتة جاهلية وله من حديث ابن عمر من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم ~~القيامة ولا حجة له # أوامر و زواجر # فالذي نراه أن الخلافة منعقدة للمتكفل PageV02P140 # بها من بني العباس رضي الله عنه # وان الولاية نافذة للسلاطين في أقطار البلاد و المبايعين للخليفة وقد ~~ذكرنا في كتاب المستظهري المستنبط من كتاب كشف الأسرار وهتك الأستار تأليف ~~القاضي أبي الطيب في الرد على أصناف الروافض من الباطنية ما يشير إلى وجه ~~المصلحة فيه والقول الوجيز أنا نراعى الصفات والشروط في السلاطين تشوفا إلى ~~مزايا المصالح # ولو قضينا ببطلان الولايات الآن لبطلت المصالح رأسا فكيف يفوت رأس المال ~~في طلب الربح بل الولاية الآن لا تتبع إلا الشوكة # فمن بايعه صاحب الشوكة فهو الخليفة # ومن استبد بالشوكة وهو مطيع للخليفة في اصل الخطبة و السكة فهو سلطان ~~نافذ الحكم و القضاء في أقطار الأرض ولاية نافذة الأحكام # وتحقيق هذا قد ذكرناه في أحكام الإمامة من كتاب الاقتصاد في الإعتقاد ~~فلسنا نطول الآن به # وأما الأشكال الآخر وهو أن السلطان إذا لم يعمم بالعطاء كل مستحق فهل ~~يجوز للواحد أن يأخذ منه فهذا مما اختلف العلماء فيه على أربع مراتب فغلا ~~بعضهم و # قال كل ما يأخذه فالمسلمون كلهم فيه شركاء ولا يدري أن حصته منه دانق أو ~~حبة فليترك الكل وقال قوم له أن يأخذ قدر قوت يومه فقط فإن هذا القدر ~~يستحقه لحاجته على المسلمين وقال قوم له قوت سنة فإن أخذ الكفاية كل يوم ~~عسير وهو ذو حق فى هذا المال فكيف يتركه وقال قوم # وقال قوم إنه يأخذ ما يعطى و المظلوم هم الباقون # وهذا هو القياس لأن المال ليس مشتركا بين المسلمين كالغنيمة بين الغانمين ~~ولا كالميراث بين الورثة لأن ذلك صار ملكا لهم # وهذا لو لم يتفق قسمه حتى مات هؤلاء لم يجب التوزيع على ورثتهم بحكم ~~الميراث # بل هذا الحق غير متعين وإنما يتعين بالقبض # بل هو كالصدقات ومهما أعطى الفقراء حصتهم من الصدقات وقع ذلك ملكا لهم ~~ولم يمتنع بظلم المالك بقية الأصناف بمنع حقهم هذا إذا لم يصرف إليه كل ~~المال بل صرف إليه من المال ما لو صرف إليه بطريق الإيثار و التفضيل مع ~~تعميم الآخرين لجاز له أن يأخذه و التفضيل جائز في العطاء # سوى أبو بكر رضي الله عنه فراجعه عمر رضي الله عنه فقال إنما فضلهم عند ~~الله وإنما الدنيا بلاغ # وفضل عمر رضي الله عنه في زمانه فأعطى عائشة اثني عشر ألفا وزينب عشرة ~~آلاف وجويرية ستة آلاف وكذا صفية # وأقطع عمر لعلي خاصة رضي الله عنهما # وأقطع عثمان أيضا من السواد خمس جنات وآثر عثمان عليا رضي الله عنهما بها ~~فقبل ذلك منه ولم ينكر # وكل ذلك جائز في محل الاجتهاد وهو من المجتهدات التي أقول فيها أن كل ~~مجتهد مصيب وهي كل مسألة لا نص على عينها ولا على مسألة تقرب منها فتكون في ~~معناها بقياس جلي كهذه المسألة ومسألة حد الشرب فإنهم جلدوا أربعين وثمانين ~~و الكل سنة وحق وان كل واحد من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مصيب باتفاق ~~الصحابة رضي الله عنهم إذ المفضول ما رد في زمان عمر شيئا إلى الفاضل مما ~~قد كان أخذه في زمان أبي بكر ولا الفاضل امتنع من قبول الفضل في زمان عمر ~~واشترك في ذلك كل الصحابة واعتقدوا أن كل واحد من الرأيين حق # فليؤخذ هذا الجنس دستورا للخلافات التي يصوب فيها كل مجتهد # فأما كل مسألة شذ عن مجتهد فيها نص أو قياس جلي بغفلة أو سوء رأي وكان في ~~القوة بحيث ينقض حكم المجتهد فلا نقول فيها أن كل واحد مصيب بل المصيب من ~~أصاب النص أو ما في معنى النص # وقد تحصل من مجموع هذا أن من وجد من أهل الخصوص الموصوفين بصفة تتعلق بها ~~مصالح الدين أو الدنيا وأخذ من السلطان خلعة أو إدرارا على التركات أو ~~الجزية لم يصر فاسقا بمجرد أخذه وإنما يفسق بخدمته لهم ومعانته إياهم ~~ودخوله PageV02P141 عليهم وثنائه وإطرائه لهم إلى غير ذلك من لوازم لا يسلم ~~المال غالبا إلا بها كما سنبينه # | الباب السادس فيما يحل من مخالطة السلاطين الظلمة وما يحرم وحكم غشيان # مجالسهم و الدخول عليهم و الإكرام لهم # إعلم أن لك مع الأمراء و العمال الظلمة ثلاثة أحوال # الحالة الأولى وهي شرها أن تدخل عليهم # والثانية وهي دونها أن يدخلوا عليك و الثالثة وهي الأسلم أن تعتزل عنهم ~~فلا تراهم ولا يرونك # أما الحالة الأولى وهي الدخول عليهم فهو مذموم جدا في الشرع وفيه تغليظات ~~وتشديدات تواردت بها الأخبار والآثار فننقلها لتعرف ذم الشرع له ثم نتعرض ~~لما يحرم منه وما يباح وما يكره على ما تقتضيه الفتوى في ظاهر العلم # أما الأخبار فإنه لما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمراء الظلمة ~~قال فمن نابذهم نجا ومن اعتزلهم سلم أو كاد أن يسلم ومن وقع معهم في دنياهم ~~فهو منهم + حديث فمن نابذهم نجا ومن اعتزلهم سلم أو كاد يسلم ومن وقع معهم ~~في دنياهم فهو منهم أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس بسند ضعيف و قال ومن ~~خالطهم هلك + # وذلك لأن من اعتزلهم سلم من إممهم ولكن لم يسلم من عذاب يعمه معهم إن نزل ~~بهم لتركه المنابذة و المنازعة # وقال صلى الله عليه وسلم سيكون من بعدي أمراء يكذبون ويظلمون فمن صدقهم ~~يكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولم يرد على الحوض + حديث ~~سيكون بعدي أمراء يكذبون ويظلمون فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس ~~منى ولست منه ولم يرد على الحوض أخرجه النسائي و الترمذي وصححه و الحاكم من ~~حديث كعب ابن عجرة + # وروى أبو هريرة رضي الله عنه انه قال صلى الله عليه وسلم أبغض القراء إلى ~~الله تعالى الذين يزورون الأمراء + حديث أبي هريرة أبغض القراء إلى الله عز ~~وجل الذين يأتون الأمراء تقدم في العلم + # وفي الخبر خير الأمراء الذين يأتون العلماء وشر العلماء الذين يأتون ~~الأمراء # وفي الخبر العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان فإذا ~~فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل فاحذروهم واعتزلوهم + حديث انس العلماء أمناء ~~الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان الحديث أخرجه العقيلي في ~~الضعفاء في ترجمة حفص الابرى و قال حديثه غير محفوظ تقدم في العلم + # رواه انس رضي الله عنه # وأما الآثار فقد قال حذيفة إياكم ومواقف الفتن قيل وما هي قال أبواب ~~الأمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول ما ليس فيه # وقال أبو ذر لسلمة يا سلمة لا تغش أبواب السلاطين فإنك لا تصيب من دنياهم ~~شيئا إلا أصابوا من دينك أفضل منه وقال سفيان في جهنم واد لا يسكنه إلا ~~القراء الزوارون للملوك # وقال الأوزاعى ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملا # وقال سمنون ما أسمج بالعالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد فيسأل عنه فيقال ~~عند الأمير # وكنت أسمع أنه يقال إذا رأيتم العالم يحب الدنيا فاتهموه على دينكم حتى ~~جربت ذلك إذ ما دخلت قط على هذا السلطان إلا وحاسبت نفسي بعد الخروج فأرى ~~عليها الدرك مع ما أواجههم به من الغلظة و المخالفة لهواهم # وقال عبادة بن الصامت حب القاريء الناسك الأمراء نفاق وحبه الأغنياء رياء # وقال أبو ذر من كثر سواد قوم فهو منهم أي من كثر سواد الظلمة # وقال ابن مسعود رضي الله عنه أن الرجل ليدخل على السلطان ومعه دينه فيخرج ~~ولا دين له قيل له ولم قال لأنه يرضيه بسخط الله # واستعمل عمر بن PageV02P142 عبد العزيز رجلا فقيل كان عاملا للحجاج فعزله ~~فقال الرجل إنما عملت له شيء يسير فقال له عمر حسبك بصحبته يوما أو بعض يوم ~~شؤما وشرا # وقال الفضيل ما ازداد رجل من ذي سلطان قربا إلا ازداد من الله بعدا # وكان سعيد بن المسيب يتجر في الزيت ويقول أن في هذا لغنى عن هؤلاء ~~السلاطين وقال وهيب هؤلاء الذين يدخلون على الملوك لهم أضر على الأمة من ~~المقامرين # وقال محمد بن سلمة الذباب على العذرة أحسن من قارئ على باب هؤلاء # ولما خالط الزهري السلطان كتب أخ له في الدين إليه # عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن ~~يدعوا لك الله ويرحمك أصبحت شيخا كبيرا قد أثقلتك نعم الله لما فهمك من ~~كتابه وعلمك من سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وليس كذلك أخذ الله ~~الميثاق على العلماء قال الله تعالى @QB@ لتبيننه للناس ولا تكتمونه @QE@ و ~~أعلم أن أيسر ما ارتكبت واخف ما احتملت أنك آنست وحشة الظالم وسهلت سبيل ~~البغي بدنوك ممن لم يؤد حقا ولم يترك باطلا حين أدناك اتخذوك قطبا تدور ~~عليك رحى ظلمهم وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم وسلما يصعدون فيه إلى ضلالهم ~~ويدخلون بك الشك على العلماء ويصادون بك قلوب الجهلاء فما أيسر ما عمروا في ~~جنب ما خربوا عليك وما أكثر ما أخذوا منك فيما أفسدوا عليك من دينك فما ~~يؤمنك أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم @QB@ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا ~~الصلاة @QE@ الآية وإنك تعامل من لا يجهل ويحفظ عليك من لا يغفل فداو دينك ~~فقد دخله سقم وهيء رادك فقد حضر سفر بعيد @QB@ وما يخفى على الله من شيء في ~~الأرض ولا في السماء @QE@ و السلام # فهذه الأخبار و الآثار تدل على ما في مخالطة السلاطين من الفتن وأنواع ~~الفساد ولكن نفصل ذلك تفضيلا فقيها تميز فيه المحظور عن المكروه و المباح # فنقول الداخل على السلطان متعرض لأن يعصي الله تعالى إما بفعله أو بسكوته ~~وإما بقوله وإما باعتقاده فلا ينفك عن أحد هذه الأمور # أما الفعل فالدخول عليهم في غالب الأحوال يكون إلى دور مغصوبة وتخطيها و ~~الدخول فيها بغير إذن الملاك حرام ولا يغرنك قول القائل أن ذلك مما يتسامح ~~به الناس كتمرة أو فتات خبز ذلك صحيح في غير المغصوب أما المغصوب فلا # لأنه إن قيل أن كل جلسة خفيفة لا تنقص الملك فهي في محل التسامح وكذلك ~~الاجتياز فيجري هذا في كل واحد فيجري أيضا في المجموع و الغصب إنما تم بفعل ~~الجميع وإنما يتسامح به إذا انفرد إذ لو علم المالك به ربما لم يكرهه فأما ~~إذا كان ذلك طريقا إلى الاستغراق بالاشتراك فحكم التحريم ينسحب على الكل ~~فلا يجوز أن يؤخذ ملك الرجل طريقا اعتمادا على أن كل واحد من المارين إنما ~~يخطو خطوة لا تنقص الملك لان المجموع مفتوت للملك وهو كضربة خفيفة في ~~التعليم تباح ولكن بشرط الانفراد فلو اجتمع جماعة بضربات توجب القتل وجب ~~القصاص على الجميع مع أن كل واحدة من الضربات لو انفردت لكانت لا توجب ~~قصاصا # فإن فرض كون الظالم في موضع غير مغصوب كالموات مثلا فإن كان تحت خيمة أو ~~مظلة من ماله فهو حرام و الدخول إليه غير جائز لأنه انتفاع بالحرام ~~واستظلال به # فإن فرض كل ذلك حلالا فلا يعصى بالدخول من حيث انه دخول ولا بقوله السلام ~~عليكم ولكن أن سجد أو ركع أو مثل قائما في سلامه وخدمته كان مكرما للظالم ~~بسبب ولايته التي هي آلة ظلمه و التواضع للظالم معصية # بل من تواضع لغني ليس يظالم لأجل غناه لا لمعنى آخر اقتضى التواضع نقص ~~ثلثا دينه فكيف إذا تواضع للظالم فلا يباح إلا مجرد السلام فأما تقبيل اليد ~~و الانحناء في الخدمة فهو معصية إلا عند الخوف أو الأمام عادل أو لعالم أو ~~لمن يستحق ذلك بأمر ديني # قبل PageV02P143 أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه يد علي كرم الله وجهه ~~لما أن لقيه بالشام فلم ينكر عليه # وقد بالغ بعض السلف حتى امتنع عن رد جوابهم في السلام و الاعراض عنهم ~~استحقارا لهم وعد ذلك من محاسن القربات # فأما السكوت عن رد الجواب ففيه نظر لأن ذلك واجب فلا ينبغي أن يسقط ~~بالظلم # فإن ترك الداخل جميع ذلك واقتصر على السلام فلا يخلو من الجلوس على ~~بساطهم وإذا كان اغلب أموالهم حراما فلا يجوز الجلوس على فرشهم هذا من حيث ~~الفعل # فأما السكوت فهو أنه سيرى في مجلسهم من الفرش الحرير وأواني الفضة و ~~الحرير الملبوس عليهم وعلى غلمانهم ما هو حرام # وكل من رأى سيئة وسكت عليها فهو شريك في تلك السيئة # بل يسمع من كلامهم ما هو فحش وكذب وشتم وإيذاء والسكوت على جميع لك حرام ~~بل يراهم لابسين الثياب الحرام واكلين الطعام الحرام وجميع ما فى أيديهم ~~حرام والسكوت على ذلك غير جائز فيجب عليه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ~~بلسانه أن لم يقدر بفعله # فإن قلت انه يخاف على نفسه فهو معذور في السكوت فهذا حق ولكنه مستغن عن ~~أن يعرض نفسه لارتكاب مالا يباح إلا بعذر فإنه لو لم يدخل ولم يشاهد لم ~~يتوجه عليه الخطاب بالحسبة حتى يسقط عنه بالعذر # وعند هذا أقول من علم فسادا في موضع وعلم أنه لا يقدر على إزالته فلا ~~يجوز له أن يحضر ليجري ذلك بين يديه وهو يشاهده ويسكت بل ينبغي أن يحترز عن ~~مشاهدته # وأما القول فهو أن يدعو للظالم أو يثني عليه أو يصدقه فيما يقول من باطل ~~بصريح قوله أو بتحريك رأسه أو باستبشار في وجهه أو يظهر له الحب و الموالاة ~~و الاشتياق إلى لقائه و الحرص على طول عمره وبقائه فإنه في الغالب لا يقتصر ~~على السلام بل يتكلم ولا يعدو كلامه هذه الأقسام # أما الدعاء له فلا يحل إلا أن يقول أصلحك الله أو وفقك الله للخيرات أو ~~طول الله عمرك في طاعته أو ما يجري هذا المجرى # فأما الدعاء بالحراسة وطول البقاء وإسباغ النعمة مع الخطاب بالمولى وما ~~في معناه فغير جائز قال صلى الله عليه وسلم من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب ~~أن يعصى الله في أرضه + حديث من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في ~~أرضه تقدم + # فإن جاوز الدعاء إلى الثناء فسيذكر ما ليس فيه فيكون به كاذبا ومنافقا ~~ومكرما لظالم وهذه ثلاث معاص # وقد قال صلى الله عليه وسلم إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق + حديث إن الله ~~ليغضب إذا مدح الفاسق تقدم + # وفي خبر آخر من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام + حديث من أكرم ~~فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام تقدم أيضا + # فإن جاوز ذلك إلى التصديق له فيما يقول والتزكية والثناء على ما يعمل كان ~~عاصيا بالتصديق والإعانة فإن التزكية والثناء إعانة على المعصية وتحريك ~~للرغبة فيه كما أن التكذيب والذمة والتقبيح زجر عنه وتضعيف لدواعيه # والإعانة على المعصية معصية ولو بشطر كلمة # ولقد سئل سفيان الثوري رضي الله عنه عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هل ~~يسقى شربة ماء فقال لا دعه حتى يموت فإن ذلك إعانة له # وقال غيره يسقى إلى أن تثوب إليه نفسه ثم يعرض عنه # فإن جاوز ذلك إلى إظهار الحب والشوق إلى لقائه وطول بقائه فإن كان كاذبا ~~عصى معصية الكذب والنفاق وإن كان صادقا عصى بحبه بقاء الظالم وحقه أن يبغضه ~~في الله ويمقته # فالبغض في الله واجب ومحب المعصية والراضي بها عاص ومن أحب ظالما فإن ~~أحبه لظلمه فهو عاص لمحبته وإن أحبه لسبب آخر فهو عاص من حيث إنه لم يبغضه ~~وكان الواجب عليه أن يبغضه # وإن اجتمع في شخص خير وشر وجب أن يحب لأجل ذلك الخير ويبغض لأجل ذلك الشر # وسيأتي PageV02P144 # في كتاب الأخوة و المتحابين في الله وجه الجمع بين البغض و الحب # فإن سلم من ذلك كله وهيهات فلا يسلم من فساد يتطرق إلى قلبه فإنه ينظر ~~إلى توسعه في النعمة ويزدري نعم الله عليه ويكون مقتحما نهى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم حيث قال يا معشر المهاجرين لا تدخلوا على أهل الدنيا فإنها ~~مسخطة للرزق + حديث يا معشر المهاجرين لا تدخلوا على أهل الدنيا فإنها ~~مسخطة للرزق أخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن الشخير أقلوا الدخول على ~~الأغنياء فإنه أجدر أن لا تزدروا نعم الله عز وجل وقال صحيح الإسناد + # وهذا مع ما فيه من اقتداء غيره به في الدخول ومن تكثيره سواد الظلمة ~~بنفسه وتجميله إياهم أن كان ممن يتجمل به وكل ذلك إما مكروهات أو محظورات # دعى سعيد بن المسيب إلى البيعة للوليد وسليمان ابني عبد الملك بن مروان ~~فقال # لا أبايع اثنين ما اختلف الليل و النهار فإن النبي صلى الله عليه وسلم ~~نهى عن بيعتين + حديث دعى ابن المسيب إلى البيعة للوليد وسليمان ابني عبد ~~الملك فقال لا أبايع اثنين ما اختلف الليل و النهار فإن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم نهى عن بيعتين أخرجه أبو نعيم في الحلية بإسناد صحيح من رواية ~~يحيى بن سعيد + # فقال ادخل من الباب واخرج من الباب الآخر فقال لا و الله لا يتقدى بي أحد ~~من الناس فجلد مائة و ألبس المسوح # ولا يجوز الدخول عليهم إلا بعذرين أحدهما أن يكون من جهتهم أمر إلزام لا ~~أمر إكرام وعلم انه لو امتنع أوذى أو فسد عليهم طاعة الرعية واضطرب عليهم ~~أمر السياسة فيجب عليه الإجابة لا طاعة لهم بل مراعاة لمصلحة الخلق حتى لا ~~تضطرب الولاية # و الثاني أن يدخل عليهم في دفع ظلم عن مسلم سواه أو عن نفسه إما بطريق ~~الحسبة أو بطريق التظلم فذلك رخصة بشرط أن لا يكذب ولا يثنى ولا يدع نصيحة ~~يتوقع لها قبولا فهذا حكم الدخول # الحالة الثانية أن يدخل عليك السلطان الظالم زائرا فجواب السلام لا بد ~~منه # واما القيام والإكرام له فلا يحرم مقابلة له على إكرامه # فأنه بإكرام العلم والدين مستحق للإحماد كما انه بالظلم مستحق للأبعاد # فالإكرام بالإكرام و الجواب بالسلام # ولكن الأولى أن لا يقوم أن كان معه في خلوة ليظهر له بذلك عز الدين ~~وحقارة الظلم ويظهر غضبه للدين وإعراضه عمن أعرض عن الله فأعرض الله تعالى ~~عنه # وإن كان الداخل عليه في جمع فمراعاة حشمة أرباب الولايات فيما بين ~~الرعايا مهم فلا بأس بالقيام على هذه النية # وان علم أن ذلك لا يورث فسادا في الرعية ولا يناله أذى من غضبه فترك ~~الإكرام بالقيام أولى ثم يجب عليه بعد أن وقع اللقاء أن ينصحه فإن كان قارف ~~ما لا يعرف تحريمه وهو يتوقع أن يتركه إذا عرف فليعرفه فذلك واجب # وأما ذكر تحريم ما يعلم تحريمه من السرف و الظلم فلا فائدة فيه بل عليه ~~أن يخوفه فيما يرتكبه من المعاصي مهما ظن أن التخويف يؤثر فيه # وعليه أن يرشده إلى طريق المصلحة إن كان يعرف طريقا على وفق الشرع بحيث ~~يحصل بها غرض الظالم من غير معصية ليصده بذلك عن الوصول إلى غرضه بالظلم # فإذا يجب عليه التعريف في محل جهله و التخويف فيما هو مستجرئ عليه و ~~الإرشاد إلى ما هو غافل عنه مما يغنيه عن الظلم فهذه ثلاثة أمور تلزمه إذا ~~توقع للكلام فيه أثرا وذلك أيضا لازم على كل من اتفق له دخول على السلطان ~~بعذر أو بغير عذر # وعن محمد بن صالح قال كنت عند حماد بن سلمة وإذا ليس في البيت إلا حصير ~~وهو جالس عليه ومصحف يقرأ فيه وجراب فيه علمه ومطهرة يتوضأ منها فبينا أنا ~~عنده إذ دق داق الباب فإذا هو محمد بن سليمان فأذن له فدخل وجلس بين يديه ~~ثم قال له مالى إذا رأيتك امتلأت منك رعبا قال حماد لأنه قال عليه السلام ~~إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء وان أراد أن يكنز به الكنوز ~~هاب من كل شيء + حديث حماد بن سلمة مرفوعا إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل ~~شيء وإذا أراد أن يكنز به الكنوز هاب من كل شيء هذا معضل وروى أبو الشيخ ~~ابن حبان في كتاب الثواب من حديث واثلة بن الأسقع من خاف الله خوف الله منه ~~كل شيء ومن لم يخف الله خوفه الله من كل شيء وللعقيلي في الضعفاء نحوه من ~~حديث أبي هريرة وكلاهما منكر + # ثم عرض عليه أربعين ألف درهم و قال تأخذها وتستعين بها قال ارددها على من ~~ظلمته بها PageV02P145 قال و الله ما أعطيتك إلا مما ورثته قال لا حاجة لي ~~بها فتأخذها فتقسمها قال لعلى أن عدلت في قسمتها أخاف أن يقول بعض من لم ~~يرزق منها انه لم يعدل في قسمتها فيأثم فازوها عنى # الحالة الثالثة أن يعتزلهم فلا يراهم ولا يرونه وهو الواجب إذ لا سلامة ~~إلا فيه فعليه أن يعتقد بغضهم على ظلمهم ولا يحب بقاءهم ولا يثنى عليهم ولا ~~يستخبر عن أحوالهم ولا يتقرب إلى المتصلين بهم ولا يتأسف على ما يفوت بسبب ~~مفارقتهم وذلك إذا خطر بباله أمرهم وان غفل عنهم فهو الأحسن # وإذا خطر بباله تنعمهم فليذكر ما قاله حاتم الأصم إنما بيني وبين الملوك ~~يوم واحد فأما أمس فلا يجدون لذته وإني وإياهم في غد لعلى وجل وإنما هو ~~اليوم وما عسى أن يكون في اليوم وما قاله أبو الدرداء إذ قال أهل الأموال ~~يأكلون ونأكل ويشربون ونشرب ويلبسون ونلبس ولهم فضول أموال ينظرون إليها ~~وننظر معهم إليها وعليهم حسابها ونحن منها براء # وكل من أحاط علمه بظلم ظالم ومعصية عاص فينبغي أن يحط ذلك من درجته في ~~قلبه # فهذا واجب عليه لان من صدر منه ما يكره نقص ذلك من رتبته في القلب لا ~~محالة # و المعصية ينبغي أن تكره فإنه إما أن يغفل عنها أو يرضى بها أو يكره ولا ~~غفلة مع العلم ولا وجه للرضا فلا بد من الكراهة فليكن جناية كل أحد على حق ~~الله كجنايته على حقك # فإن قلت الكراهة لا تدخل تحت الاختيار فكيف تجب قلنا ليس كذلك فإن المحب ~~يكره بضرورة الطبع ما هو مكروه عند محبوبه ومخالف له فإن من لا يكره معصية ~~الله لا يحب الله وإنما لا يحب الله من لا يعرفه و المعرفة واجبة و المحبة ~~لله واجبة # وإذا أحبه كره ما كرهه وأحب ما أحبه وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب المحبة و ~~الرضا # فإن قلت فقد كان علماء السلف يدخلون على السلاطين فأقول نعم تعلم الدخول ~~منهم ثم ادخل كما حكى أن هشام بن عبد الملك قدم حاجا إلى مكة فلما دخلها ~~قال ائتوني برجل من الصحابة فقيل يا أمير المؤمنين قد تفانوا فقال من ~~التابعين فأتى بطاوس اليماني فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه ولم ~~يسلم عليه بإمرة المؤمنين ولكن قال السلام عليك يا هشام ولم يكنه وجلس ~~بإزائه و قال كيف أنت يا هشام فغضب هشام غضبا شديدا حتى هم بقتله فقيل له ~~أنت في حرم الله وحرم رسوله ولا يمكن ذلك فقال يا طاوس ما الذي حملك على ما ~~صنعت قال وما الذي صنعت فازداد غضبا وغيظا قال خلعت نعليك بحاشية بساطي ولم ~~تقبل يدي ولم تسلم علي بإمرة المؤمنين ولم تكنني وجلست بإزائي بغير إذني ~~وقلت كيف أنت يا هشام قال أما ما فعلت من خلع نعلي بحاشية بساطك فإني ~~أخلعهما بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات ولا يعاقبني ولا يغضب علي وأما ~~قولك لم تقبل يدي فإني سمعت أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه ~~يقول لا يحل لرجل أن يقبل يد أحد إلا امرأته من شهوة أو ولده من رحمة وأما ~~قولك لم تسلم على بإمرة المؤمنين فليس كل الناس راضين بإمرتك فكرهت أن أكذب ~~وأما قولك لم تكنني فإن الله تعالى سمى أنبياءه وأولياءه فقال يا يحيى يا ~~عيسى وكنى أعداءه فقال @QB@ تبت يدا أبي لهب @QE@ وأما قولك جلست بإزائي ~~فإني سمعت أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه يقول إذا أردت أن تنظر إلى رجل ~~من أهل النار فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام # فقال له هشام عظنى فقال سمعت من أمير المؤمنين على رضى الله عنه يقول أن ~~في جهنم حيات كالقلال وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته # ثم قام وهرب # وعن سفيان الثوري رضي الله عنه قال أدخلت على أبي جعفر المنصور بمنى فقال ~~لي ارفع إلينا حاجتك فقلت له اتق الله فقد ملأت الأرض ظلما وجورا # قال فطأطأ رأسه ثم رفعه فقال ارفع إلينا PageV02P146 حاجتك فقلت إنما ~~أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين و الأنصار وأبناؤهم يموتون جوعا فاتق ~~الله وأوصل إليهم حقوقهم فطأطأ رأسه ثم رفعه فقال ارفع إلينا حاجتك فقلت حج ~~عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال لخازنه كم أنفقت قال بضعة عشر درهما وأرى ~~ههنا أموالا لا تطيق الجمال حملها وخرج فهكذا كانوا يدخلون على السلاطين ~~إذا ألزموا وكانوا يغررون بأرواحهم للانتقام لله من ظلمهم # ودخل ابن أبي شميلة على عبد الملك بن مروان فقال له تكلم فقال له إن ~~الناس لا ينجون في القيامة من غصصها ومراراتها ومعاينة الردى فيها إلا من ~~أرضى الله بسخط نفسه فبكى عبد الملك و قال لأجعلن هذه الكلمة مثالا نصب ~~عيني ما عشت # ولمال استعمل عثمان بن عفان رضي الله عنه عبد الله بن عامر أتاه أصحاب ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبطأ عنه أبو ذر وكان له صديقا فعاتبه فقال ~~أبو ذر # سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن الرجل إذا ولى ولايته تباعد ~~الله عنه + حديث أبي ذر أن الرجل إذا ولى ولاية تباعد الله عز وجل منه لم ~~أقف له على أصل + # ودخل مالك بن دينار على أمير البصرة فقال أيها الأمير قرأت في بعض الكتب ~~أن الله تعالى يقول ما أحمق من سلطان وما أجهل ممن عصاني ومن أعز ممن اعتز ~~بي أيها الراعي السوء دفعت إليك غنما سمانا صحاحا فأكلت اللحم ولبست الصوف ~~وتركها عظاما تتقعقع فقال له والي البصرة أندري ما الذي يجرئك علينا ~~ويجنبنا عنك قال لا قال قلة الطمع فينا وترك الإمساك لما في أيدينا # وكان عمر بن عبد العزيز واقفا مع سليمان ابن عبد الملك فسمع سليمان صوت ~~الرعد فجزع ووضع صدره على مقدمة لرحل فقال له عمر هذا صوت رحمته فكيف إذا ~~سمعت صوت عذابه ثم نظر سليمان إلى الناس فقال ما أكثر الناس فقال عمر ~~خصماؤك يا أمير المؤمنين فقال له سليمان ابتلاك الله بهم # وحكى أن سليمان بن عبد الملك قدم المدينة وهو يريد مكة فأرسل إلى أبي ~~حازم فدعاه فلما دخل عليه قال له سليمان يا أبا حازم ما لنا نكره الموت ~~فقال لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى ~~الخراب فقال يا أبا حازم كيف القدوم على الله قال يا أمير المؤمنين أما ~~المحسن فكالغائب يقدم على أهله وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه فبكى ~~سليمان و قال ليت شعري ما لي عند الله قال أبو حازم اعرض نفسك على كتاب ~~الله تعالى حيث قال @QB@ إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم @QE@ قال ~~فأين رحمة الله قال قريب من المحسنين ثم قال سليمان يا أبا حازم أي عباد ~~الله أكرم قال أهل البر و التقوى قال فأي الأعمال أفضل قال أداء الفرائض مع ~~اجتناب المحارم قال فأي الكلام أسمع قال قول الحق عند من تخاف وترجوا قال ~~فأي المؤمنين أكيس قال رجل عمل بطاعة الله ودعا الناس إليها قال فأي ~~المؤمنين أخسر قال رجل خطا في هوى أخيه وهو ظالم فباع آخرته بدنيا غيره قال ~~سليمان ما تقول فيما نحن فيه قال أو تعفيني قال لا بد فإنها نصيحة تلقيها ~~إلي قال يا أمير المؤمنين إن آباءك قهروا الناس بالسيف وأخذوا هذا الملك ~~عنوة من غير مشورة من المسلمين ولا رضا منهم حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة ~~وقد ارتحلوا فلو شعرت مما قالوا وما قيل لهم فقال له رجل من جلسائه بئسما ~~قلت قال أبو حازم إن الله قد أخذ الميثاق على العلماء ليبيننه للناس ولا ~~يكتمونه # قال وكيف لنا أن نصلح هذا الفساد قال أن تأخذه من حله فتضعه في حقه فقال ~~سليمان ومن يقدر على ذلك فقال من يطلب الجنة و يخاف من النار # فقال سليمان ادع لي # فقال أبو حازم اللهم إن كان سليمان وليك فيسره لخيري الدنيا و الآخرة وإن ~~كان عدوك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى فقال سليمان أوصنى فقال أوصيك وأوجز ~~عظم ربك ونزهه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك # وقال عمر PageV02P147 ابن عبد العزيز لأبي حازم عظني فقال اضطجع ثم اجعل ~~الموت عند رأسك ثم أنظر إلى ما تحب أن يكون فيك تلك الساعة فخذ به الآن وما ~~تكره أن يكون فيك تلك الساعة فدعه الآن فلعل تلك الساعة قريبة # ودخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك فقال تكلم يا أعرابي فقال يا أمير ~~المؤمنين أني مكلمك بكلام فاحتمله وإن كرهته فإن وراءه ما تحب إن قبلته ~~فقال يا أعرابي أنا لنجود بسعة الاحتمال على من لا نرجو نصحه ولا تأمن غشه ~~فكيف بمن نأمن غشه ونرجو نصحه فقال الأعرابي يا أمير المؤمنين إنه قد تكنفك ~~رجال اساءوا الاختيار لانفسهم وابتاعوا دنياهم بدينهم ورضاك بسخط ربهم ~~خافوك في الله تعالى ولم يخافوا الله فيك حرب الآخرة سلم الدنيا فلا ~~تأتمنهم على ما ائتمنك الله تعالى عليه فانهم لم يألوا في الأمانة تضييعا ~~وفي الأمة خسفا وعسفا وأنت مسؤل عما اجترحوا وليسوا بمسؤولين عما اجترحت ~~فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك فإن اعظم الناس غبنا من باع اخرته بدنيا غيره ~~فقال له سليمان يا أعرابي أما انك قد سللت لسانك وهو أقطع سيفيك قال اجل يا ~~أمير المؤمنين ولكن لك لا عليك # وحكي أن أبا بكرة دخل على معاوية فقال اتق الله يا معاوية واعلم انك في ~~كل يوم يخرج عنك وفي كل ليلة تأتي عليك لا تزداد من الدنيا إلا بعدا ومن ~~الآخرة إلا قربا وعلى آثرك طالب لا تفوته وقد نصب لك علما لا تجوزه فما ~~أسرع ما تبلغ العلم وما اوشك ما يلحق بك الطالب وأنا وما نحن فيه زائل وفي ~~الذي نحن إليه صائرون باق أن خيرا فخير وان شرا فشر # فهكذا كان دخول أهل العلم على السلاطين اعني علماء الآخرة فأما علماء ~~الدنيا فيدخلون ليتقربوا إلى قلوبهم فيدلونهم على الرخص ويستنبطون لهم ~~بدقائق الحيل طرق السعة فيما يوافق أغراضهم # وان تكلموا بمثل ما ذكرناه في معرض الوعظ لم يكن قصدهم الاصلاح بل اكتساب ~~الجاه والقبول عندهم # وفي هذا غروران يغتر بهم الحمقى أحدهما أن يظهر أن قصدي في الدخول عليهم ~~اصلاحهم بالوعظ # وربما يلبسون على أنفسهم بذلك وإنما الباعث لهم شهوة خفية للشهرة وتحصيل ~~المعرفة عندهم وعلامة الصدق في طلب الاصلاح انه لو تولى ذلك الوعظ غيره ممن ~~هو من أقرانه في العلم ووقع موقع القبول وظهر به اثر الصلاح فينبغي أن يفرح ~~به ويشكر الله تعالى على كفايته هذا المهم كمن وجب عليه أن يعالج مريضا ~~ضائعا فقام بمعاجلته غيره فإنه يعظم به فرحه # فإن كان يصادف في قلبه ترجيحا لكلامه على كلام غيره فهو مغرور الثاني أن ~~يزعم أني أقصد الشفاعة لمسلم في دفع ظلامة # وهذا أيضا مظنة الغرور ومعياره ما تقدم ذكره # وإذا ظهر طريق الدخول عليهم فلنرسم في الأحوال العارضة في مخالطة ~~السلاطين ومباشرة أموالهم مسائل # مسألة إذا بعث إليك السلطان مالا لتفرقه على الفقراء فإن كان له مالك ~~معين فلا يحل أخذه وإن لم يكن بل كان حكمه انه يحب التصدق به على المساكين ~~كما سبق فلك أن تأخذه وتتولى التفرقة ولا تعصى بأخذه ولكن من العلماء من ~~امتنع عنه فعند هذا ينظر في الأولى فنقول # الأولى أن تأخذه إن أمنت ثلاث غوائل # الغائلة الأولى أن يظن السلطان بسبب أخذك أن ماله طيب ولولا انه طيب لما ~~كنت تمد يدك إليه ولا تدخله في ضمانك فإن كان كذلك فلا تأخذه فإن ذلك محذور ~~ولا يفي الخير في مباشرتك التفرقة بما يحصل لك من الجراءة على كسب الحرام # الغائلة الثانية أن ينظر إليك غيرك من العلماء و الجهال فيعتقدون انه ~~حلال فيقتدون بك في الأخذ ويستدلون به PageV02P148 على جوازه ثم لا يفرقون ~~فهذا أعظم من الأول فإن جماعة يستدلون بأخذ الشافعي رضي الله عنه على جواز ~~الأخذ ويغفلون عن تفرقته وأخذه على نية التفرقة فالمقتدي و المتشبه به ~~ينبغي أن يحترز عن هذا غاية الاحتراز فإنه يكون فعله سبب ضلال خلق كثير # وقد حكى وهب بن منبه أن رجلا أتى به إلى ملك بمشهد من الناس ليكرهه على ~~أكل لحم الخنزير فلم يأكل فقدم إليه لحم غنم وأكره بالسيف فلم يأكل فقيل له ~~في ذلك فقال أن الناس قد اعتقدوا أني طولبت بأكل لحم الخنزير فإذا خرجت ~~سالما وقد أكلت فلا يعلمون ماذا أكلت فيضلون # ودخل وهب ابن منبه وطاوس على محمد بن يوسف أخي الحجاج وكان عاملا وكان في ~~غداة باردة في مجلس بارز فقال لغلامه هلم ذلك الطيلسان وألقه على أبي عبد ~~الرحمن أي طاوس وكان قد قعد على كرسي فألقى عليه فلم يزل يحرك كتفيه حتى ~~ألقى الطيلسان عنه فغضب محمد بن يوسف فقال وهب كنت غنيا عن أن تغضبه لو ~~أخذت الطيلسان وتصدقت به قال نعم لولا أن يقول من بعدي إنه أخذه طاوس ولا ~~يصنع به ما أصنع به إذن لفعلت # الغائلة الثانية أن يتحرك قلبك إلى حبك لتخصيصه إياك وإثاره لك بما أنفذه ~~إليك فإن كان كذلك فلا تقبل ذلك هو السم القاتل و الداء الدفين أعنى ما ~~يحبب الظلمة إليك فإن من أحببته لا بد أن تحرص عليه وتداهن فيه # قالت عائشة رضي الله عنها جبلت النفوس على حب من احسن إليها # وقال عليه السلام اللهم لا تجعل لفاجر عندي يدا فيحبه قلبي + حديث اللهم ~~لا تجعل لفاجر عندي يدا فيحبه قلبي أخرجه ابن مردويه في التفسير من رواية ~~كثير بن عطية عن رجل لم يسم ورواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من ~~حديث معاذ وأبو موسى المديني في كتاب تضييع العمر و الأيام مرسلا وأسانيده ~~كلها ضعيفة + # بين صلى الله عليه وسلم أن القلب لا يكاد يمتنع من ذلك # وروى أن بعض الأمراء أرسل إلى مالك بن دينار بعشرة آلاف درهم فأخرجها ~~كلها فأتاه محمد بن واسع فقال ما صنعت بما أعطاك هذا المخلوق قال سل أصحابي ~~فقالوا أخرجه كله فقال # أنشدك الله أقلبك أشد حبا له الآن أم قبل أن أرسل إليك لا بل الآن قال ~~إنما كنت أخاف هذا # وقد صدق فإنه إذا احبه احب بقاءه وكره وعزله ونكبته وموته وأحب اتساع ~~ولايته وكثرة ماله وكل ذلك حب لأسباب الظلم وهو مذموم # قال سلمان وابن مسعود رضي الله عنهما من رضى بأمر وان غاب عنه كان كمن ~~شهده قال تعالى @QB@ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا @QE@ قيل لا ترضوا ~~بأعمالهم فإن كنت في القوة بحيث لا تزداد حبالهم بذلك فلا بأس بالأخذ # وقد حكى عن بعض عباد البصرة أنه كان يأخذ أموالا ويفرقها فقيل له ألا ~~تخاف أن تحبهم فقال لو أخذ رجل بيدى وأدخلنى الجنة ثم عصى ربه ما أحبه قلبي ~~لأن ما الذي سخره للأخذ بيدي هو الذي أبغضه لأجله شكرا له على تصخيره إياه # وبهذا تبين أخذ المال الآن منهم وأن كان ذلك المال بعينه من وجه حلال ~~محذور ومذموم لأنه لا ينفك عن هذه الغوائل # مسألة أن قال قائل إذا جاز أخذ ماله وتفرقته فهل يجوز أن يسرق ماله أو ~~تخفي وديعته وتنكر وتفرق على الناس فنقول ذلك غير جائز لأنه ربما يكون له ~~مالك معين وهو على عزم أن يرده عليه وليس هذا كما لو بعثه إليك فإن العاقل ~~لا يظن به أنه يتصدق بما يعلم مالكه فيدل تسليمه على أنه لا يعرف مالكه فإن ~~كان ممن يشكل عليه مثله فلا يجوز أن يقبل منه المال مالم يعرف ذلك ثم كيف ~~يسرق ويحتمل أن يكون ملكه قد حصل له بشراء في ذمته فإن اليد دلالة على ~~الملك # فهذا لا سبيل إليه بل لو وجد لقطة وظهر أن صاحبها جندي واحتمل أن تكون له ~~بشراء في الذمة أو غيره وجب الرد عليه # فإذا لا يجوز سرقة مالهم لا منهم ولا ممن أودع عنده # ولا يجوز إنكار وديعتهم ويجب الحد على سارق ما لهم إلا إذا ادعى السارق ~~انه ليس ملكا لهم فعند ذلك يسقط الحد بالدعوى PageV02P149 # مسألة المعاملة معهم حرام لأن اكثر ما لهم حرام فما يؤخذ عوضا فهو حرام ~~فإن أدى الثمن من موضع يعلم حله فيبقي النظر فيما سلم إليهم فإن علم إنهم ~~يعصون الله به كبيع الديباج منهم وهو يعلم أنهم يلبسونه فذلك حرام كبيع ~~العنب من الخمار وإنما الخلاف فى الصحة وإن أمكن ذلك وأمكن أن يلبسها نساءه ~~فهو شبهة مكروهه هذا فيما يعصى في عينه من الأموال # وفي معناه بيع الفرس منهم لا سيما في وقت ركوبهم إلى قتال المسلمين أو ~~جباية أموالهم فإن ذلك إعانة لهم بفرسه وهي محظورة # فأما بيع الدراهم و الدنانير منهم وما يجري مجراها مما لا يعصى في عينه ~~بل يتوصل بها فهو مكروه لما فيه من إعانتهم على الظلم لأنهم يستعينون على ~~ظلمهم بالأموال و الدواب وسائر الأسباب وهذه الكراهة جارية في الإهداء ~~إليهم وفي العمل لهم من غير أجرة حتى فى تعليمهم وتعليم أولادهم الكناية ~~والترسل والحساب وأما تعليم القرآن فلا يكره إلا من حيث أخذ الأجرة فإن ذلك ~~حرام إلا من وجه يعلم حله ولو انتصب وكيلا لهم يشتري لهم في الأسواق من غير ~~جعل أو أجرة فهو مكروه من حيث الإعانة وإن اشترى لهم ما يعلم أنهم يقصدون ~~به المعصية كالغلام و الديباج للعرش و اللبس و الفرس للركوب إلى الظلم و ~~القتل فذلك حرام # فمهما ظهر قصد المعصية بالمبتاع حصل التحريم ومهما لم يظهر واحتمل بحكم ~~الحال ودلالتها عليه حصلت الكراهة # مسألة الأسواق التي بنوها بالمال الحرام تحرم التجارة فيها ولا يجوز ~~سكناها فإن سكنها تاجر واكتسب بطريق شرعي لم يحرم كسبه وكان عاصيا بسكناه ~~وللناس أن يشتروا منهم ولكن لو وجدوا سوقا أخرى فالأولى الشراء منها فإن ~~ذلك إعانة لسكناهم وتكثير لكراء حوانيتهم وكذلك معاملة السوق التي لا خراج ~~لهم عليها أحب من معاملة سوق لهم عليها خراج وقد بالغ قوم حتى تحرزوا من ~~معاملة الفلاحين وأصحاب الأراضي التي لهم عليها الخراج فإنهم ربما يصرفون ~~ما يأخذون إلى الخراج فيحصل به الإعانة وهذا غلو في الدين وحرج على ~~المسلمين فإن الخراج قد عم الأراضي ولا غنى بالناس عن إرتفاق الأرض ولا ~~معنى للمنع منه ولو جاز هذا لحرم على المالك زراعة الأرض حتى لا يطلب ~~خراجها # وذلك مما يطول ويتداعى إلى حسم باب المعاش # مسألة معاملة قضاتهم وعمالهم وخدمهم حرام كمعاملتهم بل أشد # أما القضاة فلأنهم يأخذون من أموالهم الحرام الصريح ويكثرون جمعهم ويغرون ~~الخلق يزنهم فإنهم على زي العلماء ويختلطون بهم ويأخذون من أموالهم والطباع ~~مجبولة على التشبه والاقتداء بذوي الجاه والحشمة # فهم سبب انقياد الخلق إليهم # واما الخدم والحشم فأكثر أموالهم من الغصب الصريح ولا يقع في أيديهم مال ~~مصلحة وميراث وجزية ولا وجه حلال حتى تضعف الشبهة باختلاط الحلال بمالهم # قال طاوس لا اشهد عندهم وان تحققت لأني أخاف تعديهم على من شهدت عليه # وبالجملة إنما فسدت الرعية بفساد الملوك وفساد الملوك بفساد العلماء ~~فلولا القضاة السوء والعلماء السوء لقل فساد الملوك خوفا من إنكارهم # ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وكنفه ما ~~يمالئ قراؤها أمراءها + حديث لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وكنفه مالم ~~يمالئ قراؤها أمراءها أخرجه أبو عمرو الداني في كتاب الفتن من رواية الحسن ~~مرسلا ورواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي وابن عمر بلفظ مالم يعظم ~~أبرارها فجارها ويداهن خيارها شرارها وإسنادهما ضعيف + # وإنما ذكر القراء لأنهم كانوا هم العلماء وإنما كان علمهم بالقرآن ~~ومعانيه المفهومة بالسنة # وما وراء ذلك من العلوم فهي محدثة بعدهم # وقد قال سفيان لا تخالط السلطان ولا من يخالطه # وقال صاحب القلم وصاحب الدواة وصاحب القرطاس وصاحب الليطة بعضهم شركاء ~~بعض # وقد صدق فإن رسول الله PageV02P150 صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة ~~حتى العاصر و المعتصر + حديث أن النبي صلى الله تعالى وعلى اله وسلم لعن في ~~الخمر عشرة حتى العاصر و المعتصر أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث انس قال ~~الترمذي حديث غريب + # وقال ابن مسعود رضي الله عنه آكل الربا وموكله وشاهداه وكاتبه ملعونون ~~على لسان محمد صلى الله عليه وسلم + حديث ابن مسعود آكل الربا وموكله ~~وشاهده وكاتبه ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم رواه مسلم وأصحاب ~~السنن و اللفظ للنسائي دون قوله وشاهده ولأبي داود لعن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه قال الترمذي وصححه وابن ماجه ~~وشاهديه + # وكذا رواه جابر وعمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم + حديث جابر لعن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه قال هم سواء ~~أخرجه مسلم من حديثه و أما حديث عمر فأشار إليه الترمذي بقوله وفي الباب ~~ولابن ماجه من حديثه إن آخر ما أنزلت آية الربا أن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم مات ولم يفسرها فدعوا الربا والريبة وهو من رواية ابن المسيب عنه و ~~الجمهور على أنه لم يسمع منه + # وقال ابن سيرين لا تحلم للسلطان كتابا حتى تعلم ما فيه وامتنع سفيان رحمه ~~الله من مناولة الخليفة في زمانه دواة بين يديه و قال حتى أعلم ما تكتب بها ~~فكل من حواليهم من خدمهم وأتباعهم ظلمة مثلهم يجب بغضهم في الله جميعا # روى عن عثمان بن زائدة انه سأله رجل من الجند و قال أين الطريق فسكت ~~وأظهر الصمم وخاف أن يكون متوجها إلى ظلم فيكون هو بإرشاده إلى الطريق ~~معينا # وهذه المبالغة لم تنقل عن السلف مع الفساق من التجار و الحاكة والحجامين ~~وأهل الحمامات و الصاغة و الصباغين وأرباب الحرف مع غلبة الكذب و الفسق ~~عليهم بل مع الكفار من أهل الذمة وإنما هذا في الظلمة خاصة الآكلين لأموال ~~اليتامى و المساكين و المواظبين على إيذاء المسلمين الذين تعاونوا على طمس ~~رسوم الشريعة وشعائرها # وهذا لأن المعصية تنقسم إلى لازمة ومتعدية و الفسق لازم لا يتعدى وكذا ~~الكفر وهو جناية على حق الله تعالى وحسابه على الله وأما معصية الولاة ~~بالظلم وهو متعد فإنما يغلظ أمرهم لذلك وبقدر عموم الظلم وعموم التعدى ~~يزدادون عند الله مقتا فيجب أن يزداد منهم اجتنابا ومن معاملتهم احترازا ~~فقد قال صلى الله عليه وسلم يقال للشرطي دع سوطك وادخل النار + حديث يقال ~~للشرطي دع سوطك وادخل النار أخرجه أبو يعلى من حديث انس بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة رجال معهم سياط كأذناب البقر + ~~حديث من أشراط الساعة رجال معهم أسياط كأذناب البقر أخرجه أحمد و الحاكم و ~~قال صحيح الأسناد من حديث أبي أمامة يكون في آخر الزمان رجال معهم سياط ~~كأنها أذناب البقر الحديث ولمسلم من حديث أبي هريرة يوشك أن طالت بك مدة أن ~~ترى قوما في أيديهم مثل أذناب البقر وفي رواية له صنفان من أهل النار لم ~~أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر الحديث + # فهذا حكمهم ومن عرف بذلك منهم فقد عرف ومن لم يعرف فعلامته القباء وطول ~~الشوارب وسائر الهيئات المشهورة # فمن رؤى على تلك الهيئة تعين اجتنابه ولا يكون ذلك من سوء الظن لأنه الذي ~~جنى على نفسه إذ تزيا بزيهم ومساواة الزي تدل على مساواة القلب ولا يتجانن ~~إلا مجنون ولا يتشبه بالفساق إلا فاسق نعم الفاسق قد يلتبس بأهل الصلاح ~~فأما الصالح فليس له أن يتشبه بأهل الفساد لان ذلك تكثير لسوادهم وإنما نزل ~~قوله تعالى أن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم في قوم من المسلمين ~~كانوا يكثرون جماعة المشركين بالمخالطة وقد روى أن الله تعالى أوحى إلى ~~يوشع ابن نون أني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم وستين ألفا من شرارهم ~~فقال ما بال الأخيار قال إنهم لا يغضبون لغضبي فكانوا يؤاكلونهم ويشاربونهم # وبهذا يتبين أن بعض الظلمة و الغضب لله عليهم واجب وروى ابن مسعود عن ~~النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لعن علماء بني إسرائيل إذ خالطوا ~~الظالمين في معاشهم + حديث ابن مسعود لعن الله علماء بني إسرائيل إذ خالطوا ~~الظالمين في معايشهم أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا ~~فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم ~~على لسان داود وعيسى ابن مريم لفظ الترمذي و قال حسن غريب + PageV02P151 # مسألة المواضع التي بناها الظلمة كالقناطر و الرباطات و المساجد و ~~السقايات ينبغي أن يحتاط فيها وينظر أما القنطرة فيجوز العبور عليها للحاجة ~~و الورع الاحتراز ما أمكن و إن وجد عنه معدلا تأكد الورع # وإنما جوزنا العبور وإن وجد معدلا لأنه إذا لم يعرف الأعيان مالكا كان ~~حكمها أن ترصد للخيرات وهذا خير فأما إذا عرف أن الآجر و الحجر قد نقل من ~~دار معلومة أو مقبرة أو مسجد معين فهذا لا يحل العبور عليه أصلا إلا لضرورة ~~يحل بها مثل ذلك من مال الغير ثم يجب عليه الاستحلال من المالك الذي يعرفه # وأما المسجد فإن بنى في أرض مغضوبة أو بخشب مغصوب من مسجد آخر أو ملك ~~معين فلا يجوز دخوله أصلا ولا للجمعة بل لو وقف الأمام فيه فليصل هو خلف ~~الأمام وليقف خارج المسجد فإن الصلاة في الأرض المغصوبة تسقط الفرض وتنعقد ~~في حق الاقتداء فلذلك جوزنا للمقتدي الاقتداء بمن صلى في الأرض المغصوبة ~~وإن عصى صاحبه بالوقوف في الغصب # وإن كان من مال لا يعرف مالكه فالورع العدول إلى مسجد آخر إن وجد فإن لم ~~يجد غيره فلا يترك الجمعة و الجماعة به لأنه يحتمل أن يكون من الملك الذي ~~بناه ولو على بعد وإن لم يكن له مالك معين فهو لمصالح المسلمين # ومهما كان في المسجد الكبير بناء لسلطان ظالم فلا عذر لمن يصلي فيه مع ~~اتساع المسجد أعني في الورع قيل لأحمد بن حنبل ما حجتك في ترك الخروج إلى ~~الصلاة في جماعة ونحن بالعسكر فقال # حجتي أن الحسن وإبراهيم التيمي خافا أن يفتنهما الحجاج وأنا أخاف أن أفتن ~~أيضا # وأما الخلوق و التجصيص فلا يمنع من الدخول لأنه غير منتفع به في الصلاة ~~وإنما هو زينة و الأولى انه لا ينظر إليه وأما البوارى التي فرشوها فإن كان ~~لها مالك معين فيحرم الجلوس عليها و إلا فبعد أن أرصدت لمصلحة عامة جاز ~~افتراشها ولكن الورع العدول عنها فإنها محل شبهة # وأما السقاية فحكمها ما ذكرناه وليس عن الورع الوضوء و الشرب منها و ~~الدخول إليها إذا كان يخاف فوات الصلاة فيتوضأ وكذا مصانع طريق مكة # وأما الرباطات و المدارس فإن كانت رقبة الأرض مغصوبة أو الآجر منقولا من ~~موضع معين يمكن الرد إلى مستحقه فلا رخصة للدخول فيه و إن التبس المالك فقد ~~أرصد لجهة من الخير و الورع اجتنابه ولكن لا يلزم الفسق بدخوله # وهذه الأبنية إن أرصدت من خدم السلاطين فالأمر فيها أشد إذ ليس لهم صرف ~~الأموال الضائعة إلى المصالح و لأن الحرام أغلب على أموالهم إذ ليس لهم أخذ ~~مال المصالح وإنما يجوز ذلك للولاة و أرباب الأمر # مسألة الأرض المغصوبة إذا جعلت شارعا لم يجز أن يتخطى فيه ألبتة وان لم ~~يكن له مالك معين جاز و الورع العدول إن أمكن فإن كان الشارع مباحا وفوقه ~~ساباط جاز العبور وجاز الجلوس تحت الساباط على وجه لا يحتاج فيه إلى السقف ~~كما يقع فى الشارع لشغل فإذا انتفع بالسقف فى دفع حر الشمس أو المطر أو ~~غيره فهو حرام لأن السقف لا يراد إلا لذلك وهكذا حكم من يدخل مسجدا أو أرضا ~~مناحة سقف أو حوط بغصب فإنه بمجرد التخطى لا يكون منتفعا بالحيطان و السقف ~~إلا إذا كان له فائدة في الحيطان و السقف لحر أو برد تستر عن بصر أو غيره ~~فذلك حرام لأنه انتفاع بالحرام إذا لم يحرم الجلوس على الغصب لما فيه من ~~المماسة بل للانتفاع و الأرض تراد للاستقرار عليها و السقف للاستظلال به ~~فلا فرق بينهما PageV02P152 # | الباب السابع في مسائل متفرقة يكثر مسيس الحاجة إليها وقد سئل عنها # في الفتاوى # مسألة سئل عن خادم الصوفية يخرج إلى السوق ويجمع طعاما أو نقدا ويشتري به ~~طعاما فمن الذي يحل له أن يأكل منه وهل يختص بالصوفية أم لا أما الصوفية ~~فلا شبهة في حقهم إذا أكلوه وأما غيرهم فيحل لهم إذا أكلوه برضا الخادم ~~ولكن لا يخلو عن شبهة أما الحل فلأن ما يعطي خادم الصوفية إنما يعطي بسبب ~~الصوفية وله أن يطعم غير العيال إذ يبعد أن يقال لم يخرج عن ملك المعطى ولا ~~يتسلط الخادم على الشراء به التصرف فيه لأن ذلك مصير إلى أن المعاطاة لا ~~تكفي وهو ضعيف ثم لا صائر إليه في الصدقات و الهدايا ويبعد أن يقال زال ~~الملك إلى الصوفية الحاضرين الذين هم وقت سؤاله في الخانقاه إذ لا خلاف أن ~~له يطعم منه من يقدم بعدهم ولو ماتوا كلهم أو واحد منهم لا يجب صرف نصيبه ~~إلى وارثه ولا يمكن أن يقال انه وقع لجهة التصوف ولا يتعين له مستحق لأن ~~إزالة الملك إلى الجهة لا توجب تسليط الآحاد على التصرف فإن الداخلين فيه ~~لا ينحصرون بل يدخل فيه من يولد إلى يوم القيامة وإنما يتصرف فيه الولاة و ~~الخادم لا يجوز له أن ينتصب نائبا عن الجهة فلا وجه إلا أن يقال هو ملكه ~~وإنما يطعم الصوفية بوفاء شرط التصوف و المروءة فإن منعهم عنه منعوه عن أن ~~يظهر نفسه في معرض التكفل بهم حتى ينقطع وقفه كما ينقطع عمن مات عياله # مسألة سئل عن مال أوصى به للصوفية فمن الذي يجوز أن يصرف إليه فقلت ~~التصوف أمر باطن لا يطلع عليه ولا يمكن ضبط الحكم بحقيقته بل بأمور ظاهرة ~~يعول عليها أهل العرف في إطلاق اسم الصوفي و الضابط الكلى أن كل من هو بصفة ~~إذا نزل في خانقاه الصوفية لم يكن نزوله فيها واختلاطه بهم منكرا عندهم فهو ~~داخل في غمارهم # و التفصيل أن يلاحظ فيه خمس صفات الصلاح و الفقر وزي الصوفية وان لا يكون ~~مشتغلا بحرفة وأن يكون مخالطا لهم بطريق المساكنة في الخانقاه # ثم بعض هذه الصفات مما يوجب زوالها زوال الاسم وبعضها ينجبر بالبعض ~~فالفسق يمنع الاستحقاق لأن الصوفي بالجملة عبارة عن رجل من أهل الصلاح بصفة ~~مخصوصة فالذي يظهر فسقه وإن كان على زيهم لا يستحق ما أوصى به للصوفية ~~ولسنا نعتبر فيه الصغائر # وأما الحرفة و الاشتغال بالكسب فإنه يمنع هذا الاستحقاق فالدهقان و ~~العامل و التاجر و الصانع في حانوته أو داره و الأجير الذي يخدم بأجرة كل ~~هؤلاء لا يستحقون ما أوصى به للصوفية ولا ينجبر هذا بالزي و المخالطة فأما ~~الوراقة و الخياطة وما يقرب منهما مما يليق بالصوفية تعاطيها فإذا تعاطاها ~~لا في حانوت ولا على جهة اكتساب وحرفة فذلك لا يمنع الاستحقاق وكان ذلك ~~ينجبر بمساكنته إياهم مع بقية الصفات وأما القدرة على الحرف من غير مباشرة ~~فلا تمنع وأما الوعظ و التدريس فلا ينافي اسم التصوف إذا وجدت بقية الخصال ~~من الزي و المساكنة و الفقر إذ لا يتناقض أن يقال صوفي مقرئ وصوفي واعظ ~~وصوفي عالم أو مدرس ويتناقض أن يقال صوفي تاجر وصوفي عامل وأما الفقر فإن ~~زال بغنى مفرط ينسب الرجل إلى الثروة الظاهرة فلا يجوز معه أخذ وصية ~~الصوفية وإن كان له مال ولا يفي دخله بخرجه لم يبطل حقه وكذا إذا كان له ~~مال قاصر عن وجوب الزكاة وان لم يكن له خرج وهذه أمور لا دليل لها إلا ~~العادات # وأما المخالطة لهم ومساكنتهم فلها أثر ولكن من لا يخالطهم وهو في داره أو ~~في مسجد على زيهم ومتخلق بأخلاقهم فهو شريك في سهمهم وكأن ترك المخالطة ~~يجبرها ملازمة الزي فإن لم يكن على زيهم ووجد فيه بقية الصفات PageV02P153 ~~فلا يستحق إلا إذا كان مساكنا لهم في الرباط فينسحب عليه حكمهم بالتبعية # فالمخالطة و الزي ينوب كل واحد منهما عن الآخر # و الفقيه الذي ليس على زيهم هذا حكمه فإن كان خارجا لم يعد صوفيا وان كان ~~ساكنا معهم ووجدت بقية الصفات لم يبعد أن ينسحب بالتبعية عليه حكمهم # وأما لبس المرقعة من يد شيخ من مشايخهم فلا يشترط ذلك في الاستحقاق وعدمه ~~لا يضره مع وجود الشرائط المذكورة # وأما المتأهل المتردد بين الرباط و المسكن فلا يخرج بذلك عن جملتهم # مسألة ما وقف على رباط الصوفية وسكانه فالأمر فيه أوسع مما أوصى لهم به ~~لأن معنى الوقف الصرف إلى مصالحهم فلغير الصوفي أن يأكل معهم برضاهم على ~~مائدتهم مرة أو مرتين فإن أمر الأطعمة مبناه على التسامح حتى جاز الانفراد ~~بها في الغنائم المشتركة وللقوال أن يأكل معهم في دعوتهم من ذلك الوقف وكان ~~ذلك من مصالح معايشهم وما أوصى به للصوفية لا يجوز أن يصرف إلى قوال ~~الصوفية بخلاف الوقف وكذلك من أحضروه من العمال و التجار و القضاة و ~~الفقهاء ممن لهم غرض في استمالة قلوبهم يحل لهم الأكل برضاهم فإن الواقف لا ~~يقف إلا معتقدا فيه ما جرت به عادات الصوفية فينزل على العرف ولكن ليس هذا ~~على الدوام فلا يجوز لمن ليس صوفيا أن يسكن معهم على الدوام ويأكل وان رضوا ~~به إذ ليس لهم تغيير شرط الواقف بمشاركة غير جنسهم # وأما الفقيه إذا كان على زيهم وأخلاقهم فله النزول عليهم وكونه فقيها لا ~~ينافي كونه صوفيا و الجهل ليس بشرط في التصوف عند من يعرف التصوف ولا يلتفت ~~إلى خرافات بعض الحمقى بقولهم أن العلم حجاب فإن الجهل هو الحجاب # وقد ذكرنا تأويل هذه الكلمة في كتاب العلم وان الحجاب هو العلم المذموم ~~دون المحمود وذكرنا المحمود و المذموم وشرحهما # وأما الفقيه إذا لم يكن على زيهم وأخلاقهم فلهم منعه من التزول عليهم فإن ~~رضوا بنزوله فيحل له الأكل معهم بطريق التبعية فكان عدم الزي تجبره ~~المساكنة ولكن برضا أهل الزي وهذه أمور تشهد لها العادات وفيها أمور ~~متقابلة لا يخفي أطرافها في النفي و الإثبات ومتشابه أوساطها فمن احترز في ~~مواضع الاشتباه فقد استبرأ لدينه كما نبهنا عليه في أيواب الشبهات # مسألة سئل عن الفرق بين الرشوة و الهدية مع أن كل واحد منهما يصدر عن ~~الرضا ولا يخلو عن غرض وقد حرمت إحداهما دون الأخرى # فقلت باذل المال لا يبذله قط إلا لغرض ولكن الغرض إما آجل كالثواب وإما ~~عاجل و العاجل إما مال وإما فعل وإعانة على مقصود معين وإما تقرب إلى قلب ~~المهدى إليه بطلب محبته إما للمحبة في عينها وإما للتوصل بالمحبة إلى غرض ~~وراءها فالأقسام الحاصلة من هذه خمسة # الأول ما غرضه الثواب في الآخرة وذلك إما أن يكون لكون المصروف إليه ~~محتاجا أو عالما أو منتسبا بنسب ديني أو صالحا في نفسه متدينا # فما علم الآخذ أنه يعطاه لحاجته لا يحل له أخذه إن لم يكن محتاجا وما علم ~~انه يعطاه لشرف نسبه لا يحل له أن علم انه كاذب في دعوى النسب وما يعطي ~~لعلمه فلا يحل له أن يأخذه إلا أن يكون في العلم كما يعتقده المعطى فإن كان ~~خيل إليه كمالا في العلم حتى بعثه بذلك على التقرب ولم يكن كاملا لم يحل له ~~وما يعطي لدينه وصلاحه لا يحل له أن يأخذه أن كان فاسقا في الباطن فسقا لو ~~علمه المعطى ما أعطاه # وقلما يكون الصالح بحيث لو انكشف باطنه لبقيت القلوب مائلة إليه وإنما ~~ستر الله الجميل هو الذي يحبب الخلق إلى الخلق # وكان المتورعون يوكلون في الشراء من لا يعرف أنه وكيلهم حتى لا يتسامحوا ~~في المبيع خيفة من أن يكون ذلك أكلا بالدين فإن ذلك مخطر و التقي خفي لا ~~كالعلم و النسب و الفقر فينبغي أن يجتنب الأخذ بالدين ما أمكن PageV02P154 # القسم الثاني ما يقصد به في العاجل غرض معين كالفقير يهدي إلى الغني طعما ~~في خلعته فهذه هبة بشرط الثواب لا يخفي حكمها وإنما تحل عند الوفاء بالثواب ~~المطموع فيه وعند وجود شروط العقود # الثالث أن يكون المراد إعانة بفعل معين كالمحتاج إلى السلطان يهدي إلى ~~وكيل السلطان وخاصته ومن له مكانة عنده فهذه هدية بشرط ثواب يعرف بقرينة ~~الحال فلينظر في ذلك العمل الذي هو الثواب فإن كان حراما كالسعي في تنجيز ~~إدرار حرام أو ظلم إنسان أو غيره حرم الأخذ وان كان واجبا كدفع ظلم متعين ~~على كل من يقدر عليه أو شهادة متعينة فيحرم عليه ما يأخذه وهي الرشوة التي ~~لا يشك في تحريمها وإن كان مباحا لا واجبا ولا حراما وكان فيه تعب بحيث لو ~~عرف لجاز الاستئجار عليه فما يأخذه حلال معها وفي الغرض وهو جار مجرى ~~الجعالة كقوله أوصل هذه القصة إلى يد فلان أو يد السلطان ولك دينار وكان ~~بحيث يحتاج إلى تعب وعمل متقوم أو قال اقترح على فلان أن يعينني في غرض كذا ~~أو ينعم علي بكذا وافتقر في تنجيز غرضه إلى كلام طويل فذلك جعل كما يأخذه ~~الوكيل بالخصومة بين يدي القاضي فليس بحرام إذا كان لا يسعى في حرام وان ~~كان مقصود يحصل بكلمة لا تعب فيها ولكن تلك الكلمة من ذي الجاه أو تلك ~~الفعلة من ذي الجاه تفيد كقوله للبواب لا تغلق دونه باب السلطان أو كوضعه ~~قصة بين يدي السلطان فقط فهذا حرام لأنه عوض من الجاه ولم يثبت في الشرع ~~جواز ذلك بل ثبت ما يدل على النهي عنه كما سيأتي في هدايا الملوك وإذا كان ~~لا يجوز العوض عن إسقاط الشفعة و الرد بالعيب ودخول الأغصان في هواه الملك ~~وجملة من الأعراض مع كونها مقصودة فكيف يؤخذ عن الجاه ويقرب من هذا أخذ ~~الطبيب العوض على كلمة واحدة ينبه بها على دواء ينفرد بمعرفته كواحد ينفرد ~~بالعلم بنبت يقلع البواسير أو غيره فلا يذكره إلا بعوض فإن عمله بالتلفظ ~~غير متقوم كحبة من سمسم فلا يجوز اخذ العوض عليه ولا على علمه # إذ ليس ينتقل علمه إلى غيره وإنما يحصل لغيره مثل علمه ويبقي هو عالما به ~~ودون هذا الحاذق في الصناعة كالصيقلى مثلا الذي يزيل اعوجاج السيف أو ~~المرآة بدقة واحدة لحسن معرفته بموضع الخلل ولحذقه بإصابته فقد يزيد بدقة ~~واحدة مال كثير في قيمة السيف و المرآة فهذا لا أرى بأسا بأخذ الأجرة عليه ~~لأن مثل هذه الصناعات يتعب الرجل في تعلمها ليكتسب بها ويخفف عن نفسه كثرة ~~العمل # الرابع ما يقصد به المحبة وجلبها من قبل المهدي إليه لا لغرض معين ولكن ~~طلبا للاستئناس وتأكيد للصحبة وتوددا إلى القلوب فذلك مقصود للعقلاء ومندوب ~~إليه في الشرع قال صلى الله عليه وسلم تهادوا تحابوا + حديث تهادوا تحابوا ~~أخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة وضعفه ابن عدي # وعلى الجملة فلا يقصد الإنسان في الغالب أيضا محبة غيره لعين المحبة بل ~~لفائدة في محبته ولكن إذا لم تتعين تلك الفائدة ولم يتمثل في نفسه غرض معين ~~يبعثه في الحال أو المآل سمى ذلك هدية وحل أخذها # الخامس أن يطلب التقرب إلى قلبه وتحصيل محبته لا لمحبته ولا للأنس به من ~~حيث انه أنس فقط بل ليتوصل بجاهه إلى أغراض له ينحصر جنسها وان لم ينحصر ~~عينها وكان لولا جاهه وحشمته لكان لا يهدي إليه فإن كان جاهه لأجل علم أو ~~نسب فالأمر فيه أخف وأخذه مكروه فإن فيه مشابهة الرشوة ولكنها هدية في ~~ظاهرها فإن كان جاهه بولاية تولاها من قضاء أو عمل أو ولاية صدقة أو جباية ~~مال أو غيره من الأعمال السلطانية حتى ولاية الأوقاف مثلا وكان لولا تلك ~~الولاية لكان لا يهدي إليه فهذه رشوة عرضت في معرض الهدية إذ القصد ~~PageV02P155 بها فى الحال طلب التقرب واكتساب المحبة ولكن الأمر ينحصر فى ~~جنسه إذ ما يمكن التوصل إليه بالآيات لا يخفى وآية أنه لا يبغى المحبة أنه ~~لو ولى فى الحال غيره لسلم المال إلى ذلك الغير فهذا مما اتفقوا على أن ~~الكراهة فيه شديدة واختلفوا فى كونه حراما والمعنى فيه متعارضا فإنه دائر ~~بين الهدية المحصنة وبين الرشوة المبذوله فى مقابلة جاه فى غرض معين وإذا ~~تعارضت المشابهة القياسية وعضدت الأخبار والآثار أحمدهما تعين الميل إليه ~~وقد دلت الأخبار على تشديد الأمر فى ذلك قال صلى الله عليه وسلم يأتى على ~~الناس زمان يستحل فيه السحت بالهدية والقتل بالموعظة يقتل البرىء لتوعظ به ~~العامة + حديث يأتي على الناس زمان يستحل فيه السحت بالهدية والقتل ~~بالموعظة يقتل البرىء ليوعظ به العامة لم أقف له على أصل + وسئل ابن مسعود ~~رضى الله عنه عن السحت فقال يقضى الرجل الحاجة فتهدى له الهدية ولعله أراد ~~قضاء الحاجة بكلمة لا تعب فيها أو تبرع بها لا على قصد أجرة فلا يجوز أن ~~يأخذ بعده شيئا في معرض العوض شفع مسروق شفاعة فأهدى إليه المشفوع له جارية ~~فغضب وردها وقال لو علمت ما في قلبك لما تكلمت في حاجتك ولا أتكلم فيما بقي ~~منها وسئل طاوس عن هدايا السلطان فقال سحت وأخذ عمر رضي الله عنه ربح مال ~~القراض الذي أخذه ولداه من بيت المال وقال إنما أعطيتما لمكانكما مني إذ ~~علم أنهما أعطيا لأجل جاه الولاية وأهدت امرأة أبي عبيدة بن الجراح إلى ~~خاتون ملكة الروم خلوقا فكافأتها بجوهر فأخذه عمر رضي الله عنه فباعه ~~وأعطاها ثمن خلوقها ورد باقيه إلى بيت مال المسلمين وقال جابر وأبو هريرة ~~رضي الله عنهما هدايا الملوك غلول ولما رد عمر بن عبدالعزيز الهدية قيل له ~~كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية فقال كان ذلك له هدية وهو ~~لنا رشوة + حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية أخرجه ~~البخاري من حديث عائشة + أي كان يتقرب إليه لنبوته لا لولايته ونحن إنما ~~نعطى للولاية وأعظم من ذلك كله ما روى أبو حميد الساعدي أن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم بعث واليا على صدقات الأزد فلما جاء إلى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أمسك بعض ما معه وقال هذا لكم وهذا لي هدية فقال عليه السلام ألا ~~جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا ثم قال مالي ~~أستعمل الرجل منكم فيقول هذا لكم وهذا لي هدية ألا جلس في بيت أمه ليهدى له ~~والذي نفسي بيده لا يأخذ منكم أحد شيئا بغير حقه إلا أتى الله يحمله فلا ~~يأتين أحدكم يوم القيامة ببعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم ~~رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه ثم قال اللهم هل بلغت + حديث أبي حميد ~~الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث واليا إلى صدقات الأزد فلما ~~جاء قال مالكم وهذا هدية لي الحديث متفق + وإذا ثبتت هذه التشديدات فالقاضي ~~والولي ينبغي أن يقدر نفسه في بيت أمه وأبيه فما كان يعطى بعد العزل وهو في ~~بيت أمه يجوز له أن يأخذه في ولايته وما يعلم أنه إنما يعطاه لولايته فحرام ~~أخذه وما أشكل عليه في هدايا أصدقائه أنهم هل كانوا يعطونه لو كان معزولا ~~فهو شبهة فليجتنبه تم كتاب الحلال والحرام بحمد الله ومنه وحسن توفيقه ~~والله أعلم PageV02P156 # | كتاب أداب الألفة والأخوة والصحبة والمعاشرة مع أصناف الخلق # وهو الكتاب الخامس من ربع العادات الثاني بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي غمر صفوة عباده بلطائف التخصيص طولا وامتنانا وألف بين ~~قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانا ونزع الغل من صدورهم فظلوا في الدنيا أصدقاء ~~وأخدانا وفي الآخرة رفقاء وخلانا # والصلاة والسلام على محمد المصطفى وعلى آله وأصحابه الذين اتبعوه واقتدوا ~~به قولا وفعلا وعدلا وإحسانا # أما بعد فإن التحاب في الله تعالى والأخوة في دينه من أفضل القربات وألطف ~~ما يستفاد من الطاعات في مجاري العادات ولها شروط بها يلتحق المتصاحبون ~~بالمتحابين في الله تعالى وفيها حقوق بمراعاتها تصفو الأخوة عن شوائب ~~الكدورات ونزغات الشيطان فبالقيام بحقوقها يتقرب إلى الله زلفى وبالمحافظة ~~عليها تنال الدرجات العلى ونحن نبين مقاصد هذا الكتاب في ثلاثة أبواب # الباب الأول في فضيلة الألفة والأخوة في الله تعالى وشروطها ودرجاتها ~~وفوائدها # الباب الثاني في حقوق الصحبة وآدابها وحقيقتها ولوازمها # الباب الثالث في حق المسلم والرحم والجوار والملك وكيفية المعاشرة مع من ~~قد بلى بهذه الأسباب # الباب الأول في فضيلة الألفة والأخوة وفي شروطها ودرجاتها وفوائدها فضيلة ~~الألفة والأخوة # أعلم أن الألفة ثمرة حسن الخلق والتفرق ثمرة سوء الخلق فحسن الخلق يوجب ~~التحاب والتآلف والتوافق وسوء الخلق يثمر التباغض والتحاسد والتدابر ومهما ~~كان المثمر محمودا كانت الثمرة محمودة وحسن الخلق لا تخفى في الدين فضيلته ~~وهو الذي مدح الله سبحانه به نبيه عليه السلام إذ قال @QB@ وإنك لعلى خلق ~~عظيم @QE@ وقال النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى ~~الله وحسن الخلق + حديث أول ما يدخل الجنة تقوى الله وحسن الخلق أخرجه ~~الترمذي والحاكم من حديث أبي هريرة وقال صحيح الإسناد وقد تقدم + وقال ~~أسامة بن شريك قلنا يا رسول الله ما خير ما أعطى الإنسان فقال خلق حسن + ~~حديث أسامة بن شريك يا رسول الله ما خير ما أعطى الإنسان قال خلق حسن أخرجه ~~ابن ماجة بإسناد صحيح + وقال صلى الله عليه وسلم بعثت لأتمم محاسن الأخلاق ~~+ حديث بعثت لأتمم مكارم الأخلاق رواه أحمد والبيهقي والحاكم وصححه من حديث ~~أبي هريرة + وقال صلى الله عليه وسلم أثقل ما يوضع في الميزان خلق حسن + ~~حديث أثقل ما يوضع في الميزان خلق حسن رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي ~~الدرداء وقال حسن صحيح + وقال صلى الله عليه وسلم ما حسن الله خلق امريء ~~وخلقه فيطعمه النار + حديث ما حسن الله خلق امريء وخلقه فتطعمه النار أخرجه ~~ابن عدي والطبراني في مكارم الأخلاق وفي الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان من ~~حديث أبي هريرة قال ابن عدي في إسناده بعض النكرة + وقال صلى الله عليه ~~وسلم يا أبا هريرة عليك بحسن الخلق PageV02P157 # قال أبو هريرة رضي الله عنه وما حسن الخلق يا رسول الله قال تصل من قطعك ~~وتعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك + حيث يا أبا هريرة عليك بحسن الخلق قال وما ~~حسن الخلق قال تصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك رواه البيهقي في ~~الشعب من رواية الحسن عن أبي هريرة ولم يسمع منه + # ولا يخفي أن ثمرة الخلق الحسن الألفة و انقطاع الوحشة ومهما طاب المثمر ~~طابت الثمرة وكيف و قد ورد في الثناء على نفس الألفة سيما إذا كانت الرابطة ~~هي التقوى و الدين وحب الله من الآيات و الأخبار و الآثار ما فيه كفاية ~~ومقنع قال الله تعالى مظهرا عظيم منته على الخلق بنعمة الألفة @QB@ لو ~~أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم @QE@ وقال ~~@QB@ فأصبحتم بنعمته إخوانا @QE@ أي بالألفة ثم ذم التفرقة وزجر عنها فقال ~~عز من قائل واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا إلى لعلكم تهتدون وقال صلى ~~الله عليه وسلم إن أقربكم مني مجلسا أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين ~~يألفون ويؤلفون + حديث إن أقربكم مني مجلسا أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا ~~الذين يألفون ويؤلفون رواه الطبراني في مكارم الأخلاق من حديث جابر بسند ~~ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم المؤمن إلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ~~حديث و المؤمن إلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف رواه أحمد ~~والطبراني من حديث سهل بن سعد و الحاكم من حديث أبي هريرة وصححه + # وقال صلى الله عليه وسلم في الثناء على الاخوة في الدين من أراد الله به ~~خيرا رزقه خليلا صالحا إن نسى ذكره وان ذكر أعانه + حديث من أراد الله به ~~خيرا رزقه أخا صالحا أن نسي ذكره وان ذكر أعانه غريب بهذا اللفظ و المعروف ~~أن ذلك في الأمير ورواه أبو داود من حديث عائشة إذا أراد الله بالأمير خيرا ~~جعل له وزير صدق إن نسى ذكره و إن ذكر أعانه الحديث ضعفه ابن عدي ولأبي عبد ~~الرحمن السلمى في آداب الصحبة من حديث على من سعادة المرء أن يكون إخوانه ~~صالحين + # وقال صلى الله عليه وسلم مثل الأخوين إذ التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما ~~الأخرى وما التقي مؤمنان قط إلا أفاد الله أحدهما من صاحبه خيرا + حديث مثل ~~الأخوين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحدهما الأخرى الحديث رواه السلمى في ~~آداب الصحبة وأبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث انس وفيه أحمد بن ~~محمد بن غالب الباهلي كذاب وهو من قول سلمان الفارسي في الأول من الحزبيات ~~+ # وقال عليه السلام في الترغيب في الأخوة في الله من آخي أخا في الله رفعه ~~الله درجة في الجنة لا ينالها بشيء من عمله + حديث من آخى أخا في الله عز ~~وجل رفعه الله درجة في الجنة لا ينالها بشيء من عمله أخرجه ابن أبي الدنيا ~~في كتاب الإخوان من حديث أنس ما احدث عبد أخا في الله إلا احدث الله له ~~درجة في الجنة وإسناده ضعيف + # وقال أبو إدريس الخولاني لمعاذ إني أحبك في الله فقال له أبشر ثم أبشر ~~فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ينصب لطائفة من الناس كراسي ~~حول العرش يوم القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر يفزع الناس وهم لا يفزعون ~~ويخاف الناس وهم لا يخافون وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولاهم ~~يحزنون فقيل من هؤلاء يا رسول الله فقال هم المتحابون في الله تعالى + حديث ~~قال أبو إدريس الخولاني لمعاذ أني احبك في الله فقال أبشر ثم أبشر فإني ~~سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تنصب لطائفة من الناس كراسي حول ~~العرش يوم القيامة الحديث أخرجه أحمد و الحاكم في حديث طويل أن أبا إدريس ~~قال قلت و الله إني لأحبك في الله قال فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يقول أن المتحابين بجلال الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله قال ~~الحاكم صحيح على شرط الشيخين وهو عند الترمذي من رواية أبي مسلم الخولاني ~~عن معاذ بلفظ المتحابون في جلالى لهم منابر من نور يغبطهم النبيون و ~~الشهداء قال حديث حسن صحيح ولأحمد من حديث أبي مالك ألاشعري أن لله عبادا ~~ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء و الشهداء على منازلهم وقربهم من ~~الله الحديث @QB@ وفيه @QE@ تحابوا في الله وتصافوا به يضع الله لهم يوم ~~القيامة منابر من نور فتجعل وجوههم نورا وثيابهم نورا يفزع الناس يوم ~~القيامة ولا يفزعون وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وفيه ~~شهر بن حوشب مختلف فيه + # ورواه أبو هريرة رضي الله عنه و قال فيه أن حول العرش منابر من نور عليها ~~قوم لباسهم نور ووجوههم نورا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون و ~~الشهداء فقالوا يا رسول الله صفهم لنا فقال هم المتحابون في الله و ~~المتجالسون في الله PageV02P158 و المتزاورون في الله + حديث أبي هريرة إن ~~حول العرش منابر من نور عليها قوم لباسهم نور ووجوههم نورا ليسوا بأنبياء ~~ولا شهداء الحديث أخرجه النسائي في سننه الكبرى و رجاله ثقات + # وقال صلى الله عليه وسلم ما تحاب اثنان في الله إلا كان أحبهما إلى الله ~~أشدهما حبا لصاحبه + حديث ما تحاب اثنان في الله إلا كان أحبهم إلى الله ~~أشدهما حبا لصاحبه أخرجه ابن حبان و الحاكم من حديث أنس و قال صحيح الإسناد ~~+ # ويقال أن الأخوين في الله إذا كان أحدهما أعلى مقاما من الآخر رفع الآخر ~~معه إلى مقامه وانه يلتحق به كما تلتحق الذرية بالأبوين و الأهل بعضهم ببعض ~~لان الأخوة إذا اكتسبت في الله لم تكن دون أخوة الولادة # قال عز وجل ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء وقال صلى ~~الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلى وحقت ~~محبتي للذين يتحابون من أجلي وحقت محبتي للذين يتباذلون من أجلي وحقت محبتي ~~للذين يتناصرون من أجلي + حديث إن الله يقول حقت محبتي للذين يتزاورون من ~~أجلي وحقت محبتي للذين يتحابون من أجلي الحديث أخرجه أحمد من حديث عمرو بن ~~عبسة وحديث عبادة بن الصامت ورواه الحاكم وصححه + # وقال صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون ~~بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي + حديث أن الله يقول يوم ~~القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي أخرجه ~~مسلم + # وقال صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام ~~عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود ~~إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ورجل ذكر الله خاليا ~~ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال إني أخاف الله تعالى ورجل ~~تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه + حديث أبي هريرة سبعة ~~يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل الحديث متفق عليه من حديث ~~أبي هريرة وقد تقدم + # وقال صلى الله عليه وسلم ما زار رجل رجلا في الله شوقا إليه ورغبة في ~~لقائه إلا ناداه ملك من خلقه طبت وطاب ممشاك وطابت لك الجنة + حديث ما زار ~~رجل رجلا في الله شوقا إليه ورغبة في لقائه إلا ناداه ملك من خلفه طبت ~~وطابت لك الجنة أخرجه ابن عدي من حديث أنس دون قوله شوقا إليه ورغبة في ~~لقائه وللترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة من عاد مريضا أو زار أخا في ~~الله ناداه مناد من السماء طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا قال ~~الترمذي غريب + # وقال صلى الله عليه وسلم إن رجلا زار أخا له في الله فأرصد الله له ملكا ~~فقال أين تريد قال أريد أن أزور أخي فلانا فقال لحاجة لك عنده قال لا قال ~~لقرابة بينك وبينه قال لا قال فبنعمة له عندك قال لا قال فبم قال أحبه في ~~الله قال # فإن الله أرسلني إليك يخبرك بأنه يحبك لحبك إياه وقد أوجب لك الجنة + ~~حديث أن رجلا زار أخا له في الله فأرصد الله له ملكا فقال أين تريد الحديث ~~أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + # وقال صلى الله عليه وسلم أوثق عرى الإيمان الحب في الله و البغض في الله ~~+ حديث أوثق عرى الإيمان الحب في الله و البغض في الله رواه أحمد من حديث ~~البراء بن عازب وفيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه و الخرائطي في مكارم ~~الأخلاق من حديث ابن مسعود بسند ضعيف + # فلهذا يجب أن يكون للرجل أعداء يبغضهم في الله كما يكون له أصدقاء وإخوان ~~يحبهم في الله # ويروي أن الله تعالى أوحى إلى نبي من الأنبياء أما زهدك في الدنيا فقد ~~تعجلت الراحة وأما انقطاعك إلى فقد تعززت بي ولكن هل عاديت في عدوا أو هل و ~~اليت في وليا # وقال صلى الله عليه وسلم اللهم لا تجعل لفاجر علي منة فترزقه مني محبة + ~~حديث اللهم لا تجعل لفاجر علي منة الحديث تقدم في الكتاب الذي قبله + # ويروى أن الله تعالى أوحى إلى عيسى عليه السلام لو أنك عبدتني بعبادة أهل ~~السموات و الأرض وحب في الله ليس وبغض في الله ليس ما أغنى عنك ذلك شيئا ~~وقال عيسى عليه السلام تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي وتقربوا إلى الله ~~بالتباعد منهم والتمسوا رضا الله بسخطهم قالوا يا روح الله فمن نجالس قال ~~جالسوا من تذكركم الله رؤيته ومن يزيد في عملكم كلامه ومن يرعبكم في الآخرة ~~عمله # وروى في الأخبار السالفة أن الله عز وجل أوحى إلى موسى PageV02P159 # عليه السلام # يا ابن عمران كن يقظانا وارتد لنفسك إخوانا وكل خدن وصاحب لا يوازرك على ~~مسرتي فهو لك عدو وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام فقال يا داود مالي ~~أراك منتبذا وحيدا قال إلهي قليت الخلق من أجلك فقال يا داود كن يقظانا ~~وارتد لنفسك أخدانا وكل خدن لا يوافقك على مسرتي فلا تصاحبه فإنه لك عدو ~~يقسي قلبك ويباعدك مني # وفي أخبار داود عليه السلام انه قال يا رب كيف لي أن يحبني الناس كلهم ~~وأسلم فيما بيني وبينك قال خالق الناس بأخلاقهم وأحسن فيما بيني وبينك # وفي بعضها خالق أهل الدنيا بأخلاق الدنيا وخالق أهل الآخرة بأخلاق الآخرة # و قال النبي صلى الله عليه وسلم إن أحبكم إلى الله الذين يألفون ويؤلفون ~~وإن أبغضكم إلى الله المشاءون بالنميمة المفرقون بين الإخوان + حديث أن ~~أحبكم إلى الله الذين يألفون الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط و الصغير من ~~حديث أبي هريرة بسند ضعيف + # و قال صلى الله عليه وسلم إن الله ملكا نصفه من النار ونصفه من الثلج ~~يقول اللهم كما ألفت بين الثلج و النار كذلك ألف بين قلوب عبادك الصالحين + ~~حديث إن لله ملكا نصفه من النار ونصفه من الثلج يقول اللهم كما ألفت بين ~~الثلج و النار كذلك ألف بين قلوب عبادك الصالحين رواه أبو الشيخ ابن حبان ~~في كتاب العظمة من حديث معاذ بن جبل و العرباض بن سارية بسند ضعيف + # وقال أيضا ما أحدث عبد أخا في الله إلا أحدث له درجة في الجنة + حديث ما ~~أحدث عبد أخا في الله تعالى إلا أحدث الله له درجة في الجنة أخرجه ابن أبي ~~الدنيا في كتاب الإخوان من حديث أنس وقد تقدم + # وقال صلى الله عليه وسلم المتحابون في الله على عمود من ياقوتة حمراء في ~~رأس العمود سبعون ألف غرفة يشرفون على أهل الجنة يضيء حسنهم لأهل الجنة كما ~~تضيء الشمس لأهل الدنيا فيقول أهل الجنة انطلقوا بنا ننظر إلى المتحابين في ~~الله فيضيء حسنهم لأهل الجنة كما تضيء الشمس عليهم ثياب سندس خضر مكتوب على ~~جباههم المتحابون في الله + حديث المتحابون في الله على عمود من ياقوتة ~~حمراء في رأس العمود سبعون ألف غرفة الحديث رواه الحكيم الترمذي في النوادر ~~من حديث ابن مسعود بسند ضعيف + # الآثار قال علي رضي الله عنه عليكم بالإخوان فإنهم عدة في الدنيا و ~~الآخرة إلا تسمع إلى قول أهل النار فمالنا من شافعين ولا صديق حميم وقال ~~عبد الله بن عمر رضي الله عنهما و الله لو صمت النهار لا أفطره وقمت الليل ~~لا أنامه وأنفقت مالي غلقا غلقا في سبيل الله أموت يوم أموت وليس في قلبي ~~حب لأهل طاعة الله وبغض لأهل معصية الله ما نفعني ذلك شيئا # وقال ابن السماك عند موته اللهم إنك تعلم أني إذا كنت أعصيك كنت أحب من ~~يطيعك فاجعل ذلك قربة لي إليك # وقال الحسن على ضده يا ابن آدم لا يغرنك قول من يقول المرء مع من أحب ~~فإنك لن تلحق الأبرار إلا بأعمالهم فإن اليهود و النصارى يحبون أنبياءهم ~~وليسوا معهم # وهذه إشارة إلى أن مجرد ذلك من غير موافقة في بعض الأعمال أو كلها لا ~~ينفع وقال الفضيل في بعض كلامه هاه تريد أن تسكن الفردوس وتجاور الرحمن في ~~داره مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين بأي عمل عملته بأي شهوة ~~تركتها بأي غيظ كظمته بأي رحم قاطع وصلتها بأي زلة لأخيك غفرتها بأي قريب ~~باعدته في الله بأي بعيد قاربته في الله ويروى أن الله تعالى أوحى إلي موسى ~~عليه السلام هل عملت لي عملا قط فقال إلهي إني صليت لك وصمت وتصدقت وزكيت ~~فقال أن الصلاة لك برهان و الصوم جنة و الصدقة ظل و الزكاة نور فأي عمل ~~عملت لي قال يا موسى إلهي دلني على عمل هو لك قال موسى هل واليت لي وليا قط ~~وهل عاديت في عدوا قط فعلم موسى أن أفضل الأعمال الحب في الله و البغض في ~~الله # و قال ابن مسعود رضي الله عنه لو أن رجلا قام بين الركن و المقام يبعد ~~الله سبعين سنة لبعثه الله يوم القيامة مع من يحب # وقال الحسن رضي الله عنه مصارمة الفاسق قربان إلى الله وقال رجل لمحمد بن ~~واسع إني لأحبك في الله فقال أحبك ما الذي أحببتني له # ثم حول وجهه و قال اللهم أني PageV02P160 أعوذ بك أن أحب فيك وأنت لي ~~مبغض # ودخل رجل على داود الطائي فقال له ما حاجتك فقال زيارتك فقال أما أنت فقد ~~عملت خيرا حين زرت ولكن انظر ماذا ينزل بي أنا إذا قيل لي من أنت فتزار أمن ~~الزهاد أنت لا و الله أمن العباد أنت لا و الله أمن الصالحين أنت لا و الله # ثم اقبل يوبخ نفسه ويقول كنت في الشبيبه فاسقا فلما شخت صرت مرائيا و ~~الله للمرائي شر من الفاسق وقال عمر رضي الله عنه إذا أصاب أحدكم ودا من ~~أخيه فليتمسك به فقلما يصيب ذلك # وقال مجاهد المتحابون في الله إذا التقوا فكشر بعضهم إلى بعض تتحات عنهم ~~الخطايا كما يتحات ورق الشجر في الشتاء إذا يبس # وقال الفضيل نظر الرجل إلى وجه أخيه على المودة و الرحمة عبادة # | بيان معنى الأخوة في الله وتمييزها من الأخوة في الدنيا # اعلم أن الحب في الله والبغض في الله غامض وينكشف الغطاء عنه نما نذكره ~~وهو أن الصحبة تنقسم إلى ما يقع بالاتفاق كالصحبة بسبب الجوار أو بسبب ~~الاجتماع في المكتب أو في المدرسة أو في السوق أو على باب السلطان أو في ~~الأسفار والى ما ينشأ اختيارا ويقصد وهو الذي نريد بيانه إذ الأخوة في ~~الدين واقعة في هذا القسم لا محالة إذ لا ثواب إلا على الأفعال الاختيارية ~~ولا ترغيب إلا فيها # و الصحبة عبارة عن المجالسة و المجاورة # وهذه الأمور لا يقصد الإنسان بها غيره إلا إذا أحبه فإن غير المحبوب ~~يجتنب ويباعد ولا تقصد مخالطته والذي يحب فإما أن يحب لذاته لا ليتوصل به ~~إلى محبوب ومقصود وراءه و إما أن يحب للتوصل به إلى مقصود وذلك المقصود إما ~~أن يكون مقصورا على الدنيا وحظوظها وإما أن يكون متعلقا بالآخرة وإما أن ~~يكون متعلقا بالله تعالى فهذه أربعة أقسام # أما القسم الأول وهو حبك الإنسان لذاته فذلك ممكن وهو أن يكون في ذاته ~~محبوبا عندك على معنى أنك تلتذ برؤيته ومعرفته ومشاهدة أخلاقه لاستحسانك له ~~فإن كل جميل لذيذ في حق من أدرك جماله وكل لذيذ محبوب # و اللذة تتبع الاستحسان و الاستحسان يتبع المناسبة و الملاءمة و الموافقة ~~بين الطباع ثم ذلك المستحسن إما أن يكون هو الصورة الظاهرة أعني حسن الخلقة ~~وإما أن يكون هو الصورة الباطنة أعنى كمال العقل وحسن الأخلاق ويتبع حسن ~~الأخلاق حسن الأفعال لا محالة ويتبع كمال العقل غزارة العلم وكل ذلك مستحسن ~~عند الطبع السليم و العقل المستقيم وكل مستحسن فمستلذ به ومحبوب بل في ~~ائتلاف القلوب أمر أغمض من هذا فإنه قد تستحكم المودة بين شخصين من غير ~~ملاحة في صورة ولا حسن في خلق وخلق ولكن لمناسبة توجب الألفة و الموافقة ~~فإن شبه الشيء ينجذب إليه بالطبع والأشياء الباطنة خفية ولها أسباب دقيقة ~~ليس في قوة البشر الاطلاع عليها عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ~~حيث قال الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف + ~~حديث الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف أخرجه ~~مسلم من حديث أبي هريرة و البخاري تعليقا من حديث عائشة + # فالتناكر نتيجة التباين و الائتلاف نتيجة التناسب الذي عبر عنه بالتعارف # وفي بعض الألفاظ الأرواح جنود مجندة تلتقي فتتشام في الهواء + حديث ~~الأرواح تلتقي فتتشام في الهواء أخرجه الطبراني في الأوسط بسند ضعيف من ~~حديث علي إن الأرواح في الهواء جند مجندة تلتقي فتتشام الحديث + # وقد كنى بعض العلماء عن هذا بأن قال أن الله تعالى خلق الأرواح ففلق ~~بعضها فلقا وأطافها حول العرش فأي روحين من فلقتين تعارفا هناك فالتقيا ~~تواصلا في الدنيا # و قال صلى الله عليه وسلم إن أرواح المؤمنين ليلتقيان على مسيرة يوم وما ~~رأى أحدهما صاحبه قط + حديث أن أرواح المؤمنين ليلتقيان على مسيرة يوم وما ~~رأى أحدهما صاحبه قط أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ نلتقي وقال ~~أحدهم وفيه ابن لهيعة عن دراج + # وروي إن امرأة بمكة كانت تضحك PageV02P161 أحياء علوم الدين تم تدقيق من ~~قبل لبنى حسونه النساء وكانت بالمدينة أخرى فنزلت المكية على المدنية فدخلت ~~على عائشة رضي الله عنها فأضحكتها فقالت أين نزلت فذكرت لها صاحبتها فقالت ~~صدق الله ورسوله + حديث إن امرأة بمكة كانت تضحك النساء وكانت بالمدينة ~~أخرى فنزلت المكية على المدنية فدخلت على عائشة فذكرت حديث الأرواح جنود ~~مجندة أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده بالقصة بسند حسن و حديث عائشة عند ~~البخاري تعليقا مختصرا أخرجه البيهقي في شعب الإيمان موقوفا على ابن مسعود ~~وذكره صاحب الفردوس من حديث معاذ بن جبل ولم يخرجه ولده في المسند + # سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الأرواح جنود مجندة الحديث و ~~الحق في هذا أن المشاهدة و التجربة تشهد للائتلاف عند التناسب و التناسب في ~~الطباع و الأخلاق باطنا وظاهر أمر مفهوم # وأما الأسباب التي أوجبت تلك المناسبة فليس في قوة البشر الاطلاع عليها ~~وغاية هذيان المنجم أن يقول إذا كان طالعه على تسديس طالع غيره أو تثليلثه ~~فهذا نظر الموافقة و المودة فتقضي التناسب و التواد وإذا كان على مقابلته ~~أو تربيعه اقتضى التباغض و العداوة # فهذا لو صدق بكونه كذلك في مجاري سنة الله في خلق السموات و الأرض لكن ~~الإشكال فيه أكثر من الإشكال في أصل التناسب فلا معنى للخوض فيما لم يكشف ~~سره للبشر فما أوتينا من العلم إلا قليلا ويكفينا في التصديق بذلك التجربة ~~و المشاهدة فقد ورد الخبر به قال صلى الله عليه وسلم لو أن مؤمنا دخل إلى ~~مجلس فيه مائة منافق واحد لجاء حتى يجلس إليه ولو أم منافقا دخل إلى مجلس ~~فيه مائة ومؤمن ومنافق واحد لجاه حتى يجلس إليه # وهذا يدل على أن شبه الشيء منجذب إليه بالطبع وإن كان هو لا يشعر به وكان ~~مالك بن دينار يقول لا يتفق اثنان في عشرة إلا وفي أحدهما وصف من الآخر وإن ~~أجناس الناس كأجناس الطير ولا يتفق نوعان من الطير في الطيران إلا وبينهما ~~مناسبة قال فرأى يوما غرابا مع حمامة فعجب من ذلك فقال اتفقا وليسا من شكل ~~واحد ثم طارا فإذا هما أعرجان فقال من ههنا اتفقا ولذلك قال بعض الحكماء كل ~~إنسان يأنس إلى شكله كما أن كل طير يطير مع جنسه وإذا اصطحب اثنان برهة من ~~زمان ولم يتشاكلا في الحال فلا بد أن يتفرقا وهذا معنى خفي تفطن له الشعراء ~~حتى قال قائلهم # وقائل كيف تفارقتما % فقلت قولا فيه إنصاف # لم يك من شكلي ففارقته % و الناس أشكال و ألاف # فقد ظهر من هذا أن الأنسان قد يحب لذاته لا لفائدة تنال منه في حال أو ~~مآل بل لمجرد المجانسة و المناسبة في الطباع الباطنة و الأخلاق الخفية # ويدخل في هذا القسم الحب للجمال إذا لم يكن المقصود قضاء الشهوة فإن ~~الصور الجميلة مستلذة في عينها وإن قدر فقد أصل الشهوة حتى يستلذ النظر إلى ~~الفواكه والأنوار والأزهار والتفاح المشرب بالحمرة وإلى الماء الجارى ~~والخضرة من غير غرض سوى عينها وهذا الحب لا يدخل فيه الحب لله بل هو حب ~~بالطبع وشهوة النفس ويتصور ذلك ممن لا يؤمن بالله إلا أنه أن اتصل به غرض ~~مذموم صار مذموم كحب الصورة الجميلة لقضاء الشهوة حيث لا يحل قضاؤها # وان لم يتصل به غرض مذموم فهو مباح لا يوصف بحمد ولا ذم إذا الحب إما ~~محمود وإما مذموم وإما مباح لا يحمد ولا يذم # القسم الثاني أن يحبه لينال من ذاته غير ذاته فيكون وسيلة إلى محبوب غيره ~~و الوسيلة إلى المحبوب محبوب وما يجب لغيره كان ذلك الغير هو المحبوب ~~بالحقيقة # ولكن الطريق إلى المحبوب محبوب ولذلك أحب الناس الذهب PageV02P162 والفضة ~~ولا غرض فيهما إذ لا يطعم ولا يلبس ولكنهما وسيلة إلى المحبوبات فمن الناس ~~من يحب كما يحب الذهب و الفضة من حيث أنه وسيلة إلى المقصود إذ يتوصل به ~~إلى نيل جاه أو مال أو علم كما يحب الرجل سلطانا لانتفاعه بماله أو جاهه ~~ويحب خواصه لتحسينهم حاله عنده وتمهيدهم أمره في قلبه فالمتوسل إليه إن كان ~~مقصور الفائدة على الدنيا لم يكن حبه من جملة الحب في الله وان لم يكن ~~مقصور الفائدة على الدنيا ولكنه ليس يقصد به إلا الدنيا كحب التلميذ ~~لأستاذه فهو أيضا خارج عن الحب لله فإنه إنما يحبه ليحصل منه العلم لنفسه ~~فمحبوبه العلم فإذا كان لا يقصد العلم للتقرب إلى الله بل لينال به الجاه و ~~المال و القبول عند الخلق فمحبوبه الجاه والقبول والعلم وسيلة إليه و ~~الأستاذ وسيلة إلى العلم فليس في شيء من ذلك حب لله إذ لا يتصور كل ذلك ممن ~~لا يؤمن بالله تعالى أصلا # ثم ينقسم هذا أيضا إلى مذموم ومباح فإن كان يقصد به التوصل إلى مقاصد ~~مذمومة من قهر الأقران وحيازة أموال اليتامى وظلم الرعاة بولاية القضاء أو ~~غيره كان كالحب مذموما وإن كان يقصد به التوصل إلى مباح وإنما تكتسب ~~الوسيلة الحكم و الصفة من المقصد المتوصل إليه فإنها تابعة له غير قائمة ~~بنفسها # القسم الثالث أن يحبه لا لذاته بل لغيره وذلك الغير ليس راجعا إلى حظوظه ~~في الدنيا بل يرجع إلى حظوظه في الآخرة فهذا أيضا ظاهر لا غموض فيه وذلك ~~كمن يحب أستاذه وشيخه لأنه يتوصل به إلى تحصيل العلم وتحسين العمل و مقصوده ~~من العلم و العمل الفوز في الآخرة فهذا من جملة المحبين في الله وكذلك من ~~يحب تلميذه لأنه يتلقف منه العلم وينال بواسطته رتبة التعليم ويرقى به إلى ~~درجة التعظيم في ملكوت السماء إذ قال عيسى صلى الله عليه وسلم من علم وعمل ~~وعلم فذلك يدعى عظيما في ملكوت السماء # ولا يتم التعلم إلا بمتعلم فهو إذن آلة في تحصيل هذا الكمال فإن أحبه ~~لأنه آلة له إذ جعل صدره مزرعة لحرثه الذي هو سبب ترقيه إلى رتبة التعظيم ~~في ملكوت السماء فهو محب في الله بل الذي يتصدق بأمواله لله ويجمع الضيفان ~~ويهي لهم الأطعمة اللذيذة الغريبة تقربا إلى الله فأجد طباخا لحسن صنعته في ~~الطبخ فهو من جملة المحبين في الله وكذا لو أحب من يتولى له إيصال الصدقة ~~إلى المستحقين فقد أحبه في الله بل تزيد على هذا ونقول إذا أحب من يخدمه ~~بنفسه في غسل ثيابه وكنس بيته وطبخ طعامه ويفرغه بذلك للعلم أو العمل ~~ومقصوده من استخدامه في هذه الأعمال الفراغ للعبادة فهو محب في الله بل ~~نزيد عليه ونقول إذا أحب من ينفق عليه من ماله ويواسيه بكسوته وطعامه ~~ومسكنه وجميع أغراضه التي يقصدها في دنياه ومقصوده من جملة ذلك الفراغ ~~للعلم و العمل المقرب إلى الله فهو محب في الله # فقد كان جماعة من السلف تكفل بكفايتهم جماعة من أولي الثروة وكان المواسي ~~و المواسي جميعا من المتحابين في الله بل نزيد عليه ونقول من نكح امرأة ~~صالحة ليتحصن بها عن وسواس الشيطان يصون بها دينه أو ليولد منها له ولد ~~صالح يدعو له وأحب زوجته لأنها آلة إلى هذه المقاصد الدينية فهو محب في ~~الله # ولذلك وردت الأخبار بوفور الأجر و الثواب على الإنفاق على العيال حتى ~~اللقمة يضعها الرجل في في امرأته + حديث الأجر في الإنفاق على العيال حتى ~~القمة يضعها الرجل في في امرأته تقدم + # بل نقول كل من استهتر بحب الله وحب رضاه وحب لقائه في الدار الآخرة فإذا ~~أحب غيره كان محبا في الله لأنه لا يتصور أن يحب شيئا إلا لمناسبته لما هو ~~محبوب عنده وهو رضا الله عز وجل بل أزيد على هذا وأقول إذا اجتمع في قبله ~~محبتان محبة الله ومحبة الدنيا واجتمع في شخص واحد لمعنيان جميعا حتى صلح ~~لأن يت وسل به إلى الله وإلى الدنيا فإذا أحبه لصلاحه للأمرين فهو من ~~المحيين في الله كمن يحب أستاذه الذي يعلمه الدين ويكفيه مهمات الدنيا ~~بالمواساة في المال فأحبه من حيث أن في طبعه طلب الراحة في الدنيا ~~PageV02P163 # و السعادة في الآخرة فهو وسيلة إليهما فهو محب في الله وليس من شرط حب ~~الله أن لا يحب في العاجل حظا ألبتة إذ الدعاء الذي أمر به الأنبياء صلوات ~~الله عليهم وسلامه فيه جمع بين الدنيا و الآخرة ومن ذلك قولهم ربنا آتنا في ~~الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقال عيسى عليه السلام في دعائه اللهم لا تشمت ~~بي عدوي ولا تسؤ بي صديقي ولا تجعل مصيبتي لديني ولا تجعل الدنيا أكبر همى ~~فدفع شماتة الأعداء من حظوظ الدنيا ولم يقل ولا تجعل الدنيا أصلا من همى بل ~~قال لا تجعلها أكبر همى # وقال نبينا صلى الله عليه وسلم في دعائه اللهم إني أسألك رحمة أنال بها ~~شرف كرامتك في الدنيا و الآخرة + حديث اللهم إني أسألك رحمة أنال بها شرف ~~كرامتك في الدنيا و الآخرة أخرجه الترمذي من حديث ابن عباس في الحديث ~~الطويل في دعائه صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الليل وقد تقدم + # وقال اللهم عافني من بلاء الدنيا وبلاء الآخرة + حديث اللهم عافني من ~~بلاء الدنيا وعذاب الآخرة أخرجه أحمد من حديث بشر بن أبي أرطاة نحوه بسند ~~جيد + # وعلى الجملة فإذا لم يكن حب السعادة في الآخرة مناقضا لحب الله تعالى فحب ~~السلامة و الصحة و الكفاية و الكرامة في الدنيا كيف يكون مناقضا لحب الله و ~~الدنيا و الآخرة عبارة عن حالتين إحداهما أقرب من الأخرى فكيف يتصور أن يحب ~~الإنسان حظوظ نفسه غدا ولا يحبها اليوم وإنما يحبها غدا لأن الغد سيصير ~~حالا راهنة فالحالة الراهنة لا بد إلا أن تكون مطلوبة أيضا إلا أن الحظوظ ~~العاجلة منقسمة إلى ما يضاد حظوظ الآخرة ويمنع منها وهي التي احترز عنها ~~الأنبياء و الأولياء وأمروا بالاحتراز عنها و إلى ما لا يضاد وهي التي لم ~~يمتنعوا منها كالنكاح الصحيح وأكل الحلال وغير ذلك فما يضاد حظوظ الآخرة ~~فحق العاقل أن يكرهه ولا يحبه أعني أن يكرهه بعقله لا بطبعه كما يكره ~~التناول من طعام لذيذ لملك من الملوك يعلم أنه لو أقدم عليه لقطعت يده أو ~~حزت رقبته لا بمعنى أن الطعام اللذيذ يصير بحيث لا يشتهيه بطبعه ولا يستلذه ~~لو أكله فإن ذلك محال ولكن على معنى أنه يزجره عقله عن الإقدام عليه وتحصل ~~فيه كراهة الضرر المتعلق به # و المقصود من هذا أنه لو أحب أستاذه لأنه يواسيه ويعلمه أو تلميذه لأنه ~~يتعلم منه ويخدمه وأحدهما حظ عاجل و الآخر آجل لكان في زمرة المتحابين في ~~الله ولكن بشرط واحد وهو أن يكون بحيث لو منعه العلم مثلا أو تعذر عليه ~~تحصيله منه لنقص حبه بسببه فالقدر الذي ينقص بسبب فقده هو لله تعالى وله ~~على ذلك القدر ثواب الحب في الله وليس بمستنكر أن يشتد حبك لإنسان لجملة ~~أغراض ترتبط لك به فإن امتنع بعضها نقص حبك وإن زاد زاد الحب فليس حبك ~~الذهب كحبك للفضة إذا تساوى مقدارهما لأن الذهب يوصل إلى أغراض هي أكثر مما ~~توصل إليه الفضة فإذن يزيد الحب بزيادة الغرض ولا يستحيل اجتماع الأغراض ~~الدنيوية و الأخروية فهو داخل في جملة الحب لله # وحده هو أن كل حب لولا الإيمان بالله و اليوم الآخر لم يتصور وجوده فهو ~~حب في الله وكذلك كل زيادة في الحب لولا الإيمان بالله لم تكن تلك الزيادة ~~فتلك الزيادة من الحب في الله فذلك وان دق فهو عزيز # قال الجريري تعامل الناس في القرن الأول بالدين حتى رق الدين وتعاملوا في ~~القرن الثاني بالوفاء حتى ذهب الوفاء وفي الثالث بالمروءة حتى ذهبت المروءة ~~ولم يبق إلا الرهبة و الرغبة # القسم الرابع أن يحب لله وفي الله لا لينال منه علما أو عملا أو يتوسل به ~~إلى أمر وراء ذاته وهذا أعلى الدرجات وهو أدقها وأغمضها وهذا القسم أيضا ~~ممكن فإن من آثار غلبة الحب أن يتعدى من المحبوب إلى كل من يتعلق بالمحبوب ~~ويناسبه ولو من بعد فمن أحب إنسانا حبا شديدا أحب محب ذلك الإنسان وأحب ~~محبوبه وأحب من يخدم من يخدمه وأحب من يثنى عليه محبوبه وأحب من يتسارع إلى ~~رضا محبوبه حتى قال بقية بن الوليد أن المؤمن إذا أحب المؤمن أحب كلبه وهو ~~كما قال ويشهد له التجربة في أحوال العشاق ويدل عليه أشعار الشعراء ولذلك ~~يحفظ PageV02P164 ثوب المحبوب ويخفيه تذكرة من جهته ويحب منزله ومحلته ~~وجيرانه حتى قال مجنون بني عامر # أمر على الديار ديار للى % أقبل ذا الجدار وذا الجدارا # وما حب الديار شغفن قلبي % ولكن حب من سكن الديارا # فإذن المشاهدة و التجربة تدل على أن الحب يتعدى من ذات المحبوب إلى ما ~~يحيط به ويتعلق بأسبابه ويناسبه ولو من بعد ولكن ذلك من خاصيه فرط المحبة ~~فأصل المحبة لا يكفي فيه ويكون اتساع الحب في تعديه من المحبوب إلى ما ~~يكتنفه و يحيط به ويتعلق بأسبابه بحسب إفراط المحبة وقوتها وكذلك حب الله ~~سبحانه وتعالى إذا قوى وغلب على القلب واستولى عليه حتى انتهى إلى حد ~~الاستهتار فيتعدى إلى كل موجود سواه فإن كل موجود سواه أثر من آثار قدرته ~~ومن أحب إنسانا أحب صنعته وخطه وجميع أفعاله ولذلك كان صلى الله عليه وسلم ~~إذا حمل إليه باكورة من الفواكه مسح بها عينيه وأكرمها و قال انه قريب ~~العهد بربنا + حديث كان إذا حمل إليه باكورة من الفواكه مسح بها عينيه ~~وأكرمها وقال إنها قريب عهد بربها أخرجه الطبراني في الصغير من حديث ابن ~~عباس وأبو داود في المراسيل و البيهقي في الدعوات من حديث أبي هريرة دون ~~قوله وأكرمها الخ وقال انه غير محظوظ وحديث أبي هريرة في الباكورة عند بقية ~~أصحاب السنن دون مسح عينيه بها وما بعده و قال الترمذي حسن صحيح + # وحب الله تعالى تارة يكون لصدق الرجاء في مواعيده وما يتوقع في الآخرة من ~~نعيمه وتارة لما سلف من أياديه وصنوف نعمته وتارة لذاته لا لأمر آخر وهو ~~أدق ضرب المحبة و أعلاها وسيأتي تحقيقها في كتاب المحبة من ربع المنجيات إن ~~شاء الله تعالى وكيفما اتفق حب الله فإذا قوى تعدى إلى كل متعلق به ضربا من ~~التعلق حتى يتعدى إلى ما هو في نفسه مؤلم مكروه ولكن فرط الحب يضعف الإحساس ~~بالألم و الفرح بفعل المحبوب وقصده إياه بالإيلام يغمر إدراك الألم وذلك ~~كالفرح بضربة من المحبوب أو قرصة فيها نوع معاتبة فإن قوة المحبة تثير فرحا ~~يغمر إدراك الألم فيه وقد انتهت محبة الله بقوم إلى أن قالوا لا نفرق بين ~~البلاء و النعمة فإن الكل من الله ولا نفرح إلا بما فيه رضاه حتى قال بعضهم ~~لا أريد أن أنال مغفرة الله بمعصية الله # وقال سمنون # وليس لي في سواك حظ % فكيفما شئت فاختبرني # وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب المحبة # و المقصود أن أحب الله إذ قوي أثمر حب كل من يقوم بحق عبادة الله في علم ~~أو عمل وأثمر حب كل من فيه صفة مرضية عند الله من خلق حسن أو تأدب بآداب ~~الشرع # وما من محب للآخرة ومحب لله إلا إذا أخبر عن حال رجلين أحدهما عالم عابد ~~و الآخرة جاهل فاسق إلا وجد في نفسه ميلا إلى العالم العابد ثم يضعف ذلك ~~الميل ويقوى بحسب ضعف إيمانه وقوته وبحسب ضعف حبه لله وقوته وهذا الميل ~~حاصل وإن كانا غائبين عنه بحيث يعلم أنه لا يصيبه منهما خير ولا شر في ~~الدنيا ولا في الآخرة فذلك الميل هو حب في الله ولله من غير حظ فإنه إنما ~~يحبه لأن الله يحبه ولأنه مرضي عند الله تعالى ولأنه يحب الله تعالى ولأنه ~~مشغول بعبادة الله تعالى إلا انه إذا ضعف لم يظهر أثر ولا يظهر به ثواب و ~~لا أجر فإذا قوى حمل على الموالاة و النصرة و الذب بالنفس و المال و اللسان ~~وتتفاوت الناس فيه بحسب تفاوتهم في حب الله عز وجل ولو كان الحب مقصورا على ~~حظ ينال من المحبوب في الحال أو المآل لما تصور حب الموتى من العلماء و ~~العباد ومن الصحابة و التابعين بل من الأنبياء المنقرضين صلوات الله عليهم ~~وسلامه وحب جميعهم مكنون في قلب كل مسلم متدين ويتبين ذلك بغضبه عند طعن ~~أعدائهم في واحد منهم ويفرحه عند الثناء عليهم وذكر محاسنهم وكل ذلك حب لله ~~لأنهم خواص عباد الله PageV02P165 # ومن أحب ملكا أو شخصا جميلا أحب خواصه وخدمه وأحب من أحبه إلا أنه يمتحن ~~الحب بالمقابلة بحظوظ النفس وقد يغلب بحيث لا يبقي لنفس حظ إلا فيما هو حظ ~~المحبوب وعنه عبر قول من قال # أريد وصاله ويريد هجري % فأترك ما أريد لما يريد # وقول من قال وما لجرح إذا أرضاكم ألم وقد يكون الحب بحيث يترك به بعض ~~الحظوظ دون بعض كمن تسمح نفسه بأن يشاطر محبوبه في نصف ماله أو في ثلثه أو ~~في عشره فمقادير الأموال موازين المحبة إذ لا تعرف درجة المحبوب إلا بمحبوب ~~يترك في مقابلته فمن استغرق الحب جميع قلبه لم يبق له محبوب سواه فلا يمسك ~~لنفسه شيئا مثل أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنه لم يترك لنفسه أهلا ولا ~~مالا فسلم ابنته التي هي قرة عينه وبذل جميع ماله # قال ابن عمر رضي الله عنهما بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ~~وعنده أبو بكر وعليه عباءة قد خللها على صدره بخلال إذ نزل جبريل عليه ~~السلام فأقرأه عن الله السلام و قال له يا رسول الله مالي أرى أبا بكر عليه ~~عباءة قد خللها على صدره بخلال فقال أنفق ماله علي قبل الفتح قال فأقره من ~~الله السلام وقل له يقول لك ربك أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط قال ~~فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وقال يا أبا بكر هذا جبريل ~~يقرئك السلام من الله ويقول أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط قال فبكى أبو ~~بكر رضي الله عنه و قال أعلى ربي أسخط أنا عن ربي راض + حديث ابن عمر بينما ~~النبي صلى الله عليه وسلم جالس وعنده أبو بكر وعليه عباءة قد خللها على ~~صدره بخلال فنزل جبريل فأقرأه من ربه السلام الحديث أخرجه ابن حبان و ~~العقيلي في الضعفاء قال الذهبي في الميزان هو كذب + # فحصل من هذا أن كل من أحب عالما أو عابدا أو أحب شخصا راغبا في علم أو في ~~خير فإنما أحبه في الله و لله وله فيه من الأجر و الثواب بقدر قوة حبه فهذا ~~شرح الحب في الله ودرجاته وبهذا يتضح البغض في الله أيضا ولكن نزيده بيانا # | بيان البغض في الله # أعلم أن كل من يحب في الله لا بد أن يبغض في الله فإنك إن أحببت إنسانا ~~لأنه مطيع لله ومحبوب عند الله فإن عصاه فلا بد أن تبغضه لأنه عاص لله ~~وممقوت عند الله ومن أحب بسبب فبالضرورة يبغض لضده وهذان متلازمان لا ينفصل ~~أحدهما عن الآخر وهو مطرد في الحب و البغض في العادات ولكن كل واحد من الحب ~~و البغض داء دفين في القلب وإنما يترشح عند الغلبة ويترشح بظهور أفعال ~~المحبين و المبغضين في المقاربة و المباعدة وفي المخالفة و الموافقة فإذا ~~ظهر في الفعل سمي موالاة ومعاداة ولذلك قال الله تعالى هل واليت في وليا ~~وهل عاديت في عدوا كما نقلناه وهذا واضح في حق من لم يظهر لك إلا طاعاته ~~تقدر على أن تحبه أو لم يظهر لك إلا فسقه وفجوره وأخلاقه المسيئة فتقدر على ~~أن تبغضه وإنما المشكل إذا اختلطت الطاعات بالمعاصي فإنك تقول كيف أجمع بين ~~البغض و المحبة وهما متناقضان وكذلك تتناقض ثمرتهما من الموافقة و المخالفة ~~و الموالاة و المعاداة و أقول ذلك غير متناقض في حق الله تعالى كما لا ~~يتناقض في الحظوظ البشرية فإنه مهما اجتمع في شخص واحد خصال يحب بعضها ~~ويكره بعضها فإنك تحبه من وجه وتبغضه من وجه فمن زوجة حسناء فاجرة أو ولد ~~ذكى خدوم ولكنه فاسق فإنه يحبه من وجه ويبغضه من وجه ويكون معه على حالة ~~بين حالتين إذ لو فرض له ثلاثة أولاد أحدهم ذكي بار و الآخر بليد عاق و ~~الآخر بليد بار أو ذكى عاق فإنه يصادف نفسه معهم على ثلاثة أحوال متفاوتة ~~بحسب تفاوت خصالهم فكذلك ينبغي أن تكون حالك بالإضافة إلى من غلب عليه ~~الفجور ومن غلبت PageV02P166 عليه الطاعة ومن اجتمع فيه كلاهما متفاوتة على ~~ثلاث مراتب وذلك بأن تعطى كل صفة حظها من البغض و الحب و الإعراض و الإقبال ~~و الصحبة و القطيعة وسائر الأفعال الصادرة منه # فإن قلت كل مسلم فإسلامه طاعة منه فكيف ابغضه مع الإسلام فأقول تحبه ~~لإسلامه وتبغضه لمعصيته وتكون معه على حالة لو قستها بحال كافر أو فاجر ~~أدركت تفرقة بينهما وتلك التفرقة حب للإسلام وقضاء لحقه وقدر الجناية على ~~حق الله و الطاعة له كالجناية على حقك و الطاعة لك # فمن وافقك على غرض وخالفك في آخر فكن معه على حالة متوسطة بين الانقباض و ~~الاسترسال وبين الإقبال و الأعراض وبين التودد إليه و التوحش عنه ولا تبالغ ~~في إكرامه مبالغتك في إكرام من يوافقك على جميع أغراضك ولا تبالغ في إهانته ~~مبالغتك في إهانة من خالفك في جميع أغراضك # ثم ذلك التوسط تارة يكون ميله إلى طرف الإهانة عند غلبة الجناية وتارة ~~إلى طرف المجاملة والإكرام عند غلبة الموافقة فهكذا ينبغي أن يكون فيمن ~~يطيع الله تعالى ويعصيه ويتعرض لرضاه مرة و لسخطه أخرى # فإن قلت فيماذا يمكن إظهار البغض فأقول أما في القول فبكف اللسان عن ~~مكالمته ومحادثته مرة وبالاستخفاف و التغليظ في القول أخرى # وأما في الفعل فبقطع السعي في إعانته مرة وبالسعي في إساءته وإفساده ~~مآربه أخرى # وبعض هذا أشد من بعض وهي بحسب درجات الفسق و المعصية الصادرة منه # أما ما يجري مجرى الهفوة التي يعلم انه متندم عليها ولا يصر عليها ~~فالأولى فيه الستر و الإغماض # أما ما أصر عليه من صغيرة أو كبيرة فإن كان ممن تأكدت بينك وبينه مودة ~~وصحبة وأخوة فله حكم آخر وسيأتي وفيه خلاف بين العلماء وأما إذا لم تتأكد ~~أخوة وصحبة فلا بد من إظهار أثر البغض إما في الإعراض و التباعد عنه وقلة ~~الالتفات إليه وإما في الاستخفاف وتغليظ القول عليه # وهذا أشد من الإعراض وهو بحسب غلظ المعصية وخفتها وكذلك في الفعل أيضا ~~رتبتان إحداهما قطع المعونة و الرفق و النصرة عنه وهو اقل الدرجات و الأخرى ~~السعي في إفساد أغراضه عليه كفعل الأعداء المبغضين وهذا لا بد منه ولكن ~~فيما يفسد عليه طريق المعصية # أما ما لا يؤثر فيه فلا مثاله رجل عصى الله بشرب الخمر وقد خطب امرأة لو ~~تيسر له نكاحها لكان مغبوطا بها بالمال و الجمال و الجاه إلا أن ذلك لا ~~يؤثر في منعه من شرب الخمر ولا في بعث وتحريض عليه فإذا قدرت على إعانته ~~ليتم له غرضه ومقصوده وقدرت على تشويشه ليفوته غرضه فليس لك السعي في ~~تشويشه # أما الإعانة فلو تركتها إظهارا للغضب عليه في فسقه فلا بأس وليس يجب ~~تركها إذ ربما يكون لك نية في أن تتلطف بإعانته وإظهار الشفقة عليه ليعتقد ~~مودتك ويقبل نصحك فهذا حسن وإن لم يظهر لك ولكن رأيت أن تعينه على غرضه ~~قضاء لحق إسلامه فذلك ليس بممنوع بل هو الأحسن إن كانت معصيته بالجناية على ~~حقك أو حق من يتعلق بك # وفيه نزل قوله تعالى ولا يأتل أولوا الفضل منكم و السعة إلى قوله تعالى ~~@QB@ ألا تحبون أن يغفر الله لكم @QE@ إذ تكلم مسطح بن أثاثة في واقعة ~~الإفك + حديث كلام مسطح في الإفك وهجر أبي بكر له حتى نزلت @QB@ ولا يأتل ~~أولوا الفضل منكم @QE@ الآية متفق عليه من حديث عائشة + # فحلف أبو بكر أن يقطع عنه رفقه وقد كان يواسيه بالمال فنزلت الآية مع عظم ~~معصية مسطح وأية معصية تزيد على التعرض لحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وإطالة اللسان في مثل عائشة رضي الله عنها إلا أن الصديق رضي الله عنه كان ~~كالمجني عليه في نفسه بتلك الواقعة و العفو عمن ظلم و الإحسان إلى من أساء ~~من أخلاق الصديقين # وإنما يحسن الإحسان إلى من ظلمك فأما من ظلم غيرك وعصى الله به فلا يحسن ~~إحسانك إليه لأن في الإحسان إلى الظالم إساءة إلى المظلوم PageV02P167 # وحق المظلوم أولى بالمراعاة وتقوية قلبه بالإعراض عن الظالم أحب إلى الله ~~من تقوية قلب الظالم فأما إذا كنت أنت المظلوم فالأحسن في حقك العفو و ~~الصفح وطرق السلف قد اختلفت في إظهار البغض مع أهل المعاصي وكلهم اتفقوا ~~على إظهار البغض للظلمة و المبتدعة وكل من عصى الله بمعصية متعدية منه إلى ~~غيره فأما من عصى الله في نفسه فمنهم من نظر بعين الرحمة إلى العصاة كلهم ~~ومنهم من شدد الإنكار واختار المهاجرة # فقد كان أحمد بن حنبل يهجر الأكابر في أدنى كلمة حتى هجر يحيى بن معين ~~لقوله إني لا أسأل أحدا شيئا ولو حمل السلطان إلي شيئا لأخذته # وهجر الحارث المحاسبي في تصنيفه في الرد على المعتزلة و قال إنك لا بد ~~تورد أولا شبهتهم و تحمل الناس على التفكر فيها ثم ترد عليهم وهجر أبا ثور ~~في تأويله قوله صلى الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورته + حديث أن ~~الله خلق آدم على صورته أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + # وهذا أمر يختلف باختلاف النية وتختلف النية باختلاف الحال فإن كان الغالب ~~على القلب النظر إلى اضطرار الخلق وعجزهم وأنهم مسخرون لما قدروا له أورث ~~هذا تساهلا في المعاداة و البغض وله وجه ولكن قد تلتبس به المداهنة فأكثر ~~البواعث على الإغضاء عن المعاصي المداهنة ومراعاة القلوب و الخوف من وحشتها ~~ونفارها وقد يلبس الشيطان ذلك على الغبي الأحمق بأنه ينظر بعين الرحمة ومحك ~~ذلك أن ينظر إليه بعين الرحمة إن جنى على خاص حقه ويقول إنه قد سخر له و ~~القدر لا ينفع منه الحذر وكيف لا يفعله وقد كتب عليه فمثل هذا قد تصح له ~~نية في الإغماض عن الجناية على حق الله وإن كان يغتاظ عند الجناية على حقه ~~ويترحم عند الجناية على حق الله فهذا مداهن مغرور بمكيدة من مكايد الشيطان ~~فليتنبه له # فإن قلت فأقل الدرجات في إظهار البغض الهجر و الإعراض وقطع الرفق و ~~الإعانة فهل يجب ذلك حتى يعصي العبد بتركه # فأقول لا يدخل ذلك في ظاهر العلم تحت التكليف و الإيجاب فإنا نعلم أن ~~الذين شربوا الخمر و تعاطوا الفواحش في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~والصحابة ما كانوا يهجرون بالكلية بل كانوا منقسمين فيهم إلى من يغلظ القول ~~عليه ويظهر البعض له و إلى من يعرض عنه ولا يتعرض له و إلى من ينظر إليه ~~بعين الرحمة ولا يؤثر المقاطعة و التباعد # فهذه دقائق دينية تختلف فيها طرق السالكين لطريق الآخرة ويكون عمل كل ~~واحد على ما يقتضيه حاله ووقته ومقتضى الأحوال في هذه الأمور إما مكروهة أو ~~مندوبة فتكون في رتبة الفضائل ولا تنتهي إلى التحريم و الإيجاب فإن الداخل ~~تحت التكليف أصل المعرفة لله تعالى وأصل الحب وذلك قد لا يتعدى من المحبوب ~~إلى غيره وإنما المتعدى إفراط الحب و استيلاؤه وذلك لا يدخل في الفتوى وتحت ~~ظاهر التكليف في حق عوام الخلق أصلا # | بيان مراتب الذين يبغضون في الله وكيفية معاملتهم # فإن قلت إظهار البغض و العداوة بالفعل إن لم يكن واجبا فلا شك أنه مندوب ~~إليه و العصاة و الفساق على مراتب مختلفة فكيف ينال الفضل بمعاملتهم وهل ~~يسلك بجميعهم مسلكا واحدا أم لا فأعلم أن المخالف لأمر الله سبحانه لا يخلو ~~إما أن يكون مخالفا في عقده أو في عمله و المخالف في العقد إما مبتدع أو ~~كافر والمبتدع إما داع إلى بدعته أو ساكت و الساكت إما بعجزه أو باختياره ~~فأقسام الفساد في الإعتقاد ثلاثة # الأول الكفر فالكافر إن كان محاربا فهو يستحق القتل و الإرقاق وليس بعد ~~هذين إهانة وأما الذمي فإنه لا يجوز إيذاؤه إلا بالإعراض عنه و التحقير له ~~بالاضرار إلى أضيق الطريق وبترك المفاتحة بالسلام فإذا قال PageV02P168 # السلام عليك قلت وعليك # والأولى الكف عن مخالطته ومعاملته ومواكلته وأما الانبساط معه والاسترسال ~~إليه كما يسترسل إلى الأصدقاء فهو مكروه كراهة شديدة يكاد ينتهي ما يقوى ~~منها إلى حد التحريم قال تعالى @QB@ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر ~~يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم @QE@ الآية وقال ~~صلى الله عليه وسلم المسلم والمشرك لا تتراءى ناراهما + حديث المؤمن ~~والمشرك لا تتراءى ناراهما رواه أبو داود و الترمذي من حديث جرير أنا بريء ~~من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قالوا يا رسول الله ولم قال لا تراءى ~~ناراهما رواه النسائي مرسلا وقال البخاري الصحيح أنه مرسل + # وقال عز وجل @QB@ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء @QE@ ~~الآية # الثاني المبتدع الذي يدعو إلى بدعته # فإن كانت البدعة بحيث يكفر بها فأمره أشد من الذمي لأنه لا يقر بجزية ولا ~~يسامح بعقد ذمة وإن كان ممن لا يكفر به فأمره بينه وبين الله أخف من أمر ~~الكافر لا محالة ولكن الأمر في الإنكار عليه أشد منه على الكافر لأن شر ~~الكافر غير متعد فإن المسلمين اعتقدوا كفره فلا يلتفتون إلى قوله إذ لا ~~يدعى لنفسه الإسلام واعتقاد الحق # أما المبتدع الذي يدعوا إلا البدعة ويزعم أن ما يدعو إليه حق فهو سبب ~~لغواية الخلق فشره متعد فالاستحباب في إظهار بغضه ومعاداته والانقطاع عنه ~~وتحقيره والتشنيع عليه ببدعته وتنفير الناس عنه أشد وان سلم في خلوة فلا ~~بأس برد جوابه وان علمت أن الإعراض عنه والسكوت عن جوابه يقبح في نفسه ~~بدعته ويؤثر في زجرة فترك الجواب أولى لأن جواب الإسلام وان كان واجبا ~~فيسقط بأذني غرض فيه مصلحة حتى يسقط بكون الإنسان في الحمام أو في قضاء ~~حاجته وغرض الزجر أهم من هذه الأغراض وان كان في ملأ فترك الجواب أول ~~تنفيرا للناس عنه وتقبيحا لبدعته في أعينهم وكذلك الأولى كف الإحسان إليه ~~والإعانة له لا سيما فيما يظهر للخلق قال عليه السلام من انتهر صاحب بدعة ~~ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا ومن أهان صاحب بدعة أمنه الله يوم الفزع الأكبر ~~من ألان له وأكرمه أو لقيه ببشر فقد استخف بما أنزل الله على محمد صلى الله ~~عليه وسلم + حديث من انتهر صاحب بدعة ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا الحديث ~~أخرجه أبو نعيم في الحلية و الهروي في ذم الكلام من حديث ابن عمر بسند ضعيف ~~+ # الثالث المبتدع العامي الذي لا يقدر على الدعوة ولا يخاف الاقتداء به ~~فأمره أهون فالأولى أن لا يقابح بالتغليظ و الإهانة بل يتلطف به في النصح ~~فإن قلوب العوام سريعة التقلب فإن لم ينفع النصح وكان في الإعراض عنه تقبيح ~~لبدعته في عينه تأكد الاستحباب في الإعراض وإن علم أن ذلك لا يؤثر فيه ~~لجمود طبعه ورسوخ عقده في قلبه فالإعراض أولى لأن البدعة إذا لم يبالغ في ~~تقبيحها شاعت بين الخلق وعم فسادها # وأما العاصي بفعله وعمله لا باعتقاده فلا يخلو إما أن يكون بحيث يتأذى به ~~غيره كالظلم و الغضب وشهادة الزور و الغيبة و التضريب بين الناس و المشي ~~بالنميمة وأمثالها # أو كان مما لا يقتصر عليه ويؤذى غيره وذلك ينقسم إلى ما يدعو غيره إلى ~~الفساد كصاحب الماخور الذى يجمع بين الرجال والنساء ويهيء أسباب الشرب ~~والفساد لأهل الفساد أو لا يدعو غيره إلى فعله كالذي يشرب ويزني وهذا الذي ~~لا يدعو غيره إما أن يكون عصيانه بكبيرة أو بصغيرة وكل واحد فأما أن يكون ~~مصرا عليه أو غير مصر فهذه التقسيمات يتحصل منها ثلاثة أقسام ولكل قسم منها ~~رتبة وبعضها أشد من بعض ولا نسلك بالكل مسلكا واحدا # القسم الأول وهو أشدها ما يتضرر به الناس كالظلم و الغصب وشهادة الزور و ~~الغيبة و النميمة فهؤلاء الأولى الإعراض عنهم وترك مخالطتهم و الانقباض عن ~~معاملتهم لأن المعصية شديدة فيما يرجع إلى إيذاء الخلق # ثم هؤلاء PageV02P169 ينقسمون إلى من يظلم في الدماء وإلى من يظلم في ~~الأموال وإلى من يظلم في الأعراض وبعضها أشد من بعض فالاستحباب في إهانتهم ~~و الإعراض عنهم مؤكد جدا و مهما كان يتوقع من الإهانة زجرا لهم أو لغيرهم ~~كان الأمر فيه آكد وأشد # الثاني صاحب الماخور الذي يهيء أسباب الفساد ويسهل طرقه على الخلق فهذا ~~لا يؤذي الخلق في دنياهم ولكن يختلس بفعله دينهم وإن كان وفق رضاهم فهو ~~قريب من الأول ولكنه أخف منه فإن المعصية بين العبد و بين الله تعالى إلى ~~العفو أقرب ولكن من حيث إنه متعد على الجملة إلى غيره فهو شديد وهذا أيضا ~~يقتضي الإهانة و الإعراض و المقاطعة وترك جواب السلام إذا ظن أن فيه نوعا ~~من الزجر له أو لغيره # الثالث الذي يفسق في نفسه بشرب خمر أو ترك واجب أو مقارفة محظور يخصه ~~فالأمر فيه أخف ولكنه في وقت مباشرته إن صودف يجب منعه بما يمتنع به منه ~~ولو بالضرب و الاستخفاف فإن النهي عن المنكر واجب وإذا فرغ منه وعلم أن ذلك ~~من عادته وهو مصر عليه فإن تحقق أن نصحه يمنعه عن العود إليه وجب النصح وإن ~~لم يتحقق ولكنه كان يرجو فالأفضل النصح و الزجر بالتلطف أو بالتغليظ إن كان ~~هو الأنفع فأما الإعراض عن جواب سلامه و الكف عن مخالطته حيث يعلم أنه يصر ~~وأن النصح ليس ينفعه فهذا فيه نظر وسير العلماء فيه مختلفة و الصحيح أن ذلك ~~يختلف باختلاف نية الرجل فعند هذا يقال الأعمال بالنيات إذ في الرفق و ~~النظر بعين الرحمة إلى الخلق نوع من التواضع وفي العنف و الإعراض نوع من ~~الزجر و المستفتي فيه القلب فما يراه أميل إلى هواه ومقتضى طبعه فالأولى ~~ضده إذ قد يكون استخفافه وعنفه عن كبر وعجب و التذاذ بإظهار العلو و ~~الإدلال بالصلاح وقد يكون رفقه عن مداهنة واستمالة قلب للوصول به إلى غرض ~~أو الخوف من تأثير وحشته ونفرته في جاه أو مال بظن قريب أو بعيد وكل ذلك ~~مردد على إشارات الشيطان وبعيد عن أعمال أهل الآخرة وكل راغب في أعمال ~~الدين مجتهد مع نفسه في التفتيش عن هذه الدقائق ومراقبة هذه الأحوال و ~~القلب هو المفتي فيه وقد يصيب الحق في اجتهاده وقد يخطيء وقد يقدم على ~~اتباع هواه وهو عالم به وقد يقدم وهو بحكم الغرور ظان انه عامل لله وسالك ~~طريق الآخرة # وسيأتي بيان هذه الدقائق في كتاب الغرور من ربع المهلكات # ويدل على تخفيف الأمر في الفسق القاصر الذي هو بين العبد وبين الله ما ~~روى أن شارب خمر ضرب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعود فقال ~~واحد من الصحابة # لعنه الله ما أكثر ما يشرب فقال صلى الله عليه وسلم لا تكن عونا للشيطان ~~على أخيك + حديث إن شارب خمر ضرب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم الحديث ~~وفيه لا تكن عونا للشيطان على أخيك أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة + # أو لفظا هذا معناه وكان هذا إشارة إلى أن الرفق أولى من العنف و التغليظ # | بيان الصفات المشروطة فيمن تختار صحبته # أعلم أنه لا يصلح للصحبة كل إنسان # قال صلى الله عليه وسلم المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل + ~~حديث المرء على دين خليله الحديث أخرجه أبو داود و الترمذي وحسنه والحاكم ~~من حديث أبي هريرة وقال صحيح أن شاء الله + # ولا بد أن يتميز بخصال وصفات يرغب بسببها في صحبته وتشترط تلك الخصال ~~بحسب الفوائد المطلوبة من الصحبة إذ معنى الشرط مالا بد منه للوصول إلى ~~المقصود فبالإضافة إلى المقصود تظهر الشروط # ويطلب من الصحبة فوائد دينية ودنيوية أما الدنيوية فكالانتفاع بالمال أو ~~الجاه أو مجرد الاستئناس بالمشاهدة و المجاورة وليس ذلك من أغراضنا # وأما الدينية فيجتمع فيها أيضا أغراض مختلفة إذ منها الاستفادة من العلم ~~والعمل ومنها الاستفادة من الجاه تحصنا به عن إيذاء من يشوش القلب ويصد عن ~~العبادة ومنها استفادة المال للاكتفاء به عن تضييع الأوقات PageV02P170 في ~~طلب القوت ومنها الاستعانة في المهمات فيكون عدة في المصائب وقوة في ~~الأحوال ومنها التبرك بمجرد الدعاء ومنها انتظار الشفاعة في الآخرة فقد قال ~~السلف استكثروا من الإخوان فإن لكل مؤمن شفاعة فلعلك تدخل في شفاعة أخيك # وروى في غريب التفسير في قوله تعالى @QB@ ويستجيب الذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات ويزيدهم من فضله @QE@ قال يشفعهم في إخوانهم فيدخلهم الجنة معهم # ويقال إذا غفر الله للعبد شفع في إخوانه ولذلك حث جماعة من السلف على ~~الصحبة و الألفة و المخالطة وكرهوا العزلة و الانفراد فهذه فوائد تستدعى كل ~~فائدة شروطا لا تحصل إلا بها ونحن نفصلها أما على الجملة فينبغي أن يكون ~~فيمن تؤثر صحبتة خمس خصال أن يكون عاقلا حسن الخلق غير فاسق ولا مبتدع ولا ~~حريص على الدنيا # أما العقل فهو رأس المال وهو الأصل فلا خير في صحبة الأحمق فإلى الوحشة و ~~القطيعة ترجع عاقبتها وإن طالت # قال علي رضي الله عنه # فلا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه % فكم من جاهل أردى حليما حين آخاه # يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ما شاه % و للشيء من الشيء مقاييس وأشباه # وللقلب على القلب % دليل حين يلقاه # كيف و الأحمق قد يضرك وهو يريد نفعك وإعانتك من حيث لا يدري ولذلك قال ~~الشاعر # إني لآمن من عدو عاقل % وأخاف خلا يعتريه جنون # فالعقل فن واحد وطريقه % أدرى فأرصد و الجنون فنون # ولذلك قيل مقاطعة الأحمق قربان إلى الله # وقال الثوري النظر إلى وجه الأحمق خطيئة مكتوبة ونعني بالعاقل الذي يفهم ~~الأمور على ما هي عليه إما بنفسه وأما إذا فهم # وأما حسن الخلق فلا بد منه إذ رب عاقل يدرك الأشياء على ما هي عليه ولكن ~~إذا غلبه غضب أو شهوة أو بخل أو جبن أطاع هواه وخالف ما هو المعلوم عنده ~~لعجزه عن قهر صفاته وتقويم أخلاقه فلا خير في صحبته # وأما الفاسق المصر على الفسق فلا فائدة في صحبته لأن من يخاف الله لا يصر ~~على كبيرة ومن لا يخاف الله لا تؤمن غائلته ولا يوثق بصداقته بل يتغير ~~بتغير الأغراض # وقال تعالى @QB@ ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه @QE@ وقال ~~تعالى @QB@ فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه @QE@ وقال تعالى ~~فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا و قال @QB@ واتبع سبيل ~~من أناب إلي @QE@ وفي مفهوم ذلك زجر عن الفاسق # وأما المبتدع ففي صحبته خطر سراية البدعة وتعدي شؤمها إليه فالمبتدع ~~مستحق للهجر و المقاطعة فكيف تؤثر صحبته وقد قال عمر رضي الله عنه في الحث ~~على طلب التدين في الصديق فيما رواه سعيد بن المسيب قال عليك بإخوان الصدق ~~تعش في أكنافهم فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء وضع أمر أخيك على ~~أحسنه حتى يجيئك ما يغلبك منه واعتزل عدوك وأحذر صديقك إلا الأمين من القوم ~~ولا أمين إلا من خشي الله فلا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره ولا تطعه على ~~سرك واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى # وأما حسن الخلق فقد جمعه علقمة العطاردى في وصيته لابنه حين حضرته الوفاة ~~قال يا بني إذا عرضت لك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا خدمته صانك وإن ~~صحبته زانك وإن قعدت بك مؤنة مانك اصحب من إذا مددت يدك بخير مدها وإن رأى ~~منك حسنة عدها وإن رأى سيئة سدها اصحب من إذا سألته أعطاك وإن سكت ابتداك ~~وإن نزلت بك نازلة واساك اصحب من إذا قلت صدق قولك وإن حاولتما أمرا أمرك ~~وإن تنازعتما آثرك فكأنه جمع بهذا جميع حقوق الصحبة وشرط أن يكون قائما ~~بجميعها # قال ابن أكثم قال المأمون فأبن هذا فقيل له أتدري لم أوصاه بذلك # قال PageV02P171 لا # قال لأنه أراد أن لا يصحب أحدا # و قال بعض الأدباء لا تصحب من الناس إلا من يكتم سرك ويستر عيبك فيكون ~~معك في النوائب ويؤثرك بالرغائب وينشر حسنتك ويطوي سيئتك فإن لم تجده فلا ~~تصحب إلا نفسك # و قال علي رضي الله عنه # إن أخاك الحق من كان معك % ومن يضر نفسه لينفعك # ومن إذا ريب زمان صدعك % شتت فيه شمله ليجمعك # وقال بعض العلماء لا تصحب إلا أحد رجلين رجل تتعلم منه شيئا في أمر دينك ~~فينفعك أو رجل تعلمه شيئا في أمر دينه فيقبل منك و الثالث فاهرب منه وقال ~~بعضهم الناس أربعة فواحد حلو كله فلا يشبع منه # وآخر مر كله فلا يؤكل منه و آخر فيه حموضة فخذ من هذا قبل أن يأخذ منك و ~~آخر فيه ملوحة فخذ منه وقت الحاجة فقط # و قال جعفر الصادق رضي الله عنه لا تصحب خمسة الكذاب فإنك منه على غرور ~~وهو مثل السراب يقرب منك البعيد ويبعد منك القريب و الأحمق فإنك لست منه ~~على شيء يريد أن ينفعك فيضرك # و البخيل فإنه يقطع بك أحوج ما تكون إليه و الجبان فإنه يسلمك ويفر عند ~~الشدة و الفاسق فإنه يبيعك بأكلة أو أقل منها فقيل وما أقل منها قال الطمع ~~فيها ثم لا ينالها # و قال الجنيد لأن يصحبني فاسق حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني قاريء سيء ~~الخلق # وقال ابن أبي الحواري قال لي أستاذي أبو سليمان يا أحمد لا تصحب إلا أحد ~~رجلين رجلا ترتفق به في أمر دنياك أو رجلا تزيد معه وتنتفع به في أمر آخرتك ~~و الاشتغال بغير هذين حمق كبير # و قال سهل بن عبد الله اجتنب صحبة ثلاثة من أصناف الناس الجبابرة ~~الغافلين و القراء المداهنين و المتصوفة الجاهلين # وأعلم أن هذه الكلمات أكثرها غير محيط بجميع أغراض الصحبة و المحيط ما ~~ذكرناه من ملاحظة المقاصد ومراعاة الشروط بالإضافة إليها فليس ما يشترط ~~للصحبة في مقاصد الدنيا مشروطا للصحبته في الآخرة و الأخوة كما قال بشر ~~الإخوان ثلاثة أخ لآخرتك وأخ لدنياك وأخ لتأنس به # وقلما تجتمع هذه المقاصد في واحد بل تتفرق على جمع فتتفرق الشروط فيهم لا ~~محالة # و قد قال المأمون الإخوان ثلاثة أحدهم مثله مثل الغذاء لا يستغني عنه و ~~الآخر مثله مثل الدواء يحتاج إليه في وقت دون وقت و الثالث مثله مثل الداء ~~لا يحتاج إليه قط ولكن العبد قد يبتلى به وهو الذي لا أنس فيه ولا نفع # وقد قيل مثل جملة الناس كمثل الشجر و النبات فمنها ما له ظل وليس له ثمر ~~وهو مثل الذي ينتفع به في الدنيا دون الآخرة فإن نفع الدنيا كالظل السريع ~~الزوال ومنها ما له ثمر وليس له ظل وهو مثل الذي يصلح للآخرة دون الدنيا ~~ومنها ما له ثمر وظل جميعا ومنها ما ليس له واحد منهما كأم غيلان تمزق ~~الثياب ولا طعم فيهما ولا شراب ومثله من الحيوانات الفأرة و العقرب كما قال ~~تعالى @QB@ يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير @QE@ وقال ~~الشاعر # الناس شتى إذا ما أنت ذقتهم % لا يستوون كما لا يستوي الشجر # هذا له ثمر حلو مذاقته % وذاك ليس له طعم و لا ثمر # فإذا لم يجد رفيقا يؤاخيه ويستفيد به أحد هذه المقاصد فالوحدة أولى به # قال أبو ذر رضي الله عنه الوحدة خير من الجليس السوء و الجليس الصالح خير ~~من الوحدة ويروي مرفوعا # وأما الديانة وعدم الفسق فقد قال الله تعالى @QB@ واتبع سبيل من أناب إلي ~~@QE@ و لأن مشاهدة الفسق و الفساق تهون أمر المعصية على القلب وتبطل نفرة ~~القلب عنها # قال سعيد بن المسيب لا تنظروا إلى الظلمة فتحبط أعمالكم الصالحة بل هؤلاء ~~لا سلامة في مخالطتهم وإنما PageV02P172 # السلامة في الانقطاع عنهم # قال الله تعالى @QB@ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما @QE@ أي سلامة و ~~الألف بدل من الهاء ومعناه إنا سلمنا من إثمكم وأنتم سلمتم من شرنا فهذا ما ~~أردنا أن نذكره من معاني الأخوة وشروطها وفوائدها فلنرجع في ذكر حقوقها ~~ولوازمها وطرق القيام بحقها # وأما الحريص على الدنيا فصحبته سم قاتل لأن الطباع مجبولة على التشبه و ~~الاقتداء بل الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري صاحبه فمجالسة الحريص على ~~الدنيا تحرك الحرص ومجالسة الزاهد تزهد في الدنيا فلذلك تكره صحبة طلاب ~~الدنيا ويستحب صحبة الراغبين في الآخرة # قال علي عليه السلام أحيوا الطاعات بمجالسة من يستحيا منه # و قال أحمد بن حنبل رحمه الله ما أوقعني في بلية إلا صحبة من لا أحتشمه # و قال لقمان يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن القلوب لتحيا ~~بالحكمة كما تحيا الأرض الميتة بوابل القطر # | الباب الثاني في حقوق الأخوة و الصحبة # اعلم أن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين كعقد النكاح بين الزوجين وكما ~~يقتضى النكاح حقوقا يجب الوفاء بها قياما بحق النكاح كما سبق ذكره في كتاب ~~آداب النكاح فكذا عقد الأخوة فلأخيك عليك حق في المال و النفس وفي اللسان و ~~القلب بالعفو و الدعاء وبالإخلاص و الوفاء وبالتخفيف وترك التكلف و التكليف ~~وذلك يجمعه ثمانية حقوق الحق الأول في المال # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الأخوين مثل اليدين تغسل إحداهما ~~الأخرى + حديث مثل الأخوين مثل اليدين الحديث تقدم في الباب قبله + # وإنما شبههما باليدين لا باليد و الرجل لأنهما يتعاونان على غرض واحد ~~فكذا الأخوان إنما تتم أخوتهما إذا ترافقا في مقصد واحد فهما من وجه كالشخص ~~الواحد وهذا يقتضي المساهمة في السراء و الضراء و المشاركة في المآل و ~~الحال وارتفاع الاختصاص و الاستئثار # و المواساة بالمال مع الأخوة على ثلاث مراتب # أدناها أن تنزله منزلة عبدك أو خادمك فتقوم بحاجته من فضلة مالك فإذا ~~سنحت له حاجة وكانت عندك فضلة عن حاجتك أعطيته ابتداء ولم تحوجه إلى السؤال ~~فإن أحوجته إلى السؤال فهو غاية التقصير في حق الأخوة # الثانية أن تنزله منزلة نفسك وترضى بمشاركته إياك في مالك ونزوله منزلتك ~~حتى تسمح بمشاطرته في المال قال الحسن كان أحدهم يشق إزاره بينه وبين أخيه # الثالثة وهي العليا أن تؤثره على نفسك وتقدم حاجته على حاجتك وهذه مرتبة ~~الصديقين ومنتهى درجات المتحابين ومن ثمار هذه الرتبة الإيثار بالنفس أيضا ~~كما روى انه سعى بجماعة من الصوفية إلى بعض الخلفاء فأمر بضرب رقابهم وفيهم ~~أبو الحسين النوري فبادر السياف ليكون هو أول مقتول فقيل له في ذلك فقال ~~أحببت أن أوثر إخواني بالحياة في هذه اللحظة فكان ذلك سبب نجاة جميعهم في ~~حكاية طويلة فإن لم تصادف نفسك في رتبة من هذه الرتب مع أخيك فاعلم أن عقد ~~الأخوة لم ينعقد بعد في الباطن وإنما الجاري بينكما مخالطة رسمية لا وقع ~~لها في العقل و الدين فقد قال ميمون بن مهران من رضى من الإخوان بترك ~~الإفضال فليؤاخ أهل القبور # وأما الدرجة الدنيا فليست أيضا مرضية عند ذوي الدين روى أن عتبة الغلام ~~جاء إلى منزل رجل PageV02P173 كان قد آخاه فقال أحتاج من مالك إلى أربعة ~~آلاف فقال خذ ألفين فأعرض عنه و قال آثرت الدنيا على الله أما استحييت أن ~~تدعى الأخوة في الله وتقول هذا ومن كان في الدرجة الدنيا من الاخوة ينبغي ~~أن لا تعامله في الدنيا قال أبو حازم إذا كان لك أخ في الله فلا تعامله في ~~أمور دنياك وإنما أراد به من كان في هذه الرتبة # وأما الرتبة العليا فهي التي وصف الله تعالى المؤمنين بها في قوله @QB@ ~~وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون @QE@ أي كانوا خلطاء في الأموال لا ~~يميز بعضهم رحله عن بعض وكان منهم من لا يصحب من قال نعلى لأنه أضافه إلى ~~نفسه # وجاء فتح الموصلي إلى منزل لأخ له وكان غائبا فأمر أهله فأخرجت صندوقه ~~ففتحه وأخذ حاجته فأخبرت الجارية مولاها فقال إن صدقت فأنت حرة لوجه الله ~~سرورا بما فعل # وجاء رجل إلى أبي هريرة رضي الله عنه وقال إني أريد أن أواخيك في الله ~~فقال أتدري ما حق الإخاء قال عرفني قال أن لا تكون أحق بدينارك ودرهمك مني ~~قال لم أبلغ هذه المنزلة بعد قال فاذهب عني # و قال علي بن الحسين رضي الله عنهما لرجل هل يدخل أحدكم يده في كم أخيه ~~وكيسه فيأخذ منه ما يريد بغير إذنه قال لا # قال فلستم بإخوان # ودخل قوم على الحسن رضي الله عنه فقالوا يا أبا سعيد أصليت قال نعم قالوا ~~فإن أهل السوق لم يصلوا بعد قال ومن يأخذ دينه من أهل السوق بلغني أن أحدهم ~~يمنع أخاه الدرهم قاله كالمتعجب منه # وجاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم رحمه الله وهو يريد بيت المقدس فقال إني ~~أريد أن أرافقك فقال له إبراهيم على أن أكون أملك لشيئك منك قال لا قال ~~أعجبني صدقك قال فكان إبراهيم بن أدهم رحمه الله إذا رافقه رجل لم يخالفه ~~وكان لا يصحب إلا من يوافقه وصحبه رجل شراك فأهدى رجل إلى إبراهيم في بعض ~~المنازل قصعة من ثريد ففتح جراب رفيقه وأخذ حزمة من شراك وجعلها في القصعة ~~وردها إلى صاحب الهدية فلما جاء رفيقه قال أين الشراك قال ذلك الثريد الذي ~~أكلته إيش كان قال كنت تعطيه شراكين أو ثلاثة # قال إسمح يسمح لك # وأعطى مرة حمارا كان لرفيقه بغير إذنه رجلا رآه راجلا فلما جاء رفيقه سكت ~~ولم يكره ذلك # قال ابن عمر رضي الله عنهما أهدي لرجل دمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم رأس شاة فقال أخي فلان أحوج مني إليه فبعث به إليه فبعثه ذلك الإنسان ~~إلى آخر فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول بعد أن تداوله ~~سبعة # وروى أن مسروقا أدان دينا ثقيلا وكان على أخيه خيثمة دين قال فذهب مسروق ~~فقضى دين خيثمة وهو لا يعلم وذهب خيثمة فقضى دين مسروق وهو لا يعلم ولما ~~آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع ~~آثره بالمال والنفس فقال عبد الرحمن بارك الله لك فيهما + حديث لما آخى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع آثره ~~بالمال والنفس فقال عبد الرحمن بارك الله فيهما رواه البخاري من حديث أنس + # فآثره بما آثره به وكأنه قبله ثم آثره به وذلك مساواة و البداية إيثار و ~~الإيثار أفضل من المساواة # و قال أبو سليمان الدارني لو أن الدنيا كلها لي فجعلتها في فم أخ من ~~إخواني لاستقللتها له # و قال أيضا إني لألقم اللقمة أخا من إخواني فأجد طعمها في حلقي # كان الإنفاق على الإخوان أفضل من الصدقات على الفقراء قال علي رضي الله ~~تعالى عنه لعشرون درهما أعطيها أخي في الله أحب إلي من أن أتصدق بمائة درهم ~~على المساكين وقال أيضا لأن أصنع صاعا من طعام وأجمع عليه إخواني في الله ~~أحب إلى من أن أعتق رقبة # واقتداء الكل في الإيثار برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه دخل غيضة مع ~~بعض أصحابه فاجتنى منها سواكين أحدهما معوج و الآخر مستقيم إلى صاحبه فقال ~~له يا رسول الله كنت والله أحق بالمستقيم مني فقال ما من صاحب يصحب صاحبا ~~ولو ساعة من النهار إلا سئل عن صحبته هل أقام فيها حق الله أم أضاعه + حديث ~~انه دخل غيضة مع بعض أصحابه فاجتنى منها سواكين أحدهما معوج و الآخر مستقيم ~~إلى صاحبه الحديث لم أقف له على أصل + # فأشار بهذا إلى أن الإيثار PageV02P174 هو القيام بحق الله في الصحبة # وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بئر يغتسل عندها فأمسك حذيفة بن ~~اليمان الثوب وقام يستر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اغتسل ثم جلس ~~حذيفة ليغتسل فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوب وقام يستر حذيفة ~~عن الناس فأبى حذيفة و قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا تفعل فأبى عليه ~~السلام إلا أن يستره بالثوب حتى اغتسل + حديث ستر حذيفة للنبي صلى الله ~~عليه وسلم بثوب حتى اغتسل ثم ستره صلى الله عليه وسلم لحذيفة حتى اغتسل لم ~~أجده أيضا + # و قال صلى الله عليه وسلم ما اصطحب اثنان قط إلا كان أحبهما إلى الله ~~أرفقهما بصاحبه + حديث ما اصطحب اثنان قط إلا كان أحبهما إلى الله أرفقهما ~~بصاحبه تقدم في الباب قبله بلفظ أحدهما حبا لصاحبه + # وروى أن مالك بن دينار ومحمد بن واسع دخلا منزل الحسن وكان غائبا فأخرج ~~محمد بن واسع سلة فيها طعام من تحت سرير الحسن فجعل يأكل فقال له مالك كف ~~يدك حتى يجيء صاحب البيت فلم يلتفت محمد إلى قوله وأقبل على الأكل وكان ~~مالك أبسط منه وأحسن خلقا فدخل الحسن وقال يا مويلك هكذا كنا لا يحتشم ~~بعضنا بعضا حتى ظهرت أنت وأصحابك # وأشار بهذا إلى أن الانبساط في بيوت الإخوان من الصفاء في الأخوة كيف وقد ~~قال الله تعالى @QB@ أو صديقكم @QE@ وقال @QB@ أو ما ملكتم مفاتحه @QE@ إذ ~~كان الأخ يدفع مفاتيح بيته إلى أخيه ويفوض له التصرف كما يريد وكان أخوه ~~يتحرج عن الأكل بحكم التقوى حتى انزل الله تعالى هذه الآية وإذن لهم في ~~الانبساط في طعام الإخوان و الأصدقاء الحق الثاني في الإعانة بالنفس في ~~قضاء الحاجات و القيام بها قبل السؤال وتقديمها على الحاجات الخاصة # وهذه أيضا لها درجات كما للمواساة بالمال فأدناها القيام بالحاجة عند ~~السؤال و القدرة ولكن مع البشاشة و الاستبشار وإظهار الفرح و قبول المنة # قال بعضهم إذا استقضيت أخاك حاجة فلم يقضها فذكره ثانية فلعله أن يكون قد ~~نسي فإن لم يقضها فكبر عليه واقرأ هذه الآية و الموتى يبعثهم الله وقضى ابن ~~شبرمة حاجة لبعض إخوانه كبيرة فجاء بهدية فقال ما هذا قال لما أسديته الي ~~فقال خذ مالك عافاك الله إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها فتوضأ ~~للصلاة وكبر عليه أربع تكبيرات وعده في الموتى # قال جعفر بن محمد إني لأتسارع إلى قضاء حوائج أعدائي مخافة أن أردهم ~~فيستغنوا عني # هذا في الأعداء فكيف في الأصدقاء وكان في السلف من يتفقد عيال أخيه ~~وأولاده بعد موته أربعين سنة يقوم بحاجتهم ويتردد كل يوم إليهم ويمونهم من ~~ماله فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه بل كانوا يرون منه ما لم يروا من ~~أبيهم في حياته وكان الواحد منهم يتردد إلى باب دار أخيه ويسأل ويقول هل ~~لكم زيت هل لكم ملح هل لكم حاجة وكان يقوم بها حيث لا يعرفه أخوه # وبهذا تظهر الشفقة و الأخوة فإذا لم تثمر الشفقة حتى يشفق على أخيه كما ~~يشفق على نفسه فلا خير فيها # قال ميمون ابن مهران من لم تنتفع بصداقته لم تضرك عداوته # و قال صلى الله عليه وسلم ألا وإن لله أواني في أرضه وهي القلوب فأحب ~~الأواني إلى الله تعالى أصفاها وأصلبها وأرقها أصفاها من الذنوب وأصلبها في ~~الدين وأرقها على الإخوان + حديث إن لله أواني في أرضه وهي القلوب فأحب ~~الأواني إلى الله أصفاها وأصلبها أخرجه الطبراني من حديث أبي عتبة الخولاني ~~إلا انه قال ألينها وأرقها وإسناده جيد + # و بالجملة فينبغي أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك أو أهم من حاجتك وان تكون ~~متفقدا لأوقات الحاجة غير غافل عن أحواله كما لا تغفل عن أحوال نفسك وتغنيه ~~عن السؤال وإظهار الحاجة إلى الاستعانة بل PageV02P175 تقوم بحاجته كأنك لا ~~تدري انك قمت بها ولا ترى لنفسك حقا بسبب قيامك بها بل تتقلد منة بقبوله ~~سعيك في حقه وقيامك بأمره # ولا ينبغي أن تقتصر على قضاء الحاجة بل تجتهد في البداية بالإكرام في ~~الزيادة و الإيثار و التقديم على الأقارب و الولد # كان الحسن يقول إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأولادنا لأن أهلنا يذكروننا ~~بالدنيا وإخواننا يذكروننا بالآخرة # وقال الحسن من شيع أخاه في الله بعث الله ملائكة من تحت عرشه يوم القيامة ~~يشيعونه إلى الجنة # وفي الأثر ما زار رجل أخا في الله شوقا إلى لقائه إلا ناداه ملك من خلفه ~~طبت وطابت لك الجنة + حديث ما زار أخا في الحديث تقدمفي الباب قبله + # وقال عطاء تفقدوا إخوانكم بعد ثلاث فإن كانوا مرضى فعودوهم أو مشاغيل ~~فأعينوهم أو كانوا نسوا فذكروهم # وروى إن ابن عمر كان يلتفت يمينا وشمالا بين يدي رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فسأله عن ذلك فقال أحببت رجلا فأنا أطلبه ولا أراه فقال إذا أحببت ~~أحدا فسله عن اسمه واسم أبيه وعن منزله فإن كان مريضا عدته وإن كان مشغولا ~~أعنته + حديث ابن عمر إذا أحببت أحدا فاسأله عن اسمه واسم أبيه ومنزلة ~~وعشيرته الحديث أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي في شعب الإيمان ~~بسند ضعيف ورواه الترمذي من حديث يزيد بن نعامة وقال غريب ولا يعرف ليزيد ~~بن نعامة سماع من النبي صلى الله عليه وسلم + # وفي رواية وعن اسم جده وعشيرته # وقال الشعبي في الرجل يجالس الرجل فيقول أعرف وجهه ولا أعرف اسمه تلك ~~معرفة النوكى # وقيل لابن عباس من أحب الناس إليك قال جليسي و قال ما اختلف رجل إلى ~~مجلسي ثلاثا من غير حاجة له إلى فعلمت ما مكافأته من الدنيا # و قال سعيد بن العاص لجليسي علي ثلاث إذا دنا رحبت به وإذا حدث أقبلت ~~عليه وإذا جلس أوسعت له # و قد قال تعالى @QB@ رحماء بينهم @QE@ إشارة إلى الشفقة و الإكرام # ومن تمام الشفقة أن لا ينفرد بطعام لذيذ أو بحضور في مسرة دونه بل يتنغض ~~لفراقه ويستوحش بانفراده عن أخيه الحق الثالث في اللسان بالسكوت مرة و ~~بالنطق أخرى # أما السكوت فهو أن يسكت عن ذكر عيوبه في غيبته وحضرته بل يتجاهل عنه ~~ويسكت عن الرد عليه فيما يتكلم به ولا يماريه ولا يناقشه وان يسكت عن ~~التجسس و السؤال عن أحواله وإذا رآه في طريق أو حاجة لم يفاتحه بذكر غرضه ~~من مصدره ومورده ولا يسأله عنه فربما يثقل عليه ذكره أو يحتاج إلى أن يكذب ~~فيه وليسكت عن أسراره التي بثها إليه ولا يبثها إلى غيره ألبتة ولا إلى أخص ~~أصدقائه ولا يكشف شيئا منها ولو بعد القطيعة و الوحشة فإن ذلك من لؤم الطبع ~~وخبث الباطن وان يسكت عن القدح في أحبابه وأهله وولده وان يسكت عن حكاية ~~قدح غيره فيه فإن الذي سبك من بلغك # و قال أنس كان صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدا بشيء يكرهه + حديث أنس ~~كان لا يواجه أحد بشىء يكرهه أخرجه أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي ~~في اليوم والليلة بسند ضعيف # و التأذي يحصل أولا من المبلغ ثم من القائل نعم لا ينبغي أن يخفي ما يسمع ~~من الثناء عليه فإن السرور به أولا يحصل من المبلغ للمدح ثم من القائل ~~وإخفاء ذلك من الحسد # و بالجملة فليسكت عن كل كلام يكرهه جملة وتفصيلا إلا إذا وجب عليه النطق ~~في أمر بمعروف أو نهي عن منكر ولم يجد رخصة في السكوت فإذ ذاك لا يبالي ~~بكراهته فإن ذلك إحسان إليه في التحقيق وإن كان يظن أنها إساءة في الظاهر # أما ذكر مساوية وعيوبه ومساوي أهله فهو من الغيبة وذلك حرام في حق كل ~~مسلم ويزجرك عنه أمران # أحدهما أن تطالع أحوال نفسك فإن وجدت فيها شيئا واحدا مذموما فهون على ~~نفسك ما تراه من أخيك PageV02P176 وقدر أنه عاجز عن قهر نفسه في تلك الخصلة ~~الواحدة كما أنك عاجز عما أنت مبتلى به ولا تستثقله بخصلة واحدة مذمومة فأي ~~الرجال المهذب وكل ما لا تصادفه من نفسك في حق الله فلا تنتظره من أخيك في ~~حق نفسك فليس حقك عليه بأكثر من حق الله عليك # والأمر الثاني أنك تعلم أنك لو طلبت منزها عن كل عيب اعتزلت عن الخلق ~~كافة ولن تجد من تصاحبه أصلا فما من أحد من الناس إلا وله محاسن ومساو فإذا ~~غلبت المحاسن المساوي فهو الغاية و المنتهى فالمؤمن الكريم أبدا يحضر في ~~نفسه محاسن أخيه لينبعث من قلبه التوقير و الود و الاحترام وأما المنافق ~~اللئيم فإنه أبدا يلاحظ المساوي و العيوب # قال ابن المبارك المؤمن يطلب المعاذير و المنافق يطلب العثرات # وقال الفضيل الفتوة العفو عن زلات الإخوان ولذلك قال عليه السلام ~~استعيذوا بالله من جار السوء الذي إن رأى خيرا ستره وان رأى شرا أظهره + ~~حديث استعيذوا بالله من جار السوء الذي أن رأى خيرا ستره وإن رأى شرا أظهره ~~أخرجه البخاري في التاريخ من حديث أبي هريرة بسند ضعيف وللنسائي من حديث ~~أبي هريرة وأبي سعيد بسند صحيح تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام + # وما من شخص إلا ويمكن تحسين حاله بخصال فيه ويمكن تقبيحه أيضا # روى أن رجلا أثنى على رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان من ~~الغد ذمه فقال عليه السلام أنت بالأمس تثني عليه و اليوم تذمه فقال و الله ~~لقد صدقت عليه بالأمس وما كذبت عليه اليوم إنه أرضاني بالأمس فقلت أحسن ما ~~علمت فيه وأغضبني اليوم فقلت أقبح ما علمت فيه فقال عليه السلام إن من ~~البيان لسحرا + حديث أن رجلا أثنى على رجل عند رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فلما كان من الغد ذمه الحديث @QB@ وفيه @QE@ فقال صلى الله عليه وسلم ~~إن من البيان لسحرا أخرجه الطبراني في الأوسط و الحاكم في المستدرك من حديث ~~أبي بكرة إلا انه ذكر المدح و الذم في مجلس واحد لا يومين ورواه الحاكم من ~~حديث ابن عباس أطول منه بسند ضعيف أيضا + # وكأنه كره ذلك فشبهه بالسحر ولذلك قال في خبر آخر البذاء و البيان شعبتان ~~من النفاق + حديث البذاء و البيان شعبتان من النفاق أخرجه الترمذي و قال ~~حسن غريب و الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين من حديث أبي أمامة بسند ضعيف ~~+ # و في الحديث الآخر إن الله يكره لكم البيان كل البيان وكذلك قال الشافعي ~~رحمه الله ما أحد من المسلمين يطيع الله ولا يعصيه ولا أحد يعصى الله ولا ~~يطيعه # فمن كانت طاعته أغلب من معاصيه فهو عدل وإذا جعل مثل هذا عدلا في حق الله ~~فبأن تراه عدلا في حق نفسك ومقتضى أخوتك أولى # وكما يجب عليك السكوت بلسانك عن مساويه يجب عليك السكوت بقلبك وذلك بترك ~~إساءة الظن فسوء الظن غيبة بالقلب وهو منهى عنه أيضا وحده أن لا تحمل فعله ~~على وجه فاسد ما أمكن أن تحمله على وجه حسن # فأما ما انكشف بيقين ومشاهدة فلا يمكنك أن لا تعلمه وعليك أن تحمل ما ~~تشاهد على سهو ونسيان إن أمكن وهذا الظن ينقسم إلى ما يسمى تفرسا وهو الذي ~~يستند إلى علامة فإن ذلك يحرك الظن تحريكا ضروريا لا يقدر على دفعه والى ما ~~منشؤه سوء اعتقادك فيه حتى يصدر منه فعل له وجهان فيحملك سوء الإعتقاد فيه ~~على أن تنزله على الوجه الأدرإ من غير علامة تخصه به وذلك جناية عليه ~~بالباطن وذلك حرام في حق كل مؤمن # إذ قال صلى الله عليه وسلم إن الله قد حرم على المؤمن من المؤمن دمه ~~وماله وعرضه وان يظن به ظن السوء + حديث إن الله حرم من المؤمن دمه وماله ~~وعرضه وان يظن به ظن السوء أخرجه الحاكم في التاريخ من حديث ابن عباس دون ~~قوله وعرضه ورجاله ثقات إلا أن أبا على النيسابوري قال ليس هذا عندي من ~~كلام النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو عندي من كلام ابن عباس ولابن ماجه ~~نحوه من حديث ابن عمر ولمسلم من حديث أبي هريرة كل المسلم على المسلم حرام ~~دمه وماله وعرضه + # وقال صلى الله عليه وسلم إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث + حديث إياكم ~~و الظن فإن الظن أكذب الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة + # وسوء الظن PageV02P177 يدعو إلى التحسس و التحسن وقد قال صلى الله عليه ~~وسلم لا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تقاطعوا و لاتدابروا وكونوا عباد الله ~~إخوانا + حديث لا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا و كونوا عباد ~~الله إخوانا متفق عليه من حديث أبي هريرة وهو بعض الحديث الذي قبله + # و التجسس في تطلع الأخبار و التحسس بالمراقبة بالعين # فستر العيوب و التجاهل و التغافل عنها شيمة أهل الدين # ويكفيك تنبيها على كمال الرتبة في ستر القبيح و إظهار الجميل أن الله ~~تعالى وصف به في الدعاء فقيل يا من أظهر الجميل وستر القبيح # و المرضى عند الله من تخلق بأخلاقه فإنه ستار العيوب و غفار الذنوب ~~ومتجاوز عن العبيد فكيف لا تتجاوز أنت عمن هو مثلك أو فوقك وما هو بكل حال ~~عبدك ولا مخلوقك وقد قال عيسى عليه السلام للحواريين كيف تصنعون إذا رأيتم ~~أخاكم نائما وقد كشف الريح ثوبه عنه قالوا نستره ونغطيه قال بل تكشفون ~~عورته قالوا سبحان الله من يفعل هذا فقال أحدكم يسمع بالكلمة في أخيه فيزيد ~~عليها ويشيعها بأعظم منها واعلم أنه لا يتم إيمان المرء ما لم يحب لأخيه ما ~~يحب لنفسه وأقل درجات الأخوة أن يعامل أخاه بما يحب أن يعامله به ولا شك ~~انه ينتظر منه ستر العورة و السكوت على المساوي والعيوب ولو ظهر له منه ~~نقيض ما ينتظره اشتد عليه غيظه وغضبه فما أبعده إذا كان ينتظر منه ما لا ~~يضمره له ولا يعزم عليه لأجله وويل له في نص كتاب الله تعالى حيث قال ويل ~~للمطففين الذين إذا أكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم ~~يخسرون وكل من يلتمس من الإنصاف اكثر مما تسمح به نفسه فهو داخل تحت مقتضى ~~هذه الآية # ومنشأ التقصير في ستر العورة أو السعي في كشفها الداء الدفين في الباطن ~~وهو الحقد و الحسن فإن الحقود الحسود يملأ باطنه بالخبث ولكن يحبسه في ~~باطنه ويخفيه ولا يبديه مهما لم يجد له مجالا وإذا وجد فرصة انحلت الرابطة ~~وارتفع الحياء ويترشح الباطن بخبثه الدفين # ومهما انطوى الباطن على حقد وحسد فالانقطاع أولى قال بعض الحكماء ظاهر ~~العتاب خير من مكنون الحقد ولا يزيد لطف الحقود إلا وحشة منه ومن في قلبه ~~سخيمة على مسلم فإيمانه ضعيف وأمره مخطر وقلبه خبيث لا يصلح للقاء الله # وقد روى عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه انه قال كنت باليمن ولي جار ~~يهودي يخبرني عن التوراة فقدم على اليهودي من سفر فقلت أن الله قد بعث فينا ~~نبيا فدعانا إلى الإسلام فأسلمنا وقد أنزل علينا كتابا مصدقا للتوراة فقال ~~اليهودي صدقت ولكنكم لا تستطيعون أن تقوموا بما جاءكم به إنا نجد نعته ونعت ~~أمته في التوراة انه لا يحل لامريء أن يخرج من عتبة بابه وفي قلبه سخيمة ~~على أخيه المسلم # ومن ذلك أن يسكت عن إفشاء سره الذي استودعه وله أن ينكره وإن كان كاذبا ~~فليس الصدق واجبا في كل مقام فإنه كما يجوز للرجل أن يخفي عيوب نفسه ~~وأسراره وإن احتاج إلى الكذب فله أن يفعل ذلك في حق أخيه فإن أخاه نازل ~~منزلته وهما كشخص واحد لا يختلفان إلا بالبدن # هذه حقيقة الأخوة وكذلك لا يكون بالعمل بين يديه مرائيا وخارجا عن أعمال ~~السر إلى أعمال العلانية فإن معرفة أخيه بعمله كمعرفته بنفسه من غير فرق ~~وقد قال عليه السلام من ستر عوره 4 أخيه ستره الله تعالى في الدنيا الآخرة ~~+ حديث من ستر عورة أخيه ستره الله في الدنيا الآخرة أخرجه ابن ماجه من ~~حديث ابن عباس و قال يوم القيامة ولم يقل في الدنيا ولمسلم من حديث أبي ~~هريرة من ستر مسلما ستره الله في الدنيا و الآخرة وللشيخين من حديث ابن عمر ~~من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة + # وفي خبر آخر فكأنما أحيا موءودة + حديث فكأنما أحيا موءودة من قبرها ~~أخرجه أبو داود والنسائي و الحاكم من حديث عقبة بن عامر من رأى عورة فسترها ~~كان كمن أحيا موءودة زاد الحاكم من قبرها وقال صحيح الإسناد + # وقال عليه السلام إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهو أمانة + حديث إذا حدث ~~الرجل بحديث ثم التفت فهو أمانة أخرجه أبو داود و الترمذي من حديث جابر و ~~قال حسن + # و قال المجالس بالأمانة PageV02P178 إلا ثلاثة مجالس مجلس يسفك فيه دم ~~حرام ومجلس يستحل فيه فرج حرام ومجلس يستحل فيه مال من غير حله + حديث ~~المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس الحديث أخرجه أبو داود من حديث جابر من ~~رواية ابن أخيه غير مسمى عنه + # وقال صلى الله عليه وسلم إنما يتجالس المتجالسان بالأمانة ولا يحل ~~لأحدهما أن يفشي على صاحبه ما يكره + حديث إنما يتجالس المتجالسان بالأمانة ~~لا يحل لأحدهما أن يفشي على صاحبه ما يكره أخرجه أبو بكر بن لال في مكارم ~~الأخلاق من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف ورواه ابن المبارك في الزهد من ~~رواية أبي بكر بن حزم مرسلا و الحاكم وصححه من حديث ابن عباس إنكم تجالسون ~~بينكم بالأمانة + # قيل لبعض الأدباء كيف حفظك للسر قال # أنا قبره # وقد قيل صدور الأحرار قبور الأسرار # وقيل أن قلب الأحمق في فيه ولسان العاقل في قلبه أي لا يستطيع الأحمق ~~إخفاء ما في نفسه فيبديه من حيث لا يدري به # فمن هذا يجب مقاطعة الحمقى و التوقي عن صحبتهم بل عن مشاهدتهم # وقد قيل لآخر # كيف تحفظ السر قال أجحد المخبر وأحلف للمستخبر # وقال آخر واستر أني أستره وعبر عنه ابن المعتز فقال # ومستودعى سرا تبوأت كتمه % فأودعته صدري فصار له قبرا # و قال آخر وأراد الزيادة عليه # وما السر في صدري كثاو بقبره % لأني أرى المقبور ينتظر النشرا # ولكنني أنساه حتى كأنني % بما كان منه لم أحط ساعة خبرا # ولو جاز كتم السر بيني وبينه % عن السر و الأحشاء لم تعلم السرا # وأفشى بعضهم سرا له إلى أخيه ثم قال له # حفظت فقال بل نسيت # وكان أبو سعيد الثوري يقول إذا أردت أن تواخي رجلا فأغضبه ثم دس عليه من ~~يسأله عنك وعن أسرارك فإن قال خيرا وكتم سرك فاصحبه # وقيل لأبي يزيد من تصحب من الناس قال من يعلم منك ما يعلم الله ثم يستر ~~عليك كما يستره الله # وقال ذو النون لا خير في صحبة من لا يحب أن يراك إلا معصوما ومن أفشى ~~السر عند الغضب فهو اللئيم لأن إخفاءه عند الرضا تقتضيه الطباع السليمة ~~كلها # وقد قال بعض الحكماء # لا تصحب من يتغير عليك عند أربع عند غضبه ورضاه وعند طمعه وهواه # بل ينبغي أن يكون صدق الأخوة ثابتا على اختلاف هذه الأحوال ولذلك قيل # وترى الكريم إذا تصرم وصله % يخفي القبيح ويظهر الإحسانا # وترى اللئيم إذا تقضى وصله % يخفي الجميل ويظهر البهتانا # و قال العباس لابنه عبد الله أني أرى هذا الرجل يعني عمر رضي الله عنه ~~يقدمك على الأشياخ فاحفظ عني خمسا لا تفشين له سرا ولا تغتابن عنده أحدا ~~ولا تجرين عليه كذبا ولا تعصين له أمرا ولا يطلعن منك على خيانة فقال ~~الشعبي كل كلمة من هذه الخمس خير من ألف # ومن ذلك السكوت عن المماراة و المدافعة في كل ما يتكلم به أخوك قال ابن ~~عباس لا تمار سفيها فيؤذيك ولا حليما فيقليك # وقد قال صلى الله عليه وسلم من ترك المراء وهو مبطل بنى له بيت في ربض ~~الجنة ومن ترك المراء وهو محق بني له بيت في أعلى الجنة + حديث من ترك ~~المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة الحديث تقدم في العلم # هذا مع أن تركه مبطلا واجب وقد جعل ثواب النفل أعظم لأن السكوت عن الحق ~~أشد على النفس من السكوت على الباطل وإنما الأجر على قدر النصب # وأشد الأسباب لإثارة نار الحقد بين الإخوان المماراة و المنافسة فإنها ~~عين التدابر و التقاطع فإن التقاطع PageV02P179 يقع أولا بالآراء ثم ~~بالأقوال ثم بالأبدان # و قال عليه السلام لا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تقاطعوا ~~وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحرمه ولا يخذله ~~بحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم + حديث لا تدابروا ولا تباغضوا ولا ~~تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم المسلم الحديث أخرجه ~~مسلم من حديث أبي هريرة وأوله متفق عليه من حديثه وحديث أنس وقد تقدم بعضه ~~قبل هذا بسبعة أحاديث + # وأشد الاحتقار المماراة فإن من رد على غيره كلامه فقد نسبه إلى الجهل و ~~الحمق أو إلى الغفلة و السهو عن فهم الشيء على ما هو عليه وكل ذلك استحقار ~~وإيغار للصدر وإيحاش # وفي حديث أبي أمامة الباهلي قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ونحن نتمارى فغضب و قال ذروا المراء ذروا المراء لقلة خيره وذروا المراء ~~فإن نفعه قليل وإنه يهي 4 ج العداوة بين الإخوان حديث أبي أمامة خرج علينا ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتمارى فغضب وقال ذروا المراء لقلة خيره ~~وذروا المراء فإن نفعه قليل وانه يهيج العداوة بين الإخوان + أخرجه ~~الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة وأبي الدرداء وواثلة وأنس دون ما بعد ~~قوله لقلة خيره ومن هنا إلى آخر الحديث رواه أبو منصور الديلمي في مسند ~~الفردوس من حديث أبي أمامة فقط واسنادهما ضعيف وقال بعض السلف من لاحى ~~الإخوان وما رآهم قلت مروءته وذهبت كرامته # وقال عبد الله ابن الحسن إياك ومماراة الرجال فإنك لن تعدم مكر حليم أو ~~مفاجأة لئيم # وقال بعض السلف أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان واعجز منه من ضيع من ~~ظفر به منهم وكثرة المماراة توجب التصنييع و القطيعة وتورث العداوة وقد قال ~~الحسن لا تشتر عداوة رجل بمودة ألف رجل وعلى الجملة فلا باعث على المماراة ~~إلا إظهار التمييز بمزيد العقل و الفضل واحتقار المردود عليه بإظهار جهله ~~وهذا يشتمل على التكبر و الاحتقار و الإيذاء و الشتم بالحمق و الجهل ولا ~~معنى للمعادة إلا هذا فكيف تضامنه الإخوة و المصافاة فقد روى ابن عباس عن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده ~~موعدا فتخلفه + حديث ابن عباس لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدا ~~فتخلفه أخرجه الترمذي وقال غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه يعنى من حديث ~~ليث بن أبى سليم وضعفه الجمهور + # وقد قال عليه السلام إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط ~~وجه وحسن خلق + حديث انكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط ~~الوجه وحسن الخلق أخرجه أبو يعلى الموصلى والطبراني في مكارم الأخلاق وابن ~~عدى في الكامل وضعفه والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة + # و المماراة مضادة لحسن الخلق # وقد انتهى السلف في الحذر عن المماراة و الحض على المساعدة إلى حد لم ~~يروا السؤال أصلا # و قالوا إذا قلت لأخيك قم فقال إلى أين فلا تصحبه بل قالوا ينبغي أن يقوم ~~ولا يسأل # و قال أبو سليمان الداراني كان لي أخ بالعراق فكنت أجيئه في النوائب ~~فأقول أعطني من مالك شيئا فكان يلقي إلي كيسه فآخذ منه ما أريد فجئته ذات ~~يوم فقلت أحتاج إلى شيء # فقال كم تريد فخرجت حلاوة إخائه من قلبي # و قال آخر إذا طلبت من أخيك مالا فقال ماذا تصنع به فقد ترك حق الإخاء # واعلم أن قوام الأخوة في الكلام و الفعل و الشفقة # قال أبو عثمان الحيري موافقة الإخوان خير من الشفقة عليهم وهو كما قال ~~الحق الرابع على اللسان بالنطق # فإن الأخوة كما تقتضى السكوت عن المكاره تقتضي أيضا النطق بالمحاب بل هو ~~أخص بالأخوة لأن من قنع بالسكوت صحب أهل القبور وإنما تراد الإخوان ليستفاد ~~منهم لا ليتخلص عن أذاهم و السكوت معناه كف الأذى فعليه أن يتودد إليه ~~بلسانه ويتفقده في أحواله التي يجب أن يتفقد فيها كالسؤال عن عارض أن عرض ~~وإظهار شغل القلب بسببه و استبطاء العافية عنه وكذا جملة أحواله التي ~~يكرهها ينبغي أن يظهر بلسانه وأفعاله كراهتها وجملة أحواله التي يسر بها ~~ينبغي أن يظهر بلسانه مشاركته له في السرور بها # فمعنى الأخوة المساهمة في السراء و الضراء وقد PageV02P180 قال عليه ~~السلام إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره + حديث إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره ~~أخرجه أبو داود و الترمذي قال حسن صحيح و الحاكم من حديث المقدام بن معد ~~يكرب + # وإنما أمر بالإخبار لأن ذلك يوجب زيادة حب فإن عرف أنك تحبه أحبك بالطبع ~~لا محالة فإذا عرفت أنه أيضا يحبك زاد حبك لا محالة فلا يزال الحب يتزايد ~~من الجانبين ويتضاعف # و التحاب بين المؤمنين مطلوب في الشرع ومحبوب في الذين ولذلك علم فيه ~~الطريق فقال تهادوا تحابوا + حديث تهادوا تحابوا أخرجه البيهقي من حديث أبي ~~هريرة وقد تقدم غير مرة + # ومن ذلك أن يدعوه بأحب أسمائه إليه في غيبته وحضوره # قال عمر رضي الله عنه ثلاث يصفين لك ود أخيك أن تسلم عليه إذا لقيته أولا ~~وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه # ومن ذلك أن تثنى عليه بما تعرف من محاسن أحواله عند من يؤثر هو الثناء ~~عنده فإن ذلك من أعظم الأسباب في جلب المحبة وكذلك الثناء على أولاده وأهله ~~وصنعته وفعله حتى على عقله وخلقه وهيئته وخطه وشعره وتصنيفه وجميع ما يفرح ~~به وذلك من غير كذب وإفراط ولكن تحسين ما يقبل التحسين لا بد منه وآكد من ~~ذلك أن تبلغه ثناء من أثنى عليه مع إظهار الفرح فإن إخفاء ذلك محض الحسد ~~ومن ذلك تشكره على صنيعه في حقك بل على نيته وإن لم يتم ذلك # قال علي رضي الله عنه من لم يحمد أخاه على حسن النية لم يحمده على حسن ~~الصنيعة وأعظم من ذلك تأثيرا في جلب المحبة الذب عنه في غيبته مهما قصد ~~بسوء أو تعرض لعرضه بكلام صريح أو تعريض فحق الأخوة التشمير في الحماية و ~~النصرة وتبكيت المتعنت وتغليظ القول عليه و السكوت عن ذلك موغر للصدر ومنفر ~~للقلب وتقصير في حق الأخوة # وإنما شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخوين باليدين تغسل إحداهما ~~الأخرى لينضر أحدهما الآخر وينوب عنه + حديث تشبيه الأخوين باليدين تقدم في ~~الباب قبله + # وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا ~~يخدله ولا يثلمه + حديث المسلم أخو المسلم تقدم في أثناء حديث قبله بسبعة ~~أحاديث + # وهذا من الانثلام و الخذلان فإن إهماله لتمزيق عرضه كإهماله لتمزيق لحمه # فأخسس بأخ يراك و الكلاب تفترسك وتمزق لحومك وهو ساكت لا تحركه الشفقة و ~~الحمية للدفع عنك وتمزيق الأعراض أشد على النفوس من تمزيق اللحوم ولذلك ~~شبهه الله تعالى بأكل لحوم الميتة فقال @QB@ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ~~ميتا @QE@ و الملك الذي يمثله في المنام ما تطالعه الروح من اللوح المحفوظ ~~بالأمثلة المحسوسة يمثل الغيبة بأكل لحوم الميتة حتى إن من يرى أنه يأكل ~~لحم ميته فإنه يغتاب الناس لأن ذلك الملك في تمثيله يراعى المشاركة و ~~المناسبة بين الشيء وبين مثاله في المعنى الذي يجرى من المثال مجرى الروح ~~لا في ظاهر الصور # فإذن حماية الأخوة بدفع ذم الأعداء وتعنت المتعنتين واجب في عقد الأخوة # وقد قال مجاهد لا تذكر أخاك في غيبته إلا كما تحب أن يذكرك في غيبتك # فإذن لك فيه معياران أحدهما أن تقدر أن الذي قيل فيه لو قيل فيك وكان ~~أخوك حاضرا ما الذي كنت تحب أن يقوله أخوك فيك فينبغي أن تعامل المتعرض ~~لعرضه به # و الثاني أن تقدر أنه حاضر من وراء جدار يسمع قولك ويظن أنك لا تعرف ~~حضوره فما كان يتحرك في قلبك من النصرة له بمسمع منه ومرأى فينبغي أن يكون ~~في مغيبه كذلك فقد قال بعضهم ما ذكر أخ لي بغيب إلا تصورته جالسا فقلت فيه ~~ما يحب أن يسمعه لو حضر و قال آخر ما ذكر أخ لي إلا تصورت نفسي في صورته ~~فقلت فيه مثل ما أحب أن يقال في # وهذا من صدق الإسلام وهو أن لا يرى لأخيه إلا ما يراه لنفسه # وقد نظر أبو الدرداء إلى ثورين يحرثان في فدان فوقف أحدهما يحك جسمه فوقف ~~الآخر فبكى و قال هكذا الإخوان في الله يعملان لله فإذا وقف أحدهما وافقه ~~الآخر # وبالموافقة يتم الإخلاص ومن لم يكن مخلصا في إخائه فهو منافق # و الإخلاص استواء الغيب و الشهادة PageV02P181 واللسان و القلب و السر و ~~العلانية و الجماعة و الخلوة و الاختلاف و التفاوت في شيء من ذلك مماذقة في ~~المودة وهو دخل في الدين ووليجة في طريق المؤمنين ومن لا يقدر من نفسه على ~~هذا فالانقطاع و العزلة أولى به من المؤاخاة و المصاحبة فإن حق الصحبة ثقيل ~~لا يطيقه إلا محقق فلا جرم أجره جزيل لا يناله إلا موفق # ولذلك قال عليه السلام أبا هر أحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما وأحسن ~~مصاحبة صاحبك تكن مؤمنا + حديث أحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما وأحسن ~~مصاحبة من صاحبك تكن مؤمنا أخرجه الترمذي وابن ماجه و اللفظ له من حديث أبي ~~هريرة بالشطر الأول فقط و قال الترمذي @QB@ مؤمنا @QE@ قال وأحب للناس ما ~~تحب لنفسك تكن مسلما وقال ابن ماجه @QB@ مؤمنا @QE@ قال الدارقطني و الحديث ~~ثابت ورواه القضاعي في مسند الشهاب بلفظ المصنف + # فانظر كيف جعل الإيمان جزاء الصحبة والإسلام جزاء الجوار فالفرق بين فضل ~~الإسلام على حد الفرق بين المشقة في القيام بحق الجوار و القيام بحق الصحبة # فإن الصحبة تقتضي حقوقا كثيرة في أحوال متقاربة مترادفة على الدوام و ~~الجوار لا يقتضي إلا حقوقا قريبة في أوقات متباعدة لا تدوم # ومن ذلك التعليم و النصيحة فليس حاجة أخيك إلى العلم بأقل من حاجته إلى ~~المال فإن كنت غنيا بالعلم فعليك مواساته من فضلك وإرشاده إلى كل ما ينفعه ~~في الدين و الدنيا فإن علمته وأرشدته ولم يعمل بمقتضى العلم فعليك النصيحة ~~وذلك بأن تذكر آفات ذلك الفعل وفوائد تركه وتخوفه بما يكرهه في الدنيا و ~~الآخرة لينزجر عنه وتنبهه على عيوبه وتقبح القبيح في عينه وتحسن الحسن ولكن ~~ينبغي أن يكون ذلك في سر لا يطلع عليه أحد فما كان على الملأ فهو توبيخ ~~وفضيحة وما كان في السر فهو شفقة و نصيحة إذ قال صلى الله عليه وسلم المؤمن ~~مرآة المؤمن + حديث المؤمن مرآة المؤمن أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة ~~بإسناد حسن + # أي يرى منه ما لا يرى من نفسه فيستفيد المرء بأخيه معرفة عيوب نفسه ولو ~~انفرد لم يستفد كما يستفيد بالمرآة الوقوف على عيوب صورته الظاهرة # و قال الشافعي رضي الله عنه من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ومن وعظه ~~علانية فقد فضحه وشانه # وقيل لمسعر أتحب من يخبرك بعيوبك فقال أن نصحني فيما بيني وبينه فنعم وإن ~~قرعني بين الملأ فلا # وقد صدق فإن النصح على الملأ فضيحة و الله تعالى يعاتب المؤمن يوم ~~القيامة تحت كنفه في ظل ستره فيوقفه على ذنوبه سرا وقد يدفع كتاب عمله ~~مختوما إلى الملائكة الذين يحفون به إلى الجنة فإذا قاربوا باب الجنة أعطوه ~~الكتاب مختوما ليقرأه وأما أهل المقت فينادون على رءوس الأشهاد وتستنطق ~~جوارحهم بفضائحهم فيزدادون بذلك خزيا وافتضاحا ونعوذ بالله من الخزى يوم ~~العرض الأكبر # فالفرق بين التوبيخ و النصيحة بالإسرار و الإعلان كما أن الفرق بين ~~المداراة و المداهنة بالغرض الباعث على الإغضاء # فإن أغضيت لسلامة دينك ولما ترى من إصلاح أخيك بالإغضاء فأنت مدار وإن ~~أغضيت لحظ نفسك واجتلاب شهواتك وسلامة جاهك فأنت مداهن # و قال ذو النون لا تصحب مع الله إلا بالموافقة ولا مع الخلق إلا ~~بالمناصحة ولا مع النفس إلا بالمخالفة ولا مع الشيطان إلا بالعداوة # فإن قلت فإذا كان في النصح ذكر العيوب ففيه إيحاش القلب فكيف يكون ذلك من ~~حق الأخوة فاعلم أن الإيحاش إنما يحصل بذكر عيب يعلمه أخوك من نفسه فأما ~~تنبيهه على ما لا يعمله فهو عين الشفقة وهو استمالة القلوب أعني قلوب ~~العقلاء وأما الحمقى فلا يلتفت إليهم فإن من ينبهك على فعل مذموم تعاطيته ~~أو صفة مذمومة اتصفت بها لتزكي نفسك عنها كان كمن ينبهك على حية أو عقرب ~~تحت ذيلك وقد همت بإهلاكك فإن كنت تكره ذلك فما أشد حمقك و الصفات الذميمة ~~عقارب وحيات وهي في الآخرة مهلكات فإنها تلذغ القلوب و الأرواح وألمها أشد ~~مما يلدغ الظواهر و الأجساد وهي مخلوقة من نار الله الموقدة ولذلك كان عمر ~~رضي الله عنه PageV02P182 يستهدي ذلك من إخوانه و يقول رحم الله امرأ أهدى ~~إلى أخيه عيوبه ولذلك قال عمر لسلمان وقد قدم عليه ما الذي بلغك عني مما ~~تكره فاستعفى فألح عليه فقال بلغني أن لك حلتين تلبس إحداهما بالنهار و ~~الأخرى بالليل وبلغني أنك تجمع بين ادامين على مائدة واحدة فقال عمر رضي ~~الله عنه أما هذان فقد كفيتهما فهل بلغك غيرهما فقال لا # وكتب حذيفة المرعشي إلى يوسف بن أسباط بلغني أنك بعت دينك بحبتين وقفت ~~على صاحب لبن فقلت بكم هذا فقال بسدس فقلت له لا بثمن فقال هو لك وكان ~~يعرفك # اكشف عن رأسك قناع الغافلين وانتبه عن رقدة الموتى واعلم أن من قرأ ~~القرآن ولم يستغن وآثر الدنيا لم آمن أن يكون بآيات الله من المستهزئين وقد ~~وصف الله تعالى الكاذبين ببعضهم للناصحين إذ قال @QB@ ولكن لا تحبون ~~الناصحين @QE@ وهذا في عيب هو غافل عنه فأما ما علمت انه يعلمه من نفسه ~~فإنما هو مقهور عليه من طبعه فلا ينبغي أن يكشف فيه ستره إن كان يخفيه وإن ~~كان يظهره فلا بد من التلطف في النصح بالتعريض مرة وبالتصريح أخرى إلى حد ~~لا يؤدي إلى الإيحاش فإن علمت أن النصح غير مؤثر فيه وأنه مضطر من طبعه إلى ~~الإصرار عليه فالسكوت عنه أولى وهذا كله فيما يتعلق بمصالح أخيك في دينه أو ~~دنياه أما ما يتعلق بتقصيره في حقك فالواجب فيه الاحتمال والعفو والصفح ~~والتعامى عنه و التعرض لذلك ليس من النصح في شيء نعم إن كان بحيث يؤدي ~~استمراره عليه إلى القطيعة فالعتاب في السر خير من القطيعة و التعريض به ~~خير من التصريح و المكاتبة خير من المشافهة و الاحتمال خير من الكل إذ ~~ينبغي أن يكون قصدك من أخيك إصلاح نفسك بمراعاتك إياه وقيامك بحقه واحتمالك ~~تقصيره لا الاستعانة به والاسترفاق منه # قال أبو بكر الكتاني صحبني رجل وكان على قلبي ثقيلا فوهبت له يوما شيئا ~~على أن يزول ما في قلبي فلم يزل فأخذت بيده يوما إلى البيت وقلت له ضع رجلك ~~على خدي فأبى فقلت لا بد ففعل فزال ذلك من قلبي # و قال أبو علي الرباطي صحبت عبد الله الرازي وكان يدخل البادية فقال علي ~~أن تكون أنت الأمير أو أنا فقلت بل أنت فقال وعليك الطاعة فقلت نعم فأخذ ~~مخلاة ووضع فيها الزاد وحملها على ظهره فإذا قلت له أعطني قال ألست قلت أنت ~~الأمير فعليك الطاعة فأخذنا المطر ليلة فوقف على رأسي إلى الصباح وعليه ~~كساء وأنا جالس يمنع عني المطر فكنت أقول مع نفسي ليتني مت ولم أقل أنت ~~الأمير الحق الخامس العفو عن الزلات و الهفوات # وهفوة الصديق لا تخلو إما أن تكون في دينه بارتكاب معصية أو في حقك ~~بتقصيره في الاخوة # أما ما يكون في الدين من ارتكاب معصية و الإصرار عليها فعليك التلطف في ~~نصحه بما يقوم أوده ويجمع شمله ويعيد إلى الصلاح و الورع حاله # فإن لم تقدر وبقى مصرا فقد اختلفت طرق الصحابة و التابعين في إدامة حق ~~مودته أو مقاطعته # فذهب أبو ذر رضي الله عنه إلى الانقطاع و قال إذا انقلب أخوك عما كان ~~عليه فابغضه من حيث أحببته ورأى ذلك من مقتضى الحب في الله و البغض في الله # وأما أبو الدرداء وجماعة من الصحابة فذهبوا إلى خلافه فقال أبو الدرداء ~~إذا تغير أخوك و حال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك فإن أخاك يعوج مرة ~~ويستقيم أخرى # و قال إبراهيم النخعي لا تقطع أخاك ولا تهجره عند الذنب بذنبه فإنه ~~يرتكبه اليوم ويتركه غدا # و قال أيضا لا تحدثوا الناس بزلة العالم فإن العالم يزل الزلة ثم يتركها ~~و في الخبر اتقوا زلة العالم ولا تقطعوه وانتظروا فيئته + حديث اتقوا زلة ~~العالم ولا تقطعوه وانتظروا فيئته رواه البغوي في المعجم وابن عدي في ~~الكامل من حديث عمرو بن عوف المزني وضعفاه + # و في حديث عمر وقد سأل عن أخ كان آخاه فخرج إلى الشام فسأل عنه بعض من ~~قدم عليه وقال PageV02P183 ما فعل أخي قال ذلك أخو الشيطان قال مه قال إنه ~~قارف الكبائر حتى وقع في الخمر # قال إذا أردت الخروج فآذني فكتب عند خروجه إليه بسم الله الرحمن الرحيم ~~@QB@ حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد ~~العقاب @QE@ الآية ثم عاتبه تحت ذلك وعذله # فلما قرأ الكتاب بكى و قال صدق الله ونصح لي عمر فتاب ورجع # وحكى أن أخوين ابتلي أحدهما بهوى فأظهر عليه أخاه و قال إني قد اعتللت ~~فإن شئت أن لا تعقد على صحبتي لله فافعل فقال ما كنت لأحل عقد أخوتك لأجل ~~خطيئتك أبدا ثم عقد أخوه بينه وبين الله بأن لا يأكل ولا يشرب حتى يعافى ~~الله أخاه من هواه فطوى أربعين يوما في كلها يسأله عن هواه فكان يقول القلب ~~مقيم على حاله # وما زال هو ينحل من الغم و الجوع حتى زال الهوى عن قلب أخيه بعد الأربعين ~~فأخبره بذلك فأكل وشرب بعد أن كاد يتلفت هزالا وضرا # وكذلك حكى عن أخوين من السلف انقلب أحدهما عن الاستقامة فقيل لأخيه ألا ~~تقطعه وتهجره فقال أحوج ما كان إلى في هذا الوقت لما وقع في عثرته أن ~~آخذبيده وأتلطف له في المعاتبة وأدعو له بالعود إلى ما كان عليه # وروى في الإسرائيليات أن أخوين عابدين كانا في جبل نزل أحدهما ليشتري من ~~المصر لحما بدرهم فرأى بغيا عند اللحام فرمقها وعشقها واجتذبها إلى خلوة ~~وواقعها ثم أقام عندها ثلاثا واستحيا أن يرجع إلى أخيه حياء من جنايته # قال فافتقده أخوه واهتم بشأنه فنزل إلى المدينة فلم يزل يسأل عنه حتى دل ~~عليه فدخل إليه وهو جالس معها فاعتنقه وجعل يقبله ويلتزمه وأنكر الآخر انه ~~يعرفه قط لفرط استحيائه منه فقال قم يا أخي فقد علمت شأنك وقصتك وما كنت قد ~~أحب إلى ولا أعز من ساعتك هذه فلما رأى أن ذلك لم يسقطه من عينه قام فانصرف ~~معه # فهذه طريقة قوم وهي ألطف وأفقه من طريقة أبي ذر رضي الله عنه وطريقته ~~أحسن وأسلم # فإن قلت ولم قلت هذا ألطف وأفقه ومقارف هذه المعصية لا تجوز مؤاخاته ~~ابتداء فتجب مقاطعته انتهاء لأن الحكم إذا ثبت بعلة فالقياس أن يزول ~~بزوالها وعلة عقد الاخوة التعاون في الدين ولا يستمر ذلك مم مقارفة المعصية ~~فأقول أما كونه ألطف فلما فيه من الرفق و الاستمالة و التعطف المفضي إلى ~~الرجوع و التوبة لاستمرار الحياء عند دوام الصحبة ومهما قوطع وانقطع طمعه ~~عن الصحبة أصر واستمر # وأما كونه أفقه فمن حيث أن الاخوة عقد ينزل منزلة القرابة فإذا انعقدت ~~تأكد الحق ووجب الوفاء بموجب العقد ومن الوفاء به أن لا يهمل أيام حاجته ~~وفقره وفقر الدين اشد من فقر المال وقد أصابته جائحة و ألمت به آفة افتقر ~~بسببها في دينه فينبغي أن يراقب ويراعي ولا يهمل بل لا يزال يتلطف به ليعان ~~على الخلاص من تلك الوقعة التي ألمت به # فالأخوة عدة للنائبات وحوادث الزمان وهذا من اشد النوائب و الفاجر إذا ~~صحب تقيا وهو ينظر إلى خوفه ومداومته فسيرجع على قرب ويستحي من الإصرار بل ~~الكسلان يصحب الحريص في العمل فيحرص حياء منه # قال جعفر بن سليمان مهما فترت في العمل نظرت إلى محمد بن واسع وإقباله ~~على الطاعة فيرجع إلي نشاطي في العبادة وفارقني الكسل وعملت عليه أسبوعا ~~وهذا التحقيق وهو أن الصداقة لحمة كلحمة النسب و القريب لا يجوز أن يهجر ~~بالمعصية ولذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في عشيرته @QB@ ~~فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون @QE@ ولم يقل أني بريء منكم مراعاة لحق ~~القرابة ولحمة النسب # و إلى هذا أشار أبو الدرداء لما قيل له إلا تبغض أخاك وقد فعل كذا فقال ~~إنما أبغض عمله وإلا فهو أخي و أخوة الدين أوكد من أخوة القرابة # ولذلك قيل لحكيم أيما أحب إليك أخوك أو صديقك فقال إنما احب أخي إذا كان ~~صديقا لي # وكان الحسن يقول كم من أخ لم تلده أمك ولذلك قيل PageV02P184 القرابة ~~تحتاج إلى مودة و المودة لا تحتاج إلى قرابة و قال جعفر الصادق رضي الله ~~عنه مودة يوم صلة ومودة شهر قرابة ومودة سنة رحم مائية من قطعها قطعه الله # فإذن الوفاء بعقد الأخوة إذا سبق انعقادها واجب # وهذا جوابنا عن ابتداء المؤاخاة مع الفاسق فإنه لم يتقدم له حق فإن تقدمت ~~له قرابة فلا جرم لا ينبغي أن يقاطع بل يجامل # و الدليل عليه أن ترك المؤاخاة و الصحبة ابتداء ليس مذموما ولا مكروها بل ~~قال قائلون الانفراد أولى فأما قطع الأخوة عن دوامها فمنهى عنه ومذموم في ~~نفسه ونسبته إلى تركها ابتداء كنسبة الطلاق إلى ترك النكاح و الطلاق أبغض ~~إلى الله تعالى من ترك النكاح قال صلى الله عليه وسلم شرار عباد الله ~~المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة + حديث شرار عباد الله المشاءون ~~بالنميمة المفرقون بين الأحبة رواه أحمد من حديث أسماء بنت يزيد بسند ضعيف ~~+ # و قال بعض السلف في ستر زلات الإخوان ود الشيطان أن يلقي على أخيكم مثل ~~هذا حتى تهجروه وتقطعوه فماذا اتقيتم من محبة عدوكم # وهذا لأن التفريق بين الأحباب من محاب الشيطان كما أن مقارفة العصيان من ~~محابه فإذا حصل للشيطان أحد غرضيه فلا ينبغي أن يضاف إليه الثاني و إلى هذا ~~أشار عليه السلام في الذي شتم الرجل الذي أتى فاحشة إذ قال مه وزبره و قال ~~لا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم + حديث لا تكونوا أعوانا للشيطان على ~~أخيكم رواه البخاري من حديث أبي هريرة وتقدم في الباب قبله + # فبهذا كله يتبين الفرق بين الدوام و الابتداء لأن مخالطة الفساق محذورة ~~ومفارقة الأحباب و الإخوان أيضا محذورة وليس من سلم عن معارضة غيره كالذي ~~لم يسلم وفي الابتداء قد سلم فرأينا أن المهاجرة و التباعد هو الأولى وفي ~~الدوام تعارضا فكان الوفاء بحق الأخوة أولى هذا كله في زلته في دينه # أما زلته في حقه بما يوجب إيحاشه فلا خلاف في أن الأولى العفو و الاحتمال ~~بل كل ما يحتمل تنزيله على وجه حسن ويتصور تمهيد عذر فيه قريب أو بعيد فهو ~~واجب بحق الأخوة فقد قيل ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك سبعين عذرا فإن لم ~~يقبله قلبك فرد اللوم على نفسك فتقول لقلبك ما أقساك يعتذر إليك أخوك سبعين ~~عذرا فلا تقبله فأنت المعيب لا أخوك فإن ظهر بحيث لم يقبل التحسين فينبغي ~~أن لا تغضب إن قدرت ولكن ذلك لا يمكن وقد قال الشافعي رحمه الله من استغضب ~~فلم يغضب فهو حمار ومن استرضى فلم يرضى فهو شيطان # فلا تكن حمارا ولا شيطانا واسترض قلبك بنفسك نيابة عن أخيك واحترز أن ~~تكون شيطانا إن لم تقبل # قال الأحنف حق الصديق أن تحتمل منه ثلاثا ظلم الغضب وظلم الدالة وظلم ~~الهفوة # و قال آخر ما شتمت أحدا قط لأنه إن شتمني كريم فأنا أحق من غفرها له أو ~~لئيم فلا أجعل عرضي له غرضا ثم تمثل و قال # وأغفر عوراء الكريم ادخاره % وأعرض عن شتم اللئيم تكرما # وقد قيل # خذ من خليلك ما صفا % ودع الذي فيه الكدر # فالعمر أقصر من معا % تبة الخليل على الغير # ومهما اعتذر إليك أخوك كاذبا كان أو صادقا فاقبل عذره # قال عليه السلام من اعتذر إليه أخوه فلم يقبل عذره فعليه مثل إثم صاحب ~~المكس + حديث من اعتذر إليه أخوه فلم يقبل عذره فعليه مثل إثم صاحب المكس ~~أخرجه ابن ماجه وأبو دواد في المراسيل من حديث جودان واختلف في صحبته وجهله ~~أبو حاتم و باقي رجاله ثقات ورواه الطبراني في الأوسط من حديث جابر بسند ~~ضعيف + # و قال عليه السلام المؤمن سريع الغضب سريع الرضا + حديث المؤمن سريع ~~الغضب سريع الرضا لم أجده هكذا و للترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد الخدري ~~ألا أن بني آدم خلقوا على طبقات شتى الحديث وفيه ومنهم سريع الفيء فتلك ~~بتلك + # فلم يصفه بأنه PageV02P185 لا يغضب # وكذلك قال الله تعالى و الكاظمين الغيظ ولم يقل و الفاقدين الغيظ وهذا ~~لأن العادة لا تنتهي إلى أن يجرح الإنسان فلا يتألم بل تنتهي إلى أن يصبر ~~عليه ويحتمل وكما أن التألم بالجرح مقتضى طبع البدن فالتألم بأسباب الغضب ~~طبع القلب ولا يمكن قلعه ولكن ضبطه وكظمه و العمل بخلاف مقتضاه فإنه يقتضي ~~التشفي و الانتقام و المكافأة وترك العمل بمقتضاه ممكن وقد قال الشاعر # ولست بمستبق أخا لا تلمه % على شعث أي الرجال المهذب # قال أبو سليمان الداراني لأحمد بن أبي الحوارى إذا واخيت أحدا في هذا ~~الزمان فلا تعاتبه على ما تكرهه فإنك لا تأمن من أن ترى في جوابك ما هو شر ~~من الأول قال فجربته فوجدته كذلك # وقال بعضهم الصبر على مضض الأخ خير من معاتبته و المعاتبة خير من القطيعة ~~و القطيعة خير من الوقيعة # وينبغي أن لا يبالغ في البغضة عند الوقيعة # قال الله تعالى @QB@ عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ~~@QE@ و قال عليه السلام أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما ~~وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما + حديث أحبب حبيبك هونا ما ~~عسى أن يكون بغيضك يوما ما الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة و قال ~~غريب قلت رجاله ثقات رجال مسلم لكن الراوي تردد في رفعه + # وقال عمر رضي الله عنه لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا وهو أن تحب تلف ~~صاحبك مع هلاكك الحق السادس # الدعاء للأخ في حياته وبعد مماته بكل ما يحبه لنفسه ولأهله وكل متعلق به ~~فتدعو له كما تدعو لنفسك ولا تفرق بين نفسك وبينه فإن دعاءك له دعاء لنفسك ~~على التحقيق فقد قال صلى الله عليه وسلم إذا دعا الرجل لأخيه في ظهر الغيب ~~قال الملك ولك مثل ذلك + حديث إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قال الملك ~~ولك بمثل ذلك أخرجه مسلم من حديث أبي الدرداء + # وفي لفظ آخر يقول الله تعالى بك أبدا يا عبدي + حديث الدعاء للأخ بظهر ~~الغيب وفيه يقول الله بك أبدا يا عبدي لم أجد هذا اللفظ + # وفي الحديث يستجاب للرجل في أخيه ما لا يستجاب له في نفسه + حديث يستجاب ~~للرجل في أخيه ما لا يستجاب له في نفسه لم أجده بهذا اللفظ ولأبي داود ~~والترمذي وضعفه من حديث عبد الله بن عمرو إن أسرع الدعاء إجابة دعوه غائب ~~لغائب + # و في الحديث دعوة الرجل لأخته في ظهر الغيب لا ترد + حديث دعوة الأخ ~~لأخيه في الغيب لا ترد أخرجه الدارقطني في الظل من حديث أبي الدرداء وهو ~~عند مسلم إلا انه قال مستجابة مكان لا ترد + # وكان أبو الدرداء يقول إني لأدعو لسبعين من إخواني في سجودي أسميهم ~~بأسمائهم # وكان محمد بن يوسف الأصفهاني يقول وأين مثل الأخ الصالح أهلك يقتسمون ~~ميراثك ويتنعمون بما خلفت وهو منفرد بحزنك مهتم مما قدمت وما صرت إليه يدعو ~~لك في ظلمة الليل وأنت تحت أطباق الثرى وكأن الأخ الصالح يقتدى بالملائكة ~~إذ جاء في الخبر إذا مات العبد قال الناس ما خلفت وقال الملائكة ما قدم + ~~حديث إذا مات العبد قال الناس ما خلف وقالت الملائكة ما قدم أخرجه البيهقي ~~في الشعب من حديث أبي هريرة بسند ضعيف + # يفرحون له بما قدم ويسألون عنه ويشفقون عليه و يقال من بلغه موت أخيه ~~فترحم عليه واستغفر له كتب له كأنه شهد جنازته وصلى عليه # وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال مثل الميت في قبره مثل ~~الغريق يتعلق بكل شيء ينتظر دعوة من ولد أو والد أو أخ أو قريب + حديث مثل ~~الميت في قبره مثل الغريق يتعلق بكل شيء ينتظر دعوة من ولد أو والد الحديث ~~أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة قال الذهبي في ~~الميزان إنه خبر منكر جدا + # وإنه ليدخل على قبور الأموات من دعاء الأحياء من الأنوار مثل الجبال # وقال بعض السلف الدعاء للأموات بمنزلة الهدايا للأحياء فيدخل الملك على ~~الميت ومعه طبق من نور عليه منديل من نور فيقول هذه PageV02P186 # هدية لك من عند أخيك فلان من عند قريبك فلان # قال فيفرح بذلك كما يفرح الحي بالهدية الحق السابع الوفاء و الإخلاص # ومعنى الوفاء الثبات على الحب وإدامته إلى الموت معه وبعد الموت مع ~~أولاده وأصدقائه فإن الحب إنما يراد للآخرة فإن انقطع قبل الموت حبط العمل ~~وضاع السعي ولذلك قال عليه السلام في السبعة الذين يظلهم الله في ظله ~~ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه + حديث سبعة يظلهم الله ~~في ظله الحديث تقدم غير مرة + # و قال بعضهم قليل الوفاء بعد الوفاء خير من كثيره في حال الحياة ولذلك ~~روى انه صلى الله عليه وسلم أكرم عجوزا دخلت عليه فقيل له في ذلك فقال إنها ~~كانت تأتينا أيام خديجة وإن كرم العهد من الدين + حديث إكرامه صلى الله ~~عليه وسلم لعجوز دخلت عليه وقوله إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن ~~العهد من الإيمان أخرجه الحاكم من حديث عائشة و قال صحيح على شرط الشيخين ~~وليس له علة + # فمن الوفاة للأخ مراعاة جميع أصدقائه وأقاربه و المتعلقين به ومراعاتهم ~~أوقع في قلب الصديق من مراعاة الأخ في نفسه فإن فرحه بتفقد من يتعلق به ~~أكثر إذ لا يدل على قوة الشفقة و الحب إلا تعديهما من المحبوب إلى كل من ~~يتعلق به حتى الكلب الذي على باب داره ينبغي أن يميز في القلب عن سائر ~~الكلاب ومهما انقطع الوفاء بدوام المحبة شمت به الشيطان فإنه لا يحسد ~~متعاونين على بركما يحسد متواخيين في الله ومتحابين فيه فإنه يجهد نفسه ~~لإفساد ما بينهما قال الله تعالى وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن أن ~~الشيطان ينزغ بينهم وقال مخبرا عن يوسف من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين ~~إخوتي و يقال ما تواخى اثنان في الله فتفرق بينهما إلا بذنب يرتكبه أحدهما # وكان بشر يقول إذا قصر العبد في طاعة الله سلبه الله من يؤنسه # وذلك لأن الإخوان مسلاة للهموم وعون على الدين # ولذلك قال ابن المبارك ألذ الأشياء مجالسة الإخوان والانقلاب إلى كفاية ~~والمودة الدائمة هي التي تكون في الله وما يكون لغرض يزول بزوال ذلك الغرض # ومن ثمرات المودة في الله أن لا تكون مع حسد في دين ودنيا وكيف يحسده وكل ~~ما هو لأخيه فإليه ترجع فائدته وبه وصف الله تعالى المحبين في الله تعالى ~~فقال ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ووجود الحاجة ~~هو الحسد # ومن الوفاء أن لا يتغير حاله في التواضع مع أخيه وإن ارتفع شأنه واتسعت ~~ولايته وعظم جاهه فالترفع على الإخوان بما يتجدد من الأحوال لؤم # قال الشاعر # إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا % من كان يألفهم في المنزل الخشن # وأوصى بعض السلف ابنه فقال يا بني لا تصحب من الناس إلا من إذا افتقرت ~~إليه قرب منك وإن استغنيت عنه لم يطمع فيك وإن علت مرتبته لم يرتفع عليك # وقال بعض الحكماء إذا ولي أخوك ولايه فثبت على نصف مودته لك فهو كثير # وحكى الربيع أن الشافعي رحمه الله آخى رجلا ببغداد ثم إن أخاه ولي ~~السيبين فتغير له عما كان عليه فكتب إليه الشافعي بهذه الأبيات # اذهب فودك من فؤادي طالق % أبدا وليس طلاق ذات البين # فإن ارعويت فإنها تطليقة % ويدوم ودك لي على ثنتين # وإن امتنعت شفعتها بمثالها % فتكون تطليقين في حيضين # وإذا الثلاث أتتك مني بتة % لم تغن عنك ولاية السيبين PageV02P187 # واعلم أنه ليس من الوفاء موافقة الأخ فيما يخالف الحق في أمر يتعلق ~~بالدين بل الوفاء له المخالفة فقد كان الشافعي رضي الله عنه آخي محمد بن ~~عبد الحكم وكان يقربه ويقبل عليه ويقول ما يقيمني بمصر غيره فاعتل محمد ~~فعاده الشافعي رحمه الله تعالى فقال # مرض الحبيب فعدته % فمرضت من حذري عليه # وأتى الحبيب يعودني % فبرئت من نظري إليه # وظن الناس لصدق مودتهما أنه يفوض أمر حلقته إليه بعد وفاته فقيل للشافعي ~~في علته التي مات فيها رضي الله تعالى عنه إلى من نجلس بعدك يا أبا عبد ~~الله فاستشرف له محمد بن عبد الحكم وهو عند رأسه ليومئ إليه فقال الشافعي ~~سبحان الله أيشك في هذا أبو يعقوب البويطي فانكسر لها محمد ومال أصحابه إلى ~~البويطي مع أن محمدا كان قد حمل عنه مذهبه كله لكن كان البويطي أفضل وأقرب ~~إلى الزهد والورع # فنصح الشافعي لله وللمسلمين وترك المداهنة ولم يؤثر رضا الخلق على رضا ~~الله تعالى فلما توفى انقلب محمد بن عبد الحكم عن مذهبه ورجع إلى مذهب أبيه ~~ودرس كتب مالك رحمه الله وهو من كبار أصحاب مالك رحمه الله # وآثر البويطي الزهد والخمول ولم يعجبه الجمع والجلوس في الحلقة واشتغل ~~بالعبادة وصنف كتاب الأم الذي ينسب الآن إلى الربيع بن سليمان ويعرف به ~~وإنما صنفه البويطي ولكن لم يذكر نفسه فيه ولم ينسبه إلى نفسه فزاد الربيع ~~فيه وتصرف وأظهره # والمقصود أن الوفاء بالمحبة من تمامها النصح لله # قال الأحنف الإخاء جوهرة رقيقة إن لم تحرسها كانت معرضة للآفات فاحرسها ~~بالكظم حتى تعتذر إلى من ظلمك وبالرضا حتى لا تستكثر من نفسك الفضل ولا من ~~أخيك التقصير # ومن آثار الصدق والإخلاص وتمام الوفاء أن تكون شديد الجزع من المفارقة ~~نفور الطبع عن أسبابها كما قيل # وجدت مصيبات الزمان جميعها % سوى فرقة الأحباب هينة الخطب # وأنشد ابن عيينة هذا البيت وقال لقد عهدت أقواما فارقتهم منذ ثلاثين سنة ~~ما يخيل إلي أن حسرتهم ذهبت من قلبي # ومن الوفاء أن لا يسمع بلاغات الناس على صديقه لاسيما من يظهر أولا أنه ~~محب لصديقه كيلا يتهم ثم يلقى الكلام عرضا وينقل عن الصديق ما يوغر القلب ~~فذلك من دقائق الجيل في التضريب ومن لم يحترز منه لم تدم مودته أصلا # قال واحد لحكيم قد جئت خاطبا لمودتك قال إن جعلت مهرها ثلاثا فعلت قال ~~وما هي قال لا تسمع على بلاغة ولا تخالفني في أمر ولا توطئني عشوة # ومن الوفاء أن لا يصادق عدو صديقه # قال الشافعي رحمه الله إذا أطاع صديقك عدوك فقد اشتركا في عدواتك الحق ~~الثامن التخفيف وترك التكلف والتكليف # وذلك بأن لا يكلف أخاه ما يشق عليه بل يروح سره من مهماته وحاجاته ويرفهه ~~عن أن يحمله شيئا من أعبائه فلا يستمد منه من جاه ومال ولا يكلف التواضع له ~~والتفقد لأحواله والقيام بحقوقه بل لا يقصد بمحبته إلا الله تعالى تبركا ~~بدعائه واستئناسا بلقائه واستعانة به على دينه وتقربا إلى الله تعالى ~~بالقيام بحقوقه وتحمل مؤنته # قال بعضهم من اقتضى من إخوانه ما لا يقضونه فقد ظلمهم ومن اقتضى منهم مثل ~~ما يقتضونه فقد أتعبهم ومن لم يقتض فهو المتفضل عليهم # وقال بعض الحكماء من جعل نفسه عند الإخوان فوق قدره أثم وأثموا ومن جعل ~~نفسه في قدره تعب وأتعبهم ومن جعلها دون قدره سلم وسلموا تمام التخفيف بطي ~~بساط التكليف PageV02P188 حتى لا يستحي منه فيما لا يستحي من نفسه # وقال الجنيد ما تواخى اثنان في الله فاستوحش أحدهما من صاحبه أو احتشم ~~إلا لعلة في أحدهما # وقال علي عليه السلام شر الأصدقاء من تكلف لك ومن أحوجك إلى مداراة ~~وألجأك إلى اعتذار # وقال الفضيل إنما تقاطع الناس بالتكلف يزور أحدهم أخاه فيتكلف له فيقطعه ~~ذلك عنه # وقالت عائشة رضي الله عنها المؤمن أخو المؤمن لا يغتنمه ولا يحتشمه # وقال الجنيد صبحت أربع طبقات من هذه الطائفة كل طبقة ثلاثون رجلا حارثا ~~المحاسبي وطبقته وحسنا المسوحي وطبقته وسريا السقطي وطبقته وابن الكريبي ~~وطبقته فما تواخي اثنان في الله واحتشم أحدهما من صاحبه أو استوحش إلا لعلة ~~في أحدهما # وقيل لبعضهم من نصحب قال من يرفع عنك ثقل التكلف وتسقط بينك وبينه مؤنة ~~التحفظ # وكان جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما يقول أثقل إخواني علي من يتكلف ~~لي وأتحفظ منه وأخفهم على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي # و قال بعض الصوفية لا تعاشر من الناس إلا من لا تزيد عنده ببر ولا تنقص ~~عنده بإثم يكون ذلك لك وعليك وأنت عنده سواء وإنما قال هذا لأن به يتخلص عن ~~التكلف و التحفظ # وإلا فالطبع يحمله على أن يتحفظ منه إذا علم أن ذلك ينقصه عنده # وقال بعضهم كن مع أبناء الدنيا بالأدب ومع أبناء الآخرة بالعلم ومع ~~العارفين كيف شئت و قال أخر لا تصحب إلا من يتوب عنك إذا أذنبت يعتذر إليك ~~إذا أسأت ويحمل مؤنة نفسك ويكفيك مؤنة نفسه # و قائل هذا قد ضيق طريق الأخوة على الناس وليس الأمر كذلك بل ينبغي أن ~~يواخى كل متدين عاقل ويعزم على أن يقوم بهذه الشرائط ولا يكلف غيره هذه ~~الشروط حتى تكثر إخوانه إذ به يكون مواخيا في الله وإلا كانت مواخاته لحظوظ ~~نفسه فقط # ولذلك قال رجل للجنيد قد عز الإخوان في هذا الزمان أين أخ لي في الله ~~فأعرض الجنيد حتى أعاده ثلاثا فلما أكثر قال له الجنيد إن أردت أخا يكفيك ~~مؤنتك ويحتمل أذاك فهذا لعمري قليل وإن أردت أخا في الله تحمل أنت مؤنتة ~~وتصبر على أذاه فعندي جماعة أعرفهم لك # فسكت الرجل # واعلم أن الناس ثلاثة رجل تنتفع بصحبته ورجل تقدر على أن تنفعه ولا تضرر ~~به ولكن لا تنتفع به # ورجل لا تقدر أيضا على أن تنفعه وتضرر به وهو الأحمق أو السيء الخلق فهذا ~~الثالث ينبغي أن تتجنبه فأما الثاني فلا تجتنبه لأنك تنتفع في الآخرة ~~بشفاعته وبدعائه وبثوابك على القيام به وقد أوحى الله تعالى إلى موسى عليه ~~السلام إن أطعتنى فما أكثر إخوانك أى إن واسيتهم واحتملت منهم ولم تحسدهم ~~وقد قال بعضهم صحبت الناس خمسين سنة فما وقع بيني وبينهم خلاف فإني كنت ~~معهم على نفسي ومن كانت هذه شيمته كثر إخوانه # ومن التخفيف وترك التكلف أن لا يعترض في نوافل العبادات # كان طائفة من الصوفية يصطحبون على شرط المساواة بين أربع معان إن أكل ~~أحدهم النهار كله لم يقل له صاحبه صم وإن صام الدهر كله لم يقل له أفطر وإن ~~نام الليل كله لم يقل له قم وإن صلى الليل كله لم يقل له نم وتستوي حالاته ~~عنده بلا مزيد ولا نقصان لأن ذلك إن تفاوت حرك الطبع إلى الرياء و التحفظ ~~لا محالة # و قد قيل من سقطت كلفته دامت ألفته من خفت مؤنته دامت مودته # و قال بعض الصحابة أن الله لعن المتكلفين و قال صلى الله عليه وسلم أنا ~~والأتقياء من أمتي برآء من التكلف + حديث أنا وأمتي برآء من التكلف أخرجه ~~الدارقطني في الأفراد من حديث الزبير بن العوام ألا إني بريء من التكلف ~~وصالحو أمتي وإسناده ضعيف + # و قال بعضهم إذا عمل الرجل في بيت أخيه أربع خصال فقد تم أنسه به + حديث ~~إذا صنع الرجل في بيت أخيه أربع خصال فقد تم أنسه الحديث لم أجد له أصلا + # إذا أكل عنده ودخل الخلاء و صلى ونام # فذكر ذلك لبعض المشايخ فقال بقيت خامسة وهو أن يحضر مع الأهل في بيت أخيه ~~ويجامعها لأن البيت يتخذ للاستخفاء في الأمور الخمس PageV02P189 # وإلا فالمساجد أروح لقلوب المتعبدين فإذا فعل هذه الخمس فقد تم الإخاء ~~وارتفعت الحشمة وتأكد الانبساط # و قول العرب في تسليمهم يشير إلى ذلك إذ يقول أحدهم لصاحبه مرحبا وأهلا ~~وسهلا أي لك عندنا مرحب وهو السعة في القلب و المكان ولك عندنا أهل تأنس ~~بهم بلا وحشة لك منا ولك عندنا سهولة في ذلك كله أي لا يشتد علينا مما تريد # ولا يتم التخفيف وترك التكلف إلا بأن يرى نفسه دون إخوانه ويحسن الظن بهم ~~ويسيء الظن بنفسه فإذا رآهم خيرا من نفسه فعند ذلك يكون هو خيرا منهم و قال ~~أبو معاوية الأسود إخواني كلهم خير مني قيل وكيف ذلك قال كلهم يرى لي الفضل ~~عليه ومن فضلنى على نفسه فهو خير مني وقد قال صلى الله عليه وسلم المرء على ~~دين خليله ولا خير في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له + حديث المرء على ~~دين خليله ولا خير في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له تقدم الشطر الأول ~~منه في الباب قبله واما الشطر الثاني فرواه ابن عدي في الكامل من حديث أنس ~~بسند ضعيف + # فهذه اقل الدرجات وهو النظر بعين المساواة و الكمال في رؤية الفضل للأخ # ولذلك قال سفيان إذا قيل لك ياشر الناس فغضبت فأنت شر الناس أي ينبغي أن ~~تكون معتقدا ذلك في نفسك أبدا # وسيأتي وجه ذلك في كتاب الكبر و العجب # وقد قيل في معنى التواضع ورؤية الفضل للإخوان أبيات # تذلل لمن إن تذللت له % يرى ذاك للفضل لا للبله # وجانب صداقة من لا يزا % ل على الأصدقاء يرى الفضل له # و قال آخر # كم صديق عرفته بصديق % صار أحظى من الصديق العتيق # ورفيق رأيته في طريق % صار عندي هو الصديق الحقيقي # ومهما رأى الفضل لنفسه فقد احتقر أخاه وهذا في عموم المسلمين مذموم # قال صلى الله عليه وسلم بحسب المؤمن من الشر أن يحقر أخاه المسلم + حديث ~~بحسب امريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ~~وتقدم في أثناء حديث لا تدابروا في هذا الباب + 2 # ومن تتمة الانبساط وترك التكلف أن يشاور إخوانه في كل ما يقصده ويقبل ~~إشاراتهم فقد قال تعالى وشاورهم في الأمر و ينبغي أن لا يخفي عنهم شيئا من ~~أسراره كما روى أن يعقوب ابن أخي معروف قال جاء اسود بن سالم إلى عمي معروف ~~وكان مواخيا له فقال أن بشر بن الحرث يحب مؤاخاتك وهو يستحي أن يشافهك بذلك ~~وقد أرسلني إليك يسألك أن تعقد له فيما بينك وبينه اخوة يحتسبها ويعتد بها ~~إلا أنه يشترط فيها شروطا لا يحب أن يشتهر بذلك ولا يكون بينك وبينه مزاورة ~~ولا ملاقاة فإنه يكره كثرة الالتقاء فقال معروف أما أنا لو آخيت أحدا لم ~~احب مفارقته ليلا ولا نهارا ولزرته في كل وقت وآثرته على نفسي في كل حال ثم ~~ذكر من فضل الأخوة و الحب في الله أحاديث كثيرة ثم قال فيها # و قد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فشاركه في العلم + حديث آخى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وشاركه في العلم أخرجه النسائي في ~~الخصائص من سننه الكبرى من حديث علي قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بني عبد المطلب الحديث @QB@ وفيه @QE@ فأيكم يبايعني على أن يكون أخي ~~وصاحبي ووارثي فلم يقم إليه أحد فقمت إليه @QB@ وفيه @QE@ حتى إذا كان في ~~الثالثة ضرب بيده على يدي وله وللحاكم من حديث ابن عباس أن عليا كان يقول ~~في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم و الله إني لأخوه ووليه ووارث علمه ~~الحديث وكل ما ورد في أخوته فضعيف لا يصح منه شيء وللترمذي من حديث ابن عمر ~~وأنت أخي في الدنيا و الآخرة و للحاكم من حديث ابن عباس أنا مدينة العلم و ~~علي بابها وقال صحيح الإسناد و قال ابن حبان لا اصل له و قال ابن طاهر انه ~~موضوع وللترمذي من حديث علي أنا دار الحكمة وعلي بابها و قال غريب + # وقاسمه في البدن + حديث مقاسمته عليا للبدن أخرجه مسلم في حديث جابر ~~الطويل ثم أعطى عليا فنحر ما عبر وأشركه في هديه + # وأنكحه أفضل بناته وأحبهن إليه وخصه بذلك لمؤاخاته + حديث انه أنكح عليا ~~أفضل بناته وأحبهم إليه هذا معلوم مشهور ففي الصحيحين من حديث علي لما أردت ~~أن أبتنى بفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم واعدت رجلا صواغا الحديث ~~وللحاكم من حديث أم أيمن زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة عليا ~~الحديث و قال صحيح الإسناد وفي الصحيحين من حديث عائشة عن فاطمة يا فاطمة ~~أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين الحديث + # وأنا PageV02P190 أشهدك أني قد عقدت له أخوة بيني وبينه وعقدت إخاءه في ~~الله لرسالتك ولمسألته على أن لا يزورني إن كره ذلك ولكني ازوره متى أحببت ~~ومره أن يلقاني في مواضع نلتقي بها ومره أن لا يخفي علي شيئا من شأنه وان ~~يطلعني على جميع أحواله فأخبر ابن سالم بشرا بذلك فرضى وسلا به # فهذا جامع حقوق الصحبة وقد أجملناه مرة وفصلناه أخرى ولا يتم ذلك إلا بأن ~~تكون على نفسك للإخوان ولا تكون لنفسك عليهم وان تنزل نفسك منزلة الخادم ~~لهم فتقيد بحقوقهم جميع جوارك # أما البصر فبأن تنظر إليهم نظر مودة يعرفونها منك وتنظر إلى محاسنهم ~~وتتعامى عن عيوبهم ولا تصرف بصرك عنهم في وقت إقبالهم عليك وكلامهم معك # روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يعطي كل من جلس إليه نصيبا من وجهه وما ~~استصغاه أحد إلا ظن انه أكرم الناس عليه حتى كان مجلسه وسمعه وحديثه ولطيف ~~مسألته وتوجهه للجالس إليه + حديث كان يعطي كل من جلس إليه نصيبه من وجهه ~~الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث علي في أثناء حديث فيه يعطي كل ~~جلسائه نصيبه لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه ممن جالسه ومن سأله حاجة لم ~~يرده إلا بها أو بميسور من القول @QB@ ثم قال @QE@ مجلسه مجلس حلم وحياء ~~وصبر وأمانة @QB@ وفيه @QE@ يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه و ~~للترمذي من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء ما رأيت أحدا اكثر تبسما من ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال غريب + # وكان مجلسه مجلس حياء وتواضع وأمانة وكان عليه السلام اكثر الناس تبسما ~~وضحكا في وجوه أصحابه وتعجبا مما يحدثونه به وكان ضحك أصحابه عنده التبسم ~~اقتداء منهم بفعله وتوقيرا له عليه السلام # وأما السمع فبأن تسمع كلامه متلذذا بسماعه ومصدقا به ومظهرا للاستبشار به ~~ولا تقطع حديثهم عليهم بمرادة ولا منازعة ومداخلة واعتراض فإن أرهقك عارض ~~اعتذرت إليهم وتحرس سمعك عن سماع ما يكرهون # وأما اللسان فقد ذكرنا حقوقه فإن القول فيه يطول ومن ذلك أن لا يرفع صوته ~~عليهم ولا يخاطبهم إلا بما يفقهون # و أما اليدان فأن لا يقبضهما عن معاونتهم في كل ما يتعاطى باليد # و أما الرجلان فأن يمشي بهما وراءهم مشى الأتباع لا مشي المتبوعين ولا ~~يتقدمهم إلا بقدر ما يقدمونه ولا يقرب منهم إلا بقدر ما يقربونه ويقوم لهم ~~إذا أقبلوا ولا يقعد إلا بقعودهم ويقعد متواضعا حيث يقعد # ومهما تم الاتحاد خف حمله من هذه الحقوق مثل القيام و الاعتذار و الثناء ~~فإنها من حقوق الصحبة وفي ضمنها نوع من الأجنبية و التكلف فإذا تم الاتحاد ~~انطوى بساط التكلف بالكلية فلا يسلك به إلا مسلك نفسه لأن هذه الآداب ~~الظاهرة عنوان آداب الباطن وصفاء القلب # ومهما صفت القلوب استغني عن تكلف إظهار ما فيها ومن كان نظره إلى صحبة ~~الخلق فتارة يعوج وتارة يستقيم ومن كان نظره إلى الخالق لزم الاستقامة ~~ظاهرا وباطنا وزين باطنه بالحب لله ولخلقه وزين ظاهره بالعبادة لله و ~~الخدمة لعباده فإنها أعلى أنواع الخدمة لله إذ لا وصول إليه إلا بحسن الخلق ~~ويدرك العبد بحسن خلقه درجة القائم الصائم وزيادة PageV02P191 خاتمة لهذا ~~الباب نذكر فيها جملة آداب العشرة و المجالسة مع أصناف الخلق ملتقطة من ~~كلام بعض الحكماء # أن أردت حسن العشرة فالق صديقك وعدوك بوجه الرضا من غير ذلة لهم ولا هيبة ~~منهم وتوقير من غير كبر وتواضع مي غير مذلة # وكن في جميع أمورك في أوسطها فكلا طرفي قصد الأمور ذميم # ولا تنظر في عطفيك ولا تكثر الالتفات ولا تقف على الجماعات وإذا جلست فلا ~~تستوفز وتحفظ من تشبيك أصابعك و العبث بلحيتك وخاتمك وتخليل أسنانك وإدخال ~~أصبعك في أنفك وكثرة بصاقك وتنخمك وطرد الذباب من وجهك وكثر التمطي و ~~التثاؤب في وجوه الناس وفي الصلاة وغيرهما وليكن مجلسك هاديا وحديثك منظوما ~~مرتبا واصغ إلى الكلام الحسن ممن حدثك من غير إظهار تعجب مفرط ولا تسأله ~~إعادته واسكت عن المضاحك و الحكايات ولا تحدث عن إعجابك بولدك ولا جاريتك ~~ولا شعرك ولا تصنيفك وسائر ما يخصك ولا تتصنع تصنع المرأة في التزين ولا ~~تتبذل تبذل العبد وتوق كثرة الكحل و الإسراف في الدهن ولا تلح في الحاجات ~~ولا تشجع أحدا على الظلم ولا تعلم اهلك وولدك فضلا عن غيرهم مقدار مالك ~~فإنهم إن رأوه قليلا هنت عندهم وإن كان كثيرا لم تبلغ قط رضاهم وخوفهم من ~~غير عنف ولن لهم من غير ضعف ولا تهازل أمتك ولا عبدك فيسقط وقارك وإذا ~~خاصمت فتوقر وتحفظ من جهلك وتجنب عجلتك وتفكر في حجتك ولا تكثر الإشارة ~~بيديك ولا تكثر الالتفات إلى من وراءك ولا تجث على ركبتيك وإذا هدأ غيظك ~~فتكلم وان قربك سلطان فكن منه على مثل حد السنان فإن استرسل عليك فلا تأمن ~~انقلابه علبك وارفق به رفقك بالصبي وكلمه بما يشتهيه ما لم يكن معصية ولا ~~يحملنك لطفه بك أن تدخل بينه وبين أهله وولده وحشمه وإن كنت لذلك مستحقا ~~عنده فإن سقطة الداخل بين الملك وبين أهله سقطه لا تنعش وزلة لا تقال وإياك ~~وصديق العافية فإنه أعدى الأعداء ولا تجعل مالك أكرم من عرضك وإذا دخلت ~~مجلسا فالأدب فيه البداية بالتسليم وترك التخطى لمن سبق و الجلوس حيث اتسع ~~وحيث يكون اقرب إلى التواضع وان تحيي بالسلام من قرب منك عند الجلوس # ولا تجلس على الطريق فإن جلست فأدبه غض البصر ونصرة المظلوم وإغاثة ~~الملهوف وعون الضعيف وإرشاد الضال ورد السلام وإعطاء السائل و الأمر ~~بالمعروف و النهي عن المنكر والارتياد لموضع البصاق ولا تبصق في جهة القبلة ~~ولا عن يمينك ولكن عن يسارك وتحت قدمك اليسرى # ولا تجالس الملوك فإن فعلت فأدبه ترك الغيبة ومجانبة الكذب وصيانة السر ~~وقلة الحوائج وتهذيب الألفاظ و الإعراب في الخطاب و المذاكرة بأخلاق الملوك ~~وقلة المداعبة وكثرة الحذر منهم وإن ظهرت لك المودة وأن لا تتجشأ بحضرتهم ~~ولا تخلل بعد الأكل عنده وعلى الملك أن يحتمل كل شي إلا إفشاء السر و القدح ~~في الملك و التعرض للحرم # ولا تجالس العامة فإن فعلت فأدبه ترك الخوض في حديثهم وقلة الإصغاء إلى ~~أراجيفهم و التغافل عما يجري من سوء ألفاظهم وقلة اللقاء لهم مع الحاجة ~~إليهم # و إياك أن تمازح لبيبا أو غير لبيب فإن اللبيب يحقد عليك و السفيه يجتريء ~~عليك لأن المزاح يخرق الهيبة ويسقط ماء الوجه ويعقب الحقد ويذهب بحلاوة ~~الود ويشين فقه الفقيه ويجريء PageV02P192 السفيه ويسقط المنزلة عند الحكيم ~~ويمقته المتقون وهو يميت القلب ويباعد عن الرب تعالى ويكسب الغفلة ويورث ~~الذلة و به تظلم السرائر وتموت الخواطر وبه تكثر العيوب وتبين الذنوب # وقد قيل لا يكون المزاح إلا من سخف أو بطر # ومن بلي في مجلس بمزاح أو لغط فليذكر الله عند قيامه قال النبي صلى الله ~~عليه وسلم من جلس في مجلس فكثر به لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك ~~سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا اله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ~~ما كان في مجلسه ذلك + حديث من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم ~~من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة ~~وصححه + # | الباب الثالث في حق المسلم و الرحم و الجوار و الملك وكيفية المعاشرة ~~مع # من يدلى بهذه الأسباب # اعلم أن الإنسان إما أن يكون وحده أو مع غيره وإذا تعذر عيش الإنسان إلا ~~بمخالطة من هو من جنسه لم يكن له بد من تعلم آداب المخالطة # وكل مخالط ففي مخالطته أدب و الأدب على قدر حقه وحقه على قدر رابطته التي ~~بها وقعت المخالطة # والرابطة إما القرابة وهي أخصها أو أخوة الإسلام وهي أعمها وينطوي في ~~معنى الاخوة الصداقة و الصحبة وإما الجوار وإما صحبة السفر و المكتب و ~~الدرس وإما الصداقة أو الأخوة # ولكل واحد من هذه الروابط درجات # فالقرابة لها حق ولكن حق الرحم المحرم آكد وللمحرم حق ولكن حق الوالدين ~~آكد # وكذلك حق الجار ولكن يختلف بحسب قربه من الدار وبعده ويظهر التفاوت عند ~~النسبة حتى أن البلدي في بلاد الغربة يجري مجرى القريب في الوطن لاختصاصه ~~بحق الجوار في البلد # وكذلك حق المسلم يتأكد بتأكد المعرفة # وللمعارف درجات فليس حق الذي عرف بالمشاهدة كحق الذي عرف بالسماع بل آكد ~~منه و المعرفة بعد وقوعها تتأكد بالاختلاط # وكذلك الصحبة تتفاوت درجاتها فحق الصحبة في الدرس و المكتب آكد من حق ~~صحبة السفر # وكذلك الصداقة تتفاوت فإنها إذا قويت صارت أخوة فإن ازدادت صارت محبة فإن ~~ازدادت صارت خلة و الخليل أقرب من الحبيب فالمحبة ما تتمكن من حبة القلب ~~والخلة ما تتخلل سر القلب فكل خليل حبيب وليس كل حبيب خليلا وتفاوت درجات ~~الصداقة لا يخفي بحكم المشاهدة و التجربة فأما كون الخلة فوق الأخوة فمعناه ~~أن لفظ الخلة عبارة عن حالة هي أتم من الاخوة وتعرفه من قوله صلى الله عليه ~~وسلم لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله + ~~حديث لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا الحديث متفق عليه من حديث ~~أبي سعيد أبي سعيد الخدري + # إذا الخليل هو الذي يتخلل الحب جميع أجزاء قلبه ظاهرا وباطنا ويستوعبه ~~ولم يستوعب قلبه عليه السلام سوى حب الله وقد منعته الخلة عن الاشتراك فيه ~~مع انه اتخذ عليا رضي الله عنه أخا فقال علي مني بمنزلة هرون من موسى إلا ~~النبوة + حديث علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة متفق عليه من حديث ~~سعد بن أبي وقاص + # فعدل بعلي عن النبوة كما عدل بأبي بكر عن الخلة فشارك أبو بكر عليا رضي ~~الله عنهما في الاخوة وزاد عليه بمقاربة الخلة وأهليته لها لو كان للشركة ~~في الخلة مجال فإنه نبه عليه بقوله لاتخذت أبا بكر خليلا وكان صلى الله ~~عليه وسلم حبيب الله وخليله وقد روى انه صعد المنبر يوما مستبشرا فرحا فقال ~~أن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا فأنا حبيب الله وأنا خليل ~~الله تعالى + حديث أن الله اتخذنى خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا الحديث ~~أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة بسند ضعيف دون قوله فأنا حبيب الله وأنا ~~خليل الله + # فإذن ليس قبل PageV02P193 المعرفة رابطة ولا بعد الخلة درجة وما سواهما ~~من الدرجات بينهما # وقد ذكرنا حق الصحبة و الأخوة ويدخل فيهما ما وراءهما من المحبة و الخلة ~~وإنما تتفاوت الرتب في تلك الحقوق كما سبق بحسب تفاوت المحبة و الأخوة حتى ~~ينتهي أقصاها إلى أن يوجب الإيثار بالنفس و المال كما آثر أبو بكر رضي الله ~~عنه نبينا صلى الله عليه وسلم وكما آثره طلحة ببدنه إذ جعل نفسه وقاية ~~لشخصه العزيز صلى الله عليه وسلم فنحر الآن نريد أن نذكر حق أخوة الإسلام ~~وحق الرحم وحق الوالدين وحق الجوار وحق الملك أعني ملك اليمين فإن ملك ~~النكاح قد ذكرنا حقوقه في كتاب آداب النكاح حقوق المسلم # هي أن تسلم عليه إذا لقيته وتجيبه إذا دعاك وتشمته إذا عطس وتعوده إذا ~~مرض وتشهد جنازته إذا مات وتبر قسمه إذا أقسم عليك وتنصح له إذا استنصحك ~~وتحفظه بظهر الغيب إذا غاب عنك وتحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره ~~لنفسك + هو أن يسلم عليه إذا لقيه فذكر عشر خصال أخرجه الشيخان من حديث أبي ~~هريرة حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز ~~وإجابة الدعوة وتشميت العاطس وفي رواية لمسلم حق المسلم على المسلم ست إذا ~~لقيته تسلم عليه وزاد وإذا استنصحك فانصح له وللترمذي وابن ماجه من حديث ~~علي للمسلم على المسلم ست فذكر منها ويحب له ما يحب لنفسه و قال وينصح له ~~إذا غاب أو شهد ولأحمد من حديث معاذ وان تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ~~ما تكره لنفسك وفي الصحيحين من حديث والبراء أمرنا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم بسبع فذكر منها وابرار القسم ونصر الظلوم + # ورد جميع ذلك في إخبار وآثار # وقد روى انس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أربع ~~من حق المسلمين عليك أن تعين محسنهم وان تستغفر لمذنبهم وأن تدعو لمدبرهم ~~وان تحب تائبهم + حديث انس أربع من حقوق المسلمين عليك أن تعين محسنهم وان ~~تستغفر لمذنبهم وأن تدعو لمدبرهم وان تحب تائبهم ذكره صاحب الفردوس ولم أجد ~~له إسنادا + # و قال ابن عباس رضي الله عنهما في معنى قوله تعالى رحماء بينهم قال يدعو ~~صالحهم لطالحهم وطالحهم لصالحهم فإذا نظر الطالح إلى الصالح من أمة محمد ~~صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك له فيما قسمت له من الخير وثبته عليه ~~وانفعنا به إذا نظر الصالح إلى الطالح قال اللهم اهده وتب عليه واغفر له ~~عثرته # ومنها أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه قال النعمان ~~بن بشير سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل المؤمنين في توادهم ~~وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى سائره بالحمى و السهر + حديث ~~النعمان بن بشير مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الحديث متفق ~~عليه + # وروى أبو موسى عنه صلى الله عليه وسلم انه قال المؤمن للمؤمن كالبنيان ~~يشد بعضه بعضا + حديث أبي موسى المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا متفق ~~عليه + # ومنها أن لا يؤذي أحدا من المسلمين بفعل ولا قول قال صلى الله عليه وسلم ~~المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده + حديث المسلم من سلم المسلمون من ~~لسانه ويده متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو + # وقال صلى الله عليه وسلم في حديث طويل يأمر فيه بالفضائل فإن لم تقدر فدع ~~الناس من الشر فإنها صدقة تصدقت بها على نفسك + حديث فإن لم تقدر فدع الناس ~~من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك متفق عليه من حديث أبي ذر + # و قال أيضا أفضل المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده + حديث أفضل ~~المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده متفق عليه من حديث أبي موسى + # و قال صلى الله عليه وسلم أتدرون من المسلم فقالوا الله ورسوله أعلم قال ~~المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده قالوا فمن المؤمن قال من أمنه ~~المؤمنين على أنفسهم وأموالهم قالوا فمن المهاجر قال من هجر السوء واجتنبه ~~+ حديث اتدرون من المسلم قالوا الله ورسوله اعلم قال المسلم من سلم من ~~لسانه ويده أخرجه الطبراني و الحاكم وصححه من حديث فضالة بن عبيد إلا ~~أخبركم بالمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وانفسهم و المسلم من سلم ~~المسلمون من لسانه ويده و المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله و المهاجر من ~~هجر الخطايا و الذنوب ورواه ابن ماجه مقتصرا على المؤمن و المهاجر و للحاكم ~~من حديث انس قال على شرط مسلم و المهاجر من هجر السوء ولأحمد بإسناد صحيح ~~من حديث عمر بن عبسة قال رجل يا رسول الله ما الإسلام قال أن تسلم قلبك لله ~~ويسلم المسلمون من لسانك ويدك + # و قال رجل يا رسول الله ما الإسلام PageV02P194 قال أن يسلم قلبك لله ~~ويسلم المسلمون من لسانك ويدك و قال مجاهد يسلط على أهل النار الجرب ~~فيحتكون حتى يبدو عظم أحدهم من جلده فينادي يا فلان هل يؤذيك هذا فيقول نعم ~~فيقول هذا بما كنت تؤذي المؤمنين # و قال صلى الله عليه وسلم لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها عن ~~ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين + حديث لقد رأيت رجلا في الجنة يتقلب في ~~شجرة قطعها عن ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ~~+ # و قال أبو هريرة رضي الله عنه يا رسول الله علمني شيئا انتفع به # قال اعزل الأذى عن طريق المسلمين + حديث أبي هريرة يا رسول الله علمني ~~شيئا انتفع به قال اعزل الأذى عن طريق المسلمين أخرجه مسلم من حديث أبي ~~برزة قال قلت يا بني الله فذكره + # و قال صلى الله عليه وسلم من زحرج عن طريق المسلمين شيئا يؤذيهم كتب الله ~~له به حسنة ومن كتب الله له حسنة أوجب له بها الجنة + حديث من زحزح عن طريق ~~المسلمين شيئا يؤذيهم كتب الله له بها حسنة ومن كتب له بها حسنة أوجب له ~~بها الجنة رواه أحمد من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم لا يحل لمسلم أن يشير إلى أخيه بنظرة تؤذيه وقال ~~لا يحل لمسلم أن يروع مسلما + حديث لا يحل لمسلم أن ينظر إلى أخيه بنظر ~~يؤذيه أخرجه ابن المبارك في الزهد من رواية حمزة بن عبيد مرسلا بسند ضعيف ~~وفي البر و الصلة له من زيادات الحسين المروزى حمزة بن عبد الله بن أبي سمى ~~وهو الصواب + # و قال صلى الله عليه وسلم أن الله يكره أذى المؤمنين + حديث أن الله ~~تعالى يكره أذى المؤمنين أخرجه ابن المبارك في الزهد من رواية عكرمة بن ~~خالد مرسلا بإسناد جيد + # و قال الربيع ابن خيثم الناس رجلان مؤمن فلا تؤذه وجاهل فلا تجاهله # ومنها أن يتواضع لكل مسلم ولا يتكبر عليه فإن الله لا يحب كل مختال فخور # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أوحى إلى أن تواضعوا حتى ~~لا يفخر أحد على أحد + حديث أن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفجر أحد ~~على أحد أخرجه أبو داود وابن ماجه و اللفظ له من حديث عياض بن جماز ورجاله ~~رجال الصحيح + # ثم أن تفاخر عليه غيره فليحتمل قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ~~@QB@ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين @QE@ وعن ابن أبي أوفى كان ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يتواضع لكل مسلم ولا يأنف ولا يتكبر أن يمشي ~~مع الأرملة و المسكين فيقضى حاجته + حديث ابن أبي أوفى كان لا يأنف ولا ~~يستكبر أن يمشي مع الأرملة و السكين فيقضي حاجته أخرجه النسائي بإسناد صحيح ~~والحاكم وقال على شرط الشيخين + # ومنها أن لا يسمع بلاغات الناس بعضهم على بعض ولا يبلغ بعضهم ما يسمع من ~~بعض # قال صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة قتات + حديث لا يدخل الجنة قتات ~~متفق عليه من حديث أبي أيوب + # وقال الخليل بن أحمد من نم لك نم عليك ومن أخبرك بخير غيرك أخبر غيرك ~~بخبرك # ومنها أن لا يزيد في الهجر لمن يعرفه على ثلاثة أيام مهما غضب عليه # قال أبو آيوب الأنصاري قال صلى الله عليه وسلم لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه ~~فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام + لا يحل ~~لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث الحديث متفق عليه + # وقد قال صلى الله عليه وسلم من أقال مسلما عثرته أقاله الله يوم القيامة ~~+ حديث من أقال مسلما عثرته أقاله الله يوم القيامة أخرجه أبو داود و ~~الحاكم وقد تقدم + # قال عكرمة قال الله تعالى ليوسف بن يعقوب بعفوك عن إخوانك رفعت ذكرك في ~~الدارين # قالت عائشة رضي الله عنها ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ~~قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله + حديث عائشة ما انتقم رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تصاب حرمة الله فينتقم لله متفق عليه بلفظ ~~إلا أن تنتهك + # وقال ابن عباس رضي الله عنهما ما عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا # و قال PageV02P195 صلى الله عليه وسلم ما نقص مال من صدقة وما زاد الله ~~رجلا بعفو إلا عزا وما من أحد تواضع لله إلا رفعه الله + حديث ما نقص مال ~~من صدقة وما زاد الله بعفو رجلا إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ~~أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + # ومنها أن يحسن إلى كل من قدر عليه منهم ما استطاع لا يميز بين الأهل وغير ~~الأهل # روى علي بن الحسين على أبيه عن جده رضي الله عنهم قال قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم اصنع المعروف في أهله وفي غير أهله فإن أصبت أهله فهو أهله ~~وإن لم تصب أهله فأنت من أهله + حديث علي بن الحسين عن أبيه عن جده اصنع ~~المعروف إلى أهله فإن لم تصب أهله فأنت أهله ذكره الدارقطني في العلل وهو ~~ضعيف ورواه القضاعي في مسند الشهاب من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن جده ~~مرسلا بسند ضعيف + # وعنه بإسناده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس العقل بعد الدين ~~التودد إلى الناس واصطناع المعروف إلى كل بر وفاجر + حديث علي بن الحسين عن ~~أبيه عن جده رأس العقل بعد الإيمان التودد إلى الناس واصطناع المعروف إلى ~~كل بر وفاجر أخرجه الطبراني في الأوسط والخطابي في تاريخ الطالبين وعند أبو ~~نعيم في الحلية دون قوله واصطناع إلى آخره و قال الطبراني التحبب + # قال أبو هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأخذ أحد بيده فينزع ~~يده حتى يكون الرجل هو الذي يرسلها ولم تكن ترى ركبته خارجة عن ركبة جليسه ~~ولم يكن أحد يكلمه إلا أقبل عليه بوجهه ثم لم يصرفه عنه حتى يفرغ من كلامه ~~+ حديث أبي هريرة كان لا يأخذ أحد بيده فينزع يده حتى يكون الرجل هو الذي ~~يرسلها الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن ولأبي داود و الترمذي ~~وابن ماجه نحوه من حديث انس بسند ضعيف + # ومنها أن لا يدخل على أحد منهم إلا بإذنه بل يستأذن ثلاثا فإن لم يؤذن له ~~انصرف # قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستئذان ~~ثلاث فالأولى يستنصتون و الثانية يستصلحون و الثالثة يأذنون أو يردون + ~~حديث أبي هريرة الاستئذان ثلاث فالأولى يستنصتون و الثانية يستصلحون و ~~الثالثة يأذنون أو يردون أخرجه الدارقطني في الأفراد بسند ضعيف وفي ~~الصحيحين من حديث أبي موسى الاستئذان ثلاث فإن أذن لك و إلا فارجع + # ومنها أن يخالق الجميع بخلق حسن ويعاملهم بحسب طريقته فإنه إن أراد لقاء ~~الجاهل بالعلم و الأمي بالفقه و العيي بالبيان آذى وتآذى # ومنها أن يوقر المشايخ ويرحم الصبيان قال جابر رضى الله عنه قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يوقر كبيرنا ولم يرحم صغيرنا + حديث ~~جابر ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا رواه الطبراني في الأوسط بسند ~~ضعيف وهو عند أبي داود و البخاري في الأدب من حديث عبد الله بن عمرو بسند ~~حسن + # و قال صلى الله عليه وسلم من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم + حديث ~~من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم أخرجه أبو داود من حديث أبي موسى ~~الأشعري بإسناد حسن + # ومن تمام توقير المشايخ أن لا يتكلم بين أيديهم إلا بالإذن و قال جابر ~~قدم وفد جهينة على النبي صلى الله عليه وسلم فقام غلام ليتكلم فقال صلى ~~الله عليه وسلم مه فأين الكبير + حديث جابر قدم وفد جهينة على النبي صلى ~~الله عليه وسلم فقام غلام ليتكلم فقال صلى الله عليه وسلم مه فأين الكبير ~~أخرجه الحاكم وصححه + # وفي الخبر وما وقر شاب شيخا إلا قيض الله له في سنه من يوقره + حديث ما ~~وقر شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له في سنه من يوقره أخرجه الترمذي من حديث ~~انس بلفظ ما اكرم ومن يكرمه وقال حديث غريب وفي بعض النسخ حسن وفيه أبو ~~الرجال وهو ضعيف + # وهذه بشارة بدوام الحياة فليتنبه لها فلا يوفق لتوقير المشايخ إلا من قضى ~~الله له بطول العمر و قال صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يكون ~~الولد غيظا و المطر قيظا وتفيض اللئام فيضا وتغيض الكرام غيضا ويجتريء ~~الصغير على الكبير و اللئيم على الكريم + حديث لا تقوم الساعة حتى يكون ~~الولد غيظا والمطر قيظا الحديث رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث ~~عائشة والطبراني من حديث ابن مسعود وإسنادهما ضعيف + # و التلطف بالصبيان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم + حديث التلطف ~~بالصبيان أخرجه البزار من حديث انس كان من أفكه الناس مع صبي وقد تقدم في ~~النكاح وفي الصحيحين يا أبا عمير ما فعل النعير وغير ذلك + # كان صلى الله عليه وسلم يقدم من السفر فيتلقاه الصبيان فيقف عليهم ثم ~~يأمر بهم فيرفعون إليه فيرفع منهم بين يديه ومن خلفه PageV02P196 # ويأمر أصحابه أن يحملوا بعضهم + حديث كان يقدم من السفر فتتلقاه الصبيان ~~فيقف عليهم ثم يأمر بهم فيرفعون إليه الحديث رواه مسلم من حديث عبد الله بن ~~جعفر كان إذا قدم من سفر تلقى بنا قال فيلقى بي وبالحسن وقال فحمل أحدنا ~~بين يديه و الآخر خلفه وفي رواية تلقى بصبيان أهل بيته وانه قدم من سفر ~~فسبق بي إليه فحملني بين يديه ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردف خلفه وفي ~~الصحيحين أن عبد الله بن جعفر قال لابن الزبير أتذكر إذ تلقينا رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم أنا وأنت وابن عباس قال نعم فحملنا وتركك لفظ مسلم وقال ~~البخاري أن ابن الزبير قال لابن جعفر فالله اعلم + # فربما تفاخر الصبيان بعد ذلك فيقول بعضهم لبعض حملني رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم بين يديه وحملك أنت وراءه ويقول بعضهم أمر أصحابه أن يحملوك ~~وراءهم وكان يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة وليسميه فيأخذه فيضعه في ~~حجره فربما بال الصبي فيصيح به بعض من يراه فيقول لا تزرموا الصبي بوله ~~فيدعه حتى يقضي بوله ثم يفرغ من دعائه له وتسميته ويبلغ سرور أهله فيه لئلا ~~يروا انه تأذى ببوله فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده + حديث كان يؤتى بالصبي ~~الصغير ليدعو له بالبركة ويسميه فيأخذه ويضعه في حجره فربما بال الصبي ~~فيصبح به بعض من رآه الحديث رواه مسلم من حديث عائشة كان يؤتى بالصبيان ~~فيبرك عليهم ويحنكهم فأتى بعصبي فبال عليه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله ~~واصله متفق عليه وفي رواية لأحمد فيدعو لهم وفيه صبوا عليه الماء صبا و ~~للدارقطني بال ابن الزبير على النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ به أخذا عنيفا ~~الحديث وفيه الحجاج بن أرطاة ضعيف ولأحمد بن منبع من حديث حسن بن علي عن ~~امرأة منهم بيننا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا على ظهره يلاعب ~~صبيا إذ بال فقامت لتأخذه وتضربه فقال دعيه ائتوني بكوز من ماء الحديث ~~وإسناده صحيح + # ومنها أن يكون مع كافة الخلق مستبشرا طلق الوجه رفيقا # قال صلى الله عليه وسلم أتدرون على من حرمت النار قالوا الله ورسوله أعلم ~~قال على اللين الهين السهل القريب + حديث أتدرون على من حرمت النار قالوا ~~الله ورسوله اعلم قال على الهين اللين السهل القريب أخرجه الترمذي من حديث ~~ابن مسعود ولم يقل اللين وذكرها الخرائطي من رواية محمد بن أبي معيقيب عن ~~أمه قال الترمذي حسن غريب + # وقال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ~~يحب السهل الطلق الوجه + حديث أبي هريرة أن الله يحب السهل الطلق أخرجه ~~البيهقي في شعب الإيمان بسند ضعيف ورواه من رواية مورق العجلي مرسلا + # و قال بعضهم يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة فقال إن من موجبات ~~المغفرة بذل السلام وحسن الكلام + حديث أن من واجبات المغفرة بذل السلام ~~وحسن الكلام أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه و الطبراني والخرائطي في مكارم ~~الأخلاق و اللفظ له والبيهقي في شعب الإيمان من حديث هانيء بن يزيد بإسناد ~~جيد + # وقال عبد الله بن عمر إن البر شيء هين وجه طليق وكلام لين وقال صلى الله ~~عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة + حديث اتقوا ~~النار ولو بشق تمرة الحديث متفق عليه من حديث عدي بن حاتم وتقدم في الزكاة ~~+ # و قال صلى الله عليه وسلم إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها ~~وبطونها من ظهورها فقال أعرابي لمن هي يا رسول الله قال لمن أطاب الكلام ~~وأطعم الطعام وصلى بالليل و الناس نيام + حديث أن في الجنة غرفا يرى ظهورها ~~من بطونها وبطونها من ظهورها الحديث أخرجه الترمذي من حديث علي وقال حديث ~~غريب قلت وهو ضعيف + # وقال معاذ بن جبل قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصيك بتقوى الله ~~وصدق الحديث ووفاء العهد وأداء الأمانة وترك الخيانة وحفظ الجار ورحمة ~~اليتيم ولين الكلام وبذل السلام وخفض الجناح + حديث معاذ أوصيك بتقوى الله ~~وصدق الحديث أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق و البيهقي في كتاب الزهد وأبو ~~نعيم في الحلية ولم يقل البيهقي وخفض الجناح وإسناد ضعيف + # و قال أنس رضي الله عنه عرضت لنبي الله صلى الله عليه وسلم امرأة وقالت ~~لي معك حاجة وكان معه ناس من أصحابه فقال اجلسي في أي نواحي السكك شئت أجلس ~~إليك ففعلت فجلس إليها حتى قضت حاجتها + حديث انس عرضت لرسول الله صلى الله ~~عليه وسلم امرأة وقلت لي معك حاجة فقال اجلسي في أي نواحي السكك شئت أجلس ~~إليك الحديث رواه مسلم + # وقال وهب بن منبه إن رجلا من بني إسرائيل صام سبعين سنة يفطر في كل سبعة ~~أيام فسأل الله تعالى انه يريه كيف يغوي الشيطان الناس فلما طال عليه ذلك ~~ولم يجب قال لو اطلعت على خطيئتي وذنبي PageV02P197 # بيني وبين ربي لكان خيرا لي من هذا الأمر الذي طلبته فأرسل الله إليه ~~ملكا فقال له إن الله أرسلني إليك وهو يقول لك إن كلامك هذا الذي تكلمت به ~~أحب إلي مما مضى من عبادتك وقد فتح الله بصرك فانظر فنظر فإذا جنود إبليس ~~قد أحاطت بالأرض وإذا ليس أحد من الناس إلا و الشياطين حوله كالذئاب فقال ~~أي رب من ينجو من هذا قال الورع اللين # ومنها أن لا يعد مسلما بوعد إلا ويفي به قال صلى الله عليه وسلم العدة ~~عطية + حديث العدة عطية أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث فباث بن أشيم ~~بسند ضعيف + # وقال العدة دين + حديث العدة دين رواه الطبراني في معجميه الأوسط و ~~الأصفر من حديث علي وابن مسعود بسند فيه جهالة ورواه أبو داود في المراسيل ~~+ # وقال ثلاث في المنافق إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان + حديث ~~ثلاث في المنافق إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان متفق عليه من ~~حديث أبي هريرة ونحوه + # وقال ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى + حديث ثلاث من كن فيه فهو ~~منافق وإن صام وصلى رواه البخاري من حديث أبي هريرة وأصله متفق عليه ولفظ ~~مسلم وان صام وصلى وزعم أنه مسلم وهذا ليس في البخاري + # وذكر ذلك ومنها أن ينصف الناس من نفسه ولا يأتي إليهم إلا بما يحب أن ~~يؤتى إليه قال صلى الله عليه وسلم لا يستكمل العبد الإيمان حتى يكون فيه ~~ثلاث خصال الانفاق من الإقتار و الإنصاف من نفسه وبذل السلام + حديث لا ~~يستكمل العبد الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال الإنفاق من الإقتار و الإنصاف ~~من نفسه وبذل السلام أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث عمار بن ياسر ~~ووقفه البخاري عليه + # وقال عليه السلام من سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو ~~يشهد أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله وليؤت إلى الناس ما يحب أن ~~يؤتى إليه + حديث من سره أن يزحزح عن النار فلتأته منيته وهو يشهد أن لا ~~اله إلا الله وان محمدا رسول الله وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه ~~أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص نحوه و الخرائطي في مكارم ~~الأخلاق بلفظه + # وقال صلى الله عليه وسلم يا أبا الدرداء احسن مجاورة من جاورك تكن مؤمنا ~~واحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما + حديث يا أبا الدرداء احسن مجاورة من ~~جاورك تكن مؤمنا وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما أخرجه الخرائطي في ~~مكارم الأخلاق بسند ضعيف والمعروف أنه قاله لأبي هريرة وقد تقدم + # قال الحسن أوحى الله تعالى إلى آدم صلى الله عليه وسلم بأربع خصال وقال ~~فيهن جماع الأمر لك ولولدك واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك وواحدة ~~بينك وبين الخلق فأما التي لي تعبدني ولا تشرك بي شيئا وأما التي لك فعملك ~~اجزيك به أفقر ما تكون إليه وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعلي ~~الإجابة وأما التي بنيك وبين الناس فتصحبهم بالذي تحب أن يصحبوك به وسأل ~~موسى عليه السلام الله تعالى فقال أي رب أي عبادك أعدل قال من أنصف من نفسه # ومنها أن يزيد في توقير من تدل هيئته وثيابه على علو منزلته فينزل الناس ~~منازلهم # روى أن عائشة رضي الله عنها كانت في سفر فنزلت منزلا فوضعت طعامها فجاء ~~سائل فقالت عائشة ناولوا هذا المسكين قرصا ثم مر رجل على دابة فقالت ادعوه ~~إلى الطعام # فقيل لها تعطين المسكين وتدعين هذا الغني فقالت أن الله تعالى انزل الناس ~~منازل لا بد لنا من أن ننزلهم تلك المنازل هذا المسكين يرضى بقرص وقبيح بنا ~~أن نعطي هذا الغني على هذه الهيئة قرصا # وروى انه صلى الله عليه وسلم دخل بعض بيوته فدخل عليه أصحابه حتى غص ~~المجلس وامتلأ فجاء جرير بن عبد الله البجلي فلم يجد مكانا فقعد على الباب ~~فلف رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه فألقاه إليه وقال له اجلس على هذا ~~فأخذه جرير ووضعه على وجهه وجعل يقبله ويبكي ثم لفه ورمى به إلى النبي صلى ~~الله عليه وسلم وقال ما كنت لأجلس على ثوبك أكرمك الله كما أكرمتني فنظر ~~النبي صلى الله عليه وسلم يمينا وشمالا ثم قال إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ~~+ حديث إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وفي أوله قصته في قدوم جرير بن عبد الله ~~أخرجه الحاكم من حديث جابر وقال صحيح الإسناد وتقدم في الزكاة مختصرا + # وكذلك كل من له عليه حق قديم PageV02P198 فليكرمه # روى أن ظئر رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته جاءت إليه فبسط لها ~~رداءه ثم قال لها مرحبا بأمي ثم أجلسها على الرداء ثم قال لها اشفعي تشفعي ~~وسلي تعطي فقالت قومي فقال أما حقي وحق بني هاشم فهو ذلك فقام الناس من كل ~~ناحية وقالوا وحقنا يا رسول الله ثم وصلها بعد وأخدمها ووهب لها سهمانه ~~بحنين + حديث إن ظئر رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته جاءت إليه ~~فبسط لها رداءه الحديث أخرجه أبو داود و الحاكم وصححه من حديث أبي الطفيل ~~مختصرا في بسط ردائه لها دون ما بعده + # فبيع ذلك من عثمان بن عفان رضي الله عنه بمائة ألف درهم ولربما أتاه من ~~يأتيه وهو على وسادة جالس ولا يكون فيها سعة يجلس معه فينزعها ويضعها تحت ~~الذي يجلس إليه فإن أبى عزم عليه حتى يفعل + حديث نزعه صلى الله عليه وسلم ~~وسادته ووضعها تحت الذي يجلس إليه أخرجه أحمد من حديث ابن عمرو انه دخل ~~عليه صلى الله عليه وسلم فألقى إليه وسادة من أدم حشوها ليف الحديث وإسناده ~~صحيح و للطبراني من حديث سلمان دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ~~متكئ على وسادة فألقاه إلى الحديث وسنده ضعيف قال صاحب الميزان هذا خبر ~~ساقط + # ومنها أن يصلح ذات البين بين المسلمين مهما وجد إليه سبيلا # قال صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة و الصيام و ~~الصدقة قالوا بلى قال إصلاح ذات البين وفساد ذات البين هي الحالقة + حديث ~~ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام و الصلاة و الصدقة قالوا بلى قال إصلاح ~~ذات البين وفساد ذات البين هي الحالقة رواه أبو داود و الترمذي وصححه من ~~حديث أبي الدرداء + # وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة إصلاح ذات البين + حديث أفضل الصدقة ~~إصلاح ذات البين أخرجه الطبراني في الكبير و الخرائطي في مكارم الأخلاق من ~~حديث عبد الله بن عمرو وفيه عبد الرحمن بن زياد الإفريقي ضعفه الجمهور + # وعن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه انس رضي الله عنه قال بينما رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر رضي الله عنه ~~يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما الذي أضحك قال رجلان من أمتي جثيا بين يدي ~~رب العزة فقال أحدهما يا رب خذ لي مظلمتي من هذا فقال الله تعالى رد على ~~أخيك مظلمته # فقال يا رب لم يبق لي من حسناتي شيء فقال الله تعالى للطالب كيف تصنع ~~بأخيك ولم يبق له من حسناته شيء فقال يا رب فليحمل عني من أوزاري # ثم فاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء فقال إن ذلك ليوم ~~عظيم يوم يحتاج الناس فيه إلى أن يحمل عنهم من أوزارهم قال فيقول الله ~~تعالى أي للمتظلم ارفع بصرك فانظر في الجنان فقال يا رب أرى مدائن من فضة ~~وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا أو لأي صديق أو لأي شهيد قال الله ~~تعالى هذا لمن أعطى الثمن قال يا رب ومن يملك ذلك قال أنت تملكه قال بماذا ~~يا رب قال بعفوك عن أخيك قال يا رب قد عفوت عنه فيقول الله تعالى خذ بيد ~~أخيك فأدخله الجنة # ثم قال صلى الله عليه وسلم اتقوا واصلحوا ذات بينكم فإن الله تعالى يصلح ~~بين المؤمنين يوم القيامة + حديث انس بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~جالس إذ ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي ~~وامي ما الذي أضحك قال رجلان من أمتي جيثا بين يدي الله عز وجل فقال أحدهما ~~يا رب خذ لي مظلمتي من هذا الحديث أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق و ~~الحاكم وقال صحيح الإسناد وكذا أبو يعلى الموصلي خرجه بطول وضعفه البخاري ~~وابن حبان + # وقد قال صلى الله عليه وسلم ليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيرا + ~~حديث ليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيرا أو نمى خيرا متفق عليه من حديث ~~أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط + # وهذا يدل على وجوب الإصلاح بين الناس لأن ترك الكذب واجب ولا يسقط الواجب ~~إلا بواجب آكد منه قال صلى الله عليه وسلم كل الكذب مكتوب إلا أن يكذب ~~الرجل في الحرب + حديث كل الكذب مكتوب إلا أن يكذب الرجل في الحرب الحديث ~~أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث النواس بن سمعان وفيه انقطاع وضعف ~~ولمسلم نحوه من حديث أم كلثوم بنت عقبة + # فإن الحرب خدعة أو يكذب بين اثنين فيصلح بينهما أو يكذب لامرأته ليرضيها ~~ومنها أن يستر عورات المسلمين كلهم قال صلى الله عليه وسلم من ستر على مسلم ~~ستره الله PageV02P199 تعالى في الدنيا والآخرة + حديث من ستر على مسلم ~~ستره الله في الدنيا والآخرة أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وللشيخين من ~~حديث ابن عمر من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة # وقال لا يستر عبد عبدا إلا ستره الله يوم القيامة + حديث لا يستر عبد ~~عبدا إلا ستره الله يوم القيامة رواه مسلم من حديث أبي هريرة أيضا + # وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم لا يرى المؤمن ~~من أخيه عورة فيسترها عليه إلا دخل الجنة + حديث أبي سعيد الخدري لا يرى ~~امرؤ من أخيه عورة فيسترها عليه إلا دخل الجنة رواه الطبراني في الأوسط ~~والصغير والخرائطي في مكارم الأخلاق واللفظ له بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم لماعز لما أخبره لو سترته بثوبك كان خيرا لك + ~~حديث لو سترته بثوبك كان خيرا لك رواه أبو داود والنسائي من حديث نعيم بن ~~هزال والحاكم من حديث هزال نفسه وقال صحيح الإسناد ونعيم مختلف في صحبته # فإذن على المسلم أن يستر عورة نفسه فحق إسلامه واجب عليه كحق إسلام غيره # قال أبو بكر رضي الله عنه لو وجدت شاربا لأحببت أن يستره الله ولو وجدت ~~سارقا لأحببت أن يستره الله # وروى أن عمر رضي الله عنه كان يعس بالمدينة ذات ليلة فرأى رجلا وامرأة ~~على فاحشة فلما أصبح قال للناس أرأيتم لو أن إماما رأى رجلا وامرأة على ~~فاحشة فأقام عليهما الحد ما كنتم فاعلين قالوا إنما أنت إمام فقال علي رضي ~~الله عنه ليس ذلك لك إذا يقام عليك الحد إن الله لم يأمن على هذا الأمر أقل ~~من أربعة شهود ثم تركهم ما شاء الله أن يتركهم ثم سألهم فقال القوم مقالتهم ~~الأولى فقال علي رضي الله عنه مثل مقالته الأولى # وهذا يشير إلى أن عمر رضي الله عنه كان مترددا في أن الوالي هل له أن ~~يقضي بعلمه في حدود الله فلذلك راجعهم في معرض التقدير لا في معرض الإخبار ~~خيفة من أن لا يكون له ذلك فيكون قاذفا بإخباره ومال رأى علي إلى أنه ليس ~~له ذلك # وهذا من أعظم الأدلة على طلب الشرع لستر الفواحش فإن أفحشها الزنا وقد ~~نيط بأربعة من العدول يشاهدون ذلك منه في ذلك منها كالمرود في المكحلة وهذا ~~قط لا يتفق # وإن علمه القاضي تحقيقا لم يكن له أن يكشف عنه # فانظر إلى الحكمة في حسم باب الفاحشة بإيجاب الرجم الذي هو أعظم العقوبات # ثم انظر إلى كثيف ستر الله كيف أسبله على العصاة من خلقه بتضييق الطريق ~~في كشفه فنرجو أن لا نحرم هذا الكرم يوم تبلى السرائر ففي الحديث إن الله ~~إذا ستر على عبد عورته في الدنيا فهو أكرم من أن يكشفها في الآخرة وإن ~~كشفها في الدنيا فهو أكرم من أن يكشفها مرة أخرى + حديث إن الله إذا ستر ~~على عبده عورة في الدنيا فهو أكرم من أن يكشفه في الآخرة الحديث أخرجه ~~الترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث علي من أذنب ذنبا في الدنيا فستره الله ~~عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يرجع في شيء قد عفا عنه ومن أذنب ذنبا في ~~الدنيا فعوقب عليه فالله أعدل من أن يثني العقوبة على عبده لفظ الحاكم وقال ~~صحيح على شرط الشيخين ولمسلم من حديث أبي هريرة لا ستر الله على عبد في ~~الدنيا إلا ستره يوم القيامة + # وعن عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه قال خرجت مع عمر رضي الله عنه ليلة ~~في المدينة فبينما نحن نمشي إذ ظهر لنا سراج فانطلقنا نؤمه فلما دنونا منه ~~إذا باب مغلق على قوم لهم أصوات ولغط فأخذ عمر بيدي وقال أتدري بيت من هذا ~~قلت لا فقال هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن شرب فما ترى قلت أرى ~~أنا قد أتينا ما نهانا الله عنه قال الله تعالى @QB@ ولا تجسسوا @QE@ فرجع ~~عمر رضي الله عنه وتركهم وهذا يدل على وجوب الستر وترك التتبع وقد قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت ~~تفسدهم + حديث إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم قاله ~~لمعاوية أخرجه أبو داود بإسناد صحيح من حديث معاوية # وقال صلى الله عليه وسلم يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه ~~لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم ~~يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو كان في جوف بيته + حديث يا ~~معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا ~~عوراتهم الحديث أخرجه أبو داود من حديث أبي برزة بإسناد جيد وللترمذي من ~~حديث ابن عمر وحسنه # وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لو رأيت أحدا على حد من حدود الله ~~تعالى PageV02P200 ما أخذته ولا دعوت له أحدا حتى يكون معي غيري # وقال بعضهم كنت قاعدا مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إذ جاءه رجل ~~بآخر فقال هذا نشوان فقال عبد الله بن مسعود استنكهوه فاستنكهوه فوجده ~~نشوانا فحبسه حتى ذهب سكره ثم دعا بسوط فكسر ثمره ثم قال للجلاد اجلد وارفع ~~يدك وأعط كل عضو حقه فجلده وعليه قباء أو مرط فلما فرغ قال للذي جاء به ما ~~أنت منه قال عمه قال عبد الله ما أدبت فأحسنت الأدب ولا سترت الحرمة إنه ~~ينبغي للإمام إذا انتهى إليه حد أن يقيمه وإن الله عفو يحب العفو ثم قرأ ~~@QB@ وليعفوا وليصفحوا @QE@ ثم قال إني لأذكر أول رجل قطعه النبي صلى الله ~~عليه وسلم أتى بسارق فقطعه فكأنما أسف وجهه فقالوا يا رسول الله كأنك كرهت ~~قطعه فقال وما يمنعني لا تكونوا عونا للشياطين على أخيكم فقالوا ألا عفوت ~~عنه فقال إنه ينبغي للسلطان إذا انتهى إليه حد أن يقيمه إن الله عفو يجب ~~العفو وقرأ @QB@ وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور ~~رحيم @QE@ + حديث ابن مسعود إني لأذكر أول رجل قطعه النبي صلى الله عليه ~~وسلم أتى بسارق فقطعه فكأنما أسف وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث ~~رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد وللخرائطي في مكارم الأخلاق فكأنما سفي في ~~وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رماد الحديث + # وفي رواية فكأنما سفي في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رماد لشدة ~~تغيره وروي أن عمر رضي الله عنه كان يعس بالمدينة من الليل فسمع صوت رجل في ~~بيت يتغنى فتسور عليه فوجده عنده امرأة وعنده خمر فقال يا عدو الله أظننت ~~أن الله يسترك وأنت على معصيته فقال وأنت يا أمير المؤمنين فلا تعجل فإن ~~كنت قد عصيت الله واحدة فقد عصيت الله في ثلاثا قال الله تعالى @QB@ ولا ~~تجسسوا @QE@ وقد تجسست وقال الله تعالى @QB@ وليس البر بأن تأتوا البيوت من ~~ظهورها @QE@ وقد تسورت علي وقد قال الله تعالى @QB@ لا تدخلوا بيوتا غير ~~بيوتكم @QE@ الآية وقد دخلت بيتي بغير إذن ولا سلام فقال عمر رضي الله عنه # هل عندك من خير إن عفوت عنك قال نعم والله يا أمير المؤمنين لئن عفوت عني ~~لا أعود إلى مثلها أبدا فعفا عنه وخرج وتركه # وقال رجل لعبد الله بن عمر # يا أبا عبد الرحمن كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى ~~يوم القيامة قال سمعته يقول إن الله ليدنى منه المؤمن فيضع عليه كنفه ~~ويستره من الناس فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول نعم يارب حتى إذا ~~قرره بذنوبه فرأى في نفسه أنه قد هلك قال له يا عبدي إني لم أسترها عليك في ~~الدنيا إلا وأنا أريد أن أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته # وأما الكافرون والمنافقون فتقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا ~~لعنة الله على الظالمين + حديث ابن عمر إن الله عز وجل ليدني المؤمن فيضع ~~عليه كنفه ويستره من الناس فيقول أتعرف ذنب كذا الحديث متفق عليه + # وقال صلى الله عليه وسلم كل أمتي معافى إلا المجاهرين + حديث كل أمتي ~~معافى إلا المجاهرين الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة + # وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل السوء سرا ثم يخبر به وقال صلى الله عليه ~~وسلم من استمع خبر قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك يوم القيامة + حديث ~~من استمع من قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة رواه البخاري ~~من حديث ابن عباس مرفوعا وموقوفا عليه وعلى أبي هريرة أيضا + # ومنها أن يتقي مواضع التهم صيانة لقلوب الناس عن سوء الظن ولألسنتهم عن ~~العيبة فإنهم إذا عصوا الله بذكره وكان هو السبب فيه كان شريكا قال الله ~~تعالى ولا تسبوا الذي يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم وقال ~~صلى الله عليه وسلم كيف ترون من يسب أبويه فقالوا وهل من أحد يسب أبويه ~~فقال نعم يسب أبوي غيره فيسبون أبويه + حديث كيف ترون من سب أبويه فقالوا ~~وهل من أحد يسب أبويه الحديث متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو ونحوه + # وقد روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~كلم إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا ~~فلان هذه زوجتي صفية @QB@ فقال @QE@ PageV02P201 يا رسول الله من كنت أظن ~~فيه فإني لم أكن أظن فيك فقال إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم + حديث ~~أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه فقال ~~يا فلان هذه زوجتي فلانة الحديث @QB@ وفيه @QE@ إن الشيطان يجري من ابن آدم ~~مجرى الدم رواه مسلم + # وزاد في رواية إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا وكانا رجلين فقال على ~~رسلكما إنها صفية الحديث + حديث إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا وقال على ~~رسلكما إنها صفية متفق عليه من حديث صفية + # وكانت قد زارته في العشر الأواخر من رمضان وقال عمر رضي الله عنه من أقام ~~نفسه مقام التهم فلا يلومن من أساء به الظن # ومر برجل يكلم امرأة على ظهر الطريق فعلاه بالدرة فقال يا أمير المؤمنين ~~إنها امرأتي فقال هلا حيث لا يراك أحد من الناس ومنها أن يشفع لكل من له ~~حاجة من المسلمين إلى من له عنده منزلة ويسعى في قضاء حاجته بما يقدر عليه ~~قال صلى الله عليه وسلم إني أوتى وأسأل وتطلب إلي الحاجة وأنتم عندي ~~فاشفعوا لتؤجروا ويقضي الله على يدي نبيه ما أحب + حديث إني أوتى وأسأل ~~وتطلب إلي الحاجة وأنتم عندي فاشفعوا لتؤجروا الحديث متفق عليه من حديث أبي ~~موسى نحوه + # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشفعوا إلي لتؤجروا إني أريد الأمر ~~وأؤخره كي تشفعوا إلي فتؤجروا وقال صلى الله عليه وسلم ما من صدقة أفضل من ~~صدقة اللسان قيل وكيف ذلك قال الشفاعة يحقن بها الدم وتجر بها المنفعة إلى ~~آخر ويدفع بها المكروه عن آخر + حديث ما من صدقة أفضل من صدقة اللسان ~~الحديث أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق واللفظ له في الكبير من حديث سمرة ~~بن جندب ضعيف + # وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن زوج بريرة كان عبدا يقال له ~~مغيث كأني أنظر إليه خلفها وهو يبكي ودموعه تسيل على لحيته فقال صلى الله ~~عليه وسلم للعباس ألا تعجب من شدة حب مغيث لبريرة وشدة بغضها له فقال النبي ~~صلى الله عليه وسلم لو راجعته فإنه أبو ولدك فقالت يا رسول الله أتأمرني ~~فأفعل فقال # لا إنما أنا شافع + حديث عكرمة عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا يقال ~~له مغيث كأني أنظر إليه خلفها يبكي الحديث رواه البخاري + # ومنها أن يبدأ كل مسلم منهم بالسلام قبل الكلام ويصافحه عند السلام قال ~~صلى الله عليه وسلم من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه حتى يبدأ بالسلام ~~+ حديث من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه الحديث أخرجه الطبراني في ~~الأوسط وأبو نعيم في اليوم والليلة واللفظ له من حديث ابن عمر بسند فيه لين ~~+ # وقال بعضهم دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أسلم ولم أستأذن ~~فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارجع فقل السلام عليكم أأدخل + حديث دخلت ~~على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أسلم ولم أستأذن فقال صلى الله عليه ~~وسلم ارجع فقل السلام عليكم أأدخل أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه من حديث ~~كلدة بن الحنبل وهو صاحب القصة + # وروى جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلتم ~~بيوتكم فسلموا على أهلها فإن الشيطان إذا سلم أحدكم لم يدخل بيته + حديث ~~جابر إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلها فإن الشيطان إذا سلم أحدكم لم يدخل ~~بيته أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق وفيه ضعف # وقال أنس رضي الله عنه خدمت النبي صلى الله عليه وسلم ثمان حجج فقال لي ~~يا أنس أسبغ الوضوء يزد في عمرك وسلم على من لقيته من أمتي تكثر حسناتك ~~وإذا دخلت منزلك فسلم على أهل بيتك يكثر خير بيتك + حديث أنس خدمت النبي ~~صلى الله عليه وسلم ثماني حجج فقال لي يا أنس أسبغ الوضوء يزد من عمرك وسلم ~~على من لقيته من أمتي تكثر حسناتك وإذا دخلت بيتك فسلم على أهل بيتك يكثر ~~خير بيتك أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق واللفظ له والبيهقي في الشعب ~~وإسناده ضعيف وللترمذي وصححه إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة عليك وعلى ~~أهل بيتك # وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى المؤمنان فتصافحا ~~قسمت بينهما سبعون مغفرة تسع وستون لأحسنهما بشرا وقال تعالى @QB@ وإذا ~~حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها @QE@ وقال صلى الله عليه وسلم والذي ~~نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم ~~على عمل إذا عملتموه تحاببتم قالوا # بلى يا رسول الله PageV02P202 قال أفشوا السلام بينكم + حديث والذي نفسي ~~بيده لا تدخلو الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا الحديث أخرجه مسلم ~~من حديث أبي هريرة + # وقال أيضا إذا سلم المسلم على المسلم فرد عليه صلت عليه الملائكة سبعين ~~مرة + حديث إذا سلم المسلم على المسلم فرد عليه صلت عليه الملائكة سبعين ~~مرة ذكره صاحب الفردوس من حديث أبي هريرة ولم يسنده ولده في المسند + # وقال صلى الله عليه وسلم إن الملائكة تعجب من المسلم يمر على المسلم ولا ~~يسلم عليه + حديث الملائكة تعجب من المسلم يمر على المسلم فلا يسلم عليه لم ~~أقف له على أصل # وقال صلى الله عليه وسلم يسلم الراكب على الماشي وإذا سلم من القوم واحد ~~أجزأ عنهم + حديث يسلم الراكب على الماشي وإذا سلم من القوم أحد أجزأ عنهم ~~رواه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم مرسلا ولأبي داود من حديث علي يجزي عن ~~الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزي عن الجلوس أن يرد أحدهم وفي الصحيحين ~~من حديث أبي هريرة يسلم الراكب على الماشي الحديث وسيأتي في بقية الباب + # وقال قتادة كانت تحية من كان قبلكم السجود فأعطى الله تعالى هذه الأمة ~~السلام وهي تحية أهل الجنة # وكان أبو مسلم الخولاني يمر على قوم فلا يسلم عليهم ويقول ما يمنعني إلا ~~أني أخشى أن لا يردوا فتلعنهم الملائكة # والمصافحة أيضا سنة مع السلام وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فقال السلام عليكم فقال عليه السلام عشر حسنات فجاء آخر فقال السلام عليكم ~~ورحمة الله فقال عشرون حسنة فجاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ~~فقال @QB@ ثلاثون @QE@ + حديث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ~~سلام عليك فقال صلى الله عليه وسلم عشر حسنات الحديث أخرجه أبو داود ~~والترمذي من حديث عمران ابن حصين قال الترمذي حسن غريب وقال البيهقي في ~~الشعب إسناده حسن + # وكان أنس رضي الله عنه يمر على الصبيان فيسلم عليهم + حديث أنس كان يمر ~~على الصبيان فيسلم عليهم ورفعه متفق عليه # ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك # وروى عبد الحميد ابن بهرام أنه صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما ~~وعصبة من الناس قعود فأومأ بيده بالسلام وأشار عبد الحميد بيده إلى الحكاية ~~+ حديث عبد الحميد بن بهرام أنه صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما ~~وعصبة من الناس قعود فألوى بيده بالتسليم وأشار عبد الحميد بيده أخرجه ~~الترمذي من رواية عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد ~~وقال حسن وابن ماجه من رواية ابن أبي حسين عن شهر ورواه أبو داود وقال أحمد ~~لا بأس به + # فقال صلى الله عليه وسلم لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا ~~لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه + حديث لا تبدؤا اليهود والنصارى ~~بالسلام الحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة + # وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ~~تصافحوا أهل الذمة ولا تبدءوهم بالسلام فإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم ~~إلى أضيق الطرق # قالت عائشة رضي الله عنها إن رهطا من اليهود دخلوا على رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فقالوا السام عليك فقال النبي صلى الله عليه وسلم @QB@ ~~عليكم @QE@ قالت عائشة رضي الله عنها فقلت بل عليكم السام واللعنة فقال ~~عليه السلام يا عائشة إن الله يحب الرفق في كل شيء قالت عائشة ألم تسمع ما ~~قالوا قال فقد قلت عليكم + حديث عائشة إن رهطا من اليهود دخلوا على رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك الحديث متفق عليه + # وقال صلى الله عليه وسلم يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد ~~والقليل على الكثير والصغير على الكبير + حديث يسلم الراكب على الماشي و ~~الماشي على القاعد والقليل على الكثير والصغير على الكبير متفق عليه من ~~حديث أبي هريرة ولم يقل مسلم والصغير على الكبير # وقال صلى الله عليه وسلم لا تشبهوا باليهود والنصارى فإن تسليم اليهود ~~بالإشارة بالأصابع وتسليم النصارى بالإشارة بالأكف + حديث لا تشبهوا ~~باليهود والنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى ~~الإشارة بالأكف أخرجه الترمذي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال ~~إسناده ضعيف + # قال أبو عيسى إسناده ضعيف # وقال صلى الله عليه وسلم إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم فإن بدا له أن ~~يجلس فليجلس ثم إذا قام فليسلم فليست PageV02P203 الأولى بأحق من الأخيرة + ~~حديث إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم فإن بدا له أن يجلس فليجلس ثم إذا ~~قام فليسلم فليست الأولى بأحق من الأخيرة أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه من ~~حديث أبي هريرة + # وقال أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى ~~المؤمنان فتصافحا قسمت بينهما سبعون مغفرة تسعة وستون لأحسنهما بشرا + حديث ~~أنس إذا التقى المسلمان فتصافحا قسمت بينهما سبعون رحمة الحديث أخرجه ~~الخرائطي بسند ضعيف وللطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة مائة رحمة تسعة ~~وتسعون لأبشهما وأطلقهما وأبرهما وأحسنهما مسالمة لأخيه وفيه الحسن بن كثير ~~بن يحيى بن أبي كثير مجهول + # وقال عمر رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا التقى ~~المسلمان وسلم كل واحد منهما على صاحبه وتصافحا نزلت بينهما مائة رحمة ~~للبادئ تسعون وللمصافح عشرة + حديث عمر بن الخطاب إذا التقى المسلمان فسلم ~~كل واحد على صاحبه وتصافحا نزلت بينهما مائة رحمة الحديث أخرجه البزار في ~~مسنده والخرائطي في مكارم الأخلاق واللفظ له والبيهقي في الشعب وفي إسناده ~~نظر + # وقال الحسن المصافحة تزيد في الود # وقال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تمام ~~تحياتكم المصافحة + حديث أبي هريرة تمام تحياتكم بينكم المصافحة أخرجه ~~الخرائطي في مكارم الأخلاق وهو عند الترمذي من حديث أبي أمامة وضعفه + # وقال صلى الله عليه وسلم قبلة المسلم أخاه المصافحة + حديث قبلة المسلم ~~أخاه المصافحة أخرجه الخرائطي وابن عدي من حديث أنس وقال غير محفوظ + # ولا بأس بقبلة يد المعظم في الدين تبركا به وتوقيرا له # وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قبلنا يد النبي صلى الله عليه وسلم + ~~حديث ابن عمر قبلنا يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو داود بسند ~~حسن + # وعن كعب بن مالك قال لما نزلت توبتي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقبلت ~~يده + حديث كعب بن مالك لما نزلت توبتي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ~~فقبلت يده أخرجه أبو بكر بن المقري في كتاب الرخصة في تقبيل اليد بسند ضعيف ~~+ # وروي أن أعرابيا قال يا رسول الله ائذن لي فأقبل رأسك ويدك قال فأذن له ~~ففعل + حديث أن أعرابيا قال يا رسول الله ائذن لي فأقبل رأسك ويدك فأذن له ~~ففعل أخرجه الحاكم من حديث بريدة إلا أنه قال رجليك موضع يدك وقال صحيح ~~الإسناد + # ولقي أبو عبيدة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فصافحه وقبل يده وتنحيا ~~يبكيان وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه سلم على رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه فرد عليه ومد يده إليه ~~فصافحه فقال يا رسول الله ما كنت أرى هذا إلا من أخلاق الأعاجم فقال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا تحاتت ذنوبهما + ~~حديث البراء بن عازب أنه سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ ~~فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه ومد يده إليه فصافحه الحديث رواه الخرائطي ~~بسند ضعيف وهو عند أبي داود والترمذي وابن ماجه مختصرا ما من مسلمين ~~يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا قال الترمذي حسن غريب من ~~حديث أبي إسحاق عن البراء + # وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا مر الرجل بالقوم فسلم عليهم فردوا ~~عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم السلام وإن لم يردوا عليه رد عليه ~~ملأ خير منهم وأطيب أو قال وأفضل + حديث إذا مر الرجل بالقوم فسلم عليهم ~~فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم السلام وإن لم يردوا عليه رد ~~عليه ملأ خير منهم وأطيب أخرجه الخرائطي والبيهقي في الشعب من حديث ابن ~~مسعود مرفوعا وضعف البيهقي المرفوع ورواه موقوفا عليه بسند صحيح + # والانحناء عند السلام منهي عنه قال أنس رضي الله عنه قلنا يا رسول الله ~~أينحني بعضنا لبعض قال @QB@ لا @QE@ قال فيقبل بعضنا بعضا قال @QB@ لا @QE@ ~~قال فيصافح بعضنا بعضا قال @QB@ نعم @QE@ + حديث أنس قلنا يا رسول الله ~~أينحني بعضنا لبعض قال @QB@ لا @QE@ الحديث أخرجه الترمذي وحسنه وابن ماجه ~~وضعفه أحمد والبيهقي + # والالتزام والتقبيل قد ورد به الخبر عند القدوم من السفر + حديث الالتزام ~~والتقبيل عند القدوم من السفر أخرجه الترمذي من حديث عائشة قالت قدم زيد بن ~~حارثة الحديث وفيه فاعتنقه وقبله وقال حسن غريب + # وقال أبو ذر رضي الله عنه ما لقيته صلى الله عليه وسلم إلا صافحني وطلبني ~~يوما فلم أكن في البيت فلما أخبرت جئت وهو على سرير فالتزمني فكانت أجود ~~وأجود + حديث أبي ذر ما لقيته صلى الله عليه وسلم إلا صافحني الحديث أخرجه ~~أبو داود وفيه رجل من عزة لم يسم وسماه البيهقي في الشعب عبد الله + ~~PageV02P204 # والأخذ بالركاب في توقير العلماء ورد به الأثر فعل ابن عباس ذلك بركاب ~~زيد بن ثابت + حديث أخذ ابن عباس بركاب زيد بن ثابت تقدم في العلم + # وأخذ عمر يغرز زيد حتى رفعه وقال هكذا فافعلوا بزيد وأصحاب زيد # والقيام مكروه على سبيل الإعظام لا على سبيل الإكرام قال أنس ما كان شخص ~~أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما ~~يعلمون من كراهيته لذلك + حديث أنس ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك ~~أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح + # وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال مرة إذا رأيتموني فلا تقوموا كما تصنع ~~الأعاجم + حديث إذا رأيتموني فلا تقوموا كما يصنع الأعاجم أخرجه أبو داود ~~وابن ماجه من حديث أبي أمامة وقال كما يقوم الأعاجم وفيه أبو العديس مجهول ~~+ # وقال صلى الله عليه وسلم من سره أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده ~~من النار + حديث من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار ~~أخرجه أبو داود والترمذي من حديث معاوية وقال حسن + # وقال صلى الله عليه وسلم لا يقم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن ~~توسعوا وتفسحوا + حديث لا يقم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن ~~توسعوا وتفسحوا متفق عليه من حديث ابن عمر + # وكانوا يحترزون عن ذلك لهذا النهي # وقال صلى الله عليه وسلم إذا أخذ القوم مجالسهم فإن دعا أحد أخاه فأوسع ~~له فليأته فإنما هي كرامة أكرمه بها أخوه فإن لم يوسع له فلينظر إلى أوسع ~~مكان يجده فيجلس فيه + حديث إذا أخذ القوم مجالسهم فإن دعا رجل أخاه فأوسع ~~يعني له فليجلس فإنه كرامة من الله عز وجل الحديث أخرجه البغوي في معجم ~~الصحابة من حديث ابن شيبة ورجاله ثقات وابن شيبة هذا ذكره أبو موسى المديني ~~في ذيله في الصحابة وقد رواه الطبراني في الكبير من رواية مصعب بن شيبة عن ~~أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أخصر منه وشيبة بن جبير والد منصور ليست ~~له صحبة + # وروي أنه سلم رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يجب + ~~حديث أن رجلا سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يجب أخرجه ~~مسلم من حديث ابن عمر بلفظ فلم يرد عليه + # فيكره السلام على من يقضي حاجته ويكره أن يقول ابتداء عليك السلام فإنه ~~قاله رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم إن عليك ~~السلام تحية الموتى قالها ثلاثا ثم قال إذا لقي أحدكم أخاه فليقل السلام ~~عليكم ورحمة الله + حديث قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليك ~~السلام فقال إن عليك السلام تحية الميت الحديث أخرجه أبو داود والترمذي ~~والنسائي في اليوم والليلة من حديث ابن جري الهجيمي وهو صاحب القصة قال ~~الترمذي حسن صحيح + # ويستحب للداخل إذا سلم ولم يجد مجلسا أن لا ينصرف بل يقعد وراء الصف # كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد إذ أقبل ثلاثة نفر ~~فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أحدهما فوجد فرجة فجلس ~~فيها وأما الثاني فجلس خلفهم وأما الثالث فأدبر ذاهبا فلما فرغ رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم عن النفر الثلاثة # أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله ~~منه وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه + حديث كان صلى الله عليه وسلم جالسا ~~في المسجد إذ أقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فأما أحدهما فوجد فرجة فجلس فيها الحديث متفق عليه من حديث أبي واقد الليثي ~~+ # وقال صلى الله عليه وسلم ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما ~~قبل أن يتفرقا + حديث ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن ~~يتفرقا أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث البراء بن عازب + # وسلمت أم هانئ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال @QB@ من هذه @QE@ فقيل ~~له أم هانئ فقال صلى الله عليه وسلم مرحبا بأم هانئ + حديث سلمت أم هانئ ~~عليه قال مرحبا بأم هانئ أخرجه مسلم من حديث أم هانئ + # ومنها أن يصون عرض أخيه المسلم ونفسه وماله عن ظلم غيره مهما قدر ويرد ~~عنه ويناضل دونه وينصره فإن ذلك يجب عليه بمقتضى أخوة الإسلام # روى أبو الدرداء أن رجلا نال من رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~PageV02P205 فرد عنه رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم من رد عن عرض أخيه ~~كان له حجابا من النار + حديث أبي الدرداء من رد عن عرض أخيه كان له حجابا ~~من النار أخرجه الترمذي وحسنه + # وقال صلى الله عليه وسلم ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا ~~على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة + حديث ما من امرئ مسلم يرد عن ~~عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة أخرجه أحمد ~~من حديث أسماء بنت يزيد بنحوه والخرائطي في مكارم الأخلاق وهو عند الطبراني ~~بهذا اللفظ من حديث أبي الدرداء وفيهما شهر بن حوشب + # وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ذكر عنده أخوه ~~المسلم وهو يستطيع نصره فلم ينصره أذله الله بها في الدنيا والآخرة ومن ذكر ~~عنده أخوه المسلم فنصره نصره الله تعالى في الدنيا والآخرة + حديث أنس من ~~ذكر عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فلم ينصره ولو بكلمة أذله الله عز ~~وجل بها في الدنيا والآخرة الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت مقتصرا ~~على ما ذكر منه وإسناده ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم من حمى عن عرض أخيه المسلم في الدنيا بعث الله ~~تعالى له ملكا يحميه يوم القيامة من النار + حديث من حمى عرض أخيه المسلم ~~في الدنيا بعث الله له ملكا يحميه يوم القيامة من النار أخرجه أبو داود من ~~حديث معاذ بن أنس نحوه بسند ضعيف + # وقال جابر وأبو طلحة سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من امرئ ~~مسلم ينصر مسلما في موضع ينتهك فيه عرضه ويستحل حرمته إلا نصره الله في ~~موطن يحب فيه نصره وما من امرئ خذل مسلما في موطن ينتهك فيه حرمته إلا خذله ~~الله في موضع يحب فيه نصرته + حديث جابر وأبي طلحة ما من امرئ ينصر مسلما ~~في موضع ينتهك فيه من عرضه ويستحل حرمته الحديث أخرجه أبو داود مع تقديم ~~وتأخير واختلف في إسناده + # ومنها تشميت العاطس # قال صلى الله عليه وسلم في العاطس يقول الحمد لله على كل حال ويقول الذي ~~يشمته يرحمكم الله ويرد عليه العاطس فيقول يهديكم الله ويصلح بالكم + حديث ~~يقول العاطس الحمد لله على كل حال ويقول الذي يشمته يرحمك الله ويقول هو ~~يهديكم الله ويصلح بالكم أخرجه البخاري وأبو داود من حديث أبي هريرة ولم ~~يقل البخاري على كل حال + # وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا ~~يقول إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين فإذا قال ذلك فليقل من ~~عنده يرحمك الله فإذا قالوا ذلك فليقل يغفر الله لي ولكم + حديث أبي مسعود ~~إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين الحديث أخرجه النسائي في اليوم ~~والليلة وقال حديث منكر ورواه أيضا أبو داود والترمذي من حديث سالم بن عبد ~~الله واختلف في إسناده + # وشمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاطسا ولم يشمت آخر فسأله عن ذلك فقال ~~إنه حمد الله وأنت سكت + حديث شمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاطسا ولم ~~يشمت آخر فسأله عن ذلك فقال إنه حمد الله وأنت سكت متفق عليه من حديث أنس + # وقال صلى الله عليه وسلم يشمت العاطس المسلم إذا عطس ثلاثا فإن زاد فهو ~~زكام + حديث شمتوا المسلم إذا عطس ثلاثا فإن زاد فهو زكام أخرجه أبو داود ~~من حديث أبي هريرة شمت أخاك ثلاثا الحديث وإسناده جيد + # وروي أنه شمت عاطسا ثلاثا فعطس أخرى فقال إنك مزكوم + حديث أنه شمت عاطسا ~~فعطس أخرى فقال إنك مزكوم أخرجه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع + # وقال أبو هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس غض صوته واستتر ~~بثوبه أو يده + حديث أبي هريرة كان إذا عطس غض صوته وستر بثوبه أو يده ~~أخرجه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وفي رواية لأبي نعيم في اليوم ~~والليلة خمر وجهه وفاه + # وروي خمر وجهه # وقال أبو موسى الأشعري كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم رجاء أن يقول يرحمكم الله فكان يقول يهديكم الله + حديث أبي موسى كان ~~اليهود يتعاطسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول يرحمكم ~~الله فكان يقول يهديكم الله أخرجه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح + # وروى عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن رجلا عطس خلف النبي صلى الله ~~عليه وسلم في الصلاة فقال الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يرضى ~~ربنا ويرضى والحمد لله على كل حال PageV02P206 فلما سلم النبي صلى الله ~~عليه وسلم قال من صاحب الكلمات فقال أنا يا رسول الله ما أردت بهن إلا خيرا ~~فقال لقد رأيت اثنى عشر ملكا كلهم يبتدرونها أيهم يكتبها + حديث عبد الله ~~بن عامر بن ربيعة أن رجلا عطس خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فقال ~~الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه الحديث أخرجه أبو داود من حديث عبد ~~الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه وإسناده جيد + # وقال صلى الله عليه وسلم من عطس عنده فسبق إلى الحمد لم يشتك خاصرته + ~~حديث من عطس عنده فسبق إلى الحمد لم يشتك خاصرته أخرجه الطبراني في الأوسط ~~وفي الدعاء من حديث علي بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب ~~أحدكم فليضع يده على فيه فإذا قال ها ها فإن الشيطان يضحك من جوفه + حديث ~~العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة ~~دون قوله العطاس من الله فرواه الترمذي وحسنه والنسائي في اليوم والليلة ~~وقال البخاري إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب الحديث + # وقال إبراهيم النخعي إذا عطس في قضاء الحاجة فلا بأس بأن يذكر الله # وقال الحسن يحمد الله في نفسه # وقال كعب قال موسى عليه السلام يا رب أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك ~~فقال أنا جليس من ذكرني فقال فإنا نكون على حال نجلك أن نذكرك عليها ~~كالجنابة والغائط فقال اذكرني على كل حال # ومنها أنه إذا بلى بذي شر فينبغي أن يتحمله ويتقيه قال بعضهم خالص المؤمن ~~مخالصة وخالق الفاجر مخالفة فإن الفاجر يرضى بالخلق الحسن في الظاهر # وقال أبو الدرداء إنا لنبش في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم وهذا معنى ~~المداراة وهي مع من يخاف شره قال الله تعالى @QB@ ادفع بالتي هي أحسن ~~السيئة @QE@ قال ابن عباس في معنى قوله @QB@ ويدرؤون بالحسنة السيئة @QE@ ~~أي الفحش والأذى بالسلام والمداراة # وقال في قوله تعالى @QB@ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض @QE@ قال ~~بالرغبة والرهبة والحياء والمداراة # وقالت عائشة رضي الله عنها استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~قال ائذنوا له فبئس رجل العشيرة هو فلما دخل ألان له القول حتى أن له عنده ~~منزلة فلما خرج قلت له لما دخل قلت الذي قلت ثم ألنت له القول فقال يا ~~عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه + ~~حديث عائشة استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له ~~فبئس رجل العشيرة الحديث متفق عليه + # وفي الخبر ما وقى الرجل به عرضه فهو له صدقة + حديث ما وقى المرء به عرضه ~~فهو له صدقة أخرجه أبو يعلى وابن عدي من حديث جابر وضعفه + # وفي الأثر # خالطوا الناس بأعمالكم وزايلوهم بالقلوب # وقال محمد بن الحنفية رضي الله عنه ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا ~~يجد من معاشرته بدا حتى يجعل الله له منه فرجا # ومنها أن يجتنب مخالطة الأغنياء ويختلط بالمساكين ويحسن إلى الأيتام كان ~~النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني ~~في زمرة المساكين + حديث اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة ~~المساكين أخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد والترمذي من حديث ~~عائشة وقال غريب + # وقال كعب الأحبار # كان سليمان عليه السلام في ملكه إذا دخل المسجد فرأى مسكينا جلس إليه ~~وقال مسكين جالس مسكينا # وقيل ما كان من كلمة تقال لعيسى عليه السلام أحب إليه من أن يقال له يا ~~مسكين # وقال كعب الأحبار ما في القرآن من @QB@ يا أيها الذين آمنوا @QE@ فهو في ~~التوراة يا أيها المساكين وقال عبادة بن الصامت # إن للنار سبعة أبواب ثلاثة للأغنياء وثلاثة للنساء وواحد للفقراء ~~والمساكين وقال الفضيل بلغني أن نبيا من الأنبياء قال يا رب كيف لي أن أعلم ~~رضاك عني قال انظر كيف رضا المساكين عنك # وقال صلى الله عليه وسلم إياكم ومجالسة الموتى قيل ومن الموتى يا رسول ~~الله قال الأغنياء + حديث إياكم ومجالسة الموتى قيل وما الموتى قال ~~الأغنياء أخرجه الترمذي وضعفه والحاكم وصحح إسناده من حديث عائشة إياك ~~ومجالسة الأغنياء + # وقال موسى إلهي أين أبغيك قال عند المكسره قلوبهم # وقال صلى الله عليه وسلم لا تغبطن فاجرا PageV02P207 بنعمة فإنك لا تدري ~~إلى ما يصير بعد الموت فإن من ورائه طالبا حثيثا + حديث لا تغبطن فاجرا ~~بنعمة الحديث رواه البخاري في التاريخ والطبراني في الأوسط والبيهقي في ~~الشعب من حديث أبي هريرة بسند ضعيف + # وأما اليتيم فقال صلى الله عليه وسلم من ضم يتيما من أبوين مسلمين حتى ~~يستغني فقد وجبت له الجنة ألبتة + حديث من ضم يتيما من أبوين مسلمين حتى ~~يستغني فقد وجبت له الجنة ألبتة أخرجه أحمد والطبراني من حديث مالك بن عمر ~~وفيه علي بن زيد بن جدعان متكلم فيه + # وقال صلى الله عليه وسلم أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وهو يشير ~~بأصبعيه + حديث أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة أخرجه البخاري من حديث ~~سهل بن سعد ومسلم من حديث أبي هريرة + # وقال صلى الله عليه وسلم من وضع يده على رأس يتيم ترحما كانت له بكل شعرة ~~تمر عليها يده حسنة + حديث من وضع يده على رأس يتيم ترحما كانت له بكل شعرة ~~تمر عليها يده حسنة أخرجه أحمد والطبراني بإسناد ضعيف من حديث أبي أمامة ~~دون قوله ترحما ولابن حبان في الضعفاء من حديث ابن أبي أوفى من مسح يده على ~~رأس يتيم رحمه له الحديث + # وقال صلى الله عليه وسلم خير بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر ~~بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه + حديث خير بيت من المسلمين بيت ~~فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه أخرجه ابن ~~ماجه من حديث أبي هريرة وفيه ضعف + # ومنها النصيحة لكل مسلم والجهد في إدخال السرور على قلبه قال صلى الله ~~عليه وسلم المؤمن يحب للمؤمن كما يحب لنفسه + حديث المؤمن يحب للمؤمن ما ~~يحب لنفسه تقدم بلفظ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ولم أره ~~بهذا اللفظ + # وقال صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وقال ~~صلى الله عليه وسلم إن أحدكم مرآة أخيه فإذا رأى فيه شيئا فليمطه عنه + ~~حديث إن أحدكم مرآة أخيه الحديث رواه أبو داود والترمذي وقد تقدم + # وقال صلى الله عليه وسلم من قضى حاجة لأخيه فكأنما خدم الله عمره + حديث ~~من قضى لأخيه حاجة فكأنما خدم الله عمره أخرجه البخاري في التاريخ ~~والطبراني والخرائطي كلاهما في مكارم الأخلاق من حديث أنس بسند ضعيف مرسلا ~~+ # وقال صلى الله عليه وسلم من أقر عين مؤمن أقر الله عينه يوم القيامة وقال ~~صلى الله عليه وسلم من مشى في حاجة أخيه ساعة من ليل أو نهار قضاها أو لم ~~يقضها كان خيرا له من اعتكاف شهرين + حديث من مشى في حاجة أخيه ساعة من ليل ~~أو نهار قضاها أو لم يقضها كان خيرا له من اعتكاف شهرين أخرجه الحاكم وصححه ~~من حديث ابن عباس لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته وأشار بأصبعه أفضل ~~من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين وللطبراني في الأوسط من مشى في حاجة أخيه ~~كان خيرا له من اعتكافه عشر سنين وكلاهما ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم من فرج عن مؤمن مغموم أو أعان مظلوما غفر الله ~~له ثلاثا وسبعين مغفرة + حديث من فرج عن مغموم أو أعان مظلوما غفر الله له ~~ثلاثا وسبعين مغفرة أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق وابن حبان في الضعفاء ~~وابن عدي من حديث أنس بلفظ من أغاث ملهوفا + # وقال صلى الله عليه وسلم انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقيل كيف ينصره ظالما ~~قال يمنعه من الظلم + حديث انصر أخاك ظالما أو مظلوما الحديث متفق عليه من ~~حديث أنس وقد تقدم + # وقال صلى الله عليه وسلم إن من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على ~~قلب المؤمن أو أن يفرج عنه غما أو يقضي عنه دينا أو يطعمه من جوع + حديث إن ~~من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على المؤمن الحديث أخرجه الطبراني في ~~الصغير والأوسط من حديث ابن عمر بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم من حمى مؤمنا من منافق يعنته بعث الله إليه ملكا ~~يوم القيامة يحمي لحمه من نار جهنم وقال صلى الله عليه وسلم خصلتان ليس ~~فوقهما شيء من الشر الشرك بالله والضر لعباد الله وخصلتان ليس فوقهما شيء ~~من البر الإيمان بالله والنفع لعباد الله + حديث خصلتان ليس فوقهما شيء من ~~الشر الشرك بالله والضر بعباد الله الحديث ذكره صاحب الفردوس من حديث علي ~~ولم يسنده ولده في مسنده + # وقال صلى الله عليه وسلم من لم يهتم للمسلمين فليس منهم + حديث من لم ~~يهتم للمسلمين فليس منهم أخرجه الحاكم من حديث حذيفة والطبراني في الأوسط ~~من حديث أبي ذر وكلاهما ضعيف + # وقال معروف الكرخي من قال كل يوم اللهم أرحم أمة محمد كتبه الله من ~~الأبدال وفي رواية PageV02P208 أخرى اللهم أصلح أمة محمد اللهم فرج عن أمة ~~محمد كل يوم ثلاث مرات كتبه الله من الأبدال وبكى علي بن الفضيل يوما فقيل ~~له ما يبكيك قال أبكي على من ظلمني إذا وقف غدا بين يدي الله تعالى وسئل عن ~~ظلمه ولم تكن له حجة # ومنها أن يعود مرضاهم فالمعرفة والإسلام كافيان في إثبات هذا الحق ونيل ~~فضله وأدب العائد خفة الجلسة وقلة السؤال وإظهار الرقة والدعاء بالعافية ~~وغض البصر عن عورات الموضع # وعند الاستئذان لا يقابل الباب ويدق برفق ولا يقول أنا إذا قيل له من ولا ~~يقول يا غلام ولكن يحمد ويسبح وقال صلى الله عليه وسلم تمام عيادة المريض ~~أن يضع أحدكم يده على جبهته أو على يده ويسأله كيف هو وتمام تحياتكم ~~المصافحة وقال صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا قعد في مخارف الجنة حتى إذا ~~قام وكل به سبعون ألف ملك يصلون عليه حتى الليل + حديث من عاد مريضا قعد في ~~مخارف الجنة الحديث أخرجه أصحاب السنن والحاكم من حديث علي من أتى أخاه ~~المسلم عائدا مشى في خرافة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة فإن كان ~~غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان مساء الحديث لفظ ابن ماجه ~~وصححه الحاكم وحسنه الترمذي ولمسلم من حديث ثوبان من عاد مريضا لم يزل في ~~خرفة الجنة + # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد الرجل المريض خاض في الرحمة ~~فإذا قعد عنده قرت فيه + حديث إذا عاد الرجل المريض خاض في الرحمة فإذا قعد ~~عنده قرت فيه أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث جابر وقال انغمس فيها قال ~~الحاكم صحيح على شرط مسلم وكذا صححه ابن عبد البر وذكره مالك في الموطأ ~~بلاغا بلفظ قرت فيه ورواه الواقدي بلفظ استقر فيها وللطبراني في الصغير من ~~حديث أنس فإذا قعد عنده غمرته الرحمة وله في الأوسط من حديث كعب بن مالك ~~وعمرو بن حزم استنقع فيها + # وقال صلى الله عليه وسلم إذا عاد المسلم أخاه أوزاره قال الله تعالى طبت ~~وطاب ممشاك وتبوأت منزلا في الجنة + حديث إذا عاد المسلم أخاه أو زاره قال ~~الله تعالى طبت وطاب ممشاك وتبوأت منزلا في الجنة أخرجه الترمذي و ابن ماجه ~~من حديث أبي هريرة إلا أنه قال ناداه مناد قال الترمذي غريب قلت فيه عيسى ~~بن سنان القسملي ضعفه الجمهور + # وقال صلى الله عليه وسلم إذا مرض العبد بعث الله تبارك وتعالى إليه ملكين ~~فقال انظرا ماذا يقول لعواده فإن هو إذا جاءوه حمد الله وأثنى عليه رفعا ~~ذلك إلى الله وهو أعلم فيقول لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة وإن أنا ~~شفيته أن أبدل له لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه وأن أكفر عنه سيئاته ~~+ حديث إذا مر ض العبد بعث الله تعالى ملكين فقال انظرا ما يقوله لعواده ~~الحديث أخرجه مالك في الموطأ مرسلا من حديث عطاء بن يسار ووصله ابن عبد ~~البر في التمهيد من روايته عن أبي سعيد الخدري وفيه عباد بن كثير الثقفي ~~ضعيف الحديث وللبيهقي من حديث أبي هريرة قال الله تعالى إذا ابتليت عبدي ~~المؤمن فلم يشكني إلى عواده أطلقته من أساري ثم أبدله لحما خيرا من لحمه ~~ودما خيرا من دمه ثم يستأنف العمل وإسناده جيد + # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يصب منه + حديث ~~من يرد الله به خيرا يصب منه أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة + # وقال عثمان رضي الله عنه مرضت فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ~~بسم الله الرحمن الرحيم أعيذك بالله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم ~~يكن له كفوا أحد من شر ما تجد قالها مرارا + حديث عثمان مرضت فعادني رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فقال بسم الله الرحمن الرحيم أعيذك بالله الأحد ~~الصمد الحديث أخرجه ابن السني في اليوم والليلة والطبراني والبيهقي في ~~الأدعية من حديث عثمان بن عفان بإسناد حسن + # ودخل صلى الله عليه وسلم على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو مريض فقال ~~له قل اللهم إني أسألك تعجيل عافيتك أو صبرا على بليتك أو خروجا من الدنيا ~~إلى رحمتك فإنك ستعطى إحداهن + حديث دخل على علي وهو مريض فقال قل اللهم ~~إني أسألك تعجيل عافيتك الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض من حديث ~~أنس بسند ضعيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل وهو يشتكي ولم ~~يسم عليا وروى البيهقي في الدعوات من حديث عائشة أن جبريل علمها للنبي صلى ~~الله عليه وسلم وقال إن الله يأمرك أن تدعو بهؤلاء الكلمات + # ويستحب للعليل أيضا أن يقول أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر # وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا شكا أحدكم بطنه فليسأل امرأته ~~شيئا من صداقها ويشتري به عسلا ويشربه بماء السماء فيجتمع له الهنىء ~~والمرىء والشفاء PageV02P209 والمبارك # وقال صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة ألا أخبرك بأمر هو حق من تكلم به ~~في أول مضجعه من مرضه نجاه الله من النار قلت بلى يا رسول الله قال يقول لا ~~إله إلا الله يحيى ويميت وهو حي لا يموت سبحان الله رب العباد والبلاد ~~والحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه على كل حال # الله أكبر كبيرا إن كبرياء ربنا وجلاله وقدرته بكل مكان # اللهم إن أنت أمرضتني لتقبض روحي في مرضي هذا فاجعل روحي في أرواح من ~~سبقت لهم منك الحسنى وباعدني من النار كما باعدت أولياءك الذين سبقت لهم ~~منك الحسنى + حديث أبي هريرة ألا أخبرك بأمر هو حق من تكلم به في أول مضجعه ~~من مرضه نجاه الله من النار أخرجه ابن أبي الدنيا في الدعاء وفي المرض ~~والكفارات + # وروي أنه قال صلى الله عليه وسلم عيادة المريض بعد ثلاث فواق ناقة + حديث ~~عيادة المريض فواق ناقة أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض من حديث أنس ~~بإسناد فيه جهالة + # وقال طاوس أفضل العيادة أخفها # وقال ابن عباس رضي الله عنهما عيادة المريض مرة سنة فما ازدادت فنافلة ~~وقال بعضهم عيادة المريض بعد ثلاث # وقال صلى الله عليه وسلم أغبوا في العيادة وأربعوا فيها + حديث أغبوا في ~~العيادة وأربعوا رواه ابن أبي الدنيا وفيه أبو يعلى من حديث جابر وزاد إلا ~~أن يكون مغلوبا وإسناده ضعيف + # وجملة أدب المريض حسن الصبر وقلة الشكوى والضجر والفزع إلى الدعاء ~~والتوكل بعد الدواء على خالق الدواء # ومنها أن يشيع جنائزهم قال صلى الله عليه وسلم من شيع جنازة فله قيراط من ~~الأجر فإن وقف حتى تدفن فله قيراطان + حديث من تبع جنازة فله قيراط من ~~الأجر فإن وقف حتى تدفن فله قيراطان أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة + # وفي الخبر القيراط مثل أحد + حديث القيراط مثل جبل أحد أخرجه مسلم من ~~حديث ثوبان وأبي هريرة وأصله متفق عليه + # ولما روى أبو هريرة هذا الحديث وسمعه ابن عمر قال لقد فرطنا إلى الآن في ~~قراريط كثيرة # والقصد من التشييع قضاء حق المسلمين والاعتبار # وكان مكحول الدمشقي إذا رأى جنازة قال اغدوا فإنا رائحون # موعظة بليغة وغفلة سريعة يذهب الأول والآخر لا عقل له # وخرج مالك بن دينار خلف جنازة أخيه وهو يبكي ويقول والله لا تقر عيني حتى ~~أعلم إلى ما صرت ولا والله لا أعلم ما دمت حيا # وقال الأعمش كنا نشهد الجنائز فلا ندري لمن نعزي لحزن القوم كلهم ونظر ~~إبراهيم الزيات إلى قوم يترحمون على ميت فقال لو ترحمون أنفسكم لكان أولى ~~إنه نجا من أهوال ثلاث وجه ملك الموت قد رأى ومرارة الموت قد ذاق وخوف ~~الخاتمة قد أمن # وقال صلى الله عليه وسلم يتبع الميت ثلاث فيرجع اثنان ويبقى واحد يتبعه ~~أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله + حديث يتبع الميت ثلاثة ~~فيرجع اثنان ويبقى واحد أخرجه مسلم من حديث أنس + # ومنها أن يزور قبورهم والمقصود من ذلك الدعاء والاعتبار وترقيق القلب قال ~~صلى الله عليه وسلم ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه + حديث ما أريت ~~منظرا إلا والقبر أفظع منه أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث عثمان ~~وقال صحيح الإسناد وقال الترمذي حسن غريب + # وقال عمر رضي الله عنه خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى ~~المقابر فجلس إلى قبر وكنت أدنى القوم منه # فبكى وبكينا فقال ما يبكيكم قلنا بكينا لبكائك # قال هذا قبر آمنة بنت وهب استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي واستأذنته في ~~أن أستغفر لها فأبى علي فأدركني ما يدرك الولد من الرقة + حديث عمر خرجنا ~~مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى المقابر فجلس إلى قبر الحديث في ~~زيارته قبر أمه أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة مختصرا وأحمد من حديث بريدة ~~وفيه فقام إليه عمر ففداه بالأب والأم يقول يا رسول الله مالك الحديث + # وكان عمر رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى تبتل لحيته ويقول سمعت ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه ~~صاحبه فما بعده أيسر وإن لم ينج منه فما بعده أشد + حديث عثمان بن عفان إن ~~القبر أول منازل الآخرة الحديث أخرجه الترمذي وحسنه وابن ماجه والحاكم وصحح ~~إسناده + # وقال مجاهد # أول PageV02P210 ما يكلم ابن آدم حفرته فتقول أنا بيت الدود وبيت الوحدة ~~وبيت الغربة وبيت الظلمة # فهذا ما أعددت لك فما أعددت لي وقال أبو ذر ألا أخبركم بيوم فقري يوم ~~أوضع في قبري # كان أبو الدرداء يقعد إلى القبور فقيل له في ذلك فقال أجلس إلى قوم ~~يذكرونني معادي وإن قمت عنهم لم يغتابوني # وقال حاتم الأصم من مر بالمقابر فلم يتفكر لنفسه ولم يدع لهم فقد خان ~~نفسه وخانهم # وقال صلى الله عليه وسلم ما من ليلة إلا وينادي مناد يا أهل القبور من ~~تغبطون قالوا نغبط أهل المساجد لأنهم يصومون ولا نصوم ويصلون ولا نصلي ~~ويذكرون الله ولا نذكره + حديث ما من ليلة إلا ينادي مناد يا أهل القبور من ~~تغبطون فيقولون نغبط أهل المساجد الحديث لم أجد له أصلا + # وقال سفيان من أكثر ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة ومن غفل عن ذكره ~~وجده حفرة من حفر النار # وكان الربيع بين خيثم قد حفر في داره قبرا فكان إذا وجد في قلبه قساوة ~~دخل فيه فاضطجع فيه ومكث ساعة ثم قال @QB@ رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما ~~تركت @QE@ ثم يقول يا ربيع قد أرجعت فاعمل الآن قبل أن لا ترجع # وقال ميمون بن مهران خرجت مع عمر بن عبد العزيز إلى المقبرة فلما نظر إلى ~~القبور بكى وقال يا ميمون هذه قبور آبائي بني أمية كأنهم لم يشاركوا أهل ~~الدنيا في لذاتهم أما تراهم صرعى قد خلت بهم المثلات وأصاب الهوام من ~~أبدانهم ثم بكى وقال والله ما أعلم أحدا أنعم ممن صار إلى هذه القبور وقد ~~أمن من عذاب الله # وآداب المعزي خفض الجناح وإظهار الحزن وقلة الحديث وترك التبسم # وآداب تشييع الجنازة لزوم الخشوع وترك الحديث وملاحظة الميت والتفكر في ~~الموت والاستعداد له وأن يمشي أمام الجنازة بقربها والإسراع بالجنازة سنة + ~~حديث الإسراع بالجنازة متفق عليه من حديث أبي هريرة أسرعوا بالجنازة الحديث ~~+ # فهذه جمل آداب تنبه على آداب المعاشرة مع عموم الخلق # والجملة الجامعة فيه أن لا تستصغر منهم أحدا حيا كان أو ميتا فتهلك لأنك ~~لا تدري لعله خير منك فإنه وإن كان فاسقا فلعله يختم لك بمثل حاله ويختم له ~~بالصلاح ولا تنظر إليهم بعين التعظيم لهم في حال دنياهم فإن الدنيا صغيرة ~~عند الله صغير ما فيها # ومهما عظم أهل الدنيا في نفسك فقد عظمت الدنيا فتسقط من عين الله # ولا تبذل لهم دينك لتنال من دنياهم فتصغر في أعينهم ثم تحرم دنياهم فإن ~~لم تحرم كنت قد استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير # ولا تعادهم بحيث تظهر العداوة فيطول الأمر عليك في المعاداة ويذهب دينك ~~ودنياك فيهم ويذهب دينهم فيك إلا إذا رأيت منكرا في الدين فتعادي أفعالهم ~~القبيحة وتنظر إليهم بعين الرحمة لهم لتعرضهم لمقت الله وعقوبته بعصيانهم ~~فحسبهم جهنم يصلونها فمالك تحقد عليهم ولا تسكن إليهم في مودتهم لك وثنائهم ~~عليك في وجهك وحسن بشرهم لك فإنك إن طلبت حقيقة ذلك لم تجد في المائة إلا ~~واحدا وربما لا تجده # ولا تشك إليهم أحوالك فيكلك الله إليهم ولا تطمع أن يكونوا لك في الغيب ~~والسر كما في العلانية فذلك طمع كاذب وأنى تظفر به ولا تطمع فيما في أيديهم ~~فتستعجل الذل ولا تنال الغرض # ولا تعل عليهم تكبرا لاستغنائك عنهم فإن الله يلجئك إليهم عقوبة على ~~التكبر بإظهار الاستغناء # وإذا سألت أخا منهم حاجة فقضاها فهو أخ مستفاد وإن لم يقض فلا تعاتبه ~~فيصير عدوا تطول عليك مقاساته # ولا تشتغل بوعظ من لا ترى فيه مخايل القبول فلا يسمع منك ويعاديك وليكن ~~وعظك عرضا واسترسالا من غير تنصيص على الشخص # ومهما رأيت منهم كرامة وخيرا فاشكر الله الذي سخرهم لك واستعذ بالله أن ~~يكلك إليهم # وإذا بلغك عنهم غيبة أو رأيت منهم شرا أو أصابك منهم ما يسوءك فكل أمرهم ~~إلى الله واستعذ بالله من شرهم # ولا تشغل نفسك بالمكافأة فيزيد الضرر ويضيع العمر بشغله # ولا تقل لهم لم تعرفوا موضعي PageV02P211 # واعتقد أنك لو استحقيت ذلك لجعل الله لك موضعا في قلوبهم فالله المحبب ~~والمبغض إلى القلوب وكن فيهم سميعا لحقهم أصم عن باطلهم نطوقا بحقهم صموتا ~~عن باطلهم # واحذر صحبة أكثر الناس فإنهم لا يقيلون عثرة ولا يغفرون زلة و لا يسترون ~~عورة ويحاسبون على النقير والقطمير ويحسدون على القليل والكثير ينتصفون ولا ~~ينصفون ويؤاخذون على الخطأ والنسيان ولا يعفون يغرون الإخوان على الإخوان ~~بالنميمة والبهتان فصحبة أكثرهم خسران وقطيعتهم رجحان إن رضوا فظاهرهم ~~الملق وإن سخطوا فباطنهم الحنق لا يؤمنون في حنقهم ولا يرجون في ملقهم ~~ظاهرهم ثياب وباطنهم ذئاب يقطعون بالظنون ويتغامزون وراءك بالعيون ويتربصون ~~بصديقهم من الحسد ريب المنون يحصون عليك العثرات في صحبتهم ليواجهوك بها في ~~غضبهم ووحشتهم ولا تعول على مودة من لم تخبره حق الخبرة بأن تصحبه مدة في ~~دار أو موضع واحد فتجربه في عزله وولايته وغناه وفقره أو تسافر معه أو ~~تعامله في الدينار والدرهم أو تقع في شدة فتحتاج إليه فإن رضيته في الأحوال ~~فاتخذه أبا لك إن كان كبيرا أو ابنا لك إن كان صغيرا أو أخاك إن كان مثلك # فهذه جملة آداب المعاشرة مع أصناف الخلق حقوق الجوار # اعلم أن الجوار يقضي حقا وراء ما تقتضيه أخوة الإسلام # فيستحق الجار المسلم ما يستحقه كل مسلم وزيادة إذ قال النبي صلى الله ~~عليه وسلم الجيران ثلاثة جار له حق واحد وجار له حقان وجار له ثلاثة حقوق ~~فالجار الذي له ثلاثة حقوق الجار المسلم ذو الرحم فله حق الجوار وحق ~~الإسلام وحق الرحم وأما الذي له حقان فالجار المسلم له حق الجوار وحق ~~الإسلام وأما الذي له حق واحد فالجار المشرك + حديث الجيران ثلاثة جار له ~~حق وجار له حقان وجار له ثلاثة حقوق الحديث أخرجه الحسن بن سفيان والبزار ~~في مسنديهما وأبو الشيخ في كتاب الثواب وأبو نعيم في الحلية من حديث جابر و ~~ابن عدي من حديث عبد الله بن عمر وكلاهما ضعيف + # فانظر كيف أثبت للمشرك حقا بمجرد الجوار وقد قال صلى الله عليه وسلم أحسن ~~مجاورة من جاورك تكن مسلما + حديث أحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما تقدم + # وقال النبي صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه ~~سيورثه + حديث مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه متفق عليه من ~~حديث عائشة وابن عمر + # وقال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره + ~~حديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره متفق عليه من حديث أبي ~~شريح + # وقال صلى الله عليه وسلم لا يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه + حديث لا ~~يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه أخرجه البخاري من حديث أبي شريح أيضا + # وقال صلى الله عليه وسلم أول خصمين يوم القيامة جاران + حديث أول خصمين ~~يوم القيامة جاران أخرجه أحمد والطبراني من حديث عقبة بن عامر بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم إذا أنت رميت كلب جارك فقد آذيته + حديث إذا أنت ~~رميت كلب جارك فقد آذيته لم أجد له أصلا + # ويروى أن رجلا جاء إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال له إن لي جارا يؤذيني ~~ويشتمني ويضيق علي فقال اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه # وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل ~~وتؤذي جيرانها فقال صلى الله عليه وسلم هي في النار + حديث إن فلانة تصوم ~~النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها فقال هي في النار أخرجه أحمد والحاكم من ~~حديث أبي هريرة وقال صحيح الإسناد + # وجاء رجل إليه صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال له النبي صلى الله عليه ~~وسلم @QB@ اصبر @QE@ ثم قال له في الثالثة أو الرابعة اطرح متاعك في الطريق ~~قال فجعل الناس يمرون به ويقولون مالك فيقال آذاه جاره قال فجعلوا يقولون ~~لعنه الله فجاءه جاره فقال له رد متاعك فوالله لا أعود + حديث جاء رجل إلى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال @QB@ اصبر @QE@ ثم قال له في ~~الثالثة أو الرابعة اطرح متاعك على الطريق الحديث أخرجه أبو داود وابن حبان ~~والحاكم من حديث أبي هريرة وقال صحيح على شرط مسلم + PageV02P212 # وروى الزهري أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يشكو جاره فأمره ~~النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي على باب المسجد ألا إن أربعين دارا جار ~~+ حديث الزهري ألا إن أربعين دارا جار أخرجه أبو داود في المراسيل ووصله ~~الطبراني من رواية الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه ورواه أبو يعلى من ~~حديث أبي هريرة وقال أربعون ذراعا وكلاهما ضعيف + # قال الزهري أربعون هكذا وأربعون هكذا وأربعون هكذا وأربعون هكذا وأومأ ~~إلى أربع جهات # وقال صلى الله عليه وسلم اليمن والشؤم في المرأة والمسكن والفرس فيمن ~~المرأة خفة مهرها ويسر نكاحها وحسن خلقها وشؤمها غلاء مهرها وعسر نكاحها ~~وسوء خلقها # ويمن المسكن سعته وحسن جوار أهله # وشؤمه ضيقه وسوء جوار أهله # ويمن الفرس ذله وحسن خلقه وشؤمه صعوبته وسوء خلقه + حديث اليمن والشؤم في ~~المرأة والمسكن والفرس فيمن المرأة خفة مهرها الحديث أخرجه مسلم من حديث ~~ابن عمر الشؤم في الدار والمرأة والفرس وفي رواية له إن يك من الشؤم شيء ~~حقا وله من حديث سهل بن سعد إن كان ففي الفرس والمرأة والمسكن وللترمذي من ~~حديث حكيم بن معاوية لا شؤم وقد يكون اليمن في الدار والمرأة والفرس ورواه ~~ابن ماجه فسماه محمد بن معاوية وللطبراني من حديث أسماء بنت عميس قالت يا ~~رسول الله ما سوء الدار قال ضيق ساحتها وخبث جيرانها قيل فما سوء الدابة ~~قال منعها ظهرها وسوء خلقها قيل فما سوء المرأة قال عقم رحمها وسوء خلقها ~~وكلاهما ضعيف ورويناه في كتاب الخيل للدمياطي من رواية سالم بن عبد الله مر ~~سلا إذا كان الفرس ضروبا فهو مشئوم وإذا كانت المرأة قد عرفت زوجا قبل ~~زوجها فحنت إلى الزوج الأول فهي مشئومة وإذا كانت الدار بعيدة من المسجد لا ~~يسمع فيها الأذان والإقامة فهي مشئومة وإسناده ضعيف ووصله صاحبمسند الفردوس ~~بذكر ابن عمر فيه + # واعلم أنه ليس حق الجوار كف الأذى فقط بل احتمال الأذى فإن الجار أيضا قد ~~كف أذاه فليس في ذلك قضاء حق ولا يكفي احتمال الأذى بل لابد من الرفق ~~وإسداء الخير والمعروف إذ يقال إن الجار الفقير يتعلق بجاره الغني يوم ~~القيامة فيقول يارب سل هذا لم منعني معروفه وسد بابه دوني # وبلغ ابن المقفع أن جارا له يبيع داره في دين ركبه وكان يجلس في ظل داره ~~فقال ما قمت إذا بحرمة ظل داره إن باعها معدما فدفع إليه ثمن الدار وقال لا ~~تبعها # وشكا بعضهم كثرة الفأر في داره فقيل له لو اقتنيت هرا فقال أخشى أن يسمع ~~الفأر صوت الهر فيهرب إلى دور الجيران فأكون قد أحببت لهم ما لا أحب لنفسي # وجملة حق الجار أن يبدأه بالسلام ولا يطيل معه الكلام ولا يكثر عن حاله ~~السؤال ويعوده في المرض ويعزيه في المصيبة ويقوم معه في العزاء ويهنئه في ~~الفرح ويظهر الشركة في السرور معه ويصفح عن زلاته ولا يتطلع من السطح إلى ~~عوراته ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره ولا في مصب الماء في ميزابه ولا ~~في مطرح التراب في فنائه ولا يضيق طرقه إلى الدار ولا يتبعه النظر فيما ~~يحمله إلى داره ويستر ما ينكشف له من عوراته وينعشه من صرعته إذا نابته ~~نائبة ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته ولا يسمع عليه كلاما ويغض بصره عن ~~حرمته ولا يديم النظر إلى خادمته ويتلطف بولده في كلمته ويرشده إلى ما ~~يجهله من أمر دينه ودنياه # هذا إلى جملة الحقوق التي ذكرناها لعامة المسلمين وقد قال صلى الله عليه ~~وسلم أتدرون ما حق الجار إن استعان بك أعنته وإن استنصرك نصرته وإن استقرضك ~~أقرضته وإن افتقر عدت عليه وإن مرض عدته وإن مات تبعت جنازته وإن أصابه خير ~~هنأته وإن أصابته مصيبة عزيته ولا تستعل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا ~~بإذنه وإذا اشتريت فاكهة فأهد له فإن لم تفعل فأدخلها سرا ولا يخرج بها ~~ولدك ليغيظ بها ولده ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها ثم قال ~~أتدرون ما حق الجار والذي نفسي بيده لا يبلغ حق الجار إلا من PageV02P213 ~~رحمه الله + حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أتدرون ما حق الجار إن ~~استعان بك أعنته وإن استقرضك أقرضته الحديث أخرجه الخرائطي في مكارم ~~الأخلاق وابن عدي في الكامل وهو ضعيف + # هكذا رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ~~مجاهد كنت عند عبد الله بن عمر وغلام له يسلخ شاة فقال يا غلام إذا سلخت ~~فابدأ بجارنا اليهودي حتى قال ذلك مرارا فقال له كم تقول هذا فقال إن رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يوصينا بالجار حتى خشينا أنه سيورثه + حديث ~~مجاهد كنت عند عبد الله ابن عمر وغلام له يسلخ شاة فقال يا غلام إذا سلخت ~~فابدأ بجارنا اليهودي الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وقال حسن غريب + # وقال هشام كان الحسن لا يرى بأسا أن تطعم الجار اليهودي والنصراني من ~~أضحيتك وقال أبو ذر رضي الله عنه # أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم وقال إذا طبخت قدرا فأكثر ماءها ثم انظر ~~بعض أهل بيت في جيرانك فاغرف لهم منها + حديث أبي ذر أوصاني خليلي صلى الله ~~عليه وسلم إذا طبخت فأكثر المرق ثم انظر بعض أهل بيت من جيرانك فاغرف لهم ~~منها رواه مسلم + # وقالت عائشة رضي الله عنها قلت يا رسول الله إن لي جارين أحدهما مقبل على ~~بابه والآخر ناء ببابه عني وربما كان الذي عندي لا يسعهما فأيهما أعظم حقا ~~فقال المقبل عليك ببابه + حديث عائشة قلت يا رسول الله إن لي جارين الحديث ~~رواه البخاري + # ورأى الصديق ولده عبد الرحمن وهو يناصي جارا له فقال لا تناص جارك فإن ~~هذا يبقى والناس يذهبون # وقال الحسن بن عيسى النيسابوري سألت عبد الله بن المبارك فقلت الرجل ~~المجاور يأتيني فيشكو غلامي أنه أتى إليه أمرا والغلام ينكره فأكره أن ~~أضربه ولعله برىء وأكره أن أدعه فيجد على جاري فكيف أصنع قال إن غلامك لعله ~~أن يحدث حدثا يستوجب فيه الأدب فاحفظه عليه فإذا شكاه جارك فأدبه على ذلك ~~الحدث فتكون قد أرضيت جارك وأدبته على ذلك الحدث وهذا تلطف في الجمع بين ~~الحقين # وقالت عائشة رضي الله عنها خلال المكارم عشر تكون في الرجل ولا تكون في ~~أبيه وتكون في العبد ولا تكون في سيده يقسمها الله تعالى لمن أحب صدق ~~الحديث وصدق الناس وإعطاء السائل والمكافأة بالصنائع وصلة الرحم وحفظ ~~الأمانة والتذمم للجار والتذمم للصاحب وقرى الضيف ورأسهن الحياء # وقال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر ~~المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة + حديث أبي هريرة يا نساء ~~المسلمين لا تحقرن جارة لجرتها ولو فرسن شاة رواه البخاري + # قال صلى الله عليه وسلم إن من سعادة المرء المسلم المسكن الواسع والجار ~~الصالح والمركب الهني + حديث إن من سعادة المرء المسلم المسكن الواسع ~~والجار الصالح والمركب الهنيء رواه أحمد من حديث نافع بن عبد الحارث وسعد ~~بن أبي وقاص وحديث نافع أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد + # وقال عبد الله قال رجل يا رسول الله كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أو أسأت ~~قال إذا سمعت جيرانك يقولون قد أحسنت فقد أحسنت وإذا سمعتهم يقولون قد أسأت ~~فقد أسأت + حديث عبد الله قال رجل يا رسول الله كيف لي أن أعلم إذا أحسنت ~~أو أسأت قال إذا سمعت جيرانك يقولون قد أحسنت فقد أحسنت رواه أحمد ~~والطبراني وعبد الله هو ابن مسعود وإسناده جيد + # وقال جابر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان له جار في ~~حائط أو شريك فلا يبعه حتى يعرضه عليه + حديث جابر من كان له جار في حائط ~~أو شريك فلا يبعه حتى يعرضه عليه أخرجه ابن ماجه والحاكم دون ذكر الجار ~~وقال صحيح الإسناد وهو عند الخرائطي في مكارم الأخلاق بلفظ المصنف ولابن ~~ماجه من حديث ابن عباس من كانت له أرض فأراد أن يبيعها فليعرضها على جاره ~~ورجاله رجال الصحيح + # وقال أبو هريرة رضي الله عنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجار ~~يضع جذعه في حائط جاره شاء أم أبى + حديث أبي هريرة قضى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أن الجار يضع جذعه في حائط جاره شاء أم أبى رواه الخرائطي في ~~مكارم الأخلاق هكذا وهو متفق عليه بلفظ لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبة ~~في حائطه رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف واتفق عليه الشيخان من حديث أبي هريرة # وقال PageV02P214 ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره وكان أبو هريرة رضي الله ~~عنه يقول مالي أراكم عنها معرضين والله لأرمينها بين أكنافكم # وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب ذلك # وقال صلى الله عليه وسلم من أراد الله به خيرا عسله قيل وما عسله قال ~~يحببه إلى جيرانه + حديث من أراد الله به خيرا عسله رواه أحمد من حديث أبي ~~عتبة الخولاني ورواه الخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي في الزهد من حديث ~~عمرو بن الحمق زاد الخرائطي قيل وما عسله قال حببه إلى جيرانه وقال البيهقي ~~يفتح له عملا صالحا قبل موته حتى يرضى عنه من حوله وإسناده جيد + حقوق ~~الأقارب والرحم # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى أنا الرحمن وهذه الرحم ~~شققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته + حديث يقول الله ~~أنا الرحمن وهذه الرحم الحديث متفق عليه من حديث عائشة + # وقال صلى الله عليه وسلم من سره أن ينسأ له في أثره ويوسع عليه في رزقه ~~فليصل رحمه + حديث من سره أن ينسأ له في أثره ويوسع له في رزقه فليتق الله ~~وليصل رحمه متفق عليه من حديث أنس دون قوله فليتق الله وهو بهذه الزيادة ~~عند أحمد والحاكم من حديث علي بإسناد جيد + # وفي رواية أخرى من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه فليتق الله ~~وليصل رحمه وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل قال أتقاهم ~~لله وأوصلهم لرحمه وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر + حديث أي الناس أفضل ~~فقال أتقاهم لله وأوصلهم للرحم رواه أحمد والطبراني من حديث درة بنت أبي ~~لهب بإسناد حسن + # وقال أبو ذر رضي الله عنه أوصاني خليلي عليه السلام بصلة الرحم وإن أدبرت ~~وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرا + حديث أبي ذر أوصاني خليلي صلى الله عليه ~~وسلم بصلة الرحم وإن أدبرت وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرا رواه أحمد وابن ~~حبان وصححه + # وقال صلى الله عليه وسلم إن الرحم معلقة بالعرش وليس الواصل بالمكافئ ~~ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها + حديث إن الرحم معلقة بالعرش وليس ~~الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها أخرجه الطبراني ~~والبيهقي من حديث عبد الله بن عمرو وهو عند البخاري دون قوله الرحم معلقة ~~بالعرش فرواها مسلم من حديث عائشة + # وقال صلى الله عليه وسلم إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم حتى إن أهل ~~البيت ليكونون فجارا فتنموا أموالهم ويكثر عددهم إذا وصلوا أرحامهم + حديث ~~أعجل الطاعات ثوابا صلة الرحم الحديث أخرجه ابن حبان من حديث أبي بكرة ~~والخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي في الشعب من حديث عبد الرحمن بن عوف ~~بسند ضعيف + # وقال زيد بن أسلم لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة عرض له ~~رجل فقال إن كنت تريد النساء البيض والنوق الأدم فعليك ببني مدلج فقال صلى ~~الله عليه وسلم إن الله قد منعني من بني مدلج بصلتهم الرحم + حديث زيد بن ~~أسلم لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة عرض له رجل فقال إن كنت ~~تريد النساء البيض والنوق الأدم فعليك ببني مدلج فقال إن الله منعني من بني ~~مدلج بصلتهم الرحم رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق وزاد وطعنهم في لبات ~~الإبل وهو مرسل صحيح الإسناد + # وقالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قدمت علي أمي فقلت يا رسول الله ~~إن أمي قدمت علي وهي مشركة أفأصلها قال @QB@ نعم @QE@ + حديث أسماء بنت أبي ~~بكر قدمت علي أمي فقلت يا رسول الله قدمت علي أمي وهي مشركة أفأصلها قال ~~نعم صليها متفق عليه + # وفي رواية أفأعطيها قال نعم صليها # وقال صلى الله عليه وسلم الصدقة على المساكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان + ~~حديث الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصلة أخرجه الترمذي وحسنه ~~والنسائي وابن ماجه من حديث سلمان ابن عامر الضبي + # ولما أراد أبو طلحة أن يتصدق بحائط كان له يعجبه عملا بقوله تعالى @QB@ ~~لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون @QE@ + حديث لما أراد أبو طلحة أن ~~يتصدق بحائط له كان يعجبه عملا بقوله تعالى @QB@ لن تنالوا البر حتى تنفقوا ~~مما تحبون @QE@ الحديث أخرجه البخاري وقد تقدم + قال PageV02P215 يا رسول ~~الله هو في سبيل الله وللفقراء والمساكين فقال صلى الله عليه وسلم وجب أجرك ~~على الله قسمه في أقاربك وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة على ذي الرحم ~~الكاشح + حديث أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح أخرجه أحمد والطبراني من ~~حديث أبي أيوب وفيه الحجاج بن أرطأة ورواه البيهقي من حديث أم كثلوم بنت ~~عقبة + # وهو في معنى قوله أفضل الفضائل أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتصفح عمن ~~ظلمك + حديث أفضل الفضائل أن تصل من قطعك الحديث أخرجه أحمد من حديث معاذ ~~بن أنس بسند ضعيف وللطبراني نحوه من حديث أبي أمامة وقد تقدم + # وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عماله مروا الأقارب أن يتزاوروا ولا ~~يتجاوروا وإنما قال ذلك لأن التجاور يورث التزاحم على الحقوق وربما يورث ~~الوحشة وقطيعة الرحم حقوق الوالدين والولد # لا يخفى أنه إذا تأكد حق القرابة والرحم فأخص الأرحام وأمسها الولادة ~~فيتضاعف تأكد الحق فيها # وقد قال صلى الله عليه وسلم لن يجزى ولد والده حتى يجده مملوكا فيشتريه ~~فيعتقه + حديث لن يجزي ولد والده حتى يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه أخرجه ~~مسلم من حديث أبي هريرة + # وقد قال صلى الله عليه وسلم بر الوالدين أفضل من الصلاة والصدقة والصوم ~~والحج والعمرة والجهاد في سبيل الله + حديث بر الوالدين أفضل من الصلاة ~~والصوم والحج والعمرة والجهاد لم أجده هكذا وروى أبو يعلى والطبراني في ~~الصغير والأوسط من حديث أنس أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني ~~أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه قال هل بقي من والديك أحد قال أمي قال قابل ~~الله في برها فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد وإسناده حسن + # وقد قال صلى الله عليه وسلم من أصبح مرضيا لأبويه أصبح له بابان مفتوحان ~~إلى الجنة ومن أمسى فمثل ذلك وإن كان واحدا فواحدا وإن ظلما وإن ظلما وإن ~~ظلما # ومن أصبح مسخطا لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى النار ومن أمسى مثل ذلك ~~وإن كان واحدا فواحدا وإن ظلما وإن ظلما وإن ظلما + حديث من أصبح مرضيا ~~لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة الحديث أخرجه البيهقي في الشعب من ~~حديث ابن عباس ولا يصح + # وقال صلى الله عليه وسلم إن الجنة يوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام ولا ~~يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم + حديث إن الجنة يوجد ريحها من مسيرة خمسمائة ~~عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم أخرجه الطبراني في الصغير من حديث أبي ~~هريرة دون ذكر القاطع وهي في الأوسط من حديث جابر إلا أنه قال من مسيرة ألف ~~عام وإسنادهما ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم بر أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك فأدناك + ~~حديث بر أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك أخرجه النسائي من حديث طارق ~~المحاربي وأخرجه أحمد والحاكم من حديث أبي رمثة ولأبي داود نحوه من حديث ~~كليب بن منفعة عن جده وله وللترمذي والحاكم وصححه من حديث بهز بن حكيم عن ~~أبيه عن جده من أثر قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب وفي ~~الصحيحين من حديث أبي هريرة قال رجل من أحق الناس بحسن الصحبة قال أمك ثم ~~أمك ثم أمك ثم أبوك لفظ مسلم + # ويروى أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام يا موسى إنه من بر والديه ~~وعقني كتبته بارا ومن برني وعق والديه كتبته عاقا # وقيل لما دخل يعقوب على يوسف عليهما السلام لم يقم له فأوحى الله إليه ~~أتتعاظم أن تقوم لأبيك وعزتي وجلالي لا أخرجت من صلبك نبيا # وقال صلى الله عليه وسلم ما على أحد إذا أراد أن يتصدق بصدقة أن يجعلها ~~لوالديه إذا كانا مسلمين فيكون لوالديه أجرها ويكون له مثل أجورهما من غير ~~أن ينقص من أجورهما شيء + حديث ما على أحد إذا أراد أن يتصدق بصدقة أن ~~يجعلها لوالديه إذا كانا مسلمين الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ~~عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بسند ضعيف دون قوله إذا كانا مسلمين + # وقال مالك بن ربيعة بينما نحن PageV02P216 عند رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله هل بقي علي من بر أبوي شيء ~~أبرهما به بعد وفاتهما قال نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ ~~عهدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما + حديث مالك بن ~~ربيعة بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل من بني سلمة ~~فقال هل بقي علي من بر أبوي شيء الحديث أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم ~~وقال صحيح الإسناد + # وقال صلى الله عليه وسلم إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن ~~يولي الأب + حديث إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه أخرجه مسلم من ~~حديث ابن عمر + # وقال صلى الله عليه وسلم بر الوالدة على الولد ضعفان + حديث بر الوالدة ~~على الولد ضعفان غريب بهذا اللفظ وقد تقدم قبل هذا بثلاثة أحاديث من حديث ~~بهز بن حكيم وحديث أبي هريرة وهو معنى هذا الحديث + # وقال صلى الله عليه وسلم دعوة الوالدة أسرع إجابة # قيل يا رسول الله ولم ذاك قال هي أرحم من الأب ودعوة الرحم لا تسقط + ~~حديث دعوة الوالدة أسرع إجابة الحديث لم أقف له على أصل + # وسأله رجل فقال يا رسول الله من أبر فقال بر والديك فقال ليس لي والدان ~~فقال بر ولدك كما أن لوالديك عليك حقا كذلك لولدك عليك حق + حديث قال رجل ~~يا رسول الله من أبر قال بر والديك فقال ليس لي والدان فقال ولدك فكما أن ~~لوالديك عليك حقا كذلك لولدك عليك حق أخرجه أبو عمر النوقاتي في كتاب ~~معاشرة الأهلين من حديث عثمان بن عفان دون قوله فكما أن لوالديك إلخ وهذه ~~القطعة رواها الطبراني من حديث ابن عمر قال الدارقطني في العلل أن الأصح ~~وقفه على ابن عمر + # وقال صلى الله عليه وسلم رحم الله والدا أعان ولده على بره + حديث رحم ~~الله والدا أعان ولده على بره أخرجه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب من ~~حديث علي بن أبي طالب وابن عمر بسند ضعيف ورواه النوقاتي من رواية الشعبي ~~مرسلا + # أي لم يحمله على العقوق بسوء عمله # وقال صلى الله عليه وسلم ساووا بين أولادكم في العطية وقد قيل ولدك ~~ريحانتك تشمها سبعا وخادمك سبعا ثم هو عدوك أو شريكك وقال أنس رضي الله عنه ~~قال النبي صلى الله عليه وسلم الغلام يعق عنه يوم السابع ويسمى ويماط عنه ~~الأذى فإذا بلغ ست سنين أدب فإذا بلغ تسع سنين عزل فراشه فإذا بلغ ثلاث ~~عشرة سنة ضرب على الصلاة فإذا بلغ ست عشرة سنة زوجه أبوه ثم أخذ بيده وقال ~~قد أدبتك وعلمتك وأنكحتك أعوذ بالله من فتنتك في الدنيا وعذابك في الآخرة + ~~حديث أنس الغلام يعق عنه يوم السابع ويسمى ويماط عنه الأذى فإذا بلغ ست ~~سنين أدب فإذا بلغ سبع سنين عزل فراشه فإذا بلغ ثلاثة عشر ضرب على الصلاة ~~والصوم فإذا بلغ ستة عشر زوجه أبوه ثم أخذ بيده وقال قد أدبتك وعلمتك ~~وأنكحتك أعوذ بالله من فتنتك في الدنيا وعذابك في الآخرة أخرجه أبو الشيخ ~~ابن حبان في كتاب الضحايا والعقيقة إلا أنه قال وأدبوه لسبع وزوجوه لسبع ~~عشرة ولم يذكر الصوم وفي إسناده من لم يسم + # وقال صلى الله عليه وسلم من حق الوالد على الولد أن يحسن أدبه ويحسن اسمه ~~+ حديث من حق الولد على الوالد أن يحسن أدبه ويحسن اسمه أخرجه البيهقي في ~~الشعب من حديث ابن عباس وحديث عائشة وضعفهما + # وقال صلى الله عليه وسلم كل غلام رهين أو رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم ~~السابع ويحلق رأسه + حديث كل غلام رهين أو رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم ~~السابع ويحلق رأسه أخرجه أصحاب السنن من حديث سمرة قال الترمذي حسن صحيح + # وقال قتادة إذا ذبحت العقيقة أخذت صوفة منها فاستقبلت بها أوداجها ثم ~~توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل عنه مثل الخيط ثم يغسل رأسه ويحلق بعد # وجاء رجل إلى عبد الله بن المبارك فشكا إليه بعض ولده فقال هل دعوت عليه ~~قال نعم # قال أنت أفسدته # ويستحب الرفق بالولد رأى الأقرع بن حابس النبي صلى الله عليه وسلم وهو ~~يقبل ولده الحسن فقال إن لي PageV02P217 عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم ~~فقال صلى الله عليه وسلم إن من لا يرحم لا يرحم + حديث رأى الأقرع بن حابس ~~النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقبل ولده الحسن فقال إن لي عشرة من الولد ما ~~قبلت واحدا منهم فقال من لا يرحم لا يرحم أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة ~~+ # وقالت عائشة رضي الله عنها قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ~~اغسلي وجه أسامة فجعلت أغسله وأنا أنفة فضرب يدي ثم أخذه فغسل وجهه ثم قبله ~~ثم قال قد أحسن بنا إذ لم يكن جارية + حديث عائشة قال لي رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يوما اغسلي وجه أسامة فجعلت أغسله وأنا أنفة فضرب بيدي ثم ~~أخذه فغسل وجهه ثم قبله ثم قال قد أحسن بنا إذ لم يكن جارية لم أجده هكذا ~~ولأحمد من حديث عائشة أن أسامة عثر بعتبة الباب فدمى فجعل النبي صلى الله ~~عليه وسلم يمصه ويقول لو كان أسامة جارية لحليتها ولكسوتها حتى أنفقها ~~وإسناده صحيح + # وتعثر الحسن والنبي صلى الله عليه وسلم على منبره فنزل فحمله وقرأ قوله ~~@QB@ أنما أموالكم وأولادكم فتنة @QE@ + حديث عثر الحسن وهو على منبره صلى ~~الله عليه وسلم فنزل فحمله وقرأ قوله تعالى @QB@ أنما أموالكم وأولادكم ~~فتنة @QE@ أخرجه أصحاب السنن من حديث بريدة في الحسن والحسين معا يمشيان ~~ويعثران قال الترمذي حسن غريب + # وقال عبد الله بن شداد بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس ~~إذ جاءه الحسين فركب عنقه وهو ساجد فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه قد ~~حدث أمر فلما قضى صلاته قالوا قد أطلت السجود يا رسول الله حتى ظننا أنه قد ~~حدث أمر فقال إن ابني قد ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته + حديث عبد ~~الله بن شداد بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إذ جاء الحسن ~~فركب عنقه رواه النسائي من رواية عبد الله بن شداد عن أبيه وقال فيه الحسن ~~أو الحسين على الشك ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين + # وفي ذلك فوائد إحداها القرب من الله تعالى فإن العبد أقرب ما يكون من ~~الله تعالى إذا كان ساجدا وفيه الرفق بالولد والبر وتعليم لأمته وقال صلى ~~الله عليه وسلم ريح الولد من ريح الجنة + حديث ريح الولد من ريح الجنة ~~أخرجه الطبراني في الصغير والأوسط وابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عباس ~~وفيه مندل بن علي ضعيف + # وقال يزيد بن معاوية أرسل أبي إلى الأحنف بن قيس فلما وصل إليه قال له يا ~~أبا بحر ما تقول في الولد قال يا أمير المؤمنين ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ~~ونحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة وبهم نصول على كل جليلة فإن طلبوا فأعطهم ~~وإن غضبوا فارضهم يمنحوك ودهم ويحبوك جهدهم ولا تكن عليهم ثقلا ثقيلا ~~فيملوا حياتك ويودوا وفاتك ويكرهوا قربك فقال له معاوية لله أنت يا أحنف ~~لقد دخلت علي وأنا مملوء غضبا وغيظا على يزيد # فلما خرج الأحنف من عنده رضي عن يزيد وبعث إليه بمائتي ألف درهم ومائتي ~~ثوب فأرسل يزيد إلى الأحنف بمائة ألف درهم ومائة ثوب فقاسمه إياها على ~~الشطر # فهذه هي الأخبار الدالة على تأكد حق الوالدين وكيفية القيام بحقهما تعرف ~~مما ذكرناه في حق الأخوة فإن هذه الرابطة آكد من الأخوة بل يزيد ههنا أمران # أحدهما أن أكثر العلماء على أن طاعة الأبوين واجبة في الشبهات وإن لم تجب ~~في الحرام المحض حتى إذا كانا يتنغصان بأنفرادك عنهما بالطعام فعليك أن ~~تأكل معهما لأن ترك الشبهة ورع ورضا الوالدين حتم # وكذلك ليس لك أن تسافر في مباح أو نافلة إلا بإذنهما والمبادرة إلى الحج ~~الذي هو فرض الإسلام نفل لأنه على التأخير # والخروج لطلب العلم نفل إلا إذا كنت تطلب علم الفرض من الصلاة والصوم ولم ~~يكن في بلدك من يعلمك وذلك كمن يسلم ابتداء في بلد ليس فيها من يعلمه شرع ~~الإسلام فعليه الهجرة ولا يتقيد بحق الوالدين # قال أبو سعيد الخدري هاجر رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن ~~وأراد الجهاد فقال صلى الله عليه وسلم هل باليمن أبواك قال نعم قال هل أذنا ~~لك قال لا فقال صلى الله عليه وسلم فارجع إلى أبويك PageV02P218 فاستأذنهما ~~فإن فعلا فجاهد وإلا فبرهما ما استطعت فإن ذلك خير ما تلقى الله به بعد ~~التوحيد + حديث أبي سعيد الخدري هاجر رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~من اليمن وأراد الجهاد فقال صلى الله عليه وسلم باليمن أبواك قال نعم ~~الحديث أخرجه أحمد وابن حبان دون قوله @QB@ ما استطعت @QE@ إلخ + # وجاء آخر إليه صلى الله عليه وسلم ليستشيره في الغزو فقال ألك والدة قال ~~نعم # قال فالزمها فإن الجنة عند رجليها + حديث جاء آخر إلى النبي صلى الله ~~عليه وسلم يستشيره في الغزو فقال ألك والدة فقال نعم قال فالزمها فإن الجنة ~~تحت قدمها أخرجه النسائي وابن ماجه والحاكم من حديث معاوية بن جاهمة أن ~~جاهمة أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال الحاكم صحيح الإسناد + # وجاء آخر يطلب البيعة على الهجرة وقال ما جئتك حتى أبكيت والدي فقال ارجع ~~إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما + حديث جاء آخر فقال ما جئتك حتى أبكيت والدي ~~فقال ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه ~~والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو وقال صحيح الإسناد + # وقال صلى الله عليه وسلم حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد عن ولده + ~~حديث حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده أخرجه أبو الشيخ ابن ~~حبان في كتاب الثواب من حديث أبي هريرة ورواه أبو داود في المراسيل من ~~رواية سعيد بن عمرو ابن العاص مرسلا ووصله صاحب مسند الفردوس فقال عن سعيد ~~بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده سعيد بن العاص وإسناده ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم إذا استصعبت على أحدكم دابته أو ساء خلق زوجته ~~أو أحد من أهل بيته فليؤذن في أذنه + حديث إذا استصعب على أحدكم دابته أو ~~ساء خلق زوجته أو أحد من أهل بيته فليؤذن في أذنه أخرجه أبو منصور الديلمي ~~في مسند الفردوس من حديث الحسين بن علي بن أبي طالب بسند ضعيف نحوه + حقوق ~~المملوك # اعلم أن ملك النكاح قد سبقت حقوقه في آداب النكاح فأما ملك اليمين فهو ~~أيضا يقتضي حقوقا في المعاشرة لا بد من مراعاتها فقد كان من آخر ما أوصى به ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم أطعموهم ~~مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون فما ~~أحببتم فأمسكوا وما كرهتم فبيعوا ولا تعذبوا خلق الله فإن الله ملككم إياهم ~~ولو شاء لملكهم إياكم + حديث كان من آخر ما أوصى به رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أن قال اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم أطعموهم مما تأكلون الحديث ~~إلخ وهو مفرق في عدة أحاديث فروى أبو داود من حديث علي كان آخر كلام رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم الصلاة الصلاة اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم وفي ~~الصحيحين من حديث أنس كان آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره ~~الموت الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم ولهما من حديث أبي ذر أطعموهم مما ~~تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتوهم فأعينوهم ~~لفظ رواية مسلم وفي رواية لأبي داود من يلايمكم من مملوكيكم فأطعموهم مما ~~تأكلون واكسوهم مما تلبسون ومن لا يلايمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله ~~تعالى وإسناده صحيح + # وقال صلى الله عليه وسلم للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من ~~العمل ما لا يطيق + حديث للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ~~ما لا يطيق أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + # وقال صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة خب ولا متكبر ولا خائن ولا سيئ ~~الملكة + حديث لا يدخل الجنة خب ولا متكبر ولا خائن ولا سيئ الملكة أخرجه ~~أحمد مجموعا والترمذي مفرقا وابن ماجه مقتصرا على سيئ الملكة من حديث أبي ~~بكر وليس عند أحد منهم متكبر وزاد أحمد والترمذي البخيل والمنان وهو ضعيف ~~وحسن الترمذي أحد طريقيه + # وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جاء رجل إلى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فقال يا رسول الله كم نعفو عن الخادم فصمت عنه رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم PageV02P219 @QB@ ثم قال @QE@ اعف عنه في كل يوم سبعين مرة ~~+ حديث ابن عمر جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول ~~الله كم نعفو عن الخادم فصمت ثم قال اعف عنه كل يوم سبعين مرة أخرجه أبو ~~داود والترمذي وقال حسن صحيح غريب + # وكان عمر رضي الله عنه يذهب إلى العوالي في كل يوم سبت فإذا وجد عبدا في ~~عمل لا يطيقه وضع عنه منه # ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه رأى رجلا على دابته وغلامه يسعى ~~خلفه فقال له يا عبد الله احمله خلفك فإنما هو أخوك روحه مثل روحك فحمله ثم ~~قال لا يزال العبد يزداد من الله بعدا ما مشى خلفه # وقالت جارية لأبي الدرداء إني سممتك منذ سنة فما عمل فيك شيئا فقال لم ~~فعلت ذلك فقالت أردت الراحة منك فقال اذهبي فأنت حرة لوجه الله # وقال الزهري متى قلت للمملوك أخزاك الله فهو حر # وقيل للأحنف بن قيس ممن تعلمت الحلم قال من قيس بن عاصم قيل فما بلغ من ~~حلمه قال بينما هو جالس في داره إذا أتته خادمة له بسفود عليه شواء فسقط ~~السفود من يدها على ابن له فعقره فمات فدهشت الجارية فقال ليس يسكن روع هذه ~~الجارية إلا العتق فقال لها أنت حرة لا بأس عليك # وكان عون ابن عبد الله إذا عصاه غلامه قال ما أشبهك بمولاك مولاك يعصي ~~مولاه وأنت تعصي مولاك فأغضبه يوما فقال إنما تريد أن أضربك اذهب فأنت حر # وكان عند ميمون بن مهران ضيف فاستعجل على جاريته بالعشاء فجاءت مسرعة ~~ومعها قصعة مملوءة فعثرت وأراقتها على رأس سيدها ميمون فقال يا جارية ~~أحرقتني قالت يا معلم الخير ومؤدب الناس ارجع إلى ما قال الله تعالى قال ~~وما قال الله تعالى قالت قال والكاظمين الغيظ قال قد كظمت غيظي قالت ~~والعافين عن الناس قال قد عفوت عنك قالت زد فإن الله تعالى يقول والله يحب ~~المحسنين قال أنت حرة لوجه الله تعالى # وقال ابن المنكدر إن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب ~~عبدا له فجعل العبد يقول أسألك بالله أسألك بوجه الله فلم يعفه فسمع رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم صياح العبد فانطلق إليه فلما رأى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم أمسك يده فقال رسول الله سألك بوجه الله فلم تعفه فلما ~~رأيتني أمسكت يدك قال فإنه حر لوجه الله يا رسول الله فقال لو لم تفعل ~~لسفعت وجهك النار + حديث ابن المنكدر أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ضرب عبدا له فجعل العبد يقول أسألك بالله أسألك بوجه الله فسمع ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح العبد الحديث أخرجه ابن المبارك في ~~الزهد مرسلا وفي رواية لمسلم في حديث أبي مسعود الآتي ذكره فجعل يقول أعوذ ~~بالله قال فجعل يضربه فقال أعوذ برسول الله فتركه وفي رواية له فقلت هو حر ~~لوجه الله فقال أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار @QB@ أو @QE@ لمستك النار ~~+ # وقال صلى الله عليه وسلم العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره ~~مرتين + حديث إذا نصح العبد لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين متفق ~~عليه من حديث ابن عمر + # ولما أعتق أبو رافع بكى وقال كان لي أجران فذهب أحدهما # وقال صلى الله عليه وسلم عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة وأول ثلاثة ~~يدخلون النار فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد وعبد مملوك أحسن عبادة ~~ربه ونصح لسيده وعفيف متعفف ذو عيال وأول ثلاثة يدخلون النار أمير مسلط وذو ~~ثروة لا يعطي حق الله وفقير فخور + حديث عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة ~~وأول ثلاثة يدخلون النار فأول ثلاثة يدخلون الجنة الشهيد وعبد مملوك أحسن ~~عبادة ربه ونصح لسيده الحديث أخرجه الترمذي وقال حسن وابن حبان من حديث أبي ~~هريرة + # وعن أبي مسعود الأنصاري قال بينا أنا أضرب غلاما لي إذ سمعت صوتا من خلفي ~~اعلم يا أبا مسعود مرتين فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقيت ~~السوط من يدي فقال والله لله أقدر عليك منك على هذا + حديث أبي مسعود ~~الأنصاري بينا أنا أضرب غلاما لي سمعت صوتا من خلفي اعلم أبا مسعود مرتين ~~الحديث رواه مسلم + # وقال صلى الله عليه وسلم إذا ابتاع أحدكم الخادم فليكن أول شيء يطعمه ~~الحلو فإنه أطيب لنفسه + حديث معاذ إذا ابتاع أحدكم الخادم فليكن أول شيء ~~يطعمه الحلو فإنه أطيب لنفسه أخرجه الطبراني في الأوسط والخرائطي في مكارم ~~الأخلاق بسند ضعيف + # رواه معاذ PageV02P220 # وقال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى ~~أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه وليأكل معه فإن لم يفعل فليناوله لقمة + حديث ~~أبي هريرة وليأكل معه فإن أبى فليناوله وفي رواية إذا كفى أحدكم مملوكه ~~صنعة طعامه الحديث متفق عليه مع اختلاف لفظ وهو في مكارم الأخلاق للخرائطي ~~باللفظين اللذين ذكرهما المصنف غير أنه لم يذكر علاجه وهذه اللفظة عند ~~البخاري + # وفي رواية إذا كفى أحدكم مملوكه صنعة طعامه فكفاه حره ومؤنته وقربه إليه ~~فليجلسه وليأكل معه فإن لم يفعل فليناوله أو ليأخذ أكلة فليروغها وأشار ~~بيده وليضعها في يده وليقل كل هذه ودخل على سلمان رجل وهو يعجن فقال يا أبا ~~عبد الله ما هذا فقال بعثنا الخادم في شغل فكرهنا أن نجمع عليه عملين # وقال صلى الله عليه وسلم من كانت عنده جارية فصانها وأحسن إليها ثم ~~أعتقها وتزوجها فذلك له أجران + حديث من كانت عنده جارية فعالها وأحسن ~~إليها ثم أعتقها وتزوجها فذلك له أجران متفق عليه من حديث أبي موسى + # وقد قال صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته + حديث كلكم ~~راع وكلكم مسئول عن رعيته متفق عليه من حديث ابن عمر وقد تقدم + # فجملة حق المملوك أن يشركه في طعمته وكسوته ولا يكلفه فوق طاقته ولا ينظر ~~إليه بعين الكبر والازدراء وأن يعفو عن زلته ويتفكر عند غضبه عليه بهفوته ~~أو بجنايته في معاصيه وجنايته على حق الله تعالى وتقصيره في طاعته مع أن ~~قدرة الله عليه فوق قدرته # وروى فضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يسئل عنهم ~~رجل فارق الجماعة ورجل عصى إمامه فمات عاصيا فلا يسأل عنهما وامرأة غاب ~~عنها زوجها وقد كفاها مؤنة الدنيا فتبرجت بعده فلا يسأل عنها # وثلاثة لا يسأل عنهم رجل ينازع الله رداءه ورداؤه الكبرياء وإزاره العز ~~ورجل في شك من الله وقنوط من رحمة الله + حديث فضالة بن عبيد ثلاثة لا يسأل ~~عنهم رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا الحديث أخرجه الطبراني وصححه ~~+ # تم كتاب آداب الصحبة والمعاشرة مع أصناف الخلق # | كتاب آداب العزلة وهو الكتاب السادس من ربع العادات من كتب إحياء # علوم الدين # بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي أعظم النعمة على خيرة خلقه وصفوته بأن صرف هممهم إلى ~~مؤانسته وأجزل حظهم من التلذذ بمشاهدة آلائه وعظمته وروح أسرارهم بمناجاته ~~وملاطفته وحقر في قلوبهم النظر إلى متاع الدنيا وزهرتها حتى اغتبط بعزلته ~~كل من طويت الحجب عن مجاري فكرته فاستأنس بمطالعة سبحات وجهه تعالى في ~~خلوته واستوحش بذلك عن الأنس بالإنس وإن كان من أخص خاصته والصلاة على ~~سيدنا محمد سيد أنبيائه وخيرته وعلى آله وصحابته سادة الحق وأئمته # أما بعد فإن للناس اختلافا كثيرا في العزلة والمخالطة وتفضيل إحداهما على ~~الأخرى ومع أن كل واحدة منهما لا تنفك عن غوائل تنفر عنها وفوائد تدعو إلى ~~إليها وميل أكثر العباد والزهاد إلى اختيار العزلة وتفضيلها على المخالطة ~~وما ذكرناه في كتاب الصحبة من فضيلة المخالطة والمؤاخاة والمؤالفة يكاد ~~يناقض ما مال إليه الأكثرون من اختيار الاستيحاش والخلوة فكشف الغطاء عن ~~الحق في ذلك مهم # ويحصل ذلك برسم بابين # الباب الأول في نقل المذاهب والحجج فيها # الباب الثاني في كشف الغطاء عن الحق بحصر الفوائد والغوائل PageV02P221 # | الباب الأول في نقل المذاهب والأقاويل وذكر حجج الفريقين في ذلك # أما المذاهب فقد اختلف فيها وظهر هذا الاختلاف بين التابعين # فذهب إلى اختيار العزلة وتفضيلها على المخالطة سفيان الثوري وإبراهيم بن ~~أدهم وداود الطائي وفضيل بن عياض وسليمان الخواص ويوسف بن أسباط وحذيفة ~~المرعشي وبشر الحافي # وقال أكثر التابعين باستحباب المخالطة واستكثار المعارف والإخوان والتألف ~~والتحبب إلى المؤمنين والاستعانة بهم في الدين تعاونا على البر والتقوى ~~ومال إلى هذا سعيد بن المسيب والشعبي وابن أبي ليلى وهشام بن عروة وابن ~~شبرمة وشريح وشريك بن عبد الله وابن عيينة وابن المبارك والشافعي وأحمد بن ~~حنبل وجماعة # والمأثور عن العلماء من الكلمات ينقسم إلى كلمات مطلقة تدل على الميل إلى ~~أحد الرأيين وإلى كلمات مقرونة بما يشير إلى علة الميل # فلننقل الآن مطلقات تلك الكلمات لنبين المذاهب فيها وما هو مقرون بذكر ~~العلة نورده عند التعرض للغوائل والفوائد فنقول قد روي عن عمر رضي الله عنه ~~أنه قال خذوا بحظكم من العزلة # وقال ابن سيرين العزلة عبادة # وقال الفضيل كفى بالله محبا وبالقرآن مؤنسا وبالموت واعظا # وقيل اتخذ الله صاحبا ودع الناس جانبا # وقال أبو الربيع الزاهد لداود الطائي عظني قال صم عن الدنيا واجعل فطرك ~~الآخرة وفر من الناس فرارك من الأسد # وقال الحسن رحمه الله كلمات أحفظهن من التوراة قنع ابن آدم فاستغنى اعتزل ~~الناس فسلم ترك الشهوات فصار حرا وترك الحسد فظهرت مروءته صبر قليلا فتمتع ~~طويلا # وقال وهيب ابن الورد بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت ~~والعاشر في عزلة الناس # وقال يوسف بن مسلم لعلي بن بكار ما أصبرك على الوحدة وقد كان لزم البيت ~~فقال كنت وأنا شاب أصبر على أكثر من هذا كنت أجالس الناس ولا أكلمهم # وقال سفيان الثوري هذا وقت السكوت وملازمة البيوت # وقال بعضهم كنت في سفينة ومعنا شاب من العلوية فمكث معنا سبعا لا نسمع له ~~كلاما فقلنا له يا هذا قد جمعنا الله وإياك منذ سبع ولا نراك تخالطنا ولا ~~تكلمنا فأنشأ يقول # قليل الهم لا ولد يموت % ولا أمر يحاذره يفوت # قضى وطر الصبا وأفاد علما % فغايته التفرد والسكوت # وقال إبراهيم النخعي لرجل تفقه ثم اعتزل وكذا قال الربيع بن خثيم # وقيل كان مالك بن أنس يشهد الجنائز ويعود المرضى ويعطي الإخوان حقوقهم ~~فترك ذلك واحدا واحدا حتى تركها كلها وكان يقول لا يتهيأ للمرء أن يحبر كل ~~عذر له # وقيل لعمر بن عبد العزيز لو تفرغت لنا فقال ذهب الفراغ فلا فراغ إلا عند ~~الله تعالى وقال الفضيل إني لأجد للرجل عندي يدا إذا لقيني أن لا يسلم علي ~~وإذا مرضت أن لا يعودني # وقال أبو سليمان الداراني بينما الربيع ابن خثيم جالس على باب داره إذ ~~جاءه حجر فصك جبهته فشجه فجعل يمسح الدم ويقول لقد وعظت يا ربيع فقام ودخل ~~داره فما جلس بعد ذلك على باب داره حتى أخرجت جنازته # وكان سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد لزما بيوتهما بالعقيق فلم يكونا ~~يأتيان المدينة لجمعة ولا غيرها حتى ماتا بالعقيق # وقال يوسف بن أسباط سمعت سفيان الثوري يقول والله الذي لا إله إلا هو لقد ~~حلت العزلة وقال بشر بن عبد الله أقل من معرفة الناس فإنك لا تدري ما يكون ~~يوم القيامة فإن تكن PageV02P222 فضيحة كان من يعرفك قليلا # ودخل بعض الأمراء على حاتم الأصم فقال له # ألك حاجة قال نعم قال وما هي قال أن لا تراني ولا أراك ولا تعرفني # وقال رجل لسهل أريد أن أصحبك فقال إذا مات أحدنا فمن يصحب الآخر قال الله ~~قال فليصحبه الآن # وقيل للفضيل إن عليا ابنك يقول لوددت أني في مكان أرى الناس ولا يروني ~~فبكى الفضيل وقال يا ويح علي أفلا أتمها فقال لا أراهم ولا يروني وقال ~~الفضيل أيضا من سخافة عقل الرجل كثرة معارفه # وقال ابن عباس رضي الله عنهما أفضل المجالس مجلس في قعر بيتك لا ترى ولا ~~ترى # فهذه أقاويل المائلين إلى العزلة # | ذكر حجج المائلين إلى المخالطة ووجه ضعفها # احتج هؤلاء بقوله تعالى @QB@ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا @QE@ ~~الآية وبقوله تعالى @QB@ فألف بين قلوبكم @QE@ أمتن على الناس بالسبب ~~المؤلف وهذا ضعيف لأن المراد به تفرق الآراء واختلاف المذاهب في معاني كتاب ~~الله وأصول الشريعة # والمراد بالألفة نزع الغوائل من الصدور وهي الأسباب المثيرة للفتن ~~المحركة للخصومات والعزلة لا تنافي ذلك # واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم المؤمن إلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ~~ولا يؤلف + حديث المؤمن إلف مألوف الحديث تقدم في الباب الأول من آداب ~~الصحبة + # وهذا ضعيف لأنه إشارة إلى مذمة سوء الخلق تمتنع بسببه المؤالفة ولا يدخل ~~تحته الحسن الخلق الذي إن خالط ألف وألف ولكنه ترك المخالطة اشتغالا بنفسه ~~وطلبا للسلامة من غيره # واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم من فارق الجماعة شبرا خلع ربقة الإسلام ~~من عنقه وقال من فارق الجماعة فمات فميتته جاهلية + حديث من ترك الجماعة ~~فمات فميتته جاهلية أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وقد تقدم في الباب الخامس ~~من كتاب الحلال والحرام + # وبقوله صلى الله عليه وسلم من شق عصا المسلمين والمسلمون في إسلام دامج ~~فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه + حديث من شق عصا المسلمين والمسلمون في ~~إسلام دامج فقد خلع ربقة الإسلام أخرجه الطبراني والخطابي في العزلة من ~~حديث ابن عباس بسند جيد + # وهذا ضعيف لأن المراد به الجماعة التي اتفقت آراؤهم على إمام بعقد البيعة ~~فالخروج عليهم بغي وذلك مخالفة بالرأي وخروج عليهم وذلك محظور لاضطرار ~~الخلق إلى إمام مطاع يجمع رأيهم ولا يكون ذلك إلا بالبيعة من الأكثر ~~فالمخالفة تشويش مثير للفتنة فليس في هذا تعرض للعزلة # واحتجوا بنهيه صلى الله عليه وسلم عن الهجر فوق ثلاث إذ قال من هجر أخاه ~~فوق ثلاث فمات دخل النار + حديث من هجر آخاه فوق ثلاث فمات دخل النار أخرجه ~~أبو داود من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح + # وقال صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ~~والسابق بالصلح يدخل الجنة + حديث لا يحل لامرئ أن يهجر أخاه فوق ثلاث ~~والسابق بالصلح يدخل الجنة متفق عليه من حديث أنس دون قوله والسابق بالصلح ~~زاد فيه الطبراني والذي يبدأ بالصلح يسبق إلى الجنة + # وقال من هجر أخاه سنة فهو كسافك دمه + حديث من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه ~~أخرجه أبو داود من حديث أبي خراش السلمي واسمه حدرد بن أبي حدرد وإسناده ~~صحيح + # قالوا والعزلة هجرة بالكلية # وهذا ضعيف لأن المراد به الغضب على الناس واللجاج فيه بقطع الكلام ~~والسلام والمخالطة المعتادة فلا يدخل فيه ترك المخالطة أصلا من غير غضب # مع أن الهجر فوق ثلاث جائز في موضعين # أحدهما أن يرى فيه إصلاحا للمهجور في الزيادة # الثاني أن يرى لنفسه سلامة فيه PageV02P223 والنهي وإن كان عاما فهو ~~محمول على ما وراء الموضعين المخصوصين بدليل ما روي عن عائشة رضي الله عنها # أن النبي صلى الله عليه وسلم هجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر + حديث أنه ~~صلى الله عليه وسلم هجر عائشة ذا الحجة والمحرم وبعض صفر قلت إنما هجر زينب ~~هذه المدة كما رواه أبو داود من حديث عائشة وسكت عليه فهو عنده صالح + # وروي عن عمر أنه صلى الله عليه وسلم اعتزل نساءه وآلى منهن شهرا وصعد إلى ~~غرفة له وهي خزانته فلبث تسعا وعشرين يوما فلما نزل قيل له إنك كنت فيها ~~تسعا وعشرين فقال الشهر قد يكون تسعا وعشرين + حديث عمر أنه صلى الله عليه ~~وسلم اعتزل نساءه وآلى منهن شهرا الحديث متفق عليه + # وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لمسلم ~~أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام إلا أن يكون ممن لا تؤمن بوائقه + حديث عائشة ~~لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يكون ممن لا يأمن بوائقه أخرجه ~~ابن عدي وقال غريب المتن والإسناد وحديث عائشة عند أبي داود دون الاستثناء ~~بإسناد صحيح + # فهذا صريح في التخصيص وعلى هذا ينزل قول الحسن رحمه الله حيث قال هجران ~~الأحمق قربة إلى الله فإن ذلك يدوم إلى الموت إذ الحماقة لا ينتظر علاجها # وذكر عند محمد بن عمر الواقدي رجل هجر رجلا حتى مات فقال هذا شيء قدم ~~تقدم فيه قوم سعد بن أبي وقاص كان مهاجرا لعمار بن ياسر حتى مات وعثمان بن ~~عفان كان مهاجرا لعبد الرحمن بن عوف وعائشة كانت مهاجرة لحفصة # وكان طاوس مهاجرا لوهب بن منبه حتى ماتا # وكل ذلك يحمل على رؤيتهم سلامتهم في المهاجرة # واحتجوا بما روي أن رجلا أتى الجبل ليتعبد فيه فجيء به إلى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فقال لا تفعل أنت ولا أحد منكم لصبر أحدكم في بعض مواطن ~~الإسلام خير له من عبادة أحدكم وحده أربعين عاما + حديث أن رجلا أتى الجبل ~~ليتعبد فيه فجىء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تفعل الحديث ~~أخرجه البيهقي من حديث عسعس ابن سلامة قال ابن عبد البر يقولون إن حديثه ~~مرسل وكذا ذكره ابن حبان في ثقات التابعين + # والظاهر أن هذا إنما كان لما فيه من ترك الجهاد مع شدة وجوبه في ابتداء ~~الإسلام بدليل ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال غزونا مع رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فمررنا بشعب فيه عيينة طيبة الماء فقال واحد من ~~القوم لو اعتزلت الناس في هذا الشعب ولن أفعل ذلك حتى أذكره لرسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل ~~الله خير من صلاته في أهله ستين عاما ألا تحبون أن يغفر الله لكم وتدخلون ~~الجنة اغزوا في سبيل الله فإنه من قاتل في سبيل الله فواق ناقة أدخله الله ~~الجنة + حديث أبي هريرة غزونا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررنا ~~بشعب فيه عيينة طيبة الماء غزيرة فقال واحد من القوم لو اعتزلت الناس في ~~هذا الشعب الحديث أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح والحاكم وقال صحيح على شرط ~~مسلم إلا أن الترمذي قال سبعين عاما + # واحتجوا بما روى معاذ بن جبل أنه صلى الله عليه وسلم قال إن الشيطان ذئب ~~الإنسان كذئب الغنم يأخذ القاصية والناحية والشاردة وإياكم والشعاب وعليكم ~~بالعامة والجماعة والمساجد + حديث معاذ بن جبل الشيطان ذئب الإنسان كذئب ~~الغنم يأخذ القاصية أخرجه أحمد والطبراني ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا + # وهذا إنما أراد به من اعتزل قبل تمام الغلم وسيأتي بيان ذلك وأن ذلك ينهى ~~عنه إلا لضرورة # | ذكر حجج المائلين إلى تفضيل العزلة # احتجوا بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام @QB@ وأعتزلكم وما ~~تدعون من دون الله وأدعو ربي @QE@ الآية ثم قال تعالى فلما اعتزلهم وما ~~يعبدون من دون الله وهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا إشارة إلى أن ذلك ~~ببركة العزلة # وهذا ضعيف لأن مخالطة الكفار لا فائدة فيها إلا دعوتهم إلى الدين # وعند اليأس من إجابتهم فلا وجه PageV02P224 إلا هجرهم وإنما الكلام في ~~مخالطة المسلمين وما فيها من البركة لما روى أنه قيل يا رسول الله الوضوء ~~من جر مخمر أحب إليك أو من هذه المطاهر التي يتطهر منها الناس فقال بل من ~~هذه المطاهر التماسا لبركة أيدي المسلمين + حديث قيل له صلى الله عليه وسلم ~~الوضوء من جر مخمر أحب إليك أو من هذه المطاهر التي يطهر منها الناس فقال ~~بل من هذه المطاهر الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر وفيه ~~ضعف + # وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما طاف بالبيت عدل إلى زمزم ليشرب منها ~~فإذا التمر المنقع في حياض الأدم وقد مغثه الناس بأيديهم وهم يتناولون منه ~~ويشربون فاستسقى منه وقال اسقوني فقال العباس إن هذا النبيذ شراب قد مغث ~~وخيض بالأيدي أفلا آتيك بشراب أنظف من هذا من جر مخمر في البيت فقال اسقوني ~~من هذا الذي يشرب منه الناس ألتمس بركة أيدي المسلمين فشرب منه + حديث لما ~~طاف بالبيت عدل إلى زمزم يشرب منها فإذا التمر منقع في حياض الأدم قد مغثه ~~الناس بأيديهم الحديث وفيه فقال اسقوني من هذا الذي يشرب منه الناس رواه ~~الأزرقي في تاريخ مكة من حديث ابن عباس بسند ضعيف ومن رواية طاوس مرسلا ~~نحوه + # فإذن كيف يستدل باعتزال الكفار والأصنام على اعتزال المسلمين مع كثرة ~~البركة فيهم # واحتجوا أيضا بقول موسى عليه السلام @QB@ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون @QE@ ~~وأنه فزع إلى العزلة عند اليأس منهم وقال تعالى في أصحاب الكهف وإذا ~~اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ~~أمرهم بالعزلة # وقد اعتزل نبينا صلى الله عليه وسلم قريشا لما آذوه وجفوه ودخل الشعب ~~وأمر أصحابه باعتزالهم والهجرة إلى أرض الحبشة + حديث اعتزاله صلى الله ~~عليه وسلم قريشا لما آذوه وجفوه ودخل الشعب وأمر أصحابه باعتزالهم والهجرة ~~إلى الحبشة الحديث رواه موسى بن عقبة في المغازي ومن طريقه البيهقي في ~~الدلائل عن ابن شهاب مرسلا ورواه ابن سعد في الطبقات من رواية ابن شهاب علي ~~بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مرسلا أيضا ووصله من رواية أبي ~~سلمة الحضرمي عن ابن عباس إلا أن ابن سعد ذكر أن المشركين حصروا بني هاشم ~~في الشعب وذكر موسى بن عقبة أن أبا طالب جمع بني عبد المطلب وأمرهم أن ~~يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ومغازي موسى بن عقبة أصح ~~المغازي وذكر موسى بن عقبة أيضا أنه أمر أصحابه حين دخل الشعب بالخروج إلى ~~أرض الحبشة ولأبي داود من حديث أبي موسى أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ~~ننطلق إلى أرض النجاشي قال البيهقي وإسناده صحيح ولأحمد من حديث ابن مسعود ~~بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي وروى ابن إسحاق بإسناد جيد ~~ومن طريقه البيهقي في الدلائل من حديث أم سلمة إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم ~~أحد عنده فالحقوا ببلاده الحديث + ثم تلاحقوا به إلى المدينة بعد أن أعلى ~~الله كلمته وهذا أيضا اعتزال عن الكفار بعد اليأس منهم فإنه صلى الله عليه ~~وسلم لم يعتزل المسلمين ولا من توقع إسلامه من الكفار وأهل الكهف لم يعتزل ~~بعضهم بعضا وهم مؤمنون وإنما اعتزلوا الكفار وإنما النظر في العزلة من ~~المسلمين # واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عامر الجهني لما قال يا ~~رسول الله ما النجاة قال ليسعك بيتك وأمسك عليك لسانك وابك على خطيئتك وروى ~~أنه قيل له صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل قال مؤمن مجاهد بنفسه وماله ~~في سبيل الله تعالى قيل ثم من قال رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه ~~ويدع الناس من شره # وقال صلى الله عليه وسلم إن الله يحب العبد التقي النقي الخفي + حديث إن ~~الله يحب العبد التقي النقي الخفي أخرجه مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص + # وفي الاحتجاج بهذه الأحاديث نظر فأما قوله لعبد الله بن عامر فلا يمكن ~~تنزيله إلا على ما عرفه صلى الله عليه وسلم بنور النبوة من حاله وأن لزوم ~~البيت كان أليق به وأسلم له من المخالطة فإنه لم يأمر جميع الصحابة بذلك ~~ورب شخص تكون سلامته في العزلة لا في المخالطة كما قد تكون سلامته في ~~القعود في البيت وأن لا يخرج إلى الجهاد PageV02P225 وذلك لا يدل على أن ~~ترك الجهاد أفضل # وفي مخالطة الناس مجاهدة ومقاساة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم الذي ~~يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على ~~أذاهم + حديث الذي يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم أخرجه الترمذي وابن ماجه ~~من حديث ابن عمر ولم يسم الترمذي الصحابي قال شيخ من أصحاب النبي صلى الله ~~عليه وسلم والطريق واحد + # وعلى هذا ينزل قوله صلى الله عليه وسلم رجل معتزل يعبد ربه ويدع الناس من ~~شره فهذا إشارة إلى شرير بطبعه تتأذى الناس بمخالطته # وقوله إن الله يحب التقي الخفي إشارة إلى إيثار الخمول وتوقي الشهرة # وذلك لا يتعلق بالعزلة فكم من راهب معتزل تعرفه كافة الناس وكم من مخالط ~~خامل لا ذكر له ولا شهرة فهذا تعرض لأمر لا يتعلق بالعزلة # واحتجوا بما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ألا أنبئكم بخير ~~الناس قالوا بلى يا رسول الله فأشار بيده نحو المغرب وقال رجل آخذ بعنان ~~فرسه في سبيل الله ينتظر أن يغير أو يغار عليه ألا أنبئكم بخير الناس بعده ~~وأشار بيده نحو الحجاز وقال رجل في غنمه يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعلم حق ~~الله في ماله اعتزل شرور الناس + حديث ألا أنبئكم بخير الناس قالوا بلى قال ~~فأشار بيده نحو المغرب وقال رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله ينتظر أن يغير ~~أو يغار عليه الحديث أخرجه الطبراني من حديث أم مبشر إلا أنه قال نحو ~~المشرق بدل المغرب وفيه ابن إسحاق رواه بالعنعنة وللترمذي والنسائي نحوه ~~مختصرا من حديث ابن عباس قال الترمذي حديث حسن + # فإذا ظهر أن هذه الأدلة لا شفاء فيها من الجانبين فلا بد من كشف الغطاء ~~بالتصريح بفوائد العزلة وغوائلها ومقايسة بعضها بالبعض ليتبين الحق فيها # | الباب الثاني في فوائد العزلة وغوائلها وكشف الحق في فضلها # اعلم أن اختلاف الناس في هذا يضاهي اختلافهم في فضيلة النكاح والعزوبة # وقد ذكرنا أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص بحسب ما فصلناه من آفات ~~النكاح وفوائده فكذلك القول فيما نحن فيه # فلنذكر أولا فوائد العزلة وهي تنقسم إلى فوائد دينية ودنيوية # والدينية تنقسم إلى ما يمكن من تحصيل الطاعات في الخلوة والمواظبة على ~~العبادة والفكر وتربية العلم وإلى تخلص من ارتكاب المناهي التي يتعرض ~~الإنسان لها بالمخالطة كالرياء والغيبة والسكوت عن الأمر بالمعروف والنهي ~~عن المنكر ومسارقة الطبع من الأخلاق الرديئة والأعمال الخبيثة من جلساء ~~السوء # وأما الدنيوية فتنقسم إلى ما يمكن من التحصيل بالخلوة كتمكن المحترف في ~~خلوته إلى ما يخلص من محذورات يتعرض لها بالمخالطة كالنظر إلى زهرة الدنيا ~~وإقبال الخلق عليها وطمعه في الناس وطمع الناس فيه وانكشاف ستر مروءته ~~بالمخالطة والتأذي بسوء خلق الجليس في مرائه أو سوء ظنه أو نميمته أو ~~محاسدته أو التأذي بثقله وتشويه خلقته # وإلى هذا ترجع مجامع فوائد العزلة فلنحصرها في ست فوائد # | الفائدة الأولى التفرغ للعبادة والفكر والاستئناس بمناجاة الله # تعالى عن مناجاة الخلق والاشتغال باستكشاف أسرار الله تعالى في أمر ~~الدنيا والآخرة وملكوت السموات والأرض فإن ذلك يستدعي فراغا ولا فراغ مع ~~المخالطة فالعزلة وسيلة إليه # ولهذا قال بعض الحكماء لا يتمكن أحد من الخلوة إلا بالتمسك بكتاب الله ~~تعالى # والمتمسكون بكتاب الله تعالى هم الذين استراحوا من الدنيا بذكر الله ~~الذاكرون الله بالله عاشوا بذكر الله وماتوا بذكر الله ولقوا الله ~~PageV02P226 بذكر الله # ولا شك في أن هؤلاء تمنعهم المخالطة عن الفكر والذكر فالعزلة أولى بهم # ولذلك كان صلى الله عليه وسلم في ابتداء أمره يتبتل في جبل حراء وينعزل ~~إليه حتى قوي فيه نور النبوة + حديث كان صلى الله عليه وسلم في أول أمره ~~يتبتل في جبل حراء وينعزل إليه متفق عليه من حديث عائشة نحوه فكان يخلو ~~بغار حراء يتحنث فيه الحديث + # فكان الخلق لا يحجبونه عن الله فكان ببدنه مع الخلق وبقلبه مقبلا على ~~الله تعالى حتى كان الناس يظنون أن أبا بكر خليله # فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن استغراق همه بالله فقال لو كنت متخذا ~~خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله + حديث لو كنت متخذا ~~خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله أخرجه مسلم من حديث ابن ~~مسعود وقد تقدم + # ولن يسع الجمع بين مخالطة الناس ظاهرا والإقبال على الله سرا إلا قوة ~~النبوة فلا ينبغي أن يغتر كل ضعيف بنفسه فيطمع في ذلك ولا يبعد أن تنتهي ~~درجة بعض الأولياء إليه # فقد نقل عن الجنيد أنه قال أنا أكلم الله منذ ثلاثين سنة والناس يظنون ~~أني أكلمهم # وهذا إنما يتيسر للمستغرق بحب الله استغراقا لا يبقى لغيره فيه متسع وذلك ~~غير منكر ففي المشتهرين بحب الخلق من يخالط الناس ببدنه وهو لا يدري ما ~~يقول ولا ما يقال له لفرط عشقه لمحبوبه # بل الذي دهاه ملم يشوش عليه أمرا من أمور دنياه فقد يستغرقه الهم بحيث ~~يخالط الناس ولا يحس بهم ولا يسمع أصواتهم لشدة استغراقه # وأمر الآخرة أعظم عند العقلاء فلا تستحيل ذلك فيه ولكن الأولى بالأكثرين ~~الاستعانة بالعزلة # ولذلك قيل لبعض الحكماء ما الذي أرادوا بالخلوة واختيار العزلة فقال ~~يستدعون بذلك دوام الفكرة وتثبت العلوم في قلوبهم ليحيوا حياة طيبة ويذوقوا ~~حلاوة المعرفة # وقيل لبعض الرهبان ما أصبرك على الوحدة فقال ما أنا وحدي أنا جليس الله ~~تعالى إذا شئت أن يناجيني قرأت كتابه وإذا شئت أن أناجيه صليت # وقيل لبعض الحكماء إلى أي شيء أفضى بكم الزهد والخلوة فقال إلى الأنس ~~بالله # وقال سفيان بن عيينة لقيت إبراهيم ابن أدهم رحمه الله في بلاد الشام فقلت ~~له يا إبراهيم تركت خراسان فقال ما تهنأت بالعيش إلا ههنا أفر بديني من ~~شاهق إلى شاهق فمن يراني يقول موسوس أو حمال أو ملاح # وقيل لغزوان الرقاشي هبك لا تضحك فما يمنعك من مجالسة إخوانك قال إني ~~أصيب راحة قلبي في مجالسة من عنده حاجتي # وقيل للحسن يا أبا سعيد ههنا رجل لم تره قط جالسا إلا وحده خلف سارية # فقال الحسن إذا رأيتموه فأخبروني به فنظروا إليه ذات يوم فقالوا للحسن ~~هذا الرجل الذي أخبرناك به وأشاروا إليه فمضى إليه الحسن وقال له # يا عبد الله أراك قد حببت إليك العزلة فما يمنعك من مجالسة الناس فقال ~~أمر شغلني عن الناس قال فما يمنعك أن تأتي هذا الرجل الذي يقال له الحسن ~~فتجلس إليه فقال أمر شغلني عن الناس # وعن الحسن فقال له الحسن وما ذاك الشغل يرحمك الله فقال إني أصبح وأمسي ~~بين نعمة وذنب فرأيت أن أشغل نفسي بشكر الله تعالى على النعمة والاستغفار ~~من الذنب فقال له الحسن أنت يا عبد الله أفقه عندي من الحسن فالزم ما أنت ~~عليه # وقيل بينما أويس القرني جالس إذ أتاه هرم بن حيان فقال له أويس ما جاء بك ~~قال جئت لآنس بك فقال أويس ما كنت أرى أن أحدا يعرف ربه فيأنس بغيره وقال ~~الفضيل إذا رأيت الليل مقبلا فرحت به وقلت أخلو بربي وإذا رأيت الصبح ~~أدركني استرجعت كراهية لقاء الناس وأن يجيئني من يشغلني عن ربي # وقال عبد الله بن زيد طوبى لمن عاش في الدنيا وعاش في الآخرة قيل له وكيف ~~ذلك قال يناجي الله في الدنيا ويجاوره في الآخرة # وقال ذو النون المصري سرور المؤمن ولذته في الخلوة بمناجاة ربه # وقال مالك بن دينار من لم يأنس بمحادثة الله عز وجل عن محادثة المخلوقين ~~فقد قل علمه وعمى PageV02P227 قلبه وضيع عمره # وقال ابن المبارك ما أحب حال من انقطع إلى الله تعالى ويروى عن بعض ~~الصالحين أنه قال بينما أنا أسير في بعض بلاد الشام إذا أنا بعابد خارج من ~~بعض تلك الجبال فلما نظر إلي تنحى إلى أصل شجرة وتستر بها فقلت سبحان الله ~~تبخل علي بالنظر إليك فقال هذا إني أقمت في هذا الجبل دهرا طويلا أعالج ~~قلبي في الصبر عن الدنيا وأهلها فطال في ذلك تعبي وفني فيه عمري فسألت الله ~~تعالى أن لا يجعل حظي من أيامي في مجاهدة قلبي فسكنه الله عن الاضطراب ~~وألفه الوحدة والانفراد فلما نظرت إليك خفت أن أقع في الأمر الأول فإليك ~~عني فإني أعوذ من شرك برب العارفين وحبيب القانتين ثم صاح واغماه من طول ~~المكث في الدنيا ثم حول وجهه عني ثم نفض يديه وقال إليك عني يا دنيا لغيري ~~فتزيني وأهلك فغري ثم قال سبحان من أذاق قلوب العارفين من لذة الخدمة ~~وحلاوة الانقطاع إليه ما ألهى قلوبهم عن ذكر الجنان وعن الحور الحسان وجمع ~~همهم في ذكره فلا شيء ألذ عندهم من مناجاته # ثم مضى وهو يقول قدوس قدوس # فإذا في الخلوة أنس بذكر الله واستكثار من معرفة الله وفي مثل ذلك قيل # وإني لأستغشي وما بي غشوة % لعل خيالا منك يلقى خياليا # وأخرج من بين الجلوس لعلني % أحدث عنك النفس بالسر خاليا # ولذلك قال بعض الحكماء إنما يستوحش الإنسان من نفسه لخلو ذاته عن الفضيلة ~~فيكثر حينئذ ملاقاة الناس ويطرد الوحشة عن نفسه بالكون معهم فإذا كانت ذاته ~~فاضلة طلب الوحدة ليستعين بها على الفكرة ويستخرج العلم والحكمة # وقد قيل الاستئناس من علامات الإفلاس فإذا هذه فائدة جزيلة ولكن في حق ~~بعض الخواص ومن يتيسر له بدوام الذكر الأنس بالله أو بدوام الفكر التحقق في ~~معرفة الله فالتجرد له أفضل من كل ما يتعلق بالمخالطة # فإن غاية العبادات وثمرة المعاملات أن يموت الإنسان محبا لله عارفا بالله ~~ولا محبة إلا بالأنس الحاصل بدوام الذكر ولا معرفة إلا بدوام الفكر # وفراغ القلب شرط في كل واحد منهما ولا فراغ مع المخالطة # | الفائدة الثانية التخلص بالعزلة عن المعاصي التي يتعرض الإنسان لها # غالبا بالمخالطة ويسلم منها في الخلوة وهي أربعة الغيبة والنميمة والرياء ~~والسكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومسارقة الطبع من الأخلاق ~~الرديئة والأعمال الخبيثة التي يوجبها الحرص على الدنيا # أما الغيبة فإذا عرفت من كتاب آفات اللسان من ربع المهلكات وجوهها عرفت ~~أن التحرز عنها مع المخالطة عظيم لا ينجو منها إلا الصديقون # فإن عادة الناس كافة التمضمض بأعراض الناس والتفكه بها والتنفل بحلاوتها ~~وهي طعمتهم ولذتهم وإليها يستروحون من وحشتهم في الخلوة # فإن خالطتهم ووافقتهم أثمت وتعرضت لسخط الله تعالى وإن سكت كنت شريكا ~~والمستمع أحد المغتابين وإن أنكرت أبغضوك وتركوا ذلك المغتاب واغتابوك ~~فازدادوا غيبة إلى غيبة وربما زادوا على الغيبة وانتهوا إلى الاستخفاف ~~والشتم # وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو من أصول الدين وهو واجب كما ~~سيأتي بيانه في آخر هذا الربع ومن خالط الناس فلا يخلو عن مشاهدة المنكرات ~~فإن سكت عصى الله به وإن أنكر تعرض لأنواع من الضرر إذ ربما يجره طلب ~~الخلاص عنها إلى معاص هي أكبر مما نهى عنه ابتداء # وفي العزلة خلاص من هذا فإن الأمر في إهماله شديد والقيام به شاق # وقدم قام أبو بكر رضي الله عند خطيبا وقال أيها الناس إنكم تقرءون هذه ~~الآية PageV02P228 @QB@ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل ~~إذا اهتديتم @QE@ وإنكم تضعونها في غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يقول إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله ~~بعقاب + حديث أبي بكر إنكم تقرءون هذه الآية @QB@ يا أيها الذين آمنوا ~~عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم @QE@ وإنكم لتضعونها في غير ~~موضعها الحديث أخرجه أصحاب السنن قال الترمذي حسن صحيح + # وقد قال صلى الله عليه وسلم إن الله ليسأل العبد حتى يقول له ما منعك إذا ~~رأيت المنكر أن تنكره فإذا لقن الله لعبد حجته قال يا رب رجوتك وخفت الناس ~~+ حديث إن الله يسأل العبد حتى يقول ما منعك إذا رأيت المنكر في الدنيا أن ~~تنكره الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري بإسناد جيد + # وهذا إذا خاف من ضرب أو أمر لا يطاق # ومعرفة حدود ذلك مشكلة وفيه خطر # وفي العزلة خلاص وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إثارة للخصومات ~~وتحريك لغوائل الصدور كما قيل # وكم سقت في آثاركم من نصيحة % وقد يستفيد البغضة المتنصح # ومن جرب الأمر بالمعروف ندم عليه غالبا فإنه كجدار مائل يريد الإنسان أن ~~يقيمه فيوشك أن يسقط عليه فإذا سقط عليه يقول يا ليتني تركته مائلا # نعم لو وجد أعوانا أمسكوا الحائط حتى يحكمه بدعامة لاستقام وأنت اليوم لا ~~تجد الأعوان فدعهم وانج بنفسك # وأما الرياء فهو الداء العضال الذي يعسر على الأبدال والأوتاد الاحتراز ~~عنه # وكل من خالط الناس داراهم ومن داراهم راءاهم ومن راءاهم وقع فيما وقعوا ~~فيه وهلك كما هلكوا # وأقل ما يلزم فيه النفاق فإنك إن خالطت متعاديين ولم تلق كل واحد منهما ~~بوجه يوافقه صرت بغيضا إليهما جميعا وإن جاملتهما كنت من شرار الناس # وقال صلى الله عليه وسلم تجدون من شرار الناس ذا الوجهين يأتي هؤلاء بوجه ~~وهؤلاء بوجه + حديث تجدون من شرار الناس ذا الوجهين متفق عليه من حديث أبي ~~هريرة + # وقال صلى الله عليه وسلم إن من شر الناس ذا الوجهين يأتي هؤلاء بوجه ~~وهؤلاء بوجه + حديث إن من شر الناس ذا الوجهين أخرجه مسلم من حديث أبي ~~هريرة وهو الذي قبله + # وأقل ما يجب في مخالطة الناس إظهار الشوق والمبالغة فيه ولا يخلو ذلك عن ~~كذب إما في الأصل وإما في الزيادة وإظهار الشفقة بالسؤال عن الأحوال بقولك ~~كيف أنت وكيف أهلك وأنت في الباطن فارغ القلب من همومه وهذا نفاق محض # قال سري لو دخل أخ لي فسويت لحيتي بيدي لدخوله لخشيت أن أكتب في جريدة ~~المنافقين # وكان الفضيل جالسا وحده في المسجد الحرام فجاء إليه أخ له فقال له ما جاء ~~بك قال المؤانسة يا أبا علي فقال هي والله بالمواحشة أشبه هل تريد إلا أن ~~تتزين لي وأتزين لك وتكذب لي وأكذب لك إما أن تقوم عني أو أقوم عنك # وقال بعض العلماء ما أحب الله عبدا إلا أحب أن لا يشعر به # ودخل طاوس على الخليفة هشام فقال كيف أنت يا هشام فغضب عليه وقال لم لم ~~تخاطبني بأمير المؤمنين فقال لأن جميع المسلمين ما اتفقوا على خلافتك فخشيت ~~أن أكون كاذبا # فمن أمكنه أن يحترز هذا الاحتراز فليخالط الناس وإلا فليرض بإثبات اسمه ~~في جريدة المنافقين # فقد كان السلف يتلاقون ويحترزون في قولهم كيف أصبحت وكيف أمسيت وكيف أنت ~~وكيف حالك وفي الجواب عنه # فكان سؤالهم عن أحوال الدين لا عن أحوال الدنيا # قال حاتم الأصم لحامد اللفاف كيف أنت في نفسك قال سالم معافى فكره حاتم ~~جوابه وقال يا حامد السلامة من وراء الصراط والعافية في الجنة # وكان إذا قيل لعيسى صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت قال أصبحت لا أملك ~~تقديم ما أرجو ولا أستطيع دفع ما أحاذر وأصبحت مرتهنا بعملي والخير كله في ~~يد غيري ولا فقير أفقر مني PageV02P229 # وكان الربيع بن خثيم إذا قيل له كيف أصبحت قال أصبحت من ضعفاء مذنبين ~~نستوفي أرزاقنا وننتظر آجالنا # وكان أبو الدرداء إذا قيل له كيف أصبحت قال أصبحت بخير إن نجوت من النار # وكان سفيان الثوري إذا قيل له كيف أصبحت يقول أصبحت أشكر ذا إلى ذا وأذم ~~ذا إلى ذا وأفر من ذا إلى ذا وقيل لأويس القرني كيف أصبحت قال كيف يصبح رجل ~~إذا أمسى لا يدري أنه يصبح وإذا أصبح لا يدري أنه يمسي وقيل لمالك بن دينار ~~كيف أصبحت قال أصبحت في عمر ينقص وذنوب تزيد # وقيل لبعض الحكماء كيف أصبحت قال أصبحت لا أرضى حياتي لمماتي ولا نفسي ~~لربي # وقيل لحكيم كيف أصبحت قال أصبحت آكل رزق ربي وأطيع عدوه إبليس # وقيل لمحمد بن واسع كيف أصبحت قال ما ظنك برجل يرتحل كل يوم إلى الآخرة ~~مرحلة # وقيل لحامد اللفاف كيف أصبحت قال أصبحت أشتهي عافية يوم إلى الليل فقيل ~~له ألست في عافية في كل الأيام فقال # العافية يوم لا أعصي الله تعالى فيه # وقيل لرجل وهو يجود بنفسه ما حالك فقال وما حال من يريد سفرا بعيدا بلا ~~زاد ويدخل قبرا موحشا بلا مؤنس وينطلق إلى ملك عدل بلا حجة # وقيل لحسان ابن أبي سنان ما حالك قال ما حال من يموت ثم يبعث ثم يحاسب # وقال ابن سيرين لرجل كيف حالك فقال وما حال من عليه خمسمائة درهم دينا ~~وهو معيل فدخل ابن سيرين منزله فأخرج له ألف درهم فدفعها إليه وقال خمسمائة ~~اقض بها دينك وخمسمائة عد بها على نفسك وعيالك ولم يكن عنده غيرها ثم قال ~~والله لا أسأل أحدا عن حاله أبدا # وإنما فعل ذلك لأنه خشي أن يكون سؤاله من غير اهتمام بأمره فيكون بذلك ~~مرائيا منافقا # فقد كان سؤالهم عن أمور الدين وأحوال القلب في معاملة الله وإن سألوا عن ~~أمور الدنيا فعن اهتمام وعزم على القيام بما يظهر لهم من الحاجة # وقال بعضهم إني لأعرف أقواما كانوا لا يتلاقون ولو حكم أحدهم على صاحبه ~~بجميع ما يملكه لم يمنعه وأرى الآن أقواما يتلاقون ويتساءلون حتى عن ~~الدجاجة في البيت # ولو انبسط أحدهم لحبة من مال صاحبه لمنعه فهل هذا إلا مجرد الرياء ~~والنفاق وآية ذلك أنك ترى هذا يقول كيف أنت ويقول الآخر كيف أنت فالسائل لا ~~ينتظر الجواب والمسئول يشتغل بالسؤال ولا يجيب وذلك لمعرفتهم بأن ذلك عن ~~رياء وتكلف # ولعل القلوب لا تخلو عن ضغائن وأحقاد والألسنة تنطق بالسؤال # قال الحسن إنما كانوا يقولون السلام عليكم إذا سلمت والله القلوب وأما ~~الآن فكيف أصبحت عافاك الله كيف أنت أصلحك الله فإن أخذنا بقولهم كانت بدعة ~~لا كرامة فإن شاءوا غضبوا علينا وإن شاءوا لا # وإنما قال ذلك لأن البداية بقولك كيف أصبحت بدعة # وقال رجل لأبي بكر بن عياش كيف أصبحت فما أجابه # وقال دعونا من هذه البدعة # وقال إنما حدث هذا في زمان الطاعون الذي كان يدعى طاعون عمواس بالشام من ~~الموت الذريع كان الرجل يلقاه أخوه غدوة فيقول كيف أصبحت من الطاعون ويلقاه ~~عشية فيقول كيف أمسيت والمقصود أن الالتقاء في غالب العادات ليس يخلو عن ~~أنواع من التصنع والرياء والنفاق وكل ذلك مذموم بعضه محظور وبعضه مكروه # وفي العزلة الخلاص من ذلك فإن من لقي الخلق ولم يخالقهم بأخلاقهم مقتوه ~~واستثقلوه واغتابوه وتشمروا لإيذائه فيذهب دينهم فيه ويذهب دينه ودنياه في ~~الانتقام منهم # وأما مسارقة الطبع مما يشاهده من أخلاق الناس وأعمالهم فهو داء دفين قلما ~~يتنبه له العقلاء فضلا عن الغافلين فلا يجالس الإنسان فاسقا مدة مع كونه ~~منكرا عليه في باطنه إلا ولو قاس نفسه إلى ما قبل مجالسته لأدرك بينهما ~~تفرقة في النفرة عن الفساد واستثقاله إذ يصير للفساد بكثرة المشاهدة هينا ~~على الطبع فيسقط وقعه واستعظامه له PageV02P230 وإنما الوازع عنه شدة وقعه ~~في القلب فإذا صار مستصغرا بطول المشاهدة أوشك أن تنحل القوة الوازعة ويذعن ~~الطبع للميل إليه أو لما دونه # ومهما طالت مشاهدته للكبائر من غيره استحقر الصغائر من نفسه ولذلك يزدري ~~الناظر إلى الأغنياء نعمة الله عليه فتؤثر مجالستهم في أن يستصغر ما عنده ~~وتؤثر مجالسة الفقراء في استعظام ما أتيح له من النعم # وكذلك النظر إلى المطيعين والعصاة هذا تأثيره في الطبع من يقصر نظره على ~~ملاحظة أحوال الصحابة والتابعين في العبادة والتنزه عن الدنيا فلا يزال ~~ينظر إلى نفسه بعين الاستصغار وإلى عبادته بعين الاستحقار وما دام يرى نفسه ~~مقصرا فلا يخلو عن داعية الاجتهاد رغبة في الاستكمال واستتماما للاقتداء # ومن نظر إلى الأحوال الغالبة على أهل الزمان وإعراضهم عن الله وإقبالهم ~~على الدنيا واعتيادهم المعاصي استعظم أمر نفسه بأدنى رغبة في الخير يصادفها ~~في قلبه وذلك هو الهلاك # ويكفي في تغيير الطبع مجرد سماع الخير والشر فضلا عن مشاهدته # وبهذه الدقيقة يعرف سر قوله صلى الله عليه وسلم عند ذكر الصالحين تنزل ~~الرحمة + حديث عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة ليس له أصل في الحديث المرفوع ~~وإنما هو من قول سفيان ابن عيينة كذا رواه ابن الجوزي في مقدمة صفوة الصفوة ~~+ # وإنما الرحمة دخول الجنة ولقاء الله وليس ينزل عند الذكر عين ذلك ولكن ~~سببه وهو انبعاث الرغبة من القلب وحركة الحرص على الاقتداء بهم والاستنكاف ~~عما هو ملابس له من القصور والتقصير # ومبدأ الرحمة فعل الخير ومبدأ فعل الخير الرغبة ومبدأ الرغبة ذكر أحوال ~~الصالحين فهذا معنى نزول الرحمة # والمفهوم من فحوى هذا الكلام عند الفطن كالمفهوم من عكسه وهو أن عند ذكر ~~الفاسقين تنزل اللعنة لأن كثرة ذكرهم تهون على الطبع أمر المعاصي واللعنة ~~هي البعد # ومبدأ البعد من الله هو المعاصي والإعراض عن الله بالإقبال على الحظوظ ~~العاجلة والشهوات الحاضرة لا على الوجه المشروع # ومبدأ المعاصي سقوط ثقلها وتفاحشها عن القلب # ومبدأ سقوط الثقل وقوع الأنس بها بكثرة السماع # إذا كان هذا حال ذكر الصالحين والفاسقين فما ظنك بمشاهدتهم بل قد صرح ~~بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال مثل الجليس السوء كمثل الكير إن ~~لم يحرقك بشرره علق بك من ريحه + حديث مثل الجليس السوء كمثل الكير الحديث ~~متفق عليه من حديث أبي موسى + # فكما أن الريح يعلق بالثوب ولا يشعر به فكذلك يسهل الفساد على القلب وهو ~~لا يشعر به # وقال مثل الجليس الصالح مثل صاحب المسك إن لم يهب لك منه تجد ريحه ولهذا ~~أقول من عرف من عالم زلة حرم عليه حكايتها لعلتين إحداهما أنها غيبة ~~والثانية وهي أعظمهما # أن حكايتها تهون على المستمعين أمر تلك الزلة ويسقط من قلوبهم استعظامهم ~~الإقدام عليها فيكون ذلك سببا لتهوين تلك المعصية فإنه مهما وقع فيها ~~فاستنكر ذلك دفع الاستنكار وقال كيف يستبعد هذا منا وكلنا مضطرون إلى مثله ~~حتى العلماء والعباد ولو اعتقد أن مثل ذلك لا يقدم عليه عالم ولا يتعاطاه ~~موفق معتبر لشق عليه الإقدام فكم من شخص يتكالب على الدنيا ويحرص عل جمعها ~~ويتهالك على حب الرياسة وتزيينها ويهون على نفسه قبحها ويزعم أن الصحابة ~~رضي الله عنهم لم ينزهوا أنفسهم عن حب الرياسة وربما يستشهد عليه بقتال علي ~~ومعاوية ويخمن في نفسه أن ذلك لم يكن لطلب الحق بل لطلب الرياسة فهذا ~~الإعتقاد خطأ يهون عليه أمر الرياسة ولوازمها من المعاصي # والطبع اللئيم يميل إلى اتباع الهفوات والإعراض عن الحسنات بل إلى تقدير ~~الهفوة فيما لا هفوة فيه بالتنزيل على مقتضى الشهوة ليتعلل به وهو من دقائق ~~مكايد الشيطان ولذلك وصف الله المراغمين للشيطان فيها بقوله @QB@ الذين ~~يستمعون القول فيتبعون أحسنه @QE@ وضرب صلى الله عليه وسلم لذلك مثلا وقال ~~مثل الذي يجلس يستمع الحكمة ثم لا يعمل إلا بشر ما يستمع كمثل رجل أتى ~~راعيا فقال له يا راعي اجرر لي شاة من غنمك فقال اذهب فخذ خير شاة فيها ~~فذهب PageV02P231 عليه السلام فأخذ بأذن كلب الغنم + حديث مثل الذي يسمع ~~الحكمة ثم لا يحمل منها إلا شر ما يسمع كمثل رجل أتى راعيا فقال يا راعي ~~اجرر لي شاة من غنمك الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بسند ضعيف + # وكل من ينقل هفوات الأئمة فهذا مثاله أيضا # ومما يدل على سقوط وقع الشيء عن القلب بسبب تكرره ومشاهدته أن أكثر الناس ~~إذا رأوا مسلما أفطر في نهار رمضان استبعدوا ذلك منه استبعادا يكاد يفضي ~~إلى اعتقادهم كفره وقد يشاهدون من يخرج الصلوات عن أوقاتها ولا تنفر عنه ~~طباعهم كنفرتهم عن تأخير الصوم مع أن صلاة واحدة يقتضي تركها الكفر عند قوم ~~وحز الرقبة عند قوم وترك صوم رمضان كله لا يقتضيه ولا سبب له إلا أن الصلاة ~~تتكرر والتساهل فيها مما يكثر فيسقط وقعها بالمشاهدة عن القلب # ولذلك لو لبس الفقيه ثوبا من حرير أو خاتما من ذهب أو شرب من إناء فضة ~~استبعدته النفوس واشتد إنكارها وقد يشاهد في مجلس طويل لا يتكلم إلا بما هو ~~اغتياب للناس ولا يستبعد منه ذلك # والغيبة أشد من الزنا فكيف لا تكون أشد من لبس الحرير ولكن كثرة سماع ~~الغيبة ومشاهدة المغتابين أسقط وقعها عن القلوب وهون على النفس أمرها فتفطن ~~لهذه الدقائق وفر من الناس فرارك من الأسد لأنك لا تشاهد منهم إلا ما يزيد ~~في حرصك على الدنيا وغفلتك عن الآخرة ويهون عليك المعصية ويضعف رغبتك في ~~الطاعة # فإن وجدت جليسا يذكرك الله رؤيته وسيرته فالزمه ولا تفارقه واغتنمه ولا ~~تستحقره فإنها غنيمة العاقل وضالة المؤمن # وتحقق أن الجليس الصالح خير من الوحدة وأن الوحدة خير من الجليس السوء # ومهما فهمت هذه المعاني ولاحظت طبعك والتفت إلى حال من أردت مخالطته لم ~~يخف عليك أن الأولى التباعد بالعزلة أو التقرب إليه بالخلطة # وإياك أن تحكم مطلقا على العزلة أو الخلطة بأن إحداهما أولى إذ كل مفصل ~~فإطلاق القول فيه بلا أو نعم خلف من القول محض ولا حق في المفصل إلا ~~التفصيل # | الفائدة الثالثة الخلاص من الفتن والخصومات وصيانة الدين والنفس عن # الخوض فيها والتعرض لأخطارها وقلما تخلو البلاد عن تعصبات وفتن وخصومات ~~فالمعتزل عنهم في سلامة منها # قال عبد الله بن عمرو بن العاص لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~الفتن ووصفها وقال إذا رأيت الناس مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانوا هكذا ~~وشبك بين أصابعه قلت فما تأمرني فقال الزم بيتك واملك عليك لسانك وخذ ما ~~تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر الخاصة ودع عنك أمر العامة + حديث عبد الله بن ~~عمرو بن العاص إذا رأيت الناس مرجت عهودهم وخفت أماناتهم الحديث أخرجه أبو ~~داود والنسائي في اليوم والليلة بإسناد حسن + # وروى أبو سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم قال يوشك أن يكون خير مال ~~المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن من شاهق ~~إلى شاهق + حديث أبي سعيد الخدري يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع ~~بها شعاف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن رواه البخاري + # وروى عبد الله ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال سيأتي على الناس ~~زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من قرية إلى قرية ومن شاهق إلى ~~شاهق ومن جحر إلى جحر كالثعلب الذي يروغ قيل له ومتى ذلك يا رسول الله قال ~~إذا لم تنل المعيشة إلا بمعاصي الله تعالى فإذا كان ذلك الزمان حلت العزوبة ~~قالوا وكيف يا رسول الله وقد أمرتنا بالتزويج قال إذا كان ذلك الزمان كان ~~هلاك الرجل على يد أبويه فإن لم يكن له أبوان فعلى يدي زوجته وولده فإن لم ~~يكن فعلى يدي قرابته قالوا وكيف ذلك يا رسول الله قال يعيرونه بضيق اليد ~~فيتكلف ما لا يطيق حتى يورده ذلك موارد الهلكة + حديث ابن مسعود سيأتي على ~~الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من قرية إلى قرية ومن ~~شاهق إلى شاهق تقدم في النكاح + # وهذا الحديث وإن كان في العزوبة فالعزلة مفهومة منه إذ لا يستغني المتأهل ~~عن PageV02P232 المعيشة والمخالطة ثم لا ينال المعيشة إلا بمعصية الله ~~تعالى ولست أقول هذا أو أن ذلك الزمان فلقد كان هذا بأعصار قبل هذا العصر ~~ولأجله قال سفيان والله لقد حلت العزلة # وقال ابن مسعود رضي الله عنه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام ~~الفتنة وأيام الهرج قلت وما الهرج قال حين لا يأمن الرجل جليسه قلت فبم ~~تأمرني إن أدركت ذلك الزمان قال كف نفسك ويدك وادخل دارك قال قلت يا رسول ~~الله أرأيت إن دخل على داري قال فادخل بيتك قلت فإن دخل على بيتي قال فادخل ~~مسجدك واصنع هكذا وقبض على الكوع وقل ربي الله حتى تموت + حديث ابن مسعود ~~ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتنة وأيام الهرج قلت وما الهرج قال ~~حين لا يأمن الرجل جليسه الحديث أخرجه أبو داود مختصرا والخطابي في العزلة ~~بتمامه وفي إسناده عند الخطابي انقطاع ووصله أبو داود بزيادة رجل اسمه سالم ~~يحتاج إلى معرفته + # وقال سعد لما دعي إلى الخروج أيام معاوية لا إلا أن تعطوني سيفا له عينان ~~بصيرتان ولسان ينطق بالكافر فأقتله وبالمؤمن فأكف عنه وقال مثلنا ومثلكم ~~كمثل قوم كانوا على محجة بيضاء فبينما هم كذلك يسيرون إذ هاجت ريح عجاجة ~~فضلوا الطريق فالتبس عليهم فقال بعضهم الطريق ذات اليمين فأخذوا فيها ~~فتاهوا وضلوا وقال بعضهم ذات الشمال فأخذوا فيها فتاهوا وضلوا وأناخ آخرون ~~وتوقفوا حتى ذهبت الريح وتبينت الطريق فسافروا # فاعتزل سعد وجماعة معه فارقوا الفتن ولم يخالطوا إلا بعد زوال الفتن # وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه لما بلغه أن الحسين رضي الله عنه توجه ~~إلى العراق تبعه فلحقه على مسيرة ثلاثة أيام فقال له أين تريد فقال العراق # فإذا معه طوامير وكتب فقال هذه كتبهم وبيعتهم فقال لا تنظر إلى كتبهم ولا ~~تأتهم فأبى فقال إني أحدثك حديثا جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره ~~بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة على الدنيا وإنك بضعة من رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم والله لا يليها أحد منكم أبدا وما صرفها عنكم إلا للذي هو ~~خير لكم فأبى أن يرجع فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال أستودعك الله من قتيل أو ~~أسير + حديث ابن عمر أنه لما بلغه أن الحسين توجه إلى العراق لحقه على ~~مسيرة ثلاثة أيام الحديث وفيه أنه صلى الله عليه وسلم خير بين الدنيا ~~والآخرة فاختار الآخرة رواه الطبراني مقتصرا على المرفوع رواه في الأوسط ~~بذكر قصة الحسين مختصرة ولم يقل على مسيرة ثلاثة أيام وكذا رواه البزار ~~بنحوه وإسنادهما حسن + # وكان في الصحابة عشرة آلاف فما خف أيام الفتنة أكثر من أربعين رجلا # وجلس طاوس في بيته فقيل له في ذلك فقال فساد الزمان وحيف الأئمة # ولما بنى عروة قصره بالعقيق ولزمه قيل له لزمت القصر وتركت مسجد رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فقال رأيت مساجدكم لاهية وأسواقكم لاغية والفاحشة ~~في فجاجكم عالية وفيما هناك عما أنتم فيه عافية # فإذن الحذر من الخصومات ومثارات الفتن إحدى فوائد العزلة # | الفائدة الرابعة الخلاص من شر الناس # فإنهم يؤذونك مرة بالغيبة ومرة بسوء الظن والتهمة بالاقتراحات والأطماع ~~الكاذبة التي يعسر الوفاء بها وتارة بالنميمة أو الكذب فربما يرون منك من ~~الأعمال أو الأقوال ما لا تبلغ عقولهم كنهه فيتخذون ذلك ذخيرة عندهم ~~يدخرونها لوقت تظهر فرصة للشر فإذا اعتزلتهم استغنيت من التحفظ عن جميع ذلك # ولذلك قال بعض الحكماء لغيره أعلمك بيتين خير من عشرة آلاف درهم ما هما ~~قال # اخفض الصوت إن نطقت بليل % والتفت بالنهار قبل المقال # ليس للقول رجعة حين يبدو % بقبيح يكون أو بجمال # ولا شك أن من اختلط بالناس وشاركهم في أعمالهم لا ينفك من حاسد وعدو يسيء ~~الظن به ويتوهم أنه يستعد PageV02P233 لمعاداته ونصب المكيدة عليه وتدسيس ~~غائلة وراءه فالناس مهما اشتد حرصهم على أمر @QB@ يحسبون كل صيحة عليهم هم ~~العدو فاحذرهم @QE@ وقد اشتد حرصهم على الدنيا فلا يظنون بغيرهم إلا الحرص ~~عليها قال المتنبي # إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه % وصدق ما يعتاده من توهم # وعادى محبيه بقول عداته % فأصبح في ليل من الشك مظلم # وقد قيل معاشرة الأشرار تورث سوء الظن بالأبرار # وأنواع الشر الذي يلقاه الإنسان من معارفه وممن يختلط به كثيرة ولسنا ~~نطول بتفصيلها ففيما ذكرناه إشارة إلى مجامعها وفي العزلة خلاص من جميعها # وإلى هذا أشار الأكثر ممن اختار العزلة # فقال أبو الدرداء أخبر تقله يروى مرفوعا # وقال الشاعر # من حمد الناس ولم يبلهم % ثم بلاهم ذم من يحمد # وصار بالوحدة مستأنسا % يوحشه الأقرب والأبعد # وقال عمر رضي الله عنه في العزلة راحة من القرين السوء # وقيل لعبد الله بن الزبير ألا تأتي المدينة فقال ما بقي فيها إلا حاسد ~~نعمة أو فرح بنقمة # وقال ابن السماك كتب صاحب لنا أما بعد فإن الناس كانوا دواء يتداوى به ~~فصاروا داء لا دواء له ففر منهم فرارك من الأسد # وكان بعض الأعراب يلازم شجرا ويقول هو نديم فيه ثلاث خصال إن سمع مني لم ~~ينم علي وإن تفلت في وجهه احتمل مني وإن عربدت عليه لم يغضب فسمع الرشيد ~~ذلك فقال زهدني في الندماء وكان بعضهم قد لزم الدفاتر والمقابر فقيل له ذلك ~~فقال لم أر أسلم من وحدة ولا أوعظ من قبر ولا جليسا أمتع من دفتر وقال ~~الحسن رضي الله عنه أردت الحج فسمع ثابت البناني بذلك وكان أيضا من أولياء ~~الله فقال بلغني أنك تريد الحج فأحببت أن أصحبك فقال له الحسن ويحك دعنا ~~نتعاشر بستر الله علينا إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت ~~عليه # وهذه إشارة إلى فائدة أخرى في العزلة وهو بقاء الستر على الدين والمروءة ~~والأخلاق والفقر وسائر العورات # وقد مدح الله سبحانه المتسترين فقال @QB@ يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ~~@QE@ وقال الشاعر # ولا عار إن زالت عن الحر نعمة % ولكن عارا أن يزول التجمل # ولا يخلو الإنسان في دينه ودنياه وأخلاقه وأفعاله عن عورات الأولى في ~~الدين والدنيا سترها ولا تبقى السلامة مع انكشافها # وقال أبو الدرداء كان الناس ورقا لا شوك فيه فالناس اليوم شوكا لا ورق ~~فيه # إذا كان هذا حكم زمانه وهو في أواخر القرن الأول فلا ينبغي أن يشك في أن ~~الأخير شر # وقال سفيان بن عيينة قال لي سفيان الثوري في اليقظة في حياته وفي المنام ~~بعد وفاته أقلل من معرفة الناس فإن التخلص منهم شديد ولا أحسب أني رأيت ما ~~أكره إلا ممن عرفت # وقال بعضهم جئت إلى مالك بن دينار وهو قاعد وحده وإذا كلب قد وضع حنكه ~~على ركبته # فذهب أطرده فقال دعه يا هذا هذا لا يضر ولا يؤذي وهو خير من جليس السوء # وقيل لبعضهم ما حملك على أن تعتزل الناس قال خشيت أن أسلب ديني ولا أشعر # وهذه إشارة إلى مسارقة الطبع من أخلاق القرين السوء # وقال أبو الدرداء اتقوا الله واحذروا الناس فإنهم ما ركبوا ظهر بعير إلا ~~أدبروه ولا ظهر جواد إلا عقروه ولا قلب مؤمن إلا خربوه # وقال بعضهم أقلل المعارف فإنه أسلم لدينك وقلبك وأخف لسقوط الحقوق عنك ~~لأنه كلما كثرت المعارف كبرت الحقوق وعسر القيام بالجميع # وقال بعضهم أنكر من تعرف ولا تتعرف إلى من لا تعرف PageV02P234 # | الفائدة الخامسة أن ينقطع طمع الناس عنك وينقطع طمعك عن الناس # فأما انقطاع طمع الناس عنك ففيه فوائد فإن رضا الناس غاية لا تدرك ~~فاشتغال المرء بإصلاح نفسه أولى ومن أهون الحقوق وأيسرها حضور الجنازة ~~وعيادة المريض وحضور الولائم والإملاكات وفيها تضييع الأوقات وتعرض للآفات ~~ثم قد تعوق عن بعضها العوائق وتستقبل فيها المعاذير ولا يمكن إظهار كل ~~الأعذار فيقولون له قمت بحق فلان وقصرت في حقنا ويصير ذلك سبب عداوة فقد ~~قيل من لم يعد مريضا في وقت العيادة اشتهى موته خيفة من تخجيله إذا صح على ~~تقصيره # ومن عمم الناس كلهم بالحرمان رضوا عنه كلهم ولو خصص استوحشوا # وتعميمهم بجميع الحقوق لا يقدر عليه المتجرد له طول الليل والنهار فكيف ~~من له مهم يشغله في دين أو دنيا قال عمرو بن العاص كثرة الأصدقاء كثرة ~~الغرماء # وقال ابن الرومي # عدوك من صديقك مستفاد % فلا تستكثرن من الصحاب # فإن الداء أكثر ما تراه % يكون من الطعام أو الشراب # وقال الشافعي رحمه الله أصل كل عداوة اصطناع المعروف إلى اللئام # وأما انقطاع طمعك عنهم فهو أيضا فائدة جزيلة فإن من نظر إلى زهرة الدنيا ~~وزينتها تحرك حرصه وانبعث بقوة الحرص طمعه ولا يرى إلا الخيبة في أكثر ~~الأحوال فيتأذى بذلك # ومهما اعتزل لم يشاهد وإذا لم يشاهد لم يشته ولم يطمع ولذلك قال الله ~~تعالى @QB@ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم @QE@ وقال صلى الله ~~عليه وسلم انظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن ~~لا تزدروا نعمة الله عليكم + حديث انظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى ~~من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم أخرجه مسلم من حديث ~~أبي هريرة + # وقال عون بن عبد الله كنت أجالس الأغنياء فلم أزل مغموما كنت أرى ثوبا ~~أحسن من ثوبي ودابة أفره من دابتي فجالست الفقراء فاسترحت # وحكى أن المزني رحمه الله خرج من باب جامع الفسطاط وقد أقبل ابن عبد ~~الحكم في موكبه فبهره ما رأى من حسن حاله وحسن هيئته فتلا قوله تعالى @QB@ ~~وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون @QE@ ثم قال بلى أصبر وأرضى وكان فقيرا ~~مقلا # فالذي هو في بيته لا يبتلى بمثل هذه الفتن # فإن من شاهد زينة الدنيا فإما أن يقوى دينه ويقينه فيصبر إلى أن يتجرع ~~مرارة الصبر وهو أمر من الصبر أو تنبعث رغبته فيحتال في طلب الدنيا فيهلك ~~هلاكا مؤبدا أما في الدنيا فبالطمع الذي يخيب في أكثر الأوقات فليس كل من ~~يطلب الدنيا تتيسر له وأما في الآخرة فإيثاره متاع الدنيا على ذكر الله ~~تعالى والتقرب إليه # ولذلك قال ابن الأعرابي # إذا كان باب الذل من جانب الغنى % سموت إلى العلياء من جانب الفقر # أشار إلى أن الطمع يوجب في الحال ذلا # | الفائدة السادسة الخلاص من مشاهدة الثقلاء والحمقى ومقاساة حمقهم # وأخلاقهم فإن رؤية الثقيل هي العمى الأصغر # قيل للأعمش مم عمشت عيناك قال من النظر إلى الثقلاء # ويحكى أنه دخل عليه أبو حنيفة فقال في الخبر @QB@ أن من @QE@ PageV02P235 ~~سلب الله كريمتيه عوضه الله عنهما ما هو خير منهما + حديث من سلب الله ~~كريمتيه عوضه عنهما ما هو خير منهما أخرجه الطبراني بإسناد ضعيف من حديث ~~جرير من سلبت كريمتيه عوضته عنهما الجنة وله ولأحمد نحوه من حديث أبي أمامة ~~بسند حسن وللبخاري من حديث أنس يقول الله تبارك وتعالى إذا ابتليت عبدي ~~بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة يريد عينيه + # فما الذي عوضك فقال في معرض المطايبة عوضني الله منهما أنه كفاني رؤية ~~الثقلاء وأنت منهم # وقال ابن سيرين سمعت رجلا يقول نظرت إلى ثقيل مرة فغشي علي # وقال جالينوس لكل شيء حمى وحمى الروح النظر إلى الثقلاء # وقال الشافعي رحمه الله ما جالست ثقيلا إلا وجدت الجانب الذي يليه من ~~بدني كأنه أثقل علي من الجانب الآخر # وهذه الفوائد ما سوى الأوليين متعلقة بالمقاصد الدنيوية الحاضرة ولكنها ~~أيضا تتعلق بالدين # فإن الإنسان مهما تأذى برؤية ثقيل لم يأمن أن يغتابه وأن يستنكر ما هو ~~صنع الله فإذا تأذى من غيره بغيبة أو سوء ظن أو محاسدة أو نميمة أو غير ذلك ~~لم يصبر عن مكافأته # وكل ذلك يجر إلى فساد الدين وفي العزلة سلامة عن جميع ذلك فليفهم آفات ~~العزلة # اعلم أن من المقاصد الدينية والدنيوية ما يستفاد بالاستعانة بالغير ولا ~~يحصل ذلك إلا بالمخالطة # فكل ما يستفاد من المخالطة يفوت بالعزلة وفواته من آفات العزلة # فانظر إلى فوائد المخالطة والدواعي إليها ما هي وهي التعليم والتعلم ~~والنفع والانتفاع والتأديب والتأدب والاستيناس والإيناس ونيل الثواب ~~وإنالته في القيام بالحقوق واعتياد التواضع واستفادة التجارب من مشاهدة ~~الأحوال والاعتبار بها # فلنفصل ذلك فإنها من فوائد المخالطة وهي سبع # | الفائدة الأولى التعليم والتعلم # وقد ذكرنا فضلهما في كتاب العلم وهما أعظم العبادات في الدنيا # ولا يتصور ذلك إلا بالمخالطة إلا أن العلوم كثيرة وعن بعضها مندوحة ~~وبعضها ضروري في الدنيا # فالمحتاج إلى التعلم لما هو فرض عليه عاص بالعزلة # وإن تعلم الفرض وكان لا يتأتى منه الخوض في العلوم ورأى الاشتغال ~~بالعبادة فليعتزل # وإن كان يقدر على التبرز في علوم الشرع والعقل فالعزلة في حقه قبل التعلم ~~غاية الخسران # ولهذا قال النخعي وغيره تفقه ثم اعتزل فمن اعتزل قبل التعلم فهو في ~~الأكثر مضيع أوقاته بنوم أو فكر في هوس وغايته أن يستغرق الأوقات بأوراد ~~يستوعبها ولا ينفك في أعماله بالبدن والقلب عن أنواع من الغرور يخيب سعيه ~~ويبطل عمله بحيث لا يدري ولا ينفك اعتقاده في الله وصفاته عن أوهام يتوهمها ~~ويأنس بها وعن خواطر فاسدة تعتريه فيها فيكون في أكثر أحواله ضحكة للشيطان ~~وهو يرى نفسه من العباد # فالعلم هو أصل الدين فلا خير في عزلة العوام والجهال أعني من لا يحسن ~~العبادة في الخلوة ولا يعرف جميع ما يلزم فيها # فمثال النفس مثال مريض يحتاج إلى طبيب متلطف يعالجه فالمريض الجاهل إذا ~~خلا بنفسه عن الطبيب قبل أن يتعلم الطب تضاعف لا محالة مرضه # فلا تليق العزلة إلا بالعالم وأما التعليم ففيه ثواب عظيم مهما صحت نية ~~المعلم والمتعلم # ومهما كان القصد إقامة الجاه والاستكثار بالأصحاب والأتباع فهو هلاك ~~الدين # وقد ذكرنا وجه ذلك في كتاب العلم # وحكم في العالم في هذا الزمان أن يعتزل إن أراد سلامة دينه # فإنه لا يرى مستفيدا يطلب فائدة لدينه بل لا طالب إلا لكلام مزخرف يستميل ~~به العوام في معرض الوعظ أو الجدل معقد يتوصل به إلى إفحام الأقران ويتقرب ~~به إلى السلطان ويستعمل في معرض المنافسة والمباهاة وأقرب علم مرغوب فيه ~~المذهب ولا يطلب غالبا إلا للتوصل إلى التقدم على الأمثال وتولي الولايات ~~واجتلاب الأموال # فهؤلاء كلهم يقتضي الدين والحزم الاعتزال عنهم PageV02P236 فإن صودف طالب ~~لله ومتقرب بالعلم إلى الله فأكبر الكبائر الاعتزال عنه وكتمان العلم منه ~~وهذا لا يصادف في بلدة كبيرة أكثر من واحد أو اثنين إن صودف # ولا ينبغي أن يغتر الإنسان بقول سفيان تعلمنا العلم لغير الله فأبى العلم ~~أن يكون إلا لله فإن الفقهاء يتعلمون لغير الله ثم يرجعون إلى الله # وانظر إلى أواخر أعمار الأكثرين منهم واعتبرهم أنهم ماتوا وهم هلكى على ~~طلب الدنيا ومتكالبون عليها أو راغبون عنها وزاهدون فيها وليس الخبر ~~كالمعاينة # واعلم أن العلم الذي أشار إليه سفيان هو علم الحديث وتفسير القرآن ومعرفة ~~سير الأنبياء والصحابة فإن فيها التخويف والتحذير وهو سبب لإثارة الخوف من ~~الله فإن لم يؤثر في الحال أثر في المآل # وأما الكلام والفقه المجرد الذي يتعلق بفتاوى المعاملات وفصل الخصومات ~~المذهب منه والخلاف لا يرد الراغب فيه للدنيا إلى الله بل لا يزال متماديا ~~في حرصه إلى آخر عمره # ولعل ما أودعناه هذا الكتاب إن تعلمه المتعلم رغبة في الدنيا فيجوز أن ~~يرخص فيه إذ يرجى أن ينزجر به في آخر عمره فإنه مشحون بالتخويف بالله ~~والترغيب في الآخرة والتحذير من الدنيا وذلك مما يصادف في الأحاديث وتفسير ~~القرآن ولا يصادف في كلام ولا في خلاف ولا في مذهب # فلا ينبغي أن يخادع الإنسان نفسه فإن المقصر العالم بتقصيره أسعد حالا من ~~الجاهل المغرور أو المتجاهل المغبون وكل عالم اشتد حرصه على التعليم يوشك ~~أن يكون غرضه القبول والجاه وحظه تلذذ النفس في الحال باستشعار الإدلال على ~~الجهال والتكبر عليهم فآفة العلم الخيلاء + حديث آفة العلم الخيلاء المعروف ~~ما رواه مطين في مسنده من حديث علي بن أبي طالب بسند ضعيف آفة العلم ~~النسيان وآفة الحمال الخيلاء + # كما قال صلى الله عليه وسلم # ولذلك حكى عن بشر أنه دفن سبعة عشر قمطرا من كتب الأحاديث التي سمعها ~~وكان لا يحدث ويقول إني أشتهي أن أحدث فلذلك لا أحدث ولو اشتهيت أن لا أحدث ~~لحدثت ولذلك قال حدثنا باب من أبواب الدنيا وإذا قال الرجل حدثنا فإنما ~~يقول أوسعوا لي # وقالت رابعة العدوية لسفيان الثوري نعم الرجل أنت لولا رغبتك في الدنيا ~~قال وفيماذا رغبت قالت في الحديث # ولذلك قال أبو سليمان الداراني من تزوج أو طلب الحديث أو اشتغل بالسفر ~~فقد ركن إلى الدنيا # فهذه آفات قد نبهنا عليها في كتاب العلم والحزم الاحتراز بالعزلة وترك ~~الاستكثار من الأصحاب ما أمكن بل الذي يطلب الدنيا بتدريسه وتعليمه فالصواب ~~له إن كان غافلا في مثل هذا الزمان أن يتركه # فلقد صدق أبو سليمان الخطابي حيث قال دع الراغبين في صحبتك والتعلم منك ~~فليس لك منهم مال ولا جمال إخوان العلانية أعداء السر إذا لقوك تملقوك وإذا ~~غبت عنهم سلقوك من أتاك منهم كان عليك رقيبا وإذا خرج كان عليك خطيبا أهل ~~نفاق ونميمة وغل وخديعة فلا تغتر باجتماعهم عليك فما غرضهم العلم بل الجاه ~~والمال وأن يتخذوك سلما إلى أوطارهم وأغراضهم وحمارا في حاجاتهم إن قصرت في ~~غرض من أغراضهم كانوا أشد أعدائك ثم يعدون ترددهم إليك دالة عليك ويرونه ~~حقا واجبا لديك ويفرضون عليك أن تبذل عرضك وجاهك ودينك لهم فتعادي عدوهم ~~وتنصر قريبهم وخادمهم ووليهم وتنتهض لهم سفيها وقد كنت فقيها وتكون لهم ~~تابعا خسيسا بعد أن كنت متبوعا رئيسا # ولذلك قيل اعتزال العامة مروءة تامة # فهذا معنى كلامه وإن خالف بعض ألفاظه وهو حق وصدق # فإنك ترى المدرسين في رق دائم وتحت حق لازم ومنة ثقيلة ممن يتردد إليهم ~~فكأنه يهدي تحفه إليهم ويرى حقه واجبا عليهم # وربما لا يختلف إليه ما لم يتكفل برزق له على الإدرار # ثم إن المدرس المسكين قد يعجز عن القيام بذلك من ماله فلا يزال مترددا ~~إلى أبواب السلاطين ويقاسي الذل والشدائد مقاساة الذليل PageV02P237 المهين ~~حتى يكتب له على بعض وجوه السحت مال حرام ثم لا يزال العامل يسترقه ~~ويستخدمه ويمتهنه ويستذله إلى أن يسلم إليه ما يقدره نعمة مستأنفة من عنده ~~عليه ثم يبقى في مقاساة القسمة على أصحابه إن سوى بينهم مقته المميزون ~~ونسبوه إلى الحمق وقلة التمييز والقصور عن درك مصارفات الفضل والقيام ~~بمقادير الحقوق بالعدل وإن فاوت بينهم سلقه السفهاء بألسن حداد وثاروا عليه ~~ثوران الأساود والآساد فلا يزال في مقاساتهم في الدنيا وفي مطالبة ما يأخذه ~~ويفرقه عليهم في العقبى # والعجب أنه مع هذا البلاء كله يمني نفسه بالأباطيل ويدليها بحبل الغرور ~~ويقول لها لا تفتري عن صنيعك فإنما أنت بما تفعلينه مريدة وجه الله تعالى ~~ومذيعة شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم وناشرة علم دين الله وقائمة ~~بكفاية طلاب العلم من عباد الله وأموال السلاطين لا مالك لها وهي مرصدة ~~للمصالح وأي مصلحة أكبر من تكثير أهل العلم فبهم يظهر الدين ويتقوى أهله # ولو لم يكن ضحكة للشيطان لعلم بأدنى تأمل أن فساد الزمان لا سبب له إلا ~~كثرة أمثال أولئك الفقهاء الذين يأكلون ما يجدون ولا يميزون بين الحلال ~~والحرام فتلحظهم أعين الجهال ويستجرئون على المعاصي باستجرائهم اقتداء بهم ~~واقتفاء لآثارهم # ولذلك قيل ما فسدت الرعية إلا بفساد الملوك وما فسدت الملوك إلا بفساد ~~العلماء # فنعوذ بالله من الغرور والعمى فإنه الداء الذي ليس له دواء # | الفائدة الثانية النفع والانتفاع # أما الانتفاع بالناس فبالكسب والمعاملة # وذلك لا يتأتى إلا بالمخالطة والمحتاج إليه مضطر إلى ترك العزلة فيقع في ~~جهاد من المخالطة أن طلب موافقة الشرع فيه كما ذكرناه في كتاب الكسب فإن ~~كان معه مال لو اكتفى به قانعا لأقنعه فالعزلة أفضل له إذا انسدت طرق ~~المكاسب في الأكثر إلى من المعاصي إلا أن يكون غرضه الكسب للصدقة # فإذا اكتسب من وجهه وتصدق به فهو أفضل من العزلة للاشتغال بالنافلة وليس ~~بأفضل من العزلة للاشتغال بالتحقق في معرفة الله ومعرفة علوم الشرع ولا من ~~الإقبال بكنه الهمة على الله تعالى والتجرد بها لذكر الله أعني من حصل له ~~أنس بمناجاة الله عن كشف وبصيرة لا عن أوهام وخيالات فاسدة # وأما النفع فهو أن ينفع الناس إما بماله أو ببدنه فيقوم بحاجاتهم على ~~سبيل الحسبة # ففي النهوض بقضاء حوائج المسلمين ثواب وذلك لا ينال إلا بالمخالطة # ومن قدر عليها مع القيام بحدود الشرع فهي أفضل له من العزلة إن كان لا ~~يشتغل في عزلته إلا بنوافل الصلوات والأعمال البدنية وإن كان ممن انفتح له ~~طريق العمل بالقلب بدوام ذكر أو فكر فذلك لا يعدل به غيره ألبتة # | الفائدة الثالثة التأديب والتأدب # ونعني به الارتياض بمقاساة الناس والمجاهدة في تحمل أذاهم كسرا للنفس ~~وقهرا للشهوات # وهي من الفوائد التي تستفاد بالمخالطة وهي أفضل من العزلة في حق من لم ~~تتهذب أخلاقه ولم تذعن لحدود الشرع شهواته ولهذا انتدب خدام الصوفية في ~~الرباطات فيخالطون الناس بخدمتهم وأهل السوق للسؤال منهم كبرا لرعونة النفس ~~واستمدادا من بركة دعاء الصوفية المنصرفين بهممهم إلى الله سبحانه # وكان هذا هو المبدأ في الأعصار الخالية والآن قد خالطته الأغراض الفاسدة ~~ومال ذلك عن القانون كما مالت سائر شعائر الدين فصار يطلب من التواضع ~~بالخدمة التكثير بالاستتباع والتذرع إلى جمع المال والاستظهار بكثرة ~~الأتباع فإن كانت النية هذه فالعزلة خير من ذلك ولو إلى القبر وإن كانت ~~النية رياضة النفس فهي خير من العزلة في حق المحتاج إلى الرياضة وذلك مما ~~يحتاج إليه في بداية الإرادة فبعد حصول الارتياض ينبغي أن يفهم أن الدابة ~~لا يطلب من رياضتها عين رياضتها بل المراد منها أن تتخذ PageV02P238 مركبا ~~يقطع به المراحل ويطوي على ظهره الطريق والبدن مطية للقلب يركبها ليسلك بها ~~طريق الآخرة وفيها شهوات إن لم يكسرها جمحت به في الطريق فمن اشتغل طول ~~العمر بالرياضة كان كمن اشتغل طول عمر الدابة برياضتها ولم يركبها فلا ~~يستفيد منها إلا الخلاص في الحال في عضها ورفسها ورمحها وهي لعمري فائدة ~~مقصودة ولكن مثلها حاصل في البهيمة الميتة وإنما ترد الدابة لفائدة تحصل من ~~حياتها فكذلك الخلاص من ألم الشهوات في الحال يحصل بالنوم والموت ولا ينبغي ~~أن يقنع به كالراهب الذي قيل له يا راهب فقال ما أنا راهب إنما أنا كلب ~~عقور حبست نفسي حتى لا أعقر الناس وهذا حسن بالإضافة إلى من يعقر الناس ~~ولكن لا ينبغي أن يقتصر عليه فإن من قتل نفسه أيضا لم يعقر الناس بل ينبغي ~~أن يتشوف إلى الغاية المقصودة بها # ومن فهم ذلك واهتدى إلى الطريق وقدر على السلوك استبان له أن العزلة أعون ~~له من المخالطة # فأفضل لمثل هذا الشخص المخالطة أولا والعزلة آخرا # وأما التأديب فإنما نعني به أن يروض غيره وهو حال شيخ الصوفية معهم فإنه ~~لا يقدر على تهذيبهم إلا بمخالطتهم وحاله حال المعلم وحكمه ويتطرق إليه من ~~دقائق الآفات والرياء ما يتطرق إلى نشر العلم إلا أن مخايل طلب الدنيا من ~~المريدين الطالبين للارتياض أبعد منها من طلبه العلم ولذلك يرى فيهم قلة ~~وفي طلبة العلم كثرة # فينبغي أن يقيس ما تيسر له من الخلوة بما تيسر له من المخالطة وتهذيب ~~القوم وليقابل أحدهما بالآخر وليؤثر الأفضل وذلك يدرك بدقيق الاجتهاد ~~ويختلف بالأحوال والأشخاص فلا يمكن الحكم عليه مطلقا بنفي ولا إثبات # | الفائدة الرابعة الاستئناس والإيناس # وهو غرض من يحضر الولائم والدعوات ومواضع المعاشرة والأنس وهذا يرجع إلى ~~حظ النفس في الحال # وقد يكون ذلك على وجه حرام بمؤانسة من لا تجوز مؤانسته أو على وجه مباح # وقد يستحب ذلك الأمر الدين وذلك فيمن تستأنس بمشاهدة أحواله وأقواله في ~~الدين كالأنس بالمشايخ الملازمين لسمت التقوى # وقد يتعلق بحظ النفس ويستحب إذا كان الغرض منه ترويح القلب لتهييج دواعي ~~النشاط في العبادة فإن القلوب إذا أكرهت عميت ومهما كان في الوحدة وحشة وفي ~~المجالسة أنس يروح القلب فهي أولى إذ الوفق في العبادة من حزم العبادة ~~ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن الله لا يمل حتى تملوا + حديث إن الله لا ~~يمل حتى تملوا تقدم + # وهذا أمر لا يستغنى عنه فإن النفس لا تألف الحق على الدوام ما لم تروح ~~وفي تكليفها الملازمة داعية للفترة وهذا عني بقوله صلى الله عليه وسلم إن ~~هذا الدين متين فأوغل فيه برفق والإيغال فيه برفق دأب المستبصرين ولذلك قال ~~ابن عباس لولا مخافة الوسواس لم أجالس الناس وقال مرة لدخلت بلادا لا أنيس ~~بها وهل يفسد الناس إلا الناس فلا يستغني المعتزل إذا عن رفيق يستأنس ~~بمشاهدته ومحادثته في اليوم والليلة ساعة فليجتهد في طلب من لا يفسد عليه ~~في ساعته تلك سائر ساعاته فقد قال صلى الله عليه وسلم المرء على دين خليله ~~فلينظر أحدكم من يخالل + حديث المرء على دين خليله تقدم في آداب الصحبة + # وليحرص أن يكون حديثه عند اللقاء في أمور الدين وحكاية أحوال القلب ~~وشكواه وقصوره عن الثبات على الحق والاهتداء إلى الرشد ففي ذلك متنفس ~~ومتروح للنفس فيه مجال رحب لكل مشغول بإصلاح نفسه فإنه لا تنقطع شكواه ولو ~~عمر أعمارا طويلة والراضي عن نفسه مغرور قطعا # فهذا النوع من الاستئناس في بعض أوقات النهار ربما يكون أفضل من العزلة ~~في حق بعض الأشخاص PageV02P239 فليتفقد فيه أحوال القلب وأحوال الجليس أولا ~~ثم ليجالس # | الفائدة الخامسة في نيل الثواب وإنالته # أما النيل فبحضور الجنائز وعيادة المريض وحضور العيدين وأما حضور الجمعة ~~فلا بد منه # وحضور الجماعة في سائر الصلوات أيضا لا رخصة في تركه إلا لخوف ضرر ظاهر ~~يقاوم ما يفوت من فضيلة الجماعة ويزيد عليه وذلك لا يتفق إلا نادرا # وكذلك في حضور الإملاكات والدعوات ثواب من حيث إنه إدخال سرور على قلب ~~مسلم # وأما إنالته فهو أن يفتح الباب لتعوده الناس أو ليعزوه في المصائب أو ~~يهنوه على النعم فإنهم ينالون بذلك ثوابا وكذلك إذا كان من العلماء وأذن ~~لهم في الزيارة نالوا ثواب الزيارة وكان هو بالتمكين سببا فيه فينبغي أن ~~يزن ثواب هذه المخالطات بآفاتها التي ذكرناها وعند ذلك قد ترجح العزلة وقد ~~ترجح المخالطة # فقد حكي عن جماعة من السلف مثل مالك وغيره ترك إجابة الدعوات وعيادة ~~المرضى وحضور الجنائز بل كانوا أحلاس بيوتهم لا يخرجون إلا إلى الجمعة أو ~~زيارة القبور وبعضهم فارق الأمصار وانحاز إلى قلل الجبال تفرغا للعبادة ~~وفرارا من الشواغل # | الفائدة السادسة من المخالطة التواضع فإنه من أفضل المقامات ولا # يقدر عليه في الوحدة وقد يكون الكبر سببا في اختيار العزلة # فقد روي في الإسرائيليات أن حكيما من الحكماء صنف ثلثمائة وستين مصحفا في ~~الحكمة حتى ظن أنه قد نال عند الله منزلة فأوحى الله إلى نبيه قل لفلان إنك ~~قد ملأت الأرض نفاقا وإني لا أقبل من نفاقك شيئا قال فتخلى وانفرد في سرب ~~تحت الأرض وقال الآن قد بلغت رضا ربي فأوحى الله إلى نبيه قل له إنك لن ~~تبلغ رضاي حتى تخالط الناس وتصبر على أذاهم فخرج فدخل الأسواق وخالط الناس ~~وجالسهم وواكلهم وأكل الطعام بينهم ومشى في الأسواق معهم فأوحى الله تعالى ~~إلى نبيه الآن قد بلغ رضاي # فكم من معتزل في بيته وباعثه الكبر ومانعه عن المحافل أن لا يوقر أو لا ~~يقدم أو يرى الترفع عن مخالطتهم أرفع لمحله وأتقى لطراوة ذكره بين الناس ~~وقد يعتزل خيفة من أن تظهر مقابحه لو خالط فلا يعتقد فيه الزهد والاشتغال ~~بالعبادة فيتخذ البيت سترا على مقابحه إبقاء على اعتقاد الناس في زهده ~~وتعبده من غير استغراق وقت الخلوة بذكر أو فكر وعلامة هؤلاء أنهم يحبون أن ~~يزاروا ولا يحبون أن يزوروا ويفرحون بتقرب العوام والسلاطين إليهم ~~واجتماعهم على بابهم وطرقهم وتقبيلهم أيديهم على سبيل التبرك ولو كان ~~الاشتغال بنفسه هو الذي يبغض إليه المخالطة وزيارة الناس لبغض إليه ~~زياراتهم له كما حكيناه عن الفضيل حيث قال وهل جئتني إلا لأتزين لك وتتزين ~~لي # وعن حاتم الأصم أنه قال للأمير الذي زاره حاجتي أن لا أراك ولا تراني # فمن ليس مشغولا مع نفسه بذكر الله فاعتزاله عن الناس سببه شدة اشتغاله ~~بالناس لأن قلبه متجرد للالتفات إلى نظرهم إليه بعين الوقار والاحترام # والعزلة بهذا السبب جهل من وجوه أحدها أن التواضع والمخالطة لا تنقص من ~~منصب من هو متكبر بعلمه أو دينه إذ كان علي رضي الله عنه يحمل التمر والملح ~~في ثوبه ويده ويقول # لا ينقص الكامل من كماله % ما جر من نفع إلى عياله # وكان أبو هريرة وحذيفة وأبي وابن مسعود رضي الله عنهم يحملون حزم الحطب ~~وجرب الدقيق على أكتافهم PageV02P240 # وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول وهو والي المدينة والحطب على رأسه ~~طرقوا لأميركم # وكان سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم يشتري الشيء فيحمله إلى بيته بنفسه ~~فيقول له صاحبه أعطني أحمله فيقول صاحب الشيء أحق بحمله + حديث كان يشتري ~~الشيء ويحمله إلى بيته بنفسه فيقول له صاحبه أعطني أحمله فيقول صاحب المتاع ~~أحق بحمله أخرجه أبو يعلى من حديث أبي هريرة بسند ضعيف في حمله السراويل ~~الذي اشتراه + # وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما يمر بالسؤال وبين أيديهم كسر فيقولون ~~هلم إلى الغداء يا ابن رسول الله فكان ينزل ويجلس على الطريق ويأكل معهم ~~ويركب ويقول إن الله لا يحب المستكبرين الوجه الثاني أن الذي شغل نفسه بطلب ~~رضا الناس عنه وتحسين اعتقادهم فيه مغرور لأنه لو عرف الله حق المعرفة علم ~~أن الخلق لا يغنون عنه من الله شيئا وأن ضرره ونفعه بيد الله ولا نافع ولا ~~ضار سواه وأن من طلب رضا الناس ومحبتهم بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه ~~الناس بل رضا الناس غاية لا تنال فرضا الله أولى بالطلب # ولذلك قال الشافعي ليونس بن عبد الأعلى والله ما أقول لك إلا نصحا إنه ~~ليس إلى السلامة من الناس من سبيل فانظر ماذا يصلحك فافعله ولذلك قيل # من راقب الناس مات غما % وفاز باللذة الجسور # ونظر سهل إلى رجل من أصحابه فقال له اعمل كذا وكذا لشيء أمره به فقال يا ~~أستاذ لا أقدر عليه لأجل الناس فالتفت إلى أصحابه وقال لا ينال عبد حقيقة ~~من هذا الأمر حتى يكون بأحد وصفين عبد تسقط الناس من عينه فلا يرى في ~~الدنيا إلا خالقه وأن أحدا لا يقدر على أن يضره ولا ينفعه # وعبد سقطت نفسه عن قلبه فلا يبالي بأي حال يرونه # وقال الشافعي رحمه الله ليس من أحد إلا وله محب ومبغض فإذا كان هكذا فكن ~~مع أهل طاعة الله وقيل للحسن يا أبا سعيد إن قوما يحضرون مجلسك ليس بغيتهم ~~إلا تتبع سقطات كلامك وتعنيتك بالسؤال فتبسم وقال للقائل هون على نفسك فإني ~~حدثت نفسي بسكنى الجنان ومجاورة الرحمن فطمعت وما حدثت نفسي بالسلامة من ~~الناس لأني قد علمت أن خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم لم يسلم منهم # وقال موسى عليه السلام يا رب احبس عني ألسنة الناس فقال يا موسى هذا شيء ~~لم أصطفه نفسي فكيف أفعله بك وأوحى الله سبحانه وتعالى إلى عزير إن لم تطب ~~نفسا بأني أجعلك علكا في أفواه الماضغين لم أكتبك عندي من المتواضعين # فإذن من حبس نفسه في البيت ليحسن اعتقادات الناس وأقوالهم فيه فهو في ~~عناء حاضر في الدنيا @QB@ ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون @QE@ فإذن لا ~~تستحب العزلة إلا لمستغرق الأوقات بربه ذكرا وفكرا وعبادة وعلما بحيث لو ~~خالطه الناس لضاعت أوقاته وكثرت آفاته ولتشوشت عليه عباداته # فهذه غوائل خفية في اختيار العزلة ينبغي أن تتقى فإنها مهلكات في صور ~~منجيات # | الفائدة السابعة التجارب # فإنها تستفاد من المخالطة للخلق ومجاري أحوالهم # والعقل الغريزي ليس كافيا في تفهم مصالح الدين والدنيا # وإنما تفيدها التجربة والممارسة ولا خير في عزلة من لم تحنكه التجارب ~~فالصبي إذا اعتزل بقي غمرا جاهلا بل ينبغي أن يشتغل بالتعلم ويحصل له في ~~مدة التعلم ما يحتاج إليه من التجارب ويكفيه ذلك ويحصل بقية التجارب بسماع ~~الأحوال ولا يحتاج إلى المخالطة # ومن أهم التجارب أن يجرب نفسه وأخلاقه وصفات باطنه وذلك لا يقدر عليه في ~~الخلوة فإن كل مجرب في الخلاء يسر وكل غضوب أو حقود أو حسود إذا خلا بنفسه ~~لم يترشح منه خبثه وهذه الصفات مهلكات في أنفسها يجب إماطتها وقهرها ولا ~~يكفي تسكينها بالتباعد عما يحركها # فمثال القلب المشحون PageV02P241 بهذه الخبائث مثال دمل ممتلىء بالصديد ~~والمدة وقد لا يحس صاحبه بألمه ما لم يتحرك أو يمسه غيره فإن لم يكن له يد ~~تمسه أو عين تبصر صورته ولم يكن من يحركه ربما ظن بنفسه السلامة ولم يشعر ~~بالدمل في نفسه وأعتقد فقده ولكن لو حركه محرك أو أصابه مشرط حجام لانفجر ~~منه الصديد وفار فوران الشيء المختنق إذا حبس عن الاسترسال فكذلك القلب ~~المشحون بالحقد والبخل والحسد والغضب وسائر الأخلاق الذميمة إنما تتفجر منه ~~خبائثه إذا حرك # وعن هذا كان السالكون لطريق الآخرة الطالبون لتزكيه القلوب يجربون أنفسهم # فمن كان يستشعر في نفسه كبرا سعى في إماطته حتى كان بعضهم يحمل قربة ماء ~~على ظهره بين الناس أو حزمة حطب على رأسه ويتردد في الأسواق ليجرب نفسه ~~بذلك فإن غوائل النفس ومكايد الشيطان خفية قل من يتفطن لها ولذلك حكي عن ~~بعضهم انه قال اعدت صلاة ثلاثين سنة مع أني كنت أصليها في الصف الأول ولكن ~~تخلفت يوما بعذر فما وجدت موضعا في الصف الأول فوقفت في الصف الثاني فوجدت ~~نفسي تستشعر خجلة من نظر الناس إلي وقد سبقت إلى الصف الأول فعلمت أن جميع ~~صلواتي التي كنت أصليها كانت مشوبة بالرياء ممزوجة بلذة نظر الناس إلى ~~ورؤيتهم إياي في زمرة السابقين إلى الخير # فالمخالطة لها فائدة ظاهرة عظيمة في استخراج الخبائث وإظهارها # ولذلك قيل السفر يسفر عن الأخلاق فإنه نوع من المخالطة الدائمة # وستأتي غوائل هذه المعاني ودقائقها في ربع المهلكات فإن بالجهل بها يحبط ~~العمل الكثير وبالعلم بها يزكو العمل القليل ولولا ذلك ما فضل العلم على ~~العمل إذ يستحيل أن يكون العلم بالصلاة ولا يراد للصلاة إلا أفضل من الصلاة ~~فإنا نعلم أن ما يراد لغيره فإن ذلك الغير أشرف منه وقد قضى الشرع بتفضيل ~~العالم على العابد حتى قال صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلى ~~على أدنى رجل من أصحابي + حديث فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل ~~من أصحابي تقدم في العلم + # فمعنى تفضيل العلم يرجع إلى ثلاثة اوجه # أحدها ما ذكرناه # والثاني عموم النفع لتعدي فائدته والعمل لا تتعدى فائدته # والثالث أن يراد به العلم بالله وصفاته وأفعاله فذلك أفضل من كل عمل بل ~~مقصود الأعمال صرف القلوب عن الخلق إلى الخالق لتنبعث بعد الانصراف إليه ~~لمعرفته ومحبته فالعمل وعلم العمل مرادان لهذا العلم وهذا العلم غاية ~~المريدين والعمل كالشرط له وإليه الإشارة بقوله تعالى @QB@ إليه يصعد الكلم ~~الطيب والعمل الصالح يرفعه @QE@ فالكلم الطيب هو هذا العلم والعمل كالحمال ~~الرافع له إلى مقصده فيكون المرفوع أفضل من الرافع # وهذا كلام معترض لا يليق بهذا الكلام # فلنرجع إلى المقصود فنقول إذا عرفت فوائد العزلة وغوائلها تحققت أن الحكم ~~عليها مطلقا بالتفضيل نفيا وإثباتا خطأ بل ينبغي أن ينظر إلى الشخص وحاله ~~وإلى الخليط وحاله وإلى الباعث على مخالطته وإلى الفائت بسبب مخالطته من ~~هذه الفوائد المذكورة ويقاس الفائت بالحاصل فعند ذلك يتبين الحق ويتضح ~~الأفضل وكلام الشافعي رحمه الله هو فصل الخطاب إذ قال يا يونس الإنقباض عن ~~الناس مكسبة للعداوة والإنبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء فكن بين المنقبض ~~والمنبسط # فلذلك يجب الاعتدال في المخالطة والعزلة ويختلف ذلك بالاحوال # وبملاحظة الفوائد والآفات يتبين الأفضل # هذا هو الحق الصراح وكل ما ذكر سوى هذا فهو قاصر # وإنما هو إخبار كل واحد عن حالة خاصة هو فيها ولا يجوز أن يحكم بها على ~~غيره والمخالف له في الحال # والفرق بين العالم والصوفي في ظاهر العلم يرجع إلى هذا وهو أن الصوفي لا ~~يتكلم إلا عن حاله فلا جرم تختلف اجوبتهم في المسائل والعالم هو الذي يدرك ~~الحق على ما هو عليه ولا ينظر إلى حال نفسه فيكشف الحق فيه وذلك مما لا ~~يختلف فيه فإن الحق واحد أبداوالقاصر عن الحق كثير لا يحصى # ولذلك سئل الصوفية عن الفقر فما من واحد إلا وأجاب بجواب غير جواب الآخر ~~وكل ذلك حق PageV02P242 # بالإضافة إلى حاله وليس بحق في نفسه إذ الحق لا يكون إلا واحدا # ولذلك قال أبو عبد الله الجلاء وقد سئل عن الفقر فقال اضرب بكميك الحائط ~~وقل ربي الله فهو الفقر # وقال الجنيد الفقير هو الذي لا يسأل احدا ولا يعارض وإن عورض سكت # وقال سهل بن عبد الله الفقير الذي لا يسأل ولا يدخر # وقال آخر هو أن لا يكون لك فإن كان لك فلا يكون لك من حيث لم يكن لك # وقال إبراهيم الخواص هو ترك الشكوى وإظهار اثر البلوى # والمقصود أنه لو سئل منهم مائة لسمع منهم مائة جواب مختلفة قلما يتفق ~~منها اثنان وذلك كله حق من وجه فإنه خبر كل واحد عن حاله وما غلب على قلبه # ولذلك لا نرى اثنين منهم يثبت أحدهما لصاحبه قدما في التصوف أو يثني عليه ~~بل كل واحد منهم يدعي أنه الواصل إلى الحق والواقف عليه لأن اكثر ترددهم ~~على مقتضى 2 الأحوال التي تعرض لقلوبهم فلا يشتغلون إلا بأنفسهم ولا ~~يلتفتون إلى غيرهم # ونور العلم إذا أشرق أحاط بالكل وكشف الغطاء ورفع الاختلاف # ومثال نظر هؤلاء ما رأيت من نظر قوم في أدلة الزوال بالنظر في الظل فقال ~~بعضهم هو في الصيف قدمان وحكي عن آخر أنه نصف قدم وآخر يرد عليه وأنه في ~~الشتاء سبعة أقدام وحكى عن آخر أنه خمسة أقدام وآخر يرد عليه فهذا يشبه ~~أجوبة الصوفية واختلافهم فإن كل واحد من هؤلاء أخبر عن الظل الذي رآه ببلد ~~نفسه فصدق في قوله وأخطأ في تخطئته صاحبه إذ ظن أن العالم كله بلده أو هو ~~مثل بلده كما أن الصوفي لا يحكم على العالم إلا بما هو حال نفسه والعالم ~~بالزوال هو الذي يعرف علة طول الظل وقصره وعلة اختلافه بالبلاد فيخبر ~~بأحكام مختلفة في بلاد مختلفة ويقول في بعضها لا يبقى ظل وفي بعضها يطول ~~وفي بعضها يقصر فهذا ما أردنا أن نذكره من فضيلة العزلة والمخالطة # فإن قلت فمن آثر العزلة ورآها أفضل له وأسلم فما آدابه في العزلة فنقول ~~إنما يطول النظر في آداب المخالطة وقد ذكرناها في # | كتاب آداب الصحبة وأما آداب العزلة فلا تطول فينبغي للمعتزل أن # ينوي بعزلته كف شر نفسه عن الناس أولا # ثم طلب السلامة من شر الاشرار ثانيا # ثم الخلاص من آفة القصور عن القيام بحقوق المسلمين ثالثا # ثم التجرد بكنه الهمة لعبادة الله رابعا فهذه آداب نيته # ثم ليكن في خلوته مواظبا على العلم والعمل والذكر والفكر ليجتني ثمرة ~~العزلة وليمنع الناس عن أن يكثروا غشيانه وزيارته فيشوش أكثر وقته # وليكف عن السؤال عن أخبارهم وعن الإصغاء إلى أراجيف البلد وما الناس ~~مشغولون به فإن كل ذلك ينغرس في القلب حتى ينبعث في أثناء الصلاة أو الفكر ~~من حيث لا يحتسب فوقوع الأخبار في السمع كوقوع البذر في الأرض فلا بد أن ~~ينبت وتتفرع عروقه وأغصانه ويتداعى بعضها إلى بعض # وأحد مهمات المعتزل قطع الوساوس الصارفة عن ذكر الله # والأخبار ينابيع الوساوس وأصولها # وليقنع باليسير من المعيشه وإلا اضطره التوسع إلى الناس واحتاج إلى ~~مخالطتهم # وليكن صبورا على ما يلقاه من أذى الجيران وليسد سمعه عن الإصغاء إلى ما ~~يقال فيه من ثناء عليه بالعزلة أو قدح فيه بترك الخلطة فإن كل ذلك يؤثر في ~~القلب ولو مدة يسيرة وحال اشتغال القلب به لا بد أن يكون واقفا عن سيره إلى ~~طريق الآخرة فإن السير إما بالمواظبة على ورد وذكر مع حضور قلب وإما بالفكر ~~في جلال الله وصفاته وأفعاله وملكوت سمواته وأرضه وإما بالتأمل في دقائق ~~الأعمال ومفسدات القلوب وطلب طرق التحصن منها # وكل ذلك يستدعى الفراغ والاصغاء إلى جميع ذلك مما يشوش القلب في الحال # وقد يتجدد ذكره في دوام الذكر من حيث لا ينتظر # وليكن له أهل صالحة أو جليس صالح لتستريح نفسه إليه في اليوم ساعة من كد ~~المواظبة ففيه عون على بقية الساعات # ولا يتم له الصبر في العزلة إلا بقطع الطمع عن الدنيا PageV02P243 وما ~~الناس منهمكون فيه ولا ينقطع طمعه إلا بقصر الأمل بأن لا يقدر لنفسه عمرا ~~طويلا بل يصبح على أنه لا يمسي ويمسى على أنه لا يصبح فيسهل عليه صبر يوم ~~ولا يسهل عليه العزم على الصبر عشرين سنة لو قدر تراخى الاجل # وليكن كثير الذكر للموت ووحدة القبر مهما ضاق قلبه من الوحدة # وليتحقق أن من لم يحصل في قلبه من ذكر الله ومعرفته ما يأنس به فلا يطيق ~~وحشة الوحدة بعد الموت # وأن من أنس بذكر الله ومعرفته فلا يزيل الموت أنسه إذ لا يهدم الموت محل ~~الأنس والمعرفة بل يبقى حيا بمعرفته وأنسه فرحا بفضل الله عليه ورحمته كما ~~قال الله تعالى في الشهداء @QB@ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ~~بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله @QE@ وكل متجرد لله ~~في جهاد نفسه فهو شهيد مهما أدركه الموت مقبلا غير مدبر فالمجاهد من جاهد ~~نفسه وهواه + حديث المجاهد من جاهد نفسه وهواه أخرجه الحاكم من حديث فضالة ~~بن عبيد وصححه دون قوله وهواه وقد تقدم في الباب الثالث من آداب الصحبة + # كما صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم # والجهاد الأكبر جهاد النفس كما قال بعض الصحابة رضي الله عنهم رجعنا من ~~الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر يعنون جهاد النفس # تم # | كتاب العزلة ويتلوه كتاب آداب السفر والحمد لله وحده كتاب آداب # السفر # وهو الكتاب السابع من ربع العادات من كتب إحياء علوم الدين # بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي فتح بصائر أوليائه بالحكم والعبر واستخلص همهم لمشاهدة ~~عجائب صنعه في الحضر والسفر فأصبحوا راضين بمجاري القدر منزهين قلوبهم عن ~~التلفت إلى متنزهات البصر إلا على سبيل الاعتبار بما يسبح في مسارح النظر ~~ومجاري الفكر فاستوى عندهم البر والبحر والسهل والوعر والبد والحضر # والصلاة على محمد سيد البشر وعلى صحبه المقتفين لآثاره في الأخلاق والسير ~~وسلم كثيرا # أما بعد فإن السفر وسيلة إلى الخلاص عن مهروب عنه أو الوصول إلى مطلوب ~~ومرغوب فيه # والسفر سفران سفر بظاهر البدن عن المستقر والوطن إلى الصحارى والفلوات ~~وسفر بسير القلب عن أسفل السافلين إلى ملكوت السموات # وأشرف السفرين السفر الباطن # فإن الواقف على الحالة التي نشأ عليها عقيب الولادة الجامد على ما تلقفه ~~بالتقليد من الآباء والأجداد لازم درجة القصور وقانع بمرتبة النقص ومستبدل ~~بمتسع فضاء جنة عرضها السماوات والأرض ظلمة السجن وضيق الحبس ولقد صدق ~~القائل # ولم أر في عيوب الناس عيبا % كنقص القادرين على التمام # إلا أن هذا السفر لما كان مقتحمه في خطب خطير لم يستغن فيه عن دليل وخفير ~~فاقتضى غموض السبيل وفقد الخفير والدليل وقناعة السالكين عن الحظ الجزيل ~~بالنصيب النازل القليل اندرس مسالكه # فانقطع فيه الرفاق وخلا عن الطائفين متنزهات الأنفس والملكوت والآفاق # وإليه دعا الله سبحانه بقوله @QB@ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ~~@QE@ وبقوله تعالى @QB@ وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون ~~@QE@ وعلى القعود عن هذا السفر وقع الإنكار بقوله تعالى @QB@ وإنكم لتمرون ~~عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون @QE@ وبقوله سبحانه @QB@ وكأين @QE@ ~~PageV02P244 @QB@ من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ~~@QE@ فمن يسر له هذا السفر لم يزل في سيره متنزها في جنة عرضها السماوات ~~والأرض وهو ساكن بالبدن مستقر في الوطن # وهو السفر الذي لا تضيق فيه المناهل والموارد ولا يضر فيه التزاحم ~~والتوارد بل تزيد بكثرة المسافرين غنائمه وتتضاعف ثمراته وفوائده فغنائمه ~~دائمة غير ممنوعة وثمراته متزايدة غير مقطوعة إلا إذا بدا للمسافر فترة في ~~سفره ووقفة في حركته فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا ~~زاغوا أزاغ الله قلوبهم وما الله بظلام للعبيد ولكنهم يظلمون أنفسهم ومن لم ~~يؤهل للجولان في هذا الميدان والتطواف في متنزهات هذا البستان ربما سافر ~~بظاهر بدنه في مدة مديدة فراسخ معدودة مغتنما بها تجارة للدنيا أو ذخيرة ~~للآخرة فإن كان مطلبه العلم والدين أو الكفاية للاستعانة على الدين كان من ~~سالكي سبيل الآخرة وكان له في سفره شروط وآداب إن أهملها كان من عمال ~~الدنيا وأتباع الشيطان وإن واظب عليها لم يخل سفره عن فوائد تلحقه بعمال ~~الآخرة ونحن نذكر آدابه وشروطه في بابين إن شاء الله تعالى # # | الباب الأول في الآداب من أول النهوض إلى آخر الرجوع وفي نية السفر # وفائدته وفيه فصلان # الباب الثاني فيما لا بد للمسافر من تعلمه من رخص السفر وأدلة القبلة ~~والأوقات الباب الأول في الآداب من أول النهوض إلى آخر الرجوع وفي نية ~~السفر وفائدته وفيه فصلان الفصل الأول في فوائد السفر وفضله ونيته # اعلم أن السفر نوع حركة ومخالطة وفيه فوائد وله آفات كما ذكرناه في # | كتاب الصحبة والعزلة والفوائد الباعثة على السفر لا تخلو من هرب أو # طلب # فإن المسافر إما أن يكون له مزعج عن مقامه ولولاه لما كان له مقصد يسافر ~~إليه وإما أن يكون له مقصد ومطلب # والمهروب عنه إما أمر له نكاية في الأمور الدنيوية # كالطاعون والوباء إذا ظهر ببلد أو خوف سببه فتنة أو خصومة أو غلاء سعر # وهو إما عام كما ذكرناه أو خاص كمن يقصد بأذية في بلدة فيهرب منها # وإما أمر له نكاية في الدين كمن ابتلي في بلده بجاه ومال واتساع أسباب ~~تصده عن التجرد لله فيؤثر الغربة والخمول ويجتنب السعة والجاه أو كمن يدعى ~~إلى بدعة قهرا أو إلى ولاية عمل لا تحل مباشرته فيطلب الفرار منه # وأما المطلوب فهو إما دنيوي كالمال والجاه أو ديني والديني إما علم وإما ~~عمل # والعلم إما علم من العلوم الدينية وإما علم بأخلاق نفسه وصفاته على سبيل ~~التجربة وإما علم بآيات الأرض وعجائبها كسفر ذي القرنين وطوافه في نواحي ~~الأرض # والعمل إما عبادة وإما زيارة # والعبادة هو الحج والعمرة والجهاد # والزيارة أيضا من القربات وقد يقصد بها مكان كمكة والمدينة وبيت المقدس # والثغور فإن الرباط بها قربة # وقد يقصد بها الأولياء والعلماء وهم إما موتى فتزار قبورهم وإما أحياء ~~فيتبرك بمشاهدتهم ويستفاد من النظر إلى أحوالهم قوة الرغبة في الاقتداء بهم # فهذه هي أقسام الأسفار ويخرج من هذه القسمة أقسام # القسم الأول السفر في طلب العلم وهو إما واجب وإما نفل وذلك بحسب كون ~~العلم واجبا أو نفلا # وذلك PageV02P245 # العلم إما علم بأمور دينه أو بأخلاقه في نفسه أو بآيات الله في أرضه # وقد قال صلى الله عليه وسلم من خرج من بيته في طلب العلم فهو في سبيل ~~الله حتى يرجع + حديث من خرج من بيته في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى ~~يرجع أخرجه الترمذي من حديث أنس وقال حسن غريب + # وفي خبر آخر من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة + ~~حديث من سلك طريقا يلتمس فيه علما الحديث رواه مسلم وتقدم في العلم + # وكان سعيد بن المسيب يسافر الأيام في طلب الحديث الواحد # وقال الشعبي لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في كلمة تدله على هدى ~~أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعا # ورحل جابر بن عبد الله من المدينة إلى مصر مع عشرة من الصحابة فساروا ~~شهرا في حديث بلغهم عن عبد الله أنيس الأنصاري يحدث به عن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم حتى سمعوه + حديث رحل جابر ابن عبد الله من المدينة إلى ~~مسيرة شهر في حديث بلغه عن عبد الله بن أنيس أخرجه الخطيب في # | كتاب الرحلة بإسناد حسن ولم يسم الصحابي وقال البخاري في صحيحه رحل # جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد ورواه ~~أحمد إلا أنه قال إلى الشام وإسناده حسن ولأحمد أن أبا أيوب ركب إلى عقبة ~~بن عامر إلى مصر في حديث وله أن عقبة بن عامر أتى سلمة بن مخلد وهو أمير ~~مصر في حديث آخر وكلاهما منقطع + # وكل مذكور في العلم محصل له من زمان الصحابة إلى زماننا هذا لم يحصل ~~العلم إلا بالسفر وسافر لأجله وأما علمه بنفسه وأخلاقه فذلك أيضا مهم فإن ~~طريق الآخرة لا يمكن سلوكها إلا بتحسين الخلق وتهذيبه ومن لا يطلع على ~~أسرار باطنه وخبائث صفاته لا يقدر على تطهير القلب منها # وإنما السفر هو الذي يسفر عن أخلاق الرجال وبه يخرج الله الخبء في ~~السماوات والأرض وإنما سمى السفر سفرا لأنه يسفر عن الأخلاق ولذلك قال عمر ~~رضي الله عنه للذي زكى عنده بعض الشهود هل صحبته في السفر الذي يستدل به ~~على مكارم أخلاقه فقال لا فقال ما أراك تعرفه # وكان بشر يقول يا معشر القراء سيحوا تطيبوا فإن الماء إذا ساح طاب وإذا ~~طال مقامه في موضع تغير # وبالجملة فإن النفس في الوطن مع مواتاة الأسباب لا تظهر خبائث أخلاقها ~~لاستئناسها بما يوافق طبعها من المألوفات المعهودة فإذا حملت وعثاء السفر ~~وصرفت عن مألوفاتها المعتادة وامتحنت بمشاق الغربة انكشفت غوائلها ووقع ~~الوقوف على عيوبها فيمكن الاشتغال بعلاجها # وقد ذكرنا في # | كتاب العزلة فوائد المخالطة والسفر مخالطة مع زيادة اشتغال واحتمال # مشاق # وأما آيات الله في أرضه ففي مشاهدتها فوائد للمستبصر ففيها قطع متجاورات ~~وفيها الجبال والبراري والبحار وأنواع الحيوان والنبات وما من شيء منها إلا ~~وهو شاهد لله بالوحدانية ومسبح له بلسان ذلق لا يدركه إلا من ألقى السمع ~~وهو شهيد # وأما الجاحدون والغافلون والمغترون بلامع السراب من زهرة الدنيا فإنهم لا ~~يبصرون ولا يسمعون لأنهم عن السمع معزولون وعن آيات ربهم محجوبون @QB@ ~~يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون @QE@ وما أريد ~~بالسمع السمع الظاهر فإن الذينأريدوا به ما كانوا معزولين عنه وإنما أريد ~~به السمع الباطن ولا يدرك بالسمع الظاهر إلا الأصوات # ويشارك الإنسان فيه سائر الحيوانات # فأما السمع الباطن فيدرك به لسان الحال الذي هو نطق وراء نطق المقال يشبه ~~قول القائل حكاية لكلام الوتد والحائط قال الجدار للوتد لم تشقني فقال سل ~~من يدقني ولم يتركني ورائي الحجر الذي ورائي # وما من ذرة في السماوات والأرض إلا ولها أنواع شاهدات لله تعالى ~~بالوحدانية هي توحيدها وأنواع شاهدات لصانعها بالتقدس هي تسبيحها ولكن لا ~~يفقهون تسبيحها لأنهم لم يسافروا من مضيق سمع الظاهر إلى فضاء سمع الباطن ~~ومن ركاكة لسان المقال PageV02P246 # إلى فصاحة لسان الحال ولو قدر كل عاجز على مثل هذا السير لما كان سليمان ~~عليه السلام مختصا بفهم منطق الطير ولما كان موسى عليه السلام مختصا بسماع ~~كلام الله تعالى الذي يجب تقديسه عن مشابهة الحروف والأصوات # ومن يسافر ليستقرئ هذه الشهادات من الأسطر المكتوبة بالخطوط الإلهية على ~~صفحات الجمادات لم يطل سفره بالبدن بل يستقر في موضع ويفرغ قلبه للتمتع ~~بسماع نغمات التسبيحات من آحاد الذرات فماله وللتردد في الفلوات وله غنية ~~في ملكوت السماوات فالشمس والقمر والنجوم بأمره مسخرات # وهي إلى أبصار ذوي البصائر مسافرات في الشهر والسنة مرات بل هي دائبة في ~~الحركة على توالي الأوقات # فمن الغرائب أن يدأب في الطواف بآحاد المساجد من أمرت الكعبة أن تطوف به ~~ومن الغرائب أن يطوف في أكناف الأرض من يطوف به أقطار السماء # ثم ما دام المسافر مفتقرا إلى أن يبصر عالم الملك والشهادة بالبصر الظاهر ~~فهو بعد في المنزل الأول من منازل السائرين إلى الله والمسافرين إلى حضرته ~~وكأنه معتكف على باب الوطن لم يفض به المسير إلى متسع الفضاء ولا سبب لطول ~~المقام في هذا المنزل إلا الجبن والقصور # ولذلك قال بعض أرباب القلوب إن الناس ليقولون افتحوا أعينكم حتى تبصروا ~~وأنا أقول غمضوا أعينكم حتى تبصروا وكل واحد من القولين حق إلا أن الأول ~~خبر عن المنزل الأول القريب من الوطن والثاني خبر عما بعده من المنازل ~~البعيدة عن الوطن التي لا يطؤها إلا مخاطر بنفسه والمجاوز إليها ربما يتيه ~~فيها سنين وربما يأخذ التوفيق بيده فيرشده إلى سواء السبيل والهالكون في ~~التيه هم الأكثرون من ركاب هذه الطريق ولكن السائحون بنور التوفيق فازوا ~~بالنعيم والملك المقيم وهم الذين سبقت لهم من الله الحسنى واعتبر هذا الملك ~~بملك الدنيا فإنه يقل بالإضافة إلى كثرة الخلق طلابه ومهما عظم المطلوب قل ~~المساعد # ثم الذي يهلك أكثر من الذي يملك # ولا يتصدى لطلب الملك العاجز الجبان لعظيم الخطر وطول التعب # وإذا كانت النفوس كبارا % تعبت في مرادها الأجسام # وما أودع الله العز والملك في الدين والدنيا إلا في حيز الخطر # وقد يسمى الجبان الجبن والقصور باسم الحزم والحذر كما قيل # ترى الجبناء أن الجبن حزم % وتلك خديعة الطبع اللئيم # فهذا حكم السفر الظاهر إذا أريد به السفر الباطن بمطالعة آيات الله في ~~الأرض # فلنرجع إلى الغرض الذي كنا نقصده ولنبين القسم الثاني وهو أن يسافر لأجل ~~العبادة إما لحج أو جهاد وقد ذكرنا فضل ذلك وآدابه وأعماله الظاهرة ~~والباطنة في # | كتاب أسرار الحج ويدخل في جملته زيارة قبور الأنبياء عليهم السلام # وزيارة قبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء وكل من يتبرك ~~بمشاهدته في حياته يتبرك بزيارته بعد وفاته # ويجوز شد الرحال لهذا الغرض ولا يمنع من هذا قوله صلى الله عليه وسلم لا ~~تشد الرجال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى + ~~حديث لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجدالحديث تقدم في الحج + # لأن ذلك في المساجد فإنها متماثلة بعد هذه المساجد وإلا فلا فرق بين ~~زيارة قبور الأنبياء والأولياء والعلماء في أصل الفضل وإن كان يتفاوت في ~~الدرجات تفاوتا عظيما بحسب اختلاف درجاتهم عند الله # وبالجملة زيارة الأحياء أولى من زيارة الأموات # والفائدة من زيارة الأحياء طلب بركة الدعاء وبركة النظر إليهم ~~PageV02P247 # فإن النظر إلى وجوه العلماء والصلحاء عبادة # وفيه أيضا حركة للرغبة في الاقتداء بهم والتخلق بأخلاقهم وآدابهم هذا سوى ~~ما ينتظر من الفوائد العلمية المستفادة من أنفاسهم وأفعالهم كيف ومجرد ~~زيارة الإخوان في الله فيه فضل كما ذكرناه في # | كتاب الصحبة وفي التوراة سر أربعة أميال زر أخا في الله وأما # البقاع فلا معنى لزيارتها سوى المساجد الثلاثة وسوى الثغور للرباط بها ~~فالحديث ظاهر في أنه لا تشد الرحال لطلب بركة البقاع إلا إلى المساجد ~~الثلاثة # وقد ذكرنا فضائل الحرمين في # | كتاب الحج وبيت المقدس أيضا له فضل كبير خرج ابن عمر من # المدينة قاصدا بيت المقدس حتى صلى فيه الصلوات الخمس ثم كرراجعا من الغد ~~إلى المدينة # وقد سأل سليمان عليه السلام ربه عز وجل أن من قصد هذا المسجد لا يعنيه ~~إلا الصلاة فيه أن لا تصرف نظرك عنه ما دام مقيما فيه حتى يخرج منه وأن ~~تخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه فأعطاه الله ذلك # القسم الثالث أن يكون السفر للهرب من سبب مشوش للدين # وذلك أيضا حسن فالفرار مما لا يطاق من سنن الأنبياء والمرسلين # ومما يجب الهرب منه الولاية والجاه وكثرة العلائق والأسباب فإن كل ذلك ~~يشوش فراغ القلب والدين لا يتم إلا بقلب فارغ عن غير الله فإن لم يتم فراغه ~~فلا يتصور أن يشتغل بالدين # ولا يتصور فراغ القلب في الدنيا عن مهمات الدنيا والحاجات الضرورية ولكن ~~يتصور تخفيفها وتثقيلها وقد نجا المخفون وهلك المثقلون # والحمد لله الذي لم يعلق النجاة بالفراغ المطلق عن جميع الأوزار والأعباء ~~بل قبل المخف بفضله وشمله بسعة رحمته # والمخف هو الذي ليست الدنيا أكبر همه وذلك لا يتيسر في الوطن لمن اتسع ~~جاهه وكثرت علائقه فلا يتم مقصوده إلا بالغربة والخمول وقطع العلائق التي ~~لا بد عنها حتى يروض نفسه مدة مديدة # ثم ربما يمده الله بمعونته فينعم عليه بما يقوي به يقينه ويطمئن به قلبه ~~فيستوي عنده الحضر والسفر ويتقارب عنده وجود الأسباب والعلائق وعدمها فلا ~~يصده شيء منها عما هو بصدده من ذكر الله وذلك مما يعز وجوده جدا بل الغالب ~~على القلوب الضعف والقصور عن الاتساع للخلق والخالق وإنما يسعد بهذه القوة ~~الأنبياء والأولياء والوصول إليها بالكسب شديد وإن كان للاجتهاد والكسب ~~فيها مدخل أيضا # ومثال تفاوت القوة الباطنة فيه كتفاوت القوة الظاهرة في الاعضاء فرب رجل ~~قوي ذي مرة سوى شديد الأعصاب محكم البنية يستقل بحمل ما وزنه ألف رطل مثلا ~~فلو أراد الضعيف المريض أن ينال رتبته بممارسة الحمل والتدريج فيه قليلا ~~قليلا لم يقدر عليه ولكن الممارسة والجهد يزيد في قوته زيادة ما وإن كان ~~ذلك لا يبلغه درجته فلا ينبغي أن يترك الجهد عند اليأس عن الرتبة العليا ~~فإن ذلك غاية الجهل ونهاية الضلال # وقد كان من عادة السلف رضي الله عنهم مفارقة الوطن خيفة من الفتن # وقال سفيان الثوري هذا زمان سوء لا يؤمن فيه على الخامل فكيف على ~~المشتهرين هذا زمان رجل ينتقل من بلد إلى بلد كلما عرف في موضع تحول إلى ~~غيره # وقال أبو نعيم رأيت سفيان الثوري وقد علق قلته بيده ووضع جرابه على ظهره ~~فقلت إلى أين يا أبا عبد الله قال بلغني عن قرية فيها رخص أريد أن أقيم بها ~~فقلت له وتفعل هذا قال نعم إذا بلغك أن قرية فيها رخص فأقم بها فإنه أسلم ~~لدينك وأقل لهمك وهذا هرب من غلاء السعر # وكان سرى السقطي يقول للصوفية إذا خرج الشتاء فقد خرج أذار وأورقت ~~الأشجار وطاب الإنتشار فانتشروا # وقد كان الخواص لا يقيم ببلد أكثر من أربعين يوما # وكان من المتوكلين ويرى الإقامة اعتمادا على الأسباب قادحا في التوكل # وسيأتي أسرار PageV02P248 الاعتماد على الأسباب في # | كتاب التوكل إن شاء الله تعالى القسم الرابع السفر هربا مما يقدح # في البدن كالطاعون أو في المال كغلاء السعر أو ما يجري مجراه # ولا حرج في ذلك بل ربما يجب الفرار في بعض المواضع وربما يستحب في بعض ~~بحسب وجوب ما يترتب عليه من الفوائد واستحبابه ولكن يستثنى منه الطاعون فلا ~~ينبغي أن يفر منه لورود النهي فيه # قال أسامة بن زيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا الوجع أو ~~السقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكم ثم بقي بعد في الأرض منه + حديث أسامة بن ~~زيد إن هذا الوجع أو السقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكمالحديث متفق عليه ~~واللفظ لمسلم + # وقالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فناء ~~أمتي بالطعن والطاعون فقلت هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال غدة كعدة ~~البعير تأخذهم في مراقهم المسلم الميت منه شهيد والمقيم عليه المحتسب ~~كالمرابط في سبيل الله والفار منه كالفار من الزحف + حديث عائشة إن فناء ~~أمتي بالطعن والطاعون الحديث رواه أحمد وابن عبد البر في التمهيد بإسناد ~~جيد + # وعن مكحول عن أم أيمن قالت # أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه لا تشرك بالله شيئا وإن ~~عذبت أو حرقت وأطع والديك وإن أمراك أن تخرج من كل شيء هو لك فاخرج منه # ولا تترك الصلاة عمدا فإن من ترك الصلاة عمدا فقد برئت ذمة الله منه ~~وإياك والخمر فإنها مفتاح كل شر وإياك والمعصية فإنها تسخط الله ولا تفر من ~~الزحف وإن أصاب الناس موتان وأنت فيهم فاثبت فيهم أنفق من طولك على أهل ~~بيتك ولا ترفع عصاك عنهم أخفهم بالله + حديث أم أيمن أوصى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم بعض أهله لا تشرك بالله شيئا وإن حرقت بالنار أخرجه البيهقي ~~وقال فيه إرسال + # فهذه الأحاديث تدل على أن الفرار من الطاعون منهي عنه وكذلك القدوم عليه # وسيأتي شرح ذلك في # | كتاب التوكل فهذه أقسام الأسفار وقد خرج منه أن السفر ينقسم إلى # مذموم وإلى محمود وإلى مباح # والمذموم ينقسم إلى حرام كإباق العبد وسفر العاق وإلى مكروه كالخروج من ~~بلد الطاعون # والمحمود ينقسم إلى واجب كالحج وطلب العلم الذي هو فريضة على كل مسلم ~~وإلى مندوب إليه كزيارة العلماء وزيارة مشاهدهم # ومن هذه الأسباب تتبين النية في السفر فإن معنى النية الانبعاث للسبب ~~الباعث والانتهاض لإجابة الداعية # ولتكن نيته الآخرة في جميع أسفاره وذلك ظاهر في الواجب والمندوب ومحال في ~~المكروه والمحظور # وأما المباح فمرجعه إلى النية # فمهما كان قصده بطلب المال مثلا التعفف عن السؤال ورعاية ستر المروءة على ~~الأهل والعيال والتصدق بما يفضل عن مبلغ الحاجة صار هذا المباح بهذه النية ~~من أعمال الآخرة # ولو خرج إلى الحج وباعثه الرياء والسمعة لخرج عن كونه من أعمال الآخرة ~~لقوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات + حديث الأعمال بالنيات ~~متفق عليه من حديث عمر وقد تقدم + # فقوله صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات عام في الواجبات والمندوبات ~~والمباحات دون المحظورات فإن النية لا تؤثر في إخراجها عن كونها من ~~المحظورات وقد قال بعض السلف إن الله تعالى قد وكل بالمسافرين ملائكة ~~ينظرون إلى مقاصدهم فيعطي كل واحد على قدر نيته # فمن كانت نيته الدنيا أعطى منها ونقص من آخرته أضعافه وفرق عليه همه وكثر ~~بالحرص والرغبة شغله # ومن كانت نيته الآخرة أعطى من البصيرة والحكمة والفطنة وفتح له من ~~التذكرة والعبرة بقدر نيته وجمع له همه ودعت له الملائكة واستغفرت له # وأما النظر في أن السفر هو الأفضل أو الإقامة فذلك يضاهي النظر في أن ~~الأفضل هو العزلة أو المخالطة PageV02P249 # وقد ذكر منهاجه في # | كتاب العزلة فليفهم هذا منه فإن السفر نوع مخالطة مع زيادة تعب ومشقة # تفرق الهم وتشتت القلب في حق الأكثرين # والأفضل في هذا ما هو الأعون على الدين ونهاية ثمرة الدين في الدنيا ~~تحصيل معرفة الله تعالى وتحصيل الأنس بذكر الله تعالى والأنس يحصل بدوام ~~الذكر والمعرفة تحصل بدوام الفكر # ومن لم يتعلم طريق الفكر والذكر لم يتمكن منهما # والسفر هو المعين على التعلم في الابتداء # والإقامة هي المعينة على العمل بالعلم في الانتهاء وأما السياحة في الأرض ~~على الدوام فمن المشوشات للقلب إلا في حق الأقوياء فإن المسافر وماله لعلى ~~قلق إلا ما وقى الله فلا يزال المسافر مشغول القلب تارة بالخوف على نفسه ~~وماله وتارة بمفارقة ما ألفه واعتاده في إقامته # وإن لم يكن معه مال يخاف عليه فلا يخلو عن الطمع والاستشراف إلى الخلق ~~فتارة يضعف قلبه بسبب الفقر وتارة يقوى باستحكام أسباب الطمع # ثم الشغل بالحط والترحال مشوش لجميع الأحوال فلا ينبغي أن يسافر المريد ~~إلا في طلب علم أو مشاهدة شيخ يقتدى به في سيرته وتستفاد الرغبة في الخير ~~من مشاهدته فإن اشتغل بنفسه واستبصر وانفتح له طريق الفكر أو العمل فالسكون ~~أولى به إلا أن أكثر متصوفة هذه الأعصار لما خلت بواطنهم عن لطائف الأفكار ~~ودقائق الأعمال ولم يحصل لهم أنس بالله تعالى وبذكره في الخلوة وكانوا ~~بطالين غير محترفين ولا مشغولين قد ألفوا البطالة واستثقلوا العمل ~~واستوعروا طريق الكسب واستلانوا جانب السؤال والكدية واستطابوا الرباطات ~~المبنية لهم في البلاد واستسخروا الخدم المنتصبين للقيام بخدمة القوم ~~واستخفوا عقولهم وأديانهم من حيث لم يكن قصدهم من الخدمة إلا الرياء ~~والسمعة وانتشار الصيت واقتناص الأموال بطريق السؤال تعللا بكثرة الأتباع ~~فلم يكن لهم في الخانقاهات حكم ناقذ ولا تأديب للمريد بن نافع ولا حجر ~~عليهم قاهر فبسوا المرقعات واتخذوا في الخانقاهات متنزهات وربما تلقفوا ~~ألفاظا مزخرفة من أهل الطامات فينظرون إلى أنفسهم وقد تشبهوا بالقوم في ~~خرقتهم وفي سياحتهم وفي لفظهم وعبارتهم وفي آداب ظاهرة من سيرتهم فيظنون ~~بأنفسهم خيرا ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ويعتقدون أن كل سوداء تمرة ويتوهمون ~~أن المشاركة في الظاهر توجب المساهمة في الحقائق وهيهات فما أغزر حماقة من ~~لا يميز بين الشحم والورم فهؤلاء بغضاء الله فإن الله تعالى يبغض الشاب ~~الفارغ # ولم يحملهم على السياحة إلا الشباب والفراغ إلا من سافر لحج أو عمرة في ~~غير رياء ولا سمعة أو سافر لمشاهدة شيخ يقتدي به في علمه وسيرته وقد خلت ~~البلاد عنه الآن # والأمور الدينية كلها قد فسدت وضعفت إلا التصوف فإنه قد انمحق بالكلية ~~وبطل لأن العلوم لم تندرس بعد والعالم وإن كان عالم سوء فإنما فساده في ~~سيرته لا في علمه فيبقى عالما غير عامل بعلمه والعمل غير العلم # وأما التصوف فهو عبارة عن تجرد القلب لله تعالى واستحقار ما سوى الله # وحاصله يرجع إلى عمل القلب والجوارح # ومهما فسد العمل فات الأصل # وفي أسفار هؤلاء نظر للفقهاء من حيث إنه إتعاب للنفس بلا فائدة وقد يقال ~~إن ذلك ممنوع # ولكن الصواب عندنا أن نحكم بالإباحة فإن حظوظهم التفرج عن كرب البطالة ~~بمشاهدة البلاد المختلفة وهذه الحظوظ وإن كانت خسيسة فنفوس المتحركين لهذه ~~الحظوظ أيضا خسيسة ولا بأس بإتعاب حيوان خسيس لحظ خسيس يليق به ويعود إليه ~~فهو المتأذى والمتلذذ # والفتوى تقتضي تشتيت العوام في المباحات التي لا نفع فيها ولا ضرر ~~فالسابحون في غير مهم في الدين والدنيا بل لمحض التفرج في البلاد كالبهائم ~~المترددة في الصحاري فلا بأس بسياحتهم ما كفوا عن الناس شرهم ولم يلبسوا ~~على الخلق حالهم وإنما عصيانهم في التلبيس والسؤال على اسم التصوف والأكل ~~من الأوقاف التي وقفت على الصوفية لأن الصوفي عبارة عن رجل صالح عدل في ~~دينه مع صفات أخر PageV02P250 وراء الصلاح ومن أقل صفات أحوال هؤلاء أكلهم ~~أموال السلاطين وأكل الحرام من الكبائر فلا تبقى معه العدالة والصلاح ولو ~~تصور صوفي فاسق لتصور صوفي كافر وفقيه يهودي # وكما أن الفقيه عبارة عن مسلم مخصوص فالصوفي عبارة عن عدل مخصوص لا يقتصر ~~في دينه على القدر الذي يحصل به العدالة # وكذلك من نظر إلى ظواهرهم ولم يعرف بواطنهم وأعطاهم من ماله على سبيل ~~التقرب إلى الله تعالى حرم عليهم الأخذ وكان ما أكلوه سحتا وأعني به إذا ~~كان المعطي بحيث لو عرف بواطن أحوالهم ما أعطاهم فأخذ المال بإظهار التصوف ~~من غير اتصاف بحقيقته كأخذه بإظهار نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ~~سبيل الدعوى ومن زعم أنه علوي وهو كاذب وأعطاه مسلم مالا لحبه أهل البيت ~~ولو علم أنه كاذب لم يعطه شيئا فأخذه على ذلك حرام وكذلك الصوفي # ولهذا احترز المحتاطون عن الأكل بالدين فإن المبالغ في الاحتياط لدينه لا ~~ينفك في باطنه عن عورات لو انكشفت للراغب في مواساته لفترت رغبته عن ~~المواساة # فلا جرم كانوا لا يشترون شيئا بأنفسهم مخافة أن يسامحوا لأجل دينهم ~~فيكونوا قد أكلوا بالدين # وكانوا يوكلون من يشتري لهم ويشترطون على الوكيل أن لا يظهر أنه لمن ~~يشتري # نعم إنما يحل أخذ ما يعطى لأجل الدين إذا كان الأخذ بحيث لو علم المعطي ~~من باطنه ما يعلمه الله تعالى لم يقتض ذلك فتورا في رأيه فيه والعاقل ~~المنصف يعلم من نفسه أن ذلك ممتنع أو عزيز والمغرور الجاهل بنفسه أحرى بأن ~~يكون جاهلا بأمر دينه فإن أقرب الأشياء إلى قالبه قلبه فإذا التبس عليه أمر ~~قلبه فكيف ينكشف له غيره ومنعرف هذه الحقيقة لزمه لا محالة أن لا يأكل إلا ~~من كسبه ليأمن من هذه الغائلة أو لا يأكل إلا من مال من يعلم قطعا أنه لو ~~انكسف له عورات باطنه لم يمنعه ذلك عن مواساته # فإن اضطر طالب الحلال ومريد طريق الآخرة إلى أخذ مال غيره فليصرح له ~~وليقل إنك إن كنت تعطيني لما تعتقده في من الدين فلست مستحقا لذلك ولو كشف ~~الله تعالى سترى لم ترني بعين التوقير بل اعتقدت أبى شر الخلق أو من شرارهم ~~فإن أعطاه مع ذلك فليأخذ فإنه ربما يرضى منه هذه الخصلة وهو اعترافه على ~~نفسه بركاكة الدين وعدم استحقاقه لما يأخذه # ولكن ههنا مكيدة للنفس بينة ومخادعة فليتفطن لها وهو أنه قد يقول ذلك ~~مظهرا أنه متشبه بالصالحين في ذمهم نفوسهم واستحقارهم لها ونظرهم إليها ~~بعين المقت والازدراء فتكون صورة الكلام صورة القدح والازدراء وباطنه وروحه ~~هو عين المدح والإطراء فكم من ذام نفسه وهو لها مادح بعين ذمه فذم النفس في ~~الخلوة مع النفس هو المحمود # وأما الذم في الملأ فهو عين الرياء إلا إذا أورده إيرادا يحصل للمستمع ~~يقينا بأنه مقترف للذنوب ومعترف بها # وذلك مما يمكن تفهيمه بقرائن الأحوال ويمكن تلبيسه بقرائن الأحوال # والصادق بينه وبين الله تعالى يعلم أن مخادعته لله عز وجل أو مخادعته ~~لنفسه محال فلا يتعذر عليه الاحتراز عن أمثال ذلك # فهذا هو القول في أقسام السفر ونية المسافر وفضيلته # | الفصل الثاني في آداب المسافر من أول نهوضه إلى آخر رجوعه وهي أحد عشر # آدبا # الأول أن يبدأ برد المظالم وقضاء الديون واعداد النفقة لمن تلزمه نفقته ~~وبرد الودائع إن كانت عنده ولا يأخذ لزاده إلا الحلال الطيب وليأخذ قدرا ~~يوسع به على رفقائه # قال ابن عمر رضي الله عنهما من كرم الرجل طيب زاده في سفره # ولا بد في السفر من طيب الكلام وإطعام الطعام وإظهار مكارم الأخلاق في ~~السفر فإنه يخرج خبايا الباطن # ومن صلح لصحبة السفر صلح لصحبة الحضر وقد يصلح في الحضر من لا يصلح في ~~السفر # ولذلك PageV02P251 قيل إذا أثنى على الرجل معاملوه في الحضر ورفقاؤه في ~~السفر فلا تشكوا في صلاحه # والسفر من أسباب الضجر ومن أحسن خلقه في الضجر فهو الحسن الخلق وإلا فعند ~~مساعدة الأمور على وفق الغرض قلما يظهر سوء الخلق # وقد قيل ثلاثة لا يلامون على الضجر الصائم والمريض والمسافر وتمام حسن ~~خلق المسافر الإحسان إلى المكارى ومعاونة الرفقة بكل ممكن والرفق بكل منقطع ~~بأن لا يجاوزه إلا بالإعانة بمركوب أو زاد أو توقف لأجله # وتمام ذلك مع الرفقاء بمزاح ومطايبة في بعض الأوقات من غير فحش ولا معصية ~~ليكون ذلك شفاء لضجر السفر ومشاقه # الثاني أن يختار رفيقا فلا يخرج وحده فالرفيق ثم الطريق # وليكن رفيقه ممن يعينه على الدين فيذكره إذا نسي ويعينه ويساعده إذا ذكر ~~فإن المرء على دين خليله ولا يعرف الرجل إلا برفيقه # وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن أن يسافر الرجل وحده + حديث النهي عن أن ~~يسافر الرجل وحده أخرجه أحمد من حديث ابن عمر بسند صحيح وهو عند البخاري ~~بلفظ لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل وحده + # وقال الثلاثة نفر + حديث الثلاثة نفر رويناه من حديث علي في وصيته ~~المشهورة وهو حديث موضوع والمعروف الثلاثة ركب رواه أبو داود والترمذي ~~وحسنه النسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده + # وقال أيضا إذا كنتم ثلاثة في السفر فأمروا أحدكم + حديث إذا كنتم ثلاثة ~~فأمروا أحدكم أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد حسن + # وكانوا يفعلون ذلك ويقولون هذا أميرنا أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~+ حديث كانوا يفعلون ذلك ويقولون هو أمير أمره رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أخرجه البزار والحاكم عن عمر أنه قال إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا ~~عليكم أحدكم ذا أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحاكم صحيح ~~على شرط الشيخين + # وليؤمروا أحسنهم أخلاقا وأرفقهم بالأصحاب وأسرعهم إلى الإيثار وطلب ~~الموافقة # وإنما يحتاج إلى الأمير لأن الآراء تختلف في تعيين المنازل والطرق ومصالح ~~السفر ولا نظام إلا في الوحدة ولا فساد إلا في الكثرة # وإنما انتظم أمر العالم لأن مدبر الكل واحد @QB@ لو كان فيهما آلهة إلا ~~الله لفسدتا @QE@ ومهما كان المدبر واحدا انتظم أمر التدبير # وإذا كثر المدبرون فسدت الأمور في الحضر والسفر إلا أن مواطن الإقامة لا ~~تخلو عن أمير عام كأمير البلد # وأمير خاص كرب الدار # وأما السفر فلا يتعين له أمير إلا بالتأمير # فلهذا وجب التأمير ليجتمع شتات الآراء # ثم على الأمير أن لا ينظر إلا لمصلحة القوم وأن يجعل نفسه وقاية لهم كما ~~نقل عن عبد الله المروزي أنه صحبه أبو علي الرباطي فقال على أن تكون أنت ~~الأمير أو أنا فقال بل أنت فلم يزل يحمل الزاد لنفسه ولأبي علي على ظهره ~~فأمطرت السماء ذات ليلة فقام عبد الله طول الليل على رأس رفيقه وفي يده كسا ~~يمنع عنه المطر فكلما قال له عبد الله لا تفعل يقول ألم تقل إن الإمارة ~~مسلمة لي فلا تتحكم على ولا ترجع عن قولك حتى قال أبو علي وددت أني مت ولم ~~أقل له أنت الأمير فهكذا ينبغي أن يكون الأمير # وقد قال صلى الله عليه وسلم خير الأصحاب أربعة + حديث خير الأصحاب أربعة ~~أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم من حديث ابن عباس قال الترمذي حسن غريب ~~وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين + # وتخصيص الأربعة من بين سائر الأعداد لا بد أن يكون له فائدة والذي ينقدح ~~فيه أن المسافر لا يخلو عن رجل يحتاج إلى حفظه وعن حاجة يحتاج إلى التردد ~~فيها ولو كانوا ثلاثة لكان المتردد في الحاجة واحدا فيبقى في السفر بلا ~~رفيق فلا يخلو عن خطر وعن ضيق قلب لفقد أنس الرفيق ولو تردد في الحاجة ~~اثنان لكان الحافظ للرحل واحدا فلا يخلو أيضا عن الخطر وعن ضيق الصدر # فإذن ما دون الأربعة لا يفي بالمقصود وما فوق الأربعة يزيد فلا تجمعهم ~~رابطة واحدة فلا ينعقد بينهم الترافق لأن الخامس زيادة بعد الحاجة ومن ~~يستغنى عنه لا تنصرف الهمة إليه فلا تتم المرافقة معه # نعم في كثرة الرفقاء فائدة للأمن من المخاوف PageV02P252 ولكن الأربعة ~~خير للرفاقة الخاصة لا للرفاقة العامة # وكم من رفيق في الطريق عند كثرة الرفاق لا يكلم ولا يخالط إلى آخر الطريق ~~للإستغناء عنه # الثالث أن يودع رفقاء الحضر والأهل والأصدقاء وليدع عند الوداع بدعاء ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم # قال بعضهم صحبت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من مكة إلى المدينة حرسها ~~الله فلما أردت أن افارقه شيعني وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول قال لقمان إن الله تعالى إذا أستودع شيئا حفظه وإني أستودع الله دينك ~~وأمانتك وخواتيم عملك + حديث ابن عمر قال لقمان إن الله إذا استودع شيئا ~~حفظه وإني أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك أخرجه النسائي في اليوم ~~والليلة ورواه أبو داود مختصرا وإسناده جيد + # وروى زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أراد ~~أحدكم سفرا فليودع إخوانه فإن الله تعالى جاعل له في دعائهم البركة + حديث ~~زيد بن أرقم إذا أراد أحدكم سفرا فليودع إخوانه فإن الله جاعل له في دعائهم ~~البركة أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق بسند ضعيف + # وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ~~إذا ودع رجلا قال زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك إلى الخير حيث توجهت + ~~حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كان إذا ودع رجلا قال زودك الله التقوى ~~رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق والمحاملي في الدعاء وفيه ابن لهيعة + # فهذا دعاء المقيم للمودع # وقال موسى بن وردان أتيت أبا هريرة رضي الله عنه أودعه لسفر أردته # فقال ألا أعلمك يا ابن أخي شيئا علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ~~الوداع فقلت بلى قال قل أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه + حديث أبي هريرة ~~أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه أخرجه ابن ماجه والنسائي في اليوم ~~والليلة بإسناد حسن + # وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ~~إني أريد سفرا فأوصني فقال له في حفظ الله وفي كنفه زودك الله التقوى وغفر ~~ذنبك ووجهك للخير حيث كنت أو أينما كنت + حديث أنس في حفظ الله وفي كنفه ~~زودك الله التقوى الحديث تقدم في الحج في الباب الثاني + # شك فيه الراوي # وينبغي إذا استودع الله تعالى ما يخلفه أن يستودع الجمع ولا يخصص # فقد روي أن عمر رضي الله عنه كان يعطي الناس عطاياهم إذ جاءه رجل معه ابن ~~له فقال له عمر ما رأيت أشبه بأحد من هذا بك فقال له الرجل أحدثك عنه يا ~~أمير المؤمنين بأمر إني أردت أن أخرج إلى سفر وأمه حامل به فقالت تخرج ~~وتدعني على هذه الحالة فقلت أستودع الله ما في بطنك فخرجت ثم قدمت فإذا هي ~~قد ماتت فجلسنا نتحدث فإذا نار على قبرها فقلت للقوم ما هذه النار فقالوا ~~هذه النار من قبر فلانة نراها كل ليلة فقلت والله إنها كانت لصوامة قوامة ~~فأخذت المعول حتى انتهينا إلى القبر فحفرنا فإذا سراج وإذا هذا الغلام يدب ~~فقيل لي إن هذه وديعتك ولو كنت استودعت أمه لوجدتها فقال عمر رضي الله عنه ~~لهو أشبه بك من الغراب بالغراب # الرابع أن يصلي قبل سفره صلاة الاستخارة كما وصفناها في # | كتاب الصلاة ووقت الخروج يصلي لأجل السفر فقد روى أنس بن مالك رضي # الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني نذرت سفرا وقد ~~كتبت وصيتي فإلى أي الثلاثة أدفعها إلى ابني أم أخي أم أبي فقال النبي صلى ~~الله عليه وسلم ما استخلف عبد في أهله من خليفة أحب إلى الله من أربع ركعات ~~يصليهن في بيته إذا شد عليه ثياب سفره يقرأ فيهن بفاتحة الكتاب و قل هو ~~الله أحد ثم يقول اللهم إني أتقرب بهن إليك فاخلفني بهن في أهلي ومالي فهي ~~خليفته في أهله وماله وحرز حول داره حتى يرجع إلى أهله + حديث أنس أن رجلا ~~قال إني نذرت سفرا وقد كتبت وصيتي فإلى أي الثلاثة أدفعها إلى أبي أم أخي ~~أم امرأتي فقال ما استخلف عبد في أهله من خليفة أحب إلى الله من أربع ~~ركعاتالحديث أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق وفيه من لا يعرف + ~~PageV02P253 # الخامس إذا حصل على باب الدار فليقل بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا ~~قوة إلا بالله رب أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو ~~أجهل أو يجهل علي فإذا مشى قال اللهم بك انتشرت وعليك توكلت وبك اعتصمت ~~وإليك توجهت اللهم أنت ثقتي وأنت رجائي فاكفني ما أهمني وما لا أهتم به وما ~~أنت أعلم به مني عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك اللهم زودني التقوى واغفر ~~لي ذنبي ووجهني للخير أينما توجهت # وليدع بهذا الدعاء في كل منزل يرحل عنه # فإذا ركب الدابة فليقل بسم الله وبالله والله أكبر توكلت على الله ولا ~~حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ما شاءالله كان وما لم يشأ لم يكن ~~سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون # فإذا استوت الدابة تحته فليقل @QB@ الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا ~~لنهتدي لولا أن هدانا الله @QE@ اللهم أنت الحامل على الظهر وأنت المستعان ~~على الأمور # السادس أن يرحل عن المنزل بكرة # روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رحل يوم الخميس وهو يريد تبوك وقال ~~اللهم بارك لأمتي في بكورها + حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم رحل يوم ~~الخميس يريد تبوك وقال اللهم بارك لأمتي في بكورها رواه الخرائطي وفي السنن ~~الأربعة من حديث صخر العامري اللهم بارك لأمتي في بكورها قال الترمذي حديث ~~حسن + # ويستحب أن يبتدئ بالخروج يوم الخميس فقد روى عبد الله بن كعب بن مالك عن ~~أبيه قال قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى سفر إلا يوم ~~الخميس + حديث كعب ابن مالك قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج ~~إلى سفر إلا يوم الخميس والسبت أخرجه البزار مقتصرا على يوم خميسها ~~والخرائطي مقتصرا على يوم السبت وكلاهما ضعيف + # وروى أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم ~~السبت وكان صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية بعثها أول النهار + حديث كان ~~إذا بعث سرية بعثها أول النهار أخرجه الأربعة من حديث صخر العامري وحسنه ~~الترمذي + # وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك ~~لأمتي في بكورها يوم خميسها + حديث أبي هريرة اللهم بارك لأمتي في بكورها ~~يوم خميسها أخرجه ابن ماجه والخرائطي في مكارم الأخلاق واللفظ له وقال ابن ~~ماجه يوم الخميس وكلا الإسنادين ضعيف + # وقال عبد الله بن عباس إذا كان لك إلى رجل حاجة فاطلبها منه نهارا ولا ~~تطلبها ليلا واطلبها بكرة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ~~اللهم بارك لأمتي في بكورها + حديث ابن عباس إذا كانت لك إلى رجل حاجة ~~فاطلبها إليه نهارا الحديث أخرجه البزار والطبراني في الكبير والخرائطي في ~~مكارم الأخلاق واللفظ له وإسناده ضعيف + # ولا ينبغي أن يسافر بعد طلوع الفجر من يوم الجمعة فيكون عاصيا بترك ~~الجمعة واليوم منسوب إليها فكان أوله من أسباب وجوبها # والتشييع للوداع مستحب وهو سنة قال صلى الله عليه وسلم لأن أشيع مجاهدا ~~في سبيل الله فأكتنفه على رحله غدوة أو روحة أحب إلي من الدنيا وما فيها + ~~حديث لأن أشيع مجاهدا في سبيل الله فأكتنفه على رحله غدوة أو روحة أحب إلي ~~من الدنيا وما فيها رواه ابن ماجه بسند ضعيف من حديث معاذ بن أنس + # السابع أن لا ينزل حتى يحمي النهار فهي السنة ويكون أكثر سيره بالليل # قال صلى الله عليه وسلم عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى ~~بالنهار + حديث عليكم بالدلجة الحديث تقدم في الباب الثاني من الحج + # ومهما أشرف على المنزل فليقل اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب ~~الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين ورب ~~البحار وما جرين أسألك خير هذا المنزل وخير أهله وأعوذ بك من شر هذا المنزل ~~وشر ما فيه اصرف عني شر شرارهم # فإذا نزل المنزل فليصل فيه ركعتين ثم ليقل اللهم إني أعوذ بكلمات الله ~~التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق # فإذا جن عليه الليل فليقل يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك ومن شر ~~ما فيك وشر ما دب عليك أعوذ بالله PageV02P254 من شر كل أسد وأسود وحية ~~وعقرب ومن شر ساكني البلد ووالد وما ولد @QB@ وله ما سكن في الليل والنهار ~~وهو السميع العليم @QE@ ومهما علا شرفا من الأرض في وقت السير فينبغي أن ~~يقول اللهم لك الشرف على كل شرف ولك الحمد على كل حال ومهما هبط سبح ومهما ~~خاف الوحشة في سفره قال سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح جللت ~~السماوات بالعزة والجبروت # الثامن أن يحتاط بالنهار فلا يمشي منفردا خارج القافلة لأنه ربما يغتال ~~أو ينقطع ويكون بالليل متحفظا عند النوم # كان صلى الله عليه وسلم إذا نام في ابتداء الليل في السفر افترش ذراعيه ~~وإن نام في آخر الليل نصب ذراعيه نصبا وجعل رأسه في كفه + حديث كان إذا نام ~~في ابتداء الليل في السفر افترش ذراعيهالحديث تقدم في الحج + # والغرض من ذلك أن لا يستثقل في النوم فتطلع الشمس وهو نائم لا يدري فيكون ~~ما يفوته من الصلاة أفضل مما يطلبه بسفره # والمستحب بالليل أن يتناوب الرفقاء في الحراسة فإذا نام واحد حرس آخر + ~~حديث تناوب الرفقاء في الحراسة تقدم في الحج في الباب الثاني + # فهذه السنة # ومهما قصده عدو أو سبع في ليل أو نهار فليقرأ آية الكرسي وشهد الله وسور ~~الإخلاص والمعوذتين # وليقل بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله حسبي الله توكلت على الله ~~ما شاء الله لا يأتي بالخيرات إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ~~حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء الله منتهى ولا دون الله ملجأ ~~كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز تحصنت بالله العظيم واستعنت ~~بالحي القيوم الذي لا يموت اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واكنفنا بركنك ~~الذي لا يرام اللهم ارحمنا بقدرتك علينا فلا تهلك وأنت ثقتنا ورجاؤنا اللهم ~~اعطف علينا قلوب عبادك وإمائك برأفة ورحمة إنك أنت أرحم الراحمين # التاسع أن يرفق بالدابة إن كان راكبا فلا يحملها ما لا تطيق # ولا يضربها في وجهها فإنه منهي عنه ولا ينام عليها فإنه يثقل بالنوم ~~وتتأذى به الدابة كان أهل الورع لا ينامون على الدواب إلا غفوة وقال صلى ~~الله عليه وسلم لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسي + حديث لا تتخذوا ظهور دوابكم ~~كراسي تقدم في الباب الثالث من الحج + # ويستحب أن ينزل عن الدابة غدوة وعشية يروحها بذلك + حديث النزول عن ~~الدابة غدوة وعشية تقدم فيه + # فهو سنة وفيه آثار عن السلف # وكان بعض السلف يكتري بشرط أن لا ينزل ويوفي الأجرة # ثم كان ينزل ليكون بذلك محسنا إلى الدابة فيوضع في ميزان حسناته لا في ~~ميزان حسنات المكاري # ومن آذى بهيمة بضرب أو حمل ما لا تطيق طولب به يوم القيامة إذ في كل كبد ~~حراء أجر # قال أبو الدرداء رضي الله عنه لبعير له عند الموت أيها البعير لا تخاصمني ~~إلى ربك فإني لم أك أحملك فوق طاقتك # وفي النزول ساعة صدقتان إحداهما ترويح الدابة والثانية إدخال السرور على ~~قلب المكاري # وفي فائدة أخرى وهي رياضة البدن وتحريك الرجلين # والحذر من خدر الأعضاء بطول الركوب # وينبغي أن يقرر مع المكاري ما يحمله عليها شيئا شيئا ويعرضه عليه ويستأجر ~~الدابة بعقد صحيح لئلا يثور بينهما نزاع يؤذي القلب ويحمل على الزيادة في ~~الكلام فما يلفظ العبد من قول إلا لديه رقيب عتيد # فليحترز عن كثرة الكلام واللجاج مع المكاري فلا ينبغي أن يحمل فوق ~~المشروط شيئا وإن خف # فإن القليل يجر الكثير ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه # قال رجل لابن المبارك وهو على دابة احمل لي هذه الرقعة إلى فلان فقال حتى ~~استأذن المكاري فإني لم أشارطه على هذه الرقعة # فانظر كيف لم يلتفت إلى قول الفقهاء إن هذا مما يتسامح فيه ولكن ~~PageV02P255 سلك طريق الورع # العاشر ينبغي أن يستصحب ستة أشياء # قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر حمل ~~معه خمسة أشياء # المرآة والمكحلة والمقراض والسواك والمشط + حديث عائشة كان إذا سافر حمل ~~معه خمسة أشياء المرآة والمكحلة والمدرى والسواك والمشط وفي رواية ستة ~~أشياء أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في سننه والخرائطي في مكارم ~~الأخلاق واللفظ له وطرقه كلها ضعيفة + # وفي رواية أخرى عنها ستة أشياء المرآة والقارورة والمقراض والسواك ~~والمكحلة والمشط # وقالت أم سعد الأنصارية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفارقه في ~~السفر المرآة والمكحلة + حديث أم سعد الأنصارية كان لا يفارقه في السفر ~~المرآة والمكحلة رواه الخرائطي وإسناده ضعيف + # وقال صهيب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالإثمد عند مضجعكم ~~فإنه مما يزيد في البصر وينبت الشعر + حديث صهيب عليكم بالإثمد عند مضجعكم ~~فإنه يزيد في البصر وينبت الشعر أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق بسند ضعيف ~~وهو عند الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان من حديث ابن عباس وصححه ابن عبد ~~البر وقال الخطابي صحيح الإسناد + # وروي أنه كان يكتحل ثلاثا ثلاثا وفي رواية انه اكتحل لليمنى ثلاثا ~~ولليسرى ثنتين + حديث كان يكتحل لليمنى ثلاثا ولليسرى ثنتين أخرجه الطبراني ~~في الأوسط من حديث ابن عمر بسند لين + # وقد زاد الصوفية الركوة والحبل # وقال بعض الصوفية إذا لم يكن مع الفقير ركوة وحبل دل على نقصان دينه # وإنما زادوا هذا لما رأوه من الاحتياط في طهارة الماء وغسل الثياب ~~فالركوة لحفظ الماء الطاهر والحبل لتجفيف الثوب المغسول ولنزع الماء من ~~الآبار # وكان الأولون يكتفون بالتيمم ويغنون أنفسهم عن نقل الماء # ولا يبالون بالوضوء من الغدران ومن المياه كلها ما لم يتيقنوا نجاستها ~~حتى توضأ عمر رضي الله عنه من ماء في جرة نصرانية # وكانوا يكتفون بالأرض والجبال عن الحبل فيفرشون الثياب المغسولة عليها # فهذه بدعة إلا أنها بدعة حسنة وإنما البدعة المذمومة ما تضاد السنن ~~الثابتة وأما ما يعين على الاحتياط في الدين فمستحسن # وقد ذكرنا أحكام المبالغة في الطهارات في # | كتاب الطهارة وأن المتجرد لأمر الدين لا ينبغي أن يؤثر طريق الرخصة # بل يحتاط في الطهارة ما لم يمنعه ذلك عن عمل أفضل منه # وقيل كان الخواص من المتوكلين وكان لا يفارقه أربعة أشياء في السفر ~~والحضر الركوة والحبل والإبرة بخيوطها والمقراض وكان يقول هذه ليست من ~~الدنيا # الحادي عشر في آداب الرجوع من السفر كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ~~قفل من غزو أو حج أو عمرة أو غيره يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ~~ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء ~~قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده ~~وهزم الأحزاب وحده + حديث كان إذا قفل من حج أو غزو أو غيره يكبرالحديث ~~تقدم في الحج + # وإذا أشرف على مدينته فليقل اللهم اجعل لنا بها قرارا ورزقا حسنا # ثم ليرسل إلى أهله من يبشرهم بقدومه كيلا يقدم عليهم بغتة فيرى ما يكرهه ~~ولا ينبغي له أن يطرقهم ليلا + حديث النهي عن طروق الأهل ليلا تقدم + # فقد ورد النهي عنه # وكان صلى الله عليه وسلم إذا قدم دخل المسجد أولا وصلى ركعتين ثم دخل ~~البيت + حديث كان إذا قدم من سفر دخل المسجد أولا وصلى ركعتين تقدم + # وإذا دخل قال توبا توبا لربنا أوبا أوبا لا يغادر علينا حوبا + حديث كان ~~إذا دخل قال توبا توبا لربنا أوبا أوبا لا يغادر علينا حوبا أخرجه ابن ~~السني في اليوم والليلة والحاكم من حديث ابن عباس وقال صحيح على شرط ~~الشيخين + PageV02P256 # وينبغي أن يحمل لأهل بيته وأقاربه تحفة من مطعوم أو غيره على قدر إمكانه ~~فهو سنة # فقد روي أنه إن لم يجد شيئا فليضع في مخلاته حجرا + حديث إطراق أهله عند ~~القدوم ولو بحجر أخرجه الدارقطني من حديث عائشة بإسناد ضعيف + # وكأن هذا مبالغة في الاستحثاث على هذه المكرمة لأن الأعين تمتد إلى ~~القادم من السفر والقلوب تفرح به فيتأكد الاستحباب في تأكيد فرحهم وإظهار ~~التفات القلب في السفر إلى ذكرهم بما يستصحبه في الطريق لهم فهذه جملة من ~~الآداب الظاهرة # وأما الآداب الباطنة ففي الفصل الأول بيان جملة منها # وجملته أن لا يسافر إلا إذا كان زيادة دينه في السفر # ومهما وجد قلبه متغيرا إلى نقصان فيقف ولينصرف ولا ينبغي أن يجاوز همه ~~منزله بل ينزل حيث ينزل قلبه وينوي في دخول كل بلدة أن يرى شيوخها ويجتهد ~~أن يستفيد من كل واحد منهم أدبا أو كلمة لينتفع بها لا ليحكي ذلك ويظهر أنه ~~لقي المشايخ # ولا يقيم ببلدة أكثر من أسبوع أو عشرة أيام إلا أن يأمره الشيخ المقصود ~~بذلك # ولا يجالس في مدة الإقامة إلا الفقراء الصادقين وإن كان قصده زيارة أخ ~~فلا يزيد على ثلاثة أيام فهو حد الضيافة إلا إذا شق على أخيه مفارقته # وإذا قصد زيارة شيخ فلا يقيم عنده أكثر من يوم وليلة # ولا يشغل نفسه بالعشرة فإن ذلك يقطع بركة سفره # وكلما دخل بلدا لا يشتغل بشيء سوى زيارة الشيخ بزيارة منزله فإن كان في ~~بيته فلا يدق عليه بابه ولا يستأذن عليه إلى أن يخرج فإذا خرج تقدم إليه ~~بأدب فسلم عليه ولا يتكلم بين يديه إلا أن يسأله فإن سأله أجاب بقدر السؤال ~~ولا يسأله عن مسألة ما لم يستأذن أولا # وإذا كان في السفر فلا يكثر ذكر أطعمة البلدان وأسخيائها ولا ذكر أصدقائه ~~فيها وليذكر مشايخها وفقراءها # ولا يهمل في سفره زيارة قبور الصالحين بل يتفقدها في كل قرية وبلدة # ولا يظهر حاجته إلا بقدر الضرورة ومع من يقدر على إزالتها # ويلازم في الطريق الذكر وقراءة القرآن بحيث لا يسمع غيره # وإذا كلمه إنسان فليترك الذكر وليجبه ما دام يحدثه ثم ليرجع إلى ما كان ~~عليه # فإن تبرمت نفسه بالسفر أو بالإقامة فليخالفها فالبركة في مخالفة النفس # وإذا تيسرت له خدمة قوم صالحين فلا ينبغي له أن يسافر تبرما بالخدمة فذلك ~~كفران نعمة # ومهما وجد نفسه في نقصان عما كان عليه في الحضر فليعلم أن سفره معلول ~~وليرجع إذ لو كان لحق لظهر أثره # قال رجل لأبي عثمان المغربي خرج فلان مسافرا فقال السفر غربة والغربة ذلة ~~وليس للمؤمن أن يذل نفسه وأشار به إلى أن من ليس له في السفر زيادة دين فقد ~~أذل نفسه وإلا فعز الدين لا ينال إلا بذلة الغربة # فليكن سفر المريد من وطن هواه ومراده وطبعه حتى يعز في هذه الغربة ولا ~~يذل فإن من اتبع هواه في سفره ذل لا محالة إما عاجلا وإما آجلا # | الباب الثاني فيما لا بد للمسافر من تعلمه من رخص السفر وأدلة القبلة # والأوقات # اعلم أن المسافر يحتاج في أول سفره إلى أن يتزود لدنياه ولآخرته # أما زاد الدنيا فالطعام والشراب وما يحتاج إليه من نفقة # فإن خرج متوكلا من غير زاد فلا بأس به إذا كان سفره في قافلة أو بين قرى ~~متصلة # وإن ركب البادية وحده أو مع قوم لا طعام معهم ولا شراب فإن كان ممن يصبر ~~على الجوع أسبوعا أو عشرا مثلا أو يقدر على أن يكتفي بالحشيش فله ذلك # وإن لم يكن له قوة الصبر على الجوع ولا القدرة على الاجتزاء بالحشيش ~~فخروجه منغير زاد معصية فإنه ألقى نفسه بيده إلى التهلكة ولهذا سر سيأتي في ~~كتاب التوكل PageV02P257 # وليس معنى التوكل التباعد عن الأسباب بالكلية ولو كان كذلك لبطل التوكل ~~بطلب الدلو والحبل ونزع الماء من البئر ولوجب أن يصبر حتى يسخر الله له ~~ملكا أو شخصا آخر حتى يصب الماء في فيه # فإن كان حفظ الدلو والحبل لا يقدح في التوكل وهو آلة الوصول إلى المشروب ~~فحمل عين المطعوم والمشروب حيث لا ينتظر له وجود أولى بأن لا يقدح فيه # وستأتي حقيقة التوكل في موضعها فإنه يلتبس إلا على المحققين من علماء ~~الدين # وأما زاد الآخرة فهو العلم الذي يحتاج إليه في طهارته وصومه وصلاته ~~وعبادته فلا بد وأن يتزود منه إذ السفر تارة يخفف عنه أمورا فيحتاج إلى ~~معرفة القدر الذي يخففه السفر كالقصر والجمع والفطر وتارة يشدد عليه أمورا ~~كان مستغنيا عنها في الحضر كالعلم بالقبلة وأوقات الصلوات فإنه في البلد ~~يكتفي بغيره من محاريب المساجد وأذان المؤذنين وفي السفر قد يحتاج إلى أن ~~يتعرف بنفسه # فإذن ما يفتقر إلى تعلمه ينقسم إلى قسمين القسم الأول العلم برخص السفر # والسفر يفيد في الطهارة رخصتين مسح الخفين والتيمم وفي صلاة الفرض رخصتين ~~القصر والجمع وفي النفل رخصتين أداؤه على الراحلة وأداؤه ماشيا وفي الصوم ~~رخصة واحدة وهي الفطر فهذه سبع رخص # الرخصة الأولى المسح على الخفين قال صفوان بن عسال أمرنا رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أو سفر أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ~~ولياليهن + حديث صفوان بن عسال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا ~~مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن أخرجه الترمذي ~~وصححه وابن ماجه والنسائي في الكبرى وابن خزيمة وابن حبان + # فكل من لبس الخف على طهارة مبيحة للصلاة ثم أحدث فله أن يمسح على خفه من ~~وقت حدثه ثلاثة أيام ولياليهن إن كان مسافرا أو يوما وليلة إن كان مقيما ~~ولكن بخمسة شروط # الأول أن يكون اللبس بعد كمال الطهارة فلو غسل الرجل اليمنى وأدخلها في ~~الخف ثم غسل اليسرى فأدخلها في الخف لم يجز له المسح عند الشافعي رحمه الله ~~حتى ينزع اليمنى ويعيد لبسه # الثاني أن يكون الخف قويا يمكن المشي فيه ويجوز المسح على الخف وإن لم ~~يكن منعلا إذ العادة جارية بالتردد فيه في المنازل لأن فيه قوة على الجملة ~~بخلاف جورب الصوفية فإنه لا يجوز المسح عليه وكذا الجرموق الضعيف # الثالث أن لا يكون في موضع فرض الغسل خرق فإن تخرق بحيث انكشف محل الفرض ~~لم يجز المسح عليه # وللشافعي قول قديم إنه يجوز ما دام يستمسك على الرجل وهو مذهب مالك رضي ~~الله عنه # ولا بأس به لمسيس الحاجة إليه وتعذر الخرز في السفر في كل وقت # والمداس المنسوج يجوز المسح عليه مهما كان ساترا لا تبدو بشرة القدم من ~~خلاله وكذا المشقوق الذي يرد على محل الشق بشرج لأن الحاجة تمس إلى جميع ~~ذلك فلا يعتبر إلا أن يكون ساتراإلى ما فوق الكعبين كيفما كان # فأما إذا ستر بعض ظهر القدم وستر الباقي باللفافة لم يجز المسح عليه # الرابع أن لا ينزع الخف بعد المسح عليه فإن نزع فالأولى له استئناف ~~الوضوء فإن اقتصر على غسل القدمين جاز # الخامس أن يمسح على الموضع المحاذي لمحل فرض الغسل لا على الساق وأقله ما ~~يسمى مسحا على ظهر القدم PageV02P258 من الخف # وإذا مسح بثلاث أصابع أجزأه والأولى أن يخرج من شبهة الخلاف وأكمله أن ~~يمسح أعلاه وأسفله دفعة واحدة من غير تكرار + حديث مسحه صلى الله عليه وسلم ~~على الخف وأسفله أخرجه أبو داود والترمذي وضعفه وابن ماجه من حديث المغيرة ~~وهكذا ضعفه البخاري وأبو زرعة + كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم # ووصفه أن يبل اليدين ويضع رءوس أصابع اليمنى من يده على رءوس أصابع ~~اليمنى من رجله ويمسحه بأن يجر أصابعه إلى جهة نفسه ويضع رءوس أصابع يده ~~اليسرى على عقبه من أسفل الخف ويمرها إلى رأس القدم # ومهما مسح مقيما ثم سافر أو مسافرا ثم أقام غلب حكم الإقامة فليقتصر على ~~يوم وليلة # وعدد الأيام الثلاثة محسوب من وقت حدثه بعد المسح على الخف فلو لبس الخف ~~في الحضر ومسح في الحضر ثم خرج وأحدث في السفر وقت الزوال مثلا مسح ثلاثة ~~أيام ولياليهن من وقت الزوال إلى الزوال من اليوم الرابع فإذا زالت الشمس ~~من اليوم الرابع لم يكن له أن يصلي إلا بعد غسل الرجلين فيغسل رجليه ويعيد ~~لبس الخف ويراعي وقت الحدث ويستأنف الحساب من وقت الحدث # ولو أحدث بعد لبس الخف في الحضر ثم خرج بعد الحدث فله أن يمسح ثلاثة أيام ~~لأن العادة قد تقتضي اللبس قبل الخروج ثم لا يمكن الاحتراز من الحدث # فأما إذا مسح في الحضر ثم سافر اقتصر على مدة المقيمين # ويستحب لكل من يريد لبس الخف في حضر أو سفر أن ينكس الخف وينفض ما فيه ~~حذرا من حية أو عقرب أو شوكة # فقد روي عن أبي أمامة أنه قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخفيه ~~فلبس أحدهما فجاء غراب فاحتمل الآخر ثم رمى به فخرجت منه حية فقال صلى الله ~~عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما + ~~حديث أبي أمامة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما ~~رواه الطبراني وفيه من لا يعرف + # الرخصة الثانية التيمم بالتراب بدلا عن الماء عند العذر إنما يتعذر الماء ~~بأن يكون بعيدا عن المنزل بعدا لو مشى إليه لم يلحقه غوث القافلة إن صاح أو ~~استغاث وهو البعد الذي لا يعتاده أهل المنزل في تردادهم لقضاء الحاجة ~~التردد إليه # وكذا إن نزل على الماء عدو أو سبع فيجوز التيمم وإن كان الماء قريبا # وكذا إن احتاج إليه لعطشه في يومه أو بعد يومه لفقد الماء بين يديه فله ~~التيمم وكذا إن احتاج إليه لعطش أحد رفقائه فلا يجوز له الوضوء ويلزمه بذله ~~إما بثمن أو بغير ثمن ولو كان يحتاج إليه لطبخ مرقة أو لحم أو لبل فتيت ~~يجمعه به لم يجز له التيمم بل عليه أن يجتزى بالفتيت اليابس ويترك تناول ~~المرقة # ومهما وهب له الماء وجب قبوله وإن وهب له ثمنه لم يجب قبوله لما فيه من ~~المنة # وإن بيع بثمن المثل لزمه الشراء وإن بيع بغبن لم يلزمه # فإذا لم يكن معه ماء وأراد أن يتيمم فأول ما يلزمه طلب الماء مهما جوز ~~الوصول إليه بالطلب وذلك بالتردد حوالي المنزل وتفتيش الرحل وطلب البقايا ~~من الأواني والمطاهر # فإن نسي الماء في رحله أو نسي بئرا بالقرب منه لزمه إعادة الصلاة لتقصيره ~~في الطلب # وإن علم أنه سيجد الماء في آخر الوقت فالأولى أن يصلي بالتيمم في أول ~~الوقت فإن العمر لا يوثق به # وأول الوقت رضوان الله # تيمم ابن عمر رضي الله عنهما فقيل له أتتيمم وجدران المدينة تنظر إليك ~~فقال أو أبقى إلى أن أدخلها ومهما وجد الماء بعد الشروع في الصلاة لم تبطل ~~صلاته ولم يلزمه الوضوء # وإذا وجده قبل الشروع في الصلاة لزمه الوضوء # ومهما طلب فلم يجد فليقصد صعيدا طيبا عليه تراب يثور منه غبار وليضرب ~~عليه كفيه بعد ضم أصابعهما PageV02P259 ضربة فيمسح بها وجهه ويضرب ضربة ~~أخرى بعد نزع الخاتم ويفرج الأصابع ويمسح بها يديه إلى مرفقيه فإن لم ~~يستوعب بضربة واحدة جميع يديه ضرب ضربة أخرى وكيفية التلطف فيه ما ذكرناه ~~في # | كتاب الطهارة فلا نعيده ثم إذا صلى به فريضة واحدة فله أن يتنفل # ما شاء بذلك التيمم # وإن أراد الجمع بين فريضتين فعليه أن يعيد التيمم للصلاة الثانية فلا ~~يصلي فريضتين إلا بتيممين # ولا ينبغي أن يتيمم لصلاة قبل دخول وقتها فإن فعل وجب عليه إعادة التيمم # ولينو عند مسح الوجه استباحة الصلاة # ولو وجد من الماء ما يكفيه لبعض طهارته فيستعمله ثم ليتيمم بعده تيمما ~~تاما # الرخصة الثالثة في الصلاة المفروضة القصر وله أن يقتصر في كل واحدة من ~~الظهر والعصر والعشاء على ركعتين ولكن بشروط ثلاثة # الأول أن يؤديها في أوقاتها فلو صارت قضاء فالأظهر لزوم الإتمام # الثاني أي ينوي القصر فلو نوى الإتمام لزمه الإتمام ولو شك في أنه نوى ~~القصر أو الإتمام لزمه الإتمام # الثالث أي لا يقتدي بمقيم ولا بمسافر متم فإن فعل لزمه الإتمام بل إن شك ~~في أن إمامه مقيم أو مسافر لزمه الإتمام وإن تيقن بعده أنه مسافر لأن شعار ~~المسافر لا تخفى فليكن متحققا عند النية وإن شك في أن إمامه هل نوى القصر ~~أم لا بعد أن عرف أنه مسافر لم يضره ذلك لأن النيات لا يطلع عليها # وهذا كله إذا كان في سفر طويل مباح # وحد السفر من جهة البداية والنهاية فيه إشكال فلا بد من معرفته # والسفر هو الإنتقال من موضع الإقامة مع ربط القصد بمقصد معلوم فالهائم ~~وراكب التعاسيف ليس له الترخص وهو الذي لا يقصد موضعا معينا ولا يصير ~~مسافرا ما لم يفارق عمران البلد ولا يشترط أن يجاوز خراب البلدة وبساتينها ~~التي يخرج أهل البلدة إليها للتنزه # وأما القرية فالمسافر منها ينبغي أن يجاوز البساتين المحوطة دون التي ~~ليست بمحوطة # ولو رجع المسافر إلى البلد لأخذ شيء نسيه لم يترخص إن كان ذلك وطنه ما لم ~~يجاوز العمران وإن لم يكن ذلك هو الوطن فله الترخص إذ صار مسافرا بالإنزعاج ~~والخروج منه # وأما نهاية السفر فبأحد أمور ثلاثة # الأول الوصول إلى العمران من البلد الذي عزم على الإقامة به # الثاني العزم على الإقامة ثلاثة أيام فصاعدا إما في بلد أو في صحراء # الثالث صورة الإقامة وإن لم يعزم كما إذا أقام على موضع واحد ثلاثة أيام ~~سوى يوم الدخول لم يكن له الترخص بعده وإن لم يعزم على الإقامة وكان له شغل ~~وهو يتوقع كل يوم إنجازه ولكنه يتعوق عليه ويتأخر فله أن يترخص وإن طالت ~~المدة على أقيس القولين لأنه منزعج بلقبه ومسافر عن الوطن بصورته ولا ~~مبالاة بصورة الثبوت على موضع واحد مع انزعاج القلب ولا فرق بين أن يكون ~~هذا الشغل قتالا أو غيره ولا بين أن تطول المدة أو تقصر ولا بين أن يتأخر ~~الخروج لمطر لا يعلم بقاؤه ثلاثة أيام أو لغيره إذ ترخص رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فقصر في بعض الغزوات ثمانية عشر يوما على موضع واحد + حديث قصره ~~صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات ثمانية عشر يوما على موضع واحد أخرجه ~~أبو داود من حديث عمران بن حصين في قصة الفتح فأقام بمكة ثمانية عشر ليلة ~~لا يصلي إلا ركعتين وللبخاري من حديث ابن عباس أقام بمكة تسعة عشر يوما ~~يقصر الصلاة ولأبي داود سبعة عشر بتقديم السين وفي رواية له خمسة عشر + # وظاهر الأمر أنه لو تمادى القتال لتمادى ترخصه إذ لا معنى للتقدير ~~بثمانية عشر يوما # والظاهر أن قصره كان لكونه مسافرا لا لكونه غازيا مقاتلا هذا معنى القصر # وأما معنى التطويل فهو أن يكون مرحلتين كل مرحلة ثمانية فراسخ وكل فرسخ ~~ثلاثة أميال وكل ميل PageV02P260 أربعة آلاف خطوة وكل خطوة ثلاثة أقدام # ومعنى المباح أن لا يكون عاقا لوالديه هاربا منهما ولا هاربا من مالكه ~~ولا تكون المرأة هاربة من زوجها ولا أن يكون من عليه الدين هاربا من ~~المستحق مع اليسار ولا يكون متوجها في قطع طريق أو قتل إنسان أو طلب إدرار ~~حرام من سلطان ظالم أو سعى بالفساد بين المسلمين # وبالجملة فلا يسافر الإنسان إلا في غرض والغرض هو المحرك # فإن كان تحصيل ذلك الغرض حراما ولولا ذلك الغرض لكان لا ينبعث لسفره ~~فسفره معصية ولا يجوز فيه الترخص # وأما الفسق في السفر بشرب الخمر وغيره فلا يمنع الرخصة # بل كل سفر ينهى الشرع عنه فلا يعين عليه بالرخصة ولو كان له باعثان ~~أحدهما مباح والآخر محظور وكان بحيث لو لم يكن الباعث له المحظور لكان ~~المباح مستقلا بتحريكه ولكان لا محالة يسافر لأجله فله الترخص # والمتصوفة الطوافون في البلاد من غير غرض صحيح سوى التفرج لمشاهدة البقاع ~~المختلفة في ترخصهم خلاف والمختار أن لهم الترخص # الرخصة الرابعة الجمع بين الظهر والعصر في وقتيهما وبين المغرب والعشاء ~~في وقتيهما فذلك أيضا جائز في كل سفر طويل مباح وفي جوازه في السفر القصير ~~قولان # ثم إن قدم العصر إلى الظهر فلينو الجمع بين الظهر والعصر في وقتيهما قبل ~~الفراغ من الظهر وليؤذن للظهر وليقم وعند الفراغ يقيم للعصر ويجدد التيمم ~~أولا إن كان فرضه التيمم ولا يفرق بينهما بأكثر من تيمم وإقامة فإن قدم ~~العصر لم يجز وإن نوى الجمع عند التحرم بصلاة العصر جاز عند المزني وله وجه ~~في القياس إذ لا مستند لا لإيجاب تقديم النية بل الشرع جوز الجمع وهذا جمع ~~وإنما الرخصة في العصر فتكفي النية فيها وأما الظهر فجار على القانون # ثم إذا فرغ من الصلاتين فينبغي أن يجمع بين سنن الصلاتين أما العصر فلا ~~سنة بعدها ولكن السنة التي بعد الظهر يصليها بعد الفراغ من العصر إما راكبا ~~أو مقيما لأنه لو صلى راتبة الظهر قبل العصر لانقطعت الموالاة وهي واجبة ~~على وجه ولو أراد أن يقيم الأربع المسنونة قبل الظهر والأربع المسنونة قبل ~~العصر فليجمع بينهن قبل الفريضتين فيصلي سنة الظهر اولا ثم سنة العصر ثم ~~فريضة الظهر ثم فريضة العصر ثم سنة الظهر الركعتان اللتان هما بعد الفرض ~~ولا ينبغي أن يهمل النوافل في السفر فما يفوته من أبوابها أكثر مما يناله ~~من الربح لا سيما وقد خفف الشرع عليه وجوز له اداءها على الراحلة كي لا ~~يتعوق عن الرفقة بسببها # وإن أخر الظهر إلى العصر فيجري على هذا الترتيب ولا يبالي بوقوع راتبة ~~الظهر بعد العصر في الوقت المكروه لأن ما له سبب لا يكره في هذا الوقت ~~وكذلك يفعل في المغرب والعشاء والوتر # وإذا قدم أو أخر فبعد الفراغ من الفرض يشتغل بجميع الرواتب ويختم الجميع ~~بالوتر # وإن خطر له ذكر الظهر قبل خروج وقته فليعزم على أدائه مع العصر جميعا فهو ~~نية الجمع لأنه إنما يخلو عن هذه النية إما بنية الترك أو بنية التأخير عن ~~وقت العصر وذلك حرام والعزم عليه حرام # وإن لم يتذكر الظهر حتى خرج وقته إما لنوم أو لشغل فله أن يؤدي الظهر مع ~~العصر ولا يكون عاصيا لأن السفر كما يشغل عن فعل الصلاة فقد يشغل عن ذكرها # ويحتمل أن يقال إن الظهر إنما تقع أداء إذا عزم على فعلها قبل خروج وقتها ~~ولكن الأظهر أن وقت الظهر والعصر صار مشتركا في السفر بين الصلاتين ولذلك ~~يجب على الحائض قضاء الظهر إذا طهرت قبل الغروب # ولذلك ينقدح أن لا تشترط الموالاة ولا الترتيب بين الظهر والعصر عند ~~تأخير الظهر أما إذا قدم العصر على الظهر لم يجز لأن ما بعد الفراغ من ~~الظهر هو الذي جعل وقتا للعصر إذ يبعد أن يشتغل بالعصر من هو عازم على ترك ~~الظهر أو على تأخيره # وعذر المطر مجوز للجمع كعذر السفر # وترك الجمعة أيضا من رخص السفر وهي متعلقة أيضا بفرائض الصلوات # ولو نوى PageV02P261 الإقامة بعد أن صلى العصر فأدرك وقت العصر في الحضر ~~فعليه أداء العصر وما مضى إنما كان مجزئا بشرط أن يبقى العذر إلى خروج وقت ~~العصر # الرخصة الخامسة التنفل راكبا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على ~~راحلته أينما توجهت به دابته + حديث كان يصلي على راحلته أينما توجهت به ~~دابته وأوتر على الراحلة متفق عليه من حديث ابن عمر + # وأوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الراحلة # وليس على المتنفل الراكب في الركوع والسجود إلا الإيماء # وينبغي أن يجعل سجوده أخفض من ركوعه ولا يلزمه الإنحناء إلى حد يتعرض به ~~لخطر بسبب الدابة # فإن كان في مرقد فليتم الركوع والسجود فإنه قادر عليه # وأما استقبال القبلة فلا يجب لا في ابتداء الصلاة ولا في دوامها ولكن صوب ~~الطريق يدل عن القبلة # فليكن في جميع صلاته إما مستقبلا للقبلة أو متوجها في صوب الطريق لتكون ~~له جهة يثبت فيها فلو حرف دابته عن الطريق قصدا بطلت صلاته إلا إذا حرفها ~~إلى القبلة # ولو حرفها ناسيا وقصر الزمان لم تبطل صلاته وإن طال ففيه خلاف وإن جمحت ~~به الدابة فانحرفت لم تبطل صلاته لأن ذلك مما يكثر وقوعه وليس عليه سجود ~~سهو إذ الجماح غير منسوب إليه بخلاف ما لو حرف ناسيا فإنه يسجد للسهو ~~بالإيماء # الرخصة السادسة التنفل للماشي جائز في السفر ويومئ بالركوع والسجود ولا ~~يقعد للتشهد لأن ذلك يبطل فائدة الرخصة وحكمه حكم الراكب لكن ينبغي أن ~~يتحرم بالصلاة مستقبلا للقبلة لأن الانحراف في لحظة لا عسر عليه فيه بخلاف ~~الراكب فإن في تحريف الدابة وإن كان العنان بيده نوع عسر وربما تكثر الصلاة ~~فيطول عليه ذلك # ولا ينبغي أن يمشي في نجاسة رطبة عمدا فإن فعل بطلت صلاته بخلاف ما لو ~~وطئت دابة الراكب نجاسة # وليس عليه أن يشوش المشي على نفسه بالاحتراز من النجاسات التي لا تخلو ~~الطريق عنها غالبا # وكل هارب من عدو أو سيل أو سبع فله أن يصلي الفريضة راكبا أو ماشيا كما ~~ذكرناه في التنفل # الرخصة السابعة الفطر وهو في الصوم # فللمسافر أن يفطر إلا إذا أصبح مقيما ثم سافر فعليه إتمام ذلك اليوم # وإن أصبح مسافرا صائما ثم أقام فعليه الإتمام # وإن أقام مفطر فليس عليه الإمساك بقية النهار # وإن أصبح مسافرا على عزم الصوم لم يلزمه بل له أن يفطر إذا أراد والصوم ~~افضل من الفطر # والقصر أفضل من الإتمام للخروج عن شبهة الخلاف ولأنه ليس في عهدة القضاء ~~بخلاف المفطر فإنه في عهدة القضاء وربما يتعذر عليه ذلك بعائق فيبقى في ~~ذمته إلا إذا كان الصوم يضر به فالإفطار أفضل # فهذه سبع رخص تتعلق ثلاث منها بالسفر الطويل وهي القصر والفطر والمسح ~~ثلاثة أيام # وتتعلق اثنتان منها بالسفر طويلا كان أو قصيرا وهما سقوط الجمعة وسقوط ~~القضاء عند أداء الصلاة بالتيمم # وأما صلاة النافلة ماشيا وراكبا ففيه خلاف والأصح جوازه في القصير # والجمع بين الصلاتين فيه خلاف والأظهر اختصاصه بالطويل # وأما صلاة الفرض راكبا وماشيا للخوف فلا تتعلق بالسفر وكذا أكل الميتة ~~وكذا أداء الصلاة في الحال بالتيمم عند فقد الماء بل يشترك فيها الحضر ~~والسفر مهما وجدت أسبابها # فإن قلت # فالعلم بهذه الرخص هل يجب على المسافر تعلمه قبل السفر أم يستحب له ذلك ~~فاعلم أنه إن كان عازما على ترك المسح والقصر والجمع والفطر وترك التنفل ~~راكبا وماشيا لم يلزمه علم شروط الترخص في ذلك لأن الترخص ليس بواجب عليه # وأما علم رخصة التيمم فيلزمه لأن فقد الماء ليس إليه إلا أن يسافر على ~~شاطىء نهر PageV02P262 يوثق ببقاء مائه أو يكون معه في الطريق عالم يقدر ~~على استفتائه عند الحاجة فله أن يؤخر إلى وقت الحاجة # أما إذا كان يظن عدم الماء ولم يكن معه فيلزمه التعلم لا محالة # فإن قلت التيمم يحتاج إليه لصلاة لم يدخل بعد وقتها فكيف يجب علم الطهارة ~~لصلاة بعد لم تجب وربما لا تجب فأقول من بينه وبين الكعبة مسافة لا تقطع ~~إلا في سنة فيلزمه قبل أشهر الحج ابتداء السفر # ويلزمه تعلم المناسك لا محالة إذا كان يظن أنه لا يجد في الطريق من يتعلم ~~منه لأن الأصل الحياة واستمرارها # وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب # وكل ما يتوقع وجوبه توقعا ظاهرا على الظن وله شرط لا يتوصل إليه إلا ~~بتقديم ذلك الشرط على وقت الوجوب فيحب تقديم تعلم الشرط لا محالة كعلم ~~المناسك قبل وقت الحج وقبل مباشرته # فلا يحل إذن للمسافر أن ينشىء السفر ما لم يتعلم هذا القدر من علم التيمم # وإن كان عازما على سائر الرخص فعليه أن يتعلم أيضا القدر الذي ذكرناه من ~~علم التيمم وسائر الرخص فإنه إذا لم يعلم القدر الجائز لرخصة السفر لم ~~يمكنه الاقتصار عليه # فإن قلت إنه إن لم يتعلم كيفية التنفل راكبا وماشيا ماذا يضره وغايته إن ~~صلى أن تكون صلاته فاسدة وهي غير واجبة فكيف يكون علمها واجبا فأقول من ~~الواجب أن لا يصلي النفل على نعت الفساد فالتنفل مع الحدث والنجاسة وإلى ~~غير القبلة ومن غير إتمام شروط الصلاة وأركانها حرام فعليه أن يتعلم ما ~~يحترز به عن النافلة الفاسدة حذرا عن الوقوع في المحظورات # فهذا بيان علم ما خفف عن المسافر في سفره القسم الثاني ما يتجدد من ~~الوظيفة بسبب السفر # وهو علم القبلة والاوقات وذلك أيضا واجب في الحضر ولكن في الحضر من يكفيه ~~من محراب متفق عليه يغنيه عن طلب القبلة ومؤذن يراعى الوقت فيغنيه عن طلب ~~علم الوقت # والمسافر قد تشتبه عليه القبلة وقد يلتبس عليه الوقت فلا بد له من العلم ~~بأدلة القبلة والمواقيت # أما أدلة القبلة فهي ثلاثة أقسام أرضية كالاستدلال بالجبال والقرى ~~والأنهار # وهوائية كالاستدلال بالرياح شمالها وجنوبها وصباها ودبورها # وسماوية وهي النجوم # فأما الأرضية والهوائية فتخلف باختلاف البلاد فرب طريق فيه جبل مرتفع ~~يعلم أنه على يمين المستقبل أو شماله أو ورائه أو قدامه فليعلم ذلك وليفهمه # وكذلك الرياح قد تدل في بعض البلاد فليفهم ذلك # ولسنا نقدر على استقصاء ذلك إذ لكل بلد وإقليم حكم آخر # وأما السماوية فأدلتها تنقسم إلى نهارية وإلى ليلية # أما النهارية فالشمس فلا بد أن يراعي قبل الخروج من البلد أن الشمس عند ~~الزوال أين تقع منه أهي بين الحاجبين أو على العين اليمنى أو اليسرى أو ~~تميل إلى الجبين ميلاأكثر من ذلك فإن الشمس لا تعدو في البلاد الشمالية هذه ~~المواقع # فإذا حفظ ذلك فمهما عرف الزوال بدليله الذي سنذكره عرف القبلة به # وكذلك يراعي مواقع الشمس منه وقت العصر # فإنه في هذين الوقتين يحتاج إلى القبلة بالضرورة # وهذا أيضا لما كان يختلف بالبلاد فليس يمكن استقصاؤه # وأما القبلة وقت المغرب فإنها تدرك بموضع الغروب # وذلك بأن يحفظ أن الشمس تغرب عن يمين المستقبل أو هي مائلة إلى وجهه أو ~~قفاه # وبالشفق أيضا تعرف القبلة للعشاء الأخيرة PageV02P263 # وبمشرق الشمس تعرف القبلة لصلاة الصبح # فكأن الشمس تدل على القبلة في الصلوات الخمس ولكن يختلف ذلك بالشتاء ~~والصيف # فإن المشارق والمغارب كثيرة وإن كانت محصورة في جهتين فلا بد من تعلم ذلك ~~أيضا # ولكن قد يصلى المغرب والعشاء بعد غيبوبة الشفق فلا يمكنه أن يستدل على ~~القبلة به # فعليه أن يراعى موضع القطب # وهو الكوكب الذي يقال له الجدى فإنه كوكب كالثابت لا تظهر حركته عن موضعه ~~وذلك إما أن يكون على قفا المستقبل أو على منكبه الأيمن من ظهره أو منكبه ~~الأيسر في البلاد الشمالية من مكة # وفي البلاد الجنوبية كاليمن وما والاها فيقع في مقابلة المستقبل فيتعلم ~~ذلك وما عرفه في بلده فليعول عليه في الطريق كله إلا إذا طال السفر فإن ~~المسافة إذ بعدت اختلف موقع الشمس وموقع القطب وموقع المشارق والمغارب إلا ~~أن ينتهي في أثناء سفره إلى بلاد فينبغي أن يسأل أهل البصيرة # أو يراقب هذه الكواكب وهو مستقبل محراب جامع البلد حتى يتضح له ذلك # فمهما تعلم هذه الأدلة فله أن يعول عليها # فإن بان له أنه أخطأ من جهة القبلة إلى جهة أخرى من الجهات الأربع فينبغي ~~أن يقضي # وإن انحرف عن حقيقة محاذاة القبلة ولكن لم يخرج عن جهتها لم يلزمه القضاء # وقد أورد الفقهاء خلافا في أن المطلوب جهة الكعبة أو عينها وأشكل معنى ~~ذلك على قوم إذ قالوا إن قلنا إن المطلوب العين فمتى يتصور هذا مع بعد ~~الديار وإن قلنا إن المطلوب الجهة فالواقف في المسجد إن استقبل جهة الكعبة ~~وهو خارج ببدنه عن موازاة الكعبة لا خلاف في أنه لا تصح صلاته # وقد طولوا في تأويل معنى الخلاف في الجهة والعين # ولا بد أولا من فهم معنى مقابلة العين ومقابلة الجهة # فمعنى مقابلة العين أن يقف موقفا لو خرج خط مستقيم من بين عينيه إلى جدار ~~الكعبة لا تصل به وحصل من جانبي الخط زاويتان متساويتان وهذه صورته والخط ~~الخارج من موقف المصلى يقدر أنه خارج من بين عينيه فهذه صورة مقابلة العين # وأما مقابلة الجهة # فيجوز فيها أن يتصل طرف الخط الخارجي من بين العينين إلى الكعبة من غير ~~أن يتساوى الزاويتان عن جهتي الخط بل لا يتساوى الزاويتان إلا إذا انتهى ~~الخط إلى نقطة معينة هي واحدة # فلو مد هذا الخط على الاستقامة إلى سائر النقط من يمينها أو شمالها كانت ~~إحدى الزاويتان أضيق فيخرج عن مقابلة العين ولكن لا يخرج عن مقابلة الجهة ~~كالخط الذي كتبنا عليه مقابلة الجهة فإنه لو قدر الكعبة على طرف ذلك الخط ~~لكان الواقف مستقبلا لجهة الكعبة لا لعينها # وحد تلك الجهة ما يقع بين خطين يتوهمهما الواقف مستقبلا لجهة خارجين من ~~العينين فيلتقي طرفاهما في داخل الرأس بين العينين على زاوية قائمة فما يقع ~~بين الخطين الخارجين من العينين فهو داخل في الجهة # وسعة ما بين الخطين تتزايد بطول الخطين وبالبعد عن الكعبة وهذه صورته ~~PageV02P264 عليه السلام # فإذا فهم معنى العين والجهة فأقول # الذي يصح عندنا في الفتوى أن المطلوب العين إن كانت الكعبة مما يمكن ~~رؤيتها وإن كان يحتاج إلى الاستدلال عليها لتعذر رؤيتها فيكفي استقبال ~~الجهة # فأما طلب العين عند المشاهدة فمجمع عليه # وأما الاكتفاء بالجهة عند تعذر المعاينة فيدل عليه الكتاب والسنة وفعل ~~الصحابة رضي الله عنهم والقياس # أما الكتاب فقوله تعالى وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره أي نحوه # ومن قابل جهة الكعبة يقال قد ولى وجهه شطرها # وأما السنة فما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأهل ~~المدينة ما بين المغرب والمشرق قبلة + حديث ما بين المشرق والمغرب قبلة ~~أخرجه الترمذي وصححه والنسائي وقال منكر وابن ماجه من حديث أبي هريرة + # والمغرب يقع على يمين أهل المدينة والمشرق على يسارهم # فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع ما يقع بينهما قبلة ومساحة ~~الكعبة لا تفي بما بين المشرق والمغرب وإنما يفي بذلك جهتها # وروي هذا اللفظ أيضا عن عمر وابنه رضي الله عنهما # وأما فعل الصحابة رضي الله عنهم فما روي أن مسجد قباء كانوا في صلاة ~~الصبح بالمدينة مستقبلين لبيت المقدس مستدبرين الكعبة لأن المدينة بينهما ~~فقيل لهم الآن قد حولت القبلة إلى الكعبة # فاستداروا في أثناء الصلاة من غير طلب دلالة + حديث إن أهل قباء كانوا في ~~صلاة الصبح مستقبلين لبيت المقدس فقيل لهم ألا إن القبلة قد حولت إلى ~~الكعبة فاستداروا الحديث أخرجه مسلم من حديث أنس واتفقا عليه من حديث ابن ~~عمر مع اختلاف + # ولم ينكر عليهم # وسمي مسجدهم ذا القبلتين ومقابلة العين من المدينة إلى مكة لا تعرف إلا ~~بأدلة هندسية يطول النظر فيها فكيف أدركوا ذلك على البديهة في أثناء الصلاة ~~وفي ظلمة الليل ويدل أيضا من فعلهم أنهم بنوا المساجد حوالي مكة وفي سائر ~~بلاد الإسلام ولم يحضروا قط مهندسا عند تسوية المحاريب ومقابلة العين لا ~~تدرك إلا بدقيق النظر الهندسي # وأما القياس فهو أن الحاجة تمس إلى الاستقبال وبناء المساجد في جميع ~~أقطار الأرض ولا يمكن مقابلة العين إلا بعلوم هندسية لم يرد الشرع بالنظر ~~فيها بل ربما يزجر عن التعمق في علمها فكيف ينبني أمر الشرع عليها فيجب ~~الاكتفاء بالجهة للضرورة # وأما دليل صحة الصورة التي صورناها وهو حصر جهات العالم في أربع جهات ~~فقوله صلى الله عليه وسلم في آداب قضاء الحاجة لا تستقبلوا بها القبلة ولا ~~تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا + حديث لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ~~ولكن شرقوا أو غربوا متفق عليه من حديث أبي أيوب + # وقال # هذا بالمدينة والمشرق على يسار المستقبل بها والمغرب على يمينه فنهى عن ~~جهتين ورخص في جهتين # ومجموع ذلك أربع جهات # ولم يخطر ببال أحد أن جهات العالم يمكن أن تفرض في ست أو سبع أو عشر # وكيفما كان فما حكم الباقي بل الجهات تثبت في الاعتقادات بناء على خلقة ~~الإنسان وليس له إلا أربع جهات قدام وخلف ويمين وشمال فكانت الجهات ~~بالإضافة إلى الإنسان في ظاهر النظر أربعا # والشرع لا يبنى إلا على مثل هذه الاعتقادات فظهر أن المطلوب الجهة وذلك ~~يسهل أمر الاجتهاد فيها وتعلم به أداة القبلة # فأما مقابلة العين فإنها تعرف بمعرفة مقدار عرض مكة عن خط الاستواء ~~ومقدار درجات طولها وهو بعدها عن أول عمارة في المشرق # ثم يعرف ذلك أيضا في موقف المصلى ثم يقابل أحدهما بالآخر # ويحتاج فيه إلى آلات وأسباب طويلة والشرع غير مبني عليها قطعا # فإذن القدر الذي PageV02P265 عليه السلام # لا بد من تعلمه من أدلة القبلة موقع المشرق والمغرب في الزوال وموقع ~~الشمس وقت العصر # فبهذا يسقط الوجوب # فإن قلت فلو خرج المسافر من غير تعلم ذلك هل يعصى فأقول إن كان طريقه على ~~قرى متصله فيها محاريب أو كان معه في الطريق بصير بأدلة القبلة موثوق ~~بعدالته وبصيرته ويقدر على تقليده فلا يعصى # وإن لم يكن معه شيء من ذلك عصى # لأنه سيتعرض لوجوب الاستقبال ولم يكن قد حصل علمه فصار ذلك كعلم التيمم ~~وغيره # فإن تعلم هذه الأدلة واستبهم عليه الأمر بغيم مظلم # أو ترك التعلم ولم يجد في الطريق من يقلده فعليه أن يصلي في الوقت على ~~حسب حاله ثم عليه القضاء سواء أصاب أم اخطأ # والأعمى ليس له إلا التقليد فليقلد من يوثق بدينه وبصيرته إن كان مقلده ~~مجتهدا في القبلة وإن كانت القبلة ظاهرة فله اعتماد قول كل عدل يخبره بذلك ~~في حضر أو سفر وليس للأعمى ولا للجاهل أن يسافر في قافلة ليس فيها من يعرف ~~أدلة القبلة حيث يحتاج إلى الاستدلال كما ليس للعامي أن يقيم ببلدة ليس ~~فيها فقيه عالم بتفصيل الشرع بل يلزمه الهجرة إلى حيث يجد من يعلمه دينه ~~وكذا إن لم يكن في البلد إلا فقيه فاسق فعليه الهجرة أيضا إذ لا يجوز له ~~اعتماد فتوى الفاسق بل العدالة شرط لجواز قبول الفتوى كما في الرواية وإن ~~كان معروفا بالفقه مستور الحال في العدالة والفسق فله القبول مهما لم يجد ~~من له عدالة ظاهرة لأن المسافر في البلاد لا يقدر أن يبحث عن عدالة المفتين # فإن رآه لابسا للحرير أو ما يغلب عليه الإبريسم أو راكبا لفرس عليه مركب ~~ذهب فقد ظهر فسقه وامتنع عليه قبول قوله فليطلب غيره # وكذلك إذا رآه يأكل على مائدة سلطان أغلب ماله حرام أو يأخذ منه إدرارا ~~أو صلة من غير أن يعلم أن الذي يأخذه من وجه حلال فكل ذلك فسق يقدح في ~~العدالة ويمنع من قبول الفتوى والرواية والشهادة # وأما معرفة أوقات الصلوات الخمس فلا بد منها # فوقت الظهر يدخل بالزوال فإن كل شخص لا بد أن يقع له في ابتداء النهار ظل ~~مستطيل في جانب المغرب ثم لا يزال ينقص إلى وقت الزوال ثم يأخذ في الزيادة ~~في جهة المشرق ولا يزال يزيد إلى الغروب # فليقم المسافر في موضع أو لينصب عودا مستقيما وليعلم على رأس الظل ثم ~~لينظر بعد ساعة فإن رآه في النقصان فلم يدخل بعد وقت الظهر # وطريقه في معرفة ذلك أن ينظر في البلد وقت أذان المؤذن المعتمد ظل قامته ~~فإن كان مثلا ثلاثة اقدام بقدمه فمهما صار كذلك في السفر وأخذ في الزيادة ~~صلى # فإن زاد عليه ستة أقدام ونصفا بقدمه دخل وقت العصر إذ ظل كل شخص بقدمه ~~ستة أقدام ونصف بالتقريب # ثم ظل الزوال يزيد كل يوم إن كان سفره من أول الصيف # وإن كان من أول الشتاء فينقص كل يوم # وأحسن ما يعرف به ظل الزوال الميزان فليستصحبه المسافر # وليتعلم اختلاف الظل به في كل وقت # وإن عرف موقع الشمس من مستقبل القبلة وقت الزوال وكان في السفر في موضع ~~ظهرت القبلة فيه بدليل آخر فيمكنه أن يعرف الوقت بالشمس بأن تصير بين عينيه ~~مثلا إن كانت كذلك في البلد # وأما وقت المغرب فيدخل بالغروب ولكن قد تحجب الجبال المغرب عنه فينبغي أن ~~ينظر إلى جانب المشرق فمهما ظهر سواد في الأفق مرتفع من الأرض قدر رمح فقد ~~دخل وقت المغرب # وأما العشاء فيعرف بغيبوبة الشفق وهو الحمرة فإن كانت محجوبة عنه بجبال ~~فيعرفه بظهور والكواكب الصغار وكثرتها فإن ذلك يكون بعد غيبوبة الحمرة # وأما الصبح فيبدو في الأول مستطيلا كذنب السرحان فلا يحكم به إلى أن ~~ينقضي زمان # ثم يظهر بياض PageV02P266 معترض لا يعسر إدراكه بالعين لظهوره فهذا أول ~~الوقت # قال صلى الله عليه وسلم ليس الصبح هكذا وجمع بين كفيه وإنما الصبح هكذا ~~ووضع إحدى سبابتيه على الأخرى وفتحهما + حديث ليس الصبح هكذا وجمع كفه إنما ~~الصبح هكذا ووضع إحدى سبابتيه على الأخرى وفتحهما وأشار إلى أنه معترض ~~أخرجه ابن ماجه من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح مختصر دون الاشارة بالكف ~~والسبابتين ولأحمد من حديث طلق بن علي ليس الفجر المستطيل في الأفق لكنه ~~المعترض الأحمر وإسناده حسن + # وأشار به إلى انه معترض # وقد يستدل عليه بالمنازل وذلك تقريب لا تحقيق فيه بل الاعتماد على مشاهدة ~~انتشار البياض عرضا لأن قوما ظنوا أن الصبح يطلع قبل الشمس بأربع منازل ~~وهذا خطأ لأن ذلك هو الفجر الكاذب # والذي ذكره المحققون انه يتقدم على الشمس بمنزلتين وهذا تقريب ولكن لا ~~اعتماد عليه فإن بعض المنازل تطلع معترضة منحرفة فيقصر زمان طلوعها وبعضها ~~منتصبة فيطول زمان طلوعها ويختلف ذلك في البلد اختلافا يطول ذكره # نعم تصلح المنازل لأن يعلم بها قرب وقت الصبح وبعده فأما حقيقة أول الصبح ~~فلا يمكن ضبطه بمنزلتين أصلا # وعلى الجملة فإذا بقيت أربع منازل إلى طلوع قرن الشمس بمقدار منزلة يتيقن ~~أنه الصبح الكاذب وإذا بقى قريب من منزلتين يتحقق طلوع الصبح الصادق ويبقى ~~بين الصبحين قدر ثلثي منزلة بالتقريب يشك فيه أنه من وقت الصبح الصادق أو ~~الكاذب وهو مبدأ ظهور البياض وانتشاره قبل اتساع عرضه # فمن وقت الشك ينبغي أن يترك الصائم السحور ويقدم القائم الوتر عليه ولا ~~يصلي صلاة الصبح حتى تنقضي مدة الشك فإذا تحقق صلى # ولو أراد مريد أن يقدر على التحقيق وقتا معينا يشرب فيه متسحرا ويقوم ~~عقبيه ويصلي الصبح متصلا به لم يقدر على ذلك فليس معرفة ذلك في قوة البشر ~~أصلا بل لا بد من مهلة للتوقف والشك # ولا اعتماد إلا على العيان ولا اعتماد في العيان إلا على أن يصير الضوء ~~منشرا في العرض حتى تبدو مبادى الصفرة # وقد غلط في هذا جمع من الناس كثير يصلون قبل الوقت # ويدل عليه ما روى أبو عيسى الترمذي في جامعه بإسناده عن طلق بن علي أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كلوا واشربوا ولا يهيبنكم الساطع المصعد ~~وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر + حديث طلق بن علي كلوا واشربوا ولا ~~يهيبنكم الساطع المصعد وكلوا وشربوا حتى يعترض لكم الأحمر قال المصنف رواه ~~أبو عيسى الترمذي في جامعه وقال حسن غريب وهو كما ذكر ورواه أبو داود أيضا ~~+ # وهذا صريح في رعاية الحمرة # قال أبو عيسى وفي الباب عن عدي بن حاتم وأبي ذر وسمرة بن جندب وهو حديث ~~حسن غريب والعمل على هذا عند أهل العلم # وقال ابن عباس رضي الله عنهما كلوا واشربوا ما دام الضوء ساطعا # قال صاحب الغريبين أي مستطيلا # فإذا لا ينبغي أن يعول إلا على ظهور الصفرة وكأنها مبادى الحمرة # وإنما يحتاج المسافر إلى معرفة الأوقات لأنه قد يبادر بالصلاة قبل الرحيل ~~حتى لا يشق عليه النزول أو قبل النوم حتى يستريح # فإن وطن نفسه على تأخير الصلاة إلى أن يتيقن فتسمح نفسه بفوات فضيلة أول ~~الوقت ويتجشم كلفة النزول وكلفة تأخير النوم إلى التيقن استغنى عن تعلم علم ~~الأوقات # فإن المشكل أوائل الأوقات لا أوساطها PageV02P267 # | كتاب آداب السماع والوجد # وهو الكتاب الثامن من ربع العادات من كتب إحياء علوم الدين # بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي أحرق قلوب أوليائه بنار محبته واسترق هممهم وأرواحهم ~~بالشوق إلى لقائه ومشاهدته ووقف أبصارهم وبصائرهم على ملاحظة جمال حضرته ~~حتى اصبحوا من تنسم روح الوصال سكرى وأصبحت قلوبهم من ملاحظة سبحات الجلال ~~والهة حيرى فلم يروا في الكونين شيئا سواه ولم يذكروا في الدارين إلا إياه ~~إن سنحت لأبصارهم صورة عبرت إلى المصور بصائرهم وإن قرعت أسماعهم نغمه سبقت ~~إلى المحبوب سرائرهم وإن ورد عليهم صوت مزعج أو مقلق أو مطرب أو محزن أو ~~مهيج أو مشوق أو مهيج لم يكن انزعاجهم إلا إليه ولا طربهم إلا به ولا قلقهم ~~إلا عليه ولا حزنهم إلا فيه ولا شوقهم إلا إلى ما لديه ولا انبعاثهم إلا له ~~ولا ترددهم إلا حواليه # فمنه سماعهم وإليه استماعهم فقد أقفل عن غيره أبصارهم وأسماعهم أولئك ~~الذين اصطفاهم الله لولايته واستخلصهم من بين اصفيائه وخاصته # والصلاة على محمد المبعوث برسالته وعلى آله وأصحابه أئمة الحق وقادته ~~وسلم كثيرا # أما بعد فإن القلوب والسرائر خزائن الأسرار ومعادن الجواهر وقد طويت فيها ~~جواهرها كما طويت النار في الحديد والحجر كما اخفى الماء تحت التراب والمدر ~~ولا سبيل إلى استثارة خفاياها إلا بقوادح السماع ولا منفذ إلى القلوب إلى ~~من دهليز الاسماع فالنغمات الموزونة المستلذة تخرج ما فيها وتظهر محاسنها ~~أو مساويها فلا يظهر من القلب عند التحريك إلا ما يحويه # كما لا يرشح الإناء إلا بما فيه فالسماع للقلب محك صادق ومعيار ناطق فلا ~~يصل نفس السماع إليه إلا وقد تحرك فيه ما هو الغالب عليه وإذا كانت القلوب ~~بالطباع مطيعة للأسماع حتى أبدت بوارداتها مكامنها وكشفت بها عن مساويها ~~وأظهرت محاسنها وجب شرح القول في السماع والوجد وبيان ما فيهما من الفوائد ~~والآفات وما يستحب فيهما من الآداب والهيئات وما يتطرق إليهما من خلاف ~~العلماء في أنهما من المحظورات أو المباحات # ونحن نوضح ذلك في بابين # الباب الأول في إباحة السماع # الباب الثاني في آداب السماع وآثاره في القلب بالوجد وفي الجوارح بالرقص ~~والزعق وتمزيق الثياب # | الباب الأول في ذكر اختلاف العلماء في إباحة السماع وكشف الحق فيه # بيان أقاويل العلماء والمتصوفة في تحليله وتحريمه # اعلم أن السماع هو أول الأمر ويثمر السماع حالة في القلب تسمى الوجد ~~ويثمر الوجد تحريك الأطراف إما بحركة غير موزونة فتسمى الاضطراب وإما ~~موزونة فتسمى التصفيق والرقص فلنبدأ بحكم السماع وهو الأول وننقل فيه ~~الاقاويل المعربة عن المذاهب فيه # ثم نذكر الدليل على إباحته ثم نردفه بالجواب عما تمسك به القائلون ~~بتحريمه # فأما نقل المذاهب فقد حكى القاضي أبو الطيب الطبري عن الشافعي ومالك وأبي ~~حنيفة وسفيان وجماعة من PageV02P268 العلماء ألفاظا يستدل بها على أنهم ~~رأوا تحريمه # وقال الشافعي رحمه الله في # | كتاب آداب القضاء إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل ومن استكثر منه # فهو سفيه ترد شهادته # وقال القاضي أبو الطيب استماعه من المرأة التي ليست بمحرم له لا يجوز عند ~~أصحاب الشافعي رحمه الله بحال سواء كانت مكشوفة أو من وراء حجاب وسواء كانت ~~حرة أو مملوكة وقال قال الشافعي رضي الله عنه صاحب الجارية إذا جمع الناس ~~لسماعها فهو سفيه ترد شهادته وقال وحكى عن الشافعي انه كان يكره الطقطقة ~~بالقضيب ويقول وضعته الزنادقة ليشتغلوا به عن القرآن # وقال الشافعي رحمه الله ويكره من جهة الخبر اللعب بالنرد اكثر مما يكره ~~اللعب بشيء من الملاهي ولا أحب اللعب بالشطرنج وأكره كل ما يلعب به الناس ~~لأن اللعب ليس من صنعة أهل الدين ولا المروءة # وأما مالك رحمه الله فقد نهى عن الغناء وقال إذا اشترى جارية فوجدها ~~مغنية كان له ردها # وهو مذهب سائر أهل المدينة إلا ابن سعد وحده # وأما أبو حنيفة رضي الله عنه فإنه كان يكره ذلك ويجعل سماع الغناء من ~~الذنوب وكذلك سائر أهل الكوفة سفيان الثوري وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم # فهذا كله نقله القاضي أبو الطيب الطبري # ونقل أبو طالب المكي إباحة السماع من جماعة فقال سمع من الصحابة عبد الله ~~بن جعفر وعبد الله بن الزبير والمغيرة بن شعبة ومعاوية وغيرهم وقال قد فعل ~~ذلك كثير من السلف الصالح صحابي وتابعي بإحسان وقال لم يزل الحجازيون عندنا ~~بمكة يسمعون السماع في أفضل أيام السنة وهي الأيام المعدودات التي أمر الله ~~عباده فيها بذكره كأيام التشريق ولم يزل أهل المدينة مواظبين كأهل مكة على ~~السماع إلى زماننا هذا فأدركنا أبا مروان القاضي وله جوار يسمعن الناس ~~التلحين قد أعدهن للصوفية قال وكان لعطاء جاريتان يلحنان فكان إخوانه ~~يستمعون إليهما قال وقيل لأبي الحسن بن سالم كيف تنكر السماع وقد كان ~~الجنيد وسرى السقطى وذو النون يستمعون فقال وكيف انكر السماع وقد أجازه ~~وسمعه من هو خير مني فقد كان عبد الله بن جعفر الطيار يسمع وإنما أنكر ~~اللهو واللعب في السماع # وروى عن يحيى بن معاذ أنه قال فقدنا ثلاثة أشياء فما نراها ولا أراها ~~تزداد إلا قلة حسن الوجه مع الصيانة وحسن القول مع الديانة وحسن الإخاء مع ~~الوفاء # ورأيت في بعض الكتب هذا محكيا بعينه عن الحارث المحاسبي وفيه ما يدل على ~~تجويزه السماع مع زهده وتصاونه وجده في الدين وتشميره # قال وكان ابن مجاهد لا يجيب دعوة إلا أن يكون فيه سماع # وحكى غير واحد أنه قال اجتمعنا في دعوة ومعنا أبو القاسم ابن بنت منيع ~~وأبو بكر ابن داود وابن مجاهد في نظرائهم فحضر سماع فجعل ابن مجاهد يحرض ~~ابن بنت منيع على ابن داود في أن يسمع فقال ابن داود حدثني أبي عن أحمد بن ~~حنبل أنه كره السماع وكان أبي يكرهه وأنا على مذهب أبي فقال أبو القاسم ابن ~~بنت منيع أما جدى أحمد ابن بنت منيع فحدثني عن صالح بن أحمد أن أباه كان ~~يسمع قول ابن الخبازة فقال ابن مجاهد لابن داود دعني أنت من أبيك وقال لابن ~~بنت منيع دعني أنت من جدك أي شيء تقول يا أبا بكر فيمن أنشد بيت شعر أهو ~~حرام فقال ابن داود لا قال فإن كان حسن الصوت حرم عليه إنشاده قال لا قال ~~فإن أنشده وطوله وقصر منه الممدود ومد منه المقصور أيحرم عليه قال أنا لم ~~أقو لشيطان واحد فكيف PageV02P269 # أقوى لشيطانين قال وكان أبو الحسن العسقلاني الأسود من الأولياء يسمع ~~ويوله عند السماع وصنف فيه كتابا ورد فيه على منكريه وكذلك جماعة منهم ~~صنفوا في الرد على منكريه # وحكى عن بعض الشيوخ أته قال رأيت أبا العباس الخضر عليه السلام فقلت له ~~ما تقول في هذا السماع الذي اختلف فيه اصحابنا فقال هو الصفو الزلال الذي ~~لا يثبت عليه إلا أقدام العلماء # وحكي عن ممشاد الدينوري أنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ~~فقلت يا رسول الله هل تنكر من هذا السماع شيئا فقال ما أنكر منه شيئا ولكن ~~قل لهم يفتتحون قبله بالقرآن ويختمون بعده بالقرآن # وحكى عن طاهر بن بلال الهمداني الوراق وكان من أهل العلم أنه قال كنت ~~معتكفا في جامع جدة على البحر فرأيت يوما طائفة يقولون في جانب منه قولا ~~ويستمعون فأنكرت ذلك بقلبي وقلت في بيت من بيوت الله يقولون الشعر قال ~~فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وهو جالس في تلك الناحية والى ~~جنبة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وإذا أبو بكر يقول شيئا من القول والنبي ~~صلى الله عليه وسلم يستمع إليه ويضع يده على صدره كالواجد بذلك فقلت في ~~نفسي ما كان ينبغي لي أن أنكر على أولئك الذين كانوا يستمعون وهذا رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يستمع وأبو بكر يقول فالتفت إلى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وقال هذا حق بحق أو قال حق من حق أنا أشك فيه # وقال الجنيد تنزل الرحمة على هذه الطائفة في ثلاثة مواضع عند الأكل لأنهم ~~لا يأكلون إلا عن فاقة وعند المذاكرة لأنهم لا يتحاورون إلا في مقامات ~~الصديقين وعند السماع لأنهم يسمعون بوجد ويشهدون حقا # وعن ابن جريج انه كان يرخص في السماع فقيل له أيؤتى يوم القيامة في جملة ~~حسناتك أو سيئاتك فقال لا في الحسنات ولا في السيئات لأنه شبيه باللغو وقال ~~الله تعالى @QB@ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم @QE@ # هذا ما نقل من الاقاويل # ومن طلب الحق في التقليد فمهما استقصى تعارضت عنده هذه الاقاويل فيبقى ~~متحيرا أومائلاإلى بعض الاقاويل بالتشهي وكل ذلك قصور بل ينبغي أن يطلب ~~الحق بطريقه وذلك بالبحث عن مدارك الحظر والاباحة كما سنذكره # | بيان الدليل على إباحة السماع # اعلم أن قول القائل السماع حرام معناه أن الله تعالى يعاقب عليه وهذا أمر ~~لا يعرف بمجرد العقل بل بالسمع ومعرفة الشرعيات محصورة في النص أو القياس ~~على المنصوص # وأعنى بالنص ما أظهره صلى الله عليه وسلم بقوله أو فعله وبالقياس المعنى ~~المفهوم من ألفاظه وأفعاله # فإن لم يكن فيه نص ولم يستقم فيه قياس على منصوص بطل القول بتحريمه وبقى ~~فعلا لا حرج فيه كسائر المباحات # ولا يدل على تحريم السماع نص ولا قياس ويتضح ذلك في جوابنا عن أدلة ~~المائلين إلى التحريم # ومهما تم الجواب عن أدلتهم كان ذلك مسلكا كافيا في إثبات هذا الغرض لكن ~~نستفتح ونقول قد دل النص والقياس جميعا على إباحته # أما القياس فهو أن الغناء اجتمعت فيه معان ينبغي أن يبحث عن افرادها ثم ~~عن مجموعها فإن فيه سماع صوت طيب موزون مفهوم المعنى محرك للقلب فالوصف ~~الاعم انه صوت طيب # ثم الطيب ينقسم إلى الموزون وغيره # والموزون ينقسم إلى المفهوم كالاشعار والى غير المفهوم كأصوات الجمادات ~~وسائر الحيوانات # أما سماع الصوت الطيب من حيث إنه طيب فلا ينبغي أن يحرم بل هو حلال بالنص ~~والقياس أما القياس فهو أنه يرجع إلى تلذذ حاسة السمع بإدراك ما هو مخصوص ~~به وللإنسان عقل وخمس حواس ولكل حاسة إدراك PageV02P270 وفي مدركات تلك ~~الحاسة ما يستلذ فلذة النظر في المبصرات الجميلة كالخضرة والماء الجاري ~~والوجه الحسن وبالجملة سائر الألوان الجميلة وهي في مقابلة ما يكره من ~~الألوان الكدرة القبيحة # وللشم الروائح الطيبة وهي في مقابلة الأنتان المستكرهة # وللذوق الطعوم اللذيذة كالدسومة والحلاوة والحموضة وهي في مقابلة المرارة ~~المستبشعة # وللمس لذة اللين والنعومة والملاسة وهي في مقابلة الخشونة والضراسة # وللعقل لذة العلم والمعرفة وهي في مقابلة الجهل والبلادة # فكذلك الأصوات المدركة بالسمع تنقسم إلى مستلذة كصوت العنادل والمزامير ~~ومستكرهة كنهيق الحمير وغيرها # فما أظهر قياس هذه الحاسة ولذتها على سائر الحواس ولذاتها # أما النص فيدل على إباحة سماع الصوت الحسن امتنان الله تعالى على عباده ~~إذ قال @QB@ يزيد في الخلق ما يشاء @QE@ فقيل هو الصوت الحسن وفي الحديث ما ~~بعث الله نبيا إلا حسن الصوت + حديث ما بعث الله نبيا إلا حسن الصوت أخرجه ~~الترمذي في الشمائل عن قتادة وزاد قوله وكان نبيكم حسن الوجه حسن الصوت ~~ورويناه متصلا في الغيلانيات من رواية قتادة عن أنس والصواب الأول قاله ~~الدارقطني ورواه ابن مردويه في التفسير من حديث علي بن أبي طالب وطرقه كلها ~~ضعيفة + # وقال صلى الله عليه وسلم لله أشد أذنا للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب ~~القينة لقينته + حديث لله أشد أذنا للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب ~~القينة إلى قينته تقدم في # | كتاب تلاوة القرآن + وفي الحديث في معرض المدح لداود عليه السلام # أنه كان حسن الصوت في النياحة على نفسه وفي تلاوة الزبور حتى كان يجتمع ~~الإنس والجن والوحوش والطير لسماع صوته وكان يحمل في مجلسه أربعمائة جنازة ~~وما يقرب منها في الأوقات + حديث كان داود حسن الصوت في النياحة على نفسه ~~وفي تلاوة الزبور الحديث لم أجد له أصلا + # وقال صلى الله عليه وسلم في مدح أبي موسى الأشعري لقد أعطي مزمارا من ~~مزامير آل داود + حديث لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود قاله في مدح أبي ~~موسى تقدم في تلاوة القرآن + # وقول الله تعالى @QB@ إن أنكر الأصوات لصوت الحمير @QE@ يدل بمفهومه على ~~مدح الصوت الحسن # ولو جاز أن يقال إنما أبيح ذلك بشرط أن يكون في القرآن للزمه أن يحرم ~~سماع صوت العندليب لأنه ليس من القرآن # وإذا جاز سماع صوت غفل لا معنى له فلم لا يجوز سماع صوت يفهم منه الحكمة ~~والمعاني الصحيحة وإن من الشعر لحكمة # فهذا نظر في الصوت من حيث أنه طيب حسن # الدرجة الثانية النظر في الصوت الطيب الموزون فإن الوزن وراء الحسن فكم ~~من صوت حسن خارج عن الوزن وكم من صوت موزون غير مستطاب # والأصوات الموزونة باعتبار مخارجها ثلاثة فإنها إما أن تخرج من جماد كصوت ~~المزامير والأوتار وضرب القضيب والطبل وغيره وإما أن تخرج من حنجرة حيوان ~~وذلك الحيوان إما إنسان أو غيره كصوت العنادل والقمارى وذات السجع من ~~الطيور فهي مع طيبها موزونة متناسبة المطالع والمقاطع فلذلك يستلذ سماعها # والأصل في الأصوات حناجر الحيوانات وإنما وضعت المزامير على أصوات ~~الحناجر وهو تشبيه للصنعة بالخلقة # وما من شيء توصل أهل الصناعات بصناعتهم إلى تصويره إلا وله مثال في ~~الخلقة التي استأثر الله تعالى باختراعها فمنه تعلم الصناع وبه قصدوا ~~الإقتداء وشرح ذلك يطول # فسماع هذه الأصوات يستحيل أن يحرم لكونها طيبة أو موزونة فلا ذاهب إلى ~~تحريم صوت العندليب وسائر الطيور PageV02P271 # ولا فرق بين حنجرة وحنجرة ولا بين جماد وحيوان # فينبغي أن يقاس على صوت العندليب الأصوات الخارجة من سائر الأجسام ~~باختيار الآدمي كالذي يخرج من حلقه أو من القضيب والطبل والدف وغيره # ولا يستثنى من هذه إلا الملاهي والأوتار والمزامير التي ورد الشرع بالمنع ~~منها + حديث المنع من الملاهي والأوتار والمزامير أخرجه البخاري من حديث ~~أبي عامر أو أبي مالك الأشعري ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير ~~والمعازف صورته عند البخاري صورة التعليق ولذلك ضعفه ابن حزم ووصله أبو ~~داود والاسماعيلي والمعازف الملاهي قاله الجوهري ولأحمد من حديث أبي أمامة ~~إن الله أمرني أن أمحق المزامير والكيارات يعني البرابط والمعازف وله من ~~حديث قيس بن سعد بن عبادة إن ربي حرم علي الخمر والكوبة والقنين وله في ~~حديث لأبي أمامة باستحلالهم الخمور وضربهم بالدفوف وكلها ضعيفة ولأبي الشيخ ~~من حديث مرسلا الاستماع إلى الملاهي معصية الحديث ولأبي داود من حديث ابن ~~عمر سمع مزمارا فوضع أصبعيه على أذنيه قال أبو داود وهو منكر + لا للذتها ~~إذ لو كان للذة لقيس عليها كل ما يلتذ به الإنسان # ولكن حرمت الخمور واقتضت ضراوة الناس بها المبالغة في الفطام عنها حتى ~~انتهى الأمر في الابتداء إلى كسر الدنان فحرم معها ما هو شعار أهل الشرب ~~وهي الأوتار والمزامير فقط وكان تحريمها من قبل الاتباع كما حرمت الخلوة ~~بالأجنبية لأنها مقدمة الجماع وحرم النظر إلى الفخذ لاتصاله بالسوأتين وحرم ~~قليل الخمر وإن كان لا يسكر لأنه يدعو إلى السكر وما من حرام إلا وله حريم ~~يطيف به وحكم الحرمة ينسحب على حريمه ليكون حمى للحرام ووقاية له وحظارا ~~مانعا حوله كما قال صلى الله عليه وسلم إن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه ~~+ حديث إن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه تقدم في # | كتاب الحلال والحرام + فهي محرمة تبعا لتحريم الخمر لثلاث علل # إحداها أنها تدعو إلى شرب الخمر فإن اللذة الحاصلة بها إنما تتم بالخمر ~~ولمثل هذه العلة حرم قليل الخمر # الثانية أنها في حق قريب العهد بشرب الخمر تذكر مجالس الأنس بالشرب فهي ~~سبب الذكر والذكر سبب انبعاث الشوق وانبعاث الشوق إذا قوى فهو سبب الإقدام # ولهذه العلة نهى عن الانتباذ في المزفت والحنتم والنقير + حديث النهي عن ~~الحنتم والمزفت والنقير متفق عليه من حديث ابن عباس + # وهي الأواني التي كانت مخصوصة بها # فمعنى هذا أن مشاهدة صورتها تذكرها وهذه العلة تفارق الأولى إذ ليس فيها ~~اعتبار لذة في الذكر إذ لا لذة في رؤية القنينة وأواني الشرب لكن من حيث ~~التذكر بها فإن كان السماع يذكر الشرب تذكيرا يشوق إلى الخمر عند من ألف ~~ذلك مع الشرب فهو منهى عن السماع لخصوص هذه العلة فيه # الثالثة الاجتماع عليها لما أن صار من عادة أهل الفسق فيمنع من التشبه ~~بهم لأن من تشبه بقوم فهو منهم # وبهذه العلة نقول بترك السنة مهما صارت شعارا لأهل البدعة خوفا من التشبه ~~بهم # وبهذه العلة يحرم ضرب الكوبة وهو طبل مستطيل دقيق الوسط واسع الطرفين ~~وضربها عادة المخنثين ولولا ما فيه من التشبه لكان مثل طبل الحجيج والغزو ~~وبهذه العلة نقول لو اجتمع جماعة وزينوا مجلسا وأحضروا آلات الشرب وأقداحه ~~وصبوا فيها السكنجبين ونصبوا ساقيا يدور عليهم ويسقيهم فيأخذون من الساقي ~~ويشربون ويحيى بعضهم بعضا بكلماتهم المعتادة بينهم حرم ذلك عليهم وإن كان ~~المشروب مباحا في نفسه لأن في هذا تشبها بأهل الفساد بل لهذا ينهى عن لبس ~~القباء وعن ترك الشعر على الرأس قزعا في بلاد صار القباء فيها من لباس أهل ~~الفساد ولا ينهى عن ذلك فيما وراء النهر لاعتياد أهل الصلاح ذلك فيهم # فبهذه المعاني حرم المزمار العراقي والأوتار كلها كالعود والصنج والرباب ~~والبربط وغيرها # وما عدا ذلك فليس في معناها كشاهين الرعاة والحجيج وشاهين الطبالين ~~وكالطبل والقضيب وكل آلة يستخرج منها صوت مستطاب موزون سوى ما يعتاده أهل ~~الشرب لأن كل ذلك لا يتعلق بالخمر ولا يذكر بها ولا يشوق إليها ولا يوجب ~~التشبه بأربابها PageV02P272 فلم يكن في معناها فبقى على أصل الإباحة قياسا ~~على أصوات الطيور وغيرها بل أقول سماع الاوتار ممن يضربها على غير وزن ~~متناسب مستلذ حرام أيضا # وبهذا يتبين انه ليست العلة في تحريمها مجرد اللذة الطيبة بل القياس ~~تحليل الطيبات كلها إلا ما في تحليله فساد # قال الله تعالى @QB@ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من ~~الرزق @QE@ فهذه الأصوات لا تحرم من حيث إنها أصوات موزونة وإنما تحرم ~~بعارض آخر # كما سيأتي في العوارض المحرمة # الدرجة الثالثة الموزون والمفهوم وهو الشعر وذلك لا يخرج إلا من حنجرة ~~الإنسان فيقطع بإباحة ذلك لأنه ما زاد إلا كونه مفهوما والكلام المفهوم غير ~~حرام والصوت الطيب الموزون غير حرام فإذا لم يحرم الآحاد فمن أين يحرم ~~المجموع نعم ينظ فيما يفهم منه فإن كان فيه أمر محظور حرم نثره ونظمه وحرم ~~النطق به سواء كان بألحان أو لم يكن والحق فيه ما قاله الشافعي رحمه الله ~~إذ قال الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح # ومهما جاز إنشاد الشعر بغير صوت وألحان جاز إنشاده مع الألحان # فإن أفراد المباحات إذا اجتمعت كان ذلك المجموع مباحا # ومهما انضم مباح إلى مباح لم يحرم إلا إذا تضمن المجموع محظورا لا تتضمنه ~~الآحاد # ولا محظور ههنا وكيف ينكر إنشاد الشعر وقد أنشد بين يدي رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم + حديث إنشاد الشعر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~متفق عليه من حديث أبي هريرة أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد ~~فلحظ إليه فقال قد كنت انشد وفيه من هو خير منك الحديث ولمسلم من حديث ~~عائشة إنشاد حسان # هجوت محمدا فأجبت عنه % وعند الله في ذاك الجزاء القصيدة وإنشاد حسان ~~أيضا # وإن سنام المجد من آل هاشم % بنو بنت مخزوم ووالدك العبد وللبخاري إنشاد ~~ابن رواحة # وفينا رسول الله يتلو كتابه % إذا انشق معروف من الفجر ساطع الأبيات + # وقال صلى الله عليه وسلم إن من الشعر لحكمة + حديث إن من الشعر لحكمة ~~رواه البخاري من حديث أبي بن كعب وتقدم في العلم + # وأنشدت عائشة رضي الله عنها # ذهب الذين يعاش في أكنافهم % وبقيت في خلف كجلد الاجرب # وروي في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لما قدم رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما وكان بها ~~وباء فقلت يا أبت كيف تجدك ويا بلال كيف تجدك فكان أبو بكر رضي الله عنه ~~إذا أخذته الحمى يقول # كل امرئ مصبح في أهله % والموت أدنى من شراك نعله # وكان بلال إذا أقلعت عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول # ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة % بواد وحولي إذخر وجليل # وهل أردن يوما مياه مجنة % وهل يبدون لي شامة وطفيل # قالت عائشة رضي الله عنها فأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ~~اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد + حديث عائشة في الصحيحين لما ~~قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال الحديث وفيه ~~إنشاد أبي بكر # كل امرئ مصبح في أهله % والموت أدنى من شراك نعله وإنشاد بلال # ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة % بواد وحولي إذخر وجليل # وهل أردن يوما مياه مجنة % وهل يبدون لي شامة وطفيل قلت هو في الصحيحين ~~كما ذكر المصنف لكن أصل الحديث والشعر عند البخاري فقط ليس عند مسلم + # وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل اللبن مع القوم في بناء ~~المسجد وهو يقول PageV02P273 # هذا الحمال لا حمال خيبر % هذا أبر ربنا وأطهر # وقال أيضا صلى الله عليه وسلم مرة أخرى # لا هم إن العيش عيش الآخرة % فارحم الأنصار والمهاجره + حديث كان صلى ~~الله عليه وسلم ينقل اللبن مع القوم في بناء المسجد وهو يقول # هذا الحمال لا حمال خيبر % هذا أبر ربنا وأطهر وقال صلى الله عليه وسلم ~~مرة أخرى # اللهم إن العيش عيش الآخرة % فارحم الأنصار والمهاجرة قال المصنف ~~والبيتان في الصحيحين قلت البيت الأول انفرد به البخاري في قصة الهجرة من ~~رواية عروة مرسلا وفيه البيت الثاني أيضا إلا أنه قال الأجر بدل العيش تمثل ~~بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي قال ابن شهاب ولم يبلغنا في الأحاديث أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذا البيت والبيت ~~الثاني في الصحيحين من حديث أنس يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم ~~معهم يقولون # اللهم لا خير إلا خير الآخرة % فانصر الأنصار والمهاجرة + وليس البيت ~~الثانى موزونا وفي الصحيحين أيضا أنه قال في حفر الخندق بلفظ فبارك في ~~الأنصار والمهاجره وفي رواية فاغفر وفي رواية لمسلم فأكرم ولهما من حديث ~~سهل بن سعد فاغفر للمهاجرين والأنصار # وهذه في الصحيحين # وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه ~~قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينافح ويقول رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم + حديث كان يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما ~~يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينافح الحديث أخرجه البخاري ~~تعليقا وأبو داود والترمذي والحاكم متصلا من حديث عائشة قال الترمذي حسن ~~صحيح وقال الحاكم صحيح الإسناد وفي الصحيحين أنها قالت إنه كان ينافح عن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم + # ولما أنشده النابغة شعره قال له صلى الله عليه وسلم لا يفضض الله فاك + ~~حديث أنه قال للنابغة لما أنشده شعرا لا يفضض الله فاك رواه البغوي في معجم ~~الصحابة وابن عبد البر في الاستيعاب بإسناد ضعيف من حديث النابغة واسمه قيس ~~بن عبد الله قال أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم بلغنا السماء مجدنا ~~وجدودنا % وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا الأبيات ورواه البزار بلفظ علونا ~~العباد عفة وتكرما الأبيات وفيه فقال أحسنت يا أبا ليلى لا يفضض الله فاك ~~وللحاكم من حديث خزيم بن أوس سمعت العباس يقول يا رسول الله إنى أريد أن ~~أمتدحك فقال قل لا يفضض الله فاك فقال العباس # من قبلها طبت في الظلال وفي % مستودع حيث يخصف الورق الأبيات + # وقالت عائشة رضي الله عنها كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يتناشدون عنده الأشعار وهو يتبسم + حديث عائشة كان أصحاب رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يتناشدون الاشعار وهو يتبسم أخرجه الترمذي من حديث جابر بن ~~سمرة وصححه ولم أقف عليه من حديث عائشة + # وعن عمرو بن الشريد عن أبيه قال أنشدت رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ~~قافية من قول أمية بن أبي الصلت كل ذلك يقول هيه هيه @QB@ ثم قال @QE@ إن ~~كاد في شعره ليسلم + حديث الشريد أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم مائة ~~قافية من قول أمية بن أبي الصلت كل ذلك يقول هيه هيه الحديث رواه مسلم + # وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدى له في السفر # وإن أنجشة كان يحدو بالنساء والبراء بن مالك كان يحدو بالرجال فقال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير + حديث أنس كان ~~يحدى له في السفر وإن أنجشة كان يحدو بالنساء وكان البراء بن مالك يحدو ~~بالرجال الحديث رواه أبو داود الطيالسي واتفق الشيخان منه على قصة أنجشة ~~دون ذكر البراء بن مالك + # ولم يزل الحداء وراه الجمال من عادة العرب في زمان رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وزمان الصحابة رضي الله عنهم وما هو إلا أشعار تؤدى بأصوات طيبة ~~وألحان موزونة ولم ينقل عن أحد من الصحابة إنكاره بل ربما كانوا يلتمسون ~~PageV02P274 ذلك تارة لتحريك الجمال وتارة للاستلذاذ # فلا يجوز أن يحرم من حيث إنه كلام مفهوم مستلذ مؤدى بأصوات طيبة وألحان ~~موزونة # الدرجة الرابعة النظر فيه من حيث إنه محرك للقلب ومهيج لما هو الغالب ~~عليه # فأقول لله تعالى سر في مناسبة النغمات الموزونة للأرواح حتى إنها لتؤثر ~~فيها تأثيرا عجيبا # فمن الأصوات ما يفرح ومنها ما يحزن ومنها ما ينوم ومنها ما يضحك ويطرب ~~ومنها ما يستخرج من الأعضاء حركات على وزنها باليد والرجل والرأس # ولا ينبغي أن يظن أن ذلك لفهم معاني الشعر بل جار في الأوتار حتى قيل من ~~لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج ليس له علاج # وكيف يكون ذلك لفهم المعنى وتأثيره مشاهد في الصبى في مهده فإنه يسكنه ~~الصوت الطيب عن بكائه وتنصرف نفسه عما يبكيه إلى الإصغاء إليه # والجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثرا يستخف معه الأحمال الثقيلة # ويستقصر لقوة نشاطه في سماعه المسافات الطويلة وينبعث فيه من النشاط ما ~~يسكره ويولهه فتراها إذا طالت عليها البوادي واعتراها الإعياء والكلال تحت ~~المحامل والأحمال إذا سمعت منادى الحداء تمد أعناقها وتصغى إلى الحادي ~~ناصية آذانها وتسرع في سيرها حتى تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها وربما تتلف ~~أنفسها من شدة السير وثقل الحمل وهي لا تشعر به لنشاطها # فقد حكى أبو بكر محمد بن داود الدينوري المعروف بالرقي رضي الله عنه قال ~~كنت بالبادية فوافيت قبيلة من قبائل العرب فأضافني رجل منهم وأدخلني خباءه ~~فرأيت في الخباء عبدا أسود مقيدا بقيد ورأيت جمالا قد ماتت بين يدي البيت ~~وقد بقى منها جمل وهو ناحل ذابل كأنه ينزع روحه فقال لي الغلام أنت ضيف ولك ~~حق فتشفع في إلى مولاي فإنه مكرم لضيفه فلا يرد شفاعتك في هذا القدر فعساه ~~يحل القيد عني قال # فلما أحضروا الطعام امتنعت وقلت لا آكل ما لم أشفع في هذا العبد فقال إن ~~هذا العبد قد أفقرني وأهلك جميع مالي فقلت # ماذا فعل فقال # إن له صوتا طيبا وإني كنت أعيش من ظهور هذه الجمال فحملها أحمالا ثقالا ~~وكان يحدو بها حتى قطعت مسيرة ثلاثة أيام في ليلة واحدة من طيب نغمته فلما ~~حطت أحمالها ماتت كلها إلا هذا الجمل الواحد ولكن أنت ضيفي فلكرامتك قد ~~وهبته لك قال فأحببت أن أسمع صوته فلما أصبحنا أمره أن يحدو على جمل يستقى ~~الماء من بئر هناك فلما رفع صوته هام ذلك الجمل وقطع حباله ووقعت أنا على ~~وجهي فما أظن أني سمعت قط صوتا أطيب منه # فإذن تأثير السماع في القلب محسوس # ومن لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال بعيد عن الروحانية زائد ~~في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور بل على جميع البهائم فإن جميعها ~~تتأثر بالنغمات الموزونة # ولذلك كانت الطيور تقف على رأس داود عليه السلام لاستماع صوته # ومهما كان النظر في السماع باعتبار تأثيره في القلب لم يجز أن يحكم فيه ~~مطلقا بإباحة ولا تحريم بل يختلف ذلك بالأحوال والأشخاص واختلاف طرق ~~النغمات فحكمه حكم ما في القلب # قال أبو سليمان السماع لا يجعل في القلب ما ليس فيه ولكن يحرك ما هو فيه ~~فالترنم بالكلمات المسجعة الموزونة معتاد في مواضع لأغراض مخصوصة ترتبط بها ~~آثار في القلب وهي سبعة مواضع # الأول غناء الحجيج فإنهم اولا يدورون في البلاد بالطبل والشاهين والغناء ~~وذلك مباح لأنها أشعار نظمت في وصف الكعبة والمقام والحطيم وزمزم وسائر ~~المشاعر ووصف البادية وغيرها وأثر ذلك يهيج الشوق إلى حج بيت الله تعالى ~~واشتعال نيرانه إن كان ثم شوق حاصل أو استثارة الشوق واجتلابه إن لم يكن ~~حاصلا # وإذا كان الحج قربة والشوق إليه محمودا كان التشويق إليه بكل ما يشوق ~~محمودا # وكما يجوز للواعظ أن ينظم كلامه PageV02P275 في الوعظ ويزينه بالسجع ~~ويشوق الناس إلى الحج بوصف البيت والمشاعر ووصف الثواب عليه جاز لغيره ذلك ~~على نظم الشعر فإن الوزن إذا انضاف إلى السجع صار الكلام أوقع في القلب ~~فإذا أضيف إليه صوت طيب ونغمات موزونة زاد وقعه فإن أضيف إليه الطبل ~~والشاهين وحركات الإيقاع زاد التأثير # وكل ذلك جائز ما لم يدخل فيه المزامير والأوتار التي هي من شعار الأشرار ~~نعم إن قصد به تشويق من لا يجوز له الخروج إلى الحج كالذي أسقط الفرض عن ~~نفسه ولم يأذن له أبواه في الخروج فهذا يحرم عليه الخروج # فيحرم تشويقه إلى الحج بالسماع بكل كلام يشوق إلى الخروج فإن التشويق إلى ~~الحرام حرام # وكذلك إن كانت الطريق غير آمنة وكان الهلاك غالبا لم يجز تحريك القلوب ~~ومعالجتها بالتشويق # الثاني ما يعتاده الغزاة لتحريض الناس على الغزو # وذلك أيضا مباح كما للحاج ولكن ينبغي أن تخالف أشعارهم وطرق ألحانهم ~~أشعار الحاج وطرق ألحانهم لأن استثارة داعية الغزو بالتشجيع وتحريك الغيظ ~~والغضب فيه على الكفار وتحسين الشجاعة واستحقار النفس والمال بالإضافة إليه ~~بالأشعار المشجعة # مثل قول المتنبي # فإن لا تمت تحت السيوف مكرما % تمت وتقاس الذل غير مكرم # وقوله أيضا # يرى الجبناء أن الجبن حزم % وتلك خديعة الطبع اللئيم # وأمثال ذلك # وطرق الأوزان المشجعة تخالف الطرق المشوقة # وهذا أيضا مباح في وقت يباح فيه الغزو # ومندوب إليه وقت يستحب فيه الغزو ولكن في حق من يجوز له الخروج إلى الغزو # الثالث الرجزيات التي يستعملها الشجعان في وقت اللقاء والغرض منها ~~التشجيع للنفس وللأنصار وتحريك النشاط فيهم للقتال وفيه التمدح بالشجاعة ~~والنجدة وذلك إذا كان بلفظ رشيق وصوت طيب كان أوقع في النفس وذلك مباح في ~~كل قتال مباح ومندوب في قتال مندوب ومحظور في قتال المسلمين وأهل الذمة # وكل قتال محظور لأن تحريك الدواعي إلى المحظور محظور # وذلك منقول عن شجعان الصحابة رضي الله عنهم كعلي وخالد رضي الله عنهما ~~وغيرهما # ولذلك نقول ينبغي أن يمنع من الضرب بالشاهين في معسكر الغزاة فإن صوته ~~مرقق محزن يحلل عقدة الشجاعة ويضعف صرامة النفس ويشوق إلى الأهل والوطن ~~ويورث الفتور في القتال وكذا سائر الأصوات والألحان المرققة للقلب فالألحان ~~المرققة المحزنة تباين الألحان المحركة المشجعة فمن فعل ذلك على قصد تغيير ~~القلوب وتفتير الآراء عن القتال الواجب فهو عاص ومن فعله على قصد التفتير ~~عن القتال المحظور فهو بذلك مطيع # الرابع أصوات النياحة ونغماتها وتأثيرها في تهييج الحزن والبكاء وملازمة ~~الكآبة والحزن قسمان محمود ومذموم # فأما المذموم فكالحزن على ما فات قال الله تعالى لكيلا تأسوا على ما ~~فاتكم والحزن على الأموات من هذا القبيل فإنه تسخط لقضاء الله تعالى وتأسف ~~على ما لا تدارك له # فهذا الحزن لما كان مذموما كان تحريكه بالنياحة مذموما فلذلك ورد النهي ~~الصريح عن النياحة + حديث النهي عن النياحة متفق عليه من حديث أم عطية أخذ ~~علينا النبي صلى الله عليه وسلم في البيعة أن لا ننوح + # وأما الحزن المحمود فهو حزن الإنسان على تقصيره في أمر دينه وبكاؤه على ~~خطاياه # والبكاء والتباكي PageV02P276 والحزن والتحازن على ذلك محمود وعليه بكاء ~~آدم عليه السلام # وتحريك هذا الحزن وتقويته محمود لأنه يبعث على التشمير للتدارك ولذلك ~~كانت نياحة داود عليه السلام محمودة إذ كان ذلك مع دوام الحزن وطول البكاء ~~بسبب الخطايا والذنوب فقد كان عليه السلام يبكي ويبكي ويحزن حتى كانت ~~الجنائز ترفع من مجالس نياحته # وكان يفعل ذلك بألفاظه وألحانه وذلك محمود لأن المفضى إلى المحمود محمود # وعلى هذا لا يحرم على الواعظ الطيب الصوت أن ينشد على المنبر بألحانه ~~الأشعار المحزنة المرققة للقلب ولا أن يبكى ويتباكى ليتوصل به إلى تبكية ~~غيره وإثارة حزنه # الخامس السماع في أوقات السرور تأكيدا للسرور وتهييجا له وهو مباح إن كان ~~ذلك السرور مباحا كالغناء في أيام العيد وفي العرس وفي وقت قدوم الغائب وفي ~~وقت الوليمة والعقيقة وعند ولادة المولود وعند ختانه وعند حفظه القرآن ~~العزيز # وكل ذلك مباح لأجل إظهار السرور به # ووجه جوازه أن من الألحان ما يثير الفرح والسرور والطرب فكل ما جاز ~~السرور به جاز إثاره السرور فيه # ويدل على هذا من النقل إنشاد النساء على السطوح بالدف والألحان عند قدوم ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم + حديث إنشاد النساء عند قدوم رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم # طلع البدر علينا % من ثنيات الوداع # وجب الشكر علينا % ما دعا لله داع أخرجه البيهقي في دلائل النبوة من حديث ~~عائشة معضلا وليس فيه ذكر الدف والالحان + # طلع البدر علينا % من ثنيات الوداع # وجب الشكر علينا % ما دعا لله داع # فهذا إظهار السرور لقدومه صلى الله عليه وسلم وهو سرور محمود فإظهاره ~~بالشعر والنغمات والرقص والحركات أيضا محمود # فقد نقل عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم حجلوا في سرور أصابهم + ~~حديث حجل جماعة من الصحابة في سرور أصابهم أخرجه أبو داود من حديث على ~~وسيأتي في الباب الثاني + # كما سيأتي في أحكام الرقص وهو جائز في قدوم كل قادم يجوز الفرح به وفي كل ~~سبب مباح من أسباب السرور # ويدل على هذا ما روي في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لقد ~~رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون ~~في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأمه + حديث عائشة رأيت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم سترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد الحديث هو ~~كما ذكره المصنف أيضا في الصحيحين لكن قوله إنه فيهما من رواية عقيل عن ~~الزهري ليس كما ذكر بل هو عند البخاري كما ذكر وعند مسلم من رواية عمرو بن ~~الحارث عنه + # فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو إشارة إلى طول مدة ~~وقوفها # وروى البخاري ومسلم أيضا في صحيحيهما حديث عقيل عن الزهري عن عروة عن ~~عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في ~~أيام منى تدففان وتضربان والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرهما ~~أبو بكر رضي الله عنه فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه وقال دعهما يا ~~أبا بكر فإنها أيام عيد وقالت عائشة رضى الله عنها رأيت صلى الله عليه وسلم ~~يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر رضي ~~الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمنا يا بني أرفدة + حديث عائشة ~~رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بثوبه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم ~~يلعبون في المسجد فزجرهم عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمنا يا بني ~~أرفدة تقدم قبله بحديث دون زجر عمر لهم إلى آخره فرواه مسلم من حديث أبي ~~هريرة دون قوله أمنا يا بني أرفدة بل قال دعهم يا عمر زاد النسائي فإنما هم ~~بنو أرفدة ولهما من حديث عائشة دونكم بني أرفدة وقد ذكره المصنف بعد هذا + # يعني من الأمن ومن حديث عمرو بن الحرث عن ابن شهاب نحوه وفيه تغنيان ~~وتضربان + حديث عمرو بن الحارث عن ابن شهاب نحوه وفيه يغنيان ويضربان رواه ~~مسلم وهو عند البخاري من رواية الأوزاعي عن ابن شهاب + # وفي حديث أبي طاهر PageV02P277 عن ابن وهب والله لقد رأيت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم وهو يسترني بثوبه أو بردائه لكي أنظر إلى لعبهم ثم ~~يقوم من أجلي حتى أكون أنا الذي أنصرف + حديث أبي طاهر عن ابن وهب والله ~~لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون ~~بحرابهم الحديث رواه مسلم أيضا + # وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم قالت وكان يأتيني صواحب لي فكن يتقنعن من رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسر لمجيئهن إلى فيلعبن ~~معي + حديث عائشة كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~الحديث وهو في الصحيحين كماذكر المصنف لكن مختصر إلى قولها فيلعبن معى وأما ~~الرواية المطولة التى ذكرها المصنف بقوله وفي رواية فليست من الصحيحين إنما ~~رواها أبو داود بإسناد صحيح + # وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوما ما هذا قالت بناتي ~~قال فما هذا الذي أرى في وسطهن قالت فرس قال ما هذا الذي عليه قالت جناحان ~~قال فرس له جناحان قالت أو ما سمعت أنه كان لسليمان بن داود عليه السلام ~~خيل لها أجنحة قالت فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ~~والحديث محمول عندنا على عادة الصبيان في اتخاذ الصورة من الخزف والرقاع من ~~غير تكميل صورته بدليل ما روى في بعض الروايات أن الفرس كان له جناحان من ~~رقاع # وقالت عائشة رضي الله عنها دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي ~~جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر رضي ~~الله عنه فانتهرني وقال مزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال دعهما فلما غفل غمزتهما ~~فخرجتا + حديث عائشة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان ~~تغنيان بغناء بعاث الحديث هو في الصحيحين كما ذكر المصنف والرواية التي ~~عزاها لمسلم انفرد بها مسلم كما ذكر + # وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب فإما سألت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وإما قال تشتهين تنظرين فقلت نعم فأقامني وراءه وخدي على ~~خده ويقول دونكم يا بني أرفدة حتى إذا مللت قال حسبك قلت نعم قال فاذهبي ~~وفي صحيح مسلم فوضعت رأسي على منكبه فجعلت أنظر إلى لعبهم حتى كنت أنا الذي ~~انصرفت # فهذه الأحاديث كلها في الصحيحين وهو نص صريح في أن الغناء واللعب ليس ~~بحرام # وفيها دلالة على أنواع من الرخص # الأول اللعب ولا يخفى عادة الحبشة في الرقص واللعب # والثاني فعل ذلك في المسجد # والثالث قوله صلى الله عليه وسلم دونكم يا بني أرفدة وهذا أمر باللعب ~~والتماس له فكيف يقدر كونه حراما # والرابع منعه لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما عن الإنكار والتغيير وتعليله ~~بأنه يوم عيد أي هو وقت سرور وهذا من أسباب السرور # والخامس وقوفه طويلا في مشاهدة ذلك وسماعه لموافقة عائشة رضي الله عنها # وفيه دليل على أن حسن الخلق في تطييب قلوب النساء والصبيان بمشاهدة اللعب ~~أحسن من خشونة الزهد والتقشف في الامتناع والمنع منه # والسادس قوله صلى الله عليه وسلم ابتداء لعائشة أتشتهين أن تنظري ولم يكن ~~ذلك عن اضطرار إلى مساعدة الأهل خوفا من غضب أو وحشة فإن الإلتماس إذا سبق ~~ربما كان الرد سبب وحشة وهو محذور فيقدم محذور على محذور # فأما ابتداء السؤال فلا حاجة فيه # والسابع الرخصة في الغناء والضرب بالدف من الجاريتين مع أنه شبه ذلك ~~بمزمار الشيطان وفيه بيان أن المزمار المحرم غير ذلك # والثامن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرع سمعه صوت الجاريتين ~~وهو مضطجع ولو كان يضرب بالأوتار في موضع لما جوز الجلوس ثم لقرع صوت ~~الأوتار سمعه # فيدل هذا على أن صوت النساء غير محرم تحريم صوت المزامير بل إنما يحرم ~~عند خوف الفتنة PageV02P278 # فهذه المقاييس والنصوص تدل على إباحة الغناء والرقص والضرب بالدف واللعب ~~بالدرق والحراب والنظر إلى رقص الحبشة والزنوج في أوقات السرور كلها قياسا ~~على يوم العيد فإنه وقت سرور وفي معناه يوم العرس والوليمة والعقيقة ~~والختان ويوم القدوم من السفر وسائر أسباب الفرح وهو كل ما يجوز به الفرح ~~شرعا ويجوز الفرح بزيارة الإخوان ولقائهم واجتماعهم في موضع واحد على طعام ~~أو كلام فهو أيضا مظنه السماع # السادس سماع العشاق تحريكا للشوق وتهييجا للعشق وتسلية للنفس # فإن كان في مشاهدة المعشوق فالغرض تأكيد اللذة وإن كان مع المفارقة ~~فالغرض تهييج الشوق # والشوق وإن كان ألما ففيه نوع لذة إذا انضاف إليه رجاء الوصال فإن الرجاء ~~لذيذ واليأس مؤلم وقوة لذة الرجاء بحسب قوة الشوق والحب للشيء المرجو # ففي هذا السماع تهييج العشق وتحريك الشوق وتحصيل لذة الرجاء المقدر في ~~الوصال مع الإطناب في وصف حسن المحبوب # وهذا حلال إن كان المشتاق إليه ممن يباح وصاله كمن يعشق زوجته أو سريته ~~فيصغى إلى غنائها لتضاعف لذته في لقائها # فيحظى بالمشاهدة البصر وبالسماع الأذن ويفهم لطائف معاني الوصال والفراق ~~القلب فتترادف أسباب اللذة فهذه أنواع تمتع من جملة مباحات الدنيا ومتاعها ~~وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وهذا منه # وكذلك إن غضبت منه جارية أو حيل بينه وبينها بسبب من الأسباب فله أن يحرك ~~بالسماع شوقه وأن يستثير به لذة رجاء الوصال فإن باعها أو طلقها حرم عليه ~~ذلك بعده # إذ لا يجوز تحريك الشوق حيث لا يجوز تحقيقه بالوصال واللقاء # وأما من يتمثل في نفسه صورة صبي أو امرأة لا يحل له النظر إليها وكان ~~ينزل ما يسمع على ما تمثل في نفسه فهذا حرام لأنه محرك للفكر في الأفعال ~~المحظورة ومهيج للداعية إلى ما لا يباح الوصول إليه # وأكثر العشاق والسفهاء من الشباب في وقت هيجان الشهوة لا ينفكون عن إضمار ~~شيء من ذلك وذلك ممنوع في حقهم لما فيه من الداء الدفين لا لأمر يرجع إلى ~~نفس السماع # ولذلك سئل حكيم عن العشق فقال # دخان يصعد إلى دماغ الإنسان يزيله الجماع ويهيجه السماع # السابع سماع من أحب الله وعشقه واشتاق إلى لقائه فلا ينظر إلى شيء إلا ~~رآه فيه سبحانه ولا يقرع سمعه قارع إلا سمعه منه أو فيه فالسماع في حقه ~~مهيج لشوقه ومؤكد لعشقه وحبه ومور زناد قلبه ومستخرج منه احوالا من ~~المكاشفات والملاطفات لا يحيط الوصف بها يعرفها من ذاقها وينكرها من كل حسه ~~عن ذوقها # وتسمى تلك الأحوال بلسان الصوفية وجدا مأخوذ من الوجود والمصادفة أي صادف ~~من نفسه أحوالا لم يكن يصادفها قبل السماع # ثم تكون تلك الأحوال اسبابا لروادف وتوابع لها تحرق القلب بنيرانها ~~وتنقيه من الكدورات كما تنقى النار الجواهر المعروضة عليها من الخبث ثم ~~يتبع الصفاء الحاصل به مشاهدات ومكاشفات وهي غاية مطالب المحبين لله تعالى ~~ونهاية ثمرة القربات كلها فالمفضي إليها من جملة القربات لا من جملة ~~المعاصي والمباحات # وحصول هذه الأحوال للقلب بالسماع سببه سر الله تعالى في مناسبة النغمات ~~الموزونة للأرواح وتسخير الأرواح لها وتأثرها بها شوقا وفرحا وحزنا ~~وانبساطا وانقباضا # ومعرفة السبب في تأثر الأرواح بالاصوات من دقائق علوم المكاشفات # والبليد الجامد القاسي القلب المحروم عن لذة السماع يتعجب من التذاذ ~~المستمع ووجده واضطراب حاله وتغير لونه تعجب البهيمة من لذة اللوزينج وتعجب ~~العنين من لذة المباشرة وتعجب الصبي من لذة الرياسة واتساع أسباب الجاه ~~وتعجب الجاهل من لذة معرفة الله تعالى ومعرفة جلاله وعظمته وعجائب صنعه # ولكل ذلك سبب واحد وهو أن اللذة نوع إدراك والإدراك يستدعي مدركا ويستدعي ~~قوة مدركة # فمن لم تكمل قوة إدراكه لم يتصور منه التلذذ فكيف يدر لذة الطعوم من فقد ~~الذوق وكيف يدرك لذة الألحان من فقد السمع ولذة المعقولات من فقد العقل ~~وكذلك ذوق السماع PageV02P279 # بالقلب بعد وصول الصوت إلى السمع يدرك بحاسة باطنة في القلب فمن فقدها ~~عدم لا محالة لذته # ولعلك تقول كيف يتصور العشق في حق الله تعالى حتى يكون السماع محركا له ~~فاعلم أن من عرف الله احبه لا محالة ومن تأكدت معرفته تأكدت محبته بقدر ~~تأكد معرفته # والمحبة إذا تأكدت سميت عشقا فلا معنى للعشق إلا محبة مؤكدة مفرطة # ولذلك قالت العرب إن محمدا قد عشق ربه # لما رأوه يتخلى للعبادة في جبل حراء # واعلم أن كل جمال محبوب عند مدرك ذلك الجمال والله تعالى جميل يحب الجمال # ولكن الجمال إن كان بتناسب الخلقة وصفاء اللون أدرك بحاسة البصر # وإن كان الجمال بالجلال والعظمة وعلو الرتبة وحسن الصفات والأخلاق وإرادة ~~الخيرات لكافة الخلق وإفاضتها عليهم على الدوام إلى غير ذلك من الصفات ~~الباطنة أدرك بحاسة القلب # ولفظ الجمال قد يستعار أيضا لها فيقال إن فلانا حسن وجميل ولا تراد صورته # وإنما يعني به أنه جميل الأخلاق محمود الصفات حسن السيرة حتى قد يحب ~~الرجل بهذه الصفات الباطنة استحسانا لها كما تحب الصورة الظاهرة # وقد تتأكد هذه المحبة فتسمى عشقا # وكم من الغلاة في حب أرباب المذاهب كالشافعي ومالك وأبي حنيفة رضي الله ~~عنهم حتى يبذلوا أموالهم وأرواحهم في نصرتهم وموالاتهم ويزيدوا على كل عاشق ~~في الغلو والمبالغة # ومن العجب أن يعقل عشق شخص لم تشاهد قط صورته أجميل هو أم قبيح وهو الآن ~~ميت ولكن لجمال صورته الباطنة وسيرته المرضية والخيرات الحاصلة من عمله ~~لأهل الدين وغير ذلك من الخصال # ثم لا يعقل عشق من ترى الخيرات منه # بل على التحقيق من لا خير ولا جمال ولا محبوب في العالم إلا وهو حسنة من ~~حسناته وأثر من آثار كرمه وغرفة من بحر جوده بل كل حسن وجمال في العالم ~~أدرك بالعقول والأبصار والأسماع وسائر الحواس من مبتدإ العالم إلى منقرضه ~~ومن ذروة الثريا إلى منتهى الثرى فهو ذرة من خزائن قدرته ولمعة من أنوار ~~حضرته فليت شعري كيف لا يعقل حب من هذا وصفه وكيف لا يتأكد عند العارفين ~~بأوصافه حبه حتى يجاوز حدا يكون إطلاق اسم العشق عليه ظلما في حقه لقصوره ~~عن الإنباء عن فرط محبته فسبحان من احتجب عن الظهور بشدة ظهوره واستتر عن ~~الأبصار بإشراق نوره ولولا احتجابه بسبعين حجابا من نوره لاحرقت سبحات وجهه ~~أبصار الملاحظين لجمال حضرته ولولا أن ظهوره سبب خفائه لبهتت العقول ودهشت ~~القلوب وتخاذلت القوى وتنافرت الأعضاء ولوركبت القلوب من الحجارة والحديد ~~لأصبحت تحت مبادى أنوار تجليله دكادكا فأنى تطيق كنه نور الشمس أبصار ~~الخفافيش # وسيأتي تحقيق هذه الإشارة في # | كتاب المحبة ويتضح أن محبة غير الله تعالى قصور وجهل بل المتحقق # بالمعرفة لا يعرف غير الله تعالى إذ ليس في الوجود تحقيقا إلا الله ~~وأفعاله # ومن عرف الأفعال من حيث إنها أفعال لم يجاوز معرفة الفاعل إلى غيره # فمن عرف الشافعي مثلا رحمه الله وعلمه وتصنيفه من حيث إنه تصنيفه لا من ~~حيث إنه بياض وجلد وحبر وورق وكلام منظوم ولغة عربية فلقد عرفه ولم يجاوز ~~معرفة الشافعي إلى غيره ولا جاوزت محبته إلى غيره فكل موجود سوى الله تعالى ~~فهو تصنيف الله تعالى وفعله وبديع أفعاله فمن عرفها من حيث هي صنع الله ~~تعالى فرأى من الصنع صفات الصانع كما يرى من حسن التصنيف فضل المصنف وجلالة ~~قدره كانت معرفته ومحبته مقصورة على الله تعالى غير مجاوزة إلى سواه # ومن حد هذا العشق أنه لا يقبل الشركة وكل ما سوى هذا العشق فهو قابل ~~للشركة إذ كل محبوب سواه يتصور له نظير إما في الوجود وإما في الإمكان # فأما هذا الجمال فلا يتصور له ثان لا في الإمكان ولا في الوجود # فكان اسم العشق على حب غيره مجازا محضالا حقيقة # نعم الناقص القريب في نقصانه من البهيمة قد لا يدرك من لفظة العشق إلا ~~طلب الوصال الذي هو عبارة عن تماس PageV02P280 ظواهر الأجسام وقضاء شهوة ~~الوقاع # فمثل هذا الحمار ينبغي أن لا يستعمل معه لفظة العشق والشوق والوصال ~~والأنس بل يجنب هذه الألفاظ والمعاني كما تجنب البهيمة النرجس والريحان ~~وتخصص بالفت والحشيش وأوراق القضبان # فإن الألفاظ إنما يجوز إطلاقها في حق الله تعالى إذا لم تكن موهمة معنى ~~يجب تقديس الله تعالى عنه # والأوهام تختلف باختلاف الأفهام فليتنبه لهذه الدقيقة في أمثال هذه ~~الألفاظ بل لا يبعد أن ينشأ من مجرد السماع لصفات الله تعالى وجد غالب يقطع ~~بسببه نياط القلب # فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر ~~غلاما كان في بني إسرائيل على جبل فقال لأمه من خلق السماء قالت الله عز ~~وجل قال فمن خلق الأرض قالت الله عز وجل قال فمن خلق الجبال قالت الله عز ~~وجل قال فمن خلق الغيم قالت الله عز وجل قال إني لأسمع لله شأنا # ثم رمى بنفسه من الجبل فتقطع + حديث أبي هريرة إن غلاما كان في بني ~~إسرائيل على جبل فقال لأمه من خلق السماء فقالت الله الحديث وفيه ثم رمى ~~نفسه من الجبل فتقطع رواه ابن حبان + # وهذا كأنه سمع ما دل على جلال الله تعالى وتمام قدرته فطرب لذلك ووجد ~~فرمى بنفسه من الوجد # وما أنزلت الكتب إلا ليطربوا بذكر الله تعالى # قال بعضهم رأيت مكتوبا في الإنجيل غنينا لكم فلم تطربوا وزمرنا لكم فلم ~~ترقصا # أي شوقناكم بذكر الله تعالى فلم تشتاقوا # فهذا ما أردنا أن نذكره من أقسام السماع وبواعثه ومقتضياته وقد ظهر على ~~القطع إباحته في بعض المواضع والندب إليه في بعض المواضع # فإن قلت فهل له حالة يحرم فيها فأقول إنه يحرم بخمسة عوارض عارض في ~~المسمع وعارض في آلة الإسماع وعارض في نظم الصوت وعارض في نفس المستمع أو ~~في مواظبته وعارض في كون الشخص من عوام الخلق لأن أركان السماع هي المسمع ~~والمستمع وآلة الإسماع # العارض الأول أن يكون المسمع امرأة لا يحل النظر إليها وتخشى الفتنة من ~~سماعها وفي معناها الصبي الأمرد الذي تخشى فتنته وهذا حرام لما فيه من خوف ~~الفتنة وليس ذلك لأجل الغناء بل لو كانت المرأة بحيث يفتتن بصوتها في ~~المحاورة من غير ألحان فلا يجوز محاورتها ومحادثتها ولا سماع صوتها في ~~القرآن أيضا وكذلك الصبي الذي تخاف فتنته # فإن قلت فهل تقول إن ذلك حرام بكل حال حسما للباب أو لا يحرم إلا حيث ~~تخاف الفتنة في حق من يخاف العنت # فأقول هذه مسألة محتملة من حيث الفقه يتجاذبها أصلان أحدهما أن الخلوة ~~بالأجنبية والنظر إلى وجهها حرام سواء خيفت الفتنة أو لم تخف لأنها مظنة ~~الفتنة على الجملة # فقضى الشرع بحسم الباب من غير التفات إلى الصور والثاني أن النظر إلى ~~الصبيان مباح إلا عند خوف الفتنة فلا يلحق الصبيان بالنساء في عموم الحسم ~~بل يتبع فيه الحال وصوت المرأة دائر بين هذين الأصلين فإن قسناه على النظر ~~إليها وجب حسم الباب وهو قياس قريب ولكن بينهما فرق إذ الشهوة تدعو إلى ~~النظر في أول هيجانها ولا تدعو إلى سماع الصوت وليس تحريك النظر لشهوة ~~المماسة كتحريك السماع بل هو أشد # وصوت المرأة في غير الغناء ليس بعورة فلم تزل النساء في زمن الصحابة رضي ~~الله عنهم يكلمن الرجال في السلام والاستفتاء والسؤال والمشاورة وغير ذلك # ولكن للغناء مزيد أثر في تحريك الشهوة # فقياس هذا على النظر إلى الصبيان أولى لأنهم لم يؤمروا بالاحتجاب كما لم ~~تؤمر النساء بستر الأصوات # فينبغي أن يتبع مثار الفتن ويقصر التحريم عليه # هذا هو الأقيس عندي ويتأيد بحديث الجاريتين المغنيتين في بيت عائشة رضي ~~الله عنها إذ يعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يسمع أصواتهما ولم يحترز منه ~~ولكن لم تكن PageV02P281 # الفتنة مخوفة عليه فلذلك لم يحترز # فإذن يختلف هذا بأحوال المرأة وأحوال الرجل في كونه شابا وشيخا ولا يبعد ~~أن يختلف الأمر في مثل هذا بالأحوال # فإنا نقول للشيخ أن يقبل زوجته وهو صائم وليس للشاب ذلك لأن القبلة تدعو ~~إلى الوقاع في الصوم وهو محظور والسماع يدعو إلى النظر والمقاربة وهو حرام ~~فيختلف ذلك أيضا بالأشخاص # العارض الثاني في الآلة بأن تكون من شعار أهل الشرف أو المخنثين وهي ~~المزامير والأوتار وطبل الكوبة # فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة # وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة كالدف وإن كان فيه الجلاجل وكالطبل ~~والشاهين والضرب بالقضيب وسائر الآلات # العارض الثالث في نظم الصوت وهو الشعر فإن كان فيه شيء من الخنا والفحش ~~والهجو أو ما هو كذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم أو على ~~الصحابة رضي الله عنهم كما رتبه الروافض في هجاء الصحابة وغيرهم فسماع ذلك ~~حرام بألحان وغير ألحان والمستمع شريك للقائل # وكذلك ما فيه وصف امرأة بعينها فإنه لا يجوز وصف المرأة بين الرجال # وأما هجاء الكفار وأهل البدع فذلك جائز # فقد كان حسان بن ثابت رضي الله عنه ينافح عن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم ويهاجى الكفار وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك + حديث أمره صلى الله ~~عليه وسلم حسان بن ثابت بهجاء المشركين متفق عليه من حديث البراء أنه صلى ~~الله عليه وسلم قال لحسان اهجهم أو هاجهم وجبريل معك + # فأما النسيب وهو التشبيه بوصف الخدود والأصداغ وحسن القد والقامة وسائر ~~أوصاف النساء فهذا فيه نظر # والصحيح أنه لا يحرم نظمه وإنشاده بلحن وغير لحن # وعلى المستمع أن لا ينزله على امرأة معينة فإن نزله فلينزله على من يحل ~~له من زوجته وجاريته فإن نزله على أجنبية فهو العاصي بالتنزيل وإحالة الفكر ~~فيه # ومن هذا وصفه فينبغي أن يجتنب السماع رأسا فإن من غلب عليه عشق نزل كل ما ~~يسمعه عليه سوء كان اللفظ مناسبا له أو لم يكن إذ ما من لفظ إلا ويمكن ~~تنزيله على معان بطريق الإستعارة فالذي يغلب على قلبه حب الله تعالى يتذكر ~~بسواد الصدغ مثلا ظلمة الكفر وبنضارة الخد نور الإيمان وبذكر الوصال لقاء ~~الله تعالى وبذكر الفراق الحجاب عن الله تعالى في زمرة المردودين وبذكر ~~الرقيب المشوش لروح الوصال عوائق الدنيا وآفاتها المشوشة لدوام الأنس بالله ~~تعالى ولا يحتاج في تنزيل ذلك عليه إلى استنباط وتفكر ومهلة بل تسبق ~~المعاني الغالبة على القلب إلى فهمه مع اللفظ # كما روى عن بعض الشيوخ أنه مر في السوق فسمع واحدا يقول الخيار عشرة بحبة ~~فغلبه الوجد فسئل عن ذلك فقال إذا كان الخيار عشرة بحبة فما قيمة الأشرار ~~واجتاز بعضهم في السوق فسمع قائلا يقول يا سعتر برى فغلبه الوجد فقيل له ~~على ماذا كان وجدك فقال سمعته كأنه يقول اسع ترى برى حتى إن العجمى قد يغلب ~~عليه الوجد على الأبيات المنظومة بلغة العرب فإن بعض حروفها يوازن الحروف ~~العجمية فيفهم منها معان أخر # أنشد بعضهم # وما زارني في الليل إلا خياله % # فتواجد عليه رجل أعجمي # فسئل عن سبب وجده فقال إنه يقول ما زاريم # وهو كما يقول فإن لفظ زار يدل في العجمية على المشرف على الهلاك فتوهم ~~أنه يقول كلنا مشرفون على الهلاك فاستشعر عند ذلك خطر هلاك الآخرة # والمحترق في حب الله تعالى وجده بحسب فهمه وفهمه بحسب تخيله وليس من شرط ~~تخيله أن يوافق مراد PageV02P282 الشاعر ولغته # فهذا الوجد حق وصدق # ومن استشعر خطر هلاك الآخرة فجدير بأن يتشوش عليه عقله وتضطرب عليه ~~اعضاؤه # فإذن ليس في تغيير أعيان الألفاظ كبير فائدة بل الذي غلب عشق مخلوق ينبغي ~~أن يحترز من السماع بأي لفظ كان والذي غلب عليه حب الله تعالى فلا تضره ~~الألفاظ ولا تمنعه عن فهم المعاني اللطيفة المتعلقة بمجاري همته الشريفة # العارض الرابع في المستمع وهو أن تكون الشهوة غالبة عليه وكان في غرة ~~الشباب وكانت هذه الصفة أغلب عليه من غيرها فالسماع حرام عليه سواء غلب على ~~قلبه حب شخص معين أو لم يغلب فإنه كيفما كان فلا يسمع وصف الصدغ والخد ~~والفراق والوصال إلا ويحرك ذلك شهوته وينزله على صورة معينة ينفخ الشيطان ~~بها في قلبه فتشتعل فيه نار الشهوة وتحتد بواعث الشر # وذلك هو النصرة لحزب الشيطان والتخذيل للعقل المانع منه الذي هو حزب ~~اللهتعالى والقتال في القلب دائم جنود الشيطان وهي الشهوات وبين حزب الله ~~تعالى وهو نور العقل إلا في قلب قد فتحه أحد الجندين واستولى عليه بالكلية # وغالب القلوب الآن قد فتحها جند الشيطان وغلب عليها فتحتاج حينئذ إلى أن ~~تستأنف أسباب القتال لإزعاجها فكيف يجوز تكثير أسلحتها وتشحيذ سيوفها ~~وأسنتها والسماع مشحذ لأسلحة جند الشيطان في حق مثل هذا الشخص # فليخرج مثل هذا عن مجمع السماع فإنه يستضر به # العارض الخامس أن يكون الشخص من عوام الخلق ولم يغلب عليه حب الله تعالى ~~فيكون السماع له محبوبا ولو غلبت عليه شهوة فيكون في حقه محظورا # ولكنه أبيح في حقه كسائر أنواع اللذات المباحة إلا أنه إذا اتخذه ديدنه ~~وهجيراه وقصر عليه أكثر أوقاته فهذا هو السفيه الذي ترد شهادته فإن ~~المواظبة على اللهو جناية # وكما أن الصغيرة بالإصرار والمداومة تصير كبيرة فكذلك بعض المباحات ~~بالمداومة تصير صغيرة وهو كالمواظبة على متابعة الزنوج والحبشة والنظر إلى ~~لعبهم على الدوام فإنه ممنوع وإن لم يكن أصله ممنوعا إذ فعله رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم # ومن هذا القبيل اللعب بالشطرنج فإنه مباح ولكن المواظبة عليه مكروهة ~~كراهة شديدة # ومهما كان الغرض اللعب والتلذذ باللهو فذلك إنما يباح لما فيه من ترويح ~~القلب إذ راحة القلب معالجة له في بعض الأوقات لتنبعث دواعيه فيشتغل في ~~سائر الأوقات بالجد الدنيا كالكسب والتجارة أو في الدين كالصلاة والقراءة # واستحسان ذلك فيما بين تضاعيف الجد كاستحسان الخال على الخد ولو استوعبت ~~الخيلان في الوجه لشوهته فما أقبح ذلك فيعود الحسن قبحا بسبب الكثرة فما كل ~~حسن يحسن كثيره ولا كل مباح يباح كثيره بل الخبز مباح والاستكثار منه حرام # فهذا المباح كسائر المباحات # فإن قلت فقد أدى مساق هذا الكلام إلى أنه مباح في بعض الأحوال دون بعض ~~فلم أطلقت القول أولا بالاباحة إذ إطلاق القول في المفصل بلا أو بنعم خلف ~~وخطأ فاعلم أن هذا غلط لأن الإطلاق إنما يمتنع لتفصيل ينشأ من غير ما فيه ~~النظر فأما ما ينشأ من الأحوال العارضة المتصلة به من خارج فلا يمنع ~~الإطلاق ألا ترى أنا إذا سئلنا عن العسل أهو حلال أم لا قلنا إنه حلال على ~~الإطلاق مع أنه حرام على المحرور الذي يستضر به وإذا سئلنا عن الخمر قلنا # إنها حرام # مع إنها تحل لمن غص بلقمة أن يشربها مهما لم يجد غيرها ولكن هي من حيث ~~إنها خمر حرام وإنما ابيحت لعارض الحاجة # والعسل من حيث إنه عسل حلال وإنما حرم لعارض الضرر وما يكون لعارض فلا ~~يلتفت إليه فإن البيع حلال ويحرم بعارض الوقوع في وقت النداء يوم الجمعة ~~ونحوه من العوارض والسماع من جملة المباحات من حيث إنه سماع صوت طيب موزون ~~مفهوم وإنما تحريمه لعارض خارج PageV02P283 # عن حقيقة ذاته # فإذا انكشف الغطاء عن دليل الإباحة فلا نبالي بمن يخالف بعد ظهور الدليل # وأما الشافعي رضي الله عنه فليس تحريم الغناء من مذهبه أصلا # وقد نص الشافعي وقال في الرجل يتخذه صناعة لا تجوز شهادته # وذلك لأنه من اللهو المكروه الذي يشبه الباطل ومن اتخذه صنعة كان منسوبا ~~إلى السفاهة وسقوط المروءة وإن لم يكن محرما بين التحريم # فإن كان لا ينسب نفسه إلى الغناء ولا يؤتى لذلك ولا يأتى لأجله وإنما ~~يعرف بأنه قد يطرب في الحال فيترنم بها لم يسقط هذا مروءته ولم يبطل شهادته # واستدل بحديث الجاريتين اللتين كانتا تغنيان في بيت عائشة رضي الله عنها ~~وقال يونس بن عبد الأعلى سألت الشافعي رحمه الله عن إباحة أهل المدينة ~~للسماع فقال الشافعي # لا أعلم أحدا من علماء الحجاز كره السماع إلا ما كان منه في الأوصاف فأما ~~الحداء وذكر الأطلال والمرابع وتحسين الصوت بألحان الأشعار فمباح # وحيث قال إنه لهو مكروه يشبه الباطل فقوله لهو صحيح # ولكن اللهو من حيث إنه لهو ليس بحرام فلعب الحبشة ورقصهم لهو وقد كان صلى ~~الله عليه وسلم ينظر إليه ولا يكرهه # بل اللهو واللغو لا يؤاخذ الله تعالى به إن عنى به أنه فعل ما لا فائدة ~~فيه # فإن الإنسان لو وظف على نفسه أن يضع يده على رأسه في اليوم مائة مرة فهذا ~~عبث لا فائدة له ولا يحرم # قال الله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم فإذا كان ذكر اسم الله ~~تعالى على الشيء على طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم والمخالفة فيه ~~مع أنه لا فائدة فيه لا يؤاخذ فكيف يؤاخذ به بالشعر والرقص # وأما قوله يشبه الباطل فهذا لا يدل على اعتقاد تحريمه بل لو قال هو باطل ~~صريحا # لما دل على التحريم وإنما يدل على خلوه عن الفائدة فالباطل ما لا فائدة ~~فيه # فقول الرجل لامرأته مثلا بعت نفسي منك وقولها اشتريت عقد باطل مهما كان ~~القصد اللعب والمطايبة وليس بحرام إلا إذا قصد به التمليك المحقق منع الشرع ~~منه # وأما قوله مكروه فينزل بعض المواضع التي ذكرتها لك أو ينزل على التنزيه ~~فإنه نص على إباحة لعب الشطرنج وذكر أنى أكره لعب وتعليله يدل عليه فإنه ~~قال ليس ذلك من عادة ذوي الدين والمروءة # فهذا يدل على التنزيه # ورده الشهادة بالمواظبة عليه لا يدل على تحريمه أيضا بل قد ترد الشهادة ~~بالأكل في السوق وما يحرم المروءة بل الحياكة مباحة وليست من صنائع ذوي ~~المروءة وقد ترد شهادة المحترف بالحرفة الخسيسة فتعليله يدل على أنه أراد ~~بالكراهة التنزيه # وهذا هو الظن أيضا بغيره من كبار الأئمة # وإن أرادوا التحريم فما ذكرناه حجة عليهم # | بيان حجج القائلين بتحريم السماع والجواب عنها # احتجوا بقوله تعالى ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال ابن مسعود والحسن ~~البصري والنخعي رضي الله عنهم إن لهو الحديث هو الغناء # وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى ~~حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها + حديث عائشة إن الله حرم القينة وبيعها ~~وثمنها وتعليمها أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف قال البيهقي ليس ~~بمحفوظ + # فنقول أما القينة فالمراد بها الجارية التي تغني للرجال في مجلس الشرب # وقد ذكرنا أن غناء الأجنبية للفساق ومن يخاف عليهم الفتنة حرام وهم لا ~~يقصدون بالفتنة إلا ما هو محظور فأما غناء الجارية لمالكها فلا يفهم تحريمه ~~من هذا الحديث بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة # بدليل ما روي في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت عائشة رضي الله عنها # وأما شراء لهو الحديث بالدين استبدالا به ليضل به عن سبيل الله ~~PageV02P284 فهو حرام مذموم وليس النزاع فيه وليس كل غناء بدلا عن الدين ~~مشترى به ومضلا عن سبيل الله تعالى وهو المراد في الآية # ولو قرأ القرآن ليضل به عن سبيل الله لكان حراما # حكي عن بعض المنافقين أنه كان يؤم الناس ولا يقرأ إلا سورة عبس لما فيها ~~من العتاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم عمر بقتله ورأى فعله حراما ~~لما فيه من الإضلال # فالإضلال بالشعر والغناء أولى بالتحريم # واحتجوا بقوله تعالى أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم ~~سامدون قال ابن عباس رضي الله عنهما هو الغناء بلغة حمير يعني السمد فنقول ~~ينبغي أن يحرم الضحك وعدم البكاء أيضا لأن الآية تشتمل عليه # فإن قيل إن ذلك مخصوص بالضحك على المسلمين لإسلامهم فهذا أيضا مخصوص ~~بأشعارهم وغنائهم في معرض الاستهزاء بالمسلمين كما قال تعالى والشعراء ~~يتبعهم الغاوون وأراد به شعراء الكفار # ولم يدل ذلك على تحريم نظم الشعر في نفسه # واحتجوا بما روى جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال كان إبليس ~~أول من ناح وأول من تغنى + حديث جابر كان إبليس أول من ناح وأول من تغنى لم ~~أجد له أصلا من حديث جابر وذكره صاحب الفردوس من حديث علي بن أبي طالب ولم ~~يخرجه ولده في مسنده + # فقد جمع بين النياحة والغناء قلنا لا جرم كما استثنى منه نياحة داود عليه ~~السلام ونياحة المذنبين على خطاياهم فكذلك يستثنى الغناء الذي يراد به ~~تحريك السرور والحزن والشوق حيث يباح تحريكه بل كما استثنى غناء الجاريتين ~~يوم العيد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغناؤهن عند قدومه صلى الله ~~عليه وسلم بقولهن # طلع البدر علينا % من ثنيات الوداع # واحتجوا بما روى أبو أمامة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ما رفع أحد ~~صوته بغناء إلا بعث الله له شيطانين على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره ~~حتى يمسك + حديث أبي أمامة ما رفع أحد عقيرته بغناء إلا بعث الله له ~~شيطانين على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك أخرجه ابن أبي ~~الدنيا في ذم الملاهي والطبراني في الكبير وهو ضعيف + # قلنا هو منزل على بعض أنواع الغناء الذي قدمناه وهو الذي يحرك من القلب ~~ما هو مراد الشيطان من الشهوة وعشق المخلوقين فأما ما يحرك الشوق إلى الله ~~أو السرور بالعيد أو حدوث الولد أو قدوم الغائب فهذا كله يضاد مراد الشيطان # بدليل قصة الجاريتين والحبشة والأخبار التي نقلناها من الصحاح فالتجويز ~~في موضع واحد نص في الإباحة والمنع في ألف موضع محتمل للتأويل ومحتمل ~~للتنزيل # أما الفعل فلا تأويل له إذ ما حرم فعله إنما يحل بعارض الإكراه فقط وما ~~أبيح فعله يحرم بعوارض كثيرة حتى النيات والقصود # واحتجوا بما روى عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل شيء ~~يلهو به الرجل فهو باطل إلا تأديبه فرسه ورميه بقوسه وملاعبته لامرأته + ~~حديث عقبة بن عامر كل شيء يلهو به الرجل فهو باطل إلا تأديبه فرسه ورميه ~~بقوسه وملاعبته زوجته أخرجه أصحاب السنن الأربعة وفيه اضطراب + # قلنا فقوله باطل لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة وقد يسلم ذلك # على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة خارج عن هذه الثلاثة وليس بحرام بل يلحق ~~بالمحصور غير المحصور قياسا كقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم ~~إلا بإحدى ثلاث + حديث لا يحل دم امرئ إلا بإحدى ثلاث متفق عليه من حديث ~~ابن مسعود + # فإنه يلحق به رابع وخامس فكذلك ملاعبة امرأته لا فائدة له إلا التلذذ # وفي هذا دليل على أن التفرج في البساتين وسماع أصوات الطيور وأنواع ~~المداعبات مما يلهو به الرجل لا يحرم عليه شيء منها وإن جاز وصفه بأنه باطل ~~PageV02P285 # واحتجوا بقول عثمان رضي الله عنه ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكرى ~~بيميني مذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم # قلنا فليكن التمني ومس الذكر باليمنى حراما إن كان هذا دليل تحريم الغناء ~~فمن أين يثبت أن عثمان رضي الله عنه كان لا يترك إلا الحرام # واحتجوا بقول ابن مسعود رضي الله عنه الغناء ينبت في القلب النفاق وزاد ~~بعضهم كما ينبت الماء البقلحديث ابن مسعود الغناء ينبت النفاق في القلب ما ~~ينبت الماء البقل قال المصنف والمرفوع غير صحيح لأن في إسناده من لم يسم ~~رواه أبو داود وهو في رواية ابن العبد ليس في رواية اللؤلؤى ورواه البيهقى ~~مرفوعا وموقوفا ورفعه بعضهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غير صحيح # قالوا ومر على ابن عمر رضي الله عنهما قوم محرمون وفيهم رجل يتغنى فقال ~~ألا لا أسمع الله لكم ألا لا أسمع الله لكم # وعن نافع أنه قال كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما في طريق فسمع زمارة راع ~~فوضع أصبعيه في أذنيه ثم عدل عن الطريق فلم يزل يقول يا نافع أتسمع ذلك حتى ~~قلت لا فأخرج أصبعيه وقال # هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنعحديث نافع كنت وابن عمر في ~~طريق فسمع زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنية الحديث ورفعه أبو داود وقال هذا ~~حديث منكر # وقال الفضيل بن عياض رحمه الله الغناء رقية الزنا # وقال بعضهم الغناء رائد من رواد الفجور # وقال يزيد بن الوليد إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد الشهوة ويهدم ~~المروءة وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعله السكر فإن كنتم لا بد فاعلين ~~فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا # فنقول قول ابن مسعود رضي الله عنه ينبت النفاق أراد به في حق المغنى فإنه ~~في حقه ينبت النفاق إذ غرضه كله أن يعرض نفسه على غيره ويروج صوته عليه ولا ~~يزال ينافق ويتودد إلى الناس ليرغبوا في غنائه وذلك أيضا لا يوجب تحريما # فإن لبس الثياب الجميلة وركوب الخيل المهملجة وسائر أنواع الزينة ~~والتفاخر بالحرث والأنعام والزرع وغير ذلك ينبت في القلب النفاق والرياء ~~ولا يطلق القول بتحريم ذلك كله # فليس السبب في ظهور النفاق في القلب المعاصي فقط بل المباحات التي هي ~~مواقع نظر الخلق أكثر تأثيرا # ولذلك نزل عمر رضي الله عنه عن فرس هملج تحته وقطع ذنبه لأنه استشعر في ~~نفسه الخيلاء لحسن مطيته # فهذا النفاق من المباحات # وأما قول ابن عمر رضي الله عنهما ألا لا أسمع الله لكم # فلا يدل على التحريم من حيث إنه غناء بل كانوا محرمين ولا يليق بهم الرفث ~~وظهر له من مخايلهم أن سماعهم لم يكن لوجد وشوق إلى زيارة بيت الله تعالى ~~بل لمجرد اللهو فأنكر ذلك عليهم لكونه منكرا بالإضافة إلى حالهم وحال ~~الإحرام # وحكايات الأحوال تكثر فيها وجوه الاحتمال # وأما وضعه أصبعيه في أذنيه فيعارضه أنه لم يأمر نافعا بذلك ولا أنكر عليه ~~سماعه وإنما فعل ذلك هو لأنه رأى أن ينزه سمعه في الحال وقلبه عن صوت ربما ~~يحرك اللهو ويمنعه عن فكر كان فيه أو ذكر هو أولى منه # وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يمنع ابن عمر لا يدل ~~أيضا على التحريم بل يدل على أن الأولى تركه # ونحن نرى أن الأولى تركه في أكثر الأحوال بل أكثر مباحات الدنيا الأولى ~~تركها إذا علم أن ذلك يؤثر في القلب # فقد خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الصلاة ثوب أبي جهم ~~إذ كانت عليه أعلام شغلت قلبه + حديث خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ~~الفراغ من الصلاة ثوب أبي جهم إذ كان عليه أعلام شغلت قلبه تقدم في الصلاة ~~+ # أفترى أن ذلك يدل على تحريم الأعلام على الثوب فلعله صلى الله عليه وسلم ~~كان في حالة كان صوت زمارة الراعي يشغله عن تلك الحالة كما شغله العلم عن ~~الصلاة # بل الحاجة إلى استثارة الأحوال الشريفة من القلب بحيلة السماع قصور ~~بالإضافة إلى من هو دائم الشهود للحق وإن كان كمالا بالإضافة إلى غيره # ولذلك قال الحصرى ماذا أعمل بسماع ينقطع إذا مات من PageV02P286 يسمع منه ~~إشارة إلى أن السماع من الله تعالى هو الدائم # فالأنبياء عليهم السلام على الدوام في لذة السمع والشهود فلا يحتاجون إلى ~~التحريك بالحيلة # واما قول الفضيل هو رقية الزنا # وكذلك ما عداه من الأقاويل القريبة منه # فهو منزل على سماع الفساق والمغتلمين من الشبان # ولو كان ذلك عاما لما سمع من الجاريتين في بيت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم # وأما القياس فغاية ما يذكر فيه أن يقاس على الأوتار وقد سبق الفرق أو ~~يقال هو لهو ولعب وهو كذلك ولكن الدنيا كلها لهو ولعب # قال عمر رضي الله عنه لزوجته إنما أنت لعبة في زاوية البيت # وجميع الملاعبة مع النساء لهو إلا الحراثة التي هي سبب وجود الولد # وكذلك المزح الذي لا فحش فيه حلال # نقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة كما سيأتى تفصيله ~~في # | كتاب آفات اللسان إن شاء الله + حديث مزاحه صلى الله عليه وسلم يأتي في ~~آفات اللسان # كما قال المصنف + # وأي لهو يزيد على لهو الحبشة والزنوج في لعبهم وقد ثبت بالنص إباحته على ~~أنى أقول اللهو مروح للقلب ومخفف عنه أعباء الفكر والقلوب إذا أكرهت عميت ~~وترويحها إعانة لها على الجد فالمواظب على التفقة مثلا ينبغي أن يتعطل يوم ~~الجمعة لأن عطلة يوم تبعث على النشاط في سائر الأيام والمواظب على نوافل ~~الصلوات في سائر الأوقات ينبغى أن يتعطل في بعض الأوقات ولأجله كرهت الصلاة ~~في بعض الأوقات # فالعطلة معونة على العمل واللهو معين على الجد ولا يصبر على الجد المحض ~~والحق المر إلا نفوس الأنبياء عليهم السلام # فاللهو دواء القلب من داء الإعياء والملال فينبغي أن يكون مباحا ولكن لا ~~ينبغي أن يستكثر منه كما لا يستكثر من الدواء فإذا اللهو على هذه النية ~~يصير قربة هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها بل ~~ليس له إلا اللذة والاستراحة المحضة فينبغي أن يستحب له ذلك ليتوصل به إلى ~~المقصود الذي ذكرناه # نعم هذا يدل على نقصان عن ذروة الكمال فإن الكامل هو الذي لا يحتاج أن ~~يروح نفسه بغير الحق ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين ومن أحاط بعلم علاج ~~القلوب ووجوه التلطف بها لسياقتها إلى الحق علم قطعا أن ترويحها بأمثال هذه ~~الأمور دواء نافع لا غنى عنه # | الباب الثاني آثار السماع وآدابه # اعلم أن أول درجة السماع فهم المسموع وتنزيله على معنى يقع للمستمع ثم ~~يثمر الفهم الوجد ويثمر الوجد الحركة بالجوارح # فلينظر في هذه المقامات الثلاثة # المقام الأول في الفهم وهو يختلف باختلاف أحوال المستمع # وللمستمع أربعة أحوال احداها أن يكون سماع بمجرد الطبع أي لاحظ له في ~~السماع إلا استلذاذ الالحان والنغمات وهذا مباح وهو أخسر رتب السماع إذ ~~الإبل شريكه له فيه وكذا سائر البهائم بل لا يستدعي هذا الذوق إلا الحياة ~~فلكل حيوان نوع تلذذ بالأصوات الطيبة # الحالة الثانية أن يسمع بفهم ولكن ينزله على صورة مخلوق إما معينا وإما ~~غير معين وهو سماع الشباب وأرباب الشهوات ويكون تنزيلهم للمسموع على حسب ~~شهواتهم ومقتضى أحوالهم وهذه الحالة أخس من أن نتكلم فيها إلا ببيان خستها ~~والنهي عنها # الحالة الثالثة أن ينزل ما يسمعه على أحوال نفسه في معاملته لله تعالى ~~وتقلب أحواله في التمكن مرة والتعذر أخرى وهذا سماع المريدين لا سيما ~~المبتدئين فإن للمريد لا محالة مرادا هو مقصده ومقصده معرفة الله سبحانه ~~PageV02P287 # ولقاؤه والوصول إليه بطريق المشاهدة بالسر وكشف الغطاء وله في مقصده طريق ~~هو سالكه ومعاملات هو مثابر عليها وحالات تستقبله في معاملاته # فإذا سمع ذكر عتاب أو خطاب أو قبول أو رد أو وصل أو هجر أو قرب أو بعد أو ~~تلهف على فائت أو تعطش إلى منتظر أو شوق إلى وارد أو طمع أو يأس أو وحشة أو ~~استئناس أو وفاء بالوعد أو نقض للعهد أو خوف فراق أو فرح بوصال أو ذكر ~~ملاحظة الحبيب ومدافعة الرقيب أو همول العبرات أو ترادف الحسرات أو طول ~~الفراق أو عدة الوصال أو غير ذلك مما يشتمل على وصفه الأشعار فلا بد أن ~~يوافق بعضها حال المريد في طلبه فيجرى ذلك مجرى القدح الذي يورى زناد قلبه ~~فتشتعل به نيرانه ويقوي به انبعاث الشوق وهيجانه ويهجم عليه بسببه أحوال ~~مخالفة لعادته ويكون له مجال رحب في تنزيل الألفاظ على أحواله # وليس على المستمع مراعاة مراد الشاعر من كلامه بل لكل كلام وجوه ولكل ذي ~~فهم في اقتباس المعنى منه حظوظ # ولنضرب لهذه التنزيلات والفهوم أمثلة كي لا يظن الجاهل أن المستمع لأبيات ~~فيها ذكر الفم والخد والصدغ إنما يفهم منها ظواهرها # ولا حاجة بنا إلى ذكر كيفية فهم المعاني من الأبيات ففي حكايات أهل ~~السماع ما يكشف عن ذلك # فقد حكى أن بعضهم سمع قائلا يقول # قال الرسول غدا تزور % فقلت تعقل ما تقول # فاستفزه اللحن والقول وتواجد وجعل يكرر ذلك ويجعل مكان التاء نونا فيقول ~~قال الرسول غدا نزور حتى غشى عليه من شدة الفرح واللذة والسرور # فلما أفاق سئل عن وجده مم كان فقال ذكرت قول الرسول صلى الله عليه وسلم ~~إن أهل الجنة يزورون ربهم في كل يوم جمعة مرة + حديث إن أهل الجنة يزورون ~~ربهم في كل جمعة أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة وفيه عبد ~~الحميد ابن حبيب بن أبي العشرين مختلف فيه وقال الترمذي لا نعرفه إلا من ~~هذا الوجه قال وقد روى سويد بن عمرو عن الاوزاعي شيئا من هذا + # وحكى الرقي عن ابن الدراج أنه قال كنت أنا وابن الفوطى مارين على دجلة ~~بين البصرة والأبلة فإذا بقصر حسن له منظرة وعليه رجل بين يديه جارية تغني ~~وتقول # كل يوم تتلون % غير هذا بك أحسن # فإذا شاب حسن تحت المنظرة وبيده ركوة وعليه مرقعة يستمع فقال يا جارية ~~بالله وبحياة مولاك إلا أعدت على هذا البيت # فأعادت فكان الشاب يقول هذا والله تلوني مع الحق في حالي فشهق شهقة ومات # قال فقلنا قد استقبلنا فرض # فوقفنا فقال صاحب القصر للجارية أنت حرة لوجه الله تعالى قال ثمإن أهل ~~البصرة خرجوا وهذا القصر للسبيل قال ثم رمى بثيابه واتزر بإزار وارتدى بآخر ~~ومر على وجهه والناس ينظرون إليه حتى غاب عن أعينهم وهم يبكون # فلم يسمع له بعد خبر # والمقصود أن هذا الشخص كان مستغرق الوقت بحاله مع الله تعالى ومعرفة عجزه ~~عن الثبوت على حسن الأدب في المعاملة وتأسفه على تقلب قلبه وميله عن سنن ~~الحق فلما قرع سمعه ما يوافق حاله سمعه من الله تعالى كأنه يخاطبه ويقول له # كل يوم تتلون % غير هذا بك أحسن # ومن كان سماعه من الله تعالى وعلى الله وفيه # فينبغي أن يكون قد أحكم قانون العلم في معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته # وإلا خطر له من السماع في حق الله تعالى ما يستحيل عليه ويكفر به # ففي سماع المريد المبتدئ خطر إلا إذا PageV02P288 لم ينزل ما يسمع إلا ~~على حاله من حيث لا يتعلق بوصف الله تعالى # ومثال الخطأ فيه هذا البيت بعينه فلو سمعه في نفسه وهو يخاطب به ربه عز ~~وجل فيضيف التلون إلى الله تعالى فيكفر وهذا قد يقع عن جهل محض مطلق غير ~~ممزوج بتحقيق وقد يكون عن جهل ساقه إليه نوع من التحقيق وهو أن يرى تقلب ~~أحوال قلبه بل تقلب أحوال سائر العالم من الله وهو حق فإنه تارة يبسط قلبه ~~وتارة يقبضه وتارة ينوره وتارة يظلمه وتارة يقسيه وتارة يلينه وتارة يثبته ~~على طاعته ويقويه عليها وتارة يسلط الشيطان عليه ليصرفه عن سنن الحق وهذا ~~كله من الله تعالى # ومن يصدر منه أحوال مختلفة في أوقات متقاربة فقد يقال له في العادة إنه ~~ذو بداوات وإنه متلون # ولعل الشاعر لم يرد به إلا نسبة محبوبه إلى التلون في قبوله ورده وتقريبه ~~وإبعاده وهذا هو المعنى # فسماع هذا كذلك في حق الله تعالى كفر محض بل ينبغي أن يعلم انه سبحانه ~~وتعالى يلون ولا يتلون ويغير ولا يتغير بخلاف عباده # وذلك العلم يحصل للمريد بإعتقاد تقليدي إيماني # ويحصل للعارف البصير بيقين كشفي حقيقي # وذلك من أعاجيب أوصاف الربوبية وهو المغير من غير تغير ولا يتصور ذلك إلا ~~في حق الله تعالى بل كل مغير سواه فلا يغير ما لم يتغير # ومن أرباب الوجد من يغلب عليه حال مثل السكر المدهش فيطلق لسانه بالعتاب ~~مع الله تعالى ويستنكر اقتهاره للقلوب وقسمته للأحوال الشريفة على تفاوت # فإنه المستصفى لقلوب الصديقين والمبعد لقلوب الجاحدين والمغرورين فلا ~~مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولم يقطع التوفيق عن الكفار لجناية متقدمة ~~ولا أمد الأنبياء عليهم السلام بتوفيقه ونور هدايته لوسيلة سابقة ولكنه قال ~~ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين وقال عز وجل ولكن حق القول مني لأملأن ~~جهنم من الجنة والناس أجمعين وقال تعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ~~أولئك عنها مبعدون فإن خطر ببالك أنه لم اختلفت السابقة وهم في ربقه ~~العبودية مشتركون نوديت من سرادقات الجلال لا تجاوز حد الأدب فإنه لا يسئل ~~عما يفعل وهم يسئلون ولعمري تأدب اللسان والظاهر مما يقدر عليه الأكثرون # فأما تأدب السر عن إضمار الاستبعاد بهذا الاختلاف الظاهر في التقريب ~~والإبعاد والإشقاء والإسعاد مع بقاء السعادة والشقاوة أبد الآباد فلا يقوى ~~عليه إلا العلماء الراسخون في العلم # ولهذا قال الخضر عليه السلام لما سئل عن السماع في المنام إنه الصفو ~~الزلال الذي لا يثبت عليه إلا أقدام العلماء لأنه محرك لأسرار القلوب ~~ومكامنها ومشوش لها تشويش السكر المدهش الذي يكاد يحل عقدة الأدب عن السر ~~إلا ممن عصمه الله تعالى بنور هدايته ولطيف عصمته # ولذلك قال بعضهم ليتنا نجونا من هذا السماع رأسا برأس # ففي هذا الفن من السماع خطر يزيد على خطر السماع المحرك للشهوة فإن غاية ~~ذلك معصية وغاية الخطأ ههنا كفر # واعلم أن الفهم قد يختلف بأحوال المستمع فيغلب الوجد على مستمعين لبيت ~~واحد واحدهما مصيب في الفهم والآخر مخطىءأو كلاهما مصيبان وقد فهما معنيين ~~مختلفين متضادين ولكنه بالإضافة إلى اختلاف احوالهما لا يتناقض # كما حكى عن عتبة الغلام انه سمع رجلا يقول # سبحان جبار السما % إن المحب لفي عنا # فقال صدقت # وسمعه رجل آخر فقال كذبت # فقال بعض ذوي البصائر أصابا جميعا وهو الحق فالتصديق كلام محب غير ممكن ~~من المراد بل مصدود متعب بالصد والهجر # والتكذيب كلام مستأنس بالحب مستلذ لما يقاسيه بسبب فرط حبه غير متأثر به ~~أو كلام محب غير مصدود عن مراده في الحال ولا مستشعر بخطر PageV02P289 الصد ~~في المآل # وذلك لاستيلاء الرجاء وحسن الظن على قلبه # فباختلاف هذه الأحوال يختلف الفهم # وحكى عن أبي القاسم بن مروان وكان قد صحب أبا سعيد الخراز رحمه الله وترك ~~حضور السماع سنين كثيرة فحضر دعوة وفيها إنسان يقول # واقف في الماء عطشان % ولكن ليس يسقى # فقام القوم وتواجدوا فلما سكنوا سألهم عن معنى ما وقع لهم من معنى البيت ~~فأشاروا إلى التعطش إلى الأحوال الشريفة والحرمان منها مع حضور أسبابها فلم ~~يقنعه ذلك فقالوا له فماذا عندك فيه فقال أن يكون في وسط الأحوال ويكرم ~~بالكرامات ولا يعطى منها ذرة # وهذه إشارة إلى إثبات حقيقة وراء الأحوال والكرامات والاحوال سوابقها ~~والكرامات تسنح في مباديها والحقيقة بعد لم يقع الوصول إليها # ولا فرق بين المعنى الذي فهمه وبين ما ذكروه إلا في تفاوت رتبة المتعطش ~~إليه فإن المحروم عن الأحوال الشريفة أولا يتعطش إليها فإن مكن منها تعطش ~~إلى ما وراءها فليس بين المعنيين اختلاف في الفهم بل الاختلاف بين الرتبتين # وكان الشبلى رحمه الله كثيرا ما يتواجد على هذا البيت # ودادكم هجر وحبكم قلى % ووصلكم صرم وسلمكم حرب # وهذا البيت يمكن سماعه على وجوه مختلفة وبعضها حق وبعضها باطل وأظهرها أن ~~يفهم هذا في الخلق بل في الدنيا بأسرها بل في كل ما سوى الله تعالى # فإن الدنيا مكارة خداعة قتالة لأربابها معادية لهم في الباطن ومظهرة صورة ~~الود فما امتلأت منها دار حبرة إلا امتلأت عبرة + حديث ما امتلأت دار منها ~~حبرة إلا امتلأت عبرة أخرجه ابن المبارك عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي ~~كثير مرسلا + # كما ورد في الخبر وكما قال الثعلبي في وصف الدنيا # تنح عن الدنيا فلا تخطبنها % ولا تخطبن قتالة من تناكح # فليس يفي مرجوها بمخوفها % ومكروهها أما تأملت راجح # لقد قال فيها الواصفون فأكثروا % وعندي لها وصف لعمري صالح # سلاف قصاراها زعاف ومركب % شهى إذا استذللته فهو جامح # وشخص جميل يؤثر الناس حسنه % ولكن له أسرار سوء قبائح # والمعنى الثاني # أن ينزله على نفسه في حق الله تعالى فإنه إذا تفكر فمعرفته جهل إذ ما ~~قدروا الله حق قدره # وطاعته رياء إذ لا يتقي الله حق تقاته وحبه معلول إذ لا يدع شهوة من ~~شهواته في حبه # ومن أراد الله به خيرا بصره بعيوب نفسه فيرى مصداق هذا البيت في نفسه وإن ~~كان على المرتبة بالإضافة إلى الغافلين ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لا ~~أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك + حديث لا أحصي ثناء عليك أنت كما ~~أثنيت على نفسك رواه مسلم وقد تقدم + # وقال صلى الله عليه وسلم إني لاستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة + ~~حديث إني لاستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة تقدم في الباب الثاني من ~~الاذكار + # وإنما كان استغفاره عن أحوال هي درجات بعد بالإضافة إلى ما بعدها وإن ~~كانت قربا بالإضافة إلى ما قبلها فلا قرب إلا ويبقى وراءه قرب لا نهاية له ~~إذ سبيل السلوك إلى الله تعالى غير متناه والوصول إلى أقصى درجات القرب ~~محال # والمعنى الثالث أن ينظر في مبادئ أحواله فيرتضيها ثم ينظر في عوافيها ~~فيزدريها لاطلاعه على خفايا الغرور فيها فيرى ذلك من الله تعالى فيستمع ~~البيت في حق الله تعالى شكاية من القضاء والقدر وهذا كفر كما سبق بيانه وما ~~من بيت إلا ويمكن تنزيله على معان وذلك بقدر غزارة علم PageV02P290 المستمع ~~وصفاء قلبه # الحالة الرابعة سماع من جاوز الأحوال والمقامات فعزب عن فهم ما سوى الله ~~تعالى حتى عزب عن نفسه واحوالها ومعاملاتها وكان كالمدهوش الغائص في بحر ~~عين الشهود الذي يضاهي حاله حال النسوة اللاتي قطعن ايديهن في مشاهدة جمال ~~يوسف عليه السلام حتى دهشن وسقط احساسهن # وعن مثل هذه الحالة تعبر الصوفية بأنه قد فنى عن نفسه # ومهما فنى عن نفسه فهو عن غيره أفنى فكأنه فنى عن كل شيء إلا عن الواحد ~~المشهود # وفنى أيضا عن الشهود فإن القلب أيضا إذا التفت إلى الشهود وإلى نفسه بأنه ~~مشاهد فقد غفل عن المشهود # فالمستهتر بالمرئي لا التفات له في حال استغراقه إلى رؤيته ولا إلى عينه ~~التي بها رؤيته ولا إلى قلبه الذي به لذته فالسكران لا خبر له من سكره ~~والمتلذذ لا خبر له من التذاذه وإنما خبره من المتلذذ به فقط # ومثاله العلم بالشيء فإنه مغاير للعلم في حق المخلوق وتطرأ أيضا في حق ~~الخالق ولكنها في الغالب تكن كالبرق الخاطف الذي لا يثبت ولا يدوم وإن دام ~~لم تطقه القوة البشرية فربما اضطرب تحت أعبائه اضطرابا تهلك به نفسه # كما روي عن أبي الحسن النوري أنه حضر مجلسا فسمع هذا البيت # ما زلت أنزل من ودادك منزلا % تتحير الالباب عند نزوله # فقام وتواجد وهام على وجهه # فوقع في أجمة قصب قد قطع وبقيت أصوله مثل السيوف فصار يعدو فيها ويعيد ~~البيت إلى الغداة والدم يخرج من رجليه حتى ورمت قدماه وساقاه وعاش بعد ذلك ~~أياما ومات رحمه الله # فهذه درجة الصديقين في الفهم والوجد فهي أعلى الدرجات لأن السماع على ~~الأحوال نازل عن درجات الكمال وهي ممتزجة بصفات البشرية وهو نوع قصور وإنما ~~الكمال أن يفنى بالكلية عن نفسه واحواله أعنى أنه ينساها فلا يبقى له ~~التفات إليها كما لم يكن للنسوة التفات إلى الأيدي والسكاكين # فيسمع لله وبالله وفي الله ومن الله وهذه رتبة من خاض لجة الحقائق وعبر ~~ساحل الأحوال والأعمال واتحد بصفاء التوحيد وتحقق بمحض الإخلاص فلم يبق فيه ~~منه شيء أصلا بل خمدت بالكلبة بشريته وفنى التفاته إلى صفات البشرية رأسا ~~ولست أعنى بفنائه فناء جسده بل فناء قلبه ولست أعنى بالقلب اللحم والدم بل ~~سر لطيف له إلى القلب الظاهر نسبة خفية وراءها سر الروح الذي هو من أمر ~~الله عز وجل عرفها من عرفها وجهلها من جهلها ولذلك السر وجود # وصورة ذلك الوجود ما يحضر فيه فإذا حضر فيه غيره فكأنه لا وجود إلا ~~للحاضر # ومثاله المرآة المجلوة إذ ليس لها لون في نفسها بل لونها لون الحاضر فيها ~~وكذلك الزجاجة فإنها تحكي لون قرارها ولونها لون الحاضر فيها # وليس لها في نفسها صورة بل صورتها قبول الصور ولونها هو هيئة الاستعداد ~~لقبول الألوان ويعرب عن هذه الحقيقة أعنى سر القلب بالإضافة إلى ما يحضر ~~فيه قول الشاعر # رق الزجاج ورقت الخمر % فتشابها فتشاكل الأمر # فكأنما خمر ولا قدح % وكأنما قدح ولا خمر # وهذا مقام من مقامات علوم المكاشفة منه نشأ خيال من ادعى الحلول والاتحاد ~~وقال أنا الحق وحوله يدندن كلام النصارى في دعوى اتحاد اللاهوت بالناسوت أو ~~تدرعها بها أو حلولها فيها على ما اختلف فيهم عباراتهم وهو غلط محض يضاهي ~~غلط من يحكم على المرآة بصورة الحمرة إذ ظهر فيها لون الحمرة مقابلها وإذا ~~كان هذا لا غير لائق PageV02P291 بعلم المعاملة فلنرجع إلى الغرض فقد ذكرنا ~~تفاوت الدرجات في فهم المسموعات # المقام الثاني بعد الفهم والتنزيل الوجد وللناس كلام طويل في حقيقة الوجد ~~أعنى الصوفية والحكماء الناظرين في وجه مناسبة السماع للأرواح فلننقل من ~~اقوالهم الفاظا ثم لنكشف عن الحقيقة فيه # أما الصوفية فقد قال ذو النون المصري رحمه الله في السماع انه وارد حق ~~جاء يزعج القلوب إلى الحق فمن أصغى إليه بحق تحقق ومن أصغى إليه بنفس تزندق # فكأنه عبر عن الوجد بانزعاج القلوب إلى الحق وهو الذي يجده عند ورود وارد ~~السماع إذ سمى السماع وارد حق # وقال أبو الحسين الدراج مخبرا عما وجده في السماع الوجد عبارة عما يوجد ~~عند السماع وقال جال بي السماع في ميادين البهاء فاوجدني وجود الحق عند ~~العطاء فسقاني بكأس الصفاء فادركت به منازل الرضاء واخرجني إلى رياض التنزه ~~والفضاء # وقال الشبلي رحمه الله السماع ظاهره فتنة وباطنه عبرة فمن عرف الاشارة حل ~~له استماع العبارة وإلا فقد استدعى الفتنة وتعرض للبلية # وقال بعضهم السماع غذاء الأرواح لأهل المعرفة لأنه وصف يدق عن سائر ~~الأعمال ويدرك برقة الطبع لرقته وبصفاء السر لصفائه ولطفه عند أهله # وقال عمرو بن عثمان المكي لا يقع على كيفية الوجد عبارة لأنه سر الله عند ~~عباده المؤمنين الموقنين وقال بعضهم الوجد مكاشفات من الحق # وقال أبو سعيد بن الأعرابي الوجد رفع الحجاب ومشاهدة الرقيب وحضور الفهم ~~وملاحظة الغيب ومحادثة السر وايناس المفقود وهو فناؤك من حيث أنت وقال أيضا ~~الوجد أول درجات الخصوص وهو ميراث التصديق بالغيب فلما ذاقوه وسطع في ~~قلوبهم نوره زال عنهم كل شك وريب # وقال أيضا الذي يحجب عن الوجد رؤية آثار النفس والتعلق بالعلائق والاسباب ~~لأن النفس محجوبة بأسبابها فإذا انقطعت الأسباب وخلص الذكر وصحا القلب ورق ~~وصفا ونجحت الموعظة فيه وحل من المناجاة في محل قريب وخوطب وسمع الخطاب ~~بأذن واعية وقلب شاهد وسر ظاهر فشاهد ما كان منه خاليا فذلك هو الوجد لأنه ~~قد وجد ما كان معدوما عنده # وقال أيضا الوجد ما يكون عند ذكر مزعج أو خوف مقلق أو توبيخ على زلة أو ~~محادثة بلطيفة أو إشارة إلى فائدة أو شوق إلى غائب أو اسف على فائت أو ندم ~~على ماض أو استجلاب إلى حال أو داع إلى واجب أو مناجاة بسر وهو مقابلة ~~الظاهر بالظاهر والباطن بالباطن والغيب بالغيب والسر بالسر واستخراج مالك ~~بما عليك مما سبق للسعي فيه فيكتب ذلك لك بعد كونه منك فيثبت لك قدم بلا ~~قدم وذكر بلا ذكر إذ كان هو المبتدئ بالنعم والمتولى وإليه يرجع الأمر كله ~~فهذا ظاهر علم الوجد وأقوال الصوفية من هذا الجنس في الوجد كثيرة # وأما الحكماء فقال بعضهم في القلب فضيلة شريفة لم تقدر قوة النطق على ~~إخراجها باللفظ فأخرجتها النفس بالالحان فلما ظهرت سرت وطربت إليها ~~فاستمعوا من النفس وناجوها ودعوا مناجاة الظواهر # وقال بعضهم نتائج السماع استنهاض العاجز من الرأي واستجلاب العازب من ~~الافكار وحدة الكال من الافهام والآراء حتى يثوب ما عزب وينهض ما عجز ويصفو ~~ما كدر ويمرح في كل رأى ونية فيصيب ولا يخطىء ويأتي ولا يبطىء # وقال آخر كما أن الفكر يطرق العلم إلى المعلوم فالسماع يطرق القلب إلى ~~العالم الروحاني # وقال بعضهم وقد سئل عن سبب حركة الأطراف بالطبع على وزن الألحان ~~والإيقاعات فقال ذلك عشق عقلي والعاشق العقلي لا يحتاج إلى أن يناغي معشوقه ~~بالمنطق الجرمي بل يناغيه ويناجيه بالتبسم واللحظ والحركة اللطيفة بالحاجب ~~والجفن والإشارة وهذه نواطق أجمع إلا أنها روحانية وأما العاشق البهيمي ~~فإنه يستعمل المنطق الجرمي ليعبر به عن ثمرة ظاهر شوقه الضعيف وعشقه ~~PageV02P292 الزائف # وقال آخر من حزن فليسمع الألحان # فإن النفس إذا دخلها الحزن خمد نورها وإذا فرحت اشتعل نورها وظهر فرحها ~~فيظهر الحنين بقدر قبول القابل وذلك بقدر صفائه ونقائه من الغش والدنس # والأقاويل المقررة في السماع والوجد كثيرة ولا معنى للاستكثار من إيرادها ~~فلنشتغل بتفهيم المعنى الذي الوجد عبارة عنه فنقول إنه عبارة عن حالة ~~يثمرها السماع وهو وارد حق جديد عقيب السماع يجده المستمع من نفسه # وتلك الحالة لا تخلو عن قسمين فإنها إما أن ترجع إلى مكاشفات ومشاهدات هي ~~من قبيل العلوم والتنبيهات وإما أن ترجع إلى تغيرات وأحوال ليست من العلوم ~~بل هي كالشوق والخوف والحزن والقلق والسرور والاسف والندم والبسط والقبض ~~وهذه الأحوال يهيجها السماع ويقويها فإن ضعف بحيث لم يؤثر في تحريك الظاهر ~~أو تسكينه أو تغيير حاله حتى يتحرك على خلاف عادته أو يطرق أو يسكن عن ~~النظر والنطق والحركة على خلاف عادته لم يسم وجدا وإن ظهر على الظاهرسمى ~~وجدا إما ضعيفا وإما قويا بحسب ظهوره وتغييره للظاهر وتحريكه بحسب قوة ~~وروده وحفظ الظاهر عن التغيير بحسب قوة الواجد وقدرته على ضبط جوارحه فقد ~~يقوى الوجد في الباطن ولا يتغير الظاهر لقوة صاحبه وقد لا يظهر لضعف الوارد ~~وقصوره عن التحريك وحل عقد التماسك # وإلى معنى الأول أشار أبو سعيد بن الأعرابي حيث قال في الوجد إنه مشاهدة ~~الرقيب وحضور الفهم وملاحظة الغيب ولا يبعد أن يكون السماع سببا لكشف ما لم ~~يكن مكشوفا قبله فإن الكشف يحصل بأسباب منها التنبيه والسماع منبه ومنها ~~تغير الأحوال ومشاهدتها وإدراكها فإن إدراكها نوع علم يفيد ايضاح أمور لم ~~تكن معلومة قبل الورود ومنها صفاء القلب والسماع يؤثر في تصفية القلب ~~والصفاء يسبب الكشف ومنها انبعاث نشاط القلب بقوة السماع فيقوى به على ~~مشاهدة ما كان تقصر عنه قبل ذلك قوته كما يقوى البعير على حمل ما كان لا ~~يقوى عليه قبله # وعمل القلب الاستكشاف وملاحظة أسرار الملكوت كما أن عمل البعير حمل ~~الأثقال فبواسطة هذه الأسباب يكون سببا للكشف بل القلب إذا صفا ربما يمثل ~~له الحق في صورة مشاهدة أو في لفظ منظوم يقرع سمعه يعبر عنه بصوت الهاتف ~~إذا كان في اليقظة وبالرؤيا إذا كان في المنام وذلك جزء من ستة وأربعين ~~جزءا من النبوة # وعلم تحقيق ذلك خارج عن علم المعاملة وذلك كما روى عن محمد بن مسروق ~~البغدادي أنه قال خرجت ليلة في أيام جهالتي وأنا نشوان وكنت أغنى هذا البيت # بطور سيناء كرم ما مررت به % إلا تعجبت ممن يشرب الماء # فسمعت قائلا يقول # وفي جهنم ماء ما تجرعه % خلق فأبقى له في الجوف أمعاء # قال فكان ذلك سبب توبتي واشتغالي بالعلم والعبادة # فانظر كيف أثر الغناء في تصفية قلبه حتى تمثل له حقيقة الحق في صفة جهنم ~~في لفظ مفهوم موزون وقرع ذلك سمعه الظاهر # وروى عن مسلم العباداني انه قال قدم علينا صالح المري وعتبة الغلام وعبد ~~الواحد بن زيد ومسلم الأسواري فنزلوا على الساحل قال فهيأت لهم ذات ليلة ~~طعاما فدعوتهم إليه فجاؤا فلما وضعت الطعام بين أيديهم إذا بقائل يقول ~~رافعا صوته هذا البيت # وتلهيك عن دار الخلود مطاعم % ولذة نفس غيها غير نافع # قال فصاح عتبة الغلام صيحة وخر مغشيا عليه وبكى القوم فرفعت الطعام وما ~~ذاقوا والله منه لقمة PageV02P293 # وكما يسمع صوت الهاتف عند صفاء القلب فيشاهد أيضا بالبصر صورة الخضر عليه ~~السلام فإنه يتمثل لأرباب القلوب بصور مختلفة # وفي مثل هذه الحالة تتمثل الملائكة للأنبياء عليهم السلام إما على حقيقة ~~صورتها وإما على مثال يحاكي صورتها بعض المحاكاة # وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام مرتين في صورته ~~وأخبر عنه بأنه سد الأفق + حديث رأى جبريل عليه السلام مرتين في صورته ~~فأخبر أنه سد الأفق متفق عليه من حديث عائشة + # وهو المراد بقوله تعالى @QB@ علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق ~~الأعلى @QE@ إلى آخر هذه الآيات # وفي مثل هذه الأحوال من الصفاء يقع الاطلاع على ضمائر القلوب وقد يعبر عن ~~ذلك الاطلاع بالتفرس # ولذلك قال صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله + ~~حديث اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى أخرجه الترمذي من حديث ~~أبي سعيد وقال حديث غريب + # وقد حكى أن رجلا من المجوس كان يدور على المسلمين ويقول ما معنى قول ~~النبي صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن فكان يذكر له تفسيره فلا ~~يقنعه ذلك حتى انتهى إلى بعض المشايخ من الصوفية # فسأله فقال له معناه أن تقطع الزنار الذي على وسطك تحت ثوبك # فقال صدقت هذا معناه وأسلم وقال الآن عرفت أنك مؤمن وأن إيمانك حق # وكما حكى عن إبراهيم الخواص قال كنت ببغداد في جماعة من الفقراء في ~~الجامع فأقبل شاب طيب الرائحة حسن الوجه فقلت لأصحابي يقع لي أنه يهودي ~~فكلهم كرهوا ذلك فخرجت وخرج الشاب ثم رجع إليهم وقال أي شيء قال الشيخ في ~~فاحتشموه فألح عليهم فقالوا له قالإنك يهودي قال فجاءني وأكب على يدي وقبل ~~رأسي وأسلم وقال نجد في كتبنا أن الصديق لا تخطىء فراسته فقلت أمتحن ~~المسلمين فتأملتهم فقلت إن كان فيهم صديق ففي هذه الطائفة لأنهم يقولون ~~حديثه سبحانه ويقرءون كلامه فلبست عليكم فلما اطلع على الشيخ وتفرس في علمت ~~أنه صديق قال وصار الشاب من كبار الصوفية # وإلى مثل هذا الكشف الاشارة بقوله عليع السلام لولا أن الشياطين يحومون ~~على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء + حديث لولا أن الشياطين يحومون ~~على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء تقدم في الصوم + # وإنما تحوم الشياطين على القلوب إذا كانت مشحونة بالصفات المذمومة فإنها ~~مرعى الشيطان وجنده # ومن خلص قلبه من تلك الصفات وصفاه لم يطف الشيطان حول قلبه # وإليه الاشارة بقوله تعالى إلا عبادك منهم المخلصين وبقوله تعالى @QB@ إن ~~عبادي ليس لك عليهم سلطان @QE@ والسماع سبب لصفاء القلب وهو شبكة للحق ~~بواسطة الصفاء # وعلى هذا يدل ما روى أن ذا النون المصري رحمه الله دخل بغداد فاجتمع إليه ~~قوم من الصوفية ومعهم قوال فاستأذنوه في أن يقول لهم شيئا # فأذن لهم في ذلك فأنشأ يقول # صغير هواك عذبني % فكيف به إذا احتنكا % وأنت جمعت في قلبي # هوى قد كان مشتركا % أما ترثى لمكتئب % إذا ضحك الخلى بكى # فقام ذو النون وسقط على وجهه ثم قام رجل آخر فقال ذو النون الذي يراك حين ~~تقوم # فجلس ذلك الرجل وكان ذلك اطلاعا من ذي النون على قلبه # أنه متكلف متواجد فعرفه أن الذي يراه حين يقوم هو الخصم في قيامه لغير ~~الله تعالى ولو كان الرجل صادقا لما جلس # فإذا قد رجع حاصل الوجد إلى مكاشفات والى حالات واعلم أن كل واحد منهما ~~ينقسم إلى ما يمكن التعبير عنه عند الافاقة منه وإلى ما لا تمكن العبارة ~~عنه أصلا # ولعلك تستبعد حالة أو علما لا تعلم حقيقته ولا يمكن التعبير عنه عن ~~حقيقته فلا تستبعد ذلك فإنك تجد في أحوالك القريبة لذلك شواهد PageV02P294 # أما العلم فكم من فقيه تعرض عليه مسألتان متشابهتان في الصورة ويدرك ~~الفقيه بذوقه أن بينهما فرقا في الحكم وإذا كلف ذكر وجه الفرق لم يساعده ~~اللسان على التعبير وإن كان من أفصح الناس فيدرك بذوقه الفرق ولا يمكنه ~~التعبير عنه وإدراكه الفرق علم يصادفه في قلبه بالذوق ولا يشك في أن لوقوعه ~~في قلبه سببا وله عند الله تعالى حقيقة ولا يمكنه الأخبار عنه لا لقصور في ~~لسانه بل لدقة المعنى في نفسه عن أن تناله العبارة # وهذا مما قد تفطن له المواظبون على النظر في المشكلات # وأما الحال فكم من إنسان يدرك في قلبه في الوقت الذي يصبح فيه قبضا أو ~~بسطا ولا يعلم سببه وقد يتفكر إنسان في شيء فيؤثر في نفسه اثر فينسى ذلك ~~السبب ويبقى الأثر في نفسه وهو يحس به وقد تكون الحالة التي يحسها سرورا ~~ثبت في نفسه بتفكره في سبب موجب للسرور أو حزنا فينسى المتفكر فيه ويحس ~~بالأثر عقيبه # وقد تكون تلك الحالة حالة غريبة لا يعرب عنها لفظ السرور والحزن ولا ~~يصادف لها عبارة مطابقة مفصحة عن المقصود بل ذوق الشعر الموزون والفرق بينه ~~وبين غير الموزون يختص به بعض الناس دون بعض وهي حالة يدركها صاحب الذوق ~~بحيث لا يشك فيها أعني التفرقة بين الموزون والمنزحف فلا يمكنه التعبير ~~عنها بما يتضح مقصوده لمن لا ذوق له # وفي النفس أحوال غريبة هذا وصفها بل المعاني المشهورة من الخوف والحزن ~~والسرور إنما تحصل في السماع عن غناء مفهوم وأما الأوتار وسائر النغمات ~~التي ليست مفهومة فإنها تؤثر في النفس تأثيرا عجيبا ولا يمكن التعبير عن ~~عجائب تلك الآثار وقد يعبر عنها بالشوق ولكن شوق لا يعرف صاحبه المشتاق ~~إليه فهو عجيب والذي اضطرب قلبه بسماع الأوتار أو الشاهين وما أشبهه ليس ~~يدري إلى ماذا يشتاق ويجد في نفسه حالة كأنها تتقاضى امرا ليس يدري ما هو ~~حتى يقع ذلك للعوام ومن لا يغلب على قلبه لا حب آدمي ولا حب الله تعالى # وهذا له سر وهو أن كل شوق فله ركنان # أحدهما صفة المشتاق وهو نوع مناسبة مع المشتاق إليه # والثاني معرفة المشتاق إليه ومعرفة صورة الوصول إليه فإن وجدت الصفة التي ~~بها الشوق ووجد العلم بصورة المشتاق إليه كان الأمر ظاهرا وإن لم يوجد ~~العلم بالمشتاق ووجدت الصفة المشوقة وحركت قلبك الصفة واشتعلت نارها اورث ~~ذلك دهشة وحيرة لا محالة # ولو نشأ آدمي وحده بحيث لم ير صورة النساء ولا عرف صورة الوقاع ثم راهق ~~الحلم وغلبت عليه الشهوة لكان يحس من نفسه بنار الشهوة ولكن لا يدري انه ~~يشتاق إلى الوقاع لأنه ليس يدري صورة الوقاع ولا يعرف صورة النساء فكذلك في ~~نفسه الآدمي مناسبة مع العالم الأعلى واللذات التي وعد بها في سدرة المنتهى ~~والفراديس العلا إلا أنه لم يتخيل من هذا الأمور إلا الصفات والاسماء كالذي ~~سمع لفظ الوقاع واسم النساء ولم يشاهد صورة امرأة قط ولا صورة رجل ولا صورة ~~نفسه في المرآة ليعرف بالمقايسة فالسماع يحرك منه الشوق والجهل المفرط ~~والاشتغال بالدنيا قد أنساه نفسه وأنساه ربه وأنساه مستقره الذي إليه حنينه ~~واشتياقه بالطبع فيتقاضاه قلبه أمرا ليس يدري ما هو فيدهش ويتحير ويضطرب ~~ويكون كالمختنق الذي لا يعرف طريق الخلاص فهذا وامثاله من الأحوال التي لا ~~يدرك تمام حقائقها ولا يمكن المتصف بها أن يعبر عنها # فقد ظهر انقسام الوجد إلى ما يمكن إظهاره والى ما لا يمكن إظهاره # واعلم أيضا أن الوجد ينقسم إلى هاجم والى متكلف ويسمى التواجد وهذا ~~التواجد المتكلف فمنه مذموم PageV02P295 وهو الذي يقصد به الرياء وإظهار ~~الأحوال الشريفة مع الإفلاس منها ومنه ما هو محمود وهو التوصل إلى استدعاء ~~الأحوال الشريفة واكتسابها واجتلابها بالحيلة فإن للكسب مدخلا في جلب ~~الأحوال الشريفة ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يحضره ~~البكاء في قراءة القرآن أن يتباكى ويتحازن + حديث البكاء عند قراءة القرآن ~~فإن لم تبكوا فتباكوا تقدم في تلاوة القرآن في الباب الثاني + # فإن هذه الأحوال قد تتكلف مباديها ثم تتحقق أواخرها # وكيف لا يكون التكلف سببا في أن يصير المتكلف في الآخرة طبعا وكل من ~~يتعلم القرآن أو لا يحفظه تكلفا ويقرؤه تكلفا مع تمام التأمل وإحضار الذهن ~~ثم يصير ذلك ديدنا للسان مطردا حتى يجري به لسانه في الصلاة وغيرها وهو ~~غافل فيقرأ تمام السورة وتثوب نفسه إليه بعد انتهائه إلى آخرها ويعلم أنه ~~قرأها في حال غفلته وكذلك الكاتب يكتب في الابتداء بجهد شديد ثم تتمرن على ~~الكتابة يده فيصير الكتب له طبعا فيكتب أوراقا كثيرة وهو مستغرق القلب بفكر ~~آخر فجميع ما تحتمله النفس والجوارح من الصفات لا سبيل إلى اكتسابه إلا ~~بالتكلف والتصنع أولا ثم يصير بالعادة طبعا وهو المراد بقول بعضهم العادة ~~طبيعة خامسة # فكذلك الأحوال الشريفة لا ينبغي أن يقع اليأس منها عند فقدها بل ينبغي أن ~~يتكلف اجتلابها بالسماع وغيره فلقد شوهد في العادات من اشتهى أن يعشق شخصا ~~ولم يكن يعشقه فلم يزل يردد ذكره على نفسه ويديم النظر إليه ويقرر على نفسه ~~الأوصاف المحبوبة والاخلاق المحمودة فيه حتى عشقه ورسخ ذلك في قلبه رسوخا ~~خرج عن حداختياره فاشتهى بعد ذلك الخلاص منه فلم يتخلص فكذلك حب الله تعالى ~~والشوق إلى لقائه والخوف من سخطه وغير ذلك من الأحوال الشريفة إذا فقدها ~~الإنسان فينبغي أن يتكلف اجتلابها بمجالسة الموصوفين بها ومشاهدة أحوالهم ~~وتحسين صفاتهم في النفس وبالجلوس معهم في السماع وبالدعاء والتضرع إلى الله ~~تعالى في أن يرزقه تلك الحلة بأن ييسر له اسبابها # ومن أسبابها السماع ومجالسة الصالحين والخائفين والمحسنين والمشتاقين ~~والخاشعين # فمن جالس شخصا سرت إليه صفاته من حيث لا يدري # ويدل على إمكان تحصيل الحب وغيره من الأحوال بالأسباب قول رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم في دعائه اللهم ارزقني حبك وحب من احبك وحب من يقربني إلى ~~حبك + حديث اللهم ارزقني حبك وحب من أحبك الحديث تقدم في الدعوات + # فقد فزع صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء في طلب الحب # فهذا بيان انقسام الوجد إلى مكاشفات والى أحوال وانقسامه إلى ما يمكن ~~الافصاح عنه والى ما لا يمكن وانقسامه إلى المتكلف والى المطبوع # فإن قلت فما بال هؤلاء لا يظهر وجدهم عند سماع القرآن وهو كلام الله ~~ويظهر عند الغناء وهو كلام الشعراء فلو كان ذلك حقا من لطف الله تعالى ولم ~~يكن باطلا من غرور الشيطان لكان القرآن أولى به من الغناء فنقول الوجد الحق ~~هو ما ينشأ من فرط حب الله تعالى وصدق إرادته والشوق إلى لقائه وذلك يهيج ~~بسماع القرآن أيضا # وإنما الذي لا يهيج بسماع القرآن حب الخلق وعشق المخلوق # ويدل على ذلك قوله تعالى @QB@ ألا بذكر الله تطمئن القلوب @QE@ وقوله ~~تعالى @QB@ مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم ~~إلى ذكر الله @QE@ وكل ما يوجد عقيب السماع في النفس فهو وجد # فالطمأنينة والاقشعرار والخشية ولين القلب كل ذلك وجد # وقد قال الله تعالى @QB@ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ~~@QE@ وقال تعالى @QB@ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من ~~خشية الله @QE@ فالوجل والخشوع وجد من قبيل الأحوال وإن لم يكن من قبيل ~~المكاشفات # ولكن قد يصير سببا للمكاشفات والتنبيهات ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ~~زينوا القرآن بأصواتكم + حديث زينوا القرآن بأصواتكم تقدم في تلاوة القرآن ~~+ PageV02P296 # وقال لأبي موسى الأشعري لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود عليه السلام + ~~حديث لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود قاله لأبي موسى تقدم فيه + # وأما الحكايات الدالة على أن أرباب القلوب ظهر عليهم الوجد عند سماع ~~القرآن فكثيرة فقوله صلى الله عليه وسلم شيبتني هود وأخواتها + حديث شيبتني ~~هود وأخواتها أخرجه الترمذي من حديث أبي جحيفة وله وللحاكم من حديث ابن ~~عباس نحوه قال الترمذي حسن وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري + # خبر عن الوجد فإن الشيب يحصل من الحزن والخوف وذلك وجد # وروي أن ابن مسعود رضي الله عنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~سورة النساء فلما انتهى إلى قوله تعالى @QB@ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ~~وجئنا بك على هؤلاء شهيدا @QE@ قال @QB@ حسبك @QE@ وكانت عيناه تذرفان ~~بالدموع + حديث إن ابن مسعود قرأ عليه فلما انتهى إلى قوله @QB@ فكيف إذا ~~جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا @QE@ قال @QB@ حسبك @QE@ ~~الحديث متفق عليه من حديثه + # وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قرأ هذا الآية أو قرئ عنده @QB@ إن ~~لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما @QE@ فصعق + حديث أنه قرئ ~~عنده إن لدينا انكالا وجحيما وطعام ذا غصة وعذابا أليما فصعق رواه ابن عدي ~~في الكامل والبيهقي في الشعب من طريقه من حديث أبي حرب بن أبي الأسود مرسلا ~~+ # وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قرأ @QB@ إن تعذبهم فإنهم عبادك @QE@ ~~فبكى + حديث إنه قرأ @QB@ إن تعذبهم فإنهم عبادك @QE@ فبكى أخرجه مسلم من ~~حديث عبد الله بن عمرو + # وكان صلى الله عليه وسلم إذا مر بآية رحمة دعا واستبشر + حديث كان إذا مر ~~بآية رحمة دعا واستبشر تقدم في تلاوة القرآن دون قوله واستبشر + # والاستبشار وجد # وقد أثنى الله تعالى على أهل الوجد بالقرآن فقال تعالى @QB@ وإذا سمعوا ~~ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق @QE@ وروى ~~أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل + حديث ~~أنه كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي ~~في الشمائل من حديث عبد الله بن الشخير وقد تقدم + # وأما ما نقل من الوجد بالقرآن عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين فكثير ~~فمنهم من صعق ومنهم من بكى ومنهم من غشي عليه ومنهم من مات في غشيته # وروى أن زرارة بن أوفى وكان من التابعين كان يؤم الناس بالرقة فقرأ @QB@ ~~فإذا نقر في الناقور @QE@ فصعق ومات في محرابه رحمه الله # وسمع عمر رضي الله عنه رجلا يقرأ إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع فصاح ~~صيحة وخر مغشيا عليه فحمل إلى بيته فلم يزل مريضا في بيته شهرا # وأبو جرير من التابعين قرأ عليه صالح المري فشهق ومات # وسمع الشافعي رحمه الله قارئا يقرأ @QB@ هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم ~~فيعتذرون @QE@ فغشى عليه # وسمع على بن الفضيل قارئا يقرأ @QB@ يوم يقوم الناس لرب العالمين @QE@ ~~فسقط مغشيا عليه فقال الفضيل شكر الله لك ما قد علمه منك # وكذلك نقل عن جماعة منهم # وكذلك الصوفية فقد كان الشبلي في مسجده ليلة من رمضان وهو يصلي خلف إمام ~~له فقرأ الإمام @QB@ ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك @QE@ فزعق الشبلي ~~زعقة ظن الناس أنه قد طارت روحه واحمر وجهه وارتعدت فرائصه وكان يقول بمثل ~~هذا يخاطب الأحباب يردد ذلك مرارا # وقال الجنيد دخلت على سري السقطي فرأيت بين يديه رجلا قد غشى عليه فقال ~~لي هذا رجل قد سمع آية من القرآن فغشى عليه فقلت اقرءوا عليه تلك الآية ~~بعينها فقرئت فأفاق فقال من أين قلت هذا فقلت رأيت يعقوب عليه السلام كان ~~عماه من أجل مخلوق فبمخلوق أبصر ولو كان عماه من أجل الحق ما أبصر بمخلوق ~~فاستحسن ذلك # ويشير إلى ما قاله الجنيد قول الشاعر # وكأس شربت على لذة % وأخرى تداويت منها بها # وقال بعض الصوفية كنت أقرأ ليلة هذه الآية @QB@ كل نفس ذائقة الموت @QE@ ~~فجعلت ارددها فإذا هاتف يهتف بي PageV02P297 كم تردد هذه الآية فقد قتلت ~~أربعة من الجن ما رفعوا رءوسهم إلى السماء منذ خلقوا # وقال أبو علي المغازلي للشبلي ربما تطرق سمعي آية من كتاب الله تعالى ~~فتجذبني إلى الإعراض عن الدنيا ثم أرجع إلى أحوالي والى الناس فلا أبقى على ~~ذلك فقال ما طرق سمعك من القرآن فاجتذبك به إليه فذلك عطف منه عليك ولطف ~~منه بك وإذا ردك إلى نفسك فهو شفقة منه عليك فإنه لا يصلح لك إلا التبري من ~~الحول والقوة في التوجه إليه # وسمع رجل من أهل التصوف قارئا يقرأ @QB@ يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي ~~إلى ربك راضية مرضية @QE@ فاستعادها من القارىء وقال # كم أقول لها ارجعي وليست ترجع وتواجد وزعق زعقة فخرجت روحه # وسمع بكر بن معاذ قارئا يقرأ @QB@ وأنذرهم يوم الآزفة @QE@ الآية فاضطرب ~~ثم صاح ارحم من أنذرته ولم يقبل إليك بعد الإنذار بطاعتك ثم غشى عليه # وكان إبراهيم ابن أدهم رحمه الله إذا سمع أحدا يقرأ @QB@ إذا السماء ~~انشقت @QE@ اضطربت أوصاله حتى كان يرتعد # وعن محمد بن صبيح قال كان رجل يغتسل في الفرات فمر به رجل على الشاطىء ~~يقرأ @QB@ وامتازوا اليوم أيها المجرمون @QE@ فلم يزل الرجل يضطرب حتى غرق ~~ومات # وذكر أن سلمان الفارسي أبصر شابا يقرأ فأتى على آية فاقشعر جلده فأحبه ~~سلمان وفقده فسأل عنه فقيل له إنه مريض فأتاه يعوده فإذا هو في الموت فقال ~~يا عبد الله أرأيت تلك القشعريرة التي كانت بي فإنها أتتني في أحسن صورة ~~فأخبرتني أن الله قد غفر لي بها كل ذنب # وبالجملة لا يخلو صاحب القلب عن وجد عند سماع القرآن فإن كان القرآن لا ~~يؤثر فيه أصلا ف مثله كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم ~~عمي فهم لا يعقلون بل صاحب القلب تؤثر فيه الكلمة من الحكمة يسمعها # قال جعفر الخلدي دخل رجل من أهل خراسان على الجنيد وعنده جماعة فقال ~~للجنيد متى يستوي عند العبد حامده وذامه فقال بعض الشيوخ إذا دخل ~~البيمارستان وقيد بقيدين فقال الجنيد ليس هذا من شأنك ثم أقبل على الرجل ~~وقال إذا تحقق أنه مخلوق فشهق الرجل شهقة ومات # فإن قلت فإن كان سماع القرآن مفيدا للوجد فما بالهم يجتمعون على سماع ~~الغناء من القوالين دون القارئين فكان ينبغي أن يكون اجتماعهم وتواجدهم في ~~حلق القراء لا حلق المغنين وكان ينبغي أن يطلب عند كل اجتماع في كل دعوة ~~قارىء لأقوال فإن كلام الله تعالى أفضل من الغناء لا محالة فاعلم أن الغناء ~~اشد تهييجا للوجد من القرآن من سبعة أوجه # الوجه الأول أن جميع آيات القرآن لا تناسب حال المستمع ولا تصلح لفهمه ~~وتنزيله على ما هو ملابس له فمن استولى عليه حزن أو شوق أو ندم فمن أين ~~يناسب حاله قوله تعالى @QB@ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ~~@QE@ وقوله تعالى @QB@ والذين يرمون المحصنات @QE@ وكذلك جميع الآيات التي ~~فيها بيان أحكام الميراث والطلاق والحدود وغيرها وإنما المحرك لما في القلب ~~ما يناسبه # والأبيات إنما يضعها الشعراء إعرابا بها عن أحوال القلب فلا يحتاج في فهم ~~الحال منها إلى تكلف # نعم من يستولي عليه حالة غالبة قاهرة لم تبق فيه متسعا لغيرها ومعه تيقظ ~~وذكاء ثاقب يتفطن به للمعاني البعيدة من الألفاظ فقد يخرج وجده على كل ~~مسموع كمن يخطر له عند ذكر قوله تعالى @QB@ يوصيكم الله في أولادكم @QE@ ~~حالة الموت المحوج إلى الوصية وان كل إنسان لا بد أن يخلف ماله وولده وهما ~~محبوباه من الدنيا فيترك أحد المحبوبين للثاني ويهجرهما جميعا فيغلب عليه ~~الخوف والجزع أو يسمع ذكر الله في قوله @QB@ يوصيكم الله في أولادكم @QE@ ~~فيدهش بمجرد الاسم عما قبله وبعده أو يخطر له رحمة الله على عباده وشفقته ~~بأن تولى قسم مواريثهم بنفسه نظرا لهم في حياتهم وموتهم فيقول إذا نظر ~~لاولادنا بعد موتنا فلا نشك بأنه ينظر لنا فيهيج PageV02P298 منه حال ~~الرجاء ويورثه ذلك استبشارا وسرورا أو يخطر له من قوله تعالى @QB@ للذكر ~~مثل حظ الأنثيين @QE@ تفضيل الذكر بكونه رجلا على الأنثى وأن الفضل في ~~الآخرة لرجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله # وأن من ألهاه غير الله تعالى عن الله تعالى فهو من الإناث لا من الرجال ~~تحقيقا فيخشى أن يحجب أو يؤخر في نعيم الآخرة كما اخرت الانثى في أموال ~~الدنيا # فأمثال هذا قد يحرك الوجد ولكن لمن فيه وصفان # أحدهما حالة غالبة مستغرقة قاهرة # والآخر تفطن بليغ وتيقظ بالغ كامل للتنبيه بالأمور القريبة على المعاني ~~البعيدة وذلك مما يعز فلأجل ذلك يفزع إلى الغناء الذي هو ألفاظ مناسبة ~~للأحوال حتى يتسارع هيجانها # وروي أن أبا الحسين النوري كان مع جماعة في دعوى فجرى بينهم مسألة في ~~العلم وأبو الحسين ساكت ثم رفع رأسه وأنشدهم # رب ورقاء هتوف في الضحى % ذات شجو صدحت في فنن # ذكرت إلفا ودهرا صالحا % وبكت حزنا فهاجت حزني # فبكائي ربما أرقها % وبكاها ربما أرقني # ولقد أشكو فما أفهمها % ولقد تشكو فما تفهمني # غير أني بالجوى أعرفها % وهي أيضا بالجوى تعرفني # قال فما بقي أحد من القوم إلا قام وتواجد ولم يحصل لهم هذا الوجد من ~~العلم الذي خاضوا فيه وإن كان العلم جدا وحقا # الوجه الثاني أن القرآن محفوظ للأكثرين ومتكرر على الاسماع والقلوب وكلما ~~سمع أولا عظم أثره في القلوب وفي الكرة الثانية يضعف أثره وفي الثالثة يكاد ~~يسقط أثره # ولو كلف صاحب الوجد الغالب أن يحضر وجده على بيت واحد على الدوام في مرات ~~متقاربة في الزمان في يوم أو اسبوع لم يمكنه ذلك # ولو ابدل ببيت آخر لتجدد له أثر في قلبه وإن كان معربا عن عين ذلك المعنى # ولكن كون النظم واللفظ غريبا بالإضافة إلى الأولى يحرك النفس وإن كان ~~المعنى واحدا # وليس يقدر القارئ على أن يقرأ قرآنا غريبا في كل وقت ودعوة فإن القرآن ~~محصور لا يمكن الزيادة عليه وكله محفوظ متكرر وإلى ما ذكرناه أشار الصديق ~~رضي الله عنه حيث رأى الأعراب يقدمون فيسمعون القرآن ويبكون فقال كنا كما ~~كنتم ولكن قست قلوبنا ولا تظنن أن قلب الصديق رضي الله عنه كان اقسى من ~~قلوب الاجلاف من العرب وانه كان اخلى عن حب الله تعالى وحب كلامه من قلوبهم ~~ولكن التكرار على قلبه اقتضى المرون عليه وقلة التأثر به لما حصل له من ~~الأنس بكثرة استماعه إذ محال في العادات أن يسمع السامع آية لم يسمعها قبل ~~فيبكي ثم يدوم على بكائه عليها عشرين سنة ثم يرددها ويبكي ولا يفارق الأول ~~الآخر إلا في كونه غريبا جديدا ولكل جديد لذة ولكل طارئ صدمة ومع كل مألوف ~~أنس يناقض الصدمة # ولذا هم عمر رضي الله عنه أن يمنع الناس من كثرة الطواف وقال قد خشيت أن ~~يتهاون الناس بهذا البيت أي يأنسوا به # ومن قدم حاجا فرأى البيت أولا بكى وزعق وربما غشي عليه إذ وقع عليه بصره ~~وقد يقيم بمكة شهرا ولا يحس من ذلك في نفسه بأثر فإذا المغنى يقدر على ~~الأبيات الغريبة في كل وقت ولا يقدر في كل وقت على أية غريبة # الوجه الثالث أن لوزن الكلام بذوق الشعر تأثيرا في النفس فليس الصوت ~~الموزون الطيب كالصوت الطيب الذي ليس بموزون وإنما يوجد الوزن في الشعر دون ~~الآيات ولو زحف المغنى البيت الذي ينشده أو لحن فيه PageV02P299 أو مال عن ~~حد تلك الطريقة في اللحن لاضطرب قلب المستمع وبطل جده وسماعه ونفر طبعه ~~لعدم المناسبة # وإذا نفر الطبع اضطرب القلب وتشوش فالوزن إذن مؤثر فلذلك طاب الشعر # الوجه الرابع أن الشعر الموزون يختلف تأثيره في النفس بالألحان التي تسمى ~~الطرق والأستانات وإنما اختلاف تلك الطرق بمد المقصور وقصر المدود والوقف ~~في أثناء الكلمات والقطع والوصل في بعضها # وهذا التصرف جائز في الشعر ولا يجوز في القرآن إلا التلاوة كما أنزل ~~فقصره ومده والوقف والوصل والقطع فيه على خلاف ما تقضيه التلاوة حرام أو ~~مكروه # وإذا رتل القرآن كما أنزل سقط عنه الأثر الذي سببه وزن الألحان وهو سبب ~~مستقل بالتأثير وإن لم يكن مفهوما كما في الأوتار والمزمار والشاهين وسائر ~~الاصوات التي لا تفهم # الوجه الخامس أن الألحان الموزونة تعضد وتؤكد بإيقاعات وأصوات أخر موزونة ~~خارج الحلق كالضرب بالقضيب والدف وغيره لأن الوجد الضعيف لا يستثار إلا ~~بسبب قوى وإنما يقوى بمجموع هذه الأسباب ولكل واحد منها حظ في التأثير ~~وواجب أن يصان القرآن عن مثل هذه القرائن لأن صورتها عند عامة الخلق صورة ~~اللهو واللعب والقرآن جد كله عند كافة الخلق فلا يجوز أن يمزج بالحق المحض ~~ما هو لهو عند العامة وصورته صورة اللهو عند الخاصة وإن كانوا لا ينظرون ~~إليها من حيث إنها لهو بل ينبغي أن يوقر القرآن فلا يقرأ على شوارع الطرق ~~بل في مجلس ساكن ولا في حال الجنابة # ولا على غير طهارة ولا يقدر على الوفاء بحق حرمة القرآن في كل حال إلا ~~المراقبون لأحوالهم فيعدل إلى الغناء الذي لا يستحق هذه المراقبة والمراعاة ~~ولذلك لا يجوز الضرب بالدف مع قراءة القرآن ليلة العرس # وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب الدف في العرس فقال أظهروا ~~النكاح ولو بضرب الغربال + حديث الأمر بضرب الدف في العرس تقدم في النكاح + # أو بلفظ هذا معناه وذلك جائز مع الشعر دون القرآن # ولذلك لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت الربيع بنت معوذ وعندها ~~جوار فسمع إحداهن تقول وفينا نبي يعلم ما في غد # على وجه الغناء فقال صلى الله عليه وسلم دعي هذا وقولي ما كنت تقولين + ~~حديث دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت الربيع بنت معوذ وعندها جوار ~~يغنين الحديث أخرجه البخاري من حديثها وقد تقدم في النكاح + # وهذه شهادة بالنبوة فزجرها عنها وردها إلى الغناء الذي هو لهو لأن هذا جد ~~محض فلا يقرن بصورة اللهو # فإذا يتعذر بسببه تقوية الأسباب التي بها يصير السماع محركا للقلب فواجب ~~في الاحترام العدول إلى الغناء عن القرآن كما وجب على تلك الجارية العدول ~~عن شهادة النبوة إلى الغناء # الوجه السادس # أن المغني قد يغني ببيت لا يوافق حال السامع فيكرهه وينهاه عنه ويستدعي ~~غيره فليس كل كلام موافقا لكل حال # فلو اجتمعوا في الدعوات على القارئ فربما يقرأ آية لا توافق حالهم إذ ~~القرآن شفاء للناس كلهم على اختلاف الأحوال فآيات الرحمة شفاء الخائف وآيات ~~العذاب شفاء المغرور الآمن # وتفصيل ذلك مما يطول # فإذا لا يؤمن أن لا يوافق المقروء الحال وتكرهه النفس فيتعرض به لخطر ~~كراهة كلام الله تعالى من حيث لا يجد سبيلا إلى دفعه # فالاحتراز عن خطر ذلك حزم بالغ وحتم واجب إذ لا يجد الخلاص عنه إلا ~~بتنزيله على وفق حاله ولا يجوز تنزيل كلام الله تعالى إلا على ما أراد الله ~~تعالى # وأما قول الشاعر فيجوز تنزيله على غير مراده ففيه خطر الكراهة أو خطر ~~التأويل الخطأ لموافقة الحال فيجب توقير كلام الله وصيانته عن ذلك وهذا ما ~~ينقدح في علل انصراف الشيوخ إلى سماع الغناء عن سماع القرآن # وههنا وجه سابع ذكره أبو نصر السراج الطوسي في الاعتذار عن ذلك فقال ~~القرآن كلام الله وصفة من PageV02P300 صفاته وهو حق لا تطيقه البشرية لأنه ~~غير مخلوق فلا تطيقه الصفات المخلوقة # ولو كشف للقلوب ذرة من معناه وهيبته لتصدعت ودهشت وتحيرت # والألحان الطيبة مناسبة للطباع ونسبتها نسبة الحظوظ لا نسبة الحقوق ~~والشعر نسبته نسبة الحظوظ # فإذا علقت الألحان والأصوات بما في الأبيات من الاشارات واللطائف شاكل ~~بعضها بعضاكان أقرب إلى الحظوظ وأخف على القلوب لمشاكلة المخلوق المخلوق # فما دامت البشرية باقية ونحن بصفاتنا وحظوظنا نتنعم بالنغمات الشجية ~~والأصوات الطيبة فانبساطنا لمشاهدة بقاء هذه الحظوظ إلى القصائد أولى من ~~انبساطنا إلى كلام الله تعالى الذي هو صفته وكلامه الذي منه بدأ واليه يعود # وهذا حاصل المقصود من كلامه واعتذاره # وقد حكى عن أبي الحسن الدراج أنه قال قصدت يوسف بن الحسين الرازي من ~~بغداد للزيارة والسلام عليه فلما دخلت الري كنت أسأل عنه فكل من سألته عنه ~~قال # أيش تعمل بذلك الزنديق فضيقوا صدري حتى عزمت على الانصراف # ثم قلت في نفسي قد جبت هذا الطريق كله فلا أقل من أن أراه # فلم أزل أسأل عنه حتى دخلت عليه في مسجد وهو قاعد في المحراب وبين يديه ~~رجل وبيده مصحف وهو يقرأ فإذا هو شيخ بهي حسن الوجه واللحية فسلمت عليه ~~فأقبل علي وقال من أين أقبلت فقلت من بغداد فقال وما الذي جاء بك فقلت ~~قصدتك للسلام عليك فقال لو أن في بعض هذه البلدان قال لك إنسان أقم عندنا ~~حتى نشتري لك دارا أو جارية أكان يقعدك ذلك عن المجيء فقلت ما امتحنني الله ~~بشيء من ذلك ولو امتحنني ما كنت ادري كيف أكون ثم قال لي أتحسن أن تقول ~~شيئا فقلت نعم فقال هات فأنشأت أقول # رأيتك تبني دائما في قطيعتي % ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني # كأني بكم والليت أفضل قولكم % ألا ليتنا كنا إذ الليت لا يغني # قال فأطبق المصحف ولم يزل يبكي حتى ابتلت لحيته وابتل ثوبه حتى رحمته من ~~كثرة بكائه ثم قال يا بني تلوم أهل الري يقولون يوسف زنديق هذا أنا من صلاة ~~الغداة أقرأ في المصحف لم تقطر من عيني قطرة وقد قامت القيامة على لهذين ~~البيتين # فإذا القلوب وإن كانت محترقة في حب الله تعالى فإن البيت الغريب يهيج ~~منها ما لا تهيج تلاوة القرآن وذلك لوزن الشعر ومشاكلته للطباع ولكونه ~~مشاكلا للطبع اقتدر البشر على نظم الشعر وأما القرآن فنظمه خارج عن أساليب ~~الكلام ومنهاجه وهو لذلك معجز لا يدخل في قوة البشر لعدم مشاكلته لطبعه # وروي أن إسرافيل أستاذ ذي النون المصري دخل عليه رجل فرآه وهو ينكت في ~~الأرض بأصبعه ويترنم ببيت فقال هل تحسن أن تترنم بشيء فقال لا قال فأنت بلا ~~قلب إشارة إلى أن من له قلب وعرف طباعه علم أنه تحركه الأبيات والنغمات ~~تحريكا لا يصادف في غيرها فيتكلف طريق التحريك إما بصوت نفسه أو بغيره وقد ~~ذكرنا حكم المقام الأول في فهم المسموع وتنزيله وحكم المقام الثاني في ~~الوجد الذي يصادف في القلب فلنذكر الآن أثر الوجد أعني ما يترشح منه إلى ~~الظاهر من صعقة وبكاء وحركة وتمزيق ثوب وغيره فنقول # | المقام الثالث من السماع # نذكر فيه آداب السماع ظاهرا وباطنا وما يحمد من آثار الوجد وما يذم # فأما الآداب فهي خمس جمل # الأول مراعاة الزمان والمكان والإخوان # قال الجنيد السماع يحتاج إلى ثلاثة أشياء وإلا فلا تسمع الزمان والمكان ~~والإخوان # ومعناه أن الاشتغال به في وقت حضور طعام أو خصام أو صلاة أو صارف من ~~الصوارف مع اضطراب القلب لا فائدة فيه فهذا معنى مراعاة الزمان فيراعى حالة ~~فراغ القلب له # وأما المكان فقد يكون PageV02P301 شارعا مطروقا أو موضعا كريه الصورة أو ~~فيه سبب يشغل القلب فيجتنب ذلك # وأما الإخوان فسببه أنه إذا حضر غير الجنس من منكر السماع متزهد الظاهر ~~مفلس من لطائف القلوب كان مستثقلا في المجلس واشتغل القلب به # وكذلك إذا حضر متكبر من أهل الدنيا يحتاج إلى مراقبته والى مراعاته أو ~~متكلف متواجد من أهل التصوف يرائي بالوجد والرقص وتمزيق الثياب فكل ذلك ~~مشوشات # فترك السماع عند فقد هذه الشروط أولى ففي هذه الشروط نظر للمستمع # الأدب الثاني هو نظر الحاضرين أن الشيخ إذا كان حوله مريدون يضرهم السماع ~~فلا ينبغي أن يسمع في حضورهم فإن سمع فليشغلهم بشغل آخر والمريد الذي يستضر ~~بالسماع أحد ثلاثة # أقلهم درجة # هو الذي لم يدرك من الطريق إلا الأعمال الظاهرة ولم يكن له ذوق السماع ~~فاشتغاله بالسماع اشتغال بما لا يعنيه فإنه ليس من أهل اللهو فيلهو ولا من ~~أهل الذوق فيتنعم بذوق السماع فليشتغل بذكر أو خدمة وإلا فهو تضييع لزمانه # الثاني هو الذي له ذوق السماع ولكن فيه بقية من الحظوظ والالتفات إلى ~~الشهوات والصفات البشرية ولم ينكسر بعد انكسارا تؤمن غوائله فربما يهيج ~~السماع منه داعية اللهو والشهوة فيقطع عليه طريقه ويصده عن الاستكمال # الثالث أن يكون قد انكسرت شهوته وأمنت غائلته وانفتحت بصيرته واستولى على ~~قلبه حب الله تعالى ولكنه لم يحكم ظاهر العلم ولم يعرف أسماء الله تعالى ~~وصفاته وما يجوز عليه وما يستحيل فإذا فتح له باب السماع نزل المسموع في حق ~~الله تعالى على ما يجوز وما لا يجوز فيكون ضرره من تلك الخواطر التي هي كفر ~~أعظم من نفع السماع # قال سهل رحمه الله كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل # فلا يصلح السماع لمثل هذا ولا لمن قلبه بعد ملوث بحب الدنيا وحب المحمدة ~~والثناء ولا لمن يسمع لأجل التلذذ والاستطابة بالطبع فيصير ذلك عادة له ~~ويشغله ذلك عن عبادته ومراعاة قلبه وينقطع عليه طريقه # فالسماع مزلة قدم يجب حفظ الضعفاء عنه # قال الجنيد رأيت إبليس في النوم فقلت له هل تظفر من أصحابنا بشيء قال نعم ~~في وقتين وقت السماع ووقت النظر فإني أدخل عليهم به # فقال بعض الشيوخ لو رأيته أنا لقلت له ما أحمقك من سمع منه إذا سمع ونظر ~~إليه إذا نظر كيف تظفر به فقال الجنيد صدقت # الأدب الثالث أن يكون مصغيا إلى ما يقول القائل حاضر القلب قليل الالتفات ~~إلى الجوانب متحرزا عن النظر إلى وجوه المستمعين وما يظهر عليهم من أحوال ~~الوجد # مشتغلا بنفسه ومراعاة قلبه ومراقبة ما يفتح الله تعالى له من رحمته في ~~سره متحفظا عن حركة تشوش على أصحابه قلوبهم # بل يكون ساكن الظاهر هادئ الأطراف متحفظا عن التنحنح والتثاؤب ويجلس ~~مطرقا رأسه كجلوسه في فكر مستغرق لقلبه متماسكا عن التصفيق والرقص وسائر ~~الحركات على وجه التصنع والتكلف والمراءاة ساكتا عن النطق في أثناء القول ~~بكل ما عنه بد فإن غلبه الوجد وحركه بغير اختيار فهو فيه معذور غير ملوم # ومهما رجع إليه الاختيار فليعد إلى هدوئه وسكونه # ولا ينبغي أن يستديمه حياء من أن يقال انقطع وجده على القرب ولا أن ~~يتواجد خوفا من أن يقال هو قاسي القلب عديم الصفاء والرقة # حكي أن شابا كان يصحب الجنيد فكان إذا سمع شيئا من الذكر يزعق فقال له ~~الجنيد يوماإن فعلت ذلك مرة PageV02P302 أخرى لم تصحبني فكان بعد ذلك يضبط ~~نفسه حتى يقطر من كل شعرة منه قطرة ماء ولا يزعق فحكي أنه اختنق يوما لشدة ~~ضبطه لنفسه فشهق شهقة فانشق قلبه وتلفت نفسه # وروي أن موسى عليه السلام قص في بني إسرائيل فمزق واحد منهم ثوبه أو ~~قميصه فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام قل له مزق لي قلبك ولا تمزق ~~ثوبك # قال أبو القاسم النصراباذي لأبي عمرو بن عبيد أنا أقول إذا اجتمع القوم ~~فيكون معهم قوال يقول خيرا لهم من أن يغتابوا فقال أبو عمرو الرياء في ~~السماع وهو أن ترى من نفسك حالا ليست فيك شر من أن تغتاب ثلاثين سنة أو نحو ~~ذلك # فإن قلت الأفضل هو الذي لا يحركه السماع ولا يؤثر في ظاهره أو الذي يظهر ~~عليه فاعلم أن عدم الظهور تارة يكون لضعف الوارد من الوجد فهو نقصان وتارة ~~يكون مع قوة الوجد في الباطن لكن لا يظهر لكمال القوة على ضبط الجوارح فهو ~~كمال وتارة يكون لكون حال الوجد ملازما ومصاحبا في الأحوال كلها فلا يتبين ~~للسماع مزيد تأثير وهو غاية الكمال # فإن صاحب الوجد في غالب الأحوال لا يدوم وجده فمن هو في وجد دائم ثم فهو ~~المرابط للحق والملازم لعين الشهود فهذا لا تغيره طوارق الأحوال ولا يبعد ~~أن تكون الإشارة بقول الصديق رضي الله عنه كنا كما كنتم ثم قست قلوبنا ~~معناه قويت قلوبنا واشتدت فصارت تطيق ملازمة الوجد في كل الأحوال فنحن في ~~سماع معاني القرآن على الدوام فلا يكون القرآن جديدا في حقنا طارئا علينا ~~حتى تتأثر به # فإذا قوة الوجد تحرك وقوة العقل والتماسك تضبط الظاهر وقد يغلب أحدهما ~~الآخر إما الشدة قوته وإما لضعف ما يقابله ويكون النقصان والكمال بحسب ذلك ~~فلا تظنن أن الذي يضطرب بنفسه على الأرض أتم وجدا من الساكن باضطرابه بل رب ~~ساكن أتم وجدا من المضطرب # فقد كان الجنيد يتحرك في السماع في بدايته ثم صار لا يتحرك فقيل له في ~~ذلك فقال @QB@ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي ~~أتقن كل شيء @QE@ إشارة إلى أن القلب مضطرب جائل في الملكوت والجوارح ~~متأدبة في الظاهر ساكنة # وقال أبو الحسن محمد بن أحمد وكان بالبصرة صحبت سهل بن عبد الله ستين سنة ~~فما رأيته تغير عند شيء كان يسمعه من الذكر أو القرآن فلما كان في آخر عمره ~~قرأ رجل بين يديه @QB@ فاليوم لا يؤخذ منكم فدية @QE@ الآية فرأيته قد ~~ارتعد وكاد يسقط فلما عاد إلى حاله سألته عن ذلك فقال نعم يا حبيبي قد ~~ضعفنا # وكذلك سمع مرة قوله تعالى @QB@ الملك يومئذ الحق للرحمن @QE@ فاضطرب ~~فسأله ابن سالم وكان من أصحابه فقال قد ضعفت فقيل له فإن كان هذا من مضعف ~~فما قوة الحال فقال أن لا يرد عليه وارد إلا وهو يلتقيه بقوة حاله فلا ~~تغيره الواردات وإن كانت قوية # وسبب القدرة على ضبط الظاهر مع وجود الوجد استواء الأحوال بملازمة الشهود # كما حكي عن سهل رحمه الله تعالى أنه قال حالتي قبل الصلاة وبعدها واحدة ~~لأنه كان مراعيا للقلب حاضر الذكر مع الله تعالى في كل حال # فكذلك يكون قبل السماع وبعده إذ يكون وجده دائما وعطشه متصلا وشربه ~~مستمرا بحيث لا يؤثر السماع في زيادته # كما روي أن ممشاد الدينوري أشرف على جماعة فيهم قوال فسكنوا فقال ارجعوا ~~إلى ما كنتم فيه فلو جمعت ملاهي الدنيا في أذني ما شغل همي ولا شفى بعض ما ~~بي # وقال الجنيد رحمه الله تعالى لا يضر نقصان الوجد مع فضل العلم # وفضل العلم أتم من فضل الوجد # فإن قلت فمثل هذا لم يحضر السماع فاعلم أن من هؤلاء من ترك السماع في ~~كبره وكان لا يحضر إلا نادرا لمساعدة أخ من الإخوان وإدخالا للسرور على ~~قلبه وربما حضر ليعرف القوم كمال قوته فيعلمون أنه ليس الكمال بالوجد ~~الظاهر فيتعلمون منه ضبط الظاهر عن التكلف وإن لم يقدروا على الاقتداء به ~~في صيرورته طبعا PageV02P303 لهم # وإن اتفق حضورهم مع غير أبناء جنسهم فيكونون معهم بأبدانهم نائين عنهم ~~بقلوبهم وبواطنهم # كما يجلسون من غير سماع مع غير جنسهم بأسباب عارضة تقتضى الجلوس معهم # وبعضهم نقل عنه ترك السماع ويظن أنه كان سبب تركه استغناءه عن السماع بما ~~ذكرناه # وبعضهم كان من الزهاد ولم يكن له حظ روحاني في السماع ولا كان من أهل ~~اللهو فتركه لئلا يكون مشغولا بما لا يعنيه # وبعضهم تركه لفقد الإخوان # قيل لبعضهم لم لا تسمع فقال ممن ومع من # الأدب الرابع أن لا يقوم ولا يرفع صوته بالبكاء وهو يقدر على ضبط نفسه ~~ولكن إن رقص أو تباكى فهو مباح إذا لم يقصد به المراءاة لأن التباكي ~~استجلاب للحزن والرقص سبب في تحريك السرور والنشاط # فكل سرور مباح فيجوز تحريكه # ولو كان ذلك حراما لما نظرت عائشة رضي الله عنها إلى الحبشة مع رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم وهم يزفنون + حديث نظرت عائشة إلى رقص الحبشة مع رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم وهم يزفنون تقدم في الباب قبله + # هذا لفظ عائشة رضي الله عنها في بعض الروايات # وقد روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم حجلوا لما ورد عليهم ~~سرور أوجب ذلك وذلك في قصة ابنة حمزة لما اختصم فيها علي بن أبي طالب وأخوه ~~جعفر وزيد بن حارثة رضي الله عنهم فتشاحوا في تربيتها فقال صلى الله عليه ~~وسلم لعلي أنت مني وأنا منك فحجل علي وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي فحجل ~~وراء حجل علي وقال لزيد أنت أخونا ومولانا فحجل زيد وراء حجل جعفر ثم قال ~~صلى الله عليه وسلم هي لجعفر لأن خالتها تحته والخالة والدة + حديث اختصم ~~علي وجعفر وزيد بن حارثة في ابنة حمزة فقال لعلي أنت مني وأنا منك فحجل ~~وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي فحجل وقال لزيد أنت أخونا ومولانا فحجل الحديث ~~أخرجه أبو داود من حديث علي بإسناد حسن وهو عند البخاري دون فحجل + # وفي رواية أنه قال لعائشة رضي الله عنها أتحبين أن تنظري إلى زفن الحبشة ~~والزفن والحجل هو الرقص # وذلك يكون لفرح أو شوق فحكمه حكم مهيجه إن كان فرحه محمودا والرقص يزيده ~~ويؤكده فهو محمود وإن كان مباحا فهو مباح وإن كان مذموما فهو مذموم # نعم لا يليق اعتياد ذلك بمناصب الأكابر وأهل القدوة لأنه في الأكثر يكون ~~عن لهو ولعب وماله صورة اللعب واللهو في أعين الناس فينبغي أن يجتنبه ~~المقتدى به لئلا يصغر في أعين الناس فيترك الاقتداء به # وأما تمزيق الثياب فلا رخصة فيه إلا عند خروج الأمر عن الاختيار ولا يبعد ~~أن يغلب الوجد بحيث يمزق ثوبه وهو لا يدري لغلبة سكر الوجد عليه أو يدري ~~ولكن يكون كالمضطر الذي لا يقدر على ضبط نفسه وتكون صورته صورة المكره إذ ~~يكون له في الحركة أو التمزيق متنفس فيضطر إليه اضطرار المريض إلى الأنين ~~ولو كلف الصبر عنه لم يقدر عليه مع أنه فعل اختياري فليس كل فعل حصوله ~~بالإرادة يقدر الإنسان على تركه فالتنفس فعل يحصل بالإرادة ولو كلف الإنسان ~~أن يمسك النفس ساعة لاضطر من باطنه إلى أن يختار التنفس # فكذلك الزعقة وتمزيق الثياب قد يكون كذلك فهذا لا يوصف بالتحريم # فقد ذكر عند السرى حديث الوجد الحاد الغالب فقال نعم يضرب وجهه بالسيف ~~وهو لا يدري فروجع فيه واستبعد أن ينتهي إلى هذا الحد فأصر عليه ولم يرجع # ومعناه أنه في بعض الأحوال قد ينتهي إلى هذا الحد في بعض الأشخاص # فإن قلت فما تقول في تمزيق الصوفية الثياب الجديدة بعد سكون الوجد ~~والفراغ من السماع فإنهم يمزقونها قطعا صغارا ويفرقونها على القوم ويسمونها ~~الخرقة فاعلم أن ذلك مباح إذا قطع قطعا مربعة تصلح لترقيع الثياب والسجادات # فإن الكرباس يمزق حتى يخاط منه القميص ولا يكون ذلك تضييعا لأنه تمزيق ~~لغرض # وكذلك ترقيع الثياب لا يمكن إلا بالقطع الصغار وذلك مقصود والتفرقة على ~~الجميع ليعم ذلك الخير مقصود مباح # ولكل PageV02P304 مالك أن يقطع كرباسه مائة قطعة ويعطيها لمائة مسكين ~~ولكن ينبغي أن تكون القطع بحيث يمكن أن ينتفع بها في الرقاع # وإنما منعنا في السماع التمزيق المفسد للثوب الذي يهلك بعضه بحيث لا يبقى ~~منتفعا به فهو تضييع محض لا يجوز بالاختيار # الأدب الخامس موافقه القوم في القيام إذا قام واحد منهم في وجد صادق من ~~غير رياء وتكلف أو قام باختيار من غير إظهار وجد وقامت له الجماعة فلا بد ~~من الموافقة فذلك من آداب الصحبة # وكذلك إن جرت عادة طائفة بتنحية العمامة على موافقة صاحب الوجد إذا سقطت ~~عمامته # أو خلع الثياب إذا سقط عنه ثوبه بالتمزيق فالموافقة في هذه الأمور من حسن ~~الصحبة والعشرة إذا المخالفة موحشة ولكل قوم رسم ولا بد من مخالقة الناس ~~بأخلاقهم + حديث مخالقة الناس بأخلاقهم أخرجه الحاكم من حديث أبي ذر خالقوا ~~الناس بأخلاقهم الحديث قال صحيح على شرط الشيخين + # كما ورد في الخبر لا سيما إذا كانت أخلاقا فيها حسن العشرة والمجاملة ~~وتطييب القلب بالمساعدة # وقول القائل إن ذلك بدعة لم يكن في الصحابة فليس كل ما يحكم بإباحته ~~منقولا عن الصحابة رضي الله عنهم وإنما المحذور ارتكاب بدعة تراغم سنة ~~مأثورة ولم ينقل النهي عن شيء من هذا # والقيام عند الدخول للداخل لم يكن من عادة العرب بل كان الصحابة رضي الله ~~عنهم لا يقومون لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال + حديث كانوا ~~لا يقومون لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال كما رواه أنس تقدم ~~في آداب الصحبة + # كما رواه أنس رضي الله عنه # ولكن إذا لم يثبت فيه نهي عام فلا نرى به بأسا في البلاد التي جرت العادة ~~فبها بإكرام الداخل بالقيام فإن المقصود منه الاحترام والإكرام وتطييب ~~القلب به # وكذلك سائر أنواع المساعدات إذا قصد بها تطييب القلب واصطلح عليها جماعة ~~فلا بأس بمساعدتهم عليها بل الأحسن المساعدة إلا فيما ورد فيه نهي لا يقبل ~~التأويل ومن الأدب أن لا يقوم للرقص مع القوم إن كان يستثقل رقصه ولا يشوش ~~عليهم أحوالهم إذ الرقص من غير إظهار التواجد مباح والمتواجد هو الذي يلوح ~~للجميع منه اثر التكلف # ومن يقوم عن صدق لا تستثقله الطباع فقلوب الحاضرين إذا كانوا من أرباب ~~القلوب محك للصدق والتكلف # سئل بعضهم عن الوجد الصحيح فقال صحته قبول قلوب الحاضرين له إذا كانوا ~~أشكالا غير أضداد # فإن قلت فما بال الطباع تنفر عن الرقص ويسبق إلى الاوهام أنه باطل ولهو ~~ومخالف للدين فلا يراه ذو جد في الدين إلا وينكره # فاعلم أن الجد لا يزيد على جد رسول الله صلى الله عليه وسلم # وقد رأى الحبشة يزفنون في المسجد وما أنكره لما كان في وقت لائق به وهو ~~العيد ومن شخص لائق به وهم الحبشة # نعم نفرة الطباع عنه لأنه يرى غالبا مقرونا باللهو واللعب واللهو واللعب ~~مباح ولكن للعوام من الزنوج والحبشة ومن أشبههم # وهو مكروه لذوي المناصب لأنه لا يليق بهم وما كره لكونه غير لائق بمنصب ~~ذي المنصب فلا يجوز أن يوصف بالتحريم فمن سأل فقيرا شيئا فأعطاه رغيفا كان ~~ذلك طاعة مستحسنة ولو سأل ملكا فأعطاه رغيفا أو رغيفين لكان ذلك منكرا عند ~~الناس كافة ومكتوبا في تواريخ الأخبار من جملة مساويه ويعير به أعقابه ~~وأشياعه ومع هذا فلا يجوز أن يقال ما فعله حرام لأنه من حيث إنه أعطى خبزا ~~للفقير حسن ومن حيث أنه بالإضافة إلى منصبه كالمنع بالإضافة إلى الفقير ~~مستقبح فكذلك الراقص وما يجري مجراه من المباحات ومباحات العوام سيئات ~~الأبرار وحسنات الأبرار PageV02P305 سيئات المقربين ولكن هذا من حيث ~~الالتفات إلى المناصب # وأما إذا نظر إليه في نفسه وجب الحكم بأنه هو في نفسه لا تحريم فيه والله ~~أعلم فقد خرج من جملة التفصيل السابق أن السماع قد يكون حراما محضا وقد ~~يكون مباحا وقد يكون مكروها وقد يكون مستحبا # أما الحرام فهو لأكثر الناس من الشبان ومن غلبت عليهم شهوة الدنيا فلا ~~يحرك السماع منهم إلا ما هو الغالب على قلوبهم من الصفات المذمومة # وأما المكروه فهو لمن لا ينزله على صورة المخلوقين ولكنه يتخذه عادة له ~~في أكثر الأوقات على سبيل اللهو # وأما المباح فهو لمن لا حظ له منه إلا التلذذ بالصوت الحسن # وأما المستحب فهو لمن غلب عليه حب الله تعالى ولم يحرك السماع منه إلا ~~الصفات المحمودة والحمد لله وحده و صلى الله عليه وسلم على محمد وآله # | كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر # وهو الكتاب التاسع من ربع العادات الثاني من كتب إحياء علوم الدين # بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي لا تستفتح الكتب إلا بحمده ولا تستمنح النعم إلا بواسطة ~~كرمه ورفده والصلاة على سيد الأنبياء محمد رسوله وعبده وعلى آله الطيبين ~~وأصحابه الطاهرين من بعده # أما بعد فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الاعظم في الدين ~~وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين ولو طوى بساطه وأهمل علمه ~~وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفترة وفشت الضلالة وشاعت ~~الجهالة واستشرى الفساد واتسع الخرق وخربت البلاد وهلك العباد ولم يشعروا ~~بالهلاك إلا يوم التناد وقد كان الذي خفنا أن يكون فإنا لله وإنا إليه ~~راجعون إذ قد اندرس من هذا القطب عمله وعلمه وانمحق بالكلية حقيقته ورسمه ~~فاستولت على القلوب مداهنة الخلق وانمحت عنها مراقبة الخالق واسترسل الناس ~~في اتباع الهوى والشهوات استرسال البهائم وعز على بساط الأرض مؤمن صادق لا ~~تأخذه في الله لومة لائم فمن سعى في تلافي هذه الفترة وسد هذه الثلمة إما ~~متكفلا بعملها أو متقلدا لتنفيذها مجددا لهذه السنة الداثرة ناهضا بأعبائها ~~ومتشمرا في إحيائها كان مستأثرا من بين الخلق بإحياء سنة أفضى الزمان إلى ~~إماتتها ومستبدا بقربة تتضاءل درجات القرب دون ذروتها وها نحن نشرح علمه في ~~أربعة أبواب # الباب الأول في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضيلته # الباب الثاني في أركانه وشروطه # الباب الثالث في مجاريه وبيان المنكرات المألوفة في العادات # الباب الرابع في أمر الأمراء والسلاطين بالمعروف ونهيهم عن المنكر # | الباب الأول في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضيلته والمذمة ~~في # إهماله وإضاعته # ويدل على ذلك بعد إجماع الأمة عليه وإشارات العقول السليمة إليه الآيات ~~والاخبار والآثار # أما الآيات فقوله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف ~~وينهون عن المنكر وأولئك هم PageV02P306 المفلحون ففي الآية بيان الإيجاب ~~فإن قوله تعالى ولتكن أمر وظاهر الأمر الإيجاب وفيها بيان أن الفلاح منوط ~~به إذ حصر وقال وأولئك هم المفلحون وفيها بيان أنه فرض كفاية لا فرض عين ~~وأنه إذا قام به أمة سقط الفرض عن الآخرين إذ لم يقل كونوا كلكم آمرين ~~بالمعروف بل قال ولتكن منكم أمة فإذا مهما قام به واحد أو جماعة سقط الحرج ~~عن الآخرين واختص الفلاح بالقائمين به المباشرين وإن تقاعد عنه الخلق ~~أجمعون عم الحرج كافة القادرين عليه لا محالة وقال تعالى ليسوا سواء من أهل ~~الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله ~~واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات ~~وأولئك من الصالحين فلم يشهد لهم بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر ~~حتى اضاف إليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقال تعالى والمؤمنون ~~والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون ~~الصلاة فقد نعت المؤمنين بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فالذي هجر ~~الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن هؤلاء المؤمنين المنعوتين في هذه ~~الآية وقال تعالى لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن ~~مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما ~~كانوا يفعلون وهذا غاية التشديد إذ علل استحقاقهم للعنة بتركهم النهي عن ~~المنكر وقال عز وجل كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن ~~المنكر وهذا يدل على فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ بين أنهم ~~كانوا به خير أمة أخرجت للناس وقال تعالى فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا ~~الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فبين ~~أنهم استفادوا النجاة بالنهي عن السوء ويدل ذلك على الوجوب أيضا وقال تعالى ~~الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ~~ونهوا عن المنكر فقرن ذلك بالصلاة والزكاة في نعت الصالحين والمؤمنين وقال ~~تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان وهو أمر ~~جزم ومعنى التعاون الحث عليه وتسهيل طرق الخير وسد سبل الشر والعدوان بحسب ~~الإمكان وقال تعالى لولا ينهاهم الربانيون والاحبار عن قولهم الإثم وأكلهم ~~السحت لبئس ما كانوا يصنعون فبين أنهم أثموا بترك النهي وقال تعالى فلولا ~~كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض الآية فبين ~~أنه أهلك جميعهم إلا قليلا منهم كانوا ينهون عن الفساد وقال تعالى يا أيها ~~الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم أو الوالدين ~~والاقربين وذلك هو الأمر بالمعروف للوالدين والأقربين وقال تعالى لا خير في ~~كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ~~ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما وقال تعالى وإن طائفتان من ~~المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما الآية والاصلاح نهي عن البغي وإعادة إلى ~~الطاعة فإن لم يفعل فقد أمر الله تعالى بقتاله فقال فقاتلوا التي تبغي حتى ~~تفيء إلى أمر الله وذلك هو النهي عن المنكر # وأما الأخبار فمنها ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال في ~~خطبة خطبها أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتؤولونها على خلاف تأويلها ~~يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم + حديث أبي ~~بكر أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتؤولونها على خلاف تأويلها يا أيها ~~الذين آمنوا عليكم انفسكم الحديث أخرجه أصحاب السنن وتقدم في العزلة + # وإني PageV02P307 سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من قوم ~~عملوا بالمعاصي وفيهم من يقدر أن ينكر عليهم فلم يفعل إلا يوشك أن يعمهم ~~الله بعذاب من عنده وروى عن أبي ثعلبة الخشنى أنه سأل رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى لا يضركم من ضل إذا اهتديتم + حديث أبي ~~ثعلبة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى لا يضركم ~~من ضل إذا اهتديتم الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه + # فقال يا أبا ثعلبة مر بالمعروف وانه عن المنكر فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى ~~متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك ودع عنك العوام إن ~~من ورائكم فتنا كقطع الليل المظلم للمتمسك فيها بمثل الذي أنتم عليه أجر ~~خمسين منكم قيل بل منهم يا رسول الله # قال لا بل منكم لأنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون عليه أعوانا وسئل ~~ابن مسعود رضي الله عنه عن تفسير هذه الآية فقال إن هذا ليس زمانها إنها ~~اليوم مقبولة ولكن قد اوشك أن يأتي زمانها تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا ~~وكذا وتقولون فلا يقبل منكم فحينئذ عليكم انفسكم لا يضركم من ضل إذا ~~اهتديتم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن ~~المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم + حديث ~~لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعوا ~~خياركم فلا يستجاب لهم أخرجه البزار من حديث عمر بن الخطاب والطبراني في ~~الأوسط من حديث أبي هريرة وكلاهما ضعيف وللترمذي من حديث حذيفة نحوه إلا ~~انه قال أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم ~~قال هذا حديث حسن + # معناه تسقط مهابتهم من أعين الاشرار فلا يخافونهم # وقال صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس إن الله يقول لتأمرن بالمعروف ~~ولتنهون عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم + حديث يا أيها الناس إن ~~الله سبحانه يقول لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر قبل أن تدعوا فلا ~~يستجاب لكم أخرجه أحمد والبيهقي من حديث عائشة بلفظ مروا وانهوا وهو عند ~~ابن ماجه دون عزوه إلى كلام الله تعالى وفي إسناده لين + # وقال صلى الله عليه وسلم ما أعمال البر عند الجهاد في سبيل الله إلا ~~كنفثة في بحر لجي وما جميع أعمال البر والجهاد في سبيل الله عند الأمر ~~بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجي + حديث ما أعمال البر عند ~~الجهاد في سبيل الله إلا كنفثة في بحر لجي رواه أبو منصور الديلمي في مسند ~~الفردوس مقتصرا على الشطر الأول من حديث جابر بإسناد ضعيف وأما الشطر ~~الأخير فرواه على بن معبد في # | كتاب الطاعة والمعصية من رواية يحيى بن عطاء مرسلا أو معضلا ولا أدري # من يحيى بن عطاء + # وقال صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى ليسأل العبد ما منعك إذ رأيت ~~المنكر أن تنكره فإذا لقن الله العبد حجته قال رب وثقت بك وفرقت من الناس + ~~حديث إن الله تعالى ليسأل العبد ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره الحديث ~~أخرجه ابن ماجه وقد تقدم + # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والجلوس على الطرقات قالوا ما ~~لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها قال فإذا أبيتم إلا ذلك فأعطوا الطريق ~~حقها قالوا وما حق الطريق قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر ~~بالمعروف والنهي عن المنكر + حديث إياكم والجلوس على الطرقات الحديث متفق ~~عليه من حديث أبي سعيد + # وقال صلى الله عليه وسلم كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو ~~نهيا عن منكر أو ذكرا لله تعالى + حديث كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا ~~أمرا بمعروف الحديث تقدم في العلم + # وقال صلى الله عليه وسلم إن الله لا يعذب الخاصة بذنوب العامة حتى يرى ~~المنكر بين أظهرهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه + حديث إن الله لا ~~يعذب الخاصة بذنوب العامة حتى يروا المنكرالحديث أخرجه أحمد من حديث عدي بن ~~عميرة وفيه من يسم والطبراني من حديث أخيه العرس بن عميرة وفيه من لم أعرفه ~~+ # وروى أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كيف أنتم ~~إذا طغى نساؤكم وفسق شبانكم وتركتم جهادكم قالوا وان ذلك لكائن يا رسول ~~الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد PageV02P308 ~~منه يا رسول الله كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر قالوا ~~وكائن ذلك يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما ~~أشد منه كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكراوالمنكر معروفا قالوا وكائن ذلك ~~يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه ~~قال كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف قالوا وكائن ذلك يا رسول ~~الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون يقول الله تعالى بي حلفت ~~لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيها حيران + حديث أبي أمامة كيف بكم إذا طغى ~~نساؤكم وفسق شبابكم وتركتم جهادكم قالوا وإن ذلك كائن يا رسول الله قال نعم ~~والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه قال كيف أنتم إذا لم ~~تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا بإسناد ~~ضعيف دون قوله كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ورواه أبو يعلي ~~من حديث أبي هريرة مقتصرا على الاسئلة الثلاثة الأول واجوبتها دون الاخيرين ~~وإسناده ضعيف + # وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم لا تقفن عند رجل يقتل مظلوما فإن اللعنة تنزل على من حضره ولم يدفع ~~عنه ولا تقفن عند رجل يضرب مظلوما فإن اللعنة تنزل على من حضره ولم يدفع ~~عنه + حديث عكرمة عن ابن عباس لا تقفن عند رجل يقتل مظلوما فإن اللعنة تنزل ~~على من حضره حين لم يدفعوا عنه أخرجه الطبراني بسند ضعيف والبيهقي في شعب ~~الإيمان بسند حسن + # قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لامرئ شهد مقاما فيه حق ~~إلا تكلم به فإنه لن يقدم أجله ولن يحرمه رزقا هو له + حديث لا ينبغي لامرئ ~~شهد مقاما فيه حق إلا تكلم به فإنه لن يقدم أجله ولن يحرمه رزقا هو له ~~أخرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس بسند الحديث الذي قبله وروى ~~الترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث أبي سعيد لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن ~~يقول الحق إذا علمه + # وهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز دخول دور الظلمة والفسقة ولا حضور ~~المواضع التي يشاهد المنكر فيها ولا يقدر على تغييره فإنه قال اللعنة تنزل ~~على من حضر ولا يجوز له مشاهدة المنكر من غير حاجة اعتذارا بأنه عاجز # ولهذا اختار جماعة من السلف العزلة لمشاهدتهم المنكرات في الأسواق ~~والاعياد والمجامع وعجزهم عن التغيير وهذا يقتضي لزوم الهجر للخلق # ولهذا قال عمر ابن عبد العزيز رحمه الله ما ساح السواح وخلوا دورهم ~~وأولادهم إلا بمثل ما نزل بنا حين رأوا الشر قد ظهر والخير قد اندرس ورأوا ~~أنه لا يقبل ممن تكلم ورأوا الفتن ولم يأمنوا أن تعتريهم وان ينزل العذاب ~~بأولئك القوم فلا يسلمون منه فرأوا أن مجاورة السباع وأكل البقول خير من ~~مجاوره هؤلاء في نعيمهم ثم قرأ ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين قال ~~ففر قوم فلولا ما جعل الله جل ثناؤه في النبوة من السر لقلنا ما هم بأفضل ~~من هؤلاء فيما بلغنا أن الملائكة عليهم السلام لتلقاهم وتصافحهم والسحاب ~~والسباع تمر بأحدهم فيناديها فتجيبه ويسألها أين أمرت فتخبره وليس بنبي # وقال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حضر ~~معصية فكرهها فكأنه غاب عنها ومن غاب عنها فأحبها فكأنه حضرها + حديث أبي ~~هريرة من حضر معصية فكرهها فكأنه غاب عنها ومن غاب عنها فأحيها فكأنه حضرها ~~رواه ابن عدي وفيه يحيى بن أبي سلمان قال البخاري منكر الحديث + # ومعنى الحديث أن يحضر لحاجة أو يتفق جريان ذلك يديه # فأما الحضور قصدا فممنوع بدليل الحديث الأول # وقال ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بعث ~~الله عز وجل نبيا إلا وله حواري فيمكث النبي بين أظهرهم ما شاء الله تعالى ~~يعمل فيهم بكتاب الله وبأمره حتى إذا قبض الله نبيه مكث الحواريون يعملون ~~بكتاب الله وبأمره وبسنة نبيهم فإذا انقرضوا كان من بعدهم قوم يركبون رءوس ~~المنابر يقولون ما يعرفون ويعملون ما ينكرون فإذا رأيتم ذلك فحق على كل ~~مؤمن جهادهم بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وليس وراء ذلك ~~إسلام + حديث ابن مسعود ما بعث الله عز وجل نبيا إلا وله حواري الحديث روى ~~مسلم نحوه + PageV02P309 # وقال ابن مسعود رضي الله عنه كان أهل قرية يعملون بالمعاصي وكان فيهم ~~أربعة نفر ينكرون ما يعملون فقام أحدهم فقال إنكم تعملون كذا وكذا فجعل ~~ينهاهم ويخبرهم بقبيح ما يصنعون فجعلوا يردون عليه ولا يرعوون عن أعمالهم ~~فسبهم فسبوه وقاتلهم فغلبوه فاعتزل ثم قال اللهم إني قد نهيتهم فلم يطيعوني ~~وسببتهم فسبوني وقاتلتهم فغلبوني ثم ذهب ثم قام الآخر فنهاههم فلم يطيعوه ~~فسبهم فسبوه فاعتزل ثم قال اللهم إني قد نهيتهم فلم يطيعوني وسببتهم فسبوني ~~ولو قاتلتهم لغلبوني ثم ذهب قام الثالث فنهاهم فلم يطيعوه فاعتزل ثم قال ~~اللهم إني قد نهيتهم فلم يطيعوني ولو سببتهم لسبوني ولو قاتلتهم لغلبوني # ثم ذهب ثم قام الرابع فقال اللهم إني لو نهيتهم لعصوني ولو سببتهم لسبوني ~~ولو قاتلتهم لغلبوني ثم ذهب قال ابن مسعود رضي الله عنه كان الرابع أدناهم ~~منزلة وقليل فيكم مثله وقال ابن عباس رضي الله عنهما قيل يا رسول الله ~~أتهلك القرية وفيها الصالحون قال نعم قيل بم يا رسول الله قال بتهاونهم ~~وسكوتهم على معاصي الله تعالى + حديث ابن عباس قيل يا رسول الله أتهلك ~~القرية وفيها الصالحون قال نعم قيل بم يا رسول الله قال بتهاونهم وسكوتهم ~~عن معاصي الله أخرجه البزار والطبراني بسند ضعيف + # وقال جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوحى الله تبارك ~~وتعالى إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا على أهلها فقال يا رب ~~إن فيهم عبدك فلانا لم يعصك طرفة عين قال اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم ~~يتمعر في ساعة قط + حديث جابر أوحى الله إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة ~~كذا وكذا على أهلها قال فقال يا رب إن فيهم عبدك فلانا الحديث أخرجه ~~الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب وضعفه وقال المحفوظ من قول مالك بن ~~دينار + # وقالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عذب أهل ~~قرية فيها ثمانية عشر ألفا عملهم عمل الأنبياء قالوا يا رسول الله كيف قال ~~لم يكونوا يغضبون لله ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر + حديث ~~عائشة عذب أهل قرية فيها ثمانية عشر ألفا عملهم عمل الأنبياء لم أقف عليه ~~مرفوعا وروى ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن إبراهيم بن عمر الصنعاني أوحى ~~الله إلى يوشع بن نون إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم وستين ألفا ~~من شرارهم قال يا رب هؤلاء الاشرار فما بال الأخيار قال انهم لم يغضبوا ~~لغضبي فكانوا يؤاكلونهم ويشاربونهم + # وعن عروة عن أبيه قال قال موسى صلى الله عليه وسلم يا رب أي عبادك أحب ~~إليك قال الذي يتسرع إلى هواي كما يتسرع النسر إلى هواه والذي يكلف بعبادي ~~الصالحين كما يكلف الصبي بالثدي والذي يغضب إذا أتيت محارمي كما يغضب النمر ~~لنفسه فإن النمر إذا غضب لنفسه لم يبال قل الناس أم كثروا وهذا يدل على ~~فضيلة الحسبة مع شدة الخوف وقال أبو ذر الغفاري قال أبو بكر الصديق رضي ~~الله عنه يا رسول الله هل من جهاد غير قتال المشركين فقال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم نعم يا أبا بكر إن لله تعالى مجاهدين في الأرض أفضل من ~~الشهداء أحياء مرزوقين يمشون على الأرض يباهي الله بهم ملائكة السماء وتزين ~~لهم الجنة كما تزينت أم سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر ~~رضي الله عنه يا رسول الله ومن هم قال الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ~~والمحبون في الله والمبغضون في الله @QB@ ثم قال @QE@ والذي نفسي بيده إن ~~العبد منهم ليكون في الغرفة فوق الغرفات فوق غرف الشهداء للغرفة منها ~~ثلثمائة ألف باب منها الياقوت والزمرد الأخضر على كل باب نور وإن الرجل ~~منهم ليزوج بثلثمائة ألف حوراء قاصرات الطرف عين كلما التفت إلى واحدة منهن ~~فنظر إليها تقول له أتذكر يوم كذا وكذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر كلما ~~نظر إلى واحدة منهن ذكرت له مقاما أمر فيه بمعروف ونهى فيه عن منكر + حديث ~~أبي ذر قال أبو بكر يا رسول الله هل من جهاد غير قتال المشركين قال نعم يا ~~أبا بكر إن لله تعالى مجاهدين في الأرض أفضل من الشهداء فذكر الحديث وفيه ~~فقال هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكرالحديث بطوله لم أقف له على ~~أصل وهو منكر + # وقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قلت يا رسول الله أي الشهداء أكرم ~~على الله عز وجل قال رجل قام إلى وال جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر ~~فقتله فإن لم يقتله فإن القلم لا يجرى PageV02P310 عليه بعد ذلك وإن عاش ما ~~عاش + حديث أبي عبيدة قلت يا رسول الله أي الشهداء أكرم على الله قال رجل ~~قام إلى وال جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتلهالحديث أخرجه البزار ~~مقتصرا على هذا دون قوله فإن لم يقتله إلى آخره وهذه الزيادة منكره وفيه ~~أبو الحسن غير مشهور لا يعرف + # وقال الحسن البصري رحمه الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل ~~شهداء أمتي رجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتله ~~على ذلك فذلك الشهيد منزلته في الجنة بين حمزة وجعفر + حديث الحسن البصري ~~مرسلا أفضل شهداء أمتي رجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن ~~المنكر فقتله على ذلك فذلك الشهيد منزلته في الجنة بين حمزة وجعفر لم أره ~~من حديث الحسن وللحاكم في المستدرك وصحح إسناده من حديث جابر سيد الشهداء ~~حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله + # وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ~~بئس القوم قوم لا يأمرون بالقسط وبئس القوم قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ~~ينهون عن المنكر + حديث عمر بئس القوم قوم لا يأمرون بالقسط وبئس القوم قوم ~~لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر رواه أبو الشيخ ابن حبان من حديث ~~جابر بسند ضعيف وأما حديث عمر فأشار إليه أبو منصور الديلمي بقوله وفي ~~الباب ورواه على بن معبد في # | كتاب الطاعة والمعصية من حديث الحسن مرسلا + وأما الآثار فقد قال # أبو الدرداء رضي الله عنه لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن ~~الله عليكم سلطانا ظالما لا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم ويدعوا عليه خياركم ~~فلا يستجاب لهم وتستنصرون فلا تنصرون وتستغفرون فلا يغفر لكم # وسئل حذيفة رضي الله عنه عن ميت الأحياء فقال الذي لا ينكر المنكر بيده ~~ولا بلسانه ولا بقلبه # وقال مالك بن دينار كان حبر من أحبار بني إسرائيل يغشى الرجال والنساء ~~منزله يعظهم ويذكرهم بأيام الله عز وجل فرأى بعض بنيه يوما وقد غمز بعض ~~النساء فقال مهلا يا بني مهلا وسقط من سريره فانقطع نخاعة وأسقطت امرأته ~~وقتل بنوه في الجيش فأوحى الله تعالى إلى نبي زمانه أن أخبر فلانا الخبر ~~أني لا أخرج من صلبك صديقا أبدا أما كان من غضبك لي إلا أن قلت مهلا يا بني ~~مهلا # وقال حذيفة يأتي على الناس زمان لأن تكون فيهم جيفة حمار أحب إليهم من ~~مؤمن يأمرهم وينهاهم وأوحى الله تعالى إلى يوشع بن نون عليه السلام إني ~~مهلك من قومك أربعين الفا من خيارهم وستين ألفا من شرارهم فقال يا رب هؤلاء ~~الاشرار فما بال الأخيار قال إنهم لم يغضبوا لغضبي وواكلوهم وشاربوهم # وقال بلال بن سعد إن المعصية إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها فإذا اعلنت ولم ~~تغير اضرت بالعامة وقال كعب الأحبار لأبي مسلم الخولاني كيف منزلتك من قومك ~~قال حسنة # قال كعب أن التوراة لتقول غير ذلك قال وما تقول قال تقول إن الرجل إذا ~~أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ساءت منزلته عند قومه فقال صدقت التوراة وكذب ~~أبو مسلم # وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يأتي العمال ثم قعد عنهم فقيل له لو ~~أتيتهم فلعلهم يجدون في أنفسهم فقال أرهب إن تكلمت أن يروا أن الذي بي غير ~~الذي بي وان سكت رهبت أن آثم # وهذا يدل على أن من عجز عن الأمر بالمعروف فعليه أن يبعد عن ذلك الموضع ~~ويستتر عنه حتى لا يجري بمشهد منه وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول ~~ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ثم الجهاد بألسنتكم ثم الجهاد ~~بقلوبكم فإذا لم يعرف القلب المعروف ولم ينكر المنكر نكس فجعل أعلاه اسفله # وقال سهل بن عبد الله رحمه الله أيما عبد عمل في شيء من دينه بما أمر به ~~أو نهى عنه وتعلق به عند فساد الأمور وتنكرها وتشوش الزمان فهو ممن قد قام ~~لله في زمانه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر # معناه أنه إذا لم يقدر إلا على نفسه فقام بها وأنكر أحوال الغير بقلبه ~~فقد جاء بما هو الغاية في حقه وقيل للفضيل ألا تأمر وتنهى فقال إن قوما ~~أمروا ونهوا فكفروا وذلك أنهم لم يصبروا على ما أصيبوا وقيل للثوري # ألا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فقال إذا انبثق البحر فمن يقدر أن ~~يسكره # فقد ظهر بهذه الأدلة أن الأمر بالمعروف والنهي عن PageV02P311 المنكر ~~واجب وأن فرضه لا يسقط مع القدرة إلا بقيام قائم به # فلنذكر الآن شروطه وشروط وجوبه # | الباب الثاني في أركان الأمر بالمعروف وشروطه # أعلم أن الأركان في الحسبة التي هي عبارة شاملة للأمر بالمعروف والنهي عن ~~المنكر أربعة المحتسب والمحتسب عليه والمحتسب فيه ونفس الاحتساب # فهذه أربعة اركان ولكل واحد منها شروطه الركن الأول المحتسب # وله شروط وهو أن يكون مكلفا مسلما قادرا فيخرج منه المجنون والصبي ~~والكافر والعاجز ويدخل فيه آحاد الرعايا وإن لم يكونوا مأذونين ويدخل فيه ~~الفاسق والرقيق والمرأة # فلنذكر وجه اشتراط ما اشترطناه ووجه اطراح ما أطرحناه # أما الشرط الأول وهو التكليف فلا يخفى وجه اشتراطه فإن غير المكلف لا ~~يلزمه أمر وما ذكرناه أردنا به شرط الوجوب فأما إمكان الفعل وجوازه فلا ~~يستدعي إلا العقل حتى إن الصبي المراهق للبلوغ المميز وإن لم يكن مكلفا فله ~~إنكار المنكر وله أن يريق الخمر ويكسر الملاهي وإذا فعل ذلك نال به ثوابا ~~ولم يكن لأحد منعه من حيث إنه ليس بمكلف # فإن هذه قربة وهو من أهلها كالصلاة والإمامة وسائر القربات وليس حكمه حكم ~~الولايات حتى يشترط فيه التكليف ولذلك اثبتناه للعبد وآحاد الرعية # نعم في المنع بالفعل وإبطال المنكر نوع ولاية وسلطنة ولكنها تستفاد بمجرد ~~الإيمان كقتل المشرك وإبطال أسبابه وسلب أسلحته # فإن للصبي أن يفعل ذلك حيث لا يستضر به فالمنع من الفسق كالمنع من الكفر # وأما الشرط الثاني وهو الإيمان فلا يخفى وجه اشتراطه لأن هذا نصرة للدين ~~فكيف يكون من أهله من هو جاحد لاصل الدين وعدو له # وأما الشرط الثالث وهو العدالة فقد اعتبرها قوم وقالوا ليس للفاسق أن ~~يحتسب وربما استدلوا فيه بالنكير الوارد على من يأمر بما لا يفعله مثل قوله ~~تعالى أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وقوله تعالى كبر مقتا عند الله أن ~~تقولوا ما لا تفعلون وبما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ~~مررت ليلة اسرى بي بقوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت من أنتم فقالوا ~~كنا نامر بالخير ولا ناتيه وننهى عن الشر وناتيه + حديث مررت ليلة أسري بي ~~بقوم تقرض شفاههم بمقاريض من نارالحديث تقدم في العلم + # وبما روى أن الله تعالى أوحى إلى عيسى صلى الله عليه وسلم عظ نفسك فان ~~أتعظت فعظ الناس وألا فاستحي مني # وربما استدلوا من طريق القياس بأن هداية الغير فرع للإهتداء وكذلك تقويم ~~الغير فرع للاستقامة والإصلاح زكاة عن نصاب الصلاح فمن ليس بصالح في نفسه ~~فكيف يصلح غيره ومتى يستقيم الظل والعود اعوج وكل ما ذكروه خيالات وانما ~~الحق أن للفاسق أن يحتسب وبرهانه هو أن نقول هل يشترط في الإحتساب أن يكون ~~متعاطيه معصوما عن المعاصي كلها فان شرط ذلك فهو خرق للاجماع ثم حسم لباب ~~الاحتساب إذ لا عصمة للصحابة فضلا عمن دونهم والأنبياء عليهم السلام قد ~~اختلف في عصمتهم عن الخطايا # والقرآن العزيز دال على نسبة آدم عليه السلام إلى المعصية وكذا جماعة من ~~الأنبياء ولهذا قال سعيد بن PageV02P312 جبير إن لم يأمر بالمعروف ولم ينه ~~عن المنكر إلا من لا يكون فيه شيء لم يأمر أحد بشيء فأعجب مالكا ذلك من ~~سعيد بن جبير # وإن زعموا أن ذلك لا يشترط عن الصغائر حتى يجوز للابس الحرير أن يمنع من ~~الزنا وشرب الخمر فنقول # وهل لشارب الخمر أن يغزو الكفار ويحتسب عليهم بالمنع من الكفر فإن قالوا ~~لا خرقوا الإجماع إذ جنود المسلمين لم تزل مشتملة على البر والفاجر وشارب ~~الخمر وظالم الايتام ولم يمنعوا من الغزو لا في عصر رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ولا بعده # فإن قالوا نعم فنقول شارب الخمر هل له المنع من القتل أم لا فإن قالوا لا ~~قلنا # فما الفرق بينه وبين لابس الحرير إذ جاز له المنع من الخمر والقتل كبيرة ~~بالنسبة إلى الشرب كالشرب بالنسبة إلى لبس الحرير فلا فرق # وإن قالوا نعم وفصلوا الأمر فيه بأن كل مقدم على شيء فلا يمنع عن مثله ~~ولا عما دونه وإنما يمنع عما فوقه فهذا تحكم فإنه كما لا يبعد أن يمنع ~~الشارب من الزنا والقتل فمن أين يبعد أن يمنع الزاني من الشرب بل من أين ~~يبعد أن يشرب ويمنع غلمانه وخدمه من الشرب ويقول يجب على الانتهاء والنهي ~~فمن أين يلزمني من العصيان بأحدهما أن أعصى الله تعالى بالثاني وإذا كان ~~النهي واجبا على فمن أين يسقط وجوبه بإقدامي إذ يستحيل أن يقال يجب النهي ~~عن شرب الخمر عليه ما لم يشرب فإذا شرب سقط النهى # فإن قيل فيلزم على هذا أن يقول القائل الواجب على الوضوء والصلاة فأنا ~~أتوضأ وإن لم أصل وأتسحر وإن لم أصم لأن المستحب لي السحور والصوم جميعا ~~ولكن يقال أحدهما مرتب على الآخر فكذلك تقويم الغير مرتب على تقويمه بنفسه ~~فليبدأ نفسه ثم بمن يعول # والجواب أن التسحر يراد للصوم ولولا الصوم لما كان التسحر مستحبا وما ~~يراد لغيره لا ينفك عن ذلك الغير وإصلاح الغير لا يراد لإصلاح النفس ولا ~~إصلاح النفس لإصلاح الغير فالقول بترتب أحدهما على الآخر تحكم # وأما الوضوء والصلاة فهو لازم فلا جرم أن من توضأ ولم يصل كان مؤديا أمر ~~الوضوء وكان عقابه أقل من عقاب من ترك الصلاة والوضوء جميعا فليكن من ترك ~~النهي والانتهاء اكثر عقابا ممن نهى ولم ينته كيف والوضوء شرط لا يراد ~~لنفسه بل للصلاة فلا حكم له دون الصلاة # وأما الحسبة فليست شرطا في الانتهاء والائتمار فلا مشابهة بينهما # فإن قيل فيلزم على هذا أن يقال إذا زنى الرجل بإمرأة وهي مكرهة مستورة ~~الوجه فكشفت وجهها باختيارها فأخذ الرجل يحتسب في أثناء الزنا ويقول أنت ~~مكرهة في الزنا ومختارة في كشف الوجه لغير محرم وها أنا غير محرم لك فاستري ~~وجهك فهذا احتساب شنيع يستنكره قلب كل عاقل ويستشنعه كل طبع سليم فالجواب ~~أن الحق قد يكون شنيعا وأن الباطل قد يكون مستحسنا بالطباع والمتبع الدليل ~~دون نفرة الاوهام والخيالات فإنا نقول قوله لها في تلك الحالة لا تكشفي ~~وجهك واجب أو مباح أو حرام فإن قلتم إنه واجب فهو الغرض لأن الكشف معصية ~~والنهي عن المعصية حق # وإن قلتم إنه مباح فإذن له أن يقول ما هو مباح فما معنى قولكم ليس للفاسق ~~الحسبة وإن قلتم إنه حرام فنقول وكان هذا واجبا فمن أين حرم بإقدامه على ~~الزنا ومن الغريب أن يصير الواجب حراما بسبب ارتكاب حرام آخر # وأما نفرة الطباع عنه واستنكارها له فهو لسببين # أحدهما أنه ترك الاهم واشتغل بما هو مهم # وكما أن الطباع تنفر عن ترك المهم إلى ما لا يعني فتنفر عن ترك الأهم ~~PageV02P313 والاشتغال بالمهم كما تنفر عمن يتحرج عن تناول طعام مغصوب وهو ~~مواظب على الربا وكما تنفر عمن يتصاون عن الغيبة ويشهد بالزور لأن الشهادة ~~بالزور أفحش وأشد من الغيبة التي هي إخبار عن كائن يصدق فيه المخبر وهذا ~~الاستبعاد في النفوس لا يدل على أن ترك الغيبة ليس بواجب وأنه لو اغتاب أو ~~أكل لقمة من حرام لم تزد بذلك عقوبته فكذلك ضرره في الآخرة من معصيته أكثر ~~من ضرره من معصية غيره فاشتغاله عن الأقل بالاكثر مستنكر في الطبع من حيث ~~إنه ترك الأكثر لا من حيث إنه أتى بالاقل فمن غصب فرسه ولجام فرسه فاشتغل ~~بطلب اللجام وترك الفرس نفرت عنه الطباع ويرى مسيئا إذ قد صدر منه طلب ~~اللجام وهو غير منكر ولكن المنكر تركه لطلب الفرس بطلب اللجام فاشتد ~~الإنكار عليه لتركه الاهم بما دونه فكذلك حسبة الفاسق تستبعد من هذا الوجه ~~وهذا لا يدل على أن حسبته من حيث إنها حسبة مستنكرة # الثاني أن الحسبة تارة تكون بالنهي بالوعظ وتارة بالقهر ولا ينجع وعظ من ~~لا يتعظ أولا ونحن نقول من علم أن قوله لا يقبل في الحسبة لعلم الناس بفسقه ~~فليس عليه الحسبة بالوعظ إذ لا فائدة في وعظه فالفسق يؤثر في إسقاط فائدة ~~كلامه ثم إذا سقطت فائدة كلامه سقط وجوب الكلام فأما إذا كانت الحسبة ~~بالمنع فالمراد منه القهر وتمام القهر أن يكون بالفعل والحجة جميعا وإذا ~~كان فاسقا فإن قهر بالفعل فقد قهر بالحجة إذ يتوجه عليه أن يقال له فأنت لم ~~تقدم عليه فتنفر الطباع عن قهره بالفعل مع كونه مقهورا بالحجة وذلك لا يخرج ~~الفعل عن كونه حقا كما أن يذب الظالم عن آحاد المسلمين ويهمل أباه وهو ~~مظلوم معهم تنفر الطباع عنه ولا يخرج دفعه عن المسلم عن كونه حقا # فخرج من هذا أن الفاسق ليس عليه الحسبة بالوعظ على من يعرف فسقه لأنه لا ~~يتعظ وإذا لم يكن عليه ذلك وعلم أنه يفضى إلى تطويل اللسان في عرضه ~~بالإنكار فنقول ليس له ذلك أيضا # فرجع الكلام إلى أن أحد نوعي الاحتساب وهو الوعظ قد بطل بالفسق وصارت ~~العدالة مشروطة فيه وأما الحسبة القهرية فلا يشترط فيها ذلك فلا حرج على ~~الفاسق في إراقة الخمور وكسر الملاهي وغيرها إذا قدر وهذا غاية الإنصاف ~~والكشف في المسألة وأما الآيات التي استدلوا بها فهو إنكار عليهم من حيث ~~تركهم المعروف لا من حيث أمرهم # ولكن أمرهم دل على قوة علمهم وعقاب العالم أشد لأنه لا عذر له مع قوة ~~علمه وقوله تعالى لم تقولون ما لا تفعلون المراد به الوعد الكاذب وقوله عز ~~وجل وتنسون انفسكم إنكار من حيث إنهم نسوا أنفسهم لا من حيث إنهم أمروا ~~غيرهم ولكن ذكر أمر الغير استدلالا به على علمهم وتأكيدا للحجة عليهم # وقوله يا ابن مريم عظ نفسك الحديث هو في الحسبة بالوعظ # وقد سلمنا أن وعظ الفاسق ساقط الجدوى عند من يعرف فسقه # ثم قوله فاستحي مني لا يدل على تحريم وعظ الغير بل معناه استحى مني فلا ~~تترك الأهم وتشتغل بالمهم كما يقال احفظ اباك ثم جارك وإلا فاستحي # فإن قيل # فليجز للكافر الذمي أن يحتسب على المسلم إذا رآه يزني لأن قوله لا تزن حق ~~في نفسه فمحال أن يكون حراما عليه بل ينبغي أن يكون مباحا أو واجبا # قلنا الكافر إن منع المسلم بفعله فهو تسلط عليه فيمنع من حيث إنه تسلط ~~وما جعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا # وأما مجرد قوله لا تزن فليس بمحرم عليه من حيث إنه نهي عن الزنا ولكن من ~~حيث إنه إظهار دالة الاحتكام على المسلم وفيه إذلال للمحتكم عليه والفاسق ~~يستحق الإذلال ولكن لا من الكافر الذي هو أولى بالذل منه # فهذا وجه منعنا إياه من الحسبة وإلا فلسنا نقول إن الكافر يعاقب بسبب ~~قوله لا تزن من حيث إنه نهى بل نقول إنه إذا لم يقل لا تزن يعاقب عليه إن ~~رأينا خطاب الكافر PageV02P314 بفروع الدين وفيه نظر استوفيناه في الفقهيات ~~ولا يليق بغرضنا الآن # الشرط الرابع كونه مأذونا من جهة الأمام والوالي فقد شرط قوم هذا الشرط ~~ولم يثبتوا للآحاد من الرعية الحسبة وهذا الاشتراط فاسد فإن الآيات ~~والاخبار التي اوردناها تدل على أن كل من رأى منكرا فسكت عليه عصى إذ يجب ~~نهيه اينما رآه وكيفما رآه على العموم فالتخصيص بشرط التفويض من الإمام ~~تحكم لا أصل له # والعجب أن الروافض زادوا على هذا فقالوا لا يجوز الأمر بالمعروف ما لم ~~يخرج الإمام المعصوم وهو الإمام الحق عندهم # وهؤلاء اخس رتبة من أن يكلموا بل جوابهم أن يقال لهم إذا جاءوا إلى ~~القضاء طالبين لحقوقهم في دمائهم وأموالهم إن نصرتكم أمر بالمعروف واستخراج ~~حقوقكم من أيدي من ظلمكم نهى عن المنكر وطلبكم لحقكم من جملة المعروف وما ~~هذا زمان النهي عن الظلم وطلب الحقوق لأن الإمام الحق بعد لم يخرج # فإن قيل في الأمر بالمعروف إثبات سلطنة وولاية واحتكام على المحكوم عليه ~~ولذلك لم يثبت للكافر على المسلم مع كونه حقا فينبغي أن لا يثبت لآحاد ~~الرعية إلا بتفويض من الوالي وصاحب الأمر فنقول أما الكافر فممنوع لما فيه ~~من السلطنة وعز الاحتكام والكافر ذليل فلا يستحق أن ينال عز التحكم على ~~المسلم وأما آحاد المسلمين فيستحقون هذا العز بالدين والمعرفة وما فيه من ~~عز السلطنة والاحتكام لا يحوج إلى تفويض كعز التعليم والتعريف إذ لا خلاف ~~في أن تعريف التحريم والايجاب لمن هو جاهل ومقدم على المنكر بجهله لا يحتاج ~~إلى إذن الوالي وفيه عز الارشاد وعلى المعرف ذلك التجهيل وذلك يكفي فيه ~~مجرد الدين وكذلك النهي # وشرح القول في هذا أن الحسبة لها خمس مراتب كما سيأتي # أولها التعريف # والثاني الوعظ بالكلام اللطيف # والثالث السب والتعنيف ولست أعنى بالسب الفحش بل أن يقول يا جاهل يا أحمق ~~ألا تخاف الله وما يجري هذا المجرى # والرابع المنع بالقهر بطريق المباشرة ككسر الملاهي وإراقة الخمر واختطاف ~~الثوب الحرير من لابسه واستلاب الثوب المغصوب منه ورده على صاحبه # والخامس التخويف والتهديد بالضرب ومباشرة الضرب له حتى يمتنع عما هو عليه ~~كالمواظب على الغيبة والقذف فإن سلب لسانه غير ممكن ولكن يحمل على اختيار ~~السكوت بالضرب # وهذا قد يحوج إلى استعانة وجمع أعوان من الجانبين ويجر ذلك إلى قتال ~~وسائر المراتب لا يخفى وجه استغنائها عن إذن الإمام إلا المرتبة الخامسة ~~فإن فيها نظرا سيأتي أما التعريف والوعظ فكيف يحتاج إلى إذن الإمام وأما ~~التجهيل والتحميق والنسبة إلى الفسق وقلة الخوف من الله وما يجري مجراه فهو ~~كلام صدق والصدق مستحق بل أفضل الدرجات كلمة حق عند إمام جائر + حديث أفضل ~~الجهاد كلمة حق عند إمام جائر أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه من ~~حديث أبي سعيد الخدري + # كما ورد في الحديث فإذا جاز الحكم على الإمام على مراغمته فكيف يحتاج إلى ~~إذنه وكذلك كسر الملاهي وإراقة الخمور فإنه تعاطي ما يعرف كونه حقا من غير ~~اجتهاد فلم يفتقر إلى الإمام # وأما جمع الاعوان وشهر الاسلحة فذلك قد يجر إلى فتنة عامة ففيه نظر سيأتي ~~واستمرار عادات السلف على الحسبة على الولاة قاطع بإجماعهم على الاستغناء ~~عن التفويض بل كل من أمر بمعروف فإن كان الوالي راضيا به فذاك وإن كان ~~ساخطا له فسخطه له منكر يجب الإنكار عليه فكيف يحتاج إلى اذنه في الإنكار ~~عليه ويدل على ذلك عادة السلف في الإنكار على الأئمة # كما روي أن مروان بن الحكم خطب قبل صلاة العيد فقال له رجل إنما الخطبة ~~بعد الصلاة فقال له مروان اترك ذلك يا فلان فقال أبو سعيد أما هذا فقد قضى ~~ما عليه # قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأى PageV02P315 منكم منكرا ~~فلينكره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ~~+ حديث إن مروان خطب قبل الصلاة في العيد الحديث وفيه حديث أبي سعيد مرفوعا ~~من رأى منكرا الحديث رواه مسلم + # فلقد كانوا فهموا من هذه العمومات دخول السلاطين تحتها فكيف يحتاج إلى ~~إذنهم وروى أن المهدي لما قدم مكة لبث بها ما شاء الله فلما أخذ في الطواف ~~نحى الناس عن البيت فوثب عبد الله بن مرزوق فلببه بردائه ثم هزه وقال له ~~انظر ما تصنع من جعلك بهذا البيت أحق ممن أتاه من البعد حتى إذا صار عنده ~~حلت بينه وبينه وقد قال الله تعالى سواء العاكف فيه والباد من جعل لك هذا ~~فنظر في وجهه وكان بعرفه لأنه من مواليهم فقال أعبد الله ابن مرزوق قال نعم ~~فأخذ فجىء به إلى بغداد فكره أن يعاقبه عقوبة يشنع بها عليه في العامة ~~فجعله في اصطبل الدواب ليسوس الدواب وضموا إليه فرسا عضوضا سيىء الخلق ~~ليعقره الفرس فلين الله تعالى له الفرس قال ثم صيروه إلى بيت وأغلق عليه ~~وأخذ المهدي المفتاح عنده فإذا هو قد خرج بعد ثلاث إلى البستان يأكل البقل ~~فأوذن به المهدي فقال له من أخرجك فقال الذي حبسني فضج المهدي وصاح وقال ما ~~تخاف أن أقتلك فرفع عبد الله إليه رأسه يضحك وهو يقول لو كنت تملك حياة أو ~~موتا فما زال محبوسا حتى مات المهدي ثم خلوا عنه فرجع إلى مكة # قال وكان قد جعل على نفسه نذرا إن خلصه الله من أيديهم أن ينحر مائة بدنة ~~فكان يعمل في ذلك حتى نحرها # وروى عن حبان بن عبد الله قال تنزه هارون الرشيد بالدوين ومعه رجل من بني ~~هاشم وهو سليمان بن أبي جعفر فقال له هارون قد كانت لك جارية تغني فتحسن ~~فجئنا بها قال فجاءت فغنت فلم يحمد غناءها فقال لها ما شأنك فقالت ليس هذا ~~عودي فقال للخادم جئنا بعودها قال فجاء بالعود فوافق شيخا يلقط النوى فقال ~~الطريق يا شيخ فرفع الشيخ رأسه فرأى العود فأخذه من الخادم فضرب به الأرض ~~فأخذه الخادم وذهب به إلى صاحب الربع فقال احتفظ بهذا فإنه طلبة أمير ~~المؤمنين فقال له صاحب الربع ليس ببغداد أعبد من هذا فكيف يكون طلبة أمير ~~المؤمنين فقال له اسمع ما أقول لك ثم دخل على هارون فقال إني مررت على شيخ ~~يلقط النوى فقلت له الطريق فرفع رأسه فرأى العود فأخذه فضرب به الأرض فكسره ~~فاستشاط هارون وغضب واحمرت عيناه فقال له سليمان بن أبي جعفر ما هذا الغضب ~~يا أمير المؤمنين ابعث إلى صاحب الربع يضرب عنقه ويرم به في الدجلة فقال لا ~~ولكن نبعث إليه ونناظره اولا فجاء الرسول فقال اجب أمير المؤمنين فقال نعم ~~قال اركب قاللا فجاء يمشي حتى وقف على باب القصر فقيل لهارون قد جاء الشيخ ~~فقال للندماء أي شيء ترون نرفع ما قدامنا من المنكر حتى يدخل هذا الشيخ أو ~~نقوم إلى مجلس آخر ليس فيه منكر فقالوا له نقوم إلى مجلس آخر ليس فيه منكر ~~اصلح فقاموا إلى مجلس ليس فيه منكر ثم أمر بالشيخ فأدخل وفي كمه الكيس الذي ~~فيه النوى فقال له الخادم اخرج هذا من كمك وادخل على أمير المؤمنين فقال من ~~هذا عشائي الليلة قال نحن نعشيك # قال لا حاجة لي في عشائكم فقال هارون للخادم أي شيء تريد منه قال في كمه ~~نوى قلت له اطرحه وادخل على أمير المؤمنين فقال دعه لا يطرحه قال فدخل وسلم ~~وجلس فقال له هارون يا شيخ ما حملك على ما صنعت قال وأي شيء صنعت وجعل ~~هارون يستحي أن يقول كسرت عودي فلما اكثر عليه قال # إني سمعت اباك واجدادك يقرءون هذه الآية على المنبر إن الله يأمر بالعدل ~~والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي وأنا رأيت ~~منكرا فغيرته فقال # فغيره # فوالله ما قال إلا هذا فلما خرج PageV02P316 أعطى الخليفة رجلا بدرة وقال # اتبع الشيخ فإن رأيته يقول قلت لأمير المؤمنين وقال لي فلا تعطه شيئا وإن ~~رأيته لا يكلم أحدا فأعطه البدرة # فلما خرج من القصر إذا هو بنواة في الأرض قد غاصت فجعل يعالجها ولم يكلم ~~احدا فقال له يقول لك أمير المؤمنين خذه هذه البدرة فقال قل لأمير المؤمنين ~~يردها من حيث أخذها # ويروى أنه أقبل بعد فراغه من كلامه على النواة التي يعالج قلعها من الأرض ~~وهو يقول # أرى الدنيا لمن هي في يديه % هموما كلما كثرت لديه # تهين المكرمين لها بصغر % وتكرم كل من هانت عليه # إذا استغنيت عن شيء فدعه % وخذ ما أنت محتاج إليه # وعن سفيان الثوري رحمه الله قال حج المهدي سنة ست وستين ومائة فرأيته ~~يرمي جمرة العقبة والناس يخبطون يمينا وشمالا بالسياط فوقفت فقلت يا حسن ~~الوجه حدثنا أيمن عن وائل عن قدامة بن عبد الله الكلابي قال رأيت رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر على جمل لا ضرب ولا طرد ولا جلد ~~ولا إليك إليك + حديث قدامة بن عبد الله رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يرمي الجمرة يوم النحر على جمل لا ضرب ولا طرد ولا جلد ولا إليك إليك رواه ~~الترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن ماجه وأما قوله في أوله إن الثوري قال ~~حج المهدي سنة ست وستين فليس بصحيح فإن الثوري توفي سنة إحدى وستين + # وها أنت يخبط الناس بين يديك يمينا وشمالا # فقال لرجل من هذا قال سفيان الثوري # فقال يا سفيان لو كان المنصور ما احتملك على هذا فقال لو اخبرك المنصور ~~لقي لقصرت عما أنت فيه # قال فقيل له إنه قال لك يا حسن الوجه ولم يقل لك يا أمير المؤمنين فقال ~~اطلبوه فطلب سفيان فاختفى وقد روى عن المأمون أنه بلغه أن رجلا محتسبا يمشي ~~في الناس يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر # ولم يكن مأمورا من عنده بذلك فأمر بأن يدل عليه # فلما صار بين يديه قال له إنني بلغني أنك رأيت نفسك أهلا للأمر بالمعروف ~~والنهي عن المنكر من غير أن نأمرك وكان المأمون جالسا على كرسي ينظر في ~~كتاب أو قصة فأغفله فوقع منه فصار تحت قدمه من حيث لم يشعر به فقال له ~~المحتسب ارفع قدمك عن أسماء الله تعالى ثم قل ما شئت فلم يفهم المأمون ~~مراده فقال ماذا تقول حتى أعاده ثلاثا فلم يفهم فقال إما رفعت أو أذنت لي ~~حتى أرفع # فنظر المأمون تحت قدمه فرأى الكتاب فأخذه وقبله وخجل # ثم عاد وقال لم تأمر بالمعروف وقد جعل الله ذلك إلينا أهل البيت ونحن ~~الذين قال الله تعالى فيهم الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا ~~الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر فقال صدقت يا أمير المؤمنين أنت ~~كما وصفت نفسك من السلطان والتمكن غير أنا أعوانك وأولياؤك فيه # ولا ينكر ذلك إلا من جهل كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم قال الله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف ~~الآية # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ~~+ حديث المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا متفق عليه من حديث أبي موسى ~~وقد تقدم في الباب الثالث من آداب الصحبة + # وقد مكنت في الأرض وهذا كتاب الله وسنة رسوله فإن انقدت لهما شكرت لمن ~~أعانك لحرمتهما # وإن استكبرت عنهما ولم تنقد لما لزمك منهما فإن الذي إليه أمرك وبيده عزك ~~وذلك قد شرط أنه لا يضيع اجر من أحسن عملا فقل الآن ما شئت فأعجب المأمون ~~بكلامه وسر به وقال مثلك يجوز له أن يأمر بالمعروف # فامض على ما كنت عليه بأمرنا وعن رأينا # فاستمر الرجل على ذلك # ففي سياق هذه الحكايات بيان الدليل على الاستغناء عن الإذن # فإن قيل أفتثبت ولاية الحسبة للولد على الوالد والعبد على المولى والزوجة ~~على الزوج والتلميذ على الأستاذ PageV02P317 والرعية على الوالي مطلقا كما ~~يثبت للوالد على الولد والسيد على العبد والزوج على الزوجة والأستاذ على ~~التلميذ والسلطان على الرعية أو بينهما فرق فاعلم أن الذي نراه أنه يثبت ~~أصل الولاية ولكن بينهما فرق في التفصيل # ولنفرض ذلك في الولد مع الوالد فنقول قد رتبنا للحسبة خمس مراتب وللولد ~~الحسبة بالرتبتين الاوليين وهما التعريف ثم الوعظ والنصح باللطف # وليس له الحسبة بالسب والتعنيف والتهديد ولا بمباشرة الضرب وهما الرتبتان ~~الأخيرتان وهل له الحسبة بالرتبة الثالثة حيث تؤدي إلى أذى الوالد وسخطه ~~هذا فيه نظر وهو بأن يكسر مثلا عوده ويريق خمره ويحل الخيوط عن ثيابه ~~المنسوجة من الحرير ويرد إلى الملاك ما يجده في بيته من المال الحرام الذي ~~غصبه أو سرقه أو أخذه عن إدرار رزق من ضريبة المسلمين إذا كان صاحبه معينا ~~ويبطل الصور المنقوشة على حيطانه والمنقورة في خشب بيته ويكسر أواني الذهب ~~والفضة فإن فعله في هذه الأمور ليس يتعلق بذات الأب بخلاف الضرب والسب ولكن ~~الوالد يتأذى به ويسخط بسببه إلا أن فعل الولد حق وسخط الاب منشؤه حبه ~~للباطل وللحرام والأظهر في القياس انه يثبت للولد ذلك بل يلزمه أن يفعل ذلك ~~ولا يبعد أن ينظر فيه إلى قبح المنكر والى مقدار الأذى والسخط # فإن كان المنكر فاحشا وسخطه عليه قريبا كإراقة خمر من لا يشتد غضبه فذلك ~~ظاهر وإن كان المنكر قريبا والسخط شديدا كما لو كانت له آنية من بلور أو ~~زجاج على صور حيوان وفي كسرها خسران مال كثير فهذا مما يشتد فيه الغضب وليس ~~تجري هذه المعصية مجرى الخمر وغيره فهذا كله مجال النظر # فإن قيل ومن أين قلتم ليس له الحسبة بالتعنيف والضرب والارهاق إلى ترك ~~الباطل والأمر بالمعروف في الكتاب والسنة ورد عاما من غير تخصيص وأما النهي ~~عن التأفيف والإيذاء فقد ورد وهو خاص فيما لا يتعلق بارتكاب المنكرات فنقول # قد ورد في حق الأب على الخصوص ما يوجب الاستثناء من العموم إذ لا خلاف في ~~أن الجلاد ليس له أن يقتل أباه في الزنا حدا ولا له أن يباشر إقامة الحد ~~عليه بل لا يباشر قتل أبيه الكافر بل لو قطع يده لم يلزمه قصاص ولم يكن له ~~أن يؤذيه في مقابلته # وقد ورد في ذلك أخبار وثبت بعضها بالإجماع + الأخبار الواردة في أن ~~الجلاد ليس له أن يجلد أباه في الزنا ولا أن يباشر إقامة الحد عليه ولا ~~يباشر قتل أبيه الكافر وأنه لو قطع يده لم يلزم القصاص ثم قال وثبت بعضها ~~بالإجماع قلت لم أجد فيه إلا حديث لا يقاد الوالد بالولد رواه الترمذي وابن ~~ماجه من حديث عمر قال الترمذي فيه اضطراب + # فإذا لم يجز له إيذاؤه بعقوبة هي حق على جناية سابقة فلا يجوز له إيذاؤه ~~بعقوبة هي منع عن جناية مستقبلة متوقعة بل أولى # وهذا الترتيب أيضا ينبغي أن يجري في العبد والزوجة مع السيد والزوج فهما ~~قريبان من الولد في لزوم الحق وإن كان ملك اليمين آكد من ملك النكاح # ولكن في الخبر أنه لو جاز السجود لمخلوق لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها + ~~حديث لو جاز السجود لمخلوق لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها تقدم في النكاح + # وهذا يدل على تأكيد الحق أيضا # وأما الرعية مع السلطان فالأمر فيها أشد من الولد فليس لها معه إلا ~~التعريف والنصح فأما الرتبة الثالثة ففيها نظر من حيث إن الهجوم على أخذ ~~الأموال من خزانته وردها إلى الملاك وعلى تحليل الخيوط من ثيابه الحرير ~~وكسر آنية الخمور في بيته يكاد يفضي إلى خرق هيبته واسقاط حشمته وذلك محظور ~~ورد النهي عنه كما ورد النهي عن السكوت على المنكر + حديث النهي عن الإنكار ~~على السلطان جهرة بحيث يؤدي إلى خرق هيبته أخرجه الحاكم في المستدرك من ~~حديث عياض بن غنم ألاشعري من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها ~~علانية وليأخذه بيده فليخل به فإن قبلها قبلها وإلا كان قد أدى الذي عليه ~~والذي له قال صحيح الإسناد وللترمذي وحسنه من حديث أبي بكرة من أهان سلطان ~~الله في الأرض أهانه الله في الأرض + # فقد تعارض فيه أيضا محذوران والأمر فيه موكول إلى اجتهاد منشؤه النظر في ~~تفاحش المنكر ومقدار PageV02P318 ما يسقط من حشمته بسبب الهجوم عليه وذلك ~~مما لا يمكن ضبطه # وأما التلميذ والاستاذ فالأمر فيما بينهما أخف لأن المحترم هو الأستاذ ~~المفيد للعلم من حيث الدين ولا حرمة لعالم لا يعمل بعلمه فله أن يعامله ~~بموجب علمه الذي تعلمه منه # وروى انه سئل الحسن عن الولد كيف يحتسب على والده فقال يعظه ما لم يغضب ~~فإن غضب سكت عنه # الشرط الخامس كونه قادرا ولا يخفى أن العاجز ليس عليه حسبة إلا بقلبه إذ ~~كل من أحب الله يكره معاصيه وينكرها # وقال ابن مسعود رضي الله عنه جاهدوا الكفار بأيديكم فإن لم تستطيعوا إلا ~~أن تكفهروا في وجوههم فافعلوا # واعلم انه لا يقف سقوط الوجوب على العجز الحسي بل يلتحق به ما يخاف عليه ~~مكروها يناله فذلك في معنى العجز وكذلك إذا لم يخف مكروها ولكن علم أن ~~إنكاره لا ينفع فليلتفت إلى معنيين أحدهما عدم إفادة الإنكار امتناعا ~~والآخر خوف مكروه # ويحصل من اعتبار المعنيين أربعة أحوال # أحدهما أن يجتمع المعنيان بأن يعلم أنه لا ينفع كلامه ويضرب إن تكلم فلا ~~تجب عليه الحسبة بل ربما تحرم في بعض المواضع # نعم يلزمه أن لا يحضر مواضع المنكر ويعتزل في بيته حتى لا يشاهد ولا يخرج ~~إلا لحاجة مهمة أو واجب ولا يلزمه مفارقة تلك البلدة والهجرة إلا إذا كان ~~يرهق إلى الفساد أو يحمل على مساعدة السلاطين في الظلم والمنكرات فيلزمه ~~الهجرة إن قدر عليها فإن الاكراه لا يكون عذرا في حق من يقدر على الهرب من ~~الإكراه # الحالة الثانية أن ينتفي المعنيان جميعا بأن يعلم أن المنكر يزول بقوله ~~وفعله ولا يقدر له على مكروه فيجب عليه الإنكار وهذه هي القدرة المطلقة # الحالة الثالثة أن يعلم أنه لا يفيد إنكاره لكنه لا يخاف مكروها فلا تجب ~~عليه الحسبة لعدم فائدتها ولكن تستحب لإظهار شعائر الإسلام وتذكير الناس ~~بأمر الدين # الحالة الرابعة عكس هذه وهو أن يعلم انه يصاب بمكروه ولكن يبطل المنكر ~~بفعله كما يقدر على أن يرمي زجاجة الفاسق بحجر فيكسرها ويريق الخمر أو يضرب ~~العود الذي في يده ضربة مختطفة فيكسره في الحال ويتعطل عليه هذا المنكر ~~ولكن يعلم انه يرجع إليه فيضرب رأسه فهذا ليس بواجب وليس بحرام بل هو مستحب # ويدل عليه الخبر الذي اوردناه في فضل كلمة حق عند إمام جائر ولا شك في أن ~~ذلك مظنة الخوف # ويدل عليه أيضا ما روى عن أبي سليمان الداراني رحمه الله تعالى انه قال ~~سمعت من بعض الخلفاء كلاما فأردت أن انكر عليه وعلمت أني أقتل ولم يمنعني ~~القتل ولكن كان في ملأ من الناس فخشيت أن يعتريني التزين للخلق فأقتل من ~~غير إخلاص في الفعل # فإن قيل فما معنى قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قلنا لا خلاف ~~في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار ويقاتل وإن علم أنه يقتل ~~وهذا ربما يظن أنه مخالف لموجب الآية وليس كذلك فقد قال ابن عباس رضي الله ~~عنهما ليس التهلكة ذلك بل ترك النفقة في طاعة الله تعالى أي من لم يفعل ذلك ~~فقد أهلك نفسه # وقال البراء بن عازب التهلكة هو أن يذنب الذنب ثم يقول لا يتاب علي # وقال أبو عبيدة هو أن يذنب ثم لا يعمل بعده خيرا حتى يهلك وإذا جاز أن ~~يقاتل الكفار حتى يقتل جاز أيضا له ذلك في الحسبة ولكن لو علم أنه لا نكاية ~~لهجومه على الكفار كالأعمى يطرح نفسه على الصف أو العاجزفذلك حرام وداخل ~~تحت عموم آية التهلكة # وإنما جاز له الإقدام إذا علم أنه يقاتل إلى أن يقتل أو علم انه يكسر ~~قلوب الكفار بمشاهدتهم جراءته واعتقادهم في سائر المسلمين قلة المبالاة ~~وحبهم للشهادة في سبيل الله فتنكسر بذلك شوكتهم فكذلك يجوز للمحتسب بل ~~يستحب له أن يعرض نفسه للضرب وللقتل إذا كان لحسبته تأثير في رفع المنكر أو ~~في كسر جاه الفاسق أو في PageV02P319 تقوية قلوب أهل الدين وأما إن رأى ~~فاسقا متغلبا وعنده سيف وبيده قدح وعلم أنه لو أنكر عليه لشرب القدح وضرب ~~رقبته فهذا مما لا أرى للحسبة فيه وجها وهو عين الهلاك # فإن المطلوب أن يؤثر في الدين أثرا ويفديه بنفسه فأما تعريض النفس للهلاك ~~من غير أثر فلا وجه له بل ينبغي أن يكون حراما # وإنما يستحب له الإنكار إذا قدر على إبطال المنكر أو ظهر لفعله فائدة ~~وذلك بشرط أن يقتصر المكروه عليه # فإن علم أنه يضرب معه غيره من أصحابه أو أقاربه أو رفقائه فلا تجوز له ~~الحسبة بل تحرم لأنه عجز عن دفع المنكر إلا بأن يفضى ذلك إلى منكر آخر وليس ~~ذلك من القدرة في شيء # بل لو علم انه لو احتسب لبطل ذلك المنكر ولكن كان ذلك سببا لمنكر آخر ~~يتعاطاه غير المحتسب عليه فلا يحل له الافكار الأظهر لان المقصود عدم ~~مناكير الشرع مطلقا لأمين زيد أو عمرو وذلك بأن يكون مثلا مع الإنسان شراب ~~حلال نجس بسبب وقوع نجاسة فيه وعلم أنه لو أراقه لشرب صاحبه الخمر أو تشرب ~~اولاده الخمر لإعوازهم الشراب الحلال فلا معنى لإراقة ذلك # ويحتمل أن يقال إنه يريق ذلك فيكون هو مبطلا لمنكر # وأما شرب الخمر فهو الملوم فيه والمحتسب غير قادر على منعه من ذلك المنكر ~~وقد ذهب إلى هذا ذاهبون # وليس ببعيد فإن هذه مسائل فقهية لا يمكن فيها الحكم إلا بظن ولا يبعد أن ~~يفرق بين درجات المنكر المغير والمنكر الذي تفضى إليه الحسبة والتغيير فإنه ~~إذا كان يذبح شاة لغيره ليأكلها وعلم أنه لو منعه من ذلك لذبح إنسانا وأكله ~~فلا معنى لهذه الحسبة # نعم لو كان منعه عن ذبح إنسان أو قطع طرقه يحمله على أخذ ماله فذلك له ~~وجه # فهذه دقائق واقعة في محل الاجتهاد وعلى المحتسب اتباع اجتهاده في ذلك كله ~~ولهذه الدقائق نقول العامي ينبغي له أن لا يحتسب إلا في الجليات المعلومة ~~كشرب الخمر والزنا وترك الصلاة فأما ما يعلم كونه معصية بالإضافة إلى ما ~~يطيف به من الأفعال ويفتقر فيه إلى اجتهاد فالعامي إن خاض فيه كان ما يفسده ~~أكثر مما يصلحه وعن هذا يتأكد ظن من لا يثبت ولاية الحسبة إلا بتعيين ~~الوالي إذ ربما ينتدب لها من ليس أهلا لها لقصور معرفته أو قصور ديانته ~~فيؤدي ذلك إلى وجوه من الخلل وسيأتي كشف الغطاء عن ذلك إن شاء الله # فإن قيل وحيث أطلقتم العلم بأن يصيبه مكروه أو أنه لا تفيد حسبته فلو كان ~~بدل العلم ظن فما حكمه قلنا الظن الغالب في هذه الابواب في معنى العلم ~~وإنما يظهر الفرق عند تعارض الظن والعلم إذ يرجح العلم اليقيني على الظن ~~ويفرق بين العلم والظن في مواضع آخر وهو أنه يسقط وجوب الحسبة عنه حيث علم ~~قطعا أنه لا يفيد فإن كان غالب ظنه أنه لا يفيد ولكن يحتمل أن يفيد وهو مع ~~ذلك لا يتوقع مكروها فقد اختلفوا في وجوبه والأظهر وجوبه إذ لا ضرر فيه ~~وحدواه متوقعة وعموم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تقتضي الوجوب بكل حال ~~ونحن إنما نستثني عنه بطريق التخصيص ما إذا علم أنه لا فائدة فيه إما ~~بالإجماع أو بقياس ظاهر وهو أن الأمر ليس يراد لعينه بل للمأمور فإذا علم ~~اليأس عنه فلا فائدة فيه فأما إذا لم يكن يأس فينبغي أن لا يسقط الوجوب # فإن قيل فالمكروه الذي تتوقع إصابته إن لم يكن متيقنا ولا معلوما بغالب ~~الظن ولكن كان مشكوكا فيه أو كان غالب ظنه أنه لا يصاب بمكروه ولكن احتمل ~~أن يصاب بمكروه فهذا الاحتمال هل يسقط الوجوب حتى لا يجب إلا عند اليقين ~~بأنه لا يصيبه مكروه أم يجب في كل حال إلا إذا غلب على ظنه أنه يصاب بمكروه ~~قلنا إن غلب على الظن أنه يصاب لم يجب وإن غلب أنه لا يصاب وجب ومجرد ~~التجويز لا يسقط الوجوب فإن ذلك PageV02P320 ممكن في كل حسبة وإن شك فيه من ~~غير رجحان فهذا محل النظر فيحتمل أن يقال الأصل الوجوب بحكم العمومات وإنما ~~يسقط بمكروه والمكروه هو الذي يظن أو يعلم حتى يكون متوقعا وهذا هو الأظهر ~~ويحتمل أن يقال إنه إنما يجب عليه إذا علم أنه لا ضرر فيه عليه أو ظن أنه ~~لا ضرر عليه والأول أصح نظرا إلى قضية العمومات الموجبة للأمر بالمعروف # فإن قيل فالتوقع للمكروه يختلف بالجبن والجراءة فالجبان الضعيف القلب يرى ~~البعيد قريبا حتى كأنه يشاهده ويرتاع منه والمتهور الشجاع يبعد وقوع ~~المكروه به بحكم ما جبل عليه من حسن الأمل حتى إنه لا يصدق به إلا بعد ~~وقوعه فعلى ماذا التعويل قلنا التعويل على اعتدال الطبع وسلامة العقل ~~والمزاج فإن الجبن مرض وهو ضعف في القلب سببه قصور في القوة وتفريط والتهور ~~إفراط في القوة وخروج عن الاعتدال بالزيادة وكلاهما نقصان وإنما الكمال في ~~الاعتدال الذي يعبر عنه بالشجاعة # وكل واحد من الجبن والتهور يصدر تارة عن نقصان العقل # وتارة عن خلل في المزاج بتفريط أو إفراط فإن من اعتدل مزاجه في صفة الجبن ~~والجراءة فقد لا يتفطن لمدارك الشر فيكون سبب جراءته جهله وقد لا يتفطن ~~لمدارك دفع الشر فيكون سبب جبنه جهله وقد يكون عالما بحكم التجربة ~~والممارسة بمداخل الشر ودوافعه ولكن يعمل الشر البعيد في تخذيله وتحليل ~~قوته في الإقدام بسبب ضعف قلبه ما يفعله الشر القريب في حق الشجاع المعتدل ~~الطبع فلا التفات إلى الطرفين # وعلى الجبان أن يتكلف إزالة الجبن بإزالة علته وعلته جهل أو ضعف ويزول ~~الجهل بالتجربة ويزول الضعف بممارسة الفعل المخفوف منه تكلفا حتى يصير ~~معتادا إذ المبتدىء في المناظرة والوعظ مثلا قد يجبن عنه طبعه لضعفه فإذا ~~مارس واعتاد فارقه الضعف فإن صار ذلك ضروريا غير قابل للزوال بحكم استيلاء ~~الضعف على القلب فحكم ذلك الضعيف يتبع حاله فيعذر كما يعذر المريض في ~~التقاعد عن بعض الواجبات ولذلك قد نقول على رأي لا يجب ركوب البحر لأجل حجة ~~الإسلام على من يغلب عليه الجبن في ركوب البحر ويجب على من لا يعظم خوفه ~~منه فكذلك الأمر في وجوب الحسبة # فإن قيل فالمكروه المتوقع ما حده فإن الإنسان قد يكره كلمة وقد يكره ضربة ~~وقد يكره طول لسان المحتسب عليه في حقه بالغيبة وما من شخص يؤمر بالمعروف ~~إلا يتوقع منه نوع من الأذى وقد يكون منه أن يسعى به إلى سلطان أو يقدح فيه ~~في مجلس يتضرر بقدحه فيه فما حد المكروه الذي يسقط الوجوب به قلنا هذا أيضا ~~فيه نظر غامض وصورته منتشرة ومجاريه كثيرة ولكنا نجتهد في ضم نشره وحصر ~~أقسامه # فنقول المكروه نقيض المطلوب ومطالب الخلق في الدنيا ترجع إلى أربعة أمور ~~أما في النفس فالعلم # وأما في البدن فالصحة والسلامة # وأما في المال فالثروة # وأما في قلوب الناس فقيام الجاه فإذا المطلوب العلم 0 والصحة والثروة ~~والجاه ومعنى الجاه ملك قلوب الناس كما أن معنى الثروة ملك الدراهم لأن ~~قلوب الناس وسيلة إلى الأعراض كما أن ملك الدراهم وسيلة إلى بلوغ الأغراض ~~وسيأتي تحقيق معنى الجاه وسبب ميل الطبع إليه في ربع المهلكات وكل واحدة من ~~هذه الأربعة يطلبها الإنسان لنفسه ولأقاربه والمختصين به # ويكره في هذه الأربعة أمران أحدهما زوال ما هو حاصل موجود والآخر امتناع ~~ما هو منتظر مفقود أعني اندفاع ما يتوقع وجوده فلا ضرر إلا في فوات حاصل ~~وزواله أو تعويق منتظر فإن المنتظر عبارة عن الممكن حصوله والممكن حصوله ~~كأنه حاصل وفوات إمكانه كأنه فوات حصوله فرجع المكروه إلى قسمين أحدهما خوف ~~امتناع المنتظر وهذا PageV02P321 لا ينبغي أن يكون مرخصا في ترك الأمر ~~بالمعروف أصلا # ولنذكر مثاله في المطالب الأربعة أما العلم فمثاله تركه الحسبة على من ~~يختص بأستاذه خوفا من أن يقبح حاله عنده فيمتنع من تعليمه وأما الصحة فتركه ~~الإنكار على الطبيب الذي يدخل عليه مثلا وهو لابس حريرا خوفا من أن يتأخر ~~عنه فتمتنع بسببه صحته المنتظرة # وأما المال فتركه الحسبة على السلطان وأصحابه وعلى من يواسيه من ماله ~~خيفة من أن يقطع إدراره في المستقبل ويترك مواساته # وأما الجاه فتركه الحسبة على من يتوقع منه نصرة وجاها في المستقبل خيفة ~~من أن لا يحصل له الجاه أو خيفة من أن يقبح حاله عند السلطان الذي يتوقع ~~منه ولاية # وهذا كله لا يسقط وجوب الحسبة لأن هذه زيادات امتنعت وتسمية امتناع حصول ~~الزيادات ضررا مجاز # وإنما الضرر الحقيقي فوات حاصل ولا يستثنى من هذا شيء إلا ما تدعو إليه ~~الحاجة ويكون في فواته محذور يزيد على محذور السكوت على المنكر كما إذا كان ~~محتاجا إلى الطبيب لمرض ناجز والصحة منتظرة من معالجة الطبيب ويعلم أن في ~~تأخره شدة الضنا به وطول المرض وقد يفضي إلى الموت # وأعني بالعلم الظن الذي يجوز بمثله ترك استعمال الماء والعدول إلى التيمم ~~فإذا انتهى إلى هذا الحد لم يبعد أن يرخص في ترك الحسبة # وأما في العلم فمثل أن يكون جاهلا بمهمات دينه ولم يجد إلا معلما واحدا ~~ولا قدرة له على الرحلة إلى غيره وعلم أن المحتسب عليه قادر على أن يسد ~~عليه طريق الوصول إليه لكون العالم مطيعا له أو مستمعا لقوله فإذا الصبر ~~على الجهل بمهمات الدين محذور والسكوت على المنكر محذور ولا يبعد أن يرجح ~~أحدهما ويختلف ذلك بتفاحش المنكر وبشدة الحاجة إلى العلم لتعلقه بمهمات ~~الدين # وأما في المال فكمن يعجز عن الكسب والسؤال وليس هو قوي النفس في التوكل ~~ولا منفق عليه سوى شخص واحد ولو احتسب عليه قطع رزقه وافتقر في تحصيله إلى ~~طلب إدرار حرام أو مات جوعا فهذا أيضا إذا اشتد الأمر فيه لم يبعد أن يرخص ~~له في السكوت # وأما الجاه فهو أن يؤذيه شرير ولا يجد سبيلا إلى دفع شره إلا بجاه يكتسبه ~~من سلطان ولا يقدر على التوصل إليه إلا بواسطة شخص يلبس الحرير أو يشرب ~~الخمر ولو احتسب عليه لم يكن واسطة ووسيلة له فيمتنع عليه حصول الجاه ويدوم ~~بسببه أذى الشرير # فهذه الأمور كلها إذا ظهرت وقويت لم يبعد استثناؤها ولكن الأمر فيها منوط ~~باجتهاد المحتسب حتى يستفتي فيها قلبه ويزن أحد المحذورين بالآخر ويرجح ~~بنظر الدين لا بموجب الهوى والطبع فإن رجح بموجب الدين سمى سكوته مداراة ~~وإن رجح بموجب الهوى سمى سكوته مداهنة # وهذا أمر باطن لا يطلع عليه إلا بنظر دقيق ولكن الناقد بصير فحق على كل ~~متدين فيه أن يراقب قلبه ويعلم أن الله مطلع على باعثه وصارفه أنه الدين أو ~~الهوى وستجد كل نفس ما عملت من سوء أو خير محضرا عند الله ولو في فلتة خاطر ~~أو فلتة ناظر من غير ظلم وجور فما الله بظلام للعبيد # وأما القسم الثاني وهو فوات الحاصل فهو مكروه ومعتبر في جواز السكوت في ~~الأمور الأربعة إلا العلم فإن فواته غير مخوف إلا بتقصير منه وإلا فلا يقدر ~~أحد على سلب العلم من غيره وإن قدر على سلب الصحة والسلامة والثروة والمال ~~وهذا أحد أسباب شرف العلم فإنه يدوم في الدنيا ويدوم ثوابه في الآخرة فلا ~~انقطاع له أبد الآباد # وأما الصحة والسلامة ففواتهما بالضرب فكل من علم أنه يضرب ضربا مؤلما ~~يتأذى به في الحسبة لم تلزمه الحسبة وإن كان يستحب له ذلك كما سبق وإذا فهم ~~هذا في الإيلام بالضرب فهو في الجرح والقطع والقتل أظهر # وأما الثروة فهو بأن يعلم أنه تنهب داره ويخرب بيته وتسلب ثيابه فهذا ~~أيضا يسقط عنه الوجوب ويبقى PageV02P322 الاستحباب إذ لا بأس بأن يفدي دينه ~~بدنياه ولكل واحد من الضرب والنهب حد في القلة لا يكترث به كالحبة في المال ~~واللطمة الخفيف ألمها في الضرب وحد في الكثرة يتعين اعتباره ووسط يقع في ~~محل الاشتباه والاجتهاد وعلى المتدين أن يجتهد في ذلك ويرجح جانب الدين ما ~~أمكن # وأما الجاه ففواته بأن يضرب ضربا غير مؤلم أو بسبب على ملأ من الناس أو ~~يطرح منديله في رقبته ويدار به في البلد أو يسود وجهه ويطاف به وكل ذلك من ~~غير ضرب مؤلم للبدن وهو فادح في الجاه ومؤلم للقلب # وهذا له درجات فالصواب أن يقسم إلى ما يعبر عنه بسقوط المروءة كالطواف به ~~في البلد حاسرا حافيا فهذا يرخص له في السكوت لأن المروءة مأمور بحفظها في ~~الشرع وهذا مؤلم للقلب ألما يزيد على ألم ضربات متعددة وعلى فوات دريهمات ~~قليلة فهذه درجة # الثانية ما يعبر عنه بالجاه المحض وعلو الرتبة فإن الخروج في ثياب فاخرة ~~تجمل وكذلك الركوب للخيول # فلو علم أنه لو احتسب لكلف المشي في السوق في ثياب لا يعتاد هو مثلها أو ~~كلف المشي راجلا وعادته الركوب # فهذا من جملة المزايا # وليست المواظبة على حفظها محمودة # وحفظ المروءة محمود فلا ينبغي أن يسقط وجوب الحسبة بمثل هذا القدر # وفي معنى هذا ما لو خاف أن يتعرض له باللسان إما في حضرته بالتجهيل ~~والتحميق والنسبة إلى الرياء والبهتان # وأما في غيبته بأنواع الغيبة فهذا لا يسقط الوجوب إذ ليس فيه إلا زوال ~~فضلات الجاه التي ليس إليها كبير حاجة # ولو تركت الحسبة بلوم لائم أو باغتياب فاسق أو شتمه وتعنيفه أو سقوط ~~المنزلة عن قلبه وقلب أمثاله لم يكن للحسبة وجوب أصلا إذ لا تنفك الحسبة ~~عنه إلا إذا كان المنكر هو الغيبة وعلم أنه لو أنكر لم يسكت عن المغتاب ~~ولكن أضافه إليه وأدخله معه في الغيبة فتحرم هذه الحسبة لأنها سبب زيادة ~~المعصية وإن علم أنه يترك تلك الغيبة ويقتصر على غيبته فلا تجب عليه الحسبة ~~لأن غيبته أيضا معصية في حق المغتاب ولكن يستحب له ذلك ليفدى عرض المذكور ~~بعرض نفسه على سبيل الإيثار # وقد دلت العمومات على تأكد وجوب الحسبة وعظم الخطر في السكوت عنها فلا ~~يقابله إلا ما عظم في الدين خطره والمال والنفس والمروءة قد ظهر في الشرع ~~خطرها فأما مزايا الجاه والحشمة ودرجات التجمل وطلب ثناء الخلق فكل ذلك لا ~~خطر له # وأما امتناعه لخوف شيء من هذه المكاره في حق أولاده وأقاربه فهو في حقه ~~دونه لأن تأذيه بأمر نفسه أشد من تأذيه بأمر غيره ومن وجه الدين هو فوقه ~~لأن له أن يسامح في حقوق نفسه وليس له المسامحة في حق غيره # فإذا ينبغي أن يمتنع فإنه إن كان ما يفوت من حقوقهم يفوت على طريق ~~المعصية كالضرب والنهب فليس له هذه الحسبة لأنه دفع منكر يفضي إلى منكر وإن ~~كان يفوت لا بطريق المعصية فهو إيذاء للمسلم أيضا وليس له ذلك إلا برضاهم # فإذا كان يؤدي ذلك إلى أذى قومه فليتركه وذلك كالزاهد الذي له أقارب ~~أغنياء فإنه لا يخاف على ماله إن احتسب على السلطان ولكنه يقصد أقاربه ~~انتقاما منه بواسطته فإذا كان يتعدى الأذى من حسبته إلى أقاربه وجيرانه ~~فليتركها فإن إيذاء المسلمين محذور كما أن السكوت على المنكر محذور # نعم إن كان لا ينالهم أذى في مال أو نفس ولكن ينالهم الأذى بالشتم والسب ~~فهذا فيه نظر ويختلف الأمر فيه بدرجات المنكرات في تفاحشها ودرجات الكلام ~~المحذور في نكايته في القلب وقدحه في العرض # فإن قيل فلو قصد الإنسان قطع طرف من نفسه وكان لا يمتنع عنه إلا بقتال ~~ربما يؤدي إلى قتله فهل يقاتل عليه فإن قلتم يقاتل فهو محال لأنه إهلاك نفس ~~خوفا من إهلاك طرف وفي إهلاك النفس إهلاك الطرف أيضا قلنا يمنعه عنه ~~ويقاتله إذ ليس غرضنا حفظ نفسه وطرفه بل الغرض حسم سبيل المنكر والمعصية ~~وقتله في الحسبة ليس بمعصية وقطع طرف نفسه معصية # وذلك كدفع الصائل على مال مسلم بما يأتي على قتله فإنه جائز لا على معنى ~~PageV02P323 أنا نفدي درهما من مال مسلم بروح مسلم فإن ذلك محال ولكن قصده ~~لأخذ مال المسلمين معصية وقتله في الدفع عن المعصية ليس بمعصية وإنما ~~المقصود دفع المعاصي # فإن قيل فلو علمنا أنه لو خلا بنفسه لقطع طرف نفسه فينبغي أن نقتله في ~~الحال حسما لباب المعصية قلنا ذلك لا يعلم يقينا ولا يجوز سفك دمه بتوهم ~~معصية ولكنا إذا رأيناه في حال مباشرة القطع دفعناه فإن قاتلنا قاتلناه ولم ~~نبال بما يأتي على روحه # فإذا المعصية لها ثلاثة أحوال # إحداها أن تكون متصرمة فالعقوبة على ما تصرم منها حد أو تعزير وهو إلى ~~الولاة لا إلى الآحاد # الثانية أن تكون المعصية راهنة وصاحبها مباشر لها كلبسه الحرير وإمساكه ~~العود والخمر فإبطال هذه المعصية واجب بكل ما يمكن ما لم تؤد إلى معصية ~~أفحش منها أو مثلها وذلك يثبت للآحاد والرعية # الثالثة أن يكون المنكر متوقعا كالذي يستعد بكنس المجلس وتزيينه وجمع ~~الرياحين لشرب الخمر وبعده لم يحضر الخمر فهذا مشكوك فيه إذ ربما يعوق عنه ~~عائق فلا يثبت للآحاد سلطنة على العازم على الشرب إلا بطريق الوعظ والنصح ~~فأما بالتعنيف والضرب فلا يجوز للأحاد ولا للسلطان إلا إذا كانت تلك ~~المعصية علمت منه بالعادة المستمرة وقد أقدم على السبب المؤدي إليها ولم ~~يبق لحصول المعصية إلا ما ليس له فيه إلا الانتظار وذلك كوقوف الأحداث على ~~أبواب حمامات النساء للنظر إليهن عند الدخول والخروج فإنهم وإن لم يضيقوا ~~الطريق لسعته فتجوز الحسبة عليهم بإقامتهم من الموضع ومنعهم عن الوقوف ~~بالتعنيف والضرب وكان تحقيق هذا إذا بحث عنه يرجع إلى أن هذا الوقوف في ~~نفسه معصية وإن كان مقصد العاصي وراءه كما أن الخلوة بالأجنبية في نفسها ~~معصية لأنها مظنة وقوع المعصية وتحصيل مظنة المعصية معصية ونعني بالمظنة ما ~~يتعرض الإنسان به لوقوع المعصية غالبا بحيث لا يقدر على الانكفاف عنها فإذا ~~هو على التحقيق حسبة على معصية راهنة لا على معصية منتظرة الركن الثاني ~~للحسبة ما فيه الحسبة # وهو كل منكر موجود في الحال ظاهر للمحتسب بغير تجسس معلوم كونه منكرا ~~بغير اجتهاد فهذه أربعة شروط فلنبحث عنها # الأول كونه منكرا ونعني به أن يكون محذور الوقوع في الشرع وعدلنا عن لفظ ~~المعصية إلى هذا لأن المنكر أعم من المعصية إذ من رأى صبيا أو مجنونا يشرب ~~الخمر فعليه أن يريق خمره ويمنعه وكذا إن رأى مجنونا يزني بمجنونة أو بهيمة ~~فعليه أن يمنعه منه # وليس ذلك لتفاحش صورة الفعل وظهوره بين الناس بل لو صادف هذا المنكر في ~~خلوة لوجب المنع منه وهذا لا يسمى معصية في حق المجنون إذ معصية لا عاصي ~~بها محال فلفظ المنكر أدل عليه وأعم من لفظ المعصية وقد أدرجنا في عموم هذا ~~الصغيرة والكبيرة فلا تختص الحسبة بالكبائر بل كشف العورة في الحمام ~~والخلوة بالأجنبية واتباع النظر للنسوة الأجنبيات كل ذلك من الصغائر ويجب ~~النهي عنها وفي الفرق بين الصغيرة والكبيرة نظر سيأتي في # | كتاب التوبة الشرط الثاني أن يكون موجودا في الحال وهو احتراز أيضا # عن الحسبة على من فرغ من شرب الخمر فإن ذلك ليس إلى الآحاد وقد انقرض ~~المنكر واحتراز عما سيوجد في ثاني الحال كمن يعلم بقرينة حال أنه عازم على ~~الشرب في ليلته فلا حسبة عليه إلا بالوعظ وإن أنكر عزمه عليه لم يجز وعظه ~~أيضا فإن فيه إساءة ظن بالمسلم وربما صدق في قوله # وربما لا يقدم على ما عزم عليه لعائق # وليتنبه للدقيقة التي ذكرناها وهو أن الخلوة بالأجنبية PageV02P324 معصية ~~ناجزة وكذا الوقوف على باب حمام النساء وما يجري مجراه # الشرط الثالث أن يكون المنكر ظاهرا للمحتسب بغير تجسس # فكل من ستر معصية في داره وأغلق بابه لا يجوز أن يتجسس عليه وقد نهى الله ~~تعالى عنه # وقصة عمر وعبد الرحمن بن عوف فيه مشهورة وقد أوردناها في # | كتاب آداب الصحبة وكذلك ما روي أن عمر رضي الله عنه تسلق دار رجل # فرآه على حالة مكروهة فأنكر عليه فقال يا أمير المؤمنين إن كنت أنا قد ~~عصيت الله من وجه واحد فأنت قد عصيته من ثلاثة أوجه # فقال وما هي فقال قد قال تعالى ولا تجسسوا وقد تجسست وقال تعالى وأتوا ~~البيوت من أبوابها وقد تسورت من السطح وقال لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى ~~تستأنسوا وتسلموا على أهلها وما سلمت # فتركه عمر وشرط عليه التوبة # ولذلك شاور عمر الصحابة رضي الله عنهم وهو على المنبر وسألهم عن الإمام ~~إذا شاهد بنفسه منكرا فهل له إقامة الحد فيه فأشار علي رضي الله عنه بأن ~~ذلك منوط بعدلين فلا يكفي فيه واحد # وقد أوردنا هذه الأخبار في بيان حق المسلم من # | كتاب آداب الصحبة فلا نعيدها فإن قلت فما حد الظهور والاستتار # فاعلم أن من أغلق باب داره وتستر بحيطانه فلا يجوز الدخول عليه بغير إذنه ~~لنعرف المعصية إلا أن يظهر في الدار ظهورا يعرفه من هو خارج الدار كأصوات ~~المزامير والأوتار إذا ارتفعت بحيث جاوز ذلك حيطان الدار # فمن سمع ذلك فله دخول الدار وكسر الملاهي وكذا إذا ارتفعت أصوات السكارى ~~بالكلمات المألوفة بينهم بحيث يسمعها أهل الشوارع فهذا إظهار موجب للحسبة # فإذن إنما يدرك مع تخلل الحيطان صوت أو رائحة # فإذا فاحت روائح الخمر فإن احتمل أن يكون ذلك من الخمور المحترمة فلا ~~يجوز قصدها بالإراقة # وإن علم بقرينة الحال أنها فاحت لتعاطيهم الشرب فهذا محتمل # والظاهر جواز الحسبة # وقد تستر قارورة الخمر في الكم وتحت الذيل وكذلك الملاهي فإذا رؤي فاسق ~~وتحت ذيله شيء لم يجز أن يكشف عنه ما لم يظهر بعلامة خاصة # فإن فسقه لا يدل على أن الذي معه خمر إذ الفاسق محتاج أيضا إلى الخل ~~وغيره # فلا يجوز أن يستدل بإخفائه وأنه لو كان حلالا لما أخفاه لأن الأغراض في ~~الإخفاء مما تكثر # وإن كانت الرائحة فائحة فهذا محل النظر # والظاهر أن له الاحتساب لأن هذه علامة تفيد الظن والظن كالعلم في أمثال ~~هذه الأمور # وكذلك العود ربما يعرف بشكله إذا كان الثوب السائر له رقيقا # فدلالة الشكل كدلالة الرائحة والصوت وما ظهرت دلالته فهو غير مستور بل هو ~~مكشوف وقد أمرنا بأن نستر ما ستر الله وننكر على من أبدى لنا صفحته # والإبداء له درجات فتارة يبدو لنا بحاسة السمع # وتارة بحاسة الشم # وتارة بحاسة البصر وتارة بحاسة اللمس ولا يمكن أن يخصص ذلك بحاسة البصر ~~بل المراد العلم # وهذه الحواس أيضا تفيد العلم # فإذن إنما يجوز أن يكسر ما تحت الثوب إذا علم أنه خمر # وليس له أن يقول أرني لأعلم ما فيه # هذا تجسس # ومعنى التجسس طلب الأمارات المعرفة فالأمارة المعرفة إن حصلت وأورثت ~~المعرفة جاز العمل بمقتضاها فأما طلب الأمارة المعرفة فلا رخصة فيه أصلا # الشرط الرابع أن يكون كونه منكرا معلوما بغير اجتهاد فكل ما هو في محل ~~الاجتهاد فلا حسبة # فليس للحنفي أن ينكر على الشافعي أكله الضب والضبع ومتروك التسمية # ولا للشافعي أن ينكر على الحنفي شربه النبيذ الذي ليس بمسكر وتناوله ~~ميراث ذوي الأرحام وجلوسه في دار أخذها بشفعة الجوار إلى غير ذلك من مجاري ~~الاجتهاد نعم لو رأى الشافعي شافعيا يشرب النبيذ وينكح بلا ولي ويطأ زوجته ~~فهذا في محل النظر والأظهر أن له الحسبة والإنكار إذ لم يذهب أحد من ~~المحصلين إلى أن المجتهد يجوز له أن يعمل بموجب اجتهاد غيره # ولا أن PageV02P325 الذي أدى اجتهاده في التقليد إلى شخص رآه أفضل ~~العلماء أن له أن يأخذ بمذهب غيره فينتقد من المذاهب أطيبها عنده بل على كل ~~مقلد اتباع مقلده في كل تفصيل فإذن مخالفته للمقلد متفق على كونه منكرا بين ~~المحصلين وهو عاص بالمخالفة إلا أنه يلزم من هذا أمر أغمض منه وهو أنه يجوز ~~للحنفي أن يعترض على الشافعي إذا نكح بغير ولي بأن يقول له الفعل في نفسه ~~حق ولكن لا في حقك فأنت مبطل بالإقدام عليه مع اعتقادك أن الصواب مذهب ~~الشافعي ومخالفة ما هو صواب عندك معصية في حقك وإن كانت صوابا عند الله # وكذلك الشافعي يحتسب على الحنفي إذا شاركه في أكل الضب ومتروك التسمية ~~وغيره ويقول له إما أن تعتقد أن الشافعي أولى بالاتباع ثم تقدم عليه أو لا ~~تعتقد ذلك فلا تقدم عليه لأنه على خلاف معتقدك # ثم ينجر هذا إلى أمر آخر من المحسوسات وهو أن يجامع الأصم مثلا امرأة على ~~قصد لزنا وعلم المحتسب أن هذه امرأته زوجه أبوه إياها في صغره ولكنه ليس ~~يدري وعجز عن تعريفه ذلك لصممه أو لكونه غير عارف بلغته فهو في الإقدام مع ~~اعتقاده أنها أجنبية عاص ومعاقب عليه في الدار الآخرة # فينبغي أن يمنعها عنه مع أنها زوجته وهو بعيد من حيث إنه حلال في علم ~~الله قريب من حيث إنه حرام عليه بحكم غلطه وجهله # ولا شك في أنه لو علق طلاق زوجته على صفة في قلب المحتسب مثلا من مشيئة ~~أو غضب أو غيره وقد وجدت الصفة في قلبه وعجز عن تعريف الزوجين ذلك ولكن علم ~~وقوع الطلاق في الباطن فإذا رآه يجامعها فعليه المنع أعني باللسان لأن ذلك ~~زنا إلا أن الزاني غير عالم به والمحتسب عالم بأنها طلقت منه ثلاثا وكونهما ~~غير عاصيين لجهلهما بوجود الصفة لا يخرج الفعل عن كونه منكرا ولا يتقاعد ~~ذلك عن زنا المجنون وقد بينا أنه يمنع منه فإذا كان يمنع مما هو منكر عند ~~الله وإن لم يكن منكرا عند الفاعل ولا هو عاص به لعذر الجهل فيلزم من عكس ~~هذا أن يقال ما ليس بمنكر عند الله إنما هو منكر عند الفاعل لجهله لا يمنع ~~منه وهذا هو الأظهر والعلم عند الله # فتحصل من هذا أن الحنفي لا يعترض على الشافعي في النكاح بلا ولي وأن ~~الشافعي يعترض على الشافعي فيه لكون المعترض عليه منكرا باتفاق المحتسب ~~والمحتسب عليه # وهذه مسائل فقهية دقيقة والاحتمالات فيها متعارضة وإنما أفتينا فيها بحسب ~~ما ترجح عندنا في الحال # ولسنا نقطع بخطأ ترجيح المخالف فيها إن رأى أنه لا يجري الاحتساب إلا في ~~معلوم على القطع وقد ذهب إليه ذاهبون وقالوا لا حسبة إلا في مثل الخمر ~~والخنزير وما يقطع بكونه حراما ولكن الأشبه عندنا أن الاجتهاد يؤثر في حق ~~المجتهد إذ يبعد غاية البعد أن يجتهد في القبلة ويعترف بظهور القبلة عنده ~~في جهة بالدلالات الظنية ثم يستدبرها ولا يمنع منه لأجل ظن غيره لأن ~~الاستدبار هو الصواب # ورأى من يرى أنه يجوز لكل مقلد أن يختار من المذاهب ما أراد غير معتد به ~~ولعله لا يصح ذهاب ذاهب إليه أصلا فهذا مذهب لا يثبت وإن ثبت فلا يعتد به # فإن قلت إذا كان لا يعترض على الحنفي في النكاح بلا ولي لأنه يرى أنه حق ~~فينبغي أن لا يعترض على المعتزلي في قوله إن الله لا يرى وقوله وإن الخير ~~من الله والشر ليس من الله وقوله كلام الله مخلوق ولا على الحشوى في قوله ~~إن الله تعالى جسم وله صورة وإنه مستقر على العرش بل لا ينبغي أن يعترض على ~~الفلسفي في قوله الأجساد لا تبعث وإنما تبعث النفوس لأن هؤلاء أيضا أدى ~~اجتهادهم إلى ما قالوه وهم يظنون أن ذلك هو الحق فإن قلت بطلان مذهب هؤلاء ~~ظاهر فبطلان مذهب من يخالف نص الحديث الصحيح أيضا ظاهر وكما ثبت بظواهر ~~النصوص أن الله تعالى يرى والمعتزلي ينكرها بالتأويل فكذلك ثبت بظواهر ~~النصوص مسائل خالف فيها الحنفي كمسألة النكاح بلا ولي ومسألة شفعة الجوار ~~ونظائرهما فاعلم أن المسائل تنقسم PageV02P326 إلى ما يتصور أن يقال فيه كل ~~مجتهد مصيب # وهي أحكام الأفعال في الحل والحرمة وذلك هو الذي لا يعترض على المجتهدين ~~فيه إذ لم يعلم خطؤهم قطعا بل ظنا وإلى ما لا يتصور أن يكون المصيب فيه إلا ~~واحد كمسألة الرؤية والقدر وقدم الكلام ونفي الصورة والجسمية والاستقرار عن ~~الله تعالى فهذا مما يعلم خطأ المخطىء فيه قطعا ولا يبقى لخطئه الذي هو جهل ~~محض وجه # فإذن البدع كلها ينبغي أن تحسم أبوابها وتنكر على المبتدعين بدعهم وإن ~~اعتقدوا أنها الحق كما يرد على اليهود والنصارى كفرهم وأن كانوا يعتقدون أن ~~ذلك حق لأن خطأهم معلوم على القطع بخلاف الخطأ في مظان الاجتهاد # فإن قلت فمهما اعترضت على القدري في قوله الشر ليس من الله اعترض عليك ~~القدري أيضا في قولك الشر من الله وكذلك في قولك إن الله يرى وفي سائر ~~المسائل # إذ المبتدع محق عند نفسه والمحق مبتدع عند المبتدع وكل يدعي أنه محق ~~وينكر كونه مبتدعا فكيف يتم الاحتساب فاعلم أنا لأجل هذا التعارض نقول ينظر ~~إلى البلدة التي فيها أظهرت تلك البدعة فإن كانت البدعة غريبة والناس كلهم ~~على السنة فلهم الحسبة عليه بغير إذن السلطان وإن انقسم أهل البلد إلى أهل ~~البدعة وأهل السنة وكان في الاعتراض تحريك فتنة بالمقاتلة فليس للآحاد ~~الحسبة في المذاهب إلا بنصب السلطان # فإذا رأى السلطان الرأي الحق ونصره وأذن لواحد أن يزجر المبتدعة عن إظهار ~~البدعة كان له ذلك وليس لغيره # فإن ما يكون بإذن السلطان لا يتقابل وما يكون من جهة الآحاد فيتقابل ~~الأمر فيه # وعلى الجملة فالحسبة في البدعة أهم من الحسبة في كل المنكرات ولكن ينبغي ~~أن يراعى فيها هذا التفصيل الذي ذكرناه كيلا يتقابل الأمر ولا ينجر إلى ~~تحريك الفتنة # بل لو أذن السلطان مطلقا في منع كل من يصرح بأن القرآن مخلوق أو أن الله ~~لا يرى أو أنه مستقر على العرش مماس له أو غير ذلك من البدع لتسلط الآحاد ~~على المنع منه ولم يتقابل الأمر فيه وإنما يتقابل عند عدم إذن السلطان فقط ~~الركن الثالث المحتسب عليه # وشرطه أن يكون بصفة يصير الفعل الممنوع منه في حقه منكرا وأقل ما يكفي في ~~ذلك أن يكون إنسانا ولا يشترط كونه مكلفا إذ بينا أن الصبي لو شرب الخمر ~~منع منه واحتسب عليه وإن كان قبل البلوغ ولا يشترط كونه مميزا إذ بينا أن ~~المجنون لو كان يزني بمجنونة أو يأتي بهيمة منعه منه # نعم من الأفعال ما لا يكون منكرا في حق المجنون كترك الصلاة والصوم وغيره # ولكنا لسنا نلتفت إلى اختلاف التفاصيل فإن ذلك أيضا مما يختلف فيه المقيم ~~والمسافر والمريض والصحيح # وغرضنا الإشارة إلى الصفة التي بها يتهيأ توجه أصل الإنكار عليه لا ما ~~بها يتهيأ للتفاصيل # فإن قلت فاكتف بكونه حيوانا ولا تشترط كونه إنسانا فإن البهيمة لو كانت ~~تفسد زرعا لإنسان لكنا تمنعها منه كما نمنع المجنون من الزنا وإتيان ~~البهيمة فاعلم أن تسمية ذلك حسبة لا وجه لها إذ الحسبة عبارة عن المنع عن ~~منكر لحق الله صيانة للممنوع عن مقارفة المنكر ومنع المجنون عن الزنا ~~وإتيان البهيمة لحق الله وكذا منع الصبي عن شرب الخمر # والإنسان إذا أتلف زرع غيره منع منه لحقين # أحدهما حق الله تعالى فإن فعله معصية # والثاني حق المتلف عليه فهما علتان تنفصل إحداهما عن الأخرى # فلو قطع طرف غيره بإذنه فقد وجدت المعصية وسقط حق المجني عليه بإذنه ~~فتثبت الحسبة والمنع بإحدى العلتين # والبهيمة إذا أتلفت فقد عدمت المعصية ولكن يثبت المنع بإحدى العلتين # ولكن فيه دقيقة وهو أنا لسنا نقصد بإخراج البهيمة منع البهيمة بل حفظ مال ~~PageV02P327 المسلم إذ البهيمة لو أكلت ميتة أو شربت من إناء فيه خمر أو ~~ماء مشوب بخمر لم نمنعها منه بل يجوز إطعام كلاب الصيد الجيف والميتات ولكن ~~مال المسلم إذا تعرض للضياع وقدرنا على حفظه بغير تعب وجب ذلك علينا حفظا ~~للمال بل لو وقعت جرة لإنسان من علو وتحتها قارورة لغيره فتدفع الجرة لحفظ ~~القارورة لا لمنع الجرة من السقوط فإنا لا نقصد منع الجرة وحراستها من أن ~~تصير كاسرة للقارورة ونمنع المجنون من الزنا وإتيان البهيمة وشرب الخمر ~~وكذا الصبي لا صيانة للبهيمة المأتية أو الخمر المشروب بل صيانة للمجنون عن ~~شرب الخمر وتنزيها له من حيث إنه إنسان محترم # فهذه لطائف دقيقة لا يتفطن لها إلا المحققون فلا ينبغي أن يغفل عنها ثم ~~فيما يجب تنزيه الصبي والمجنون عنه نظر إذ قد يتردد في معنهما من لبس ~~الحرير وغير ذلك # وسنتعرض لما نشير إليه في الباب الثالث # فإن قلت فكل من رأى بهائم قد استرسلت في زرع إنسان فهل يجب عليه إخراجها ~~وكل من رأى مالا لمسلم أشرف على الضياع هل يجب عليه حفظه فإن قلتم إن ذلك ~~واجب فهذا تكليف شطط يؤدي إلى أن يصير الإنسان مسخرا لغيره طول عمره وإن ~~قلتم لا يجب فلم يجبالاحتساب على من يغصب مال غيره وليس له سبب سوى مراعاة ~~مال الغير فنقول هذا بحث دقيق غامض # والقول الوجيز فيه أن نقول مهما قدر على حفظه من الضياع من غير أن يناله ~~تعب في بدنه أو خسران في ماله أو نقصان جاهه وجب عليه ذلك فذلك القدر واجب ~~في حقوق المسلم بل هو أقل درجات الحقوق والأدلة الموجبة لحقوق المسلمين ~~كثيرة وهذا أقل درجاتها وهو أولى بالإيجاب من رد السلام فإن الأذى في هذا ~~أكثر من الأذى في ترك رد السلام بل لا خلاف في أن مال الإنسان إذا كان يضيع ~~بظلم ظالم وكان عند الشهادة لو تكلم بها لرجع الحق إليه وجب عليه ذلك وعصى ~~بكتمان الشهادة ففي معنى ترك الشهادة ترك كل دفع لا ضرر على الدافع فيه ~~فأما إن كان عليه تعب أو ضرر في مال أو جاه لم يلزمه السعي في ذلك ولكن إذا ~~كان لا يتعب بتنبيه صاحب الزرع من نوم أو بإعلامه يلزمه فإهمال تعريفه ~~وتنبيهه كإهماله تعريف القاضي بالشهادة وذلك لا رخصة فيه ولا يمكن أن يراعى ~~فيه الأقل والأكثر حتى يقال إن كان لا يضيع من منفعته في مدة اشتغاله ~~بإخراج البهائم إلا قدر درهم مثلا وصاحب الزرع يفوته مال كثير فيترجح جانبه ~~لأن الدرهم الذي له هو يستحق حفظه كما يستحق صاحب الألف حفظ الألف ولا سبيل ~~للمصير إلا ذلك فأما إذا كان فوات المال بطريق هو معصية كالغصب أو قتل عبد ~~مملوك للغير فهذا يجب المنع منه وإن كان فيه تعب ما لأن المقصود حق الشرع ~~والغرض دفع المعصية وعلى الإنسان أن يتعب نفسه في دفع المعاصي كما عليه أن ~~يتعب نفسه في ترك المعاصي # والمعاصي كلها في تركها تعب وإنما الطاعة كلها ترجع إلى مخالفة النفس وهي ~~غاية التعب ثم لا يلزمه احتمال كل ضرر بل التفصيل فيه كما ذكرناه من درجات ~~المحذورات التي يخافها المحتسب # وقد اختلف الفقهاء في مسئلتين تقربان من غرضنا إحداهما أن الالتقاط هل هو ~~واجب واللقطة ضائعة والملتقط مانع من الضياع وساع في الحفظ والحق فيه عندنا ~~أن يفصل ويقال إن كانت اللقطة في موضع لو تركها فيه لم تضع بل يلتقطها من ~~يعرفها أو تترك كما لو كان في مسجد أو رباط يتعين من يدخله وكلهم أمناء فلا ~~يلزمه الالتقاط وإن كانت في مضيعة نظر فإن كان عليه تعب في حفظها كما لو ~~كانت بهيمة وتحتاج إلى علف واصطبل فلا يلزمه ذلك لأنه إنما يجب الالتقاط ~~لحق المالك # وحقه بسبب كونه إنسانا محترما والملتقط أيضا إنسان وله حق في أن لا يتعب ~~لأجل غيره كما لا يتعب غيره لأجله # فإن كانت ذهبا أو ثوبا أو شيئا لا ضرر عليه فيه إلا مجرد تعب PageV02P328 ~~التعريف فهذا ينبغي أن يكون في محل الوجهين فقائل يقول التعريف والقيام ~~بشرطه فيه تعب فلا سبيل إلى إلزامه ذلك إلا أن يتبرع فيلتزم طبقا للثواب # وقائل يقول إن هذا القدر من التعب مستصغر بالإضافة إلى مراعاة حقوق ~~المسلمين فينزل هذا منزلة تعب الشاهد في حضور مجلس الحكم فإنه لا يلزمه ~~السفر إلى بلدة أخرى إلا أن يتبرع به فإذا كان مجلس القاضي في جواره لزمه ~~الحضور وكان التعب بهذه الخطوات لا يعد تعبا في غرض إقامة الشهادة وأداء ~~الأمانة وإن كان في الطرف الآخر من البلد وأحوج إلى الحضور في الهاجرة وشدة ~~الحر فهذا قد يقع في محل الاجتهاد والنظر فإن الضرر الذي ينال الساعي في ~~حفظ حق الغير له طرف في القلة لا يشك في أنه لا يبالي به وطرف في الكثرة لا ~~يشك في أنه لا يلزم احتماله ووسط يتجاذبه الطرفان ويكون أبدا في محل الشبهة ~~والنظر وهي من الشبهات المزمنة التي ليس في مقدور البشر إزالتها إذ لا علة ~~تفرق بين أجزائها المتقاربة ولكن المتقي ينظر فيها لنفسه ويدع ما يريبه إلا ~~ما لا يريبه فهذا نهاية الكشف عن هذا الأصل الركن الرابع نفس الاحتساب # وله درجات وآداب أما الدرجات فأولها التعرف ثم التعريف ثم النهي ثم الوعظ ~~والنصح ثم السب والتعنيف ثم التغيير باليد ثم التهديد بالضرب ثم إيقاع ~~الضرب وتحقيقه ثم شهر السلاح ثم الاستظهار فيه بالأعوان وجمع الجنود # أما الدرجة الأولى وهي التعرف ونعني طلب المعرفة بجريان المنكر وذلك منهي ~~عنه وهو التجسس الذي ذكرناه فلا ينبغي أن يسترق السمع على دار غيره ليسمع ~~صوت الأوتار ولا أن يستنشق ليدرك رائحة الخمر ولا أن يمس ما في ثوبه ليعرف ~~شكل المزمار ولا أن يستخبر من جيرانه ليخبروه بما يجري في داره # نعم لو أخبره عدلان ابتداء من غير استخبار بأن فلانا يشرب الخمر في داره ~~أو بأن في داره خمرا أعده للشرب فله إذ ذاك أن يدخل داره ولا يلزم ~~الاستئذان ويكون تخطى ملكه بالدخول للتوصل إلى دفع المنكر ككسر رأسه بالضرب ~~للمنع مهما احتاج إليه # وإن أخبره عدلان أو عدل واحد وبالجملة كل من تقبل روايته لا شهادته ففي ~~جواز الهجوم على داره بقولهم فيه نظر واحتمال والأولى أن يمتنع لأن له حقا ~~في أن لا يتخطى داره بغير إذنه ولا يسقط حق المسلم عما ثبت عليه حقه إلا ~~بشاهدين فهذا أولى ما يجعل مردا فيه وقد قيل أنه كان نقش خاتم لقمان الستر ~~لما عاينت أحسن من إذاعة ما ظننت # الدرجة الثانية التعريف فإن المنكر قد يقدم عليه المقدم بجهله وإذا عرف ~~أنه منكر تركه كالسوادي يصلي ولا يحسن الركوع والسجود فيعلم أن ذلك لجهله ~~بأن هذه ليست بصلاة ولو رضى بأن لا يكون مصليا لترك أصل الصلاة فيجب تعريفه ~~باللطف من غير عنف وذلك لأن ضمن التعريف نسبة إلى الجهل والحمق والتجهيل ~~إيذاء وقلما يرضى الإنسان بأن ينسب إلى الجهل بالأمور لا سيما بالشرع # ولذلك ترى الذي يغلب عليه الغضب كيف يغضب إذا نبه على الخطأ والجهل وكيف ~~يجتهد في مجاحدة الحق بعد معرفته خيفة من أن تنكشف عورة جهله والطباع أحرص ~~على ستر عورة الجهل منها على ستر العورة الحقيقية لأن الجهل قبح في صورة ~~النفس وسواد في وجهه وصاحبه ملوم عليه وقبح السوأتين يرجع إلى صورة البدن ~~والنفس أشرف من البدن وقبحها أشد من قبح البدن ثم هو غير ملوم عليه لأنه ~~خلقة لم يدخل تحت اختياره حصوله ولا في اختياره إزالته وتحسينه # والجهل قبح يمكن إزالته وتبديله بحسن العلم فلذلك يعظم تألم الإنسان ~~بظهور جهله ويعظم ابتهاجه في نفسه بعلمه PageV02P329 ثم لذته عند ظهور جمال ~~علمه لغيره # وإذا كان التعريف كشفا للعورة مؤذيا للقلب فلا بد وأن يعالج دفع أذاه ~~بلطف الرفق فنقول له إن الإنسان لا يولد عالما ولقد كنا أيضا جاهلين بأمور ~~الصلاة فعلمنا العلماء ولعل قريتك خالية عن أهل العلم أو عالمها مقصر في ~~شرح الصلاة وإيضاحها إنما شرط الصلاة الطمأنينة في الركوع والسجود # وهكذا يتلطف به ليحصل التعريف من غير إيذاء فإن إيذاء المسلم حرام محذور ~~كما أن تقريره على المنكر محذور وليس من العقلاء من يغسل الدم بالدم أو ~~بالبول ومن اجتنب محذور السكوت على المنكر واستبدل عنه محذور الإيذاء ~~للمسلم مع الإستغناء عنه فقد غسل الدم بالبول على بالتحقيق # وأما إذا وقفت على خطأ في غير أمر الدين فلا ينبغي أن ترده عليه فإنه ~~يستفيد منك علما ويصير لك عدوا إلا إذا علمت أنه يغتنم العلم وذلك عزيز جدا # الدرجة الثالثة النهي بالوعظ والنصح والتخويف بالله تعالى وذلك فيمن يقدم ~~على الأمر وهو عالم بكونه منكرا أو فيمن أصر عليه بعد أن عرف كونه منكرا ~~كالذي يواظب على الشرب أو على الظلم أو على اغتياب المسلمين أو ما يجري ~~مجراه فينبغي أن يوعظ ويخوف بالله تعالى وتورد عليه الأخبار الواردة ~~بالوعيد في ذلك وتحكى له سيرة السلف وعبادة المتقين وكل ذلك بشفقة ولطف من ~~غير عنف وغضب بل ينظر إليه نظر المترحم عليه ويرى إقدامه على المعصية مصيبة ~~على نفسه إذ المسلمون كنفس واحدة وههنا آفة عظيمة ينبغي أن يتوقاها فإنها ~~مهلكة وهي أن العالم يرى عند التعريف عز نفسه بالعلم وذل غيره بالجهل فربما ~~يقصد بالتعريف الإدلال وإظهار التمييز بشرف العلم وإذلال صاحبه بالنسبة إلى ~~خسة الجهل # فإن كان الباعث هذا فهذا المنكر أقبح في نفسه من المنكر الذي يعترض عليه ~~ومثال هذا المحتسب مثال من يخلص غيره من النار بإحراق نفسه وهو غاية في ~~الجهل # وهذه مذلة عظيمة وغائلة هائلة وغرور للشيطان يتدلى بحبله كل إنسان إلا من ~~عرفه الله عيوب نفسه وفتح بصيرته بنور هدايته فإن في الاحتكام على الغير ~~لذة للنفس عظيمة من وجهين أحدهما من جهة العلم والآخر من جهة دالة الاحتكام ~~والسلطنة # وذلك يرجع إلى الرياء وطلب الجاه وهو الشهوة الخفية الداعية إلى الشرك ~~الخفي وله محك ومعيار ينبغي أن يمتحن المحتسب به نفسه وهو أن يكون امتناع ~~ذلك الإنسان عن المنكر بنفسه أو باحتساب غيره أحب إليه من امتناعه باحتسابه # فإن كانت الحسبة شاقة عليه ثقيلة على نفسه وهو يود أن يكفي بغيره فليحتسب ~~فإن باعثه هو الدين وإن كان اتعاظ ذلك العاصي بوعظه وانزجاره بزجره أحب ~~إليه من اتعاظه بوعظ غيره فما هو إلا متبع هوى نفسه ومتوسل إلى إظهار جاه ~~نفسه بواسطة حسبته فليتق الله تعالى فيه وليحتسب أولا على نفسه # وعند هذا يقال له ما قيل لعيسى عليه السلام يا ابن مريم عظ نفسك فإن ~~اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني # وقيل لداود الطائي رحمه الله أرأيت رجلا دخل على هؤلاء الأمراء فأمرهم ~~بالمعروف ونهاهم عن المنكر فقال أخاف عليه السوط قال إنه يقوى عليه قال ~~أخاف عليه السيف قال إنه يقوى عليه قال أخاف عليه الداء الدفين وهو العجب # الدرجة الرابعة السب والتعنيف بالقول الغليظ الخشن وذلك يعدل إليه عند ~~العجز عن المنع باللطف وظهور مبادىء الإصرار والاستهزاء بالوعظ والنصح وذلك ~~مثل قول إبراهيم عليه السلام أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون ~~ولسنا نعني بالسب والفحش بما فيه نسبة إلى الزنا ومقدماته ولا الكذب بل أن ~~يخاطبه بما فيه مما لا يعد من جملة الفحش كقوله يا فاسق يا أحمق يا جاهل ~~ألا تخاف الله وكقوله يا سوادي يا غبي وما يجري هذا المجرى # فإن كل فاسق فهو أحمق وجاهل ولولا حمقه لما عصى الله تعالى بل كل من ليس ~~PageV02P330 بكيس فهو أحمق # والكيس من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكياسة حيث قال الكيس ~~من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله ~~+ حديث الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت الحديث أخرجه الترمذي وقال ~~حسن وابن ماجه من حديث شداد بن أوس + # ولهذه الرتبة أدبان أحدهما أن لا يقدم عليها إلا عند الضرورة والعجز عن ~~اللطف # والثاني أن لا ينطق إلا بالصدق ولا يسترسل فيه فيطلق لسانه الطويل بما لا ~~يحتاج إليه بل يقتصر على قدر الحاجة # فإن علم أن خطابه بهذه الكلمات الزاجرة ليست تزجره فلا ينبغي أن يطلقه # بل يقتصر على إظهار الغضب والاستحقار له والازدراء بمحله لأجل معصيته وإن ~~علم أنه لو تكلم ضرب ولو اكفهر وأظهر الكراهة بوجهه لم يضرب لزمه ولم يكفه ~~الإنكار بالقلب بل يلزمه أن يقطب وجهه ويظهر الإنكار له # الدرجة الخامسة التغيير باليد وذلك ككسر الملاهي وإراقة الخمر وخلع ~~الحرير من رأسه وعن بدنه ومنعه من الجلوس عليه ودفعه عن الجلوس على مال ~~الغير وإخراجه من الدار المغصوبة بالجر برجله وإخراجه من المسجد إذا كان ~~جالسا وهو جنب وما يجري مجراه ويتصور ذلك في بعض المعاصي دون بعض # فأما معاصي اللسان والقلب فلا يقدر على مباشرة تغييرها وكذلك كل معصية ~~تقتصر على نفس العاصي وجوارحه الباطنة # وفي هذه الدرجة أدبان أحدهما أن لا يباشر بيده التغيير ما لم يعجز عن ~~تكليف المحتسب عليه ذلك فإذا أمكنه أن يكلفه المشي في الخروج عن الأرض ~~المغصوبة والمسجدفلا ينبغي أن يدفعه أو يجره وإذا قدر على أن يكلفه إراقة ~~الخمر وكسر الملاهي وحل دروز ثوب الحرير فلا ينبغي أن يباشر ذلك بنفسه فإن ~~في الوقوف على حد الكسر نوع عسر فإذا لم يتعاط بنفسه ذلك كفى الاجتهاد فيه ~~وتولاه من لا حجر عليه في فعله # الثاني أن يقتصر في طريق التغيير على القدر المحتاج إليه وهو أن لا يأخذ ~~بلحيته في الإخراج ولا برجله إذا قدر على جره بيده فإن زيادة الأذى فيه ~~مستغنى عنه وأن لا يمزق ثوب الحرير بل يحل دروزه فقط ولا يحرق الملاهي ~~والصليب الذي أظهره النصارى بل يبطل صلاحيتها للفساد بالكسر # وحد الكسر أن يصير إلى حالة تحتاج في استئناف إصلاحه إلى تعب يساوي تعب ~~الاستئناف من الخشب ابتداء # وفي إراقة الخمور يتوقى كسر الأواني إن وجد إليه سبيلا فإن لم يقدر عليها ~~إلا بأن يرمى ظروفها بحجر فله ذلك وسقطت قيمة الظرف وتقومه بسبب الخمر إذ ~~صار حائلا بينه وبين الوصول إلى إراقة الخمر ولو ستر الخمر ببدنه لكنا نقصد ~~بدنه بالجرح والضرب لنتوصل إلى إراقة الخمر فإذن لا تزيد حرمة ملكه في ~~الظروف على حرمة نفسه # ولو كان الخمر في قوارير ضيقة الرءوس ولو اشتغل بإراقتها طال الزمان ~~وأدركه الفساق ومنعوه فله كسرها فهذا عذر # وإن كان لا يحذر ظفر الفساق به ومنعهم ولكن كان يضيع في زمانه وتتعطل ~~عليه أشغاله فله أن يكسرها فليس عليه أن يضيع منفعة بدنه وغرضه من أشغاله ~~لأجل ظرف الخمر وحيث كانت الإراقة متيسرة بلا كسر فكسره لزمه الضمان # فإن قلت فهلا جاز الكسر لأجل الزجر وهلا جاز الجر بالرجل في الإخراج عن ~~الأرض المغصوبة ليكون ذلك أبلغ في الزجر فاعلم أن الزجر إنما يكون عن ~~المستقبل والعقوبة تكون على الماضي والدفع على الحاضر الراهن # وليس إلى آحاد الرعية إلا الدفع وهو إعدام المنكر فما زاد على قدر ~~الإعدام فهو إما عقوبة على PageV02P331 جريمة سابقة أو زجر عن لاحق # وذلك إلى الولاة لا إلى الرعية # نعم الوالي له أن يفعل ذلك إذا رأى المصلحة فيه وأقول له أن يأمر بكسر ~~الظروف التي فيها الخمور زجرا # وقد فعل ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيدا للزجر + حديث ~~تكسير الظروف التي فيها الخمور في زمنه صلى الله عليه وسلم أخرجه الترمذي ~~من حديث أبي طلحة أنه قال يا نبي الله إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري قال ~~أهرق الخمر واكسر الدنان وفيه ليث بن أبي سليم والأصح رواية السدي عن يحيى ~~بن عباد عن أنس أن أبا طلحة كان عندي قاله الترمذي + ولم يثبت نسخه ولكن ~~كانت الحاجة إلى الزجر والفطام شديدة فإذا رأى الوالي باجتهاده مثل الحاجة ~~جاز له مثل ذلك # وإذا كان هذا منوطا بنوع اجتهاد دقيق لم يكن ذلك لآحاد الرعية # فإن قلت فليجز للسلطان زجر الناس عن المعاصي بإتلاف أموالهم وتخريب دورهم ~~التي فيها يشربون ويعصون وإحراق أموالهم التي بها يتوصلون إلى المعاصي ~~فاعلم أن ذلك لو ورد الشرع به لم يكن خارجا عن سنن المصالح ولكنا لا نبتدع ~~المصالح بل نتبع فيها # وكسر ظروف الخمر قد ثبت عند شدة الحاجة # وتركه بعد ذلك لعدم شدة الحاجة لا يكون نسخا بل الحكم يزول بزوال العلة ~~ويعود بعودها # وإنما جوزنا ذلك للإمام بحكم الاتباع ومنعنا آحاد الرعية منه لخفاء وجه ~~الاجتهاد فيه # بل نقول لو أريقت الخمور أولا فلا يجوز كسر الأواني بعدها وإنما جاز ~~كسرها تبعا للخمر # فإذا خلت عنها فهو إتلاف مال إلا أن تكون ضاربة بالخمر لا تصلح إلا لها # فكان الفعل المنقول عن العصر الأول كان مقرونا بمعنيين أحدهما شدة الحاجة ~~إلى الزجر والآخر تبعية الظروف للخمر التي هي مشغولة بها # وهما معنيان مؤثران لا سبيل إلى حذفهما # ومعنى ثالث وهو صدوره عن رأي صاحب الأمر لعلمه بشدة الحاجة إلى الزجر وهو ~~أيضا مؤثر فلا سبيل إلى إلغائه # فهذه تصرفات دقيقة فقهية يحتاج المحتسب لا محالة إلى معرفتها # الدرجة السادسة التهديد والتخويف كقوله دع عنك هذا أو لأكسرن رأسك أو ~~لأضربن رقبتك أو لآمرن بك وما أشبهه وهذا ينبغي أن يقدم على تحقيق الضرب ~~إذا أمكن تقديمه # والأدب في هذه الرتبة أن لا يهدده بوعيد لا يجوز له تحقيقه كقوله لأنهبن ~~دارك أو لأضربن ولدك أو لأسبين زوجتك وما يجري مجراه بل ذلك إن قاله عن عزم ~~فهو حرام وإن قاله من غير عزم فهو كذب # نعم إذا تعرض لوعيده بالضرب والاستخفاف فله العزم عليه إلى حد معلوم ~~يقتضيه الحال وله أن يزيد في الوعيد على ما هو في عزمه الباطن إذا علم أن ~~ذلك يقمعه ويردعه # وليس ذلك من الكذب المحذور بل المبالغة في مثل ذلك معتادة وهو معنى ~~مبالغة الرجل في إصلاحه بين شخصين وتأليفه بين الضرتين وذلك مما قد رخص فيه ~~للحاجة وهذا في معناه فإن القصد به إصلاح ذلك الشخص # وإلى هذا المعنى أشار بعض الناس أنه لا يقبح من الله أن يتوعد بما لا ~~يفعل لأن الخلف في الوعيد كرم وإنما يقبح أن يعد بما لا يفعل وهذا غير مرضي ~~عندنا فإن الكلام القديم لا يتطرق إليه الخلف وعدا كان أو وعيدا وإنما ~~يتصور هذا في حق العباد وهو كذلك إذ الخلف في الوعيد ليس بحرام # الدرجة السابعة مباشرة الضرب باليد والرجل وغير ذلك مما ليس فيه شهر سلاح ~~وذلك جائز للآحاد بشرط الضرورة والاقتصار على قدر الحاجة في الدفع فإذا ~~اندفع المنكر فينبغي أن يكف # والقاضي قد يرهق من ثبت عليه الحق إلى الأداء بالحبس فإن أصر المحبوس ~~وعلم القاضي قدرته على أداء الحق وكونه معاندا فله أن يلزمه الأداء بالضرب ~~على التدريج كما يحتاج إليه # وكذلك المحتسب يراعي التدريج فإن احتاج إلى شهر سلاح وكان يقدر على دفع ~~المنكر بشهر السلاح وبالجرح فله أن يتعاطى ذلك ما لم تثر فتنة # كما لو قبض فاسق مثلا على امرأة أو كان يضرب بمزمار PageV02P332 معه ~~وبينه وبين المحتسب نهر حائل أو جدار مانع فيأخذ قوسه ويقول له خل عنها أو ~~لأرمينك # إن لم تخل عنها فله أن يرمي وينبغي أن لا يقصد المقتل بل الساق والفخذ ~~وما أشبهه ويراعي فيه التدريج # وكذلك يسل سيفه ويقول اترك هذا المنكر أو لأضربنك # فكل ذلك دفع للمنكر ودفعه واجب بكل ممكن # ولا فرق في ذلك بين ما يتعلق بخاص حق الله وما يتعلق بالآدميين # وقالت المعتزلة ما لا يتعلق بالآدميين فلا حسبة فيه إلا بالكلام أو ~~بالضرب ولكن للإمام لا للآحاد # الدرجة الثامنة أن لا يقدر عليه بنفسه ويحتاج فيه إلى أعوان يشهرون ~~السلاح # وربما يستمد الفاسق أيضا بأعوانه ويؤدي ذلك إلى أن يتقابل الصفان ~~ويتقاتلا # فهذا قد ظهر الاختلاف في احتياجه إلى إذن الإمام # فقال قائلون لا يستقل آحاد الرعية بذلك لأنه يؤدي إلى تحريك الفتن وهيجان ~~الفساد وخراب البلاد # وقال آخرون لا يحتاج إلى الإذن وهو الأقيس لأنه إذا جاز للآحاد الأمر ~~بالمعروف وأوائل درجاته تجر إلى ثوان والثواني إلى ثوالث # وقد ينتهي لا محالة إلى التضارب # والتضارب يدعو إلى التعاون فلا ينبغي أن يبالي بلوازم الأمر بالمعروف # ومنتهاه تجنيد الجنود في رضا الله ودفع معاصيه # ونحن نجوز للآحاد من الغزاة أن يجتمعوا ويقاتلوا من أرادوا من فرق الكفار ~~قمعا لأهل الكفر # فكذلك قمع أهل الفساد جائز لأن الكافر لا بأس بقتله والمسلم إن قتل فهو ~~شهيد # فكذلك الفاسق المناضل عن فسقه لا بأس بقتله # والمحتسب المحق إن قتل مظلوما فهو شهيد # وعلى الجملة فانتهاء الأمر إلى هذا من النوادر في الحسبة # فلا يغير به قانون القياس # بل يقال كل من قدر على دفع منكر فله أن يدفع ذلك بيده وبسلاحه وبنفسه ~~وبأعوانه # فالمسألة إذن محتملة كما ذكرناه فهذه درجات الحسبة فلنذكر آدابها والله ~~الموفق # | باب آداب المحتسب قد ذكرنا تفاصيل الآداب في آحاد الدرجات ونذكر # الآن جملها ومصادرها فنقول جميع آداب المحتسب مصدرها ثلاث صفات في ~~المحتسب العلم والورع وحسن الخلق # أما العلم فليعلم مواقع الحسبة وحدودها ومجاريها وموانعها ليقتصر على حد ~~الشرع فيه # والورع ليردعه عن مخالفة معلومة فما كل من علم عمل بعلمه # بل ربما يعلم أنه مسرف في الحسبة وزائد على الحد المأذون فيه شرعا ولكن ~~يحمله عليه غرض من الأغراض # وليكن كلامه ووعظه مقبولا فإن الفاسق يهزأ به إذا احتسب ويورث ذلك جراءة ~~عليه # وأما حسن الخلق فليتمكن به من اللطف والرفق وهو أصل الباب وأسبابه # والعلم والورع لا يكفيان فيه # فإن الغضب إذا هاج لم يكف مجرد العلم والورع في قمعه ما لم يكن في الطبع ~~قبوله بحسن الخلق # وعلى التحقيق فلا يتم الورع إلا مع حسن الخلق والقدرة على ضبط الشهوة ~~والغضب # وبه يصبر المحتسب على ما أصابه في دين الله # وإلا فإذا أصيب عرضه أو ماله أو نفسه بشتم أو ضرب نسي الحسبة وغفل عن دين ~~الله واشتغل بنفسه # بل ربما يقدم عليه ابتداء لطلب الجاه والاسم # فهذه الصفات الثلاث بها تصير الحسبة من القربات وبها تندفع المنكرات # وإن فقدت لم يندفع المنكر # بل ربما كانت الحسبة أيضا منكرة لمجاوزة حد الشرع فيها ودل على هذه ~~الآداب قوله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا ~~رفيق فيما يأمر به رفيق فيما ينهى عنه حليم فيما يأمر به حليم فيما ينهى ~~عنه فقيه PageV02P333 فيما يأمر به فقيه فيما ينهى عنه + حديث لا يأمر ~~بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا رفيق فيما يأمر به رفيق فيما ينهى عنه ~~الحديث لم أجده هكذا وللبيهقي في الشعب من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن ~~جده من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف + وهذا يدل على أنه لا يشترط أن يكون ~~فقيها مطلقا بل فيما يأمر به وينهى عنه وكذا الحلم # قال الحسن البصري رحمه الله تعالى إذا كنت ممن يأمر بالمعروف فكن من آخذ ~~الناس به وإلا هلكت وقد قيل # لا تلم المرء على فعله % وأنت منسوب إلى مثله # من ذم شيئا وأتى مثله % فإنما يزرى على عقله # ولسنا نعني بهذا أن الأمر بالمعروف يصير ممنوعا بالفسق ولكن يسقط أثره عن ~~القلوب بظهور فسقه للناس فقد روي عن أنس رضي الله عنه قال قلنا يا رسول ~~الله لا نأمر بالمعروف حتى نعمل به كله ولا ننهى عن المنكر حتى نجتنبه كله # فقال صلى الله عليه وسلم بل مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله وانهوا ~~عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله + حديث أنس قلنا يا رسول الله لا نأمر ~~بالمعروف حتى نعمل به كله ولا ننهى عن المنكر حتى نجتنبه كله فقال صلى الله ~~عليه وسلم بل مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله وانهوا عن المنكر وإن لم ~~تجتنبوه كله أخرجه الطبراني في المعجم الصغير والأوسط وفيه عبد القدوس بن ~~حبيب أجمعوا على تركه + وأوصى بعض السلف بنيه فقال إن إراد أحدكم أن يأمر ~~بالمعروف فليوطن نفسه على الصبر وليثق بالثواب من الله فمن وثق بالثواب من ~~الله لم يجد مس الأذى فإذن من آداب الحسبة توطين النفس على الصبر # ولذلك قرن الله تعالى الصبر بالأمر بالمعروف # فقال حاكيا عن لقمان يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ~~واصبر على ما أصابك # ومن الآداب تقليل العلائق حتى لا يكثر خوفه وقطع الطمع عن الخلائق حتى ~~تزول عنه المداهنة فقد روى عن بعض المشايخ أنه كان له سنور وكان يأخذ من ~~قصاب في جواره كل يوم شيئا من الغدد لسنوره فرأى على القصاب منكرا فدخل ~~الدار أولا وأخرج السنور ثم جاء واحتسب على القصاب فقال له القصاب لا ~~أعطينك بعد هذا شيئا لسنورك فقال ما احتسبت عليك إلا بعد إخراج السنور وقطع ~~الطمع منك # وهو كما قال فمن لم يقطع الطمع من الخلق لم يقدر على الحسبة ومن طمع في ~~أن تكون قلوب الناس عليه طيبة وألسنتهم بالثناء عليه مطلقة لم تتيسر له ~~الحسبة # قال كعب الأحبار لأبي مسلم الخولاني كيف منزلتك بين قومك قال حسنة قال إن ~~التوراة تقول إن الرجل إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ساءت منزلته عند ~~قومه # فقال أبو مسلم صدقت التوراة وكذب أبو مسلم # ويدل على وجوب الرفق ما استدل به المأمون إذا وعظه واعظ وعنف له في القول ~~فقاليا رجل ارفق فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني وأمره بالرفق ~~فقال تعالى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى فليكن اقتداء المحتسب في ~~الرفق بالأنبياء صلوات الله عليهم # فقد روى أبو أمامة أن غلاما شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا ~~نبي الله تأذن لي في الزنا فصاح الناس به فقال النبي صلى الله عليه وسلم ~~قربوه ادن فدنا حتى جلس بين يديه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتحبه لأمك ~~فقال لا جعلني الله فداك قال كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم أتحبه لابنتك ~~قال لا جعلني الله فداك قال كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم أتحبه لأختك + ~~حديث أبي أمامة أن شابا قال يا رسول الله ائذن لي في الزنا فصاح الناس به ~~الحديث رواه أحمد بإسناد جيد رجاله رجال الصحيح + وزاد ابن عوف حتى ذكر ~~العمة والخالة وهو يقول في كل واحد لا PageV02P334 جعلني الله فداك # وهو صلى الله عليه وسلم يقول كذلك الناس لا يحبونه وقالا جميعا في ~~حديثهما أعني ابن عوف والراوي الآخر فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ~~على صدره وقال اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه وحصن فرجه فلم يكن شيء أبغض إليه ~~منه يعني من الزنا # وقيل للفضيل بن عياض رحمه الله إن سفيان بن عيينة قبل جوائز السلطان فقال ~~الفضيل ما أخذ منهم إلا دون حقه ثم خلا به وعذله ووبخه فقال سفيان يا أبا ~~علي إن لم نكن من الصالحين فإنا لنحب الصالحين # وقال حماد بن سلمة إن صلة بن أشيم مر عليه رجل قد أسبل إزاره فهم أصحابه ~~أن يأخذوه بشدة فقال دعوني أنا أكفيكم فقال يا ابن أخي إن لي إليك حاجة قال ~~وما حاجتك يا عم قال أحب أن ترفع من إزارك # فقال نعم وكرامة فرفع إزاره فقال لأصحابه لو أخذتموه بشدة لقال لا ولا ~~كرامة وشتمكم # وقال محمد بن زكريا الغلابي شهدت عبد الله بن محمد بن عائشة ليلة وقد خرج ~~من المسجد بعد المغرب يريد منزله وإذا في طريقه غلام من قريش سكران وقد قبض ~~على امرأة فجذبها فاستغاثت فاجتمع الناس عليه يضربونه فنظر إليه ابن عائشة ~~فعرفه فقال للناس تنحوا عن ابن أخي ثم قال إلي يا ابن أخي فاستحى الغلام ~~فجاء إليه فضمه إلى نفسه ثم قال له امض معي فمضى معه حتى صار إلى منزله ~~فأدخله الدار وقال لبعض غلمانه بيته عندك فإذا أفاق من سكره فأعلمه بما كان ~~منه ولا تدعه ينصرف حتى تأتيني به فلما أفاق ذكر له ما جرى فاستحيا منه ~~وبكى وهم بالانصراف فقال الغلام قد أمر أن تأتيه فأدخله عليه فقال له أما ~~استحييت لنفسك أما استحييت لشرفك أما ترى من ولدك فاتق الله وانزع عما أنت ~~فيه فبكى الغلام منكسا رأسه ثم رفع رأسه وقال عاهدت الله تعالى عهدا يسألني ~~عنه يوم القيامة أني لا أعود لشرب النبيذ ولا لشيء مما كنت فيه وأنا تائب ~~فقال ادن مني فقبل رأسه وقال أحسنت يا بني فكان الغلام بعد ذلك يلزمه ويكتب ~~عنه الحديث وكان ذلك ببركة رفقه ثم قال إن الناس يأمرون بالمعروف وينهون عن ~~المنكر ويكون معروفهم منكرا فعليكم بالرفق في جميع أموركم تنالون به ما ~~تطلبون # وعن الفتح بن شخرف قال تعلق رجل بامرأة وتعرض لها وبيده سكين لا يدنو منه ~~أحد إلا عقره وكان الرجل شديد البدن فبينا الناس كذلك والمرأة تصيح في يده ~~إذ مر بشر بن الحارث فدنا منه وحك كتفه بكتف الرجل فوقع الرجل على الأرض ~~ومشى بشر فدنوا من الرجل وهو يترشح عرقا كثيرا ومضت المرأة لحالها فسألوه ~~ما حالك فقال ما أدري ولكن حاكني شيخ وقال لي إن الله عز وجل ناظر إليك ~~وإلى ما تعمل فضعفت لقوله قدماي وهبته هيبة شديدة ولا أدري من ذلك الرجل ~~فقالوا له هو بشر بن الحارث فقال واسوأتاه كيف ينظر إلى بعد اليوم وحم ~~الرجل من يومه ومات يوم السابع فكذا كانت عادة أهل الدين في الحسبة # وقد نقلنا فيها آثارا وأخبارا في باب البغض في الله والحب في الله من ~~كتاب آداب الصحبة فلا نطول بالإعادة # فهذا تمام النظر في درجات الحسبة وآدابها والله الموفق بكرمه والحمد لله ~~على جميع نعمه # | الباب الثالث في المنكرات المألوفة في العادات # فنشير إلى جمل منها ليستدل بها على أمثالها إذ لا مطمع في حصرها ~~واستقصائها فمن ذلك منكرات المساجد # اعلم أن المنكرات تنقسم إلى مكروهة وإلى محظورة فإذا قلنا هذا منكر مكروه # فاعلم أن المنع منه مستحب والسكوت عليه مكروه وليس بحرام إلا إذا لم يعلم ~~الفاعل أنه مكروه فيجب ذكره له لأن الكراهة حكم في الشرع PageV02P335 يجب ~~تبليغه إلى من لا يعرفه # وإذا قلنا منكر محظور أو قلنا منكر مطلقا فنزيد به المحظور ويكون السكوت ~~عليه مع القدرة محظورا # فما يشاهد كثيرا في المساجد إساءة الصلاة بترك الطمأنينة في الركوع ~~والسجود وهو منكر مبطل للصلاة بنص الحديث فيجب النهي عنه إلا عند الحنفي ~~الذي يعتقد أن ذلك لا يمنع صحة الصلاة إذ لا ينفع النهي معه # ومن رأى مسيئا في صلاته فسكت عليه فهو شريكه هكذا ورد به الأثر وفي الخبر ~~ما يدل عليه إذ ورد في الغيبة أن المستمع شريك القائل + حديث المغتاب ~~والمستمع شريكان في الإثم تقدم في الصوم + وكذلك كل ما يقدح في صحة الصلاة ~~من نجاسة على ثوبه لا يراها أو انحراف عن القبلة بسبب ظلام أو عمى فكل ذلك ~~تجب الحسبة فيه # ومنها قراءة القرآن باللحن يجب النهي عنه ويجب تلقين الصحيح # فإن كان المعتكف في المسجد يضيع أكثر أوقاته في أمثال ذلك ويشتغل به عن ~~التطوع والذكر فليشتغل به فإن هذا أفضل له من ذكره وتطوعه لأن هذا فرض وهي ~~قربة تتعدى فائدتها فهي أوشك من نافلة تقتصر عليه فائدتها # وإن كان ذلك يمنعه عن الوراقة مثلا أو عن الكسب الذي هو طعمته فإن كان ~~معه مقدار كفايته لزمه الاشتغال بذلك ولم يجز له ترك الحسبة لطلب زيادة ~~الدنيا وإن احتاج إلى الكسب لقوت يومه فهو عذر له فيسقط الوجوب عنه لعجزه ~~والذي يكثر اللحن في القرآن إن كان قادرا على التعلم فليمتنع من القراءة ~~قبل التعلم فإنه عاص به وإن كان لا يطاوعه اللسان فإن كان أكثر ما يقرؤه ~~لحنا فليتركه وليجتهد في تعلم الفاتحة وتصحيحها وإن كان الأكثر صحيحا وليس ~~يقدر على التسوية فلا بأس له أن يقرأ ولكن ينبغي أن يخفض به الصوت حتى لا ~~يسمع غيره # ولمنعه سرا منه أيضا وجه ولكن إذا كان ذلك منتهى قدرته وكان له أنس ~~بالقراءة وحرص عليها فلست أرى به باسا والله أعلم # ومنها تراسل المؤذنين في الأذان وتطويلهم بمد كلماته وانحرافهم عن صوب ~~القبلة بجميع الصدر في الحيعلتين أو انفراد كل واحد منهم بأذان ولكن من غير ~~توقف إلى انقطاع أذان الآخر بحيث يضطرب على الحاضرين جواب الأذان لتداخل ~~الأصوات # فكل ذلك منكرات مكروهة يجب تعريفها # فإن صدرت عن معرفة فيستحب المنع منها والحسبة فيها # وكذلك إذا كان للمسجد مؤذن واحد وهو يؤذن قبل الصبح فينبغي أن يمنع من ~~الأذان بعد الصبح فذلك مشوش للصوم والصلاة على الناس إلا إذا عرف أنه يؤذن ~~قبل الصبح حتى لا يعول على أذانه في صلاة وترك سحور أو كان معه مؤذن آخر ~~معروف الصوت يؤذن مع الصبح # ومن المكروهات أيضا تكثير الأذان مرة بعد أخرى بعد طلوع الفجر في مسجد ~~واحد في أوقات متعاقبة متقاربة إما من واحد أو جماعة فإنه لا فائدة فيه إذا ~~لم يبق في المسجد نائم ولم يكن الصوت مما يخرج عن المسجد حتى ينبه غيره فكل ~~ذلك من المكروهات المخالفة لسنة الصحابة والسلف # ومنها أن يكون الخطيب لابسا لثوب أسود يغلب عليه الإبريسم أو ممسكا لسيف ~~مذهب فهو فاسق والإنكار عليه واجب وأما مجرد السواد فليس بمكروه ولكنه ليس ~~بمحبوب إذ أحب الثياب إلى الله تعالى البيض # ومن قال أنه مكروه وبدعة أراد به أنه لم يكن معهودا في العصر الأول ولكن ~~إذا لم يرد فيه نهي فلا ينبغي أن يسمى بدعة ومكروها ولكنه ترك للأحب ~~PageV02P336 # ومنها كلام القصاص والوعاظ الذين يمزجون بكلامهم البدعة # فالقاص إن كان يكذب في أخباره فهو فاسق والإنكار عليه واجب وكذا الواعظ ~~المبتدع يجب منعه ولا يجوز حضور مجلسه إلا على قصد إظهار الرد عليه إما ~~للكافة إن قدر عليه أو لبعض الحاضرين حواليه فإن لم يقدر فلا يجوز سماع ~~البدع # قال الله تعالى لنبيه @QB@ فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره @QE@ ~~ومهما كان كلامه مائلا إلى الإرجاء وتجرئة الناس على المعاصي وكان الناس ~~يزدادون بكلامه جراءة وبعفو الله وبرحمته وثوقا يزيد بسببه رجاؤهم على ~~خوفهم فهو منكر ويجب منعه عنه لأن فساد ذلك عظيم بل لو رجح خوفهم على ~~رجائهم فذلك أليق وأقرب بطباع الخلق فإنهم إلى الخوف أحوج وإنما العدل ~~تعديل الخوف والرجاء كما قال عمر رضي الله عنه لو نادى مناد يوم القيامة ~~ليدخل النار كل الناس إلا رجلا واحدا لرجوت أن أكون أنا ذلك الرجل ولو نادى ~~مناد ليدخل الجنة كل الناس إلا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا ذلك الرجل # ومهما كان الواعظ شابا متزينا للنساء في ثيابه وهيئته كثير الأشعار ~~والإشارات والحركات وقد حضر مجلسه النساء فهذا منكر يجب المنع منه فإن ~~الفساد فيه أكثر من الصلاح ويتبين ذلك منه بقرائن أحواله بل لا ينبغي أن ~~يسلم الوعظ إلا لمن ظاهره الورع وهيئته السكينة والوقار وزيه زي الصالحين ~~وإلا فلا يزداد الناس به إلا تماديا في الضلال # ويجب أن يضرب بين الرجال والنساء حائل يمنع من النظر فإن ذلك أيضا مظنة ~~الفساد والعادات تشهد لهذه المنكرات ويجب منع النساء من حضور المساجد ~~للصلوات ومجالس الذكر إذا خيفت الفتنة بهن فقد منعتهن عائشة رضي الله عنها ~~فقيل لها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعهن من الجماعات فقالت لو ~~علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثن بعده لمنعهن + حديث عائشة لو ~~علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثن أي النساء من بعده لمنعهن ~~المساجد متفق عليه + وأما اجتياز المرأة في المسجد مستترة فلا تمنع منه إلا ~~أن الأولى أن لا تتخذ المسجد مجازا اصلا # وقراءة القراء بين يدي الوعاظ مع التمديد والألحان على وجه يغير نظم ~~القرآن ويجاوز حد التنزيل منكر مكروه شديد الكراهة أنكره جماعة من السلف # ومنها الحلق يوم الجمعة لبيع الأدوية والأطعمة والتعويذات وكقيام السؤال ~~وقراءتهم القرآن وإنشادهم الأشعار وما يجري مجراه فهذه الأشياء منها ما هو ~~محرم لكونه تلبيسا وكذبا كالكذابين من طرقية الأطباء وكأهل الشعبذة ~~والتلبيسات وكذا أرباب التعويذات في الأغلب يتوصلون إلى بيعها بتلبيسات على ~~الصبيان والسوادية فهذا حرام في المسجد وخارج المسجد ويجب المنع منه # بل كل بيع فيه كذب وتلبيس وإخفاء عيب على المشتري فهو حرام # ومنها ما هو مباح خارج المسجد كالخياطة وبيع الأدوية والكتب والأطعمة ~~فهذا في المسجد أيضا لا يحرم إلا بعارض وهو أن يضيق المحل على المصلين ~~ويشوش عليهم صلاتهم فإن لم يكن شيء من ذلك فليس بحرام والأولى تركه ولكن ~~شرط إباحته أن يجري في أوقات نادرة وأيام معدودة فإن اتخاذ المسجد دكانا ~~على الدوام حرم ذلك ومنع منه # فمن المباحات ما يباح بشرط القلة فإن كثر صار صغيرة # كما أن من الذنوب ما يكون صغيرة بشرط عدم الإصرار فإن كان القليل من هذا ~~لو فتح بابه لخيف منه أن ينجر إلى الكثير فليمنع منه وليكن هذا المنع إلى ~~الوالي أو إلى القيم بمصالح المسجد من قبل الوالي لأنه لا يدرك ذلك ~~بالاجتهاد وليس للآحاد المنع مما هو مباح في نفسه لخوفه أن ذلك يكثر ~~PageV02P337 # ومنها دخول المجانين والصبيان والسكارى في المسجد ولا بأس بدخول الصبي ~~المسجد إذا لم يلعب ولا يحرم عليه اللعب في المسجد ولا السكوت على لعبه إلا ~~إذا اتخذ المسجد ملعبا وصار ذلك معتادا فيجب المنع منه فهذا مما يحل قليله ~~دون كثيره ودليل حل قليله ما روي في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وقف لأجل عائشة رضي الله عنها حتى نظرت إلى الحبشة يزفنون ويلعبون ~~بالدرق والحراب يوم العيد في المسجد ولا شك في أن الحبشة لو اتخذوا المسجد ~~ملعبا لمنعوا منه ولم ير ذلك على الندرة والقلة منكرا حتى نظر إليه بل ~~أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبصرهم عائشة تطييبا لقلبها إذ قال ~~دونكم يا بني أرفدة كما نقلناه في كتاب السماع # وأما المجانين فلا بأس بدخولهم المسجد إلا أن يخشى تلويثهم له أو شتمهم ~~أو نطقهم مما هو فحش أو تعاطيهم لما هو منكر في صورته ككشف العورة وغيره # وأما المجنون الهادىء الساكن الذي قد علم بالعادة سكونه وسكوته فلا يجب ~~إخراجه من المسجد # والسكران في معنى المجنون فإن خيف منه القذف أعني القيء أو الإيذاء ~~باللسان وجب إخراجه # وكذا لو كان مضطرب العقل فإنه يخاف ذلك منه وإن كان قد شرب ولم يسكر ~~والرائحة منه تفوح فهو منكر مكروه شديد الكراهة # وكيف لا ومن أكل الثوم والبصل + هذا الحديث لم يخرجه العراقي وقد خرجه ~~الشارح عن البخاري ومسلم وغيرهما + فقد نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~عن حضور المساجد ولكن يحمل ذلك على الكراهة والأمر في الخمر أشد # فإن قال قائل ينبغي أن يضرب السكران ويخرج من المسجد زجرا قلنا لا بل ~~ينبغي القعود في المسجد ويدعى إليه ويؤمر بترك الشرب مهما كان في الحال ~~عاقلا فأما ضربه للزجر فليس ذلك إلى الآحاد بل هو إلى الولاة وذلك عند ~~إقراره أو شهادة شاهدين فأما لمجرد الرائحة فلا # نعم إذا كان يمشي بين الناس متمايلا بحيث يعرف سكره فيجوز ضربه في المسجد ~~وغير المسجد منعا له عن إظهار أثر السكر فإن إظهار أثر الفاحشة فاحشة ~~والمعاصي يجب تركها وبعد الفعل يجب سترها وستر آثارها فإن كان مستترا مخفيا ~~لأثره فلا يجوز أن يتجسس عليه # والرائحة قد تفوح من غير شرب بالجلوس في موضع الخمر وبوصوله إلى الفم دون ~~الابتلاع فلا ينبغي أن يعول عليه منكرات الأسواق # من المنكرات المعتادة في الأسواق الكذب في المرابحة وإخفاء العيب # فمن قال اشتريت هذه السلعة مثلا بعشرة وأربح فيها كذا وكان كاذبا فهو ~~فاسق # وعلى من عرف ذلك أن يخبر المشتري بكذبه فإن سكت مراعاة لقلب البائع كان ~~شريكا له في الخيانة وعصى بسكوته # وكذا إذا علم به عيبا فيلزمه أن ينبه المشتري عليه وإلا كان راضيا بضياع ~~مال أخيه المسلم وهو حرام وكذا التفاوت في الذراع والمكيال والميزان يجب ~~على كل من عرفه تغييره بنفسه أو رفعه إلى الوالي حتى يغيره # ومنها ترك الإيجاب والقبول والاكتفاء بالمعاطاة ولكن ذلك في محل الاجتهاد ~~فلا ينكر إلا على من اعتقد وجوبه # وكذا في الشروط الفاسدة المعتادة بين الناس يجب الإنكار فيها فإنها مفسدة ~~للعقود # وكذا في الربويات كلها وهي غالبة # وكذا سائر التصرفات الفاسدة # ومنها بيع الملاهي وبيع أشكال الحيوانات المصورة في أيام العيد لأجل ~~الصبيان فتلك يجب كسرها والمنع من بيعها كالملاهي وكذلك بيع الأواني ~~المتخذة من الذهب والفضة وكذلك بيع ثياب الحرير وقلانس PageV02P338 الذهب ~~والحرير أعني التي لا تصلح إلا للرجال أو يعلم بعادة البلد أنه لا يلبسه ~~إلا الرجال فكل ذلك منكر محظور وكذلك من يعتاد بيع الثياب المبتذلة ~~المقصورة التي يلبس على الناس بقصارتها وابتذالها ويزعم أنها جديدة فهذا ~~الفعل حرام والمنع منه واجب # وكذلك تلبيس انخراق الثياب بالرفو وما يؤدي إلى الالتباس # وكذلك جميع أنواع العقود المؤدية إلى التلبيسات وذلك يطول إحصاؤه # فليقس بما ذكرناه ما لم نذكره منكرات الشوارع # فمن المنكرات المعتادة فيها وضع الاسطوانات وبناء الدكات متصلة بالأبنية ~~المملوكة وغرس الأشجار وإخراج الرواشن والأجنحة ووضع الخشب وأحمال الحبوب ~~والأطعمة على الطرق فكل ذلك منكر إن كان يؤدي إلى تضييق الطرق واستضرار ~~المارة وإن لم يؤد إلى ضرر أصلا لسعة الطريق فلا يمنع منه نعم يجوز وضع ~~الحطب وأحمال الأطعمة في الطريق في القدر الذي ينقل إلى البيوت فإن ذلك ~~يشترك في الحاجة إليه الكافة ولا يمكن المنع منه # وكذلك ربط الدواب على الطريق بحيث يضيق الطريق وينجس المجتازين منكر يجب ~~المنع منه إلا بقدر حاجة النزول والركوب # وهذا لأن الشوارع مشتركة المنفعة وليس لأحد أن يختص بها إلا بقدر الحاجة ~~والمرعى هو الحاجة التي ترد الشوارع لأجلها في العادة دون سائر الحاجات # ومنها سوق الدواب وعليها الشوك بحيث يمزق ثياب الناس فذلك منكر إن أمكن ~~شدها وضمها بحيث لا تمزق أو أمكن العدول بها إلى موضع واسع وإلا فلا منع إذ ~~حاجة أهل البلد تمس إلى ذلك # نعم لا تترك ملقاة على الشوارع إلا بقدر مدة النقل # وكذلك تحميل الدواب من الأحمال ما لا تطيقه منكر يجب منع الملاك منه # وكذلك ذبح القصاب إذا كان يذبح في الطريق حذاء باب الحانوت ويلوث الطريق ~~بالدم فإنه منكر يمنع منه بل حقه أن يتخذ في دكانه مذبحا فإن في ذلك تضييقا ~~بالطريق وإضرارا بالناس بسبب ترشيش النجاسة وبسبب استقذار الطباع للقاذورات ~~وكذلك طرح القمامة على جواد الطرق وتبديد قشور البطيخ أو رش الماء بحيث ~~يخشى منه التزلق والتعثر كل ذلك من المنكرات وكذلك إرسال الماء من الميازيب ~~المخرجة من الحائط في الطريق الضيقة فإن ذلك ينجس الثياب # أو يضيق الطريق فلا يمنع منه في الطرق الواسعة إذ العدول عنه ممكن فأما ~~ترك مياه المطر والأوحال والثلوج في الطرق من غير كسح فذلك منكر ولكن ليس ~~يختص به شخص معين إلا الثلج الذي يختص بطرحه على الطريق واحد والماء الذي ~~يجتمع على الطريق من ميزاب معين فعلى صاحبه على الخصوص كسح الطريق إن كان ~~من المطر فذلك حسبة عامة فعلى الولاة تكليف الناس القيام بها وليس للآحاد ~~فيها إلا الوعظ فقط وكذلك إذا كان له كلب عقور على باب داره يؤذي الناس ~~فيجب منعه منه وإن كان لا يؤذي إلا بتنجيس الطريق وكان يمكن الاحتراز عن ~~نجاسته لم يمنع منه وإن كان يضيق الطريق ببسطه ذراعيه فيمنع منه بل يمنع ~~صاحبه من أن ينام على الطريق أو يقعد قعودا يضيق الطريق فكلبه أولى بالمنع ~~منكرات الحمامات # منها الصورة التي تكون على باب الحمام أو داخل الحمام يجب إزالتها على كل ~~من يدخلها إن قدر فإن كان الموضع مرتفعا لا تصل إليه يده فلا يجوز له ~~الدخول إلا لضرورة فليعدل إلى حمام آخر # فإن مشاهدة المنكر غير جائزة ويكفيه أن يشوه وجهها ويبطل به صورتها ولا ~~يمنع من صور الأشجار وسائر النقوش سوى صورة الحيوان PageV02P339 # ومنها كشف العورات والنظر إليها # ومن جملتها كشف الدلاك عن الفخذ وما تحت السرة لتنحية الوسخ بل من جملتها ~~إدخال اليد تحت الإزار فإن مس عورة الغير حرام كالنظر إليها # ومنها الانبطاح على الوجه بين يدي الدلاك لتغميز الأفخاذ والأعجاز فهذا ~~مكروه إن كان مع حائل ولكن لا يكون محظورا إذا لم يخش من حركة الشهوة # وكذلك كشف العورة للحجام الذمي من الفواحش # فإن المرأة لا يجوز لها أن تكشف بدنها للذمية في الحمام فكيف يجوز لها ~~كشف العورات للرجال # ومنها غمس اليد في الأواني النجسة في المياه القليلة وغسل الإزار والطاس ~~النجس في الحوض وماؤه قليل فإنه منجس للماء إلا على مذهب مالك فلا يجوز ~~الإنكار فيه على المالكية ويجوز على الحنفية والشافعية وإن اجتمع مالكي ~~وشافعي في الحمام فليس للشافعي منع المالكي من ذلك إلا بطريق الالتماس ~~واللطف وهو أن يقول له إنا نحتاج أن نغسل اليد أولا ثم نغمسها في الماء ~~وأما أنت فمستغن عن إيذائي وتفويت الطهارة علي وما يجري مجرى هذا فإن مظان ~~الاجتهاد لا يمكن الحسبة فيها بالقهر # ومنها أن يكون في مداخل بيوت الحمام ومجاري مياهها حجارة ملساء مزلقة ~~يزلق عليها الغافلون فهذا منكر ويجب قلعه وإزالته وينكر على الحمامي إهماله ~~فإنه يفضي إلى السقطة وقد تؤدي السقطة إلى انكسار عضو أو انخلاعه وكذلك ترك ~~السدر والصابون المزلق على أرض الحمام منكر ومن فعل ذلك وخرج وتركه فزلق به ~~إنسان وانكسر عضو من أعضائه وكان ذلك في موضع لا يظهر فيه بحيث يتعذر ~~الاحتراز عنه فالضمان متردد بين الذي تركه وبين الحمامي إذ حقه تنظيف ~~الحمام والوجه إيجاب الضمان على تاركه في اليوم الأول وعلى الحمامي في ~~اليوم الثاني إذ عادة تنظيف الحمام كل يوم معتادة والرجوع في مواقيت إعادة ~~التنظيف إلى العادات فليعتبر بها # وفي الحمام أمور أخر مكروهة ذكرناها في كتاب الطهارة فلتنظر هناك منكرات ~~الضيافة # فمنها فرش الحرير للرجال فهو حرام وكذلك تبخير البخور في مجمرة فضة أو ~~ذهب أو الشراب أو استعمال ماء الورد في أواني الفضة أو ما رءوسها من فضة # ومنها إسدال الستور وعليها الصور # ومنها سماع الأوتار أو سماع القينات # ومنها اجتماع النساء على السطوح للنظر إلى الرجال مهما كان في الرجال ~~شباب يخاف الفتنة منهم فكل ذلك محظور منكر يجب تغييره # ومن عجز عن تغييره لزمه الخروج ومن لم يجز له الجلوس فلا رخصة له في ~~الجلوس في مشاهدة المنكرات # وأما الصور التي على النمارق والزرابي المفروشة فليس منكرا # وكذلك على الأطباق والقصاع لا الأواني المتخذة على شكل الصور فقد تكون ~~رءوس بعض المجامر على شكل طير فذلك حرام يجب كسر مقدار الصورة منه # وفي المكحلة الصغيرة من الفضة خلاف وقد خرج أحمد بن حنبل عن الضيافة ~~بسببها # ومهما كان الطعام حراما أو كان الموضع مغصوبا أو كانت الثياب المفروشة ~~حراما فهو من أشد المنكرات فإن كان من فيها من يتعاطى شرب الخمر وحده فلا ~~يجوز الحضور إذ لا يحل حضور مجالس الشرب وإن كان مع ترك الشرب ولا يجوز ~~مجالسة الفاسق في حالة مباشرته للفسق وإنما النظر في مجالسته بعد ذلك وأنه ~~هل يجب بغضه في الله ومقاطعته كما ذكرناه في باب الحب والبغض في الله وكذلك ~~إن كان فيهم من يلبس الحرير أو خاتم الذهب فهو فاسق لا يجوز PageV02P340 ~~الجلوس معه من غير ضرورة # فإن كان الثوب على صبي غير بالغ فهذا في محل النظر # والصحيح أن ذلك منكر ويجب نزعه عنه إن كان مميزا لعموم قوله عليه السلام ~~هذان حرام على ذكور أمتي + حديث هذان حرامان على ذكور أمتي أخرجه أبو داود ~~والنسائي وابن ماجه من حديث علي وقد تقدم في الباب الرابع من آداب الأكل + ~~وكما يجب منع الصبي من شرب الخمر لا لكونه مكلفا لكن لأنه يأنس به فإذا بلغ ~~عسر عليه الصبر عنه فكذلك شهوة التزين بالحرير تغلب عليه إذا اعتاده فيكون ~~ذلك بذرا للفساد يبذر في صدره فتنبت منه شجرة من الشهوة راسخة يعسر قلعها ~~بعد البلوغ # أما الصبي الذي لا يميز فيضعف معنى التحريم في حقه ولا يخلو عن احتمال ~~والعلم عند الله فيه والمجنون في معنى الصبي الذي لا يميز نعم يحل التزين ~~بالذهب والحرير للنساء من غير إسراف # ولا أرى رخصة في تثقيب أذن الصبية لأجل تعليق حلق الذهب فيها فإن هذا جرح ~~مؤلم ومثله موجب للقصاص فلا يجوز إلا لحاجة مهمة كالفصد والحجامة والختان ~~والتزين بالحلق غير مهم بل في التقريط بتعليقه على الأذن وفي المخانق ~~والأسورة كفاية عنه # فهذا وإن كان معتادا فهو حرام والمنع منه واجب والاستئجار عليه غير صحيح ~~والأجرة المأخوذة عليه حرام إلا أن يثبت من جهة النقل فيه رخصة ولم يبلغنا ~~إلى الآن فيه رخصة # ومنها أن يكون في الضيافة مبتدع يتكلم في بدعته فيجوز الحضور لمن يقدر ~~على الرد عليه على عزم الرد فإن كان لا يقدر عليه لم يجز فإن كان المبتدع ~~لا يتكلم ببدعته فيجوز الحضور مع إظهار الكراهة عليه والإعراض عنه كما ~~ذكرناه في باب البغض في الله # وإن كان فيها مضحك بالحكايات وأنواع النوادر فإن كان يضحك بالفحش والكذب ~~لم يجز الحضور وعند الحضور يجب الإنكار عليه وإن كان ذلك بمزح لا كذب فيه ~~ولا فحش فهو مباح أعني ما يقل منه فأما اتخاذه صنعة وعادة فليس بمباح # وكل كذب لا يخفى أنه كذب ولا يقصد به التلبيس فليس من جملة المنكرات كقول ~~الإنسان مثلا طلبتك اليوم مائة مرة وأعدت عليك الكلام ألف مرة وما يجري ~~مجراه مما يعلم أنه ليس يقصد به التحقيق فذلك لا يقدح في العدالة ولا ترد ~~الشهادة به # وسيأتي حد المزاح المباح والكذب المباح في كتاب آفات اللسان من ربع ~~المهلكات # ومنها الإسراف في الطعام والبناء فهو منكر بل في المال منكران أحدهما ~~الإضاعة والآخر الإسراف # فالإضاعة تفويت مال بلا فائدة يعتد بها كإحراق الثوب وتمزيقه وهدم البناء ~~من غير غرض # وإلقاء المال في البحر وفي معناه صرف المال إلى النائحة والمطرب وفي ~~أنواع الفساد لأنها فوائد محرمة شرعا فصارت كالمعدومة # وأما الإسراف فقد يطلق لإرادة صرف المال إلى النائحة والمطرب والمنكرات ~~وقد يطلق على الصرف إلى المباحات في جنسها ولكن مع المبالغة # والمبالغة تختلف بالإضافة إلى الأحوال فنقول من لم يملك إلا مائة دينار ~~مثلا ومعه عياله وأولاده ولا معيشة لهم سواه فأنفق الجميع في وليمة فهو ~~مسرف يجب منعه قال تعالى ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا نزل هذا ~~في رجل بالمدينة قسم جميع ماله ولم يبق شيئا لعياله فطولب بالنفقة فلم يقدر ~~على شيء وقال تعالى ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ~~وكذلك قال عز وجل والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا فمن يسرف هذا ~~الإسراف ينكر عليه ويجب على القاضي أن يحجر عليه إلا إذا كان الرجل وحده ~~وكان له قوة في التوكل صادقة فله أن ينفق جميع ماله في أبواب البر # ومن له عيال أو كان عاجزا عن التوكل فليس له أن يتصدق PageV02P341 بجميع ~~ماله # وكذلك لو صرف جميع ماله إلى نقوش حيطانه وتزيين بنيانه فهو أيضا إسراف ~~محرم وفعل ذلك ممن له مال كثير ليس بحرام لأن التزيين من الأغراض الصحيحة ~~ولم تزل المساجد تزين وتنقش أبوابها وسقوفها مع أن نقش الباب والسقف لا ~~فائدة فيه إلا مجرد الزينة فكذا الدور وكذا القول في التجمل بالثياب ~~والأطعمة فذلك مباح في جنسه ويصير إسرافا باعتبار حال الرجل وثروته وأمثال ~~هذه المنكرات كثيرة لا يمكن حصرها # فقس بهذه المنكرات المجامع ومجالس القضاة ودواوين السلاطين ومدارس ~~الفقهاء ورباطات الصوفية وخانات الأسواق فلا تخلو بقعة عن منكر مكروه أو ~~محذور واستقصاء جميع المنكرات يستدعي استيعاب جميع تفاصيل الشرع أصولها ~~وفروعها فلنقتصر على هذا القدر منها المنكرات العامة # اعلم أن كل قاعد في بيته أينما كان فليس خاليا في هذا الزمان عن منكر من ~~حيث التقاعد عن إرشاد الناس وتعليمهم وحملهم على المعروف فأكثر الناس ~~جاهلون بالشرع في شروط الصلاة في البلاد فكيف في القرى والبوادي ومنهم ~~الأعراب والأكراد والتركمانية وسائر أصناف الخلق وواجب أن يكون في مسجد ~~ومحلة من البلد فقيه يعلم الناس دينهم وكذا في كل قرية وواجب على كل فقيه ~~فرع من فرض عينه وتفرغ لفرض الكفاية أن يخرج إلى من يجاور بلده من أهل ~~السواد ومن العرب والأكراد وغيرهم ويعلمهم دينهم وفرائض شرعهم ويستصحب مع ~~نفسه زادا يأكله ولا يأكل من أطعمتهم فإن أكثرها مغصوب فإن قام بهذا الأمر ~~واحد سقط الحرج عن الآخرين وإلا عم الحرج الكافة أجمعين # أما العالم فلتقصيره في الخروج # وأما الجاهل فلتقصيره في ترك التعلم # وكل عامي عرف شروط الصلاة فعليه أن يعرف غيره وإلا فهو شريك في الإثم # ومعلوم أن الإنسان لا يولد عالما بالشرع وإنما يجب التبليغ على أهل العلم ~~فكل من تعلم مسألة واحدة فهو من أهل العلم بها # ولعمري الإثم على الفقهاء أشد لأن قدرتهم فيه أظهر وهو بصناعتهم أليق لأن ~~المحترفين لو تركوا حرفتهم لبطلت المعايش فهم قد تقلدوا أمرا لا بد منه في ~~صلاح الخلق # وشأن الفقيه وحرفته تبليغ ما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ~~العلماء هم ورثة الأنبياء # وللإنسان أن يقعد في بيته ولا يخرج إلى المسجد لأنه يرى الناس لا يحسنون ~~الصلاة بل إذا علم ذلك وجب عليه الخروج للتعليم والنهي # وكذا كل من تيقن أن في السوق منكرا يجري على الدوام أو في وقت بعينه وهو ~~قادر على تغييره فلا يجوز له أن يسقط ذلك عن نفسه بالقعود في البيت بل ~~يلزمه الخروج فإن كان لا يقدر على تغيير الجميع وهو محترز عن مشاهدته ويقدر ~~على البعض لزمه الخروج لأن خروجه إذا كان لأجل تغيير ما يقدر عليه فلا يضره ~~مشاهدة ما لا يقدر عليه وإنما يمنع الحضور لمشاهدة المنكر من غير غرض صحيح ~~فحق على كل مسلم أن يبدأ بنفسه فيصلحها بالمواظبة على الفرائض وترك ~~المحرمات ثم يعلم ذلك أهل بيته ثم يتعدى بعد الفراغ منهم إلى جيرانه ثم إلى ~~أهل محلته ثم إلى أهل بلده ثم إلى أهل السوادي المكتنف ببلده ثم إلى أهل ~~البوادي من الأكراد والعرب وغيرهم وهكذا إلى أقصى العالم فإن قام به الأدنى ~~سقط عن الأبعد وإلا حرج به على كل قادر عليه قريبا كان أو بعيدا ولا يسقط ~~الحرج ما دام يبقى على وجه الأرض جاهل بفرض من فروض دينه وهو قادر على أن ~~يسعى إليه بنفسه أو بغيره فيعلمه فرضه وهذا شغل شاغل لمن يهمه أمر دينه ~~يشغله عن تجزئة الأوقات في التفريعات النادرة والتعمق في دقائق العلوم التي ~~هي من فروض الكفايات ولا يتقدم على هذا إلا فرض عين أو فرض كفاية هو أهم ~~منه PageV02P342 # | الباب الرابع في أمر الأمراء والسلاطين ونهيهم عن المنكر # قد ذكرنا درجات الأمر بالمعروف وأن أوله التعريف وثانيه والوعظ وثالثه ~~التخشين في القول ورابعه المنع بالقهر في الحمل على الحق بالضرب والعقوبة # والجائز من جملة ذلك مع السلاطين الرتبتان الأوليان وهما التعريف والوعظ # وأما المنع بالقهر فليس ذلك لآحاد الرعية مع السلطان فإن ذلك يحرك الفتنة ~~ويهيج الشر ويكون ما يتولد منه من المحذور أكثر وأما التخشين في القول ~~كقوله يا ظالم يا من لا يخاف الله وما يجري مجراه فذلك إن كان يحرك فتنة ~~يتعدى شرها إلى غيره لم يجز وإن كان لا يخاف إلا على نفسه فهو جائز بل ~~مندوب إليه # فلقد كان من عادة السلف التعرض للأخطار والتصريح بالإنكار من غير مبالاة ~~بهلاك المهجة والتعرض لأنواع العذاب لعلمهم بأن ذلك شهادة # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الشهداء حمزة بن عبد المطلب ثم رجل ~~قام إلى إمام فأمره ونهاه في ذات الله تعالى فقتله على ذلك + حديث خير ~~الشهداء حمزة بن عبد المطلب ثم رجل قام إلى رجل فأمره ونهاه في ذات الله ~~فقتله على ذلك أخرجه الحاكم من حديث جابر وقال صحيح الإسناد وتقدم في الباب ~~قبله + # وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر + حديث أفضل ~~الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر تقدم + # ووصف النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال قرن من ~~حديد لا تأخذه في الله لومة لائم وتركه قوله الحق ماله من صديق + حديث وصفه ~~صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب بأنه قرن من حديد لا تأخذه في الله لومة ~~لائم تركه قوله الحق ماله من صديق أخرجه الترمذي بسند ضعيف مقتصرا على آخر ~~الحديث من حديث علي رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مرا تركه الحق ماله من ~~صديق وأما أول الحديث فرواه الطبراني إن عمر قال لكعب الأحبار كيف تجد نعتي ~~قال أجد نعتك قرنا من حديد قال وما قرن من حديد قال أمير شديد لا تأخذه في ~~الله لومة لائم + # ولما علم المتصلبون في الدين أن أفضل الكلام كلمة حق عند سلطان جائر وأن ~~صاحب ذلك إذا قتل فهو شهيد كما وردت به الأخبار قدموا على ذلك موطنين ~~أنفسهم على الهلاك ومحتملين أنواع العذاب وصابرين عليه في ذات الله تعالى ~~ومحتسبين لما يبذلونه من من مهجهم عند الله # وطريق وعظ السلاطين وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ما نقل علماء السلف ~~وقد أوردنا جملة من ذلك في باب الدخول على السلاطين في كتاب الحلال والحرام ~~ونقتصر الآن على حكايات يعرف وجه الوعظ وكيفية الإنكار عليهم # فمنها ما روي من إنكار أبي بكر الصديق رضي الله عنه على أكابر قريش حين ~~قصدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوء # وذلك ما روي عن عروة رضي الله عنه قال قلت لعبد الله بن عمرو ما أكثر ما ~~رأيت قريشا نالت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تظهر من عدوانه ~~فقال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر فذكر رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فقالوا ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل سفه أحلامنا وشتم ~~آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا ولقد صبرنا منه على أمر عظيم أو ~~كما قالوا فبينما هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا بالبيت فلما مر بهم غمزوه ببعض ~~القول قال فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مضى فلما مر ~~الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه عليه السلام ثم مضى فمر بهم ~~الثالثة فغمزوه بمثلها حتى وقف ثم قال أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس ~~محمد بيده فقد جئتكم بالذبح قال فأطرق القوم حتى ما منهم رجل إلا كأنما على ~~رأسه طائر واقع حتى أن أشدهم فيه وطأة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من ~~القول حتى إنه ليقول انصرف PageV02P343 يا أبا القاسم راشدا فوالله ما كنت ~~جهولا قال فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من الغد ~~اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم ~~عنه حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون أنت الذي ~~تقول كذا أنت الذي تقول كذا لما كان قد بلغهم من عيب آلهتهم ودينهم قال ~~فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم أنا الذي أقول ذلك قال فلقد رأيت ~~رجل منهم أخذ بمجامع ردائه قال وقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه دونه يقول ~~وهو يبكي ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ثم انصرفوا عنه وإن ذلك لأشد ~~ما رأيت قريشا بلغت منه + حديث عروة قلت لعبد الله بن عمرو ما أكثر ما رأيت ~~قريشا نالت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تظهر من عداوته ~~الحديث أخرجه بطوله البخاري مختصرا وابن حبان بتمامه + # وفي رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال بينا رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فلف ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فجاء أبو بكر ~~فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتقتلون رجلا أن ~~يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم + حديث عبد الله بن عمرو بينا ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ ~~بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث رواه البخاري + # وروى أن معاوية رضي الله عنه حبس العطاء فقام إليه أبو مسلم الخولاني ~~فقال له يا معاوية إنه ليس من كدك ولا من كد أبيك ولا من كد أمك # قال فغضب معاوية ونزل عن المنبر وقال لهم مكانكم وغاب عن أعينهم ساعة ثم ~~خرج عليهم وقد اغتسل فقال إن أبا مسلم كلمني بكلام أغضبني وإني سمعت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يقول الغضب من الشيطان والشيطان خلق من النار ~~وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليغتسل + حديث معاوية الغضب من ~~الشيطان الحديث وفي أوله قصة رواها أبو نعيم في الحلية وفيه من لا أعرفه + ~~وإني دخلت فاغتسلت وصدق أبو مسلم أنه ليس من كدي ولا من كد أبي فهلموا إلى ~~عطائكم # وروى عن ضبة بن محصن العنزي قال كان علينا أبو موسى الأشعري أميرا ~~بالبصرة فكان إذا خطبنا حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه ~~وسلم وأنشأ يدعو لعمر رضي الله عنه قال فغاظني ذلك منه فقمت إليه فقلت له ~~أين أنت من صاحبه تفضله عليه فصنع ذلك جمعا ثم كتب إلى عمر يشكوني يقول إن ~~ضبة بن محصن العنزي يتعرض لي في خطبتي # فكتب إليه عمر أن أشخصه إلي # قال فأشخصني إليه فقدمت فضربت عليه الباب فخرج إلي فقال من أنت فقلت أنا ~~ضبة فقال لي لا مرحبا ولا أهلا قلت أما المرحب فمن الله وأما الأهل فلا أهل ~~لي ولا مال فبماذا استحللت يا عمر إشخاصي من مصري بلا ذنب أذنبته ولا شيء ~~أتيته فقال ما الذي شجر بينك وبين عاملي قال قلت الآن أخبرك به إنه كان إذا ~~خطبنا حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أنشأ يدعو ~~لك فغاظني ذلك منه فقمت إليه فقلت له أين أنت من صاحبه تفضله عليه فصنع ذلك ~~جمعا ثم كتب إليك يشكوني # قال فاندفع عمر رضي الله عنه باكيا وهو يقول أنت والله أوفق منه وأرشد ~~فهل أنت غافر لي ذنبي يغفر الله لك قال قلت غفر الله لك يا أمير المؤمنين # قال ثم اندفع باكيا وهو يقول والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل ~~عمر فهل لك أن أحدثك بليلته ويومه قلت نعم قال # أما الليلة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الخروج من مكة ~~هاربا من المشركين خرج ليلا فتبعه أبو بكر فجعل يمشي مرة أمامه ومرة خلفه ~~ومرة عن يمينه ومرة عن يساره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا يا ~~أبا بكر ما أعرف هذا من أفعالك فقال يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك ~~وأذكر الطلب PageV02P344 فأكون خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن ~~عليك # قال فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته على أطراف أصابعه حتى حفيت ~~فلما رأى أبو بكر أنها قد حفيت حمله على عاتقه وجعل يشتد به حتى أتى فم ~~الغار فأنزله ثم قال والذي بعثكبالحق لا تدخله حتى أدخله فإن كان فيه شيء ~~نزل بي قبلك قال فدخل فلم ير فيه شيئا فحمله فأدخله وكان في الغار خرق فيه ~~حيات وأفاع فألقمه أبو بكر قدمه مخافة أن يخرج منه شيء إلى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فيؤذيه وجعلن يضربن أبا بكر في قدمه وجعلت دموعه تنحدر على ~~خديه من ألم ما يجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له يا أبا بكر لا ~~تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه والطمأنينة لأبي بكر فهذه ليلته # وأما يومه فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب فقال ~~بعضهم نصلى ولا نزكي فأتيته لا آلوه نصحا فقلت يا خليفة رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم تألف الناس وارفق بهم # فقال لي أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام فبماذا أتألفهم قبض رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم وارتفع الوحي فوالله لو منعوني عقالا كانوا يعطونه رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه قال فقاتلنا عليه فكان والله رشيد ~~الأمر # فهذا يومه # ثم كتب إلى أبي موسى يلومه + حديث ضبة بن محصن كان علينا أبو موسى ~~الأشعري أميرا بالبصرة وفيه من عمر أنه قال والله لليلة من أبي بكر ويوم ~~خير من عمر وآل عمر فهل لك أن أحدثك بيومه وليلته فذكر ليلة الهجرة ويوم ~~الردة بطوله رواه البيهقي في دلائل النبوة بإسناد ضعيف هكذا وقصة الهجرة ~~رواها البخاري من حديث عائشة بغير هذا السياق واتفق عليها الشيخان من حديث ~~أبي بكر بلفظ آخر ولهما من حديثه قال قلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى ~~قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما وأما ~~قتاله لأهل الردة ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة لما توفي رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر لأبي بكر كيف ~~تقاتل الناس الحديث + # وعن الأصمعي قال دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان وهو جالس ~~على سريره وحواليه الأشراف من كل بطن وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته فلما ~~بصر به قام إليه وأجلسه معه على السرير وقعد بين يديه وقال له يا أبا محمد ~~ما حاجتك فقال يا أمير المؤمنين اتق الله في حرم الله وحرم رسوله فتعاهده ~~بالعمارة واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار فإنك بهم جلست هذا المجلس ~~واتق الله في أهل الثغور فإنهم حصن المسلمين وتفقد أمور المسلمين فإنك وحدك ~~المسئول عنهم واتق الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم ولا تغلق بابك دونهم # فقال له أجل أفعل ثم نهض وقام # فقبض عليه عبد الملك فقال يا أبا محمد إنما سألتنا حاجة لغيرك وقد ~~قضيناها فما حاجتك أنت فقال ما لي إلى مخلوق حاجة # ثم خرج فقال عبد الملك هذا وأبيك الشرف وقد روى أن الوليد بن عبد الملك ~~قال لحاجبه يوما قف على الباب فإذا مر بك رجل فأدخله علي ليحدثني # فوقف الحاجب على الباب مدة فمر به عطاء بن أبي رباح وهو لا يعرفه فقال له ~~يا شيخ ادخل إلى أمير المؤمنين فإنه أمر بذلك فدخل عطاء على الوليد وعنده ~~عمر بن عبد العزيز فلما دنا عطاء من الوليد قال السلام عليك يا وليد قال ~~فغضب الوليد على حاجبه وقال له # ويلك أمرتك أن تدخل إلى رجلا يحدثني ويسامرني فأدخلت إلى رجلا لم يرض أن ~~يسميني بالإسم الذي اختاره الله لي # فقال له حاجبه ما مر بي أحد غيره ثم قال لعطاء اجلس ثم أقبل عليه يحدثه ~~فكان فيما حدثه به عطاء أن قال له بلغنا أن في جهنم واديا يقال له هبهب ~~أعده الله لكل إمام جائر في حكمه # فصعق الوليد من قوله وكان جالسا بين يدي عتبة باب المجلس فوقع على قفاه ~~إلى جوف المجلس مغشيا عليه فقال عمر لعطاء قتلت أمير المؤمنين # فقبض عطاء على ذراع عمر ابن عبد العزيز فغمزه غمرة شديدة وقال له يا عمر ~~إن الأمر جد فجد ثم قام عطاء وانصرف # فبلغنا عن عمر بن PageV02P345 عبد العزيز رحمه الله أنه قال مكثت سنة أجد ~~ألم غمزته في ذراعي # وكان ابن أبي شميلة يوصف بالعقل والأدب فدخل على عبد الملك بن مروان فقال ~~له عبد الملك تكلم قال بم أتكلم وقد علمت أن كل كلام تكلم به المتكلم عليه ~~وبال إلا ما كان لله فبكى عبد الملك ثم قال يرحمك الله لم يزل الناس ~~يتواعظون ويتواصون فقال الرجل يا أمير المؤمنين إن الناس في القيامة لا ~~ينجون من غصص مرارتها ومعاينة الردى فيها إلا من أرضى الله بسخط نفسه فبكى ~~عبد الملك ثم قال لا جرم لأجعلن هذه الكلمات مثالا نصب عيني ما عشت # ويروى عن ابن عائشة أن الحجاج دعا بفقهاء البصرة وفقهاء الكوفة فدخلنا ~~عليه ودخل الحسن البصري رحمه الله آخر من دخل فقال الحجاج مرحبا بأبي سعيد ~~إلى إلي ثم دعا بكرسي فوضع إلى جنب سريره فقعد عليه فجعل الحجاج يذاكرنا ~~ويسألنا إذ ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه فنال منه ونلنا منه مقاربة له ~~وفرقا من شره والحسن ساكت عاض على إبهامه فقال يا أبا سعيد مالي أراك ساكتا ~~قال ما عسيت أن أقول قال أخبرني برأيك في أبي تراب قال سمعت الله جل ذكره ~~يقول وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب ~~على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع ~~إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم فعلى ممن هدى الله من أهل الإيمان فأقول ~~ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته وأحب الناس إليه وصاحب ~~سوابق مباركات سبقت له من الله لن تستطيع أنت ولا أحد من الناس أن يحظرها ~~عليه ولا يحول بينه وبينها # وأقول إن كانت لعلى هناة فالله حسبه والله ما أجد فيه قولا أعدل من هذا # فبسر وجه الحجاج وتغير وقام عن السرير مغضبا فدخل بيتا خلفه وخرجنا # قال عامر الشعبي فأخذت بيد الحسن فقلت يا أبا سعيد أغضبت الأمير وأوغرت ~~صدره فقال إليك عني يا عامر يقول الناس عامر الشعبي عالم أهل الكوفة # أتيت شيطانا من شياطين الإنس تكلمه بهواه وتقاربه في رأيه ويحك يا عامر ~~هلا اتقيت إن سئلت فصدقت أو سكت فسلمت قال عامر يا أبا سعيد قد قلتها وأنا ~~أعلم ما فيها قال الحسن فذاك أعظم في الحجة عليك وأشد في التبعة # قال وبعث الحجاج إلى الحسن فلما دخل عليه قال أنت الذي تقول قاتلهم الله ~~قتلوا عباد الله على الدينار والدرهم قال نعم قال ما حملك على هذا قال ما ~~أخذ الله على العلماء من المواثيق ليبيننه للناس ولا يكتمونه قال يا حسن ~~أمسك عليك لسانك وإياك أن يبلغني عنك ما أكره فأفرق بين رأسك وجسدك # وحكى أن حطيطا الزيات جيء به إلى الحجاج فلما دخل عليه قال أنت حطيط قال ~~نعم سل عما بدا لك فإني عاهدت الله عند المقام على ثلاث خصال إن سئلت ~~لأصدقن وإن ابتليت لأصبرن وإن عوفيت لأشكرن # قال فما تقول في قال أقول إنك من أعداء الله في الأرض تنتهك المحارم ~~وتقتل بالظنة # قال فما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان قال أقول إنه أعظم ~~جرما منك وإنما أنت خطيئة من خطاياه # قال فقال الحجاج ضعوا عليه العذاب # قال فانتهى به العذاب إلى أن شقق له القصب ثم جعلوه على لحمه وشدوه ~~بالحبال ثم جعلوا يمدون قصبة قصبة حتى انتحلوا لحمه فما سمعوه يقول شيئا # قال فقيل للحجاج إنه في آخر رمق فقال أخرجوه فارموا به في السوق # قال جعفر فأتيته أنا وصاحب له فقلنا له حطيط ألك حاجة قال شربة ماء فأتوه ~~بشربة ثم مات وكان ابن ثمان عشرة سنة رحمة الله عليه # وروى أن عمر بن هبيرة دعا بفقهاء أهل البصرة وأهل الكوفة وأهل المدينة ~~وأهل الشام وقرائها فجعل يسألهم وجعل يكلم عامر الشعبي فجعل لا يسأله عن ~~شيء إلا وجد عنده منه علما ثم أقبل على الحسن البصري فسأله ثم قال هما هذان ~~هذا رجل أهل الكوفة يعني الشعبي وهذا رجل PageV02P346 أهل البصرة يعني ~~الحسن فأمر الحاجب فأخرج الناس وخلا بالشعبي والحسن # فأقبل على الشعبي فقال يا أبا عمرو إني أمين أمير المؤمنين على العراق ~~وعامله عليها ورجل مأمور على الطاعة ابتليت بالرعية ولزمني حقهم فأنا أحب ~~حفظهم وتعهد ما يصلحهم مع النصيحة لهم وقد يبلغني عن العصابة من أهل الديار ~~الأمر أجد عليهم فيه فأقبض طائفة من عطائهم فأضعه في بيت المال ومن نيتي أن ~~أرده عليهم فيبلغ أمير المؤمنين أني قد قبضته على ذلك النحو فيكتب إلى أن ~~لا ترده فلا أستطيع رد أمره ولا إنفاذ كتابه وإنما أنا رجل مأمور على ~~الطاعة # فهل على في هذا تبعة وفي أشباهه من الأمور والنية فيها على ما ذكرت قال ~~الشعبي # فقلت أصلح الله الأمير إنما السلطان والد يخطىء ويصيب قال # فسر بقولي وأعجب به ورأيت البشر في وجهه وقال فلله الحمد ثم أقبل على ~~الحسن فقال ما تقول يا أبا سعيد قال قد سمعت قول الأمير يقول إنه أمين أمير ~~المؤمنين على العراق وعامله عليها ورجل مأمور على الطاعة ابتليت بالرعية ~~ولزمني حقهم والنصيحة لهم والتعهد لما يصلحهم وحق الرعية لازم لك وحق عليك ~~أن تحوطهم بالنصيحة وإني سمعت عبد الرحمن بن سمرة القرشي صاحب رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استرعى رعية ~~فلم يحطها بالنصيحة حرم الله عليه الجنة + حديث الحسن عن عبد الرحمن بن ~~سمرة من استرعى رعية فلم يحطها بالنصيحة حرم الله عليه الجنة رواه البغوي ~~في معجم الصحابة بإسناد لين وقد اتفق عليه الشيخان بنحوه من رواية الحسن عن ~~معقل بن يسار + ويقول إني ربما قبضت من عطائهم إرادة صلاحهم واستصلاحهم وأن ~~يرجعوا إلى طاعتهم فيبلغ أمير المؤمنين أني قبضتها على ذلك النحو فيكتب إلى ~~أن لا ترده فلا أستطيع رد أمره ولا أستطيع إنفاذ كتابه وحق الله ألزم من حق ~~أمير المؤمنين والله أحق أن يطاع ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فأعرض ~~كتاب أمير المؤمنين على كتاب الله عز وجل فإن وجدته موافقا لكتاب الله فخذ ~~به وإن وجدته مخالفا لكتاب الله فانبذه يا ابن هبيرة اتق الله فإنه يوشك أن ~~يأتيك رسول من رب العالمين يزيلك عن سريرك ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ~~فتدع سلطانك ودنياك خلف ظهرك وتقدم على ربك وتنزل على عملك يا ابن هبيرة إن ~~الله ليمنعك من يزيد ولا يمنعك يزيد من الله وإن أمر الله فوق كل أمر وإنه ~~لا طاعة في معصية الله وإني أحذرك بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين # فقال ابن هبيرة اربع على ظلعك أيها الشيخ وأعرض عن ذكر أمير المؤمنين فإن ~~أمير المؤمنين صاحب العلم وصاحب الحكم وصاحب الفضل وإنما ولاه الله تعالى ~~ما ولاه من أمر هذه الأمة لعلمه به وما يعلمه من فضله ونيته # فقال الحسن يا ابن هبيرة الحساب من ورائك سوط بسوط وغضب بغضب والله ~~بالمرصاد يا ابن هبيرة إنك إن تلق من ينصح لك في دينك ويحملك على أمر آخرتك ~~خير من أن تلقى رجلا يغرك ويمنيك # فقام ابن هبيرة وقد بسر وجهه وتغير لونه # قال الشعبي فقلت يا أبا سعيد أغضبت الأمير وأوغرت صدره وحرمتنا معروفه ~~وصلته فقال إليك عني يا عامر قال فخرجت إلى الحسن التحف والطرف وكانت له ~~المنزلة واستخف بنا وجفينا فكان أهلا لما أدى إليه وكنا أهلا أن يفعل ذلك ~~بنا # فما رأيت مثل الحسن فيمن رأيت من العلماء إلا مثل الفرس العربي بين ~~المقارف وما شهدنا مشهدا إلا برز علينا # وقال لله عز وجل وقلنا مقاربة لهم # قال عامر الشعبي وأنا أعاهد الله أن لا أشهد سلطانا بعد هذا المجلس ~~فأحابيه # ودخل محمد بن واسع على بلال بن أبي بردة فقال له ما تقول في القدر فقال ~~جيرانك أهل القبور فتفكر فيهم فإن فيهم شغلا عن القدر # وعن الشافعي رضي الله عنه قال حدثني عمي محمد بن علي قال إني لحاضر مجلس ~~أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور PageV02P347 وفيه ابن أبي ذؤيب وكان والي ~~المدينة الحسن بن زيد قال فأتى الغفاريون فشكوا إلى أبي جعفر شيئا من أمر ~~الحسن بن زيد فقال الحسن يا أمير المؤمنين سل عنهم ابن أبي ذؤيب قال فسأله ~~فقال ما تقول فيهم يا ابن أبي ذؤيب فقال أشهد أنهم أهل تحطم في أعراض الناس ~~كثيرو الأذى لهم # فقال أبو جعفر قد سمعتم فقال الغفاريون يا أمير المؤمنين سله عن الحسن بن ~~زيد # فقال يا ابن أبي ذؤيب ما تقول في الحسن بن زيد فقال أشهد عليه أنه يحكم ~~بغير الحق ويتبع هواه فقال قد سمعت يا حسن ما قال فيك ابن أبي ذؤيب وهو ~~الشيخ الصالح فقال يا أمير المؤمنين اسأله عن نفسك # فقال ما تقول في قال تعفيني يا أمير المؤمنين قال أسألك بالله إلا ~~أخبرتني # قال تسألني بالله كأنك لا تعرف نفسك قال والله لتخبرني قال أشهد أنك أخذت ~~هذا المال من غير حقه فجعلته في غير أهله واشهد أن الظلم ببابك فاش # قال فجاء أبو جعفر من موضعه حتى وضع يده في قفا ابن أبي ذؤيب فقبض عليه ~~ثم قال له أما والله لولا أني جالس ههنا لأخذت فارس والروم والديلم والترك ~~بهذا المكان منك قال فقال ابن أبي ذؤيب يا أمير المؤمنين قد ولى أبو بكر ~~وعمر فأخذا الحق وقسما بالسوية وأخذا بأقفاء فارس والروم وأصغرا آنافهم قال ~~فخلى أبو جعفر قفاه وخلى سبيله وقال والله لولا أني أعلم أنك صادق لقتلتك ~~فقال ابن أبي ذؤيب والله يا أمير المؤمنين إني لأنصح لك من ابنك المهدي قال ~~فبلغنا أن ابن أبي ذؤيب لما انصرف من مجلس المنصور لقيه سفيان الثوري فقال ~~له يا أبا الحرث لقد سرني ما خاطبت به هذا الجبار ولكن ساءني قولك له ابنك ~~المهدي فقال يغفر الله لك يا أبا عبد الله كلنا مهدي كلنا كان في المهد # وعن الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو قال بعث إلى أبو جعفر المنصور أمير ~~المؤمنين وأنا بالساحل فأتيته فلما وصلت إليه وسلمت عليه بالخلافة رد علي ~~واستجلسني ثم قال لي ما الذي أبطأ بك عنا يا أوزاعي قال قلت وما الذي تريد ~~يا أمير المؤمنين قال أريد الأخذ عنكم والإقتباس منكم قال فقلت فانظر يا ~~أمير المؤمنين أن لا تجهل شيئا مما أقول لك قال وكيف أجهله وأنا أسألك عنه ~~وفيه وجهت إليك وأقدمتك له قال قلت أخاف أن تسمعه ثم لا تعمل به قال فصاح ~~بي الربيع وأهوى بيده إلى السيف فانتهره المنصور وقال هذا مجلس مثوبة لا ~~مجلس عقوبة + حديث الأوزاعي مع المنصور وموعظته له وذكر فيها عشرة أحاديث ~~مرفوعة والقصة بجملتها رواها ابن أبي الدنيا في كتاب مواعظ الخلفاء ~~ورويناها في مشيخة يوسف بن كامل الخفاف ومشيخة ابن طبرزد وفي إسنادها أحمد ~~بن عبيد بن ناصح قال ابن عدي يحدث بمناكير وهو عندي من أهل الصدق وقد رأيت ~~سرد الأحاديث المذكورة في الموعظة لنذكر هل لبعضها طريق غير هذا الطريق ~~وليعرف صحابي كل حديث أو كونه مرسلا فأولها + فطابت نفسي وانبسطت في الكلام # فقلت يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عطية بن بشر قال قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم أيما عبد جاءته موعظة من الله في دينه فإنها نعمة من الله ~~سيقت إليه فإن قبلها بشكر وإلا كانت حجة من الله عليه ليزداد بها إثما ~~ويزداد الله بها سخطا عليه + حديث عطية بن بشر أيما عبد جاءته موعظة من ~~الله في دينه فإنها نعمة من الله الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في مواعظ ~~الخلفاء + يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عطية بن ياسر قال قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم أيما وال مات غاشا لرعيته حرم الله عليه الجنة + حديث ~~عطية بن ياسر ايما وال بات غاشا لرعيته حرم الله عليه الجنة ياأمير ~~المؤمنين من كره الحق فقد كره الله إن الله هو الحق المبين إن الذي لين ~~قلوب أمتكم لكم حين ولاكم أمورهم لقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وقد كان بهم رءوفا رحيما مواسيا لهم بنفسه في ذات يده محمودا عند الله وعند ~~الناس فحقيق بك أن تقوم له فيهم بالحق وأن تكون بالقسط له فيهم قائما ~~ولعوراتهم ساترا لا تغلق عليك دونهم الأبواب ولا تقيم دونهم الحجاب تبتهج ~~بالنعمة عندهم وتبتئس بما أصابهم من سوء يا أمير + أخرجه ابن أبي الدنيا ~~فيه وابن عدي في الكامل في ترجمة أحمد بن عبيد + # يا أمير المؤمنين من كره الحق فقد كره الله إن الله هو الحق المبين إن ~~الذي لين قلوب أمتكم لكم حين ولاكم أمورهم لقرابتكم من رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وقد كان بهم رءوفا رحيما مواسيا لهم بنفسه في ذات يده محمودا عند ~~الله وعند الناس فحقيق بك أن تقوم له فيهم بالحق وأن تكون بالقسط له فيهم ~~قائما ولعوراتهم ساترا لاتغلق عليهم دونهم الأبواب ولا تقيم دونهم الحجاب ~~تبتهج بالنعمة عندهم وتبتئس بما أصابهم من سوء يا أمير PageV02P348 ~~المؤمنين قد كنت في شغل شاغل من خاصة نفسك عن عامة الناس الذين أصبحت ~~تملكهم أحمرهم وأسودهم مسلمهم وكافرهم وكل له عليك نصيب من العدل فكيف بك ~~إذا انبعث منهم فئام وراء فئام وليس منهم أحد إلا وهو يشكو بلية أدخلتها ~~عليه أو ظلامة سقتها إليه يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عروة بن رويم ~~قال كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم جريدة يستاك بها ويروع بها ~~المنافقين فأتاه جبرائيل عليه السلام فقال له يا محمد ما هذه الجريدة التي ~~كسرت بها قلوب أمتك وملأت قلوبهم رعبا + حديث عروة بن رويم كانت بيد رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم جريدة يستاك بها ويروع بها المنافقين الحديث أخرجه ~~ابن أبي الدنيا فيه وهو مرسل وعروة ذكره ابن حبان في ثقات التابعين + فكيف ~~بمن شقق أستارهم وسفك دماءهم وخرب ديارهم وأجلاهم عن بلادهم وغيبهم الخوف ~~منه يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن زياد عن حارثة عن حبيب بن مسلمة أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى القصاص من نفسه في خدش خدشه أعرابيا ~~لم يتعمده فأتاه جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن الله لم يبعثك جبارا ~~ولا متكبرا # فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي فقال اقتص مني فقال الأعرابي قد ~~أحللتك بأبي أنت وأمي وما كنت لأفعل ذلك أبدا ولو أتيت على نفسي # فدعا له بخير + حديث حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا ~~إلى القصاص من نفسه في خدش خدشه أعرابيا لم يتعمده الحديث أخرجه ابن أبي ~~الدنيا فية وروى أبو داود والنسائي من حديث عمر قال رأيت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم اقتص من نفسه وللحاكم من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ~~أبيه طعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرة أسيد بن حضير فقال أوجعتني ~~قال اقتص الحديث قال صحيح الإسناد + يا أمير المؤمنين رض نفسك لنفسك وخذ ~~لها الأمان من ربك وارغب في جنة عرضها السموات والأرض التي يقول فيها رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم لقيد قوس أحدكم من الجنة خير له من الدنيا وما ~~فيها + حديث لقيد قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها أخرجه ابن أبي ~~الدنيا من رواية الأوزاعي معضلا لم يذكر إسناده ورواه البخاري من حديث أنس ~~بلفظ لقاب + يا أمير المؤمنين إن الملك لو بقي لمن قبلك لم يصل إليك وكذا ~~لا يبقى لك كما لم يبق لغيرك # يا أمير المؤمنين أتدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدك @QB@ ما لهذا ~~الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها @QE@ قال الصغيرة التبسم ~~والكبيرة الضحك فكيف بما عملته الأيدي وحصدته الألسن يا أمير المؤمنين ~~بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ~~ضيعة لخشيت أن أسأل عنها فكيف بمن حرم عدلك وهو على بساطك يا أمير المؤمنين ~~أتدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدك @QB@ يا داود إنا جعلناك خليفة في ~~الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله @QE@ قال ~~الله تعالى في الزبور يا داود إذا قعد الخصمان بين يديك فكان لك في أحدهما ~~هوى فلا تتمنين في نفسك أن يكون الحق له فيفلح على صاحبه فأمحوك عن نبوتي ~~ثم لا تكون خلفتي ولا كرامة يا داود إنما جعلت رسلي إلى عبادي رعاء كرعاء ~~الإبل لعلمهم بالرعاية ورفقهم بالسياسة ليجبروا الكسير ويدلوا الهزيل على ~~الكلأ والماء # يا أمير المؤمنين إنك قد بليت بأمر لو عرض على السموات والأرض والجبال ~~لأبين أن يحملنه وأشفقن منه يا أمير المؤمنين حدثني يزيد بن جابر عن عبد ~~الرحمن بن عمرة الأنصاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل رجلا من ~~الأنصار على الصدقة فرآه بعد أيام مقيما فقال له ما منعك من الخروج إلى ~~عملك أما علمت أن لك مثل أجر المجاهد في سبيل الله قال لا قال وكيف ذلك قال ~~إنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من وال يلي شيئا من أمور ~~الناس إلا أتى به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه لا يفكها إلا عدله فيوقف ~~على جسر من النار ينتفض به ذلك الجسر انتفاضة تزيل كل عضو منه عن موضعه ثم ~~يعاد فيحاسب فإن كان محسنا نجا PageV02P349 بإحسانه وإن كان مسيئا انخرق به ~~ذلك الجسر فيهوى به في النار سبعين خريفا + حديث عبد الرحمن بن عمر أن عمر ~~استعمل رجلا من الأنصار على الصدقة الحديث وفيه مرفوعا ما من وال يلي شيئا ~~من أمور الناس إلا أتى الله يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه الحديث أخرجه ~~ابن أبي الدنيا فيه من هذا الوجه ورواه الطبراني من رواية سويد بن عبد ~~العزيز عن يسار بن أبي الحكم عن أبي وائل أن عمر استعمل بشر بن عاصم فذكر ~~أخصر منه وأن بشرا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم يذكر فيه سلمان + فقال ~~له عمر رضي الله عنه ممن سمعت هذا قال من أبي ذر وسلمان فأرسل إليهما عمر ~~فسألهما فقالا نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر ~~واعمراه من يتولاها بما فيها فقال أبو ذر رضي الله عنه من سلت الله أنفه ~~وألصق خده بالأرض # قال فأخذ المنديل فوضعه على وجهه ثم بكى وانتحب حتى أبكاني # ثم قلت يا أمير المؤمنين قد سأل جدك العباس النبي صلى الله عليه وسلم ~~إمارة مكة أو الطائف أو اليمن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا عباس يا ~~عم النبي نفس تحييها خير من إمارة لا تحصيها + حديث يا عباس يا عم النبي ~~نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها أخرجه ابن أبي الدنيا هكذا معضلا بغير ~~إسناد ورواه البيهقي من حديث جابر متصلا ومن رواية ابن المنكدر مرسلا وقال ~~هذا هو المحفوظ مرسلا + نصيحة منه لعمه وشفقة عليه وأخبره أنه لا يغنى عنه ~~من الله شيئا إذ أوحى الله إليه @QB@ وأنذر عشيرتك الأقربين @QE@ فقال يا ~~عباس ويا صفية عمي النبي ويا فاطمة بنت محمد إني لست أغني عنكم من الله ~~شيئا إن لي عملي ولكم عملكم + حديث يا عباس ويا صفية ويا فاطمة لا أغني ~~عنكم من الله شيئا لي عملي ولكم عملكم أخرجه ابن أبي الدنيا هكذا معضلا دون ~~إسناد ورواه البخاري من حديث أبي هريرة متصلا دون قوله @QB@ لي عملي ولكم ~~عملكم @QE@ + وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يقيم أمر الناس إلا ~~حصيف العقل أريب العقد لا يطلع منه على عورة ولا يخاف منه على حرة ولا ~~تأخذه في الله لومة لائم # وقال الأمراء أربعة فأمير قوي ظلف نفسه وعماله فذلك كالمجاهد في سبيل ~~الله يد الله باسطة عليه بالرحمة وأمير فيه ضعف ظلف نفسه وأرتع عماله لضعفه ~~فهو على شفا هلاك إلا أن يرحمه الله وأمير ظلف عماله وأرتع نفسه فذلك ~~الحطمة الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم شر الرعاة الحطمة فهو ~~الهالك وحده + حديث شر الرعاة الحطمة رواه مسلم من حديث عائذ بن عمرو ~~المزني متصلا وهو عند ابن أبي الدنيا عن الأوزاعي معضلا كما ذكره المصنف + ~~وأمير أرتع نفسه وعماله فهلكوا جميعا # وقد بلغني يا أمير المؤمنين أن جبرائيل عليه السلام أتى النبي صلى الله ~~عليه وسلم فقال أتيتك حين أمر الله بمنافخ النار فوضعت على النار تسعر ليوم ~~القيامة فقال له يا جبريل صف لي النار فقال إن الله تعالى أمر بها فأوقد ~~عليها ألف عام حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف عام حتى اصفرت ثم أوقد عليها ~~ألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يضيء جمرها ولا يطفأ لهبها والذي ~~بعثك بالحق لو أن ثوبا من ثياب أهل النار أظهر لأهل الأرض لماتوا جميعا ولو ~~أن ذنوبا من شرابها صب في مياه الأرض جميعا لقتل من ذاقه ولو أن ذراعا من ~~السلسلة التي ذكرها الله وضع على جبال الأرض جميعا لذابت وما استقلت ولو أن ~~رجلا أدخل النار ثم أخرج منها لمات أهل الأرض من نتن ريحه وتشويه خلقه ~~وعظمه فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وبكى جبريل عليه السلام لبكائه فقال ~~أتبكي يا محمد وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال أفلا أكون عبدا ~~شكورا ولم بكيت يا جبريل وأنت الروح الأمين أمين الله على وحيه قال أخاف أن ~~أبتلي بما ابتلي به هاروت وماروت فهو الذي منعني من اتكالي على منزلتي عند ~~ربي فأكون قد أمنت مكره فلم يزالا يبكيان حتى نوديا من السماء يا جبريل ويا ~~محمد إن الله قد آمنكما أن تعصياه فيعذبكما وفضل محمد على سائر الأنبياء ~~كفضل جبريل على سائر الملائكة + حديث بلغني أن جبريل أتى النبي صلى الله ~~عليه وسلم فقال أتيتك حين أمر الله بمنافيخ النار وضعت على النار تسعر ليوم ~~القيامة الحديث بطوله أخرجه ابن أبي الدنيا فيه هكذا معضلا بغير إسناد + ~~وقد بلغني يا أمير المؤمنين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال اللهم إن ~~كنت تعلم أني أبالي إذا قعد PageV02P350 الخصمان بين يدي على من مال الحق ~~من قريب أو بعيد فلا تمهلني طرفة عين # يا أمير المؤمنين إن أشد الشدة القيام لله بحقه وإن أكرم الكرم عند الله ~~التقوى وأنه من طلب العز بطاعة الله رفعه الله وأعزه ومن طلبه بمعصية الله ~~أذله الله ووضعه # فهذه نصيحتي إليك والسلام عليك # ثم نهضت فقال لي إلى أين فقلت إلى الولد والوطن بإذن أمير المؤمنين إن ~~شاء الله فقال قد أذنت لك وشكرت لك نصيحتك وقبلتها والله الموفق للخير ~~والمعين عليه وبه أستعين وعليه أتوكل وهو حسبي ونعم الوكيل فلا تخلني من ~~مطالعتك إياي بمثل هذا فإنك المقبول القول غير المتهم في النصيحة قلت أفعل ~~إن شاء الله # قال محمد بن مصعب فأمر له بمال يستعين به على خروجه فلم يقبله وقال أنا ~~في غنى عنه وما كنت لأبيع نصيحتي بعرض من الدنيا # وعرف المنصور مذهبه فلم يجد عليه في ذلك # وعن ابن المهاجر قال قدم أمير المؤمنين المنصور مكة شرفها الله حاجا فكان ~~يخرج من دار الندوة إلى الطواف في آخر الليل يطوف ويصلي ولا يعلم به فإذا ~~طلع الفجر رجع إلى دار الندوة وجاء المؤذنون فسلموا عليه وأقيمت الصلاة ~~فيصلى بالناس فخرج ذات ليلة حين أسحر فبينا هو يطوف إذ سمع رجلا عند ~~الملتزم وهو يقول اللهم إني أشكو إليك ظهور البغي والفساد في الأرض وما ~~يحول بين الحق وأهله من الظلم والطمع # فأسرع المنصور في مشيه حتى ملأ مسامعه من قوله ثم خرج فجلس ناحية من ~~المسجد وأرسل إليه فدعاه فأتاه الرسول وقال له أجب أمير المؤمنين فصلى ~~ركعتين واستلم الركن وأقبل مع الرسول فسلم عليه فقال له المنصور ما هذا ~~الذي سمعتك تقوله من ظهور البغي والفساد في الأرض وما يحول بين الحق وأهله ~~من الطمع والظلم فوالله لقد حشوت مسامعي ما أمرضني وأقلقني فقال يا أمير ~~المؤمنين إن أمنتني على نفسي أنبأتك بالأمور من أصولها وإلا اقتصرت على ~~نفسي ففيها لي شغل شاغل فقال له أنت آمن على نفسك فقال الذي دخله الطمع حتى ~~حال بينه وبين الحق وإصلاح ما ظهر من البغي والفساد في الأرض أنت # فقال ويحك وكيف يدخلني الطمع والصفراء والبيضاء في يدي والحلو والحامض في ~~قبضتي قال وهل دخل أحدا من الطمع ما دخلك يا أمير المؤمنين إن الله تعالى ~~استرعاك أمور المسلمين وأموالهم فأغفلت أمورهم واهتممت بجمع أموالهم وجعلت ~~بينك وبينهم حجابا من الجص والآجر وأبوابا من الحديد وحجبة معهم السلاح ثم ~~سجنت نفسك فيها منهم وبعثت عمالك في جمع الأموال وجبايتها واتخذت وزراء ~~وأعوانا ظلمة إن نسيت لم يذكروك وإن ذكرت لم يعينوك وقويتهم على ظلم الناس ~~بالأموال والكراع والسلاح وأمرت بأن لا يدخل عليك من الناس إلا فلان وفلان ~~نفر سميتهم ولم تأمر بإيصال المظلوم ولا الملهوف ولا الجائع ولا العاري ولا ~~الضعيف ولا الفقير ولا أحد إلا وله في هذا المال حق فلما رآك هؤلاء النفر ~~الذين استخلصتهم لنفسك وآثرتهم على رعيتك وأمرت أن لا يحجبوا عنك تجبى ~~الأموال ولا تقسمها قالوا هذا قد خان الله فما لنا لا نخونه وقد سخر لنا ~~فائتمروا على أن لا يصل إليك من علم أخبار الناس شيء إلا ما أرادوا وأن لا ~~يخرج لك عامل فيخالف لهم أمرا إلا أقصوه حتى تسقط منزلته ويصغر قدره فلما ~~انتشر ذلك عنك وعنهم أعظمهم الناس وهابوهم وكان أول من صانعهم عمالك ~~بالهدايا والأموال ليتقووا بهم على ظلم رعيتك ثم فعل ذلك ذوو القدرة ~~والثروة من رعيتك لينالوا ظلم من دونهم من الرعية فامتلأت بلاد الله بالطمع ~~بغيا وفسادا وصار هؤلاء القوم شركاءك في سلطانك وأنت غافل فإن جاء متظلم ~~حيل بينه وبين الدخول إليك وإن أراد رفع صوته أو قصته إليك عند ظهورك وجدك ~~قد نهيت عن ذلك ووقفت للناس رجلا ينظر في مظالمهم فإن جاء ذلك الرجل فبلغ ~~بطانتك سألوا صاحب المظالم أن لا يرفع مظلمته وإن كانت للمتظلم به حرمة ~~وإجابة لم يمكنه مما يريد خوفا منهم فلا يزال المظلوم يختلف إليه ويلوذ به ~~ويشكو PageV02P351 ويستغيث وهو يدفعه ويعتل عليه فإذا جهد وأخرج وظهرت صرخ ~~بين يديك فيضرب ضربا مبرحا ليكون نكالا لغيره وأنت تنظر ولا تنكر ولا تغير ~~فما بقاء الإسلام وأهله على هذا ولقد كانت بنو أمية وكانت العرب لا ينتهي ~~إليهم المظلوم إلا رفعت ظلامته إليهم فينصف ولقد كان الرجل يأتي من أقصى ~~البلاد حتى يبلغ باب سلطانهم فينادي يا أهل الإسلام فيبتدرونه مالك مالك ~~فيرفعون مظلمته إلى سلطانهم فينتصف ولقد كنت يا أمير المؤمنين أسافر إلى ~~أرض الصين وبها ملك فقدمتها مرة وقد ذهب سمع ملكهم فجعل يبكي فقال له ~~وزراؤه مالك تبكي لا بكت عيناك فقال أما إني لست أبكي على المصيبة التي ~~نزلت بي ولكن أبكي لمظلوم يصرخ بالباب فلا أسمع صوته ثم قال أما إن كان قد ~~ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب نادوا في الناس ألا لا يلبس ثوبا أحمر إلا مظلوم ~~فكان يركب الفيل ويطوف طرفي النهار هل يرى مظلوما فينصفه هذا يا أمير ~~المؤمنين مشرك بالله قد غلبت رأفته بالمشركين ورقته على شح نفسه في ملكه ~~وأنت مؤمن بالله وابن عم نبي الله لا تغلبك رأفتك بالمسلمين ورقتك على شح ~~نفسك فإنك لا تجمع الأموال إلا لواحد من ثلاثة إن قلت اجمعها لولدي فقد ~~أراك الله عبرا في الطفل الصغير يسقط من بطن أمه وماله على الأرض مال وما ~~من مال إلا ودونه يد شحيحة تحويه فما يزال الله تعالى يلطف بذلك الطفل حتى ~~تعظم رغبة الناس إليه ولست الذي تعطي بل الله يعطي من يشاء وإن قلت أجمع ~~المال لأشيد سلطاني # فقد أراك الله عبرا فيمن كان قبلك ما أغنى عنهم ما جمعوه من الذهب والفضة ~~وما أعدوا من الرجال والسلاح والكراع وما ضرك وولد أبيك ما كنتم فيه من قلة ~~الجدة والضعف حين أراد الله بكم ما أراد # وإن قلت أجمع المال لطلب غاية هي أجسم من الغاية التي أنت فهيا فوالله ما ~~فوق ما أنت فيه إلا منزلة لا تدرك إلا بالعمل الصالح يا أمير المؤمنين هل ~~تعاقب من عصاك من رعيتك بأشد من القتل قال لا قال فكيف تصنع بالملك الذي ~~خولك الله وما أنت عليه من ملك الدنيا وهو تعالى لا يعاقب من عصاه بالقتل ~~ولكن يعاقب من عصاه بالخلود في العذاب الأليم وهو الذي يرى منك ما عقد عليه ~~قلبك وأضمرته جوارحك فماذا تقول إذا انتزع الملك الحق المبين ملك الدنيا من ~~يدك ودعاك إلى الحساب هل يغني عنك عنده شيء مما كنت فيه مما شححت عليه من ~~ملك الدنيا فبكى المنصور بكاء شديدا حتى نحب وارتفع صوته ثم قال # يا ليتني لم أخلق ولم أك شيئا ثم قال كيف احتيالي فيما خولت فيه ولم أر ~~من الناس إلا خائنا قال يا أمير المؤمنين عليك بالإئمة الأعلام المرشدين ~~قال ومن هم قال العلماء قال قد فروا مني قال هربوا منك مخافة أن تحملهم على ~~ما ظهر من طريقتك من قبل عمالك ولكن افتح الأبواب وسهل الحجاب وانتصر ~~للمظلوم من الظالم وامنع المظالم وخذ الشيء مما حل وطاب واقسمه بالحق ~~والعدل وأنا ضامن على أن من هرب منك أن يأتيك فيعاونك على صلاح أمرك ورعيتك # فقال المنصور اللهم وفقني أن أعمل بما قال هذا الرجل # وجاء المؤذنون فسلموا عليه وأقيمت الصلاة فخرج فصلى بهم ثم قال للحرسى ~~عليك بالرجل إن لم تأتني به لأضربن عنقك واغتاظ عليه غيظا شديدا فخرج ~~الحرسى يطلب الرجل فبينا هو يطوف فإذا هو بالرجل يصلي في بعض الشعاب فقعد ~~حتى صلى ثم قال يا ذا الرجل أما تتقي الله قال بلى قال أما تعرفه قال بلى ~~قال فانطلق معي إلى الأمير فقد آلى أن يقتلني إن لم آته بك قال ليس لي إلى ~~ذلك من سبيل قال يقتلني قال لا قال كيف قال تحسن تقرأ قال لا فأخرج من مزود ~~كان معه رقا مكتوبا فيه شيء فقال خذه فاجعله في جيبك فإن فيه دعاء الفرج ~~قال وما دعاء الفرج قال لا يرزقه إلا الشهداء قلت رحمك الله قد أحسنت إلي ~~فإن رأيت أن تخبرني ما هذا الدعاء وما فضله قال من PageV02P352 دعا به مساء ~~وصباحا هدمت ذنوبه ودام سروره ومحيت خطاياه واستجيب دعاؤه وبسط له رزقه ~~وأعطى أمله وأعين على عدوه وكتب عند الله صديقا ولا يموت إلا شهيدا تقول # اللهم كما لطفت في عظمتك دون اللطفاء وعلوت بعظمتك على العظماء وعلمت ما ~~تحت أرضك كعلمك بما فوق عرشك وكان وساوس الصدور كالعلانية عندك وعلانية ~~القول كالسر في علمك وانقاد كل شيء لعظمتك وخضع كل ذي سلطان لسلطانك وصار ~~أمر الدنيا والآخرة كله بيدك اجعل لي من كل هم أمسيت فيه فرجا ومخرجا # اللهم إن عفوك عن ذنوبي وتجاوزك عن خطيئتي وسترك على قبيح عملي أطمعني أن ~~أسألك مالا أستوجبه مما قصرت فيه أدعوك آمنا وأسألك مستأنسا وإنك المحسن ~~إلى وأنا المسيء إلى نفسي فيما بيني وبينك تتودد إلى بنعمك وأتبغض إليك ~~بالمعاصي ولكن الثقة بك حملتني على الجراءة عليك فعد بفضلك وإحسانك على إنك ~~أنت التواب الرحيم # قال فأخذته فصيرته في جيبي ثم لم يكن لي هم غير أمير المؤمنين فدخلت ~~فسلمت عليه فرفع رأسه فنظر إلي وتبسم ثم قال # ويلك وتحسن السحر فقلت لا والله يا أمير المؤمنين ثم قصصت عليه أمري مع ~~الشيخ فقال هات الرق الذي أعطاك ثم جعل يبكي وقال # وقد نجوت وأمر بنسخه وأعطاني عشرة آلاف ثم قال أتعرفه قلت لا قال ذلك ~~الخضر عليه السلام # وعن أبي عمران الجوني قال لما ولى هارون الرشيد الخلافة زاره العلماء ~~فهنوه بما صار إليه من أمر الخلافة ففتح بيوت الأموال وأقبل يجيزهم ~~بالجوائز السنية وكان قبل ذلك يجالس العلماء والزهاد وكان يظهر النسك ~~والتقشف وكان مؤاخيا لسفيان بن سعيد بن المنذر الثوري قديما فهجره سفيان ~~ولم يزره فاشتاق هرون إلى زيارته ليخلو به ويحدثه فلم يزره ولم يعبأ بموضعه ~~ولا بما صار إليه فاشتد ذلك على هرون فكتب إليه كتابا يقول فيه بسم الله ~~الرحمن الرحيم من عبد الله هرون الرشيد أمير المؤمنين إلى أخيه سفيان بن ~~سعيد بن المنذر أما بعد يا أخي قد علمت أن الله تبارك وتعالى واخى بين ~~المؤمنين وجعل ذلك فيه وله واعلم أني قد واخيتك مواخاة لم أصرم بها حبلك ~~ولم أقطع منها ودك وإني منطو لك على أفضل المحبة والإرادة ولولا هذه ~~القلادة التي قلدنيها الله لأتيتك ولو حبوا لما أجد لك في قلبي من المحبة ~~واعلم يا أبا عبد الله أنه ما بقي من إخواني وإخوانك أحد إلا وقد زارني ~~وهناني بما صرت إليه وقد فتحت بيوت الأموال وأعطيتهم من الجوائز السنية ما ~~فرحت به نفسي وقرت به عيني وإني استبطأتك فلم تأتني وقد كتبت لك كتابا شوقا ~~مني إليك شديدا وقد علمت يا أبا عبد الله ما جاء في فضل المؤمن وزيارته ~~ومواصلته فإذا ورد عليه كتابي فالعجل العجل # فلما كتب الكتاب التفت إلى من عنده فإذا كلهم يعرفون سفيان الثوري ~~وخشونته فقال على برجل من الباب فأدخل عليه رجل يقال له عباد الطالقاني # فقال يا عباد خذ كتابي هذا فانطلق به إلى الكوفة فإذا دخلتها فسل عن ~~قبيلة بني ثور ثم سل عن سفيان الثوري فإذا رأيته فالق كتابي هذا إليه وع ~~بسمعك وقلبك جميع ما يقول فأحص عليه دقيق أمره وجليله لتخبرني به # فأخذ عباد الكتاب وانطلق به حتى ورد الكوفة فسأل عن القبيلة فأرشد إليها ~~ثم سأل عن سفيان فقيل له هو في المسجد # قال عباد فأقبلت إلى المسجد فلما رآني قام قائما وقال أعوذ بالله السميع ~~العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بك اللهم من طارق يطرق إلا بخير # قال عباد فوقعت الكلمة في قلبي فجرحت فلما رآني نزلت بباب المسجد قام ~~يصلي ولم يكن وقت صلاة فربطت فرسي بباب المسجد ودخلت فإذا جلساؤه قعود قد ~~نكسوا رءوسهم كأنهم لصوص قد ورد عليهم السلطان فهم خائفون من عقوبته فسلمت ~~فما رفع أحد إلى رأسه وردوا السلام على برءوس الأصابع فبقيت واقفا فما منهم ~~أحد يعرض على الجلوس وقد علاني من هيبتهم الرعدة PageV02P353 ومددت عيني ~~إليهم فقلت إن المصلي هو سفيان فرميت بالكتاب إليه # فلما رأى الكتاب ارتعد وتباعد منه كأنه حية عرضت له في محرابه فركع وسجد ~~وسلم وأدخل يده في كمه ولفها بعباءته وأخذه فقلبه بيده ثم رماه إلى من كان ~~خلفه وقال يأخذه بعضكم يقرؤه فإني أستغفر الله أن أمس شيئا مسه ظالم بيده # قال عباد فأخذه بعضهم فحله كأنه خائف من فم حية تنهشه ثم فضه وقرأه وأقبل ~~سفيان يتبسم تبسم المتعجب فلما فرغ من قراءته قال اقلبوه واكتبوا إلى ~~الظالم في ظهر كتابه فقيل له يا أبا عبد الله إنه خليفة فلو كتبت إليه في ~~قرطاس نقي # فقال اكتبوا إلى الظالم في ظهر كتابه فإن كان اكتسبه من حلال فسوف يجزي ~~به وإن كان اكتسبه من حرام فسوف يصلي به ولا يبقى شيء مسه ظالم عندنا فيفسد ~~علينا ديننا # فقيل له ما نكتب فقال اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم من العبد المذنب ~~سفيان بن سعيد بن المنذر الثوري إلى العبد المغرور بالآمال هرون الرشيد ~~الذي سلب حلاوة الإيمان # أما بعد فإني قد كتبت إليك أعرفك أني قد صرمت حبلك وقطعت ودك وقليت موضعك ~~فإنك قد جعلتني شاهدا عليك بإقرارك على نفسك في كتابك بما هجمت به على بيت ~~مال المسلمين فأنفقته في غير حقه وأنفذته في غير حكمه ثم لم ترض بما فعلته ~~وأنت ناء عني حتى كتبت إلي تشهدني على نفسك # أما إني قد شهدت عليك أنا وإخواني الذين شهدوا قراءة كتابك وسنؤدي ~~الشهادة عليك غدا بين يدي الله تعالى يا هرون هجمت على بيت مال المسلمين ~~بغير رضاهم هل رضي بفعلك المؤلفة قلوبهم والعاملون عليها في أرض الله تعالى ~~والمجاهدون في سبيل الله وابن السبيل أم رضي بذلك حملة القرآن وأهل العلم ~~والأرامل والأيتام أم هل رضى بذلك خلق من رعيتك فشد يا هرون مئزرك وأعد ~~للمسألة جوابا وللبلاء جلبابا واعلم أنك ستقف بين يدي الحكم العدل فقد رزئت ~~في نفسك إذ سلبت حلاوة العلم والزهد ولذيذ القرآن ومجالسة الأخيار ورضيت ~~لنفسك أن تكون ظالما وللظالمين إماما يا هرون قعدت على السرير ولبست الحرير ~~واسبلت سترا دون بابك وتشبهت بالحجبة برب العالمين ثم أقعدت أجنادك الظلمة ~~دون بابك وسترك يظلمون الناس ولا ينصفون يشربون الخمور ويضربون من يشربها ~~ويزنون ويحدون الزاني ويسرقون ويقطعون السارق أفلا كانت هذه الأحكام عليك ~~وعليهم قبل أن تحكم بها على الناس فكيف بك يا هرون غدا إذا نادى المنادي من ~~قبل الله تعالى احشرو الذين ظلموا وأزواجهم أي الظلمة وأعوان الظلمة فقدمت ~~بين يدي الله تعالى ويداك مغلولتان إلى عنقك لا يفكهما إلا عدلك وإنصافك ~~والظالمون حولك وأنت لهم سابق وإمام إلى النار كأني بك يا هرون وقد أخذت ~~بضيق الخناق ووردت المساق وأنت ترى حسناتك في ميزان غيرك وسيئات غيرك في ~~ميزانك زيادة عن سيئاتك بلاء على بلاء وظلمة فوق ظلمة فاحتفظ بوصيتي واتعظ ~~بموعظتي التي وعظتك بها واعلم أني قد نصحتك وما أبقيت لك في النصح غاية ~~فاتق الله يا هرون في رعيتك واحفظ محمدا صلى الله عليه وسلم في أمته وأحسن ~~الخلافة عليهم وأعلم أن هذا الأمر لو بقي لغيرك لم يصل إليك وهو صائر إلى ~~غيرك وكذا الدنيا تنتقل بأهلها واحد بعد واحد فمنهم من تزود زادا نفعه ~~ومنهم من خسر دنياه وآخرته وإني أحسبك يا هرون ممن خسر دنياه وآخرته فإياك ~~إياك أن تكتب لي كتابا بعد هذا فلا أجيبك عنه والسلام # قال عباد فألقى إلي الكتاب منشورا غير مطوي ولا مختوم فأخذته وأقبلت إلى ~~سوق الكوفة وقد وقعت الموعظة من قلبي فناديت يا أهل الكوفة فأجابوني فقلت ~~لهم يا قوم من يشتري رجلا هرب من الله إلى الله فأقبلوا إلي بالدنانير ~~والدراهم فقلت لا حاجة لي في المال ولكن جبة صوف خشنة وعباءة قطوانية قال ~~فأتيت بذلك ونزعت ما كان على من اللباس الذي كنت ألبسه مع أمير المؤمنين ~~PageV02P354 وأقبلت أقود البرذون وعليه السلاح الذي كنت أحمله حتى أتيت باب ~~أمير المؤمنين هرون حافيا راجلا فهزأ بي من كان على باب الخليفة # ثم استؤذن لي فلما دخلت عليه وبصر بي على تلك الحالة قام وقعد ثم قام ~~قائما وجعل يلطم رأسه ووجهه ويدعو بالويل والحزن ويقول انتفع الرسول وخاب ~~المرسل مالي وللدنيا ولملك يزول عني سريعا ثم ألقيت الكتاب إليه منشورا كما ~~دفع إلي # فأقبل هرون يقرؤه ودموعه تنحدر من عينيه ويقرأ ويشهق فقال بعض جلسائه يا ~~أمير المؤمنين لقد اجترأ عليك سفيان فلو وجهت إليه فأثقلته بالحديد وضيقت ~~عليه السجن وكنت تجعله عبرة لغيره # فقال هرون اتركونا يا عبيد الدنيا المغرور من غررتموه والشقي من أهلكتموه ~~وإن سفيان أمة وحده فاتركوا سفيان وشأنه # ثم لم يزل كتاب سفيان إلى جنب هرون يقرؤه عند كل صلاة حتى توفى رحمه الله # فرحم الله عبدا نظر لنفسه واتقى الله فيما يقدم عليه غدا من عمله فإنه ~~عليه يحاسب وبه يجازى والله ولي التوفيق # وعن عبد الله بن مهران قال حج الرشيد فوافى الكوفة فأقام بها أياما ثم ~~ضرب بالرحيل فخرج الناس وخرج بهلول المجنون فيمن خرج بالكناسة والصبيان ~~يؤذونه ويولعون به إذ أقبلت هوادج هرون فكف الصبيان عن الولوع به فلما جاء ~~هرون نادى بأعلى صوته يا أمير المؤمنين فكشف هرون السجاف بيده عن وجهه فقال ~~لبيك يا بهلول فقال يا أمير المؤمنين حدثنا أيمن بن نائل عن قدامة بن عبد ~~الله العامري قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم منصرفا من عرفة على ناقة ~~له صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك + حديث قدامة بن عبد الله العامري ~~رأيت النبي صلى الله عليه وسلم منصرفا عن عرفة على ناقة له صهباء لا ضرب ~~ولا طرد ولا أليك إليك أخرجه الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه دون قوله ~~منصرفا من عرفة وإنما قالوا يرمى الجمرة وهو الصواب وقد تقدم في الباب ~~الثاني + وتواضعك في سفرك هذا يا أمير المؤمنين خير لك من تكبرك وتجبرك # قال فبكى هرون حتى سقطت دموعه على الأرض ثم قال يا بهلول زدنا رحمك الله ~~قال نعم يا أمير المؤمنين رجل آتاه الله مالا وجمالا فأنفق من ماله وعف في ~~جماله كتب في خالص ديوان الله تعالى مع الأبرار # قال أحسنت يا بهلول ودفع له جائزة فقال اردد الجائزة إلى من أخذتها منه ~~فلا حاجة لي فيها قال يا بهلول فإن كان عليك دين قضيناه قال يا أمير ~~المؤمنين هؤلاء أهل العلم بالكوفة متوافرون قد اجتمعت آراؤهم أن قضاء الدين ~~بالدين لا يجوز قال يا بهلول فنجرى عليك ما يقوتك أو يقيمك قال فرفع بهلول ~~رأسه إلى السماء ثم قال يا أمير المؤمنين أنا وأنت من عيال الله فمحال أن ~~يذكرك وينساني # قال فأسبل هرون السجاف ومضى # وعن أبي العباس الهاشمي عن صالح بن المأمون قال دخلت على الحرث المحاسبي ~~رحمه الله فقلت له يا أبا عبد الله هل حاسبت نفسك فقال كان هذا مرة قلت له ~~فاليوم قال # أكاتم حالي إني لأقرأ آية من كتاب الله تعالى فأحتن بها أن تسمعها نفسي ~~ولولا أن يغلبني فيها فرح ما أعلنت بها # ولقد كنت ليلة قاعدا في محرابي فإذا أنا بفتى حسن الوجه طيب الرائحة فسلم ~~على ثم قعد بين يدي فقلت له من أنت فقال أنا واحد من السياحين أقصد ~~المتعبدين في محاريبهم ولا أرى لك اجتهادا فأي شيء عملك قال قلت له كتمان ~~المصائب واستجلاب الفوائد قال فصاح وقال ما علمت أن أحدا بين جنبي المشرق ~~والمغرب هذه صفته قال الحرث فأردت أن أزيد عليه فقلت له أما علمت أن أهل ~~القلوب يخفون أحوالهم ويكتمون أسرارهم ويسألون الله كتمان ذلك عليهم فمن ~~أين تعرفهم قال فصاح صيحة غشى عليه منها فمكث عندي يومين لا يعقل ثم أفاق ~~وقد أحدث في ثيابه فعلمت إزالة عقله فأخرجت له PageV02P355 ثوبا جديدا وقلت ~~له هذا كفني قد آثرتك به فاغتسل وأعد صلاتك فقال هات الماء فاغتسل وصلى ثم ~~التحف بالثوب وخرج فقلت له أين تريد فقال لي قم معي فلم يزل يمشي حتى دخل ~~على المأمون فسلم عليه وقال يا ظالم أنا ظالم إن لم أقل لك يا ظالم استغفر ~~الله من تقصيري فيك أما تتقي الله تعالى فيما قد ملكك وتكلم بكلام كثير ثم ~~أقبل يريد الخروج وأنا جالس بالباب فأقبل عليه المأمون وقال من أنت قال أنا ~~رجل من السياحين فكرت فيما عمل الصديقون قبلي فلم أجد لنفسي فيه حظا فتعلقت ~~بموعظتك لعلي ألحقهم قال فأمر بضرب عنقه فأخرج وأنا قاعد على الباب ملفوفا ~~في ذلك الثوب ومناد ينادي من ولي هذا فليأخذ قال الحرث فاختبأت عنه فأخذه ~~أقوام غرباء فدفنوه وكنت معهم لا أعلمهم بحاله # فأقمت في مسجد بالمقابر محزونا على الفتى فغلبتني عيناي فإذا هو بين ~~وصائف لم أر أحسن منهن وهو يقول يا حارث أنت والله من الكاتمين الذين يخفون ~~أحوالهم ويطيعون ربهم قلت وما فعلوا قال الساعة يلقونك فنظرت إلى جماعة ~~ركبان فقلت من أنتم قالوا الكاتمون أحوالهم حرك هذا الفتى كلامك له فلم يكن ~~في قلبه مما وصفت شيء فخرج للأمر والنهي وإن الله تعالى أنزله معنا وغضب ~~لعبده # وعن أحمد بن إبراهيم المقرى قال كان أبو الحسين النوري رجلا قليل الفضول ~~لا يسأل عما لا يعنيه ولا يفتش عما لا يحتاج إليه وكان إذا رأى منكرا غيره ~~ولو كان فيه تلفه فنزل ذات يوم إلى مشرعة تعرف بمشرعة الفحامين يتطهر ~~للصلاة إذ رأى زورقا فيه ثلاثون دنا مكتوب عليها بالقار لطف فقرأه وأنكره ~~لأنه لم يعلم في التجارات ولا في البيوع شيئا يعبر عنه بلطف # فقال للملاح إيش في هذه الدنان قال وإيش عليك امض في شغلك فلما سمع ~~النوري من الملاح هذا القول ازداد تعطشا إلى معرفته فقال أحب أن تخبرني إيش ~~في هذه الدنان قال وإيش عليك أنت والله صوفي فضولي هذا خمر للمعتضد يريد أن ~~يتمم به مجلسه فقال النوري وهذا خمر قال نعم فقال أحب أن نعطيني ذلك المدري ~~فاغتاظ الملاح عليه وقال لغلامه أعطه حتى أنظر ما يصنع فلما صارت المدرى في ~~يده صعد إلى الزورق ولم يزل يكسرها دنا دنا حتى أتى على آخرها إلا دنا ~~واحدا والملاح يستغيث إلى أن ركب صاحب الجسر وهو يومئذ ابن بشر أفلح فقبض ~~على النوري وأشخصه إلى حضرة المعتضد وكان المعتضد سيفه قبل كلامه ولم يشك ~~الناس في أنه سيقتله قال أبو الحسين فأدخلت عليه وهو جالس على كرسي حديد ~~وبيده عمود يقلبه فلما رآني قال من أنت قلت محتسب قال ومن ولاك الحسبة قلت ~~الذي ولاك الإمامة ولاني الحسبة يا أمير المؤمنين قال فأطرق إلى الأرض ساعة ~~ثم رفع رأسه إلي وقال ما الذي حملك على ما صنعت فقلت شفقة مني عليك إذ بسطت ~~يدي إلى صرف مكروه عنك فقصرت عنه # قال فأطرق مفكرا في كلامي ثم رفع رأسه إلي وقال كيف تخلص هذا الدن الواحد ~~من جملة الدنان فقلت في تخلصه علة أخبر بها أمير المؤمنين إن أذن فقال هات ~~خبرني فقلت يا أمير المؤمنين إني أقبلت على الدنان بمطالبة الحق سبحانه لي ~~بذلك وغمر قلبي شاهد الإجلال للحق وخوف المطالبة فغابت هيبة الخلق عني ~~فأقدمت عليها بهذه الحال إلى أن صرت إلى هذا الدن فاستشعرت نفسي كبرا على ~~أني أقدمت على مثلك فمنعت ولو أقدمت عليه بالحال الأول وكانت ملء الدنيا ~~دنان لكسرتها ولم أبال فقال المعتضد اذهب فقد أطلقنا يدك غير ما أحببت أن ~~تغيره من المنكر # قال أبو الحسين فقلت يا أمير المؤمنين بغض إلى التغيير لأني كنت أغير عن ~~وأنا الآن أغير عن شرطي فقال المعتضد ما حاجتك فقلت يا أمير المؤمنين تأمر ~~بإخراجي سالما فأمر له بذلك وخرج إلى البصرة فكان أكثر أيامه بها خوفا من ~~أن يسأله أحد حاجة يسألها المعتضد فأقام بالبصرة إلى أن توفي المعتضد ثم ~~رجع إلى بغداد PageV02P356 # فهذه كانت سيرة العلماء وعادتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقلة ~~مبالاتهم بسطوة السلاطين لكونهم اتكلوا على فضل الله تعالى أن يحرسهم ورضوا ~~بحكم الله تعالى أن يرزقهم الشهادة فلما أخلصوا لله النية أثر كلامهم في ~~القلوب القاسية فلينها وأزال قساوتها # وأما الآن فقد قيدت الأطماع ألسن العلماء فسكتوا وإن تكلموا لم تساعد ~~أقوالهم أحوالهم فلم ينجحوا ولو صدقوا وقصدوا حق العلم لأفلحوا # ففساد الرعايا بفساد الملوك وفساد الملوك بفساد العلماء وفساد العلماء ~~بإستيلاء حب المال والجاه ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة ~~على الأراذل فكيف على الملوك والأكابر والله المستعان على كل حال # تم كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحمد الله وعونه وحسن توفيقه # | كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة # وهو الكتاب العاشر من ربع العادات الثاني من كتب إحياء علوم الدين # بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه وترتيبه وأدب نبيه محمدا صلى الله ~~عليه وسلم فأحسن تأديبه وزكى أوصافه وأخلاقه ثم اتخذه صفيه وحبيبه ووفق ~~للإقتداء به من أراد تهذيبه وحرم عن التخلق بأخلاقه من أراد تخييبه وصلى ~~الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم كثيرا # أما بعد فإن آداب الظواهر عنوان آداب البواطن وحركات الجوارح ثمرات ~~الخواطر والأعمال نتيجة الأخلاق والآداب رشح المعارف وسرائر القلوب هي ~~مغارس الأفعال ومنابعها وأنوار السرائر هي التي تشرق على الظواهر فتزينها ~~وتجليها وتبدل بالمحاسن مكارهها ومساويها # ومن لم يخشع قلبه لم تخشع جوارحه # ومن لم يكن صدره مشكاة الأنوار الإلهية لم يفض على ظاهره جمال الآداب ~~النبوية ولقد كنت عزمت على أن أختم ربع العادات من هذا الكتاب بكتاب جامع ~~لآداب المعيشة لئلا يشق على طالبها استخراجها من جميع هذه الكتب ثم رأيت كل ~~كتاب من ربع العادات قد أتى على جملة من الآداب فاستثقلت تكريرها وإعادتها ~~فإن طلب الإعادة ثقيل والنفوس مجبولة على معاداة المعادات فرأيت أن أقتصر ~~في هذا الكتاب على ذكر آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه المأثورة ~~عنه بالإسناد فأسردها مجموعة فصلا فصلا محذوفة الأسانيد ليجتمع فيه مع جميع ~~الآداب تجديد الإيمان وتأكيده بمشاهدة أخلاقه الكريمة التي شهد آحادها على ~~القطع بأنه أكرم خلق الله تعالى وأعلاهم رتبة وأجلهم قدرا فكيف مجموعها ثم ~~أضيف إلى ذكر أخلاقه ذكر خلقته ثم ذكر معجزاته التي صحت بها الأخبار ليكون ~~ذلك معربا عن مكارم الأخلاق والشيم ومنتزعا عن آذان الجاحدين لنبوته صمام ~~الصمم # والله تعالى ولي التوفيق للإقتداء بسيد المرسلين في الأخلاق والأحوال ~~وسائر معالم الدين فإنه دليل المتحيرين ومجيب دعوة المضطرين # ولنذكر فيه أولا بيان تأديب الله تعالى إياه بالقرآن ثم بيان جوامع من ~~محاسن أخلاقه ثم بيان جملة من آدابه وأخلاقه ثم بيان كلامه وضحكه ثم بيان ~~أخلاقه وآدابه في الطعام ثم بيان أخلاقه وآدابه في اللباس ثم بيان عفوه مع ~~القدرة ثم بيان إغضائه عما كان يكره ثم بيان سخاوته وجوده ثم بيان شجاعته ~~وبأسه ثم بيان تواضعه ثم بيان صورته وخلقته ثم بيان جوامع معجزاته وآياته ~~صلى الله عليه وسلم PageV02P357 # | بيان تأديب الله تعالى حبيبه وصفيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالقرآن # كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الضراعة والإبتهال دائم السؤال من ~~الله تعالى أن يزينه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق فكان يقول في دعائه ~~اللهم حسن خلقي وخلقي + حديث كان يقول في دعائه اللهم حسن خلقي وخلقي أخرجه ~~أحمد من حديث ابن مسعود ومن حديث عائشة ولفظهما اللهم أحسنت خلقي فأحسن ~~خلقي وإسنادهما جيد وحديث ابن مسعود رواه ابن حبان + ويقول اللهم جنبني ~~منكرات الأخلاق + حديث اللهم جنبني منكرات الأخلاق أخرجه الترمذي وحسنه ~~والحاكم وصححه واللفظ له من حديث قطبة بن مالك وقال الترمذي اللهم إني أعوذ ~~بك + فاستجاب الله تعالى دعاءه وفاء بقوله عز وجل @QB@ ادعوني أستجب لكم ~~@QE@ فأنزل عليه القرآن وأدبه به فكان خلقه القرآن # قال سعد بن هشام دخلت على عائشة رضي الله عنها وعن أبيها فسألتها عن ~~أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أما تقرأ القرآن قلت بلى قالت ~~كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن + حديث سعد بن هشام دخلت على ~~عائشة فسألتها عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه ~~القرآن رواه مسلم ووهم الحاكم في قوله إنهما لم يخرجاه + # وإنما أدبه القرآن بمثل قوله تعالى @QB@ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن ~~الجاهلين @QE@ وقوله @QB@ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ~~وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي @QE@ وقوله @QB@ واصبر على ما أصابك إن ~~ذلك من عزم الأمور @QE@ وقوله @QB@ ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ~~@QE@ وقوله @QB@ فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين @QE@ وقوله @QB@ ~~وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم @QE@ وقوله @QB@ ادفع بالتي ~~هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم @QE@ وقوله @QB@ ~~والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين @QE@ وقوله @QB@ ~~اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ~~@QE@ ولما كسرت رباعيته وشج يوم أحد فجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسح الدم ~~ويقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم + حديث كسرت ~~رباعيته صلى الله عليه وسلم يوم أحد الحديث في نزول @QB@ ليس لك من الأمر ~~شيء @QE@ أخرجه مسلم من حديث أنس وذكره البخاري تعليقا + فأنزل الله تعالى ~~@QB@ ليس لك من الأمر شيء @QE@ تأديبا له على ذلك # وأمثال هذه التأديبات في القرآن لا تحصر وهو صلى الله عليه وسلم المقصود ~~الأول بالتأديب والتهذيب ثم منه يشرق النور على كافة الخلق فإنه أدب ~~بالقرآن وأدب الخلق به ولذلك قال صلى الله عليه وسلم بعثت لأتمم مكارم ~~الأخلاق + حديث بعثت لأتمم مكارم الأخلاق أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي من ~~حديث أبي هريرة قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وقد تقدم في آداب الصحبة + ثم ~~رغب الخلق في محاسن الأخلاق بما أوردناه في كتاب رياضة النفس وتهذيب ~~الأخلاق فلا نعيده ثم لما أكمل الله تعالى خلقه أثنى عليه فقال تعالى @QB@ ~~وإنك لعلى خلق عظيم @QE@ فسبحانه ما أعظم شأنه وأتم امتنانه ثم انظر إلى ~~عميم لطفه وعظيم فضله كيف أعطى ثم أثنى فهو الذي زينه بالخلق الكريم ثم ~~أضاف إليه ذلك فقال @QB@ وإنك لعلى خلق عظيم @QE@ ثم بين رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم للخلق أن الله يحب مكارم الأخلاق ويبغض سفسافها + حديث إن ~~الله يحب معالي الأخلاق ويبغض سفسافها أخرجه البيهقي من حديث سهل بن سعد ~~متصلا ومن رواية طلحة بن عبيد بن كريز مرسلا ورجالهما ثقات + قال علي رضي ~~الله عنه يا عجبا لرجل مسلم يجيئه أخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير ~~أهلا فلو كان لا يرجو ثوابا ولا يخشى عقابا لقد كان ينبغي له أن يسارع إلى ~~مكارم الأخلاق فإنها مما تدل على سبيل النجاة # فقال له رجل أسمعته من رسول الله PageV02P358 صلى الله عليه وسلم فقال ~~نعم وما هو خير منه لما أتى بسبايا طيء وقفت جارية في السبى فقالت يا محمد ~~إن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب فإني بنت سيد قومي وإن أبي ~~كان يحمي الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم ~~يرد طالب حاجة قط أنا ابنة حاتم الطائي # فقال صلى الله عليه وسلم يا جارية هذه صفة المؤمنين حقا لو كان أبوك ~~مسلما لترحمنا عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق وإن الله ~~يحب مكارم الأخلاق فقام أبو بردة بن نيار فقال يا رسول الله الله يحب مكارم ~~الأخلاق فقال والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة إلا حسن الأخلاق + حديث على ~~قوله واعجبا لرجل مسلم يجيئه أخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا ~~الحديث وفيه مرفوعا لما أتي بسبايا طيء وقفت جارية في السبى فقالت يا محمد ~~إن رأيت أن تخلى عني الحديث أخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول بإسناد ~~فيه ضعف + وعن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله حف ~~الإسلام بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال + حديث معاذ حف الإسلام بمكارم ~~الأخلاق ومحاسن الأعمال الحديث بطوله لم أقف له على أصل ويغني عنه حديث ~~معاذ الآتي بعده بحديث + ومن ذلك حسن المعاشرة وكرم الصنيعة ولين الجانب ~~وبذل المعروف وإطعام الطعام وإفشاء السلام وعيادة المريض المسلم برا كان أو ~~فاجرا وتشييع جنازة المسلم وحسن الجوار لمن جاورت مسلما كان أو كافرا ~~وتوقير ذي الشيبة المسلم وإجابة الطعام والدعاء عليه والعفو والإصلاح بين ~~الناس والجود والكرم والسماحة والإبتداء بالسلام وكظم الغيظ والعفو عن ~~الناس واجتناب ما حرمه الإسلام من اللهو والباطل والغناء والمعازف كلها وكل ~~ذي وتر وكل ذي دخل والغلبة والكذب والبخل والشح والجفاء والمكر والخديعة ~~والنميمة وسوء ذات البين وقطيعة الأرحام وسوء الخلق والتكبر والفخر ~~والاختيال والاستطالة والبذخ والفحش والتفحش والحقد والحسد والطيرة والبغي ~~والعدوان والظلم # قال أنس رضي الله عنه # فلم يدع نصيحة جميلة إلا وقد دعانا إليها وأمرنا بها ولم يدع غشا أو قال ~~عيبا أو قال شينا إلا حذرناه ونهانا عنه + حديث أنس لم يدع صلى الله عليه ~~وسلم نصيحة جميلة إلا وقد دعانا إليها وأمرنا بها له أقف له على إسناد وهو ~~صحيح من حيث الواقع + ويكفي من ذلك كله هذه الآية @QB@ إن الله يأمر بالعدل ~~والإحسان @QE@ الآية وقال معاذ أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ~~يا معاذ أوصيك بإتقاء الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وترك ~~الخيانة وحفظ الجار ورحمة اليتيم ولين الكلام وبذل السلام وحسن العمل وقصر ~~الأمل ولزوم الإيمان والتفقه في القرآن وحب الآخرة والجزع من الحساب وخفض ~~الجناح وأنهاك أن تسب حكيما أو تكذب صادقا أو تطيع آثما أو تعصي إماما ~~عادلا أو تفسد أرضا وأوصيك باتقاء الله عند كل حجر وشجر ومدر وأن تحدث لكل ~~ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية + حديث يا معاذ أوصيك باتقاء الله ~~وصدق الحديث الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الزهد وقد تقدم ~~في آداب الصحبة + فهكذا أدب عباد الله ودعاهم إلى مكارم الأخلاق ومحاسن ~~الآداب # | بيان جملة من محاسن أخلاقه التي جمعها بعض العلماء والتقطها من # الأخبار # فقال كان صلى الله عليه وسلم أحلم الناس + حديث كان صلى الله عليه وسلم ~~أحلم الناس أخرجه أبو الشيخ في كتاب أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم من ~~رواية عبد الرحمن بن أبزي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحلم الناس ~~الحديث وهو مرسل وروى أبو حاتم بن حبان من حديث عبد الله بن سلام في قصة ~~إسلام زيد بن شعثة من أحبار اليهود وقول زيد لعمر بن الخطاب يا عمر كل ~~علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت ~~إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا تزيده شدة الجهل عليه ~~إلا حلما فقد اختبرتهما الحديث + # وأشجع الناس + الحديث أنه كان أشجع الناس متفق عليه من حديث أنس + # وأعدل الناس + حديث كان أعدل الناس أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث علي ~~بن أبي طالب في الحديث الطويل في صفته صلى الله عليه وسلم لايقصر عن الحق ~~ولا يجاوزه وفيه قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق ~~سواء الحديث وفيه من لم يسم + # وأعف الناس لم تمس يده قط PageV02P359 يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة ~~نكاحها أو تكون ذات محرم منه + حديث كان أعف الناس لم تمس يده قط يد امرأة ~~لا يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم له أخرجه الشيخان من حديث ~~عائشة ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها + # وكان أسخى الناس + حديث كان صلى الله عليه وسلم أسخى الناس أخرجه ~~الطبراني في الأوسط من حديث أنس فضلت على الناس بأربع بالسخاء والشجاعة ~~الحديث ورجاله ثقات وقال صاحب الميزان إنه منكر وفي الصحيحين من حديثه كان ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس واتفقا عليه من حديث ابن عباس ~~وتقدم في الزكاة + لا يبيت عنده دينار ولا درهم وإن فضل شيء ولم يجد من ~~يعطيه وفجأه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه + ~~حديث كان لا يبيت عنده دينار ولا درهم قط وإن فضل ولم يجد من يعطيه وفجأه ~~الليل لم يأو إلى منزله حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه أخرجه أبو داود من ~~حديث بلال في حديث طويل فيه أهدى صاحب فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ~~اربع ركائب عليهن كسوة وطعام وبيع بلال لذلك ووفا دينه ورسول الله صلى الله ~~عليه وسلم قاعد في المسجد وحده وفيه قال فضل شيء قلت نعم ديناران قال انظر ~~أن تريحني منهما فلست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منهما فلم يأتنا ~~أحد فبات في المسجد حتى أصبح وظل في المسجد اليوم الثاني حتى إذا كان في ~~آخر النهار جاء راكبان فانطلقت بهما فكسوتهما وأطعمتهما حتى إذا صلى العتمة ~~دعاني فقال ما فعل الذي قبلك قلت قد أراحك الله منه فكبر وحمد الله شفقا من ~~أن يدركه الموت وعنده ذلك ثم اتبعته حتى جاء أزواجه الحديث وللبخاري من ~~حديث عقبة بن الحارث ذكرت وأنا في الصلاة فكرهت أن يمسى ويبيت عندنا فأمرت ~~بقسمته ولأبي عبيد في غريبه من حديث الحسن بن محمد مرسلا كان لا يقبل مالا ~~عنده ولا يبيته + لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد ~~من التمر والشعير ويضع سائر ذلك في سبيل الله + حديث كان لا يأخذ مما آتاه ~~الله إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير ويضع سائر ذلك في ~~سبيل الله متفق عليه بنحوه من حديث عمر بن الخطاب وقد تقدم في الزكاة + لا ~~يسأل شيئا إلا أعطاه + حديث كان لا يسئل شيئا إلا أعطاه أخرجه الطيالسي ~~والدارمي من حديث سهل بن سعد وللبخاري من حديثه في الرجل الذي ساله الشملة ~~فقيل له سالته إياها وقد علمت أنه لا يرد سائلا الحديث ولمسلم من حديث أنس ~~ما سئل على الإسلام شيئا إلا أعطاه وفي الصحيحين من حديث جابر ما سئل شيئا ~~قط فقال لا + ثم يعود على قوت عامه فيؤثر منه حتى إنه ربما احتاج قبل ~~انقضاء العام إن لم يأته شيء + حديث أنه كان يؤثر مما ادخر لعياله حتى ربما ~~احتاج قبل انقضاء العام هذا معلوم ويدل عليه ما رواه الترمذي والنسائي وابن ~~ماجه من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم توفى ودرعه مرهونة بعشرين ~~صاعا من طعام أخذه لأهله وقال ابن ماجه بثلاثين صاعا من شعير وإسناده جيد ~~والبخاري من حديث عائشة توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين وفي رواية ~~البيهقي بثلاثين صاعا من شعير + وكان يخصف النعل ويرقع الثوب ويخدم في مهنة ~~أهله + حديث وكان صلى الله عليه وسلم يخصف النعل ويرقع الثوب ويخدم في مهنة ~~أهله أخرجه أحمد من حديث عائشة كان يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما ~~يعمل أحدكم في بيته ورجاله رجال الصحيح ورواه أبو الشيخ بلفظ ويرقع الثوب ~~وللبخاري من حديث عائشة كان يكون في مهنة أهله + ويقطع اللحم معهن + حديث ~~أنه كان يقطع اللحم أخرجه أحمد من حديث عائشة أرسل إلينا آل أبي بكر بقائمة ~~شاة ليلا فأمسكت وقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قالت فأمسك رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم وقطعت وفي الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر ~~في أثناء حديث وأيم الله ما من الثلاثين ومائة إلا حز له رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم من سواد بطنها + وكان أشد الناس حياء لا يثبت بصره في وجه ~~أحد + حديث كان من أشد الناس حياء لا يثبت بصره في وجه أحد أخرجه الشيخان ~~من حديث أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من ~~العذراء في خدرها + ويجيب دعوة العبد والحر + حديث كان يجيب دعوة العبد ~~والحر أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث أنس كان يجيب دعوة المملوك ~~قال الحاكم صحيح الإسناد قلت بل ضعيف وللدارقطني في غرائب مالك وضعفه ~~والخطيب في أسماء من روى عن مالك من حديث أبي هريرة كان يجيب دعوة العبد ~~إلى أي طعام دعى ويقول لو دعيت إلى كراع لأجبت وهذا بعمومه دال على إجابة ~~دعوة الحر وهذه القطعة الأخيرة عند البخاري من حديث أبي هريرة وقد تقدم ~~وروى ابن سعد من رواية حمزة بن عبد الله بن عتبة كان لا يدعوه أحمر ولا ~~أسود من الناس إلا أجابه الحديث وهو مرسل + ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ~~أو فخذ أرنب ويكافيء عليها + حديث كان يقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن أو ~~فخذ أرنب ويكافئ عليها أخرجه البخاري من حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها وأما ذكر جرعة اللبن وفخذ الأرنب ~~ففي الصحيحين من حديث أم الفضل أنها أرسلت بقدح لبن إلى النبي صلى الله ~~عليه وسلم وهو واقف بعرفة فشربه ولأحمد من حديث عائشة أهدت أم سلمة لرسول ~~الله صلى الله عليه وسلم لبنا الحديث وفي الصحيحين من حديث أنس أن أبا طلحة ~~بعث بورك أرنب أو فخذها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله + ~~PageV02P360 ويأكلها ولا يأكل الصدقة + حديث كان يأكل الهدية ولا يأكل ~~الصدقة متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد تقدم + ولا يستكبر عن إجابة الأمة ~~والمسكين + حديث كان لا يستكبر أن يمشي مع المسكين أخرجه النسائي والحاكم ~~من حديث عبد الله بن أبي أوفى بسند صحيح وقد تقدم في الباب الثاني من آداب ~~الصحبة ورواه الحاكم أيضا من حديث أبي سعيد الخدري وقال صحيح على شرط ~~الشيخين + يغضب لربه ولا يغضب لنفسه + حديث كان يغضب لربه ولا يغضب لنفسه ~~أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث هند ابن أبي هالة وفيه وكان لا تغضبه ~~الدنيا وما كان منها فإذا تعدى الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ولا ~~يغضب لنفسه ولا ينتصر لها وفيه من لم يسم + وينفذ الحق وإن عاد ذلك عليه ~~بالضرر أو على أصحابه # وعرض عليه الإنتصار بالمشركين على المشركين وهو في قلة وحاجة إلى إنسان ~~واحد يزيده في عدد من معه فأبى وقال أنا لا أنتصر بمشرك + حديث وينفذ الحق ~~وإن عاد ذلك بالضرر عليه وعلى أصحابه عرض عليه الإنتصار بالمشركين على ~~المشركين وهو في قلة وحاجة إلى إنسان واحد يزيد في عدد من معه فأبى وقال ~~أنا لا أستنصر بمشرك أخرجه مسلم من حديث عائشة خرج رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ففرح به ~~أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما أدركه قال جئت لأتبعك ~~وأصيب معك فقال له أتؤمن بالله ورسوله قال لا قال فارجع فلن أستعين بمشرك ~~الحديث + وجد من فضلاء أصحابه وخيارهم قتيلا بين اليهود فلم يحف عليهم ولا ~~زاد على مر الحق بل وداه بمائة ناقة وإن بأصحابه لحاجة إلى بعير واحد ~~يتقوون به + حديث وجد من فضلاء أصحابه وخيارهم قتيلا بين اليهود فلم يحف ~~عليهم فوداه بمائة ناقة الحديث متفق عليه من حديث سهل بن أبي حثمة ورافع بن ~~خديج والرجل الذي وجد مقتولا هو عبد الله ابن سهل الأنصاري + وكان يعصب ~~الحجر على بطنه مرة من الجوع + حديث كان يعصب الحجر على بطنه من الجوع متفق ~~عليه من حديث جابر في قصة حفر الخندق وفيه فإذا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم شد على بطنه حجرا وأغرب ابن حبان فقال في صحيحه إنما هو الحجز بضم ~~الحاء وآخره زاي جمع حجزه وليس بمتابع على ذلك ويرد على ذلك ما رواه ~~الترمذي من حديث أبي طلحة شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ~~ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين ~~ورجاله كلهم ثقات + ومرة يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد ولا يتورع عن مطعم ~~حلال وإن وجد تمرا دون خبز أكله + حديث كان يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد ولا ~~يتورع من مطعم حلال إن وجد تمرا دون خبز أكله وإن وجد خبز بر أو شعير أكله ~~وإن وجد حلوا أو عسلا أكله وإن وجد لبنا دون خبز اكتفى به وإن وجد بطيخا أو ~~رطبا أكله انتهى هذا كله معروف من أخلاقه ففي الترمذي من حديث أم هانئ دخل ~~على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أعندك شيء قلت لا إلا خبز يابس وخل فقال ~~هات الحديث وقال حسن غريب وفي كتاب الشمائل لأبي الحسن بن الضحاك بن المقرى ~~من رواية الأوزاعي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبالي ما رددت ~~به الجوع وهذا معضل ولمسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ~~أهله الأدم فقالوا ما عندنا إلا خل فدعا به الحديث وله من حديث أنس رأيته ~~مقعيا يأكل تمرات والترمذي وصححه من حديث أم سلمة أنها قربت إليه جنبا ~~مشويا فأكل منه الحديث وللشيخين من حديث عائشة ما شبع رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا خبز بر حتى مضى لسبيله لفظ مسلم وفي رواية له ~~ما شبع من خبز شعير يومين متتابعين والترمذي وصححه وابن ماجه من حديث ابن ~~عباس كان أكثر خبزهم الشعير وللشيخين من حديث عائشة كان يحب الحلواء والعسل ~~ولهما من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فدعا بماء ~~فمضمض والنسائي من حديث عائشة كان يأكل الرطب بالبطيخ وإسناده صحيح + وإن ~~وجد شواء أكله وإن وجد خبز بر أو شعير أكله وإن وجد حلوا أو عسلا أكله وإن ~~وجد لبنا دون خبزاكتفى به وإن وجد بطيخا أو رطبا أكله لا يأكل متكئا + حديث ~~أنه كان لا يأكل متكئا تقدم في آداب الأكل من الباب الأول + ولا على خوان + ~~حديث أنه كان لا يأكل على خوان تقدم في الباب المذكور + منديله باطن قدميه ~~+ حديث كان منديله باطن قدمه لا أعرفه من فعله وإنما المعروف فيه ما رواه ~~ابن ماجه من حديث جابر كنا زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قليلا ما نجد ~~الطعام فإذا وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وقد تقدم في ~~الطهارة + لم يشبع من خبز بر ثلاثة أيام متوالية + حديث لم يشبع من خبر بر ~~ثلاثة أيام متوالية حتى لقي الله تقدم في جملة الأحاديث التي قبله بثلاثة ~~أحاديث + حتى لقي الله تعالى إيثارا على نفسه لا فقرا ولا بخلا يجيب ~~الوليمة + حديث كان يجيب الوليمة هذا معروف وتقدم قوله لو دعيت إلى كراع ~~لأجبت وفي الأوسط للطبراني من حديث ابن عباس أنه كان الرجل من أهل العوالي ~~ليدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف الليل على خبز الشعير فيجيب ~~وإسناده ضعيف + PageV02P361 ويعود المرضى + حديث كان يعود المريض ويشهد ~~الجنازة أخرجه الترمذي وضعفه ابن ماجه والحاكم وصححه من حديث أنس ورواه ~~الحاكم من حديث سهل بن حنيف وقال صحيح الإسناد وفي الصحيحين عدة أحاديث من ~~عيادته للمرضى وشهوده للجنائز + ويشهد الجنائز ويمشى وحده بين أعدائه بلا ~~حارس + حديث كان يمشي وحده بين أعدائه بلا حارس أخرجه الترمذي والحاكم من ~~حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية @QB@ ~~والله يعصمك من الناس @QE@ فأخرج رأسه من القبة فقال انصرفوا فقد عصمني ~~الله قال الترمذي غريب وقال الحاكم صحيح الإسناد + أشد الناس تواضعا ~~وأسكنهم في غير كبر + حديث كان أشد الناس تواضعا وأسكنهم من غير كبر رواه ~~أبو الحسن بن الضحاك في الشمائل من حديث أبي سعيد الخدري في صفته صلى الله ~~عليه وسلم هين المؤنة لين الخلق كريم الطبيعة جميل المعاشرة طليق الوجه إلى ~~أن قال متواضع في غير ذلة وفيه ذائب الإطراق وإسناده ضعيف وفي الأحاديث ~~الصحيحة الدالة على شدة تواضعه غنية عنه منها عند النسائي من حديث ابن أبي ~~أوفى كان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين الحديث وقد تقدم ~~وعند أبي داود من حديث البراء فجلس وجلسنا كأن على رءوسنا الطير الحديث ~~ولأصحاب السنن من حديث أسامة بن شريك أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ~~وأصحابه كأنما على رءوسهم الطير + وأبلغهم في غير تطويل + حديث كان أبلغ ~~الناس من غير تطويل أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة كان يحدث حديثا لو ~~عده العاد لأحصاه ولهما من حديثها لم يكن يسرد الحديث كسردكم علقه البخاري ~~ووصله مسلم زاد الترمذي ولكنه كان يتكلم بكلام يبينه فصل يحفظه من جلس إليه ~~وله في الشمائل من حديث ابن أبي هالة يتكلم بجوامع الكلم فصل لا فضول ولا ~~تقصير + وأحسنهم بشرا + حديث كان أحسنهم بشرا أخرجه الترمذي في الشمائل من ~~حديث علي بن أبي طالب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر سهل ~~الخلق الحديث وله في الجامع من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء ما رأيت ~~أحدا كان أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال غريب قلت وفيه ~~ابن لهيعة + لا يهوله شيء من أمور الدنيا + حديث كان لا يهوله شي من أمور ~~الدنيا أخرجه أحمد من حديث عائشة ما أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء ~~من الدنيا وما أعجبه أحد قط إلا ذو تقى وفي لفظ له ما أعجب النبي صلى الله ~~عليه وسلم شيء من الدنيا إلا أن يكون فيها ذو تقى وفيه ابن لهيعة + ويلبس ~~ما وجد فمرة شملة ومرة برد حبرة يمانيا ومرة جبة صوف ما وجد من المباح لبس ~~+ حديث كان يلبس ما وجد فمرة شملة ومرة حبرة ومرة جبة صوف ما وجد من المباح ~~لبس أخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد جاءت امرأة ببردة قال سهل هل تدرون ~~ما البردة هي الشملة منسوج في حاشيتها وفيه فخرج إلينا وأنها لإزاره الحديث ~~ولأبن ماجه من حديث عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ~~في شملة قد عقد عليها فيه الأحوص بن حكيم مختلف فيه وللشيخين من حديث أنس ~~كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسها الحبرة ولهما ~~من حديث المغيرة بن شعبة وعليه جبة من صوف + وخاتمه فضة + حديث خاتمه فضة ~~متفق عليه من حديث أنس اتخذ خاتما من فضة + يلبسه في خنصره الأيمن + حديث ~~لبسه الخاتم في خنصره الأيمن أخرجه مسلم من حديث أنس أن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم لبس خاتم فضة في يمينه وللبخاري من حديثه فإني لأرى بريقه في ~~خنصره + والأيسر + حديث تختمه في الأيسر أخرجه مسلم من حديث أنس كان خاتم ~~النبي صلى الله عليه وسلم في هذه وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى + يردف ~~خلفه عبده أو غيره + حديث إردافه خلفه عبده أو غيره أردف صلى الله عليه ~~وسلم أسامة بن زيد من عرفة كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس ومن حديث ~~أسامة وأردفه مرة أخرى على حمار وهو في الصحيحين أيضا من حديث أسامة وهو ~~مولاه وابن مولاه وأردف الفضل بن عباس من المزدلفة وهو في الصحيحين أيضا من ~~حديث أسامة ومن حديث ابن عباس والفضل بن عباس وأردف معاذ بن جبل وابن عمر ~~وغيرهم من الصحابة + يركب ما أمكنه مرة فرسا ومرة بعيرا ومرة بغلة شهباء ~~ومرة حمارا ومرة يمشي راجلا حافيا بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة يعود ~~المرضى في أقصى المدينة + حديث كان يركب ما أمكنه مرة فرسا ومرة بعيرا ومرة ~~بغلة شهباء ومرة حمارا ومرة راجلا ومرة حافيا بلا رداء ولا عمامة ولا ~~قلنسوة يعود المرضى في أقصى المدينة ففي الصحيحين من حديث أنس ركوبه صلى ~~الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة ولمسلم من حديث جابر بن سمرة ركوبه الفرس ~~عريا حين انصرف من جنازة ابن الدحداح ولمسلم من حديث سهل بن سعد كان للنبي ~~صلى الله عليه وسلم فرس يقال له اللحيف ولهما من حديث ابن عباس طاف النبي ~~صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير ولهما من حديث البراء رأيت ~~النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء يوم حنين ولهما من حديث أسامة ~~أنه صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على إكاف الحديث ولهما من حديث ابن ~~عمر كان يأتي قبا راكبا وماشيا ولمسلم من حديثه في عيادته صلى الله عليه ~~وسلم لسعد بن عبادة فقام وقمنا معه ونحن بضعة عشر ما علينا نعال ولا خفاف ~~ولا قلانس ولا قمص نمشي في السباخ الحديث + يحب الطيب ويكره الرائحة ~~PageV02P362 الرديئة + حديث كان يحب الطيب والرائحة الطيبة ويكره الروائح ~~الرديئة أخرجه النسائي من حديث أنس حبب إلى النساء والطيب وأبو داود ~~والحاكم من حديث عائشة أنها صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من صوف ~~فلبسها فلما عرق وجد ريح الصوف فخلعها وكان يعجبه الريح الطيبة لفظ الحاكم ~~وقال صحيح على شرط الشيخين ولابن عدي من حديث عائشة كان يكره أن يوجد منه ~~إلا ريح طيبة + ويجالس الفقراء + حديث كان يجالس الفقراء أخرجه أبو داود من ~~حديث أبي سعيد جلست في عصابة من ضعفاء المهاجرين وإن بعضهم ليستر بعضا من ~~العرى الحديث وفيه فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطنا ليعدل بنفسه ~~فينا الحديث وابن ماجه من حديث خباب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يجلس معنا الحديث في نزول قوله تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم إسنادهما ~~حسن + ويؤاكل المساكين + حديث مؤاكلته للمساكين أخرجه البخاري من حديث أبي ~~هريرة قال وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد ~~إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها وإذا أتته هدية أرسل إليهم ~~وأصاب منها وأشركهم فيها + ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ويتألف أهل الشرف ~~بالبر لهم + حديث كان يكرم أهل الفضل في أخلاقهم ويتألف أهل الشرف بالبر ~~لهم أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث على الطويل في صفته صلى الله عليه ~~وسلم وكان من سيرته إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين ~~وفيه ويؤلفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم كل قول ويوليه عليهم الحديث وللطبراني ~~من حديث جرير في قصة إسلامه فألقى إلى كساءه ثم أقبل على أصحابه ثم قال إذا ~~جاءكم كريم قوم فأكرموه وإسناده جيد ورواه الحاكم من حديث معبد بن خالد ~~الأنصاري عن أبيه نحوه وقال صحيح الإسناد + يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم ~~على من هو أفضل منهم + حديث كان يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو ~~أفضل منهم أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس كان يجل العباس إجلال الوالد ~~والوالدة وله من حديث سعد بن وقاص أنه أخرج عمه العباس وغيره من المسجد ~~فقال له العباس تخرجنا ونحن عصبتك وعمومتك وتسكن عليا فقال ما أنا أخرجكم ~~وأسكنه ولكن الله أخرجكم وأسكنه قال في الأول صحيح الإسناد وسكت عن الثاني ~~وفيه مسلم الملائي ضعيف فآثر عليا لفضله بتقدم إسلامه وشهوده بدرا والله ~~أعلم وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب ~~أبي بكر + لا يجفو على أحد + حديث كان لا يجفو على أحد رواه أبو داود ~~والترمذي في الشمائل والنسائي في اليوم والليلة من حديث أنس كان قلما يواجه ~~رجلا بشيء يكرهه وفيه ضعف وللشيخين من حديث أبي هريرة إن رجلا استأذن عليه ~~صلى الله عليه وسلم فقال بئس أخو العشيرة فلما دخل ألان له القول الحديث + ~~يقبل معذرة المعتذر إليه + حديث يقبل معذرة المعتذر إليه متفق عليه من حديث ~~كعب بن ماك في قصة الثلاثة الذين خلفوا وفيه طفق المخلفون يعتذرون إليه ~~فقبل منهم علانيتهم الحديث + يمزح ولا يقول إلا حقا + حديث يمزح ولا يقول ~~إلا حقا أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة وهو عند الترمذي بلفظ قالوا أنك ~~تداعبنا قال إي ولا أقول إلا حقا وقال حسن + يضحك من غير قهقهة + حديث ضحكه ~~من غير قهقهة أخرجه الشيخان من حديث عائشة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى لهواته إنما كان يتبسم والترمذي من حديث عبد ~~الله بن الحارث بن جزء ما كان ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسما ~~قال صحيح غريب وله في الشمائل من حديث هند بن أبي هالة جل ضحكه التبسم + ~~يرى اللعب المباح فلا ينكره + حديث يرى اللعب المباح ولا يكرهه أخرجه ~~الشيخان من حديث عائشة في لعب الحبشة بين يديه في المسجد وقال لهم دونكم يا ~~بني أرفدة وقد تقدم في كتاب السماع + يسابق أهله + حديث مسابقته صلى الله ~~عليه وسلم أهله أخرجه أبو داود والنسائي في الكبرى وابن ماجه من حديث عائشة ~~في مسابقته لها وتقدم في الباب الثالث من النكاح + وترفع الأصوات عليه ~~فيصبر + حديث ترفع الأصوات عنده فيصبر أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن ~~الزبير قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر أمر ~~القعقاع بن معبد وقال عمر بل أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر ما أردت إلا ~~خلافي وقال عمر ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت يا أيها ~~الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله + وكان له لقاح وغنم يتقوت هو ~~وأهله من ألبانها + حديث وكان له لقاح وغنم يتقوت هو وأهله من ألبانها ~~أخرجه محمد بن سعد في الطبقات من حديث أم سلمة كان عيشنا مع صلى الله عليه ~~وسلم اللبن أو قالت أكثر عيشنا كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاح ~~بالغابة الحديث وفي رواية له كانت لنا أعنز سبع فكان الراعي يبلغ بهن مرة ~~الحمى ومرة أحدا ويروح بهن علينا وكانت لقاح بذي الحبل فيؤب إلينا ألبانهم ~~بالليل الحديث وفي إسنادهما محمد بن عمر الواقدي ضعيف في الحديث وفي ~~الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع كانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ترعى بذي قرد الحديث ولأبي داود من حديث لقيط بن صبرة لنا غنم مائة لا نريد ~~أن تزيد فإذا ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة الحديث + وكان له عبيد ~~وإماء لا يرتفع عليهم في PageV02P363 مأكل و لا ملبس + حديث كان له عبيد ~~وإماء فلا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس أخرجه محمد بن سعد في الطبقات من ~~حديث سلمى قالت كان خدم النبي صلى الله عليه وسلم أنا وخضرة ورضوى وميمونة ~~بنت سعد أعتقهن كلهن وإسناده ضعيف وروى أيضا أن أبا بكر بن حزم كتب إلى عمر ~~بن عبد العزيز بأسماء خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر بركة أم أيمن ~~وزيد ابن حارثة وأبا كبشة وأنسة وشقران وسفينة وثوبان ورباحا ويسارا وأبا ~~رافع وأنا مويهمة ورافعا أعتقهم كلهم وفضالة ومدعما وكركرة وروى أبو بكر بن ~~الضحاك في الشمائل من حديث أبي سعيد الخدري بإسناد ضعيف كان صلى الله عليه ~~وسلم يأكل مع خادمه ومسلم من حديث أبي اليسر أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم ~~مما تلبسون الحديث + ولا يمضي له وقت في غير عمل لله تعالى أو فيما لا بد ~~له منه من صلاح نفسه + حديث لا يمضي له وقت في غير عمل لله تعالى أو فيما ~~لا بد منه من صلاح نفسه أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث على بن أبي طالب ~~كان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءا لله وجزءا لأهله وجزءا ~~لنفسه ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس فرد ذلك بالخاصة على العامة الحديث + ~~يخرج إلى بساتين أصحابه + حديث يخرج إلى بساتين أصحابه تقدم في الباب ~~الثالث من آداب الأكل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى بستان أبي الهيثم بن ~~التيهان وأبي أيوب الأنصاري وغيرهما + لا يحتقر مسكينا لفقره وزمانته ولا ~~يهاب ملكا لملكه يدعو هذا وهذا إلى الله دعاء مستويا + حديث لا يحتقر ~~مسكينا لفقره وزمانته ولا يهاب ملكان لملكه يدعو هذا وهذا إلى الله دعاء ~~واحدا أخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد مر رجل على رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فقال ما تقولون في هذا قالوا حرى إن خطب أن لا ينكح الحديث وفيه ~~فمر رجل من فقراء المسلمين فقال ما تقولون في هذا قالوا حرى إن خطب أن لا ~~ينكح الحديث وفيه هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ومسلم من حديث أنس أن النبي ~~صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى ~~الله عز وجل + قد جمع الله تعالى له السيرة الفاضلة والسياسة التامة وهو ~~أمي لا يقرأ ولا يكتب نشا في بلاد الجهل والصحارى في فقره وفي رعاية الغنم ~~يتيما لا أب له ولا أم فعلمه الله تعالى جميع محاسن الأخلاق والطرق الحميدة ~~وأخبار الأولين والآخرين وما فيه النجاة والفوز في الآخرة والغبطة والخلاص ~~في الدنيا ولزوم الواجب وترك الفضول + حديث قد جمع الله له السيرة الفاضلة ~~والسياسة التامة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب نشأ في بلاد الجهل والصحارى وفي ~~فقر وفي رعاية الغنم لا أب له ولا أم فعلمه الله جميع محاسن الأخلاق والطرق ~~الحميدة وأخبار الأولين والآخرين وما فيه النجاة والفوز في الآخرة والغبطة ~~والخلاص في الدنيا ولزوم الواجب وترك الفضول هذا كله معروف معلوم فروى ~~الترمذي في الشمائل من حديث علي بن أبي طالب في حديثه الطويل في صفته وكان ~~من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه الحديث وفيه فسألته عن ~~سيرته في جلسائه فقال كان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب الحديث وفيه كان ~~يخزن لسانه إلا فيما يعنيه وفيه قد ترك نفسه من ثلاث من المراء والإكثار ~~وما لا يعنيه الحديث وقد تقدم بعضه وروى ابن مردويه من حديث ابن عباس في ~~قوله وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك قال كان نبي الله صلى ~~الله عليه وسلم أميا لا يقرأ ولا يكتب وقد تقدم في العلم وللبخاري من حديث ~~ابن عباس قال إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في ~~سورة الأنعام قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وأحمد وابن حبان من ~~حديث أم سلمة في قصة هجرة الحبشة أن جعفرا قال للنجاشي أيها الملك كنا قوما ~~أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة الحديث ولأحمد من حديث أبي بن كعب ~~إني لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر فإذا كلام فوق رأسي الحديث والبخاري من ~~حديث أبي هريرة كنت أرعاها أي الغنم على قراريط لأهل مكة ولأبي يعلى وابن ~~حبان من حديث حليمة إنما نرجو كرامة الرضاعة من والد المولود وكان يتيما ~~الحديث وتقدم حديث بعثت بمكارم الأخلاق + وفقنا الله لطاعته في أمره ~~والتأسى به في فعله آمين يا رب العالمين # | بيان جملة أخرى من آدابه وأخلاقه # مما رواه أبو البحتري قال ما شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من ~~المؤمنين بشتيمة إلا جعل لها كفارة ورحمة + حديث ما شتم أحدا من المؤمنين ~~إلا جعلها الله كفارة ورحمة متفق عليه من حديث أبي هريرة في أثناء حديث فيه ~~فأي المؤمنين لعنته شتمته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة وفي رواية ~~فاجعلها زكاة ورحمة وفي رواية فاجعلها له كفارة وقربة وفي رواية فاجعل ذلك ~~كفارة له يوم القيامة + وما لعن امرأة قط ولا خادما بلعنة + حديث ما لعن ~~امرأة ولا خادما قط المعروف ما ضرب مكان ما لعن كما هو متفق عليه من حديث ~~عائشة وللبخاري من حديث أنس لم يكن فحاشا ولا لعانا وسيأتي الحديث الذي ~~بعده فيه هذا المعنى + وقيل له وهو في القتال لو لعنتم يا رسول الله فقال ~~إنما بعثت PageV02P364 رحمة ولم أبعث لعانا + حديث إنما بعثت رحمة ولم أبعث ~~لعانا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + وكان إذا سئل أن يدعو على أحد مسلم ~~أو كافر عام أو خاص عدل عن الدعاء عليه إلى الدعاء له + حديث كان إذا سئل ~~ان يدعو على أحد مسلم أو كافر عام أو خاص عدل عن الدعاء عليه ودعا له أخرجه ~~الشيخان من حديث أبي هريرة قالوا يا رسول الله إن دوسا قد كفرت وأبت فادع ~~عليهم فقيل هلكت دوس فقال اللهم اهد دواس وائت بهم + وما ضرب بيده أحدا قد ~~إلا أن يضرب بها في سبيل الله تعالى وما انتقم من شيء صنع إليه قط إلا أن ~~تنتهك حرمة الله وما خير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه ~~إثم أو قطيعة رحم فيكون أبعد الناس من ذلك + حديث ما ضرب بيده أحد قط إلا ~~أن يضرب في سبيل الله وما انتقم في شيء صنع إليه إلا أن تنتهك حرمة الله ~~الحديث متفق عليه من حديث عائشة مع اختلاف وقد تقدم في الباب الثالث من ~~آداب الصحبة + وما كان يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته + ~~حديث ما كان يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته أخرجه ~~البخاري تعليقا من حديث أنس إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت ووصله ابن ماجه وقال فما ~~ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت من المدينة في حاجتها وقد تقدم ~~وتقدم أيضا من حديث ابن أبي أوفى ولا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة ~~والمسكين حتى يقضي لهما حاجتهما + وقال أنس رضي الله عنه والذي بعثه بالحق ~~ما قال لي في شيء قط كرهه لم فعلته ولا لامني نساؤه إلا قال دعوه إنما كان ~~هذا بكتاب وقدر + حديث أنس والذي بعثه بالحق ما قال في شيء قط كرهه لم ~~فعلته ولا لامني أحد من أهله إلا قال دعوه إنما كان هذا بكتاب وقدر أخرجه ~~الشيخان من حديث أنس ما قال لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لم تركته ~~وروى أبو الشيخ في كتاب أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث له قال ~~فيه و لا أمرني بأمر فتوانيت فيه فعاتبني عليه فإن عاتبني أحد من أهله قال ~~دعوه فلو قدر شيء كان وفي رواية له كذا قضى + قالوا وما عاب رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم مضجعا إن فرشوا له اضطجع وإن لم يفرش له اضطجع على الأرض + ~~حديث ما عاب مضجعا إن فرشوا له اضطجع وإن لم يفرشوا له اضطجع على الأرض لم ~~أجده بهذا اللفظ والمعروف ما عاب طعاما ويؤخذ من عموم حديث علي بن أبي طالب ~~ليس بفظ إلى أن قال ولا عياب رواه الترمذي في الشمائل والطبراني وأبو نعيم ~~في دلائل النبوة وروى ابن أبي عاصم في كتاب السنة من حديث أنس ما أعلمه عاب ~~شيئا قط وفي الصحيحين من حديث عمر اضطجاعه على حصير والترمذي وصححه من حديث ~~ابن مسعود نام على حصير فقام وقد أثر في جنبه الحديث + وقد وصفه الله تعالى ~~في التوراة قبل أن يبعثه في السطر الأول فقال محمد رسول الله عبدي المختار ~~لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ~~ويصفح مولده بمكة وهجرته بطابة وملكه بالشام يأتزر على وسطه هو ومن معه ~~دعاة للقرآن والعلم يتوضأ على أطرافه # وكذلك نعته في الإنجيل # وكان من خلقه أن يبدأ من لقيه بالسلام + حديث كان من خلقه أن يبدأ من ~~لقيه بالسلام أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث هند بن أبي هالة + ومن ~~قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف + حديث ومن قاومه لحاجة صابره حتى ~~يكون هو المنصرف أخرجه الطبراني ومن طريقه أبو نعيم في دلائل النبوة من ~~حديث علي بن أبي طالب وهو من حديث أنس كان إذا لقي الرجل يكلمه لم يصرف ~~وجهه حتى يكون هو المنصرف ورواه الترمذي نحوه وقال غريب + وما أخذ أحد بيده ~~فيرسل يده حتى يرسلها الآخر + حديث وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها ~~الآخر أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أنس الذي قبله كان إذا استقبل الرجل ~~فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع لفظ الترمذي وقال غريب + ~~وكان إذا لقي أحدا من أصحابه بدأه بالمصافحة ثم أخذ بيده فشابكه ثم شد ~~قبضته عليها + حديث كان إذا لقي أحدا من أصحابه بدأه بالمصافحة ثم أخذ بيده ~~فشابكه ثم شد قبضته أخرجه أبو داود من حديث أبي ذر وسأله رجل من عنزة هل ~~كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه قال ما لقيته قط إلا ~~صافحني الحديث وفيه الرجل الذي من عنزة ولم يسم وسماه البيهقي في الأدب عبد ~~الله وروينا في علوم الحديث للحاكم من حديث أبي هريرة قال شبك بيدي أبو ~~القاسم صلى الله عليه وسلم وهو عند مسلم بلفظ أخذ رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم بيده + وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله + حديث كان لا يقوم ~~ولا يجلس إلا على ذكر الله عز وجل أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث على في ~~حديثه الطويل في صفته قال على ذكر بالتنوين + وكان لا يجلس إليه أحد وهو ~~يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه فقال ألك حاجة PageV02P365 فإذا فرغ من ~~حاجته عاد إلى صلاته + حديث كان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته ~~وأقبل عليه فقال ألك حاجة فإذا فرغ من حاجته عاد إلى صلاته لم أجد له أصلا ~~+ وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعا ويمسك بيديه عليهما شبه الحبوة + ~~حديث كان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعا ويمسك بيديه عليهما شبه الحبوة ~~أخرجه أبو داود والترمذي في الشمائل من حديث أبي سعيد الخدري كان رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إذا جلس في المجلس احتبى بيديه وإسناده ضعيف والبخاري ~~من حديث ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة محتبيا ~~بيديه + ولم يكن يعرف مجلسه من مجلس أصحابه + حديث إنه لم يكن يعرف مجلسه ~~من مجالس أصحابه أخرجه أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة وأبي ذر قالا ~~كان النبي صلى الله عليه وسلم يجسل بين ظهراني أصحابه فيجيء الغريب فلا ~~يدري أيهم هو حتى يسأل الحديث + لأنه كان حيث انتهى به المجلس جلس + حديث ~~إنه حيثما انتهى به المجلس جلس رواه الترمذي في الشمائل في حديث علي الطويل ~~+ وما رؤي قط ماذا رجليه بين أصحابه حتى لا يضيق بهما على أحد إلا أن يكون ~~المكان واسعا لا ضيق فيه وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة + حديث ما رؤي قط ~~ما دا رجليه بين أصحابه حتى يضيق بها على أحد إلا أن يكون المكان واسعا لا ~~ضيق فيه أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من حديث أنس وقال باطل والترمذي ~~وابن ماجه لم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له زاد ابن ماجه قط وسنده ضعيف ~~+ وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه لمن ليست بينه وبينه قرابة ولا ~~رضاع يجلسه عليه + حديث كان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه لمن ليست ~~بينه وبينه قرابة ولا رضاع يجلسه عليه أخرجه الحاكم وصحح إسناده من حديث ~~أنس دخل جرير بن عبد الله على النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فأخذ بردته ~~فألقاها عليه فقال اجلس عليها ياجرير الحديث وفيه فإذا أتاكم كريم قوم ~~فأكرموه وقد تقدم في الباب الثالث من آداب الصحبة وللطبراني في الكبير من ~~حديث جرير فألقى إلى كساء ولأبي نعيم في الحلية فبسط إلى رداءه + وكان يؤثر ~~الداخل عليه بالوسادة التي تحته فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتى يفعل + ~~حديث كان يؤثر الداخل بالوسادة التي تكون تحته الحديث تقدم في الباب الثالث ~~من آداب الصحبة + وما استصفاه أحد إلا ظن أنه أكرم الناس عليه + حديث ما ~~استصفاه أحد إلا ظن أنه أكرم الناس عليه حتى يعطى كل من جلس إليه نصيبه من ~~وجهه حتى كان مجلسه وسمعه وحديثه وتوجهه للجالس إليه ومجلسه مع ذلك مجلس ~~حياء وتواضع وأمانة أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث علي الطويل وفيه ~~ويعطى كل جلسائه نصيبه لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه مجلسه مجلس حلم ~~وحياء وصبر وأمانة + حتى يعطى كل من جلس إليه نصيبه من وجهه حتى كان مجلسه ~~وسمعه وحديثه ولطيف محاسنه وتوجهه للجالس إليه ومجلسه مع ذلك مجلس حياء ~~وتواضع وأمانة قال الله تعالى فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ ~~القلب لأنفضوا من حولك ولقد كان يدعو أصحابه بكناهم إكراما لهم واستمالة ~~لقلوبهم + حديث كان يدعو أصحابه بكناهم إكراما لهم وإستمالة لقلوبهم في ~~الصحيحين في قصة الغار من حديث أبي بكر يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ~~ثالثهما وللحاكم من حديث ابن عباس أنه قال لعمر يا أبا حفص أبصرت وجه عم ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر إنه لأول يوم كناني فيه بأبي حفص ~~وقال صحيح على شرط مسلم وفي الصحيحين أنه قال لعلي قم يا أبا تراب وللحاكم ~~من حديث رفاعة بن مالك أن أبا حسن وجد مغصا في بطنه فتخلفت عليه يريد عليا ~~ولأبي يعلى الموصلي من حديث سعد ابن أبي وقاص فقال من هذا أبو إسحق فقلت ~~نعم وللحاكم من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كناه أبا عبد ~~الرحمن ولم يولد له + ويكنى من لم تكن له كنية فكان يدعى بما كناه به + ~~حديث كان يكنى من لم يكن له كنية وكان يدعى بما كناه به أخرجه الترمذي من ~~حديث أنس قال كناني صلى الله عليه وسلم ببقلة كنت أختليها يعني أبا حمزة ~~قال حديث غريب وابن ماجه أن عمر قال لصهيب ابن مالك تكتني وليس لك ولد قال ~~كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي يحيى وللطبراني من حديث أبي بكرة ~~تدليت ببكرة من الطائف فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم فأنت أبو بكرة + ~~ويكنى أيضا النساء اللاتي لهن الأولاد واللاتي لم يلدن يبتدئ لهن الكنى + ~~حديث كان يكنى النساء اللاتي لهن الأولاد واللاتي لم يلدن يبتدئ لهن الكنى ~~أخرجه الحاكم من حديث أم ايمن في قصة شربها بول النبي صلى الله عليه وسلم ~~فقال يا أم أيمن قومي إلى تلك الفخارة الحديث وابن ماجه من حديث عائشة أنها ~~قالت للنبي صلى الله عليه وسلم كل أزواجك كنيته غيري قال فأنت أم عبد الله ~~والبخاري من حديث أم خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يا أم خالد ~~هذا سناه وكانت صغيرة وفيه مولى للزبير لم يسم ولأبي داود بإسناد صحيح انها ~~قالت يا رسول الله كل صواحبي لهن كنى قال فاكتني بإبنك عبد الله ابن الزبير ~~+ PageV02P366 ويكني الصبيان فيستلين به قلوبهم + حديث كان يكنى الصبيان ~~ففي الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخ له صغير يا ~~أبا عمير ما فعل النغير + وكان أبعد الناس غضبا وأسرعهم رضا + حديث كان ~~أبعد الناس غضبا وأسرعهم رضا هذا من المعلوم ويدل عليه إخباره صلى الله ~~عليه وسلم أن بني آدم خيرهم بطىء الغضب سريع الفيء رواه الترمذي من حديث ~~أبي سعيد الخدري وقال حديث حسن وهو صلى الله عليه وسلم خير بني آدم وسيدهم ~~وكان صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها رواه الترمذي في ~~الشمائل من حديث هند ابن أبي هالة + وكان أرأف الناس بالناس وخير الناس ~~للناس وأنفع الناس للناس + حديث كان أرأف الناس بالناس وخير الناس للناس ~~وأنفع الناس للناس هذا من المعلوم ورويناه في الجزء الأول من فوائد أبي ~~الدحداح من حديث علي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم كان أرحم الناس ~~بالناس الحديث بطوله + ولم تكن ترفع في مجلسه الأصوات + حديث لم تكن ترفع ~~في مجلسه الأصوات أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث علي الطويل + وكان إذا ~~قام من مجلسه قال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك ~~وأتوب إليك @QB@ ثم يقول @QE@ علمنيهن جبريل عليه السلام + حديث كان إذا ~~قام من مجلسه قال سبحانك اللهم وبحمدك الحديث أخرجه النسائي في اليوم ~~والليلة والحاكم في المستدرك من حديث رافع ابن خديج وتقدم في الأذكار ~~والدعوات + # | بيان كلامه وضحكه صلى الله عليه وسلم # كان صلى الله عليه وسلم أفصح الناس منطقا وأحلاهم كلاما ويقول + حديث كان ~~أفصح الناس منطقا وأحلاهم كلاما أخرجه أبو الحسن بن الضحاك في كتاب الشمائل ~~وابن الجوزي في الوفاء بإسناد ضعيف من حديث بريدة كان رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم من أفصح العرب وكان يتكلم بالكلام لا يدرون ما هو حتى يخبرهم + ~~أنا أفصح العرب + حديث أنا أفصح العرب أخرجه الطبراني في الكبير من حديث ~~أبي سعيد الخدري أنا أعرب العرب وإسناده ضعيف والحاكم من حديث عمر قال قلت ~~يا رسول الله ما بالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا الحديث وفي كتاب الرعد ~~والمطر لابن أبي الدنيا من حديث مرسل أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه ~~وسلم ما رأيت أفصح منك + وإن أهل الجنة يتكلمون فيها بلغة محمد صلى الله ~~عليه وسلم + حديث إن أهل الجنة يتكلمون بلغة محمد صلى الله عليه وسلم أخرجه ~~الحاكم من حديث ابن عباس وصححه كلام أهل الجنة عربي + وكان نزر الكلام سمح ~~المقالة إذا نطق ليس بمهذار وكان كلامه كخرزات نظمن + حديث كان نزر الكلام ~~سمح المقالة إذا نطق ليس بمهذار وكأن كلامه خرزات النظم أخرجه الطبراني من ~~حديث أم معبد وكان منطقه خرزات نظم ينحدرن حلو المنطق لا نزر ولا هذر وقد ~~تقدم وسيأتي في حديث عائشة بعده كان إذا تكلم تكلم نزرا وفي الصحيحين من ~~حديث عائشة كان يحدثنا حديثا لو عده العاد لأحصاه + قالت عائشة رضي الله ~~تعالى عنها كان لا يسرد الكلام كسردكم هذا كان كلامه نزرا وأنتم تنثرون ~~الكلام نثرا + حديث عائشة كان لا يسرد كسردكم هذا كان كلامه نزرا وأنتم ~~تنثرونه نثرا اتفق الشيخان على أول الحديث وأما الجملتان الأخيرتان فرواه ~~الخلعي في فوائده بإسناد منقطع + قالوا وكان أوجز الناس كلاما وبذاك جاءه ~~جبريل وكان مع الإيجاز يجمع كل ما أراد + حديث كان أوجز الناس كلاما وبذلك ~~جاءه جبريل وكان مع الإيجاز يجمع كل ما أراد أخرجه عيد بن حميد من حديث عمر ~~بسند منقطع والدارقطني من حديث ابن عباس بإسناد جيد أعطيت جوامع الكلم ~~واختصر لي الحديث اختصارا وشطره الأول متفق عليه كما سيأتي قال البخاري ~~بلغني في جوامع الكلم أن الله جمع له الأمور الكثيرة في الأمر الواحد ~~والأمرين ونحو ذلك وللحاكم من حديث عمر المتقدم كانت لغة إسماعيل قد درست ~~فجاء بها جبريل فحفظنيها + وكان يتكلم بجوامع الكلم لا فضول ولا تقصير كأنه ~~يتبع بعضه بعضا بين كلامه توقف يحفظه سامعه ويعيه + حديث كان يتكلم بجوامع ~~الكلم لا فضول ولا تقصير كلام يتبع بضعه بعضا بين كلامه توفق يحفظه سامعه ~~ويعيه رواه الترمذي في الشمائل من حديث هند بن أبي هالة وفي الصحيحين من ~~حديث أبي هريرة بعثت بجوامع الكلم ولأبي داود من حديث جابر كان في كلام ~~النبي صلى الله عليه وسلم ترتيل أو ترسيل وفيه شيخ لم يسم وله وللترمذي من ~~حديث عائشة كان كلام النبي صلى الله عليه وسلم كلاما فصلا يفهمه كل من سمعه ~~وقال الترمذي يحفظه من جلس إليه وقال الترمذي في اليوم والليلة يحفظه من ~~سمعه وإسناده حسن + وكان جهير الصوت أحسن الناس نغمة + حديث كان جهير الصوت ~~أحسن الناس نغمة أخرجه الترمذي والنسائي في الكبرى من حديث صفوان بن عسال ~~قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر بينا نحن عنده إذ ناداه أعرابي ~~بصوت له جهوري يا محمد فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو من ~~صوته @QB@ هاؤم @QE@ الحديث وقال أحمد في مسنده وأجابه نحوا مما تكلم به ~~الحديث وقد يؤخذ من هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان جهوري الصوت ولم يكن ~~يرفعه دائما وقد يقال لم يكن جهوري الصوت وإنما رفع صوته رفقا بالأعرابي ~~حتى لا يكون صوته أرفع من صوته وهو الظاهر للشيخين من حديث البراء ما سمعت ~~أحدا أحسن صوتا منه + وكان طويل السكوت لا يتكلم في غير PageV02P367 حاجة + ~~حديث كان طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة أخرجه في الشمائل من حديث هند ~~بن أبي هالة + ولا يقول المنكر ولا يقول في الرضا والغضب إلا الحق + حديث ~~لا يقول المنكر ولا يقول في الرضى والغضب إلا الحق أخرجه أبو داود من حديث ~~عبد الله بن عمرو قال كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا تكتب كل شيء ورسول الله صلى الله عليه ~~وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فأومأ بأصبعه إلى فيه وقال اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج ~~منه إلا حق رواه الحاكم وصححه + ويعرض عمن تكلم بغير جميل + حديث يعرض عمن ~~تكلم بغير جميل أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث على الطويل يتغافل عما لا ~~يشتهي الحديث + ويكنى عما اضطره الكلام إليه مما يكره + حديث يكنى عما ~~اضطره الكلام بما يكره فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة حتى ~~تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك رواه البخاري من حديث عائشة ومن ذلك ما اتفقا ~~عليه من حديثها في المرأة التي سألته عن الإغتسال من الحيض خذي فرصة ممسكة ~~فتطهري بها الحديث + وكان إذا سكت تكلم جلساؤه ولا يتنازع عنده + حديث كان ~~إذا سكت تكلم جلساؤه ولا يتنازع عنده في الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل ~~في حديث علي الطويل + في الحديث ويعظ بالجد والنصيحة + حديث يعظ بالجد ~~والنصيحة أخرجه مسلم من حديث جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ~~خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ~~الحديث + ويقول لا تضربوا القرآن بعضه ببعض فإنه أنزل على وجوه + حديث لا ~~تضربوا القرآن بعضه ببعض وأنه أنزل على وجوه أخرجه الطبراني من حديث عبد ~~الله بن عمرو بإسناد حسن إن القرآن يصدق بعضه بعضا فلا تكذبوا بعضه ببعض ~~وفي رواية للهروي في ذم الكلام إن القرآن لم ينزل لتضربوا بعضه ببعض وفي ~~رواية له أبهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض وفي الصحيحين من حديث ~~عمر بن الخطاب إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف + وكان أكثر الناس تبسما ~~وضحكا في وجوه أصحابه وتعجبا مما تحدثوا به وخلطا لنفسه بهم + حديث كان ~~أكثر الناس تبسما وضحكا في وجوه أصحابه وتعجبا مما تحدثوا به وخلطا لنفسه ~~بهم أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء ما رأيت أحدا أكثر ~~تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الصحيحين من حديث جرير ولا رآني ~~إلا تبسم والترمذي في الشمائل من حديث علي يضحك مما تضحكون منه ويتعجب مما ~~تعجبون منه ومسلم من حديث جابر بن سمرة كانوا يتحدثون في أمر الجاهلية ~~فيضحكون ويتبسم + ولربما ضحك حتى تبدو نواجذه + حديث ولربما ضحك حتى تبدو ~~نواجذه متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود في قصة آخر من يخرج من النار ~~وفي قصة الحبر الذي قال إن الله يضع السموات على أصبع ومن حديث أبي هريرة ~~في قصة المجامع في رمضان وغير ذلك + وكان ضحك أصحابه عنده التبسم اقتداء به ~~وتوقيرا له + حديث كان ضحك أصحابه عنده التبسم اقتداء به وتوقيرا له أخرجه ~~الترمذي في الشمائل من حديث هند بن أبي هالة في أثناء حديثه الطويل جل ضحكه ~~التبسم + قالوا ولقد جاءه أعرابي يوما وهو عليه السلام متغير اللون ينكره ~~أصحابه فأراد أن يسأله فقالوا لا تفعل يا أعرابي فإنا ننكر لونه فقال دعوني ~~فوالذي بعثه بالحق نبيا لا أدعه حتى يتبسم فقال يا رسول الله بلغنا أن ~~المسيح يعني الدجال يأتي الناس بالثريد وقد هلكوا جوعا أفترى لي بأبي أنت ~~وأمي أن أكف عن ثريده تعففا وتنزها حتى أهلك هرالا أم أضرب في ثريده حتى ~~إذا تضلعت شبعا آمنت بالله وكفرت به قالوا فضحك رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال لا بل يغنيك الله بما يغني به المؤمنين + حديث ~~جاءه أعرابي يوما وهو متغير ينكره أصحابه فأراد أن يسأله فقالوا لا تفعل يا ~~أعرابي فإنا ننكر لونه فقال دعوني والذي بعثه بالحق نبيا لا أدعه حتى يتبسم ~~فقال يا رسول الله بلغنا أن المسيح الدجال يأتي الناس بالثريد وقد هلكوا ~~جوعا الحديث وهو حديث منكر لم أقف لهعلى أصل ويرده قوله صلى الله عليه وسلم ~~في حديث المغيرة بن شعبة المتفق عليه حين سأله أنهم يقولون إن معه جبل خبز ~~ونهر ماء قال هو أهون على الله من ذلك وفي رواية لمسلم أنهم يقولون معه ~~جبالا من خبز ولحم الحديث نعم في حديث حذيفة وأبي مسعود المتفق عليهما إن ~~معه ماء ونارا الحديث + قالوا وكان PageV02P368 من أكثر الناس تبسما ~~وأطيبهم نفسا مالم ينزل عليه قرآن أو يذكر الساعة أو يخطب بخطبة عظة + حديث ~~كان من أكثر الناس تبسما وأطيبهم نفسا ما لم ينزل عليه القرآن أو يذكر ~~الساعة أو يخطب بخطبة عظة تقدم حديث عبد الله بن الحارث ما رأيت أحدا أكثر ~~تبسما منه وللطبراني في مكارم الأخلاق من حديث جابر كان إذا نزل عليه الوحي ~~قلت نذير قوم فإذا سرى عنه فأكثر الناس ضحكا الحديث ولأحمد من حديث على أو ~~الزبير كان يخطب فيذكر بأيام الله حتى يعرف ذلك في وجهه وكأنه نذير قوم ~~يصبحهم الأمر غدوة وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يتبسم ضاحكا حتى يرتفع ~~عنه ورواه أبو يعلى من حديث الزبير من غير شك وللحاكم من حديث جابر كان إذا ~~ذكر الساعة أحمرت وجنتاه واشتد غضبه وهو عند مسلم بلفظ كان إذا خطب + وكان ~~إذا سر ورضى فهو أحسن الناس رضا فإن وعظ وعظ بجد وإن غضب وليس يغضب إلا لله ~~لم يقم لغضبه شيء وكذلك كان في أموره كلها + حديث كان إذا سر ورضي فهو أحسن ~~الناس رضا وإن وعظ وعظ بجد وإن غضب ولا يغضب إلا لله لم يقم لغضبه شيء ~~وكذلك كان في أموره كلها أخرجه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب أخلاق النبي صلى ~~الله عليه وسلم من حديث ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف ~~غضبه ورضاه بوجهه كان إذا رضي فكأنما ملاحك الجدر وجهه وإسناده ضعيف ~~والمراد به المرآة توضع في الشمس فيرى ضوءها على الجدار وللشيخين من حديث ~~كعب بن مالك قال وهو يبرق وجهه من السرور وفيه وكان إذا سر استنار وجهه حتى ~~كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه الحديث ومسلم كان إذا خطب احمرت عيناه ~~وعلا صوته واشتد غضبه الحديث وقد تقدم والترمذي في الشمائل في حديث هند بن ~~أبي هالة لا تغضبه الدنيا وما كان منها فإذا تعدى الحق لم يقم لغضبه شيء ~~حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها وقد تقدم + وكان إذا نزل به ~~الأمر فوض الأمر إلى الله وتبرأ من الحول والقوة واستنزل الهدى فيقول اللهم ~~أرني الحق حقا فأتبعه وأرني المنكر منكرا وأرزقني اجتنابه وأعذني من أن ~~يشتبه علي فأتبع هواي بغير هدى منك واجعل هواي تبعا لطاعتك وخذ رضا نفسك من ~~نفسي في عافية وأهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى ~~صراط مستقيم + حديث كان يقول اللهم أرني الحق حقا فأتبعه وأرني المنكر ~~منكرا وأرزقني اجتنابه وأعذني من أن يشتبه على فأتبع هواي بغير هدى منك ~~واجعل هواي تبعا لطاعتك وخذ رضا نفسك من نفسي في عافية واهدني لما اختلف ~~فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم لم أقف لأوله على أصل ~~وروى المستغفري في الدعوات من حديث أبي هريرة كان النبي صلى الله عليه وسلم ~~يدعو فيقول اللهم إنك سألتنا من أنفسنا ما لا نملكه إلا بك فأعطنا منها ما ~~يرضيك عنا ومسلم من حديث عائشة فيما كان يفتتح به صلاته من الليل اهدني لما ~~اختلف فيه إلى آخر الحديث + # | بيان أخلاقه وآدابه في الطعام # كان صلى الله عليه وسلم يأكل ما وجد + حديث كان يأكل ما وجد تقدم + وكان ~~أحب الطعام إليه ما كان على ضفف + حديث كان أحب الطعام إليه ما كان على ضفف ~~أي كثرت عليه الأيدي أخرجه أبو يعلى والطبراني في الأوسط وابن عدي في ~~الكامل من حديث جابر بسند حسن أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي ~~ولأبي يعلى من حديث أنس لم يجتمع له عذاء وعشاء خبز ولحم إلا على ضفف ~~وإسناده ضعيف + والضفف ما كثرت عليه الأيدي وكان إذا وضعت المائدة قال بسم ~~الله اللهم اجعلها نعمة مشكورة تصل بها نعمة الجنة + حديث كان إذا وضعت ~~المائدة قال بسم الله اللهم اجعلها نعمة مشكورة تصل بها نعمة الجنة أما ~~التسمية فرواها النسائي من رواية من خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثمان ~~سنين أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرب إليه طعاما يقول بسم ~~الله الحديث وإسناده صحيح وأما بقية الحديث فلم أجده + وكان كثيرا إذا جلس ~~يأكل يجمع بين ركبتيه وبين قدميه كما يجلس المصلى إلا أن الركبة تكون فوق ~~الركبة والقدم فوق القدم ويقول إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما ~~يجلس العبد + حديث كان كثيرا إذا جلس يأكل يجمع بين ركبتيه وقدميه كما يفعل ~~المصلي إلا أن الركبة تكون فوق الركبة والقدم فوق القدم ويقول إنما أنا عبد ~~آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد أخرجه عبد الرزاق في المصنف من ~~رواية أيوب معضلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل أحفز وقال آكل ~~كما يأكل العبد الحديث وروى ابن الضحاك في الشمائل من حديث أنس بسند ضعيف ~~كان إذا قعد على الطعام استوفز على ركبته اليسرى وأقام اليمنى ثم قال إنما ~~أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأفعل كما يفعل العبد وروى أبو الشيخ في أخلاق ~~النبي صلى الله عليه وسلم بسند حسن من حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله ~~عليه وسلم كان يجثو على ركبتيه وكان لا يتكئ أورده في صفة أكل رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم وللبزار من حديث ابن عمر إنما أنا عبد آكل كما يأكل ~~العبد ولأبي يعلى من حديث عائشة آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد ~~وسندهما ضعيف + وكان لا يأكل الحار ويقول إنه غير ذي PageV02P369 بركة وإن ~~الله لم يطعمنا نارا فأبردوه + حديث كان لا يأكل الحار ويقول إنه غير ذي ~~بركة وإن الله لم يطعمنا نارا أخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح ~~أتي النبي صلى الله عليه وسلم يوما بطعام سخن فقال ما دخل بطني طعام سخن ~~منذ كذا وكذا قبل اليوم ولأحمد بإسناد جيد والطبراني والبيهقي في الشعب من ~~حديث خولة بنت قيس وقدمت له صريرة فوضع يده فيها فوجد حرها فقبضها لفظ ~~الطبراني والبيهقي وقال أحمد فأحرقت أصابعه فقال حس وللطبراني في الأوسط من ~~حديث أبي هريرة أبردوا الطعام فإن الطعام الحار غير ذي بركة وله فيه وفي ~~الصغير من حديثه أتى بصحفة تفور فرفع يده منها وقال إن الله لم يطعمنا نارا ~~وكلاهما ضعيف + وكان يأكل مما يليه + حديث كان يأكل مما يليه أخرجه أبو ~~الشيخ ابن حبان من حديث عائشة وفي إسناده رجل لم يسم وسماه في رواية له ~~وكذلك البيهقي في روايته في الشعب عبيد بن القاسم نسيب سفيان الثوري وقال ~~البيهقي تفرد به عبيد هذا وقد رماه ابن معين بالكذب ولأبي الشيخ من حديث ~~عبد الله بن جعفر نحوه + ويأكل بأصابعه الثلاث + حديث أكله بأصابعه الثلاث ~~أخرجه مسلم من حديث كعب بن مالك + وربما استعان بالرابعة + حديث استعانته ~~بالرابعة رويناه في الغيلانيات من حديث عامر بن ربيعة وفي القاسم بن عبد ~~الله العمري هالك وفي مصنف ابن أبي شيبة من رواية الزهري مرسلا كان النبي ~~صلى الله عليه وسلم يأكل بالخمس + ولم يأكل بأصبعين ويقول إن ذلك أكلة ~~الشيطان + حديث لم يأكل بأصبعين ويقول إن ذلك أكله الشيطان أخرجه الدارقطني ~~في الأفراد من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف لا تأكل بأصبع فإنه أكل الملوك ~~ولا تأكل بأصبعين فإنه أكل الشياطين الحديث + وجاءه عثمان بن عفان رضي الله ~~عنه بفالوذج فأكل منه وقال ما هذا يا عبد الله قال بأبي أنت وأمي نجعل ~~السمن والعسل في البرمة ونضعها على النار ثم نغليه ثم نأخذ مخ الحنطة إذا ~~طحنت فنقليه على السمن والعسل في البرمة ثم نسوطه حتى ينضج فيأتي كما ترى ~~فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا الطعام طيب + حديث جاءه عثمان بن ~~عفان بفالوذج الحديث قلت المعروف أن الذي صنعه عثمان الخبيص رواه البيهقي ~~في الشعب من حديث ليث بن أبي سليم قال إن أول من خبص الخبيص عثمان بن عفان ~~قدمت عليه عير تحمل النقى والعسل الحديث وقال هذا منقطع وروى الطبراني ~~والبيهقي في الشعب من حديث عبد الله بن سلام أقبلعثمان ومعه راحلة عليها ~~غرارتان وفيه فإذا دقيق وسمن وعسل وفيه ثم قال لأصحابه كلوا هذا الذي تسميه ~~فارس الخبيص وأما خبر الفالوذج فرواه ابن ماجه بإسناد ضعيف من حديث ابن ~~عباس قال أول ما سمعنا بالفالوذج أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم ~~فقال إن أمتك تفتح عليهم الأرض ويفاض عليهم من الدنيا حتى إنهم ليأكلون ~~الفالوذج قال النبي صلى الله عليه وسلم وما الفالوذج قال يخلطون السمن ~~والعسل جميعا قال ابن الجوزي في الموضوعات هذا حديث باطل لا أصل له + وكان ~~يأكل خبز الشعير غير منخول + حديث كان يأكل خبز الشعير غير منخول أخرجه ~~البخاري من حديث سهل بن سعد + وكان يأكل القثاء بالرطب + حديث كان يأكل ~~القثاء بالرطب متفق عليه من حديث عبد الله بن جعفر + وبالملح + حديث كان ~~يأكل القثاء بالملح أخرجه أبو الشيخ من حديث عائشة وفيه يحيى بن هاشم كذبه ~~ابن معين وغيره ورواه ابن عدي وفيه عباد بن كثير متروك + وكان أحب الفواكه ~~الرطبة إليه البطيخ والعنب + حديث كان أحب الفاكهة الرطبة إليه البطيخ ~~والعنب أخرجه أبو نعيم في الطب النبوي من رواية أمية بن زيد العبسي أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب من الفاكهة العنب والبطيخ وروى أبو الشيخ ~~وابن عدي في الكامل والطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب من حديث أنس كان ~~يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره ويأكل الرطب بالبطيخ وكان أحب الفاكهة ~~إليه فيه يوسف ابن عطية الصفار مجمع على ضعفه وروى ابن عدي من حديث عائشة ~~كان أحب الفاكهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الرطب والبطيخ وله من حديث ~~آخر لها فإن خير الفاكهة العنب وكلاهما ضعيف + وكان يأكل البطيخ بالخبز ~~وبالسكر + حديث كان يأكل البطيخ بالخبز والسكر أما أكل البطيخ بالخبز فلم ~~أره وإنما وجدت أكل العنب بالخبز فيما رواه ابن عدي من حديث عائشة مرفوعا ~~عليكم بالمرازمة قيل يا رسول الله وما المرازمة قال أكل الخبز مع العنب فإن ~~خير الفاكهة العنب وخير الطعام الخبز وإسناده ضعيف وأما أكل البطيخ بالسكر ~~فإن أريد بالسكر نوع من التمر والرطب مشهور فهو الحديث الآتي بعده وإن أريد ~~به السكر الذي هو الطبرزد فلم أر له أصلا إلا في حديث منكر معضل رواه أبو ~~عمر النوقاني في كتاب البطيخ من رواية محمد بن علي بن الحسين أن النبي صلى ~~الله عليه وسلم أكل بطيخا بكسر وفيه موسى ابن إبراهيم المروزي كذبه يحيى بن ~~معين + وربما أكله PageV02P370 بالرطب + حديث أكل البطيخ بالرطب أخرجه ~~الترمذي والنسائي من حديث عائشة وحسنه الترمذي وابن ماجه من حديث سهل بن ~~سعد كان يأكل الرطب بالبطيخ وهو عند الدارمي بلفظ البطيخ بالرطب + ويستعين ~~باليدين جميعا وأكل يوما الرطب في يمينه وكان يحفظ النوى في يساره فمرت شاة ~~فأشار إليها بالنوى فجعلت تأكل من كفه اليسرى وهو يأكل بيمينه حتى فرغ ~~وانصرفت الشاة + حديث استعانته باليدين جميعا فأكل يوما الرطب في يمينه ~~وكان يحفظ النوى في يساره فمرت شاة فأشار إليها بالنوى فجعلت تأكل من كفه ~~اليسرى وهو يأكل بيمينه حتى فرغ وانصرفت الشاة أما استعانته بيديه جميعا ~~فرواه أحمد من حديث عبد الله بن جعفر قال آخر ما رأيت من رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم في إحدى يديه رطبات وفي الأخرى قثاء يأكل من هذه ويعض من ~~هذه وتقدم حديث أنس في أكله بيديه قبل هذا بثلاثة أحاديث وأما قصته مع ~~الشاة فرويناها في فوائد أبي بكر الشافعي من حديث أنس بإسناد ضعيف + وكان ~~ربما أكل العنب خرطا يرى زؤانه على لحيته كخرز اللؤلؤ + حديث ربما أكل ~~العنب خرطا الحديث أخرجه ابن عدي في الكامل من حديث العباس والعقيلي في ~~الضعفاء من حديث ابن عباس هكذا مختصرا وكلاهما ضعيف + وكان أكثر طعامه ~~الماء والتمر + حديث كان أكثر طعامه الماء والتمر أخرجه البخاري من حديث ~~عائشة توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شبعنا من الأسودين التمر ~~والماء + وكان اللبن بالتمر ويسميهما الأطيبين + حديث كان يجمع اللبن ~~بالتمر ويسميهما الأطيبين أخرجه أحمد من رواية إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه ~~قال دخلت على رجل وهو يجمع لبنا بتمر وقال ادن فإن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم سماهما الأطيبين ورجاله ثقات وإبهامه لا يضر + وكان أحب الطعام إليه ~~اللحم ويقول هو يزيد في السمع وهو سيد الطعام في الدنيا والآخرة ولو سألت ~~ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل + حديث كان أحب الطعام إليه اللحم ويقول هو ~~يزيد في السمع وهو سيد الطعام في الدنيا والآخرة ولو سألت ربي أن يطعمنيه ~~كل يوم لفعل أخرجه أبو الشيخ من رواية ابن سمعان قال سمعت من علمائنا ~~يقولون كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللحم الحديث ~~والترمذي في الشمائل من حديث جابر أتانا النبي صلى الله عليه وسلم في ~~منزلنا فذبحنا له شاة فقال كأنهم علموا أنا نحب اللحم وإسناده صحيح وابن ~~ماجه من حديث أبي الدرداء بإسناد ضعيف سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة ~~اللحم + وكان يأكل الثريد باللحم والقرع + حديث كان يأكل الثريد باللحم ~~والقرع أخرجه مسلم من حديث أنس + وكان يحب القرع ويقول إنها شجرة أخي يونس ~~عليه السلام + حديث كان يحب القرع ويقول إنها شجرة أخي يونس أخرجه النسائي ~~وابن ماجه من حديث أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب القرع وقال ~~النسائي الدباء وهو عند مسلم بلفظ تعجبه وروى ابن مردويه في تفسيره من حديث ~~أبي هريرة في قصة يونس فلفظته في أصل شجرة وهي الدباء + قالت عائشة رضي ~~الله عنها وكان يقول عائشة إذ طبختم قدرا فأكثروا فيها من الدباء فإنه يشد ~~قلب الحزين + حديث يا عائشة إذا طبختم قدرا فأكثروا فيها من الدباء فإنها ~~تشد قلب الحزين رويناه في فوائد أبي بكر الشافعي + وكان يأكل لحم الطير ~~الذي يصاد + حديث كان يأكل لحم الطير الذي يصاد أخرجه الترمذي من حديث أنس ~~قال كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير فقال اللهم ائتني بأحب الخلق ~~إليك يأكل معي هذا الطير فجاء علي فأكل معه قال حديث غريب قلت له طرق كلها ~~ضعيفة وروى أبو داود والترمذي واستغربه من حديث سفينة قال أكلت مع النبي ~~صلى الله عليه وسلم لحم حبارى + وكان لا يتبعه والصيد ويحب أن يصاد له ~~ويؤتى به فيأكله + حديث كان لا يتبعه ولا يصيده ويحب أن يصاد له فيؤتى به ~~فيأكله قلت هذا هو الظاهر من أحواله فقد قال من تبع الصيد غفل رواه أبو ~~داود والنسائي والترمذي من حديث ابن عباس وقال حسن غريب وأما حديث صفوان بن ~~أمية عند الطبراني قد كانت قبلي لله رسل كلهم يصطاد ويطلب الصيد فهو ضعيف ~~جدا + وكان إذا أكل اللحم لم يطأطئ رأسه إليه ويرفعه إلى فيه رفعا ثم ~~ينتهشه انتهاشا + حديث كان إذا أكل اللحم لم يطأطئ رأسه إليه ورفعه إلى فيه ~~رفعا ثم نهشه أخرجه أبو داود من حديث صفوان بن أمية قال كنت آكل مع النبي ~~صلى الله عليه وسلم فآخذ اللحم من العظم فقال أدن اللحم من فيك فإنه أهنأ ~~وأمرأ والترمذي من حديثه انهش اللحم نهشا فإنه أهنئ وأمرأ وهو منقطع والذي ~~قبله منقطع أيضا وللشيخين من حديث أبي هريرة فتناول الذراع فنهش منها نهشة ~~الحديث + وكان يأكل الخبز والسمن + حديث كان يأكل الخبز والسمن متفق عليه ~~من حديث أنس في قصة طويلة فيها فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ففت وعصرت أم سليم عكة فآدمته الحديث وفيه ثم أكل النبي صلى الله ~~عليه وسلم وفي رواية ابن ماجه فصنعت فيها شيئا من سمن ولا يصح وأبو داود ~~وابن ماجه من حديث ابن عمر وددت أن عندي خبزة بيضاء من بر سمراء ملبقة بسمن ~~الحديث قال أبو داود منكر + وكان يحب من الشاة الذراع والكف ومن القدر ~~الدباء ومن الصباغ الخل ومن التمر PageV02P371 العجوة + حديث كان يحب من ~~الشاة الذراع والكتف ومن القدر الدباء ومن الصباغ الخل ومن التمر العجوة ~~وروى الشيخان من حديث أبي هريرة قال وضعت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ~~قصعة من ثريد ولحم فتناول الذراع وكانت أحب الشاة إليه الحديث وروى أبو ~~الشيخ من حديث ابن عباس كان أحب اللحم من إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~الكتف وإسناده ضعيف ومن حديث أبي هريرة لم يكن يعجبه من الشاة إلا الكتف ~~وتقدم حديث أنس كان يحب الدباء قبل هذا بستة أحاديث ولأبي الشيخ من حديث ~~أنس كان أحب الطعام إليه الدباء وله من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف كان أحب ~~الصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخل وله بالإسناد المذكور كان ~~أحب التمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العجوة + ودعا في العجوة ~~بالبركة وقال هي من الجنة وشفاء من السم والسحر + حديث دعا في العجوة ~~بالبركة وقال هي من الجنة وشفاء من السموالسحر أخرجه البزار والطبراني في ~~الكبير من حديث عبد الله بن الأسود قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم في وفد سدوس فأهدينا له تمرا وفيه حتى ذكرنا تمر أهلنا هذا الجذامي ~~فقال بارك الله في الجذامي وفي حديقة خرج هذا منها الحديث قال أبو موسى ~~المديني قيل هو تمر أحمر والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ~~العجوة من الجنة وهي شفاء من السم وفي الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص من ~~تصبح بسبع تمرات من عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر + وكان يحب من ~~البقول الهندباء والباذروج والبقلة الحمقاء التي يقال لها الرجلة + حديث ~~كان يحب من البقول الهندباء والباذروج والبقلة الحمقاء التي يقال لها ~~الرجلة أبو نعيم في الطب النبوي من حديث ابن عباس عليكم بالهندباء فإنه ما ~~يوم إلا ويقطر عليه قطرة من قطر الجنة وله من حديث الحسن بن علي وأنس بن ~~مالك نحوه وكلها ضعيفة وأما الباذروج فلم أجد فيه حديثا وأما الرجلة فروى ~~أبو نعيم من رواية ثوير قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بالرجلة وفي رجله ~~قرحة فداواها بها فبرئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله فيك ~~أنبتي حيث شئت فأنت شفاء من سبعين داء أدناه الصداع وهذا مرسل ضعيف + وكان ~~يكره الكليتين لمكانهما من البول + حديث كان يكره الكليتين لمكانهما من ~~البول رويناه في جزء من حديث أبي بكر محمد بن عبد الله بن الشخير من حديث ~~ابن عباس بإسناد ضعيف فيه أبو سعيد الحسن بن علي العدوي أحد الكذابين + ~~وكان لا يأكل من الشاة سبعا الذكر والأنثيين والمثانة والمرارة والغدد ~~والحيا والدم ويكره ذلك + حديث كان لا يأكل من الشاة الذكر والأنثيين ~~والمثانة والمرارة والغدة والحيا والدم أخرجه ابن عدي ومن طريقه البيهقي من ~~حديث ابن عباس بإسناد ضعيف ورواه البيهقي من رواية مجاهد مرسلا + وكان لا ~~يأكل الثوم ولا البصل ولا الكراث + حديث كان لا يأكل الثوم ولا البصل ولا ~~الكراث أخرجه مالك في الموطأ عن الزهري عن سليمان بن يسار مرسلا ووصله ~~الدارقطني في غرائب مالك عن الزهري عن انس وفي الصحيحين من حديث جابر أتى ~~بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحا الحديث وفيه قال فإني أناجي من لا ~~تناجي ولمسلم من حديث أبي أيوب في قصة بعثه إليه بطعام فيه ثوم فلم يأكل ~~منه وقال إني أكرهه من أجل ريحه + وما ذم طعاما قط لكن إن أعجبه أكله وإن ~~كرهه تركه وإن عافه لم يبغضه إلى غيره + حديث ما ذم طعاما قط لكن إن أعجبه ~~أكله وإن كرهه تركه وإن عافه لم يبغضه إلى غيره تقدم أول الحديث وفي ~~الصحيحين من حديث ابن عمر في قصة الضب فقال كلوا فإنه ليس بحرام ولا بأس به ~~ولكنه ليس من طعام قومي + وكان يعاف الضب والطحال ولا يحرمهما + حديث كان ~~يعاف الضب والطحال ولا يحرمهما أما الضب ففي الصحيحين عن ابن عباس لم يكن ~~بأرض قومي فأجدني أعافه ولهما من حديث ابن عمر أحلت لنا ميتتان ودمان @QB@ ~~وفيه @QE@ أما الدمان فالكبد والطحال وللبيهقي موقوفا على زيد بن ثابت إني ~~لآكل الطحال وما بي إليه حاجة إلا ليعلم أهلي أنه لا بأس به + وكان يلعق ~~بأصابعه الصحفة ويقول آخر الطعام أكثر بركة + حديث كان يلعق الصحفة ويقول ~~آخر الطعام أكثر بركة أخرجه البيقهي في شعب الإيمان من حديث جابر في حديث ~~قال فيه ولا ترفع القصعة حتى تلعقها أو تلعقها فإن آخر الطعام فيه البركة ~~ومسلم من حديث أنس أمرنا أن نسلت الصحفة وقال إن أحدكم لا يدري أي طعامه ~~يبارك له فيه + وكان يلعق أصابعه من الطعام حتى تحمر + حديث كان يلعق ~~أصابعه من الطعام حتى تحمر أخرجه من حديث كعب بن مالك دون قوله حتى تحمر ~~فلم أقف له على أصل + وكان لا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه واحدة ~~واحدة ويقول إنه لا يدرى في أي الطعام البركة + حديث كان لا يمسح يده ~~بالمنديل حتى يلعق أصابعه واحدة واحدة ويقول أنه لا يدري في أي أصابعه ~~البركة أخرجه مسلم من حديث كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ~~يمسح يده حتى يلعقها وله من حديث جابر فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدري ~~في أي طعامه تكون البركة وللبيهقي في الشعب من حديثه لا يمسح أحدكم يده ~~بالمنديل حتى يلعق يده فإن الرجل لا يدري في أي طعامه بارك له فيه + ~~PageV02P372 وإذا فرغ قال الحمد لله اللهم لك الحمد أطعمت فأشبعت وسقيت ~~فأرويت لك الحمد غير مكفور ولا مودع ولا مستغني عنه + حديث وإذا فرغ قال ~~اللهم لك الحمد أطعمت وأشبعت وسقيت وأرويت لك الحمد غير مكفور ولا مودع ولا ~~مستغنى عنه أخرجه الطبراني من حديث الحارث بن الحارث بسند ضعيف وللبخاري من ~~حديث أبي أمامة كان إذا فرغ من طعامه قال الحمد لله الذي كفانا وآوانا غير ~~مكفي ولا مكفور وقال مرة الحمد لله ربنا غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ~~ربنا + وكان إذا أكل الخبز واللحم خاصة غسل يديه غسلا جيدا ثم يمسح بفضل ~~الماء على وجهه + حديث كان إذا أكل الخبز واللحم خاصة غسل يديه غسلا جيدا ~~ثم يمسح بفضل الماء على وجهه أخرجه أبو يعلى من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف ~~من أكل من هذه اللحوم شيئا فليغسل يده من ريح وضره لا يؤذي من حذاءه + وكان ~~يشرب في ثلاث دفعات وله فيها ثلاث تسميات وفي أواخرها ثلاث تحميدات + حديث ~~كان يشرب في ثلاث دفعات له فيها ثلاث تسميات وفي آخرها ثلاث تحميدات أخرجه ~~الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة ورجاله ثقات ومسلم من حديث أنس كان ~~إذا شرب تنفس ثلاثا + وكان يمص الماء مصا ولا يعب عبا + حديث كان يمص الماء ~~مصا ولا يعبه عبا أخرجه البغوي والطبراني وابن عدي وابن قانع وابن منده ~~وأبو نعيم من الصحابة من حديث بهز كان يستاك عرضا ويشرب مصا وللطبراني من ~~حديث أم سلمة كان لا يعب ولأبي الشيخ من حديث ميمونة لا يعب ولا يلهث وكلها ~~ضعيفة + وكان يدفع فضل سؤره إلى من على يمينه + حديث كان يدفع فضل سؤره إلى ~~من عن يمينه متفق عليه من حديث أنس + فإن كان من على يساره أجل رتبة قال ~~للذي على يمينه السنة أن تعطى فإن أحببت آثرتهم + حديث استئذانه من على ~~يمينه إذا كان من على يساره أجل رتبة متفق عليه من حديث سهل بن سعد + وربما ~~كان يشرب بنفس واحد حتى يفرغ + حديث شربة بنفس واحد أخرجه أبو الشيخ من ~~حديث زيد بن أرقم بإسناد ضعيف وللحاكم من حديث أبي قتادة وصححه إذا شرب ~~أحدكم فليشرب بنفس واحد ولعل تأويل هذين الحديثين على ترك التنفس في الإناء ~~والله أعلم + وكان لا يتنفس في الإناء بل ينحرف عنه + حديث كان لا يتنفس في ~~الإناء حتى ينحرف عنه أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة ولا يتنفس أحدكم في ~~الإناء إذا شرب منه ولكن إذا أراد أن يتنفس فليؤخره عنه ثم ليتنفس وقال ~~حديث صحيح الإسناد + وأتى بإناء فيه عسل ولبن فأبى أن يشربه وقال شربتان في ~~شربة وإدامان في إناء واحد + حديث أتى بإناء فيه عسل ولبن فأبى أن يشربه ~~وقال شربتان في شربة وإدامان في إناء واحد الحديث رواه البزار من حديث طلحة ~~بن عبيد الله دون قوله شربتان في شربة إلى آخره وسنده ضعيف + ثم قال صلى ~~الله عليه وسلم لا أحرمه ولكني أكره الفخر والحساب بفضول الدنيا غدا وأحب ~~التواضع فإن من تواضع لله رفعه الله وكان في بيته أشد حياء من العاتق لا ~~يسألهم طعاما ولا يتشهاه عليهم إن أطعموه أكل وما أعطوه قبل وما سقوه شرب + ~~حديث كان في بيته أشد حياء من العاتق لا يسألهم طعاما ولا يتشهاه عليهم إن ~~أطعموه أكل وما أطعموه قبل وما سقوه شرب رواه الشيخان من حديث أبي سعيد كان ~~أشد حياء من العذراء في خدرها الحديث وقد تقدم وأما كونه كان لا يسألهم ~~طعاما فإنه أراد أي طعام بعينه من حديث عائشة انه قال ذات يوم يا عائشة هل ~~عندكم شيء قالت فقلت ما عندنا شيء الحديث وفيه فلما رجع قلت أهديت لنا هدية ~~قال @QB@ ما هو @QE@ قلت حيس قال هاتيه وفي رواية قربيه وفي رواية للنسائي ~~أصبح عندكم شيء تطعمينيه ولأبي داود هل عندكم طعام والترمذي أعندك غداء وفي ~~الصحيحين من حديث عائشة فدعا بطعام فأتى بخبز وأدم من أدم البيت فقال ألم ~~أر برمة على النار فيها لحم الحديث وفي رواية لمسلم لو صنعتم لنا من هذا ~~اللحم الحديث فليس في قصة بربرة إلا الإستفهام والرضا والحكمة فيه بيان ~~الحكم لا التشهي والله أعلم وللشيخين من حديث أم الفضل أنها أرسلت إليه ~~بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه ولأبي داود من حديث أم هانئ فجاءت ~~الوليدة بإناء فيه شراب فتناوله فشرب منه وإسناده حسن + وكان ربما قام فأخذ ~~ما يأكل بنفسه أو يشرب + حديث وكان ربما قام فأخذ ما يأكل أو يشرب بنفسه ~~أخرجه أبو داود من حديث أم المنذر بنت قيس دخل على رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فشرب ومعه على وعلى ناقة ولنا دوال معلقة فقام رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فأكل منها الحديث وإسناده حسن وللترمذي وصححه وابن ماجه من حديث ~~كبشة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من في قربة معلقة قائما ~~الحديث + PageV02P373 # كان صلى الله عليه وسلم يلبس من الثياب ما وجد من إزار أو رداء أو قميص ~~أو جبة أو غير ذلك + حديث كان يلبس من الثياب ما وجد من إزار أو رداء أو ~~قميص أو جبة أو غير ذلك أخرجه الشيخان من حديث عائشة أنها أخرجت إزار مما ~~يصنع باليمن وكساء من هذه الملبدة فقالت في هذا قبض رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وفي رواية إزارا غليظا ولهما من حديث أنس كنت أمشي مع رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية الحديث لفظ مسلم وقال ~~البخاري برد نجراني وابن ماجه بسند ضعيف من حديث ابن عباس كان رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم يلبس قميصا قصير اليدين والطول وأبو داود والترمذي ~~وحسنه والنسائي من حديث أم سلمة كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم القميص ولأبي داود من حديث أسماء بنت يزيد كانت يد قميص رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ وفيه شهر ابن حوشب مختلف فيه وتقدم قبل ~~هذا الحديث حديث الجبة والشملة والحبرة + وكان يعجبه الثياب الخضر + حديث ~~كان أكثر لباسه البياض ويقول ألبسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم أخرجه ابن ~~ماجه والحاكم من حديث ابن عباس خير ثيابكم البياض فألبسوها أحياءكم وكفنوا ~~فيها موتاكم قال الحاكم صحيح الإسناد وله ولأصحاب السنن من حديث سمرة عليكم ~~بهذه الثياب البياض فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم لفظ الحاكم وقال ~~صحيح على شرط الشي خين وقال الترمذي حسن صحيح + وكان أكثر لباسه البياض ~~ويقول ألبسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم وكان يلبس القباء المحشو للحرب ~~وغير الحرب + حديث كان يلبس القباء المحشو للحرب وغير الحرب أخرجه الشيخان ~~من حديث المسور بن مخرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قدمت عليه أقبية من ~~ديباج مزرر بالذهب الحديث وليس في طرق الحديث لبسها إلا في طريق علقها ~~البخاري قال فخرج وعليه قباء من ديباج مزررة بالذهب الحديث ومسلم من حديث ~~جابر لبس النبي صلى الله عليه وسلم يوما قباء من ديباج أهدى له ثم نزعه ~~الحديث + وكان له قباء سندس فيلبسه فتحسن خضرته على بياض لونه + حديث كان ~~له قباء سندس فيلبسه الحديث أخرجه أحمد من حديث أنس أن أكيدر دومة أهدى إلى ~~النبي صلى الله عليه وسلم جبة سندس أو ديباج قبل أن ينهي عن الحرير فلبسها ~~والحديث في الصحيحين وليس فيه أنه لبسها وقال فيه وكان ينهى عن الحرير وعند ~~الترمذي وصححه النسائي أنه لبسها ولكنه قال بجبة ديباج منسوجة فيها الذهب + ~~وكانت ثيابه كلها مشمرة فوق الكعبين ويكون الإزار فوق ذلك إلى نصف الساق + ~~حديث كان ثيابه كلها مشمرة فوق الكعبين ويكون الإزار فوق ذلك إلى نصف الساق ~~رواه أبو الفضل محمد بن طاهر في كتاب صفوة التصوف من حديث عبد الله بن يسر ~~كانت ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم إزاره فوق الكعبين وقميصه فوق ذلك ~~ورداؤه فوق ذلك وإسناده ضعيف والحاكم وصححه من حديث ابن عباس كان يلبس ~~قميصا فوق الكعبين الحديث وهو عنده بلفظ قميصا قصير اليدين والطول وعندهما ~~والترمذي في الشمائل من رواية الأشعث قال سمعت عمتي تحدث عن عمها فذكر ~~النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فإذا إزاره إلى نصف ساقه ورواه النسائي وسمى ~~الصحابي عبيد بن خالد واسم عمه الأشعث وهم بيت الأسود لا يعرف + وكان قميصه ~~مشدود الأزرار وربما حل الأزرار في الصلاة وغيرها + حديث كان قميصه مشدود ~~الأزرارا وربما حل الأزرار في الصلاة وغيرها أبو داود والبيهقي والترمذي في ~~الشمائل من رواية معاوية بن قرة بن إياس عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله ~~عليه وسلم في رهط من مزينة وبايعناه وأن قميصه لمطلق الأزرار وللبيهقي من ~~رواية زيد بن أسلم قال رأيت ابن عمر يصلي محلولة أزراره فسألته عن ذلك فقال ~~رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله وفي العلل للترمذي أنه سأل ~~البخاري عن هذا الحديث فقال أنا أتقي هذا الشيخ كأن حديثه موضوع يعني زهير ~~بن محمد راويه عن زيد بن أسلم قلت تابعه عليه الوليد بن مسلم عن زيد رواه ~~ابن خزيمة في صحيحه وللطبراني من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف دخلت على رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي مجتبيا محلل الأزرار + وكانت له ملحفة ~~مصبوغة بالزعفران وربما صلى بالناس فيها وحدها + حديث كان له ملحفة مصبوغة ~~بالزعفران وربما صلى بالناس فيها أخرجه أبو داود والترمذي من حديث قيلة بنت ~~مخرمة قالت رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أسمال ملاءتين كانتا ~~بزعفران قال الترمذي لا نعرفه إلا من عبد الله بن حسان قلت ورواته موثقون ~~وأبو داود من حديث قيس بن سعد فاغتسل ثم ناوله أبي سعد ملحفة مصبوغة ~~بزغفران أو ورس فاشتمل بها الحديث ورجاله ثقات + وربما ليس الكساء وحده ما ~~عليه غيره + حديث ربما لبس الكساء وحده ليس عليه غيره رواه ابن ماجه وابن ~~خزيمة من حديث ثابت بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بني عبد ~~الأشهل وعليه كساء متلفف به الحديث وفي رواية البزار في كساء + وكان له ~~كساء ملبد يلبسه ويقول إنما أنا عبد ألبس كما يلبس العبد + حديث كان له ~~كساء ملبد يلبسه ويقول أنا عبد ألبس كما يلبس العبد أخرجه الشيخان من رواية ~~أبي بردة قال أخرجت إلينا عائشة كساء ملبدا وإزارا غليظا فقالت في هذين قبض ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم وللبخاري من حديث عمر إنما أنا عبد ولعبد ~~الرزاق في المصنف من رواية أيوب السختياني مرفوعا معضلا إنما أنا عبد أكل ~~كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد وتقدم من حديث أنس وابن عمر وعائشة ~~متصلا + وكان له ثوبان PageV02P374 لجمعته خاصة سوى ثيابه في غير الجمعة + ~~حديث كان له ثوبان لجمعته خاصة الحديث أخرجه الطبراني في الصغير والأوسط من ~~حديث عائشة بسند ضعيف زاد فإذا انصرف طويناهما إلى مثله ويرده حديث عائشة ~~عند ابن ماجه ما رأيته يسب أحدا ولا يطوى له ثوب + وربما لبس الإزار الواحد ~~ليس عليه غيره ويعقد طرفيه بين كتفيه + حديث ربما لبس الإزار الواحد ليس ~~عليه غيره فعقد طرفيه بين كتفيه أخرجه الشيخان من حديث عمر في حديث اعتزاله ~~أهله فإذا عليه إزاره وليس عليه غيره وللبخاري من رواية محمد بن المنكدر ~~صلى بنا جابر في إزار قد عقده من قبل قفاه وثيابه موضوعة على المشجب وفي ~~رواية له وهو يصلى في ثوب ملتحفا به ورداؤه موضوع وفيه رأيت النبي صلى الله ~~عليه وسلم يصلي هكذا + وربما أم به الناس على الجنائز + حديث ربما أم به ~~الناس على الجنائز لم أقف عليه + وربما صلى في بيته في الإزار الواحد ~~ملتحفا به مخالفا بين طرفيه ويكون ذلك الإزار الذي جامع فيه يومئذ + حديث ~~ربما صلى في بيته في الإزار الواحد ملتحفا به مخالقا بين طرفيه ويكون ذلك ~~الإزار الذي جامع فيه يومئذ أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن من حديث معاوية قال ~~دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت النبي صلى الله عليه ~~وسلم في ثوب واحد فقلت يا أم حبيبة أيصلي النبي صلى الله عليه وسلم في ~~الثوب الواحد قالت نعم وهو الذي كان فيه ما كان تعني الجماع ورواه الطبراني ~~في الأوسط + وكان ربما صلى بالليل بالإزار ويرتدي ببعض الثوب مما يلي هدبه ~~ويلقى البقية على بعض نسائه فيصلي كذلك + حديث ربما كان يصلي بالليل ويرتدي ~~ببعض الثوب مما يلي هدبه ويلقى البقية على بعض نسائه أخرجه أبو داود من ~~حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب بعضه علي ولمسلم كان ~~يصلى من الليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلى مرط بعضه على رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وللطبراني في الأوسط من حديث أبي عبد الرحمن حاضن عائشة ~~رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة يصليان في ثوب واحد نصفه على النبي ~~صلى الله عليه وسلم ونصفه على عائشة وسنده ضعيف + ولقد كان له كساء فوهبه ~~فقالت له أم سلمة بأبي أنت وأمي ما فعل ذلك الكساء الأسود فقال كسوته فقالت ~~ما رأيت شيئا قط كان أحسن من بياضك على سواده + حديث كان له كساء أسود ~~فوهبه فقالت له أم سلمة بأبي أنت وأمي ما فعل ذلك الكساء الحديث لم أقف ~~عليه من حديث أم سلمة ولمسلم من حديث عائشة خرج النبي صلى الله عليه وسلم ~~وعليه مرط مرجل أسود ولأبي داود والنسائي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم ~~بردة سوداء من صوف فلبسها الحديث وزاد فيه ابن سعد في الطبقات فذكرت بياض ~~النبي صلى الله عليه وسلم وسوادها ورواه الحاكم بلفظ جبة وقال صحيح على شرط ~~الشيخين + وقال أنس وربما رأيته يصلى بنا الظهر في شملة عاقدا بين طرفيه + ~~حديث أنس ربما رأيته يصلى بنا الظهر في شملة عاقدا بين طرفيها أخرجه البزار ~~وأبو يعلى بلفظ صلى بثوب واحد وقد خالف بين طرفيه وللبزار خرج في مرضه الذي ~~مات فيه مرتديا بثوب قطن فصلى بالناس وإسناده صحيح وابن ماجه من حديث عبادة ~~بن الصامت صلى في شملة قد عقد عليها وفي كامل ابن عدي قد عقد عليها هكذا ~~وأشار سفيان إلى قفاه وفي جزء الغطريف فعقدها في عنقه ما عليه غيرها ~~وإسناده ضعيف + وكان يتختم + حديث كان يتختم أخرجه الشيخان من حديث ابن عمر ~~وأنس + وربما خرج وفي خاتمه الخيط المربوط يتذكر به الشيء + حديث ربما خرج ~~وفي خاتمه خيط مربوط يتذكر به الشيء أخرجه ابن عدي من حديث واثلة بسند ضعيف ~~كان إذا أراد الحاجة أوثق في خاتمه خيطا وزاد الحارث بن أبي أسامة في مسنده ~~من حديث ابن عمر ليذكره به وسنده ضعيف + وكان يختم به على الكتب ويقول ~~الخاتم على الكتاب خير من التهمة + حديث كان يختم به على الكتب ويقول ~~الخاتم على الكتاب خير من التهمة أخرجه الشيخان من حديث أنس لما أراد النبي ~~صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم قالوا إنهم لا يقرءون إلا كتابا ~~مختوما فاتخذ خاتما من فضة الحديث والنسائي والترمذي في الشمائل من حديث ~~ابن عمر اتخذ خاتما من فضة كان يختم به ولا يلبسه وسنده صحيح وأما قوله ~~الخاتم على الكتاب خير من التهمة فلم أقف له على أصل + وكان يلبس القلانس ~~تحت العمائم وبغير عمامة وربما نزع قلنسوته من رأسه فجعلها سترة بين يديه ~~ثم يصلى إليها + حديث كان يلبس القلانس تحت العمائم وبغير عمامة وربما نزع ~~قلنسوته من رأسه فجعلها سترة بين يديه ثم يصلى إليها أخرجه الطبراني وأبو ~~الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن عمر كان رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يلبس قلنسوة بيضاء ولأبي الشيخ من حديث ابن عباس كان لرسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ثلاث قلانس قلنسوة بيضاء مضربة وقلنسوة برد حبرة ~~وقلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر فربما وضعها بين يديه إذا صلى وإسنادهما ~~ضعيف ولأبي داود والترمذي من حديث ركانة فرق ما بيننا وبين المشركين ~~العمائم على القلانس قال الترمذي غريب وليس إسناده بالقائم + وربما لم تكن ~~العمامة فيشد العصابة PageV02P375 على رأسه وعلى جبهته + حديث ربما لم تكن ~~العمامة فيشد العصابة على رأسه وعلى جبهته أخرجه من حديث ابن عباس صعد رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم المنبر وقد عصب رأسه بعصابة دسماء الحديث + وكانت ~~له عمامه تسمى السحاب فوهبها من على فربما طلع على فيها فيقول صلى الله ~~عليه وسلم أتاكم على في السحاب + حديث كانت له عمامة تسمى السحاب فوهبها من ~~على فربما طلع على فيها فيقول صلى الله عليه وسلم أتاكم على في السحاب ~~أخرجه ابن عدي وأبو الشيخ من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده وهو مرسل ~~ضعيف جدا ولأبي نعيم في دلائل النبوة من حديث عمر في أثناء حديث عمامته ~~السحاب الحديث + وكان إذا لبس ثوبا لبسه من قبل ميامنه + حديث كان إذا لبس ~~ثوبا يلبسه من قبل ميامنه أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة ورجاله رجال ~~الصحيح وقد اختلف في رفعه + ويقول الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي ~~وأتجمل به في الناس + حديث الحمد لله الذي كساني ما أوراي به عورتي وأتجمل ~~به في الناس أخرجه الترمذي وقال غريب وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث عمر ~~بن الخطاب + وإذا نزع ثوبه أخرجه من مياسره + حديث كان إذا نزع ثوبه خرج من ~~مياسره أخرجه أبو الشيخ من حديث ابن عمر كان إذا لبس شيئا من الثياب بدأ ~~بالأيمن وإذا نزع بدأ بالأيسر وله من حديث أنس كان إذاارتدى أو ترجل أو ~~انتعل بدأ بيمينه وإذا خلع بدأ بيساره وسندهما ضعيف وهو في الإنتعال في ~~الصحيحين من حديث أبي هريرة من قوله لا من فعله + وكان إذا لبس جديدا أعطى ~~خلق ثيابه مسكينا ثم يقول ما من مسلم يكسو مسلما من سمل ثيابه لا يكسوه إلا ~~الله إلا كان في ضمان الله وحرزه وخيره ما واراه حيا وميتا + حديث كان إذا ~~لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا ثم يقول ما من مسلم يكسوا مسلما الحديث ~~أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في الشعب من حديث عمر قال رأيت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم دعا بثيابه فلبسها فلما بلغ تراقيه قال الحمد لله ~~الذي كساني ما أتجمل به في حياتي وأوراي به عورتي @QB@ ثم قال @QE@ ما من ~~مسلم يلبس ثوبا جديدا الحديث دون ذكر تصدقه صلى الله عليه وسلم بثيابه وهو ~~عند الترمذي وابن ماجه دون ذكر لبس النبي صلى الله عليه وسلم لثيابه وهو ~~أصح وقد تقدم قال البيهقي وهو غير قوي + وكان له فراش من أدم حشوه ليف طوله ~~ذراعان أو نحوه وعرضه ذراع وشبر أو نحوه + حديث كان له فراش من أدم حشوه ~~ليف الحديث متفق عليه من حديث عائشة مقتصرا على هذا دون ذكر عرضه وطوله ~~ولأبي الشيخ من حديث أم سلمة كان فراش النبي صلى الله عليه وسلم نحو ما ~~يوضع الإنسان في قبره وفيه من لم يسم + وكانت له عباءة تفرش له حيثما تنقل ~~تثنى طاقين تحته + حديث كانت له عباءة تفرش له حيثما تنقل تفرش طاقين تحته ~~أخرجه ابن سعد في الطبقات وأبو الشيخ من حديث عائشة دخلت على امرأة من ~~الأنصار فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية الحديث ولأبي ~~سعيد عنها أنها كانت تفرش للنبي صلى الله عليه وسلم عباءة بإثنين وكلاهما ~~لا يصح والترمذي في الشمائل من حديث حفصة وسئلت ما كان فراشه قالت مسح ~~نثنيه ثنتين فينام عليه الحديث وهو منقطع + وكان ينام على الحصير ليس تحته ~~شيء غيره + حديث كان ينام على الحصير ليس تحته شيء غيره متفق عليه من حديث ~~عمر في قصة اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه + وكان من خلقه تسمية ~~دوابه وسلاحه ومتاعه وكان اسم رايته العقاب # واسم سيفه الذي يشهد به الحروب ذو الفقار # وكان له سيف يقال له المخذم # وآخر يقال له الرسوب وآخر يقال له القضيب # وكانت قبضة سيفه محلاة بالفضة + حديث كان من خلقه تسمية دوابه وسلاحه ~~ومتاعه وكان اسم رايته العقاب واسم سيفه الذي يشهد به الحروب ذو الفقار ~~وكان له سيف يقال له المخذم وآخر يقال له الرسوب وآخر يقال له القضيب وكان ~~قبضة سيفه محلاة بالفضة أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس كان لرسول الله ~~صلى الله عليه وسلم سيف قائمته من فضة وقبيعته من فضة وكان يسمى ذا الفقار ~~وكانت له قوس تسمى السداد وكانت له كنانة تسمى الجمع وكانت له درع موشحة ~~بنحاس تسمى ذات الفضول وكانت له حربة تسمى النبعة وكانت له مجن تسمى الدفن ~~وكان له ترس أبيض يسمى موجزا وكان له فرس أدهم يسمى السكب وكان له سرج يسمى ~~الداج المؤخر وكان له بغلة شهباء يقال له الدلدل وكانت له ناقة تسمى ~~القصواء وكان له حمار يسمى يعفور وكان له بساط يسمى السكر وكانت به عنزة ~~تسمى الثمر وكانت لها ركوة تسمى الصادر وكانت له مرآة تسمى المرآة وكان له ~~مقراض يسمى الجامع وكان له قضيب شوحط يسمى الممشوق وفيه علي بن غررة ~~الدمشقي نسب إلى وضع الحديث ورواه ابن عدي من حديث أبي هريرة بسند ضعيف ~~كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء تسمى العقاب ورواه أبو الشيخ ~~من حديث الحسن مرسلا وله من حديث علي بن أبي طالب كان اسم سيف رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ذا الفقار أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس ~~أنه صلى الله عليه وسلم تنقل سيفه ذا الفقار يوم بدر والحاكم من حديث على ~~في أثناء حديث وسيفه ذو الفقار وهو ضعيف ولإبن سعد في الطبقات من رواية ~~مروان بن أبي سعيد ابن المعلى مرسلا قال أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف سيف قلعي وسيف يدعى بتارا وسيف يدعى الحتف ~~وكان عنده بعد ذلك المخذم ورسوب أصابهما من القلس وفي سنده الواقدي وذكر ~~ابن أبي خيثمة في تاريخه أنه يقال إنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ومعه ~~سيفان يقال لأحدهما العضب شهد به بدرا ولأبي داود والترمذي وقال حسن ~~والنسائي وقال منكر من حديث أنس كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فضة + PageV02P376 وكان يلبس المنطقة من الأدم فيها ثلاث حلق من فضة + ~~حديث كان يلبس المنطقة من الأدم فيها ثلاث حلق من فضة لم أقف له على أصل ~~ولابن سعد في الطبقات وأبي الشيخ من رواية محمد بن علي بن الحسين مرسلا كان ~~في درع النبي صلى الله عليه وسلم حلقتان من فضة + وكان اسم قوسه الكتوم ~~وجعبته الكافور + حديث كان اسم قوسه الكتوم وجعبته الكافور لم أجد له أصلا ~~وقد تقدم في حديث ابن عباس أنه كانت له قوس تسمى السداد وكانت له كناية ~~تسمى الجمع وقال ابن أبي خيثمة في تاريخه أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يوم أحد من سلاح بني قينقاع ثلاثة قسى قوس اسمها الروحاء وقوس شوحط تدعى ~~البيضاء وقوس صفراء تدعى الصفراء من سبع + وكان اسم ناقته القصواء وهي التي ~~يقال لها العضبا واسم بغلته الدلدل وكان اسم حماره يعفور واسم شاته التي ~~يشرب لبنها عينة + حديث كان اسم ناقته القصواء وهي التي يقال لها العضباء ~~واسم بغلته الدلدل واسم حماره يعفور واسم شاته التي يشرب لبنها عينة تقدم ~~بعضه من حديث ابن عباس عند الطبراني وللبخاري من حديث أنس كان للنبي صلى ~~الله عليه وسلم ناقة يقال لها العضباء ولمسلم من حديث جابر في حجة الوداع ~~ثم ركب القصواء والحاكم من حديث علي ناقته القصواء وبغلته دلدل وحماره عفير ~~الحديث ورويناه في فوائد ابن الدحداح فقال حماره يعفور وفيه شاته بركة ~~والبخاري من حديث معاذ كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له ~~عفير ولابن سعد في الطبقات من رواية إبراهيم بن عبد الله من ولد عتبة بن ~~غزوان كانت منايح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنم سبعا عجوة وزمزم ~~وسقيا وبركة ورشة وإهلال وأطراف وفي سنده الواقدي وله من رواية مكحول مرسلا ~~كانت له شاة تسمى قمر + وكان له مطهرة من فخار يتوضأ فيها ويشرب منها + ~~حديث كانت له مطهرة من فخار يتوضأ منها ويشرب فيها الحديث لم أقف له على ~~أصل + فيرسل الناس أولادهم الصغار الذين قد عقلوا فيدخلوه على رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فلا يدفعون عنه فإذا وجدوا في المطهرة ماء شربوا منه ~~ومسحوا على وجوههم وأجسادهم ويبتغون بذلك البركة # | بيان عفوه صلى الله عليه وسلم مع قدرته # كان صلى الله عليه وسلم أحلم الناس + حديث كان أحلم الناس تقدم + وأرغبهم ~~في العفو مع القدرة حتى أتى بقلائد من ذهب وفضة فقسمها بين أصحابه فقام رجل ~~من أهل البادية فقال يا محمد والله لئن أمرك الله أن تعدل فما أراك تعدل ~~فقال ويحك فمن يعدل عليه بعدي فلما ولى قال ردوه على رويدا + حديث أتى ~~بقلائد من ذهب وفضة فقسمها بين أصحابه الحديث أخرجه أبو الشيخ من حديث ابن ~~عمر بإسناد جيد + روى جابر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبض للناس يوم خيبر ~~من فضة في ثوب بلال فقال له رجل يا رسول الله أعدل فقال له رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل فقد خبت إذن وخسرت إن كنت لا ~~أعدل فقام عمر فقال ألا أضرب عنقه فإنه منافق فقال معاذ الله أن يتحدث ~~الناس أني أقتل أصحابي + حديث جابر أنه كان يقبض للناس يوم حنين من فضة في ~~ثوب بلال فقال له رجل يا نبي الله اعدل الحديث رواه مسلم + وكان رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم في حرب فرأوا من المسلمين غرة فجاء رجل حتى قام على رأس ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فقال من يمنعك مني فقال الله فقال ~~فسقط السيف من يده فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف وقال من يمنعك ~~مني فقال كن خير آخذ قال قل أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال ~~لا غير أني لا أقاتلك ولا أكون معك PageV02P377 ولا أكون مع قوم يقاتلونك ~~فخلى سبيله فجاء أصحابه فقال جئتكم من عند خير الناس + حديث كان في حرب ~~فرؤى في المسلمين غرة فجاء رجل حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بالسيف الحديث متفق عليه من حديث جابر بنحوه وهو في مسند أحمد أقرب إلى لفظ ~~المصنف وسمى الرجل غورث بن الحارث + وروى أنس أن يهودية أتت النبي صلى الله ~~عليه وسلم بشاة مسمومة ليأكل منها فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ~~فسألها عن ذلك فقالت # أردت قتلك فقال ما كان الله ليسلطك على ذلك قالوا أفلا تقتلها فقال لا + ~~حديث أنس أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة الحديث رواه ~~مسلم وهو عند البخاري من حديث أبي هريرة + وسحره رجل من اليهود فأخبره ~~جبريل عليه أفضل الصلاة والسلام بذلك حتى استخرجه وحل العقد فوجد لذلك خفة ~~وما ذكر ذلك لليهودي ولا أظهره عليه قط + حديث سحره رجل من اليهود فأخبره ~~جبريل بذلك حتى استخرجه الحديث أخرجه النسائي بإسناد صحيح من حديث زيد بن ~~أرقم وقصة سحره في الصحيحين من حديث عائشة بلفظ آخر + وقال علي رضي الله ~~عنه بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا الزبير والمقداد فقال انطلقوا ~~حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا حتى أتينا ~~روضة خاخ فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو ~~لننزعن الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ~~فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم أمرا من أمر ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا ~~تعجل علي أني كنت امرأ ملصقا في قومي وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات ~~بمكة يحمون أهلهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب منهم أن اتخذ فيهم يدا ~~يحمون بها قرابتي ولم أفعل ذلك كفرا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ولا ~~ارتدادا عن ديني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه صدقكم فقال عمر رضي ~~الله عنه دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال صلى الله عليه وسلم إنه شهد بدرا ~~وما يدريك لعل الله عز وجل قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد ~~غفرت لكم + حديث علي بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير ~~والمقداد وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ الحديث متفق عليه + وقسم رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم قسمة فقال رجل من الأنصار هذه قسمة ما أريد بها ~~وجه الله فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فاحمر وجهه وقال رحم الله أخي ~~موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر + حديث قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~قسمة فقال رجل من الأنصار هذه قسمة ما أريد بها وجه الله الحديث متفق عليه ~~من حديث ابن مسعود + وكان صلى الله عليه وسلم يقول لا يبلغني أحد منكم عن ~~أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر + حديث لا ~~يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم ~~الصدر أخرجه أبو داود والترمذي من حديث ابن مسعود وقال غريب من هذا الوجه + # | بيان إغضائه صلى الله عليه وسلم عما كان يكرهه # كان رسول الله رقيق البشرة لطيف الظاهر والباطن يعرف في وجهه غضبه ورضاه ~~+ حديث كان رقيق البشرة لطيف الظاهر يعرف في وجهه غضبه أخرجه أبو الشيخ من ~~حديث ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف رضاه وغضبه بوجهه ~~الحديث وقد تقدم + وكان إذا اشتد وجده أكثر من مس لحيته الكريمة + حديث كان ~~إذا اشتد وجده أكثر من مس لحيته الكريمة الحديث وقد تقدم أخرجه أبو الشيخ ~~من حديث عائشة بإسناد حسن + وكان لا يشافه أحد بما يكرهه دخل عليه رجل ~~وعليه صفرة فكرهها فلم يقل له شيئا حتى خرج فقال لبعض القوم لو قلتم لهذا ~~أن يدع هذه + حديث كان لا يشافه أحدا بما يكرهه دخل عليه رجل وعليه صفرة ~~فكرهه فلم يقل شيئا حتى خرج فقال لبعض القوم لو قلتم لهذا أن يدع هذه يعني ~~الصفرة أخرجه أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي في اليوم والليلة من ~~حديث أنس وإسناده ضعيف + يعني الصفرة وبال أعرابي في المسجد بحضرته فهم به ~~PageV02P378 الصحابة فقال صلى الله عليه وسلم لا تزرموه أي لا تقطعوا عليه ~~البول ثم قال له إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من القذر والبول والخلاء + ~~حديث بال أعرابي في المسجد بحضرته فقال صلى الله عليه وسلم لا تزرموه ~~الحديث متفق عليه من حديث أنس + وفي رواية قربوا ولا تنفروا # وجاءه أعرابي يوما يطلب منه شيئا فأعطاه صلى الله عليه وسلم ثم قال له ~~أحسنت إليك قال الأعرابي لا ولا أجملت قال فغضب المسلمون وقاموا إليه فأشار ~~إليهم أن كفوا ثم قام ودخل منزله وأرسل إلى الأعرابي وزاده شيئا ثم قال ~~أحسنت إليك قال نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا فقال له النبي صلى الله ~~عليه وسلم إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي شيء من ذلك فإن أحببت فقل بين ~~أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك قال نعم فلما كان ~~الغد أو العشي جاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا الأعرابي قال ما ~~قال فزدناه فزعم أنه رضى أكذلك فقال الأعرابي نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة ~~خيرا فقال صلى الله عليه وسلم إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ~~ناقة شردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا فناداهم صاحب الناقة ~~خلوا بيني وبين ناقتي فإني أرفق بها وأعلم فتوجه لها صاحب الناقة بين يديه ~~فأخذ لها من قمام الأرض فردها هونا حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها ~~واستوى عليها وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار + ~~حديث جاء أعرابي يوما يطلب منه شيئا فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ثم قال أحسنت إليك فقال الأعرابي لا ولا أجملت الحديث بطوله أخرجه البزار ~~وأبو الشيخ من حديث أبي هريرة بسند ضعيف + # | بيان سخاوته وجوده صلى الله عليه وسلم # كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأسخاهم وكان في شهر رمضان كالريح ~~المرسلة لا يمسك شيئا + حديث كان أجود الناس وأسخاهم وكان في شهر رمضان ~~كالريح المرسلة أخرجه الشيخان من حديث أنس كان رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أحسن الناس وأجود الناس ولهما من حديث ابن عباس كان أجود الناس بالخير ~~وكان أجود ما يكون في شهر رمضان وفيه فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من ~~الريح المرسلة + وكان علي رضي الله عنه إذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم ~~قال كان أجود الناس كفا وأوسع الناس صدرا وأصدق الناس لهدة وأوفاهم ذمة ~~وألينهم عريكة وأكرمهم عشيرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه يقول ~~ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله + حديث كان علي إذا وصف النبي صلى الله ~~عليه وسلم قال كان أجود الناس كفا وأجرا الناس صدرا الحديث رواه الترمذي ~~وقال ليس إسناده بمتصل + وما سئل عن شيء قط على الإسلام إلا أعطاه + حديث ~~ما سئل شيئا قط على الإسلام إلا أعطاه الحديث متفق عليه من حديث أنس + وأن ~~رجلا أتاه فسأله فأعطاه غنما سدت ما بين جبلين فرجع إلى قومه وقال أسلموا ~~فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة # وما سئل شيئا قط فقال لا + حديث ما سئل شيئا قط فقال لا متفق عليه من ~~حديث جابر + وحمل إليه تسعون ألف درهم فوضعها على حصير ثم قام إليها فقسمها ~~فما رد سائلا حتى فرغ منها + حديث حمل إليه تسعون ألف درهم فوضعها على حصير ~~ثم قام إليها يقسمها فما رد سائلا حتى فرغ منها أخرجه أبو الحسن بن الضحاك ~~في الشمائل من حديث الحسن مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم عليه ~~مال من البحرين ثمانون ألف لم يقدم عليه مال أكثر منه لم يسأله يومئذ أحد ~~إلا أعطاه ولم يمنع سائلا ولم يعط ساكنا فقال له العباس الحديث وللبخاري ~~تعليقا من حديث أنس أتي النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين وكان ~~أكثر مال أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه فما كان يرى ~~أحدا إلا أعطاه إذ جاءه العباس الحديث ووصله عمر بن محمد البحري في صحيحه + ~~وجاء رجل فسأله فقال ما عندي شيء ولكن ابتع علي فإذا جاءنا شيء قضيناه فقال ~~عمر يا رسول الله ما كلفك الله مالا تقدر عليه فكره النبي صلى الله عليه ~~وسلم ذلك فقال الرجل أنفق ولا تخش من ذلك العرش إقلالا فتبسم النبي صلى ~~الله عليه وسلم PageV02P379 وعرف السرور في وجهه + حديث جاءه رجل فسأله ~~فقال ما عندي شيء ولكن ابتع علي فإذا جاءنا شيء قضيناه فقال عمر يا رسول ~~الله ما كلفك الله الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث عمر وفيه موسى ~~بن علقمة القروي لم يروه غير ابنه هرون + ولما قفل من حنين جاءت الأعراب ~~يسألونه حتى اضطروه إلى شجرة فخطفت رداءه فوقف رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وقال أعطوني ردائي لو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمتها بينكم ثلا ~~لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا + حديث لما قفل من حنين جاءت الأعراب ~~يسالونه حتى اضطروه إلى شجرة فخطفت رداءه الحديث أخرجه البخاري من حديث ~~جبير بن مطعم + # | بيان شجاعته صلى الله عليه وسلم # كان صلى الله عليه وسلم أنجد الناس وأشجعهم + حديث كان أنجد الناس ~~وأشجعهم أخرجه الدارمي من حديث ابن عمر بسند صحيح ما رأيت أنجد ولا أجود ~~ولا أشجع ولا أرمى من رسول الله صلى الله عليه وسلم وللشيخين من حديث أنس ~~كان أشجع الناس وأحسن الناس الحديث + قال علي رضي الله عنه لقد رأيتني يوم ~~بدر ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد ~~الناس يومئذ بأسا + حديث علي لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلى الله ~~عليه وسلم الحديث أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ~~بإسناد جيد + وقال أيضا كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه + حديث علي أيضا ~~كنا إذا حمى البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم ~~الحديث أخرجه النسائي بإسناد صحيح ولمسلم نحوه من حديث البراء + قيل وكان ~~صلى الله عليه وسلم قليل الكلام قليل الحديث فإذا أمر الناس بالقتال تشمر ~~وكان من أشد الناس بأسا + حديث كان قليل الكلام قليل الحديث فإذا أمر ~~بالقتال تشمر الحديث أخرجه أبو الشيخ من حديث سعد بن عياض الثمالي مرسلا + ~~وكان الشجاع هو الذي يقرب منه في الحرب لقربه من العدو + حديث كان الشجاع ~~هو الذي يقرب منه في الحرب الحديث أخرجه مسلم من حديث البراء والله إذا حمي ~~الوطيس نتقي به وإن الشجاع منا الذي يحاذي به + وقال عمران بن حصين ما لقي ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة إلا كان أول من يضرب + حديث عمران بن ~~حصين ما لقي كتيبة إلا كان أول من يضرب أخرجه أبو الشيخ أيضا وفيه من لم ~~أعرفه + وقالوا كان قوي البطش + حديث كان قوي البطش أخرجه أبو الشيخ أيضا ~~من رواية أبي جعفر معضلا وللطبراني في الأوسط من حديث عبد الله بن عمرو ~~أعطيت قوة أربعين في البطش والجماع وسنده ضعيف + ولما غشيه المشركون نزل عن ~~بغلته فجعل يقول # أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب # فما رؤي يومئذ أحد كان أشد منه + حديث لما غشيه المشركون نزل فجعل يقول ~~أنا النبي لا كذب الحديث متفق عليه من حديث البراء دون قوله فما رؤي أحد ~~يومئذ أشد منه وهذه الزيادة لأبي الشيخ وله من حديث علي في قصة بدر وكان من ~~أشد الناس يؤمئذ بأسا + # | بيان تواضعه صلى الله عليه وسلم # كان صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعا في علو منصبه + حديث كان أشد ~~الناس تواضعا في علو منصبه أخرجه أبو الحسن بن الضحاك في الشمائل من حديث ~~أبي سعيد الخدري في حديث طويل في صفته قال فيه متواضع في غير مذلة وإسناده ~~ضعيف + قال ابن عامر رأيته يرمى الجمرة على ناقة شهباء لا ضرب ولا طرد ولا ~~إليك إليك + حديث قال ابن عامر رأيته يرمي الجمرة على ناقة شهباء لا ضرب ~~ولا طرد ولا إليك إليك أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث قدامة بن ~~عبد الله بن عمار قال الترمذي حسن صحيح وفي كتاب أبي الشيخ قدامة بن عبد ~~الله بن عامر كما ذكره المصنف + وكان يركب الحمار موكفا عليه قطيفة وكان مع ~~ذلك يستردف + حديث كان يركب الحمار موكفا عليه قطيفة وكان مع ذلك يستردف ~~متفق عليه من حديث أسامة بن زيد + وكان يعود PageV02P380 المريض ويتبع ~~الجنازة ويجيب دعوة المملوك + حديث كان يعود المريض ويتبع الجنازة ويجيب ~~دعوة المملوك أخرجه الترمذي وضعفه والحاكم وصحح إسناده من حديث أنس وتقدم ~~منقطعا + ويخصف النعل ويرقع الثوب وكان يصنع في بيته مع أهله في حاجتهم + ~~حديث كان يخصف النعل ويرقع الثوب ويصنع في بيته مع أهله في حاجته هو في ~~المسند من حديث عائشة وقد تقدم في أوائل آداب المعيشة + وكان أصحابه لا ~~يقومون له لما عرفوا من كراهته لذلك + حديث كان أصحابه لا يقومون له لما ~~يعلمون من كراهته لذلك هو عند الترمذي من حديث أنس وصححه وتقدم في آداب ~~الصحبة + وكان يمر على الصبيان فيسلم عليهم + حديث كان يمر على الصبيان ~~فيسلم عليهم متفق عليه من حديث أنس وتقدم في آداب الصحبة + وأتى صلى الله ~~عليه وسلم برجل فأرعد من هيبته فقال له هون عليك فلست بملك إنما أنا ابن ~~امرأة من قريش تأكل القديد + حديث أتي برجل فأرعد من هيبته فقال هون الله ~~عليك فلست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد أخرجه الحاكم من ~~حديث جرير وقال صحيح على شرط الشيخين + وكان يجلس بين أصحابه مختلطا بهم ~~كأنه أحدهم فيأتي الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل عنه حتى طلبوا إليه أن ~~يجلس مجلسا يعرفه الغريب فبنوا له دكانا من طين فكان يجلس عليه + حديث كان ~~يجلس مع أصحابه مختلطا بهم كأنه أحدهم فيأتي الغريب فلا يدري أيهم هو ~~الحديث أخرجه أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة وأبي ذر وقد تقدم + ~~وقالت له عائشة رضي الله عنها كل جعلني الله فداك متكئا فإنه أهون عليك قال ~~فأصغى رأسه حتى كاد أن تصيب جبهته الأرض ثم قال بل آكل كما يأكل العبد ~~وأجلس كما يجلس العبد + حديث قالت عائشة كل جعلني الله فداك متكئا فإنه ~~أهون عليك الحديث أخرجه أبو الشيخ من رواية عبد الله بن عبيد بن عمير عنها ~~بسند ضعيف + وكان لا يأكل على خوان ولا في سكرجة حتى لحق بالله تعالى + ~~حديث كان صلى الله عليه وسلم لا يأكل على خوان ولا في سكرجة حتى لقي الله ~~أخرجه البخاري من حديث أنس وتقدم في آداب الأكل + وكان لا يدعوه أحد من ~~أصحابه وغيرهم إلا قال لبيك + حديث وكان صلى الله عليه وسلم لا يدعوه أحد ~~من أصحابه ولا من غيرهم إلا قال لبيك أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة من ~~حديث عائشة وفيه حسين بن علوان متهم بالكذب وللطبراني في الكبير بإسناد جيد ~~من حديث محمد بن حاطب في أثناء حديث أن أمة قالت يا رسول الله فقال لبيك ~~وسعديك الحديث + وكان إذا جلس مع الناس إن تكلموا في معنى الآخرة أخذ معهم ~~وإن تحدثوا في طعام أو شراب تحدث معهم وإن تكلموا في الدنيا تحدث معهم رفقا ~~بهم وتواضعا لهم + حديث كان صلى الله عليه وسلم إذا جلس مع الناس إن تكلموا ~~في معنى أمر الآخرة أخذ معهم وإن تحدثوا في طعام أو شراب تحدث معهم الحديث ~~أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث زيد بن ثابت دون ذكر الشراب وفيه سليمان ~~بن خارجة تفرد عنه الوليد بن أبي الوليد وذكره ابن حبان في الثقات + وكانوا ~~يتناشدون الشعر بين يديه أحيانا ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية ويضحكون ~~فتبسم هو إذا ضحكوا ولا يزجرهم إلا عن حرام + حديث كانوا ينتاشدون الشعر ~~بين يديه أحيانا ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية الحديث أخرجه مسلم من حديث ~~جابر بن سمرة دون قوله ولا يزجرهم إلا عن حرام + # | بيان صورته وخلقته صلى الله عليه وسلم # وكان من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن بالطويل البائن ولا ~~بالقصير المتردد بل كان ينسب إلى الربعة إذا مشى وحده ومع ذلك فلم يكن ~~يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطول إلا طاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نسبا إلى الطول ونسب ~~هو صلى الله عليه وسلم إلى الربعة ويقول صلى الله عليه وسلم جعل الخير كله ~~في الربعة + حديث كان من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن ~~بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد الحديث بطوله أخرجه أبو نعيم في دلائل ~~النبوة من حديث عائشة بزيادة ونقصان دون شعر أبي طالب الآتي ودون قوله ~~وربما جعل شعره على أذنيه فتبدو سوالفه تتلألأ ودون قوله وربما كان واسع ~~الجبهة إلى قوله وكان سهل الخدين وفيه صبيح بن عبد الله الفرغاني منكر ~~الحديث قاله الخطيب وفي الصحيحين من حديث البراء له شعر يبلغ شحمة أذنيه ~~وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث أم هانيء قدم إلى مكة وله أربع ~~غدائر والترمذي من حديث علي في صفته صلى الله عليه وسلم أدعج العينين أهدب ~~الأشفار الحديث وقال ليس إسناده بمتصل وله في الشمائل من حديث ابن أبي هالة ~~أزهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره ~~الغضب أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم كث اللحية سهل ~~الخدين ضليع الفم مفلج الأسنان الحديث + PageV02P381 # وأما لونه فقد كان أزهر اللون ولم يكن بالآدم ولا بالشديد البياض والأزهر ~~هو الأبيض الناصع الذي لا تشوبه صفرة ولا حمرة ولا شيء من الألوان ونعته ~~عمه أبو طالب فقال # وأبيض يستسقى الغمام بوجهه % ثمال اليتامى عصمة للأرامل + حديث نعته عمه ~~أبو طالب فقال وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل ذكره ~~ابن إسحاق في السيرة وفي المسند عن عائشة أنها تمثلت بهذا البيت وأبو بكر ~~يقضى فقال أبو بكر ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه علي بن زيد بن ~~جدعان مختلف فيه وأخرجه البخاري تعليقا من حديث ابن عمر ربما ذكرت قول ~~الشاعر وأنا أنظر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستسقى فما ينزل حتى ~~يجيش كل ميزاب فأنشده وقد وصله بإسناد صحيح + # ونعته بعضهم بأنه مشرب بحمرة فقالوا إنما كان المشرب منه بالحمرة ما ظهر ~~للشمس والرياح كالوجه والرقبة والأزهر الصافي عن الحمرة ما تحت الثياب منه ~~وكان عرقه صلى الله عليه وسلم في وجهه كاللؤلؤ أطيب من المسك الأذفر # وأما شعره فقد كان رجل الشعر حسنه ليس بالسبط ولا الجعد القطط وكان إذا ~~مشطه بالمشط يأتي كأنه حبك الرمل # وقيل كان شعره يضرب منكبيه وأكثر الرواية أنه كان إلى شحمة أذنيه ربما ~~جعله غدائر أربعا تخرج كل أذن من بين غديرتين # وربما جعل شعره على أذنيه فتبدوا سوالفه تتلألأ # وكان شيبه في الرأس واللحية سبع عشرة شعرة ما زاد على ذلك # وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأنورهم لم يصفه واصف إلا شبهه ~~بالقمر ليلة البدر وكان يرى رضاه وغضبه في وجهه لصفاء بشرته وكانوا يقولون ~~هو كما وصفه صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه حيث يقول # أمين مصطفى للخير يدعو % كضوء البدر زايله الظلام # وكان صلى الله عليه وسلم واسع الجبهة أزج الحاجبين سابغهما وكان أبلج ما ~~بين الحاجبين كأن ما بينهما الفضة المخلصة وكانت عيناه نجلاوين أدعجهما ~~وكان في عينيه تمزج من حمرة وكان أهدب الأشفار حتى تكاد تلتبس من كثرتها ~~وكان أقنى العرنين أي مستوى الأنف وكان مفلج الأسنان أي متفرقها وكان إذا ~~افتر ضاحكا افتر عن مثل سنا البرق إذا تلألأ وكان من أحسن عباد الله شفتين ~~وألطفهم ختم فم وكان سهل الخدين صلبهما ليس بالطويل الوجه ولا المكلثم كث ~~اللحية وكان يعفى لحيته ويأخذ من شاربه وكان أحسن عباد الله عنقا لا ينسب ~~إلى الطول ولا إلى القصر ما ظهر من عنقه للشمس والرياح فكأنه إبريق فضة ~~مشرب ذهبا يتلألأ في بياض الفضة وفي حمرة الذهب وكان صلى الله عليه وسلم ~~عريض الصدر لا يعدو لحم بعض بدنه بعضا كالمرآة في استوائها وكالقمر في ~~بياضه موصول ما بين لبته وسرته بشعر منقاد كالقضيب لم يكن في صدره ولا بطنه ~~شعر غيره وكانت له عكن ثلاث يغطي الإزار منها واحدة ويظهر اثنتان وكان عظيم ~~المنكبين أشعرهما ضخم الكراديس أي رءوس العظام من المنكبين والمرفقين ~~والوركين وكان واسع الظهر ما بين كتفيه خاتم النبوة وهو مما يلي منكبه ~~الأيمن فيه شامة سوداء تضرب إلى الصفرة حولها شعرات متواليات كأنها من عرف ~~فرس وكان عبل العضدين والذراعين طويل PageV02P382 الزندين رحب الراحتين ~~سائل الأطراف كأن أصابعه قضبان الفضة كفه ألين من الخز كأن كفه كف عطار ~~طيبا مسها بطيب أو لم يمسها يصافحه المصافح فيظل يومه يجد ريحها ويضع يده ~~على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان بريحها على رأسه وكان عبل ما تحت ~~الإزار من الفخذين والساق وكان معتدل الخلق في السمن بدن في آخر زمانه وكان ~~لحمه متماسكا يكاد يكون على الخلق الأول لم يضره السمن # وأما مشيه صلى الله عليه وسلم فكان يمشي كأنما يتقلع من صخر وينحدر من ~~صبب يخطو تكفيا ويمشي الهوينى بغير تبختر والهوينى تقارب الخطا وكان صلى ~~الله عليه وسلم يقول أنا أشبه الناس بآدم صلى الله عليه وسلم وكان أبي ~~إبراهيم صلى الله عليه وسلم أشبه الناس بي خلقا وخلقا وكان يقول إن لي عند ~~ربي عشرة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ~~وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد وأنا الحاشر يحشر الله العباد على قدمي وأنا ~~رسول الرحمة ورسول التوبة ورسول الملاحم والمقفى قفيت الناس جميعا وأنا قثم ~~+ حديث إن لي عند ربي عشرة أسماء الحديث أخرجه ابن عدي من حديث علي وجابر ~~وأسامة بن زيد وابن عباس وعائشة بإسناد ضعيف وله ولأبي نعيم في الدلائل من ~~حديث أبي الطفيل لي عند ربي عشرة أسماء قال أبو الطفيل حفظت منها ثمانية ~~فذكرها بزيادة ونقص وذكر سيف بن وهب أن أبا جعفر قال إن الإسمين طه ويس ~~وإسناده ضعيف وفي الصحيحين من حديث جبير بن مطعم لي أسماء أنا أحمد وأنا ~~محمد وأنا الحاشر وأنا الماحي وأنا العاقب ولمسلم من حديث أبي موسى والمقفى ~~ونبي التوبة ونبي الرحمة ولأحمد من حديث حذيفة ونبي الملاحم وسنده صحيح + ~~قال أبو البحتري والقثم الكامل الجامع والله أعلم # | بيان معجزاته وآياته الدالة على صدقه # اعلم أن من شاهد أحواله صلى الله عليه وسلم وأصغى إلى سماع أخباره ~~المشتملة على أخلاقه وأفعاله وأحواله وعاداته وسجاياه وسياسته لأصناف الخلق ~~وهدايته إلى ضبطهم وتألفه أصناف الخلق وقوده إياهم إلى طاعته مع ما يحكى من ~~عجائب أجوبته في مضايق الأسئلة وبدائع تدبيراته في مصالح الخلق ومحاسن ~~إشاراته في تفصيل ظاهر الشرع الذي يعجز الفقهاء والعقلاء عن إدراك أوائل ~~دقائقها في طول أعمارهم لم يبق له ريب ولا شك في أن ذلك لم يكن مكتسبا ~~بحيلة تقوم بها القوة البشرية بل لا يتصور ذلك إلا بالاستمداد من تأييد ~~سماوي وقوة إلهية وأن ذلك كله لا يتصور لكذاب ولا ملبس بل كانت شمائله ~~وأحواله شواهد قاطعة بصدقه حتى أن العربي القح كان يراه فيقول والله ما هذا ~~وجه كذاب فكان يشهد له بالصدق بمجرد شمائله فكيف من شاهد أخلاقه ومارس ~~أحواله في جميع مصادره وموارده وإنما أوردنا بعض أخلافه لتعرف محاسن ~~الأخلاق وليتنبه لصدقه صلى الله عليه وسلم وعلو منصبه ومكانته العظيمة عند ~~الله إذ آتاه الله جميع ذلك وهو رجل أمي لم يمارس العلم ولم يطالع الكتب ~~ولم يسافر قط في طلب علم ولم يزل بين أظهر الجهال من الأعراب يتيما ضعيفا ~~مستضعفا فمن أين حصل له محاسن الأخلاق والآداب ومعرفة مصالح الفقه مثلا فقط ~~دون غيرهم من العلوم فضلا عن معرفة الله تعالى وملائكته وكتبه وغير ذلك من ~~خواص النبوة لولا صريح الوحي ومن أين لقوة البشر الإستقلال بذلك فلو لم يكن ~~له إلا هذه الأمور الظاهرة لكان فيه كفاية # وقد ظهر من آياته ومعجزاته مالا يستريب فيه محصل فلنذكر من جملتها ما ~~استفاضت به الأخبار واشتملت عليه الكتب الصحيحة إشارة إلى مجامعها من غير ~~تطويل بحكاية التفصيل # فقد خرق الله العادة على يده غير مرة إذ شق له القمر بمكة لما سألته قريش ~~آية + حديث انشقاق القمر متفق عليه من حديث ابن مسعود وابن عباس وأنس + ~~وأطعم النفر الكثير في PageV02P383 منزل جابر + حديث إطعام النفر الكثير في ~~منزل جابر متفق عليه من حديثه + وفي منزل أبي طلحة ويوم الخندق + حديث ~~إطعامه النفر الكثير في منزل أبي طلحة متفق عليه من حديث أنس + ومرة أطعم ~~ثمانين من أربعة أمداد شعير وعناق + حديث إطعامه ثمانين من أربعة أمداد ~~شعير وعناق أخرجه الإسماعيلي في صحيحه ومن طريقه البيهقي في دلائل النبوة ~~من حديث جابر وفيه أنهم كانوا ثمانمائة أو ثلثمائة وهو عند البخاري دون ذكر ~~العدد وفي رواية أبي نعيم في دلائل النبوة وهم ألف + وهو من أولاد المعز ~~فوق العتود ومرة أكثر من ثمانين رجلا من أقراص شعير حملها أنس في يده + ~~حديث إطعامه أكثر من ثمانين رجلا من أقراص شعير حملها أنس في يده أخرجه ~~مسلم من حديث أنس وفيه حتى فعل ذلك بثمانين رجلا ثم أكل النبي صلى الله ~~عليه وسلم بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سؤرا وفي رواية لأبي نعيم في الدلائل ~~حتى أكل منه بضع وثمانون رجلا وهو متفق عليه لفظ والقوم سبعون أو ثمانون ~~رجلا + ومرة أهل الجيش من تمر يسير ساقته بنت بشير في يدها فأكلوا كلهم حتى ~~شبعوا من ذلك وفضل لهم + حديث إطعامه أهل الجيش من تمر يسير ساقته بنت بشير ~~في يدها الحديث أخرجه البيهقي في دلائل النبوة من طريق ابن إسحق حدثنا سعيد ~~بن ميناء عن ابنة بشير بن سعد وإسناده جيد + ونبع الماء من بين أصابعه عليه ~~السلام فشرب أهل العسكر كلهم وهم عطاش وتوضئوا من قدح صغير ضاق عن أن يبسط ~~عليه السلام يده فيه + حديث نبع الماء من بين أصابعه فشرب أهل العسكر وهم ~~عطاش وتوضؤا الحديث متفق عليه من حديث أنس في ذكر الوضوء فقط ولأبي نعيم من ~~حديثه خرج إلى قباء فأتى من بعض بيوتهم بقدح صغير وفيه ثم قال هلم إلى ~~الشرب قال أنس بصر عيني نبع الماء من بين أصابعه ولم يرد القدح حتى رووا ~~منه وإسناده جيد وللبزار واللفظ له والطبراني في الكبير من حديث ابن عباس ~~كان في سفر فشكا أصحابه العطش فقال ائتوني بماء فأتوه بإناء فيه ماء فوضع ~~يده في الماء ينبع من بين أصابعه الحديث + وأهراق صلى الله عليه وسلم وضوءه ~~في عين تبوك ولا ماء فيها ومرة أخرى في بئر الحديبية فجاشتا بالماء فشرب من ~~عين تبوك أهل الجيش وهم ألوف حتى رووا وشرب من بئر الحديبية ألف وخمسمائة ~~ولم يكن فيها قبل ذلك ماء + حديث إهراقه وضوءه في عين تبوك ولا ماء فيها ~~ومرة أخرى في بئر الحديبية فجاشتا بالماء الحديث وأخرجه مسلم من حديث معاذ ~~بقصة عين تبوك ومن حديث سلمة بن الأكوع بقصة عين الحديبية وفيه فإما دعا ~~وإما بصق فيها فجاشت الحديث وللبخاري من حديث البراء أنه توضأ وصبه فيها ~~وفي الحديثين معا أنهم كانوا أربعة عشر مائة وكذا عند البخاري من حديث ~~البراء وكذلك عندهما من حديث جابر وقال البيهقي أنه الأصح ولهما من حديثه ~~أيضا ألف وخمسمائة ولمسلم من حديث ابن أبي أوفى ألف وثلثمائة + وأمر صلى ~~الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يزود أربعمائة راكب من تمر ~~كان في اجتماعه كربضة البعير وهو موضع بروكه فزودهم كلهم منه وبقي منه ~~فحبسه + حديث أمر عمر أن يزود أربعمائة راكب من تمر كان كربضة البعير ~~الحديث أخرجه أحمد من حديث النعمان بن مقرن وحديث دكين بن سعيد بإسنادين ~~صحيحين وأصل حديث دكين عند أبي داود مختصرا من غير بيان لعددهم + ورمى ~~الجيش بقبضة من تراب فعميت عيونهم ونزل بذلك القرآن في قوله تعالى وما رميت ~~إذ رميت ولكن الله رمى + حديث رميه الجيش بقبضة من تراب فعميت عيونهم ~~الحديث أخرجه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع دون ذكر نزول الآية فرواه ابن ~~مردويه في تفسيره من حديث جابر وابن عباس + وأبطل الله تعالى الكهانة ~~بمبعثه صلى الله عليه وسلم فعدمت وكان ظاهرة موجودة + حديث إبطال الكهانة ~~بمبعثه أخرجه الخرائطي من حديث مرداس بن قيس الدوسي قال حضرت النبي صلى ~~الله عليه وسلم وذكرت عنده الكهانة وما كان من تغييرها عند مخرجه الحديث ~~ولأبي نعيم في الدلائل من حديث ابن عباس في استراق الجن السمع فيلقونه على ~~أوليائهم فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم دحروا بالنجوم وأصله عند ~~البخاري بغير هذا السياق + وحن الجذع الذي كان يخطب إليه لما عمل له المنبر ~~حتى سمع منه جميع أصحابه مثل صوت الإبل فضمه إليه فسكن + حديث حنين الجذع ~~أخرجه البخاري من حديث جابر وسهل بن سعد + ودعا اليهود إلى تمنى الموت ~~وأخبرهم بأنهم لا يتمنونه فحيل بينهم وبين النطق بذلك وعجزوا عنه + حديث ~~دعا اليهود إلى تمني الموت وأخبرهم بأنهم لا يتمنونه الحديث أخرجه البخاري ~~من حديث ابن عباس لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا الحديث وللبيهقي في ~~الدلائل من حديث ابن عباس لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه ~~فأبوا أن يفعلوا الحديث وإسناده ضعيف + وهذا مذكور في سورة يقرأ بها في ~~جميع جوامع الإسلام من شرق الأرض إلى غربها يوم الجمعة PageV02P384 جهرا ~~تعظيما للآية التي فيها # وأخبر صلى الله عليه وسلم بالغيوب وانذر عثمان بأن تصيبه بلوى بعدها ~~الجنة + حديث إخباره بأن عثمان تصيبه بلوى بعدها الجنة متفق عليه من حديث ~~أبي موسى الأشعري + وبأن عمارا تقتله الفئة الباغية + حديث إخباره بأن ~~عمارا تقتله الفئة الباغية أخرجه مسلم من حديث أبي قتادة وأم سلمة والبخاري ~~من حديث أبي سعيد + وأن الحسن يصلح الله به فئتين من المسلمين عظيمتين + ~~حديث إخباره أن الحسن يصلح الله به بين فئتين من المسلمين عظيمتين أخرجه ~~البخاري من حديث أبو بكرة + وأخبر صلى الله عليه وسلم عن رجل قاتل في سبيل ~~الله أنه من أهل النار + حديث إخباره عن رجل قاتل في سبيل الله أنه من أهل ~~النار متفق عليه من حديث أبي هريرة وسهل بن سعد + فظهر ذلك بأن ذلك الرجل ~~قتل نفسه وهذه كلها أشياء إلهية لا تعرف ألبتة بشيء من وجوه تقدمت المعرفة ~~بها لا بنجوم ولا بكشف ولا بخط ولا بزجر لكن بإعلام الله تعالى له ووحيه ~~إليه # واتبعه سراقة بن مالك فساخت قدما فرسه في الأرض واتبعه دخان حتى استغاثه ~~فدعا له فانطلق الفرس وأنذره بأن سيوضع في ذراعيه سوارا كسرى + حديث اتباع ~~سراقة بن مالك له في قصة الهجرة فساخت قدما فرسه في الأرض الحديث متفق عليه ~~من حديث أبي بكر الصديق + فكان كذلك وأخبر بمقتل الأسود العنسي الكذاب ليلة ~~قتله وهو بصنعاء اليمن وأخبر بمن قتله + حديث إخباره بمقتل الأسود العنسي ~~ليلة قتل وهو بصنعاء اليمن ومن قتله وهو مذكور في السير والذي قتله فيروز ~~الديلمي وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين ~~من ذهب فأهمني شأنهما فأوحى إلى في المنام أن أنفخهما فنفختهما فطارا ~~فتأولتهما كذابين يخرجان بعدي فكان أحدهما العنسي صاحب صنعاء الحديث + وخرج ~~على مائة من قريش ينتظرونه فوضع التراب على رءوسهم ولم يروه + حديث خرج على ~~مائة من قريش ينتظرونه فوضع التراب على رءوسهم ولم يروه أخرجه ابن مردويه ~~بسند ضعيف من حديث ابن عباس وليس فيه أنهم كانوا مائة وكذلك رواه ابن إسحاق ~~من حديث محمد بن كعب القرظي مرسلا + وشكا إليه البعير بحضرة أصحابه وتذلل ~~له + حديث شكا إليه البعير وتذلل له أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن ~~جعفر في أثناء حديث وفيه فإنه شكا إلى أنك تجيعه وتدئبه وأول الحديث عند ~~مسلم دون ذكر قصة البعير + وقال لنفر من أصحابه مجتمعين أحدكم في النار ~~ضرسه مثل أحد فماتوا كلهم على استقامة وارتد منهم واحد فقتل مرتدا + حديث ~~قال لنفر من أصحابه أحدكم ضرسه في النار مثل أحد الحديث ذكره الدارقطني في ~~المؤتلف والمختلف من حديث أبي هريرة بغير إسناد في ترجمة الرجال بن عنفرة ~~وهو الذي ارتد وهو بالجيم وذكره عبد الغني بالمهملة وسبقه إلى ذلك الواقدي ~~والمدائني والأول أصح وأكثر كما ذكره الدارقطني وابن ماكولا ووصله الطبراني ~~من حديث رافع بن خديج بلفظ أحد هؤلاء النفر في النار وفيه الواقدي عن عبد ~~الله ابن نوح متروك + وقال لآخرين منهم آخركم موتا في النار فسقط آخرهم ~~موتا في النار فاحترق فيها فمات + حديث قال لآخرين منهم آخركم موتا في ~~النار فسقط آخرهم موتا في نار فاحترق فيها فمات أخرجه الطبراني والبيهقي في ~~الدلائل من حديث ابن محذورة وفي رواية البيهقي أن آخرهم موتا سمرة بن جندب ~~لم يذكر أنه احترق ورواه البيهقي من حديث أبي هريرة نحوه ورواته ثقات وقال ~~ابن عبد البر إنه سقط في قدر مملوء ماء حارا فمات روى ذلك بإسناد متصل إلا ~~أن فيه داود بن المخبر وقد ضعفه الجمهور + ودعا شجرتين فأتتاه واجتمعتا ثم ~~أمرهما فافترقتا # وكان صلى الله عليه وسلم نحو الربعة فإذا مشى مع الطوال طالهم + حديث دعا ~~شجرتين فأتتاه فاجتمعتا ثم أمرهما فافترقتا أخرجه أحمد من حديث علي بن مرة ~~بسند صحيح + ودعا صلى الله عليه وسلم النصارى إلى المباهلة فامتنعوا فعرفهم ~~صلى الله عليه وسلم أنهم إن فعلوا ذلك هلكوا فعلموا صحة قوله فامتنعوا + ~~حديث دعا النصارى إلى المباهلة وأخبر إن فعلوا ذلك هلكوا فامتنعوا أخرجه ~~البخاري من حديث ابن عباس في أثناء حديث ولو خرج الذين يباهلون رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا + وأتاه عامر بن الطفيل ~~بن مالك وأربد بن قيس وهما فارسا العرب وفاتكاهم عازمين على قتله صلى الله ~~عليه وسلم فحيل بينهما وبين ذلك ودعا عليهما فهلك عامر بغدة وهلك أربد ~~بصاعقة أحرقته + حديث أتاه عامر بن الطفيل بن مالك وأربد بن قيس وهما فارسا ~~العرب وفاتكاهم عازمين على قتله فحيل بينهما وبين ذلك الحديث أخرجه ~~الطبراني في الأوسط والأكبر من حديث ابن عباس بطوله بسند لين + وأخبر صلى ~~الله عليه وسلم أنه يقتل PageV02P385 أبي بن خلف الجمحي فخدشه يوم أحد خدشا ~~لطيفا فكانت منيته فيه + حديث إخباره أنه يقتل أبي بن خلف الجمحي فخدشه يوم ~~أحد خدشا لطيفا فكانت منيته أخرجه البيهقي في دلائل النبوة من رواية سعيد ~~بن المسيب ومن رواية عروة بن الزبير مرسلا + # وأطعم صلى الله عليه وسلم السم فمات الذي أكله معه وعاش هو صلى الله عليه ~~وسلم بعده أربع سنين وكلمه الذراع المسموم + حديث إنه أطعم السم فمات الذي ~~أكله معه وعاش هو بعده أربع سنين وكلمه الذراع المسموم أخرجه أبو داود من ~~حديث جابر في رواية له مرسلة أن الذي مات بشر بن البراء وفي الصحيحين من ~~حديث أنس إن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها ~~الحديث وفيه فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم + # وأخبر عليه السلام يوم بدر بمصارع صناديد قريش ووقفهم على مصارعهم رجلا ~~رجلا فلم يتعد واحد منهم ذلك الموضع + حديث إخباره صلى الله عليه وسلم يوم ~~بدر بمصارع صناديد قريش الحديث أخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب + وأنذر ~~صلى الله عليه وسلم بأن طوائف من أمته يغزون في البحر فكان كذلك + حديث ~~إخبار بأن طوائف من أمته يغزون في البحر فكان كذلك متفق عليه من حديث أم ~~حرام + وزويت له الأرض فأرى مشارقها ومغاربها وأخبر بأن ملك أمته سيبلغ ما ~~زوى له منها فكان كذلك فقد بلغ ملكهم من أول المشرق من بلاد الترك إلى آخر ~~المغرب من بحر الأندلس وبلاد البربر ولم يتسعوا في الجنوب ولا في الشمال ~~كما أخبر صلى الله عليه وسلم سواء بسواء + حديث زويت له الأرض مشارقها ~~ومغاربها وأخبر بأن ملك أمته سيبلغ ما زوى له منها الحديث أخرجه مسلم من ~~حديث عائشة وفاطمة أيضا + وأخبر فاطمة ابنته رضي الله عنها بأنها أول أهله ~~لحاقا به + حديث إخباره فاطمة أنها أول أهله لحاقا به متفق عليه من حديث ~~عائشة وفاطمة أيضا + فكان كذلك # وأخبر نساءه بأن أطولهن يدا أسرعهن لحاقا به فكانت زينب بنت جحش الأسدية ~~أطولهن يدا بالصدقة أولهن لحوقا به رضي الله عنها + حديث أخبر نساءه أن ~~أطولهن يدا أسرعهن لحاقا به فكانت زينب الحديث أخرجه مسلم من حديث عائشة ~~وفي الصحيحين أن سودة كانت أولهن لحوقا به قال ابن الجوزي وهذا غلط من بعض ~~الرواة بلا شك + # ومسح ضرع شاة حائل لا لبن لها فدرت + حديث مسح ضرع شاة حائل لا لبن لها ~~فدرت فكان ذلك سبب إسلام ابن مسعود أخرجه أحمد من حديث ابن مسعود بإسناد ~~جيد + وكان ذلك سبب إسلام ابن مسعود رضي الله عنه # وفعل ذلك مرة أخرى في خيمة أم معبد الخزاعية # وندرت عين بعض أصحابه فسقطت فردها صلى الله عليه وسلم بيده فكانت أصح ~~عينيه وأحسنهما + حديث ندرت عين بعض أصحابه فسقطت فردها فكانت أصح عينيه ~~وأحسنهما أخرجه أبو نعيم والبيهقي كلاهما في دلائل النبوة من حديث قتادة بن ~~النعمان وهو الذي سقطت عينه ففي رواية للبيهقي أنه كان ببدر وفي رواية أبي ~~نعيم أنه كان بأحد وفي إسناده اضصراب وكذا رواه البيهقي فيه من حديث أبي ~~سعيد الخدري + وتفل في عين علي رضي الله عنه وهو أرمد يوم خيبر فصح من وقته ~~وبعثه بالراية + حديث تفل في عين علي وهو أرمد يوم خيبر فصح من وقته وبعثه ~~بالراية متفق عليه من حديث على ومن حديث سهل بن سعد أيضا + وكانوا يسمعون ~~تسبيح الطعام بين يديه صلى الله عليه وسلم + حديث كانوا يسمعون تسبيح ~~الطعام بين يديه أخرجه البخاري من حديث ابن مسعود + وأصيبت رجل بعض أصحابه ~~صلى الله عليه وسلم فمسحها بيده فبرأت من حينها + حديث أصيبت رجل بعض ~~أصحابه فمسحها بيده فبرأت من حينها أخرجه البخاري في قصة قتل أبي رافع + ~~وقل زاد جيش كان معه صلى الله عليه وسلم فدعا بجميع ما بقي فاجتمع شيء يسير ~~جدا فدعا فيه بالبركة ثم أمرهم فأخذوا فلم يبق وعاء في العسكر إلا ملىء من ~~ذلك + حديث قل زاد جيش معه فدعا بما بقي فاجتمع شيء يسير فدعا فيه بالبركة ~~الحديث متفق عليه من حديث سلمة بن الأكوع + وحكى الحكم بن العاص بن وائل ~~قوله الحكم بن العاص بن وائل هكذا في النسخ وصوابه كما في الشارح الحكم بن ~~العاص بن أمية بن عبد شمس اه مصححه مشيته PageV02P386 صلى الله عليه وسلم ~~مستهزئا فقال صلى الله عليه وسلم كذلك فكن فلم يزل يرتعس حتى مات + حديث ~~حكى الحكم بن العاص مشيته مستهزئا به فقال كذلك فكن الحديث أخرجه البيهقي ~~في الدلائل من حديث هند بن خديج بإسناد جيد وللحاكم في المستدرك من حديث ~~عبد الرحمن بن أبي بكر نحوه ولم يسم الحكم وقال صحيح الإسناد + وخطب صلى ~~الله عليه وسلم امرأة فقال له أبوها إن بها برصا امتناعا من خطبته واعتذارا ~~ولم يكن بها برص فقال صلى الله عليه وسلم فلتكن كذلك + حديث خطب امرأة فقال ~~أبوها إن بها برصا امتناعا من خطبته واعتذارا ولم يكن بها برص فقال فلتكن ~~كذلك فبرصت المرأة ذكرها ابن الجوزي في التلقيح وسماها جمرة بنت الحرث بن ~~عوف المزني وتبعه على ذلك الدمياطي + فبرصت وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر # إلى غير ذلك من آياته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم وإنما اقتصرنا على ~~المستفيض # ومن يستريب في انخراق العادة على يده ويزعم أن آحاد هذه الوقائع لم تنقل ~~تواترا بل المتواتر هو القرآن فقط كمن يستريب في شجاعة علي رضي الله عنه ~~وسخاوة حاتم الطائي ومعلوم أن آحاد وقائعهم غير متواترة ولكن مجموع الوقائع ~~يورث علما ضروريا ثم لا يتمارى في تواتر القرآن وهي المعجزة الكبرى الباقية ~~بين الخلق وليس لنبي معجزة باقية سواه صلى الله عليه وسلم إذ تحدى بها رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم بلغاء الخلق وفصحاء العرب وجزيرة العرب حينئذ ~~مملوءة بآلاف منهم والفصاحة صنعتهم وبها منافستهم ومباهاتهم # وكان ينادي بين أظهرهم أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وقال ذلك ~~تعجيزا لهم فعجزوا عن ذلك وصرفوا عنه حتى عرضوا أنفسهم للقتل ونساءهم ~~وذراريهم للسبي وما استطاعوا أن يعارضوا ولا أن يقدحوا في جزالته وحسنه ثم ~~انتشر ذلك بعده في أقطار العالم شرقا وغربا قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر وقد ~~انقرض اليوم قريب من خمسمائة سنة فلم يقدر أحد على معارضته # فأعظم بغباوة من ينظر في أحواله ثم في أقواله ثم في أفعاله ثم في أخلاقه ~~ثم في معجزاته ثم في استمرار شرعه إلى الآن ثم في انتشاره في أقطار العالم ~~ثم في إذعان ملوك الأرض له في عصره وبعد عصره مع ضعفه ويتمه ثم يتمارى في ~~ذلك في صدقه # وما أعظم توفيق من آمن به وصدقه واتبعه في كل ما ورد وصدر فنسأل الله ~~تعالى أن يوفقنا للاقتداء به في الأخلاق والأفعال والأحوال والأقوال بمنه ~~وسعة جوده تم الجزء الثاني من كتاب إحياء علوم الدين ويليه الجزء الثالث ~~ويشتمل على ربع المهلكات PageV02P387 # بسم الله الرحمن الرحيم # | كتاب شرح عجائب القلب # وهو الكتاب الأول من ربع المهلكات # بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي تتحير دون إدراك جلاله القلوب والخواطر وتدهش في مبادي ~~إشراق أنواره الأحداق والنواظر المطلع على خفيات السرائر العالم بمكنونات ~~الضمائر المستغني في تدبير مملكته عن المشاور والموازر مقلب القلوب وغفار ~~الذنوب وستار العيوب ومفرج الكروب # والصلاة على سيد المرسلين وجامع شمل الدين وقاطع دابر الملحدين # وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم كثيرا # أما بعد فشرف الإنسان وفضيلته التي فاق بها جملة من أصناف الخلق ~~باستعداده لمعرفة الله سبحانه التي هي في الدنيا جماله وكماله وفخره وفي ~~الآخرة عدته وذخره وإنما استعد للمعرفة بقلبه لا بجارحة من جوارحه فالقلب ~~هو العالم بالله # وهو المتقرب إلى الله وهو العامل لله وهو الساعي إلى الله وهو المكاشف ~~بما عند الله ولديه وإنما الجوارح أتباع وخدم وآلات يستخدمها القلب ~~ويستعملها استعمال المالك للعبد واستخدام الراعي للرعية والصانع للآلة ~~فالقلب هو المقبول عند الله إذا سلم من غير الله وهو المحجوب عن الله إذا ~~صار مستغرقا بغير الله وهو المطالب وهو المخاطب وهو المعاتب وهو الذي يسعد ~~بالقرب من الله فيفلح إذا زكاه وهو الذي يخيب ويشقى إذا دنسه ودساه وهو ~~المطيع بالحقيقة لله تعالى وإنما الذي ينتشر على الجوارح من العبادات ~~أنواره وهو العاصي المتمرد على الله تعالى وإنما الساري إلى الأعضاء من ~~الفواحش آثاره وبإظلامه واستنارته تظهر محاسن الظاهر ومساويه إذ كل إناء ~~ينضح بما فيه وهو الذي إذا عرفه الإنسان فقد عرف نفسه وإذا عرف نفسه فقد ~~عرف ربه وهو الذي إذا جهله الإنسان فقد جهل نفسه وإذا جهل نفسه فقد جهل ربه ~~ومن جهل قلبه فهو بغيره أجهل إذ أكثر الخلق جاهلون بقلوبهم وأنفسهم وقد حيل ~~بينهم وبين أنفسهم فإن الله يحول بين المرء وقلبه # وحيلولته بأن يمنعه عن مشاهدته ومراقبته ومعرفة صفاته وكيفية تقلبه بين ~~أصبعين مع أصابع الرحمن وأنه كيف يهوي مرة إلى أسفل السافلين وينخفض إلى ~~أفق الشياطين وكيف يرتفع أخرى إلى أعلى عليين ويرتقي إلى عالم الملائكة ~~المقربين # ومن لم يعرف قلبه ليراقبه ويراعيه ويترصد لما يلوح من خزائن الملكوت عليه ~~وفيه فهو ممن قال الله تعالى فيه نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم ~~الفاسقون فمعرفة القلب وحقيقة أوصافه PageV03P002 أصل الدين وأساس طريق ~~السالكين # وإذ فرغنا من الشطر الأول من هذا الكتاب من النظر فيما يجري على الجوارح ~~من العبادات والعادات وهو العلم الظاهر ووعدنا أن نشرح في الشطر الثاني ما ~~يجري على القلب من الصفات المهلكات والمنجيات وهو العلم الباطن فلا بد أن ~~نقدم عليه كتابين كتابا في شرح عجائب صفات القلب وأخلاقه وكتابا في كيفية ~~رياضة القلب وتهذيب أخلاقه ثم نندفع بعد ذلك في تفصيل المهلكات والمنجيات # فلنذكر الآن من شرح عجائب القلب بطريق ضرب الأمثال ما يقرب من الأفهام ~~فإن التصريح بعجائبه وأسراره الداخلة في جملة عالم الملكوت مما يكل عن دركه ~~أكثر الأفهام # | بيان معنى النفس والروح والقلب والعقل وما هو المراد بهذه الأسامي # أعلم أن هذه الأسماء الأربعة تستعمل في هذه الأبواب ويقل في فحول العلماء ~~من يحيط بهذه الأسامي واختلاف معانيها وحدودها ومسمياتها وأكثر الأغاليط ~~منشؤها الجهل بمعنى هذه الأسامي واشتراكها بين مسميات مختلفة ونحن نشرح في ~~معنى هذه الأسامي ما يتعلق بغرضنا # اللفظ الأول لفظ القلب وهو يطلق لمعنيين # أحدهما اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر وهو لحم ~~مخصوص وفي باطنه تجويف وفي ذلك التجويف دم أسود هو منبع الروح ومعدنه ولسنا ~~نقصد الآن شرح شكله وكيفيته إذ يتعلق به غرض الأطباء ولا يتعلق به الأغراض ~~الدينية وهذا القلب موجود للبهائم بل هو موجود للميت ونحن إذا أطلقنا لفظ ~~القلب في هذا الكتاب لم نعن به ذلك فإنه قطعة لحم لا قدر له وهو من عالم ~~الملك والشهادة إذ تدركه البهائم بحاسة البصر فضلا عن الآدميين # والمعنى الثاني هو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق ~~وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان وهو المدرك العالم العارف من الإنسان وهو ~~المخاطب والمعاقب والمعاتب والمطالب ولها علاقة مع القلب الجسماني وقد ~~تحيرت عقول أكثر الخلق في إدراك وجه علاقته فإن تعلقه به يضاهي تعلق ~~الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة أو ~~تعلق المتمكن بالمكان وشرح ذلك مما نتوقاه لمعنيين # أحدهما أنه متعلق بعلوم المكاشفة وليس غرضنا من هذا الكتاب إلا علوم ~~المعاملة # والثاني أن تحقيقه يستدعي إفشاء سر الروح وذلك مما لم يتكلم فيه رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم + حديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يتكلم في الروح ~~متفق عليه من حديث ابن مسعود في سؤال اليهود عن الروح وفيه فأمسك النبي صلى ~~الله عليه وسلم فلم يرد عليهم فعلمت أنه يوحى إليه الحديث وقد تقدم + فليس ~~لغيره أن يتكلم فيه والمقصود أنا إذا أطلقنا لفظ القلب في هذا الكتاب أردنا ~~به هذه اللطيفة وغرضنا ذكر أوصافها وأحوالها لا ذكر حقيقتها في ذاتها وعلم ~~المعاملة يفتقر إلى معرفة صفاتها وأحوالها ولا يفتقر إلى ذكر حقيقتها # اللفظ الثاني الروح وهو أيضا يطلق فيما يتعلق بجنس غرضنا لمعنيين # أحدهما جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجمساني فينشر بواسطة العروق الضوارب ~~إلى سائر أجزاء البدن وجريانه في البدن وفيضان أنوار الحياة والحس والبصر ~~والسمع والشم منها على أعضائها يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في ~~زوايا البيت فإنه لا ينتهي إلى جزء من البيت إلا ويستنير به والحياة مثالها ~~النور الحاصل في الحيطان والروح مثالها السراج وسريان الروح وحركته في ~~الباطن مثال حركة السراج في جوانب البيت بتحريك محركه والأطباء إذا أطلقوا ~~لفظ PageV03P003 الروح أرادوا به هذا المعنى وهو بخار لطيف أنضجته حرارة ~~القلب وليس شرحه من غرضنا إذ المتعلق به غرض الأطباء الذين يعالجون الأبدان ~~فأما غرض أطباء الدين المعالجين للقلب حتى ينساق إلى جوار رب العالمين فليس ~~يتعلق بشرح هذه الروح أصلا # المعنى الثاني هو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان وهو الذي شرحناه في ~~أحد معاني القلب وهو الذي أراده الله تعالى بقوله قل الروح من أمر ربي وهو ~~أمر عجيب رباني تعجز أكثر العقول والأفهام عن درك حقيقته # اللفظ الثالث النفس وهو أيضا مشترك بين معان ويتعلق بغرضنا منه معنيان # أحدهما أنه يراد به المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة في الإنسان على ما ~~سيأتي شرحه وهذا الاستعمال هو الغالب على أهل التصوف لأنهم يريدون بالنفس ~~الأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان فيقولون لا بد من مجاهدة النفس ~~وكسرها وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم أعدى عدوك نفسك التي بين ~~جنبيك + حديث أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك + أخرجه البيهقي في كتاب الزهد ~~من حديث ابن عباس وفيه محمد بن عبد الرحمن بن غزوان أحد الوضاعين # المعنى الثاني هي اللطيفة التي ذكرناها التي هي الإنسان بالحقيقة وهي نفس ~~الإنسان وذاته ولكنها توصف بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها فإذا سكنت ~~تحت الأمر وزايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات سميت النفس المطمئنة # قال الله تعالى في مثلها @QB@ يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك ~~راضية مرضية @QE@ والنفس بالمعنى الأول لا يتصور رجوعها إلى الله تعالى ~~فإنها مبعدة عن الله وهي من حزب الشيطان # وإذا لم يتم سكونها ولكنها صارت مدافعة للنفس الشهوانية ومعترضة عليها ~~سميت النفس اللوامة لأنها تلوم صاحبها عند تقصيره في عبادة مولاه # قال الله تعالى @QB@ ولا أقسم بالنفس اللوامة @QE@ وإن تركت الاعتراض ~~وأذعنت وأطاعت لمقتضى الشهوات ودواعي الشيطان سميت النفس الأمارة بالسوء # قال الله تعالى إخبارا عن يوسف عليه السلام أو امرأة العزيز @QB@ وما ~~أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء @QE@ وقد يجوز أن يقال المراد بالأمارة ~~بالسوء هي النفس بالمعنى الأول فإذن النفس بالمعنى الأول مذمومة غاية الذم ~~وبالمعنى الثاني محمودة لأنها نفس الإنسان أي ذاته وحقيقته العالمة بالله ~~تعالى وسائر المعلومات # اللفظ الرابع العقل وهو أيضا مشترك لمعان مختلفة ذكرناها في كتاب العلم ~~والمتعلق بغرضنا من جملتها معنيان # أحدهما أنه قد يطلق ويراد به العلم بحقائق الأمور فيكون عبارة عن صفة ~~العلم الذي محله القلب # والثاني أنه قد يطلق ويراد به المدرك للعلوم فيكون هو القلب أعني تلك ~~اللطيفة # ونحن نعلم أن كل عالم فله في نفسه وجود هو أصل قائم بنفسه والعلم صفة ~~حالة فيه والصفة غير الموصوف والعقل قد يطلق ويراد به صفة العالم وقد يطلق ~~ويراد به محل الإدراك أعني المدرك وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم أول ~~ما خلق الله العقل + حديث أول ما خلق الله العقل وفي الخبر أنه قال له أقبل ~~فأقبل وقال أدبر فأدبر الحديث تقدم في العلم # فإن العلم عرض لا يتصور أن يكون أول مخلوق بل لابد وأن يكون المحل مخلوقا ~~قبله أو معه ولأنه لا يمكن الخطاب معه # وفي الخبر أنه قال له تعالى أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر الحديث # فإذن قد انكشف لك أن معاني هذه الأسماء موجودة وهي القلب الجسماني والروح ~~الجسماني والنفس الشهوانية والعلوم # فهذه أربعة معان يطلق عليها الألفاظ الأربعة ومعنى خامس وهي اللطيفة ~~العالمة المدركة من الإنسان # والألفاظ الأربعة بجملتها تتوارد عليها فالمعاني خمسة والألفاظ أربعة وكل ~~لفظ أطلق لمعنيين PageV03P004 وأكثر العلماء قد التبس عليهم اختلاف هذه ~~الألفاظ وتواردها فتراهم يتكلمون في الخواطر ويقولون هذا خاطر العقل وهذا ~~خاطر الروح وهذا خاطر القلب وهذا خاطر النفس وليس يدري الناظر اختلاف معاني ~~هذه الأسماء ولأجل كشف الغطاء عن ذلك قدمنا شرح هذه الأسامي وحيث ورد في ~~القرآن والسنة لفظ القلب فالمراد به المعنى الذي يفقه من الإنسان ويعرف ~~حقيقة الأشياء وقد يكنى عنه بالقلب الذي في الصدر لأن بين تلك اللطيفة وبين ~~جسم القلب علاقة خاصة فإنها وإن كانت متعلقة بسائر البدن ومستعملة له ~~ولكنها تتعلق به بواسطة القلب فتعلقها الأول بالقلب وكأنه محلها ومملكتها ~~وعالمها ومطيتها ولذلك شبه سهل التستري القلب بالعرش والصدر بالكرسي فقال ~~القلب هو العرش والصدر هو الكرسي ولا يظن به أنه يرى أنه عرش الله وكرسيه ~~فإن ذلك محال بل أراد به أنه مملكة الإنسان والمجرى الأول لتدبيره وتصرفه ~~فهما بالنسبة إليه كالعرش والكرسي بالنسبة إلى الله تعالى ولا يستقيم هذا ~~التشبيه أيضا إلا من بعض الوجوه وشرح ذلك أيضا لا يليق بغرضنا فلنجاوزه # | بيان جنود القلب # قال الله تعالى وما يعلم جنود ربك إلا هو فلله سبحانه في القلوب والأرواح ~~وغيرها من العوالم جنود مجندة لا يعرف حقيقتها وتفصيل عددها إلا هو # ونحن الآن نشير إلى بعض جنود القلب فهو الذي يتعلق بغرضنا # وله جندان جند يرى بالأبصار وجند لا يرى إلا بالبصائر وهو في حكم الملك ~~والجنود في حكم الخدم والأعوان فهذا معنى الجند فأما جنده المشاهد بالعين ~~فهو اليد والرجل والعين والأذن واللسان وسائر الأعضاء الظاهرة والباطنة فإن ~~جميعها خادمة للقلب ومسخرة له فهو المتصرف فيها والمردد لها وقد خلقت ~~مجبولة على طاعته لا تستطيع له خلافا ولا عليه تمردا فإذا أمر العين ~~بالانفتاح انفتحت وإذا أمر الرجل بالحركة تحركت وإذا أمر اللسان بالكلام ~~وجزم الحكم به تكلم وكذا سائر الأعضاء # وتسخير الأعضاء والحواس للقلب يشبه من وجه تسخير الملائكة لله تعالى ~~فإنهم مجبولون على الطاعة لا يستطيعون له خلافا بل لا يعصون الله ما أمرهم ~~ويفعلون ما يؤمرون وإنما يفترقان في شيء وهو أن الملائكة عليهم السلام ~~عالمة بطاعتها وامتثالها والأجفان تطيع القلب في الانفتاح والانطباق على ~~سبيل التسخير ولا خبر لها من نفسها ومن طاعتها للقلب وإنما افتقر القلب إلى ~~هذه الجنود من حيث افتقاره إلى المركب والزاد لسفره الذي لأجله خلق وهو ~~السفر إلى الله سبحانه وقطع المنازل إلى لقائه فلأجله خلقت القلوب # قال الله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وإنما مركبه البدن ~~وزاده العلم # وإنما الأسباب التي توصله إلى الزاد وتمكنه من التزود منه هو العمل ~~الصالح وليس يمكن العبد أن يصل إلى الله سبحانه ما لم يسكن البدن ولم يجاوز ~~الدنيا فإن المنزل الأدنى لا بد من قطعه للوصول إلى المنزل الأقصى فالدنيا ~~مزرعة الآخرة وهي منزل من منازل الهدى وإنما سميت دنيا لأنها أدنى ~~المنزلتين فاضطر إلى أن يتزود من هذا العالم فالبدن مركبه الذي يصل به إلى ~~هذا العالم فافتقر إلى تعهد البدن وحفظه وإنما يحفظ البدن بأن يجلب إليه ما ~~يوافقه من الغذاء وغيره وأن يدفع عنه ما ينافيه من أسباب الهلاك فافتقر ~~لأجل جلب الغذاء إلى جندين باطن وهو الشهوة # وظاهر وهو اليد والأعضاء الجالبة للغذاء فخلق في القلب من الشهوات ما ~~احتاج إليه وخلقت الأعضاء التي هي آلات الشهوات فافتقر لأجل دفع المهلكات ~~إلى جندين باطن وهو الغضب الذي به يدفع المهلكات وينتقم من الأعداء # وظاهر PageV03P005 وهو اليد والرجل للذين بهما يعمل بمقتضى الغضب وكل ذلك ~~بأمور خارجة فالجوارح من البدن كالأسلحة وغيرها ثم المحتاج إلى الغذاء ما ~~لم يعرف الغذاء لم تنفعه شهوة الغذاء وإلفه فافتقر للمعرفة إلى جندين باطن ~~وهو إدراك السمع والبصر والشم واللمس والذوق وظاهر وهو العين والأذن والأنف ~~وغيرها # وتفصيل وجه الحاجة إليها ووجه الحكمة فيها يطول ولا تحويه مجلدات كثيرة # وقد أشرنا إلى طرف يسير منها في كتاب الشكر فليقتنع به # فجملة جنود القلب تحصرها ثلاثة أصناف صنف باعث ومستحث إما إلى جلب النافع ~~الموافق كالشهوة وإما إلى دفع الضار المنافي كالغضب وقد يعبر عن هذا الباعث ~~بالإرادة # والثاني هو المحرك للأعضاء إلى تحصيل هذه المقاصد ويعبر عن هذا الثاني ~~بالقدرة وهي جنود مبثوثة في سائر الأعضاء لا سيما العضلات منها والأوتار # والثالث هو المدرك المتعرف للأشياء كالجواسيس وهي قوة البصر والسمع والشم ~~والذوق واللمس وهي مبثوثة في أعضاء معينة ويعبر عن هذا بالعلم والإدراك ومع ~~كل واحد من هذه الجنود الباطنة جنود ظاهرة وهي الأعضاء المركبة من الشحم ~~واللحم والعصب والدم والعظم التي أعدت آلات لهذه الجنود فإن قوة البطش إنما ~~هي بالأصابع وقوة البصر إنما هي بالعين # وكذا سائر القوى ولسنا نتكلم في الجنود الظاهرة أعني الأعضاء فإنها من ~~عالم الملك والشهادة وإنما نتكلم الآن فيما أيدت به من جنود لم تروها # وهذا الصنف الثالث وهو المدرك من هذه الجملة ينقسم إلى ما قد أسكن ~~المنازل الظاهرة وهي الحواس الخمس أعني السمع والبصر والشم والذوق واللمس ~~وإلى ما أسكن منازل باطنة وهي تجاويف الدماغ وهي أيضا خمسة فإن الإنسان بعد ~~رؤية الشيء يغمض عينه فيدرك صورته في نفسه وهو الخيال ثم تبقى تلك الصورة ~~معه بسبب شيء يحفظه وهو الجند الحافظ ثم يتفكر فيما حفظه فيركب بعض ذلك إلى ~~البعض ثم يتذكر ما قد نسيه ويعود إليه ثم يجمع جملة معاني المحسوسات في ~~خياله بالحس المشترك بين المحسوسات ففي الباطن حس مشترك وتخيل وتفكر وتذكر ~~وحفظ ولولا خلق الله قوة الحفظ والفكر والذكر والتخيل لكان الدماغ يخلو عنه ~~كما تخلو اليد والرجل عنه فتلك القوى أيضا جنود باطنة وأماكنها أيضا باطنة ~~فهذه هي أقسام جنود القلب وشرح ذلك بحيث يدركه فهم الضعفاء بضرب الأمثلة ~~يطول # ومقصود مثل هذا الكتاب أن ينتفع به الأقوياء والفحول من العلماء ولكنا ~~نجتهد في تفهيم الضعفاء بضرب الأمثلة ليقرب ذلك من أفهامهم # | بيان أمثلة القلب مع جنوده الباطنة # اعلم أن جندي الغضب والشهوة قد ينقادان للقلب انقيادا تاما فيعينه ذلك ~~على طريقه الذي يسلكه وتحسن مرافقتهما في السفر الذي هو بصدده وقد يستعصيان ~~عليه استعصاء بغي وتمرد حتى يملكاه ويستبعداه وفيه هلاكه وانقطاعه عن سفره ~~الذي به وصوله إلى سعادة الأبد وللقلب جند آخر وهو العلم والحكمة والتفكر ~~كما سيأتي شرحه وحقه أن يستعين بهذا الجند فإنه حزب الله تعالى على الجندين ~~الآخرين فإنهما قد يلتحقان بحزب الشيطان # فإن ترك الاستعانة وسلط على نفسه جند الغضب والشهوة هلك يقينا وخسر ~~خسرانا مبينا وذلك حالة أكثر الخلق فإن عقولهم صارت مسخرة لشهواتهم في ~~استنباط الحيل لقضاء الشهوة وكان ينبغي أن تكون الشهوة مسخرة لعقولهم فيما ~~يفتقر العقل إليه ونحن نقرب ذلك إلى فهمك بثلاثة أمثلة # المثال الأول أن نقول مثل نفس الإنسان في بدنه أعني بالنفس اللطيفة ~~المذكورة كمثل ملك في مدينته ومملكته PageV03P006 فإن البدن مملكة النفس ~~وعالمها ومستقرها ومدينتها وجوارحها وقواها بمنزلة الصناع والعملة والقوة ~~العقلية المفكرة له كالمشير الناصح والوزير العاقل # والشهوة له كالعبد السوء يجلب الطعام والميرة إلى المدينة والغضب والحمية ~~له كصاحب الشرطة # والعبد الجالب للميرة كذاب مكار خداع خبيث يتمثل بصورة الناصح وتحت نصحه ~~الشر الهائل والسم القاتل وديدنه وعادته منازعة الوزير الناصح في آرائه ~~وتدبيراته حتى لا يخلو من منازعته ومعارضته ساعة كما أن الوالي في مملكته ~~إذا كان مستغنيا في تدبيراته بوزيره مستشيرا له ومعرضا عن إشارة هذا العبد ~~الخبيث مستدلا بإشارته في أن الصواب في نقيض رأيه أدبه صاحب شرطته وساسه ~~لوزيره وجعله مؤتمرا له مسلطا من جهته على هذا العبد الخبيث وأتباعه ~~وأنصاره حتى يكون العبد مسوسا لا سائسا ومأمورا مدبرا لا أميرا مدبرا ~~استقام أمر بلده وانتظم العدل بسببه فكذا النفس متى استعانت بالعقل وأدبت ~~بحمية الغضب وسلطتها على الشهوة واستعانت بإحداهما على الأخرى تارة بأن ~~تقلل مرتبة الغضب وغلوائه بمخالفة الشهوة واستدراجها وتارة بقمع الشهوة ~~وقهرها بتسليط الغضب والحمية عليها وتقبيح مقتضياتها اعتدلت قواها وحسنت ~~أخلاقها ومن عدل عن هذه الطريقة كان كمن قال الله تعالى فيه أفرأيت من اتخذ ~~إلهه هواه وأضله الله على علم وقال تعالى واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن ~~تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث وقال عز وجل فيمن نهى النفس عن الهوى وأما من ~~خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى وسيأتي كيفية مجاهدة ~~هذه الجنود وتسليط بعضها على بعض في كتاب رياضة النفس إن شاء الله تعالى # المثال الثاني اعلم أن البدن كالمدينة والعقل أعني المدرك من الإنسان ~~كملك مدبر لها وقواه المدركة من الحواس الظاهرة والباطنة كجنوده وأعوانه ~~وأعضاؤه كرعيته والنفس الأمارة بالسوء التي هي الشهوة والغضب كعدو ينازعه ~~في مملكته ويسعى في إهلاك رعيته فصار بدنه كرباط وثغر ونفسه كمقيم فيه ~~مرابط فإن هو جاهد عدوه وهزمه وقهره على ما يحب حمد أثره وإذا عاد إلى ~~الحضرة كما قال الله تعالى والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل ~~الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وإن ضيع ثغره وأهمل ~~رعيته ذم أثره فانتقم منه عند الله تعالى فيقال له يوم القيامة يا راعي ~~السوء أكلت اللحم وشربت اللبن ولم تأو الضالة ولم تجبر الكسير اليوم أنتقم ~~منك + حديث يقال يوم القيامة يا راعي السوء أكلت اللحم وشربت اللبن ولم ترد ~~الضالة الخبر لم أجد له أصلا # كما ورد في الخبر # وإلى هذه المجاهدة الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم رجعنا من الجهاد ~~الأصغر إلى الجهاد الأكبر + حديث رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ~~أخرجه البيهقي في الزهد من حديث جابر وقال هذا إسناد في ضعف # المثال الثالث مثل العقل مثل فارس متصيد وشهوته كفرسه وغضبه ككلبه فمتى ~~كان الفارس حاذقا وفرسه مروضا وكلبه مؤدبا معلما كان جديرا بالنجاح ومتى ~~كان هو في نفسه أخرق وكان الفرس جموحا والكلب عقورا فلا فرسه ينبعث تحته ~~منقادا ولا كلبه يسترسل بإشارته مطيعا فهو خليق بأن يعطب فضلا عن أن ينال ~~ما طلب وإنما خرق الفارس مثل جهل الإنسان وقلة حكمته وكلال بصيرته وجماح ~~الفرس مثل غلبة الشهوة خصوصا شهوة البطن والفرج وعقر الكلب مثل غلبة الغضب ~~واستيلائه # نسأل الله حسن التوفيق بلطفه # | بيان خاصية قلب الإنسان # أعلم أن جملة ما ذكرناه قد أنعم الله به على سائر الحيوانات سوى الآدمي ~~إذ للحيوان الشهوة والغضب والحواس PageV03P007 الظاهرة والباطنة أيضا حتى ~~إن الشاة ترى الذئب بعينها فتعلم عداوته بقلبها فتهرب منه فذلك هو الإدراك ~~الباطن # فلنذكر ما يختص به قلب الإنسان ولأجله عظم شرفه واستأهل القرب من الله ~~تعالى # وهو راجع إلى علم وإرادة # أما العلم فهو العلم بالأمور الدنيوية والأخروية والحقائق العقلية فإن ~~هذه أمور وراء المحسوسات ولا يشاركه فيها الحيوانات بل العلوم الكلية ~~الضرورية من خواص العقل إذ يحكم الإنسان بأن الشخص الواحد لا يتصور أن يكون ~~في مكانين في حالة واحدة وهذا حكم منه على كل شخص # ومعلوم أنه لم يدرك بالحس إلا بعض الأشخاص فحكمه على جميع الأشخاص زائد ~~على ما أدركه الحس # وإذا فهمت هذا في العلم الظاهر الضروري فهو في سائر النظريات أظهر # وأما الإرادة فإنه إذا أدرك بالعقل عاقبة الأمر وطريق الصلاح فيه انبعث ~~من ذاته شوق إلى جهة المصلحة وإلى تعاطي أسبابها والإرادة لها وذلك غير ~~إرادة الشهوة وإرادة الحيوانات بل يكون على ضد الشهوة # فإن الشهوة تنفر عن الفصد والحجامة والعقل يريدها ويطلبها ويبذل المال ~~فيها # والشهوة تميل إلى لذائذ الأطعمة في حين المرض والعاقل يجد في نفسه زاجرا ~~عنها وليس ذلك زاجر الشهوة # ولو خلق الله العقل المعرف بعواقب الأمور ولم يخلق هذا الباعث المحرك ~~للأعضاء على مقتضى حكم العقل لكان حكم العقل ضائعا على التحقيق # فإذن قلب الإنسان اختص بعلم وإرادة ينفك عنها سائر الحيوان بل ينفك عنها ~~الصبي في أول الفطرة وإنما يحدث ذلك فيه بعد البلوغ # وأما الشهوة والغضب والحواس الظاهرة والباطنة فإنها موجودة في حق الصبي # ثم الصبي في حصول هذه العلوم فيه له درجتان # إحداهما أن يشتمل قلبه على سائر العلوم الضرورية الأولية كالعلم باستحالة ~~المستحيلات وجواز الجائزات الظاهرة فتكون العلوم النظرية فيها غير حاصلة ~~إلا أنها صارت ممكنة قريبة الإمكان والحصول ويكون حاله بالإضافة إلى العلوم ~~كحال الكاتب الذي لا يعرف من الكتابة إلا الدواة والقلم والحروف المفردة ~~دون المركبة فإنه قد قارب الكتابة ولم يبلغها بعد # الثانية أن تتحصل له العلوم المكتسبة بالتجارب والفكر فتكون كالمخزونة ~~عنده فإذا شاء رجع إليها وحاله حال الحاذق بالكتابة إذ يقال له كاتب وإن لم ~~يكن مباشرا للكتابة بقدرته عليها # وهذه هي غاية درجة الإنسانية # ولكن في هذه الدرجة مراتب لا تحصى بتفاوت الخلق فيها بكثرة المعلومات ~~وقلتها وبشرف المعلومات وخستها وبطريق تحصيلها إذ تحصل لبعض القلوب بإلهام ~~إلهي على سبيل المبادأة والمكاشفة ولبعضهم بتعلم واكتساب وقد يكون سريع ~~الحصول وقد يكون بطئ الحصول # وفي هذا المقام تتباين منازل العلماء والحكماء والأنبياء والأولياء ~~فدرجات الترقي فيه غير محصورة إذ معلومات الله سبحانه لا نهاية لها # وأقصى الرتب رتبة النبي الذي تنكشف له كل الحقائق أو أكثرها من غير ~~اكتساب وتكلف بكشف إلهي في أسرع وقت وبهذه السعادة يقرب العبد العبد من ~~الله تعالى قربا بالمعنى والحقيقة والصفة لا بالمكان والمسافة ومراقي هذه ~~الدرجات هي منازل السائرين إلى الله تعالى ولا حصر لتلك المنازل وإنما يعرف ~~كل سالك منزله الذي بلغه في سلوكه فيعرفه ويعرف ما خلفه من المنزل # فأما ما بين يديه فلا يحيط بحقيقته علما لكن قد يصدق به إيمانا بالغيب ~~كما أنا نؤمن بالنبوة والنبي ونصدق بوجوده ولكن لا يعرف حقيقة النبوة إلا ~~النبي وكما لا يعرف الجنين حال الطفل ولا الطفل حال المميز وما يفتح له من ~~PageV03P008 العلوم الضرورية ولا المميز حال العاقل وما اكتسبه من العلوم ~~النظرية فكذلك لا يعرف العاقل ما افتتح الله على أوليائه وأنبيائه من مزايا ~~لطفه ورحمته ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وهذه الرحمة مبذولة ~~بحكم الجود والكرم من الله سبحانه وتعالى غير مضنون بها على أحد ولكن إنما ~~تظهر في القلوب المتعرضه لنفحات رحمة الله تعالى كما قال صلى الله عليه ~~وسلم إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها + حديث إن لربكم في ~~أيام دهركم لنفحات الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وقد تقدم # والتعرض لها بتطهير القلب وتزكيته من الخبث والكدورة الحاصلة من الأخلاق ~~المذمومة كما سيأتي بيانه وإلى هذا الجود الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم ~~ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيافيقول هل من داع فأستجيب له وبقوله صلى ~~الله عليه وسلم حكاية عن ربه عز وجل لقد طال شوق الأبرار إلى لقائي وأنا ~~إلى لقائهم أشد شوقا + حديث يقول الله عز وجل لقد طال شوق الأبرار إلى ~~لقائي الحديث لم أجد له أصلا إلا أن صاحب الفردوس خرجه من حديث أبي الدرداء ~~ولم يذكر له ولده في مسند الفردوس إسنادا # وبقوله تعالى من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا + حديث يقول الله من ~~تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا متفق عليه من حديث أبي هريرة # كل ذلك إشارة إلى أن أنوار العلوم لم تحتجب عن القلوب لبخل ومنع من جهة ~~المنعم تعالى عن البخل والمنع علوا كبيرا ولكن حجبت لخبث وكدورة وشغل من ~~جهة القلوب فإن القلوب كالأواني فما دامت ممتلئة بالماء لا يدخلها الهواء ~~فالقلوب المشغولة بغير الله لا تدخلها المعرفة بحلال الله تعالى # وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم لولا أن الشياطين يحومون على ~~قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء + حديث لولا أن الشياطين يحومون على ~~قلوب بني آدم الحديث أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بنحوه وقد تقدم في ~~الصيام # ومن هذه الجملة يتبين أن خاصية الإنسان العلم والحكمة # وأشرف أنواع العلم هو العلم بالله وصفاته وأفعاله فبه كمال الإنسان وفي ~~كماله سعادته وصلاحه لجوار حضرة الجلال والكمال # فالبدن مركب للنفس والنفس محل للعلم والعلم هو مقصود الإنسان وخاصيته ~~التي لأجله خلق # وكما أن الفرس يشارك الحمار في قوة الحمل ويختص عنه بخاصية الكر والفر ~~وحسن الهيئة فيكون الفرس مخلوقا لأجل تلك الخاصية فإن تعطلت منه نزل إلى ~~حضيض رتبة الحمار # وكذلك الإنسان يشارك الحمار والفرس في أمور ويفارقها في أمور هي خاصيته ~~وتلك الخاصية من صفات الملائكة المقربين من رب العالمين # والإنسان على رتبة بين البهائم والملائكة فإن الإنسان من حيث يتغذى وينسل ~~فنبات ومن حيث يحس ويتحرك بالاختيار فحيوان ومن حيث صورته وقامته فكالصورة ~~المنقوشة على الحائط وإنما خاصيته معرفة حقائق الأشياء # من استعمل جميع أعضائه وقواه على وجه الاستعانة بها على العلم والعمل فقد ~~تشبه بالملائكة فحقيق بأن يلحق بهم وجدير بأن يسمى ملكا وربانيا كما أخبر ~~الله تعالى عن صواحبات يوسف عليه السلام بقوله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك ~~كريم # ومن صرف همته إلى أتباع اللذات البدنية يأكل كما تأكل الأنعام فقد انحط ~~إلى حضيض أفق البهائم فيصير إما غمرا كثور وإما شرها كخنزير # وإما ضربا ككلب أو سنور أو حقودا كجمل # أو متكبرا كنمر أو ذا روغان كثعلب أو يجمع ذلك كله كشيطان مريد # وما من عضو من الأعضاء ولا حاسة من الحواس إلا ويمكن الاستعانة به على ~~طريق الوصول إلى الله تعالى كما سيأتي بيان طرف منه في كتاب الشكر فمن ~~استعمله فيه فقد فاز ومن عدل عنه فقد خسر وخاب # وجملة السعادة في ذلك أن يجعل لقاء الله تعالى مقصده والدار الآخرة ~~مستقره والدنيا منزله والبدن مركبه والأعضاء PageV03P009 خدمه # فيستقر هو أعني المدرك من الإنسان في القلب الذي هو وسط مملكته كالملك ~~ويجري القوة الخيالية المودعة في مقدم الدماغ مجرى صاحب بريدة إذ تجتمع ~~أخبار المحسوسات عنده ويجري القوة الحافظة التي مسكنها مؤخر الدماغ مجرى ~~خازنه ويجري اللسان مجرى ترجمانه ويجري الأعضاء المتحركة مجرى كتابه ويجري ~~الحواس الخمس مجرى جواسيسه فيوكل كل واحد منها بأخبار صقع من الأصقاع فيوكل ~~العين بعالم الألوان والسمع بعالم الأصوات والشم بعالم الروائح # وكذلك سائرها فإنها أصحاب أخبار يلتقطونها من هذه العوالم ويؤدونها إلى ~~القوة الخيالية التي هي كصاحب البريد ويسلمها صاحب البريد إلى الخازن وهي ~~الحافظة ويعرضها الخازن على الملك فيقتبس الملك منها ما يحتاج إليه في ~~تدبير مملكته وإتمام سفره الذي هو بصدده وقمع عدوه الذي هو مبتلي به ودفع ~~قواطع الطريق عليه فإذا فعل ذلك كان موفقا سعيدا شاكرا نعمة الله وإذا عطل ~~هذه الجملة أو استعملها لكن في مراعاة أعدائه وهي الشهوة والغضب وسائر ~~الحظوظ العاجلة أو في عمارة طريقه دون منزله إذ الدنيا طريقه التي عليها ~~عبوره ووطنه ومستقره الآخرة كان مخذولا شقيا كافرا بنعمة الله تعالى مضيعا ~~لجنود الله تعالى ناصرا لأعداء الله مخذلا لحزب الله فيستحق المقت والإبعاد ~~في المنقلب والمعاد نعوذ بالله من ذلك # وإلى المثال الذي ضربناه أشار كعب الأحبار حيث قال دخلت على عائشة رضي ~~الله عنها فقلت الإنسان عيناه هاد وأذناه قمع ولسانه ترجمان ويداه جناحان ~~ورجلاه بريد والقلب منه ملك + حديث عائشة الإنسان عيناه هاد وأذناه قمع ~~ولسانه ترجمان الحديث أخرجه أو نعيم في الطب النبوي والطبراني في مسند ~~الشاميين والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة ونحوه وله ولأحمد من حديث ~~أبي ذر وأما الأذن فقمع وأما العين فمقرة لما يوعي القلب ولا يصح منها شيء # فإذا طاب الملك طابت جنوده فقالت هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول # وقال علي رضي الله عنه في تمثيل القلوب إن لله تعالى في أرضه آنية وهي ~~القلوب فأحبها إليه تعالى أرقها وأصفاها وأصلبها ثم فسره فقال أصلبها في ~~الدين وأصفاها في اليقين وأرقها على الإخوان وهو إشارة إلى قوله تعالى ~~أشداء على الكفار رحماء بينهم وقوله تعالى مثل نوره كمشكاة فيها مصباح قال ~~أبي بن كعب رضي الله عنه معناه مثل نور المؤمن وقلبه وقوله تعالى أو كظلمات ~~في بحر لجي مثل قلب المنافق # وقال زيد بن أسلم في قوله تعالى في لوح محفوظ وهو قلب المؤمن # وقال سهل مثل القلب والصدر مثل العرش والكرسي فهذه أمثلة القلب # | بيان مجامع أوصاف القلب وأمثلته # اعلم أن الإنسان قد اصطحب في خلقته وتركيبه أربع شوائب فلذلك اجتمع عليه ~~أربعة أنواع من الأوصاف وهي الصفات السبعية والبهيمية والشيطانية والربانية # فهو من حيث سلط عليه الغضب يتعاطى أفعال السباع من العداوة والبغضاء ~~والتهجم على الناس بالضرب والشتم # ومن حيث سلطت عليه الشهوة يتعاطى أفعال البهائم من الشره والحرص والشبق ~~وغيره # ومن حيث إنه في نفسه أمر رباني كما قال الله تعالى قل الروح من أمر ربي ~~فإنه يدعي لنفسه الربوبية ويحب الاستيلاء والاستعلاء والتخصص والاستبداد ~~بالأمور كلها والتفرد بالرياسة والانسلال عن ربقة العبودية والتواضع ويشتهي ~~الاطلاع على العلوم كلها بل يدعي لنفسه العلم والمعرفة والإحاطة بحقائق ~~الأمور ويفرح إذا نسب إلى العلم ويحزن إذا نسب إلى الجهل والإحاطة بجميع ~~الحقائق والاستيلاء بالقهر على جميع الخلائق من أوصاف الربوبية وفي الإنسان ~~حرص على ذلك # ومن حيث يختص من البهائم بالتمييز مع مشاركته لها في الغضب والشهوة حصلت ~~فيه شيطانية فصار شريرا يستعمل التمييز في PageV03P010 استنباط وجوه الشر ~~ويتوصل إلى الأغراض بالمكر والحيلة والخداع ويظهر الشر في معرض الخير وهذه ~~أخلاق الشياطين # وكل إنسان فيه شوب من هذه الأصول الأربعة أعني الربانية والشيطانية ~~والسبعية والبهيمية وكل ذلك مجموع في القلب # فكأن المجموع في إهاب الإنسان خنزير وكلب وشيطان وحكيم # فالخنزير هو الشهوة فإنه لم يكن الخنزير مذموما للونه وشكله وصورته بل ~~لجشعه وكلبه وحرصه # والكلب هو الغضب فإن السبع الضاري والكلب العقور ليس كلبا وسبعا باعتبار ~~الصورة واللون والشكل بل روح معنى السبعية الضراوة والعدوان والعقر وفي ~~باطن الإنسان ضراوة السبع وغضبه وحرص الخنزير وشبقه # فالخنزير يدعو بالشره إلى الفحشاء والمنكر والسبع بالغضب إلى الظلم ~~والإيذاء # والشيطان لا يزال يهيج شهوة الخنزير وغيظ السبع ويغري أحدهما بالآخر ~~ويحسن لهما ما هما مجبولان عليه # والحكيم الذي هو مثال العقل مأمور بأن يدفع كيد الشيطان ومكره بأن يكشف ~~عن تلبيسه ببصيرته النافذة ونوره المشرق الواضح وأن يكسر شره هذا الخنزير ~~بتسليط الكلب عليه إذ بالغضب يكسر سورة الشهوة ويدفع ضراوة الكلب بتسليط ~~الخنزير عليه ويجعل الكلب مقهورا تحت سياسته فإن فعل ذلك وقدر عليه اعتدل ~~الأمر وظهر العدل في مملكة البدن وجرى الكل على الصراط المستقيم وإن عجز عن ~~قهرها وقهروه واستخدموه فلا يزال في استنباط الحيل وتدقيق الفكر ليشبع ~~الخنزير ويرضى الكلب فيكون دائما في عبادة كلب وخنزير # وهذا حال أكثر الناس مهما كان أكثر همتهم البطن والفرج ومنافسة الأعداء ~~والعجب منه أنه ينكر على عبدة الأصنام عبادتهم للحجارة ولو كشف الغطاء عنه ~~وكوشف بحقيقة حاله ومثل له حقيقة حاله كما يمثل للمكاشفين إما في النوم أو ~~في اليقظة لرأى نفسه ماثلا بين يدي خنزير ساجدا له مرة وراكعا أخرى ومنتظرا ~~لإشارته وأمره # فمهما هاج الخنزير لطلب شيء من شهواته انبعث على الفور في خدمته وإحضار ~~شهوته أو رأى نفسه ماثلا بين يدي كلب عقور عابدا له مطيعا سامعا لما يقتضيه ~~ويلتمسه مدققا بالفكر في حيل الوصول إلى طاعته وهو بذلك ساع في مسرة شيطانه ~~فإنه الذي يهيج الخنزير ويثير الكلب ويبعثهما على استخدامه فهو من هذا ~~الوجه يعبد الشيطان بعبادتهما فليراقب كل عبد حركاته وسكناته وسكوته ونطقه ~~وقيامه وقعوده ولينظر بعين البصيرة فلا يرى إن أنصف نفسه إلا ساعيا طول ~~النهار في عبادة هؤلاء وهذا غاية الظلم إذ جعل المالك مملوكا والرب مربوبا ~~والسيد عبدا والقاهر مقهروا إذ العقل هو المستحق للسيادة والقهر والاستيلاء ~~وقد سخره لخدمة هؤلاء الثلاثة فلا جرم ينتشر إلى قلبه من طاعة هؤلاء ~~الثلاثة صفات تتراكم عليه حتى يصير طابعا ورينا مهلكا للقلب ومميتا له أما ~~طاعة خنزير الشهوة فتصدر منها صفة الوقاحة والخبث والتبذير والتقتير ~~والرياء والهتكة والمجانة والعبث والحرص والجشع والملق والحسد والحقد ~~والشماتة وغيرها # وأما طاعة كلب الغضب فتنتشر منها إلى القلب صفة التهور والبذالة والبذخ ~~والصلف والاستشاطة والتكبر والعجب والاستهزاء والاستخفاف وتحقير الخلق ~~وإرادة الشر وشهوة الظلم وغيرها # وأما طاعة الشيطان بطاعة الشهوة والغضب فيحصل منها صفة المكر والخداع ~~والحيلة والدهاء والجراءة والتلبيس والتضريب والغش والخب والخنا وأمثالها # ولو عكس الأمر وقهر الجميع تحت سياسة الصفة الربانية لاستقر في القلب من ~~الصفات الربانية العلم والحكمة واليقين والإحاطة بحقائق الأشياء ومعرفة ~~الأمور على ما هي عليه والاستيلاء على الكل بقوة العلم والبصيرة واستحقاق ~~التقدم على الخلق لكمال العلم وجلاله ولاستغنى عن عبادة الشهوة والغضب ~~ولانتشر إليه PageV03P011 من ضبط خنزير الشهوة ورده إلى حد الاعتدال صفات ~~شريفة مثل العفة والقناعة والهدو والزهد والورع والتقوى والانبساط وحسن ~~الهيئة والحياء والظرف والمساعدة وأمثالها ويحصل فيه من ضبط قوة الغضب ~~وقهرها وردها إلى حد الواجب صفة الشجاعة والكرم والنجدة وضبط النفس والصبر ~~والحلم والاحتمال والعفو والثبات والنبل والشهامة والوقار وغيرها # فالقلب في حكم مرآة قد اكتنفته هذه الأمور المؤثرة فيه وهذه الآثار على ~~التواصل واصلة إلى القلب # أما الآثار المحمودة التي ذكرناها فإنها تزيد مرآة القلب جلاء وإشراقا ~~ونورا وضياء حتى يتلألأ فيه جلية الحق وينكشف فيه حقيقة الأمر المطلوب في ~~الدين وإلى مثل هذا القلب الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله ~~بعبد خيرا جعل له واعظا من قلبه + حديث إذا أراد الله بعبده خيرا جعل له ~~واعظا من قلبه أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أم سلمة ~~وإسناده جيد # وبقوله صلى الله عليه وسلم من كان له من قلبه واعظ كان عليه من الله حافظ ~~+ حديث من كان له من قلبه واعظ كان عليه من الله حافظ لم أجد له أصلا # وهذا القلب هو الذي يستقر فيه الذكر قال الله تعالى ألا بذكر الله تطمئن ~~القلوب # وأما الآثار المذمومة فإنها مثل دخان مظلم يتصاعد إلى مرآة القلب ولا ~~يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى إلى أن يسود ويظلم ويصير بالكلية محجوبا عن ~~الله تعالى وهو الطبع وهو الرين قال الله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما ~~كانوا يكسبون وقال عز وجل أن لو نشاء أصبناهم بذنبوهم ونطبع على قلوبهم فهم ~~لا يسمعون فربط عدم السماع بالطبع بالذنوب كما ربط السماع بالتقوى فقال ~~تعالى واتقوا الله واسمعوا واتقوا الله ويعلمكم الله # ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلوب وعند ذلك يعمى القلب عن إدراك الحق ~~وصلاح الدين ويستهين بأمر الآخرة ويستعظم أمر الدنيا ويصير مقصور الهم ~~عليها # فإذا قرع سمعه أمر الآخرة وما فيها من الأخطار دخل من أذن وخرج من أذن ~~ولم يستقر في القلب ولم يحركه إلى التوبة والتدارك أولئك يئسوا من الآخرة ~~كما يئس الكفار من أصحاب القبور وهذا هو معنى اسوداد القلب بالذنوب كما نطق ~~به القرآن والسنة # قال ميمون بن مهران إذا أذنب العبد ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء فإذا هو ~~نزع وتاب صقل وإن عاد زيد فيها حتى يعلو قلبه فهو الران وقد قال النبي صلى ~~الله عليه وسلم قلب المؤمن أجرد فيه سراج يزهر وقلب الكافر أسود منكوس + ~~حديث قلب المؤمن أجرد فيه سراج يزهر الحديث أخرجه أحمد والطبراني في الصغير ~~من حديث أبي سعيد وهو بعض الحديث الذي يليه # فطاعة الله سبحانه بمخالفة الشهوات مصقلة للقلب ومعاصيه مسودات له فمن ~~أقبل على المعاصي اسود قلبه ومن أتبع السيئة الحسنة ومحا أثرها لم يظلم ~~قلبه ولكن ينقص نوره كالمرآة التي يتنفس فيها ثم تمسح ويتنفس ثم تتمسح ~~فإنها لا تخلو عن كدورة # وقد قال صلى الله عليه وسلم القلوب أربعة قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك ~~قلب المؤمن وقلب أسود منكوس فذلك قلب الكافر وقلب أغلف مربوط على غلافه ~~فذلك قلب المنافق وقلب مصفح فيه إيمان ونفاق + حديث القلوب أربعة قلب أجرد ~~فيه سراج يزهر الحديث أخرجه أحمد والطبراني في الصغير من حديث أبي سعيد ~~الخدري وقد تقدم # فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب # ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والصديد فأي المادتين غلبت عليه ~~حكم له بها وفي رواية ذهبت به # قال الله تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم ~~مبصرون فأخبر أن جلاء القلب وإبصاره يحصل بالذكر وأنه لا يتمكن منه إلا ~~الذين اتقوا # فالتقوى باب الذكر والذكر باب الكشف والكشف باب الفوز الأكبر وهو الفوز ~~بلقاء الله تعالى PageV03P012 # | بيان مثل القلب بالإضافة إلى العلوم خاصة # اعلم أن محل العلم هو القلب أعني اللطيفة المدبرة لجميع الجوارح وهي ~~المطاعة المخدومة من جميع الأعضاء وهي بالإضافة إلى حقائق المعلومات ~~كالمرآة بالإضافة إلى صور المتلونات فكما أن للمتلون صورة ومثال تلك الصورة ~~ينطبع في المرآة ويحصل بها كذلك لكل معلوم حقيقة ولتلك الحقيقة صورة تنطبع ~~في مرآة القلب وتتضح فيها وكما أن المرآة غير وصور الأشخاص غير وحصول ~~مثالها في المرآة غير فهي ثلاثة أمور # فكذلك ههنا ثلاثة أمور القلب وحقائق الأشياء وحصول نفس الحقائق في القلب ~~وحضورها فيه # فالعالم عبارة عن القلب الذي فيه يحل مثال حقائق الأشياء والمعلوم عبارة ~~عن حقائق الأشياء # والعلم عبارة عن حصول المثال في المرآة # وكما أن القبض مثلا يستدعي قابضا كاليد ومقبوضا كالسيف ووصولا بين السيف ~~واليد بحصول السيف في اليد ويسمى قبضا فكذلك وصول مثال المعلوم إلى القلب ~~يسمى علما وقد كانت الحقيقة موجودة والقلب موجودا ولم يكن العلم حاصلا لأن ~~العلم عبارة عن وصول الحقيقة إلى القلب كما أن السيف موجود واليد موجودة ~~ولم يكن اسم القبض والأخذ حاصلا لعدم وقوع السيف في اليد نعم القبض عبارة ~~عن حصول السيف بعينه في اليد والمعلوم بعينه لا يحصل في القلب فمن علم ~~النار لم تحصل عين النار في قلبه ولكن الحاصل حدها وحقيقتها المطابقة ~~لصورتها فتمثيله بالمرآة أولى لأن عين الإنسان لا تحصل في المرآة وإنما ~~يحصل مثال مطابق له # وكذلك حصول مثال مطابق لحقيقة المعلوم في القلب يسمى علما # وكما أن المرآة لا تنكشف فيها الصورة لخمسة أمور # أحدها نقصان صورتها كجوهر الحديد قبل أن يدور ويشكل ويصقل # والثاني لخنثه وصدئه وكدورته وإن كان تام الشكل # والثالث لكونه معدولا به عن جهة الصورة إلى غيرها كما إذا كانت الصورة ~~وراء المرآة # والرابع لحجاب مرسل بين المرآة والصورة # والخامس للجهل بالجهة التي فيها الصورة المطلوبة حتى يتعذر بسببه أن ~~يحاذي بها شطر الصورة وجهتها # فكذلك القلب مرآة مستعدة لأن ينجلي فيها حقيقة الحق في الأمور كلها وإنما ~~خلت القلوب عن العلوم التي خلت عنها لهذه الأسباب الخمسة # أولها نقصان في ذاته كقلب الصبي فإنه لا ينجلي له المعلومات لنقصانه # والثاني لكدورة المعاصي والخبث الذي يتراكم على وجه القلب من كثرة ~~الشهوات فإن ذلك يمنع صفاء القلب وجلاءه فيمتنع ظهور الحق فيه لظلمته ~~وتراكمه # وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم من قارف ذنبا فارقه عقل لا يعود ~~إليه أبدا + @QB@ حديث @QE@ من قارف ذنبا فراقه عقل لا يعود إليه أبدا لم ~~أر له أصلا # أي حصل في قلبه كدورة لا يزول أثرها إذ غايته أن يتبعه بحسنة يمحوه بها ~~فلو جاء بالحسنة ولم تتقدم السيئة لازداد لا محالة إشراق القلب فلما تقدمت ~~السيئة سقطت فائدة الحسنة لكن عاد القلب بها إلى ما كان قبل السيئة ولم ~~يزدد بها نورا # فهذا خسران مبين ونقصان لا حيلة له فليست المرآة التي تتدنس ثم تمسح ~~بالمصقلة كالتي تمسح بالمصقلة لزيادة جلائها من غير دنس سابق فالإقبال على ~~طاعة الله والإعراض عن مقتضى الشهوات هو الذي يجلو القلب ويصفيه ولذلك قال ~~الله تعالى @QB@ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا @QE@ وقال صلى الله ~~عليه وسلم من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم + @QB@ حديث @QE@ من ~~عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أنس ~~وقد تقدم في العلم PageV03P013 # الثالث أن يكون معدولا به عن جهة الحقيقة المطلوبة فإن قلب المطيع الصالح ~~وإن كان صافيا فإنه ليس يتضح فيه جلية الحق لأنه ليس يطلب الحق وليس محاذيا ~~بمرآته شطر المطلوب # بل ربما يكون متسوعب الهم بتفصيل الطاعات البدنية أو بتهيئة أسباب ~~المعيشة ولا يصرف فكره إلى التأمل في حضرة الربوبية والحقائق الخفية ~~الإلهية فلا ينكشف له إلا ما هو متفكر فيه من دقائق آفات الأعمال وخفايا ~~عيوب النفس إن كان متفكرا فيها أو مصالح المعيشة إن كان متفكرا فيها # وإذا كان تقييد الهم بالأعمال وتفصيل الطاعات مانعا عن انكشاف جلية الحق ~~فما ظنك فيمن صرف الهم إلى الشهوات الدنيوية ولذاتها وعلائقها فكيف لا يمنع ~~عن الكشف الحقيقي # الرابع الحجاب فإن المطيع القاهر لشهواته المتجرد الفكر في حقيقة من ~~الحقائق قد لا ينكشف له ذلك لكونه محجوبا عنه باعتقاد سبق إليه منذ الصبا ~~على سبيل التقليد والقبول بحسن الظن فإن ذلك يحول بينه وبين حقيقة الحق ~~ويمنع من أن ينكشف في قلبه خلاف ما تلقفه من ظاهر التقليد وهذا أيضا حجاب ~~عظيم به حجب أكثر المتكلمين والمتعصبين للمذاهب بل أكثر الصالحين المتفكرين ~~في ملكوت السموات والأرض لأنهم محجوبون باعتقادات تقليدية جمدت في نفوسهم ~~ورسخت في قلوبهم وصارت حجابا بينهم وبين درك الحقائق # الخامس الجهل بالجهة التي يقع منها العثور على المطلوب فإن طالب العلم ~~ليس يمكنه أن يحصل العلم بالمجهول إلا بالتذكر للعلوم التي تناسب مطلوبه ~~حتى إذا تذكرها ورتبها في نفسه ترتيبا مخصوصا يعرفه العلماء بطرق الاعتبار ~~فعند ذلك يكون قد عثر على جهة المطلوب فتنجلي حقيقة المطلوب لقلبه فإن ~~العلوم المطلوبة التي ليست فطرية لا تقتنص إلا بشبكة العلوم الحاصلة بل كل ~~علم لا يحصل إلا عن علمين سابقين يأتلفا ويزدوجان على وجه مخصوص فيحصل من ~~ازدواجهما علم ثالث على مثال ما يحصل النتاج من ازدواج الفحل والأنثى # ثم كما أن من أراد أن يستنتج رمكة لم يمكنه ذلك من حمار وبعير وإنسان بل ~~من أصل مخصوص من الخيل الذكر والأنثى وذلك إذا وقع بينهما ازدواج مخصوص # فكذلك كل علم فله أصلان مخصوصان وبينهما طريق في الازدواج يحصل من ~~ازدواجهما العلم المستفاد المطلوب فالجهل بتلك الأصول وبكيفية الازدواج هو ~~المانع من العلم # ومثاله ما ذكرناه من الجهل بالجهة التي الصورة فيها بل مثاله أن يريد ~~الإنسان أن يرى قفاه مثلا بالمرآة فإنه إذا رفع المرآة بإزاء وجهه لم يكن ~~قد حاذى بها شطر القفا فلا يظهر فيها القفا وإن رفعها وراء القفا وحاذاه ~~كان قد عدل بالمرآة عن عينه فلا يرى المرآة ولا صورة القفا فيها فيحتاج إلى ~~مرآة أخرى ينصبها وراء القفا وهذه في مقابلتها بحيث يبصرها ويراعي مناسبة ~~بين وضع المرآتين حتى تنطبع صورة القفا في المرآة المحاذية للقفا ثم تنطبع ~~صورة هذه المرآة في المرآة الأخرى التي في مقابلة العين ثم تدرك العين صورة ~~القفا فكذلك في اقتناص العلوم طرق عجيبة فيها ازورارات وتحريفات أعجب ما ~~ذكرناه في المرآة يعز على بسيط الأرض من يهتدي إلى كيفية الحيلة في تلك ~~الأزورارات # فهذه هي الأسباب المانعة للقلوب من معرفة حقائق الأمور # وإلا فكل قلب فهو بالفطرة صالح لمعرفة الحقائق لأنه أمر رباني شريف فارق ~~سائر جواهر العالم بهذه الخاصية والشرف # وإليه الإشارة بقوله عز وجل إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض ~~والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إشارة إلى أن له ~~خاصية تميز بها عن السموات والأرض والجبال بها صار مطيقا لحمل أمانة الله ~~تعالى # وتلك الأمانة هي المعرفة والتوحيد وقلب كل آدمي مستعد لحمل الأمانة ومطيق ~~لها في الأصل ولكن يثبطه عن النهوض بأعبائها والوصول إلى تحقيقها الأسباب ~~التي ذكرناها # ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه ~~يهودانه وينصرانه ويمجسانه + حديث كل مولود يولد على الفطرة الحديث متفق ~~عليه من حديث أبي هريرة # وقول رسول الله PageV03P014 صلى الله عليه وسلم لولا أن الشياطين يحومون ~~على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء + @QB@ حديث @QE@ لولا أن ~~الشياطين يحومون على قلوب بني آدم الحديث @QB@ تقدم @QE@ # إشارة إلى بعض هذه الأسباب التي هي الحجاب بين القلوب وبين الملكوك # وإليه الإشارة بما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قيل لرسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يا رسول الله أين الله في الأرض أو في السماء قال في قلوب ~~عباده المؤمنين + حديث ابن عمر أين الله قال في قلوب عباده المؤمنين لم ~~أجده بهذا اللفظ وللطبراني من حديث أبي عتبة الخولاني يرفعه إلى النبي صلى ~~الله عليه وسلم قال إن لله آنية من أهل الأرض وآنية ربكم قلوب عباده ~~الصالحين الحديث فيه بقية بن الوليد وهو مدلس لكنه صرح فيه بالتحديث + # وفي الخبر قال الله تعالى لم يسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي ~~المؤمن اللين الوادع + حديث قال الله ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب ~~عبدي المؤمن اللين الوادع لم أر له أصلا وفي حديث أبي عتبة قبله عند ~~الطبراني بعد قوله وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين وأحبها إليه ألينها ~~وأرقها # وفي الخبر أنه قيل يا رسول الله من خير الناس فقال كل مؤمن مخموم القلب ~~فقيل وما مخموم القلب فقال هو التقي النقي الذي لا غش فيه ولا بغي ولا غدر ~~ولا غل ولا حسد + حديث قيل من خير الناس قال كل مؤمن مخموم القلب الحديث ~~أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر بإسناد صحيح + # ولذلك قال عمر رضي الله عنه رأى قلبي ربي # إذ كان قد رفع الحجاب بالتقوى ومن ارتفع الحجاب بينه وبين الله تجلى صورة ~~الملك والملكوت في قلبه فيرى جنة عرض بعضها السموات والأرض أما جملتها ~~فأكثر سعة من السموات والأرض لأن السموات والأرض عبارة عن عالم الملك ~~والشهادة وهو وإن كان واسع الأطراف متباعد الأكناف فهو متناه على الجملة ~~وأما عالم الملكوت وهي الأسرار الغائبة عن مشاهدة الأبصار المخصوصة بإدراك ~~البصائر فلا نهاية له نعم الذي يلوح للقلب منه مقدار متناه ولكنه في نفسه ~~وبالإضافة إلى علم الله لا نهاية له # وجملة عالم الملك والملكوت إذا أخذت دفعة واحدة تسمى الحضرة الربوبية لأن ~~الحضرة الربوبية محيطة بكل الموجودات إذ ليس في الوجود شيء سوى الله تعالى ~~وأفعاله ومملكته وعبيده من أفعاله فما يتجلى من ذلك للقلب هي الجنة بعينها ~~عند قوم وهو سبب استحقاق الجنة عند أهل الحق ويكون سعة ملكه في الجنة بحسب ~~سعة معرفته وبمقدار ما تجلى له من الله وصفاته وأفعاله # وإنما مراد الطاعات وأعمال الجوارح كلها تصفية القلب وتزكيته وجلاؤه @QB@ ~~قد أفلح من زكاها @QE@ ومراد تزكيته حصول أنوار الإيمان فيه أعني إشراق نور ~~المعرفة وهو المراد بقوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ~~أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه # نعم هذا التجلي وهذا الإيمان له ثلاث مراتب # المرتبة الأولى إيمان العوام وهو إيمان التقليد المحض # والثانية إيمان المتكلمين وهو ممزوج بنوع استدلال ودرجته قريبة من درجة ~~إيمان العوام # والثالثة إيمان العارفين وهو المشاهد بنور اليقين # ونبين لك هذه المراتب بمثال وهو أن تصديقك بكون زيد مثلا في الدار له ~~ثلاث درجات # الأولى أن يخبرك من جربته بالصدق ولم تعرفه بالكذب ولا اتهمته في القول ~~فإن قلبك يسكن إليه ويطمئن بخبره بمجرد السماع وهذا الإيمان بمجرد التقليد ~~وهو مثل إيمان العوام فإنهم لما بلغوا سن التمييز سمعوا من آبائهم وأمهاتهم ~~وجود الله تعالى وعلمه وإرادته وقدرته وسائر صفاته وبعثة الرسل وصدقهم وما ~~جاءوا به وكما سمعوا به قبلوه وثبتوا عليه واطمأنوا إليه ولم يخطر ببالهم ~~خلاف ما قالوه لهم لحسن ظنهم بآبائهم وأمهاتهم ومعلميهم وهذا الإيمان سبب ~~النجاة في الآخرة وأهله من أوائل رتب أصحاب اليمين وليسوا من المقربين لأنه ~~ليس فيه كشف وبصيرة وانشراح صدر بنور اليقين إذ الخطأ ممكن فيما سمع من ~~الآحاد بل من الأعداد فيما يتعلق PageV03P015 بالاعتقادات فقلوب اليهود ~~والنصارى أيضا مطمئنة بما يسمعونه من آبائهم وأمهاتهم إلا أنهم اعتقدوا ما ~~اعتقدوا خطأ لأنهم ألقى إليهم الخطأ والمسلمون اعتقدوا الحق لا لإطلاعهم ~~عليه ولكن ألقى إليهم كلمة الحق # الرتبة الثانية أن تسمع كلام زيد وصوته من داخل الدار ولكن من وراء جدار ~~فتستدل به على كونه في الدار فيكون إيمانك وتصديقك ويقينك بكونه في الدار ~~أقوى من تصديقك بمجرد السماع فإنك إذا قيل لك إنه في الدار ثم سمعت صوته ~~ازددت به يقينا لأن الأصوات تدل على الشكل والصورة عند من يسمع الصوت في ~~حال مشاهدة الصورة فيحكم قلبه بأن هذا صوت ذلك الشخص وهذا إيمان ممزوج ~~بدليل والخطأ أيضا ممكن أن يتطرق إليه إذ الصوت قد يشبه الصوت وقد يمكن ~~التكلف بطريق المحاكاة إلا أن ذلك قد لا يخطر ببال السامع لأنه ليس يجعل ~~للتهمة موضعا ولا يقدر في هذا التلبيس والمحاكاة غرضا # الرتبة الثالثة أن تدخل الدار فتنظر إليه بعينك وتشاهده وهذه هي المعرفة ~~الحقيقية والمشاهدة اليقينية وهي تشبه معرفة المقربين والصديقين لأنهم ~~يؤمنون عن مشاهدة فينطوي في إيمانهم إيمان العوام والمتكلمين ويتميزون ~~بمزية بينة يستحيل معها إمكان الخطأ # نعم وهم أيضا يتفاوتون بمقادير العلوم وبدرجات الكشف # أما درجات الكشف فمثاله أن يبصر زيدا في الدار عن قرب وفي صحن الدار في ~~وقت إشراق الشمس فيكمل له إدراكه والآخر يدركه في بيت أو من بعد أو في وقت ~~عشية فيتمثل له في صورته ما يستيقن معه أنه هو ولكن لا يتمثل في نفسه ~~الدقائق والخفايا من صورته # ومثل هذا متصور في تفاوت المشاهدة للأمور الإلهية # وأما مقادير العلوم فهو بأن يرى في الدار زيدا وعمرا وبكرا غير ذلك وآخر ~~لا يرى إلا زيدا فمعرفة ذلك تزيد بكثرة المعلومات لا محالة # فهذا حال القلب بالإضافة إلى العلوم والله تعالى أعلم بالصواب # | بيان حال القلب بالإضافة إلى أقسام العلوم العقلية والدينية والدنيوية # والأخروية # أعلم أن القلب بغريزته مستعد لقبول حقائق المعلومات كما سبق ولكن العلوم ~~التي تحل فيه تنقسم إلى عقلية وإلى شرعية # والعقلية تنقسم إلى ضرورية ومكتسبة # والمكتسبة إلى دنيوية وأخروية # أما العقلية فنعني بها ما تقضي بها غريزة العقل ولا توجد بالتقليد ~~والسماع وهي تنقسم إلى ضرورية لا يدري من أين حصلت وكيف حصلت كعلم الإنسان ~~بأن الشخص الواحد لا يكون في مكانين والشيء الواحد لا يكون حادثا قديما ~~موجودا معدوما معا فإن هذه علوم يجد الإنسان نفسه منذ الصبا مفطورا عليها ~~ولا يدري متى حصل له هذا العلم ولا من أين حصل له أعني أنه لا يدري له سببا ~~قريبا وإلا فليس يخفى عليه أن الله هو الذي خلقه وهداه # وإلى علوم مكتسبة وهي المستفادة بالتعلم والاستدلال وكلا القسمين قد يسمى ~~عقلا # قال علي رضي الله عنه # رأيت العقل عقلين % فمطبوع ومسموع # ولا ينفع مسموع % إذا لم يك مطبوع # كما لا تنفع الشمس % وضوء العين ممنوع # والأول هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لعلي ما خلق الله خلقا أكرم ~~عليه من العقل + حديث ما خلق الله خلقا أكرم عليه من العقل أخرجه الترمذي ~~الحكيم في نوادر الأصول بإسناد ضعيف وقد تقدم في العلم + # والثاني هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لعلى رضي الله عنه إذا تقرب ~~الناس إلى الله تعالى بأنواع البر فتقرب أنت بعقلك + حديث إذا تقرب الناس ~~إلى الله بأنواع البر فتقرب أنت بعقلك أخرجه أبو نعيم من حديث علي بإسناد ~~ضعيف + PageV03P016 إذ لا يمكن التقرب بالغريزة الفطرية ولا بالعلوم ~~الضرورية بل بالمكتسبة ولكن مثل علي رضي الله عنه هو الذي يقدر على التقرب ~~باستعمال العقل في اقتناص العلوم التي بها ينال القرب من رب العالمين ~~فالقلب جار مجرى العين وغريزة العقل فيه جارية مجرى قوة البصر في العين ~~وقوة الإبصار لطيفة تفقد في العمى وتوجد في البصر وإن كان قد غمض عينيه أو ~~جن عليه الليل والعلم الحاصل منه في القلب جار مجرى قوة إدراك البصر في ~~العين ورؤيته لأعيان الأشياء وتأخر العلوم عن عين العقل في مدة الصبا إلى ~~أوان التمييز أو البلوغ يضاهي تأخر الرؤية عن البصر إلى أوان إشراق الشمس ~~وفيضان نورها على المبصرات والقلم الذي سطر الله به العلوم على صفحات ~~القلوب يجرى مجرى قرص الشمس وإنما لم يحصل العلم في قلب الصبي قبل التمييز ~~لأن لوح قلبه لم يتهيأ بعد لقبول نفس العلم والقلم عبارة عن خلق من خلق ~~الله تعالى جعله سببا لحصول نقش العلوم في قلوب البشر قال الله تعالى @QB@ ~~الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم @QE@ وقلم الله تعالى لا يشبه قلم ~~خلقه كما لا يشبه وصفه وصف خلقه فليس قلمه من قصب ولا خشب كما أنه تعالى ~~ليس من جوهر ولا عرض فالموازنة بين البصيرة الباطنة والبصر الظاهر صحيحة من ~~هذه الوجوه إلا أنه لا مناسبة بينهما في الشرف فإن البصيرة الباطنة هي عين ~~النفس التي هي اللطيفة المدركة وهي كالفارس والبدن كالفرس وعمى الفارس أضر ~~على الفارس من عمى الفرس بل لا نسبة لأحد الضررين إلى الآخر # ولموازنة البصيرة الباطنة للبصر الظاهر سماه الله تعالى باسمه فقال @QB@ ~~ما كذب الفؤاد ما رأى @QE@ سمى إدراك الفؤاد رؤية وكذلك قوله تعالى وكذلك ~~نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وما أراد به الرؤية الظاهرة فإن ذلك غير ~~مخصوص بإبراهيم عليه السلام حتى يعرض في معرض الامتنان ولذلك سمى ضد إدراكه ~~عمى فقال تعالى @QB@ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في ~~الصدور @QE@ وقال تعالى @QB@ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل ~~سبيلا @QE@ فهذا بيان العلم العقلي # أما العلوم الدينية فهي المأخوذة بطريق التقليد من الأنبياء صلوات الله ~~عليهم وسلامه وذلك يحصل بالتعلم لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه ~~وسلم وفهم معانيهما بعد السماع وبه كمال صفة القلب وسلامته عن الأدواء ~~والأمراض فالعلوم العقلية غير كافية في سلامة القلب وإن كان محتاجا إليها ~~كما أن العقل غير كاف في استدامة صحة أسباب البدن بل يحتاج إلى معرفة خواص ~~الأدوية والعقاقير بطريق التعلم من الأطباء إذ مجرد العقل لا يهتدي إليه ~~ولكن لا يمكن فهمه بعد سماعه إلا بالعقل فلا غنى بالعقل عن السماع ولا غنى ~~بالسماع عن العقل فالداعي إلى محض التقليد مع عزل العقل بالكلية جاهل ~~والمكتفي بمجرد العقل عن أنوار القرآن والسنة مغرور فإياك أن تكون من أحد ~~الفريقين وكن جامعا بين الأصلين فإن العلوم العقلية كالأغذية والعلوم ~~الشرعية كالأدوية والشخص المريض يستضر بالغذاء متى فاته الدواء فكذلك أمراض ~~القلوب لا يمكر علاجها إلا بالأدوية المستفادة من الشريعة وهي وظائف ~~العبادات والأعمال التي ركبها الأنبياء صلوات الله عليهم لإصلاح القلوب فمن ~~لا يداوي قلبه المريض بمعالجات العبادة الشرعية واكتفى بالعلوم العقلية ~~استضر بها كما يستضر المريض بالغذاء وظن من يظن أن العلوم العقلية مناقضة ~~للعلوم الشرعية وأن الجمع بينهما غير ممكن هو ظن صادر عن عمى في عين ~~البصيرة نعوذ بالله منه بل هذا القائل ربما يناقض عنده بعض العلوم الشرعية ~~لبعض فيعجز عن الجمع بينهما فيظن أنه تناقض في الدين فيتحير به فينسل من ~~الدين انسلال الشعرة من العجين وإنما ذلك لأن عجزه في نفسه خيل إليه نقضا ~~في الدين وهيهات وإنما مثاله مثال الأعمى الذي دخل دار قوم فتعثر فيها ~~بأواني الدار فقال لهم ما بال هذه الأواني PageV03P017 تركت على الطريق لم ~~لا ترد إلى مواضعها فقالوا له تلك الأواني في مواضعها وإنما أنت لست تهتدي ~~للطريق لعماك فالعجب منك أنك لا تحيل عثرتك على عماك وإنما تحيلها على ~~تقصير غيرك فهذه نسبة العلوم الدينية إلى العلوم العقلية # والعلوم العقلية تنقسم إلى دنيوية وأخروية # فالدنيوية كعلم الطب والحساب والهندسة والنجوم وسائر الحرف والصناعات # والأخروية كعلم أحوال القلب وآفات الأعمال والعلم بالله تعالى وبصفاته ~~وأفعاله كما فصلناه في كتاب العلم وهما علمان متنافيان أعني أن من صرف ~~عنايته إلى أحدهما حتى تعمق فيه قصرت بصيرته عن الآخر على الأكثر ولذلك ضرب ~~علي رضى الله عنه للدنيا والآخرة ثلاثة أمثلة فقال هما ككفتي الميزان ~~وكالمشرق والمغرب وكالضرتين إذا أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى # ولذلك ترى الأكياس في أمور الدنيا وفي علم الطب والحساب والهندسة ~~والفلسفة جهالا في أمور الآخرة والأكياس في دقائق علوم الآخرة جهالا في ~~أكثر علوم الدنيا لأن قوة العقل لا تفي بالأمرين جميعا في الغالب فيكون ~~أحدهما مانعا من الكمال في الثاني ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن أكثر ~~أهل الجنة البله + حديث أكثر أهل الجنة البله أخرجه البزار من حديث أنس ~~وضعفه وصححه القرطبي في التذكرة وليس كذلك فقد قال ابن عدي أنه منكر + أي ~~البله في أمور الدنيا # وقال الحسن في بعض مواعظه لقد أدركنا أقواما لو رأيتموهم لقلتم مجانين ~~ولو أدركوكم لقالوا شياطين فمهما سمعت أمرا غريبا من أمور الدين جحده أهل ~~الكياسة في سائر العلوم فلا يغرنك جحودهم عن قبوله إذ من المحال أن يظفر ~~سالك طريق المشرق بما يوجد في المغرب فكذلك يجري أمر الدنيا والآخرة ولذلك ~~قال تعالى @QB@ إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا ~~بها @QE@ الآية وقال تعالى @QB@ يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن ~~الآخرة هم غافلون @QE@ وقال عز وجل فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا ~~الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم فالجمع بين كمال الاستبصار في مصالح ~~الدنيا والدين لا يكاد يتيسر إلا لمن رسخه الله لتدبير عباده في معاشهم ~~ومعادهم وهم الأنبياء المؤيدون بروح القدس المستمدون من القوة الإلهية التي ~~تتسع لجميع الأمور ولا تضيق عنها فأما قلوب سائر الخلق فإنها إذا استقلت ~~بأمر الدنيا انصرفت عن الآخرة وقصرت عن الاستكمال فيها # | بيان الفرق بين الإلهام والتعلم والفرق بين طريق الصوفية في استكشاف ~~الحق # وطريق النظار # اعلم أن العلوم التي ليست ضرورية وإنما تحصل في القلب في بعض الأحوال ~~تختلف الحال في حصولها فتارة تهجم على القلب كأنه ألقي فيه من حيث لا يدري ~~وتارة تكتسب بطريق الاستدلال والتعلم فالذي يحصل لا بطريق الاكتساب وحيلة ~~الدليل يسمى إلهاما والذي يحصل بالاستدلال يسمى اعتبارا واستبصارا ثم ~~الواقع في القلب بغير حيلة وتعلم واجتهاد من العبد ينقسم إلى ما لا يدري ~~العبد أنه كيف حصل له ومن أين حصل وإلى ما يطلع معه على السبب الذي منه ~~استفاد ذلك العلم وهو مشاهدة الملك الملقى في القلب # والأول يسمى إلهاما ونفثا في الروع # والثاني يسمى وحيا وتختص به الأنبياء # والأول يختص به الأولياء والأصفياء والذي قبله وهو المكتسب بطريق ~~الاستدلال يختص به العلماء وحقيقة القول فيه أن القلب مستعد لأن تنجلي فيه ~~حقيقة الحق في الأشياء كلها PageV03P018 وإنما حيل بينه وبينها بالأسباب ~~الخمسة التي سبق ذكرها فهي كالحجاب المسدل الحائل بين مرآة القلب وبين ~~اللوح المحفوظ الذي هو منقوش بجميع ما قضى الله به إلى يوم القيامة # وتجلى حقائق العلوم من مرآة اللوح في مرآة القلب يضاهي انطباع صورة من ~~مرآة في مرآهتقابلها والحجاب بين المرآتين تارة يزال باليد وأخرى يزول ~~بهبوب الرياح تحركه وكذلك قد تهب رياح الألطاف وتنكشف الحجب عن أعين القلوب ~~فينجلي فيها بعض ما هو مسطور في اللوح المحفوظ ويكون ذلك تارة عند المنام ~~فيعلم به ما يكون في المستقبل وتمام ارتفاع الحجاب بالموت فبه ينكشف الغطاء ~~وينكشف أيضا في اليقظة حتى يرتفع الحجاب بلطف خفي من الله تعالى فيلمع في ~~القلوب من وراء ستر الغيب شيء من غرائب العلم تارة كالبرق الخاطف وأخرى على ~~التوالي إلى حد ما # ودوامه في غاية الندور فلم يفارق الإلهام الاكتساب في نفس العلم ولا في ~~محله ولا في سببه ولكن يفارقه من جهة زوال الحجاب فإن ذلك ليس باختيار ~~العبد ولم يفارق الوحي الإلهام في شيء من ذلك بل في مشاهدة الملك المفيد ~~للعلم فإن العلم إنما يحصل في قلوبنا بواسطة الملائكة وإليه الإشارة بقوله ~~تعالى @QB@ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل ~~رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء @QE@ # فإذا عرفت هذا فاعلم أن ميل أهل التصوف إلى العلوم الإلهامية دون ~~التعليمية فلذلك لم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون والبحث ~~عن الأقاويل والأدلة المذكورة بل قالوا الطريق تقديم المجاهدة ومحو الصفات ~~المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى ومهما حصل ~~ذلك كان الله هو المتولي لقلب عبده والمتكفل له بتنويره بأنوار العلم وإذا ~~تولى الله أمر القلب فاضت عليه الرحمة وأشرق النور في القلب وانشرح الصدر ~~وانكشف له سر الملكوت وانقشع عن وجه القلب حجاب الغرة بلطف الرحمة وتلألأت ~~فيه حقائق الأمور الإلهية فليس على العبد إلا الاستعداد بالتصفية المجردة ~~وإحضار الهمة مع الإرادة الصادقة والتعطش التام والترصد بدوام الانتظار لما ~~يفتحه الله تعالى من الرحمة # فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر وفاض على صدورهم النور لا بالتعلم ~~والدراسة والكتابة للكتب بل بالزهد في الدنيا والتبري من علائقها وتفريغ ~~القلب من شواغلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى فمن كان لله كان الله ~~له وزعموا أن الطريق في ذلك أولا بانقطاع علائق الدنيا بالكلية وتفريغ ~~القلب منها وبقطع الهمة عن الأهل والمال والولد والوطن وعن العلم والولاية ~~والجاه بل يصير قلبه إلى حالة يستوي فيها وجود كل شيء وعدمه ثم يخلو بنفسه ~~في زواية مع الاقتصار على الفرائض والرواتب ويجلس فارغ القلب مجموع الهم ~~ولا يفرق فكره بقراءة قرآن ولا بالتأمل في تفسير ولا بكتب حديث ولا غيره بل ~~يجتهد أن لا يخطر بباله شيء سوى الله تعالى فلا يزال بعد جلوسه في الخلوة ~~قائلا بلسانه الله الله على الدوام مع حضور القلب حتى ينتهي إلى حالة يترك ~~تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية على لسانه ثم يصبر عليه إلى أن يمحي ~~أثره عن اللسان ويصادف قلبه مواظبا على الذكر ثم يواظب عليه إلى أن يمحي عن ~~القلب صورة اللفظ وحروفه وهيئة الكلمة ويبقى معنى الكلمة مجردا في قلبه ~~حاضرا فيه كأنه لازم له لا يفارقه وله اختيار إلى أن ينتهي إلى هذا الحد ~~واختيار في استدامة هذه الحالة بدفع الوسواس وليس له اختيار في استجلاب ~~رحمة الله تعالى بل هو بما فعله صار متعرضا لنفحات رحمة الله فلا يبقى إلا ~~الانتظار لما يفتح الله من الرحمة كما فتحها على الأنبياء والأولياء بهذه ~~الطريق وعند ذلك إذا صدقت إرادته وصفت همته وحسنت مواظبته فلم تجاذبه ~~شهواته ولم يشغله حديث النفس بعلائق الدنيا تلمع لوامع الحق في قلبه ويكون ~~في ابتدائه PageV03P019 كالبرق الخاطف لا يثبت ثم يعود وقد يتأخر وإن عاد ~~فقد يثبت وقد يكون مختطفا وإن ثبت قد يطول ثباته وقد لا يطول وقد يتظاهر ~~أمثاله على التلاحق وقد يقتصر على فن واحد ومنازل أولياء الله تعالى فيه لا ~~تحصر كما لا يحصى تفاوت خلقهم وأخلاقهم وقد رجع هذا الطريق إلى تطهير محض ~~من جانبك وتصفية وجلاء ثم استعداد وانتظار فقط # وأما النظار وذوو الاعتبار فلم ينكروا وجود هذا الطريق وإمكانه وإفضائه ~~إلى هذا المقصد على الندور فإنه أكثر أحوال الأنبياء والأولياء ولكن ~~استوعروا هذا الطريق واستبطؤا ثمرته واستبعدوا استجماع شروطه وزعموا أن محو ~~العلائق إلى ذلك الحد كالمتعذر وإن حصل في حال فثباته أبعد منه إذ أدنى ~~وسواس وخاطر يشوش القلب وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب المؤمن أشد ~~تقلبا من القدر في غليانها + @QB@ حديث @QE@ قلب المؤمن أشد تقلبا من القدر ~~في غليانها أخرجه أحمد والحاكم وصححه من حديث المقداد بن الأسود + أخرجه ~~أحمد والحاكم + # وقال عليه أفضل الصلاة والسلام قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن + ~~حديث قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن أخرجه مسلم من حديث عبد الله ~~بن عمر + أخرجه مسلم + وفي أثناء هذه المجاهدة قد يفسد المزاج ويختلط العقل ~~ويمرض البدن وإذا لم تتقدم رياضة النفس وتهذيبها بحقائق العلوم نشبت بالقلب ~~خيالات فاسدة تطمئن النفس إليها مدة طويلة إلى أن يزول وينقضي العمر قبل ~~النجاح فيها فكم من صوفي سلك هذا الطريق ثم بقي في خيال واحد عشرين سنة ولو ~~كان قد أتقن العلم من قبل لانفتح له وجه التباس ذلك الخيال في الحال ~~فالاشتغال بطريق التعلم أوثق وأقرب إلى الغرض وزعموا أن ذلك يضاهي ما لو ~~ترك الإنسان تعلم الفقه وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعلم ذلك ~~وصار فقيها بالوحي والإلهام من غير تكرير وتعليق وأنا أيضا ربما انتهت بي ~~الرياضة والمواظبة إليه ومن ظن ذلك فقد ظلم نفسه وضيع عمره بل هو كمن يترك ~~طريق الكسب والحراثة رجاء العثور على كنز من الكنوز فإن ذلك ممكن ولكنه ~~بعيد جدا فكذلك هذا وقالوا لا بد أولا من تحصيل ما حصله العلماء وفهم ما ~~قالوه ثم لا بأس بعد ذلك بالانتظار لما لم ينكشف لسائر العلماء فعساه ينكشف ~~بعد ذلك بالمجاهدة # | بيان الفرق بين المقامين بمثال محسوس # اعلم أن عجائب القلب خارجة عن مدركات الحواس لأن القلب أيضا خارج عن ~~إدراك الحس وما لبس مدركا بالحواس تضعف الأفهام عن دركه إلا بمثال محسوس ~~ونحن نقرب ذلك إلى الأفهام الضعيفة بمثالين # أحدهما أنه لو فرضنا حوضا محفورا في الأرض احتمل أن يساق الماء من فوقه ~~بأنهار تفتح فيه ويحتمل أن يحفر أسفل الحوض ويرفع منه التراب إلى أن يقرب ~~من مستقر الماء الصافي فينفجر الماء من أسفل الحوض ويكون ذلك الماء أصفى ~~وأدوم وقد يكون أغزر وأكثر فذلك القلب مثل الحوض والعلم مثل الماء وتكون ~~الحواس الخمس مثال الأنهار وقد يمكن أن تساق العلوم إلى القلب بواسطة أنهار ~~الحواس والاعتبار بالمشاهدات حتى يمتليء علما ويمكن أن تسد هذه الأنهار ~~بالخلوة والعزلة وغض البصر ويعمد إلى عمق القلب بتطهيره ورفع طبقات الحجب ~~عنه حتى تنفجر ينابيع العلم من داخله # فإن قلت فكيف يتفجر العلم من ذات القلب وهو خال عنه فاعلم أن هذا من ~~عجائب أسرارالقلب ولا يسمح بذكره في علم المعاملة بل القدر الذي يمكن ذكره ~~أن حقائق الأشياء مسطورة في اللوح المحفوظ بل في قلوب الملائكة المقربين ~~فكما أن المهندس يصور أبنية الدار في بياض ثم يخرجها إلى الوجود على وفق ~~تلك النسخة فكذلك فاطر PageV03P020 السموات والأرض كتب نسخة العالم من أوله ~~إلى آخره في اللوح المحفوظ ثم أخرجه إلى الوجود على وفق تلك النسخة والعالم ~~الذي خرج إلى الوجود بصورته تتأدى منه صورة أخرى إلى الحس والخيال فإن من ~~ينظر إلى السماء والأرض ثم يغض بصره يرى صورة السماء والأرض في خياله حتى ~~كأنه ينظر إليها ولو انعدمت السماء والأرض وبقي هو في نفسه لوجد صورة ~~السماء والأرض في نفسه كأنه يشاهدهما وينظر إليهما ثم يتأدى من خياله أثر ~~إلى القلب فيحصل فيه حقائق الأشياء التي دخلت في الحس والخيال والحاصل في ~~القلب موافق للعالم الحاصل في الخيال والحاصل في الخيال موافق للعالم ~~الموجود في نفسه خارجا من خيال الإنسان وقلبه والعالم الموجود موافق للنسخة ~~الموجودة في اللوح المحفوظ # فكأن للعالم أربع درجات في الوجود وجود في اللوح المحفوظ وهو سابق على ~~وجوده الجسماني ويتبعه وجوده الحقيقي ويتبع وجوده الحقيقي وجوده الخيالي ~~أعني وجود صورته في الخيال ويتبع وجوده الخيالي وجوده العقلي أعني وجود ~~صورته في القلب # وبعض هذه الوجودات روحانية وبعضها جسمانية والروحانية بعضها أشد روحانية ~~من البعض وهذا اللطف من الحكمة الإلهية إذ جعل حدقتك على صغر حجمها بحيث ~~تنطبع صورة العالم والسموات والأرض على اتساع أكنافها فيها ثم يسري من ~~وجودها في الحس وجود إلى الخيال ثم منه وجود في القلب فإنك أبدا لا تدرك ~~إلا ما هو واصل إليك فلو لم يجعل للعالم كله مثالا في ذاتك لما كان لك خبر ~~مما يباين ذاتك فسبحان من دبر هذه العجائب في القلوب والأبصار ثم أعمى عن ~~دركها القلوب والأبصار حتى صارت قلوب أكثر الخلق جاهلة بأنفسها وبعجائبها # ولنرجع إلى الغرض المقصود فنقول القلب قد يتصور أن يحصل فيه حقيقة العالم ~~وصورته تارة من الحواس وتارة من اللوح المحفوظ كما أن العين يتصور أن يحصل ~~فيها صورة الشمس تارة من النظر إليها وتارة من النظر إلى الماء الذي يقابل ~~الشمس ويحكي صورتها فمهما ارتفع الحجاب بينه وبين اللوح المحفوظ رأى ~~الأشياء فيه وتفجر إليه العلم منه فاستغنى عن الاقتباس من داخل الحواس ~~فيكون ذلك كتفجر الماء من عمق الأرض ومهما أقبل على الخيالات الحاصلة من ~~المحسوسات كان ذلك حجابا له عن مطالعة اللوح المحفوظ كما أن الماء إذا ~~اجتمع في الأنهار منع ذلك من التفجر في الأرض وكما أن من نظر إلى الماء ~~الذي يحكي صورة الشمس لا يكون ناظرا إلى نفس الشمس فإذن للقلب بابان باب ~~مفتوح إلى عالم الملكوت وهو اللوح المحفوظ وعالم الملائكة وباب مفتوح إلى ~~الحواس الخمس المتمسكة بعالم الملك والشهادة وعالم الشهادة والملك أيضا ~~يحاكي عالم الملكوت نوعا من المحاكاة فأما انفتاح باب القلب إلى الاقتباس ~~من الحواس فلا يخفى عليك وأما انفتاح بابه الداخل إلى عالم الملكوت ومطالعة ~~اللوح المحفوظ فتعلمه علما يقينيا بالتأمل في عجائب الرؤيا واطلاع القلب في ~~النوم على ما سيكون في المستقبل أو كان في الماضي من غير اقتباس من جهة ~~الحواس وإنما ينفتح ذلك الباب لمن انفرد بذكر الله تعالى وقال صلى الله ~~عليه وسلم سبق المفردون قيل ومن هم المفردون يا رسول الله قال المتنزهون ~~بذكر الله تعالى وضع الذكر عنهم أوزارهم فوردوا القيامة خفافا ثم قال في ~~وصفهم إخبارا عن الله تعالى فقال ثم أقبل بوجهي عليهم أترى من واجهته بوجهي ~~يعلم أحد أي شيء أريد أن أعطيه ثم قال تعالى أول ما أعطيهم أن أقذف النور ~~في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم + حديث سبق المفردون قيل ومن هم قال ~~المستهترون بذكر الله الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة مقتصرا على أول ~~الحديث وقال فيه وما المفردون قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ورواه ~~الحاكم بلفظ قال الذين يستهترون بذكر الله وقال صحيح على شرط الشيخين وزاد ~~فيه البيهقي في الشعب يضع الذكر عنهم أثقالهم ويأتون يوم القيامة خفافا ~~ورواه هكذا الطبراني في المعجم الكبير من حديث أبي الدرداء دون الزيادة ~~التي ذكرها المصنف في آخره وكلاهما ضعيف ومدخل PageV03P021 # هذه الأخبار هو الباب الباطن فإذا الفرق بين علوم الأولياء والأنبياء ~~وبين علوم العلماء والحكماء هذا وهو أن علومهم تأتي من داخل القلب من الباب ~~المنفتح إلى عالم الملكوت وعلم الحكمة يتأتى من أبواب الحواس المفتوحة إلى ~~عالم الملك وعجائب عالم القلب وتردده بين عالمي الشهادة والغيب لا يمكن أن ~~يستقصى في علم المعاملة فهذا مثال يعلمك الفرق بين مدخل العالمين # المثال الثاني يعرفك الفرق بين العملين أعني عمل العلماء وعمل الأولياء ~~فإن العلماء يعملون في اكتساب نفس العلوم واجتلابها إلى القلب وأولياء ~~الصوفية يعملون في جلاء القلوب وتطهيرها وتصفيتها وتصقيلها فقط فقد حكى أن ~~أهل الصين وأهل الروم تباهوا بين يدي بعض الملوك بحسن صناعة النقش والصور ~~فاستقر رأى الملك على أن يسلم إليهم صفة لينقش أهل الصين منها جانبا وأهل ~~الروم جانبا ويرخي بينهما حجاب يمنع اطلاع كل فريق على الآخر ففعل ذلك فجمع ~~أهل الروم من الأصباغ الغريبة ما لا ينحصر ودخل أهل الصين من غير صبغ ~~وأقبلوا يجلون جانبهم ويصقلونه فلما فرغ أهل الروم ادعى أهل الصين أنهم قد ~~فرغوا أيضا فعجب الملك من قولهم وأنهم كيف فرغوا من النقش من غير صبغ فقيل ~~وكيف فرغتم من غير صبغ فقالوا ما عليكم ارفعوا الحجاب فرفعوا وإذا بجانبهم ~~يتلألأ منه عجائب الصنائع الرومية مع زيادة إشراق وبريق إذ كان قد صار ~~كالمرآة المجلوة لكثرة التصقيل فازداد حسن جانبهم بمزيد التصقيل فكذلك ~~عناية الأولياء بتطهير القلب وجلائه وتزكيته وصفائه حتى يتلألأ فيه جلية ~~الحق بنهاية الإشراق كفعل أهل الصين وعناية الحكماء والعلماء بالاكتساب ~~ونقش العلوم وتحصيل نقشها في القلب كفعل أهل الروم فكيفما كان الأمر فقلب ~~المؤمن لا يموت وعلمه عند الموت لا يمحى وصفاؤه لا يتكدر وإليه أشار الحسن ~~رحمة الله عليه بقوله التراب لا يأكل محل الإيمان بل يكون وسيلة وقربة إلى ~~الله تعالى # وأما ما حصله من نفس العلم وما حصله من الصفاء والاستعداد لقبول نفس ~~العلم فلا غنى به عنه ولا سعادة لأحد إلا بالعلم والمعرفة وبعض السعادات ~~أشرف من بعض كما أنه لا غنى إلا بالمال فصاحب الدرهم غني وصاحب الخزائن ~~المترعة غني وتفاوت درجات السعداء بحسب تفاوت المعرفة والإيمان كما تتفاوت ~~درجات الأغنياء بحسب قلة المال وكثرته فالمعارف أنوار ولا يسعى المؤمنون ~~إلى لقاء الله تعالى إلا بأنوارهم قال الله تعالى يسعى نورهم بين أيديهم ~~وبأيمانهم وقد روي في الخبر إن بعضهم يعطي نورا مثل الجبل وبعضهم أصغر حتى ~~يكون آخرهم رجلا يعطي نورا على إبهام قدميه فيضيء مرة وينطفيء أخرى فإذا ~~أضاء قدم قدميه فمشى وإذا طفيء قام ومرورهم على الصراط على قدر نورهم فمنهم ~~من يمر كطرف العين ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالسحاب ومنه من يمر ~~كانقضاض الكواكب ومنهم من يمر كالفرس إذا اشتد في ميدانه والذي أعطى نورا ~~على إبهام قدمه يحبوحبوا على وجهه ويديه ورجليه يجر يدا ويعلق أخرى ويصيب ~~جوانبه النار فلا يزال كذلك حتى يخلص + حديث إن بعضهم يعطي نورا مثل الجبل ~~حتى يكون أصغرهم رجل يعطي نوره على إبهام قدمه الحديث أخرجه الطبراني ~~والحاكم من حديث ابن مسعود قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين + حديث صحيح ~~على شرط الشيخين # الحديث فبهذا يظهر تفاوت الناس في الإيمان ولو وزن إيمان أبي بكر بإيمان ~~العالمين سوى النبيين والمرسلين لرجح فهذا أيضا يضاهي قول القائل لو وزن ~~نور الشمس بنور السرج كلها لرجح فإنما آحاد العوام نوره مثل نور السراج ~~وبعضهم نوره كنور الشمع وإيمان الصديقين نوره كنور القمر والنجوم وإيمان ~~الأنبياء كالشمس وكما ينكشف في نور الشمس صورة الآفاق مع PageV03P022 اتساع ~~أقطارها ولا ينكشف في نور السراج إلا زواية ضيقه من البيت فكذلك تفاوت ~~انشراح الصدر بالمعارف وانكشاف سعة الملكوت لقلوب العارفين ولذلك جاء في ~~الخبر أنه يقال يوم القيامة أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من ~~إيمان ونصف مثقال وربع مثقال وشعيرة وذرة + حديث يقال يوم القيامة أخرجوا ~~من النار من في قلبه ربع مثقال من إيمان الحديث متفق عليه من حديث أبي سعيد ~~وليس فيه قوله ربع مثقال + متفق عليه + كل ذلك تنبيه على تفاوت درجات ~~الإيمان وأن هذه المقادير من الإيمان لا تمنع دخول النار وفي مفهومه أن من ~~إيمانه يزيد على مثقال فإنه لا يدخل النار إذ لو دخل لأمر بإخراجه أولا وأن ~~من في قلبه مثقال ذرة لا يستحق الخلود في النار وإن دخلها وكذلك قوله صلى ~~الله عليه وسلم ليس شيء خيرا من ألف مثله إلا الإنسان المؤمن + حديث ليس ~~شيء خيرا من ألف مثله إلا الإنسان أو المؤمن أخرجه الطبراني من حديث سلمان ~~بلفظ @QB@ الإنسان @QE@ ولأحمد من حديث ابن عمر لا نعلم شيئا خيرا من مائة ~~مثله إلا الرجل المؤمن وإسنادهما حسن + إسناده حسن + إشارة إلى تفضيل قلب ~~العارف بالله تعالى الموقن فإنه خير من ألف قلب من العوام وقد قال تعالى ~~وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين تفضيلا للمؤمنين على المسلمين والمراد به ~~المؤمن العارف دون المقلد وقال عز وجل يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين ~~أوتوا العلم درجات فأراد ههنا بالذين آمنوا الذين صدقوا من غير علم وميزهم ~~عن الذين أوتوا العلم # ويدل ذلك على أن اسم المؤمن يقع على المقلد وإن لم يكن تصديقه عن بصيرة ~~وكشف # وفسر ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى والذين أوتوا العلم درجات فقال ~~يرفع الله العالم فوق المؤمن بسبعمائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء ~~والأرض وقال صلى الله عليه وسلم أكثر أهل الجنة البله وعليون لذوي الألباب ~~+ حديث أكثر أهل الجنة البله وعليون لذوي الألباب تقدم دون هذه لزيادة ولم ~~أجد لهذه الزيادة أصلا وقال صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد ~~كفضلي على أدنى رجل من أصحابي + حديث فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى ~~رجل من أصحابي أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة وصححه وقد تقدم في العلم ~~وكذلك الرواية الثانية + أخرجه الترمذي + وفي رواية كفضل القمر ليلة البدر ~~على سائر الكواكب فبهذه الشواهد يتضح لك تفاوت درجات أهل الجنة بحسب تفاوت ~~قلوبهم ومعارفهم ولهذا كان يوم القيامة يوم التغابن إذ المحروم من رحمة ~~الله عظيم الغبن والخسران والمحروم يرى فوق درجته درجات عظيمة فيكون نظره ~~إليها كنظر الغني الذي يملك عشرة دراهم إلى الغني الذي يملك الأرض من ~~المشرق إلى المغرب وكل واحد منهما غني ولكن ما أعظم الفرق بينهما وما أعظم ~~الغبن على من يخسر حظه من ذلك @QB@ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا @QE@ # | بيان شواهد الشرع على صحة طريق أهل التصوف في اكتساب المعرفة لا من # التعلم ولا من الطريق المعتاد # أعلم أن من انكشف له شيء ولو الشيء اليسير بطريق الإلهام والوقوع في ~~القلب من حيث لا يدري فقد صار عارفا بصحة الطريق ومن لم يدرك ذلك من نفسه ~~قط فينبغي أن يؤمن به فإن درجة المعرفة فيه عزيزة جدا ويشهد لذلك شواهد ~~الشرع والتجارب والحكايات # أما الشواهد فقوله تعالى @QB@ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا @QE@ ~~فكل حكمة تظهر من القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم فهو بطريق الكشف ~~والإلهام وقال صلى الله عليه وسلم من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم ~~ووفقه فيما يعمل حتى يستوجب الجنة ومن لم يعمل بما يعلم تاه فيما يعلم ولم ~~يوفق فيما يعمل حتى يستوجب النار + حديث من عمل بما علم الحديث تقدم في ~~العلم دون قوله ووفقه فيما يعمل فلم أرها وقال الله تعالى @QB@ ومن يتق ~~الله يجعل له مخرجا @QE@ من الإشكالات والشبه @QB@ ويرزقه من حيث لا يحتسب ~~@QE@ يعلمه PageV03P023 علما من غير تعلم ويفطنه من غير تجربة وقال الله ~~تعالى @QB@ يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا @QE@ قيل ~~نورا يفرق به بين الحق والباطل ويخرج به من الشبهات ولذلك كان صلى الله ~~عليه وسلم يكثر في دعائه من سؤال النور فقال صلى الله عليه وسلم اللهم ~~أعطني نورا وزدني نورا واجعل لي في قلبي نورا وفي قبري نورا وفي سمعي نورا ~~وفي بصري نورا حتى قال في شعري وفي بشري وفي لحمي ودمي وعظامي + حديث اللهم ~~أعطني نورا وزدني نورا الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس + متفق عليه + ~~وسئل صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى @QB@ أفمن شرح الله صدره ~~للإسلام فهو على نور من ربه @QE@ ما هذا الشرح فقال هو التوسعة إن النور ~~إذا قذف به في القلب اتسع له الصدر وانشرح + حديث سئل عن قوله تعالى أفمن ~~شرح الله صدر للإسلام الحديث وفي المستدرك من حديث ابن مسعود وقد تقدم في ~~العلم وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس اللهم فقهه في الدين وعلمه ~~التأويل + متفق عليه + + حديث اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل قاله لابن ~~عباس متفق عليه من حديث ابن عباس دون قوله وعلمه التأويل فأخرجه بهذه ~~الزيادة أحمد وابن حبان والحاكم وصححه وقد تقدم في العلم وقال علي رضي الله ~~عنه ما عندنا شيء أسره النبي صلى الله عليه وسلم إلينا إلا أن يؤتي الله ~~تعالى عبدا فهما في كتابه وليس هذا بالتعلم + حديث علي ما عندنا شيء أسره ~~إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في كتابه ~~تقدم في آداب تلاوة القرآن وقيل في تفسير قوله تعالى @QB@ يؤتي الحكمة من ~~يشاء @QE@ إنه الفهم في كتاب الله وقال تعالى @QB@ ففهمناها سليمان @QE@ خص ~~ما انكشف باسم الفهم وكان أبو الدرداء يقول المؤمن من ينظر بنور الله من ~~وراء ستر رقيق والله إنه للحق يقذفه الله في قلوبهم ويجريه على ألسنتهم ~~وقال بعض السلف ظن المؤمن كهانة # وقال صلى الله عليه وسلم أتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى + ~~@QB@ حديث @QE@ أتقوا فراسة المؤمن الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد ~~وقد تقدم + أخرجه الترمذي + وإليه يشير قوله تعالى @QB@ إن في ذلك لآيات ~~للمتوسمين @QE@ وقوله تعالى @QB@ قد بينا الآيات لقوم يوقنون @QE@ وروى ~~الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال العلم علمان فعلم باطن في ~~القلب فذلك هو العلم النافع + حديث العلم علمان الحديث تقدم في العلم وسئل ~~بعض العلماء عن العلم الباطن ما هو فقال هو سر من أسرار الله تعالى يقذفه ~~الله تعالى في قلوب أحبابه لم يطلع عليه ملكا ولا بشرا وقد قال صلى الله ~~عليه وسلم إن من أمتي محدثين ومعلمين ومكلمين وإن عمر منهم + أخرجه البخاري ~~ومسلم + حديث إن من أمتي محدثين ومكلمين وأن عمر منهم أخرجه البخاري من ~~حديث أبي هريرة لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد ~~فإنه عمر ورواه مسلم من حديث عائشة وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما وما ~~أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث يعني الصديقين والمحدث هو الملهم ~~والملهم هو الذي انكشف له في باطن قلبه من جهة الداخل لا من جهة المحسوسات ~~الخارجة # والقرآن مصرح بأن التقوى مفتاح الهداية والكشف وذلك علم من غير تعلم وقال ~~الله تعالى وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون خصصها بهم ~~وقال تعالى @QB@ هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين @QE@ وكان أبو يزيد ~~وغيره يقول ليس العالم الذي يحفظ من كتاب فإذا نسي ما حفظه صار جاهلا إنما ~~العالم الذي يأخذ علمه من ربه أي وقت شاء بلا حفظ ولا درس وهذا هو العلم ~~الرباني وإليه الإشارة بقوله تعالى @QB@ وعلمناه من لدنا علما @QE@ مع أن ~~كل علم من لدنه ولكن بعضها بوسائط تعليم الخلق فلا يسمى ذلك علما لدنيا بل ~~اللدني الذي ينفتح في سر القلب من غير سبب مألوف من خارج فهذه شواهد النقل ~~ولو جمع كل ما ورد فيه من الآيات والأخبار والآثار لخرج عن الحصر # وأما مشاهدة ذلك بالتجارب فذلك أيضا خارج عن الحصر وظهر ذلك على الصحابة ~~والتابعين ومن بعدهم وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لعائشة رضي الله ~~عنها عند موته إنما هما أخواك وأختاك وكانت زوجته PageV03P024 حاملا فولدت ~~بنتا فكان قد عرف قبل الولادة أنها بنت وقال عمر رضي الله عنه في أثناء ~~خطبته يا سارية الجبل الجبل إذ انكشف له أن العدو قد أشرف عليه فحذره ~~لمعرفته ذلك ثم بلوغ صوته إليه من جملة الكرامات العظيمة وعن أنس بن مالك ~~رضي الله عنه قال دخلت على عثمان رضي الله عنه وكنت قد لقيت امرأة في طريقي ~~فنظرت إليها شزرا وتأملت محاسنها فقال عثمان رضي الله عنه لما دخلت يدخل ~~علي أحدكم وأثر الزنا ظاهر على عينيه أما علمت أن زنا العينين النظر لتتوبن ~~أولأعزرنك فقلت أوحي بعد النبي فقال لا ولكن بصيرة وبرهان وفراسة صادقة وعن ~~أبي سعيد الخراز قال دخلت المسجد الحرام فرأيت فقيرا عليه خرقتان فقلت في ~~نفسي هذا وأشباهه كل على الناس فناداني وقال والله يعلم ما في أنفسكم ~~فاحذروه فاستغفرت الله في سري فناداني وقال @QB@ وهو الذي يقبل التوبة عن ~~عباده @QE@ ثم غاب عني ولم أره # وقال زكريا بن داود دخل أبو العباس بن مسروق على أبي الفضل الهاشمي وهو ~~عليل وكان ذا عيال ولم يعرف له سبب يعيش به قال فلما قمت قلت في نفسي من ~~أين يأكل هذا الرجل قال فصاح بي يا أبا العباس رد هذه الهمة الدنية فإن لله ~~تعالى ألطافا خفية وقال أحمد النقيب دخلت على الشبلي فقال مفتونا يا أحمد ~~فقلت ما الخبر قال كنت جالسا فجرى بخاطري أنك بخيل فقلت ما أنا بخيل فعاد ~~مني خاطري وقال بل أنت بخيل فقلت ما فتح اليوم على بشيء إلا دفعته إلى أول ~~فقير يلقاني قال فما استتم الخاطر حتى دخل على صاحب لمؤنس الخادم ومعه ~~خمسون دينارا فقال اجعلها في مصالحك قال وقمت فأخذتها وخرجت وإذا بفقير ~~مكفوف بين يدي مزين يحلق رأسه فتقدمت إليه وناولته الدنانير فقال أعطها ~~المزين فقلت إن جملتها كذا وكذا قال أو ليس قد قلنا لك إنك بخيل قال ~~فناولتها المزين فقال المزين قد عقدنا لما جلس هذا الفقير بين أيدينا أن لا ~~نأخذ عليه أجرا قال فرميت بها في دجلة وقلت ما أعزك أحد إلا أذله الله عز ~~وجل وقال حمزة بن عبد الله العلوي دخلت على أبي الخير النيناني وأعتقدت في ~~نفسي أن أسلم عليه ولا آكل في داره طعاما فلما خرجت من عنده إذا به قد ~~لحقني وقد حمل طبقا فيه طعام وقال يا فتى كل فقد خرجت الساعة من اعتقادك ~~وكان أبو الخير النيناني هذا مشهورا بالكرامات وقال إبراهيم الرقي قصدته ~~مسلما عليه فحضرت صلاة المغرب فلم يكد يقرأ الفاتحة مستويا فقلت في نفسي ~~ضاعت سفرتي فلما سلم خرجت إلى الطهارة فقصدني سبع فعدت إلى أبي الخير وقلت ~~قصدني سبع فخرج وصاح به وقال ألم أقل لك لا تتعرض لضيفاني فتنحى الأسد ~~فتطهرت فلما رجعت قال لي اشتغلتم بتقويم الظاهر فخفتم الأسد وأشتغلنا ~~بتقويم البواطن فخافنا الأسد # وما حكى من تفرس المشايخ وإخبارهم عن اعتقادات الناس وضمائرهم يخرج عن ~~الحصر بل ما حكى عنهم من مشاهدة الخضر عليه السلام والسؤال منه ومن سماع ~~صوت الهاتف ومن فنون الكرامات خارج عن الحصر والحكاية لا تنفع الجاحد ما لم ~~يشاهد ذلك من نفسه ومن أنكر الأصل أنكر التفصيل والدليل القاطع الذي لا ~~يقدر أحد على جحده أمران أحدهما عجائب الرؤيا الصادقة فإنه ينكشف بها الغيب ~~وإذا جاز ذلك في النوم فلا يستحيل أيضا في اليقظة فلم يفارق النوم اليقظة ~~إلا في ركود الحواس وعدم اشتغالها بالمحسوسات فكم من مستيقظ غائص لا يسمع ~~ولا يبصر لاشتغاله بنفسه والثاني إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ~~الغيب وأمور في المستقبل كما اشتمل عليه القرآن وإذا جاز ذلك للنبي صلى ~~الله عليه وسلم جاز لغيره إذ النبي عبارة عن شخص كوشف بحقائق الأمور وشغل ~~بإصلاح الخلق فلا يستحيل أن يكون في الوجود شخص مكاشف بالحقائق ولا يشتغل ~~بإصلاح الخلق وهذا PageV03P025 لا يسمى نبيا بل يسمى وليا فمن آمن ~~بالأنبياء وصدق بالرؤيا الصحيحة لزمه لا محالة أن يقر بأن القلب له بابان ~~باب إلى خارج وهو الحواس وباب إلى الملكوت من داخل القلب وهو باب الإلهام ~~والنفث في الروع والوحي فإذا أقربهما جميعا لم يمكنه أن يحصر العلوم في ~~التعلم ومباشرة الأسباب المألوفة بل يجوز أن تكون المجاهدة سبيل إليه فهذا ~~ما ينبه على حقيقة ما ذكرناه من عجيب تردد القلب بين عالم الشهادة وعالم ~~الملكوت وأما السبب في انكشاف الأمر في المنام بالمثال المحوج إلى التعبير ~~وكذلك تمثل الملائكة للأنبياء والأولياء بصور مختلفة فذلك أيضا من أسرار ~~عجائب القلب ولا يليق ذلك إلا بعلم المكاشفة فلنقتصر على ما ذكرناه فإنه ~~كاف للاستحثاث على المجاهدة وطلب الكشف منها فقد قال بعض المكاشفين ظهر لي ~~الملك فسألني أملي عليه شيئا من ذكرى الخفي عن مشاهدتي من التوحيد وقال ما ~~نكتب لك عملا ونحن نحب أن نصعد لك بعمل تتقرب به إلى الله عز وجل فقلت ~~ألستما تكتبان الفرائض قالا بلى قلت فيكفيكما ذلك وهذه إشارة إلى أن الكرام ~~الكاتبين لا يطلعون على أسرار القلب وإنما يطلعون على الأعمال الظاهرة وقال ~~بعض العارفين سألت بعض الأبدال عن مسألة من مشاهدة اليقين فالتفت إلى شماله ~~فقال ما تقول رحمك الله ثم التفت إلى يمينه فقال ما تقول رحمك الله ثم أطرق ~~إلى صدره وقال ما تقول رحمك الله ثم أجاب بأغرب جواب سمعته فسألته عن ~~التفاته فقال لم يكن عندي في المسألة جواب عتيد فسألت صاحب الشمال فقال لا ~~أدري فسألت صاحب اليمين وهو أعلم منه فقال لا أدري فنظرت إلى قلبي وسألته ~~فحدثني بما أجبتك فإذا هو أعلم منهما وكأن هذا هو معنى قوله صلى الله عليه ~~وسلم أن في أمتي محدثين وإن عمر منهم # وفي الأثر إن الله تعالى يقول أيما عبد اطلعت على قلبه فرأيت الغالب عليه ~~التمسك بذكري توليت سياسته وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه وقال أبو سليمان ~~الداراني رحمة الله عليه القلب بمنزلة القبة المضروبة حولها أبواب مغلقة ~~فأي باب فتح له عمل فيه فقد ظهر انفتاح باب من أبواب القلب إلى جهة الملكوت ~~والملأ الأعلى وينفتح ذلك الباب بالمجاهدة والورع والإعراض عن شهوات الدنيا ~~ولذلك كتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد احفظوا ما تسمعون من ~~المطيعين فإنهم ينجلي لهم أمور صادقة وقال بعض العلماء يد الله على أفواه ~~الحكماء لا ينطقون إلا بما هيأ الله لهم من الحق وقال آخر لو شئت لقلت إن ~~الله تعالى يطلع الخاشعين على بعض سره # | بيان تسلط الشيطان على القلب بالوساوس ومعنى الوسوسة وسبب غلبتها # اعلم أن القلب كما ذكرناه مثل قبة مضروبة لها أبواب تنصب إليه الأحوال من ~~كل باب ومثاله أيضا مثال هدف تنصب إليه السهام من الجوانب أو هو مثال مرآة ~~منصوبة تجتاز عليها أصناف الصور المختلفة فتتراءى فيها صورة بعد صورة ولا ~~تخلو عنها أو مثال حوض تنصب فيه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة إليه وإنما ~~مداخل هذه الآثار المتجددة في القلب في كل حال أما من الظاهر فالحواس الخمس ~~وأما من الباطن فالخيال والشهوة والغضب والأخلاق المركبة من مزاج الإنسان ~~فإنه إذا أدرك بالحواس شيئا حصل منه أثر في القلب وكذلك إذا هاجت الشهوة ~~مثلا بسبب كثرة الأكل وبسبب قوة في المزاج حصل منها في القلب أثر وإن كف عن ~~الإحساس فالخيالات الحاصلة في النفس تبقى وينتقل الخيال من شيء إلى شيء ~~وبحسب انتقال الخيال ينتقل القلب من حال إلى حال آخر والمقصود أن القلب في ~~التغير والتأثر دائما من هذه الأسباب وأخص الآثار الحاصلة في القلب هو ~~الخواطر وأعني بالخواطر ما يحصل فيه من الآفكار والأذكار وأعني به إدراكاته ~~علوما إما على سبيل التجدد وإما على سبيل التذكر فإنها تسمى خواطر من حيث ~~إنها تخطر بعد أن كان القلب غافلا عنها والخواطر هي المحركات للإرادات ~~PageV03P026 فإن النية والعزم والإرادة إنما تكون بعد خطور المنوى بالبال ~~لا محالة فمبدأ الأفعال الخواطر ثم الخاطر يحرك الرغبة والرغبة تحرك العزم ~~والعزم يحرك النية والنية تحرك الأعضاء والخواطر المحركة للرغبة تنقسم إلى ~~ما يدعو إلى الشر أعني إلى ما يضر في العاقبة وإلى ما يدعو إلى الخير أعني ~~إلى ما ينفع في الدار الآخرة فهما خاطران مختلفان فافتقرا إلى اسمين ~~مختلفين فالخاطر المحمود يسمى إلهاما والخاطر المذموم أعني الداعي إلى الشر ~~يسمى وسواسا ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر حادثة ثم إن كل حادث فلا بد له من ~~محدث ومهما اختلفت الحوادث دل ذلك على اختلاف الأسباب هذا ما عرف من سنة ~~الله تعالى في ترتيب المسببات على الأسباب # فمهما استنارت حيطان البيت بنور النار وأظلم سقفه واسود بالدخان علمت أن ~~سبب السواد غير سبب الأستنارة # وكذلك لأنوار القلب وظلمته سببان مختلفان فسبب الخاطر الداعي إلى الخير ~~يسمى ملكا وسبب الخاطر الداعي إلى الشر يسمى شيطانا واللطف الذي يتهيأ به ~~القلب لقبول إلهام الخير يسمى توفيقا والذي به يتهيأ لقبول وسواس الشيطان ~~يسمى إغواء وخذلانا فإن المعاني المختلفة تفتقر إلى أسامي مختلفة والملك ~~عبارة عن خلق خلقه الله تعالى شأنه إفاضة الخير وإفادة العلم وكشف الحق ~~والوعد بالخير والأمر بالمعروف وقد خلقه وسخره لذلك والشيطان عبارة عن خلق ~~شأنه ضد ذلك وهو الوعد بالشر والأمر بالفحشاء والتخويف عند الهم بالخير ~~بالفقر فالوسوسة في مقابلة الإلهام والشيطان في مقابلة الملك والتوفيق في ~~مقابلة الخذلان وإليه الإشارة بقوله تعالى @QB@ ومن كل شيء خلقنا زوجين ~~@QE@ فإن الموجودات كلها متقابلة مزدوجة إلا الله تعالى فإنه فرد لا مقابل ~~له بل هو الواحد الحق الخالق للأزواج كلها فالقلب متجاذب بين الشيطان ~~والملك وقد قال صلى الله عليه وسلم في القلب لمتان لمة من الملك إيعاد ~~بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله سبحانه وليحمد الله ~~ولمة من العدو إيعاد بالشر وتكذيب بالحق ونهي عن الخير فمن وجد ذلك فليستعذ ~~بالله من الشيطان الرجيم ثم تلا قوله تعالى الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم ~~بالفحشاء + حديث في القلب لمتان لمة من الملك إيعاد بالخير الحديث أخرجه ~~الترمذي وحسنه والنسائي في الكبرى من حديث ابن مسعود + أخرجه الترمذي ~~والنسائي + الآية وقال الحسن إنما هما همان يجولان في القلب هم من الله ~~تعالى وهم من العدو فرحم الله عبدا وقف عند همه فما كان من الله تعالى ~~أمضاه وما كان من عدوه جاهده # ولتجاذب القلب بين هذين المسلطين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب ~~المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن + حديث قلب المؤمن بين أصبعين الحديث ~~تقدم فالله يتعالى عن أن يكون له أصبع مركبة من لحم ودم وعصب منقسمة ~~بالأنامل ولكن روح الأصبع سرعة التقليب والقدرة على التحريك والتغيير فإنك ~~لا تريد أصبعك لشخصه بل لفعله في التقليب والترديد كما أنك تتعاطى الأفعال ~~بأصابعك والله تعالى يفعل ما يفعل باستسخار الملك والشيطان وهما مسخران ~~بقدرته في تقليب القلوب كما أن أصابعك مسخرة لك في تقليب الأجسام مثلا ~~والقلب بأصل الفطرة صالح لقبول آثار الملك ولقبول آثار الشيطان صلاحا ~~متساويا ليس يترجح أحدهما على الآخر وإنما يترجح أحد الجانبين باتباع الهوى ~~والإكباب على الشهوات أو الإعراض عنها ومخالفتها فإن اتبع الإنسان مقتضى ~~الغضب والشهوة ظهر تسلط الشيطان بواسطة الهوى وصار القلب عش الشيطان ومعدنه ~~لأن الهوى هو مرعى الشيطان ومرتعه وإن جاهد الشهوات ولم يسلطها على نفسه ~~وتشبه بأخلاق الملائكة عليهم السلام صار قلبه مستقر الملائكة ومهبطهم ولما ~~كان لا يخلو قلب عن شهوة وغضب وحرص وطمع وطول أمل إلى غير ذلك من صفات ~~البشرية المتشعبة عن الهوى لا جرم لم يخل قلب عن أن يكون للشيطان فيه جولان ~~بالوسوسة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ما منكم PageV03P027 من أحد إلا وله ~~شيطان قالوا وأنت يا رسول الله قال وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا ~~يأمر إلا بخير + حديث ما منكم من أحد إلا وله شيطان الحديث أخرجه مسلم من ~~حديث ابن مسعود + أخرجه مسلم + # وإنما كان هذا لأن الشيطان لا يتصرف إلا بواسطة الشهوة فمن أعانه الله ~~على شهوته حتى صارت لا تنبسط إلا حيث ينبغي وإلى الحد الذي ينبغي فشهوته لا ~~تدعو إلى الشر فالشيطان المتدرع بها لا يأمر إلا بالخير ومهما غلب على ~~القلب ذكر الدنيا بمقتضيات الهوى وجد الشيطان مجالا فوسوس ومهما انصرف ~~القلب إلى ذكر الله تعالى ارتحل الشيطان وضاق مجاله وأقبل الملك وألهم ~~والتطارد بين جندي الملائكة والشياطين في معركة القلب دائم إلى أن ينفتح ~~القلب لأحدهما فيستوطن ويستمكن ويكون اجتياز الثاني اختلاسا وأكثر القلوب ~~قد فتحتها جنود الشياطين وتملكتها فامتلأت بالوساوس الداعية إلى إيثار ~~العاجلة واطراح الآخرة ومبدأ استيلائها اتباع الشهوات والهوى ولا يمكن ~~فتحها بعد ذلك إلا بتخلية القلب عن قوت الشيطان وهو الهوى والشهوات وعمارته ~~بذكر الله تعالى الذي هو مطرح أثر الملائكة وقال جابر بن عبيدة العدوي شكوت ~~إلى العلاء بن زياد ما أجد في صدري من الوسوسة فقال إنما مثل ذلك مثل البيت ~~الذي يمر به اللصوص فإن كان فيه شيء عالجوه وإلا مضوا وتركوه يعني أن القلب ~~الخالي عن الهوى لا يدخله الشيطان ولذلك قال الله تعالى إن عبادي ليس لك ~~عليهم سلطان فكل من اتبع الهوى فهو عبد الهوى لا عبد الله ولذلك سلط الله ~~عليه الشيطان وقال تعالى أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وهو إشارة إلى أن من ~~الهوى إلهه ومعبوده فهو عبد الهوى لا عبد الله # ولذلك قال عمرو ابن العاص للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله حال ~~الشيطان بيني وبين صلاتي وقراءتي فقال ذلك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته ~~فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني + ~~حديث ابن أبي العاص إن الشيطان حال بيني وبين صلاتي الحديث أخرجه مسلم من ~~حديث ابن أبي العاص + أخرجه مسلم + # وفي الخبر إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان فاستعيذوا بالله منه + حديث ~~إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان الحديث أخرجه ابن ماجه والترمذي من حديث ~~أبي بن كعب وقال غريب وليس إسناده بالقوي عند أهل الحديث + أخرجه ابن ماجه ~~والترمذي غريب وليس اسناده بالقوي + ولا يمحو وسوسة الشيطان من القلب إلا ~~ذكر ما سوى ما يوسوس به لأنه إذا خطر في القلب ذكر شيء انعدم منه ما كان ~~فيه من قبل ولكن كل شيء سوى الله تعالى وسوى ما يتعلق به فيجوز أيضا أن ~~يكون مجالا للشيطان وذكر الله هو الذي يؤمن جانبه ويعلم أنه ليس للشيطان ~~فيه مجال ولا يعالج الشيء إلا بضده وضد جميع وساوس الشيطان ذكر الله ~~بالاستعاذة والتبري عن الحول والقوة وهو معنى قولك أعوذ بالله من الشيطان ~~الرجيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وذلك لا يقدر عليه إلا ~~المتقون الغالب عليهم ذكر الله تعالى وإنما الشيطان يطوف عليهم في أوقات ~~الفلتات على سبيل الخلسة قال الله تعالى أن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من ~~الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وقال مجاهد في معنى قول الله تعالى من شر ~~الوسواس الخناس قال هو منبسط على القلب فإذا ذكر الله تعالى خنس وانقبض ~~وإذا غفل انبسط على قلبه فالتطارد بين ذكر الله تعالى ووسوسة الشيطان ~~كالتطارد بين النور والظلام وبين الليل والنهار ولتضادهما قال الله تعالى ~~استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله وقال أنس قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إن الشيطان واضع خرطومه على قلب ابن آدم فإن هو ذكر الله تعالى ~~خنس وإن نسي الله تعالى التقم قلبه + حديث أنس إن الشيطان واضع خطمه على ~~قلب ابن آدم الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب مكايد الشيطان وأبو يعلى ~~الموصلي وابن عدي في الكامل وضعفه وقال ابن وضاح في حديث ذكره إذا بلغ ~~الرجل أربعين سنة ولم يتب ولم يتب مسح الشيطان وجهه بيده PageV03P028 وقال ~~بأبي وجه من لا يفلح + حديث ابن وضاح إذا بلغ الرجل أربعين سنة ولم يتب مسح ~~الشيطان بيده وجهه وقال بأبي وجه من لا يفلح لم أجد له أصلا # وكما أن الشهوات ممتزجة بلحم ابن آدم ودمه فسلطنة الشيطان أيضا سارية في ~~لحمه ودمه ومحيطة بالقلب من جوانبه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن ~~الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع + حديث إن الشيطان ~~يجري من ابن آدم مجرى الدم تقدم وذلك لأن الجوع يكسر الشهوة ومجرى الشيطان ~~الشهوات ولأجل اكتناف الشهوات للقلب من جوانبه قال الله تعالى إخبارا عن ~~إبليس لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن ~~إيمانهم وعن شمائلهم وقال صلى الله عليه وسلم إن الشيطان قعد لابن آدم بطرق ~~فقعد له بطريق الإسلام فقال أتسلم وتترك دينك ودين آبائك فعصاه وأسلم ثم ~~قعد له بطريق الهجرة فقال أتهاجر أتدع أرضك وسمائك فعصاه وهاجر هو قعد له ~~بطريق الجهاد فقال أتجاهد وهو تلف النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح نساؤك ~~ويقسم مالك فعصاه وجاهد + حديث إن الشيطان قعد لابن آدم بطريق الحديث أخرجه ~~النسائي من حديث سبرة بن أبي فاكه بإسناد صحيح وقال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فمن فعل ذلك فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة فذكر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم معنى الوسوسة وهي هذه الخواطر التي تخطر للمجاهد ~~أنه يقتل وتنكح نساؤه وغير ذلك مما يصرفه عن الجهاد وهذه الخواطر معلومة ~~فإذا الوسواس معلوم بالمشاهدة وكل خاطر فله سبب ويفتقر إلى اسم يعرفه فاسم ~~سببه الشيطان ولا يتصور أن ينفك عنه آدمي وإنما يختلفون بعصيانه ومتابعته ~~ولذلك قال عليه السلام ما من أحد إلا وله شيطان + حديث ما من أحد إلا له ~~شيطان الحديث تقدم # فقد اتضح بهذا النوع من الاستبصار معنى الوسوسة والإلهام والملك والشيطان ~~والتوفيق والخذلان فبعد هذا نظر من ينظر في ذات الشيطان أنه جسم لطيف أو ~~ليس بجسم وإن كان جسما فكيف يدخل بدن الإنسان ما هو جسم فهذا الآن غير ~~محتاج إليه في علم المعاملة بل مثال الباحث عن هذا مثال من دخلت في ثيابه ~~حية وهو محتاج إلى إزالتها ودفع ضررها فاشتغل بالبحث عن لونها وشكلها ~~وطولها وعرضها وذلك عين الجهل فمصادمة الخواطر الباعثة على الشر قد علمت ~~ودل ذلك على أنه عن سبب لا محالة وعلم أن الداعي إلى الشر المحذور في ~~المستقبل عدو فقد عرف العدو لا محال فينبغي أن يشتغل بمجاهدته وقد عرف الله ~~سبحانه عداوته في مواضع كثيرة من كتابه ليؤمن به ويحترز عنه فقال تعالى إن ~~الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير وقال ~~تعالى ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ~~فينبغي للعبد أن يشتغل بدفع العدو عن نفسه لا بالسؤال عن أصله ونسبه ومسكنه ~~نعم ينبغي أن يسأل عن سلاحه ليدفعه عن نفسه وسلاح الشيطان الهوى والشهوات ~~وذلك كاف للعالمين فأما معرفة ذاته وصفاته وحقيقته نعوذ بالله منه وحقيقة ~~الملائكة فذلك ميدان العارفين المتغلغلين في علوم المكاشفات فلا يحتاج في ~~علم المعاملة إلى معرفته نعم ينبغي أن يعلم أن الخواطر تنقسم إلى ما يعلم ~~قطعا أنه داع إلى الشر فلا يخفى كونه وسوسة وإلى ما يعلم أنه داع إلى الخير ~~فلا يشك في كونه إلهاما وإلى ما يتردد فيه فلا يدري أنه من لمة الملك أو من ~~لمة الشيطان فإن من مكايد الشيطان أن يعرض الشر في معرض الخير والتمييز في ~~ذلك غامض وأكثر العباد به يهلكون فإن الشيطان لا يقدر على دعائهم إلى الشر ~~الصريح فيصور الشر بصورة الخير كما يقول للعالم بطريق الوعظ أما تنظر إلى ~~الخلق وهم موتى من الجهل هلكى من الغفلة قد أشرفوا على النار PageV03P029 ~~أما لك رحمة على عباد الله تنقذهم من المعاطب بنصحك ووعظك وقد أنعم الله ~~عليك بقلب بصير ولسان ذلق ولهجة مقبولة فكيف تكفر نعمة الله تعالى وتتعرض ~~لسخطه وتسكت عن إشاعة العلم ودعوة الخلق إلى الصراط المستقيم وهو لا يزال ~~يقرر ذلك في نفسه ويستجره بلطيف الحيل إلى أن يشتغل بوعظ الناس ثم يدعوه ~~بعد ذلك إلى أن يتزين لهم ويتصنع بتحسين اللفظ وإظهار الخير ويقول له إن لم ~~تفعل ذلك سقط وقع كلامك من قلوبهم ولم يهتدوا إلى الحق ولا يزال يقرر ذلك ~~عنده وهو في أثنائه يؤكد فيه شوائب الرياء وقبول الخلق ولذة الجاه والتعزز ~~بكثرة الأتباع والعلم والنظر إلى الخلق بعين الاحتقار فيستدرج المسكين ~~بالنصح إلى الهلاك فيتكلم وهو يظن أن قصده الخير وإنما قصده الجاه والقبول ~~فيهلك بسببه وهو يظن أنه عند الله بمكان وهو من الذين قال فيهم رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إن الله ليؤيد هذا الدين بقوم لا خلاق لهم + حديث إن ~~الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم أخرجه النسائي من حديث أنس بإسناد ~~جيد و إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر + حديث إن الله يؤيد هذا ~~الدين بالرجل الفاجر متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد تقدم في العلم ولذلك ~~روى أن إبليس لعنه الله تمثل لعيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فقال له قل ~~لا إله إلا الله فقال كلمة حق ولا أقولها بقولك لأن له أيضا تحت الخير ~~تلبيسات وتلبيسات الشيطان من هذا الجنس لا تتناهى وبها يهلك العلماء ~~والعباد والزهاد والفقراء والأغنياء وأصناف الخلق ممن يكرهون ظاهر الشر ولا ~~يرضون لأنفسهم الخوض في المعاصي المكشوفة # وسنذكر جملة من مكايد الشيطان في كتاب الغرور في آخر هذا الربع ولعلنا إن ~~أمهل الزمان صنفنا فيه كتابا على الخصوص نسميه تلبيس إبليس فإنه قد انتشر ~~الآن تلبيسه في البلاد والعباد لا سيما في المذاهب والاعتقادات حتى لم يبق ~~من الخيرات إلا رسمها كل ذلك إذعانا لتلبيسات الشيطان ومكايده # فحق على العبد أن يقف عند كل هم يخطر له ليعلم أنه من لمة الملك أو من ~~لمة الشيطان وأن يمعن النظر فيه بعين البصيرة لا بهوى من الطبع ولا يطلع ~~عليه إلا بنور التقوى والبصيرة وغزارة العلم كما قال تعالى إن الذين اتقوا ~~إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا أي رجعوا إلى نور العلم فإذا هم مبصرون أي ~~ينكشف لهم الإشكال فأما من لم يرض نفسه بالتقوى فيميل طبعه إلى الإذعان ~~بتلبيسه بمتابعة الهوى فيكثر فيه غلطه ويتعجل فيه هلاكه وهو لا يشعر وفي ~~مثلهم قال سبحانه وتعالى وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون قيل هي ~~أعمال ظنوها حسنات فإذا هي سيئات وأغمض أنواع علوم المعاملة الوقوف على خدع ~~النفس ومكايد الشيطان وذلك فرض عين على كل عبد وقد أهمله الخلق واشتغلوا ~~بعلوم تستجر إليهم الوسواس وتسلط عليهم الشيطان وتنسيهم عداوته وطريق ~~الاحتراز عنه ولا ينجي من كثرة الوسواس إلا سد أبواب الخواطر وأبوابها ~~الحواس الخمس وأبوابها من داخل الشهوات وعلائق الدنيا والخلوة في بيت مظلم ~~تسد باب الحواس والتجرد عن الأهل والمال يقلل مداخل الوسواس من الباطن ~~ويبقى مع ذلك مداخل باطنة في التخيلات الجارية في القلب وذلك لا يدفع إلا ~~بشغل القلب بذكر الله تعالى ثم إنه لا يزال يجاذب القلب وينازعه ويلهيه عن ~~ذكر الله تعالى فلا بد من مجاهدته وهذه مجاهدة لا آخر لها إلا الموت إذ لا ~~يتخلص أحد من الشيطان ما دام حيا نعم قد يقوى بحيث لا ينقاد له ويدفع عن ~~نفسه شره بالجهاد ولكن لا يستغني قط عن الجهاد والمدافعة ما دام الدم يجري ~~في بدنه فإذا ما دام حيا فأبواب الشيطان مفتوحة إلى قلبه لا تنغلق وهي ~~الشهوة والغضب والحسد والطمع والشره وغيرها كما سيأتي شرحها ومهما كان ~~الباب مفتوحا والعدو غير غافل لم يدفع إلا بالحراسة والمجاهدة PageV03P030 # قال رجل للحسن يا أبا سعيد أينام الشيطان فتبسم وقال لو نام لاسترحنا ~~فإذن لا خلاص للمؤمن منه نعم له سبيل إلى دفعه وتضعيف قوته قال صلى الله ~~عليه وسلم إن المؤمن ينضى شيطانه كما ينضى أحدكم بعيره في سفره + حديث إن ~~المؤمن ينضى شيطانه الحديث أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة وفيه ابن لهيعة ~~وقال ابن مسعود شيطان المؤمن مهزول وقال قيس بن الحجاج قال لي شيطاني دخلت ~~فيك وأنا مثل الجزور وأنا الآن مثل العصفور قلت ولم ذاك قال تذيبني بذكر ~~الله تعالى فأهل التقوى لا يتعذر عليهم سد أبواب الشيطان وحفظها بالحراسة ~~أعني الأبواب الظاهرة والطرق الجلية التي تفضي إلى المعاصي الظاهرة وإنما ~~يتعثرون في طرقه الغامضة فإنهم لا يهتدون إليها فيحرسونها كما أشرنا إليه ~~في غرور العلماء والوعاظ والمشكل أن الأبواب المفتوحة إلى القلب للشيطان ~~كثيرة وباب الملائكة باب واحد وقد التبس ذلك الباب الواحد بهذه الأبواب ~~الكثيرة فالعبد فيها كالمسافر الذي يبقى في بادية كثيرة الطرق غامضة ~~المسالك في ليلة مظلمة فلا يكاد يعلم الطريق إلا بعين بصيرة وطلوع شمس ~~مشرقة والعين البصيرة ههنا هي القلب المصفى بالتقوى والشمس المشرقة هو ~~العلم الغزير المستفاد من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ~~مما يهدي إلى غوامض طرقه وإلا فطرقه كثيرة وغامضة قال عبد الله بن مسعود ~~رضي الله عنه خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطا وقال هذا سبيل ~~الله ثم خط خطوطا عن يمين الخط وعن شماله ثم قال هذه سبل على كل سبيل منها ~~شيطان يدعو إليه ثم تلا وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل ~~لتلك الخطوط + حديث ابن مسعود خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ~~فقال هذا سبيل الله الحديث أخرجه النسائي في الكبرى والحاكم وقال صحيح ~~الإسناد فبين صلى الله عليه وسلم كثرة طرقه وقد ذكرنا مثالا للطريق الغامض ~~من طرقه وهو الذي يخدع به العلماء والعباد المالكين لشهواتهم الكافين عن ~~المعاصي الظاهرة فلنذكر مثالا لطريقه الواضح الذي لا يخفى إلا أن يضطر ~~الآدمي إلى سلوكه وذلك كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كان ~~راهب في بني إسرائيل فعمد الشيطان إلى جارية فخنقها وألقى في قلوب أهلها أن ~~دواءها عند الراهب فأتوا بها إليه فأبى أن يقبلها فلم يزالوا به حتى قبلها ~~فلما كانت عنده ليعالجها أتاه الشيطان فزين له مقاربتها ولم يزل به حتى ~~واقعها فحملت منه فوسوس إليه وقال الآن تفتضح يأتيك أهلها فاقتلها فإن ~~سألوك فقل ماتت فقتلها ودفنها فأتى الشيطان أهلها فوسوس إليهم وألقى في ~~قلوبهم أنه أحبلها ثم قتلها ودفنها فأتاه أهلها فسألوه عنها فقال ماتت ~~فأخذوه ليقتلوه بها فأتاه الشيطان فقال أنا الذي خنقتها وأنا الذي ألقيت في ~~قلوب أهلها فأطعني تنج وأخلصك منهم قال بماذا قال اسجد لي سجدتين فسجد له ~~سجدتين فقال له الشيطان إني برىء منك فهو الذي قال الله تعالى فيه @QB@ ~~كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك @QE@ + حديث ~~كان راهب في بني إسرائيل فأخذ الشيطان جارية فخنقها وألقى في قلوب أهلها أن ~~دواءها عند الراهب الحديث بطوله في قوله تعالى @QB@ كمثل الشيطان إذ قال ~~للإنسان اكفر @QE@ رواه ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وابن مردويه في ~~تفسيره في حديث عبيد بن أبي رفاعة مرسلا وللحاكم نحوه موقوفا على علي بن ~~أبي طالب وقال صحيح الإسناد ووصله بطين في مسنده من حديث علي فانظر الآن ~~إلى حيله واضطراره الراهب إلى هذه الكبائر وكل ذلك لطاعته له في قبول ~~الجارية للمعالجة وهو أمر هين وربما يظن صاحبه أنه خير وحسنة فيحسن ذلك في ~~قلبه بخفي الهوى فيقدم عليه كالراغب في الخير فيخرج الأمر بعد ذلك عن ~~اختياره ويجره البعض إلى البعض بحيث لا يجد محيصا فنعوذ بالله من تضييع ~~أوائل الأمور وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم من حام حول الحمى ~~يوشك أن يقع فيه + حديث من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه متفق عليه من ~~حديث النعمان ابن بشير من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه لفظ البخاري ~~PageV03P031 # | بيان تفصيل مداخل الشيطان إلى القلب # اعلم أن مثال القلب مثال حصن والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن فيملكه ~~ويستولي عليه ولا يقدر على حفظ الحصن من العدو إلا بحراسة أبواب الحصن ~~ومداخله ومواضع ثلمه ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يدري أبوابه فحماية ~~القلب عن وسواس الشيطان واجبة وهو فرض عين على كل عبد مكلف وما لا يتوصل ~~إلى الواجب إلا به فهو أيضا واجب ولا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة ~~مداخله فصارت معرفة مداخله واجبة ومداخل الشيطان وأبوابه صفات العبد وهي ~~كثيرة ولكنا نشير إلى الأبواب العظيمة الجارية مجرى الدروب التي لا تضيق عن ~~كثرة جنود الشيطان # فمن أبوابه العظيمة الغضب والشهوة فإن الغضب هو غول العقل وإذا ضعف جند ~~العقل هجم جند الشيطان ومهما غضب الإنسان لعب الشيطان به كما يلعب الصبي ~~بالكرة فقد روي أن موسى عليه السلام لقيه إبليس فقال له يا موسى أنت الذي ~~اصطفاك الله برسالته وكلمك تكليما وأنا خلق من خلق الله أذنبت وأريد أن ~~أتوب فاشفع لي إلى ربي أن يتوب علي فقال موسى نعم فلما صعد موسى الجبل وكلم ~~ربه عز وجل وأراد النزول قال له ربه أد الأمانة فقال موسى يا رب عبدك إبليس ~~يريد أن تتوب عليه فأوحى الله تعالى إلى موسى يا موسى قد قضيت حاجتك مره أن ~~يسجد لقبر آدم حتى يتاب عليه فلقي موسى إبليس فقال له قد قضيت حاجتك أمرت ~~أن تسجد لقبر آدم حتى يتاب عليك فغضب واستكبر وقال لم أسجد له حيا أسجد له ~~ميتا ثم قال له يا موسى إن لك علي حقا بما شفعت لي إلى ربك فاذكرني عند ~~ثلاث لا أهلكك فيهن اذكرني حين تغضب فإن روحي في قلبك وعيني في عينك وأجري ~~منك مجرى الدم اذكرني إذا غضبت فإنه إذا غضب الإنسان نفخت فيه أنفه فما ~~يدري ما يصنع واذكرني حين تلقي الزحف فإني آتى ابن آدم حين يلقى الزحف ~~فأذكره زوجته وولده وأهله حتى يولى وإياك أن تجلس إلى امرأة ليست بذات محرم ~~فإني رسولها إليك ورسولك إليها فلا أزال حتى أفتنك بها وأفتنها بك فقد أشار ~~بهذا إلى الشهوة والغضب والحرص فإن الفرار من الزحف حرص على الدنيا ~~وامتناعه من السجود لآدم ميتا هو الحسد وهو أعظم مداخله وقد ذكر أن بعض ~~الأولياء قال لإبليس أرني كيف تغلب ابن آدم فقال آخذه عند الغضب وعند الهوى ~~فقد حكى أن إبليس ظهر لراهب فقال له الراهب أي أخلاق بني آدم أعون لك قال ~~الحدة فإن العبد إذا كان حديدا قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة وقيل إن ~~الشيطان يقول كيف يغلبني ابن آدم وإذا رضي جئت حتى أكون في قلبه وإذا غضب ~~طرت حتى أكون في رأسه # ومن أبوابه العظيمة الحسد والحرص فمهما كان العبد حريصا على كل شيء أعماه ~~حرصه وأصمه إذ قال صلى الله عليه وسلم حبك للشيء يعمي ويصم + حديث حبك ~~للشيء يعمي ويصم أخرجه أبو داود من حديث أبي الدرداء بإسناد ضعيف ونور ~~البصيرة هو الذي يعرف مداخل الشيطان فإذا غطاء الحسد والحرص لم يبصر فحينئذ ~~يجد الشيطان فرصة فيحسن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته وإن كان منكرا ~~وفاحشا فقد روي أن نوحا عليه السلام لما ركب السفينة حمل فيها من كل زوجين ~~اثنين كما أمره الله تعالى فرأى في السفينة شيخا لم يعرفه فقال له نوح ما ~~أدخلك فقال دخلت لأصيب قلوب أصحابك فتكون قلوبهم معي وأبدانهم معك فقال له ~~نوح أخرج منها يا عدو الله فإنك لعين فقال له إبليس خمس أهلك بهن الناس ~~وسأحدثك منهم بثلاث ولا أحدثك باثنتين فأوحى الله تعالى إلى نوح أنه لا ~~حاجة لك بالثلاث فليحدثك بالاثنين فقال له نوح PageV03P032 ما الاثنتان ~~فقال هما اللتان لا تكذباني هما اللتان لا تخلفاني بهما أهلك الناس الحرص ~~والحسد فبالحسد لعنت وجعلت شيطانا رجيما وأما الحرص فإنه أبيح لآدم الجنة ~~كلها إلا الشجرة فأصبت حاجتي منه بالحرص # ومن أبوابه العظيمة الشبع من الطعام وإن كان حلالا صافيا فإن الشبع يقوي ~~الشهوات والشهوات أسلحة الشيطان فقد روي أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا ~~عليهما السلام فرأى عليه معاليق من كل شيء فقال له يا إبليس ما هذه ~~المعاليق قال هذه الشهوات التي أصبت بها ابن آدم فقال فهل فيها من شيء قال ~~ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة وعن الذكر قال فهل غير ذلك قال لا قال لله علي ~~أن لا أملأ بطني من الطعام أبدا فقال له إبليس ولله علي أن لا أنصح مسلما ~~أبدا ويقال في كثرة الأكل ست خصال مذمومة أولها أن يذهب خوف الله من قلبه ~~الثاني أن يذهب رحمة الخلق من قلبه لأنه يظن أنهم كلهم شباع والثالث أنه ~~يثقل عن الطاعة والرابع أنه إذا سمع كلام الحكمة لا يجد له رقة والخامس أنه ~~إذا تكلم بالموعظة والحكمة لا يقع في قلوب الناس والسادس أن يهيج فيه ~~الأمراض # ومن أبوابه حب التزين من الأثاث والثياب والدار فإن الشيطان إذا رأى ذلك ~~غالبا على قلب الإنسان باض فيه وفرخ فلا يزال يدعوه إلى عمارة الدار وتزيين ~~سقوفها وحيطانها وتوسيع أبنيتها ويدعوه إلى التزين بالثياب والدواب ~~ويستسخره فيها طول عمره وإذا أوقعه في ذلك فقد استغنى أن يعود إليه ثانية ~~فإن بعض ذلك يجره إلى البعض فلا يزال يؤديه من شيء إلى شيء إلى أن يساق ~~إليه أجله فيموت وهو في سبيل الشيطان واتباع الهوى ويخشى من ذلك سوء ~~العاقبة بالكفر نعوذ بالله منه # ومن أبوابه العظيمة الطمع في الناس لأنه إذا غلب الطمع على القلب لم يزل ~~الشيطان يحبب إليه التصنع والتزين لمن طمع فيه بأنواع الرياء والتلبيس حتى ~~المطموع فيه كأنه معبوده فلا يزال يتفكر في حيلة التودد والتحبب إليه ويدخل ~~كل مدخل للوصول إلى ذلك وأقل أحواله الثناء عليه بما ليس فيه والمداهنة له ~~بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد روى صفوان بن سليم أن إبليس تمثل ~~لعبد الله بن حنظلة فقال له يا ابن حنظلة احفظ عني شيئا أعلمك به فقال لا ~~حاجة لي به قال انظر فإن كان خيرا أخذت وإن كان شرا رددت يا ابن حنظلة لا ~~تسأل أحدا غير الله سؤال رغبة وانظر كيف تكون إذا غضبت فإني أملكك إذا غضبت # ومن أبوابه العظيمة العجلة وترك التثبت في الأمور وقال صلى الله عليه ~~وسلم العجلة من الشيطان والتأني من الله تعالى + حديث العجلة من الشيطان ~~والتأني من الله أخرجه الترمذي من حديث سهل بن سعد بلفظ الأناة وقال حسن ~~وقال عز وجل @QB@ خلق الإنسان من عجل @QE@ وقال تعالى @QB@ وكان الإنسان ~~عجولا @QE@ وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم @QB@ ولا تعجل بالقرآن من قبل أن ~~يقضى إليك وحيه @QE@ وهذا لأن الأعمال ينبغي أن تكون بعد التبصرة والمعرفة ~~والتبصرة تحتاج إلى تأمل وتمهل والعجلة تمنع من ذلك وعند الاستعجال يروج ~~الشيطان شره على الإنسان من حيث لا يدري فقد روي أنه لما ولد عيسى بن مريم ~~عليه السلام أتت الشياطين إبليس فقالوا أصبحت الأصنام قد نكست رءوسها فقال ~~هذا حادث مكانكم فطار حتى أتى خافقي الأرض فلم يجد شيئا ثم وجد عيسى عليه ~~السلام قد ولد وإذا الملائكة حافين به فرجع إليهم فقال إن نبيا قد ولد ~~البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا حاضرها إلا هذا فأيسوا من أن ~~تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ولكن ائتوا بني آدم من قبل العجلة والخفة # ومن أبوابه العظيمة الدراهم والدنانير وسائر أصناف الأموال من العروض ~~والدواب والعقار فإن كل ما يزيد PageV03P033 على قدر القوت والحاجة فهو ~~مستقر الشيطان فإن من معه قوته فهو فارغ القلب فلو وجد مائة دينار مثلا على ~~طريق انبعث من قلبه شهوات تحتاج كل شهوة منها إلى مائة دينار أخرى فلا ~~يكفيه ما وجد بل يحتاج إلى تسعمائة أخرى وقد كان قبل وجود المائة مستغنيا ~~فالآن لما وجد مائة ظن أنه صار بها غنيا وقد صار محتاجا إلى تسعمائة ليشتري ~~دارا يعمرها وليشتري جارية وليشتري أثاث البيت ويشتري الثياب الفاخرة وكل ~~شيء من ذلك يستدعي شيئا آخر يليق به وذلك لا آخر له فيقع في هاوية آخرها ~~عمق جهنم فلا آخر لها سواهقال ثابت البناني لما بعث رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم قال إبليس لشياطينه لقد حدث أمر فانظروا ما هو فانطلقوا حتى ~~أعيوا ثم جاءوا وقالوا ما ندري قال أنا آتيكم بالخبر فذهب ثم جاء وقال قد ~~بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم قال فجعل يرسل شياطينه إلى أصحاب النبي ~~صلى الله عليه وسلم فينصرفون خائبين ويقولون ما صحبنا قوما قط مثل هؤلاء ~~نصيب منهم ثم يقومون إلى صلاتهم فيمحي ذلك فقال لهم إبليس رويدا بهم عسى ~~الله أن يفتح لهم الدنيا فنصيب منهم حاجتنا + حديث ثابت لما بعث صلى الله ~~عليه وسلم قال إبليس لشياطينه لقد حدث أمر الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في ~~مكايد الشيطان هكذا مرسلا وروي أن عيسى عليه الصلاة والسلام توسد يوما حجرا ~~فمر به إبليس فقال يا عيسى رغبت في الدنيا فأخذه عيسى صلى الله عليه وسلم ~~فرمى به من تحت رأسه وقال هذا لك مع الدنيا وعلى الحقيقة من يملك حجرا ~~يتوسد به عند النوم فقد ملك من الدنيا ما يمكن أن يكون عدة للشيطان عليه ~~فإن القائم بالليل مثلا للصلاة مهما كان بالقرب منه حجر يمكن أن يتوسده فلا ~~يزال يدعوه إلى النوم وإلى أن يتوسده ولو لم يكن ذلك لكان لا يخطر له ذلك ~~ببال ولا تتحرك رغبته إلى النوم هذا في حجر فكيف بمن يملك المخاد الميثرة ~~والفرش الوطيئة والمتنزهات الطيبة فمتى ينشط لعبادة الله تعالى # ومن أبوابه العظيمة البخل وخوف الفقر فإن ذلك هو الذي يمنع الإنفاق ~~والتصدق ويدعو إلى الادخار والكنز والعذاب الأليم وهو الموعود للمكاثرين ~~كما نطق به القرآن العزيز قال خيثمة بن عبد الرحمن إن الشيطان يقول ما ~~غلبني ابن غلبة فلن يغلبني على ثلاث أن آمره أن يأخذ المال من غير حقه ~~وإنفاقه في غير حقه ومنعه من حقه وقال سفيان ليس للشيطان سلاح مثل خوف ~~الفقر فإذا قبل ذلك منه أخذ في الباطل ومنع من الحق وتكلم بالهوى وظن بربه ~~ظن السوء # ومن آفات البخل الحرص على ملازمة الأسواق لجمع المال والأسواق هي معشش ~~الشياطين وقال أبو أمامة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن إبليس لما ~~نزل إلى الأرض قال يارب أنزلتني إلى الأرض وجعلتني رجيما فاجعل لي بيتا قال ~~الحمام قال أجعل لي مجلسا قال الأسواق ومجامع الطرق قال اجعل لي طعاما قال ~~طعامك ما لم يذكر اسم الله عليه قال اجعل لي شرابا قال كل مسكر قال اجعل لي ~~مؤذنا قال المزامير قال اجعل لي قرآنا قال الشعر قال اجعل لي كتابا قال ~~الوشم قال اجعل لي حديثا قال الكذب قال اجعل لي مصايد قال النساء + حديث ~~أبي أمامة إن إبليس لما نزل إلى الأرض قال يارب أنزلتني إلى الأرض وجعلتني ~~رجيما فاجعل لي بيتا قال الحمام الحديث أخرجه الطبراني في الكبير وإسناده ~~ضعيف جدا ورواه بنحوه من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف أيضا # ومن أبوابه العظيمة التوصل التعصب للمذاهب والأهواء والحقد على الخصوم ~~والنظر إليهم بعين الأزدراء والاستحقار وذلك مما يهلك العباد والفساق جميعا ~~فإن الطعن في الناس والاشتغال بذكر نقصهم صفة مجبولة في PageV03P034 الطبع ~~من الصفات السبعية فإذا خيل إليه الشيطان أن ذلك هو الحق وكان موافقا لطبعه ~~غلبت حلاوته على قلبه فاشتغل به بكل همته وهو بذلك فرحان مسرور يظن أنه ~~يسعى في الدين وهو ساع في اتباع الشياطين فترى الواحد منهم يتعصب لأبي بكر ~~الصديق رضي الله عنه وهو آكل الحرام ومطلق اللسان بالفضول والكذب ومتعاط ~~لأنواع الفساد ولو رآه أبو بكر لكان أول عدو له إذ موالي أبي بكر من أخذ ~~سبيله وسار بسيرته وحفظ ما بين لحييه وكان من سيرته رضي الله عنه أن يضع ~~حصاة في فمه ليكف لسانه عن الكلام فيما لا يعنيه فأنى لهذا الفضولي أن يدعى ~~ولاءه وحبه ولا يسير بسيرته وترى فضوليا آخر يتعصب لعلي رضي الله عنه وكان ~~من زهد علي وسيرته أنه لبس في خلافته ثوبا اشتراه بثلاثة دراهم وقطع رأس ~~الكمين إلى الرسغ ونرى الفاسق لابسا الثياب الحرير ومتجملا بأموال اكتسبها ~~من حرام وهو يتعاطى حب علي رضي الله عنه ويدعيه وهو أول خصمائه يوم القيامة ~~وليت شعري من أخذ ولدا عزيزا لإنسان هو قرة عينه وحياة قلبه فأخذ يضربه و ~~يمزقه وينتف شعره ويقطعه بالمقراض وهو مع ذلك يدعي حب أبيه وولاءه فكيف ~~يكون حاله عنده ومعلوم أن الدين والشرع كانا أحب إلا أبي بكر وعمر وعثمان ~~وعلى وسائر الصحابة رضي الله عنهم من الأهل والولد بل من أنفسهم والمقتحمون ~~لمعاصي الشرع هم الذين يمزقون الشرع ويقطعونه بمقاريض الشهوات ويتوددون به ~~إلى عدو الله إبليس وعدو أوليائه فترى كيف يكون حالهم يوم القيامة عند ~~الصحابة وعند أولياء الله تعالى لا بل لو كشف الغطاء وعرف هؤلاء ما تحبه ~~الصحابة في أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لاستحيوا أن يجروا على اللسان ~~ذكرهم مع قبح أفعالهم ثم إن الشيطان يخيل إليهم أن من مات محبا لأبي بكر ~~وعمر فالنار لا تحوم حوله ويخيل إلى الآخر أنه إذا مات محبا لعلي لم يكن ~~عليه خوف وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لفاطمة رضي الله عنها وهي ~~بضعة منه + حديث فاطمة بضعة مني متفق عليه من حديث المسور بن مخرمة + إعملي ~~فإني لا أغني عنك من الله شيئا + حديث إني لا أغني عنك من الله شيئا قاله ~~لفاطمة متفق عليه من حديث أبي هريرة وهذا مثال أوردناه من جملة الأهواء ~~وهكذا حكم المتعصبين للشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم من الأئمة فكل ~~من ادعى مذهب إمام وهو ليس يسير بسيرته فذلك الإمام هو خصمه يوم القيامة إذ ~~يقول له كان مذهبي العمل دون الحديث باللسان وكان الحديث باللسان لأجل ~~العمل لا لأجل الهذيان فما بالك خالفتني في العمل والسيرة التي هي مذهبي ~~ومسلكي الذي سلكته وذهبت فيه إلى الله تعالى ثم ادعيت مذهبي كاذبا وهذا ~~مدخل عظيم من مداخل الشيطان قد أهلك به أكثر العالم وقد سلمت المدارس ~~لأقوام قل من الله خوفهم وضعفت في الدين بصيرتهم وقويت في الدنيا رغبتهم ~~واشتد على الاستتباع حرصهم ولم يتمكنوا من الاستتباع وإقامة الجاه إلا ~~بالتعصب فحبسوا ذلك في صدورهم ولم ينبهوهم على مكايد الشيطان فيه بل نابوا ~~عن الشيطان في تنفيذ مكيدته فاستمر الناس عليه ونسوا أمهات دينهم فقد هلكوا ~~وأهلكوا فالله تعالى يتوب علينا وعليهم وقال الحسن بلغنا أن إبليس قال سولت ~~لأمة محمد صلى الله عليه وسلم المعاصي فقصموا ظهري بالاستغفار فسولت لهم ~~ذنوبا لا يستغفرون الله تعالى منها وهي الأهواء وقد صدق الملعون فإنهم لا ~~يعلمون أن ذلك من الأسباب التي تجر إلى المعاصي فكيف يستغفرون منها # ومن عظيم حيل الشيطان أن يشغل الإنسان عن نفسه بالاختلافات الواقعة بين ~~الناس في المذاهب والخصومات قال عبد الله بن مسعود جلس قوم يذكرون الله ~~تعالى فأتاهم الشيطان ليقيمهم عن مجلسهم ويفرق بينهم فلم يستطع فأتى رفقة ~~أخرى يتحدثون بحديث الدنيا فأفسد بينهم فقاموا يقتتلون وليس إياهم يريد ~~فقام الذين يذكرون الله تعالى PageV03P035 فاشتغلوا بهم يفصلون بينهم ~~فتفرقوا عن مجلسهم وذلك مراد الشيطان منهم # ومن أبوابه حمل العوام الذين لم يمارسوا العلم ولم يتبحروا فيه على ~~التفكر في ذات الله تعالى وصفاته وفي أمور لا يبلغها حد عقولهم حتى يشككهم ~~في أصل الدين أو يخيل إليهم في الله تعالى خيالات يتعالى الله عنها يصير ~~أحدهم بها كافرا أو مبتدعا وهو به فرح مسرور مبتهج بما وقع في صدره يظن ذلك ~~هو المعرفة والبصيرة وأنه انكشف له ذلك بذكائه وزيادة عقله فأشد الناس ~~حماقة أقواهم اعتقادا في عقل نفسه وأثبت الناس عقلا أشدهم اتهاما لنفسه ~~وأكثرهم سؤالا من العلماء قالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلقك فيقول الله تبارك وتعالى ~~فيقول فمن خلق الله فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله ورسوله فإن ذلك ~~يذهب عنه + حديث عائشة أن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلقك فيقول الله ~~الحديث أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى في مسانيدهم ورجاله ثقات وهو متفق ~~عليه من حديث أبي هريرة + والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالبحث في ~~علاج هذا الوسواس فإن هذا وسواس يجده عوام الناس دون العلماء وإنما حق ~~العوام أن يؤمنوا ويسلموا ويشتغلوا بعبادتهم ومعايشهم ويتركوا العلم ~~للعلماء فالعامي لو يزني ويسرق كان خيرا له من أن يتكلم في العلم فإنه من ~~تكلم في الله وفي دينه من غير إتقان العلم وقع في الكفر من حيث لا يدري كمن ~~يركب لجة البحر وهو لا يعرف السباحة ومكايد الشيطان فيما يتعلق بالعقائد ~~والمذاهب لا تحصر وإنما أردنا بما أوردناه المثال # ومن أبوابه سوء الظن بالمسلمين قال الله تعالى @QB@ يا أيها الذين آمنوا ~~اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم @QE@ فمن يحكم بشر على غيره بالظن ~~بعثه الشيطان على أن يطول فيه اللسان بالغيبة فيهلك أو يقصر في القيام ~~بحقوقه أو يتوانى في إكرامه وينظر إليه بعين الاحتقار ويرى نفسه خيرا منه ~~وكل ذلك من المهلكات ولأجل ذلك منع الشرع من التعرض للتهم فقال صلى الله ~~عليه وسلم اتقوا مواضع التهم + حديث اتقوا مواضع التهم لم أجد له أصلا حتى ~~احترز هو صلى الله عليه وسلم من ذلك روي عن علي بن حسين أن صفية بنت حيى بن ~~أخطب أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معتكفا في المسجد قالت فأتيته ~~فتحدثت عنده فلما أمسيت انصرفت فقام يمشي معي فمر به رجلان من الأنصار ~~فسلما ثم انصرفا فناداهما وقال إنها صفة بنت حيى فقالا يا رسول الله ما نظن ~~بك إلا خيرا فقال إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم من الجسد وإني خشيت ~~أن يدخل عليكما + حديث صفية بنت حيى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ~~معتكفا فأتيته فتحدثت عنده الحديث وفيه أن الشطيان يجري من ابن آدم مجرى ~~الدم متفق عليه فانظر كيف أشفق صلى الله عليه وسلم على دينهما فحرسهما وكيف ~~أشفق على أمته فعلمهم طريق الاحتراز من التهمة حتى لا يتساهل العالم الورع ~~المعروف بالدين في أحواله فيقول مثلي لا يظن به إلا الخير إعجابا منه بنفسه ~~فإن أورع الناس وأتقاهم وأعلمهم لا ينظر الناس كلهم إليه بعين واحدة بل ~~بعين الرضا بعضهم وبعين السخط بعضهم ولذلك قال الشاعر # وعين الرضا عن كل عيب كليلة % ولكن عين السخط تبدي المساويا # فيجب الاحتراز عن ظن السوء وعن تهمة الأشرار فإن الأشرار لا يظنون بالناس ~~كلهم إلا الشر فمهما رأيت إنسانا يسيء الظن بالناس طالبا للعيوب فاعلم أنه ~~خبيث الباطن وأن ذلك خبثه يترشح منه وإنما رأى غيره من حيث هو فإن المؤمن ~~يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب والمؤمن سليم الصدر في حق كافة الخلق ~~فهذه بعض مداخل الشيطان إلى القلب ولو أردت استقصاء جميعها لم أقدر عليه ~~وفي هذا القدر ما ينبه على غيره فليس في الآدمي صفة PageV03P036 مذمومة إلا ~~وهي سلاح الشيطان ومدخل من مداخله # فإن قلت فما العلاج في دفع الشيطان وهل يكفي في ذلك ذكر الله تعالى وقول ~~الإنسان لا حول ولا قوة إلا بالله فاعلم أن علاج القلب في ذلك سد هذه ~~المداخل بتطهير القلب من هذه الصفات المذمومة وذلك مما يطول ذكره وغرضنا في ~~هذا الربع من الكتاب بيان علاج الصفات المهلكات وتحتاج كل صفة إلى كتاب ~~منفرد على ما سيأتي شرحه نعم إذا قطعت من القلب أصول هذه الصفات كان ~~للشيطان بالقلب اجتيازات وخطرات ولم يكن له استقرار ويمنعه من الاجتياز ذكر ~~الله تعالى لأن حقيقة الذكر لا تتمكن من القلب إلا بعد عمارة القلب بالتقوى ~~وتطهيره من الصفات المذمومة وإلا فيكون الذكر حديث نفس لا سلطان له على ~~القلب فلا يدفع سلطان الشيطان ولذلك قال الله تعالى @QB@ إن الذين اتقوا ~~إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون @QE@ خصص بذلك المتقى فمثل ~~الشيطان كمثل كلب جائع يقرب منك فإن لم يكن بين يديك خبز أو لحم فإنه ينزجر ~~بأن تقول له اخسأ فمجرد الصوت يدفعه فإن كان بين يديك لحم وهو جائع فإنه ~~يهجم على اللحم ولا يندفع بمجرد الكلام فالقلب الخالي عن قوت الشيطان ينزجر ~~عنه بمجرد الذكر فأما الشهوة إذا غلبت على القلب دفعت حقيقة الذكر إلى ~~حواشي القلب فلم يتمكن من سويدائه فيستقر الشيطان في سويداء القلب وأما ~~قلوب المتقين الخالية من الهوى والصفات المذمومة فإنه يطرقها الشيطان لا ~~للشهوات بل لخلوها بالغفلة عن الذكر فإذا عاد إلى الذكر خنس الشيطان ودليل ~~ذلك قوله تعالى @QB@ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم @QE@ وسائر الأخبار ~~والآيات الواردة في الذكر # قال أبو هريرة التقى شيطان المؤمن وشيطان الكافر فإذا شيطان الكافر دهين ~~سمين كاس وشيطان المؤمن مهزول أشعث أغبر عار فقال شيطان الكافر لشيطان ~~المؤمن مالك مهزول قال أنا مع رجل إذا أكل سمى الله فأظل جائعا وإذا شرب ~~سمى الله فأظل عطشانا وإذا لبس سمى الله فأظل عريانا وإذا أدهن سمى الله ~~فأظل شعثا فقال لكني مع رجل لا يفعل شيئا من ذلك فأنا أشاركه في طعامه ~~وشرابه ولباسه وكان محمد بن واسع يقول كل يوم بعد صلاة الصبح اللهم إنك ~~سلطت علينا عدوا بصيرا بعيوبنا يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم اللهم ~~فآيسه منا كما آيسته من رحمتك وقنطه منا كما قنطته من عفوك وباعد بيننا ~~وبينه كما باعدت بينه وبين رحمتك إنك على كل شيء قدير قال فتمثل له إبليس ~~يوما في طريق المسجد فقال له يا ابن واسع هل تعرفني قال ومن أنت قال أنا ~~إبليس فقال وما تريد قال أريد أن لا تعلم أحد هذه الاستعاذة ولا أتعرض لك ~~قال والله لا أمنعها ممن أراد فاصنع ما شئت وعن عبد الرحمن ابن أبي ليلى ~~قال كان شيطان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بيده شعلة من نار فيقوم بين ~~يديه وهو يصلي فيقرأ ويتعوذ فلا يذهب فأتاه جبرائيل عليه السلام فقال له قل ~~أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما يلج في ~~الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن فتن الليل ~~والنهار ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن فقال ذلك ~~فطفئت شعلته وخر على وجهه + حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى كان الشيطان يأتي ~~النبي صلى الله عليه وسلم بيده شعلة من نار الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في ~~مكايد الشيطان هكذا مرسلا ولمالك في الموطأ نحوه عن يحيى بن سعيد مرسلا ~~ووصله ابن عبد البر في التمهيد من رواية يحيى ابن محمد بن عبد الرحمن بن ~~سعد بن زرارة عن عياش الشامي عن ابن مسعود ورواه أحمد والبزار من حديث عبد ~~الرحمن بن حبيش وقيل له كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة كادته ~~الشياطين فذكر نحوه + وقال الحسن نبئت أن جبرائيل عليه السلام أتى النبي ~~صلى الله عليه وسلم فقال إن عفريتا من الجن يكيدك فإذا أويت إلى فراشك ~~فاقرأ آية الكرسي + حديث الحسن نبئت أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم ~~فقال إن عفريتا من الجن يكيدك الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في مكايد ~~الشيطان هكذا مرسلا وقال صلى الله عليه وسلم أتاني الشيطان فنازعني ثم ~~نازعني فأخذت PageV03P037 بحلقه فوالذي بعثني بالحق ما أرسلته حتى وجدت برد ~~ماء لسانه على يدي ولولا دعوة أخي سليمان عليه السلام لأصبح طريحا في ~~المسجد + حديث أتاني شيطان فنازعني ثم نازعني فأخذت بحلقه الحديث أخرجه ابن ~~أبي الدنيا من رواية الشعبي مرسلا هكذا وللبخاري من حديث أبي هريرة أن ~~عفريتا من الجن تفلت علي البارحة أو كلمة نحوها ليقطع علي صلاتي فأمكنني ~~الله منه الحديث والنسائي في الكبرى من حديث عائشة كان يصلي فأتاه الشيطان ~~فأخذه فصرعه فخنقه وقال حتى وجدت برد لسانه على يدي الحديث وإسناده جيد + ~~وقال صلى الله عليه وسلم ما سلك عمر فجا إلا سلك الشيطان فجا غير الذي سلكه ~~عمر + حديث ما سلك عمر فجا إلا سلك الشيطان فجا غير فجه متفق عليه من حديث ~~سعد بن أبي وقاص بلفظ يا ابن الخطاب ما لقيك الشيطان سالكا فجا الحديث + ~~وهذا لأن القلوب كانت مطهرة عن مرعى الشيطان وقوته وهي الشهوات فمهما طمعت ~~في أن يندفع الشيطان عنك بمجرد الذكر كما اندفع عن عمر رضي الله عنه كان ~~محالا وكنت كمن يطمع أن يشرب دواء قبل الاحتماء والمعدة مشغولة بغليظ ~~الأطعمة ويطمع أن ينفعه كما نفع الذي شربه بعد الاحتماء وتخلية المعدة ~~والذكر الدواء والتقوى احتماء وهي تخلي القلب عن الشهوات فإذا نزل الذكر ~~قلبا فارغا عن غير الذكر اندفع الشيطان كما تندفع العلة بنزول الدواء في ~~المعدة الخالية عن الأطعمة قال الله تعالى @QB@ إن في ذلك لذكرى لمن كان له ~~قلب @QE@ وقال تعالى @QB@ كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب ~~السعير @QE@ ومن ساعد الشيطان بعمله فهو مواليه وإن ذكر الله بلسانه وإن ~~كنت تقول الحديث قد ورد مطلقا بأن الذكر يطرد الشيطان + الحديث الوارد بأن ~~الذكر يا عمر يطرد الشيطان تقدم + ولم تفهم أن أكثر عمومات الشرع مخصوصة ~~بشروط نقلها علماء الدين فأنظر إلى نفسك فليس الخبر كالعيان وتأمل أن منتهى ~~ذكرك وعبادتك الصلاة فراقب قلبك إذا كنت في صلاتك كيف يجاذبه الشيطان إلى ~~الأسواق وحساب العالمين وجواب المعاندين وكيف يمر بك في أودية الدنيا ~~ومهالكها حتى إنك لا تذكر ما قد نسيته من فضول الدنيا إلا في صلاتك ولا ~~يزدحم الشيطان على قلبك إلا إذا صليت فالصلاة محك القلوب فبها يظهر محاسنها ~~ومساويها فالصلاة لا تقبل من القلوب المشحونة بشهوات الدنيا فلا جرم لا ~~ينطرد عنك الشيطان بل ربما يزيد عليك الوسواس كما أن الدواء قبل الاحتماء ~~ربما يزيد عليك الضرر فإن أردت الخلاص من الشيطان فقدم الاحتماء بالتقوى ثم ~~أردفه بدواء الذكر يفر الشيطان منك كما فر من عمر رضي الله عنه ولذلك قال ~~وهب بن منبه اتق الله ولا تسب الشيطان في العلانية وأنت صديقه في السر أي ~~أنت مطيع له وقال بعضهم يا عجبا لمن يعصى المحسن بعد معرفته بإحسانه ويطيع ~~اللعين بعد معرفته بطغيانه وكما أن الله تعالى قال @QB@ ادعوني أستجب لكم ~~@QE@ وأنت تدعوه ولا يستجيب لك فكذلك تذكر الله ولا يهرب الشيطان منك لفقد ~~شروط الذكر والدعاء # قيل لإبراهيم بن أدهم ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا وقد قال تعالى @QB@ ~~ادعوني أستجب لكم @QE@ قال لأن قلوبكم ميتة قيل وما الذي أماتها قال ثمان ~~خصال عرفتم حق الله ولم تقوموا بحقه وقرأتم القرآن ولم تعملوا بحدوده وقلتم ~~نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تعملوا بسنته وقلتم نخشى الموت ولم ~~تستعدوا له وقال تعالى إن الشيطان لكم عدوا فاتخذوه عدوا فواطأتموه على ~~المعاصي وقلتم نخاف النار وأرهقتم أبدانكم فيها وقلتم نحب الجنة ولم تعملوا ~~لها وإذا قمتم من فرشكم رميتم عيوبكم وراء ظهوركم وافترشتم عيوب الناس ~~أمامكم فأسخطتم ربكم فكيف يستجيب لكم # فإن قلت فالداعي إلى المعاصي المختلفة شيطان واحد أو شياطين مختلفون ~~فاعلم أنه لا حاجة لك إلى معرفة ذلك في المعاملة فاشتغل بدفع العدو ولا ~~تسأل عن صفته كل البقل من حيث يؤتي ولا تسأل عن المبقلة ولكن الذي ~~PageV03P038 يتضح بنور الاستبصار في شواهد الأخبار أنهم جنود مجندة وأن لكل ~~نوع من المعاصي شيطانا يخصه ويدعو إليه فأما طريق الاستبصار فذكره يطول ~~ويكفيك القدر الذي ذكرناه وهو أن اختلاف المسببات يدل على اختلاف الأسباب ~~كما ذكرناه في نور النار وسواد الدخان # وأما الأخبار فقد قال مجاهد لإبليس خمسة من الأولاد قد جعل كل واحد منهم ~~على شيء من أمره ثبر والأعور ومبسوط وداسم وزلنبور فأما ثبر فهو صاحب ~~المصائب الذي يأمر بالثبور وشق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية وأما ~~الأعور فإنه صاحب الزنا يأمر به ويزينه وأما مبسوط فهو صاحب الكذب وأما ~~داسم فإنه يدخل مع الرجل إلى أهله يرميهم بالعيب عنده ويغضبه عليهم وأما ~~زلنبور فهو صاحب السوق فبسببه لا يزالون متظلمين وشيطان الصلاة يسمى خنزب + ~~حديث إن شيطان الصلاة يسمى خنزب أخرجه مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص وقد ~~تقدم أول الحديث + وشيطان الوضوء يسمى الولهان + حديث إن شيطان الوضوء يسمى ~~الولهان تقدم وهو عند الترمذي من حديث أبي وقد ورد في ذلك أخبار كثيرة # وكما أن الشياطين فيهم كثرة فكذلك في الملائكة وقد ذكرنا في كتاب الشكر ~~السر في كثرة الملائكة واختصاص كل واحد منهم بعمل منفرد به وقد قال أبو ~~أمامة الباهلي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل بالمؤمن مائة وستون ~~ملكا يذبون عنه ما لم يقدر عليه من ذلك للبصر سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب ~~الذباب عن قصعة العسل في اليوم الصائف وما لو بدا لكم لرأيتموه على كل سهل ~~وجبل كل باسط يده فاغر فاه ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته ~~الشياطين + حديث أبي أمامة وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه الحديث ~~أخرجه ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان والطبراني في المعجم الكبير بإسناد ~~ضعيف + # وقال أيوب بن يونس بن يزيد بلغنا أنه يولد من أبناء الإنس من أبناء الجن ~~ثم ينشئون معهم وروى جابر ابن عبد الله أن آدم عليه السلام لما هبط إلى ~~الأرض قال يارب هذا الذي جعلت بيني وبينه عداوة إن لم تعني عليه لا أقوى ~~عليه قال لا يولد لك ولد إلا وكل به ملك قال يارب زدني قال أجزي بالسيئة ~~سيئة وبالحسنة عشرا إلى ما أريد قال رب زدني قال باب التوبة مفتوح ما دام ~~في الجسد الروح قال إبليس يارب هذا العبد الذي كرمته علي إن لا تعني عليه ~~لا أقوى عليه قال لا يولد له ولد إلا ولد لك ولد قال يارب زدني قال تجري ~~منهم مجرى الدم وتتخذون صدورهم بيوتا قال رب زدني قال أجلب عليهم بخيلك ~~ورجلك إلى قوله غرورا وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم خلق الله الجن ثلاثة أصناف صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض ~~وصنف كالريح في الهواء وصنف عليهم الثواب والعقاب # وخلق الله تعالى الإنس ثلاثة أصناف صنف كالبهائم كما قال تعالى @QB@ لهم ~~قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك ~~كالأنعام بل هم أضل @QE@ وصنف أجسامهم أجسام بني آدم وأرواحهم أرواح ~~الشياطين وصنف في ظل الله تعالى يوم القيامة يوم لا ضل إلا ظله + حديث أبي ~~الدرداء خلق الله الجن ثلاثة أصناف صنف حيات وعقارب الحديث أخرجه ابن أبي ~~الدنيا في مكايد الشيطان وابن حبان في الضعفاء في ترجمة يزيد بن سنان وضعفه ~~والحاكم نحوه مختصرا في الجن فقط ثلاثة أصناف من حديث أبي ثعلبة الخشني ~~وقال صحيح الإسناد وقال وهيب بن الورد بلغنا أن إبليس تمثل ليحيى بن زكريا ~~عليهما السلام وقال إني أريد أن أنصحك قال لا حاجة لي في نصحك ولكن أخبرني ~~عن بني آدم قال هم عندنا ثلاثة أصناف أما صنف منهم وهم أشد الأصناف علينا ~~نقبل على أحدهم حتى نفتنه ونتمكن منه PageV03P039 فيفزع إلى الاستغفار ~~والتوبة فيفسد علينا كل شيء أدركنا منه ثم نعود إليه فيعود فلا نحن نيأس ~~منه ولا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن منه في عناء وأما الصنف الآخر فهم في ~~أيدينا بمنزل الكرة في أيدي صبيانكم نقلبهم كيف شئنا قد كفونا أنفسهم وأما ~~الصنف الثالث فهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شيء # فإن قلت فكيف يتمثل الشيطان لبعض الناس دون البعض وإذا رأى صورة فهل هي ~~صورته الحقيقية أو هو مثال يمثل له به فإن كان على صورته الحقيقية فكيف يرى ~~بصور مختلفة وكيف يرى في وقت واحد في مكانين وعلى صورتين حتى يراه شخصان ~~بصورتين مختلفتين فأعلم أن الملك والشيطان لهما صورتان هي حقيقة صورتهما ~~ولا تدرك حقيقة صورتهما بالمشاهدة إلا بأنوار النبوة فما رأى النبي صلى ~~الله عليه وسلم جبرائيل عليه السلام في صورته إلا مرتين + حديث أنه صلى ~~الله عليه وسلم ما رأى جبريل في صورته إلا مرتين أخرجه الشيخان من حديث ~~عائشة وسئلت هل رأى محمد ربه وفيه ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين + وذلك ~~أنه سأله أن يريه نفسه على صورته فواعده بالبقيع وظهر له بحراء فسد الأفق ~~من المشرق إلى المغرب ورآه مرة أخرى على صورته ليلة المعراج عند سدرة ~~المنتهى وإنما كان يراه في صورة الآدمي غالبا + حديث أنه كان يرى جبريل في ~~صورة الآدمي غالب أخرجه الشيخان من حديث عائشة وسئلت فأين قوله ثم دنا ~~فتدلى قالت ذاك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل الحديث + فكان يراه في صورة ~~دحية الكلبي + حديث أنه كان يرى جبريل في صورة دحية الكلبي أخرجه الشيخان ~~من حديث أسامة بن زيد أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة ~~فجعل يحدث ثم قام قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة @QB@ من هذا @QE@ ~~قالت دحية الحديث + وكان رجلا حسن الوجه والأكثر أنه يكاشف أهل المكاشفة من ~~أرباب القلوب بمثال صورته فيتمثل الشيطان له في اليقظة فيراه بعينه ويسمع ~~كلامه بأذنه فيقوم ذلك مقام حقيقة صورته كما ينكشف في المنام لأكثر ~~الصالحين وإنما المكاشف في اليقظة هو الذي انتهى إلى رتبة لا يمنعه اشتغال ~~الحواس بالدنيا عن المكاشفة التي تكون في المنام فيرى في اليقظة ما يراه ~~غيره في المنام كما روى عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أن رجلا سأل ربه أن ~~يريه موضع الشيطان من قلب ابن آدم فرأى في النوم جسد رجل شبه البلور يرى ~~داخله من خارجه ورأى الشيطان في صورة ضفدع قاعد على منكبه الأيسر بين منكبه ~~وأذنه له خرطوم طويل دقيق قد أدخله من منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس إليه ~~فإذا ذكر الله تعالى خنس ومثل هذا قد يشاهد بعينه في اليقظة فقد رآه بعض ~~المكاشفين في صورة كلب جاثم على جيفة يدعو الناس إليها وكانت الجيفة مثال ~~الدنيا وهذا يجري مجرى مشاهدة صورته الحقيقية فإن القلب لا بد وأن تظهر فيه ~~حقيقة من الوجه الذي يقابل عالم الملكوت وعند ذلك يشرق أثره على وجهه الذي ~~يقابل عالم الملك والشهادة لأن أحدهما متصل بالآخر وقد بينا أن القلب له ~~وجهان وجه إلى عالم الغيب وهو مدخل الإلهام والوحي ووجه إلى عالم الشهادة ~~فالذي يظهر منه في الوجه الذي يلي جانب عالم الشهادة لا يكون إلا صورة ~~متخيلة لأن عالم الشهادة كله متخيلات إلا أن الخيال تارة يحصل من النظر إلى ~~ظاهر عالم الشهادة بالحس فيجوز أن لا تكون الصورة على وفق المعنى حتى يرى ~~شخصا جميل الصورة وهو خبيث الباطن قبيح السر لأن عالم الشهادة عالم كثير ~~التلبيس # أما الصورة التي تحصل في الخيال من إشراق عالم الملكوت على باطن سر ~~القلوب فلا تكون إلا محاكية للصفة وموافقة لها لأن الشيطان في صورة كلب ~~وضفدع للصفة وموافقة لها فلا جرم لا يرى المعنى القبيح إلا بصورة قبيحة ~~فيرى الشيطان في صورة كلب وضفدع وخنزير وغيرها ويرى الملك في صورة جميلة ~~فتكون تلك الصورة عنوان المعاني ومحاكية لها بالصدق ولذلك يدل القرد ~~والخنزير في النوم على إنسان خبيث وتدل الشاة على إنسان سليم الصدر وهكذا ~~جميع أبواب الرؤيا والتعبير وهذه أسرار عجيبة وهي من أسرار عجائب القلب ولا ~~يليق ذكرها بعلم المعاملة # وإنما المقصود أن تصدق PageV03P040 بأن الشيطان ينكشف لأرباب القلوب ~~وكذلك الملك تارة بطريق التمثيل والمحاكاة كما يكون ذلك في النوم وتارة ~~بطريق الحقيقة والأكثر هو التمثيل بصورة محاكية للمعنى هو مثال المعنى لا ~~عين المعنى إلا أنه يشاهد بالعين مشاهدة محققة وينفرد بمشاهدته المكاشف دون ~~من حوله كالنائم # | بيان ما يؤاخذ به العبد من وساوس القلوب وهمها وخواطرها وقصودها وما ~~يعفى # عنه ولا يؤاخذ به # اعلم أن هذا أمر غامض وقد وردت فيه آيات وأخبار متعارضة يلتبس طريق الجمع ~~بينها إلا على سماسرة العلماء بالشرع فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ~~أنه قال عفى عن أمتي ما حدثت به نفوسها ما لم تتكلم به أو تعمل به + حديث ~~عفى لأمتى عما حدثت به نفوسها متفق عليه من حديث أبي هريرة إن الله تجاوز ~~لأمتي عما حدثت به أنفسها الحديث + وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إن الله تعالى يقول للحفظة إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها فإن ~~عملها فاكتبوها سيئة وإذا هم بحسنة لم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها ~~فاكتبوها عشرا + حديث أبي هريرة يقول الله إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها ~~عليه الحديث قال المصنف أخرجه مسلم والبخاري في الصحيحين قلت هو كما قال ~~واللفظ لمسلم فلهذا والله أعلم قدمه في الذكر + وقد خرجه البخاري ومسلم في ~~الصحيحين وهو دليل على العفو عن عمل القلب وهمه بالسيئة وفي لفظ آخر من هم ~~بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ومن هم بحسنة فعملها كتبت له إلى سبعمائة ~~ضعف ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه وإن عملها كتبت وفي لفظ آخر وإذا ~~تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها وكل ذلك يدل على العفو ~~فأما ما يدل على المؤاخذة فقوله سبحانه إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ~~يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقوله تعالى @QB@ ولا تقف ما ~~ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا @QE@ فدل ~~على أن عمل الفؤاد كعمل السمع والبصر فلا يعفي عنه وقوله تعالى @QB@ ولا ~~تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه @QE@ وقوله تعالى @QB@ لا يؤاخذكم ~~الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم @QE@ والحق عندنا في ~~هذه المسألة لا يوقف عليه ما لم تقع الإحاطة بتفصيل أعمال القلوب من مبدأ ~~ظهورها إلى أن يظهر العمل على الجوارح فنقول أول ما يرد على القلب الخاطر ~~كما لو خطر له مثلا صورة امرأة وأنها وراء ظهره في الطريق لو التفت إليها ~~لرآها # والثاني هيجان الرغبة إلى النظر وهو حركة الشهوة في الطبع وهذا يتولد من ~~الخاطر الأول ونسميه ميل الطبع ويسمى الأول حديث النفس # والثالث حكم القلب بأن هذا ينبغي أن يفعل أي ينبغي أن ينظر إليها فإن ~~الطبع إذا مال لم تنبعث الهمة والنية ما لم تندفع الصوارف فإنه قد يمنعه ~~حياء أو خوف من الالتفات وعدم هذه الصوارف ربما يكون بتأمل وهو على كل حال ~~حكم من جهة العقل ويسمى هذا اعتقادا وهو يتبع الخاطر والميل # الرابع تصميم العزم على الالتفات وجزم النية فيه وهذا نسميه هما بالفعل ~~ونية وقصدا وهذا الهم قد يكون له مبدأ ضعيف ولكن إذا أصغى القلب إلى الخاطر ~~الأول حتى طالت مجاذبته للنفس تأكد هذا الهم وصار إرادة مجزومة فإذا انجزمت ~~الإرادة فربما يندم بعد الجزم فيترك العمل وربما يغفل بعارض فلا يعمل به ~~ولا يلتفت إليه وربما يعوقه عائق فيتعذر عليه العمل # فههنا أربع أحوال للقلب قبل العمل بالجارحة الخاطر وهو حديث النفس ثم ~~الميل ثم الإعتقاد ثم الهم # فنقول أما الخاطر فلا يؤاخذ به لأنه لا يدخل تحت الاختيار وكذلك الميل ~~وهيجان الشهوة لأنهما لا يدخلان PageV03P041 أيضا تحت الاختيار وهما ~~المرادان بقوله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم عفى عن أمتي ما حدثت ~~به نفوسها فحديث النفس عبارة عن الخواطر التي تهجس في النفس ولا يتبعها عزم ~~على الفعل فأما الهم والعزم فلا يسمى حديث النفس بل حديث النفس كما روي عن ~~عثمان بن مظعون حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله نفسي تحدثني ~~أن أطلق خولة قال مهلا إن من سنتي النكاح قال نفسي تحدثني أن أجب نفسي قال ~~مهلا خصاء أمتي دءوب الصيام قال نفسي تحدثني أن أترهب قال مهلا رهبانية ~~أمتي الجهاد والحج قال نفسي تحدثني أن أترك اللحم قال مهلا فإني أحبه ولو ~~أصبته لأكلته ولو سألت الله لأطعمنيه + حديث إن عثمان بن مظعون قال يا رسول ~~الله نفسي تحدثني أن أطلق خولة قال مهلا إن من سنتي النكاح الحديث أخرجه ~~الترمذي الحكيم في نوادر الأصول من رواية علي بن زيد عن سعيد بن المسيب ~~مرسلا نحوه وفيه القاسم بن عبيد الله العمري كذبه أحمد بن حنبل ويحيى بن ~~معين وللدارمي من حديث سعد بن أبي وقاص لما كان من أمر عثمان بن مظعون الذي ~~كان من ترك النساء بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عثمان ~~إني لم أومر بالرهبانة الحديث وفيه من رغب عن سنتي فليس مني وهو عندكم بلفظ ~~رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له ~~لاختصينا وللبغوي والطبراني في معجمي الصحابة بإسناد حسن من حديث عثمان بن ~~مظعون أنه قال يا رسول الله إني رجل تشق علي هذه العزوبة في المغازي فتأذن ~~لي يا رسول الله في الخصاء فأختصي قال لا ولكن عليك يا ابن مظعون بالصيام ~~فإنه مجفرة ولأحمد والطبراني بإسناد جيد من حديث عبد الله بن عمرو خصاء ~~أمتي الصيام والقيام وله من حديث سعيد بن العاص بإسناد فيه ضعف إن عثمان بن ~~مظعون قال يا رسول الله ائذن لي في الاختصاء فقال له رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة والتكبير على كل ~~شرف الحديث وابن ماجه بسند ضعيف من حديث عائشة النكاح من سنتي ولأحمد وأبي ~~يعلى من حديث أنس @QB@ لكل نبي @QE@ وقال أبو يعلى لكل أمة رهبانية ~~ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله وفيه زيد العمى وهو ضعيف ولأبي ~~داود من حديث أبي أمامة إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله وإسناده جيد ~~فهذه الخواطر التي ليس معها عزم على الفعل هي حديث النفس ولذلك شاور رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن معه عزم وهم بالفعل # وأما الثالث وهو الإعتقاد وحكم القلب بأنه ينبغي أن يفعل فهذا تردد بين ~~أن يكون اضطرارا أو اختيارا والأحوال تختلف فيه فالاختياري منه يؤاخذ به ~~والاضطراري لا يؤاخذ به # وأما الرابع وهو الهم بالفعل فإنه مؤاخذ به إلا أنه إن لم يفعل نظر فإن ~~كان قد تركه خوفا من الله تعالى وندما على همه كتبت له حسنة لأن همه سيئة ~~وامتناعه ومجاهدته نفسه حسنة والهم على وفق الطبع مما يدل على تمام الغفلة ~~عن الله تعالى والامتناع بالمجاهدة على خلاف الطبع يحتاج إلى قوة عظيمة ~~فجده في مخالفة الطبع هو العمل لله تعالى والعمل لله تعالى أشد من جده في ~~موافقة الشيطان بموافقة الطبع فكتب له حسنة لأنه رجح جده في الامتناع وهمه ~~به على همه بالفعل وإن تعوق الفعل بعائق أو تركه بعذر لا خوفا من الله ~~تعالى كتبت عليه سيئة فإن همه فعل من القلب اختياري # والدليل على هذا التفصيل ما روى في الصحيح مفصلا في لفظ الحديث قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم قالت الملائكة عليهم السلام رب ذاك عبدك يريد أن ~~يعمل سيئة وهو أبصر به فقال ارقبوه فإن هو عملها فاكتبوها له بمثلها وإن ~~تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جرائي + حديث قالت الملائكة رب ذاك ~~عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر الحديث قال المصنف إنه في الصحيح وهو كما ~~قال في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة + وحيث قال فإن لم يعملها أراد به ~~تركها لله فأما إذا عزم على فاحشة فتعذرت عليه بسبب أو غفلة فكيف تكتب له ~~حسنة وقد قال صلى الله عليه وسلم إنما يحشر الناس على نياتهم + حديث إنما ~~يحشر الناس على نياتهم أخرجه ابن ماجة من حديث جابر دون قوله @QB@ إنما ~~@QE@ وله من حديث أبي هريرة إنما يبعث الناس على نياتهم وإسنادهما حسن ~~ومسلم من حديث عائشة يبعثهم الله على نياتهم وله من حديث أم سلمة يبعثون ~~على نياتهم ونحن نعلم أن من عزم ليلا على أن يصبح ليقتل مسلما أو يزني ~~بامرأة فمات تلك PageV03P042 الليلة مات مصرا ويحشر على نيته وقد هم بسيئة ~~ولم يعملها # والدليل القاطع فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا ~~التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار فقيل يا رسول الله هذا ~~القاتل فما بال المقتول قال لأنه أراد قتل صاحبه + حديث إذا التقى بسيفيهما ~~فالقاتل والمقتول في النار الحديث متفق عليه من حديث أبي بكرة وهذا نص في ~~أنه صار بمجرد الإرادة من أهل النار مع أنه قتل مظلوما فكيف يظن أن الله لا ~~يؤاخذ بالنية والهم بل كل هم دخل تحت اختيار العبد فهو مؤاخذ به إلا أن ~~يكفره بحسنة ونقض العزم بالندم حسنة فلذلك كتبت له حسنة فأما فوت المراد ~~بعائق فليس بحسنه وأما الخواطر وحديث النفس وهيجان الرغبة فكل ذلك لا يدخل ~~تحت اختيار فالمؤاخذة به تكليف ما لا يطاق ولذلك لما نزل قوله تعالى @QB@ ~~وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله @QE@ جاء ناس من الصحابة ~~إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا كلفنا ما لا نطيق إن أحدنا ليحدث ~~نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه ثم يحاسب بذلك فقال صلى الله عليه وسلم ~~لعلكم تقولون كما قالت اليهود سمعنا وعصينا قولوا سمعنا وأطعنا فقالوا ~~سمعنا وأطعنا + حديث لما نزل قوله تعالى @QB@ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو ~~تخفوه يحاسبكم به الله @QE@ جاء ناس من الصحابة إلى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فقالوا كلفنا ما لا نطيق الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ~~وابن عباس نحوه فأنزل الله الفرج بعد سنة بقوله @QB@ لا يكلف الله نفسا إلا ~~وسعها @QE@ فظهر به أن كل ما لا يدخل تحت الوسع من أعمال القلب هو الذي لا ~~يؤاخذ به فهذا هو كشف الغطاء عن هذا الالتباس وكل من يظن أن كل ما يجري على ~~القلب يسمى حديث النفس ولم يفرق بين هذه الأقسام الثلاثة فلا بد وأن يغلط ~~وكيف لا يؤاخذ بأعمال القلب من الكبر والعجب والرياء والنفاق والحسد وجملة ~~الخبائث من أعمال القلب بل السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ~~أي ما يدخل تحت الاختيار فلو وقع البصر بغير اختيار على غير ذي محرم لم ~~يؤاخذ به فإن أتبعها نظرة ثانية كان مؤاخذا به لأنه مختار فكذا خواطر القلب ~~تجري هذا المجرى بل القلب أولى بمؤاخذته لأنه الأصل قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم التقوى ههنا وأشار إلى القلب + حديث التقوى ههنا وأشار إلى القلب ~~أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وقال إلى صدره + وقال الله تعالى @QB@ لن ~~ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم @QE@ وقال صلى الله ~~عليه وسلم الإثم حواز القلوب + حديث الإثم حواز القلوب تقدم في العلم + ~~وقال البر ما اطمأن إليه القلب وإن أفتوك وأفتوك + حديث البر ما اطمأن إليه ~~القلب وإن أفتوك وأفتوك أخرجه الطبراني من حديث أبي ثعلبة ولأحمد نحوه من ~~حديث وابصة وفيه وإن أفتاك الناس وأفتوك وقد تقدما + حتى إنا نقول إذا حكم ~~القلب المفتي بإيجاب شيء وكان مخطئا فيه صار مثابا عليه بل من قد ظن أنه ~~تطهر فعليه أن يصلي فإن صلى ثم تذكر أنه لم يتوضأ كان له ثواب بفعله فإن ~~تذكر ثم تركه كان معاقبا عليه ومن وجد على فراشه امرأة فظن أنها زوجته لم ~~يعص بوطئها وإن كانت أجنبية فإن ظن أنها أجنبية ثم وطئها عصى بوطئها وإن ~~كانت زوجته وكل ذلك نظر إلى القلب دون الجوارح # | بيان أن الوسواس هل يتصور أن ينقطع بالكلية عند الذكر أم لا # اعلم أن العلماء المراقبين للقلوب الناظرين في صفاتها وعجائبها اختلفوا ~~في هذه المسألة على خمس فرق # فقالت فرقة الوسوسة تنقطع بذكر الله عز وجل لأنه صلى الله عليه وسلم قال ~~فإذا ذكر الله خنس + حديث إذا ذكر الله خنس أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عدي ~~من حديث أنس في أثناء حديث إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم الحديث ~~وقد تقدم قريبا والخنس هو السكوت فكأنه يسكت PageV03P043 # وقالت فرقة لا ينعدم أصله ولكن يجري في القلب ولا يكون له أثر لأن القلب ~~إذا صار مستوعبا بالذكر كان محجوبا عن التأثر بالوسوسة كالمشغول بهمه فإنه ~~قد يتكلم ولا يفهم وإن كان الصوت يمر على سمعه # وقالت فرقة لا تسقط الوسوسة ولا أثرها أيضا ولكن تسقط غلبتها للقلب فكأنه ~~يوسوس من بعد وعلى ضعف # وقالت فرقة ينعدم عند الذكر في لحظة وينعدم الذكر في لحظه ويتعاقبان في ~~أزمنة متقاربة يظن لتقاربها أنها متساوقة وهي كالكرة التي عليها نقط متفرقة ~~فإنك إذا أدرتها بسرعة تواصلها بالحركة واستدل هؤلاء بأن الخنس قد ورد ونحن ~~نشاهد الوسوسة مع الذكر ولا وجه له إلا هذا # وقالت فرقة الوسوسة والذكر يتساوقان في الدوام على القلب تساوقا لا ينقطع ~~وكما أن الإنسان قد يرى بعينيه شيئين في حالة واحدة فكذلك القلب قد يكون ~~مجرى لشيئين فقد قال صلى الله عليه وسلم ما من عبد إلا وله أربعة أعين ~~عينان في رأسه يبصر بهما أمر دنياه وعينان في قلبه يبصر بهما أمر دينه + ~~حديث ما من عبد إلا وله أربعة أعين عينان في رأسه يبصر بهما أمر دنياه ~~وعينان في قلبه يبصر بهما أمر دينه أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند ~~الفردوس من حديث معاذ بلفظ الآخرة مكان دينه وفيه الحسين بن أحمد بن محمد ~~الهروي السماخي الحافظ كذبه الحاكم والآفة منه وإلى هذا ذهب المحاسبي ~~والصحيح عندنا أن كل هذه المذاهب صحيحة ولكن كلها قاصرة عن الإحاطة بأصناف ~~الوسواس وإنما نظر كل واحد منهم إلى صنف واحد من الوسواس فأخبر عنه # والوسواس أصناف # الأول أن يكون من جهة التلبيس بالحق فإن الشطيان قد يلبس بالحق فيقول ~~للإنسان تترك التنعم باللذات فإن العمر طويل والصبر عن الشهوات طول العمر ~~ألمه عظيم فعند هذا إذا ذكر العبد عظيم حق الله تعالى وعظيم ثوابه وعقابه ~~وقال لنفسه الصبر عن الشهوات شديد ولكن الصبر على النار أشد منه ولا بد من ~~أحدهما فإذا ذكر العبد وعد الله تعالى ووعيده وجدد إيمانه ويقينه خنس ~~الشيطان وهرب إذ لا يستطيع أن يقول له النار أيسر من الصبر على المعاصي ولا ~~يمكنه أن يقول المعصية لا تفضي إلى النار فإن إيمانه بكتاب الله عز وجل ~~يدفعه عن ذلك فينقطع وسواسه وكذلك يوسوس إليه بالعجب بعمله فيقول أي عبد ~~يعرف الله كما تعرفه ويعبده كما تعبده فما أعظم مكانك عند الله تعالى ~~فيتذكر العبد حينئذ أن معرفته وقلبه وأعضاءه التي بها عمله وعلمه كل ذلك من ~~خلق الله تعالى فمن أين يعجب به فيخنس الشيطان إذ لا يمكنه أن يقول ليس هذا ~~من الله فإن المعرفة والإيمان يدفعه فهذا نوع من الوسواس ينقطع بالكلية عن ~~العارفين المستبصرين بنور الإيمان والمعرفة # الصنف الثاني أن يكون وسواسه بتحريك الشهوة وهيجانها وهذا ينقسم إلى ما ~~يعلم العبد يقينا أنه معصية وإلى ما يظنه بغالب الظن فإن علمه يقينا خنس ~~الشيطان عن تهييج يؤثر في تحريك الشهوة ولم يخنس عن التهييج وإن كان مظنونا ~~فربما يبقى مؤثرا بحيث يحتاج إلى مجاهدة في دفعه فتكون الوسوسة موجودة ~~ولكنها مدفوعة غير غالبة # الصنف الثالث أن تكون وسوسة بمجرد الخواطر وتذكر الأحوال الغالبة والتفكر ~~في غير الصلاة مثلا فإذا أقبل على الذكر تصور أن يندفع ساعة ويعود ويندفع ~~ويعود فيتعاقب الذكر والوسوسة ويتصور أن يتساوقا جميعا حتى يكون الفهم ~~مشتملا على فهم معنى القراءة وعلى تلك الخواطر كأنهما في موضعين من القلب ~~وبعيد جدا أن يندفع هذا الخنس بالكلية بحيث لا يخطر ولكنه ليس محالا إذا ~~قال صلى الله عليه وسلم من صلى ركعتين لم يحدث فيهما PageV03P044 نفسه بشيء ~~من أمر الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه + حديث من صلى ركعتين لم يحدث فيهما ~~نفسه بشيء من الدنيا تقدم في الصلاة + فلولا أنه متصور لما ذكره إلا أنه لا ~~يتصور ذلك إلا في قلب استولى عليه الحب حتى صار كالمستهتر فإنا قد نرى ~~المستوعب القلب بعدو تأذى به قد يتفكر بمقدار ركعتين وركعات في مجادلة عدوه ~~بحيث لا يخطر بباله غير حديث عدوه وكذلك المستغرق في الحب قد يتفكر في ~~محادثة محبوبه بقلبه ويغوص في فكره بحيث لا يخطر بباله غير حديث محبوبه ولو ~~كلمه غيره لم يسمع ولو اجتاز بين يد أحد لكان كأن لا يراه وإذا تصور هذا في ~~خوف من عدو وعند الحرص على مال وجاه فكيف لا يتصور من خوف النار والحرص على ~~الجنة ولكن ذلك عزيز لضعف الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر وإذا تأملت ~~جملة هذه الأقسام وأصناف الوسواس علمت أن لكل مذهب من المذاهب وجها في محل ~~مخصوص # وبالجملة فالخلاص من الشيطان في لحظة أو ساعة غير بعيد ولكن الخلاص منه ~~عمرا طويلا بعيد جدا ومحال في الوجود ولو تخلص أحد من وساوس الشيطان ~~بالخواطر وتهييج الرغبة لتخلص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي أنه ~~نظر إلى علم ثوبه في الصلاة فلما سلم رمى بذلك الثوب وقال شغلني عن الصلاة ~~@QB@ وقال @QE@ اذهبوا به إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيته + حديث أنه صلى ~~الله عليه وسلم نظر إلى علم في ثوبه في الصلاة الحديث تقدم + وكان في يده ~~خاتم من ذهب فنظر إليه وهو على المنبر ثم رمى به قال نظرة إليه ونظرة إليكم ~~+ حديث كان في يده خاتم من ذهب فنظر إليه على المنبر فرماه فقال نظرة إليكم ~~أخرجه النسائي من حديث ابن عباس وتقدم في الصلاة وكان ذلك لوسوسة الشيطان ~~بتحريك لذة النظر إلى خاتم الذهب وعلم الثوب وكان ذلك قبل تحريم الذهب ~~فلذلك لبسه ثم رمى به فلا تنقطع وسوسة عروض الدنيا ونقدها إلا بالرمي ~~والمفارقة فما دام يملك شيئا وراء حاجته ولو دينارا واحدا لا يدعه الشيطان ~~في صلاته من الوسوسة في الفكر في ديناره وأنه كيف يحفظه وفيماذا ينفقه وكيف ~~يخفيه حتى لا يعلم به أحد وكيف يظهره حتى يتباهى به إلى غير ذلك من الوساوس ~~فمن أنشب مخالبه في الدنيا وطمع في أن يتخلص من الشطيان كان كمن انغمس في ~~العسل وظن أن الذباب لا يقع عليه فهو محال فالدنيا باب عظيم لوسوسة الشيطان ~~وليس له باب واحد بل أبواب كثيرة قال حكيم من الحكماء الشيطان يأتي ابن آدم ~~من قبل المعاصي فإن امتنع أتاه من وجه النصيحة حتى يلقيه في بدعة فإن أبى ~~أمره بالتحرج والشدة حتى يحرم ما ليس بحرام فإن أبى شككه في وضوئه وصلاته ~~حتى يخرجه عن العلم فإن أبى خفف عليه أعمال البر حتى يراه الناس صابرا ~~عفيفا فتميل قلوبهم إليه فيعجب نفسه وبه يهلكه وعند ذلك يشتد إلحاحه فإنها ~~آخر درجة ويعلم أنه لو جاوزها أفلت منه إلى الجنة # | بيان سرعة تقلب القلب وانقسام القلوب في التغير والثبات # اعلم أن القلب كما ذكرناه تكتنفه الصفات التي ذكرناها وتنصب إليه الآثار ~~والأحوال من الأبواب التي وصفناها فكأنه هدف يصاب على الدوام من كل جانب ~~فإذا أصابه شيء يتأثر به أصابه من جانب آخر ما يضاده فتتغير صفته فإن نزل ~~به الشيطان فدعاه إلى الهوى نزل به الملك وصرفه عنه وإن جذبه شيطان إلى شر ~~جذبه شيطان آخر إلى غيره وإن جذبه ملك إلى خير جذبه آخر إلى غيره فتارة ~~يكون متنازعا بين ملكين وتارة بين شيطانين وتارة بين ملك وشيطان لا يكون قط ~~مهملا وإليه الإشارة بقوله تعالى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ولاطلاع رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم على عجيب صنع الله تعالى في عجائب القلب وتقلبه كان ~~يحلف PageV03P045 به فيقول لا ومقلب القلوب + حديث لا ومقلب القلوب أخرجه ~~البخاري من حديث ابن عمر + # وكان كثيرا ما يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قالوا أو تخاف يا ~~رسول الله قال وما يؤمنني والقلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف ~~يشاء + حديث يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك الحديث أخرجه الترمذي من ~~حديث أنس وحسنه والحاكم من حديث جابر وقال ابن أبي الدنيا صحيح على شرط ~~مسلم ولمسلم من حديث عبد الله ابن عمرو اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على ~~طاعتك والنسائي في الكبرى و ابن ماجه والحاكم وصححه على شرط البخاري ومسلم ~~من حديث النواس بن سمعان ما من قلب إلا بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء ~~أقامه وإن شاء أزاغه والنسائي في الكبرى بإسناد جيد نحوه من حديث عائشة + ~~وفي لفظ آخر إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه # وضرب له صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثلة فقال مثل القلب مثل العصفور ~~يتقلب في كل ساعة + حديث مثل القلب مثل العصفور يتقلب في كل ساعة أخرجه ~~الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم والبيهقي في الشعب من حديث أبي ~~عبيدة بن الجراح قلت رواه البغوي في معجمه من حديث أبي عبيد غير منسوب وقال ~~لا ادري له صحبة أم لا + وقال صلى الله عليه وسلم مثل القلب في تقلبه ~~كالقدر إذا استجمعت غليانا + حديث مثل القلب في تقلبه كالقدر إذا استجمعت ~~غليانا أخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري من حديث المقداد بن ~~الأسود + وقال مثل القلب كمثل ريشة في أرض فلاة تقلبها الرياح ظهرا لبطن + ~~حديث مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلاة الحديث أخرجه الطبراني في الكبير ~~والبيهقي في الشعب من حديث أبي موسى الأشعري بإسناد حسن وللبزار نحوه من ~~حديث أنس بإسناد ضعيف + وهذه التقلبات وعجائب صنع الله تعالى في تقلبها من ~~حيث لا تهدي إليه المعرفة لا يعرفها إلا المراقبون والمراعون لأحوالهم مع ~~الله تعالى # والقلوب في الثبات على الخير والشر والتردد بينهما ثلاثة قلب عمر بالتقوى ~~وزكا بالرياضة وطهر عن خبائث الأخلاق تنقدح فيه خواطر الخير من خزائن الغيب ~~ومداخل الملكوت فينصرف العقل إلى التفكر فيما خطر له ليعرف دقائق الخير فيه ~~ويطلع على أسرار فوائده فينكشف له بنور البصيرة وجهه فيحكم بأنه لا بد من ~~فعله فيستحثه عليه ويدعوه إلى العمل به وينظر الملك إلى القلب فيجده طيبا ~~في جوهره طاهرا بتقواه مستنيرا بضياء العقل معمورا بأنوار المعرفة فيراه ~~صالحا لأن يكون له مستقرا ومهبطا فعند ذلك يمده بجنود لا ترى ويهديه إلى ~~خيرات أخرى حتى ينجر الخير إلى الخير وكذلك على الدوام ولا يتناهى إمداده ~~بالترغيب بالخير وتيسير الأمر عليه وإليه الإشارة بقوله تعالى فأما من أعطى ~~واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وفي مثل هذا القلب يشرق نور المصباح من ~~مكشاة الربوبية حتى لا يخفى فيه الشرك الخفي الذي هو أخفى من دبيب النملة ~~السوداء في الليلة الظلماء فلا يخفى على هذا النور خافية ولا يروج عليه شيء ~~من مكايد الشيطان بل يقف الشيطان ويوحي زخرف القول غرورا فلا يلتفت إليه ~~وهذا القلب بعد طهارته من المهلكات يصير على القرب معمورا بالمنجيات التي ~~سنذكرها من الشكر والصبر والخوف والرجاء والفقر والزهد والمحبة والرضا ~~والشوق والتوكل والتفكر والمحاسبة وغير ذلك وهو القلب الذي أقبل الله عز ~~وجل بوجهه عليه وهو القلب المطمئن المراد بقوله تعالى ألا بذكر الله تطمئن ~~القلوب وبقوله عز وجل يا أيتها النفس المطمئنة # القلب الثاني القلب المخذول المشحون بالهوى المدنس بالأخلاق المذمومة ~~والخبائث المفتوح فيه أبواب الشياطين المسدود عنه أبواب الملائكة ومبدأ ~~الشر فيه أن ينقدح فيه خاطر من الهوى ويهجس فيه فينظر القلب إلى حاكم العقل ~~ليستفتي منه ويستكشف وجه الصواب فيه فيكون العقل قد ألف خدمة الهوى وأنس به ~~واستمر على استنباط الحيل له وعلى مساعدة الهوى فتستولي النفس وتساعد عليه ~~فينشرح الصدر بالهوى وتنبسط فيه PageV03P046 ظلماته لانحباس جند العقل عن ~~مدافعته # فيقوى سلطان الشيطان لاتساع مكانه بسبب انتشار الهوى فيقبل عليه بالتزيين ~~والغرور والأماني ويوحي بذلك زخرفا من القول غرورا فيضعف سلطان الإيمان ~~بالوعد والوعيد ويخبو نور اليقين لخوف الآخرة إذ يتصاعد عن الهوى دخان مظلم ~~إلى القلب يملأ جوانبه حتى تنطفيء أنواره فيصير العقل كالعين التي ملأ ~~الدخان أجفانها فلا يقدر على أن ينظر وهكذا تفعل غلبة الشهوة بالقلب حتى لا ~~يبقى للقلب إمكان التوقف والاستبصار ولو بصره واعظ وأسمعه ما هو الحق فيه ~~عمى عن الفهم وصم عن السمع وهاجت الشهوة فيه وسطا الشيطان وتحركت الجوارح ~~على وفق الهوى فظهرت المعصية إلى عالم الشهادة من عالم الغيب بقضاء من الله ~~تعالى وقدره وإلى مثل هذا القلب الإشارة بقوله تعالى أرأيت من اتخذ إلهه ~~هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا ~~كالأنعام بل هم أضل سبيلا وبقوله عز وجل لقد حق القول على أكثرهم فهم لا ~~يؤمنون وبقوله سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ورب قلب هذا ~~حاله بالإضافة إلى بعض الشهوات كالذي يتورع عن بعض الأشياء ولكنه إذا رأى ~~وجها حسنا لم يملك عينه وقلبه وطاش عقله وسقط مساك قلبه أو كالذي لا يملك ~~نفسه فيما فيه الجاه والرياسة والكبر ولا يبقى معه مسكة للتثبت عند ظهور ~~أسبابه أو كالذي لا يملك نفسه عند الغضب مهما استحقر وذكر عيب من عيوبه أو ~~كالذي لا يملك نفسه عند القدرة على أخذ درهم أو دينار بل يتهالك عليه تهالك ~~الواله المستهتر فينسى فيه المروءة والتقوى فكل ذلك لتصاعد دخان الهوى إلى ~~القلب حتى يظلم وتنطفيء منه أنواره فينطفيء نور الحياء والمروءة والإيمان ~~ويسعى في تحصيل مراد الشيطان # القلب الثالث قلب تبدو فيه خواطر الهوى فتدعوه إلى الشر فيلحقه خاطر ~~الإيمان فيدعوه إلى الخير فتنبعث النفس بشهوتها إلى نصرة خاطر الشر فتقوى ~~الشهوة وتحسن التمتع والتنعم فينبعث العقل إلى خاطر الخير ويدفع في وجه ~~الشهوة ويقبح فعلها وينسبها إلى الجهل ويشبهها بالبهيمة والسبع في تهجمها ~~على الشر وقلة اكتراثها بالعواقب فتميل النفس إلى نصح العقل فيحمل الشيطان ~~حملة على العقل فيقوي داعي الهوى ويقول ما هذا التحرج البارد ولم تمتنع عن ~~هواك فتؤذي نفسك وهل ترى أحدا من أهل عصرك يخالف هواه أو يترك غرضه أفتترك ~~لهم ملاذ الدنيا يتمتعون بها وتحجر على نفسك حتى تبقى محروما شقيا متعوبا ~~يضحك عليك أهل الزمان أفتريد أن يزيد منصبك على فلان وفلان وقد فعلوا مثل ~~ما اشتهيت ولم يمتنعوا أما ترى العالم الفلاني ليس يحترز من مثل ذلك ولو ~~كان ذلك شرا لامتنع منه فتميل النفس إلى الشيطان وتنقلب إليه فيحمل الملك ~~حملة على الشيطان ويقول هل لك إلا من أتبع لذة الحال ونسي العاقبة أفتقنع ~~بلذة يسيرة وتترك لذة الجنة ونعيمها أبد الآباد أم تستثقل ألم الصبر عن ~~شهوتك ولا تستثقل ألم النار أتغتر بغفلة الناس عن أنفسهم واتباعهم هواهم ~~ومساعدتهم الشيطان مع أن عذاب النار لا يخففه عنك معصية غيرك أرأيت لو كنت ~~في يوم صائف شديد الحر ووقف الناس كلهم في الشمس وكان لك بيت بارد أكنت ~~تساعد الناس أو تطلب لنفسك الخلاص فكيف تخالف الناس خوفا من حر الشمس ولا ~~تخالفهم خوفا من حر النار فعند ذلك تمتثل النفس إلى قول الملك فلا يزال ~~يتردد بين الجندين متجاذبا بين الحزبين إلى أن يغلب على القلب ما هو أولى ~~به فإن كانت الصفات التي في القلب الغالب عليها الصفات الشيطانية التي ~~ذكرناها غلب الشيطان ومال القلب إلى جنسه من أحزاب الشيطان معرضا عن حزب ~~الله تعالى وأوليائه ومساعدا لحزب الشيطان وأعدائه وجرى على جوارحه بسابق ~~القدر ما هو سبب بعده عن الله تعالى وإن كان الأغلب على القلب الصفات ~~الملكية لم يصغ القلب إلى إغواء الشيطان PageV03P047 وتحريضه إياه على ~~العاجلة وتهوينه أمر الآخرة بل مال إلى حزب الله تعالى وظهرت الطاعة بموجب ~~ما سبق من القضاء على جوارحه فقلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن أي ~~بين تجاذب هذين الجندين وهو الغالب أعني التقليب والانتقال من حزب إلى حزب ~~أما الثبات على الدوام مع حزب الملائكة أو مع حزب الشيطان فنادر من ~~الجانبين وهذه الطاعات والمعاصي تظهر من خزائن الغيب إلى عالم الشهادة ~~بواسطة خزانة القلب فإنه من خزائن الملكوت وهي أيضا إذا ظهرت كانت علامات ~~تعرف أرباب القلوب سابق القضاء # فمن خلق للجنة يسرت له أسباب الطاعات ومن خلق للنار يسرت له أسباب ~~المعاصي وسلط عليه أقران السوء وألقى في قلبه حكم الشيطان فإنه بأنواع ~~الحكم يغر الحمقى بقوله إن الله رحيم فلا تبال وإن الناس كلهم ما يخافون ~~الله فلا تخالفهم وإن العمر طويل فاصبر حتى تتوب غدا يعدهم ويمنيهم وما ~~يعدهم الشيطان إلا غرورا يعدهم التوبة ويمنيهم المغفرة فيهلكهم بإذن الله ~~تعالى بهذه الحيل وما يجري مجراها فيوسع قلبه لقبول الغرور ويضيقه عن قبول ~~الحق وكل ذلك بقضاء من الله وقدر فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ~~ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء إن ينصركم الله ~~فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده فهو الهادي والمضل ~~يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه خلق الجنة وخلق ~~لها أهلا فاستعملهم بالطاعة وخلق النار وخلق لها أهلا فاستعمله بالمعاصي ~~وعرف الخلق علامة أهل الجنة وأهل النار فقال إن الأبرار لفي نعيم وإن ~~الفجار لفي جحيم ثم قال تعالى فيما روى عن نبيه صلى الله عليه وسلم هؤلاء ~~في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي + حديث قال الله عز وجل ~~هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي وهؤلاء إلى النار ولا أبالي أخرجه أحمد وابن ~~حبان من حديث عبد الرحمن بن قتادة السلمي وقال ابن عبد البر في الاستيعاب ~~أنه مضطرب الإسناد + فتعالى الله الملك الحق لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون # ولنقتصر على هذا القدر اليسير من ذكر عجائب القلب فإن استقصاءه لا يليق ~~بعلم المعاملة وإنما ذكرنا منه ما يحتاج إليه لمعرفة أغوار علوم المعاملة ~~وأسرارها لينتفع بها من لا يقنع بالظواهر ولا يجتزئ بالقشر عن اللباب بل ~~يتشوق إلى معرفة دقائق حقائق الأسباب وفيما ذكرناه كفاية له ومقنع إن شاء ~~الله تعالى والله ولي التوفيق # تم كتاب عجائب القلب ولله الحمد والمنة ويتلوه كتاب رياضة النفس وتهذيب ~~الأخلاق والحمد لله وحده وصلى الله على كل عبد مصطفى # | كتاب رياضة النفس وتهذيب الأخلاق ومعالجة أمراض القلب # وهو الكتاب الثاني من ربع المهلكات # بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي صرف الأمور بتدبيره وعدل تركيب الخلق فأحسن في تصويره ~~وزين صورة الإنسان بحسن تقويمه وتقديره وحرسه من الزيادة والنقصان في شكله ~~ومقاديره وفوض تحسين الأخلاق إلى اجتهاد العبد وتشميره واستحثه على تهذيبها ~~بتخويفه وتحذيره وسهل على خواص عباده تهذيب الأخلاق بتوفيقه وتيسيره وامتن ~~عليهم PageV03P048 بتسهيل صعبه وعسيره والصلاة والسلام على محمد عبد الله ~~ونبيه وحبيبه وصفيه وبشيره ونذيره الذي كان يلوح أنوار النبوة من بين ~~أساريره ويستشرف حقيقة الحق من مخايله وتباشيره وعلى آله وأصحابه الذين ~~طهروا وجه الإسلام من ظلمة الكفر ودياجيره وحسموا مادة الباطل فلم يتدنسوا ~~بقليله ولا بكثيره # أما بعد فالخلق الحسن صفة سيد المرسلين وأفضل أعمال الصديقين وهو على ~~التحقيق شطر الدين وثمرة مجاهدة المتقين ورياضة المتعبدين والأخلاق السيئة ~~هي السموم القاتلة والمهلكات الدامغة والمخازي الفاضحة والرذائل الواضحة ~~والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين المنخرطة بصاحبها في سلك الشياطين ~~وهي الأبواب المفتوحة إلى نار الله تعالى الموقدة التي تطلع على الأفئدة ~~كما أن الأخلاق الجميلة هي الأبواب المفتوحة من القلب إلى نعيم الجنان ~~وجوار الرحمن والأخلاق الخبيثة أمراض القلوب وأسقام النفوس إلا أنه مرض ~~يفوت حياة الأبد وأين منه المرض الذي لا يفوت إلا حياة الجسد ومهما اشتدت ~~عناية الأطباء بضبط قوانين العلاج للأبدان وليس في مرضها إلا فوت الحياة ~~الفانية فالعناية بضبط قوانين العلاج لأمراض القلوب وفي مرضها فوت حياة ~~باقية أولى وهذا النوع من الطب واجب تعلمه على كل ذي لب إذ لا يخلو قلب من ~~القلوب عن أسقام لو أهملت تراكمت وترادفت العلل وتظاهرت فيحتاج العبد إلى ~~تأنق في معرفة علمها وأسبابها ثم إلى تشمير في علاجها وإصلاحها فمعالجتها ~~هو المراد بقوله تعالى قد أفلح من زكاها وإهمالها هو المراد بقوله وقد خاب ~~من دساها ونحن نشير في هذا الكتاب إلى جمل من أمراض القلوب وكيفية القول في ~~معالجتها على الجملة من غير تفصيل لعلاج خصوص الأمراض فإن ذلك يأتي في بقية ~~الكتب من هذا الربع وغرضنا الآن النظر الكلي في تهذيب الأخلاق وتمهيد ~~منهاجها ونحن نذكر ذلك ونجعل علاج البدن مثالا له ليقرب من الأفهام دركه ~~ويتضح ذلك ببيان فضيلة حسن الخلق ثم بيان حقيقة حسن الخلق ثم بيان قبول ~~الأخلاق للتغير بالرياضة ثم بيان السبب الذي به ينال حسن الخلق ثم بيان ~~الطرق التي بها يعرف تفصيل الطرق إلى تهذيب الأخلاق ورياضة النفوس ثم بيان ~~العلامات التي بها يعرف مرض القلب ثم بيان الطرق التي بها يعرف الإنسان ~~عيوب نفسه ثم بيان شواهد النقل على أن طريق المعالجة للقلوب بترك الشهوات ~~لا غير ثم بيان علامات حسن الخلق ثم بيان الطريق في رياضة الصبيان في أول ~~النشو ثم بيان شروط الإرادة ومقدمات المجاهدة فهي أحد عشر فصلا يجمع ~~مقاصدها هذا الكتاب إن شاء الله تعالى # | بيان فضيلة حسن الخلق ومذمة سوء الخلق # قال الله تعالى لنبيه وحبيبه مثنيا عليه ومظهرا نعمته لديه وإنك لعلى خلق ~~عظيم وقالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقه ~~القرآن + حديث عائشة كان خلقه القرآن تقدم وهو عند مسلم + وسأل رجل رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم عن حسن الخلق فتلا قوله تعالى @QB@ خذ العفو وأمر ~~بالعرف وأعرض عن الجاهلين @QE@ ثم قال صلى الله عليه وسلم هو أن تصل من ~~قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك + حديث تأويل قوله تعالى @QB@ خذ العفو ~~@QE@ الآية هو أن تصل من قطعك الحديث أخرجه ابن مردويه من حديث جابر وقيس ~~بن سعد بن عبادة وأنس بأسانيد حسان وقال صلى الله عليه وسلم إنما بعثت ~~لأتمم مكارم الأخلاق + حديث بعثت لأتمم مكارم الأخلاق أخرجه أحمد والحاكم ~~والبيهقي من حديث أبي هريرة وتقدم في آداب الصحبة وقال صلى الله عليه وسلم ~~أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق + حديث أثقل ما ~~يوضع في الميزان خلق حسن أخرجه أبو داود والترمذي وصححه من حديث أبي ~~الدرداء وجاء رجل إلى رسول الله PageV03P049 صلى الله عليه وسلم من بين ~~يديه فقال يا رسول الله ما الدين قال حسن الخلق فأتاه من قبل يمينه فقال يا ~~رسول الله ما الدين قال حسن الخلق ثم أتاه من قبل شماله فقال ما الدين فقال ~~حسن الخلق ثم أتاه من ورائه فقال يا رسول الله ما الدين فالتفت إليه وقال ~~أما تفقه هو أن لا تغضب + حديث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من ~~بين يديه فقال ما الدين قال حسن الخلق الحديث أخرجه محمد بن نصر المروزي في ~~كتاب تعظيم قدر الصلاة من رواية أبي العلاء بن الشخير مرسلا + وقيل يا رسول ~~الله ما الشؤم قال سوء الخلق + حديث ما الشؤم قال سوء الخلق أخرجه أحمد من ~~حديث عائشة الشؤم سوء الخلق ولأبي داود من حديث رافع بن مكيث سوء الخلق شؤم ~~وكلاهما لا يصح + وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوصني فقال اتق ~~الله حيثما كنت قال زدني قال أتبع السيئة الحسنة تمحها قال زدني قال خالق ~~الناس بخلق حسن + حديث قال رجل أوصني قال اتق الله حيثما كنت الحديث أخرجه ~~الترمذي من حديث أبي ذر وقال حسن صحيح وسئل عليه السلام أي الأعمال أفضل ~~قال خلق حسن وقال صلى الله عليه وسلم ما حسن الله خلق عبد وخلقه فيطعمه ~~النار + حديث ما حسن الله خلق امرئ وخلقه فتطعمه النار تقدم في آداب الصحبة ~~+ وقال الفضيل قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانة تصوم النهار ~~وتقوم الليل وهي سيئة الخلق تؤذي جيرانها بلسانها قال لا خير فيها هي من ~~أهل النار وقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أول ما ~~يوضع في الميزان حسن الخلق والسخاء ولما خلق الله الإيمان قال اللهم قوني ~~فقواه بحسن الخلق والسخاء ولما خلق الله الكفر قال اللهم قوني فقواه بالبخل ~~وسوء الخلق + حديث أبي الدرداء أول ما يوضع في الميزان حسن الخلق الحديث لم ~~أقف له على أصل هكذا ولأبي داود والترمذي من حديث أبي الدرداء ما من شيء في ~~الميزان أثقل من حسن الخلق وقال غريب وقال في بعض طرقه حسن صحيح وقال صلى ~~الله عليه وسلم إن الله استخلص هذا الدين لنفسه ولا يصلح لدينكم إلا السخاء ~~وحسن الخلق ألا فزينوا دينكم بهما + حديث إن الله استخلص هذا الدين لنفسه ~~الحديث أخرجه الدارقطني في كتاب المستجاد والخرائطي في مكارم الأخلاق من ~~حديث أبي سعيد الخدري بإسناد فيه لين وقال عليه السلام حسن الخلق خلق الله ~~الأعظم + حديث حسن الخلق خلق الله الأعظم أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ~~عمار ابن ياسر بسند ضعيف وقيل يا رسول الله أي المؤمنين أفضل إيمانا قال ~~أحسنهم خلقا + حديث قيل يا رسول الله أي المؤمنين أفضلهم إيمانا قال أحسنهم ~~خلقا أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم من حديث أبي هريرة وتقدم في ~~النكاح بلفظ أكمل المؤمنين والطبراني من حديث أبي أمامة أفضلكم إيمانا ~~أحسنكم خلقا وقال صلى الله عليه وسلم إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ~~ببسط الوجه وحسن الخلق + حديث إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط ~~الوجه وحسن الخلق أخرجه البزار وأبو يعلى والطبراني في مكارم الأخلاق من ~~حديث أبي هريرة وبعض طرق البزار رجاله ثقات + # وقال أيضا صلى الله عليه وسلم سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ~~+ حديث سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل أخرجه ابن حبان في ~~الضعفاء من حديث أبي هريرة والبيهقي في الشعب من حديث ابن عباس وأبي هريرة ~~أيضا وضعفهما ابن جرير + # وعن جرير بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك امرؤ قد ~~حسن الله خلقك فحسن خلقك + حديث إنك امرؤ قد حسن الله خلقك فأحسن خلقك ~~أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق وأبو العباس الدغولي في كتاب الآداب وفيه ~~ضعف وعن البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس ~~وجها وأحسنهم خلقا + حديث البراء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ~~الناس وجها وأحسنهم خلقا أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق بسند حسن + وعن ~~أبي مسعود البدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه ~~اللهم حسنت خلقي فحسن خلقي + حديث أبي مسعود البدري اللهم كما حسنت خلقي ~~فحسن خلقي أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق هكذا من رواية عبد الله بن أبي ~~الهذيل عن أبي مسعود البدري وإنما هو ابن مسعود أي عبد الله هكذا رواه ابن ~~حبان في صحيحه ورواه أحمد من حديث عائشة + وعن عبد الله بن عمر رضي الله ~~عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الدعاء فيقول اللهم إني ~~أسألك PageV03P050 الصحة والعافية وحسن الخلق + حديث عبد الله بن عمرو ~~اللهم إني أسألك الصحة والعافية وحسن الخلق أخرجه الخرايطي في مكارم ~~الأخلاق بإسناد فيه لين وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم قال كرم المؤمن دينه وحسبه حسن خلقه ومروءته عقله + حديث أبي هريرة ~~كرم المرء دينه ومروءته عقله وحسن خلقه أخرجه ابن حبان والحاكم وصححه على ~~شرط مسلم والبيهقي قلت فيه مسلم بن خالد الزنجي وقد تكلم فيه قال البيهقي ~~وروى من وجهين آخرين ضعيفين ثم رواه موقوفا على عمر وقال إسناد صحيح + وعن ~~أسامة بن شريك قال شهدت الأعاريب يسألون النبي صلى الله عليه وسلم يقولون ~~ما خير ما أعطى العبد قال خلق حسن + حديث أسامة بن شريك شهدت الأعاريب ~~يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير ما أعطى العبد قال خلق الحسن ~~أخرجه ابن ماجه وتقدم في آداب الصحبة + وقال صلى الله عليه وسلم إن أحبكم ~~إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا + حديث إن أحبكم إلى ~~الله وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا أخرجه الطبراني في ~~الصغير والأوسط من حديث أبي هريرة إن أحبكم إلى الله أحاسنكم أخلاقا ~~وللطبراني في مكارم الأخلاق من حديث جابر إن أقربكم مني مجلسا أحاسنكم ~~أخلاقا وقد تقدم الحديثان في آداب الصحبة + وعن ابن عباس رضي الله تعالى ~~عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من لم تكن فيه أو واحدة ~~منهن فلا تعتدوا بشيء من عمله تقوى تحجزه عن معاصي الله أو حلم يكف به ~~السفيه أو خلق يعيش به بين الناس + حديث ابن عباس ثلاث من لم يكن فيه أو ~~واحدة منهم فلا يعتد بشيء من عمله الحديث أخرجه الخرايطي في مكارم الأخلاق ~~بإسناد ضعيف ورواه الطبراني في الكبير وفي مكارم الأخلاق من حديث أم سلمة ~~وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم في افتتاح الصلاة اللهم أهدني لأحسن ~~الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا ~~أنت + حديث اللهم اهدني لأحسن الأخلاق الحديث أخرجه مسلم من حديث علي وقال ~~أنس بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إذ قال إن حسن الخلق ~~ليذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد + حديث أنس إن حسن الخلق ليذيب ~~الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد أخرجه الخرايطي في مكارم الأخلاق بسند ضعيف ~~ورواه الطبراني والطيالسي والبيهقي في الشعب من حديث ابن عباس وضعفه وكذا ~~رواه من حديث أبي هريرة وضعفه أيضا # وقال صلى الله عليه وسلم من سعادة المرء حسن الخلق + حديث من سعادة المرء ~~حسن الخلق أخرجه الخرايطي في مكارم الأخلاق والبيهقي في الشعب من حديث جابر ~~بسند ضعيف # وقال صلى الله عليه وسلم اليمن حسن الخلق + حديث اليمن حسن الخلق أخرجه ~~الخرايطي في مكارم الأخلاق من حديث علي بإسناد ضعيف وقال صلى الله عليه ~~وسلم لأبي ذر يا أبا ذر لا عقل كالتدبير ولا حسب كحسن الخلق + حديث يا أبا ~~ذر لا عقل كالتدبير ولا حسب كحسن الخلق أخرجه ابن ماجه وابن حبان من حديث ~~أبي ذر + وعن أنس قال قالت أم حبيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت ~~المرأة يكون لها زوجان في الدنيا فتموت ويموتان ويدخلون الجنة لأيهما هي ~~تكون قال لأحسنهما خلقا كان عندها في الدنيا يا أم حبيبة ذهب حسن الخلق ~~بخيري الدنيا والآخرة + حديث أنس قالت أم حبيبة يا رسول الله أرأيت المرأة ~~يكون لها زوجان الحديث أخرجه البزار والطبراني في الكبير والخرايطي في ~~مكارم الأخلاق بإسناد ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم إن المسلم المسدد ~~ليدرك درجة الصائم القائم بحسن خلقه وكرم مرتبته + حديث إن المسلم المسدد ~~ليدرك درجة الصائم القائم بحسن خلقه الحديث أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن ~~عمرو بالرواية الأولى ومن حديث أبي هريرة بالرواية الثانية وفيهما ابن ~~لهيعة وفي رواية درجة الظمآن في الهواجر وقال عبد الرحمن بن سمرة كنا عند ~~النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت البارحة عجبا رأيت رجلا من أمتي ~~جاثيا على ركبتيه وبينه وبين الله حجاب فجاء حسن خلقه فأدخله على الله ~~تعالى + حديث عبد الرحمن بن سمرة إني رأيت البارحة عجبا الحديث أخرجه ~~الخرايطي في مكارم الأخلاق بسند ضعيف + # وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم ~~درجات الآخرة وشرف المنازل وإنه لضعيف في العبادة + حديث إن العبد ليبلغ ~~بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة الحديث أخرجه الطبراني والخرايطي في مكارم ~~الأخلاق وأبو الشيخ في كتاب مكارم الأخلاق وأبو الشيخ في كتاب طبقات ~~الأصبهانيين من حديث أنس بإسناد جيد + وروي أن عمر رضي الله عنه استأذن على ~~النبي صلى الله عليه وسلم وعنده PageV03P051 نساء من نساء قريش يكلمنه ~~ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته فلما استأذن عمر رضي الله عنه تبادرن ~~الحجاب فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر رضي الله عنه ~~مم تضحك بأبي أنت وأمي يا رسول الله فقال عجبت لهؤلاء اللاتي كن عندي لما ~~سمعن صوتك تبادرن الحجاب فقال عمر أنت كنت أحق أن يهبنك يا رسول الله ثم ~~أقبل عليهن عمر فقال يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم قلن نعم أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى ~~الله عليه وسلم أيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط ~~سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك + حديث إن عمر استأذن على رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه الحديث متفق عليه + ~~وقال صلى الله عليه وسلم سوء الخلق ذنب لا يغفر وسوء الظن خطيئة تفوح + ~~حديث سوء الخلق ذنب لا يغفر الحديث أخرجه الطبراني في الصغير من حديث عائشة ~~ما من شيء إلا له توبة إلا صاحب سوء الخلق فإنه لا يتوب من ذنب إلا عاد في ~~شر منه وإسناده ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم إن العبد ليبلغ من سوء خلقه ~~أسفل درك جهنم + حديث إن العبد ليبلغ من سوء خلقه أسفل درك جهنم أخرجه ~~الطبراني والخرايطي في مكارم الأخلاق وأبو الشيخ في طبقات الأصبهانيين من ~~حديث أنس بإسناد جيد وهو بعض الحديث الذي قبله بحديثين + # الآثار قال ابن لقمان الحكيم لأبيه يا أبت أي الخصال من الإنسان خير قال ~~الدين قال فإذا كانت اثنتين قال الدين والمال قال فإذا كانت ثلاثا قال ~~الدين والمال والحياء قال فإذا كانت أربعا قال الدين والمال والحياء وحسن ~~الخلق قال فإذا كانت خمسا قال الدين والمال والحياء وحسن الخلق والسخاء قال ~~فإذا كانت ستا قال يا بني إذا اجتمعت فيه الخمس خصال فهو نقي تقى والله ولي ~~ومن الشيطان يري وقال الحسن من ساء خلقه عذب نفسه وقال أنس بن مالك إن ~~العبد ليبلغ بحسن خلقه أعلى درجة في الجنة وهو غير عابد ويبلغ بسوء خلقه ~~أسفل درك في جهنم وهو عابد وقال يحيى بن معاذ في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق ~~وقال وهب ابن منبه مثل السيء الخلق كمثل الفخارة المكسورة لا ترقع ولا تعاد ~~طينا وقال الفضيل لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيي ~~الخلق وصحب ابن المبارك رجلا سيي الخلق في سفر فكان يحتمل منه ويداريه فلما ~~فارقه بكى فقيل له في ذلك فقال بكيته رحمة له فارقته وخلقه معه لم يفارقه ~~وقال الجنيد أربع ترفع العبد إلى أعلى الدرجات وإن قل عمله وعلمه الحلم ~~والتواضع والسخاء وحسن الخلق وهو كمال الإيمان وقال الكناني التصوف خلق فمن ~~زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف وقال عمر رضي الله عنه خالطوا الناس ~~بالأخلاق وزايلوهم بالأعمال وقال يحيى بن معاذ سوء الخلق سيئة لا تنفع معها ~~كثرة الحسنات وحسن الخلق حسنة لا تضر معها كثرة السيئات وسئل ابن عباس ما ~~الكرم فقال هو ما بين الله في كتابه العزيز إن أكرمكم عند الله أتقاكم قيل ~~فما الحسب قال أحسنكم خلقا أفضلكم حسبا وقال لكل بنيان أساس وأساس الإسلام ~~حسن الخلق وقال عطاء ما ارتفع من ارتفع إلا بالخلق الحسن ولم ينل أحد كماله ~~إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم فأقرب الخلق إلى الله عز وجل السالكون ~~آثاره بحسن الخلق # | بيان حقيقة حسن الخلق وسوء الخلق # اعلم أن الناس قد تكلموا في حقيقة حسن الخلق وأنه ما هو وما تعرضوا ~~لحقيقته وإنما تعرضوا لثمرته ثم لم يستوعبوا جميع ثمراته بل ذكر كل واحد من ~~ثمراته ما خطر له وما كان حاضرا في ذهنه ولم يصرفوا العناية إلى ذكر حده ~~وحقيقته المحيطة بجميع ثمراته على التفصيل والاستيعاب وذلك كقول الحسن حسن ~~الخلق بسط الوجه PageV03P052 وبذل الندى وكف الأذى وقال الواسطي هو أن لا ~~يخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بالله تعالى وقال شاه الكرماني هو كف الأذى ~~واحتمال المؤن وقال بعضهم هو أن يكون من الناس قريبا وفيما بينهم غريبا ~~وقال الواسطي مرة هو إرضاء الخلق في السراء والضراء وقال أبو عثمان هو ~~الرضا عن الله تعالى وسئل سهل التستري عن حسن الخلق فقال أدناه الاحتمال ~~وترك المكافأة والرحمة للظالم والاستغفار له والشفقة عليه وقال مرة أن لا ~~يتهم الحق في الرزق ويثق به ويسكن إلى الوفاء بما ضمن فيطيعه ولا يعصيه في ~~جميع الأمور فيما بينه وبينه وفيما بينه وبين الناس وقال علي رضي الله عنه ~~حسن الخلق في ثلاث خصال اجتناب المحارم وطلب الحلال والتوسعة على العيال ~~وقال الحسين بن منصور هو أن لا يؤثر فيك جفاء الخلق بعد مطالعتك للحق وقال ~~أبو سعيد الخراز هو أن لا يكون لك هم غير الله تعالى فهذا وأمثاله كثير وهو ~~تعرض لثمرات حسن الخلق لا لنفسه ثم ليس هو محيطا بجميع الثمرات أيضاوكشف ~~الغطاء عن الحقيقة أولى من نقل الأقاويل المختلفة فنقول الخلق والخلق ~~عبارتان مستعملتان معا يقال فلان حسن الخلق والخلق أي حسن الباطن والظاهر ~~فيراد بالخلق الصورة الظاهرة ويراد بالخلق الصورة الباطنة وذلك لأن الإنسان ~~مركب من جسد مدرك بالبصر ومن روح ونفس مدرك بالبصيرة ولكل واحد منهما هيئة ~~وصورة إما قبيحة وإما جميلة فالنفس المدركة بالبصيرة أعظم قدرا من الجسد ~~المدرك بالبصر ولذلك عظم الله أمره بإضافته إليه إذ قال تعالى إني خالق ~~بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فنبه على أن ~~الجسد منسوب إلى الطين والروح إلى رب العالمين والمراد بالروح والنفس في ~~هذا المقام واحد فالخلق عبارة عن هيئة في النفس راسخة عنها تصدر الأفعال ~~بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها ~~الأفعال الجميلة المحمودة عقلا وشرعا سميت تلك الهيئة خلقا حسنا وإن كان ~~الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقا سيئا وإنما ~~قلنا إنها هيئة راسخة لأن من يصدر منه بذل المال على الندور لحاجة عارضة لا ~~يقال خلقه السخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه ثبوت رسوخ وإنما اشترطنا أن تصدر ~~منه الأفعال بسهولة من غير روية لأن من تكلف بذل المال أو السكوت عند الغضب ~~بجهد وروية لا يقال خلقه السخاء والحلم # فههنا أربعة أمور # أحدها فعل الجميل والقبيح # والثاني القدرة عليهما # والثالث المعرفة بهما # والرابع هيئة للنفس بها تميل إلى أحد الجانبين ويتيسر عليها أحد الأمرين ~~إما الحسن وإما القبيح # وليس الخلق عبارة عن الفعل فرب شخص خلقه السخاء ولا يبذل إما لفقد المال ~~أو لمانع وربما يكون خلقه البخل وهو يبذل إما لباعث أو لرياء وليس هو عبارة ~~عن القوة لأن نسبة القوة إلى الإمساك والإعطاء بل إلى الضدين واحد وكل ~~إنسان خلق بالفطرة قادر على الإعطاء والإمساك وذلك لا يوجب خلق البخل ولا ~~خلق السخاء وليس هو عبارة عن المعرفة فإن المعرفة تتعلق بالجميل والقبيح ~~جميعا على وجه واحد بل هو عبارة عن المعنى الرابع وهو الهيئة التي بها ~~تستعد النفس لأن يصدر منها الإمساك أو البذل فالخلق إذا عبارة عن هيئة ~~النفس وصورتها الباطنة وكما أن حسن الصورة الظاهرة مطلقا لا يتم بحسن ~~العينين دون الأنف والفم والخد بل لا بد من حسن الجميع ليتم حسن الظاهر ~~فكذلك في الباطن أربعة أركان لا بد من الحسن في جميعها حتى يتم حسن الخلق ~~فإذا استوت الأركان الأربعة واعتدلت وتناسبت حصل حسن الخلق وهو قوة العلم ~~وقوة الغضب وقوة الشهوة وقوة العدل بين هذه القوى الثلاث PageV03P053 # أما قوة العلم فحسنها وصلاحها في أن تصير بحيث يسهل بها درك الفرق بين ~~الصدق والكذب في الأقوال وبين الحق والباطل في الاعتقادات وبين الجميل ~~والقبيح في الأفعال فإذا صلحت هذه القوة حصل منها ثمرة الحكمة والحكمة رأس ~~الأخلاق الحسنة وهي التي قال الله فيها ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا # وأما قوة الغضب فحسنها في أن يصير انقباضها وانبساطها على حد ما تقتضيه ~~الحكمة وكذلك الشهوة حسنها وصلاحها في أن تكون تحت إشارة الحكمة أعني إشارة ~~العقل والشرع # وأما قوة العدل فهو ضبط الشهوة والغضب تحت إشارة العقل والشرع # فالعقل مثاله مثال الناصح المشير # وقوة العدل هي القدرة ومثالها مثال المنفذ الممضي لإشارة العقل # والغضب هو الذي تنفد فيه الإشارة ومثاله مثال كلب الصيد فإنه يحتاج إلى ~~أن يؤدب حتى يكون استرساله وتوقفه بحسب الإشارة لا بحسب هيجان شهوة النفس ~~والشهوة مثالها مثال الفرس الذي يركب في طلب الصيد فإنه تارة يكون مروضا ~~مؤدبا وتارة يكون جموحا فمن استوت فيه هذه الخصال واعتدلت فهو حسن الخلق ~~مطلقا ومن اعتدل فيه بعضها دون البعض فهو حسن الخلق بالإضافة إلى ذلك ~~المعنى خاصة كالذي يحسن بعض أجزاء وجهه دون بعض وحسن القوة الغضبية ~~واعتدالها يعبر عنه بالشجاعة وحسن قوة الشهوة واعتدالها يعبر عنه بالعفة # فإن مالت قوة الغضب عن الاعتدال إلى طرف الزيادة تسمى تهورا وإن مالت إلى ~~الضعف والنقضان تسمى جبنا وخورا # وإن مالت قوة الشهوة إلى طرف الزيادة تسمى شرها وإن مالت إلى النقصان ~~تسمى جمودا # والمحمود هو الوسط وهو الفضيلة والطرفان رذيلتان مذمومتان والعدل إذا فات ~~فليس له طرفا زيادة ونقصان بل له ضد واحد ومقابل وهو الجور # وأما الحكمة فيسمى إفراطها عند الاستعمال في الأغراض الفاسدة خبثا وجربزة ~~ويسمى تفريطها بلها والوسط هو الذي يختص باسم الحكمة # فإذن أمهات الأخلاق وأصولها أربعة الحكمة والشجاعة والعفة والعدل ونعني ~~بالحكمة حالة للنفس بها يدرك الصواب من الخطأ في جميع الأفعال الاختيارية # ونعني بالعدل حالة للنفس وقوة بها تسوس الغضب والشهوة وتحملهما على مقتضى ~~الحكمة وتضبطهما في الاسترسال والانقباض على حسب مقتضاها ونعني بالشجاعة ~~كون قوة الغضب منقادة للعقل في إقدامها وإحجامها ونعني بالعفة تأدب قوة ~~الشهوة بتأديب العقل والشرع # فمن اعتدال هذه الأصول الأربعة تصدر الأخلاق الجميلة كلها # إذ من اعتدال قوة العقل يحصل حسن التدبير وجودة الذهن وثقابة الرأي ~~وإصابة الظن والتفطن لدقائق الأعمال وخفايا آفات النفوس ومن إفراطها تصدر ~~الجربزة والمكر والخداع والدهاء ومن تفريطها يصدر البله والغمارة والحمق ~~والجنون وأعني بالغمارة قلة التجربة في الأمور مع سلامة التخيل فقد يكون ~~الإنسان غمرا في شيء دون شيء والفرق بين الحمق الجنون أن الأحمق مقصوده ~~صحيح ولكن سلوكه الطريق فاسد فلا تكون له روية صحيحة في سلوك الطريق الموصل ~~إلى الغرض وأما المجنون فإنه يحتار ما لا ينبغي أن يختار فيكون أصل اختياره ~~وإيثاره فاسدا # وأما خلق الشجاعة فيصدر منه الكرم والنجدة والشهامة وكسر النفس والاحتمال ~~والحلم والثبات وكظم الغيظ والوقار والتودد وأمثالها وهي أخلاق محمودة # وأما إفراطها وهو التهور فيصدر منه الصلف والبذخ PageV03P054 والاستشاطة ~~والتكبر والعجب وأما تفريطها فيصدر منه المهانة والذلة والجزع والخساسة ~~وصغر النفس والانقباض عن تناول الحق الواجب # وأما خلق العفة فيصدر منه السخاء والحياء والصبر والمسامحة والقناعة ~~والورع واللطافة والمساعدة والظرف وقلة الطمع وأما ميلها إلى الإفراط أو ~~التفريط فيحصل منه الحرص والشره والوقاحة والخبث والتبذير والتقتير والرياء ~~والهتكة والمجانة والعبث والملق والحسد والشماتة والتذلل للأغنياء واستحقار ~~الفقراء وغير ذلك # فأمهات محاسن الأخلاق هذه الفضائل الأربعة وهي الحكمة والشجاعة والعفة ~~والعدل والباقي فروعها # ولم يبلغ كمال الاعتدال في هذه الأربع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~والناس بعده متفاوتون في القرب والبعد منه فكل من قرب منه في هذه الأخلاق ~~فهو قريب من الله تعالى بقدر قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من ~~جمع كمال هذه الأخلاق استحق أن يكون بين الخلق ملكا مطاعا يرجع الخلق كلهم ~~إليه ويقتدون به في جميع الأفعال ومن انفك عن هذه الأخلاق كلها واتصف ~~بأضدادها استحق أن يخرج من بين البلاد والعباد فإنه قد قرب من الشيطان ~~اللعين المبعد فينبغي أن يبعد كما أن الأول قريب من الملك المقرب فينبغي أن ~~يقتدي به ويتقرب إليه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث إلا ليتمم ~~مكارم الأخلاق كما قال + حديث بعثت لأتمم مكارم الأخلاق تقدم في آداب ~~الصحبة + # وقد أشار القرآن إلى هذه الأخلاق في أوصاف المؤمنين فقال تعالى إنما ~~المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ~~في سبيل الله أولئك هم الصادقون فالإيمان بالله وبرسوله من غير ارتياب هو ~~قوة اليقين وهو ثمرة العقل ومنتهى الحكمة والمجاهدة بالمال هو السخاء الذي ~~يرجع إلى ضبط قوة الشهوة # والمجاهدة بالنفس هي الشجاعة التي ترجع إلى استعمال قوة الغضب على شرط ~~العقل وحد الاعتدال فقد وصف الله تعالى الصحابة فقال أشداء على الكفار ~~رحماء بينهم إشارة إلى أن للشدة موضعا وللرحمة موضعا فليس الكمال في الشدة ~~بكل حال ولا في الرحمة بكل حال فهذا بيان معنى الخلق وحسنه وقبحه وبيان ~~أركانه وثمراته وفروعه # | بيان قبول الأخلاق للتغيير بطريق الرياضة # اعلم أن بعض من غلبت البطالة عليه استثقل المجاهدة والرياضة والاشتغال ~~بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق فلم تسمح نفسه بأن يكون ذلك لقصوره ونقصه وخبث ~~دخلته فزعم أن الأخلاق لا يتصور تغييرها فإن الطباع لا تتغير # واستدل فيه بأمرين # أحدهما أن الخلق هو صورة الباطن كما أن الخلق هو صورة الظاهر فالخلقة ~~الظاهرة لا يقدر على تغييرها فالقصير لا يقدر أن يجعل نفسه طويلا ولا ~~الطويل يقدر أن يجعل نفسه قصيرا ولا القبيح يقدر على تحسين صورته فكذلك ~~القبح الباطن يجري هذا المجرى # والثاني أنهم قالوا حسن الخلق يقمع الشهوة والغضب وقد جربنا ذلك بطول ~~المجاهدة وعرفنا أن ذلك من مقتضى المزاج والطبع فإنه قط لا ينقطع عن الآدمي ~~فاشتغاله به تضييع زمان بغير فائدة فإن المطلوب هو قطع التفات القلب إلى ~~الحظوظ العاجلة وذلك محال وجوده # فنقول لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ ~~والتأديبات ولما قال رسول الله PageV03P055 صلى الله عليه وسلم حسنوا ~~أخلاقكم + حديث حسنوا أخلاقكم أخرجه أبو بكر ابن لال في مكارم الأخلاق من ~~حديث معاذ يا معاذ حسن خلقك للناس منقطع ورجاله ثقات + وكيف ينكر هذا في حق ~~الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن إذ ينقل البازي من الاستيحاش إلى الأنس ~~والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية والفرس من الجماح إلى ~~السلاسة والانقياد وكل ذلك تغيير للأخلاق والقول الكاشف للغطاء عن ذلك أن ~~نقول الموجودات منقسمة إلى ما لا مدخل للآدمي واختياره في أصله وتفصيله ~~كالسماء والكواكب بل أعضاء البدن داخلا وخارجا وسائر أجزاء الحيوانات ~~وبالجملة كل ما هو حاصل كامل وقع الفراغ من وجوده وكماله وإلى ما وجد وجودا ~~ناقصا وجعل فيه قوة لقبول الكمال بعد أن وجد شرطه وشرطه قد يرتبط باختيار ~~العبد فأن النواة ليست بتفاح ولا نخل إلا أنها خلقت خلقة يمكن أن تصير نخلة ~~إذا انضاف التربية إليها ولا تصير تفاحا أصلا ولا بالتربية فإذا صارت ~~النواة متأثرة بالاختيار حتى تقبل بعض الأحوال دون بعض فكذلك الغضب والشهوة ~~لو أردنا قمعهما وقهرهما بالكلية حتى لا يبقى لهما أثر لم نقدر عليه أصلا ~~ولو أردنا سلاستهما وقودهما بالرياضة والمجاهدة قدرنا عليه وقد أمرنا بذلك ~~وصار ذلك سبب نجاتنا ووصولنا إلى الله تعالى نعم الجبلات مختلفة بعضها ~~سريعة القبول وبعضها بطيئة القبول ولاختلافها سببان # أحدهما قوة الغريزة في أصل الجبلة وامتداد مدة الوجود فإن قوة الشهوة ~~والغضب والتكبر موجودة في الإنسان ولكن أصعبها أمرا وأعصاها على التغيير ~~قوة الشهوة فإنها أقدم وجودا إذ الصبي في مبدإ الفطرة تخلق له الشهوة ثم ~~بعد سبع سنين ربما يخلق له الغضب وبعد ذلك يخلق له قوة التمييز # والسبب الثاني أن الخلق قد يتأكد بكثرة العمل بمقتضاه والطاعة له ~~وباعتقاد كونه حسنا ومرضيا والناس فيه على أربع مراتب # الأولى وهو الإنسان الغفل الذي لا يميز بين الحق والباطل والجميل والقبيح ~~بل بقي كما فطر عليه خاليا عن جميع الاعتقادات ولم تستتم شهوته أيضا باتباع ~~اللذات فهذا سريع القبول للعلاج جدا فلا يحتاج إلا إلى معلم ومرشد وإلى ~~باعث من نفسه يحمله على المجاهدة فيحسن خلقه في أقرب زمان # والثانية أن يكون قد عرف قبح القبيح ولكنه لم يتعود العمل الصالح بل زين ~~له سوء عمله فتعاطاه انقيادا لشهواته وإعراضا عن صواب رأيه لاستيلاء الشهوة ~~عليه ولكن علم تقصيره في عمله فأمره أصعب من الأول إذ قد تضاعفت الوظيفة ~~عليه إذ عليه قلع ما رسخ في نفسه أولا من كثرة الاعتياد للفساد والآخر أن ~~يغرس في نفسه صفة الاعتياد للصلاح ولكنه بالجملة محل قابل للرياضة إن انتهض ~~لها بجد وتشمير وحزم # والثالثة أن يعتقد في الأخلاق القبيحة أنها الواجبة المستحسنة وأنها حق ~~وجميل وتربى عليها فهذا يكاد تمتنع معالجته ولا يرجى صلاحه إلا على الندور ~~وذلك لتضاعف أسباب الضلال # والرابعة أن يكون مع نشئه على الرأي الفاسد وتربيته على العمل به يرى ~~الفضيلة في كثرة الشر واستهلاك النفوس ويباهي به ويظن أن ذلك يرفع قدره ~~وهذا هو أصعب المراتب وفي مثله قيل ومن العناء رياضة الهرم ومن التعذيب ~~تهذيب الذيب # والأول من هؤلاء جاهل فقط # والثاني جاهل وضال # والثالث جاهل وضال وفاسق # والرابع جاهل وضال وفاسق وشرير # وأما الخيال الآخر الذي استدلوا به وهو قولهم إن الآدمي ما دام حيا فلا ~~تنقطع عنه الشهوة والغضب وحب الدنيا وسائر هذه الأخلاق فهذا غلط وقع لطائفة ~~ظنوا أن المقصود من المجاهدة قمع هذه الصفات بالكلية ومحوها وهيهات فإن ~~الشهوة خلقت لفائدة وهي ضرورية في الجبلة فلو انقطعت شهوة الطعام لهلك ~~الإنسان ولو انقطعت PageV03P056 شهوة الوقاع لانقطع النسل ولو انعدم الغضب ~~بالكلية لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه ولهلك # ومهما بقي أصل الشهوة فيبقى لا محالة حب المال الذي يوصله إلى الشهوة حتى ~~يحمله ذلك على إمساك المال وليس المطلوب إماطة ذلك بالكلية بل المطلوب ردها ~~إلى الاعتدال الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط والمطلوب في صفة الغضب حسن ~~الحمية وذلك بأن يخلو عن التهور وعن الجبن جميعا وبالجملة أن يكون في نفسه ~~قويا ومع قوته منقادا للعقل ولذلك قال الله تعالى أشداء على الكفار رحماء ~~بينهم وصفهم بالشدة وإنما تصدر الشدة عن الغضب ولو بطل الغضب لبطل الجهاد ~~وكيف يقصد قلع الشهوة والغضب بالكلية والأنبياء عليهم السلام لم ينفكوا عن ~~ذلك إذ قال صلى الله عليه وسلم إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر + حديث ~~إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر أخرجه مسلم من حديث أنس وله من حديث أبي ~~هريرة إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وكان إذا تكلم بين يديه بما يكرهه ~~يغضب حتى تحمر وجنتاه ولكن لا يقول إلا حقا فكان عليه السلام لا يخرجه غضبه ~~عن الحق + حديث أنه كان يتكلم بين يديه بما يكرهه فيغضب حتى تحمر وجنتاه ~~ولكن لا يقول إلا حقا فكان الغضب لا يخرجه عن الحق أخرجه الشيخان من حديث ~~عبد الله بن الزبير في قصة شراج الحرة فقال لأن كان ابن عمتك فتلون وجه ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهما من حديث أبي سعيد الخدري وكان إذا كره ~~شيئا عرفناه في وجهه ولهما من حديث عائشة وما انتقم رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله ولمسلم ما ينال منه شيء قط فينتقم ~~من صاحبه الحديث + وقال تعالى والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ولم يقل ~~والفاقدين الغيظ فرد الغضب والشهوة إلى حد الاعتدال بحيث لا يقهر واحد ~~منهما العقل ولا يغلبه بل يكون العقل هو الضابط لهما والغالب عليهما ممكن ~~وهو المراد بتغيير الخلق فإنه ربما تستولي الشهوة على الإنسان بحيث لا يقوى ~~عقله على دفعها فيقدم على الانبساط إلى الفواحش وبالرياضة تعود إلى حد ~~الاعتدال فدل أن ذلك ممكن والتجربة والمشاهدة تدل على ذلك دلالة لا شك فيها ~~والذي يدل على أن المطلوب هو الوسط في الأخلاق دون الطرفين أن السخاء خلق ~~محمود شرعا وهو وسط بين طرفي التبذير والتقتير وقد أثنى الله تعالى عليه ~~فقال والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما وقال ~~تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط وكذلك المطلوب في ~~شهوة الطعام الاعتدال دون الشره والجمود قال الله تعالى وكلوا واشربوا ولا ~~تسرفوا إنه لا يحب المسرفين وقال في الغضب أشداء على الكفار رحماء بينهم ~~وقال صلى الله عليه وسلم خير الأمور أوساطها + حديث خير الأمور أوساطها ~~أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من رواية مطرف بن عبد الله معضلا وهذا له سر ~~وتحقيق وهو أن السعادة منوطة بسلامة القلب عن عوارض هذا العالم قال الله ~~تعالى إلا من أتى الله بقلب سليم والبخل من عوارض الدنيا والتبذير أيضا من ~~عوارض الدنيا وشرط القلب أن يكون سليما منهما أي لا يكون ملتفتا إلى المال ~~ولا يكون حريصا على إنفاقه ولا على إمساكه فإن الحريص على الإنفاق مصروف ~~القلب إلى الإنفاق كما أن الحريص على الإمساك مصروف القلب إلى الإمساك فكان ~~كمال القلب أن يصفو عن الوصفين جميعا وإذا لم يكن ذلك في الدنيا طلبنا ما ~~هو الأشبه لعدم الوصفين وأبعد عن الطرفين وهو الوسط فإن الفاتر لا حار ولا ~~بارد بل هو وسط بينهما فكأنه خال عن الوصفين فكذلك السخاء بين التبذير ~~والتقتير والشجاعة بين الجبن التهور والعفة بين الشره والجمود وكذلك سائر ~~الأخلاق فكلا طرفي الأمور ذميم هذا هو المطلوب وهو ممكن نعم يجب على الشيخ ~~المرشد للمريد أن يقبح عنده الغضب رأسا ويذم إمساك المال رأسا ولا يرخص له ~~في شيء منه لأنه لو رخص له في أدنى شيء اتخذ ذلك عذرا في استبقاء بخله ~~وغضبه وظن أنه القدر المرخص فيه فإذا قصد الأصل وبالغ فيه ولم يتيسر له إلا ~~كسر PageV03P057 سورته بحيث يعود إلى الاعتدال فالصواب له أن يقصد قلع ~~الأصل حتى يتيسر له القدر المقصود فلا يكشف هذا السر للمريد فإنه موضع غرور ~~الحمقى إذ يظن بنفسه أن غضبه بحق وأن إمساكه بحق # | بيان السبب الذي به ينال حسن الخلق على الجملة # قد عرفت أن حسن الخلق يرجع إلى اعتدال قوة العقل وكمال الحكمة وإلى ~~اعتدال قوة الغضب والشهوة وكونها للعقل مطيعة وللشرع أيضا وهذا الاعتدال ~~يحصل على وجهين # أحدهما بجود إلهي وكمال فطري بحيث يخلق الإنسان ويولد كامل العقل حسن ~~الخلق قد كفى سلطان الشهوة والغضب بل خلقتا معتدلتين منقادتين للعقل والشرع ~~فيصير عالما بغير تعليم ومؤدبا بغير تأديب كعيسى بن مريم ويحيى بن زكريا ~~عليهما السلام وكذا سائر الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ولا يبعد أن ~~يكون في الطبع والفطرة ما قد ينال بالاكتساب فرب صبي خلق صادق اللهجة سخيا ~~جريا وربما يخلق بخلافه فيحصل ذلك فيه بالاعتياد ومخالطة المتخلقين بهذه ~~الأخلاق وربما يحصل بالتعلم # والوجه الثاني اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهدة والرياضة وأعني به حمل النفس ~~على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب فمن أراد مثلا أن يحصل لنفسه خلق ~~الجود فطريقه أن يتكلف تعاطي فعل الجواد وهو بذل المال فلا يزال يطالب نفسه ~~ويواظب عليه تكلفا مجاهدا نفسه فيه حتى يصير ذلك طبعا له ويتيسر عليه فيصير ~~به جوادا وكذا من أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع وقد غلب عليه الكبر ~~فطريقه أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديدة وهو فيها مجاهد نفسه ~~ومتكلف إلى أن يصير ذلك خلقا له وطبعا فيتيسر عليه # وجميع الأخلاق المحمودة شرعا تحصل بهذا الطريق وغايته أن يصير الفعل ~~الصادر منه لذيذا فالسخي هو الذي يستلذ بذل المال الذي يبذله دون الذي ~~يبذله عن كراهة و المتواضع هو الذي يستلذ التواضع ولن ترسخ الأخلاق الدينية ~~في النفس ما لم تتعود النفس جميع العادات الحسنة وما لم تترك جميع الأفعال ~~السيئة وما لم تواظب عليه مواظبة من يشتاق إلى الأفعال الجميلة ويتنعم بها ~~ويكره الأفعال القبيحة ويتألم بها كما قال صلى الله عليه وسلم وجعلت قرة ~~عيني في الصلاة + حديث وجعلت قرة عيني في الصلاة أخرجه النسائي من حديث أنس ~~وقد تقدم + ومهما كانت العبادات وترك المحظورات مع كراهة واستثقال فهو ~~النقصان ولا ينال كمال السعادة به نعم المواظبة عليها بالمجاهدة خير ولكن ~~بالإضافة إلى تركها لا بالإضافة إلى فعلها عن طوع ولذلك قال الله تعالى ~~وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين وقال صلى الله عليه وسلم اعبد الله في الرضا ~~فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكره خير كثير + حديث اعبد الله في الرضا ~~فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكره خير كثير أخرجه الطبراني + ثم لا يكن ~~في نيل السعادة الموعودة على حسن الخلق استلذاذ الطاعة واستكراه المعصية في ~~زمان دون زمان بل ينبغي أن يكون ذلك على الدوام وفي جملة العمر وكلما كان ~~العمر أطول كانت الفضيلة أرسخ وأكمل ولذلك لما سئل صلى الله عليه وسلم عن ~~السعادة فقال طول العمر في طاعة الله تعالى + حديث سئل عن السعادة فقال طول ~~العمر في عبادة الله رواه القضاعي في مسند الشهاب وأبو منصور الديلمي في ~~مسند الفردوس من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف وللترمذي من حديث أبي بكرة وصححه ~~أي الناس خير قال من طال عمره وحسن عمله + ولذلك كره الأنبياء والأولياء ~~الموت فإن الدنيا مزرعة الآخرة وكلما كانت العبادات أكثر بطول العمر كان ~~الثواب أجزل والنفس أزكى وأطهر والأخلاق أقوى وأرسخ وإنما مقصود العبادات ~~تأثيرها في القلب وإنما يتأكد تأثيرها بكثرة المواظبة على العبادات وغاية ~~هذه الأخلاق أن ينقطع عن النفس حب الدنيا ويرسخ فيها حب الله تعالى فلا ~~يكون PageV03P058 شيء أحب إليه من لقاء الله تعالى عز وجل فلا يستعمل جميع ~~ماله إلا على الوجه الذي يوصله إليه وغضبه وشهوته من المسخرات له فلا ~~يستعملهما إلا على الوجه الذي يوصله إلى الله تعالى وذلك بأن يكون موزونا ~~بميزان الشرع والعقل ثم يكون بعد ذلك فرحا به مستلذا له ولا ينبغي أن ~~يستبعد مصير الصلاة إلى حد تصير هي قرة العين ومصير العبادات لذيذة فإن ~~العادة تقتضي في النفس عجائب أغرب من ذلك فإنا قد نرى الملوك والمنعمين في ~~أحزان دائمة ونرى المقامر قد يغلب عليه من الفرح واللذة بقماره وما هو فيه ~~ما يستثقل معه فرح الناس بغير قمار مع أن القمار ربما سلبه ماله وخرب بيته ~~وتركه مفلسا ومع ذلك فهو يحبه ويلتذ به وذلك لطول إلفه له وصرف نفسه إليه ~~مدة وكذلك اللاعب بالحمام قد يقف طول النهار في حر الشمس قائما على رجليه ~~وهو لا يحس بألمها لفرحه بالطيور وحركاتها وطيرانها وتحليقها في جو السماء ~~بل نرى الفاجر العيار يفتخر بما يلقاه من الضرب والقطع والصبر على السياط ~~وعلى أن يتقدم به للصلب وهو مع ذلك متبجح بنفسه وبقوته بالصبر على ذلك حتى ~~يرى ذلك فخرا لنفسه ويقطع الواحد منهم إربا إربا على أن يقر بما تعاطاه أو ~~تعاطاه غيره فيصر على الإنكار ولا يبالي بالعقوبات فرحا بما يعتقده كمالا ~~وشجاعة ورجولية فقد صارت أحواله مع ما فيها من النكال قرة عينه وسبب ~~افتخاره بل لا حالة أخس وأقبح من حال المخنث في تشبهه بالإناث في نتف الشعر ~~ووشم الوجه ومخالطة النساء فترى المخنث في فرح بحاله وافتخار بكماله في ~~تخنثه يتباهى به مع المخنثين حتى يجري بين الحجامين والكناسين التفاخر ~~والمباهاة كما يجري بين الملوك والعلماء فكل ذلك نتيجة العادة والمواظبة ~~على نمط واحد على الدوام مدة مديدة ومشاهدة ذلك في المخالطين والمعارف فإذا ~~كانت النفس بالعادة تستلذ الباطل وتميل إليه وإلى المقابح فكيف لا تستلذ ~~الحق لو ردت إليه مدة والتزمت المواظبة عليه بل ميل النفس إلى هذه الأمور ~~الشنيعة خارج عن الطبع يضاهي الميل إلى أكل الطين فقد يغلب على بعض الناس ~~ذلك بالعادة فأما ميله إلى الحكمة وحب الله تعالى ومعرفته وعبادته فهو ~~كالميل إلى الطعام والشراب فإنه مقتضى طبع القلب فإنه أمر رباني وميله إلى ~~مقتضيات الشهوة غريب من ذاته وعارض على طبعه وإنما غذاء القلب الحكمة ~~والمعرفة وحب الله عز وجل ولكن انصرف عن مقتضى طبعه لمرض قد حل به كما قد ~~يحل المرض بالمعدة فلا تشتهي الطعام والشراب وهما سببان لحياتها فكل قلب ~~مال إلى حب شيء سوى الله تعالى فلا ينفك عن مرض بقدر ميله إلا إذا كان أحب ~~ذلك الشيء لكونه معينا له على حب الله تعالى وعلى دينه فعند ذلك لا يدل ذلك ~~على المرض # فإذن قد عرفت بهذا قطعا أن هذه الأخلاق الجميلة يمكن اكتسابها بالرياضة ~~وهي تكلف الأفعال الصادرة عنها ابتداء لتصير طبعا انتهاء وهذا من عجيب ~~العلاقة بين القلب والجوارح أعني النفس والبدن فإن كل صفة تظهر في القلب ~~يفيض أثرها على الجوارح حتى لا تتحرك إلا على وفقها لا محالة وكل فعل يجري ~~على الجوارح فإنه قد يرتفع منه أثر إلى القلب والأمر فيه دور ويعرف ذلك ~~بمثال وهو أن من أراد أن يصير الحذق في الكتابة له صفة نفسية حتى يصير ~~كاتبا بالطبع فلا طريق له إلا أن يتعاطى بجارحة اليد ما يتعاطاه الكاتب ~~الحاذق ويواظب عليه مدة طويلة يحاكي الخط الحسن فإن فعل الكاتب هو الخط ~~الحسن فيتشبه بالكاتب تكلفا ثم لا يزال يواظب عليه حتى يصير صفة راسخة في ~~نفسه فيصدر منه في الآخر الخط الحسن طبعا كما كان يصدر منه في الابتداء ~~تكلفا فكان الخط الحسن هو الذي جعل خطه حسنا ولكن الأول بتكلف إلا أنه ~~ارتفع منه أثر إلى القلب ثم انخفض من القلب إلى الجارحة فصار يكتب الخط ~~الحسن بالطبع PageV03P059 # وكذلك من أراد أن يصير فقيه النفس فلا طريق له إلا أن يتعاطى أفعال ~~الفقهاء وهو التكرار للفقه حتى تنعطف منه على قلبه صفة الفقه فيصير فقيه ~~النفس وكذلك من أراد أن يصير سخيا عفيف النفس حليما متواضعا فيلزمه أن ~~يتعاطى أفعال هؤلاء تكلفا حتى يصير ذلك طبعا له فلا علاج له إلا ذلك وكما ~~أن طالب فقه النفس لا ييأس من نيل هذه الرتبة بتعطيل ليلة ولا ينالها ~~بتكرار ليلة فكذلك طالب تزكية النفس وتكميلها وتحليتها بالأعمال الحسنة لا ~~ينالها بعبادة يوم ولا يحرم عنها بعصيان يوم وهو معنى قولنا إن الكبيرة ~~الواحدة لا توجب الشقاء المؤبد ولكن العطلة في يوم واحد تدعو إلى مثلها ثم ~~تتداعى قليلا قليلا حتى تأنس النفس بالكسل وتهجر التحصيل رأسا فيفوتها ~~فضيلة الفقه وكذلك صغائر المعاصي يجر بعضها إلى بعض حتى يفوت أصل السعادة ~~بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة وكما أن تكرار ليلة لا يحس تأثيره في فقه ~~النفس بل يظهر فقه النفس شيئا فشيئا على التدريج مثل نمو البدن وارتفاع ~~القامة فكذلك الطاعة الواحدة لا يحس تأثيرها في تزكية النفس وتطهيرها في ~~الحال ولكن لا ينبغي أن يستهان بقليل الطاعة فإن الجملة الكثيرة منها مؤثرة ~~وإنما اجتمعت الجملة من الآحاد فلكل واحد منها تأثير فما من طاعة إلا ولها ~~أثر وإن خفي فله ثواب لا محالة فإن الثواب بإزاء الأثر وكذلك المعصية وكم ~~من فقيه يستهين بتعطيل يوم وليلة وهكذا على التوالي يسوف نفسه يوما فيوما ~~إلى أن يخرج طبعه عن قبول الفقه فكذا من يستهين صغائر المعاصي ويسوف نفسه ~~بالتوبة على التوالي إلى أن يختطفه الموت بغتة أو تتراكم ظلمة الذنوب على ~~قلبه وتتعذر عليه التوبة إذ القليل يدعو إلى الكثير فيصير القلب مقيدا ~~بسلاسل شهوات لا يمكن تخليصه من مخالبها وهو المعني بانسداد باب التوبة وهو ~~المراد بقوله تعالى وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا الآية ولذلك ~~قال رضي الله تعالى عنه إن الإيمان ليبدو في القلب نكتة بيضاء كلما ازداد ~~الإيمان ازداد ذلك البياض فإذا استكمل العبد الإيمان ابيض القلب كله وإن ~~النفاق ليبدو في القلب نكتة سوداء كلما ازداد النفاق ازداد ذلك السواد فإذا ~~استكمل النفاق أسود القلب كله فإذا عرفت أن الأخلاق الحسنة تارة تكون ~~بالطبع والفطرة وتارة تكون باعتياد الأفعال الجميلة وتارة بمشاهدة أرباب ~~الفعال الجميلة ومصاحبتهم وهم قرناء الخير وإخوان الصلاح إذ الطبع يسرق من ~~الطبع الشر والخير جميعا فمن تظاهرت في حقه الجهات الثلاثة حتى صار ذا ~~فضيلة طبعا واعتيادا وتعلما فهو في غاية الفضيلة ومن كان رذلا بالطبع واتفق ~~له قرناء السوء فتعلم منهم وتيسرت له أسباب الشر حتى اعتادها فهو في غاية ~~البعد من الله عز وجل وبين الرتبتين من اختلفت فيه من هذه الجهات ولكل درجة ~~في القرب والبعد بحسب ما تقتضيه صورته وحالته فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ~~ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون # | بيان تفصيل الطريق إلى تهذيب الأخلاق # قد عرفت من قبل أن الاعتدال في الأخلاق هو صحة النفس والميل عن الاعتدال ~~سقم ومرض فيها كما أن الاعتدال في مزاج البدن هو صحة له والميل عن الاعتدال ~~مرض فيه فلنتخذ البدن مثالا فنقول # مثال النفس في علاجها بمحو الرذائل والأخلاق الرديئة عنها وجلب الفضائل ~~والأخلاق الجميلة إليها مثال البدن في علاجه بمحو العلل عنه وكسب الصحة له ~~وجلبها إليه وكما أن الغالب على أصل المزاج الاعتدال وإنما تعتري المعدة ~~المضرة بعوارض الأغذية والأهوية والأحوال فكذلك كل مولود يولد معتدلا صحيح ~~الفطرة PageV03P060 وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه أي ~~بالاعتياد والتعليم تكتسب الرذائل وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملا ~~وإنما يكمل ويقوى بالنشو والتربية بالغذاء فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة ~~للكمال وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم وكما أن البدن ~~إن كان صحيحا فشأن الطبيب تمهيد القانون الحافظ للصحة وإن كان مريضا فشأنه ~~جلب الصحة إليه فكذلك النفس منك إن كانت زكية طاهرة مهذبة فينبغي أن تسعى ~~لحفظها وجلب مزيد قوة إليها واكتساب زيادة صفائها وإن كانت عديمة الكمال ~~والصفاء فينبغي أن تسعى لجلب ذلك إليها وكما أن العلة المغيرة لاعتدال ~~البدن الموجبة المرض لا تعالج إلا بضدها فإن كانت من حرارة فبالبرودة وإن ~~كانت من برودة فبالحرارة فكذلك الرذيلة التي هي مرض القلب علاجها بضدها ~~فيعالج مرض الجهل بالتعلم ومرض البخل بالتسخي ومرض الكبر بالتواضع ومرض ~~الشره بالكف عن المشتهى تكلفا وكما أنه لا بد من الاحتمال لمرارة الدواء ~~وشدة الصبر عن المشتهيات لعلاج الأبدان المريضة فكذلك لا بد من احتمال ~~مرارة المجاهدة والصبر لمداواة مرض القلب بل أولى فإن مرض البدن يخلص منه ~~بالموت ومرض القلب والعياذ بالله تعالى مرض يدوم بعد الموت أبد الآباد وكما ~~أن كل مبرد لا يصلح لعلة سببها الحرارة إلا إذا كان على حد مخصوص ويختلف ~~ذلك بالشدة والضعف والدوام وعدمه وبالكثرة والقلة ولا بد له من معيار يعرف ~~به مقدار النافع منه فإنه إن لم يحفظ معياره زاد الفساد فكذلك النقائض التي ~~تعالج بها الأخلاق لا بد لها من معيار وكما أن معيار الدواء مأخوذ من معيار ~~العلة حتى إن الطبيب لا يعالج ما لم يعرف أن العلة من حرارة أو برودة فإن ~~كانت من حرارة فيعرف درجتها أهي ضعيفة أم قوية فإذا عرف ذلك التفت إلى ~~أحوال البدن وأحوال الزمان وصناعة المريض وسنه وسائر أحواله ثم يعالج ~~بحسبها # فكذلك الشيخ المتبوع الذي يطبب نفوس المريدين ويعالج قلوب المسترشدين ~~ينبغي أن لا يهجم عليهم بالرياضة والتكاليف في فن مخصوص وفي طريق مخصوص ما ~~لم يعرف أخلاقهم وأمراضهم وكما أن الطبيب لو عالج جميع المرضى بعلاج واحد ~~قتل أكثرهم فكذلك الشيخ لو أشار على المريدين بنمط واحد من الرياضة أهلكهم ~~وأمات قلوبهم بل ينبغي أن ينظر في مرض المريد وفي حاله وسنه ومزاجه وما ~~تحتمله بنيته من الرياضة ويبني على ذلك رياضته فإن كان المريد مبتدئا جاهلا ~~بحدود الشرع فيعلمه أولا الطهارة والصلاة وظواهر العبادات وإن كان مشغولا ~~بمال حرام أو مقارفا لمعصية فيأمره أولا بتركها فإذا تزين ظاهره بالعبادات ~~وطهر عن المعاصي الظاهرة جوارحه نظر بقرائن الأحوال إلى باطنه ليتفطن ~~لأخلاقه وأمراض قلبه فإن رأى معه مالا فاضلا عن قدر ضرورته أخذه منه وصرفه ~~إلى الخيرات وفرغ قلبه منه حتى لا يلتفت إليه وإن رأى الرعونة والكبر وعزة ~~النفس غالبة عليه فيأمره أن يخرج إلى الأسواق للكدية والسؤال فإن عزة النفس ~~والرياسة لا تنكسر إلا بالذل ولا ذل أعظم من ذل السؤال فيكلفه المواظبة على ~~ذلك مدة حتى ينكسر كبره وعز نفسه فإن الكبر من الأمراض المهلكة وكذلك ~~الرعونة وإن رأى الغالب عليه النظافة في البدن والثياب ورأى قلبه مائلا إلى ~~ذلك فرحا به ملتفتا إليه استخدمه في تعهد بيت الماء وتنظيفه وكنس المواضع ~~القذرة وملازمة المطبخ ومواضع الدخان حتى تتشوش عليه رعونته في النظافة فإن ~~الذين ينظفون ثيابهم ويزينونها ويطلبون المرقعات النظيفة والسجادات الملونة ~~لا فرق بينهم وبين العروس التي تزين نفسها طول النهار فلا فرق بين أن يعبد ~~الإنسان نفسه أو يعبد صنما فمهما عبد غير الله تعالى فقد حجب عن الله ومن ~~راعى في ثوبه شيئا سوى كونه حلالا وطاهرا مراعاة يلتفت إليها قلبه فهو ~~مشغول بنفسه PageV03P061 # ومن لطائف الرياضة إذا كان المريد لا يخسو بترك الرعونة رأسا أو بترك صفة ~~أخرى ولم يسمح بضدها دفعه فينبغي أن ينقله من الخلق المذموم إلى خلق مذموم ~~آخر أخف منه كالذي يغسل الدم بالبول ثم يغسل البول بالماء إذا كان الماء لا ~~يزيل الدم كما يرغب الصبي في المكتب باللعب بالكرة والصولجان وما أشبهه ثم ~~ينقل من اللعب إلى الزينة وفاخر الثياب ثم ينقل من ذلك بالترغيب في الرياسة ~~وطلب الجاه ثم ينقل من الجاه بالترغيب في الآخرة فكذلك من لم تسمح نفسه ~~بترك الجاه دفعة فلينقل إلى جاه أخف منه وكذلك سائر الصفات وكذلك إذا رأى ~~شره الطعام غالبا عليه ألزمه الصوم وتقليل الطعام ثم يكلفه أن يهيءالأطعمة ~~اللذيذة ويقدمها إلى غيره وهو لا يأكل منها حتى يقوى بذلك نفسه فيتعود ~~الصبر وينكسر شرهه وكذلك إذا رآه شابا متشوقا إلى النكاح وهو عاجز عن الطول ~~فيأمره بالصوم وربما لا تسكن شهوته بذلك فيأمره أن يفطر ليلة على الماء دون ~~الخبز وليلة على الخبز دون الماء ويمنعه اللحم والأدم رأسا حتى تذل نفسه ~~وتنكسر شهوته فلا علاج في مبدأ الإرادة أنفع من الجوع وإن رأى الغضب غالبا ~~عليه ألزمه الحلم والسكوت وسلط عليه من يصبحه ممن فيه سوء خلق ويلزمه خدمة ~~من ساء خلقه حتى يمرن نفسه على الاحتمال معه # كما حكي عن بعضهم أنه كان يعود نفسه الحلم ويزيل عن نفسه شدة الغضب فكان ~~يستأجر من يشتمه على ملأ من الناس ويكلف نفسه الصبر ويكظم غيظه حتى صار ~~الحلم عادة له بحيث كان يضرب به المثل وبعضهم كان يستشعر في نفسه الجبن ~~وضعف القلب فأراد أن يحصل لنفسه خلق الشجاعة فكان يركب البحر في الشتاء عند ~~اضطراب الأمواج وعباد الهند يعالجون الكسل عن العبادة بالقيام طول الليل ~~على نصبة واحدة وبعض الشيوخ في ابتداء إرادته كان يكسل عن القيام فألزم ~~نفسه القيام على رأسه طول الليل ليسمح بالقيام على الرجل عن طوع وعالج ~~بعضهم حب المال بأن باع جميع ماله ورمى به في البحر إذ خاف من تفرقته على ~~الناس رعونة الجود والرياء بالبذل # فهذه الأمثلة تعرفك طريق معالجة القلوب وليس غرضنا ذكر دواء كل مرض فإن ~~ذلك سيأتي في بقية الكتب وإنما غرضنا الآن التنبيه على أن الطريق الكلي فيه ~~سلوك مسلك المضاد لكل ما تهواه النفس وتميل إليه وقد جمع الله ذلك كله في ~~كتابه العزيز في كملة واحدة فقال تعالى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن ~~الهوى فإن الجنة هي المأوى والأصل المهم في المجاهدة الوفاء بالعزم فإذا ~~عزم على ترك شهوة فقد تيسرت أسبابها ويكون ذلك ابتلاء من الله تعالى ~~واختبارا فينبغي أن يصبر ويستمر فإنه إن عود نفسه ترك العزم ألفت ذلك ففسدت ~~وإذا اتفق منه نقض عزم فينبغي أن يلزم نفسه عقوبة عليه كما ذكرناه في ~~معاقبة النفس في كتاب المحاسبة والمراقبة وإذا لم يخوف النفس بعقوبة غلبته ~~وحسنت عنده تناول الشهوة فتفسد بها الرياضة بالكلية # | بيان علامات أمراض القلوب وعلامات عودها إلى الصحة # اعلم أن كل عضو من أعضاء البدن خلق لفعل خاص به وإنما مرضه أن يتعذر عليه ~~فعله الذي خلق له حتى لا يصدر منه أصلا أو يصدر منه مع نوع من الاضطراب ~~فمرض اليد أن يتعذر عليها البطش ومرض العين أن يتعذر عليها الإبصار وكذلك ~~مرض القلب أن يتعذر عليه فعله الخاص به الذي خلق لأجله وهو العلم والحكمة ~~والمعرفة وحب الله تعالى وعبادته والتلذذ بذكره وإيثاره ذلك على كل شهوة ~~سواه والاستعانة بجميع الشهوات والأعضاء عليه قال الله تعالى وما خلقت الجن ~~والإنس إلا ليعبدون ففي كل عضو فائدة وفائدة القلب الحكمة والمعرفة وخاصة ~~PageV03P062 النفس التي للآدمي ما يتميز بها عن البهائم فإنه لم يتميز عنها ~~بالقوة على الأكل والوقاع والإبصار أو غيرها بل بمعرفة الأشياء على ما هي ~~عليه وأصل الأشياء وموجدها ومخترعها هو الله عز وجل الذي جعلها أشياء فلو ~~عرف كل شيء ولم يعرف الله عز وجل فكأنه لم يعرف شيئا وعلامة المعرفة المحبة ~~فمن عرف الله تعالى أحبه وعلامة المحبة أن لا يؤثر عليه الدنيا ولا غيرها ~~من المحبوبات كما قال الله تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم ~~وأزواجكم إلى قوله أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى ~~يأتي الله بأمره فمن عنده شيء أحب إليه من الله فقلبه مريض كما أن كل معدة ~~صار الطين أحب إليها من الخبز والماء أو سقطت شهوتها عن الخبز والماء فهي ~~مريضة فهذه علامات المرض وبهذا يعرف أن القلوب كلها مريضة إلا ما شاء الله ~~إلا أن من الأمراض ما لا يعرفها صاحبها ومرض القلب مما لا يعرفه صاحبه ~~فلذلك يغفل عنه وإن عرفه صعب عليه الصبر على مرارة دوائه فإن دواءه مخالفة ~~الشهوات وهو نزع الروح فإن وجد من نفسه قوة الصبر عليه لم يجد طبيبا حاذقا ~~يعالجه فإن الأطباء هم العلماء وقد استولى عليهم المرض فالطبيب المريض قلما ~~يلتفت إلى علاجه فلهذا صار الداء عضالا والمرض مزمنا واندرس هذا العلم ~~وأنكر بالكلية طب القلوب وأنكر مرضها وأقبل الخلق على حب الدنيا وعلى أعمال ~~ظاهرها عبادات وباطنها عادات ومراءات فهذه علامات أصول الأمراض # وأما علامات عودها إلى الصحة بعد المعالجة فهو أن ينظر في العلة التي ~~يعالجها فإن كان يعالج داء البخل فهو المهلك المبعد عن الله عز وجل وإنما ~~علاجه ببذل المال وإنفاقه ولكنه قد يبذل المال إلى حد يصير به مبذرا فيكون ~~التبذير أيضا داء فكان كمن يعالج البرودة بالحرارة حتى تغلب الحرارة فهو ~~أيضا داء بل المطلوب الاعتدال بين الحرارة والبرودة وكذلك المطلوب الاعتدال ~~بين التبذير والتقتير حتى يكون على الوسط وفي غاية من البعد عن الطرفين إن ~~أردت أن تعرف الوسط فانظر إلى الفعل الذي يوجبه الخلق المحذور فإن كان أسهل ~~عليك وألذ من الذي يضاده فالغالب عليك ذلك الخلق الموجب له مثل أن يكون ~~إمساك المال وجمعه ألذ عندك وأيسر عليك من بذله لمستحقه فاعلم أن الغالب ~~عليك خلق البخل فزد في المواظبة على البذل فإن صار البذل على غير المستحق ~~ألذ عندك وأخف عليك من الإمساك بالحق فقد غلب عليك التبذير فارجع إلى ~~المواظبة على الإمساك فلا تزال تراقب نفسك وتستدل على خلقك بتيسير الأفعال ~~وتعسيرها حتى تنقطع علاقة قلبك عن الالتفات إلى المال فلا تميل إلى بذله ~~ولا إلى إمساكه بل يصير عندك كالماء فلا تطلب فيه إلا إمساكه لحاجة محتاج ~~أو بذله لحاجة محتاج ولا يترجح عندك البذل على الإمساك فكل قلب صار كذلك ~~فقد أتى الله سليما عن هذا المقام خاصة ويجب أن يكون سليما عن سائر الأخلاق ~~حتى لا يكون له علاقة بشيء مما يتعلق بالدنيا حتى ترتحل النفس عن الدنيا ~~منقطعة العلائق منها غير ملتفتة إليها ولا متشوقة إلى أسبابها فعند ذلك ~~ترجع إلى ربها رجوع النفس المطمئنة راضية مرضية داخلة في زمرة عباد الله ~~المقربين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا # ولما كان الوسط الحقيقي بين الطرفين في غاية الغموض بل هو أدق من الشعر ~~وأحد من السيف فلا جرم أن من استوى على هذا الصراط المستقيم في الدنيا جاز ~~على مثل هذا الصراط في الآخرة وقلما ينفك العبد عن ميل عن الصراط المستقيم ~~أعني الوسط حتى لا يميل إلى أحد الجانبين فيكون قلبه معلقا بالجانب الذي ~~مال إليه PageV03P063 ولذلك لا ينفك عن عذاب ما واجتياز على النار وإن كان ~~مثل البرق قال الله تعالى وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ~~ننجي الذين اتقوا أي الذين كان قربهم إلى الصراط المستقيم أكثر من بعدهم ~~عنه ولأجل عسر الاستقامة وجب على كل عبد أن يدعو الله تعالى في كل يوم سبع ~~عشرة مرة في قوله اهدنا الصراط المستقيم إذ وجب قراءة الفاتحة في كل ركعة # فقد روى أن بعضهم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال قد ~~قلت يا رسول الله شيبتني هود فلم قلت ذلك فقال عليه السلام لقوله تعالى ~~فاستقم كما أمرت فالاستقامة على سواء السبيل في غاية الغموض ولكن ينبغي أن ~~يجتهد الإنسان في القرب من الاستقامة إن لم يقدر على حقيقتها فكل من أراد ~~النجاة فلا نجاة له إلا بالعمل الصالح ولا تصدر الأعمال الصالحة إلا عن ~~الأخلاق الحسنة فليتفقد كل عبد صفاته وأخلاقه وليعددها وليشتغل بعلاج واحد ~~واحد فيها على الترتيب فنسأل الله الكريم أن يجعلنا من المتقين # | بيان الطريق الذي يعرف به الإنسان عيوب نفسه # اعلم أن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه فمن كانت بصيرته ~~نافذة لم تخف عليه عيوبه فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج ولكن أكثر الخلق ~~جاهلون بعيوب أنفسهم يرى أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين ~~نفسه فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربعة طرق # الأول أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس مطلع على خفايا الآفات ~~ويحكمه في نفسه ويتبع إشارته في مجاهدته وهذا شأن المريد مع شيخه والتلميذ ~~مع أستاذه فيعرفه أستاذه وشيخه عيوب نفسه ويعرفه طريق علاجه وهذا قد عز في ~~الزمان وجوده # الثاني أن يطلب صديقا صدوقا بصيرا متدينا فينصبه رقيبا على نفسه ليلاحظ ~~أحواله وأفعاله فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه الباطنة والظاهرة ينبهه ~~عليه فهكذا كان يفعل الأكياس والأكابر من أئمة الدين # كان عمر رضي الله عنه يقول رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي وكان يسأل سلمان ~~عن عيوبه فلما قدم عليه قال له ما الذي بلغك عني مما تكرهه فاستعفى فألح ~~عليه فقال بلغني أنك جمعت بين إدامين على مائدة وأن لك حلتين حلة بالنهار ~~وحلة بالليل قال وهل بلغك غير هذا قال لا فقال أما هذان فقد كفيتهما وكان ~~يسأل حذيفة ويقول له أنت صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ~~المنافقين فهل ترى علي شيئا من آثار النفاق فهو على جلالة قدره وعلو منصبه ~~هكذا كانت تهمته لنفسه رضي الله عنه # فكل من كان أوفر عقلا وأعلى منصبا كان أقل إعجابا وأعظم اتهاما لنفسه إلا ~~أن هذا أيضا قد عز فقل في الأصدقاء من يترك المداهنة فيخبر بالعيب أو يترك ~~الحسد فلا يزيد على قدر الواجب فلا تخلو في أصدقائك عن حسود أو صاحب غرض ~~يرى ما ليس بعيب عيبا أو عن مداهن يخفى عنك بعض عيوبك # ولهذا كان داود الطائي قد اعتزل الناس فقيل له لم لا تخالط الناس فقال ~~وماذا أصنع بأقوام يخفون عني عيوبي فكانت شهوة ذوي الدين أن يتنبهوا ~~لعيوبهم بتنبيه غيرهم وقد آل الأمر في أمثالنا إلى أن أبغض الخلق إلينا من ~~ينصحنا ويعرفنا عيوبنا ويكاد هذا أن يكون مفصحا عن ضعف الإيمان فإن الأخلاق ~~السيئة حيات وعقارب لداغة فلو نبهنا منبه على أن تحت ثوبنا عقربا لتقلدنا ~~منه منة وفرحنا به واشتغلنا بإزالة العقرب وإبعادها وقتلها وإنما نكايتها ~~على البدن ويدوم ألمها يوما فما دونه ونكاية الأخلاق الرديئة على صميم ~~القلب أخشى أن تدوم PageV03P064 بعد الموت أبدا وآلافا من السنين ثم إنا لا ~~نفرح بمن ينبهنا عليها ولا نشتغل بإزالتها بل نشتغل بمقابلة الناصح بمثل ~~مقالته فنقول له وأنت أيضا تصنع كيت وكيت وتشغلنا العداوة معه عن الانتفاع ~~بنصحه ويشبه أن يكون ذلك من قساوة القلب التي أثمرتها كثرة الذنوب وأصل كل ~~ذلك ضعف الإيمان # فنسأل الله عز وجل أن يلهمنا رشدنا ويبصرنا بعيوبنا ويشغلنا بمداواتها ~~ويوفقنا للقيام بشكر من يطلعنا على مساوينا بمنه وفضله # الطريق الثالث أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه فإن عين السخط ~~تبدي المساويا ولعل انتفاع الإنسان بعدو مشاحن يذكره عيوبه أكثر من انتفاعه ~~بصديق مداهن يثنى عليه ويمدحه ويخفى عنه عيوبه إلا أن الطبع مجبول على ~~تكذيب العدو وحمل ما يقوله على الحسد ولكن البصير لا يخلو عن الانتفاع بقول ~~أعدائه فإن مساويه لا بد وأن تنتشر على ألسنتهم # الطريق الرابع أن يخالط الناس فكل ما رآه مذموما فيما بين الخلق فليطالب ~~نفسه به وينسبها إليه فإن المؤمن مرآة المؤمن فيرى من عيوب غيره عيوب نفسه ~~ويعلم أن الطباع متقاربة في اتباع الهوى فما يتصف به واحد من الأقران لا ~~ينفك القرن الآخر عن أصله أو عن أعظم منه أو عن شيء منه فليتفقد نفسه ~~ويطهرها من كل ما يذمه من غيره وناهيك بهذا تأديبا فلو ترك الناس كلهم ما ~~يكرهونه من غيرهم لاستغنوا عن المؤدب # قيل لعيسى عليه السلام من أدبك قال ما أدبني أحد رأيت جهل الجاهل شينا ~~فاجتنبته وهذا كله حيل من فقد شيخا عارفا ذكيا بصيرا بعيوب النفس مشفقا ~~ناصحا في الدين فارغا من تهذيب نفسه مشتغلا بتهذيب عباد الله تعالى ناصحا ~~لهم فمن وجد ذلك فقد وجد الطبيب فليلازمه فهو الذي يخلصه من مرضه وينجيه من ~~الهلاك الذي هو بصدده # | بيان شواهد النقل من أرباب البصائر وشواهد الشرع على أن الطريق في ~~معالجة # أمراض القلب ترك الشهوات وأن مادة أمراضها هي اتباع الشهوات # اعلم أن ما ذكرناه إن تأملته بعين الاعتبار انفتحت بصيرتك وانكشف لك علل ~~القلوب وأمراضها وأدويتها بنور العلم واليقين # فإن عجزت عن ذلك فلا ينبغي أن يفوتك التصديق والإيمان على سبيل التلقي ~~والتقليد لمن يستحق التقليد فإن للإيمان درجة كما أن للعلم درجة والعلم ~~يحصل بعد الإيمان وهو وراءه قال الله تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم ~~والذين أوتوا العلم درجات فمن صدق بأن مخالفة الشهوات هي الطريق إلى الله ~~عز وجل ولم يطلع على سببه وسره فهو من الذين آمنوا وإذا اطلع على ما ذكرناه ~~من أعوان الشهوات فهو من الذين أوتوا العلم وكلا وعد الله الحسنى # والذي يقتضي الإيمان بهذا الأمر في القرآن والسنة وأقاويل العلماء أكثر ~~من أن يحصر قال الله تعالى ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى وقال ~~تعالى أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى قيل نزع منها محبة الشهوات ~~وقال صلى الله عليه وسلم المؤمن بين خمس شدائد مؤمن يحسده ومنافق يبغضه ~~وكافر يقاتله وشيطان يضله ونفس تنازعه + حديث المؤمن بين خمس شدائد مؤمن ~~يحسده ومنافق يبغضه الحديث أخرجه أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق من حديث ~~أنس بسند ضعيف + فبين أن النفس عدو منازع يجب عليه مجاهدتها # ويروى أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام يا داود حذر وأنذر أصحابك ~~أكل الشهوات فإن القلوب PageV03P065 المتعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني ~~محجوبة وقال عيسى عليه السلام طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود غائب لم يره ~~وقال نبينا صلى الله عليه وسلم لقوم قدموا من الجهاد مرحبا بكم قدمتم من ~~الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر قيل يا رسول الله وما الجهاد الأكبر قال ~~جهاد النفس + حديث مرحبا بكم قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ~~أخرجه البيهقي في الزهد وقد تقدم في شرح عجائب القلب + وقال صلى الله عليه ~~وسلم المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل + حديث المجاهد من جاهد ~~نفسه أخرجه الترمذي في أثناء حديث وصححه وابن ماجه من حديث فضالة بن عبيد # وقال صلى الله عليه وسلم كف أذاك عن نفسك ولا تتابع هواها في معصية الله ~~تعالى إذن تخاصمك يوم القيامة فيلعن بعضك بعضا إلا أن يغفر الله تعالى ~~ويستر + حديث كف أذاك عن نفسك ولا تتابع هواها في معصية الله الحديث لم ~~أجده في هذا السيرة وقال سفيان الثوري ما عالجت شيئا أشد على من نفسي مرة ~~لي ومرة علي وكان أبو العباس الموصلي يقول لنفسه يا نفس لا في الدنيا مع ~~أبناء الملوك تتنعمين ولا في طلب الآخرة مع العباد تجتهدين كأني بك بين ~~الجنة والنار تحبسين يا نفس ألا تستحين وقال الحسن ما الدابة الجموح بأحوج ~~إلى اللجام الشديد من نفسك # وقال يحيى بن معاذ الرازي جاهد نفسك بأسياف الرياضة والرياضة على أربع ~~أوجه القوت من الطعام والغمض من المنام والحاجة من الكلام وحمل الأذى من ~~جميع الأنام فيتولد من قلة الطعام موت الشهوات ومن قلة المنام صفو الإرادات ~~ومن قلة الكلام السلامة من الآفات ومن احتمال الأذى البلوغ إلى الغايات ~~وليس على العبد شيء أشد من الحلم عند الجفاء والصبر على الأذى وإذا تحركت ~~من النفس إرادة الشهوات والآثام وهاجت منها حلاوة فضول الكلام جردت سيوف ~~قلة الطعام من غمد التهجد وقلة المنام وضربتها بأيدي الخمول وقلة الكلام ~~حتى تنقطع عن الظلم والانتقام فتأمن من بوائقها من بين سائر الأنام وتصفيها ~~من ظلمة شهواتها فتنجو من غوائل آفاتها فتصير عند ذلك نظيفة ونورية خفيفة ~~روحانية فتجول في ميدان الخيرات وتسير في مسالك الطاعات كالفرس الفارة في ~~الميدان وكالملك المتنزه في البستان # وقال أيضا أعداء الإنسان ثلاثة دنياه وشيطانه ونفسه فاحترس من الدنيا ~~بالزهد فيها ومن الشيطان بمخالفته ومن النفس بترك الشهوات # قال بعض الحكماء من استولت عليه النفس صار أسيرا في حب شهواتها محصورا في ~~سجن هواها مقهورا مغلولا زمامه في يدها تجره حيث شاءت فتمنع قلبه من ~~الفوائد وقال جعفر بن حميد أجمعت العلماء والحكماء على أن النعيم لا يدرك ~~إلا بترك النعيم وقال أبو يحيى الوراق من أرضى الجوارح بالشهوات فقد غرس في ~~قلبه شجر الندامات وقال وهيب بن الورد ما زاد على الخبز فهو شهوة وقال أيضا ~~من أحب شهوات الدنيا فليتهيأ للذل # ويروى أن امرأة العزيز قالت ليوسف عليه السلام بعد أن ملك خزائن الأرض ~~وقعدت له على رابية الطريق في يوم موكبه وكان يركب في زهاء اثنى عشر ألفا ~~من عظماء مملكته سبحان من جعل الملوك عبيدا بالمعصية وجعل العبيد ملوكا ~~بطاعتهم له إن الحرص والشهوة صيرا الملوك عبيدا وذلك جزاء المفسدين وإن ~~الصبر والتقوى صيرا العبيد ملوكا فقال يوسف كما أخبر الله تعالى عنه @QB@ ~~إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين @QE@ # وقال الجنيد أرقت ليلة فقمت إلى وردي فلم أجد الحلاوة التي كنت أجدها ~~فأردت أن أنام فلم أقدر فجلست فلم أطق الجلوس فخرجت فإذا رجل ملتف في عباءة ~~مطروح على الطريق فلما أحس بي قال يا أبا القاسم إلى الساعة فقلت يا سيدي ~~من غير موعد قال بلى سألت الله عز وجل أن يحرك لي قلبك فقلت قد فعل فما ~~حاجتك قال فمتى يصير داء النفس دواءها فقلت إذا خالفت النفس هواها فأقبل ~~على نفسه فقال اسمعي فقد PageV03P066 أجبتك بهذا سبع مرات فأبيت أن تسمعيه ~~إلا من الجنيدها قد سمعتيه ثم انصرف وما عرفته وقال يزيد الرقاشي إليكم عني ~~الماء البارد في الدنيا لعلي لا أحرمه في الآخرة # وقال رجل لعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى متى أتكلم قال إذا اشتهيت ~~الصمت قال متى أصمت قال إذا اشتهيت الكلام # وقال علي رضي الله عنه من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات في الدنيا # وكان مالك بن دينار يطوف في السوق فإذا رأى الشيء يشتهيه قال لنفسه اصبري ~~فوالله ما أمنعك إلا من كرامتك علي # فإذن قد اتفق العلماء والحكماء على أن لا طريق إلى سعادة الآخرة إلا بنهي ~~النفس عن الهوى ومخالفة الشهوات فالإيمان بهذا واجب # وأما علم تفصيل ما يترك من الشهوات وما لا يترك فلا يدرك إلا بما قدمناه # وحاصل الرياضة وسرها أن لا تتمتع النفس بشيء مما لا يوجد في القبر إلا ~~بقدر الضرورة فيكون مقتصرا من الأكل والنكاح واللباس والمسكن وكل ما هو ~~مضطر إليه على قدر الحاجة والضرورة فإنه لو تمتع بشيء منه أنس به وألفه ~~فإذا مات تمنى الرجوع إلى الدنيا بسببه ولا يتمنى الرجوع إلى الدنيا إلا من ~~لا حظ له في الآخرة بحال ولا خلاص منه إلا بأن يكون القلب مشغولا بمعرفة ~~الله وحبه والتفكر فيه والانقطاع إليه ولا قوة على ذلك إلا بالله ويقتصر من ~~الدنيا على ما يدفع عوائق الذكر والفكر فقط # فمن لم يقدر على حقيقة ذلك فليقرب منه والناس فيه أربعة # رجل مستغرق قلبه بذكر الله فلا يلتفت إلى الدنيا إلا في ضرورات المعيشة ~~فهو من الصديقين # ولا ينتهي إلى هذه الرتبة إلا بالرياضة الطويلة والصبر عن الشهوات مدة ~~مديدة # الثاني رجل استغرقت الدنيا قلبه ولم يبق لله تعالى ذكر في قلبه إلا من ~~حيث حديث النفس حيث يذكره باللسان لا بالقلب فهذا من الهالكين # والثالث رجل اشتغل بالدنيا والدين ولكن الغالب على قلبه هو الدين فهذا لا ~~بد له من ورود النار إلا أنه ينجو منها سريعا بقدر غلبة ذكر الله تعالى على ~~قلبه # والرابع رجل اشتغل بهما جميعا لكن الدنيا اغلب على قلبه فهذا يطول مقامه ~~في النار لكن يخرج منها لا محالة لقوة ذكر الله تعالى في قلبه وتمكنه من ~~صميم فؤاده وإن كان ذكر الدنيا أغلب على قلبه # اللهم إنا نعوذ بك من خزيك فإنك أنت المعاذ # وربما يقول القائل إن التنعم بالمباح مباح فكيف يكون التنعم سبب البعد من ~~الله عز وجل وهذا خيال ضعيف بل حب الدنيا رأس كل خطيئة وسبب إحباط كل حسنة ~~والمباح الخارج عن قدر الحاجة أيضا من الدنيا وهو سبب البعد وسيأتي ذلك في ~~كتاب ذم الدنيا وقد قال إبراهيم الخواص كنت مرة في جبل اللكام فرأيت رمانا ~~فاشتهيته فأخذت منه واحدة فشققتها فوجدتها حامضة فمضيت وتركتها فرأيت رجلا ~~مطروحا وقد اجتمعت عليه الزنابير فقلت السلام عليك فقال وعليك السلام يا ~~إبراهيم فقلت كيف عرفتني فقال من عرف الله عز وجل لم يخف عليه شيء فقلت أرى ~~لك حالا مع الله عز وجل فلو سألته أن يحميك من هذه الزنابير فقال وأرى لك ~~حالا مع الله تعالى فلو سألته أن يحميك من شهوة الرمان فإن لدغ الرمان يجد ~~الإنسان ألمه في الآخرة ولدغ الزنابير يجد ألمه في الدنيا فتركته ومضيت # وقال السري أنا منذ أربعين سنة تطالبني نفسي أن أغمس خبزه في دبس فما ~~أطعتها # فإذن لا يمكن إصلاح القلب لسلوك طريق الآخرة ما لم يمنع نفسه عن التنعم ~~بالمباح فإن النفس إذا لم تمنع PageV03P067 بعض المباحات طمعت في المحظورات ~~فمن أراد حفظ لسانه عن الغيبة والفضول فحقه أن يلزمه السكوت إلا عن ذكر ~~الله وإلا عن المهمات في الدين حتى تموت منه شهوة الكلام فلا يتكلم إلا بحق ~~فيكون سكوته عبادة وكلامه عبادة # ومهما اعتادت العين رمي البصر إلى كل شيء جميل لم تتحفظ عن النظر إلى ما ~~لا يحل وكذلك سائر الشهوات لأن الذي يشتهي به الحلال هو بعينه الذي يشتهي ~~الحرام فالشهوة واحدة وقد وجب على العبد منعها من الحرام فإن لم يعودها ~~الاقتصاد على قدر الضرورة من الشهوات غلبته فهذه إحدى آفات المباحات ~~ووراءها آفات عظيمة أعظم من هذه وهو أن النفس تفرح بالتنعم في الدنيا وتركن ~~إليها وتطمئن إليها أشرا وبطرا حتى تصير ثملة كالسكران الذي لا يفيق من ~~سكره وذلك الفرح بالدنيا سم قاتل يسري في العروق فيخرج من القلب الخوف ~~والحزن وذكر الموت وأهوال يوم القيامة وهذا هو موت القلب قال الله تعالى ~~@QB@ ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها @QE@ وقال تعالى @QB@ وما الحياة ~~الدنيا في الآخرة إلا متاع @QE@ وقال تعالى @QB@ اعلموا أنما الحياة الدنيا ~~لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد @QE@ الآية وكل ~~ذلك ذم لها فنسأل الله السلامة # فأولو الحزم من أرباب القلوب جربوا قلوبهم في حال الفرح بمؤاتاة الدنيا ~~فوجدوها قاسية نفرة بعيدة التأثر عن ذكر الله واليوم الآخر وجربوها في حالة ~~الحزن فوجدوها لينة رقيقة صافية قابلة لأثر الذكر فعلموا أن النجاة في ~~الحزن الدائم والتباعد من أسباب الفرح والبطر ففطموها عن ملاذها وعودوها ~~الصبر عن شهواتها حلالها وحرامها وعلموا أن حلالها حساب وحرامها عقاب ~~ومتشابهها عتاب وهو نوع عذاب فمن نوقش الحساب في عرصات القيامة فقد عذب ~~فخلصوا أنفسهم من عذابها وتوصلوا إلى الحرية والملك الدائم في الدنيا ~~والآخرة بالخلاص من أسر الشهوات ورقها والأنس بذكر الله عز وجل والاشتغال ~~بطاعته وفعلوا بها ما يفعل بالبازي إذا قصد تأديبه ونقله من التوثب ~~والاستيحاش إلى الانقياد والتأديب فإنه يحبس أولا في بيت مظلم وتخاط عيناه ~~حتى يحصل به الفطام عن الطيران في جو الهواء وينسى ما قد كان ألفه من طبع ~~الاسترسال ثم يرفق باللحم حتى يأنس بصاحبه ويألفه إلفا إذا دعاه أجابه ~~ومهما سمع صوته رجع إليه فكذلك النفس لا تألف ربها ولا تأنس بذكره إلا إذا ~~فطمت عن عادتها بالخلوة والعزلة أولا ليحفظ السمع والبصر عن المألوفات ثم ~~عودت الثناء والذكر والدعاء ثانيا في الخلوة حتى يغلب عليها الإنس بذكر ~~الله عز وجل عوضا عن الإنس بالدنيا وسائر الشهوات وذلك يثقل على المريد في ~~البداية ثم يتنعم به في النهاية كالصبي يفطم عن الثدي وهو شديد عليه إذا ~~كان لا يصبر عنه ساعة فلذلك يشتد بكاؤه وجزعه عند الفطام ويشتد نفوره عن ~~الطعام الذي يقدم إليه بدلا عن اللبن ولكنه إذا منع اللبن رأسا يوما فيوما ~~وعظم تعبه في الصبر عليه وغلبه الجوع تناول الطعام تكلفا ثم يصير له طبعا ~~فلورد بعد ذلك إلى الثدي لم يرجع إليه فيهجر الثدي ويعاف اللبن ويألف ~~الطعام وكذلك الدابة في الابتداء تنفر عن السرج واللجام والركوب فتحمل على ~~ذلك قهرا وتمنع عن السرج الذي الفته بالسلاسل والقيود أولا ثم تأنس به بحيث ~~تترك في موضعها فتقف فيه من غير قيد فكذلك تؤدب النفس كما تؤدب الطير ~~والدواب وتأديبها بأن تمنع من النظر والأنس والفرح بنعيم الدنيا بل بكل ما ~~يزايلها بالموت إذ قيل له أحبب ما أحببت فإنك مفارقه فإذا علم أنه من أحب ~~شيئا يلزمه فراقة ويشقى لا محالة لفراقه شغل قلبه بحب ما لا يفارقه وهو ذكر ~~الله تعالى فإن ذلك يصحبه في القبر ولا يفارقه وكل ذلك يتم بالصبر أولا ~~أياما قلائل فإن العمر قليل بالإضافة إلى مدة حياة الآخرة وما من عاقل إلا ~~وهو راض باحتمال المشقة في سفر وتعلم صناعة وغيرها شهرا ليتنعم به سنة أو ~~دهرا وكل PageV03P068 العمر بالإضافة إلى الأبد أقل من الشهر بالإضافة إلى ~~عمر الدنيا فلا بد من الصبر والمجاهدة فعند الصباح يحمد القوم السري وتذهب ~~عنهم عمايات الكرى كما قاله علي رضي الله عنه وطريق المجاهدة والرياضة لكل ~~إنسان تختلف بحسب اختلاف أحواله # والأصل فيه أن يترك كل واحد ما به فرحة من أسباب الدنيا فالذي يفرح ~~بالمال أو بالجاه أو بالقبول في الوعظ أو بالعز في القضاء والولاية أو ~~بكثرة الأتباع في التدريس والإفادة فينبغي أن يترك أولا ما به فرحه فإنه إن ~~منع عن شيء من ذلك وقيل له ثوابك في الآخرة لم ينقص بالمنع فكره ذلك وتألم ~~به فهو ممن فرح بالحياة الدنيا واطمأن بها وذلك مهلك في حقه ثم إذا ترك ~~أسباب الفرح فليعتزل الناس ولينفرد بنفسه وليراقب قلبه حتى لا يشتغل إلا ~~بذكر الله تعالى والفكر فيه وليترصد لما يبدو في نفسه من شهوة ووسواس حتى ~~يقمع مادته مهما ظهر فإن لكل وسوسة سببا ولا تزول إلا بقطع ذلك السبب ~~والعلاقة وليلازم ذلك بقية العمر فليس للجهاد آخر إلا بالموت # | بيان علامات حسن الخلق # اعلم أن كل إنسان جاهل بعيوب نفسه فإذا جاهد نفسه أدنى مجاهدة حتى ترك ~~فواحش المعاصي ربما يظن بنفسه أنه هذب نفسه وحسن خلقه واستغنى عن المجاهدة ~~فلا بد من إيضاح علامة حسن الخلق فإن حسن الخلق هو الإيمان وسوء الخلق هو ~~النفاق وقد ذكر الله تعالى صفات المؤمنين والمنافقين في كتابه وهي بجملتها ~~ثمرة حسن الخلق وسوء الخلق فلنورد جملة من ذلك لتعلم آية حسن الخلق قال ~~الله تعالى @QB@ قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن ~~اللغو معرضون @QE@ إلى قوله @QB@ أولئك هم الوارثون @QE@ وقال عز وجل @QB@ ~~التائبون العابدون الحامدون @QE@ إلى قوله @QB@ وبشر المؤمنين @QE@ وقال عز ~~وجل @QB@ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم @QE@ إلى قوله @QB@ ~~أولئك هم المؤمنون حقا @QE@ وقال تعالى @QB@ وعباد الرحمن الذين يمشون على ~~الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما @QE@ إلى آخر السورة من أشكل ~~عليه حاله فليعرض نفسه على هذه الآيات فوجود جميع هذه الصفات علامة حسن ~~الخلق وفقد جميعها علامة سوء الخلق ووجود بعضها دون بعض يدل على البعض دون ~~البعض فليشتغل بتحصيل ما فقده وحفظ ما وجده وقد وصف رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم المؤمن بصفات كثيرة وأشار بجميعها إلى محاسن الأخلاق فقال المؤمن ~~يحب لأخيه ما يحب لنفسه + حديث المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه أخرجه ~~الشيخان من حديث أنس لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه + وقال عليه ~~السلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه + حديث من كان يؤمن ~~بالله والله الآخر فليكرم ضيفه متفق عليه من حديث أبي شريح الخزاعي ومن ~~حديث أبي هريرة + وقال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ~~فليكرم جاره + حديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره متفق عليه ~~من حديثهما وهو بعض الحديث الذي قبله + وقال من كان يؤمن بالله واليوم ~~الآخر فليقل خيرا أو ليصمت + حديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل ~~خيرا أو ليصمت متفق عليه أيضا من حديثهما وهو بعض الذي قبله وذكر أن صفات ~~المؤمنين هي حسن الخلق فقال صلى الله عليه وسلم أكمل المؤمنين إيمانا ~~أحسنهم أخلاقا + حديث أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا تقدم غير مرة + ~~وقال صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم المؤمن صموتا وقورا فادنوا منه فإنه ~~يلقن الحكمة + حديث إذا رأيتم المؤمن صموتا وقورا فادنوا منه فإنه يلقن ~~الحكمة أخرجه ابن ماجه من حديث أبي خلاد بلفظ إذا رأيتم الرجل قد أعطى زهدا ~~في الدنيا وقلة منطق + وقال من سرته حسنته PageV03P069 وساءته سيئته فهو ~~مؤمن + حديث من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن أخرجه أحمد والطبراني ~~والحاكم وصححه على شرطهما من حديث أبي موسى ورواه الطبراني والحاكم وصححه ~~على شرط الشيخين من حديث أبي أمامة + وقال لا يحل لمؤمن أن يشير إلى أخيه ~~بنظرة تؤذيه + حديث لا يحل لمسلم أن يشير إلى أخيه بنظرة يؤذيه أخرجه ابن ~~المبارك في الزهد والرقائق وفي البر والصلة مرسلا وقد تقدم + وقال صلى الله ~~عليه وسلم لا يحل لمسلم أن يروع مسلما + حديث لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ~~أخرجه الطبراني والطيالسي من حديث النعمان بن بشير والبزار من حديث عمر ~~وإسناده ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم إنما يتجالس المتجالسان بأمانة ~~الله عز وجل فلا يحل لأحدهما أن يفشي على أخيه ما يكرهه + حديث إنما يتجالس ~~المتجالسان بأمانة الله الحديث تقدم في آداب الصحبة + وجمع بعضهم علامات ~~حسن الخلق فقال هو أن يكون كثير الحياء قليل الأذى كثير الصلاح صدوق اللسان ~~قليل الكلام كثير العمل قليل الزلل قليل الفضول برا وصولا وقورا صبورا ~~شكورا رضيا حليما رفيقا عفيفا شفيقا لا لعانا ولا سبابا ولا نماما ولا ~~مغتابا ولا عجولا ولا حقودا ولا بخيلا ولا حسودا بشاشا هشاشا يحب في الله ~~ويبغض في الله ويرضى في الله ويغضب في الله فهذا هو حسن الخلق وسئل رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم عن علامة المؤمن والمنافق فقال إن المؤمن همته في ~~الصلاة والصيام والعبادة والمنافق همته في الطعام والشراب كالبهيمة + حديث ~~سئل عن علامة المؤمن والمنافق فقال إن المؤمن همه في الصلاة والصيام الحديث ~~لم أجد له أصلا + وقال حاتم الأصم المؤمن مشغول بالفكر والعبر والمنافق ~~مشغول بالحرص والأمل والمؤمن آيس من كل أحد إلا من الله والمنافق راج كل ~~أحد إلا الله والمؤمن آمن من كل أحد إلا من الله والمنافق خائف من كل أحد ~~إلا من الله والمؤمن يقدم ماله دون دينه والمنافق يقدم دينه دون ماله ~~والمؤمن يحسن ويبكي والمنافق يسيء ويضحك والمؤمن يحب الخلوة والوحدة ~~والمنافق يحب الخلطة والملأ والمؤمن يزرع ويخشى الفساد والمنافق يقلع ويرجو ~~الحصاد والمؤمن يأمر وينهى للسياسة فيصلح والمنافق يأمر وينهى للرياسة ~~فيفسد # وأولى ما يمتحن به حسن الخلق الصبر على الأذى واحتمال الجفاء ومن شكا من ~~سوء خلق غيره دل ذلك على سوء خلقه فإن حسن الخلق احتمال الأذى فقد روي أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يمشي ومعه أنس فأدركه أعرابي فجذبه ~~جذبا شديدا وكان عليه برد نجراني غليظ الحاشية قال أنس رضي الله عنه حتى ~~نظرت إلى عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت فيه حاشية البرد من شدة ~~جذبه فقال يا محمد هب لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وضحك ثم أمر بإعطائه + حديث كان يمشي فأدركه أعرابي فجذبه ~~جذبا شديدا وكان عليه برد نجراني غليظ الحاشية الحديث متفق عليه من حديث ~~أنس + ولما أكثرت قريش إيذاءه وضربه قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ~~+ حديث اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون أخرجه ابن حبان والبيهقي في دلائل ~~النبوة من حديث سهل ابن سعد وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود أنه حكاه صلى ~~الله عليه وسلم عن نبي من الأنبياء ضربه قومه + قيل إن هذا يوم أحد فلذلك ~~أنزل الله تعالى @QB@ وإنك لعلى خلق عظيم @QE@ ويحكى أن إبراهيم بن أدهم ~~خرج يوما إلى بعض البراري فاستقبله رجل جندي فقال أنت عبد قال نعم فقال له ~~أين العمران فأشار إلى المقبرة فقال الجندي إنما أردت العمران فقال هو ~~المقبرة فغاظه ذلك فضرب رأسه بالسوط فشجه ورده إلى البلد فاستقبله أصحابه ~~فقالوا ما الخبر فأخبرهم الجندي ما قال له فقالوا هذا إبراهيم بن أدهم فنزل ~~الجندي عن فرسه وقبل يديه ورجليه وجعل يعتذر إليه فقيل بعد ذلك له لم قلت ~~له أنا عبد فقال إنه لم يسألني عبد من أنت بل قال أنت عبد فقلت نعم لأني ~~عبد الله فلما ضرب رأسي سألت PageV03P070 الله له الجنة قيل كيف وقد ظلمك ~~فقال علمت أنني أوجر على ما نالني منه فلم أرد يكون نصيبي منه الخير ونصيبه ~~مني الشر # ودعي أبو عثمان الحيري إلى دعوة وكان الداعي قد أراد تجربته فلما بلغ ~~منزله قال له ليس لي وجه فرجع أبو عثمان فلما ذهب غير بعيد دعاه ثانيا فقال ~~له يا أستاذ ارجع فرجع أبو عثمان فقال له مثل مقالته الأولى فرجع ثم دعاه ~~الثالثة وقال ارجع على ما يوجب الوقت فرجع فلما بلغ الباب فان له مثل ~~مقالته الأولى فرجع أبو عثمان ثم جاءه الرابعة فرده حتى عامله بذلك مرات ~~وأبو عثمان لا يتغير من ذلك فأكب على رجليه وقال يا أستاذ إنما أردت أن ~~أختبرك فما أحسن خلقك فقال إن الذي رأيت مني هو خلق الكلب إن الكلب إذا دعي ~~أجاب وإذا زجر انزجر وروي عنه أيضا أنه اجتاز يوما في سكة فطرحت عليه إجانة ~~رماد فنزل عن دابته فسجد سجدة الشكر ثم جعل ينفض الرماد عن ثيابه ولم يقل ~~شيئا فقيل ألا زبرتهم فقال إن من استحق النار فصولح على الرماد لم يجز له ~~أن يغضب وروي أن علي بن موسى الرضا رحمة الله عليه كان لونه يميل إلى ~~السواد إذ كانت أمه سوداء وكان بنيسابور حمام على باب داره وكان إذا أراد ~~دخول الحمام فرغه له الحمامي فدخل ذات يوم فأغلق الحمامي الباب ومضى في بعض ~~حوائجه فتقدم رجل رستاقي إلى باب الحمام ففتحه ودخل فنزع ثيابه ودخل فرأى ~~علي بن موسى الرضا فظن أنه بعض خدام الحمام فقال له قم واحمل إلي الماء ~~فقام علي بن موسى وامتثل جميع ما كان يأمره به فرجع الحمامي فرأى ثياب ~~الرستاقي وسمع كلامه مع علي بن موسى الرضا فخاف وهرب وخلاهما فلما خرج علي ~~بن موسى سأل عن الحمامي فقيل له إنه خاف مما جرى فهرب قال لا ينبغي له أن ~~يهرب إنما الذنب لمن وضع ماءه عند أمة سوداء وروي أن أبا عبد الله الخياط ~~كان يجلس على دكانه وكان له حريف مجوسي يستعمله في الخياطة فكان إذا خاط له ~~شيئا حمل إليه دراهم زائفة فكان أبو عبد الله يأخذ منه ولا يخبره بذلك ولا ~~يردها عليه فاتفق يوما أن أبا عبد الله قام لبعض حاجته فأتى المجوسي فلم ~~يجده فدفع إلى تلميذه الأجرة واسترجع ما قد خاطه فكان درهما زئفا فلما نظر ~~إليه التلميذ عرف أنه زائف فرده عليه فلما عاد أبو عبد الله أخبره بذلك ~~فقال بئس ما عملت هذا المجوسي يعاملني بهذه المعاملة منذ سنة وأنا أصبر ~~عليه وآخذ الدراهم منه وألقيها في البئر لئلا يغر بها مسلما وقال يوسف بن ~~أسباط علامة حسن الخلق عشر خصال قلة الخلاف وحسن الإنصاف وترك طلب العثرات ~~وتحسين ما يبدو من السيئات والتماس المعذرة واحتمال الأذى والرجوع بالملامة ~~على النفس والتفرد بمعرفة عيوب نفسه دون عيوب غيره وطلاقة الوجه للصغير ~~والكبير ولطف الكلام لمن دونه ولمن فوقه وسئل سهل عن حسن الخلق فقال أدناه ~~احتمال الأذى وترك المكافأة والرحمة للظالم والاستغفار له والشفقة عليه # وقيل للأحنف بن قيس ممن تعلمت الحلم فقال من قيس بن عاصم قيل ما وبلغ من ~~حلمه قال بينما هو جالس في داره إذ أتته جارية له بسفود عليه شواء فسقط من ~~يدها فوقع على ابن له صغير فمات فدهشت الجارية فقال لها لا روع عليك أنت ~~حرة لوجه الله تعالى فقيل إن أويسا القرني كان إذا رآه الصبيان يرمونه ~~بالحجارة فكان يقول لهم يا إخوتاه إن كان ولا بد فارموني بالصغار حتى لا ~~تدموا ساقي فتمنعوني عن الصلاة وشتم رجل الأحنف بن قيس وهو لا يجيبه وكان ~~يتبعه فلما قرب من الحي وقف وقال إن كان قد بقي في نفسك شيء فقله كي لا ~~يسمعك بعض سفهاء الحي فيؤذوك وروي أن عليا كرم الله وجهه دعا غلاما فلم ~~يجبه فدعاه ثانيا وثالثا فلم يجبه فقام إليه فرآه مضطجعا فقال أما تسمع يا ~~غلام قال بلى قال فما حملك على ترك إجابتي قال أمنت عقوبتك فتكاسلت فقال ~~امض فأنت حر لوجه الله تعالى وقالت امرأة لمالك بن دينار رحمه الله ~~PageV03P071 يا مرائي فقال يا هذه وجدت اسمي الذي أضله أهل البصرة # وكان ليحيى بن زياد الحارثي غلام سوء فقيل له لم تمسكه فقال لأتعلم الحلم ~~عليه # فهذه نفوس قد ذللت بالرياضة فاعتدلت أخلاقها ونقيت من الغش والغل والحقد ~~بواطنها فأثمرت الرضا بكل ما قدره الله تعالى وهو منتهى حسن الخلق # فإن من يكره فعل الله تعالى ولا يرضى به فهو غاية سوء خلقه فهؤلاء ظهرت ~~العلامات على ظواهرهم كما ذكرناه # فمن لم يصادف من نفسه هذه العلامات فلا ينبغي أن يغتر بنفسه فيظن بها حسن ~~الخلق بل ينبغي أن يشتغل بالرياضة والمجاهدة إلى أن يبلغ درجة حسن الخلق ~~فإنها درجة رفيعة لا ينالها إلا المقربون والصديقون # | بيان الطريق في رياضة الصبيان في أول نشوهم ووجه تأديبهم وتحسين # أخلاقهم # اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها والصبيان أمانة ~~عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة وهو قابل ~~لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه ~~وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب وإن عود ~~الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي ~~له وقد قال الله عز وجل @QB@ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ~~@QE@ ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى ~~وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق ويحفظه من القرناء السوء ~~ولا يعوده التنعم ولا يحبب إليه الزينة والرفاهية فيضيع عمره في طلبها إذا ~~كبر فيهلك هلاك الأبد بل ينبغي أن يراقبه من أول أمره فلا يستعمل في حضانته ~~وإرضاعه إلا امرأة متدينة تأكل الحلال فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة ~~فيه فإذا وقع عليه نشو الصبي انعجنت طينته من الخبيث فيميل طبعه إلى ما ~~يناسب الخبائث ومهما رأى فيه مخايل التمييز فينبغي أن يحسن مراقبته وأول ~~ذلك ظهور أوائل الحياء فإنه إذا كان يحتشم ويستحي ويترك بعض الأفعال فليس ~~ذلك إلا لإشراق نور العقل عليه حتى يرى بعض الأشياء قبيحا ومخالفا للبعض ~~فصار يستحي من شيء دون شيء وهذه هدية من الله تعالى إليه وبشارة تدل على ~~اعتدال الأخلاق وصفاء القلب وهو مبشر بكمال العقل عند البلوغ فالصبي ~~المستحي لا ينبغي أن يهمل بل يستعان على تأديبه بحيائه أو تمييزه وأول ما ~~يغلب عليه من الصفات شره الطعام فينبغي أن يؤدب فيه مثل أن لا يأخذ الطعام ~~إلا بيمينه وأن يقول عليه بسم الله عند أخذه وأن يأكل مما يليه وأن لا ~~يبادر إلى الطعام قبل غيره وأن لا يحدق النظر إليه ولا إلى من يأكل وأن لا ~~يسرع في الأكل وأن يجيد المضغ وأن لا يوالي بين اللقم ولا يلطخ يده ولا ~~ثوبه وأن يعود الخبز القفار في بعض الأوقات حتى لا يصير بحيث يرى الأدم ~~حتما ويقبح عنده كثرة الأكل بأن يشبه كل من يكثر الأكل بالبهائم وبأن يذم ~~بين يديه الصبي الذي يكثر الأكل ويمدح عنده الصبي المتأدب القليل الأكل وأن ~~يحبب إليه الإيثار بالطعام وقلة المبالاة به والقناعة بالطعام الخشن أي ~~طعام كان وأن يحبب إليه من الثياب البيض دون الملون والإبريسم ويقرر عنده ~~أن ذلك شأن النساء والمخنثين وأن الرجال يستنكفون منه ويكرر ذلك عليه ومهما ~~رأى على صبي ثوبا من إبريسم أو ملون فينبغي أن يستنكره ويذمه ويحفظ الصبي ~~عن الصبيان الذين عودوا التنعم والرفاهية ولبس الثياب الفاخرة وعن مخالطة ~~كل من يسمعه ما يرغبه فيه فإن الصبي مهما أهمل في ابتداء نشوه خرج في ~~الأغلب رديء الأخلاق كذابا حسودا سروقا نماما لحوحا ذا فصول وضحك وكياد ~~ومجانة وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب PageV03P072 ثم يشتغل في ~~المكتب فيتعلم القرآن وأحاديث الأخبار وحكايات الأبرار وأحوالهم لينغرس في ~~نفسه حب الصالحين ويحفظ من الأشعار التي فيها ذكر العشق وأهله ويحفظ من ~~مخالطة الأدباء الذين يزعمون أن ذلك من الظرف ورقة الطبع فإن ذلك يغرس في ~~قلوب الصبيان بذر الفساد # ثم مهما ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود فينبغي أن يكرم عليه ويجازى ~~عليه بما يفرح به ويمدح بين أظهر الناس فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرة ~~واحدة فينبغي أن يتغافل عنه ولا يهتك ستره ولا يكاشفه ولا يظهر له أنه ~~يتصور أن يتجاسروا أحد على مثله ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه ~~فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة فعند ذلك إن ~~عاد ثانيا فينبغي أن يعاتب سرا ويعظم الأمر فيه ويقال له إياك أن تعود بعد ~~ذلك لمثل هذا وأن يطلع عليك في مثل هذا فتفتضح بين الناس ولا تكثر القول ~~عليه بالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط ~~وقع الكلام من قلبه وليكن الأب حافظا هيبة الكلام معه فلا يوبخه إلا أحيانا ~~والأم تخوفه بالأب وتزجره عن القبائح وينبغي أن يمنع عن النوم نهارا فإنه ~~يورث الكسل ولا يمنع منه ليلا ولكن يمنع الفرش الوطيئة حتى تتصلب أعضاؤه ~~ولا يسمن بدنه فلا يصبر عن التنعم بل يعود الخشونة في المفرش والملبس ~~والمطعم وينبغي أن يمنع من كل ما يفعله في خفية فإنه لا يخفيه إلا وهو ~~يعتقد أنه قبيح فإذا ترك تعود فعل القبيح ويعود في بعض النهار المشي ~~والحركة والرياضة حتى لا يغلب عليه الكسل ويعود أن لا يكشف أطرافه ولا يسرع ~~المشي ولا يرخي يديه بل يضمها إلى صدره ويمنع من أن يفتخر على أقرانه بشيء ~~مما يملكه والداه أو بشيء من مطاعمه وملابسه أو لوحه ودواته بل يعود ~~التواضع والإكرام لكل من عاشره والتلطف في الكلام معهم ويمنع من أن يأخذ من ~~الصبيان شيئا بدا له حشمة إن كان من أولاد المحتشمين بل يعلم أن الرفعة في ~~الإعطاء لا في الأخذ وأن الأخذ لؤم وخسة ودناءة وإن كان من أولاد الفقراء ~~فليعلم أن الطمع والأخذ مهانة وذلة وأن ذلك من دأب الكلب فإنه يبصبص في ~~انتظار لقمة والطمع فيها # وبالجملة يقبح إلى الصبيان حب الذهب والفضة والطمع فيهما ويحذر منهما ~~أكثر مما يحذر من الحيات والعقارب فإن آفة حب الذهب والفضة والطمع فيهما ~~أضر من آفة السموم على الصبيان بل على الأكابر أيضا وينبغي أن يعود أن لا ~~يبصق في مجلسه ولا يمتخط ولا يتثاءب بحضرة غيره ولا يستدبر غيره ولا يضع ~~رجلا على رجل ولا يضع كفه تحت ذقنه ولا يعمد رأسه بساعده فإن ذلك دليل ~~الكسل ويعلم كيفية الجلوس ويمنع كثرة الكلام ويبين له أن ذلك يدل على ~~الوقاحة وأنه فعل أبناء اللئام ويمنع اليمين رأسا صادقا كان أو كاذبا حتى ~~لا يعتاد ذلك في الصغر ويمنع أن يبتديء بالكلام ويعود أن لا يتكلم إلا ~~جوابا وبقدر السؤال وأن يحسن الاستماع مهما تكلم غيره ممن هو أكبر منه سنا ~~وأن يقوم لمن فوقه ويوسع له المكان ويجلس بين يديه ويمنع من لغو الكلام ~~وفحشه ومن اللعن والسب ومن مخالطة من يجري على لسانه شيء من ذلك فإن ذلك ~~يسري لا محالة من القرناء السوء وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء ~~وينبغي إذا ضربه المعلم أن لا يكثر الصراخ والشغب ولا يستشفع بأحد بل يصبر ~~ويذكر له أن ذلك دأب الشجعان والرجال وأن كثرة الصراخ دأب المماليك ~~والنسوان وينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب لعبا جميلا ~~يستريح إليه من تعب المكتب بحيث لا يتعب في اللعب فإن منع الصبي من اللعب ~~وإرهاقه إلى التعلم دائما يميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش حتى يطلب ~~الحيلة في الخلاص منه رأسا وينبغي أن يعلم طاعة والديه ومعلمه ومؤدبه ومن ~~هو أكبر منه سنا من قريب وأجنبي وأن ينظر إليهم بعين الجلالة والتعظيم وأن ~~يترك اللعب بين أيديهم ومهما بلغ سن التمييز فينبغي PageV03P073 أن لا ~~يسامح في ترك الطهارة والصلاة ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان ويجنب لبس ~~الديباج والحرير والذهب ويعلم كل ما يحتاج إليه من حدود الشرع # ويخوف من السرقة وأكل الحرام ومن الخيانة والكذب والفحش وكل ما يغلب على ~~الصبيان فإذا وقع نشوه كذلك في الصبا فمهما قارب البلوغ أمكن أن يعرف أسرار ~~هذه الأمور فيذكر له أن الأطعمة أدوية وإنما المقصود منها أن يقوى الإنسان ~~بها على طاعة الله عز وجل وأن الدنيا كلها لا أصل لها إذ لا بقاء لها وإن ~~الموت يقطع نعيمها وأنها دار ممر لا دار مقر وأن الآخرة دار مقر لا دار ممر ~~وأن الموت منتظر في كل ساعة وأن الكيس العاقل من تزود من الدنيا للآخرة حتى ~~تعظم درجته عند الله تعالى ويتسع نعيمه في الجنان فإذا كان النشو صالحا كان ~~هذا الكلام عند البلوغ واقعا مؤثرا ناجعا يثبت في قلبه كما يثبت النقش في ~~الحجر وإن وقع النشو بخلاف ذلك حتى ألف الصبي اللعب والفحش والوقاحة وشره ~~الطعام واللباس والتزين والتفاخر نبا قبله عن قبول الحق نبوة الحائط عن ~~التراب اليابس فأوائل الأمور هي التي ينبغي أن تراعى فإن الصبي بجوهره خلق ~~قابلا للخير والشر جميعا وإنما أبواه يميلان به إلى أحد الجانبين قال صلى ~~الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه ~~أو يمجسانه + حديث كل مولود يولد على الفطرة الحديث متفق عليه من حديث أبي ~~هريرة + قال سهل بن عبد الله التستري كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل ~~فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار فقال لي يوما ألا تذكر الله الذي خلقك ~~فقلت كيف أذكره قال قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك ~~به لسانك الله معي الله ناظر إلي الله شاهدي فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته فقال ~~قل في كل ليلة سبعة مرات فقلت ذلك ثم أعلمته فقال قل ذلك كل ليلة إحدى عشر ~~مرة فقلته فوقع في قلبي حلاوته فلما كان بعد سنة قال لي خالي احفظ ما علمتك ~~ودم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة فلم أزل على ذلك ~~سنين فوجدت لذلك حلاوة في سري ثم قال لي خالي يوما يا سهل من كان الله معه ~~وناظرا إليه وشاهده أيعصيه إياك والمعصية فكنت أخلو بنفسي فبعثوا بي إلى ~~المكتب فقلت إني لأخشى أن يتفرق علي همي ولكن شارطوا المعلم أني أذهب إليه ~~ساعة فأتعلم ثم أرجع فمضيت إلى الكتاب فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست ~~سنين أو سبع سنين وكنت أصوم الدهر وقوتي من خبز الشعير اثنتي عشرة سنة ~~فوقعت لي مسألة وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فسألت أهلي أن يبعثوني إلى أهل ~~البصرة لأسأل عنها فأتيت البصرة فسألت علماءها فلم يشف أحد عني شيئا فخرجت ~~إلى عبادان إلى رجل يعرف بأبي حبيب حمزة بن أبي عبد الله العباداني فسألته ~~عنها فأجابني فأقمت عنده مدة انتفع بكلامه وأتأدب بآدابه ثم رجعت إلى تستر ~~فجعلت قوتي اقتصادا على أن يشتري لي بدرهم من الشعير الفرق فيطحن ويخبز لي ~~فأفطر عند السحر على أوقية كل ليلة بحنا من غير ملح ولا أدم فكان يكفيني ~~ذلك الدرهم سنة ثم عزمت على أن أطوي ثلاث ليال ثم أفطر ليلة ثم خمسا ثم ~~سبعا ثم خمسا وعشرين ليلة فكنت على ذلك عشرين سنة ثم خرجت أسيح في الأرض ~~سنين ثم رجعت إلى تستر وكنت أقوم الليل كله ما شاء الله تعالى قال أحمد فما ~~رأيته أكل الملح حتى لقي الله تعالى # | بيان شروط الإرادة ومقدمات المجاهدة وتدريج المريد في سلوك سبيل # الرياضة # واعلم أن من شاهد الآخرة بقلبه مشاهدة يقين أصبح بالضرورة مريدا حرث ~~الآخرة مشتاقا إليها سالكا سبلها مستهينا بنعيم الدنيا ولذاتها فإن من كانت ~~عنده خرزة فرأى جوهرة نفيسة لم يبق له رغبة في الخرزة وقويت إرادته ~~PageV03P074 في بيعها بالجوهرة ومن ليس مريدا حرث الآخرة ولا طالبا للقاء ~~الله تعالى فهو لعدم إيمانه بالله واليوم الآخر ولست أعني بالإيمان حديث ~~النفس وحركة اللسان بكلمتي الشهادة من غير صدق وإخلاص فإن ذلك يضاهي قول من ~~صدق بأن الجوهرة خير من الخرزة إلا أنه لا يدري من الجوهرة إلا لفظها وأما ~~حقيقتها فلا ومثل هذا المصدق إذا ألف الخرزة قد لا يتركها ولا يعظم اشتياقه ~~إلى الجوهرة فإذن المانع من الوصول عدم السلوك والمانع من السلوك عدم ~~الإرادة والمانع من الإرادة عدم الإيمان وسبب عدم الإيمان عدم الهداة ~~والمذكرين والعلماء بالله تعالى الهادين إلى طريقه والمنبهين على حقارة ~~الدنيا وانقراضها وعظم أمر الآخرة ودوامها فالخلق غافلون قد انهمكوا في ~~شهواتهم وغاصوا في رقدتهم وليس في علماء الدين من ينبههم فإن تنبه منهم ~~متنبه عجز عن سلوك الطريق لجهله فإن طلب الطريق من العلماء وجدهم مائلين ~~إلى الهوى عادلين عن نهج الطريق فصار ضعف الإرادة والجهل بالطريق ونطق ~~العلماء بالهوى سببا لخلق طريق الله تعالى عن السالكين فيه ومهما كان ~~المطلوب محجوبا والدليل مفقودا والهوى غالبا والطالب غافلا امتنع الوصول ~~وتعطلت الطرق لا محالة فإن تنبه متنبه من نفسه أو من تنبيه غيره وانبعث له ~~إرادة في حرث الآخرة وتجارتها فينبغي أن يعلم له شروطا لا بد من تقديمها في ~~بداية الإرادة وله معتصم لا بد من التمسك به وله حصن لا بد من التحصن به ~~ليأمن من الأعداء القطاع لطريقه وعليه وظائف لا بد من ملازمتها في وقت سلوك ~~الطريق # أما الشروط التي لا بد من تقديمها في الإرادة فهي رفع السد والحجاب الذي ~~بينه وبين الحق فإن حرمان الخلق عن الحق سببه تراكم الحجب ووقوع السد على ~~الطريق قال الله تعالى @QB@ وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ~~فأغشيناهم فهم لا يبصرون @QE@ # والسد بين المريد وبين الحق أربعة المال والجاه والتقليد والمعصية وإنما ~~يرفع حجاب المال بخروجه عن ملكه حتى لا يبقى له إلا قدر الضرورة فما دام ~~يبقى له درهم يلتفت إليه فهو مقيد به محجوب عن الله عز وجل وإنما يرتفع ~~حجاب الجاه بالبعد عن موضع الجاه بالتواضع وإيثار الخمول والهرب من أسباب ~~الذكر وتعاطي أعمال تنفر قلوب الخلق عنه # وإنما يرتفع حجاب التقليد بأن يترك التعصب للمذاهب وأن يصدق بمعنى قوله ~~لا إله إلا الله محمد رسول الله تصديق إيمان ويحرض في تحقيق صدقه بأن يرفع ~~كل معبود له سوى الله تعالى وأعظم معبود له الهوى حتى إذا فعل ذلك انكشف له ~~حقيقة الأمر في معنى اعتقاده الذي تلقفه تقليدا فينبغي أن يطلب كشف ذلك من ~~المجاهدة لا من المجادلة فإن غلب عليه التعصب لمعتقده ولم يبق في نفسه متسع ~~لغيره صار ذلك قيدا له وحجابا إذ ليس من شرط المريد الانتماء إلى مذهب معين ~~أصلا وأما المعصية فهي حجاب ولا يرفعها إلا التوبة والخروج من المظالم ~~وتصميم العزم على ترك العود وتحقيق الندم على ما مضى ورد المظالم وإرضاء ~~الخصوم فإن من لم يصحح التوبة ولم يهجر المعاصي الظاهرة وأراد أن يقف على ~~أسرار الدين بالمكاشفة كان كمن يريد أن يقف على أسرار القرآن وتفسيره وهو ~~بعد لم يتعلم لغة العرب فإن ترجمة عربية القرآن لا بد من تقديمها أولا ثم ~~الترقي منها إلى أسرار معانيه فكذلك لا بد من تصحيح الشريعة أولا وآخرا ثم ~~الترقي إلى أغوارها وأسرارها # فإذا قدم هذه الشروط الأربعة وتجرد عن المال والجاه كان كمن تطهر وتوضأ ~~ورفع الحدث وصار صالحا للصلاة فيحتاج إلى إمام يقتدي به فكذلك المريد يحتاج ~~إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة ليهديه إلى سواء السبيل فإن سبيل الدين ~~غامض وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة فمن لم يكن له شيخ يهديه قاده الشيطان إلى ~~طرقه لا محالة فمن PageV03P075 سلك سبل البوادي المهلكة بغير خفير قد خاطر ~~بنفسه وأهلكها ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها فإنها تجف على ~~القرب وإن بقيت مدة وأورقت لم تثمر فمعتصم المريد بعد تقديم الشروط ~~المذكورة شيخه فليتمسك به تمسك الأعمى على شاطيءالنهر بالقائد بحيث يفوض ~~أمره إليه بالكلية ولا يخالفه في ورده ولا صدره ولا يبقى في متابعته شيئا ~~ولا يذر وليعلم أن نفعه في خطأ شيخه لو أخطأ أكثر من نفعه في صواب نفسه لو ~~أصاب فإذا وجد مثل هذا المعتصم وجب على معتصمه أن يحميه ويعصمه بحصن حصين ~~يدفع عنه قواطع الطريق وهو أربعة أمور الخلوة والصمت والجوع والسهر وهذا ~~تحصن من القواطع فإن مقصود المريد إصلاح قلبه ليشاهد به ربه ويصلح لقربه # أما الجوع فإنه ينقص دم القلب ويبيضه وفي بياضه نوره ويذيب شحم الفؤاد ~~وفي ذوبانه رقته ورقته مفتاح المكاشفة كما أن قساوته سبب الحجاب ومهما نقص ~~دم القلب ضاق مسلك العدو فإن مجاريه العروق الممتلئة بالشهوات وقال عيسى ~~عليه السلام يا معشر الحواريين جوعوا بطونكم لعل قلوبكم ترى ربكم وقال سهل ~~بن عبد الله التستري ما صار الأبدال أبدالا إلا بأربع خصال بإخماص البطون ~~والسهر والصمت والاعتزال عن الناس ففائدة الجوع في تنوير القلب أمر ظاهر ~~يشهد له التجربة وسيأتي بيان وجه التدريج فيه في كتاب كسر الشهوتين # وأما السهر فإنه يجلو القلب ويصفيه وينوره فيضاف ذلك إلى الصفاء الذي حصل ~~من الجوع فيصير القلب كالكوكب الدري والمرآة المجلوة فيلوح فيه جمال الحق ~~ويشاهد فيه رفيع الدرجات في الآخرة وحقارة الدنيا وآفاتها فتتم بذلك رغبته ~~عن الدنيا وإقباله على الآخرة والسهر أيضا نتيجة الجوع فإن السهر مع الشبع ~~غير ممكن والنوم يقسي القلب ويميته إلا إذا كان بقدر الضرورة فيكون سبب ~~المكاشفة لأسرار الغيب فقد قيل في صفة الأبدال إن أكلهم فاقه ونومهم غلبة ~~وكلامهم ضرورة وقال إبراهيم الخواص رحمه الله أجمع رأي سبعين صديقا على أن ~~كثرة النوم من كثرة شرب الماء # وأما الصمت فإنه تسهله العزلة ولكن المعتزل لا يخلو عن مشاهدة من يقوم له ~~بطعامه وشرابه وتدبير أمره فينبغي أن لا يتكلم إلا بقدر الضرورة فإن الكلام ~~يشغل القلب وشره القلوب إلى الكلام عظيم فإنه يستروح إليه ويستثقل التجرد ~~للذكر والفكر فيستريح إليه فالصمت يلقح العقل ويجلب الورع ويعلم التقوى # وأما حياة الخلوة ففائدتها دفع الشواغل وضبط السمع والبصر فإنهما دهليز ~~القلب والقلب في حكم حوض تنصب إليه مياه كريهة كدرة قذرة من أنهار الحواس ~~ومقصود الرياضة تفريغ الحوض من تلك المياه ومن الطين الحاصل منها ليتفجر ~~أصل الحوض فيخرج منه الماء النظيف الطاهر وكيف يصح له أن ينزح الماء من ~~الحوض والأنهار مفتوحة إليه فيتجدد في كل حال أكثر مما ينقص فلا بد من ضبط ~~الحواس إلا عن قدر الضرورة وليس يتم ذلك إلا بالخلوة في بيت مظلم وإن لم ~~يكن له مكان مظلم فليلف رأسه في جيبه أو يتدثر بكساء أو إزار ففي مثل هذه ~~الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال الحضرة الربوبية # أما ترى أن نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه وهو على مثل هذه ~~الصفة فقيل له يا أيها المزمل يا أيها المدثر + حديث بدئ رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وهو مدثر فقيل له يا أيها المزمل يا أيها المدثر متفق عليه ~~من حديث جابر جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يمينى ~~الحديث وفيه فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا علي الماء باردا فدثروني وصبوا ~~علي ماء باردا قال فنزلت @QB@ يا أيها المدثر @QE@ وفي رواية فقلت زملوني ~~زملوني ولهما من حديث عائشة فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع + ~~PageV03P076 فهذه الأربعة جنة وحصن بها تدفع عنه القواطع وتمنع العوارض ~~القاطعة للطريق فإذا فعل ذلك اشتغل بعده بسلوك الطريق وإنما سلوكه بقطع ~~العقبات ولا عقبة على طريق الله تعالى إلا صفات القلب التي سببها الالتفات ~~إلى الدنيا وبعض تلك العقبات أعظم من بعض والترتيب في قطعها أن يشتغل ~~بالأسهل فالأسهل وهي تلك الصفات أعني أسرار العلائق التي قطعها في أول ~~الإرادة وآثارها أعني المال والجاه وحب الدنيا والالتفات إلى الخلق والتشوف ~~إلى المعاصي فلا بد أن يخلى الباطن عن آثارها كما أخلى الظاهر عن أسبابها ~~الظاهرة وفيه تطول المجاهدة ويختلف ذلك باختلاف الأحوال فرب شخص قد كفى ~~أكثر الصفات فلا تطول عليه المجاهدة وقد ذكرنا أن طريق المجاهدة مضادة ~~الشهوات ومخالفة الهوى في كل صفة غالبة على نفس المريد كما سبق ذكره فإذا ~~كفى ذلك أو ضعف بالمجاهدة ولم يبق في قلبه علاقة شغله بعد ذلك بذكر يلزم ~~قلبه على الدوام ويمنعه من تكثير الأوراد الظاهرة بل يقتصر على الفرائض ~~والرواتب ويكون ورده وردا واحدا وهو لباب الأوراد وثمرتها أعني ملازمة ~~القلب لذكر الله تعالى بعد الخلو من ذكر غيره ولا يشغله به مادام قلبه ~~ملتفتا إلى علائقهقال الشبلي للحصري إن كان يخطر بقلبك من الجمعة التي ~~تأتيني فيها إلى الجمعة الأخرى شيء غير الله تعالى فحرام عليك أن تأتيني ~~وهذا التجرد لا يحصل إلا مع صدق الإرادة واستيلاء حب الله تعالى على القلب ~~حتى يكون في صورة العاشق المستهتر الذي ليس له إلا هم واحد فإذا كان كذلك ~~ألزمه الشيخ زاوية ينفرد بها ويوكل به من يقوم له بقدر يسير من القوت ~~الحلال فإن أصل طريق الدين القوت الحلال وعند ذلك يلقنه ذكرا من الأذكار ~~حتى يشغل به لسانه وقلبه فيجلس ويقول مثلا الله الله أو سبحان الله سبحان ~~الله أو ما يراه الشيخ من الكلمات فلا يزال يواظب عليه حتى تسقط حركة ~~اللسان وتكون الكلمة كأنها جارية على اللسان من غير تحريك ثم لا يزال يواظب ~~عليه حتى يسقط الأثر عن اللسان وتبقي صورة اللفظ في القلب ثم لا يزال كذلك ~~حتى يمحى عن القلب حروف اللفظ وصورته وتبقى حقيقة معناه لازمة للقلب حاضرة ~~معه غالبة عليه قد فرغ عن كل ما سواه لأن القلب إذا شغل بشيء خلا عن غيره ~~أي شيء كان فإذا اشتغل بذكر الله تعالى وهو المقصود خلا لا محالة عن غيره ~~وعند ذلك يلزمه أن يراقب وساوس القلب والخواطر التي تتعلق بالدنيا وما ~~يتذكر فيه مما قدر مضى من أحواله وأحوال غيره فإنه مهما اشتغل بشيء منه ولو ~~في لحظة خلا قلبه عن الذكر في تلك اللحظة وكان أيضا نقصانا فليجتهد في دفع ~~ذلك ومهما دفع الوساوس كلها ورد النفس إلى هذه الكلمة جاءته الوساوس من هذه ~~الكلمة وأنها ما هي وما معنى قولنا الله ولأي معنى كان إلها وكان معبودا ~~ويعتريه عند ذلك خواطر تفتح عليه باب الفكر وربما يرد عليه من وساوس ~~الشيطان ما هو كفر وبدعة ومهما كان كارها لذلك ومتشمرا لإماطته عن القلب لم ~~يضره ذلك وهي منقسمة إلى ما يعلم قطعا أن الله تعالى منزه عنه ولكن الشيطان ~~يلقي ذلك في قلبه ويجريه على خاطره فشرطه أن يبالي به ويفزع إلى ذكر الله ~~تعالى ويبتهل إليه ليدفعه عنه كما قال الله تعالى @QB@ وإما ينزغنك من ~~الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم @QE@ وقال تعالى @QB@ إن الذين ~~اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون @QE@ وإلى ما يشك ~~فيه فينبغي أن يعرض ذلك على شيخه بل كل ما يجد في قلبه من الأحوال من فترة ~~أو نشاط أو التفات إلى علقة أو صدق في إرادة فينبغي أن يظهر ذلك لشيخه وأن ~~يستره عن غيره فلا يطلع عليه أحدا ثم إن شيخه ينظر في حاله ويتأمل في ذكائه ~~وكياسته فلو علم أنه لو تركه وأمره بالفكر تنبه من نفسه على حقيقة الحق ~~فينبغي أن يحيله على الفكر ويأمره بملازمته حتى يقذف في قلبه من النور ما ~~يكشف له حقيقته وإن علم PageV03P077 إن ذلك مما لا يقوى عليه مثله رده إلى ~~الإعتقاد القاطع بما يحتمله قلبه من وعظ وذكر ودليل قريب من فهمه وينبغي أن ~~يتأنق الشيخ ويتلطف به فإن هذه مهالك الطريق ومواضع أخطارها فكم من مريد ~~اشتغل بالرياضة فغلب عليه خيال فاسد لم يقو على كشفه فانقطع عليه طريقه ~~فاشتغل بالبطالة وسلك طريق الإباحة وذلك هو الهلاك العظيم ومن تجرد للذكر ~~ودفع العلائق الشاغلة عن قلبه لم يخل عن أمثال هذه الأفكار فإنه قد ركب ~~سفينة الخطر فإن سلم كان من ملوك الدين وإن أخطأ كان من الهالكين ولذلك قال ~~صلى الله عليه وسلم عليكم بدين العجائز + حديث عليكم بدين العجائز قال ابن ~~طاهر في كتاب التذكرة هذا اللفظ تداوله العامة ولم أقف له على أصل يرجع ~~إليه من رواية صحيحة ولا سقيمة حتى رأيت حديثا لمحمد بن عبد الرحمن بن ~~السلماني عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في آخر الزمان ~~واختلف الأهواء فعليكم بدين أهل البادية والنسائي وابن السلماني له عن أبيه ~~عن ابن عمر نسخة كان يتهم بوضعها انتهى وهذا اللفظ من هذا الوجه رواه ابن ~~حبان في الضعفاء في ترجمة ابن السلماني والله أعلم + وهو تلقي أصل الإيمان ~~وظاهر الإعتقاد بطريق التقليد والاشتغال بأعمال الخير فإن الخطر في العدول ~~عن ذلك كثير ولذلك قيل يجب على الشيخ أن يتفرس في المريد فإن لم يكن ذكيا ~~فطنا متمكنا من اعتقاد الظاهر لم يشغله بالذكر والفكر بل يرده إلى الأعمال ~~الظاهرة والأوراد المتواترة أو يشغله بخدمة المتجردين للفكر لتشمله بركتهم ~~فإن العاجز عن الجهاد في صف القتال ينبغي أن يسقي القوم ويتعهد دوابهم ~~ليحشر يوم القيامة في زمرتهم وتعمه بركتهم وإن كان لا يبلغ درجتهم ثم ~~المريد المتجرد للذكر والفكر قد يقطعه قواطع كثيرة من العجب والرياء والفرح ~~بما ينكشف له من الأحوال وما يبدو من أوائل الكرامات ومهما التفت إلى شيء ~~من ذلك وشغلت به نفسه كان ذلك فتورا في طريقه ووقوفا بل ينبغي أن يلازم ~~حاله جملة عمره ملازمة العطشان الذي لا ترويه البحار ولو أفيضت عليه ويدوم ~~على ذلك ورأس ماله الانقطاع عن الخلق إلى الحق والخلوة # قال بعض السياحين قلت لبعض الأبدال المنقطعين عن الخلق كيف الطريق إلى ~~التحقيق فقال أن تكون في الدنيا كأنك عابر طريق وقال مرة قلت له دلني على ~~عمل أجد قلبي فيه مع الله تعالى على الدوام فقال لي لا تنظر إلى الخلق فإن ~~النظر إليهم ظلمة قلت لا بد لي من ذلك قال فلا تسمع كلامهم فإن كلامهم قسوة ~~قلت لا بد لي من ذلك قال فلا تعاملهم فإن معاملتهم وحشة قلت أنا بين أظهرهم ~~لا بد لي من معاملتهم قال فلا تسكن إليهم فإن السكون إليهم هلكة قلت هذا ~~لعلة قال يا هذا أتنظر إلى الغافلين وتسمع كلام الجاهلين وتعامل البطالين ~~وتريد أن تجد قلبك مع الله تعالى على الدوام هذا ما لا يكون أبدا # فإذا منتهى الرياضة أن يجد قلبه مع الله تعالى على الدوام ولا يمكن ذلك ~~إلا بأن يخلو عن غيره ولا يخلو عن غيره إلا بطول المجاهدة فإذا حصل قلبه مع ~~الله تعالى انكشف له جلال الحضرة الربوبية وتجلى له الحق وظهر له من لطائف ~~الله تعالى ما لا يجوز أن يوصف بل لا يحيط به الوصف أصلا وإذا انكشف للمريد ~~شيء من ذلك فأعظم القواطع عليه أن يتكلم به وعظا ونصحا ويتصدى للتذكير فتجد ~~النفس فيه لذة ليس وراءها لذة فتدعوه تلك اللذة إلى أن يتفكر في كيفية ~~إيراد تلك المعاني وتحسين الألفاظ المعبرة عنها وترتيب ذكرها وتزيينها ~~بالحكايات وشواهد القرآن والأخبار وتحسين صنعة الكلام لتميل إليه القلوب ~~والأسماع فربما يخيل إليه الشيطان أن هذا إحياء منك لقلوب الموتى الغافلين ~~عن الله تعالى وإنما أنت واسطة بين الله تعالى وبين الخلق تدعو عباده إليه ~~ومالك فيه نصيب ولا لنفسك فيه لذة ويتضح كيد الشيطان بأن يظهر في أقرانه من ~~يكون أحسن كلاما منه وأجزل لفظا وأقدر على استجلاب قلوب العوام فإنه يتحرك ~~في باطنه عقرب الحسد لا محالة إن كان محركه كيد القبول وإن PageV03P078 كان ~~محركه هو الحق حرصا على دعوة عباد الله تعالى إلى صراطه المستقيم فيعظم به ~~فرحه ويقول الحمد لله الذي عضدني وأيدني بمن وازرني على إصلاح عباده كالذي ~~وجب عليه مثلا أن يحمل ميتا ليدفنه إذ وجده ضائعا وتعين عليه ذلك شرعا فجاء ~~من أعانه عليه فإنه يفرح به ولا يحسد من يعينه والغافلون موتى القلوب ~~والوعاظ هم المنبهون والمحيون لهم ففي كثرتهم استرواح وتناصر فينبغي أن ~~يعظم الفرح بذلك وهذا عزيز على الوجود جدا فينبغي أن يكون المريد على حذر ~~منه فإنه أعظم حبائل الشيطان في قطع الطريق على من انفتحت له أوائل الطريق ~~فإن إيثار الحياة الدنيا طبع غالب على الإنسان ولذلك قال الله تعالى @QB@ ~~بل تؤثرون الحياة الدنيا @QE@ ثم بين أن الشر قديم في الطباع وأن ذلك مذكور ~~في الكتب السالفة فقال @QB@ إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ~~@QE@ فهذا منهاج رياضة المريد وتربيته في التدريج إلى لقاء الله تعالى فأما ~~تفصيل الرياضة في كل صفة فسيأتي فإن أغلب الصفات على الإنسان بطنه وفرجه ~~ولسانه أعني به الشهوات المتعلقة بها ثم الغضب الذي هو كالجند لحماية ~~الشهوات ثم مهما أحب الإنسان شهوة البطن والفرج وأنس بهما أحب الدنيا ولم ~~يتمكن منها إلا بالمال والجاه وإذا طلب المال والجاه حدث فيه الكبر والعجب ~~والرياسة وإذا ظهر ذلك لم تسمح نفسه بترك الدنيا رأسا وتمسك من الدين بما ~~فيه الرياسة وغلب عليه الغرور # فلهذا وجب علينا بعد تقديم هذين الكتابين أن نستكمل ربع المهلكات بثمانية ~~كتب إن شاء الله تعالى كتاب في كسر شهوة البطن والفرج وكتاب في آفات اللسان ~~وكتاب في كسر الغضب والحقد والحسد وكتاب في ذم الدنيا وتفصيل خدعها وكتاب ~~في كسر حب المال وذم البخل وكتاب في ذم الرياء وحب الجاه وكتاب في ذم الكبر ~~والعجب وكتاب في مواقع الغرور وبذكر هذه المهلكات وتعليم طرق المعالجة فيها ~~يتم غرضنا من ربع المهلكات إن شاء الله تعالى فإن ما ذكرناه في الكتاب ~~الأول هو شرح لصفات القلب الذي هو معدن المهلكات والمنجيات وما ذكرناه في ~~الكتاب الثاني هو إشارة كلية إلى طريق تهذيب الأخلاق ومعالجة أمراض القلوب ~~أما تفصيلها فإنه يأتي في هذه الكتب إن شاء الله تعالى تم كتاب رياضة النفس ~~وتهذيب الأخلاق بحمد الله وعونه وحسن توفيقه يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب ~~كسر الشهوتين والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ~~وعلى كل عبد مصطفى من أهل الأرض والسماء وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت ~~وإليه أنيب # | كتاب كسر الشهوتين وهو الكتاب الثالث من ربع المهلكات بسم الله # الرحمن الرحيم # الحمد لله المنفرد بالجلال في كبريائه وتعاليه المستحق للتحميد والتقديس ~~والتسبيح والتنزيه القائم بالعدل فيما يبرمه ويقضيه المتطول بالفضل فيما ~~ينعم به ويسديه المتكفل بحفظ عبده في جميع موارده ومجاريه المنعم عليه بما ~~يزيد على مهمات مقاصده بل بما يفي بأمانيه فهو الذي يرشده ويهديه وهو الذي ~~يميته ويحييه وإذا مرض فهو يشفيه وإذا ضعف فهو يقويه وهو الذي يوفقه للطاعة ~~ويرتضيه وهو الذي يطعمه ويسقيه ويحفظه من الهلاك ويحميه ويحرسه بالطعام ~~والشراب عما يهلكه ويرديه ويمكنه من القناعة بقليل القوت ويقربه حتى تضيق ~~به مجاري الشيطان الذي يناويه ويكسر به شهوة النفس التي تعاديه فيدفع شرها ~~ثم يعبد ربه ويتقيه هذا PageV03P079 بعد أن يوسع عليه ما يلتذ به ويشتهيه ~~ويكثر عليه ما يهيج بواعثه ويؤكد دواعيه كل ذلك يمتحنه به ويبتليه فينظر ~~كيف يؤثره على ما يهواه وينتحيه وكيف يحفظ أوامره وينتهي عن نواهيه ويواظب ~~على طاعته وينزجر عن معاصيه والصلاة على محمد عبده النبيه ورسوله الوجيه ~~صلاة تزلفه وتحظيه وترفع منزلته وتعليه وعلى الأبرار من عترته وأقربيه ~~والأخيار من صحابته وتابعيه # أما بعد فأعظم المهلكات لابن آدم شهوة البطن فبها أخرج آدم عليه السلام ~~وحواء من دار القرار إلى دار الذل والافتقار إذ نهيا عن الشجرة فغلبتهما ~~شهواتهما حتى أكلا منها فبدت لهما سوآتهما والبطن على التحقيق ينبوع ~~الشهوات ومنبت الأدواء والآفات إذ يتبعها شهوة الفرج وشدة الشبق إلى ~~المنكوحات ثم تتبع شهوة الطعام والنكاح شدة الرغبة في الجاه والمال اللذين ~~هما وسيلة إلى التوسع في المنكوحات والمطعومات ثم يتبع استكثار المال ~~والجاه أنواع الرعونات وضروب المنافسات والمحاسدات ثم يتولد بينهما آفة ~~الرياء وغائلة التفاخر والتكاثر والكبرياء ثم يتداعى ذلك إلى الحقد والحسد ~~والعداوة والبغضاء ثم يفضي ذلك بصاحبه إلى اقتحام البغي والمنكر والفحشاء ~~وكل ذلك ثمرة إهمال المعدة وما يتولد منها من بطر الشبع والامتلاء ولو ذلل ~~العبد نفسه بالجوع وضيق به مجاري الشيطان لأذعنت لطاعة الله عز وجل ولم ~~تسلك سبيل البطر والطغيان ولم ينجر به ذلك إلى الانهماك في الدنيا وإيثار ~~العاجلة على العقبى ولم يتكالب كل هذا التكالب على الدنيا وإذا عظمت آفة ~~شهوة البطن إلى هذا الحد وجب شرح غوائلها وآفاتها تحذيرا منها ووجب إيضاح ~~طريق المجاهدة لها والتنبيه على فضلها ترغيبا فيها وكذلك شرح شهوة الفرج ~~فإنها تابعة لها ونحن نوضح ذلك بعون الله تعالى في فصول يجمعها بيان فضيلة ~~الجوع ثم فوائده ثم طريق الرياضة في كسر شهوة البطن بالتقليل من الطعام ~~والتأخير ثم بيان اختلاف حكم الجوع وفضيلته باختلاف أحوال الناس ثم بيان ~~الرياضة في ترك الشهوة ثم القول في شهوة الفرج ثم بيان ما على المريد في ~~ترك التزويج وفعله ثم بيان فضيلة من يخالف شهوة البطن والفرج والعين # | بيان فضيلة الجوع وذم الشبع # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش فإن الأجر ~~في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله وأنه ليس من عمل أحب إلى الله من جوع ~~وعطش + حديث جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش ثم أجد له أصلا + وقال ابن عباس ~~قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل ملكوت السماء من ملأ بطنه + حديث ابن ~~عباس لا يدخل ملكوت السموات من ملأ بطنه لم أجده أيضا + وقيل يا رسول الله ~~أي الناس أفضل قال من قل مطعمه وضحكه ورضي مما يستر به عورته + حديث أي ~~الناس أفضل قال من قل طعمه وضحكه ورضي بما يستر عورته يأتي الكلام عليه ~~وعلى ما بعده من الأحاديث + وقال النبي صلى الله عليه وسلم سيد الأعمال ~~الجوع وذل النفس لباس الصوف + حديث سيد الأعمال الجوع وذل النفس لباس الصوف ~~+ وقال أبو سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البسوا وكلوا ~~واشربوا في أنصاف البطون فإنه جزء من النبوة + حديث أبي مسعود الخدري ~~البسوا وكلوا واشربوا في أنصاف البطون + وقال الحسن قال النبي صلى الله ~~عليه وسلم الفكر نصف العبادة وقلة الطعام هي العبادة + حديث الفكر نصف ~~العبادة وقلة الطعام هي العبادة + وقال الحسن أيضا قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أفضلكم عند الله منزلة يوم القيامة أطولكم جوعا وتفكرا في الله ~~سبحانه وأبغضكم PageV03P080 عند الله عز وجل يوم القيامة كل نئوم أكول شروب ~~+ حديث الحسن أفضلكم عند الله أطولكم جوعا وتفكرا الحديث لم أجد لهذه ~~الأحاديث المتقدمة أصلا + وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجوع ~~من غير عوز + حديث كان يجوع من غير عوز أي مختارا لذلك أخرجه البيهقي في ~~شعب الإيمان من حديث عائشة قالت لو شئنا أن نشبع لشبعنا ولكن محمدا صلى ~~الله عليه وسلم كان يؤثر على نفسه وإسناده معضل + أي مختارا لذلك وقال صلى ~~الله عليه وسلم إن الله تعالى يباهي الملائكة بمن قل مطعمه ومشربه في ~~الدنيا يقول الله تعالى انظروا إلى عبدي ابتليته بالطعام والشراب في الدنيا ~~فصبر وتركهما اشهدوا يا ملائكتي ما من أكلة يدعها إلا أبدلته بها درجات في ~~الجنة + حديث أن الله يباهي الملائكة بمن قل مطعمه في الدنيا الحديث أخرجه ~~ابن عدي في الكامل وقد تقدم في الصيام + وقال صلى الله عليه وسلم لا تميتوا ~~القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلب كالزرع يموت إذا كثر عليه الماء + ~~حديث لا تميتوا القلب بكثرة الطعام والشراب الحديث لم أقف له على أصل + ~~وقال صلى الله عليه وسلم ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه حسب ابن آدم ~~لقيمات يقمن صلبه وإن كان لا بد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ~~+ حديث ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه الحديث أخرجه الترمذي من حديث ~~المقدام وقد تقدم + وفي حديث أسامة بن زيد وحديث أبي هريرة الطويل ذكر ~~فضيلة الجوع إذ قال فيه إن أقرب الناس من الله عز وجل يوم القيامة من طال ~~جوعه وعطشه وحزنه في الدنيا الأحفياء الأتقياء الذين إن شهدوا لم يعرفوا ~~وإن غابوا لم يفتقدوا تعرفهم بقاع الأرض وتحف بهم ملائكة السماء نعم الناس ~~بالدنيا ونعموا بطاعة الله عز وجل افترش الناس الفرش الوثيرة وافترشوا ~~الجباه والركب ضيع الناس فعل النبيين وأخلاقهم وحفظوها هم تبكي الأرض إذا ~~فقدتهم ويسخط الجبار على كل بلدة ليس فيها منهم أحد لم يتكالبوا على الدنيا ~~تكالب الكلاب على الجيف أكلوا العلق ولبسوا الخرق شعثا غبرا يراهم الناس ~~فيظنون أن بهم داء وما بهم داء ويقال قد خولطوا فذهبت عقولهم وما ذهبت ~~عقولهم ولكن نظر القوم بقلوبهم إلى أمر الله الذي أذهب عنهم الدنيا فهم عند ~~أهل الدنيا يمشون بلا عقول عقلوا حين ذهبت عقول الناس لهم الشرف في الآخرة ~~يا أسامة إذا رأيتهم في بلدة فاعلم أنهم أمان لأهل تلك البلدة ولا يعذب ~~الله قوما هم فيهم الأرض بهم فرحة والجبار عنهم راض اتخذهم لنفسك إخوانا ~~عسى أن تنجو بهم وإن استطعت إن يأتيك الموت وبطنك جائع وكبدك ظمآن فافعل ~~فإنك تدرك بذلك شرف المنازل وتحل مع النبيين وتفرح بقدوم روحك الملائكة ~~ويصلي عليك الجبار + حديث أسامة بن زيد وأبي هريرة أقرب الناس من الله يوم ~~القيامة من طال جوعه وعطشه الحديث بطوله أخرجه الخطيب في الزهد من حديث ~~سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل على أسامة بن زيد ~~فذكره مع تقديم وتأخير ومن طريقه رواه ابن الجوزي في الموضوعات وفي حباب بن ~~عبد الله بن جبلة أحد الكذابين وفيه من لا يعرف وهو منقطع أيضا ورواه ~~الحارث بن أبي أسامة من هذا الوجه + # روى الحسن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال البسوا الصوف ~~وشمروا وكلوا في أنصاف البطون تدخلوا في ملكوت السماء + حديث الحسن عن أبي ~~هريرة البسوا الصوف وشمروا وكلوا في أنصاف البطون تدخلوا في ملكوت السماء ~~أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس بسند ضعيف + وقال عيسى عليه ~~السلام يا معشر الحواريين أجيعوا أكبادكم وأعروا أجسادكم لعل قلوبكم ترى ~~الله عز وجل + حديث طاوس مرسلا أجيعوا أكبادكم الحديث لم أجده أيضا + وروى ~~ذلك أيضا عن نبينا صلى الله عليه وسلم رواه طاوس وقيل مكتوب في التوراة إن ~~الله ليبغض الحبر السمين لأن السمن يدل على الغفلة وكثرة الأكل وذلك قبيح ~~خصوصا بالحبر ولأجل ذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه إن الله تعالى يبغض ~~القارئ السمين وفي خبر مرسل @QB@ إن @QE@ PageV03P081 الشيطان ليجري من ابن ~~آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش + حديث إن الشيطان ليجري من ابن ~~آدم مجرى الدم الحديث تقدم في الصيام دون الزيادة التي في آخره وذكر المصنف ~~هنا أنه مرسل والمرسل رواه ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان من حديث علي بن ~~الحسين دون الزيادة أيضا + وفي الخبر إن الأكل على الشبع يورث البرص + حديث ~~إن الأكل على الشبع يورث البرص لم أجد له أصلا + وقال صلى الله عليه وسلم ~~المؤمن يأكل في معى واحد والمنافق يأكل في سبعة أمعاء + حديث المؤمن يأكل ~~في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء متفق عليه من حديث عمر وحديث أبي ~~هريرة + أي يأكل سبعة أضعاف ما يأكل المؤمن أو تكون شهوته سبعة أضعاف شهوته ~~وذكر المعى كفاية عن الشهوة لأن الشهوة هي التي تقبل الطعام وتأخذه كما ~~يأخذ المعى وليس المعنى زيادة عدد معى المنافق على معى المؤمن وروى الحسن ~~عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول أديموا قرع باب الجنة يفتح لكم فقلت كيف نديم قرع باب الجنة قال ~~بالجوع والظمأ + حديث الحسن عن عائشة أديموا قرع باب الجنة الحديث لم أجده ~~أيضا + وروي أن أبا جحيفة تجشأ في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ~~له أقصر من جشائك فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا + ~~حديث إن أبا جحيفة تجشأ في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أقصر من ~~جشائك فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا أخرجه ~~البيهقي في الشعب من حديث أبي جحيفة وأصله عند الترمذي وحسنه وابن ماجه من ~~حديث ابن عمر تجشأ رجل الحديث لم يذكر أبا جحيفة + وكانت عائشة رضي الله ~~عنها تقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تمتليء قط شبعا وربما بكيت ~~رحمة مما أرى به من الجوع فأمسح بطنه بيدي وأقول نفسي لك الفداء لو تبلغت ~~من الدنيا بقدر ما يقويك ويمنعك من الجوع فيقول يا عائشة إخواني من أولي ~~العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا مضوا على حالهم فقدموا على ~~ربهم فأكرم مآبهم وأجزل ثوابهم فأجدني أستحي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي ~~غدا دونهم فالصبر أياما يسيرة أحب إلي من أن ينقص حظي غدا في الآخرة وما من ~~شيء أحب إلى من اللحوق بأصحابي وإخواني قالت عائشة فوالله ما استكمل بعد ~~ذلك جمعة حتى قبضه الله إليه + حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم لم يمتلئ ~~شبعا قط وربما بكيت رحمة له لما أرى به من الجوع الحديث أخرجه أبو موسى ~~المديني مطولا في كتاب استحلاء الموت وأورد منه عياض في الشفاء + وعن أنس ~~قال جاءت فاطمة رضوان الله عليها بكسرة خبز إلى رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فقال ما هذه الكسرة قالت قرص خبزته ولم تطب نفسي حتى أتيتك منه بهذه ~~الكسرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه أول طعام دخل فم أبيك ~~مند ثلاثة أيام + حديث أنس جاءت فاطمة بكسرة خبز لرسول الله صلى الله عليه ~~وسلم الحديث أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسند ضعيف + وقال أبو ~~هريرة ما أشبع النبي صلى الله عليه وسلم أهله ثلاثة أيام تباعا من خبز ~~الحنطة حتى فارق الدنيا + حديث أبي هريرة ما شبع النبي صلى الله عليه وسلم ~~ثلاثة أيام تباعا من خبز الحنطة حتى فارق الدنيا أخرجه مسلم وقد تقدم + ~~وقال صلى الله عليه وسلم إن أهل الجوع في الدنيا هم أهل الشبع في الآخرة ~~وإن أبغض الناس إلى الله المتخمون الملأى وما ترك عبد أكلة يشتهيها إلا ~~كانت له درجة في الجنة + حديث إن أهل الجوع في الدنيا هم أهل الشبع في ~~الآخرة أخرجه الطبراني وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف + # وأما الآثار فقد قال عمر رضي الله عنه إياكم والبطنة فإنها ثقل في الحياة ~~نتن في الممات وقال شقيق البلخي العبادة حرفة حانوتها الخلوة وآلتها ~~المجاعة وقال لقمان لابنه يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست ~~الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة وكان الفضيل بن عياض يقول لنفسه أي شيء ~~تخافين أتخافين أن تجوعي لا تخافي ذلك أنت أهون على الله من ذلك إنما يجوع ~~محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكان كهمس يقول إلهي PageV03P082 أجعتني ~~وأعريتني وفي ظلم الليالي بلا مصباح أجلستني فبأي وسيلة بلغتني ما بلغتني ~~وكان فتح الموصلي إذا اشتد مرضه وجوعه يقول إلهي ابتليتني بالمرض والجوع ~~وكذلك تفعل بأوليائك فبأي عمل أؤدي شكر ما أنعمت به علي وقال مالك بن دينار ~~قلت لمحمد بن واسع يا أبا عبد الله طوبى لمن كانت له غليلة تقوته وتغنيه عن ~~الناس فقال لي يا أبا يحيى طوبى لمن أمسي وأصبح جائعا وهو عن الله راض وكان ~~الفضيل بن عياض يقول إلهي أجعتني وأجعت عيالي وتركتني في ظلم الليالي بلا ~~مصباح وإنما تفعل ذلك بأوليائك فبأي منزلة نلت هذا منك وقال يحيى بن معاذ ~~جوع الراغبين منبهة وجوع التائبين تجربة وجوع المجتهدين كرامة وجوع ~~الصابرين سياسة وجوع الزاهدين حكمة وفي التوراة اتق الله وإذا شبعت فاذكر ~~الجياع وقال أبو سليمان لأن أترك لقمة من عشائي أحب إلي من قيام ليلة إلى ~~الصبح وقال أيضا الجوع عند الله في خزائنه لا يعطيه إلا من أحبه وكان سهل ~~بن عبد الله التستري يطوي نيفا وعشرين يوما لا يأكل وكان يكفيه لطعامه في ~~السنة درهم وكان يعظم الجوع ويبالغ فيه حتى قال لا يوافي القيامة عمل بر ~~أفضل من ترك فضول الطعام اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أكله وقال لم ~~ير الأكياس شيئا أنفع من الجوع للدين والدنيا وقال لا أعلم شيئا أضر على ~~طلاب الآخرة من الأكل وقال وضعت الحكمة والعلم في الجوع ووضعت المعصية ~~والجهل في الشبع وقال ما عبد الله بشيء أفضل من مخالفة الهوى في ترك الحلال ~~وقد جاء في الحديث ثلث للطعام فمن زاد عليه فإنما يأكل من حسناته + حديث ~~ثلث للطعام تقدم + وسئل عن الزيادة فقال لا يجد الزيادة حتى يكون الترك أحب ~~إليه من الأكل ويكون إذا جاع ليلة سأل الله أن يجعلها ليلتين فإذا كان ذلك ~~وجد الزيادة وقال صار الأبدال أبدالا إلا بإخماص البطون والسهر والصمت ~~والخلوة وقال رأس كل بر نزل من السماء إلى الأرض الجوع ورأس كل فجور بينهما ~~الشبع وقال من جوع نفسه انقطعت عنه الوساوس وقال إقبال الله عز وجل على ~~العبد بالجوع والسقم والبلاء إلا من شاء الله وقال اعلموا أن هذا زمان لا ~~ينال أحد فيه النجاة إلا بذبح نفسه وقتلها بالجوع والسهر والجهد وقال ما مر ~~على وجه الأرض أحد شرب من هذا الماء حتى روي فسلم من المعصية وإن شكر الله ~~تعالى فكيف الشبع من الطعام وسئل حكيم بأي قيد أقيد نفسي قال قيدها بالجوع ~~والعطش وذللها بإخمال الذكر وترك العز وصغرها بوضعها تحت أرجل أبناء الآخرة ~~واكسرها بترك زي القراء عن ظاهرها وانج من آفاتها بدوام سوء الظن بها ~~واصحبها بخلاف هواها وكان عبد الواحد بن زيد يقسم بالله تعالى إن الله ~~تعالى ما صافى أحدا إلا بالجوع ولا مشوا على الماء إلا به ولا طويت لهم ~~الأرض إلا بالجوع ولا تولاهم الله تعالى إلا بالجوع وقال أبو طالب المكي ~~مثل البطن مثل المزهر وهو العود المجوف ذو الأوتار إنما حسن صوته لخفته ~~ورقته لأنه أجوف غير ممتلئ وكذلك الجوف إذا خلا كان أعذب للتلاوة وأدوم ~~للقيام وأقل للمنام وقال أبو بكر بن عبد الله المزني ثلاثة يحبهم الله ~~تعالى رجل قليل النوم قليل الأكل قليل الراحة وروي أن عيسى عليه السلام مكث ~~يناجي ربه ستين صباحا لم يأكل فخطر بباله الخبزفانقطع عن المناجاة فإذا ~~رغيف موضوع بين يديه فجلس يبكي على فقد المناجاة وإذا شيخ قد أظله فقال له ~~عيسى بارك الله فيك يا ولي الله ادع الله تعالى فإني كنت في حالة فخطر ~~ببالي الخبز فانقطعت عني فقال الشيخ اللهم إن كنت تعلم أن الخبز خطر ببالي ~~منذ عرفتك فلا تغفر لي بل كان PageV03P083 إذا حضر لي شيء أكلته من غير فكر ~~وخاطر وروي أن موسى عليه السلام لما قربه الله عز وجل نجيا كان قد ترك ~~الأكل أربعين يوما ثلاثين ثم عشرا على ما ورد به القرآن لأنه أمسك بغير ~~تبييت يوما فزيد عشرة لأجل ذلك # | بيان فوائد الجوع وآفات الشبع # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش فإن الأجر ~~في ذلك ولعلك تقول هذا الفضل العظيم للجوع من أين هو وما سببه وليس فيه إلا ~~إيلام المعدة ومقاساة الأذى فإن كان كذلك فينبغي أن يعظم الأجر في كل ما ~~يتأذى به الإنسان من ضربه لنفسه وقطعة للحمه وتناوله الأشياء المكروهة وما ~~يجري مجراه فاعلم أن هذا يضاهي قول من شرب دواء فانتفع به وظن أن منفعته ~~لكراهة الدواء ومرارته فأخذ يتناول كل ما يكرهه من المذاق وهو غلظ بل نفعه ~~في خاصية في الدواء وليس لكونه مرا وإنما يقف على تلك الخاصية الأطباء ~~فكذلك لا يقف على علة نفع الجوع إلا سماسرة العلماء ومن جوع نفسه مصدقا لما ~~جاء في الشرع من مدح الجوع انتفع به وإن لم يعرف علة المنفعة كما أن من شرب ~~الدواء انتفع به وإن لم يعلم وجه كونه نافعا # ولكنا نشرح لك ذلك إن أردت أن ترتقي من درجة الإيمان إلى درجة العلم قال ~~الله تعالى @QB@ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات @QE@ ~~فنقول في الجوع عشر فوائد # الفائدة الأولى صفاء القلب وإيقاد القريحة وإنفاذ البصيرة فإن الشبع يورث ~~البلادة ويعمي القلب ويكثر البخار في الدماغ شبه السكر حتى يحتوي على معادن ~~الفكر فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار وعن سرعة الإدراك بل الصبي ~~إذا أكثر الأكل بطل حفظه وفسد ذهنه وصار بطيء الفهم والإدراك وقال أبو ~~سليمان الداراني عليك بالجوع فإنه مذلة للنفس ورقة للقلب وهو يورث العلم ~~السماوي وقال صلى الله عليه وسلم أحيوا قلوبكم بقلة الضحك وقلة الشبع ~~وطهروها بالجوع تصفو وترق + حديث أحيوا قلوبكم بقلة الضحك وطهروها بالجوع ~~تصفو وترق لم أجد له أصلا ويقال مثل الجوع مثل الرعد ومثل القناعة مثل ~~السحاب والحكمة كالمطر وقال النبي صلى الله عليه وسلم من أجاع بطنه عظمت ~~فكرته وفطن قلبه + حديث من أجاع بطنه عظمت فكرته وفطن قلبه كذلك لم أجد له ~~أصلا وقال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم من شبع ونام قسا قلبه ثم ~~قال لكل شيء زكاة وزكاة البدن الجوع + حديث من شبع ونام قسا قلبه ثم قال إن ~~لكل شيء زكاة وإن زكاة الجسد الجوع أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة لكل ~~شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم وإسناده ضعيف + وقال الشبلي ما جعت لله يوما ~~إلا رأيت في قلبي بابا مفتوحا من الحكمة والعبرة ما رأيته قط وليس يخفى أن ~~غاية المقصود من العبادات الفكر الموصل إلى المعرفة والاستبصار بحقائق الحق ~~والشبع يمنع منه والجوع يفتح بابه والمعرفة باب من أبواب الجنة فبالحرى أن ~~تكون ملازمة الجوع قرعا لباب الجنة ولهذا قال لقمان لابنه يا بنى إذا ~~امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة وقال أبو ~~يزيد البسطامي الجوع سحاب فإذا جاع العبد أمطر القلب الحكمة وقال النبي صلى ~~الله عليه وسلم نور الحكمة الجوع والتباعد من الله عز وجل الشبع والقربة ~~إلى الله عز وجل حب المساكين والدنو منهم لا تشبعوا PageV03P084 فتطفئوا ~~نور الحكمة من قلوبكم ومن بات في خفة من الطعام بات الحور حوله حتى يصبح + ~~حديث نور الحكمة الجوع والتباعد من الله عز وجل الشبع الحديث ذكره أبو ~~منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة وكتب عليه إنه مسند وهي ~~علامة ما رواه بإسناده # الفائدة الثانية رقة القلب وصفاؤه الذي به يتهيأ لإدراك لذة المثابرة ~~والتأثر بالذكر فكم من ذكر يجري على اللسان مع حضور القلب ولكن القلب لا ~~يلتذ به ولا يتأثر حتى كأن بينه وبينه حجابا من قسوة القلب وقد يرق في بعض ~~الأحوال فيعظم تأثره بالذكر وتلذذه بالمناجاة وخلو المعدة هو السبب الأظهر ~~فيه وقال أبو سليمان الداراني أحلى ما تكون إلى العبادة إذا التصق ظهري ~~ببطني وقال الجنيد يجعل أحدهم بينه وبين صدره مخلاة من الطعام ويريد أن يجد ~~حلاوة المناجاة وقال أبو سليمان إذا جاع القلب وعطش صبا ورق وإذا شبع عمى ~~وغلط فإذا تأثر القلب بلذة المناجاة أمر وراء تيسير الفكر واقتناص المعرفة ~~إلى فائدة ثانية # الفائدة الثالثة الانكسار والذل وزوال البطر والفرح والأشر الذي هو مبدأ ~~الطغيان والغفلة عن الله تعالى فلا تنكسر النفس ولا تذل بشيء كما تذل ~~بالجوع فعنده تسكن لربها وتخشع له وتقف على عجزها وذلها إذا ضعفت منتها ~~وضاقت حيلتها بلقيمة طعام فاتتها وأظلمت عليها الدنيا لشربة ماء تأخرت عنها ~~وما لم يشاهد الإنسان ذل نفسه وعجزه لا يرى عزة مولاه ولا قهره وإنما ~~سعادته في أن يكون دائما مشاهدا نفسه بعين الذل والعجز ومولاه بعين العز ~~والقدرة والقهر فليكن دائما جائعا مضطرا إلى مولاه مشاهدا للاضطرار بالذوق ~~ولأجل ذلك لما عرضت الدنيا وخزائنها على النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ~~بل أجوع يوما واشبع يوما فإذا جعت صبرت وتضرعت وإذا شبعت شكرت + حديث أجوع ~~يوما وأشبع يوما الحديث تقدم وهو عند الترمذي + أو كما قال فالبطن والفرج ~~باب من أبواب النار وأصله الشبع والذل والانكسار باب من أبواب الجنة وأصله ~~الجوع ومن أغلق بابا من أبواب النار فقد فتح بابا من أبواب الجنة بالضرورة ~~لأنهما متقابلان كالمشرق والمغرب فالقرب من أحدهما بعد من الآخر # الفائدة الرابعة أن لا ينسى بلاء الله وعذابه ولا ينسى أهل البلاء فإن ~~الشبعان ينسى الجائع وينسى الجوع والعبد الفطن لا يشاهد بلاء من غيره إلا ~~ويتذكر بلاء الآخرة فيذكر من عطشه عطش الخلق في عرصات القيامة ومن جوعه جوع ~~أهل النار حتى إنهم ليجوعون فيطعمون الضريع والزقوم ويسقون الغساق والمهل ~~فلا ينبغي أن يغيب عن العبد عذاب الآخرة وآلامها فإنه هو الذي يهيج الخوف ~~فمن لم يكن في ذلة ولا علة ولا قلة ولا بلاء نسي عذاب الآخرة ولم يتمثل في ~~نفسه ولم يغلب على قلبه فينبغي أن يكون العبد في مقاساة بلاء أو مشاهدة ~~بلاء وأولى ما يقاسيه من البلاء الجوع فإن فيه فوائد جمة سوى تذكر عذاب ~~الآخرة وهذا أحد الأسباب الذي اقتضى اختصاص البلاء بالأنبياء والأولياء ~~والأمثل فالأمثل ولذلك قيل ليوسف عليه السلام لم تجوع وفي يديك خزائن الأرض ~~فقال أخاف أن أشبع فأنسى الجائع فذكر الجائعين والمحتاجين إحدى فوائد الجوع ~~فإن ذلك يدعو إلى الرحمة والإطعام والشفقة على خلق الله عز وجل والشبعان في ~~غفلة عن ألم الجائع # الفائدة الخامسة وهي من أكبر الفوائد كسر شهوات المعاصي كلها والاستيلاء ~~على النفس الأمارة بالسوء فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى ومادة ~~القوى والشهوات لا محالة الأطعمة فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة وإنما السعادة ~~كلها في أن يملك الرجل نفسه والشقاوة في أن تملكه نفسه وكما أنك لا تملك ~~الدابة الجموح إلا بضعف الجوع فإذا شبعت قويت وشردت وجمحت فكذلك النفس كما ~~قيل لبعضهم ما بالك مع كبرك لا تتعهد بدنك PageV03P085 وقد انهد فقال لأنه ~~سريع المرح فاحش الأشر فأخاف أن يجمح بي فيورطني فلأن أحمله على الشدائد ~~أحب إلي من أن يحملني على الفواحش وقال ذو النون ما شبعت قط إلا عصيت أو ~~هممت بمعصية وقالت عائشة رضي الله عنها أول بدعة حدثت بعد رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم الشبع # إن القوم لما شبعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى هذه الدنيا وهذه ليست ~~فائدة واحدة بل هي خزائن الفوائد ولذلك قيل الجوع خزانة من خزائن الله ~~تعالى وأقل ما يندفع بالجوع شهوة الفرج وشهوة الكلام فإن الجائع لا يتحرك ~~عليه شهوة فضول الكلام فيتخلص به من آفات اللسان كالغيبة والفحش والكذب ~~والنميمة وغيرها فيمنعه الجوع من كل ذلك وإذا شبع افتقر إلى فاكهة فيتفكه ~~لا محالة بأعراض الناس ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ~~ألسنتهم # وأما شهوة الفرج فلا تخفي غائلتها والجوع يكفي شرها وإذا شبع الرجل لم ~~يملك فرجه وإن منعته التقوى فلا يملك عينه فالعين تزني كما أن الفرج يزني ~~فإن ملك عينه بغض الطرف فلا يملك فكره فيخطر له من الأفكار الرديئة وحديث ~~النفس بأسباب الشهوة ما يتشوش به مناجاته وربما عرض له ذلك في أثناء الصلاة # وإنما ذكرنا آفة اللسان والفرج مثالا وإلا فجميع معاصي الأعضاء السبعة ~~سببها القوة الحاصلة بالشبع قال حكيم كل مريد صبر على السياسة فيصبر على ~~الخبز البحت سنة لا يخلط به شيئا من الشهوات ويأكل في نصف بطنه رفع الله ~~عنه مؤنة النساء # الفائدة السادسة دفع النوم ودوام السهر فإن من شبع شرب كثيرا ومن كثر ~~شربه كثر نومه ولأجل ذلك كان بعض الشيوخ يقول عند حضور الطعام معاشر ~~المريدين لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا فترقدوا كثيرا فتخسروا كثيرا وأجمع ~~رأي سبعين صديقا على أن كثرة النوم من كثرة الشرب وفي كثرة النوم ضياع ~~العمر وفوت التهجد وبلادة الطبع وقساوة القلب والعمر أنفس الجواهر وهو رأس ~~مال العبد فيه يتجر والنوم موت فتكثيره ينقص العمر ثم فضيلة التهجد لا تخفى ~~وفي النوم فواتها ومهما غلب النوم فإن تهجد لم يجد حلاوة العبادة ثم ~~المتعزب إذا نام على الشبع احتلم ويمنعه ذلك أيضا من التهجد ويحوجه إلى ~~الغسل إما بالماء البارد فيتأذى به أو يحتاج إلى الحمام وربما لا يقدر عليه ~~بالليل فيفوته الوتر إن كان قد أخره إلى التهجد ثم يحتاج إلى مؤنة الحمام ~~وربما تقع عينه على عورة في دخول الحمام فإن فيه أخطارا ذكرناها في كتاب ~~الطهارة وكل ذلك أثر الشبع وقد قال أبو سليمان الداراني الاحتلام عقوبة ~~وإنما قال ذلك لأنه يمنع من عبادات كثيرة لتعذر الغسل في كل حال فالنوم ~~منبع الآفات والشبع مجلبة له والجوع مقطعة له # الفائدة السابعة تيسير المواظبة على العبادة فإن الأكل يمنع من كثرة ~~العبادات لأنه يحتاج إلى زمان يشتغل فيه بالأكل وربما يحتاج إلى زمان في ~~شراء الطعام وطبخه ثم يحتاج إلى غسل اليد والخلال ثم يكثر ترداده إلى بيت ~~الماء لكثرة شربه والأوقات المصروفة إلى هذا لو صرفها إلى الذكر والمناجاة ~~وسائر العبادات لكثر ربحه قال السري رأيت مع علي الجرجاني سويقا يستف منه ~~فقلت ما حملك على هذا قال إني حسبت ما بين المضغ إلى الاستفاف سبعين تسبيحة ~~فما مضغت الخبز مند أربعين سنة فانظر كيف أشفق على وقته ولم يضيعه في المضغ ~~وكل نفس من العمر جوهرة نفيسة لا قيمة لها فينبغي أن يستوفي منه خزانة ~~باقية في الآخرة لا آخر لها وذلك بصرفه إلى ذكر الله وطاعته # ومن جملة ما يتعذر بكثرة الأكل الدوام على الطهارة وملازمة المسجد فإنه ~~يحتاج إلى الخروج لكثرة شرب الماء PageV03P086 وإراقته ومن جملته الصوم ~~فإنه يتيسر لمن تعود الجوع فالصوم ودوام الاعتكاف ودوام الطهارة وصرف أوقات ~~شغله بالأكل وأسبابه إلى العبادة أرباح كثيرة وإنما يستحقرها الغافلون ~~الذين لم يعرفوا قدر الدين لكن رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها @QB@ ~~يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون @QE@ # وقد أشار أبو سليمان الداراني إلى ست آفات من الشبع فقال من شبع دخل عليه ~~ست آفات فقد حلاوة المناجاة وتعذر حفظ الحكمة وحرمان الشفقة على الخلق لأنه ~~إذا شبع ظن أن الخلق كلهم شباع وثقل العبادة وزيادة الشهوات وأن سائر ~~المؤمنين يدورون حول المساجد والشباع يدورون حول المزابل # الفائدة الثامنة يستفيد من قلة الأكل صحة البدن ودفع الأمراض فإن سببها ~~كثرة الأكل وحصول فضلة الأخلاط في المعدة والعروق ثم المرض يمنع من ~~العبادات ويشوش القلب ويمنع من الذكر والفكر وينغص العيش ويحوج إلى القصد ~~والحجامة والدواء والطبيب وكل ذلك يحتاج إلى مؤن ونفقات لا يخلو الإنسان ~~منها بعد التعب عن أنواع من المعاصي واقتحام الشهوات وفي الجوع ما يمنع ذلك ~~كله # حكى أن الرشيد جمع أربعة أطباء هندي ورومي وعراقي وسوادي وقال ليصف كل ~~واحد منكم الدواء الذي لا داء فيه فقال الهندي الدواء الذي لا داء فيه عندي ~~هو الإهليلج الأسود وقال العراقي هو حب الرشاد الأبيض وقال الرومي هو عندي ~~الماء الحار وقال السوادي وكان أعلمهم الإهليلج يعفص المعدة وهذا داء وحب ~~الرشاد يزلق المعدة وهذا داء والماء الحار يرخي المعدة وهذا داء قالوا فما ~~عندك فقال الدواء الذي لا داء معه عندي أن لا تأكل الطعام حتى تشتهيه وأن ~~ترفع يدك عنه وأنت تشتهيه فقالوا صدقت وذكر لبعض الفلاسفة من أطباء أهل ~~الكتاب قول النبي صلى الله عليه وسلم ثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس + ~~حديث ثلث للطعام تقدم أيضا فتعجب منه وقال ما سمعت كلاما في قلة الطعام ~~أحكم من هذا وإنه لكلام حكيم وقال صلى الله عليه وسلم البطنة أصل الداء ~~والحمية أصل الدواء وعودوا كل جسم ما اعتاد + حديث البطنة أصل الداء ~~والحمية أصل الدواء وعودوا كل بدن بما اعتاد لم أجد له أصلا + وأظن تعجب ~~الطبيب جرى من هذا الخبر لا من ذاك وقال ابن سالم من أكل خبز الحنطة بحتا ~~بأدب لم يعتل إلا علة الموت قيل وما الأدب قال تأكل بعد الجوع وترفع قبل ~~الشبع # وقال بعض أفاضل الأطباء في ذم الاستكثار إن أنفع ما أدخل الرجل بطنه ~~الرمان وأضر ما أدخل معدته المالح ولأن يقلل من المالح خيرا له من أن ~~يستكثر من الرمان وفي الحديث صوموا تصحوا + حديث صوموا تصحوا أخرجه ~~الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الطب النبوي من حديث أبي هريرة بسند ضعيف ~~+ ففي الصوم والجوع وتقليل الطعام صحة الأجسام وصحة القلوب من سقم الطغيان ~~والبطر وغيرهما # الفائدة التاسعة خفة المؤونة فإن من تعود قلة الأكل كفاه من المال قدر ~~يسير والذي تعود الشبع صار بطنه غريما ملازما له آخذا بمخنقه في كل يوم ~~فيقول ماذا تأكل اليوم فيحتاج إلى أن يدخل المداخل فيكتسب من الحرام فيعصى ~~أو من الحلال فيذل وربما يحتاج إلى أن يمد أعين الطمع إلى الناس وهو غاية ~~الذل والقماءة والمؤمن خفيف المؤنة وقال بعض الحكماء إني لأقضي عامة حوائجي ~~بالترك فيكون ذلك أروح لقلبي وقال آخر إذا أردت أن أستقرض من غيري لشهوة أو ~~زيادة استقرضت من نفسي فتركت الشهوة فهي خير غريم لي وكان إبراهيم ابن أدهم ~~رحمه الله يسأل أصحابه عن سعر المأكولات فيقول إنها غالية فيقول أرخصوها ~~بالترك وقال سهل رحمه الله الأكول مذموم في ثلاثة أحوال إن كان من أهل ~~العبادة فيكسل وإن كان مكتسبا فلا يسلم من الآفات PageV03P087 وإن كان ممن ~~يدخل عليه شيء فلا ينصف الله تعالى من نفسه # وبالجملة سبب هلاك الناس حرصهم على الدنيا وسبب حرصهم على الدنيا البطن ~~والفرج وسبب شهوة الفرج شهوة البطن وفي تقليل الأكل ما يحسم هذه الأحوال ~~كلها وهي أبواب النار وفي حسمها فتح أبواب الجنة كما قال صلى الله عليه ~~وسلم أديموا قرع باب الجنة بالجوع فمن قنع برغيف في كل يوم قنع في سائر ~~الشهوات أيضا وصار حرا واستغنى عن الناس واستراح من التعب وتخلى لعبادة ~~الله عز وجل وتجارة الآخرة فيكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر ~~الله وإنما لا تلهيهم لاستغنائهم عنها بالقناعة وأما المحتاج فتلهيه لا ~~محالة # الفائدة العاشرة أن يتمكن من الإيثار والتصدق بما فضل من الأطعمة على ~~اليتامى والمساكين فيكون يوم القيامة في ظل صدقته + حديث كل امرئ في ظل ~~صدقته أخرجه الحاكم من حديث عقبة بن عامر وقد تقدم + كما ورد به الخبر فما ~~يأكله كان خزانته الكنيف وما يتصدق به كان خزانته فضل الله تعالى فليس ~~للعبد من ماله إلا ما تصدق فأبقى أو أكل فأفنى أو لبس فأبلى فالتصدق بفضلات ~~الطعام أولى من التخمة والشبع وكان الحسن رحمة الله عليه إذا تلا قوله ~~تعالى إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ~~وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا قال عرضها على السموات ~~السبع الطباق والطرائق التي زينها بالنجوم وحملة العرش العظيم فقال لها ~~سبحانه وتعالى هل تحملين الأمانة بما فيها قالت وما فيها قال إن أحسنت ~~جوزيت وإن أسأت عوقبت فقالت لا ثم عرضها كذلك على الأرض فأبت ثم عرضها على ~~الجبال الشوامخ الصلاب الصعاب فقال لها هل تحملين الأمانة بما فيها قالت ~~وما فيها فذكر الجزاء والعقوبة فقالت لا ثم عرضها على الإنسان فحملها إنه ~~كان ظلوما لنفسه جهولا بأمر ربه فقد رأيناهم والله اشتروا الأمانة بأموالهم ~~فأصابوا آلافا فماذا صنعوا فيها وسعوا بها دورهم وضيقوا بها قبورهم وأسمنوا ~~براذينهم وأهزلوا دينهم وأتعبوا أنفسهم بالغدو والرواح إلى باب السلطان ~~يتعرضون للبلاء وهم من الله في عافية يقول أحدهم تبيعني أرض كذا وكذا ~~وأزيدك كذا وكذا يتكيء على شماله ويأكل من غير ماله حديثه سخرة وماله حرام ~~حتى إذا أخذته الكظة ونزلت به البطنة قال يا غلام ائتني بشيء أهضم به طعامي ~~يالكع أطعامك تهضم إنما تهضم دينك أين الفقير أين الأرملة أين المسكين أين ~~اليتيم الذي أمرك الله تعالى بهم فهذه إشارة إلى هذه الفائدة وهو صرف فاضل ~~الطعام إلى الفقير ليدخر به الأجر فذلك خير له من أن يأكله حتى يتضاعف ~~الوزر عليه ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل سمين البطن فأومأ ~~إلى بطنه بإصبعه وقال لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك + حديث نظر إلى ~~رجل سمين البطن فأومأ إلى بطنه بأصبعه وقال لو كان هذا في غير هذا لكان ~~خيرا لك أخرجه أحمد والحاكم في المستدرك والبيهقي في الشعب من حديث جعدة ~~الجشمي وإسناده جيد + أي لو قدمته لآخرتك وآثرت به غيرك وعن الحسن قال ~~والله لقد أدركت أقواما كان الرجل منهم يمسي وعنده من الطعام ما يكفيه ولو ~~شاء لأكله فيقول والله لا أجعل هذا كله لبطني حتى أجعل بعضه لله # فهذه عشرة فوائد للجوع يتشعب من كل فائدة فوائد لا ينحصر عددها ولا ~~تتناهى فوائدها فالجوع خزانة عظيمة لفوائد الآخرة ولأجل هذا قال بعض السلف ~~الجوع مفتاح الآخرة وباب الزهد والشبع مفتاح الدنيا وباب الرغبة بل ذلك ~~صريح في الأخبار التي رويناها بالوقوف على تفصيل هذه الفوائد تدرك معاني ~~تلك الأخبار إدراك علم وبصيرة فإذا لم تعرف هذا وصدقت بفضل الجوع كانت لك ~~رتبة المقلدين في الإيمان PageV03P088 والله أعلم بالصواب # | بيان طريق الرياضة في كسر شهوة البطن # اعلم أن على المريد في بطنه ومأكوله أربع وظائف الأول أن لا يأكل إلا ~~حلالا فإن العبادة مع أكل الحرام كالبناء على أمواج البحار وقد ذكرنا ما ~~تجب مراعاته من درجات الورع في كتاب الحلال والحرام وتبقى ثلاث وظائف خاصة ~~بالأكل وهو تقدير قدر الطعام في القلة والكثرة وتقدير وقته في الإبطاء ~~والسرعة وتعيين الجنس المأكول في تناول المشتهيات وتركها # أما الوظيفة الأولى في تقليل الطعام فسبيل الرياضة فيه التدريج فمن اعتاد ~~الأكل الكثير وانتقل دفعة واحدة إلى القليل لم يحتمله مزاجه وضعف وعظمت ~~مشقته فينبغي أن يتدرج إليه قليلا قليلا وذلك بأن ينقص قليلا قليلا من ~~طعامه المعتاد فإن كان يأكل رغيفين مثلا وأراد أن يرد نفسه إلى رغيف واحد ~~فينقص كل يوم ربع سبع رغيف وهو أن ينقص جزءا من ثمانية وعشرين جزءا أو جزءا ~~من ثلاثين جزءا فيرجع إلى رغيف في شهر ولا يستضر به ولا يظهر أثره فإن شاء ~~فعل في ذلك بالوزن وإن شاء بالمشاهدة فيترك كل يوم مقدار لقمة وينقصه عما ~~أكله بالأمس ثم هذا فيه أربع درجات # أقصاها أن يرد نفسه إلى قدر القوام الذي لا يبقى دونه وهو عادة الصديقين ~~وهو اختيار سهل التستري رحمة الله عليه إذ قال إن الله استعبد الخلق بثلاث ~~بالحياة والعقل والقوة فإن خاف العبد على اثنين منها وهي الحياة والعقل أكل ~~وأفطر إن كان صائما وتكلف الطلب إن كان فقيرا وإن لم يخف عليهما بل على ~~القوة قال فينبغي أن لا يبالي ولو ضعف حتى صلى قاعدا وأرى أن صلاته قاعدا ~~مع ضعف الجوع أفضل من صلاته قائما مع كثرة الأكل وسئل سهل عن بدايته وما ~~كان يقتات به فقال كان قوتي في كل سنة ثلاثة دراهم كنت آخذ بدرهم دبسا ~~وبدرهم دقيق الأرز وبدرهم سمنا وأخلط الجميع وأسوي منه ثلثمائة وستين أكرة ~~آخذ في كل ليلة أكرة أفطر عليها فقيل له فالساعة كيف تأكل قال بغير حد ولا ~~توقيت ويحكى عن الرهابين أنهم قد يردون أنفسهم إلى مقدار درهم من الطعام # الدرجة الثانية أن يرد نفسه بالرياضة في اليوم والليلة إلى نصف مد وهو ~~رغيف وشيء مما يكون الأربعة منه منا ويشبه أن يكون هذا مقدار ثلث البطن في ~~حق الأكثرين كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وهو فوق اللقيمات لأن هذه ~~الصيغة في الجمع للقلة فهو لما دون العشرة وقد كان ذلك عادة عمر رضي الله ~~عنه إذ كان يأكل سبع لقم أو تسع لقم # الدرجة الثالثة أن يردها إلى مقدار المد وهو رغيفان ونصف وهذا يزيد على ~~ثلث البطن في حق الأكثرين ويكاد ينتهي إلى ثلثي البطن ويبقى ثلث للشراب ولا ~~يبقى شيء للذكر وفي بعض الألفاظ ثلث للذكر بدل قوله للنفس # الدرجة الرابعة أن يزيد على المد إلى المن ويشبه أن يكون ما وراء المن ~~إسرافا مخالفا لقوله تعالى @QB@ ولا تسرفوا @QE@ أعني في حق الأكثرين فإن ~~مقدار الحاجة إلى الطعام يختلف بالسن والشخص والعمل الذي يشتغل به وههنا ~~طريق خامس لا تقدير فيه ولكنه موضع غلط وهو أن يأكل إذا صدق جوعه ويقبض يده ~~وهو على شهوة صادقة بعد ولكن الأغلب أن من لم يقدر لنفسه رغيفا أو رغيفين ~~فلا يتبين له حد الجوع الصادق ويشتبه عليه ذلك بالشهوة الكاذبة PageV03P089 # وقد ذكر للجوع الصادق علامات إحداها أن لا تطلب النفس الأدم بل تأكل ~~الخبز وحده بشهوة أي خبر كان فمهما طلبت نفسه خبزا بعينه أو طلبت أدما فليس ~~ذلك بالجوع الصادق وقد قيل من علامته أن يبصق فلا يقع الذباب عليه أي لم ~~يبق فيه دهنية ولا دسومة فيدل ذلك على خلو المعدة ومعرفة ذلك غامض فالصواب ~~للمريد أن يقدر مع نفسه القدر الذي لا يضعفه عن العبادة التي هو بصددها ~~فإذا انتهى إليه وقف وإن بقيت شهوته وعلى الجملة فتقدير الطعام لا يمكن ~~لأنه يختلف بالأحوال والأشخاص نعم قد كان قوت جماعة من الصحابة صاعا من ~~حنطة في كل جمعة فإذا أكلوا التمر اقتاتوا منه صاعا ونصفا وصاع الحنطة ~~أربعة أمداد فيكون كل يوم قريبا من نصف مد وهو ما ذكرناه أنه قدر ثلث البطن ~~واحتيج في التمر إلى زيادة لسقوط النوى منه وقد كان أبو ذر رضي الله عنه ~~يقول طعامي في كل جمعة صاع من شعير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~والله لا أزيد عليه شيئا حتى ألقاه فإني سمعته يقول أقربكم مني مجلسا يوم ~~القيامة وأحبكم إلي من مات على ما هو عليه اليوم + حديث أبي ذر أقربكم مني ~~مجلسا يوم القيامة وأحبكم إلي من مات على ما هو عليه اليوم أخرجه أحمد في ~~كتاب الزهد ومن طريقه أبو نعيم في الحلية دون قوله وأحبكم ألي وهو منقطع + ~~وكان يقول في إنكاره على بعض الصحابة قد غيرتم ينخل لكم الشعير ولم يكن ~~ينخل وخبزتم المرقق وجمعتم بين إدامين واختلف عليكم بألوان الطعام وغدا ~~أحدكم في ثوب وراح في آخر ولم يكونوا هكذا على عهد رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وكان قوت أهل الصفة مدا من تمر بين اثنين كل يوم + حديث كان قوت أهل ~~الصفة مدا من تمر بين اثنين في كل يوم أخرجه الحاكم وصحح إسناده من حديث ~~طلحة البصري + والمد رطل وثلث ويسقط منه النوى وكان الحسن رحمة الله عليه ~~يقول المؤمن مثل العنيزة يكفيه الكف من الحشف والقبضة من السويق والجرعة من ~~الماء والمنافق مثل السبع الضاري بلعا بلعا وسرطا سرطا لا يطوي بطنه لجاره ~~ولا يؤثر أخاه بفضله وجهوا هذه الفضول أمامكم وقال سهل لو كانت الدنيا دما ~~عبيطا لكان قوت المؤمن منها حلالا لأن أكل المؤمن عند الضرورة بقدر القوام ~~فقط # الوظيفة الثانية في وقت الأكل ومقدار تأخيره وفيه أيضا أربع درجات # الدرجة العليا أن يطوي ثلاثة أيام فما فوقها وفي المريدين من رد الرياضة ~~إلى الطي لا إلى المقدار حتى انتهى بعضهم إلى ثلاثين يوما وأربعين يوما ~~وانتهى إليه جماعة من العلماء يكثر عددهم منهم محمد بن عمرو القرني وعبد ~~الرحمن بن إبراهيم ورحيم وإبراهيم التيمي وحجاج بن فرافصة وحفص العابد ~~المصيصي والمسلم بن سعيد وزهير وسليمان الخواص وسهل بن عبد الله التستري ~~وإبراهيم بن أحمد الخواص وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يطوي ستة ~~أيام وكان عبد الله بن الزبير يطوي سبعة أيام وكان أبو الجوزاء صاحب ابن ~~عباس يطوي سبعا وروي أن الثوري وإبراهيم بن أدهم كانا يطويان ثلاثا ثلاثا ~~كل ذلك كانوا يستعينون بالجوع على طريق الآخرة # قال بعض العلماء من طوى لله أربعين يوما ظهرت له قدرة من الملكوت أو كوشف ~~ببعض الأسرار الإلهية وقد حكى أن بعض أهل هذه الطائفة مر براهب فذاكره ~~بحاله وطمع في إسلامه وترك ما هو عليه من الغرور فكلمه في ذلك كلاما كثيرا ~~إلى أن قال له الراهب إن المسيح كان يطوي أربعين يوما وإن ذلك معجزة لا ~~تكون إلا لنبي أو صديق فقال له الصوفي فإن طويت خمسين يوما تترك ما أنت ~~عليه وتدخل في دين الإسلام وتعلم أنه حق وأنك على باطل قال نعم فجلس لا ~~يبرح إلا حيث يراه حتى طوى خمسين يوما ثم قال وأزيدك أيضا فطوى إلى تمام ~~الستين فتعجب الراهب منه وقال ما كنت أظن أن أحدا يجاوز المسيح فكان ذلك ~~سبب إسلامه PageV03P090 وهذه درجة عظيمة قل من يبلغها إلا مكاشف محمول شغل ~~بمشاهدة ما قطعه عن طبعه وعادته واستوفى نفسه في لذته وأنساه جوعته وحاجته # الدرجة الثانية أن يطوي يومين إلى ثلاثة وليس ذلك خارجا عن العادة بل هو ~~قريب يمكن الوصول إليه بالجد والمجاهدة # الدرجة الثالثة وهي أدناها أن يقتصر في اليوم والليلة على أكلة واحدة ~~وهذا هو الأقل وما جاوز ذلك إسراف ومداومة للشبع حتى لا يكون له حالة جوع ~~وذلك فعل المترفين وهو بعيد من السنة فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه ~~أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تغدى لم يتعش وإذا تعشى لم يتغد + ~~حديث أبي سعيد الخدري كان إذا تغدى لم يتعش وإذا تعشى لم يتغد لم أجد له ~~أصلا + وكان السلف يأكلون في كل يوم أكلة وقال النبي صلى الله عليه وسلم ~~لعائشة إياك والسرف فإن أكلتين في يوم من السرف وأكلة واحدة في كل يومين ~~إقتار وأكلة في كل يوم قوام بين ذلك + قال لعائشة إياك والإسراف فإن أكلتين ~~في يوم من السرف أخرجه البيهقي في الشعب من حديث عائشة وقال في إسناده ضعف ~~+ وهو المحمود في كتاب الله عز وجل ومن اقتصر في اليوم على أكلة واحدة ~~فيستحب له أن يأكلها سحرا قبل طلوع الفجر فيكون أكله بعد التهجد وقبل الصبح ~~فيحصل له جوع النهار للصيام وجوع الليل للقيام وخلو القلب لفراغ المعدة ~~ورقة الفكر واجتماع الهم وسكون النفس إلى المعلوم فلا تنازعه قبل وقته وفي ~~حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ما قام رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم قيامكم هذا قط وإن كان ليقوم حتى تورم قدماه وما واصل ~~وصالكم هذا قط غير أنه قد أخر الفطر إلى السحر + حديث عاصم بن كليب عن أبيه ~~عن أبي هريرة ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامكم هذا قط وإن كان ~~ليقوم حتى تزلع قدماه رواه النسائي مختصرا كان يصلي حتى تزلع قدماه وإسناده ~~جيد وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل ~~إلى السحر + حديث كان يواصل إلى السحر لم أجده من فعله وإنما هو من قوله ~~فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر رواه البخاري من حديث أبي سعيد وأما ~~هو فكان يواصل وهو من خصائصه + فإن كان يلتفت قلب الصائم بعد المغرب إلى ~~الطعام وكان ذلك يشغله عن حضور القلب في التهجد فالأولى أن يقسم طعامه ~~نصفين فإن كان رغيفين مثلا أكل رغيفا عند الفطر ورغيفا عند السحر لتسكن ~~نفسه ويخف بدنه عند التهجد ولا يشتد بالنهار جوعه لأجل التسحر فيستعين ~~بالرغيف الأول على التهجد وبالثاني على الصوم ومن كان يصوم يوما ويفطر يوما ~~فلا بأس أن يأكل كل يوم فطره وقت الظهر ويوم صومه وقت السحر فهذه الطرق في ~~مواقيت الأكل وتباعده وتقاربه # الوظيفة الثالثة في نوع الطعام وترك الإدام وأعلى الطعام مخ البر فإن نخل ~~فهو غاية الترفه وأوسطه شعير منخول وأدناه شعير لم ينخل وأعلى الأدم اللحم ~~والحلاوة وأدناه الملح والخل وأوسطه المزورات بالأدهان من غير لحم وعادة ~~سالكي طريق الآخرة الامتناع من الإدام على الدوام بل الامتناع عن الشهوات ~~فإن كل لذيذ يشتهيه الإنسان وأكله اقتضى ذلك بطرا في نفسه وقسوة في قلبه ~~وأنسا له بلذات الدنيا حتى يألفها ويكره الموت ولقاء الله تعالى وتصير ~~الدنيا جنة في حقه ويكون الموت سجنا له وإذا منع نفسه عن شهواتها وضيق ~~عليها وحرمها لذاتها صارت الدنيا سجنا عليه ومضيقا له فاشتهت نفسه الإفلات ~~منها فيكون الموت إطلاقها وإليه الإشارة بقول يحيى ابن معاذ حيث قال معاشر ~~الصديقين جوعوا أنفسكم لوليمة الفردوس فإن شهوة الطعام على قدر تجويع النفس ~~فكل ما ذكرناه من آفات الشبع فإنه يجري في كل الشهوات وتناول اللذات فلا ~~نطول بإعادته فلذلك يعظم الثواب PageV03P091 في ترك الشهوات من المباحات ~~ويعظم الخطر في تناولها حتى قال صلى الله عليه وسلم شرار أمتي الذين يأكلون ~~مخ الحنطة + حديث شرار أمتي الذين يأكلون مخ الحنطة لم أجد له أصلا + وهذا ~~ليس بتحريم بل هو مباح على معنى أن من أكله مرة أو مرتين لم يعص ومن دام ~~عليه أيضا فلا يعصي بتناوله ولكن تتربى نفسه بالنعيم فتأنس بالدنيا وتألف ~~اللذات وتسعى في طلبها فيجرها ذلك إلى المعاصي فهم شرار الأمة لأن مخ ~~الحنطة يقودهم إلى اقتحام أمور تلك الأمور معاص # وقال صلى الله عليه وسلم شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم ونبتت عليه ~~أجسامهم + حديث شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم الحديث أخرجه ابن عدي في ~~الكامل ومن طريقه البيهقي في شعب الإيمان من حديث فاطمة بنت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وروي من حديث فاطمة بنت الحسين مرسلا قال الدارقطني في ~~العلل أنه أشبه بالصواب ورواه أبو نعيم في الحلية من حديث عائشة بإسناد لا ~~بأس به + وإنما همتهم ألوان الطعام وأنواع اللباس ويتشدقون في الكلام وأوحى ~~الله تعالى إلى موسى عليه السلام اذكر أنك ساكن القبر فإن ذلك يمنعك من ~~كثير الشهوات وقد اشتد خوف السلف من تناول لذيذ الأطعمة وتمرين النفس عليها ~~ورأوا أن ذلك علامة الشقاوة ورأوا منع الله تعالى منه غاية السعادة حتى روي ~~أن وهب بن منبه قال التقى ملكان في السماء الرابعة فقال أحدهما للآخر من ~~أين قال أمرت بسوق حوت من البحر اشتهاه فلان اليهودي لعنه الله وقال الآخر ~~أمرت بإهراق زيت اشتهاه فلان العابد فهذا تنبيه على أن تيسير أسباب الشهوات ~~ليس من علامات الخير ولهذا امتنع عمر رضي الله عنه عن شربة ماء بارد بعسل ~~وقال اعزلوا عني حسابها فلا عبادة لله تعالى أعظم من مخالفة النفس في ~~الشهوات بالشهوات وترك اللذات كما أوردناه في كتاب رياضة النفس وقد روى ~~نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان مريضا فاشتهى سمكة طرية فالتمست له ~~بالمدينة فلم توجد ثم وجدت بعد كذا وكذا فاشتريت له بدرهم ونصف فشويت وحملت ~~إليه على رغيف فقام سائل على الباب فقال للغلام لفها برغيفها وادفعها إليه ~~فقال له الغلام أصلحك الله قد اشتهيتها منذ كذا وكذا فلم نجدها فلما وجدتها ~~اشتريتها بدرهم ونصف فنحن نعطيه ثمنها فقال لفها وادفعها إليه ثم قال ~~الغلام للسائل هل لك أن تأخذ درهما وتتركها قال نعم فأعطاه درهما وأخذها ~~وأتى بها فوضعها بين يديه وقال قد أعطيته درهما وأخذتها منه فقال لفها ~~وادفعها إليه ولا تأخذ منه الدرهم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول أيما امريء اشتهى شهوة فرد شهوته وآثر بها على نفسه غفر الله له + ~~حديث نافع أن ابن عمر كان مريضا فاشتهى سمكة الحديث وفيه سمعت رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم يقول أيما امريء اشتهى شهوة فرد شهوته وآثر بها على ~~نفسه غفر الله له أخرجه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب بإسناد ضعيف جدا ~~ورواه ابن الجوزي في الموضوعات + وقال صلى الله عليه وسلم إذا سددت كلب ~~الجوع برغيف وكوز من الماء القراح فعلى الدنيا وأهلها الدمار + حديث إذا ~~سددت كلب الجوع برغيف وكوز من الماء القراح فعلى الدنيا وأهلها الدمار ~~أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف + ~~أشار إلى أن المقصود رد ألم الجوع والعطش ودفع ضررهما دون التنعم بلذات ~~الدنيا وبلغ عمر رضي الله عنه أن يزيد بن أبي سفيان يأكل أنواع الطعام فقال ~~عمر لمولى له إذا علمت أنه قد حضر عشاؤه فأعلمني فأعلمه فدخل عليه فقرب ~~عشاؤه فأتوه بثريد لحم فأكل معه عمر ثم قرب الشواء وبسط يزيد يده وكف عمر ~~يده وقال الله الله يا يزيد بن أبي سفيان أطعام بعد طعام والذي نفس عمر ~~بيده لئن خالفتم عن سنتهم ليخالفن بكم عن طريقهم وعن يسار بن عمير قال ما ~~نخلت لعمر دقيقا قط إلا وأنا له عاص وروي أن عتبة الغلام كان يعجن دقيقه ~~ويجففه في الشمس ثم يأكله ويقول كسرة وملح حتى يتهيأ في الآخرة الشواء ~~والطعام الطيب وكان يأخذ الكوز فيغرف به من جب كان في الشمس نهاره ~~PageV03P092 فتقول مولاة له يا عتبة لو أعطيتني دقيقك فخبزته لك وبردت لك ~~الماء فيقول لها يا أم فلان قد شردت عني كلب الجوع # قال شقيق بن إبراهيم لقيت إبراهيم بن أدهم بمكة في سوق الليل عند مولد ~~النبي صلى الله عليه وسلم يبكي وهو جالس بناحية من الطريق فعدلت إليه وقعدت ~~عنده وقلت أيش هذا البكاء يا أبا إسحاق فقال خير فعاودته مرة واثنتين ~~وثلاثا فقال يا شقيق استر علي فقلت يا أخي قل ما شئت فقال لي اشتهت نفسي ~~منذ ثلاثين سنة سكباجا فمنعتها جهدي حتى إذا كان البارحة كنت جالسا وقد ~~غلبني النعاس إذ أنا بفتى شاب بيده قدح أخضر يعلوا منه بخار ورائحة سكباج ~~قال فاجتمعت بهمتي عنه فقربه وقال يا إبراهيم كل فقلت ما آكل قد تركته لله ~~عز وجل فقال لي قد أطعمك الله كل فما كان لي جواب إلا أني بكيت فقال لي كل ~~رحمك الله فقلت قد أمرنا أن لا نطرح في وعائنا إلا من حيث نعلم فقال كل ~~عافاك الله فإنما أعطيته فقيل لي يا خضر اذهب بهذا وأطعمه نفس إبراهيم بن ~~أدهم فقد رحمها الله من طول صبرها على ما يحملها من منعها اعلم يا إبراهيم ~~أني سمعت الملائكة يقولون من أعطى فلم يأخذ طلب فلم يعط فقلت إن كان كذلك ~~فها أنا بين يديك لأجل العقد مع الله تعالى ثم التفت فإذا أنا بفتى آخر ~~ناوله شيئا وقال يا خضر لقمه أنت فلم يزل يلقمني حتى نعست فانتبهت وحلاوته ~~في فمي قال شقيق فقلت أرني كفك فأخذت بكفه فقبلتها وقلت يا من يطعم الجياع ~~الشهوات إذا صححوا المنع يا من يقدح في الضمير اليقين يا من يشفي قلوبهم من ~~محبته أترى لشقيق عندك حالا ثم رفعت يد إبراهيم إلى السماء وقلت بقدر هذا ~~الكف عندك وبقدر صاحبه وبالجود الذي وجد منك جد على عبدك الفقير إلى فضلك ~~وإحسانك ورحمتك وإن لم يستحق ذلك قال فقام إبراهيم ومشى حتى أدركنا البيت ~~وروي عن مالك بن دينار أنه بقي أربعين سنة يشتهي لبنا فلم يأكله وأهدى إليه ~~يوما رطب فقال لأصحابه كلوا فما ذقته منذ أربعين سنة وقال أحمد بن أبي ~~الحواري اشتهى أبو سليمان الداراني رغيفا حارا بملح فجئت به إليه فعض منه ~~عضة ثم طرحه وأقبل يبكي وقال عجلت إلى شهوتي بعد إطالة جهدي واشقوتي قد ~~عزمت على التوبة فأقلني قال أحمد فما رأيته أكل الملح حتى لقي الله تعالى ~~وقال مالك بن ضيغم مررت بالبصرة في السوق فنظرت إلى البقل فقالت لي نفسي لو ~~أطعمتني الليلة من هذا فأقسمت أن لا أطعمها إياه أربعين ليلة ومكث مالك بن ~~دينار بالبصرة خمسين سنة ما أكل رطبة لأهل البصرة ولا بسرة قط وقال يا أهل ~~البصرة عشت فيكم خمسين سنة ما أكلت لكم رطبة ولا بسرة فما زاد فيكم ما نقص ~~مني ولا نقص مني ما زاد فيكم وقال طلقت الدنيا منذ خمسين سنة اشتهت نفسي ~~لبنا منذ أربعين سنة فوالله لا أطعمها حتى ألحق بالله تعالى وقال حماد بن ~~أبي حنيفة أتيت داود الطائي والباب مغلق عليه فسمعته يقول نفسي اشتهيت جزرا ~~فأطعمتك جزرا ثم اشتهيت تمرا فآليت أن لا تأكليه أبدا فسلمت ودخلت فإذا هو ~~وحده ومر أبو حازم يوما في السوق فرأى الفاكهة فاشتهاها فقال لابنه اشتر ~~لنا من هذه الفاكهة المقطوعة الممنوعة لعلنا نذهب إلى الفاكهة التي لا ~~مقطوعة ولا ممنوعة فلما اشتراها وأتى بها إليه قال لنفسه قد خدعتيني حتى ~~نظرت واشتهيت وغلبتيني حتى اشتريت والله لأذقتيه فبعث بها إلى يتامى من ~~الفقراء وعن موسى الأشج أنه قال نفسي تشتهي ملحا جريشا منذ عشرين سنة وعن ~~أحمد بن خليفة قال نفسي تشتهي منذ عشرين سنة ما طلبت مني إلا الماء حتى ~~تروى فما أرويتها وروي أن عتبة الغلام اشتهى لحما سبع سنين فلما كان بعد ~~ذلك قال استحييت من نفسي أن أدافعها منذ سبع سنين سنة بعد سنة فاشتريت قطعة ~~لحم على خبز وشويتها PageV03P093 وتركتها على رغيف فلقيت صبيا فقلت ألست ~~أنت ابن فلان وقد مات أبوك قال بلى فناولته إياها قالوا وأقبل يبكي ويقرأ ~~ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما و أسيرا ثم لم يذقه بعد ذلك ومكث ~~يشتهي تمرا سنين فلما كان ذات يوم اشترى تمرا بقيراط ورفعه إلى الليل ليفطر ~~عليه قال فهبت ريح شديدة حتى أظلمت الدنيا ففزع الناس فأقبل عتبة على نفسه ~~يقول هذا لجراءتي عليك وشرائي التمر بالقيراط ثم قال لنفسه ما أظن أخذ ~~الناس إلا بذنبك على أن لا تذوقيه واشترى داود الطائي بنصف فلس بقلا وبفلس ~~خلا وأقبل ليلته كلها يقول لنفسه ويلك يا دواد ما أطول حسابك يوم القيامة ~~ثم لم يأكل بعده إلا قفارا وقال عتبة الغلام يوما لعبد الواحد بن زيد إن ~~فلانا يصف من نفسه منزلة ما أعرفها من نفسي فقال لأنك تأكل مع خبزك تمرا ~~وهو لا يزيد على الخبز شيئا قال فإن أنا تركت أكل التمر عرفت تلك المنزلة ~~قال نعم وغيرها فأخذ يبكي فقال له بعض أصحابه لا أبكي الله عينك أعلى التمر ~~تبكي فقال عبد الواحد دعه فإن نفسه قد عرفت صدق عزمه في الترك وهو إذا ترك ~~شيئا لم يعاوده وقال جعفر بن نصر أمرني الجنيد أن أشتري له التين الوزيري ~~فلما اشتريته أخذ واحدة عند الفطور فوضعها في فمه ثم ألقاها وجعل يبكي ثم ~~قال احمله فقلت له في ذلك فقال هتف بي هاتف أما تستحي تركته من أجلي ثم ~~تعود إليه وقال صالح المري قلت لعطاء السلمي أني متكلف لك شيئا فلا ترد علي ~~كرامتي فقال افعل ما تريد قال فبعثت إليه مع ابني شربة من سويق قد لتته ~~بسمن وعسل فقلت لا تبرح حتى يشربها فلما كان من الغد جعلت له نحوها فردها ~~ولم يشربها فعاتبته ولمته على ذلك وقلت سبحان الله رددت على كرامتي فلما ~~رأى وجدي لذلك قال لا يسوءك هذا إني قد شربتها أول مرة وقد راودت نفسي في ~~المرة الثانية على شربها فلم أقدر على ذلك كلما أردت ذلك ذكرت قوله تعالى ~~@QB@ يتجرعه ولا يكاد يسيغه @QE@ الآية قال صالح فبكيت وقلت في نفسي أنا في ~~واد وأنت في واد آخر وقال السري السقطي نفسي منذ ثلاثين سنة تطالبني أن ~~أغمس جزرة في دبس فما أطعمتها وقال أبو بكر الجلاء أعرف رجلا تقول له نفسه ~~أنا أصبر لك على طي عشرة أيام وأطعمني بعد ذلك شهوة أشتهيها فيقول لها لا ~~أريد أن تطوي عشرة أيام ولكن أتركي هذه الشهوة وروي أن عابدا دعا بعض ~~إخوانه فقرب إليه رغفانا فجعل أخوه يقلب الأرغفة ليختار أجودها فقال له ~~العابد مه أي شيء تصنع أما علمت أن في الرغيف الذي رغبت عنه كذا وكذا حكمة ~~وعمل فيه كذا وكذا صانعا حتى استدار من السحاب الذي يحمل الماء والماء الذي ~~يسقي الأرض والرياح والأرض والبهائم وبني آدم حتى صار إليك ثم أنت بعد هذا ~~تقلبه ولا ترضى به # وفي الخبر لا يستدير الرغيف ويوضع بين يديك حتى يعمل فيه ثلثمائة وستون ~~صانعا أولهم ميكائيل عليه السلام الذي يكيل الماء من خزائن الرحمة ثم ~~الملائكة التي تزجي السحاب والشمس والقمر والأفلاك وملائكة الهواء ودواب ~~الأرض وآخرهم الخباز وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها + حديث لا يستدير ~~الرغيف ويوضع بين يديك حتى يعمل فيه ثلثمائة وستون صانعا أولهم ميكائيل ~~الحديث لم أجد له أصل وقال بعضهم أتيت قاسما الجرعي فسألت عن الزهد أي شيء ~~هو فقال أي شيء سمعت فيه فعددت أقوالا فسكت فقلت أي شيء تقول أنت فقال اعلم ~~أن البطن دنيا العبد فبقدر ما يملك من بطنه يملك من الزهد وبقدر ما يملكه ~~بطنه تملكه الدنيا وكان بشر بن الحرث قد اعتل مرة فأتى عبد الرحمن الطبيب ~~يسأله عن شيء يوافقه من المأكولات فقال تسألني فإذا وصفت لك لم تقبل مني ~~قال صف لي حتى أسمع قال تشرب سكنجبينا وتمص سفرجلا وتأكل PageV03P094 بعد ~~ذلك اسفيذباجا فقال له بشر هل تعلم شيئا أقل من السكنجبين يقوم مقامه قال ~~لا قال أنا أعرف قال ما هو قال الهندبا بالخل ثم قال أتعرف شيئا أقل من ~~السفرجل يقوم مقامه قال لا قال أنا اعرف قال ما هو قال الخرنوب الشامي قال ~~فتعرف شيئا أقل من الاسفيذباج يقوم مقامه قال لا قال أنا أعرف ماء الحمص ~~بسمن البقر في معناه فقال له عبد الرحمن أنت اعلم مني بالطب فلم تسألني # فقد عرفت بهذا أن هؤلاء امتنعوا من الشهوات ومن الشبع من الأقوات وكان ~~امتناعهم للفوائد التي ذكرناها وفي بعض الأوقات لأنهم كانوا لا يصفو لهم ~~الحلال فلم يرخصوا لأنفسهم إلا في قدر الضرورة والشهوات ليست من الضرورات ~~حتى قال أبو سليمان الملح شهوة لأنه زيادة على الخبز وما وراء الخبز شهوة ~~وهذا هو النهاية فمن لم يقدر على ذلك فينبغي أن لا يغفل عن نفسه ولا ينهمك ~~في الشهوات فكفى بالمرء إسرافا أن يأكل كل ما يشتهيه ويفعل كل ما يهواه ~~فينبغي أن لا يواظب على أكل اللحم وقال علي كرم الله وجهه من ترك اللحم ~~أربعين يوما ساء خلقه ومن داوم عليه أربعين يوما قسا قلبه وقيل إن للمداومة ~~على اللحم ضراوه كضراوة الخمر ومهما كان جائعا وتاقت نفسه إلى الجماع فلا ~~ينبغي أن يأكل ويجامع فيعطي نفسه شهوتين فتقوى عليه وربما طلبت النفس الأكل ~~لينشط في الجماع ويستحب أن لا ينام على الشبع فيجمع بين غفلتين فيعاد ~~الفتور ويقسو قلبه لذلك ولكن ليصل أو ليجلس فيذكر الله تعالى فإنه أقرب إلى ~~الشكر وفي الحديث أذيبوا طعامكم بالذكر والصلاة ولا تناموا عليه فتقسو ~~قلوبكم + حديث أذيبوا طعامكم بالصلاة والذكر ولا تناموا عليه فتقسو قلوبكم ~~أخرجه الطبراني وابن السني في اليوم والليلة من حديث عائشة بسند ضعيف + ~~وأقل ذلك أن يصلي أربع ركعات أو يسبح مائة تسبيحة أو يقرأ جزءا من القرآن ~~عقيب أكله فقد كان سفيان الثوري إذا شبع ليلة أحياها وإذا شبع في يوم واصله ~~بالصلاة والذكر وكان يقول أشبع الزنجي وكده ومرة يقول أشبع الحمار وكده ~~ومهما اشتهى شيئا من الطعام وطيبات الفواكه فينبغي أن يترك الخبز ويأكلها ~~بدلا منه لتكون قوتا ولا تكون تفكها لئلا يجمع للنفس بين عادة وشهوة نظر ~~سهل إلى ابن سالم وفي يده خبز وتمر فقال له ابدأ بالتمر فإن قامت كفايتك به ~~وإلا أخذت من الخبز بعده بقدر حاجتك ومهما وجد طعاما لطيفا وغليظا فليقدم ~~اللطيف فإنه لا يشتهي الغليظ بعده ولو قدم الغليظ لأكل اللطيف أيضا للطافته ~~وكان بعضهم يقول لأصحابه لا تأكلوا الشهوات فإن أكلتموها فلا تطلبوها فإن ~~طلبتموها فلا تحبوها وطلب بعض أنواع الخبز شهوة قال عبد الله ابن عمر رحمة ~~الله عليهما ما تأتينا من العراق فاكهة أحب إلينا من الخبز فرأى ذلك الخبز ~~فاكهة # وعلى الجملة لا سبيل إلى إهمال النفس في الشهوات المباحات واتباعها بكل ~~حال فبقدر ما يستوفي العبد من شهوته يخشى أن يقال له يوم القيامة @QB@ ~~أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها @QE@ وبقدر ما يجاهد نفسه ~~ويترك شهوته يتمتع في الدار الآخر بشهواته قال بعض أهل البصرة نازعتني نفسي ~~خبز أرز وسمكا فمنعتها فقويت مطالبتها واشتدت مجاهدتي لها عشرين سنة فلما ~~مات قال بعضهم رأيته في المنام فقلت ماذا فعل الله بك قال لا أحسن أن أصف ~~ما تلقاني به ربي من النعم والكرامات وكان أول شيء استقبلني به خبز أرز ~~وسمكا وقال كل اليوم شهوتك هنيئا بغير حساب وقد قال تعالى @QB@ كلوا ~~واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية @QE@ وكانوا قد أسلفوا ترك ~~الشهوات ولذلك قال أبو سليمان ترك شهوة من الشهوات أنفع للقلب من صيام سنة ~~وقيامها وفقنا الله لما يرضيه PageV03P095 # | بيان اختلاف حكم الجوع وفضيلته واختلاف أحوال الناس فيه # اعلم أن المطلوب الأقصى في جميع الأمور والأخلاق الوسط إذ خير الأمور ~~أوساطها وكلا طرفي قصد الأمور ذميم وما أوردناه في فضائل الجوع ربما يوميء ~~إلى أن الإفراط فيه مطلوب وهيهات ولكن من أسرار حكمة الشريعة أن كل ما يطلب ~~الطبع فيه الطرف الأقصى وكان فيه فساد جاء الشرع بالمبالغة في المنع منه ~~على وجه يوميء عند الجاهل إلى أن المطلوب مضادة ما يقتضيه الطبع بغاية ~~الإمكان والعالم يدرك أن المقصود الوسط لأن الطبع إذا طلب غاية الشبع ~~فالشرع ينبغي أن يمدح غاية الجوع حتى يكون الطبع باعثا والشرع مانعا ~~فيتقاومان ويحصل الاعتدال فإن من يقدر على قمع الطبع بالكلية بعيد فيعلم ~~أنه لا ينتهي إلى الغاية فإنه إن أسرف مسرف في مضادة الطبع كان في الشرع ~~أيضا ما يدل على إساءته كما أن الشرع بالغ في الثناء على قيام الليل وصيام ~~النهار ثم لما علم النبي صلى الله عليه وسلم من حال بعضهم أنه يصوم الدهر ~~كله ويقوم الليل كله نهى عنه + حديث النهي عن صوم الدهر كله وقيام الليل ~~كله تقدم + # فإذا عرفت هذا فاعلم أن الأفضل بالإضافة إلى الطبع المعتدل أن يأكل بحيث ~~لا يحس بثقل المعدة ولا يحس بألم الجوع بل ينسى بطنه فلا يؤثر فيه الجوع ~~أصلا فإن مقصود الأكل بقاء الحياة وقوة العبادة وثقل المعدة يمنع من ~~العبادة وألم الجوع أيضا يشغل القلب ويمنع منها فالمقصود أن يأكل أكلا لا ~~يبقي للمأكول فيه أثر ليكون متشبها بالملائكة فإنهم مقدسون عن ثقل الطعام ~~وألم الجوع وغاية الإنسان الاقتداء بهم وإذا لم يكن للإنسان خلاص من الشبع ~~والجوع فأبعد الأحوال عن الطرفين الوسط وهو الاعتدال # ومثال طلب الآدمي البعد عن هذه الأطراف المتقابلة بالرجوع إلى الوسط مثال ~~نملة ألقيت في وسط حلقة محمية على النار مطروحة على الأرض فإن النملة تهرب ~~من حرارة الحلقة وهي محيطة بها لا تقدر على الخروج منها فلا تزال تهرب حتى ~~تستقر على المركز الذي هو الوسط فلو ماتت ماتت على الوسط لأن الوسط هو أبعد ~~المواضع عن الحرارة التي في الحلقة المحيطة فكذلك الشهوات محيطة بالإنسان ~~إحاطة تلك الحلقة بالنملة والملائكة خارجون عن تلك الحلقة ولا مطمع للإنسان ~~في الخروج وهو يريد أن يتشبه بالملائكة في الخلاص فأشبه أحواله بهم البعد ~~وأبعد المواضع عن الأطراف الوسط فصار الوسط مطلوبا في جميع هذه الأحوال ~~المتقابلة وعنه عبر بقوله صلى الله عليه وسلم خير الأمور أوساطها + حديث ~~خير الأمور أوساطها أخرجه البيهقي في الشعب مرسلا وقد تقدم + وإليه الإشارة ~~بقوله تعالى @QB@ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا @QE@ ومهما لم يحس الإنسان بجوع ~~ولا شبع تيسرت له العبادة والفكر وخف في نفسه وقوى على العمل مع خفته ولكن ~~هذا بعد اعتدال الطبع # أما في بداية الأمر إذا كانت النفس جموحا متشوقة إلى الشهوات مائلة إلى ~~الإفراط فالاعتدال لا ينفعها بل لا بد من المبالغة في إيلامها بالجوع كما ~~يبالغ في إيلام الدابة التي ليست مروضة بالجوع والضرب وغيره إلى أن تعتدل ~~فإذا ارتاضت واستوت ورجعت إلى الاعتدال ترك تعذيبها وإيلامها ولأجل هذا ~~السر يأمر الشيخ مريده بما لا يتعاطاه هو في نفسه فيأمره بالجوع وهو لا ~~يجوع ويمنعه الفواكه والشهوات وقد لا يمتنع هو منها لأنه قد فرغ من تأديب ~~نفسه فاستغنى عن التعذيب ولما كان أغلب أحوال النفس الشره والشهوة والجماح ~~والامتناع عن العبادة كان الأصلح لها الجوع الذي تحس بألمه في أكثر الأحوال ~~لتنكسر نفسه والمقصود أن تنكسر حتى PageV03P096 تعتدل فترد بعد ذلك الغذاء ~~أيضا إلى الاعتدال وإنما يمتنع من ملازمة الجوع من سالكي طريق الآخرة إما ~~صديق وإما مغرور أحمق # أما الصديق المستقيم فلاستقامة نفسه على الصراط المستقيم واستغنائه عن أن ~~يساق بسياط الجوع إلى الحق وأما المغرور فلظنه بنفسه أنه الصديق المستغني ~~عن تأديب نفسه الظان بها خيرا وهذا غرور عظيم وهو الأغلب فإن النفس قلما ~~تتأدب تأدبا كاملا وكثيرا ما تغتر فتنظر إلى الصديق ومسامحته نفسه في ذلك ~~فيسامح نفسه كالمريض ينظر إلى من قد صح من مرضه فيتناول ما يتناوله ويظن ~~بنفسه الصحة فيهلك والذي يدل على أن تقدير الطعام بمقدار يسير في وقت مخصوص ~~ونوع مخصوص ليس مقصودا في نفسه وإنما هو مجاهدة نفس متنائية عن الحق غير ~~بالغة رتبة الكمال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له تقدير وتوقيت ~~لطعامه # قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى ~~نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم + حديث عائشة كان يصوم حتى نقول لا ~~يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم متفق عليه + وكان يدخل على أهله فيقول هل ~~عندكم من شيء فإن قالوا نعم أكل وإن قالوا لا قال إني إذن صائم + حديث كان ~~يدخل على أهله فيقول هل عندكم من شيء فإن قالوا نعم أكل وإن قالوا لا قال ~~إني صائم أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي من حديث عائشة وهو عند ~~مسلم بنحوه كما سيأتي # وكان يقدم إليه الشيء فيقول أما إني قد أردت الصوم ثم يأكل + حديث كان ~~يقدم إليه الشيء فيقول أما إني كنت أريد الصوم أخرجه البيهقي من حديث عائشة ~~بلفظ وإن كنت قد فرضت الصوم وقال إسناد صحيح وعند مسلم قد كنت أصبحت صائما ~~+ وخرج صلى الله عليه وسلم يوما وقال إني صائم فقالت له عائشة رضي الله ~~عنها قد أهدى إلينا حيس فقال كنت أردت الصوم ولكن قربيه + حديث خرج وقال ~~إني صائم فقالت عائشة يا رسول الله قد أهدى إلينا حيس فقال كنت أردت الصوم ~~ولكن قربيه أخرجه مسلم بلفظ قد كنت أصبحت صائما وفي رواية له أدنيه فقد ~~أصبحت صائما فأكل وفي لفظ للبيهقي إني كنت أريد الصوم ولكن قربيه + # ولذلك حكي عن سهل أنه قيل له كيف كنت في بدايتك فأخبر بضروب من الرياضات ~~منها أنه كان يقتات ورق النبق مدة ومنها أنه أكل دقاق التين مدة ثلاث سنين ~~ثم ذكر أنه اقتات بثلاثة دراهم في ثلاث سنين فقيل له فكيف أنت في وقتك هذا ~~فقال آكل بلا حد ولا توقيت وليس المراد بقوله بلا حد ولا توقيت أني آكل ~~كثيرا بل أني لا أقدر بمقدار واحد ما آكله وقد كان معروف الكرخي يهدي إليه ~~طيبات الطعام فيأكل فقيل له إن أخاك بشرا لا يأكل مثل هذا فقال إن أخي بشرا ~~قبضه الورع وأنا بسطتني المعرفة ثم قال إنما أنا ضيف في دار مولاي فإذا ~~أطعمني أكلت وإذا جوعني صبرت مالي والاعتراض والتمييز ودفع إبراهيم بن أدهم ~~إلى بعض إخوانه دراهم وقال خذ لنا بهذه الدراهم زبدا وعسلا وخبزا حواريا ~~فقيل يا أبا إسحاق بهذا كله قال ويحك إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال وإذا ~~عدمنا صبرنا صبر الرجال وأصلح ذات يوم طعاما كثيرا ودعا إليه نفرا يسيرا ~~فيهم الأوزاعي والثوري فقال له الثوري يا أبا إسحاق أما تخاف أن يكون هذا ~~إسرافا فقال ليس في الطعام إسراف إنما الإسراف في اللباس والأثاث # فالذي أخذ العلم من السماع والنقل تقليدا يرى هذا من إبراهيم بن أدهم ~~ويسمع عن مالك بن دينار أنه قال ما دخل بيتي الملح منذ عشرين سنة وعن سري ~~السقطي أنه منذ أربعين سنة يشتهي أن يغمس جزرة في دبس فما فعل فيراه ~~متناقضا فيتحير أو يقطع بأن أحدهما مخطئ والبصير بأسرار القول يعلم أن كل ~~ذلك حق ولكن بالإضافة إلى PageV03P097 اختلاف الأحوال ثم هذه الأحوال ~~المختلفة يسمعها فطن محتاط أو غبي مغرور فيقول المحتاط ما أنا من جملة ~~العارفين حتى أسامح نفسي فليس نفسي أطوع من نفس سري السقطي ومالك بن دينار ~~وهؤلاء من الممتنعين عن الشهوات فيقتدي بهم والمغرور يقول ما نفسي بأعصى ~~على من نفس معروف الكرخي وإبراهيم بن أدهم فاقتدى بهم وأرفع التقدير في ~~مأكولي فأنا أيضا ضيف في دار مولاي فمالي وللاعتراض ثم إنه لو قصر أحد في ~~حقه وتوقيره أو في ماله وجاهه بطريقة واحدة قامت القيامة عليه واشتغل ~~بالاعتراض وهذا مجال رحب للشيطان مع الحمقى بل رفع التقدير في الطعام ~~والصيام وأكل الشهوات لا يسلم إلا لمن ينظر من مشكاة الولاية والنبوة فيكون ~~بينه وبين الله علامة في استرساله وانقباضه ولا يكون ذلك إلا بعد خروج ~~النفس عن طاعة الهوى والعادة بالكلية حتى يكون أكله إذا أكل على نية كما ~~يكون إمساكه بنية فيكون عاملا لله في أكله وإفطاره فينبغي أن يتعلم الحزم ~~من عمر رضي الله عنه فإنه كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل ~~ويأكله + حديث كان يحب العسل ويأكله متفق عليه من حديث عائشة كان يحب ~~الحلواء والعسل الحديث وفيه قصة شربه العسل عند بعض نسائه ثم لم يقس نفسه ~~عليه بل لما عرضت عليه شربة باردة ممزوجة بعسل جعل يدير الإناء في يده ~~ويقول أشربها وتذهب حلاوتها وتبقى تبعتها اعزلوا عني حسابها وتركها # وهذه الأسرار لا يجوز لشيخ أن يكاشف بها مريده بل يقتصر على مدح الجوع ~~فقط ولا يدعوه إلى الاعتدال فإنه يقصر لا محال عما يدعوه إليه فينبغي أن ~~يدعوه إلى غاية الجوع حتى يتيسر له الاعتدال # ولا يذكر له أن العارف الكامل يستغني عن الرياضة فإن الشيطان يجد متعلقا ~~من قلبه فيلقي إليه كل ساعة إنك عارف كامل وما الذي فاتك من المعرفة ~~والكمال بل كان من عادة إبراهيم الخواص أن يخوض مع المريد في كل رياضة كان ~~يأمره بها كيلا يخطر بباله أن الشيخ يأمره بما لم يفعل فينفره ذلك من ~~رياضته والقوي إذا اشتغل بالرياضة وإصلاح الغير لزمه النزول إلى حد الضعفاء ~~تشبها بهم وتلطفا في سياقتهم إلى السعادة وهذا ابتلاء عظيم للأنبياء ~~والأولياء وإذا كان الاعتدال خفيا في حق كل شخص فالحزم والاحتياط ينبغي أن ~~لا يترك في كل حال ولذلك أدب عمر رضي الله عنه ولده عبد الله إذ دخل عليه ~~فوجده يأكل لحما مأدوما بسمن فعلاه بالدرة وقال لا أم لك كل يوما خبزا ~~ولحما ويوما خبزا ولبنا ويوما خبزا وسمنا ويوما خبزا وزيتا ويوما خبزا ~~وملحا ويوما خبزا قفارا وهذا هو الاعتدال فأما المواظبة على اللحم والشهوات ~~فإفراط وإسراف ومهاجرة اللحم بالكلية إقتار وهذا قوام بين ذلك والله تعالى ~~أعلم # | بيان آفة الرياء المتطرق إلى من ترك أكل الشهوات وقلل الطعام # اعلم أنه يدخل على تارك الشهوات آفتان عظيمتان هما أعظم من أكل الشهوات # إحداهما أن لا تقدر النفس على ترك بعض الشهوات فتشتهيها ولكن لا يريد أن ~~يعرف بأنه يشتهيها فيخفى الشهوة ويأكل في الخلوة ما لا يأكل مع الجماعة ~~وهذا هو الشرك الخفي سئل بعض العلماء عن بعض الزهاد فسكت عنه فقيل له هل ~~تعلم به بأسا قال يأكل في الخلوة ما لا يأكل مع الجماعة وهذه آفة عظيمة بل ~~حق العبد إذا ابتلى بالشهوات وحبها أن يظهرها فإن هذا صدق الحال وهو بدل عن ~~فوات المجاهدات بالأعمال فإن إخفاء النقص وإظهار ضده من الكمال هو نقصانان ~~متضاعفان والكذب مع الإخفاء كذبان فيكون مستحقا لمقتين ولا يرضى منه إلا ~~بتوبتين صادقتين PageV03P098 ولذلك شدد أمر المنافقين فقال تعالى @QB@ إن ~~المنافقين في الدرك الأسفل من النار @QE@ لأن الكافر كفر وأظهر وهذا كفر ~~وستر فكان ستره لكفره كفرا آخر لأنه استخف بنظر الله سبحانه وتعالى إلى ~~قلبه وعظم نظر المخلوقين فمحا الكفر عن ظاهره والعارفون يبتلون بالشهوات بل ~~بالمعاصي ولا يبتلون بالرياء والغش والإخفاء بل كمال العارف أن يترك ~~الشهوات لله تعالى ويظهر من نفسه الشهوة إسقاطا لمنزلته من قلوب الخلق وكان ~~بعضهم يشتري الشهوات ويعلقها في البيت وهو فيها من الزاهدين وإنما يقصد به ~~تلبيس حاله ليصرف عنه نفسه قلوب الغافلين حتى لا يشوشون عليه حاله # فنهاية الزهد الزهد في الزهد بإظهار ضده وهذا عمل الصديقين فإنه جمع بين ~~صدقين كما أن الأول جمع بين كذبين وهذا قد حمل على النفس ثقلين وجرعها كأس ~~الصبر مرتين مرة بشربه ومرة برميه فلا جرم أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما ~~صبروا وهذا يضاهي طريق من يعطي جهرا فيأخذ ويرد سرا ليكسر نفسه بالذل جهرا ~~وبالفقر سرا فمن فاته هذا فلا ينبغي أن يفوته إظهار شهوته ونقصانه والصدق ~~فيه ولا ينبغي أن يغره قول الشيطان إنك إذا أظهرت اقتدى بك غيرك فاستره ~~إصلاحا لغيرك فإنه لو قصد إصلاح غيره لكان إصلاح نفسه أهم عليه من غيره ~~فهذا إنما يقصد الرياء المجرد ويروجه الشيطان عليه في معرض إصلاح غيره ~~فلذلك ثقل عليه ظهور ذلك منه واعلم أن من اطلع عليه ليس يقتدي به في الفعل ~~أو لا ينزجر باعتقاده أنه تارك للشهوات # الآفة الثانية أن يقدر على ترك الشهوات لكنه يفرح أن يعرف به فيشتهر ~~بالتعفف عن الشهوات فقد خالف شهوة ضعيفة وهي شهوة الأكل وأطاع شهوة هي شر ~~منها وهي شهوة الجاه وتلك هي الشهوة الخفية فمهما أحس بذلك من نفسه فكسر ~~هذه الشهوة آكد من كسر شهوة الطعام فليأكل فهو أولى له قال أبو سليمان إذا ~~قدمت إليك شهوة وقد كنت تاركا لها فأصب منها شيئا يسيرا ولا تعط نفسك مناها ~~فتكون قد أسقطت عن نفسك الشهوة وتكون قد نغصت عليها إذا لم تعطها شهوتها ~~وقال محمد بن جعفر الصادق إذا قدمت إلى شهوة نظرت إلى نفسي فإن هي أظهرت ~~شهوتها أطعمتها منها وكان ذلك أفضل من منعها وإن أخفت شهوتها وأظهرت العزوب ~~عنها عاقبتها بالترك ولم أنلها منها شيئا وهذا طريق في عقوبة النفس على هذه ~~الشهوة الخفية # وبالجملة من ترك شهوة الطعام ووقع في شهوة الرياء كان كمن هرب من عقرب ~~وفزع إلى حية لأن شهوة الرياء أضر كثيرا من شهوة الطعام والله ولي التوفيق # | القول في شهوة الفرج # اعلم أن شهوة الوقاع سلطت على الإنسان لفائدتين إحداهما أن يدرك لذته ~~فيقيس به لذات الآخرة # فإن لذة الوقاع لو دامت لكانت أقوى لذات الأجساد كما أن النار وآلامها ~~أعظم آلام الجسد والترغيب والترهيب يسوق الناس إلى سعادتهم وليس ذلك إلا ~~بألم محسوس ولذة محسوسة مدركة فإن ما لا يدرك بالذوق لا يعظم إليه الشوق # الفائدة الثانية بقاء النسل ودوام الوجود فهذه فائدتها ولكن فيها من ~~الآفات ما يهلك الدين والدنيا إن لم تضبط ولم تقهر ولم ترد إلى حد الاعتدال ~~وقد قيل في تأويل قوله تعالى @QB@ ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به @QE@ ~~معناه شدة الغلمة وعن ابن عباس في قوله تعالى @QB@ ومن شر غاسق إذا وقب ~~@QE@ قال هو قيام الذكر وقد أسنده بعض الرواة إلى رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم إلا أنه قال في تفسيره الذكر إذا دخل وقد قيل إذا PageV03P099 قام ذكر ~~الرجل ذهب ثلثا عقله + حديث ابن عباس موقوفا مسندا في قوله تعالى @QB@ ومن ~~شر غاسق إذا وقب @QE@ قال هو قيام الذكر وقال الذي أسنده الذكر إذا دخل هذا ~~حديث لا أصل له + وكان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم إني أعوذ بك ~~من شر سمعي وبصري وقلبي وهني ومني + حديث اللهم أني أعوذ بك من شر سمعي ~~وبصري وقلبي وهني ومني تقدم في الدعوات + وقال صلى الله عليه وسلم النساء ~~حبائل الشيطان ولولا هذه الشهوة لما كان للنساء سلطنة على الرجال + حديث ~~النساء حبائل الشيطان أخرجه الأصفهاني في الترغيب والترهيب من حديث خالد بن ~~زيد الجهني بإسناد فيه جهالة + # روي أن موسى عليه السلام كان جالسا في بعض مجالسه إذا أقبل إليه إبليس ~~وعليه برنس يتلون فيه ألوانا فلما دنا منه خلع البرنس فوضعه ثم أتاه فقال ~~السلام عليك يا موسى فقال له موسى من أنت فقال أنا إبليس فقال لا حياك الله ~~ما جاء بك قال جئت لأسلم عليك لمنزلتك من الله ومكانتك منه قال فما الذي ~~رأيت عليك قال برنس أختطف به قلوب بني آدم قال فما الذي إذا صنعه الإنسان ~~استحوذت عليه قال إذا أعجبته نفسه واستكثر عمله ونسي ذنوبه وأحذرك ثلاثا لا ~~تخل بامرأة لا تحل لك فإنه ما خلا رجل بامرأة لا تحل له إلا كنت صاحبه دون ~~أصحابي حتى أفتنه بها وأفتنها به ولا تعاهد الله عهدا إلا وفيت به ولا ~~تخرجن صدقة إلا أمضيتها فإنه ما أخرج رجل صدقة فلم يمضها إلا كنت صاحبه دون ~~أصحابي حتى أحول بينه وبين الوفاء بها ثم ولى وهو يقول علم موسى ما يحذر به ~~بني آدم وعن سعيد بن المسيب قال ما بعث الله نبيا فيما خلا إلا لم ييأس ~~إبليس أن يهلكه بالنساء ولا شيء أخوف عندي منهن وما بالمدينة بيت أدخله إلا ~~بيتي وبيت ابنتي أغتسل فيه يوم الجمعة ثم أروح وقال بعضهم إن الشيطان يقول ~~للمرأة أنت نصف جندي وأنت سهمي الذي أرمي به فلا أخطيء وأنت موضع سري وأنت ~~رسولي في حاجتي فنصف جنده الشهوة ونصف جنده الغضب # وأعظم الشهوات شهوة النساء وهذه الشهوة أيضا لها إفراط وتفريط واعتدال ~~فالإفراط ما يقهر العقل حتى يصرف همة الرجال إلى الاستمتاع بالنساء ~~والجواري فيحرم عن سلوك طريق الآخرة أو يقهر الدين حتى يجر إلى اقتحام ~~الفواحش وقد ينتهي إفراطها بطائفة إلى أمرين شنيعين # أحدهما أن يتناولوا ما يقوي شهواتهم على الاستكثار من الوقاع كما قد ~~يتناول بعض الناس أدوية تقوي المعدة لتعظم شهوة الطعام وما مثال ذلك إلا ~~كمن ابتلى بسباع ضارية وحيات عادية فتنام عنه في بعض الأوقات فيحتال ~~لإثارتها وتهييجها ثم يشتغل بإصلاحها وعلاجها فإن شهوة الطعام والوقاع على ~~التحقيق آلام يريد الإنسان الخلاص منها فيدرك لذة بسبب الخلاص # فإن قلت فقد روي في غريب الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ~~شكوت إلى جبرائيل ضعف الوقاع فأمرني بأكل الهريسة + حديث شكوت إلى جبريل ~~ضعف الوقاع فأمرني بأكل الهريسة أخرجه العقيلي في الضعفاء والطبراني في ~~الأوسط من حديث حذيفة وقد تقدم وهو موضوع + فاعلم أنه صلى الله عليه وسلم ~~كان تحته تسع نسوة ووجب عليه تحصينهن بالإمتاع وحرم على غيره نكاحهن وإن ~~طلقهن فكان طلبه القوة لهذا لا للتمتع # والأمر الثاني أنه قد تنتهي هذه الشهوة ببعض الضلال إلى العشق وهو غاية ~~الجهل بما وضع له الوقاع وهو مجاوزة في البهيمية لحد البهائم لأن المتعشق ~~ليس يقنع بإراقة شهوة الوقاع وهي أقبح الشهوات وأجدرها أن يستحي منه حتى ~~اعتقد أن الشهوة لا تنقضي إلا من محل واحد والبهيمة تقضي الشهوة أين اتفق ~~فتكتفي به وهذا لا يكتفي PageV03P100 إلا بشخص واحد معين حتى يزداد به ذلا ~~إلى ذل وعبودية إلى عبودية وحتى يستسخر العقل لخدمة الشهوة وقد خلق ليكون ~~مطاعا لا ليكون خادما للشهوة ومحتالا لأجلها وما العشق إلا سعة إفراط ~~الشهوة وهو مرض قلب فارغ لا هم له وإنما يجب الاحتراز من أوائله بترك ~~معاودة النظر والفكر وإلا فإذا استحكم عسر دفعه فكذلك عشق المال والجاه ~~والعقار والأولاد حتى حب اللعب بالطيور والنرد والشطرنج فإن هذه الأمور قد ~~تستولي على طائفة بحيث تنغص عليهم الدين والدنيا ولا يصبرون عنها ألبتة # ومثال من يكثر سورة العشق في أول انباعثه مثال من يصرف عنان الدابة عند ~~توجهها إلى باب لتدخله وما أهون منعها بصرف عنانها ومثال من يعالجها بعد ~~استحكامها مثل من يترك الدابة حتى تدخل وتجاوز الباب ثم يأخذ بذنبها ويجرها ~~إلي ورائها وما أعظم التفاوت بين الأمرين في اليسر والعسر فليكن الاحتياط ~~في بدايات الأمور فأما في آواخرها فلا تقبل العلاج إلا بجهد جهيد يكاد يؤدي ~~إلى نزع الروح # فإذن إفراط الشهوة أن يغلب العقل إلى هذا الحد وهو مذموم جدا وتفريطها ~~بالعنة أو بالضعف عن إمتاع المنكوحة وهو أيضا مذموم وإنما المحمود أن تكون ~~معتدلة ومطيعة للعقل والشرع في انقباضها وانبساطها ومهما أفرطت فكسرها ~~بالجوع والنكاح قال صلى الله عليه وسلم معاشر الشباب عليكم بالباءة فمن لم ~~يستطع فعليه بالصوم فالصوم له وجاء + حديث معاشر الشباب من استطاع منكم ~~النكاح فليتزوج الحديث تقدم في النكاح + # | بيان ما على المريد في ترك التزويج وفعله # اعلم أن المريد في ابتداء أمره ينبغي أن لا يشغل نفسه بالتزويج فإن ذلك ~~شغل شاغل يمنعه من السلوك ويستجره إلى الأنس بالزوجة ومن أنس بغير الله ~~تعالى شغل عن الله ولا يغرنه كثرة نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه ~~كان لا يشغل قلبه جميع ما في الدنيا عن الله تعالى + حديث كان لا يشغل قلبه ~~عن الله تعالى جميع ما في الدنيا تقدم + فلا تقاس الملائكة بالحدادين ولذلك ~~قال أبو سليمان الداراني من تزوج فقد ركن إلى الدنيا وقال ما رأيت مريدا ~~تزوج فثبت على حاله الأول وقيل له مرة ما أحوجك إلى امرأة تأنس بها فقال لا ~~آنسني الله بها أي أن الأنس بها يمنع الأنس بالله تعالى وقال أيضا كل ما ~~شغلك عن الله من أهل ومال وولد فهو عليك مشئوم فكيف يقاس غير رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم به وقد كان استغراقه بحب الله تعالى بحيث كان يجد احتراقه ~~فيه إلى حد كان يخشى منه في بعض الأحوال أن يسري ذلك إلى قالبه فيهدمه ~~فلذلك كان يضرب بيده على فخذ عائشة أحيانا ويقول كلميني يا عائشة لتشغله ~~بكلامها عن عظيم ما هو فيه لقصور طاقة قالبه عنه + حديث كان يضرب يده على ~~فخذ عائشة أحيانا ويقول كلميني يا عائشة لم أجد له أصلا + فقد كان طبعه ~~الأنس بالله عز وجل وكان أنسه بالخلق عارضا رفقا ببدنه ثم إنه كان لا يطيق ~~الصبر مع الخلق إذا جالسهم فإذا ضاق صدره قال أرحنا بها يا بلال + حديث ~~أرحنا بها يا بلال تقدم في الصلاة + حتى يعود إلى ما هو قرة عينه + حديث أن ~~الصلاة كانت قرة عينه تقدم أيضا فالضعيف إذا لاحظ أحواله في مثل هذه الأمور ~~فهو مغرور لأن الأفهام تقصر عن الوقوف على أسرار أفعاله صلى الله عليه وسلم ~~فشرط المريد العزبة في الابتداء إلى أن يقوى في المعرفة هذا إذا لم تغلبه ~~الشهوة فإن غلبته الشهوة فليكسرها بالجوع الطويل والصوم الدائم فإن لم ~~تنقمع الشهوة بذلك وكان بحيث لا يقدر على حفظ العين مثلا وإن قدر على حفظ ~~الفرج فالنجاح له أولى لتسكن الشهوة وإلا فمهما لم يحفظ عينه لم يحفظ عليه ~~فكره PageV03P101 ويتفرق عليه همه وربما وقع في بلية لا يطيقها وزنا العين ~~من كبائر الصغائر وهو يؤدي إلى القرب على الكبيرة الفاحشة وهي زنا الفرج ~~ومن لم يقدر على غض بصره لم يقدر على حفظ فرجه قال عيسى عليه السلام إياكم ~~والنظرة فإنها تزرع في القلب شهوة وكفى بها فتنة وقال سعيد بن جبير إنما ~~جاءت الفتنة لداود عليه السلام من قبل النظرة ولذلك قال لابنه عليه السلام ~~يا بني امش خلف الأسد والأسود ولا تمش خلف المرأة وقيل ليحيى عليه السلام ~~ما بدء الزنا قال النظر والتمني وقال الفضيل يقول إبليس هو قوسي القديمة ~~وسهمي الذي لا أخطيء به يعني النظر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركها خوفا من الله تعالى أعطاه الله ~~تعالى إيمانا يجد حلاوته في قلبه + حديث النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ~~الحديث تقدم أيضا + وقال صلى الله عليه وسلم ما تركت بعدي فتنة أضر على ~~الرجال من النساء + حديث ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء متفق ~~عليه من حديث أسامة بن زيد + # وقال صلى الله عليه وسلم اتقوا فتنة الدنيا وفتنة النساء فإن أول فتنة ~~بني إسرائيل كانت من قبل النساء + حديث اتقوا فتنة الدنيا وفتنة النساء فإن ~~أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري + ~~وقال تعالى @QB@ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم @QE@ الآية وقال صلى الله ~~عليه وسلم لكل ابن آدم حظ من الزنا فالعينان تزنيان وزناهما النظر واليدان ~~تزنيان وزناهما البطش والرجلان تزنيان وزناهما المشي والفم يزني وزناه ~~القبلة والقلب يهم أو يتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه + حديث لكل ابن آدم ~~حظه من الزنا فالعينان تزنيان الحديث أخرجه مسلم والبيهقي واللفظ له من ~~حديث أبي هريرة واتفق عليه الشيخان من حديث ابن عباس نحوه + وقالت أم سلمة ~~استأذن ابن أم مكتوم الأعمى على رسول الله وأنا وميمونة جالستانفقال صلى ~~الله عليه وسلم احتجبا فقلنا أو ليس بأعمى لا يبصر فقال وأنتما لا تبصرانه ~~+ حديث أم سلمة استأذن ابن أم مكتوم الأعمى وأنا وميمونة جالستان فقال ~~احتجبا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح + وهذا يدل ~~على أنه لا يجوز للنساء مجالسة العميان كما جرت به العادة في المآتم ~~والولائم فيحرم على الأعمى الخلوة بالنساء ويحرم على المرأة مجالسة الأعمى ~~وتحديق النظر إليه لغير حاجة وإنما جوز للنساء محادثة الرجال والنظر إليهم ~~لأجل عموم الحاجة وإن قدر على حفظ عينه عن النساء ولم يقدر على حفظها عن ~~الصبيان فالنكاح أولى به فإن الشر في الصبيان أكثر فإنه لو مال قلبه إلى ~~امرأة أمكنه الوصول إلى استباحتها بالنكاح والنظر إلى وجه الصبي بالشهوة ~~حرام بل كل من يتأثر قلبه بجمال صورة الأمرد بحيث يدرك التفرقة بينه وبين ~~الملتحي لم يحل له النظر إليه # فإن قلت كل ذي حس يدرك التفرقة بين الجميل والقبيح لا محالة ولم تزل وجوه ~~الصبيان مكشوفة فأقول لست أعني تفرقة العين فقط بل ينبغي أن يكون إدراكه ~~التفرقة كإدراكه التفرقة بين شجرة خضراء وأخرى يابسة وبين ماء صاف وماء كدر ~~وبين شجرة عليها أزهارها وأنوارها وشجرة تساقطت أوراقها فإنه يميل إلى ~~إحداهما بعينه وطبعه ولكن ميلا خاليا عن الشهوة ولأجل ذلك لا يشتهي ملامسة ~~الأزهار والأنوار وتقبيلها ولا تقبيل الماء الصافي وكذلك الشيبة الحسنة قد ~~تميل العين إليها وتدرك التفرقة بينها وبين الوجه القبيح ولكنها تفرقة لا ~~شهوة فيها ويعرف ذلك بميل النفس إلى القرب والملامسة فمهما وجد ذلك الميل ~~في قلبه وأدرك تفرقة بين الوجه الجميل وبين النبات الحسن والأثواب المنقشة ~~والسقوف المذهبة فنظره نظر شهوة فهو حرام وهذا مما يتهاون به الناس ويجرهم ~~ذلك إلى المعاطب وهم لا يشعرون # قال بعض التابعين ما أنا بأخوف من السبع الضاري على الشاب الناسك من غلام ~~أمرد يجلس إليه وقال PageV03P102 سفيان لو أن رجلا عبث بغلام بين أصبعين من ~~أصابع رجله يريد الشهوة لكان لواطا وعن بعض السلف قال سيكون في هذه الأمة ~~ثلاث أصناف لوطيون صنف ينظرون وصنف يصافحون وصنف يعملون # فإذن آفة النظر إلى الأحداث عظيمة فمهما عجز المريض عن غظ بصره وضبط فكره ~~فالصواب له أن يكسر شهوته بالنكاح فرب نفس لا يسكن توقانها بالجوع # وقال بعضهم غلبت على شهوتي في بدء إرادتي بما لم أطق فأكثرت الضجيج إلى ~~الله تعالى فرأيت شخصا في المنام فقال مالك فشكوت إليه فقال تقدم إلي ~~فتقدمت إليه فوضع يده على صدري فوجدت بردها في فؤادي وجميع جسدي فأصبحت وقد ~~زال ما بي فبقيت معافى سنة ثم عاودني ذلك فأكثرت الاستغاثة فأتاني شخص في ~~المنام فقال لي أتحب أن يذهب ما تجده وأضرب عنقك قلت نعم فقال مد رقبتك ~~فمددتها فجرد سيفا من نور فضرب به عنقي فأصبحت وقد زال ما بي فبقيت معافى ~~سنة ثم عاودني ذلك أو أشد منه فرأيت كأن شخصا فيما بين جنبي وصدري يخاطبني ~~ويقول ويحك كم تسأل الله تعالى ما لا يحب رفعه قال فتزوجت فانقطع ذلك عني ~~وولد لي # ومهما احتاج المريد إلى النكاح فلا ينبغي أن يترك شرط الإرادة في ابتداء ~~النكاح ودوامه أما في ابتدائه فبالنية الحسنة وفي داومه بحسن الخلق وسداد ~~السيرة والقيام بالحقوق الواجبة كما فصلنا جميع ذلك في كتاب آداب النكاح ~~فلا نطول بإعادته وعلامة صدق إرادته أن ينكح فقيرة متدينة ولا يطلب الغنية ~~قال بعضهم من تزوج غنية كان له منها خمس خصال مغالاة الصداق وتسويف الزفاف ~~وفوت الخدمة وكثرة النفقة وإذا أراد طلاقها لم يقدر خوفا على ذهاب مالها ~~والفقيرة بخلاف ذلك وقال بعضهم ينبغي أن تكون المرأة دون الرجل بأربع وإلا ~~استحقرته بالسن والطول والمال والحسب وأن تكون فوقه بأربع بالجمال والأدب ~~والورع والخلق وعلامة صدق الإرادة في دوام النكاح الخلق # تزوج بعض المريدين بامرأة فلم يزل يخدمها حتى استحيت المرأة وشكت ذلك إلى ~~أبيها وقالت قد تحيرت في هذا الرجل أنا في منزله منذ سنين ما ذهبت إلى ~~الخلاء قط إلا وحمل الماء قبلي إليه وتزوج بعضهم امرأة ذات جمال فلما قرب ~~زفافها أصابها الجدري فاشتد حزن أهلها لذلك خوفا من أن يستقبحها فأراهم ~~الرجل أنه قد أصابه رمد ثم أراهم أن بصره قد ذهب حتى زفت إليه فزال عنهم ~~الحزن فبقيت عنده عشرين سنة ثم توفيت ففتح عينيه حين ذلك فقيل له في ذلك ~~فقال تعمدته لأجل أهلها حتى لا يحزنوا فقيل له قد سبقت إخوانك بهذا الخلق ~~وتزوج بعض الصوفية امرأة سيئة الخلق فكان يصبر عليها فقيل له لم لا تطلقها ~~فقال أخشى أن يتزوجها من لا يصبر عليها فيتأذى بها فإن تزوج المريد فهكذا ~~ينبغي أن يكون وإن قدر على الترك فهو أولى له إذا لم يمكنه الجمع بين فضل ~~النكاح وسلوك الطريق وعلم أن ذلك يشغله عن حاله كما روي أن محمد بن سليمان ~~الهاشمي كان يملك من غلة الدنيا ثمانين ألف درهم في كل يوم فكتب إلى أهل ~~البصرة وعلمائها في امرأة يتزوجها فأجمعوا كلهم على رابعة العدوية رحمها ~~الله تعالى فكتب إليها بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن الله تعالى قد ~~ملكني من غلة الدنيا ثمانين ألف درهم في كل يوم وليس تمضي الأيام والليالي ~~حتى أتمها مائة ألف وأنا أصير لك مثلها ومثلها فأجيبيني فكتبت إليه بسم ~~الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن والرغبة ~~فيها تورث الهم والحزن فإذا أتاك كتابي هذا فهيء زادك وقدم لمعادك وكن وصي ~~نفسك ولا تجعل الرجال أوصياءك فيقتسموا PageV03P103 تراثك فصم الدهر وليكن ~~فطرك الموت وأما أنا فلو أن الله تعالى خولني أمثال الذي خولك وأضعافه ما ~~سرني أن أشتغل عن الله طرفة عين # وهذه إشارة إلى أن كل ما يشغل عن الله تعالى فهو نقصان فلينظر المريد إلى ~~حاله وقلبه فإن وجده في العزوبة فهو الأقرب وإن عجز عن ذلك فالنكاح أولى به ~~ودواء هذه العلة ثلاثة أمور الجوع وغض البصر والاشتغال بشغل يستولي على ~~القلب فإن لم تنفع هذه الثلاثة فالنكاح هو الذي يستأصل مادتها فقط ولهذا ~~كان السلف يبادرون إلى النكاح وإلى تزويج البنات قال سعيد بن المسيب ما أيس ~~إبليس من أحد إلا وأتاه من قبل النساء وقال سعيد أيضا وهو ابن أربع وثمانين ~~سنة وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى ما شيء أخوف عندي من النساء وعن ~~عبد الله بن أبي وداعة قال كنت أجالس سعيد بن المسيب فتفقدني أياما فلما ~~أتيته قال أين كنت قلت توفيت أهلي فاشتغلت بها فقال هلا أخبرتنا فشهدناها ~~قال ثم أردت أن أقوم فقال هل استحدثت امرأة فقلت يرحمك الله تعالى ومن ~~يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة فقال أنا فقلت وتفعل قال نعم فحمد ~~الله تعالى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وزوجني على درهمين أو قال ~~ثلاثة قال فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح فصرت إلى منزلي وجعلت أفكر ممن ~~آخذ وممن أستدين فصليت المغرب وانصرفت إلى منزلي فأسرجت وكنت صائما فقدمت ~~عشائي لأفطر وكان خبزا وزيتا وإذا بابي يقرع فقلت من هذا قال سعيد قال ~~فأفكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب وذلك أنه لم ير أربعين ~~سنة إلا بين داره والمسجد قال فخرجت إليه فإذا به سعيد بن المسيب فظننت أنه ~~قد بدا له فقلت يا أبا محمد لو أرسلت إلي لأتيتك فقال لا أنت أحق أن تؤتى ~~قلت فما تأمر قال إنك كنت رجلا عزبا فتزوجت فكرهت أن أبيتك الليلة وحدك ~~وهذه امرأتك وإذا هي قائمة خلفه في طوله ثم أخذ بيدها فدفعها في الباب ورده ~~فسقطت المرأة من الحياء فاستوثقت من الباب ثم تقدمت إلى القصعة التي فيها ~~الخبز والزيت فوضعتها في ظل السراج لكيلا تراه ثم صعدت السطح فرميت الجيران ~~فجاءوني وقالوا ما شأنك قلت ويحكم زوجني سعيد بن المسيب ابنته اليوم وقد ~~جاء بها الليلة على غفلة فقالوا أو سعيد زوجك قلت نعم قالوا وهي في الدار ~~قلت نعم فنزلوا إليها وبلغ ذلك أمي فجاءت وقالت وجهي من وجهك حرام إن ~~مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام قال فأقمت ثلاثا ثم دخلت بها فإذا هي ~~من أجمل النساء وأحفظ الناس لكتاب الله تعالى وأعلمهم بسنة رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وأعرفهم بحق الزوج قال فمكثت شهرا لا يأتيني سعيد ولا آتيه ~~فلما كان بعد الشهر أتيته وهو في حلقته فسلمت عليه فرد علي السلام ولم ~~يكلمني حتى تفرق الناس من المجلس فقال ما حال ذلك الإنسان فقلت بخير يا أبا ~~محمد على ما يحب الصديق ويكره العدو قال إن رابك منه أمر فدونك والعصا ~~فانصرفت إلى منزلي فوجه إلي بعشرين ألف درهم قال عبد الله بن سليمان وكانت ~~بنت سعيد بن المسيب هذه قد خطبها منه عبد الملك بن مروان لابنه الوليد حين ~~ولاه العهد فأبى سعيد أن يزوجه فلم يزل عبد الملك يحتال على سعيد حتى ضربه ~~مائة سوط في يوم بارد وصب عليه جرة ماء وألبسه جبة صوف فاستعجال سعيد في ~~الزفاف تلك الليلة يعرفك غائلة الشهوة ووجوب المبادرة في الدين إلى تطفئة ~~نارها بالنكاح رضي الله تعالى عنه ورحمه # | بيان فضيلة من يخالف شهوة الفرج والعين # اعلم أن هذه الشهوة هي أغلب الشهوات على الإنسان وأعصاها عند الهيجان على ~~العقل إلا أن مقتضاها قبيح PageV03P104 يستحيا منه ويخشى من اقتحامه ~~وامتناع أكثر الناس عن مقتضاها إما لعجز أو لخوف أو لحياء أو لمحافظة على ~~جسمه وليس في شيء من ذلك ثواب فإنه إيثار حظ من حظوظ النفس على حظ آخر نعم ~~من العصمة أن لا يقدر ففي هذه العوائق فائدة وهي دفع الإثم فإن من ترك ~~الزنا اندفع عنه إثمه بأي سبب كان تركه وإنما الفضل والثواب الجزيل في تركه ~~خوفا من الله تعالى مع القدرة وارتفاع الموانع وتيسر الأسباب لا سيما عند ~~صدق الشهوة وهذه درجة الصديقين ولذلك قال صلى الله عليه وسلم من عشق فعف ~~فكتم فمات فهو شهيد + حديث من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد أخرجه الحاكم في ~~التاريخ من حديث ابن عباس وقال أنكر على سويد بن سعيد ثم قال يقال إن يحيى ~~لما ذكر له هذا الحديث قال لو كان لي فرس ورمح غزوت سويدا ورواه الخرائطي ~~من غير طريق سويد بسند فيه نظر + # وقال صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظل عرشه يوم لا ~~ظل إلا ظله وعد منهم رجل دعته امرأة ذات جمال وحسب إلى نفسها فقال إني أخاف ~~الله رب العالمين + حديث سبعة يظلهم الله في ظله الحديث متفق عليه من حديث ~~أبي هريرة وقد تقدم + وقصة يوسف عليه السلام وامتناعه من زليخا مع القدرة ~~ومع رغبتها معروفة وقد أثنى الله تعالى عليه بذلك في كتابه العزيز وهو إمام ~~لكل من وفق لمجاهدة الشيطان في هذه الشهوة العظيمة # وروي أن سليمان بن يسار كان من أحسن الناس وجها فدخلت عليه امرأة فسألته ~~نفسه فامتنع عليها وخرج هاربا من منزله وتركها فيه قال سليمان فرأيت تلك ~~الليلة في المنام يوسف عليه السلام وكأني أقول له أنت يوسف قال نعم أنا ~~يوسف الذي هممت وأنت سليمان الذي لم تهم أشار إلى قوله تعالى @QB@ ولقد همت ~~به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه @QE@ وعنه أيضا ما هو أعجب من هذا وذلك ~~أنه خرج من المدينة حاجا ومعه رفيق له حتى نزلا بالأبواء فقام رفيقه وأخذ ~~السفرة وانطلق إلى السوق ليبتاع شيئا وجلس سليمان في الخيمة وكان من أجمل ~~الناس وجها وأورعهم فبصرت به أعرابية من قلة الجبل وانحدرت إليه حتى وقفت ~~بين يديه وعليها البرقع والقفازان فأسفرت عن وجه لها كأنه فلقة قمر وقالت ~~أهنئني فظن أنها تريد طعاما فقام إلى فضلة السفرة ليعطيها فقالت لست أريد ~~هذا إنما أريد ما يكون من الرجل إلى أهله فقال جهزك إلى إبليس ثم وضع رأسه ~~بين ركبتيه وأخذ في النحيب فلم يزل يبكي فلما رأت منه ذلك سدلت البرقع على ~~وجهها وانصرفت راجعة حتى بلغت أهلها وجاء رفيقه فرآه وقد انتفخت عيناه من ~~البكاء وانقطع حلقه فقال ما يبكيك قال خير ذكرت صبيتي قال لا والله إلا أن ~~لك قصة إنما عهدك بصبيتك منذ ثلاث أو نحوها فلم يزل به حتى أخبره خبر ~~الأعرابية فوضع رفيقه السفرة وجعل يبكي بكاء شديدا فقال سليمان وأنت ما ~~يبكيك قال أنا أحق بالبكاء منك لأني أخشى أن لو كنت مكانك لما صبرت عنها ~~فلم يزالا يبكيان فلما انتهى سليمان إلى مكة فسعى وطاف ثم أتى الحجر فاحتبى ~~بثوبه فأخذته عينه فنام وإذا رجل وسيم طوال له شارة حسنة ورائحة طيبة فقال ~~له سليمان رحمك الله من أنت قال له أنا يوسف قال يوسف الصديق قال نعم قال ~~إن في شأنك وشأن امرأة العزيز لعجبا فقال له يوسف شأنك وشأن صاحبة الأبواء ~~أعجب # وروي عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ~~انطلق ثلاثة نفر مما كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوا فانحدرت ~~صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلى أن ~~تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم فقال رجل منهم اللهم إنك تعلم أنه كان لي ~~أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فنأى بي طلب الشجر ~~يوما فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما PageV03P105 فوجدتهما ~~نائمين فكرهت أن أغبق قبلها أهلا ومالا فلبثت والقدح في يدي انتظر ~~استيقاظهما حتى طلع الفجر والصبية يتضاغون حول قدمي فاستيقظا فشربا غبوقهما ~~اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ~~فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه وقال الآخر اللهم إنك تعلم أنه كان لي ~~ابنة عم من أحب الناس إلي فراودتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بي سنة ~~من السنين فجاءتني فأعطيتها مائة وعشرين دينارا على أن تخلي بيني وبين ~~نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ~~فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي من أحب الناس إلي وتركت الذهب ~~الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلته ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه فانفرجت ~~الصخرة عنهم حتى أنهم لا يستطيعون الخروج منها وقال الثالث اللهم إني ~~استأجرت أجراء وأعطيتهم أجورهم غير رجل واحد فإنه ترك الأجر الذي له وذهب ~~فنميت له أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال يا عبد الله أعطني ~~أجري فقلت كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال يا عبد ~~الله أتهزأ بي فقلت لا أستهزئ بك فخذه فاستاقه وأخذه كله ولم يترك منه شيئا ~~اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة ~~فخرجوا يمشون + حديث ابن عمر انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم ~~المبيت إلى غار فذكر الحديث بطوله رواه البخاري + # فهذا فضل من تمكن من قضاء هذه الشهوة فعف وقريب منه من تمكن من قضاء شهوة ~~العين فإن العين مبدأ الزنا فحفظها مهم وهو عسر من حيث إنه قد يستهان به ~~ولا يعظم الخوف منه والآفات كلها منه تنشأ والنظرة الأولى إذا لم تقصد لا ~~يؤاخذ بها والمعاودة يؤاخذ بها قال صلى الله عليه وسلم لك الأولى وعليك ~~الثانية + حديث لك الأولى وليست لك الثانية أي النظرة أخرجه أبو داود ~~والترمذي من حديث بريدة قاله لعلي قال الترمذي حديث غريب + أي النظرة وقال ~~العلاء بن زياد لا تتبع بصرك رداء المرأة فإن النظر يزرع في القلب شهوة ~~وقلما يخلو الإنسان في ترداده عن وقوع البصر على النساء والصبيان فمهما ~~تخايل إليه الحسن تقاضى الطبع المعاودة وعنده ينبغي أن يقرر في نفسه أن هذه ~~المعاودة عين الجهل فإنه إن حقق النظر فاستحسن ثارت الشهوة وعجز عن الوصول ~~فلا يحصل له إلا التحسر وإن استقبح لم يلتذ وتألم لأنه قصد الالتذاذ فقد ~~فعل ما آلمه فلا يخلو في كلتا حالتيه عن معصية وعن تألم وعن تحسر ومهما حفظ ~~العين بهذا الطريق اندفع عن قلبه كثير من الآفات فإن أخطأت عينه وحفظ الفرج ~~مع التمكن فذلك يستدعي غاية القوة ونهاية التوفيق فقد روي عن أبي بكر بن ~~عبد الله المزني أن قصابا أولع بجارية لبعض جيرانه فأرسلها أهلها في حاجة ~~لهم إلى قرية أخرى فتبعها وراودها عن نفسها فقالت له لا تفعل لأنا أشد حبا ~~لك منك لي ولكني أخاف الله قال فأنت تخافينه وأنا لا أخافه فرجع تائبا ~~فأصابه العطش حتى كان يهلك فإذا برسول لبعض أنبياء بني إسرائيل فسأله فقال ~~ما لك قال العطش قال تعال حتى ندعو الله بأن تظلنا سحابة حتى ندخل القرية ~~قال مالي من عمل صالح فأدعو فادع أنت قال أنا أدعو وأمن أنت على دعائي فدعا ~~الرسول وأمن هو فأظلتهما سحابة حتى انتهيا إلى القرية فأخذ القصاب إلى ~~مكانه فمالت السحابة معه فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم زعمت أن ليس لك ~~عمل صالح وأنا الذي دعوت وأنت الذي أمنت فأظلتنا سحابة ثم تبعتك لتخبرني ~~بأمرك فأخبره فقال الرسول إن التائب عند الله تعالى بمكان ليس أحد من الناس ~~بمكانه وعن أحمد بن سعيد العابد عن أبيه قال كان عندنا بالكوفة شاب متعبد ~~لازم المسجد الجامع لا يكاد يفارقه وكان حسن الوجه حسن القامة حسن السمت ~~فنظرت إليه امرأة ذات جمال وعقل فشغفت به وطال عليها ذلك فلما كان ذات يوم ~~وقفت له على الطريق وهو يريد المسجد فقالت له يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك ~~بها ثم اعمل ما شئت PageV03P106 فمضى ولم يكلمها ثم وقفت له بعد ذلك على ~~طريقه وهو يريد منزله فقالت له يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها فأطرق مليا ~~وقال لها هذا موقف تهمة وأنا أكره أن أكون للتهمة موضعا فقالت له والله ما ~~وقفت موقفي هذا جهالة مني بأمرك ولكن معاذ الله أن يتشوف العباد إلى مثل ~~هذا مني والذي حملني على أن لقيتك في مثل هذا الأمر بنفسي لمعرفتي أن ~~القليل من هذا عند الناس كثير وأنتم معاشر العباد على مثال القوارير أدنى ~~شيء يعيبها وجملة ما أقول لك إن جوارحي كلها مشغولة بك فالله الله في أمري ~~وأمرك قال فمضى الشباب إلى منزله وأراد أن يصلي فلم يعقل كيف يصلي فأخذ ~~قرطاسا وكتب كتابا ثم خرج من منزله وإذا بالمرأة واقفة في موضعها فألقى ~~الكتاب إليها ورجع إلى منزله وكان فيه بسم الله الرحمن الرحيم أعلمي أيتها ~~المرأة أن الله عز وجل إذا عصاه العبد حلم فإذا عاد إلى المعصية مرة أخرى ~~ستره فإذا لبس لها ملابسها غضب الله تعالى لنفسه غضبة تضق منها السموات ~~والأرض والجبال والشجر والدواب فمن ذا يطيق غضبه فإن كان ما ذكرت باطلا ~~فإني أذكرك يوما تكون السماء فيه كالمهل وتصير الجبال كالعهن وتجثوا الأمم ~~لصولة الجبار العظيم وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي فكيف بإصلاح غيري ~~وإن كان ما ذكرت حقا فإني أدلك على طبيب هدى يداوي الكلوم الممرضة والأوجاع ~~المرمضة ذلك الله رب العالمين فاقصديه بصدق المسألة فإني مشغول عنك بقوله ~~تعالى @QB@ وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين ~~من حميم ولا شفيع يطاع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور @QE@ فأين المهرب ~~من هذه الآية ثم جاءت بعد ذلك بأيام فوقفت له على الطريق فلما رآها من بعيد ~~أراد الرجوع إلى منزله كيلا يراها فقالت يا فتى لا ترجع فلا كان الملتقى ~~بعد هذا اليوم أبدا إلا غدا بين يدي الله تعالى ثم بكت بكاء شديدا وقالت ~~أسأل لك الله الذي بيده مفاتيح قلبك أن يسهل ما قد عسر من أمرك ثم إنها ~~تبعته وقالت امنن علي بموعظة أحملها عنك وأوصني بوصية أعمل عليها فقال لها ~~أوصيك بحفظ نفسك من نفسك وأذكرك قوله تعالى @QB@ وهو الذي يتوفاكم بالليل ~~ويعلم ما جرحتم بالنهار @QE@ قال فأطرقت وبكت بكاء شديدا أشد من بكائها ~~الأول ثم إنها أفاقت ولزمت بيتها وأخذت في العبادة فلم تزل على ذلك حتى ~~ماتت كمدا فكان الفتى يذكرها بعد موتها ثم يبكي فيقال له مم بكاؤك وأنت قد ~~أيأستها من نفسك فيقول إني قد ذبحت طمعها في أول أمرها وجعلت قطيعتها ذخيرة ~~لي عند الله تعالى فأنا أستحي منه أن أسترد ذخيرة ادخرتها عنده تعالى # تم كتاب كسر الشهوتين بحمد الله تعالى وكرمه يتلوه إن شاء الله تعالى ~~كتاب آفات اللسان والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلاته على سيدنا ~~محمد خير خلقه وعلى كل عبد مصطفى من أهل الأرض والسماء وسلم تسليما كثيرا # | كتاب آفات اللسان وهو الكتاب الرابع من ربع المهلكات من كتاب إحياء # علوم الدين # بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي أحسن خلق الإنسان وعدله وألهمه نور الإيمان فزينه به ~~وجمله وعلمه البيان فقدمه به وفضله وأفاض على قلبه خزائن العلوم فأكمله ثم ~~أرسل عليه سترا من رحمته وأسبله ثم أمده بلسان يترجم به عما حواه القلب ~~وعقله ويكشف عنه ستره الذي أرسله وأطلق بالحق مقوله وأفصح بالشكر عما أولاه ~~وخوله PageV03P107 من علم حصله ونطق سهله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا ~~شريك له وأن محمدا عبده ورسوله الذي أكرمه وبجله ونبيه الذي أرسله بكتاب ~~أنزله وأسمى فضله وبين سبله صلى الله عليه وسلم ومن قبله ما كبر الله عبد ~~وهلله # أما بعد فإن اللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة فإنه صغير ~~جرمه عظيم طاعته وجرمه إذا لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان ~~وهما غاية الطاعة والعصيان ثم إنه ما من موجود أو معدوم خالق أو مخلوق ~~متخيل أو معلوم مظنون أو موهوم إلا واللسان يتناوله ويتعرض له بإثبات أو ~~نفي فإن كل ما يتناوله العلم يعرب عنه اللسان إما بحق أو باطل ولا شيء إلا ~~والعلم متناول له وهذه خاصية لا توجد في سائر الأعضاء فإن العين لا تصل إلى ~~غير الألوان والصور والآذان لا تصل إلى غير الأصوات واليد لا تصل إلى غير ~~الأجسام وكذا سائر الأعضاء واللسان رحب الميدان ليس له مرد ولا لمجالة ~~منتهى وحد له في الخير مجال رحب وله في الشر ذيل سحب فمن أطلق عذبة اللسان ~~وأهمله مرخى العنان سلك به الشيطان في كل ميدان وساقه إلى شفا جرف هار إلى ~~أن يضطره إلى البوار ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ~~ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع فلا يطلقه إلا فيما ينفعه ~~في الدنيا والآخرة ويكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجله وعلم ما يحمد ~~فيه إطلاق اللسان أو يذم غامض عزيز والعمل بمقتضاه على من عرفه ثقل عسير ~~وأعصى الأعضاء على الإنسان اللسان فإنه لا تعب في إطلاقه ولا مؤنة في ~~تحريكه وقد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته وغوائله والحذر من مصائده ~~وحبائله وإنه أعظم آلة الشيطان في استغواء الإنسان ونحن بتوفيق الله وحسن ~~تدبيره نفصل مجامع آفات اللسان ونذكرها واحدة واحدة بحدودها وأسبابها ~~وغوائلها ونعرف طريق الاحتراز عنها ونورد ما ورد من الأخبار والآثار في ~~ذمها فنذكر أولا فضل الصمت ونردفه بذكر آفة الكلام فيما لا يعنى ثم آفة ~~فضول الكلام ثم آفة الخوض في الباطل ثم آفة المراء والجدال ثم آفة الخصومة ~~ثم آفة التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه وغير ~~ذلك مما جرت به عادة المتفاصحين المدعين للخطابة ثم آفة الفحش والسب وبذاءة ~~اللسان ثم آفة اللعن إما لحيوان أو جماد أو إنسان ثم آفة الغناء بالشعر وقد ~~ذكرنا في كتاب السماع ما يحرم من الغناء وما يحل فلا نعيده ثم آفة المزاح ~~ثم آفة السخرية والاستهزاء ثم آفة إفشاء السر ثم آفة الوعد الكاذب ثم آفة ~~الكذب في القول واليمين ثم بيان التعاريض في الكذب ثم آفة الغيبة ثم آفة ~~النميمة ثم آفة ذي اللسانين الذي يتردد بين المتعاديين فيكلم كل واحد بكلام ~~يوافقه ثم آفة المدح ثم آفة الغفلة عن دقائق الخطأ في فحوى الكلام لا سيما ~~فيما يتعلق بالله وصفاته ويرتبط بأصول الدين ثم آفة سؤال العوام عن صفات ~~الله عز وجل وعن الحروف أهي قديمة أو محدثة وهي آخر الآفات وما يتعلق بذلك ~~وجملتها عشرون آفة ونسأل الله حسن التوفيق بمنه وكرمه # | بيان عظيم خطر اللسان وفضيلة الصمت # اعلم أن خطر اللسان عظيم ولا نجاة من خطره إلا بالصمت فلذلك مدح الشرع ~~الصمت وحث عليه فقال صلى الله عليه وسلم من صمت نجا + حديث من صمت نجا ~~أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بسند فيه ضعف وقال غريب وهو عند ~~الطبراني بسند جيد + وقال صلى الله عليه وسلم الصمت حكم وقليل فاعله + حديث ~~الصمت حكمة وقليل فاعله أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ~~ابن عمر بسند ضعيف والبيهقي في الشعب من حديث أنس + بلفظ حكم بدل حكمة وقال ~~غلط فيه عثمان بن سعد والصحيح رواية ثابت قال والصحيح عن أنس أن لقمان قال ~~ورواه كذلك هو وابن حبان في كتاب روضة العقلاء بسند صحيح إلى أنس أي حكمة ~~وحزم وروي PageV03P108 عبد الله بن سفيان عن أبيه قال قلت يا رسول الله ~~أخبرني عن الإسلام بأمر لا أسأل عنه أحدا بعدك قال قل آمنت بالله ثم استقم ~~قال قلت فما أتقي فأومأ بيده إلى لسانه + حديث سفيان الثقفي أخبرني عن ~~الإسلام بأمر لا أسأل عنه أحدا بعدك الحديث أخرجه الترمذي وصححه والنسائي ~~وابن ماجه وهو عند مسلم دون آخر الحديث الذي فيه ذكر اللسان + وقال عقبة بن ~~عامر قلت يا رسول الله ما النجاة قال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على ~~خطيئتك + حديث عقبة بن عامر قلت يا رسول الله ما النجاة قال أملك عليك ~~لسانك الحديث أخرجه الترمذي وقال حسن + وقال سهل بن سعد الساعدي # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتكفل لي بما بين لحييه ورجليه ~~أتكفل له بالجنة + حديث سهل بن سعد من يتوكل لي بما بين لحييه ورجليه أتوكل ~~له بالجنة رواه البخاري + وقال صلى الله عليه وسلم من وقي شر قبقبه وذبذبه ~~ولقلقه فقد وقي الشر كله + حديث من وقي شر قبقبه وذبذبه ولقلقه الحديث ~~أخرجه أبو منصور الديلمي من حديث أنس بسند ضعيف بلفظ فقد وجبت له الجنة + ~~القبقب هو البطن والذبذب الفرج واللقلق اللسان فهذه الشهوات الثلاث بها ~~يهلك أكثر الخلق ولذلك اشتغلنا بذكر آفات اللسان لما فرغنا من ذكر آفة ~~الشهوتين البطن والفرج وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما ~~يدخل الناسالجنة فقال تقوى الله وحسن الخلق وسئل عن أكثر ما يدخل النار ~~فقال الأجوفان الفم والفرج + حديث سئل عن أكثر ما يدخل الجنة الحديث أخرجه ~~الترمذي وصححه وابن ماجه من حديث أبي هريرة + فيحتمل أن يكون المراد بالفم ~~آفات اللسان لأنه محله ويحتمل أن يكون المراد به البطن لأنه منفذه فقد قال ~~معاذ بن جبل قلت يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول فقال ثكلتك أمك يا ابن جبل ~~وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم + حديث معاذ قلت يا ~~رسول الله أنؤاخذ بما نقول فقال ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على ~~مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه والحاكم وقال ~~صحيح على شرط الشيخين وقال عبد الله الثقفي قلت يا رسول الله حدثني بأمر ~~أعتصم به فقال قل ربي الله ثم استقم قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي ~~فأخذ لسانه وقال هذا + حديث عبد الله الثقفي قلت يا رسول الله حدثني بأمر ~~أعتصم به الحديث رواه النسائي قال ابن عساكر وهو خطأ والصواب سفيان بن عبد ~~الله الثقفي كما رواه الترمذي وصححه ابن ماجه وقد تقدم قبل هذا بخمسة ~~أحاديث + وروي أن معاذا قال يا رسول الله أي الأعمال أفضل فأخرج رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم لسانه ثم وضع عليه أصبعه + حديث إن معاذا قال يا رسول ~~الله أي الأعمال أفضل فأخرج لسانه ثم وضع يده عليه أخرجه الطبراني وابن أبي ~~الدنيا في الصمت قال أصبعه مكان يده + وقال أنس بن مالك قال صلى الله عليه ~~وسلم لا يستقيم إيمان العبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم ~~لسانه ولا يدخل الجنة رجل لا يأمن جاره بوائقه + حديث أنس لا يستقيم إيمان ~~عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه الحديث أخرجه ابن ~~أبي الدنيا في الصمت والخرائطي في مكارم الأخلاق بسند فيه ضعف + وقال صلى ~~الله عليه وسلم من سره أن يسلم فليلزم الصمت + حديث من سره أن يسلم فليلزم ~~الصمت أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت وأبو الشيخ في فضائل الأعمال والبيهقي ~~في الشعب من حديث أنس بإسناد ضعيف + وعن سعيد بن جبير مرفوعا إلى رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أصبح ابن آدم أصبحت الأعضاء كلها تذكر ~~اللسان أي تقول اتق الله فينا فإنك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا + ~~حديث إذا أصبح ابن آدم أصبحت الأعضاء كلها تذكر اللسان الحديث أخرجه ~~الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رفعه ووقع في الإحياء عن سعيد بن جبير ~~مرفوعا وإنما هو عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد رفعه ورواه الترمذي موقوفا ~~على عمار بن زيد وقال هذا أصح + وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى ~~أبا بكر الصديق رضي الله عنه وهو يمد لسانه بيده فقال له ما تصنع يا خليفة ~~رسول الله قال هذا أوردني الموارد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس ~~شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته + حديث إن عمر اطلع على ~~أبي بكر وهو يمد لسانه فقال ما تصنع يا خليفة رسول الله قال إن هذا أوردني ~~الموارد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس شيء من الجسد إلا يشكو ~~إلى الله عز وجل اللسان على حدته أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت وأبو يعلى ~~في مسنده والدارقطني في العلل والبيهقي في الشعب من رواية أسلم مولى عمر ~~وقال الدارقطني إن المرفوع وهم على الدراوردي قال وروي هذا الحديث عن قيس ~~بن أبي حازم عن أبي بكر ولا علة له + وعن ابن مسعود PageV03P109 أنه كان ~~على الصفا يلبي ويقول يا لسان قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن ~~تندم فقيل له يا أبا عبد الرحمن أهذا شيء تقوله أو شيء سمعته فقال لا بل ~~سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه + ~~حديث ابن مسعود أنه كان على الصفا يلبي ويقول يا لسان قل خيرا تغنم وفيه ~~مرفوعا إن أكثر خطايا بني آدم في لسانه أخرجه الطبراني وابن أبي الدنيا في ~~الصمت والبيهقي في الشعب بسند حسن + وقال ابن عمر قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم من كف لسانه ستر الله عورته ومن ملك غضبه وقاه الله عذابه ومن ~~اعتذر إلى الله قبل الله عذره + حديث ابن عمر من كف لسانه ستر الله عورته ~~الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت بسند حسن + وروي أن معاذ بن جبل قال ~~يا رسول الله أوصني قال اعبد الله كأنك تراه وعد نفسك في الموتى وإن شئت ~~أنبأتك بما هو أملك لك من هذا كله وأشار بيده إلى لسانه + حديث إن معاذ قال ~~أوصني قال اعبد الله كأنك تراه الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت ~~والطبراني ورجاله ثقات وفيه انقطاع + وعن صفوان بن سليم قال قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن الصمت وحسن ~~الخلق + حديث صفوان بن سليم مرفوعا ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على ~~البدن الصمت وحسن الخلق أخرجه ابن أبي الدنيا هكذا مرسلا ورجاله ثقات ورواه ~~أبو الشيخ في طبقات المحدثين من حديث أبي ذر وأبي الدرداء أيضا مرفوعا # وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله ~~واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت + حديث أبي هريرة من كان يؤمن بالله ~~واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت متفق عليه + وقال الحسن ذكر لنا أن النبي ~~صلى الله عليه وسلم قال رحم الله عبدا تكلم فغنم أو سكت فسلم + حديث الحسن ~~ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رحم الله عبدا تكلم فغنم أو ~~سكت فسلم أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت والبيهقي في الشعب من حديث أنس ~~بسند فيه ضعف فإنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وقيل لعيسى عليه ~~السلام دلنا على عمل ندخل به الجنة قال لا تنطقوا أبدا قالوا لا نستطيع ذلك ~~فقال فلا تنطقوا إلا بخير وقال سليمان بن داود عليهما السلام إن كان الكلام ~~من فضة فالسكوت من ذهب وعن البراء بن عازب قال جاء أعرابي إلى رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فقال دلني على عمل يدخلني الجنة قال أطعم الجائع واسق ~~الظمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير + ~~حديث البراء جاء أعرابي فقال دلني على عمل يدخلني الجنة قال أطعم الجائع ~~الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد + # وقال صلى الله عليه وسلم اخزن لسانك إلا من خير فإنك بذلك تغلب الشيطان + ~~حديث اخزن لسانك إلا من خير الحديث أخرجه الطبراني في الصغير من حديث أبي ~~سعيد وله في المعجم الكبير ولابن حبان في صحيحه نحوه من حديث أبي ذر + وقال ~~صلى الله عليه وسلم إن الله عند لسان كل قائل فليتق الله امرؤ علم ما يقول ~~وقال صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم المؤمن صموتا وقورا فادنوا منه فإنه ~~يلقن الحكمة + حديث إذا رأيتم المؤمن صموتا وقورا فادنوا منه فإنه يلقن ~~الحكمة أخرجه ابن ماجه من حديث أبي خلاد بلفظ إذا رأيتم الرجل قد أعطي زهدا ~~في الدنيا وقلة منطق فاقتربوا منه فإنه يلقى الحكمة وقد تقدم + # وقال ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ثلاثة غانم وسالم ~~وشاحب فالغانم الذي يذكر الله تعالى والسالم الساكت والشاحب الذي يخوض في ~~الباطل + حديث ابن مسعود الناس ثلاثة غانم وسالم وشاحب الحديث أخرجه ~~الطبراني وأبو يعلى من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ @QB@ المجالس @QE@ وضعفه ~~ابن عدي ولم أجده @QB@ ثلاثة @QE@ من حديث ابن مسعود + وقال صلى الله عليه ~~وسلم إن لسان المؤمن وراء قلبه فإذا أراد أن يتكلم بشيء تدبره بقلبه ثم ~~أمضاه بلسانه وإن لسان المنافق أمام قلبه فإذا هم بشيء أمضاه بلسانه ولم ~~يتدبره بقلبه + حديث إن لسان المؤمن وراء قلبه فإذا أراد أن يتكلم بشيء ~~تدبره بقلبه الحديث لم أجده مرفوعا وإنما رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق ~~من رواية الحسن البصري قال كانوا يقولون + وقال عيسى عليه السلام العبادة ~~عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت PageV03P110 وجزء في الفرار من الناس وقال ~~نبينا صلى الله عليه وسلم من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ~~ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به + حديث من كثر كلامه كثر سقطه الحديث ~~أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر بسند ضعيف وقد رواه أبو حاتم بن ~~حبان في روضة العقلاء والبيهقي في الشعب موقوفا على عمر بن الخطاب + # الآثار كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يضع حصاة في فيه يمنع بها نفسه ~~عن الكلام وكان يشير إلى لسانه ويقول هذا الذي أوردني الموارد وقال عبد ~~الله بن مسعود والله الذي لا إله إلا هو ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان ~~وقال طاوس لساني سبع إن أرسلته أكلني وقال وهب بن منبه في حكمة آل داود حق ~~على العاقل أن يكون عارفا بزمانه حافظا للسانه مقبلا على شأنه وقال الحسن ~~ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه وقال الأوزاعي كتب إلينا عمر بن عبد العزيز ~~رحمه الله أما بعد فإن من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير ومن عد ~~كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه وقال بعضهم الصمت يجمع للرجل ~~فضيلتين السلامة في دينه والفهم عن صاحبه وقال محمد بن واسع لمالك بن دينار ~~يا أبا يحيى حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم وقال يونس بن ~~عبيد ما من الناس أحد يكون منه لسانه على بال إلا رأيت صلاح ذلك في سائر ~~عمله وقال الحسن تكلم قوم عند معاوية رحمه الله والأحنف بن قيس ساكت فقال ~~له مالك يا أبا بحر لا تتكلم فقال له أخشى الله إن كذبت وأخشاك إن صدقت ~~وقال أبو بكر بن عياش اجتمع أربعة ملوك ملك الهند وملك الصين وكسرى وقيصر ~~فقال أحدهم أنا أندم على ما قلت ولا أندم على ما لم أقل وقال الآخر إني إذا ~~تكلمت بكلمة ملكتني ولم أملكها وإذا لم أتكلم بها ملكتها ولم تملكني وقال ~~الثالث عجبت للمتكلم إن رجعت عليه كلمته ضرته وإن لم ترجع لم تنفعه وقال ~~الرابع أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت وقيل أقام المنصور بن ~~المعتز لم يتكلم بكلمة بعد العشاء الآخرة أربعين سنة وقيل ما تكلم الربيع ~~بن خيثم بكلام الدنيا عشرين سنة وكان إذا أصبح وضع دواة وقرطاسا وقلما فكل ~~ما تكلم به كتبه ثم يحاسب نفسه عند المساء # فإن قلت فهذا الفضل الكبير للصمت ما سببه فاعلم أن سببه كثرة آفات اللسان ~~من الخطأ والكذب والغيبة والنميمة والرياء والنفاق والفحش والمراء وتزكية ~~النفس والخوض في الباطل والخصومة والفضول والتحريف والزيادة والنقصان ~~وإيذاء الخلق وهتك العورات # فهذه آفات كثيرة وهي سيانة إلى اللسان لا تثقل عليه ولها حلاوة في القلب ~~وعليها بواعث من الطبع ومن الشيطان والخائض فيها قلما يقدر أن يمسك اللسان ~~فيطلقه بما يحب ويكفه عما لا يحب فإن ذلك من غوامض العلم كما سيأتي تفصيله ~~ففي الخوض خطر وفي الصمت سلامة فلذلك عظمت فضيلته هذا مع ما فيه من جمع ~~الهم ودوام الوقار والفراغ للفكر والذكر والعبادة والسلامة من تبعات القول ~~في الدنيا ومن حسابه في الآخرة فقد قال الله تعالى @QB@ ما يلفظ من قول إلا ~~لديه رقيب عتيد @QE@ # ويدلك على فضل لزوم الصمت أمر وهو أن الكلام أربعة أقسام قسم هو ضرر محض ~~وقسم هو نفع محض وقسم فيه ضرر ومنفعة وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة # أما الذي هو ضرر محض فلا بد من السكوت عنه وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة لا ~~تفي بالضرر # وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر فهو فضول والاشتغال به تضييع زمان وهو عين ~~الخسران فلا يبقى إلا القسم الرابع فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام وبقي ربع ~~وهذا الربع فيه خطر إذ يمتزج بما فيه إثم من دقائق الرياء والتصنع والغيبة ~~وتزكية النفس وفضول الكلام امتزاجا يخفي دركه فيكون الإنسان به مخاطرا ومن ~~عرف دقائق PageV03P111 آفات اللسان على ما سنذكره علم قطعا أن ما ذكره صلى ~~الله عليه وسلم هو فصل الخطاب حيث قال من صمت نجا + حديث من صمت نجا تقدم + # فلقد أوتي والله جواهر الحكم قطعا وجوامع الكلم + حديث أنه صلى الله عليه ~~وسلم أوتي جوامع الكلم أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وقد تقدم + ولا يعرف ~~ما تحت آحاد كلماته من بحار المعاني إلا خواص العلماء وفيما سنذكره من ~~الآفات وعسر الاحتراز عنها ما يعرفك حقيقة ذلك إن شاء الله تعالى # ونحن الآن نعد آفات اللسان ونبتديء بأخفها ونترقى إلى الأغلظ قليلا ونؤخر ~~الكلام في الغيبة والنميمة والكذب فإن النظر فيها أطول وهي عشرون آفة فاعلم ~~ذلك ترشد بعون الله تعالى الآفة الأولى الكلام فيما لا يعنيك # اعلم أن أحسن أحوالك أن تحفظ ألفاظك من جميع الآفات التي ذكرناها من ~~الغيبة والنميمة والكذب والمراء والجدال وغيرها وتتكلم فيما هو مباح لا ضرر ~~عليك فيه ولا على مسلم أصلا إلا أنك تتكلم بما أنت مستغن عنه ولا حاجة بك ~~إليه فإنك مضيع به زمانك ومحاسب على عمل لسانك وتستبدل الذي هو أدنى بالذي ~~هو خير لأنك لو صرفت زمان الكلامإلى الفكر ربما كان ينفتح لك من نفحات رحمة ~~الله عند الفكر ما يعظم جدواه ولو هللت الله سبحانه وذكرته وسبحته لكان ~~خيرا لك فكم من كلمة يبنى بها قصرا في الجنة ومن قدر على أن يأخذ كنزا من ~~الكنوز فأخذ مكانه مدرة لا ينتفع بها كان خاسرا خسرانا مبينا وهذا مثال من ~~ترك ذكر الله تعالى واشتغل بمباح لا يعنيه فإنه وإن لم يأثم فقد خسر حيث ~~فاته الربح العظيم بذكر الله تعالى فإن المؤمن لا يكون صمته إلا فكرا ونظره ~~إلا عبرة ونطقه إلا ذكرا + حديث المؤمن لا يكون صمته إلا فكرا ونظرة إلا ~~عبرة ونطقه إلا ذكرا لم أجد له أصلا وروي محمد بن زكريا العلائي أحد ~~الضعفاء عن ابن عائشة عن أبيه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ~~إن الله أمرني أن يكون نطقي ذكرا وصمتي فكرا ونظري عبرة + هكذا قال النبي ~~صلى الله عليه وسلم # بل رأس مال العبد أوقاته ومهما صرفها إلى مالا يعنيه ولم يدخر بها ثوابا ~~في الآخرة فقد ضيع رأس ماله ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم من حسن ~~إسلام المرء تركه مالا يعنيه + حديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ~~أخرجه الترمذي وقال غريب وابن ماجه من حديث أبي هريرة + # بل ورد ما هو أشد من هذا قال أنس استشهد غلام منا يوم أحد فوجدنا على ~~بطنه حجرا مربوطا من الجوع فمسحت أمه عن وجهه التراب وقالت هنيئا لك الجنة ~~يا بني فقال صلى الله عليه وسلم وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ~~ويمنع ما لا يضره + حديث استشهد منا غلام يوم أحد فوجد على بطنه صخرة ~~مربوطة من الجوع الحديث وفيه لعله كان يتكلم بما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره ~~أخرجه الترمذي من حديث أنس مختصرا وقال غريب ورواه ابن أبي الدنيا في الصمت ~~بلفظ المصنف بسند ضعيف + # وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كعبا فسأل عنه فقالوا مريض ~~فخرج يمشي حتى أتاه فلما دخل عليه قال أبشر يا كعب فقالت أمه هنيئا لك ~~الجنة يا كعب فقال صلى الله عليه وسلم من هذه المتألية على الله قال هي أمي ~~يا رسول الله قال وما يدريك يا أم كعب لعل كعبا قال ما لا يعنيه أو منع ما ~~لا يغنيه + حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كعبا فسأل عنه فقالوا ~~مريض الحديث وفيه لعل كعبا قال ما لا يعنيه أو منع ما لا يغنيه أخرجه ابن ~~أبي الدنيا من حديث كعب بن عجرمة بإسناد جيد إلا أن الظاهر انقطاعه بين ~~الصحابي وبين الراوي عنه + # ومعناه أنه إنما تتهيأ الجنة لمن لا يحاسب ومن تكلم فيما لا يعنيه حوسب ~~عليه وإن كان كلامه غير مباح فلا تتهيأ الجنة مع المناقشة في الحساب فإنه ~~نوع من العذاب PageV03P112 وعن محمد بن كعب قال قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إن أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة فدخل عبد الله بن ~~سلام فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك ~~وقالوا أخبرنا بأوثق عمل في نفسك ترجو به فقال إني لضعيف وإن أوثق ما أرجو ~~به الله سلامة الصدر وترك ما لا يعنيني + حديث محمد بن كعب إن أول من يدخل ~~من هذا الباب رجل من أهل الجنة فدخل عبد الله بن سلام الحديث وفيه إن أوثق ~~ما أرجوه سلامة الصدر وترك ما لا يعنيني أخرجه ابن أبي الدنيا هكذا مرسلا ~~وفيه أبو نجيح اختلف فيه + # وقال أبو ذر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أعلمك بعمل خفيف ~~على البدن ثقيل في الميزان قلت بلى يا رسول الله قال هو الصمت وحسن الخلق ~~وترك ما لا يعنيك + حديث أبي ذر ألا أعلمك بعمل خفيف على البدن الحديث @QB@ ~~وفيه @QE@ هو الصمت وحسن الخلق وترك ما لا يعنيك أخرجه ابن أبي الدنيا بسند ~~منقطع + وقال مجاهد سمعت ابن عباس يقول خمس لهن أحب إلي من الدهم الموقوفة ~~لا تتكلم فيما لا يعنيك فإنه فضل ولا آمن عليك الوزر ولا تتكلم فيما يعنيك ~~حتى تجد له موضعا فإنه رب متكلم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه فعنت ~~ولا تمار حليما ولا سفيها فإن الحليم يقليك والسفيه يؤذيك واذكر أخاك إذا ~~غاب عنك بما تحب أن يذكرك به وأعفه مما تحب أن يعفيك منه وعامل أخاك بما ~~تحب أن يعاملك به واعمل عمل رجل يعلم أنه مجازى بالإحسان مأخوذ بالاحترام ~~وقيل للقمان الحكيم ما حكمتك قال لا أسأل عما كفيت ولا أتكلف ما لا يعنيني ~~وقال مورق العجلي أمر أنا في طلبه منذ عشرين سنة لم أقدر عليه ولست بتارك ~~طلبه قالوا وما هو قال السكوت عما لا يعنيني وقال عمر رضي الله عنه لا ~~تتعرض لما لا يعنيك واعتزل عدوك واحذر صديقك من القوم إلا الأمين ولا أمين ~~إلا من خشي الله تعالى ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره ولا تطلعه على سرك ~~واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى # وحد الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلم بكلام ولو سكت عنه لم تأثم ولم تستضر ~~به في حال ولا مال مثاله أن تجلس مع قوم فتذكر لهم أسفارك وما رأيت فيها من ~~جبال وأنهار وما وقع لك من الوقائع وما استحسنته من الأطعمة والثياب وما ~~تعجبت منه من مشايخ البلاد ووقائعهم فهذه أمور لو سكت عنها لم تأثم ولم ~~تستضر وإذا بالغت في الجهاد حتى لم يمتزج بحكايتك زيادة ولا نقصان ولا ~~تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الأحوال العظيمة ولا اغتياب لشخص ولا ~~مذمة لشيء مما خلقه الله تعالى فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك وأنى تسلم من ~~الآفات التي ذكرناها ومن جملتها أن تسأل غيرك عما لا يعنيك فأنت بالسؤال ~~مضيع وقتك وقد ألجأت صاحبك أيضا بالجواب إلى التضييع هذا إذا كان الشيء مما ~~يتطرق إلى السؤال عنه آفة وأكثر الأسئلة فيها آفات فإنك تسأل غيرك عن ~~عبادته مثلا فتقول له هل أنت صائم فإن قال نعم كان مظهرا لعبادته فيدخل ~~عليه الرياء وإن لم يدخل سقطت عبادته من ديوان السر وعبادة السر تفضل عبادة ~~الجهر بدرجات وإن قال لا كان كاذبا وإن سكت كان مستحقرا لك وتأذيت به وإن ~~احتال لمدافعة الجواب افتقر إلى جهد وتعب فيه فقد عرضته بالسؤال إما للرياء ~~أو للكذب أو للاستحقار أو للتعب في حيلة الدفع وكذلك سؤالك عن سائر عباداته ~~وكذلك سؤالك عن المعاصي وعن كل ما يخفيه ويستحي منه وسؤالك عما حدث به غيرك ~~فتقول له ماذا تقول وفيم أنت وكذلك ترى إنسانا في الطريق فتقول من أين ~~فربما يمنعه مانع من ذكره فإن ذكره تأذى به واستحيا وإن لم يصدق وقع في ~~الكذب وكنت السبب فيه # وكذلك تسأل عن مسألة لا حاجة بك إليها والمسئول ربما لم تسمح نفسه بأن ~~يقول لا أدري فيجيب عن غير بصيرة PageV03P113 ولست أعني بالتكلم فيما لا ~~يعني هذه الأجناس فإن هذا يتطرق إليه إثم أو ضرر # وإنما مثال ما لا يعني ما روي أن لقمان الحكيم دخل على داود عليه السلام ~~وهو يسرد درعا ولم يكن رآها قبل ذلك اليوم فجعل يتعجب مما رأى فأراد أن ~~يسأله عن ذلك فمنعته حكمته فأمسك نفسه ولم يسأله فلما فرغ قام داود ولبسه ~~ثم قال نعم الدرع للحرب فقال لقمان الصمت حكم وقليل فاعله أي حصل العلم به ~~من غير سؤال فاستغني عن السؤال وقيل إنه كان يتردد إليه سنة وهو يريد أن ~~يعلم ذلك من غير سؤال فهذا وأمثاله من الأسئلة إذا لم يكن فيه ضرر وهتك ستر ~~وتوريط في رياء وكذب هو مما لا يعني وتركه من حسن الإسلام فهذا حده # وأما سببه الباعث عليه فالحرص على معرفة ما لا حاجة به إليه أو المباسطة ~~بالكلام على سبيل التودد أو تزجية الأوقات بحكايات أحوال لا فائدة فيها # وعلاج ذلك كله أن يعلم أن الموت بين يديه وأنه مسؤول عن كل كلمة وأن ~~أنفاسه رأس ماله وأن لسانه شبكة يقدر أن يقتنص بها الحور العين فإهماله ذلك ~~وتضييعه خسران مبين هذا علاجه من حيث العلم وأما من حيث العمل فالعزلة أو ~~أن يضع حصاة في فيه وأن يلزم نفسه السكوت بها عن بعض ما يعنيه حتى يعتاد ~~اللسان ترك ما لا يعنيه وضبط اللسان في هذا على غير المعتزل شديد جدا الآفة ~~الثانية فضول الكلام # وهو أيضا مذموم وهذا يتناول الخوض فيما لا يعني والزيادة فيما يعني على ~~قدر الحاجة فإن من يعنيه أمر يمكنه أن يذكره بكلام مختصر ويمكنه أن يجسمه ~~ويقرره ويكرره ومهما تأدى مقصوده بكلمة واحدة فذكر كلمتين فالثانية فضول أي ~~فضل عن الحاجة وهو أيضا مذموم لما سبق وإن لم يكن فيه إثم ولا ضرر قال عطاء ~~بن أبي رباح إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام وكانوا يعدون فضول ~~الكلام ما عدا كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمرا ~~بمعروف أو نهيا عن منكر أو أن تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها ~~أتنكرون أن عليكم حافظين كراما كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ ~~من قول إلا لديه رقيب عتيد أما يستحي أحدكم إذا نشرت صحيفته التي أملاها ~~صدر نهاره كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه وعن بعض الصحابة قال ~~إن الرجل ليكلمني بالكلام لجوابه أشهى إلي من الماء البارد إلى الظمآن ~~فأترك جوابه خيفة أن يكون فضولا وقال مطرف ليعظم جلال الله في قلوبكم فلا ~~تذكروه عند مثل قول أحدكم للكلب والحمار اللهم اخزه وما أشبه ذلك # واعلم أن فضول الكلام لا ينحصر بل المهم محصور في كتاب الله تعالى قال ~~الله عز وجل لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح ~~بين الناس وقال صلى الله عليه وسلم طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه وأنفق ~~الفضل من ماله + حديث طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه وأنفق الفضل من ماله ~~أخرجه البغوي وابن قانع في معجمي الصحابة والبيهقي من حديث ركب المصري وقال ~~ابن عبد البر إنه حديث حسن وقال البغوي لا أدري سمع من النبي صلى الله عليه ~~وسلم أم لا وقال ابن مندة مجهول لا نعرف له صحبة ورواه البزار من حديث أنس ~~بسند ضعيف + # فانظر كيف قلب الناس الأمر في ذلك فأمسكوا فضل المال وأطلقوا فضل اللسان ~~وعن مطرف بن عبد الله عن أبيه قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~في رهط من بني عامر PageV03P114 فقالوا أنت والدنا وأنت سيدنا وأنت أفضلنا ~~علينا فضلا وأنت أطولنا علينا طولا وأنت الجفنة الغراء وأنت وأنت فقال ~~قولوا قولكم ولا يستهوينكم الشيطان + حديث مطرف بن عبد الله عن أبيه قدمت ~~على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من عامر فقالوا أنت والدنا وأنت ~~سيدنا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي في اليوم والليلة بلفظ آخر ورواه ابن ~~أبي الدنيا بلفظ المصنف إشارة إلى أن اللسان إذا أطنب بالثناء ولو بالصدق ~~فيخشى أن يستهويه الشيطان إلى الزيادة المستغنى عنها وقال ابن مسعود أنذركم ~~فضول كلامكم حسب امرئ من الكلام ما بلغ به حاجته وقال مجاهد إن الكلام ~~ليكتب حتى إن الرجل ليسكت ابنه فيقول أبتاع لك كذا وكذا فيكتب كذابا وقال ~~الحسن يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ووكل بها ملكان كريمان يكتبان أعمالك فاعمل ~~ما شئت وأكثر أو اقل وروي أن سليمان عليه السلام بعث بعض عفاريته وبعث نفرا ~~ينظرون ما يقول ويخبرونه فأخبروه بأنه مر في السوق فرفع رأسه إلى السماء ثم ~~نظر إلى الناس وهز رأسه فسأله سليمان عن ذلك فقال عجبت من الملائكة على ~~رءوس الناس ما أسرع ما يكتبون ومن الذين أسفل منهم ما أسرع ما يملون وقال ~~إبراهيم التيمي إذا أراد المؤمن أن يتكلم نظر فإن كان له تكلم وإلا أمسك ~~والفاجر إنما لسانه رسلا رسلا وقال الحسن من كثر كلامه كثر كذبه ومن كثر ~~ماله كثرت ذنوبه ومن ساء خلقه عذب نفسه وقال عمرو بن دينار تكلم رجل عند ~~النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر فقال له صلى الله عليه وسلم كم دون لسانك ~~من حجاب فقال شفتاي وأسناني قال أفما كان لك ما يرد كلامك + حديث عمرو بن ~~دينار تكلم رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر فقال كم دون لسانك من ~~حجاب الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا هكذا مرسلا ورجاله ثقات + وفي رواية أنه ~~قال ذلك في رجل أثنى عليه فاستهتر في الكلام ثم قال ما أوتي رجل شرا من فضل ~~في لسانه وقال عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه إنه ليمنعني من كثير من ~~الكلام خوف المباهاة وقال بعض الحكماء إذا كان الرجل في مجلس فأعجبه الحديث ~~فليسكت وإن كان ساكتا فأعجبه السكوت فليتكلم وقال يزيد بن أبي حبيب من فتنة ~~العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع فإن وجد من يكفيه فإن في ~~الاستمتاع سلامة وفي الكلام تزيين وزيادة ونقصان وقال ابن عمر إن أحق ما ~~طهر الرجل لسانه ورأى أبو الدرداء امرأة سليطة فقال لو كانت هذه خرساء كان ~~خيرا لها وقال إبراهيم يهلك الناس خلتان فضول المال وفضول الكلام فهذه مذمة ~~فضول الكلام وكثرته وسببه الباعث عليه وعلاجه ما سبق في الكلام فيما لا ~~يعني الآفة الثالثة الخوض في الباطل # وهو الكلام في المعاصي كحكاية أحوال النساء ومجالس الخمر ومقامات الفساق ~~وتنعم الأغنياء وتجبر الملوك ومراسمهم المذمومة وأحوالهم المكروهة فإن كل ~~ذلك مما لا يحل الخوض فيه وهو حرام وأما الكلام فيما لا يعني أو أكثر مما ~~يعني فهو ترك الأولى ولا تحريم فيه نعم من يكثر الكلام فيما لا يعني لا ~~يؤمن عليه الخوض في الباطل وأكثر الناس يتجالسون للتفرج بالحديث ولا يعدو ~~كلامهم التفكه بأعراض الناس أو الخوض في الباطل وأنواع الباطل لا يمكن ~~حصرها لكثرتها وتفننها فلذلك لا مخلص منها إلا بالاقتصار علي ما يعني من ~~مهمات الدين والدنيا وفي هذا الجنس تقع كلمات يهلك بها صاحبها وهو يستحقرها ~~فقد قال بلال بن الحارث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليتكلم ~~بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب PageV03P115 الله بها ~~رضوانه إلى يوم القيامة وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن ~~تبلغ به ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة + حديث بلال بن ~~الحارث إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله الحديث أخرجه ابن ماجه ~~والترمذي وقال حسن صحيح وكان علقمة يقول كم من كلام منعنيه حديث بلال بن ~~الحارث وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك بها ~~جلساءه يهوى بها أبعد من الثرايا + حديث إن الرجل ليتكلم الكلمة يضحك بها ~~جلساءه يهوى بها أبعد من الثريا أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة ~~بسند حسن وللشيخين والترمذي إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوى ~~بها سبعين خريفا في النار لفظ الترمذي وقال حسن غريب + وقال أبو هريرة إن ~~الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقى لها بالا يرفعه الله بها في أعلى الجنة وقال ~~صلى الله عليه وسلم أعظم الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل + ~~حديث أعظم الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل أخرجه ابن أبي ~~الدنيا من حديث قتادة مرسلا ورجاله ثقات ورواه هو والطبراني موقوفا على ابن ~~مسعود بسند صحيح + وإليه الإشارة بقوله تعالى وكنا نخوض مع الخائضين وبقوله ~~تعالى فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم وقال سلمان ~~أكثر الناس ذنوبا يوم القيامة أكثرهم كلاما في معصية الله # وقال ابن سيرين كان رجل من الأنصار يمر بمجلس لهم فيقول لهم توضئوا فإن ~~بعض ما تقولون شر من الحدث فهذا هو الخوض في الباطل وهو وراء ما سيأتي من ~~الغيبة والنميمة والفحش وغيرها بل هو الخوض في ذكر محظورات سبق وجودها أو ~~تدبر للتوصل إليها من غير حاجة دينية إلى ذكرها # ويدخل فيه أيضا الخوض في حكاية البدع والمذاهب الفاسدة وحكاية ما جرى من ~~قتال الصحابة على وجه يوهم الطعن في بعضهم وكل ذلك باطل والخوض فيه خوض في ~~الباطل نسأل الله حسن العون بلطفه وكرمه الآفة الرابعة المراء والجدال # وذلك منهى عنه قال صلى الله عليه وسلم لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده ~~موعدا فتخلفه + حديث لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدا فتخلفه أخرجه ~~الترمذي من حديث ابن عباس وقد تقدم وقال صلى الله عليه وسلم ذروا المراء ~~فإنه لا تفهم حكمته ولا تؤمن فتنته + حديث ذروا المراء فإنه لا تفهم حكمته ~~ولا تؤمن فتنته أخرجه الطبراني من حديث أبي الدرداء وأبي أمامة وأنس بن ~~مالك وواثلة بن الأسقع بإسناد ضعيف دون قوله لا تفهم حكمته ورواه بهذه ~~الزيادة ابن أبي الدنيا موقوفا على ابن مسعود + وقال صلى الله عليه وسلم من ~~ترك المراء وهو محق بني له بيت في أعلى الجنة ومن ترك المراء وهو مبطل بني ~~له بيت في ربض الجنة + حديث من ترك المراء وهو محق بني له بيت في أعلى ~~الجنة الحديث تقدم في العلم + وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم إن أول ما عهد إلي ربي ونهاني عنه بعد عبادة ~~الأوثان وشرب الخمر ملاحاة الرجال + حديث أم سلمة إن أول ما عهد إلي ربي ~~ونهاني عنه بعد عبادة الأوثان وشرب الخمر ملاحاة الرجال أخرجه ابن أبي ~~الدنيا في الصمت والطبراني والبيهقي بسند ضعيف وقد رواه ابن أبي الدنيا في ~~المراسيل من حديث عروة بن رويم + وقال أيضا ما ضل قوم بعد أن هداهم الله ~~تعالى إلا أوتوا الجدل + حديث ما ضل قوم إلا أوتوا الجدل أخرجه الترمذي من ~~حديث أبي أمامة وصححه وزاد بعد هدى كانوا عليه وتقدم في العلم وهو عند ابن ~~أبي الدنيا دون هذه الزيادة كما ذكره المصنف + وقال أيضا لا يستكمل عبد ~~حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وإن كان محقا + حديث لا يستكمل عبد حقيقة ~~الإيمان حتى يذر المراء وإن كان محقا أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث أبي ~~هريرة بسند ضعيف وهو عند أحمد بلفظ لا يؤمن العبد حتى يترك الكذب في ~~المزاحة والمراء وإن كان صادقا + # وقال أيضا ست من كن فيه بلغ حقيقة PageV03P116 الإيمان الصيام في الصيف ~~وضرب أعداء الله بالسيف وتعجيل الصلاة في اليوم الدجن والصبر على المصيبات ~~وإسباغ الوضوء على المكاره وترك المراء وهو صادق + حديث ست من كن فيه بلغ ~~حقيقة الإيمان الحديث @QB@ وفيه @QE@ وترك المراء وهو صادق أخرجه أبو منصور ~~الديلمي من حديث أبي مالك الأشعري بسند ضعيف بلفظ خصال من الخير الحديث + ~~وقال الزبير لابنه لا تجادل الناس بالقرآن فإنك لا تستطيعهم ولكن عليك ~~بالسنة وقال عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه من جعل دينه عرضة للخصومات ~~أكثر التنقل وقال مسلم بن يسار إياكم والمراء فإنه ساعة جهل العالم وعندها ~~يبتغي الشيطان زلته وقيل ما ضل قوم بعد إذ هداهم الله إلا بالجدل وقال مالك ~~بن أنس رحمة الله عليه ليس هذا الجدال من الدين في شيء وقال أيضا المراء ~~يقسي القلوب ويورث الضغائن وقال لقمان لابنه يا بني لا تجادل العلماء ~~فيمقتوك وقال بلال بن سعد إذا رأيت الرجل لجوجا مماريا معجبا برأيه فقد تمت ~~خسارته وقال سفيان لو خالفت أخي في رمانة فقال حلوة وقلت حامضة لسعى بي إلى ~~السلطان وقال أيضا صاف من شئت ثم أغضبه بالمراء فليرمينك بداهية تمنعك ~~العيش وقال ابن أبي ليلى لا أماري صاحبي فإما أن أكذبه وإما أن أغضبه وقال ~~أبو الدرداء كفى بك إثما أن لا تزال مماريا وقال صلى الله عليه وسلم تكفير ~~كل لحاء ركعتان + حديث تكفير كل لحاء ركعتان أخرجه الطبراني من حديث أبي ~~أمامة بسند ضعيف + وقال عمر رضي الله عنه لا تتعلم العلم لثلاث ولا تتركه ~~لثلاث # لا تتعلمه لتماري به ولا لتباهي به ولا لترائي به ولا تتركه حياء من طلبه ~~ولا زهادة فيه ولا رضا بالجهل منه # وقال عيسى عليه السلام من كثر كذبه ذهب جماله ومن لاحى الرجال سقطت ~~مروءته ومن كثر همه سقم جسمه ومن ساء خلقه عذب نفسه وقيل لميمون بن مهران ~~مالك لا تترك أخاك عن قلى قال لأني لا أشاريه ولا أماريه وما ورد في ذم ~~المراء والجدال أكثر من أن يحصى # وحد المراء هو كل اعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه إما في اللفظ ~~وإما في المعنى وإما في قصد المتكلم وترك المراء بترك الإنكار والاعتراض ~~فكل كلام سمعته فإن كان حقا فصدق به وإن كان باطلا أو كذبا ولم يكن متعلقا ~~بأمور الدين فاسكت عنه # والطعن في كلام الغير تارة يكون في لفظه بإظهار خلل فيه من جهة النحو أو ~~من جهة اللغة أو من جهة العربية أو من جهة النظم والترتيب بسوء تقديم أو ~~تأخير وذلك يكون تارة من قصور المعرفة وتارة يكون بطغيان اللسان وكيفما كان ~~فلا وجه لإظهار خلله # وأما في المعنى فبأن يقول ليس كما تقول وقد أخطأت فيه من وجه كذا وكذا # وأما في قصده فمثل أن يقول هذا الكلام حق ولكن ليس قصدك منه الحق وإنما ~~أنت فيه صاحب غرض وما يجري مجراه وهذا الجنس إن جرى في مسألة علمية ربما خص ~~باسم الجدل وهو أيضا مذموم بل الواجب السكوت أو السؤال في معرض الاستفادة ~~لا على وجه العناد والنكارة أو التلطف في التعريف لا في معرض الطعن # وأما المجادلة فعبارة عن قصد إفحام الغير وتعجيزه وتنقيصه بالقدح في ~~كلامه ونسبته إلى القصور والجهل فيه وآية ذلك أن يكون تنبيهه للحق من جهة ~~أخرى مكروها عند المجادل يجب أن يكون هو المظهر له خطأ ليبين به فضل نفسه ~~ونقص صاحبه ولا نجاة من هذا إلا بالسكوت عن كل ما لا يأثم به لو سكت عنه # وأما الباعث على هذا فهو الترفع بإظهار العلم والفضل والتهجم على الغير ~~بإظهار نقصه وهما شهوتان باطنتان PageV03P117 للنفس قويتان لها # وأما إظهار الفضل فهو من قبل تزكية النفس وهي من مقتضى ما في العبد من ~~طغيان دعوى العلو والكبرياء وهي من صفات الربوبية وأما تنقيض الآخر فهو من ~~مقتضى طبع السبعية فإنه يقتضي أن يمزق غيره ويقصمه ويصدمه ويؤذيه وهاتان ~~صفتان مذمومتان مهلكتان وإنما قوتهما المراء والجدال فالمواظب على المراء ~~والجدال مقو لهذه الصفات المهلكة وهذا مجاوز حد الكراهة بل هو معصية مهما ~~حصل فيه إيذاء الغير # ولا تنفك المماراة عن الإيذاء وتهييج الغضب وحمل المعترض عليه على أن ~~يعود فينصر كلامه بما يمكنه من حق أو باطل ويقدح في قائله بكل ما يتصور له ~~فيثور الشجار بين المتماريين كما يثور الهراش بين الكلبين يقصد كل واحد ~~منهما أن يعض صاحبه بما هو أعظم نكاية وأقوى في إفحامه وإلجامه # وأما علاجه فهو بأن يكسر الكبر الباعث له على إظهار فضله والسبعية الباعث ~~له على تنقيص غيره كما سيأتي ذلك في كتاب ذم الكبر والعجب وكتاب ذم الغضب ~~فإن علاج كل علة بإماطة سببها وسبب المراء والجدال ما ذكرناه ثم المواظبة ~~عليه تجعله عادة وطبعا حتى يتمكن من النفس ويعسر الصبر عنه # روي أن أبا حنيفة رحمة الله عليه قال لداود الطائي لم آثرت الأنزواء قال ~~لأجاهد نفسي بترك الجدال فقال احضر المجالس واستمع ما يقال ولا تتكلم قال ~~ففعلت ذلك فما رأيت مجاهدة أشد علي منها وهو كما قال لأن من سمع الخطأ من ~~غيره وهو قادر على كشفه يعسر عليه الصبر عند ذلك جدا ولذلك قال صلى الله ~~عليه وسلم من ترك المراء وهو محق بنى الله له بيتا في أعلى الجنة لشدة ذلك ~~على النفس وأكثر ما يغلب ذلك في المذاهب والعقائد # فإن المراء طبع فإذا ظن أن له عليه ثوابا اشتد عليه حرصه وتعاون الطبع ~~والشرع عليه وذلك خطأ محض بل ينبغي للإنسان أن يكف لسانه عن أهل القبلة ~~وإذا رأى مبتدعا تلطف في نصحه في خلوة لا بطريق الجدال فإن الجدال يخيل ~~إليه أنها حيلة منه في التلبيس وأن ذلك صنعة يقدر المجادلون من أهل مذهبه ~~على أمثالها لو أرادوا فتستمر البدعة في قلبه بالجدل وتتأكد فإذا عرف أن ~~النصح لا ينفع اشتغل بنفسه وتركه وقال صلى الله عليه وسلم رحم الله من كف ~~لسانه عن أهل القبلة إلا بأحسن ما يقدر عليه + حديث رحم الله من كف لسانه ~~عن أهل القبلة إلا بأحسن ما يقدر عليه أخرجه ابن أبي الدنيا بإسناد ضعيف من ~~حديث هشام بن عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ورواه أبو منصور ~~الديلمي في مسند الفردوس من رواية هشام عن عائشة بلفظ رحم الله امرأ كف ~~لسانه عن أعراض المسلمين وهو منقطع وضعيف جدا + وقال هشام بن عروة كان عليه ~~السلام يردد قوله هذا سبع مرات وكل من اعتاد المجادلة مدة وأثنى الناس عليه ~~ووجد لنفسه بسببه عزا وقبولا قويت فيه هذه المهلكات ولا يستطيع عنها نزوعا ~~إذا اجتمع عليه سلطان الغضب والكبر والرياء وحب الجاه والتعزز بالفضل وآحاد ~~هذه الصفات يشق مجاهدتها فكيف بمجموعها الآفة الخامسة الخصومة # وهي أيضا مذمومة وهي وراء الجدال والمراء فالمراء طعن في كلام الغير ~~بإظهار خلل فيه من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير # وإظهار مزية الكياسة والجدال عبارة عن أمر يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها # والخصومة لجاج في الكلام ليستوفي به مال أو حق مقصود وذلك تارة يكون ~~ابتداء وتارة يكون اعتراضا # والمراء لا يكون إلا باعتراض على كلام سبق فقد قالت عائشة رضي الله عنها ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبغض PageV03P118 الرجال إلى الله ~~الألد الخصم + حديث عائشة إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم أخرجه ~~البخاري وقد تقدم + وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ~~جادل في خصومة بغير علم لم يزل في سخط الله حتى ينزع + حديث أبي هريرة من ~~جادل في خصومة بغير علم لم يزل في سخط الله حتى ينزع أخرجه ابن أبي الدنيا ~~والأصفهاني في الترغيب والترهيب وفيه رجاء أبو يحيى ضعفه الجمهور + وقال ~~بعضهم إياك والخصومة فإنها تمحق الدين ويقال ما خاصم ورع قط في الدين وقال ~~ابن قتيبة مر بي بشر بن عبد الله بن أبي بكرة فقال ما يجلسك ههنا قلت خصومة ~~بيني وبين ابن عم لي فقال إن لأبيك عندي يدا وإني أريد أن أجزيك بها وإني ~~والله ما رأيت شيئا أذهب للدين ولا أنقص للمروءة ولا أضيع للذة ولا أشغل ~~للقلب من الخصومة قال فقمت لأنصرف فقال لي خصمي مالك قلت لا أخاصمك قال إنك ~~عرفت أن الحق لي قلت لا ولكن أكرم نفسي عن هذا قال فإني لا أطلب منك شيئا ~~هو لك # فإن قلت فإذا كان للإنسان حق فلا بد له من الخصومة في طلبه أو في حفظه ~~مهما ظلمه ظالم فكيف يكون حكمه وكيف تذم خصومته فاعلم أن هذا الذم يتناول ~~الذي يخاصم بالباطل والذي يخاصم بغير علم مثل وكيل القاضي فإنه قبل أن ~~يتعرف أن الحق في أي جانب هو يتوكل في الخصومة من أي جانب كان فيخاصم بغير ~~علم ويتناول الذي يطلب حقه ولكنه لا يقتصر على قدر الحاجة بل يظهر اللدد في ~~الخصومة على قصد التسلط أو على قصد الإيذاء ويتناول الذي يمزج بالخصومة ~~كلمات مؤذية ليس يحتاج إليها في نصرة الحجة وإظهار الحق ويتناول الذي يحمله ~~على الخصومة محض العناد لقهر الخصم وكسره مع أنه قد يستحقر ذلك القدر من ~~المال وفي الناس من يصرح به ويقول إنما قصدي عناده وكسر عرضه وإني إن أخذت ~~منه هذا المال ربما رميت به في بئر ولا أبالي وهذا مقصوده اللدد والخصومة ~~واللجاج وهو مذموم جدا فأما المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع من غير لدد ~~وإسراف وزيادة لجاج على قدر الحاجة ومن غير قصد عناد وإيذاء ففعله ليس ~~بحرام ولكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلا فإن ضبط اللسان في الخصومة على ~~حد الاعتدال متعذر والخصومة توغر الصدر وتهيج الغضب وإذا هاج الغضب نسي ~~المتنازع فيه وبقي الحقد بين المتخاصمين حتى يفرح كل واحد بمساءة صاحبه ~~ويحزن بمسرته ويطلق اللسان في عرضه فمن بدأ بالخصومة فقد تعرض لهذه ~~المحذورات وأقل ما فيه تشويش خاطره حتى إنه في صلاته يشتغل بمحاجة خصمه فلا ~~يبقى الأمر على حد الواجب فالخصومة مبدأ كل شر وكذا المراء والجدال فينبغي ~~أن لا يفتح بابه إلا لضرورة وعند الضرورة ينبغي أن يحفظ اللسان والقلب عن ~~تبعات الخصومة وذلك متعذر جدا فمن اقتصر على الواجب في خصومته سلم من الإثم ~~ولا تذم خصومته إلا أنه إن كان مستغنيا عن الخصومة فيما خاصم فيه لأن عنده ~~ما يكفيه فيكون تاركا للأولى ولا يكون آثما نعم أقل ما يفوته في الخصومة ~~والمراء والجدال طيب الكلام وما ورد فيه من الثواب إذ أقل درجات طيب الكلام ~~إظهار الموافقة ولا خشونة في الكلام أعظم من الطعن والاعتراض الذي حاصله ~~إما تجهيل وإما تكذيب فإن من جادل غيره أو ماراه أو خاصمه فقد جهله أو كذبه ~~فيفوت به طيب الكلام # وقد قال صلى الله عليه وسلم يمكنكم من الجنة طيب الكلام وإطعام الطعام + ~~حديث يمكنكم من الجنة طيب الكلام وإطعام الطعام أخرجه الطبراني من حديث ~~جابر وفيه من لا أعرفه وله من حديث هانيء أبي شريح بإسناد جيد يوجب الجنة ~~إطعام الطعام وحسن الكلام + PageV03P119 # وقد قال الله تعالى @QB@ وقولوا للناس حسنا @QE@ وقال ابن عباس رضي الله ~~عنهما من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه السلام وإن كان مجوسيا إن الله ~~تعالى يقول @QB@ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها @QE@ وقال ابن ~~عباس أيضا لو قال لي فرعون خيرا لرددت عليه وقال أنس قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم إن في الجنة لغرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ~~أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام وألان الكلام + حديث أنس إن في الجنة ~~لغرفا يرى ظاهرها من باطنها الحديث أخرجه الترمذي وقد تقدم + وروي أن عيسى ~~عليه السلام مر به خنزير فقال مر بسلام فقيل يا روح الله أتقول هذا لخنزير ~~فقال أكره أن أعود لساني الشر وقال نبينا صلى الله عليه وسلم الكلمة الطيبة ~~صدقة + حديث الكلمة الطيبة صدقة أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + وقال اتقوا ~~النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة + حديث اتقوا النار ولو بشق ~~تمرة الحديث متفق عليه من حديث عدي بن حاتم وقد تقدم + وقال عمر رضي الله ~~عنه البر شيء هين وجه طليق وكلام لين وقال بعض الحكماء الكلام اللين يغسل ~~الضغائن المستكنة في الجوارح وقال بعض الحكماء كل كلام لا يسخط ربك إلا أنك ~~ترضي به جليسك فلا تكن به عليه بخيلا فإنه لعله يعوضك منه ثواب المحسنين ~~وهذا كله في فضل الكلام الطيب وتضاده الخصومة والمراء والجدال واللجاج فإنه ~~الكلام المستكره الموحش المؤذي للقلب المنغص للعيش المهيج للغضب الموغر ~~للصدر نسأل الله حسن التوفيق بمنه وكرمه الآفة السادسة # التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه بالتشبيبات ~~والمقدمات وما جرى به عادة المتفاصحين المدعين للخطابة وكل ذلك من التصنع ~~المذموم ومن التكلف الممقوت الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ~~وأتقياء أمتي برءاء من التكلف وقال صلى الله عليه وسلم إن أبغضكم إلي ~~وأبعدكم مني مجلسا الثرثارون المتفيهقون المتشدقون في الكلام + حديث إن ~~أبغضكم إلى الله وأبعدكم مني مجلسا الثرثارون المتفيهقون المتشدقون أخرجه ~~أحمد من حديث أبي ثعلبة وهو عند الترمذي من حديث جابر وحسنه بلفظ إن أبغضكم ~~إلي + وقالت فاطمة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شرار ~~أمتي الذين غذوا بالنعيم يأكلون ألوان الطعام ويلبسون ألوان الثياب ~~ويتشدقون في الكلام + حديث فاطمة شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم الحديث وفيه ~~ويتشدقون أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب + # وقال صلى الله عليه وسلم ألا هلك المتنطعون ثلاث مرات + حديث ألا هلك ~~المتنطعون من حديث ابن مسعود والتنطع هو التعمق والاستقصاء وقال عمر رضي ~~الله عنه شقاشق الكلام من شقاشق الشيطان وجاء عمر بن سعد بن أبي وقاص إلى ~~أبيه سعد يسأله حاجة فتكلم بين يدي حاجته بكلام فقال له سعد ما كنت من ~~حاجتك بأبعد منك اليوم إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يأتي ~~على الناس زمان يتخللون الكلام بألسنتهم كما تتخلل البقرة الكلأ بلسانها + ~~حديث سعد يأتي على الناس زمان يتخللون الكلام بألسنتهم كما تتخلل البقرة ~~الكلأ بلسانها رواه أحمد + وكأنه أنكر عليه ما قدمه على الكلام من التشبب ~~والمقدمة المصنوعة المتكلفة وهذا أيضا من آفات اللسان ويدخل فيه كل سجع ~~متكلف وكذلك التفاصح الخارج عن حد العادة وكذلك التكلف بالسجع في المحاورات ~~إذ قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة في الجنين فقال بعض قوم الجاني ~~كيف ندى من لا شرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل PageV03P120 ومثل ذلك بطل ~~فقال أسجعا كسجع الأعراب + حديث كيف ندى من لا شرب ولا أكل الحديث أخرجه ~~مسلم من حديث المغيرة بن شعبة وأبي هريرة وأصلها عند البخاري أيضا + وأنكر ~~ذلك لأن أثر التكلف والتصنع بين عليه بل ينبغي أن يقتصر في كل شيء على ~~مقصوده ومقصود الكلام التفهيم للغرض وما وراء ذلك تصنع مذموم ولا يدخل في ~~هذه تحسين ألفاظ الخطابة والتذكير من غير إفراط وإغراب فإن المقصود منها ~~تحريك القلوب وتشويقها وقبضها وبسطها فلرشاقة اللفظ تأثير فيه فهو لائق به ~~فأما المحاورات التي تجري لقضاء الحاجات فلا يليق بها السجع والتشدق ~~والاشتغال به من التكلف المذموم ولا باعث عليه إلا الرياء وإظهار الفصاحة ~~والتميز بالبراعة وكل ذلك مذموم يكرهه الشرع ويزجر عنه الآفة السابعة الفحش ~~والسب وبذاءة اللسان # وهو مذموم ومنهي عنه ومصدره الخبث واللؤم قال صلى الله عليه وسلم إياكم ~~والفحش فإن الله تعالى لا يحب الفحش ولا التفحش + حديث إياكم والفحش الحديث ~~أخرجه النسائي في الكبرى في التفسير والحاكم وصححه من حديث عبد الله بن ~~عمرو ورواه ابن حبان من حديث أبي هريرة + ونهى رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم عن أن تسب قتلى بدر من المشركين فقال لا تسبوا هؤلاء فإنه لا يخلص ~~إليهم شيء مما تقولون وتؤذون الأحياء ألا إن البذاء لؤم + حديث النهي عن سب ~~قتلى بدر من المشركين الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث محمد بن علي ~~الباقر مرسلا ورجاله ثقات وللنسائي من حديث ابن عباس بإسناد صحيح إن رجلا ~~وقع في أب للعباس كان في الجاهلية فلطمه الحديث وفيه لا تسبوا أمواتنا ~~فتؤذوا أحياءنا وقال صلى الله عليه وسلم ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا ~~الفاحش ولا البذى + حديث ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا ~~البذى أخرجه الترمذي بإسناد صحيح من حديث ابن مسعود وقال حسن غريب وصححه ~~وروي موقوفا قال الدارقطني في العلل والموقوف أصح + # وقال صلى الله عليه وسلم الجنة حرام على كل فاحش أن يدخلها + حديث الجنة ~~حرام على كل فاحش أن يدخلها أخرجه ابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية من ~~حديث عبد الله بن عمرو + # وقال صلى الله عليه وسلم أربعة يؤذون أهل النار في النار على ما بهم من ~~الأذى يسعون بين الحميم والجحيم يدعون بالويل والثبور رجل يسيل فوه قيحا ~~ودما فيقال له ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى فيقول إن الأبعد ~~كان ينظر إلى كل كلمة قذعة خبيثة فيستلذها كما يستلذ الرفث + حديث أربعة ~~يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى الحديث @QB@ وفيه @QE@ إن الأبعد كان ~~ينظر إلى كل كلمة خبيثة فيستلذها كما يستلذ الرفث أخرجه ابن أبي الدنيا من ~~حديث شفى بن مانع واختلف في صحبته فذكره أبو نعيم في الصحابة وذكره البخاري ~~وابن حبان في التابعين + # وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة يا عائشة لو كان الفحش رجلا لكان رجل سوء ~~+ حديث يا عائشة لو كان الفحش رجلا لكان رجل سوء أخرجه ابن أبي الدنيا من ~~رواية ابن لهيعة عن أبي النضر عن أبي سلمة عنها + # وقال صلى الله عليه وسلم البذاء والبيان شعبتان من شعب النفاق + حديث ~~البذاء والبيان شعبتان من النفاق أخرجه الترمذي وحسنه الحاكم وصححه على ~~شرطهما من حديث أبي أمامة وقد تقدم + فيحتمل أن يراد بالبيان كشف ما لا ~~يجوز كشفه ويحتمل أيضا المبالغة في الإيضاح حتى ينتهي إلى حد التكلف ويحتمل ~~أيضا البيان في أمور الدين وفي صفات الله تعالى فإن إلقاء ذلك مجملا إلى ~~أسماع العوام أولى من المبالغة في بيانه إذ قد يثور من غاية البيان فيه ~~شكوك ووساوس فإذا أجملت بادرت القلوب إلى القبول ولم تضطرب ولكن ذكره ~~مقرونا بالبذاء يشبه أن يكون المراد به المجاهرة بما يستحي الإنسان من ~~بيانه فإن الأولى في مثله الإغماض والتغافل دون الكشف والبيان وقال صلى ~~الله عليه وسلم إن الله لا يحب الفاحش PageV03P121 المتفحش الصياح في ~~الأسواق + حديث إن الله لا يحب الفاحش ولا المتفحش الصياح في الأسواق أخرجه ~~ابن أبي الدنيا من حديث جابر بسند ضعيف وله وللطبراني من حديث أسامة بن زيد ~~إن الله لا يحب الفاحش المتفحش وإسناده جيد + وقال جابر بن سمرة كنت جالسا ~~عند النبي صلى الله عليه وسلم وأبي أمامي فقال صلى الله عليه وسلم إن الفحش ~~والتفاحش ليسا من الإسلام في شيء وإن أحسن الناس إسلاما أحاسنهم أخلاقا + ~~حديث جابر بن سمرة إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء الحديث أخرجه ~~أحمد وابن أبي الدنيا بإسناد صحيح + وقال إبراهيم بن ميسرة يقال يؤتى ~~بالفاحش المتفحش يوم القيامة في صورة كلب أو في جوف كلب وقال الأحنف بن قيس ~~ألا أخبركم بأدوإ الداء اللسان البذى والخلق الدني # فهذه مذمة الفحش فأما حده وحقيقته فهو التعبير عن الأمور المستقبحة ~~بالعبارات الصريحة وأكثر ذلك يجري في ألفاظ الوقاع وما يتعلق به فإن لأهل ~~الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها فيه وأهل الصلاح يتحاشون عنها بل ~~يكنون عنها ويدلون عليها بالرموز فيذكرون ما يقربها ويتعلق بها وقال ابن ~~عباس إن الله حي كريم يعفو ويكنو كنى باللمس عن الجماع فالمسيس واللمس ~~والدخول والصحبة كنايات عن الوقاع وليست بفاحشة وهناك عبارات فاحشة يستقبح ~~ذكرها ويستعمل أكثرها في الشتم والتعيير وهذه العبارات متفاوتة في الفحش ~~وبعضها أفحش من بعض وربما اختلف ذلك بعادة البلاد وأوائلها مكروهة وأواخرها ~~محظورة وبينهما درجات يتردد فيها وليس يختص هذا بالوقاع بل بالكناية بقضاء ~~الحاجة عن البول والغائط أولى من لفظ التغوط والخراء وغيرهما فإن هذا أيضا ~~ما يخفى وكل ما يخفى يستحيا منه فلا ينبغي أن يذكر ألفاظه الصريحة فإنه فحش ~~وكذلك يستحسن في العادة الكناية عن النساء فلا يقال قالت زوجتك كذا بل يقال ~~قيل في الحجرة أو من وراء الستر أو قالت أم الأولاد فالتلطف في هذه الألفاظ ~~محمود والتصريح فيها يفضي إلى الفحش وكذلك من به عيوب يستحيا منها فلا ~~ينبغي أن يعبر عنها بصريح لفظها كالبرص والقرع والبواسير بل يقال العارض ~~الذي يشكوه وما يجري مجراه فالتصريح بذلك داخل في الفحش وجميع ذلك من آفات ~~اللسان # قال العلاء بن هارون وكان عمر بن عبد العزيز يتحفظ في منطقه فخرج تحت ~~إبطه خراج فأتيناه نسأله لنرى ما يقول فقلنا من أين خرج فقال من باطن اليد ~~والباعث على الفحش إما قصد الإيذاء وإما الاعتياد الحاصل من مخالطة الفساق ~~وأهل الخبث واللؤم ومن عادتهم السب وقال أعرابي لرسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أوصني فقال عليك بتقوى الله وإن امرؤ عيرك بشيء يعلمه فيك فلا تعيره ~~بشيء فيه يكن وباله عليه وأجره لك ولا تسبن شيئا قال فما سببت شيئا بعده + ~~حديث قال أعرابي أوصني فقال عليك بتقوى الله وإن امرؤ عيرك بشيء يعلمه فيك ~~فلا تعيره بشيء تعلمه فيه الحديث أخرجه أحمد والطبراني بإسناد جيد من حديث ~~أبي جري الهجيمي قيل اسمه جابر بن سليم وقيل سليم بن جابر + # وقال عياض بن حمار قلت يا رسول الله إن الرجل من قومي يسبني وهو دوني هل ~~علي من بأس أن أنتصر منه فقال المستابان شيطانان يتعاويان ويتهارجان + حديث ~~عياض ابن حمار قلت يا رسول الله الرجل من قومي يسبني وهو دوني هل علي من ~~بأس أن انتصر منه فقال المستابان شيطانان يتكاذبان ويتهاتران أخرجه أبو ~~داود والطيالسي وأصله عند أحمد + # وقال صلى الله عليه وسلم سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر + حديث سباب المسلم ~~فسوق وقتاله كفر متفق عليه من حديث ابن مسعود + وقال صلى الله عليه وسلم ~~المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما حتى يعتدي المظلوم + حديث المستبان ما ~~قالا فعلى البادئ حتى يعتدي المظلوم أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وقال ما ~~لم يعتد + # وقال صلى الله عليه وسلم ملعون من سب والديه + حديث معلون من سب والديه ~~وفي رواية من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه الحديث أخرجه أحمد وأبو ~~يعلى والطبراني من حديث ابن عباس باللفظ الأول بإسناد جيد واتفق الشيخان ~~على اللفظ الثاني من حديث عبد الله بن عمرو + وفي رواية من أكبر الكبائر أن ~~يسب الرجل PageV03P122 والديه قالوا يا رسول الله كيف يسب الرجل والديه قال ~~يسب أبا الرجل فيسب الآخر أباه الآفة الثامنة اللعن # إما لحيوان أو جماد أو إنسان وكل ذلك مذموم قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم المؤمن ليس بلعان + حديث المؤمن ليس بلعان تقدم حديث ابن مسعود ليس ~~المؤمن بالطعان ولا اللعان الحديث قبل هذا بأحد عشر حديثا وللترمذي وحسنه ~~من حديث ابن عمر لا يكون المؤمن لعانا وقال صلى الله عليه وسلم لا تلاعنوا ~~بلعنة الله ولا بغضبه ولا بجهنم + حديث لا تلاعنوا بلعنة الله الحديث أخرجه ~~الترمذي وأبو داود من حديث سمرة بن جندب قال الترمذي حسن صحيح + وقال حذيفة ~~ما تلاعن قوم قط إلا حق عليهم القول وقال عمران بن حصين بينما رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره إذ امرأة من الأنصار على ناقة لها فضجرت ~~منها فلعنتها فقال صلى الله عليه وسلم خذوا ما عليها وأعروها فإنها ملعونة ~~+ حديث عمران بن حصين بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ~~إذا امرأة من الأنصار على ناقة لها فضجرت منها فلعنتها الحديث رواه مسلم + ~~قال فكأني أنظر إلى تلك الناقة تمشي بين الناس لا يتعرض لها أحد وقال أبو ~~الدرداء ما لعن أحد الأرض إلا قالت لعن الله أعصانا لله وقالت عائشة رضي ~~الله عنها سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وهو يلعن بعض رقيقه ~~فالتفت إليه وقال يا أبا بكر أصديقين ولعنانين كلا ورب والكعبة مرتين أو ~~ثلاثا + حديث عائشة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه ~~وهو يلعن رقيقه فالتفت إليه فقال يا أبا بكر لعانين وصديقين الحديث أخرجه ~~ابن أبي الدنيا في الصمت وشيخه بشار بن موسى الخفاف ضعفه الجمهور وكان أحمد ~~حسن الرأي فيه + فأعتق أبو بكر يومئذ رقيقه وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ~~وقال لا أعود # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا ~~شهداء يوم القيامة + حديث إن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم ~~القيامة أخرجه مسلم من حديث أبي الدرداء + # وقال أنس كان رجل يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير فلعن ~~بعيره فقال صلى الله عليه وسلم يا عبد الله لا تسر معنا على بعير ملعون + ~~حديث أنس كان رجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير فلعن بعيره ~~فقال يا عبد الله لا تسر معنا على بعير ملعون أخرجه ابن أبي الدنيا بإسناد ~~جيد + وقال ذلك إنكارا عليه واللعن عبارة عن الطرد والإبعاد من الله تعالى ~~وذلك غير جائز إلا على من اتصف بصفة تبعده من الله عز وجل وهو الكفر والظلم ~~بأن يقول لعنة الله على الظالمين وعلى الكافرين وينبغي أن يتبع فيه لفظ ~~الشرع فإن في اللعنة خطرا لأنه حكم على الله عز وجل بأنه قد أبعد الملعون ~~وذلك غيب لا يطلع عليه غير الله تعالى ويطلع عليه رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم إذا أطلعه الله عليه # والصفات المقتضية للعن ثلاثة الكفر والبدعة والفسق وللعن في كل واحدة ~~ثلاث مراتب # الأولى اللعن بالوصف الأعم كقولك لعنة الله الكافرين والمبتدعين والفسقة # الثانية اللعن بأوصاف أخص منه كقولك لعنة الله على اليهود والنصارى ~~والمجوس وعلى القدرية والخوارج والروافض أو على الزناة والظلمة وآكلي الربا ~~وكل ذلك جائز ولكن في لعن أوصاف المبتدعة خطر لأن معرفة البدعة غامضة ولم ~~يرد فيه لفظ مأثور فينبغي أن يمنع منه العوام لأن ذلك يستدعي المعارضة ~~بمثله ويثير نزاعا بين الناس وفسادا # الثالثة اللعن للشخص المعين و هذا فيه خطر كقولك زيد لعنه الله وهو كافر ~~أو فاسق أو مبتدع والتفصيل PageV03P123 فيه أن كل شخص ثبتت لعنته شرعا ~~فتجوز لعنته كقولك فرعون لعنه الله وأبو جهل لعنه الله لأنه قد ثبت أن ~~هؤلاء ماتوا على الكفر وعرف ذلك شرعا وأما شخص بعينه في زماننا كقولك زيد ~~لعنه الله وهو يهودي مثلا فهذا فيه خطر فإنه ربما يسلم فيموت مقربا عند ~~الله فكيف يحكم بكونه ملعونا # فإن قلت يلعن لكونه كافرا في الحال كما يقال للمسلم رحمه الله لكونه ~~مسلما في الحال وإن كان يتصور أن يرتد فاعلم أن معنى قولنا رحمه الله أي ~~ثبته الله على الإسلام الذي هو سبب الرحمة وعلى الطاعة ولا يمكن أن يقال ~~ثبت الله الكافر على ما هو سبب اللعنة فإن هذا سؤال للكفر وهو في نفسه كفر ~~بل الجائز أن يقال لعنه الله إن مات على الكفر ولا لعنه الله إن مات على ~~الإسلام وذلك غيب لا يدري والمطلق متردد بين الجهتين ففيه خطر وليس في ترك ~~اللعن خطر وإذا عرفت هذا في الكافر فهو في زيد الفاسق أو زيد المبتدع أولى ~~فلعن الأعيان فيه خطر لأن الأعيان تتقلب في الأحوال إلا من أعلم به رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فإنه يجوز أن يعلم من يموت على الكفر ولذلك عين ~~قوما باللعن فكان يقول في دعائه على قريش اللهم عليك بأبي جهل بن هشام ~~وعتبة بن ربيعة + حديث اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وذكر ~~جماعة متفق عليه من حديث ابن مسعود + وذكر جماعة قتلوا على الكفر حتى إن من ~~لم يعلم عاقبته كان يلعنه فنهي عنه إذ روى أنه كان يلعن الذي قتلوا أصحاب ~~بئر معونة في قنوته شهرا فنزل قوله تعالى ليس لك من الأمر شيء أو يتوب ~~عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون + حديث أنه كان يلعن الذين قتلوا أصحاب بئر ~~معونة في قنوته شهرا فنزل قوله تعالى @QB@ ليس لك من الأمر شيء @QE@ أخرجه ~~الشيخان من حديث أنس دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا ~~أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحا الحديث وفي رواية لهما قنت شهرا يدعو على رعل ~~وذكوان الحديث ولهما من حديث أبي هريرة وكان يقول حين يفرغ من صلاة الفجر ~~من القراءة ويكبر ويرفع رأسه الحديث اللهم العن لحيان ورعلا الحديث وفيه ثم ~~بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل الله ليس لك من الأمر شيء بلفظ مسلم + # يعني أنهم ربما يسلمون فمن أين تعلم أنهم ملعونون وكذلك من بان لنا موته ~~على الكفر جاز لعنه وجاز ذمه إن لم يكن فيه أذى على مسلم فإن كان لم يجز ~~كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أبا بكر رضي الله عنه عن قبر ~~مر به وهو يريد الطائف فقال هذا قبر رجل كان عاتيا على الله ورسوله وهو ~~سعيد بن العاص فغضب ابنه عمرو بن سعيد وقال يا رسول الله هذا قبر رجل كان ~~أطعم للطعام وأضرب للهام من أبي قحافة فقال أبو بكر يكلمني هذا يا رسول ~~الله بمثل هذا الكلام فقال صلى الله عليه وسلم اكفف عن أبي بكر فانصرف ثم ~~أقبل على أبي بكر فقال يا أبا بكر إذا ذكرتم الكفار فعمموا فإنكم إذا خصصتم ~~غضب الأبناء للآباء فكف الناس عن ذلك + حديث إن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم سأل أبا بكر عن قبر مر به وهو يريد الطائف فقال هذا قبر رجل كان عاتيا ~~على الله وعلى رسوله وهو سعيد بن العاص فغضب ابنه الحديث أخرجه أبو داود في ~~المراسيل من رواية علي بن ربيعة قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم مكة توجه من فوره ذلك إلى الطائف ومعه أبو بكر ومعه ابنا سعيد بن ~~العاص فقال أبو بكر لمن هذا القبر قالوا قبر سعيد بن العاص فقال أبو بكر ~~لعن الله صاحب هذا القبر فإنه كان يجاهد الله ورسوله الحديث وفيه فإذا ~~سببتم المشركين فسبوهم جميعا وشرب نعيمان الخمر فحد مرات في مجلس رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فقال بعض الصحابه لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به فقال ~~صلى الله عليه وسلم لا تكن عونا للشيطان على أخيك + حديث شرب نعمان الخمر ~~فحد مرات في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعض الصحابة لعنه الله ~~ما أكثر ما يؤتى به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكن عونا للشيطان ~~على أخيك وفي رواية لا تقل هذا فإنه يحب الله ورسوله أخرجه ابن عبد البر في ~~الاستيعاب من طريق الزبير بن بكار من رواية محمد بن عمرو بن حزم مرسلا ~~ومحمد هذا ولد في حياته صلى الله عليه وسلم وسماه محمدا وكناه عبد الملك ~~وللبخاري من حديث عمر أن رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ~~اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وكان قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم ~~العنه أكثر ما يؤتي به فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلعنوه فوالله ما ~~علمت إلا أنه يحب الله ورسوله من حديث أبي هريرة في رجل شرب ولم يسم وفيه ~~لا تعينوا عليه الشيطان وفي رواية لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم + وفي ~~رواية لا تقل هذا فإنه يحب الله ورسوله فنهاه عن ذلك وهذا يدل على أن ~~PageV03P124 لعن فاسق بعينه غير جائز وعلى الجملة ففي لعن الأشخاص خطر ~~فليجتنب ولا خطر في السكوت عن لعن إبليس مثلا فضلا عن غيره # فإن قيل هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين أو آمر به قلنا هذا لم يثبت ~~أصلا فلا يجوز أن يقال إنه قتله أو أمر به ما لم يثبت فضلا عن اللعنة لأنه ~~لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق نعم يجوز أن يقال قتل ابن ملجم ~~عليا وقتل أبو لؤلؤة عمر رضي الله عنهما فإن ذلك ثبت متواترا فلا يجوز أن ~~يرمى مسلم بفسق أو كفر من غير تحقيق قال صلى الله عليه وسلم لا يرمى رجل ~~رجلا بالكفر ولا يرميه بالفسق إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك + حديث ~~لا يرمي رجل رجلا بالكفر ولا يرميه بالفسق إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه ~~كذلك متفق عليه والسياق للبخاري من حديث أبي ذر مع تقديم ذكر الفسق + # وقال صلى الله عليه وسلم ما شهد رجل على رجل بالكفر إلا باء به أحدهما إن ~~كان كافرا فهو كما قال وإن لم يكن كافرا فقد كفر بتكفيره إياه + حديث ما ~~شهد رجل على رجل بالكفر إلا أتى أحدهما إن كان كافرا فهو كما قال وإن لم ~~يكن كافرا فقد كفر بتكفيره إياه أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس ~~من حديث أبي سعيد بسند ضعيف + وهذا معناه أن يكفره وهو يعلم أنه مسلم فإن ~~ظن أنه كافر ببدعة أو غيرها كان مخطئا لا كافرا وقال معاذ قال لي رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم أنهاك أن تشتم مسلما أو تعصي إماما عادلا والتعرض ~~للأموات أشد + حديث معاذ أنهاك أن تشتم مسلما أو تعصي إماما عادلا أخرجه ~~أبو نعيم في الحلية في أثناء حديث له طويل + قال مسروق دخلت على عائشة رضي ~~الله عنها فقالت ما فعل فلان لعنه الله قلت توفي قالت رحمه الله قلت وكيف ~~هذا قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الأموات فإنهم قد ~~أفضوا إلى ما قدموا + حديث عائشة لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما ~~قدموا أخرجه البخاري وذكر المصنف في أوله قصة لعائشة وهو عند ابن المبارك ~~في الزهد والرقائق مع القصة + وقال صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الأموات ~~فتؤذوا به الأحياء + حديث لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء أخرجه الترمذي ~~من حديث المغيرة بن شعبة ورجاله ثقات إلا أن بعضهم أدخل بين المغيرة وبين ~~زياد بن علاقة رجل لم يسم + وقال صلى الله عليه وسلم أيها الناس احفظوني في ~~أصحابي وإخواني وأصهاري ولا تسبوهم أيها الناس إذا مات الميت فاذكروا منه ~~خيرا + حديث أيها الناس احفظوني في أصحابي وأخواني وأصهاري ولا تسبوهم أيها ~~الناس إذا مات الميت فاذكروا منه خيرا أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند ~~الفردوس من حديث عياض الأنصاري احفظوني في أصحابي وأصهاري وإسناده ضعيف ~~وللشيخين من حديث أبي سعيد وأبي هريرة لا تسبوا أصحابي ولأبي داود والترمذي ~~وقال غريب من حديث ابن عمر اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم وللنسائي ~~من حديث عائشة لا تذكروا موتاكم إلا بخير وإسناده جيد + # فإن قيل فهل يجوز أن يقال قاتل الحسين لعنه الله أو الآمر بقتله لعنه ~~الله قلنا الصواب أن يقال قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله لأنه ~~يحتمل أن يموت بعد التوبة فإن وحشيا قاتل حمزة عم رسول الله قتله وهو كافر ~~ثم تاب عن الكفر والقتل جميعا ولا يجوز أن يعلن والقتل كبيرة ولا تنتهي إلى ~~رتبة الكفر فإذا لم يقيد بالتوبة وأطلق كان فيه خطر وليس في السكوت خطر فهو ~~أولى # وإنما أوردنا هذا لتهاون الناس باللعنة وإطلاق اللسان بها والمؤمن ليس ~~بلعان فلا ينبغي أن يطلق اللسان باللعنة إلا على من مات على الكفر أو على ~~الأجناس المعروفين بأوصافهم دون الأشخاص المعينين فالاشتغال PageV03P125 ~~بذكر الله أولى فإن لم يكن ففي السكوت سلامة # قال مكي بن إبراهيم كنا عند ابن عون فذكروا بلال بن أبي بردة فجعلوا ~~يلعنونه ويقعون فيه وابن عون ساكت فقالوا يا ابن عون إنما نذكره لما ارتكب ~~منك فقال إنما هما كلمتان تخرجان من صحيفتي يوم القيامة لا إله إلا الله ~~ولعن الله فلانا فلأن يخرج من صحيفتي لا إله إلا الله أحب إلي من أين يخرج ~~منها لعن الله فلانا وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوصني فقال ~~أوصيك أن لا تكون لعانا + حديث قال رجل أوصني قال أوصيك أن لا تكون لعانا ~~أخرجه أحمد والطبراني وابن أبي عاصم في الآحاد والثاني من حديث جرموز ~~الهجيمي وفيه رجل لم يسم أسقط ذكره ابن أبي عاصم + وقال ابن عمر إن أبغض ~~الناس إلى الله كل طعان لعان وقال بعضهم لعن المؤمن يعد قتله وقال حماد بن ~~زيد بعد أن روى هذا لو قلت إنه مرفوع لم أبال وعن أبي قتادة قال كان يقول ~~من لعن مؤمنا فهو مثل أن يقتله + حديث لعن المؤمن كقتله متفق عليه من حديث ~~ثابت بن الضحاك + وقد نقل ذلك حديثا مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم # ويقرب من اللعن الدعاء على الإنسان بالشر حتى الدعاء على الظالم كقول ~~الإنسان مثلا لا صحح الله جسمه ولا سلمه الله وما يجري مجراه فإن ذلك مذموم ~~وفي الخبر إن المظلوم ليدعو على الظالم حتى يكافئه ثم يبقى للظالم عنده ~~فضلة يوم القيامة + حديث إن المظلوم ليدعو على الظالم حتى يكافئه ثم يبقى ~~للظالم عنده فضلة يوم القيامة لم أقف له على أصل وللترمذي من حديث عائشة ~~بسند ضعيف من دعا على من ظلمه فقد انتصر + الآفة التاسعة الغناء والشعر # وقد ذكرنا في كتاب السماع ما يحرم من الغناء وما يحل فلا نعيده وأما ~~الشعر فكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح إلا أن التجرد له مذموم قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم لأن يمتليء جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن ~~يمتليء شعرا + حديث لأن يمتليء جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتليء ~~شعرا أخرجه مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص واتفق عليه الشيخان من حديث أبي ~~هريرة نحوه والبخاري من حديث ابن عمر ومسلم من حديث أبي سعيد + وعن مسروق ~~أنه سئل عن بيت من الشعر فكرهه فقيل له في ذلك فقال أنا أكره أن يوجد في ~~صحيفتي شعر وسئل بعضهم عن شيء من الشعر فقال أجعل مكان هذا ذكرا فإن ذكر ~~الله خير من الشعر وعلى الجملة فإنشاد الشعر ونظمه ليس بحرام إذا لم يكن ~~فيه كلام مستكره قال صلى الله عليه وسلم إن من الشعر لحكمة + حديث إن من ~~الشعر لحكمة تقدم في العلم وفي آداب السماع + نعم مقصود الشعر المدح والذم ~~والتشبيب وقد يدخله الكذب وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ~~ثابت الأنصاري بهجاء الكفار والتوسع في المدح + حديث أمره حسانا أن يهجو ~~المشركين متفق عليه من حديث البراء أنه صلى الله عليه وسلم قال لحسان اهجهم ~~وجبريل معك + فإنه وإن كان كذبا فإنه لا يلتحق في التحريم بالكذب كقول ~~الشاعر ولو لم يكن في كفه غير روحه % لجاد بها فليتق الله سائله # فإن هذا عبارة عن الوصف بنهاية السخاء فإن لم يكن صاحبه سخيا كان كاذبا ~~وإن كان سخيا فالمبالغة من صنعة الشعر فلا يقصد منه أن يعتقد صورته وقد ~~أنشدت أبيات بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تتبعت لوجد فيها مثل ~~ذلك فلم يمنع منه قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يخصف نعله وكنت جالسة PageV03P126 أغزل فنظرت إليه فجعل جبينه يعرق ~~وجعل عرقه يتولد نورا قالت فبهت فنظر إلي فقال مالك بهت فقلت يا رسول الله ~~نظرت إليك فجعل جبينك يعرق وجعل عرقك يتولد نورا ولو رآك أبو كبير الهذلي ~~لعلم أنك أحق بشعره قال وما يقول يا عائشة أبو كبير الهذلي قلت يقول هذين ~~البيتين # ومبرأ من كل غبر حيضة % وفساد مرضعة وداء مغيل # وإذا نظرت إلى أسرة وجهه % برقت كبرق العارض المتهلل # قال فوضع صلى الله عليه وسلم ما كان بيده وقام إلي وقبل ما بين عيني وقال ~~جزاك الله خيرا يا عائشة ما سررت مني كسروري منك + حديث عائشة كان رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله وكنت أغزل قالت فنظرت إليه فجعل جبينه ~~يعرق وجعل عرقه يتولد نورا الحديث وفيه إنشاد عائشة لشعر أبي كبير الهذلي # ومبرأ من كل غبر حيضة % وفساد مرضعة وداء مغيل # فإذا نظرت إلى أسرة وجهه % برقت كبرق العارض المتهلل # إلى آخر الحديث رواه البيهقي في دلائل النبوة + # ولما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم حنين أمر للعباس بن ~~مرداس بأربع قلائص فاندفع يشكو في شعر له وفي آخره # وما كان بدر ولا حابس % يسودان مرداس في مجمع # وما كنت دون امرىء منهما % ومن تضع اليوم لا يرفع # فقال صلى الله عليه وسلم اقطعوا عني لسانه فذهب به أبو بكر الصديق رضي ~~الله عنه حتى اختار مائة من الإبل ثم رجع وهو من أرضى الناس فقال له صلى ~~الله عليه وسلم أتقول في الشعر فجعل يعتذر إليه ويقول بأبي أنت وأمي إني ~~لأجد للشعر دبيبا على لساني كدبيب النمل ثم يقرصني كما يقرص النمل فلا أجد ~~بدا من قول الشعر فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال لا تدع العرب الشعر حتى ~~تدع الإبل الحنين + حديث لما قسم الغنائم أمر للعباس بن مرداس بأربع قلائص ~~وفي آخره شعره # وما كان بدر ولا حابس % يفوقان مرداس في مجمع # وما كنت دون امرىء منهما % ومن تضع اليوم لا يرفع # فقال صلى الله عليه وسلم اقطعوا عني لسانه الحديث أخرجه مسلم من حديث ~~رافع بن خديج أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب وصفوان ~~بن أمية وعيينة بن حصن بن بدر والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل ~~وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك فقال عباس بن مرداس # أنجعل نهبي ونهب العيد % بين عبينة والأقرع # وما كان بدر ولا حابس % يفوقان مرداس في مجمع # وما كنت دون امرىء منهما % ومن تضع اليوم لا يرفع # قال فأتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وزاد في رواية أعطى علقمة ~~بن علاثة مائة وأما زيادة اقطعوا عني لسانه فليست في شيء من الكتب المشهورة ~~+ الآفة العاشرة المزاح # وأصله مذموم منهي عنه إلا قدرا يسيرا يستثنى منه قال صلى الله عليه وسلم ~~لا تمار أخاك ولا تمازحه + حديث لا تمار أخاك ولا تمازحه أخرجه الترمذي وقد ~~تقدم + # فإن قلت المماراة فيها إيذاء لأن فيها تكذيبا للأخ والصديق أو تجهيلا له ~~وأما المزاح فمطايبة وفيه انبساط وطيب PageV03P127 قلب فلم ينهى عنه فاعلم ~~أن المنهي عنه الإفراط فيه أو المداومة عليه # أما المداومة فلأنه اشتغال باللعب والهزل فيه واللعب مباح ولكن المواظبة ~~عليه مذمومة وأما الإفراط فيه فإنه يورث كثرة الضحك وكثرة الضحك تميت القلب ~~وتورث الضغينة في بعض الأحوال وتسقط المهابة والوقار فما يخلو عن هذه ~~الأمور فلا يذم كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني لأمزح ولا ~~أقول إلا حقا + حديث إني أمزح ولا أقول إلا حقا تقدم + إلا أن مثله يقدر ~~على أن يمزح ولا يقول إلا حقا وأما غيره إذا فتح باب المزاح كان غرضه أن ~~يضحك الناس كيفما كان # وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك بها ~~جلساءه يهوى في النار أبعد من الثريا + حديث إن الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك ~~بها جلساءه يهوى بها في النار أبعد من الثريا + وقال عمر رضي الله عنه من ~~كثر ضحكه قلت هيبته ومن مزج استخف به ومن أكثر من شيء عرف به ومن كثر كلامه ~~كثر سقطه ومن كثر سقطه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه # ولأن الضحك يدل على الغفلة عن الآخرة قال صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ~~ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا + حديث لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ~~ولبكيتم كثيرا متفق عليه من حديث أنس وعائشة + وقال رجل لأخيه يا أخي هل ~~أتاك أنك وارد النار قال نعم قال فهل أتاك أنك خارج منها قال لا ففيم الضحك ~~قيل فما رؤي ضاحكا حتى مات وقال يوسف بن أسباط أقام الحسن ثلاثين سنة لم ~~يضحك وقيل أقام عطاء السلمي أربعين سنة لم يضحك ونظر وهيب بن الورد إلى قوم ~~يضحكون في عيد فطر فقال إن كان هؤلاء قد غفر لهم فما هذا فعل الشاكرين وإن ~~كان لم يغفر لهم فما هذا فعل الخائفين وكان عبد الله بن أبي يعلى يقول ~~أتضحك ولعل أكفانك قد خرجت من عند القصار وقال ابن عباس من أذنب ذنبا وهو ~~يضحك دخل النار وهو يبكي # وقال محمد بن واسع إذا رأيت في الجنة رجل يبكي ألست تعجب من بكائه قيل ~~بلى قال فالذي يضحك في الدنيا ولا يدري إلى ماذا يصير هو أعجب منه فهذه آفة ~~الضحك والمذموم منه أن يستغرق ضحكا والمحمود منه التبسم الذي ينكشف فيه ~~السن ولا يسمع له صوت وكذلك كان ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم + حديث ~~كان ضحكه التبسم تقدم + قال القاسم مولى معاوية أقبل أعرابي إلى النبي صلى ~~الله عليه وسلم على قلوص له صعب فسلم فجعل كلما دنا من النبي صلى الله عليه ~~وسلم ليسأله يفر به فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون منه ~~ففعل ذلك مرارا ثم وقصه فقتله فقيل يا رسول الله إن الأعرابي قد صرعه قلوصه ~~وقد هلك فقال نعم وأفواهكم ملأى من دمه + حديث القاسم مولى معاوية أقبل ~~أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم على قلوص صعب له فسلم فجعل كلما دنا ~~إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسأله يفر به وجعل أصحاب النبي صلى الله ~~عليه وسلم يضحكون منه ففعل ذلك ثلاث مرات ثم وقصه فقتله فقيل يا رسول الله ~~إن الأعرابي قد صرعه قلوصه فهلك قال نعم وأفواهكم ملأى من دمه أخرجه ابن ~~المبارك في الزهد والرقائق وهو مرسل + وأما أداء المزاح إلى سقوط الوقار ~~فقد قال عمر رضي الله عنه من مزح استخف به # وقال محمد بن المنكدر قالت لي أمي يا بني لا تمازح الصبيان فتهون عندهم ~~وقال سعيد بن العاص لابنه يا بني لا تمازح الشريف فيحقد عليك ولا الدنيء ~~فيجترئ عليك وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى اتقوا الله وإياكم ~~والمزاح فإنه يورث الضغينة ويجر إلى القبيح تحدثوا بالقرآن وتجالسوا به فإن ~~ثقل عليكم فحديث حسن من حديث الرجال # وقال عمر رضي الله عنه أتدرون لما سمي المزاح مزاحا قالوا لا قال لأنه ~~أزاح صاحبه عن الحق وقيل لكل شيء بذور وبذور العداوة المزاح ويقال المزاح ~~مسلبة للنهي مقطعة للأصدقاء # فإن قلت قد نقل المزاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فكيف ~~ينهى عنه فأقول إن قدرت PageV03P128 على ما قدر عليه رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وأصحابه وهو أن تمزح ولا تقول إلا حقا ولا تؤذي قلبا ولا تفرط ~~فيه وتقتصر عليه أحيانا على الندور فلا حرج عليك فيه ولكن من الغلطالعظيم ~~أن يتخذ الإنسان المزاح حرفة يواظب عليه ويفرط فيه ثم يتمسك بفعل الرسول ~~صلى الله عليه وسلم وهو كمن يدور نهاره مع الزنوج ينظر إليهم وإلى رقصهم ~~ويتمسك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة في النظر إلى رقص ~~الزنوج في يوم عيد وهو خطأ إذ من الصغائر ما يصير كبيرة بالإصرار ومن ~~المباحات ما يصير صغيرة بالإصرار فلا ينبغي أن يغفل عن هذا + حديث إذنه ~~لعائشة في النظر إلى رقص الزنوج في يوم عيد تقدم + نعم روى أبو هريرة أنهم ~~قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا فقال إني وإن داعبتكم لا أقول إلا حقا + ~~حديث أبي هريرة قالوا إنك تداعبنا قال إني وإن داعبتكم فلا أقول إلا حقا ~~أخرجه الترمذي وحسنه + وقال عطاء إن رجلا سأل ابن عباس أكان رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يمزح فقال نعم قال فما كان مزاحه قال كان مزاحه أنه صلى ~~الله عليه وسلم كسا ذات يوم امرأة من نسائه ثوبا واسعا فقال لها البسيه ~~واحمدي وجري منه ذيلا كذيل العروس + حديث عطاء أن رجلا سأل ابن عباس أكان ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح فقال ابن عباس نعم الحديث فذكر منه قوله ~~لامرأة من نسائه البسيه واحمدي وجري منه ذيلا كذيل العروس لم أقف عليه + ~~وقال أنس إن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أفكه الناس مع نسائه + حديث ~~أنس كان من أفكه الناس تقدم + وروي أنه كان كثير التبسم + حديث أنه كان ~~كثير التبسم تقدم + وعن الحسن قال أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم ~~فقال لها صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة عجوز فبكت فقال إنك لست بعجوز ~~يومئذ قال الله تعالى @QB@ إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا @QE@ + حديث ~~الحسن لا يدخل الجنة عجوز أخرجه الترمذي في الشمائل هكذا مرسلا وأسنده ابن ~~الجوزي في الوفاء من حديث أنس بسند ضعيف + # وقال زيد بن أسلم إن امرأة يقال لها أم أيمن جاءت إلى النبي صلى الله ~~عليه وسلم فقالت إن زوجي يدعوك قال ومن هو أهو الذي بعينه بياض قالت والله ~~ما بعينه بياض فقال بلى إن بعينه بياضا فقالت لا والله فقال صلى الله عليه ~~وسلم ما من أحد إلا وبعينه بياض وأراد به البياض المحيط بالحدقة + حديث زيد ~~بن أسلم في قول لامرأة يقال لها أم أيمن قالت إن زوجي يدعوك أهو الذي بعينه ~~بياض الحديث أخرجه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح ورواه ابن أبي ~~الدنيا من حديث عبيدة بن سهم الفهري مع اختلاف + وجاءت امرأة أخرى فقالت يا ~~رسول الله احملني على بعير فقال بل نحملك على ابن البعير فقالت ما أصنع به ~~إنه لا يحملني فقال صلى الله عليه وسلم ما من بعير إلا وهو ابن بعير + حديث ~~قوله لامرأة استحملته نحملك على ابن البعير الحديث أخرجه أبو داود والترمذي ~~وصححه من حديث أنس بلفظ أنا حاملك على ولد الناقة + # فكان يمزح به وقال أنس كان لأبي طلحة ابن يقال له أبو عمير وكان رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم ويقول يا أبا عمير ما فعل النغير + حديث ~~أنس أبا عمير ما فعل النغير متفق عليه وتقدم في أخلاق النبوة + النغير كان ~~يلعب به وهو فرخ العصفور وقالت عائشة رضي الله عنها خرجت مع رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم في غزوة بدر فقال تعالي حتى أسابقك فشددت درعي على بطني ثم ~~خططنا خطا فقمنا عليه واستبقنا فسبقني وقال هذهمكان ذي المجاز + حديث عائشة ~~في مسابقته صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر فسبقها وقال هذه مكان ذي المجاز ~~لم أجد له أصلا ولم تكن عائشة معه في غزوة بدر + وذلك أنه جاء يوم ونحن بذي ~~المجاز وأنا جارية قد بعثني أبي بشيء فقال أعطنيه فأبيت وسعيت وسعى في أثري ~~فلم يدركني وقالت أيضا سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته فلما ~~حملت اللحم سابقني فسبقني وقال هذه بتلك + حديث عائشة سابقني فسبقته أخرجه ~~النسائي وابن ماجه وقد تقدم في النكاح + وقالت أيضا رضي الله عنها كان عندي ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم وسودة بنت زمعة فصنعت حريرة وجئت به فقلت ~~لسودة كلي فقالت لا أحبه فقلت والله لتأكلن أو لألطخن به وجهك فقالت ما أنا ~~بذائقته فأخذت PageV03P129 بيدي من الصحفة شيئا منه فلطخت به وجهها ورسول ~~الله صلى الله عليه وسلم جالس بيني وبينها فخفض لها رسول الله ركبتيه ~~لتستقيد مني فتناولت من الصحفة شيئا فمسحت به وجهي وجعل رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يضحك + حديث عائشة في لطخ وجه سودة بحريرة ولطخ سودة وجه عائشة ~~فجعل صلى الله عليه وسلم يضحك أخرجه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة وأبو ~~يعلى بإسناد جيد + وروي أن الضحاك بن سفيان الكلابي كان رجلا دميما قبيحا ~~فلما بايعه النبي صلى الله عليه وسلم قال إن عندي امرأتين أحسن من هذه ~~الحميراء وذلك قبل أن تنزل آية الحجاب أفلا أنزل لك عن إحداهما فتتزوجها ~~وعائشة جالسة تسمع فقالت أهي أحسن أم أنت فقال بل أنا أحسن منها وأكرم فضحك ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم من سؤالها إياه لأنه كان دميما + حديث إن ~~الضحاك بن سفيان الكلابي قال عندي امرأتان أحسن من هذه الحميراء أفلا أنزل ~~لك عن إحداهما فتتزوجها وعائشة جالسة قبل أن يضرب الحجاب فقالت أهي أحسن أم ~~أنت فقال بل أنا أحسن منها وأكرم فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان ~~دميما أخرجه الزبير بن بكار في الفكاهة من رواية عبد الله بن حسن مرسلا أو ~~معضلا وللدارقطني نحو هذه القصة مع عيينة بن حصن الفزاري بعد نزول الحجاب ~~من حديث أبي هريرة + وروي علقمة عن أبي سلمة أنه كان صلى الله عليه وسلم ~~يدلع لسانه للحسن ابن علي عليهما السلام فيرى الصبي لسانه فيهش له فقال له ~~عيينة بن بدر الفزاري والله ليكونن لي الابن قد تزوج وبقل وجهه وما قبلته ~~قط فقال صلى الله عليه وسلم إن من لا يرحم لا يرحم + حديث أبي سلمة عن أبي ~~هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يدلع لسانه للحسن بن علي فيرى الصبي فيهش ~~إليه فقال عيينة بن بدر الفزاري والله ليكونن لي الابن رجلا قد خرج وجهه ~~وما قبلته قط فقال إن من لا يرحم لا يرحم أخرجه أبو يعلى من هذا الوجه دون ~~ما في آخره من قول عيينة بن حصن بن بدر ونسب إلى جده وحكى الخطيب في ~~المبهمات قولين في قائل ذلك أحدهما أنه عيينة بن حصن والثاني أنه الأقرع بن ~~حابس وعند مسلم من رواية الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن الأقرع بن ~~حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن فقال إن لي عشرة من الولد ~~ما قبلت واحدا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يرحم ~~+ فأكثر هذه المطايبات منقولة مع النساء والصبيان وكان ذلك منه صلى الله ~~عليه وسلم معالجة لضعف قلوبهم من غير ميل إلى هزل وقال صلى الله عليه وسلم ~~مرة لصهيب وبه رمد وهو يأكل تمرا أتأكل التمر وأنت رمد فقال إنما آكل بالشق ~~الآخر يا رسول الله فتبسم صلى الله عليه وسلم + حديث قال لصهيب وبه رمد ~~أتأكل التمر وأنت رمد فقال إنما آكل على الشق الآخر فتبسم النبي صلى الله ~~عليه وسلم أخرجه ابن ماجه والحاكم من حديث صهيب ورجاله ثقات + # قال بعض الرواة حتى نظرت إلى نواجذه # وروي أن خوات ابن جبير الأنصاري كان جالسا إلى نسوة من بني كعب بطريق مكة ~~فطلع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا عبد الله مالك مع ~~النسوة فقال يفتلن ضغيرا لجمل لي شرود قال فمضى رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم لحاجته ثم عاد فقال يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد قال ~~فسكت واستحييت وكنت بعد ذلك أتفرر منه كلما رأيته حياء منه حتى قدمت ~~المدينة وبعد ما قدمت المدينة قال فرآني في المسجد يوما أصلي فجلس إلي ~~فطولت @QB@ فقال @QE@ لا تطول فإني أنتظرك فلما سلمت قال يا أبا عبد الله ~~أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد قال فسكت واستحييت فقام وكنت بعد ذلك أتفرر ~~منه حتى لحقني يوما وهو على حمار وقد جعل رجليه في شق واحد فقال أبا عبد ~~الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد فقلت والذي بعثك بالحق ما شرد منذ أسلمت ~~فقال الله أكبر الله أكبر اللهم اهد أبا عبد الله قال فحسن إسلامه وهداه ~~الله + حديث إن خوات بن جبير كان جالسا إلى نسوة من بني كعب بطريق مكة فطلع ~~عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا عبد الله مالك مع النسوة فقال ~~يفتلن ضغيرا لجمل لي شرود الحديث أخرجه الطبراني في الكبير من رواية زيد بن ~~أسلم عن خوات بن جبير مع اختلاف ورجاله ثقات وأدخل بعضهم بين زيد وبين خوات ~~ربيعة بن عمرو وكان نعيمان الأنصاري رجلا مزاحا فكان يشرب الخمر في المدينة ~~فيؤتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيضربه بنعله ويأمر أصحابه فيضربونه ~~بنعالهم فلما كثر ذلك منه PageV03P130 قال له رجل من الصحابة لعنك الله ~~فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تفعل فإنه يحب الله ورسوله وكان لا يدخل ~~المدينة رسل ولا طرفة إلا اشترى منها ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ~~فيقول يا رسول الله هذا قد اشتريته لك وأهديته لك فإذا جاء صاحبها يتقاضاه ~~بالثمن جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أعطه ثمن ~~متاعه فيقول له صلى الله عليه وسلم أو لم تهده لنا فيقول يا رسول الله إنه ~~لم يكن عندي ثمنه وأحببت أن تأكل منه فيضحك النبي صلى الله عليه وسلم ويأمر ~~لصاحبه بثمنه + حديث كان نعيمان رجلا مزاحا وكان يشرب الخمر فيؤتى به إلى ~~النبي صلى الله عليه وسلم فيضربه الحديث وفيه أنه كان يشتري الشيء ويهديه ~~إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم يجيء بصاحبه فيقول أعطه ثمن متاعه الحديث ~~أخرجه الزبير بن بكار في الفكاهة ومن طريقة ابن عبد البر من رواية محمد بن ~~حزم مرسلا وقد تقدم أوله + فهذه مطايبات يباح مثلها على الندور لا على ~~الدوام والمواظبة عليها هزل مذموم وسبب للضحك المميت للقلب الآفة الحادية ~~عشر السخرية والاستهزاء # وهذا محرم مهما كان مؤذيا كما قال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم ~~من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ~~ومعنى السخرية الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه ~~يضحك منه وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول وقد يكون بالإشارة ~~والإيماء وإذا كان بحضرة المستهزأ به لم يسم ذلك غيبة وفيه معنى الغيبة ~~قالت عائشة رضي الله عنها حاكيت إنسانا فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم ~~والله ما أحب أني حاكيت إنسانا ولي كذا وكذا + حديث عائشة حكيت إنسانا فقال ~~لي النبي صلى الله عليه وسلم ما يسرني أني حاكيت إنسانا ولي كذا وكذا أخرجه ~~أبو داود والترمذي وصححه + وقال ابن عباس في قوله تعالى يا ويلتنا ما لهذا ~~الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها إن الصغيرة التبسم بالاستهزاء ~~بالمؤمن والكبيرة القهقهة بذلك وهذا إشارة إلى أن الضحك على الناس من جملة ~~الذنوب والكبائر وعن عبد الله بن زمعة أنه قال سمعت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وهو يخطب فوعظهم في ضحكهم من الضرطة فقال علام يضحك أحدكم مما ~~يفعل + حديث عبد الله بن زمعة وعظهم في الضحك من الضرطة وقال علام يضحك ~~أحدكم مما يفعل متفق + وقال صلى الله عليه وسلم إن المستهزئين بالناس يفتح ~~لأحدهم باب من الجنة فيقال هلم هلم فيجيء بكربه وغمه فإذا أتاه أغلق دونه ~~ثم يفتح له باب آخر فيقال هلم هلم فيجيء بكربه وغمه فإذا أتاه أغلق دونه ~~فما يزال كذلك حتى إن الرجل ليفتح له الباب فيقال له هلم هلم فلا يأتيه + ~~حديث إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب من الجنة فيقال هلم فيجيء بكربه ~~وغمه فإذا جاء أغلق دونه الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت من حديث ~~الحسن مرسلا ورويناه في تمانيات النجيب من رواية أبي هدبة أحد الهالكين عن ~~أنس + وقال معاذ بن جبل قال النبي صلى الله عليه وسلم من عير أخاه بذنب قد ~~تاب منه لم يمت حتى يعمله + حديث معاذ بن جبل من عير أخاه بذنب قد تاب منه ~~لم يمت حتى يعمله أخرجه الترمذي دون قوله قد تاب منه وقال حسن غريب وليس ~~إسناده بمتصل قال أحمد بن منيع قالوا من ذنب قد تاب منه + وكل هذا يرجع إلى ~~استحقار الغير والضحك عليه استهانة به واستصغارا له وعليه نبه قوله تعالى ~~عسى أن يكونوا خيرا منهم أي لا تستحقره استصغارا فلعله خير منك # وهذا إنما يحرم في حق من يتأذى به فأما من جعل نفسه مسخرة وربما فرح من ~~أن يسخر به كانت السخرية في حقه من جملة المزاح وقد سبق ما يذم منه وما ~~يمدح وإنما المحرم استصغار يتأذى به المستهزأ به لما PageV03P131 فيه من ~~التحقير والتهاون وذلك تارة بأن يضحك على كلامه إذا تخبط فيه ولم ينتظم أو ~~على أفعاله إذا كنت مشوشة كالضحك على خطه وعلى صنعته أو على صورته وخلقته ~~إذا كان قصيرا أو ناقصا لعيب من العيوب فالضحك من جميع ذلك داخل في السخرية ~~المنهى عنها الآفة الثانية عشر إفشاء السر # وهو منهي عنه لما فيه من الإيذاء والتهاون بحق المعارف والأصدقاء قال ~~النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدث الرجل ثم التفت فهي أمانة + حديث إذا حدث ~~الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه من حديث ~~جابر + # وقال مطلقا الحديث بينكم أمانة + حديث الحديث بينكم أمانة أخرجه ابن أبي ~~الدنيا من حديث ابن شهاب مرسلا # وقال الحسن إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك ويروى أن معاوية رضي الله عنه ~~أسر إلى الوليد بن عتبة حديثه فقال لأبيه يا أبت إن أمير المؤمنين أسر إلي ~~حديثا وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك قال فلا تحدثني به فإن من كتم ~~سره كان الخيار إليه ومن أفشاه كان الخيار عليه قال فقلت يا أبت وإن هذا ~~ليدخل بين الرجل وبين ابنه فقال لا والله يا بني ولكن أحب أن لا تذلل لسانك ~~بأحاديث السر قال فأتيت معاوية فأخبرته فقال يا وليد أعتقك أبوك من رق ~~الخطأ فإفشاء السر خيانة وهو حرام إذا كان فيه إضرار ولؤم إن لم يكن فيه ~~إضرار وقد ذكرنا ما يتعلق بكتمان السر في كتاب آداب الصحبة فأغنى عن ~~الإعادة الآفة الثالثة عشر الوعد الكاذب # فإن اللسان سباق إلى الوعد ثم النفس ربما لا تسمح بالوفاء فيصير الوعد ~~خلفا وذلك من أمارات النفاق قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا أوفوا ~~بالعقود وقال صلى الله عليه وسلم العدة عطية + حديث العدة عطية أخرجه ~~الطبراني في الأوسط من حديث قباث بن أشيم بسند ضعيف وأبو نعيم في الحلية من ~~حديث ابن مسعود ورواه ابن أبي الدنيا في الصمت والخرائطي في مكارم الأخلاق ~~من حديث الحسن مرسلا + وقال صلى الله عليه وسلم الوأي مثل الدين أو أفضل + ~~حديث الوأي مثل الدين أو أفضل أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت من رواية ابن ~~لهيعة مرسلا وقال الوأي يعني الوعد ورواه أبو منصور الديلمي في مسند ~~الفردوس من حديث علي بسند ضعيف + والوأي الوعد وقد أثنى الله تعالى على ~~نبيه إسماعيل عليه السلام في كتابه العزيز فقال إنه كان صادق الوعد قيل إنه ~~وعد إنسانا في موضع فلم يرجع إليه ذلك الإنسان بل نسي فبقي إسماعيل اثنين ~~وعشرين يوما في انتظاره ولما حضرت عبد الله بن عمر الوفاة قال إنه كان خطب ~~إلى ابنتي رجل من قريش وقد كان إليه مني شبه الوعد فوالله لا ألقى الله ~~بثلث النفاق أشهدكم أني قد زوجته ابنتي وعن عبد الله بن أبي الخنساء قال ~~بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وبقيت له بقية فواعدته أن آتيه ~~بها في مكانه ذلك فنسيت يومي والغد فأتيته اليوم الثالث وهو في مكانه فقال ~~يا فتى لقد شققت علي أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك + حديث عبد الله بن أبي ~~الخنساء بايعت النبي صلى الله عليه وسلم فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك ~~فنسيت يومي والغد فأتيه اليوم الثالث وهو في مكانه فقال يا بني قد شققت علي ~~أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك رواه أبو داود واختلف في إسناده وقال ابن مهدي ما ~~أظن إبراهيم بن طهمان إلا أخطأ فيه + وقيل PageV03P132 لإبراهيم الرجل ~~يواعد الرجل الميعاد فلا يجيء قال ينتظره إلى أن يدخل وقت الصلاة التي تجيء ~~وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وعد وعدا قال @QB@ عسى @QE@ + حديث ~~كان إذا وعد وعدا قال @QB@ عسى @QE@ لم أجد له أصلا + وكان ابن مسعود لا ~~يعد وعدا إلا ويقول إن شاء الله وهو الأولى # ثم إذا فهم مع ذلك الجزم في الوعد فلا بد من الوفاء إلا أن يتعذر فإن كان ~~عند الوعد عازما على أن لا يفي فهذا هو النفاق # وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه فهو منافق ~~وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان + ~~حديث أبي هريرة ثلاث من كن فيه فهو منافق الحديث وفيه إذا وعد أخلف متفق ~~عليه وقد تقدم + وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم أربع من كن فيه كان منافقا ومن كانت فيه خلة منهن كان فيه ~~خلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا ~~خاصم فجر + حديث عبد الله بن عمرو أربع من كن فيه كان منافقا الحديث متفق ~~عليه + وهذا ينزل على عزم الخلف أو ترك الوفاء من غير عذر فأما من عزم على ~~الوفاء فعن له عذر منعه من الوفاء لم يكن منافقا وإن جرى عليه ما هو صورة ~~النفاق ولكن ينبغي أن يحترز من صورة النفاق أيضا كما يتحرز من حقيقته ولا ~~ينبغي أن يجعل نفسه معذورا من غير ضرورة حاجزة فقد روي أن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم كان وعد أبا الهيثم بن التيهان خادما فأتي بثلاثة من السبي ~~فأعطى اثنين وبقي واحدا فأتت فاطمة رضي الله عنها تطلب منه خادما وتقول ألا ~~ترى أثر الرحى بيدي فذكر موعده لأبي الهيثم فجعل يقول كيف بموعدي لأبي ~~الهيثم + حديث كان وعد أبا الهيثم بن التيهان خادما فأتى بثلاثة من السبي ~~فأعطى اثنين وبقي واحدا فجاءت فاطمة تطلب منه الحديث وفيه فجعل يقول كيف ~~بموعدي لأبي الهيثم فآثره به على فاطمة تقدم ذكر قصة أبي الهيثم في آداب ~~الأكل وهي عند الترمذي من حديث أبي هريرة وليس فيها ذكر لفاطمة + # فآثره به على فاطمة لما كان قد سبق من موعده له مع أنها كانت تدير الرحى ~~بيدها الضعيفة # ولقد كان صلى الله عليه وسلم جالسا يقسم غنائم هوازن بحنين فوقف عليه رجل ~~من الناس فقال إن لي عندك موعدا يا رسول الله قال صدقت فاحتكم ما شئت فقال ~~أحتكم ثمانين ضائنة وراعيها قال هي لك وقال احتكمت يسيرا + حديث أنه كان ~~جالسا يقسم غنائم هوازن بحنين فوقف عليه رجل فقال إن لي عندك موعدا قال ~~صدقت فاحتكم ما شئت الحديث وفيه لصاحبه موسى التي دلته على عظام يوسف كانت ~~أحزم منك الحديث أخرجه ابن حبان والحاكم في المستدرك من حديث أبي موسى مع ~~اختلاف قال الحاكم صحيح الإسناد وفيه نظر + # ولصاحبة موسى عليه السلام التي دلته على عظام يوسف كانت أحزم منك وأجزل ~~حكما منك حين حكمها موسى عليه السلام فقال حكمي أن تردني شابة وادخل معك ~~الجنة قيل فكان الناس يضعفون ما احتكم به حتى جعلا مثلا فقيل أشح من صاحب ~~الثمانين والراعي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الخلف أن يعد ~~الرجل الرجل وفي نيته أن يفي + حديث ليس الخلف أن يعد الرجل الرجل ومن نيته ~~أن يفي وفي لفظ آخر إذا وعد الرجل أخاه وفي نيته أن يفي فلم يجد فلا إثم ~~عليه أخرجه أبو داود والترمذي وضعفه من حديث زيد بن أرقم باللفظ الثاني إلا ~~أنهما قالا فلم يف + # وفي لفظ آخر إذا وعد الرجل أخاه وفي نيته أن يفي فلم يجد فلا إثم عليه ~~الآفة الرابعة عشرة الكذب في القول واليمين # وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب قال إسماعيل بن واسط سمعت أبا بكر ~~الصديق رضي الله عنه يخطب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قام ~~فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي هذا عام أول ثم بكى PageV03P133 ~~وقال إياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار + حديث أبي بكر الصديق قام ~~فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي هذا عام أول ثم بكى وقال إياكم ~~والكذب الحديث أخرجه ابن ماجه والنسائي في اليوم والليلة وجعله المصنف من ~~رواية إسماعيل بن أوسط عن أبي بكر وإنما هو أوسط ابن إسماعيل بن أوسط ~~وإسناده حسن + # وقال أبو أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الكذب باب من أبواب ~~النفاق + حديث أبي أمامة إن الكذب باب من أبواب النفاق أخرجه ابن عدي في ~~الكامل بسند ضعيف وفيه عمر بن موسى الوجيهي ضعيف جدا ويغني عنه قوله صلى ~~الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه فهو منافق وحديث أربع من كن فيه كان منافقا ~~قال في كل منهما وإذا حديث كذب وهما في الصحيحين وقد تقدما في الآفة التي ~~قبلها وقال الحسن كان يقال إن من النفاق اختلاف السر والعلانية والقول ~~والعمل والمدخل والمخرج وإن الأصل الذي بني عليه النفاق الكذب وقال صلى ~~الله عليه وسلم كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت له به ~~كاذب + حديث كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت له به كاذب ~~أخرجه البخاري في كتاب الأدب المفرد وأبو داود من حديث سفيان بن أسيد وضعفه ~~ابن عدي ورواه أحمد والطبراني من حديث النواس بن سمعان بإسناد جيد + وقال ~~ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب ~~حتى يكتب عند الله كذابا + حديث ابن مسعود لا يزال العبد يكذب حتى يكتب عند ~~الله كذابا متفق عليه + ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلين يتبايعان ~~شاة ويتحالفان يقول أحدهما والله لا أنقصك من كذا وكذا ويقول الآخر والله ~~لا أزيدك على كذا وكذا بالشاة وقد اشتراها أحدهما فقال أوجب أحدهما بالإثم ~~والكفارة + حديث مر برجلين يتبايعان شاة ويتحالفان الحديث وفيه فقال أوجب ~~أحدهما بالإثم والكفارة أخرجه أبو الفتح الأزدي في كتاب الأسماء المفردة من ~~حديث ناسخ الحضرمي وهكذا رويناها في أمالي ابن سمعون وناسخ ذكره البخاري ~~هكذا في التاريخ وقال أبو حاتم هو عبد الله ابن ناسخ + وقال صلى الله عليه ~~وسلم الكذب ينقص الرزق + حديث الكذب ينقص الرزق أخرجه أبو الشيخ في طبقات ~~الأصبهانيين من حديث أبي هريرة ورويناه كذلك في مشيخة القاضي أبو بكر ~~وإسناده ضعيف + وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن التجار هم الفجار ~~فقيل يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع قال نعم ولكنهم يحلفون فيأثمون ~~ويحدثون فيكذبون + حديث إن التجار هم الفجار الحديث وفيه ويحدثون فيكذبون ~~أخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن شبل ~~وقال صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر ~~إليهم المنان بعطيته والمنفق سلعته بالحلف الفاجر والمسبل إزاره + حديث ~~ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم المنان بعطيته والمنفق ~~سلعته بالحلف الكاذب والمسبل إزاره أخرجه مسلم من حديث أبي ذر + # وقال صلى الله عليه وسلم من حلف حالف بالله فأدخل فيها مثل جناح بعوضة ~~إلا كانت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة + حديث ما حلف حالف بالله فأدخل ~~فيها مثل جناح بعوضة إلا كانت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة أخرجه الترمذي ~~والحاكم وصحح إسناده من حديث عبد الله بن أنيس وقال أبو ذر قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ثلاثة يحبهم الله رجل كان في فئة فنصب نحره حتى يقتل أو ~~يفتح الله عليه وعلى أصحابه ورجل كان له جار سوء يؤذيه فصبر على أذاه حتى ~~يفرق بينهما موت أو ظعن ورجل كان معه قوم في سفر أو سرية فأطالوا السري حتى ~~أعجبهم أن يمسوا الأرض فنزلوا فتنحى يصلي حتى يوقظ أصحابه للرحيل وثلاثة ~~يشنؤهم الله التاجر أو البياع الحلاف والفقير المختال والبخيل المنان + ~~حديث أبي ذر ثلاثة يحبهم الله الحديث وفيه وثلاثة يشنؤهم الله التاجر أو ~~البائع الحلاف أخرجه أحمد واللفظ له وفيه ابن الأحمس ولا يعرف حاله ورواه ~~هو والنسائي بلفظ آخر بإسناد جيد وللنسائي من حديث أبي هريرة أربعة يبغضهم ~~الله البياع الحلاف الحديث وإسناده جيد + وقال صلى الله عليه وسلم ويل للذي ~~يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له + حديث ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك ~~به القوم ويل له ويل له أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي في الكبرى ~~من رواية يهز بن حكيم عن أبيه عن جده PageV03P134 وقال صلى الله عليه وسلم ~~رأيت كأن رجلا جاءني فقال لي قم فقمت معه فإذا أنا برجلين أحدهما قائم ~~والآخر جالس بيد القائم كلوب من حديد يلقمه في شدق الجالس فيجذبه حتى يبلغ ~~كاهله ثم يجذبه فيلقمه الجانب الآخر فيمده فإذا مده رجع الآخر كما كان فقلت ~~للذي أقامني ما هذا فقال هذا رجل كذاب يعذب في قبره إلى يوم القيامة + حديث ~~رأيت كأن رجلا جاءني فقال لي قم فقمت معه فإذا أنا برجلين أحدهما قائم ~~والآخر جالس بيد القائم كلوب من حديد يلقمه في شدق الجالس الحديث أخرجه ~~البخاري من حديث سمرة بن جندب في حديث طويل + وعن عبد الله بن جراد قال ~~سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هل يزني المؤمن قال ~~قد يكون ذلك قال يا نبي الله هل يكذب المؤمن قال @QB@ لا @QE@ ثم أتبعها ~~صلى الله عليه وسلم بقول الله تعالى @QB@ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون ~~بآيات الله @QE@ + حديث عبد الله ابن جراد أنه سأل النبي صلى الله عليه ~~وسلم هل يزني المؤمن قال قد يكون من ذلك قال هل يكذب قال @QB@ لا @QE@ ~~الحديث أخرجه ابن عبد البر في التمهيد بسند ضعيف ورواه ابن أبي الدنيا في ~~الصمت مقتصرا على الكذب وجعل السائل أبا الدرداء + وقال أبو سعيد الخدري ~~سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول في دعائه اللهم طهر قلبي من ~~النفاق وفرجي من الزنا ولساني من الكذب + حديث أبي سعيد اللهم طهر قلبي من ~~النفاق وفرجي من الزنا ولساني من الكذب هكذا وقع في نسخ الإحياء عن أبي ~~سعيد وإنما هو عن أم معبد وكذا رواه الخطيب في التاريخ دون قوله وفرجي من ~~الزنا وزاد وعملي من الرياء وعيني من الخيانة وإسناده ضعيف + وقال صلى الله ~~عليه وسلم ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ~~شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر + حديث ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر ~~إليهم الحديث وفيه والإمام الكذاب أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة # وقال عبد الله بن عامر جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتنا وأنا ~~صبي صغير فذهبت لألعب فقالت أمي يا عبد الله تعال حتى أعطيك فقال صلى الله ~~عليه وسلم وما أردت أن تعطيه قالت تمرا فقال أما إنك لو لم تفعلي لكتبت ~~عليك كذبة + حديث عبد الله بن عامر جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ~~بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت لألعب فقالت أمي يا عبد الله تعال أعطيك فقال ~~وما أردت أن تعطيه قالت تمرا فقال إن لم تفعلي كتبت عليك كذبة رواه أبو ~~داود وفيه من لم يسم وقال الحاكم إن عبد الله بن عامر ولد في حياته صلى ~~الله عليه وسلم ولم يسمع منه قلت وله شاهد من حديث أبي هريرة وابن مسعود ~~ورجالهما ثقات إلا أن الزهري لم يسمع من أبي هريرة # وقال صلى الله عليه وسلم لو أفاء الله علي نعما عدد هذا الحصى لقسمتها ~~بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا + حديث لو أفاء الله علي ~~نعما عدد هذا الحصى لقسمتها بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا ~~رواه مسلم وتقدم في أخلاق النبوة + # وقال صلى الله عليه وسلم وكان متكئا ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك ~~بالله وعقوق الوالدين ثم قعد وقال إلا وقول الزور + حديث ألا أنبأكم بأكبر ~~الكبائر الحديث وفيه ألا وقول الزور متفق عليه من حديث أبي بكرة + وقال ابن ~~عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن العبد ليكذب الكذبة ليتباعد الملك ~~عنه مسيرة ميل من نتن ما جاء به + حديث ابن عمر إن العبد ليكذب الكذبة ~~فيتباعد الملك عنه مسيرة ميل من نتن ما جاء به أخرجه الترمذي وقال حسن غريب ~~+ وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم تقبلوا إلي بست أتقبل لكم بالجنة ~~فقالوا وما هن قال إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا وعد فلا يخلف وإذا ائتمن ~~فلا يخن وغضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم وكفوا أيديكم + حديث أنس تقبلوا إلي ~~بست أتقبل لكم بالجنة إذا حدث أحدكم فلا يكذب الحديث أخرجه الحاكم في ~~المستدرك والخرائطي في مكارم الأخلاق وفيه سعد بن سنان ضعفه أحمد والنسائي ~~ووثقه ابن معين ورواه الحاكم بنحوه من حديث عبادة بن الصامت وقال صحيح ~~الإسناد + # وقال صلى الله عليه وسلم إن للشيطان كحلا ولعوقا ونشوقا أما لعوقه فالكذب ~~وأما نشوقه فالغضب وأما كحله فالنوم + حديث إن للشيطان كحلا ولعوقا الحديث ~~أخرجه الطبراني وأبو نعيم من حديث أنس بسند ضعيف وقد تقدم + وخطب عمر رضي ~~الله عنه يوما فقال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كقيامي هذا فيكم ~~فقال أحسنوا إلي أصحابي PageV03P135 ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى ~~يحلف الرجل على اليمين ولم يستحلف ويشهد ولم يستشهد + حديث خطب عمر ~~بالجابية الحديث وفيه ثم يفشو الكذب أخرجه الترمذي وصححه والنسائي في ~~الكبرى من رواية ابن عمر عن عمر + وقال النبي صلى الله عليه وسلم من حدث ~~عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين + حديث من حدث بحديث وهو يرى ~~أنه كذب فهو أحد الكذابين أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه من حديث سمرة بن جندب ~~+ # وقال صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين بإثم ليقتطع بها مال امرئ مسلم ~~بغير حق لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان + حديث من حلف على يمين مأثم ~~ليقتطع بها مال امرئ مسلم الحديث متفق عليه من حديث ابن مسعود + وروي عن ~~النبي صلى الله عليه وسلم أنه رد شهادة رجل في كذبة كذبها + حديث أنه رد ~~شهادة رجل في كذبة كذبها أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت من رواية موسى بن ~~شيبة مرسلا وموسى روى معمر عنه منا كبير قاله أحمد بن حنبل + # وقال صلى الله عليه وسلم كل خصلة يطبع أو يطوى عليها المسلم إلا الخيانة ~~والكذب + حديث على كل خصلة يطبع أو يطوى عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب ~~أخرجه بن أبي شيبة في المصنف من حديث أبي أمامة ورواه ابن عدي في مقدمة ~~الكامل من حديث سعد بن أبي وقاص وابن عمر أيضا وأبي أمامة أيضا ورواه ابن ~~أبي الدنيا في الصمت من حديث سعد مرفوعا وموقوفا والموقوف أشبه بالصواب ~~قاله الدارقطني في العلل وقالت عائشة رضي الله عنها ما كان من خلق أشد على ~~أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ولقد كان رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يطلع على الرجل من أصحابه على الكذب فما ينجلي من صدره حتى يعلم ~~أنه قد أحدث توبة لله عز وجل منها + حديث ما كان من خلق الله شيء أشد عند ~~أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ولقد كان يطلع على الرجل من ~~أصحابه على الكذب فما ينجلي من صدره حتى يعلم أنه قد أحدث لله منها توبة ~~أخرجه أحمد من حديث عائشة ورجاله ثقات إلا أنه قال عن ابن أبي مليكة أو ~~غيره وقد رواه أبو الشيخ في الطبقات فقال ابن أبي مليكة ولم يشك وهو صحيح + ~~وقال موسى عليه السلام يارب أي عبادك خير لك عملا قال من لا يكذب لسانه ولا ~~يفجر قلبه ولا يزني فرجه وقال لقمان لابنه يا بني إياك والكذب فإنه شهي ~~كلحم العصفور عما قليل يقلاه صاحبه وقال صلى الله عليه وسلم في مدح الصدق ~~أربع إذا كن فيك لا يضرك ما فاتك من الدنيا صدق الحديث وحفظ الأمانة وحسن ~~خلق وعفة طعمة + حديث أربع إذا كن فيك فلا يضرك ما فاتك من الدنيا صدق ~~الحديث الحديث أخرجه الحاكم والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث عبد الله ~~بن عمرو وفيه ابن لهيعة + وقال أبو بكر رضي الله عنه في خطبة بعد وفاة رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل مقامي ~~هذا عام أول ثم بكى وقال عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة + حديث ~~أبي بكر عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة أخرجه ابن ماجه والنسائي ~~في اليوم والليلة وقد تقدم بعضه في أول هذا النوع + وقال معاذ قال لي رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث وأداء الأمانة ~~والوفاء بالعهد وبذل السلام وخفض الجناح + حديث معاذ أوصيك بتقوى الله وصدق ~~الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية وقد تقدم + # وأما الآثار فقد قال علي رضي الله عنه أعظم الخطايا عند الله اللسان ~~الكذوب وشر الندامة ندامة يوم القيامة وقال عمر بن عبد العزيز رحمة الله ~~عليه ما كذبت كذبة منذ شددت علي إزاري وقال عمر رضي الله عنه أحبكم إلينا ~~ما لم نركم أحسنكم اسما فإذا رأيناكم فاحبكم إلينا أحسنكم خلقا فإذا ~~اختبرناكم فأحبكم إلينا أصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة وعن ميمون بن أبي شبيب ~~قال جلست أكتب كتابا فأتيت على حرف إن أنا كتبته زينت الكتاب وكنت قد كذبت ~~فعزمت على تركه فنوديت من جانب البيت يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ~~في الحياة الدنيا وفي الآخرة وقال الشعبي ما أدري أيهما أبعد غور في النار ~~الكذاب أو البخيل وقال ابن السماك ما أراني أوجر على ترك الكذب لأني إنما ~~أدعه أنفه وقيل الخالدين صبيح أيسمى الرجل كاذبا بكذبة واحدة قال نعم وقال ~~مالك بن دينار قرأت في بعض الكتب ما من خطيب إلا وتعرض خطبته على عمله فإن ~~كان صادقا صدق وإن PageV03P136 كان كاذبا قرضت شفتاه بمقاريض من نار كلما ~~قرضتا نبتتا # وقال مالك بن دينار الصدق والكذب يعتركان في القلب حتى يخرج أحدهما صاحبه ~~وكلم عمر بن عبد العزيز الوليد بن عبد الملك في شيء فقال له كذبت فقال عمر ~~والله ما كذبت منذ علمت أن الكذب يشين صاحبه # | بيان ما رخص فيه من الكذب # أعلم أن الكذب ليس حراما لعينه بل لما فيه من الضرر على المخاطب أو على ~~غيره فإن أقل درجاته أن يعتقد المخبر الشيء على خلاف ما هو عليه فيكون ~~جاهلا وقد يتعلق به ضرر غيره ورب جهل فيه منفعة ومصلحة فالكذب محصل لذلك ~~الجهل فيكون مأذونا فيه وربما كان واجبا # قال ميمون بن مهران الكذب في بعض المواطن خير من الصدق أرأيت لو أن رجلا ~~سعى خلف إنسان بالسيف ليقتله فدخل دارا فانتهى إليك فقال أرأيت فلانا ما ~~كنت قائلا ألست تقول لم أره وما تصدق به وهذا الكذب واجب # فنقول الكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق ~~والكذب جميعا فالكذب فيه حرام وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق ~~فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحا وواجب إن كان المقصود واجبا ~~كما أن عصمة دم المسلم واجبة فمهما كان في الصدق سفك دم أمرىء مسلم قد ~~اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب ومهما كان لا يتم مقصود الحرب أو إصلاح ذات ~~البين أن استمالة قلب المجني عليه إلا بكذب فالكذب مباح إلا أنه ينبغي أن ~~يحترز منه ما أمكن لأنه إذا فتح باب الكذب على نفسه فيخشى أن يتداعى إلى ما ~~يستغني عنه وإلى ما لا يقتصر على حد الضرورة فيكون الكذب حراما في الأصل ~~إلا لضرورة # والذي يدل على الاستثناء ما روي عن أم كلثوم قالت ما سمعت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث الرجل يقول القول يريد به ~~الإصلاح والرجل يقول القول في الحرب والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها ~~+ حديث أم كلثوم ما سمعته يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث أخرجه مسلم وقد ~~تقدم + وقالت أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بكذاب من أصلح بين ~~اثنين فقال خيرا أو نمى خيرا + حديث أم كلثوم أيضا ليس بكذاب من أصلح بين ~~الناس الحديث متفق عليه وقد تقدم والذي قبله عند مسلم بعض هذا # وقالت أسماء بنت يزيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الكذب يكتب ~~على ابن آدم إلا رجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما + حديث أسماء بنت يزيد كل ~~الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب بين رجلين يصلح بينهما أخرجه أحمد ~~بزيادة فيه وهو عند الترمذي مختصرا وحسنه وروي عن أبي كامل قال وقع بين ~~اثنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلام حتى تصارما فلقيت أحدهما ~~فقلت مالك ولفلان فقد سمعته يحسن عليك الثناء ثم لقيت الآخر فقلت له مثل ~~ذلك حتى اصطلحا ثم قلت أهلكت نفسي وأصلحت بين هذين فأخبرت النبي صلى الله ~~عليه وسلم فقال يا أبا كاهل أصلح بين الناس + حديث أبي كاهل وقع بين رجلين ~~من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلام الحديث وفيه يا أبا كاهل أصلح بين ~~الناس رواه الطبراني ولم يصح + أي ولو بالكذب وقال عطاء بن يسار قال رجل ~~للنبي صلى الله عليه وسلم أكذب على أهلي قال لا خير في الكذب قال أعدها ~~وأقول لها قال لا جناح عليك + حديث عطاء بن يسار قال رجل للنبي صلى الله ~~عليه وسلم أكذب على أهلي قال لا خير في الكذب قال أعدها وأقول لها قال لا ~~جناح عليك أخرجه ابن عبد البر في التمهيد من رواية صفوان بن سليم عن عطاء ~~بن يسار مرسلا وهو في الموطأ عن صفوان بن سليم معضلا من غير ذكر عطاء بن ~~يسار + PageV03P137 # وروي أن ابن أبي عذرة الدؤلي وكان في خلافة عمر رضي الله عنه كان يخلع ~~النساء اللاتي يتزوج بهن فطارت له في الناس من ذلك أحدوثة يكرهها فلما علم ~~بذلك أخذ بيد عبد الله بن الأرقم حتى أتى به إلى منزله ثم قال لامرأته ~~أنشدك بالله هل تبغضيني قالت لا تنشدني قال فإني أنشدك الله قالت نعم فقال ~~لابن الأرقم أتسمع ثم انطلقا حتى أتيا عمر رضي الله عنه فقال إنكم لتحدثون ~~إني أظلم النساء وأخلعهن فاسأل ابن الأرقم فسأله فأخبره فأرسل إلى امرأة ~~ابن أبي عذرة فجاءت هي وعمتها فقال أنت التي تحدثين لزوجك أنك تبغضينه ~~فقالت إني أول من تاب وراجع أمر الله تعالى إنه ناشدني فتحرجت أن أكذب ~~أفأكذب يا أمير المؤمنين قال نعم فاكذبي فإن كانت إحداكن لا تحب أحدنا فلا ~~تحدثه بذلك فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب ولكن الناس يتعاشرون ~~بالإسلام والأحساب # وعن النواس بن سمعان الكلابي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالي ~~أراكم تتهافتون في الكذب تهافت الفراش في النار كل الكذب يكتب على ابن آدم ~~لا محالة إلا أن يكذب الرجل في الحرب فإن الحرب خدعة أو يكون بين الرجلين ~~شحناء فيصلح بينهما أو يحدث امرأته يرضيها + حديث النواس بن سمعان مالي ~~أراكم تتهافتون في الكذب تهافت الفراش في النار كل الكذب مكتوب الحديث ~~أخرجه أبو بكر بن بلال في مكارم الأخلاق بلفظ تتبايعون إلى قوله في النار ~~دون ما بعده فرواه الطبراني وفيهما شهر بن حوشب + وقال ثوبان الكذب كله إثم ~~إلا ما نفع به مسلما أو دفع عنه ضررا # وقال علي رضي الله عنه إذا حدثتكم عن النبي صلى الله عليه وسلم فلأن أخر ~~من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فالحرب ~~خدعة # فهذه الثلاث ورد فيها صريح الاستثناء وفي معناها ما عداها إذا ارتبط به ~~مقصود صحيح له أو لغيره أما ماله فمثل أن يأخذه ظالم ويسأله عن ماله فله أن ~~ينكره أو يأخذه سلطان فيسأله عن فاحشة بينه وبين الله تعالى ارتكبها فله أن ~~ينكر ذلك فيقول ما زنيت وما سرقت وقال صلى الله عليه وسلم من ارتكب شيئا من ~~هذه القاذورات فليستتر بستر الله + حديث من ارتكب شيئا من هذه القاذورات ~~فليستتر بستر الله الحاكم من حديث عمر بلفظ اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى ~~الله عنها فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وإسناده حسن + # وذلك أن إظهار الفاحشة فاحشة أخرى فللرجل أن يحفظ دمه وماله الذي يؤخذ ~~ظلما وعرضه بلسانه وإن كان كاذبا # وأما عرض غيره فبأن يسأله عن سر أخيه فله أن ينكره وأن يصلح بين اثنين ~~وأن يصلح بين الضرات من نسائه بأن يظهر لكل واحدة أنها أحب إليه وإن كانت ~~امرأته لا تطاوعه إلا بوعد لا يقدر عليه فيعدها في الحال تطييبا لقلبها أو ~~يعتذر إلى إنسان وكان لا يطيب قلبه إلا بإنكار ذنب وزيادة تودد فلا بأس به ~~ولكن الحد فيه أن الكذب محذور ولو صدق في هذه المواضع تولد منه محذور ~~فينبغي أن يقابل أحدهما بالآخر ويزن بالميزان القسط فإذا علم أن المحذور ~~الذي يحصل بالصدق أشد وقعا في الشرع من الكذب فله الكذب وإن كان ذلك ~~المقصود أهون من مقصود الصدق فيجب الصدق وقد يتقابل الأمران بحيث يتردد ~~فيهما وعند ذلك الميل إلى الصدق أولى لأن الكذب يباح لضرورة أو حاجة مهمة ~~فإن شك في كون الحاجة مهمة فالأصل التحريم فيرجع إليه ولأجل غموض إدراك ~~مراتب المقاصد ينبغي أن يحترز الإنسان من الكذب ما أمكنه وكذلك مهما كانت ~~الحاجة له فيستحب له أن يترك أغراضه ويهجر الكذب فأما إذا تعلق بغرض غيره ~~فلا تجوز المسامحة لحق الغير والإضرار به وأكثر كذب الناس إنما هو لحظوظ ~~أنفسهم ثم هو لزيادات المال والجاه ولأمور ليس فواتها PageV03P138 محذورا ~~حتى إن المرأة لتحكي عن زوجها ما تفخر به وتكذب لأجل مراغمة الضرات وذلك ~~حرام وقالت أسماء سمعت امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت إن لي ~~ضرة وإني أتكثر من زوجي بما لم يفعل أضارها بذلك فهل علي شيء فيه فقال صلى ~~الله عليه وسلم المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور + حديث أسماء قالت امرأة ~~إن لي ضرة وإني أتكثر من زوجي بما لم يفعل الحديث متفق عليه وهي أسماء بنت ~~أبي بكر الصديق + وقال صلى الله عليه وسلم من تطعم بما لا يطعم أو قال لي ~~وليس له أو أعطيت ولم يعط فهو كلابس ثوبي زور يوم القيامة + حديث من تطعم ~~بما لا يطعم وقال لي وليس له وأعطيت ولم يعط كان كلابس ثوبي زور يوم ~~القيامة لم أجده بهذا اللفظ + # ويدخل في هذا فنرى العالم لما لا يتحققه وروايته الحديث الذي لا يتثبته ~~إذ غرضه أن يظهر فضل نفسه فهو لذلك يستنكف من أن يقال لا أدري وهذا حرم ~~ومما يلتحق بالنساء الصبيان فإن الصبي إذا كان لا يرغب في المكتب إلا وعد ~~أو عيد أو تخويف كاذب كان ذلك مباحا نعم روينا في الأخبار أن ذلك يكتب كذبا ~~ولكن الكذب المباح أيضا قد يكتب ويحاسب عليه ويطالب بتصحيح قصده فيه ثم ~~يعفى عنه لأنه إنما أبيح بقصد الإصلاح ويتطرق إليه غرور كبير فإنه قد يكون ~~الباعث له حظه وغرضه الذي هو مستغن عنه وإنما يتعلل ظاهرا بالإصلاح فلهذا ~~يكتب وكل من أتى بكذبة فقد وقع في خطر الاجتهاد ليعلم أن المقصود الذي كذب ~~لأجله هل هو أهم في الشرع من الصدق أم لا وذلك غامض جدا والحزم تركه إلا أن ~~يصير واجبا بحيث لا يجوز تركه كما لو أدى إلى سفك دم أو ارتكاب معصية كيف ~~كان # وقد ظن ظانون أنه يجوز وضع الأحاديث في فضائل الأعمال وفي التشديد في ~~المعاصي وزعموا أن القصد منه صحيح وهو خطأ محض إذ قال صلى الله عليه وسلم ~~من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار + حديث من كذب علي متعمدا ~~فليتبوأ مقعده من النار متفق عليه من طرق وقد تقدم في العلم + وهذا لا ~~يرتكب إلا لضرورة ولا ضرورة إذ في الصدق مندوحة عن الكذب ففيما ورد من ~~الآيات والأخبار كفاية عن غيرها وقول القائل إن ذلك قد تكرر على الأسماع ~~وسقط وقعه وما هو جديد فوقعه أعظم فهذا هوس إذ ليس هذا من الأغراض التي ~~تقاوم محذور الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الله تعالى ويؤدي ~~فتح بابه إلى أمور تشوش الشريعة فلا يقاوم خير هذا شره أصلي والكذب على ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر التي لا يقاومها شيء نسأل الله ~~العفو عنا وعن جميع المسلمين # | بيان الحذر من الكذب بالمعاريض # قد نقل عن السلف أن في المعاريض مندوحة عن الكذب قال عمر رضي الله عنه ~~أما في المعاريض ما يكفي الرجل عن الكذب وروي ذلك عن ابن عباس وغيره وإنما ~~أرادوا بذلك إذا اضطر الإنسان إلى الكذب فأما إذا لم تكن حاجة وضرورة فلا ~~يجوز التعريض ولا التصريح جميعا ولكن التعريض أهون ومثال التعريض ما روي أن ~~مطرفا دخل على زياد فاستبطأه فتعلل بمرض وقال ما رفعت جنبي مذ فارقت الأمير ~~إلا ما رفعني الله وقال إبراهيم إذا بلغ الرجل عنك شيء فكرهت أن تكذب فقل ~~إن الله تعالى ليعلم ما قلت من ذلك من شيء فيكون قوله ما حرف نفي عند ~~المستمع وعنده الإبهام وكان معاذ بن جبل عاملا لعمر رضي الله عنه فلما رجع ~~قالت له امرأته ما جئت به مما يأتي به العمال إلى أهلهم وما كان قد أتاها ~~بشيء فقال كان عندي ضاغط قالت كنت أمينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وعند أبي بكر رضي الله عنه فبعث عمر PageV03P139 معك ضاغطا وقامت بذلك بين ~~نسائها واشتكت عمر فلما بلغه ذلك دعا معاذا وقال بعثت معك ضاغطا قال لم أجد ~~ما أعتذر به إليها إلا ذلك فضحك عمر رضي الله عنه وأعطاه شيئا فقال أرضها ~~به ومعنى قوله ضاغطا يعني رقيبا وأراد به الله تعالى وكان النخعي لا يقول ~~لابنته أشتري لك سكرا بل يقول أرأيت لو اشتريت لك سكرا فإنه ربما لا يتفق ~~له ذلك وكان إبراهيم إذا طلبه من يكره أن يخرج إليه وهو في الدار قال ~~للجارية قولي له أطلبه في المسجد ولا تقولي له ليس ههنا كيلا يكون كذبا ~~وكان الشعبي إذا طلب في المنزل هو يكرهه خط دائرة وقال للجارية ضعي الأصبع ~~فيها وقولي ليس ههنا وهذا كله في موضع الحاجة فأما في غير موضع الحاجة فلا ~~لأن هذا تفهيم للكذب وإن لم يكن اللفظ كذبا فهو مكروه على الجملة كما روى ~~عبد الله بن عتبة قال دخلت مع أبي على عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه ~~فخرجت وعلي ثوب فجعل الناس يقولون هذا كساكه أمير المؤمنين فكنت أقول جزى ~~الله أمير المؤمنين خيرا فقال لي أبي يا بني اتق الكذب وما أشبهه فنهاه عن ~~ذلك لأن فيه تقريرا لهم عن ظن كاذب لأجل غرض المفاخرة وهذا غرض باطل لا ~~فائدة فيه # نعم المعاريض تباح لغرض خفيف كتطييب قلب الغير بالمزاح كقوله صلى الله ~~عليه وسلم لا يدخل الجنة عجوز + حديث لا يدخل الجنة عجوز وحديث في عين زوجك ~~بياض وحديث نحملك على ولد البعير تقدمت الثلاثة في الآفة العاشرة + وقوله ~~للأخرى الذي في عين زوجك بياض وللأخرى نحملك على ولد البعير وما أشبهه وأما ~~الكذب الصريح كما فعله نعمان الأنصاري مع عثمان في قصة الضرير إذ قال له ~~إنه نعيمان وكما يعتاده الناس من ملاعبة الحمقى بتغريرهم بأن امرأة قد رغبت ~~في تزويجك فإن كان فيه ضرر يؤدي إلى إيذاء قلب فهو حرام وإن لم يكن إلا ~~لمطايبته فلا يوصف صاحبها بالفسق ولكن ينقص ذلك من درجة إيمانه # قال صلى الله عليه وسلم لا يكمل للمرء الإيمان حتى يحب لأخيه ما يحب ~~لنفسه وحتى يجتنب الكذب في مزاحه + حديث لا يستكمل المؤمن إيمانه حتى يحب ~~لأخيه ما يحب لنفسه وحتى يجتنب الكذب في مزاحه ذكره ابن عبد البر في ~~الاستيعاب من حديث أبي مليكة الذماري وقال فيه نظر وللشيخين من حديث أنس لا ~~يؤمن أحد منكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وللدارقطني في المؤتلف والمختلف ~~من حديث أبي هريرة لا يؤمن عبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في مزاحه قال ~~أحمد بن حنبل منكر + # وأما قوله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها الناس ~~يهوى بها في النار أبعد من الثريا + حديث إن الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك بها ~~الناس يهوى بها أبعد من الثريا تقدم في الآفة الثالثة + # أراد به ما فيه غيبة مسلم أو إيذاء قلب دون محض المزاح # ومن الكذب الذي لا يوجب الفسق ما جرت به العادة في المبالغة كقوله طلبتك ~~كذا وكذا مرة وقلت لك كذا مائة مرة فإنه لا يريد به تفهيم المرات بعددها بل ~~تفهيم المبالغة فإن لم يكن طلبه إلا مرة واحدة كان كاذبا وإن كان طلبه مرات ~~لا يعتاد مثلها في الكثرة لا يأثم وإن لم تبلغ مائة وبينهما درجات يتعرض ~~مطلق اللسان بالمبالغة فيها لخطر الكذب # ومما يعتاد الكذب فيه ويتساهل به أن يقال كل الطعام فيقول لا أشتهيه وذلك ~~منهي عنه وهو حرام وإن لم يكن فيه غرض صحيح قال مجاهد قالت أسماء بنت عميس ~~كنت صاحبة عائشة في الليلة التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ومعي نسوة قالت فوالله ما وجدنا عنده قرى إلا قدحا من لبن فشرب ~~ثم ناوله عائشة قالت فاستحيت الجارية فقلت لا تردي يد رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم خذي منه قالت فأخذت منه على حياء فشربت منه ثم قال ناولي صواحبك ~~فقلن لا نشتهيه فقال لا تجمعن جوعا وكذبا قالت فقلت يا رسول الله إن قالت ~~إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهيه أيعد ذلك كذبا قال PageV03P140 إن الكذب ~~ليكتب كذبا حتى تكتب الكذبة كذيبة + حديث مجاهد عن أسماء بنت عميس كنت ~~صاحبة عائشة التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث ~~وفيه قال لا تجمعن جوعا وكذبا أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت والطبراني في ~~الكبير وله نحوه من رواية شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد وهو الصواب فإن ~~أسماء بنت عميس كانت إذ ذاك بالحبشة لكن في طبقات الأصبهانيين لأبي الشيخ ~~من رواية عطاء بن أبي رباح عن أسماء بنت عميس زففنا إلى النبي صلى الله ~~عليه وسلم بعض نسائه الحديث فإذا كانت غير عائشة ممن تزوجها بعد خيبر فلا ~~مانع من ذلك + # وقد كان أهل الورع يحترزون عن التسامح بمثل هذا الكذب # قال الليث بن سعد كانت عينا سعد بن المسيب ترمص حتى يبلغ الرمص خارج ~~عينيه فيقال له لو مسحت عينيك فيقول وأين قول الطبيب لا تمس عينيك فأقول لا ~~أفعل وهذه مراقبة أهل الورع # ومن تركه انسل لسانه في الكذب عند حد اختياره فيكذب ولا يشعر # وعن خوات التيمي قال جاءت أخت الربيع بن خثيم عائدة لابن له فانكبت عليه ~~فقالت كيف أنت يا بني فجلس الربيع وقال أرضعتيه قالت لا قال ما عليك لو قلت ~~يا ابن أخي فصدقت ومن العادة أن يقول يعلم الله فيما لا يعلمه # قال عيسى عليه السلام إن من عظم الذنوب عند الله أن يقول العبد إن الله ~~يعلم لما لا يعلم # وربما يكذب في حكاية المنام والإثم فيه عظيم إذ قال صلى الله عليه وسلم ~~إن من أعظم الفرية أن يدعي الرجل إلى غير أبيه أو يرى عينيه في المنام ما ~~لم ير أو يقول على ما لم أقل + حديث إن من أعظم الفري أن يدعي الرجل إلى ~~غير أبيه أو يرى عينيه في المنام ما لم تريا أو يقول على ما لم أقل أخرجه ~~البخاري من حديث واثلة بن الأسقع وله من حديث ابن عمر من أفرى الفري أن يرى ~~عينيه ما لم تريا # وقال صلى الله عليه وسلم من كذب في حلم كلف يوم القيامة أن يعقد بين ~~شعيرتين وليس بعاقد بينهما أبدا + حديث من كذب في حلمه كلف يوم القيامة أن ~~يعقد بين شعيرة أخرجه البخاري من حديث ابن عباس + الآفة الخامسة عشرة ~~الغيبة # والنظر فيها طويل فلنذكر أولا مذمة الغيبة وما ورد فيها من شواهد الشرع ~~وقد نص الله سبحانه على ذمها في كتابه وشبه صاحبه بآكل لحم الميتة فقال ~~تعالى ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه وقال ~~صلى الله عليه وسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه + حديث كل ~~المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه أخرجه مسلم من حديث أي هريرة + # والغيبة تتناول العرض وقد جمع الله بينه وبين المال والدم وقال أبو برزة ~~قال صلى الله عليه وسلم لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تفاحشوا ولا تدابروا ~~ولا يغتب بعضكم بعضا وكونوا عباد الله إخوانا + حديث لا تحاسدوا ولا ~~تباغضوا ولا يغتب بعضكم بعضا وكونوا عباد الله إخوانا متفق عليه من حديث ~~أبي هريرة دون قوله ولا يغتب بعضكم بعضا وقد تقدم في آداب الصحبة + # وعن جابر وأبي سعيد قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والغيبة ~~فإن الغيبة أشد من الزنا فإن الرجل يزني ويتوب فيتوب الله سبحانه عليه وإن ~~صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه + حديث جابر وأبي سعيد إياكم ~~والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت ~~وابن حبان في الضعفاء وابن مردويه في التفسير + # وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مررت ليلة سري بن على أقوام ~~يخمشون وجوههم بأظافيرهم فقلت يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء الذين يغتابون ~~الناس ويقعون في أعراضهم + حديث أنس مررت ليلة أسري بي على قوم يخمشون ~~وجوههم بأظفارهم الحديث أخرجه أبو داود مسندا ومرسلا والمسند أصح + # وقال سليم بن جابر أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت علمني خيرا أنتفع ~~به فقال لا تحقرن PageV03P141 من المعروف شيئا ولو أن تصب من دلوك في إناء ~~المستقى وأن تلقي أخاك ببشر حسن وإن أدبر فلا تغتابنه + حديث سليم بن جابر ~~أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت علمني خيرا ينفعني الله به الحديث ~~أخرجه أحمد في المسند وابن أبي الدنيا في الصمت واللفظ له ولم يقل فيه أحمد ~~وإذا أدبر فلا يغتابه وفي إسنادهما ضعف + # وقال البراء خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسمع العوانق في ~~بيوتهن فقال يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تغتابوا المسلمين ولا ~~تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله ~~عورته يفضحه في جوف بيته + حديث البراء يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن ~~بقلبه لا تغتابوا المسلمين الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا هكذا ورواه أبو ~~داود في حديث أبي برزة بإسناد جيد + # وقيل أوحى الله إلى موسى عليه السلام من مات تائبا من الغيبة فهو آخر من ~~يدخل الجنة ومن مات مصرا عليها فهو أول من يدخل النار # وقال أنس أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بصوم يوم فقال لا يفطرن ~~أحد حتى آذن له فصام الناس حتى إذا أمسوا جعل الرجل يجيء فيقول يا رسول ~~الله ظللت صائما فائذن لي لأفطر فيأذن له والرجل والرجل حتى جاء رجل فقال ~~يا رسول الله فتاتان من أهلك ظلتا صائمتين وإنهما يستحيان أن يأتياك فائذن ~~لهما أن يفطرا فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم ثم عاوده فأعرض عنه ثم عاوده ~~فقال إنهما لم يصوما وكيف يصوم من ظل نهاره يأكل لحم الناس اذهب فمرهما إن ~~كانتا صائمتين أن تستقيئا فرجع إليهما فأخبرهما فاستقاءتا فقاءت كل واحدة ~~منهما علقة من دم فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال والذي ~~نفسي بيده لو بقيتا في بطونهما لأكلتهما النار + حديث أنس أمر رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم الناس بصوم وقال لا يفطرن أحد حتى آذن له فصام الناس ~~الحديث في ذكر المرأتين اللتين اغتابتا في صيامهما فقاءت كل واحدة منهما ~~علقة من دم أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت وابن مردويه في التفسير من رواية ~~يزيد الرقاشي عنه ويزيد ضعيف + # وفي رواية أنه لما أعرض عنه جاء بعد ذلك وقال يا رسول الله والله إنهما ~~قد ماتتا أو كادتا أن تموتا فقال صلى الله عليه وسلم ائتوني بهما فجاءتا ~~فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فقال لإحداهما قيئي فقاءت من قيح ~~ودم وصديد حتى ملأت القدح وقال للأخرى قيئي فقاءت كذلك فقال إن هاتين صامتا ~~عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما جلست إحداهما إلى الأخرى ~~فجعلتا تأكلان لحوم الناس + حديث المرأتين المذكورتين وقال فيه إن هاتين ~~صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما الحديث أخرجه أحمد ~~من حديث عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه رجل لم يسم ورواه أبو ~~يعلى في مسنده فأسقط منه ذكر الرجل المتهم + # وقال أنس خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الربا وعظم شأنه فقال ~~إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين ~~زنية يزنيها الرجل وأربى الربا عرض المسلم + حديث أنس خطبنا فذكر الربا ~~وعظم شأنه الحديث وفيه وأربى الربا عرض الرجل المسلم أخرجه ابن أبي الدنيا ~~بسند ضعيف + # وقال جابر كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فأتى على قبرين ~~يعذب صاحباهما فقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يغتاب ~~الناس وأما الآخر فكان لا يستنزه من بوله فدعا بجريدة رطبة أو جريدتين ~~فكسرهما ثم أمر بكل كسرة فغرست على قبر وقال أما إنه سيهون من عذابهما ما ~~كانتا رطبتين أو ما لم ييبسا + حديث جابر كنا مع رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم في مسير فأتى على قبرين يعذب صاحباهما فقال أما إنهما ليعذبان وما ~~يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يغتاب الناس الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا ~~في الصمت وأبو العباس الدغولي في كتاب الآداب بإسناد جيد وهو في الصحيحين ~~من حديث ابن عباس إلا أنه ذكر فيه النميمة بدل الغيبة وللطيالسي فيه أما ~~أحدهما فكان يأكل لحوم الناس ولأحمد والطبراني من حديث ابن بكرة نحوه ~~بإسناد جيد + # ولما رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا في الزنا قال رجل لصاحبه ~~هذا أقعص كما يقعص الكلب فمر صلى الله عليه وسلم وهما معه بجيفة فقال انهشا ~~منها فقالا يا رسول الله ننهش PageV03P142 جيفة فقال ما أصبتما من أخيكما ~~أنتن من هذه + حديث قوله للرجل الذي قال لصاحبه في حق المرجوم هذا أقعص كما ~~يقعص الكلب فمر بجيفة فقال انهشا منها الحديث أخرجه أبو داود والنسائي من ~~حديث أبي هريرة نحوه بإسناد جيد + وكان الصحابة رضي الله عنهم يتلاقون ~~بالبشر ولا يغتابون عند الغيبة ويرون ذلك أفضل الأعمال ويرون خلافه عادة ~~المنافقين وقال أبو هريرة من أكل لحم أخيه في الدنيا قرب إليه لحمه في ~~الآخرة وقيل له كله ميتا كما أكلته حيا فيأكله فينضج ويكلح + حديث أبي ~~هريرة من أكل لحم أخيه في الدنيا قرب إليه لحمه في الآخرة فيقال له كله ~~ميتا كما أكلته حيا الحديث أخرجه ابن مردويه في التفسير مرفوعا وموقوفا ~~وفيه محمد بن إسحاق رواه بالعنعنة وروي مرفوعا كذلك وروي أن رجلين كانا ~~قاعدين عند باب من أبواب المسجد فمر بهما رجل كان مخنثا فترك ذلك فقالا لقد ~~بقي فيه منه شيء وأقيمت الصلاة فدخلا فصليا مع الناس فحاك في أنفسهما ما ~~قالا فأتيا عطاء فسألاه فأمرهما أن يعيدا الوضوء والصلاة وأمرهما أن يقضيا ~~الصيام إن كانا صائمين وعن مجاهد أنه قال في ويل لكل همزة لمزة الهمزة ~~الطعان في الناس واللمزة الذي يأكل لحوم الناس وقال قيادة ذكر لنا أن عذاب ~~القبر ثلاثة أثلاث ثلث من الغيبة وثلث من النميمة وثلث من البول وقال الحسن ~~والله للغيبة أسرع في دين الرجل المؤمن من الأكلة في الجسد وقال بعضهم ~~أدركنا السلف وهم لا يرون العبادة في الصوم ولا في الصلاة ولكن في الكف عن ~~أعراض الناس وقال ابن عباس إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك وقال ~~أبو هريرة يبصر أحدكم القذى في عين أخيه ولا يبصر الجذع في عين نفسه وكان ~~الحسن يقول ابن آدم إنك لن تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تغيب الناس بعيب هو ~~فيك وحتى تبدأ بصلاح ذلك الغيب فتصلحه من فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصة ~~نفسك وأحب العباد إلى الله من كان هكذا وقال مالك بن دينار مر عيسى عليه ~~السلام ومعه الحواريون بجيفة كلب فقال الحواريون ما أنتن ريح هذا الكلب ~~فقال عليه الصلاة والسلام ما أشد بياض أسنانه كأنه رضي الله عنهما رجلا ~~يغتاب آخر فقال له إياك والغيبة فإنها إدام كلاب الناس وقال عمر رضي الله ~~عنه عليكم بذكر الله تعالى فإنه شفاء وإياكم وذكر الناس فإنه داء نسأل الله ~~حسن التوفيق لطاعته # | بيان معنى الغيبة وحدودها # أعلم أن حد الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه سواه ذكرته بنقص في ~~بدنه أو نسبه أو في خلقه أو في فعله أو في قوله أو في دينه أو في دنياه حتى ~~في ثوبه وداره ودابته # أما البدن فكذكرك العمش والحول والقرع والقصر والطول والسواد والصفرة ~~وجميع ما يتصور أن يوصف به مما يكرهه كيفما كان وأما النسب فبأن تقول أبوه ~~نبطي أو هندي أو فاسق أو خسيس أو إسكاف أو زبال أو شيء مما يكرهه كيفما كان ~~وأما الخلق فبأن تقول هو سيء الخلق بخيل متكبر مراء شديد الغضب جبال عاجز ~~ضعيف القلب متهور وما يجري مجراه وأما في أفعاله المتعلقة بالدين فكقولك هو ~~سارق أو كذاب أو شارب خمر أو خائن أو ظالم أو متهاون بالصلاة أو الزكاة أو ~~لا يحسن الركوع أو السجود أو لا يحترز من النجاسات أو ليس بارا بوالديه أو ~~لا يضع الزكاة موضعها أو لا يحسن قسمها أو لا يحرس صومه عن الرفث والغيبة ~~والتعرض لأعراض الناس وأما فعله المتعلق بالدنيا فكقولك إنه قليل الأدب ~~متهاون بالناس أو لا يرى لأحد PageV03P143 على نفسه حقا أو يرى لنفسه الحق ~~على الناس أو أنه كثير الكلام كثير الأكل نئوم ينام في غير وقت النوم ويجلس ~~في غير موضعه وأما في ثوبه فكقولك إنه واسع الكم طويل الذيل وسخ الثياب # وقال قوم لا غيبة في الدين لأنه ذم ما ذمه الله تعالى فذكره بالمعاصي ~~وذمه بها يجوز بدليل ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له امرأة ~~وكثرة صلاحها وصومها ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال هي في النار + حديث ~~ذكر له امرأة وكثرة صومها وصلاتها لكن تؤذي جيرانها فقال هي في النار أخرجه ~~ابن حبان والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة # وذكرت عنده امرأة أخرى بأنها بخيلة فقال فما خيرها إذن + حديث ذكر امرأة ~~أخرى بأنها بخيلة قال فما خيرها إذن أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من ~~حديث أبي جعفر محمد بن علي مرسلا ورويناه في أمالي ابن شمعون هكذا + # فهذا فاسد لأنهم كانوا يذكرون ذلك لحاجتهم إلى تعرف الأحكام بالسؤال ولم ~~يكن غرضهم التنقيص ولا يحتاج إليه في غير مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم # والدليل عليه إجماع الأمة على أن من ذكر غيره بما يكرهه فهو مغتاب لأنه ~~داخل فيما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في حد الغيبة # وكل هذا وإن كان صادقا فيه فهو به مغتاب عاص لربه وآكل لحم أخيه بدليل ما ~~روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هل تدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله ~~أعلم قال ذكرك أخاك بما يكرهه قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقوله قال إن كان ~~فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته + حديث هل تدرون ما الغيبة ~~قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره الحديث أخرجه مسلم من حديث ~~أبي هريرة + # وقال معاذ بن جبل ذكر رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ما ~~أعجزه فقال صلى الله عليه وسلم اغتبتم أخاكم قالوا يا رسول الله قلنا ما ~~فيه قال إن قلتم ما ليس فيه فقد بهتموه + حديث معاذ ذكر رجل عقد رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فقالوا ما أعجزه الحديث أخرجه الطبراني بسند ضعيف + # وعن حذيفة عن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم امرأة فقالت إنها قصيرة فقال صلى الله عليه وسلم اغتبتيها + حديث ~~عائشة أنها ذكرت امرأة فقال إنها قصيرة فقال اغتبتيها رواه أحمد وأصله عند ~~أبي داود والترمذي وصححه بلفظ آخر ووقع عند المصنف عن حذيفة عن عائشة وكذا ~~هو في الصمت لابن أبي الدنيا والصواب عن أبي حذيفة كما عند أحمد وأبي داود ~~والترمذي واسم أبي حذيفة سلمة بن صهيب + # وقال الحسن ذكر الغير ثلاثة الغيبة والبهتان والإفك وكل في كتاب الله عز ~~وجل فالغيبة أن تقول ما فيه والبهتان أن تقول ما ليس فيه والإفك أن تقول ما ~~بلغك وذكر ابن سيرين رجلا فقال ذاك الرجل الأسود ثم قال أستغفر الله إني ~~أراني قد اغتبته # وذكر ابن سيرين إبراهيم النخعي فوضع يده على عينه ولم يقل الأعور # وقالت عائشة لا يغتابن أحدكم أحدا فإني قلت لامرأة مرة وأنا عند النبي ~~صلى الله عليه وسلم إن هذه لطويلة الذيل فقال لي الفظي الفظي فلفظت مضغة ~~لحم + حديث عائشة قلت لامرأة وإن هذه طويلة الذيل فقال صلى الله عليه وسلم ~~الفظي فلفظت بضعة من لحم أخرجه ابن أبي الدنيا وابن مردويه في التفسير وفي ~~إسناده امرأة لا أعرفها + # | بيان أن الغيبة لا تقتصر على اللسان # اعلم أن الذكر باللسان إنما حرم لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك وتعريفه ~~بما يكرهه فالتعريض به كالتصريح والفعل فيه كالقول والإشارة والإيماء ~~والغمز والهمز والكتابة والحركة وكل ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة ~~وهو حرام # فمن ذلك قول عائشة رضي الله عنها دخلت علينا امرأة فلما ولت أومأت بيدي ~~أنها قصيرة فقال صلى الله عليه وسلم PageV03P144 اغتبتيها + حديث عائشة ~~دخلت علينا امرأة فأومأت بيدي أي قصيرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد ~~أغتبتيها أخرجه ابن أبي الدنيا وابن مردويه من رواية حسان بن مخارق عنها ~~وحسان وثقه ابن حبان وباقيهم ثقات + ومن ذلك المحاكاة يمشى متعارجا أو كما ~~يمشي فهو غيبة بل هو أشد من الغيبة لأنه أعظم في التصوير والتفهيم ولما رأى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة حاكت امرأة قال ما يسرني أني حاكيت ~~إنسانا ولي كذا وكذا + حديث ما يسرني أني حكيت ولي كذا وكذا تقدم في الآفة ~~الحادية عشرة + وكذلك الغيبة بالكتابة فإن القلم أحد اللسانين وذكر المصنف ~~شخصا معينا وتهجين كلامه في الكتاب غيبة إلا أن يقترن به شيء من الأعذار ~~المحوجة إلى ذكره كما سيأتي بيانه وأما قوله قال قوم كذا فليس ذلك غيبة ~~وإنما الغيبة التعرض لشخص معين إما حي وإما ميت ومن الغيبة أن تقول بعض من ~~مر بنا اليوم أو بعض من رأيناه إذا كان المخاطب يفهم منه شخصا معينا لأن ~~المحذور تفهيمه دون ما به التفهيم فأما إذا لم يفهم عينه جاز # كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كره من إنسان شيئا قال ما بال ~~أقوام يفعلون كذا وكذا + حديث كان إذا كره من إنسان شيئا قال ما بال أقوام ~~يفعلون كذا وكذا الحديث أخرجه أبو داود من حديث عائشة دون قوله وكان لا ~~يعيره ورجاله رجال الصحيح + فكان لا يعين وقولك بعض من قدم من السفر أو بعض ~~من يدعي العلم إن كان معه قرينة تفهم عين الشخص فهي غيبة # وأخبث أنواع الغيبة غيبة القراء المرائين فإنهم يفهمون المقصود على صيغة ~~أهل الصلاح ليظهروا من أنفسهم التعفف عن الغيبة ويفهمون المقصود ولا يدرون ~~بجهلهم أنهم جمعوا بين فاحشتين الغيبة والرياء وذلك مثل أن يذكر عنده إنسان ~~فيقول الحمد لله الذي لم يبتلنا بالدخول على السلطان والتبذل في طلب الحطام ~~أو يقول نعوذ بالله من قلة الحياء نسأل الله أن يعصمنا منها وإنما قصده أن ~~يفهم عيب الغير فيذكره بصيغة الدعاء وكذلك قد يقدم مدح من يريد غيبته فيقول ~~ما أحسن أحوال فلان ما كان يقصر في العبادات ولكن قد اعتراه فتور وابتلي ~~بما يبتلى به كلنا وهو قلة الصبر فيذكر نفسه ومقصوده أن يذم غيره في ضمن ~~ذلك ويمدح نفسه بالتشبه بالصالحين بأن يذم نفسه فيكون مغتابا ومرائيا ~~ومزكيا نفسه فيجمع بين ثلاث فواحش وهو بجهله يظن أنه من الصالحين المتعففين ~~عن الغيبة ولذلك يلعب الشيطان بأهل الجهل إذا اشتغلوا بالعبادة من غير علم ~~فإنه يتبعهم ويحبط بمكايده عملهم ويضحك عليهم ويسخر منهم ومن ذلك أن يذكر ~~عيب إنسان فلا يتنبه له بعض الحاضرين فيقول سبحان الله ما أعجب هذا حتى ~~يصغى إليه ويعلم ما يقول فيذكر الله تعالى ويستعمل الاسم آلة في تحقيق خبثه ~~وهو يمتن على الله عز وجل بذكره جهلا منه وغرورا وكذلك يقول ساءني ما جرى ~~على صديقنا من الاستخفاف به نسأل الله أن يروح نفسه فيكون كاذبا في دعوى ~~الاغتمام وفي إظهار الدعاء له بل لو قصد الدعاء لأخفاه في خلوته عقيب صلاته ~~ولو كان يغتم به لاغتم أيضا بإظهار ما يكرهه وكذلك يقول ذلك المسكين قد بلي ~~بآفة عظيمة تاب الله علينا وعليه فهو في كل ذلك يظهر الدعاء والله مطلع على ~~خبث ضميره وخفي قصده وهو لجهله لا يدري أنه قد تعرض لمقت أعظم مما تعرض له ~~الجهال إذا جاهروا # ومن ذلك الإصغاء إلى الغيبة على سبيل التعجب فإنه إنما تظهر التعجب ليزيد ~~نشاط المغتاب في الغيبة فيندفع فيها وكأنه يستخرج الغيبة منه بهذا الطريق ~~فيقول عجب ما علمت أنه كذلك ما عرفته إلى الآن إلا بالخير وكنت أحسب فيه ~~غير هذا عافانا الله من بلائه فإن كل ذلك تصديق للمغتاب والتصديق بالغيبة ~~غيبة بل الساكت شريك PageV03P145 المغتاب قال صلى الله عليه وسلم المستمع ~~أحد المغتابين + حديث المستمع أحد المغتابين أخرجه الطبراني من حديث ابن ~~عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة وعن الاستماع إلى الغيبة ~~وهو ضعيف + # وقد روي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أن أحدهما قال لصاحبه إن فلانا ~~لنئوم ثم إنهما طلبا أدما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأكلا به الخبز ~~فقال صلى الله عليه وسلم قد ائتدمتما فقالا ما نعلمه قال بلى إنكما أكلتما ~~من لحم أخيكما + حديث أن أبا بكر وعمر قال أحدهما لصاحبه إن فلانا لنئوم ثم ~~طلبا أدما من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد ائتدمتما فقالا ما نعلم ~~فقال بلى ما أكلتما من لحم صاحبكما أخرجه أبو العباس الدغولي في الآداب من ~~رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلا نحوه + فانظر كيف جمعهما وكان القائل ~~أحدهما والآخر مستمعا وقال للرجلين اللذين قال أحدهما أقعص الرجل كما يقعص ~~الكلب انهشا من هذه الجيفة + حديث انهشا من هذه الميتة قاله للرجلين اللذين ~~قال أحدهما اقعص كما يقعص الكلب تقدم قبل هذا بإثني عشر حديثا + فجمع ~~بينهما فالمستمع لا يخرج من إثم الغيبة إلا أن ينكر بلسانه أو بقلبه إن خاف ~~وإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام آخر فلم يفعل لزمه وإن قال بلسانه ~~اسكت وهو مشته لذلك بقلبه فذلك نفاق ولا يخرجه من الإثم ما لم يكرهه بقلبه ~~ولا يكفي في ذلك أن يشير باليد أي اسكت أو يشير بحاجبه وجبينه فإن ذلك ~~استحقار للمذكور بل ينبغي أن يعظم ذلك فيذب عنه صريحا وقال صلى الله عليه ~~وسلم من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على نصره أذله الله يوم القيامة ~~على رؤوس الخلائق + حديث من أذل عنده مؤمن وهو قادر على أن ينصره فلم ينصره ~~أذله الله يوم القيامة على رءوس الخلائق أخرجه الطبراني من حديث سهل بن ~~حنيف وفيه ابن لهيعة + وقال أبو الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~من رد عن عرض أخيه بالغيب كان حقا على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة + ~~حديث أبي الدرداء من رد عن عرض أخيه بالغيب كان حقا على الله أن يرد عن ~~عرضه يوم القيامة أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت وفيه شهر بن حوشب وهو عند ~~الطبراني من وجه آخر بلفظ رد الله عن وجهه النار يوم القيامة وفي رواية له ~~كان له حجابا من النار وكلاهما ضعيف + وقال أيضا من ذب عن عرض أخيه بالغيب ~~كان حقا على الله أن يعتقه من النار + حديث من ذب عن عرض أخيه بالغيب كان ~~حقا على الله أن يعتقه من النار أخرجه والطبراني من رواية شهر بن حوشب عن ~~أسماء بنت يزيد + # وقد ورد في نصرة المسلم في الغيبة وفي فضل ذلك أخبار كثيرة أوردناها في ~~كتاب آداب الصحبة وحقوق المسلمين فلا نطول بإعادتها # | بيان الأسباب الباعثة على الغيبة # اعلم أن البواعث على الغيبة كثيرة ولكن يجمعها أحد عشر سببا ثمانية منها ~~تطرد في حق العامة وثلاثة تختص بأهل الدين والخاصة # أما الثمانية فالأول أن يشفي الغيظ وذلك إذا جرى سبب غضب به عليه فإنه ~~إذا هاج غضبه يشتفي بذكر مساويه فيسبق اللسان إليه بالطبع إن لم يكن ثم دين ~~وازع وقد يمتنع تشفي الغيظ عند الغضب فيحتقن الغضب في الباطن فيصير حقدا ~~ثابتا فيكون سببا دائما لذكر المساوي فالحقد والغضب من البواعث العظيمة على ~~الغيبة # الثاني موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم على الكلام فإنهم إذا ~~كانوا يتفكهون بذكر الأعراض فيرى أنه لو أنكر عليهم أو قطع المجلس استثقلوه ~~ونفروا عنه فيساعدهم ويرى ذلك من حسن المعاشرة ويظن أنه مجاملة في الصحبة ~~وقد يغضب رفقاؤه فيحتاج إلى أن يغضب لغضبهم إظهارا للمساهمة في السراء ~~والضراء فيخوض معهم في ذكر العيوب والمساوي # الثالث أن يستشعر من إنسان أنه سيقصده ويطول لسانه عليه أو يقبح حاله عند ~~محتشم أو يشهد عليه بشهادة PageV03P146 فيبادره قبل أن يقبح هو حاله ويطعن ~~فيه ليسقط أثر شهادته أو يبتديء بذكر ما فيه صادقا ليكذب عليه بعده فيروج ~~كذبه بالصدق الأول ويستشهد ويقول ما من عادتي الكذب فإني أخبرتكم بكذا وكذا ~~من أحواله فكان كما قلت # الرابع أن ينسب إلى شيء فيريد أن يتبرأ منه فيذكر الذي فعله وكان من حقه ~~أن يبريءنفسه ولا يذكر الذي فعل فلا ينسب غيره إليه أو يذكر غيره بأنه كان ~~مشاركا له في الفعل ليمهد بذلك عذر نفسه في فعله # الخامس إرادة التصنع والمباهاة وهو أن يرفع نفسه بتنقيص غيره فيقول فلان ~~جاهل وفهمه ركيك وكلامه ضعيف وغرضه أن يثبت في ضمن ذلك فضل نفسه ويريهم أنه ~~أعلم منه أو يحذر أن يعظم مثل تعظيمه فيقدح فيه لذلك # السادس الحسد وهو أنه ربما يحسد من يثني الناس عليه ويحبونه ويكرمونه ~~فيريد زوال تلك النعمة عنه فلا يجد سبيلا إليه إلا بالقدح فيه فيريد أن ~~يسقط ماء وجهه عند الناس حتى يكفوا عن كرامته والثناء عليه لأنه يثقل عليه ~~أن يسمع كلام الناس وثناءهم عليه وإكرامهم له وهذا هو عين الحسد وهو غير ~~الغضب والحقد فإن ذلك يستدعي جناية من المغضوب عليه والحسد قد يكون مع ~~الصديق المحسن والرفيق الموافق # السابع اللعب والهزل والمطايبة وتزجية الوقت بالضحك فيذكر عيوب غيره بما ~~يضحك الناس على سبيل المحاكاة ومنشؤه التكبر والعجب # الثامن السخرية والاستهزاء استحقارا له فإن ذلك قد يجري في الحضور ويجري ~~أيضا في الغيبة ومنشؤه التكبر واستصغار المستهزأ به # وأما الأسباب الثلاثة التي هي في الخاصة فهي أغمضها وأدقها لأنها شرور ~~خبأها الشيطان في معرض الخيرات وفيها خير ولكن شاب الشيطان بها الشر # الأول أن تنبعث من الدين داعية التعجب في إنكار المنكر والخطأ في الدين ~~فيقول ما أعجب ما رأيت من فلان فإنه قد يكون به صادقا ويكون تعجبه من ~~المنكر ولكن كان حقه أن يتعجب ولا يذكر اسمه فيسهل الشيطان عليه ذكر اسمه ~~في إظهار تعجبه فصار به مغتابا وآثما من حيث لا يدري # ومن ذلك قول الرجل تعجبت من فلان كيف يحب جاريته وهي قبيحة وكيف يجلس بين ~~يدي فلان وهو جاهل # الثاني الرحمة وهو أن يغتم بسبب ما يبتلي به فيقول مسكين فلان قد غمني ~~أمره وما ابتلي به فيكون صادقا في دعوى الاغتمام ويلهيه الغم عن الحذر من ~~ذكر اسمه فيذكره فيصير به مغتابا فيكون غمه ورحمته خيرا وكذا تعجبه ولكن ~~ساقه الشيطان إلى شر من حيث لا يدري والترحم والاغتمام ممكن دون ذكر اسمه ~~فيهيجه الشيطان على ذكر اسمه ليبطل به ثواب اغتمامه وترحمه # الثالث الغضب لله تعالى فإنه قد يغضب على منكر قارفه إنسان إذا رآه أو ~~سمعه فيظهر غضبه ويذكر اسمه وكان الواجب أن يظهر غضبه عليه بالأمر بالمعروف ~~والنهي عن المنكر ولا يظهره على غيره أو يستر اسمه ولا يذكره بالسوء فهذه ~~الثلاثة مما يغمض دركها على العلماء فضلا عن العوام فإنهم يظنون أن التعجب ~~والرحمة والغضب إذا كان لله تعالى # كان عذرا في ذكر الاسم وهو خطأ بل المرخص في الغيبة حاجات مخصوصة لا ~~مندوحة فيها عن ذكر الاسم كما سيأتي ذكره روي عن عامر بن واثلة أن رجلا مر ~~على قوم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم PageV03P147 فسلم عليهم ~~فردوا عليه السلام فلما جاوزهم قال رجل منهم إني لأبغض هذا في الله تعالى ~~فقال أهل المجلس لبئس ما قلت والله لننبئنه ثم قالوا يا فلان لرجل منهم قم ~~فأدركه وأخبره بما قال فأدركه رسولهم فأخبره فأتى الرجل رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وحكى له ما قال وسأله أن يدعوه له فدعاه وسأله فقال قد قلت ذلك ~~فقال صلى الله عليه وسلم لم تبغضه فقال أنا جاره وأنا به خابر والله ما ~~رأيته يصلي صلاة قط إلا هذه المكتوبة قال فاسأله يا رسول الله هل رآني ~~أخرتها عن وقتها أو أسأت الوضوء لها أو الركوع أو السجود فيها فسأله فقال ~~لا فقال والله ما رأيته يصوم شهرا قط إلا هذا الشهر الذي يصومه البر ~~والفاجر قال فاسأله يا رسول الله هل رآني قط أفطرت فيه أو نقصت من حقه شيئا ~~فسأله عنه فقال لا فقال والله ما رأيته يعطي سائلا ولا مسكينا قط ولا رأيته ~~ينفق شيئا من ماله في سبيل الله إلا هذه الزكاة التي يؤديها البر والفاجر ~~قال فاسأله يا رسول الله هل رآني نقصت منها أو ماكست فيها طالبها الذي ~~يسألها فسأله فقال لا فقال صلى الله عليه وسلم للرجل قم فلعله خير منك + ~~حديث عامر بن واثلة أن رجلا مر على قوم في حياة رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فسلم عليهم فردوا عليه السلام فلما جاوزهم قال رجل منهم إني لأبغض هذا ~~في الله الحديث بطوله وفيه فقال قم فلعله خير منك أخرجه أحمد بإسناد صحيح + # | بيان العلاج الذي يمنع اللسان عن الغيبة # اعلم أن مساويء الأخلاق كلها إنما تعالج بمعجون العلم والعمل وإنما علاج ~~كل علة بمضادة سببها فلنفحص عن سببها وعلاج كف اللسان عن الغيبة على وجهين ~~أحدهما على الجملة والآخر على التفصيل # أما على الجملة فهو أن يعلم تعرضه لسخط الله تعالى بغيبته بهذه الأخبار ~~التي رويناها وأن يعلم أنها محبطة لحسناته يوم القيامة فإنها تنقل حسناته ~~يوم القيامة إلى من اغتابه بدلا عما استباحه من عرضه فإن لم تكن له حسنات ~~نقل إليه من سيئات خصمه وهو مع ذلك متعرض لمقت الله عز وجل ومشبه عنده بآكل ~~الميتة بل العبد يدخل النار بأن تترجح كفة سيئاته على كفة حسناته وربما ~~تنقل إليه سيئة واحدة ممن اغتابه فيحصل بها الرجحان ويدخل بها النار وإنما ~~أقل الدرجات أن تنقص من ثواب أعماله وذلك بعد المخاصمة والمطالبة والسؤال ~~والجواب والحساب قال صلى الله عليه وسلم ما النار في اليبس بأسرع من الغيبة ~~في حسنات العبد + حديث ما النار في اليبس بأسرع من الغيبة في حسنات العبد ~~لم أجد له أصلا + وروي أن رجلا قال للحسن بلغني أنك تغتابني فقال ما بلغ من ~~قدرك عندي أني أحكمك في حسناتي فهما آمن العبد بما ورد من الأخبار في ~~الغيبة لم يطلق لسانه بها خوفا من ذلك وينفعه أيضا أن يتدبر في نفسه فإن ~~وجد فيها عيبا اشتغل بعيب نفسه وذكر قوله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن شغله ~~عيبه عن عيوب الناس + حديث طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس أخرجه البزار ~~من حديث أنس بسند ضعيف + # ومهما وجد عيبا فينبغي أن يستحي من أن يترك ذم نفسه ويذم غيره بل ينبغي ~~أن يتحقق أن عجز غيره عن نفسه في التنزه عن ذلك العيب كعجزه وهذا إن كان ~~ذلك عيبا يتعلق بفعله واختياره وإن كان أمرا خلقيا فالذم له ذم للخالق فإن ~~من ذم صنعة فقد ذم صانعها قال رجل لحكيم يا قبيح الوجه قال ما كان خلق وجهي ~~إلي فأحسنه وإذا لم يجد العبد عيبا في نفسه فليشكر الله تعالى ولا يلوثن ~~نفسه بأعظم العيوب فإن ثلب الناس وأكل لحم الميتة من أعظم العيوب بل لو ~~أنصف لعلم أن ظنه بنفسه أنه بريء من كل عيب جهل بنفسه وهو من أعظم العيوب ~~وينفعه أن يعلم أن تألم غيره بغيبته كتألمه بغيبة غيره له فإذا كان لا يرضى ~~لنفسه أن يغتاب فينبغي أن لا يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه فهذه معالجات ~~جملية PageV03P148 # أما التفصيل فهو أن ينظر في السبب الباعث له على الغيبة فإن علاج العلة ~~بقطع سببها وقد قدمنا الأسباب # أما الغضب فيعالجه بما سيأتي في كتاب آفات الغضب وهو أن يقول إني إذا ~~أمضيت غضبي عليه فلعل الله تعالى يمضي غضبه علي بسبب الغيبة إذ نهاني عنها ~~فاجترأت على نهيه واستخففت بزجره وقد قال صلى الله عليه وسلم إن لجهنم بابا ~~لا يدخل منه إلا من شفى غيظه بمعصية الله تعالى + حديث إن لجهنم بابا لا ~~يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية الله أخرجه البزار وابن أبي الدنيا وابن عدي ~~والبيهقي والنسائي من حديث ابن عباس بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم من اتقى ربه كل لسانه ولم يشف غيظه + حديث من ~~اتقى ربه كل لسانه ولم يشف غيظه أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس ~~من حديث سهل بن سعد بسند ضعيف ورويناه في الأربعين البلدانية للسلفي + # وقال صلى الله عليه وسلم من كظم غيظا وهو يقدر على أن يمضيه دعاه الله ~~تعالى يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء + حديث من ~~كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ~~ماجه من حديث معاذ بن أنس + وفي بعض الكتب المنزلة على بعض النبيين يا ابن ~~آدم اذكرني حين تغضب اذكرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق # وأما الموافقة فبأن تعلم أن الله تعالى يغضب عليك إذا طلبت سخطه في رضا ~~المخلوقين فكيف ترضى لنفسك أن توقر غيرك وتحقر مولاك فتترك رضاه لرضاهم إلا ~~أن يكون غضبك لله تعالى وذلك لا يوجب أن نذكر المغضوب عليه بسوء بل ينبغي ~~أن تغضب لله أيضا على رفقائك إذا ذكروه بالسوء فإنهم عصوا ربك بأفحش الذنوب ~~وهي الغيبة # وأما تنزيه النفس بنسبة الغير إلى الخيانة حيث يستغنى عن ذكر الغير ~~فتعالجه بأن تعرف أن التعرض لمقت الخالق أشد من التعرض لمقت المخلوقين وأنت ~~بالغيبة متعرض لسخط الله يقينا ولا تدري أنك تتخلص من سخط الناس أم لا ~~فتخلص نفسك في الدنيا بالتوهم وتهلك في الآخرة وتخسر حسناتك بالحقيقة ويحصل ~~لك ذم الله تعالى نقدا وتنتظر دفع ذم الخلق نسيئة وهذا غاية الجهل والخذلان # وأما عذرك كقولك إن أكلت الحرام ففلان يأكله وإن قبلت مال السلطان ففلان ~~يقبله فهذا جهل لأنك تعتذر بالاقتداء بمن لا يجوز الاقتداء به فإن من خالف ~~أمر الله تعالى لا يقتدي به كائنا من كان ولو دخل غيرك النار وأنت تقدر على ~~أن لا تدخلها لم توافقه ولو وافقته لسفه عقلك # ففيما ذكرته غيبة وزيادة معصية أضفتها إلى ما اعتذرت عنه وسجلت مع الجمع ~~بين المعصيتين على جهلك وعباوتك وكنت كالشاة تنظر إلى المعزى تردي نفسها من ~~قلة الجبل فهي أيضا تردي نفسها ولو كان لها لسان ناطق بالعذر وصرخت بالعذر ~~وقالت العنز أكيس مني وقد أهلكت نفسها فكذلك أنا أفعل لكنت تضحك من جهلها ~~وحالك مثل حالها ثم لا تعجب ولا تضحك من نفسك # وأما قصدك المباهاة وتزكية النفس بزيادة الفضل بأن تقدح في غيرك فينبغي ~~أن تعلم أنك بما ذكرته به أبطلت فضلك عند الله وأنت من اعتقاد الناس فضلك ~~على خطر وربما نقص اعتقادهم فيك إذا عرفوك بثلب الناس فتكون قد بعت ما عند ~~الخالق يقينا بما عند المخلوقين وهما ولو حصل لك من المخلوقين اعتقاد الفضل ~~لكانوا لا يغنون عنك من الله شيئا # وأما الغيبة لأجل الحسد فهو جمع بين عذابين لأنك حسدته على نعمة الدنيا ~~وكنت في الدنيا معذبا بالحسد فما قنعت بذلك حتى أضفت إليه عذاب الآخرة فكنت ~~خاسرا نفسك في الدنيا فصرت أيضا خاسرا في الآخرة PageV03P149 لتجمع بين ~~النكالين فقد قصدت محسودك فأصبت نفسك وأهديت إليه حسناتك فإذا أنت صديقه ~~وعدو نفسك إذ لا تضره غيبتك وتضرك وتنفعه إذ تنقل إليه حسناتك أو تنقل إليك ~~سيئاته ولا تنفعك وقد جمعت إلى خبث الحسد جهل الحماقة وربما يكون حسدك ~~وقدحك سبب انتشار فضل محسودك كما قيل # وإذا أراد الله نشر فضيله % طويت أتاح لها لسان حسود # وأما الاستهزاء فمقصودك منه إخزاء غيرك عند الناس بإخزاء نفسك عند الله ~~تعالى وعند الملائكة والنبيين عليهم الصلاة والسلام فلو تفكرت في حسرتك ~~وجنايتك وخجلتك وخزيك يوم القيامة يوم تحمل سيئات من استهزأت به وتساق إلى ~~النار لأدهشك ذلك عن إخزاء صاحبك ولو عرفت حالك لكنت أولى أن تضحك منك فإنك ~~سخرت به عند نفر قليل وعرضت نفسك لأن يأخذ يوم القيامة بيدك على ملأ من ~~الناس ويسوقك تحت سيئاته كما يساق الحمار إلى النار مستهزئا بك وفرحا بخزيك ~~ومسرورا بنصرة الله تعالى إياه عليك وتسلطه على الانتقام منك # وأما الرحمة له على إثمه فهو حسن ولكن حسدك إبليس فأضلك واستنطقك بما ~~ينقل من حسناتك إليه ما هو أكثر من رحمتك فيكون جبرا لإثم المرحوم فيخرج عن ~~كونه مرحوما وتنقلب أنت مستحقا لأن تكون مرحوما إذ حبط أجرك ونقصت من ~~حسناتك وكذلك الغضب لله تعالى لا يوجد الغيبة وإنما الشيطان حبب إليك ~~الغيبة ليحبط أجر غضبك وتصير معرضا لمقت الله عز وجل بالغيبة # وأما التعجب إذا أخرجك إلى الغيبة فتعجب من نفسك أنت كيف أهلكت نفسك ~~ودينك بدين غيرك أو بدنياه وأنت مع ذلك لا تأمن عقوبة الدنيا وهو أن يهتك ~~الله سترك كما هتكت بالتعجب ستر أخيك # فإذن علاج جميع ذلك المعرفة فقط والتحقق بهذه الأمور التي هي من أبواب ~~الإيمان فمن قوى إيمانه بجميع ذلك أنكف لسانه عن الغيبة لا محالة # | بيان تحريم الغيبة بالقلب # اعلم أن سوء الظن حرام مثل سوء القول فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك ~~بمساويءالغير فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن بأخيك ولست أعني به إلا عقد ~~القلب وحكمه على غيره بالسوء فأما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه بل ~~الشك أيضا معفو عنه ولكن المنهي عنه أن يظن والظن عبارة عما تركن إليه ~~النفس ويميل إليه القلب # فقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض ~~الظن إثم وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب فليس لك ~~أن تعتقد في غيرك سوءا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل فعند ذلك لا ~~يمكنك إلا أن تعتقد ما علمته وشاهدته وما لم تشاهده بعينك ولم تسمعه بأذنك ~~ثم وقع في قلبك فإنما الشيطان يلقيه إليك فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق ~~وقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن ~~تصيبوا قوما بجهالة فلا يجوز تصديق إبليس وإن كان ثم مخيلة تدل على فساد ~~واحتمل خلافه لم يجز أن تصدق به لأن الفاسق يتصور أن بصدق في خيره ولكن لا ~~يجوز لك أن تصدق به حتى إن من استنكه فوجد منه رائحة الخمر لا يجوز أن يحد ~~إذ يقال يمكن أن يكون قد تمضمض بالخمر ومجها وما شربها أو حمل عليه قهرا ~~فكل ذلك لا محالة دلالة محتملة فلا يجوز تصديقها بالقلب PageV03P150 وإساءة ~~الظن بالمسلم بها وقد قال صلى الله عليه وسلم إن الله حرم من المسلم دمه ~~وماله وأن يظن به ظن السوء + حديث إن الله حرم من المسلم دمه وماله وأن يظن ~~به ظن السوء أخرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس بسند ضعيف ولابن ماجه ~~نحوه من حديث ابن عمر + فلا يستباح ظن السوء إلا بما يستباح به المال وهو ~~نفس مشاهدته أو بينة عادلة فإذا لم يكن كذلك وخطر لك وسواس سوء الظن فينبغي ~~أن تدفعه عن نفسك وتقرر عليها أن حاله عندك مستور كما كان وأن ما رأيته منه ~~يحتمل الخير والشر فإن قلت فبماذا يعرف عقد الظن والشكوك تختلج والنفس تحدث ~~فتقول أمارة عقد سوء الظن أن يتغير القلب معه عما كان فينفر عنه نفورا ما ~~ويستثقله ويفتر عن مراعاته وتفقده وإكرامه والاغتمام بسببه فهذه أمارات عقد ~~الظن وتحقيقه # وقد قال صلى الله عليه وسلم ثلاث في المؤمن وله منهن مخرج فمخرجه من سوء ~~الظن أن لا يحققه + حديث ثلاث في المؤمن وله منهن مخرج أخرجه الطبراني من ~~حديث حارثة بن النعمان بسند ضعيف + أي لا يحققه في نفسه بعقد ولا فعل لا في ~~القلب ولا في الجوارح أما في القلب فبتغيره إلى النفرة والكراهة وأما في ~~الجوارح فبالعمل بموجبه والشيطان قد يقرر على القلب بأدنى مخيلة مساءة ~~الناس ويلقى إليه أن هذا من فطنتك وسرعة فهمك وذكائك وأن المؤمن ينظر بنور ~~الله تعالى وهو على التحقيق ناظر بغرور الشيطان وظلمته # وأما إذا أخبرك به عدل فمال ظنك إلى تصديقه كنت معذورا لأنك لو كذبته ~~لكنت جانيا على هذا العدل إذ ظننت به الكذب وذلك أيضا من سوء الظن فلا ~~ينبغي أن تحسن الظن بواحد وتسيء بالآخر نعم ينبغي أن تبحث هل بينهما عداوة ~~ومحاسدة وتعنت فتتطرق التهمة بسببه فقد رد الشرع شهادة الأب العدل للولد ~~للتهمة ورد شهادة العدو + حديث رد الشرع شهادة الوالد العدل وشهادة العدو ~~أخرجه الترمذي من حديث عائشة وضعفه لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا مجلود ~~حدا ولا ذي غمر لأخيه @QB@ وفيه @QE@ ولا ظنين في ولاء ولا قرابة ولأبي ~~داود وابن ماجه بإسناد جيد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه + ~~فلك عند ذلك أن تتوقف وإن كان عدلا فلا تصدقه ولا تكذبه ولكن تقول في نفسك ~~المذكور حاله كان عندي في ستر الله تعالى وكان أمره محجوبا عني وقد بقي كما ~~كان لم ينكشف لي شيء من أمره وقد يكون الرجل ظاهره العدالة ولا محاسدة بينه ~~وبين المذكور ولكن قد يكون من عادته التعرض للناس وذكر مساويهم فهذا قد يظن ~~أنه عدل وليس بعدل فإن المغتاب فاسق وإن كان ذلك من عادته ردت شهادته إلا ~~أن الناس لكثرة الاعتياد تساهلوا في أمر الغيبة ولم يكترثوا بتناول أعراض ~~الخلق ومهما خطر لك خاطر بسوء على مسلم فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعو له ~~بالخير فإن ذلك يغيظ الشيطان ويدفعه عنك فلا يلقى إليك الخاطر السوء خيفة ~~من اشتغالك بالدعاء والمراعاة # ومهما عرفت هفوة مسلم بحجة فانصحه في السر ولا يخدعنك الشيطان فيدعوك إلى ~~اغتيابه وإذا وعظته فلا تعظه وأنت مسرور باطلاعك على نقصه لينظر إليك بعين ~~التعظيم وتنظر إليه بعين الاستحقار وتترفع عليه بإيذاء الوعظ وليكن قصدك ~~تخليصه من الإثم وأنت حزين كما تحزن على نفسك إذا دخل عليلا نقصان في دينك ~~وينبغي أن يكون تركه لذلك من غير نصحك أحب إليك من تركه بالنصيحة فإذا أنت ~~فعلت ذلك كنت قد جمعت بين أجر الوعظ وأجر الغم بمصيبته وأجر الإعانة له على ~~دينة PageV03P151 # ومن ثمرات سوء الظن التجسس فإن القلب لا يقنع بالظن ويطلب التحقيق فيشتغل ~~بالتجسس وهو أيضا منهي عنه قال الله تعالى ولا تجسسوا فالغيبة وسوء الظن ~~والتجسس منهي عنه في آية واحدة ومعنى التجسس أن لا يترك عباد الله تحت ستر ~~الله فيتوصل إلى الإطلاع وهتك الستر حتى ينكشف له ما لو كان مستورا عنه كان ~~أسلم لقلبه ودينه وقد ذكرنا في كتاب الأمر بالمعروف حكم التجسس وحقيقته # | بيان الأعذار المرخصة في الغيبة # اعلم أن المرخص في ذكر مساوي الغير هو غرض صحيح في الشرع لا يمكن التوصل ~~إليه إلا به فيدفع ذلك إثم الغيبة وهي ستة أمور # الأول التظلم فإن من ذكر قاضيا بالظلم والخيانة وأخذ الرشوة كان مغتابا ~~عاصيا إن لم يكن مظلوما أما المظلوم من جهة القاضي فله أن يتظلم إلى ~~السلطان وينسبه إلى الظلم إذ لا يمكنه استيفاء حقة إلا به قال صلى الله ~~عليه وسلم إن لصاحب الحق مقالا + حديث لصاحب الحق مقال متفق عليه من حديث ~~أبي هريرة + # وقال عليه السلام مطل الغنى ظلم + حديث مطل الغنى ظلم متفق عليه من حديثه ~~+ # وقال عليه السلام لي الواجد يحل عقوبته وعرضه + حديث لي الواحد يحل عرضه ~~وعقوبته أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث الشريد بإسناد صحيح + # الثاني الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى منهج الصلاح كما روي ~~أن عمر رضي الله عنه مر على عثمان وقيل على طلحة رضي الله عنه فسلم عليه ~~فلم يرد السلام فذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه فذكر له ذلك فجاء أبو بكر ~~إليه ليصلح ذلك ولم يكن ذلك غيبة عندهم وكذلك لما بلغ عمر رضي الله عنه أن ~~أبا جندل قد عاقر الخمر بالشام كتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل ~~الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب الآية ~~فتاب ولم ير ذلك عمر ممن أبلغه غيبة إذ كان قصده أن ينكر عليه ذلك فينفعه ~~نصحه ما لا ينفعه نصح غيره وإنما إباحة هذا بالقصد الصحيح فإن لم يكن ذلك ~~هو المقصود كان حراما # الثالث الاستفتاء كما يقول للمفتي ظلمني أبي أو زوجتي أو أخي فكيف طريقي ~~في الخلاص والأسلم التعريض بأن يقول ما قولك في رجل ظلمه أبوه أو أخوه أو ~~زوجته ولكن التعيين مباح بهذا القدر لما روي عن هند بنت عتبة أنها قالت ~~للنبي صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني أنا ~~وولدي أفآخذ من غير علمه فقال خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف + حديث إن هندا ~~قالت إن أبا سفيان رجل شحيح متفق عليه من حديث عائشة + فذكرت الشح والظلم ~~لها ولولدها ولم يزجرها صلى الله عليه وسلم إذ كان قصدها الاستفتاء # الرابع تحذير المسلم من الشر فإذا رأيت فقيها يتردد إلى مبتدع أو فاسق ~~وخفت أن تتعدى إليه بدعته وفسقه فلك أن تكشف له بدعته وفسقه مهما كان ~~الباعث لك الخوف عليه من سراية البدعة والفسق لا غيره وذلك موضع الغرور إذ ~~قد يكون الحسد هو الباعث ويلبس الشيطان ذلك بإظهار الشفقة على الخلق وكذلك ~~من اشترى مملوكا وقد عرفت المملوك بالسرقة أو بالفسق أو بعيب آخر فلك أن ~~تذكر ذلك فإن سكوتك ضرر المشتري وفي ذكرك ضرر العبد والمشتري أولى بمراعاة ~~جانبه وكذلك المزكي إذا سئل عن الشاهد فله الطعن فيه إن علم مطعنا وكذلك ~~المستشار في التزويج وإيداع الأمانة له أن يذكر ما يعرفه على قصد النصح ~~للمستشير لا على قصد PageV03P152 الوقيعة فإن علم أنه يترك التزويج بمجرد ~~قوله لا تصلح لك فهو الواجب وفيه الكفاية وإن علم أنه لا ينزجر إلا ~~بالتصريح بعيبه فله أن يصرح به إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~أترعوون عن ذكر الفاجر اهتكوه حتى يعرفه الناس اذكروه بما فيه حتى يحذره ~~الناس + حديث أترعوون عن ذكر الفاجر اهتكوه حتى يعرفه الناس اذكروه بما فيه ~~يحذره الناس أخرجه الطبراني وابن حبان في الضعفاء وابن عدي من رواية بهز بن ~~حكيم عن أبيه عن جده دون قوله حتى يعرفه الناس ورواه بهذه الزيادة ابن أبي ~~الدنيا في الصمت + # وكانوا يقولون ثلاثة لا غيبة لهم الإمام الجائر والمبتدع والمجاهر بفسقه # الخامس أن يكون الإنسان معروفا بلقب يعرب عن عيبه كالأعرج والأعمش فلا ~~إثم على من يقول روى أبو الزناد عن الأعرج وسلمان عن الأعمش وما يجري مجراه ~~فقد فعل العلماء ذلك لضرورة التعريف ولأن ذلك قد صار بحيث لا يكرهه صاحبه ~~لو علمه بعد أن قد صار مشهورا به نعم إن وجد عنه معدلا وأمكنه التعريف ~~بعبارة أخرى فهو أولى ولذلك يقال للأعمى البصير عدولا عن اسم النقص # السادس أن يكون مجاهرا بالفسق كالمخنث وصاحب الماخور والمجاهر بشرب الخمر ~~ومصادرة الناس وكان ممن يتظاهر به بحيث لا يستنكف من أن يذكر له ولا يكره ~~أن يذكر به فإذا ذكرت فيه ما يتظاهر به فلا إثم عليك قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له + حديث من ألقى ~~جلباب الحياء فلا غيبة له أخرجه ابن عدي وأبو الشيخ في كتاب ثواب الأعمال ~~من حديث أنس بسند ضعيف وقد تقدم + وقال عمر رضي الله عنه ليس لفاجر حرمة ~~وأراد به المجاهر بفسقه دون المستتر إذا المستتر لا بد من مراعاة حرمته ~~وقال الصلت بن طريف قلت للحسن الرجل الفاسق المعلن بفجوره ذكرى له بما فيه ~~غيبة له قال لا ولا كرامة وقال الحسن ثلاثة لا غيبة لهم صاحب الهوى والفاسق ~~المعلن بفسقه والإمام الجائر فهؤلاء الثلاثة يجمعهم أنهم يتظاهرون به وربما ~~يتفاخرون به فكيف يكرهون ذلك وهم يقصدون إظهاره نعم لو ذكره بغير ما يتظاهر ~~به أثم وقال عوف دخلت على ابن سيرين فتناولت عنده الحجاج فقال إن الله حكم ~~عدل ينتقم للحجاج ممن اغتابه كما ينتقم من الحجاج لمن ظلمه وإنك إذا لقيت ~~الله تعالى غدا كان أصغر ذنب أصبته أشد عليك من أعظم ذنب أصابه الحجاج # | بيان كفارة الغيبة # اعلم أن الواجب على المغتاب أن يندم ويتوب ويتأسف على ما فعله ليخرج به ~~من حق الله سبحانه ثم يستحل المغتاب ليحله فيخرج من مظلمته وينبغي أن ~~يستحله وهو حزين متأسف نادم على فعله إذ المرائي قد يستحل ليظهر من نفسه ~~الورع وفي الباطن لا يكون نادما فيكون قد قارف معصية أخرى وقال الحسن يكفيه ~~الاستغفار دون الاستحلال وربما استدل في ذلك بما روى أنس بن مالك قال قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم كفارة من اغتبته أن تستغفر له + حديث كفارة ~~من اغتبته أن تستغفر له أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت والحارث بن أبي ~~أسامة في مسنده من حديث أنس بسند ضعيف + وقال مجاهد كفارة أكلك لحم أخيك أن ~~تثني عليه وتدعو له بخير وسئل عطاء بن أبي رباح عن التوبة من الغيبة قال أن ~~تمشي إلى صاحبك فتقول له كذبت فيما قلت وظلمتك وأسأت فإن شئت أخذت بحقك وإن ~~شئت عفوت وهذا هو الأصح وقول القائل العرض لا عوض له فلا يجب الاستحلال منه ~~بخلاف المال كلام ضعيف إذ قد وجب في العرض حد القذف وتثبت المطالبة به بل ~~في الحديث الصحيح ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال من كانت لأخيه عنده ~~مظلمة في عرض أو مال فليستحللها منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ~~PageV03P153 ولا درهم إنما يؤخذ من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من ~~سيئات صاحبه فزيدت على سيئاته + حديث من كانت له عند أخيه مظلمة من عرض أول ~~مال فليتحلله الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة + وقالت عائشة رضي الله ~~عنها لامرأة قالت لأخرى أنها طويلة الذيل قد اغتبتيها فاستحليها فإذن لا بد ~~من الاستحلال إن قدر عليه فإن كان غائبا أو ميتا فينبغي أن يكثر له ~~الاستغفار والدعاء ويكثر من الحسنات # فإن قلت فالتحليل هل يجب فأقول لا لأنه تبرع والتبرع فضل وليس بواجب ~~ولكنه مستحسن وسبيل المعتذر أن يبالغ في الثناء عليه والتودد إليه ويلازم ~~ذلك حتى يطيب قلبه فإن لم يطب قلبه كان اعتذاره وتودده حسنة محسوبة له ~~يقابل بها سيئة الغيبة في القيامة # وكان بعض السلف لا يحلل قال سعيد بن المسيب لا أحلل من ظلمني وقال ابن ~~سيرين إني لم أحرمها عليه فأحللها له إن الله حرم الغيبة عليه وما كنت ~~لأحلل ما حرم الله أبدا # فإن قلت فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يستحلها وتحليل ~~ما حرمه الله تعالى غير ممكن فنقول المراد به العفو عن المظلمة لا أن ينقلب ~~الحرام حلالا وما قاله ابن سيرين حسن في التحليل قبل الغيبة فإنه لا يجوز ~~له أن يحلل لغيره الغيبة # فإن قلت فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ~~ضمضم كان إذا خرج من بيته قال اللهم إني قد تصدقت بعرضي على الناس + حديث ~~أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من بيته قال اللهم إني تصدقت ~~بعرضي على الناس أخرجه البزار وابن السني في اليوم والليلة والعقيلي في ~~الضعفاء من حديث أنس بسند ضعيف وذكره ابن عبد البر من حديث ثابت مرسلا عند ~~ذكر أبي ضمضم في الصحابة قلت وإنما هو رجل ممن كان قبلنا كما عند البزار ~~والعقيلي فكيف يتصدق بالعرض ومن تصدق به فهل يباح تناوله فإن كان لا تنفذ ~~صدقته فما معنى الحث عليه فنقول معناه إني لا أطلب مظلمة في القيامة منه ~~ولا أخاصمه وإلا فلا تصير الغيبة حلالا به ولا تسقط المظلمة عنه لأنه عفو ~~قبل الوجوب إلا أنه وعد وله العزم على الوفاء بأن لا يخاصم فإن رجع وخاصم ~~كان القياس كسائر الحقوق أن له ذلك بل صرح الفقهاء أن من أباح القذف لم ~~يسقط حقه من حد القاذف ومظلمة الآخرة مثل مظلمة الدنيا وعلى الجملة فالعفو ~~أفضل # قال الحسن إذا جثت الأمم بين يدي الله عز وجل يوم القيامة نودوا ليقم من ~~كان له أجر على الله فلا يقوم إلا العافون عن الناس في الدنيا وقد قال الله ~~تعالى @QB@ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين @QE@ فقال النبي صلى ~~الله عليه وسلم يا جبريل ما هذا العفو فقال إن الله تعالى يأمرك أن تعفو ~~عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك + حديث نزول @QB@ خذ العفو @QE@ الآية ~~فقال يا جبريل @QB@ ما هذا @QE@ فقال إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك وتصل ~~من قطعك وتعطي من حرمك تقدم في رياضة النفس + وروي عن الحسن أن رجلا قال له ~~إن فلانا قد اغتابك فعبث إليه رطبا على طبق وقال قد بلغني أنك أهديت إلي من ~~حسناتك فأردت أن أكافئك عليها فاعذرني فإني لا أقدر أن أكافئك على التمام ~~الآفة السادسة عشرة النميمة # قال الله تعالى @QB@ هماز مشاء بنميم @QE@ ثم قال @QB@ عتل بعد ذلك زنيم ~~@QE@ قال عبد الله بن المبارك الزنيم ولد الزنا الذي لا يكتم الحديث وأشار ~~به إلى أن كل من لم يكتم الحديث ومشى بالنميمة دل على أنه ولد زنا استنباطا ~~من قوله عز وجل @QB@ عتل بعد ذلك زنيم @QE@ والزنيم هو الدعي وقال تعالى ~~@QB@ ويل لكل همزة لمزة @QE@ قيل الهمزة النمام PageV03P154 وقال تعالى ~~@QB@ حمالة الحطب @QE@ قيل إنها كانت نمامة حمالة للحديث وقال تعالى @QB@ ~~فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا @QE@ قيل كانت امرأة لوط تخبر ~~بالضيفان وامرأة نوح تخبر أنه مجنون وقد قال صلى الله عليه وسلم لا يدخل ~~الجنة نمام + حديث لا يدخل الجنة نمام وفي حديث آخر قتات متفق عليه من حديث ~~حذيفة وقد تقدم + # وفي حديث آخر لا يدخل الجنة قتات والقتات هو النمام وقال أبو هريرة قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبكم إلى الله أحاسنكم أخلاقا الموطئون ~~أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وإن أبغضكم إلى الله المشاءون بالنميمة ~~المفرقون بين الإخوان الملتمسون للبرءاء العثرات + حديث أبي هريرة وأحبكم ~~إلى الله أحسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير ~~وتقدم في آداب الصحبة + # وقال صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بشراركم قالوا بلى قال المشاءون ~~بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون للبرءاء العيب + حديث ألا أخبركم ~~بشراركم قالوا بلى قال المشاءون بالنميمة الحديث أخرجه أحمد من حديث أبي ~~مالك الأشعري وقد تقدم + وقال أبو ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ~~أشاع على مسلم كلمة ليشينه بها بغير حق شانه الله بها في النار يوم القيامة ~~+ حديث أبي ذر من أشاع على مسلم كلمة ليشينه بها بغير حق شانه الله بها في ~~النار يوم القيامة أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت والطبراني في مكارم ~~الأخلاق وفيه عبد الله بن ميمون فإن يكن القداح فهو متروك الحديث + وقال ~~أبو الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل أشاع على رجل كلمة ~~وهو منها بريءليشينه بها في الدنيا كان حقا على الله أن يذيبه بها يوم ~~القيامة في النار + حديث أبي الدرداء أيما رجل أشاع على رجل كلمة هو منها ~~بريء ليشينه بها في الدنيا كان حقا على الله أن يذيبه بها يوم القيامة في ~~النار أخرجه ابن أبي الدنيا موقوفا على أبي الدرداء ورواه الطبراني بلفظ ~~آخر مرفوعا من حديثه وقد تقدم + وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم من شهد على مسلم بشهادة ليس لها بأهل فليتبوأ مقعده من النار + ~~حديث أبي هريرة من شهد على مسلم شهادة ليس لها بأهل فليتبوأ مقعده من النار ~~أخرجه أحمد وابن أبي الدنيا وفي رواية أحمد رجل لم يسم أسقطه ابن أبي ~~الدنيا في الأسناد + ويقال إن ثلث عذاب القبر من النميمة وعن ابن عمر عن ~~النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لما خلق الجنة قال لها تكلمي فقالت سعد ~~من دخلني فقال الجبار جل جلاله وعزتي وجلالي لا يسكن فيك ثمانية نفر من ~~الناس لا يسكنك مدمن خمر ولا مصر على الزنا ولا قتات وهو النمام ولا ديوث ~~ولا شرطي ولا مخنث ولا قاطع رحم ولا الذي يقول على عهد الله إن لم أفعل كذا ~~وكذا ثم لم يف به + حديث ابن عمر إن الله لما خلق الجنة قال لها تكلمي قالت ~~سعد من دخلني قال الجبار وعزتي وجلالي لا يسكن فيك ثمانية فذكر منها ولا ~~قتات وهو النمام لم أجده هكذا بتمامة ولأحمد لا يدخل الجنة عاق لوالديه ولا ~~ديوث وللنسائي من حديث عبد الله بن عمرو لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا ~~مدمن خمر وللشيخين من حديث حذيفة لا يدخل الجنة قتات ولهما من حديث جبير بن ~~مطعم لا يدخل الجنة قاطع وذكر صاحب الفردوس من حديث ابن عباس لما خلق الله ~~الجنة قال لها تكلمي تزيني فتزينت فقالت طوبى لمن دخلني ورضي عنه إلهي فقال ~~الله عز وجل لا سكنك مخنث ولا نائحة + وروي كعب الأحبار أن بني إسرائيل ~~أصابهم قحط فاستسقى موسى عليه السلام مرات فما سقوا فأوحى الله تعالى إليه ~~إني لا أستجيب لك ولمن معك وفيكم نمام قد أصر على النميمة فقال موسى يارب ~~من هو دلني عليه حتى أخرجه من بيننا قال يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون ~~نماما فتابوا جميعا فسقوا ويقال اتبع رجل حكيما سبعمائة فرسخ في سبع كلمات ~~فلما قدم عليه قال إني جئتك للذي آتاك الله تعالى من العلم أخبرني عن ~~السماء وما أثقل منها وعن الأرض وما أوسع منها وعن الصخر وما أقسى منه وعن ~~النار وما أحر منها وعن الزمهرير وما أبرد منه وعن البحر وما أغنى منه وعن ~~اليتيم وما أذل منه فقال له الحكيم البهتان على البريء أثقل من السموات ~~والحق أوسع من الأرض والقلب القانع أغنى من البحر والحرص والحسد أحر من ~~النار والحاجة PageV03P155 إلى القريب إذا لم تنجح أبرد من الزمهرير وقلب ~~الكافر أقسى من الحجر والنمام إذا بان أمره أذل من اليتيم # | بيان حد النميمة وما يجب في ردها # اعلم أن اسم النميمة إنما يطلق في الأكثر على من ينم قول الغير إلى ~~المقول فيه كما تقول فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا وليست النميمة مختصة به ~~بل حدها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو كرهه ~~ثالث وسواء كان الكشف بالقول أبو بالكتابة أو بالرمز أو بالإيماء وسواء كان ~~المنقول من الأعمال أو من الأقوال وسواء كان ذلك عيبا ونقصا في المنقول عنه ~~أو لم يكن بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه بل كان ما ~~رآه الإنسان من أحوال الناس مما يكره فينبغي أن يسكت عنه إلا ما في حكايته ~~فائدة لمسلم أو دفع لمعصية كما إذا رأى من يتناول مال غيره فعليه أن يشهد ~~به مراعاة لحق المشهود له فأما إذا رآه يخفي مالا لنفسه فذكره فهو نميمة ~~وإفشاء للسر فإن كان ما ينم به نقصا وعيبا في المحكي عنه كان قد جمع بين ~~الغيبة والنميمة فالباعث على النميمة إما إرادة السوء للمحكي عنه أو إظهار ~~الحب للمحكي له أو التفرج بالحديث والخوض في الفضول والباطل # وكل من حملت إليه النميمة وقيل له إن فلانا قال فيك كذا وكذا أو فعل في ~~حقك كذا أو هو يدبر في إفساد أمرك أو في ممالاة عدوك أو تقبيح حالك أو ما ~~يجري مجراه فعليه ستة أمور الأول أن لا يصدقه لأن النمام فاسق وهو مردود ~~الشهادة قال الله تعالى @QB@ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ ~~فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة @QE@ # الثاني أن ينهاه عن ذلك وينصح له ويقبح عليه فعله قال الله تعالى @QB@ ~~وأمر بالمعروف وانه عن المنكر @QE@ # الثالث أن يبغضه في الله تعالى فإنه بغيض عند الله تعالى ويجب بغض من ~~يبغضه الله تعالى # الرابع أن لا تظن بأخيك الغائب السوء لقول الله تعالى @QB@ اجتنبوا كثيرا ~~من الظن إن بعض الظن إثم @QE@ # الخامس أن لا يحملك ما حكى لك على التجسس والبحث لتحقق اتباعا لقول الله ~~تعالى @QB@ ولا تجسسوا @QE@ # السادس أن لا ترضى لنفسك ما نهيت النمام عنه ولا تحكي نميمته فتقول فلان ~~قد حكى لي كذا وكذا فتكون به نماما ومغتابا وقد تكون قد أتيت ما عنه نهيت ~~وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه دخل عليه رجل فذكر له عن ~~رجل شيئا فقال له عمر إن شئت نظر نافي أمرك فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه ~~الآية @QB@ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا @QE@ وإن كنت صادقا فأنت من أهل هذه ~~الآية @QB@ هماز مشاء بنميم @QE@ وإن شئت عفونا عنك فقال العفو يا أمير ~~المؤمنين لا أعود إليه أبدا وذكر أن حكيما من الحكماء زاره بعض إخوانه ~~فأخبره بخبر عن بعض أصدقائه فقال له الحكيم قد أبطأت في الزيارة وأتيت ~~بثلاث جنايات بغضت أخي إلي وشغلت قلبي الفارغ واتهمت نفسك الأمينة وروي أن ~~سليمان بن عبد الملك كان جالسا وعنده الزهري فجاءه رجل فقال له سليمان ~~بلغني أنك وقعت في وقلت كذا وكذا فقال الرجل ما فعلت ولا قلت فقال سليمان ~~إن الذي أخبرني صادق فقال له الزهري لا يكون النمام صادقا فقال سليمان صدقت ~~ثم قال للرجل اذهب بسلام # وقال الحسن من نم إليك نم عليك وهذا إشارة إلى أن النمام ينبغي أن يبغض ~~ولا يوثق بقوله ولا بصداقته وكيف لا يبغض وهو لا ينفك عن الكذب والغيبة ~~والغدر والخيانة والغل والحسد والنفاق والإفساد بين الناس والخديعة وهو ممن ~~يسعون في قطع ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض وقال تعالى @QB@ ~~إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق @QE@ ~~والنمام منهم وقال صلى الله عليه وسلم إن من شرار الناس PageV03P156 من ~~اتقاه الناس لشره + حديث إن من شر الناس اتقاه الناس لشره متفق عليه من ~~حديث عائشة نحوه + والنمام منهم وقال لا يدخل الجنة قاطع قيل وما القاطع ~~قال قاطع بين الناس + حديث لا يدخل الجنة قاطع متفق عليه من حديث جبير بن ~~مطعم + وهو النمام وقيل قاطع الرحم # وروي عن علي رضي الله عنه أن رجلا سعى إليه برجل فقال له يا هذا نحن نسأل ~~عما قلت فإن كنت صادقا مقتناك وإن كنت كاذبا عاقبناك وإن شئت أن نقيلك ~~أقلناك فقال أقلني يا أمير المؤمنين وقيل لمحمد بن كعب القرظي أي خصال ~~المؤمن أوضع له فقال كثرة الكلام وإفشاء السر وقبول قول كل أحد وقال رجل ~~لعبد الله ابن عامر وكان أميرا بلغني أن فلانا أعلم الأمير أني ذكرته بسوء ~~قال قد كان ذلك قال فأخبرني بما قال لك حتى أظهر كذبه عندك قال ما أحب أن ~~أشتم نفسي بلساني وحسبي أني لم أصدقه فيما قال ولا أقطع عنك الوصال # وذكرت السعاية عند بعض الصالحين فقال ما ظنكم بقوم يحمد الصدق من كل ~~طائفة من الناس إلا منهم وقال مصعب بن الزبير نحن نرى أن قبول السعاية شر ~~من السعاية لأن السعاية دلالة والقبول إجازة وليس من دل على شيء فأخبر به ~~كمن قبله وأجازه فاتقوا الساعي فلو كان صادقا في قوله لكان لئيما في صدقه ~~حيث لم يحفظ الحرمة ولم يستر العورة والسعاية هي النميمة إلا إنها إذا كانت ~~إلى من يخاف جانبه سميت سعاية وقد قال صلى الله عليه وسلم الساعي بالناس ~~إلى الناس لغير رشدة + حديث الساعي بالناس إلى الناس لغير رشدة أخرجه ~~الحاكم من حديث أبي موسى من سعى بالناس فهو لغير رشدة أو فيه شيء منها وقال ~~له أسانيد هذا أمثلها قلت فيه سهل بن عطية قال فيه ابن طاهر في التذكرة ~~منكر الرواية قال والحديث لا أصل له وقد ذكر ابن حبان في الثقات سهل بن ~~عطية ورواه الطبراني بلفظ لا يسعى على الناس إلا ولد بغى وإلا من فيه عرق ~~منه وزاد بين سهل وبين بلال بن أبي بردة أبا الوليد القرشي + يعني ليس بولد ~~حلال ودخل رجل على سليمان بن عبد الملك فاستأذنه في الكلام وقال إني مكلمك ~~يا أمير المؤمنين بكلام فاحتمله إن كرهته فإن وراءه ما تحب إن قبلته فقال ~~قل فقال يا أمير المؤمنين إنه قد اكتنفك رجال ابتاعوا دنياك بدينهم ورضاك ~~بسخط ربهم خافوك في الله ولم يخافوا الله فيك فلا تأمنهم على ما ائتمنك ~~الله عليه ولا تصخ إليهم فيما استحفظك الله إياه فإنهم لن يألوا في الأمة ~~خسفا وفي الأمانة تضييعا والأعراض قطعا وانتهاكا أعلى قربهم البغي والنميمة ~~وأجل وسائلهم الغيبة والوقيعة وأنت مسئول عما أجرموا وليسوا المسئولين عما ~~أجرمت فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك فإن أعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا ~~غيره وسعى رجل بزياد الأعجم إلى سليمان بن عبد الملك فجمع بينهما للموافقة ~~فأقبل زياد على الرجل وقال # فأنت امرؤ إما ائتمنتك خاليا % فخنت وإما قلت قولا بلا علم # فأنت من الأمر الذي كان بيننا % بمنزلة بين الخيانة والإثم # وقال رجل لعمرو بن عبيد إن الأسواري ما يزال يذكرك في قصصه بشر فقال له ~~عمرو يا هذا ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه ولا أديت حقي ~~حين أعلمتني عن أخي ما أكره ولكن أعلمه أن الموت يعمنا والقبر يضمنا ~~والقيامة تجمعنا والله تعالى يحكم بيننا وهو خير الحاكمين ورفع بعض السعاة ~~إلى الصاحب بن عباد رقعة نبه فيها على مال يتيم يحمله على أخذه لكثرته فوقع ~~على ظهرها السعاية قبيحة وإن كانت صحيحة فإن كنت أجريتها مجرى النصح ~~فخسرانك فيها أفضل من الربح ومعاذ الله أن نقبل مهتوكا في مستور ولولا أنك ~~في خفارة شيبتك لقابلناك بما يقتضيه فعلك في مثلك فتوق يا ملعون العيب فإن ~~الله أعلم بالغيب الميت رحمه الله واليتيم جبره الله والمال ثمره الله ~~والساعي لعنه الله وقال لقمان لابنه يا بني أوصيك بخلال إن تمسكت بهن لم ~~تزل PageV03P157 سيدا أبسط خلقك للقريب والبعيد وأمسك جهلك عن الكريم ~~واللئيم واحفظ إخوانك وصل أقاربك وآمنهم من قبول قول ساع أو سماع باغ يريد ~~فسادك ويروم خداعك وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك لم تعبهم ولم ~~يعيبوك وقال بعضهم النميمة مبنية على الكذب والحسد والنفاق وهي أثافي الذل ~~وقال بعضهم لو صح ما نقله النمام إليك لكان هو المجتريء بالشتم عليك ~~والمنقول عنه أولى بحلمك لأنه لم يقابلك بشتمك # وعلى الجملة فشر النمام عظيم ينبغي أن يتوقى قال حماد بن سلمة باع رجل ~~عبدا وقال للمشتري ما فيه عيب إلا النميمة قال رضيت فاشتراه فمكث الغلام ~~أياما ثم قال لزوجة مولاه إن سيدي لا يحبك وهو يريد إن يتسرى عليك فخذي ~~الموسى واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات حتى أسحره عليها فيحبك ثم قال ~~للزوج إن امرأتك اتخذت خليلا وتريد أن تقتلك فتناوم لها حتى تعرف ذلك ~~فتناوم لها فجاءت المرأة بالموسى فظن أنها تريد قتله فقام إليها فقتلها ~~فجاء أهل المرأة فقتلوا الزوج ووقع القتال بين القبيلتين فنسأل الله حسن ~~التوفيق الآفة السابعة عشرة # كلام ذي اللسانين الذي يتردد بين المتعاديين ويكلم كل واحد منهما بكلام ~~يوافقه وقلما يخلو عنه من يشاهد متعاديين وذلك عين النفاق # قال عمار بن ياسر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له وجهان في ~~الدنيا كان له لسانان من نار يوم القيامة + حديث عمار بن ياسر من كان له ~~وجهان في الدنيا كان له لسانان من نار يوم القيامة أخرجه البخاري في كتاب ~~الأدب المفرد وأبو داود بسند حسن + وقال أبو هريرة قال سول الله صلى الله ~~عليه وسلم تجدون من شر عباد الله يوم القيامة ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء ~~بحديث وهؤلاء بحديث + حديث أبي هريرة تجدون من شر عباد الله يوم القيامة ذا ~~الوجهين الحديث متفق عليه بلفظ تجد من شر الناس لفظ البخاري وهو عند ابن ~~أبي الدنيا بلفظ مصنف + وفي لفظ آخر الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه وقال ~~أبو هريرة لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أمينا عند الله وقال مالك بن دينار ~~قرأت في التوراة بطلت الأمانة والرجل مع صاحبه بشفتين مختلفتين يهلك الله ~~تعالى يوم القيامة كل شفتين مختلفتين وقال صلى الله عليه وسلم أبغض خليقة ~~الله إلى الله يوم القيامة الكذابون والمستكبرون والذين يكثرون البغضاء ~~لإخوانهم في صدورهم فإذا لقوهم تملقوا لهم والذين إذا دعوا إلى الله ورسوله ~~كانوا بطاء وإذا دعوا إلى الشيطان وأمره كانوا سراعا + حديث أبغض خليقة ~~الله إلى الله يوم القيامة الكذابون والمستكبرون والذين يكثرون البغضاء ~~لإخوانهم في صدورهم فإذا لقوهم تملقوا لهم الحديث لم أقف له على أصل + # وقال ابن مسعود لا يكونن أحدكم إمعة قالوا وما الإمعة قال الذي يجري مع ~~كل ريح واتفقوا على أن ملاقاة الاثنين بوجهين نفاق وللنفاق علامات كثيرة ~~وهذه من جملتها # وقد روي أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مات فلم يصل عليه ~~حذيفة فقال له عمر يموت رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تصل ~~عليه فقال يا أمير المؤمنين إنه منهم فقال نشدتك الله أنا منهم أم لا قال ~~اللهم لا ولا أؤمن منها أحدا بعدك # فإن قلت بماذا يصير الرجل ذا لسانين وما حد ذلك فأقول إذا دخل على ~~متعاديين وجامل كل واحد منهما وكان صادقا فيه لم يكن منافقا ولا ذا لسانين ~~فإن الواحد قد يصادق متعاديين ولكن صداقة ضعيفة لا تنتهي إلى حد الأخوة إذ ~~لو تحققت الصداقة لاقتضت معادة الأعداء كما ذكرنا في كتاب آداب الصحبة ~~والأخوة نعم لو نقل PageV03P158 كلام كل واحد منهما إلى الآخر فهو ذو ~~لسانين وهو شر من النميمة إذ يصير نماما بأن ينقل من أحد الجانبين فقط فإذا ~~نقل من الجانبين فهو شر من النمام وإن لم ينقل كلاما ولكن حسن لكل واحد ~~منهما ما هو عليه من المعاداة مع صاحبه فهذا ذو لسانين وكذلك إذا وعد كل ~~واحد منهما بأن ينصره وكذلك إذا أثنى على واحد منهما في معاداته وكذلك إذا ~~أثنى على أحدهما وكان إذا خرج من عنده يذمه فهو ذو لسانين بل ينبغي أن يسكت ~~أو يثني على المحق من المتعاديين ويثني عليه في غيبته وفي حضوره وبين يدي ~~عدوه # قيل لابن عمر رضي الله عنهما إنا ندخل على أمرائنا فنقول القول فإذا ~~خرجنا قلنا غيره فقال كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم + حديث قيل لابن عمر إنا ندخل على أمرائنا فنقول القول فإذا خرجنا ~~قلنا غيره قال كنا نعد ذلك نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~أخرجه الطبراني من طرق + وهذا نفاق مهما كان مستغنيا عن الدخول على الأمير ~~وعن الثناء عليه فلو استغنى عن الدخول ولكن إذا دخل يخاف إن لم يثن فهو ~~نفاق لأنه الذي أحوج نفسه إلى ذلك فإن كان مستغنيا عن الدخول لو قنع ~~بالقليل وترك المال والجاه فدخل لضرورة الجاه والغنى وأثنى فهو منافق وهذا ~~معنى قوله صلى الله عليه وسلم حب المال والجاه ينبتان النفاق في القلب كما ~~ينبت الماء البقل + حديث حب الجاه والمال ينبتان النفاق في القلب كما ينبت ~~الماء البقل أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة ~~بسند ضعيف إلا أنه قال حب الغناء وقال العشب مكان البقل + لأنه يحوج إلى ~~الأمراء وإلى مراعاتهم ومراءاتهم فأما إذا ابتلى به لضرورة وخاف إن لم يثن ~~فهو معذور فإن اتقاء الشر جائز قال أبو الدرداء رضي الله عنه إنا لنكشر في ~~وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم وقالت عائشة رضي الله عنها استأذن رجل على ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له فبئس رجل العشيرة هو ثم لما ~~دخل ألان له القول فلما خرج قلت يا رسول الله قلت فيه ما قلت ثم ألنت له ~~القول فقال يا عائشة إن شر الناس الذي يكرم اتقاء شره + حديث عائشة استأذن ~~رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له فبئس رجل العشيرة ~~الحديث وفيه إن شر الناس الذي يكرم اتقاء لشره متفق عليه وقد تقدم في الآفة ~~التي قبلها + # ولكن هذا ورد في الإقبال وفي الكشر والتبسم فأما الثناء فهو كذب صراح ولا ~~يجوز إلا لضرورة أو إكراه يباح الكذب بمثله كما ذكرناه في آفة الكذب بل لا ~~يجوز الثناء ولا التصديق ولا تحريك الرأس في معرض التقرير على كل كلام باطل ~~فإن فعل ذلك فهو منافق بل ينبغي أن ينكر فإن لم يقدر فيسكت بلسانه وينكر ~~بقلبه الآفة الثامنة عشرة المدح # وهو منهي عنه في بعض المواضع أما الذم فهو الغيبة والوقيعة فقد ذكرنا ~~حكمها والمدح يدخله ست آفات أربع في المادح واثنتان في الممدوح # فأما المادح فالأولى أنه قد يفرط فينتهي به إلى الكذب قال خالد بن معدان ~~من مدح إماما أو أحدا بما ليس فيه على رءوس الأشهاد بعثه الله يوم القيامة ~~يتعثر بلسانه # والثانية أنه قد يدخله الرياء فإنه بالمدح مظهر للحب وقد لا يكون مضمرا ~~له ولا معتقدا لجميع ما يقوله فيصير به مرائيا منافقا # الثالثة أنه قد يقول ما لا يتحققه ولا سبيل له إلى الاطلاع عليه وروي أن ~~رجلا مدح رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له عليه السلام ويحك قطعت ~~عنق صاحبك لو سمعها ما أفلح ثم قال إن كان أحدكم لا بد مادحا PageV03P159 ~~أخاه فليقل أحسب فلانا ولا أزكي على الله أحد حسيبه الله إن كان يرى أنه ~~كذلك + حديث إن رجلا مدح رجلا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ويحك ~~قطعت عنق صاحبك متفق عليه من حديث أبي بكرة بنحوه وهو في الصمت لابن أبي ~~الدنيا بلفظ المصنف + وهذه الآفة تتطرق إلى المدح بالأوصاف المطلقة التي ~~تعرف بالأدلة كقوله إنه متق وورع وزاهد وخير وما يجري مجراه فأما إذا قال ~~رأيته يصلي بالليل ويتصدق ويحج فهذه أمور مستيقنة ومن ذلك قوله إنه عدل رضا ~~فإن ذلك خفي فلا ينبغي أن يجزم القول فيه إلا بعد خبرة باطنه سمع عمر رضي ~~الله عنه رجلا يثني على رجل فقال أسافرت معه قال لا قال أخالطته في ~~المبايعة والمعاملة قال لا قال فأنت جاره صباحه ومساءه قال لا فقال والله ~~الذي لا إله إلا هو لا أراك تعرفه # الرابعة أنه قد يفرح الممدوح وهو ظالم أو فاسق وذلك غير جائز قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يغضب إذا مدح الفاسق + حديث إن الله ~~يغضب إذا مدح الفاسق أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت والبيهقي في الشعب من ~~حديث أنس وفيه أبو خلف خادم أنس ضعيف ورواه أبو يعلى الموصلي وابن عدي بلفظ ~~إذا مدح الفاسق غضب الرب واهتز العرش قال الذهبي في الميزان منكر وقد تقدم ~~في آداب الكسب + وقال الحسن من دعا لظالم بطول البقاء فقد أحب أن يعصي الله ~~تعالى في أرضه والظالم الفاسق ينبغي أن يذم ليغتم ولا يمدح ليفرح # وأما الممدوح فيضره من وجهين # أحدهما أنه يحدث فيه كبرا وإعجابا وهما مهلكان # قال الحسن رضي الله عنه كان عمر رضي الله عنه جالسا ومعه الدرة والناس ~~حوله إذ أقبل الجارود بن المنذر فقال رجل هذا سيد ربيعة فسمعها عمر ومن ~~حوله وسمعها الجارود فلما دنا منه خفقه بالدرة فقال مالي ولك يا أمير ~~المؤمنين قال مالي ولك أما سمعتها قال سمعتها فمه قال خشيت أن يخالط قلبك ~~منها شيء فأحببت أن أطأطيء منك # الثاني هو أنه إذا أثنى عليه بالخير فرح به وفتر ورضي عن نفسه ومن أعجب ~~بنفسه قل تشمره وإنما يتشمر للعمل من يرى نفسه مقصرا فأما إذا انطلقت ~~الألسن بالثناء عليه ظن أنه قد أدرك ولهذا قال عليه السلام قطعت عنق صاحبك ~~لو سمعها ما أفلح وقال صلى الله عليه وسلم إذا مدحت أخاك في وجهه فكأنما ~~أمررت على حلقه موسى وميضا + حديث إذا مدحت أخاك في وجهه فكأنما أمررت على ~~حلقه موسى وميضا أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق من رواية يحيى بن ~~جابر مرسلا + # وقال أيضا لمن مدح رجلا عقرت الرجل عقرك الله + حديث عقرت الرجل عقرك ~~الله قاله لمن مدح رجلا لم أجد له أصلا + وقال مطرف ما سمعت قط ثناء ولا ~~مدحة إلا تصاغرت إلى نفسي وقال زياد بن أبي مسلم ليس أحد يسمع ثناء عليه أو ~~مدحة إلا تراءى له الشيطان ولكن المؤمن يراجع فقال ابن المبارك لقد صدق ~~كلاهما أما ما ذكره زياد فذلك قلب العوام وأما ما ذكره مطرف فذلك قلب ~~الخواص وقال صلى الله عليه وسلم لو مشى رجل إلى رجل بسكين مرهف كان خيرا له ~~من أن يثني عليه في وجهه + حديث لو مشى رجل إلى رجل بسكين مرهف كان خيرا له ~~من أن يثني عليه في وجهه لم أجده أيضا وقال عمر رضي الله عنه المدح هو ~~الذبح وذلك لأن المذبوح هو الذي يفتر عن العمل والمدح يوجب الفتور أو لأن ~~المدح يورث العجب والكبر وهما مهلكان كالذبح لذلك شبهه به فإن سلم المدح من ~~هذه الآفات في حق المادح والممدوح لم يكن به بأس بل ربما كان مندوبا إليه ~~ولذلك أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابة فقال لو وزن إيمان ~~أبي بكر بإيمان العالم لرجح + حديث لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين ~~لرجح تقدم في العلم وقال في عمر لو لم أبعث لبعثت PageV03P160 يا عمر + ~~حديث لو لم أبعث لبعثت يا عمر أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من ~~حديث أبي هريرة وهو منكر والمعروف من حديث عقبة بن عامر لو كان بعدي نبي ~~لكان عمر بن الخطاب رواه الترمذي وحسنه + # وأي ثناء يزيد على هذا ولكنه صلى الله عليه وسلم قال عن صدق وبصيرة ~~وكانوا رضي الله عنهم أجل رتبة من أن يورثهم ذلك كبرا وعجبا وفتورا بل مدح ~~الرجل نفسه قبيح لما فيه من الكبر والتفاخر إذا قال صلى الله عليه وسلم أنا ~~سيد ولد آدم ولا فخر + حديث أنا سيد ولد آدم ولا فخر أخرجه الترمذي وابن ~~ماجه من حديث أبي سيعد الخدري والحاكم من حديث جابر وقال صحيح الإسناد وله ~~من حديث عبادة بن الصامت أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر ولمسلم من حديث ~~أبي هريرة أنا سيد ولد آدم يوم القيامة + # أي لست أقول هذا تفاخرا كما يقصد الناس بالثناء على أنفسهم وذلك لأن ~~افتخاره صلى الله عليه وسلم كان بالله وبالقرب من الله لا بولد آدم وتقدمه ~~عليهم كما أن المقبول عند الملك قبولا عظيما إنما يفتخر بقبوله إياه وبه ~~يفرح لا بتقدمه على بعض رعاياه وبتفصيل هذه الآفات تقدر على الجمع بين ذم ~~المدح وبين الحث عليه قال صلى الله عليه وسلم وجبت + حديث وجبت قاله لما ~~أثنوا على بعض الموتى متفق عليه من حديث أنس + # لما أثنوا على بعض الموتى وقال مجاهد إن لبني آدم جلساء من الملائكة فإذا ~~ذكر الرجل المسلم أخاه المسلم بخير قالت الملائكة ولك بمثله وإذا ذكره بسوء ~~قالت الملائكة يا ابن آدم المستور عورتك أربع على نفسك واحمد الله الذي ستر ~~عورتك فهذه آفات المدح # | بيان ما على الممدوح # اعلم أن على الممدوح أن يكون شديد الاحتراز عن آفة الكبر والعجب وآفة ~~الفتور ولا ينجو منه إلا بأن يعرف نفسه ويتأمل ما في خطر الخاتمة ودقائق ~~الرياء وآفات الأعمال فإنه يعرف من نفسه ما لا يعرفه المادح ولو انكشف له ~~جميع أسراره وما يجري على خواطره لكف المادح عن مدحه وعليه أن يظهر كراهة ~~المدح بإذلال المادح # قال صلى الله عليه وسلم احثوا التراب في وجوه المادحين + حديث احثوا في ~~وجوه المداحين التراب أخرجه مسلم من حديث المقداد + # وقال سفيان بن عيينة لا يضر المدح من عرف نفسه وأثني على رجل من الصالحين ~~فقال اللهم إن هؤلاء لا يعرفوني وأنت تعرفني وقال آخر لما أثني عليه اللهم ~~إن عبدك هذا تقرب إلي بمقتك وأنا أشهدك على مقته وقال علي رضي الله عنه لما ~~أثني عليه اللهم اغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا ~~مما يظنون وأثنى رجل على عمر رضي الله عنه فقال أتهلكني وتهلك نفسك وأثنى ~~رجل على علي كرم الله وجهه في وجهه وكان قد بلغه أنه يقع فيه فقال أنا دون ~~ما قلت وفوق ما في نفسك الآفة التاسعة عشر # الغفلة عن دقائق الخطأ في فحوى الكلام لا سيما فيما يتعلق بالله وصفاته ~~ويرتبط بأمور الدين فلا يقدر على تقويم اللفظ في أمور الدين إلا العلماء ~~الفصحاء فمن قصر في علم أو فصاحة لم يخل كلامه عن الزلل لكن الله تعالى ~~يعفو عنه لجهله # مثاله ما قال حذيفة قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يقل أحدكم ما شاء ~~الله وشئت ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت + حديث حذيفة لا يقل أحدكم ما شاء ~~الله وشئت الحديث أخرجه أبو داود والنسائي في الكبرى بسند صحيح + وذلك لأن ~~في العطف المطلق تشريكا وتسوية وهو على خلاف الاحترام وقال ابن عباس رضي ~~الله عنهما جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه في بعض الأمر ~~فقال ما شاء الله وشئت فقال PageV03P161 صلى الله عليه وسلم أجعلتني لله ~~عديلا بل ما شاء الله وحده + حديث ابن عباس جاء رجل إلى النبي صلى الله ~~عليه وسلم فكلمه في بعض الأمر فقال ما شاء الله وشئت فقال أجعلتني لله عدلا ~~قل ما شاء الله وحده أخرجه النسائي في الكبرى بإسناد حسن وابن ماجه + # وخطب رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من يطع الله ورسوله فقد ~~رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى + حديث خطب ~~رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن ~~يعصهما فقد غوى الحديث أخرجه مسلم من حديث عدي بن حاتم + # فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ومن يعصهما لأنه تسوية وجمع # وكان إبراهيم يكره أن يقول الرجل أعوذ بالله وبك ويجوز أن يقول أعوذ ~~بالله ثم بك وأن يقول لولا الله ثم فلان ولا يقول لولا الله وفلان وكره ~~بعضهم أن يقال اللهم أعتقنا من النار وكان يقول العتق يكون بعد الورود ~~وكانوا يستجيرون من النار ويتعوذون من النار وقال رجل اللهم اجعلني ممن ~~تصيبه شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فقال حذيفة إن الله يغني المؤمنين عن ~~شفاعة محمد وتكون شفاعته للمذنبين من المسلمين وقال إبراهيم إذا قال الرجل ~~للرجل يا حمار يا خنزير قيل له يوم القيامة حمارا رأيتني خلقته خنزيرا ~~رأيتني خلقته وعن ابن عباس رضي الله عنهما إن أحدكم ليشرك حتى يشرك بكلبه ~~فيقول لولاه لسرقنا الليلة وقال عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف ~~بالله أو ليصمت + حديث عمر إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم متفق عليه + # قال عمر رضي الله عنه فوالله ما حلفت بها منذ سمعتها وقال صلى الله عليه ~~وسلم لا تسموا العنب كرما إنما الكرم الرجل المسلم + حديث لا تسموا العنب ~~الكرم إنما الكرم الرجل المسلم متفق عليه من حديث أبي هريرة + # وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقولن أحدكم عبدي ~~ولا أمتي كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله وليقل غلامي وجاريتي وفتاي ~~وفتاتي ولا يقول المملوك ربي ولا ربتي وليقل سيدي وسيدتي فكلكم عبيد الله ~~والرب الله سبحانه وتعالى وقال صلى الله عليه وسلم لا تقولوا للفاسق سيدنا ~~فإنه إن يكن سيدكم فقد أسخطتم ربكم + حديث لا تقولوا للمنافق سيدنا الحديث ~~أخرجه أبو داود من حديث بريدة بسند صحيح + # وقال صلى الله عليه وسلم من قال أنا بريء من الإسلام فإن كان صادقا فهو ~~كما قال وإن كان كاذبا فلن يرجع إلى الإسلام سالما + حديث من قال أنا بريء ~~من الإسلام فإن كان صادقا فهو كما قال الحديث أخرجه النسائي وابن ماجه من ~~حديث بريدة بإسناد صحيح + # فهذا وأمثاله مما يدخل في الكلام ولا يمكن حصره # ومن تأمل جميع ما أوردنا من آفات اللسان علم أنه إذا أطلق لسانه لم يسلم ~~وعند ذلك يعرف سر قوله صلى الله عليه وسلم من صمت نجا + حديث من صمت نجا ~~أخرجه الترمذي وقد تقدم في أول آفات اللسان + # لأن هذه الآفات كلها مهالك ومعاطب وهي على طريق المتكلم فإن سكت سلم من ~~الكل وإن نطق وتكلم خاطر بنفسه إلا أن يوافقه لسان فصيح وعلم غزير وورع ~~حافظ ومراقبة لازمة ويقلل من الكلام فعساه يسلم عند ذلك وهو مع جميع ذلك لا ~~ينفك عن الخطر فإن كنت لا تقدر على أن تكون ممن تكلم فغنم فكن ممن سكت فسلم ~~فالسلامة إحدى الغنيمتين الآفة العشرون # سؤال العوام عن صفات الله تعالى وعن كلامه وعن الحروف وأنها قديمة أو ~~محدثة ومن حقهم الاشتغال بالعمل بما في القرآن إلا أن ذلك ثقيل على النفوس ~~والفضول خفيف على القلب والعامي يفرح بالخوض في العلم إذ الشيطان يخيل إليه ~~أنك من العلماء وأهل الفضل ولا يزال يحبب إليه ذلك حتى يتكلم في العلم بما ~~هو كفر وهو PageV03P162 لا يدري وكل كبيرة يرتكبها العامي فهي أسلم له من ~~أن يتكلم في العلم لا سيما فيما يتعلق بالله وصفاته وإنما شأن العوام ~~الاشتغال بالعبادات والإيمان بما ورد به القرآن والتسليم لما جاء به الرسل ~~من غير بحث وسؤالهم عن غير ما يتعلق بالعبادات وسوء أدب منهم يستحقون به ~~المقت من الله عز وجل ويتعرضون لخطر الكفر وهو كسؤال ساسة الدواب عن أسرار ~~الملوك وهو موجب للعقوبة وكل من سأل عن علم غامض ولم يبلغ فهمه تلك الدرجة ~~فهو مذموم فإنه بالإضافة إليه عامي ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ذروني ما ~~تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ما ~~نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم + حديث ذروني ما ~~تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة ~~+ # وقال أنس سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأكثروا عليه ~~وأغضبوه فصعد المنبر وقال سلوني لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به فقام ~~إليه رجل فقال يا رسول الله من أبي فقال أبوك حذافة فقام إليه شابان أخوان ~~فقالا يا رسول الله من أبونا فقال أبوكما الذي تدعيان إليه ثم قام إليه رجل ~~آخر فقال يا رسول الله أفي الجنة أنا أم في النار فقال لا بل في النار فلما ~~رأى الناس غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسكوا فقام إليه عمر رضي الله ~~عنه فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ~~فقال اجلس يا عمر رحمك الله إنك ما علمت لموفق + حديث سأل الناس رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم يوما حتى أكثروا عليه وأغضبوه فصعد المنبر فقال سلوني ~~فلا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به الحديث متفق عليه مقتصرا على سؤال عبد ~~الله بن حذافة وقول عمر ولمسلم من حديث أبي موسى فقام آخر فقال من أبي فقال ~~أبوك سالم مولى شيبة + # وفي الحديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيل والقال وإضاعة ~~المال وكثرة السؤال + حديث النهي عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال ~~متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة # وقال صلى الله عليه وسلم يوشك الناس يتساءلون بينهم حتى يقولوا قد خلق ~~الله الخلق فمن خلق الله فإذا قالوا ذلك فقولوا قل هو الله أحد الله الصمد ~~حتى تختم السورة ثم ليتفل أحدكم عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان ~~الرجيم + حديث يوشك الناس يتساءلون بينهم حتى يقولوا قد خلق الله الخلق ~~الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد تقدم + # وقال جابر ما نزلت آية المتلاعنين إلا لكثرة السؤال + حديث جابر ما نزلت ~~آية التلاعن إلا لكثرة السؤال رواه البزار بإسناد جيد + # وفي قصة موسى والخضر عليهما السلام تنبيه على المنع من السؤال قبل أوان ~~استحقاقه إذ قال @QB@ فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ~~@QE@ فلما سأل عن السفينة أنكر عليه حتى اعتذر وقال @QB@ لا تؤاخذني بما ~~نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا @QE@ فلم يصبر حتى سأل ثلاثا قال @QB@ هذا ~~فراق بيني وبينك @QE@ وفارقه # فسؤال العوام عن غوامض الدين من أعظم الآفات وهو من المثيرات للفتن فيجب ~~قمعهم ومنعهم من ذلك وخوضهم في حروف القرآن يضاهي حال من كتب الملك إليه ~~كتابا ورسم له فيه أمورا فلم يشتغل بشيء منها وضيع زمانه في أن قرطاس ~~الكتاب عتيق أم حديث فاستحق بذلك العقوبة لا محالة فكذلك تضييع العامي حدود ~~القرآن واشتغاله بحروفه أهي قديمة أم حديثة وكذلك سائر صفات الله سبحانه ~~وتعالى والله تعالى أعلم PageV03P163 # | كتاب ذم الغضب والحقد والحسد # وهو الكتاب الخامس من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين # بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي له يتكل على عفوه ورحمته إلا ~~الراجون ولا يحذر سوء غضبه وسطوته إلا الخائفون الذي استدرج عباده من حديث ~~لا يعلمون وسلط عليهم الشهوات وأمرهم بترك ما يشتهون وابتلاهم بالغضب ~~وكلفهم كظم الغيظ فيما يغضبون ثم حفهم بالمكاره واللذات وأملى لهم لينظر ~~كيف يعملون وامتحن بهم حبهم ليعلم صدقهم فيما يدعون وعرفهم أنه لا يخفى ~~عليه شيء مما يسرون وما يعلنون وحذرهم أن يأخذهم بغتة وهم لا يشعرون فقال ~~@QB@ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا ~~إلى أهلهم يرجعون @QE@ والصلاة والسلام على محمد رسوله الذي يسير تحت لوائه ~~النبيون وعلى آله وأصحابه الأئمة المهديين والسادة المرضيين صلاة يوازي ~~عددها عدد ما كان من خلق الله وما سيكون ويحظى ببركتها الأولون والآخرون ~~وسلم تسليما كثيرا # أما بعد فإن الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة التي تطلع على ~~الأفئدة وإنها لمستكنة في طي الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد ويستخرجه ~~الكبر الدفين في قلب كل جبار عنيد كاستخراج الحجر النار من الحديد وقد ~~انكشف للناظرين بنور اليقين أن الإنسان ينزع منه عرق إلى الشيطان اللعين ~~فمن استفزته نار الغضب فقد قويت فيه قرابة الشيطان حيث قال @QB@ خلقتني من ~~نار وخلقته من طين @QE@ فإن شأن الطين السكون والوقار وشأن النار التلظي ~~والاستعار والحركة والاضطراب ومن نتائج الغضب الحقد والحسد وبهما هلك من ~~هلك وفسد من فسد ومفيضهما مضغة إذا صلحت صلح معها سائر الجسد وإذا كان ~~الحقد والحسد والغضب مما يسوق العبد إلى مواطن العطب فما أحوجه إلى معرفة ~~معاطبه ومساويه ليحذر ذلك ويتقيه ويميطه عن القلب إن كان وينفيه ويعالجه إن ~~رسخ في قلبه ويداويه فإن من لا يعرف الشر يقع فيه ومن عرفه فالمعرفة لا ~~تكفيه ما لم يعرف الطريق الذي به يدفع الشر ويقصيه # ونحن نذكر ذم الغضب وآفات الحقد والحسد في هذا الكتاب ويجمعها # | بيان ذم الغضب # ثم بيان حقيقة الغضب ثم بيان أن الغضب هل يمكن إزالة أصله بالرياضة أم لا ~~ثم بيان الأسباب المهيجة للغضب ثم بيان علاج الغضب بعد هيجانه ثم بيان ~~فضيلة كظم الغيظ ثم بيان فضيلة الحلم ثم بيان القدر الذي يجوز الانتصار ~~والتشفي به من الكلام ثم القول في معنى الحقد ونتائجه وفضيلة العفو والرفق ~~ثم القول في ذم الحسد وفي حقيقته وأسبابه ومعالجته وغاية الواجب في إزالته ~~ثم بيان السبب في كثرة الحسد بين الأمثال والأقران والأخوة وبني العم ~~والأقارب وتأكده وقلته في غيرهم وضعفه ثم بيان الدواء الذي به ينفي مرض ~~الحسد عن القلب ثم بيان القدر الواجب في نفي الحسد عن القلب وبالله التوفيق ~~بيان ذم الغضب # قال الله تعالى @QB@ إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ~~فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى @QE@ PageV03P164 @QB@ المؤمنين @QE@ ~~الآية ذم الكفار بما تظاهروا به من الحمية الصادرة عن الغضب بالباطل ومدح ~~المؤمنين بما أنزل الله عليهم من السكينة وروى أبو هريرة أن رجلا قال يا ~~رسول الله مرني بعمل وأقلل قال لا تغضب ثم أعاد عليه فقال لا تغضب + حديث ~~أبي هريرة إن رجلا قال يا رسول الله مرني بعمل وأقلل قال لا تغضب ثم أعاد ~~عليه فقال لا تغضب رواه البخاري + # وقال ابن عمر قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قل لي قولا وأقلله لعلي ~~أعقله فقال لا تغضب فأعدت عليه مرتين كل ذلك يرجع إلى لا تغضب + حديث ابن ~~عمر قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قل لي قولا وأقلل الحديث أخرج نحوه ~~أبو يعلى بإسناد حسن + # وعن عبد الله بن عمرو أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينقذني ~~من غضب الله قال لا تغضب + حديث عبد الله بن عمرو سأل رجل رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ما يبعدني من غضب الله قال لا تغضب أخرجه الطبراني في مكارم ~~الأخلاق وابن عبد البر في التمهيد بإسناد حسن وهو عند أحمد وأن عبد الله بن ~~عمرو هو السائل + # وقال ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم ما تعدون الصرعة فيكم قلنا ~~الذي لا تصرعه الرجال قال ليس ذلك ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب + حديث ~~ابن مسعود ما تعدون الصرعة الحديث رواه مسلم + # وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالصرعة وإنما ~~الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب + حديث أبي هريرة ليس الشديد بالصرعة ~~الحديث متفق عليه + # وقال ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم من كف غضبه ستر الله عورته + ~~حديث ابن عمر من كف غضبه ستر الله عورته أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب ~~العفو وذم الغضب وفي الصمت وتقدم في آفات اللسان + # وقال سليمان ابن داود عليهما السلام يا بني إياك وكثرة الغضب فإن كثرة ~~الغضب تستخف فؤاد الرجل الحليم وعن عكرمة في قوله تعالى @QB@ وسيدا وحصورا ~~@QE@ قال السيد الذي لا يغلبه الغضب وقال أبو الدرداء قلت يا رسول الله ~~دلني على عمل يدخلني الجنة قال لا تغضب + حديث أبي الدرداء دلني على عمل ~~يدخلني الجنة قال لا تغضب أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير ~~والأوسط بإسناد حسن + # وقال يحيى لعيسى عليهما السلام لا تغضب قال لا أستطيع أن لا أغضب إنما ~~أنا بشر قال لا تقتن مالا قال هذا عسى # وقال صلى الله عليه وسلم الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل + حديث ~~الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل أخرجه الطبراني في الكبير ~~والبيهقي في الشعب ومن رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم ما غضب أحد إلا أشفى على جهنم + حديث ما غضب أحد ~~إلا أشفى على جهنم أخرجه البزار وابن عدي من حديث ابن عباس للنار باب لا ~~يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية الله وإسناده ضعيف وتقدم في آفات اللسان + # وقال له رجل أي شيء أشد على الله قال @QB@ غضب الله @QE@ قال فما يبعدني ~~عن غضب الله قال لا تغضب + حديث قال رجل أي شيء أشد علي قال @QB@ غضب الله ~~@QE@ قال فما يبعدني من غضب الله قال لا تغضب أخرجه أحمد من حديث عبد الله ~~بن عمرو بالشطر الأخير منه وقد تقدم قبله بست أحاديث + # الآثار قال الحسن يا ابن آدم كلما غضبت وثبت ويوشك أن تثب وثبة فتقع في ~~النار وعن ذي القرنين أنه لقي ملكا من الملائكة فقال علمني علما ازداد به ~~إيمانا ويقينا قال لا تغضب فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب ~~فرد الغضب بالكظم وسكنه بالتؤدة وإياك والعجلة فإنك إذا عجلت أخطأت حظك وكن ~~سهلا لينا للقريب والبعيد ولا تكن جبارا عنيدا وعن وهب بن منبه أن راهبا ~~كان في صومعته فأراد الشيطان أن يضله فلم يستطع فجاءه حتى ناداه فقال له ~~افتح فلم يجبه فقال افتح فإني إن ذهبت ندمت فلم يلتفت إليه فقال إني أنا ~~المسيح قال الراهب وإن كنت المسيح فما أصنع بك أليس قد أمرتنا بالعبادة ~~والاجتهاد ووعدتنا القيامة فلو جئتنا اليوم بغيره لم نقبله منك فقال إني ~~الشيطان وقد أردت أن أضلك فلم أستطع فجئتك لتسألني PageV03P165 عما شئت ~~فأخبرك فقال ما أريد أن أسألك عن شيء قال فولى مدبرا فقال الراهب ألا تسمع ~~قال بلى قال أخبرني أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم فقال الحدة إن الرجل ~~إذا كان حديدا قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة # وقال خيثمة الشيطان يقول كيف يغلبني ابن آدم وإذا رضي جئت حتى أكون في ~~قلبه وإذا غضب طرت حتى أكون في رأسه وقال جعفر بن محمد الغضب مفتاح كل شر ~~وقال بعض الأنصار رأس الحمق الحدة وقائده الغضب ومن رضي بالجهل استغنى عن ~~الحلم والحلم زين ومنفعة والجهل شين ومضرة والسكوت عن جواب الأحمق جوابه ~~وقال مجاهد قال إبليس ما أعجزني بنو آدم فلن يعجزوني في ثلاث إذا سكر أحدهم ~~أخذنا بخزامته فقدناه حيث شئنا وعمل لنا بما أحببنا وإذا غضب قال بما لا ~~يعلم وعمل بما يندم ونبخله بما في يديه ونمنيه بما لا يقدر عليه وقيل لحكيم ~~ما أملك فلانا لنفسه قال إذا لا تذله الشهوة ولا يصرعه الهوى ولا يغلبه ~~الغضب وقال بعضهم إياك والغضب فإنه يصيرك إلى ذلة الاعتذار وقيل اتقوا ~~الغضب فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل وقال عبد الله بن مسعود ~~انظروا إلى حلم الرجل عند غضبه وأمانته عند طمعه وما علمك بحلمه إذا لم ~~يغضب وما علمك بأمانته إذا لم يطمع وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله أن لا ~~تعاقب عند غضبك وإذا غضبت على رجل فأحبسه فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على ~~قدر ذنبه ولا تجاوز به خمسة عشر سوطا # وقال علي بن زيد أغلظ رجل من قريش لعمر بن عبد العزيز القول فأطرق عمر ~~زمانا طويلا ثم قال أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ~~ما تناله مني غدا وقال بعضهم لابنه يا بني لا يثبت العقل عند الغضب كما لا ~~تثبت روح الحي في التنانير المسجورة فأقل الناس غضبا أعقلهم فإن كان للدنيا ~~كان دهاء ومكرا وإن كان للآخرة كان حلما وعلما فقد قيل الغضب عدو العقل ~~والغضب غول العقل # وكان عمر رضي الله عنه إذا خطب قال في خطبته أفلح منكم من حفظ من الطمع ~~والهوى والغضب وقال بعضهم من أطاع شهوته وغضبه قاداه إلى النار وقال الحسن ~~من علامات المسلم قوة في دين وحزم في لين وإيمان في يقين وعلم في حلم وكيس ~~في رفق وإعطاء في حق وقصد في غنى وتجمل في فاقة وإحسان في قدرة وتحمل في ~~رفاقة وصبر في شدة لا يغلبه الغضب ولا تجمح به الحمية ولا تغلبه شهوة ولا ~~تفضحه بطنه ولا يستخفه حرصه ولا تقصر به نيته فينصر المظلوم ويرحم الضعيف ~~ولا يبخل ولا يبذر ولا يسرف ولا يقتر يغفر إذا ظلم ويعفو عن الجاهل نفسه ~~منه في عناء والناس منه في رخاء # وقيل لعبد الله بن المبارك أجمل لنا حسن الخلق في كلمة # فقال اترك الغضب # وقال نبي من الأنبياء لمن تبعه من يتكفل لي أن لا يغضب فيكون معي في ~~درجتي ويكون بعدي خليفتي فقال شاب من القوم أنا ثم أعاد عليه فقال الشاب ~~أنا أوفي به فلما مات كان في منزلته بعده وهو ذو الكفل سمي به لأنه تكفل ~~بالغضب ووفي به # وقال وهب بن منبه للكفر أربعة أركان الغضب والشهوة والخرق والطمع # | بيان حقيقة الغضب # اعلم أن الله تعالى لما خلق الحيوان معرضا للفساد والموتان بأسباب في ~~داخل بدنه وأسباب خارجة عنه أنعم عليه بما يحميه عن الفساد ويدفع عنه ~~الهلاك إلى أجل معلوم سماه في كتابه # أما السبب الداخلي فهو أنه ركبه من الحرارة والرطوبة وجعل بين الحرارة ~~والرطوبة عداوة ومضادة فلا تزال الحرارة تحلل الرطوبة وتجففها وتبخرها حتى ~~تصير أجزاؤها بخارا يتصاعد منها فلو لم يصل بالرطوبة مدد من الغذاء يجبر ما ~~انحل وتبخر من أجزائها لفسد الحيوان فخلق الله الغذاء الموافق لبدن الحيوان ~~وخلق في PageV03P166 الحيوان شهوة تبعثه على تناول الغذاء كالموكل به في ~~جبر ما انكسر وسد ما انثلم ليكون ذلك حافظا له من الهلاك بهذا السبب # وأما الأسباب الخارجة التي يتعرض لها الإنسان فكالسيف والسنان وسائر ~~المهلكات التي يقصد بها فافتقر إلى قوة وحمية تثور من باطنه فتدفع المهلكات ~~عنه فخلق الله طبيعة الغضب من النار وغرزها في الإنسان وعجنها بطينته فمهما ~~صد عن غرض من أغراضه ومقصود من مقاصده اشتعلت نار الغضب وثارت ثورانا يغلي ~~به دم القلب وينتشر في العروق ويرتفع إلى أعالي البدن كما ترتفع النار وكما ~~يرتفع الماء الذي يغلي في القدر فلذلك ينصب إلى الوجه فيحمر الوجه والعين ~~والبشرة لصفائها تحكى لون ما وراءها من حمرة الدم كما تحكي الزجاجة لون ما ~~فيها وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه فإن صدر ~~الغضب على من فوقه وكان معه يأس من الانتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر ~~الجلد إلى جوف القلب وصار حزنا ولذلك يصفر اللون وإن كان الغضب على نظير ~~يشك فيه تردد الدم بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ويضطرب # وبالجملة فقوة الغضب محلها القلب ومعناها غليان دم القلب بطلب الانتقام ~~وإنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع المؤذيات قبل وقوعها وإلى ~~التشفي والانتقام بعد وقوعها والانتقام قوت هذه القوة وشهوتها وفيه لذتها ~~ولا تسكن إلا به ثم إن الناس في هذه القوة على درجات ثلاث في أول الفطرة من ~~التفريط والإفراط والاعتدال # أما التفريط فبفقد هذه القوة أو ضعفها وذلك مذموم وهو الذي يقال فيه إنه ~~لا حمية له ولذلك قال الشافعي رحمه الله من استغضب فلم يغضب فهو حمار فمن ~~فقد قوة الغضب والحمية أصلا فهو ناقص جدا وقد وصف الله سبحانه أصحاب النبي ~~صلى الله عليه وسلم بالشدة والحمية فقال @QB@ أشداء على الكفار رحماء بينهم ~~@QE@ وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم @QB@ جاهد الكفار والمنافقين واغلظ ~~عليهم @QE@ الآية وإنما الغلظة والشدة من آثار قوة الحمية وهو الغضب # وأما الإفراط فهو أن تغلب هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين ~~وطاعته ولا يبقى للمرء معها بصيرة ونظر وفكرة ولا اختيار بل يصير في صورة ~~المضطر # وسبب غلبته أمور غريزية وأمور اعتيادية فرب إنسان هو بالفطرة مستعد لسرعة ~~الغضب حتى كأن صورته في الفطرة صورة غضبان ويعين على ذلك حرارة مزاج القلب ~~لأن الغضب من النار + حديث الغضب من النار أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد ~~بسند ضعيف الغضب جمرة في قلب ابن آدم ولأبي داود من حديث عطية السعدي إن ~~الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار + # كما قال صلى الله عليه وسلم وإنما برودة المزاج تطفئه وتكسر سورته # وأما الأسباب الاعتيادية فهو أن يخالط قوما يتبجحون بتشفي الغيظ وطاعة ~~الغضب ويسمون ذلك شجاعة ورجولية فيقول الواحد منهم أنا الذي لا أصبر على ~~المكر والمحال ولا أحتمل من أحد أمرا ومعناه لا عقل في ولا حلم ثم يذكره في ~~معرض الفخر بجهله فمن سمعه رسخ في نفسه حسن الغضب وحب التشبه بالقوم فيقوى ~~به الغضب ومهما اشتدت نار الغضب وقوى اضطرامها أعمت صاحبها وأصمته عن كل ~~موعظة فإذا وعظ لم يسمع بل زاده ذلك غضبا وإذا استضاء بنور عقله وراجع نفسه ~~لم يقدر إذ ينطفيء نور العقل وينمحي في الحال بدخان الغضب فإن معدن الفكر ~~الدماغ ويتصاعد عند شدة الغضب من غليان دم القلب دخان مظلم إلى الدماغ ~~يستولي على معادن الفكر وربما يتعدى إلى معادن الحس فتظلم عينه حتى لا يرى ~~بعينه وتسود عليه الدنيا بأسرها ويكون دماغه على مثال كهف اضطرمت فيه نار ~~فاسود جوه وحمى مستقره وامتلأ بالدخان جوانيه وكان فيه سراج ضعيف فانمحى أو ~~انطفأ نوره فلا تثبت فيه قدم ولا يسمع فيه كلام ولا ترى فيه صورة ولا يقدر ~~على إطفائه لا من داخل ولا من خارج بل ينبغي PageV03P167 أن يصبر إلى أن ~~يحترق جميع ما يقبل الاحتراق فكذلك يفعل الغضب بالقلب والدماغ وربما تقوى ~~نار الغضب فتفني الرطوبة التي بها حياة القلب فيموت صاحبه غيظا كما تقوى ~~النار في الكهف فينشق وتنهد أعاليه على أسفله وذلك لإبطال النار ما في ~~جوانبه من القوة الممسكة الجامعة لأجزائه فهكذا حال القلب عند الغضب ~~وبالحقيقة فالسفينة في ملتطم الأمواج عند اضطراب الرياح في لجة البحر أحسن ~~حالا وأرجى سلامة من النفس المضطربه غيظا إذ في السفينة من يحتال لتسكينها ~~وتدبيرها وينظر لها ويسوسها وأما القلب فهو صاحب السفينة وقد سقطت حيلته ~~إذا أعماه الغضب وأصمه ومن آثار هذا الغضب في الظاهر تغير اللون وشدة ~~الرعدة في الأطراف وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام واضطراب الحركة ~~والكلام حتى يظهر الزبد على الأشداق وتحمر الأحداق وتنقلب المناخر وتستحيل ~~الخلقة ولو رأى الغضبان في حالة غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح ~~صورته واستحالة خلقته وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره فإن الظاهر عنوان ~~الباطن وإنما قبحت صورة الباطن أولا ثم انتشر قبحها إلى الظاهر ثانيا فتغير ~~الظاهر ثمرة تغير الباطن فقس الثمرة بالمثمرة فهذا أثره في الجسد وأما أثره ~~في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش من الكلام الذي يستحي منه ذو العقل ~~ويستحي منه قائله عند فتور الغضب وذلك مع تخبط النظم واضطراب اللفظ # أما أثره على الأعضاء فالضرب والتهجم والتمزيق والقتل والجرح عند التمكن ~~من غير مبالاة فإن هرب منه المغضوب عليه أو فاته بسبب وعجز عن التشفي رجع ~~الغضب على صاحبه فمزق ثوب نفسه ويلطم نفسه وقد يضرب بيده على الأرض ويعدو ~~عدو الواله السكران والمدهوش المتحير وربما يسقط سريعا لا يطيق العدو ~~والنهوض بسبب شدة الغضب ويعتر به مثل الغشية وربما يضرب الجمادات ~~والحيوانات فيضرب القصعة مثلا على الأرض وقد يكسر المائدة إذا غضب عليها ~~ويتعاطى أفعال المجانين فيشتم البهيمة والجمادات ويخاطبها ويقول إلى متى ~~منك هذا يا كيت وكيت كأنه يخاطب عاقلا حتى ربما رفسته دابة فيرفس الدابة ~~ويقابلها بذلك # وأما أثره في القلب مع المغضوب عليه فالحقد والحسد وإضمار السوء والشماتة ~~بالمساءات والحزن بالسرور والعزم على إفشاء السر وهتك الستر والاستهزاء ~~وغير ذلك من القبائح فهذه ثمرة الغضب المفرط # وأما ثمرة الحمية الضعيفة فقلة الأنفة مما يؤنف منه من التعرض للحرم ~~والزوجة والأمة واحتمال الذل من الأخساء وصغر النفس والقماءة وهو أيضا ~~مذموم إذ من ثمراته عدم الغيرة على الحرام وهو خنوثة قال صلى الله عليه ~~وسلم إن سعدا لغيور وأنا أغير من سعد وإن الله أغير مني + حديث إن سعدا ~~لغيور الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وهو متفق عليه من حديث المغيرة ~~بنحوه وتقدم في النكاح + # وإنما خلقت الغيرة لحفظ الأنساب ولو تسامح الناس بذلك لاختلطت الأنساب ~~ولذلك قيل كل أمة وضعت الغيرة في رجالها وضعت الصيانة في نسائها ومن ضعف ~~الغضب الخور والسكوت عند مشاهدة المنكرات وقد قال صلى الله عليه وسلم خير ~~أمتي أحداؤها + حديث خير أمتي أحداؤها أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي ~~في الشعب من حديث علي بسند ضعيف وزاد الذين إذا غضبوا رجعوا + # يعني في الدين وقال تعالى @QB@ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله @QE@ بل ~~من فقد الغضب عجز عن رياضة نفسه إذ لا تتم الرياضة إلا بتسليط الغضب على ~~الشهوة حتى يغضب على نفسه عند الميل إلى الشهوات الخسيسة ففقد الغضب مذموم ~~وإنما المحمود غضب ينتظر إشارة العقل والدين فينبعث حيث تجب الحمية وينطفيء ~~حيث يحسن الحلم وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله بها ~~عباده وهو الوسط الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم PageV03P168 حيث ~~قال خير الأمور أوساطها + حديث خير الأمور أوسطها أخرجه البيهقي في الشعب ~~مرسلا وقد تقدم + # فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه بضعف الغيرة وخسة النفس في ~~احتمال الذل والضيم في غير محله فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه ومن ~~مال غضبه إلى الإفراط حتى جره إلى التهور واقتحام الفواحش فينبغي أن يعالج ~~نفسه لينقص من سورة الغضب ويقف على الوسط الحق بين الطرفين فهو الصراط ~~المستقيم وهو أرق من الشعرة وأحد من السيف فإن عجز عنه فليطلب القرب منه ~~قال تعالى @QB@ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل ~~الميل فتذروها كالمعلقة @QE@ فليس كل من عجز عن الإتيان بالخير كله ينبغي ~~أن يأتي بالشر كله ولكن بعض الشر أهون من بعض وبعض الخير أرفع من بعض فهذه ~~حقيقة الغضب ودرجاته نسأله الله حسن التوفيق لما يرضيه إنه على ما يشاء ~~قدير # | بيان الغضب هل يمكن إزالة أصله بالرياضة أم لا # أعلم أنه ظن ظانون أنه يتصور محو الغضب بالكلية وزعموا أن الرياضة إليه ~~تتوجه وإياه تقصد وظن أخرون أنه أصل لا يقبل العلاج وهذا رأي من يظن أن ~~الخلق كالخلق وكلاهما لا يقبل التغيير وكلا الرأيين ضعيف بل الحق فيه ما ~~نذكره وهو أنه ما بقي الإنسان يحب شيئا ويكره شيئا فلا يخلو من الغيظ ~~والغضب وما دام يوافقه شيء ويخالفه آخر فلا بد من أن يحب ما يوافقه ويكره ~~ما يخالفه # والغضب يتبع ذلك فإنه مهما أخذ منه محبوبه غضب لا محالة وإذا قصد بمكروه ~~غضب لا محالة # إلا أن ما يحبه الإنسان ينقسم إلى ثلاثة أقسام # الأول ما هو ضرورة في حق الكافة كالقوت والمسكن والملبس وصحة البدن فمن ~~قصد بدنه بالضرب والجرح فلا بد وأن يغضب وكذلك إذا أخذ منه ثوبه الذي يستر ~~عورته وكذلك إذا أخرج من داره التي هي مسكنة أو أريق ماؤه الذي لعطشه فهذه ~~ضرورات لا يخلو الإنسان من كراهة زوالها ومن غيظ على من يتعرض لها # القسم الثاني ما ليس ضروريا لأحد من الخلق كالجاه والمال الكثير والغلمان ~~والدواب فإن هذه الأمور صارت محبوبة بالعادة والجهل بمقاصد الأمور حتى صار ~~الذهب والفضة محبوبين في أنفسهما فيكنزان ويغضب على من يسرقهما وإن كان ~~مستغنيا عنهما في القوت فهذا الجنس مما يتصور أن ينفك الإنسان عن أصل الغيظ ~~عليه فإذا كانت له دار زائدة على مسكنه فهدمه ظالم فيجوز أن لا يغضب إذ ~~يجوز أن يكون بصيرا بأمر الدنيا فيزهد في الزيادة على الحاجة فلا يغضب ~~بأخذها فإنه لا يحب وجودها ولو أحب وجودها لغضب على الضرورة بأخذها وأكثر ~~غضب الناس على ما هو غير ضروري كالجاه والصيت والتصدر في المجالس والمباهاة ~~في العلم فمن غلب هذا الحب عليه فلا محالة يغضب إذا زاحمه مزاحم على التصدر ~~في المحافل ومن لا يحب ذلك فلا يبالي ولو جلس في صف النعال فلا يغضب إذا ~~جلس غيره فوقه وهذه العادات الرديئة هي التي أكثرت محاب الإنسان ومكارهه ~~فأكثرت غضبه وكلما كانت الإرادات والشهوات أكثر كان صاحبها أحط رتبة وأنقص ~~لأن الحاجة صفة نقص فمهما كثرة كثر النقص والجاهل أبدا جهده في أن يزيد في ~~حاجاته وفي شهواته وهو لا يدري أنه مستكثر من أسباب الغم والحزم حتى ينتي ~~بعض الجهال بالعادات الرديئة ومخالطة قرناء السوء إلى أن يغضب لو قيل له ~~إنك لا تحسن اللعب بالطيور واللعب بالشطرنج ولا تقدر على شرب الخمر الكثير ~~وتناول الطعام الكثير وما يجري مجراه من الرذائل فالغضب على هذا الجنس ليس ~~بضروري لأن حبه ليس بضروري PageV03P169 # القسم الثالث ما يكون ضروريا في حق بعض الناس دون البعض كالكتاب مثلا في ~~حق العالم لأنه مضطر إليه فيحبه فيغضب على من يحرقه ويغرقه وكذلك أدوات ~~الصناعات في حق المكتسب الذي لا يمكنه التوصل إلى القوت إلا بها فإنما هو ~~وسيلة إلى الضروري والمحبوب يصير ضروريا ومحبوبا وهذا يختلف بالأشخاص وإنما ~~الحب الضروري ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله من أصبح ~~آمنا في سربه معافى في بدنه وله قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ~~+ حديث من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له ~~الدنيا بحذافيرها أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عبيد الله بن محصن دون ~~قوله بحذافيرها قال الترمذي حسن + # ومن كان بصيرا بحقائق الأمور وسلم له هذه الثلاثة يتصور أن لا يغضب في ~~غيرها فهذه ثلاثة أقسام فلنذكر غاية الرياضة في كل واحد منها # أما القسم الأول فليست الرياضة فيها لينعدم غيظ القلب ولكن لكي يقدر على ~~أن لا يطيع الغضب ولا يستعمله في الظاهر إلا على حد يستحبه الشرع ويستحسنه ~~العقل وذلك ممكن بالمجاهدة وتكلف الحلم والاحتمال مدة حتى يصير الحلم ~~والاحتمال خلقا راسخا فأما قمع أصل الغيظ من القلب فذلك ليس مقتضى الطبع ~~وهو غير ممكن نعم يمكن كسر سورته وتضعيفه حتى لا يشتد هيجان الغيظ في ~~الباطن وينتهي ضعفه إلى أن لا يظهر أثره في الوجه ولكن ذلك شديد جدا وهذا ~~حكم القسم الثالث أيضا لأن ما صار ضروريا في حق شخص فلا يمنعه من الغيظ ~~استغناء غيره عنه فالرياضة فيه تمنع العمل به وتضعف هيجانه في الباطن حتى ~~لا يشتد التألم بالصبر عليه # وأما القسم الثاني فيمكن التوصل بالرياضة إلى الانفكاك عن الغضب عليه إذ ~~يمكن إخراج حبه من القلب وذلك بأن يعلم الإنسان أن وطنه القبر مستقره ~~الآخرة وأن الدنيا معبر يعبر عليها ويتزود منها قدر الضرورة وما وراء ذلك ~~عليه وبال في وطنه ومستقره فيزهد في الدنيا ويمحو حبها عن قلبه ولو كان ~~للإنسان كلب لا يحبه لا يغضب إذا ضربه غيره فالغضب تبع للحب فالرياضة في ~~هذا تنتهي إلى قمع أصل الغضب وهو نادر جدا وقد تنتهي إلى المنع من استعمال ~~الغضب والعمل بموجبه وهو أهون # فإن قلت الضروري من القسم الأول التألم بفوات المحتاج إليه دون الغضب فمن ~~له شاة مثلا وهي قوته فماتت لا يغضب على أحد وإن كان يحصل فيه كراهة وليس ~~من ضرورة كل كراهة غضب فإن الإنسان يتألم بالفصد والحجامة ولا يغضب على ~~الفصاد والحجام فمن غلب عليه التوحيد حتى يرى الأشياء كلها بيد الله ومنه ~~فلا يغضب على أحد من خلقه إذ يراهم مسخرين في قبضة قدرته كالقلم في يد ~~الكاتب ومن وقع ملك بضرب رقبته لم يغضب على القلم فلا يغضب على من يذبح ~~شاته التي هي قوته كما لا يغضب على موتها إذ يرى الذبح والموت من الله عز ~~وجل فيندفع الغضب بغلبة التوحيد ويندفع أيضا بحسن الظن بالله وهو أن يرى أن ~~الكل من الله تعالى وأن الله لا يقدر له إلا ما فيه الخيرة وربما تكون ~~الخيرة في مرضه وجوعه وجرحه وقتله فلا يغضب كما لا يغضب على الفصاد والحجام ~~لأنه يرى أن الخيرة فيه فيقول هذا على هذا الوجه غير محال ولكن غلبة ~~التوحيد إلى هذا الحد إنما تكون كالبرق الخاطف تغلب في أحوال مختلفة ولا ~~تدوم ويرجع القلب إلى الالتفات إلى الوسائط رجوعا طبيعيا لا يندفع عنه ولو ~~تصور ذلك على الدوام لبشر لتصور لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان ~~يغضب حتى تحمر وجنتاه + حديث كان صلى الله عليه وسلم يغضب حتى تحمر وجنتاه ~~أخرجه مسلم من حديث جابر كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه ~~وللحاكم كان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه واشتد غضبه وقد تقدم في أخلاق ~~النبوة # حتى قال اللهم أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما مسلم سببته PageV03P170 ~~أو لعنته أو ضربته فاجعلها مني صلاة عليه وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم ~~القيامة + حديث اللهم أنا بشر أغضب كما يغضب البشر الحديث أخرجه مسلم من ~~حديث أبي هريرة دون قوله أغضب كما يغضب البشر وقال جلدته بدل ضربته وفي ~~رواية اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وأصله متفق عليه وتقدم ~~ولمسلم من حديث أنس إنما أنا بشرا أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب ~~البشر ولأبي يعلى من حديث أبي سعيد أو ضربته + # وقال عبد الله بن عمرو بن العاص يا رسول الله أكتب عنك كل ما قلت في ~~الغضب والرضا فقال اكتب فوالذي بعثني بالحق نبيا ما يخرج منه إلا حق وأشار ~~إلى لسانه + حديث عبد الله بن عمرو يا رسول الله أكتب عنك كل ما قلت في ~~الغضب والرضا قال اكتب فوالذي بعثني بالحق ما يخرج منه إلا حق وأشار إلى ~~لسانه أخرجه أبو داود بنحوه + # فلم يقل إني لا أغضب ولكن قال إن الغضب لا يخرجني عن الحق أي لا أعمل ~~بموجب الغضب وغضبت عائشة رضي الله تعالى عنها مرة فقال لها رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم مالك جاءك شيطانك فقالت ومالك شيطان قال بلى ولكني دعوت ~~الله فأعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بالخير + حديث غضبت عائشة فقال ~~النبي صلى الله عليه وسلم مالك جاءك شيطانك الحديث أخرجه مسلم من حديث ~~عائشة + # ولم يقل لا شيطان لي وأراد شيطان الغضب لكن قال لا يحملني على الشر وقال ~~علي رضي الله تعالى عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب للدنيا ~~فإذا أغضبه الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له + حديث علي ~~كان لا يغضب للدنيا الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل وقد تقدم + # فكان يغضب على الحق وإن كان غضبه لله فهو التفات إلى الوسائط على الجملة ~~بل كل من يغضب على من يأخذ ضرورة قوته وحاجته التي لا بد له في دينه منها ~~فإنما غضب لله فلا يمكن الانفكاك عنه نعم قد يفقد أصل الغضب فيما هو ضروري ~~إذا كان القلب مشغولا بضروري أهم منه فلا يكون في القلب متسع للغضب ~~لاشتغاله بغيره فإن استغراق القلب ببعض المهمات يمنع الإحساس بما عداه # وهذا كما أن سلمان لما شتم قال إن خفت موازيني فأنا شر مما تقول وإن ثقلت ~~موازيني لم يضرني ما تقول فقد كان همه مصروفا إلى الآخرة فلم يتأثر قلبه ~~بالشتم وكذلك شتم الربيع بن خثيم فقال يا هذا قد سمع الله كلامك وإن دون ~~الجنة عقبة إن قطعتها لم يضرني ما تقول وإن لم أقطعها فأنا شر مما تقول وسب ~~رجل أبا بكر رضي الله عنه فقال ما ستر الله عنك أكثر فكأنه كان مشغولا ~~بالنظر في تقصير نفسه عن أن يتقي الله حق تقاته ويعرفه حق معرفته فلم يغضبه ~~نسبة غيره إياه إلى نقصان إذ كان ينظر إلى نفسه بعين النقصان وذلك لجلالة ~~قدره # وقالت امرأة لمالك بن دينار يا مرائي فقال ما عرفني غيرك فكأنه كان ~~مشغولا بأن ينفي عن نفسه آفة الرياء ومنكرا على نفسه ما يلقيه الشيطان إليه ~~فلم يغضب لما نسب إليه وسب رجل الشعبي فقال إن كنت صادقا فغفر الله لي وإن ~~كنت كاذبا فغفر الله لك # فهذه الأقاويل دالة في الظاهر على أنهم لم يغضبوا لاشتغال قلوبهم بمهمات ~~دينهم ويحتمل أن يكون ذلك قد أثر في قلوبهم ولكنهم لم يشتغلوا به واشتغلوا ~~بما كان هو الأغلب على قلوبهم فإذا اشتغال القلب ببعض المهمات لا يبعد أن ~~يمنع هيجان الغضب عند فوات بعض المحاب فإذا يتصور فقد الغيظ إما باشتغال ~~القلب بمهم أو بغلبة نظر التوحيد أو بسبب ثالث وهو أن يعلم أن الله يحب منه ~~أن لا يغتاظ فيطفئ شدة حبه لله غيظه وذلك غير محال في أحوال نادرة وقد عرفت ~~بهذا أن الطريق للخلاص من نار الغضب محو حب الدنيا عن القلب وذلك بمعرفة ~~آفات الدنيا وغوائلها كما سيأتي في كتاب ذم الدنيا ومن أخرج حب المزايا عن ~~القلب تخلص من أكثر PageV03P171 أسباب الغضب وما لا يمكن محوه يمكن كسره ~~وتضعيفه فيضعف الغضب بسببه ويهون دفعه نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه ~~إنه على كل شيء قدير والحمد لله وحده # | بيان الأسباب المهيجة للغضب # قد عرفت أن علاج كل علة حسم مادتها وإزالة أسبابها فلا بد من معرفة أسباب ~~الغضب وقد قال يحيى لعيسى عليهما السلام أي شيء أشد قال غضب الله قال فما ~~يقرب من غضب الله قال أن تغضب قال فما بيدي الغضب وما ينبته قال عيسى الكبر ~~والفخر والتعزز والحمية # والأسباب المهيجة للغضب هي الزهو والعجب والمزاح والهزل والهزء والتعيير ~~والمماراة والمضادة والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه وهي بأجمعها ~~أخلاق رديئة مذمومة شرعا ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب فلا بد من ~~إزالة هذه الأسباب بأضدادها # فينبغي أن تميت الزهو بالتواضع وتميت العجب بمعرفتك بنفسك كما سيأتي ~~بيانه في كتاب الكبر والعجب وتزيل الفخر بأنك من جنس عبدك إذ الناس يجمعهم ~~في الانتساب أب واحد وإنما اختلفوا في الفضل أشتاتا فبنو آدم جنس واحد ~~وإنما الفخر بالفضائل والفخر والعجب والكبر أكبر الرذائل وهي أصلها ورأسها ~~فإذا لم تخل عنها فلا فضل لك على غيرك فلم تفتخر وأنت من جنس عبدك من حيث ~~البنية والنسب والأعضاء الظاهرة والباطنة وأما المزاح فتزيله بالتشاغل ~~بالمهمات الدينية التي تستوعب العمر وتفضل عنه إذا عرفت ذلك وأما الهزل ~~فتزيله بالجد في طلب الفضائل والأخلاق الحسنة والعلوم الدينية التي تبلغك ~~إلى سعادة الآخرة وأما الهزء فتزيله بالتكرم عن إيذاء الناس وبصيانة النفس ~~عن أن يستهزأ بك وأما التعيير فالحذر عن القول القبيح وصيانة النفس عن مر ~~الجواب وأما شدة الحرص على مزايا العيش فتزال بالقناعة بقدر الضرورة طلبا ~~لعز الاستغناء وترفعا عن ذل الحاجة # وكل خلق من هذه الأخلاق وصفه من هذه الصفات يفتقر في علاجه إلى رياضة ~~وتحمل مشقة وحاصل رياضتها يرجع إلى معرفة غوائلها لترغب النفس عنها وتنفر ~~عن قبحها ثم المواظبة على مباشرة أضدادها مدة مديدة حتى تصير بالعادة ~~مألوفة هينة على النفس فإذا انمحت عن النفس فقد زكت وتطهرت عن هذه الرذائل ~~وتخلصت أيضا عن الغضب الذي يتولد منها # ومن أشد البواعث على الغضب عند أكثر الجهال تسميتهم الغضب شجاعة ورجولية ~~وعزة نفس وكبر همة وتلقيبه بالألقاب المحمودة غباوة وجهلا حتى تميل النفس ~~إليه وتستحسنه وقد يتأكد ذلك بحكاية شدة الغضب عن الأكابر في معرض المدح ~~بالشجاعة والنفوس مائلة إلى التشبه بالأكابر فيهيج الغضب إلى القلب بسببه ~~وتسمية هذا عزة نفس وشجاعة جهل بل هو مرض قلب ونقصان عقل وهو لضعف النفس ~~ونقصانها وآية أنه لضعف النفس أن المريض أسرع غضبا من الصحيح والمرأة أسرع ~~غضبا من الرجل والصبي أسرع غضبا من الرجل الكبير والشيخ الضعيف أسرع غضبا ~~من الكهل وذو الخلق السيء والرذائل القبيحة أسرع غضبا من صاحب الفضائل # فالرذل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة ولبخله إذا فاتته الحبة حتى أنه ~~يغضب على أهله وولده وأصحابه # بل القوي من يملك نفسه عند الغضب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب + حديث ليس ~~الشديد بالصرعة تقدم قبله + بل ينبغي أن يعالج هذا الجاهل بأن تتلي عليه ~~PageV03P172 حكايات أهل الحلم والعفو وما استحسن منهم من كظم الغيظ فإن ذلك ~~منقول عن الأنبياء والأولياء والحكماء والعلماء وأكابر الملوك الفضلاء وضد ~~ذلك منقول عن الأكراد والأتراك والجهلة والأغبياء الذين لا عقول لهم ولا ~~فضل فيهم # | بيان علاج الغضب بعد هيجانه # ما ذكرناه هو حسم لمواد الغضب وقطع لأسبابه حتى لا يهيج فإذا جرى سبب ~~هيجه فعنده يجب التثبت حتى لا يضطر صاحبه إلى العمل به على الوجه المذموم ~~وإنما يعالج الغضب عند هيجانه بمعجون العلم والعمل # أما العلم فهو ستة أمور # الأول أن يتفكر في الأخبار التي سنوردها في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم ~~والاحتمال فيرغب في ثوابه فتمنعه شدة الحرص على ثواب الكظم عن التشفي ~~والانتقام وينطفيء عنه غيظه قال مالك بن أوس ابن الحدثان غضب عمر على رجل ~~وأمر بضربه فقلت يا أمير المؤمنين @QB@ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن ~~الجاهلين @QE@ فكان عمر يقول @QB@ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ~~@QE@ فكان يتأمل في الآية وكان وقافا عند كتاب الله مهما تلي عليه كثير ~~التدبر فيه فتدبر فيه وخلى الرجل # وأمر عمر بن عبد العزيز بضرب رجل ثم قرأ قوله تعالى @QB@ والكاظمين الغيظ ~~@QE@ فقال لغلامه خل عنه # الثاني أن يخوف نفسه بعقاب الله وهو أن يقول قدرة الله علي أعظم من قدرتي ~~على هذا الإنسان فلو أمضيت غضبي عليه لم آمن أن يمضي الله غضبه علي يوم ~~القيامة أحوج ما أكون إلى العفو فقد قال تعالى في بعض الكتب القديمة يا ابن ~~آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق وبعث رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم وصيفا إلى حاجة فأبطأ عليه فلما جاء قال لولا القصاص ~~لأوجعتك + حديث لولا القصاص لأوجعتك أخرجه أبو يعلى من حديث أم سلمة بسند ~~ضعيف + # أي القصاص في القيامة وقيل ما كان في بني إسرائيل ملك إلا ومعه حكيم إذا ~~غضب أعطاه صحيفة فيها ارحم المسكين واخش الموت واذكر الآخرة فكان يقرؤها ~~حتى يسكن غضبه # الثالث أن يحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام وتشمر العدو لمقابلته ~~والسعي في هدم أغراضه والشماتة بمصائبه وهو لا يخلو عن المصائب فيخوف نفسه ~~بعواقب الغضب في الدنيا إن كان لا يخاف من الآخرة وهذا يرجع إلى تسليط شهوة ~~على غضب وليس هذا من أعمال الآخرة ولا ثواب عليه لأنه متردد على حظوظه ~~العاجلة يقدم بعضها على بعض إلا أن يكون محذوره أن تتشوش عليه في الدنيا ~~فراغته للعلم والعمل وما يعينه على الآخرة فيكون مثابا عليه # الرابع أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب بأن يتذكر صورة غيره في حالة ~~الغضب ويتفكر في قبح الغضب في نفسه ومشابهة صاحبه للكلب الضاري والسبع ~~العادي ومشابهة الحليم الهادي التارك للغضب للأنبياء والأولياء والعلماء ~~والحكماء ويخير نفسه بين أن يتشبه بالكلاب والسباع وأراذل الناس وبين أن ~~يتشبه بالعلماء والأنبياء في عادتهم لتميل نفسه إلى حب الاقتداء بهؤلاء إن ~~كان قد بقي معه مسكة من عقل # الخامس أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام ويمنعه من كظم الغيظ ~~ولا بد وأن يكون له سبب مثل قول الشيطان له إن هذا يحمل منك على العجز وصغر ~~النفس والذلة والمهانة وتصير حقيرا في أعين الناس فيقول لنفسه ما أعجبك ~~تأنفين من الاحتمال الآن ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ ~~هذا بيدك وانتقم PageV03P173 منك وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس ولا ~~تحذرين من أن تصغري عند الله والملائكة والنبيين فمهما كظم الغيظ فينبغي أن ~~يكظمه لله وذلك يعظمه عند الله فما له وللناس وذل من ظلمه يوم القيامة أشد ~~من ذله لو انتقم الآن أفلا يحب أن يكون هو القائم إذا نودي يوم القيامة ~~ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا فهذا وأمثاله من معارف الإيمان ~~ينبغي أن يكرره على قلبه # السادس أن يعلم أن غضبه من تعجبه من جريان الشيء على وفق مراد الله لا ~~على وفق مراده فكيف يقول مرادي أولى من مراد الله ويوشك أن يكون غضب الله ~~عليه أعظم من غضبه # وأما العمل فأن تقول بلسانك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أمر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم أن يقال عند الغيظ + حديث الأمر بالتعوذ بالله من ~~الشيطان الرجيم عند الغيظ متفق عليه من حديث سليمان بن صرد قال كنت جالسا ~~مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان فأحدهما أحمر وجهه وانتفخت ~~أوداجه الحديث وفيه لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد ~~فقالوا له إن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعوذ بالله من الشيطان الرجيم ~~الحديث # وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضبت عائشة أخذ بأنفها وقال يا ~~عويش قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من ~~مضلات الفتن + حديث كان إذا غضبت عائشة أخذ بأنفها وقال يا عويش قولي اللهم ~~رب النبي محمد اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي الحديث أخرجه ابن السني في ~~اليوم والليلة من حديثها وتقدم في الأذكار والدعوات # فيستحب أن تقول ذلك فإن لم يزل بذلك فاجلس إن كنت قائما واضجع إن كنت ~~جالسا وأقرب من الأرض التي منها خلقت لتعرف بذلك ذل نفسك واطلب بالجلوس ~~والاضجاع السكون فإن سبب الغضب الحرارة وسبب الحرارة الحركة # فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الغضب جمرة توقد في القلب + ~~حديث إن الغضب جمرة توقد فيالقلب الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد ~~دون قوله توقد في وقد تقدم ورواه بهذا اللفظ البيهقي في الشعب + # ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه فإذا وجد أحدكم من ذلك شيئا فإن ~~كان قائما فليجلس وإن كان جالسا فلينم فإن لم يزل ذلك فليتوضأ بالماء ~~البارد أو يغتسل فإن النار لا يطفئها إلا الماء فقد قال صلى الله عليه وسلم ~~إذا غضب أحدكم فليتوضأ بالماء فإنما الغضب من النار + حديث إذا غضب أحدكم ~~فليتوضأ بالماء البارد الحديث أخرجه أبو داود من حديث عطية السعدي دون قوله ~~بالماء البارد وهو بلفظ الرواية الثانية التي ذكرها المصنف وقد تقدم + # وفي رواية إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ ~~النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ وقال ابن عباس قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وإذا غضبت فاسكت + حديث ابن عباس إذا غضبت فاسكت أخرجه أحمد وابن ~~أبي الدنيا والطبراني واللفظ لهما والبيهقي في شعب الإيمان وفيه ليث بن أبي ~~سليم + # وقال أبو هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب وهو قائم جلس ~~وإذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غضبه + حديث أبي هريرة كان إذا غضب وهو قائم ~~جلس وإذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غضبه أخرجه ابن أبي الدنيا وفيه من لم ~~يسم ولأحمد بإسناد جيد في أثناء حديث فيه وكان أبو ذر قائما فجلس ثم اضطجع ~~فقيل له لم جلست ثم اضطجعت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ~~إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع والمرفوع ~~عند أبي داود وفيه عنده انقطاع سقط منه أبو الأسود + # وقال أبو سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وسلم ألا إن الغضب جمرة في ~~قلب ابن آدم + حديث أبي سعيد ألا إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم الحديث ~~أخرجه الترمذي وقال حسن + # ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن وجد من ذلك شيئا فليلصق خده ~~بالأرض وكأن هذا إشارة إلى السجود وتمكين أعز الأعضاء من أذل المواضع وهو ~~التراب لتستشعر به النفس الذل وتزايل به العزة والزهو الذي هو سبب الغضب ~~وروي أن عمر غضب يوما فدعا بماء فاستنشق وقال إن الغضب من الشيطان وهذا ~~يذهب الغضب وقال عروة PageV03P174 ابن محمد لما استعملت على اليمن قال لي ~~أبي أوليت قلت نعم قال فإذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك وإلى الأرض تحتك ثم ~~عظم خالقهما # وروي أن أبا ذر قال لرجل يا ابن الحمراء في خصومة بينهما فبلغ ذلك رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا ذر بلغني أنك اليوم عيرت أخاك بأمه ~~فقال نعم فانطلق أبو ذر ليرضي صاحبه فسبقه الرجل فسلم عليه فذكر ذلك لرسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا ذر ارفع رأسك فانظر ثم اعلم أنك لست ~~بأفضل من أحمر فيها ولا أسود إلا أن تفضله بعمل ثم قال إذا غضبت فإن كنت ~~قائما فاقعد وإن كنت قاعدا فاتكيء وإن كنت متكئا فاضطجع + حديث أبي ذر أنه ~~قال لرجل يا ابن الحمراء في خصومة بينهما فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه ~~وسلم الحديث وفيه فقال يا أبا ذر ارفع رأسك فانظر الحديث وفيه ثم قال إذا ~~غضبت إلى آخره أخرجه ابن أبي الدنيا في العفو وذم الغضب بإسناد صحيح وفي ~~الصحيحين من حديثه قال كان بيني وبين رجل من إخواني كلام وكانت أمه أعجمية ~~فعيرته بأمه فشاكني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا ذر إنك امرؤ ~~فيك جاهلية ولأحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال له انظر فإنك لست بخير من ~~أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى ورجاله ثقات + # وقال المعتمر بن سليمان كان رجل ممن كان قبلكم يغضب فيشتد غضبه فكتب ~~صحائف وأعطى كل صحيفة رجلا وقال للأول إذا غضبت فأعطني هذه وقال للثاني إذا ~~سكن بعض غضبي فأعطني هذه وقال للثالث إذا ذهب غضبي فأعطني هذه فاشتد غضبه ~~يوما فأعطي الصحيفة الأولى فإذا فيها ما أنت وهذا الغضب إنك لست بإله إنما ~~أنت بشر يوشك أن يأكل بعضك بعضا فسكن بعض غضبه فأعطي الثانية فإذا فيها ~~ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء فأعطي الثالثة فإذا فيها خذ الناس بحق ~~الله فإنه لا يصلهم إلا ذلك أي لا تعطل الحدود وغضب المهدي على رجل فقال ~~شبيب لا تغضب لله بأشد من غضبه لنفسه فقال خلوا سبيله فضيلة كظم الغيظ # قال الله تعالى @QB@ والكاظمين الغيظ @QE@ وذكر ذلك في معرض المدح وقال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم من كف غضبه كف الله عنه عذابه ومن اعتذر إلى ~~ربه قبل الله عذره ومن خزن لسانه ستر الله عورته + حديث من كف غضبه كفي ~~الله عنه عذابه الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان ~~واللفظ له من حديث أنس بإسناد ضعيف ولابن أبي الدنيا من حديث ابن عمر من ~~ملك غضبه وقاه الله عذابه الحديث وقد تقدم في آفات اللسان + # وقال صلى الله عليه وسلم أشدكم من غلب نفسه عند الغضب وأحلمكم من عفا عند ~~القدرة + حديث أشدكم من ملك نفسه عند الغضب وأحلمكم من عفا عند القدرة ~~أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث علي بسند ضعيف والبيهقي في الشعب بالشطر ~~الأول من رواية عبد الرحمن بن عجلان مرسلا بإسناد جيد وللبزار والطبراني في ~~مكارم الأخلاق واللفظ له من حديث أشدكم أملككم لنفسه عند الغضب وفيه عمران ~~القطان مختلف فيه + # وقال صلى الله عليه وسلم من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه لأمضاه ملأ الله ~~قلبه يوم القيامة رضا وفي رواية ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا + حديث من كظم ~~غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا وفي رواية أمنا ~~وإيمانا أخرجه ابن أبي الدنيا بالرواية الأولى من حديث ابن عمر وفيه سكين ~~بن أبي سراج تكلم فيه ابن حبان وأبو داود بالرواية الثانية من حديث رجل من ~~أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه ورواها ابن أبي الدنيا من ~~حديث أبي هريرة وفيه من لم يسم + # وقال ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جرع عبد جرعة أعظم ~~أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله تعالى + حديث ابن عمر ما جرع رجل ~~جرعة أعظم أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله أخرجه ابن ماجه + # وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم إن لجهنم بابا ~~PageV03P175 لا يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية الله تعالى + حديث ابن عباس ~~إن لجهنم بابا لا يدخل منه إلا من شفى غيظه بمعصية الله تقدم في آفات ~~اللسان + # وقال صلى الله عليه وسلم ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ ~~كظمها عبد وما كظمها عبد إلا ملأ الله قلبه إيمانا + حديث ما من جرعة أحب ~~إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها عبد وما كظمها عبد إلا ملأ الله قلبه ~~إيمانا أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس وفيه ضعف وبتلفق من حديث ابن ~~عمر وحديث الصحابي الذي لم يسم وقد تقدما + # وقال صلى الله عليه وسلم من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله ~~على رءوس الخلائق ويخيره من أي الحور شاء + حديث من كظم غيضا وهو قادر على ~~أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء تقدم في ~~آفات اللسان + # الآثار قال عمر رضي الله عنه من اتقى الله لم يشف غيظه ومن خاف الله لم ~~يفعل ما يشاء ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون وقال لقمان لابنه يا بني ~~لا تذهب ماء وجهك بالمسألة ولا تشف غيظك بفضيحتك وأعرف قدرك تنفعك معيشتك ~~وقال أيوب حلم ساعة يدفع شرا كثيرا # واجتمع سفيان الثوري وأبو خزيمة اليربوعي والفضيل بن عياض فتذاكروا الزهد ~~فأجمعوا على أن أفضل الأعمال الحلم عند الغضب والصبر عند الجزع # وقال رجل لعمر رضي الله عنه والله ما تقضي بالعدل ولا تعطي الجزل فغضب ~~عمر حتى عرف ذلك في وجهه فقال له رجل يا أمير المؤمنين ألا تسمع إلى الله ~~تعالى يقول @QB@ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين @QE@ فهذا من ~~الجاهلين فقال عمر صدقت فكأنما كانت نارا فأطفئت وقال محمد بن كعب ثلاث من ~~كن فيه استكمل الإيمان بالله إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل وإذا غضب لم ~~يخرجه غضبه عن الحق وإذا قدر لم يتناول ما ليس له وجاء رجل إلى سلمان فقال ~~يا عبد الله أوصني قال لا تغضب قال لا أقدر قال فإن غضبت فأمسك لسانك ويدك # | بيان فضيلة الحلم # اعلم أن الحلم أفضل من كظم الغيظ لأن كظم الغيظ عبارة عن التحلم أي تكلف ~~الحلم ولا يحتاج إلى كظم الغيظ إلا من هاج غيظه ويحتاج فيه إلى مجاهدة ~~شديدة ولكن إذا تعود ذلك مدة صار ذلك اعتيادا فلا يهيج الغيظ وإن هاج فلا ~~يكون في كظمه تعب وهو الحلم الطبيعي وهو دلالة كمال العقل واستيلائه ~~وانكسار قوة الغضب وخضوعها للعقل ولكن ابتداؤه التحلم وكظم الغيظ تكلفا # قال صلى الله عليه وسلم إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتخير ~~الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه + حديث إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ~~الحديث أخرجه الطبراني والدارقطني في العلل من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف ~~+ وأشار بهذا إلى أن اكتساب الحلم طريقة التحلم أولا وتكلفه كما أن اكتساب ~~العلم طريقة التعلم # وقال أبو هريرة # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلبوا العلم واطلبوا مع العلم السكينة ~~والحلم لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه ولا تكونوا من جبابرة العلماء ~~فيغلب جهلكم حلمكم + حديث أبي هريرة اطلبوا العلم واطلبوا مع العلم السكينة ~~والحلم الحديث أخرجه ابن السني في رياضة المتعلمين بسند ضعيف + # وأشار بهذا إلى أن التكبر والتجبر هو الذي يهيج الغضب ويمنع من الحلم ~~واللين # وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم أغنني بالعلم وزيني بالحلم ~~وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية + حديث كان من دعائه اللهم أغنني بالعلم ~~وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية لم أجد له أصلا + # وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم @QB@ ابتغوا @QE@ ~~PageV03P176 الرفعة عند الله قالوا وما هي يا رسول الله قال تصل من قطعك ~~وتعطي من حرمك وتحلم عمن جهل عليك + حديث ابتغوا الرفعة عند الله قالوا وما ~~هي قال تصل من قطعك الحديث أخرجه الحاكم والبيهقي وقد تقدم + # وقال صلى الله عليه وسلم خمس من سنن المرسلين الحياء والحلم والحجامة ~~والسواك والتعطر + حديث خمس من سنن المرسلين الحياء والحلم والحجامة ~~والسواك والتعطر أخرجه أبو بكر بن أبي عاصم في المثاني والآحاد والترمذي ~~الحكيم في نوادر الأصول من رواية مليح بن عبد الله الخطمي عن أبيه عن جده ~~وللترمذي وحسنه من حديث أبي أيوب أربع فأسقط الحلم والحجامة وزاد النكاح # وقال علي كرم الله وجهه قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الرجل المسلم ~~ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم وإنه ليكتب جبارا عنيدا ولا يملك إلا أهل ~~بيته + حديث علي إن الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم الحديث ~~أخرجه الطبراني في الأوسط بسند ضعيف + وقال أبو هريرة إن رجلا قال يا رسول ~~الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي ويجهلون علي ~~واحلم عنهم قال إن كان كما تقول فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ~~ظهير ما دمت على ذلك + حديث أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله إن لي ~~قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي ويجهلون علي وأحلم عنهم ~~الحديث رواه مسلم + # المل يعني به الرمل # وقال رجل من المسلمين اللهم ليس عندي صدقة أتصدق بها فأيما رجل أصاب من ~~عرضي شيئا فهو عليه صدقة فأوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ~~إني قد غفرت له + حديث قال رجل من المسلمين اللهم ليس عندي صدقة أتصدق بها ~~فأيما رجل أصاب من عرضي شيئا فهو صدقة عليه الحديث أخرجه أبو نعيم في ~~الصحابة والبيهقي في الشعب من رواية عبد المجيد بن أبي عبس بن جبر عن أبيه ~~عن جده بإسناد لين زاد البيهقي عن علية بن زيد وعلية هو الذي قال ذلك كما ~~في أثناء الحديث وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أنه رواه ابن عيينة عن ~~عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا من المسلمين ولم يسمه وقال ~~أظنه أبا ضمضم قلت وليس بأبي ضمضم إنما هو علية بن زيد وأبو ضمضم ليس له ~~صحبة وإنما هو متقدم + # وقال صلى الله عليه وسلم أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم قالوا وما أبو ~~ضمضم قال رجل ممن كان قبلكم كان إذا أصبح يقول اللهم إني تصدقت اليوم بعرضي ~~على من ظلمني + حديث أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم الحديث تقدم في آفات ~~اللسان + # وقيل في قوله تعالى ربانيين أي حلماء علماء وعن الحسن في قوله تعالى وإذا ~~خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما قال حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا وقال عطاء ~~بن أبي رباح يمشون على الأرض هونا أي حلماء وقال ابن أبي حبيب في قوله عز ~~وجل وكهلا قاله الكهل منتهى الحلم وقال مجاهد وإذا مروا باللغو مروا كراما ~~أي إذا أوذوا صفحوا # وروي أن ابن مسعود مر بلغو معرضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح ~~ابن مسعود وأمسى كريما + حديث أن ابن مسعود مر بلغو معرضا فقال النبي صلى ~~الله عليه وسلم أصبح ابن مسعود وأمسى كريما أخرجه ابن المبارك في البر ~~والصلة + ثم تلا إبراهيم بن ميسرة وهو الراوي قوله تعالى وإذا مروا باللغو ~~مروا كراما وقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم لا يدركني ولا أدركه زمان ~~لا يتبعون فيه العليم ولا يستحيون فيه من الحليم قلوبهم قلوب العجم ~~وألسنتهم ألسنة العرب + حديث اللهم لا يدركني ولا أدركه زمان لا يتعبون فيه ~~العليم ولا يستحيون فيه من الحليم الحديث أخرجه أحمد من حديث سهل بن سعد ~~بسند ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم ليليني منكم ذوو الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم ~~ثم الذين يلونهم ولا تختلفوا فتخلف قلوبكم وإياكم وهيشات الأسواق + حديث ~~ليليني منكم أولو الأحلام والنهى الحديث أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود دون ~~قوله ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم فهي عند أبي داود والترمذي وحسنه وهي عند ~~مسلم في حديث آخر لابن مسعود + # وروي أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم الأشج فأناخ راحلته ثم عقلها ~~وطرح عنه ثوبين كانا عليه وأخرج من العيبة ثوبين حسنين فلبسهما وذلك بعين ~~رسول الله PageV03P177 صلى الله عليه وسلم يرى ما يصنع ثم أقبل يمشي إلى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام إن فيك يا أشج خلقين يحبهما ~~الله ورسوله قال ما هما بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال الحلم والأناة فقال ~~خلتان تخلقتهما أو خلقان جبلت عليهما فقال بل خلقان جبلك الله عليهما فقال ~~الحمد الله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله + حديث يا أشج إن فيك ~~خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة الحديث متفق عليه + # وقال صلى الله عليه وسلم إن الله يحب الحليم الحي الغني المتعفف أبا ~~العيال التقي ويبغض الفاحش البذي السائل الملحف الغبي + حديث إن الله يحب ~~الحيي الحليم الغني المتعفف الحديث أخرجه الطبراني من حديث سعد إن الله يحب ~~العبد التقي الغني الحفي + # وقال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث من لم تكن فيه واحدة ~~منهن فلا تعتدوا بشيء من عمله تقوى تحجزه عن معاصي الله عز وجل وحلم يكف به ~~السفيه وخلق يعيش به في الناس + حديث ابن عباس ثلاث من لم تكن فيه واحدة ~~منهن فلا تعتدوا بشيء من عمله أخرجه أبو نعيم في كتاب الإيجاز بإسناد ضعيف ~~والطبراني من حديث أم سلمة بإسناد لين وقد تقدم في آداب الصحبة + # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة ~~نادى مناد أين أهل الفضل فيقوم ناس وهم يسير فينطلقون سراعا إلى الجنة ~~فتتلقاهم الملائكة فتقولون لهم إنا نراكم سراعا إلى الجنة فيقولون نحن أهل ~~الفضل فيقولون لهم ما كان فضلكم فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا وإذا أسيء ~~إلينا عفونا وإذ جهل علينا حلمنا فيقال لهم ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين ~~+ حديث إذا جمع الخلائق نادى مناد أين أهل الفضل فيقوم ناس الحديث وفيه إذا ~~جهل علينا حلمنا أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من رواية عمرو بن شعيب عن ~~أبيه عن جده قال البيهقي في إسناده ضعف # الآثار قال عمر رضي الله عنه تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم ~~وقال علي رضي الله عنه ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكن الخير أن يكثر ~~علمك ويعظم حلمك وأن لا تباهي الناس بعبادة الله وإذا أحسنت حمدت الله ~~تعالى وإذا أسأت استغفرت الله تعالى وقال الحسن اطلبوا العلم وزينوه ~~بالوقار والحلم وقال أكثم بن صيفي دعامة العقل الحلم وجماع الأمر الصبر ~~وقال أبو الدرداء أدركت الناس ورقا لا شوك فيه فأصبحوا شوكا لا ورق فيه إن ~~عرفتهم نقدوك وإن تركتهم لم يتركوك قالوا كيف نصنع قال تقرضهم عن عرضك ليوم ~~فقرك وقال علي رضي الله عنه إن أول ما عوض الحليم من حلمه أن الناس كلهم ~~أعوانه على الجاهل وقال معاوية رحمه الله تعالى لا يبلغ العبد مبلغ الرأي ~~حتى يغلب حلمه جهله وصبره شهوته ولا يبلغ ذلك إلا بقوة العلم وقال معاوية ~~لعمرو بن الأهتم أي الرجال أشجع قال من رد جهله بحلمه قال أي الرجال أسخى ~~قال من بذل دنياه لصلاح دينه وقال أنس بن مالك في قوله تعالى @QB@ فإذا ~~الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم @QE@ إلى قوله @QB@ عظيم @QE@ هو ~~الرجل يشتمه أخوه فيقول إن كنت كاذبا فغفر الله لك وإن كنت صادقا فغفر الله ~~لي وقال بعضهم شتمت فلانا من أهل البصرة فحلم علي فاستعبدني بها زمانا وقال ~~معاوية لعرابة بن أوس بم سدت قومك يا عرابة قال يا أمير المؤمنين كنت أحلم ~~عن جاهلهم وأعطي سائلهم وأسعى في حوائجهم فمن فعل فعلي فهو مثلي ومن جاوزني ~~فهو أفضل مني ومن قصر عني فأنا خير منه وسب رجل ابن عباس رضي الله عنهما ~~فلما فرغ قال يا عكرمة هل للرجل حاجة فنقضيها فنكس الرجل رأسه واستحى وقال ~~رجل لعمر بن عبد العزيز أشهد أنك من الفاسقين فقال ليس تقبل شهادتك وعن علي ~~بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أنه سبه رجل فرمى إليه بخميصة كانت عليه ~~وأمر له بألف درهم فقال بعضهم جمع له خمس خصال محمودة الحلم وإسقاط الأذى ~~وتخليص الرجل مما يبعد من الله عز وجل وحمله على الندم والتوبة ورجوعه إلى ~~مدح بعد الذم اشترى جميع ذلك بشيء من الدنيا يسير وقال رجل لجعفر بن محمد ~~PageV03P178 إنه قد وقع بيني وبين قوم منازعة في أمر وإني أريد أن أتركه ~~فأخشى أن يقال لي إن تركك له ذل فقال جعفر إنما الذليل الظالم وقال الخليل ~~بن أحمد كان يقال من أساء فأحسن إليه فقد جعل له حاجز من قلبه يردعه عن مثل ~~إساءته وقال الأحنف بن قيس لست بحليم ولكنني أتحلم وقال وهب بن منبه من ~~يرحم يرحم ومن يصمت يسلم ومن يجهل يغلب ومن يعجل يخطيء ومن يحرص على الشر ~~لا يسلم ومن لا يدع المراء يشتم ومن لا يكره الشر يأثم ومن يكره الشر يعصم ~~ومن يتبع وصية الله يحفظ ومن يحذر الله يأمن ومن يتول الله يمنع ومن لا ~~يسأل الله يفتقر ومن يأمن مكر الله يخذل ومن يستعن بالله يظفر وقال رجل ~~لمالك بن دينار بلغني أنك ذكرتني بسوء قال أنت إذن أكرم علي من نفسي إني ~~إذا فعلت ذلك أهديت لك حسناتي وقال بعض العلماء الحلم أرفع من العقل لأن ~~الله تعالى تسمى به وقال رجل لبعض الحكماء والله لأسبنك سبا يدخل معك في ~~قبرك فقال معك يدخل لا معي ومر المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام بقوم ~~من اليهود فقالوا له شرا فقال لهم خيرا فقيل له إنهم يقولون شرا وأنت تقول ~~خيرا فقال كل ينفق مما عنده وقال لقمان ثلاثة لا يعرفون إلا عند ثلاث لا ~~يعرف الحليم إلا عند الغضب ولا الشجاع إلا عند الحرب ولا الأخ إلى عند ~~الحاجة إليه ودخل على بعض الحكماء صديق له فقدم إليه طعاما فخرجت امرأة ~~الحكيم وكانت سيئة الخلق فرفعت المائدة وأقبلت على شتم الحكيم فخرج الصديق ~~مغضبا فتبعه الحكيم وقال له تذكر يوم كنا في منزلك نطعم فسقطت دجاجة على ~~المائدة فأفسدت ما عليها فلم يغضب أحد منا قال نعم قال فاحسب أن هذه مثل ~~تلك الدجاجة فسري عن الرجل غضبه وانصرف وقال صدق الحكيم الحلم شفاء من كل ~~ألم وضرب رجل قدم حكيم فأوجعه فلم يغضب فقيل له في ذلك فقال أقمته مقام حجر ~~تعثرت به فذبحت الغضب وقال محمود الوراق # سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب % وإن كثرت منه على الجرائم # وما الناس إلا واحد من ثلاثة % شريف ومشروف ومثلي مقاوم # فأما الذي فوقي فأعرف قدره % وأتبع فيه الحق والحق لازم # وأما الذي دوني فإن قال صنت عن % إجابته عرضي وإن لام لائم # وأما الذي مثل فإن زل أو هفا % تفضلت إن الفضل بالحلم حاكم # | بيان القدر الذي يجوز الانتصار والتشفي به من الكلام # اعلم أن كل ظلم صدر من شخص فلا يجوز مقابلته بمثله فلا تجوز مقابلة ~~الغيبة بالغيبة ولا مقابلة التجسس بالتجسس ولا السب بالسب وكذلك سائر ~~المعاصي وإنما القصاص والغرامة على قدر ما ورد الشرع به وقد فصلناه في ~~الفقه وأما السب فلا يقال بمثله إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ~~امرؤ عيرك بما فيك فلا تعيره بما فيه + حديث إن امرؤ عيرك بما فيك فلا ~~تعيره بما فيه أخرجه أحمد من حديث جابر بن مسلم وقد تقدم + # وقال المستبان ما قالا فهو على الباديء ما لم يعتد المظلوم وقال المستبان ~~شيطانان يتهاتران + حديث المستبان شيطانان يتهاتران تقدم + # وشتم رجل أبا بكر الصديق رضي الله عنه وهو ساكت فلما ابتدأ ينتصر منه قام ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر إنك كنت ساكتا لما شتمني فلما ~~تكلمت قمت قال لأن الملك كان يجيب عنك فلما تكلمت ذهب الملك وجاء الشيطان ~~فلم أكن لأجلس في مجلس فيه الشيطان + حديث شتم رجل أبا بكر رضي الله عنه ~~وهو ساكت فلما ابتدأ ينتصر منه قام صلى الله عليه وسلم الحديث أخرجه أبو ~~داود من حديث أبي هريرة متصلا ومرسلا قال البخاري المرسل أصح + # وقال قوم تجوز المقابلة بما لا كذب فيه وإنما نهى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم PageV03P179 عن مقابلة التعيير بمثله نهي تنزيه والأفضل تركه ~~ولكنه لا يعصي به والذي يرخص فيه أن تقول من أنت وهل أنت إلا من بني فلان ~~كما قال سعد لابن مسعود وهل أنت إلا من بني هذيل وقال ابن مسعود وهل أنت ~~إلا من بني أمية ومثل قوله يا أحمق قال مطرف كل الناس أحمق فيما بينه وبين ~~ربه إلا أن بعض الناس أقل حماقة من بعض # وقال ابن عمر من حديث طويل حتى ترى الناس كلهم حمقى في ذات الله تعالى + ~~حديث ابن عمر في حديث طويل حتى ترى الناس كأنهم حمقى في ذات الله عز وجل ~~تقدم في العلم # وكذلك قوله يا جاهل إذ ما من أحد إلا وفيه جهل فقد آذاه بما ليس بكذب ~~وكذلك قوله يا سيء الخلق يا صفيق الوجه يا ثلايا للإعراض وكان ذلك فيه ~~وكذلك قوله لو كان فيك حياء لما تكلمت وما أحقرك في عيني بما فعلت وأخزاك ~~الله وانتقم منك # فأما النميمة والغيبة والكذب وسب الوالدين فحرام بالاتفاق لما روي أنه ~~كان بين خالد بن الوليد وسعد كلام فذكر رجل خالدا عند سعد فقال سعد مه إن ~~ما بيننا لم يبلغ ديننا يعني أن يأثم بعضنا في بعض فلم يسمع السوء فكيف ~~يجوز له أن يقوله # والدليل على جواز ما ليس بكذب ولا حرام كالنسبة إلى الزنا والفحش والسب ~~ما روت عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن إليه ~~فاطمة فجاءت فقالت يا رسول الله أرسلني إليك أزواجك يسألنك العدل في ابنة ~~أبي قحافة والنبي صلى الله عليه وسلم نائم فقال يا بنية أتحبين ما أحب قالت ~~نعم قال فأحبي هذه فرجعت إليهن فأخبرتهن بذلك فقلن ما أغنيت عنا شيئا ~~فأرسلن زينب بنت جحش قالت وهي التي كانت تساميني في الحب فجاءت فقالت بنت ~~أبي بكر وبنت أبي بكر فما زالت تذكرني وأنا ساكتة أنتظر أن يأذن لي رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم في الجواب فأذن لي فسببتها حتى جف لساني فقال ~~النبي صلى الله عليه وسلم كلا إنها ابنة أبي بكر + حديث عائشة إن أزواج ~~النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن فاطمة فقالت يا رسول الله أرسلني أزواجك ~~يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة الحديث رواه مسلم + # يعني أنك لا تقاومينها في الكلام قط وقولها سببتها وليس المراد به الفحش ~~بل هو والجواب عن كلامها بالحق ومقابلتها بالصدق # وقال النبي صلى الله عليه وسلم المستبان ما قالا فعلى الباديء منهما حتى ~~يعتدي المظلوم + حديث المستبان ما قالا فعلى البادي الحديث رواه مسلم وقد ~~تقدم + فأثبت المظلوم انتصار إلى أن يعتدي فهذا القدر هو الذي أباحه هؤلاء ~~وهو رخصة في الإيذاء جزاء على إيذائه السابق ولا تبعد الرخصة في هذا القدر ~~ولكن الأفضل تركه فإنه يجره إلى ما وراءه ولا يمكنه الاقتصار على قدر الحق ~~فيه والسكوت عن أصل الجواب لعله أيسر من الشروع في الجواب والوقوف على حد ~~الشرع فيه ولكن من الناس من لا يقدر على ضبط نفسه في فورة الغضب ولكن يعود ~~سريعا ومنهم من يكف نفسه في الابتداء ولكن يحقد على الدوام والناس في الغضب ~~أربعة فبعضهم كالحلفاء سريع الوقود سريع الخمود وبعضهم كالغضا بطيء الوقود ~~بطيء الخمود وبعضهم بطئ الوقود سريع الخمود وهو الأحمد ما لم ينته إلى فتور ~~الحمية والغيرة وبعضهم سريع الوقود بطيء الخمود وهذا هو شرهم وفي الخبر ~~المؤمن سريع الغضب سريع الرضى فهذه بتلك + حديث المؤمن سريع الغضب سريع ~~الرضي تقدم + وقال الشافعي رحمه الله من استغضب فلم يغضب فهو حمار ومن ~~استرضى فلم يرض فهو شيطان وقد قال أبو سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى فمنهم بطيء الغضب سريع الفيء ~~ومنهم سريع الغضب سريع الفيء فتلك بتلك ومنهم سريع الغضب بطيء الفيء ألا ~~وإن خيرهم البطيء الغضب السريع الفيء وشرهم السريع الغضب البطيء الفيء + ~~حديث أبي سعيد الخدري ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات الحديث تقدم # ولما كان الغضب يهيج ويؤثر في كل إنسان وجب على السلطان أن لا يعاقب ~~PageV03P180 أحدا في حال غضبه لأنه ربما يتعدى الواجب ولأنه ربما يكون ~~متغيظا عليه فيكون متشفيا لغبظه ومريحا نفسه من ألم الغيظ فيكون صاحبه حظ ~~نفسه فينبغي أن يكون انتقامه وانتصاره لله تعالى لا لنفسه ورأى عمر رضي ~~الله عنه سكران فأراد أن يأخذه ويعزره فشتمه السكران فرجع عمر فقيل له يا ~~أمير المؤمنين لما شتمك تركته قال لأنه أغضبني ولو عزرته لكان ذلك لغضبي ~~لنفسي ولم أحب أن أضرب مسلما حمية لنفسي وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله ~~لرجل أغضبه لولا أنك أغضبتني لعاقبتك # | القول في معنى الحقد ونتائجه وفضيلة العفو والرفق # اعلم أن الغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التشفي في الحال رجع إلى الباطن ~~واحتقن فيه فصار حقدا ومعنى الحقد أن يلزم قلبه استثقاله والبغضة له ~~والنفار عنه وأن يدوم ذلك ويبقى وقد قال صلى الله عليه وسلم المؤمن ليس ~~بحقود + حديث المؤمن ليس بحقود تقدم في العلم + فالحقد ثمرة الغضب والحقد ~~يثمر ثمانية أمور الأول الحسد وهو أن يحملك الحقد على أن تتمنى زوال النعمة ~~عنه فتغثم بنعمة إن أصابها وتسر بمصيبة إن نزلت به وهذا من فعل المنافقين ~~وسيأتي ذمه إن شاء الله تعالى الثاني أن تزيد على إضمار الحسد في الباطن ~~فتشمت بما أصابه من البلاء الثالث أن تهجره وتصارمه وتنقطع عنه وإن طلبك ~~وأقبل عليك الرابع وهو دونه أن تعرض عنه استصغارا له الخامس أن تتكلم فيه ~~بما لا يحل من كذب وغيبة وإفشاء سر وهتك ستر وغيره السادس أن تحاكيه ~~استهزاء به وسخرية منه السابع إيذاؤه بالضرب وما يؤلم بدنه الثامن أن تمنعه ~~حقه من قضاء دين أو صلة رحم أو رد مظلمة وكل ذلك حرام # وأقل درجات الحقد أن تحترز من الآفات الثمانية المذكورة ولا تخرج بسبب ~~الحقد إلى ما تعصي الله به ولكن تستثقله في الباطن ولا تنهي قلبك عن بغضه ~~حتى تمتنع عما كنت تطوع به من البشاشة والرفق والعناية والقيام بحاجاته ~~والمجالسة معه على ذكر الله تعالى والمعاونة على المنفعة له أو بترك الدعاء ~~له والثناء عليه أو التحريض على بره ومواساته فهذا كله مما ينقص درجتك في ~~الدين ويحول بينك وبين فضل عظيم وثواب جزيل وإن كان لا يعرضك لعقاب الله # ولما حلف أبو بكر رضي الله عنه أن لا ينفق على مسطح وكان قريبه لكونه ~~تكلم في واقعة الإفك نزل قوله تعالى ولا يأتل أولوا الفضل منكم إلى قوله ~~ألا تحبون أن يغفر الله لكم فقال أبو بكر نعم نحب ذلك وعاد إلى الإنفاق ~~عليه + حديث لما حلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح نزل قوله تعالى ولا يأتل ~~أولوا الفضل منكم الآية متفق عليه من حديث عائشة + # والأولى أن يبقى على ما كان عليه فإن أمكنه أن يزيد في الإحسان مجاهدة في ~~للنفس وإرغاما للشيطان فذلك مقام الصديقين وهو من فضائل أعمال المقربين ~~فللمحقود ثلاثة أحوال عند القدرة أحدها أن يستوفي حقه الذي يستحقه من غير ~~زيادة أو نقصان وهو العدل الثاني أن يحسن إليه بالعفو والصلة وذلك هو الفضل ~~الثالث أن يظلمه بما لا يستحقه وذلك هو الجور وهو اختيار الأراذل والثاني ~~هو اختيار الصديقين والأول هو منتهى درجات الصالحين ولنذكر الآن فضيلة ~~العفو والإحسان PageV03P181 فضيلة العفو والإحسان # اعلم أن معنى العفو أن يستحق حقا فيسقطه ويبري عنه من قصاص أو غرامة وهو ~~غير الحلم وكظم الغيظ فلذلك أفردناه قال الله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف ~~وأعرض عن الجاهلين وقال الله تعالى وأن تعفوا أقرب للتقوى وقال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ثلاث والذي نفسي بيده لو كنت حلافا لحلفت عليهن ما نقص ~~مال من صدقة فتصدقوا ولا عفا رجل عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلا زاده ~~الله بها عزا يوم القيامة ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح الله ~~عليه باب فقر + حديث ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت حالفا لحلفت عليهن ما ~~نقصت صدقة من مال الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري ولمسلم ~~وأبي داود نحوه من حديث أبي هريرة وقال صلى الله عليه وسلم التواضع لا يزيد ~~العبد إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله والعفو لا يزيد العبد إلا عزا فاعفوا ~~يعزكم الله والصدقة لا تزيد المال إلا كثرة فتصدقوا يرحمكم الله + حديث ~~التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله أخرجه الأصفهاني في ~~الترغيب والترهيب وأبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس بسند ~~ضعيف + وقالت عائشة رضي الله عنها ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله فإذا انتهك من محارم ~~الله شيء كان أشدهم في ذلك غضبا وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم ~~يكن إثما + حديث عائشة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من ~~مظلمة ظلمها قط الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل وهو عند مسلم بلفظ آخر وقد ~~تقدم + وقال عقبة لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فابتدرته فأخذت ~~بيده أو بدرني فأخذ بيدي فقال يا عقبة ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا ~~والآخرة تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك + حديث عقبة بن عامر يا ~~عقبة ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة تصل من قطعك الحديث أخرجه ~~ابن أبي الدنيا والطبراني في مكارم الأخلاق والبيهقي في الشعب بإسناد ضعيف ~~وقد تقدم + وقال صلى الله عليه وسلم قال موسى عليه السلام يا رب أي عبادك ~~أعز عليك قال الذي إذا قدر عفا + حديث قال موسى يا رب أي عبادك أعز عليك ~~قال الذي إذا قدر عفا أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أبي هريرة ~~وفيه ابن لهيعة + وكذلك سئل أبو الدرداء عن أعز الناس قال الذي يعفو إذا ~~قدر فاعفوا يعزكم الله وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو مظلمة ~~فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس وأراد أن يأخذ له بمظلمته فقال له ~~صلى الله عليه وسلم إن المظلومين هم المفلحون يوم القيامة + حديث إن ~~المظلومين هم المفلحون يوم القيامة وفي أوله قصة رواها ابن أبي الدنيا في ~~كتاب العفو من رواية أبي صالح الحنفي مرسلا + فأبى أن يأخذها حين سمع ~~الحديث وقالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعا ~~على من ظلمه فقد انتصر وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ~~بعث الله عز وجل الخلائق يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش ثلاثة أصوات ~~يا معشر الموحدين إن الله قد عفا عنكم فليعف بعضكم عن بعض + حديث أنس إذا ~~بعث الله عز وجل الخلائق يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش ثلاثة أصوات ~~يا معشر الموحدين إن الله قد عفا عنكم فليعف بعضكم عن بعض أخرجه أبو سعيد ~~أحمد بن إبراهيم المقري في كتاب التبصرة والتذكرة بلفظ ينادي مناد من بطنان ~~العرش يوم القيامة يا أمة محمد إن الله تعالى يقول ما كان لي قبلكم فقد ~~وهبته لكم وبقيت التبعات فتواهبوها وادخلوا الجنة برحمتي وإسناده ضعيف ~~ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ نادى مناد يا أهل الجمع تناكروا المظالم ~~بينكم وثوابكم علي وله من حديث أم هانيء ينادي مناد يا أهل التوحيد ليعف ~~بعضكم عن بعض وعلي الثواب + وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~لما فتح مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال ~~ما تقولون وما تظنون فقالوا نقول أخ وابن عم حليم رحيم قالوا ذلك ثلاثا ~~فقال صلى الله عليه وسلم أقول كما قال يوسف @QB@ لا تثريب عليكم اليوم يغفر ~~الله لكم وهو أرحم @QE@ PageV03P182 @QB@ الراحمين @QE@ + حديث أبي هريرة ~~أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين ثم ~~أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال ما تقولون الحديث رواه ابن الجوزي في ~~الوفاء من طريق ابن أبي الدنيا وفيه ضعف + قال فخرجوا كأنما نشروا من ~~القبور فدخلوا في الإسلام وعن سهيل بن عمرو قال لما قدم رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم مكة وضع يديه على باب الكعبة والناس حوله فقال لا إله إلا الله ~~وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده @QB@ ثم قال @QE@ يا ~~معشر قريش ما تقولون وما تظنون قال قلت يا رسول الله نقول خيرا ونظن خيرا ~~أخ كريم وابن عم رحيم وقد قدرت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول كما ~~قال أخي يوسف @QB@ لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم @QE@ + حديث سهيل بن ~~عمرو لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وضع يده على باب الكعبة ~~الحديث بنحوه لم أجده + وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ~~وقف العباد نادى مناد ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة قيل ومن ذا الذي ~~له على الله أجر قال العافون عن الناس فيقوم كذا وكذا ألفا فيدخلونها بغير ~~حساب + حديث أنس إذا وقف العباد نادى مناد ليقم من أجره على الله فليدخل ~~الجنة قيل من ذا الذي أجره على الله قال العافون عن الناس الحديث أخرجه ~~الطبراني في مكارم الأخلاق وفيه الفضل بن يسار ولا يقابع على حديثه وقال ~~ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لوالي أمر أن يؤتي ~~بحد إلا أقامه والله عفو يحب العفو ثم قرأ @QB@ وليعفوا وليصفحوا @QE@ ~~الآية + حديث ابن مسعود لا ينبغي لوالي أمر أن يؤتي بحد إلا أقامه والله ~~عفو يحب العفو الحديث أخرجه أحمد والحاكم وصححه وتقدم في آداب الصحبة وقال ~~جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من جاء بهن مع إيمان دخل من أي ~~أبواب الجنة شاء وزوج من الحور العين حيث شاء من أدى دينا خفيا وقرأ في دبر ~~كل صلاة @QB@ قل هو الله أحد @QE@ عشر مرات وعفا عن قاتله قال أبو بكر أو ~~إحداهن يا رسول الله قال أو إحداهن + حديث جابر ثلاث من جاء بهن مع إيمان ~~دخل الجنة من أي أبواب الجنة شاء الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط في ~~الدعاء بسند ضعيف + # الآثار قال إبراهيم التيمي إن الرجل ليظلمني فأرحمه وهذا إحسان وراء ~~العفو لأنه يشتغل قلبه بتعرضه لمعصية الله تعالى بالظلم وأنه يطالب يوم ~~القيامة فلا يكون له جواب وقال بعضهم إذا أراد الله أن يتحف عبدا قيض له من ~~يظلمه ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز رحمه الله فجعل يشكو إليه رجلا ظلمه ~~ويقع فيه فقال له عمر إنك إن تلقي الله ومظلمتك كما هي خير لك من أن تلقاه ~~وقد اقتصصتها وقال يزيد بن ميسرة إن ظللت تدعو على من ظلمك فإن الله تعالى ~~يقول إن آخر يدعو عليك بأنك ظلمته فإن شئت استجبنا لك وأجبنا عليك وإن شئت ~~أخرتكما إلى يوم القيامة فيسعكما عفوي وقال مسلم بن يسار لرجل دعا على ~~ظالمه كل الظالم إلى ظلمه فإنه أسرع إليه من دعائك عليه إلا أن يتداركه ~~بعمل وقمن أن لا يفعل وعن ابن عمر عن أبي بكر أنه قال بلغنا أن الله تعالى ~~يأمر مناديا يوم القيامة فينادي من كان له عند الله شيء فليقم فيقوم أهل ~~العفو فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس وعن هشام بن محمد قال أتى ~~النعمان بن المنذر برجلين قد أذنب أحدهما ذنبا عظيما فعفا عنه والآخر أذنب ~~ذنبا خفيفا فعاقبه وقال # تعفو الملوك عن العظيم % من الذنوب بفضلها # ولقد تعاقب في اليسير % وليس ذاك لجهلها # إلا ليعرف حلمها % ويخاف شدة دخلها # وعن مبارك بن فضالة قال وفد سوار بن عبد الله في وفد من أهل البصرة إلى ~~أبي جعفر قال فكنت عنده إذا أتى برجل فأمر بقتله فقلت يقتل رجل من المسلمين ~~وأنا حاضر فقلت يا أمير المؤمنين ألا أحدثك حديثا سمعته PageV03P183 من ~~الحسن قال وما هو قلت سمعته يقول إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل ~~الناس في صعيد واحد حيث يسمعهم الداعي وينفذهم البصر فيقوم مناد فينادي من ~~له عند الله يد فليقم فلا يقوم إلا من عفا فقال والله لقد سمعته من الحسن ~~فقلت والله لسمعته منه فقال خلينا عنه وقال معاوية عليكم بالحلم والاحتمال ~~حتى تمكنكم الفرصة فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال # وروي أن راهبا دخل على هشام بن عبد الملك فقال للراهب أرأيت ذا القرنين ~~أكان نبيا فقال لا ولكنه إنما أعطى ما أعطي بأربع خصال كن فيه كان إذا قدر ~~عفا وإذا وعد وفى وإذا حدث صدق ولا يجمع شغل اليوم لغد وقال بعضهم ليس ~~الحليم من ظلم فحلم حتى إذا قدر انتقم ولكن الحليم من ظلم فحلم حتى إذا قدر ~~عفا وقال زياد القدرة تذهب الحفيظة يعني الحقد والغضب وأتى هشام برجل بلغه ~~عنه أمر فلما أقيم بين يديه جعل يتكلم بحجته فقال له هشام وتتكلم أيضا فقال ~~الرجل يا أمير المؤمنين قال الله عز وجل يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ~~أفنجادل الله تعالى ولا نتكلم بين يديك كلاما قال هشام بلى ويحك تكلم وروي ~~أن سارقا دخل خباء عمار بن ياسر بصفين فقيل له اقطعه فإنه من أعدائنا فقال ~~بل استر عليه لعل الله يستر علي يوم القيامة وجلس ابن مسعود في السوق يبتاع ~~طعاما فابتاع ثم طلب الدراهم وكانت في عمامته فوجدتها قد حلت فقال لقد جلست ~~وإنها لمعي فجعلوا يدعون على من أخذها ويقولون اللهم اقطع يد السارق الذي ~~أخذها اللهم افعل به كذا فقال عبد الله اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة ~~فبارك له فيها وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه وقال الفضيل ~~ما رأيت أزهد من رجل من أهل خراسان جلس إلي في المسجد الحرام ثم قام ليطوف ~~فسرقت دنانير كانت معه فجعل يبكي فقلت أعلى الدنانير تبكي فقال لا ولكن ~~مثلتني وإياه بين يدي الله عز وجل فأشرف عقلي على إدحاض حجته فبكائي رحمة ~~له وقال مالك بن دينار أتينا منزل الحكم بن أيوب ليلا وهو على البصرة أمير ~~وجاء الحسن وهو خائف فدخلنا معه عليه فما كنا مع الحسن إلا بمنزلة الفراريج ~~فذكر الحسن قصة يوسف عليه السلام وما صنع به أخوته من بيعهم إياه وطرحهم له ~~في الجب فقال باعوا أخاهم وأحزنوا أباهم وذكر ما لقي من كيد النساء ومن ~~الحبس ثم قال أيها الأمير ماذا صنع الله به أداله منهم ورفع ذكره وأعلى ~~كلمته وجعله على خزائن الأرض فماذا صنع حين أكمل له أمره وجمع له أهله قال ~~لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين يعرض للحكم بالعفو ~~عن أصحابه قال الحكم فأنا أقول لا تثريب عليكم اليوم ولو لم أجد إلا ثوبي ~~هذا لواريتكم تحته وكتب ابن المقفع إلى صديق له يسأله العفو عن بعض إخوانه ~~فلان هارب من زلته إلى عفوك لائذ منك بك واعلم أنه لن يزداد الذنب عظما إلا ~~ازداد العفو فضلا وأتى عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث فقال لرجاء بن ~~حيوة ما ترى قال إن الله تعالى قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب ~~من العفو فعفا عنهم وروي أن زياد أخذ رجلا من الخوارج فأفلت منه فأخذ أخا ~~له فقال له إن جئت بأخيك وإلا ضربت عنقك فقال أرأيت إن جئتك بكتاب من أمير ~~المؤمنين تخلي سبيلي قال نعم قال فأنا آتيك بكتاب من العزيز الحكيم وأقيم ~~عليه شاهدين إبراهيم وموسى ثم تلا أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم ~~الذي وفى أن لا تزر وازرة وزر أخرى فقال زياد خلوا سبيله هذا رجل قد لقن ~~حجته وقيل مكتوب في الإنجيل من استغفر لمن ظلمه فقد هزم الشيطان فضيلة ~~الرفق # اعلم أن الرفق محمود ويضاده العنف والحدة والعنف نتيجة الغضب والفظاظة # والرفق واللين نتيجة حسن PageV03P184 الخلق والسلامة وقد يكون سبب الحدة ~~الغضب وقد يكون سببها شدة الحرص واستيلاءه بحيث يدهش عن التفكر ويمنع من ~~التثبت فالرفق في الأمور ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق ولا يحسن الخلق إلا ~~بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة وحفظهما على حد الاعتدال ولأجل هذا أثنى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم على الرفق وبالغ فيه فقال يا عائشة إنه من أعطى ~~حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة ومن حرم حظه من الرفق فقد ~~حرم حظه من خير الدنيا والآخرة + حديث يا عائشة إنه من أعطى حظه من الرفق ~~فقد أعطى حظه من خير الدنيا والآخرة الحديث رواه أحمد والعقيلي في الضعفاء ~~في ترجمة عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي وضعفه عن القاسم عن عائشة وفي ~~الصحيحين من حديثها يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله + وقال صلى ~~الله عليه وسلم إذا أحب الله أهل بيت أدخل عليهم الرفق + حديث إذا أحب الله ~~أهل بيت أدخل عليهم الرفق أخرجه أحمد بسند جيد والبيهقي في الشعب بسند ضعيف ~~من حديث عائشة + وقال صلى الله عليه وسلم إن الله ليعطي على الرفق ما لا ~~يعطي على الخرق وإذا أحب الله عبدا أعطاه الرفق وما من أهل بيت يحرمون ~~الرفق إلا حرموا محبة الله تعالى + حديث إن الله ليعطي على الرفق ما لا ~~يعطي على الخرق الحديث أخرجه الطبراني في الكبير من حديث جرير بإسناد ضعيف ~~+ وقالت عائشة رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله رفيق ~~يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف + حديث إن الله رفيق يحب الرفق ~~الحديث أخرجه مسلم من حديث عائشة + وقال صلى الله عليه وسلم يا عائشة ارفقي ~~فإن الله إذا أراد بأهل بيت كرامة دلهم على باب الرفق + حديث يا عائشة ~~ارفقي إن الله إذا أراد بأهل بيت كرامة دلهم على باب الرفق أخرجه أحمد من ~~حديث عائشة وفيه انقطاع ولأبي داود يا عائشة ارفقي + وقال صلى الله عليه ~~وسلم من يحرم الرفق يحرم الخير كله + حديث من يحرم الرفق يحرم الخير كله ~~أخرجه مسلم من حديث جرير دون قوله كله فهي عند أبي داود + وقال صلى الله ~~عليه وسلم أيما وال ولي فرفق ولان رفق الله تعالى به يوم القيامة + حديث ~~أيما وال ولي فلان ورفق رفق الله به يوم القيامة أخرجه مسلم من حديث عائشة ~~وفي حديث فيه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به + وقال صلى الله ~~عليه وسلم تدرون من يحرم على النار يوم القيامة كل هين لين سهل قريب + حديث ~~تدرون على من تحرم النار على كل هين لين سهل قريب أخرجه الترمذي من حديث ~~ابن مسعود وتقدم في آداب الصحبة + وقال صلى الله عليه وسلم الرفق يمن ~~والخرق شؤم + حديث الرفق يمن والخرق شؤم أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ~~ابن مسعود والبيهقي في الشعب من حديث عائشة وكلاهما ضعيف # وقال صلى الله عليه وسلم التأني من الله والعجلة من الشيطان + حديث ~~التأني من الله والعجلة من الشيطان أخرجه أبو يعلى من حديث أنس ورواه ~~الترمذي وحسنه من حديث سهل بن سعد بلفظ الآناة من الله وقد تقدم + # وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال يا رسول الله إن ~~الله قد بارك لجميع المسلمين فيك فأخصصني منك بخير فقال الحمد لله مرتين أو ~~ثلاثا ثم أقبل عليه فقال هل أنت مستوص مرتين أو ثلاثا قال نعم قال إن أردت ~~أمرا فتدبر عاقبته فإن كان رشدا فأمضه وإن كان سوى ذلك فانته + حديث أتاه ~~رجل فقال يا رسول الله إن الله قد بارك لجميع المسلمين فيك الحديث وفيه ~~فإذا أردت أمرا فتدبر عاقبته فإن كان رشدا فأمضه الحديث أخرجه ابن المبارك ~~في الزهد والرقائق من حديث أبي جعفر هو المسمى عبد الله بن مسور الهاشمي ~~ضعيف جدا ولأبي نعيم في كتاب الإيجاز من رواية إسماعيل الأنصاري عن أبيه عن ~~جده إذا هممت بأمر فاجلس فتدبر عاقبته وإسناده ضعيف + وعن عائشة رضي الله ~~عنها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر على بعير صعب فجعلت ~~تصرفه يمينا وشمالا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة عليك ~~بالرفق فإنه لا يدخل في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه + حديث ~~عائشة عليك بالرفق فإنه لا يدخل في شيء إلا زانه الحديث رواه مسلم + الآثار ~~بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جماعة من رعيته اشتكوا من عماله فأمرهم ~~أن يوافوه فلما أتوه PageV03P185 قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها ~~الناس أيتها الرعية إن لنا عليكم حقا النصيحة بالغيب والمعاونة على الخير ~~أيتها الرعاة إن للرعية عليكم حقا فاعلموا أنه لا شيء أحب إلى الله ولا أعز ~~من حلم إمام ورفقه ليس جهل أبغض إلى الله ولا أغم من جهل إمام وخرجه ~~واعلموا أنه من يأخذ بالعافية فيمن بين ظهريه يرزق العافية ممن هو دونه # وقال وهب بن منبه الرفق ثنى الحلم # وفي الخبر موقوفا ومرفوعا العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والعقل دليله ~~والعمل قيمه والرفق والده واللين أخوه والصبر أمير جنوده + حديث العلم خليل ~~المؤمن والحلم وزيره والعقل دليله والعمل قائدة والرفق والده أخرجه أبو ~~الشيخ في كتاب الثواب وفضائل الأعمال من حديث أنس بسند ضعيف ورواه القضاعي ~~في مسند الشهاب من حديث أبي الدرداء وأبي هريرة وكلاهما ضعيف + وقال بعضهم ~~ما أحسن الإيمان يزينه العلم وما أحسن العلم يزينه العمل وما أحسن العمل ~~يزينه الرفق وما أضيف شيء إلى شيء مثل حلم إلى علم وقال عمرو بن العاص ~~لابنه عبد الله ما الرفق قال تكون ذا أناة فتلاين الولاة قال فما الخرق قال ~~معاداة إمامك ومناوأة من يقدر على ضررك وقال سفيان لأصحابه تدرون ما الرفق ~~قالوا قل يا أبا محمد قال أن تضع الأمور من مواضعها الشدة في موضعها واللين ~~في موضعه والسيف في موضعه والسوط في موضعه وهذه إشارة إلى أنه لا بد من مزج ~~الغلظة باللين والفظاظة بالرفق كما قيل # ووضع الندى في موضع السيف بالعلا % مضر كوضع السيف في موضع الندى # فالمحمود وسط بين العنف واللين كما في سائر الأخلاق ولكن لما كانت الطباع ~~إلى العنف والحدة أميل كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرفق أكثر فلذلك ~~كثر ثناء الشرع على جانب الرفق دون العنف وإن كان العنف في محله حسنا كما ~~أن الرفق في محله حسن فإذا كان الواجب هو العنف فقد وافق الحق الهوى وهو ~~ألذ من الزبد بالشهد وهكذا وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله روي أن عمرو ~~بن العاص كتب إلى معاوية يعاتبه في التأني فكتب إليه معاوية أما بعد فإن ~~الفهم في الخير زيادة رشد وإن الرشيد من رشد عن العجلة وإن الجانب من خاب ~~عن الأناة وإن المتثبت مصيب أو كاد أن يكون مصيبا وإن العجل مخطئ أو كاد أن ~~يكون مخطئا وأن من لا ينفعه الرفق يضره الخرق ومن لا ينفعه التجارب لا يدرك ~~المعالي وعن أبي عون الأنصاري قال ما تكلم الناس بكلمة صعبة إلا وإلى ~~جانبها كلمة ألين منها تجرى مجراها وقال أبو حمزة الكوفي لا تتخذ من الخدم ~~إلا ما لا بد منه فإن مع كل إنسان شيطانا واعلم أنهم لا يعطونك بالشدة شيئا ~~إلا أعطوك باللين ما هو أفضل منه وقال الحسن المؤمن وقاف متأن وليس كحاطب ~~ليل فهذا ثناء أهل العلم على الرفق وذلك لأنه محمود ومفيد في أكثر الأحوال ~~وأغلب الأمور والحاجة إلى العنف قد تقع ولكن على الندور وإنما الكامل من ~~يميز مواقع الرفق عن مواضع العنف فيعطي كل أمر حقه فإن كان قاصر البصيرة أو ~~أشكل عليه حكم واقعه من الوقائع فليكن ميله إلى الرفق فإن النجح معه في ~~الأكثر # | القول في ذم الحسد وفي حقيقته وأسبابه ومعالجته وغاية الواجب في # إزالته بيان ذم الحسد # اعلم أن الحسد أيضا من نتائج الحقد والحقد من نتائج الغضب فهو فرع فرعه ~~والغضب أصل أصله ثم إن للحسد من الفروع الذميمة ما لا يكاد يحصى وقد ورد في ~~ذم الحسد خاصة أخبار كثيرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم PageV03P186 ~~الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب + حديث الحسد يأكل الحسنات كما ~~تأكل النار الحطب أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة وابن ماجه من حديث أنس ~~وقد تقدم وقال صلى الله عليه وسلم في النهي عن الحسد وأسبابه وثمراته لا ~~تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا + ~~حديث لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا الحديث متفق عليه وقد تقدم + وقال ~~أنس كنا يوما جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يطلع عليكم الآن ~~من هذا الفج رجل من أهل الجنة قال فطلع رجل من الأنصار ينفض لحيته من وضوئه ~~قد علق نعليه في يده الشمال فسلم فلما كان الغد قال صلى الله عليه وسلم مثل ~~ذلك فطلع ذلك الرجل وقاله في اليوم الثالث فطلع ذلك الرجل فلما قام النبي ~~صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال له إني لاحيت أبي ~~فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث ~~فعلت فقال نعم فبات عنده ثلاث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا ~~انقلب على فراشه ذكر الله تعالى ولم يقم لصلاة الفجر قال غير أني ما سمعته ~~يقول إلا خيرا فلما مضت الثلاث وكدت أن أحتقر عمله قلت يا عبد الله لم يكن ~~بيني وبين والدي غضب ولا هجرة ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول كذا وكذا فأردت أن أعرف عملك فلم أرك تعمل عملا كثيرا فما الذي بلغ بك ~~ذلك فقال ما هو إلا ما رأيت فلما وليت دعاني فقال ما هو إلا ما رأيت غير ~~أني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشا ولا حسدا على خير أعطاه الله ~~إياه قال عبد الله فقلت له هي التي بلغت بك وهي التي لا نطيق + حديث أنس ~~كنا يوما جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يطلع عليكم الآن من ~~هذا الفج رجل من أهل الجنة الحديث بطوله وفيه أن ذلك الرجل قال لا أجد على ~~أحد من المسلمين في نفسي غشا ولا حسدا على خير أعطاه الله رواه أحمد بإسناد ~~صحيح على شرط الشيخين ورواه البزار وسمي الرجل في رواية له سعدا وفيها ابن ~~لهيعة + وقال صلى الله عليه وسلم ثلاث لا ينجو منهن أحد الظن والطيرة ~~والحسد وسأحدثكم بالمخرج من ذلك إذا ظننت فلا تحقق وإذا تطيرت فامض وإذا ~~حسدت فلا تبغ + حديث ثلاث لا ينجو منهن أحد الظن والطعن والحسد الحديث وفي ~~رواية وقل من ينجو منهن أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الحسد من حديث أبي ~~هريرة وفيه يعقوب بن محمد الزهري وموسى بن يعقوب الزمعي ضعفهما الجمهور ~~والرواية الثانية رواها ابن أبي الدنيا أيضا من رواية عبد الرحمن بن معاوية ~~وهو مرسل ضعيف وللطبراني من حديث حارثة بن النعمان نحوه وتقدم في آفات ~~اللسان وفي رواية ثلاثة لا ينجو منهن أحد وقل من ينجو منهن فأثبت في هذه ~~الرواية إمكان النجاة وقال صلى الله عليه وسلم دب إليكم داء الأمم قبلكم ~~الحسد والبغضاء والبغضة هي الحالقة لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين ~~والذي نفس محمد بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ألا ~~أنبئكم بما يثبت ذلك لكم أفشوا السلام بينكم + حديث دب إليكم داء الأمم ~~الحسد والبغضاء الحديث أخرجه الترمذي من حديث مولى الزبير عن الزبير + وقال ~~صلى الله عليه وسلم كاد الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب القدر + ~~حديث كاد الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب القدر أخرجه أبو مسلم ~~الكشي والبيهقي في الشعب من رواية يزيد الرقاشي عن أنس ويزيد ضعيف ورواه ~~الطبراني في الأوسط من وجه آخر بلفظ كادت الحاجة أن تكون كفرا وفيه ضعف ~~أيضا + وقال صلى الله عليه وسلم إنه سيصيب أمتي داء الأمم قالوا وما داء ~~الأمم قال الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباعد والتحاسد حتى ~~يكون البغي ثم الهرج + حديث إنه سيصيب أمتي داء الأمم قبلكم قالوا وما داء ~~الأمم قال الأشر والبطر الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد والطبراني ~~في الأوسط من حديث أبي هريرة بإسناد جيد + وقال صلى الله عليه وسلم لا تظهر ~~الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك + حديث لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه ~~الله ويبتليك أخرجه الترمذي من حديث واثلة بن الأسقع وقال حسن غريب وفي ~~رواية ابن أبي الدنيا فيرحمه الله + وروي أن موسى عليه السلام لما تعجل إلى ~~ربه تعالى PageV03P187 رأى في ظل العرش رجلا فغبطه بمكانه فقال إن هذا ~~لكريم على ربه فسأل ربه تعالى أن يخبره باسمه فلم يخبره وقال أحدثك من عمله ~~بثلاث كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله وكان لا يعق والديه ولا ~~يمشي بالنميمة وقال زكريا عليه السلام قال الله تعالى الحاسد عدو لنعمتي ~~متسخط لقضائي غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي وقال صلى الله عليه وسلم ~~أخوف ما أخاف على أمتي أن يكثر فيهم المال فيتحاسدون ويقتتلون + حديث أخوف ~~ما أخاف على أمتي أن يكثر لهم المال فيتحاسدون ويقتتلون أخرجه ابن أبي ~~الدنيا في كتاب ذم الحسد من حديث ابن عامر الأشعري وفيه ثابت بن أبي ثابت ~~جهله أبو حاتم وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد إن مما أخاف عليكم من بعدي ما ~~يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ولهما من حديث عمرو بن عوف البدري والله ~~ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا الحديث ولمسلم من ~~حديث عبد الله بن عمرو إذا فتحت عليكم فارس والروم الحديث وفيه يتنافسون ثم ~~يتحاسدون ثم يتدابرون الحديث ولأحمد والبزار من حديث عمر لا تفتح الدنيا ~~على أحد إلا ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة + وقال صلى ~~الله عليه وسلم استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود + ~~حديث استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود أخرجه ابن ~~أبي الدنيا والطبراني من حديث معاذ بسند ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم إن ~~لنعم الله أعداء فقيل ومن هم فقال الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من ~~فضله + حديث إن لنعم الله أعداء قيل ومن أولئك قال الذين يحسدون الناس على ~~ما آتاهم الله من فضله أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس إن لأهل ~~النعم حسادا فاحذروهم وقال صلى الله عليه وسلم ستة يدخلون النار قبل الحساب ~~بسنة قيل يا رسول الله من هم قال الأمراء بالجور والعرب بالعصبية والدهاقين ~~بالتكبر والتجار بالخيانة وأهل الرستاق بالجهالة والعلماء بالحسد + حديث ~~ستة يدخلون النار قبل الحساب بسنة قيل يا رسول الله ومن هم قال الأمراء ~~بالجور الحديث وفيه والعلماء بالحسد أخرجه أبو منصور الديلمي من حديث ابن ~~عمر وأنس بسندين ضعيفين + # الآثار قال بعض السلف أول خطيئة هي الحسد حسد إبليس آدم عليه السلام على ~~رتبته فأبى أن يسجد له فحمله على الحسد والمعصية وحكى أن عون بن عبد الله ~~دخل على الفضل بن المهلب وكان يومئذ على واسط فقال إني أريد أن أعظك بشيء ~~فقال وما هو قال إياك والكبر فإنه أول ذنب عصى الله به ثم قرأ @QB@ وإذ ~~قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس @QE@ الآية وإياك والحرص فإنه ~~أخرج آدم من الجنة أمكنه الله سبحانه من جنة عرضها السموات والأرض يأكل ~~منها إلا شجرة واحدة نهاه الله عنها فأكل منها فأخرجه الله تعالى منها ثم ~~قال @QB@ اهبطوا منها @QE@ إلى آخر الآية وإياك والحسد فإنما قتل ابن آدم ~~أخاه حين حسده ثم قرأ @QB@ واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق @QE@ الآيات وإذا ~~ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك وإذا ذكر القدر فاسكت وإذا ~~ذكرت النجوم فاسكت وقال بكر بن عبد الله كان رجل يغشى بعض الملوك فيقوم ~~بحذاء الملك فيقول أحسن إلى المحسن بإحسانه فإن المسيء سيكفيكه إساءته ~~فحسده رجل على ذلك المقام والكلام فسعى به إلى الملك فقال إن هذا الذي يقوم ~~بحذائك ويقول ما يقول زعم أن الملك أبخر فقال له الملك وكيف يصح ذلك عندي ~~قال تدعوه إليك فإنه إذا دنا منك وضع يده على أنفه لئلا يشم ريح البخر فقال ~~له انصرف حتى انظر فخرج من عند الملك فدعا الرجل إلى منزله فأطعمه طعاما ~~فيه ثوم فخرج الرجل من عنده وقام بحذاء الملك على عادته فقال احسن إلى ~~المحسن بإحسانه فإن المسيء سيكفيكه إساءته فقال له الملك أدن مني فدنا منه ~~فوضع يده على فيه مخافة أن يشم الملك منه رائحة الثوم فقال الملك في نفسه ~~ما أرى فلانا إلا قد صدق قال وكان الملك لا يكتب بخطه إلا بجائزة أو صلة ~~فكتب له كتابا بخطه إلى عامل من عماله إذا أتاك حامل كتابي هذا فاذبحه ~~واسلخه واحش جلده تبنا وابعث به إلي فأخذ الكتاب وخرج فلقيه الرجل الذي سعى ~~به فقال ما هذا الكتاب قال خط الملك لي بصلة فقال هبه لي PageV03P188 فقال ~~هو لك فأخذه ومضى به إلى العامل فقال العامل في كتابك أن أذبحك وأسلخك قال ~~إن الكتاب ليس هو لي فالله الله في أمري حتى تراجع الملك فقال ليس لكتاب ~~الملك مراجعة فذبحه وسلخه وحشى جلده تبنا وبعث به ثم عاد الرجل إلى الملك ~~كعادته وقال مثل قوله فعجب الملك وقال ما فعل الكتاب فقال لقيني فلان ~~فاستوهبه مني فوهبته له قال له الملك إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر قال ما ~~قلت ذلك قال فلما وضعت يدك على فيك قال لأنه أطعمني طعاما فيه ثوم فكرهت أن ~~تشمه قال صدقت ارجع إلى مكانك فقد كفي المسيء إساءته وقال ابن سيرين رحمه ~~الله ما حسدت أحدا على شيء من أمر الدنيا لأنه إن كان من أهل الجنة فكيف ~~أحسده على الدنيا وهي حفيرة في الجنة وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على ~~أمر الدنيا وهو يصير إلى النار وقال رجل للحسن هل يحسد المؤمن قال ما أنساك ~~بني يعقوب نعم ولكن غمه في صدرك فإنه لا يضرك ما لم تعد به يدا ولا لسانا ~~وقال أبو الدرداء ما أكثر عبد ذكر الموت إلا قل فرحه وقل حسده و قال معاوية ~~كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها ولذلك قيل # كل العداوات قد ترجى إماتتها % إلا عداوة من عاداك من حسد وقال بعض ~~الحكماء الحسد جرح لا يبرأ وحسب الحسود ما يلقي وقال أعرابي ما رأيت ظالما ~~أشبه بمظلوم من حاسد إنه يرى النعمة عليك نقمة عليه وقال الحسن يا ابن آدم ~~لم تحسد أخاك فإن كان الذي أعطاه لكرامته عليه فلم تحسد من أكرمه الله وإن ~~كان غير ذلك فلم تحسد من مصيره إلى النار وقال بعضهم الحاسد لا ينال من ~~المجالس إلا مذمه وذلا ولا ينال من الملائكة إلا لعنة وبغضا ولا ينال من ~~الخلق إلا جزعا وغما ولا ينال عند النزع إلا شدة وهولا ولا ينال عند الموقف ~~إلا فضيحة ونكالا # | بيان حقيقة الحسد وحكمه وأقسامه ومراتبه # اعلم أنه لا حسد إلا على نعمة فإذا أنعم الله على أخيك بنعمة فلك فيها ~~حالتان # إحداهما أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها وهذه الحالة تسمى حسدا فالحسد ~~حده كراهة النعمة وحب زوالها عن المنعم عليه # الحالة الثانية أن لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها ولكن تشتهي ~~لنفسك مثلها # وهذه تسمى غبطة وقد تختص باسم المنافسة وقد تسمى المنافسة حسدا والحسد ~~منافسة ويوضع أحد اللفظين موضع الآخر ولا حجر في الأسامي بعد فهم المعاني # وقد قال صلى الله عليه وسلم إن المؤمن يغبط والمنافق يحسد + حديث المؤمن ~~يغبط والمنافق يحسد لم أجد له أصلا مرفوعا وإنما هو من قول الفضيل بن عياض ~~كذلك رواه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد + # فأما الأول فهو حرام بكل حال إلا نعمة أصابها فاجر أو كافر وهو يستعين ~~بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين وإيذاء الخلق فلا يضرك كراهتك لها ~~ومحبتك لزوالها فإنك لا تحب زوالها من حيث هي نعمة بل من حيث هي آلة الفساد ~~ولو أمنت فساده لم يغمك بنعمته ويدل على تحريم الحسد الأخبار التي نقلناها ~~وأن هذه الكراهة تسخط لقضاء الله في تفضيل بعض عباده على بعض وذلك لا عذر ~~فيه ولا رخصة وأي معصية تزيد على كراهتك PageV03P189 لراحة مسلم من غير أن ~~يكون لك منه مضرة وإلى هذا أشار القرآن بقول @QB@ إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن ~~تصبكم سيئة يفرحوا بها @QE@ وهذا الفرح شماته والحسد والشماتة يتلازمان ~~وقال تعالى @QB@ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا ~~حسدا من عند أنفسهم @QE@ فأخبر تعالى أن حبهم زوال نعمة الإيمان حسد وقال ~~عز وجل @QB@ ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء @QE@ وذكر الله تعالى ~~حسد إخوة يوسف عليه السلام وعبر عما في قلوبهم بقوله تعالى @QB@ إذ قالوا ~~ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين اقتلوا ~~يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم @QE@ فلما كرهوا حب أبيهم له وساءهم ~~ذلك وأحبوا زواله عنه غيبوه عنه وقال تعالى @QB@ ولا يجدون في صدورهم حاجة ~~مما أوتوا @QE@ أي لا تضيق صدورهم به ولا يغتمون فأثنى عليهم بعدم الحسد ~~وقال تعالى في معرض الإنكار @QB@ أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من ~~فضله @QE@ وقال تعالى @QB@ كان الناس أمة واحدة @QE@ إلى قوله @QB@ إلا ~~الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم @QE@ قيل في التفسير حسدا ~~وقال تعالى @QB@ وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم @QE@ ~~فأنزل الله العلم ليجمعهم ويؤلف بينهم على طاعته وأمرهم أن يتألفوا بالعلم ~~فتحاسدوا واختلفوا إذ أراد كل واحد منهم أن ينفرد بالرياسة وقبول القول فرد ~~بعضهم على بعض قال ابن عباس كانت اليهود قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه ~~وسلم إذا قاتلوا قوما قالوا نسألك بالنبي الذي وعدتنا أن ترسله وبالكتاب ~~الذي تنزله إلا ما نصرتنا + حديث ابن عباس قوله كانت اليهود قبل أن يبعث ~~النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتلوا قوما قالوا نسألك بالنبي الذي وعدتنا ~~أن ترسله الحديث في نزول قوله تعالى @QB@ وكانوا من قبل يستفتحون على الذين ~~كفروا @QE@ أخرجه ابن إسحاق في السيرة فيما بلغه عن عكرمة أو عن سعيد بن ~~جبير عن ابن عباس أن اليهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فذكره نحوه وهو منقطع + فكانوا ينصرون فلما جاء النبي ~~صلى الله عليه وسلم من ولد إسماعيل عليه السلام عرفوه وكفروا به بعد ~~معرفتهم إياه فقال تعالى @QB@ وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما ~~جاءهم ما عرفوا كفروا به @QE@ إلى قوله @QB@ أن يكفروا بما أنزل الله بغيا ~~@QE@ أي حسدا وقالت صفية بنت حيي للنبي صلى الله عليه وسلم جاء أبي وعمي من ~~عندك يوما فقال أبي لعمي ما تقول فيه قال أقول إنه النبي الذي بشر به موسى ~~قال فما ترى قال أرى معاداته أيام الحياة + حديث قالت صفية بن حيي للنبي ~~صلى الله عليه وسلم جاء أبي وعمي من عندك يوما فقال أبي لعمي ما تقول فيه ~~قال أقول إنه النبي الذي بشر به موسى الحديث أخرجه ابن إسحاق في السيرة قال ~~حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال حديث عن صفية فذكره نحوه وهو ~~منقطع أيضا + فهذا حكم الحسد في التحريم # وأما المنافسة فليست بحرام بل هي إما واجبة وإما مندوبة وإما مباحة وقد ~~يستعمل لفظ الحسد بدل المنافسة والمنافسة بدل الحسد قال قثم بن العباس لما ~~أراد هو والفضل أن يأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فيسألاه أن يؤمرهما على ~~الصدقة قالا لعلي حين قال لهما لا تذهبا إليه فإنه لا يؤمركما عليها فقالا ~~له ما هذا منك إلا نفاسة والله لقد زوجك ابنته فما نفسنا ذلك عليك + حديث ~~قال قثم بن العباس لما أراد هو والفضل أن يأتيا النبي صلى الله عليه وسلم ~~فيسألانه أن يأمرهما على الصدقة قالا لعلي الحديث هكذا وقع للمصنف أنه قثم ~~والفضل وإنما هو الفضل والمطلب ابن ربيعة كما رواه مسلم من حديث المطلب بن ~~ربيعة ابن الحارث قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا ~~والله لو بعثنا هذين الغلامين قال لي وللفضل بن عباس ائتيا إلى رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فكلماه فذكر الحديث + أي هذا منك حسد وما حسدناك على ~~تزويجه إياك فاطمة # والمنافسة في اللغة مشتقة من النفاسة والذي يدل على إباحة المنافسة قوله ~~تعالى @QB@ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون @QE@ وقال تعالى @QB@ سابقوا إلى ~~مغفرة من ربكم @QE@ وإنما المسابقة عند خوف الفوت وهو كالعبدين ينسابقان ~~الي خدمة مولاهما إذ يجزع كل واحد أن يسبقه صاحبه فيحظى عند مولاه بمنزلة ~~لا يحظى هو بها PageV03P190 فكيف وقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بذلك فقال لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في ~~الحق ورجل آتاه الله تعالى علما فهو يعمل به ويعلمه الناس + حديث لا حسد ~~إلا في اثنتين الحديث متفق عليه من حديث ابن عمرو وقد تقدم في العلم ثم فسر ~~ذلك في حديث أبي كبشة الأنماري فقال مثل هذه الأمة مثل أربعة رجل آتاه الله ~~مالا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا ~~فيقول رب لو أن لي مالا مثل مال فلان لكنت أعمل فيه بمثل عمله فهما في ~~الأجر سواء وهذا منه حب لأن يكون له مثل ماله فيعمل ما يعمل من غير حب زوال ~~النعمة عنه قال ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو ينفقه في معاصي الله ~~ورجل لم يؤته علما ولم يؤته مالا فيقول لو أن لي مثل مال فلان لكنت أنفقه ~~في مثل ما أنفقه فيه من المعاصي فهما في الوزر سواء + حديث أبي كبشة مثل ~~هذه الأمة مثل أربعة رجل آتاه الله مالا الحديث رواه ابن ماجه والترمذي ~~وقال حسن صحيح + فذمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة تمنية للمعصية ~~لا من جهة حبه أن يكون له من النعمة مثل ماله فإذا لا حرج على من يغبط غيره ~~في نعمة ويشتهي لنفسه مثلها مهما لم يحب زوالها عنه ولم يكره دوامها له نعم ~~إن كانت تلك النعمة نعمة دينية واجبة كالإيمان والصلاة والزكاة فهذه ~~المنافسة واجبة وهو أن يحب أن يكون مثله لأنه إذا لم يكن يحب ذلك فيكون ~~راضيا بالمعصية وذلك حرام وإن كانت النعمة من الفضائل كإنفاق الأموال في ~~المكارم والصدقات فالمنافسة فيها مندوب إليها وإن كانت نعمة يتنعم بها على ~~وجه مباح فالمنافسة فيها مباحة وكل ذلك يرجع إلى إرادة مساواته واللحوق به ~~في النعمة وليس فيها كراهة النعمة وكان تحت هذه النعمة أمران أحدهما راحة ~~المنعم عليه والآخر ظهور نقصان غيره وتخلفه عنه وهو يكره أحد الوجهين وهو ~~تخلف نفسه ويحب مساواته له # ولا حرج على من يكره تخلف نفسه ونقصانها في المباحات نعم ذلك ينقص من ~~الفضائل ويناقض الزهد والتوكل والرضا ويحجب عن المقامات الرفيعة ولكنه لا ~~يوجب العصيان وههنا دقيقة غامضة وهو أنه إذا أيس من أن ينال مثل تلك النعمة ~~وهو يكره تخلفه ونقصانه فلا محالة يحب زوال النقصان وإنما يزول نقصانه إما ~~بأن ينال مثل ذلك أو بأن تزول نعمة المحسود فإذا انسد أحد الطريقين فيكاد ~~القلب لا ينفك عن شهوة الطريق الآخر حتى إذا زالت النعمة عن المحسود كان ~~ذلك أشفى عنده من دوامها إذ بزوالها يزول تخلفه وتقدم غيره وهذا يكاد لا ~~ينفك القلب عنه فإن كان بحيث لو ألقى الأمر إليه ورد إلى اختياره لسعى في ~~إزالة النعمة عنه فهو حسود حسدا مذموما وإن كان تدعه التقوى عن إزالة ذلك ~~فيعفي عما يجده في طبعه من الارتياح إلى زوال النعمة عن محسوده مهما كان ~~كارها لذلك من نفسه بعقله ودينه ولعله المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم ~~ثلاث لا ينفك المؤمن عنهن الحسد والظن والطيرة + حديث ثلاث لا ينفك المؤمن ~~عنهن الحسد والظن والطيرة الحديث تقدم غير مرة + ثم قال وله منهن مخرج إذا ~~حسدت فلا تبغ أي إن وجدت في قلبك شيئا فلا تعمل به وبعيد أن يكون الإنسان ~~مريدا للحاق بأخيه في النعمة فيعجز عنها ثم ينفك عن ميل إلى زوال النعمة إذ ~~يجد لا محالة ترجيحا له على دوامها فهذا الحد من المنافسة يزاحم الحسد ~~الحرام فينبغي أن يحتاط فيه فإنه موضع الخطر وما من إنسان إلا وهو يرى فوق ~~نفسه جماعة من معارفه وأقرانه يحب مساواتهم ويكاد ينجر ذلك إلى الحسد ~~المحظور إن لم يكن قوي الإيمان رزين التقوى ومهما كان محركه خوف التفاوت ~~وظهور نقصانه عن غيره جره ذلك إلى الحسد المذموم وإلى ميل الطبع إلى زوال ~~النعمة عن أخيه حتى ينزل هو إلى مساواته إذ لم يقدر هو أن يرتقي إلى ~~مساواته بإدراك النعمة وذلك لا رخصة فيه أصلا بل هو حرام سواء كان في مقاصد ~~الدين أو مقاصد PageV03P191 الدنيا ولكن يعفي عنه في ذلك ما لم يعمل به إن ~~شاء الله تعالى وتكون كراهته لذلك من نفسه كفارة له فهذه هي حقيقة الحسد ~~وأحكامه وأما مراتبه فأربع # الأولى أن يحب زوال النعمة عنه وإن كان ذلك لا ينتقل إليه وهذا غاية ~~الخبث الثانية أن يحب زوال النعمة إليه لرغبته في تلك النعمة مثل رغبته في ~~دار حسنة أو امرأة جميلة أو ولاية نافذة أو سعة نالها غيره وهو يحب أن تكون ~~له ومطلوبه تلك النعمة لا زوالها عنه ومكروهه فقد النعمة لا تنعم غيره بها ~~الثالثة أن لا يشتهي عينها لنفسه بل يشتهي مثلها فإن عجز عن مثلها أحب ~~زوالها كيلا يظهر التفاوت بينهما الرابعة أن يشتهي لنفسه مثلها فإن لم تحصل ~~فلا يحب زوالها عنه # وهذا الأخير هو المعفو عنه إن كان في الدنيا والمندوب إليه إن كان في ~~الدين والثالثة فيها مذموم وغير مذموم والثانية أخف من الثالثة والأولى ~~مذموم محض وتسمية الرتبة حسدا فيه تجوز وتوسع ولكنه مذموم لقوله تعالى ولا ~~تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض فتمنيه لمثل ذلك غير مذموم وأما تمنيه ~~عين ذلك فهو مذموم # | بيان أسباب الحسد والمنافسة # أما المنافسة فسببها حب ما فيه المنافسة فإن كان ذلك أمرا دينيا فسببه حب ~~الله تعالى وحب طاعته وإن كان دنيويا فسببه حب مباحات الدنيا والتنعم فيها ~~وإنما نظرنا الآن في الحسد المذموم ومداخله كثيرة جدا ولكن يحصر جملتها ~~سبعة أبواب العداوة والكبر والتعجب والخوف من فوت المقاصد المحبوبة وحب ~~الرياسة وخبث النفس وبخلها فإنه مما يكره النعمة على غيره إما لأنه عدوه ~~فلا يريد له الخير وهذا لا يختص بالأمثال بل يحسد الخسيس الملك بمعنى أنه ~~يحب زوال نعمته لكونه مبغضا له بسبب إساءته إليه أو إلى من يحبه وإما أن ~~يكون من حيث يعلم أنه يستكبر بالنعمة عليه وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره ~~لعزة نفسه وهو المراد بالتعزز وإما أن يكون في طبعه أن يتكبر على المحسود ~~ويمتنع ذلك عليه لنعمته وهو المراد بالتكبر وإما أن تكون النعمة عظيمة ~~والمنصب عظيم فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة وهو المراد بالتعجب وإما ~~أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمته بأن يتوصل بها إلى مزاحمته في أغراضه ~~وإما أن يكون يحب الرياسة التي تنبني على الاختصاص بنعمة لا يساوي فيها ~~وإما أن لا يكون بسبب من هذه الأسباب بل لخبث النفس وشحها بالخير لعباد ~~الله تعالى ولابد من شرح هذه الأسباب # السبب الأول العداوة والبغضاء وهذا أشد أسباب الحسد فإن من آذاه شخص بسبب ~~من الأسباب وخالفه في غرض بوجه من الوجوه أبغضه قلبه وغضب عليه ورسخ في ~~نفسه الحقد والحقد يقتضي التشفي والانتقام فإن عجز المبغض عن أن يتشفى ~~بنفسه أحب أن يتشفى منه الزمان وربما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله ~~تعالى فمهما أصابت عدوه بلية فرح بها وظنها مكافأة له من جهة الله على بغضه ~~وأنها لأجله ومهما أصابته نعمة ساءه ذلك لأنه ضد مراده وربما يخطر له أنه ~~لا منزلة له عند الله حيث لم ينتقم له من عدوه الذي آذاه بل أنعم عليه ~~وبالجملة فالحسد يلزم البغض والعداوة ولا يفارقهما وإنما غاية التقي أن لا ~~يبغي وأن يكره ذلك من نفسه فأما أن يبغض إنسانا ثم يستوي عنده مسرته ~~ومساءته فهذا غير ممكن وهذا مما وصف الله تعالى الكفار به أعني الحسد ~~بالعداوة إذ قال الله تعالى وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلو عضوا عليكم ~~الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن PageV03P192 الله عليم بذات الصدور إن ~~تمسسكم حسنة تسؤهم الآية وكذلك قال ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم ~~وما تخفي صدورهم أكبر والحسد بسبب البغض ربما يفضي إلى التنازع والتقاتل ~~واستغراق العمر في إزالة النعمة بالحيل والسعاية وهتك الستر وما يجري مجراه # السبب الثاني التعزز وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره # فإذا أصاب بعض أمثاله ولاية أو علما أو مالا خاف أن يتكبر عليه وهو لا ~~يطيق تكبره ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه وتفاخره عليه وليس من غرضه أن يتكبر ~~بل غرضه أن يدفع كبره فإنه قد رضي بمساواته مثلا ولكن لا يرضي بالترفع عليه # السبب الثالث الكبر وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه ويستصغره ويستخدمه ~~ويتوقع منه الانقياد له والمتابعة في أغراضه فإذا نال نعمة خاف أن لا يحتمل ~~تكبره ويترفع عن متابعته أو ربما يتشوف إلى مساواته أو إلى أن يرتفع عليه ~~فيعود متكبرا بعد أن كان متكبرا عليه ومن التكبر والتعزز كان حسد أكثر ~~الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قالوا كيف يتقدم علينا غلام يتيم ~~وكيف نطأطيء رءوسنا فقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم + ~~حديث سبب نزول قوله تعالى لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ~~ذكره ابن إسحاق في السيرة وإن قائل ذلك الوليد بن المغيرة قال أينزل على ~~محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدهما ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي ~~سيد ثقيف فنحن عظماء القريتين فأنزل الله فيما بلغني هذه الآية ورواه أبو ~~محمد بن أبي حاتم وابن مردويه في تفسيريهما من حديث ابن عباس إلا أنهما ~~قالا مسعود بن عمرو وفي رواية لابن مردويه حبيب بن عمير الثقفي وهو ضعيف + # أي كان لا يثقل علينا أن نتواضع له ونتبعه إذا كان عظيما وقال تعالى يصف ~~قول قريش أهؤلاء من الله عليهم من بيننا كالاستحقار لهم والأنفة منهم # السبب الرابع التعجب كما أخبر الله تعالى عن الأمم السالفة إذ قالوا ما ~~أنتم إلا بشر مثلنا وقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم ~~إذا لخاسرون فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب من الله تعالى ~~بشر مثلهم فحسدوهم وأحبوا زوال النبوة عنهم جزعا أن يفضل عليهم من هو مثلهم ~~في الخلقة لا عن قصد تكبر وطلب رياسة وتقدم عداوة أو سبب آخر من سائر ~~الأسباب وقالوا متعجبين أبعث الله بشرا رسولا @QB@ وقالوا @QE@ لولا أنزل ~~علينا الملائكة وقال تعالى أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم ~~الآية # السبب الخامس الخوف من فوت المقاصد وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد ~~فإن كان واحد يحسد صاحبه في كل نعمة تكون عونا له في الانفراد بمقصوده ومن ~~هذا الجنس تحاسد الضرات في التزاحم على مقاصد الزوجية وتحاسد الإخوة في ~~التزاحم على نيل المنزلة في قلب الأبوين للتوصل به إلى مقاصد الكرامة ~~والمال وكذلك تحاسد التلميذين لأستاذ واحد على نيل المرتبة من قلب الأستاذ ~~وتحاسد ندماء الملك وخواصه في نيل المنزلة من قلبه للتوصل به إلى المال ~~والجاه وكذلك تحاسد الواعظين المتزاحمين على أهل بلدة واحدة إذا كان غرضهما ~~نيل المال بالقبول عندهم وكذلك تحاسد العالمين المتزاحمين على طائفة من ~~المتفقهه محصورين إذ يطلب كل واحد منزلة في قلوبهم للتوصل بهم إلى أغراض له # السبب السادس حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه من غير توصل إلى مقصود وذلك ~~كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب عليه حب ~~الثناء واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه واحد الدهر PageV03P193 وفريد ~~العصر في فنه وإنه لا نظير له فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءه ~~ذلك وأحب موته أو زوال النعمة عنه التي بها يشاركه المنزلة من شجاعة أو علم ~~أو عبادة أو صناعة أو جمال أو ثروة أو غير ذلك مما يتفرد هو به ويفرح بسبب ~~تفرده وليس السبب في هذا عداوة ولا تعزز ولا تكبر على المحسود ولا خوف من ~~فوات مقصود سوى محض الرياسة بدعوى الانفراد # وهذا وراء ما بين آحاد العلماء من طلب الجاه والمنزلة في قلوب الناس ~~للتوصل إلى مقاصد سوى الرياسة وقد كان علماء اليهود ينكرون معرفة رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ولا يؤمنون به خيفة من أن تبطل رياستهم واستتباعهم مهما ~~نسخ علمهم # السبب السابع خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى فإنك تجد من لا ~~يشتغل برياسة وتكبر ولا طلب مال إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله ~~تعالى فيما أنعم الله به عليه يشق ذلك عليه وإذا وصف له اضطراب أمور الناس ~~وإدبارهم وفوات مقاصدهم وتنغص عيشهم فرح به فهو أبدا يحب الإدبار لغيره ~~ويبخل بنعمة الله على عباده كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته ويقال البخيل ~~من يبخل بمال نفسه والشحيح هو الذي يبخل بمال غيره فهذا يبخل بنعمة الله ~~تعالى على عباده الذين ليس بينه وبينهم عداوة ولا رابطة هذا ليس له سبب ~~ظاهر إلا خبث في النفس ورذالة في الطبع عليه وقعت الجبلة ومعالجته شديدة ~~لأن الحسد الثابت بسائر الأسباب أسبابه عارضة يتصور زوالها فيطمع في ~~إزالتها وهذا خبث في الجبلة لا عن سبب عارض فتعسر إزالته إذ يستحيل في ~~العادة إزالته فهذه هي أسباب الحسد وقد يجتمع بعض هذه الأسباب أو أكثرها أو ~~جميعها في شخص واحد فيعظم فيه الحسد بذلك ويقوي قوة لا يقدر معها على ~~الإخفاء والمجاملة بل ينهتك حجاب المجاملة وتظهر العداوة بالمكاشفة # وأكثر المحاسدات تجتمع فيها جملة من هذه الأسباب وقلما يتجرد سبب واحد ~~منها # | بيان السبب في كثرة الحسد بين الأمثال والأقران والإخوة وبني العم # والأقارب وتأكده وقلته في غيرهم وضعفه # اعلم أن الحسد إنما يكثر بين قوم تكثر بينهم الأسباب التي ذكرناها وإنما ~~يقوى بين قوم تجتمع جملة من هذه الأسباب فيهم وتتظاهر إذ الشخص الواحد يجوز ~~أن يحسد لأنه قد يمتنع عن قبول التكبر ولأنه يتكبر ولأنه عدو ولغير ذلك من ~~الأسباب # وهذه الأسباب إنما تكثر بين أقوام تجمعهم روابط يجتمعون بسببها في مجالس ~~المخاطبات ويتواردون على الأغراض فإذا خالف واحد منهم صاحبه في غرض من ~~الأغراض نفر طبعه عنه وأبغضه وثبت الحقد في قلبه فعند ذلك يريد أن يستحقره ~~ويتكبر عليه ويكافئه على مخالفته لغرضه ويكره تمكنه من النعمة التي توصله ~~إلى أغراضه وتترادف جملة من هذه الأسباب إذ لا رابطة بين شخصين في بلدتين ~~متنائيتين فلا يكون بينهما محاسدة وكذلك في محلتين نعم إذا تجاورا في مسكن ~~أو سوق أو مدرسة أو مسجد تواردا على مقاصد تتناقض فيها أغراضهما فيثور من ~~التناقض التنافر والتباغض ومنه تثور بقية أسباب الحسد ولذلك ترى العالم ~~يحسد العالم دون العابد والعابد يحسد العابد دون العالم والتاجر يحسد ~~التاجر بل الإسكاف يحسد الإسكاف ولا يحسد البزاز إلا بسبب آخر سوى الاجتماع ~~في الحرفة ويحسد الرجل أخاه وابن عمه أكثر مما يحسد الأجانب والمرأة تحسد ~~ضرتها وسرية زوجها أكثر مما تحسد أم الزوج وابنته # لأن مقصد البزاز غير مقصد الإسكاف فلا يتزاحمون على المقاصد إذ مقصد ~~البزاز الثروة ولا يحصلها إلا بكثرة الزبون وإنما ينازعه فيه بزاز آخر إذ ~~حريف البزاز لا يطلبه PageV03P194 الإسكاف بل البزاز ثم مزاحمة البزاز ~~المجاور له أكثر من مزاحمة البعيد عنه إلى طرف السوق فلا جرم يكون حسده ~~للجار أكثر وكذلك الشجاع يحسد الشجاع ولا يحسد العالم لأن مقصده أن يذكر ~~بالشجاعة ويشتهر بها وينفرد بهذه الخصلة ولا يزاحمه العالم على هذا الغرض ~~وكذلك يحسد العالم العالم ولا يحسد الشجاع ثم حسد الواعظ للواعظ أكثر من ~~حسده للفقيه والطبيب لأن التزاحم بينهما على مقصود واحد أخص فأصل هذه ~~المحاسدات العداوة وأصل العداوة التزاحم بينهما على غرض واحد والغرض الواحد ~~لا يجمع متباعدين بل متناسبين فلذلك يكثر الحسد بينهما نعم من اشتد حرصه ~~على الجاه وأحب الصيت في جميع أطراف العالم بما هو فيه فإنه يحسد كل من هو ~~في العالم وإن بعد ممن يساهمه في الخصلة التي يتفاخر بها ومنشأ جميع ذلك حب ~~الدنيا فإن الدنيا هي التي تضيق على المتزاحمين أما الآخرة فلا ضيق فيها ~~وإنما مثال الآخرة نعمة العلم فلا جرم من يحب معرفة الله تعالى ومعرفة ~~صفاته وملائكته وأنبيائه وملكوت سمواته وأرضه لم يحسد غيره إذا عرف ذلك ~~أيضا لأن المعرفة لا تضيق على العارفين بل المعلوم الواحد يعلمه ألف ألف ~~عالم ويفرح بمعرفته ويلتذ به ولا تنقص لذة واحد بسبب غيره بل يحصل بكثرة ~~العارفين زيادة الأنس وثمرة الاستفادة والإفادة فلذلك لا يكون بين علماء ~~الدين محاسدة لأن مقصدهم معرفة الله تعالى وهو بحر واسع لا ضيق فيه وغرضهم ~~المنزلة عند الله ولا ضيق أيضا فيما عند الله تعالى لأن أجل ما عند الله ~~سبحانه من النعيم لذة لقائه وليس فيها ممانعة ومزاحمة ولا يضيق بعض ~~الناظرين على بعض بل يزيد الأنس بكثرتهم نعم إذا قصد العلماء بالعلم المال ~~والجاه تحاسدوا لأن المال أعيان وأجسام إذا وقعت في يد واحد خلت عنها يد ~~الآخر ومعنى الجاه ملك القلوب ومهما امتلأ قلب شخص بتعظيم عالم انصرف عن ~~تعظيم الآخر أو نقص عنه لا محالة فيكون ذلك سببا للمحاسدة وإذا امتلأ قلب ~~بالفرح بمعرفة الله تعالى لم يمنع ذلك أن يمتليء قلب غيره بها وأن يفرح ~~بذلك والفرق بين العلم والمال أن المال لا يحل في يد ما لم يرتحل عن اليد ~~الأخرى والعلم في قلب العالم مستقر ويحل في قلب غيره بتعليمه من غير أن ~~يرتحل من قلبه والمال أجسام وأعيان ولها نهاية فلو ملك الإنسان جميع ما في ~~الأرض لم يبق بعده مال يتملكه غيره والعلم لا نهاية له ولا يتصور استيعابه ~~فمن عود نفسه الفكر في جلال الله وعظمته وملكوت أرضه وسمائه صار ذلك ألذ ~~عنده من كل نعيم ولم يكن ممنوعا منه ولا مزاحما فيه فلا يكون في قلبه حسد ~~لأحد من الخلق لأن غيره أيضا لو عرف مثل معرفته لم ينقص من لذته بل زادت ~~لذته بمؤانسته فتكون لذة هؤلاء في مطالعة عجائب الملكوت على الدوام أعظم من ~~لذة من ينظر إلى أشجار الجنة وبساتينها بالعين الظاهرة فإن نعيم العارف ~~وجنته معرفته التي هي صفة ذاته يأمن زوالها وهو أبدا يجني ثمارها فهو بروحه ~~وقلبه مغتذ بفاكهة علمه وهي فاكهة غير مقطوعة ولا ممنوعة بل قطوفها دانية ~~فهو وإن غمض العين الظاهرة فروحه أبدا ترتع في جنة عالية ورياض زاهرة فإن ~~فرض كثرة في العارفين لم يكونوا متحاسدين بل كانوا كما قال فيهم رب ~~العالمين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين فهذا حالهم ~~وهم بعد في الدنيا فماذا يظن بهم عند انكشاف الغطاء ومشاهدة المحبوب في ~~العقبى فإذن لا يتصور أن يكون في الجنة محاسدة ولا أن يكون بين أهل الدنيا ~~في الجنة محاسدة لأن الجنة لا مضايقة فيها ولا مزاحمة ولا تنال إلا بمعرفة ~~الله تعالى التي لا مزاحمة فيها في الدنيا أيضا فأهل الجنة بالضرورة برءاء ~~من الحسد في الدنيا والآخرة جميعا بل الحسد من صفات المبعدين عن سعة عليين ~~إلى مضيق سجين ولذلك وسم به الشيطان اللعين وذكر من صفاته أنه حسد آدم عليه ~~السلام على ما خص به من الاجتباء ولما دعى إلى السجود استكبر وأبى وتمرد ~~وعصى فقد عرفت أنه لا حسد إلا للتوارد على مقصود PageV03P195 يضيق عن ~~الوفاء بالكل ولهذا لا تري الناس يتحاسدون على النظر إلى زينة السماء ~~ويتحاسدون على رؤية البساتين التي هي جزء يسير من جملة الأرض وكل الأرض لا ~~وزن لها بالإضافة إلى السماء ولكن السماء لسعة الأقطار وافية بجميع الأبصار ~~فلم يكن فيها تزاحم ولا تحاسد أصلا فعليك إن كنت بصيرا وعلى نفسك مشفقا أن ~~تطلب نعمة لا زحمة فيها ولذة لا كدر لها ولا يوجد ذلك في الدنيا إلا في ~~معرفة الله عز وجل ومعرفة صفاته وأفعاله وعجائب ملكوت السموات والأرض ولا ~~ينال ذلك في الآخرة إلا بهذه المعرفة أيضا فإن كنت لا تشتاق إلى معرفة الله ~~تعالى ولم تجد لذتها وفتر عنها رأيك وضعفت فيها رغبتك فأنت في ذلك معذور إذ ~~العنين لا يشتاق إلى لذة الوقاع والصبي لا يشتاق إلى لذة الملك فإن هذه ~~لذات يختص بإدراكها الرجال دون الصبيان والمخنثين فكذلك لذة المعرفة يختص ~~بإدراكها الرجال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ولا يشتاق إلى ~~هذه اللذة غيرهم لأن الشوق بعد الذوق ومن لم يذق لم يعرف ومن لم يعرف لم ~~يشتق ومن لم يشتق لم يطلب ومن لم يطلب لم يدرك ومن لم يدرك بقي مع ~~المحرومين في أسفل السافلين ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له ~~قرين # | بيان الدواء الذي ينفي مرض الحسد عن القلب # اعلم أن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب ولا تداوى أمراض القلوب إلا ~~بالعلم والعمل والعلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقا أن الحسد ضرر ~~عليك في الدنيا والدين وأنه لا ضرر فيه على المحسود في الدنيا والدين بل ~~ينتفع به فيهما ومهما عرفت هذا عن بصيرة ولم تكن عدو نفسك وصديق عدوك فارقت ~~الحسد لا محالة أما كونه ضررا عليك في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء الله ~~تعالى وكرهت نعمته التي قسمها بين عباده وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي ~~حكمته فاستنكرت ذلك واستبشعته وهذه جناية على حدقة التوحيد وقذى في عين ~~الإيمان وناهيك بهما جناية على الدين وقد انضاف إلى ذلك أنك غششت رجلا من ~~المؤمنين وتركت نصيحته وفارقت أولياء الله وأنبياءه في حبهم الخير لعباده ~~تعالى وشاركت إبليس وسائر الكفار في محبتهم للمؤمنين البلايا وزوال النعم ~~وهذه خبائث في القلب تأكل حسنات القلب كما تأكل النار الحطب وتمحوها كما ~~يمحو الليل والنهار وأما كونه ضررا عليك في الدنيا فهو أنك تتألم بحسدك في ~~الدنيا أو تتعذب به ولا تزال في كمد وغم إذ أعداؤك لا يخليهم الله تعالى عن ~~نعم يفيضها عليهم فلا تزال تتعذب بكل نعمة تراها وتتألم بكل بلية تنصرف ~~عنهم فتبقى مغموما محروما متشعب القلب ضيق الصدر قد نزل بك ما يشتهيه ~~الأعداء لك وتشتهيه لأعدائك فقد كنت تريد المحنة لعدوك فتنجزت في الحال ~~محنتك وغمك نقدا ومع هذا فلا تزول النعمة عن المحسود بحسدك ولو لم تكن تؤمن ~~بالبعث والحساب لكان مقتضى الفطنة إن كنت عاقلا أن تحذر من الحسد لما فيه ~~من ألم القلب ومساءته مع عدم النفع فكيف وأنت عالم بما في الحسد من العذاب ~~الشديد في الآخرة فما أعجب من العاقل كيف يتعرض لسخط الله تعالى من غير نفع ~~يناله بل مع ضرر يحتمله وألم يقاسيه فيهلك دينه ودنياه من غير جدوى ولا ~~فائدة وأما أنه ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح لأن النعمة لا تزول ~~عنه بحسدك بل ما قدره الله تعالى من إقبال ونعمة فلا بد أن يدوم إلى أجل ~~غير معلوم قدره الله سبحانه فلا حيلة في دفعه بل كل شيء عنده بمقدار ولكل ~~إجل كتاب # ولذلك شكا نبي من الأنبياء من امرأة ظالمة مستولية على الخلق فأوحى الله ~~إليه فر من قدامها حتى تنقضي أيامها أي ما قدرناه في الأزل لا سبيل إلى ~~تغييره فاصبر حتى تنقضي المدة التي سبق القضاء بدوام إقبالها فيها ومهما ~~PageV03P196 لم تزل النعمة بالحسد لم يكن على المحسود ضرر في الدنيا ولا ~~يكون عليه إثم في الآخرة ولعلك تقول ليت النعمة كانت تزول عن المحسود بحسدي ~~وهذا غاية الجهل فإنه بلاء تشتهيه أولا لنفسك فإنك أيضا لا تخلو عن عدو ~~يحسدك فلو كانت النعمة تزول بالحسد لم يبق لله تعالى عليك نعمة ولا على أحد ~~من الخلق ولا نعمة الإيمان أيضا لأن الكفار يحسدون المؤمنين على الإيمان ~~قال الله تعالى ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا ~~حسدا من عند أنفسهم إذ ما يريد الحسود لا يكون نعم هو يضل بإرادته الضلال ~~لغيره فإن أراد الكفر كفر فمن اشتهى أن تزول النعمة عن المحسود بالحسد ~~فكأنما يريد أن يسلب نعمة الإيمان بحسد الكفار وكذا سائر النعم وإن اشتهيت ~~أن تزول النعمة عن الخلق بحسدك ولا تزول عنك بحسد غيرك فهذا غاية الجهل ~~والغباوة فإن كل واحد من حمقى الحساد أيضا يشتهي أن يخص بهذه الخاصية ولست ~~بأولى من غيرك فنعمة الله تعالى عليك في إن لم تزل النعمة بالحسد مما يجب ~~عليك شكرها وأنت بجهلك تكرهها وأما أن المحسود ينتفع به في الدين والدنيا ~~فواضح أما منفعته في الدين فهو أنه مظلوم من جهتك لا سيما إذا أخرجك الحسد ~~إلى القول والفعل بالغيبة والقدح فيه وهتك ستره وذكر مساويه فهذه هدايا ~~تهديها إليه أعني أنك بذلك تهدي إليه حسناتك حتى تلقاه يوم القيامة مفلسا ~~محروما عن النعمة كما حرمت في الدنيا عن النعمة فكأنك أردت زوال النعمة عنه ~~فلم تزل # نعم كان لله عليه نعمة إذ وفقك للحسنات فنقلتها إليه فأضفت إليه نعمة إلى ~~نعمة وأضفت إلى نفسك شقاوة إلى شقاوة # وأما منفعته في الدنيا فهو أن أهم أغراض الخلق مساءة الأعداء وغمهم ~~وشقاوتهم وكونهم معذبين مغمومين ولا عذاب أشد مما أنت فيه من ألم الحسد ~~وغاية أماني أعدائك أن يكونوا في نعمة وأن تكون في غم وحسرة بسببهم وقد ~~فعلت بنفسك ما هو مرادهم ولذلك لا يشتهي عدوك موتك بل يشتهي أن تطول حياتك ~~ولكن في عذاب الحسد لتنظر إلى نعمة الله عليه فيتقطع قلبك حسدا ولذلك قيل # لا مات أعداؤك بل خلدوا % حتى يروا فيك الذي يكمد # لا زلت محسودا على نعمة % فإنما الكامل من يحسد # ففرح عدوك بغمك وحسدك أعظم من فرحه بنعمته ولو علم خلاصك من ألم الحسد ~~وعذابه لكان ذلك أعظم مصيبة وبلية عنده فما أنت فيما تلازمه من غم الحسد ~~إلا كما يشتهيه عدوك فإذا تأملت هذا عرفت أنك عدو نفسك وصديق عدوك إذ ~~تعاطيت ما تضررت به في الدنيا والآخرة وانتفع به عدوك في الدنيا والآخرة ~~وصرت مذموما عند الخالق والخلائق شقيا في الحال والمآل ونعمة المحسود دائمة ~~شئت أم أبيت باقية ثم لم تقتصر على تحصيل مراد عدوك حتى وصلت إلى إدخال ~~أعظم سرور على إبليس الذي هو أعدى أعدائك لأنه لما رآك محروما من نعمة ~~العلم والورع والجاه والمال الذي اختص به عدوك عنك خاف أن تحب ذلك له ~~فتشاركه في الثواب بسبب المحبة لأن من أحب الخير للمسلمين كان شريكا في ~~الخير ومن فاته اللحاق بدرجة الأكابر في الدنيا لم يفته ثواب الحب لهم مهما ~~أحب ذلك فخاف إبليس أن تحب ما أنعم الله به على عبده من صلاح دينه ودنياه ~~فتفوز بثواب الحب فبغضه إليك حتى لا تلحقه بحبك كما لم تلحقه بعملك # وقد قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله الرجل يحب القوم ~~ولما يلحق بهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم PageV03P197 المرء مع من أحب ~~+ حديث الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم فقال هو مع من أحب متفق عليه من حديث ~~ابن مسعود + # وقام أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال يا رسول ~~الله متى الساعة فقال ما أعددت لها قال ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ~~إلا أني أحب الله ورسوله فقال صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت + حديث ~~سؤال الأعرابي متى الساعة فقال ما أعددت لها الحديث متفق عليه من حديث أنس ~~+ # قال أنس فما فرح المسلمون بعد إسلامهم كفرحهم يومئذ إشارة إلى أن أكبر ~~بغيتهم كانت حب الله ورسوله قال أنس فنحن نحب رسول الله وأبا بكر وعمر ولا ~~نعمل مثل عملهم ونرجو أن نكون معهم وقال أبو موسى قلت يا رسول الله الرجل ~~يحب المصلين ولا يصلي ويحب الصوام ولا يصوم حتى عد أشياء فقال النبي صلى ~~الله عليه وسلم هو مع من أحب + حديث أبي موسى قلت يا رسول الله الرجل يحب ~~المصلين ولا يصلي الحديث وفيه هو مع من أحب متفق عليه من حديث بلفظ آخر ~~مختصرا الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم قال المرء مع من أحب + # وقال رجل لعمر بن عبد العزيز إنه كان يقال إن استطعت أن تكون عالما فكن ~~عالما فإن لم تستطع أن تكون عالما فكن متعلما فإن لم تستطع أن تكون متعلما ~~فأحبهم فإن لم تستطع فلا تبغضهم فقال سبحان الله الذي جعل الله لنا مخرجا # فانظر الآن كيف حسدك إبليس ففوت عليك ثواب الحب ثم لم يقنع به حتى بغض ~~إليك أخاك وحملك على الكراهة حتى أثمت وكيف لا وعساك تحاسد رجلا من أهل ~~العلم وتحب أن يخطيء في دين الله تعالى وينكشف خطؤه ليفتضح وتحب أن يخرس ~~لسانه حتى لا يتكلم أو يمرض حتى لا يعلم ولا يتعلم وأي إثم يزيد على ذلك ~~فليتك إذ فاتك اللحاق به ثم اغتممت بسببه سلمت من الإثم وعذاب الآخرة وقد ~~جاء في الحديث أهل الجنة ثلاثة المحسن والمحب له والكاف عنه + حديث أهل ~~الجنة ثلاثة المحسن والمحب له والكاف عنه لم أجد له أصلا + # أي من يكف عن الأذى والحسد والبغض والكراهة فانظر كيف أبعدك إبليس عن ~~جميع المداخل الثلاثة حتى لا تكون من أهل واحد منها ألبتة فقد نفذ فيك حسد ~~إبليس وما نفذ حسدك في عدوك بل على نفسك بل لو كوشفت بحالك في يقظة أو منام ~~لرأيت نفسك أيها الحاسد في صورة من يرمي سهما إلى عدوه ليصيب مقتله فلا ~~يصيبه بل يرجع إلى حدقته اليمني فيقلعها فيزيد غضبه فيعود ثانية فيرمي أشد ~~من الأولى فيرجع إلى عينه الأخرى فيعميها فيزداد غيظه فيعود على رأسه فيشجه ~~وعدوه سالم في كل حال وهو إليه راجع مرة بعد أخرى وأعداؤه حوله يفرحون به ~~ويضحكون عليه وهذا حال الحسود وسخرية الشيطان منه بل حالك في الحسد أقبح من ~~هذا لأن الرمية العائدة لم تفوت إلا العينين ولو بقيتا لفاتتا بالموت لا ~~محالة # والحسد يعود بالإثم والإثم لا يفوت بالموت ولعله يسوقه إلى غضب الله وإلى ~~النار فلأن تذهب عينه في الدنيا خير له من أن تبقى له عين يدخل بها النار ~~فيقلعها لهيب النار فانظر كيف انتقم الله من الحاسد إذا أراد زوال النعمة ~~عن المحسود فلم يزلها عنه ثم أزالها عن الحاسد إذ السلامة من الإثم نعمة ~~والسلامة من الغم والكمد نعمة قد زالتا عنه تصديقا لقوله تعالى ولا يحيق ~~المكر السيء إلا بأهله وربما يبتلي بعين ما يشتهيه لعدوه وقلما يشمت شامت ~~بمساءة إلا ويبتلي بمثلها حتى قالت عائشة رضي الله عنها ما تمنيت لعثمان ~~شيئا إلا نزل بي حتى لو تمنيت له القتل لقتلت فهذا إثم الحسد نفسه فكيف ما ~~يجر إليه الحسد من الاختلاف وجحود الحق وإطلاق اللسان واليد بالفواحش في ~~التشفي من الأعداء وهو الداء الذي فيه هلك الأمم السالفة # فهذه هي الأدوية العلمية فمهما تفكر الإنسان فيها بذهن صاف وقلب حاضر ~~انطفأت نار الحسد من قلبه وعلم PageV03P198 أنه مهلك نفسه ومفرح عدوه ومسخط ~~ربه ومنغص عيشه # وأما العمل النافع فيه فهو أن يحكم الحسد فكل ما يتقاضاه الحسد من قول ~~وفعل فينبغي أن يكلف نفسه نقيضه فإن حمله الحسد على القدح في محسوده كلف ~~لسانه المدح له والثناء عليه وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع ~~له والاعتذار إليه وإن بعثه على كف الإنعام عليه ألزم نفسه الزيادة في ~~الإنعام عليه فمهما فعل ذلك عن تكلف وعرفه المحسود طاب قلبه وأحبه ومهما ~~ظهر حبه عاد الحاسد فأحبه وتولد من ذلك الموافقه التي تقطع مادة الحسد لأن ~~التواضع والثناء والمدح وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعم عليه ~~ويسترقه ويستعطفه ويحمله على مقابلة ذلك بالإحسان ثم ذلك الإحسان يعود إلى ~~الأول فيطيب قلبه ويصير ما تكلفه أولا طبعا آخرا ولا يصدنه عن ذلك قول ~~الشيطان له لو تواضعت وأثنيت عليه حملك العدو على العجز أو على النفاق أو ~~الخوف وأن ذلك مذلة ومهانة وذلك من خداع الشيطان ومكايده بل المجاملة تكلفا ~~كانت أو طبعا تكسر سورة العداوة من الجانبين وتقل مرغوبها وتعود القلوب ~~التآلف والتحاب وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض # فهذه هي أدوية الحسد وهي نافعة جدا إلا أنها مرة على القلوب جدا ولكن ~~النفع في الدواء المر فمن لم يصبر على مرارة الدواء لم ينل حلاوة الشفاء ~~وإنما تهون مرارة هذا الدواء أعني التواضع للأعداء والتقرب إليهم بالمدح ~~والثناء بقوة العلم بالمعاني التي ذكرناها وقوة الرغبة في ثواب الرضا بقضاء ~~الله تعالى وحب ما أحبه وعزة النفس وترفعها عن أن يكون في العالم شيء على ~~خلاف مرادها جهل وعند ذلك يريد ما لا يكون إذ لا مطمع في أن يكون ما يريد ~~وفوات المراد ذل وخسة ولا طريق إلى الخلاص من هذا الذل إلا بأحد أمرين إما ~~بأن يكون ما تريد أو بأن تريد ما يكون والأول ليس إليك ولا مدخل للتكلف ~~والمجاهدة فيه وأما الثاني فللمجاهدة فيه مدخل وتحصيله بالرياضة ممكن فيجب ~~تحصيله على كل عاقل هذا هو الدواء الكلي # فأما الدواء المفصل فهو تتبع أسباب الحسد من الكبر وغيره وعزة النفس وشدة ~~الحرص على ما لا يغني وسيأتي تفصيل مداواة هذه الأسباب في مواضعها إن شاء ~~الله تعالى فإنها مواد هذا المرض ولا ينقمع المرض إلا بقمع المادة فإن لم ~~تقمع المادة لم يحصل بما ذكرناه إلا تسكين وتطفئة ولا يزال يعود مرة بعد ~~أخرى ويطول الجهد في تسكينه مع بقاء مواده فإنه ما دام محبا للجاه فلا بد ~~وأن يحسد من استأثر بالجاه والمنزلة في قلوب الناس دونه ويغمه ذلك لا محالة ~~وإنما غايته أن يهون الغم على نفسه ولا يظهر بلسانه ويده فأما الخلو عنه ~~رأسا فلا يمكنه والله الموفق # | بيان القدر الواجب في نفي الحسد عن القلب # اعلم أن المؤذي ممقوت بالطبع ومن آذاك فلا يمكنك أن لا تبغضه غالبا فإذا ~~تيسرت له نعمة فلا يمكنك أن لا تكرهها له حتى يستوي عندك حسن حال عدوك وسوء ~~حاله بل لا تزال تدرك في النفس بينهما تفرقة ولا يزال الشيطان ينازعك إلى ~~الحسد له ولكن إن قوي ذلك فيك حتى بعثك على إظهار الحسد بقول أو فعل بحيث ~~يعرف ذلك من ظاهرك بأفعالك الاختيارية فأنت حسود عاص بحسدك وإن كففت ظاهرك ~~بالكلية إلا أنك بباطنك تحب زوال النعمة وليس في نفسك كراهة لهذه الحالة ~~فأنت أيضا حسود عاص لأن الحسد صفة القلب لا صفة الفعل قال الله تعالى ولا ~~يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا وقال عز وجل ودوا لو تكفرون كما كفروا ~~فتكونون سواء @QB@ وقال @QE@ إن تمسسكم حسنة تسؤهم أما الفعل فهو غيبة وكذب ~~وهو عمل صادر عن PageV03P199 الحسد وليس هو عين الحسد بل محل الحسد القلب ~~دون الجوارح نعم هذا الحسد ليس مظلمة يجب الاستحلال منها بل هو معصية بينك ~~وبين الله تعالى وإنما يجب الاستحلال من الأسباب الظاهرة على الجوارح فأما ~~إذا كففت ظاهرك وألزمت مع ذلك قلبك كراهة ما يترشح منه بالطبع من حب زوال ~~النعمة حتى كأنك تمقت نفسك على ما في طبعها فتكون تلك الكراهة من جهة العقل ~~في مقابلة الميل من جهة الطبع فقد أديت الواجب عليك ولا يدخل تحت اختيارك ~~في أغلب الأحوال أكثر من هذا فأما تغيير الطبع ليستوي عنده المؤذي والمحسن ~~ويكون فرحه أو غمه بما تيسر لهما من نعمة أو تنصب عليهما من بلية سواء فهذا ~~مما لا يطاوع الطبع عليه ما دام ملتفتا إلى حظوظ الدنيا إلا أن يصير ~~مستغرقا بحب الله تعالى مثل السكران الواله فقد ينتهي أمره إلى أن لا يلتفت ~~قلبه إلى تفاصيل أحوال العباد بل ينظر إلى الكل بعين واحدة وهي عين الرحمة ~~ويرى الكل عباد الله وأفعالهم أفعالا لله ويراهم مسخرين وذلك إن كان فهو ~~كالبرق الخاطف لا يدوم ثم يرجع القلب بعد ذلك إلى طبعه ويعود العدو إلى ~~منازعته أعني الشيطان فإنه ينازع بالوسوسة فمهما قابل ذلك بكراهته وألزم ~~قلبه هذه الحالة فقد أدى ما كلفه وقد ذهب ذاهبون إلى أنه لا يأثم إذا لم ~~يظهر الحسد على جوارحه لما روي عن الحسن أنه سئل عن الحسد فقال غمه فإنه لا ~~يضرك ما لم تبده وروي عنه موقوفا ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه ~~قال ثلاثة لا يخلو منهن المؤمن وله منهن مخرج فمخرجه من الحسد أن لا يبغي ~~والأولى أن يحمل هذا على ما ذكرناه من أن يكون فيه كراهة من جهة الدين ~~والعقل في مقابلة حب الطبع لزوال نعمة العدو وتلك الكراهة تمنعه من البغي ~~والإيذاء فإن جميع ما ورد من الأحبار في ذم الحسد يدل ظاهره على أن كل حاسد ~~آثم ثم الحسد عبارة عن صفة القلب لا عن الأفعال فكل من يحب إساءة مسلم فهو ~~حاسد فإذن كونه آثما بمجرد حسد القلب من غير فعل هو في محل الاجتهاد ~~والأظهر ما ذكرناه من حيث ظواهر الآيات والأخبار ومن حيث المعنى إذ يبعد أن ~~يعفى عن العبد في إرادته إساءة مسلم واشتماله بالقلب على ذلك من غير كراهة ~~وقد عرفت من هذا أن لك في أعدائك ثلاثة أحوال # أحدها أن تحب مساءتهم بطبعك وتكره حبك لذلك وميل قلبك إليه بعقلك وتمقت ~~نفسك عليه وتود لو كانت لك حيلة في إزالة ذلك الميل منك وهذا معفو عنه قطعا ~~لأنه لا يدخل تحت الاختيار أكثر منه # الثاني أن تحب ذلك وتظهر الفرح بمساءته إما بلسانك أو بجوارحك فهذا هو ~~الحسد المحظور قطعا # الثالث وهو بين الطرفين أن تحسد بالقلب من غير مقت لنفسك على حسدك ومن ~~غير إنكار منك على قلبك ولكن تحفظ جوارحك عن طاعة الحسد في مقتضاه وهذا في ~~محل الخلاف والظاهر أنه لا يخلو عن إثم بقدر قوة ذلك الحب وضعفه والله ~~تعالى أعلم والحمد لله رب العالمين وحسبنا الله ونعم الوكيل PageV03P200 # | كتاب ذم الدنيا وهو الكتاب السادس من ربع المهلكات من كتاب إحياء # العلوم الدين # بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي عرف أولياءه غوائل الدنيا وآفاتها وكشف لهم عن عيوبها ~~وعوراتها حتى نظروا في شواهدها وآياتها ووزنوا بحسناتها سيئاتها فعلموا أنه ~~يزيد منكرها على معروفها ولا يفي مرجوها بمخوفها ولا يسلم طلوعها من كسوفها ~~ولكنها في صورة امرأة مليحة تستميل الناس بجمالها ولها أسرار سوء قبائح ~~تهلك الراغبين في وصالها ثم هي فرارة عن طلابها شحيحة بإقبالها وإذا أقبلت ~~لم يؤمن شرها ووبالها إن أحسنت ساعة أساءت سنة وإن أساءت مرة جعلتها سنة ~~فدوائر إقبالها على التقارب دائرة وتجارة بنيها خاسرة بائرة وآفاتها على ~~التوالي لصدور طلابها راشقة ومجاري أحوالها بذل طالبيها ناطقة فكل مغرور ~~بها إلى الذل مصيره وكل متكبر بها إلى التحسر مسيره شأنها الهرب من طالبها ~~والطلب لهاربها ومن خدمها فاتته ومن أعرض عنها واتته لا يخلو صفوها عن ~~شوائب الكدورات ولا ينفك سرورها عن المنغصات سلامتها تعقب السقم وشبابها ~~يسوق إلى الهرم ونعيمها لا يثمر إلا الحسرة والندم فهي خداعة مكارة طيارة ~~فرارة لا تزال تتزين لطلابها حتى إذا صاروا من أحبابها كشرت لهم عن أنيابها ~~وشوشت عليهم مناظم أسبابها وكشفت لهم عن مكنون عجائبها فأذاقتهم قواتل ~~سمامها ورشقتهم بصوائب سهامها بينما أصحابها منها في سرور وإنعام إذ ولت ~~عنها كأنها أضغاث أحلام ثم عكرت عليهم بدواهيها فطحنتهم طحن الحصيد ووارتهم ~~في أكفانهم تحت الصعيد إن ملكت واحدا منهم جميع ما طلعت عليه الشمس جعلته ~~حصيدا كأن لم يغن بالأمس تمنى أصحابها سرورا وتعدهم غرورا حتى يأملون كثيرا ~~ويبنون قصورا فتصبح قصورهم قبورا وجمعهم بورا وسعيهم هباء منثورا ودعاؤهم ~~ثبورا هذه صفتها وكأن أمر الله قدرا مقدورا والصلاة والسلام على محمد عبده ~~ورسوله المرسل إلى العالمين بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا وعلى من كان من أهله ~~وأصحابه له في الدين ظهيرا وعلى الظالمين نصيرا وسلم تسليما كثيرا أما بعد ~~فإن الدنيا عدوة لله وعدوة لأولياء الله وعدوة لأعداء الله أما عداوتها لله ~~فإنها قطعت الطريق على عباد الله ولذلك لم ينظر الله إليها منذ خلقها وأما ~~عداوتها لأولياء الله عز وجل فإنه تزينت لهم بزينتها وعمتهم بزهرتها ~~ونضارتها حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها وأما عداوتها لأعداء الله ~~فإنها استدرجتهم بمكرها وكيدها فاقتنصتهم بشبكتها حتى وثقوا بها وعولوا ~~عليها فخذلتهم أحوج ما كانوا إليها فاجتنوا منها حسرة تتقطع دونها الأكباد ~~ثم حرمتهم السعادة أبد الآباد فهم على فراقها يتحسرون ومن مكايدها يستغيثون ~~ولا يغاثون بل يقال لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون أولئك الذي اشتروا الحياة ~~الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون # وإذا عظمت غوائل الدنيا وشرورها فلا بد أولا من معرفة حقيقة الدنيا وما ~~هي وما الحكمة في خلقها مع عداوتها وما مدخل غرورها وشرورها فإن من لا يعرف ~~الشر لا يتقيه ويوشك أن يقع فيه ونحن نذكر ذم PageV03P201 الدنيا وأمثلتها ~~وحقيقتها وتفصيل معانيها وأصناف الأشغال المتعلقة بها ووجه الحاجة إلى ~~أصولها وسبب انصراف الخلق عن الله بسبب التشاغل بفضولها إن شاء الله تعالى ~~وهو المعين على ما يرتضيه # | بيان ذم الدنيا # الآيات الواردة في ذم الدنيا وأمثلتها كثيرة وأكثر القرآن مشتمل على ذم ~~الدنيا وصرف الخلق عنها ودعوتهم إلى الآخرة بل هو مقصود الأنبياء عليهم ~~الصلاة والسلام ولم يبعثوا إلا لذلك فلا حاجة إلى الاستشهاد بآيات القرآن ~~لظهورها وإنما نورد بعض الأخبار الواردة فيها # فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على شاة ميتة فقال أترون هذه ~~الشاة هينة على أهلها قالوا من هوانها ألقوها # قال والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها ولو ~~كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء + حديث ~~مر على شاة ميتة فقال أترون هذه الشاة هينة على صاحبها الحديث أخرجه ابن ~~ماجه والحاكم وصحح إسناده من حديث سهل بن سعد وآخره عند الترمذي وقال حسن ~~صحيح ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث المستورد بن شداد دون هذه القطعة ~~الأخيرة ولمسلم نحوه من حديث جابر + # وقال صلى الله عليه وسلم الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر + حديث الدنيا ~~سجن المؤمن وجنة الكافر أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ~~كان منها + حديث الدنيا ملعونة ملعون ما فيها أخرجه الترمذي وحسنه وابن ~~ماجه من حديث أبي هريرة وزاد إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم + # وقال أبو موسى الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب دنياه ~~أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى + حديث ~~أبي موسى الأشعري من أحب دنياه أضر بآخرته الحديث أخرجه أحمد والبزار ~~والطبراني وابن حبان والحاكم وصححه + # وقال صلى الله عليه وسلم حب الدنيا رأس كل خطيئة + حديث حب الدنيا رأس كل ~~خطيئة أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان من طريقه ~~من رواية الحسن مرسلا + # وقال زيد بن أرقم كنا مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه فدعا بشراب فأتى ~~بماء وعسل فلما أدناه من فيه بكى حتى أبكى أصحابه وسكتوا وما سكت ثم عاد ~~وبكى حتى ظنوا أنهم لا يقدرون على مسألته قال ثم مسح عينيه فقالوا يا خليفة ~~رسول الله ما أبكاك قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يدفع ~~عن نفسه شيئا ولم أر معه أحدا فقلت يا رسول الله ما الذي تدفع عن نفسك قال ~~هذه الدنيا مثلت لي فقلت لها إليك عني ثم رجعت فقالت إنك إن أفلت مني لم ~~يفلت مني من بعدك + حديث زيد بن أرقم كنا مع أبي بكر فدعا بشراب فأتى بماء ~~وعسل فلما أدناه من فيه بكى الحديث وفيه كنت مع رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فرأيته يدفع عن نفسه شيئا الحديث أخرجه البزار بسند ضعيف بنحوه ~~والحاكم وصحح إسناده وابن أبي الدنيا والبيهقي من طريقه بلفظه + # وقال صلى الله عليه وسلم يا عجبا كل العجب للمصدق بدار الخلود وهو يسعى ~~لدار الغرور + حديث يا عجبا كل العجب للمصدق بدار الخلود وهو يسعى لدار ~~الغرور أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث أبي جرير مرسلا + # وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على مزبلة فقال هلموا إلى ~~الدنيا وأخذ خرقا قد بليت على تلك المزبلة وعظاما قد نخرت فقال هذه الدنيا ~~+ حديث إنه وقف على مزبلة فقال هلموا إلى الدنيا الحديث أخرجه ابن أبي ~~الدنيا في ذم الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان من طريقه من رواية ابن ميمون ~~اللخمي مرسلا وفيه بقية بن الوليد وقد عنعنه وهو مدلس + # وهذه إشارة إلى أن زينة الدنيا ستخلق مثل تلك الخرق وأن الأجسام التي ترى ~~بها ستصير عظاما بالية # وقال صلى الله عليه وسلم إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها ~~فناظر كيف تعملون إن بني إسرائيل لما PageV03P202 بسطت لهم الدنيا ومهدت ~~تاهوا في الحلية والنساء والطيب والثياب + حديث إن الدنيا حلوة خضرة وإن ~~الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه من ~~حديث أبي سعيد دون قوله إن بني إسرائيل والشطر الأول متفق عليه ورواه ابن ~~أبي الدنيا من حديث الحسن مرسلا بالزيادة التي في آخره + # وقال عيسى عليه السلام لا تتخذوا الدنيا ربا فتتخذكم عبيدا اكنزوا كنزكم ~~عند من لا يضيعه فإن صاحب كنز الدنيا يخاف عليه الآفة وصاحب كنز الله لا ~~يخاف عليه الآفة وقال عليه أفضل الصلاة والسلام يا معشر الحواريين إني قد ~~كببت لكم الدنيا على وجهها فلا تنعشوها بعدي فإن من خبث الدنيا أن عصى الله ~~فيها وإن من خبث الدنيا أن الآخرة لا تدرك إلا بتركها ألا فاعبروا الدنيا ~~ولا تعمروها واعلموا أن أصل كل خطيئة حب الدنيا ورب شهوة ساعة أورثت أهلها ~~حزنا طويلا # وقال أيضا بطحت لكم الدنيا وجلستم على ظهرها فلا ينازعنكم فيها الملوك ~~والنساء فأما الملوك فلا تنازعوهم الدنيا فإنهم لن يعرضوا لكم ما تركتموهم ~~ودنياهم وأما النساء فاتقوهن بالصوم والصلاة وقال أيضا الدنيا طالبة ~~ومطلوبة فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل فيها رزقه وطالب الدنيا ~~تطلبه الآخرة حتى يجيء الموت فيأخذ بعنقه وقال موسى ابن يسار قال النبي صلى ~~الله عليه وسلم إن الله عز وجل لم يخلق خلقا أبغض إليه من الدنيا وأنه منذ ~~خلقها لم ينظر إليها + حديث موسى بن يسار إن الله جل ثناؤه لم يخلق خلقا ~~أبغض إليه من الدنيا وأنه منذ خلقها لم ينظر إليها أخرجه ابن أبي الدنيا من ~~هذا الوجه بلاغا وللبيهقي في الشعب من طريقه وهو مرسل + # وروي أن سليمان بن داود عليهما السلام مر في موكبه والطير تظله والجن ~~والإنس عن يمينه وشماله قال فمر بعابد من بني إسرائيل فقال والله يا ابن ~~داود لقد آتاك الله ملكا عظيما قال فسمع سليمان وقال لتسبيحة في صحيفة مؤمن ~~خير مما أعطى ابن داود فإن ما أعطى ابن داود يذهب والتسبيحة تبقى # وقال صلى الله عليه وسلم ألهاكم التكاثر يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك ~~من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت + حديث ألهاكم ~~التكاثر يقول ابن آدم مالي مالي الحديث أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن ~~الشخير # وقال صلى الله عليه وسلم إن الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ~~ولها يجمع من لا عقل له وعليها يعادي من لا علم له وعليها يحسد من لا فقه ~~له ولها يسعى من لا يقين له + حديث الدنيا دار من لا دار له الحديث أخرجه ~~أحمد من حديث عائشة مقتصرا على هذا وعلى قوله ولها يجمع من لا عقل له دون ~~بقيته وزاد ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب من طريقه ومال من لا مال له ~~وإسناده جيد + # وقال صلى الله عليه وسلم من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء ~~وألزم الله قلبه أربع خصال هما لا ينقطع عنه أبدا وشغلا لا يتفرغ منه أبدا ~~وفقرا لا يبلغ غناه أبدا وأملا لا يبلغ منتهاه أبدا + حديث من أصبح والدنيا ~~أكبر همه فليس من الله في شيء وألزم الله قلبه أربع خصال الحديث أخرجه ~~الطبراني في الأوسط من حديث أبي ذر دون قوله وألزم الله قلبه وكذلك رواه ~~ابن أبي الدنيا من حديث أنس بإسناد ضعيف والحاكم من حديث حذيفة وروي هذه ~~الزيادة منفردة صاحب الفردوس من حديث ابن عمر وكلاهما ضعيف + # وقال أبو هريرة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة ألا ~~أريك الدنيا جميعها بما فيها فقلت بل يا رسول الله فأخذ بيده وأتى بي واديا ~~من أودية المدينة فإذا مزبلة فيها رءوس أناس وعذرات وخرق وعظام ثم قال يا ~~أبا هريرة هذه الرءوس كانت تحرص كحرصكم وتأمل كأملكم ثم هي اليوم عظام بلا ~~جلد ثم هي صائرة رمادا وهذه العذرات هي ألوان أطعمتهم اكتسبوها من حيث ~~اكتسبوها ثم قذفوها في بطونهم فأصبحت والناس يتحامونها وهذه الخرق البالية ~~كانت رياشهم ولباسهم فأصبحت والرياح تصفقها وهذه العظام عظام دوابهم التي ~~كانوا ينتجعون عليها أطراف البلاد فمن كان باكيا على الدنيا فليبك قال فما ~~برحنا حتى اشتد بكاؤنا + حديث أبي هريرة ألا أريك الدنيا جميعها بما فيها ~~قلت بلى يا رسول الله فأخذ بيدي وأتى بي واديا من أودية المدينة فإذا مزبلة ~~الحديث لم أجد له أصلا + # ويروي أن الله عز وجل لما أهبط آدم إلى الأرض قال له ابن للخراب ولد ~~للفناء PageV03P203 وقال داود بن هلال مكتوب في صحف إبراهيم عليه السلام يا ~~دنيا ما أهونك على الأبرار الذين تصنعت وتزينت لهم إني قذفت في قلوبهم بغضك ~~والصدود عنك وما خلقت خلقا أهون علي منك كل شأنك صغير وإلى الفناء يصير ~~قضيت عليك يوم خلقتك أن لا تدومي لأحد ولا يدوم لك أحد وإن بخل بك صاحبك ~~وشح عليك طوبى للأبرار الذين أطلعوني من قلوبهم على الرضا ومن ضميرهم على ~~الصدق والاستقامة طوبى لهم ما لهم عندي من الجزاء إذا وفدوا إلي من قبورهم ~~إلا النور يسعى أمامهم والملائكة حافون بهم حتى أبلغهم ما يرجون من رحمتي ~~وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا موقوفة بين السماء والأرض منذ ~~خلقها الله تعالى لم ينظر إليها وتقول يوم القيامة يا رب اجعلني لأدني ~~أوليائك اليوم نصيبا فيقول اسكتي يا لا شيء إني لم أرضك لهم في الدنيا ~~أرضاك لهم اليوم + حديث الدنيا موقوفة بين السماء والأرض منذ خلقها الله لا ~~ينظر إليها الحديث تقدم بعضه من رواية موسى بن يسارمرسلا ولم أجد باقيه + # وروي في أخبار آدم عليه السلام أنه لما أكل من الشجرة تحركت معدته لخروج ~~الثقل ولم يكن ذلك مجعولا في شيء من أطعمة الجنة إلا في هذه الشجرة فلذلك ~~نهيا عن أكلها قال فجعل يدور في الجنة فأمر الله تعالى ملكا يخاطبه فقال له ~~قل له أي شيء تريد قال آدم أريد أن أضع ما في بطني من الأذى فقيل للملك قل ~~له في أي مكان تريد أن تضعه أعلى الفرش أم على السرر أم على الأنهار أم تحت ~~ظلال الأشجار هل ترى ههنا مكانا يصلح لذلك اهبط إلى الدنيا وقال صلى الله ~~عليه وسلم ليجيئن أقوام يوم القيامة وأعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلى ~~النار قالوا يا رسول الله مصلين قال نعم كانوا يصلون ويصومون ويأخذون هنة ~~من الليل فإذا عرض لهم شيء من الدنيا وثبوا عليه + حديث لجيئين أقوام يوم ~~القيامة وأعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم الي النار الحديث أخرجه أبو نعيم ~~في الحلية من حديث سالم مولى أبي حذيفة بسند ضعيف وأبو منصور الديلمي من ~~حديث أنس وهو ضعيف أيضا + # وقال صلى الله عليه وسلم في بعض خطبه المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى ~~لا يدري ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه فليتزود ~~العبد من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته ومن حياته لموته ومن شبابه لهرمه فإن ~~الدنيا خلقت لكم وأنتم خلقتم للآخرة والذي نفسي بيده ما بعد الموت من ~~مستعتب ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار + حديث المؤمن بين ~~مخافتين بين أجل قد مضى الحديث أخرجه البيهقي في الشعب من حديث الحسن عن ~~رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيه انقطاع + وقال عيسى عليه ~~السلام لا يستقيم حب الدنيا والآخرة في مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في ~~إناء واحد وروي أن جبريل عليه السلام قال لنوح عليه السلام يا أطول ~~الأنبياء عمرا كيف وجدت الدنيا قال كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من ~~الآخر قيل لعيسى عليه السلام لو اتخذت بيتا يكنك # قال يكفينا خلقان من كان قبلنا # وقال نبينا صلى الله عليه وسلم احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت ~~+ حديث احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت أخرجه ابن أبي الدنيا ~~والبيهقي في الشعب من طريقه من رواية أبي الدرداء الرهاوي مرسلا وقال ~~البيهقي أن بعضهم قال عن أبي الدرداء عن رجل من الصحابة قال الذهبي لا يدرى ~~من أبو الدرداء قال وهكذا منكر لا أصل له + # وعن الحسن قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على أصحابه فقال ~~هل منكم من يريد أن يذهب الله عنه العمى ويجعله بصيرا ألا إنه من رغب في ~~الدنيا وطال أمله فيها أعمى الله قلبه على قدر ذلك ومن زهد في الدنيا وقصر ~~فيها أمله أعطاه الله علما بغير تعلم وهدى بغير هداية ألا إنه سيكون بعدكم ~~قوم لا يستقيم لهم الملك إلا بالقتل والتجبر ولا الغنى إلا بالفخر والبخل ~~ولا المحبة إلا باتباع الهوى إلا فمن أدرك ذلك الزمان منكم فصبر على الفقر ~~وهو يقدر على الغنى وصبر على البغضاء وهو يقدر على المحبة وصبر على الذل ~~وهو يقدر على العز لا يريد بذلك إلا وجه الله تعالى أعطاه الله ثواب خمسين ~~صديقا + حديث الحسن هل منكم من يريد أن يذهب الله عنه العمى الحديث أخرجه ~~ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب من طريقه هكذا مرسلا وفيه إبراهيم بن ~~الأشعث تكلم فيه أبو حاتم وروي أن عيسى عليه السلام اشتد عليه المطر والرعد ~~PageV03P204 والبرق يوما فجعل يطلب شيئا يلجأ إليه فوقعت عينه على خيمه من ~~بعيد فأتاها فإذا فيها امرأة فحاد عنها فإذا هو بكهف في جبل فأتاه فإذا فيه ~~أسد فوضع يده عليه وقال إلهي جعلت لكل شيء مأوى ولم تجعل لي مأوى فأوحى ~~الله تعالى إليه مأواك في مستقر رحمتي لأزوجنك يوم القيامة مائة حوراء ~~خلقتها بيدي ولأطعمن في عرسك أربعة آلاف عام يوم منها كعمر الدنيا ولآمرن ~~مناديا ينادي أين الزهاد في الدنيا زوروا عرس الزاهد في الدنيا عيسى ابن ~~مريم وقال عيسى ابن مريم عليه السلام ويل لصاحب الدنيا كيف يموت ويتركها ~~وما فيها وتغره ويأمنها ويثق بها وتخذله وويل للمغترين كيف أرتهم ما يكرهون ~~وفارقهم ما يحبون وجاءهم ما يوعدون وويل لمن الدنيا همه والخطايا عمله كيف ~~يفتضح غدا بذنبه وقيل أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام يا موسى مالك ~~ولدار الظالمين إنها ليست لك بدار اخرج منها همك وفارقها بعقلك فبئست الدار ~~هي إلا لعامل يعمل فيها فنعمت الدار هي يا موسى إني مرصد للظالم حتى آخذ ~~منه للمظلوم وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح ~~فجاء بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف ~~فتعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال أظنكم ~~سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء قالوا أجل يا رسول الله قال فأبشروا وأملوا ما ~~يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا ~~كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم + ~~حديث بعث أبا عبيدة بن الجراح فجاء بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم ~~أبي عبيدة متفق عليه من حديث عمرو ابن عوف البدري + # وقال أبو سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أكثر ما أخاف ~~عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض فقيل ما بركات الأرض قال زهرة ~~الدنيا + حديث أبي سعيد إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات ~~الدنيا الحديث متفق عليه + # وقال صلى الله عليه وسلم لا تشغلوا قلوبكم بذكر الدنيا + حديث لا تشغلوا ~~قلوبكم بذكر الدنيا أخرجه البيهقي في الشعب من طريق ابن أبي الدنيا من ~~رواية محمد بن النضر الحارثي مرسلا + # فنهى عن ذكرها فضلا عن إصابة عينها وقال عمار بن سعيد مر عيسى عليه ~~السلام بقرية فإذا أهلها موتى في الأفنية والطرق فقال يا معشر الحواريين إن ~~هؤلاء ماتوا عن سخطة ولو ماتوا عن غير ذلك لتدافنوا فقالوا يا روح الله ~~وددنا أن لو علمنا خبرهم فسأل الله تعالى فأوحى إليه إذا كان الليل فنادهم ~~يجيبوك فلما كان الليل أشرف على نشز ثم نادى يا أهل القرية فأجابه مجيب ~~لبيك يا روح الله فقال ما حالكم وما قصتكم قال بتنا في عافية وأصبحنا في ~~الهاوية قال وكيف ذاك قال بحبنا الدنيا وطاعتنا أهل المعاصي قال وكيف كان ~~حبكم للدنيا قال حب الصبي لأمه إذا أقبلت فرحنا بها وإذا أدبرت حزنا وبكينا ~~عليها قال فما بال أصحابك لم يجيبوني قال لأنهم ملجمون بلجم من نار بأيدي ~~ملائكة غلاظ شداد قال فكيف أجبتني أنت من بينهم قال لأني كنت فيهم ولم أكن ~~منهم فلما نزل بهم العذاب أصابني معهم فأنا معلق على شفير جهنم لا أدري ~~أأنجوا منها أم أكبكب فيها فقال المسيح للحواريين لأكل خبز الشعير بالملح ~~الجريش ولبس المسوح والنوم على المزابل كثير مع عافية الدنيا والآخرة وقال ~~أنس كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق فجاء أعرابي ~~بناقة له فسبقها فشق ذلك على المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم إنه حق على ~~الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه + حديث أنس كانت ناقة رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق الحديث وفيه حق على الله أن لا يرفع ~~شيئا من الدنيا إلا وضعه أخرجه البخاري + وقال عيسى عليه السلام من الذي ~~يبني على موج البحر دارا تلكم الدنيا فلا PageV03P205 تتخذوها قرارا وقيل ~~لعيسى عليه السلام علمنا علما واحدا يحبنا الله عليه قال ابغضوا الدنيا ~~يحبكم الله تعالى وقال أبو الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو ~~تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولهانت عليكم الدنيا ولآثرتم ~~الآخرة + حديث أبي الدرداء لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ~~ولهانت عليكم الدنيا ولآثرتم الآخرة أخرجه الطبراني دون قوله ولهانت وزاد ~~ولخرجتم إلى الصعدات الحديث وزاد الترمذي وابن ماجه من حديث أبي ذر وما ~~تلذذتم بالنساء على الفرش وأول الحديث متفق عليه من حديث أنس وفي أفراد ~~البخاري من حديث عائشة + ثم قال أبو الدرداء من قبل نفسه لو تعلمون ما أعلم ~~لخرجتم إلى الصعدات تجأرون وتبكون على أنفسكم ولتركتم أموالكم لا حارس لها ~~ولا راجع إليها إلا ما لابد لكم منه ولكن يغيب عن قلوبكم ذكر الآخرة وحضرها ~~الأمل فصارت الدنيا أملك بأعمالكم وصرتم كالذين لا يعلمون فبعضكم شر من ~~البهائم التي لا تدع هواها مخافة مما في عاقبته ما لكم لا تحابون ولا ~~تناصحون وأنتم إخوان على دين الله ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم ولو ~~اجتمعتم على البر لتحاببتم ما لكم تناصحون في أمر الدنيا ولا تناصحون في ~~أمر الآخرة ولا يملك أحدكم النصيحة لمن يحبه ويعينه على أمر آخرته ما هذا ~~إلا من قلة الإيمان في قلوبكم لو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرها كما توقنون ~~بالدنيا لآثرتم طلب الآخرة لأنها أملك لأموركم فإن قلتم حب العاجلة غالب ~~فإنا نراكم تدعون العاجلة من الدنيا للآجل منها تكدون أنفسكم بالمشقة ~~والاحتراف في طلب أمر لعلكم لا تدركونه فبئس القوم أنتم ما حققتم إيمانكم ~~بما يعرف به الإيمان البالغ فيكم فإن كنتم في شك مما جاء به محمد صلى الله ~~عليه وسلم فائتونا لنبين لكم ولنريكم من النور ما تطمئن إليه قلوبكم والله ~~ما أنتم بالمنقوصة عقولكم فنعذركم إنكم تستبينون صواب الرأي في دنياكم ~~وتأخذون بالحزم في أموركم ما لكم تفرحون باليسير من الدنيا تصيبونه وتحزنون ~~على اليسير منها يفوتكم حتى يتبين ذلك في وجوهكم ويظهر على ألسنتكم ~~وتسمونها المصائب وتقيمون فيها المآتم وعامتكم قد تركوا كثيرا من دينهم ثم ~~لا يتبين ذلك في وجوهكم ولا يتغير حالكم إني لأرى الله قد تبرأ منكم يلقى ~~بعضكم بعضا بالسرور وكلكم يكره أن يستقبل صاحبه بما يكره مخافة أن يستقبله ~~صاحبه بمثله فاصطحبتم على الغل ونبتت مراعيكم على الدمن وتصافيتم على رفض ~~الأجل ولوددت أن الله تعالى أراحني منكم وألحقني بمن أحب رؤيته ولو كان حيا ~~لم يصابركم فإن كان فيكم خير فقد أسمعتكم وإن تطلبوا ما عند الله تجدوه ~~يسيرا وبالله أستعين على نفسي وعليكم وقال عيسى عليه السلام يا معشر ~~الحواريين ارضوا بدنيء الدنيا مع سلامة الدين كما رضي أهل الدنيا بدنيء ~~الدين مع سلامة الدنيا وفي معناه قيل # أرى رجالا بأدنى الدين قد قنعوا % وما أراهم رضوا في العيش بالدون # فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما استغنى % الملوك بدنياهم عن الدين # وقال عيسى عليه السلام يا طالب الدنيا لتبر تركك الدنيا أبر # وقال نبينا صلى الله عليه وسلم لتأتينكم بعدي دنيا تأكل إيمانكم كما تأكل ~~النار الحطب + حديث لتأتينكم بعدي دنيا تأكل إيمانكم كما تأكل النار الحطب ~~لم أجد له أصلا + # وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام يا موسى لا تركنن إلى حب الدنيا ~~فلن تأتيني بكبيرة هي أشذ منها # ومر موسى عليه السلام برجل وهو يبكي ورجع وهو يبكي فقال موسى يا رب عبدك ~~يبكي من مخافتك فقال يا ابن عمران لو سال دماغه مع دموع عينيه ورفع يديه ~~حتى يسقطا لم أغفر له وهو يحب الدنيا # الآثار قال علي رضي الله عنه من جمع فيه ست خصال لم يدع للجنة مطلبا ولا ~~عن النار مهربا أولها من PageV03P206 عرف الله وأطاعه وعرف الشيطان فعصاه ~~وعرف الحق فاتبعه وعرف الباطل فاتقاه وعرف الدنيا فرفضها وعرف الآخرة ~~فطلبها # وقال الحسن رحم الله أقواما كانت الدنيا عندهم وديعة فأدوها إلى من ~~ائتمنهم عليها ثم راحوا خفافا وقال أيضا رحمه الله من نافسك في دينك فنافسه ~~ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره وقال لقمان عليه السلام لابنه يا بني إن ~~الدنيا بحر عميق وقد غرق فيه ناس كثير فلتكن سفينتك فيه تقوى الله عز وجل ~~وحشوها الإيمان بالله تعالى وشراعها التوكل على الله عز وجل لعلك تنجو وما ~~أراك ناجيا وقال الفضيل طالت فكرتي في هذه الآية @QB@ إنا جعلنا ما على ~~الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ~~@QE@ وقال بعض الحكماء إنك لن تصبح في شيء من الدنيا إلا وقد كان له أهل ~~قبلك وسيكون له أهل بعدك وليس لك من الدنيا إلا عشاء ليلة وغداء يوم فلا ~~تهلك في أكله وصم عن الدنيا وأفطر على الآخرة وإن رأس مال الدنيا الهوى ~~وربحها النار وقيل لبعض الرهبان كيف ترى الدهر قال يخلق الأبدان ويجدد ~~الآمال ويقرب المنية ويبعد الأمنية قيل فما حال أهله قال من ظفر به تعب ومن ~~فاته نصب وفي ذلك قيل # ومن يحمد الدنيا لعيش يسره % فسوف لعمري عن قليل يلومها # إذا أدبرت كانت على المرء حسرة % وإن أقبلت كانت كثيرا همومها وقال بعض ~~الحكماء كانت الدنيا ولم أكن فيها وتذهب الدنيا ولا أكون فيها فلا أسكن ~~إليها فإن عيشها نكد وصفوها كدر وأهلها منها على وجل إما بنعمة زائلة أو ~~بلية نازلة أو منية قاضية وقال بعضهم من عيب الدنيا أنها لا تعطي أحدا ما ~~يستحق لكنها إما أن تزيد وإما أن تنقص وقال سفيان أما ترى النعم كأنها ~~مغضوب عليها قد وضعت في غير أهلها وقال أبو سليمان الداراني من طلب الدنيا ~~على المحبة لها لم يعط منها شيئا إلا أراد أكثر ومن طلب الآخرة على المحبة ~~لها لم يعط منها شيئا إلا أراد أكثر وليس لهذا غاية وقال رجل لأبي حازم ~~أشكو إليك حب الدنيا وليست لي بدار فقال انظر ما آتاكه الله عز وجل منها ~~فلا تأخذه إلا من حله ولا تضعه إلا في حقه ولا يضرك حب الدنيا # وإنما قال هذا لأنه لو آخذ نفسه بذلك لألعبه حتى يتبرم بالدنيا ويطلب ~~الخروج منها وقال يحيى بن معاذ الدنيا حانوت الشيطان فلا تسرق من حانوته ~~شيئا فيجيء في طلبه فيأخذك وقال الفضيل لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة ~~من خزف يبقى لكان ينبغي لنا أن نختار خزفا يبقى على ذهب يفنى فكيف وقد ~~اخترنا خزفا يفنى على ذهب يبقى وقال أبو حازم إياكم والدنيا فإنه بلغني أنه ~~يوقف العبد يوم القيامة إذا كان معظما الدنيا فيقال هذا عظم ما حقره الله ~~وقال ابن مسعود ما أصبح أحد من الناس إلا وهو ضيف وماله عارية فالضيف مرتحل ~~والعارية مردودة وفي ذلك قيل # وما المال والأهلون إلا ودائع % ولا بد يوما أن ترد الودائع # وزار رابعة أصحابها فذكروا الدنيا فأقبلوا على ذمها فقالت اسكتوا عن ~~ذكرها فلولا موقعها من قلوبكم ما أكثرتم من ذكرها ألا من أحب شيئا أكثر من ~~ذكره وقيل لإبراهيم بن أدهم كيف أنت فقال # نرقع دنيانا بتمزيق ديننا % فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع # فطوبى لعبد آثر الله ربه % وجاد بدنياه لما يتوقع # وقيل أيضا في ذلك # أرى طالب الدنيا وإن طال عمره % ونال من الدنيا سرورا وأنعما PageV03P207 # كبان بنى بنيانه فأقامه % فلما استوى ما قد بناه تهدما # وقيل أيضا في ذلك # هب الدنيا تساق إليك عفوا % أليس مصير ذاك إلى انتقال # وما دنياك إلا مثل فيء % أظلك ثم آذن بالزوال # وقال لقمان لابنه يا بني بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا ولا تبع آخرتك ~~بدنياك تخسرهما جميعا وقال مطرف ابن الشخير لا تنظر إلى خفض عيش الملوك ~~ولين رياشهم ولكن انظر إلى سرعة ظعنهم وسوء منقلبهم وقال ابن عباس إن الله ~~تعالى جعل الدنيا ثلاثة أجزاء جزء للمؤمن وجزء للمنافق وجزء للكافر فالمؤمن ~~يتزود والمنافق يتزين والكافر يتمتع وقال بعضهم الدنيا جيفة فمن أراد منها ~~شيئا فليصبر على معاشرة الكلاب وفي ذلك قيل يا خاطب الدنيا إلى نفسها % تنح ~~عن خطبتها تسلم # إن التي تخطب غدارة % قريبة العرس من المأتم # وقال أبو الدرداء من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها ولا ينال ~~ما عنده إلا بتركها # وفي ذلك قيل # إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت % له عن عدو في ثياب صديق # وقيل أيضا # يا راقد الليل مسرورا بأوله % إن الحوادث قد يطرقن أسحارا # أفنى القرون التي كانت منعمة % كر الجديدين إقبالا وإدبارا # كم قد أبادت صروف الدهر من ملك % قد كان في الدهر نفاعا وضرارا # يا من يعانق دنيا لا بقاء لها % يمسي ويصبح في دنياه سفارا # هلا تركت من الدنيا معانقة % حتى تعانق في الفردوس أبكارا # إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها % فينبغي لك أن لا تأمن النارا # وقال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ~~أتت إبليس جنوده فقالوا قد بعث نبي وأخرجت أمة قال يحبون الدنيا قالوا نعم ~~قال لئن كانوا يحبون الدنيا ما أبالي أن لا يعبدوا الأوثان وإنما أغدو ~~عليهم وأروح بثلاث أخذ المال من غير حقه وإنفاقه في غير حقه وإمساكه عن حقه ~~والشر كان من هذا نبع وقال رجل لعلي كرم الله وجهه يا أمير المؤمنين صف لنا ~~الدنيا قال وما أصف لك من دار صح فيها سقم ومن أمن فيها ندم ومن افتقر فيها ~~حزن ومن استغنى فيها افتتن في حلالها الحساب وفي حرامها العقاب ومتشابهها ~~العتاب وقيل له ذلك مرة أخرى فقال أطول أم أقصر فقيل قصر فقال حلالها حساب ~~وحرامها عذاب وقال مالك بن دينار اتقوا السحارة فإنها تسحر قلوب العلماء ~~يعني الدنيا # وقال أبو سليمان الداراني إذا كانت الآخرة في القلب جاءت الدنيا تزاحمها ~~فإذا كانت الدنيا في القلب لم تزاحمها الآخرة لأن الآخرة كريمة والدنيا ~~لئيمة وهذا تشديد عظيم ونرجو أن يكون ما ذكره سيار بن الحكم أصح إذ قال ~~الدنيا والآخرة يجتمعان في القلب فأيهما غلب كان الآخر تبعا له وقال مالك ~~بن دينار بقدر ما تحزن للدنيا يخرج هم الآخرة من قلبك وبقدر ما تحزن للآخرة ~~يخرج هم الدنيا من قلبك وهذا اقتباس مما قاله علي كرم الله وجهه حيث قال ~~الدنيا PageV03P208 والآخرة ضرتان فبقدر ما ترضى إحداهما تسخط الأخرى وقال ~~الحسن والله لقد أدركت أقواما كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي تمشون ~~عليه ما يبالون أشرقت الدنيا أم غربت ذهبت إلى ذا أو ذهبت إلى ذا وقال رجل ~~للحسن ما تقول في رجل آتاه الله مالا فهو يتصدق منه ويصل منه أيحسن له أن ~~يتعيش فيه يعني يتنعم فقال لا لو كانت له الدنيا كلها ما كان له منها إلا ~~الكفاف ويقدم ذلك ليوم فقره وقال الفضيل لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت علي ~~حلالا لا أحاسب عليها في الآخرة لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا ~~مر بها أن تصيب ثوبه وقيل لما قدم عمر رضي الله عنه الشام فاستقبله أبو ~~عبيدة بن الجراح على الناقة مخطومة بحبل فسلم وسأله ثم أتى منزله فلم ير ~~فيه إلا سيفه وترسه ورحله فقال له عمر رضي الله عنه لو اتخذت متاعا فقال يا ~~أمير المؤمنين إن هذا يبلغنا المقيل # وقال سفيان خذ من الدنيا لبدنك وخذ من الآخرة لقلبك # وقال الحسن والله لقد عبدت بنو إسرائيل الأصنام بعد عبادتهم الرحمن بحبهم ~~الدنيا # وقال وهب قرأت في بعض الكتب الدنيا غنيمة الأكياس وغفلة الجهال لم ~~يعرفوها حتى خرجوا منها فسألوا الرجعة فلم يرجعوا وقال لقمان لابنه يا بني ~~إنك استدبرت الدنيا من يوم نزلتها واستقبلت الآخرة فأنت إلى دار تقرب منها ~~أقرب من دار تباعد عنها وقال سعيد بن مسعود إذا رأيت العبد تزداد دنياه ~~وتنقص آخرته وهو به راض فذلك المغون الذي يلعب بوجهه وهو لا يشعر وقال عمرو ~~بن العاص على المنبر والله ما رأيت قوما قط أرغب فيما كان رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يزهد فيه منكم والله ما مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ثلاث إلا والذي عليه أكثر من الذي له + حديث عمرو بن العاص والله ما رأيت ~~قوما قط أرغب فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيه منكم الحديث ~~أخرجه الحاكم وصححه ورواه أحمد وابن حبان بنحوه + # وقال الحسن بعد أن تلا قوله تعالى @QB@ فلا تغرنكم الحياة الدنيا @QE@ من ~~قال ذا قاله من خلقها ومن هو أعلم بها إياكم وما شغل من الدنيا فإن الدنيا ~~كثيرة الأشغال لا يفتح رجل على نفسه باب شغل إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح ~~عليه عشرة أبواب وقال أيضا مسكين ابن أدم رضي بدار حلالها حساب وحرامها ~~عذاب إن أخذه من حله حوسب به وإن أخذه من حرام عذب به ابن آدم يستقل ماله ~~ولا يستقل عمله يفرح بمصيبتة في دينه ويجزع من مصيبته في دنياه وكتب الحسن ~~إلى عمر بن عبد العزيز سلام عليك أما بعد فكأنك بآخر من كتب عليه الموت قد ~~مات فأجابه عمر سلام عليك كأنك بالدنيا ولم تكن وكأنك بالآخرة لم تزل وقال ~~الفضيل بن عياض الدخول في الدنيا هين ولكن الخروج منها شديد وقال بعضهم ~~عجبا لمن يعرف أن الموت حق كيف يفرح وعجبا لمن يعرف أن النار حق كيف يضحك ~~وعجبا لمن رأى تقلب الدنيا بأهلها كيف يطمئن إليها وعجبا لمن يعلم أن القدر ~~حق كيف ينصب وقدم على معاوية رضي الله عنه رجل من نجران عمره مائتا سنة ~~فسأله عن الدنيا كيف وجدها فقال سنيات بلاء وسنيات رخاء يوم فيوم وليلة ~~فليلة يولد ولد ويهلك هالك فلولا المولود لباد الخلق ولولا الهالك ضاقت ~~الدنيا بمن فيها فقال له سل ما شئت قال عمر مضى فترده أو أجل حضر فتدفعه ~~قال لا أملك ذلك قال لا حاجة لي إليك وقال داود الطائي رحمه الله يا ابن ~~آدم فرحت ببلوغ أملك وإنما بلغته بانقضاه أجلك ثم سوفت بعملك كان منفعته ~~لغيرك وقال بشر من سأل الله الدنيا فإنما يسأله طول الوقوف بين يديه وقال ~~أبو حازم ما في الدنيا شيء يسرك إلا وقد ألصق الله إليه شيئا يسوءك وقال ~~الحسن لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا إلا بحسرات ثلاث أنه لم يشبع مما جمع ~~ولم يدرك ما أمل ولم يحسن الزاد لما يقدم عليه وقيل لبعض العباد قد نلت ~~الغنى فقال إنما نال الغنى من عتق من رق الدنيا وقال أبو سليمان لا يصبر ~~PageV03P209 عن شهوات الدنيا إلا من كان في قلبه ما يشغله بالآخرة وقال ~~مالك بن دينار اصطلحنا على حب الدنيا فلا يأمر بعضنا بعضا ولا ينهى بعضنا ~~بعضا ولا يدعنا الله على هذا فليت شعري أي عذاب الله ينزل علينا وقال أبو ~~حازم يسير الدنيا يشغل عن كثير الآخرة وقال الحسن أهينوا الدنيا فو الله ما ~~هي لأحد بأهنأ منها لمن أهانها # وقال أيضا إذا أراد الله بعبد خيرا أعطاه من الدنيا عطية ثم يمسك فإذا ~~نفذ أعاد عليه وإذا هان عليه عبد بسط له الدنيا بسطا وكان بعضهم يقول في ~~دعائه يا ممسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنك أمسك الدنيا عني وقال ~~محمد بن المنكدر أرأيت لو أن رجلا صام الدهر لا يفطر وقام الليل لا ينام ~~وتصدق بماله وجاهد في سبيل الله واجتنب محارم الله غير أنه يؤتى به يوم ~~القيامة فيقال إن هذا عظم في عينه ما صغره الله وصغر في عينه ما عظمه الله ~~كيف ترى يكون حاله فمن منا ليس هكذا الدنيا عظيمة عنده مع ما اقترفنا من ~~الذنوب والخطايا وقال أبو حازم اشتدت مؤنة الدنيا والآخرة فأما مؤنة الآخرة ~~فإنك لا تجد عليها أعوانا وأما مؤنة الدنيا فإنك لا تضرب بيدك إلى شيء منها ~~إلا وجدت فاجرا قد سبقك إليه وقال أبو هريرة الدنيا موقوفة بين السماء ~~والأرض كالشن البالي تنادى ربها منذ خلقها إلى يوم يفنيها يا رب يا رب لم ~~تبغضني فيقول لها اسكتي يا لا شيء وقال عبد الله بن المبارك حب الدنيا ~~والذنوب في القلب قد احتوشته فمتى يصل الخير إليه وقال وهب بن منبه من فرح ~~قلبه بشيء من الدنيا فقد أخطأ الحكمة ومن جعل شهوته تحت قدميه فرق الشيطان ~~من ظله ومن غلب علمه هواه فهو الغالب وقيل لبشر مات فلان فقال جمع الدنيا ~~وذهب إلى الآخرة ضيع نفسه قيل له إنه كان يفعل ويفعل وذكروا أبوابا من البر ~~فقال وما ينفع هذا وهو يجمع الدنيا وقال بعضهم الدنيا تبغض إلينا نفسها ~~ونحن نحبها فكيف لو تحببت إلينا وقيل لحكيم الدنيا لمن هي قال لمن تركها ~~فقيل الآخرة لمن هي قال لمن طلبها وقال حكيم الدنيا دار خراب وأخرب منها ~~قلب من يعمرها والجنة دار عمران وأعمر منها قلب من يطلبها وقال الجنيد كان ~~الشافعي رحمه الله من المريدين الناطقين بلسان الحق في الدنيا وعظ أخا له ~~في الله وخوفه بالله فقال يا أخي إن الدنيا دحض مزلة ودار مذلة عمرانها إلى ~~الخراب صائر وساكنها إلى القبور زائر شملها على الفرقة موقوف وغناها إلى ~~الفقر مصروف الإكثار فيها إعسار والإعسار فيها يسار فافزع إلى الله وارض ~~برزق الله لا تتسلف من دار بقائك إلى دار فنائك فإن عيشتك فيء زائل وجدار ~~مائل أكثر من عملك وأقصر من أملك وقال إبراهيم بن أدهم لرجل أدرهم في ~~المنام أحب إليك أم دينار في اليقظة فقال دينار في اليقظة فقال كذبت لأن ~~الذي تحبه في الدنيا كأنك تحبه في المنام والذي لا تحبه في الآخرة كأنك لا ~~تحبه في اليقظة وعن إسماعيل بن عياش قال كان أصحابنا يسمون الدنيا خنزيرة ~~فيقولون إليك عنا يا خنزيرة فلو وجدوا لها أسماء أقبح من هذا لسموها به ~~وقال كعب لتحببن إليكم الدنيا حتى تعبدوها وأهلها وقال يحيى بن معاذ الرازي ~~رحمه الله العقلاء ثلاثة من ترك الدنيا قبل أن تتركه وبنى قبره قبل أن ~~يدخله وأرضى خالقه قبل أن يلقاه وقال أيضا الدنيا بلغ شؤمها أن تمنيك لما ~~يلهيك عن طاعة الله فكيف الوقوع فيها وقال بكر بن عبد الله من أراد أن ~~يستغني عن الدنيا بالدنيا كان كمطفيء النار بالتبن وقال بندار إذا رأيت ~~أبناء الدنيا يتكلمون في الزهد فاعلم أنهم في سخرة الشيطان وقال أيضا من ~~أقبل على الدنيا أحرقته نيرانها يعني الحرص حتى يصير رمادا ومن أقبل على ~~الآخرة صفته بنيرانها فصار سبيكة ذهب ينتفع به ومن أقبل على الله عز وجل ~~أحرقته نيران التوحيد فصار جوهرا لا حد لقيمته وقال علي كرم الله وجهه إنما ~~الدنيا ستة أشياء مطعوم ومشروب وملبوس ومركوب PageV03P210 ومنكوح ومشموم ~~فأشرف المطعومات العسل وهو مذقة ذباب وأشرف المشروبات الماء ويستوي فيه ~~البر والفاجر وأشرف الملبوسات الحرير وهو نسج دودة وأشرف المركوبات الفرس ~~وعليه يقتل الرجال وأشرف المنكوحات المرأة وهي مبال في مبال وإن المرأة ~~لتزين أحسن شيء منها ويراد أقبح شيء منها وأشرف المشمومات المسك وهو دم # | بيان المواعظ في ذم الدنيا وصفتها # قال بعضهم يا أيها الناس اعملوا على مهل وكونوا من الله على وجل ولا ~~تغتروا بالأمل ونسيان الأجل ولا تركنوا إلى الدنيا فإنها غدارة خداعة قد ~~تزخرف لكم بغرورها وفتنتكم بأمانيها وتزينت لخطابها فأصبحت كالعروس المجلية ~~العيون إليها ناظرة والقلوب عليها عاكفة والنفوس لها عاشقة فكم من عاشق لها ~~قتلت ومطمئن إليها خذلت فانظروا إليها بعين الحقيقة فإنها دار كثير بوائقها ~~وذمها خالقها جديدها يبلى وملكها يفنى وعزيزها يذل وكثيرها يقل ودها يموت ~~وخيرها يفوت فاستيقظوا رحمكم الله من غفلتكم وانتبهوا من رقدتكم قبل أن ~~يقال فلان عليل أو مدنف ثقيل فهو على الدواء من دليل وهل إلى الطبيب من ~~سبيل فتدعى له الأطباء ولا يرجى له الشفاء ثم يقال فلان أوصى ولماله أحصى ~~ثم يقال قد ثقل لسانه فما يكلم إخوانه ولا يعرف جيرانه وعرق عند ذلك جبينك ~~وتتابع أنينك وثبت يقينك وطمحت جفونك وصدقت ظنونك وتلجلج لسانك وبكى إخوانك ~~وقيل لك هذا ابنك فلان وهذا أخوك فلان ومنعت من الكلام فلا تنطق وختم على ~~لسانك فلا ينطلق ثم حل بك القضاء وانتزعت نفسك من الأعضاء ثم عرج بها إلى ~~السماء فاجتمع عند ذلك إخوانك وأحضرت أكفانك فغسلوك وكفنوك فانقطع عوادك ~~واستراح حسادك وانصرف أهلك إلى مالك وبقيت مرتهنا بأعمالك وقال بعضهم لبعض ~~الملوك إن أحق الناس بذم الدنيا وقلاها من بسط له فيها وأعطى حاجته منها ~~لأنه يتوقع آفة تعدو على ماله فتجتاحه أو على جمعه فتفرقه أو تأتي سلطانه ~~فتهدمه من القواعد أو تدب إلى جسمه فتسقمه أو تفجعه بشيء هو ضنين به بين ~~أحبابه فالدنيا أحق بالذم هي الآخذة ما تعطي الراجعة فيما تهب بينا هي تضحك ~~صاحبها إذا أضحكت منه غيره وبينا تبكي له إذ أبكت عليه وبينا هي تبسط كفها ~~بالإعطاء إذ بسطتها بالاسترداد فتعقد التاج على رأس صاحبها اليوم وتعفره ~~بالتراب غدا سواء عليها ذهاب ما ذهب وبقاء ما بقي تجد في الباقي من الذاهب ~~خلفا وترضى بكل من كل بدلا وكتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز أما ~~بعد فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة وإنما أنزل آدم عليه السلام من ~~الجنة إلى عقوبة فاحذرها يا أمير المؤمنين فإن الزاد منها تركها والغني ~~منها فقرها لها في كل حين قتيل تذل من أعزها وتفقر من جمعها هي كالسم يأكله ~~من لا يعرفه وفيه حتفه فكن فيها كالمداوي جراحه يحتمي قليلا مخافة ما يكره ~~طويلا ويصبر على شدة الدواء مخافة طول الداء فاحذر هذه الدار الغدارة ~~الختالة الخداعة التي قد تزينت بخدعها وفتنت بغرورها حلت بآمالها وسوفت ~~بخطابها فأصبحت كالعروس المجلية العيون إليها ناظرة والقلوب عليها والهة ~~والنفوس لها عاشقة وهي لأزواجها كلهم قالية فلا الباقي بالماضي معتبر ولا ~~الآخر بالأول مزدجر ولا العارف بالله عز وجل حين أخبره عنها مدكر فعاشق لها ~~قد ظفر منها بحاجته فاغتر وطغى ونسي المعاد فشغل فيها لبه حتى زلت به قدمه ~~فعظمت ندامته وكثرت حسرته واجتمعت عليه سكرات الموت وتألمه وحسرات الفوت ~~بغصته وراغب فيها لم يدرك منها ما طلب ولم يروح نفسه من التعب فخرج بغير ~~زاد وقدم PageV03P211 على غير مهاد فاحذرها يا أمير المؤمنين وكن أسر ما ~~تكون فيها أحذر ما تكون لها فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور ~~أشخصته إلى مكروه السار في أهلها غار والنافع فيها غدار ضار وقد وصل الرخاء ~~منها بالبلاء وجعل البقاء فيها إلى فناء فسروها مشوب بالأحزان لا يرجع منها ~~ما ولى وأدبر ولا يدري ما هو آت فينتظر أمانيها كاذبة وآمالها باطلة وصفوها ~~كدر وعيشها نكد وابن آدم فيها على خطر إن عقل ونظر فهو من النعماء على خطر ~~ومن البلاء على الحذر فلو كان الخالق لم يخبر عنها خبرا ولم يضرب لها مثلا ~~لكانت الدنيا قد أيقظت النائم ونبهت الغافل فكيف وقد جاء من الله عز وجل ~~عنها زاجرا وفيها واعظ فما لها عند الله جل ثناؤه قدر وما نظر إليها منذ ~~خلقها ولقد عرضت على نبيك صلى الله عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها لا ينقصه ~~ذلك عند الله جناح بعوضة فأبى أن يقبلها + حديث الحسن وكتب به إلى عمر بن ~~عبد العزيز عرضت أي الدنيا على نبيك صلى الله عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها ~~الحديث أخرجه أبي الدنيا هكذا مرسلا ورواه أحمد والطبراني متصلا من حديث ~~أبي مويهبة في أثناء حديث فيه إني قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة ~~الحديث وسنده صحيح وللترمذي من حديث أبي أمامة عرض على ربي ليجعل لي بطحاء ~~مكة ذهبا الحديث + إذ كره أن يخالف على الله أمره أو يحب ما أبغضه خالقه أو ~~يرفع ما وضع مليكه فزواها عن الصالحين اختبارا وبسطها لأعدائه اغترارا فيظن ~~المغرور بها المقتدر عليها أنه أكرم بها ونسي ما صنع الله عز وجل بمحمد صلى ~~الله عليه وسلم حين شد الحجر على بطنه + حديث الحسن مرسلا في شده الحجر على ~~بطنه أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا هكذا وللبخاري من حديث أنس رفعنا عن بطوننا ~~عن حجر حجر فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرين وقال حديث غريب + # ولقد جاءت الرواية عنه عن ربه عز وجل أنه قال لموسى عليه السلام إذا رأيت ~~الغني مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار ~~الصالحين وإن شئت اقتديت بصاحب الروح والكلمة عيسى ابن مريم عليه السلام ~~فإنه كان يقول إدامي الجوع وشعاري الخوف ولباسي الصوف وصلائي في الشتاء في ~~مشارق الشمس وسراجي القمر ودابتي رجلاي وطعامي وفاكهتي ما أنبتت الأرض أبيت ~~وليس لي شيء وأصبح وليس لي شيء وليس على الأرض أحد أغنى مني وقال وهب بن ~~منبه لما بعث الله عز وجل موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون قال لا يرو ~~عنكما لباسه الذي لبس من الدنيا فإن ناصيته بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا ~~يتنفس إلا بإذني ولا يعجبنكما ما تمتع به منها فإنما هي زهرة الحياة الدنيا ~~وزينة المترفين فلو شئت أن أزينكما بزينة من الدنيا يعرف فرعون حين يراها ~~أن قدرته تعجز عما أوتيتما لفعلت ولكني أرغب بكما عن ذلك فأزوي ذلك عنكما ~~وكذلك أفعل بأوليائي إني لأذودهم عن نعيمها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن ~~مراتع الهلكة وإني لأجنبهم ملاذها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن منازل ~~الغرة وما ذاك لهوانهم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا ~~إنما يتزين لي أوليائي بالذل والخوف والخضوع والتقوى تنبت في قلوبهم وتظهر ~~على أجسادهم فهي ثيابهم التي يلبسون ودثارهم الذي يظهرون وضميرهم الذي ~~يستشعرون ونجاتهم التي بها يفوزون ورجاؤهم الذي إياه يأملون ومجدهم الذي به ~~يفخرون وسيماهم التي بها يعرفون فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك وذلل لهم قلبك ~~ولسانك واعلم أنه من أخاف لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ثم أنا الثائر له ~~يوم القيامة # وخطب علي كرم الله وجهه يوما خطبة فقال فيها اعلموا أنكم ميتون ومبعوثون ~~من بعد الموت وموقوفون على أعمالكم ومجزيون بها فلا تغرنكم الحياة الدنيا ~~فإنها بالبلاء محفوفة وبالفناء معروفة وبالغدر موصوفة وكل ما فيها إلى زوال ~~وهي بين أهلها دول وسجال لا تدوم أحوالها ولا يسلم من شرها نزالها بينا ~~أهلها منها في رخاء PageV03P212 وسرور إذا هم منها في بلاء وغرور أحوال ~~مختلفة وتارات منصرفة العيش فيها مذموم والرخاء فيها لا يدوم وإنما أهلها ~~فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها وتقصيهم بحمامها وكل حتفه فيها مقدور ~~وحظه فيها موفور واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على ~~سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا وأشد منكم بطشا وأعمر ديارا وأبعد ~~آثارا فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تقلبها وأجسادهم بالية ~~وديارهم على عروشها خاوية وآثارهم عافية واستبدلوا بالقصور المشيدة والسرر ~~والنمارق الممهدة الصخور والأحجار المسندة في القبور اللاطئة الملحدة ~~فمحلها مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة موحشين وأهل محلة متشاغلين لا ~~يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران والإخوان على ما بينهم من ~~قرب المكان والجوار ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله ~~البلا وأكلتهم الجنادل والثرى وأصبحوا بعد الحياة أمواتا وبعد نضارة العيش ~~رفاتا فجع بهم الأحباب وسكنوا تحت التراب ظعنوا فليس لهم إياب هيهات هيهات ~~@QB@ كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون @QE@ فكأن قد ~~صرتم إلى ما صاروا إليه من البلاء والوحدة في دار المثوى وارتهنتم في ذلك ~~المضجع وضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو عاينتم الأمور وبعثرت القبور وحصل ~~ما في الصدور وأوقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل فطارت القلوب لإشفاقها ~~من سالف الذنوب وهتكت عنكم الحجب والأستار وظهرت منكم العيوب والأسرار ~~هنالك تجزى كل نفس بما كسبت إن الله عز وجل يقول ليجزى الذي أساءوا بما ~~عملوا ويجزى الذي أحسنوا بالحسنى وقال تعالى @QB@ ووضع الكتاب فترى ~~المجرمين مشفقين مما فيه @QE@ الآية جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه ~~متبعين لأوليائه حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله إنه حميد مجيد # وقال بعض الحكماء الأيام سهام والناس أغراض والدهر يرميك كل يوم بسهامه ~~ويخترمك بلياليه وأيامه حتى يستغرق جميع أجزائك فكيف بقاء سلامتك مع وقوع ~~الأيام بك وسرعة الليالي في بدنك لو كشف لك عما أحدثت الأيام فيك من النقص ~~لاستوحشت من كل يوم يأتي عليك واستثقلت ممر الساعة بك ولكن تدبير الله فوق ~~تدبير الاعتبار وبالسلو عن غوائل الدنيا وجد طعم لذاتها وإنها لأمر من ~~العلقم إذا عجنها الحكيم وقد أعيت الواصف لعيوبها بظاهر أفعالها وما تأتي ~~به من العجائب أكثر مما يحيط به الواعظ اللهم أرشدنا إلى الصواب وقال بعض ~~الحكماء وقد استوصف الدنيا وقدر بقائها فقال الدنيا وقتك الذي يرجع إليك ~~فيه طرفك لأن ما مضى عنك فقد فاتك إدراكه وما لم يأت فلا علم لك به والدهر ~~يوم مقبل تنعاه ليلته وتطويه ساعاته وأحداثه تتوالى على الإنسان بالتغيير ~~والنقصان والدهر موكل بتشتيت الجماعات وانخرام الشمل وتنقل الدول والأمل ~~طويل والعمر قصير وإلى الله تصير الأمور # وخطب عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه فقال يا أيها الناس إنكم خلقتم ~~لأمر إن كنتم تصدقون به فإنكم حمقى وإن كنتم تكذبون به فإنكم هلكى إنما ~~خلقتم للأبد ولكنكم من دار إلى دار تنقلون عباد الله إنكم في دار لكم فيها ~~من طعامكم غصص ومن شرابكم شرق لا تصفو لكم نعمة تسرون بها إلا بفراق أخرى ~~تكرهون فراقها فاعملوا لما أنتم صائرون إليه وخالدون فيه ثم غلبه البكاء ~~ونزل # قال علي كرم الله وجهه في خطبته أوصيكم بتقوى الله والترك للدنيا التاركة ~~لكم وإن كنتم لا تحبون تركها المبلية أجسامكم وأنتم تريدون تجديدها فإنما ~~مثلكم ومثلها كمثل قوم في سفر سلكوا طريقا وكأنهم قطعوه وأفضوا إلى علم ~~فكأنهم بلغوه وكم عسى أن يجري المجرى حتى ينتهي إلى الغاية وكم عسى أن يبقى ~~من له يوم في PageV03P213 الدنيا وطالب حثيث يطلبه حتى يفارقها فلا تجزعوا ~~لبؤسها وضرائها فإنه إلى انقطاع ولا تفرحوا بمتاعها ونعمائها فإنه إلى زوال ~~عجبت لطالب الدنيا والموت يطلبه وغافل وليس بمغفول عنه # وقال محمد بن الحسين لما علم أهل الفضل والعلم والمعرفة والأدب أن الله ~~عز وجل قد أهان الدنيا وأنه لم يرضها لأوليائه وأنها عنده حقيرة قليلة وأن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم زهد فيها وحذر أصحابه من فتنتها أكلوا منها ~~قصدا وقدموا فضلا وأخذوا منها ما يكفي وتركوا ما يلهي لبسوا من الثياب ما ~~ستر العورة وأكلوا من الطعام أدناه مما سد الجوعة ونظروا إلى الدنيا بعين ~~أنها فانية وإلى الآخرة أنها باقية فتزودوا من الدنيا كزاد الراكب فخربوا ~~الدنيا وعمروا بها الآخرة ونظروا إلى الآخرة بقلوبهم فعلموا أنهم سينظرون ~~إليها بأعينهم فارتحلوا إليها بقلوبهم لما علموا أنهم سيرتحلون إليها ~~بأبدانهم تعبوا قليلا وتنعموا طويلا كل ذلك بتوفيق مولاهم الكريم أحب ما ~~أحب لهم وكرهوا ما كره لهم # | بيان صفة الدنيا بالأمثلة # اعلم أن الدنيا سريعة الفناء قريبة الانقضاء تعد بالبقاء ثم تخلف في ~~الوفاء تنظر إليها فتراها ساكنة مستقرة وهي سائرة سيرا عنيفا ومرتحلة ~~ارتحالا سريعا ولكن الناظر إليها قد لا يحس بحركتها فيطمئن إليها وإنما يحس ~~عند انقضائها ومثالها الظل فإنه متحرك ساكن متحرك في الحقيقة ساكن الظاهر ~~لا تدرك حركته بالبصر الظاهر بل بالبصيرة الباطنة ولما ذكرت الدنيا عند ~~الحسن البصري رحمه الله أنشد وقال # أحلام نوم أو كظل زائل % إن اللبيب بمثلها لا يخدع # وكان الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يتمثل كثيرا ويقول # يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها % إن اغترارا بظل زائل حمق # وقيل إن هذا من قوله ويقال إن أعرابيا نزل بقوم فقدموا إليه طعاما فأكل ~~ثم قام إلى ظل خيمة لهم فنام هناك فاقتلعوا الخيمة فأصابته الشمس فانتبه ~~فقام وهو يقول # ألا إنما الدنيا كظل ثنية % ولا بد يوما أن ظلك زائل # وكذلك قيل # وإن امرأ دنياه أكبر همه % لمستمسك منها بحبل غرور # مثال آخر للدنيا من حيث التغرير بخيالاتها ثم الإفلاس منها بعد إفلاتها # تشبه خيالات المنام وأضغاث الأحلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~الدنيا حلم وأهلها عليها مجازون ومعاقبون + حديث الدنيا حلم وأهلها عليها ~~مجازون ومعاقبون لم أجد له أصلا + وقال يونس بن عبيد ما شبهت نفسي في ~~الدنيا إلا كرجل نام فرأى في منامه ما يكره وما يحب فبينما هو كذلك إذ ~~انتبه فكذلك الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا فإذا ليس بأيديهم شيء مما ركنوا ~~إليه وفرحوا به وقيل لبعض الحكماء أي شيء أشبه بالدنيا قال أحلام النائم # مثال آخر للدنيا في عداوتها لأهلها وإهلاكها لبنيها اعلم أن طبع الدنيا ~~التلطف في الاستدراج أولا والتوصل إلى الإهلاك آخرا وهي كامرأة تتزين ~~للخطاب حتى إذا نكحتهم ذبحتهم وقد روي أن عيسى عليه السلام كوشف بالدنيا ~~فرآها في صورة عجوز هتماء عليها من كل زينة فقال لها كم تزوجت قالت لا ~~أحصيهم قال PageV03P214 فكلهم مات عنك أم كلهم طلقك قالت بل كلهم قتلت فقال ~~عيسى عليه السلام بؤسا لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين كيف ~~تهلكينهم واحدا بعد واحد ولا يكونون منك على حذر # مثال آخر للدنيا في مخالفة ظاهرها لباطنها اعلم أن الدنيا مزينة الظواهر ~~قبيحة السرائر وهي شبه عجوز متزينة تخدع الناس بظاهرها فإذا وقفوا على ~~باطنها وكشفوا القناع عن وجهها تمثل لهم قبائحها فندموا على اتباعها وخجلوا ~~من ضعف عقولهم في الاغترار بظاهرها # وقال العلاء بن زياد رأيت في المنام عجوزا كبيرة متعصبة الجلد عليها من ~~كل زينة الدنيا والناس عكوف عليها معجبون ينظرون إليها فجئت ونظرت وتعجبت ~~من نظرهم إليها وإقبالهم عليها فقلت لها ويلك من أنت قالت أو ما تعرفني قلت ~~لا أدري من أنت قالت أنا الدنيا قلت أعوذ بالله من شرك قالت إن أحببت أن ~~تعاذ من شري فأبغض الدرهم قال أبو بكر بن عياش رأيت الدنيا في النوم عجوزا ~~مشوهة شمطاء تصفق بيديها وخلفها خلق يتبعونها ويصفقون ويرقصون فلما كانت ~~بحذائي أقبلت علي فقالت لو ظفرت بك لصنعت بك مثل ما صنعت بهؤلاء ثم بكى أبو ~~بكر وقال رأيت هذا قبل أن أقدم إلى بغداد وقال الفضيل بن عياض قال ابن عباس ~~يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية ومشوه ~~خلقها فتشرف على الخلائق فيقال لهم أتعرفون هذه فيقولون نعوذ بالله من ~~معرفة هذه فيقال هذه الدنيا التي تناحرتم عليها بها تقاطعتم الأرحام وبها ~~تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم ثم يقذف بها في جهنم فتنادي أي رب أين أتباعي ~~وأشياعي فيقول الله عز وجل ألحقوا بها أتباعها وأشياعها وقال الفضيل بلغني ~~أن رجلا عرج بروحه فإذا امرأة على قارعة الطريق عليها من كل زينة من الحلي ~~والثياب وإذا لا يمر بها أحد إلا جرحته فإذا هي أدبرت كانت أحسن شيء رآه ~~الناس وإذا هي أقبلت كانت أقبح شيء رآه الناس عجوز شمطاء زرقاء عمشاء قال ~~فقلت أعوذ بالله منك قالت لا والله لا يعيذك الله مني حتى تبغض الدرهم قال ~~فقلت من أنت قالت أنا الدنيا # مثال آخر للدنيا وعبور الإنسان بها اعلم أن الأحوال ثلاثة حالة لم تكن ~~فيها شيئا وهي ما قبل وجودك إلى الأزل وحالة لا تكون فيها مشاهدا للدنيا ~~وهي ما بعد موتك إلى الأبد وحالة متوسطة بين الأبد والأزل وهي أيام حياتك ~~في الدنيا فانظر إلى مقدار طولها وانسبه إلى طرفي الأزل والأبد حتى تعلم ~~إنه أقل من منزل قصير في سفر بعيد ولذلك قال صلى الله عليه وسلم مالي ~~وللدنيا وإنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب سار في يوم صائف فرفعت شجرة فقال ~~تحت ظلها ساعة ثم راح وتركها + حديث مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا ~~كمثل راكب الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث ابن مسعود بنحوه ~~ورواه أحمد والحاكم وصححه من حديث ابن عباس + # ومن رأى الدنيا بهذه العين لم يركن إليها ولم يبال كيف انقضت أيامه في ضر ~~وضيق أو في سعة ورفاهية بل لا يبنى لبنة على لبنة # توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما وضع لبنة على لبنة ولا قصبة على ~~قصبة + حديث ما وضع لبنة على لبنة الحديث أخرجه ابن حبان في الثقات ~~وللطبراني في الأوسط من حديث عائشة بسند ضعيف من سأل عني أو سره أن ينظر ~~إلي فلينظر إلى أشعث شاحب مشمر لم يضع لبنة على لبنة الحديث + # ورأى بعض الصحابة يبني بيتا من جص فقال أرى الأمر أعجل من هذا وأنكر ذلك ~~+ حديث رأى بعض أصحابه يبني بيتا من جص فقال أرى الأمر أعجل من هذا أخرجه ~~أبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو وقال حسن صحيح + وإلى هذا أشار ~~عيسى عليه السلام حيث قال الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها وهو مثال واضح ~~فإن الحياة الدنيا معبر إلى الآخرة والمهد هو الميل الأول على رأس القنطرة ~~واللحد هو الميل الآخر PageV03P215 وبينهما مسافة محدودة فمن الناس من قطع ~~نصف القنطرة ومنهم من قطع ثلثها ومنهم من قطع ثلثيها ومنهم من لم يبق له ~~إلا خطوة واحدة وهو غافل عنها وكيفما كان فلا بد له من العبور والبناء على ~~القنطرة وتزيينها بأصناف الزينة وأنت عابر عليها غاية الجهل والخذلان # مثال آخر للدنيا في لين موردها وخشونة مصدرها أعلم أن أوائل الدنيا تبدو ~~هينة لينة يظن الخائض فيها أن حلاوة خفضها كحلاوة الخوض فيها وهيهات فإن ~~الخوض في الدنيا سهل والخروج منها مع السلامة شديد وقد كتب علي رضي الله ~~عنه إلى سلمان الفارسي بمثالها فقال مثل الدنيا مثل الحية لين مسها ويقتل ~~سمها فأعرض عما يعجبك منها لقلة ما يصحبك منها وضع عنك همومها بما أيقنت من ~~فراقها وكن أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون لها فإن صاحبها كلما اطمأن منها ~~إلى سرور أشخصه عنه مكروه والسلام # مثال آخر للدنيا في تعذر الخلاص من تبعتها بعد الخوض فيها قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إنما مثل صاحب الدنيا كالماشي في الماء هل يستطيع الذي ~~يمشي في الماء أن لا تبتل قدماه + حديث إنما مثل صاحب الدنيا كمثل الماشي ~~في الماء الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب من رواية الحسن ~~قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره ووصله البيهقي في ~~الشعب وفي الزهد من رواية الحسن عن أنس + # وهذا يعرفك جهاله قوم ظنوا أنهم يخوضون في نعيم الدنيا بأبدانهم وقلوبهم ~~منها مطهرة وعلائقها عن بواطنهم منقطعة وذلك مكيدة من الشيطان بل لو أخرجوا ~~مما هم فيه لكانوا من أعظم المتفجعين بفراقها فكما أن المشي على الماء ~~يقتضي بللا لا محالة يلتصق بالقدم فكذلك ملابسة الدنيا تقتضي علاقة وظلمة ~~في القلب بل علاقة الدنيا مع القلب تمنع حلاوة العبادة # قال عيسى عليه السلام بحق أقول لكم كما ينظر المريض إلى الطعام فلا يلتذ ~~به من شدة الوجع كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع ما ~~يجد من حب الدنيا وبحق أقول لكم إن الدابة إذا لم تركب وتمتهن تصعب ويتغير ~~خلقها كذلك القلوب إذا لم ترقق بذكر الموت ونصب العبادة تقسو وتغلظ وبحق ~~أقول لكم إن الزق ما لم ينخرق أو يقحل يوشك أن يكون وعاء للعسل كذلك القلوب ~~ما لم تخرقها الشهوات أو يدنسها الطمع أو يقسيها النعيم فسوف تكون أوعية ~~للحكمة وقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما بقي من الدنيا بلاء وفتنة وإنما ~~مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء إذا طاب أعلاه طاب أسفله وإذا خبث أعلاه خبث ~~أسفله + حديث إنما بقي من الدنيا بلاء وفتنة الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث ~~معاوية فرقه في موضعين ورجاله ثقات + # مثال آخر لما بقي من الدنيا وقلته بالإضافة لما سبق قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم مثل هذه الدنيا مثل ثوب شق من أوله إلى آخره فبقي متعلقا ~~بخيط في آخره فيوشك ذلك الخيط أن ينقطع + حديث مثل هذه الدنيا كمثل ثوب شق ~~من أوله إلى آخره أخرجه أبو الشيخ ابن حبان في الثواب وأبو نعيم في الحلية ~~والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أنس بسند ضعيف + # مثال آخر لتأدية علائق الدنيا بعضها إلى بعض حتى الهلاك قال عيسى عليه ~~السلام مثل طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر كلما ازداد شربا ازداد عطشا حتى ~~يقتله # مثال آخر لمخالفة آخر الدنيا أولها ولنضارة أوائلها وخبث عواقبها اعلم أن ~~شهوات الدنيا في القلب لذيذة كشهوات الأطعمة في المعدة وسيجد العبد عند ~~الموت لشهوات الدنيا في قلبه من الكراهة والنتن والقبح ما يجده للأطعمة ~~اللذيذة إذا بلغت في المعدة غايتها وكما أن الطعام كلما كان ألذ طعما وأكثر ~~دسما وأظهر حلاوة كان رجيعه أقذر وأشد نتنا فكذلك كل شهوة في القلب هي أشهى ~~وألذ وأقوى فنتنها وكراهتها والتأذي بها عند الموت أشد PageV03P216 بل هي ~~في الدنيا مشاهدة فإن من نهبت داره وأخذ أهله وماله وولده فتكون مصيبته ~~وألمه وتفجعه في كل ما فقد بقدر لذته به وحبه له وحرصه عليه فكل ما كان عند ~~الوجود أشهى عنده وألذ فهو عند الفقد أدهى وأمر ولا معنى للموت إلا فقد ما ~~في الدنيا وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للضحاك بن سفيان ~~الكلابي ألست تؤتي بطعامك وقد ملح وقزح ثم تشرب عليه اللبن والماء قال بلى ~~قال فإلام يصير قال إلى ما قد علمت يا رسول لله قال فإن الله عز وجل ضرب ~~مثل الدنيا بما يصير إليه طعام ابن آدم + حديث أنه قال للضحاك بن سفيان ~~الكلابي ألست تؤتي بطعامك وقد ملح وقزح الحديث وفيه فإن الله ضرب مثل ~~الدنيا لما يصير إليه طعام بن آدم أخرجه أحمد والطبراني من حديثه بنحوه ~~وفيه علي بن زيد بن جدعان مختلف فيه + # وقال أبي بن كعب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الدنيا ضربت مثلا ~~لابن آدم فانظر إلى ما يخرج من ابن آدم وإن قزحه وملحه إلام يصير + حديث ~~أبي بن كعب إن الدنيا ضربت مثلا لابن آدم الحديث أخرجه الطبراني وابن حبان ~~بلفظ إن مطعم ابن آدم قد ضرب للدنيا مثلا ورواه عبد الله بن أحمد في ~~زياداته بلفظ جعل + وقال صلى الله عليه وسلم إن الله ضرب الدنيا لمطعم ابن ~~آدم مثلا وضرب مطعم ابن آدم للدنيا مثلا وإن قزحه وملحه + حديث إن الله ضرب ~~الدنيا لمطعم ابن آدم مثلا وضرب مطعم ابن آدم للدنيا مثلا الحديث الشطر ~~الأول منه غريب والشطر الأخير هو الذي تقدم من حديث الضحاك بن سفيان إن ~~الله ضرب ما يخرج من بني آدم مثلا للدنيا + # وقال الحسن قد رأيتهم يطيبونه بالأفاويه والطيب ثم يرمون به حيث رأيتم ~~وقد قال الله عز وجل فلينظر الإنسان إلى طعامه قال ابن عباس إلى رجيعه وقال ~~رجل لابن عمر إني أريد أن أسألك وأستحي قال فلا تستحي واسأل قال إذا قضى ~~أحدنا حاجته فقام ينظر إلى ذلك منه قال نعم إن الملك يقول له انظر إلى ما ~~بخلت به أنظر إلى ماذا صار وكان بشر بن كعب يقول انطلقوا حتى أريكم الدنيا ~~فيذهب بهم إلى مزبلة فيقول انظروا إلى ثمارهم ودجاجهم وعسلهم وسمنهم # مثال آخر في نسبة الدنيا إلى الآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ~~الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر أحدكم بم ~~يرجع إليه + حديث ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم أصبعه في ~~اليم فلينظر بم يرجع إليه أخرجه مسلم من حديث المستورد بن شداد + # مثال آخر للدنيا وأهلها في اشتغالهم بنعيم الدنيا وغفلتهم عن الآخرة ~~وخسرانهم العظيم بسببها اعلم أن أهل الدنيا مثلهم في غفلتهم مثل قوم ركبوا ~~سفينة فانتهت بهم إلى جزيرة فأمرهم الملاح بالخروج إلى قضاء الحاجة وحذرهم ~~المقام وخوفهم مرور السفينة واستعجالها فتفرقوا في نواحي الجزيرة فقضى ~~بعضهم حاجته وبادر إلى السفينة فصادف المكان خاليا فأخذ أوسع الأماكن ~~وألينها وأوفقها لمراده وبعضهم توقف في الجزيرة ينظر إلى أنوارها وأزهارها ~~العجيبة وغياضها الملتفة ونغمات طيورها الطيبة وألحانها الموزونة الغريبة ~~وصار يلحظ من بريتها أحجارها وجواهرها ومعادنها المختلفة الألوان والأشكال ~~الحسنة المنظر العجيبة النقوش السالبة أعين الناظرين بحسن زبرجدها وعجائب ~~صورها ثم تنبه لخطر فوات السفينة فرجع إليها فلم يصادف إلا مكانا ضيقا حرجا ~~فاستقر فيه وبعضهم أكب على تلك الأصداف والأحجار وأعجبه حسنها ولم تسمح ~~نفسه بإهمالها فاستصحب منها جملة فلم يجد في السفينة إلا مكانا ضيقا وزاده ~~ما حمله من الحجارة ضيقا وصار ثقيلا عليه ووبالا فندم على أخذه ولم يقدر ~~على رميه ولم يجد مكانا لوضعه فحمله في السفينة على عنقه وهو متأسف على ~~أخذه وليس ينفعه التأسف # وبعضهم تولج الغياض ونسي المركب وبعد في متفرجه ومتنزهه منه حتى لم يبلغه ~~نداء الملاح لاشتغاله بأكل تلك الثمار واستشمام تلك الأنوار والتفرج بين ~~تلك الأشجار وهو مع ذلك خائف على نفسه من السباع وغير خال من السقطات ~~PageV03P217 والنكبات ولا منفك عن شوك ينشب بثيابه وغضن يجرح بدنه وشوكة ~~تدخل في رجله وصوت هائل يفزع منه وعوسج يخرق ثيابه ويهتك عورته ويمنعه عن ~~الانصراف لو أراده فلما بلغه نداء أهل السفينة انصرف مثقلا بما معه ولم يجد ~~في المركب موضعا فبقي في الشط حتى مات جوعا وبعضهم لم يبلغه النداء وسارت ~~السفينة فمنهم من افترسته السباع ومنهم من تاه فهام على وجهه حتى هلك ومنهم ~~من مات في الأوحال ومنهم من نهشته الحيات فتفرقوا كالجيف المنتنة # وأما من وصل إلى المركب بثقل ما أخذه من الأزهار والأحجار فقد استرقته ~~وشغله الحزن بحفظها والخوف من فوتها وقد ضيقت عليه مكانه فلم يلبث أن ذبلت ~~تلك الأزهار وكمدت تلك الألوان والأحجار فظهر نتن رائحتها فصارت مع كونها ~~مضيقة عليه مؤذية له بنتنها ووحشتها فلم يجد حيلة إلا أن ألقاها في البحر ~~هربا منها وقد أثر فيه ما أكل منها فلم ينته إلى الوطن إلا بعد أن ظهرت ~~عليه الأسقام بتلك الروائح فبلغ سقيما مدبرا ومن رجع قريبا ما فاته إلا سعة ~~المحل فتأدى بضيق المكان مدة ولكن لما وصل إلى الوطن استراح ومن رجع أولا ~~وجد المكان الأوسع ووصل إلى الوطن سالما فهذا مثال أهل الدنيا في اشتغالهم ~~بحظوظهم العاجلة ونسيانهم موردهم ومصدرهم وغفلتهم عن عاقبة أمورهم وما أقبح ~~من يزعم أنه بصير عاقل أن تغره أحجار الأرض وهي الذهب والفضة وهشيم النبت ~~وهي زينة الدنيا وشيء من ذلك لا يصحبه عند الموت بل يصير كلا ووبالا عليه ~~وهو في الحال شاغل له بالحزن والخوف عليه وهذه حال الخلق كلهم إلا من عصمه ~~الله عز وجل # مثال آخر لاغتزار الخلق بالدنيا وضعف إيمانهم قال الحسن رحمه الله بلغني ~~أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه إنما مثلي ومثلكم ومثل الدنيا ~~كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء حتى إذا لم يدروا ما سلكوا منها أكثر أو ما بقي ~~أنفدوا الزاد وخسروا الظهر وبقوا بين ظهراني المفازة ولا زاد ولا حمولة ~~فأيقنوا بالهلكة فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم رجل في حلة تقطر رأسه فقالوا ~~هذا قريب عهد بريف وما جاءكم هذا إلا من قريب فلما انتهى إليهم قال يا ~~هؤلاء فقالوا يا هذا فقال علام أنتم فقالوا على ما ترى فقال أرأيتم إن ~~هديتكم إلى ماء رواء ورياض خضر ما تعملون قالوا لا نعصيك شيئا قال عهودكم ~~ومواثيقكم بالله فأعطوه عهودهم ومواثيقهم بالله لا يعصونه شيئا قال فأوردهم ~~ماء رواء ورياضا خضرا فمكث فيهم ما شاء الله ثم قال يا هؤلاء قالوا يا هذا ~~قال الرحيل قالوا إلى أين قال إلى ماء ليس كمائكم وإلى رياض ليست كرياضكم ~~فقال أكثرهم والله ما وجدنا هذا حتى ظننا أنا لن نجده وما نصنع بعيش خير من ~~هذا وقالت طائفة وهم أقلهم ألم تعطوا هذا الرجل عهودكم ومواثيقكم بالله أن ~~لا تعصوه شيئا وقد صدقكم في أول حديثه فوالله ليصدقنكم في آخره فراح فيمن ~~اتبعه وتخلف بقيتهم فبدرهم عدو فأصبحوا بين أسير وقتيل + حديث الحسن بلغني ~~أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه إنما مثلي ومثلكم ومثل الدنيا ~~كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا هكذا بطوله لأحمد ~~والبزار والطبراني من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ~~فيما يرى النائم ملكان الحديث وفيه فقال أي أحد الملكين إن مثل هذا ومثل ~~أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى مفازة فذكر نحوه اخصر منه وإسناده حسن + # ومثال آخر لتنعم الناس بالدنيا ثم تفجعهم على فراقها اعلم أن مثل الناس ~~فيما أعطوا من الدنيا مثل رجل هيأ دارا وزينها وهو يدعو إلى داره على ~~الترتيب قوما واحدا بعد واحد فدخل واحد داره فقدم إليه طبق ذهب عليه بخور ~~ورياحين ليشمه ويتركه لمن يلحقه لا ليتملكه ويأخذه فجهل رسمه وظن أنه قد ~~وهب ذلك فتعلق به قلبه لما ظن أنه له فلما استرجع منه ضجر وتفجع ومن كان ~~عالما برسمه انتفع به وشكره ورده بطيب قلب PageV03P218 وانشراح صدر وكذلك ~~من عرف سنة الله في الدنيا علم أنها دار ضيافة سبلت على المجتازين لا على ~~المقيمين ليتزودوا منها وينتفعوا بما فيها كما ينتفع المسافرون بالعواري ~~ولا يصرفون إليها كل قلوبهم حتى تعظم مصيبتهم عند فراقها # فهذه أمثلة الدنيا وآفاتها وغوائلها نسأل الله تعالى اللطيف الخبير حسن ~~العون بكرمه وحلمه # | بيان حقيقة الدنيا وماهيتها في حق العبد # اعلم أن معرفة ذم الدنيا لا تكفيك ما لم تعرف الدنيا المذمومة ما هي وما ~~الذي ينبغي أن يجتنب منها وما الذي لا يجتنب فلا بد وأن نبين الدنيا ~~المذمومة المأمور باجتنابها لكونها عدوة قاطعة لطريق الله ما هي فنقول ~~دنياك وآخرتك عبارة عن حالتين من أحوال قلبك فالقريب الداني منها يسمى دنيا ~~وهو كل ما قبل الموت والمتراخي المتأخر يسمى آخرة وهو ما بعد الموت فكل ما ~~لك فيه حظ ونصيب وغرض وشهوة ولذة عاجل الحال قبل الوفاة فهي الدنيا في حقك ~~إلا أن جميع مالك إليه ميل وفيه نصيب وحظ فليس بمذموم بل هو ثلاثة أقسام # القسم الأول ما يصحبك في الآخرة وتبقى معك ثمرته بعد الموت وهو شيئان ~~العلم والعمل فقط وأعني بالعلم العلم بالله وصفاته وأفعاله وملائكته وكتبه ~~ورسله وملكوت أرضه وسمائه والعلم بشريعة نبيه وأعني بالعمل العبادة الخالصة ~~لوجه الله تعالى وقد يأنس العالم بالعلم حتى يصير ذلك ألذ الأشياء عنده ~~فيهجر النوم والمطعم والمنكح في لذته لأنه أشهى عنده من جميع ذلك فقد صار ~~حظا عاجلا في الدنيا # ولكنا إذا ذكرنا الدنيا المذمومة لم نعد هذا من الدنيا أصلا بل قلنا إنه ~~من الآخرة وكذلك العابد قد يأنس بعبادته فيستلذها بحيث لو منع عنها لكان ~~ذلك أعظم العقوبات عليه حتى قال بعضهم ما أخاف من الموت إلا من حيث يحول ~~بيني وبين قيام الليل وكان آخر يقول اللهم ارزقني قوة الصلاة والركوع ~~والسجود في القبر فهذا قد صارت الصلاة عنده من حظوظه العاجلة وكل حظ عاجل ~~فاسم الدنيا ينطلق عليه من حيث الاشتقاق من الدنو ولكنا لسنا نعني بالدنيا ~~المذمومة ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم حبب إلي من دنياكم ثلاث النساء ~~والطيب وقرة عيني في الصلاة + حديث حبب إلي من دنياكم ثلاث الطيب والنساء ~~وقرة عيني في الصلاة أخرجه النسائي والحاكم من حديث أنس دون قوله ثلاث ~~وتقدم في النكاح + # فجعل الصلاة من جملة ملاذ الدنيا وكذلك كل ما يدخل في الحس والمشاهدة فهو ~~من عالم الشهادة وهو من الدنيا والتلذذ بتحريك الجوارح بالركوع والسجود ~~إنما يكون في الدنيا فلذلك أضافها إلى الدنيا إلا أنا لسنا في هذا الكتاب ~~نتعرض إلا للدنيا المذمومة فنقول هذه ليست من الدنيا # القسم الثاني وهو المقابل له على الطرف الأقصى كل ما فيه حظ عاجل ولا ~~ثمرة له في الآخرة أصلا كالتلذذ بالمعاصي كلها والتنعم بالمباحاة الزائدة ~~على قدر الحاجات والضرورات الداخلة في جملة الرفاهية والرعونات كالتنعم ~~بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ~~والغلمان والجواري والخيول والمواشي والقصور والدور ورفيع الثياب ولذائذ ~~الأطعمة فحظ العبد من هذا كله هي الدنيا المذمومة وفيما يعد فضولا أوفى محل ~~الحاجة نظر طويل إذ روى عن عمر رضي الله عنه أنه استعمل أبا الدرداء على ~~حمص فاتخذ كنيفا أنفق عليه درهمين فكتب إليه عمر من عمر بن الخطاب أمير ~~المؤمنين إلى عويمر قد كان لك في بناء فارس والروم ما تكتفي به عن عمران ~~الدنيا حين أراد الله خرابها فإذا أتاك كتابي هذا فقد سيرتك إلى دمشق أنت ~~وأهلك فلم يزل بها حتى مات فهذا رآه فضولا من الدنيا فتأمل فيه PageV03P219 # القسم الثالث وهو متوسط بين الطرفين كل حظ في العاجل معين على أعمال ~~الآخرة كقدر القوت من الطعام والقميص الواحد الخشن وكل ما لا بد منه لبتأتي ~~للإنسان البقاء والصحة التي بها يتوصل إلى العلم والعمل وهذا ليس من الدنيا ~~كالقسم الأول لأنه معين على القسم الأول ووسيلة إليه فمهما تناوله العبد ~~على قصد الاستعانة به على العلم والعمل لم يكن به متناولا للدنيا ولم يصر ~~به من أبناء الدنيا وإن كان باعثه الحظ العاجل دون الاستعانة على التقوى ~~التحق بالقسم الثاني وصار من جملة الدنيا ولا يبقى مع العبد عند الموت إلا ~~ثلاث صفات صفاء القلب أعني طهارته من الأدناس وأنسه بذكر الله تعالى وحبه ~~لله عز وجل # وصفاء القلب وطهارته لا يحصلان إلا بالكف عن شهوات الدنيا والأنس لا يحصل ~~إلا بكثرة ذكر الله تعالى والمواظبة عليه والحب لا يحصل إلا بالمعرفة ولا ~~تحصل معرفة الله إلا بدوام الفكر وهذه الصفات الثلاث هي المنجيات المسعدات ~~بعد الموت # أما طهارة القلب عن شهوات الدنيا فهي من المنجيات إذ تكون جنة بن العبد ~~وبين عذاب الله كما ورد في الأخبار إن أعمال العبد تناضل عنه فإذا جاء ~~العذاب من قبل رجليه جاء قيام الليل يدفع عنه وإذا جاء من جهة يديه جاءت ~~الصدقة تدفع عنه + حديث مناضلة أعمال العبد عنه فإذا جاء العذاب من قبل ~~رجليه جاء قيام الليل فدفع عنه الحديث أخرجه الطبراني من حديث عبد الرحمن ~~بن سمرة بطوله وفيه خالد بن عبد الرحمن المخزومي ضعفه البخاري وأبو حاتم ~~ولأحمد من حديث أسماء بنت أبي بكر إذا دخل الإنسان قبره فإن كان مؤمنا ~~أحزبه عمله الصلاة والصيام الحديث وإسناده صحيح + الحديث # وأما الأنس والحب فهما من المسعدات وهما موصلان العبد إلى لذة اللقاء ~~والمشاهدة وهذه السعادة تتعجل عقيب الموت إلى أن يدخل أوان الرؤية في الجنة ~~فيصير القبر روضة من رياض الجنة وكيف لا يكون القبر عليه روضة من رياض ~~الجنة ولم يكن له إلا محبوب واحد وكانت العوائق تعوقه عن دوام الأنس بدوام ~~ذكره ومطالعة جماله فارتفعت العوائق وأفلت من السجن وخلى بينه وبين محبوبه ~~فقدم عليه مسرورا سليما من الموانع آمنا من العوائق وكيف لا يكون محب ~~الدنيا عند الموت معذبا ولم يكن له محبوب إلا الدنيا وقد غصب منه وحيل بينه ~~وبينه وسدت عليه طرق الحيلة في الرجوع إليه ولذلك قيل # ما حال من كان له واحد % غيب عنه ذلك الواحد # وليس الموت عدما إنما هو فراق لمحاب الدنيا وقدوم على الله تعالى فإذا ~~سالك طريق الآخرة هو المواظب على أسباب هذه الصفات الثلاث وهي الذكر والفكر ~~والعمل الذي يفطمه عن شهوات الدنيا ويبغض إليه ملاذها ويقطعه عنها وكل ذلك ~~لا يمكن إلا بصحة البدن وصحة البدن لا تنال إلا بقوت وملبس ومسكن ويحتاج كل ~~واحد إلى أسباب فالقدر الذي لا بد منه من هذه الثلاثة إذا أخذه العبد من ~~الدنيا للآخرة لم يكن من أبناء الدنيا وكانت الدنيا في حقه مزرعة للآخرة ~~وإن أخذ ذلك لحظ النفس وعلى قصد التنعم صار من أبناء الدنيا والراغبين في ~~حظوظها إلا أن الرغبة في حظوظ الدنيا تنقسم إلى ما يعرض صاحبه لعذاب الآخرة ~~ويسمى ذلك حراما وإلى ما يحول بينه وبين الدرجات العلا ويعرضه لطول الحساب ~~ويسمى ذلك حلالا والبصير يعلم أن طول الموقف في عرصات القيامة لأجل ~~المحاسبة أيضا عذاب فمن نوقش الحساب عذب + حديث من نوقش الحساب عذب متفق ~~عليه من حديث عائشة + # إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حلالها حساب وحرامها عذاب + حديث ~~حلالها حساب وحرامها عذاب أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب من طريقه ~~موقوفا على علي بن أبي طالب بإسناد منقطع بلفظ وحرامها النار ولم أجده ~~مرفوعا + # وقد قال أيضا حلالها عذاب إلا إنه عذاب أخف من عذاب الحرام PageV03P220 ~~بل لو لم يكن الحساب لكان ما يفوت من الدرجات العلا في الجنة وما يرد على ~~القلب من التحسر على تفوتها لحظوظ حقيرة خسيسة لا بقاء لها هو أيضا عذاب ~~وقس به حالك في الدنيا إذا نظرت إلى أقرانك وقد سبقوك بسعادات دنيوية كيف ~~يتقطع قلبك عليها حسرات مع علمك بأنها سعادات منصرمة لا بقاء لها منغصة ~~بكدورات لا صفاء لها فما حالك في فوات سعادة لا يحيط الوصف بعظمتها وتنقطع ~~الدهور دون غايتها فكل من تنعم في الدنيا ولو بسماع صوت من طائر أو بالنظر ~~إلى خضرة أو شربة ماء بارد فإنه ينقص من حظه في الآخرة أضعافه وهو المعنى ~~بقوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه هذا من النعيم الذي تسئل عنه + ~~حديث هذا من النعيم الذي تسئل عنه تقدم في الأطعمة + # أشار به إلى الماء البارد والتعرض لجواب السؤال فيه ذل وخوف وخطر ومشقة ~~وانتظار وكل ذلك من نقصان الحظ ولذلك قال عمر رضي الله عنه اعزلوا عني ~~حسابها حين كان به عطش فعرض عليه ماء بارد بعسل فأداره في كفه ثم امتنع عن ~~شربه فالدنيا قليلها وكثيرها حرامها وحلالها ملعونة إلا ما أعان على تقوى ~~الله فإن ذلك القدر ليس من الدنيا وكل من كانت معرفته أقوى وأتقن كان حذره ~~من نعيم الدنيا أشد حتى إن عيسى عليه السلام وضع رأسه على حجر لما نام ثم ~~رماه إذ تمثل له إبليس وقال رغبت في الدنيا وحتى إن سليمان عليه السلام في ~~ملكه كان يطعم الناس لذائذ الأطعمة وهو يأكل خبز الشعير فجعل الملك على ~~نفسه بهذا الطريق امتهانا وشدة فإن الصبر على لذائذ الأطعمة مع القدرة ~~عليها ووجودها أشد ولهذا روي أن الله تعالى زوى الدنيا عن نبينا صلى الله ~~عليه وسلم فكان يطوي أياما + حديث زوى الله الدنيا عن نبينا صلى الله عليه ~~وسلم فكان يطوي أياما أخرجه محمد بن خفيف في شرف الفقراء من حديث عمر بن ~~الخطاب قال قلت يا رسول الله عجبا لمن بسط الله لهم الدنيا وزواها عنك ~~الحديث وهو من طريق إسحاق معنعنا وللترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله الحديث ~~قال الترمذي حسن صحيح + # وكان يشد الحجر على بطنه من الجوع + حديث كان يشد الحجر على بطنه من ~~الجوع تقدم + # ولهذا سلط الله البلاء والمحن على الأنبياء والأولياء ثم الأمثل فالأمثل ~~كل ذلك نظرا لهم وامتنانا عليهم ليتوفر من الآخرة حظهم كما يمنع الوالد ~~الشفيق ولده لذة الفواكه ويلزم ألم الفصد والحجامة شفقة عليه وحبا له لا ~~بخلا عليه وقد عرفت بهذا أن كل ما ليس لله فهو من الدنيا وما هو لله فذلك ~~ليس من الدنيا # فإن قلت فما الذي هو لله فأقول الأشياء ثلاثة أقسام منها مالا يتصور أن ~~يكون لله وهو الذي يعبر عنه بالمعاصي والمحظورات وأنواع التنعمات في ~~المباحات وهي الدنيا المحضة المذمومة فهي الدنيا صورة ومعنى ومنها ما صورته ~~لله ويمكن أن يجعل لغير الله وهو ثلاثة الفكر والذكر والكف عن الشهوات فإن ~~هذه الثلاثة إذا جرت سرا ولم يكن عليها باعث سوى أمر الله واليوم الآخر فهي ~~لله وليست من الدنيا وإن كان الغرض من الفكر طلب العلم للتشرف به وطلب ~~القبول بين الخلق بإظهار المعرفة أو كان الغرض من ترك الشهوة حفظ المال أو ~~الحمية لصحة البدن والاشتهار بالزهد فقد صار هذا من الدنيا بالمعنى وإن كان ~~يظن بصورته أنه لله تعالى ومنها ما صورته لحظ النفس ويمكن أن يكون معناه ~~لله وذلك كالأكل والنكاح وكل ما يرتبط به بقاؤه وبقاء ولده فإن كان القصد ~~حظ النفس فهو من الدنيا وإن كان القصد الاستعانة به على التقوى فهو لله ~~بمعناه وإن كانت صورته صورة الدنيا قال صلى الله عليه وسلم من طلب الدنيا ~~حلالا مكاثرا مفاخرا لقي الله وهو عليه غضبان ومن طلبها استعفافا عن ~~المسألة وصيانة لنفسه جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر + حديث من ~~طلب الدنيا حلالا مكاثرا مفاخرا لقي الله وهو عليه غضبان الحديث أخرجه أبو ~~نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة بسند ضعيف + # فانظر كيف اختلف ذلك بالقصد فإذا الدنيا حظ نفسك العاجل الذي لا حاجة ~~إليه لأمر الآخرة ويعبر عنه بالهوى وإليه الإشارة بقوله تعالى ونهى النفس ~~عن PageV03P221 الهوى فإن الجنة هي المأوى ومجامع الهوى خمسة أمور وهي ما ~~جمعه الله تعالى في قوله إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم ~~وتكاثر في الأموال والأولاد والأعيان التي تحصل منها هذه الخمسة سبعة ~~يجمعها قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير ~~المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة ~~الدنيا فقد عرفت أن كل ما هو لله فليس من الدنيا وقدر ضرورة القوت وما لا ~~بد منه من مسكن وملبس هو لله إن قصد به وجه الله والاستكثار منه تنعم وهو ~~لغير الله وبين التنعم والضرورة درجة يعبر عنها بالحاجة ولها طرفان وواسطة ~~طرف يقرب من حد الضرورة فلا يضر فإن الاقتصار على حد الضرورة غير ممكن وطرف ~~يزاحم جانب التنعم ويقرب منه وينبغي أن يحذر منه وبينهما وسائط متشابهة ومن ~~حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه # والحزم في الحذر والتقوى والتقرب من حد الضرورة ما أمكن اقتداء بالأنبياء ~~والأولياء عليهم السلام إذا كانوا يردون أنفسهم إلى حد الضرورة حتى إن ~~أويسا القرني كان يظن أهله أنه مجنون لشدة تضييقه على نفسه فبنوا له بيتا ~~على باب دارهم فكان يأتي عليهم السنة والسنتان والثلاث لا يرون له وجها ~~وكان يخرج أول الأذان ويأتي إلى منزله بعد العشاء الآخرة وكان طعامه أن ~~يلتقط النوى وكلما أصاب حشفة خبأها لإفطاره وإن لم يصب ما يقوته من الحشف ~~باع النوى واشترى بثمنه ما يقوته وكان لباسه مما يلتقط من المزابل من قطع ~~الأكسية فيغسلها في الفرات ويلفق بعضها إلى بعض ثم يلبسها فكان ذلك لباسه ~~وكان ربما مر الصبيان فيرمونه ويظنون أنه مجنون فيقول لهم يا إخوتاه إن ~~كنتم ولا بد أن ترموني فارموني بأحجار صغار فإني أخاف أن تدموا عقبي فيحضر ~~وقت الصلاة ولا أصيب الماء فهكذا كانت سيرته ولقد عظم رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أمره فقال إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن إشارة إليه رحمه ~~الله + إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن أشار به إلى أويس القرني تقدم في ~~قواعد العقائد لم أجد له أصلا + ولما ولي الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله ~~تعالى عنه قال أيها الناس من كان منكم من العراق فليقم قالوا فقاموا فقال ~~اجلسوا إلا من كان من أهل الكوفة فجلسوا فقال اجلسوا إلا من كان من مراد ~~فجلسوا فقال اجلسوا إلا من كان من قرن فجلسوا كلهم إلا رجلا واحدا فقال له ~~عمر أقرني أنت فقال نعم فقال أتعرف أويس بن عامر القرني فوصفه له فقال نعم ~~وما ذاك تسأل عنه يا أمير المؤمنين والله ما فينا أحمق منه ولا أجن منه ولا ~~أوحش منه ولا أدنى منه فبكى عمر رضي الله تعالى عنه ثم قال ما قلت ما قلت ~~إلا لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يدخل في شفاعته مثل ربيعة ~~ومضر + حديث عمر يدخل الجنة في شفاعته مثل ربيعة ومضر يريد أويسا ورويناه ~~في جزء ابن السماء من حديث أبي أمامة يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر ~~من ربيعة ومضر وإسناده حسن وليس فيه ذكر لأويس بل في آخره فكان المشيخة ~~يرون أن ذلك الرجل عثمان بن عفان + # فقال هرم بن حيان لما سمعت هذا القول من عمر بن الخطاب قدمت الكوفة فلم ~~يكن لي هم إلا أن أطلب أويسا القرني وأسأل عنه حتى سقطت عليه جالسا على ~~شاطيء الفرات نصف النهار يتوضأ ويغسل ثوبه فعرفته بالنعت الذي نعت لي فإذا ~~رجل لحيم شديد الأدمة محلوق الرأس كث اللحية متغير جدا كريه الوجه متهيب ~~المنظر قال فسلمت عليه فرد علي السلام ونظر إلي فقلت حياك الله من رجل ~~ومددت يدي لأصافحه فأبى أن يصافحني فقلت رحمك الله يا أويس وغفر لك كيف أنت ~~رحمك الله ثم خنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي عليه إذ رأيت من حاله ما ~~رأيت حتى بكيت وبكى فقال وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان كيف أنت يا أخي ~~ومن دلك علي قال قلت الله فقال PageV03P222 لا إله إلا الله سبحان الله إن ~~كان وعد ربنا لمفعولا قال فعجبت حين عرفني ولا والله ما رأيته قبل ذلك ولا ~~رآني فقلت من أين عرفت اسمي واسم أبي وما رأيتك قبل اليوم قال نبأني العليم ~~الخبير وعرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك إن الأرواح لها أنفس كأنفس ~~الأجساد وإن المؤمنين ليعرف بعضهم بعضا ويتحابون بروح الله وإن لم يلتقوا ~~يتعارفون ويتكلمون وإن نأت بهم الدار وتفرقت بهم المنازل قال قلت حدثني ~~رحمك الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث أسمعه منك قال إني لم ~~أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن لي معه صحبة بأبي وأمي رسول ~~الله ولكن رأيت رجالا قد صحبوه وبلغني من حديثه كما بلغك ولست أحب أن أفتح ~~على نفسي هذا الباب أن أكون محدثا أو مفتيا أو قاضيا في نفسي شغل عن الناس ~~يا هرم بن حيان فقلت يا أخي اقرأ علي آية من القرآن أسمعها منك وادع لي ~~بدعوات وأوصني بوصية أحفظها عنك فإني أحبك في الله حبا شديدا قال فقام وأخذ ~~بيدي على شاطيء الفرات ثم قال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ~~ثم بكى ثم قال قال ربي والحق قول ربي وأصدق الحديث حديثه وأصدق الكلام ~~كلامه ثم قرأ وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا ~~بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون حتى انتهى إلى قوله إنه هو العزيز الرحيم فشهق ~~شهقة ظننت أنه قد غشي عليه ثم قال يا ابن حيان مات أبوك حيان وتوشك أن تموت ~~فإما إلى جنة وإما إلى نار ومات أبوك آدم وماتت أمك حواء ومات نوح ومات ~~إبراهيم خليل الرحمن ومات موسى نجي الرحمن ومات داود خليفة الرحمن ومات ~~محمد صلى الله عليه وسلم وهو رسول رب العالمين ومات أبو بكر خليفة المسلمين ~~ومات عمر بن الخطاب أخي وصفي ثم قال يا عمراه يا عمراه قال فقلت رحمك الله ~~إن عمر لم يمت قال فقد نعاه إلي ربي ونعى إلي نفسي ثم قال أنا وأنت في ~~الموت كأنه قد كان ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعا بدعوات ~~خفيات ثم قال هذه وصيتي إياك يا هرم بن حيان كتاب الله ونهج الصالحين ~~المؤمنين فقد نعيت إلي نفسي ونفسك عليك بذكر الموت لا يفارق قلبك طرفة عين ~~ما بقيت وأنذر قومك إذا رجعت إليهم وانصح للأمة جميعا وإياك أن تفارق ~~الجماعة قيد شبر فتفارق دينك وأنت لا تعلم فتدخل النار يوم القيامة ادع لي ~~ولنفسك ثم قال اللهم إن هذا يزعم أنه يحبني فيك وزارني من أجلك فعرفني وجهه ~~في الجنة وأدخله علي في دارك دار السلام واحفظه ما دام في الدنيا حيثما كان ~~وضم عليه ضيعته وأرضه من الدنيا باليسير وما أعطيته من الدنيا فيسره له ~~تيسيرا واجعله لما أعطيته من نعمائك من الشاكرين وأجزه عنى خير الجزاء ثم ~~قال استودعك الله يا هرم بن حيان والسلام عليك ورحمة الله وبركاته لا أراك ~~بعد اليوم رحمك الله تطلبني فإني أكره الشهرة والوحدة أحب إلي أن كثير الهم ~~شديد الغم مع هؤلاء الناس ما دمت حيا فلا تسأل عني ولا تطلبني واعلم أنك ~~مني على بال وإن لم أرك ولم ترني فاذكرني وادع لي فإني سأذكرك وأدعو لك إن ~~شاء الله انطلق أنت ههنا حتى انطلق أنا ههنا # فحرصت أن أمشي معه ساعة فأبى علي وفارقته فبكى وأبكاني وجعلت انظر في ~~قفاه حتى دخل بعض السكك ثم سألت عنه بعد ذلك فما وجدت أحدا يخبرني عنه بشيء ~~رحمه الله وغفر له # فهكذا كانت سيرة أبناء الآخرة المعرضين عن الدنيا # وقد عرفت مما سبق في بيان الدنيا ومن سيرة الأنبياء والأولياء أن حد ~~الدنيا كل ما أظلته الخضراء وأقلته الغبراء إلا ما كان لله عز وجل من ذلك ~~وضد الدنيا الآخرة وهو كل ما أريد به الله تعالى مما يؤخذ بقدر الضرورة من ~~الدنيا لأجل قوة طاعة الله وذلك ليس من الدنيا # ويتبين هذا بمثال وهو أن الحاج إذا حلف أنه في طريق الحج PageV03P223 لا ~~يشتغل بغير الحج بل يتجرد له ثم اشتغل بحفظ الزاد وعلف الجمل وخرز الرواية ~~وكل ما لا بد للحج منه لم يحنث في يمينه ولم يكن مشغولا بغير الحج فكذلك ~~البدن مركب النفس تقطع به مسافة العمر فتعهد البدن بما تبقى به قوته على ~~سلوك الطريق بالعلم والعمل هو من الآخرة لا من الدنيا نعم إذا قصد تلذذ ~~البدن وتنعمه بشيء من هذه الأسباب كان منحرفا عن الآخرة ويخشى على قلبه ~~القسوة قال الطنافسي كنت على باب بني شيبة في المسجد الحرام سبعة أيام ~~طاويا فسمعت في الليلة الثامنة مناديا وأنا بين اليقظة والنوم ألا من أخذ ~~من الدنيا أكثر مما يحتاج إليه أعمى الله عين قلبه # فهذا بيان حقيقة الدنيا في حقك فاعلم ذلك ترشد إن شاء الله تعالى # | بيان حقيقة الدنيا في نفسها وأشغالها التي استغرقت همم الخلق حتى ~~أنستهم # أنفسهم وخالقهم ومصدرهم وموردهم # اعلم أن الدنيا عبارة عن أعيان موجودة وللإنسان فيها حظ وله في إصلاحها ~~شغل فهذه ثلاثة أمور قد يظن أن الدنيا عبارة عن آحادها وليس كذلك أما ~~الأعيان الموجودة التي الدنيا عبارة عنها فهي الأرض وما عليها قال الله ~~تعالى إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا فالأرض فراش ~~للآدميين ومهاد ومسكن ومستقر وما عليها لهم ملبس ومطعم ومشرب ومنكح # ويجمع ما على الأرض ثلاثة أقسام المعادن والنبات والحيوان # أما النبات فيطلبه الآدمي للاقتيات والتداوي وأما المعادن فيطلبها للآلات ~~والأواني كالنحاس والرصاص وللنقد كالذهب والفضة ولغير ذلك من المقاصد وأما ~~الحيوان فينقسم إلى الإنسان والبهائم # أما البهائم فيطلب منها لحومها للمآكل وظهورها للمركب والزينة # وأما الإنسان فقد يطلب الآدمي أن يملك أبدان الناس ليستخدمهم ويستسخرهم ~~كالغلمان أو ليتمتع بهم كالجواري والنسوان ويطلب قلوب الناس ليملكها بأن ~~يغرس فيها التعظيم والإكرام وهو الذي يعبر عنه بالجاه إذ معنى الجاه ملك ~~قلوب الآدميين فهذه هي الأعيان التي يعبر عنها بالدنيا وقد جمعها الله ~~تعالى في قوله زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين وهذا من الإنس ~~والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة وهذا من الجواهر والمعادن وفيه تنبيه ~~على غيرها من اللآليء واليواقيت وغيرها والخيل المسومة والأنعام وهي ~~البهائم والحيوانات والحرث وهو النبات والزرع # فهذه هي أعيان الدنيا إلا أن لها مع العبد علاقتين علاقة مع القلب وهو ~~حبه لها وحظه منها وانصراف همه إليها حتى يصير قلبه كالعبد أو المحب ~~المستهتر بالدنيا ويدخل في هذه العلاقة جميع صفات القلب المعلقة بالدنيا ~~كالكبر والغل والحسد والرياء والسمعة وسوء الظن والمداهنة وحب الثناء وحب ~~التكاثر والتفاخر وهذه هي الدنيا الباطنة وأما الظاهرة فهي الأعيان التي ~~ذكرناها # العلاقة الثانية مع البدن وهو اشتغاله بإصلاح هذه الأعيان لتصلح لحظوظه ~~وحظوظ غيره وهي جملة الصناعات والحرف التي الخلق مشغولون بها والخلق إنما ~~نسوا أنفسهم ومآبهم ومنقلبهم بالدنيا لهاتين العلاقتين علاقة القلب بالحب ~~وعلاقة البدن بالشغل ولو عرف نفسه وعرف ربه وعرف حكمة الدنيا وسرها علم أن ~~هذه الأعيان التي سميناها دنيا لم تخلق إلا لعلف الدابة التي يسير بها إلى ~~الله تعالى وأعني بالدابة البدن فإنه لا يبقى إلا بمطعم ومشرب وملبس ومسكن ~~كما لا يبقى الجمل في طريق الحج إلا يعلف وماء وجلال PageV03P224 # ومثال العبد في الدنيا في نسيانه نفسه ومقصده مثال الحاج الذي يقف في ~~منازل الطريق ولا يزال يعلف الناقة ويتعهدها وينظفها ويكسوها ألوان الثياب ~~ويحمل إليها أنواع الحشيش ويبرد لها الماء بالثلج حتى تفوته القافلة وهو ~~غافل عن الحج وعن مرور القافلة وعن بقائه في البادية فريسة للسباع هو ~~وناقته والحاج البصير لا يهمه من أمر الجمل إلا القدر الذي يقوى به على ~~المشي فيتعهده وقلبه إلى الكعبة والحج وإنما يلتفت إلى الناقة بقدر الضرورة ~~فكذلك البصير في السفر إلى الآخرة لا يشغل بتعهد البدن إلا بالضرورة كما لا ~~يدخل بيت الماء إلا لضرورة ولا فرق بين إدخال الطعام في البطن وبين إخراجه ~~من البطن في أن كل واحد منهما ضرورة البدن ومن همته ما يدخل بطنه فقيمته ما ~~يخرج منها وأكثر ما شغل عن الله تعالى هو البطن فإن القوت ضروري وأمر ~~المسكن والملبس أهون ولو عرفوا سبب الحاجة إلى هذه الأمور واقتصروا عليه لم ~~تستغرقهم أشغال الدنيا وإنما استغرقتهم لجهلهم بالدنيا وحكمتها وحظوظهم ~~منها ولكنهم جهلوا وغفلوا وتتابعت أشغال الدنيا عليهم واتصل بعضها ببعض ~~وتداعت إلى غير نهاية محدودة فتاهوا في كثرة الأشغال ونسوا مقاصدها # ونحن نذكر تفاصيل أشغال الدنيا وكيفية حدوث الحاجة إليها وكيفية غلط ~~الناس في مقاصدها حتى تتضح لك أشغال الدنيا كيف صرفت الخلق عن الله تعالى ~~وكيف أنستهم عاقبة أمورهم فنقول الأشغال الدنيوية هي الحرف والصناعات ~~والأعمال التي ترى الخلق منكبين عليها وسبب كثرة الأشغال هو أن الإنسان ~~مضطر إلى ثلاث القوت والمسكن والملبس فالقوت للغذاء والبقاء والملبس لدفع ~~الحر والبرد والمسكن لدفع الحر والبرد ولدفع أسباب الهلاك عن الأهل والمال ~~ولم يخلق الله القوت والمسكن والملبس مصلحا بحيث يستغني عن صنعة الإنسان ~~فيه # نعم خلق ذلك للبهائم فإن النبات يغذي الحيوان من غير طبخ والحر والبرد لا ~~يؤثر في بدنه فيستغني عن البناء ويقنع بالصحراء ولباسها شعورها وجلودها ~~فتستغني عن اللباس والإنسان ليس كذلك فحدثت الحاجة لذلك إلى خمس صناعات هي ~~أصول الصناعات وأوائل الأشغال الدنيوية وهي الفلاحة والرعاية والاقتناص ~~والحياكة والبناء أما البناء فللمسكن والحياكة وما يكتنفها من أمر الغزل ~~والخياطة فللملبس والفلاحة للمطعم والرعاية للمواشي والخيل أيضا للمطعم ~~والمركب والاقتناص نعني به تحصيل ما خلقه الله من صيد أو معدن أو حشيش أو ~~حطب فالفلاح يحصل النباتات والراعي يحفظ الحيوانات ويستنتجها والمقتنص يحصل ~~ما نبت ونتج بنفسه من غير صنع آدمي وكذلك يأخذ من معادن الأرض ما خلق فيها ~~من غير صنعة آدمي ونعني بالاقتناص ذلك ويدخل تحته صناعات وأشغال عدة ثم هذه ~~الصناعات تفتقر إلى أدوات وآلات كالحياكة والفلاحة والبناء والاقتناص ~~والآلات إنما تؤخذ إما من النبات وهو الأخشاب أو من المعادن كالحديد ~~والرصاص وغيرهما أو من جلود الحيوانات فحدثت الحاجة إلى ثلاث أنواع أخر من ~~الصناعات النجارة والحدادة والخز وهؤلاء هم عمال الآلات ونعني بالنجارة كل ~~عامل في الخشب كيفما كان وبالحداد كل عامل في الحديد وجواهر المعادن حتى ~~النحاس والإبري وغيرهما وغرضنا ذكر الأجناس فأما آحاد الحرف فكثيرة وأما ~~الخراز فنعني به كل عامل في جلود الحيوانات وأجزائها فهذه أمهات الصناعات ~~ثم إن الإنسان خلق بحيث لا يعيش وحده بل يضطر إلى الاجتماع مع غيره من ~~أبناء جنسه وذلك لسببين أحدهما حاجته إلى النسل لبقاء جنس الإنسان ولا يكون ~~ذلك إلا باجتماع الذكر والأنثى وعشرتهما # والثاني PageV03P225 التعاون على تهيئة أسباب المطعم والملبس ولتربية ~~الولد فإن الاجتماع يفضي إلى الولد لا محالة والواحد لا يشتغل بحفظ الولد ~~وتهيئة أسباب القوت ثم ليس يكفيه الاجتماع مع الأهل والولد في المنزل بل لا ~~يمكنه أن يعيش كذلك ما لم تجتمع طائفة كثيرة ليتكفل كل واحد بصناعة فإن ~~الشخص الواحد كيف يتولى الفلاحة وحده وهو يحتاج إلى آلاتها وتحتاج الآلة ~~إلى حداد ونجار ويحتاج الطعام إلى طحان وخباز وكذلك كيف ينفرد بتحصيل ~~الملبس وهو يفتقر إلى حراسة القطن وآلات الحياكة والخياطة وآلات كثيرة ~~فلذلك امتنع عيش الإنسان وحده وحدثت الحاجة إلى الاجتماع ثم لو اجتمعوا في ~~صحراء مكشوفة لتأذوا بالحر والبرد والمطر واللصوص فافتقروا إلى أبنية محكمة ~~ومنازل ينفرد كل أهل بيت به وبما معه من الآلات والأثاث والمنازل تدفع الحر ~~والبرد والمطر وتدفع أذى الجيران من اللصوصية وغيرها لكن المنازل قد تقصدها ~~جماعة من اللصوص خارج المنازل فافتقر أهل المنازل إلى التناصر والتعاون ~~والتحصن بسور يحيط بجميع المنازل فحدثت البلاد لهذه الضرورة # ثم مهما اجتمع الناس في المنازل والبلاد وتعاملوا تولدت بينهم خصومات إذ ~~تحدث رياسة وولاية للزوج على الزوجة وولاية للأبوين على الولد لأنه ضعيف ~~يحتاج إلى قوام به ومهما حصلت الولاية على عاقل أفضى إلى الخصومة بخلاف ~~الولاية على البهائم إذ ليس لها قوة المخاصمة وإن ظلمت # فأما المرأة فتخاصم الزوج والولد يخاصم الأبوين هذا في المنزل # وأما أهل البلد أيضا فيتعاملون في الحاجات ويتنازعون فيها ولو تركوا كذلك ~~لتقاتلوا وهلكوا وكذلك الرعاة وأرباب الفلاحة يتواردون على المراعي ~~والأراضي والمياه وهي لا تفي بأغراضهم فيتنازعون لا محالة ثم قد يعجز بعضهم ~~عن الفلاحة والصناعة بعمى أو مرض أو هرم وتعرض عوارض مختلفة ولو ترك ضائعا ~~لهلك ولو وكل تفقده إلى الجميع لتخاذلوا ولو خص واحد من غير سبب يخصه لكان ~~لا يذعن له فحدث بالضرورة من هذه العوارض الحاصلة بالاجتماع صناعات أخرى # فمنها صناعة المساحة التي بها تعرف مقادير الأرض لتمكن القسمة بينهم ~~العدل # ومنها صناعة الجندية لحراسة البلد بالسيف ودفع اللصوص عنهم # ومنها صناعة الحكم والتوصل لفصل الخصومة ومنها الحاجة إلى الفقه وهو ~~معرفة القانون الذي ينبغي أن يضبط به الخلق ويلزموا الوقوف على حدوده حتى ~~لا يكثر النزاع وهو معرفة حدود الله تعالى في المعاملات وشروطها # فهذه أمور سياسية لا بد منها ولا يشتغل بها إلا مخصوصون بصفات مخصوصة من ~~العلم والتمييز والهداية وإذا اشتغلوا بها لم يتفرغوا لصناعة أخرى ويحتاجون ~~إلى المعاش ويحتاج أهل البلد إليهم إذ لو اشتغل أهل البلد بالحرب مع ~~الأعداء مثلا تعطلت الصناعات ولو اشتغل أهل الحرب والسلاح بالصناعات لطلب ~~القوت تعطلت البلاد عن الحراس واستضر الناس فمست الحاجة إلى أن يصرف إلى ~~معايشهم وأرزاقهم الأموال الضائعة التي لا مالك لها إن كانت أو تصرف ~~الغنائم إليهم إن كانت العداوة مع الكفار فإن كانوا أهل ديانة وورع قنعوا ~~بالقليل من أموال المصالح وإن أرادوا التوسع فتمس الحاجة لا محالة إلى أن ~~يمدهم أهل البلد بأموالهم ليمدوهم بالحراسة فتحدث الحاجة إلى الخراج ثم ~~يتولد بسبب الحاجة إلى الخراج الحاجة لصناعات أخر إذ يحتاج إلى من يوظف ~~الخراج بالعدل على الفلاحين وأرباب الأموال وهم العمال وإلى من يستوفي منهم ~~بالرفق وهم الجباة والمتخرجون وإلى من يجمع عنده ليحفظه إلى وقت التفرقة ~~وهم الخزان وإلى من يفرق عليهم بالعدل وهو الفارض للعساكر وهذه الأعمال لو ~~تولاها عدد لا تجمعهم رابطة انخرم النظام فتحدث منه الحاجة إلى ملك يدبرهم ~~وأمير مطاع يعين لكل عمل شخصا ويختار لكل واحد ما يليق به ويراعي النصفة في ~~أخذ الخراج وإعطائه واستعمال الجند في الحرب وتوزيع أسلحتهم وتعين جهات ~~الحرب ونصب الأمير والقائد على كل PageV03P226 طائفة منهم إلى غير ذلك من ~~صناعات الملك فيحدث من ذلك بعد الجند الذين هم أهل السلاح وبعد الملك الذي ~~يراقبهم بالعين الكالئة ويدبرهم الحاجة إلى الكتاب والخزان والحساب والجباة ~~والعمال # ثم هؤلاء أيضا يحتاجون إلى معيشة ولا يمكنهم الاشتغال بالحرف فتحدث ~~الحاجة إلى مال الفرع مع مال الأصل وهو المسمى فرع الخراج وعند هذا يكون ~~الناس في الصناعات ثلاث طوائف الفلاحون والرعاة والمحترفون # والثانية الجندية الحماة بالسيوف # والثالثة المترددون بين الطائفتين في الأخذ والعطاء وهم العمال والجباة ~~وأمثالهم فانظر كيف ابتدأ الأمر من حاجة القوت والملبس والمسكن وإلى ماذا ~~انتهى # وهكذا أمور الدنيا لا يفتح منها باب إلا وينفتح بسببه أبواب أخر وهكذا ~~تتناهى إلى غير حد محصور كأنها هاوية لا نهاية لعمقها من وقع في مهواة منها ~~سقط منها إلى أخرى وهكذا على التوالي فهذه هي الحرف والصناعات إلا أنها لا ~~تتم إلا بالأموال والآلات والمال عبارة عن أعيان الأرض وما عليها مما ينتفع ~~به وأعلاها الأغذية ثم الأمكنة التي يأوى الإنسان إليها وهي الدور ثم ~~الأمكنة التي يسعى فيها للتعيش كالحوانيت والأسواق والمزارع ثم الكسوة ثم ~~أثاث البيت وآلاته ثم آلات الآلات وقد يكون الآلات ما هو حيوان كالكلب آلة ~~الصيد والبقر آلة الحراثة والفرس آلة الركوب في الحرب ثم يحدث من ذلك حاجة ~~البيع فإن الفلاح ربما يسكن قرية ليس فيها آلة الفلاحة والحداد والنجار ~~يسكنان قرية لا يمكن فيها الزراعة فبالضرورة يحتاج الفلاح إليهما ويحتاجان ~~إلى الفلاح فيحتاج أحدهما أن يبذل ما عنده للآخر حتى يأخذ منه غرضه وذلك ~~بطريق المعاوضة إلا أن النجار مثلا إذا طلب من الفلاح الغذاء بآلته ربما لا ~~يحتاج الفلاح في ذلك الوقت إلى آلته فلا يبيعه والفلاح إذا طلب الآلة من ~~النجار بالطعام ربما كان عنده طعام في ذلك الوقت فلا يحتاج إليه فتتعوق ~~الأغراض فاضطروا إلى حانوت يجمع آلة كل صناعة ليترصد بها صاحبها أرباب ~~الحاجات وإلى أبيات يجمع إليها ما يحمل الفلاحون فيشتريه منهم صاحب الأبيات ~~ليترصد به أرباب الحاجات فظهرت لذلك الأسواق والمخازن فيحمل الفلاح الحبوب ~~فإذا لم يصادف محتاجا باعها بثمن رخيص من الباعة فيخزنونها في انتظار أرباب ~~الحاجات طمعا في الربح وكذلك في جميع الأمتعة والأموال ثم يحدث لا محالة ~~بين البلاد والقرى تردد فيتردد الناس يشترون من القرى الأطعمة ومن البلاد ~~الآلات وينقلون ذلك ويتعيشون به لتنتظم أمور الناس في البلاد بسببهم إذ كل ~~بلد ربما لا توجد فيه كل آلة وكل قرية لا يوجد فيها كل طعام فالبعض يحتاج ~~إلى البعض فيحوج إلى النقل فيحدث التجار المتكفلون بالنقل وباعثهم عليه حرص ~~جمع المال لا محالة فيتعبون طول الليل والنهار في الأسفار لغرض غيرهم ~~ونصيبهم منها جمع المال الذي يأكله لا محالة غيرهم إما قاطع طريق وإما ~~سلطان ظالم ولكن جعل الله تعالى في غفلتهم وجهلهم نظاما للبلاد ومصلحة ~~للعباد بل جميع أمور الدنيا انتظمت بالغفلة وخسة الهمة # ولو عقل الناس وارتفعت هممهم لزهدوا في الدنيا ولو فعلوا ذلك لبطلت ~~المعايش ولو بطلت لهلكوا ولهلك الزهاد أيضا ثم هذه الأموال التي تنقل لا ~~يقدر الإنسان على حملها فتحتاج إلى دواب تحملها وصاحب المال قد لا تكون له ~~دابة فتحدث معاملة بينه وبين مالك الدابة تسمى الإجارة ويصير الكراء نوعا ~~من الاكتساب أيضا ثم يحدث بسبب البياعات الحاجة إلى النقدين فإن من يريد أن ~~يشتري طعاما بثوب فمن أين يدري المقدار الذي يساويه من الطعام كم هو ~~والمعاملة تجري في أجناس مختلفة كما يباع ثوب بطعام وحيوان بثوب وهذه أمور ~~لا تتناسب فلا بد من حاكم عدل يتوسط بين المتبايعين يعدل أحدهما بالآخر ~~فيطلب ذلك العدل من أعيان الأموال ثم يحتاج إلى PageV03P227 مال يطول بقاؤه ~~لأن الحاجة إليه تدوم # وأبقى الأموال المعادن فاتخذت النقود من الذهب والفضة والنحاس ثم مست ~~الحاجة إلى الضرب والنقش والتقدير فمست الحاجة إلى دار الضرب والصيارفة ~~وهكذا تتداعى الأشغال والأعمال بعضها إلى بعض حتى انتهت إلى ما تراه فهذه ~~أشغال الخلق وهي معاشهم وشي من هذه الحرف لا يمكن مباشرته إلا بنوع تعلم ~~وتعب في الابتداء وفي الناس من يغفل عن ذلك في الصبا فلا يشتغل به أو يمنعه ~~عنه مانع فيبقى عاجز عن الاكتساب لعجزه عن الحرف فيحتاج إلى أن يأكل مما ~~يسعى فيه غيره فيحدث منه حرفتان خسيستان اللصوصية والكداية إذ يجمهما أنهما ~~يأكلان من سعي غيرهما ثم الناس يحترزون من اللصوص والمكدين ويحفظون عنهم ~~أموالهم فافتقروا إلى صرف عقولهم في استنباط الحيل والتدابير أما اللصوص ~~فمنهم من يطلب أعوانا ويكون في يديه شوكة وقوة فيجتمعون ويتكاثرون ويقطعون ~~الطريق كالأعراب والأكراد وأما الضعفاء منهم فيفزعون إلى الحيل إما بالنقب ~~أو التسلق عند انتهاز فرصة الغفلة وإما بأن يكون طرارا أو سلالا إلى غير ~~ذلك من أنواع التلصص الحادثة بحسب ما تنتجه الأفكار المصروفة إلى استنباطها ~~وأما المكدي فإنه إذا طلب ما سعى فيه غيره وقيل له اتعب واعمل كما عمل غيرك ~~فمالك والبطالة فلا يعطي شيئا فافتقروا إلى حيلة في استخراج الأموال وتمهيد ~~العذر لأنفسهم في البطالة فاحتالوا للتعلل بالعجز إما بالحقيقة كجماعة ~~يعمون أولادهم وأنفسهم بالحيلة ليعذروا بالعمى فيعطون وإما بالتعامي ~~والتفالج والتجانن والتمارض وإظهار ذلك بأنواع من الحيل مع بيان أن تلك ~~محنة أصابت من غير استحقاق ليكون ذلك سبب الرحمة وجماعة يلتمسون أقوالا ~~وأفعالا يتعجب الناس منها حتى تنبسط قلوبهم عند مشاهدتها فيسخوا برفع اليد ~~عن قليل من المال في حال التعجب ثم قد يندم بعد زوال التعجب ولا ينفع الندم ~~وذلك قد يكون بالتمسخر والمحاكاة والشعبذة والأفعال المضحكة وقد يكون ~~بالأشعار الغريبة والكلام المنثور المسجع مع حسن الصوت والشعر الموزون أشد ~~تأثيرا في النفس لا سيما إذا كان فيه تعصب يتعلق بالمذاهب كأشعار مناقب ~~الصحابة وفضائل أهل البيت أو الذي يحرك داعية العشق من أهل المجانة كصنعة ~~الطبالين في الأسواق وصنعة ما يشبه العوض وليس بعوض كبيع التعويذات والحشيش ~~الذي يخيل بائعه أنها أدوية فيخدع بذلك الصبيان والجهال وكأصحاب القرعة ~~والفأل من المنجمين ويدخل في هذا الجنس الوعاظ والمكدون على رءوس المنابر ~~إذا لم يكن وراءهم طائل علمي وكان غرضهم استمالة قلوب العوام وأخذ أموالهم ~~بأنواع الكدية وأنواعها تزيد على ألف نوع وألفين وكل ذلك استنبط بدقيق ~~الفكرة لأجل المعيشة فهذه هي أشغال الخلق وأعمالهم التي أكبوا عليها وجرهم ~~إلى ذلك كله الحاجة إلى القوت والكسوة ولكنهم نسوا في أثناء ذلك أنفسهم ~~ومقصودهم ومنقلبهم ومآبهم فتاهوا وضلوا وسبق إلى عقولهم الضعيفة بعد أن ~~كدرتها زحمة الاشتغالات بالدنيا خيالات فاسدة فانقسمت مذاهبهم واختلفت ~~آراؤهم على عدة أوجه # فطائفة غلبهم الجهل والغفلة فلم تنفتح أعينهم للنظر إلى عاقبة أمورهم ~~فقالوا المقصود أن نعيش أياما في الدنيا فنجتهد حتى نكسب القوت ثم نأكل حتى ~~نقوى على الكسب ثم نكسب حتى نأكل فيأكلون ليكسبوا ثم يكسبون ليأكلوا وهذا ~~مذهب الفلاحين والمحترفين ومن ليس له تنعم في الدنيا ولا قدم في الدين فإنه ~~يتعب نهارا PageV03P228 ليأكل ليلا ويأكل ليلا ليتعب نهارا وذلك كسير ~~السواني فهو سفر لا ينقطع إلا بالموت # وطائفة أخرى زعموا أنهم تفطنوا الأمر وهو أنه ليس المقصود أن يشقى ~~الإنسان بالعمل ولا يتنعم في الدنيا بل السعادة في أن يقضي وطره من شهوة ~~الدنيا وهي شهوة البطن والفرج فهؤلاء نسوا أنفسهم وصرفوا هممهم إلى اتباع ~~النسوان وجمع لذائذ الأطعمة يأكلون كما تأكل الأنعام ويظنون أنهم إذا نالوا ~~ذلك فقد أدركوا غاية السعادة فشغلهم ذلك عن الله تعالى وعن اليوم الآخر # وطائفة ظنوا أن السعادة في كثرة المال والاستغناء بكثرة الكنوز فأسهروا ~~ليلهم وأتعبوا نهارهم في الجمع فهم يتعبون في الأسفار طول الليل والنهار ~~ويترددون في الأعمال الشاقة ويكتسبون ويجمعون ولا يأكلون إلا قدر الضرورة ~~شحا وبخلا عليها أن تنقص وهذه لذتهم وفي ذلك دأبهم وحركتهم إلى أن يدركهم ~~الموت فيبقى تحت الأرض أو يظفر به من يأكله في الشهوات واللذات فيكون ~~للجامع تعبه ووباله وللآكل لذته ثم الذين يجمعون ينظرون إلى أمثال ذلك ولا ~~يعتبرون وطائفة ظنوا أن السعادة في حسن الاسم وانطلاق الألسنة بالثناء ~~والمدح بالتجمل والمروءة فهؤلاء يتعبون في كسب المعاش ويضيقون على أنفسهم ~~في المطعم والمشرب ويصرفون جميع مالهم إلى الملابس الحسنة والدواب النفيسة ~~ويزخرفون أبواب الدور وما يقع عليها أبصار الناس حتى يقال إنه غني وإنه ذو ~~ثروة ويظنون أن ذلك هو السعادة فهمتهم في نهارهم وليلهم في تعهد موقع نظر ~~الناس # وطائفة أخرى ظنوا أن السعادة في الجاه والكرامة بين الناس وانقياد الخلق ~~بالتواضع والتوقير فصرفوا هممهم إلى استجرار الناس إلى الطاعة لطلب ~~الولايات وتقلد الأعمال السلطانية لينفذ أمرهم بها على طائفة من الناس ~~ويرون أنهم إذا اتسعت ولايتهم وانقادت لهم رعاياهم فقد سعدوا سعادة عظيمة ~~وأن ذلك غاية المطلب وهذا أغلب الشهوات على قلوب الغافلين من الناس فهؤلاء ~~شغلهم حب تواضع الناس لهم عن التواضع لله وعن عبادته وعن التفكر في آخرتهم ~~ومعادهم ووراء هؤلاء طوائف يطول حصرها تزيد على نيف وسبعين فرقة كلهم قد ~~ضلوا وأضلوا عن سواء السبيل وإنما جرهم إلى جميع ذلك حاجة المطعم والملبس ~~والمسكن ونسوا ما تراد له هذه الأمور الثلاثة والقدر الذي يكفي منها وانجرت ~~بهم أوائل أسبابها إلى أواخرها وتداعى بهم ذلك إلى مهاو لم يمكنهم الرقي ~~منها فمن عرف وجه الحاجة إلى هذه الأسباب والأشغال وعرف غاية المقصود منها ~~فلا يخوض في شغل وحرفة وعمل إلا وهو عالم بمقصوده وعالم بحظه ونصيبه منه ~~وأن غاية مقصوده تعهد بدنه بالقوت والكسوة حتى لا يهلك وذلك إن سلك فيه ~~سبيل التقليل اندفعت الأشغال عنه وفرغ القلب وغلب عليه ذكر الآخرة وانصرفت ~~الهمة إلى الاستعداد له وإن تعدى به قدر الضرورة كثرت الأشغال وتداعى البعض ~~إلى البعض وتسلسل إلى غير نهاية فتتشعب به الهموم ومن تشعبت به الهموم في ~~أودية الدنيا فلا يبالي الله في أي واد أهلكه منها فهذا شأن المنهمكين في ~~أشغال الدنيا وتنبه لذلك طائفة فأعرضوا عن الدنيا فحسدهم الشيطان ولم ~~يتركهم وأضلهم في الإعراض أيضا حتى انقسموا إلى طوائف # فظنت طائفة أن الدنيا دار بلاء ومحنة والآخرة دار سعادة لكل من وصل إليها ~~سواء تعبد في الدنيا أو لم يتعبد فرأوا أن الصواب في أن يقتلوا أنفسهم ~~للخلاص من محنة الدنيا وإليه ذهب طوائف من العباد من أهل الهند فهم يتهجمون ~~على النار ويقتلون أنفسهم بالإحراق ويظنون أن ذلك خلاص لهم من محن الدنيا ~~PageV03P229 وظنت طائفة أخرى أن القتل لا يخلص بل لا بد أولا من إماتة ~~الصفات البشريه وقطعها عن النفس بالكلية وأن السعادة في قطع الشهوة والغضب ~~ثم أقبلوا على المجاهدة وشددوا على أنفسهم حتى هلك بعضهم بشدة الرياضة ~~وبعضهم فسد عقله وجن وبعضهم مرض وانسد عليه الطريق في العبادة وبعضهم عجز ~~عن قمع الصفات بالكلية فظن أن ما كلفه الشرع محال وأن الشرع تلبيس لا أصل ~~له فوقع في الإلحاد وظهر لبعضهم أن هذا التعب كله لله وأن الله تعالى مستغن ~~عن عبادة العباد لا ينقصه عصيان عصيان عاص ولا تزيده عبادة متعبد فعادوا ~~إلى الشهوات وسلكوا مسلك الإباحة وطووا بساط الشرع والأحكام وزعموا أن ذلك ~~من صفاء توحيدهم حيث اعتقدوا أن الله مستغن عن عبادة العباد # وظن طائفة أن المقصود من العبادات المجاهدة حتى يصل العبد بها إلى معرفة ~~الله تعالى فإذا حصلت المعرفة فقد وصل وبعد الوصول يستغني عن الوسيلة ~~والحيلة فتركوا السعي والعبادة وزعموا أنه ارتفع محلهم في معرفة الله ~~سبحانه عن أن يمتهنوا بالتكاليف وإنما التكليف على عوام الخلق ووراء هذا ~~مذاهب باطلة وضلالات هائلة يطول إحصاؤها إلى ما يبلغ نيفا وسبعين فرقة ~~وإنما الناجي منها فرقة واحدة وهي السالكة ما كان عليه رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وأصحابه وهو أن لا يترك الدنيا بالكلية ولا يقمع الشهوات بالكلية ~~أما الدنيا فيأخذ منها قدر الزاد وأما الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة ~~الشرع والعقل ولا يتبع كل شهوة ولا يترك كل شهوة بل يتبع العدل ولا يترك كل ~~شيء من الدنيا ولا يطلب كل شيء من الدنيا بل يعلم مقصود كل ما خلق من ~~الدنيا ويحفظه على حد مقصوده فيأخذ من القوت ما يقوي به البدن على العبادة ~~ومن المسكن ما يحفظ عن اللصوص والحر والبرد ومن الكسوة كذلك حتى إذا فرغ ~~القلب من شغل البدن أقبل على الله تعالى بكنه همته واشتغل بالذكر والفكر ~~طول العمر وبقي ملازما لسياسة الشهوات ومراقبا لها حتى لا يجاوز حدود الورع ~~والتقوى ولا يعلم تفصيل ذلك إلا بالاقتداء بالفرقة الناجية وهم الصحابة ~~فإنه عليه السلام لما قال الناجي منها واحدة قالوا يا رسول الله ومن هم قال ~~أهل السنة والجماعة فقيل ومن أهل السنة والجماعة قال ما أنا عليه وأصحابي + ~~حديث افتراق الأمة وفيه الناجي منهم واحدة قالوا ومن هم قال أهل السنة ~~والجماعة الحديث أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو وحسنه تفترق أمتي ~~على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة فقالوا من هي يا رسول ~~الله قال ما أنا عليه وأصحابي ولأبي داود من حديث معاوية وابن ماجه من حديث ~~أنس وعوف بن مالك وهي الجماعة وأسانيدها جياد + # وقد كانوا على النهج القصد وعلى السبيل الواضح الذي فصلناه من قبل فإنهم ~~ما كانوا يأخذون الدنيا للدنيا بل للدين وما كانوا يترهبون ويهجرون الدنيا ~~بالكلية وما كان لهم في الأمور تفريط ولا إفراط بل كان أمرهم بين ذلك قواما ~~وذلك هو العدل والوسط بين الطرفين وهو أحب الأمور إلى الله تعالى كما سبق ~~ذكره في مواضع والله أعمل تم كتاب ذم الدنيا والحمد لله أولا وآخرا و صلى ~~الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم PageV03P230 # | كتاب ذم البخل وذم حب المال # وهو الكتاب السابع من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين # بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله مستوجب الحمد برزقه المبسوط وكاشف الضر بعد القنوت الذي خلق ~~الخلق ووسع الرزق وأفاض على العالمين أصناف الأموال وابتلاهم فيها بتقلب ~~الأحوال ورددهم فيها بين العسر واليسر والغنى والفقر والطمع واليأس والثروة ~~والإفلاس والعجز والاستطاعة والحرص والقناعة والبخل والجود والفرح بالموجود ~~والأسف على المفقود والإيثار والإنفاق والتوسع والإملاق والتبذير والتقتير ~~والرضا بالقليل واستحقار الكثير كل ذلك ليبلوهم أيهم أحسن عملا وينظر أيهم ~~آثر الدنيا على الآخرة بدلا وابتغى عن الآخرة عدولا وحولا واتخذ الدنيا ~~ذخيرة وخولا والصلاة على محمد الذي نسخ بملته مللا وطوى بشريعته أديانا ~~ونحلا وعلى آله وأصحابه الذين سلكوا سبيل ربهم ذللا وسلم تسليما كثيرا # أما بعد فإن فتن الدنيا كثيرة الشعب والأطراف واسعة الأرجاء والأكناف ~~ولكن الأموال أعظم فتنها وأطم محنها وأعظم فتنة فيها أنه لا غنى لأحد عنها ~~ثم إذا وجدت فلا سلامة منها فإن فقد المال حصل منه الفقر الذي يكاد أن يكون ~~كفرا وإن وجد حصل منه الطغيان الذي لا تكون عاقبة أمره إلا خسرا وبالجملة ~~فهي لا تخلو من الفوائد والآفات وفوائدها من المنجيات وآفاتها من المهلكات ~~وتمييز خيرها عن شرها من المعوصات التي لا يقوى عليها إلا ذوو البصائر في ~~الدين من العلماء الراسخين دون المسترسمين المغترين وشرح ذلك مهم على ~~الانفراد فإن ما ذكرناه في كتاب ذم الدنيا لم يكن نظرا في المال خاصة بل في ~~الدنيا عامة إذ الدنيا تتناول كل حظ عاجل والمال بعض أجزاء الدنيا والجاه ~~بعضها واتباع شهوة البطن والفرج بعضها وتشفي الغيظ بحكم الغضب والحسد بعضها ~~والكبر وطلب العلو بعضها ولها أبعاض كثيرة ويجمعها كل ما كان للإنسان فيه ~~حظ عاجل ونظرنا الآن في هذا الكتاب في المال وحده إذ فيه آفات وغوائل ~~وللإنسان من فقده صفة الفقر ومن وجوده وصف الغنى وهما حالتان يحصل بهما ~~الاختبار والامتحان ثم للفاقد حالتان القناعة والحرص وإحداهما مذمومة ~~والأخرى محمودة وللحريص حالتان طمع فيما في أيدي الناس وتشمر للحرف ~~والصناعات مع اليأس عن الخلق والطمع شر الحالتين وللواجد حالتان إمساك بحكم ~~البخل والشح وإنفاق وإحداهما مذمومة والأخرى محمودة وللمنفق حالتان تبذير ~~واقتصاد والمحمود هو الاقتصاد وهذه أمور متشابهة وكشف الغطاء عن الغموض ~~فيها مهم ونحن نشرح ذلك في أربعة عشر فصلا إن شاء الله تعالى وهو بيان ذم ~~المال ثم مدحه ثم تفصيل فوائد المال وآفاته ثم ذم الحرص والطمع ثم علاج ~~الحرص والطمع ثم فضيلة السخاء ثم حكايات الأسخياء ثم ذم البخل ثم حكايات ~~البخلاء ثم الإيثار وفضله ثم حد السخاء والبخل ثم علاج البخل ثم مجموع ~~الوظائف في المال ثم ذم الغنى ومدح الفقر إن شاء الله تعالى PageV03P231 # | بيان ذم المال وكراهة حبه # قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر ~~الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وقال تعالى إنما أموالكم وأولادكم ~~فتنة والله عنده أجر عظيم فمن اختار ماله وولده على ما عند الله فقد خسر ~~وغبن خسرانا عظيما وقال عز وجل من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها الآية ~~وقال تعالى إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى فلا حول ولا قوة إلا بالله ~~العلي العظيم وقال تعالى ألهاكم التكاثر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~حب المال والشرف ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل + حديث حب ~~المال والشرف ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل لم أجده بهذا ~~اللفظ وذكره بعد هذا بلفظ الجاه بدل الشرف + # وقال صلى الله عليه وسلم ما ذئبان ضاريان أرسلا في زريبة غنم بأكثر ~~إفسادا فيها من حب الشرف والمال والجاه في دين الرجل المسلم + حديث ما ~~ذئبان ضاريان أرسلا في زريبة غنم بأكثر إفسادا لها من حب المال والجاه في ~~دين الرجل المسلم أخرجه الترمذي والنسائي في الكبرى من حديث كعب بن مالك ~~وقالا جائعان مكان ضاريان ولم يقولا في زريبة وقالا الشرف بدل الجاه قال ~~الترمذي حسن صحيح وللطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد ما ذئبان ضاريان في ~~زريبة غنم الحديث وللبزار من حديث أبي هريرة ضاريان جائعان وإسناد الطبراني ~~فيهما ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم هلك المكثرون إلا من قال به في عباد الله هكذا ~~وهكذا وقليل ما هم + حديث هلك الأكثرون إلا من قال به في عباد الله هكذا ~~وهكذا الحديث أخرجه الطبراني من حديث عبد الرحمن ابن أبزي بلفظ المكثرون ~~ولم يقل في عباد الله ورواه أحمد من حديث أبي سعيد بلفظ المكثرون وهو متفق ~~عليه من حديث أبي ذر بلفظ هم الأخسرون فقال أبو ذر من هم فقال هم الأكثرون ~~أموالا إلا من قال هكذا الحديث + # وقيل يا رسول الله أي أمتك شر قال الأغنياء + حديث قيل يا رسول الله أي ~~أمتك شر قال الأغنياء غريب لم أجده بهذا اللفظ وللطبراني في الأوسط ~~والبيهقي في الشعب من حديث عبد الله بن جعفر شرار أمتي الذين ولدوا في ~~النعيم وغذوا به يأكلون من الطعام ألوانا وفيه أصرم بن حوشب ضعيف ورواه ~~هناد بن السري في الزهد له من رواية عروة بن رويم مرسلا وللبزار من حديث ~~أبي هريرة بسند ضعيف إن من شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم وتنبت عليه ~~أجسامهم + # وقال صلى الله عليه وسلم سيأتي بعدكم قوم يأكلون أطايب الدنيا وألوانها ~~ويركبون فرة الخيل وألوانها وينكحون أجمل النساء وألوانها ويلبسون أجمل ~~الثياب وألوانها لهم بطون من القليل لا تشبع وأنفس بالكثير لا تقنع عاكفون ~~على الدنيا يغدون ويروحون إليها اتخذوها آلهة من دون إلههم وربا دون ربهم ~~إلى أمرها ينتهون ولهواهم يتبعون فعزيمة من محمد بن عبد الله لمن أدركه ذلك ~~الزمان من عقب عقبكم وخلف خلفكم أن لا يسلم عليهم ولا يعود مرضاهم ولا يتبع ~~جنائزهم ولا يوقر كبيرهم فمن فعل ذلك فقد أعان على هدم الإسلام + حديث ~~سيأتي بعدكم قوم يأكلون أطايب الدنيا وألوانها وينكحون أجمل النساء ~~وألوانها الحديث بطوله أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث أبي أمامة ~~سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام ويشربون ألوان الشراب ويلبسون ~~ألوان الثياب يتشدقون في الكلام أولئك شرار أمتي وسنده ضعيف ولم أجد لباقيه ~~أصلا + # وقال صلى الله عليه وسلم دعوا الدنيا لأهلها من أخذ من الدنيا فوق ما ~~يكفيه أخذ حتفه وهو لا يشعر + حديث دعوا الدنيا لأهلها من أخذ من الدنيا ~~فوق ما يكفيه أخذ حتفه وهو لا يشعر أخرجه البزار من حديث أنس وفيه هانيء بن ~~المتوكل ضعفه ابن حبان + # وقال صلى الله عليه وسلم يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما ~~أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت + حديث يقول العبد مالي مالي ~~الحديث أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن الشخير وأبي هريرة وقد تقدم + # وقال رجل يا رسول الله مالي لا أحب الموت فقال هل معك من مال قال نعم يا ~~رسول الله قال قدم مالك فإن قلب المؤمن مع ماله إن قدمه PageV03P232 أحب أن ~~يلحقه وإن خلفه أحب أن يتخلف معه + حديث قال رجل يا رسول الله مالي لا أحب ~~الموت الحديث لم أقف عليه + # وقال صلى الله عليه وسلم أخلاء ابن آدم ثلاثة واحد يتبعه إلى قبض روحه ~~والثاني إلى قبره والثالث إلى محشره فالذي يتبعه إلى قبض روحه فهو ماله ~~والذي يتبعه إلى قبره فهو أهله والذي يتعبه إلى محشره فهو عمله + حديث ~~أخلاء ابن آدم ثلاثة واحد يتبعه إلى قبض روحه والثاني إلى قبره الحديث ~~أخرجه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط من حديث النعمان بن بشير بإسناد ~~جيد نحوه ورواه أبو داود الطيالسي وأبو الشيخ في كتاب الثواب والطبراني في ~~الأوسط من حديث أنس بسند جيد أيضا وفي الكبير من حديث سمرة بن جندب ~~وللشيخين من حديث أنس يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد الحديث + # وقال الحواريون لعيسى عليه السلام مالك تمشي على الماء ولا نقدر على ذلك ~~فقال لهم ما منزلة الدينار والدرهم عندكم قالوا حسنة قال لكنهما والمدر ~~عندي سواء وكتب سلمان الفارسي إلى أبي الدرداء رضي الله عنهما يا أخي إياك ~~أن تجمع من الدنيا مالا تؤدي شكره فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول يجاء بصاحب الدنيا الذي أطاع الله فيها وماله بين يديه كلما تكفأ به ~~الصراط قال له ماله امض فقد أديت حق الله في ثم يجاء بصاحب الدنيا الذي لم ~~يطع الله فيها وماله بين كتفيه كلما تكفأ به الصراط قال له ماله ويلك ألا ~~أديت حق الله في فما يزال كذلك حتى يدعو بالويل والثبور + حديث كتب سلمان ~~إلى أبي الدرداء وفيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يجاء بصاحب ~~الدنيا الذي أطاع الله فيها وماله بين يديه الحديث قلت ليس هو من حديث ~~سلمان إنما هو من حديث أبي الدرداء أنه كتب إلى سلمان كذا رواه البيهقي في ~~الشعب وقال بدل الدنيا المال وهو منقطع + # وكل ما أوردناه في كتاب الزهد والفقر في ذم الغنى ومدح الفقر يرجع جميعه ~~إلى ذم المال فلا نطول بتكريره وكذا كل ما ذكرناه في ذم الدنيا فيتناول ذم ~~المال بحكم العموم لأن المال أعظم أركان الدنيا وإنما نذكر الآن ما ورد في ~~المال خاصة # قال صلى الله عليه وسلم إذا مات العبد قالت الملائكة ما قدم وقال الناس ~~ما خلف + حديث إذا مات العبد قالت الملائكة ما قدم الحديث أخرجه البيهقي في ~~الشعب من حديث أبي هريرة يبلغ به وقد تقدم في آداب الصحبة # وقال صلى الله عليه وسلم لا تتخذوا الضيعة فتحبوا الدنيا + حديث لا ~~تتخذوا الضيعة فتحبوا الدنيا أخرجه الترمذي والحاكم وصحح إسناده من حديث ~~ابن مسعود بلفظ فترغبوا + # الآثار روى أن رجلا نال من أبي الدرداء وأراه سوءا فقال اللهم من فعل بي ~~سوءا فأصح جسمه وأطل عمره وأكثر ماله فانظر كيف رأى كثرة المال غاية البلاء ~~مع صحة الجسم وطول العمر لأنه لا بد وأن يفضي إلى الطغيان ووضع علي كرم ~~الله وجهه درهما على كفه ثم قال أما إنك ما لم تخرج عني لا تنفعني وروي أن ~~عمر رضي الله عنه أرسل إلى زينب بنت جحش بعطائها فقالت ما هذا قالوا أرسل ~~إليك عمر بن الخطاب قالت غفر الله له ثم سلت سترا كان لها فقطعته وجعلته ~~صررا وقسمته في أهل بيتها ورحمها وأيتامها ثم رفعت يديها وقالت اللهم لا ~~يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا فكانت أول نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~لحوقا به وقال الحسن والله ما أعز الدرهم أحد إلا أذله الله وقيل إن أول ما ~~ضرب الدينار والدرهم رفعهما إبليس ثم وضعهما على جبهته ثم قبلهما وقال من ~~أحبكما فهو عبدي حقا وقال سميط بن عجلان إن الدراهم والدنانير أزمة ~~المنافقين يقادون بها إلى النار وقال يحيى بن معاذ الدرهم عقرب فإن لم تحسن ~~رقيته فلا تأخذه فإنه إن لدغك قتلك سمه قيل وما رقيته قال أخذه من حله ~~ووضعه في حقه وقال العلاء بن زياد تمثلت لي الدنيا وعليها من كل زينة فقلت ~~أعوذ PageV03P233 بالله من شرك فقالت إن سرك أن يعيذك الله مني فأبغض ~~الدرهم والدينار وذلك لأن الدرهم والدينار هما الدنيا كلها إذ يتوصل بهما ~~إلى جميع أصنافها فمن صبر عنهما صبر عن الدنيا وفي ذلك قيل # إني وجدت فلا تظنوا غيره % أن التورع عند هذا الدرهم # فإذا قدرت عليه ثم تركته % فاعلم بأن تقاك تقوى المسلم # وفي ذلك قيل أيضا # لا يغرنك من المر قميص رقعه % أو إزار فوق عظم الساق منه رفعه # أو جبين لاح فيه أثر قد خلعه % أره الدرهم تعرف حبه أو ورعه # ويروي عن مسلمة بن عبد الملك أنه دخل على عمر بن عبد العزيز رحمه الله ~~عند موته فقال يا أمير المؤمنين صنعت صنيعا لم يصنعه أحد قبلك تركت ولدك ~~ليس لهم درهم ولا دينار وكان له ثلاثة عشر من الولد فقال عمر أقعدوني ~~فأقعدوه فقال أما قولك لم أدع لهم دينار ولا درهما فإني لم أمنعهم حقا لهم ~~ولم أعطهم حقا لغيرهم وإنما ولدي أحد رجلين إما مطيع لله فالله كافيه والله ~~يتولى الصالحين وإما عاص لله فلا أبالي على ما وقع وروي أن محمد بن كعب ~~القرظي أصاب مالا كثيرا فقيل له لو ادخرته لولدك من بعدك قال لا ولكني ~~ادخره لنفسي عند ربي وأدخر ربي لولدي ويروى أن رجلا قال لأبي عبد ربه يا ~~أخي لا تذهب بشر وتترك أولادك بخير فأخرج أبو عبد ربه من ماله مائة ألف ~~درهم # وقال يحيى بن معاذ مصيبتان لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما للعبد في ~~ماله عند موته قبل وما هما قال يؤخذ منه كله ويسئل عنه كله # | بيان مدح المال والجمع بينه وبين الذم # اعلم أن الله تعالى قد سمى المال خيرا في مواضع من كتابه العزيز فقال جل ~~وعز @QB@ إن ترك خيرا @QE@ الآية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ~~المال الصالح للرجل الصالح + حديث نعم المال الصالح للرجل الصالح أخرجه ~~أحمد والطبراني في الكبير والأوسط من حديث عمرو بن العاص بسند صحيح بلفظ ~~نعما وقالا للمرء + # وكل ما جاء في ثواب الصدقة والحج فهو ثناء على المال إذ لا يمكن الوصول ~~إليهما إلا به وقال تعالى @QB@ ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك @QE@ وقال ~~تعالى ممتنا على عباده @QB@ ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم ~~أنهارا @QE@ وقال صلى الله عليه وسلم كاد الفقر أن يكون كفرا + حديث كاد ~~الفقر أن يكون كفرا أخرجه أبو مسلم الليثي في سننه والبيهقي في شعب الإيمان ~~من حديث أنس وتقدم في كتاب ذم الغضب # وهو ثناء على المال # ولا تقف على وجه الجمع بعد الذم والمدح إلا بأن تعرف حكمة المال ومقصوده ~~وآفاته وغوائله حتى ينكشف لك أنه خير من وجه وشر من وجه وأنه محمود من حيث ~~هو خير ومذموم من حيث هو شر فإنه ليس بخير محض ولا شر محض بل هو سبب لأمرين ~~جميعا وما هذا وصفه فيمدح لا محالة تارة ويذم أخرى ولكن البصير المميز يدرك ~~أن المحمود منه غير المذموم وبيانه بالاستمداد مما ذكرناه في كتاب الشكر من ~~بيان الخيرات وتفصيل درجات النعم والقدر المقنع فيه هو أن مقصد الأكياس ~~وأرباب البصائر سعادة الآخرة التي هي النعيم الدائم والملك المقيم # والقصد إلى هذا دأب الكرام والأكياس إذ قيل لرسول الله صلى الله عليه ~~وسلم من أكرم الناس وأكيسهم فقال أكثرهم للموت ذكرا وأشدهم له استعدادا + ~~حديث من أكرم الناس وأكيسهم قال أكثرهم للموت ذكرا الحديث أخرجه ابن ماجه ~~من حديث ابن عمر بلفظ أي المؤمنين أكيس ورواه ابن أبي الدنيا في الموت بلفظ ~~المصنف وإسناده جيد + PageV03P234 وهذه السعادة لا تنال إلا بثلاث وسائل في ~~الدنيا وهي الفضائل النفسية كالعلم وحسن الخلق والفضائل البدنية كالصحة ~~والسلامة والفضائل الخارجة عن البدن كالمال وسائر الأسباب وأعلاها النفسية ~~ثم البدنية ثم الخارجة # فالخارجة أخسها والمال من جملة الخارجات وأدناها الدراهم والدنانير ~~فإنهما خادمان ولا خادم لهما ومرادان لغيرهما # ولا يرادان لذاتهما إذ النفس هي الجوهر النفيس المطلوب سعادتها وأنها ~~تخدم العلم والمعرفة ومكارم الأخلاق لتحصلها صفة في ذاتها والبدن يخدم ~~النفس بواسطة الحواس والأعضاء والمطاعم والملابس تخدم البدن وقد سبق أن ~~المقصود من المطاعم إبقاء البدن ومن المناكح إبقاء النسل ومن البدن تمكيل ~~النفس وتزكيتها وتزيينها بالعلم والخلق # ومن عرف هذا الترتيب فقد عرف قدر المال ووجه شرفه وأنه من حيث هو ضرورة ~~المطاعم والملابس التي هي ضرورة بقاء البدن الذي هو ضرورة كمال النفس الذي ~~هو خير ومن عرف فائدة الشيء وغايته ومقصده واستعمله لتلك الغاية ملتفتا ~~إليها غير ناس لها فقد أحسن وانتفع وكان ما حصل له الغرض محمودا في حقه ~~فإذا المال آلة ووسيلة إلى مقصود صحيح ويصلح أن يتخذ آلة ووسيلة إلى مقاصد ~~فاسدة وهي المقاصد الصادة عن سعادة الآخرة وتسد سبيل العلم والعمل فهو إذن ~~محمود مذموم محمود بالإضافة إلى المقصد المحمود ومذموم بالإضافة إلى المقصد ~~المذموم فمن أخذ من الدنيا أكثر مما يكفيه فقد أخذ حتفه وهو لا يشعر + حديث ~~من أخذ من الدنيا أكثر مما يكفيه فقد أخذ حتفه وهو لا يشعر تقدم قبله بتسعة ~~أحاديث وهو بقية احذروا الدنيا # كما ورد به الخبر # ولما كانت الطباع مائلة إلى اتباع الشهوات القاطعة لسبيل الله وكان المال ~~مسهلا لها وآلة إليها عظم الخطر فيما يزيد على قدر الكفاية فاستعاذ ~~الأنبياء من شره حتى قال نبيا صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل قوت آل محمد ~~كفافا + حديث اللهم اجعل قوت آل محمد كفافا متفق عليه من حديث أبي هريرة + # فلم يطلب من الدنيا إلا ما يتمحض خيره وقال اللهم أحيني مسكينا وأمتني ~~مسكينا واحشرني في زمرة المساكين + حديث اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا ~~أخرجه الترمذي من حديث أنس وابن ماجه والحاكم وصحح إسناده من حديث أبي سعيد ~~وقد تقدم + # واستعاذ إبراهيم صلى الله عليه وسلم فقال @QB@ واجنبني وبني أن نعبد ~~الأصنام @QE@ وعنى بها هذين الحجرين الذهب والفضة إذ رتبة النبوة أجل من أن ~~يخشى عليها أن تعتقد الإلهية في شيء من هذه الحجارة إذ قد كفى قبل النبوة ~~مع الصغر وإنما معنا عبادتهما حبهما والاغترار بهما والركون إليهما قال ~~نبيا صلى الله عليه وسلم تعس عبد الدينار وتعس عبد الدرهم تعس ولن تعش وإذا ~~شيك فلا إنتفش + حديث تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم الحديث أخرجه البخاري ~~من حديث أبي هريرة ولم يقل وانتفش وإنما علق آخره بلفظ تعس وانتكس ووصل ذلك ~~ابن ماجه والحاكم + # فبين أن محبهما عابد لهما ومن عبد حجرا فهو عابد صنم بل كان من كان عبدا ~~لغير الله فهو عابد صنم أي قطعه ذلك عن الله تعالى وعن آداء حقه فهو كعابد ~~صنم وهو شرك إلا أن الشرك شركان شرك خفي لا يوجب الخلود في النار وقلما ~~ينفك عنه المؤمنون فإنه أخفى من دبيب النمل وشرك جلي يوجب الخلود في النار ~~نعوذ بالله من الجميع # | بيان تفصيل آفات المال وفوائده # اعلم أن المال مثل حية فيها سم وترياق ففوائده ترياقه وغوائله سمومه فمن ~~عرف غوائله وفوائده أمكنه أن يحترز من شره ويستدر من خيره PageV03P235 # أما الفوائد فهي تنقسم إلى دنيوية ودينية أما الدنيوية فلا حاجة إلى ~~ذكرها فإن معرفتها مشهورة مشتركة بين أصناف الخلق ولولا ذلك لم يتهالكوا ~~على طلبها # وأما الدينية فتنحصر جميعها في ثلاثة أنواع # النوع الأول أن ينفقه على نفسه إما في عبادة أو في الاستعانة على عبادة ~~أما في العبادة فهو كالاستعانة به على الحج والجهاد فإنه لا يتوصل إليهما ~~إلا بالمال وهما من أمهات القربات والفقير محروم من فضلهما وأما فيما يقويه ~~على العبادة فذلك هو المطعم والملبس والمسكن والمنكح وضرورات المعيشة فإن ~~هذه الحاجات إذا لم تتيسر كان القلب مصروفا إلى تدبيرها فلا يتفرغ للدين ~~وما لا يتوصل إلى العبادة إلا به فهو عبادة فأخذ الكفاية من الدنيا لأجل ~~الاستعانة على الدين من الفوائد الدينية ولا يدخل في هذا التنعم والزيادة ~~على الحاجة فإن ذلك من حظوظ الدنيا فقط # النوع الثاني ما يصرفه إلى الناس وهو أربعة أقسام الصدقة والمروءة ووقاية ~~العرض وأجرة الاستخدام # أما الصدقة فلا يخفى ثوابها وإنها لتطفيء غضب الرب تعالى وقد ذكرنا فضلها ~~فيما تقدم # وأما المروءة فنعني بها صرف المال إلى الأغنياء والأشراف في ضيافة وهدية ~~وإعانة وما يجري مجراها فإن هذه لا تسمى صدقة بل الصدقة ما يسلم إلى ~~المحتاج إلا أن هذا من الفوائد الدينية إذ به يكتسب العبد الإخوان ~~والأصدقاء وبه يكتسب صفة السخاء ويلتحق بزمرة الأسخياء فلا يوصف بالجود إلا ~~من يصطنع المعروف ويسلك سبيل المروءة والفتوة وهذا أيضا مما يعظم الثواب ~~فيه فقد وردت أخبار كثيرة في الهدايا والضيافات وإطعام الطعام من غير ~~اشتراط الفقر والفاقة في مصارفها # وأما وقاية العرض فنعني به بذل المال لدفع هجو الشعراء وثلب السفهاء وقطع ~~ألسنتهم ودفع شرهم وهو أيضا مع تنجز فائدته بالعاجلة من الحظوظ الدينية قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وقى به المرء عرضه كتب له به صدقة + حديث ~~ما وقى به المرء عرضه به فهو صدقة رواه أبو يعلى من حديث جابر وقد تقدم + # وكيف لا وفيه منع المغتاب عن معصية الغيبة واحتراز عما يثور من كلامه من ~~العداوة التي تحمل في المكافئة والانتقام على مجاوزة حدود الشريعة # وأما الاستخدام فهو أن الأعمال التي يحتاج إليها الإنسان لتهيئة أسبابه ~~كثيرة ولو تولاها بنفسه ضاعت أوقاته وتعذر عليه سلوك سبيل الآخرة بالفكر ~~والذكر الذي هو أعلى مقامات السالكين ومن لا مال له فيفتقر إلى أن يتولى ~~بنفسه خدمة نفسه من شراء الطعام وطحنه وكنس البيت حتى نسخ الكتاب الذي ~~يحتاج إليه وكل ما يتصور أن يقوم به غيرك ويحصل به غرضك فأنت متعوب إذا ~~اشتغلت به إذ عليك من العلم والعمل والذكر والفكر ما لا يتصور أن يقوم به ~~غيرك فتضييع الوقت في غيره خسران # النوع الثالث ما لا يصرفه إلى إنسان معين ولكن يحصل به خير عام كبناء ~~المساجد والقناطر والرباطات ودور المرضى ونصب الجباب في الطريق وغير ذلك من ~~الأوقاف المرصدة للخيرات وهي من الخيرات المؤبدة الدارة بعد الموت ~~المستجلبة بركة أدعية الصالحين إلى أوقات متمادية وناهيك بها خيرا فهذه ~~جملة فوائد المال في الدين سوى ما يتعلق بالحظوظ العاجلة من الخلاص من ذل ~~السؤال وحقارة الفقر والوصول إلى العز والمجد بين الخلق وكثرة الإخوان ~~والأعوان والأصدقاء والوقار والكرامة في القلوب فكل ذلك مما يقتضيه المال ~~من الحظوظ الدنيوية PageV03P236 # وأما الآفات فدينية ودنيوية وأما الدينية فثلاث # الأولى أن تجر إلى المعاصي فإن الشهوات متفاضلة والعجز قد يحول بين المرء ~~والمعصية ومن العصمة أن لا يجد ومهما كان الإنسان آيسا عن نوع من المعصية ~~لم تتحرك داعيته فإذا استشعر القدرة عليها انبعثت داعيته والمال نوع من ~~القدرة يحرك داعية المعاصي وارتكاب الفجور فإن اقتحم ما اشتهاه هلك وإن صبر ~~وقع في شدة إذ الصبر مع القدرة أشد وفتنة السراء أعظم من فتنة الضراء # الثانية أنه يجر إلى التنعم في المباحات وهذا أول الدرجات فمتى يقدر صاحب ~~المال على أن يتناول خبز الشعير ويلبس الثوب الخشن ويترك لذائذ الأطعمة كما ~~كان يقدر عليه سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام في ملكه فأحسن أحواله ~~أن لا يتنعم بالدنيا ويمرن عليها نفسه فيصير التنعم مألوفا عنده ومحبوبا لا ~~يصبر عنه ويجره البعض منه إلى البعض فإذا اشتد أنسه به ربما لا يقدر على ~~التوصل إليه بالكسب الحلال فيقتحم الشبهات ويخوض في المراءاة والمداهنة ~~والكذب والنفاق وسائر الأخلاق الرديئة لينتظم له أمر دنياه ويتيسر له تنعمه ~~فإن من كثر ماله كثرت حاجته إلى الناس ومن احتاج إلى الناس فلا بد وأن ~~ينافقهم ويعصي الله في طلب رضاهم فإن سلم الإنسان من الآفة الأولى وهي ~~مباشرة الحظوظ فلا يسلم عن هذه أصلا ومن الحاجة إلى الخلق تثور العداوة ~~والصداقة وينشأ عنه الحسد والحقد والرياء والكبر والكذب والنميمة والغيبة ~~وسائر المعاصي التي تخص القلب واللسان ولا يخلو عن التعدي أيضا إلى سائر ~~الجوارح وكل ذلك يلزم من شؤم المال والحاجة إلى حفظه وإصلاحه # الثالثة وهي التي لا ينفك عنها أحد وهو أنه يلهيه إصلاح ماله عن ذكر الله ~~تعالى وكل ما شغل العبد عن الله فهو خسران ولذلك قال عيسى عليه الصلاة ~~والسلام في المال ثلاث آفات أن يأخذه من غير حله فقيل إن أخذه من حله فقال ~~يضعه في غير حقه فقيل إن وضعه في حقه فقال يشغله إصلاحه عن الله تعالى وهذا ~~هو الداء العضال فإن أصل العبادات ومخها وسرها ذكر الله والتفكر في جلاله ~~وذلك يستدعي قلبا فارغا وصاحب الضيعة يمسي ويصبح متفكرا في خصومة الفلاح ~~ومحاسبته وفي خصومة الشركاء ومنازعتهم في المال والحدود وخصومة أعوان ~~السلطان في الخراج وخصومة الأجراء على التقصير في العمارة وخصومة الفلاحين ~~في خيانتهم وسرقتهم وصاحب التجارة يكون متفكرا في خيانة شريكه وانفراده ~~بالربح وتقصيره في العمل وتضييعه للمال وكذلك صاحب المواشي وهكذا سائر ~~أصناف الأموال # وأبعدها عن كثرة الشغل النقد المكنوز تحت الأرض ولا يزال الفكر مترددا ~~فيما يصرف إليه وفي كيفية حفظه وفي الخوف مما يعثر عليه وفي دفع أطماع ~~الناس عنه وأودية أفكار الدنيا لا نهاية لها والذي معه قوت يومه في سلامة ~~من جميع ذلك فهذه جملة الآفات الدنيوية سوى ما يقاسيه أرباب الأموال في ~~الدنيا من الخوف والحزن والغم والهم والتعب في دفع الحساد وتجشم المصاعب في ~~حفظ المال وكسبه فإذن ترياق المال أخذ القوت منه وصرف الباقي إلى الخيرات ~~وما عدا ذلك سموم وآفات نسأل الله تعالى السلامة وحسن العون بلطفه وكرمه ~~أنه على ذلك قدير # | بيان ذم الحرص والطمع ومدح القناعة واليأس مما في أيدي الناس # اعلم أن الفقر محمود كما أوردناه في كتاب الفقر ولكن ينبغي أن يكون ~~الفقير قانعا منقطع الطمع عن الخلق غير ملتفت إلى ما في أيديهم ولا حريصا ~~على اكتساب المال كيف كان ولا يمكنه ذلك إلا بأن يقنع بقدر الضرورة ~~PageV03P237 من المطعم والملبس والمسكن ويقتصر على أقله قدرا وأخسه نوعا ~~ويرد أمله إلى يومه أو إلى شهره ولا يشغل قلبه بما بعد شهر فإن تشوق إلى ~~الكثير أو طول أمله فاته عز القناعة وتدنس لا محالة بالطمع وذل الحرص وجره ~~الحرص والطمع إلى مساوئ الأخلاق وارتكاب المنكرات الخارقة للمروءات وقد جبل ~~الآدمي على الحرص والطمع وقلة القناعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو ~~كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا ~~التراب ويتوب الله على من تاب + حديث لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى ~~لهما ثالثا الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس وأنس + وعن أبي واقد الليثي ~~قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوحى أليه أتيناه يعلمنا مما ~~أوحى إليه فجئته ذات يوم فقال إن الله عز وجل يقول إنا أنزلنا المال لإقام ~~الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد من ذهب لأحب أن يكون له ثان ولو ~~كان له الثاني لأحب أن يكون لهما ثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ~~ويتوب الله على من تاب + حديث أبي واقد الليثي إن الله عز وجل يقول إنا ~~أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة الحديث أخرجه أحمد والبيهقي في ~~الشعب بسند صحيح + وقال أبو موسى الأشعري نزلت سورة نحو براءة ثم رفعت وحفظ ~~منها إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ولو أن لابن آدم واديين من ~~مال لتمنى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من ~~تاب + حديث أبي موسى نزلت سورة نحو براءة ثم رفعت وحفظ منها إن الله يؤيد ~~هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم لو أن لابن آدم واديين من مال الحديث أخرجه ~~مسلم مع اختلاف دون قوله إن الله يؤيد هذا الدين ورواه بهذه الزيادة ~~الطبراني وفيه علي بن زيد متكلم فيه + # وقال صلى الله عليه وسلم منهومان لا يشبعان منهوم العلم ومنهوم المال + ~~حديث منهومان لا يشبعان الحديث أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود بسند ضعيف ~~+ # وقال صلى الله عليه وسلم يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان الأمل وحب المال ~~أو كما قال + حديث يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان الحديث متفق عليه من حديث ~~أنس + # ولما كانت هذه جبلة للآدمي مضلة وغريزة مهلكة أثنى الله تعالى ورسوله على ~~القناعة فقال صلى الله عليه وسلم طوبي لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا ~~وقنع به + حديث طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به أخرجه ~~الترمذي وصححه والنسائي في الكبرى من حديث فضالة ابن عبيد ولمسلم من حديث ~~عبد الله بن عمر وقد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه + # وقال صلى الله عليه وسلم ما من أحد فقير ولا غني إلا ود يوم القيامة أنه ~~كان أوتي قوتا في الدنيا + حديث ما من أحد غني ولا فقير إلا ود يوم القيامة ~~أنه كان أوتي في الدنيا قوتا أخرجه ابن ماجه من رواية نفيع بن الحارث عن ~~أنس ونفيع ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس + ~~حديث ليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس متفق عليه من حديث أبي ~~هريرة + # ونهى عن شدة الحرص والمبالغة في الطلب فقال أيها الناس أجملوا في الطلب ~~فإنه ليس لعبد إلا ما كتب له ولن يذهب عبد من الدنيا حتى يأتيه ما كتب له ~~من الدنيا وهي راغمة + حديث ألا أيها الناس أجملوا في الطلب فإنه ليس لعبد ~~إلا ما كتب له أخرجه الحاكم من حديث جابر بنحوه وصحح إسناده وقد تقدم في ~~آداب الكسب والمعاش + # وروي أن موسى عليه السلام سأل ربه تعالى فقال أي عبادك أغنى قال أقنعهم ~~مما أعطيته قال فأيهم أعدل قال من أنصف من نفسه + # وقال ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن روح القدس نفث في ~~روعي إن نفس لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب + حديث ~~ابن مسعود إن روح القدس نفث في روعي إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها ~~الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة والحاكم مع اختلاف وقد تقدم فيه + # وقال أبو هريرة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة إذا ~~اشتد بك الجوع فعليك برغيف وكوز من ماء وعلى الدنيا الدمار وقال أبو هريرة ~~رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن ورعا تكن أعبد الناس وكن ~~قنعا تكن أشكر الناس وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا + حديث أبي هريرة ~~كن ورعا تكن أعبد الناس الحديث أخرجه ابن ماجه وقد تقدم + PageV03P238 ونهى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطمع فيما رواه أبو أيوب الأنصاري أن ~~أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عظني وأوجز فقال ~~إذا صليت فصل صلاة مودع ولا تحدثن بحديث تعتذر منه غدا وأجمع اليأس مما في ~~أيدي الناس + حديث أبي أيوب إذا صليت فصل صلاة مودع ولا تحدثن بحديث تعتذر ~~منه وأجمع اليأس مما في أيدي الناس أخرجه ابن ماجه وتقدم في الصلاة وللحاكم ~~نحوه من حديث سعد بن أبي وقاص وقال صحيح الإسناد + # وقال عوف بن مالك الأشجعي كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع أو ~~ثمانية أو سبعة فقال ألا تبايعون رسول الله قلنا أو ليس قد بايعناك يا رسول ~~الله ثم قال ألا تبايعون رسول الله فبسطنا أيدينا فبايعناه فقال قائل منا ~~قد بايعناك فعلى ماذا نبايعك قال أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وتصلوا ~~الخمس وأن تسمعوا وتطيعوا وأسر كلمة خفية ولا تسألوا الناس شيئا + حديث عوف ~~بن مالك كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أو ثمانية أو تسعة فقال ~~ألا تبايعون الحديث @QB@ وفيه @QE@ ولا تسألوا الناس أخرجه مسلم من حديثه ~~ولم يقل فقال قائل ولا قال تسمعوا وقال سوط أحدهم وهي عند أبي داود وابن ~~ماجه كما ذكرها المصنف + قال فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطه فلا يسأل ~~أحدا أن يناوله إياه # الآثار قال عمر رضي الله عنه إن الطمع فقر وإن اليأس غنى وإنه من ييأس ~~عما في أيدي الناس استغنى عنهم وقيل لبعض الحكماء ما الغنى قال قلة تمنيك ~~ورضاك بما يكفيك وفي ذلك قيل # العيش ساعات تمر % وخطوب أيام تكر # اقنع بعيشك ترضه % واترك هواك تعيش حر # فلرب حتف ساقه % ذهب وياقوت ودر # وكان محمد بن واسع يبل الخبز اليابس بالماء ويأكل ويقول من قنع بهذا لم ~~يحتج إلى أحد وقال سفيان خير دنياكم ما لم تبتلوا به وخير ما ابتليتم به ما ~~خرج من أيديكم وقال ابن مسعود ما من يوم إلا وملك ينادي يا ابن آدم قليل ~~يكفيك خير من كثير يطغيك وقال سميط بن عجلان إنما بطنك يابن آدم شبر في شبر ~~فلم يدخلك النار وقيل لحكيم ما مالك قال التجمل في الظاهر والقصد في الباطن ~~واليأس مما في أيدي الناس ويروى أن الله عز وجل قال يا ابن آدم لو كانت ~~الدنيا كلها لك لم يكن لك منها إلا القوت وإذا أنا أعطيتك منها القوت وجعلت ~~حسابها على غيرك فأنا إليك محسن وقال ابن مسعود إذا طلب أحدكم الحاجة ~~فليطلبها طلبا يسيرا ولا يأتي الرجل فيقول إنك وإنك فيقطع ظهره فإنما يأتيه ~~ما قسم له من الرزق أو ما رزق وكتب بعض بني أمية إلى أبي حازم يعزم عليه ~~إلا رفع إليه حوائجه فكتب إليه قد رفعت حوائجي إلى مولاي فما أعطاني منها ~~قبلت وما أمسك عني قنعت وقيل لبعض الحكماء أي شيء أسر للعاقل وأيما شيء ~~أعون على دفع الحزن فقال أسرها إليه ما قدم من صالح العمل وأعونها له على ~~دفع الحزن الرضا بمحتوم القضاء وقال بعض الحكماء وجدت أطول الناس غما ~~الحسود وأهنأهم عيشا القنوع وأصبرهم على الأذى الحريص إذا طمع وأخفضهم عيشا ~~أرفضهم للدنيا وأعظمهم ندامة العالم المفرط وفي ذلك قيل # أرفه ببال فتى أمسى على ثقة % أن الذي قسم الأرزاق يرزقه # فالعرض منه مصون لا يدنسه % والوجه منه جديد ليس يخلقه # إن القناعة من يحلل بساحتها % لم يلق في دهره شيئا يؤرقه PageV03P239 # وقد قيل أيضا # حتى متى أنا في حل وترحال % وطول سعي وإدبار وإقبال # ونازح الدار لا أنفك مغتربا % عن الأحبة لا يدرون ما حالي # بمشرق الأرض طورا ثم مغربها % لا يخطر الموت من حرصي على بالي # ولو قنعت أتاني الرزق في دعه % إن القنوع الغني لا كثرة المال # وقال عمر رضي الله عنه ألا أخبركم بما أستحل من مال الله تعالى حلتان ~~لشتائي وقيظي وما يسعني من الظهر لحجي وعمرتي وقوتي بعد ذلك كقوت رجل من ~~قريش لست بأرفعهم ولا بأوضعهم فوالله ما أدري أيحل ذلك أم لا كأنه شك في أن ~~هذا القدر هل هو زيادة على الكفاية التي تجب القناعة بها وعاتب أعرابي أخاه ~~على الحرص فقال يا أخي أنت طالب ومطلوب يطلبك من لا تفوته وتطلب أنت ما قد ~~كفيته وكأن ما غاب عنك قد كشف لك وما أنت فيه قد نقلت عنه كأنك يا أخي لم ~~تر حريصا محروما وزاهدا مرزوقا # وفي ذلك قيل # أراك يزيدك الإثراء حرصا % على الدنيا كأنك لا تموت # فهل لك غاية إن صرت يوما % إليها قلت حسبي قد رضيت # وقال الشعبي حكى أن رجلا صاد قنبرة فقالت ما تريد أن تصنع بي قال أذبحك ~~وآكلك قالت والله ما أشفى من قرم ولا أشبع من جوع ولكن أعلمك ثلاث خصال هي ~~خير لك من أكلي أما واحدة فأعلمك وأنا في يدك وأما الثانية فإذا صرت على ~~الشجرة وأما الثالثة فإذا صرت على الجبل قالت هات الأولى قالت لا تلهفن على ~~ما فاتك فخلاها فلما صارت على الشجرة قال هات الثانية لا تصدقن بما لا يكون ~~أنه يكون ثم طارت فصارت على الجبل فقالت يا شقي لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي ~~درتين زنة كل درة عشرون مثقالا قال فعض على شفته وتلهف وقال هات الثالثة ~~قالت أنت قد نسيت اثنتين فكيف أخبرك بالثالثة ألم أقل لك لا تلهفن على ما ~~فاتك ولا تصدقن بما لا يكون أن يكون أنا لحمي ودمي وريشي لا يكون عشرين ~~مثقالا فكيف يكون في حوصلتي درتان كل واحدة عشرون مثقالا ثم طارت فذهبت ~~وهذا مثال لفرط طمع الآدمي فإنه يعميه عن درك الحق حتى يقدر ما لا يكون أنه ~~يكون وقال ابن السماك إن الرجاء حبل في قلبك وقيد في رجلك فأخرج الرجاء من ~~قلبك يخرج القيد من رجلك وقال أبو محمد اليزيدي دخلت على الرشيد فوجدته ~~ينظر في ورقة مكتوب فيها بالذهب فلما رآني تبسم فقلت فائدة أصلح الله أمير ~~المؤمنين قال نعم وجدت هذين البيتين في بعض خزائن بني أمية فاستحسنتهما وقد ~~أضفت إليهما ثالثا # وأنشدني # إذا سد باب عنك من دون حاجة % فدعه لأخرى ينفتح لك بابها # فإن قراب البطن يكفيك ملؤه % ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها # ولا تك مبذالا لعرضك واجتنب % ركوب المعاصي يجتنبك عقابها # وقال عبد الله بن سلام لكعب ما يذهب العلوم من قلوب العلماء إذ وعوها ~~وعقلوها قال الطمع وشره النفس وطلب الحوائج # وقال رجل للفضيل فسر لي قول كعب قال يطمع الرجل في الشيء يطلبه فيذهب ~~عليه دينه وأما الشره فشره النفس في هذا حتى لا تحب أن يفوتها شيء ويكون لك ~~إلى هذا حاجة وإلى هذا حاجة فإذا قضاها لك خرم أنفك وقادك حيث شاء واستمكن ~~منك وخضعت له فمن حبك للدنيا سلمت عليه PageV03P240 إذا مررت به وعدته إذا ~~مرض لم تسلم عليه لله عز وجل ولم تعده لله فلو لم يكن لك إليه حاجة كان ~~خيرا لك # ثم قال هذا خير لك من مائة حديث عن فلان عن فلان قال بعض الحكماء من عجيب ~~أمر الإنسان أنه لو نودي بدوام البقاء في أيام الدنيا لم يكن في قوى خلقته ~~من الحرص على الجمع أكثر مما قد استعمله مع قصر مدة التمتع وتوقع الزوال ~~وقال عبد الواحد بن زيد مررت براهب فقلت له من أين تأكل قال من بيدر اللطيف ~~الخبير الذي خلق الرحا يأتيها بالطحين وأومأ بيده إلى رحا أضراسه فسبحان ~~القدير الخبير # | بيان علاج الحرص والطمع والدواء الذي يكتسب به صفة القناعة # اعلم أن هذا الدواء مركب من ثلاثة أركان الصبر والعلم والعمل ومجموع ذلك ~~خمسة أمور # الأول وهو العمل الاقتصاد في المعيشة والرفق في الإنفاق فمن أراد عز ~~القناعة فينبغي أن يسد عن نفسه أبواب الخروج ما أمكنه ويرد نفسه إلا ما لا ~~بد له منه فمن كثر خرجه واتسع إنفاقه لم تمكنه القناعة بل إن كان وحده ~~فينبغي أن يقنع بثوب واحد خشن ويقنع بأي طعام كان ويقلل من الإدام ما أمكنه ~~ويوطن نفسه عليه وإن كان له عيال فيرد كل واحد إلى هذا القدر فإن هذا القدر ~~يتيسر بأدنى جهد ويمكن معه الإجمال في الطلب والاقتصاد في المعيشة وهو ~~الأصل في القناعة ونعني به الرفق في الإنفاق وترك الخرق فيه قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إن الله يحب الرفق الأمر كله + حديث إن الله يحب الرفق ~~في الأمر كله متفق عليه من حديث عائشة وقد تقدم + # وقال صلى الله عليه وسلم ما عال من اقتصد + حديث ما عال من اقتصد أخرجه ~~أحمد والطبراني من حديث ابن مسعود ورواه من حديث ابن عباس بلفظ مقتصد + # وقال صلى الله عليه وسلم ثلاث منجيات خشية الله في السر والعلانية والقصد ~~في الغنى والفقر والعدل في الرضا والغضب + حديث ثلاث منجيات خشية الله في ~~السر والعلانية والقصد في الغنى والفقر والعدل في الرضا والغضب أخرجه ~~البزار والطبراني وأبو نعيم والبيهقي في الشعب من حديث أنس بسند ضعيف + # وروي أن رجلا أبصر أبا الدرداء يلتقط حبا من الأرض وهو يقول إن من فقهك ~~رفقك في معيشتك وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم ~~الاقتصاد وحسن السمت والهدى الصالح جزء من بضع وعشرين جزءا من النبوة + ~~حديث ابن عباس الاقتصاد وحسن السمت والهدى الصالح جزء من بعض وعشرين جزءا ~~من النبوة أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس مع تقديم وتأخير وقال السمت ~~الصالح وقال من خمسة وعشرين ورواه الترمذي وحسنه من حديث عبد الله بن سرجس ~~وقال التؤدة بدل الهدي الصالح وقال من أربعة + # وفي الخبر التدبير نصف المعيشة + حديث التدبير نصف المعيشة رواه أبو ~~منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس وفيه خلاد بن عيسى جهله العقيلي ~~ووثقه ابن معين + # وقال صلى الله عليه وسلم من اقتصد أغناه الله ومن بذر أفقره الله ومن ذكر ~~الله عز وجل أحبه الله + حديث من اقتصد أغناه الله الحديث + أخرجه البزار ~~من حديث طلحة بن عبيد الله دون قوله ومن ذكر الله أحبه الله وشيخه فيه ~~عمران بن هارون البصري قال الذهبي شيخ لا يعرف حاله أتى بخبر منكر أي هذا ~~الحديث ولأحمد وأبي يعلى في حديث لأبي سعيد ومن أكثر من ذكر الله أحبه الله ~~+ # وقال صلى الله عليه وسلم إذا أردت أمرا فعليك بالتؤدة حتى يجعل الله لك ~~فرجا ومخرجا + حديث ذا أردت أمرا فعليك بالتؤدة حتى يجعل الله فيه فرجا ~~ومخرجا رواه ابن المبارك في البر والصلة وقد تقدم + والتؤدة في الإنفاق من ~~أهم الأمور # الثاني أنه إذا تيسر له في الحال ما يكفيه فلا ينبغي أن يكون شديد ~~الاضطراب لأجل المستقبل ويعينه على ذلك قصر الأمل والتحقق بأن الرزق الذي ~~قدر له لا بد وأن يأتيه وإن لم يشتد حرصه فإن شدة الحرص ليست هي السبب ~~لوصول الأرزاق بل ينبغي أن يكون واثقا بوعد الله تعالى إذ قال عز وجل @QB@ ~~وما من دابة في الأرض @QE@ PageV03P241 @QB@ إلا على الله رزقها @QE@ وذلك ~~لأن الشيطان يعده الفقر ويأمره بالفحشاء ويقول إن لم تحرص على الجمع ~~والادخار فربما تمرض وربما تعجز وتحتاج إلى احتمال الذل في السؤال فلا يزال ~~طول العمر يتعبه في الطلب خوفا من الفقر ويضحك عليه في احتماله التعب نقدا ~~مع الغفلة عن الله لتوهم تعب في ثاني الحال وربما لا يكون وفي مثله قيل # ومن ينفق الساعات في جمع ماله % مخافه فقر فالذي فعل الفقر # وقد دخلا ابنا خالد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما لا تيأسا ~~من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشر ثم ~~يرزقه الله تعالى + حديث لا تيأسا من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما الحديث رواه ~~ابن ماجه من حديث حبة وسواء ابني خالد وقد تقدم + # ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن مسعود وهو حزين فقال له لا تكثر ~~همك ما قدر يكن وما ترزق يأتك + حديث لا تكثر همك ما قدر يكن وما ترزق يأتك ~~قاله لابن مسعود أخرجه أبو نعيم من حديث خالد بن رافع وقد اختلف في صحبته ~~ورواه الأصفهاني في الترغيب والترهيب من رواية مالك بن عمرو المغافري مرسلا ~~+ # وقال صلى الله عليه وسلم ألا أيها الناس أجملوا في الطلب فإنه ليس لعبد ~~إلا ما كتب له ولن يذهب عبد من الدنيا حتى يأتيه ما كتب له من الدنيا وهي ~~راغمة + حديث ألا أيها الناس أجملوا في الطلب الحديث تقدم قبل هذا بثلاثة ~~عشر حديثا # ولا ينفك الإنسان عن الحرص إلا بحسن ثقته بتدبير الله تعالى في تقدير ~~أرزاق العباد وأن ذلك يحصل لا محالة مع الإجمال في الطلب بل ينبغي أن يعلم ~~أن رزق الله للعبد من حيث لا يحتسب أكثر قال الله تعالى @QB@ ومن يتق الله ~~يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب @QE@ فإذا انسد عليه باب كان ينتظر ~~الرزق منه فلا ينبغي أن يضطرب قلبه لأجله وقال صلى الله عليه وسلم أبى الله ~~أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يحتسب + حديث أبى الله أن يرزق عبده ~~المؤمن إلا من حيث لا يحتسب أخرجه ابن حبان في الضعفاء من حديث علي بإسناد ~~رواه ورواه ابن الجوزي في الموضوعات + وقال سفيان اتق الله فما رأيت تقيا ~~محتاجا # أي لا يترك التقى فاقدا لضرورته بل يلقى الله في قلوب المسلمين أن يوصلوا ~~إليه رزقه وقال المفضل الضبي قلت لأعرابي من أين معاشك قال نذر الحاج قلت ~~فإذا صدروا فبكى وقال لو لم نعش إلا من حيث ندري لم نعش # وقال أبو حازم رضي الله عنه وجدت الدنيا شيئين شيئا منهما هو لي فلن ~~أعجله قبل وقته ولو طلبته بقوة السماوات والأرض وشيئا منهما هو لغيري فلذلك ~~لم أنله فيما مضى فلا أرجوه فيما بقي يمنع الذي لغيري مني كما يمنع الذي لي ~~من غيري ففي أي هذين أفنى عمري فهذا دواء من جهة المعرفة لا بد منه لدفع ~~تخويف الشيطان وإنذاره بالفقر # الثالث أن يعرف ما في القناعة من عز الاستغناء وما في الحرص والطمع من ~~الذل فإذا تحقق عنده ذلك انبعثت رغبته إلى القناعة لأنه في الحرص لا يخلو ~~من تعب وفي الطمع لا يخلو من ذل # وليس في القناعة إلا ألم الصبر عن الشهوات والفضول وهذا ألم لا يطلع عليه ~~أحد إلا الله وفيه ثواب الآخرة وذلك مما يضاف إليه نظر الناس وفيه الوبال ~~والمأثم ثم يفوته عز النفس والقدرة على متابعة الحق فإن من كثر طعمه وحرصه ~~كثرت حاجته إلى الناس فلا يمكنه دعوتهم إلى الحق ويلزمه المداهنة وذلك يهلك ~~دينه ومن لا يؤثر عز النفس على شهوة البطن فهو ركيك العقل ناقص الإيمان قال ~~صلى الله عليه وسلم عز المؤمن استغناؤه عن الناس + حديث عز المؤمن استغناؤه ~~عن الناس أخرجه الطبراني في الأوسط والحاكم وصحح إسناده وأبو الشيخ في كتاب ~~الثواب وأبو نعيم في الحلية من حديث سهل بن سعد أن جبريل قاله للنبي صلى ~~الله عليه وسلم في أثناء حديث وفيه زفر بن سليمان عن محمد بن عيينة وكلاهما ~~مختلف فيه وجعله القضاعي في مسند الشهاب من قول النبي صلى الله عليه وسلم ~~ففي القناعة الحرية PageV03P242 والعز ولذلك قيل استغن عمن شئت تكن نظيره ~~واحتج إلى من شئت تكن أسيره وأحسن إلى من شئت تكن أميره # الرابع أن يكثر تأمله في تنعم اليهود والنصارى وأراذل الناس والحمقى من ~~الأكراد والأعراب الأجلاف ومن لا دين لهم ولا عقل ثم ينظر إلى أحوال ~~الأنبياء والأولياء وإلى سمت الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة والتابعين ~~ويستمع أحاديثهم ويطالع أحوالهم ويخير عقله بين أن يكون على مشابهة أراذل ~~الناس أو على الاقتداء بمن هو أعز أصناف الخلق عند الله حتى يهون عليه بذلك ~~الصبر على الضنك والقناعة باليسير فإنه إن تنعم في البطن فالحمار أكثر أكلا ~~منه وإن تنعم في الوقاع فالخنزير أعلى رتبة منه وإن تزين في الملبس والحلي ~~ففي اليهود من هو أعلى زينة منه وإن قنع بالقليل ورضي به لم يساهمه في ~~رتبته إلا الأنبياء والأولياء # الخامس أن يفهم ما في جمع المال من الخطر كما ذكرنا في آفات المال وما ~~فيه من خوف السرقة والنهب والضياع وما في خلو اليد من الأمن والفراغ ويتأمل ~~ما ذكرناه في آفات المال مع ما يفوته من المدافعة عن باب الجنة إلى خمسمائة ~~عام فإنه إذا لم يقنع مما يكفيه ألحق بزمرة الأغنياء وأخرج من جريدة ~~الفقراء ويتم ذلك بأن ينظر أبدا إلى من دونه في الدنيا لا إلى من فوقه فإن ~~الشيطان أبدا يصرف نظره في الدنيا إلى من فوقه فيقول لم تفتر عن الطلب ~~وأرباب الأموال يتنعمون في المطاعم والملابس ويصرف نظره في الدين إلى من ~~دونه فيقول ولم تضيق على نفسك وتخاف الله وفلان أعلم منك وهو لا يخاف الله ~~والناس كلهم مشغولون بالتنعم فلم تريد أن تتميز عنهم قال أبو ذر أوصاني ~~خليلي صلى الله عليه وسلم أن أنظر إلى من هو دوني لا إلا من هو فوقي + حديث ~~أبي ذر أوصاني خليلي صلوات الله عليه أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر لمن ~~هو فوقي أخرجه أحمد وابن حبان في أثناء حديث وقد تقدم أي في الدنيا + وقال ~~أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر أحدكم إلى من فضله ~~الله عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه + حديث ~~أبي هريرة إذا نظر أحدكم إلى من فضله الله عليه في المال والخلق فلينظر إلى ~~من هو أسفل منه ممن فضل عليه متفق عليه وقد تقدم + # فبهذه الأمور يقدر على اكتساب خلق القناعة # وعماد الأمر الصبر وقصر الأمل وأن يعلم أن غاية صبره في الدنيا أيام ~~قلائل للتمتع دهرا طويلا فيكون كالمريض الذي يصبر على مرارة الدواء لشدة ~~طعمه في انتظار الشفاء # | بيان فضيلة السخاء # اعلم إن المال إن كان مفقودا فينبغي أن يكون حال العبد القناعة وقلة ~~الحرص وإن كان موجودا فينبغي أن يكون حاله الإيثار والسخاء واصطناع المعروف ~~والتباعد عن الشح والبخل فإن السخاء من أخلاق الأنبياء عليهم السلام وهو ~~أصل من أصول النجاة وعنه عبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال السخاء شجرة ~~من شجر الجنة أغصانها متدلية إلى الأرض فمن أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن ~~إلى الجنة + حديث السخاء شجرة في الجنة الحديث أخرجه ابن حبان في الضعفاء ~~من حديث عائشة وابن عدي والدارقطني في المستجاد من حديث أبي هريرة وسيأتي ~~بعده وأبو نعيم من حديث جابر وكلاهما ضعيف ورواه ابن الجوزي في الموضوعات ~~من حديثهم ومن حديث الحسين وأبي سعيد وقال جابر قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم قال جبريل عليه السلام قال الله تعالى إن هذا دين ارتضيته لنفسي ~~ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما استطعتما + حديث جابر ~~مرفوعا حكاية عن جبريل عن الله تعالى إن هذا دين رضيته لنفسي ولن يصلحه إلا ~~السخاء وحسن الخلق أخرجه الدارقطني في المستجاد وقد تقدم + وفي رواية ~~فأكرموه بهما ما صحبتموه وعن عائشة الصديقية رضي PageV03P243 الله عنها ~~قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جبل الله تعالى وليا له إلا على ~~حسن الخلق والسخاء + حديث عائشة ما جبل الله تعالى وليا له إلا على السخاء ~~وحسن الخلق أخرجه الدارقطني في المستجاد دون قوله وحسن الخلق بسند ضعيف ومن ~~طريقه ابن الجوزي في الموضوعات وذكره بهذه الزيادة ابن عدي من رواية بقية ~~عن يوسف بن أبي السفر عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة ويوسف ضعيف ~~جدا + وعن جابر قال قيل يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال الصبر والسماحة + ~~حديث جابر أي الإيمان أفضل قال الصبر والسماحة أخرجه أبو يعلى وابن حبان في ~~الضعفاء بلفظ سئل عن الإيمان وفيه يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفه الجمهور ~~ورواه أحمد من حديث عائشة وعمرو بن عنبسة بلفظ ما الإيمان قال الصبر ~~والسماحة وفيه شهر بن حوشب ورواه البيهقي في الزهد بلفظ أي الأعمال أفضل ~~قال الصبر والسماحة وحسن الخلق وإسناده صحيح + وقال عبد الله بن عمرو # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقان يحبهما الله عز وجل وخلقان ~~يبغضهما الله عز وجل فأما اللذان يحبهما الله تعالى فحسن الخلق والسخاء ~~وأما اللذان يبغضهما الله فسوء الخلق والبخل وإذا أراد الله بعبد خيرا ~~استعمله في قضاء حوائج الناس + حديث عبد الله بن عمرو خلقان يحبهما الله ~~وخلقان يبغضهما الله فأما اللذان يحبهما الله فحسن الخلق والسخاء الحديث ~~أخرجه أبو منصور الديلمي دون قوله في آخره وإذا أراد الله بعبد خيرا وقال ~~فيه الشجاعة بدل حسن الخلق وفيه محمد بن يونس الكديمي كذبه أبو داود وموسى ~~بن هارون وغيرهما ووثقه الخطيب وروى الأصفهاني جميع الحديث موقوفا على عبد ~~الله بن عمرو وروى الديلمي أيضا من حديث أنس إذا أراد الله بعبده خيرا صير ~~حوائج الناس إليه وفيه يحيى بن شبيب ضعفه ابن حبان + # وروى المقدام بن شريح عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله دلني على عمل ~~يدخلني الجنة قال إن موجبات المغفرة بذل الطعام وإفشاء السلام وحسن الكلام ~~حديث المقدام بن شريح عن أبيه عن جده إن من موجبات المغفرة بذل الطعام ~~وإفشاء السلام وحسن الكلام أخرجه الطبراني بلفظ بذل السلام وحسن الكلام وفي ~~رواية له يوجب الجنة إطعام الطعام وإفشاء السلام وفي رواية له عليك بحسن ~~الكلام وبذل الطعام + # وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السخاء شجرة في الجنة ~~فمن كان سخيا أخذ بغصن منها فلم يتركه ذلك الغصن حتى يدخله الجنة + حديث ~~أبو هريرة السخاء شجرة في الجنة الحديث وفيه والشح شجرة في النار الحديث ~~أخرجه الدارقطني في المستجاد وفيه عبد العزيز ابن عمران الزهري ضعيف جدا + # وقال أبو سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى ~~اطلبوا الفضل من الرحماء من عبادي تعيشوا في أكنافهم فإني جعلت فيهم رحمتي ~~ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإن جعلت فيهم سخطي + حديث أبي سعيد يقول ~~الله تعالى اطلبوا الفضل من الرحماء من عبادي تعيشوا في أكنافهم الحديث ~~أخرجه ابن حبان في الضعفاء والخرائطي في مكارم الأخلاق والطبراني في الأوسط ~~وفيه محمد بن مروان السدي الصغير ضعيف ورواه العقيلي في الضعفاء فجعله عبد ~~الرحمن السدي وقال إنه مجهول وتابع محمد بن مروان السدي عليه عبد الملك ابن ~~الخطاب وقد غمزه ابن القطان وتابعه عليه عبد الغفار بن الحسن بن دينار قال ~~فيه أبو حاتم لا بأس بحديثه وتكلم فيه الجوزجاني والأزدي ورواه الحاكم من ~~حديث علي وقال إنه صحيح الإسناد وليس كما قال + # وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تجافوا عن ذنب السخي ~~فإن الله آخذ بيده كلما عثر + حديث ابن عباس تجافوا عن ذنب السخي فإن الله ~~آخذ بيده كلما عثر أخرجه الطبراني في الأوسط والخرائطي في مكارم الأخلاق ~~وقال الخرائطي أقيلوا السخي زلته وفيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه ورواه ~~الطبراني فيه وأبو نعيم من حديث ابن مسعود نحوه بإسناد ضعيف ورواه ابن ~~الجوزي في الموضوعات من طريق الدارقطني + # وقال ابن مسعود قال صلى الله عليه وسلم الزرق إلى مطعم الطعام أسرع من ~~السكين إلى ذروة البعير وإن الله تعالى لباهي بمطعم الطعام الملائكة عليهم ~~السلام + حديث ابن مسعود الرزق إلى مطعم الطعام أسرع من السكين إلى ذروة ~~البعير الحديث لم أجده من حديث ابن مسعود ورواه ابن ماجه من حديث أنس ومن ~~حديث ابن عباس بلفظ الخير أسرع إلى البيت الذي يغشى وفي حديث ابن عباس يؤكل ~~فيه عن الشفرة إلى سنام البعير ولأبي الشيخ في كتاب الثواب من حديث جابر ~~الرزق إلى أهل البيت الذي فيه السخاء الحديث وكلها ضعيفة + # وقال صلى الله عليه وسلم إن الله جواد يحب الجود ويحب مكارم الأخلاق ~~ويكره سفسافها + حديث إن الله جواد يجب الجود ويحب معالي الأمور ويكره ~~سفسافها أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث طلحة بن عبيد الله ابن ~~كريز وهذا مرسل وللطبراني في الكبير والأوسط والحاكم والبيهقي من حديث سهل ~~بن سعد إن الله كريم يحب الكرم ويحب معالي الأمور وفي الكبير والبيهقي ~~معالي الأخلاق الحديث وإسناده صحيح وتقدم آخر الحديث في أخلاق النبوة + # وقال أنس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسأل على الإسلام شيئا إلا ~~PageV03P244 أعطاه وأتاه رجل فسأله فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء ~~الصدقة فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخاف ~~الفاقة + حديث أنس لم يسأل عن الإسلام شيئا إلا أعطاه فأتاه رجل فسأله فأمر ~~له بشاء كثير بين جبلين الحديث أخرجه مسلم وتقدم في أخلاق النبوة + # وقال ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم إن لله عبادا يخصهم بالنعم لمنافع ~~العباد فمن بخل بتلك المنافع على العباد نقلها الله تعالى عنه وحولها إلى ~~غيره + حديث ابن عمر إن لله عبادا يخصهم بالنعم لمنافع العباد الحديث أخرجه ~~الطبراني في الكبير والأوسط وأبو نعيم وفيه محمد بن حسان السمتي وفيه لين ~~ووثقه ابن معين يرويه عن أبي عثمان عبد الله بن زيد الحمصي ضعفه الأزدي وعن ~~الهلالي قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسرى من بني العنبر فأمر ~~بقتلهم وأفرد منهم رجلا فقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يا رسول الله ~~الرب واحد والدين واحد والذنب واحد فما بال هذا من بينهم فقال صلى الله ~~عليه وسلم نزل علي جبريل فقال اقتل هؤلاء واترك هذا فإن الله تعالى شكر له ~~سخاء فيه + حديث الهلالي أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأسرى من بني العنبر ~~فأمر بقتلهم وأفرد منهم رجلا الحديث وفيه فإن الله شكر له سخاء فيه لم أجد ~~له أصلا + # وقال صلى الله عليه وسلم إن لكل شيء ثمرة وثمرة المعروف تعجيل السراح + ~~حديث إن لكل شيء ثمرة وثمرة المعروف تعجيل السراح لم أقف له على أصل + # وعن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام الجواد ~~دواء وطعام البخيل داء + حديث نافع عن ابن عمر طعام الجواد دواء وطعام ~~البخيل داء أخرجه ابن عدي والدارقطني في غرائب مالك وأبو علي الصدفي في ~~عواليه رجاله ثقات أئمة قال ابن القطان ومنهم لمشاهير ثقات إلا مقدام بن ~~داود فإن أهل مصر تكلموا فيه + # وقال صلى الله عليه وسلم من عظمت نعمة الله عنده عظمت مؤنة الناس عليه + ~~حديث من عظمت نعمة الله عليه عظمت مؤنة الناس عليه رواه ابن عدي وابن حبان ~~في الضعفاء من حديث معاذ بلفظ ما عظمت نعمة الله على عبد إلا ذكره وفيه ~~أحمد بن مهران قال أبو حاتم مجهول والحديث باطل ورواه الخرائطي في مكارم ~~الأخلاق من حديث عمر بإسناد منقطع وفيه حليس بن محمد أحد المتروكين ورواه ~~العقيلي من حديث ابن عباس قال ابن عدي يروى من وجوه كلها غير محفوظة فمن لم ~~يحتمل تلك المؤنة عرض تلك النعمة للزوال وقال عيسى عليه السلام استكثروا من ~~شيء لا تأكله النار وقيل وما هو قال المعروف وقالت عائشة رضي الله عنها قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة دار الأسخياء + حديث عائشة الجنة دار ~~الأسخياء أخرجه ابن عدي والدارقطني في المستجاد والخرائطي قال الدارقطني لا ~~يصح ومن طريقه رواه ابن الجوزي في الموضوعات وقال الذهبي حديث منكر ما آفته ~~سوى جحدر قلت رواه الدارقطني فيه من طريق آخر وفيه محمد بن الوليد الموقري ~~وهو ضعيف جدا + # وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن السخي قريب من الله ~~قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار وإن البخيل بعيد من الله من ~~الناس بعيد من الجنة قريب من النار وجاهل سخي أحب إلى الله من عالم بخيل ~~وأدوأ الداء البخل + حديث أبي هريرة إن السخي قريب من الله قريب من الناس ~~قريب من الجنة الحديث أخرجه الترمذي وقال غريب ولم يذكر فيه وأدوأ الداء ~~البخل ورواه بهذه الزيادة الدارقطني فيه وقال صلى الله عليه وسلم اصنع ~~المعروف إلى من هو أهله وإلى من ليس بأهله فإن أصبت أهله فقد أصبت أهله وإن ~~لم تصب أهله فأنت من أهله + حديث اصنع المعروف إلى أهله وإلى من ليس من ~~أهله أخرجه الدارقطني في المستجاد من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن جده ~~مرسلا وتقدم في آداب المعيشة + # وقال صلى الله عليه وسلم إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بصلاة ولا صيام ~~ولكن دخلوها بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للمسلمين + حديث إن بدلاء ~~أمتي لم يدخلوا الجنة بصلاة ولا صيام ولكن دخلوها بسماحة الأنفس الحديث ~~أخرجه الدارقطني في المستجاد وأبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق من حديث أنس ~~وفيه محمد بن عبد العزيز المبارك الدينوي أورد ابن عدي له مناكير وفي ~~الميزان أنه ضعيف منكر الحديث ورواه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أبي ~~سعيد نحوه وفيه صالح المري متكلم فيه + # وقال أبو سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم @QB@ إن @QE@ ~~PageV03P245 الله عز وجل جعل للمعروف وجوها من خلقه حبب إليهم المعروف وحبب ~~إليهم فعاله ووجه طلاب المعروف إليهم ويسر عليهم إعطاءه كما يسر الغيث إلى ~~البلدة الجدبة فيحييها ويحيى به أهلها + حديث أبي سعيد إن الله جعل للمعروف ~~وجوها من خلقه حبب إليهم المعروف الحديث أخرجه الدارقطني في المستجاد من ~~رواية أبي هارون العبدي عنه وأبي هارون ضعيف ورواه الحاكم من حديث علي ~~وصححه + # وقال صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة وكل ما أنفق الرجل على نفس وأهله ~~كتب له صدقة وما وقى به الرجل عرضه فهو له صدقة وما أنفق الرجل من نفقه ~~فعلى الله خلفها + حديث كل معروف صدقة وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله ~~كتب له صدقة الحديث أخرجه ابن عدي والدارقطني في المستجاد والخرائطي ~~والبيهقي في الشعب من حديث جابر وفيه عبد الحميد بن الحسن الهلالي وثقه ابن ~~معين وضعفه الجمهور والجملة الأولى منه عند البخاري من حديث جابر وعند مسلم ~~من حديث حذيفة + # وقال صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة والدال على الخير كفاعله الله يحب ~~إغاثة اللهفان + حديث كل معروف صدقة والدال على الخير كفاعله والله يحب ~~إغاثة اللهفان أخرجه الدارقطني في المستجاد من رواية الحجاج بن أرطأة عن ~~عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والحجاج ضعيف وقد جاء مفرقا فالجملة الأولى ~~تقدمت قبله والجملة الثانية تقدمت في العلم من حديث أنس وغيره والجملة ~~الثالثة رواها أبو يعلى من حديث أنس أيضا وفيها زياد النميري ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم كل معروف فعلته إلى غني أو فقير صدقة + حديث كل ~~معروف فعلته إلى غني أو فقير صدقة أخرجه الدارقطني فيه من حديث أبي سعيد ~~وجابر والطبراني والخرائطي كلاهما في مكارم الأخلاق من حديث ابن مسعود وابن ~~منبع من حديث ابن عمر بإسنادين ضعيفين + # وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام لا تقتل السامري فإنه سخي ~~وقال جابر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا عليهم قيس بن سعد بن ~~عبادة فجهدوا فنحر لهم قيس تسع ركائب فحدثوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بذلك فقال صلى الله عليه وسلم إن الجود لمن شيمة أهل ذلك البيت + حديث جابر ~~بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا عليهم قيس بن سعد بن عبادة فجهدوا ~~فنحر لهم الحديث وفيه فقال إن الجود لمن شيمة أهل ذلك البيت أخرجه ~~الدارقطني فيه من رواية أبي حمزة الحميري عن جابر ولا يعرف اسمه ولا حاله ~~الآثار قال علي كرم الله وجهه إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق منها فإنها لا ~~تفنى وإذا أدبرت عنك فأنفق منها فإنها لا تبقى وأنشد # لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة % فليس ينقصها التبذير والسرف # وإن تولت فأحرى أن تجود بها % فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف # وسأل معاوية الحسن بن علي رضي الله عنهم عن المروءة والنجدة والكرم فقال ~~أما المروءة فحفظ الرجل دينه وحذره نفسه وحسن قيامه بضيفه وحسن المنازعة ~~والإقدام في الكراهية وأما النجدة فالذب عن الجار والصبر في المواطن وأما ~~الكرم فالتبرع بالمعروف قبل السؤال والإطعام في المحل والرأفة بالسائل مع ~~بذل النائل ورفع رجل إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما رقعة فقال حاجتك ~~مقضية فقيل له يا ابن رسول الله لو نظرت في رقعته ثم رددت الجواب على قدر ~~ذلك فقال يسألني الله عز وجل عن ذل مقامه بين يدي حتى أقرأ رقعته وقال ابن ~~السماك عجبت لمن يشتري المماليك بماله ولا يشتري الأحرار بمعروفه وسئل بعض ~~الأعراب من سيدكم فقال من احتمل شتمنا وأعطى سائلنا وأغضى عن جاهلنا وقال ~~علي بن الحسين رضي الله عنهما من وصف ببذل ما له لطلابه لم يكن سخيا وإنما ~~السخي من يبتديء بحقوق الله تعالى في أهل طاعته ولا تنازعه نفسه إلى حب ~~الشكر له إذا كان يقينه بثواب الله تعالى تاما وقيل للحسن البصري ما السخاء ~~فقال أن تجود بمالك في الله عز وجل قيل فما الحزم قال أن تمنع مالك فيه قيل ~~فما الإسراف قال الإنفاق لحب الرياسة # وقال جعفر الصادق رحمة الله عليه لا مال أعون من العقل ولا مصيبة أعظم من ~~الجهل ولا مظاهرة كالمشاورة ألا وإن الله عز وجل يقول إني جواد كريم لا ~~يجاورني لئيم واللؤم من الكفر وأهل الكفر في النار والجود والكرم من ~~الإيمان وأهل الإيمان في الجنة وقال حذيفة PageV03P246 رضي الله عنه رب ~~فاجر في دينه أخرق في معيشته يدخل الجنة بسماحته وروي أن الأحنف بن قيس رأى ~~رجلا في يده درهم فقال لمن هذا الدرهم فقال لي فقال أما إنه ليس لك حتى ~~يخرج من يدك وفي معناه قيل # أنت للمال إذا أمسكته % فإذا أنفقته فالمال لك # وسمى واصل بن عطاء الغزال لأنه كان يجلس إلى الغزالين فإذا رأى امرأة ~~ضعيفة أعطاها شيئا وقال الأصمعي كتب الحسن بن علي إلى الحسين بن علي رضوان ~~الله عليهم يعتب عليه في إعطاء الشعراء فكتب إليه خير المال ما وقى به ~~العرض وقيل لسفيان بن عيينة ما السخاء قال السخاء البر بالإخوان والجود ~~بالمال قال وورث أبي خمسين ألف درهم فبعث بها صررا إلى إخوانه وقال قد كنت ~~أسأل الله تعالى لأخواني الجنة في صلاتي أفأبخل عليهم بالمال وقال الحسن ~~بذل المجهود في بذل الموجود منتهى الجود وقيل لبعض الحكماء من أحب الناس ~~إليك قال من كثرت أياديه عندي قيل فإن لم يكن قال من كثرت أيادي عنده وقال ~~عبد العزيز بن مروان إذا الرجل أمكنني من نفسه حتى أضع معروفي عنده فيده ~~عندي مثل يدي عنده وقال المهدي لشبيب بن شبة كيف رأيت الناس في داري فقال ~~يا أمير المؤمنين إن الرجل منهم ليدخل راجيا ويخرج راضيا وتمثل متمثل عند ~~عبد الله بن جعفر فقال # إن الصنيعة لا تكون صنيعة % حتى يصاب بها طريق المصنع # فإذا اصطنعت صنيعة فاعمد بها % لله أو لذوي القرابة أو دع # فقال عبد الله بن جعفر إن هذين البيتين ليبخلان الناس ولكن أمطر المعروف ~~مطرا فإن أصاب الكرام كانوا له أهلا وإن أصاب اللئام كنت له أهلا حكايات ~~الأسخياء # عن محمد بن المنكدر عن أم درة وكانت تخدم عائشة رضي الله عنها قالت إن ~~معاوية بعث إليها بمال في غرارتين ثمانين ومائة ألف درهم فدعت بطبق فجعلت ~~تقسمه بين الناس فلما أمست قالت يا جارية هلم فطوري فجاءتها بخبز وزيت ~~فقالت لها أم درة ما استطعت فيما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحما نفطر ~~عليه فقالت لو كنت ذكرتيني لفعلت # وعن أبان بن عثمان قال أراد رجل أن يضار عبيد الله بن عباس فأتى وجوه ~~قريش فقال يقول لكم عبيد الله تغدوا عندي اليوم فأتوه حتى ملؤا عليه الدار ~~فقال ما هذا فأخبر الخبر فأمر عبيد الله بشراء فاكهة وأمر قوما فطبخوا ~~وخبزوا وقدمت الفاكهة إليهم فلم يفرغوا منها حتى وضعت الموائد فأكلوا حتى ~~صدروا فقال عبيد الله لوكلائه أو موجود لنا هذا كل يوم قالوا نعم قال ~~فليتغد عندنا هؤلاء في كل يوم # وقال مصعب بن الزبير حج معاوية فلما انصرف مر بالمدينة فقال الحسين بن ~~علي لأخيه الحسن لا تلقه ولا تسلم عليه فلما خرج معاوية قال الحسن إن علينا ~~دينا فلا بد لنا من إتيانه فركب في أثره ولحقه فسلم عليه وأخبره بدينه ~~فمروا عليه ببختي عليه ثمانون ألف دينار وقد أعيا وتخلف عن الإبل وقوم ~~يسوقونه فقال معاوية ما هذا فذكر له فقال اصرفوه بما عليه إلى أبي محمد # وعن واقد بن محمد الواقدي قال حدثني أبي أنه رفع رقعة إلى المأمون يذكر ~~فيها كثرة الدين وقلة صبره عليه فوقع المأمون على ظهر رقعته إنك رجل اجتمع ~~فيك خصلتان السخاء والحياء فأما السخاء فهو الذي أطلق PageV03P247 ما في ~~يديك وأما الحياء فهو الذي يمنعك عن تبليغنا ما أنت عليه وقد أمرت لك بمائة ~~ألف درهم فإن كنت قد أصبت فازدد في بسط يدك وإن لم أكن قد أصبت فجنايتك على ~~نفسك وأنت حدثتني وكنت على قضاء الرشيد عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن أنس ~~أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للزبير بن العوام يا زبير اعلم أن مفاتيح ~~أرزاق العباد بإزاء العرش يبعث الله عز وجل إلى كل عبد بقدر نفقته فمن كثر ~~كثر له ومن قلل قلل له وأنت أعلم + حديث أنس يا زبير أعلم أن مفاتيح أرزاق ~~العباد بإزاء العرش الحديث وفي أوله قصة مع المأمون أخرجه الدارقطني فيه ~~وفي إسناده الواقدي عن محمد بن إسحاق عن الزهري بالعنعنة ولا يصح + # قال الواقدي فوالله لمذاكرة المأمون إياي بالحديث أحب إلي من الجائزة وهي ~~مائة ألف درهم # وسأل رجل الحسن بن علي رضي الله عنهما حاجة فقال له يا هذا حق سؤالك إياي ~~يعظم لدي ومعرفتي بما يجب لك تكبر علي ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله ~~والكثير في ذات الله تعالى قليل وما في ملكي وفاه لشكرك فإن قبلت الميسور ~~ورفعت عني مؤنة الاحتمال والاهتمام لما أتكلفه من واجب حقك فعلت فقال يا ~~ابن رسول الله أقبل وأشكر العطية وأعذر على المنع فدعا الحسن بوكيله وجعل ~~يحاسبه على نفقاته حتى استقصاها فقال هات الفضل من الثلثمائة ألف درهم ~~فأحضر خمسين ألف قال فما فعلت بالخمسمائة دينار قال هي عندي قال أحضرها ~~فأحضرها فدفع الدنانير والدراهم إلى الرجل وقال هات من يحملها لك فأتاه ~~بحمالين فدفع إليه الحسن رداءه لكراء الحمالين فقال له مواليه والله ما ~~عندنا درهم فقال أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم # واجتمع قراء البصرة إلى ابن عباس وهو عامل بالبصرة فقالوا لنا جار صوام ~~قوام يتمنى كل واحد منا أن يكون مثله وقد زوج بنته من ابن أخيه وهو فقير ~~وليس عنده ما يجهزها به فقام عبد الله بن عباس فأخذ بأيديهم وأدخلها داره ~~وفتح صندوقا فأخرج منه ست بدر فقال احملوا فحملوا فقال ابن عباس ما أنصفناه ~~أعطيناه ما يشغله عن قيامه وصيامه ارجعوا بنا نكن أعوانه على تجهيزها فليس ~~للدنيا من القدر ما يشغل مؤمنا عن عبادة ربه وما بنا من الكبر ما لا نخدم ~~أولياء الله تعالى ففعل وفعلوا # وحكى أنه لما أجدب الناس بمصر وعبد الحميد بن سعد أميرهم فقال والله ~~لأعلمن الشيطان أني عدوه فعال محاويجهم إلى أن رخصت الأسعار ثم عزل عنهم ~~فرحل وللتجار عليه ألف ألف درهم فرهنهم بها حلي نسائه وقيمتها خمسمائة ألف ~~ألف فلما تعذر عليه ارتجاعها كتب إليهم ببيعها ودفع الفاضل منها عن حقوقهم ~~إلى من لم تنله صلاته # وكان أبو طاهر بن كثير شيعيا فقال له رجل بحق علي بن أبي طالب لما وهبت ~~لي نخلتك بموضع كذا وكذا فقال قد فعلت وحقه لأعطينك ما يليها وكان ذلك ~~أضعاف ما طلب الرجل # وكان أبو مرثد أحد الكرماء فمدحه بعض الشعراء فقال للشاعر والله ما عندي ~~ما أعطيك ولكن قدمني إلى القاضي وادع علي بعشرة آلاف درهم حتى أقر لك بها ~~ثم احبسني فإنأهلي لا يتركوني محبوسا ففعل ذلك فلم يمس حتى دفع إليه عشرة ~~آلاف درهم وأخرج أبو مرثد من الحبس # وكان معن بن زائدة عاملا على العراقين بالبصرة فحضر بابه شاعر فأقام مدة ~~وأراد الدخول على معن فلم يتهيأ له فقال يوما لبعض خدام معن إذا دخل الأمير ~~البستان فعرفني فلما دخل الأمير البستان أعلمه فكتب الشاعر بيتا على خشبة ~~وألقاها في الماء الذي يدخل البستان وكان معن على رأس الماء فلما بصر ~~بالخشبة أخذها وقرأها فإذا مكتوب عليها PageV03P248 # أيا جود معن ناج معنا بحاجتي % فما لي إلى معن سواك شفيع # فقال من صاحب هذه فدعي بالرجل فقال له كيف قلت فقال له فأمر له بعشر بدر ~~فأخذهاووضع الأمير الخشبة تحت بسطاه فلما كان اليوم الثاني أخرجها من تحت ~~البساط وقرأها ودعا بالرجل فدفع إليه مائة ألف درهم فلما أخذها الرجل تفكر ~~وخاف أن يأخذ منه ما أعطاه فخرج فلما كان في اليوم الثالث قرأ ما فيها ودعا ~~بالرجل فطلب فلم يوجد فقال معن حق علي أن أعطيه حتى لا يبقى في بيت مالي ~~ولا دينار # وقال أبو الحسن المدائني خرج الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر حجاجا ~~ففاتهم أثقالهم فجاعوا وعطشوا فمروا بعجوز في خباء لها فقالوا هل من شراب ~~فقالت نعم فأناخوا إليها وليس لها إلا شويهة في كسر الخيمة فقالت احلبوها ~~وامتذقوا لبنها ففعلوا ذلك ثم قالوا لها هل من طعام قالت لا إلا هذه الشاة ~~فليذبحها أحدكم حتى أهيء لكم ما تأكلون فقام إليها أحدهم وذبحها وكشطها ثم ~~هيأت لهم طعاما فأكلوا وأقاموا حتى أبردوا فلما ارتحلوا قالوا لها نحن نفر ~~من قريش نريد هذا الوجه فإذا رجعنا سالمين فألمي بنا فإنا صانعون بك خيرا ~~ثم ارتحلوا وأقبل زوجها فأخبرته بخبر القوم والشاة فغضب الرجل وقال ويلك ~~تذبحين شاتي لقوم لا تعرفيهم ثم تقولين نفر من قريش قال ثم بعد مدة ~~ألجأتهما الحاجة إلى دخول المدينة فدخلاها وجعلا ينقلان البعر إليها ~~ويبيعانه ويتعيشان بثمنه فمرت العجوز ببعض سكك المدينة فإذا الحسن بن علي ~~جالس على باب داره فعرف العجوز وهي له منكرة فبعث غلامه فدعا بالعجوز وقال ~~لها يا أمة الله أتعرفيني قالت لا قال أنا ضيفك يوم كذا ويوم كذا فقالت ~~العجوز بأبي أنت وأمي أنت هو قال نعم ثم أمر الحسن فاشتروا لها من شياه ~~الصدقة ألف شاة وأمر لها معها بألف دينار وبعث بها مع غلامه إلى الحسين ~~فقال لها الحسين بكم وصلك أخي قالت بألف شاة وألف دينار فأمر لها الحسين ~~أيضا بمثل ذلك ثم بعث بها مع غلامه إلى عبد الله بن جعفر فقال لها بكم وصلك ~~الحسن والحسين قالت بألفي شاة وألفي دينار فأمر لها عبد الله بألفي شاة ~~وألفي دينار وقال لها لو بدأت بي لأتعبتهما فرجعت العجوز إلى زوجها بأربعة ~~آلاف شاة وأربعة آلاف دينار # وخرج عبد الله بن عامر بن كريز من المسجد يريد منزله وهو وحده فقام إليه ~~غلام من ثقيف فمشى إلى جانبه فقال له عبد الله ألك حاجة يا غلام قال صلاحك ~~وفلاحك رأيتك تمشي وحدك فقلت أقيك بنفسي وأعوذ بالله إن طار بجانبك مكروه ~~فأخذ عبد الله بيده ومشى معه إلى منزله ثم دعا بألف دينار فدفعها إلى ~~الغلام وقال استنفق هذه فنعم ما أدبك أهلك # وحكى أن قوما من العرب جاءوا إلى قبر بعض أسخيائهم للزيارة فنزلوا عند ~~قبره وباتوا عنده وقد كانوا جاءوا من سفر بعيد فرأى رجل منهم في النوم صاحب ~~القبر وهو يقول له هل لك أن تبادل بعيرك بنجيبي وكان السخي الميت قد خلف ~~نجيبا معروفا به ولهذا الرجل بعير سمين فقال له في النوم نعم فباعه في ~~النوم بعيره بنجيبه فلما وقع بينهما العقد عمد هذا الرجل إلى بعيره فنحره ~~في النوم فانتبه الرجل من نومه فإذا الدم يثج من نحر بعيره فقام الرجل ~~فنحره وقسم لحمه فطبخوه وقضوا حاجتهم منه ثم رحلوا وساروا فلما كان اليوم ~~الثاني وهم في الطريق استقبلهم ركب فقال رجل منهم من فلان بن فلان منكم ~~باسم ذلك الرجل فقال أنا فقال له هل بعت من فلان بن فلان شيئا وذكر الميت ~~صاحب القبر قال نعم بعت بعيري بنجيبه في PageV03P249 النوم فقال خذ هذا ~~نجيبه ثم قال هو أبى وقد رأيته في النوم وهو يقول إن كنت ابني فادفع نجيبي ~~إلى فلان بن فلان وسماه # وقدم رجل من قريش من السفر فمر برجل من الأعراب على قارعة الطريق قد ~~أقعده الدهر وأضر به المرض فقال يا هذا أعنا على الدهر فقال الرجل لغلامه ~~ما بقي معك من النفقة فادفعه إليه فصب الغلام في حجر الأعرابي أربعة آلاف ~~درهم فذهب لينهض فلم يقدر من الضعف فبكى فقال له الرجل ما يبكيك لعلك ~~استقللت ما أعطيناك قال لا ولكن ذكرت ما تأكل الأرض من كرمك فأبكاني # واشترى عبد الله بن عامر من خالد بن عقبة بن أبي معيط داره التي في السوق ~~بتسعين ألف درهم فلما كان الليل سمع بكاء أهل خالد فقال لأهله ما لهؤلاء ~~قالوا يبكون لدارهم فقال يا غلام ائتهم فأعلمهم أن المال والدار لهم جميعا # وقيل بعث هارون الرشيد إلى مالك بن أنس رحمه الله بخمسمائة دينار فبلغ ~~ذلك الليث به سعد فأنفذ إليه ألف دينار فغضب هارون وقال أعطيته خمسمائة ~~وتعطيه ألفا وأنت من رعيتي فقال يا أمير المؤمنين إن لي من غلتي كل يوم ألف ~~دينار فاستحييت أن أعطي مثله أقل من دخل يوم وحكي أنه لم تجب عليه الزكاة ~~مع أن دخله كل يوم ألف دينار وحكي أن امرأة سألت الليث بن سعد رحمة الله ~~عليه شيئا من عسل فأمر لها بزق من عسل فقيل له إنها كانت تقنع بدون هذا ~~فقال إنها سألت على قدر حاجتها ونحن نعطيها على قدر النعمة علينا وكان ~~الليث ابن سعد لا يتكلم كل يوم حتى يتصدق على ثلثمائة وستين مسكينا # وقال الأعمش اشتكت شاة عندي فكان خيثمة بن عبد الرحمن يعودها بالغداة ~~والعشي ويسألني هل استوفت علفها وكيف صبر الصبيان منذ فقدوا لبنها وكان ~~تحتي لبد أجلس عليه فإذا خرج قال خذ ما تحت اللبد حتى وصل إلي في علة الشاة ~~أكثر من ثلثمائة دينار من بره حتى تمنيت أن الشاة لم تبرأ # وقال عبد الملك بن مروان لأسماء بن خارجة بلغني عنك خصال فحدثني بها فقال ~~هي من غيري أحسن منها مني فقال عزمت عليك إلا حدثتني بها فقال يا أمير ~~المؤمنين ما مددت رجلي بين يدي جليس لي قط ولا صنعت طعاما قط فدعوت عليه ~~قوما إلا كانوا أمن علي مني عليهم ولا نصب لي رجل وجهه قط يسألني شيئا ~~فاستكثرت شيئا أعطيته إياه # ودخل سعيد بن خالد على سليمان بن عبد الملك وكان سعيد رجلا جوادا فإذا لم ~~يجد شيئا كتب لمن سأله صكا على نفسه حتى يخرج عطاؤه فلما نظر إليه سليمان ~~تمثل بهذا البيت فقال # إني سمعت مع الصباح مناديا % يا من يعين على الفتى المعوان # ثم قال ما حاجتك قال ديني قال وكم هو قال ثلاثون ألف دينار قال لك دينك ~~ومثله # وقيل مرض قيس بن سعد بن عبادة فاستبطأ إخوانه فقيل له إنهم يستحيون مما ~~لك عليهم من الدين فقال أخزى الله مالا يمنع الإخوان من الزيارة ثم أمر ~~مناديا فنادى من كان عليه لقيس بن سعد حق فهو منه بريء قال فانكسرت درجته ~~بالعشي لكثرة من زاره وعاده # عن أبي إسحاق قال صليت العصر في مسجد الأشعث بالكوفة أطلب غريما لي فلما ~~صليت وضع بين يدي حلة ونعلان فقلت لست من أهل هذا المسجد فقالوا إن الأشعث ~~بن قيس الكندي قدم البارحة من مكة فأمر لكل من صلى في المسجد بحلة ونعلين ~~PageV03P250 # وقال الشيخ أبو سعد الحركوشي النيسابوري رحمه الله سمعت محمد بن محمد ~~الحافظ يقول سمعت الشافعي المجاور بمكة يقول كان بمصر رجل عرف بأن يجمع ~~للفقراء شيئا فولد لبعضهم مولود قال فجئت إليه وقلت له ولد لي مولود وليس ~~معي شيء فقام معي ودخل على جماعة فلم يفتح بشيء فجاء إلى قبر رجل وجلس عنده ~~وقال رحمك الله كنت تفعل وتصنع وإني درت اليوم على جماعة فكلفتهم دفع شيء ~~لمولود فلم يتفق لي شيء قال ثم قام وأخرج دينارا وقسمه نصفين وناولني نصفه ~~وقال هذا دين عليك إلى أن يفتح الله عليك بشيء قال فأخذته وانصرفت فأصلحت ~~ما اتفق لي به قال فرأى ذلك المحتسب تلك الليلة ذلك الشخص في منامه فقال ~~سمعت جميع ما قلت وليس لنا إذن في الجواب ولكن احضر منزلي وقل لأولادي ~~يحفروا مكان الكانون ويخرجوا قرابة فيها خمسمائة دينار فاحملها إلى هذا ~~الرجل فلما كان من الغد تقدم إلى منزل الميت وقص عليهم القصة فقالوا له ~~اجلس وحفروا الموضع وأخرجوا الدنانير وجاءوا بها فوضعوها بين يديه فقال هذا ~~مالكم وليس لرؤياي حكم فقالوا هو يتسخى ميتا ولا نتسخى نحن أحياء فلما ~~ألحوا عليه حمل الدنانير إلى الرجل صاحب المولود وذكر له القصة قال فأخذ ~~منها دينارا فكسره نصفين فأعطاه النصف الذي أقرضه وحمل النصف الآخر وقال ~~يكفيني هذا وتصدق به على الفقراء فقال أبو سعيد فلا أدري أي هؤلاء أسخى # وروي أن الشافعي رحمه الله لما مرض مرض موته بمصر قال مروا فلانا يغسلني ~~فلما توفي بلغه خبر وفاته فحضر وقال ائتوني بتذكرته فأتى بها فنظر فيها ~~فإذا على الشافعي سبعون ألف درهم دين فكتبها على نفسه وقضاها عنه وقال هذا ~~غسلي إياه أي أراد به هذا وقال أبو سعيد الواعظ الحركوشى لما قدمت مصر طلبت ~~منزل ذلك الرجل فدلوني عليه فرأيت جماعة من أحفاده وزرتهم فرأيت فيهم سيما ~~الخير وآثار الفضل فقلت بلغ أثره في الخير إليهم وظهرت بركته فيهم مستدلا ~~بقوله تعالى وكان أبوهما صالحا وقال الشافعي رحمه الله لا أزال أحب حماد بن ~~أبي سليمان لشيء بلغني عنه أنه كان ذات يوم راكبا حماره فحركه فانقطع زره ~~فمر على الخياط فأراد أن ينزل إليه ليسوي زره فقال الخياط والله لا نزلت ~~فقام الخياط إليه فسوى زره فأخرج إليه صرة فيها عشرة دنانير فسلمها إلى ~~الخياط واعتذر إليه من قلتها وأنشد الشافعي رحمه الله لنفسه # يا لهف قلبي على مال أجود به % على المقلين من أهل المروءات # إن اعتذاري إلى من جاء يسألني % ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات # وعن الربيع بن سليمان قال أخذ رجل بركاب الشافعي رحمه الله فقال يا ربيع ~~أعطه أربعة دنانير واعتذر إليه عني وقال الربيع سمعت الحميدي يقول قدم ~~الشافعي من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف دينار فضرب خباءه في موضع خارج عن مكة ~~ونثرها على ثوب ثم أقبل على كل من دخل عليه يقبض له قبضة ويعطيه حتى صلى ~~الظهر ونفض الثوب وليس عليه شيء # وعن أبي ثور قال أراد الشافعي الخروج إلى مكة ومعه مال وكان قلما يمسك ~~شيئا من سماحته فقلت له ينبغي أن تشتري بهذا المال ضيعة تكون لك ولولدك قال ~~فخرج ثم قدم علينا فسألته عن ذلك المال فقال ما وجدت بمكة ضيعة يمكنني أن ~~أشتريها لمعرفتي بأصلها وقد وقف أكثرها ولكني بنيت بمنى مضربا يكون ~~لأصحابنا إذا حجوا أن ينزلوا فيه وأنشد الشافعي رحمه الله لنفسه يقول # أرى نفسي تتوق إلى أمور % يقصر دون مبلغهن مالي # فنفسي لا تطاوعني ببخل % ومالي لا يبلغني فعالي PageV03P251 # وقال محمد بن عباد المهلبي دخل أبي على المأمون فوصله بمائة ألف درهم ~~فلما قام من عنده تصدق بها فأخبر بذلك المأمون فلما عاد إليه عاتبه المأمون ~~في ذلك فقال يا أمير المؤمنين منع الموجود سوء ظن بالمعبود فوصله بمائة ألف ~~أخرى # وقام رجل إلى سعيد بن العاص فسأله فأمر له بمائة ألف درهم فبكى فقال له ~~سعيد ما يبكيك قال أبكي على الأرض أن تأكل مثلك فأمر له بمائة ألف أخرى # ودخل أبو تمام على إبراهيم بن شكلة بأبيات امتدحه بها فوجده عليلا فقبل ~~منه المدحة وأمر حاجبه بنيله ما يصلحه وقال # عسى أن أقوم من مرضي فأكافئه فأقام شهرين فوحشه طول المقام فكتب إليه ~~يقول # إن حراما قبول مدحتنا % وترك ما نرتجي من الصفد # كما الدراهم والدنانير في البيعحرام إلا يدا بيد # فلما وصل البيتان إلى إبراهيم قال لحاجبه كم أقام بالباب قال شهرين قال ~~أعطه ثلاثون ألف وجئني بدواة فكتب إليه # أعجلتنا فأتاك عاجل برنا % قلا ولو أمهلتنا لم نقلل # فخذ القليل وكن كأنك لم تقل % ونقول نحن كأننا لم نفعل # وروي أنه كان لعثمان على طلحة رضي الله عنهما خمسون ألف درهم فخرج عثمان ~~يوما إلى المسجد فقال له طلحة قد تهيأ مالك فاقبضه فقال هو لك يا أبا محمد ~~معونة لك على مروءتك وقالت سعدى بنت عوف دخلت على طلحة فرأيت منه ثقلا فقلت ~~له مالك فقال اجتمع عندي مال وقد غمني فقلت وما يغمك ادع قومك فقال يا غلام ~~علي بقومي فقسمه فيهم فسألت الخادم كم كان قال أربعمائة ألف # وجاء أعرابي إلى طلحة فسأله وتقرب إليه برحم فقال إن هذه الرحم ما سألني ~~بها أحد قبلك إن لي أرضا قد أعطاني بها عثمان ثلثمائة ألف فإن شئت فاقبضها ~~وإن شئت بعتها من عثمان ودفعت إليك الثمن فقال الثمن فباعها من عثمان ودفع ~~إليه الثمن # وقيل بكى علي كرم الله وجهه يوما فقيل ما يبكيك فقال لم يأتني ضيف منذ ~~سبعة أيام أخاف أن يكون الله قد أهانني # وأتى رجل صديقا له فدق عليه الباب فقال ما جاء بك قال علي أربعمائة درهم ~~دين فوزن أربعمائة درهم وأخرجها إليها وعاد يبكي فقالت امرأته لم أعطيته إذ ~~شق عليك فقال إنما أبكي لأني لم أتفقد حاله حتى احتاج إلى مفاتحتي فرحم ~~الله من هذه صفاتهم وغفر لهم أجمعين # | بيان ذم البخل # قال الله تعالى ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وقال تعالى ولا يحسبن ~~الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما ~~بخلوا به يوم القيامة وقال تعالى الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ~~ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وقال صلى الله عليه وسلم إياكم والشح فإنه ~~أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم + حديث ~~إياكم والشح الحديث أخرجه مسلم من حديث جابر بلفظ واتقوا الشح فإن الشح ~~الحديث ولأبي داود والنسائي في الكبرى وابن حبان والحاكم وصححه من حديث عبد ~~الله بن عمرو إياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالبخل ~~فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا + # وقال صلى الله عليه وسلم إياكم والشح PageV03P252 فإنه دعا من كان قبلكم ~~فسفكوا دماءهم ودعاهم فاستحلوا محارمهم ودعاهم فقطعوا أرحامهم + حديث إياكم ~~والشح فإنه دعا من كان قبلكم فسفكوا دماءهم ودعاهم فاستحلوا محارمهم ودعاهم ~~فقطعوا أرحامهم أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة بلفظ حرماتهم مكان أرحامهم ~~وقال صحيح على شرط مسلم + وقال صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة بخيل ولا ~~خب ولا خائن ولا سيء الملكة + حديث لا يدخل الجنة بخيل ولا خب ولا خائن ولا ~~سيء الملكة وفي رواية ولا منان أخرجه أحمد والترمذي وحسنه من حديث أبي بكر ~~واللفظ لأحمد دون قوله ولا منان فهي عند الترمذي وله ولابن ماجه لا يدخل ~~الجنة سيء الملكة + # وفي رواية ولا جبار وفي رواية ولا منان وقال صلى الله عليه وسلم ثلاث ~~مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه + حديث ثلاث مهلكات الحديث ~~تقدم في العلم # وقال صلى الله عليه وسلم إن الله يبغض ثلاث الشيخ الزاني والبخيل المنان ~~والمعيل المختال + حديث أن الله يبغض ثلاثا الشيخ الزاني والبخيل المنان ~~والفقير المختال أخرجه الترمذي والنسائي من حديث أبي ذر دون قوله البخيل ~~المنان وقال فيه الغني الظلوم وقد تقدم وللطبراني في الأوسط من حديث علي إن ~~الله ليبغض الغني الظلوم والشيخ الجهول والعائل المختال وسنده ضعيف + # وقال صلى الله عليه وسلم مثل المنفق والبخيل كمثل رجلين عليهما جبتان من ~~حديد من لدن ثديهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق شيئا إلا سبغت أو ~~وفرت على جلده حتى تخفى بنانه وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلا قلصت ~~ولزمت كل حلقة مكانها حتى أخذت بتراقيه فهو يوسعها ولا تتسع + حديث مثل ~~المنفق والبخيل كمثل رجلين عليهما جبة من حديد الحديث متفق عليه من حديث ~~أبي هريرة + # قال صلى الله عليه وسلم خصلتان لا تجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق + ~~حديث خصلتان لا تجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق أخرجه الترمذي من حديث ~~أبي سعيد وقال غريب + # وقال صلى الله عليه وسلم اللهم إن أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن ~~وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر + حديث اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ ~~بك من الجبن الحديث أخرجه البخاري من حديث سعد وتقدم في الأذكار + # وقال صلى الله عليه وسلم إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ~~وإياكم والفحش إن الله لا يحب الفاحش ولا المتفحش وإياكم والشح فإنما أهلك ~~من كان قبلكم الشح أمرهم بالكذب فكذبوا وأمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم ~~بالقطيعة فقطعوا + حديث إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة الحديث ~~أخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو دون قوله أمرهم بالكذب فكذبوا ~~وأمرهم بالظلم فظلموا قال عوضا عنهما وبالبخل فبخلوا وبالفجور ففجروا وكذا ~~رواه أبو داود على ذكر الشح وقد تقدم قبله بسبعة أحاديث ولمسلم من حديث ~~جابر اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فذكره بلفظ آخر ~~ولم يذكر الفحش + # وقال صلى الله عليه وسلم شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع + حديث شر ما ~~في الرجل شح هالع وجبن خالع أخرجه أبو داود من حديث جابر بسند جيد + # وقتل شهيد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكته باكية فقالت ~~واشهيداه فقال صلى الله عليه وسلم وما يدريك أنه شهيد فلعله كان يتكلم فيما ~~لا يعنيه أو يبخل بما لا ينقصه + حديث وما يدريك أنه شهيد فلعله كان يتكلم ~~فيما لا يعنيه أو يبخل بما لا ينقصه أخرجه أبو يعلى من حديث أبي هريرة بسند ~~ضعيف وللبيهقي في الشعب من حديث أنس أن أمه قالت ليهنك الشهادة وهو عند ~~الترمذي إلا أن رجلا قال له أبشر بالجنة + # وقال جبير بن مطعم بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ~~الناس مقفلة من خيبر إذ علقت برسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب ~~يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف صلى الله عليه وسلم فقال ~~أعطوني ردائي فوالذي نفسي بيده لو كان لي عدد هذه العصاة نعما لقسمته بينكم ~~ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا + حديث جبير بن مطعم بينما نحن ~~نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مقفلة من حنين علقت ~~الأعراب به الحديث أخرجه البخاري وتقدم في أخلاق النبوة + # وقال عمر رضي الله عنه قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما فقلت غير ~~هؤلاء كان أحق به PageV03P253 @QB@ منهم فقال @QE@ إنهم يخيروني بين أن ~~يسألوني بالفحش أو يبخلوني ولست بباخل + حديث عمر قسم النبي صلى الله عليه ~~وسلم قسما الحديث وفيه ولست بباخل أخرجه مسلم + # وقال أبو سعيد الخدري دخل رجلان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه ~~ثمن بعير فأعطاهما دينارين فخرجا من عنده فلقيهما عمر بن الخطاب رضي الله ~~عنه فأثنيا وقالا معروفا وشكرا ما صنع بهما فدخل عمر على رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فأخبره بما قالا فقال صلى الله عليه وسلم لكن فلان أعطيته ~~ما بين عشرة إلى مائة ولم يقل ذلك إن أحدكم ليسألني فينطلق في مسألته ~~متأبطها وهي نار فقال عمر فلم تعطهم ما هو نار فقال يأبون إلا أن يسألوني ~~ويأبى الله لي البخل + حديث أبي سعيد في الرجلين اللذين أعطاهما رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم دينارين فلقيهما عمر فأثنيا وقالا معروفا الحديث وفيه ~~ويأبى الله لي البخل رواه أحمد وأبو يعلى والبزار نحوه ولم يقل أحمد إنهما ~~سألاه ثمن بعير ورواه البزار من رواية أبي سعيد عن عمر ورجال أسانيدهم ثقات ~~+ # وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجود من جود الله ~~تعالى فجودوا يجد الله لكم ألا إن الله عز وجل خلق الجود فجعله في صورة رجل ~~وجعل رأسه راسخا في أصل شجرة طوبى وشد أغصانها بأغصان سدرة المنتهى ودلى ~~بعض أغصانها إلى الدنيا فمن تعلق بغصن منها أدخله الجنة ألا إن السخاء من ~~الإيمان والإيمان في الجنة وخلق البخل من مقته وجعل رأسه راسخا في أصل شجرة ~~الزقوم ودلى بعض أغصانها إلى الدنيا فمن تعلق بغصن منها أدخله النار ألا إن ~~البخل من الكفر والكفر في النار + حديث ابن عباس الجود من جود الله فجودوا ~~يجد الله لكم الحديث بطوله ذكره صاحب الفردوس ولم يخرجه ولده في مسنده ولم ~~أقف له على إسناد + # وقال صلى الله عليه وسلم السخاء شجرة تنبت في الجنة فلا يلج الجنة إلا ~~سخي والبخل شجرة تنبت في النار فلا يلج النار إلا بخيل + حديث السخاء شجرة ~~تنبت في الجنة فلا يلج في الجنة إلا سخي الحديث تقدم دون قوله فلا يلج في ~~الجنة إلى آخره وذكره بهذه الزيادة صاحب الفردوس من حديث علي ولم يخرجه ~~ولده في مسنده + # وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد بني لحيان من ~~سيدكم يا بني لحيان قالوا سيدنا جد بن قيس إلا أنه رجل فيه بخل فقال صلى ~~الله عليه وسلم وأي داء أدوأ من البخل ولكن سيدكم عمرو بن الجموح + حديث ~~أبي هريرة من سيدكم يا بني لحيان قالوا سيدنا جد بن قيس الحديث أخرجه ~~الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم بلفظ يا بني سلمة وقال سيدكم بشر بن البراء ~~وأما الرواية التي قال فيها سيدكم عمرو بن الجموح فرواها الطبراني في ~~الصغير من حديث كعب بن مالك بإسناد حسن + # وفي رواية أنهم قالوا سيدنا جد بن قيس فقال بم تسودونه قالوا إنه أكثر ~~مالا وأنا على ذلك لنرى منه البخل فقال صلى الله عليه وسلم وأي داء أدوأ من ~~البخل ليس ذلك سيدكم قالوا فمن سيدنا يا رسول الله قالوا سيدكم بشر بن ~~البراء وقال علي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ~~يبغض البخيل في حياته السخي عنه موته + حديث علي إن الله ليبغض البخيل في ~~حياته السخي عند موته ذكره صاحب الفردوس ولم يخرجه ولده في مسنده ولم أجد ~~له إسنادا + # وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السخي الجهول أحب إلى ~~الله من العابد البخيل + حديث أبي هريرة السخي الجهول أحب إلى الله من ~~العابد البخيل أخرجه الترمذي بلفظ ولجاهل سخي وهو بقية حديث إن السخي قريب ~~من الله وقد تقدم + # وقال أيضا قال صلى الله عليه وسلم الشح والإيمان لا يجتمعان في قلب عبد + ~~حديث أبي هريرة لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أخرجه النسائي وفي ~~إسناده اختلاف + # وقال أيضا خصلتان لا يجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق + حديث خصلتان لا ~~تجتمعان في مؤمن الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد وقد تقدم + # وقال صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لمؤمن أن يكون بخيلا ولا جبانا + حديث ~~لا ينبغي لمؤمن أن يكون جبانا ولا بخيلا لم أره بهذا اللفظ + # وقال صلى الله عليه وسلم يقول قائلكم الشحيح PageV03P254 أعذر من الظالم ~~وأي ظلم أظلم عند الله من الشح حلف الله تعالى بعزته وعظمته وجلاله لا يدخل ~~الجنة شحيح ولا بخيل + حديث يقول قائلكم الشحيح أعذر من الظالم وأي ظلم ~~أظلم من الشح الحديث وفيه لا يدخل الجنة شحيح ولا بخيل لم أجده بتمامه ~~وللترمذي من حديث أبي بكر لا يدخل الجنة بخيل وقد تقدم # وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف بالبيت فإذا رجل متعلق ~~بأستار الكعبة وهو يقول بحرمة هذا البيت إلا غفرت لي ذنبي فقال صلى الله ~~عليه وسلم وما ذنبك صفه لي فقال هو أعظم من أن أصفه لك فقال ويحك ذنبك أعظم ~~أم الأرضون فقال بل ذنبي أعظم يا رسول الله قال فذنبك أعظم أم الجبال قال ~~بل ذنبي أعظم يا رسول الله قال فذنبك أعظم أم البحار قال فذنبك أعظم أم ~~السموات قال بل ذنبي أعظم يا رسول الله قال فذنبك أعظم أم العرش قال بل ~~ذنبي أعظم يا رسول الله قال فذنبك أعظم أم الله قال بل الله أعظم وأعلى قال ~~ويحك فصف لي ذنبك قال # يا رسول الله إني رجل ذو ثروة من المال وإن السائل ليأتيني يسألني فكأنما ~~يستقبلني بشعلة من نار فقال صلى الله عليه وسلم إليك عني لا تحرقني بنارك ~~فوالذي بعثني بالهداية والكرامة لو قمت بين الركن والمقام ثم صليت ألفي ألف ~~عام ثم بكيت حتى تجري من دموعك الأنهار وتسقي بها الأشجار ثم مت وأنت لئيم ~~لأكبك الله في النار ويحك أما علمت أن البخل كفر وأن الكفر في النار ويحك ~~أما علمت أن الله تعالى يقول ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ومن يوق شح نفسه ~~فأولئك هم المفلحون + حديث كان يطوف بالبيت فإذا رجل متعلق بأستار الكعبة ~~وهو يقول بحرمة هذا البيت إلا غفرت لي الحديث في ذم البخل وفيه قال إليك ~~عني لا تحرقني بنارك الحديث بطوله وهو باطل لا أصل له # الآثار قال ابن عباس رضي الله عنهما لما خلق الله جنة عدن قال لها تزيني ~~فتزينت ثم قال لها أظهري أنهارك فأظهرت عين السلسبيل وعين الكافور وعين ~~التسنيم فتفجر منها في الجنان أنهار الخمر وأنهار العسل واللبن ثم قال لها ~~أظهري سررك وحجالك وكراسيك وحليك وحللك وحور عينك فأظهرت فنظر إليها فقال ~~تكلمي فقالت طوبى لمن دخلني فقال الله تعالى وعزتي لا أسكنك بخيلا # وقالت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز أف للبخيل لو كان البخل قميصا ما ~~لبسته ولو كان طريقا ما سلكته # وقال طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه إنا لنجد بأموالنا ما يجد البخلاء ~~لكننا نتصبر # وقال محمد بن المنكدر كان يقال إذا أراد الله بقوم شرا أمر الله عليهم ~~شرارهم وجعل أرزاقهم بأيدي بخلائهم # وقال علي كرم الله وجهه في خطبته إنه سيأتي على الناس زمان عضوض يعض ~~الموسر على ما في يده ولم يؤمر بذلك قال الله تعالى ولا تنسوا الفضل بينكم ~~وقال عبد اللهبن عمرو الشح أشد من البخل لأن الشحيح هو الذي يشح على ما في ~~يد غيره حتى يأخذه ويشح بما في يده فيحبسه والبخيل هو الذي يبخل بما في يده # وقال الشعبي لا أدري أيهما أبعد غورا في نار جهنم البخل أو الكذب وقيل ~~ورد على أنوشروان حكيم الهند وفيلسوف الروم فقال للهندي تكلم فقال خير ~~الناس من ألفى سخيا وعند الغضب وقورا وفي القول متأنيا وفي الرفعة متواضعا ~~وعلى كل ذي رحم مشفقا # وقام الرومي فقال من كان بخيلا ورث عدوه ماله ومن قل شكره لم ينل النجح ~~وأهل الكذب مذمومون وأهل النميمة يموتون فقراء ومن لم يرحم سلط عليه من لا ~~يرحمه # وقال الضحاك في قوله تعالى إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا قال البخل أمسك ~~الله تعالى أيديهم عن النفقة في سبيل الله فهم لا يبصرون الهدى # وقال كعب ما من صباح إلا وقد وكل به ملكان يناديان اللهم عجل لممسك تلفا ~~PageV03P255 وعجل لمنفق خلفا # وقال الأصمعي سمعت أعرابيا وقد وصف رجلا فقال لقد صغر فلان في عيني لعظم ~~الدنيا في عينه وكأنما يرى السائل ملك الموت إذا أتاه # وقال أبو حنيفة رحمه الله لا أرى أن أعدل بخيلا لأن البخل يحمله على ~~الاستقصاء فيأخذ فوق حقه خيفة من أن يغبن فمن كان هكذا لا يكون مأمون ~~الأمانة # وقال علي كرم الله وجهه والله ما استقصى كريم قط حقه # قال الله تعلى عرف بعضه وأعرض عن بعض وقال الجاحظ ما بقي من اللذات إلا ~~ثلاث دم البخلاء وأكل القديد وحك الجرب # وقال بشر بن الحارث البخيل لا غيبة له قال النبي صلى الله عليه وسلم إنك ~~إذا لبخيل ومدحت امرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا صوامة ~~قوامة إلا أن فيها بخلا قال فما خيرها إذن + حديث مدحت امرأة عند النبي صلى ~~الله عليه وسلم فقالوا صوامة قوامة إلا أن فيها بخلا الحديث تقدم في آفات ~~اللسان # وقال بشر النظر إلى البخيل يقسي القلب ولقاء البخلاء كرب على قلوب ~~المؤمنين # وقال يحيى بن معاذ ما في القلب للأسخياء إلا حب ولو كانوا فجارا وللبخلاء ~~إلا بغض ولو كانوا أبرارا # وقال ابن المعتز أبخل الناس بماله أجودهم بعرضه # ولقي يحيى بن زكريا عليهما السلام # إبليس في صورته فقال له يا إبليس أخبرني بأحب الناس إليك وأبغض الناس ~~إليك قال أحب الناس إلي المؤمن البخيل وأبغض الناس إلي الفاسق السخي قال له ~~لم قال لأن البخيل قد كفاني بخله والفاسق السخي الخوف أن يطلع الله عليه في ~~سخائه فيقبله ثم ولى وهو يقول لولا أنك يحيى لما أخبرتك حكايات البخلاء # قيل كان بالبصرة رجل موسر بخيل فدعاه بعض جيرانه وقدم إليه طباهجة ببيض ~~فأكل منه فأكثر وجعل يشرب الماء فانتفخ بطنه ونزل به الكرب والموت فجعل ~~يتلوى فلما جهده الأمر وصف حاله للطبيب فقال لا بأس عليك تقيأ ما أكلت فقال ~~هاه أتقيأ طباهجة ببيض الموت ولا ذلك # وقيل أقبل أعرابي يطلب رجلا وبين يديه تين فغطى التين بكسائه فجلس ~~الأعرابي فقال له الرجل هل تحسن من القرآن شيئا قال نعم فقرأ والزيتون وطور ~~سينين فقال وأين التين قال هو تحت كسائك # ودعا بعضهم أخا له ولم يطعمه شيئا فحبسه إلى العصر حتى اشتد جوعه وأخذه ~~مثل الجنون فأخذ صاحب البيت العود وقال له بحياتي أي صوت تشتهي أن أسمعك ~~قال صوت المقلى # ويحكى أن محمد بن يحيى بن خالد بن برمك كان بخيلا قبيح البخل فسئل نسيب ~~له كان يعرفه عنه فقال له قائل صف لي مائدته فقال هي فتر في فتر وصحافه ~~منقورة من حب الخشخاش قيل فمن يحضرها قال الكرام الكاتبون قال فما يأكل معه ~~أحد قال بلى الذباب فقال سوأتك بدت وأنت خاص به وثوبك مخرق قال أنا والله ~~ما أقدر على إبرة أخيطه بها ولو ملك محمد بيتا من بغداد إلى النوبة مملوءا ~~إبرا ثم جاءه جبريل وميكائيل ومعهما يعقوب النبي عليه السلام يطلبون منه ~~إبرة ويسألونه إعارتهم إياها ليخيط بها قميص يوسف الذي قد من دبر ما فعل ~~ويقال كان مروان بن أبي حفصة لا يأكل اللحم بخلا حتى يقرم إليه فإذا قرم ~~إليه أرسل غلامه فاشترى له رأسا فأكله فقيل له # نراك لا تأكل إلا الرءوس في الصيف والشتاء فلم تختار ذلك قال نعم الرأس ~~أعرف سعره فآمن خيانة الغلام ولا يستطيع أن يغبنني فيه وليس بلحم يطبخه ~~الغلام فيقدر أن يأكل منه إن مس عينا أو أذنا أو خدا وقفت على ذلك وآكل منه ~~ألوانا عينه لونا وأذنه لونا ولسانه لونا وغلصمته لونا ودماغه لونا وأكفى ~~مؤونة PageV03P256 طبخه فقد اجتمعت لي فيه مرافق # وخرج يوما يريد الخليفة المهدي فقالت له امرأة من أهله مالي عليك إن رجعت ~~بالجائزة فقال إن أعطيت مائة ألف أعطيتك درهما فأعطي ستين ألف فأعطاها ~~أربعة دوانق # واشترى مرة لحما بدرهم فدعاه صديق له فرد اللحم إلى القصاب بنقصان دانق ~~وقال أكره الإسراف # وكان للأعمش جار وكان لا يزال يعرض عليه المنزل ويقول لو دخلت فأكلت كسرة ~~وملحا فيأبى عليه الأعمش فعرض عليه ذات يوم فوافق جوع الأعمش فقال سر بنا ~~فدخل منزله فقرب إليه كسرة وملحا فجاء سائل فقال له رب المنزل بورك فيك ~~فأعاد عليه المسألة فقال له بورك فيك فلما سأل الثالثة قال له اذهب والله ~~وإلا خرجت إليك بالعصا قال فناداه الأعمش وقال اذهب ويحك فلا والله ما رأيت ~~أحدا أصدق مواعيد منه هو منذ مدة يدعوني على كسرة وملح فوالله ما زادني ~~عليهما # | بيان الإيثار وفضله # اعلم أن السخاء والبخل كل منهما ينقسم إلى درجات # فأرفع درجة السخاء الإيثار وهو أن يجود بالمال مع الحاجة # وإنما السخاء عبارة عن بذل ما لا يحتاج إليه لمحتاج أو لغير محتاج والبذل ~~مع الحاجة أشد # وكما أن السخاوة قد تنتهي إلى أن يسخو الإنسان على غيره مع الحاجة فالبخل ~~قد ينتهي إلى أن يبخل على نفسه مع الحاجة فكم من بخيل يمسك المال ويمرض فلا ~~يتداوى ويشتهي الشهوة فلا يمنعه منها إلا البخل بالثمن ولو وجدها مجانا ~~لأكلها # فهذا بخيل على نفسه مع الحاجة وذلك يؤثر على نفسه غيره مع أنه محتاج إليه # فانظر ما بين الرجلين فإن الأخلاق عطايا يضعها الله حيث يشاء وليس بعد ~~الإيثار درجة في السخاء # وقد أثنى الله على الصحابة رضي الله عنهم به فقال ويؤثرون على أنفسهم ولو ~~كان بهم خصاصة وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيما امرئ اشتهى شهوة فرد ~~شهوته وآثر على نفسه غفر له + حديث أيما رجل اشتهى شهوة فرد شهوته وآثر على ~~نفسه غفر له أخرجه ابن حبان في الضعفاء وأبو الشيخ في الثواب من حديث ابن ~~عمر بسند ضعيف وقد تقدم # وقالت عائشة رضي الله عنها ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة ~~أيام متوالية حتى فارق الدنيا ولو شئنا لشبعنا ولكنا كنا نؤثر على أنفسنا + ~~حديث عائشة ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متواليات ولو ~~شئنا لشبعنا ولكنا كنا نؤثر على أنفسنا أخرجه البيهقي في الشعب بلفظ ولكنه ~~كان يؤثر على نفسه وأول الحديث عند مسلم بلفظ ما شبع رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى لسبيله وللشيخين ما شبع آل ~~محمد منذ قدم المدينة ثلاثة ليال تباعا حتى قبض زاد مسلم من طعام # ونزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف فلم يجد عند أهله شيئا فدخل عليه ~~رجل من الأنصار فذهب بالضيف إلى أهله ثم وضع بين يديه الطعام وأمر امرأته ~~بإطفاء السراج وجعل يمد يده إلى الطعام كأنه يأكل ولا يأكل حتى أكل الضيف ~~فلما أصبح قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد عجب الله من صنيعكم ~~الليلة إلى ضيفكم ونزلت ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة + حديث نزل ~~به ضيف فلم يجد عند أهله شيئا فدخل عليه رجل من الأنصار فذهب به إلى أهله ~~الحديث في نزول قوله تعالى ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة متفق عليه ~~من حديث أبي هريرة # فالسخاء خلق من أخلاق الله تعالى والإيثار أعلى درجات السخاء # وكان ذلك من أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سماه الله تعالى عظيما ~~فقال تعالى وإنك لعلى خلق عظيم وقال سهل بن عبد الله التستري قال موسى عليه ~~السلام يا رب أرني بعض درجات محمد صلى الله عليه وسلم وأمته فقال يا موسى ~~إنك لن تطيق ذلك ولكن أريك منزلة من منازله جليلة عظيمة فضلته بها عليك ~~وعلى جميع خلقي قال فكشف له عن ملكوت السموات فنظر إلى منزلة كادت تتلف ~~نفسه من أنوارها وقربها PageV03P257 من الله تعالى فقال يارب بماذا بلغت به ~~إلى هذه الكرامة قال بخلق اختصصته به من بينهم وهو الإيثار يا موسى لا ~~يأتيني أحد منهم قد عمل به وقتا من عمره إلا استحييت من محاسبته وبوأته من ~~جنتي حيث يشاء وقيل خرج عبد الله بن جعفر إلى ضيعة له فنزل على نخيل قوم ~~وفيه غلام أسود يعمل فيه إذ أتى الغلام بقوته فدخل الحائط كلب ودنا من ~~الغلام فرمى إليه الغلام بقرص فأكله ثم رمى إليه الثاني والثالث فأكله وعبد ~~الله ينظر إليه فقال يا غلام كم قوتك كل يوم قال ما رأيت قال فلم آثرت به ~~هذا الكلب قال ما هي بأرض كلاب إنه جاء من مسافة بعيدة جائعا فكرهت أن أشبع ~~وهو جائع قال فما أنت صانع اليوم قال أطوي يومي هذا فقال عبد الله بن جعفر ~~ألام على السخاء إن هذا الغلام لأسخى مني فاشترى الحائط والغلام وما فيه من ~~الآلات فأعتق الغلام ووهبه منه # وقال عمر رضي الله عنه أهدى إلي رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم رأس شاة فقال إن أخي كان أحوج مني إليه فبعث به إليه فلم يزل واحد ~~يبعث به إلى آخر حتى تداوله سبعة أبيات ورجع إلى الأول # وبات علي كرم الله وجهه على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوحى ~~الله تعالى إلى جبريل وميكائيل عليهما السلام إني آخيت بينكما وجعلت عمر ~~أحدكما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختارا كلاهما الحياة ~~وأحباها فأوحى الله عز وجل إليهما أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت ~~بينه وبين نبيي محمد صلى الله عليه وسلم فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره ~~بالحياة اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فكان جبريل عند رأسه وميكائيل عند ~~رجليه وجبريل عليه السلام يقول بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب والله تعالى ~~يباهي بك الملائكة فأنزل الله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات ~~الله والله رءوف بالعباد + حديث بات علي على فراش رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فأوحى الله إلى جبريل وميكائيل إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول ~~من الآخر الحديث في نزول قوله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات ~~الله أخرجه أحمد مختصرا من حديث ابن عباس شرى على نفسه فلبس ثوب النبي صلى ~~الله عليه وسلم ثم نام مكانه الحديث وليس فيه ذكر جبريل وميكائيل ولم أقف ~~لهذه الزيادة على أصل وفيه أبو بلج مختلف فيه والحديث منكر # وعن أبي الحسن الأنطاكي أنه اجتمع عنده نيف وثلاثون نفسا وكانوا في قرية ~~بقرب الري ولهم أرغفة معدودة لم تشبع جميعهم فكسروا الرغفان وأطفئوا السراج ~~وجلسوا للطعام فلما رفع فإذا الطعام بحاله ولم يأكل أحد منه شيئا إيثارا ~~لصاحبه على نفسه # وروي أن شعبة جاءه سائل وليس عنده شيء فنزع خشبة من سقف بيته فأعطاه ثم ~~اعتذر إليه وقال حذيفة العدوي انطلقت يوم اليرموك اطلب ابن عم لي ومعي شيء ~~من ماء وأنا أقول إن كان به رمق سقيته ومسحت به وجهه فإذا أنا به فقلت ~~أسقيك فأشار إلى أن نعم فإذا رجل يقول آه فأشار ابن عمي إلي أن انطلق به ~~إليه فجئته فإذا هو هشام بن العاص فقلت أسقيك فسمع به آخر فقال آه فأشار ~~هشام انطلق به إليه فجئته فإذا هو قد مات فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات ~~فرجعت إن ابن عمي فإذا هو قد مات رحمة الله عليهم أجمعين # وقال عباس بن دهقان ما خرج أحد من الدنيا كما دخلها إلا بشر بن الحرث ~~فإنه آتاه رجل في مرضه فشكا إليه الحاجة فنزع قميصه وأعطاه إياه واستعار ~~ثوبا فمات فيه # وعن بعض الصوفية قال كنا بطرسوس فاجتمعنا جماعة وخرجنا إلى باب الجهاد ~~فتبعنا كلب من البلد فلما بلغنا ظاهر الباب إذا نحن بدابة ميتة فصعدنا إلى ~~موضع عال وقعدنا # فلما نظر الكلب إلى الميتة رجع إلى البلد ثم عاد بعد ساعة ومعه مقدار ~~عشرين كلبا فجاء إلى تلك الميتة وقعد ناحية ووقعت الكلاب في الميتة فما ~~زالت تأكلها وذلك الكلب قاعد ينظر إليها حتى أكلت الميتة وبقي العظم ورجعت ~~الكلاب إلى البلد فقام ذلك الكلب PageV03P258 وجاء إلى تلك العظام فأكل مما ~~بقي عليها قليلا ثم انصرف # وقد ذكرنا جملة من أخبار الإيثار وأحوال الأولياء في كتاب الفقر والزهد ~~فلا حاجة إلى الإعادة ههنا وبالله التوفيق وعليه التوكل فيما يرضيه عز وجل # | بيان حد السخاء والبخل وحقيقتهما # لعلك تقول قد عرف بشواهد الشرع أن البخل من المهلكات ولكن ما حد البخل ~~وبماذا يصير الإنسان بخيلا وما من إنسان إلا وهو يرى نفسه سخيا وربما يراه ~~غيره بخيلا وقد يصدر فعل من إنسان فيختلف فيه الناس فيقول قوم هذا بخل ~~ويقول آخرون ليس هذا من البخل # وما من إنسان إلا ويجد من نفسه حبا للمال ولأجله يحفظ المال ويمسكه فإن ~~كان يصير بإمساك المال بخيلا فإذا لا ينفك أحد عن البخل # وإذا كان الإمساك مطلقا لا يوجب البخل ولا معنى للبخل إلا الإمساك فما ~~البخل الذي يوجب الهلاك وما حد السخاء الذي يستحق به البعد صفة السخاوة ~~وثوابها فنقول قد قال قائلون حد البخل منع الواجب فكل من أدى ما يجب عليه ~~فليس ببخيل 4 وهذا غير كاف فإن من يرد اللحم مثلا إلى القصاب والخبز للخباز ~~بنقصان حبة أو نصف حبة فإنه يعد بخيلا بالاتفاق # وكذلك من يسلم إلى عياله القدر الذي يفرضه القاضي ثم يضايقهم في لقمة ~~ازدادوها عليه أو تمرة أكلوها من ماله يعد بخيلا # ومن كان بين يديه رغيف فحضر من يظن أنه يأكل معه فأخفاه عنه عد بخيلا # وقال قائلون البخيل هو الذي يستصعب العطية وهو أيضا قاصر فإنه إن أريد به ~~أنه يستصعب كل عطية فكم من بخيل لا يستصعب العطية القليلة كالحبة وما يقرب ~~منها ويستصعب ما فوق ذلك وإن أريد به أنه يستصعب بعض العطايا فمن من جواد ~~إلا وقد يستصعب بعض العطايا وهو ما يستغرق جميع ماله أو المال العظيم # فهذا لا يوجب الحكم بالبخل # وكذلك تكلموا في الجود فقيل الجود عطاء بلا من وإسعاف من غير روية # وقيل الجود عطاء من غير مسألة على رؤية التقليل # وقيل الجود السرور بالسائل والفرح بالعطاء لما أمكن # وقيل الجود عطاء على رؤية أن المال لله تعالى والعبد لله عز وجل فيعطى ~~عبد الله مال الله على غير رؤية الفقر # وقيل من أعطى البعض وأبقى البعض فهو صاحب سخاء ومن بذل الأكثر وأبقى ~~لنفسه شيئا فهو صاحب جود ومن قاسى الضر وآثر غيره بالبلغة فهو صاحب إيثار ~~ومن لم يبذل شيئا فهو صاحب بخل # وجملة هذه الكلمات غير محيطة بحقيقة الجود والبخل بل نقول المال خلق ~~لحكمة ومقصود وهو صلاحه لحاجات الخلق ويمكن إمساكه عن الصرف إلى ما خلق ~~للصرف إليه ويمكن بذله بالصرف إلى ما لا يحسن الصرف إليه ويمكن التصرف فيه ~~بالعدل وهو أن يحفظ حيث يجب الحفظ ويبذل حيث يجب البذل # فالإمساك حيث يجب البذل بخل والبذل حيث يجب الإمساك تبذير # وبينهما وسط وهو المحمود وينبغي أن يكون السخاء والجود عبارة عنه إذ لم ~~يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالسخاء وقد قيل له ولا تجعل يدك ~~مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط وقال تعالى والذين إذا أنفقوا لم ~~يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما فالجود وسط بين الإسراف والإقتار ~~وبين البسط والقبض وهو أن يقدر بذله وإمساكه بقدر الواجب ولا يكفي أن يفعل ~~ذلك بجوارحه ما لم يكن قلبه طيبا به غير منازع له فيه # فإن بذل في محل وجوب البذل ونفسه تنازعه وهو يصابرها فهو متسخ وليس بسخي ~~بل ينبغي أن لا يكون لقلبه علاقة مع المال إلا من حيث يراد المال له وهو ~~صرفه إلى ما يجب صرفه إليه PageV03P259 فإن قلت فقد صار هذا موقوفا على ~~معرفة الواجب فما الذي يجب بذله # فأقول إن الواجب قسمان واجب بالشرع وواجب بالمروءة والعادة # والسخي هو الذي لا يمنع واجب الشرع ولا واجب المروءة فإن منع واحدا منهما ~~فهو بخيل ولكن الذي يمنع واجب الشرع أبخل كالذي يمنع أداء الزكاة ويمنع ~~عياله وأهله النفقة أو يؤديها ولكنه يشق عليه فإنه بخيل بالطبع وإنما يتسخي ~~بالتكلف أو الذي يتيمم الخبيث من ماله ولا يطيب قلبه أن يعطي من أطيب ماله ~~أو من وسطه فهذا كله بخل # وأما واجب المروءة فهو ترك المضايقة والاستقصاء في المحقرات فإن ذلك ~~مستقبح واستقباح ذلك يختلف بالأحوال والأشخاص # فمن كثر ماله استقبح منه ما لا يستقبح من الفقير من المضايقة ويستقبح من ~~الرجل المضايقة مع أهله وأقاربه ومماليكه ما لا يستقبح مع الأجانب ويستقبح ~~من الجار ما لا يستقبح مع البعيد ويستقبح في الضيافة من المضايقة ما لا ~~يستقبح في المعاملة فيختلف ذلك بما فيه من المضايقة في ضيافة أو معاملة ~~وبما به المضايقة من طعام أو ثوب إذ يستقبح في الأطعمة ما لا يستقبح في ~~غيرها ويستقبح في شراء الكفن مثلا أو شراء الأضحية أو شراء خبز الصدقة ما ~~لا يستقبح في غيره من المضايقة # وكذلك بمن معه المضايقة من صديق أو أخ أو قريب أو زوجة أو ولد أو أجنبي # وبمن منه المضايقة من صبي أو امرأة أو شيخ أو شاب أو عالم أو جاهل أو ~~موسر أو فقير # فالبخيل هو الذي يمنع حيث ينبغي أن لا يمنع إما بحكم الشرع وإما بحكم ~~المروءة وذلك لا يمكن التنصيص على مقداره # ولعل حد البخل هو إمساك المال عن غرض ذلك الغرض هو أهم من حفظ المال فإن ~~صيانة الدين أهم من حفظ المال فمانع الزكاة والنفقة بخيل # وصيانة المروءة أهم من حفظ المال والمضايق في الدقائق مع من لا تحسن ~~المضايقة معه هاتك ستر المروءة لحب المال فهو بخيل # ثم تبقى درجة أخرى وهو أن يكون الرجل ممن يؤدي الواجب ويحفظ المروءة ولكن ~~معه مال كثير قد جمعه ليس يصرفه إلى الصدقات وإلى المحتاجين فقد تقابل غرض ~~حفظ المال ليكون له عدة على نوائب الزمان وغرض الثواب ليكون رافعا لدرجاته ~~في الآخرة وإمساك المال عن هذا الغرض بخل عند الأكياس وليس ببخل عند عوام ~~الخلق وذلك لأن نظر العوام مقصور على حظوظ الدنيا فيرون إمساكه لدفع نوائب ~~الزمان مهما وربما يظهر عند العوام أيضا سمة البخل عليه إن كان في جواره ~~محتاج فمنعه وقال قد أديت الزكاة الواجبة وليس على غيرها # ويختلف استقباح ذلك باختلاف مقدار ماله وباختلاف شدة حاجة المحتاج وصلاح ~~دينه واستحقاقه # فمن أدى واجب الشرع وواجب المروءة اللائقة به فقد تبرأ من البخل # نعم لا يتصف بصفة الجود والسخاء ما لم يبذل زيادة على ذلك لطلب الفضيلة ~~ونيل الدرجات فإذا اتسعت نفسه لبذل المال حيث لا يوجبه الشرع ولا تتوجه ~~إليه الملامة في العادة فهو جواد بقدر ما تتسع له نفسه من قليل أو كثير # ودرجات ذلك لا تحصر وبعض الناس أجود من بعض فاصطناع المعروف وراء ما ~~توجبه العادة والمروءة هو الجود ولكن بشرط أن يكون عن طيب نفس ولا يكون طمع ~~ورجاء خدمة أو مكافأة أو شكر أو ثناء فإن من طمع في الشكر والثناء فهو بياع ~~وليس بجواد فإنه يشتري المدح بماله والمدح لذيذ وهو مقصود في نفسه والجود ~~هو بذل الشيء من غير عوض # هذا هو الحقيقة ولا يتصور ذلك إلا من الله تعالى أما الآدمي فاسم الجود ~~عليه مجاز إذ لا يبذل الشيء إلا لغرض ولكنه إذا لم يكن غرضه إلا ~~PageV03P260 الثواب في الآخرة أو اكتساب فضيلة الجود وتطهير النفس عن رذالة ~~البخل فيسمى جوادا فإن كان الباعث عليه الخوف من الهجاء مثلا أو من ملامة ~~الخلق أو ما يتوقعه من نفع يناله من المنعم عليه فكل ذلك ليس من الجود لأنه ~~مضطر إليه بهذه البواعث وهي أعواض معجلة له عليه فهو معتاض لا جواد كما روي ~~عن بعض المتعبدات أنها وقفت على حبان بن هلال وهو جالس مع أصحابه فقالت هل ~~فيكم من أسأله عن مسألة فقالوا لها سلي عما شئت وأشاروا إلى حبان بن هلال ~~فقالت ما السخاء عندكم قالوا العطاء والبذل والإيثار قالت هذا السخاء في ~~الدنيا فما السخاء في الدين قالوا أن نعبد الله سبحانه سخية بها أنفسنا غير ~~مكرهة قالت فتريدون على ذلك أجرا قالوا نعم قالت ولم قالوا لأن الله تعالى ~~وعدنا بالحسنة عشر أمثالها قالت سبحان الله فإذا أعطيتم واحدة وأخذتم عشرة ~~فبأي شيء تسخيتم عليه قالوا لها فما السخاء عندك يرحمك الله قالت السخاء ~~عندي أن تعبدوا الله متنعمين متلذذين بطاعته غير كارهين لا تريدون على ذلك ~~أجرا حتى يكون مولاكم يفعل بكم ما يشاء ألا تستحيون من الله أن يطلع على ~~قلوبكم فيعلم منها أنكم تريدون شيئا بشيء إن هذا في الدنيا لقبيح وقالت بعض ~~المتعبدات أتحسبون أن السخاء في الدرهم والدينار فقط قيل ففيم قالت السخاء ~~عندي في المهج # وقال المحاسبي السخاء في الدين أن تسخوا بنفسك تتلفها لله عز وجل ويسخو ~~قلبك ببذل مهجتك وإهراق دمك لله تعالى بسماحة من غير إكراه ولا تريد بذلك ~~ثوابا عاجلا ولا آجلا وإن كنت غير مستغن عن الثواب ولكن يغلب على ظنك حسن ~~كمال السخاء بترك الاختيار على الله حتى يكون مولاك هو الذي يفعل لك ما لا ~~تحسن أن تختار لنفسك # | بيان علاج البخل # اعلم أن البخل سببه حب المال # ولحب 2 المال سببان أحدهما حب الشهوات التي لا وصول إليها إلا بالمال مع ~~طول الأمل فإن الإنسان لو علم أنه يموت بعد يوم ربما أنه كان لا يبخل بماله ~~إذ القدر الذي يحتاج إليه في يوم أو في شهر أو في سنة قريب وإن كان قصير ~~الأمل ولكن كان له أولاد أقام الولد مقام طول الأمل فإنه يقدر بقاءهم كبقاء ~~نفسه فيمسك لأجلهم # ولذلك قال صلى الله عليه وسلم عليه السلام الولد مبخلة مجبنة مجهلة + ~~حديث الولد مبخلة زاد في رواية محزنة ابن ماجه من حديث يعلى بن مره دون ~~قوله محزنة رواه بهذه الزيادة أبو يعلى والبزار من حديث أبي سعيد والحاكم ~~من حديث الأسود بن خلف وإسناده صحيح # فإذا انضاف إلى ذلك خوف الفقر وقلة الثقة بمجيء الرزق قوي البخل لا محالة # السبب الثاني أن يحب عين المال فمن الناس من معه ما يكفيه لبقية عمره إذا ~~اقتصر على ما جرت به عادته بنفقته وتفضل آلاف وهو شيخ بلا ولد ومعه أموال ~~كثيرة ولا تسمح نفسه بإخراج الزكاة ولا بمداواة نفسه عند المرض بل صار محبا ~~للدنانير عاشقا لها يلتذ بوجودها في يده وبقدرته عليها فيكنزها تحت الأرض ~~وهو يعلم أنه يموت فتضيع أو يأخذها أعداؤه هذا فلا تسمح نفسه بأن يأكل أو ~~يتصدق منها بحبة واحدة وهذا مرض للقلب عظيم عسير العلاج لا سيما في كبر ~~السن وهو مرض مزمن لا يرجى علاجه # ومثال صاحبه مثال رجل عشق شخصا فأحب رسوله لنفسه ثم نسي محبوبه واشتغل ~~برسوله فإن الدنانير رسول يبلغ إلى الحاجات فصارت محبوبة لذلك لأن الموصل ~~إلى اللذيذ لذيذ ثم قد تنسى الحاجات ويصير الذهب عنده كأنه محبوب في نفسه ~~وهو غاية الضلال بل من رأى بينه وبين الحجر فرقا فهو جاهل إلا من حيث قضاء ~~حاجته به فالفاضل عن قدر حاجته والحجر بمثابة واحدة # فهذه أسباب حب المال # وإنما علاج كل علة بمضادة سببها فتعالج حب الشهوات بالقناعة PageV03P261 ~~باليسير وبالصبر وتعالج طول الأمل بكثرة ذكر الموت والنظر في موت الأقران ~~وطول تعبهم في جمع المال وضياعه بعدهم وتعالج التفات القلب إلى الولد بأن ~~خالقه خلق معه رزقه وكم من ولد ولم يرث من أبيه مالا وحاله أحسن ممن ورث ~~وبأن يعلم أنه يجمع المال لولده يريد أن يترك ولده بخير وينقلب هو إلى شر ~~وأن ولده إن كان تقيا صالحا فالله كافيه وإن كان فاسقا فيستعين بماله على ~~المعصية وترجع مظلمته إليه # ويعالج أيضا قلبه بكثرة التأمل في الأخبار الواردة في ذم البخل ومدح ~~السخاء وما توعد الله به على البخل من العقاب العظيم # ومن الأدوية النافعة كثرة التأمل في أحوال البخلاء ونفرة الطبع عنهم ~~واستقباحهم له فإنه ما من بخيل إلا ويستقبح البخل من غيره ويستثقل كل بخيل ~~من أصحابه فيعلم أنه مستثقل ومستقذر في قلوب الناس مثل سائر البخلاء في ~~قلبه # ويعالج أيضا قلبه بأن يتفكر في مقاصد المال وأنه لماذا خلق ولا يحفظ من ~~المال إلا بقدر حاجته إليه والباقي يدخره لنفسه في الآخرة بأن يحصل له ثواب ~~بذله # فهذه الأدوية من جهة المعرفة والعلم فإذا عرف بنور البصيرة أن البذل خير ~~له من الإمساك في الدنيا والآخرة هاجت رغبته في البذل إن كان عاقلا فإن ~~تحركت الشهوة فينبغي أن يجيب الخاطر الأول ولا يتوقف فإن الشيطان يعده ~~الفقر ويخوفه ويصده عنه # حكي أن أبا الحسن البوشنجي كان ذات يوم في الخلاء فدعا تلميذا له وقال ~~انزع عني القميص وادفعه إلى فلان فقال هلا صبرت حتى تخرج قال لم آمن على ~~نفسي أن تتغير وكان قد خطر لي بذله ولا تزول صفة البخل إلا بالبذل تكلفا ~~كما لا يزول العشق إلا بمفارقة المعشوق بالسفر عن مستقره حتى إذا سافر ~~وفارق تكلفا وصبر عنه مدة تسلى عنه قلبه فكذلك الذي يريد علاج البخل ينبغي ~~أن يفارق المال تكلفا بأن يبذله بل لو رماه في الماء كان أولى به من إمساكه ~~إياه مع الحب له # ومن لطائف الحيل فيه إن يخدع نفسه بحسن الاسم والاشتهار بالسخاء فيبذل ~~على قصد الرياء حتى تسمح نفسه بالبذل طمعا في حشمة الجود فيكون قد أزال عن ~~نفسه خبث البخل واكتسب بها خبث الرياء ولكن ينعطف بعد ذلك على الرياء ~~ويزيله بعلاجه ويكون طلب الاسم كالتسلية للنفس عند فطامها عن المال كما ~~يسلى الصبي عند الفطام عن الثدي باللعب بالعصافير وغيرها لا ليخلى واللعب ~~ولكن لينفك عن الثدي إليه ثم ينقل عنه إلى غيره فكذلك هذه الصفات الخبيثة ~~ينبغي أن يسلط بعضها على بعض كما تسلط الشهوة على الغضب وتكسر سورته بها ~~ويسلط الغضب على الشهوة وتكسر رعونتها به إلا أن هذا مفيد في حق من كان ~~البخل أغلب عليه من حب الجاه والرياء فيبذل الأقوى بالأضعف فإن كان الجاه ~~محبوبا عنده كالمال فلا فائدة فيه فإنه يقلع من علة ويزيد في أخرى مثلها ~~إلا أن علامة ذلك أن لا يثقل عليه البذل لأجل الرياء فلذلك يتبين أن الرياء ~~أغلب عليه فإن كان البذل يشق عليه مع الرياء فينبغي أن يبذل فإن ذلك يدل ~~على أن مرض البخل أغلب على قلبه # ومثال دفع هذه الصفات بعضها ببعض ما يقال إن الميت تستحيل جمع أجزائه ~~دودا ثم يأكل بعض الديدان البعض حتى يقل عددها ثم يأكل بعضها بعضا حتى ترجع ~~إلى اثنتين قويتين عظيمتين ثم لا تزالان تتقاتلان إلى أن تغلب إحداهما ~~الأخرى فتأكلها وتسمن بها ثم لا تزال تبقى جائعة وحدها إلى أن تموت فكذلك ~~هذه الصفات الخبيثة يمكن أن يسلط بعضها على بعض حتى يقمعها ويجعل الأضعف ~~قوتا للأقوى إلى أن لا يبقى إلا واحدة ثم تقع العناية بمحوها وإذابتها ~~بالمجاهدة وهو منع القوت عنها # ومنع القوت عن الصفات أن لا يعمل بمقتضاها فإنها تقتضي لا محالة أعمالا ~~وإذا خولفت خمدت الصفات وماتت # مثل البخل فإنه يقتضي إمساك PageV03P262 المال فإذا منع مقتضاه وبذل ~~المال مع الجهد مرة بعد أخرى ماتت صفة البخل وصار البذل طبعا وسقط التعب ~~فيه فإن علاج البخل بعلم وعمل فالعلم يرجع إلى معرفة آفة البخل وفائدة ~~الجود والعمل يرجع إلى الجود والبذل على سبيل التكلف ولكن قد يقوى البخل ~~بحيث يعمي ويصم فيمنع تحقق المعرفة فيه وإذا لم تتحقق المعرفة لم تتحرك ~~الرغبة فلم يتيسر العمل فتبقى العلة مزمنة كالمرض الذي يمنع معرفة الدواء ~~وإمكان استعماله فإنه لا حيلة فيه إلا الصبر إلى الموت # وكان من عادة بعض شيوخ الصوفية في معالجة / علة البخل في المريدين أن ~~يمنعهم من الاختصاص بزواياهم # وكان إذا توهم في مريد فرحه بزاويته وما فيها نقله إلى زاوية غيرها ونقل ~~زاوية غيره إليه وأخرجه عن جميع ما ملكه وإذا رآه يلتفت إلى ثوب جديد يلبسه ~~أو سجادة يفرح بها يأمره بتسليمها إلى غيره ويلبسه ثوبا خلقا لا يميل إليه ~~قلبه # فبهذا يتجافى القلب عن متاع الدنيا # فمن لم يسلك هذا السبيل أنس بالدنيا وأحبها فإن كان له ألف متاع كان له ~~ألف محبوب ولذلك إذا سرق كل واحد منه ألمت به مصيبة بقدر حبه له فإذا مات ~~نزل به ألف مصيبة دفعة واحدة لأنه كان يحب الكل وقد سلب عنه بل هو في حياته ~~على خطر المصيبة بالفقد والهلاك # حمل إلى بعض الملوك قدح من فيروزج مرصع بالجواهر لم ير له نظير ففرح ~~الملك بذلك فرحا شديدا فقال لبعض الحكماء عنده كيف ترى هذا قال أراه مصيبة ~~أو فقرا قال كيف قال إن كسر كان مصيبة لا جبر لها وإن سرق صرت فقيرا إليه ~~ولم تجد مثله وقد كنت قبل أن يحمل إليك في أمن من المصيبة والفقر ثم اتفق ~~يوما أن كسر أو سرق وعظمت مصيبة الملك عليه فقال صدق الحكيم ليته لم يحمل ~~إلينا وهذا شأن جميع أسباب الدنيا فإن الدنيا عدوة لأعداء الله تسوقهم إلى ~~النار وعدوة أولياء الله إذ تغمهم بالصبر عنها وعدوة الله إذ تقطع طريقه ~~على عباده وعدوة نفسها فإنها تأكل نفسها فإن المال لا يحفظ إلا بالخزائن ~~والحراس # والخزائن والحراس لا يمكن تحصيلها إلا بالمال وهو بذل الدراهم والدنانير ~~فالمال يأكل نفسه ويضاد ذاته حتى يفنى ومن عرف آفة المال لم يأنس به ولم ~~يفرح ولم يأخذ منه إلا بقدر حاجته ومن قنع بقدر الحاجة فلا يبخل لأن ما ~~أمسكه لحاجته فليس ببخل ولا يحتاج إليه فلا يتعب نفسه بحفظه فيبذله بل هو ~~كالماء على شط الدجلة إذ لا يبخل به أحد لقناعة الناس منه بمقدار الحاجة # | بيان مجموع الوظائف التي على العبد في ماله # اعلم أن المال كما وصفناه خير من وجه وشر من وجه # ومثاله مثال حية يأخذها الراقي ويستخرج منها الترياق ويأخذها الغافل ~~فيقتله سمها من حيث لا يدري ولا يخلو أحد عن سم المال إلا بالمحافظة على ~~خمس وظائف # الأولى أن يعرف مقصود المال وأنه لماذا خلق وأنه لم يحتج إليه حتى يكتسب ~~ولا يحفظ إلا قدر الحاجة ولا يعطيه من همته فوق ما يستحقه # الثانية أن يراعي جهة دخل المال فيجتنب الحرام المحض وما الغالب عليه ~~الحرام كمال السلطان ويجتنب الجهات المكروهة القادحة في المروءة كالهدايا ~~التي فيها شوائب الرشوة وكالسؤال الذي فيه الذلة وهتك المروءة وما يجري ~~مجراه # الثالثة في المقدار الذي يكتسبه فلا يستكثر منه ولا يستقل بل القدر ~~الواجب ومعياره الحاجة والحاجة PageV03P263 ملبس ومسكن ومطعم # ولكل واحد ثلاث درجات أدنى وأوسط وأعلى # وما دام مائلا إلى جانب القلة ومتقربا من حد الضرورة كان محقا ويجيء من ~~جملة المحقين وإن جاوز ذلك وقع في هاوية لا آخر لعمقها # وقد ذكرنا تفصيل هذه الدرجات في كتاب الزهد # الرابعة أن يراعي جهة المخرج ويقتصد في الإنفاق غير مبذر ولا مقتر كما ~~ذكرناه فيضع ما اكتسبه من حله في حقه ولا يضعه في غير حقه فإن الإثم في ~~الأخذ من غير حقه والوضع في غير حقه سواء # الخامسة أن يصلح نيته في الأخذ والترك والإنفاق والإمساك فيأخذ ما يأخذ ~~ليستعين به على العبادة ويترك ما يترك زهدا فيه واستحقارا له إذا فعل ذلك ~~لم يضره وجود المال ولذلك قال علي رضي الله عنه لو أن رجلا أخذ جميع ما في ~~الأرض وأراد به وجه الله تعالى فهو زاهد ولو أنه ترك الجميع ولم يرد به وجه ~~الله تعالى فليس بزاهد # فلتكن جميع حركاتك وسكناتك لله مقصورة على عبادة أو ما يعين على العبادة ~~فإن أبعد الحركات عن العبادة الأكل وقضاء الحاجة وهما معينان على العبادة ~~فإذا كان ذلك قصدك بهما صار ذلك عبادة في حقك # وكذلك ينبغي أن تكون نيتك في كل ما يحفظك من قميص وإزار وفراش وآنية لأن ~~كل ذلك مما يحتاج إليه في الدين وما فضل من الحاجة ينبغي أن يقصد به أن ~~ينتفع به عبد من عباد الله ولا يمنعه منه عند حاجته فمن فعل ذلك فهو الذي ~~أخذ من حية المال جوهرها وترياقها واتقى سمها فلا تضره كثرة المال ولكن لا ~~يتأتى ذلك إلا لمن رسخ في الدين قدمه وعظم فيه علمه # والعامي إذا تشبه بالعالم في الاستكثار من المال وزعم أنه يشبه أغنياء ~~الصحابة شابه الصبي الذي يرى المعزم الحاذق يأخذ الحية ويتصرف فيها فيخرج ~~ترياقها فيقتدي به ويظن أنه أخذها مستحسنا صورتها وشكلها ومستلينا جلدها ~~فيأخذها اقتداء به فتقتله في الحال إلا أن قتيل الحية يدري أنه قتيل وقتيل ~~المال قد لا يعرف # وقد شبهت الدنيا بالحية فقيل # هي دنيا كحية تنفث السم % وإن كانت المجسة لانت # وكما يستحيل أن يتشبه الأعمى بالبصير في تخطي قلل الجبال وأطراف البحر ~~والطرق المشوكة فمحال أن يتشبه العامي بالعالم الكامل في تناول المال # | بيان ذم الغنى ومدح الفقر # اعلم أن الناس قد اختلفوا في تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر وقد ~~أوردنا ذلك في كتاب الفقر والزهد وكشفنا عن تحقيق الحق فيه ولكنا في هذا ~~الكتاب ندل على أن الفقر أفضل وأعلى من الغنى على الجملة من غير التفات إلى ~~تفصيل الأحوال ونقتصر فيه على حكاية فصل ذكره الحارث المحاسبي رضي الله عنه ~~في بعض كتبه في الرد على بعض العلماء من الأغنياء حيث احتج بأغنياء الصحابة ~~وبكثرة مال عبد الرحمن بن عوف وشبه نفسه بهم والمحاسبي رحمه الله حبر الأمة ~~في علم المعاملة وله السبق على جميع الباحثين عن عيوب النفس وآفات الأعمال ~~وأغوار العبادات وكلامه جدير بأن يحكى على وجهه # وقد قال بعد كلام له في الرد على علماء السوء بلغنا أن عيسى ابن مريم ~~عليه السلام قال يا علماء السوء تصومون وتصلون وتصدقون ولا تفعلون ما ~~تؤمرون وتدرسون مالا تعملون فيا سوء ما تحكمون تتوبون بالقول والأماني ~~وتعملون بالهوى وما يغني عنكم أن تنقو جلودكم وقلوبكم دنسة بحق أقول لكم لا ~~تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب وتبقى فيه النخالة كذلك أنتم ~~PageV03P264 تخرجون الحكم من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم يا عبيد الدنيا ~~كيف يدرك الآخرة من لا تنقضي من الدنيا شهوته ولا تنقطع منها رغبته بحق ~~أقول لكم إن قلوبكم تبكي من أعمالكم جعلتم الدنيا تحت ألسنتكم والعمل تحت ~~أقدامكم بحق أقول لكم أفسدتم آخرتكم فصلاح الدنيا أحب إليكم من صلاح الآخرة ~~فأي الناس أخسر منكم لو تعلمون ويلكم حتام تصفون الطريق للمدلجين وتقيمون ~~في محل المتحيرين كأنكم تدعون أهل الدنيا ليتركوها لكم مهلا مهلا ويلكم ~~ماذا يغني عن البيت المظلم أن يوضع السراج فوق ظهره وجوفه وحش مظلم كذلك لا ~~يغني عنكم أن يكون نور العلم بأفواهكم وأجوافكم منه وحشة متعطلة يا عبيد ~~الدنيا لا كعبيد أتقياء ولا كأحرار كرام توشك الدنيا أن تقلعكم عن أصولكم ~~فتلقيكم على وجوهكم ثم تكبكم على مناخركم ثم تأخذ خطاياكم بنواصيكم ثم ~~تدفعكم من خلفكم حتى تسلمكم إلى الملك الديان عراة فرادى فيوقفكم على ~~سوآتكم ثم يجزيكم بسوء أعمالكم # ثم قال الحارث رحمه الله إخواني فهؤلاء علماء السوء شياطين الإنس وفتنة ~~على الناس رغبوا في عرض الدنيا ورفعتها وآثروها على الآخرة واولوا الدين ~~للدنيا فهم في العاجل عار وشين وفي الآخرة هم الخاسرون أو يعفو الكريم ~~بفضله # وبعد فأني رأيت الهالك المؤثر للدنيا سروره ممزوج بالتنغيص فيتفجر عنه ~~أنواع الهموم وفنون المعاصي وإلى البوار والتلف مصيره فرح الهالك برجائه ~~فلم تبق له دنياه ولم يسلم له دينه @QB@ خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران ~~المبين @QE@ فيا لها من مصيبة ما أفظعها ورزية ما أجلها ألا فراقبوا الله ~~إخواني ولا يغرنكم الشيطان وأولياؤه من الآنسين بالحجج الداحضة عند الله ~~فإنهم يتكالبون على الدنيا ثم يطلبون لأنفسهم المعاذير والحجج ويزعمون أن ~~أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لهم أموال فيتزين المغرورون بذكر ~~الصحابة ليعذرهم الناس على جمع المال ولقد دهاهم الشيطان وما يشعرون # ويحك أيها المفتون إن احتجاجك بمال عبد الرحمن بن عوف مكيدة من الشيطان ~~ينطق بها على لسانك فتهلك لأنك متى زعمت أن أخيار الصحابة أرادوا المال ~~للتكاثر والشرف والزينة فقد اغتبت السادة ونسبتهم إلى أمر عظيم ومتى زعمت ~~أن جمع المال الحلال أعلى وأفضل من تركه فقد إزدريت محمدا والمرسلين ~~ونسبتهم إلى قلة الرغبة والزهد في هذا الخير الذي رغبت فيه أنت وأصحابك من ~~جمع المال ونسبتهم إلى الجهل إذ لم يجمعوا المال كما جمعت ومتى زعمت أن جمع ~~المال الحلال أعلى من تركه فقد زعمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ~~ينصح للأمة إذ نهاهم عن جمع المال + حديث النهي عن جمع المال أخرجه ابن عدي ~~من حديث ابن مسعود ما أوحى الله إلى أن أجمع المال وأكون من الفاجرين ~~الحديث ولأبي نعيم والخطيب في التاريخ والبيهقي في الزهد من حديث الحارث بن ~~سويد في أثناء الحديث لا تجمعوا ما لا تأكلون وكلاهما ضعيف # وقد علم أن جمع المال خير للأمة فقد غشهم بزعمك حين نهاهم عن جمع المال ~~كذبت ورب السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد كان للأمة ناصحا ~~وعليهم مشفقا وبهم رءوفا # ومتى زعمت أن جمع المال أفضل فقد زعمت أن الله عز وجل لم ينظر لعباده حين ~~نهاهم عن جمع المال وقد علم أن جمع المال خير لهم أو زعمت أن الله تعالى لم ~~يعلم أن الفضل في الجمع فلذلك نهاهم عنه وأنت عليم بما في المال من الخير ~~والفضل لذلك رغبت في الاستكثار كأنك أعلم بموضع الخير والفضل من ربك تعالى ~~الله عن جهلك أيها المفتون تدبر بعقلك ما دهاك به الشيطان حين زين لك ~~الاحتجاج بمال الصحابة ويحك ما ينفعك الاحتجاج بمال عبد الرحمن بن عوف وقد ~~ود عبد الرحمن بن عوف في القيامة أنه لم يؤت من الدنيا إلا قوتا ~~PageV03P265 # وقد بلغني أنه لما توفي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال أناس من ~~أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نخاف على عبد الرحمن فيما ترك فقال ~~كعب سبحان الله وما تخافون على عبد الرحمن كسب طيبا وأنفق طيبا وترك طيبا ~~فبلغ ذلك أبا ذر فخرج مغضبا يريد كعبا فمر بعظم لحى بعير فأخذه بيده ثم ~~انطلق يريد كعبا فقيل لكعب # إن أبا ذر يطلبك فخرج هاربا حتى دخل على عثمان يستغيث به وأخبره الخبر ~~وأقبل أبو ذر يقص الأثر في طلب كعب حتى انتهى إلى دار عثمان فلما دخل قام ~~كعب فجلس خلف عثمان هاربا من أبي ذر فقال له أبو ذر هيه يا ابن اليهودية ~~تزعم أن لا بأس بما ترك عبد الرحمن بن عوف ولقد خرج رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يوما نحو أحد وأنا معه فقال يا أبا ذر فقلت لبيك يا رسول الله ~~فقال الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا عن يمينه ~~وشماله وقدامه وخلفه وقليل ما هم ثم قال يا أبا ذر قلت نعم يا رسول الله ~~بأبي أنت وأمي قال ما يسرني أن لي مثل أحد أنفقه في سبيل الله أموت يوم ~~أموت وأترك منه قيراطين قلت أو قنطارين يا رسول الله قال بل قيراطان ثم قال ~~يا أبا ذر أنت تريد الأكثر وأنا أريد الأقل + حديث أبي ذر الأكثرون هم ~~الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا الحديث متفق عليه وقد تقدم دون ~~هذه الزيادة التي في أوله من قول كعب حين مات عبد الرحمن بن عوف كسب طيبا ~~وترك طيبا وإنكار أبي ذر عليه فلم أقف على هذه الزيادة إلا في قول الحارث ~~بن أسد المحاسبي بلغني كما ذكره المصنف وقد رواها أحمد وأبو يعلى أخصر من ~~هذا ولفظ كعب إذا كان قضى عنه حق الله فلا بأس به فرفع أبو ذر عصاه فضرب ~~كعبا وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أحب لو كان هذا الجبل ~~لي ذهبا الحديث وفيه ابن لهيعة # فرسول الله يريد هذا وأنت تقول يا ابن اليهودية لا بأس بما ترك عبد ~~الرحمن بن عوف كذبت وكذب من قال فلم يرد عليه خوفا حتى خرج # وبلغنا أن عبد الرحمن بن عوف قدمت عليه عير من اليمن فضجت المدينة ضجة ~~واحدة فقالت عائشة رضي الله عنها ما هذا قيل عير قدمت لعبد الرحمن قالت صدق ~~الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك عبد الرحمن فسألها فقالت سمعت ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني رأيت الجنة فرأيت فقراء المهاجرين ~~والمسلمين يدخلون سعيا ولم أر أحدا من الأغنياء يدخلها معهم إلا عبد الرحمن ~~بن عوف يدخلها معهم حبوا حديث عائشة رأيت الجنة فرأيت فقراء المهاجرين ~~والمسلمين يدخلون سعيا الحديث في أن عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا ~~رواه أحمد مختصرا في كون عبد الرحمن يدخل حبوا دون ذكر فقراء المهاجرين ~~والمسلمين وفيه عمارة بن زاذان مختلف فيه # فقال عبد الرحمن إن العير وما عليها في سبيل الله وإن أرقاءها أحرارا ~~لعلي أدخلها معهم سعيا # وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف أما إنك أول ~~من يدخل الجنة من أغنياء أمتي وما كدت أن تدخلها إلا حبوا + حديث أنه قال ~~أما إنك أول من يدخل الجنة من أغنياء أمتي وما كدت تدخلها إلا حبوا أخرجه ~~البزار من حديث أنس بسند ضعيف والحاكم من حديث عبد الرحمن ابن عوف يا ابن ~~عوف إنك من الأغنياء ولن تدخل الجنة إلا زحفا وقال صحيح الإسناد قلت بل ~~ضعيف فيه خالد بن أبي مالك ضعفه الجهور # ويحك أيها المفتون فما احتجاجك بالمال وهذا عبد الرحمن في فضله وتقواه ~~وصنائعه المعروف وبذله الأموال في سبيل الله مع صحبته لرسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وبشراه بالجنة + حديث بشر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن ~~بن عوف بالجنة أخرجه الترمذي والنسائي في الكبرى من حديثه أبو بكر في الجنة ~~الحديث وفيه وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وهو عند الأربعة من حديث سعيد بن ~~زيد قال البخاري والترمذي وهذا أصح # أيضا يوقف في عرصات القيامة وأهوالها بسبب ماله كسبه من حلال للتعفف ~~ولصنائع المعروف وأنفق منه قصدا وأعطى في سبيل الله سمحا PageV03P266 منع ~~من السعي إلى الجنة مع الفقراء المهاجرين وصار يحبو في آثارهم حبوا فما ظنك ~~بأمثالنا الغرقى في فتن الدنيا وبعد فالعجب كل العجب لك يا مفتون تتمرغ في ~~تخاليط الشبهات والسحت وتتكالب على أوساخ الناس وتتقلب في الشهوات والزينة ~~والمباهاة وتتقلب في فتن الدنيا ثم تحتج بعبد الرحمن وتزعم أنك إن جمعت ~~المال فقد جمعه الصحابة كأنك أشبهت السلف وفعلهم ويحك إن هذا من قياس إبليس ~~ومن فتياه لأوليائه وسأصف لك أحوالك وأحوال السلف لتعرف فضائحك وفضل ~~الصحابة # ولعمري لقد كان لبعض الصحابة أموال أرادوها للتعفف والبذل في سبيل الله ~~فكسبوا حلالا وأكلوا طيبا وأنفقوا قصدا وقدموا فضلا ولم يمنعوا منها حقا ~~ولم يبخلوا بها لكنهم جادوا لله بأكثرها وجاد بعضهم بجميعها وفي الشدة ~~آثروا الله على أنفسهم كثيرا فبالله أكذلك أنت والله إنك لبعيد الشبه ~~بالقوم # وبعد فإن أخيار الصحابة كانوا للمسكنة محبين ومن خوف الفقر آمنين وبالله ~~في أرزاقهم واثقين وبمقادير الله مسرورين وفي البلاء راضين وفي الرخاء ~~شاكرين وفي الضراء صابرين وفي السراء حامدين وكانوا لله متواضعين وعن حب ~~العلو والتكاثر ورعين # لم ينالوا من الدنيا إلا المباح لهم بالبلغة منها وزجوا الدنيا وصبروا ~~على مكارهها وتجرعوا مرارتها وزهدوا في نعيمها وزهرتها # فبالله أكذلك أنت # ولقد بلغنا أنهم كانوا إذا أقبلت الدنيا عليهم حزنوا وقالوا ذنب عجلت ~~عقوبته من الله وإذا رأوا الفقر مقبلا قالوا مرحبا بشعار الصالحين # وبلغنا أن بعضهم كان إذا أصبح وعند عياله شيء أصبح كئيبا حزينا وإذا لم ~~يكن عندهم شيء أصبح فرحا مسرورا فقيل له إن الناس إذا لم يكن عندهم شيء ~~حزنوا وإذا كان عندهم شيء فرحوا وأنت لست كذلك قال إني إذا أصبحت وليس عند ~~عيالي شيء فرحت إذ كان لي برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة وإذا كان عند ~~عيالي شيء اغتممت إذ لم يكن لي بآل محمد أسوة # وبلغنا أنهم كانوا إذا سلك بهم سبيل الرخاء حزنوا وأشفقوا وقالوا ما لنا ~~وللدنيا وما يراد بها فكأنهم على جناح خوف وإذا سلك بهم سبيل البلاء فرحوا ~~واستبشروا وقالوا الآن تعاهدنا ربنا # فهذه أحوال السلف ونعتهم وفيهم من الفضل أكثر مما وصفنا # فبالله أكذلك أنت إنك لبعيد الشبه بالقوم # وسأصف لك أحوالك أيها المفتون ضدا لأحوالهم وذلك أنك تطغى عند الغنى ~~وتبطر عند الرخاء وتمرح عند السراء وتغفل عن شكر ذي النعماء وتقنط عند ~~الضراء وتسخط عند البلاء ولا ترضى بالقضاء 2 # نعم وتبغض الفقر وتأنف من المسكنة وذلك فخر المرسلين وأنت تأنف من فخرهم # وأنت تدخر المال وتجمعه خوفا من الفقر وذلك من سوء الظن بالله عز وجل ~~وقلة اليقين بضمانه وكفى به إثما وعساك تجمع المال لنعيم الدنيا وزهرتها ~~وشهواتها ولذاتها # ولقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال شرار أمتي الذين غذوا ~~بالنعيم فربت عليهم أجسامهم + حديث شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم الحديث ~~تقدم ذكره في أوائل كتاب ذم البخل عند الحديث الرابع منه من أسف على دنيا ~~فاتته اقترب من النار مسيرة سنة # وبلغنا أن بعض أهل العلم قال ليجيء يوم القيامة قوم يطلبون حسنات لهم ~~فيقال لهم @QB@ أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها @QE@ وأنت ~~في غفلة قد حرمت نعيم الآخرة بسبب نعيم الدنيا فيا لها حسرة ومصيبة نعم ~~وعساك أن تجمع المال للتكاثر والعلو والفخر والزينة في الدنيا وقد بلغنا ~~أنه من طلب الدنيا للتكاثر أو للتفاخر لقي الله وهو عليه غضبان وأنت غير ~~مكترث بما حل بك من غضب ربك حين أردت التكاثر والعلو PageV03P267 نعم وعساك ~~المكث في الدنيا أحب إليك من النقلة إلى جوار الله فأنت تكره لقاء الله ~~والله للقائك أكره وأنت في غفلة وعساك تأسف على ما فاتك من عرض الدنيا وقد ~~بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أسف على دنيا فاتته اقترب من ~~النار مسيرة شهر # وقيل سنة # وأنت تأسف على ما فاتك غير مكترث بقربك من عذاب الله # نعم ولعلك تخرج من دينك أحيانا لتوفير دنياك وتفرح بإقبال الدنيا عليك ~~وترتاح لذلك سرورا بها وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ~~أحب الدنيا وسر بها ذهب خوف الآخرة من قلبه + حديث من أحب الدنيا وسر بها ~~ذهب خوف الآخرة من قلبه لم أجده إلا بلاغا للحارث بن أسد المحاسبي كما ذكره ~~المصنف عنه # وبلغنا أن بعض أهل العلم قال إنك تحاسب على التحزن على ما فاتك من الدنيا ~~وتحاسب بفرحك في الدنيا إذا قدرت عليها وأنت فرح بدنياك وقد سلبت الخوف من ~~الله تعالى وعساك تعنى بأمور دنياك أضعاف ما تعنى بأمور آخرتك وعساك ترى ~~مصيبتك في معاصيك أهون من مصيبتك في انتقاص دنياك ونعم وخوفك من ذهاب مالك ~~أكثر من خوفك من الذنوب وعساك تبذل للناس ما جمعت من الأوساخ كلها للعلو ~~والرفعة في الدنيا وعساك ترضى المخلوقين مساخطا لله تعالى كيما تكرم وتعظم # ويحك فكأن احتقار الله تعالى لك في القيامة أهون عليك من احتقار الناس ~~إياك وعساك تخفي من المخلوقين مساويك ولا تكترث باطلاع الله عليك فيها فكأن ~~الفضيحة عند الله أهون عليك من الفضيحة عند الناس فكأن العبيد أعلى عندك ~~قدرا من الله تعالى الله عن جهلك فكيف تنطق عند ذوي الألباب وهذه المثالب ~~فيك أف لك متلوثا بالأقذار وتحتج بمال الأبرار هيهات هيهات ما أبعدك عن ~~السلف الأخيار والله لقد بلغني أنهم كانوا فيما أحل لهم أزهد منكم فيما حرم ~~عليكم إن الذي لا بأس به عندكم كان من الموبقات عندهم وكانوا للزلة الصغيرة ~~أشد استعظاما منكم لكبائر المعاصي فليت أطيب مالك وأحله مثل شبهات أمولهم ~~وليتك أشفقت من سيئاتك كما أشفقوا على حسناتهم أن لا تقبل ليت صومك على ~~مثال إفطارهم وليت اجتهادك في العبادة مثل فتورهم ونومهم وليت جميع حسناتك ~~مثل واحدة من سيئاتهم # وقد بلغني عن بعض الصحابة أنه قال غنيمة الصديقين ما فاتهم من الدنيا ~~ونهمتهم ما زوى عنهم منها فمن لم يكن كذلك فليس معهم في الدنيا ولا معهم في ~~الآخرة فسبحان الله كم بين الفريقين من التفاوت فريق خيار الصحابة في العلو ~~عند الله وفريق أمثالكم في السفالة أو يعفو الله الكريم بفضله # وبعد فإنك إن زعمت أنك متأس بالصحابة بجمع المال للتعفف والبذل في سبيل ~~الله فتدبر أمرك ويحك هل تجد من الحلال في دهرك كما وجدوا في دهرهم أو تحسب ~~أنك محتاط في طلب الحلال كما احتاطوا لقد بلغني أن بعض الصحابة قال كنا ندع ~~سبعين بابا من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام أفتطمع من نفسك في مثل ~~هذا الاحتياط لا ورب الكعبة ما أحسبك كذلك ويحك كن على يقين أن جمع المال ~~لأعمال البر مكر من الشيطان ليوقعك بسبب البر في اكتساب الشبهات الممزوجة ~~بالسحت والحرام وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اجترأ ~~على الشبهات أوشك أن يقع في الحرام + حديث من اجترأ على الشبهات أوشك أن ~~يقع في الحرام متفق عليه من حديث النعمان بن بشير نحوه وقد تقدم في كتاب ~~الحلال والحرام أول الحديث # أيها المغرور أما علمت أن خوفك من اقتحام الشبهات أعلى وأفضل وأعظم لقدرك ~~عند الله من اكتساب الشبهات وبذلها في سبيل الله وسبيل البر بلغنا ذلك عن ~~بعض أهل العلم قال لأن تدع درهما واحدا مخافة أن لا يكون حلالا خير لك من ~~أن تتصدق بألف دينار من شبهة لا تدري PageV03P268 أيحل لك أم لا فإن زعمت ~~أنك أتقى وأورع من أن تتلبس بالشبهات وإنما تجمع المال بزعمك من الحلال ~~للبذل في سبيل الله ويحك إن كنت كما زعمت بالغا في الورع فلا تتعرض للحساب ~~فإن خيار الصحابة خافوا المسألة وبلغنا أن بعض الصحابة قال ما سرني أن ~~أكتسب كل يوم ألف دينار من حلال وأنفقها في طاعة الله ولم يشغلني الكسب عن ~~صلاة الجمعة قالوا ولم ذاك رحمك الله قال لأني غني عن مقام يوم القيامة ~~فيقول عبدي من أين اكتسبت وفي أي شيء أنفقت فهؤلاء المتقون كانوا في جدة ~~الإسلام والحلال موجود لديهم تركوا المال وجلا من الحساب مخافة أن لا يقوم ~~خير المال بشره وأنت بغاية الأمن والحلال في دهرك مفقود # تتكالب على الأوساخ ثم تزعم أنك تجمع المال من الحلال ويحك أين الحلال ~~فتجمعه # وبعد فلو كان الحلال موجودا لديك أما تخاف أن يتغير عند الغنى قلبك وقد ~~بلغنا أن بعض الصحابة كان يرث المال الحلال فيتركه مخافة أن يفسد قلبه ~~أفتطمع أن يكون قلبك أنقى من قلوب الصحابة فلا يزول عن شيء من الخلق في ~~أمرك وأحوالك لئن ظننت ذلك لقد أحسنت الظن بنفسك الأمارة بالسوء ويحك إني ~~لك ناصح أرى لك أن تقنع بالبلغة ولا تجمع المال لأعمال البر ولا تتعرض ~~للحساب فإنه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من نوقش الحساب ~~عذب + حديث من نوقش الحساب عذب متفق عليه من حديث عائشة وقد تقدم # وقال صلى الله عليه وسلم يؤتى برجل يوم القيامة وقد جمع مالا من حرام ~~وأنفقه في حرام فيقال اذهبوا به إلى النار ويؤتى برجل قد جمع مالا من حلال ~~وأنفقه في حرام فيقال اذهبوا به إلى النار ويؤتى برجل قد جمع مالا من حرام ~~وأنفقه في حلال فيقال اذهبوا به إلى النار ويؤتى برجل قد جمع مالا من حلال ~~وأنفقه في حلال فيقال له قف لعلك قصرت في طلب هذا بشيء مما فرضت عليك من ~~صلاة لم تصلها لوقتها وفرطت في شيء من ركوعها وسجودها ووضوئها فيقول لا يا ~~رب كسبت من حلال وأنفقت في حلال ولم أضيع شيئا فرضت علي فيقال لعلك اختلت ~~في هذا المال في شيء من مركب أو ثوب باهيت به فيقول لا يا رب لم أختل ولم ~~أباه في شيء فيقال لعلك منعت حق أحد أمرتك أن تعطيه من ذوي القربى واليتامى ~~والمساكين وابن السبيل فيقول لا يا رب كسبت من حلال وأنفقت في حلال ولم ~~أضيع شيئا مما فرضت علي ولم أختل ولم أباه ولم أضيع حق أحد أمرتني أن أعطيه ~~قال فيجئ أولئك فيخاصمونه فيقولون يا رب أعطيته وأغنيته وجعلته بين أظهرنا ~~وأمرته أن يعطينا فإن كان أعطاهم وما ضيع من ذلك شيئا من الفرائض ولم يختل ~~في شيء فيقال قف الآن هات شكر كل نعمة أنعمتها عليك من أكلة أو شربة أو لذة ~~فلا يزال يسئل + حديث يؤتى بالرجل يوم القيامة وقد جمع مالا من حرام وأنفقه ~~في حرام فيقال اذهبوا به إلى النار الحديث بطوله لم أقف له على أصل # ويحك فمن ذا الذي يتعرض لهذه المسألة التي كانت لهذا الرجل الذي تقلب في ~~الحلال وقام بالحقوق كلها وأدى الفرائض بحدودها حوسب هذه المحاسبة فكيف ترى ~~يكون حال أمثالنا الغرقى في فتن الدنيا وتخاليطها وشبانها وشهواتها وزينتها ~~ويحك لأجل هذه المسائل يخاف المتقون أن يتلبسوا بالدنيا فرضوا بالكفاف منها ~~وعملوا بأنواع البر من كسب المال فلك ويحك بهؤلاء الأخيار أسوة فإن أبيت ~~ذلك وزعمت أنك بالغ من الورع والتقى ولم تجمع المال إلا من حلال بزعمك ~~للتعفف والبذل في سبيل الله ولم تنفق شيئا من الحلال إلا بحق ولم يتغير ~~بسبب المال قلبك عما يحب الله ولم تسخط الله في شيء من سرائرك وعلانيتك ~~ويحك فإن كنت كذلك ولست كذلك فقد ينبغي لك أن ترضى بالبلغة وتعتزل ذوي ~~الأموال إذا وقفوا للسؤال وتسق مع الرعيل الأول في PageV03P269 زمرة ~~المصطفى لا حبس عليك للمسألة والحساب فإما سلامة وإما عطب # فإنه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يدخل صعاليك المهاجرين ~~قبل أغنيائهم الجنة بخمسمائة عام + حديث يدخل صعاليك المهاجرين قبل ~~أغنيائهم الجنة بخمسمائة عام أخرجه الترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث أبي ~~سعيد بلفظ فقراء مكان صعاليك ولهما وللنسائي في الكبرى من حديث أبي هريرة ~~يدخل الفقراء الجنة الحديث ولمسلم من حديث عبد الله بن عمر إن فقراء ~~المهاجرين يسبقون الأغنياء إلى الجنة بأربعين خريفا # وقال عليه السلام يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل أغنيائهم فيأكلون ~~ويتمتعون والآخرون جثاة على ركبهم فيقول قبلكم طلبتي أنتم حكام الناس ~~وملوكهم فأروني ماذا صنعتم فيما أعطيتكم + حديث يدخل فقراء المؤمنين الجنة ~~قبل أغنيائهم فيتمتعون ويأكلون الحديث لم أر له أصلا # وبلغنا أن بعض أهل العلم قال # ما سرني أن لي حمر النعم ولا أكون في الرعيل الأول مع محمد صلى الله عليه ~~وسلم وحزبه # يا قوم فاستبقوا السباق مع المخفين في زمرة المرسلين عليهم السلام وكونوا ~~وجلين من التخلف والانقطاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجل المتقين # لقد بلغني أن بعض الصحابة وهو أبو بكر رضي الله عنه عطش فاستسقى فأتي ~~بشربة من ماء وعسل فلما ذاقه خنقته العبرة ثم بكى وأبكى ثم مسح الدموع عن ~~وجهه وذهب ليتكلم فعاد في البكاء فلما أكثر البكاء قيل له أكل هذا من أجل ~~هذه الشربة قال نعم بينا أنا ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ~~معه أحد في البيت غيري فجعل يدفع عن نفسه وهو يقول إليك عني فقلت له فداك ~~أبي وأمي ما أرى بين يديك أحدا فمن تخاطب فقال هذه الدنيا تطاولت إلي ~~بعنقها ورأسها فقالت لي # يا محمد خذني فقلت # إليك عني فقالت # إن تنج مني يا محمد فإنه لا ينجو مني من بعدك فأخاف أن تكون هذه قد ~~لحقتني تقطعني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث إن بعض الصحابة عطش ~~فاستسقى بشربة ماء وعسل الحديث في دفع النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا عن ~~نفسه وقوله إليك عني الحديث أخرجه البزار والحاكم من حديث زيد بن أرقم وقال ~~كنا عند أبي بكر فدعا بشراب فأتي بماء وعسل الحديث قال الحاكم صحيح الإسناد ~~قلت بل ضعيف وقد تقدم قبل هذا الكتاب # يا قوم فهؤلاء الأخبار بكوا وجلا أن تقطعهم عن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم شربة من حلال ويحك أنت في أنواع من النعم والشهوات من مكاسب السحت ~~والشبهات لا تخشى الانقطاع أف لك ما أعظم جهلك ويحك فإن تخلفت في القيامة ~~عن رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد المصطفى لتنظرن إلى أهوال جزعت منها ~~الملائكة والأنبياء ولئن قصرت عن السباق فليطولن عليك اللحاق ولئن أردت ~~الكثرة لتصيرن إلى حساب عسير ولئن لم تقنع بالقليل لتصيرن إلى وقوف طويل ~~وصراخ وعويل ولئن رضيت بأحوال المتخلفين لتقطعن عن أصحاب اليمين وعن رسول ~~رب العالمين ولتبطئن عن نعيم المتنعمين ولئن خالفت أحوال المتقين لتكونن من ~~المحتسبين في أهوال يوم الدين # فتدبر ويحك ما سمعت وبعد # فإن زعمت أنك في مثال خيار السلف قانع بالقليل زاهد في الحلال بذول لمالك ~~مؤثر على نفسك لا تخشى الفقر ولا تدخر شيئا لغدك مبغض للتكاثر والغنى راض ~~بالفقر والبلاء فرح بالقلة والمسكنة مسرور بالذل والضعة كاره للعلو والرفعة ~~قوي في أمرك لا يتغير عن الرشد قلبك قد حاسبت نفسك في الله وحكمت أمورك ~~كلها على ما وافق رضوان الله ولن توقف في المسألة ولن يحاسب مثلك من ~~المتقين # وإنما تجمع المال الحلال للبذل في سبيل الله ويحك أيها المغرور فتدبر ~~الأمر وأمعن النظر أما علمت أن ترك الاشتغال بالمال وفراغ القلب للذكر ~~والتذكر والتذكار والفكر والاعتبار # أسلم للدين وأيسر للحساب وأخف للمسألة وآمن من روعات القيامة وأجزل ~~للثواب وأعلى لقدرك عند الله أضعافا # بلغنا عن بعض الصحابة أنه قال لو أن رجلا في حجره دنانير يعطيها والآخر ~~يذكر الله لكان PageV03P270 الذاكر أفضل # وسئل بعض أهل العلم عن الرجل يجمع المال لأعمال البر قال تركه أبر به # وبلغنا أن بغض خيار التابعين سئل عن رجلين أحدهما # طلب الدنيا حلالا فأصابها فوصل بها رحمه وقدم لنفسه # وأما الآخر # فإنه جانبها فلم يطلبها ولم يتناولها فأيهما أفضل قال # بعيد والله ما بينهما الذي جانبها أفضل كما بين مشارق الأرض ومغاربها # ويحك فهذا الفضل لك بترك الدنيا على من طلبها ولك في العاجل إن تركت ~~الأشتغال بالمال وإن ذلك أروح لبدنك وأقل لتعبك وأنعم لعيشك وأرضى لبالك ~~وأقل لهمومك # فما عذرك في جمع المال وأنت بترك المال أفضل ممن طلب المال لأعمال البر ~~نعم وشغلك بذكر الله أفضل من بذل المال في سبيل الله فاجتمع لك راحة العاجل ~~مع السلامة والفضل في الآجل # وبعد # فلو كان في جمع المال فضل عظيم لوجب عليك في مكارم الأخلاق أن تتأسى ~~بنبيك إذ هداك الله به وترضى ما اختاره لنفسه من مجانبة الدنيا # ويحك تدبر ما سمعت وكن على يقين أن السعادة والفوز في مجانبة الدنيا فسر ~~مع لواء المصطفى سابقا إلى جنة المأوى # فإنه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سادات المؤمنين في الجنة ~~من إذا تغدى لم يجد عشاء وإذا استقرض لم يجد قرضا وليس له فضل كسوة إلا ما ~~يواريه ولم يقدر على أن يكتسب ما يغنيه يمسي مع ذلك ويصبح راضيا عن ربه ~~@QB@ فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء ~~والصالحين وحسن أولئك رفيقا @QE@ + حديث سادات المؤمنين في الجنة من إذا ~~تغدى لم يجد عشاء الحديث عزاه صاحب مسند الفردوس للطبراني من رواية أبي ~~حازم عن أبي هريرة مختصرا بلفظ سادة الفقراء في الجنة الحديث ولم أره في ~~معاجم الطبراني # ألا يا أخي متى جمعت هذا المال بعد هذا البيان فإنك مبطل فيما ادعيت أنك ~~للبر والفضل تجمعه لا ولكنك خوفا من الفقر تجمعه وللنعيم والزينة والتكاثر ~~والفخر والعلو والرياء والسمعة والتعظيم والتكرمة تجمعه ثم تزعم أنك لأعمال ~~البر تجمع المال ويحك راقب الله واستحي من دعواك أيها المغرور # ويحك إن كنت مفتونا بحب المال والدنيا فكن مقرا أن الفضل والخير في الرضا ~~بالبلغة ومجانبة الفضول نعم وكن عند جمع المال مزريا على نفسك معترفا ~~بإساءتك وجلا من الحساب فذلك أنجى لك وأقرب إلى الفضل من طلب الحجج لجمع ~~المال # إخواني اعلموا أن دهر الصحابة كان الحال فيه موجودا وكانوا مع ذلك من ~~أورع الناس وأزهدهم في المباح لهم ونحن في دهر الحلال فيه مفقودا وكيف لنا ~~من الحلال مبلغ القوت وستر العورة # فأما جمع المال في دهرنا فأعاذنا الله وإياكم منه # وبعد فأين لنا بمثل تقوى الصحابة وورعهم ومثل زهدهم واحتياطهم وأين لنا ~~مثل ضمائرهم وحسن نياتهم دهينا ورب السماء بأدواء النفوس وأهوائها وعن قريب ~~يكون الورود فيا سعادة المخفين يوم النشور وحزن طويل لأهل التكاثر ~~والتخاليط وقد نصحت لكم إن قبلتم والقابلون لهذا قليل # وفقنا الله وإياكم فكل خير برحمته آمين # هذا آخر كلامه وفيه كفاية في إظهار فضل الفقر على الغنى ولا مزيد عليه # ويشهد لذلك جميع الأخبار التي أوردناها في كتاب ذم الدنيا وفي كتاب الفقر ~~والزهد # ويشهد له أيضا ما روي عن أبي أمامة الباهلي أن ثعلبة بن حاطب قال يا رسول ~~الله ادع الله أن يرزقني مالا قال يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا ~~تطيقه قال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا قال يا ثعلبة أما لك في ~~أسوة أما ترضى أن تكون مثل نبي الله تعالى أما والذي نفسي بيده لو شئت أن ~~تسير معي الجبال ذهبا وفضة لسارت قال والذي بعثك بالحق نبيا لئن دعوت الله ~~أن يرزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه ولأفعلن ولأفعلن قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم اللهم ارزق ثعلبة مالا فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود ~~فضاقت PageV03P271 عليه المدينة فتنحى عنها فنزل واديا من أوديتها حتى جعل ~~يصلي الظهر والعصر في الجماعة ويدع ما سواهما ثم نمت وكثرت فتنحى حتى ترك ~~الجماعة إلا الجمعة وهي تنمو كما ينمو الدود حتى ترك الجمعة وطفق يلقى ~~الركبان يوم الجمعة فيسألهم عن الأخبار في المدينة وسأل رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم عنه فقال ما فعل ثعلبة بن حاطب فقيل يا رسول الله اتخذ غنما ~~فضاقت عليه المدينة وأخبر بأمره كله فقال يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ~~ثعلبة قال وأنزل الله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل ~~عليهم إن صلاتك سكن لهم وأنزل الله تعالى فرائض الصدقة فبعث رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم رجلا من جهينة ورجلا من بني سليم عن الصدقة وكتب لهما كتابا ~~بأخذ الصدقة وأمرهما أن يخرجا فيأخذا من المسلمين وقال مرا بثعلبة بن حاطب ~~وبفلان رجل من بني سليم وخذا صدقاتهما فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة ~~وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذه إلا جزية ما هذه إلا ~~جزيه ما هذه إلا أخت الجزية انطلقا حتى تفرغا ثم تعودا إلى فانطلقا نحو ~~السليمي فسمع بهما فقام إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم أستقبلهما ~~بها فلما رأوها قالوا لا يجب عليك ذلك وما نريد نأخذ هذا منك قال بلى خذوها ~~فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى مرا بثعلبة فسألاه الصدقة فقال أروني ~~كتابكما فنظر فيه فقال هذه أخت الجزية انطلقا حتى أرى رأيي فانطلقا حتى ~~أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال يا ويح ثعلبة قبل أن يكلماه ~~ودعا للسليمي فأخبراه بالذي صنع ثعلبة وبالذي صنع السليمي فأنزل الله تعالى ~~في ثعلبة ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ~~فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم ~~إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون وعند رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة فسمع ما أنزل الله فيه فخرج حتى أتى ~~ثعلبة فقال لا أم لك يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا فخرج ثعلبة حتى أتى ~~النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه صدقته فقال إن الله منعني أن ~~أقبل منك صدقتك فجعل يحثو التراب على رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم هذا عملك أمرتك فلم تطعني فلما أبى أن يقبل منه شيئا رجع إلى منزله ~~فلما قبض رسول صلى الله عليه وسلم جاء بها إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ~~فأبى أن يقبلها منه وجاء بها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأبى أن ~~يقبلها منه وتوفي ثعلبة بعد في خلافة عثمان + حديث أبي أمامة أن ثعلبة بن ~~حاطب قال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا قال يا ثعلبة قليل تؤدي ~~شكره خير من كثير لا تطيقه الحديث بطوله أخرجه الطبراني بسند ضعيف # فهذا طغيان المال وشؤمه وقد عرفته من هذا الحديث ولأجل بركة الفقر وشؤم ~~الغنى آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقر لنفسه ولأهل بيته حتى روى عن ~~عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال كانت لي من رسول الله منزلة وجاه فقال ~~يا عمران إن لك عندنا منزلة وجاها فهل لك في عيادة فاطمة بنت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فقلت نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله فقام وقمت معه حتى ~~وقفت بباب منزل فاطمة فقرع الباب وقال السلام عليكم أأدخل فقالت ادخل يا ~~رسول الله قال أنا ومن معي قالت ومن معك يا رسول الله فقال عمران بن حصين ~~فقالت والذي بعثك بالحق نبيا ما علي إلا عباءة فقال اصنعي بها هكذا وهكذا ~~وأشار بيده فقالت هذا جسدي فقد واريته فكيف برأسي فألقى إليها ملاءة كانت ~~عليه خلقة فقال شدي بها على رأسك ثم أذنت له فدخل فقال السلام عليك يابنتاه ~~كيف أصبحت قالت أصبحت والله وجعة وزادني وجعا على ما بي أني لست أقدر على ~~طعام آكله فقد أجهدني الجوع فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لا ~~تجزعي يا بنتاه فوالله ما ذقت طعاما منذ ثلاثة وإني لأكرم على الله منك ولو ~~سألت ربي لأطعمني ولكني آثرت الآخرة على الدنيا PageV03P272 ثم ضرب بيده ~~على منكبها وقال لها أبشري فوالله إنك لسيدة نساء أهل الجنة فقالت فأين ~~آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران فقال آسية سيدة نساء عالمها ومريم سيدة ~~نساء عالمها وخديجة سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك إنكن في بيوت من ~~قصب لا أذى فيها ولا صخب ثم قال لها اقنعي بابن عمك فوالله لقد زوجتك سيدا ~~في الدنيا سيدا في الآخرة + حديث عمران بن حصين كانت لي من رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم منزلة وجاء فقال فهل لك في عيادة فاطمة بنت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم الحديث بطوله وفيه لقد زوجتك سيدا في الدنيا وسيدا في ~~الآخرة لم أجده من حديث عمران ولأحمد والطبراني من حديث معقل بن يسار وضأت ~~النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال هل لك في فاطمة تعودها الحديث وفيه ~~أما ترضين أن زوجتك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما وإسناده صحيح # فانظر الآن إلى حال فاطمة رضي الله عنها وهي بضعة من رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم كيف آثرت الفقر وتركت المال # ومن راقب أحوال الأنبياء والأولياء وأقوالهم وما ورد من أخبارهم وآثارهم ~~لم يشك في أن فقد المال أفضل من وجوده وإن صرف إلى الخيرات إذ أقل ما فيه ~~من أداء الحقوق والتوقي من الشبهات والصرف إلى الخيرات اشتغال لهم بإصلاحه ~~وانصرافه عن ذكر الله إذ لا ذكر إلا مع الفراغ ولا فراغ مع شغل المال # وقد روي عن جرير عن ليث قال صحب رجل عيسى ابن مريم عليه السلام فقال أكون ~~معك وأصحابك فانطلقا فانتهيا إلى شط نهر فجلسا يتغديان ومعهما ثلاثة أرغفة ~~فأكلا رغيفين وبقي رغيف ثالث فقام عيسى عليه السلام إلى النهر فشرب ثم رجع ~~فلم يجد الرغيف فقال للرجل من أخذ الرغيف فقال لا أدري قال فانطق ومعه ~~صاحبه فرأى ظبية ومعها خشفان لها قال فدعا أحدهما فأتاه فذبحه فاشتوى منه ~~فأكل هو وذلك الرجل ثم قال للخشف قم بإذن الله فقام فذهب فقال للرجل أسألك ~~بالذي أراك هذه الآية من أخذ الرغيف فقال لا أدري ثم انتهيا إلى وادي ماء ~~فأخذ عيسى بيد الرجل فمشيا على الماء فلما جاوزا قال له أسألك بالذي أراك ~~هذه الآية من أخذ الرغيف فقال لا أدري فانتهيا إلى مفازة فجلسا فأخذ عيسى ~~عليه السلام يجمع ترابا وكثيبا ثم قال كن ذهبا بإذن الله تعالى فصار ذهبا ~~فقسمه ثلاثة أثلاث ثم قال ثلث لي وثلث لك وثلث لمن أخذ الرغيف فقال أنا ~~الذي أخذت الرغيف فقال كله لك وفارقه عيسى عليه السلام فانتهى إليه رجلان ~~في المفازة ومعه المال فأرادا أن يأخذاه منه ويقتلاه فقال هو بيننا أثلاثا ~~فابعثوا أحدكم إلى القرية حتى يشتري لنا طعاما نأكله قال فبعثوا أحدهم فقال ~~الذي بعث لأي شيء أقاسم هؤلاء هذا المال لكني أضع في هذا الطعام سما ~~فأقتلهما وآخذ المال وحدي قال ففعل وقال ذانك الرجلان لأي شيء نجعل لهذا ~~ثلث المال ولكن إذا رجع قتلناه واقتسمنا المال بيننا قال فلما رجع إليهما ~~قتلاه وأكلا الطعام فماتا فبقي ذلك المال في المفازة وأولئك الثلاثة عنده ~~قتلى فمر بهم عيسى عليه السلام على تلك الحالة فقال لأصحابه هذه الدنيا ~~فاحذروها # وحكي أن ذا القرنين أتى على أمة من الأمم ليس بأيديهم شيء مما يستمتع به ~~الناس من دنياهم قد احتفروا قبورا فإذا أصبحوا تعهدوا تلك القبور وكنسوها ~~وصلوا عندها ورعوا البقل كما ترعى البهائم وقد قيض لهم في ذلك معايش من ~~نبات الأرض وأرسل ذو القرنين إلى ملكهم فقال له أجب ذو القرنين فقال مالي ~~إليه حاجة فإن كان له حاجة فليأتني فقال ذو القرنين صدق فأقبل إليه ذو ~~القرنين وقال له أرسلت إليك لتأتيني فأبلت فها أنا قد جئت فقال لو كان لي ~~إليك حاجة لأتيتك فقال له ذو القرنين مالي أراكم على حالة لم أر أحدا من ~~الأمم عليها قال وما ذاك قال ليس لكم دنيا ولا شيء أفلا اتخذتم الذهب ~~والفضة فاستمتعتم بهما قالوا إنما كرهناهما PageV03P273 لأن أحدا لم يعط ~~منهما شيئا إلا تاقت نفسه ودعته إلى ما هو أفضل منه # فقال ما بالكم قد احتفرتم قبورا فإذا أصبحتم تعاهدتموها فكنستموها وصليتم ~~عندها قالوا أردنا إذا نظرنا إليها وأملنا الدنيا منعتنا قبورنا من الأمل # قال وأراكم لا طعام لكن إلا البقل من الأرض أفلا اتخذتم البهائم من ~~الأنعام فاحتلبتموها وركبتموها فاستمتعتم بها قالوا كرهنا أن نجعل بطوننا ~~قبورا لها ورأينا في نبات الأرض بلاغا وإنما يكفي ابن أدنى العيش من الطعام ~~وإيما ما جاوز الحنك من الطعام لم نجد له طعما كائنا ما كان من الطعام ثم ~~بسط ملك تلك الأرض يده خلف ذي القرنين فتناول جمجمة فقال ياذا القرنين ~~أتدري من هذا قال لا ومن هو قال ملك من ملوك الأرض أعطاه الله سلطانا على ~~أهل الأرض فغشم وظلم وعتا فلما رأى الله سبحانه ذلك منه جسمه بالموت فصار ~~كالحجر الملقى وقد أحصى الله عليه عمله حتى يجزيه به في آخرته # ثم تناول جمجمة أخرى بالية فقال ياذا القرنين هل تدري من هذا قال لا أدري ~~ومن هو قال هذا ملك ملكه الله بعده قد كان يرى ما يصنع الذي قبله بالناس من ~~الغشم والظلم والتجبر فتواضع وخشع لله عز وجل وأمر بالعدل في أهل مملكته ~~فصار كما ترى قد أحصى الله عليه عمله حتى يجزيه به في آخرته # ثم أهوى إلى جمجمة ذي القرنين فقال # وهذه الجمجمة قد كانت كهذين فانظر ياذا القرنين ما أنت صانع فقال له ذو ~~القرنين هل لك في صحبتي فاتخذك أخا ووزيرا وشريكا فيما آتاني الله من هذا ~~المال قال ما أصلح أنا وأنت في مكان ولا أن نكون جميعا قال ذو القرنين ولم ~~قال من أجل أن الناس كلهم لك عدو ولي صديق قال ولم قال يعادونك لما في يديك ~~من الملك والمال والدنيا ولا أجد أحدا يعاديني لرفضي لذلك ولما عندي من ~~الحاجة وقلة الشيء قال فانصرف عنه ذو القرنين متعجبا منه ومتعظا به فهذه ~~الحكايات تدلك على آفات الغنى مع ما قدمناه من قبل وبالله التوفيق # تم كتاب ذم المال والبخل بحمد الله تعالى وعونه ويليه # | كتاب ذم الجاه والرياء # كتاب ذم الجاه والرياء وهو الكتاب الثامن من ربع المهلكات من كتاب إحياء ~~علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله علام الغيوب المطلع على سرائر القلوب المتجاوز عن كبائر الذنوب ~~العالم بما تجنه الضمائر من خفايا الغيوب البصير بسرائر النيات وخفافا ~~الطويات الذي لا يقبل من الأعمال إلا ما كمل ووفى وخلص عن شوائب الرياء ~~والشرك وصفا فإنه المنفرد بالملكوت فهو أغنى الأغنياء عن الشرك # والصلاة والسلام على محمد وآله وأصحابه المبرئين من الخيانة والإفك وسلم ~~تسليما كثيرا # أما بعد فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أخوف ما أخاف على أمتي ~~الرياء والشهوة الخفية التي هي أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة ~~الصماء في الليلة الظلماء + حديث إن أخوف ما أخاف على أمتي الرياء والشهوة ~~الخفية أخرجه ابن ماجه والحاكم من حديث شداد بن أوس وقالا الشرك بدل الرياء ~~وفسراه بالرياء قال الحاكم صحيح الإسناد قلت بل ضعيفه وهو عند ابن المبارك ~~في الزهد ومن طريقه عند البيهقي في الشعب بلفظ المصنف # ولذلك عجز عن الوقوف على غوائلها سماسرة PageV03P274 العلماء فضلا عن ~~عامة العباد والأتقياء وهو من أواخر غوائل النفس وبواطن مكايدها # وإنما يبتلى به العلماء والعباد والمشمرون عن ساق الجد لسلوك سبيل الآخرة ~~فإنهم مهما قهروا أنفسهم وجاهدوها وفطموها عن الشهوات وصانوها عن الشبهات ~~وحملوها بالقهر على أصناف العبادات عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي ~~الظاهرة الواقعة على الجوارح فطلبت الاستراحة إلى التظاهر بالخير وإظهار ~~العمل والعلم فوجدت مخلصا من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق ~~ونظرهم إليه بعين الوقار والتعظيم فسارعت إلى إظهار الطاعة وتوصلت إلى ~~اطلاع الخلق ولم تقنع باطلاع الخالق وفرحت بحمد الناس ولم تقنع بحمد الله ~~وحده وعلمت أنهم إذا عرفوا تركه الشهوات وتوقيه الشبهات وتحمله مشاق ~~العبادات أطلقوا ألسنتهم بالمدح والثناء وبالغوا في التقريظ والإطراء ~~ونظروا إليه بعين التوقير والاحترام وتبركوا بمشاهدته ولقائه ورغبوا في ~~بركة دعائه وحرصوا على اتباع رأيه وفاتحوه بالخدمة والسلام وأكرموه في ~~المحافل غاية الإكرام وسامحوه في البيع والمعاملات وقدموه في المجالس ~~وآثروه بالمطاعم والملابس وتصاغروا له متواضعين وانقادوا له في أغراضه ~~موقرين فأصابت النفس في ذلك لذة هي أعظم اللذات وشهوة هي أغلب الشهوات ~~فاستحقرت فيه ترك المعاصي والهفوات واستلانت خشونة المواظبة على العبادات ~~لإدراكها في الباطن لذة اللذات وشهوة الشهوات فهو يظن أن حياته بالله ~~وبعبادته المرضية وإنما حياته بهذه الشهوة الخفية التي تعمى عن دركها ~~العقول النافذة القوية ويرى أنه مخلص في طاعة الله ومجتنب لمحارم الله ~~والنفس قد أبطنت هذه الشهوة تزيينا للعباد وتصنعا للخلق وفرحا بما نالت من ~~المنزلة والوقار وأحبطت بذلك ثواب الطاعات وأجور الأعمال وقد أثبتت اسمه في ~~جريدة المنافقين وهو يظن أنه عند الله من المقربين # وهذه مكيدة للنفس لا يسلم منها إلا الصديقون ومهواة لا يرقى منها إلا ~~المقربون ولذلك قيل آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الرياسة # وإذا كان الرياء هو الداء الدفين الذي هو أعظم شبكة للشياطين وجب شرح ~~القول في سببه وحقيقته ودرجاته وأقسامه وطرق معالجته والحذر منه ويتضح ~~الغرض منه في ترتيب الكتاب على شطرين الشطر الأول في حب الجاه والشهرة وفيه ~~بيان ذم الشهرة وبيان فضيلة الخمول وبيان ذم الجاه وبيان معنى الجاه ~~وحقيقته وبيان السبب في كونه محبوبا أشد من حب المال وبيان أن الجاه كمال ~~وهمي وليس بكمال حقيقي وبيان ما يحمد من حب الجاه وما يذم وبيان السبب في ~~حب المدح والثناء وكراهية الذم # وبيان العلاج في حب الجاه وبيان علاج حب المدح وبيان علاج كراهة الذم ~~وبيان اختلاف أحوال الناس في المدح والذم # فهي اثنا عشر فصلا منها تنشأ معاني الرياء فلا بد من تقديمها والله ~~الموفق للصواب بلطفه ومنه وكرمه # | بيان ذم الشهرة وانتشار الصيت # اعلم أصلحك الله أن أصل الجاه هو انتشار الصيت والاشتهار وهو مذموم بل ~~المحمود الخمول إلا من شهره الله تعالى لنشر دينه من غير تكلف طلب الشهرة ~~منه # قال أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب امرئ من الشر ~~أن يشير الناس إليه بالأصابع في دينه ودنياه إلا من عصمه الله + حديث أنس ~~حسب امرئ من الشر إلا من عصمه أن يشير الناس إليه بالأصابع في دينه ودنياه ~~أخرجه البيهقي في الشعب بسند ضعيف # وقال جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسب المرء من ~~الشر إلا من عصمه الله من السوء أن يشير الناس إليه PageV03P275 بالأصابع ~~في دينه ودنياه # إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم + حديث جابر ~~بحسب امرئ من الشر الحديث مثله وزاد في آخره إن الله لا ينظر إلى صوركم ~~الحديث هو غير معروف من حديث جابر معروف من حديث أبي هريرة رواه الطبراني ~~في الأوسط والبيهقي في الشعب بسند ضعيف مقتصرين على أوله ورواه مسلم مقتصرا ~~على الزيادة التي في آخره وروى الطبراني والبيهقي في الشعب أوله من حديث ~~عمران بن حصين بلفظ كفى بالمرء إثما ورواه ابن يونس في تاريخ الغرباء من ~~حديث ابن عمر بلفظ هلاك بالرجل وفسر دينه بالبدعة ودنياه بالفسق وإسنادهما ~~ضعيف # ولكن ذكر الحسن رحمه الله الحديث تأويلا ولا بأس به إذ روى هذا الحديث ~~فقيل له يا أبا سعيد إن الناس إذا رأوك أشاروا إليك بالأصابع فقال إنه لم ~~يعن هذا وإنما عنى به المبتدع في دينه والفاسق في دنياه وقال علي كرم الله ~~وجهه تبذل ولا تشتهر ولا ترفع شخصك لتذكر وتعلم واكتم واصمت تسلم تسر ~~الأبرار وتغيظ الفجار # وقال إبراهيم ابن أدهم رحمه الله ما صدق الله من أحب الشهرة # وقال أيوب السختياني والله ما صدق الله عبد إلا سره أن لا يشعر بمكانه # وعن خالد بن معدان # أنه كان إذا كثرت حلقته قام مخافة الشهرة # وعن أبي العالية أنه كان إذا جلس إليه أكثر من ثلاثة قام # ورأى طلحة قوما معه نحوا من عشرة فقال ذباب طمع وفراش نار # وقال سليم بن حنظلة بينا نحن حول أبي بن كعب نمشي خلفه إذ رآه عمر فعلاه ~~بالدرة # فقال انظر يا أمير المؤمنين ما تصنع فقال إن هذه ذلة للتابع وفتنة ~~للمتبوع وعن الحسن قال خرج ابن مسعود يوما من منزله فاتبعه ناس فالتفت ~~إليهم فقال علام تتبعوني فوالله لو تعلمون ما أغلق عليه بابي ما اتبعني ~~منكم رجلان وقال الحسن إن خفق النعال حول الرجال قلما تلبث عليه قلوب ~~الحمقى # وخرج الحسن ذات يوم فاتبعه قوم فقال هل لكم من حاجة وإلا فما عسى أن يبقى ~~هذا من قلب المؤمن # وروي أن رجلا صحب ابن محيريز في سفر فلما فارقه قال أوصني فقال إن استطعت ~~أن تعرف ولا تعرف وتمشي ولا يمشى إليك وتسأل ولا تسئل فافعل # وخرج أيوب في سفر فشيعه ناس كثيرون فقال لولا أني أعلم أن الله يعلم من ~~قلبي أني لهذا كاره لخشيت المقت من الله عز وجل # وقال معمر عاتبت أيوب على طول قميصه فقال # إن الشهرة فيما مضى كانت في طوله وهي اليوم في تشميره # وقال بعضهم كنت مع أبي قلابة إذ دخل عليه رجل عليه أكسية فقال إياكم وهذا ~~الحمار الناهق يشير به إلى طلب الشهرة # وقال الثوري كانوا يكرهون الشهرة من الثياب الجيدة والثياب الرديئة إذ ~~الأبصار تمتد إليهما جميعا # وقال رجل لبشر بن الحارث # أوصني فقال أخمل ذكرك وطيب مطعمك # وكان حوشب يبكي ويقول بلغ اسمي مسجد الجامع # وقال بشر ما أعرف رجلا أحب أن يعرف إلا ذهب دينه وافتضح # وقال أيضا لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس # رحمة الله عليه وعليهم أجمعين # | بيان فضيلة الخمول # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو ~~أقسم على الله لأبره + حديث رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على ~~الله لأبره منهم البراء بن مالك أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رب أشعث ~~مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره وللحاكم رب أشعث أغبر ذي طمرين تنبو ~~عنه أعين الناس لو أقسم على الله لأبره وقال صحيح الإسناد ولأبي نعيم في ~~الحلية من حديث أنس ضعيف رب ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره ~~منهم البراء بن مالك وهو عند الحاكم نحوه بهذه الزيادة وقال صحيح الإسناد ~~قلت بل ضعيفه # منهم البراء بن مالك وقال ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم رب ذي ~~طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره لو قال اللهم إني أسألك الجنة ~~لأعطاه الجنة ولم يعطه من الدنيا شيئا + حديث ابن مسعود رب ذي طمرين لا ~~يؤبه له لو أقسم على الله لأبره لو قال اللهم إني أسألك الجنة لأعطاء الجنة ~~ولم يعطه من الدنيا شيئا أخرجه ابن أبي الدنيا ومن طريقه أبو منصور الديلمي ~~في مسند الفردوس بسند ضعيف # وقال صلى الله عليه وسلم @QB@ إلا @QE@ PageV03P276 أدلكم على أهل الجنة ~~كل ضعيف مستضعف لو أقسم على الله لأبره وأهل النار كل متكبر مستكبر جواظ + ~~حديث ألا أدلكم على أهل الجنة كل ضعيف مستضعف الحديث متفق عليه من حديث ~~حارثة بن وهب # وقال أبو هريرة قال صلى الله عليه وسلم إن أهل الجنة كل أشعث أغبر ذي ~~طمرين لا يؤبه له الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم وإذا خطبوا ~~النساء لم ينكحوا وإذا قالوا لم ينصت لقولهم حوائج أحدهم تتخلل في صدره لو ~~قسم نوره يوم القيامة على الناس لوسعهم وقال صلى الله عليه وسلم إن من أمتي ~~من لو أتى أحدكم يسأله دينارا لم يعطه إياه ولو سأله درهما لم يعطه إياه ~~ولو سأله فلسا لم يعطه إياه ولو سأل الله الجنة لأعطاه إياها ولو سأله ~~الدنيا لم يعطه إياها وما منعها إياه إلا لهوانها عليه رب ذي طمرين لا يؤبه ~~له لو أقسم على الله لأبره + حديث إن من أمتي من لو أتى أحدكم فسأله دينارا ~~لم يعطه إياه الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ثوبان بإسناد صحيح ~~دون قوله ولو سأله الدنيا لم يعطه إياها وما منعها إياه إلا لهوانها عليه # وروي أن عمر رضي الله عنه دخل المسجد فرأى معاذ بن جبل يبكي عند قبر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فقال ما يبكيك فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يقول إن اليسير من الرياء وإن الله يحب الأتقياء الأخفياء الذين إن ~~غابوا لم يفتقدوا وإن حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح الهدى ينجون من كل ~~غبراء مظلمة + حديث معاذ بن جبل إن اليسير من الرياء شرك وأن الله يحب ~~الأتقياء الأخفياء الحديث أخرجه الطبراني والحاكم واللفظ له وقال صحيح ~~الإسناد قلت بل ضعيفه فيه عيسى بن عبد الرحمن وهو الزرقي متروك # وقال محمد بن سويد قحط أهل المدينة وكان بها رجل صالح لا يؤبه له ملازم ~~لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم هم في دعائهم إذ جاءهم رجل عليه طمران ~~خلقان فصلى ركعتين أوجز فيهما ثم بسط يديه فقال يا رب أقسمت عليك إلا أمطرت ~~علينا الساعة فلم يرد يديه ولم يقطع دعاءه حتى تغشت السماء بالغمام وأمطروا ~~حتى صاح أهل المدينة من مخافة الغرق فقال يا رب إن كنت تعلم أنهم قد اكتفوا ~~فارفع عنهم وسكن وتبع الرجل صاحبه الذي استسقى حتى عرف منزله ثم بكر عليه ~~فخرج إليه فقال إني أتيتك في حاجة فقال ما هي قال تخصني بدعوة قال سبحان ~~الله أنت أنت وتسألني أن أخصك بدعوة ثم قال ما الذي بلغك ما رأيت قال أطعت ~~الله فيما أمرني ونهاني فسألت الله فأعطاني # وقال ابن مسعود كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى أحلاس البيوت سرج الليل ~~جدد القلوب خلقان الثياب تعرفون في أهل السماء وتخفون في أهل الأرض # وقال أبو أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى إن ~~أغبط أوليائي عبد مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة أحسن عبادة ربه وأطاعه في ~~السر كان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع ثم صبر على ذلك قال ثم نقر ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال عجلت منينه وقل تراثه وقلت بواكيه ~~+ حديث أبي أمامة إن أغبط أوليائي عندي مؤمن خفيف الخاذ الحديث أخرجه ~~الترمذي وابن ماجه بإسنادين ضعيفين # وقال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما # أحب عباد الله إلى الله الغرباء قيل ومن الغرباء قال الفارون بدينهم ~~يجتمعون يوم القيامة إلى المسيح عليه السلام # وقال الفضيل بن عياض بلغني أن الله تعالى يقول في بعض ما يمن به على عبده ~~ألم أنعم عليك ألم أسترك ألم أخمل ذكرك وكان الخليل بن أحمد يقول اللهم ~~اجعلني عندك من أرفع خلقك واجعلني عند نفسي من أوضع خلقك واجعلني عند الناس ~~من أوسط خلقك # وقال الثوري وجدت قلبي يصلح بمكة والمدينة مع قوم غرباء أصحاب قوت وعناء # وقال إبراهيم بن أدهم ما قرت عيني يوما في الدنيا قط إلا مرة بت ليلة في ~~بعض مساجد قرى الشام وكان بي البطن فجرني المؤذن برجلي صلى الله عليه وسلم ~~حتى أخرجني من المسجد # وقال الفضيل إن قدرت على أن لا تعرف فافعل PageV03P277 وما عليك أن لا ~~تعرف وما عليك أن لا يثنى عليك وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت ~~محمودا عند الله تعالى فهذه الآثار والأخبار تعرفك مذمة الشهرة وفضيلة ~~الخمول # وإنما المطلوب بالشهرة وانتشار الصيت هو الجاه والمنزلة في القلوب وحب ~~الجاه هو منشأ كل فساد # فإن قلت فأي شهوة تزيد على شهرة الأنبياء والخلفاء الراشدين وأئمة ~~العلماء فكيف فاتهم فضيلة الخمول فاعلم أن المذموم طلب الشهرة فأما وجودها ~~من جهة الله سبحانه من غير تكلف من العبد فليس بمذموم # نعم فيه فتنة على الضعفاء دون الأقوياء وهم كالغريق الضعيف إذا كان معه ~~جماعة من الغرقى فالأولى به أن لا يعرفه أحد منهم فإنهم يتعلقون به فيضعف ~~عنهم فيهلك معهم وأما القوي فالأولى أن يعرفه الغرقى ليتعلقوا به فينجيهم ~~ويثاب على ذلك # | بيان ذم الجاه ومعناه # وقال الله تعالى @QB@ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في ~~الأرض ولا فسادا @QE@ جمع بين إرادة الفساد والعلو وبين أن الدار الآخرة ~~للخالي عن الإرادتين جميعا # فقال عز وجل ومن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ~~وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا ~~فيها وباطل ما كانوا يعملون وهذا أيضا متناول بعمومه لحب الجاه فإنه أعظم ~~لذة من لذات الحياة الدنيا وأكثر زينة من زينتها # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب المال والجاه ينبتان النفاق في ~~القلب كما ينبت الماء البقل + حديث المال والجاه ينبتان النفاق الحديث تقدم ~~في أول هذا الباب ولم أجده # وقال صلى الله عليه وسلم ما ذئبان ضاريان أرسلا في زريبة غنم بأسرع ~~إفسادا من حب الشرف والمال في دين الرجل المسلم + حديث ما ذئبان ضاريان ~~أرسلا في زريبة غنم الحديث تقدم أيضا هناك # وقال صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه إنما هلاك الناس باتباع ~~الهوى وحب الثناء + حديث إنما هلاك الناس باتباع الهوى وحب الثناء لم أره ~~بهذا اللفظ وقد تقدم في العلم من حديث أنس ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع ~~الحديث ولأبي منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس بسند ضعيف حب ~~الثناء من الناس يعمي ويصم # نسأل الله العفو والعافية بمنه وكرمه # | بيان معنى الجاه وحقيقته # اعلم أن الجاه والمال هما ركنا الدنيا # ومعنى المال ملك الأعيان المنتفع بها ومعنى الجاه ملك القلوب المطلوب ~~تعظيمها وطاعتها # وكما أن الغني هو الذي يملك الدراهم والدنانير أي يقدر عليهما ليتوصل ~~بهما إلى الأغراض والمقاصد وقضاء الشهوات وسائر حظوظ النفس فكذلك ذو الجاه ~~هو الذي يملك قلوب الناس أي يقدر على أن يتصرف فيها ليستعمل بواسطتها ~~أربابها في أغراضه ومآربه # وكما أنه يكتسب الأموال بأنواع من الحرف والصناعات فكذلك يكتسب قلوب ~~الخلق بأنواع من المعاملات ولا تصير القلوب مسخرة إلا بالمعارف والاعتقادات ~~فكل من اعتقد القلب فيه وصفا من أوصاف الكمال انقاد له وتسخر له بحسب قوة ~~اعتقاد القلب وبحسب درجة ذلك الكمال عنده وليس يشترط أن يكون الوصف كمالا ~~في نفسه بل يكفى أن يكون كمالا عنده وفي اعتقاده وقد يعتقد ما ليس كمالا ~~كمالا ويذعن قلبه للموصوف به انقيادا ضروريا بحسب اعتقاده فإن انقياد القلب ~~حال للقلب # وأحوال القلوب تابعة لاعتقادات القلوب وعلومها وتخيلاتها وكما أن محب ~~المال يطلب ملك الأرقاء والعبيد PageV03P278 فطالب الجاه يطلب أن يسترق ~~الأحرار ويستعبدهم ويملك رقابهم بملك قلوبهم بل الرق الذي يطلبه صاحب الجاه ~~أعظم لأن المالك يملك العبد قهرا والعبد متأب بطبعه ولو خلى ورأيه انسل عن ~~الطاعة وصاحب الجاه يطلب الطاعة طوعا ويبغي أن تكون له الأحرار عبيدا ~~بالطبع والطوع مع الفرح بالعبودية والطاعة له فما يطلبه فوق ما يطلبه مالك ~~الرق بكثير # فإذا معنى الجاه قيام المنزلة في قلوب الناس أي اعتقاد القلوب لنعت من ~~نعوت الكمال فيه فيقدر ما يعتقدون من كماله تذعن له قلوبهم وبقدر إذعان ~~القلوب تكون قدرته على القلوب وبقدر قدرته على القلوب يكون فرحه وحبه للجاه # فهذا هو معنى الجاه وحقيقتة وله ثمرات كالمدح والإطراء فإن المعتقد ~~للكمال لا يسكت عن ذكر ما يعتقده فيثني عليه وكالخدمة والإعانة فإنه لا ~~يبخل ببذل نفسه في طاعته بقدر اعتقاده فيكون سخرة له مثل العبد في أغراضه ~~وكالإيثار وترك المنازعة والتعظيم والتوقير بالمفاتحة بالسلام وتسليم الصدر ~~في المحافل والتقديم في جميع المقاصد فهذه آثار تصدر عن قيام الجاه في ~~القلب ومعنى قيام الجاه في القلب اشتمال القلوب على اعتقاد صفات الكمال في ~~الشخص إما بعلم أو عبادة أو حسن خلق أو نسب أو ولاية أو جمال في صورة أو ~~قوة في بدن أو شيء مما يعتقده الناس كمالا فإن هذه الأوصاف كلها تعظم محله ~~في القلوب فتكون سببا لقيام الجاه والله تعالى أعلم # | بيان سبب كون الجاه محبوبا بالطبع حتى لا يخلو عنه قلب إلا بشديد # المجاهدة # اعلم أن السبب الذي يقتضي كون الذهب والفضة وسائر أنواع الأموال محبوبا ~~هو بعينه يقتضي كون الجاه محبوبا بل يقتضي أن يكون أحب من المال كما يقتضي ~~أن يكون يكون الذهب أحب من الفضة مهما تساويا في المقدار وهو أنك تعلم أن ~~الدراهم والدنانير لا غرض في أعيانهما إذ لا تصلح لمطعم ولا مشرب ولا منكح ~~ولا ملبس وإنما هي والحصباء بمثابة واحدة ولكنهما محبوبان لأنهما وسيلة إلى ~~جميع المحاب وذريعة إلى قضاء الشهوات فكذلك الجاه لأن معنى الجاه ملك ~~القلوب وكما أن ملك الذهب والفضة يفيد قدرة يتوصل الإنسان بها إلى سائر ~~أغراضه فكذلك ملك القلوب من الأحرار والقدرة على استسخارها يفيد قدرة على ~~التوصل إلى جميع الأغراض فالاشتراك في السبب اقتضى الاشتراك في المحبة ~~وترجيح الجاه على المال اقتضى أن يكون الجاه أحب من المال ولملك الجاه ~~ترجيح على ملك المال من ثلاثة أوجه # الأول أن التوصل بالجاه إلى المال أيسر من التوصيل بالمال إلى الجاه ~~فالعالم أو الزاهد الذي تقرر له جاه في القلوب لو قصد اكتساب المال تيسر له ~~فإن أموال أرباب القلوب مسخرة للقلوب ومبذولة لمن اعتقد فيه الكمال وأما ~~الرجل الخسيس الذي لا يتصف بصفة كمال إذا وجد كنزا ولم يكن له جاه يحفظ ~~ماله وأراد أن يتوصل بالمال إلى الجاه لم يتيسر له فإذا الجاه آلة ووسيلة ~~إلى المال فمن ملك الجاه فقد ملك المال ومن ملك المال لم يملك الجاه بكل ~~حال فلذلك صار الجاه أحب # الثاني هو أن المال معرض للبلوى والتلف بأن يسرق ويغصب ويطمع فيه الملوك ~~والظلمة ويحتاج فيه إلى الحفظة والحراس والخزائن ويتطرق إليه أخطار كثيرة ~~وأما القلوب إذا ملكت فلا تتعرض لهذه الآفات فهي على التحقيق خزائن عتيدة ~~لا يقدر عليها السراق ولا تتناولها أيدي النهاب والغصاب وأثبت الأموال ~~العقار ولا يؤمن فيه الغصب والظلم ولا يستغني عن المراقبة والحفظ وأما ~~خزائن القلوب فهي محفوظة محروسة بأنفسها والجاه في أمن وأمان من الغصب ~~والسرقة فيها # نعم إنما تغضب القلوب بالتصريف وتقبيح الحال وتغيير الإعتقاد فيما صدق به ~~من أوصاف الكمال وذلك مما يهون دفعه ولا يتيسر على محاولة فعله PageV03P279 # الثالث أن ملك القلوب يسرى وينمى ويتزايد من غير حاجة إلى تعب ومقاساة ~~فإن القلوب إذا أذعنت لشخص واعتقدت كماله بعلم أو عمل أو غيره أفصحت ~~الألسنة لا محالة بما فيها فيصف ما يعتقده لغيره ويقتنص ذلك القلب أيضا له ~~ولهذا المعنى يحب الطبع الصيت وانتشار الذكر # لأن ذلك إذا استطار في الأقطار اقتنص القلوب ودعاها إلى الإذعان والتعظيم ~~فلا يزال يسري من واحد إلى واحد ويتزايد وليس له مرد معين وأما المال فمن ~~ملك منه شيئا فهو مالكه ولا يقدر على استنمائه إلا بتعب ومقاساة والجاه ~~أبدا في النماء بنفسه ولا مرد لموقعه والمال واقف ولهذا إذا عظم الجاه ~~وانتشر الصيت وانطلقت الألسنة بالثناء استحقرت الأموال في مقابلته فهذه ~~مجامع ترجيحات الجاه على المال # وإذا فصلت كثرت وجوه الترجيح # فإن قلت فالإشكال قائم في المال والجاه جميعا فلا ينبغي أن يحب الإنسان ~~المال والجاه # نعم القدر الذي يتوصل به إلى جلب الملاذ ودفع المضار معلوم كالمحتاج إلى ~~الملبس والمسكن والمطعم أو كالمبتلى بمرض أو بعقوبة إذا كان لا يتوصل إلى ~~دفع العقوبة عن نفسه إلا بمال أو جاه فحبه للمال والجاه معلوم إذ كل ما لا ~~يتوصل إلى المحبوب إلا به فهو محبوب وفي الطباع أمر عجيب وراء هذا وهو حب ~~جمع الأموال وكنز الكنوز وادخار الذخائر واستكثار الخزائن وراء جميع ~~الحاجات حتى لو كان للعبد واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا وكذلك يحب ~~الإنسان اتساع الجاه وانتشار الصيت إلى أقاصي البلاد التي يعلم قطعا أنه لا ~~يطؤها ولا يشاهد أصحابها ليعظموه أو ليبروه بمال أو ليعينوه على غرض من ~~أغراضه ومع اليأس من ذلك فإنه يلتذ به غاية الالتذاذ وحب ذلك ثابت في الطبع ~~ويكاد يظن أن ذلك جهل فإنه حب لما لا فائدة فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة ~~فنقول نعم هذا الحب لا تنفك عنه القلوب # وله سببان # أحدهما جلي تدركه الكافة # والآخر خفي وهو أعظم السببين ولكنه أدقهما وأخفاهما وأبعدهما عن أفهام ~~الأذكياء فضلا عن الأغنياء وذلك لاستمداده من عرق خفي في النفس وطبيعة ~~مستكنة في الطبع لا يكاد يقف عليها إلا الغواصون # فأما السبب الأول فهو دفع ألم الخوف لأن الشفيق بسوء الظن مولع والإنسان ~~وإن كان مكفيا في الحال فإنه طويل الأمل ويخطر بباله أن المال الذي فيه ~~كفايته ربما يتلف فيحتاج إلى غيره فإذا خطر ذلك بباله هاج الخوف من قلبه ~~ولا يدفع ألم الخوف إلا الأمن الحاصل بوجود مال آخر يفزع إليه إن أصابت هذا ~~المال جائحة فهو أبدا لشفقته على نفسه وحبه للحياة يقدر طول الحياة ويقدر ~~هجوم الحاجات ويقدر إمكان تطرق الآفات إلى الأموال ويستشعر الخوف من ذلك ~~فيطلب ما يدفع خوفه وهو كثرة المال حتى إن أصيب بطائفة من ماله استغنى ~~بالآخر وهذا خوف لا يوقف له على مقدار مخصوص من المال فلذلك لم يكن لمثله ~~موقف إلى أن يملك جميع ما في الدنيا ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم منهومان لا يشبعان منهوم العلم ومنهوم المال + حديث منهومان لا يشبعان ~~الحديث أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود بسند ضعيف والبزار والطبراني في ~~الأوسط من حديث ابن عباس بسند لين وقد تقدم # ومثل هذه العلة تطرد في حبه قيام المنزلة والجاه في قلوب الأباعد عن وطنه ~~وبلده فإنه لا يخلو عن تقدير سبب يزعجه عن الوطن أو يزعج أولئك عن أوطانهم ~~إلى وطنه ويحتاج إلى الاستعانة بهم ومهما كان ذلك ممكنا ولم يكن احتياجه ~~إليهم مستحيلا إحالة ظاهرة كان للنفس فرح ولذة بقيام الجاه في قلوبهم لما ~~فيه من الأمن من هذا الخوف PageV03P280 # وأما السبب الثاني وهو الأقوى لأن الروح أمر رباني به وصفه الله تعالى إذ ~~قال سبحانه ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي أو معنى كونه ربانيا أنه ~~من أسرار علوم المكاشفة ولا رخصة في إظهاره إذا لم يظهره رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم + حديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يظهر سر الروح أخرجه ~~البخاري من حديث ابن مسعود وقد تقدم # ولكنك قبل معرفة ذلك تعلم أن للقلب ميلا إلى صفات بهيمية كالأكل والوقاع ~~وإلى صفات سبعية كالقتل والضرب والإيذاء وإلى صفات شيطانية كالمكر والخديعة ~~والإغواء وإلى صفات ربوبية كالكبر والعز والتجبر وطلب الاستعلاء وذلك لأنه ~~مركب من أصول مختلفة يطول شرحها وتفصيلها فهو لما فيه من الأمر الرباني يحب ~~الربوبية بالطبع ومعنى الربوبية التوحد بالكمال والتفرد بالوجود على سبيل ~~الاستقلال # فصار الكمال من صفات الإلهية فصار محبوبا بالطبع للإنسان والكمال بالتفرد ~~بالوجود فإن المشاركة في الوجود نقص لا محالة فكمال الشمس في أنها موجودة ~~وحدها فلو كان معها شمس أخرى لكان ذلك نقصا في حقها إذ لم تكن منفددة بكمال ~~معنى الشمسية والمنفرد بالوجود هو الله تعالى إذ ليس معه موجود سواه فإن ما ~~سواه أثر من آثار قدرته لا قوام له بذاته بل هو قائم به فلم يكن موجودا معه ~~لأن المعية توجب المساواة في الرتبة والمساواة في الرتبة نقصان في الكمال ~~بل الكامل من لا نظير له في رتبته # وكما أن إشراق نور الشمس في أقطار الآفاق ليس نقصانا في الشمس بل هو من ~~جملة كمالها وإنما نقصان الشمس بوجود شمس أخرى تساويها في الرتبة مع ~~الاستغناء عنها فكذلك وجود كل ما في العالم يرجع إلى إشراق أنوار القدرة ~~فيكون تابعا ولا يكون متبعا فإذن معنى الربوبية التفرد بالوجود وهو الكمال # وكل إنسان فإنه بطبعه محب لأن يكون هو المنفرد بالكمال ولذلك قال بعض ~~مشايخ الصوفية ما من إنسان إلا وفي باطنه ما صرح به فرعون من قوله أنا ربكم ~~الأعلى ولكنه ليس يجد له مجالا وهو كما قال فإن العبودية قهر على النفس # والربوبية محبوبة بالطبع وذلك للنسبة الربانية التي أومأ إليها قوله ~~تعالى قل الروح من أمر ربي ولكن لما عجزت النفس عن درك منتهى الكمال لم ~~تسقط شهوتها للكمال فهي محبة للكمال ومشتهية له وملتذة به لذاته لا لمعنى ~~آخر وراء الكمال وكل موجود فهو محب لذاته ولكمال ذاته ومبغض للهلاك الذي هو ~~عدم ذاته أو عدم صفات الكمال من ذاته # وإنما الكمال بعد أن يسلم التفرد بالوجود في الاستيلاء على كل الموجودات ~~فإن أكمل الكمال أن يكون وجود غيرك منك فإن لم يكن منك فأن تكون مستوليا ~~عليه فصار الاستيلاء على الكل محبوبا بالطبع لأنه نوع كمال # وكل موجود يعرف ذاته فإنه يحب ذاته ويحب كمال ذاته ويلتذ به إلا أن ~~الاستيلاء على الشيء بالقدرة على التأثير فيه وعلى تغييره بحسب الإرادة ~~وكونه مسخرا لك تردده كيف تشاء فأحب الإنسان أن يكون له استيلاء على كل ~~الأشياء الموجودة معه # إلا أن الموجودات منقسمة إلى مالا يقبل التغيير في نفسه كذات الله تعالى ~~وصفاته # وإلى ما يقبل التغيير ولكن لا يستولي عليه قدرة الخلق كالأملاك والكواكب ~~وملكوت السموات ونفوس الملائكة والجن والشياطين وكالجبال والبحار # وإلى ما يقبل التغيير بقدرة العبد كالأرض وأجزائها وما عليها من المعادن ~~والنبات والحيوان ومن جملتها قلوب الناس فإنها قابلة للتأثير والتغيير مثل ~~أجسادهم وأجساد الحيوانات # فإذا انقسمت الموجودات إلى ما يقدر الإنسان على التصرف فيه كالأرضيات ~~وإلى ما لا يقدر عليه كذات الله تعالى والملائكة والسموات أحب الإنسان أن ~~يستولي على السموات بالعلم والإحاطة والاطلاع على أسرارها فإن ذلك نوع ~~استيلاء إذ المعلوم المحاط به كالداخل تحت العلم والعالم كالمستولي عليه ~~فلذلك أحب أن يعرف PageV03P281 الله تعالى والملائكة والأفلاك والكواكب ~~وجميع عجائب السموات وجميع عجائب البحار والجبال وغيرها لأن ذلك نوع ~~استيلاء عليها والاستيلاء نوع كمال # وهذا يضاهي اشتياق من عجز عن صنعة عجيبة إلى معرفة طريق الصنعة فيها كمن ~~يعجز عن وضع الشطرنج فأنه قد يشتهي أن يعرف اللعب به وأنه كيف وضع وكمن يرى ~~صنعة عجيبة في الهندسة أو الشعبذة أو جر الثقيل أو غيره وهو مستشعر في نفسه ~~بعض العجز والقصور عنه ولكنه يشتاق إلى معرفة كيفية فهو متألم ببعض العجز ~~متلذذ بكمال العلم إن علمه # وأما القسم الثاني وهو الأرضيات التي يقدر الإنسان عليها فإنه يحب بالطبع ~~أن يستولي عليها بالقدرة على التصرف فيها كيف يريد وهي قسمان أجساد وأرواح # أما الأجساد فهي الدراهم والدنانير والأمتعة فيجب أن يكون قادرا عليها ~~يفعل فيها ما شاء من الرفع والوضع والتسليم والمنع فإن ذلك قدرة والقدرة ~~كمال والكمال من صفات الربوبية والربوبية محبوبة بالطبع فلذلك أحب الأموال ~~وإن كان لا يحتاج إليها في ملبسه ومطعمه وفي شهوات نفسه وبذلك طلب استرقاق ~~العبيد واستعباد الأشخاص الأحرار ولو بالقهر والغلبة حتى يتصرف في أجسادهم ~~وأشخاصهم بالاستسخار وإن لم يملك قلوبهم فإنها ربما لم تعتقد كماله حتى ~~يصير محبوبا لها ويقوم القهر منزلته فيها فإن الحشمة القهرية أيضا لذيذة ~~لما فيها من القدرة # القسم الثاني نفوس الآدميين وقلوبهم وهي أنفس ما على وجه الأرض فهو يحب ~~أن يكون له استيلاء وقدرة عليها لتكون مسخرة له متصرفة تحت إشارته وإرادته ~~لما فيه من كمال الاستيلاء والتشبه بصفات الربوبية والقلوب إنما تتسخر الحب ~~ولا تحب إلا باعتقاد الكمال فإن كل كمال محبوب لأن الكمال من الصفات ~~الإلهية والصفات الإلهية كلها محبوبة بالطبع للمعنى الرباني من جملة معاني ~~الإنسان وهو الذي لا يبليه الموت فيعدمه ولا يتسلط عليه التراب فيأكله فإنه ~~محل الإيمان والمعرفة وهو الواصل إلى لقاء الله تعالى والساعي إليه فإذن ~~معنى الجاه تسخير القلوب ومن تسخرت له القلوب كانت له قدرة واستيلاء عليها ~~والقدرة والاستيلاء كمال وهو من أوصاف الربوبية # فإذن محبوب القلب بطبعه الكمال بالعلم والقدرة والمال والجاه من أسباب ~~القدرة ولا نهاية للمعلومات ولا نهاية للمقدورات وما دام يبقى معلوم أو ~~مقدور فالشوق لا يسكن والنقصان لا يزول # ولذلك قال صلى الله عليه وسلم منهومان لا يشبعان فإذن مطلوب القلوب ~~الكمال والكمال بالعلم والقدرة وتفاوت الدرجات فيه غير محصور فسرور كل ~~إنسان ولذته بقدر ما يدركه من الكمال فهذا هو السبب في كون العلم والمال ~~والجاه محبوبا وهو أمر وراء كونه محبوبا لأجل التوصل إلى قضاء الشهوات فإن ~~هذه العلة قد تبقى مع سقوط الشهوات بل يحب الإنسان من العلوم ما لا يصلح ~~للتوصل به إلى الأغراض بل ربما يفوت عليه جملة من الأغراض والشهوات ولكن ~~الطبع يتقاضى طلب العلم في جميع العجائب والمشكلات لأن في العلم استيلاء ~~على المعلوم وهو نوع من الكمال الذي هو من صفات الربوبية فكان محبوبا ~~بالطبع إلا أن في حب كمال العلم والقدرة أغاليط لا بد من بيانها إن شاء ~~الله تعالى # | بيان الكمال الحقيقي والكمال الوهمي الذي لا حقيقة له # قد عرفت أنه لا كمال بعد فوات التفرد بالوجود إلا في العلم والقدرة ولكن ~~الكمال الحقيقي فيه متلبس بالكمال الوهمي وبيانه أن كمال العلم لله تعالى ~~وذلك من ثلاثة أوجه # أحدها من حيث كثرة المعلومات وسعتها فإنه محيط PageV03P282 بجميع ~~المعلومات فلذلك كلما كانت علوم العبد أكثر كان أقرب إلى الله تعالى # الثاني من حيث تعلق العلم بالمعلوم على ما هو به وكون المعلوم مكشوفا به ~~كشفا تاما فإن المعلومات مكشوفة لله تعالى بأتم أنواع الكشف على ما هي عليه ~~فلذلك مهما كان علم العبد أوضح وأيقن وأصدق وأوفق للمعلوم في تفاصيل صفات ~~العلوم كان أقرب إلى الله تعالى # الثالث من حيث بقاء العلم أبد الأباد بحيث لا يتغير ولا يزول فإن علم ~~الله تعالى باق لا يتصور أن يتغير فكذلك مهما كان علم العبد بمعلومات لا ~~يقبل التغير والانقلاب كان أقرب إلى الله تعالى # والمعلوم قسمان متغيرات وأزليات # أما المتغيرات فمثالها العلم بكون زيد في الدار فإنه علم له معلوم ولكنه ~~يتصور أن يخرج زيد من الدار ويبقى اعتقاد كونه في الدار كما كان فينقلب ~~جهلا فيكون نقصانا لا كمالا فكلما اعتقدت اعتقادا موافقا وتصور أن ينقلب ~~المعتقد فيه كما اعتقدته كنت بصدد أن ينقلب كمالك نقصا ويعود علمك جهلا # ويلتحق بهذا المثال جميع متغيرات العالم كعلمك مثلا بارتفاع جبل ومساحة ~~أرض وبعد البلاد وتباعد ما بينها من الأميال والفراسخ وسائر ما يذكر في ~~المسالك والممالك وكذلك العلم باللغات التي هي اصطلاحات تتغير بتغير ~~الأعصار والأمم والعادات فهذه علوم معلوماتها مثل الزئبق تتغير من حال إلى ~~حال فليس فيه كمال إلا في الحال ولا يبقى كمالا في القلب # القسم الثاني هو المعلومات الأزلية وهو جواز الجائزات ووجوب الواجبات ~~واستحالة المستحيلات فإن هذه معلومات أزلية أبديه إذ لا يستحيل الواجب قط ~~جائزا ولا الجائز محالا ولا المحال واجبا # فكل هذه الأقسام داخلة في معرفة الله وما يجب له وما يستحيل في صفاته ~~ويجوز في أفعاله فالعلم بالله تعالى وبصفاته وأفعاله وحكمته في ملكوت ~~السموات والأرض وترتيب الدنيا والآخرة وما يتعلق به هو الكمال الحقيقي الذي ~~يقرب من يتصف به من الله تعالى ويبقى كمالا للنفس بعد الموت وتكون هذه ~~المعرفة نور للعارفين بعد الموت يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ~~ربنا أتمم لنا نورنا أي تكون هذه المعرفة رأس مال يوصل إلى كشف ما لم ينكشف ~~في الدنيا كما أن من معه سراج خفي فإنه يجوز أن يصير ذلك سببا لزيادة النور ~~بسراج آخر يقتبس منه فيكمل النور الخفي على سبيل الاستتمام ومن ليس معه أصل ~~السراج فلا مطمع له في ذلك فمن ليس معه أصل معرفة الله تعالى لم يكن له ~~مطمع في هذا النور فيبقى كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها بل كظلمات في ~~بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض فإذن لا ~~سعادة إلا في معرفة الله تعالى وأما ما عدا ذلك من المعارف فمنها ما لا ~~فائدة له أصلا كمعرفة الشعر وأنساب العرب وغيرهما ومنها ما له منفعة في ~~الإعانة على معرفة الله تعالى كمعرفة لغة العرب والتفسير والفقه والأخبار ~~فإن معرفة لغة العرب تعين على معرفة تفسير القرآن ومعرفة التفسير تعين على ~~معرفة ما في القرآن من كيفية العبادات والأعمال التي تفيد تزكية النفس ~~ومعرفة طريق تزكية النفس تفيد استعداد النفس لقبول الهدايا إلى معرفة الله ~~سبحانه وتعالى كما قال تعالى قد أفلح من زكاها وقال عز وجل والذين جاهدوا ~~فينا لنهدينهم سبلنا فتكون جملة هذه المعارف كالوسائل إلى تحقيق معرفة الله ~~تعالى وإنما الكمال في معرفة الله ومعرفة صفاته وأفعاله وينطوي فيه جميع ~~المعارف المحيطة بالموجودات إذ الموجودات كلها من أفعاله فمن عرفها من حيث ~~هي فعل الله تعالى # ومن حيث ارتباطها بالقدرة والإرادة والحكمة فهي من تكملة معرفة الله ~~تعالى وهذا حكم كمال العلم ذكرناه وإن لم يكن لائقا بأحكام الجاه والرياء ~~ولكن أوردناه لاستيفاء أقسام الكمال PageV03P283 # وأما القدرة فليس فيها كمال حقيقي للعبد بل للعبد علم حقيقي وليس له قدرة ~~حقيقة وإنما القدرة الحقيقة لله وما يحدث من الأشياء عقيب إرادة العبد ~~وقدرته وحركته فهي حادثة بإحداث الله كما قررناه في كتاب الصبر والشكر ~~وكتاب التوكل وفي مواضع شتى من ربع المنجيات فكمال العلم يبقى معه بعد ~~الموت ويوصله إلى الله تعالى فأما كمال القدرة فلا # نعم له كمال من جهة القدرة بالإضافة إلى الحال وهي وسيلة له إلى كمال ~~العلم كسلامة أطرافه وقوة يده للبطش ورجله للمشي وحواسه للإدراك فإن هذه ~~القوة آلة للوصول بها إلى حقيقة كمال العلم وقد يحتاج في استيفاء هذه القوى ~~إلى القدرة بمال والجاه للتوصل به إلى المطعم والمشرب والملبس والمسكن وذلك ~~إلى قدر معلوم فإن لم يستعمله للوصول به إلى معرفة جلال الله فلا خير فيه ~~البتة إلا من حيث اللذة الحالية التي تنقضي على القرب ومن ظن ذلك كمالا فقد ~~جهل فالخلق أكثرهم هالكون في غمرة هذا الجهل فإنهم يظنون أن القدرة على ~~الأجساد بقهر الحشمة وعلى أعيان الأموال بسعة الغنى وعلى تعظيم القلوب بسعة ~~الجاه كمال فلما اعتقدوا ذلك أحبوه ولما أحبوه طلبوه ولما طلبوه شغلوا به ~~وتهالكوا عليه فنسوا الكمال الحقيقي الذي يوجب القرب من الله تعالى ومن ~~ملائكته وهو العلم والحرية أما العلم فما ذكرناه من معرفة الله تعالى وأما ~~الحرية فالخلاص من أسر الشهوات وغموم الدنيا والاستيلاء عليها بالقهر تشبها ~~بالملائكة الذين لا تستفزهم الشهوة ولا يستهويهم الغضب فإن دفع آثار الشهوة ~~والغضب عن النفس من الكمال الذي هو من صفات الملائكة # ومن صفات الكمال لله تعالى استحالة التغير والتأثر عليه فمن كان عن ~~التغير والتأثر بالعوارض أبعد كان إلى الله تعالى أقرب وبالملائكة أشبه ~~ومنزلته عند الله أعظم # وهذا كمال ثالث سوى كمال العلم والقدرة وإنما لم نورده في أقسام الكلام ~~لأن حقيقته ترجع إلى عدم ونقصان فإن التغير نقصان إذ هو عبارة عن عدم صفة ~~كائنة وهلاكها والهلاك نقص في اللذات وفي صفات الكمال # فإذن الكمالات ثلاثة إن عددنا عدم التغير بالشهوات وعدم الانقياد لها ~~كمالا ككمال العلم وكمال الحرية وأعني به عدم العبودية للشهوات وإرادة ~~الأسباب الدنيوية وكمال القدرة للعبد طريق إلى اكتساب كمال العلم وكمال ~~الحرية ولا طريق له إلى اكتساب كمال القدرة الباقية بعد موته إذ قدرته على ~~أعيان الأموال وعلى استسخار القلوب والأبدان تنقطع بالموت ومعرفته وحريته ~~لا ينعدمان بالموت بل يبقيان كمالا فيه ووسيله إلى القرب من الله تعالى # فانظر كيف انقلب الجاهلون وانكبوا على وجوههم انكباب العميان فأقبلوا على ~~طلب كمال القدرة بالجاه والمال وهو الكمال الذي لا يسلم وإن سلم فلا بقاء ~~له وأعرضوا عن كمال الحرية والعلم الذي إذا حصل كان أبديا لا انقطاع له ~~وهؤلاء هم الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا جرم لا يخفف عنهم العذاب ~~ولا هم ينصرون وهم الذين لم يفهموا قوله تعالى المال والبنون زينة الحياة ~~الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا فالعلم والحرية هي ~~الباقيات الصالحات التي تبقي كمالا في النفس والمال والجاه هو الذي ينقضي ~~على القرب وهو كما مثله الله تعالى حيث قال إنما مثل الحياة الدنيا كماء ~~أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض الآية وقال تعالى واضرب لهم مثل ~~الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء إلى قوله فأصبح هشيما تذروه الرياح ~~وكل ما تذروه رياح الموت فهو زهرة الحياة الدنيا وكل ما لا يقطعه الموت فهو ~~الباقيات الصالحات # فقد عرفت بهذا أن كمال القدرة بالمال والجاه كمال ظني لا أصل له وأن من ~~قصر الوقت على طلبه وظنه مقصودا فهو جاهل وإليه أشار أبو الطيب بقوله ~~PageV03P284 # ومن ينفق الساعات في جمع ماله % مخافة فقر فالذي فعل الفقر # إلا قدر البلغة منهما إلى الكمال الحقيقي اللهم اجعلنا ممن وفقته للخير ~~وهديته بلطفك # | بيان ما يحمد من حب الجاه وما يذم # مهما عرفت أن معنى الجاه ملك القلوب والقدرة عليها فحكمه حكم ملك الأموال ~~فإنه عرض من أعراض الحياة الدنيا وينقطع بالموت كالمال والدنيا مزرعة ~~الآخرة فكل ما خلق في الدنيا فيمكن أن يتزود منه للآخرة وكما أنه لا بد من ~~أدنى مال لضرورة المطعم والمشرب والملبس فلا بد من أدنى جاه لضرورة المعيشة ~~مع الخلق والإنسان كما لا يستغني عن طعام يتناوله له فيجوز أن يحب الطعام ~~أو المال الذي يبتاع به الطعام فكذلك لا يخلو عن الحاجة إلى خادم يخدمه ~~ورفيق يعينه وأستاذ يرشده وسلطان يحرسه ويدفع عنه ظلم الأشرار فحبه لأن ~~يكون له في قلب خادمه من المحل ما يدعوه إلى الخدمة ليس بمذموم وحبه لأن ~~يكون له في قلب رفيقه من المحل ما يحسن به مرافقته ومعاونته ليس بمذموم ~~وحبه لأن يكون له في قلب أستاذه من المحل ما يحسن به إرشاده وتعليمه ~~والعناية به ليس بمذموم وحبه لأن يكون له من المحل في قلب سلطانه ما يحثه ~~ذلك على دفع الشر عنه ليس بمذموم فإن الجاه وسيلة إلى الأعراض كالمال فلا ~~فرق بينهما إلا أن التحقيق في هذا يفضي إلى أن لا يكون المال والجاه ~~بأعيانهما محبوبين له بل ينزل ذلك منزلة حب الإنسان أن يكون له في داره بيت ~~ماء لأنه مضطر إليه لقضاء حاجته ويود أن لو استغنى عن قضاء الحاجة حتى ~~يستغني عن بيت الماء فهذا على التحقيق ليس محبا لبيت الماء فكل ما يراد ~~للتوصل به إلى محبوب فالمحبوب هو المقصود المتوصل إليه # وتدرك التفرقة بمثال آخر وهو أن الرجل قد يحب زوجته من حيث إنه يدفع بها ~~فضلة الشهوة كما يدفع بيت الماء فضلة الطعام ولو كفى مؤنة الشهوة لكان يهجر ~~زوجته كما أنه لو كفى قضاء الحاجة لكان لا يدخل بيت الماء ولا يدور به وقد ~~يحب الإنسان زوجته لذاتها حب العشاق ولو كفى الشهوة لبقي مستصحبا لنكاحها ~~فهذا هو الحب دون الأول وكذلك الجاه والمال # وقد يحب كل واحد منهما على هذين الوجهين فحبهما لأجل التوصل بهما إلى ~~مهمات البدن غير مذموم وحبهما لأعيانهما فيما يجاوز ضرورة البدن وحاجته ~~مذموم ولكنه لا يوصف صاحبه بالفسق والعصيان ما لم يحمل الحب على مباشرة ~~معصية # وما يتوصل به إلى اكتساب بكذب وخداع وارتكاب محظور وما لم يتوصل إلى ~~اكتسابه بعبادة فإن التوصل إلى الجاه والمال بالعبادة جناية على الدين وهو ~~حرام وإليه يرجع معنى الرياء المحظور كما سيأتي # فإن قلت طلبه المنزلة والجاه في قلب أستاذه وخادمه ورفيقه وسلطانه ومن ~~يرتبط به أمره مباح على الإطلاق كيفما كان أو يباح إلى حد مخصوص على وجه ~~مخصوص فأقول يطلب ذلك على ثلاثة أوجه وجهان مباحان ووجه محظور # أما الوجه المحظور فهو أن يطلب قيام المنزلة في قلوبهم باعتقادهم فيه صفة ~~وهو منفك عنها مثل العلم والورع والنسب فيظهر لهم أنه علوي أو عالم أو ورع ~~وهو لا يكون كذلك # فهذا حرام لأنه كذب وتلبيس إما بالقول أو بالمعاملة # أما أحد المباحين فهو أن يطلب المنزلة بصفة هو متصف بها كقول يوسف صلى ~~الله عليه وسلم فيما أخبر عنه الرب تعالى اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ ~~عليم فإنه طلب المنزلة في قلبه بكونه حفيظا عليما وكان PageV03P285 محتاجا ~~إليه وكان صادقا فيه # والثاني أن يطلب إخفاء عيب من عيوبه ومعصية من معاصيه حتى لا يعلم فلا ~~تزول منزلته به فهذا أيضا مباح لأن حفظ الستر على القبائح جائز ولا يجوز ~~هتك الستر وإظهار القبيح # وهذا ليس فيه تلبيس بل هو سد لطريق العلم بما لا فائدة في العلم به كالذي ~~يخفي عن السلطان أنه يشرب الخمر ولا يلقي إليه أنه ورع فإن قوله إني ورع ~~تلبيس وعدم إقراره بالشرب لا يوجب اعتقاد الورع بل يمنع العلم بالشرب # ومن جملة المحظورات تحسين الصلاة بين يديه ليحسن فيه اعتقاده فإن ذلك ~~رياء وهو ملبس إذ يخيل إليه أنه من المخلصين الخاشعين لله وهو مراء بما ~~يفعله فكيف يكون مخلصا فطلب الجاه بهذا الطريق حرام وكذا بكل معصية وذلك ~~يجري مجرى اكتساب المال الحرام من غير فرق وكما لا يجوز له أن يتملك مال ~~غيره بتلبيس في عوض أو غيره فلا يجوز له أن يتملك قلبه بتزوير وخداع فإن ~~ملك القلوب أعظم من ملك الأموال # | بيان السبب في حب المدح والثناء وارتياح النفس به وميل الطبع إليه ~~وبغضها # للذم ونفرتها منه # اعلم أن لحب المدح والتذاذ القلب به أربعة أسباب # السبب الأول وهو الأقوى شعور النفس بالكمال فإنا بينا أن الكمال محبوب ~~وكل محبوب فإدراكه لذيذ # فمهما شعرت النفس بكمالها ارتاحت واعتزت وتلذذت والمدح يشعر نفس الممدوح ~~بكمالها فإن الوصف الذي به مدح لا يخلو إما أن يكون جليا ظاهرا أو يكون ~~مشكوكا فيه فإن كان جليا ظاهرا محسوسا كانت اللذة به أقل ولكنه لا يخلو عن ~~لذة كثنائه عليه بأنه طويل القامة أبيض اللون فإن هذا نوع كمال ولكن النفس ~~تغفل عنه فتخلو عن لذته فإذا استشعرته لم يخل حدوث الشعور عن حدوث لذة وإن ~~كان ذلك الوصف مما يتطرق إليه الشك فاللذة فيه أعظم كالثناء عليه بكمال ~~العلم أو كمال الورع أو بالحسن المطلق فإن الإنسان ربما يكون شاكا في كمال ~~حسنه وفي كمال علمه وكمال ورعه ويكون مشتاقا إلى زوال هذا الشك بأن يصير ~~مستيقنا لكونه عديم النظير في هذه الأمور إذ تطمئن نفسه إليه فإذا ذكره ~~غيره أورث ذلك طمأنينه وثقة باستشعار ذلك الكمال فتعظم لذاته وإنما تعظم ~~اللذة بهذه العلة مهما صدر الثناء من بصير بهذه الصفات خبير بها لا يجازف ~~في القول إلا عن تحقيق ذلك كفرح التلميذ بثناء أستاذه عليه بالكياسة ~~والذكاء وغزارة الفضل فإنه في غاية اللذة وإن صدر ممن يجازف في الكلام أو ~~لا يكون بصيرا بذلك الوصف ضعفت اللذة وبهذه العلة يبغض الذم أيضا ويكرهه ~~لأنه يشعره بنقصان نفسه والنقصان ضد الكمال المحبوب فهو ممقوت الشعور به ~~مؤلم ولذلك يعظم الألم إذا صدر الذم من بصير موثوق به كما ذكرناه في المدح # السبب الثاني أن المدح يدل على أن قلب المادح مملوك للممدوح وأنه مريد له ~~ومعتقد فيه ومسخر تحت مشيئته وملك القلوب محبوب والشعور بحصوله لذيذ وبهذه ~~العلة تعظم اللذة مهما صدر الثناء ممن تتسع قدرته وينتفع باقتناص قلبه ~~كالملوك والأكابر ويضعف مهما كان المادح ممن لا يؤبه له ولا يقدر على شيء ~~فإن القدرة عليه بملك قلبه قدرة على أمر حقير فلا يدل المدح إلا على قدرة ~~قاصرة وبهذه العلة أيضا يكره الذم ويتألم به القلب وإذا كان من الأكابر ~~كانت نكايته أعظم لأن الفائت به أعظم # السبب الثالث أن ثناء المثني ومدح المادح سبب لاصطياد قلب كل من يسمعه لا ~~سيما إذا كان ذلك ممن يلتفت إلى قوله ويعتد بثنائه وهذا مختص بثناء يقع على ~~الملأ فلا جرم كلما كان الجمع أكثر والمثني أجدر بأن يلتفت إلى PageV03P286 ~~قوله كان المدح ألذ والذم أشد على النفس # السبب الرابع أن المدح يدل على حشمة الممدوح واضطرار المادح إلى إطلاق ~~اللسان بالثناء على الممدوح إما عن طوع وإما عن قهر فإن الحشمة أيضا لذيذة ~~لما فيها من القهر والقدرة وهذه اللذة تحصل وإن كان المادح لا يعتقد في ~~الباطن ما مدح به ولكن كونه مضطرا إلى ذكره نوع قهر واستيلاء عليه فلا جرم ~~تكون لذته بقدر تمنع المادح وقوته فتكون لذة ثناء القوي الممتنع عن التواضع ~~بالثناء أشد # فهذه الأسباب الأربعة قد تجمع في مدح مادح واحد فيعظم بها الالتذاذ وقد ~~تفترق فتنقص اللذة بها # أما العلة الأولى وهي استشعار الكمال فتندفع بأن يعلم الممدوح أنه غير ~~صادق في قوله كما إذا مدح بأنه نسيب أو سخي أو عالم يعلم أو متورع عن ~~المحظورات وهو يعلم من نفسه ضد ذلك فتزول اللذة التي سببها استشعار الكمال ~~وتبقى لذة الاستيلاء على قلبه وعلى لسانه وبقية اللذات فإن كان يعلم أن ~~المادح ليس يعتقد ما يقوله ويعلم خلوه عن هذه الصفة بطلب اللذة الثانية وهو ~~استيلاؤه على قلبه وتبقى لذة الاستيلاء والحشمة على اضطرار لسانه إلى النطق ~~بالثناء فإن لم يكن ذلك عن خوف بل كان بطريق اللعب بطلب اللذات كلها فلم ~~يكن فيه أصلا لذة لفوات الأسباب الثلاثة فهذا ما يكشف الغطاء عن علة التذاذ ~~النفس بالمدح وتألمها بسبب الذم # وإنما ذكرنا ذلك ليعرف طريق العلاج لحب الجاه وحب المحمدة وخوف المذمة ~~فإن ما لا يعرف سببه لا يمكن معالجته إذ العلاج عبارة عن حل أسباب المرض # والله الموفق بكرمه ولطفه وصلى الله على كل عبد مصطفى # | بيان علاج حب الجاه # اعلم أن من غلب على قلبه حب الجاه صار مقصور الهم على مراعاة الخلق ~~مشغوفا بالتودد إليهم والمراءات لأجلهم ولا يزال في أقواله وأفعاله ملتفتا ~~إلى ما يعظم منزلته عندهم وذلك بذر النفاق وأصل الفساد ويجر ذلك لا محالة ~~إلى التساهل في العبادات والمراءاة بها وإلى اقتحام المحظورات للتوصل إلى ~~اقتناص القلوب ولذلك شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حب الشرف والمال ~~وإفسادهما للدين بذئبين ضاريين وقال صلى الله عليه وسلم إنه ينبت النفاق ~~كما ينبت الماء البقل إذ النفاق هو مخالفة الظاهر للباطن بالقول أو الفعل ~~وكل من طلب المنزلة في قلوب الناس فيضطر إلى النفاق معهم وإلى التظاهر ~~بخصال حميدة هو خال عنها وذلك هو عين النفاق # فحب الجاه إذا من المهلكات فيجب علاجه وإزالته عن القلب فإن طبع جبل عليه ~~القلب كما جبل على حب المال وعلاجه مركب من علم وعمل # أما العلم فهو أن يعلم السبب الذي لأجله أحب الجاه وهو كمال القدرة على ~~أشخاص الناس وعلى قلوبهم وقد بينا أن ذلك إن صفا وسلم فآخره الموت فليس هو ~~من الباقيات الصالحات بل لو سجد لك كل من على بسيط الأرض من المشرق إلى ~~المغرب فإلى خمسين سنة لا يبقى الساجد ولا المسجود له ويكون حالك كحال من ~~مات قبلك من ذوي الجاه مع المتواضعين له # فهذا لا ينبغي أن يترك به الدين الذي هو الحياة الأبدية التي لا انقطاع ~~لها ومن فهم الكمال الحقيقي والكمال الوهمي كما سبق صغر الجاه في عينه إلا ~~أن ذلك إنما يصغر في عين من ينظر إلى الآخرة كأنه يشاهدها ويستحقر العاجلة ~~ويكون الموت كالحاصل عنده ويكون حاله كحال الحسن البصري حين كتب إلى عمر بن ~~عبد العزيز أما بعد فكأنك بآخر من كتب عليه الموت قد مات فانظر كيف مد نظره ~~نحو المستقبل وقدره كائنا # وكذلك حال عمر بن عبد العزيز حين كتب في جوابه أما بعد فكأنك بالدنيا لم ~~تكن PageV03P287 وكأنك بالآخرة لم تزل فهؤلاء كان التفاتهم إلى العاقبة ~~فكان عملهم لها بالتقوى إذ علموا أن العاقبة للمتقين فاستحقروا الجاه ~~والمال في الدنيا # وأبصار أكثر الخلق ضعيفة مقصورة على العاجلة التي لا يمتد نورها إلى ~~مشاهدة العواقب ولذلك قال تعالى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى ~~وقال عز وجل كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة فمن هذا حده فينبغي أن ~~يعالج قلبه من حب الجاه بالعلم بالآفات العاجلة وهو أن يتفكر في الأخطار ~~التي يستهدف لها أرباب الجاه في الدنيا فإن كل ذي جاه محسود ومقصود ~~بالإيذاء وخائف على الدوام على جاهه ومحترز من أن تتغير منزلته في القلوب ~~والقلوب أشد تغيرا من القدر في غليانها وهي مترددة بين الإقبال والإعراض ~~فكل ما يبنى على قلوب الخلق يضاهي ما يبنى على أمواج البحر فإنه لا ثبات له ~~والاشتغال بمراعاة القلوب وحفظ الجاه ودفع كيد الحساد ومنع أذى الأعداء كل ~~ذلك غموم عاجلة ومكدرة للذة الجاه فلا يفي في الدنيا مرجوها بمخوفها فضلا ~~عما يفوت في الآخرة فبهذا ينبغي أن تعالج البصيرة الضعيفة # وأما من نفذت بصيرته وقوي إيمانه فلا يلتفت إلى الدنيا فهذا هو العلاج من ~~حيث العلم # وأما من حيث العمل فإسقاط الجاه على قلوب الخلق بمباشرة أفعال يلام عليها ~~حتى يسقط من أعين الخلق وتفارقه لذه القبول ويأنس بالخمول ويرد الخلق ويقنع ~~بالقبول من الخالق # وهذا هو مذهب الملامتية إذ اقتحموا الفواحش في صورتها ليسقطوا أنفسهم من ~~أعين الناس فيسلموا من آفة الجاه وهذا غير جائز لمن يقتدى به فإنه يوهن ~~الدين في قلوب المسلمين وأما الذي لا يقتدى به فلا يجوز له أن يقدم على ~~محظور لأجل ذلك بل له أن يفعل من المباحات ما يسقط قدره عند الناس كما روي ~~أن بعض الملوك قصد بعض الزهاد فلما علم بقربه منه استدعى طعاما وبقلا وأخذ ~~يأكل بشره ويعظم اللقمة فلما نظر إليه الملك سقط من عينه وانصرف فقال ~~الزاهد الحمد لله الذي صرفك عني # ومنهم من شرب شرابا حلالا في قدح لونه لون الخمر حتى يظن به أنه يشرب ~~الخمر فيسقط من أعين الناس # وهذا في جوازه نظر من حيث الفقه إلا أن أرباب الأحوال ربما يعالجون ~~أنفسهم بما لا يفتي به الفقيه مهما رأوا إصلاح قلوبهم فيه ثم يتداركون ما ~~فرط منهم فيه من صورة التقصير كما فعل بعضهم فإنه عرف بالزهد وأقبل الناس ~~عليه فدخل حماما ولبس ثياب غيره وخرج فوقف في الطريق حتى عرفوه فأخذوه ~~وضربوه واستردوا منه الثياب وقالوا إنه طرار وهجروه وأقوى الطرق في قطع ~~الجاه الاعتزال عن الناس والهجرة إلى موضع الخمول فإن المعتزل في بيته في ~~البلد الذي هو به مشهور لا يخلو عن حب المنزلة التي ترسخ له في القلوب بسبب ~~عزلته فإنه ربما يظن أنه ليس محبا لذلك الجاه وهو مغرور وإنما سكنت نفسه ~~لأنها قد ظفرت بمقصودها ولو تغير الناس عما اعتقدوه فيه فذموه أو نسبوه إلى ~~أمر غير لائق به جزعت نفسه وتألمت وربما توصلت إلى الاعتذار عن ذلك وإماطة ~~ذلك الغبار عن قلوبهم وربما يحتاج في إزالة ذلك عن قلوبهم إلى كذب وتلبيس ~~ولا يبالي به وبه ويتبين بعد أنه محب للجاه والمنزلة # ومن أحب الجاه والمنزلة فهو كمن أحب المال بل هو شر منه فإن فتنة الجاه ~~أعظم ولا يمكنه أن لا يحب المنزلة في قلوب الناس ما دام يطمع في الناس فإذا ~~أحرز قوته من كسبه أو من جهة أخرى وقطع طمعه عن الناس رأسا أصبح الناس كلهم ~~عنده كالأرذال فلا يبالي أكان له منزلة في قلوبهم أم لم يكن كما لا يبالي ~~بما في قلوب الذين هم منه في أقصى المشرق لأنه لا يراهم ولا يطمع فيهم ولا ~~يقطع الطمع عن الناس إلا بالقناعة فمن قنع استغنى عن الناس وإذا استغنى لم ~~يشتغل قلبه بالناس ولم يكن لقيام منزلته في القلوب عنده وزن ولا يتم ترك ~~الجاه إلا بالقناعة وقطع الطمع # ويستعين على جميع ذلك بالأخبار الواردة في ذم PageV03P288 الجاه ومدح ~~الخمول والذل مثل قولهم المؤمن لا يخلو من ذلة أو قلة أو علة # وينظر في أحوال السلف وإيثارهم للذل على العز ورغبتهم في ثواب الآخرة رضي ~~الله عنهم أجمعين # | بيان وجه العلاج لحب المدح وكراهة الذم # اعلم أن أكبر الناس إنما هلكوا بخوف مذمة الناس وحب مدحهم فصار حركاتهم ~~كلها موقوفة على ما يوافق رضا الناس رجاء للمدح وخوفا من الذم وذلك من ~~المهلكات فيجب معالجته وطريقة ملاحظة الأسباب التي لأجلها يحب المدح ويكره ~~الذم # أما السبب الأول فهو استشعار الكمال بسبب قول المادح فطريقك فيه أن ترجع ~~إلى عقلك وتقول لنفسك هذه الصفة التي يمدحك بها أنت متصف بها أم لا فإن كنت ~~متصفا بها فهي إما صفة تستحق بها المدح كالعلم والورع وإما صفة لا تستحق ~~المدح كالثروة والجاه والأعراض الدنيوية فإن كانت من الأعراض الدنيوية ~~فالفرح بها كالفرح بنبات الأرض الذي يصير على القرب هشيما تذروه الرياح ~~وهذا من قلة العقل بل العاقل يقول كما قال المتنبي # أشد الغم عندي في سرور % تيقن عنه صاحبه انتقالا # فلا ينبغي أن يفرح الإنسان بعروض الدنيا وإن فرح فلا ينبغي أن يفرح بمدح ~~المادح بها بوجودها والمدح ليس هو سبب وجودها # وإن كانت الصفة مما يستحق الفرح بها كالعلم والورع فينبغي أن لا يفرح بها ~~لأن الخاتمة غير معلومة وهذا إنما يقتضي الفرح لأنه يقرب عند الله زلفى ~~وخطر الخاتمة غير معلومة وهذا إنما يقتضى الفرح لأنه يقرب عند الله زلفى ~~وخطر الخاتمة باق ففي الخوف من سوء الخاتمة شغل عن الفرح بكل ما في الدنيا ~~بل الدنيا دار أحزان وغموم لا دار فرح وسرور ثم إن كنت تفرح بها على رجاء ~~حسن الخاتمة فينبغي أن يكون فرحك بفضل الله عليك بالعلم والتقوى لا بمدح ~~المادح فإن اللذة في استشعار الكمال والكمال موجود من فضل الله لا من المدح ~~والمدح تابع له فلا ينبغي أن تفرح بالمدح والمدح لا يزيدك فضلا وإن كانت ~~الصفة التي مدحت بها أنت خال عنها ففرحك بالمدح غاية الجنون ومثالك مثال من ~~يهزأ به إنسان ويقول سبحان الله ما أكثر العطر الذي في أحشائه وما أطيب ~~الروائح التي تفوح منه إذا قضى حاجته وهو يعلم ما تشتمل عليه أمعاؤه من ~~الأقذار والأنتان ثم يفرح بذلك فكذلك إذا أثنوا عليك بالصلاح والورع ففرحت ~~به والله مطلع على خبائث باطنك وغوائل سريرتك وأقذار صفاتك كان ذلك من غاية ~~الجهل فإذا المادح إن صدق فليكن فرحك بصفتك التي هي من فضل الله عليك وإن ~~كذب فينبغي أن يغمك ذلك ولا تفرح به # وأما السبب الثاني وهو دلالة المدح على تسخير قلب المادح وكونه سببا ~~لتسخير قلب آخر فهذا يرجع إلى حب الجاه والمنزلة في القلوب وقد سبق وجه ~~معالجته وذلك بقطع الطمع عن الناس وطلب المنزلة عند الله وبأن تعلم أن طلبك ~~المنزلة في قلوب الناس وفرحك به يسقط منزلتك عند الله فكيف تفرح به # وأما السبب الثالث وهو الحشمة التي اضطرت المادح إلى المدح فهو أيضا يرجع ~~إلى قدرة عارضة لإثبات لها ولا تستحق الفرح بل ينبغي أن يغمك مدح المادح ~~وتكرهه وتغضب به كما نقل ذلك عن السلف لأن آفة المدح على الممدوح عظيمة كما ~~ذكرناه في كتاب آفات اللسان قال بعض السلف من فرح بمدح فقد مكن الشيطان من ~~أن يدخل في بطنه # وقال بعضهم إذا قيل لك نعم الرجل أنت فكان أحب إليك من أن يقال لك بئس ~~الرجل أنت فأنت والله بئس الرجل # وروي في بعض الأخبار فإن صح فهو قاصم للظهور PageV03P289 أن رجلا أثنى ~~على رجل خيرا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو كان صاحبك حاضرا ~~فرضي الذي قلت فمات على ذلك دخل النار + حديث أن رجلا أثنى على رجل خيرا ~~فقال لو كان صاحبك حاضرا فرضي الذي قلت ومات على ذلك دخل النار لم أجد له ~~أصلا # وقال صلى الله عليه وسلم مرة للمادح ويحك قصمت ظهره لو سمعك ما أفلح إلى ~~يوم القيامة + @QB@ حديث @QE@ ويحك قطعت ظهره الحديث قاله للمادح تقدم # وقال صلى الله عليه وسلم ألا لا تمادحوا وإذا رأيتم المادحين فاحثوا في ~~وجوههم التراب + حديث ألا لا تمادحوا وإذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم ~~التراب تقدم دون قوله ألا لا تمادحوا # فلهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين على وجل عظيم من المدح وفتنته ~~وما يدخل على القلب من السرور العظيم به حتى إن بعض الخلفاء الراشدين سأل ~~رجلا عن شيء فقال أنت يا أمير المؤمنين خير مني وأعلم فغضب وقال إني لم ~~آمرك بأن تزكيني وقيل لبعض الصحابة لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله فغضب ~~وقال إني لأحسبك عراقيا # وقال بعضهم لما مدح اللهم إن عبدك تقرب إلي بمقتك فأشهدك على مقته # وإنما كرهوا المدح خيفة أن يفرحوا بمدح الخلق وهم ممقوتون عند الخالق ~~فكان اشتغال قلوبهم بحالهم عند الله تعالى يبغض إليهم مدح الخلق لأن ~~الممدوح هو المقرب عند الله والمذموم بالحقيقة هو المبعد من الله الملقى في ~~النار مع الأشرار فهذا الممدوح إن كان عند الله من أهل النار فما أعظم جهله ~~إذا فرح بمدح غيره وإن كان من أهل الجنة فلا ينبغي أن يفرح إلا بفضل الله ~~تعالى وثنائه عليه إذ ليس أمره بيد الخلق # ومهما علم أن الأرزاق والآجال بيد الله تعالى قل التفاته إلى مدح الخلق ~~وذمهم وسقط من قلبه حب المدح واشتغل بما يهمه من أمر دينه # والله الموفق للصواب برحمته # | بيان علاج كراهة الذم # قد سبق أن العلة في كراهة الذم هو ضد العلة في حب المدح فعلاجه أيضا يفهم ~~منه # والقول الوجيز فيه أن من ذمك لا يخلو من ثلاثة أحوال # إما أن يكون قد صدق فيما قال وقصد به النصح والشفقة وإما أن يكون صادقا ~~ولكن قصده الإيذاء والتعنت وإما أن يكون كاذبا # فإن كان صادقا وقصده النصح فلا ينبغي أن تذمه وتغضب عليه وتحقد بسببه بل ~~ينبغي أن تتقلد منته فإن من أهدى إليك عيوبك فقد أرشدك إلى المهلك حتى ~~تتقيه فينبغي أن تفرح به وتشتغل بإزالة الصفة المذمومة عن نفسك إن قدرت ~~عليها فأما اغتمامك بسببه وكراهتك له وذمك إياه فإنه غاية الجهل وإن كان ~~قصده التعنت فأنت قد انتفعت بقوله إذ أرشدك إلى عيبك إن كنت جاهلا به ~~وأذكرك عيبك إن كنت غافلا عنه أو قبحه في عينك لينبعث حرصك على إزالته إن ~~كنت قد استحسنته # وكل ذلك أسباب سعادتك وقد استفدته منه فاشتغل بطلب السعادة فقد أتيح لك ~~أسبابها بسبب ما سمعته من المذمة # فمهما قصدت الدخول على ملك وثوبك ملوث بالعذرة وأنت لا تدري ولو دخلت ~~عليه كذلك لخفت أن يحز رقبتك لتلويثك مجلسه بالعذرة فقال قائل أيها الملوث ~~بالعذرة طهر نفسك فينبغي أن تفرح به لأن تنبيهك بقوله غنيمة وجميع مساوي ~~الأخلاق مهلكة في الآخرة والإنسان إنما يعرفها من قول أعدائه فينبغي أن ~~يغتنمه # وأما قصد العدو التعنت فجناية منه على دين نفسه وهو نعمة منه عليك فلم ~~تغضب عليه بقول انتفعت به أنت وتضرر هو به PageV03P290 # الحالة الثالثة أن يفتري عليك بما أنت بريء منه عند الله تعالى فينبغي أن ~~لا تكره ذلك ولا تشتغل بذمه بل تتفكر في ثلاثة أمور # أحدها أنك إن خلوت من ذلك العيب فلا تخلو عن أمثاله وأشباهه وما ستره ~~الله من عيوبك أكثر فاشكر الله تعالى إذ لم يطلعه على عيوبك ودفعه عنك بذكر ~~ما أنت بريء عنه # والثاني أن ذلك كفارات لبقية مساويك وذنوبك فكأنه رماك بعيب أنت بريء منه ~~وطهرك من ذنوب أنت ملوث بها وكل من اغتابك فقد أهدى إليك حسناته وكل من ~~مدحك فقد قطع ظهرك # فما بالك تفرح بقطع الظهر وتحزن لهدايا الحسنات التي تقربك إلى الله ~~تعالى وأنت تزعم أنك تحب القرب من الله # وأما الثالث فهو أن المسكين قد جنى على دينه حتى سقط من عين الله وأهلك ~~نفسه بافترائه وتعرض لعقابه الأليم فلا ينبغي أن تغضب عليه مع غضب الله ~~عليه فتشمت به الشيطان وتقول اللهم أهلكه بل ينبغي أن تقول اللهم أصلحه ~~اللهم تب عليه اللهم ارحمه كما قال صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لقومي ~~اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون + حديث اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ~~قاله لما ضربه قومه أخرجه البيهقي في دلائل النبوة وقد تقدم والحديث في ~~الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قاله حكاية عن نبي من الأنبياء حين ضربه ~~قومه # لما أن كسروا ثنيته وشجوا وجهه وقتلوا عمه حمزة يوم أحد # ودعا إبراهيم بن أدهم لمن شج رأسه بالمغفرة فقيل له في ذلك فقال علمت أني ~~مأجور بسببه وما نالني منه إلا خير فلا أرضى أن يكون هو معاقبا بسببي # ومما يهون عليك كراهة المذمة قطع الطمع فإن من استغنيت عنه مهما ذمك لم ~~يعظم أثر ذلك في قلبه وأصل الدين القناعة وبها ينقطع الطمع عن المال والجاه ~~وما دام الطمع قائما كان حب الجاه والمدح في قلب من طمعت فيه غالبا وكانت ~~همتك إلى تحصيل المنزلة في قلبه مصروفة ولا ينال ذلك إلا بهدم الدين فلا ~~ينبغي أن يطمع طالب المال والجاه ومحب المدح ومبغض الذم في سلامة دينه فإن ~~ذلك بعيد جدا # | بيان اختلاف أحوال الناس في المدح والذم # اعلم أن للناس أربعة أحوال بالإضافة إلى الذام والمادح # الحالة الأولى أن يفرح بالمدح ويشكر المادح ويغضب من الذم ويحقد على ~~الذام ويكافئه أو يحب مكافأته وهذا حال أكثر الخلق وهو غاية درجات المعصية ~~في هذا الباب # الحالة الثانية أن يمتعض في الباطن على الذام ولكن يمسك لسانه وجوارحه عن ~~مكافأته ويفرح باطنه ويرتاح للمادح ولكن يحفظ ظاهره عن إظهار السرور وهذا ~~من النقصان إلا أنه بالإضافة إلى ما قبله كمال # الحالة الثالثة وهي أول درجات الكمال أن يستوي عنده ذامه ومادحه فلا تغمه ~~المذمة ولا تسره استثقالا # وهذا قد يظنه بعض العباد بنفسه ويكون مغرورا إن لم يمتحن نفسه بعلاماته # وعلاماته أن لا يجد في نفسه استثقالا للذام عند تطويله الجلوس عنده أكثر ~~مما يجده في المادح وأن لا يجد في نفسه زيادة هزة ونشاط في قضاء حوائج ~~المادح فوق ما يجده في قضاء حاجة الذام وأن لا يكون انقطاع الذام عن مجلسه ~~أهون عليه من انقطاع المادح وأن لا يكون موت المادح المطري له أشد نكاية في ~~قلبه من موت الذام وأن لا يكون غمه بمصيبة المادح وما يناله من أعدائه أكثر ~~مما يكون بمصيبة الذام وأن لا تكون زلة المادح أخف على قلبه وفي عينه من ~~زلة الذام # فمهما خف الذام على قلبه كما خف المادح واستويا من كل وجه فقد نال هذه ~~الرتبة وما أبعد ذلك وما أشده على القلوب وأكثر العباد فرحهم بمدح الناس ~~لهم مستبطن في قلوبهم وهم لا يشعرون حيث لا يمتحنون PageV03P291 أنفسهم ~~بهذه العلامات وربما شعر العابد بميل قلبه إلى المادح دون الذام والشيطان ~~يحسن له ذلك ويقول الذام قد عصى الله بمذمتك والمادح قد أطاع الله بمدحك ~~فكيف تسوي بينهما وإنما استثقالك للذام من الدين المحض # وهنا محض التلبيس فإن العابد لو تفكر علم أن في الناس من ارتكب كبائر ~~المعاصي أكثر مما ارتكب الذام في مذمته ثم إنه لا يستثقلهم ولا ينفر عنهم ~~ويعلم أن المادح الذي مدح لا يخلو عن مذمة غيره # ولا يجد في نفسه نفرة عنه بمذمة غيره كما يجد لمذمة نفسه والمذمة من حيث ~~إنها معصية لا تختلف بأن يكون هو المذموم أو غيره # فإذا العابد المغرور لنفسه يغضب ولهواه يمتعض ثم إن الشيطان يخيل إليه ~~أنه من الدين حتى يعتل على الله بهواه فيزيده ذلك بعدا من الله ومن لم يطلع ~~على مكايد الشيطان وآفات النفوس فأكثر عباداته تعب ضائع يفوت عليه الدنيا ~~ويخسره في الآخرة وفيهم قال الله تعالى قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ~~الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا # الحالة الرابعة وهي الصدق في العبادة أن يكره المدح ويمقت المادح إذا ~~يعلم أنه فتنة عليه قاصمة للظهر مضرة له في الدين ويحب الذام إذ يعلم أنه ~~مهد إليه عيبه ومرشد له إلى مهمه ومهد إليه حسناته فقد قال صلى الله عليه ~~وسلم رأس التواضع أن تكره أن تذكر بالبر والتقوى + حديث رأس التواضع أن ~~يكره أن يذكر بالبر والتقوى لم أجد له أصلا # وقد روي في بعض الأخبار ما هو قاصم لظهور أمثالنا إن صح إذ روي أنه صلى ~~الله عليه وسلم قال ويل للصائم وويل للقائم وويل لصاحب الصوف إلا من فقيل ~~يا رسول الله إلا من فقال إلا من تنزهت نفسه عن الدنيا وأبغض المدحة واستحب ~~المذمة + حديث ويل للصائم وويل للقائم وويل لصاحب الصوف الحديث لم أجده ~~هكذا وذكر صاحب الفردوس من حديث أنس ويل لمن لبس الصوف فخالف فعله قوله ولم ~~يخرجه ولد في مسنده # وهذا شديد جدا وغاية أمثالنا الطمع في الحالة الثانية وهو أن يضمر الفرح ~~والكراهة على الذام والمادح ولا يظهر ذلك بالقول والعمل فأما الحالة ~~الثالثة وهي التسوية بين المادح والذام فلسنا نطمع فيها # ثم إن طالبنا أنفسنا بعلامة الحالة الثانية فإنها لا تفي بها لأنه لا بد ~~وأن تتسارع إلى إكرام المادح وقضاء حاجاته وتتثاقل على إكرام الذام والثناء ~~عليه وقضاء حوائجه ولا نقدر على أن نسوي بينهما في الفعل الظاهر كما لا ~~نقدر عليه في سريرة القلب ومن قدر على التسوية بين المادح والذام في ظاهر ~~الفعل فهو جدير بأن يتخذ قدوة في هذا الزمان إن وجد فإنه الكبريت الأحمر ~~يتحدث الناس به ولا يرى فكيف بما بعده من المرتبتين وكل واحدة من هذه الرتب ~~أيضا فيها درجات # أما الدرجات في المدح فهو أن من الناس من يتمنى المدحة والثناء وانتشار ~~الصيت فيتوصل إلى نيل ذلك بكل ما يمكن حتى يرائي بالعبادات ولا يبالي ~~بمقارفة المحظورات لاستمالة قلوب الناس واستنطاق ألسنتهم بالمدح وهذا من ~~الهالكين # ومنهم من يريد ذلك ويطلبه بالمباحات ولا يطلبه بالعبادات ولا يباشر ~~المحظورات وهذا على شرف جرف هار فإن حدود الكلام الذي يستميل به القلوب ~~وحدود الأعمال لا يمكنه أن يضبطها فيوشك أن يقع فيما لا يحل لنيل الحمد فهو ~~قريب من الهالكين جدا # ومنهم من لا يريد المدحة ولا يسعى لطلبها ولكن إذا مدح سبق السرور إلى ~~قلبه فإذا لم يقابل ذلك بالمجاهدة ولم يتكلف الكراهية فهو قريب من أن ~~يستجره فرط السرور إلى الرتبة التي قبلها وإن جاهد نفسه في ذلك وكلف قلبه ~~الكراهية وبغض السرور إليه بالتفكر في آفات المدح فهو في خطر المجاهدة ~~فتارة تكون اليد له وتارة تكون عليه # ومنهم من إذا سمع المدح لم يسر به ولم يغنم به ولم يؤثر فيه وهذا على خير ~~وإن كان قد بقي عليه بقية من الإخلاص # ومنهم من يكره المدح إذا سمعه ولكن PageV03P292 لا ينتهي به إلى أن يغضب ~~على المادح وينكر عليه وأقصى درجاته أن يكره ويغضب ويظهر الغضب وهو صادق ~~فيه لا أن يظهر الغضب وقلبه محب له فإن ذلك عين النفاق لأنه يريد أن يظهر ~~من نفسه الإخلاص والصدق وهو مفلس عنه وكذلك بالضد من هذا تتفاوت الأحوال في ~~حق الذام وأول درجاته إظهار الغضب وآخرها إظهار الفرح ولا يكون الفرح ~~وإظهاره إلا ممن في قلبه حنق وحقد على نفسه لتمردها عليه وكثرة عيوبها ~~ومواعيدها الكاذبة وتلبيساتها الخبيثة فيبغضها بغض العدو والإنسان يفرح ممن ~~يذم عدوه وهذا شخص عدوه نفسه فيفرح إذا سمع ذمها ويشكر الذام على ذلك ~~ويعتقد فطنته وذكاءه لما وقف على عيوبها فيكون ذلك كالتشفي له من نفسه ~~ويكون غنيمة عنده إذ صار بالمذمة أوضع في أعين الناس حتى لا يبتلى بفتنة ~~الناس وإذا سيقت إليه حسنات لم ينصب فيها فعساه يكون خيرا لعيوبه التي هو ~~عاجز عن إماطتها ولو جاهد المريد نفسه طول عمره في هذه الخصلة الواحدة وهو ~~أن يستوي عنده ذامه ومادحه لكان له شغل شاغل فيه لا يتفرغ معه لغيره وبينه ~~وبين السعادة عقبات كثيرة هذه إحداها ولا يقطع شيئا منها إلا بالمجاهدة ~~الشديدة في العمر الطويل الشطر الثاني من الكتاب في طلب الجاه والمنزلة ~~بالعبادات # وهو الرياء وفيه # | بيان ذم الرياء # وبيان حقيقة الرياء وما يرائي وبيان درجات الرياء وبيان الرياء الخفي ~~وبيان ما يحبط العمل من الرياء وما لا يحبط وبيان دواء الرياء وعلاجه وبيان ~~الرخصة في إظهار الطاعات وبيان الرخصة في كتمان الذنوب وبيان ترك الطاعات ~~خوفا من الرياء والآفات وبيان ما يصح من نشاط العبد للعبادات بسبب رؤية ~~الخلق وبيان ما يجب على المريد أن يلزمه قلبه قبل الطاعة وبعدها # وهي عشرة فصول وبالله التوفيق بيان ذم الرياء # اعلم أن الرياء حرام والمرائي عند الله ممقوت وقد شهدت لذلك الآيات ~~والأخبار والآثار # أما الآيات فقوله تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم ~~يراءون وقوله عز وجل والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو ~~يبور قال مجاهد هم أهل الرياء # وقال تعالى إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا فمدح ~~المخلصين ينفي كل إرادة سوى وجه الله والرياء ضده وقال تعالى فمن كان يرجو ~~لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا + حديث نزول قوله ~~تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه الآية فيمن يطلب الآخرة بعباداته وأعماله # أخرجه الحاكم من حديث طاوس قال رجل إني أقف الموقف أبتغي وجه الله وأحب ~~أن يرى موطني فلم يرد عليه حتى نزلت هذه الآية # هكذا في نسختي من المستدرك ولعله سقط منه ابن عباس أو أبو هريرة وللبزار ~~من حديث معاذ بسند ضعيف من صام رياء فقد أشرك الحديث وفيه أنه صلى الله ~~عليه وسلم تلا هذه الآية # نزل بعد ذلك فيمن يطلب الأجر والحمد بعباداته وأعماله # وأما الأخبار فقد قال صلى الله عليه وسلم حين سأله رجل فقال يا رسول الله ~~فيم النجاة فقال أن لا يعمل العبد بطاعة الله يريد بها الناس وقال أبو ~~هريرة في حديث الثلاثة المقتول في سبيل الله والمتصدق بماله والقارئ لكتاب ~~الله كما أوردناه في كتاب الإخلاص وإن الله عز وجل يقول لكل واحد منهم كذبت ~~بل أردت أن يقال فلان جواد كذبت بل أردت أن يقال فلان شجاع كذبت بل أردت أن ~~يقال فلان قارئ فأخبر صلى الله عليه وسلم PageV03P293 أنهم لم يثابوا وأن ~~رياءهم هو الذي أحبط أعمالهم + حديث أبي هريرة في الثلاثة المقتول في سبيل ~~الله والمتصدق بماله والقارئ لكتابه فإن الله تعالى يقول لكل واحد منهم ~~كذبت # رواه مسلم وسيأتي في كتاب الإخلاص # وقال ابن عمر رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم من راءى راءى ~~الله به ومن سمع سمع الله به + حديث ابن عمر من راءى راءى الله تعالى به ~~ومن سمع سمع الله به متفق عليه من حديث جندب بن عبد الله وأما حديث ابن عمر ~~فرواه الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب من رواية شيخ يكنى أبا يزيد ~~عنه بلفظ من سمع الناس سمع الله به سامع خلقه وحقره وصغره وفي الزهد لابن ~~المبارك ومسند أحمد بن منيع إنه من حديث عبد الله بن عمرو # وفي حديث آخر طويل إن الله تعالى يقول لملائكته إن هذا لم يردني بعمله ~~فاجعلوه في سجين + حديث إن الله يقول للملائكة إن هذا لم يردني بعمله ~~فاجعلوه في سجين أخرجه ابن المبارك في الزهد ومن طريقه ابن أبي الدنيا في ~~الإخلاص وأبو الشيخ في كتاب العظمة من رواية حمزة بن حبيب مرسلا ورواه ابن ~~الجوزي في الموضوعات # وقال صلى الله عليه وسلم إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا وما ~~الشرك الأصغر يا رسول الله قال الرياء يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا ~~جازى العباد بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل ~~تجدون عندهم الجزاء + حديث إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الحديث ~~أخرجه أحمد والبيهقي في الشعب من حديث محمود بن لبيد وله رواية ورجاله ثقات ~~ورواه الطبراني من رواية محمود بن لبيد عن رافع بن خديج # وقال صلى الله عليه وسلم استعيذوا بالله عز وجل من جب الحزن قيل وما هو ~~يا رسول الله قال واد في جهنم أعد للقراء المرائين + حديث استعيذوا بالله ~~من جب الحزن قيل وما هو قال واد في جهنم أعد للقراء المرائين أخرجه الترمذي ~~وقال غريب وابن ماجه من حديث أبي هريرة وضعفه ابن عدي # وقال صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل من عمل لي عملا أشرك فيه غيري ~~فهو له كله وأنا منه بريء وأنا منه بريء وأنا أغنى الأغنياء عن الشرك + ~~حديث يقول الله من عمل لي عملا أشرك فيه غيري فهو له كله الحديث أخرجه مالك ~~واللفظ له من حديث أبي هريرة دون قوله وأنا منه بريء ومسلم مع تقديم وتأخير ~~دونها أيضا وهي عند ابن ماجه بسند صحيح # وقال عيسى المسيح صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم صوم أحدكم فليدهن رأسه ~~ولحيته ويمسح شفتيه لئلا يرى الناس أنه صائم وإذا أعطى بيمينه فليخف عن ~~شماله وإذا صلى فليرخ ستر بابه فإن الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق وقال ~~نبينا صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله عز وجل عملا فيه مثقال ذرة من رياء ~~+ حديث لا يقبل الله عملا فيه مقدار ذرة من رياء لم أجده هكذا # وقال عمر لمعاذ بن جبل حين رآه يبكي ما يبكيك قال حديث سمعته من صاحب هذا ~~القبر يعني النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن أدنى الرياء شرك + حديث معاذ ~~إن أدنى الرياء شرك أخرجه الطبراني هكذا والحاكم بلفظ إن اليسير من الرياء ~~شرك وقد تقدم # وقال صلى الله عليه وسلم أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهرة الخفية + ~~حديث أخوف ما أخاف عليكم الرياء الحديث تقدم في أول هذا الكتاب # وهي أيضا ترجع إلى خطايا الرياء ودقائقه وقال صلى الله عليه وسلم إن في ~~ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله رجلا تصدق بيمينه فكاد يخفيها عن شماله + حديث ~~إن في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله رجلا تصدق بيمينه فكاد أن يخفيها عن ~~شماله متفق عليه من حديث أبي هريرة بنحوه في حديث سبعة يظلهم الله في ظله # ولذلك ورد أن فضل عمل السر على عمل الجهر بسبعين ضعفا + حديث تفضيل عمل ~~السر على عمل الجهر بسبعين ضعفه البيهقي في الشعب من حديث أبي الدرداء إن ~~الرجل ليعمل العمل فيكتب له عمل صالح معمول به في السر يضعف أجره سبعين ~~ضعفا قال البيهقي هذا من أفراد بقية عن شيوخه المجهولين وروى ابن أبي ~~الدنيا في كتاب الإخلاص من حديث عائشة بسند ضعيف يفضل الذكر الخفي الذي لا ~~تسمعه الحفظة على الذكر الذي تسمعه الحفظة سبعين درجة # وقال صلى الله عليه وسلم إن المرائي ينادى عليه يوم القيامة يا فاجر يا ~~غادر يا مرائي ضل عملك وحبط أجرك اذهب فخذ أجرك ممن كنت تعمل له + حديث إن ~~المرائي ينادى يوم القيامة يا فاجر يا غادر يا مرائي ضل عملك وحبط أجرك ~~الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا من رواية جبلة اليحصبي من صحابي لم يسم وزاد ~~يا كافر يا خاسر ولم يقل يا مرائي + وإسناده ضعيف + # وقال شداد بن أوس رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يبكي فقلت ما يبكيك يا ~~رسول الله PageV03P294 قال إني تخوفت على أمتي الشرك أما إنهم لا يعبدون ~~صنما ولا شمسا ولا قمرا ولا حجرا ولكنهم يراءون بأعمالهم + حديث شداد بن ~~أوس إني تخوفت على أمتي الشرك الحديث أخرجه ابن ماجه والحاكم نحوه وقد تقدم ~~قريبا + # وقال صلى الله عليه وسلم لما خلق الله الأرض مادت بأهلها فخلق الجبال ~~فصيرها أوتادا للأرض فقالت الملائكة ما خلق ربنا خلقا هو أشد من الجبال ~~فخلق الله الحديد فقطع الجبال ثم خلق النار فأذابت الحديد ثم أمر الله ~~الماء بإطفاء النار وأمر الريح فكدرت الماء فاختلفت الملائكة فقالت نسأل ~~الله تعالى قالوا يا رب ما أشد ما خلقت من خلقك قال الله تعالى لم أخلق ~~خلقا هو أشد علي من قلب ابن آدم حين يتصدق بصدقة بيمينه فيخفيها عن شماله ~~فهذا أشد خلقا خلقه + حديث لما خلق الله الأرض مادت بأهلها الحديث @QB@ ~~وفيه @QE@ لم أخلق خلقا هو أشد من ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله ~~أخرجه الترمذي من حديث أنس مع اختلاف وقال غريب + # وروى عبد الله بن المبارك بإسناده عن رجل أنه قال لمعاذ بن جبل حدثني ~~حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فبكى معاذ حتى ظننت أنه ~~لا يسكت ثم سكت ثم قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال لي يا معاذ قلت ~~لبيك بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال إني محدثك حديثا إن أنت حفظته نفعك ~~وإن أنت ضيعته ولم تحفظه انقطعت حجتك عند الله يوم القيامة يا معاذ إن الله ~~تعالى خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السموات والأرض ثم خلق السموات فجعل لكل ~~سماء من السبعة ملكا بوابا عليها قد جللها عظما فتصعد الحفظة بعمل العبد من ~~حين أصبح إلى حين أمسى له نور كنور الشمس حتى إذا صعدت به إلى السماء ~~الدنيا زكته فكثرته فيقول الملك للحفظة اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه أنا ~~صاحب الغيبة أمرني ربي أن لا أدع عمل من اغتاب الناس يجاوزني إلى غيري @QB@ ~~قال @QE@ ثم تأتي الحفظة بعمل صالح من أعمال العبد فتمر به فتزكيه وتكثره ~~حتى تبلغ به إلى السماء الثانية فيقول لهم الملك الموكل بها قفوا واضروا ~~بهذا العمل وجه صاحبه إنه أراد بعمله هذا عرض الدنيا أمرني ربي أن لا أدع ~~عمله يجاوزني إلى غيري إنه كان يفتخر به على الناس في مجالسهم @QB@ قال ~~@QE@ وتصعد الحفظة يعلم يبتهج نورا من صدقة وصيام وصلاة قد أعجب الحفظة ~~فيجاوزون به إلى السماء الثالثة فيقول لهم الملك الموكل بها فقوا واضربوا ~~بها العمل وجه صاحبه أنا ملك الكبر أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى ~~غيري إنه كان يتكبر على الناس في مجالسهم @QB@ قال @QE@ وتصعد الحفظة بعمل ~~العبد يزهر كما يزهر الكوكب الدري له دوي من تسبيح وصلاة وحج وعمرة حتى ~~يجاوزوا به السماء الرابعة فيقول لهم الملك الموكل بها قفوا واضربوا بهذا ~~العمل وجه صاحبه اضربوا به ظهره وبطنه أنا صاحب العجب أمرني ربي أن لا أدع ~~عمله يجاوزني إلى غيري إنه كان إذا عمل عملا أدخل العجب في عمله @QB@ قال ~~@QE@ وتصعد الحفظة بعمل العبد حتى يجاوزوا به السماء الخامسة كأنه العروس ~~المزفوفة إلى أهلها فيقول لهم الملك الموكل بها قفوا واضروا بهذا العمل وجه ~~صاحبه واحملوه على عاتقه أنا ملك الحسد إنه كان يحسد الناس من يتعلم ويعمل ~~بمثل عمله وكل من كان يأخذ فضلا من العبادة يحسدهم ويقع فيهم أمرني ربي أن ~~لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري @QB@ قال @QE@ وتصعد الحفظة بعمل العبد من ~~صلاة وزكاة وحج وعمرة وصيام فيجاوزون بها إلى السماء السادسة فيقول لهم ~~الملك الموكل بها قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه إنه كان لا يرحم ~~إنسانا قط من عباد الله أصابه بلاء أو ضر أضر به بل كان يشمت به أنا ملك ~~الرحمة أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري @QB@ قال @QE@ وتصعد ~~الحفظة بعمل العبد إلى السماء السابعة من صوم وصلاة ونفقة وزكاة واجتهاد ~~وورع له دوي كدوي الرعد وضوء كضوء الشمس معه ثلاثة آلاف ملك فيجاوزون به ~~إلى السماء السابعة فيقول لهم الملك الموكل بها قفوا واضربوا بهذا العمل ~~PageV03P295 وجه صاحبه اضربوا به جوارحه اقفلوا به على قلبه إني أحجب عن ~~ربي كل عمل لم يرد به وجه ربي إنه أراد بعمله غير الله تعالى إنه أراد رفعة ~~عند الفقهاء وذكرا عند العلماء وصيتا في المدائن أمرني ربي أن لا أدع عمله ~~يجاوزني إلى غيري وكل عمل لم يكن لله خالصا فهو رياء ولا يقبل الله عمل ~~المرائي @QB@ قال @QE@ وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وصيام وحج ~~وعمرة وخلق حسن وصمت وذكر لله تعالى وتشيعه ملائكة السموات حتى يقطعوا به ~~الحجب كلها إلى الله عز وجل فيقفون بين يديه ويشهدون له بالعمل الصالح ~~المخلص لله @QB@ قال @QE@ فيقول الله لهم أنتم الحفظة على عمل عبدي وأنا ~~الرقيب على نفسه إنه لم يردني بهذا العمل وأراد به غيري فعليه لعنتي فتقول ~~الملائكة كلهم عليه لعنتك ولعنتنا وتقول السموات كلها عليه لعنة الله ~~ولغتنا وتلعنه السموات السبع والأرض ومن فيهن قال معاذ قلت يا رسول الله ~~أنت رسول الله وأنا معاذ قال اقتد بي وإن كان في عملك نقص يا معاذ حافظ على ~~لسانك من الوقيعة في إخوانك من حملة القرآن واحمل ذنوبك عليك ولا تحملها ~~عليهم ولا تزك نفسك بذمهم ولا ترفع نفسك عليهم ولا تدخل عمل الدنيا في عمل ~~الآخرة ولا تتكبر في مجلسك لكي يحذر الناس من سوء خلقك ولا تناج رجلا وعندك ~~آخر ولا تتعظم على الناس فينقطع عنك خير الدنيا ولا تمزق الناس فتمزقك كلاب ~~النار يوم القيامة في النار قال الله تعالى @QB@ والناشطات نشطا @QE@ أتدري ~~من هن يا معاذ قلت ما هن بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال كلاب في النار ~~تنشط اللحم والعظم قلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله فمن يطيق هذه الخصال ومن ~~ينجو منها قال يا معاذ إنه ليسير على من يسره الله عليه + حديث معاذ الطويل ~~إن الله تعالى خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السموات والأرض فجعل لكل سماء من ~~السبعة ملكا بوابا عليها الحديث بطوله في صعود الحفظة بعمل العبد ورد ~~الملائكة له من كل سماء ورد الله تعالى له بعد ذلك عزاء المصنف إلى رواية ~~عبد الله بن المبارك بإسناده عن رجل عن معاذ وهو كما قال رواه في الزهد وفي ~~إسناده كما ذكر من لم يسم ورواه ابن الجوزي في الموضوعات # قال فما رأيت أكثر تلاوة للقرآن من معاذ للحذر مما في هذا الحديث # وأما الآثار فيروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلا يطأطئ رقبته ~~فقال يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك ليس الخشوع في الرقاب إنما الخشوع في ~~القلوب ورأى أبو أمامة الباهلي رجلا في المسجد يبكي في سجوده فقال أنت أنت ~~لو كان هذا في بيتك # وقال علي كرم الله وجهه للمرائي ثلاث علامات يكسل إذا كان وحده وينشط إذا ~~كان في الناس ويزيد في العمل إذا أثني علي صلى الله عليه وسلم ه وينقص إذا ~~ذم # وقال رجل لعبادة بن الصامت أقاتل بسيفي في سبيل الله أريد به وجه الله ~~تعالى ومحمدة الناس قال لا شيء لك فسأله ثلاث مرات كل ذلك يقول لا شيء لك ~~ثم قال في الثالثة إن الله يقول أنا أغنى الأغنياء عن الشرك الحديث وسأل ~~رجل سعيد بن المسيب فقال إن أحدنا يصطنع المعروف يحب أن يحمد ويؤجر فقال له ~~أتحب أن تمقت قال لا قال فإذا عملت لله عملا فأخلصه # وقال الضحاك # لا يقولن أحدكم هذا لوجه الله ولوجهك ولا يقولن هذا لله وللرحم فإن الله ~~تعالى لا شريك له # وضرب عمر رجلا بالدرة ثم قال له اقتص مني فقال لا بل أدعها لله ولك # فقال له عمر ما صنعت شيئا إما أن تدعها لي فأعرف ذلك أو تدعها لله وحده ~~فقال ودعتها لله وحده فقال فنعم إذن # وقال الحسن لقد صحبت أقواما إن كان أحدهم لتعرض له الحكمة لو نطق بها ~~لنفعته ونفعت أصحابه وما يمنعه منها إلا مخافة الشهرة وإن كان أحدهم ليمر ~~فيرى الأذى في الطريق فما يمنعه أن ينحيه إلا مخافة الشهرة ويقال إن ~~المرائي ينادي يوم القيامة بأربعة أسماء يا مرائي يا غادر يا خاسر يا فاجر ~~اذهب فخذ أجرك ممن عملت له فلا أجر لك عندنا # وقال الفضيل بن عياض كانوا يراءون بما يعملون وصاروا اليوم يراءون ~~PageV03P296 بما لا يعملون # وقال عكرمة إن الله يعطي العبد على نيته ما لا يعطيه على عمله لأن النية ~~لا رياء فيها # وقال الحسن رضي الله عنه المرائي يريد أن يغلب قدر الله تعالى وهو رجل ~~سوء يريد أن يقول الناس هو رجل صالح وكيف يقولون وقد حل من ربه محل ~~الأردياء فلا بد لقلوب المؤمنين أن تعرفه # وقال قتادة إذا راءى العبد يقول الله تعالى انظروا إلى عبدي يستهزئ بي # وقال مالك بن دينار الفراء ثلاثة قراء الرحمن وقراء الدنيا وقراء الملوك ~~وأن محمد بن واسع من قراء الرحمن # وقال الفضل من أراد أن ينظر إلى مراء فلينظر إلي # وقال محمد بن المبارك الصوري أظهر السمت بالليل فإنه أشرف من سمتك ~~بالنهار لأن السمت بالنهار للمخلوقين وسمت الليل لرب العالمين # وقال أبو سليمان التوقي عن العمل أشد من العمل # وقال ابن المبارك إن كان الرجل ليطوف بالبيت وهو بخراسان فقيل له وكيف ~~ذاك قال يحب أن لا يذكر أنه مجاور بمكة # وقال إبراهيم بن أدهم ما صدق الله من أراد أن يشتهر # | بيان حقيقة الرياء وما يراءى به # اعلم أن الرياء مشتق من الرؤية والسمعة مشتقة من السماع وإنما الرياء ~~أصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإيرائهم خصال الخير إلا أن الجاه والمنزلة ~~تطلب في القلب بأعمال سوى العبادات وتطلب بالعبادات # واسم الرياء مخصوص بحكم العادة بطلب المنزلة في القلوب بالعبادة وإظهارها ~~فحد الرياء هو إرادة العباد بطاعة الله فالمرائي هو العابد والمراءى هو ~~الناس المطلوب رؤيتهم بطلب المنزلة في قلوبهم والمراءى به هو الخصال التي ~~قصد المرائي إظهارها والرياء هو قصده إظهار ذلك والمراءى به كثير وتجمعه ~~خمسة أقسام وهي مجامع ما يتزين به العبد للناس وهو البدن والزي والقول ~~والعمل والأتباع والأشياء الخارجة # وكذلك أهل الدنيا يراءون بهذه الأسباب الخمسة إلا أن طلب الجاه وقصد ~~الرياء بأعمال ليست من جملة الطاعات أهون من الرياء بالطاعات # القسم الأول الرياء في الدين بالبدن وذلك بإظهار النحول والصفار ليوهم ~~بذلك شدة الاجتهاد وعظم الحزن على أمر الدين وغلبة خوف الآخرة وليدل ~~بالنحول على قلة الأكل وبالصفار على سهر الليل وكثرة الاجتهاد وعظم الحزن ~~على الدين وكذلك يرائي بتشعيث الشعر ليدل به على استغراق الهم بالدين وعدم ~~التفرغ لتسريح الشعر # وهذه الأسباب مهما ظهرت استدل الناس بها على هذه الأمور فارتاحت النفس ~~لمعرفتهم فلذلك تدعوه النفس إلى إظهارها لنيل تلك الراحة # ويقرب من هذا خفض الصوت وإغارة العينين وذبول الشفتين ليستدل بذلك على ~~أنه مواظب على الصوم وأن وقار الشرع هو الذي خفض من صوته أو ضعف الجوع هو ~~الذي ضعف من قوته # وعن هذا قال المسيح عليه السلام إذا صام أحدكم فليدهن رأسه ويرجل شعره ~~ويكحل عينيه # وكذلك روي عن أبي هريرة وذلك كله لما يخاف عليه من نزغ الشيطان بالرياء ~~ولذلك قال ابن مسعود أصبحوا صياما مدهنين # فهذه مراءاة أهل الدين بالبدن # فأما أهل الدنيا فيراءون بإظهار السمن وصفاء اللون واعتدال القامة وحسن ~~الوجه ونظافة البدن وقوة الأعضاء وتناسبها # الثاني الرياء بالهيئة والزي أما الهيئة فبتشعيث شعر الرأس وحلق الشارب ~~وإطراق الرأس في المشي والهدوء في الحركة وإبقاء أثر السجود على الوجه وغلظ ~~الثياب ولبس الصوف وتشميرها إلى قريب من الساق وتقصير الأكمام وترك تنظيف ~~الثوب وتركه مخرقا كل ذلك يرائي به ليظهر من نفسه أنه متبع للسنة فيه ومقتد ~~فيه بعباد الله PageV03P297 الصالحين ومن ذلك لبس المرقعة والصلاة على ~~السجادة ولبس الثياب الزرق تشبها بالصوفية مع الإفلاس من حقائق التصوف في ~~الباطن # ومنه التقنع بالإزار فوق العمامة وإسبال الرداء على العينين ليرى به أنه ~~قد انتهى تقشفه إلى الحذر من غبار الطريق ولتنصرف إليه الأعين بسبب تميزه ~~بتلك العلامة # ومنه الدراعة والطيلسان يلبسه من هو خال عن العلم ليوهم أنه من أهل العلم # والمراءون بالزي على طبقات فمنهم من يطلب المنزلة عند أهل الصلاح بإظهار ~~الزهد فيلبس الثياب المخرقة الوسخة القصيرة الغليظة ليرائي بغلظها ووسخها ~~وقصرها وتخرقها أنه غير مكترث بالدنيا ولو كلف أن يلبس ثوبا وسطا نظيفا مما ~~كان السلف يلبسه لكان عنده بمنزلة الذبح وذلك لخوفه أن يقول الناس قد بدا ~~له من الزهد ورجع عن تلك الطريقة ورغب في الدنيا # وطبقة أخرى يطلبون القبول عند أهل الصلاح وعند أهل الدنيا من الملوك ~~والوزراء والتجار ولو لبسوا الثياب الفاخرة ردهم القراء ولو لبسوا الثياب ~~المخرقة البذلة أزدرتهم أعين الملوك والأغنياء فهم يريدون الجمع بين قبول ~~أهل الدين والدنيا فلذلك يطلبون الأصواف الدقيقة والأكسية الرقيقة ~~والمرقعات المصبوغة والفوط الرفيعة فيلبسونها ولعل قيمة ثوب أحد الأغنياء ~~ولونه وهيأته لون ثياب الصلحاء فيلتمسون القبول عند الفريقين وهؤلاء إن ~~كلفوا لبس ثوب خشن أو وسخ لكان عندهم كالذبح خوفا من السقوط من أعين الملوك ~~والأغنياء ولو كلفوا لبس الديبقى والكتان الدقيق الأبيض والمقصب المعلم وإن ~~كانت قيمته دون قيمة ثيابهم لعظم ذلك عليهم خوفا من أن يقول أهل الصلاح قد ~~رغبوا في زي أهل الدنيا # وكل طبقة منهم رأى منزلته في زي مخصوص فيثقل عليه الانتقال إلى ما دونه ~~أو إلى ما فوقه وإن كان مباحا خيفة من المذمة # وأما أهل الدنيا فمراءاتهم بالثياب النفيسة والمراكب الرفيعة وأنواع ~~التوسع والتجمل في الملبس والمسكن وأثاث البيت وفره الخيول وبالثياب ~~المصبغة والطيالسة النفيسة وذلك ظاهر بين الناس فإنهم يلبسون في بيوتهم ~~الثياب الخشنة ويشتد عليهم لو برزوا للناس على تلك الهيئة ما لم يبالغوا في ~~الزينة # الثالث الرياء بالقول ورياء أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة ~~وحفظ الأخبار والآثار لأجل الاستعمال في المحاورة وإظهارا لغزارة العلم ~~ودلالة على شدة العناية بأحوال السلف الصالحين وتحريك الشفتين بالذكر في ~~محضر الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمشهد الخلق وإظهار الغضب ~~للمنكرات وإظهار الأسف على مقارفة الناس للمعاصي وتضعيف الصوت في الكلام ~~وترقيق الصوت بقراءة القرآن ليدل بذلك على الخوف والحزن وادعاء حفظ الحديث ~~ولقاء الشيوخ والدق على من يروي الحديث ببيان خلل في لفظه ليعرف أنه بصير ~~بالأحاديث والمبادرة إلى أن الحديث صحيح أو غير صحيح لإظهار الفضل فيه ~~والمجادلة على قصد إفحام الخصم ليظهر للناس قوته علم الدين # والرياء بالقول كثير وأنواعه لا تنحصر # وأما أهل الدنيا فمراءاتهم بالقول بحفظ الأشعار والأمثال والتفاصح في ~~العبارات وحفظ النحو الغريب للأغراب على أهل الفضل وإظهار التودد إلى الناس ~~لاستمالة القلوب # الرابع الرياء بالعمل كمراءاة المصلي بطول القيام ومد الظهر وطول السجود ~~والركوع وإطراق الرأس وترك الالتفات وإظهار الهدوء والسكون وتسوية القدمين ~~واليدين وكذلك بالصوم والغزو والحج وبالصدقة وبإطعام الطعام وبالإخبات في ~~المشي عند اللقاء كإرخاء الجفون وتنكيس الرأس والوقار في الكلام حتى إن ~~المرائي قد يسرع في المشي إلى حاجته فإذا اطلع عليه أحد من أهل الدين رجع ~~إلى الوقار وإطراق الرأس خوفا من PageV03P298 أن ينسبه إلى العجلة وقلة ~~الوقار فإن غاب الرجل عاد إلى عجلته فإذا رآه عاد إلى خشوعه ولم يحضره ذكر ~~الله حتى يكون يجدد الخشوع له بل هو لاطلاع إنسان عليه يخشى أن لا يعتقد ~~فيه أنه من العباد والصلحاء ومنهم من إذا سمع هذا استحيا من أن تخالف مشيته ~~في الخلوة مشيته بمرأى من الناس فيكلف نفسه المشية الحسنة في الخلوة حتى ~~إذا رآه الناس لم يفتقر إلى التغيير ويظن أنه يتخلص به عن الرياء وقد تضاعف ~~به رياؤه فإنه صار في خلوته أيضا مرائيا فإنه إنما يحسن مشيته في الخلوة ~~ليكون كذلك في الملأ لا لخوف من الله وحياء منه # وأما أهل الدنيا فمراءاتهم بالتبختر والاختيال وتحريك اليدين وتقريب ~~الخطا والأخذ بأطراف الذيل وإرادة العطفين ليدلوا بذلك على الجاه والحشمة # الخامس المراءاة بالأصحاب والزائرين والمخالطين كالذي يتكلف أن يستزير ~~عالما من العلماء ليقال إن فلانا قد زار فلانا أو عابدا من العباد ليقال إن ~~أهل الدين يتبركون بزيارته ويترددون إليه أو ملكا من الملوك أو عاملا من ~~عمال السلطان ليقال إنهم يتبركون به لعظم رتبته في الدين # وكالذي يكثر ذكر الشيوخ ليرى أنه لقي شيوخا كثيرة واستفاد منهم فيباهي ~~بشيوخه ومباهاته ومراءاته تشرشح منه عند مخاصمته فيقول لغيره من لقيت من ~~الشيوخ وأنا قد لقيت فلانا وفلانا ودرت البلاد وخدمت الشيوخ وما يجري مجراه ~~فهذه مجامع ما يرائي به المراءون وكلهم يطلبون بذلك الجاه والمنزلة في قلوب ~~العباد # ومنهم من يقنع بحسن الاعتقادات فيه فكم من راهب انزوى إلى ديره سنين ~~كثيرة وكم من عابد اعتزل إلى قلة جبل مدة مديدة وإنما خبأته من حيث علمه ~~بقيام جاهه في قلوب الخلق ولو عرف أنهم نسبوه إلى جريمة في ديره أو صومعته ~~لتشوش قلبه ولم يقنع بعلم الله ببراءة ساحته بل يشتد لذلك غمه ويسعى بكل ~~حيلة في إزالة ذلك من قلوبهم مع أنه قد قطع طمعه من أموالهم ولكنه يحب مجرد ~~الجاه فإنه لذيذ كما ذكرناه في أسبابه فإنه نوع قدرة وكمال في الحال وإن ~~كان سريع الزوال لا يغتر به إلا الجهال ولكن أكثر الناس جهال ومن المرائين ~~من لا يقنع بقيام منزلته بل يلتمس من ذلك إطلاق اللسان بالثناء والحمد # ومنهم من يريد انتشار الصيت في البلاد لتكثر الرحلة إليه # ومنهم من يريد الاشتهار عند الملوك لتقبل شفاعته وتنجز الحوائج على يده ~~فيقوم له بذلك جاه عند العامة ومنهم من يقصد التوصل بذلك إلى جمع حطام وكسب ~~مال ولو من الأوقاف وأموال اليتامى وغير ذلك من الحرام وهؤلاء شر طبقات ~~المرائين الذين يراءون بالأسباب التي ذكرناها # فهذه حقيقة الرياء وما به يقع الرياء # فإن قلت فالرياء حرام أو مكروه أو مباح أو فيه تفصيل فأقول فيه تفصيل فإن ~~الرياء هو طلب الجاه وهو إما أن يكون بالعبادات أو بغير العبادات فإن كان ~~بغير العبادات فهو كطلب المال فلا يحرم من حيث إنه طلب منزلة في قلوب ~~العباد ولكن كما يمكن كسب المال بتلبيسات وأسباب محظورات فكذلك الجاه وكما ~~أن كسب قليل من المال هو ما يحتاج إليه الإنسان محمود فكسب قليل من الجاه ~~وهو ما يسلم به عن الآفات أيضا محمود وهو الذي طلبه يوسف عليه السلام حيث ~~قال @QB@ إني حفيظ عليم @QE@ وكما أن المال فيه سم ناقع ودرياق نافع فكذلك ~~الجاه وكما أن كثير المال يلهى ويطفى وينسى ذكر الله والدار الآخرة فكذلك ~~كثير الجاه بل أشد وفتنة الجاه أعظم من فتنة المال وكما أنا نقول تملك ~~المال الكثير حرام فلا نقول أيضا تملك القلوب الكثيرة حرام إلا إذا حملته ~~كثرة المال وكثرة الجاه على مباشرة ما لا يجوز # نعم انصراف الهم إلى سعة الجاه مبدأ الشرور كانصراف الهم إلى كثرة المال ~~ولا يقدر محب الجاه والمال على ترك معاصي القلب واللسان وغيرها وأما سعة ~~PageV03P299 الجاه من غير حرص منك على طلبه ومن غير اغتمام بزواله إن زال ~~فلا ضرر فيه فلا جاه أوسع من جاه ورسول الله صلى الله عليه وسلم وجاه ~~الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من علماء الدين ولكن انصراف الهم إلى طلب الجاه ~~نقصان في الدين ولا يوصف بالتحريم فعلى هذا نقول تحسين الثوب الذي يلبسه ~~الإنسان عند الخروج إلى الناس مراءاة وهو ليس بحرام لأنه ليس رياء بالعبادة ~~بل بالدنيا وقس على هذا كل ما تجمل للناس وتزين لهم # والدليل عليه ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أراد أن يخرج يوما إلى الصحابة فكان ينظر في جب الماء ويسوي عمامته ~~وشعره فقالت أو تفعل ذلك يا رسول الله قال نعم إن الله تعالى يحب من العبد ~~أن يتزين لإخوانه إذا خرج إليهم + حديث عائشة أراد أن يخرج على أصحابه وكان ~~ينظر في جب الماء ويسوي عمامته وشعره الحديث أخرجه ابن عدي في الكامل وقد ~~تقدم في الطهارة # نعم هذا كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة لأنه كان مأمورا ~~بدعوة الخلق وترغيبهم في الاتباع واستمالة قلوبهم ولو سقط من أعينهم لم ~~يرغبوا في اتباعه فكان يجب عليه أن يظهر لهم محاسن أحواله لئلا تزدريه ~~أعينهم فإن أعين عوام الخلق تمتد إلى الظواهر دون السرائر فكان ذلك قصد ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لو قصد قاصد به أن يحسن نفسه في أعينهم ~~حذرا من ذمهم ولومهم واسترواحا إلى توقيرهم واحترامهم كان قد قصد أمرا ~~مباحا إذ للإنسان أن يحترز من ألم المذمة ويطلب راحة الأنس بالإخوان # ومهما استثقلوه واستقذروه لم يأنس بهم # فإذن المراءاة بما ليس من العبادات قد تكون مباحة وقد تكون طاعة وقد تكون ~~مذمومة وذلك بحسب الغرض المطلوب بها # ولذلك نقول الرجل إذا أنفق ماله على جماعة من الأغنياء لا في معرض ~~العبادة والصدقة ولكن ليعتقد الناس أنه سخي فهذا مراءاة وليس بحرام وكذلك ~~أمثاله # أما العبادات كالصدقة والصلاة والصيام والغزو والحج فللمرائي فيه حالتان # إحداهما أن لا يكون له قصد إلا الرياء المحض دون الأجر وهذا يبطل عبادته ~~لأن الأعمال بالنيات وهذا ليس بقصد العبادة لا يقتصر على إحباط عبادته حتى ~~نقول صار كما كان قبل العبادة بل يعصي بذلك ويأثم كما دلت عليه الأخبار ~~والآيات # والمعنى فيه أمران # أحدهما يتعلق بالعباد وهو التلبيس والمكر لأنه خيل إليهم أنه مخلص مطيع ~~لله وأنه من أهل الدين وليس كذلك والتلبيس في أمر الدنيا حرام أيضا حتى لو ~~قضى دين جماعة وخيل للناس أنه متبرع عليهم ليعتقدوا سخاوته أثم به لما فيه ~~من التلبيس وتملك القلوب بالخداع والمكر # والثاني يتعلق بالله وهو أنه مهما قصد بعبادة الله تعالى خلق الله فهو ~~مستهزئ بالله # ولذلك قال قتادة إذا راءى العبد قال الله لملائكته انظروا إليه كيف ~~يستهزئ بي # ومثاله أن يتمثل بين يدي ملك من الملوك طول النهار كما جرت عادة الخدم ~~وإنما وقوفه لملاحظة جارية من جواري الملك أو غلام من غلمانه فإن هذا ~~استهزاء بالملك إذ لم يقصد التقريب إلى الملك بخدمته بل قصد بذلك عبدا من ~~عبيده فأي استحقار يزيد على أن يقصد العبد بطاعة الله تعالى مراءاة عبد ~~ضعيف لا يملك له ضرا ولا نفعا وهل ذلك إلا لأنه يظن أن ذلك العبد أقدر على ~~تحصيل أغراضه من الله وأنه أولى بالتقريب إليه من الله إذ آثره على ملك ~~الملوك فجعله مقصود عبادته وأي استهزاء يزيد على رفع العبد فوق المولى فهذا ~~من كبائر المهلكات ولهذا PageV03P300 سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~الشرك الأصغر + حديث سمى الرياء الشرك الأصغر أخرجه أحمد من حديث محمود بن ~~لبيد وقد تقدم ورواه الطبراني من رواية محمود بن لبيد عن رافع بن خديج ~~فجعله في مسند رافع وتقدم قريبا وللحاكم وصحح إسناده من حديث شداد بن أوس ~~كنا نعد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرياء الشرك الأصغر # نعم بعض درجات الرياء أشد من بعض كما سيأتي بيانه في درجات الرياء إن شاء ~~الله تعالى ولا يخلو شيء منه عن إثم غليظ أو خفيف بحسب ما به المراءاة ولو ~~لم يكن في الرياء إلا أنه يسجد ويركع لغير الله لكان فيه كفاية فإنه وإن لم ~~يقصد التقرب إلى الله فقد قصد غير الله ولعمري لو عظم غير الله بالسجود ~~لكفر كفرا جليا إلا أن الرياء هو الكفر الخفي لأن المرائي عظم في قلبه ~~الناس فاقتضت تلك العظمة أن يسجد ويركع فكان الناس هم المعظمون بالسجود من ~~وجه ومهما زال قصد تعظيم الله بالسجود وبقي تعظيم الخلق كان ذلك قريبا من ~~الشرك إلا أنه قصد تعظيم نفسه في قلب من عظم عنده بإظهاره من نفسه صورة ~~التعظيم لله فعن هذا كان شركا خفيا لا شركا جليا وذلك غاية الجهل ولا يقدم ~~عليه إلا من خدعه الشيطان وأوهم عنده أن العباد يملكون من ضره ونفعه ورزقه ~~وأجله ومصالح حاله ومآله أكثر مما يملكه الله تعالى فلذلك عدل بوجهه عن ~~الله إليهم وأقبل بقلبه عليهم ليستميل بذلك قلوبهم ولو وكله الله تعالى ~~إليهم في الدنيا والآخرة لكان ذلك أقل مكافأة له على صنيعه فإن العباد كلهم ~~عاجزون عن أنفسهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فكيف يملكون لغيرهم هذا ~~في الدنيا فكيف في يوم لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده ~~شيئا بل تقول الأنبياء فيه نفسي نفسي فكيف يستبدل الجاهل عن ثواب الآخرة ~~ونيل القرب عند الله ما يرتقبه بطمعه الكاذب في الدنيا من الناس فلا ينبغي ~~أن نشك في أن المرائي بطاعة الله في سخط الله من حيث النقل والقياس جميعا ~~هذا إذا لم يقصد الأجر فأما إذا قصد الأجر والحمد جميعا في صدقته أو صلاته ~~فهو الشرك الذي يناقض الإخلاص # وقد ذكرنا حكمه في كتاب الإخلاص ويدل على ما نقلناه من الآثار قول سعيد ~~بن المسيب وعبادة بن الصامت إنه لا أجر له فيه أصلا # | بيان درجات الرياء # اعلم أن بعض أبواب الرياء أشد وأغلظ من بعض واختلافه باختلاف أركانه ~~وتفاوت الدرجات فيه وأركانه ثلاثة المراءى به والمراءى لأجله ونفس قصد ~~الرياء # الركن الأول نفس قصد الرياء وذلك لا يخلو إما أن يكون مجردا دون إرادة ~~عبادة الله تعالى والثواب وإما أن يكون مع إرادة الثواب فإن كان كذلك فلا ~~يخلو إما أن تكون إرادة الثواب أقوى وأغلب أو أضعف أو مساوية لإرادة ~~العبادة فتكون الدرجات أربعا # الأولى وهي أغلظها أن لا يكون مراده الثواب أصلا كالذي يصلى بين أظهر ~~الناس ولو انفرد لكان لا يصلي بل ربما يصلي من غير طهارة مع الناس فهذا جرد ~~قصده إلى الرياء فهو الممقوت عند الله تعالى # وكذلك من يخرج الصدقة خوفا من مذمة الناس وهو ولا يقصد الثواب ولا خلا ~~بنفسه لما أداها فهذه الدرجة العليا من الرياء # الثانية أن يكون له قصد الثواب أيضا ولكن قصدا ضعيفا بحيث لو كان في ~~الخلوة لكان لا يفعله ولا يحمله ذلك القصد على العمل ولو لم يكن قصد الثواب ~~لكان الرياء يحمله على العمل فهذا قريب مما قبله PageV03P301 وما فيه من ~~شائبة قصد ثواب لا يستقل بحمله على العمل لا ينفي عنه المقت والإثم # الثالثة أن يكون له قصد الثواب وقصد الرياء متساويين بحيث لو كان كل واحد ~~منهما خاليا عن الآخر لم يبعثه على العمل فلما اجتمعا انبعثت الرغبة أو كان ~~كل واحد منهما لو انفرد لاستقل بحمله على العمل فهذا قد أفسد مثل ما أصلح ~~فنرجو أن يسلم رأسا برأس لا له ولا عليه أو يكون له من الثواب مثل ما عليه ~~من العقاب وظواهر الأخبار تدل على أنه لا يسلم وقد تكلمنا عليه في كتاب ~~الإخلاص # الرابعة أن يكون إطلاع الناس مرجحا ومقويا لنشاطه ولو لم يكن لكان لا ~~يترك العبادة ولو كان قصد الرياء وحده لما أقدم عليه فالذي نظنه والعلم عند ~~الله أنه لا يحبط أصل الثواب ولكنه ينقص منه أو يعاقب على مقدار قصد الرياء ~~ويثاب على مقدار قصد الثواب وأما قوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى ~~أنا أغنى الأغنياء عن الشرك فهو محمول على ما إذا تساوى القصدان أو كان قصد ~~الرياء أرجح # الركن الثاني المراءى به وهو الطاعات وذلك ينقسم إلى الرياء بأصول ~~العبادات وإلى الرياء بأوصافها # القسم الأول وهو الأغلظ الرياء بالأصول وهو على ثلاث درجات # الأولى الرياء بأصل الإيمان وهذا أغلظ أبواب الرياء وصاحبه مخلد في النار ~~وهو الذي يظهر كلمتي الشهادة وباطنه مشحون بالتكذيب ولكنه يرائي بظاهر ~~الإسلام وهو الذي ذكره الله تعالى في كتابه في مواضع شتى كقوله عز وجل @QB@ ~~إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله ~~يشهد إن المنافقين لكاذبون @QE@ أي في دلالتهم بقولهم على ضمائرهم وقال ~~تعالى @QB@ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في ~~قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها @QE@ الآية وقال ~~تعالى @QB@ وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ~~@QE@ وقال تعالى @QB@ يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ~~ذلك @QE@ والآيات فيهم كثيرة # وكان النفاق يكثر في ابتداء الإسلام ممن يدخل في ظاهر الإسلام ابتداء ~~لغرض وذلك مما يقل في زماننا ولكن يكثر نفاق من ينسل عن الدين باطنا فيجحد ~~الجنة والنار والدار الآخرة ميلا إلى قول الملحدة أو يعتقد على بساط الشرع ~~والأحكام ميلا إلى أهل الإباحة أو يعتقد كفرا أو بدعة وهو يظهر خلافه ~~فهؤلاء من المنافقين والمرائين المخلدين في النار وليس وراء هذا الرياء ~~رياء وحال هؤلاء أشد حالا من الكفار المجاهرين فإنهم جمعوا بين كفر الباطن ~~ونفاق الظاهر # الثانية الرياء بأصول العبادات مع التصديق بأصل الدين وهذا أيضا عظيم عند ~~الله ولكنه دون الأول بكثير # ومثاله أن يكون مال الرجل في يد غيره فيأمره بإخراج الزكاة خوفا من ذمه ~~والله يعلم منه أنه لو كان في يده لما أخرجها أو يدخل وقت الصلاة وهو في ~~جمع وعادته ترك الصلاة في الخلوة وكذلك يصوم رمضان وهو يشتهي خلوة من الخلق ~~ليفطر وكذلك يحضر الجمعة ولولا خوف المذمة لكان لا يحضرها أو يصل رحمه أو ~~يبر والديه لا عن رغبة ولكن خوفا من الناس أو يغزو أو يحج كذلك # فهذا مراء معه أصل الإيمان بالله يعتقد أنه لا معبود سواه ولو كلف أن ~~يعبد غير الله أو يسجد لغيره لم يفعل ولكنه يترك العبادات للكسل وينشط عند ~~إطلاع الناس فتكون منزلته عند الخلق أحب إليه من منزلته عند الخالق وخوفه ~~من مذمة الناس أعظم من خوفه من عقاب الله ورغبته في محمدتهم أشد مرغبته في ~~ثواب الله وهذا غاية الجهل وما أجدر صاحبه بالمقت وإن كان غير منسل عن أصل ~~الإيمان من حيث الاعتقاد PageV03P302 # الثالثة أن لا يرائي بالإيمان ولا بالفرائض ولكنه يرائي بالنوافل والسنن ~~التي لو تركها لا يعصي ولكنه يكسل عنها في الخلوة لفتور رغبته في ثوابها ~~ولإيثار لذة الكسل على ما يرجى من الثواب ثم يبعثه الرياء على فعلها وذلك ~~كحضور الجماعة في الصلاة وعيادة المريض واتباع الجنازة وغسل الميت وكالتهجد ~~بالليل وصيام يوم عرفة وعاشوراء ويوم الاثنين والخميس # فقد يفعل المرائي جملة ذلك خوفا من المذمة أو طلبا للمحمدة ويعلم الله ~~تعالى منه أنه لو خلا بنفسه لما زاد على أداء الفرائض # فهذا أيضا عظيم ولكنه دون ما قبله فإن الذي قبله آثر حمد الخلق على حمد ~~الخالق # وهذا أيضا قد فعل ذلك واتقى ذم الخلق دون ذم الخالق فكان ذم الخلق أعظم ~~عنده من عقاب الله وأما هذا فلم يفعل ذلك لأنه لم يخف عقابا على ترك ~~النافلة لو تركها وكأنه على شطر من الأول وعقابه نصف عقابه # فهذا هو الرياء بأصول العبادات # القسم الثاني الرياء بأوصاف العبادات لا بأصولها وهو أيضا على ثلاثة ~~درجات # الأولى أن يرائي بفعل ما في تركه نقصان العبادة كالذي غرضه أن يخفف ~~الركوع والسجود ولا يطول القراءة فإذا رآه الناس أحسن الركوع والسجود وترك ~~الالتفات وتمم القعود بين السجدتين وقد قال ابن مسعود من فعل ذلك فهو ~~استهانة يستهين بها ربه عز وجل أي أنه ليس يبالي باطلاع الله عليه في ~~الخلوة فإذا اطلع عليه آدمي أحسن الصلاة ومن جلس بين يدي إنسان متربعا أو ~~متكئا فدخل غلامه فاستوى وأحسن الجلسة كان ذلك منه تقديما للغلام على السيد ~~واستهانة بالسيد لا محالة وهذا حال المرائي بتحسين الصلاة في الملأ دون ~~الخلوة # وكذلك الذي يعتاد إخراج الزكاة من الدنانير الرديئة أو من الحب الرديء ~~فإذا اطلع عليه غيره أخرجها من الجيد خوفا من مذمته وكذلك الصائم يصون صومه ~~عن الغيبة والرفث لأجل الخلق لا إكمالا لعبادة الصوم خوفا من المذمة فهذا ~~أيضا من الرياء المحظور لأن فيه تقديما للمخلوقين على الخالق ولكنه دون ~~الرياء بأصول التطوعات # فإن قال المرائي إنما فعلت ذلك صيانة لألسنتهم عن الغيبة فإنهم إذا رأوا ~~تخفيف الركوع والسجود وكثرة الالتفات أطلقوا اللسان بالذم والغيبة وإنما ~~قصدت صيانتهم عن هذه المعصية فيقال له هذه مكيدة للشيطان عندك وتلبيس وليس ~~الأمر كذلك فإن ضررك من نقصان صلاتك وهي خدمة منك لمولاك أعظم من ضررك ~~بغيبة غيرك فلو كان باعثك الدين لكان شفقتك على نفسك أكثر وما أنت في هذا ~~إلا كمن يهدي وصيفة إلى ملك لينال منه فضلا وولاية يتقلدها فيهديها إليه ~~وهي عوراء قبيحة مقطوعة الأطراف ولا يبالي به إذا كان الملك وحده وإذا كان ~~عنده بعض غلمانه امتنع خوفا من مذمة غلمانه وذلك محال بل من يراعي جانب ~~غلام الملك ينبغي أن تكون مراقبته للملك أكثر # نعم للمرائي فيه حالتان # إحداهما أن يطلب بذلك المنزلة والمحمدة عند الناس وذلك حرام قطعا # والثانية أن يقول ليس يحضرني في الإخلاص في تحسين الركوع والسجود ولو ~~خففت كانت صلاتي عندهم ناقصة وآذاني الناس بذمهم وغيبتهم فأستقيد بتحسين ~~الهيبة دفع مذمتهم ولا أرجو عليه ثوابا فهو خير من أن أترك تحسين الصلاة ~~فيفوت الثواب وتحصل المذمة فهذا فيه أدنى نظر # والصحيح أن الواجب عليه أن يحسن ويخلص فإن لم تحضره النية فينبغي أن ~~يستمر على عادته في الخلوة فليس له أن يدفع الذم بالمراءاة بطاعة الله فإن ~~ذلك استهزاء كما سبق # الدرجة الثانية أن يرائي بفعل مالا نقصان في تركه ولكن فعله في حكم ~~التكملة والتتمة لعبادته كالتطويل في الركوع والسجود ومد القيام وتحسين ~~الهيئة ورفع اليدين والمبادرة إلى التكبيرة الأولى وتحسين الاعتدال ~~PageV03P303 والزيادة في القراءة على السور المعتادة وكذلك كثرة الخلوة في ~~صوم رمضان وطول الصمت وكاختيار الأجود على الجيد في الزكاة وإعتاق الرقبة ~~الغالية في الكفارة # وكل ذلك مما لو خلا بنفسه لكان لا يقدم عليه # الثالثة أن يرائي بزيادات خارجة عن نفس النوافل أيضا كحضوره الجماعة قبل ~~القوم وقصده للصف الأول وتوجهه إلى يمين الإمام وما يجري مجراه # وكل ذلك مما يعلم الله منه أنه لو خلا بنفسه لكان لا يبالي أين وقف ومتى ~~يحرم بالصلاة فهذه درجات الرياء بالإضافة إلى ما يرائي به وبعضه أشد من بعض # والكل مذموم # الركن الثالث المرائي لأجله فإن للمرائي مقصودا لا محالة وإنما يرائي ~~لإدراك مال أو جاه أو غرض من الأغراض لا محالة وله أيضا ثلاث درجات # الأولى وهي أشدها وأعظمها أن يكون مقصوده التمكن من معصية كالذي يرائي ~~بعبادته ويظهر التقوى والورع بكثرة النوافل والامتناع عن أكل الشبهات وغرضه ~~أن يعرف بالأمانة فيولى القضاء أو الأوقاف أو الوصايا أو مال الأيتام ~~فيأخذها أو يسلم إليه تفرقة الزكاة أو الصدقات ليستأثر بما قدر عليه منها ~~أو يودع الودائع فيأخذها ويجحدها أو تسلم إليه الأموال التي تنفق في طريق ~~الحج فيختزل بعضها أو كلها أو يتوصل بها إلى استتباع الحجيج ويتوصل بقوتهم ~~إلى مقاصده الفاسدة في المعاصي # وقد يظهر بعضهم زي التصوف وهيئة الخشوع وكلام الحكمة على سبيل الوعظ ~~والتذكير وإنما قصده التحبب إلى امرأة أو غلام لأجل الفجور وقد يحظرون ~~مجالس العلم والتذكيروحلق القرآن يظهرون الرغبة في سماع العلم والقرآن ~~وغرضهم ملاحظة النساء والصبيان أو يخرج إلى الحج ومقصوده الظفر بمن في ~~الرفقة من امرأة أو غلام # وهؤلاء أبغض المرائين إلى الله تعالى لأنهم جعلوا طاعة ربهم سلما إلى ~~معصيته واتخذوها آلة ومتجرا وبضاعة لهم في فسقهم ويقرب من هؤلاء وإن كان ~~دونهم من هو مقترف جريمة اتهم بها وهو مصر عليها ويريد أن ينفي التهمة عن ~~نفسه فيظهر التقوى لنفي التهمة كالذي جحد وديعة واتهمه الناس بها فيتصدق ~~بالمال ليقال إنه يتصدق بمال نفسه فكيف يستحل مال غيره وكذلك من ينسب إلى ~~فجور بامرأة أو غلام فيدفع التهمة عن نفسه بالخشوع وإظهار التقوى # الثانية أن يكون غرضه نيل حظ مباح من حظوظ الدنيا من مال أو نكاح امرأة ~~جميلة أو شريفة كالذي يظهر الحزن والبكاء ويشتغل بالوعظ والتذكير لتبذل له ~~الأموال ويرغب في نكاحه النساء فيقصد إما امرأة بعينها لينكحها أو امرأة ~~شريفة على الجملة وكالذي يرغب أن يتزوج بنت عالم عابد فيظهر له العلم ~~والعبادة ليرغب في تزويجه ابنته # فهذا رياء محظور لأنه طلب بطاعة الله متاع الحياة الدنيا ولكنه دون الأول ~~فإنه المطلوب بهذا مباح في نفسه # الثالثة أن لا يقصد نيل حظ وإدراك مال أو نكاح ولكن يظهر عبادته خوفا من ~~أن ينظر إليه بعين النقص ولا يعد من الخاصة والزهاد ويعتقد أنه من جملة ~~العامة كالذي يمشي مستعجلا فيطلع عليه الناس فيحسن المشي ويترك العجلة كيلا ~~يقال إنه من أهل اللهو والسهو لا من أهل الوقار وكذلك إن سبق إلى الضحك أو ~~بدا منه المزاح فيخاف أن ينظر إليه بعين الاحتقار فيتبع ذلك بالاستغفار ~~وتنفس الصعداء وإظهار الحزن ويقول ما أعظم غفلة الآدمي عن نفسه والله يعلم ~~منه أنه لو كان في خلوة لما كان يثقل عليه ذلك وإنما يخاف أن ينظر إليه ~~بعين الاحتقار لا بعين التوقير وكالذي يرى جماعة يصلون التراويح أو يتهجدون ~~أو يصومون الخميس والاثنين أو يتصدقون فيوافقهم خيفة أن ينسب إلى الكسل ~~ويلحق بالعوام ولو خلا بنفسه لكان PageV03P304 لا يفعل شيئا من ذلك وكالذي ~~يعطش يوم عرفة أو عاشوراء أو في الأشهر الحرم فلا يشرب خوفا من أن يعلم ~~الناس أنه غير صائم فإذا ظنوا به الصوم امتنع عن الأكل لأجله أو يدعى إلى ~~طعام فيمتنع ليظن أنه صائم وقد لا يصرح بأني صائم ولكن يقول لي عذر وهو جمع ~~بين خبيثين فإنه يرى أنه صائم ثم يرى أنه مخلص ليس بمراء وأنه يحترز من أن ~~يذكر عبادته للناس فيكون مرائيا فيريد أن يقال إنه ساتر لعبادته ثم إن اضطر ~~إلى شرب لم يصبر عن أن يذكر لنفسه فيه عذرا تصريحا أو تعريضا بأن يتعلل ~~بمرض يقتضي فرط العطش ويمنع من الصوم أو يقول أفطرت تطييبا لقلب فلان ثم قد ~~لا يذكر ذلك متصلا بشربه كي لا يظن به أن يعتذر رياء ولكنه يصبر ثم يذكر ~~عذره في معرض حكاية عرضا مثل أن يقول إن فلانا محب للإخوان شديد الرغبة في ~~أن يأكل الإنسان من طعامه وقد ألح علي اليوم ولم أجد بدا من تطييب قلبه # ومثل أن يقول إن أمي ضعيفة القلب مشفقة علي تظن أني لو صمت يوما مرضت فلا ~~تدعني أصوم فهذا وما يجري مجراه من آفات الرياء فلا يسبق إلى اللسان إلا ~~لرسوخ عرق الرياء في الباطن # أما المخلص فإنه لا يبالي كيف نظر الخلق إليه فإن لم يكن له رغبة في ~~الصوم وقد علم الله ذلك منه فلا يريد أن يعتقد غيره ما يخالف علم الله ~~فيكون ملبسا وإن كان له رغبة في الصوم لله قنع بعلم الله تعالى ولم يشرك ~~فيه غيره وقد يخطر له أن في إظهاره اقتداء غيره به وتحريك رغبة الناس فيه ~~وفيه مكيدة وغرور وسيأتي شرح ذلك وشروطه # فهذه درجات الرياء ومراتب أصناف المرائين وجميعهم تحت مقت الله وغضبه وهو ~~من أشد المهلكات وإن من شدته أن فيه شوائب هي أخفى من دبيب النمل كما ورد ~~به الخبر يزل فيه فحول العلماء فضلا عن العباد الجهلاء بآفات النفوس وغوائل ~~القلوب والله أعلم # | بيان الرياء الخفي الذي هو أخفى من دبيب النمل # اعلم أن الرياء جلي وخفي فالجلي هو الذي يبعث على العمل ويحمل عليه ولو ~~قصد الثواب وهو أجلاه وأخفى منه قليلا هو ما لا يحمل على العمل بمجرده إلا ~~أنه يخفف العمل الذي يريد به وجه الله كالذي يعتاد التهجد كل ليلة ويثقل ~~عليه فإذا نزل عنده ضيف تنشط له وخف عليه وعلم أنه لولا رجاء الثواب لكان ~~لا يصلي لمجرد رياء الضيفان وأخفى من ذلك ما لا يؤثر في العمل ولا بالتسهيل ~~والتخفيف أيضا ولكنه مع ذلك مستبطن في القلب ومهما لم يؤثر في الدعاء إلى ~~العمل لم يمكن أن يعرف إلا بالعلامات وأجلى علاماته أن يسر باطلاع الناس ~~على طاعته فرب عبد يخلص في عمله ولا يعتقد الرياء بل يكرهه ويرده ويتمم ~~العمل كذلك ولكن إذا اطلع عليه الناس سره ذلك وارتاح له وروح ذلك عن قلبه ~~شدة العبادة وهذا السرور يدل على رياء خفي منه يرشح السرور ولولا التفات ~~القلب إلى الناس لما ظهر سروره عند اطلاع الناس فلقد كان الرياء مستكنا في ~~القلب استكنان النار في الحجر فأظهر عنه اطلاع الخلق أثر الفرح والسرور ثم ~~إذا استشعر لذة السرور بالاطلاع ولم يقابل ذلك بكراهية فيصير ذلك قوتا ~~وغذاء للعرق الخفي من الرياء حتى يتحرك على نفسه حركة خفية فيتقاضى تقاضيا ~~خفيا أن يتكلف سببا يطلع عليه بالتعريض وإلقاء الكلام عرضا وإن كان لا يدعو ~~إلى التصريح وقد يخفى فلا يدعو إلى الإظهار بالنطق تعريضا وتصريحا ولكن ~~بالشمائل كإظهار النحول والصفار وخفض الصوت ويبس الشفتين وجفاف الريق وآثار ~~الدموع وغلبة النعاس الدال على طول التهجد وأخفى من ذلك أن يختفي بحيث لا ~~يريد الاطلاع ولا يسر بظهور طاعته ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن ~~يبدءوه بالسلام وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير وأن يثنوا عليه PageV03P305 ~~وأن ينشطوا في قضاء حوائجه وأن يسامحوه في البيع والشراء وأن يوسعوا له في ~~المكان فإن قصر فيه مقصر ثقل ذلك على قلبه ووجد لذلك استبعادا في نفسه كأنه ~~يتقاضى الاحترام مع الطاعة التي أخفاها مع أنه لم يطلع عليه ولو لم يكن قد ~~سبق منه تلك الطاعة لما كان يستبعد تقصير الناس في حقه ومهما لم يكن وجود ~~العبادة كعدمها في كل ما يتعلق بالخلق لم يكن قد قنع بعلم الله ولم يكن ~~خاليا عن شوب خفي من الرياء أخفى من دبيب النمل + حديث في الرياء شوائب ~~أخفى من دبيب النمل أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي موسى الأشعري اتقوا ~~هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث أبي ~~بكر الصديق وضعفه هو والدارقطني # وكل ذلك يوشك أن يحبط الأجر ولا يسلم منه إلا الصديقون # وقد روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال إن الله عز وجل يقول للقراء يوم ~~القيامة ألم يكن يرخص عليكم السعر ألم تكونوا تبتدءون بالسلام ألم تكونوا ~~تقضى لكم الحوائج # وفي الحديث لا أجر لكم قد استوفيتم أجوركم وقال عبد الله بن المبارك # روي عن وهب بن منبه أنه قال إن رجلا من السواح قال لأصحابه إنا إنما ~~فارقنا الأموال والأولاد مخافة الطغيان فنخاف أن نكون قد دخل علينا في ~~أمرنا هذا من الطغيان أكثر مما دخل على أهل الأموال في أموالهم إن أحدنا ~~إذا لقي أحب أن يعظم لمكان دينه وإن سأل حاجة أحب أن تقضى له لمكان دينه ~~وإن اشترى شيئا أحب أن يرخص عليه لمكان دينه فبلغ ذلك ملكهم فركب في موكب ~~من الناس فإذا السهل والجبل قد امتلأ بالناس فقال السائح ما هذا قيل هذا ~~الملك قد أظللك فقال للغلام ائتي بطعام فأتاه ببقل وزيت وقلوب الشجر فجعل ~~يحشو شدقه ويأكل أكلا عنيفا فقال الملك أين صاحبكم فقالوا هذا قال كيف أنت ~~قال كالناس وفي حديث آخر بخير فقال الملك ما عند هذا من خير فانصرف عنه ~~فقال السائح الحمد لله الذي صرفك عني وأنت لي ذام فلم يزل المخلصون خائفين ~~من الرياء الخفي يجتهدون لذلك في مخادعة الناس عن أعمالهم الصالحة يحرصون ~~على إخفائها أعظم مما يحرص الناس على إخفاء فواحشهم كل ذلك رجاء أن تخلص ~~أعمالهم الصالحة فيجازيهم الله في القيامة بإخلاصهم على ملأ من الخلق إذ ~~علموا أن الله لا يقبل في القيامة إلا الخالص وعلموا شدة حاجتهم وفاقتهم في ~~القيامة وأنه يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا يجزي والد عن ولده ويشتغل ~~الصديقون بأنفسهم فيقول كل واحد # نفسي نفسي فضلا عن غيرهم فكانوا كزوار بيت الله إذا توجهوا إلى مكة فإنهم ~~يستصحبون مع أنفسهم الذهب المغربي الخالص لعلمهم أن أرباب البوادي لا يروج ~~عندهم الزائف والبهرج والحاجة تشتد في البادية ولا وطن يفزع إليه ولا حميم ~~يتمسك به فلا ينجي إلى الخالص من النقد فكذا يشاهد أرباب القلوب يوم ~~القيامة والزاد الذي يتزودونه له من التقوى # فإذن شوائب الرياء الخفي كثيرة لا تنحصر ومهما أدرك من نفسه تفرقه بين أن ~~يطلع على عبادته إنسان أو بهيمة ففيه شعبة من الرياء فإنه لما قطع طعمه عن ~~البهائم لم يبال حضره البهائم أو الصبيان الرضع أم غابوا اطلعوا على حركته ~~أم لم يطلعوا فلو كان مخلصا قانعا بعلم الله لاستحقر عقلاء العباد كما ~~استحقر صبيانهم ومجانينهم وعلم أن العقلاء لا يقدرون له على رزق ولا أجل ~~ولا زيادة ثواب ونقصان عقاب كما لا يقدر عليه البهائم والصبيان والمجانين ~~فإذا لم يجد ذلك ففيه شوب خفي ولكن ليس كل شوب محبطا للأجر مفسدا للعمل بل ~~فيه تفضيل # فإن قلت فما نرى أحدا ينفك عن السرور إذا عرفت طاعاته فالسرور مذموم كله ~~أو بعضه محمود وبعضه مذموم فنقول # أولا كل سرور فليس بمذموم بل السرور منقسم إلى محمود وإلى مذموم # فأما المحمود فأربعة أقسام # الأول أن يكون قصده إخفاء الطاعة والإخلاص لله ولكن لما اطلع عليه ~~PageV03P306 الخلق علم أن الله أطلعهم وأظهر الجميل من أحواله فيستدل به ~~على حسن صنع الله به ونظره إليه وإلطافه به فإنه يستر الطاعة والمعصية ثم ~~الله يستر عليه المعصية ويظهر الطاعة ولا لطف أعظم من ستر القبيح وإظهار ~~الجميل فيكون فرحه بجميل نظر الله له لا بحمد الناس وقيام المنزلة في ~~قلوبهم وقد قال تعالى @QB@ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا @QE@ فكأنه ~~ظهر له أنه عند الله مقبول ففرح به # الثاني أن يستدل بإظهار الله الجميل وستره القبيح عليه في الدنيا أنه ~~كذلك يفعل في الآخرة إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ستر الله على ~~عبد ذنبا في الدنيا إلا ستره عليه في الآخرة + حديث ما ستر الله على عبد ~~ذنبا في الدنيا إلا ستره عليه في الآخرة أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة # فيكون الأول فرحا بالقبول في الحال من غير ملاحظة المستقبل وهذا التفات ~~إلى المستقبل # الثالث أن يظن رغبة المطلعين على الاقتداء به في الطاعة فيتضاعف بذلك ~~أجره فيكون له أجر العلانية بما أظهر آخرا وأجر السر بما قصده أولا ومن ~~اقتدى به في طاعة فله مثل أجر أعمال المقتدين به من غير أن ينقص من أجورهم ~~شيء وتوقع ذلك جدير بأن يكون سبب السرور فإن ظهور مخايل الربح لذيذ وموجب ~~للسرور لا محالة # الرابع أن يحمده المطلعون على طاعته فيفرح بطاعتهم لله في مدحهم وبحبهم ~~للمطيع وبميل قلوبهم إلى الطاعة إذا من أهل الإيمان من يرى أهل الطاعة ~~فيمقته ويحسده أو يذمه ويهزأ به أو ينسبه إلى الرياء ولا يحمده عليه فهذا ~~فرح بحسن إيمان عباد الله # وعلامة الإخلاص في هذا النوع أن يكون فرحه بحمده غيره مثل فرحه بحمدهم ~~إياه # وأما المذموم وهو الخامس فهو أن يكون فرحه لقيام منزلته في قلوب الناس ~~حتى يمدحوه ويعظموه ويقوموا بقضاء حوائجه ويقابلوه بالإكرام في مصادره ~~وموارده فهذا مكروه والله تعالى أعلم # | بيان ما يحبط العمل من الرياء الخفي والجلي وما لا يحبط # فنقول فيه إذا عقد العبد العبادة على الإخلاص ثم ورد عليه وارد الرياء ~~فلا يخلو إما أن يرد عليه بعد فراغه من العمل أو قبل الفراغ فإن ورد بعد ~~الفراغ سرور مجرد بالظهور من غير إظهار فهذا لا يفسد العمل إذ العمل قد تم ~~على نعت الإخلاص سالما عن الرياء فما يطرأ بعده فيرجو أن لا ينعطف عليه أثر ~~لا سيما إذا لم يتكلف هو إظهاره والتحدث به ولم يتمن إظهاره وذكره ولكن ~~اتفق ظهوره بإظهار الله ولم يكن منه إلا ما دخل من السرور والارتياح على ~~قلبه # نعم لو تم العمل على الإخلاص من غير عقد رياء ولكن ظهرت له بعده رغبة في ~~الإظهار فتحدث به فهذا مخوف # وفي الآثار والأخبار ما يدل على أنه يحبط فقد روي عن ابن مسعود أنه سمع ~~رجلا يقول قرأت البارحة البقرة فقال ذلك حظه منها # وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل قال له صمت الدهر يا ~~رسول الله # فقال له ما صمت ولا أفطرت + حديث قال لرجل قال صمت الدهر قال ما صمت ولا ~~أفطرت أخرجه مسلم من حديث أبي قتادة قال عمر يا رسول الله كيف بمن يصوم ~~الدهر قال لا صام ولا أفطر وللطبراني من حديث أسماء بنت يزيد في أثناء حديث ~~فيه فقال رجل إني صائم قال بعض القوم إنه لا يفطر إنه يصوم كل يوم قال ~~النبي صلى الله عليه وسلم لا صام ولا أفطر من صام الأبد ولم أجده بلفظ ~~الخطاب # فقال بعضهم إنما قال ذلك لأنه أظهره وقيل هو إشارة إلى كراهة صوم الدهر # وكيفما كان فيحتمل أن يكون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ابن ~~مسعود استدلالا على أن قلبه عند العبادة لم يخل عن عقد الرياء وقصده له لما ~~أن ظهر منه التحدث به إذ يبعد أن يكون ما يطرأ بعد العمل مبطلا لثواب العمل ~~بل الأقيس أن يقال إنه مثاب على عمله الذي مضى ومعاقب على مراءاته بطاعة ~~الله بعد الفراغ منها PageV03P307 بخلاف ما لو تغير عقده إلى الرياء قبل ~~الفراغ من الصلاة فإن ذلك قد يبطل الصلاة ويحبط العمل # وأما إذا ورد وارد الرياء قبل الفراغ من الصلاة مثلا وكان قد عقد على ~~الإخلاص ولكن ورد في أثنائها وارد الرياء فلا يخلو إما أن يكون مجرد سرور ~~لا يؤثر في العمل وإما أن يكون رياء باعثا على العمل فإن كان باعثا على ~~العمل وختم العبادة به حبط أجره # ومثاله أن يكون في تطوع فتجددت له نظارة أو حضر ملك من الملوك وهو يشتهي ~~أن ينظر إليه أو يذكر شيئا نسيه من ماله وهو يريد أن يطلبه ولولا الناس ~~لقطع الصلاة فاستتمها خوفا من مذمة الناس فقد حبط أجره وعليه الإعادة إن ~~كان في فريضة وقد قال صلى الله عليه وسلم العمل كالوعاء إذا طاب آخره طاب ~~أوله + حديث العمل كالوعاء إذا طاب آخره طالب أوله أخرجه ابن ماجه من حديث ~~معاوية بن أبي سفيان بلفظ إذا طاب أسفله طاب أعلاه وقد تقدم # أي النظر إلى خاتمته # وروي أنه من راءى بعمل ساعة حبط عمله الذي كان قبله + حديث من راءى بعمله ~~ساعة حبط عمله الذي كان قبله لم أجده بهذا اللفظ وللشيخين من حديث جندب من ~~سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به ورواه مسلم من حديث ابن عباس # وهذا منزل على الصلاة في هذه الصورة لا على الصدقة ولا على القراءة فإن ~~كل جزء من ذلك مفرد فما يطرأ يفسد الباقي دون الماضي والصوم والحج من قبيل ~~الصلاة # وأما إذا كان وراد الرياء بحيث لا يمنعه من قصد الإتمام لأجل الثواب كما ~~لو حضر جماعة في أثناء الصلاة ففرح بحضورهم وعقد الرياء وقصد تحسين الصلاة ~~لأجل نظرهم وكان لولا حضورهم لكان يتمها أيضا فهذا رياء قد أثر في العمل ~~وانتهض باعثا على الحركات فإن غلب حتى انمحق معه الإحساس بقصد العبادة ~~والثواب وصار قصد العبادة مغمورا فهذا أيضا ينبغي أن يفسد العبادة مهما مضى ~~ركن من أركانها على هذا الوجه لأنا نكتفي بالنية السابقة عند الإحرام بشرط ~~أن لا يطرأ عليها ما يغلبها ويغمرها ويحتمل أن يقال لا يفسد العبادة نظرا ~~إلى حالة العقد وإلى بقاء قصد أصل الثواب وإن ضعف بهجوم قصد هو أغلب منه # ولقد ذهب الحارث المحاسبي رحمه الله تعالى إلى الإحباط في أمر هو أهون من ~~هذا وقال إذا لم يرد إلا مجرد السرور باطلاع الناس يعني سرورا هو كحب ~~المنزلة والجاه قال قد اختلف الناس في هذا فصارت فرقة إلى أنه محبط لأنه ~~نقض العزم الأول وركن إلى حمد المخلوقين ولم يختم عمله بالإخلاص وإنما يتم ~~العمل بخاتمته ثم قال ولا أقطع عليه بالحبط وإن لم يتزيد في العمل ولا آمن ~~عليه وقد كنت أقف فيه لاختلاف الناس والأغلب على قلبي أنه يحبط إذا ختم ~~عمله بالرياء ثم قال فإن قيل قد قال الحسن رحمه الله تعالى إنهما حالتان ~~فإذا كانت الأولى لم تضره الثانية # وقد روي أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أسر ~~العمل لا أحب أن يطلع عليه فيطلع عليه فيسرني قال لك أجران أجر السر وأجر ~~العلانية + حديث أن رجلا قال أسر العمل لا أحب أن يطلع عليه فيطلع عليه ~~فيسرني فقال لك أجران الحديث أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من رواية ذكوان ~~عن ابن مسعود ورواه الترمذي وابن حبان من رواية ذكوان عن أبي هريرة الرجل ~~يعمل العمل فيسره فإذا اطلع عليه أعجبه قال له أجر السر والعلانية قال ~~الترمذي غريب وقال إنه روي عن أبي صالح وهو ذكر أنه مرسل # ثم تكلم على الخبر والأثر فقال أما الحسن فإنه أراد بقوله لا يضره أي لا ~~يدع العمل ولا تضره الخطرة وهو يريد الله ولم يقل إذا عقد الرياء بعد عقد ~~الإخلاص لم يضره وأما الحديث فتكلم عليه بكلام طويل يرجع حاصله إلى ثلاثة ~~أوجه # أحدها أنه يحتمل أنه أراد ظهور عمله بعد الفراغ وليس في الحديث أنه قبل ~~الفراغ # الثاني أنه أراد أن يسر به للاقتداء به أو لسرور آخر محمود مما ذكرناه ~~قبل لا سرورا بسبب حب المحمدة والمنزلة بدليل أنه جعل له به أجرا ولا ذاهب ~~من الأمة إلى أن للسرور بالمحمدة أجرا وغايته أن يعفى عنه فكيف يكون للمخلص ~~أجر وللمرائي أجران # والثالث أنه قال أكثر من يروي الحديث يرويه غير متصل إلى أبي هريرة بل ~~أكثرهم يوقفه على أبي صالح ومنهم من يرفعه فالحكم PageV03P308 بالعمومات ~~الواردة في الرياء أولى # هذا ما ذكره ولم يقطع به بل أظهر ميلا إلى الإحباط # والأقيس عندنا أن هذا القدر إذا لم يظهر أثره في العمل بل بقي العمل ~~صادرا عن باعث الدين وإنما انضاف إليه السرور بالاطلاع فلا يفسد العمل لأنه ~~لم ينعدم به أصل نيته وبقيت تلك النية باعثة على العمل وحاملة على الإتمام # وأما الأخبار التي وردت في الرياء فهي محمولة على ما إذا لم يرد به إلا ~~الخلق وأما ما ورد في الشركة فهو محمول على ما إذا كان قصد الرياء مساويا ~~لقصد الثواب أو أغلب منه أما إذا كان ضعيفا بالإضافة إليه فلا يحبط بالكلية ~~ثواب الصدقة وسائر الأعمال ولا ينبغي أن يفسد الصلاة ولا يبعد أن يقال إن ~~الذي أوجب عليه صلاة خالصة لوجه الله والخالص ما لا يشوبه شيء فلا يكون ~~مؤديا للواجب مع هذا الشوب والعلم عند الله فيه # وقد ذكرنا في كتاب الإخلاص كلاما أوفى مما أوردناه الآن فليرجع إليه فهذا ~~حكم الرياء الطارئ بعد عقد العبادة إما قبل الفراغ أو بعد الفراغ # القسم الثالث الذي يقارن حال العقد بأن يبتدئ الصلاة على قصد الرياء فإن ~~استمر عليه سلم فلا خلاف في أنه يقضي ولا يعتد بصلاته وإن ندم عليه في ~~أثناء ذلك واستغفر ورجع قبل التمام ففيما يلزمه ثلاثة أوجه # قالت فرقة لم تنعقد صلاته مع قصد الرياء فليستأنف # وقالت فرقة تلزمه إعادة الأفعال كالركوع والسجود وتفسد أفعاله دون تحريمة ~~الصلاة لأن التحريم عقد والرياء خاطر في قلبه لا يخرج التحريم عن كونه عقدا # وقالت فرقة لا يلزم إعادة شيء بل يستغفر الله بقلبه ويتم العبادة على ~~الإخلاص والنظر إلى خاتمة العبادة كما لو ابتدأ بالإخلاص وختم بالرياء لكان ~~يفسد عمله # وشبهوا ذلك بثوب أبيض لطخ بنجاسة عارضة فإذا أزيل العارض عاد إلى الأصل ~~فقالوا إن الصلاة والركوع والسجود لا تكون إلا لله ولو سجد لغير الله لكان ~~كافرا ولكن اقترن به عارض الرياء ثم زال بالندم والتوبة وصار إلى حالة لا ~~يبالي بحمد الناس وذمهم فتصح صلاته # ومذهب الفريقين الآخرين خارج عن قياس الفقه جدا خصوصا من قال يلزمه إعادة ~~الركوع والسجود دون الافتتاح لأن الركوع والسجود إن لم يصح صارت أفعالا ~~زائدة في الصلاة فتفسد الصلاة # وكذلك قول من يقول لو ختم بالإخلاص صح نظرا إلى الآخر فهو أيضا ضعيف لأن ~~الرياء يقدح في النية وأولى الأوقات بمراعاة أحكام النية حال الافتتاح ~~فالذي يستقيم على قياس الفقه هو أن يقال إن كان باعثه مجرد الرياء في ~~ابتداء العقد دون طلب الثواب وامتثال الأمر لم ينعقد افتتاحه ولم يصح ما ~~بعده وذلك فيمن إذا خلا بنفسه لم يصل ولما رأى الناس تحرم بالصلاة وكان ~~بحيث لو كان ثوبه نجسا أيضا كان يصلي لأجل الناس فهذه صلاة لا نية فيها إذ ~~النية عبارة عن إجابة باعث الدين وههنا لا باعث ولا إجابة # فأما إذا كان بحيث لولا الناس أيضا لكان يصلي إلا أنه ظهر له الرغبة في ~~المحمدة أيضا فاجتمع الباعثان فهذا إما أن يكون في صدقة وقراءة وما ليس فيه ~~تحليل وتحريم أو في عقد صلاة وحج فإن كان في صدقة فقد عصى بإجابة باعث ~~الرياء وأطاع بإجابة باعث الثواب @QB@ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن ~~يعمل مثقال ذرة شرا يره @QE@ فله ثواب بقدر قصده الصحيح وعقاب بقدر قصده ~~الفاسد ولا يحبط أحدهما الآخر # وإن كان في صلاة تقبل الفساد بتطرق خلل إلى النية فلا يخلو إما أن تكون ~~فرضا أو نفلا فإن كانت نفلا فحكمها أيضا حكم الصدقة فقد عصى من وجه وأطاع ~~من وجه إذ اجتمع في قلبه الباعثان ولا يمكن أن يقال صلاته فاسدة والاقتداء ~~به باطل حتى إن من صلى PageV03P309 التراويح وتبين من قرائن حاله أن يصده ~~الرياء بإظهار حسن القراءة ولولا اجتماع الناس خلفه وخلا في بيت وحده لما ~~صلى لا يصح الاقتداء به فإن المصير إلى هذا بعيد جدا بل يظن بالمسلم أنه ~~يقصد الثواب أيضا بتطوعه فتصح باعتبار ذلك القصد صلاته ويصح الاقتداء به ~~وإن اقترن به قصد آخر وهو به عاص فأما إذا كان في فرض واجتمع الباعثان وكان ~~كل واحد لا يستقل وإنما يحصل الانبعاث بمجموعهما فهذا لا يسقط الواجب عنه ~~لأن الإيجاب لم ينتهض باعثا في حقه بمجرده واستقلاله وإن كان كل باعث ~~مستقلا حتى لو لم يكن باعث الرياء لأدى الفرائض ولو لم يكن باعث الفرض ~~لأنشأ صلاة تطوعا لأجل الرياء فهذا محل النظر وهو محتمل جدا فيحتمل أن يقال ~~إن الواجب صلاة خالصة لوجه الله ولم يؤد الواجب الخالص ويحتمل أن يقال ~~الواجب امتثال الأمر بباعث مستقل بنفسه وقد وجد فاقتران غيره به لا يمنع ~~سقوط الفرض عنه كما لو صلى في دار مغصوبة فإنه وإن كان عاصيا بإيقاع الصلاة ~~في الدار المغصوبة فإنه مطيع بأصل الصلاة ومسقط للفرض عن نفسه وتعارض ~~الاحتمال في تعارض البواعث في أصل الصلاة أما إذا كان الرياء في المبادرة ~~مثلا دون أصل الصلاة مثل من بادر إلى الصلاة في أول الوقت لحضور جماعة ولو ~~خلا لأخر إلى وسط الوقت ولولا الفرض لكان لا يبتدئ صلاة لأجل الرياء فهذا ~~مما يقطع بصحة صلاته وسقوط الفرض به لأن باعث أصل الصلاة من حيث إنها صلاة ~~لم يعارضه غيره بل من حيث تعيين الوقت فهذا أبعد من القدح في النية هذا في ~~رياء يكون باعثا على العمل وحاملا عليه وأما مجرد السرور بإطلاع الناس عليه ~~إذا لم يبلغ أثره إلى حيث يؤثر في العمل فبعيد أن يفسد الصلاة # فهذا ما نراه لائقا بقانون الفقه والمسألة غامضة من حيث أن الفقهاء لم ~~يتعرضوا لها في فن الفقه والذين خاضوا فيها وتصرفوا لم يلاحظوا قوانين ~~الفقه ومقتضى فتاوي الفقهاء في صحة الصلاة وفسادها بل حملهم الحرص على ~~تصفية القلوب وطلب الإخلاص على إفساد العبادات بأن الخواطر وما ذكرناه هو ~~الأقصد فيما نراه والعلم عند الله عز وجل فيه وهو عالم الغيب والشهادة وهو ~~الرحمن الرحيم # | بيان دواء الرياء وطريق معالجة القلب فيه # قد عرفت مما سبق أن الرياء محبط للأعمال وسبب للمقت عند الله تعالى وأنه ~~من كبائر المهلكات وما هذا وصفه فجدير بالتشمير عن ساق الجد في إزالته ولو ~~بالمجاهدة وتحمل المشاق فلا شفاء إلا في شرب الأدوية المرة البشعة وهذه ~~مجاهدة يضطر إليها العباد كلهم إذ الصبي يخلق ضعيف العقل والتمييز ممتد ~~العين إلى الخلق كثير الطمع فيهم فيرى الناس يتصنع بعضهم لبعض فيغلب عليه ~~حب التصنع بالضرورة ويرسخ ذلك في نفسه وإنما يشعر بكونه مهلكا بعد كمال ~~عقله وقد انغرس الرياء في قلبه وترسخ فيه فلا يقدر على قمعه إلا بمجاهدة ~~شديدة ومكابدة لقوة الشهوات # فلا ينفك أحد عن الحاجة إلى هذه المجاهدة ولكنها تشق أولا وتخف آخرا وفي ~~علاجه مقامان # أحدهما قلع عروقه وأصوله التي منها انشعابه # والثاني دفع ما يخطر منه في الحال # المقام الأول في قلع عروقه واستئصال أصوله وأصله حب المنزلة والجاه # وإذا فضل رجع إلى ثلاثة أصول وهي لذة المحمدة والفرار من ألم الذم والطمع ~~فيما في أيدي الناس # ويشهد للرياء بهذه الأسباب وأنها الباعثة للمرائي ما روى أبو موسى أن ~~أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله الرجل يقاتل + ~~حديث أبي موسى أن أعرابيا قال يا رسول الله الرجل يقاتل حمية الحديث متفق ~~عليه # حمية ومعناه أنه يأنف أن يقهر أو يذم بأنه مقهور مغلوب وقال والرجل يقاتل ~~ليرى مكانه وهذا هو طلب لذة الجاه والقدر PageV03P310 في القلوب والرجل ~~يقاتل للذكر وهذا هو الحمد باللسان فقال صلى الله عليه وسلم من قاتل لتكون ~~كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله وقال ابن مسعود إذا التقى الصفان ~~نزلت الملائكة فكتبوا الناس على مراتبهم فلان يقاتل للذكر وفلان يقاتل ~~للملك والقتال للملك إشارة إلى الطمع في الدنيا # وقال عمر رضي الله عنه يقولون فلان شهيد ولعله يكون قد ملأ دفتي راحلته ~~ورقا # وقال صلى الله عليه وسلم من غزا لا يبغي إلا عقالا فله ما نوى + حديث من ~~غزا لا يبغي إلا عقالا فله ما نوى أخرجه النسائي وقد تقدم # فهذا إشارة إلى الطمع # وقد لا يشتهي الحمد ولا يطمع فيه ولكن يحذر من ألم الذم كالبخيل بين ~~الأسخياء وهم يتصدقون بالمال الكثير فإنه يتصدق بالقليل كي لا يبخل وهو ليس ~~يطمع في الحمد وقد سبقه غيره وكالجبان بين الشجعان لا يفر من الزحف خوفا من ~~الذم وهو لا يطمع في الحمد وقد هجم غيره على صف القتال # ولكن إذا أيس من الحمد كره الذم وكالرجل بين قوم يصلون جميع الليل فيصلي ~~ركعات معدودة حتى لا يذم بالكسل وهو لا يطمع في الحمد # وقد يقدر الإنسان على الصبر عن لذة الحمد ولا يقدر على الصبر على ألم ~~الذم ولذلك قد يترك السؤال عن علم هو محتاج إليه خيفة من أن يذم بالجهل ~~ويفتي بغير علم ويدعي العلم بالحديث وهو به جاهل كل ذلك حذرا من الذم # فهذه الأمور الثلاثة هي التي تحرك المرائي إلى الرياء وعلاجه ما ذكرناه ~~في الشطر الأول من الكتاب على الجملة # ولكنا نذكر الآن ما يخص الرياء وليس يخفى أن الإنسان إنما يقصد الشيء ~~ويرغب فيه لظنه أنه خير له ونافع ولذيذ إما في الحال وإما في المآل فإن علم ~~إنه لذيذ في الحال ولكنه ضار في المآل سهل عليه قطع الرغبة عنه كمن يعلم أن ~~العسل لذيذ ولكن إذا بان له أن فيه سما أعرض عنه فكذلك طريق قطع هذه الرغبة ~~أن يعلم ما فيه من المضرة # ومهما عرف العبد مضرة الرياء وما يفوته من صلاح قلبه وما يحرم عنه في ~~الحال من التوفيق وفي الآخرة من المنزلة عند الله وما يتعرض له من العقاب ~~العظيم والمقت الشديد والخزي الظاهر # حيث ينادى على رؤوس الخلائق يا فاجر يا غادر يا مرائي أما استحييت إذا ~~اشتريت بطاعة الله عرض الدنيا وراقبت قلوب العباد واستهزأت بطاعة الله ~~وتحببت إلى العباد بالتبغض إلى الله وتزينت لهم بالشين عند الله وتقربت ~~إليهم بالبعد من الله وتحمدت إليهم بالتذمم عند الله وطلبت رضاهم بالتعرض ~~لسخط الله أما كان أحد أهون عليك من الله فمهما تفكر العبد في هذا الخزي ~~وقابل ما يحصل له من العباد والتزين لهم في الدنيا بما يفوته في الآخرة ~~وبما يحبط من ثواب الأعمال مع أن العمل الواحد ربما كان يترجح به ميزان ~~حسناته لو خلص فإذا فسد بالرياء حول إلى كفة السيئات فترجح به ويهوي إلى ~~النار فلو لم يكن في الرياء إلا إحباط عبادة واحدة لكان ذلك كافيا في معرفة ~~ضرره وإن كان مع ذلك سائر حسناته راجحة فقد كان ينال بهذه الحسنة علو ~~الرتبة عند الله في زمرة النبيين والصديقين وقد حط عنهم بسبب الرياء رد إلى ~~صف النعال من مراتب الأولياء هذا مع ما يتعرض له في الدنيا من تشتت الهم ~~بسبب ملاحظة قلوب الخلق فإن رضا الناس غاية لا تدرك فكل ما يرضي به فريق ~~يسخط به فريق ورضا بعضهم في سخط بعضهم ومن طلب رضاهم في سخط الله سخط الله ~~عليه وأسخطهم أيضا عليه ثم أي غرض له في مدحهم وإيثار ذم الله لأجل حمدهم ~~ولا يزيده حمدهم رزقا ولا أجلا ولا ينفعه يوم فقره وفاقته وهو يوم القيامة ~~وأما الطمع فيما في أيديهم فبأن يعلم أن الله تعالى هو المسخر للقلوب ~~بالمنع والإعطاء وأن الخلق مضطرون فيه ولا رازق إلا الله ومن طمع في الخلق ~~لم يخل من الذل والخيبة وإن وصل إلى المراد لم يخل عن المنة والمهانة فكيف ~~يترك ما عند الله برجاء PageV03P311 كاذب ووهم فاسد قد يصيب وقد يخطئ وإذا ~~أصاب فلا تفي لذته بألم منثه ومذلته وأما ذمهم فلم يحذر منه ولا يزيده ذمهم ~~شيئا ما لم يكتبه عليه الله ولا يعجل أجله ولا يؤخر رزقه ولا يجعله من أهل ~~النار إن كان من أهل الجنة ولا يبغضه إلى الله إن كان محمودا عند الله ولا ~~يزيده مقتا إن كان ممقوتا عند الله فالعباد كلهم عجزة لا يملكون لأنفسهم ~~ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياتا ولا نشورا # فإذا قرر في قلبه آفة هذه الأسباب وضررها فترت رغبته وأقبل على الله قلبه ~~فإن العاقل لا يرغب فيما يكثر ضرره ويقل نفعه ويكفيه أن الناس لو علموا ما ~~في باطنه من قصد الرياء وإظهار الإخلاص لمقتوه وسيكشف الله عن سره حتى ~~يبغضه إلى الناس ويعرفهم أنه مراء وممقوت عند الله ولو أخلص لله لكشف الله ~~لهم إخلاصه وحببه إليهم وسخرهم له وأطلق ألسنتهم بالمدح والثناء عليه مع ~~أنه لا كمال في مدحهم ولا نقصان في ذمهم كما قال شاعر بني تميم إن مدحي زين ~~وإن ذمي شين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت ذاك الله الذي لا ~~إله إلا هو + حديث قال شاعر من بني تميم إن مدحي زين وإن ذمي شين فقال كذبت ~~ذاك الله أخرجه أحمد من حديث الأقرع بن حابس وهو قائل ذلك دون قوله كذبت ~~ورجاله ثقات إلا أني لا أعرف لأبي سلمة بن عبد الرحمن سماعا من الأقرع ~~ورواه الترمذي من حديث البراء وحسنه بلفظ فقال رجل إن حمدي # إذ لا زين إلا في مدحه ولا شين إلا في ذمه فأي خير لك في مدح الناس # وأنت عند الله مذموم ومن أهل النار وأي شر لك من ذم الناس وأنت عند الله ~~محمود في زمرة المقربين فمن أحضر في قلبه الآخرة ونعيمها المؤبد والمنازل ~~الرفيعة عند الله استحقر ما يتعلق بالخلق أيام الحياة مع ما فيه من ~~الكدورات والمنغصات واجتمع همه وانصرف إلى الله قلبه وتخلص من مذلة الرياء ~~ومقاساة قلوب الخلق وانعطف من إخلاصه أنوار على قلبه ينشرح بها صدره وينفتح ~~بها له من لطائف المكاشفات ما يزيد به أنسه بالله ووحشته من الخلق ~~واستحقاره للدنيا واستعظامه للآخرة وسقط محل الخلق من قلبه وانحل عنه داعية ~~الرياء وتذلل له منهج الإخلاص # فهذا وما قدمنا في الشطر الأول هي الأدوية العلمية القالعة مغارس الرياء # وأما الدواء العملي فهو أن يعود نفسه إخفاء العبادات وإغلاق الأبواب ~~دونها كما تغلق الأبواب دون الفواحش حتى يقنع قلبه بعلم الله أو إطلاعه على ~~عباداته ولا تنازعنه النفس إلى طلب علم غير الله به # وقد روي أن بعض أصحاب أبي حفص الحداد ذم الدنيا وأهلها فقال أظهرت ما كان ~~سبيلك أن تخفيه لا تجالسنا بعد هذا # فلم يرخص في إظهار هذا القدر لأن في ضمن ذم الدنيا دعوى الزهد فيها فلا ~~دواء للرياء مثل الإخفاء وذلك يشق في بداية المجاهدة وإذا صبر عليه مدة ~~بالتكلف سقط عنه ثقله وهان عليه ذلك بتواصل ألطاف الله وما يمد به عباده من ~~حسن التوفيق والتأييد والتسديد و إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما ~~بأنفسهم فمن العبد المجاهدة ومن الله الهداية ومن العبد قرع الباب ومن الله ~~فتح الباب والله لا يضيع أجر المحسنين وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه ~~أجرا عظيما # المقام الثاني في دفع العارض منه في أثناء العبادة وذلك لا بد من تعلمه ~~أيضا فإن من جاهد نفسه وقلع مغارس الرياء من قلبه بالقناعة وقطع الطمع ~~وإسقاط نفسه من أعين المخلوقين واستحقار مدح المخلوقين وذمهم فالشيطان لا ~~يتركه في أثناء العبادات بل يعارضه بخطرات الرياء ولا تنقطع عنه نزعاته ~~وهوى النفس وميلها لا ينمحي بالكلية فلا بد وأن يتشمر لدفع ما يعرض من خاطر ~~الرياء # وخواطر الرياء ثلاثة قد تخطر دفعة واحدة كالخاطر الواحد وقد تترادف على ~~التدريج فالأول العلم باطلاع الخلق ورجاء اطلاعهم # ثم يتلوه هيجان الرغبة PageV03P312 من النفس في حمدهم وحصول المنزلة ~~عندهم # ثم يتلوه هيجان الرغبة في قبول النفس له والركون إليه وعقد الضمير على ~~تحقيقه # فالأول معرفة # والثاني حالة تسمى الشهوة والرغبة # والثالث فعل يسمى العزم وتصميم العقد # وإنما كمال القوة في دفع الخاطر الأول ورده قبل أن يتلوه الثاني فإذا خطر ~~له معرفة اطلاع الخلق أو رجاء اطلاعهم دفع ذلك بأن قال مالك وللخلق علموا ~~أو لم يعلموا والله عالم بحالك فأي فائدة في علم غيره فإن هاجت الرغبة إلى ~~لذة الحمد يذكر ما رسخ في قلبه من قبل من آفة الرياء وتعرضه للمقت عند الله ~~في القيامة وخيبته في أحوج أوقاته إلى أعماله فكما أن معرفة اطلاع الناس ~~تثير شهوة ورغبة في الرياء فمعرفة آفة الرياء تثير كراهة له تقابل تلك ~~الشهوة إذ يتفكر في تعرضه لمقت الله وعقابه الأليم والشهوة تدعوه إلى ~~القبول والكراهة تدعوه إلى الإباء والنفس تطاوع لا محالة أقواهما وأغلبهما # فإذن لا بد في رد الرياء من ثلاثة أمور # المعرفة والكراهة والإباء # وقد يشرع العبد في العبادة على عزم الإخلاص ثم يرد خاطر الرياء فيقبله ~~ولا تحضره المعرفة ولا الكراهة التي كان الضمير منطويا عليها وإنما سبب ذلك ~~امتلاء القلب بخوف الذم وحب الحمد واستيلاء الحرص عليه بحيث لا يبقى في ~~القلب متسع لغيره فيعزب عن القلب المعرفة السابقة بآفات الرياء وشؤم عاقبته ~~إذ لم يبق موضع في القلب خال عن شهوة الحمد أو خوف الذم وهو كالذي يحدث ~~نفسه بالحلم وذم الغضب ويعزم على التحلم عند جريان سبب الغضب ثم يجري من ~~الأسباب ما يشتد به غضبه فينسى سابقة عزمه ويمتلئ قلبه غيظا يمنع من تذكر ~~آفة الغضب ويشغل قلبه عنه فكذلك حلاوة الشهوة تملأ القلب وتدفع نور المعرفة ~~مثل مرارة الغضب # وإليه أشار جابر بقوله بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ~~على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت فأنسيناها يوم حنين + حديث جابر بايعنا ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة على أن لا نفر الحديث أخرجه مسلم ~~مختصرا دون ذكر يوم حنين فرواه مسلم من حديث العباس # حتى نودي يا أصحاب الشجرة فرجعوا # وذلك لأن القلوب امتلأت بالخوف فنسيت العهد السابق حتى ذكروا وأكثر ~~الشهوات التي تهجم فجأة هكذا تكون إذ ينسى معرفة مضرته الداخلة في عقد ~~الإيمان # ومهما نسي المعرفة لم تظهر الكراهة فإن الكراهة ثمرة المعرفة # وقد يتذكر الإنسان فيعلم أن الخاطر الذي خطر له هو خاطر الرياء الذي ~~يعرضه لسخط الله ولكن يستمر عليه لشدة شهوته فيغلب هواه عقله ولا يقدر على ~~ترك لذة الحال فيسوف بالتوبة أو يتشاغل عن التفكر في ذلك لشدة الشهوة فكم ~~من عالم يحضره كلام لا يدعوه إلى فعله إلا رياء الخلق وهو يعلم ذلك ولكنه ~~يستمر عليه فتكون الحجة عليه أوكد إذ قبل داعي الرياء مع علمه بغائلته ~~وكونه مذموما عند الله ولا تنفعه معرفته إذا خلت المعرفة عن الكراهة # وقد تحضر المعرفة والكراهة ولكن مع ذلك يقبل داعي الرياء لكون الكراهة ~~ضعيفة بالإضافة إلى قوة الشهوة وهذا أيضا لا ينتفع بكراهته إذ الغرض من ~~الكراهة أن تصرف عن الفعل # فإذن لا فائدة إلا في اجتماع الثلاث وهي المعرفة والكراهة والإباء # فالإباء ثمرة الكراهة والكراهة ثمرة المعرفة وقوة المعرفة بحسب قوة ~~الإيمان ونور العلم وضعف المعرفة بحسب الغفلة وحب الدنيا ونسيان الآخرة ~~وقلة التفكر فيما عند الله وقلة التأمل في آفات الحياة الدنيا وعظيم نعيم ~~الآخرة وبعض ذلك ينتج بعضا ويثمره وأصل ذلك كله حب الدنيا وغلبة الشهوات ~~فهو رأس كل خطيئة ومنبع كل ذنب لأن حلاوة حب الجاه والمنزلة ونعيم الدنيا ~~هي التي تغضب القلب وتسلبه وتحول بينه وبين التفكر في العاقبة والاستضاءة ~~بنور الكتاب وألسنة وأنوار العلوم PageV03P313 # فإن قلت فمن صادف من نفسه كراهة الرياء وحملته الكراهة على الإباء ولكنه ~~مع ذلك غير خال عن ميل الطبع إليه وحبه له ومنازعته إياه إلا أنه كاره لحبه ~~ولميله إليه وغير محبب إليه فهل يكون في زمرة المرائين فاعلم أن الله لم ~~يكلف العباد إلا ما تطيق وليس في طاقة العبد منع الشيطان عن نزغاته ولا قمع ~~الطبع حتى لا يميل إلى الشهوات ولا ينزع إليها وإنما غايته أن يقابل شهوته ~~بكراهة استثمارها من معرفة العواقب وعلم الدين وأصول الإيمان بالله واليوم ~~الآخر فإذا فعل ذلك فهو الغاية في آداء ما كلف به # ويدل على ذلك من الأخبار ما روي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~شكوا إليه وقالوا تعرض لقلوبنا أشياء لأن تخر من السماء فتخطفنا الطير أو ~~تهوي بنا الريح في مكان سحيق أحب إلينا من أن نتكلم بها فقال صلى الله عليه ~~وسلم أو قد وجدتموه قالوا نعم قال ذلك صريح الإيمان + حديث شكوى الصحابة ما ~~يعرض في قلوبهم وقوله ذلك صريح الإيمان أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود ~~مختصرا سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة فقال ذلك محض الإيمان ~~والنسائي في اليوم الليلة وابن حبان في صحيحه ورواه النسائي فيه من حديث ~~عائشة # ولم يجدوا إلا الوسواس والكراهة له ولا يمكن أن يقال أراد بصريح الإيمان ~~الوسوسة فلم يبق إلا حمله على الكراهة المساوقة للوسوسة والرياء وإن كان ~~عظيما فهو دون الوسوسة في حق الله تعالى فإذا اندفع ضرر الأعظم بالكراهة ~~فبأن يندفع بها ضرر الأصغر أولى وكذلك يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ~~حديث ابن عباس أنه قال الحمد لله الذي رد كيد الشيطان إلى الوسوسة + حديث ~~ابن عباس الحمد لله الذي رد كيد الشيطان إلى الوسوسة أخرجه أبو داود ~~والنسائي في اليوم والليلة بلفظ كيده # وقال أبو حازم ما كان من نفسك وكرهته نفسك لنفسك فلا يضرك ما هو من عدوك ~~وما كان من نفسك فرضيته نفسك لنفسك فعاتبها عليه # فإذن وسوسة الشيطان ومنازعة النفس لا تضرك مهما رددت مرادهما بالإباء ~~والكراهة والخواطر التي هي العلوم والتذكرات والتخيلات للأسباب المهيجة ~~للرياء هي من الشيطان والرغبة والميل بعد تلك الخواطر من النفس والكراهة من ~~الإيمان ومن آثار العقل إلا أن للشيطان ههنا مكيدة وهي أنه إذا عجز عن حمله ~~على قبول الرياء خيل إليه أن صلاح قلبه في الاشتغال بمجادلة الشيطان ~~ومطاولته في الرد والجدال حتى يسلبه ثواب الإخلاص وحضور القلب لأن الاشتغال ~~بمجادلة الشيطان ومدافعته انصراف عن سر المناجاة مع الله فيوجب ذلك نقصانا ~~في منزلته عند الله # والمتخلصون عن الرياء في دفع خواطر الرياء على أربع مراتب # الأولى أن يرده على الشيطان فيكذبه ولا يقتصر عليه بل يشتغل بمجادلته ~~ويطيل الجدال معه لظنه أن ذلك أسلم لقلبه وهو على التحقيق نقصان لأنه اشتغل ~~عن مناجاة الله وعن الخير الذي هو بصدده وانصرف إلى قتال قطاع الطريق ~~والتعريج على قتال قطاع الطريق نقصان في السلوك # الثانية أن يعرف أن الجدال والقتال نقصان في السلوك فيقتصر على تكذيبه ~~ودفعه ولا يشتغل بمجادلته # الثالثة أن لا يشتغل بتكذيبه أيضا لأن ذلك وقفة وإن قلت بل يكون قد قرر ~~في عقد ضميره كراهة الرياء وكذب الشيطان فيستمر على ما كان عليه مستصحبا ~~للكراهة غير مشتغل بالتكذيب ولا بالمخاصمة # الرابعة أن يكون قد علم أن الشيطان سيحسده عند جريان أسباب الرياء فيكون ~~قد عزم على أنه مهما نزع الشيطان زاد فيما هو فيه من الإخلاص والاشتغال ~~بالله وإخفاء الصدقة والعبادة غيظا للشيطان وذلك هو الذي يغيظ الشيطان ~~ويقمعه ويوجب يأسه وقنوطه حتى لا يرجع # يروي عن الفضيل بن غزوان أنه قيل له إن فلانا يذكرك فقال والله لأغيظن من ~~أمره قيل ومن أمره قال الشيطان اللهم اغفر له # أي لأغيظنه بأن PageV03P314 أطع الله فيه # ومهما عرف الشيطان من عبد هذه العادة كف عنه خيفة من أن يزيد في حسناته # وقال إبراهيم التيمي إن الشيطان ليدعو العبد إلى الباب من الإثم فلا يطعه ~~وليحدث عند ذلك خيرا فإذا رآه كذلك تركه وقال أيضا إذا رآك الشيطان مترددا ~~طمع فيك وإذا رآك مداوما ملك وقلاك # وضرب الحارث المحاسبي رحمه الله لهذه الأربعة مثالا أحسن فيه فقال مثالهم ~~كأربعة قصدوا مجلسا من العلم والحديث لينالوا به فائدة وفضلا وهداية ورشدا ~~فحسدهم على ذلك ضال مبتدع وخاف أن يعرفوا الحق فتقدم إلى واحد فمنعه وصرفه ~~عن ذلك ودعاه إلى مجلس ضلال فأبى فلما عرف إباءه شغله بالمجادلة فاشتغل معه ~~ليرد ضلاله وهو يظن أن ذلك مصلحة له وهو غرض الضال ليفوت عليه بقدر تأخره # فلما مر الثاني عليه نهاه واستوقفه فوقف فدفع في نحر الضال ولم يشتغل ~~بالقتال واستعجل ففرح منه الضال بقدر توقفه للدفع فيه # ومر به الثالث فلم يلتفت إليه ولم يشتغل بدفعه ولا بقتاله بل استمر على ~~ما كان فخال منه رجاؤه بالكلية # فمر الرابع فلم يتوقف له وأراد أن يغيظه فزاد في عجلته وترك التأني في ~~المشي فيوشك إن عادوا ومروا عليه مرة أخرى أن يعاود الجميع إلا هذا الأخير ~~فإنه لا يعاوده خيفة من أن يزداد فائدة باستعجاله # فإن قلت فإذا كان الشيطان لا تؤمن نزغاته فهل يجب الترصد له قبل حضوره ~~للحذر منه انتظارا لوروده أم يجب التوكل على الله ليكون هو الدافع له أو ~~يجب الاشتغال بالعبادة والغفلة عنه قلنا اختلف الناس فيه على ثلاثة أوجه ~~فذهبت فرقة من أهل البصرة إلى أن الأقوياء قد استغنوا عن الحذر من الشيطان ~~لأنهم انقطعوا إلى الله واشتغلوا بحبه فاعتزلهم الشيطان وأيس منهم وخنس ~~عنهم كما أيس من ضعفاء العباد في الدعوة إلى الخمر والزنا فصارت ملاذ ~~الدنيا عندهم وإن كانت مباحة كالخمر والخنزير فارتحلوا من حبها بالكلية فلم ~~يبق للشيطان إليهم سبيل فلا حاجة بهم إلى الحذر # وذهبت فرقة من أهل الشام إلى أن الترصد للحذر منه إنما يحتاج إليه من قل ~~يقينه ونقص توكله فمن أيقن بأن لا شريك لله في تدبيره فلا يحذر غيره ويعلم ~~أن الشيطان ذليل مخلوق ليس له أمر ولا يكون إلا ما أراده الله فهو الضار ~~والنافع والعارف يستحي منه أن يحذر غيره فاليقين بالوحدانية يغنيه عن الحذر # وقالت فرقة من أهل العلم لا بد من الحذر من الشيطان وما ذكره البصريون من ~~أن الأقوياء قد استغنوا عن الحذر وخلت قلوبهم عن حب الدنيا بالكلية فهو ~~وسيلة الشيطان يكاد يكون غرورا إذ الأنبياء عليهم السلام لم يتخلصوا من ~~وسواس الشيطان ونزغاته فكيف يتخلص غيرهم وليس كل وسواس الشيطان من الشهوات ~~وحب الدنيا بل في صفات الله تعالى وأسمائه وفي تحسين البدع والضلال وغير ~~ذلك ولا ينجو أحد من الخطر فيه ولذلك قال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ~~ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ~~ثم يحكم الله آياته وقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه ليغان على قلبي + ي ~~حديث إنه ليغان على قلبي تقدم # مع أن شيطانه قد أسلم ولا يأمره إلا بخير + حديث إن شيطانه أسلم فلا يأمر ~~إلا بخير تقدم أيضا # فمن ظن أن اشتغاله بحب الله أكثر من اشتغال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وسائر الأنبياء عليهم السلام فهو مغرور ولم يؤمنهم ذلك من كيد الشيطان ~~ولذلك لم يسلم منه آدم وحواء في الجنة التي هي دار الأمن والسرور بعد أن ~~قال الله لهما إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا ~~تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ومع أنه لم ينه إلى عن شجرة ~~واحدة وأطلق له وراء ذلك ما أراد فإذا لم يأمن من نبي من الأنبياء وهو في ~~الجنة دار الأمن والسعادة من كيد الشيطان فكيف يجوز لغيره أن يأمن في دار ~~PageV03P315 والدنيا وهي منبع المحن والفتن معدن الملاذ والشهوات المنهي ~~عنها وقال موسى عليه السلام فيما أخبر عنه تعالى هذا من عمل الشيطان ولذلك ~~حذر الله منه جميع الخلق فقال الله تعالى يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان ~~كما أخرج أبويكم من الجنة وقال عز وجل إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ~~ترونهم والقرآن من أوله إلى آخره تحذير من الشيطان فكيف يدع الأمن منه وأخذ ~~الحذر من حيث أمر الله به لا ينافي الاشتغال بحب الله فإن من الحب له ~~امتثال أمره وقد أمر بالحذر من العدو كما أمر بالحذر من الكفار فقال تعالى ~~وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم وقال تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط ~~الخيل فإذا لزمك بأمر الله الحذر من العدو الكافر وأنت تراه فبأن يلزمك ~~الحذر من عدو يراك ولا تراه أولى # ولذلك قال ابن محيريز صيد تراه ولا يراك يوشك أن تظفر به وصيد يراك ولا ~~تراه يوشك أن يظفر بك # فأشار إلى الشيطان فكيف وليس في الغفلة عن عداوة الكافر إلا قتل هو شهادة ~~وفي إهمال الحذر من الشيطان التعرض للنار والعقاب الأليم فليس من الاشتغال ~~بالله الإعراض عما حذر الله # وبه يبطل مذهب الفرقة الثانية في ظنهم أن ذلك قادح في التوكل فإن أخذ ~~الترس والسلاح وجمع الجنود وحفر الخندق لم يقدح في توكل رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فكيف يقدح في التوكل الخوف مما خوف الله به والحذر مما أمر ~~بالحذر منه وقد ذكرنا في كتاب التوكل ما يبين غلط من زعم أن معنى التوكل ~~النزوع عن الأسباب بالكلية وقوله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن ~~رباط الخيل لا يناقض امتثال التوكل مهما اعتقد القلب أن الضار والنافع ~~والمحيي والمميت هو الله تعالى فكذلك يحذر الشيطان ويعتقد أن الهادي والمضل ~~هو الله ويرى الأسباب وسائط مسخرة كما ذكرناه في التوكل # وهذا ما اختاره الحارث المحاسبي رحمه الله وهو الصحيح الذي يشهد له نور ~~العلم وما قبله يشبه أن يكون من كلام العباد الذين لم يغزر علمهم ويظنون أن ~~ما يهجم عليهم من الأحوال في بعض الأوقات من الاستغراق بالله يستمر على ~~الدوام وهو بعيد # ثم اختلفت هذه الفرقة على ثلاثة أوجه في كيفية الحذر فقال قوم # إذا حذرنا الله تعالى العدو فلا ينبغي أن يكون شيء أغلب في قلوبنا عن ~~ذكره والحذر منه والترصد له فإنا إن غفلنا عنه لحظة فيوشك أن يهلكنا # وقال قوم إن ذلك يؤدي إلى خلو القلب عن ذكر الله واشتغال الهم كله ~~بالشيطان وذلك مراد الشيطان منا بل نشتغل بالعبادة وبذكر الله تعالى ولا ~~ننسى الشيطان وعداوته والحاجة إلى الحذر منه فنجمع بين الأمرين فإنا إن ~~نسينا ربما عرض من حيث لا نحتسب وإن تجردنا لذكره كنا قد أهملنا ذكر الله ~~فالجمع أولى # وقال العلماء المحققون غلط الفريقان أما الأول فقد تجرد لذكر الشيطان ~~ونسي ذكر الله فلا يخفى غلطه وإنما أمرنا بالحذر من الشيطان كيلا يصدنا عن ~~الذكر فكيف نجعل ذكره أغلب الأشياء على قلوبنا وهو منتهى ضرر العدو ثم يؤدي ~~ذلك إلى خلو القلب عن نور ذكر الله تعالى فإذا قصد الشيطان مثل هذا القلب ~~وليس فيه نور ذكر الله تعالى وقوة الاشتغال به فيوشك أن يظفر به ولا يقوى ~~على دفعه فلم يأمرنا بانتظار الشيطان ولا بإدمان ذكره وأما الفرقة الثانية ~~فقد شاركت الأولى إذ جمعت في القلب بين ذكر الله والشيطان وبقدر ما يشتغل ~~القلب بذكر الشيطان ينقص من ذكر الله وقد أمر الله الخلق بذكره ونسيان ما ~~عداه إبليس وغيره فالحق أن يلزم العبد قلبه الحذر من الشيطان ويقرر على ~~نفسه عداوته فإذا اعتقد ذلك وصدق به وسكن الحذر فيه فيشتغل بذكر الله ويكب ~~عليه بكل الهمة ولا يخطر بباله أمر الشيطان فإنه إذا اشتغل بذلك بعد معرفة ~~عداوته ثم خطر الشيطان له تنبه له PageV03P316 وعند التنبه يشتغل بدفعه ~~والاشتغال بذكر الله لا يمنع من التيقظ عند نزغة الشيطان بل الرجل ينام وهو ~~خائف من أن يفوته مهم عند طلوع الصبح فيلزم نفسه الحذر وينام على أن يتنبه ~~في ذلك الوقت فيتنبه في الليل مرات قبل أوانه لما أسكن في قلبه من الحذر مع ~~أنه بالنوم غافل عنه فاشتغاله بذكر الله كيف يمنع تنبهه ومثل هذا القلب هو ~~الذي يقوى على دفع العدو إذا كان اشتغاله بمجرد ذكر الله تعالى قد أمات منه ~~الهوى وأحيا فيه نور العقل والعلم وأماط عنه ظلمة الشهوات فأهل البصيرة ~~أشعروا قلوبهم عداوة الشيطان وترصده وألزموها الحذر ثم لم يشتغلوا بذكره بل ~~بذكر الله ودفعوا بالذكر شر العدو واستضاءوا بنور الذكر حتى صرفوا خواطر ~~العدو # فمثال القلب مثال بئر أريد تطهيرها من الماء القذر ليتفجر منها الماء ~~الصافي فالمشتغل بذكر الشيطان قد ترك فيها الماء القذر والذي جمع بين ذكر ~~الشيطان وذكر الله قد نزح الماء القذر من جانب ولكنه تركه جاريا إليها من ~~جانب آخر فيطول تعبه ولا تجف البئر من الماء القذر والبصير هو الذي جعل ~~لمجرى الماء القذر سدا وملأها بالماء الصافي فإذا جاء الماء القذر دفعه ~~بالسكر والسد من غير كلفة ومؤنة وزيادة تعب # | بيان الرخصة في قصد إظهار الطاعات # اعلم أن في الأسرار للأعمال فائدة الإخلاص والنجاة من الرياء وفي الإظهار ~~فائدة والإقتداء وترغيب الناس في الخير ولكن فيه آفة الرياء قال الحسن قد ~~علم المسلمون أن السر أحرز العملين ولكن في الإظهار أيضا فائدة ولذلك أثنى ~~الله تعالى على السر والعلانية فقال إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها ~~وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم # والإظهار قسمان أحدهما في نفس العمل والآخر التحدث بما عمل # القسم الأول إظهار نفس العمل كالصدقة في الملأ لترغيب الناس فيها كما روي ~~عن الأنصاري الذي جاء بالصرة فتتابع الناس بالعطية لما رأوه فقال النبي صلى ~~الله عليه وسلم من سن سنة حسنة فعمل بها كان له أجرها وأجر من اتبعه + حديث ~~من سن سنة حسنة فعمل بها كان له أجرها وأجر من اتبعه وفي أوله قصة مسلم من ~~حديث جرير بن عبد الله البيهقي # وتجري سائر الأعمال هذا المجرى من الصلاة والصيام والحج والغزو وغيرها ~~ولكن الاقتداء في الصدقة على الطباع أغلب # نعم الغازي إذا هم بالخروج فاستعد وشد الرحل قبل القوم تحريضا لهم على ~~الحركة فذلك أفضل له لأن الغزو في أصله من أعمال العلانية لا يمكن إسراره ~~فالمبادرة إليه ليست من الإعلان بل هو تحريض مجرد وكذلك الرجل قد يرفع صوته ~~في الصلاة بالليل لينبه جيرانه وأهله فيقتدى به # فكل عمل لا يمكن إسراره كالحج والجهاد والجمعة فالأفضل المبادرة إليه ~~وإظهار الرغبة فيه للتحريض بشرط أن لا يكون فيه شوائب الرياء وأما ما يمكن ~~إسراره كالصدقة والصلاة فإن كان إظهار الصدقة يؤذي المتصدق عليه ويرغب ~~الناس في الصدقة فالسر أفضل لأن الإيذاء حرام # فإن لم يكن فيه إيذاء فقد اختلف الناس في الأفضل فقال قوم السر أفضل من ~~العلانية وإن كان في العلانية قدوة وقال قوم السر أفضل من علانية لا قدوة ~~فيها أما العلانية للقدوة فأفضل من السر # ويدل على ذلك أن الله عز وجل أمر الأنبياء بإظهار العمل للاقتداء وخصهم ~~بمنصب النبوة ولا يجوز أن يظن بهم أنهم حرموا أفضل العملين # ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم فله أجرها وأجر من عمل بها وقد روي في ~~الحديث PageV03P317 إن عمل السر يضاعف على عمل العلانية سبعين ضعفا ويضاعف ~~عمل العلانية إذا استن بعامله على عمل السر سبعين ضعفا + حديث إن عمل السر ~~يضاعف على عمل العلانية بسبعين ضعفا ويضاعف عمل العلانية إذا استن به على ~~عمل السر سبعين ضعفا أخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبي الدرداء مقتصرا ~~على الشطر الأول بنحوه وقال هذا من أفراد بقية عن شيوخه المجهولين وقد تقدم ~~قبل هذا بنحو ورقتين وله من حديث ابن عمر عمل السر أفضل من عمل العلانية ~~والعلانية أفضل لمن أراد الاقتداء وقال تفرد به بقية عن عبد الملك بن مهران ~~وله من حديث عائشة يفضل أو يضاعف الذكرالخفي الذي لا يسمعه الحفظة على الذي ~~تسمعه بسبعين ضعفا وقال تفرد به معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف # وهذا لا وجه للخلاف فيه فإنه مهما انفك القلب عن شوائب الرياء وتم ~~الإخلاص على وجه واحد في الحالتين فما يقتدى به أفضل لا محالة وإنما يخاف ~~من ظهور الرياء ومهما حصلت شائبة الرياء لم ينفعه اقتداء غيره وهلك به فلا ~~خلاف في أن السر أفضل منه # ولكن على من يظهر العمل وظيفتان # إحداهما أن يظهره حيث يعلم أنه يقتدى به أو يظن ذلك ظنا ورب رجل يقتدي به ~~أهله دون جيرانه وربما يقتدي به جيرانه دون أهل السوق وربما يقتدي به أهل ~~محلته وإنما العالم المعروف هو الذي يقتدي به الناس كافة # فغير العالم إذا أظهر بعض الطاعات ربما نسب إلى الرياء والنفاق وذموه ولم ~~يقتدوا به فليس له الإظهار من غير فائدة وإنما يصح الإظهار بنية القدوة ممن ~~هو في محل القدوة على من هو في محل الاقتداء به # والثانية أن يراقب قلبه فإنه ربما يكون فيه حب الرياء الخفي فيدعوه ~~الإظهار بعذر الاقتداء وإنما شهوته التجمل بالعمل وبكونه يقتدى به وهذا حال ~~كل من يظهر أعماله إلا الأقوياء المخلصين وقليل ما هم # فلا ينبغي أن يخدع الضعيف نفسه بذلك فيهلك وهو لا يشعر فإن الضعيف مثاله ~~مثال الغريق الذي يحسن سباحة ضعيفة فنظر إلى جماعة من الغرقى فرحمهم فأقبل ~~عليهم حتى تشبثوا به فهلكوا وهلك والغرق بالماء في الدنيا ألمه ساعة وليت ~~كان الهلاك بالرياء مثله لا بل عذابه دائم مدة مديدة وهذه مزلة أقدام ~~العباد والعلماء فإنهم يتشبهون بالأقوياء في الإظهار ولا تقوى قلوبهم على ~~الإخلاص فتحبط أجورهم بالرياء والتفطن لذلك غامض ومحك ذلك أن يعرض على نفسه ~~أنه لو قيل له أخف العمل حتى يقتدي الناس بعابد آخر من أقرانك ويكون لك في ~~السر مثل أجر الإعلان فإن مال قلبه إلى أن يكون هو المقتدى به وهو المظهر ~~للعمل فباعثه الرياء دون طلب الأجر واقتداء الناس به ورغبتهم في الخير ~~فإنهم قد رغبوا في الخير بالنظر إلى غيره وأجره قد توفر عليه مع إسراره فما ~~بال قلبه يميل إلى الإظهار لولا ملاحظته لأعين الخلق ومراءاتهم فليحذر ~~العبد خدع النفس فإن النفس خدوع والشيطان مترصد وحب الجاه على القلب غالب ~~وقلما تسلم الأعمال الظاهرة عن الآفات فلا ينبغي أن يعدل بالسلامة شيئا ~~والسلامة في الإخفاء وفي الإظهار من الأخطار ما لا يقوى عليه أمثالنا ~~فالحذر من الإظهار أولى بنا وبجميع الضعفاء # القسم الثاني أن يتحدث بما فعله بعد الفراغ وحكمه حكم إظهار العمل نفسه ~~والخطر في هذا أشد لأن مؤنة النطق خفيفة على اللسان وقد تجري في الحكاية ~~زيادة ومبالغة وللنفس لذة في إظهار الدعاوي عظيمة إلا أنه لو تطرق إليه ~~الرياء لم يؤثر في إفساد العبادة الماضية بعد الفراغ منها فهو من هذا الوجه ~~أهون والحكم فيه أن من قوي قلبه وتم إخلاصه وصغر الناس في عينه واستوى عنده ~~مدحهم وذمهم وذكر ذلك عند من يرجو الاقتداء به والرغبة في الخير بسببه فهو ~~جائز بل هو مندوب إليه إن صفت النية وسلمت عن جميع الآفات لأنه ترغيب في ~~الخير والترغيب في الخير خير وقد نقل مثل ذلك عن جماعة من السلف الأقوياء # قال سعد بن معاذ PageV03P318 ما صليت صلاة منذ أسلمت فحدثت نفسي بغيرها ~~ولا تبعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هي قائلة وما هو مقول لها وما سمعت ~~النبي صلى الله عليه وسلم يقول قولا قط إلا علمت أنه حق # وقال عمر رضي الله عنه ما أبالي أصبحت على عسر أو يسر لأني لا أدري أيهما ~~خير لي وقال ابن مسعود ما أصبحت على حال فتمنيت أن أكون على غيرها # وقال عثمان رضي الله عنه ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ ~~بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم + حديث عثمان قوله ما تغنيت ولا تمنيت ~~ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث أخرجه ~~أبو يعلى الموصلي في معجمه بإسناد ضعيف من رواية أنس عنه في أثناء حديث وإن ~~عثمان قال يا رسول الله فذكره بلفظ منذ بايعتك قال هو ذاك يا عثمان # وقال شداد بن أوس # ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت حتى أزمها وأخطمها غير هذه وكان قد قال لغلامه ~~ائتنا بالسفرة لنبعث بها حتى ندرك الغداء # وقال أبو سفيان لأهله حين حضره الموت لا تبكوا علي فإني ما أحدثت ذنبا ~~منذ أسلمت وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى ما قضى الله في بقضاء قط ~~فسرني أن يكون قضى لي بغيره وما أصبح لي هوى إلا في مواقع قدر الله # فهذا كله إظهار لأحوال شريفة وفيها غاية المراءاة إذا صدرت ممن يرائي بها ~~وفيها غاية الترغيب إذا صدرت ممن يقتدى به # فذلك على قصد الاقتداء جائز للأقوياء بالشروط التي ذكرناها فلا ينبغي أن ~~يسد باب إظهار الأعمال والطباع مجبولة على حب التشبه والاقتداء بل إظهار ~~المرائي للعبادة إذا لم يعلم الناس أنه رياء فيه خير كثير للناس ولكنه شر ~~للمرائي # فكم من مخلص كان سبب إخلاصه الاقتداء بمن هو مراء عند الله وقد روي أنه ~~كان يجتاز الإنسان في سكك البصرة عند الصبح فيسمع أصوات المصلين بالقرآن من ~~البيوت فصنف بعضهم كتابا في دقائق الرياء فتركوا ذلك وترك الناس الرغبة فيه ~~فكانوا يقولون ليت ذلك الكتاب لم يصنف فإظهار المرائي فيه خير كثير لغيره ~~إذا لم يعرف رياؤه # وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم + حديث إن ~~الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم هما حديثان فالأول ~~متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد تقدم في العلم والثاني رواه النسائي من ~~حديث أنس بسند صحيح وتقدم أيضا # كما ورد في الأخبار وبعض المرائين ممن يقتدى به منهم والله تعالى أعلم # | بيان الرخصة في كتمان الذنوب وكراهة إطلاع الناس عليها وكراهة ذمهم # له # اعلم أن الأصل في الإخلاص استواء السريرة والعلانية كما قال عمر رضي الله ~~عنه لرجل عليك بعمل العلانية قال يا أمير المؤمنين وما عمل العلانية قال # ما إذا اطلع عليك لم تستحي منه # وقال أبو مسلم الخولاني ما عملت عملا أبالي أن يطلع الناس عليه إلا ~~إتياني أهلي والبول والغائط إلا أن هذه درجة عظيمة لا ينالها كل واحد # ولا يخلو الإنسان عن ذنوب بقلبه أو بجوارحه وهو يخفيها ويكره اطلاع الناس ~~عليها لا سيما ما تختلج به الخواطر في الشهوات والأماني والله مطلع على ~~جميع ذلك فإرادة العبد لإخفائها عن العبيد ربما يظن أنه رياء محظور وليس ~~كذلك بل المحظور أنه يستر ذلك ليرى الناس أنه ورع خائف من الله تعالى مع ~~أنه ليس كذلك فهذا هو ستر المرائي # وأما الصادق الذي لا يرائي فله ستر المعاصي ويصح قصده فيه ويصح اغتمامه ~~باطلاع الناس عليه في ثمانية أوجه # الأول أن يفرح بستر الله عليه وإذا افتضح اغتم بهتك الله ستره وخاف أن ~~يهتك ستره في القيامة إذ ورد في الخبر أن من ستر الله عليه في الدنيا ذنبا ~~ستره الله عليه في الآخرة + حديث إن من ستر عليه في الدنيا يستر عليه في ~~الآخرة تقدم قبل هذا بورقة # وهذا غم ينشأ من قوة الإيمان PageV03P319 # الثاني أنه قد علم أن الله تعالى يكره ظهور المعاصي ويحب سترها كما قال ~~صلى الله عليه وسلم من ارتكب شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله + ~~حديث من ارتكب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله أخرجه الحاكم في ~~المستدرك وقد تقدم # فهو وإن عصى الله بالذنب فلم يخل قلبه عن محبة ما أحبه الله # وهذا ينشأ من قوة الإيمان بكراهة الله لظهور المعاصي وأثر الصدق فيه أن ~~يكره ظهور الذنب من غيره أيضا ويغتم بسببه # الثالث أن يكره ذم الناس له به من حيث إن ذلك يغمه ويشغل قلبه وعقله عن ~~طاعة الله تعالى فإن الطبع يتأذى بالذم وينازع العقل ويشغل عن الطاعة وبهذه ~~العلة أيضا ينبغي أن يكره الحمد الذي يشغله عن ذكر الله تعالى ويستغرق قلبه ~~ويصرفه عن الذكر # وهذا أيضا من قوة الإيمان إذ صدق الرغبة في فراغ القلب لأجل الطاعة من ~~الإيمان # الرابع أن يكون ستره ورغبته فيه لكراهته لذم الناس من حيث يتأذى طبعه فإن ~~الذم مؤلم للقلب كما أن الضرب مؤلم للبدن وخوف تألم القلب بالذم ليس بحرام ~~ولا الإنسان به عاص وإنما يعصي إذا جزعت نفسه من ذم الناس ودعته إلى ما لا ~~يجوز حذرا من ذمهم وليس يجب على الإنسان أن لا يغتم بذم الخلق ولا يتألم به # نعم كمال الصدق في أن تزول عنه رؤيته للخلق فيستوي عنده ذامه ومادحه ~~لعلمه أن الضار والنافع هو الله وأن العباد كلهم عاجزون وذلك قليل جدا ~~وأكثر الطباع تتألم بالذم لما فيه من الشعور بالنقصان ورب تألم بالذم محمود ~~إذا كان الذام من أهل البصيرة في الدين فإنهم شهداء الله وذمهم يدل على ذم ~~الله تعالى وعلى نقصان في الدين فكيف لا يغتم به نعم الغم المذموم هو أن ~~يغتم لفوات الحمد بالورع كأنه يحب أن يحمد بالورع ولا يجوز أن يحب أن يحمد ~~بطاعة الله فيكون قد طلب بطاعة الله ثوابا من غيره فإن وجد ذلك في نفسه وجب ~~عليه أن يقابله بالكراهة والرد # وأما كراهة الذم بالمعصية من حيث الطبع فليس بمذموم فله الستر حذرا من ~~ذلك ويتصور أن يكون العبد بحيث لا يحب الحمد ولكن يكره الذم # وإنما مراده أن يتركه الناس حمدا وذما فكم من صابر عن لذة الحمد لا يصبر ~~على ألم الذم إذ الحمد بطلب اللذة وعدم اللذة لا يؤلم وأما الذم فإنه مؤلم ~~فحب الحمد على الطاعة طلب ثواب على الطاعة في الحال وأما كراهة الذم على ~~المعصية فلا محذور فيه إلا أمر واحد وهو أن يشغله غمه باطلاع الناس على ~~ذنبه عن اطلاع الله فإن ذلك غاية النقصان في الدين بل ينبغي أن يكون غمه ~~باطلاع الله وذمه له أكثر # الخامس أن يكره الذم من حيث إن الذام قد عصى الله تعالى به وهذا من ~~الإيمان وعلامته أن يكره ذمه لغيره أيضا فهذا التوجع لا يفرق بينه وبين ~~غيره بخلاف التوجع من جهة الطبع # السادس أن يستر ذلك كيلا يقصد بشر إذا عرف ذنبه وهذا وراء ألم الذم فإن ~~الذم مؤلم من حيث يشعر القلب بنقصانه وخسته وإن كان ممن يؤمن شره وقد يخاف ~~شر من يطلع على ذنبه بسبب من الأسباب فله أن يستر ذلك حذرا منه # السابع مجرد الحياء فإنه نوع ألم وراء ألم الذم والقصد بالشر وهو خلق ~~كريم يحدث في أول الصبا مهما أشرق عليه نور العقل فيستحي من القبائح إذا ~~شوهدت وهو منه وصف محمود إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياء خير ~~كله + حديث الحياء خير كله أخرجه مسلم من حديث عمران بن حصين وقد تقدم # وقال صلى الله عليه وسلم الحياء شعبة من الإيمان + حديث الحياء شعبة من ~~الإيمان متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد تقدم # وقال صلى الله عليه وسلم الحياء لا يأتي إلا بخير + حديث الحياء لا يأتي ~~إلا بخير متفق عليه من حديث عمران بن حصين وقد تقدم # وقال صلى الله عليه وسلم إن الله يحب الحيى الحليم + حديث إن الله يحب ~~الحيى الحليم أخرجه الطبراني من حديث فاطمة وللبزار من حديث أبي هريرة إن ~~الله يحب الغني الحليم المتعفف وفيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه # فالذي يفسق ولا يبالي أن يظهر فسقه PageV03P320 للناس جمع إلى الفسق ~~والتهتك والوقاحة وفقد الحياء فهو أشد حالا ممن يستتر ويستحيي إلا أن ~~الحياء ممتزج بالرياء ومشتبه به اشتباها عظيما قل من يتفطن له ويدعي كل ~~مراء أنه مستحي وأن سبب تحسينه العبادات هو الحياء من الناس وذلك كذب بل ~~الحياء خلق ينبعث من الطبع الكريم وتهيج عقبه داعية الرياء وداعية الإخلاص ~~ويتصور أن يخلص معه ويتصور أن يرائي معه # وبيانه أن الرجل يطلب من صديق له قرضا ونفسه لا تسخو بإقراضه إلا أنه ~~يستحي من رده وعلم أنه لو راسله على لسان غيره لكان لا يستحيي ولا يقرض ~~رياء ولا لطلب الثواب فله عند ذلك أحوال أحدها أن يشافه بالرد الصريح ولا ~~يبالي فينسب إلى قلة الحياء وهذا فعل من لا حياء له # فإن المستحيي إما أن يتعلل أو يقرض # فإن أعطى فيتصور له ثلاثة أحوال # أحدها # أن يمزج الرياء بالحياء بأن يهيج الحياء فيقبح عنده الرد فيهيج خاطر ~~الرياء ويقول ينبغي أن تعطي حتى يثنى عليك ويحمدك وينشر اسمك بالسخاء أو ~~ينبغي أن تعطي حتى لا يذمك ولا ينسبك إلى البخل # فإذا أعطى فقد أعطى بالرياء وكان المحرك للرياء هو هيجان الحياء # الثاني أن يتعذر عليه الرد بالحياء ويبقى في نفسه البخل فيتعذر الإعطاء ~~فيهيج داعي الإخلاص ويقول له إن الصدقة بواحدة والقرض بثمان عشرة ففيه أجر ~~عظيم وإدخال سرور على قلب صديق وذلك محمود عند الله تعالى فتسخو النفس ~~بالإعطاء لذلك فهذا مخلص هيج الحياء إخلاصه # الثالث أن لا يكون له رغبة في الثواب ولا خوف من مذمته ولا حب لمحمدته ~~لأنه لو طلبه مراسلة لكان لا يعطيه فأعطاه بمحض الحياء وهو ما يجده في قلبه ~~من ألم الحياء ولولا الحياء لرده ولو جاءه من لا يستحي منه من الأجانب أو ~~الأراذل لكان يرده وإن كثر الحمد والثواب فيه فهذا مجرد الحياء ولا يكون ~~هذا إلا في القبائح كالبخل ومقارفة الذنوب # والمرائي يستحي من المباحات أيضا حتى إنه يرى مستعجلا في المشي فيعود إلى ~~الهدوء أو ضاحكا فيرجع إلى الانقباض ويزعم أن ذلك حياء وهو عين الرياء # وقد قيل إن بعض الحياء ضعف وهو صحيح والمراد به الحياء مما ليس بقبيح ~~كالحياء من وعظ الناس وإمامة الناس في الصلاة وهو في الصبيان والنساء محمود ~~وفي العقلاء غير محمود # وقد تشاهد معصية من شيخ فتستحي من شيبته أن تنكر عليه لأن من إجلال الله ~~إجلال ذي الشيبة المسلم وهذا الحياء حسن وأحسن منه أن يستحي من الله فلا ~~تضيع الأمر بالمعروف فالقوي يؤثر الحياء من الله على الحياء من الناس ~~والضعيف قد لا يقدر عليه فهذه هي الأسباب التي يجوز لأجلها ستر القبائح ~~والذنوب # الثامن أن يخاف من ظهور ذنبه أن يستجرئ عليه غيره ويقتدى به وهذا العلة ~~الواحدة فقط هي الجارية في إظهار الطاعة وهو القدوة ويختص ذلك بالأئمة أو ~~بمن يقتدي به وبهذه العلة ينبغي أيضا أن يخفي العاصي أيضا معصيته من أهله ~~وولده لأنهم يتعلمون منه # ففي ستر الذنوب هذه الأعذار الثمانية وليس في إظهار الطاعة عذر إلا هذا ~~العذر الواحد ومهما قصد بستر المعصية أن يخيل إلى الناس أنه ورع كان مرائيا ~~كما إذا قصد ذلك بإظهار الطاعة # فإن قلت فهل يجوز للعبد أن يحب حمد الناس له بالصلاح وحبهم إياه بسببه ~~وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم PageV03P321 دلني على ما يحبني الله ~~عليه ويحبني الناس قال ازهد في الدنيا يحبك الله وانبذ إليهم هذا الحطام ~~يحبوك + حديث قال رجل دلني على ما يحبني الله عليه ويحبني الناس قال ازهد ~~في الدنيا يحبك الله الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث سهل بن سعد بلفظ وازهد ~~فيما في أيدي الناس وقد تقدم # فنقول حبك لحب الناس لك قد يكون مباحا وقد يكون محمودا وقد يكون مذموما # فالمحمود أن تحب ذلك لتعرف به حب الله لك فإنه تعالى إذا أحب عبدا حببه ~~في قلوب عباده # والمذموم أن تحب حبهم وحمدهم على حجك وغزوك وصلاتك على طاعة بعينها فإن ~~ذلك طلب عوض على طاعة الله عاجل سوى ثواب الله # والمباح أن تحب أن يحبوك لصفات محمودة سوى الطاعات المحمودة المعينة فحبك ~~ذلك كحبك المال لأن ملك القلوب وسيلة إلى الأغراض كملك الأموال فلا فرق ~~بينهما # | بيان ترك الطاعات خوفا من الرياء ودخول الآفات # اعلم أن من الناس من يترك العمل خوفا من أن يكون مرائيا به وذلك غلط ~~وموافقة للشيطان بل الحق فيما يترك من الأعمال وما لا يترك لخوف الآفات ما ~~نذكره وهو أن الطاعات تنقسم إلى # ما لا لذة في عينه كالصلاة والصوم والحج والغزو فإنها مقاساة ومجاهدات ~~إنما تصير لذيذة من حيث إنها توصل إلى حمد الناس وحمد الناس لذيذ وذلك عند ~~اطلاع الناس عليه # وإلى ما هو لذيذ وهو أكثر مالا يقتصر على البدن بل يتعلق بالخلق كالخلافة ~~والقضاء والولايات والحسبة وإمامة الصلاة والتذكير والتدريس وإنفاق المال ~~على الخلق وغير ذلك مما تعظم الآفة فيه لتعلقه بالخلق ولما فيه من اللذة # القسم الأول الطاعات اللازمة للبدن التي لا تتعلق بالغير ولا لذة في ~~عينها كالصوم والصلاة والحج فخطرات الرياء فيها ثلاث # إحداها ما يدخل قبل العمل فيبعث على الابتداء لرؤية الناس وليس معه باعث ~~الدين فهذا مما ينبغي أن يترك لأنه معصية لا طاعة فيه فإنه تدرع بصورة ~~الطاعة إلى طلب المنزلة فإن قدر الإنسان على أن يدفع عن نفسه باعث الرياء ~~ويقول لها ألا تستحيين من مولاك لا تسخين بالعمل لأجله وتسخين بالعمل لأجل ~~عباده حتى يندفع باعث الرياء وتسخو النفس بالعمل لله عقوبة للنفس على خاطر ~~الرياء وكفارة له فليشتغل بالعمل # الثانية أن ينبعث لأجل الله ولكن يعترض الرياء مع عقد العبادة وأولها فلا ~~ينبغي أن يترك العمل لأنه وجد باعثا دينيا فليشرع في العمل وليجاهد نفسه في ~~دفع الرياء وتحسين الإخلاص بالمعالجات التي ذكرناها من إلزام النفس كراهة ~~الرياء والإباء عن القبول # الثالثة أن يعقد على الإخلاص ثم يطرأ الرياء ودواعيه فينبغي أن يجاهد في ~~الدفع ولا يترك العمل لكي يرجع إلى عقد الإخلاص ويرد نفسه إليه قهرا حتى ~~يتمم العمل لأن الشيطان يدعوك أولا إلى ترك العمل فإذا لم تجب واشتغلت ~~فيدعوك إلى الرياء فإذا لم تجب ودفعت بقي يقول لك هذا العمل ليس بخالص وأنت ~~مراء وتعبك ضائع فأي فائدة لك في عمل لا إخلاص حتى يحملك بذلك على ترك ~~العمل فإذا تركته فقد حصلت غرضه # ومثال من يترك العلم لخوفه أن يكون مرائيا كمن سلم إليه مولاه حنطة فيها ~~زؤان وقال خلصها من الزؤان ونقها منه تنقية بالغة فيترك أصل العمل يقول ~~أخاف إن اشتغلت به لم تخلص خلاصا صافيا نقيا # فترك العمل من أجله هو ترك الإخلاص مع أصل العمل فلا معنى له # ومن هذا القبيل أن يترك العمل خوفا على الناس أن يقولوا إنه مراء فيعصون ~~الله به # فهذا من مكايد الشيطان لأنه أولا أساء الظن بالمسلمين وما كان من حقه أن ~~يظن بهم ذلك ثم إن كان فلا يضره قولهم ويفوته ثواب PageV03P322 العبادة ~~وترك العمل خوفا من قولهم إنه مراء هو عين الرياء فلولا حبه لمحمدتهم وخوفه ~~من ذمهم فماله ولقولهم قالوا إنه مراء أو قالوا إنه مخلص وأي فرق بين أن ~~يترك العمل خوفا من أن يقال إنه مراء وبين أن يحسن العمل خوفا من أن يقال ~~إنه غافل مقصر بل ترك العمل أشد من ذلك # فهذه كلها مكايد الشيطان على العباد الجهال ثم كيف يطمع في أن يتخلص من ~~الشيطان بأن يترك العمل والشيطان لا يخليه بل يقول له الآن يقول الناس إنك ~~تركت العمل ليقال إنه مخلص لا يشتهي الشهرة # فيضطرك بذلك إلى أن تهرب فإن هربت ودخلت سربا تحت الأرض ألقى في قلبك ~~حلاوة معرفة الناس لتزهدك وهربك منهم وتعظيمهم لك بقلوبهم على ذلك فكيف ~~تتخلص منه بل لا نجاة منه إلا بأن تلزم قلبك معرفة آفة الرياء وهو أنه ضرر ~~في الآخرة ولا نفع فيه في الدنيا ليلزم الكراهة والإباء قلبك وتستمر مع ذلك ~~على العمل ولا تبالي وإن نزغ العدو نازغ الطبع فإن ذلك لا ينقطع وترك العمل ~~لأجل ذلك يجر إلى البطالة وترك الخيرات # فما دمت تجد باعثا دينيا على العمل فلا تترك العمل وجاهد خاطر الرياء ~~وألزم قلبك الحياء من الله إذا دعتك نفسك إلى أن تستبدل بحمده حمد ~~المخلوقين وهو مطلع على قلبك ولو اطلع الخلق على قلبك وأنك تريد حمدهم ~~لمقتوك بل إن قدرت على أن تزيد في العمل حياء من ربك وعقوبة لنفسك فافعل # فإن قال لك الشيطان أنت مراء فاعلم كذبه وخدعه بما تصادف في قلبك من ~~كراهة الرياء وإبائه وخوفك منه وحيائك من الله تعالى وإن لم تجد في قلبك له ~~كراهية ومنه خوفا ولم يبق باعث ديني بل تجرد باعث الرياء فاترك العمل عند ~~ذلك وهو بعيد فمن شرع في العمل لله فلا بد أن يبقى معه أصل قصد الثواب # فإن قلت فقد نقل عن أقوام ترك العمل مخافة الشهرة # روي أن إبراهيم النخعي دخل عليه إنسان وهو يقرأ فأطبق المصحف وترك ~~القراءة وقال لا يرى هذا أنا نقرأ كل ساعة # وقال إبراهيم التيمي إذا أعجبك الكلام فاسكت وإذا أعجبك السكوت فتكلم # وقال الحسن إن كان أحدهم ليمر بالأذى ما يمنعه من دفعه إلا كراهة الشهرة ~~وكان أحدهم يأتيه البكاء فيصرفه إلى الضحك مخافة الشهرة # وقد ورد في ذلك آثار كثيرة قلنا هذا يعارضه ما ورد من إظهار الطاعات ممن ~~لا يحصى وإظهار الحسن البصري هذا الكلام في معرض الوعظ أقرب إلى خوف الشهرة ~~من البكاء وإماطة الأذى عن الطريق ثم لم يتركه # وبالجملة ترك النوافل جائز والكلام في الأفضل # والأفضل إنما يقدر عليه الأقوياء دون الضعفاء فالأفضل أن يتمم العمل ~~ويجتهد في الإخلاص ولا يتركه وأرباب الأعمال قد يعالجون أنفسهم بخلاف ~~الأفضل لشدة الخوف فالاقتداء ينبغي أن يكون بالأقوياء # وأما إطباق إبراهيم النخعي المصحف فيمكن أن يكون لعلمه بأنه سيحتاج إلى ~~ترك القراءة عند دخوله واستئنافه بعد خروجه للاشتغال بمكالمته فرأى أن لا ~~يراه في القراءة أبعد عن الرياء وهو عازم على الترك للاشتغال به حتى يعود ~~إليه بعد ذلك وأما ترك دفع الأذى فذلك ممن يخاف على نفسه آفة الشهرة وإقبال ~~الناس عليه وشغلهم إياه عن عبادات هي أكبر من رفع خشبة من الطريق فيكون ترك ~~ذلك للمحافظة على عبادات هي أكبر منها لا بمجرد خوف الرياء # وأما قول التيمي إذا أعجبك الكلام فاسكت يجوز أن يكون قد أراد به مباحات ~~الكلام كالفصاحة في الحكايات وغيرها فإن ذلك يورث العجب وكذلك العجب ~~بالسكوت المباح محذور فهو عدول عن مباح إلى مباح حذرا من العجب # فأما الكلام الحق المندوب إليه فلم ينص عليه على أن الآفة مما تعظم في ~~الكلام فهو واقع في القسم الثاني وإنما كلامنا في العبادات الخاصة ببدن ~~PageV03P323 العبد مما لا يتعلق بالناس ولا تعظم فيه الآفات ثم كلام الحسن ~~في تركهم البكاء وإماطة الأذى لخوف الشهرة ربما كان حكاية أحوال الضعفاء ~~الذين لا يعرفون الأفضل ولا يدركون هذه الدقائق وإنما ذكره تخويفا للناس من ~~آفة الشهرة وزجرا من طلبها # القسم الثاني ما يتعلق بالخلق وتعظم فيه الآفات والأخطار وأعظمها الخلافة ~~ثم القضاء ثم التذكير والتدريس والفتوى ثم إنفاق المال # أما الخلافة والإمارة فهي من أفضل العبادات إذا كان ذلك مع العدل ~~والإخلاص وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ليوم من إمام عادل خير من عبادة ~~الرجل وحده ستين عاما + حديث ليوم من إمام عادل خير من عبادة الرجل وحده ~~ستين عاما الحديث أخرجه الطبراني والبيهقي من حديث ابن عباس وقد تقدم # فأعظم بعبادة يوازي يوم منها عبادة ستين سنة وقال صلى الله عليه وسلم أول ~~من يدخل الجنة ثلاثة الإمام المقسط + حديث أول من يدخل الجنة ثلاثة الإمام ~~المقسط الحديث أخرجه مسلم من حديث عياض بن حماد أهل الجنة ثلاث ذو سلطان ~~مقسط الحديث ولم أر فيه ذكر الأولية # أحدهم # وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا ترد دعوتهم ~~الإمام العادل + حديث أبي هريرة ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل تقدم # أحدهم # وقال صلى الله عليه وسلم أقرب الناس مني مجلسا يوم القيامة إمام عادل + ~~حديث أبي سعيد الخدري أقرب الناس مني مجلسا يوم القيامة إمام عادل أخرجه ~~الأصبهاني في الترغيب والترهيب من رواية عطية العوفي وهو ضعيف عنه وفيه ~~أيضا إسحاق بن إبراهيم الديباجي ضعيف أيضا رواه أبو سعيد الخدري # فالإمارة والخلافة من أعظم العبادات ولم يزل المتقون يتركونها ويحترزون ~~منها ويهربون من تقلدها وذلك لما فيه من عظم الخطر إذ تتحرك بها الصفات ~~الباطنة ويغلب النفس حب الجاه ولذة الاستيلاء ونفاذ الأمر وهو أعظم ملاذ ~~الدنيا فإذا صارت الولاية محبوبة كان الوالي ساعيا في حظ نفسه ويوشك أن ~~يتبع هواه فيمتنع من كل ما يقدح في جاهه وولايته وإن كان حقا ويقدم على ما ~~يزيد في مكانته وإن كان باطلا وعند ذلك يهلك ويكون يوم من سلطان جائر شرا ~~من فسق ستين سنة بمفهوم الحديث الذي ذكرناه # ولهذا الخطر العظيم كان عمر رضي الله عنه يقول من يأخذها بما فيها وكيف ~~لا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ما من والي عشرة إلا جاء يوم القيامة ~~مغلولة يده إلى عنقه أطلقه عدله أو أوبقه جوره + حديث ما من والي عشرة إلا ~~جاء يوم القيامة يده مغلولة إلى عنقه لا يفكها إلا عدله أخرجه أحمد من حديث ~~عبادة بن الصامت ورواه أحمد والبزار من رواية رجل لم يسم عن سعد بن عبادة ~~وفيهما يزيد بن أبي زياد متكلم فيه ورواه أحمد والبزار وأبو يعلى والطبراني ~~في الأوسط من حديث أبي هريرة ورواه البزار والطبراني من حديث أبي هريرة ~~ورواه البزار والطبراني من حديث بريدة والطبراني في الأوسط من حديث ابن ~~عباس وثوبان وله من حديث أبي الدرداء ما من والي ثلاثة إلا لقي الله مغلولة ~~يمينه الحديث وقد عزى المصنف هذا الحديث لرواية معقل بن يسار والمعروف من ~~حديث معقل بن يسار ما من عبد يسترعيه الله رعية لم يحطها بنصيحة إلا لم يرح ~~رائحة الجنة متفق عليه # رواه معقل بن يسار وولاه عمر ولاية فقال يا أمير المؤمنين أشر علي قال ~~اجلس واكتم علي # وروى الحسن أن رجلا ولاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال للنبي خر لي قال ~~اجلس + حديث الحسن أن رجلا ولاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال للنبي خر لي ~~قال اجلس أخرجه الطبراني موصولا من حديث عصمة هو ابن مالك وفيه الفضل بن ~~المختار وأحاديثه منكرة يحدث بالأباطيل قاله أبو حاتم ورواه أيضا من حديث ~~ابن عمر بلفظ الزم بيتك وفيه الغراب بن أبي الغراب ضعفه ابن معين وابن عدي ~~وقال أبو حاتم صدوق # وكذلك حديث عبد الرحمن بن سمرة إذ قال له النبي صلى الله عليه وسلم يا ~~عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها وإن ~~أوتيتها عن مسألة وكلت إليها + حديث عبد الرحمن بن سمرة لا تسل الإمارة ~~الحديث متفق عليه # وقال أبو بكر رضي الله عنه لرافع بن عمر لا تأمر PageV03P324 على اثنين ~~ثم ولي هو الخلافة فقام بها فقال له رافع ألم تقل لي لا تأمر على اثنين ~~وأنت قد وليت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال بلى وأنا أقول لك ذلك ~~فمن لم يعدل فيها فعليه بهلة الله يعني لعنة الله # ولعل القليل البصيرة يرى ما ورد من فضل الإمارة مع ما ورد من النهي عنها ~~متناقضا وليس كذلك بل الحق فيه أن الخواص الأقوياء في الدين لا ينبغي أن ~~يمتنعوا من تقلد الولايات وأن الضعفاء لا ينبغي أن يدوروا بها فيهلكوا ~~وأعني بالقوي الذي لا تميله الدنيا ولا يستفزه الطمع ولا تأخذه في الله ~~لومة لائم وهم الذين سقط الخلق عن أعينهم وزهدوا في الدنيا وتبرموا بها ~~وبمخالطة الخلق وقهروا أنفسهم وملكوها وقمعوا الشيطان فأيس منهم فهؤلاء لا ~~يحركهم إلا الحق ولا يسكنهم إلا الحق ولو زهقت فيهم أرواحهم فهم أهل نيل ~~الفضل في الإمارة والخلافة ومن علم أنه ليس بهذه الصفة فيحرم عليه الخوض في ~~الولايات ومن جرب نفسه فرآها صابرة على الحق كافة عن الشهوات في غير ~~الولايات ولكن خاف عليها أن تتغير إذا ذاقت لذة الولاية وأن تستحلي الجاه ~~وتستلذ نفاذ الأمر فتكره العزل فيداهن خيفة من العزل فهذا قد اختلف العلماء ~~في أنه هل يلزمه الهرب من تقلد الولاية فقال قائلون لا يجب لأن هذا خوف أمر ~~في المستقبل وهو في الحال لم يعهد نفسه إلا قوية في ملازمة الحق وترك لذات ~~النفس والصحيح أن عليه الاحتراز لأن النفس خداعة مدعية للحق واعدة بالخير ~~فلو وعدت بالخير جزما لكان يخاف عليها أن تتغير عند الولاية فكيف إذا أظهرت ~~التردد # والامتناع عن قبول الولاية أهون من العزل بعد الشروع فالعزل مؤلم وهو كما ~~قيل العزل طلاق الرجال فإذا شرع لا تسمح نفسه بالعزل وتميل نفسه إلى ~~المداهنة وإهمال الحق وتهوى به في قعر جهنم ولا يستطيع النزوع منه إلى ~~الموت إلا أن يعزل قهرا وكان فيه عذاب عاجل على كل محب للولاية # ومهما مالت النفس إلى طلب الولاية وحملت على السؤال والطلب فهو أمارة ~~الشر ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إنا لا نولي أمرنا من سألنا + حديث إنا ~~لا نولي أمرنا من سألنا متفق عليه من حديث أبي موسى # فإذا فهمت اختلاف حكم القوي والضعيف علمت أن نهي أبي بكر رافعا عن ~~الولاية ثم تقلده لها ليس بمتناقض # وأما القضاء فهو وإن كان دون الخلافة والإمارة فهو في معناهما فإن كل ذي ~~ولاية أمير أي له أمر نافذ والإمارة محبوبة بالطبع والثواب في القضاء عظيم ~~مع اتباع الحق والعقاب فيه أيضا عظيم مع العدول عن الحق وقد قال النبي صلى ~~الله عليه وسلم القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة + حديث القضاة ~~ثلاثة الحديث أخرجه أصحاب السنن من حديث بريدة وتقدم في العلم وإسناده صحيح # وقال صلى الله عليه وسلم من استقضى فقد ذبح بغير سكين + حديث من استقضى ~~فقد ذبح بغير سكين أخرجه أصحاب السنن من حديث أبي هريرة بلفظ من جعل قاضيا ~~وفي رواية من ولى القضاء وإسناده صحيح # فحكمه حكم الإمارة ينبغي أن يتركه الضعفاء وكل من للدنيا ولذاتها وزن في ~~عينه وليتقلده الأقوياء الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم # ومهما كان السلاطين ظلمة ولم يقدر القاضي على القضاء إلا بمداهنتهم ~~وإهمال بعض الحقوق لأجلهم ولأجل المتعلقين بهم إذ يعلم أنه لو حكم عليهم ~~بالحق لعزلوه أو لم يطيعوه فليس له أن يتقلد القضاء وإن تقلد فعليه أن ~~يطالبهم بالحقوق ولا يكون خوف العزل عذرا مرخصا له في الإهمال أصلا بل إذا ~~عزل سقطت العهدة عنه فينبغي أن يفرح بالعزل إن كان يقضي لله فإن لم تسمح ~~نفسه بذلك فهو إذن يقضي لاتباع الهوى والشيطان فكيف يرتقب عليه ثوابا وهو ~~مع الظلمة في الدرك الأسفل من النار # وأما الوعظ والفتوى والتدريس ورواية الحديث وجمع الأسانيد العالية وكل ما ~~يتسع بسببه الجاه ويعظم به PageV03P325 القدر فآفته أيضا عظيمة مثل آفة ~~الولايات وقد كان الخائفون من السلف يتدافعون الفتوى ما وجدوا إليه سبيلا ~~وكانوا يقولون حدثنا باب من أبواب الدنيا ومن قال حدثنا فقد قال أوسعوا لي # ودفن بشر كذا وكذا قمطرا من الحديث وقال يمنعني من الحديث أني أشتهي أن ~~أحدث ولو اشتهيت أن لا أحدث لحدثت # والواعظ يجد في وعظه وتأثر قلوب الناس به وتلاحق بكائهم وزعقاتهم ~~وإقبالهم عليه لذة لا توازيها لذة فإذا غلب ذلك على قلبه مال طبعه إلى كل ~~كلام مزخرف يروج عند العوام وإن كان باطلا ويفر عن كل كلام يستثقله العوام ~~وإن كان حقا ويصير مصروف الهمة بالكلية إلى ما يحرك قلوب العوام ويعظم ~~منزلته في قلوبهم فلا يسمع حديثا وحكمة إلا ويكون فرحه به من حيث إنه يصلح ~~لأن يذكره على رأس المنبر وكان ينبغي أن يكون فرحه به من حيث إنه عرف طريق ~~السعادة وطريق سلوك سبيل الدين ليعمل به أولا ثم يقول إذا أنعم الله بهذه ~~النعمة ونفعني بهذه الحكمة فأقصها ليشاركني في نفعها إخواني المسلمون # فهذا أيضا مما يعظم فيه الخوف والفتنة فحكمه حكم الولايات فمن لا باعث له ~~إلا طلب الجاه والمنزلة والأكل بالدين والتفاخر والتكاثر فينبغي أن يتركه ~~ويخالف الهوى فيه إلى أن ترتاض نفسه وتقوى في الدين همته ويأمن على نفسه ~~الفتنة فعند ذلك يعود إليه # فإن قلت مهما حكم بذلك على أهل العلم تعطلت العلوم واندرست وعم الجهل ~~كافة الخلق فنقول قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طلب الإمارة ~~وتوعد عليها + حديث النهي عن طلب الإمارة هو حديث عبد الرحمن بن سمرة لا ~~تسل الإمارة وقد تقدم قبله بثلاثة أحاديث # حتى قال إنكم تحرصون على الإمارة وإنها حسرة وندامة يوم القيامة إلا من ~~أخذها بحقها + حديث إنكم تحرصون على الإمارة وإنها حسرة يوم القيامة وندامة ~~إلا من أخذها بحقها أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة دون قوله إلا من أخذها ~~بحقها وزاد في آخره فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة ودون قوله حسرة وهي في ~~صحيح ابن حبان # وقال نعمت المرضعة وبئست الفاطمة + حديث نعمت المرضعة وبئست الفاطمة ~~أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة وهو بقية الحديث الذي قبله ورواه ابن حبان ~~بلفظ فبئست المرضعة وبئست الفاطمة # ومعلوم أن السلطنة والإمارة لو تعطلت لبطل الدين والدنيا جميعا وثار ~~القتال بين الخلق وزال الأمن وخربت البلاد وتعطلت المعايش فلم نهي عنها مع ~~ذلك وضرب عمر رضي الله عنه أبي بن كعب رأى قوما يتبعونه وهو في ذلك يقول ~~أبي سيد المسلمين وكان يقرأ عليه القرآن فمنع من أن يتبعوه وقال ذلك فتنة ~~على المتبوع ومذلة على التابع وعمر كان بنفسه يخطب ويعظ ولا يمتنع منه ~~واستأذن رجل عمر أن يعظ الناس إذا فرغ من صلاة الصبح فمنعه فقال أتمنعني من ~~نصح الناس فقال أخشى أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا إذ رأى فيه مخايل الرغبة في ~~جاه الوعظ وقبول الخلق # والقضاء والخلافة مما يحتاج الناس إليه في دينهم كالوعظ والتدريس والفتوى ~~وفي كل واحد منهما فتنة ولذة فلا فرق بينهما فأما قول القائل نهيك عن ذلك ~~يؤدي إلى اندراس العلم فهو غلط إذ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ~~القضاء لم يؤد إلى تعطيل القضاء + حديث النهي عن القضاء أخرجه مسلم من حديث ~~أبي ذر لا تؤمرن على اثنين ولا تلين مال يتيم # بل الرياسة وحبها يضطر الخلق إلى طلبها وكذلك حب الرياسة لا يترك العلوم ~~تندرس بل لو حبس الخلق وقيدوا بالسلاسل والأغلال من طلب العلوم التي فيها ~~القبول والرياسة لأفلتوا من الحبس وقطعوا السلاسل وطلبوها # وقد وعد الله أن يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم فلا تشغل قلبك بأمر ~~الناس فإن الله لا يضيعهم وانظر لنفسك ثم إني أقول مع هذا إذا كان في البلد ~~جماعة يقومون بالوعظ مثلا فليس في النهي عنه إلا امتناع بعضهم وإلا فليعلم ~~أن كلهم لا يمتنعون ولا يتركون لذة الرياسة فإن لم يكن في البلد إلا واحد ~~وكان وعظه نافعا للناس من حيث حسن كلامه وحسن سمعته في الظاهر وتخييله إلى ~~العوام أنه إنما PageV03P326 يريد الله بوعظه وأنه تارك للدنيا ومعرض عنها ~~فلا نمنعه منه ونقول له اشتغل وجاهد نفسك فإن قال لست أقدر على نفسي فنقول ~~اشتغل وجاهد لأنا نعلم أنه لو ترك ذلك لهلك الناس كلهم إذ لا قائم به غيره ~~ولو واظب وغرضه الجاه فهو الهالك وحده وسلامة دين الجميع أحب عندنا من ~~سلامة دينه وحده فنجعله فداء للقوم ونقول لعل هذا هو الذي قال فيه رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم + حديث ~~إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم أخرجه النسائي وقد تقدم قريبا # ثم الواعظ هو الذي يرغب في الآخرة ويزهد في الدنيا بكلامه وبظاهر سيرته # فأما ما أحدثه الوعاظ في هذه الأعصار من الكلمات المزخرفة والألفاظ ~~المسجعة المقرونة بالأشعار مما ليس فيه تعظيم لأمر الدين وتخويف المسلمين ~~بل فيه الترجية والتجرئة على المعاصي بطيارات النكت فيجب إخلاء البلاد منهم ~~فإنهم نواب الدجال وخلفاء الشيطان وإنما كلامنا في واعظ حسن الوعظ جميل ~~الظاهر يبطن في نفسه حب القبول ولا يقصد غيره وفيما أوردناه في كتاب العلم ~~من الوعيد الوارد في حق علماء السوء ما يبين لزوم الحذر من فتن العلم ~~وغوائله # ولهذا قال المسيح عليه السلام يا علماء السوء تصومون وتصلون وتتصدقون ولا ~~تفعلون ما تأمرون وتدرسون ما لا تعملون فيا سوء ما تحكمون تتوبون بالقول ~~والأماني وتعملون بالهوى وما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة بحق ~~أقول لكم لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب ويبقى فيه النخالة كذلك ~~أنتم تخرجون الحكم من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم يا عبيد الدنيا كيف ~~يدرك الآخرة من لا تنقضي من الدنيا شهوته ولا تنقطع منها رغبته بحق أقول ~~لكم إن قلوبكم تبكي من أعمالكم جعلتم الدنيا تحت ألسنتكم والعمل تحت ~~أقدامكم بحق أقول لكم أفسدتم آخرتكم بصلاح دنياكم فصلاح الدنيا أحب إليكم ~~من صلاح الآخرة فأي ناس أخس منكم لو تعلمون ويلكم حتى متى تصفون الطريق ~~للمدلجين وتقيمون في محلة المتجبرين كأنكم تدعون أهل الدنيا ليتركوها لكم ~~مهلا مهلا ويلكم ماذا يغني عن البيت المظلم أن يوضع السراج فوق ظهره وجوفه ~~وحش مظلم كذلك لا يغني عنكم أن يكون نور العلم بأفواهكم وأجوافكم منه وحشة ~~معطلة يا عبيد الدنيا لا كعبيد أتقياء ولا كأحرار كرام توشك الدنيا أن ~~تقلعكم عن أصولكم فتلقيكم على وجوهكم ثم تكبكم على مناخركم ثم تأخذ خطاياكم ~~بنواصيكم ثم يدفعكم العلم من خلفكم ثم يسلمكم إلى الملك الديان حفاة عراة ~~فرادى فيوقفكم على سوآتكم ثم يجزيكم بسوء أعمالكم # وقد روى الحارث المحاسبي هذا الحديث في بعض كتبه ثم قال هؤلاء علماء ~~السوء شياطين الإنس وفتنة على الناس رغبوا في عرض الدنيا ورفعتها وآثروها ~~على الآخرة وأذلوا الدين للدنيا فهم في العاجل عار وشين وفي الآخرة هم ~~الخاسرون # فإن قلت فهذه الآفات ظاهرة ولكن ورد في العلم والوعظ رغائب كثيرة حتى قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من الدنيا وما ~~فيها + حديث لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها متفق ~~عليه من حديث سهل بن سعد بلفظ خير لك من حمر النعم وقد تقدم في العلم # وقال صلى الله عليه وسلم أيما داع دعا إلى هدى واتبع عليه كان له أجره ~~وأجر من اتبعه + حديث أيما داع دعا إلى هدى واتبع عليه كان له أجره وأجر من ~~اتبعه أخرجه ابن ماجه من حديث أنس بزيادة في أوله ولمسلم من حديث أبي هريرة ~~من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه الحديث # إلى غير ذلك من فضائل العلم فينبغي أن يقال للعالم اشتغل بالعلم واترك ~~مراءاة الخلق كما يقال لمن خالجه الرياء في الصلاة لا تترك العمل ولكن أتمم ~~العمل وجاهد نفسك فاعلم أن فضل العلم كبير وخطره عظيم كفضل الخلافة ~~والإمارة ولا نقول لأحد من عباد الله اترك العلم إذ ليس في نفس العلم آفة ~~وإنما الآفة في إظهاره بالتصدي للوعظ والتدريس ورواية الحديث ولا نقول له ~~أيضا اتركه ما دام يجد PageV03P327 في نفسه باعثا دينيا ممزوجا بباعث ~~الرياء أما إذا لم يحركه إلا الرياء فترك الإظهار أنفع له وأسلم # وكذلك نوافل الصلوات إذا تجرد فيها باعث الرياء وجب تركها أما إذا خطر له ~~وساوس الرياء في أثناء الصلاة وهو لها كاره فلا يترك الصلاة لأن آفة الرياء ~~في العبادات ضعيفة وإنما تعظم في الولايات وفي التصدي للمناصب الكبيرة في ~~العلم # وبالجملة فالمراتب ثلاث # الأولى الولايات والآفات فيها عظيمة وقد تركها جماعة من السلف خوفا من ~~الآفة # الثانية الصوم الصلاة والحج والغزو وقد تعرض لها أقوياء السلف وضعفاؤهم ~~ولم يؤثر عنهم الترك لخوف الآفة # وذلك لضعف الآفات الداخلة فيها والقدرة على نفيها مع إتمام العمل لله ~~بأدنى قوة # الثالثة وهي متوسطة بين الرتبتين وهو التصدي لمنصب الوعظ والفتوى ~~والرواية والتدريس والآفات فيها أقل مما في الولايات وأكثر مما في الصلاة ~~فالصلاة ينبغي أن لا يتركها الضعيف والقوي ولكن يدفع خاطر الرياء والولايات ~~ينبغي أن يتركها الضعفاء رأسا دون الأقوياء ومناصب العلم بينهما ومن جرب ~~آفات منصب العلم علم أنه بالولاة أشبه وأن الحذر منه في حق الضعيف أسلم ~~والله أعلم # وهنا رتبة رابعة وهي جمع المال وأخذه للتفرقة على المستحقين فإن في ~~الإنفاق وإظهار السخاء استجلابا للثناء وفي إدخال السرور على قلوب الناس ~~لذة للنفس والآفات فيها أيضا كثيرة # ولذلك سئل الحسن عن رجل طلب القوت ثم أمسك وآخر طلب فوق قوته ثم تصدق به ~~فقال القاعد أفضل لما يعرفون من قلة السلامة في الدنيا وأن من الزهد تركها ~~قربة إلى الله تعالى # وقال أبو الدرداء ما يسرني أنني أقمت على درج مسجد دمشق أصيب كل يوم ~~خمسين دينارا أتصدق بها أما إني لا أحرم البيع والشراء ولكني أريد أن أكون ~~من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله # وقد اختلف العلماء فقال قوم إذا طلب الدنيا من الحلال وسلم منها وتصدق ~~بها فهو أفضل من أن يشتغل بالعبادات والنوافل وقال قوم الجلوس في دوام ذكر ~~الله أفضل والأخذ والإعطاء يشغل عن الله وقد قال المسيح عليه السلام يا ~~طالب الدنيا ليبر بها تركك لها أبر وقال # أقل ما فيه أن يشغله إصلاحه عن ذكر الله وذكر الله أكبر وأفضل # وهذا فيمن سلم من الآفات فأما من يتعرض لآفة الرياء فتركه لها أبر ~~والاشتغال بالذكر لا خلاف في أنه أفضل # وبالجملة ما يتعلق بالخلق وللنفس فيه لذة فهو مثار الآفات والأحب أن يعمل ~~ويدفع الآفات فإن عجز فلينظر وليجتهد وليستفت قلبه وليزن ما فيه من الخير ~~بما فيه من الشر وليفعل ما يدل عليه نور العلم دون ما يميل إليه الطبع # وبالجملة ما يجده أخف على قلبه فهو في الأكثر أضر عليه لأن النفس لا تشير ~~إلا بالشر وقلما تستلذ الخير وتميل إليه وإن كان لا يبعد ذلك أيضا في بعض ~~الأحوال وهذه أمور لا يمكن الحكم على تفاصيلها بنفي وإثبات فهو موكول إلى ~~اجتهاد القلب لينظر فيه لدينه ويدع ما يريبه إلى مالا يريبه ثم قد يقع مما ~~ذكرناه غرور للجاهل فيمسك المال ولا ينفقه خيفة من الآفة وهو عين البخل # ولا خلاف في أن تفرقة المال في المباحات فضلا عن الصدقات أفضل من إمساكه ~~وإنما الخلاف فيمن يحتاج إلى الكسب أن الأفضل الكسب والإنفاق أو التجرد ~~للذكر وذلك لما في الكسب من الآفات فأما المال الحاصل من الحلال فتفرقته ~~أفضل من إمساكه بكل حال PageV03P328 فإن قلت فبأي علامة تعرف العالم ~~والواعظ أنه صادق مخلص في وعظه غير مريد رياء الناس فاعلم أن لذلك علامات # إحداها أنه لو ظهر من هو أحسن منه وعظا أو أغزر منه علما والناس له أشد ~~قبولا فرح به ولم يحسده نعم لا بأس بالغبطة وهو أن يتمنى لنفسه مثل علمه # والأخرى أن الأكابر إذا حضروا مجلسه لم يتغير كلامه بل بقي كما كان عليه ~~فينظر إلى الخلق بعين واحدة # والأخرى أن لا يحب اتباع الناس له في الطريق والمشي خلفه في الأسواق # ولذلك علامات كثيرة يطول إحصاؤها # وقد روي عن سعيد بن أبي مروان قال كنت جالسا إلى جنب الحسن إذ دخل علينا ~~الحجاج من بعض أبواب المسجد ومعه الحرس وهو على برذون أصفر فدخل المسجد على ~~برذونه فجعل يلتفت في المسجد فلم يرى حلقة أحفل من خلقه الحسن فتوجه نحوها ~~حتى بلغ قريبا منها ثم ثنى وركه فنزل ومشى نحو الحسن فلما رآه الحسن متوجها ~~إليه تجافى له عن ناحية مجلسه قال سعيد وتجافيت له أيضا عن ناحية مجلسي حتى ~~صار بيني وبين الحسن فرجة ومجلس للحجاج فجاء الحجاج حتى جلس بيني وبينه ~~والحسن يتكلم بكلام له يتكلم به في كل يوم فما قطع الحسن كلامه قال سعيد ~~فقلت في نفسي لأبلون الحسن اليوم ولأنظرن هل يحمل الحسن جلوس الحجاج إليه ~~أن يزيد في كلامه يتقرب إليه أو يحمل الحسن هيبة الحجاج أن ينقص من كلامه ~~فتكلم الحسن كلاما واحدا نحوا مما كان يتكلم به في كل يوم حتى انتهى إلى ~~آخر كلامه فلما فرغ الحسن من كلامه وهو غير مكترث به رفع الحجاج يده فضرب ~~بها على منكب الحسن ثم قال صدق الشيخ وبر فعليكم بهذه المجالس وأشباهها ~~فاتخذوها حلقا وعادة فإنه بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مجالس ~~الذكر رياض الجنة + حديث أن مجالس الذكر رياض الجنة تقدم في الأذكار ~~والدعوات # ولولا ما حملناه من أمر الناس ما غلبتمونا على هذه المجالس لمعرفتنا ~~بفضلها قال ثم افتر الحجاج فتكلم حتى عجب الحسن ومن حضر من بلاغته فلما فرغ ~~طفق فقام فجاء رجل من أهل الشام إلى مجلس الحسن حين قام الحجاج فقال عباد ~~الله المسلمين ألا تعجبون أني رجل شيخ كبير وأني أغزو فأكلف فرسا وبغلا ~~وأكلف فسطاطا وأن لي ثلثمائة درهم من العطاء وأن لي سبع بنات من العيال ~~فشكا من حاله حتى رق الحسن له ولأصحابه والحسن مكب فلما فرغ الرجل من كلامه ~~رفع الحسن رأسه فقال ما لهم قاتلهم الله اتخذوا عباد الله خولا ومال الله ~~دولا وقتلوا الناس على الدينار والدرهم فإذا غزا عدو الله غزا في الفساطيط ~~الهبابة وعلى البغال السباقة وإذا أغزى أخاه أغزاه طاويا راجلا فما فتر ~~الحسن حتى ذكرهم بأقبح العيب وأشده فقام رجل من أهل الشام كان جالسا إلى ~~الحسن فسعى به إلى الحجاج وحكى له كلامه فلم يلبث الحسن أن أتته رسل الحجاج ~~فقالوا أجب الأمير فقام الحسن وأشفقنا عليه من شدة كلامه الذي تكلم به فلم ~~يلبث الحسن أن رجع إلى مجلسه وهو يبتسم وقلما رأيته فاغرا فاه يضحك إنما ~~كان يتبسم فأقبل حتى قعد في مجلسه فعظم الأمانة وقال إنما تجالسون بالأمانة ~~كأنكم تظنون أن الخيانة ليست إلا في الدينار والدرهم إن الخيانة أشد ~~الخيانة أن يجالسنا الرجل فنطمئن إلى جانبه ثم ينطلق فيسعى بنا إلى شرارة ~~من نار إني أتيت هذا الرجل فقال أقصر عليك من لسانك وقولك إذا غزا عدو الله ~~غزا كذا وكذا وإذا أغزى أخاه أغزاه كذا لا أبالك تحرض علينا الناس أما إنا ~~على ذلك لانتهم نصيحتك فأقصر عليك من لسانك قال فدفعه الله عني # وركب الحسن حمارا يريد المنزل فبينما هو يسير إذا التفت فرأى قوما ~~يتبعونه فوقف فقال هل لكم من حاجة أو تسألون عن شيء وإلا فارجعوا فما يبقى ~~هذا من قلب العبد فبهذه PageV03P329 العلامات وأمثالها تتبين سريرة الباطن # ومهما رأيت العلماء يتغايرون ويتحاسدون ولا يتوانسون ولا يتعاونون فاعلم ~~أنهم قد اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فهم الخاسرون # اللهم ارحمنا بلطفك يا أرحم الراحمين # | بيان ما يصح من نشاط العبد للعبادة بسبب رؤية الخلق وما لا يصح # اعلم أن الرجل قد يبيت مع القوم في موضع فيقومون للتهجد أو يقوم بعضهم ~~فيصلون الليل كله أو بعضه وهو ممن يقوم في بيته ساعة قريبة فإذا رآهم انبعث ~~نشاطه للموافقة حتى يزيد على ما كان يعتاده أو يصلي مع أنه كان لا يعتاد ~~الصلاة بالليل أصلا وكذلك قد يقع في موضع يصوم فيه أهل الموضع فينبعث له ~~نشاط في الصوم ولولاهم لما انبعث هذا النشاط فهذا ربما يظن أنه رياء وأن ~~الواجب ترك الموافقة وليس كذلك على الإطلاق بل له تفصيل لأن كل مؤمن راغب ~~في عبادة الله تعالى وفي قيام الليل وصيام النهار ولكن قد تعوقه العوائق ~~ويمنعه الاشتغال ويغلبه التمكن من الشهوات أو تستهويه الغفلة فربما تكون ~~مشاهدة الغير سبب زوال الغفلة أو تندفع العوائق والأشغال في بعض المواضع ~~فينبعث له النشاط فقد يكون الرجل في منزله فتقطعه الأسباب عن التهجد مثل ~~تمكنه من النوم على فراش وثير أو تمكنه من التمتع بزوجته أو المحادثة مع ~~أهله وأقاربه أو الاشتغال بأولاده أو مطالعة حساب له مع معامليه فإذا وقع ~~في منزل غريب اندفعت عنه هذه الشواغل التي تفتد رغبته عن الخير وحصلت له ~~أسباب باعثة على الخير كمشاهدته إياهم وقد أقبلوا على الله وأعرضوا عن ~~الدنيا فإنه ينظر إليهم فينافسهم ويشق عليه أن يسبقوه بطاعة الله فتتحرك ~~داعيته للدين لا للرياء أو ربما يفارقه النوم لاستنكاره الموضع أو سبب آخر ~~فيغتنم زوال النوم وفي منزله ربما يغلبه النوم وربما ينضاف إليه أنه في ~~منزله على الدوام والنفس لا تسمح بالتهجد دائما وتسمح بالتهجد وقتا قليلا ~~فيكون ذلك سبب هذا النشاط مع اندفاع سائر العوائق وقد يعسر عليه الصوم في ~~منزله ومعه أطايب الأطعمة ويشق عليه الصبر عنها فإذا أعوزته تلك الأطعمة لم ~~يشق عليه فتنبعث داعية الدين للصوم فإن الشهوات الحاضرة عوائق ودوافع تغلب ~~باعث الدين فإذا سلم منها قوي الباعث # فهذا وأمثاله من الأسباب يتصور وقوعه ويكون السبب فيه مشاهدة الناس وكونه ~~معهم والشيطان مع ذلك ربما يصد عن العمل ويقول لا تعمل فإنك تكون مرائيا ~~إذا كنت لا تعمل في بيتك ولا تزد على صلاتك المعتادة وقد تكون رغبته في ~~الزيادة لأجل رؤيتهم وخوفا من ذمهم ونسبتهم إياه إلى الكسل لا سيما إذا ~~كانوا يظنون به أنه يقوم الليل فإن نفسه لا تسمح بأن يسقط من أعينهم فيريد ~~أن يحفظ منزلته وعند ذلك قد يقول الشيطان صل فإنك مخلص ولست تصلي لأجلهم بل ~~لله وإنما كنت لا تصلي كل ليلة لكثرة العوائق وإنما داعيتك لزوال العوائق ~~لا لاطلاعهم # وهذا أمر مشتبه إلا على ذوي البصائر فإذا عرف أن المحرك هو الرياء فلا ~~ينبغي أن يزيد على ما كان يعتاده ولا ركعة واحدة لأنه يعصي الله بطلب محمدة ~~الناس بطاعة الله وإن كان انبعاثه لدفع العوائق وتحرك الغبطة والمنافسة ~~بسبب عبادتهم فليوافق # وعلامة ذلك أن يعرض على نفسه أنه لو رأى هؤلاء يصلون من حيث لا يرونه بل ~~من وراء حجاب وهو في ذلك الموضع بعينه هل كانت نفسه تسخو بالصلاة وهم لا ~~يرونه فإن سخت نفسه فليصل فإن باعثه الحق وإن كان ذلك يثقل على نفسه لو غاب ~~عن أعينهم فليترك فإن باعثه الرياء # وكذلك قد يحضر الإنسان يوم الجمعة في الجامع من نشاط الصلاة ما لا يحضره ~~كل يوم ويمكن أن يكون ذلك لحب حمدهم ويمكن أن يكون نشاطه بسبب نشاطهم وزوال ~~غفلته بسبب إقبالهم على الله تعالى وقد يتحرك بذلك باعث الدين ويقارنه نزوع ~~النفس إلى حب الحمد فمهما علم أن الغالب على قلبه إرادة الدين فلا ~~PageV03P330 ينبغي أن يترك العمل بما يجده من حب الحمد بل ينبغي أن يرد ذلك ~~على نفسه بالكراهية ويشتغل بالعبادة # وكذلك قد يبكي جماعة فينظر إليهم فيحضره البكاء خوفا من الله تعالى لا من ~~الرياء ولو سمع ذلك الكلام وحده لما بكى ولكن بكاء الناس يؤثر في ترقيق ~~القلب وقد لا يحضره البكاء فيتباكى تارة رياء وتارة مع الصدق إذ يخشى على ~~قلبه قساوة القلب حين يبكون ولا تدمع عينه فيتباكى تكلفا وذلك محمود # وعلامة الصدق فيه أن يعرض على نفسه أنه لو سمع بكاءهم من حيث لا يرونه هل ~~كان يخاف على نفسه القساوة فيتباكى أم لا فإن لم يجد ذلك عند تقدير ~~الاختفاء عن أعينهم فإنما خوفه من أن يقال إنه قاسي القلب فينبغي أن يترك ~~التباكي # قال لقمان عليه السلام لابنه لا ترى الناس أنك تخشى ليكرموك وقلبك فاجر # وكذلك الصيحة والتنفس والأنين عند القرآن أو الذكر أو بعض مجاري الأحوال ~~تارة تكون من الصدق والحزن والخوف والندم والتأسف وتارة تكون لمشاهدته حزن ~~غيره وقساوة قلبه فيتكلف التنفس والأنين ويتحازن وذلك محمود وقد تقترن به ~~الرغبة فيه لدلالته على أنه كثير الحزن ليعرف بذلك فإن تجردت هذه الداعية ~~فهي الرياء وإن اقترنت بداعية الحزن فإن أباها ولم يقبلها وكرهها سلم بكاؤه ~~وتباكيه وإن قبل ذلك وركن إليه بقلبه حبط أجره وضاع سعيه وتعرض لسخط الله ~~تعالى به وقد يكون أصل الأنين عن الحزن ولكن يمده ويزيد في رفع الصوت فتلك ~~الزيادة رياء وهو محظور لأنها في حكم الابتداء لمجرد الرياء فقد يهيج من ~~الخوف ما لا يملك العبد معه نفسه ولكن يسبقه خاطر الرياء فيقبله فيدعو إلى ~~زيادة تحزين للصوت أو رفع له أو حفظ الدمعة على الوجه حتى تبصر بعد أن ~~استرسلت لخشية الله ولكن يحفظ أثرها على الوجه لأجل الرياء # وكذلك قد يسمع الذكر فتضعف قواه من الخوف فيسقط ثم يستحي أن يقال له إنه ~~سقط من غير زوال عقل وحالة شديدة فيزعق ويتواجد تكلفا ليرى أنه سقط لكونه ~~مغشيا عليه وقد كان ابتداء السقطة عن صدق وقد يزول عقله فيسقط ولكن يفيق ~~سريعا فتجزع نفسه أن يقال حالته غير ثابتة وإنما هي كبرق خاطف فيستديم ~~الزعقة والرقص ليرى دوام حاله وكذلك قد يفيق بعد الضعف ولكن يزول ضعفه ~~سريعا فيجزع أن يقال لم تكن غشيته صحيحة ولو كان لدام ضعفه فيستديم إظهار ~~الضعف والأنين فيتكئ على غيره يرى أنه يضعف عن القيام ويتمايل في المشي ~~ويقرب الخطا ليظهر أنه ضعيف عن سرعة المشي # فهذه كلها مكايد الشيطان ونزعات النفس # فإذا خطرت فعلاجها أن يتذكر أن الناس لو عرفوا نفاقه في الباطن واطلعوا ~~على ضميره لمقتوه وإن الله مطلع على ضميره وهو له أشد مقتا كما روي عن ذي ~~النون رحمه الله أنه قام وزعق فقام معه شيخ آخر رأى فيه أثر التكلف فقال يا ~~شيخ الذي يراك حين تقوم فجلس الشيخ # وكل ذلك من أعمال المنافقين # وقد جاء في الخبر تعوذوا بالله من خشوع النفاق + حديث تعوذوا بالله من ~~خشوع النفاق أخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبي بكر الصديق وفيه الحارث بن ~~عبيد الأيادي ضعفه أحمد وابن معين # وإنما خشوع النفاق أن تخشع الجوارح والقلب غير خاشع ومن ذلك الاستغفار ~~والاستعاذة بالله من عذابه وغضبه فإن ذلك قد يكون لخاطر خوف وتذكر ذنب ~~وتندم عليه وقد يكون للمراءاة # فهذه خواطر ترد على القلب متضادة مترادفة متقاربة وهي مع تقاربها متشابهة ~~فراقب قلبك في كل ما يخطر لك وانظر ما هو ومن أين هو فإن كان لله فامضه ~~واحذر مع ذلك أن يكون قد خفي عليكشيء من الرياء الذي هو كدبيب النمل وكن ~~على وجل من عبادتك أهي مقبولة أم لا لخوفك على الإخلاص فيها واحذر أن يتجدد ~~لك خاطر الركون إلى حمدهم بعد الشروع بالإخلاص فإن ذلك مما يكثر جدا ~~PageV03P331 فإذا خطر لك فتفكر في إطلاع الله عليك ومقته لك # وتذكر ما قاله أحد الثلاثة الذين حاجوا أيوب عليه السلام إذ قال يا أيوب ~~أما علمت أن العبد تضل عنه علانيته التي كان يخادع بها عن نفسه ويجزي ~~بسريرته # وقول بعضهم أعوذ بك أن يرى الناس أني أخشاك وأنت لي ماقت # وكان من دعاء علي بن الحسين رضي الله عنهما اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في ~~لامعة العيون علانيتي وتقبح لك فيما أخلو سريرتي محافظا على رياء الناس من ~~نفسي مضيعا لما أنت مطلع عليه مني أبدي للناس أحس أمري وأفضي إليك بأسوأ ~~عملي تقربا إلى الناس بحسناتي وفرارا منهم إليك بسيآتي فيحل بي مقتك ويجب ~~علي غضبك أعذني من ذلك يا رب العالمين # وقد قال أحد الثلاثة نفر لأيوب عليه السلام يا أيوب ألم تعلم أن الذين ~~حفظوا علانيتهم وأضاعوا سرائرهم عند طلب الحاجات إلى الرحمن تسود وجوههم ~~فهذه جمل آفات الرياء # فليراقب العبد قلبه ليقف عليها ففي الخبر إن للرياء سبعين بابا + حديث ~~الرياء سبعون بابا هكذا ذكر المصنف هذا الحديث هنا وكأنه تصحف عليه أو على ~~من نقله من كلامه أنه الرياء بالمثناة وإنما هو الربا بالموحدة والمرسوم ~~كتابته بالواو والحديث رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بلفظ الربا سبعون ~~حوبا أيسرها أن ينكح الرجل أمه وفي إسناد أبو معشر واسمه نجيح مختلف فيه ~~وروى ابن ماجه أيضا من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ~~الربا ثلاث وسبعون بابا وإسناده صحيح هكذا ذكر ابن ماجه الحديثين في أبوب ~~التجارات وقد روى البزار حديث ابن مسعود بلفظ الربا بضع وسبعون بابا والشرك ~~مثل ذلك وهذه الزيادة قد يستدل بها على أنه الرياء بالمثناة لاقترائه مع ~~الشرك والله أعلم # وقد عرفت أن بعضه أغمض من بعض حتى إن بعضه مثل دبيب النمل وبعضه أخفى من ~~دبيب النمل وكيف يدرك ما هو أخفى من دبيب النمل إلا بشدة التفقد والمراقبة ~~وليته أدرك بعد بذل المجهود فكيف يطمع في إدراكه من غير تفقد للقلب وامتحان ~~للنفس وتفتيش عن خدعها نسأل الله تعالى العافية بمنه وكرمه وإحسانه # | بيان ما ينبغي للمريد أن يلزم نفسه قبل العمل وبعده وفيه # اعلم أن أولى ما يلزم المريد قلبه في سائر أوقاته القناعة بعلم الله في ~~جميع طاعاته ولا يقنع بعلم الله إلا من لا يخاف إلا الله ولا يرجو إلا الله ~~فأما من خاف غيره وارتجاه اشتهى إطلاعه على محاسن أحواله فإن كان في هذه ~~الرتبة فليلزم قلبه كراهة ذلك من جهة العقل والإيمان لما فيه من خطر التعرض ~~للمقت وليراقب نفسه عند الطاعات العظيمة الشاقة التي لا يقدر عليها غيره ~~فإن النفس عند ذلك تكاد تغلي حرصا على الإفشاء وتقول مثل هذا العمل العظيم ~~أو الخوف العظيم أو البكاء العظيم لو عرفه الخلق منك لسجدوا لك فما في ~~الخلق من يقدر على مثله فكيف ترضى بإخفائه فيجهل الناس محلك وينكرون قدرك ~~ويحرمون الاقتداء بك ففي مثل هذا الأمر ينبغي أن يثبت قدمه ويتذكر في ~~مقابلة عظم عمله عظم ملك الآخرة ونعيم الجنة ودوامه أبد الآباد وعظم غضب ~~الله ومقته على من طلب بطاعته ثوابا من عباده ويعلم أن إظهاره لغيره محبب ~~إليه وسقوط عند الله وإحباط للعمل العظيم فيقول وكيف أتبع مثل هذا العمل ~~بحمد الخلق وهم عاجزون لا يقدرون لي على رزق ولا أجل فيلزم ذلك قلبه ولا ~~ينبغي أن ييأس عنه فيقول إنما يقدر على الإخلاص الأقوياء فأما المخلطون ~~فليس ذلك من شأنهم فيترك المجاهدة في الإخلاص لأن المخلط إلى ذلك أحوج من ~~المتقي لأن المتقي إن فسدت نوافله بقيت فرائضه كاملة تامة والمخلط لا تخلو ~~فرائضه عن النقصان والحاجة إلى الجبران بالنوافل فإن لم تسلم صار مأخذوا ~~بالفرائض وهلك به فالمخلط إلى الإخلاص أحوج # وقد روى تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يحاسب العبد ~~يوم القيامة فإن نقص فرضه قيل انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكمل ~~به فرضه وإن لم يكن له تطوع أخذ PageV03P332 بطرفيه فألقي في النار + حديث ~~تميم الداري في إكمال فريضة الصلاة بالتطوع أخرجه أبو داود وابن ماجه وتقدم ~~في الصلاة # فيأتي المخلط يوم القيامة وفرضه ناقص وعليه ذنوب كثيرة فاجتهاده في جبر ~~الفرائض وتكفير السيئات ولا يمكن ذلك إلا بخلوص النوافل وأما المتقي فجهده ~~في زيادة الدرجات فإن حبط تطوعه بقي من حسناته ما يترجح على السيئات فيدخل ~~الجنة # فإذن ينبغي أن يلزم قلبه خوف اطلاع غير الله عليه لتصح نوافله ثم يلزم ~~قلبه ذلك بعد الفراغ حتى لا يظهره ولا يتحدث به وإذا فعل جميع ذلك فينبغي ~~أن يكون وجلا من عمله خائفا أنه ربما داخله من الرياء الخفي ما لم يقف عليه ~~فيكون شاكا في قبوله ورده مجوزا أن يكون الله قد أحصى عليه من نيته الخفية ~~ما مقته بها ورد عمله بسببها ويكون هذا الشك والخوف في دام عمله وبعده إلا ~~في ابتداء العقل بل ينبغي أن يكون متيقنا في الابتداء أنه مخلص ما يريد ~~بعمله إلا الله حتى يصح عمله فإذا شرع ومضت لحظة يمكن فيها الغفلة والنسيان ~~كان الخوف من الغفلة عن شائبة خفية أحبطت عمله من رياء أو عجب أولى به ولكن ~~يكون رجاؤه أغلب من خوفه لأنه استيقن أنه دخل بالإخلاص وشك في أنه هل أفسده ~~برياء فيكون رجاء القبول أغلب وبذلك تعظم لذته في المناجاة والطاعات # فالإخلاص يقين والرياء شك # وخوفه لذلك الشك جدير بأن يكفر خاطر الرياء إن كان قد سبق وهو غافل عنه # والذي يتقرب إلى الله بالسعي في حوائج الناس وإفادة العلم ينبغي أن يلزم ~~نفسه رجاء الثواب على دخول السرور على قلب من قضى حاجته فقط ورجاء الثواب ~~على عمل المتعلم بعلمه فقط دون شكر ومكافأة وحمد وثناء من المتعلم والمنعم ~~عليه فإن ذلك يحبط الأجر # فمهما توقع من المتعلم مساعدة في شغل وخدمة أو مرافقة في المشي في الطريق ~~ليستكثر باستتباعه أو ترددا منه في حاجة فقد أخذ أجره بلا ثواب له غيره # نعم إن لم يتوقع هو ولم يقصد إلا الثواب على عمله بعلمه ليكون له مثل ~~أجره ولكن خدمة التلميذ بنفسه فقبل خدمته فنرجو أن لا يحبط ذلك أجره إذا ~~كان لا ينتظره ولا يريده منه ولا يستبعده منه لو قطعه # ومع هذا فقد كان العلماء يحذرون هذا حتى إن بعضهم وقع في بئر فجاء قوم ~~فأدلوا حبلا ليرفعوه فحلف عليهم أن لا يقف معهم من قرأ عليه آية من القرآن ~~أو سمع منه حديثا خيفة أن يحبط أجره # وقال شقيق البلخي أهديت لسفيان الثوري ثوبا فرده علي فقلت له يا أبا عبد ~~الله لست أنا ممن يسمع الحديث حتى ترده علي قال علمت ذاك ولكن أخوك يسمع ~~مني الحديث فأخاف أن يلين قلبي لأخيك أكثر مما يلين لغيره # وجاء رجل إلى سفيان ببدرة أو بدرتين وكان أبوه صديقا لسفيان وكان سفيان ~~يأتيه كثيرا فقال له يا أبا عبد الله في نفسك من أبي شيء فقال يرحم الله ~~أباك كان وكان وأثنى عليه فقال يا أبا عبد الله قد عرفت كيف صار هذا المال ~~إلي فأحب أن تأخذ هذه تستعين بها على عيالك قال فقبل سفيان ذلك قال فلما ~~خرج قال لولده يا مبارك ألحقه فرده علي فرجع فقال أحب أن تأخذ مالك فلم يزل ~~به حتى رده عليه # وكأنه كانت أخوته مع أبيه في الله تعالى فكره أن يأخذ ذلك # قال ولده فلما خرج لم أملك نفسي أن جئت إليه فقلت ويلك أي شيء قلبك هذا ~~حجارة عد أنه ليس لك عيال أما ترحمني أما ترحم إخوتك أما ترحم عيالنا ~~فأكثرت عليه فقال لي يا مبارك تأكلها أنت هنيئا مرئيا وأسأل عنها أنا # فإذن يجب على العالم أن يلزم قلبه طلب الثواب من الله في اهتداء الناس به ~~فقط ويجب على المتعلم أن يلزم قلبه حمد الله وطلب ثوابه ونيل المنزلة عنده ~~لا عند المعلم وعند الخلق 2 # وربما يظن أن له أن يرائي بطاعته لينال عند المعلم رتبته فيتعلم منه وهو ~~خطأ لأن إرادته بطاعته غير الله خسران في الحال والعلم ربما يفيد وربما ~~PageV03P333 لا يفيد فيكف يخسر في الحال عملا نقدا على توهم علم وذلك غير ~~جائز بل ينبغي أن يتعلم لله ويعبد الله ويخدم المعلم لله لا ليكون له في ~~قلبه منزلة إن كان يريد أن يكون تعلمه طاعة فإن العباد أمروا أن لا يعبدوا ~~إلا الله ولا يريدوا بطاعتهم غيره # وكذلك من يخدم أبويه لا ينبغي أن يخدمهما لطلب المنزلة عندهما إلا من حيث ~~إن رضا الله عنه في رضا الوالدين ولا يجوز له أن يرائي بطاعته لينال بها ~~منزلة عند الوالدين فإن ذلك معصية في الحال وسيكشف الله عن ريائه وتسقط ~~منزلته من قلوب الوالدين أيضا # وأما الزاهد المعتزل عن الناس فينبغي له أن يلزم قلبه ذكر الله والقناعة ~~بعلمه ولا يخطر بقلبه معرفة الناس زهده واستعظامهم محله فإن ذلك يغرس ~~الرياء في صدره حتى تتيسر عليه العبادات في خلوته به وإنما سكوته لمعرفة ~~الله باعتزاله واستعظامهم لمحله وهو لا يدري أنه المخفف للعمل عليه # قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعلمت المعرفة من راهب يقال له سمعان دخلت ~~عليه في صومعته فقلت يا سمعان منذ كم أنت في صومعتك قال منذ سبعين سنة قلت # فما طعامك قال يا حنيفي وما دعاك إلى هذا قلت أحببت أن أعلم قال في كل ~~ليلة حمصة قلت فما الذي يهيج من قلبك حتى تكفيك هذه الحمصة قال ترى الدير ~~الذي بحذائك قلت نعم قال إنهم يأتوني في كل سنة يوما واحدا فيزينون صومعتي ~~ويطوفون حولها ويعظموني فكلما تثاقلت نفسي عن العبادة ذكرتها عز تلك الساعة ~~فأنا احتمل جهد سنة لعز ساعة فاحتمل يا حنيفي جهد ساعة لعز الأبد فوقر في ~~قلبي المعرفة فقال حسبك أو أزيدك قلت بلى قال أنزل عن الصومعة فنزلت فأدلى ~~لي ركوة فيها عشرون حمصة فقال لي ادخل الدير فقد رأوا ما أدليت إليك فلما ~~دخلت الدير اجتمع علي النصارى فقالوا يا حنيفي ما الذي أدلى إليك الشيخ قلت ~~من قوته قالوا فما تصنع به ونحن أحق به ثم قالوا ساوم قلت عشرون دينارا ~~فأعطوني عشرين دينارا فرجعت إلى الشيخ فقال يا حنيفي ما الذي صنعت قلت بعته ~~منهم قال بكم قلت بعشرين دينارا قال أخطأت لو ساومتهم بعشرين ألف دينار ~~لأعطوك هذا عز من لا تعبده فانظر كيف يكون عز من تعبده يا حنيفي أقبل على ~~ربك ودع الذهاب والجيئة # والمقصود أن استشعار النفس عز العظمة في القلوب يكون باعثا في الخلوة وقد ~~لا يشعر العبد به فينبغي أن يلزم نفسه الحذر منه وعلامة سلامته أن يكون ~~الخلق عنده والبهائم بمثابة واحدة فلو تغيروا عن اعتقادهم له لم يجزع ولم ~~يضق به ذرعا إلا كراهة ضعيفة أن وجدها في قلبه فيردها في الحال بعقله ~~وإيمانه فإنه لو كان في عبادة واطلع الناس كلهم عليه لم يزده ذلك خشوعا ولم ~~يداخله سرور بسبب اطلاعهم عليه فإن دخل سرور يسير فهو دليل ضعفه ولكن إذا ~~قدر على رده بكراهة العقل والإيمان وبادر إلى ذلك ولم يقبل ذلك السرور ~~بالركون إليه فيرجى له أن لا يخيب سعيه إلا أن يزيد عند مشاهدتهم في الخشوع ~~والانقباض كي لا ينبسطوا إليه فذلك لا بأس به ولكن فيه غرور إذ النفس قد ~~تكون شهوتها الخفية إظهار الخشوع وتتعلل بطلب الانقباض فيطالبها في دعواها ~~قصد الانقباض بموثق من الله غليظ وهو أنه لو علم أن انقباضهم عنه إنما حصل ~~بأن يعدوا كثيرا أو يضحك كثيرا أو يأكل كثيرا فتسمح نفسه بذلك فإذا لم تسمح ~~وسمحت بالعبادة فيشبه أن يكون مرادها المنزلة عندهم ولا ينجو من ذلك إلا من ~~تقرر في قلبه أنه ليس في الوجود أحد سوى الله فيعمل عمل من لو كان على وجه ~~الأرض وحده لكان يعمله فلا يلتفت قلبه إلى الخلق إلا خطرات ضعيفة لا يشق ~~عليه إزالتها فإذا كان كذلك لم يتغير بمشاهدة الخلق # ومن علامة الصدق فيه أنه لو كان له صاحبان أحدهما غني والآخر فقير فلا ~~يجد عند إقبال الغني زيادة هزة PageV03P334 في نفسه لا كرامة إلا إذا كان ~~في الغنى زيادة علم أو زيادة ورع فيكون مكرما له بذلك الوصف لا بالغنى فمن ~~كان استرواحه إلى مشاهدة الأغنياء أكثر فهو مراء أو طماع وإلا فالنظر إلى ~~الفقراء يزيد في الرغبة إلى الآخرة ويحبب إلى القلب المسكنة والنظر إلى ~~الأغنياء بخلافه فكيف استروح بالنظر إلى الغني أكثر مما يستروح إلى الفقير ~~وقد حكي أنه لم ير الأغنياء في مجلس أذل منهم فيه في مجلس سفيان الثوري كان ~~يجلسهم وراء الصف ويقدم الفقراء حتى كانوا يتمنون أنهم فقراء في مجلسه # نعم لك زيادة إكرام للغني إذا كان أقرب إليك أو كان بينك وبينه حق وصداقة ~~سابقة ولكن يكون بحث لو وجدت تلك العلاقة في فقير لكنت لا تقدم الغني عليه ~~في إكرام وتوقير البتة فإن الفقير أكرم على الله من الغني فإيثارك لا يكون ~~إلا طمعا في غناه ورياء له ثم إذا سويت بينهما في المجالسة فيخشى عليك أن ~~تظهر الحكمة والخشوع للغني أكثر مما تظهره للفقير وإنما ذلك رياء خفي أو ~~طمع خفي كما قال ابن السماك لجارية له مالي إذا أتيت بغداد فتحت لي الحكمة ~~فقالت الطمع يشحذ لسانك وقد صدقت فإن اللسان ينطق عند الغني بما لا ينطق به ~~عند الفقير وكذلك يحضر من الخشوع عنده ما لا يحضره عند الفقير # ومكايد النفس وخفاياها في هذا الفن لا تنحصر ولا ينجيك منها إلا أن تخرج ~~ما سوى الله من قلبك وتتجرد بالشفقة على نفسك بقية عمرك ولا ترضى لها ~~بالنار بسبب شهوات منغصة في أيام متقاربة وتكون في الدنيا كملك من ملوك ~~الدنيا قد أمكنته الشهوات وساعدته اللذات ولكن في بدنه سقم وهو يخاف الهلاك ~~على نفسه في كل ساعة لو اتسع في الشهوات وعلم أنه لو احتمى وجاهد شهوته عاش ~~ودام ملكه فلما عرف ذلك جالس الأطباء وحارف الصيادلة وعود نفسه شرب الأدوية ~~المرة وصبر على بشاعتها وهجر جميع اللذات وصبر على مفارقتها فبدنه كل يوم ~~يزداد نحولا لقلة أكله ولكن سقمه يزداد كل يوم نقصانا لشدة احتمائه فمهما ~~نازعته نفسه إلى شهوة تفكر في توالي الأوجاع والآلام عليه وأداه ذلك إلى ~~الموت المفرق بينه وبين مملكته الموجب لشماتة الأعداء به ومهما اشتد عليه ~~شرب دواء تفكر فيما يستفيده منه من الشفاء الذي هو سبب التمتع بملكه ونعيمه ~~في عيش هنيء وبدن صحيح وقلب رخي وأمر نافذ فيخف عليه مهاجرة اللذات ومصابرة ~~المكروهات # فكذلك المؤمن المريد لملك الآخرة احتمى عن كل مهلك له في آخرته وهي لذات ~~الدنيا وزهرتها فاجتزى منها بالقليل واختار النحول والذبول والوحشة والحزن ~~والخوف وترك المؤانسة بالخلق خوفا من أن يحل عليه غضب من الله فيهلك ورجاء ~~أن ينجو من عذابه فخف ذلك كله عليه عند شدة يقينه وإيمانه بعاقبة أمره وبما ~~أعد له من النعيم المقيم في رضوان الله أبد الآباد ثم علم أن الله كريم ~~رحيم لمن يزل لعباده المريدين لمرضاته عونا وبهم رءوفا وعليهم عطوفا ولو ~~شاء لأغنانهم عن التعب ولكن أراد أن يبلوهم ويعرف صدق إرادتهم حكمة منه ~~وعدلا ثم إذا تحمل التعب في بدايته أقبل الله عليه بالمعونة والتيسير وحط ~~عنه الأعباء وسهل عليه الصبر وحبب إليه الطاعة ورزقه فيها من لذة المناجاة ~~ما يلهيه عن سائر اللذات ويقويه على إماتة الشهوات ويتولى سياسته وتقويته ~~وأمده بمعونته فإن الكريم لا يضيع سعي الراجي ولا يخيب أمل المحب وهو الذي ~~يقول من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ويقول تعالى لقد طال شوق الأبرار ~~إلى لقائي وإني إلى لقائهم أشد شوقا فليظهر العبد في البداية جده وصدقه ~~وإخلاصه فلا يعوزه من الله تعالى على القرب ما هو اللائق بجوده وكرمه ~~ورأفته ورحمته تم كتاب ذم الجاه والرياء والحمد لله وحده PageV03P335 كتاب ~~ذم الكبر والعجب وهو الكتاب التاسع من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم ~~الدين بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الخالق البارئ المصور العزيز الجبار المتكبر العلي الذي لا ~~يضعه عن مجده واضع الجبار الذي كل جبار له ذليل خاضع وكل متكبر في جناب عزه ~~مسكين متواضع فهو القهار الذي لا يدفعه عن مراده دافع الغني الذي ليس له ~~شريك ولا منازع القادر الذي بهر أبصار الخلائق جلاله وبهاؤه وقهر العرش ~~المجيد استواؤه واستعلاؤه واستيلاؤه وحصر ألسن الأنبياء وصفه وثناؤه وارتفع ~~عن حد قدرتهم إحصاؤه واستقصاؤه فاعترف بالعجر عن وصف كنه جلاله ملائكته ~~وأنبياؤه وكسر ظهور الأكاسرة عزه وعلاؤه وقصر أيدي القياصرة عظمته وكبرياؤه ~~فالعظمة إزاره والكبرياء رداؤه ومن نازعه فيهما قصمه بداء الموت فأعجزه ~~دواؤه جل جلاله وتقدست أسماؤه والصلاة على محمد الذي أنزل عليه النور ~~المنتشر ضياؤه حتى أشرقت بنوره أكناف العالم وأرجاؤه وعلى آله وأصحابه ~~الذين هم أحباء الله وأولياؤه وخيرته وأصفياؤه وسلم تسليما كثيرا # أما بعد فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى الكبرياء ~~ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته + حديث قال الله تعالى ~~الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته أخرجه الحاكم في ~~المستدرك دون ذكر العظمة وقال صحيح على شرط مسلم وتقدم في العلم وسيأتي بعد ~~حديثين بلفظ آخر # وقال صلى الله عليه وسلم ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء ~~بنفسه + حديث ثلاث مهلكات الحديث أخرجه البزار والطبراني والبيهقي في الشعب ~~من حديث أنس بسند ضعيف وتقدم فيه أيضا # فالكبر والعجب داءان مهلكان والمتكبر والمعجب سقيمان مريضان وهما عند ~~الله ممقوتات بغيضان # وإذا كان القصد في هذا الربع من كتاب إحياء علوم الدين شرح المهلكات وجب ~~إيضاح الكبر والعجب فإنهما من قبائح المرديات # ونحن نستقضي بيانهما من الكتاب في شطرين شطر في الكبر وشطر في العجب # الشطر الأول من الكتاب في الكبر وفيه # | بيان ذم الكبر # وبيان ذم الاختيال وبيان فضيلة التواضع وبيان حقيقة التكبر وآفته وبيان ~~من يتكبر عليه ودرجات التكبر وبيان ما به التكبر وبيان البواعث على التكبر ~~وبيان أخلاق المتواضعين وما فيه يظهر الكبر وبيان علاج الكبر # وبيان امتحان النفس في خلق الكبر وبيان المحمود من خلق التواضع والمذموم ~~منه بيان ذم الكبر # قد ذم الله الكبر في مواضع من كتابه وذم كل جبار متكبر فقال تعالى @QB@ ~~سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق @QE@ وقال عز وجل @QB@ ~~كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار @QE@ وقال تعالى @QB@ واستفتحوا وخاب ~~كل جبار عنيد @QE@ وقال تعالى @QB@ إنه لا يحب المستكبرين @QE@ وقال تعالى ~~@QB@ لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا @QE@ وقال تعالى @QB@ إن ~~الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين @QE@ وذم الكبر في القرآن ~~كثير وقد PageV03P336 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من ~~كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ~~حبة من خردل من إيمان + حديث لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من ~~خردل من كبر ولا يدخل النار رجل في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان أخرجه ~~مسلم من حديث ابن مسعود # وقال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله ~~تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنم ~~ولا أبالي + حديث أبي هريرة يقول الله تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ~~فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنم أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه ~~واللفظ له وقال أبو داود قذفته في النار وقال مسلم عذبته وقال رداؤه وإزاره ~~بالغيبة وزاد مع أبي هريرة أبا سعيد أيضا # وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال التقى عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر ~~على الصفا فتواقفا فمضى ابن عمرو وأقام ابن عمر يبكي فقالوا ما يبكيك يا ~~أبا عبد الرحمن فقال هذا يعني عبد الله بن عمرو زعم أنه سمع رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يقول من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر أكبه الله في ~~النار على وجهه + حديث عبد الله بن عمرو من كان في قلبه مثقال حبة من كبر ~~كبه الله في النار على وجهه أخرجه أحمد والبيهقي في شعب الإيمان من طريقه ~~بإسناد صحيح # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في ~~الجبارين فيصيبه ما أصابهم من العذاب + حديث لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى ~~يكتب في الجبارين الحديث أخرجه الترمذي وحسنه من حديث سلمة بن الأكوع دون ~~قوله من العذاب # وقال سليمان بن داود عليهما السلام يوما للطير والإنس والجن والبهائم ~~اخرجوا فخرجوا في مائتي ألف من الإنس ومائتي ألف من الجن فرفع حتى سمع زجل ~~الملائكة بالتسبيح في السموات ثم خفض حتى مست أقدامه البحر فسمع صوتا لو ~~كان في قلب صاحبكم مثقال ذرة من كبر لخسفت به أبعد مما رفعته # وقال صلى الله عليه وسلم يخرج من النار عنق له أذنان تسمعان وعينان ~~تبصران ولسان ينطق يقول وكلت بثلاث بكل جبار عنيد وبكل من دعا مع الله إلها ~~آخر وبالمصورين + حديث يخرج من النار عنق له أذنان الحديث أخرجه الترمذي من ~~حديث أبي هريرة وقال حسن صحيح غريب # وقال صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة بخيل ولا جبار ولا سيء الملكة + ~~حديث لا يدخل الجنة جبار ولا بخيل ولا سيء الملكة تقدم في أسباب الكسب ~~والمعاش والمعروف خائن مكان جبار # وقال صلى الله عليه وسلم تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت ~~بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقاطهم ~~وعجزتهم فقال الله للجنة إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال ~~للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها + حديث تحاجت ~~الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين الحديث متفق عليه من ~~حديث أبي هريرة # وقال صلى الله عليه وسلم بئس العبد عبد تجبر واعتدى ونسي الجبار الأعلى ~~بئس العبد عبد تجبر واختال ونسي الكبير المتعال بئس العبد عبد غفل وسها ~~ونسي المقابر والبلى بئس العبد عبد عتا وبغى ونسي المبدأ والمنتهى + حديث ~~بئس العبد عبد تجبر واعتدى الحديث أخرجه الترمذي من حديث أسماء بنت عميس ~~بزيادة فيه مع تقديم وتأخير وقال غريب وليس إسناد بالقوي ورواه الحاكم في ~~المستدرك وصححه ورواه البيهقي في الشعب من حديث نعيم بن عمار وضعفه # وعن ثابت أنه قال بلغنا أنه قيل يا رسول الله ما أعظم كبر فلان فقال أليس ~~بعده الموت + حديث ثابت بلغنا أنه قيل يا رسول الله ما أعظم كبر فلان فقال ~~أليس بعده الموت أخرجه البيهقي في الشعب هكذا مرسلا بلفظ تجبر # وقال عبد الله بن عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن نوحا عليه ~~السلام لما حضرته الوفاة دعا ابنيه وقال إني آمركما باثنتين وأنهاكما عن ~~اثنتين أنهاكما عن الشرك والكبر وآمركما بلا إله إلا الله # فإن السموات والأرضين وما فيهن لو وضعت في كفة الميزان ووضعت لا إله إلا ~~الله في الكفة الأخرى كانت أرجح منهما ولو أن السموات والأرضين وما فيهن ~~كانتا حلقة فوضعت لا إله إلا الله عليها لقصمتها وآمركما بسبحان الله ~~PageV03P337 وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء + حديث عبد الله بن ~~عمرو إن نوحا لما حضرته الوفاة دعا ابنيه وقال إني آمركما باثنتين وأنهاكما ~~عن اثنتين أنهاكما عن الشرك والكبر الحديث أخرجه أحمد والبخاري في كتاب ~~الأدب والحاكم بزيادة في نقله قال صحيح الإسناد # قال المسيح عليه السلام طوبى لمن علمه الله كتابه ثم لم يمت جبارا # وقال صلى الله عليه وسلم أهل النار كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع وأهل ~~الجنة الضعفاء المقلون + حديث أهل النار كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع ~~وهي الزيادة عندهما من حديث حارثة بن وهب الخزاعي ألا أخبركم بأهل النار كل ~~عتل جواظ مستكبر # وقال صلى الله عليه وسلم إن أحبكم إلينا وأقربكم منا في الآخرة أحاسنكم ~~أخلاقا وإن أبغضكم إلينا وأبعدكم منا الثرثارون المتشدقون المتفيهقون قالوا ~~يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون المتكبرون + ~~حديث إن أحبكم إلينا وأقربكم منا في الآخرة أحاسنكم أخلاقا الحديث أخرجه ~~أحمد من حديث أبي ثعلبة الخشني بلفظ إلى ومني وفيه انقطاع ومكحول لم يسمع ~~من أبي ثعلبة وقد تقدم في رياضة النفس أول الحديث # وقال صلى الله عليه وسلم يحشر المتكبرون يوم القيامة في مثل صور الذر ~~تطؤهم الناس ذرا في مثل صور الرجال يعلوهم كل شيء من الغار ثم يساقون إلى ~~سجن في جهنم يقال له بولس يعلوهم نار الأنيار يسقون من طين الخبال عصارة ~~أهل النار + حديث يحشر المتكبرون يوم القيامة ذرا في صور الرجال الحديث ~~أخرجه الترمذي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال غريب # وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم يحشر الجبارون والمتكبرون ~~يوم القيامة في صور الذر تطؤهم الناس نهواهم على الله تعالى + حديث أبي ~~هريرة يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة في صور الذر الحديث أخرجه ~~البزار هكذا مختصرا دون قوله الجبارون وإسناده حسن # وعن محمد بن واسع قال دخلت على بلال بن أبي بردة فقلت له يا بلال إن أباك ~~حدثني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن في جهنم واديا يقال ~~له هبهب حق على الله أن يسكنه كل جبار فإياك يا بلال أن تكون ممن يسكنه + ~~حديث أبي موسى إن في جنهم واديا يقال له هبهب حق على الله أن يسكنه كل جبار ~~أخرجه أبو يعلى والطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد قلت فيه أزهر بن سنان ~~ضعفه ابن معين وابن حبان وأورد له في الضعفاء هذا الحديث # وقال صلى الله عليه وسلم إن في النار قصرا يجعل فيه المتكبرون ويطبق ~~عليهم + حديث إن في النار قصرا يجعل فيه المتكبرون ويطبق عليهم أخرجه ~~البيهقي في الشعب من حديث أنس وقال توابيت مكان قصرا وقال فيقفل مكان يطبق ~~وفيه أبان بن أبي عياش وهو ضعيف # وقال صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعوذ بك من نفخة الكبرياء + حديث ~~اللهم إني أعوذ بك من نفخة الكبرياء لم أره بهذا اللفظ وروى أبو داود وابن ~~ماجه من حديث جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الحديث ~~أعوذ بالله من الشيطان من نفخة ونفثه وهمزه قال نفثه الشعر ونفحه الكبر ~~وهمزه الموتة ولأصحاب السنن من حديث أبي سعيد الخدري نحو تكلم فيه أبو داود ~~وقال الترمذي هو أشهر حديث في هذا الباب # وقال من فارق روحه جسده وهو برئ من ثلاث دخل الجنة الكبر والدين والغلول ~~+ حديث من فارق روحه جسده وهو برئ من ثلاثة دخل الجنة الكبر والدين والغلول ~~أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ثوبان وذكر المصنف لهذا الحديث ~~هنا موافق للمشهور في الرواية أنه الكبر بالموحدة والراء لكن ذكر ابن ~~الجوزي في جامع المسانيد عن الدارقطني قال إنما هو الكنز بالنون والزاي ~~وكذلك أيضا ذكر ابن مردويه الحديث في تفسير والذين يكنزون الذهب والفضة # الآثار قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لا يحقرن أحد أحدا من المسلمين ~~فإن صغير المسلمين عند الله كبير وقال وهب لما خلق الله جنة عدن نظر إليها ~~فقال أنت حرام على كل متكبر # وكان الأحنف بن قيس يجلس مع مصعب بن الزبير على سريره فجاء يوما ومصعب ~~ماد رجليه فلم يقبضهما وقعد الأحنف فزحمه بعض الزحمة فرأى أثر ذلك في وجهه ~~فقال عجبا لابن آدم يتكبر وقد خرج من مجرى البول مرتين # وقال الحسن العجب من ابن آدم يغسل الخرء بيده كل يوم مرة أو مرتين ثم ~~يعارض جبار السموات # وقد قيل في وفي أنفسكم أفلا تبصرون PageV03P338 هو سبيل الغائط والبول # وقد قال محمد بن الحسين بن علي ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر قط إلا نقص ~~من عقله بقدر ما دخل من ذلك أو كثر # وسئل سليمان عن السيئة التي لا تنفع معها حسنة فقال الكبر وقال النعمان ~~بن بشير على المنبر إن للشيطان مصالي وفخوخا وإن من مصالي الشيطان وفخوخه ~~البطر بأنعم الله والفخر بإعطاء الله والكبر على عباد الله واتباع الهوى في ~~غير ذات الله # نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدنيا والآخرة بمنه وكرمه # | بيان ذل الاختيال وإظهار آثار الكبر في المشي وجر الثياب # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله إلى رجل يجر إزاره بطرا + ~~حديث لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا متفق عليه من حديث أبي هريرة # وقال صلى الله عليه وسلم بينما رجل يتبختر في بردته إذ أعجبته نفسه فخسف ~~الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة + حديث بينما رجل يتبختر في ~~برديه قد أعجبته نفسه الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة # وقال صلى الله عليه وسلم من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة ~~وقال زيد بن أسلم دخلت على ابن عمر فمر به عبد الله ابن واقد وعليه ثوب ~~جديد فسمعته يقول أي بني ارفع إزارك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يقول لا ينظر الله إلى من جر إزاره خيلاء + حديث ابن عمر لا ينظر الله ~~إلى من جر إزاره خيلاء رواه مسلم مقتصرا على المرفوع دون ذكر مرور عبد الله ~~ابن واقد على ابن عمر وهو رواية لمسلم أن المار رجل من بني ليث غير مسمى # وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق يوما على كفه ووضع أصبعه عليه ~~وقال يقول الله تعالى ابن آدم أتعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك ~~وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد جمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي ~~قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة + حديث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق ~~يوما على كفه ووضع أصبعه عليها وقال يقول الله ابن آدم أتعجزني وقد خلقت من ~~مثل هذه الحديث أخرجه ابن ماجه والحاكم وصحح إسناده من حديث بشر بن جحاش # وقال صلى الله عليه وسلم إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم سلط ~~الله بعضهم على بعض + حديث إذا مشت أمتي المطيطاء الحديث أخرجه الترمذي ~~وابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر المطيطاء بضم الميم وفتح الطاءين ~~المهملتين بينهما مثناة من تحت مصغرا ولم يستعمل مكبرا # قال ابن الأعرابي هي مشية فيها اختيال # وقال صلى الله عليه وسلم من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو ~~عليه غضبان + حديث من تعظم في نفسه واختال في مشيه لقي الله وهو عليه غضبان ~~أخرجه أحمد والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب من حديث ابن عمر # الآثار عن أبي بكر الهذلي قال بينما نحن مع الحسن إذ مر علينا ابن الأهتم ~~يريد المقصورة وعليه جباب خز قد نضد بعضها فوق بعض على ساقه وانفرج عنها ~~قباؤه وهو يمشي يتبختر إذ نظر إليه الحسن نظرة فقال أف أف شامخ بأنفه ثاني ~~عطفه مصعر خده ينظر في عطفيه أي حميق أنت تنظر في عطفيك في نعم غير مشكورة ~~ولا مذكورة غير المأخوذ بأمر الله فيها ولا المؤدي حق الله منها والله أن ~~يمشي أحد طبيعته يتخلج تخلق المجنون في كل عضو من أعضائه لله نعمة وللشيطان ~~به لفتة فسمع ابن الأهتم فرجع يعتذر إليه فقال لا تعتذر إلي وتب إلى ربك ~~أما سمعت قول الله تعالى @QB@ ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن ~~تبلغ الجبال طولا @QE@ ومر بالحسن شاب عليه بزة له حسنة فدعاه فقال له ابن ~~آدم معجب بشبابه محب لشمائله كأن القبر قد وارى بدنك وكأنك قد لاقيت عملك ~~ويحك داو قلبك فإن حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم # وروي أن عمر PageV03P339 ابن عبد العزيز حج قبل أن يستخلف فنظر إليه طاوس ~~وهو يختال في مشيته فغمز جنبه بأصبعه ثم قال ليست هذه مشية من في بطنه خراء ~~فقال عمر كالمعتذر يا عم لقد ضرب كل عضو مني على هذه المشية حتى تعلمتها ~~ورأى محمد بن واسع ولده يختال فدعاه وقال أتدري من أنت أما أمك فأشتريها ~~بمائتي درهم وأما أبوك فلا أكثر الله في المسلمين مثله ورأى ابن عمر رجلا ~~يجر إزاره فقال إن للشيطان إخوانا كررها مرتين أو ثلاثا ويروى أن مطرف بن ~~عبد الله بن الشخير رأى المهلب وهو يتبختر في جبة خز فقال يا عبدالله هذه ~~مشية يبغضها الله ورسوله فقال له المهلب أما تعرفني فقال بلى أعرفك أولك ~~نطفة مذرة وآخرتك جيفة قذرة وأنت بين ذلك تحمل العذرة فمضى المهلب وترك ~~مشيته تلك # وقال مجاهد في قوله تعالى @QB@ ثم ذهب إلى أهله يتمطى @QE@ أي يتبختر وإذ ~~قد ذكرنا ذم الكبر والاختيال فلنذكر فضيلة التواضع والله تعالى أعلم # | بيان فضيلة التواضع # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زاد عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع ~~أحد لله إلا رفعه الله + حديث ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا الحديث أخرجه ~~مسلم من حديث أبي هريرة وقد تقدم # وقال صلى الله عليه وسلم ما من أحد إلا ومعه ملكان وعليه حكمة يمسكانه ~~بها فإن هو رفع نفسه جبذاها ثم قالا اللهم ضعه وإن وضع نفسه قالا اللهم ~~ارفعه + حديث ما من أحد إلا ومعه ملكان وعليه حكمة يمسكانه بها الحديث ~~أخرجه العقيلي في الضعفاء والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة والبيهقي ~~أيضا من حديث ابن عباس وكلاهما ضعيف # وقال صلى الله عليه وسلم طوبى لمن تواضع في غير مسكنة وأنفق مالا جمعه في ~~غير معصية ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة + حديث طوبى لمن ~~تواضع في غير مسكنة الحديث أخرجه البغوي وابن قانع والطبراني من حديث ركب ~~المصري والبزار من حديث أنس وقد تقدم بعضه في العلم وبعضه في آفات اللسان # وعن أبي سلمة المديني عن أبيه عن جده قال كان رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم عندنا بقباء وكان صائما فأتيناه عند إفطاره بقدح من لبن وجعلنا فيه ~~شيئا من عسل فلما رفعه وذاقه وجد حلاوة العسل فقال ما هذا قلنا يا رسول ~~الله جعلنا فيه شيئا من عسل فوضعه وقال أما إني لا أحرمه ومن تواضع لله ~~رفعه الله ومن تكبر وضعه الله ومن اقتصد أغناه الله ومن بذر أفقره الله ومن ~~أكثر ذكر الله أحبه الله + حديث أبي سلمة المديني عن أبيه عن جده قال كان ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا بقباء وكان صائما الحديث وفيه من تواضع ~~رفعه الله الحديث رواه البزار من رواية طلحة بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه ~~عن جده طلحة فذكر نحوه دون قوله ومن أكثر من ذكر الله أحبه الله ولم يقل ~~بقباء وقال الذهبي في الميزان إنه خبر منكر وقد تقدم ورواه الطبراني في ~~الأوسط من حديث عائشة قالت أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه لبن ~~وعسل الحديث @QB@ وفيه @QE@ أما إني لا أزعم أنه حرام الحديث وفيه من أكثر ~~ذكر الموت أحبه الله وروى المرفوع منه أحمد وأبو يعلى من حديث أبي سعيد دون ~~قوله ومن بذر أفقره الله وذكر رفيه قوله ومن أكثر ذكر الله أحبه الله وتقدم ~~في ذم الدنيا # وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في نفر من أصحابه في بيته يأكلون ~~فقام سائل على الباب وبه زمانة يتكره منها فأذن له فلما دخل أجلسه رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم على فخذه ثم قال له اطعم فكأن رجلا من قريش اشمأز ~~منه وتكره فما مات ذلك الرجل حتى كانت به زمانة مثلها + حديث السائل الذي ~~كان به زمانة منكرة وأنه صلى الله عليه وسلم أجلسه على فخذه ثم قال اطعم ~~الحديث لم أجد له أصلا والموجود حديث أكله مع مجذوم رواه أبو داود والترمذي ~~وابن ماجه من حديث جابر وقال الترمذي غريب # وقال صلى الله عليه وسلم خيرني ربي بين أمرين أن أكون عبدا رسولا أو ملكا ~~نبيا فلم أدر أيهما أختار وكان صفي من الملائكة جبريل فرفعت رأسي إليه فقال ~~تواضع لربك فقلت عبدا رسولا + حديث خيرني ربي بين أمرين عبدا رسولا وملكا ~~نبيا الحديث أخرجه أبو يعلى من حديث عائشة والطبراني من حديث ابن عباس وكلا ~~الحديثين ضعيف # وأوحى الله PageV03P340 تعالى إلى موسى عليه السلام إنما أقبل صلاة من ~~تواضع لعظمتي ولم يتعاظم على خلقي وألزم قلبه خوفي وقطع نهاره بذكري وكف ~~نفسه عن الشهوات من أجلي وقال صلى الله عليه وسلم الكرم التقوى والشرف ~~التواضع واليقين الغنى + حديث الكرم التقوى والشرف التواضع واليقين الغنى ~~أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب اليقين مرسلا وأسند الحاكم أوله من رواية ~~الحسن عن سمرة وقال صحيح الإسناد # وقال المسيح عليه السلام طوبى للمتواضعين في الدنيا هم أصحاب المنابر يوم ~~القيامة طوبى للمصلحين بين الناس في الدنيا هم الذين يرثون الفردوس يوم ~~القيامة طوبى للمطهرة قلوبهم في الدنيا هم الذين ينظرون إلى الله تعالى يوم ~~القيامة # وقال بعضهم بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا هدى الله عبدا ~~للإسلام وحسن صورته وجعله في موضع غير شائن له ورزقه مع ذلك تواضعا فذلك من ~~صفوة الله + حديث إذا هدى الله عبدا للإسلام وحسن صورته الحديث أخرجه ~~الطبراني موقوفا على ابن مسعود نحوه وفيه المسعودي مختلف فيه # وقال صلى الله عليه وسلم أربع لا يعطيهم الله إلا من أحب الصمت وهو أول ~~العبادة والتوكل على الله والتواضع والزهد في الدنيا + حديث أربع لا يعطيهن ~~الله إلا من يحب الصمت وهو أول العبادة والتوكل على الله والتواضع والزهد ~~في الدنيا أخرجه الطبراني والحاكم من حديث أنس أربع لا يصبن إلا بعجب الصمت ~~وهو أول العبادة والتواضع وذكر الله وقلة الشيء قال الحاكم صحيح الإسناد ~~قلت فيه العوام بن جويرية قال ابن حبان يروي الموضوعات ثم روى له هذا ~~الحديث # وقال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تواضع العبد رفعه ~~الله إلى السماء السابعة + حديث ابن عباس إذا تواضع العبد رفع الله رأسه ~~إلى السماء السابعة أخرجه البيهقي في الشعب نحوه وفيه زمعة بن صالح ضعفه ~~الجمهور # وقال صلى الله عليه وسلم التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرحمكم ~~الله + حديث إن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة الحديث أخرجه في الترغيب ~~والترهيب من حديث أنس وفيه بشر بن الحسين وهو ضعيف جدا ورواه ابن عدي من ~~حديث ابن عمر وفيه الحسن بن عبدالرحمن الاحتياصي وخارجة بن مصعب وكلاهما ~~ضعيف # ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطعم فجاء رجل أسود به جدري ~~قد تقشر فجعل لا يجلس إلى أحد إلا قام من جنبه فأجلسه النبي صلى الله عليه ~~وسلم إلى جنبه + حديث كان يطعم فجاءه رجل أسود به جدري فجعل لا يجلس إلى ~~أحد إلا قام من جنبه فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه # لم أجده هكذا والمعروف أكله مع مجذوم رواه أبو داود والترمذي وقال غريب ~~وابن ماجه من حديث جابر كما تقدم # وقال صلى الله عليه وسلم إنه ليعجبني أن يحمل الرجل الشيء في يده يكون ~~مهنة لأهله يدفع به الكبر عن نفسه + حديث إنه ليعجبني أن يحمل الرجل الشيء ~~في يده فيكون مهنة لأهله يدفع به الكبر عن نفسه غريب # وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوما مالي لا أرى عليكم حلاوة ~~العبادة قالوا وما حلاوة العبادة قال التواضع + حديث مالي لا أرى عليكم ~~حلاوة العبادة قالوا وما حلاوة العبادة قال التواضع غريب أيضا # وقال صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم المتواضعين من أمتي فتواضعوا لهم وإذا ~~رأيتم المتكبرين فتكبروا عليهم فإن ذلك مذلة لهم وصغار + حديث إذا رأيتم ~~المتواضعين من أمتي فتواضعوا لهم وإذا رأيتم المتكبرين فتكبروا عليهم فإن ~~ذلك لهم مذلة وصغار غريب أيضا # الآثار قال عمر رضي الله عنه إن العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمته وقال ~~انتعش رفعك الله وإذا تكبر وعدا طوره رهصه الله في الأرض وقال اخسأ خسأك ~~الله فهو في نفسه كبير وفي أعين الناس حقير حتى إنه لأحقر عندهم من الخنزير # وقال جرير بن عبد الله انتهيت مرة إلى شجرة تحتها رجل نائم قد استظل بنطع ~~له وقد جاوزت الشمس النطع فسويته عليه ثم إن الرجل استيقظ فإذا هو سلمان ~~الفارسي فذكرت له ما صنعت فقال لي يا جرير تواضع لله في الدنيا فإنه من ~~تواضع لله في الدنيا رفعه الله يوم القيامة يا جوير أتدري ما ظلمة النار ~~يوم القيامة قلت لا قال إنه ظلم الناس بعضهم في الدنيا # وقالت عائشة رضي الله عنها إنكم لتغفلون عن أفضل العبادات التواضع ~~PageV03P341 وقال يوسف بن أسباط يجزي قليل الورع من كثير العمل ويجزي قليل ~~التواضع من كثير الاجتهاد # وقال الفضيل وقد سئل عن التواضع ما هو فقال أن تخضع للحق وتنقاد له ولو ~~سمعته من صبي قبلته ولو سمعته من أجهل الناس قبلته # وقال ابن المبارك رأس التواضع أن تضع نفسك عند من دونك في نعمة الدنيا ~~حتى تعلمه أنه ليس لك بدنياك عليه فضل وأن ترفع نفسك عمن هو فوقك في الدنيا ~~حتى تعلمه أنه ليس له بدنياه عليك فضل # وقال قتادة من أعطي مالا أو جمالا أو ثيابا أو علما ثم لم يتواضع فيه كان ~~عليه وبالا يوم القيامة # وقيل أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام إذا أنعمت عليك بنعمة ~~فاستقبلها بالاستكانة أتممها عليك # وقال كعب ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فشكرها لله وتواضع بها ~~لله إلا أعطاه الله نفعها في الدنيا ورفع بها درجة في الآخرة وما أنعم الله ~~على عبد من نعمة في الدنيا فلم يشرها ولم يتواضع بها لله إلا منعه الله ~~نفعها في الدنيا وفتح له طبقا من النار يعذبه إن شاء الله أو يتجاوز عنه # وقيل لعبد الملك بن مروان أي الرجال أفضل قال من تواضع عن قدرة وزهد عن ~~رغبة وترك النصرة عن قوة # ودخل ابن السماك على هارون فقال يا أمير المؤمنين إن تواضعك في شرفك أشرف ~~لك من شرفك فقال ما أحسن ما قلت فقال يا أمير المؤمنين إن امرأ آتاه الله ~~جمالا في خلقته وموضعا في حسبه وبسط له في ذات يده فعف في جماله وواسى من ~~ماله وتوضع في حسبه كتب في ديوان الله من خالص أولياء الله فدعا هارون ~~بدواة وقرطاس وكتبه بيده # وكان سليمان بن داود عليهما السلام إذا أصبح تصفح وجوه الأغنياء والأشراف ~~حتى يجيء إلى المساكين فيقعد معهم ويقول مسكين مع مساكين # وقال بعضهم كما تكره أن يراك الأغنياء في الثياب الدون فكذلك فاكره أن ~~يراك الفقراء في الثياب المرتفعة # روي أنه خرج يونس وأيوب والحسن يتذاكرون التواضع فقال لهم الحسن أتدرون ~~ما التواضع التواضع أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلما إلا رأيت له عليك فضلا # وقال مجاهد # إن الله تعالى لما أغرق قوم نوح عليه السلام شمخت الجبال وتطاولت وتواضع ~~الجودي فرفعه الله فوق الجبال وجعل قرار السفينة عليه # وقال أبو سليمان إن الله عز وجل اطلع على قلوب الآدميين فلم يجد قلبا أشد ~~تواضعا من قلب موسى عليه السلام فخصه من بينهم بالكلام # وقال يونس بن عبيد وقد انصرف من عرفات لم أشك في الرحمة لولا أني كنت ~~معهم إني أخشى أنهم حرموا بسببي # ويقال أرفع ما يكون المؤمن عند الله أوضع ما يكون عند نفسه وأوضع ما يكون ~~عند الله أرفع ما يكون عند نفسه # وقال زياد النمري الزاهد بغير تواضع كالشجرة التي لا تثمر # وقال مالك بن دينار لو أن مناديا ينادي بباب المسجد ليخرج شركم رحلا ~~والله ما كان أحد يسبقني إلى الباب إلا رجلا بفضل قوة أو سعي قال فلما بلغ ~~ابن المبارك قوله قال بهذا صار مالك مالكا # وقال الفضيل من أحب الرياسة لم يفلح أبدا # وقال موسى بن القاسم كانت عندنا زلزلة وريح حمراء فذهبت إلى محمد بن ~~مقاتل فقلت يا أبا عبد الله أنت إمامنا فادع الله عز وجل لنا فبكى ثم قال ~~ليتني لم أكن سبب هلاككم قال فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال ~~إن الله عز وجل رفع عنكم بدعاء محمد ين مقاتل # وجاء رجل إلى الشبلي رحمه الله فقال له ما أنت وكان هذا دأبه وعادته فقال ~~أنا النقطة التي تحت الباء فقال له الشبلي أباد الله شاهدك أو تجعل لنفسك ~~موضعا # وقال الشبلي في بعض كلامه ذلي عطل ذل اليهود # ويقال من يرى لنفسه قيمة فليس له من التواضع نصيب # وعن أبي الفتح بن شخرف قال رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المنام ~~فقلت له يا أبا الحسن عظني فقال لي ما أحسن التواضع بالأغنياء في مجالس ~~الفقراء رغبة منهم في ثواب الله وأحسن من تيه الفقراء على الأغنياء ثقة ~~منهم بالله عز وجل وقال أبو سليمان لا يتواضع العبد حتى يعرف PageV03P342 ~~نفسه # وقال أبو يزيد ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر فقيل ~~له فمتى يكون متواضعا قال إذا لم ير لنفسه مقاما ولا حالا وتواضع كل إنسان ~~على قدر معرفته بربه عز وجل ومعرفته بنفسه # وقال أبو سليمان لو اجتمع الخلق على أن يضعوني كاتضاعي عند نفسي ما قدروا ~~عليه # وقال عروة بن الورد التواضع أحد مصايد الشرف وكل نعمة محسود عليها صاحبها ~~إلا التواضع # وقال يحيى بن خالد البرمكي الشريف إذا تنسك تواضع والسفيه إذا تنسك تعاظم # وقال يحيى بن معاذ # التكبر على ذي التكبر عليك بماله تواضع ويقال التواضع في الخلق كلهم حسن ~~وفي الأغنياء أحسن والتكبر في الخلق كلهم قبيح وفي الفقراء أقبح ويقال لا ~~عز إلا لمن تذلل لله عز وجل ولا رفعة إلا لمن تواضع لله عز وجل ولا أمن إلا ~~لمن خاف الله عز وجل ولا ربح إلا لمن ابتاع نفسه من الله عز وجل # وقال أبو علي الجوزجاني # النفس معجونة بالكبر والحرص والحسد فمن أراد الله تعالى هلاكه منع منه ~~التواضع والنصيحة والقناعة وإذا أراد الله تعالى به خيرا لطف به في ذلك ~~فإذا هاجت في نفسه نار الكبر أدركها التواضع من نصرة الله تعالى وإذا هاجت ~~نار الحسد في نفسه أدركتها النصيحة مع توفيق الله عز وجل وإذا هاجت في نفسه ~~نار الحرص أدركتها القناعة مع عون الله عز وجل # وعن الجنيد رحمه الله أنه كان يقول يوم الجمعة في مجلسه لولا أنه روي عن ~~النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يكون في آخر الزمان زعيم القوم أرذلهم + ~~حديث يكون في آخر الزمان زعيم القوم أرذلهم أخرجه الترمذي من حديث أبي ~~هريرة إذا اتخذ الفيء دولا الحديث @QB@ وفيه @QE@ كان زعيم القوم أرذلهم ~~الحديث وقال غريب وله من حديث علي بن أبي طالب إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة ~~حل بها البلاء فذكر منها وكان زعيم القوم أرذلهم ولأبي نعيم في الحلية من ~~حديث حذيفة من اقتراب الساعة اثنان وسبعون خصلة فذكرها منها وفيهما فرج بن ~~فضالة ضعيف # ما تكلمت عليكم وقال الجنيد أيضا التواضع عند أهل التوحيد تكبر ولعل ~~مراده أن التواضع يثبت نفسه ثم يضعها والموحد لا يثبت نفسه ولا يراها شيئا ~~حتى يضعها أو يرفعها # وعن عمرو بن شيبة قال كنت بمكة بين الصفا والمروة فرأيت رجلا راكبا بغلة ~~وبين يديه غلمان وإذا هم يعنفون الناس قال ثم عدت بعد حين فدخلت بغداد فكنت ~~على الجسر فإذا أنا برجل حاف حاسر طويل الشعر قال فجعلت أنظر إليه وأتأمله ~~فقال لي مالك تنظر إلي فقلت له شبهتك برجل رأيته بمكة ووصفت له الصفة فقال ~~له أنا ذلك الرجل فقلت ما فعل الله بك فقال إني ترفعت في موضع يتواضع فيه ~~الناس فوضعني الله حيث يترفع الناس # وقال المغيرة كنا نهاب إبراهيم النخعي هيبة الأمير وكان يقول إن زمانا ~~صرت فيه فقيه الكوفة لزمان سوء # وكان عطاء السلمي إذا سمع صوت الرعد قام وقعد وأخذه بطنه كأنه امرأة ماخض ~~وقال هذا من أجلي يصيبكم لو مات عطاء لاستراح الناس # وكان بشر الحافي يقول سلموا على أبناء الدنيا بترك السلام عليهم # ودعا رجل لعبد الله بن المبارك فقال أعطاك الله ما ترجوه فقال إن الرجاء ~~يكون بعد المعرفة فأين المعرفة وتفاخرت قريش عند سلمان الفارسي رضي الله ~~عنه يوما فقال سلمان لكنني خلقت من نطفة قذرة ثم أعود جيفة منتنة ثم آتي ~~الميزان فإن ثقل فأنا كريم وإن خف فأنا لئيم وقال أبو بكر الصديق رضي الله ~~عنه وجدنا الكرم في التقوى والغنى في اليقين والشرف في التواضع نسأل الله ~~الكريم حسن التوفيق # | بيان حقيقة الكبر وآفته # اعلم أن الكبر ينقسم إلى باطن وظاهر فالباطن هو خلق في النفس والظاهر هو ~~أعمال تصدر عن الجوارح # واسم الكبر بالخلق الباطن أحق وأما الأعمال فإنها ثمرات لذلك الخلق # وخلق الكبر موجب للأعمال ولذلك إذا PageV03P343 ظهر على الجوارح يقال ~~تكبر وإذا لم يظهر يقال في نفسه كبر # فالأصل هو الخلق الذي في النفس وهو الاسترواح والركون إلى رؤية النفس فوق ~~المتكبر عليه فإن الكبر يستدعي متكبرا عليه ومتكبرا به وبه ينفصل الكبر عن ~~العجب كما سيأتي فإن العجب لا يستدعي غير المعجب بل لو لم يخلق الإنسان إلا ~~وحده تصور أن يكون معجبا ولا يتصور أن يكون متكبرا إلا أن يكون مع غيره وهو ~~يرى نفسه فوق ذلك الغير في صفات الكمال فعند ذلك يكون متكبرا ولا يكفي أن ~~يستعظم نفسه ليكون متكبرا فإنه قد يستعظم نفسه ولكنه يرى غيره أعظم من نفسه ~~أو مثل نفسه فلا يتكبر عليه ولا يكفي أن يستحقر غيره فإنه مع ذلك لو رأى ~~نفسه أحقر لم يتكبر ولو رأى غيره مثل نفسه لم يتكبر بل ينبغي أن يرى لنفسه ~~مرتبة ولغيره مرتبة ثم يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره فعند هذه الاعتقادات ~~الثلاثة يحصل فيه خلق الكبر لا أن هذه الرؤية تنفي الكبر بل هذه الرؤية ~~وهذه العقيدة تنفخ فيه فيحصل في قلبه اعتداد وهزة وفرح وركون إلى ما اعتقده ~~وعز في نفسه بسبب ذلك فتلك العزة والهزة والركون إلى العقيدة هو خلق الكبر # ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم أعوذ بك من نفخة الكبرياء + حديث ~~أعوذ بك من نفخة الكبرياء تقدم فيه # وكذلك قال عمر أخشى أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا للذي استأذنه أن يعظ بعد ~~صلاة الصبح # فكأن الإنسان مهما رأى نفسه بهذه العين وهو الاستعظام كبر وانتفخ وتعزز # فالكبر عبارة عن الحالة الحاصلة في النفس من هذه الاعتقادات وتسمى أيضا ~~عزة وتعظما ولذلك قال ابن عباس في قوله تعالى إن في صدورهم إلا كبر ما هم ~~ببالغيه قال عظيمة لم يبلغوها ففسر الكبر بتلك العظمة # ثم هذه العزة تقتضي أعمالا في الظاهر والباطن هي ثمرات ويسمى ذلك تكبرا ~~فإنه مهما عظم عنده قدره بالإضافة إلى غيره حقر من دونه وازدراه وأقصاه عن ~~نفسه وأبعده وترفع عن مجالسته ومؤاكلته ورأى أن حقه أن يقوم ماثلا بين يديه ~~إن اشتد كبره فإن كان أشد من ذلك استنكف عن استخدامه ولم يجعله أهلا للقيام ~~بين يديه ولا بخدمة عتبته فإن كان دون ذلك فأنف من مساواته وتقدم عليه في ~~مضايق الطرق وارتفع عليه في المحافل وانتظر أن يبدأه بالسلام واستبعد ~~تقصيره في قضاء حوائجه وتعجب منه وإن حاج أو ناظر أنف أن يرد عليه وإن وعظ ~~استنكف من القبول وإن وعظ عنف في النصح وإن رد عليه شيء من قوله غضب وإن ~~علم لم يرفق بالمتعلمين واستذلهم وانتهرهم وامتن عليهم واستخدمهم وينظر إلى ~~العامة كأنه ينظر إلى الحمير استجهالا لهم واستحقارا # والأعمال الصادرة عن خلق الكبر كثيرة وهي أكثر من أن تحصى فلا حاجة إلى ~~تعدادها فإنها مشهورة # فهذا هو الكبر وآفته عظيمة وغائلته هائلة وفيه يهلك الخواص من الخلق ~~وقلما ينفك عنه العباد والزهاد والعلماء فضلا عن عوام الخلق وكيف لا تعظم ~~آفته وقد قال صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من ~~كبر + حديث لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر تقدم فيه # وإنما صار حجابا دون الجنة لأنه يحول بين العبد وبين أخلاق المؤمنين كلها ~~وتلك الأخلاق هي أبواب الجنة والكبر وعزة النفس يغلق تلك الأبواب كلها لأنه ~~لا يقدر على أن يحب المؤمنين ما يحب لنفسه وفيه شيء من العز ولا يقدر على ~~التواضع وهو رأس أخلاق المتقين وفيه العز ولا يقدر على ترك الحقد وفيه العز ~~ولا يقدر أن يدوم على الصدق وفيه العز ولا يقدر على ترك الغضب وفيه العز ~~ولا يقدر على كظم الغيظ وفيه العز ولا يقدر على ترك الحسد وفيه العز ولا ~~يقدر على النصح اللطيف وفيه العز ولا يقدر على قبول النصح وفيه العز ولا ~~يسلم من الازدراء بالناس ومن اغتيابهم وفيه العز ولا معنى للتطويل فما من ~~خلق PageV03P344 ذميم إلا وصاحب العز والكبر مضطر إليه ليحفظ عزه وما من ~~خلق محمود إلا وهو عاجز عنه خوفا من أن يفوته عزه فمن هذا لم يدخل الجنة من ~~في قلبه مثقال حبة منه # والأخلاق الذميمة متلازمة والبعض منها داع إلى البعض لا محالة # وشر أنواع الكبر ما يمنع من استفادة العلم وقبول الحق والانقياد له وفيه ~~وردت الآيات التي فيها ذم الكبر والمتكبرين قال الله تعالى والملائكة باسطو ~~أيديهم إلى قوله وكنتم عن آياته تستكبرون @QB@ ثم قال @QE@ ادخلوا أبواب ~~جنهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ثم أخبر أن أشد أهل النار عذابا ~~أشدهم عتيا على الله تعالى فقال ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن ~~عتيا وقال تعالى فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون وقال ~~عز وجل يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين وقال ~~تعالى إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين وقال تعالى سأصرف ~~عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق قيل في التفسير سأرفع فهم ~~القرآن عن قلوبهم وفي بعض التفاسير سأحجب قلوبهم عن الملكوت # وقال ابن جريج سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا بها # ولذلك قال المسيح عليه السلام إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت على الصفا ~~كذلك الحكمة تعمل في قلب المتواضع ولا تعمل في قلب المتكبر ألا ترون أن من ~~شمخ برأسه إلى السقف شجه ومن طأطأ أظله وأكنه # فهذا مثل ضربه للمتكبرين وأنهم كيف يحرمون الحكمة ولذلك ذكر رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم جحود الحق في حد الكبر والكشف عن حقيقته وقال من سفه ~~الحق وغمص الناس + حديث الكبر من سفه الحق وغمص الناس أخرجه من حديث ابن ~~مسعود في أثناء حديث وقال بطر الحق وغمط الناس ورواه الترمذي فقال من بطر ~~الحق وغمص الناس وقال حسن صحيح ورواه أحمد من حديث عقبة عامر بلفظ المصنف ~~ورواه البيهقي في الشعب من حديث أبي ريحانة هكذا # | بيان المتكبر عليه ودرجاته وأقسامه وثمرات الكبر فيه # اعلم أن المتكبر عليه هو الله تعالى أو رسله أو سائر خلقه وقد خلق ~~الإنسان ظلوما جهولا فتارة يتكبر على الخلق وتارة يتكبر على الخالق فإذن ~~التكبر باعتبار المتكبر عليه ثلاثة أقسام # الأول التكبر على الله وذلك هو أفحش أنواع الكبر ولا مثار له إلا الجهل ~~المحض والطغيان مثل ما كان من نمروذ فإنه كان يحدث نفسه بأن يقاتل رب ~~السماء وكما يحكى عن جماعة من الجهلة # بل ما يحكى عن كل من ادعى الربوبية مثل فرعون وغيره فإنه لتكبره قال أنا ~~ربكم الأعلى إذ استنكف أن يكون عبدا لله ولذلك قال تعالى إن الذين يستكبرون ~~عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين وقال تعالى لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا ~~لله ولا الملائكة المقربون الآية وقال تعالى وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن ~~قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا # القسم الثاني التكبر على الرسل من حيث تعزز النفس وترفعها على الانقياد ~~لبشر مثل سائر الناس وذلك تارة يصرف عن الفكر والاستبصار فيبقى في ظلمة ~~الجهل بكبره فيمتنع عن الانقياد وهو ظان أنه محق فيه وتارة يمتنع مع ~~المعرفة ولكن لا تطاوعه نفسه للانقياد للحق والتواضع للرسل كما حكى الله ~~قولهم أنؤمن لبشرين مثلنا @QB@ وقولهم @QE@ إن أنتم إلا بشر مثلنا ولئن ~~أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل ~~علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ~~وقالوا لولا أنزل عليه ملك PageV03P345 وقال فرعون فيما أخبر الله عنه @QB@ ~~أو جاء معه الملائكة مقترنين @QE@ وقال الله تعالى @QB@ واستكبر هو وجنوده ~~في الأرض بغير الحق @QE@ فتكبر هو على الله وعلى رسله جميعا # قال وهب قال له موسى عليه السلام آمن ولك ملكك قال حتى أشاور هامان فشاور ~~هامان فقال هامان بينما أنت رب يعبد إذ صرت عبد تعبد فاسنكف عن عبودية الله ~~وعن اتباع موسى عليه السلام # وقالت قريش فيما أخبر الله تعالى عنهم @QB@ لولا نزل هذا القرآن على رجل ~~من القريتين عظيم @QE@ قال قتادة عظيم القريتين هو الوليد بن المغيرة وأبو ~~مسعود الثقفي طلبوا من هو أعظم رياسة من النبي صلى الله عليه وسلم إذ قالوا ~~غلام يتيم كيف بعثه الله إلينا فقال تعالى @QB@ أهم يقسمون رحمة ربك @QE@ ~~وقال الله تعالى @QB@ ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا @QE@ أي ~~استحقارا لهم واستبعادا لتقدمهم # وقالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نجلس إليك وعندك هؤلاء ~~وأشاروا إلى فقراء المسلمين فازدروهم بأعينهم لفقرهم وتكبروا عن مجالستهم ~~فأنزل الله تعالى @QB@ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي @QE@ إلى ~~قوله @QB@ ما عليك من حسابهم @QE@ وقال تعالى @QB@ واصبر نفسك مع الذين ~~يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة ~~الحياة الدنيا @QE@ + حديث قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف ~~نجلس إليك وعندك هؤلاء الحديث في نزول قوله تعالى @QB@ ولا تطرد الذين ~~يدعون ربهم @QE@ أخرجه مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص إلا أنه قال فقال ~~المشركون وقال ابن ماجه قالت قريش # ثم أخبر الله تعالى عن تعجبهم حين دخلوا جهنم إذا لم يروا الذين ازدروهم ~~فقالوا @QB@ ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار @QE@ قيل يعنون ~~عمارا وبلالا وصهيبا والمقداد رضي الله عنهم ثم كان منهم من منعه الكبر عن ~~الفكر والمعرفة فجهل كونه صلى الله عليه وسلم محقا ومنهم من عرف ومنعه ~~الكبر عن الاعتراف قال الله تعالى مخبرا عنهم @QB@ فلما جاءهم ما عرفوا ~~كفروا به @QE@ وقال @QB@ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا @QE@ ~~وهذا الكبر قريب من التكبر على الله عز وجل وإن كان دونه ولكنه تكبر على ~~قبول أمر الله والتواضع لرسوله # القسم الثالث التكبر على العباد وذلك بأن يستعظم نفسه ويستحقر غيره فتأبى ~~نفسه عن الانقياد لهم وتدعوه إلى الترفع عليهم فيزدريهم ويستصغرهم ويأنف عن ~~مساواتهم وهذا وإن كان دون الأول والثاني فهو أيضا عظيم من وجهين أحدهما أن ~~الكبر والعز والعظمة والعلاء لا يليق إلا بالملك القادر فأما العبد المملوك ~~الضعيف العاجز الذي لا يقدر على شيء فمن أين يليق بحاله الكبر فمهما تكبر ~~العبد فقد نازع الله تعالى في صفة لا تليق إلا بجلاله ومثاله أن يأخذ ~~الغلام قلنسوة الملك فيضعها على رأسه ويجلس على سريره فما أعظم استحقاقه ~~للمقت وما أعظم تهدفه للخزي والنكال وما أشد استجراءه على مولاه وما أقبح ~~ما تعاطاه وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله تعالى العظمة إزاري والكبرياء ~~ردائي فمن نازعني فيهما قصمته أي إنه خاص صفتي ولا يليق إلا بي والمنازع ~~فيه منازع في صفة من صفاتي وإذا كان الكبر على عباده لا يليق إلا به فمن ~~تكبر على عباده فقد جنى عليه إذ الذي يسترذل خواص غلمان الملك ويستخدمهم ~~ويترفع عليهم ويستأثر بما حق الملك أن يستأثر به منهم فهو منازع له في بعض ~~أمره وإن لم يبلغ درجته درجة من أراد الجلوس على سريره والاستبداد بملكه ~~فالخلق كلهم عباد الله وله العظمة الكبرياء عليهم فمن تكبر على عبد من عباد ~~الله فقد نازع الله في حقه # نعم الفرق بين هذه المنازعة وبين منازعة نمروذ وفرعون هو الفرق بين ~~منازعة الملك في استصغار بعض عبيده واستخدامهم وبين منازعته في أصل الملك ~~PageV03P346 # الوجه الثاني الذي تعظم به رذيلة الكبر أنه يدعو إلى مخالفة الله تعالى ~~في أوامره لأن المتكبر إذا سمع الحق من عبد من عبادالله استنكف عن قبوله ~~وتشمر لجحده ولذلك ترى المناظرين في مسائل الدين يزعمون أنهم يتباحثون عن ~~أسرار الدين ثم إنهم يتجاحدون تجاحد المتكبرين ومهما اتضح الحق على لسان ~~واحد منهم أنف الآخر من قبوله وتشمر لجحده واحتال لدفعه بما يقدر عليه من ~~التلبيس وذلك من أخلاق الكافرين والمنافقين إذ وصفهم الله تعالى فقال @QB@ ~~وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون @QE@ فكل ~~من يناظر للغلبة والإفحام لا ليغتنم الحق إذا ظفر به فقد شاركهم في هذا ~~الخلق وكذلك يحمل ذلك على الأنفة من قبول الوعظ كما قال تعالى @QB@ وإذا ~~قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم @QE@ وروي عن عمر رضي الله عنه أنه ~~قرأها فقال @QB@ إنا لله وإنا إليه راجعون @QE@ قام رجل يأمر بالمعروف فقتل ~~فقام آخر فقال يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فقتل المتكبر الذي ~~خالفه والذي أمره كبرا # وقال ابن مسعود كفى بالرجل إثما إذا قيل له اتق الله قال عليك نفسك وقال ~~صلى الله عليه وسلم لرجل كل بيمينك قال لا أستطيع فقال النبي صلى الله عليه ~~وسلم ل استطيع فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا فما منعه إلا كبره قال # فما رفعها بعد ذلك + حديث قال لرجل كل بيمينك قال لا أستطيع قال لا ~~استطعت الحديث أخرجه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع # أي اعتلت يده # فإذن تكبره على الخلق عظيم لأنه سيدعوه إلى التكبر على أمر الله وإنما ~~ضرب إبليس مثلا لهذا وما حكاه من أحواله إلا ليعتبر به فإنه قال أنا خير ~~منه وهذا الكبر بالنسب لأنه قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ~~فحمله ذلك على أن يمتنع من السجود الذي أمره الله تعالى به وكان مبدؤه ~~الكبر على آدم والحسد له فجره ذلك إلى التكبر على أمر الله تعالى فكان ذلك ~~سبب هلاكه أبد الآباد فهذه آفة من آفات الكبر على العباد عظيمة ولذلك شرح ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر بهاتين الآفتين إذ سأله ثابت بن قيس بن ~~شماس فقال يا رسول الله إني امرؤ قد حبب إلي من الجمال ما ترى أفمن الكبر ~~هو فقال صلى الله عليه وسلم لا ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس + حديث ~~قول ثابت بن قيس بن شماس إني امرؤ قد حبب إلي من الجمال ما ترى الحديث وفيه ~~الكبر من بطر الحق وغمص الناس أخرجه مسلم والترمذي وقد تقدم قبله بحديثين # وفي حديث آخر من سفه الحق + حديث الكبر من سفه الحق وغمص الناس تقدم معه # وقوله وغمص الناس أي ازدراهم واستحقرهم وهم عباد الله أمثاله أو خير منه # وهذه الآفة الأولى وسفه الحق هو رده وهي الآفة الثانية فكل من رأى أنه ~~خير من أخيه واحتقر أخاه وازدراه ونظر إليه بعين الاستصغار أو رد الحق وهو ~~يعرفه فقد تكبر فيما بينه وبين الخلق ومن أنف من أن يخضع لله تعالى ويتواضع ~~لله بطاعته واتباع رسله فقد تكبر فيما بينه وبين الله تعالى ورسله # | بيان ما به التكبر # اعلم أنه لا يتكبر إلا متى استعظم نفسه ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها ~~صفة من صفات الكمال # وجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي فالديني هو العلم والعمل والدنيوي ~~هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار # فهذه سبعة أسباب # الأول العلم وما أسرع الكبر إلى العلماء ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ~~آفة العلم الخيلاء + حديث آفة العلم الخيلاء قلت هكذا ذكره المصنف والمعروف ~~آفة العلم النسيان وآفة الجمال الخيلاء هكذا رواه القضاعي في مسند الشهاب ~~من حديث علي بسند ضعيف # وروى عنه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس آفة الجمال الخيلاء وفيه ~~الحسن بن الحميد الكوفي لا يدري من هو حدث عن أبيه بحديث موضوع قاله صاحب ~~الميزان # فلا يلبث PageV03P347 العالم أن يتعزز بعزة العلم يستشعر في نفسه جمال ~~العلم وكماله ويستعظم نفسه ويستحقر الناس وينظر إليهم نظره إلى البهائم ~~ويستجهلهم ويتوقع أن يبدءوه بالسلام فإن بدأه واحد منهم بالسلام أو رد عليه ~~ببشر أو قام له أو أجاب له دعوة رأى ذلك صنيعة عنده ويدا عليه يلزمه شكرها ~~واعتقد أنه أكرمهم وفعل بهم ما لا يستحقون من مثله وأنه ينبغي أن يرقوا له ~~ويخدموه شكرا له على صنيعه بل الغالب أنهم يبرونه فلا يبرهم ويزورونه فلا ~~يزورهم ويعودونه فلا يعودهم ويستخدم من خالطه منهم ويستسخره في حوائجه فإن ~~قصر فيه استنكره كأنهم عبيده أو أجراؤه وكأن تعليمه العلم صنيعة منه إليهم ~~ومعروفلديهم واستحقاق حق عليهم هذا فيما يتعلق بالدنيا # أما في أمر الآخرة فتكبره عليهم بأن يرى نفسه عند الله تعالى أعلى وأفضل ~~منهم فيخاف عليهم أكثر مما يخاف على نفسه ويرجو لنفسه أكثر مما يرجو لهم ~~وهذا بأن يسمى جاهلا أولى من أن يسمى عالما بل العلم الحقيقي هو الذي يعرف ~~الإنسان به نفسه وربه وخطر الخاتمة وحجة الله على العلماء وعظم خطر العلم ~~فيه كما سيأتي في طريق معالجة الكبر بالعلم وهذا العلم يزيد خوفا وتواضعا ~~وتخشعا ويقتضي أن يرى كل الناس خيرا منه لعظم حجة الله عليه بالعلم وتقصيره ~~في القيام بشكر نعمة العلم # ولهذا قال أبو الدرداء من ازداد علما ازداد وجعا وهو كما قال # فإن قلت فما بال بعض الناس يزداد بالعلم كبرا وأمنا # فأعلم أن لذلك سببين # أحدهما أن يكون اشتغاله بما يسمى علما وليس علما حقيقيا وإنما العلم ~~الحقيقي ما يعرف به العبد ربه ونفسه وخطر أمره في لقاء الله والحجاب منه ~~وهذا يورث الخشية والتواضع دون الكبر والأمن # قال الله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء فأما ما وراء ذلك كعلم ~~الطب والحساب واللغة والشعر والنحو وفصل الخصومات وطرق المجادلات فإذا تجرد ~~الإنسان لها حتى امتلأ منها امتلأ بها كبرا ونفاقا وهذه بأن تسمى صناعات ~~أولى من أن تسمى علوما بل العلم هو معرفة العبودية والربوبية وطريق العبادة ~~وهذه تورث التواضع غالبا # السبب الثاني أن يخوض العبد في العلم وهو خبيث الدخلة رديء النفس سيء ~~الأخلاق فإنه لم يشتغل أولا بتهذيب نفسه وتزكية قلبه بأنواع المجاهدات ولم ~~يرض نفسه في عبادة ربه فبقي خبيث الجوهر فإذا خاض في العلم أي علم كان صادف ~~العلم من قلبه منزلا خبيثا فلم يطب ثمره ولم يظهر في الخير أثره # وقد ضرب وهب لهذا مثلا فقال العلم كالغيث ينزل من السماء حلوا صافيا ~~فتشربه الأشجار بعروقها فتحوله على قدر طعومها فيزداد المر مرارة والحلو ~~حلاوة فكذلك العلم تحفظه الرجال فتحوله على قدر هممها وأهوائها فيزيد ~~المتكبر كبرا والمتواضع تواضعا وهذا لأن من كانت همته الكبر وهو جاهل فإذا ~~حفظ العلم وجد ما يتكبر به فازداد كبرا وإذا كان الرجل خائفا مع جهله ~~فازداد علما علم أن الحجة قد تأكدت عليه فيزداد خوفا وإشفاقا وذلا وتواضعا ~~فالعلم من أعظم ما يتكبر به ولذلك قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ~~واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وقال عز وجل ولو كنت فظا غليظ القلب ~~لانفضوا من حولك ووصف أولياءه فقال أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ~~وكذلك قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه العباس رضي الله عنه يكون قوم ~~يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقولون قد قرأنا القرآن فمن أقرأ منا ومن ~~أعلم منا ثم التفت إلى أصحابه وقال أولئك منكم أيها الأمة أولئك هم ~~PageV03P348 وقود النار + حديث العباس يكون قوم يقرءون القرآن لا يجاوز ~~حناجرهم يقولون قد قرأنا القرآن فمن أقرأ منا الحديث أخرجه ابن المبارك في ~~الزهد والرقائق # ولذلك قال عمر رضي الله عنه لا تكونوا جبابرة العلماء فلا يفي علمكم ~~بجهلكم # ولذلك أستأذن تميم الداري عمر رضي الله عنه في القصص فأبى أن يأذن له ~~وقال إنه الذبح واستأذنه رجل كان إمام قوم أنه إذا سلم من صلاته ذكرهم فقال ~~إني أخاف أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا # وصلى حذيفة بقوم فلما سلم من صلاته قال لتلتمسن إماما غيري أو لتصلن ~~وحدانا فإني رأيت في نفسي أنه ليس في القوم أفضل مني # فإذا كان مثل حذيفة لا يسلم فكيف يسلم الضعفاء من متأخري هذه الأمة فما ~~أعز على بسيط الأرض عالما يستحق أن يقال له عالم ثم إنه لا يحركه عز العلم ~~وخيلاؤه فإن وجد ذلك فهو صديق زمانه فلا ينبغي أن يفارق بل يكون النظر إليه ~~عبادة فضلا عن الاستفادة من أنفاسه وأحواله لو عرفنا ذلك ولو في أقصى الصين ~~لسعينا إليه رجاء أن تشملنا بركته وتسري إلينا سيرته وسجيته وهيهات فأنى ~~يسمح آخر الزمان بمثلهم فهم أرباب الإقبال وأصحاب الدول قد انقرضوا في ~~القرن الأول ومن يليهم بل يعز في زماننا عالم يختلج في نفسه الأسف والحزن ~~على فوات هذه الخصلة فذلك أيضا إما معدوم وإما عزيز ولولا بشارة رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم بقوله سيأتي على الناس زمان من تمسك فيه بعشر ما أنتم ~~عليه نجا + حديث سيأتي على الناس زمان من تمسك بعشر ما أنتم عليه نجا أخرجه ~~أحمد من رواية رجل عن أبي ذر # لكان جديرا بنا أن نقتحم والعياذ بالله تعالى ورطة اليأس والقنوط مع ما ~~نحن عليه من سوء أعمالنا ومن لنا أيضا بالتمسك بعشر ما كانوا عليه وليتنا ~~تمسكنا بعشر عشره # فنسأل الله تعالى أن يعاملنا بما هو أهله ويستر علينا قبائح أعمالنا كما ~~يقتضيه كرمه وفضله # الثاني العمل والعبادة وليس يخلو عن رذيلة العز والكبر واستمالة قلوب ~~الناس الزهاد والعباد ويترشح الكبر منهم في الدين والدنيا # أما في الدنيا فهو أنهم يرون غيرهم بزيارتهم أولى منهم بزيارة غيرهم ~~ويتوقعون قيام الناس بقضاء حوائجهم وتوقيرهم والتوسع لهم في المجالس وذكرهم ~~بالورع والتقوى وتقديمهم على سائر الناس في الحظوظ إلى جميع ما ذكرناه في ~~حق العلماء وكأنهم يرون عبادتهم منة على الخلق # وأما في الدين فهو أن يرى الناس هالكين ويرى نفسه ناجيا وهو الهالك ~~تحقيقا مهما رأى ذلك قال صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم الرجل يقول هلك ~~الناس فهو أهلكهم + حديث إذا سمعتم الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهم أخرجه ~~مسلم من حديث أبي هريرة # وإنما قال ذلك لأن هذا القول منه يدل على أنه مزدر بخلق الله مغتر بالله ~~آمن من مكره غير خائف من سطوته وكيف لا يخاف ويكفيه شرا احتقاره لغيره # قال صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء شرا أن يحقر أخاه المسلم + حديث كفى ~~بالمرء شرا أن يقر أخاه المسلم أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ امرؤ من ~~الشر # وكم من الفرق بينه وبين من يحبه لله ويعظمه لعبادته ويستعظمه ويرجو له ما ~~لا يرجوه لنفسه فالخلق يدركون النجاة بتعظيمهم إياه لله فهم يتقربون إلى ~~الله تعالى بالدنو منه وهو يتمقت إلى الله بالتنزه والتباعد منهم كأنه ~~مترفع عن مجالستهم فما أجدرهم إذ أحبوه لصلاحه أن ينقلهم الله إلى درجته في ~~العمل وما أجدره إذ ازدراهم بعينه أن ينقله الله إلى حد الإهمال كما روي أن ~~رجلا في بني إسرائيل كان يقال له خليع بني إسرائيل لكثرة فساده مر برجل آخر ~~يقال له عابد بني إسرائيل وكان على رأس العابد غمامة تظله فلما مر الخليع ~~به فقال الخليع في نفسه أنا خليع بني إسرائيل وهذا عابد بني إسرائيل ~~PageV03P349 فلو جلست إليه لعل الله يرحمني فجلس إليه فقال العابد أنا عابد ~~بني إسرائيل وهذا خليع بني إسرائيل فكيف يجلس إلي فأنف منه وقال له قم عني ~~فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان مرهما فليستأنفا العمل فقد غفرت للخليع ~~وأحبطت عمل العابد # وفي رواية أخرى فتحولت الغمامة إلى رأس الخليع # وهذا يعرفك أن الله تعالى إنما يريد من العبيد قلوبهم فالجاهل العاصي إذا ~~تواضع هيبة لله وذل خوفا منه فقد أطاع الله بقلبه فهو أطوع لله من العالم ~~المتكبر والعابد المعجب # وكذلك روي أن رجلا في بني إسرائيل أتى عابدا من بني إسرائيل فوطئ على ~~رقبته وهو ساجد فقال ارفع فوالله لا يغفر الله لك + حديث الرجل من بني ~~إسرائيل الذي وطئ على رقبة عابد من بني إسرائيل وهو ساجد فقال ارفع فوالله ~~لا يغفر الله لك الحديث أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة في قصة ~~العابد الذي قال للعاصي والله لا يغفر الله لك أبدا وهو بغير هذا السياق ~~وإسناده حسن # فأوحى الله إليه أيها المتألي بل أنت لا يغفر الله لك وكذلك قال الحسن ~~وحتى أن صاحب الصوف أشد كبرا من صاحب المطرز الخز أي أن صاحب الخز يذل ~~لصاحب الصوف ويرى الفضل وصاحب الصوف يرى الفضل لنفسه وهذه الآفة أيضا قلما ~~ينفك عنها كثير من العباد وهو أنه لو استخف به مستخف أو آذاه مؤذ استبعد أن ~~يغفر الله له ولا يشك في أنه صار ممقوتا عند الله ولو آذى مسلما آخر لم ~~يستنكر ذلك الاستنكار وذلك لعظم قدر نفسه عنده وهو جهل وجمع بين الكبر ~~والعجب واغترار بالله وقد ينتهي الحمق والغباوة ببعضهم إلى أن يتحدى ويقول ~~سترون ما يجري عليه وإذا أصيب بنكبة زعم أن ذلك من كراماته وأن الله ما ~~أراد به إلا شفاء غليله والانتقام له منه مع أنه يرى طبقات من الكفار يسبون ~~الله ورسوله وعرف جماعة آذوا الأنبياء صلوات الله عليهم فمنهم من قتلهم ~~ومنهم من ضربهم ثم إن الله أمهل أكثرهم ولم يعاقبهم في الدنيا بل ربما أسلم ~~بعضهم فلم يصبه مكروه في الدنيا ولا في الآخرة ثم الجاهل المغرور يطن أنه ~~أكرم على الله من أنبيائه وأنه قد انتقم له بما لا ينتقم لأنبيائه به # ولعله في مقت الله بإعجابه وكبره وهو غافل عن هلاك نفسه فهذه عقيدة ~~المغترين # وأما الأكياس من العباد فيقولون ما كان يقوله عطاء السلمي حين كان تهب ~~ريح أو تقع صاعقة ما يصيب الناس ما يصيبهم إلا بسببي ولو مات عطاء لتخلصوا # وما قاله الآخر بعد انصرافه من عرفات كنت أرجو الرحمة لجميعهم لولا كوني ~~فيهم فانظر إلى الفرق بين الرجلين هذا يتقي الله ظاهرا وباطنا وهو وجل على ~~نفسه مزدر لعمله وسعيه وذاك ربما يضمر من الرياء والكبر والحسد والغل ما هو ~~ضحكة للشيطان به ثم إنه يمتن على الله بعمله # ومن اعتقد جزما أنه فوق أحد من عباد الله فقد أحبط بجهله جميع عمله فإن ~~الجهل أفحش المعاصي وأعظم شيء يبعد العبد عن الله وحكمه لنفسه بأنه خير من ~~غيره جهل محض وأمن من مكر الله ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ولذلك ~~روي أن رجلا ذكر بخير للنبي صلى الله عليه وسلم فأقبل ذات يوم فقالوا يا ~~رسول الله هذا الذي ذكرناه لك فقال إني أرى في وجهه سفعة من الشيطان فسلم ~~ووقف على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أسألك ~~بالله حدثتك نفسك أن ليس في القوم أفضل منك قال اللهم نعم + حديث أن رجلا ~~ذكر بخير للنبي صلى الله عليه وسلم فأقبل ذات يوم فقالوا يا رسول الله هذا ~~الذي ذكرناه لك فقال إني أرى في وجهه سفعة من الشيطان الحديث أخرجه أحمد ~~والبزار والدارقطني من حديث أنس # فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنور النبوة ما استكن في قلبه سفعة في ~~وجهه # وهذه آفة لا ينفك عنها أحد من العباد إلا من عصمه الله # لكن العلماء والعباد في آفة الكبر على ثلاث درجات # الدرجة الأولى أن يكون الكبر مستقرا في قلبه يرى نفسه خيرا من غيره إلا ~~أنه يجتهد ويتواضع ويفعل PageV03P350 فعل من يرى غيره خيرا من نفسه وهذا قد ~~رسخ في قلبه شجرة الكبر ولكنه قطع أغصانها بالكلية # الثانية أن يظهر ذلك على أفعاله بالترفع في المجالس والتقدم على الأقران ~~وإظهار الإنكار على من يقصر في حقه وأدنى ذلك في العالم أن يصعر خده للناس ~~كأنه معرض عنهم وفي العابد أن يعبس وجهه ويقطب جبينه كأنه منزه عن الناس ~~مستقذر لهم أو غضبان عليهم وليس يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى ~~تقطب ولا في الوجه حتى يعبس ولا في الخد حتى يصعر ولا في الرقبة حتى تطأطأ ~~ولا في الذيل حتى يضم إنما الورع في القلوب قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم التقوى هاهنا وأشار إلى صدره + حديث التقوى هاهنا وأشار إلى صدره ~~أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وقد تقدم # فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق وأتقاهم وكان أوسعهم ~~خلقا وأكثرهم بشرا وتبسما وانبساطا + حديث كان أكرم الخلق وأتقاهم الحديث ~~تقدم في كتاب أخلاق النبوة # ولذلك قال الحارث بن جزء الزبيدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يعجبني من القراء كل طليق مضحاك فأما الذي تلقاه ببشر ويلقاك بعبوس يمن ~~عليك بعلمه فلا أكثر الله في المسلمين مثله # ولو كان الله سبحانه وتعالى يرضى ذلك لما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم ~~@QB@ واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين @QE@ وهؤلاء الذين يظهر أثر الكبر ~~على شمائلهم فأحوالهم أخف حالا ممن هو في # الرتبة الثالثة وهو الذي يظهر الكبر على لسانه حتى يدعوه إلى الدعوى ~~والمفاخرة والمباهاة وتزكية النفس وحكايات الأحوال والمقامات والتشمر لغلبه ~~الغير في العلم والعمل # أما العابد فإنه يقول في معرض التفاخر لغيره من العباد # من هو وما عمله ومن أين زهده فيطول اللسان فيهم بالتنقص ثم يثني على نفسه ~~ويقول إني لم أفطر منذ كذا وكذا ولا أنام الليل وأختم القرآن في كل يوم ~~وفلان ينام سحرا ولا يكثر القراءة وما يجري مجراه وقد يزكي نفسه ضمنا فيقول ~~قصدني فلان بسوء فهلك ولده وأخذ ماله أو مرض أو ما يجره مجراه يدعي الكرامة ~~لنفسه # وأما مباهاته فهو أنه لو وقع مع قوم يصلون بالليل قام وصلى أكثر مما كان ~~يصلي وإن كانوا يصبرون على الجوع فيكلف نفسه الصبر ليغلبهم ويظهر له قوته ~~وعجزهم وكذلك يشتد في العبادة خوفا من أن يقال غيره أعبد منه أو أقوى منه ~~في دين الله # وأما العالم فإنه يتفاخر ويقول أنا متفنن في العلوم ومطلع على الحقائق ~~ورأيت من الشيوخ فلانا وفلانا ومن أنت وما فضلك ومن لقيت وما الذي سمعت من ~~الحديث كل ذلك ليصغره ويعظم نفسه # وأما مباهاته فهو أنه يجتهد في المناظرة أن يغلب ولا يغلب ويسهر طول ~~الليل والنهار في تحصيل علوم يتجمل بها في المحافل كالمناظرة والجدل وتحسين ~~العبارة وتسجيع الألفاظ وحفظ العلوم الغريبة ليغرب بها على الأقران ويتعظم ~~عليهم ويحفظ الأحاديث ألفاظها وأسانيدها حتى يرد على من أخطأ فيها فيظهر ~~فضله ونقصان أقرانه ويفرح مهما أخطأ واحد منهم ليرد عليه ويسوء إذا أصاب ~~وأحسن خيفة من أن يرى أنه أعظم منه # فهذا كله أخلاق الكبر وآثاره التي يثمرها التعزز بالعلم والعمل وأين من ~~يخلو عن جميع ذلك أو عن بعضه فليت شعري من الذي عرف هذه الأخلاق من نفسه ~~وسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة ~~من خردل من كبر + حديث لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ~~تقدم # كيف يستعظم نفسه ويتكبر على غيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه ~~من أهل النار وإنما العظيم من خلا عن هذا ومن خلا عنه لم يكن فيه تعظيم ~~وتكبر والعالم هو الذي فهم أن الله تعالى قال له إن لك عندنا قدرا ما لم تر ~~لنفسك قدرا فإن رأيت لها قدرا فلا قدر لك عندنا # ومن لم يعلم PageV03P351 هذا من الدين فاسم العالم عليه كذب ومن علمه ~~لزمه أن لا يتكبر ولا يرى لنفسه قدرا # فهذا هو التكبر بالعلم والعمل # الثالث التكبر بالحسب والنسب فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك ~~النسب وإن كان أرفع منه عملا وعلما وقد يتكبر بعضهم فيرى أن الناس له أموال ~~وعبيد ويأنف من مخالطتهم ومجالستهم وثمرته على اللسان التفاخر به فيقول ~~لغيره يا نبطي يا هندي ويا أرمني من أنت ومن أبوك فأنا فلان ابن فلان وأين ~~لمثلك أن يكلمني أو ينظر إلي ومع مثلي تتكلم وما يجري مجراه # وذلك عرق دفين في النفس لا ينفك عنه نسيب وإن كان صالحا وعاقلا إلا أنه ~~قد لا يترشح منه ذلك عند اعتدال الأحوال فإن غلبه غضب أطفأ ذلك نور بصيرته ~~وترشح منه كما روي عن أبي ذر أنه قال قاولت رجلا عند النبي صلى الله عليه ~~وسلم فقلت له يا ابن السوداء فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر طف ~~الصاع طف الصاع ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل + حديث أبي ذر قاولت ~~رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له يا ابن السوداء الحديث أخرجه ~~ابن المبارك في البر والصلة مع اختلاف ولأحمد من حديثه أن النبي صلى الله ~~عليه وسلم قال له انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى # فقال أبو ذر رحمه الله فاضطجعت وقلت للرجل قم فطأ على خدي # فانظر كيف نبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى لنفسه فضلا بكونه ~~ابن بيضاء وأن ذلك خطأ وجهل وانظر كيف تاب وقلع من نفسه شجرة الكبر بأخمص ~~قدم من تكبر عليه إذ عرف أن العز لا يقمعه إلا الذل ومن ذلك ما روي أن ~~رجلين تفاخرا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما للآخر أنا فلان بن ~~فلان فمن أنت لا أم لك فقال النبي صلى الله عليه وسلم افتخر رجلان عند موسى ~~عليه السلام فقال أحدهما أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة فأوحى الله تعالى ~~إلى موسى عليه السلام قل للذي افتخر بل التسعة من أهل النار وأنت عاشرهم + ~~حديث أن رجلين تفاخرا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما للآخر أنا ~~فلان بن فلان فمن أنت لا أم لك الحديث أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد ~~المسند من حديث أبي بن كعب بإسناد صحيح ورواه أحمد موقوفا على معاذ بقصة ~~موسى فقط # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعن قوم الفخر بآبائهم وقد صاروا ~~فحما في جهنم أو ليكون أهون على الله من الجعلان التي تذرف بآنافها القذر + ~~حديث ليدعن قوم الفخر بآبائهم وقد صاروا فحما في جهنم أو ليكونن أهون على ~~الله من الجعلان الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وابن حبان من حديث ~~أبي هريرة # الرابع التفاخر بالجمال وذلك أكثر ما يجري بين النساء ويدعو ذلك إلى ~~التنقص والثلب والغيبة وذكر عيوب الناس ومن ذلك ما روي عن عائشة رضي الله ~~عنها أنها قالت دخلت امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت بيدي هكذا أي ~~أنها قصيرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد اغتبتها + حديث عائشة دخلت ~~امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت بيدي هكذا أي أنها قصيرة الحديث ~~تقدم في آفات اللسان # وهذا منشؤه خفاء الكبر لأنها لو كانت أيضا قصيرة لما ذكرتها بالقصر ~~فكأنها أعجبت بقامتها واستقصرت المرأة في جنب نفسها فقالت ما قالت # الخامس الكبر بالمال وذلك يجري بين الملوك في خزائنهم وبين التجار في ~~بضائعهم وبين الدهاقين في أراضيهم وبين المتجملين في لباسهم وخيولهم ~~ومراكبهم فيستحقر الغني الفقير ويتكبر عليه ويقول له أنت مكد ومسكين وأنا ~~لو أردت لاشتريت مثلك واستخدمت من هو فوقك ومن أنت وما معك وأثاث بيتي ~~يساوي أكثر من جميع مالك وأنا أنفق في اليوم ما لا تأكله في سنة وكل ذلك ~~لاستعظامه للغنى واستحقاره للفقر وكل ذلك جهل منه بفضيلة الفقر وآفة الغنى ~~وإليه الإشارة بقوله تعالى @QB@ فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا ~~وأعز نفرا @QE@ حتى أجابه فقال إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربي أن ~~يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو ~~يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا وكان ذلك منه تكبرا بالمال والولد ~~PageV03P352 ثم بين الله عاقبة أمره بقوله @QB@ يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ~~@QE@ ومن ذلك تكبر قارون إذ قال تعالى إخبارا عن تكبره @QB@ فخرج على قومه ~~في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه ~~لذو حظ عظيم @QE@ # السادس الكبر بالقوة وشدة البطش والتكبر به على أهل الضعف # السابع التكبر بالأتباع والأنصار والتلامذة والغلمان وبالعشيرة والأقارب ~~والبنين ويجري ذلك بين الملوك في المكاثرة بالجنود وبين العلماء في ~~المكاثرة بالمستفيدين # وبالجملة فكل ما هو نعمة وأمكن أن يعتقد كمالا وإن لم يكن في نفسه كمالا ~~أمكن أن يتكبر به حتى إن المخنث ليتكبر على أقرانه بزيادة معرفتة وقدرته في ~~صنعة المخنثين لأنه يرى ذلك كمالا فيفتخر به وإن لم يكن فعله إلا نكالا ~~وكذلك الفاسق قد يفتخر بكثرة الشرب وكثرة الفجور بالنسوان والغلمان ويتكبر ~~به لظنه أن ذلك كمالا وإن كان مخطئا فيه # فهذه مجامع ما يتكبر به العباد بعضهم على بعض فيتكبر من يدلي بشيء منه ~~على من لا يدلي به أو على من يدلي بما هو دونه في اعتقاده # وربما كان مثله أو فوقه عند الله تعالى كالعالم الذي يتكبر بعلمه على من ~~هو أعلم منه لظنه أنه هو الأعلم ولحسن اعتقاده في نفسه # نسأل الله العون بلطفه ورحمته إنه على كل شيء قدير # | بيان البواعث على التكبر وأسبابه المهيجة له # اعلم أن الكبر خلق باطن وأما ما يظهر من الأخلاق والأفعال فهي ثمرة ~~ونتيجة وينبغي أن تسمى تكبرا # ويخص اسم الكبر بالمعنى الباطن الذي هو استعظام النفس ورؤية قدرها فوق ~~قدر الغير وهذا الباطن له موجب واحد وهو العجب الذي يتعلق بالمتكبر كما ~~سيأتي معناه فإنه إذا أعجب بنفسه وبعلمه وبعمله أو بشيء من أسبابه استعظم ~~وتكبر # وأما الكبر الظاهر فأسبابه ثلاثة سبب في المتكبر وسبب في المتكبر عليه ~~وسبب فيما يتعلق بغيرهما # أما السبب الذي في المتكبر فهو العجب والذي يتعلق بالمتكبر عليه هو الحقد ~~والحسد # والذي يتعلق بغيرهما هو الرياء فتصير الأسباب بهذا الاعتبار أربعة العجب ~~والحقد والحسد والرياء # أما العجب فقد ذكرنا أنه يورث الكبر الباطن والكبر يثمر التكبر الظاهر في ~~الأعمال والأقوال والأحوال # وأما الحقد فإنه يحمل على التكبر من غير عجب كالذي يتكبر على من يرى أنه ~~مثله أو فوقه ولكن قد غضب عليه بسبب سبق منه فأورثه الغضب حقدا ورسخ في ~~قلبه بغضه فهو لذلك لا تطاوعه نفسه أن يتواضع له وإن كان عنده مستحقا ~~للتواضع فكم من رذل لا تطاوعه نفسه على التواضع لواحد من الأكابر لحقده ~~عليه أو بغضه له ويحمله ذلك على رد الحق إذا جاء من جهته وعلى الأنفة من ~~قبول نصحه وعلى أن يجتهد في التقدم عليه وإن علم أنه لا يستحق ذلك وعلى أن ~~لا يستحله وإن ظلمه فلا يعتذر إليه وإن جنى عليه ولا يسأله عما هو جاهل به # وأما الحسد فإنه أيضا يوجب البغض للمحسود وإن لم يكن من جهته إيذاء وسبب ~~يقتضي الغضب والحقد ويدعو الحسد أيضا إلى جحد الحق حتى يمنع من قبول ~~النصيحة وتعلم العلم فكم من جاهل يشتاق إلى العلم وقد بقي في رذيلة الجهل ~~لاستنكافه أن يستفيد من واحد من أهل بلده أو أقاربه حسدا وبغيا عليه فهو ~~يعرض عنه ويتكبر عليه مع معرفته بأنه يستحق التواضع بفضل علمه ولكن الحسد ~~يبعثه على أن يعامله بأخلاق المتكبرين وإن كان في باطنه ليس يرى نفسه فوقه # وأما الرياء فهو أيضا يدعو إلى أخلاق المتكبرين حتى إن الرجل ليناظر من ~~يعلم أنه أفضل منه وليس بينه PageV03P353 وبينه معرفة ولا محاسدة ولا حقد ~~ولكن يمتنع من قبول الحق منه ولا يتواضع له في الاستفادة خيفة من أن يقول ~~الناس إنه أفضل منه فيكون باعثه على التكبر عليه الرياء المجرد ولو خلا معه ~~بنفسه لكان لا يتكبر عليه # وأما الذي يتكبر بالعجب أو الحسد أو الحقد فإنه يتكبر أيضا عند الخلوة به ~~مهما لم يكن معهما ثالث وكذلك قد ينتمي إلى نسب شريف كاذبا وهو يعلم أنه ~~كاذب ثم يتكبر به على من ليس ينتسب إلى ذلك النسب ويترفع عليه في المجالس ~~ويتقدم عليه في الطريق ولا يرضى بمساواته في الكرامة والتوقير وهو عالم ~~باطنا بأنه لا يستحق ذلك ولا كبر في باطنه لمعرفته بأنه كاذب في دعوى النسب ~~ولكن يحمله الرياء على أفعال المتكبرين وكأن اسم المتكبر إنما يطلق في ~~الأكثر على من يفعل هذه الأفعال عن كبر في الباطن صادر عن العجب والنظر إلى ~~الغير بعين الاحتقار وهو إن سمي متكبرا فلأجل التشبه بأفعال الكبر # نسأل الله حسن التوفيق والله تعالى أعلم # | بيان أخلاق المتواضعين ومجامع ما يظهر فيه أثر التواضع والتكبر # اعلم أن التكبر يظهر في شمائل الرجل كصعر في وجهه ونظره شزرا وإطراقه ~~رأسه وجلوسه متربعا أو متكئا وفي أقواله حتى في صوته ونغمته وصيغته في ~~الإيراد ويظهر في مشيته وتبختره وقيامه وجلوسه وحركاته وسكناته وفي تعاطيه ~~لأفعاله وفي سائر تقلباته في أحواله وأقواله وأعماله # فمن المتكبرين من يجمع ذلك كله ومنهم من يتكبر في بعض ويتواضع في بعض # فمنها التكبر بأن يحب قيام الناس له أو بين يديه # وقد قال علي كرم الله وجهه من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر ~~إلى رجل قاعد وبين يديه قوم قيام # وقال أنس لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا ~~إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك + حديث أنس لم يكن شخص ~~أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له ~~الحديث تقدم في آداب الصحبة وفي أخلاق النبوة # ومنها أن لا يمشي إلا ومعه غيره يمشي خلفه # قال أبو الدرداء لا يزال العبد يزداد من الله بعدا ما مشى خلفه وكان ~~عبدالرحمن بن عوف لا يعرف من عبيده إذ كان لا يتميز عنهم في صورة ظاهرة # ومشى قوم خلف الحسن البصري فمنعهم وقال ما يبقى هذا من قلب العبد وكان ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأوقات يمشي مع بعض الأصحاب فيأمرهم ~~بالتقدم ويمشي في غمارهم + حديث كان في بعض الأوقات يمشي مع أصحاب فيأمرهم ~~بالتقدم أخرجه منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي أمامة بسند ضعيف ~~جدا أنه خرج يمشي إلى البقيع فتبعه أصحابه فوقف فأمرهم أن يتقدموا ومشى ~~خلفهم فسئل عن ذلك فقال إني سمعت خفق نعالكم فأشفقت أن يقع في نفسي شيء من ~~الكبر وهو منكر فيه جماعة ضعفاء # إما لتعليم غيره أو لينفي عن نفسه وساوس الشيطان بالكبر والعجب كما أخرج ~~الثوب الجديد في الصلاة وأبدله بالخليع لأحد هذين المعنيين + حديث إخراجه ~~الثوب الجديد في الصلاة وإبداله بالخليع قلت المعروف نزع الشراك الجديد ورد ~~الشراك الخلق أو نزع الخميصة وليس الأنبجانية وكلاهما تقدم في الصلاة # ومنها أن لا يزور غيره وإن كان يحصل من زيارته خير لغيره في الدين وهو ضد ~~التواضع # روي أن سفيان الثوري قدم الرملة فبعث إليه إبراهيم بن أدهم أن تعال ~~فحدثنا فجاء سفيان فقيل له يا أبا إسحاق تبعث إليه بمثل هذا فقال أردت أن ~~أنظر كيف تواضعه # ومنها أن يستنكف من جلوس غيره بالقرب منه إلا أن يجلس بين يديه والتواضع ~~خلافه # قال ابن وهب جلست إلى عبد العزيز بن أبي رواد فمس فخذي فخذه فنحيت نفسي ~~عنه فأخذ ثيابي فجرني إلى نفسه وقال لي لم تفعلون بي PageV03P354 ما تفعلون ~~بالجبابرة وإني لا أعرف رجلا منكم شرا مني وقال أنس كانت الوليدة من ولائد ~~المدينة تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينزع يده منها حتى تذهب ~~به حيث تشاء + حديث أنس كانت الوليدة من ولائد المدينة تأخذ بيد رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم الحديث تقدم في آداب المعيشة # ومنها أن يتوقى من مجالسة المرضى والمعلولين ويتحاشى عنهم وهو الكبر دخل ~~رجل وعليه جدري قد تقشر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ناس من ~~أصحابه يأكلون فما جلس إلى أحد إلا قام من جنبه فأجلسه النبي صلى الله عليه ~~وسلم إلى جنبه + حديث الرجل الذي به جدري وإجلاسه إلى جنبه تقدم قريبا # وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لا يحبس عن طعامه مجذوما ولا أبرص ~~ولا مبتلى إلا أقعدهم على مائدته # ومنها أن لا يتعاطى بيده شغلا في بيته والتواضع خلافه روي أن عمر بن ~~عبدالعزيز أتاه ليلة ضيف وكان يكتب فكاد السراج يطفأ فقال الضيف أقوم إلى ~~المصباح فأصلحه فقال ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه قال أفأنبه الغلام ~~فقال هي أول نومة نامها فقام وأخذ البطة وملأ المصباح زيتا فقال الضيف قمت ~~أنت بنفسك يا أمير المؤمنين فقال ذهبت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر ما نقص مني ~~شيء وخير الناس من كان عند الله متواضعا # ومنها أن لا يأخذ متاعه ويحمله إلى بيته وهو خلاف عادة المتواضعين كان ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك + حديث حمله متاعه إلى بيته # أخرجه أبو يعلى من حديث أبي هريرة في شرائه للسراويل وحمله وتقدم # وقال علي كرم الله وجهه لا ينقص الرجل الكامل من كماله ما حمل من شيء إلى ~~عياله وكان أبو عبيدة ابن الجراح وهو أمير يحمل سطلا له من خشب إلى الحمام # وقال ثابت بن أبي مالك رأيت أبا هريرة أقبل من السوق يحمل حزمة حطب وهو ~~يومئذ خليفة لمروان فقال أوسع الطريق للأمير يا ابن أبي مالك وعن الأصبغ بن ~~نباتة قال كأني أنظر إلى عمر رضي الله عنه معلقا لحما في يده اليسرى وفي ~~يده اليمنى الدرة يدور في الأسواق حتى دخل رحله # وقال بعضهم رأيت عليا رضي الله عنه قد اشترى لحما بدرهم فحمله في ملحفته ~~فقلت له أحمل عنك يا أمير المؤمنين فقال لا أبو العيال أحق أن يحمل # ومنها اللباس إذ يظهر به التكبر والتواضع وقد قال النبي صلى الله عليه ~~وسلم البذاذة من الإيمان + حديث البذاذة من الإيمان أخرجه أبو داود وابن ~~ماجه حديث أبي أمامة بن ثعلبة وقد تقدم # فقال هارون سألت معنا عن البذاذة فقال هو الدون من اللباس # وقال زيد بن وهب رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى السوق وبيده ~~الدرة وعليه إزار فيه أربع عشرة رقعة بعضها من أدم وعوتب علي كرم الله وجهه ~~في إزار مرقوع فقال يقتدي به المؤمن ويخشع له القلب # وقال عيسى عليه السلام جودة الثياب خيلاء في القلب وقال طاوس إني لأغسل ~~ثوبي هذين فأنكر قلبي ما داما نقيين # ويروى أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان قبل أن يستخلف تشترى له الحلة ~~بألف دينار فيقول ما أجودها لولا خشونة فيها فلما استخلف كان يشترى له ~~الثوب بخمسة دراهم فيقول ما أجوده لولا لينه فقيل له أين لباسك ومركبك ~~وعطرك يا أمير المؤمنين فقال إن لي نفسا ذواقة وإنها لم تذق من الدنيا طبقة ~~إلا تاقت إلى الطبقة التي فوقها حتى إذا ذاقت الخلافة وهي أرفع الطباق تاقت ~~إلى ما عند الله عز وجل # وقال سعيد بن سويد صلى بنا عمر بن عبد العزيز الجمعة ثم جلس وعليه قميص ~~مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه فقال له رجل يا أمير المؤمنين إن الله قد ~~أعطاك فلو لبست فنكس PageV03P355 رأسه مليا ثم رفع رأسه فقال إن أفضل القصد ~~عند الجدة وإن أفضل العفو عند القدرة وقال صلى الله عليه وسلم من ترك زينة ~~لله ووضع ثيابا حسنة تواضعا لله وابتغاء لمرضاته كان حقا على الله أن يدخر ~~له عبقري الجنة + حديث من ترك زينة لله ووضع ثيابا حسنة تواضعا لله الحديث ~~أخرجه أبو سعيد الماليني في مسند الصوفية وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن ~~عباس من ترك زينة لله الحديث وفي إسناده نظر # فإن قلت فقد قال عيسى عليه السلام جودة الثياب خيلاء القلب # وقد سئل نبينا صلى الله عليه وسلم عن الجمال في الثياب هل هو من الكبر ~~فقال لا ولكن من سفه الحق وغمص الناس + حديث سئل عن الجمال في الثياب هل هو ~~من الكبر فقال @QB@ لا @QE@ الحديث تقدم غير مرة # فكيف طريق الجمع بينهما فاعلم أن الثوب الجديد ليس من ضرورته أن يكون من ~~التكبر في حق كل أحد في كل حال وهو الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وهو الذي عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حال ثابت بن قيس إذ ~~قال إني امرؤ حبب إلي من الجمال ما ترى + حديث إن ثابت بن قيس قال للنبي ~~صلى الله عليه وسلم إني امرؤ حبب إلي الجمال الحديث هو الذي قبله سمي فيه ~~السائل وقد تقدم # فعرف أن ميله إلى النظافة وجودة الثياب لا ليتكبر على غيره فإنه ليس من ~~ضرورته أن يكون من الكبر وقد يكون ذلك من الكبر كما أن الرضا بالثوب الدون ~~قد يكون من التواضع # وعلامة المتكبر أن يطلب التجمل إذا رآه الناس ولا يبالي إذا انفرد بنفسه ~~كيف كان # وعلامة طالب الجمال أن يحب الجمال في كل شيء ولو في خلوته وحتى في سنور ~~داره فذلك ليس من التكبر # فإذا انقسمت الأحوال نزل قول عيسى عليه السلام على بعض الأحوال على أن ~~قوله خيلاء القلب يعني قد تورث خيلاء في القلب وقول نبينا صلى الله عليه ~~وسلم إنه ليس من الكبر يعني أن الكبر لا يوجبه ويجوز أن لا يوجبه الكبر ثم ~~يكون هو مورثا للكبر # وبالجملة فالأحوال تختلف في مثل هذا المحبوب الوسط من اللباس الذي لا ~~يوجب شهرة بالجودة ولا بالرداءة # وقد قال صلى الله عليه وسلم كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير سرف ولا ~~مخيلة + حديث كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة أخرجه ~~النسائي وابن ماجه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده # إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده + حديث إن الله يحب أن يرى أثر ~~نعمته على عبده أخرجه الترمذي وحسنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ~~أيضا وقد جعلهما المصنف حديثا واحدا # وقال بكر بن عبد الله المزني البسوا ثياب الملوك وأميتوا قلوبكم بالخشية ~~وإنما خاطب بهذا قوما يطلبون التكبر بثياب أهل الصلاح # وقد قال عيسى عليه السلام ما لكم تأتوني وعليكم ثياب الرهبان وقلوبكم ~~قلوب الذئاب الضواري البسوا ثياب الملوك وأميتوا قلوبكم بالخشية # ومنها أن يتواضع بالاحتمال إذا سب وأوذي وأخذ حقه فذلك هو الأصل # وقد أوردنا ما نقل عن السلف من احتمال الأذى في كتاب الغضب والحسد # وبالجملة فمجامع حسن الأخلاق والتواضع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فيه ~~فينبغي أن يقتدى به ومنه ينبغي أن يتعلم # وقد قال أبو سلمة # قلت لأبي سعيد الخدري ما ترى فيما أحدث الناس من الملبس والمشرب والمركب ~~والمطعم فقال يا ابن أخي كل لله واشرب لله والبس لله وكل شيء من ذلك دخله ~~زهو أو مباهاة أو رياء أو سمعة فهو معصية وسرف وعالج في بيتك من الخدمة ما ~~كان يعالج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته كان يعلف الناضح ويعقل ~~البعير ويقم البيت ويحلب الشاة ويخصف النعل ويرقع الثوب ويأكل مع خادمه ~~ويطحن عنه إذا أعيا ويشتري الشيء من السوق ولا يمنعه الحياء أن يلعقه بيده ~~أو يجعله في طرف ثوبه وينقلب إلى أهله يصافح الغني والفقير والكبير والصغير ~~ويسلم مبتدئا على كل من استقبله من صغير أو كبير أسود أو أحمر حر أو عبد من ~~أهل الصلاة ليست له حلة لمدخله وحلة لمخرجه لا يستحي من أن يجيب إذا دعي ~~وإن كان أشعث أغبر ولا يحقر ما دعي إليه وإن لم يجد إلا حشف الدقل لا يرفع ~~غداء لعشاء ولا عشاء لغداء هين المؤنة PageV03P356 لين الخلق كريم الطبيعة ~~جميل المعاشرة طليق الوجه بسام من غير ضحك محزون من غير عبوس شديد في غير ~~عنف متواضع في غير مذلة جواد من غير سرف رحيم لكل ذي قربى ومسلم رقيق القلب ~~دائم الإطراق لم يبشم قط من شبع ولا يمد يده من طمع قال أبو سلمة فدخلت على ~~عائشة رضي الله عنها فحدثتها بما قال أبو سعيد في زهد رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فقالت ما أخطأ منه حرفا ولقد قصر إذ ما أخبرك أن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم لم يمتلئ قط شبعا ولم يبث إلى أحد شكوى وإن كانت الفاقة ~~لأحب إليه من اليسار والغنى وإن كان ليظل جائعا يلتوي ليلته حتى يصبح فما ~~يمنعه ذلك عن صيام يومه ولو شاء أن يسأل ربه فيؤتى بكنوز الأرض وثمارها ~~ورغد عيشها من مشارق الأرض ومغاربها لفعل وربما بكيت رحمة له مما أوتي من ~~الجوع فأمسح بطنه بيدي وأقول نفسي لك الفداء لو تبلغت من الدنيا بقدر ما ~~يقوتك ويمنعك من الجوع فيقول يا عائشة إخواني من أولي العزم من الرسل قد ~~صبروا على ما هو أشد من هذا فمضوا على حالهم وقدموا على ربهم فأكرم مآبهم ~~وأجزل ثوابهم فأجدني أستحيي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي دونهم فأصبر ~~أياما يسيرة أحب إلي من أن ينقص حظي غدا في الآخرة وما من شيء أحب إلي من ~~اللحوق بإخواني وأخلائي قالت عائشة رضي الله عنها فوالله ما استكمل بعد ذلك ~~جمعة حتى قبضه الله عز وجل + حديث أبي سعيد الخدري وعائشة قال الخدري لأبي ~~سلمة عالج في بيتك من الخدمة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج في ~~بيته كان يعلف الناضح الحديث وفيه قال أبو سلمة فدخلت على عائشة فحدثتها ~~بذلك عن أبي سعيد فقالت ما أخطأ ولقد قصر أو ما أخبرك أنه لم يمتلئ قط شبعا ~~الحديث بطوله لم أقف له على إسناد # فما نقل من أحواله صلى الله عليه وسلم يجمع جملة أخلاق المتواضعين فمن ~~طلب التواضع فليقتد به ومن رأى نفسه فوق محله صلى الله عليه وسلم ولم يرض ~~لنفسه بما رضي هو به فما أشد جهله فلقد كان أعظم خلق الله منصبا في الدنيا ~~والدين فلا عز ولا رفعة إلا في الاقتداء به ولذلك قال عمر رضي الله عنه إنا ~~قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نطلب العز في غيره لما عوتب في بذاذة هيئته ~~عند دخوله الشام # وقال أبو الدرداء اعلم أن لله عبادا يقال لهم الأبدال خلف من الأنبياء هم ~~أوتاد الأرض فلما انقضت النبوة أبدل الله مكانهم قوما من أمة محمد صلى الله ~~عليه وسلم لم يفضلوا الناس بكثرة صوم ولا صلاة ولا حسن حلية ولكن بصدق ~~الورع وحسن النية وسلامة الصدر لجميع المسلمين والنصيحة لهم ابتغاء مرضاة ~~الله بصبر من غير تجبن وتواضع في غير مذلة وهم قوم اصطفاهم الله واستخلصهم ~~لنفسه وهم أربعون صديقا أو ثلاثون رجلا قلوبهم على مثل يقين إبراهيم خليل ~~الرحمن عليه السلام لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد أنشأ من يخلفه ~~واعلم يا أخي أنهم لا يلعنون شيئا ولا يؤذونه ولا يحقرونه ولا يتطاولون ~~عليه ولا يحسدون أحدا ولا يحرصون على الدنيا هم أطيب الناس خيرا وألينهم ~~عريكة وأسخاهم نفسا علامتهم السخاء وسجيتهم البشاشة وصفتهم السلامة ليسوا ~~اليوم في خشية وغدا في غفلة ولكن مدامين على حالهم الظاهر وهم فيما بينهم ~~وبين ربهم لا تدركهم الرياح العواصف ولا الخيل المجراة قلوبهم تصعد ارتياحا ~~إلى الله واشتياقا إليه وقدما في استباق الخيرات أولئك حزب الله ألا إن حزب ~~الله هم المفلحون قال الراوي فقلت يا أبا الدرداء ما سمعت بصفة أشد علي من ~~تلك الصفة وكيف لي أن أبلغها فقال ما بينك وبين أن تكون في أوسعها إلا أن ~~تكون تبغض الدنيا فإنك إذا بغضت الدنيا أقبلت على حب الآخرة وبقدر حبك ~~للآخرة تزهد في الدنيا وبقدر ذلك تبصر ما ينفعك وإذا علم الله من عبد حسن ~~الطلب أفرغ عليه السداد واكتنفه بالعصمة واعلم يا ابن أخي أن ذلك في كتاب ~~الله تعالى المنزل إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون قال يحيى بن ~~كثير فنظرنا PageV03P357 في ذلك فما تلذذ المتلذذون بمثل حب الله وطلب ~~مرضاته # اللهم اجعلنا من محبي المحبين لك يا رب العالمين فإنه لا يصلح لحبك إلا ~~من ارتضيته # و صلى الله عليه وسلم # | بيان الطريق في معالجة الكبر واكتساب التواضع له # اعلم أن الكبر من المهلكات ولا يخلو أحد من الخلق عن شيء منه وإزالته فرض ~~عين ولا يزول بمجرد التمني بل بالمعالجة واستعمال الأدوية القامعة له # وفي معالجته مقامان # أحدهما استئصال أصله من سنخه وقلع شجرته من مغرسها في القلب # الثاني دفع العارض منه بالأسباب الخاصة التي بها يتكبر الإنسان على غيره # المقام الأول في استئصال أصله وعلاجه علمي وعملي ولا يتم الشفاء إلا ~~بمجموعهما # أما العلمي فهو أن يعرف نفسه ويعرف ربه تعالى ويكفيه ذلك في إزالة الكبر ~~فإنه مهما عرف نفسه حق المعرفة علم أنه أذل من كل ذليل وأقل من كل قليل ~~وأنه لا يليق به إلا التواضع والذلة والمهانة وإذا عرف ربه علم أنه لا تليق ~~العظمة والكبرياء إلا بالله أما معرفته ربه وعظمته ومجده فالقول فيه يطول ~~وهو منتهى علم المكاشفة وأما معرفته نفسه فهو أيضا يطول ولكنا نذكر من ذلك ~~ما ينفع في إثارة التواضع والمذلة ويكفيه أن يعرف معنى آية واحدة في كتاب ~~الله فإن في القرآن علم الأولين والآخرين لمن فتحت بصيرته وقد قال تعالى ~~قتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم ~~أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره فقد أشارت الآية إلى أول خلق الإنسان وإلى ~~آخر أمره وإلى وسطه فلينظر الإنسان ذلك ليفهم معنى هذه الآية أما أول ~~الإنسان فهو أنه لم يكن شيئا مذكورا وقد كان في حيز العدم دهورا بل لم يكن ~~لعدمه أول وأي شيء أخس وأقل من المحو والعدم وقد كان كذلك في القدم ثم خلقه ~~الله من أرذل الأشياء ثم من أقذرها إذ قد خلقه من تراب ثم من نطفة ثم من ~~علقة ثم من مضغة ثم جعله عظما ثم كسا العظم لحما فقد كان هذا بداية وجوده ~~حيث كان شيئا مذكورا فما صار شيئا مذكورا إلا وهو على أخس الأوصاف والنعوت ~~إذ لم يخلق في ابتدائه كاملا بل خلقه جمادا ميتا لا يسمع ولا يبصر ولا يحس ~~ولا يتحرك ولا ينطق ولا يبطش ولا يدرك ولا يعلم فبدأ بموته قبل حياته ~~وبضعفه قبل قوته وبجهله قبل علمه وبعماه قبل بصره وبصممه قبل سمعه وببكمه ~~قبل نطقه وبضلالته قبل هداه وبفقره قبل غناه وبعجزه قبل قدرته # فهذا معنى قوله من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ومعنى قوله هل أتى على ~~الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ~~نبتليه كذلك خلقه أولا ثم أمتن عليه فقال ثم السبيل يسره وهذا إشارة إلى ما ~~تيسر له في مدة حياته إلى الموت وكذلك قال من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه ~~سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل وإما شاكرا أو كفورا ومعناه أنه أحياه بعد ~~أن كان جمادا ميتا ترابا أولا ونطفة ثانيا وأسمعه بعد ما كان أصم وبصره بعد ~~ما كان فاقدا للبصر وقواه بعد الضعف وعلمه بعد الجهل وخلق له الأعضاء بما ~~فيها من العجائب والآيات بعد الفقد لها وأغناه بعد الفقر وأشبعه بعد الجوع ~~وكساه بعد العرى وهداه بعد الضلال # فانظر كيف دبره وصوره وإلى السبيل كيف يسره وإلى طغيان الإنسان ما أكفره ~~وإلى جهل الإنسان كيف أظهره فقال أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا ~~هو خصيم مبين @QB@ ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ~~@QE@ فانظر إلى نعمة الله كيف نقله من تلك الذلة والقلة والخسة والقذارة ~~إلى هذه الرفعة والكرامة فصار موجودا بعد العدم وحيا بعد الموت وناطقا بعد ~~البكم وبصيرا بعد العمى وقويا بعد الضعف وعالما بعد الجهل ومهديا بعد ~~PageV03P358 الضلال وقادرا بعد العجز وغنيا بعد الفقر فكان في ذاته لا شيء ~~وأي شيء أخس من لا شيء وأي قلة أقل من العدم المحض ثم صار بالله شيئا # وإنما خلقه من التراب الذليل الذي يوطأ بالأقدام والنطفة القذرة بعد ~~العدم المحض أيضا ليعرفه خسة ذاته فيعرف به نفسه وإنما أكمل النعمة عليه ~~ليعرف بها ربه ويعلم بها عظمته وجلاله وأنه لا يليق الكبرياء إلا به جل ~~وعلا # ولذلك امتن عليه فقال ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين ~~وعرف خسته أولا فقال @QB@ ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة @QE@ ثم ذكر ~~منته عليه فقال @QB@ فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى @QE@ ليدوم ~~وجوده بالتناسل كما حصل وجوده أولا بالاختراع # فمن كان هذا بدؤه وهذه أحواله فمن أين له البطر والكبرياء والفخر ~~والخيلاء وهو على التحقيق أخس الأخساء وأضعف الضعفاء ولكن هذه عادة الخسيس ~~إذا رفع من خسته شمخ بأنفه وتعظم وذلك لدلالة خسة أوله ولا حول ولا قوة إلا ~~بالله # نعم لو أكمله وفوض إليه أمره وأدام له الوجود باختياره لجاز أن يطغى ~~وينسى المبدأ والمنتهى ولكنه سلط عليه في دوام وجوده الأمراض الهائلة ~~والأسقام العظيمة والآفات المختلفة والطباع المتضادة من المرة والبلغم ~~والريح والدم يهدم البعض من أجزائه البعض شاء أم أبى رضي أم سخط فيجوع كرها ~~ويعطش كرها ويمرض كرها ويموت كرها لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا خيرا ولا ~~شرا يريد أن يعلم الشيء فيجهله ويريد أن يذكر الشيء فينساه ويريد أن ينسى ~~الشيء ويغفل عنه فلا يغفل عنه ويريد أن يصرف قلبه إلى ما يهمه فيجول في ~~أودية الوساوس والأفكار بالاضطرار فلا يملك قلبه قلبه ولا نفسه نفسه ويشتهي ~~الشيء وربما يكون هلاكه فيه ويكره الشيء وربما تكون حياته فيه يستلذ ~~الأطعمة وتهلكه وترديه ويستبشع الأدوية وهي تنفعه وتحييه ولا يأمن في لحظة ~~من ليله أو نهاره أن يسلب سمعه وبصره وتفلج أعضاؤه ويختلس عقله ويختطف روحه ~~ويسلب جميع ما يهواه في دنياه فهو مضطر ذليل إن ترك بقي وإن اختطف فنى عبد ~~مملوك لا يقدر على شيء من نفسه ولا شيء من غيره فأي شيء أذل منه لو عرف ~~نفسه وأنى يليق الكبر به لولا جهله فهذا أوسط أحواله فليتأمله # وأما آخره ومورده فهو الموت المشار إليه بقوله تعالى @QB@ ثم أماته ~~فأقبره ثم إذا شاء أنشره @QE@ ومعناه أنه يسلب روحه وسمعه وبصره وعلمه ~~وقدرته وحسه وإدراكه وحركته فيعود جمادا كما كان أول مرة لا يبقى إلا شكل ~~أعضائه وصورته لا حس فيه ولا حركة ثم يوضع في التراب فيصير جيفة منتنة قذرة ~~كما كان في الأول نطفة مذرة ثم تبلى أعضاؤه وتتفتت أجزاؤه وتنخر عظامه ~~ويصير رميما رفاتا ويأكل الدود أجزاءه فيبتدئ بحدقتيه فيقلعهما وبخديه ~~فيقطعهما وبسائر أجزائه فيصير روثا في أجواف الديدان ويكون جيفة يهرب منه ~~الحيوان ويستقذره كل إنسان ويهرب منه لشدة الإنتان وأحسن أحواله أن يعود ~~إلى ما كان فيصير ترابا يعمل منه الكيزان ويعمل منه البنيان فيصير مفقودا ~~بعد ما أن موجودا # وصار كأن لم يغن بالأمس حصيدا كما كان في أول أمره أمدا مديدا وليته بقي ~~كذلك فما أحسنه لو ترك ترابا # لا بل يحييه بعد طول البلى ليقاسي شديد البلاء فيخرج من قبره بعد جمع ~~أجزائه المتفرقة ويخرج إلى أهوال القيامة فينظر إلى قيامة قائمة وسماء ~~مشققة ممزقة وأرض مبدلة وجبال مسيرة ونجوم منكدرة وشمس منكسفة وأحوال مظلمة ~~وملائكة غلاظ شداد وجهنم تزفر وجنة ينظر إليها المجرم فيتحسر ويرى صحائف ~~منشورة فيقال له @QB@ اقرأ كتابك @QE@ فيقول وما هو فيقال كان قد وكل بك في ~~حياتك التي كنت تفرح بها وتتكبر بنعيمها وتفتخر بأسبابها ملكان رقيبان ~~يكتبان عليك PageV03P359 ما كنت تنطق به أو تعمله من قليل وكثير ونقير ~~وقطمير وأكل وشرب وقيام وقعود قد نسيت ذلك وأحصاه الله عليك فهلم إلى ~~الحساب واستعد للجواب أو تساق إلى دار العذاب فينقطع قلبه فزعا من هول هذا ~~الخطاب قبل أن تنتشر الصحيفة ويشاهد ما فيها من مخازيه فإذا شاهده قال @QB@ ~~يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها @QE@ فهذا ~~آخر أمره وهو معنى قوله تعالى @QB@ ثم إذا شاء أنشره @QE@ فما لمن هذا حاله ~~والتكبر والتعظم بل ماله وللفرح في لحظة واحدة فضلا عن البطر والأشر فقد ~~ظهر له أول حاله ووسطه ولو ظهر آخره والعياذ بالله تعالى ربما اختار أن ~~يكون كلبا أو خنزيرا ليصير مع البهائم ترابا ولا يكون إنسانا يسمع خطابا أو ~~يلقى عذابا وإن كان عند الله مستحقا للنار فالخنزير أشرف منه وأطيب وأرفع ~~إذ أوله التراب وآخره التراب وهو بمعزل عن الحساب والعذاب والكلب والخنزير ~~لا يهرب منه الخلق # ولو رأى أهل الدنيا العبد المذنب في النار لصعقوا من وحشة خلقته وقبح ~~صورته ولو وجدوا ريحه لماتوا من نتنه ولو وقعت قطرة من شرابه الذي يسقى منه ~~في بحار الدنيا لصارت أنتن من الجيفة فمن هذا حاله في العاقبة إلا أن يعفو ~~الله عنه وهو على شك من العفو كيف يفرح ويبطر وكيف يتكبر ويتجبر وكيف يرى ~~نفسه شيئا حتى يعتقد له فضلا وأي عبد لم يذنب ذنبا استحق به العقوبة إلا أن ~~يعفو الله الكريم بفضله ويجبر الكسر بمنه والرجاء منه ذلك لكرمه وحسن الظن ~~به ولا قوة إلا بالله # أرأيت من جنى على بعض الملوك فاستحق بجنايته ضرب ألف سوط فحبس إلى السجن ~~وهو ينتظر أن يخرج إلى العرض وتقام عليه العقوبة على ملأ من الخلق وليس ~~يدري أيعفى عنه أم لا كيف يكون ذله في السجن أفترى أنه يتكبر على من في ~~السجن وما من عبد مذنب إلا والدنيا سجنه وقد استحق العقوبة من الله تعالى ~~ولا يدري كيف يكون آخر أمره فيكفيه ذلك حزنا وخوفا وإشفاقا ومهانة وذلا # فهذا هو العلاج العلمي القامع لأصل الكبر # وأما العلاج العملي فهو التواضع لله بالفعل ولسائر الخلق بالمواظبة على ~~أخلاق المتواضعين كما وصفناه وحكيناه من أحوال الصالحين ومن أحوال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه كان يأكل على الأرض ويقول إنما أنا عبد ~~آكل كما يأكل العبد + حديث كان يأكل على الأرض ويقول إنما أنا عبد آكل كما ~~يأكل العبد تقدم في آداب المعيشة # وقيل لسلمان # لم لا تلبس ثوبا جديدا فقال إنما أنا عبد فإذا أعتقت يوما لبست جديدا ~~أشار به إلى العتق في الآخرة # ولا يتم التواضع بعد المعرفة إلا بالعمل ولذلك أمر العرب الذين تكبروا ~~على الله ورسوله بالإيمان وبالصلاة جميعا وقيل الصلاة عماد الدين وفي ~~الصلاة أسرار لأجلها كانت عمادا ومن جملتها ما فيها من التواضع بالمثول ~~قائما وبالركوع والسجود وقد كانت العرب قديما يأنفون من الإنحناء فكان يسقط ~~من يد الواحد سوطه فلا ينحني لأخذه وينقطع شراك نعله فلا ينكس رأسه لإصلاحه ~~حتى قال حكيم بن حزام بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا أخر إلا ~~قائما فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم عليه ثم فقه وكمل إيمانه بعد ذلك + ~~حديث حكيم بن حزام بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا أخر إلا ~~قائما الحديث رواه أحمد مقتصرا على هذا وفيه إرسال خفي # فلما كان السجود عندهم هو منتهى الذلة والضعة أمروا به لتنكسر بذلك ~~خيلاؤهم ويزول كبرهم ويستقر التواضع في قلوبهم وبه أمر سائر الخلق فإن ~~الركوع والسجود والمثول قائما هو العمل الذي يقتضيه التواضع فكذلك من عرف ~~نفسه فلينظر كل ما يتقاضاه الكبر من الأفعال فليواظب على نقيضه حتى يصير ~~التواضع له خلقا فإن القلوب لا تتخلق بالأخلاق المحمودة إلا بالعلم والعمل ~~جميعا وذلك لخفاء العلاقة بين القلوب والجوارح وسر PageV03P360 الارتباط ~~الذي بين عالم الملك وعالم الملكوت والقلب من عالم الملكوت # المقام الثاني فيما يعرض من التكبر بالأسباب السبعة المذكورة وقد ذكرنا ~~في كتاب ذم الجاه أن الكمال الحقيقي هو العلم والعمل فأما ما عداه مما يفنى ~~بالموت فكمال وهمي فمن هذا يعسر على العالم أن لا يتكبر ولكنا نذكر طريق ~~العلاج من العلم والعمل في جميع الأسباب السبعة # الأول النسب فيمن يعتريه الكبر من جهة النسب فليداو قلبه بمعرفة أمرين # أحدهما أن هذا جهل من حيث إنه تعزز بكمال غيره ولذلك قيل # لئن فخرت بآباء ذوي شرف % لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا # فالمتكبر بالنسب إن كان خسيسا في صفات ذاته فمن أين يجبر خسته بكمال غيره ~~بل لو كان الذي ينسب إليه حيا لكان له أن يقول الفضل لي ومن أنت وإنما أنت ~~دودة خلقت من بولي أفترى أن الدودة التي خلقت من بول إنسان أشرف من الدودة ~~التي من بول فرس هيهات بل هما متساويان والشرف للإنسان لا للدودة # الثاني أن يعرف نسبه الحقيقي فيعرف أباه وجده فإن أباه القريب نطفة قذرة ~~وجده البعيد تراب ذليل وقد عرفه الله تعالى نسبه فقال @QB@ الذي أحسن كل ~~شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين @QE@ ~~فمن أصله التراب المهين الذي يداس بالأقدام ثم خمر طينة حتى صار حمأ مسنونا ~~كيف يتكبر وأخس الأشياء ما إليه انتسابه إذ يقال يا أذل من التراب ويا أنتن ~~من الحمأة ويا أقذر من المضغة # فإن كان كونه من أبيه أقرب من كونه من التراب فنقول افتخر بالقريب دون ~~البعيد فالنطفة والمضغة أقرب إليه من الأب فليحقر نفسه بذلك ثم إن كان ذلك ~~يوجب رفعة لقربه فالأب الأعلى من التراب فمن أين رفعته وإذا لم يكن له رفعة ~~فمن أين جاءت الرفعة لولده فإذن أصله من التراب وفصله من النطفة فلا أصل له ~~ولا فصل # وهذه غاية خسة النسب فالأصل يوطأ بالأقدام والفصل تغسل منه الأبدان # فهذا هو النسب الحقيقي للإنسان ومن عرفه لم يتكبر بالنسب ويكون مثله بعد ~~هذه المعرفة وانكشاف الغطاء له عن حقيقة أصله كرجل لم يزل عند نفسه من بني ~~هاشم وقد أخبره بذلك والداه فلم يزل فيه نخوة الشرف فبينما هو كذلك إذ ~~أخبره عدول لا يشك في قولهم أنه ابن هندي حجام يتعاطى القاذورات وكشفوا له ~~وجه التلبيس عليه فلم يبق له شك في صدقهم أفترى أن ذلك يبقي شيئا من كبره ~~لا بل يصير عند نفسه أحقر الناس وأذلهم فهو من استشعار الخزي لخسته في شغل ~~عن أن يتكبر على غيره # فهذا حال البصير إذا تفكر في أصله وعلم أنه من النطفة والمضغة والتراب إذ ~~لو كان أبوه ممن يتعاطى نقل التراب أو يتعاطى الدم بالحجامة أو غيرها لكان ~~يعلم به خسة نفسه لمماسة أعضاء أبيه للتراب والدم فكيف إذا عرف أنه في نفسه ~~من التراب والدم والأشياء القذرة التي يتنزه عنها هو في نفسه # السبب الثاني التكبر بالجمال ودواؤه أن ينظر إلى باطنه نظر العقلاء ولا ~~ينظر إلى باطنه نظر البهائم # ومهما نظر إلى باطنه رأى من القبائح ما يكدر عليه تعززه بالجمال فإنه وكل ~~به الأقذار في جميع أجزائه الرجيع في أمعائه والبول في مثانته والمخاط في ~~أنفه والبزاق في فيه والوسخ في أذنيه والدم في عروقه والصديد تحت بشرته ~~والصنان تحت إبطه يغسل الغائط بيده كل يوم دفعة أو دفعتين ويتردد كل يوم ~~إلى الخلاء مرة أو مرتين ليخرج من باطنه ما لو رآه بعينه لاستقذره فضلا عن ~~أن يمسه أو يشمه كل ذلك ليعرف قذارته وذله هذا في حال توسطه # وفي أول أمره خلق من الأقذار الشنيعة الصور من النطفة ودم الحيض وأخرج من ~~مجرى الأقذار # إذ خرج من الصلب ثم من الذكر مجرى البول ثم من الرحم مفيض دم الحيض ثم ~~خرج من مجرى القذر قال أنس رحمه الله كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ~~يخطبنا فيقذر إلينا أنفسنا ويقول خرج أحدكم من مجرى البول PageV03P361 ~~مرتين وكذلك قال طاوس لعمر بن عبد العزيز # ما هذه مشية من في بطنه خراء إذ رآه يتبختر وكان ذلك قبل خلافته وهذا ~~أوله ووسطه # ولو ترك نفسه في حياته يوما لم يتعهدها بالتنظيف والغسل لثارت منه ~~الأنتان والأقذار وصار أنتن وأقذر من الدواب المهملة التي لا تتعهد نفسها ~~قط # فإذا نظر أنه خلق من أقذار وأسكن في أقذار وسيموت فيصير جيفة أقذر من ~~سائر الأقذار لم يفتخر بجماله الذي هو كخضراء الدمن وكلون الأزهار في ~~البوادي فبينما هو كذلك إذ صار هشيما تذروه الرياح كيف ولو كان جماله باقيا ~~وعن هذه القبائح خاليا لكان يجب أن لا يتكبر به على القبيح إذ لم يكن قبح ~~القبيح إليه فينفيه ولا كان جمال الجميل إليه حتى يحمد عليه كيف ولا بقاء ~~له بل هو في كل حين يتصور أن يزول بمرض أو جدري أو قرحة أو سبب من الأسباب ~~فكم من وجوه جميلة قد سمجت بهذه الأسباب فمعرفة هذه الأمور تنزع من القلب ~~داء الكبر بالجمال لمن أكثر تأملها # السبب الثالث التكبر بالقوة والأيدي ويمنعه من ذلك أن يعلم ما سلط عليه ~~من العلل والأمراض وأنه لو توجع عرق واحد في يده لصار أعجز من كل عاجز وأذل ~~من كل ذليل وأنه لو سلبه الذباب شيئا لم يستنقذه منه وأن بقة لو دخلت في ~~أنفه أو نملة دخلت في أذنه لقتلته وأن شوكة لو دخلت في رجله لأعجزته وأن ~~حمى يوم تحلل من قوته مالا ينجبر في مدة # فمن لا يطيق شوكة ولا يقاوم بقة ولا يقدر على أن يدفع عن نفسه ذبابة فلا ~~ينبغي أن يفتخر بقوته ثم إن قوى الإنسان فلا يكون أقوى من حمار أو بقرة أو ~~فيل أو جمل وأي افتخار في صفة يسبقك فيها البهائم # السبب الرابع والخامس الغنى وكثرة المال وفي معناه كثرة الأتباع والأنصار ~~والتكبر بولاية السلاطين والتمكن من جهتهم وكل ذلك تكبر بمعنى خارج عن ذات ~~الإنسان كالجمال والقوة والعلم # وهذا أقبح أنواع الكبر فإن المتكبر بماله كأنه متكبر بفرسه وداره ولو مات ~~فرسه وانهدمت داره لعاد ذليلا والمتكبر بتمكين السلطان وولايته لا بصفة في ~~نفسه بنى أمره على قلب هو أشد غليانا من القدر فإن تغير عليه كان أذل الخلق ~~وكل متكبر بأمر خارج عن ذاته فهو ظاهر الجهل كيف والمتكبر بالغنى لو تأمل ~~لرأى في اليهود من يزيد عليه في الغنى والثروة والتجمل فأف لشرف يسبقك به ~~اليهودي وأف لشرف يأخذه السارق في لحظة واحدة فيعود صاحبه ذليلا مفلسا فهذه ~~أسباب ليست في ذاته وما هو في ذاته ليس إليه دوام وجوده وهو في الآخرة وبال ~~ونكال فالتفاخر به غاية الجهل وكل ما ليس إليك فليس لك وشيء من هذه الأمور ~~ليس إليك بل إلى واهبه إن أبقاه لك وإن استرجعه زال عنك وما أنت إلا عبد ~~مملوك لا تقدر على شيء # ومن عرف ذلك لا بد وأن يزول كبره # ومثاله أن يفتخر الغافل بقوته وجماله وماله وحريته واستقلاله وسعة منازله ~~وكثرة خيوله وغلمانه إذ شهد عليه شاهدان عدلان عند حاكم منصف بأنه رقيق ~~لفلان وأن أبويه كانا مملوكين له فعلم ذلك وحكم به الحاكم فجاء مالكه فأخذه ~~وأخذ جميع ما في يده وهو مع ذلك يخشى أن يعاقبه وينكل به لتفريطه في أمواله ~~وتقصيره في طلب مالكه ليعرف أن له مالكا ثم نظر العبد فرأى نفسه محبوسا في ~~منزل قد أحدقت به الحيات والعقارب والهوام وهو في كل حال على وجل من كل ~~واحدة منها وقد بقي لا يملك نفسه ولا ماله ولا يعرف طريقا في الخلاص ألبتة ~~أفترى من هذا حاله هل يفخر بقدرته وثروته وقوته وكماله أم يذل نفسه ويخضع ~~وهذا حال كل عاقل بصير فإنه PageV03P362 يرى نفسه كذلك فلا يملك رقبته ~~وبدنه وأعضاءه وماله وهو مع ذلك بين آفات وشهوات وأمراض وأسقام هي كالعقارب ~~والحيات يخاف منها الهلاك # فمن هذا حاله لا يتكبر بقوته وقدرته إذ يعلم أنه لا قدرة له ولا قوة # فهذا طريق علاج التكبر بالأسباب الخارجة وهو أهون من علاج التكبر بالعلم ~~والعمل فإنهما كمالان في النفس جديران بأن يفرح بهما ولكن التكبر بهما أيضا ~~نوع من الجهل خفي كما سنذكره # السبب السادس الكبر بالعلم وهو أعظم الآفات وأغلب الأدواء وأبعدها عن ~~قبول العلاج إلا بشدة شديدة وجهد جهيد وذلك لأن قدر العلم عظيم عند الله ~~عظيم عند الناس وهو أعظم من قدر المال والجمال وغيرهما بل لا قدر لهما أصلا ~~إلا إذا كان معهما علم وعمل # ولذلك قال كعب الأحبار إن للعلم طغيانا كطغيان المال # وكذلك قال عمر رضي الله تعالى عنه العالم إذا زل زل بزلته عالم فيعجز ~~العالم عن أن لا يستعظم نفسه بالإضافة إلى الجاهل لكثرة ما نطق الشرع ~~بفضائل العلم # ولن يقدر العالم على دفع الكبر إلا بمعرفة أمرين # أحدهما أن يعلم أن حجة الله على أهل العلم آكد وأنه يحتمل من الجاهل ما ~~لا يحتمل عشره من العالم فإن من عصى الله تعالى عن معرفة وعلم فجنايته أفحش ~~إذ لم يقض حق نعمة الله عليه في العلم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم يؤتى ~~بالعالم يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور ~~الحمار بالرحا فيطيف به أهل النار فيقولون مالك فيقول كنت آمر بالخير ولا ~~آتيه وأنهى عن الشر وآتيه + حديث يؤتى بالعالم يوم القيامة فيلقى في النار ~~فتندلق أقتابه الحديث متفق عليه من حديث أسامة بن زيد بلفظ يؤتى بالرجل ~~وتقدم في العلم # وقد مثل الله سبحانه وتعالى من يعلم ولا يعمل بالحمار والكلب فقال عز وجل ~~@QB@ مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا @QE@ ~~أراد به علماء اليهود # وقال في بلعم بن باعوراء @QB@ واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ ~~منها @QE@ حتى بلغ @QB@ فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ~~@QE@ قال ابن عباس رضي الله عنهما أوتي بلعم كتابا فأخلد إلى شهوات الأرض ~~أي سكن حبه إليها فمثله بالكلب @QB@ إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث @QE@ ~~أي سواء آتيته الحكمة أو لم أوته لا يدع شهوته ويكفي العالم هذا الخطر فأي ~~عالم لم يتبع شهوته وأي عالم لم يأمر بالخير الذي لا يأتيه فمهما خطر ~~للعالم عظم قدره بالإضافة إلى الجاهل فليتفكر في الخطر العظيم الذي هو ~~بصدده فإن خطره أعظم من خطر غيره كما أن قدره أعظم من قدر غيره فهذا بذاك # وهو كالملك المخاطر بروحه في ملكه لكثرة أعدائه فإنه إذا أخذ وقهر اشتهى ~~أن يكون قد كان فقيرا فكم من عالم يشتهي في الآخرة سلامة الجهال والعياذ ~~بالله منه # فهذا الخطر يمنع من التكبر فإنه إن كان من أهل النار فالخنزير أفضل منه ~~فكيف يتكبر من هذا حاله فلا ينبغي أن يكون العالم عند نفسه أكبر من الصحابة ~~رضوان الله عليهم وقد كان بعضهم يقول يا ليتني لم تلدني أمي ويأخذ الآخر ~~تبنة من الأرض ويقول يا ليتني كنت هذه التبنة ويقول الآخر ليتني كنت طيرا ~~أوكل ويقول الآخر ليتني لم أك شيئا مذكورا كل ذلك خوفا من خطر العاقبة ~~فكانوا يرون أنفسهم أسوأ حالا من الطير ومن التراب # ومهما أطال فكره في الخطر الذي هو بصدده زال بالكلية كبره ورأى نفسه كأنه ~~شر الخلق # ومثاله مثال عبد أمره سيده بأمور فشرع فيها فترك بعضها وأدخل النقصان في ~~بعضها وشك في بعضها أنه هل أداها على ما يرتضيه سيده أم لا فأخبره مخبر أن ~~سيده أرسل إليه رسولا يخرجه من كل ما هو فيه عريانا ذليلا ويلقيه على بابه ~~في الحر والشمس زمانا طويلا حتى إذا ضاق عليه الأمر وبلغ به المجهود أمر ~~برفع حسابه PageV03P363 وفتش عن جميع أعماله قليلها وكثيرها ثم أمر به إلى ~~سجن ضيق وعذاب دائم لا يروح عنه ساعة وقد علم أن سيده قد فعل بطوائف من ~~عبيده مثل ذلك وعفا عن بعضهم وهو لا يدري من أي الفريقين يكون فإذا تفكر في ~~ذلك انكسرت نفسه وذل وبطل عزه وكبره وظهر حزنه وخوفه ولم يتكبر على أحد من ~~الخلق بل تواضع رجاء أن يكون هو من شفعائه عند نزول العذاب فكذلك العالم ~~إذا تفكر فيما ضيعه من أوامر ربه بجنايات على جوارحه وبذنوب في باطنه من ~~الرياء والحقد والحسد والعجب والنفاق وغيره وعلم بما هو بصدده من الخطر ~~العظيم فارقه كبره لا محالة # الأمر الثاني أن العالم يعرف أن الكبر لا يليق إلا بالله عز وجل وحده ~~وأنه إذا تكبر صار ممقوتا عند الله بغيضا وقد أحب الله منه أن يتواضع وقال ~~له إن لك عندي قدرا ما لم تر لنفسك قدرا فإن رأيت لنفسك قدرا فلا قدر لك ~~عندي فلا بد وأن يكلف نفسه ما يحبه مولاه منه # وهذا يزيل التكبر عن قلبه وإن كان يستيقن أنه لا ذنب له مثلا أو تصور ذلك # وبهذا زال التكبر عن الأنبياء عليهم السلام إذ علموا أن من نازع الله ~~تعالى في رداء الكبرياء قصمه وقد أمرهم الله بأن يصغروا أنفسهم حتى يعظم ~~عند الله محلهم فهذا أيضا مما يبعثه على التواضع لا محالة # فإن قلت فكيف يتواضع للفاسق المتظاهر بالفسق وللمبتدع وكيف يرى نفسه ~~دونهم وهو عالم عابد وكيف يجهل فضل العلم والعبادة عند الله تعالى وكيف ~~يغنيه أن يخطر بباله خطر العلم وهو يعلم أن خطر الفاسق والمبتدع أكثر فاعلم ~~أن ذلك إنما يمكن بالتفكر في خطر الخاتمة بل لو نظر إلى كافر لم يمكنه أن ~~يتكبر عليه إذ يتصور أن يسلم الكافر فيختم له بالإيمان ويضل هذا العالم ~~فيختم له بالكفر والكبير من هو كبير عند الله في الآخرة والكلب والخنزير ~~أعلى رتبة ممن هو عند الله من أهل النار وهو لا يدري ذلك فكم من مسلم نظر ~~إلى عمر رضي الله عنه قبل إسلامه فاستحقره وازدراه لكفره وقد رزقه الله ~~الإسلام وفاق جميع المسلمين إلا أبا بكر وحده فالعواقب مطوية عن العباد ولا ~~ينظر العاقل إلا إلى العاقبة وجميع الفضائل في الدنيا تراد للعاقبة # فإذن من حق العبد أن لا يتكبر على أحد # بل إن نظر إلى جاهل قال هذا عصى الله بجهل وأنا عصيته بعلم فهو أعذر مني # وإن نظر إلى عالم قال هذا قد علم ما لم أعلم فكيف أكون مثله وإن نظر إلى ~~كبير هو أكبر منه سنا قال هذا قد أطاع الله قبلي فكيف أكون مثله وإن نظر ~~إلى صغير قال إني عصيت الله قبله فكيف أكون مثله وإن نظر إلى مبتدع أو كافر ~~قال ما يدريني لعله يختم له بالإسلام ويختم لي بما هو عليه الآن فليس دوام ~~الهداية إلي كما لم يكن ابتداؤها إلي فبملاحظة الخاتمة يقدر على أن ينفي ~~الكبر عن نفسه وكل ذلك بأن يعلم أن الكمال في سعادة الآخرة والقرب من الله ~~لا فيما يظهر في الدنيا مما لا بقاء له ولعمري هذا الخطر مشترك بين المتكبر ~~والمتكبر عليه ولكن حق على كل واحد أن يكون مصروف الهمة إلى نفسه مشغول ~~القلب بخوفه لعاقبته لا أن يشتغل بخوف غيره فإن الشفيق بسوء الظن مولع ~~وشفقة كل إنسان على نفسه # فإذا حبس جماعة في جناية ووعدوا بأن تضرب رقابهم لم يتفرغوا لتكبر بعضهم ~~على بعض وإن عمهم الخطر إذ شغل كل واحد نفسه عن الالتفات إلى هم غيره حتى ~~كأن كل واحد هو وحده في مصيبته وخطره # فإن قلت فكيف أبغض المبتدع في الله وأبغض الفاسق وقد أمرت ببغضهما ثم مع ~~ذلك أتواضع لهما والجمع بينهما متناقض فاعلم أن هذا أمر مشتبه يلتبس على ~~أكثر الخلق إذ يمتزج غضبك لله في إنكار البدعة والفسق PageV03P364 بكبر ~~النفس والإدلال بالعلم والورع فكم من عابد جاهل وعالم مغرور إذا رأى فاسقا ~~جلس بجنبه أزعجه من عنده وتنزه عند بكبر باطن في نفسه وهو ظان أنه قد غضب ~~لله كما وقع لعابد بني إسرائيل مع خليعهم وذلك لأن الكبر على المطيع ظاهر ~~كونه شرا والحذر منه ممكن والكبر على الفاسق والمبتدع يشبه الغضب لله وهو ~~خير فإن الغضبان أيضا يتكبر على من غضب عليه والمتكبر يغضب وأحدهما يثمر ~~الآخر ويوجبه وهما ممتزجان ملتبسان لا يميز بينهما إلا الموفقون # والذي يخلصك من هذا أن يكون الحاضر على قلبك عند مشاهدة المبتدع أو ~~الفاسق أو عند أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر ثلاثة أمور # أحدهما التفاتك إلى ما سبق من ذنوبك وخطاياك ليصغر عند ذلك قدرك في عينك # والثاني أن تكون ملاحظتك لما أنت متميز به من العلم واعتقاد الحق والعمل ~~الصالح من حيث إنها نعمة من الله تعالى عليك فله المنة فيه لا لك فترى ذلك ~~منه حتى لا تعجب بنفسك وإذا لم تعجب لم تتكبر # والثالث ملاحظة إبهام عاقبتك وعاقبتك أنه ربما يختم لك بالسوء ويختم له ~~بالحسنى حتى يشغلك الخوف عن التكبر عليه # فإن قلت فكيف أغضب مع هذه الأحوال فأقول تغضب لمولاك وسيدك إذ أمرك أن ~~تغضب له لا لنفسك وأنت في غضبك لا ترى نفسك ناجيا وصاحبك هالكا بل يكون ~~خوفك على نفسك بما علم الله من خفايا ذنوبك أكثر من خوفك عليه مع الجهل ~~بالخاتمة وأعرفك ذلك بمثال لتعلم انه ليس من ضرورة الغضب لله أن تتكبر على ~~المغضوب عليه وترى قدرك فوق قدره فأقول إذا كان للملك غلام وولد هو قرة ~~عينه وقد وكل الغلام بالولد ليراقبه وأمره أن يضربه مهما أساء أدبه واشتغل ~~بما لا يليق به ويغضب عليه # فإن كان الغلام محبا مطيعا لمولاه فلا يجد بدا أن يغضب مهما رأى ولده قد ~~أساء الأدب وإنما يغضب عليه لمولاه ولأنه أمره به ولأنه يريد التقرب ~~بامتثال أمره إليه ولأنه جرى من ولده ما يكره مولاه فيضرب ولده ويغضب عليه ~~من غير تكبر عليه بل هو متواضع له يرى قدره عند مولاه فوق قدر نفسه لأن ~~الولد أعز لا محالة من الغلام # فإذن ليس من ضرورة الغضب التكبر وعدم التواضع فكذلك يمكنك أن تنظر إلى ~~المبتدع والفاسق وتظن أنه ربما كان قدرهما في الآخرة عند الله أعظم لما سبق ~~لهما من الحسنى في الأزل ولما سبق لك من سوء القضاء في الأزل وأنت غافل عنه ~~ومع ذلك فتغضب بحكم الأمر محبة لمولاك إذ جرى ما يكرهه مع التواضع لمن يجوز ~~أن يكون عنده أقرب منك في الآخرة # فهكذا يكون بعض العلماء الأكياس فينضم إليه الخوف والتواضع # وأما المغرور فإنه يتكبر ويرجو لنفسه أكثر مما يرجوه لغيره مع جهله ~~بالعاقبة وذلك غاية الغرور # فهذا سبيل التواضع لمن عصى الله أو اعتقد البدعة مع الغضب عليه ومجانبته ~~بحكم الأمر # السبب السابع التكبر بالورع والعبادة وذلك أيضا فتنة عظيمة على العباد ~~وسبيله أن يلزم قلبه التواضع لسائر العباد وهو أن يعلم أن من يتقدم عليه ~~بالعلم لا ينبغي أن يتكبر عليه كيفما كان لما عرفه من فضيلة العلم وقد قال ~~تعالى @QB@ هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون @QE@ وقال صلى الله ~~عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي + حديث فضل ~~العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي أخرجه الترمذي من حديث أبي ~~أمامة وتقدم في العلم # إلى غير ذلك مما ورد في فضل العلم PageV03P365 # فإن قال العابد ذلك لعالم عامل بعلمه وهذا عالم فاجر فيقال له أما عرفت ~~أن الحسنات يذهبن السيئات وكما أن العلم يمكن أن يكون حجة على العالم فكذلك ~~يمكن أن يكون وسيلة له وكفارة لذنوبه وكل واحد منهما ممكن وقد وردت الأخبار ~~بما يشهد لذلك وإذا كان هذا الأمر غائبا عنه لم يجز له أن يحتقر عالما بل ~~يجب عليه التواضع له # فإن قلت فإن صح هذا فينبغي أن يكون للعالم أن يرى نفسه فوق العابد لقوله ~~صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي ~~فاعلم أن ذلك كان ممكنا لو علم العالم عاقبة أمره وخاتمة الأمر مشكوك فيها ~~فيحتمل أن يموت بحيث يكون حاله عند الله أشد من حال الجاهل الفاسق لذنب ~~واحد كان يحسبه هينا وهو عند الله عظيم وقد مقته به وإذا كان هذا ممكنا كان ~~على نفسه خائفا فإذا كان كل واحد من العابد والعالم خائفا على نفسه وقد كلف ~~أمر نفسه لا أمر غيره فينبغي أن يكون الغالب عليه في حق نفسه الخوف وفي حق ~~غيره الرجاء وذلك يمنعه من التكبر بكل حال # فهذا العابد مع العالم فأما مع غير العالم فهم منقسمون في حقه إلى ~~مستورين وإلى مكشوفين فينبغي أن لا يتكبر على المستور فلعله أقل عنه ذنوبا ~~وأكثر منه عبادة وأشد منه حبا لله # وأما المكشوف حاله إن لم يظهر لك من الذنوب إلا ما تزيد عليه ذنوبك في ~~طول عمرك # فلا ينبغي أن تتكبر عليه ولا يمكن أن تقول هو أكثر مني ذنبا لأن عدد ~~ذنوبك في طول عمرك وذنوب غيرك في طول العمر لا تقدر على إحصائها حتى تعلم ~~الكثرة نعم يمكن أن تعلم أن ذنوبه أشد كما لو رأيت منه القتل والشرب ~~والرياء ومع ذلك فلا ينبغي أن تتكبر عليه إذ ذنوب القلوب من الكبر والحسد ~~والرياء والغل واعتقاد الباطل والوسوسة في صفات الله تعالى وتخيل الخطأ في ~~ذلك كل ذلك شديد عند الله فربما جرى عليك في باطنك من خفايا الذنوب ما صرت ~~به عند الله ممقوتا وقد جرى للفاسق الظاهر الفسق من طاعات القلوب من حب ~~الله وإخلاص وخوف وتعظيم ما أنت خال عنه وقد كفر الله بذلك عنه سيئاته ~~فينكشف الغطاء يوم القيامة فتراه فوق نفسك بدرجات فهذا ممكن والإمكان ~~البعيد فيما عليك ينبغي أن يكون قريبا عندك إن كنت مشفقا على نفسك فلا ~~تتفكر فيما هو ممكن لغيرك بل فيما هو مخوف في حقك فإنه لا تزر وازرة وزر ~~أخرى وعذاب غيرك لا يخفف شيئا من عذابك فإذا تفكرت في هذا الخطر كان عندك ~~شغل شاغل عن التكبر وعن أن ترى نفسك فوق غيرك # وقد قال وهب بن منبه ما تم عقل عبد حتى يكون فيه عشر خصال فعد تسعة حتى ~~بلغ العاشر فقال العاشرة وما العاشرة بها شاد مجده وبها علا ذكره أن يرى ~~الناس كلهم خيرا منه # وإنما الناس عنده فرقتان # فرقة هي أفضل منه وأرفع وفرقة هي شر منه وأدنى # فهو يتواضع للفرقتين جميعا بقلبه إن رأى من هو خير منه سره ذلك وتمنى أن ~~يلحق به وإن رأى من هو شر منه قال لعل هذا ينجو وأهلك أنا فلا تراه إلا ~~خائفا من العاقبة ويقوم لعل بر هذا باطن فذلك خير له ولا أدري لعل فيه خلقا ~~كريما بينه وبين الله فيرحمه الله ويتوب عليه ويختم له بأحسن الأعمال ويرى ~~ظاهر فذلك شر لي # فلا يأمن فيما أظهره من الطاعة أن يكون دخلها الآفات فأحبطتها ثم قال ~~فحينئذ كمل عقله وساد أهل زمانه # فهذا كلامه # وبالجملة فمن جوز أن يكون عند الله شقيا وقد سبق القضاء في الأزل بشقوته ~~فماله سبيل إلى أن يتكبر بحال من الأحوال # نعم إذا غلب عليه الخوف رأى كل أحد خيرا من نفسه وذلك هو الفضيلة كما روى ~~أن عابدا آوى إلى جبل فقيل له في النوم ائت فلانا الإسكاف فسله أن يدعو لك # فأتاه فسأله عن عمله فأخبره أنه يصوم النهار ويكتسب PageV03P366 فيتصدق ~~ببعضه ويطعم عياله ببعضه فرجع وهو يقول إن هذا لحسن ولكن ليس هذا كالتفرغ ~~لطاعة الله فأتى في النوم ثانيا فقيل له ائت فلانا الإسكاف فقل له ما هذا ~~الصفار الذي بوجهك فأتاه فسأله فقال له ما رأيت أحدا من الناس إلا وقع لي ~~أنه سينجو وأهلك أنا فقال العابد بهذه # والذي يدل على فضيلة هذه الخصلة قوله تعالى @QB@ يؤتون ما آتوا وقلوبهم ~~وجلة أنهم إلى ربهم راجعون @QE@ أي أنهم يؤتون الطاعات وهم على وجل عظيم من ~~قبولها وقال تعالى @QB@ إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون @QE@ وقال تعالى ~~@QB@ إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين @QE@ وقد وصف الله تعالى الملائكة عليهم ~~السلام مع تقدسهم عن الذنوب ومواظبتهم على العبادات على الدءوب بالإشفاق ~~فقال تعالى مخبرا عنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون وهم من خشيته مشفقون ~~فمتى زال الإشفاق والحذر مما سبق به القضاء في الأزل وينكشف عند خاتمة ~~الأجل غلب الأمن من مكر الله وذلك يوجب الكبر وهو سبب الهلاك # فالكبر دليل الأمن والأمن مهلك # والتواضع دليل الخوف وهو مسعد فإذن ما يفسده العابد بإضمار الكبر واحتقار ~~الخلق والنظر إليهم بعين الاستصغار أكثر مما يصلحه بظاهر الأعمال # فهذه معارف بها يزال داء الكبر عن القلب لا غير إلا أن النفس بعد هذه ~~المعرفة قد تضمر التواضع وتدعي البراءة من الكبر وهي كاذبة فإذا وقعت ~~الواقعة عادت إلى طبعها ونسيت وعدها فعلى هذا لا ينبغي أن يكتفي في ~~المداواة بمجرد المعرفة بل ينبغي أن تكمل بالعمل وتجرب بأفعال المتواضعين ~~في مواقع هيجان الكبر في النفس # وبيانه أن يمتحن النفس بخمس امتحانان هي أدلة على استخراج ما في الباطن ~~وإن كانت الامتحانات كثيرة # الامتحان الأول أن يناظر في مسألة مع واحد من أقرانه فإن ظهر شيء من الحق ~~على لسان صاحبه فثقل عليه قبوله والانقياد له والاعتراف به والشكر له على ~~تنبيهه وتعريفه وإخراجه الحق فذلك يدل على أن فيه كبرا دفينا فليتق الله ~~فيه ويشتغل بعلاجه # أما من حيث العلم فبأن يذكر نفسه خسة نفسه وخطر عاقبته وأن الكبر لا يليق ~~إلا بالله تعالى # وأما العمل فبأن يكلف نفسه ما ثقل عليه من الاعتراف بالحق وأن يطلق اللسا ~~6 ن بالحمد والثناء ويقر على نفسه بالعجز ويشكره على الاستفادة ويقول ما ~~أحسن ما فطنت له وقد كنت غافلا عنه فجزاك الله خيرا كما نبهتني له فالحكمة ~~ضالة المؤمن فإذا وجدها ينبغي أن يشكر من دله عليها # فإذا واظب على ذلك مرات متوالية صار ذلك له طبعا وسقط ثقل الحق عن قلبه ~~وطاب له قبوله ومهما ثقل عليه الثناء على أقرانه بما فيهم ففيه كبر فإن كان ~~ذلك لا يثقل عليه في الخلوة ويثقل عليه في الملأ فليس فيه كبر وإنما فيه ~~رياء فليعالج الرياء بما ذكرناه من قطع الطمع عن الناس ويذكر القلب بأن ~~منفعته في كماله في ذاته وعند الله لا عند الخلق إلى غير ذلك من أدوية ~~الرياء # وإن ثقل عليه في الخلوة والملأ جميعا ففيه الكبر والرياء جميعا ولا ينفعه ~~الخلاص من أحدهما ما لم يتخلص من الثاني # فليعالج كلا الداءين فإنهما جميعا مهلكان # الامتحان الثاني أن يجتمع مع الأقران والأمثال في المحافل ويقدمهم على ~~نفسه ويمشي خلفهم ويجلس في الصدور تحتهم فإن ثقل عليه ذلك فهو متكبر ~~فليواظب عليه تكلفا حتى يسقط عنه ثقله فبذلك يزايله الكبر وههنا للشيطان ~~مكيدة وهو أن يجلس في صف النعال أو يجعل بينه وبين الأقران بعض الأرذال ~~فيظن أن ذلك تواضع وهو عين الكبر فإن ذلك يخف على صدور المتكبرين إذ يوهمون ~~أنهم تركوا مكانهم بالاستحقاق والتفضل فيكون قد تكبر وتكبر بإظهار التواضع ~~أيضا بل ينبغي أن يقدم أقرانه ويجلس بينهم بجنبهم ولا ينحط عنهم إلى صف ~~PageV03P367 النعال فذلك هو الذي يخرج خبث الكبر من الباطن # الامتحان الثالث أن يجيب دعوة الفقير ويمر إلى السوق في حاجة الرفقاء ~~والأقارب فإن ثقل ذلك عليه فهو كبر فإن هذه الأفعال من مكارم الأخلاق ~~والثواب عليها جزيل فنفور النفس عنها ليس إلا لخبث في الباطن فليشتغل ~~بإزالته بالمواظبة عليه مع تذكر جميع ما ذكرناه من المعارف التي تزيل داء ~~الكبر # الامتحان الرابع أن يحمل حاجة نفسه وحاجة أهله ورفقائه من السوق إلى ~~البيت فإن أبت نفسه ذلك فهو كبر أو رياء فإن كان يثقل ذلك عليه مع خلو ~~الطريق فهو كبر وإن كان لا يثقل عليه إلا مع مشاهدة الناس فهو رياء وكل ذلك ~~من أمراض القلب وعلله المهلكة له إن لم تتدارك وقد أهمل الناس طب القلوب ~~واشتغلوا بطب الأجساد مع أن الأجساد قد كتب عليها الموت لا محالة والقلوب ~~لا تدرك السعادة إلا بسلامتها إذ قال تعالى @QB@ إلا من أتى الله بقلب سليم ~~@QE@ ويروى عن عبد الله بن سلام أنه حمل حزمة حطب فقيل له يا أبا يوسف قد ~~كان في غلمانك وبنتك ما يكفيك قال أجل ولكن أردت أن أجرب نفسي هل تنكر ذلك ~~فلم يقنع منها بما أعطته من العزم على ترك الأنفة حتى جربها أهي صادقة أم ~~كاذبة وفي الخبر من حمل الفاكهة أو الشيء فقد برئ من الكبر + حديث من حمل ~~الشيء والفاكهة فقد برئ من الكبر أخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبي أمامة ~~وضعفه بلفظ من حمل بضاعته # الامتحان الخامس أن يلبس ثيابا بذلة فإن نفور النفس عن ذلك في الملأ رياء ~~وفي الخلوة كبر # وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه له مسح يلبسه بالليل وقد قال صلى ~~الله عليه وسلم من اعتقل البعير ولبس الصوف فقد برئ من الكبر + حديث من ~~اعتقل البعير ولبس الصوف فقد برئ من الكبر أخرجه البيهقي في الشعب من حديث ~~أبي هريرة بزيادة فيه وفي إسناده القاسم اليعمري ضعيف جدا # وقال صلى الله عليه وسلم إنما أنا عبد آكل بالأرض وألبس الصوف وأعقل ~~البعير وألعق أصابعي وأجيب دعوة المملوك فمن رغب عن سنتي فليس مني + حديث ~~إنما أن عبد آكل بالأرض وألبس الصوف الحديث تقدم بعضه ولم أجد بقيته # وروي أن أبا موسى الأشعري قيل له إن أقواما يتخلفون عن الجمعة بسبب ~~ثيابهم فلبس عباءة فصلى فيها بالناس # وهذه مواضع يجتمع فيها الرياء والكبر فما يختص بالملأ فهو الرياء وما ~~يكون في الخلوة فهو الكبر فاعرف فإن من لا يعرف الشر لا يتقيه ومن لا يدرك ~~المرض لا يداويه # | بيان غاية الرياضة في خلق التواضع # اعلم أن هذا الخلق كسائر الأخلاق له طرفان وواسطة فطرفه الذي يميل إلى ~~الزيادة يسمى تكبرا وطرفه الذي يميل إلى النقصان يسمى تخاسسا ومذلة والوسط ~~يسمى تواضعا # والمحمود أن يتواضع في غير مذلة ومن غير تخاسس فإن كلا طرفي الأمور ذميم ~~وأحب الأمور إلى الله تعالى أوساطها # فمن يتقدم على أمثاله فهو متكبر ومن يتأخر عنهم فهو متواضع أي وضع شيئا ~~من قدره الذي يستحقه # والعالم إذا دخل عليه إسكاف فتنحى له عن مجلسه وأجلسه فيه ثم تقدم وسوى ~~له نعله وعدا إلى باب الدار خلفه فقد تخاسس وتذلل وهذا أيضا غير محمود بل ~~المحمود عند الله العدل وهو أن يعطي كل ذي حق حقه فينبغي أن يتواضع بمثل ~~هذا لأقرانه ومن يقرب من درجته فأما تواضعه للسوقي فبالقيام والبشر في ~~الكلام والرفق في السؤال وإجابة دعوته والسعي في حاجته وأمثال ذلك وأن لا ~~يرى نفسه خيرا منه بل يكون على نفسه أخوف منه على غيره فلا يحتقره ولا ~~يستصغره وهو لا يعرف خاتمة PageV03P368 أمره # فإذن سبيله في اكتساب التواضع أن يتواضع للأقران ولمن دونهم حتى يخف عليه ~~التواضع المحمود في محاسن العادات ليزول به الكبر عنه فإن خف عليه ذلك فقد ~~حصل له خلق التواضع وإن كان يثقل عليه وهو يفعل ذلك فهو متكلف لا متواضع بل ~~الخلق ما يصدر عنه الفعل بسهولة من غير ثقل ومن غير روية فإن خف ذلك وصار ~~بحيث يثقل عليه رعاية قدره حتى أحب التملق والتخاسس فقد خرج إلى طرف ~~النقصان فليرفع نفسه إذ ليس للمؤمن أن تذل نفسه إلى أن يعود إلى الوسط الذي ~~هو الصراط المستقيم وذلك غامض في هذا الخلق وفي سائر الأخلاق # والميل عن الوسط إلى طرف النقصان وهو التملق أهون من الميل إلى طرف ~~الزيادة بالتكبر كما أن الميل إلى طرف التبذير في المال أحمد عند الناس من ~~الميل إلى طرف البخل فنهاية التبذير ونهاية البخل مذمومان وأحدهما أفحش ~~وكذلك نهاية التكبر ونهاية التنقص والتذلل مذمومان وأحدهما أقبح من الآخر # والمحمود المطلق هو العدل ووضع الأمور مواضعها كما يجب وعلى ما يجب كما ~~يعرف ذلك بالشرع والعادة ولنقتصر على هذا القدر من بيان أخلاق الكبر ~~والتواضع # الشطر الثاني من الكتاب في العجب وفيه # | بيان ذم العجب وآفاته # وبيان حقيقة العجب والإدلال وحدهما وبيان علاج العجب على الجملة وبيان ~~أقسام ما به العجب وتفصيل علاجه بيان ذم العجب وآفاته # اعلم أن العجب مذموم في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم # قال الله تعالى @QB@ ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا @QE@ ~~ذكر ذلك في معرض الإنكار وقال عز وجل @QB@ وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من ~~الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا @QE@ فرد على الكفار في إعجابهم ~~بحصونهم وشوكتهم وقال تعالى @QB@ وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا @QE@ وهذا ~~أيضا يرجع إلى العجب بالعمل # وقد يعجب الإنسان بالعمل هو مخطئ فيه كما يعجب بعمل هو مصيب فيه # وقال صلى الله عليه وسلم ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء ~~بنفسه + حديث ثلاث مهلكات الحديث تقدم غير مرة # وقال لأبي ثعلبة حيث ذكر آخر هذه الأمة فقال إذا رأيت شحا مطاعا وهوى ~~متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك + حديث أبي ثعلبة إذا رأيت شحا ~~مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك أخرجه أبو داود ~~والترمذي وحسنه وابن ماجه وقد تقدم # وقال ابن مسعود الهالك في اثنتين القنوط والعجب # وإنما جمع بينهما لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب والجد والتشمر ~~والقانط لا يسعى ولا يطلب والمعجب يعتقد أنه قد سعد وقد ظفر بمراده فلا ~~يسعى # فالموجود لا يطلب والمحال لا يطلب والسعادة موجودة في اعتقاد المعجب ~~حاصلة له ومستحيلة في اعتقاد القانط فمن ههنا جمع بينهما # وقد قال تعالى @QB@ فلا تزكوا أنفسكم @QE@ قال ابن جريج معناه إذا عملت ~~خيرا فلا تقل عملت # وقال زيد بن أسلم # لا تبروها أي لا تعتقدوا أنها بارة وهو معنى العجب # ووقى طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بنفسه فأكب عليه حتى ~~أصيبت كفه فكأنه أعجبه فعله العظيم إذ فداه بروحه حتى جرح فتفرس ذلك عمر ~~فيه فقال # مازال يعرف في طلحة فأو منذ أصيبت أصبعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~+ حديث وقى طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وأكب عليه حتى أصيبت ~~كفه أخرجه البخاري من وراية قيس بن أبي حازم قال رأيت يد طلحة شلاء وقى بها ~~النبي صلى الله عليه وسلم # والنأو هو العجب في اللغة إلا أنه لم ينقل فيه أنه أظهره واحتقر مسلما ~~ولما كان وقت الشورى قال له ابن عباس أين أنت من طلحة قال ذلك رجل فيه تحوة # فإذا كان لا يتخلص من العجب أمثالهم فكيف يتخلص من الضعفاء إن ~~PageV03P369 لم يأخذوا حذرهم وقال مطرف لأن أبيت نائما وأصبح نادما أحب إلي ~~من أبيت قائما وأصبح معجبا # وقال صلى الله عليه وسلم لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك ~~العجب العجب + حديث لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب ~~العجب أخرجه البزار وابن حبان في الضعفاء والبيهقي في الشعب من حديث أنس ~~وفيه سلام بن أبي الصهباء قال البخاري منكر الحديث # وقال أحمد حسن الحديث ورواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ~~أبي سعيد بسند ضعيف جدا # فجعل العجب أكبر الذنوب # وكان بشر بن منصور من الذين إذا رءوا ذكر الله تعالى والدار الآخرة ~~لمواظبته على العبادة فأطال الصلاة يوما ورجل خلفه ينظر ففطن له بشر فلما ~~انصرف عن الصلاة قال له لا يعجبنك ما رأيت مني فإن إبليس لعنه الله قد عبد ~~الله تعالى مع الملائكة مدة طويلة ثم صار إلى ما صار إليه # وقيل لعائشة رضي الله عنها متى يكون الرجل مسيئا قالت إذا ظن أنه محسن ~~وقد قال تعالى @QB@ لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى @QE@ والمن نتيجة ~~استعظام الصدقة واستعظام العمل هو العجب # فظهر بهذا أن العجب مذموم جدا # | بيان آفة العجب # اعلم أن آفات العجب كثيرة فإن العجب يدعو إلى الكبر لأنه أحد أسبابه كما ~~ذكرناه فيتولد من العجب الكبر ومن الكبر الآفات الكثيرة التي لا تخفى هذا ~~مع العباد وأما مع الله تعالى فالعجب يدعو إلى نسيان الذنوب وإهمالها فبعض ~~ذنوبه لا يذكرها ولا يتفقدها لظنه أنه مستغن عن تفقدها فينساها وما يتذكره ~~منها فيستصغره ولا يستعظمه فلا يجتهد في تداركه وتلافيه بل يظن أنه يغفر له # وأما العبادات والأعمال فإنه يستعظمها ويتبجح بها ويمن على الله بفعلها ~~وينسى نعمة الله عليه بالتوفيق والتمكين منها ثم إذا عجب بها عمي عن آفاتها # ومن لم يتفقد آفات الأعمال كان أكثر سعيه ضائعا فإن الأعمال الظاهرة إذا ~~لم تكن خالصة نقية عن الشوائب قلما تنفع وإنما يتفقد من يغلب عليه الإشفاق ~~والخوف دون العجب والمعجب يغتر بنفسه وبرأيه ويأمن مكر الله وعذابه ويظن ~~أنه عند الله بمكان وأن له عند الله منة وحقا بأعماله التي هي نعمة وعطية ~~من عطاياه ويخرجه العجب إلى أن يثني على نفسه ويحمدها ويزكيها وإن أعجب ~~برأيه وعمله وعقله منع ذلك من الاستفادة ومن الاستشارة والسؤال فيستبد ~~بنفسه ورأيه ويستنكف من سؤال من هو أعلم منه وربما يعجب بالرأي الخطأ الذي ~~خطر له فيفرح بكونه من خواطره ولا يفرح بخواطر غيره فيصر عليه ولا يسمع نصح ~~ولا وعظ واعظ بل ينظر إلى غيره بعين الاستجهال ويصر على خطئه فإن كان رأيه ~~في أمر دنيوي فيحقق فيه وإن كان في أمر ديني لا سيما فيما يتعلق بأصول ~~العقائد فيهلك به ولو اتهم نفسه ولم يثق برأيه واستضاء بنور القرآن واستعان ~~بعلماء الدين وواظب على مدارسة العلم وتابع سؤال أهل البصيرة لكان ذلك ~~يوصله إلى الحق # فهذا وأمثاله من آفات العجب فلذلك كان من المهلكات ومن أعظم آفاته أن ~~يفتر في السعي لظنه أنه قد فاز وأنه قد استغنى وهو الهلاك الصريح الذي لا ~~شبهة فيه # نسأل الله تعالى العظيم حسن التوفيق لطاعته # | بيان حقيقة العجب والإدلال وحدهما # اعلم أن العجب إنما يكون بوصف هو كمال لا محالة وللعالم بكمال نفسه في ~~علم وعمل ومال وغيره حالتان # إحداهما أن يكون خائفا على زواله ومشفقا على تكدره أو سلبه من أصله فهذا ~~ليس بمعجب # والأخرى أن لا يكون خائفا من زواله لكن يكون فرحا به من حيث إنه نعمة من ~~الله تعالى عليه لا من حيث إضافته إلى نفسه PageV03P370 وهذا أيضا ليس ~~بمعجب # وله حالة ثالثة هي العجب وهي أن يكون غير خائف عليه بل يكون فرحا به ~~مطمئنا إليه ويكون فرحه به من حيث إنه كمال ونعمة وخير ورفعة لا من حيث إنه ~~عطية من الله تعالى ونعمة منه فيكون فرحه من حيث إنه صفته ومنسوب إليه بأنه ~~له لا من حيث إنه منسوب إلى الله تعالى بأنه منه فمهما غلب على قلبه أنه ~~نعمة من الله مهما شاء سلبها عنه زال العجب بذلك عن نفسه # فإذن العجب هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم ~~فإن انضاف إلى ذلك أن غلب على نفسه أن له عند الله حقا وأنه منه بمكان حتى ~~يتوقع بعمله كرامة في الدنيا واستبعد أن يجري عليه مكروه استبعادا يزيد على ~~استبعاده ما يجري على الفساق سمي هذا إدلالا بالعمل فكأنه يرى لنفسه على ~~الله دالة وكذلك قد يعطي غيره شيئا فيستعظمه ويمن عليه فيكون معجبا فإن ~~استخدمه أو اقترح عليه الاقتراحات أو استبعد تخلفه عن قضاء حقوقه كان مدلا ~~عليه # وقال قتادة في قوله تعالى @QB@ ولا تمنن تستكثر @QE@ أي لا تدل بعملك وفي ~~الخبر إن صلاة المدل لا ترفع فوق رأسه ولأن تضحك وأنت معترف بذنبك خير من ~~أن تبكي وأنت مدل بعملك + حديث إن صلاة المدل لا ترفع فوق رأسه الحديث لم ~~أجد له أصلا # والإدلال وراء العجب فلا مدل إلا وهو معجب ورب معجب لا يدل إذ العجب يحصل ~~بالاستعظام ونسيان النعمة دون توقع جزاء عليه والإدلال لا يتم إلا مع توقع ~~جزاء فإن توقع إجابة دعوته واستنكر ردها بباطنه وتعجب منه كان مدلا بعمله ~~لأنه لا يتعجب من رد دعاء الفاسق ويتعجب من رد دعاء نفسه لذلك # فهذا هو العجب والإدلال وهو من مقدمات الكبر وأسبابه والله تعالى أعلم # | بيان علاج العجب على الجملة # اعلم أن علاج كل علة هو مقابلة سببها بضده وعلة العجب الجهل المحض فعلاجه ~~المعرفة المضادة لذلك الجهل فقط فلنفرض العجب بفعل داخل تحت اختيار العبد ~~كالعبادة والصدقة والغزو وسياسة الخلق وإصلاحهم فإن العجب بهذا أغلب من ~~العجب بالجمال والقوة والنسب وما لا يدخل تحت اختياره ولا يراه من نفسه # فنقول الورع والتقوى والعبادة والعمل الذي به يعجب إنما يعجب به من حيث ~~إنه فيه فهو محله ومجراه أو من حيث إنه منه وبسببه وبقدرته وقوته فإن كان ~~يعجب به من حيث إنه فيه وهو محله ومجراه يجري فيه وعليه من جهة غيره فهذا ~~جهل لأن المحل مسخر ومجرى لا مدخل له في الإيجاد والتحصيل فكيف يعجب بما ~~ليس إليه وإن كان يعجب به من حيث إنه هو منه وإليه وباختياره حصل وبقدرته ~~تم فينبغي أن يتأمل في قدرته وإرادته وأعضائه وسائر الأسباب التي بها يتم ~~عمله أنها من أين كانت له فإن كان جميع ذلك نعمة من الله عليه من غير حق ~~سبق له ومن غير وسيلة يدلي بها فينبغي أن يكون إعحابه بجود الله وكرمه ~~وفضله إذ أفاض عليه ما لا يستحق وآثره به على غيره من غير سابقة ووسيلة ~~فمهما برز الملك لغلمانه ونظر إليهم وخلع من جملتهم على واحد منهم لا لصفة ~~فيه ولا لوسيلة ولا لجماله ولا لخدمة فينبغي أن يتعجب المنعم عليه من فضل ~~الملك وحكمه وإيثاره من غير استحقاق وإعجابه بنفسه من أين وما سببه ولا ~~ينبغي أن يعجب بنفسه # نعم يجوز أن يعجب العبد فيقول الملك حكم عدل لا يظلم ولا يقدم ولا يؤخر ~~إلا لسبب فلولا أنه تفطن في صفة من الصفات المحمودة الباطنة لما اقتضى ~~الإيثار بالخلعة ولما آثرني بها فيقال وتلك الصفة أيضا هي من خلعة الملك ~~وعطيته التي خصصك بها من غيرك من غير وسيلة أو هي عطية غيره فإن كانت من ~~عطية الملك أيضا لم يكن لك أن تعجب بها بل كانوا كما لو أعطاك فرسا ~~PageV03P371 فلم تعجب به # فأعطاك علاما فصرت تعجب به وتقول إنما أعطاني غلاما لأني صاحب فرس فأما ~~غيري فلا فرس له فيقال وهو الذي أعطاك الفرس فلا فرق بين أن يعطيك الفرس ~~والغلام معا أو يعطيك أحدهما بعد الآخر فإذا كان الكل منه فينبغي أن يعجبك ~~جوده وفضله لا نفسك # وأما إن كانت تلك الصفة من غيره فلا يبعد أن تعجب بتلك الصفة وهذا يتصور ~~في حق الملوك ولا يتصور في حق الجبار القاهر ملك الملوك المنفرد باختراع ~~الجميع المنفرد بإيجاد الموصوف والصفة فإنك إن أعجبت بعادتك وقلت وفقني ~~للعبادة لحبي له فيقال ومن خلق الحب في قلبك فتقول هو فيقال فالحب والعبادة ~~كلاهما نعمتان من عنده ابتدأك بهما من غير استحقاق من جهتك إذ لا وسيلة لك ~~ولا علاقة فيكون الإعجاب بجوده إذ أنعم بوجودك ووجود صفاتك وبوجود أعمالك ~~وأسباب أعمالك فإذا لا معنى لعجب العابد بعبادته وعجب العالم بعلمه وعجب ~~الجميل بجماله وعجب الغني بغناه لأن كل ذلك من فضل الله وإنما هو محل ~~لفيضان فضل الله تعالى وجوده والمحل أيضا من فضله وجوده # فإن قلت لا يمكنني أن أجهل أعمالي وإني أنا عملتها فإني أنتظر عليها ~~ثوابا ولولا أنها عملي لما انتظرت ثوابا فإن كانت الأعمال مخلوقة لله على ~~سبيل الاختراع فمن أين لي الثواب وإن كانت الأعمال مني وبقدرته فكيف لا ~~أعجب بها فاعلم أن جوابك من وجهين # أحدهما هو صريح الحق # والآخر فيه مسامحة # أما صريح الحق فهو أنك وقدرتك وإرادتك وحركتك وجميع ذلك من خلق الله ~~واختراعه فما عملت إذ عملت وما صليت إذ صليت @QB@ وما رميت إذ رميت ولكن ~~الله رمى @QE@ فهذا هو الحق الذي انكشف لأرباب القلوب بمشاهدة أوضح من ~~إبصار العين بل خلقك وخلق أعضاءك وخلق فيها القوة والقدرة والصحة وخلق لك ~~العقل والعلم وخلق لك الإرادة ولو أردت أن تنفي شيئا من هذا عن نفسك لم ~~تقدر عليه ثم خلق الحركات في أعضائك مستبدا باختراعها من غير مشاركة من ~~جهتك معه في الاختراع إلا أنه خلقه على ترتيب فلم يخلق الحركة ما لم يخلق ~~في العضو قوة وفي القلب إرادة ولم يخلق إرادة ما لم يخلق علما بالمراد ولم ~~يخلق علما ما لم يخلق القلب الذي هو محل العلم فتدريجه في الخلق شيئا بعد ~~شيء هو الذي خيل لك أنك أوجدت عملك وقد غلطت # وإيضاح ذلك وكيفية الثواب على عمل هو من خلق الله سيأتي تقريره في كتاب ~~الشكر فأنه أليق به فارجع إليه # ونحن الآن نزيل إشكالك بالجواب الثاني الذي فيه مسامحة ما وهو أن تحسب أن ~~العمل حصل بقدرتك فمن أين قدرتك ولا يتصور العمل إلا بوجودك ووجود عملك ~~وإرادتك وسائر أسباب عملك وكل ذلك من الله تعالى لا منك فإن كان العمل ~~بالقدرة فالقدرة مفتاحه وهذا المفتاح بيد الله ومهما لم يعطك المفتاح فلا ~~يمكنك العمل فالعبادات خزائن بها يتوصل إلى السعادات ومفاتيحها القدرة ~~والإرادة والعلم وهي بيد الله لا محالة # أرأيت لو رأيت خزائن الدنيا مجموعة في قلعة حصينة ومفتاحها بيد خازن ولو ~~جلست على بابها وحول حيطانها ألف سنة لم يمكنك أن تنظر إلى دينار مما فيها ~~ولو أعطاك المفتاح لأخذته من قريب بأن تبسط يدك إليه فتأخذه فقط فإذا أعطاك ~~الخازن المفاتيح وسلطك عليها ومكنك منها فمددت يدك وأخذتها كان إعجابك ~~بإعطاء الخازن المفاتيح أو بما إليك من مد اليد وأخذها فلا تشك في أنك ترى ~~ذلك نعمة من الخازن لأن المؤنة في تحريك اليد بأخذ المال قريبة وإنما الشأن ~~كله في تسليم المفاتيح # فكذلك مهما خلقت القدرة وسلطت الإرادة الجازمة وحركت الدواعي والبواعث ~~وصرف عنك الموانع والصوارف حتى لم يبق صارف إلا دفع ولا باعث إلا وكل بك ~~فالعمل هين عليك وتحريك البواعث وصرف العوائق وتهيئة الأسباب كلها من الله ~~ليس شيء منها إليك فمن العجائب أن تعجب بنفسك PageV03P372 ولا تعجب بمن ~~إليه الأمر كله ولا تعجب بجوده وفضله وكرمه في إيثاره إياك على الفساق من ~~عباده إذ سلط دواعي الفساد على الفساق وصرفها عنك وسلط أخدان السوء ودعاة ~~الشر عليهم وصرفهم عنك ومكنك من أسباب الشهوات واللذات وزواها عنك وصرف ~~عنهم بواعث الخير ودواعيه وسلطها عليك حتى تيسر لك الخير وتيسر لهم الشر ~~فعل ذلك كله بك من غير وسيلة سابقة منك ولا جريمة سابقة من الفاسق العاصي ~~بل آثرك وقدمك واصطفاك بفضله وأبعد العاصي وأشقاه بعدله فما أعجب إعجابك ~~بنفسك إذا عرفت ذلك فإذن لا تنصرف قدرتك إلى المقدور إلا بتسليط الله عليك ~~داعية لا تجد سبيلا إلى مخالفتها فكأنه الذي اضطرك إلى الفعل إن كنت فاعلا ~~تحقيقا فله الشكر والمنة لا لك وسيأتي في كتاب التوحيد والتوكل من بيان ~~تسلسل الأسباب والمسببات ما تستبين به أنه لا فاعل إلا الله ولا خالق سواه ~~والعجب ممن يتعجب إذا رزقه الله عقلا وأفقره فمن أفاض عليه المال من غير ~~علم فيقول كيف منعني قوت يومي وأنا العاقل الفاضل وأفاض على هذا نعيم ~~الدنيا وهو الغافل الجاهل حتى يكاد يرى هذا ظلما ولا يدري المغرور أنه لو ~~جمع له بين العقل والمال جميعا لكان ذلك بالظلم أشبه في ظاهر الحال إذ يقول ~~الجاهل الفقير يا رب لم جمعت له بين العقل والغنى وحرمتني منهما فهلا ~~جمعتهما لي أو لا هلا رزقتني أحدهما وإلى هذا أشار علي رضي الله عنه حيث ~~قيل له ما بال العقلاء فقراء فقال إن عقل الرجل محسوب عليه من رزقه # والعجب أن العاقل الفقير ربما يرى الجاهل الغني أحسن حالا من نفسه ولو ~~قيل له هل تؤثر جهله وغناه عوضا عن عقلك وفقرك لامتنع عنه فإذن ذلك يدل على ~~أن نعمة الله عليه أكبر فلم يتعجب من ذلك والمرأة الحسناء الفقيرة ترى ~~الحلي والجواهر على الدميمة القبيحة فتعجب وتقول كيف يحرم مثل هذا الجمال ~~من الزينة ويخصص مثل ذلك القبح ولا تدري المغرورة أن الجمال محسوب عليها من ~~رزقها وأنها لو خيرت بين الجمال وبين القبح مع الغنى لآثرت الجمال فإذن ~~نعمة الله عليها أكبر # وقول الحكيم الفقير العاقل بقلبه يا رب لم حرمتني الدنيا وأعطيتها الجهال ~~كقول من أعطاه الملك فرسا فيقول أيها الملك لم لا تعطيني الغلام وأنا صاحب ~~فرس فيقول كنت لا تتعجب من هذا لو لم أعطك الفرس فهب أني ما أعطيتك فرسا ~~أصارت نعمتي عليك وسيلة لك وحجة تطلب بها نعمة أخرى فهذه أوهام لا تخلو ~~الجهال عنها ومنشأ جميع ذلك الجهل ويزال ذلك بالعلم المحقق بأن العبد وعمله ~~وأوصافه كل ذلك من عند الله تعالى نعمة ابتدأه به قبل الاستحقاق وهذا ينفي ~~العجب والإدلال ويورث الخضوع والشكر والخوف من زوال النعمة # ومن عرف هذا لم يتصور أن يعجب بعلمه وعمله إذ يعلم أن ذلك من الله تعالى ~~ولذلك قال داود عليه السلام يا رب ما تأتي ليلة إلا وإنسان من آل داود صائم ~~وفي رواية ما تمر ساعة من ليل أو نهار إلا وعابد من آل داود يعبدك إما يصلي ~~وإما يصوم وإما يذكرك فأوحى الله تعالى إليه يا داود ومن أين لهم ذلك إن ~~ذلك لم يكن إلا بي ولولا عوني إياك ما قويت وسأكلك إلى نفسك قال ابن عباس ~~إنما أصاب داود ما أصاب من الذنب بعجبه بعمله إذ أضافه إلى آل داود مدلا به ~~حتى وكل إلى نفسه فأذنب ذنبا أورثه الحزن والندم # وقال داود يا رب إن بني إسرائيل يسألونك بإبراهيم وإسحاق ويعقوب فقال إني ~~ابتليتهم فصبروا فقال يا رب وأنا إن ابتليتني صبرت فأدل بالعمل قبل وقته ~~فقال الله تعالى فإني لم أخبرهم بأي شيء أبتليهم ولا في أي شهر ولا في أي ~~يوم وأنا مخبرك في سنتك هذه وشهرك هذا أبتليك غدا بامرأة فاحذر نفسك فوقع ~~فيما وقع فيه # وكذلك لما اتكل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين على قوتهم ~~وكثرتهم PageV03P373 ونسوا فضل الله تعالى عليهم وقالوا لا نغلب اليوم من ~~قلة + حديث قولهم يوم حنين لا نغلب اليوم من قلة أخرجه البيهقي في دلائل ~~النبوة من رواية الربيع بن أنس مرسلا أن رجلا قال يوم حنين لن نغلب اليوم ~~من قلة فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل @QB@ ~~ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم @QE@ ولابن مردويه في تفسيره من حديث أنس لما ~~التقوا يوم حنين أعجبتهم كثرتهم فقالوا اليوم نقاتل ففروا فيه الفرح بن ~~فضالة ضعفه الجمهور # وكلوا إلى أنفسهم فقال تعالى @QB@ ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن ~~عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين @QE@ # روى ابن عيينة أن أيوب عليه السلام قال إلهي إنك ابتليتني بهذا البلاء ~~وما ورد على أمر إلا آثرت هواك على هواي فنودي من غمامة بعشرة آلاف صوت # يا أيوب أنى لك ذلك أي من أين لك ذلك قال فأخذ رمادا ووضعه على رأسه وقال ~~منك يا رب منك يا رب فرجع من نسيانه إلى إضافة ذلك إلى الله تعالى # ولهذا قال الله تعالى ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد ~~أبدا وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهم خير الناس ما منكم من أحد ~~ينجيه عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله ~~برحمته + حديث ما منكم من أحد ينجيه عمله الحديث متفق عليه من حديث أبي ~~هريرة # ولقد كان أصحابه من بعده يتمنون أن يكونوا ترابا وتبنا وطيرا مع صفاء ~~أعمالهم وقلوبهم فكيف يكون لذي بصيرة أن يعجب بعمله أو يدل به ولا يخاف على ~~نفسه فإذن هذا هو العلاج القامع لمادة العجب من القلب # ومهما غلب ذلك على القلب شغله خوف سلب هذه النعمة عن الإعجاب بها بل هو ~~ينظر إلى الكفار والفساق وقد سلبوا نعمة الإيمان والطاعة بغير ذنب أذنبوه ~~من قبل فيخاف من ذلك فيقول إن من لا يبالي أن يحرم من غير جناية ويعطى من ~~غير وسيلة لا يبالي أن يعود ويسترجع ما وهب فكم من مؤمن قد ارتد ومطيع قد ~~فسق وختم له بسوء وهذا لا يبقى معه عجب بحال والله تعالى أعلم # | بيان أقسام ما به العجب وتفصيل علاجه # اعلم أن العجب بالأسباب التي بها يتكبر كما ذكرناه وقد يعجب بما لا يتكبر ~~به كعجبه بالرأي الخطأ الذي يزين له بجهله # فما به العجب ثمانية أقسام # الأول أن يعجب ببدنه في جماله وهيئته وصحته وقوته وتناسب أشكاله وحسن ~~صورته وحسن صوته وبالجملة تفصيل خلقته فيلتفت إلى جمال نفسه وينسى أنه نعمة ~~من الله تعالى وهو بعرضة الزوال في كل حال وعلاجه ما ذكرناه في الكبر ~~بالجمال وهو التفكر في أقذار باطنه وفي أول أمره وفي آخره وفي الوجوه ~~الجميلة والأبدان الناعمة أنها كيف تمزقت في التراب وأنتنت في القبور حتى ~~استقذرتها الطباع # الثاني البطش والقوة كما حكي عن قوم عاد حين قالوا فيما أخبر الله عنهم ~~@QB@ من أشد منا قوة @QE@ وكما اتكل عوج على قوته وأعجب بها فاقتلع جبلا ~~ليطبقه على عسكر موسى عليه السلام فثقب الله تعالى تلك القطعة من الجبل ~~بنقر هدهد ضعيف المنقار حتى صارت في عنقه وقد يتكل المؤمن أيضا على قوته ~~كما روي عن سليمان عليه السلام أنه قال لأطوفن الليلة على مائة امرأة ولم ~~يقل إن شاء الله تعالى فحرم ما أراد من الولد + حديث قال سليمان لأطوفن ~~الليلة بمائة امرأة الحديث أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة # وكذلك قول داود عليه السلام إن ابتليتني صبرت وكان إعجابا منه بالقوة ~~فلما ابتلي بالمرأة لم يصبر # ويورث العجب بالقوة الهجوم في الحروب وإلقاء النفس في التهلكة والمبادرة ~~إلى الضرب والقتل لكل من قصده بالسوء وعلاجه ما ذكرناه وهو أن يعلم أن حمى ~~يوم تضعف قوته وأنه إذا أعجب بها ربما سلبها الله تعالى بأدنى آفة يسلطها ~~عليه PageV03P374 # الثالث العجب بالعقل والكياسة والتفطن لدقائق الأمور من مصالح الدين ~~والدنيا وثمرته الاستبداد بالرأي وترك المشورة واستجهال الناس المخالفين له ~~ولرأيه ويخرج إلى قلة الإصغاء إلى أهل العلم إعراضا عنهم بالاستغناء بالرأي ~~والعقل واستحقارا لهم وإهانة وعلاجه أن يشكر الله تعالى على ما رزق من ~~العقل ويتفكر أنه بأدنى مرض يصيب دماغه كيف يوسوس ويجن بحيث يضحك منه فلا ~~يأمن من أن يسلب عقله إن أعجب به ولم يقم بشكره وليستقصر عقله وعلمه وليعلم ~~أنه ما أوتي من العلم إلا قليلا وإن اتسع علمه وأن ما جهله مما عرفه الناس ~~أكثر مما عرفه فكيف بما لم يعرفه الناس من علم الله تعالى وأن يتهم عقله ~~وينظر إلى الحمقى كيف يعجبون بعقولهم ويضحك الناس منهم فيحذر أن يكون منهم ~~وهو لا يدري # فإن القاصر العقل قط لا يعلم قصور عقله فينبغي أن يعرف مقدار عقله من ~~غيره لا من نفسه ومن أعدائه لا من أصدقائه فإن من يداهنه يثني عليه فيزيده ~~عجبا وهو لا يظن بنفسه إلا الخير ولا يفطن لجهل نفسه فيزداد عجبا # الرابع العجب بالنسب الشريف كعجب الهاشمية حتى يظن بعضهم أنه ينجو بشرف ~~نسبه ونجاة آبائه وأنه مغفور له ويتخيل بعضهم أن جميع الخلق له موال وعبيد ~~وعلاجه أن يعلم أنه مهما خالف آباءه في أفعالهم وأخلاقهم وظن أنه ملحق بهم ~~فقد جهل وإن اقتدى بآبائه فما كان من أخلاقهم العجب بل الخوف والازدراء على ~~النفس واستعظام الخلق ومذمة النفس ولقد شرفوا بالطاعة والعلم والخصال ~~الحميدة لا بالنسب فليتشرف بما شرفوا به وقد ساواهم في النسب وشاركهم في ~~القبائل من لم يؤمن بالله واليوم الآخر وكانوا عند الله شرا من الكلاب وأخس ~~من الخنازير ولذلك قال تعالى @QB@ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ~~@QE@ أي لا تفاوت في أنسابكم لاجتماعكم في أصل واحد ثم ذكر فائدة النسب ~~فقال @QB@ وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا @QE@ ثم بين أن الشرف بالتقوى لا ~~بالنسب فقال @QB@ إن أكرمكم عند الله أتقاكم @QE@ ولما قيل لرسول الله صلى ~~الله عليه وسلم من أكرم الناس من أكيس الناس لم يقل من ينتمي إلى نسبي ولكن ~~قال أكرمهم أكثرهم للموت ذكرا وأشدهم له استعدادا + حديث لما قيل له من ~~أكرم الناس من أكيس الناس قال أكثرهم للموت ذكرا الحديث أخرجه ابن ماجه من ~~حديث ابن عمر دون قوله وأكرم الناس وهو بهذه الزيادة عند ابن أبي الدنيا في ~~ذكر الموت آخر الكتاب # وإنما نزلت هذه الآية حين أذن بلال يوم الفتح على الكعبة فقال الحرث بن ~~هشام وسهيل بن عمرو وخالد بن أسيد هذا العبد الأسود يؤذن على الكعبة فقال ~~تعالى @QB@ إن أكرمكم عند الله أتقاكم @QE@ وقال النبي صلى الله عليه وسلم ~~إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية أي كبيرها كلكم بنو آدم وآدم من تراب + ~~حديث إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية الحديث أخرجه أبو داود والترمذي ~~وحسنه من حديث أبي هريرة ورواه الترمذي أيضا من حديث ابن عمر وقال غريب # وقال النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر قريش لا تأتي الناس بالأعمال يوم ~~القيامة وتأتون بالدنيا تحملونها على رقابكم تقولون يا محمد يا محمد فأقول ~~هكذا أي أعرض عنكم + حديث يا معشر قريش لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة ~~وتأتون بالدنيا تحملونها على رقابكم الحديث أخرجه الطبراني من حديث عمران ~~بن حصين إلا أنه قال يا معشر بني هاشم وسنده ضعيف # فبين أنهم إذا مالوا إلى الدنيا لم ينفعهم نسب قريش # ولما نزل قوله تعالى @QB@ وأنذر عشيرتك الأقربين @QE@ ناداهم بطنا بعد ~~بطن حتى قال يا فاطمة بنت محمد يا صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم اعملا لأنفسكما فإني لا أغني عنكما من الله شيئا + حديث لما ~~نزل قوله تعالى @QB@ وأنذر عشيرتك الأقربين @QE@ ناداهم بطنا بعد بطن حتى ~~قال يا فاطمة بنت محمد يا صفية بنت عبد المطلب الحديث متفق عليه من حديث ~~أبي هريرة ورواه مسلم من حديث عائشة # فمن عرف هذه الأمور وعلم أن شرفه بقدر تقواه وقد كان من عادة آبائه ~~التواضع اقتدى بهم في التقوى PageV03P375 والتواضع وإلا كان طاعنا في نسب ~~نفسه بلسان حاله مهما انتمى إليهم ولم يشبههم في التواضع والتقوى والخوف ~~والإشفاق # فإن قلت فقد قال صلى الله عليه وسلم بعد قوله لفاطمة وصفية إني لا أغني ~~عنكما من الله شيئا إلا أن لكم رحما سأبلها ببلالها + حديث قوله بعد قوله ~~المتقدم لفاطمة وصفية ألا إن لكما رحما سأبلها ببلالها أخرجه مسلم من حديث ~~أبي هريرة بلفظ غير أن لكم رحما سأبلها ببلاها # وقد صلى الله عليه وسلم أترجو سليم شفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب + ~~حديث أترجو سليم شفاعتي ولا ترجوها بنو عبد المطلب أخرجه الطبراني في ~~الأوسط من حديث عبد الله بن جعفر وفيه أصيرم بن حوشب عن إسحاق بن واصل ~~وكلاهما ضعيف جدا # فذلك يدل على أنه سيخصص قرابته بالشفاعة فاعلم أن كل مسلم فهو منتظر ~~شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والنسيب أيضا جدير بأن يرجوها لكن بشرط ~~أن يتقي الله أن يغضب عليه فإنه إن يغضب عليه فلا يأذن لأحد في شفاعته لأن ~~الذنوب منقسمة إلى ما يوجب المقت فلا يؤذن في الشفاعة له وإلى ما يعفى عنه ~~بسبب الشفاعة كالذنوب عند ملوك الدنيا فإن كل ذي مكانة عند الملك لا يقدر ~~على الشفاعة فيما اشتد عليه غضب الملك فمن الذنوب ما لا تنجي منه الشفاعة ~~وعنه العبارة بقوله تعالى @QB@ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى @QE@ وبقوله @QB@ ~~من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه @QE@ وبقوله @QB@ ولا تنفع الشفاعة عنده ~~إلا لمن أذن له @QE@ وبقوله @QB@ فما تنفعهم شفاعة الشافعين @QE@ وإذا ~~انقسمت الذنوب إلا ما يشفع فيه وإلا ما لا يشفع فيه وجب الخوف والإشفاق لا ~~محالة ولو كان ذنب تقبل فيه الشفاعة لما أمر قريشا بالطاعة ولما نهى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها عن المعصية ولكان يأذن لها في ~~اتباع الشهوات لتكمل لذاتها في الدنيا ثم يشفع لها في الآخرة لتكمل لذاتها ~~في الآخرة # فالانهماك في الذنوب وترك التقوى اتكالا على رجاء الشفاعة يضاهي انهماك ~~المريض في شهواته اعتمادا على طبيب حاذق قريب مشفق من أب أو أخ أو غيره ~~وذلك جهل لأن سعي الطبيب وهمته وحذقه تنفع في إزالة بعض الأمراض لا في كلها ~~فلا يجوز ترك الحمية مطلقا اعتمادا على مجرد الطب بل للطبيب أثر على الجملة ~~ولكن في الأمراض الخفيفة وعند غلبة اعتدال المزاج # فهكذا ينبغي أن تفهم عناية الشفعاء من الأنبياء والصلحاء للأقارب ~~والأجانب فإنه كذلك قطعا وذلك لا يزيل الخوف والحذر وكيف يزيل وخير الخلق ~~بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وقد كانوا يتمنون أن يكونوا بهائم ~~من خوف الآخرة مع كمال تقواهم وحسن أعمالهم وصفاء قلوبهم وما سمعوه من وعد ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بالجنة خاصة وسائر المسلمين بالشفاعة ~~عامة ولم يتكلوا عليه ولم يفارق الخوف والخشوع قلوبهم فكيف يعجب بنفسه ~~ويتكل على الشفاعة من ليس له مثل صحبتهم وسابقتهم # الخامس العجب بنسب السلاطين الظلمة وأعوانهم دون نسب الدين والعلم # وهذا غاية الجهل وعلاجه أن يتفكر في مخازيهم وما جرى لهم من الظلم على ~~عباد الله والفساد في دين الله وأنهم الممقوتون عند الله تعالى ولو نظر إلى ~~صورهم في النار وأنتانهم وأقذارهم لاستنكف منهم ولتبرأ من الانتساب إليهم ~~ولأنكر على من نسبه إليهم استقذارا واستحقار لهم ولو انكشف له ذلهم في ~~القيامة وقد تعلق الخصماء بهم والملائكة آخذون بنواصيهم يجرونهم على وجوههم ~~إلى جهنم في مظالم العباد لتبرأ إلى الله منهم ولكان انتسابه إلى الكلب ~~والخنزير أحب إليه من الانتساب إليهم فحق أولاد الظلمة إن عصمهم الله من ~~ظلمهم أن يشكروا الله تعال على سلامة دينهم ويستغفروا لآبائهم إن كانوا ~~مسلمين فأما العجب فجهل محض PageV03P376 # السادس العجب بكثرة العدد من الأولاد والخدم والغلمان والعشيرة والأقارب ~~والأنصار والأتباع كما قال الكفار @QB@ نحن أكثر أموالا وأولادا @QE@ وكما ~~قال المؤمنون يوم حنين لا نغلب اليوم من قلة وعلاجه ما ذكرناه في الكبر وهو ~~أن يتفكر في ضعفه وضعفهم وأن كلهم عبيد عجزة لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا ~~نفعا # @QB@ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله @QE@ ثم كيف يعجب بهم ~~وأنهم سيفترقون عنه إذا مات فيدفن في قبره ذليلا مهينا وحده لا يرافقه أهل ~~ولا ولد ولا قريب ولا حميم ولا عشير فيسلمونه إلى البلى والحيات والعقارب ~~والديدان ولا يغنون عنه شيئا وفي أحوج أوقاته إليهم وكذلك يهربون منه يوم ~~القيامة @QB@ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه @QE@ الآية # فأي خير فيمن يفارقك في أشد أحوالك ويهرب منك وكيف تعجب به ولا ينفعك في ~~القبر والقيامة وعلى الصراط إلا عملك وفضل الله تعالى فكيف تتكل على من لا ~~ينفعك وتنسى نعم من يملك نفعك وضرك وموتك وحياتك # السابع العجب بالمال كما قال تعالى إخبارا عن صاحب الجنتين إذ قال @QB@ ~~أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا @QE@ ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ~~غنيا جلس بجنبه فقير فانقبض عنه وجمع ثيابه فقال صلى الله عليه وسلم أخشيت ~~أن يعدو إليك فقره + حديث رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا غنيا جلس ~~لجنبه فقير فانقبض منه الحديث رواه أحمد في الزهد # وذلك للعجب بالغنى وعلاجه أن يتفكر في آفات المال وكثرة حقوقه وعظيم ~~غوائله وينظر إلى فضيلة الفقراء وسبقهم إلى الجنة في القيامة وإلى أن المال ~~غاد ورائح ولا أصل له وإلى أن في اليهود من يزيد عليه في المال وإلى قوله ~~صلى الله عليه وسلم بينما رجل يتبختر في حلة له قد أعجبته نفسه إذا أمر ~~الله الأرض فأخذته فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة + حديث بينما رجل في ~~حلة قد أعجبته نفسه الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد تقدم # وأشار به إلى عقوبة إعجابه بماله ونفسه # وقال أبو ذر كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد فقال لي يا ~~أبا ذر ارفع رأسك فرفعت رأسي فإذا رجل عليه ثياب جياد ثم قال ارفع رأسك ~~فرفعت رأسي فإذا رجل عليه ثياب خلقة فقال لي يا أبا ذر هذا عند الله خير من ~~قراب الأرض مثل هذا + حديث أبي ذر كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل ~~المسجد فقال لي يا أبا ذر ارفع رأسك فرفعت رأسي الحديث وفيه هذا عند الله ~~خير من قراب الأرض مثل هذا أخرجه ابن حبان في صحيحه # وجميع ما ذكرناه في كتاب الزهد وكتاب ذم الدنيا وكتاب ذم المال يبين ~~حقارة الأغنياء وشرف الفقراء عند الله تعالى فكيف يتصور من المؤمن أن يعجب ~~بثروته بل لا يخلو المؤمن عن خوف من تقصيره في القيام بحقوق المال في أخذه ~~من حله ووضعه في حقه ومن لا يفعل ذلك فمصيره إلى الخزي والبوار فكيف يعجب ~~بماله # الثامن العجب بالرأي الخطأ # قال الله تعالى @QB@ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا @QE@ وقال تعالى ~~@QB@ وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا @QE@ وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أن ذلك يغلب على آخر هذه الأمة + حديث أنه يغلب على آخر هذه الأمة ~~الإعجاب بالرأي هو حديث أبي ثعلبة المتقدم فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ~~وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك وهو عند أبي داود والترمذي # وبذلك هلكت الأمم السالفة إذ افترقت فرقا فكل معجب برأيه وكل حزب بما ~~لديهم فرحون وجميع أهل البدع والضلال إنما أصروا عليها لعجبهم بآرائهم ~~والعجب بالبدعة هو استحسان ما يسوق إليه الهوى والشهوة مع ظن كونه حقا ~~وعلاج هذا العجب أشد من علاج غيره لأن صاحب الرأي الخطأ جاهل بخطئه ولو ~~عرفه لتركه ولا يعالج الداء الذي لا يعرف والجهل داء لا يعرف فتعسر مداواته ~~جدا # لأن العارف يقدر على أن يبين للجاهل جهله ويزيله PageV03P377 عنه إلا إذا ~~كان معجبا برأيه وجهله فإنه لا يصغي إلى العارف ويتهمه فقد سلط الله عله ~~بلية تهلكه وهو يظنها نعمة فكيف يمكن علاجه وكيف يطلب الهرب مما هو سبب ~~سعادته في اعتقاده وإنما علاجه على الجملة أن يكون متهما لرأيه أبدا لا ~~يغتر به إلا أن يشهد له قاطع من كتاب أو سنة أو دليل عقلي صحيح جامع لشروط ~~الأدلة ولن يعرف الإنسان أدلة الشرع والعقل وشروطها ومكامن الغلط فيها إلا ~~بقريحة تامة وعقل ثاقب وجد وتشمر في الطلب وممارسة للكتاب والسنة ومجالسة ~~لأهل العلم طول العمر ومدارسة للعلوم ومع ذلك فلا يؤمن عليه الغلط في بعض ~~الأمور والصواب لمن لم يتفرع لاستغراق عمره في العلم أن لا يخوض في المذاهب ~~ولا يصغي إليها ولا يسمعها ولكن يعتقد أن الله تعالى واحد لا شريك له وأنه ~~@QB@ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير @QE@ وأن رسوله صادق فيما أخبر به ~~ويتبع سنة السلف ويؤمن بجملة ما جاء به الكتاب والسنة من غير بحث وتنقير ~~وسؤال عن تفصيل بل يقول آمنا وصدقنا ويشتغل بالتقوى واجتناب المعاصي وأداء ~~الطاعات والشفقة على المسلمين وسائر الأعمال فإن خاض في المذاهب والبدع ~~والتعصب في العقائد هلك من حيث لا يشعر # هذا حق كل من عزم على أن يشتغل في عمره بشيء غير العلم فأما الذي عزم على ~~التجرد للعلم فأول مهم له معرفة الدليل وشروطه وذلك مما يطول الأمر فيه ~~والوصول إلى اليقين والمعرفة في أكبر المطالب شديد لا يقدر عليه إلا ~~الأقوياء المؤيدون بنور الله تعالى وهو عزيز الوجود جدا فنسأل الله تعالى ~~العصمة من الضلال ونعوذ به من الاغترار بخيالات الجهال # تم كتاب ذم الكبر والعجب والحمد لله وحده وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا ~~حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم و صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ~~وسلم # | كتاب ذم الغرور وهو الكتاب العاشر من ربع المهلكات من كتاب إحياء # علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي بيده مقاليد الأمور وبقدرته مفاتيح الخيرات والشرور مخرج ~~أوليائه من الظلمات إلى النور ومورد أعدائه ورطات الغرور والصلاة على محمد ~~مخرج الخلائق من الديجور وعلى آله وأصحابه الذين لم تغرهم الحياة الدنيا ~~ولم يغرهم بالله الغرور صلاة تتوالى على ممر الدهور ومكر الساعات والشهور # أما بعد فمفتاح السعادة التيقظ والفطنة ومنبع الشقاوة الغرور والغفلة فلا ~~نعمة لله على عباده أعظم من الإيمان والمعرفة ولا وسيلة إليه سوى انشراح ~~الصدر بنور البصيرة ولا نقمة أعظم من الكفر والمعصية ولا داعي إليهما سوى ~~عمى القلب بظلمة الجهالة # فالأكياس وأرباب البصائر قلوبهم كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة ~~الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غريبة ~~يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور والمغترون قلوبهم @QB@ ~~كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض ~~إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور @QE@ ~~فالأكياس هم الذين أراد الله أن يهديهم فشرح صدورهم للإسلام والهدى ~~والمغترون هم الذين أراد الله أن يضلهم فجعل صدرهم ضيقا حرجا كأنما يصعد في ~~السماء # والمغرور هو الذي لم تنفتح بصيرته ليكون بهداية نفسه كفيلا وبقي في العمى ~~فاتخذ الهوى قائدا والشيطان PageV03P378 دليلا @QB@ ومن كان في هذه أعمى ~~فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا @QE@ وإذا عرف أن الغرور 2 هو أم الشقاوات ~~ومنبع المهلكات فلا بد من شرح مداخله ومجاريه وتفصيل ما يكثر من وقوع ~~الغرور فيه ليحذره المريد بعد معرفته فيتقيه فالموفق من العباد من عرف ~~مداخل الآفات والفساد فأخذ منها حذره وبنى على الحزم والبصيرة أمره # ونحن نشرح أجناس مجاري الغرور وأصناف المغترين من القضاة والعلماء ~~والصالحين الذين اغتروا بمبادئ الأمور الجميلة ظواهرها القبيحة سرائرها ~~ونشير إلى وجه اغترارهم بها وغفلتهم عنها فإن ذلك وإن كان أكثر مما يحصى ~~ولكن يمكن التنبيه على أمثلة تغني عن الاستقصاء وفرق المغترين كثيرة ولكن ~~يجمعهم أربعة أصناف # الصنف الأول من العلماء # الصنف الثاني من العباد # الصنف الثالث من المتصوفة # الصنف الرابع من أرباب الأموال # المغتر من كل صنف فرق كثيرة وجهات غرورهم مختلفة فمنهم من رأى المنكر ~~معروفا كالذي يتخذ المسجد ويزخرفها من المال الحرام ومنهم من لم يميز بين ~~ما يسعى فيه لنفسه وبين ما يسعى فيه لله تعالى كالواعظ الذي غرضه القبول ~~والجاه ومنهم من يترك الأهم ويشتغل بغيره ومنهم من يترك الفرض ويشتغل ~~بالنافلة ومنهم من يترك اللباب ويشتغل بالقشر كالذي يكون همه في الصلاة ~~مقصورا على تصحيح مخارج الحروف إلى غير ذلك من مداخل لا تتضح إلا بتفصيل ~~الفرق وضرب الأمثلة # ولنبدأ أولا بذكر غرور العلماء ولكن بعد بيان ذم الغرور وبيان حقيقته ~~وحده # | بيان ذم الغرور وحقيقته وأمثلته # اعلم أن قوله تعالى @QB@ فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله ~~الغرور @QE@ وقوله تعالى @QB@ ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم ~~الأماني @QE@ الآية # كاف في ذم الغرور وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبذا نوم الأكياس ~~وفطرهم كيف يغبنون سهر الحمقى واجتهادهم ولمثقال ذرة من صاحب تقوى ويقين ~~أفضل من ملء الأرض من المغترين + حديث حبذا نوم الأكياس وفطرهم الحديث ~~أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب اليقين من قول أبي الدرداء بنحوه وفيه انقطاع ~~وفي بعض الروايات أبي الورد موضع أبي الدرداء ولم أجده مرفوعا # وقال صلى الله عليه وسلم الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق ~~من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله + حديث الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد ~~الموت الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث شداد بن أوس # وكل ما ورد في فضل العلم وذم الجهل فهو دليل على ذم الغرور لأن الغرور ~~عبارة عن بعض أنواع الجهل إذ الجهل هو أن يعتقد الشيء ويراه على خلاف ما هو ~~به والغرور هو جهل إلا أن كل جهل ليس بغرور بل يستدعي الغرور مغرورا فيه ~~مخصوصا ومغرورا به وهو الذي يغره # فمهما كان المجهدل المعتقد شيئا يوافق الهوى وكان السبب الموجب للجهل ~~شبهة ومخيلة فاسدة يظن أنها دليل ولا تكون دليلا سمي الجهل الحاصل به غرورا # فالغرور هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع عن شبهة ~~وخدعة من الشيطان فمن اعتقد أنه على خير إما في العاجل أو في الآجل عن شبهة ~~فاسدة فهو مغرور وأكثر الناس يظنون بأنفسهم الخير وهم مخطئون فيه فأكثر ~~الناس إذا مغرورون وإن اختلفت أصناف غرورهم واختلفت درجاتهم حتى كان غرور ~~بعضهم أظهر وأشد من بعض وأظهرها وأشدها غرور الكفار وغرور العصاة والفساق ~~فنورد لهما أمثلة لحقيقة الغرور PageV03P379 # المثال الأول غرور الكفار فمنهم من غرته الحياة الدنيا ومنهم من غره ~~بالله الغرور أما الذين غرتهم الحياة الدنيا فهم الذين قالوا النقد خير من ~~النسيئة والدنيا نقد والآخرة نسيئة فهي إذن خير فلا بد من إيثارها وقالوا ~~اليقين خير من الشك ولذات الدنيا يقين ولذات الآخرة شك فلا نترك اليقين ~~بالشك # وهذه أقيسة فاسدة تشبه قياس إبليس حيث قال @QB@ أنا خير منه خلقتني من ~~نار وخلقته من طين @QE@ وإلى هؤلاء الإشارة بقوله تعالى @QB@ أولئك الذين ~~اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون @QE@ ~~وعلاج هذا الغرور إما بتصديق الإيمان وإما بالبرهان أما التصديق بمجرد ~~الإيمان فهو أن يصدق الله تعالى في قوله ما عندكم ينفذ وما عند الله باق ~~وفي قوله عز وجل @QB@ وما عند الله خير @QE@ وقوله @QB@ والآخرة خير وأبقى ~~@QE@ وقوله @QB@ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور @QE@ وقوله @QB@ فلا ~~تغرنكم الحياة الدنيا @QE@ وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ~~طوائف من الكفار فقلدوه وصدقوه وآمنوا به ولم يطالبوه بالبرهان + حديث ~~تصديق بعض الكفار بما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيمانهم من ~~غير مطالبة بالبرهان هو مشهور في السنن من ذلك قصة إسلام الأنصار وبيعتهم ~~وهي عند أحمد من حديث جابر وفيه حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه ~~وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون ~~بإسلامه الحديث وهي عند أحمد بإسناد جيد # ومنهم من قال نشدتك الله أبعثك الله رسولا فكان يقول نعم فيصدق + حديث ~~قول من قال له نشدتك الله أبعثك رسولا فيقول @QB@ نعم @QE@ فيصدق متفق عليه ~~من حديث أنس في قصة ضمام ابن ثعلبة وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم أرسلك ~~للناس كلهم فقال اللهم نعم وفي آخره فقال الرجل آمنت بما جئت به وللطبراني ~~من حديث ابن عباس في ضمام قال نشدتك به أهو أرسلك بما أتتنا كتبك وأتتنا ~~رسلك أن نشهد أن لا إله إلا الله وأن ندع اللات والعزى قال نعم الحديث # وهذا إيمان العامة وهو يخرج من الغرور وينزل هذا منزلة تصديق الصبي والده ~~في أن حضور المكتب خير من حضور الملعب مع أنه لا يدري وجه كونه خيرا # وأما المعرفة بالبيان والبرهان فهو أن يعرف وجه فساد هذا القياس الذي ~~نظمه في قلبه الشيطان فإن كل مغرور فلغروره سبب وذلك السبب هو دليل وكل ~~دليل فهو نوع قياس يقع في النفس ويورث السكون إليه وإن كان صاحبه لا يشعر ~~به ولا يقدر على نظمه بألفاظ العلماء # فالقياس الذي نظمه الشيطان فيه أصلان # أحدهما أن الدنيا نقد والآخرة نسيئة وهذا صحيح # والآخر قوله إن النقد خير من النسيئة وهذا محل التلبيس فليس الأمر كذلك ~~بل إن كان النقد مثل النسيئة في المقدار والمقصود فهو خير وإن كان أقل منها ~~فالنسيئة خير فإن الكافر المغرور يبذل في تجارته درهما ليأخذ عشرة نسيئة ~~ولا يقول النقد خير من النسيئة فلا أتركه وإذا حذره الطبيب الفواكه ولذائذ ~~الأطعمة ترك ذلك في الحال خوفا من ألم المرض في المستقبل فقد ترك النقد ~~ورضي بالنسيئة # والتجار كلهم يركبون البحار ويتعبون في الأسفار نقدا لأجل الراحة والربح ~~نسيئة فإن كل عشرة في ثاني الحال خيرا من واحد في الحال فأنسب لذة الدنيا ~~من حيث مدتها إلى مدة الآخرة فإن أقصى عمر الإنسان مائة سنة وليس هو عشر ~~عشير من جزء من ألف ألف جزء من الآخرة # فكأنه ترك واحدا ليأخذ ألف ألف بل ليأخذ ما لا نهاية له ولا حد وإن نظر ~~من حيث النوع رأى لذات الدنيا مكدرة مشوبة بأنواع المنغصات ولذات الآخرة ~~صافية غير مكدرة فإذن قد غلط في قوله النقد خير من النسيئة فهذا غرور منشؤه ~~قبول لفظ عام مشهور أطلق وأريد به خاص فغفل به المغرور عن خصوص معناه # فإن من قال النقد خير من النسيئة أراد به خيرا من نسيئة هي مثله وإن لم ~~يصرح به # وعند هذا يفزع الشيطان إلى القياس الآخر وهو أن اليقين خير من الشك إذا ~~الآخرة شك وهذا القياس أكثر فسادا من الأول لأن كلا أصليه باطل إذ اليقين ~~خير من الشك إذا كان مثله وإلا فالتاجر في تعبه على يقين PageV03P380 وفي ~~ربحه على شك والمتفقه في جهاده على يقين وفي إدراكه رتبة العلم على شك ~~والصياد في تردده في المقتنص على يقين وفي الظفر بالصيد على شك وكذا الحزم ~~دأب العقلاء بالاتفاق وكل ذلك ترك اليقين بالشك ولكن التاجر يقول إن لم ~~أتجر بقيت جائعا وعظم ضرري وإن اتجرت كان تعبي قليلا وربحي كثيرا وكذلك ~~المريض يشرب الدواء البشع الكريه وهو من الشفاء على شك ومن مرارة الدواء ~~على يقين ولكن يقول ضرر مرارة الدواء قليل بالإضافة إلى ما أخافه من المرض ~~والموت فكذلك من شك في الآخرة فواجب عليه بحكم الحزم أن يقول أيام الصبر ~~قلائل وهو منتهى العمر بالإضافة إلى ما يقال من أمر الآخرة فإن كان ما قيل ~~فيه كذبا فما يفوتني إلا التنعم أيام حياتي وقد كنت في العدم من الأزل إلى ~~الآن لا أتنعم فأحسب أني بقيت في العدم # وإن كان ما قيل صدقا فأبقى في النار أبد الآباد وهذا لا يطاق # ولهذا قال علي كرم الله وجهه لبعض الملحدين إن كان ما قلته حقا فقد تخلصت ~~وتخلصنا وإن كان ما قلناه حقا فقد تخلصنا وهلكت وما قال هذا عن شك منه في ~~الآخرة ولكن كلم الملحد على قدر عقله وبين له أنه وإن لم يكن متيقنا فهو ~~مغرور # وأما الأصل الثاني من كلامه وهو أن الآخرة شك فهو أيضا خطأ بل ذلك يقين ~~عند المؤمنين وليقينه مدركان # أحدهما الإيمان والتصديق تقليدا للأنبياء والعلماء وذلك أيضا يزيل الغرور ~~وهو مدرك يقين العوام وأكثر الخواص ومثالهم مثال مريض لا يعرف دواء علته ~~وقد اتفق الأطباء وأهل الصناعة من عند آخرهم على أن دواءه النبت الفلاني ~~فإنه يطمئن نفس المريض إلى تصديقهم ولا يطالبهم بتصحيح ذلك بالبراهين ~~الطبية بل يثق بقولهم ويعمل به ولو بقى سوادى أو معتوه يكذبهم في ذلك وهو ~~يعلم بالتواتر وقرائن الأحوال أنهم أكثر منه عددا وأغزر منه فضلا وأعلم منه ~~بالطب بل لا علم له بالطب فيعلم كذبه بقولهم ولا يعتقد كذبهم بقوله ولا ~~يغتر في علمهم بسببه ولو اعتمد قوله وترك قول الأطباء كان معتوها مغرورا ~~فكذلك من نظر إلى المقرين بالآخرة والمخبرين عنها والقائلين بأن التقوى هو ~~الدواء النافع في الوصول إلى سعادتها وجدهم خير خلق الله وأعلاهم رتبة في ~~البصيرة والمعرفة والعقل وهم الأنبياء والأولياء والحكماء والعلماء واتبعهم ~~عليه الخلق على أصنافهم وشذ منهم آحاد من البطالين غلبت عليهم الشهوة ومالت ~~نفوسهم إلى التمتع فعظم عليهم ترك الشهوات وعظم عليهم الاعتراف بأنهم من ~~أهل النار فجحدوا الآخرة وكذبوا الأنبياء فكما أن قول الصبي وقول السوادى ~~لا يزيل طمأنينة القلب إلى ما اتفق عليه الأطباء فكذلك قول هذا الغني الذي ~~استرقته الشهوات لا يشكك في صحة أقوال الأنبياء والأولياء والعلماء # وهذا القدر من الإيمان كاف لجمله الخلق وهو يقين جازم يستحث على العمل لا ~~محالة والغرور يزول به # وأما المدرك الثاني لمعرفة الآخرة فهو الوحي للأنبياء والإلهام للأولياء ~~ولا تظنن أن معرفة النبي صلى الله عليه وسلم لأمر الآخرة ولأمور الدين ~~تقليد لجبريل عليه السلام بالسماع منه كما أن معرفتك تقليد للنبي صلى الله ~~عليه وسلم حتى تكون معرفتك مثل معرفته وإنما يختلف المقلد فقط وهيهات فإن ~~التقليد ليس بمعرفة بل هو اعتقاد صحيح والأنبياء عارفون ومعنى معرفتهم أنه ~~كشف لهم حقيقة الأشياء كما هي عليها فشاهدوها بالبصيرة الباطنة كما تشاهد ~~أنت المحسوسات بالبصر الظاهر فيخبرون عن مشاهدة لا عن سماع وتقليد # وذلك بأن يكشف لهم عن حقيقة الروح وأنه من أمر الله تعالى وليس المراد ~~بكونه من أمر الله الأمر الذي يقابل النهي لأن ذلك الأمر كلام والروح ليس ~~بكلام وليس المراد بالأمر الشأن حتى يكون المراد به أنه من خلق الله فقط ~~لأن ذلك عام في جميع المخلوقات PageV03P381 # بل العالم عالمان عالم الأمر وعالم الخلق ولله الخلق والأمر فالأجسام ~~ذوات الكمية والمقادير من عالم الأمر الخلق إذا الخلق عبارة عن التقدير في ~~وضع اللسان وكل موجود منزه عن الكمية والمقدار فإنه من عالم الأمر وشرح ذلك ~~سر الروح ولا رخصة في ذكره لاستضرار أكثر الخلق بسماعه كسر القدر الذي منع ~~من إفشائه # فمن عرف سر الروح فقد عرف نفسه وإذا عرف نفسه فقد عرف ربه وإذا عرف نفسه ~~وربه عرف أنه أمر رباني بطبعه وفطرته وأنه في العالم الجسماني غريب وأن ~~هبوطه إليه لم يكن بمقتضى طبعه في ذاته بل بأمر عارض غريب من ذاته وذلك ~~العارض الغريب ورد على آدم صلى الله عليه وسلم وعبر عنه بالمعصية وهي التي ~~حطته عن الجنة التي هي أليق به بمقتضى ذاته فإنها في جوار الرب تعالى وأنه ~~أمر رباني وحنينه إلى جواب الرب تعالى له طبعي ذاتي إلا أن يصرفه عن مقتضى ~~طبعه عوارض العالم الغريب من ذاته فينسى عند ذلك نفسه وربه # ومهما فعل ذلك فقد ظلم نفسه إذ قيل له ولا تكونوا كالذين نسوا الله ~~فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون أي الخارجون عن مقتضى طبعهم ومظنة ~~استحقاقهم # يقال فسقت الرطبة عن كمامها إذا خرجت عن معدنها الفطري # وهذه إشارة إلى أسرار يهتز لاستنشاق روائحها العارفون وتشمئز من سماع ~~ألفاظها القاصرون فإنها تضر بهم كما تضر رياح الورد بالجعل وتبهر أعينهم ~~الضعيفة كما تبهر الشمس أبصار الخفافيش # وانفتاح هذا الباب من سر القلب إلى عالم الملكوت يسمى معرفة وولاية ويسمى ~~صاحبه وليا وعارفا وهي مبادي مقامات الأنبياء # وآخر مقامات الأولياء أول مقامات الأنبياء ولنرجع إلى الغرض المطلوب ~~فالمقصود أن غرور الشيطان بأن الآخرة شك يدفع إما بيقين تقليدي وإما ببصيرة ~~ومشاهدة من جهة الباطن والمؤمنين بألسنتهم وبعقائدهم إذا ضيعوا أوامر الله ~~تعالى وهجروا الأعمال الصالحة ولابسوا الشهوات والمعاصي فهم مشاركون للكفار ~~في هذا الغرور لأنهم آثروا الحياة الدنيا على الآخرة نعم أمرهم أخف لأن أصل ~~الإيمان يعصمهم عن عقاب الأبد فيخرجون من النار ولو بعد حين ولكنهم أيضا من ~~المغرورين فإنهم اعترفوا بأن الآخرة خير من الدنيا ولكنهم مالوا إلى الدنيا ~~وآثروها ومجرد الإيمان لا يكفي للفوز قال تعالى وإني لغفار لمن تاب وآمن ~~وعمل صالحا ثم اهتدى وقال تعالى إن رحمت الله قريب من المحسنين ثم قال ~~النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه + حديث الإحسان ~~أن تعبد الله كأنك تراه متفق عليه من حديث ابن عمر وقد تقدم # وقال تعالى والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ~~وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر فوعد المغفرة في جميع كتاب الله تعالى منوط ~~بالإيمان والعمل الصالح جميعا لا بالإيمان وحده فهؤلاء أيضا مغرورون أعني ~~المطمئنين إلى الدنيا الفرحين بها المترفين بنعيمها المحبين لها # الكارهين للموت خيفة فوات لذات الدنيا دون الكارهين له خيفة لما بعده ~~فهذا مثال الغرور بالدنيا من الكفار والمؤمنين جميعا # ولنذكر للغرور بالله مثالين من غرور الكافرين والعاصين # فأما غرور الكفار بالله فمثاله قول بعضهم في أنفسهم وبألسنتهم إنه لو كان ~~لله من معاد فنحن أحق به من غيرنا ونحن أوفر حظا فيه وأسعد حالا كما أخبر ~~الله تعالى عنه من قول الرجلين المتحاورين إذ قال وما أظن الساعة قائمة ~~ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا وجملة أمرهما كما نقل في التفسير ~~أن الكافر منهما بنى قصرا بألف دينار واشترى بستانا بألف دينار وخدما بألف ~~دينار وتزوج امرأة على ألف دينار وفي ذلك كله يعظه المؤمن ويقول اشتريت ~~قصرا يفنى ويخرب ألا اشتريت قصرا في الجنة لا يفنى واشتريت بستانا يخرب ~~ويفنى ألا اشتريت بستانا في الجنة لا يفنى وخدما لا يفنون ولا يموتون وزوجة ~~من الحور العين لا تموت وفي كل ذلك يرد عليه الكافر ويقول ما هناك شيء وما ~~PageV03P382 قيل من ذلك فهو أكاذيب وإن كان فليكونن لي في الجنة خير من هذا # وكذلك وصف الله تعالى قول العاص ابن وائل إذ يقول لأوتين مالا وولدا فقال ~~الله تعالى ردا عليه أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا كلا وروى عن خباب ~~بن الأرت أنه قال كان لي على العاص بن وائل دين فجئت أتقاضاه فلم يقض لي ~~فقلت إني آخذه في الآخرة فقال لي إذا صرت إلى الآخرة فإن لي هناك مالا ~~وولدا أقضيك منه # فأنزل الله تعالى قوله أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا + ~~حديث خباب بن الأرت قال كان لي على العاص بن وائل دين فجئت أتقاضاه الحديث ~~في نزول قوله تعالى أفرأيت الذي كفر بآياتنا الآية أخرجه البخاري ومسلم # وقال الله تعالى ولئن أذقناه رحمة منا من بعض ضراء مسته ليقولون هذا لي ~~وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى وهذا كله من ~~الغرور بالله # وسببه قياس من أقيسة إبليس نعوذ بالله منه وذلك أنهم ينظرون مرة إلى نعم ~~الله عليهم في الدنيا فيقيسون عليها نعمة الآخرة وينظرون مرة إلى تأخير ~~العذاب عنهم فيقيسون عليه عذاب الآخرة كما قال تعالى ويقولون في أنفسهم ~~لولا يعذبنا الله بما نقول فقال تعالى جوابا لقولهم حسبهم جهنم يصلونها ~~فبئس المصير ومرة ينظرون إلى المؤمنين وهم فقراء شعث غبر فيزدرون بهم ~~ويستحقرونهم فيقولون أهؤلاء من الله عليهم من بيننا @QB@ ويقولون @QE@ لو ~~كان خيرا ما سبقونا إليه وترتيب القياس الذي نظمهم في قلوبهم أنهم يقولون ~~قد أحسن الله إلينا بنعيم الدنيا وكل محسن فهو محب وكل محب فإنه يحسن أيضا ~~في المستقبل كما قال الشاعر # لقد أحسن الله فيما مضى % كذلك يحسن فيما بقى # وإنما يقيس المستقبل على الماضي بواسطة الكرامة والحب إذ يقول لولا أني ~~كريم عند الله ومحبوب لما أحسن إلي # والتلبيس تحت ظنه أن كل محسن محب لا بل تحت ظنه أن إنعامه عليه في الدنيا ~~إحسان فقد اغتر بالله إذ ظن أنه كريم عنده بدليل لا يدل على الكرامة بل عند ~~ذوي البصائر يدل على الهوان # ومثاله أن يكون للرجل عبدان صغيران يبغض أحدهما ويحب الآخر فالذي يحبه ~~يمنعه من اللعب ويلزمه المكتب ويحبسه فيه ليعلمه الأدب ويمنعه من الفواكه ~~وملاذ الأطعمة التي تضره ويسقيه الأدوية التي تنفعه # والذي يبغضه يهمله ليعيش كيف يريد فيلعب ولا يدخل المكتب ويأكل كل ما ~~يشتهي فيظن هذا العبد المهمل أنه عند سيده محبوب كريم لأنه مكنه من شهواته ~~ولذاته وساعده على جميع أغراضه فلا يمنعه ولم يحجر عليه وذلك محض الغرور ~~وهكذا نعيم الدنيا ولذتها فإنها مهلكات ومبعدات من الله فإن الله يحمي عبده ~~من الدنيا وهو يحبه كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام والشراب وهو يحبه + ~~حديث إن الله يحمي عبده من الدنيا وهو يحبه الحديث أخرجه الترمذي وحسنه و ~~الحاكم وصححه من حديث قتادة بن النعمان # هكذا ورد في الخبر عن سيد البشر # وكان أرباب البصائر إذا أقبلت عليهم الدنيا حزنوا وقالوا ذنب عجلت عقوبته ~~ورأوا ذلك علامة المقت والإهمال وإذا أقبل عليهم الفقر قالوا مرحبا بشعار ~~الصالحين # والمغرور إذا أقبلت عليه الدنيا ظن أنها كرامة من الله وإذا صرفت عنه ظن ~~أنها هوان كما أخبر الله تعالى عنه إذ قال فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه ~~فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي ~~أهانن فأجاب الله عن ذلك كلا أي ليس كما قال إنما هو ابتلاء نعوذ بالله من ~~شر البلاء ونسأل الله التثبيت فبين أن ذلك غرور قال الحسن كذبهما جميعا ~~بقوله كلا يقول ليس هذا بإكرامي ولا هذا بهواني ولكن الكريم من أكرمته ~~بطاعتي غنيا كان أو فقيرا والمهان من أهنته بمعصيتي غنيا كان أو فقيرا ~~PageV03P383 # وهذا الغرور علاجه معرفة دلائل الكرامة والهوان إما بالبصيرة أو بالتقليد # أما البصيرة فبأن يعرف وجه كون الالتفات إلى شهوات الدنيا مبعد عن الله ~~ووجه كون التباعد عنها مقربا إلى الله ويدرك ذلك بالإلهام في منازل ~~العارفين والأولياء وشرحه من جملة علوم المكاشفة ولا يليق بعلم المعاملة # وأما معرفته بطريق التقليد والتصديق فهو أن يؤمن بكتاب الله تعالى ويصدق ~~رسوله وقد قال تعالى أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في ~~الخيرات بل لا يشعرون وقال تعالى سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وقال تعالى ~~فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم ~~مبلسون وفي تفسير قوله تعالى سنستدرجهم من حيث لا يعلمون أنهم كلما أحدثوا ~~ذنبا أحدثنا لهم نعمة ليزيد غرورهم وقال تعالى إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ~~وقال تعالى ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص ~~فيه الأبصار إلى غير ذلك مما ورد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله فمن آمن به ~~تخلص من هذا الغرور فإن منشأ هذا الغرور الجهل بالله وبصفاته فإن من عرفه ~~لا يأمن مكره ولا يغتر بأمثال هذه الخيالات الفاسدة وينظر إلى فرعون وهامان ~~وقارون وإلى ملوك الأرض وما جرى لهم كيف أحسن الله إليهم ابتداء ثم دمرهم ~~تدميرا فقال تعالى هل تحس منهم من أحد الآية وقد حذر الله تعالى من مكره ~~واستدراجه فقال فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وقال تعالى ومكروا ~~مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون وقال عز وجل ومكروا ومكر الله والله خير ~~الماكرين وقال تعالى إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم ~~رويدا فكما لا يجوز للعبد المهمل أن يستدل بإهمال السيد إياه وتمكينه من ~~النعم على حب السيد بل ينبغي أن يحذر أن يكون ذلك مكرا منه وكيدا مع أن ~~السيد لم يحذره مكر نفسه فبأن يجب ذلك في حق الله تعالى مع تحذيره استدراجه ~~أولى فإذن من أمن مكر الله فهو مغتر ومنشأ هذا الغرور أنه استدل بنعم ~~الدنيا على أنه كريم عند ذلك المنعم واحتمل أن يكون ذلك دليل الهوان ولكن ~~ذلك الاحتمال لا يوافق الهوى فالشيطان بواسطة الهوى يميل بالقلب إلى ما ~~يوافقه وهو التصديق بدلالته على الكرامة وهذا هو حد الغرور # المثال الثاني غرور العصاة من المؤمنين بقولهم إن الله كريم وإنا نرجو ~~عفوه واتكالهم على ذلك وإهمالهم الأعمال وتحسين ذلك بتسمية تمنيهم ~~واغترارهم رجاء وظنهم أن الرجاء مقام محمود في الدين وأن نعمة الله واسعة ~~ورحمته شاملة وكرمه عميم وأين معاصي العباد في بحار رحمته وإنا موحدون ~~ومؤمنون فنرجوه بوسيلة الإيمان وربما كان مستند رجائهم التمسك بصلاح الأباء ~~وعلو رتبتهم كاغترار العلوية بنسبهم ومخالفة سيرة آبائهم في الخوف والتقوى ~~والورع وظنهم أنهم أكرم على الله من آبائهم إذا آباؤهم مع غاية الورع ~~والتقوى كانوا خائفين وهم مع غاية الفسق والفجور آمنون # وذلك نهاية الاغترار بالله تعالى # فقياس الشيطان للعلوية # أن من أحب إنسانا أحب أولاده وأن الله قد أحب آباءكم فيحبكم فلا تحتاجون ~~إلى الطاعة وينسى المغرور أن نوحا عليه السلام أراد أن يستصحب ولده معه في ~~السفينة فلم يرد فكان من المغرقين فقال رب إن ابني من أهلي فقال تعالى يا ~~نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح وأن إبراهيم عليه السلام استغفر ~~لأبيه فلم ينفعه # وأن نبينا صلى الله عليه وسلم وعلى كل عبد مصطفى استأذن ربه في أن يزور ~~قبر أمه ويستغفر لها فأذن له في الزيارة ولم يؤذن له في الاستغفار فجلس ~~يبكي على قبر أمه لرقته لها بسبب القرابة حتى أبكى من حوله + حديث أنه صلى ~~الله عليه وسلم استأذن أن يزور قبر أمه ويستغفر لها فأذن له في الزيارة ولم ~~يؤذن له الاستغفار الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة # فهذا أيضا اغترار بالله تعالى وهذا لأن الله PageV03P384 تعالى يحب ~~المطيع ويبغض العاصي فكما أنه لا يبغض الأب المطيع ببغضه للولد العاصي ~~فكذلك لا يحب الولد العاصي بحبه للأب المطيع ولو كان الحب يسري من الأب إلى ~~الولد لأوشك أن يسري البغض أيضا بل الحق أن لا تزر وازرة وزر أخرى # ومن ظن أنه ينجو بتقوى أبيه كمن ظن أنه يشبع بأكل أبيه ويروى بشرب أبيه ~~ويصير عالما بتعلم أبيه ويصل إلى الكعبة ويراها بمشي أبيه # فالتقوى فرض عين فلا يجزى فيه والد عن ولده شيئا وكذا العكس وعند الله ~~جزاء التقوى يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه إلا على سبيل الشفاعة لمن لم ~~يشتد غضب الله عليه فيأذن في الشفاعة له كما سبق في كتاب الكبر والعجب # فإن قلت فأين الغلط في قول العصاة والفجار إن الله كريم وإنا نرجو رحمته ~~ومغفرته وقد قال أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا فما هذا إلا كلام صحيح ~~مقبول الظاهر في القلوب فاعلم أن الشيطان لا يغوي الإنسان إلا بكلام مقبول ~~الظاهر مردود الباطن ولولا حسن ظاهره لما انخدعت به القلوب ولكن النبي صلى ~~الله عليه وسلم كشف عن ذلك فقال الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ~~والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله + حديث الكيس من دان نفسه تقدم ~~قريبا # وهذا هو التمني على الله تعالى غير الشيطان اسمه فسماه رجاء حتى خدع به ~~الجهال # وقد شرح الله الرجاء فقال إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل ~~الله أولئك يرجون رحمة الله يعني أن الرجاء بهم أليق وهذا لأنه ذكر أن ثواب ~~الآخرة أجر وجزاء على الأعمال قال الله تعالى جزاء بما كانوا يعملون وقال ~~تعالى وإنما توفون أجوركم يوم القيامة أفترى أن من استؤجر على إصلاح أوان ~~وشرط له أجرة عليها وكان الشارط كريما يفي بالوعد مهما وعد ولا يخلف بل ~~يزيد فجاء الأجير وكسر الأواني وأفسد جميعها ثم جلس ينتظر الأجر ويزعم أن ~~المستأجر كريم أفيراه العقلاء في انتظاره متمنيا مغرورا أو راجيا وهذا ~~للجهل بالفرق بين الرجاء والغرة # قيل للحسن قوم يقولون نرجو الله ويضيعون العمل فقال هيهات هيهات تلك ~~أمانيهم يترجحون فيها من رجا شيئا طلبه ومن خاف شيئا هرب منه # وقال مسلم بن يسار لقد سجدت البارحة حتى سقطت ثنيتاي فقال له رجل إنا ~~لنرجو الله فقال مسلم هيهات هيهات من رجا شيئا طلبه ومن خاف شيئا هرب منه # وكما أن الذي يرجو في الدنيا ولدا وهو بعد لم ينكح أو نكح ولم يجامع أو ~~جامع ولم ينزل فهو معتوه فكذلك من رجا رحمة الله وهو لم يؤمن أو آمن ولم ~~يعمل صالحا أو عمل ولم يترك المعاصي فهو مغرور # فكما أنه إذا نكح ووطئ وأنزل بقي مترددا في الولد يخاف ويرجو فضل الله في ~~خلق الولد ودفع الآفات عن الرحم وعن الأم إلى أن يتم فهو كيس فكذلك إذا آمن ~~وعمل الصالحات وترك السيئات وبقي مترددا بين الخوف والرجاء يخاف أن لا يقبل ~~منه وأن لا يدوم عليه وأن يختم له بالسوء ويرجو من الله تعالى أن يثبته ~~بالقول الثابت ويحفظ دينه من صواعق سكرات الموت حتى يموت على التوحيد ويحرس ~~قلبه عن الميل إلى الشهوات بقية عمره حتى لا يميل إلى المعاصي فهو كيس ومن ~~عدا هؤلاء فهم المغرورون بالله وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ~~ولتعلمن نبأه بعد حين وعند ذلك يقولون كما أخبر الله عنهم ربنا أبصرنا ~~وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون أي علمنا أنه كما لا يولد إلا بوقاع ~~ونكاح ولا ينبت زرع إلا بحراثة وبث بذر فكذلك لا يحصل في الآخرة ثواب وأجر ~~إلا بعمل صالح فارجعنا نعمل صالحا فقد علمنا الآن صدقك في قولك وأن ليس ~~للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم ~~يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير أي ألم نسمعكم سنة الله في عباده وأنه ~~PageV03P385 توفى كل نفس ما كسبت @QB@ وإن @QE@ كل نفس بما كسبت رهينة فما ~~الذي غركم بالله بعد أن سمعتم وعقلتم قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في ~~أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير # فإن قلت فأين مظنة الرجاء وموضعه المحمود فاعلم أنه محمود في موضعين # أحدهما في حق العاصي المنهمك إذا خطرت له التوبة فقال له الشيطان وأنى ~~تقبل توبتك فيقنطه من رحمة الله تعالى فيجب عند هذا أن يقمع القنوط بالرجاء ~~ويتذكر إن الله يغفر الذنوب جميعا وأن الله كريم يقبل التوبة عن عباده وأن ~~التوبة طاعة تكفر الذنوب قال الله تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على ~~أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور ~~الرحيم وأنيبوا إلى ربكم أمرهم بالإنابة وقال تعالى وإني لغفار لمن تاب ~~وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى فإذا توقع المغفرة مع التوبة فهو راج وإن توقع ~~المغفرة مع الإصرار فهو مغرور كما أن من ضاق عليه وقت الجمعة وهو في السوق ~~فخطر له أن يسعى إلى الجمعة فقال له الشيطان إنك لا تدرك الجمعة فأقم على ~~موضعك فكذب الشيطان ومر يعدو وهو يرجو أن يدرك الجمعة فهو راج وإن استمر ~~على التجارة وأخذ يرجو تأخير الإمام للصلاة لأجله إلى وسط الوقت أو لأجل ~~غيره أو لسبب من الأسباب التي لا يعرفها فهو مغرور # الثاني أن تفتر نفسه عن فضائل الأعمال ويقتصر على الفرائض فيرجى نفسه ~~نعيم الله تعالى وما وعد به الصالحين حتى ينبعث من الرجاء نشاط العبادة ~~فيقبل على الفضائل ويتذكر قوله تعالى قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم ~~خاشعون إلى قوله أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ~~فالرجاء الأول يقمع القنوط المانع من التوبة والرجاء الثاني يقمع الفتور ~~المانع من النشاط والتشمر فكل توقع حث على توبة أو على تشمر في العبادة فهو ~~رجاء وكل رجاء أوجب فتورا في العبادة وركونا إلى البطالة فهو غرة كما إذا ~~خطر له أن يترك الذنب ويشتغل بالعمل فيقول له الشيطان مالك ولإيذاء نفسك ~~وتعذيبها ولك رب كريم غفور رحيم فيفتر بذلك عن التوبة والعبادة فهو غرة ~~وعند هذا واجب على العبد أن يستعمل الخوف فيخوف نفسه بغضب الله وعظيم عقابه ~~ويقول إنه مع أنه غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب وإنه مع أنه كريم خلد ~~الكفار في النار أبد الآباد مع أنه لم يضره كفرهم بل سلط العذاب والمحن ~~والأمراض والعلل والفقر والجوع على جملة من عباده في الدنيا وهو قادر على ~~إزالتها فمن هذه سنته في عباده وقد خوفني عقابه فكيف لا أخافه وكيف أغتر به # فالخوف والرجاء قائدان وسائقان يبعثان الناس على العمل فما لا يبعث على ~~العمل فهو تمن وغرور # ورجاء كافة الخلق هو سبب فتورهم وسبب إقبالهم على الدنيا وسبب إعراضهم عن ~~الله تعالى وإهمالهم السعي للآخرة فذلك غرور فقد أخبر صلى الله عليه وسلم ~~وذكر أن الغرور سيغلب على قلوب آخر هذه الأمة + حديث إن الغرور يغلب على ~~آخر هذه الأمة تقدم في آخر ذم الكبر والعجب وهو حديث أبي ثعلبة في إعجاب كل ~~ذي رأي برأيه # وقد كان ما وعد به صلى الله عليه وسلم فقد كان الناس في الأعصار الأول ~~يواظبون على العبادات ويؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ~~يخافون على أنفسهم وهم طول الليل والنهار في طاعة الله يبالغون في التقوى ~~والحذر من الشبهات والشهوات ويبكون على أنفسهم في الخلوات # وأما الآن فترى الخلق آمنين مسرورين مطمئنين غير خائفين مع إكبابهم على ~~المعاصي وانهماكهم في الدنيا وإعراضهم عن الله تعالى زاعمين أنهم واثقون ~~بكرم الله تعالى وفضله راجون PageV03P386 لعفوه ومغفرته كأنهم يزعمون أنهم ~~عرفوا من فضله وكرمه ما لم يعرفه الأنبياء والصحابة والسلف الصالحون # فإن كان هذا الأمر يدرك بالمنى وينال بالهوينى فعلام إذن كان بكاء أولئك ~~وخوفهم وحزنهم وقد ذكرنا تحقيق هذه الأمور في كتاب الخوف والرجاء وقد قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه معقل بن يسار يأتي على الناس زمان ~~يخلق فيه القرآن في قلوب الرجال كما تخلق الثياب على الأبدان أمرهم كله ~~يكون طمعا لا خوف معه إن أحسن أحدهم قال يتقبل مني وإن أساء قال يغفر لي + ~~حديث معقل بن يسار يأتي على الناس زمان يخلق فيه القرآن في قلوب الرجال ~~الحديث أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس نحوه ~~بسند فيه جهالة ولم أره من حديث معقل # فأخبر أنهم يضعون الطمع موضع الخوف لجهلهم بتخويفات القرآن وما فيه # وبمثله أخبر عن النصارى إذ قال تعالى فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ~~يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا ومعناه أنهم ورثوا الكتاب أي هم ~~علماء ويأخذون عرض هذا الأدنى أي شهواتهم من الدنيا حراما كان أو حلالا # وقد قال تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ~~والقرآن من أوله إلى آخره تحذير وتخويف لا يتفكر فيه متفكر إلا ويطول حزنه ~~ويعظم خوفه إن كان مؤمنا بما فيه # وترى الناس يهذونه هذا يخرجون الحروف من مخارجها ويتناظرون على خفضها ~~ورفعها ونصبها وكأنهم يقرءون شعرا من أشعار العرب لا يهمهم الالتفات إلى ~~معانيه والعمل بما فيه وهل في العالم غرور يزيد على هذا فهذه أمثلة الغرور ~~بالله وبيان الفرق بين الرجاء والغرور ويقرب منه غرور طوائف لهم طاعات ~~ومعاص إلا أن معاصيهم أكثر وهم يتوقعون المغفرة ويظنون أنهم تترجح كفة ~~حسناتهم مع أن ما في كفة السيئات أكثر وهذا غاية الجهل فترى الواحد يتصدق ~~بدراهم معدودة من الحلال والحرام ويكون ما يتناول من أموال المسلمين ~~والشبهات أضعافه ولعل ما تصدق به من أموال المسلمين وهو يتكل عليه ويظن أن ~~أكل ألف درهم حرام يقاومه التصدق بعشرة من الحرام أو الحلال وما هو إلا كمن ~~وضع عشرة دراهم في كفة ميزان وفي الكفة الأخرى ألفا وأراد أن يرفع الكفة ~~الثقيلة بالكفة الخفيفة وذلك غاية جهله # نعم ومنهم من يظن أن طاعاته أكثر من معاصيه لأنه لا يحاسب نفسه ولا يتفقد ~~معاصيه وإذا عمل طاعة حفظها واعتد بها كالذي يستغفر الله بلسانه أو يسبح ~~الله في اليوم مائة مرة ثم يغتاب المسلمين ويمزق أعراضهم ويتكلم بما لا ~~يرضاه الله طول النهار من غير حصر وعدد ويكون نظره إلى عدد سبحته أنه ~~استغفر الله مائة مرة وغفل عن هذيانه طول نهاره الذي لو كتبه لكان مثل ~~تسبيحه مائة مرة أو ألف مرة وقد كتبه الكرام الكاتبون وقد أوعده الله ~~بالعقاب على كل كلمة فقال ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد فهذا أبدأ ~~يتأمل في فضائل التسبيحات والتهليلات ولا يلتفت إلى ما ورد من عقوبة ~~المغتابين والكذابين والنمامين والمنافقين يظهرون من الكلام ما لا يضمرونه ~~إلى غير ذلك من آفات اللسان # وذلك محض الغرور # ولعمري لو كان الكرام الكاتبون يطلبون منه أجرة النسخ لما يكتبونه من ~~هذيانه الذي زاد على تسبيحه لكان عند ذلك يكف لسانه حتى عن جملة من مهماته ~~وما نطق به في فتراته كان يعده ويحسبه ويوازنه بتسبيحاته حتى لا يفضل عليه ~~أجرة نسخه فيا عجبا لمن يحاسب نفسه ويحتاط خوفا على قيراط يفوته في الأجرة ~~على النسخ ولا يحتاط خوفا من فوت الفردوس الأعلى ونعيمه ما هذه إلا مصيبة ~~عظيمة لمن تفكر فيها لقد دفعنا إلى أمر إن شككنا فيه كنا من الكفرة ~~الجاحدين وإن صدقنا به كنا من الحمقى المغرورين فما هذه أعمال من يصدق بما ~~جاء به القرآن وإنا نبرأ إلى الله أن نكون من أهل الكفران فسبحان من صدنا ~~عن التنبه واليقين مع هذا البيان PageV03P387 وما أجدر من يقدر على تسليط ~~مثل هذه الغفلة والغرور على القلوب أن يخشى ويتقي ولا يغتر به اتكالا على ~~أباطيل المنى وتعاليل الشيطان والهوى والله أعلم # | بيان أصناف المغترين وأقسام فرق كل صنف وهم أربعة أصناف # الصنف الأول أهل العلم والمغترون منهم فرق # ففرقة أحكموا العلوم الشرعية والعقلية وتعمقوا فيها واشتغلوا بها وأهملوا ~~تفقد الجوارح وحفظها عن المعاصي وإلزامها الطاعات واغتروا بعلمهم وظنوا ~~أنهم عند الله بمكان وأنهم قد بلغوا من العلم مبلغا لا يعذب الله مثلهم بل ~~يقبل في الخلق شفاعتهم وأنه لا يطالبهم بذنوبهم وخطاياهم لكرامتهم على الله ~~وهم مغرورون فإنهم لو نظروا بعين البصيرة علموا أن العلم علمان علم معاملة ~~وعلم مكاشفة وهو العلم بالله وبصفاته المسمى بالعادة علم المعرفة # فأما العلم بالمعاملة كمعرفة الحلال والحرام ومعرفة أخلاق النفس المذمومة ~~والمحمودة وكيفية علاجها والفرار منها فهي علوم لا تراد إلا للعمل ولولا ~~الحاجة إلى العمل لم يكن لهذه العلوم قيمة وكل علم يراد للعمل فلا قيمة له ~~دون العمل # فمثال هذا كمريض به علة لا يزيلها إلا دواء مركب من أخلاط كثيرة لا ~~يعرفها إلا حذاق الأطباء فيسعى في طلب الطبيب بعد أن هاجر عن وطنه حتى عثر ~~على طبيب حاذق فعلمه الدواء وفصل له الأخلاط وأنواعها ومقاديرها ومعادنها ~~التي منها تجتلب وعلمه كيفية دق كل واحد منها وكيفية خلطه وعجنه فتعلم ذلك ~~وكتب منه نسخة حسنة بخط حسن ورجع إلى بيته وهو يكررها ويعلمها المرضى ولم ~~يشتغل بشر بها واستعمالها أفترى أن ذلك يغني عنه من مرضه شيئا هيهات هيهات ~~لو كتب منه ألف نسخة وعلمه ألف مريض حتى شفي جميعهم وكرره كل ليلة ألف مرة ~~لم يغنه ذلك من مرضه شيئا إلا أن يزن الذهب ويشتري الدواء ويخلطه كما تعلم ~~ويشربه ويصبر على مرارته ويكون شربه في وقته وبعد تقديم الاحتماء وجميع ~~شروطه وإذا فعل جميع ذلك فهو على خطر من شفائه فكيف إذا لم يشربه أصلا ~~فمهما ظن أن ذلك يكفيه ويشفيه فقد ظهر غروره # وهكذا الفقيه الذي أحكم علم الطاعات ولم يعملها وأحكم علم المعاصي ولم ~~يجتنبها وأحكم علم الأخلاق المذمومة وما زكى نفسه منها وأحكم علم الأخلاق ~~المحمودة ولم يتصف بها فهو مغرور إذ قال تعالى قد أفلح من زكاها ولم يقل قد ~~أفلح من تعلم كيفية تزكيتها وكتب علم ذلك وعلمه الناس وعند هذا يقول له ~~الشيطان لا يغرنك هذا المثال فإن العلم بالدواء لا يزيل المرض وإنما مطلبك ~~القرب من الله وثوابه والعلم يجلب الثواب ويتلو عليه الأخبار الواردة في ~~فضل العلم # فإن كان المسكين معتوها مغرورا وافق ذلك مراده وهواه فاطمأن إليه وأهمل ~~العمل وإن كان كيسا فيقول للشيطان أتذكرني فضائل العالم وتنسيني ما ورد في ~~العالم الفاجر الذي لا يعمل بعلمه كقوله تعالى فمثله كمثل الكلب وكقوله ~~تعالى مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا فأي ~~خزي أعظم من التمثيل بالكلب والحمار وقد قال صلى الله عليه وسلم من ازداد ~~علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلا بعدا + حديث من ازداد علما ولم يزدد ~~هدى الحديث تقدم في العلم # وقال أيضا يلقى العالم في النار فتندلق أقتابه فيدور بها في النار كما ~~يدور الحمار في الرحى + حديث يلقى العالم في النار فتندلق أقتابه الحديث ~~تقدم غير مرة # وكقوله صلى الله عليه وسلم شر الناس العلماء السوء + حديث شر الناس علماء ~~السوء تقدم في العلم # وقول أبي الدرداء ويل للذي لا يعلم مرة ولو شاء الله لعلمه وويل للذي ~~يعلم ولا يعمل سبع مرات أي أن العلم حجة عليه إذ يقال له ماذا عملت فيما ~~علمت وكيف قضيت شكر الله PageV03P388 وقال صلى الله عليه وسلم أشد الناس ~~عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه + حديث أشد الناس عذابا يوم ~~القيامة عالم لم ينفعه الله تعالى بعلمه تقدم فيه # فهذا وأمثاله مما أوردناه في كتاب العلم في باب علامة علماء الآخرة أكثر ~~من أن يحصى إلا أن هذا فيما لا يوافق هوى العالم الفاجر وما ورد في فضل ~~العلم يوافقه فيميل الشيطان قلبه إلى ما يهواه وذلك عين الغرور فإنه إن نظر ~~بالبصيرة فمثاله ما ذكرناه وإن نظر بعين الإيمان فالذي أخبره بفضيلة العلم ~~هو الذي أخبره بذم العلماء السوء وأن حالهم عند الله أشد من حال الجهال # فبعد ذلك اعتقاده أنه على خير مع تأكد حجة الله عليه غاية الغرور # وأما الذي يدعي علوم المكاشفة كالعلم بالله وبصفاته وأسمائه وهو مع ذلك ~~يهمل العمل ويضيع أمر الله وحدوده فغروره أشد ومثاله مثال من أراد خدمة ملك ~~فعرف الملك وعرف أخلاقه وأوصافه ولونه وشكله وطوله وعرضه وعادته ومجلسه ولم ~~يتعرف ما يحبه ويكرهه وما يغضب عليه وما يرضى به أو عرف ذلك إلا أنه قصد ~~خدمته وهو ملابس لجميع ما يغضب به عليه وعاطل عن جميع ما يحبه من زي وهيئة ~~وكلام وحركة وسكون فورد على الملك وهو يريد التقرب منه والاختصاص به متلطخا ~~بجميع ما يكرهه الملك عاطلا عن جميع ما يحبه متوسلا إليه بمعرفته له ولنسبه ~~واسمه وبلده وصورته وشكله وعادته في سياسة غلمانه ومعاملة رعيته # فهذا مغرور جدا إذ لو ترك جميع ما عرفه واشتغل بمعرفته فقط ومعرفة ما ~~يكرهه ويحبه لكان ذلك أقرب إلى نيله المراد من قربه والاختصاص به بل تقصيره ~~في التقوى واتباعه للشهوات يدل على أنه لم ينكشف له من معرفة الله إلا ~~الأسامي دون المعاني إذ لو عرف الله حق معرفته لخشيه واتقاه # فلا يتصور أن يعرف الأسد عاقل ثم لا يتقيه ولا يخافه وقد أوحى الله تعالى ~~إلى داود عليه السلام خفني كما تخاف السبع الضاري # نعم من يعرف من الأسد لونه وشكله واسمه قد لا يخافه وكأنه ما عرف الأسد ~~فمن عرف الله تعالى عرف من صفاته أنه يهلك العالمين ولا يبالي ويعلم أنه ~~مسخر في قدرة من لو أهلك مثله آلافا مؤلفة وأبد عليهم العذاب أبد الآباد لم ~~يؤثر ذلك فيه أثرا ولم تأخذه عليه رقة ولا اعتراه عليه جزع # ولذلك قال تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وفاتحة الزبور رأس ~~الحكمة خشية الله وقال ابن مسعود كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله ~~جهلا # واستفتى الحسن عن مسألة فأجاب فقيل له إن فقهاءنا لا يقولون ذلك فقال وهل ~~رأيت فقيها قط الفقيه القائم ليلة الصائم نهاره الزاهد في الدنيا # وقال مرة الفقيه لا يداري ولا يماري ينشر حكمة الله فإن قبلت منه حمد ~~الله وإن ردت عليه حمد الله # فإذن الفقيه من فقه عن الله أمره ونهيه وعلم من صفاته ما أحبه وما كرهه ~~وهو العالم ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإذا لم يكن بهذه الصفة ~~فهو من المغرورين # وفرقة أخرى أحكموا العلم والعمل فواظبوا على الطاعات الظاهرة وتركوا ~~المعاصي إلا أنهم لم يتفقدوا قلوبهم ليمحوا الصفات المذمومة عند الله من ~~الكبر والحسد والرياء وطلب الرياسة والعلاء وإرادة السوء للأقران والنظراء ~~وطلب الشهرة في البلاء والعباد وربما لم يعرف بعضهم أن ذلك مذموم فهو مكب ~~عليها غير متحرز عنها ولا يلتفت إلى قوله صلى الله عليه وسلم أدنى الرياء ~~شرك + حديث أدنى الرياء شرك تقدم في ذم الجاه والرياء # وإلى قوله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ~~+ حديث لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر تقدم غير مرة # وإلى قوله صلى الله عليه وسلم الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب + ~~حديث الحسد يأكل الحسنات الحديث تقدم في العلم وغيره # وإلى قوله صلى الله عليه وسلم حب الشرف والمال ينبتان النفاق كما ينبت ~~الماء البقل + حديث حب الشرف والمال ينبتان النفاق في القلب الحديث تقدم # إلى PageV03P389 غير ذلك من الأخبار التي أوردناها في جميع ربع المهلكات ~~في الأخلاق المذمومة # فهؤلاء زينوا ظواهرهم وأهملوا بواطنهم ونسوا قوله صلى الله عليه وسلم إن ~~الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم + ~~حديث إن الله لا ينظر إلى صوركم الحديث تقدم # فتعهدوا الأعمال وما تعهدوا القلوب والقلب هو الأصل إذ لا ينجو إلا من ~~أتى الله بقلب سليم # ومثال هؤلاء كبئر الحش ظاهرها جص وباطنها نتن أو كقبور الموتى ظاهرها ~~مزين وباطنها جيفة أو كبيت مظلم باطنه وضع سراج على سطحه فاستنار ظاهره ~~وباطنه مظلم أو كرجل قصد الملك ضيافته إلى داره فجصص باب داره وترك المزابل ~~في صدر داره ولا يخفى أن ذلك غرور بل أقرب مثال إليه رجل زرع زرعا فنبت ~~ونبت معه حشيش يفسده فآمر بتنقية الزرع عن الحشيش بقلعه من أصله فأخذ يجز ~~رءوسه وأطرافه فلا تزال تقوى أصوله فتنبت لأن مغارس المعاصي هي الأخلاق ~~الذميمة في القلب فمن لا يطهر القلب منها لا تتم له الطاعات الظاهرة إلا مع ~~الآفات الكثيرة # بل هو كمريض ظهر به الجرب وقد أمر بالطلاء وشرب الدواء فالطلاء ليزيل ما ~~على ظاهره والدواء ليقطع مادته من باطنه فقنع بالطلاء وترك الدواء وبقي ~~يتناول ما يزيد في المادة فلا يزال يطلي الظاهر والجرب دائم به يتفجر من ~~المادة التي في الباطن # وفرقة أخرى علموا أن هذه الأخلاق الباطنة مذمومة من جهة الشرع إلا أنهم ~~لعجبهم بأنفسهم يظنون أنهم منفكون عنها وأنهم أرفع عند الله من أن يبتليهم ~~بذلك وإنما يبتلي به العوام دون من بلغ مبلغهم في العلم فأما هم فأعظم عند ~~الله من أن يبتليهم ثم إذا ظهر عليهم مخايل الكبر والرياسة وطلب العلو ~~والشرف قالوا ما هذا كبر وإنما هو طلب عز الدين وإظهار شرف العلم ونصرة دين ~~الله وإرغام أنف المخالفين من المبتدعين وإني لو لبست الدون من الثياب ~~وجلست في الدون من المجالس لشمت بي أعداء الدين وفرحوا بذلك وكان ذلي ذلا ~~على الإسلام ونسى المغرور أن عدوه الذي حذره منه مولاه هو الشيطان وأنه ~~يفرح بما يفعله ويسخر به وينسى أن النبي صلى الله عليه وسلم بماذا نصر ~~الدين وبماذا أرغم الكافرين ونسى ما روي عن الصحابة من التواضع والتبذل ~~والقناعة بالفقر والمسكنة حتى عوتب عمر رضي الله عنه في بذاذة زيه عند ~~قدومه إلى الشام فقال إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلا نطلب العز في غيره ~~ثم هذا المغرور يطلب عز الدين بالثياب الرقيقة من القصب والديبقي والإبريسم ~~المحرم والخيول والمراكب ويزعم أنه يطلب به عز العلم وشرف الدين وكذلك مهما ~~أطلق اللسان بالحسد في أقرانه أو فيمن رد عليه شيئا من كلامه لم يظن بنفسه ~~أن ذلك حسد ولكن قال إنما هذا غضب للحق ورد على المبطل في عدوانه وظلمه ولم ~~يظن بنفسه الحسد حتى يعتقد أنه لو طعن في غيره من أهل العلم أو منع غيره من ~~رياسة وزوحم فيها هل كان غضبه وعداوته مثل غضبه الآن فيكون غضبه لله أم لا ~~يغضب مهما طعن في عالم آخر ومنع بل ربما يفرح به فيكون غضبه لنفسه وحسده ~~لأقرانه من خبث باطنه وهكذا يرائي بأعماله وعلومه وإذا خطر له خاطر الرياء ~~قال هيهات إنما غرضي من إظهار العلم والعمل اقتداء الخلق بي ليهتدوا إلى ~~دين الله تعالى فيتخلصوا من عقاب الله تعالى ولا يتأمل المغرور أنه ليس ~~يفرح باقتداء الخلق بغيره كما يفرح باقتدائه به فلو كان غرضه صلاح الخلق ~~لفرح بصلاحهم على يد من كان كمن له عبيد مرضى يريد معالجتهم فإنه لا يفرق ~~بين أن يحصل شفاؤهم على يده أو على يد طبيب آخر وربما يذكر هذا له فلا ~~يخليه الشيطان أيضا ويقول إنما ذلك لأنهم إذا اهتدوا بي كان الأجر لي ~~والثواب لي فإنما فرحي بثواب الله لا بقبول الخلق قولي هذا ما يظنه ~~PageV03P390 بنفسه والله مطلع من ضميره على أنه لو أخبره نبي بأن ثوابه في ~~الخمول وإخفاء العلم أكثر من ثوابه في الإظهار وحبس مع ذلك في سجن وقيد ~~بالسلاسل لاحتال في هدم السجن وحل السلاسل حتى يرجع إلى موضعه الذي به تظهر ~~رياسته من تدريس أو وعظ أو غيره وكذلك يدخل على السلطان ويتودد إليه ويثني ~~عليه ويتواضع له وإذا خطر له أن التواضع للسلاطين الظلمة حرام قال له ~~الشيطان هيهات إنما ذلك عند الطمع في مالهم فأما أنت فغرضك أن تشفع ~~للمسلمين وتدفع الضرر عنهم وتدفع شر أعدائك عن نفسك والله يعلم من باطنه ~~أنه لو ظهر لبعض أقرانه قبول عند ذلك السلطان فصار يشفعه في كل مسلم حتى ~~دفع الضرر عن جميع المسلمين ثقل ذلك عليه ولو قدر على أن يقبح حاله عند ~~السلطان بالطعن فيه والكذب عليه لفعل # وكذلك قد ينتهي غرور بعضهم إلى أن يأخذ من مالهم وإذا خطر له أنه حرام ~~قال له الشيطان هذا مال لا مالك له وهو لمصالح المسلمين وأنت إمام المسلمين ~~وعالمهم وبك قوام الدين أفلا يحل لك أن تأخذ قدر حاجتك # فيغتر بهذا التلبيس في ثلاثة أمور # أحدها في أنه مال لا مالك له فإنه يعرف أنه يأخذ الخراج من المسلمين وأهل ~~السواد والذين أخذ منهم أحياء وأولادهم وورثتهم أحياء وغاية الأمر وقوع ~~الخلط في أموالهم ومن غصب مائة دينار من عشرة أنفس وخالطها فلا خلاف في أنه ~~مال حرام ولا يقال هو مال لا مالك له ويجب أن يقسم بين العشرة ويرد إلى كل ~~واحد عشرة وإن كان مال كل واحد قد اختلط بالآخر # الثاني والثالث في قوله إنك من مصالح المسلمين وبك قوام الدين ولعل الذين ~~فسد دينهم واستحلوا أموال السلاطين ورغبوا في طلب الدنيا والإقبال على ~~الرياسة والإعراض عن الآخرة بسببه أكثر من الذين زهدوا في الدنيا ورفضوها ~~وأقبلوا على الله فهو على التحقيق دجال الدين وقوام مذهب الشياطين لا إمام ~~الدين # إذ الإمام هو الذي يقتدى به في الإعراض عن الدنيا والإقبال على الله ~~كالأنبياء عليهم السلام والصحابة وعلماء السلف # والدجال هو الذي يقتدى به في الإعراض عن الله والإقبال على الدنيا # فلعل موت هذا أنفع للمسلمين من حياته وهو يزعم أنه قوام الدين # ومثله كما قال المسيح عليه السلام للعالم السوء إنه كصخرة وقعت في فم ~~الوادي فلا هي تشرب الماء ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزرع # وأصناف غرور أهل العلم في هذه الأعصار المتأخرة خارجة عن الحصر وفيما ~~ذكرناه تنبيه بالقليل على الكثير # وفرقة أخرى أحكموا العلم وطهروا الجوارح وزينوها بالطاعات واجتنبوا ظواهر ~~المعاصي وتفقدوا أخلاق النفس وصفات القلب من الرياء والحسد والحقد والكبر ~~وطلب العلو وجاهدوا أنفسهم في التبري منها وقلعوا من القلوب منابتها الجلية ~~القوية ولكنهم بعد مغرورون إذ بقيت في زوايا القلب من خفايا مكايد الشيطان ~~وخبايا خداع النفس ما دق وغمض مدركه فلم يفطنوا لها وأهملوها وإنما مثاله ~~من يريد تنقية الزرع من الحشيش فدار عليه وفتش عن كل حشيش رآه فقلعه إلا ~~أنه لم يفتش على ما لم يخرج رأسه بعد من تحت الأرض وظن أن الكل قد ظهر وبرز ~~وكان قد نبت من أصول الحشيش شعب لطاف فانبسطت تحت التراب فأهملها وهو يظن ~~أنه قد اقتلعها فإذا هو بها في غفلته وقد نبتت وقويت وأفسدت أصول الزرع من ~~حيث لا يدري # فكذلك العالم قد يفعل جميع ذلك ويذهل عن المراقبة للخفايا والتفقد ~~للدفائن فتراه يسهر ليله ونهاره في جمع العلوم وترتيبها وتحسين ألفاظها ~~وجمع التصانيف فيها وهو يرى أن باعثه الحرص على إظهار دين الله ونشر شريعته # ولعل باعثه الخفي هو طلب الذكر وانتشار الصيت في الأطراف وكثرة الرحلة ~~إليه من الآفاق وانطلاق الألسنة عليه PageV03P391 بالثناء والمدح بالزهد ~~والورع والعلم والتقديم له في المهمات وإيثاره في الأغراض والاجتماع حوله ~~للاستفادة والتلذذ بحسن الإصغاء عند حسن اللفظ والإيراد والتمتع بتحريك ~~الرءوس إلى كلامه والبكاء عليه والتعجب منه والفرح بكثرة الأصحاب والأتباع ~~والمستفيدين والسرور بالتخصص بهذه الخاصية من بين سائر الأقران والأشكال ~~للجمع بين العلم والورع وظاهر الزهد والتمكن به من إطلاق لسان الطعن في ~~الكافة المقبلين على الدنيا لا عن تفجع بمصيبة الدين ولكن عن إدلال ~~بالتمييز واعتداد بالتخصيص # ولعل هذا المسكين المغرور حياته في الباطن بما انتظم له من أمر وإمارة ~~وعز وانقياد وتوقير وحسن ثناء فلو تغيرت عليه القلوب واعتقدوا فيه خلاف ~~الزهد بما يظهر من أعماله فعساه يتشوس عليه قلبه وتختلط أوراده ووظائفه # وعساه يعتذر بكل حيلة لنفسه وربما يحتاج إلى أن يكذب في تغطية عيبه # وعساه يؤثر بالكرامة والمراعاة من اعتقد فيه الزهد والورع وإن كان قد ~~اعتقد فيه فوق قدره وينبو قلبه عمن عرف حد فضله وورعه وإن كان ذلك على وفق ~~حاله وعساه يؤثر بعض أصحابه على بعض وهو يرى أنه يؤثره لتقدمه في الفضل ~~والورع وإنما ذلك لأنه أطوع له وأتبع لمراده وأكثر ثناء عليه وأشد إصغاء ~~إليه وأحرص على خدمته ولعلهم يستفيدون منه ويرغبون في العلم وهو يظن أن ~~قبوهم له لإخلاصه وصدقه وقيامه بحق علمه فيحمد الله تعالى على ما يسر على ~~لسانه من منافع خلقه ويرى أن ذلك مكفر لذنوبه ولم يتفقد مع نفسه تصحيح ~~النية فيه # وعساه لو وعد بمثل ذلك الثواب في إيثاره الخمول والعزلة وإخفاء العلم لم ~~يرغب فيه لفقده في العزلة ولاختفاء لذة القبول وعزة الرياسة ولعل مثل هذا ~~هو المراد بقول الشيطان من زعم من بني آدم أنه بعلمه امتنع مني فبجهله وقع ~~في حبائلي # وعساه يصنف ويجتهد فيه ظانا أنه يجمع علم الله لينتفع به وإنما يريد به ~~استطارة اسمه بحسن التصنيف فلو ادعى مدع تصنيفه ومحا عنه اسمه ونسبه إلى ~~نفسه ثقل عليه ذلك مع علمه بأن ثواب الاستفادة من التصنيف إنما يرجع إلى ~~المصنف والله يعلم بأنه هو المصنف لا من ادعاه ولعله في تصنيفه لا يخلو من ~~الثناء على نفسه إما صريحا بالدعاوي الطويلة العريضة وإما ضمنا بالطعن في ~~غيره ليستبين من طعنه في غيره أنه أفضل ممن طعن فيه وأعظم منه علما ولقد ~~كان في غنية عن الطعن فيه ولعله يحكي من الكلام المزيف ما يزيد تزييفه ~~فيعزيه إلى قائله وما يستحسنه فلعله لا يعزيه إليه ليظن أنه من كلامه ~~فينقله بعينه كالسارق له أو يغيره أدنى تغيير كالذى يسرق قميصا فيتخذه قباء ~~حتى لا يعرف أنه مسروق ولعله يجتهد في تزيين ألفاظه وتسجيعه وتحسين نظمه ~~كيلا ينسب إلى الركاكة ويرى أن غرضه ترويج الحكمة وتحسينها وتزيينها ليكون ~~أقرب إلى نفع الناس # وعساه غافلا عما روى أن بعض الحكماء وضع ثلثمائة مصحف في الحكمة فأوحى ~~الله إلى نبي زمانه قل له قد ملأت الأرض نفاقا وإني لا أقبل من نفاقك شيئا # ولعل جماعة من هذا الصنف من المغترين إذا اجتمعوا ظن كل واحد بنفسه ~~السلامة عن عيوب القلب وخفاياه فلو افترقوا واتبع كل واحد منهم فرقة من ~~أصحابه نظر كل واحد إلى كثرة من يتبعه وأنه أكثر تبعا أو غيره فيفرح إن كان ~~أتباعه أكثر وإن علم أن غيره أحق بكثرة الأتباع منه ثم إذا تفرقوا واشتغلوا ~~بالإفادة تغايروا وتحاسدوا ولعل من يختلف إلى واحد منهم إذا انقطع عنه إلى ~~غيره ثقل على قلبه ووجد في نفسه نفرة منه فبعد ذلك لا يهتز باطنه لإكرامه ~~ولا يتشمر لقضاء حوائجه كما كان يتشمر من قبل ولا يحرص على الثناء عليه كما ~~أثنى مع علمه بأنه مشغول بالاستفادة ولعل التحيز منه إلى فئة أخرى كان أنفع ~~له في دينه لآفة من الآفات كانت تلحقه في هذه الفئة وسلامته عنها في تلك ~~الفئة ومع ذلك لا تزول النفرة عن قلبه ولعل واحدا منهم إذا تحركت فيه مبادئ ~~الحسد لم يقدر على إظهاره فيتعلل بالطعن في دينه وفي ورعه ليحمل غضبه على ~~ذلك ويقول إنما غضبت لدين الله لا لنفسي # ومهما PageV03P392 ذكرت عيوبه بين يديه ربما فرح له وإن أثنى عليه ربما ~~ساءه وكرهه وربما قطب وجهه إذا ذكرت عيوبه يظهر أنه كاره لغيبة المسلمين ~~وسر قلبه راض به ومريد له والله مطلع عليه في ذلك # فهذا وأمثاله من خفايا القلوب لا يفطن له إلا الأكياس ولا يتنزه عنه إلا ~~الأقوياء ولا مطمع فيه لأمثالنا من الضعفاء إلا أن أقل الدرجات أن يعرف ~~الإنسان عيوب نفسه ويسوءه ذلك ويكرهه ويحرص على إصلاحه فإذا أراد الله بعبد ~~خيرا بصره بعيوب نفسه ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مرجو الحال وأمره ~~أقرب من المغرور المزكي لنفسه الممتن على الله بعمله وعلمه الظان أنه من ~~خيار خلقه فنعوذ بالله من الغفلة والاغترار ومن المعرفة بخفايا العيوب مع ~~الإهمال # هذا غرور الذين حصلوا العلوم المهمة ولكن قصروا في العمل بالعلم # ولنذكر الآن غرور الذين قنعوا من العلوم بما لا يهمهم وتركوا المهم وهم ~~به مغترون إما لاستغنائهم عن أصل ذلك العلم وإما لاقتصارهم عليه # فمنهم فرقة اقتصروا على علم الفتاوي في الحكومات والخصومات وتفاصيل ~~المعاملات الدنيوية الجارية بين الخلق لمصالح العباد وخصصوا اسم الفقه بها ~~وسموه الفقه وعلم المذاهب وربما ضيعوا مع ذلك الأعمال الظاهرة والباطنة فلم ~~يتفقدوا الجوارح ولم يخرسوا اللسان عن الغيبة ولا البطن عن الحرام ولا ~~الرجل عن المشي إلى السلاطين وكذا سائر الجوارح ولم يحرسوا قلوبهم عن الكبر ~~والحسد والرياء وسائر المهلكات # فهؤلاء مغرورون من وجهين # أحدهما من حيث العمل # والآخر من حيث العلم # أما العمل فقد ذكرنا وجه الغرور فيه وأن مثالهم مثال المريض إذا تعلم ~~نسحة الدواء واشتغل بتكراره وتعليمه لا بل مثالهم مثال من به علة البواسير ~~والبرسام وهو مشرف على الهلاك ومحتاج إلى تعلم الدواء واستعماله فاشتغل ~~بتعلم أدواء الاستحاضة وبتكرار ذلك ليلا ونهارا مع علمه بأنه رجل لا يحيض ~~ولا يستحاض ولكن يقول ربما تقع علة الاستحاضة لامرأة وتسألني عن ذلك وذلك ~~غاية الغرور # فكذلك المتفقه المسكين قد يسلط عليه حب الدنيا واتباع الشهوات والحسد ~~والكبر والرياء وسائر المهلكات الباطنة وربما يخطفه الموت قبل التوبة ~~والتلافي فيلقى الله وهو عليه غضبان فترك ذلك كله واشتغل بعلم السلم ~~والإجارة والظهار واللعان والجراحات والديات والدعاوى والبينات وبكتاب ~~الحيض وهو لا يحتاج إلى شيء من ذلك قط في عمره لنفسه وإذا احتاج غيره كان ~~في المفتين كثرة فيشتغل بذلك ويحرص عليه لما فيه من الجاه والرياسة والمال ~~وقد دهاه الشيطان وما يشعر إذ يظن المغرور بنفسه أنه مشغول بفرض دينه وليس ~~يدري أن الاشتغال بفرض الكفاية قبل الفراغ من فرض العين معصية # هذا لو كانت نيته صحيحة كما قال وقد كان قصد بالفقه وجه الله تعالى فإنه ~~وإن قصد وجه الله فهو باشتغاله به معرض عن فرض عينه في جوارحه وقلبه فهذا ~~غروره من حيث العمل # وأما غروره من حيث العلم فحيث اقتصر على علم الفتاوي وظن أنه علم الدين ~~وترك كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وربما طعن في المحدثين ~~وقال إنهم نقلة أخبار وحملة أسفار لا يفقهون وترك أيضا علم تهذيب الأخلاق ~~وترك الفقه عن الله تعالى بإدراك جلاله وعظمته وهو العلم الذي يورث الخوف ~~والهيبة والخشوع ويحمل على التقوى فتراه آمنا من الله مغترا به متكلا على ~~أنه لا بد وأن يرحمه فإنه قوم دينه وأنه لو لم يشتغل بالفتاوي لتعطل الحلال ~~والحرام فقد ترك العلوم التي هي أهم وهو غافل مغرور وسبب غروره ما سمع في ~~الشرع من تعظيم الفقه ولم يدر أن ذلك الفقه هو الفقه عن الله ومعرفة صفاته ~~المخوفة والمرجوة ليستشعر القلب الخوف ويلازم التقوى إذ قال تعالى @QB@ ~~فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا ~~رجعوا @QE@ PageV03P393 إليهم لعلهم يحذرون والذي يحصل به الإنذار غير هذا ~~العلم فإن مقصود هذا العلم حفظ الأموال بشروط المعاملات وحفظ الأبدان ~~بالأموال وبدفع القتل والجراحات والمال في طريق الله آلة والبدن مركب # وإنما العلم المهم هو معرفة سلوك الطريق وقطع عقبات القلب التي هي الصفات ~~المذمومة فهي الحجاب بين العبد وبين الله تعالى وإذا مات ملوثا بتلك الصفات ~~كان محجوبا عن الله # فمثاله في الاقتصار على علم الفقه مثال من اقتصر من سلوك طريق الحج على ~~علم خرز الرواية والخف ولا شك في أنه لو لم يكن لتعطل الحج ولكن المقتصر ~~عليه ليس من الحج في شيء ولا بسبيله وقد ذكرنا شرح ذلك في كتاب العلم ومن ~~هؤلاء من اقتصر من علم الفقه على الخلافيات ولم يهمه إلا تعلم طريق ~~المجادلة والإلزام وإفحام الخصوم ودفع الحق لأجل الغلبة والمباهاة فهو طول ~~الليل والنهار في التفتيش عن مناقضات أرباب المذاهب والتفقد لعيوب الأقران ~~والتلقف لأنواع التسبيبات المؤذية وهؤلاء هم سباع الإنس طبعهم الإيذاء ~~وهمهم السفه ولا يقصدون العلم إلا لضرورة ما يلزمهم لمباهاة الأقران فكل ~~علم لا يحتاجون إليه في المباهاة كعلم القلب وعلم سلوك الطريق إلى الله ~~تعالى بمحو الصفات المذمومة وتبديلها بالمحمودة فإنهم يستحقرونه ويسمونه ~~التزويق وكلام الوعاظ وإنما التحقيق عندهم معرفة تفاصيل العربدة التي تجري ~~بين المتصارعين في الجدل # وهؤلاء قد جمعوا ما جمعه الذين من قبلهم في علم الفتاوي لكن زادوا إذ ~~اشتغلوا بما ليس من فروض الكفايات أيضا بل جميع دقائق الجدل في الفقه بدعة ~~لم يعرفها السلف وأما أدلة الأحكام فيشتمل عليها علم المذهب وهو كتاب الله ~~وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهم معانيهما # وأما حيل الجدل من الكسر والقلب وفساد الوضع والتركيب والتعدية فإنما ~~أبدعت لإظهار الغلبة والإفحام وإقامة سوق الجدل بها فغرور هؤلاء أشد كثيرا ~~وأقبح من غرور من قبلهم # وفرقة أخرى اشتغلوا بعلم الكلام والمجادلة في الأهواء والرد على ~~المخالفين وتتبع مناقضاتهم واستكثروا من معرفة المقالات المختلفة واشتغلوا ~~بتعلم الطرق في مناظرة أولئك وإفحامهم وافترقوا في ذلك فرقا كثيرة واعتقدوا ~~أنه لا يكون لعبد عمل إلا بإيمان ولا يصح إيمان إلا بأن يتعلم جدلهم وما ~~سموه أدلة عقائدهم وظنوا أنه لا أحد أعرف بالله وبصفاته منهم وأنه لا إيمان ~~لمن لم يعتقد مذهبهم ولم يتعلم علمهم ودعت كل فرقة منهم إلى نفسها # ثم هم فرقتان ضالة ومحقة فالضالة هي التي تدعو إلى غير السنة والمحقة هي ~~التي تدعو إلى السنة والغرور شامل لجميعهم # أما الضالة فلغفلتها عن ضلالها وظنها بنفسها النجاة وهم فرق كثيرة يكفر ~~بعضهم بعضا وإنما أتيت من حيث إنها لم تتهم رأيها ولم تحكم أولا شروط ~~الأدلة ومنهاجها فرأى أحدهم الشبهة دليلا والدليل شبهة # وأما الفرقة المحقة فإنما اغترارها من حيث إنها ظنت بالجدل أنه أهم ~~الأمور وأفضل القربات في دين الله وزعمت أنه لا يتم لأحد دينه ما لم يفحص ~~ويبحث وأن من صدق الله ورسوله من غير بحث وتحرير دليل فليس بمؤمن أو ليس ~~كامل الإيمان ولا مقرب عند الله # فلهذا الظن الفاسد قطعت أعمارها في تعلم الجدل والبحث عن المقالات ~~وهذيانات المبتدعة ومناقضاتهم وأهملوا أنفسهم وقلوبهم حتى عميت عليهم ~~ذنوبهم وخطاياهم الظاهرة والباطنة وأحدهم يظن أن اشتغاله بالجدل أولى وأقرب ~~عند الله وأفضل ولكنه لالتذاذه بالغلبة والإفحام ولذة الرياسة وعز الانتماء ~~إلى الذب عن دين الله تعالى عميت بصيرته فلم يلتفت إلى القرن الأول فإن ~~النبي صلى الله عليه وسلم شهد لهم بأنهم خير الخلق وأنهم قد PageV03P394 ~~أدركوا كثيرا من أهل البدع والهوى فما جعلوا أعمارهم ودينهم غرضا للخصومات ~~والمجادلات وما اشتغلوا بذلك عن تفقد قلوبهم وجوارحهم وأحوالهم بل لم ~~يتكلموا فيه إلا من حيث رأوا حاجة وتوسموا مخايل قبول فذكروا بقدر الحاجة ~~ما يدل الضال على ضلالته وإذا رأوا مصرا على ضلالة هجروه وأعرضوا عنه ~~وأبغضوه في الله ولم يلزموا الملاحاة معه طول العمر بل قالوا إن الحق هو ~~الدعوة إلى السنة ومن السنة ترك الجدل في الدعوة إلى السنة # إذ روى أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما ضل قوم ~~قط بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل + حديث ما ضل قوم بعد هدى كانوا ~~عليه إلا أوتوا الجدل تقدم في العلم وفي آفات اللسان # وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على أصحابه وهم يتجادلون ~~ويختصمون فغضب عليهم حتى كأنه فقئ في وجهه حب الرمان + حديث خرج يوما على ~~أصحابه وهم يجادلون ويختصمون فغضب حتى كأنه فقئ في وجهه حب الرمان الحديث ~~تقدم # حمرة من الغضب فقال ألهذا بعثتم أبهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ~~ببعض انظروا إلى ما أمرتم به فاعملوا وما نهيتم عنه فانتهوا فقد زجرهم عن ~~ذلك وكانوا أولى خلق الله بالحجاج والجدال # ثم إنهم رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بعث إلى كافة أهل الملل ~~فلم يقعد معهم في مجلس مجادلة لإلزام وإفحام وتحقيق حجة ودفع سؤال وإيراد ~~إلزام فما جادلهم إلا بتلاوة القرآن المنزل عليهم ولم يزد في المجادلة عليه ~~لأن ذلك يشوش القلوب ويستخرج منها الإشكالات والشبه ثم لا يقدر على محوها ~~من قلوبهم وما كان يعجز عن مجادلتهم بالتقسيمات ودقائق الأقيسة وأن يعلم ~~أصحابه كيفية الجدل والإلزام ولكن الأكياس وأهل الحزم لم يغتروا بهذا ~~وقالوا لو نجا أهل الأرض وهلكنا لم تنفعنا نجاتهم ولو نجونا وهلكوا لم ~~يضرنا هلاكهم وليس علينا في المجادلة أكثر مما كان على الصحابة مع اليهود ~~والنصارى وأهل الملل وما ضيعوا العمر بتحرير مجادلاتهم فما لنا نضيع العمر ~~ولا نصرفه إلى ما ينفعنا في يوم فقرنا وفاقتنا ولم نخوض فيما لا نأمن على ~~أنفسنا الخطأ في تفاصيله ثم نرى أن المبتدع ليس يترك بدعته بجداله بل يزيده ~~التعصب والخصومة تشددا في بدعته فاشتغالي بمخاصمة نفسي ومجادلتها ومجاهدتها ~~لتترك الدنيا للآخرة أولى هذا لو كنت لم أنه عن الجدل والخصومة فكيف وقد ~~نهيت عنه وكيف أدعو إلى السنة بترك السنة فالأولى أتفقد نفسي وأنظر من ~~صفاتها ما يبغضه الله تعالى وما يحبه لأتنزه عما يبغضه وأتمسك بما يحبه # وفرقة أخرى اشتغلوا بالوعظ والتذكير وأعلاهم رتبة من يتكلم في أخلاق ~~النفس وصفات القلب من الخوف والرجاء والصبر والشكر والتوكل والزهد واليقين ~~والإخلاص والصدق ونظائره وهم مغرورون يظنون بأنفسهم أنهم إذا تكلموا بهذه ~~الصفات ودعوا الخلق إليها فقد صاروا موصوفين بهذه الصفات وهم منفكون عنها ~~عند الله إلا عن قدر يسير لا ينفك عنه عوام المسلمين وغرور هؤلاء أشد ~~الغرور لأنهم يعجبون بأنفسهم غاية الإعجاب ويظنون أنهم ما تبحروا في علم ~~المحبة إلا وهم محبون لله وما قدروا على تحقيق دقائق الإخلاص إلا وهم ~~مخلصون وما وقعوا على خفايا عيوب النفس إلا وهم عنها منزهون ولولا أنه مقرب ~~عند الله لا عرفه معنى القرب والبعد وعلم السلوك إلى الله وكيفية قطع ~~المنازل في طريق الله فالمسكين بهذه الظنون يرى أنه من الخائفين وهو أمن من ~~الله تعالى ويرى أنه من الراجين وهو من المغترين المضيعين ويرى أنه من ~~الراضين بقضاء الله وهو من الساخطين ويرى أنه من المتوكلين على الله وهو من ~~المتكلين على العز والجاه والمال والأسباب ويرى أنه من المخلصين وهو من ~~المرائين # بل يصف الإخلاص فيترك الإخلاص في الوصف ويصف الرياء ويذكره وهو يرائي ~~بذكره ليعتقد فيه أنه لولا أنه مخلص لما اهتدى إلى دقائق الرياء ويصف الزهد ~~في الدنيا لشدة حرصه على الدنيا وقوة رغبته فيها PageV03P395 فهو يظهر ~~الدعاء إلى الله وهو منه فار ويخوف بالله تعالى وهو منه آمن # ويذكر بالله تعالى وهو له ناس ويقرب إلى الله وهو منه متباعد ويحث على ~~الإخلاص وهو غير مخلص ويذم الصفات المذمومة وهو بها متصف ويصرف الناس عن ~~الخلق وهو على الخلق أشد حرصا لو منع عن مجلسه الذي يدعو الناس فيه إلى ~~الله لضاقت عليه الأرض بما رحبت ويزعم أن غرضه إصلاح الخلق ولو ظهر من ~~أقرانه من أقبل الخلق عليه وصلحوا على يديه لمات غما وحسدا ولو أثنى أحد من ~~المترددين إليه على بعض أقرانه لكان أبغض خلق الله إليه # فهؤلاء أعظم الناس غرة وأبعدهم عن التنبه والرجوع إلى السداد لأن المرغب ~~في الأخلاق المحمودة والمنفر عن المذمومة هو العلم بغوائلها وفوائدها وهذا ~~قد علم ذلك ولم ينفعه وشغله حب دعوة الخلق عن العمل به # فبعد ذلك بماذا يعالج وكيف سبيل تخويفه وإنما المخوف ما يتلوه على عباد ~~الله فيخافون وهو ليس بخائف نعم إن ظن نفسه أنه موصوف بهذه الصفات المحمودة ~~يمكن أن يدل على طريق الامتحان والتجربة وهو أن يدعي مثلا حب الله فما الذي ~~تركه من محاب نفسه لأجله ويدعي الخوف فما الذي امتنع منه بالخوف ويدعي ~~الزهد فما الذي تركه مع القدرة عليه لوجه الله تعالى ويدعي الأنس بالله ~~فمتى طابت له الخلوة ومتى استوحش من مشاهدة الخلق لا بل يرى قلبه يمتلئ ~~بالحلاوة إذا أحدق به المريدون وتراه يستوحش إذا خلا بالله تعالى فهل رأيت ~~محبا يستوحش من محبوبه ويستروح منه إلى غيره فالأكياس يمتحنون أنفسهم بهذه ~~الصفات ويطالبونها بالحقيقة ولا يقنعون منها بالتزويق بل بموثق من الله ~~غليظ والمغترون يحسنون بأنفسهم الظنون وإذا كشف الغطاء عنهم في الآخرة ~~يفتضحون بل يطرحون في النار فتندلق أقتابهم فيدور بها أحدهم كما يدور ~~الحمار بالرحى كما ورد به الخبر لأنهم يأمرون بالخير ولا يأتونه وينهون عن ~~الشر ويأتونه وإنما وقع الغرور لهؤلاء من حيث إنهم يصادفون في قلوبهم شيئا ~~ضعيفا من أصول هذه المعانيوهو حب الله والخوف منه والرضا بفعله ثم قدروا مع ~~ذلك على وصف المنازل العالية في هذه المعانى فظنوا أنهم ما قدروا على وصف ~~ذلك وما رزقهم الله علمه وما نفع الناس بكلامهم فيها إلا لاتصفاهم بها وذهب ~~عليهم أن القبول للكلام والكلام للمعرفة وجريان اللسان والمعرفة للعلم وأن ~~كل ذلك غير الاتصاف بالصفة فلم يفارق آحاد المسلمين في الاتصاف بصفة الحب ~~والخوف بل في القدرة على الوصف بل ربما زاد أمنه وقل خوفه وظهر إلى الخلق ~~ميله وضعف في قلبه حب الله تعالى وإنما مثاله مثال مريض يصف المرض ويصف ~~دواءه بفصاحته ويصف الصحة والشفاء وغيره من المرضى لا يقدر على وصف الصحة ~~والشفاء وأسبابه ودرجاته وأصنافه فهو لا يفارقهم في صفة المرض والاتصاف به ~~وإنما يفارقهم في الوصف والعلم بالطب فظنه عند علمه بحقيقة الصحة أنه صحيح ~~غاية الجهل فكذلك العلم بالخوف والحب والتوكل والزهد وسائر هذه الصفات غير ~~الاتصاف بحقائقها # ومن التبس عليه وصف الحقائق بالاتصاف بالحقائق فهو مغرور # فهذه حالة الوعاظ الذين لا عيب في كلامهم بل منهاج وعظهم منهاج وعظ ~~القرآن والأخبار ووعظ الحسن البصري وأمثاله رحمة الله عليهم # وفرقة أخرى منهم عدلوا عن المنهاج الواجب في الوعظ وهم وعاظ أهل هذا ~~الزمان كافة إلا من عصمه الله على الندور في بعض أطراف البلاد إن كان ولسنا ~~نعرفه فاشتغلوا بالطامات والشطح وتلفيق كلمات خارجة عن قانون الشرع والعقل ~~طلبا للإغراب # وطائفة شغفوا بطيارات النكت وتسجيع الألفاظ وتلفيقها فأكثر هممهم ~~بالأسجاع والاستشهاد بأشعار الوصال والفراق وغرضهم أن تكثر في مجالستهم ~~الزعقات والتواجد ولو على أغراض فاسدة فهؤلاء شياطين الإنس ضلوا وأضلوا عن ~~سواء السبيل فإن الأولين وإن لم يصلحوا أنفسهم فقد PageV03P396 أصلحوا ~~غيرهم وصححوا كلامهم ووعظهم # وأما هؤلاء فإنهم يصدون عن سبيل الله ويجرون الخلق إلى الغرور بالله بلفظ ~~الرجاء فيزيدهم كلامهم جراءة على المعاصي ورغبة في الدنيا لا سيما إذا كان ~~الواعظ متزينا بالثياب والخيل والمراكب فإنه تشهد هيئته من فرقه إلى قدمه ~~بشدة حرصه على الدنيا فما يفسده هذا المغرور أكثر مما يصلحه بل لا يصلح ~~أصلا ويضل خلقا كثيرا ولا يخفى وجه كونه مغرورا # وفرقة أخرى منهم قنعوا بحفظ كلام الزهاد وأحاديثهم في ذم الدنيا فهم ~~يحفظون الكلمات على وجهها ويؤدونها من غير إحاطة بمعانيها فبعضهم يفعل ذلك ~~على المنابر وبعضهم في المحاريب وبعضهم في الأسواق مع الجلساء وكل منهم يظن ~~أنه إذا تميز هذا القدر عن السوقة والجندية إذ حفظ كلام الزهاد وأهل الدين ~~دونهم فقد أفلح ونال الغرض وصار مغفورا له وأمن عقاب الله من غير أن يحفظ ~~ظاهره وباطنه عن الآثام ولكنه يظن أن حفظه لكلام أهل الدين يكفيه # وغرور هؤلاء أظهر من غرور من قبلهم # وفرقة أخرى استغرقوا أوقاتهم في علم الحديث أعني في سماعه وجمع الروايات ~~الكثيرة منه وطلب الأسانيد الغريبة العالية فهمة أحدهم أن يدور في البلاد ~~ويرى الشيوخ ليقول أنا أروي عن فلان ولقد رأيت فلانا ومعي من الإسناد ما ~~ليس مع غيري # وغرورهم من وجوه منها أنهم كحملة الأسفار فإنهم لا يصرفون العناية إلى ~~فهم معاني السنة فعلمهم قاصر وليس معهم إلا النقل ويظنون أن ذلك يكفيهم ~~ومنها أنهم إذا لم يفهموا معانيها ولا يعملون بها وقد يفهمون بعضها أيضا ~~ولا يعملون به # ومنها أنهم يتركون العلم الذي هو فرض عين وهو معرفة علاج القلب ويشتغلون ~~بتكثير الأسانيد وطلب العالي منها ولا حاجة بهم إلى شيء من ذلك ومنها وهو ~~الذي أكب عليه أهل الزمان أنهم أيضا لا يقيمون بشرط السماع فإن السماع ~~بمجرده وإن لم تكن له فائدة ولكنه مهم في نفسه للوصول إلا إثبات الحديث إذ ~~التفهم بعد الإثبات والعمل بعد التفهم فالأول السماع ثم التفهم ثم الحفظ ثم ~~العمل ثم النشر وهؤلاء اقتصروا من الجملة على السماع ثم تركوا حقيقة السماع ~~فترى الصبي يحضر في مجلس الشيح والحديث يقرأ والشيخ ينام والصبي يلعب ثم ~~يكتب اسم الصبي في السماع فإذا كبر تصدى ليسمع منه والبالغ الذي يحضر ربما ~~يغفل ولا يسمع ولا يصغي ولا يضبط وربما يشتغل بحديث أو نسخ والشيخ الذي ~~يقرأ عليه لو صحف وغير ما يقرأ عليه لم يشعر به ولم يعرفه وكل ذلك جهل ~~وغرور # إذ الأصل في الحديث أن يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحفظه كما ~~سمعه ويرويه كما حفظه فتكون الرواية عن الحفظ والحفظ عن السماع # فإن عجزت عن سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته من الصحابة أو ~~التابعين وصار سماعك عن الراوي كسماع من سمع من رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وهو أن تصفي لتسمع فتحفظ وتروي كما حفظت وتحفظ كما سمعت بحيث لا تغير ~~منه حرفا ولو غير غيرك منه حرفا أو أخطأ علمت خطأه # ولحفظك طريقان # أحدهما أن تحفظ بالقلب وتستديمه بالذكر والتكرار كما تحفظ ما جرى على ~~سمعك في مجاري الأحوال # والثاني أن تكتب كما تسمع وتصحح المكتوب وتحفظه حتى لا تصل إليه يد من ~~يغيره ويكون حفظك للكتاب معك وفي خزانتك فإنه لو امتدت إليه يد غيرك ربما ~~غيره فإذا لم تحفظه لم تشعر بتغييره فيكون محفوظا بقلبك أو بكتابك فيكون ~~كتابك مذكرا لما سمعته وتأمن فيه من التغيير والتحريف # فإذا لم تحفظ لا بالقلب ولا بالكتاب وجرى على سمعك صوت غفل وفارقت المجلس ~~ثم رأيت نسخة لذلك الشيخ وجوزت أن يكون ما فيه مغيرا أو يفارق حرف منه ~~للنسخة التي سمعتها لم يجز لك أن تقول سمعت هذا الكتاب فإنك لا تدري لعلك ~~لم تسمع ما فيه بل سمعت شيئا يخالف ما فيه ولو في كلمة # فإذا لم يكن معك حفظ PageV03P397 بقلبك ولا نسخة صحيحة استوثقت عليها ~~لتقابل بها فمن أين تعلم أنك سمعت ذلك وقد قال الله تعالى ولا تقف ما ليس ~~لك به علم وقول الشيوخ كلهم في هذا الزمان إنا سمعنا ما في هذا الكتاب إذا ~~لم يوجد الشرط الذي ذكرناه فهو كذب صريح # وأقل شروط السماع أن يجري الجميع على السمع مع نوع من الحفظ يشعر معه ~~بالتغيير ولو جاز أن يكتب سماع الصبي والغافل والنائم والذي ينسخ لجاز أن ~~يكتب سماع المجنون والصبي في المهد ثم إذا بلغ الصبي وأفاق المجنون يسمع ~~عليه ولا خلاف في عدم جوازه ولو جاز ذلك لجاز أن يكتب سماع الجنين في البطن ~~فإنكان لا يكتب سماع الصبى في المهد لأنه لا يفهم ولا يحفظ فالصبى الذى لا ~~يلعب والغافل والمشغول بالنسخ عن السماع ليس بينهم ولا يحفظ وإن استجرأ ~~جاهل فقال يكتب سماع الصبي في المهد فليكتب سماع الجنين في البطن فإن فرق ~~بينهما بأن الجنين لا يسمع الصوت وهذا يسمع الصوت فما ينفع هذا وهو إنما ~~ينقل الحديث دون الصوت فليقتصر إذا صار شيخا على أن يقول سمعت بعد بلوغي ~~أني في صباي حضرت مجلسا يروى فيه حديث كان يقرع سمعي صوته ولا أدري ما هو ~~فلا خلاف في أن الرواية كذلك لا تصح وما زاد عليه فهو كذب صريح ولو جاز ~~إثبات سماع التركي الذي لا يفهم العربية لأنه سمع صوتا غفلا لجاز إثبات ~~سماع صبي في المهد وذلك غاية الجهل # ومن أين يأخذ هذا وهل للسماع مستند إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها + حديث نضر الله امرأ ~~سمع مقالتي فوعاها الحديث أخرجه أصحاب السنن وابن حبان من حديث زيد بن ثابت ~~والترمذي وابن ماجه من حديث ابن مسعود وقال الترمذي حديث حسن صحيح وابن ~~ماجه فقط من حديث جبير بن مطعم وأنس # وكيف يؤدي كما سمع من لا يدري ما سمع فهذا أفحش أنواع الغرور # وقد بلي بهذا أهل الزمان ولو اختلط أهل الزمان لم يجدوا شيوخا إلا الذين ~~سمعوه في الصبا على هذا الوجه مع الغفلة إلا أن للمحدثين في ذلك جاها ~~وقبولا فخاف المساكين أن يشترطوا ذلك فيقل من يجتمع لذلك في حلقهم فينقص ~~جاههم وتقل أيضا أحاديثهم التي قد سمعوها بهذا الشرط بل ربما عدموا ذلك ~~وافتضحوا فاصطلحوا على أنه ليس يشترط إلا أن يقرع سمعه دمدمة وإن كان لا ~~يدري ما يجري وصحة السماع لا تعرف من قول المحدثين لأنه ليس من علمهم بل من ~~علم علماء الأصول بالفقه وما ذكرناه مقطوع به في قوانين أصول الفقه فهذا ~~غرور هؤلاء ولو سمعوا على الشرط لكانوا أيضا مغرورين في اقتصارهم على النقل ~~وإفناء أعمارهم في جمع الروايات والأسانيد وإعراضهم عن مهمات الدين ومعرفة ~~معاني الأخبار بل الذي يقصد من الحديث سلوك طريق الآخرة وسالك طريقها ربما ~~يكفيه الحديث الواحد عمره كما روي عن بعض الشيوخ أنه حضر مجلس السماع فكان ~~أول حديث روى قوله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ~~+ حديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أخرجه الترمذي وقال غريب وابن ~~ماجه من حديث أبي هريرة وهو عند مالك من رواية علي بن الحسين مرسلا وقد ~~تقدم # فقام وقال يكفيني هذا حتى أفرغ منه ثم أسمع غيره # فهكذا يكون سماع الأكياس الذين يحذرون الغرور # وفرقة أخرى اشتغلوا بعلم النحو واللغة والشعر وغريب اللغة واغتروا به ~~وزعموا أنهم قد غفر لهم وأنهم من عماد الأمة إذ قوام الدين بالكتاب والسنة ~~وقوام الكتاب والسنة بعلم اللغة والنحو فأفنى هؤلاء أعمارهم في دقائق النحو ~~وفي صناعة الشعر وفي غريب اللغة ومثالهم كمن يفني جميع العمر في تعلم الخط ~~وتصحيح الحروف وتحسينها ويزعم أن العلوم لا يمكن حفظها إلا بالكتابة فلا بد ~~من تعلمها وتصحيحها ولو عقل لعلم أنه يكفيه أن يتعلم أصل الخط بحيث يمكن أن ~~يقرأ كيفما كان والباقي زيادة على الكفاية وكذلك الأديب لو عقل لعرف أن لغة ~~العرب كلغة الترك والمضيع عمره في معرفة لغة العرب كالمضيع له في معرفة لغة ~~الترك والهند وإنما فارقتها لغة PageV03P398 العرب لأجل ورود الشريعة بها ~~فيكفي من اللغة علم الغريبين في الأحاديث والكتاب ومن النحو ما يتعلق ~~بالحديث والكتاب فأما التعمق فيه إلى درجات لا تتناهى فهو فضول مستغنى عنه ~~ثم لو اقتصر عليه وأعرض عن معرفة معاني الشريعة والعمل بها فهذا أيضا مغرور ~~بل مثاله مثاله مثال من ضيع عمره في تصحيح مخارج الحروف في القرآن واقتصر ~~عليه وهو غرور إذ المقصود من الحروف المعاني وإنما الحروف ظروف وأدوات ومن ~~احتاج إلى أن يشرب السكنجبين ليزول ما به من الصفراء وضيع أوقاته في تحسين ~~القدح الذي يشرب فيه السكنجبين فهو من الجهال المغرورين فذلك غرور أهل ~~النحو واللغة والأدب والقراءات والتدقيق في مخارج الحروف مهما تعمقوا فيها ~~وتجردوا لها وعرجوا عليها أكثر مما يحتاج إليه في تعلم العلوم التي هي فرض ~~عين فاللب الأقصى هو العمل والذي فوقه هو معرفة العمل وهو كالقشر للعمل ~~وكاللب بالإضافة إلى ما فوقه وما فوقه هو سماع الألفاظ وحفظها بطريق ~~الرواية وهو قشر بطريق الإضافة إلى المعرفة ولب بالإضافة إلى ما فوقه وما ~~فوقه هو العلم باللغة والنحو وفوق ذلك وهو القشر الأعلى العلم بمخارج ~~الحروف والقانعون بهذه الدرجات كلهم مغترون إلا من اتخذ هذه الدرجات منازل ~~فلم يعرج عليها إلا بقدر حاجته فتجاوز إلى ما وراء ذلك حتى وصل إلى لباب ~~العمل فطالب بحقيقة العمل قلبه وجوارحه ورجى عمره في حمل النفس عليه وتصحيح ~~الأعمال وتصفيتها عن الشوائب والآفات # فهذا هو المقصود المخدوم من جملة علوم الشرع وسائر العلوم خدم له ووسائل ~~إليه وقشور له ومنازل بالإضافة إليه وكل من لم يبلغ المقصد فقد خاب سواء ~~كان في المنزل القريب أو في المنزل البعيد # وهذه العلوم لما كانت متعلقة بعلوم الشرع اغتر بها أربابها # فأما علم الطب والحساب والصناعات وما يعلم أنه ليس من علوم الشرع فلا ~~يعتقد أصحابها أنهم ينالون المغفرة بها من حيث إنها علوم فكان الغرور بها ~~أقل من الغرور بعلوم الشرع لأن العلوم الشرعية مشتركة في أنها محمودة كما ~~يشارك القشر اللب في كونه محمودا ولكن المحمود منه لعينه هو المنتهى # والثاني محمود للوصول به إلى المقصود الأقصى فمن اتخذ القشر مقصودا وعرج ~~عليه فقد اغتر به # وفرقة أخرى عظم غرورهم في فن الفقه فظنوا أن حكم العبد بينه وبين الله ~~يتبع حكمه في مجلس القضاء فوضعوا الحيل في دفع الحقوق وأساءوا تأويل ~~الألفاظ المبهمة واغتروا بالظواهر وأخطئوا فيها # وهذا من قبيل الخطأ في الفتوى والغرور فيه والخطأ في الفتاوي مما يكثر # ولكن هذا نوع عم الكافة إلا الأكياس منهم فنشير إلى أمثلة فمن ذلك فتواهم ~~بأن المرأة متى أبرأت من الصدق برئ الزوج بينه وبين الله تعالى وذلك خطأ بل ~~الزوج قد يسيء إلى الزوجة بحيث يضيق عليها الأمور بسوء الخلق فتضطر إلى طلب ~~الخلاص فتبرئ الزوج لتتخلص منه فهو إبراء لا على طيبة نفس وقد قال تعالى ~~فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا وطيبة النفس غير طيبة القلب ~~فقد يريد الإنسان بقلبه ما لا تطيب به نفسه فإنه يريد الحجامة بقلبه ولكن ~~تكرهها نفسه وإنما طيبة النفس أن تسمح نفسها بالإبراء لا عن ضرورة تقابله ~~حتى إذا رددت بين ضررين اختارت أهونهما فهذه مصادرة على التحقيق بإكراه ~~الباطن # نعم القاضي في الدنيا لا يطلع على القلوب والأغراض فينظر إلى الأبراء ~~الظاهر وأنها لم تكره بسبب ظاهر والإكراه الباطن ليس يطلع الخلق عليه ولكن ~~مهما تصدى القاضي الأكبر في صعيد القيامة للقضاء لم يكن هذا محسوبا ولا ~~مقيدا في تحصيل الإبراء ولذلك لا يحل أن يؤخذ مال إنسان إلا بطيب نفس منه ~~فلو طلب من الإنسان ما لالا على ملأ من الناس فاستحيا من الناس أن لا يعطيه ~~وكان يود أن يكون سؤاله في خلوة حتى لا يعطيه ولكن خاف ألم مذمة الناس وخاف ~~ألم تسليم المال وردد نفسه بينهما PageV03P399 فاختار أهون الألمين وهو ألم ~~التسليم فسلمه فلا فرق بين هذا وبين المصادرة إذ معنى المصادرة إيلام البدن ~~بالسوط حتى يصير ذلك أقوى من ألم القلب ببذل المال فيختار أهون الألمين ~~والسؤال في مظنة الحياء والرياء ضرب للقلب بالسوط ولا فرق بين ضرب الباطن ~~وضرب الظاهر عند الله تعالى فإن الباطن عند الله تعالى ظاهر وإنما حاكم ~~الدنيا هو الذي يحكم بالملك بظاهر قوله وهبت لأنه لا يمكنه الوقوف على ما ~~في القلب وكذلك من يعطي اتقاء لشر لسانه أو لشر سعايته فهو حرام عليه وكذلك ~~كل مال يؤخذ على هذا الوجه فهو حرام # ألا ترى ما جاء في قصة داود عليه السلام حيث قال بعد أن غفر له يا رب كيف ~~لي بخصمي فأمر بالاستحلال منه وكان ميتا فأمر بندائه في صخرة بيت المقدس ~~فنادى يا أوريا فأجابه لبيك يا نبي الله أخرجتني من الجنة فماذا تريد فقال ~~إني أسأت إليك في أمر فهبه لي قال قد فعلت ذلك يا نبي الله فانصرف وقد ركن ~~إلى ذلك فقال له جبريل عليه السلام هل ذكرت له ما فعلت قال لا قال فارجع ~~فبين له فرجع فناداه فقال لبيك يا نبي الله فقال إني أذنبت إليك ذنبا قال ~~ألم أهبه لك قال ألا تسألني ما ذلك الذنب قال ما هو يا نبي الله قال كذا ~~وكذا وذكر شأن المرأة فانقطع الجواب فقال يا أوريا ألا تجيبني قال يا نبي ~~الله ما هكذا يفعل الأنبياء حتى أقف معك بين يدي الله فاستقبل داود البكاء ~~والصراخ من الرأس حتى وعده الله أن يستوهبه منه في الآخرة # فهكذا ينبهك أن الهبة من غير طيبة قلب لا تفيد وأن طيبة القلب لا تحصل ~~إلا بالمعرفة فكذلك طيبة القلب لا تكون في الإبراء والهبة وغيرهما إلا إذا ~~خلى الإنسان واختياره حتى تنبعث الدواعي من ذات نفسه لا أن تضطر بواعثه إلى ~~الحركة بالحيل والإلزام # ومن ذلك هبة الرجل مال الزكاة في آخر الحول من زوجته واتهابه مالها ~~لإسقاط الزكاة فالفقيه يقول سقطت الزكاة فإن أراد به أن مطالبة السلطان ~~والساعي سقطت عنه فقد صدق فإن مطمح نظرهم ظاهر الملك وقد زال وإن ظن أنه ~~يسلم في القيامة ويكون كمن لم يملك المال أو كمن باع لحاجته إلى المبيع لا ~~على هذا القصد فما أعظم جهله بفقه الدين وسر الزكاة فإن سر الزكاة تطهير ~~القلب عن رذيلة البخل فإن البخل مهلك قال صلى الله عليه وسلم ثلاث مهلكات ~~شحه مطاع + حديث ثلاث مهلكات الحديث تقدم غير مرة # وإنما صار شح مطاعا بما فعله وقبله لم يكن مطاعا # فقد تم هلاكه بما يظن أن فيه خلاصه فإن الله مطلع على قلبه وحبه المال ~~وحرصه عليه وأنه بلغ من حرصه على المال أن استنبط الحيل حتى يسد على نفسه ~~طريق الخلاص من البخل بالجهل والغرور ومن ذلك إباحة الله مال المصالح ~~للفقيه وغيره بقدر الحاجة والفقهاء المغرورون لا يميزون بين الأماني ~~والفضول والشهوات وبين الحاجات بل كل مالا تتم رعونتهم إلا به يرونه حاجة ~~وهو محض الغرور بل الدنيا خلقت لحاجة العباد إليها في العبادة وسلوك طريق ~~الآخرة فكل ما تناوله العبد للاستعانة به على الدين والعبادة فهو حاجته وما ~~عدا ذلك فهو فضوله وشهوته ولو ذهبنا نصف غرور الفقهاء في أمثال هذا لملأنا ~~فيه مجلدات والغرض من ذلك التنبيه على أمثلة تعرف الأجناس دون الاستيعاب ~~فإن ذلك يطول # الصنف الثاني أرباب العبادة والعمل والمغرورون منهم فرق كثيرة فمنهم من ~~غروره في الصلاة # ومنهم من غروره في تلاوة القرآن # ومنهم في الحج # ومنهم في الغزو # ومنهم في الزهد وكذلك كل مشغول بمنهج من مناهج العمل فليس خاليا عن غرور ~~إلا الأكياس وقليل ما هم # فمنهم فرقة أهملوا الفرائض واشتغلوا بالفضائل والنوافل وربما تعمقوا في ~~الفضائل حتى خرجوا إلى العدوان PageV03P400 والسرف كالذي تغلب عليه الوسوسة ~~في الوضوء فيبالغ فيه ولا يرضى الماء المحكوم بطهارته في فتوى الشرع ويقدر ~~الاحتمالات البعيدة قريبة في النجاسة وإذا آل الأمر إلى أكل الحلال قدر ~~الاحتمالات القريبة بعيدة وربما أكل الحرام المحض ولو انقلب هذا الاحتياط ~~من الماء إلى الطعام لكان أشبه بسيرة الصحابة إذ توضأ عمر رضي الله عنه ~~بماء في جرة نصرانية مع ظهور احتمال النجاسة وكان مع هذا يدع أبوابا من ~~الحلال مخافة من الوقوع في الحرام # ثم من هؤلاء من يخرج إلى الإسراف في صب الماء وذلك منهي عنه + حديث النهي ~~من الإسراف في الوضوء أخرجه الترمذي وضعه وابن ماجه من حديث أبي بن كعب إن ~~للوضوء شيطانا يقال له الولهان الحديث وتقدم في عجائب القلب # وقد يطول الأمر حتى يضيع الصلاة ويخرجها عن وقتها وإن لم يخرجها أيضا عن ~~وقتها فهو مغرور لما فاته من فضيلة أول الوقت وإن لم يفته فهو مغرور ~~لإسرافه في الماء وإن لم يسرف فهو مغرور لتضييعه العمر الذي هو أعز الأشياء ~~فيما له مندوحة عنه إلا أن الشيطان يصد الخلق عن الله بطريق سني ولا يقدر ~~على صد العباد إلا بما يخيل إليهم أنه عبادة فيبعدهم عن الله بمثل ذلك # وفرقة أخرى غلب عليها الوسوسة في نية الصلاة فلا يدعه الشيطان حتى يعقد ~~نية صحيحة بل يشوش عليه حتى تفوته الجماعة ويخرج الصلاة عن الوقت وإن تم ~~تكبيره فيكون في قلبه بعد تردد في صحة نيته وقد يوسوسون في التكبير حتى قد ~~يغيرون صيغة التكبير لشدة الاحتياط فيه يفعلون ذلك في أول الصلاة ثم يغفلون ~~في جميع الصلاة فلا يحضرون قلوبهم ويغترون بذلك ويظنون أنهم إذا أتعبوا ~~أنفسهم في تصحيح النية في أول الصلاة وتميزوا عن العامة بهذا الجهد ~~والاحتياط فهم على خير عند ربهم # وفرقة أخرى تغلب عليهم الوسوسة في إخراج حروف الفاتحة وسائر الأذكار من ~~مخارجها فلا يزال يحتاط في التشديدات والفرق بين الضاد والظاء وتصحيح مخارج ~~الحروف في جميع صلاته لا يهمه غيره ولا يتفكر فيما سواه ذاهلا عن معنى ~~القرآن والاتعاظ به وصرف الفهم إلى أسراره # وهذا من أقبح أنواع الغرور فإنه لم يكلف الخلق في تلاوة القرآن من تحقيق ~~مخارج الحروف إلا بما جرت به عادتهم في الكلام # ومثال هؤلاء مثال من حمل رسالة إلى مجلس سلطان وأمر أن يؤديها على وجهها ~~فأخذ يؤدي الرسالة ويتأنق في مخارج الحروف ويكررها ويعيدها مرة بعد أخرى ~~وهو في ذلك غافل عن مقصود الرسالة ومراعاة حرمة المجلس فما أحراه بأن تقام ~~عليه السياسة ويرد إلى دار المجانين ويحكم عليه بفقد العقل # وفرقة أخرى اغتروا بقراءة القرآن فيهذونه هذا وربما يختمونه في اليوم ~~والليل مرة ولسان أحدهم يجري به وقلبه يتردد في أودية الأماني إذ لا يتفكر ~~في معاني القرآن لينزجر بزواجره ويتعظ بمواعظه ويقف عند أوامره ونواهيه ~~ويعتبر بمواضع الاعتبار فيه إلى غير ذلك مما ذكرناه في كتاب تلاوة القرآن ~~من مقاصد التلاوة فهو مغرور يظن أن المقصود من إنزال القرآن الهمهمة به مع ~~الغفلة عنه # ومثاله مثال عبد كتب إليه مولاه ومالكه كتابا وأشار عليه فيه بالأوامر ~~والنواهي فلم يصرف عنايته إلى فهمه والعمل به ولكن اقتصر على حفظه فهو ~~مستمر على خلاف ما أمره به مولاه إلا أنه يكرر الكتاب بصوته ونغمته كل يوم ~~مائة مرة فهو مستحق للعقوبة ومهما ظن أن ذلك هو المراد منه فهو مغرور # نعم تلاوته إنما تراد لكيلا ينسى بعد لحفظه وحفظه يراد لمعناه ومعناه ~~يراد للعمل به والانتفاع بمعانيه وقد يكون له صوت طيب فهو يقرؤه ويلتذ به ~~ويغتر باستلذاذه ويظن أن ذلك لذة مناجاة الله تعالى وسماع كلامه وإنما هي ~~لذته في صوته PageV03P401 ولو ردد ألحانه بشعر أو كلام آخر لالتذ به ذلك ~~الالتذاذ فهو مغرور إذ لم يتفقد قلبه فيعرفه أن لذته بكلام الله تعالى من ~~حيث حسن نظمه ومعانيه أو بصوته # وفرقة أخرى اغتروا بالصوم وربما صاموا الدهر أو صاموا الأيام الشريفة وهم ~~فيها لا يحفظون ألسنتهم عن الغيبة وخواطرهم عن الرياء وبطونهم عن الحرام ~~عند الإفطار وألسنتهم عن الهذيان بأنواع الفضول طول النهار وهو مع ذلك يظن ~~بنفسه الخير فيهمل الفرائض ويطلب النفل ثم لا يقوم بحقه وذلك غاية الغرور # وفرقة أخرى اغتروا بالحج فيخرجون إلى الحج من غير خروج عن المظالم وقضاء ~~الديون واسترضاء الوالدين وطلب الزاد الحلال وقد يفعلون ذلك بعد سقوط حجة ~~الإسلام ويضيعون في الطريق الصلاة والفرائض ويعجزون عن طهارة الثوب والبدن ~~ويتعرضون لمكس الظلمة حتى يؤخذ منهم ولا يحذرون في الطريق من الرفث والخصام ~~وربما جمع بعضهم الحرام وأنفقه على الرفقاء في الطريق وهو يطلب به السمعة ~~والرياء فيعصي الله تعالى في كسب الحرام أولا وفي إنفاقه بالرياء ثانيا فلا ~~هو أخذه من حله ولا هو وضعه في حقه ثم يحضر البيت بقلب ملوث برذائل الأخلاق ~~وذميم الصفات لم يقدم تطهيره على حضوره وهو مع ذلك يظن أنه على خير من ربه ~~فهو مغرور # وفرقة أخرى أخذت في طريق الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينكر ~~على الناس ويأمرهم بالخير وينسى نفسه وإذا أمرهم بالخير عنف وطلب الرياسة ~~والعزة وإذا باشر منكرا ورد عليه غضب وقال أنا المحتسب فكيف تنكر علي وقد ~~يجمع الناس إلى مسجده ومن تأخر عنه أغلظ القول عليه وإنما غرضه الرياء ~~والرياسة ولو قام بتعهد المسجد غيره لحرد عليه بل منهم من يؤذن ويظن أنه ~~يؤذن لله ولو جاء غيره وأذن في وقت غيبته قامت عليه القيامة وقال لم آخذ ~~حقي وزوحمت على مرتبتي وكذلك قد يتقلد إمامة مسجد ويظن أنه على خير وإنما ~~غرضه أن يقال إنه إمام مسجد فلو تقدم غيره وإن كان أورع وأعلم منه ثقل عليه # وفرقة أخرى جاوروا بمكة أو المدينة واغتروا بمكة ولم يراقبوا قلوبهم ولم ~~يطهروا ظاهرهم وباطنهم فقلوبهم معلقة ببلادهم ملتفتة إلى قول من يعرفه أن ~~فلانا مجاور بذلك وتراه يتحدى ويقول قد جاورت بمكة كذا كذا سنة وإذا سمع أن ~~ذلك قبيح ترك صريح التحدي وأحب أن يعرفه الناس بذلك ثم إنه قد يجاور ويمد ~~عين طمعه إلى أوساخ أموال الناس وإذا جمع من ذلك شيئا شح به وأمسكه لم تسمح ~~نفسه بلقمة يتصدق بها على فقير فيظهر فيه الرياء والبخل والطمع وجملة من ~~المهلكات كان عنها بمعزل لو ترك المجاورة ولكن حب المحمدة وأن يقال إنه من ~~المجاورين ألزمه المجاورة مع التضمخ بهذه الرذائل فهو أيضا مغرور وما من ~~عمل من الأعمال وعبادة من العبادات إلا وفيها آفات فمن لم يعرف مداخل ~~آفاتها واعتمد عليها فهو مغرور ولا يعرف شرح ذلك إلا من جملة كتب إحياء ~~علوم الدين فيعرف مداخل الغرور في الصلاة من كتاب الصلاة وفي الحج من كتاب ~~الحج والزكاة والتلاوة وسائر القربات من الكتب التي رتبناها فيها وإنما ~~الغرض الآن الإشارة إلى مجامع ما سبق في الكتب # وفرقة أخرى زهدت في المال وقنعت من اللباس والطعام بالدون ومن المسكن ~~بالمساجد وظنت أنها أدركت رتبة الزهاد وهو مع ذلك راغب في الرياسة والجاه ~~إما بالعلم أو بالوعظ أو بمجرد الزهد فقد ترك أهون الأمرين وباء بأعظم ~~المهلكين فإن الجاه أعظم من المال ولو ترك الجاه وأخذ المال كان إلى ~~السلامة أقرب فهذا PageV03P402 مغرور إذا الظن أنه من الزهاد في الدنيا وهو ~~لم يفهم معنى الدنيا ولم يدر أن منتهى لذاتها لرياسة وأن الراغب فيها لا بد ~~وأن يكون منافقا وحسودا ومتكبرا ومرائيا ومتصفا بجميع خبائث الأخلاق # نعم وقد يترك الرياسة ويؤثر الخلوة والعزلة وهو مع ذلك مغرور إذ يتطول ~~بذلك على الأغنياء ويخشن معهم الكلام وينظر إليهم بعين الاستحقار ويرجو ~~لنفسه أكثر مما يرجو لهم ويعجب بعمله ويتصف بجملة من خبائث القلوب وهو لا ~~يدري وربما يعطى المال فلا يأخذه خيفة من أن يقال بطل زهده ولو قيل له إنه ~~حلال فخذه في الظاهر ورده في الخفية لم تسمح به نفسه خوفا من ذم الناس فهو ~~راغب في حمد الناس وهو من ألذ أبواب الدنيا ويرى نفسه أنه زاهد في الدنيا ~~وهو مغرور ومع ذلك فربما لا يخلو من توقير الأغنياء وتقديمهم على الفقراء ~~والميل إلى المريدين له والمثنين عليه والنفرة عن الماثلين إلى غيره من ~~الزهاد وكل ذلك خدعة وغرور من الشيطان نعوذ بالله منه # وفي العباد من يشدد على نفسه في أعمال الجوارح حتى ربما يصلي في اليوم ~~والليلة مثلا ألف ركعة ويختم القرآن وهو في جميع ذلك لا يخطر له مراعاة ~~القلب وتفقده وتطهيره من الرياء والكبر والعجب وسائر المهلكات فلا يدري أن ~~ذلك مهلك وإن علم ذلك فلا يظن بنفسه ذلك وإن ظن بنفسه ذلك توهم أنه مغفور ~~له لعمله الظاهر وأنه غير مؤاخذ بأحوال القلب وإن توهم فيظن أن العبادات ~~الظاهرة تترجح بها كفة حسناته وهيهات وذرة من ذي تقوى وخلق واحد من أخلاق ~~الأكياس أفضل من أمثال الجبال عملا بالجوارح ثم لا يخلو هذا المغرور مع سوء ~~خلقه مع الناس وخشونته وتلوث باطنه عن الرياء وحب الثناء فإذا قيل له أنت ~~من أوتاد الأرض وأولياء الله وأحبابه فرح المغرور بذلك وصدق به وزاده ذلك ~~غرورا وظن أن تزكية الناس له دليل على كونه مرضيا عند الله ولا يدري أن ذلك ~~لجهل الناس بخبائث باطنه # وفرقة أخرى حرصت على النوافل ولم يعظم اعتدادها بالفرائض ترى أحدهم يفرح ~~بصلاة الضحى وبصلاة الليل وأمثال هذه النوافل ولا يجد للفريضة لذة ولا يشتد ~~حرصه على المبادرة بها في أول الوقت وينسى قوله صلى الله عليه وسلم فيما ~~يرويه عن ربه ما تقرب المتقربون إلي بمثل أداء ما افترضت عليهم + حديث ما ~~تقرب المتقربون إلي بمثل أداء ما افترضت عليهم أخرجه البخاري من حديث أبي ~~هريرة بلفظ ما تقرب إلي عبدي # وترك الترتيب بين الخيرات من جملة الشرور # بل قد يتعين في الإنسان فرضان أحدهما يفوت والآخر لا يفوت أو فضلان ~~أحدهما يضيق وقته والآخر يتسع وقته # فإن لم يحفظ الترتيب فيه كان مغرورا # ونظائر ذلك أكثر من أن تحصى فإن المعصية ظاهرة والطاعة ظاهرة وإنما ~~الغامض تقديم بعض الطاعات على بعض كتقديم الفرائض كلها على النوافل وتقديم ~~فروض الأعيان على فروض الكفاية وتقديم فرض كفاية لا قائم به على ما قام به ~~غيره وتقديم الأهم من فروض الأعيان على ما دونه وتقديم ما يفوت على مالا ~~يفوت وهذا كما يجب تقديم حاجة الوالدة على حاجة الوالد إذ سئل رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فقيل له من أبر يا رسول الله قال أمك قال ثم من قال أمك ~~قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أباك قال ثم من قال أدناك فأدناك + حديث ~~من أبر قال أمك الحديث أخرجه الترمذي والحاكم وصححه من حديث زيد بن حكيم عن ~~أبيه عن جده وقد تقدم في آداب الصحة # فينبغي أن يبدأ في الصلة بالأقرب فإن استويا فبالأحوج فإن استويا ~~فبالأتقى والأورع # وكذلك من لا يفي ماله بنفقة الوالدين والحج فربما يحج وهو مغرور بل ينبغي ~~أن يقدم حقهما على الحج وهذا من تقديم فرض أهم من فرض هو دونه # وكذلك إذا كان على العبد ميعاد ودخل وقت الجمعة فالجمعة تفوت والاشتغال ~~PageV03P403 بالوفاء بالوعد معصية وإن كان هو طاعة في نفسه # وكذلك قد تصيب ثوبه النجاسة فيغلظ القول على أبويه وأهله بسبب ذلك ~~فالنجاسة محذورة وإيذاؤهما محذور والحذر من الإيذاء أهم من الحذر من ~~النجاسة # وأمثلة تقابل المحذورات والطاعات لا تنحصر # ومن ترك الترتيب في جميع ذلك فهو مغرور # وهذا غرور في غاية الغموض لأن المغرور فيه في طاعة إلا أنه لا يفطن ~~لصيرورة الطاعة معصية حيث ترك بها طاعة واجبة هي أهم منها # ومن جملته الاشتغال بالمذهب والخلاف من الفقه في حق من بقي عليه شغل من ~~الطاعات والمعاصي الظاهرة والباطنة المتعلقة بالجوارح والمتعلقة بالقلب لأن ~~مقصود الفقه معرفة ما يحتاج إليه غيره في حوائجه # فمعرفة ما يحتاج هو إليه في قلبه أولى به إلا أن حب الرياسة والجاه ولذة ~~المباهاة وقهر الأقران والتقدم عليهم يعمي عليه حتى يغتر به مع نفسه ويظن ~~أنه مشغول بهم دينه # الصنف الثالث المتصوفة وما أغلب الغرور عليهم والمغترون منهم فرق كثيرة # ففرقة منهم وهم متصوفة أهل الزمان إلا من عصمه الله اغتروا بالزي والهيئة ~~والمنطق فساعدوا الصادقين من الصوفية في زيهم وهيئتهم وفي ألفاظهم وفي ~~آدابهم ومراسمهم واصطلاحاتهم وفي أحوالهم الظاهرة في السماع والرقص ~~والطهارة والصلاة والجلوس على السجادات مع إطراق الرأس وإدخاله في الجيب ~~كالمتفكر وفي تنفس الصعداء وفي خفض الصوت في الحديث إلى غير ذلك من الشمائل ~~والهيئات فلما تكلفوا هذه الأمور وتشبهوا بهم فيها ظنوا أنهم أيضا صوفية ~~ولم يتعبوا أنفسهم قط في المجاهدة والرياضة ومراقبة القلب وتطهير الباطن ~~والظاهر من الآثام الخفية والجلية وكل ذلك من أوائل منازل التصوف ولو فرغوا ~~عن جميعها لما جاز لهم أن يعدوا أنفسهم في الصوفية كيف ولم يحوموا قط حولها ~~ولم يسوموا أنفسهم شيئا منها بل يتكالبون على الحرام والشبهات وأموال ~~السلاطين ويتنافسون في الرغيف والفلس والحبة ويتحاسدون على النقير والقطمير ~~ويمزق بضعهم أعراض بعض مهما خالفه في شيء من غرضه # وهؤلاء غرورهم ظاهر ومثالهم مثال امرأة عجوز سمعت أن الشجعان والأبطال من ~~المقاتلين ثبت أسماؤهم في الديوان ويقطع لكل واحد منهم قطر من أقطار ~~المملكة فتاقت نفسها إلى أن يقطع لها مملكة فلبست درعا ووضعت على رأسها ~~مغفرا وتعلمت من رجز الأبطال أبياتا وتعودت إيراد تلك الأبيات بنغماتهم حتى ~~تيسرت عليها وتعلمت كيفية تبخترهم في الميدان وكيف تحريلم بالأيدي وتلقفت ~~جميع شمائلهم في الزي والمنطق والحركات والسكنات ثم توجهت إلى المعسكر ~~ليثبت اسمها في ديوان الشجعان فلما وصلت إلى المعسكر أنفذت إلى ديوان العرض ~~وأمر بأن تجرد عن المغفر والدرع وينظر ما تحته وتمتحن بالمبارزة مع بعض ~~الشجعان ليعرف قدر عنائها في الشجاعة فلما جردت عن المغفر والدرع فإذا هي ~~عجوز ضعيفة زمنة لا تطيق حمل الدرع والمغفر فقيل لها أجئت للاستهزاء بالملك ~~وللاستخفاف بأهل حضرته والتلبيس عليهم خذوها فألقوها قدام الفيل لسخفها ~~فألقيت إلى الفيل # فكهذا يكون حال المدعين للتصوف في القيامة إذا كشف عنهم الغطاء وعرضوا ~~على القاضي إلا كبر الذي لا ينظر إلى الزي والمرقع بل إلى القلب # وفرقة أخرى زادت على هؤلاء في الغرور إذ شق عليها الاقتداء بهم في بذاذة ~~الثياب والرضا بالدون فأرادت أن تتظاهر بالتصوف ولم تجد بدا من التزين ~~بزيهم فتركوا الحرير والإبريسم وطلبوا المرقعات النفيسة والفوط الرقيقة ~~والسجادات المصبغة ولبسوا من الثياب ما هو أرفع من الحرير والإبريسم وظن ~~أحدهم مع ذلك أنه متصوف بمجرد لون الثوب وكونه مرقعا ونسي أنهم إنما لونوا ~~الثياب لئلا يطول عليهم غسلها كل ساعة PageV03P404 لإزالة الوسخ وإنما ~~لبسوا المرقعات إذ كانت ثيابهم مخرقة فكانوا يرقعونها ولا يلبسون الجديد ~~فأما تقطيع الفوط الرقيقة قطعة قطعة وخياطة المرقعات منها فمن أي يشبه ما ~~اعتادوه فهؤلاء أظهر حماقة من كافة المغرورين فإنهم يتنعمون بنفيس الثياب ~~ولذيذ الأطعمة ويطلبون رغد العيش ويأكلون أموال السلاطين ولا يجتنبون ~~المعاصي الظاهرة فضلا عن الباطنة وهم مع ذلك يظنون بأنفسهم الخير وشر هؤلاء ~~مما يتعدى إلى الخلق إذ يهلك من يقتدي بهم ومن لا يقتدي بهم تفسد عقيدته في ~~أهل التصوف كافة ويظن أن جميعهم كانوا من جنسه فيطول اللسان في الصادقين ~~منهم وكل ذلك من شؤم المتشبهين وشرهم # وفرقة أخرى ادعت علم المعرفة ومشاهدة الحق ومجاوزة المقامات والأحوال ~~والملازمة في عين الشهود والوصول إلى القرب ولا يعرف هذه الأمور إلا ~~بالأسامي والألفاظ لأنه تلقف من ألفاظ الطامات كلمات فهو يرددها ويظن أن ~~ذلك أعلى من علم الأولين والآخرين فهو ينظر إلى الفقهاء والمفسرين ~~والمحدثين وأصناف العلماء بعين الإزراء فضلا عن العوام حتى إن الفلاح ليترك ~~فلاحته والحائك يترك حياكته ويلازمهم أياما معدودة ويتلقف منهم تلك الكلمات ~~المزيفة فيرددها كأنه يتكلم عن الوحي ويخبر عن سر الأسرار ويستحقر بذلك ~~جميع العباد والعلماء فيقول في العباد إنهم أجراء متعبون ويقول في العلماء ~~إنهم بالحديث عن الله محجوبون ويدعي لنفسه أنه الواصل إلى الحق وأنه من ~~المقربين وهو عند الله من الفجار المنافقين وعند أرباب القلوب من الحمقى ~~الجاهلين لم يحكم قط علما ولم يهذب خلقا ولم يرتب عملا ولم يراقب قلبا سوى ~~اتباع الهوى وتلقف الهذيان وحفظه # وفرقة أخرى وقعت في الإباحة وطووا بساط الشرع ورفضوا الأحكام وسووا بين ~~الحلال والحرام فبعضهم يزعم أن الله مستغن عن عملي فلم أتعب نفسي وبعضهم ~~يقول قد كلف الناس تطهير القلوب عن الشهوات وعن حب الدنيا وذلك محال فقد ~~كلفوا ما لا يمكن وإنما يغتر به من لم يجرب وأما نحن فقد جربنا وأدركنا أن ~~ذلك محال # ولا يعلم الأحمق أن الناس لم يكلفوا قلع الشهوة والغضب من أصلهما بل إنما ~~كلفوا قلع مادتهما بحيث ينقاد كل واحد منهما لحكم العقل والشرع # وبعضهم يقول الأعمال بالجوارح لا وزن لها وإنما النظر إلى القلوب وقلوبنا ~~والهة بحب الله وواصلة إلى معرفة الله وإنما نخوض في الدنيا بأبداننا ~~وقلوبنا عاكفة في حضرة الربوبية فنحن مع الشهوات بالظواهر لا بالقلوب ~~ويزعمون إنهم قد ترقوا عن رتبة العوام واستغنوا عن تهذيب النفس بالأعمال ~~البدنية وأن الشهوات لا تصدهم عن طريق الله لقوتهم فيها ويرفعون درجة ~~أنفسهم على درجة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذ كانت تصدهم عن طريق الله ~~خطيئة واحدة حتى كانوا يبكون عليها وينوحون سنين متوالية وأصناف غرور أهل ~~الإباحة من المتشبهين بالصوفية لا تحصى وكل ذلك بناء على أغاليط ووساوس ~~يخدعهم الشيطان بها لاشتغالهم بالمجاهدة قبل إحكام العلم ومن غير اقتداء ~~بشيخ متقن في الدين والعلم صالح للاقتداء به وإحصاء أصنافهم يطول # وفرقة أخرى جاوزت حد هؤلاء واجتنبت الأعمال وطلقت الحلال واشتغلت بتفقد ~~القلب وصار أحدهم يدعي المقامات من الزهد والتوكل والرضا والحب من غير وقوف ~~على حقيقة هذه المقامات وشروطها وعلاماتها وآفاتها فمنهم من يدعي الوجد ~~والحب لله تعالى ويزعم أنه واله بالله ولعله قد تخيل في الله خيالات هي ~~بدعة أو كفر فيدعي حب الله قبل معرفته ثم إنه لا يخلوا عن مقارفة ما يكره ~~الله عز وجل وعن إيثار هوى نفسه على أمر الله وعن ترك بعض الأمور حياءا من ~~الخلق ولو خلا لما تركه حياءا من الله تعالى # وليس يدري أكل ذلك يناقض PageV03P405 الحب وبعضهم ربما يميل إلى القناعة ~~والتوكل فيخوض البوادي من غير زاد ليصحح دعوى التوكل وليس يدري أن ذلك بدعة ~~لم تنقل عن السلف والصحابة وقد كانوا أعرف بالتوكل منه فما فهموا أن التوكل ~~المخاطرة بالروح وترك الزاد بل كانوا يأخذون الزاد وهم متوكلون على الله ~~تعالى لا على الزاد وهذا ربما يترك الزاد وهو متوكل على سبب من الأسباب ~~واثق به وما من مقام من المقامات المنجيات إلا وفيه غرور وقد اغتر به قوم ~~وقد ذكرنا مداخل الآفات في ربع المنجيات من الكتاب فلا يمكن إعادتها # وفرقة أخرى ضيقت على نفسها في أمر القوت حتى طلبت منه الحلال الخالص ~~وأهملوا تفقد القلب والجوارح في غير هذه الخصلة الواحدة ومنهم من أهمل ~~الحلال في مطعمه وملبسه ومسكنه وأخذ يتعمق في غير ذلك وليس يدري المسكين أن ~~الله تعالى لم يرض من عبد بطلب الحلال فقط ولا يرضى بسائر الأعمال دون طلب ~~الحلال بل لا يرضيه إلا تفقد جميع الطاعات والمعاصي # فمن ظن أن بعض هذه الأمور يكفيه وينجيه فهو مغرور # وفرقة أخرى ادعوا حسن الخلق والتواضع والسماحة فتصدوا لخدمة الصوفية ~~فجمعوا قوما وتكلفوا بخدمتهم واتخذوا ذلك للرياسة وجمع المال وإنما غرضهم ~~التكبر وهم يظهرون الخدمة والتواضع وغرضهم الارتفاع وهم يظهرون أن غرضهم ~~الإرفاق وغرضهم الاستتباع وهم يظهرون أن غرضهم الخدمة والتبعية ثم إنهم ~~يجمعون من الحرام والشبهات وينفقون عليهم لتكثر أتباعهم وينشر بالخدمة ~~اسمهم وبعضهم يأخذ أموال السلاطين ينفق عليهم وبعضهم يأخذها لينفق في طريق ~~الحج على الصوفية ويزعم أن غرضه البر والإنفاق وباعث جميعهم الرياء والسمعة ~~وآية ذلك إهمالهم لجميع أوامر الله تعالى عليهم ظاهرا وباطنا ورضاهم بأخذ ~~الحرام والإنفاق منه # ومثال من ينفق الحرام في طريق الحج لإرادة الخير كمن يعمر مساجد الله ~~فيطينها بالعذرة ويزعم أن قصده العمارة # وفرقة أخرى اشتغلوا بالمجاهدة وتهذيب الأخلاق وتطهير النفس من عيوبها ~~وصاروا يتعمقون فيها فاتخذوا البحث عن عيوب النفس ومعرفة خدعها علما وحرفة ~~فهم في جميع أحوالهم مشغولون بالفحص عن عيوب النفس واستنباط دقيق الكلام في ~~آفاتها فيقولون هذا في النفس عيب والغفلة عن كونه عيبا عيب والالتفات إلى ~~كونه عيبا عيب ويشغفون فيه بكلمات مسلسلة تضيع الأوقات في تلفيقها ومن جعل ~~طول عمره في التفتيش عن عيوب النفس وتحرير علم علاجها كان كمن اشتغل ~~بالتفتيش عن عوائق الحج وآفاته ولم يسلك طريق الحج فذلك لا يغنيه # وفرقة أخرى جاوزوا هذه الرتبة وابتدءوا سلوك الطريق وانفتح لهم أبواب ~~المعرفة فكلما تشمموا من مبادئ المعرفة رائحة تعجبوا منها وفرحوا بها ~~وأعجبتهم غرابتها فتقيدت قلوبهم بالالتفات إليها والتفكر فيها وفي كيفية ~~انفتاح بابها عليهم وانسداده على غيرهم وكل ذلك غرور لأن عجائب طريق الله ~~ليس لها نهاية فلو وقف مع كل أعجوبة وتقيد بها قصرت خطاه وحرم الوصول إلى ~~المقصد وكان مثاله مثال من قصد ملكا فرأى على باب ميدانه روضة فيها أزهار ~~وأنوار لم يكن قد رأى قبل ذلك مثلها فوقف ينظر إليها ويتعجب حتى فاته الوقت ~~الذي يمكن فيه لقاء الملك # وفرقة أخرى جاوزوا هؤلاء ولم يلتفتوا إلى ما يفيض عليهم من الأنوار في ~~الطريق ولا إلى ما تيسر لهم من العطايا الجزيلة ولم يعرجوا على الفرح بها ~~والالتفات إليها جادين في السير حتى قاربوا فوصلوا إلى حد القربة إلى الله ~~تعالى فظنوا أنهم قد وصلوا إلى الله فوقفوا وغلطوا فإن لله تعالى سبعين ~~حجابا من نور لا يصل السالك إلى حجاب من تلك الحجب في الطريق إلا ويظن أنه ~~قد وصل # وإليه الإشارة بقول إبراهيم عليه السلام إذ قال الله تعالى PageV03P406 ~~إخبارا عنه فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي وليس المعنى به هذه ~~الأجسام المضيئة فإنه كان يراها في الصغر ويعلم أنها ليست آلهة وهي كثيرة ~~وليست واحدا والجهال يعلمون أن الكوكب ليس بإله فمثل إبراهيم عليه السلام ~~لا يغره الكوكب الذي لا يغر السوادية # ولكن المراد به أنه نور من الأنوار التي هي من حجب الله عز وجل وهي على ~~طريق السالكين ولا يتصور الوصول إلى الله تعالى إلا بالوصول إلى هذه الحجب ~~وهي حجب من نور بعضها أكبر من بعض وأصغر النيرات الكوكب فاستعير له لفظه ~~وأعظمها الشمس وبينهما رتبة القمر فلم يزل إبراهيم عليه السلام لما رأى ~~ملكوت السموات حيث قال تعالى وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض يصل ~~إلى نور بعد نور ويتخيل إليه في أول ما كان يلقاه أنه قد وصل ثم كان يكشف ~~له أن وراءه أمرا فيترقى إليه ويقول قد وصلت فيكشف له ما وراءه حتى وصل إلى ~~الحجاب الأقرب الذي لا وصول إلا بعده فقال هذا أكبر فلما ظهر له أنه مع ~~عظمه غير خال عن الهوى في حضيض النقص والانحطاط عن ذروة الكمال قال لا أحب ~~الآفلين إلى أن قال إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض وسالك هذه ~~الطريق قد يغتر في الوقوف على بعض هذه الحجب وقد يغتر بالحجاب الأول وأول ~~الحجب بين الله وبين العبد هو نفسه فإنه أيضا أمر رباني وهو نور من أنوار ~~الله تعالى أعني سر القلب الذي تتجلى فيه حقيقة الحق كله حتى إنه ليتسع ~~لجملة العالم ويحيط به وتتجلى فيه صورة الكل وعند ذلك يشرق نوره إشراقا ~~عظيما إذ يظهر فيه الوجود كله على ما هو عليه وهو في أول الأمر محجوب ~~بمشكاة هي كالساتر له فإذا تجلى نوره وانكشف جمال القلب بعد إشراق نور الله ~~عليه ربما التفت صاحب القلب إلى القلب فيرى من جماله الفائق ما يدهشه وربما ~~يسبق لسانه في هذه الدهشة فيقول أنا الحق فإنه لم يتضح له ما وراء ذلك اغتر ~~به ووقف عليه وهلك وكان قد اغتر بكوكب صغير من أنوار الحضرة الإلهية ولم ~~يصل بعد إلى القمر فضلا عن الشمس فهو مغرور وهذا محل الالتباس إذا المتجلى ~~يلتبس بالمتجلى فيه كما يلتبس لون ما يتراءى في المرآة بالمرآة فيظن أنه ~~لون المرآة وكما يلتبس ما في الزجاج بالزجاج كما قيل # رق الزجاج ورقت الخمر % فتشابها فتشاكل الأمر # فكأنما خمر ولا قدح % وكأنما قدح ولا خمر # وبهذه العين نظر النصارى إلى المسيح فرأوا إشراق نور الله قد تلألأ فيه ~~فغلطوا فيه كمن يرى كوكبا في مرآة أو في ماء فيظن أن الكوكب في المرآة أو ~~في الماء فيمد يده إليه ليأخذه وهو مغرور وأنواع الغرور في طريق السلوك إلى ~~الله تعالى لا تحصى في مجلدات ولا تستقصى إلا بعد شرح جميع علوم المكاشفة ~~وذلك مما لا رخصة في ذكره ولعل القدر الذي ذكرناه أيضا كان الأولى تركه إذ ~~السالك لهذا الطريق لا يحتاج إلى أن يسمعه من غيره والذي لم يسلكه لا ينتفع ~~بسماعه بل ربما يستضر به إذ يورثه ذلك دهشة من حيث يسمع ما لا يفهم ولكن ~~فيه فائدة وهو إخراجه من الغرور الذي هو فيه بل ربما يصدق بأن الأمر أعظم ~~مما يظنه ومما يتخيله بذهنه المختصر وخياله القاصر وجدله المزخرف ويصدق ~~أيضا بما يحكى له من المكاشفات التي أخبر عنها أولياء الله ومن عظم غروره ~~ربما أصر مكذبا بما يسمعه الآن كما يكذب بما سمعه من قبل # الصنف الرابع أرباب الأموال والمغترون منهم فرق # ففرقة منهم يحرصون على بناء المساجد والمدارس والرباطات والقناطر وما ~~يظهر للناس كافة ويكتبون أساميهم بالآجر عليها ليتخلد ذكرهم ويبقى بعد ~~الموت أثرهم وهم يظنون أنهم قد استحقوا المغفرة بذلك # وقد اغتروا فيه من وجهين PageV03P407 # أحدهما أنهم يبنونها من أموال اكتسبوها من الظلم والنهب والرشا والجهات ~~المحظورة فهم قد تعرضوا لسخط الله في كسبها وتعرضوا لسخطه في إنفاقها وكان ~~الواجب عليهم الامتناع عن كسبها فإذن قد عصوا الله بكسبها فالواجب عليهم ~~التوبة والرجوع إلى الله وردها إلى ملاكها إما بأعيانها وإما برد بدلها عند ~~العجز فإن عجزوا عن الملاك كان الواجب ردها إلى الورثة فإن لم يبق للمظلوم ~~وارث فالواجب صرفها إلى أهم المصالح وربما يكون الأهم التفرقة على المساكين ~~وهم لا يفعلون ذلك خيفة من أن لا يظهر ذلك للناس فيبنون الأبنية بالآجر ~~وغرضهم من بنائها الرياء وجلب الثناء وحرصهم على بقائها لبقاء أسمائهم ~~المكتوبة فيها لا لبقاء الخير # والوجه الثاني أنهم يظنون بأنفسهم الإخلاص وقصد الخير في الإنفاق على ~~الأبنية ولو كلف واحد منهم أن ينفق دينارا ولا يكتب اسمه على الموضع الذي ~~أنفق عليه لشق عليه ذلك ولم تسمح به نفسه والله مطلع عليه كتب اسمه أو لم ~~يكتب ولولا أنه يريد به وجه الناس لا وجه الله لما افتقر إلى ذلك # وفرقة أخرى ربما اكتسبت المال من الحلال وأنفقت على المساجد وهي أيضا ~~مغرورة من وجهين # أحدهما # الرياء وطلب الثناء فإنه ربما يكون في جواره أو بلده فقراء وصرف المال ~~إليهم أهم وأفضل وأولى من الصرف إلى بناء المساجد وزينتها وإنما يخف عليهم ~~الصرف إلى المساجد ليظهر ذلك بين الناس # والثاني أنه يصرف إلى زخرفة المسجد وتزيينه بالنقوش التي هي منهي عنها ~~وشاغلة قلوب المصلين ومختطفة أبصارهم + حديث النهي عن زخرفة المساجد ~~وتزيينها بالنقوش أخرجه البخاري من قول عمر بن الخطاب أكن الناس ولا تحمر ~~ولا تصفر # والمقصود من الصلاة الخشوع وحضور القلب وذلك يفسد قلوب المصلين ويحبط ~~ثوابهم بذلك ووبال ذلك كله يرجع إليه وهو مع ذلك يغتر به ويرى أنه من ~~الخيرات ويعد ذلك وسيلة إلى الله تعالى وهو مع ذلك قد تعرض لسخط الله تعالى ~~وهو يظن أنه مطيع له وممتثل لأمره وقد شوش قلوب عباد الله بما زخرفه من ~~المسجد وربما شوقهم به إلى زخارف الدنيا فيشتهون مثل ذلك في بيوتهم ~~ويشتغلون بطلبه ووبال ذلك كله في رقبته إذ المسجد للتواضع ولحضور القلب مع ~~الله تعالى # قال مالك بن دينار أتى رجلان مسجدا فوقف أحدهما على الباب وقال مثلي لا ~~يدخل بيت الله فكتبه الملكان عند الله صديقا # فهكذا ينبغي أن تعظم المساجد وهو أن يرى تلويث المسجد بدخوله فيه بنفسه ~~جناية على المسجد لا أن يرى تلويث المسجد بالحرام أو بزخرف الدنيا منة على ~~الله تعالى # وقال الحواريون للمسيح عليه السلام انظر إلى هذا المسجد ما أحسنه فقال ~~أمتي أمتي بحق أقول لكم لا يترك الله من هذا المسجد حجرا قائما على حجر إلا ~~أهلكه بذنوب أهله إن الله لا يعبأ بالذهب والفضة ولا بهذه الحجارة التي ~~تعجبكم شيئا وإن أحب الأشياء إلى الله تعالى القلوب الصالحة بها يعمر الله ~~الأرض وبها يخرب إذا كانت على غير ذلك وقال أبو الدرداء قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم + حديث ~~إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم أخرجه ابن المبارك في ~~الزهد وأبو بكر ابن أبي داود في كتاب المصاحف موقوفا على أبي الدرداء # وقال الحسن إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبني مسجد ~~المدينة أتاه جبريل عليه السلام فقال له ابنه سبعة أذرع طولا في السماء لا ~~تزخرفه ولا تنقشه + حديث الحسن مرسلا لما أراد أن يبني مسجد المدينة أتاه ~~جبريل فقال ابنه سبعة أذرع طولا في السماء ولا تزخرفه ولا تنقشه لم أجده # فغرور هذا من حيث أنه رأى المنكر واتكل عليه # وفرقة أخرى ينفقون الأموال في الصدقات على الفقراء والمساكين ويطلبون به ~~المحافل الجامعة ومن PageV03P408 الفقراء من عادته الشكر والإفشاء للمعروف ~~ويكرهون التصدق في السر ويرون إخفاء الفقير لما يأخذ منهم جناية عليهم ~~وكفرانا وربما يحرصون على إنفاق المال في الحج فيحجون مرة بعد أخرى وربما ~~تركوا جيرانهم جياعا ولذلك قال ابن مسعود في آخر الزمان يكثر الحاج بلا سبب ~~يهون عليهم السفر ويبسط لهم في الزرق ويرجعون محرومين مسلوبين يهوي بأحدهم ~~بعيره بين الرمال والقفار وجاره مأسور إلى جنبه لا يواسيه # وقال أبو نصر التمار إن رجلا جاء يودع بشر بن الحارث وقال قد عزمت على ~~الحج فتأمرني بشيء فقال له كم أعددت للنفقة فقال ألفي درهم # قال بشر فأي شئ تبتغي بحجك تزهدا أو اشتياقا إلى البيت أو ابتغاء مرضاة ~~الله قال ابتغاء مرضاة الله قال فإن أصبت مرضاة الله تعالى وأنت في منزلك ~~وتنفق ألفي درهم وتكون على يقين من مرضاة الله تعالى أتفعل ذلك قال نعم قال ~~اذهب فأعطها عشرة أنفس مديون يقضي دينه وفقير يرم شعثه ومعيل يغني عياله ~~ومربي يتيم يفرحه وإن قوي قلبك تعطيها واحدا فافعل فإن إدخالك السرور على ~~قلب المسلم وإغاثة اللهفان وكشف الضر وإعانة الضعيف أفضل من مائة حجة بعد ~~حجة الإسلام قم فأخرجها كما أمرناك وإلا فقل لنا ما في قلبك فقال يا أبا ~~نصر سفري أقوى في قلبي فتبسم بشر رحمه الله وأقبل عليه وقال له المال إذا ~~جمع من وسخ التجارات والشبهات اقتضت النفس أن تقضي به وطرا فأظهرت الأعمال ~~الصالحات وقد آلى الله على نفسه أن لا يقبل إلا عمل المتقين # وفرقة أخرى من أرباب الأموال اشتغلوا بها يحفظون الأموال ويمسكونها بحكم ~~البخل ثم يشتغلون بالعبادات البدنية التي لا يحتاج فيها إلى نفقة كصيام ~~النهار وقيام الليل وختم القرآن وهم مغرورون لأن البخل المهلك قد استولى ~~على بواطنهم فهو يحتاج إلى قمعه بإخراج المال فقد اشتغل بطلب فضائل هو ~~مستغن عنها ومثاله مثال من دخل في ثوبه حية وقد أشرف على الهلاك وهو مشغول ~~بطبخ السكنجبين ليسكن به الصفراء ومن قتلته الحية متى يحتاج إلى السكنجبين ~~ولذلك قيل لبشر إن فلانا الغني كثير الصوم والصلاة فقال المسكين ترك حاله ~~ودخل في حال غيره وإنما حال هذا إطعام الطعام للجياع والإنفاق على المساكين ~~فهذا أفضل له من تجويعه نفسه ومن صلاته لنفسه من جمعه للدنيا ومنعه للفقراء # وفرقة أخرى غلبهم البخل فلا تسمح نفوسهم إلا بأداء الزكاة فقط ثم إنهم ~~يخرجون من المال الخبيث الرديء الذي يرغبون عنه ويطلبون من الفقراء من ~~يخدمهم ويتردد في حاجاتهم ومن يحتاجون إليه في المستقبل للاستسخار في خدمة ~~أو من لهم فيه على الجملة غرض أو يسلمون ذلك إلى من يعينه واحد من الأكابر ~~ممن يستظهر بحشمه لينال بذلك عنده منزلة فيقوم بحاجاته # وكل ذلك مفسدات للنية ومحبطات للعمل وصاحبه مغرور ويظن أنه مطيع لله ~~تعالى وهو فاجر إذ طلب بعبادة الله عوضا من غيره فهذا وأمثاله من غرور ~~أصحاب الأموال أيضا لا يحصى وإنما ذكرنا هذا القدر للتنبيه على أجناس ~~الغرور # وفرقة أخرى من عوام الخلق وأرباب الأموال والفقراء اغتروا بحضور مجالس ~~الذكر واعتقدوا أن ذلك يغنيهم ويكفيهم واتخذوا ذلك عادة ويظنون أن لهم على ~~مجرد سماع الوعظ دون العمل ودون الاتعاظ أجرا وهم مغرورون لأن فضل مجلس ~~الذكر لكونه مرغبا في الخير فإن لم يهيج الرغبة فلا خير فيه والرغبة محمودة ~~لأنها تبعث على العمل فإن ضعفت عن الحمل على العمل فلا خير فيها وما يراد ~~لغيره فإذا قصر عن الأداء إلى ذلك الغير فلا قيمة له وربما يغتر بما يسمعه ~~من الواعظ من فضل حضور المجلس وفضل البكاء وربما تدخله رقة كرقة ~~PageV03P409 النساء فيبكي ولا عزم وربما يسمع كلاما مخوفا فلا يزيد على أن ~~يصفق بيديه ويقول يا سلام سلم أو نعوذ بالله أو سبحان الله ويظن أنه قد أتى ~~بالخير كله وهو مغرور # وإنما مثاله مثال المريض الذي يحضر مجالس الأطباء فيسمع ما يجري أو ~~الجائع الذي يحضر عنده من يصف له الأطعمة اللذيذة الشهية ثم ينصرف وذلك لا ~~يغني عنه من مرضه وجوعه شيئا # فكذلك سماع وصف الطاعات دون العمل بها لا يغني من الله شيئا # فكل وعظ لم يغير منك صفة تغييرا يغير أفعالك حتى تقبل على الله إقبالا ~~قويا أو ضعيفا وتعرض عن الدنيا فذلك الوعظ زيادة حجة عليك فإذا رأيته وسيلة ~~لك كنت مغرورا # فإن قلت فما ذكرته من مداخل الغرور أمر لا يتخلص منه أحد ولا يمكن ~~الاحتراز منه وهذا يوجب اليأس إذ لا يقوى أحد من البشر على الحذر من خفايا ~~هذه الآفات فأقول الإنسان إذا افترقت همته في شيء أظهر اليأس منه واستعظم ~~الأمر واستوعر الطريق وإذا صح منه الهوى اهتدى إلى الحيل واستنبط بدقيق ~~النظر خفايا الطرق في الوصول إلى الغرض حتى إن الإنسان إذا أراد أن يستنزل ~~الطير المحلق في جو السماء مع بعده منه استنزله وإذا أراد أن يخرج الحوت من ~~أعماق البحر استخرجه وإذا أراد أن يستخرج الذهب أو الفضة من تحت الجبال ~~استخرجه وإذا أراد أن يقنص الوحوش المطلقة في البراري والصحاري اقتنصها ~~وإذا أراد أن يستسخر السباع والفيلة وعظيم الحيوانات استسخرها وإذا أراد أن ~~يأخذ الحيات والأفاعي ويعبث بها أخذها واستخرج الدرياق من أجوافها وإذا ~~أراد أن يتخذ الديباج الملون المنقش من ورق التوت اتخذه وإذا أراد أن يعرف ~~مقادير الكواكب وطولها وعرضها استخراج بدقيق الهندسة ذلك وهو مستقر على ~~الأرض وكل ذلك باستنباط الحيل وإعداد الآلات فسخر الفرس للركوب والكلب ~~للصيد وسخر البازي لاقتناص الطيور وهيأ الشبكة لاصطياد السمك إلى غير ذلك ~~من دقائق حيل الآدمي # كل ذلك لأن همه أمر دنياه وذلك معين له على دنياه فلو همه أمر آخرته فليس ~~عليه إلا شغل واحد وهو تقويم قلبه فعجز عن تقويم قلبه وتخاذل وقال هذا محال ~~ومن الذي يقدر عليه وليس ذلك بمحال لو أصبح وهمه هذا الهم الواحد بل هو كما ~~يقال لو صح منك الهوى أرشدت للحيل فهذا شيء لم يعجز عنه السلف الصالحون ومن ~~اتبعهم بإحسان # فلا يعجز عنه أيضا من صدقت إرادته وقويت همته بل لا يحتاج إلى عشر تعب ~~الخلق في استنباط حيل الدنيا ونظم أسبابها # فإن قلت قد قربت الأمر فيه مع أنك أكثرت في ذكر مداخل الغرور فبم ينجو ~~العبد من الغرور فاعلم أنه ينجو منه بثلاثة أمور بالفعل والعلم والمعرفة # فهذه ثلاثة أمور لا بد منها # أما العقل فأعني به الفطرة الغريزية والنور الأصلي الذي به يدرك الإنسان ~~حقائق الأشياء فالفطنة والكيس فطرة والحمق والبلادة فطرة والبليد لا يقدر ~~على التحفظ عن الغرور فصفاء العقل وذكاء الفهم لا بد منه في أصل الفطرة ~~فهذا إن لم يفطر عليه الإنسان فاكتسابه غير ممكن # نعم إذا حصل أصله أمكن تقويته بالممارسة فأساس السعادات كلها العقل ~~والكياسة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تبارك الله الذي قسم العقل بين ~~عباده أشتاتا + حديث تبارك الذي قسم العقل بين عباده الحديث أخرجه الترمذي ~~الحكيم في نوادر الأصول من رواية طاوس مرسلا وفي أوله قصة وإسناده ضعيف ~~ورواه بنحوه من حديث أبي حميد وهو ضعيف أيضا # إن الرجلان ليستوي عملهما وبرهما وصومهما وصلاتهما ولكنهما يتفاوتان في ~~العقل كالذرة في جنب أحد وما قسم الله لخلقه حظا أفضل من العقل واليقين # وعن أبي الدرداء أنه قيل يا رسول الله أرأيت الرجل يصوم النهار ويقوم ~~الليل ويحج ويعتمر ويتصدق PageV03P410 ويغزو في سبيل الله ويعود المريض ~~ويشيع الجنائز ويعين الضعيف ولا يعلم منزلته عند الله يوم القيامة فقال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يجزى على قدر عقله + حديث أبي الدرداء ~~أرأيت الرجل يصوم النهار ويقوم الليل الحديث وفيه إنما يجزى على قدر عقله ~~أخرجه الخطيب في التاريخ وفي أسماء من روى عن مالك من حديث ابن عمر وضعفه ~~ولم أره من حديث أبي الدرداء # وقال أنس أثني على رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا خيرا ~~فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف عقله قالوا يا رسول الله نقول من ~~عبادته وفضله وخلقه فقال كيف عقله فإن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور ~~الفاجر # وإنما يقرب الناس يوم القيامة على قدر عقولهم + حديث أنس أثني على رجل ~~عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال كيف عقله الحديث أخرجه داود بن المحبر ~~في كتاب العقل وهو ضعيف وتقدم في العلم # وقال أبو الدرداء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن رجل شدة ~~عبادة سأل عن عقله فإذا قالوا حسن قال أرجوه وإن قالوا كان غير ذلك قال لن ~~يبلغ + حديث أبي الدرداء كان إذا بلغه عن رجل شدة عبادة سأل عن عقله الحديث ~~أخرجه الترمذي الحكيم في النوادر وابن عدي ومن طريقه البيهقي في الشعب ~~وضعفه # وذكر له شدة عبادة رجل فقال كيف عقله قالوا ليس بشيء قال لن يبلغ صاحبكم ~~حيث تظنون فالذكاء صحيح وغريزة العقل نعمة من الله تعالى في أصل الفطرة فإن ~~فاتت ببلادة وحماقة فلا تدارك لها # الثاني المعرفة وأعني بالمعرفة أن يعرف أربعة أمور يعرف نفسه ويعرف ربه ~~ويعرف الدنيا ويعرف الآخرة فيعرف نفسه بالعبودية والذل وبكونه غريبا في هذا ~~العالم وأجنبيا من هذه الشهوات البهيمية وإنما الموافق له طبعا هو معرفة ~~الله تعالى والنظر إلى وجهه فقط فلا يتصور أن يعرف هذا ما لم يعرف نفسه ولم ~~يعرف ربه فليستعن على هذا بما ذكرناه في كتاب المحبة وفي كتاب شرح عجائب ~~القلب وكتاب التفكر وكتاب الشكر إذ فيها إشارات إلى وصف النفس وإلى وصف ~~جلال الله ويحصل به التنبه على الجملة وكمال المعرفة وراءه فإن هذا من علوم ~~المكاشفة ولم نطنب في هذا الكتاب إلا في علوم المعاملة # وأما معرفة الدنيا والآخرة فيستعين عليها بما ذكرنا في كتاب ذم الدنيا ~~وكتاب ذكر الموت ليتبين له أن لا نسبة للدنيا إلى الآخرة فإذا عرف نفسه ~~وربه وعرف الدنيا والآخرة ثار من قلبه بمعرفة الله حب الله وبمعرفة الآخرة ~~شدة الرغبة فيها وبمعرفة الدنيا الرغبة عنها ويصير أهم أموره ما يوصله إلى ~~الله تعالى وينفعه في الآخرة وإذا غلبت هذه الإرادة على قلبه صحت نيته في ~~الأمور كلها فإن أكل مثلا أو اشتغل بقضاء الحاجة كان قصده منه الاستعانة ~~على سلوك طريق الآخرة # وصحت نيته واندفع عنه كل غرور منشؤه تجاذب الأغراض والنزوع إلى الدنيا ~~والجاه والمال فإن ذلك هو المفسد للنية # وما دامت الدنيا أحب إليه من الآخرة وهوى نفسه أحب إليه من رضا الله ~~تعالى فلا يمكنه الخلاص من الغرور # فإذا غلب حب الله على قلبه بمعرفته بالله وبنفسه الصادرة عن كمال عقله ~~فيحتاج إلى المعنى الثالث وهو العلم أعني العلم بمعرفة كيفية سلوك الطريق ~~إلى الله والعلم بما يقربه من الله وما يبعده عنه والعلم بآفات الطريق ~~وعقباته وغوائله وجميع ذلك قد أودعناه كتب إحياء علوم الدين فيعرف من ربع ~~العبادات شروطها فيراعيها وآفاتها فيتقيها ومن ربع العادات أسرار المعايش ~~وما هو مضطر إليه فيأخذه بأدب الشرع وما هو مستغن عنه فيعرض عنه ومن ربع ~~المهلكات يعلم جميع العقبات المانعة في طريق الله فإن المانع من الله ~~الصفات المذمومة في الخلق فيعلم المذموم ويعلم طريق علاجه ويعرف من ربع ~~المنجيات الصفات المحمودة التي لا بد وأن توضع خلفا عن المذمومة بعد محوها ~~فإذا أحاط بجميع ذلك أمكنه الحذر من الأنواع التي أشرنا إليها من الغرور ~~وأصل ذلك كله أن يغلب PageV03P411 حب الله على القلب ويسقط حب الدنيا منه ~~حتى تقوى به الإرادة وتصح به النية ولا يحصل ذلك إلا بالمعرفة التي ذكرناها # فإن قلت فإذا فعل جميع ذلك فما الذي يخاف عليه فأقول يخاف عليه أن يخدعه ~~الشيطان ويدعوه إلى نصح الخلق ونشر العلم ودعوته الناس إلى ما عرفه من دين ~~الله فإن المريد المخلص إذا فرغ من تهذيب نفسه وأخلاقه وراقب القلب حتى ~~صفاه من جميع المكدرات واستوى على الصراط المستقيم وصغرت الدنيا في عينه ~~فتركها وانقطع طمعه عن الخلق فلم يلتفت إليهم ولم يبق إلا هم واحد وهو الله ~~تعالى والتلذذ بذكره ومناجاته والشوق إلى لقائه وقد عجز الشيطان عن إغرائه ~~إذ يأتيه من جهة الدنيا وشهوات النفس فلا يطيعه فيأتيه من جهة الدين ويدعوه ~~إلى الرحمة على خلق الله والشفقة على دينهم والنصح لهم والدعاء إلى الله ~~فينظر العبد برحمته إلى العبيد فيراهم حيارى في أمرهم سكارى في دينهم صما ~~عميا قد استولى عليهم المرض وهم لا يشعرون وفقدوا الطبيب وأشرفوا على العطب ~~فغلب على قلبه الرحمة لهم وقد كان عنده حقيقة المعرفة بما يهديهم ويبين لهم ~~ضلالهم ويرشدهم إلى سعادتهم وهو يقدر على ذكرها من غير تعب ومؤنة ولزوم ~~غرامة فكان مثله كمثل رجل كان به داء عظيم لا يطاق ألمه وقد كان لذلك يسهر ~~ليله ويقلق نهاره لا يأكل ولا يشرب ولا يتحرك ولا يتصرف لشدة ضربان الألم ~~فوجد له دواء عفوا صفوا من غير ثمن ولا تعب ولا مرارة في تناوله فاستعمله ~~فبرئ وصح فطاب نومه بالليل بعد طول سهره وهدأ بالنهار بعد شدة القلق وطاب ~~عيشه بعد نهاية الكدر وأصاب لذة العافية بعد طول السقام ثم نظر إلى عدد ~~كثير من المسلمين وإذا بهم تلك العلة بعينها وقد طال سهرهم واشتد قلقهم ~~وارتفع إلى السماء أنينهم فتذكر أن دواءهم هو الذي يعرفه ويقدر على شفائهم ~~بأسهل ما يكون وفي أرجى زمان فأخذته الرحمة والرأفة ولم يجد فسحة من نفسه ~~في التراخي عن الاشتغال بعلاجهم فكذلك العبد المخلص بعد أن اهتدى إلى ~~الطريق وشفي من أمراض القلوب شاهد الخلق وقد مرضت قلوبهم وأعضل داؤهم وقرب ~~هلاكهم وإشفاؤهم وسهل عليه دواؤهم فانبعث من ذات نفسه عزم جازم في الاشتغال ~~بنصحهم وحرضه الشيطان على ذلك رجاء أن يجد مجالا للفتنة فلما اشتغل بذلك ~~وجد الشيطان مجالا للفتنة فدعاه إلى الرياسة دعاء خفيا أخفى من دبيب النمل ~~لا يشعر به المريد فلم يزل ذلك الدبيب في قلبه حتى دعاه إلى التصنع والتزين ~~للخلق بتحسين الألفاظ والنغمات والحركات والتصنع في الزي والهيئة فأقبل ~~الناس إليه يعظمونه ويبجلونه ويوقرونه توقيرا يزيد على توقير الملوك إذا ~~رأوه شافيا لأدوائهم بمحض الشفقة والرحمة من غير طمع فصار أحب إليهم من ~~آبائهم وأمهاتهم وأقاربهم فآثروه بأبدانهم وأموالهم وصاروا له خولا كالعبيد ~~والخدم فخدموه وقدموه في المحافل وحكموه على الملوك والسلاطين فعند ذلك ~~انتشر الطبع وارتاحت النفس وذاقت لذة يا لها من لذة أصابت من الدنيا شهوة ~~يستحقر معها كل شهوة فكان قد ترك الدنيا فوقع في أعظم لذاتها فعند ذلك وجد ~~الشيطان فرصة وامتدت إلى قلبه يده فهو يستعمله في كل ما يحفظ عليه تلك ~~اللذة # وأمارة انتشار الطبع وركون النفس إلى الشيطان أنه لو أخطأ فرد عليه بين ~~يدي الخلق غضب فإذا أنكر على نفسه ما وجده من الغضب بادر الشيطان فخيل إليه ~~أن ذلك غضب لله لأنه إذا لم يحسن اعتقاد المريدين فيه انقطعوا عن طريق الله ~~فوقع في الغرور فربما أخرجه ذلك إلى الوقيعة فيمن رد عليه فوقع في الغيبة ~~المحظورة بعد تركه الحلال المتسع ووقع في الكبر الذي هو تمرد عن قبول الحق ~~والشكر عليه بعد أن يحذر من طوارق الخطرات وكذلك إذا سبقه الضحك أو فتر عن ~~بعض الأوراد جزعت النفس أن يطلع عليه فيسقط قبوله فأتبع ذلك بالاستغفار ~~وتنفس الصعداء PageV03P412 وربما زاد في الأعمال والأوراد لأجل ذلك ~~والشيطان يخيل إليه إنك إنما تفعل ذلك كيلا يفتر رأيهم عن طريق الله ~~فيتركون الطريق بتركه وإنما ذلك خدعة وغرور بل هو جزع من النفس خيفة فوت ~~الرياسة ولذلك لا تجزع نفسه من اطلاع الناس على مثل ذلك من أقرانه بل ربما ~~يحب ذلك ويستبشر به ولو ظهر من أقرانه من مالت القلوب إلى قبوله وزاد أثر ~~كلامه في القبول على كلامه شق ذلك عليه ولولا أن النفس قد استبشرت واستلذت ~~الرياسة لكان يغتنم ذلك إذ مثاله أن يرى الرجل جماعة من إخوانه قد وقعوا في ~~بئر وتغطى # رأس البئر بحجر كبير فعجزوا عن الرقي من البئر بسببه فرق قلبه لإخوانه ~~فجاء ليرفع الحجر من رأس البئر فشق عليه فجاءه من أعانه على ذلك حتى تيسر ~~عليه أو كفاه ذلك ونحاه بنفسه فيعظم بذلك فرحه لا محالة إذ غرضه خلاص ~~إخوانه من البئر فإن كان غرض الناصح خلاص إخوانه المسلمين من النار فإذا ~~ظهر من أعانه أو كفاه ذلك لم يثقل عليه أرأيت لو اهتدوا جميعهم من أنفسهم ~~أكان ينبغي أنه يثقل ذلك عليه إن كان غرضه هدايتهم فإذا اهتدوا بغيره فلم ~~يثقل عليه ومهما وجد ذلك في نفسه دعاه الشيطان إلى جميع كبائر القلوب ~~وفواحش الجوارح وأهلكه فنعوذ بالله من زيغ القلوب بعد الهدى ومن اعوجاج ~~النفس بعد الاستواء # فإن قلت فمتى يصح له أن يشتغل بنصح الناس فأقول إذا لم يكن له قصد إلا ~~هدايتهم لله تعالى وكان يود لو وجد من يعينه أو لو اهتدوا بأنفسهم وانقطع ~~بالكلية طمعه عن ثنائهم وعن أموالهم فاستوى عنده حمدهم وذمهم فلم يبال ~~بذمهم إذا كان الله يحمده ولم يفرح بحمدهم إذ لم يقترن به حمد الله تعالى ~~ونظر إليهم كما ينظر إلى السادات وإلى البهائم # أما إلى السادات فمن حيث إنه لا يتكبر عليهم ويرى كلهم خيرا منه لجهله ~~بالخاتمة # وأما إلى البهائم فمن حيث انقطاع طمعه عن طلب المنزلة في قلوبهم فإنه لا ~~يبالي كيف تراه البهائم فلا يتزين لها ولا يتصنع بل راعي الماشية إنما غرضه ~~رعاية الماشية ودفع الذئب عنها دون نظر الماشية إليه # فما لم ير سائر الناس كالماشية التي لا يلتفت إلى نظرها ولا يبالي بها لا ~~يسلم من الاشتغال بإصلاحهم # نعم ربما يصلحهم ولكن يفسد نفسه بإصلاحهم فيكون كالسراج يضيء لغيره ~~ويحترق في نفسه # فإن قلت فلو ترك الوعاظ الوعظ إلا عند نيل هذه الدرجة لخلت الدنيا عن ~~الوعظ وخربت القلوب فأقول قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب الدنيا ~~رأس كل خطيئة + حديث حب الدنيا رأس كل خطيئة أخرجه البيهقي في الشعب من ~~حديث الحسن مرسلا وقد تقدم في كتاب ذم الدنيا # ولو لم يحب الناس الدنيا لهلك العالم وبطلت المعايش وهلكت القلوب ~~والأبدان جميعا إلا أنه صلى الله عليه وسلم علم أن حب الدنيا مهلك وأن ذكر ~~كونه مهلكا لا ينزع الحب من قلوب الأكثرين لا الأقلين الذين لا تخرب الدنيا ~~بتركهم فلم يترك النصح وذكر ما في حب الدنيا من الخطر ولم يترك ذكره خوفا ~~من أن يترك نفسه بالشهوات المهلكة التي سلطها الله على عباده ليسوقهم بها ~~إلى جهنم تصديقا لقوله تعالى ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة ~~والناس أجمعين فكذلك لا تزال ألسنة الوعاظ مطلقة لحب الرياسة ولا يدعونها ~~بقول من يقول إن الوعظ لحب الرياسة حرام كما لا يدع الخلق الشرب والزنا ~~والسرقة والرياء والظلم وسائر المعاصي يقول الله تعالى ورسوله إن ذلك حرام ~~فانظر لنفسك وكن فارغ القلب من حديث الناس فإن الله تعالى يصلح خلقا كثيرا ~~بإفساد شخص واحد وأشخاص ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض وإن ~~الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم PageV03P413 فإنما يخشى أن يفسد ~~طريق الاتعاظ فأما أن تخرص ألسنة الوعاظ ووراءهم باعث الرياسة وحب الدنيا ~~فلا يكون ذلك أبدا # فإن قلت فإن علم المريد هذه المكيدة من الشيطان فاشتغل بنفسه وترك النصح ~~أو نصح وراعى شرط الصدق والإخلاص فيه فما الذي يخاف عليه وما الذي بقي بين ~~يديه من الأخطار وحبائل الاغترار فاعلم أنه بقي عليه أعظمه وهو أن الشيطان ~~يقول له قد أعجزتني وأفلت مني بذكائك وكمال عقلك وقد قدرت على جملة من ~~الأولياء والكبراء وما قدرت عليك فما أصبرك وما أعظم عند الله قدرك ومحلك ~~إذ قواك على قهري ومكنك من التفطن لجميع مداخل غروري فيصغي إليه ويصدقه ~~ويعجب بنفسه من فراره في الغرور كله فيكون إعجابه بنفسه غاية الغرور وهو ~~المهلك الأكبر فالعجب أعظم من كل ذنب ولذلك قال الشيطان يا ابن آدم إذا ~~ظننت أنك بعلمك تخلصت مني فبجهلك قد وقعت في حبائلي # فإن قلت فلو لم يعجب بنفسه إذ علم أن ذلك من الله تعالى لا منه وإن مثله ~~لا يقوى على دفع الشيطان إلا بتوفيق الله ومعونته ومن عرف ضعف نفسه وعجزه ~~عن أقل القليل فإذا قدر على مثل هذا الأمر العظيم علم أنه لم يقو عليه ~~بنفسه بل بالله تعالى فما الذي يخاف عليه بعد نفي العجب فأقول يخاف عليه ~~الغرور بفضل الله والثقة بكرمه والأمن من مكره حتى يظن أنه يبقى على هذه ~~الوتيرة في المستقبل ولا يخاف من الفترة والانقلاب فيكون حاله الاتكال على ~~فضل الله فقط دون أن يقارنه الخوف من مكره ومن أمن مكر الله فهو خاسر جدا ~~بل سبيله أن يكون مشاهدا جملة ذلك من فضل الله ثم خائفا على نفسه أن يكون ~~قد سدت عليه صفة من صفات قلبه من حب دنيا ورياء وسوء خلق والتفات إلى عز ~~وهو غافل عنه ويكون خائفا أن يسلب حاله في كل طرفة عين غير آمن من مكر الله ~~ولا غافل عن خطر الخاتمة # وهذا خطر لا محيص عنه وخوف لا نجاة منه إلا بعد مجاوزة الصراط # ولذلك لما ظهر الشيطان لبعض الأولياء في وقت النزع وكان قد بقي له نفس ~~فقال أفلت مني يا فلان فقال لا بعد # ولذلك قيل الناس كلهم هلكى إلى العالمون والعالمون كلهم هلكى إلا ~~العاملون والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم # فإذن المغرور هالك والمخلص الفار من الغرور على خطر فلذلك لا يفارق الخوف ~~والحذر قلوب أولياء الله أبدا # فنسأل الله تعالى العون والتوفيق وحسن الخاتمة فإن الأمور بخواتيمها # تم كتاب ذم الغرور وبه تم ربع المهلكات ويتلوه في أول ربع المنجيات كتاب ~~التوبة والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده وهو حسبي ~~ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم # تم الجزء الثالث من كتاب إحياء علوم الدين ويليه الجزء الرابع وأوله كتاب ~~التوبة PageV03P414 # | بسم الله الرحمن الرحيم # # | كتاب التوبة وهو الكتاب الأول من ربع المنجيات من كتاب إحياء علوم # الدين بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي بتحميده يستفتح كل كتاب وبذكره يصدر كل خطاب وبحمده يتنعم ~~أهل النعيم في دار الثواب وباسمه يتسلى الأشقياء وإن أرخى دونهم الحجاب ~~وضرب بينهم وبين السعداء بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله ~~العذاب ونتوب إليه توبة من يوقن أنه رب الأرباب ومسبب الأسباب ونرجوه رجاء ~~من يعلم أنه الملك الرحيم الغفور التواب ونمزج الخوف برجائنا مزج من لا ~~يرتاب أنه مع كونه غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب # ونصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه صلاة تنقذنا من ~~هول المطلع يوم العرض والحساب وتمهد لنا عند الله زلفى وحسن مآب # أما بعد فإن التوبة عن الذنوب بالرجوع إلى ستار العيوب وعلام الغيوب مبدأ ~~طريق السالكين ورأس مال الفائزين وأول أقدام المريدين ومفتاح استقامة ~~المائلين ومطلع الاصطفاء والاجتباء للمقربين ولأبينا آدم عليه الصلاة ~~والسلام وعلى سائر الأنبياء أجمعين وما أجدر بالأولاد الاقتداء بالآباء ~~والأجداد فلا غرو إن أذنب الآدمى واجترم فهى شنشنة نعرفها من أخزم ومن أشبه ~~أباه فما ظلم ولكن الأب إذا جبر بعد ما كسر وعمر بعد أن هدم فليكن النزوع ~~إليه في كلا طرفى النفى والإثبات والوجود والعدم ولقد قرع آدم سن الندم ~~وتندم على ما سبق منه وتقدم فمن اتخذه قدوة في الذنب دون التوبة فقد زلت به ~~القدم بل التجرد لمحض الخير دأب الملائكة المقربين والتجرد للشر دون ~~التلافى سجية الشياطين والرجوع إلى الخير بعد الوقوع في الشر ضرورة ~~الآدميين فالمتجرد للخير ملك مقرب عند الملك الديان والمتجرد للشر شيطان ~~والمتلافى للشر بالرجوع إلى الخير بالحقيقة إنسان فقد ازدوج في طينة ~~الإنسان شائبتان واصطحب فيه سجيتان وكل عبد مصحح نسبه إما إلى الملك أو إلى ~~آدم أو إلى الشيطان فالتائب قد أقام البرهان على صحة نسبه إلى آدم بملازمة ~~حد الإنسان والمصر على الطغيان مسجل على نفسه بنسب الشيطان فإما تصحيح ~~النسب إلى الملائكة بالتجرد PageV04P002 لمحض الخير فخارج عن حيز الإمكان ~~فإن الشر معجون مع الخير في طينة آدم عجنا محكما لا يخلصه إلا إحدى النارين ~~نار الندم أو نار جهنم فالإحراق بالنار ضرورى في تخليص جوهر الإنسان من ~~خبائث الشيطان وإليك الآن اختيار أهون النارين والمبادرة إلى أخف الشرين ~~قبل أن يطوى بساط الاختيار ويساق إلى دار الاضطرار إما إلى الجنة وإما إلى ~~النار وإذا كانت التوبة موقعها من الدين هذا الموقع وجب تقديمها فى صدر ربع ~~المنجيات بشرح حقيقتها وشروطها وسببها وعلامتها وثمرتها والآفات المانعة ~~منها والأدوية الميسرة لها ويتضح ذلك بذكر أربعة أركان # الركن الأول في نفس التوبة وبيان حدها وحقيقتها وأنها واجبة على الفور ~~وعلى جميع الأشخاص وفي جميع الأحوال وأنها إذا صحت كانت مقبولة # الركن الثاني فيما عنه التوبة وهو الذنوب وبيان انقسامها إلى صغائر ~~وكبائر وما يتعلق بالعباد وما يتعلق بحق الله تعالى وبيان كيفية توزع ~~الدرجات والدركات على الحسنات والسيئات وبيان الأسباب التى بها تعظم ~~الصغائر # الركن الثالث في بيان شروط التوبة ودوامها وكيفية تدارك ما مضى من ~~المظالم وكيفية # تكفير الذنوب وبيان أقسام التائبين في دوام التوبة الركن الرابع في ~~المسبب الباعث على التوبة وكيفية العلاج في حل عقدة الإصرار من المذنبين # ويتم المقصود بهذه الأركان الأربعة إن شاء الله عز وجل الركن الأول في ~~نفس التوبة بيان حقيقة التوبة وحدها # اعلم أن التوبة عبارة عن معنى ينتظم ويلتثم من ثلاثة أمور مرتبة علم وحال ~~وفعل فالعلم الأول والحال الثانى والفعل الثالث والأول موجب للثانى والثانى ~~موجب للثالث إيجابا اقتضاه إطراد سنة الله فى الملك والملكوت أما العلم فهو ~~معرفة عظم ضرر الذنوب وكونها حجابا بين العبد وبين كل محبوب فإذا عرف ذلك ~~معرفة محققة بيقين غالب على قلبه ثار من هذه المعرفة تألم للقلب بسبب فوات ~~المحبوب فإن القلب مهما شعر بفوات محبوبه تألم فإن كان فواته بفعله تأسف ~~على الفعل المفوت فيسمى تألمه بسبب فعله المفوت لمحبوبه ندما فإذا غلب هذا ~~الألم على القلب واستولى وانبعث من هذا الألم في القلب حالة أخرى تسمى ~~إرادة وقصدا إلى فعل له تعلق بالحال والماضى وبالاستقبال أما تعلقه بالحال ~~فبالترك للذنب الذى كان ملابسا وأما بالاستقبال فبالعزم على ترك الذنب ~~المفوت للمحبوب إلى آخر العمر وأما بالماضى فبتلافى ما فات بالجبر والقضاء ~~إن كان قابلا للجبر فالعلم هو الأول وهو مطلع هذه الخيرات وأعنى بهذا العلم ~~الإيمان واليقين فإن الإيمان عبارة عن التصديق بأن الذنوب سموم مهلكة ~~واليقين عبارة عن تأكد هذا التصديق وانتفاء الشك عنه واستيلائه على القلب ~~فيثمر نور هذا الإيمان مهما أشرق على القلب نار الندم فيتألم بها القلب حيث ~~يبصر بإشراق نور الإيمان أنه صار محجوبا عن محبوبه كمن يشرق عليه نور الشمس ~~وقد كان فى ظلمة فيسطع النور عليه بانقشاع سحاب أو انحسار حجاب فرأى محبوبه ~~وقد أشرف على الهلاك فتشعل نيران الحب في قلبه وتنبعث تلك النيران بإرادته ~~للانتهاض للتدارك فالعلم والندم والقصد المتعلق بالترك في الحال والاستقبال ~~والتلافى للماضى ثلاثة معان مرتبة في الحصول فيطلق اسم التوبة على مجموعها ~~وكثيرا ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده ويجعل العلم كالسابق ~~والمقدمة والترك كالثمرة والتابع المتأخر وبهذا الاعتبار قال صلى الله عليه ~~وسلم الندم توبة # حديث الندم توبة أخرجه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وصحح إسناده من حديث ~~ابن مسعود ورواه ابن حبان والحاكم من حديث أنس وقال صحيح على شرط الشيخين + ~~إذ لا يخلو الندم عن علم PageV04P003 أوجبه وأثمره وعن عزم يتبعه ويتلوه ~~فيكون الندم محفوفا بطرفيه فيه أعنى ثمرته ومثمره وبهذا الاعتبار قيل فى حد ~~التوبة إنه ذوبان الحشا لما سبق من الخطأ فإن هذا يعرض لمجرد الألم ولذلك ~~قيل هو نار في القلب تلتهب وصدع في الكبد لا ينشعب وباعتبار معنى الترك قيل ~~في حد التوبة إنه خلع لباس الجفاء ونشر بساط الوفاء وقال سهل ابن عبد الله ~~التسترى التوبة تبديل الحركات المذمومة بالحركات المحمودة ولا يتم ذلك إلا ~~بالخلوة والصمت وأكل الحلال وكأنه أشار إلى المعنى الثالث من التوبة ~~والأقاويل في حدود التوبة لا تنحصر وإذا فهمت هذه المعانى الثلاثة وتلازمها ~~وترتيبها عرفت أن جميع ما قيل فى حدودها قاصر عن الإحاطة بجميع معانيها ~~وطلب العلم بحقائق الأمور أهم من طلب الألفاظ المجردة # | بيان وجوب التوبة وفضلها # اعلم أن وجوب التوبة ظاهر بالأخبار + الأخبار الدالة على وجوب التوبة ~~أخرج مسلم من حديث الأغر المزنى يا أيها الناس توبوا إلى الله الحديث ولابن ~~ماجه من حديث جابر يا أيها الناس توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا الحديث ~~وسنده ضعيف + والآيات وهو واضح بنور البصيرة عند من انفتحت بصيرته وشرح ~~الله بنور الإيمان صدره حتى اقتدرت على أن يسعى بنوره الذي بين يديه في ~~ظلمات الجهل مستغنيا عن قائد يقوده في كل خطوة فالسالك إما أعمى لا يستغنى ~~عن القائد في خطوه وإما بصير يهدى إلى أول الطريق ثم يهتدى بنفسه وكذلك ~~الناس في طريق الدين ينقسمون هذا الانقسام فمن قاصر لا يقدر على مجاوزة ~~التقليد في خطوه فيفتقر إلى أن يسمع في كل قدم نصا من كتاب الله أو سنة ~~رسوله وربما يعوزه ذلك فيتحير فسير هذا وإن طال عمره وعظم جده مختصر وخطاه ~~قاصرة ومن سعيد شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فيتنبه بأدنى ~~إشارة لسلوك طريق معوصة وقطع عقبات متعبة ويشرق في قلبه نور القرآن ونور ~~الإيمان وهو لشدة نور باطنه يجتزىء بأدنى بيان فكأنه يكاد زيته يضىء ولو لم ~~تمسسه نار فإذا مسته نار فهو نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء وهذا لا ~~يحتاج إلى نص منقول في كل واقعة فمن هذا حاله إذا أراد أن يعرف وجوب التوبة ~~فينظر أولا بنور البصيرة إلى التوبة ما هى ثم إلى الوجوب ما معناه ثم يجمع ~~بين معنى الوجوب والتوبة فلا يشك في ثبوته لها وذلك بأن يعلم بأن معنى ~~الواجب ما هو واجب في الوصول إلى سعادة الأبد والنجاة من هلاك الأبد فإنه ~~لولا تعلق السعادة والشقاوة بفعل الشىء وتركه لم يكن لوصفه بكونه واجبا ~~معنى وقول القائل صار واجبا بالإيجاب حديث محض فإن مالا غرض لنا آجلا ~~وعاجلا في فعله وتركه فلا معنى لاشتغالنا به أوجبه علينا غيرنا أو لم يوجبه ~~فإذا عرف معنى الوجوب وأنه الوسيلة إلى سعادة الأبد وعلم أن لا سعادة في ~~دار البقاء إلا في لقاء الله تعالى وأن كل محجوب عنه يشقى لا محاله محول ~~بينه وبين ما يشتهى محترق بنار الفراق ونار الجحيم وعلم أنه لا مبعد عن ~~لقاء الله إلا اتباع الشهوات والأنس بهذا العالم الفانى والإكباب على حب ما ~~لا بد من فراقه قطعا وعلم أنه لا مقرب من لقاء الله إلا قطع علاقة القلب عن ~~زخرف هذا العالم والإقبال بالكلية على الله طلبا للأنس به بدوام ذكره ~~وللمحبة له بمعرفة جلاله وجماله على قدر طاقته وعلم أن الذنوب التى هى ~~إعراض عن الله واتباع لمحاب الشياطين أعداء الله المبعدين عن حضرته سبب ~~كونه محجوبا مبعدا عن الله تعالى فلا يشك في أن الانصراف عن طريق البعد ~~واجب للوصول إلى القرب وإنما يتم الانصراف بالعلم والندم والعزم فإنه ما لم ~~يعلم أن الذنوب أسباب البعد عن المحبوب لم يندم ولم يتوجع بسبب سلوكه في ~~طريق البعد وما لم يتوجع فلا يرجع ومعنى الرجوع الترك والعزم فلا يشك فى أن ~~المعاني الثلاثة ضرورية في الوصول PageV04P004 إلى المحبوب وهكذا يكون ~~الإيمان الحاصل عن نور البصيرة وأما من لم يترشح لمثل هذا المقام المرتفع ~~ذروته عن حدود أكثر الخلق ففى التقليد والاتباع له مجال رحب يتوصل به إلى ~~النجاة من الهلاك فليلاحظ فيه قول الله وقول رسوله وقول السلف الصالحين فقد ~~قال الله تعالى وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون وهذا أمر ~~على العموم وقال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ~~الآية ومعنى النصوح الخالص لله تعالى خاليا عن الشوائب مأخوذ من النصح ويدل ~~على فضل التوبة قوله تعالى إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وقال صلى ~~الله عليه وسلم التائب حبيب الله والتائب من الذنب كمن لا ذنب له + حديث ~~التائب حبيب الله والتائب من الذنب كمن لا ذنب له أخرجه ابن ماجه من حديث ~~ابن مسعود بالشطر الثاني دون الأول وأما الشطر الأول فروى ابن أبي الدنيا ~~في التوبة وأبو الشيخ في كتاب الثواب من حديث أنس بسند ضعيف إن الله يحب ~~الشاب التائب ولعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وأبى يعلى بسند ضعيف من ~~حديث على أن الله يحب العبد المؤمن المفتن التواب + وقال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم الله أفرح بتوبة العبد المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة ~~معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومه فاستيقظ وقد ذهبت ~~راحلته فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى ~~مكانى الذى كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا ~~راحلته عنده عليها زاده وشرابه فالله تعالى أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من ~~هذا براحلته + حديث لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض فلاة ~~دوية مهلكة الحديث متفق عليه من حديث ابن مسعود وأنس زاد مسلم في حديث أنس ~~ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدى وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ورواه مسلم ~~بهذه الزيادة من حديث النعمان بن بشير ومن حديث أبى هريرة مختصرا + وفى بعض ~~الألفاظ قال من شدة فرحه إذ أراد شكر الله أنا ربك وأنت عبدى ويروى عن ~~الحسن قال لما تاب الله عز وجل على آدم عليه السلام هنأته الملائكة وهبط ~~عليه جبريل وميكائيل عليهما السلام فقالا يا آدم قرت عينك بتوبة الله عليك ~~فقال آدم عليه السلام يا جبريل فإن كان بعد هذه التوبة سؤال فأين مقامى ~~فأوحى الله إليه يا آدم ورثت ذويك التعب والنصب وورثتهم التوبة فمن دعانى ~~منهم لبيته كما لبيتك ومن سألنى المغفرة لم أبخل عليه لأنى قريب مجيب يا ~~آدم وأحشر التائبين من القبور مستبشرينضاحكين ودعاؤهم مستجاب والأخبار ~~والآثار في ذلك لا تحصى والإجماع منعقد من الأمة على وجوبها إذ معناه العلم ~~بأن الذنوب والمعاصى مهلكات ومبعدات من الله تعالى وهذا داخل في وجوب ~~الإيمان ولكن قد تدهش الغفلة عنه فمعنى هذا العلم إزالة هذه الغفلة ولا ~~خلاف في وجوبها ومن معانيها ترك المعاصى في الحال والعزم على تركها في ~~الاستقبال وتدارك ما سبق من التقصير في سابق الاحوال وذلك لا يشك في وجوبه ~~وأما التندم على ما سبق والتحزن عليه فواجب وهو روح التوبة وبه تمام ~~التلافى فكيف لا يكون واجبا بل هو نوع ألم يحصل لا محالة عقيب حقيقة ~~المعرفة بما فات من العمر وضاع في سخط الله # فإن قلت تألم القلب أمر ضرورى لا يدخل تحت الاختيار فكيف يوصف بالوجوب ~~فاعلم أن سببه تحقيق العلم بفوات المحبوب وله سبيل إلى تحصيل سببه وبمثل ~~هذا المعنى دخل العلم تحت الوجوب لا بمعنى أن العلم يخلقه العبد ويحدثه في ~~نفسه فإن ذلك محال بل العلم والندم والفعل والإرادة والقدرة والقادر الكل ~~من خلق الله وفعله والله خلقكم وما تعملون هذا هو الحق عند ذوى الأبصار وما ~~سوى هذا ضلال # فإن قلت أفليس للعبد اختيار في الفعل والترك قلنا نعم وذلك لا يناقض ~~قولنا إن الكل من خلق الله تعالى بل الاختيار أيضا من خلق الله والعبد مضطر ~~في الاختيار الذي له فإن الله إذا خلق اليد الصحيحة PageV04P005 وخلق ~~الطعام اللذيذ وخلق الشهوة للطعام في المعدة وخلق العلم في القلب بأن هذا ~~الطعام يسكن الشهوة وخلق الخواطر المتعارضة في أن هذا الطعام هل فيه مضرة ~~مع أنه يسكن الشهوة وهل دون تناوله مانع يتعذر معه تناوله أم لا ثم خلق ~~العلم بأنه لا مانع ثم عند اجتماع هذه الأسباب تنجزم الارادة الباعثة على ~~التناول فانجزام الإرادة بعد تردد الخواطر المتعارضة وبعد وقوع الشهوة ~~للطعام يسمى اختيارا ولا بد من حصوله عند تمام أسبابه فإذا حصل انجزام ~~الإرادة بخلق الله تعالى إياها تحركت اليد الصحيحة إلى جهة الطعام لا محالة ~~إذ بعد تمام الإرادة والقدرة يكون حصول الفعل ضروريا فتحصل الحركة فتكون ~~الحركة بخلق الله بعد حصول القدرة وانجزام الإرادة وهما أيضا من خلق الله ~~وانجزام الإرادة يحصل بعد صدق الشهوة والعلم بعدم الموانع وهما أيضا من خلق ~~الله تعالى ولكن بعض هذه المخلوقات يترتب على البعض ترتيبا جرت به سنة الله ~~تعالى في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا فلا يخلق الله حركة اليد بكتابة ~~منظومة ما لم يخلق فيها صفة تسمى قدرة وما لم يخلق فيها حياة وما لم يخلق ~~إرادة مجزومة ولا يخلق الإرادة المجزومة ما لم يخلق شهوة وميلا في النفس ~~ولا ينبعث هذا الميل انبعاثا تاما ما لم يخلق علما بأنه موافق للنفس إما في ~~الحال أو في المآل ولا يخلق العلم أيضا إلا بأسباب أخر ترجع إلى حركة ~~وإرادة وعلم فالعلم والميل الطبيعي أبدا يستتبع الإرادة الجازمة والقدرة ~~والإرادة أبدا تستردف الحركة وهكذا الترتيب في كل فعل والكل من اختراع الله ~~تعالى ولكن بعض مخلوقاته شرط لبعض فلذلك يجب تقدم البعض وتأخر البعض كما لا ~~تخلق الإرادة إلا بعد العلم ولا يخلق العلم إلا بعد الحياة ولا تخلق الحياة ~~إلا بعد الجسم فيكون خلق الجسم شرطا لحدوث الحياة لا أن الحياة تتولد من ~~الجسم ويكون خلق الحياة شرطا لخلق العلم لا أن العلم يتولد من الحياة ولكن ~~لا يستعد المحل لقبول العلم إلا إذا كان حيا ويكون خلق العلم شرطا لجزم ~~الإرادة لا أن العلم يولد الإرادة ولكن لا يقبل الإرادة إلا جسم حى عالم ~~ولا يدخل في الوجود إلا ممكن والإمكان ترتيب لا يقبل التغيير لأن تغييره ~~محال فمهما وجد شرط الوصف استعد المحل به لقبول الوصف فحصل ذلك الوصف من ~~الجود الإلهي والقدرة الأزلية عند حصول الاستعداد ولما كان للاستعداد بسبب ~~الشروط ترتيب كان لحصول الحوادث بفعل الله تعالى ترتيب والعبد مجرى هذه ~~الحوادث المرتبة وهى مرتبة في قضاء الله تعالى الذي هو واحد كلمح البصر ~~ترتيبا كليا لا يتغير وظهورها بالتفصيل مقدر بقدر لا يتعداها وعنه العبارة ~~بقوله تعالى إنا كل شىء خلقناه بقدر وعن القضاء الكلى الأزلى العبارة بقوله ~~تعالى وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر وأما العباد فإنهم مسخرون تحت مجارى ~~القضاء والقدر ومن جملة القدر خلق حركة في يد الكاتب بعد خلق صفة مخصوصة في ~~يده تسمى القدرة وبعد خلق ميل قوي جازم في نفسه يسمى القصد وبعد علم بما ~~إليه ميله يسمى الإدراك والمعرفة فإذا ظهرت من باطن الملكوت هذه الأمور ~~الأربعة على جسم عبد مسخر تحت قهر التقدير سبق أهل عالم الملك والشهادة ~~المحجوبون عن عالم الغيب والملكوت وقالوا يا أيها الرجل قد تحركت ورميت ~~وكتبت ونودى من وراء حجاب الغيب وسرادقات الملكوت وما رميت إذ رميت ولكن ~~الله رمى وما قتلت إذ قتلت ولكن قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم وعند هذا ~~تتحير عقول القاعدين في بحبوحة عالم الشهادة فمن قائل إنه جبر محض ومن قائل ~~إنه اختراع صرف ومن متوسط مائل إلى أنه كسب ولو فتح لهم أبواب السماء ~~فنظروا إلى عالم الغيب والملكوت لظهر لهم أن كل واحد صادق من وجه وأن ~~القصور شامل لجميعهم فلم يدرك واحد منهم كنه هذا الأمر ولم يحط علمه ~~بجوانبه وتمام علمه ينال بإشراق النور من كوة نافذة إلى عالم الغيب وأنه ~~تعالى عالم الغيب والشهادة لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول وقد ~~يطلع على الشهادة PageV04P006 من لم يدخل في حيز الارتضاء ومن حرك سلسلة ~~الأسباب والمسببات وعلم كيفية تسلسلها ووجه ارتباط مناط سلسلتها بمسبب ~~الأسباب انكشف له سر القدر وعلم علما يقينا أن لا خالق إلا الله ولا مبدع ~~سواه # فإن قلت قد قضيت على كل واحد من القائلين بالجبر والاختراع والكسب أنه ~~صادق من وجه وهو مع صدقه قاصر وهذا تناقض فكيف يمكن فهم ذلك وهل يمكن إيصال ~~ذلك إلى الأفهام بمثال فاعلم أن جماعة من العميان قد سمعوا أنه حمل إلى ~~البلدة حيوان عجيب يسمى الفيل وما كانوا قط شاهدوا صورته ولا سمعوا اسمه ~~فقالوا لا بد لنا من مشاهدته ومعرفته باللمس الذي نقدر عليه فطلبوه فلما ~~وصلوا إليه لمسوه فوقع يد بعض العميان على رجليه ووقع يد بعضهم على نابه ~~ووقع يد بعضهم على أذنه فقالوا قد عرفنا انصرفوا سألهم بقية العميان ~~فاختلفت أجوبتهم فقال الذي لمس الرجل إن الفيل ما هو إلا مثل أسطوانة خشنة ~~الظاهر إلا أنه ألين منها وقال الذي لمس الناب ليس كما يقول بل هو صلب لا ~~لين فيه وأملس لا خشونة فيه وليس في غلظ الأسطوانة أصلا بل هو مثل عمود ~~وقال الذي لمس الأذن لعمري هو لين وفيه خشونة فصدق أحدهما فيه ولكن قال ما ~~هو مثل عمود ولا هو مثل اسطوانة وإنما هو مثل جلد عريض غليظ فكل واحد من ~~هؤلاء صدق من وجه إذ أخبر كل واحد عما أصابه من معرفة الفيل ولم يخرج واحد ~~في خبره عن وصف الفيل ولكنهم بحملتهم قصروا عن الإحاطة بكنه صورة الفيل ~~فاستبصر بهذا المثال واعتبر به فإنه مثال أكثر ما اختلف الناس فيه وإن كان ~~هذا كلاما يناطح علوم المكاشفة ويحرك أمواجها وليس ذلك من غرضنا فلنرجع إلى ~~ما كنا بصدده وهو بيان أن التوبة واجبة بجميع أجزائها الثلاثة العلم والندم ~~والترك وأن الندم داخل في الوجوب لكونه واقعا في جملة أفعال الله المحصورة ~~بين علم العبد وإرادته وقدرته المتخللة بينها وما هذا وصفه فاسم الوجوب ~~يشمله # | بيان أن وجوب التوبة على الفور # أما وجوبها على الفور فلا يستراب فيه إذ معرفة كون المعاصى مهلكات من نفس ~~الإيمان وهو واجب على الفور المتقصى عن وجوبه هو الذي عرفه معرفة زجره ذلك ~~عن الفعل المكروه فإن هذه المعرفة ليست من علوم المكاشفات التى لا تتعلق ~~بعمل بل هى من علوم المعاملة وكل علم يراد ليكون باعثا على عمل فلا يقع ~~التقصى عن عهدته ما لم يصر باعثا عليه فالعلم بضرر الذنوب إنما أريد ليكون ~~باعثا لتركها فمن لم يتركها فهو فاقد لهذا الجزء من الإيمان وهو المراد ~~بقوله صلى الله عليه وسلم لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن + حديث لا يزنى ~~الزانى حين يزنى وهو مؤمن متفق عليه من حديث أبي هريرة + وما أراد به نفى ~~الإيمان الذي يرجع إلى علوم المكاشفة كالعلم بالله ووحدانيته وصفاته وكتبه ~~ورسله فإن ذلك لا ينفيه الزنا والمعاصى وإنما أراد به نفى الإيمان لكون ~~الزنا مبعدا عن الله تعالى موجبا للمقت كما إذا قال الطبيب هذا سم فلا ~~تتناوله فإذا تناوله يقال تناول وهو غير مؤمن لا بمعنى أنه غير مؤمن بوجود ~~الطبيب وكونه طبيبا وغير مصدق به بل المراد أنه غير مصدق بقوله إنه سم مهلك ~~فإن العالم بالسم لا يتناوله أصلا فالعاصى بالضرورة ناقص الإيمان وليس ~~الإيمان بابا واحدا بل هو نيف وسبعون بابا أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله ~~وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ومثاله قول القائل ليس الإنسان موجودا واحدا ~~بل هو نيف وسبعون موجودا أعلاها القلب والروح وأدناها إماطة الأذى عن ~~البشرة بأن يكون مقصوص الشارب مقلوم الأضافر نقى البشرة عن PageV04P007 ~~الخبث حتى يتميز عن البهائم المرسلة الملوثة بأرواثها المستكرهة الصور بطول ~~مخالبها وأظلافها وهذا مثال مطابق فالإيمان كالإنسان وفقد شهادة التوحيد ~~يوجد البطلان بالكلية كفقد الروح والذي ليس له إلا شهادة التوحيد والرسالة ~~هو كإنسان مقطوع الأطراف مفقوع العينين فاقد لجميع أعضائه الباطنة والظاهرة ~~لا أصل الروح وكما أن من هذا حاله قريب من أن يموت فتزايله الروح الضعيفة ~~المنفردة التى تخلف عنها الأعضاء التى تمدها وتقويها فكذلك من ليس له إلا ~~أصل الإيمان وهو مقصر في الأعمال قريب من أن تقتلع شجرة إيمانه إذا صدمتها ~~الرياح العاصفة المحركة للإيمان في مقدمة قدوم ملك الموت ووروده فكل إيمان ~~لم يثبت في اليقين أصله ولم تنتشر فى الأعمال فروعه لم يثبت على عواصف ~~الأهوال عند ظهور ناصية ملك الموت وخيف عليه سوء الخاتمة لا ما يسقى ~~بالطاعات على توالى الأيام والساعات حتى رسخ وثبت وقول العاصى للمطيع إنى ~~مؤمن كما أنك مؤمن كقول شجرة القرع لشجرة الصنوبر أنا شجرة وأنت شجرة وما ~~أحسن جواب شجرة الصنوبر إذ قالت ستعرفين اغترارك بشمول الاسم إذا عصفت رياح ~~الخريف فعند ذلك تنقطع أصولك وتتناثر أوراقك وينكشف غرورك بالمشاركة في اسم ~~الشجرة مع الغفلة عن أسباب ثبوت الأشجار # سوف ترى إذا انجلى الغبار % أفرس تحتك أم حمار # وهذا أمر يظهر عند الخاتمة وإنما انقطع نياط العارفين خوفا من دواعى ~~الموت ومقدماته الهائلة التى لا يثبت عليها إلا الأقلون فالعاصى إذا كان لا ~~يخاف الخلود في النار بسبب معصيته كالصحيح المنهمك في الشهوات المضرة إذا ~~كان لا يخاف الموت بسبب صحته وأن الموت غالبا لا يقع فجأة فيقال له الصحيح ~~يخاف المرض ثم إذا مرض خاف الموت وكذلك العاصى يخاف سوء الخاتمة ثم إذا ختم ~~له بالسوء والعياذ بالله وجب الخلود في النار فالعاصى للإيمان كالمأكولات ~~المضرة للأبدان فلا تزال تجتمع في الباطن حتى تغير مزاج الأخلاط وهو لا ~~يشعر بها إلى أن يفسد المزاج فيمرض دفعة ثم يموت دفعة فكذلك المعاصى فإذا ~~كان الخائف من الهلاك في هذه الدنيا المنقضية يجب عليه ترك السموم وما يضره ~~من المأكولات في كل حال وعلى الفور فالخائف من هلاك الأبد أولى بأن يجب ~~عليه ذلك وإذا كان متناول السم إذا ندم يجب عليه أن يتقيأ ويرجع عن تناوله ~~بإبطاله وإخراجه عن المعدة على سبيل الفور والمبادرة تلافيا لبدنه المشرف ~~على هلاك لا يفوت عليه إلا هذه الدنيا الفانية فمتناول سموم الدين وهى ~~الذنوب أولى بأن يجب عليه الرجوع عنها بالتدارك الممكن ما دام يبقى للتدارك ~~مهلة وهو العمر فإن المخوف من هذا السم فوات الآخرة الباقية التى فيها ~~النعيم المقيم والملك العظيم وفى فواتها نار الجحيم والعذاب المقيم الذى ~~تتصرم أضعاف أعمار الدنيا دون عشر عشير مدته إذ ليس لمدته آخر البتة ~~فالبدار البدار إلى التوبة قبل أن تعمل سموم الذنوب بروح الإيمان عملا ~~يجاوز الأمر فيه الأطباء واختيارهم ولا ينفع بعده الاحتماء فلا ينجح بعد ~~ذلك نصح الناصحين ووعظ الواعظين وتحق الكلمة عليه بأنه من الهالكين ويدخل ~~تحت عموم قوله تعالى @QB@ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم ~~مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ~~وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون @QE@ ولا يغرنك لفظ الإيمان ~~فنقول المراد بالآية الكافر إذ بين لك أن الإيمان بضع وسبعون بابا وأن ~~الزانى لا يزنى حين يزنى وهو مؤمن فالمحجوب عن الإيمان الذى هو شعب وفروع ~~سيحجب في الخاتمة عن الإيمان الذى هو أصل كما أن الشخص الفاقد لجميع ~~الأطراف التى هى حروف وفروع سيساق إلى الموت المعدم للروح التى هى أصل فلا ~~بقاء للأصل دون الفرع PageV04P008 ولا وجود للفرع دون الأصل ولا فرق بين ~~الأصل والفرع إلا في شيء واحد وهو أن وجود الفرع وبقاءه جميعا يستدعى وجود ~~الأصل وأما وجود الأصل فلا يستدعى وجود الفرع فبقاء الأصل بالفرع ووجود ~~الفرع بالأصل فعلوم المكاشفة وعلوم المعاملة متلازمة كتلازم الفرع والأصل ~~فلا يستغنى أحدهما عن الآخر وإن كان أحدهما في رتبة الأصل والآخر في رتبة ~~التابع وعلوم المعاملة إذا لم تكن باعثه على العمل فعدمها خير من وجودها ~~فإن هى لم تعمل عملها الذي تراد له قامت مؤيدة للحجة على صاحبها ولذلك يزاد ~~في عذاب العالم الفاجر على عذاب الجاهل الفاجر كما أوردنا من الأخبار في ~~كتاب العلم # | بيان أن وجوب التوبة عام في الأشخاص والأحوال فلا ينفك عنه أحد ألبتة # اعلم أن ظاهر الكتاب قد دل على هذا إذ قال تعالى وتوبوا إلى الله جميعا ~~أيه المؤمنون لعلكم تفلحون فعمم الخطاب ونور البصيرة أيضا يرشد إليه إذ ~~معنى التوبة الرجوع عن الطريق المبعد عن الله المقرب إلى الشيطان ولا يتصور ~~ذلك إلا من عاقل ولا تكمل غريزة العقل إلا بعد كمال غريزة الشهوة والغضب ~~وسائر الصفات المذمومة التى هى وسائل الشيطان إلى إغواء الإنسان إذ كمال ~~العقل إنما يكون عند مقاربة الأربعين وأصله إنما يتم عند مراهقة البلوغ ~~ومباديه تظهر بعد سبع سنين والشهوات جنود الشيطان والعقول جنود الملائكة ~~فإذا اجتمعا قام القتال بينهما بالضرورة إذ لا يثبت أحدهما للآخر لأنهما ~~ضدان فالتطارد بينهما كالتطارد بين الليل والنهار والنور والظلمة ومهما غلب ~~أحدهما أزعج الآخر بالضرورة وإذا كانت الشهوات تكمل في الصبا والشباب قبل ~~كمال العقل فقد سبق جند الشيطان واستولى على المكان ووقع للقلب به أنس وإلف ~~لا محالة مقتضيات الشهوات بالعادة وغلب ذلك عليه ويعسر عليه النزوع عنه ثم ~~يلوح العقل الذي هو حزب الله وجنده ومنقذ أوليائه من أيدي أعدائه شيئا ~~فشيئا على التدريج فإن لم يقو ولم يكمل سلمت مملكة القلب للشيطان وأنجز ~~اللعين موعده حيث قال @QB@ لأحتنكن ذريته إلا قليلا @QE@ وإن كمل العقل ~~وقوى كان أول شغله قمع حنود الشيطان بكسر الشهوات ومفارقة العادات ورد ~~الطبع على سبيل القهر إلى العبادات ولا معنى للتوبة إلا هذا وهو الرجوع عن ~~طريق دليله الشهوة وخفيره الشيطان إلى طريق الله تعالى وليس في الوجود آدمي ~~إلا وشهوته سابقة على عقله وغريزته التى هى عدة الشيطان متقدمة على غريزته ~~التى هى عدة الملائكة فكان الرجوع عما سبق إليه على مساعدة الشهوات ضروريا ~~في حق كل إنسان نبيا كان أو غبيا فلا تظنن أن هذه الضرورة اختصت بآدم عليه ~~السلام وقد قيل # فلا تحسبن هندا لها الغدر وحدها % سجية نفس كل غانية هند # بل هو حكم أزلى مكتوب على جنس الإنس لا يمكن فرض خلافه ما لم تتبدل السنة ~~الإلهية التى لا مطمع في تبديلها فإذن كل من بلغ كافرا جاهلا فعليه التوبة ~~من جهله وكفره فإذا بلغ مسلما تبعا لأبويه غافلا عن حقيقة إسلامه فعليه ~~التوبة من غفلته بتفهم معنى الإسلام فإنه لا يغنى عنه إسلام أبويه شيئا ما ~~لم يسلم بنفسه فإن فهم ذلك فعليه الرجوع عن عادته وإلفه للاسترسال وراء ~~الشهوات من غير صارف بالرجوع إلى قالب حدود الله فى المنع والإطلاق ~~والانفكاك والاسترسال وهو من أشق أبواب التوبة وفيه هلك الأكثرون إذ عجزوا ~~عنه وكل هذا رجوع وتوبة فدل على أن التوبة فرض عين في حق كل شخص يتصور أن ~~يستغنى عنها أحد من البشر كما لم يستغن آدم فخلقه الولد لا تتسع لما لم ~~يتسع له خلقة الوالد أصلا وأما بيان وجوبها على الدوام وفي كل حال فهو ~~PageV04P009 أن كل بشر فلا يخلو عن معصية بجوارحه إذ لم يخل عنه الأنبياء ~~كما ورد في القرآن والأخبار من خطايا الأنبياء وتوبتهم وبكائهم على خطاياهم ~~فإن خلا في بعض الأحوال عن معصية الجوارح فلا يخلو عن الهم بالذنوب بالقلب ~~فإن خلا في بعض الأحوال عن الهم فلا يخلو عن وسواس الشيطان بإيراد الخواطر ~~المتفرقة المذهلة عن ذكر الله فإن خلا عنه فلا يخلو عن غفلة وقصور في العلم ~~بالله وصفاته وأفعاله وكل ذلك نقص وله أسباب وترك أسبابه بالتشاغل بأضدادها ~~رجوع عن طريق إلى ضده والمراد بالتوبة الرجوع ولا يتصور الخلو في حق الآدمى ~~عن هذا النقص وإنما يتفاوتون في المقادير فأما الأصل فلا بد منه ولهذا قال ~~عليه السلام إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم والليلة سبعين ~~مرة + حديث أنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة ~~أخرجه مسلم من حديث الأغر المزنى إلا أنه قال فى اليوم مائة مرة وكذا عند ~~أبي داود وللبخاري من حديث أبي هريرة إنى لأستغفر الله في اليوم أكثر من ~~سبعين مرة وفي رواية البيهقي في الشعب سبعين لم يقل أكثر وتقدم فى الأذكار ~~والدعوات + الحديث ولذلك أكرمه الله تعالى بأن قال ليغفر لك الله ما تقدم ~~من ذنبك وما تأخر وإذا كان هذا حاله فكيف حال غيره # فإن قلت لا يخفى أن ما يطرأ على القلب من الهموم والخواطر نقص وأن الكمال ~~في الخلو عنه وأن القصور عن معرفة كنه جلال الله نقص وأنه كلما ازدادت ~~المعرفة زاد الكمال وأن الانتقال إلى الكمال من أسباب النقصان رجوع والرجوع ~~توبة ولكن هذه فضائل لا فرائض وقد أطلقت القول بوجوب التوبة في كل حال ~~والتوبة عن هذه الأمور ليست بواجبة إذ إدراك الكمال غير واجب في الشرع فما ~~المراد بقولك التوبة واجبة فى كل حال فاعلم أنه قد سبق أن الإنسان لا يخلو ~~في مبدإ خلقته من اتباع الشهوات أصلا وليس معنى التوبة تركها فقط بل تمام ~~التوبة بتدارك ما مضى وكل شهوة اتبعها الإنسان ارتفع منها ظلمة إلى قلبه ~~كما يرتفع عن نفس الإنسان ظلمه إلى وجه المرآة الصقيلة فإن تراكمت ظلمة ~~الشهوات صار رينا كما يصير بخار النفس في وجهه المرآة عند تراكمه خبثا كما ~~قال تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فإذا تراكم الرين صار ~~طبعا فيطبع على قلبه كالخبث على وجه المرأة إذا تراكم وطال زمانه غاص فى ~~جرم الحديد وأفسده وصار لا يقبل الصقل بعده وصار كالمطبوع من الخبث ولا ~~يكفى في تدارك اتباع الشهوات تركها في المستقبل بل لا بد من محو تلك ~~الأريان التى انطبعت في القلب كما لا يكفى في ظهور الصور في المرآة قطع ~~الانفاس والبخارت المسودة لوجهها في المستقبل ما لم يشتغل بمحو ما انطبع ~~فيها من الأريان وكما يرتفع إلى القلب ظلمة من المعاصى والشهوات فيرتفع ~~إليه نور من الطاعات وترك الشهوات فتنمحى ظلمة المعصية بنور الطاعة وإليه ~~الإشارة بقوله عليه السلام أتبع السيئة الحسنة تمحها + حديث اتبع السيئة ~~الحسنة تمحها أخرجه الترمذي من حديث أبي ذر بزيادة في أوله وآخره وقال حسن ~~صحيح وقد تقدم في رياضة النفس + فإذن لا يستغنى العبد في حال من أحواله عن ~~محو آثار السيئات عن قلبه بمباشرة حسنات تضاد آثارها آثار تلك السيئات هذا ~~في قلب حصل أولا صفاؤه وجلاؤه ثم أظلم بأسباب عارضة فأما التصقيل الأول ~~ففيه يطول الصقل إذ ليس شغل الصقل في إزالة الصدإ عن المرآة كشغله في عمل ~~أصل المرآة فهذه أشغال طويلة لا تنقطع أصلا وكل ذلك يرجع إلى التوبة فأما ~~قولك إن هذا لا يسمى واجبا بل هو فضل وطلب كمال فاعلم أن الواجب له معنيان ~~أحدهما ما يدخل في فتوى الشرع ويشترك فيه كافة الخلق وهو القدر الذي لو ~~اشتغل به كافة الخلق لم يخرب العالم فلو كلف الناس كلهم أن يتقوا الله حق ~~تقاته لتركوا المعايش ورفضوا الدنيا بالكلية ثم يؤدى ذلك إلى بطلان التقوى ~~بالكلية فإنه مهما فسدت المعايش لم يتفرغ أحد للتقوى بل شغل الحياكة ~~PageV04P010 والحراثة والخبز يستغرق جميع العمر من كل واحد فيما يحتاج إليه ~~فجميع هذه الدرجات ليست بواجبة بهذا الاعتبار والواجب الثاني هو الذي لا بد ~~منه للوصول به إلى القرب المطلوب من رب العالمين والمقام المحمود بين ~~الصديقين والتوبة عن جميع ما ذكرناه واجبه في الوصول إليه كما يقال الطهارة ~~واجبة في الصلاة للتطوع أى لمن يريدها فإنه لا يتوصل إليه إلا بها فأما من ~~رضى بالنقصان والحرمان عن فضل صلاة التطوع فالطهارة ليست واجبه عليه لأجلها ~~كما يقال العين والأذن واليد والرجل شرط في وجود الإنسان يعنى أنه شرط لمن ~~يريد أن يكون إنسانا كاملا ينتفع بإنسانيته ويتوصل بها إلى درجات العلا في ~~الدنيا فأما من قنع بأصل الحياة ورضى أن يكون كلحم على وضم وكخرقة مطروحة ~~فليس يشترط لمثل هذه الحياة عين ويد ورجل فأصل الواجبات الداخلة في فتوى ~~العامة لا يوصل إلا إلى أصل النجاة وأصل النجاة كأصل الحياة وما وراء أصل ~~النجاة من السعادات التى بها تنتهى الحياة يجرى مجرى الاعضاء والآلات التى ~~بها تتهيأ الحياة وفيه سعى الأنبياء والأولياء والعلماء والأمثل فالأمثل ~~وعليه كان حرصهم وحواليه كان تطوافهم ولأجله كان رفضهم لملاذ الدنيا ~~بالكلية حتى انتهى عيسى عليه السلام إلى أن توسد حجرا في منامه فجاء إليه ~~الشيطان وقال أما كنت تركت الدنيا للآخرة فقال نعم وما الذى حدث فقال توسدك ~~لهذا الحجر تنعم في الدنيا فلم لا تضع رأسك على الأرض فرمى عيسى عليه ~~السلام بالحجر ووضع رأسه على الأرض وكان رميه للحجر توبة عن ذلك التنعم ~~أفترى أن عيسى عليه السلام لم يعلم أن وضع الرأس على الأرض لا يسمى واجبا ~~في فتاوى العامة أفترى أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لما شغله الثوب ~~الذي كان عليه علم فى صلاته حتى نزعه + حديث نزعه صلى الله عليه وسلم الثوب ~~الذي كان عليه في الصلاة تقدم في الصلاة أيضا + وشغله شراك نعله الذي جدده ~~حتى أعاد الشراك الخلق + حديث نزعه الشراك الجديد وإعادة الشراك الخلق تقدم ~~في الصلاة أيضا + لم يعلم أن ذلك ليس واجبا في شرعة الذى شرعه لكافة عباده ~~فإذا علم ذلك فلم تاب عنه بتركه وهل كان ذلك إلا لأنه رآه مؤثرا في قلبه ~~أثرا يمنعه عن بلوغ المقام المحمود الذي قد وعد به أفترى أن الصديق رضى ~~الله عنه بعد أن شرب اللبن وعلم أنه على غير وجه أدخل أصبعه في حلقه ليخرجه ~~حتى كاد يخرج معه روحه ما علم من الفقه هذا القدر وهو أن ما أكله عن جهل ~~فهو غير آثم به ولا يجب في فتوى الفقه إخراجه فلم تاب عن شرابه بالتدارك ~~على حسب إمكانه بتخليه المعدة عنه وهل كان ذلك إلا لسر وقر في صدره عرفه ~~ذلك السر أن فتوى العامة حديث آخر وأن خطر طريق الآخرة لا يعرفه إلا ~~الصديقون فتأمل أحوال هؤلاء الذين هم أعرف خلق الله بالله وبطريق الله ~~وبمكر الله وبمكامن الغرور بالله وإياك مرة واحدة أن تغرك الحياة الدنيا ~~وإياك ثم إياك ألف ألف مرة أن يغرك بالله الغرور فهذه أسرار من استنشق ~~مبادىء روائحها علم أن لزوم التوبة النصوح ملازم للعبد السالك في طريق الله ~~تعالى في كل نفس من أنفاسه ولو عمر عمر نوح وأن ذلك واجب على الفور من غير ~~مهلة ولقد صدق أبو سليمان الدارانى حيث قال لو لم يبك العاقل فيما بقى من ~~عمره إلا على تفويت ما مضى منه فى غير الطاعة لكان خليقا أن يحزنه ذلك إلى ~~الممات فكيف من يستقبل ما بقي من عمره بمثل ما مضى من جهله وإنما قال هذا ~~لأن العاقل إذا ملك جوهرة نفيسة وضاعت منه بغير فائدة بكى عليها لا محالة ~~وإن ضاعت منه وصار ضياعها سبب هلاكه كان بكاؤه منها أشد وكل ساعة من العمر ~~بل كل نفس جوهرة نفيسة لا خلف لها ولا بدل منها فإنها صالحة لأن توصلك إلى ~~سعادة الأبد وتنقذك من شقاوة الأبد وأى جواهر أنفس من هذا فإذا ضيعتها في ~~الغفلة فقد خسرت خسرانا مبينا وإن صرفتها إلى معصية PageV04P011 فقد هلكت ~~هلاكا فاحشا فإن كنت لا تبكى على هذه المعصية فذلك لجهلك ومصيبتك بجهلك ~~أعظم من كل مصيبة لكن الجهل مصيبة لا يعرف المصاب بها أنه صاحب مصيبة فإن ~~نوم الغفلة يحول بينه وبين معرفته والناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا فعند ذلك ~~ينكشف لكل مفلس إفلاسه ولكل مصاب مصيبته وقد رفع الناس عن التدارك # قال بعض العارفين إن ملك الموت عليه السلام إذا ظهر للعبد أعلمه أنه بقى ~~من عمرك ساعة وإنك لا تستأخر عنها طرفة عين فيبدو للعبد من الأسف والحسرة ~~ما لو كانت له الدنيا بحذافيرها لخرج منها على أن يضم إلى تلك الساعة ساعة ~~أخرى ليستعتب فيها ويتدارك تفريطه فلا يجد إليه سبيلا وهو أول ما يظهر من ~~معانى قوله تعالى @QB@ وحيل بينهم وبين ما يشتهون @QE@ وإليه الإشارة بقوله ~~تعالى من قبل أن يأتى أحدكم الموت فيقول رب لو لا أخرتنى إلى أجل قريب ~~فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها فقيل الأجل ~~القريب الذي يطلبه معناه أنه يقول عند كشف الغطاء للعبد يا ملك الموت أخرنى ~~يوما أعتذر فيه إلى ربى وأتوب وأتزود صالحا لنفسى فيقول فنيت الأيام فلا ~~يوم فيقول فأخرنى ساعة فيقول فنيت الساعات فلا ساعة فيغلق عليه باب التوبة ~~فيتغرغر بروحه وتتردد أنفاسه في شراسفه ويتجرع غصة اليأس عن التدارك وحسرة ~~الندامة على تضييع العمر فيضطرب أصل إيمانه في صدمات تلك الأحوال فإذا زهقت ~~نفسه فإن كان سبقت له من الله الحسنى خرجت روحه على التوحيد فذلك حسن ~~الخاتمة وإن سبق له القضاء بالشقوة والعياذ بالله خرجت روحه على الشك ~~والاضطراب وذلك سوء الخاتمة ولمثل هذا يقال @QB@ وليست التوبة للذين يعملون ~~السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن @QE@ وقوله @QB@ إنما ~~التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب @QE@ ومعناه ~~عن قرب عهد بالخطيئة بأن يتندم عليها ويمحو أثرها بحسنة يردفها بها قبل أن ~~يتراكم الرين على القلب فلا يقبل المحو ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أتبع ~~السيئة الحسنة تمحها ولذلك قال لقمان لابنه يا بنى لا تؤخر التوبة فإن ~~الموت يأتى بغته ومن ترك المبادرة إلى التوبة بالتسويف كان بين خطرين ~~عظيمين @QB@ أحدهما @QE@ أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصى حتى يصير ~~رينا وطبعا فلا يقبل المحو الثاني أن يعاجله المرض أو الموت فلا يجد مهلة ~~للاشتغال بالمحو ولذلك ورد في الخبر أن أكثر صياح أهل النار من التسويف + ~~حديث إن أكثر صياح أهل النار من التسويف لم أجد له أصلا + فما هلك من هلك ~~إلا بالتسويف فيكون تسويده القلب نقدا وجلاؤه بالطاعة نسيئة إلى أن يختطفه ~~الموت فيأتى الله بقلب غير سليم ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم فالقلب ~~أمانة الله تعالى عند عبده والعمر أمانة الله عنده وكذا سائر أسباب الطاعة ~~فمن خان في الأمانة ولم يتدارك خيانته فأمره مخطر # قال بعض العارفين إن لله تعالى إلى عبده سرين يسرهما إليه على سبيل ~~الإلهام @QB@ أحدهما @QE@ إذا خرج من بطن أمه يقول له عبدي قد أخرجتك إلى ~~الدنيا طاهرا نظيفا واستودعتك عمرك وائتمنتك عليه فانظر كيف تحفظ الأمانة ~~وانظر إلى كيف تلقانى والثانى عند خروج روحه يقول عبدى ماذا صنعت في أمانتى ~~عندك هل حفظتها حتى تلقانى على العهد فألقاك على الوفاء أو أضعتها فألقاك ~~بالمطالبة والعقاب وإليه الإشارة بقوله تعالى أوفوا بعهدى أوف بعهدكم ~~وبقوله تعالى @QB@ والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون @QE@ PageV04P012 # | بيان أن التوبة إذا استجمعت شرائطها فهى مقبولة لا محالة # اعلم أنك إذا فهمت معنى القبول لم تشك في ان كل توبة صحيحة فهى مقبولة ~~فالناظرون بنور البصائر المستمدون من أنوار القرآن علموا أن كل قلب سليم ~~مقبول عند الله ومتنعم في الآخرة في جوار الله تعالى ومستعد لأن ينظر بعينه ~~الباقية إلى وجه الله تعالى وعلموا أن القلب خلق سليما في الأصل وكل مولود ~~يولد على الفطرة وإنما تفوته السلامة بكدورة ترهق وجهه من غبرة الذنوب ~~وظلمتها وعلموا أن نار الندم تحرق تلك الغبرة وأن نور الحسنة يمحو عن وجه ~~القلب ظلمة السيئة وأنه لا طاقة لظلام المعاصى مع نور الحسنات كما لا طاقة ~~لظلام الليل مع نور النهار بل كما لا طاقة لكدورة الوسخ مع بياض الصابون ~~وكما أن الثوب الوسخ لا يقبله الملك لأن يكون لباسه فالقلب المظلم لا يقبله ~~الله تعالى لأن يكون في جواره وكما أن استعمال الثوب فى الأعمال الخسيسة ~~يوسخ الثوب وغسله بالصابون والماء الحار ينظفه لا محالة فاستعمال القلب في ~~الشهوات يوسخ القلب وغسله بماء الدموع وحرقة الندم ينظفه ويطهره ويزكيه وكل ~~قلب زكى طاهر فهو مقبول كما أن كل ثوب نظيف فهو مقبول فإنما عليك التزكية ~~والتطهير وأما القبول فمبذول قد سبق به القضاء الأزلى الذي لا مرد له وهو ~~المسمى فلاحا في قوله @QB@ قد أفلح من زكاها @QE@ ومن لم يعرف على سبيل ~~التحقيق معرفة أقوى وأجلى من المشاهدة بالبصر أن القلب يتأثر بالمعاصى ~~والطاعات تأثرا متضادا يستعار لأحدهما لفظ الظلمة كما يستعار للجهل ويستعار ~~للآخر لفظ النور كما يستعار للعلم وأن بين النور والظلمة تضادا ضروريا لا ~~يتصور الجمع بينهما فكأنه لم يتلق من الدين إلا قشوره ولم يعلق به إلا ~~أسماؤه وقلبه في غطاء كثيف عن حقيقة الدين بل عن حقيقة نفسه وصفات نفسه ومن ~~جهل نفسه فهو بغيره أجهل وأعنى به قلبه إذ بقلبه يعرف غير قلبه فكيف يعرف ~~غيره وهو لا يعرف قلبه فمن يتوهم أن التوبة تصح ولا تقبل كمن يتوهم أن ~~الشمس تطلع والظلام لا يزول والثوب يغسل بالصابون والوسخ لا يزول إلا أن ~~يغوص الوسخ لطول تراكمه في تجاويف الثوب وخلله فلا يقوى الصابون على قلعه ~~فمثال ذلك أن تتراكم الذنوب حتى تصير طبعا ورينا على القلب فمثل هذا القلب ~~لا يرجع ولا يتوب نعم قد يقول باللسان تبت فيكون ذلك كقول القصار بلسانه قد ~~غسلت الثوب وذلك لا ينظف الثوب أصلا ما لم يغير صفة الثوب باستعمال ما يضاد ~~الوصف المتمكن به فهذا حال امتناع أصل التوبة وهو غير بعيد بل هو الغالب ~~على كافة الخلق المقبلين على الدنيا المعرضين عن الله بالكلية فهذا البيان ~~كاف عند ذوى البصائر في قبول التوبة ولكنا نعضد جناحه بنقل الآيات والأخبار ~~والآثار فكل استبصار لا يشهد له الكتاب والسنة لا يوثق به وقد قال تعالى ~~@QB@ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات @QE@ وقال تعالى @QB@ ~~غافر الذنب وقابل التوب @QE@ إلى غير ذلك من الايات وقال صلى الله عليه ~~وسلم لله أفرح بتوبة أحدكم الحديث والفرح وراء القبول فهو دليل على القبول ~~وزيادة وقال صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يبسط يده بالتوبة لمسىء ~~الليل إلى النهار ولمسىء النهار إلى الليل حتى تطلع الشمس من مغربها + حديث ~~إن الله يبسط يده بالتوبة لمسىء الليل إلى النهار الحديث رواه مسلم من حديث ~~أبي موسى بلفظ يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار الحديث وفي رواية ~~للطبراني لمسىء الليل أن يتوب بالنهار الحديث + وبسط اليد كناية عن طلب ~~التوبة والطالب وراء القابل فرب قابل ليس بطالب ولا طالب إلا وهو قابل وقال ~~صلى الله عليه وسلم لو عملتم الخطايا حتى تبلغ السماء ثم ندمتم لتاب الله ~~عليكم + حديث لو عملتم الخطايا حتى تبلغ السماء ثم ندمتم لتاب عليكم أخرجه ~~ابن ماجه من حديث أبي هريرة وإسناده حسن بلفظ لو أخطأتم وقال ثم تبتم + ~~وقال أيضا إن العبد ليذنب PageV04P013 الذنب فيدخل به الجنة فقيل كيف ذلك ~~يا رسول الله قال يكون نصب عينه تائبا منه فارا حتى يدخل الجنة + حديث إن ~~العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنة الحديث أخرجه ابن المبارك في الزهد عن ~~المبارك بن فضالة عن الحسن مرسلا ولأبى نعيم في الحلية من حديث أبى هريرة ~~إن العبد ليذنب الذنب فإذا ذكره أحزنه فإذا نظر الله إليه أنه أحزنه غفر له ~~الحديث وفيه صالح المرى وهو رجل صالح لكنه مضعف في الحديث ولابن أبى الدنيا ~~في التوبة عن ابن عمر إن الله لينفع العبد بالذنب يذنبه والحديث غير محفوظ ~~قاله العقيلى + وقال صلى الله عليه وسلم كفارة الذنب الندامة + حديث كفارة ~~الذنب الندامة أخرجه أحمد والطبراني والبيهقي في الشعب من حديث ابن عباس ~~وفيه يحيى بن عمرو بن مالك اليشكرى ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم التائب ~~من الذنب كمن لا ذنب له # ويروى أن حبشيا قال يا رسول الله إنى كنت أعمل الفواحش فهل لى من توبة ~~قال نعم فولى ثم رجع فقال يا رسول الله أكان يرانى وأنا أعملها قال نعم ~~فصاح الحبشى صيحة خرجت فيها روحه + حديث أن حبشيا قال يا رسول الله إني كنت ~~أعمل الفواحش فهل لى من توبة قال نعم الحديث لم أجد له أصلا + # ويروى أن الله عز وجل لما لعن إبليس سأله النظرة فأنظره إلى يوم القيامة ~~فقال وعزتك لا خرجت من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح فقال الله تعالى وعزتى ~~وجلالى لا حجبت عنه التوبة ما دام الروح فيه + حديث إن الله لما لعن ابليس ~~سأله النظرة فأنظره إلى يوم القيامة فقال وعزتك لاخرجت من قلب ابن آدم ما ~~دام فيه الروح الحديث أخرجه أحمد وابو يعلى والحاكم وصححه من حديث أبى سعيد ~~ان الشيطان قال وعزتك يا رب لا أزال أغوى عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ~~فقال وعزتى وجلالى لا أزال أغفر لهم ما استغفرونى أورده المصنف بصيغة ويروى ~~كذا ولم يعزه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرته احتياطا + # وقال صلى الله عليه وسلم إن الحسنات يذهبن السيئات كما يذهب الماء الوسخ ~~+ حديث ان الحسنات يذهبن السيئات كما يذهب الماء الوسخ لم أجده بهذا اللفظ ~~وهو صحيح المعنى وهو بمعنى أتبع السيئة الحسنة تمحها رواه الترمذي وتقدم ~~قريبا + والأخبار في هذا لا تحصى # واما الآثار فقد قال سعيد بن المسيب أنزل قوله تعالى إنه كان للأوابين ~~غفورا في الرجل يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب # وقال الفضيل قال الله تعالى بشر المذنبين بأنهم إن تابوا قبلت منهم وحذر ~~الصديقين أنى إن وضعت عليهم عدلى عذبتهم # وقال طلق بن حبيب إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العبد ولكن أصبحوا ~~تائبين وأمسوا تائبين # وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من ذكر خطيئة ألم بها فوجل منها ~~قلبه محيت عنه في أم الكتاب # ويروى أن نبينا من أنبياء بنى إسرائيل أذنب فأوحى الله تعالى إليه وعزتى ~~لئن عدت لأعذبنك فقال يا رب أنت أنت وأنا أنا وعزتك إن لم تعصمني لأعودن ~~فعصمة الله تعالى # وقال بعضهم إن العبد ليذنب الذنب فلا يزال نادما حتى يدخل الجنة فيقول ~~إبليس ليتني لم أوقعه في الذنب # وقال حبيب بن ثابت تعرض على الرجل ذنوبه يوم القيامة فيمر بالذنب فيقول ~~أما إني قد كنت مشفقا منه فيغفر له # ويروى أن رجلا سأل ابن مسعود عن ذنب ألم به هل له من توبة فأعرض عنه ابن ~~مسعود ثم التفت إليه فرأى عينيه تذرفان فقال له إن للجنة ثمانية أبواب كلها ~~تفتح وتغلق إلا باب التوبة فإن عليه ملكا موكلا به لا يغلق فاعمل ولا تيأس # وقال عبد الرحمن بن أبي القاسم تذاكرنا مع عبد الرحيم توبة الكافر وقول ~~الله تعالى إن ينتهوا PageV04P014 يغفر لهم ما قد سلف فقال إنى لأرجو أن ~~يكون المسلم عند الله أحسن حالا ولقد بلغني أن توبة المسلم كإسلام بعد ~~إسلام # وقال عبد الله بن سلام لا أحدثكم إلا عن نبي مرسل أو كتاب منزل إن العبد ~~إذا عمل ذنبا ثم ندم عليه طرفة عين سقط عنه أسرع من طرفة عين # قال عمر رضي الله عنه اجلسوا إلى التوابين فإنهم أرق أفئدة # وقال بعضهم أنا أعلم متى يغفر الله لي قيل ومتى قال إذا تاب على # وقال آخر أنا من أن أحرم التوبة أخوف من أن أحرم المغفرة أي المغفرة من ~~لوازم التوبة وتوابعها لا محالة # ويروى أنه كان في بنى إسرائيل شاب عبد الله تعالى عشرين سنة ثم عصاه ~~عشرين سنة ثم نظر في المرآة فرأى الشيب في لحيته فساءه ذلك فقال إلهى أطعتك ~~عشرين سنة ثم عصيتك عشرين سنة فإن رجعت إليك أتقبلنى فسمع قائلا يقول ولا ~~يرى شخصا أحببتنا فأحببناك وتركتنا فتركناك وعصيتنا فأمهلناك وإن رجعت ~~إلينا قبلناك # وقال ذو النون المصرى رحمه الله تعالى إن لله عبادا نصبوا أشجار الخطايا ~~نصب روامق القلوب وسقوها بماء التوبة فأثمرت ندما وحزنا فجنوا من غير جنون ~~وتبلدوا من غير عى ولا بكم وإنهم هم البلغاء الفصحاء العارفون بالله ورسوله ~~ثم شربوا بكأس الصفاء فورثوا الصبر على طول البلاء ثم تولهت قلوبهم في ~~الملكوت وجالت أفكارهم بين سرايا حجب الجبروت واستظلوا تحت رواق الندم ~~وقرءوا صحيفة الخطايا فأورثوا أنفسهم الجزع حتى وصلوا إلى علو الزهد بسلم ~~الورع فاستعذبوا مرارة الترك للدنيا واستلانوا خشونة المضجع حتى ظفروا بحبل ~~النجاة وعروة السلامة وسرحت أرواحهم في العلا حتى أناخوا في رياض النعيم ~~وخاضوا في بحر الحياة وردموا خنادق الجزع وعبروا جسور الهوى حتى نزلوا ~~بفناء العلم واستقوا من غدير الحكمة وركبوا سفينة الفطنة وأقلعوا بريح ~~النجاة في بحر السلامة حتى وصلوا إلى رياض الراحة ومعدن العز والكرامة فهذا ~~القدر كاف في بيان أن كل توبة صحيحة مقبولة لا محالة # فإن قلت أفتقول ما قالته المعتزلة من أن قبول التوبة واجب على الله فأقول ~~لا أعنى بما ذكرته من وجوب قبول التوبة على الله إلا ما يريده القائل بقوله ~~إن الثوب إذا غسل بالصابون وجب زوال الوسخ وإن العطشان إذا شرب الماء وجب ~~زوال العطش وأنه إذا منع الماء مدة وجب العطش وأنه إذا دام العطش وجب الموت ~~وليس في شىء من ذلك ما يريده المعتزلة بالإيجاب على الله تعالى بل أقول خلق ~~الله تعالى الطاعة مكفرة للمعصية والحسنة ماحية للسيئة كما خلق الماء مزيلا ~~للعطش والقدرة متسعة بخلافه لو سبقت به المشيئة فلا واجب على الله تعالى ~~ولكن ما سبقت به إرادته الأزلية فواجب كونه لا محالة # فإن قلت فما من تائب إلا وهو شاك في قبول توبته والشارب للماء لا يشك في ~~زوال عطشه فلم يشك فيه فأقول شكه فى القبول كشكه فى وجود شرائط الصحة فإن ~~للتوبة أركانا وشروطا دقيقة كما سيأتى وليس يتحقق وجود جميع شروطها كالذي ~~يشك في دواء شربه للإسهال فإنه هل يسهل وذلك لشكه في حصول شروط الإسهال في ~~الدواء باعتبار الحال والوقت وكيفية خلط الدواء وطبخه وجودة عقاقيره ~~وأدويته فهذا وأمثاله موجب للخوف بعد التوبة وموجب للشك في قبولها لا محالة ~~على ما سيأتى في شروطها إن شاء الله تعالى PageV04P015 الركن الثاني فيما ~~عنه التوبة وهى الذنوب صغائرها وكبائرها # اعلم أن التوبة ترك الذنب ولا يمكن ترك الشىء إلا بعد معرفته وإذا كانت ~~التوبة واجبة كان ما لا يتوصل إليها إلا به واجبا فمعرفة الذنوب إذن واجبة ~~والذنب عبارة عن كل ما هو مخالف لأمر الله تعالى في ترك أو فعل وتفصيل ذلك ~~يستدعى شرح التكليفات من أولها إلى آخرها وليس ذلك من غرضنا ولكنا نشير إلى ~~مجامعها وروابط أقسامها والله الموفق للصواب برحمته # | بيان أقسام الذنوب بالإضافة إلى صفات العبد # اعلم أن للإنسان أوصافا وأخلاقا كثيرة على ما عرف شرحه في كتاب عجائب ~~القلب وغوائله ولكن تنحصر مثارات الذنوب في أربع صفات صفات ربوبية وصفات ~~شيطانية وصفات بهيمية وصفات سبعية وذلك لأن طينة الإنسان عجنت من أخلاط ~~مختلفة فاقتضى كل واحد من الأخلاط في المعجون منه أثرا من الآثار كما يقتضى ~~السكر والخل والزعفران في السكنجبين آثارا مختلفة فأما ما يقتضى النزوع إلى ~~الصفات الربوبية فمثل الكبر والفخر والجبرية وحب المدح والثناء والغنى وحب ~~دوام البقاء وطلب الاستعلاء على الكافة حتى كأنه يريد أن يقول أنا ربكم ~~الأعلى وهذا يتشعب منه جملة من كبائر الذنوب غفل عنها الخلق ولم يعدوها ~~ذنوبا وهى المهلكات العظيمة التى هى كالأمهات لأكثر المعاصي كما استقصيناه ~~في ربع المهلكات الثانية هى الصفة الشيطانية التى منها يتشعب الحسد والبغى ~~والحيلة والخداع والأمر بالفساد والمكر وفيه يدخل الغش والنفاق والدعوة إلى ~~البدع والضلال الثالثة الصفة البهيمية ومنها يتشعب الشره والكلب والحرص على ~~قضاء شهوة البطن والفرج ومنه يتشعب الزنا واللوط والسرقة وأكل مال الأيتام ~~وجمع الحطام لأجل الشهوات الرابعة الصفة السبعية ومنها يتشعب الغضب والحقد ~~والتهجم على الناس بالضرب والشتم والقتل واستهلاك الأموال ويتفرع عنها جمل ~~من الذنوب وهذه الصفات لها تدريج في الفطرة فالصفة البهيمية هى التى تغلب ~~أولا ثم تتلوها الصفة السبعية ثانيا ثم إذا اجتمعا استعملا العقل في الخداع ~~والمكر والحيلة وهى الصفة الشيطانية ثم بالآخرة تغلب الصفات الربوبية وهى ~~الفخر والعز والعلو وطلب الكبرياء وقصد الاستيلاء على جميع الخلق فهذه ~~أمهات الذنوب ومنابعها ثم تنفجر الذنوب من هذه المنابع على الجوارح فبعضها ~~في القلب خاصة كالكفر والبدعة والنفاق وإضمار السوء للناس وبعضها على العين ~~والسمع وبعضها على اللسان وبعضها على البطن والفرج وبعضها على اليدين ~~والرجلين وبعضها على جميع البدن ولا حاجة إلى بيان تفصيل ذلك فإنه واضح # قسمة ثانية أعلم أن الذنوب تقسم إلى ما بين العبد وبين الله تعالى وإلى ~~ما يتعلق بحقوق العباد فما يتعلق بالعبد خاصة كترك الصلاة والصوم والواجبات ~~الخاصة به وما يتعلق بحقوق العباد كتركه الزكاة وقتله النفس وغصبه الأموال ~~وشتمه الأعراض وكل متناول من حق الغير فإما نفس أو طرف أو مال أو عرض أو ~~دين أو جاه وتناول الدين بالإغواء والدعاء إلى البدعة والترغيب في المعاصى ~~وتهييج أسباب الجراءة على الله تعالى كما يفعله بعض الوعاظ بتغليب جانب ~~الرجاء على جانب الخوف وما يتعلق بالعباد فالأمر فيه أغلظ وما بين العبد ~~وبين الله تعالى إذا لم يكن شركا فالعفو فيه أرجى وأقرب وقد جاء فى الخبر ~~الدواوين ثلاثة ديوان يغفر وديوان لا يغفر وديوان لا يترك فالديوان الذي ~~يغفر ذنوب العباد بينهم وبين الله تعالى وأما الديوان الذي لا يغفر فالشرك ~~PageV04P016 بالله تعالى وأما الديوان الذي لا يترك فمظالم العباد + حديث ~~الدواوين ثلاثة ديوان يغفر الحديث أخرجه أحمد والحاكم وصححه من حديث عائشة ~~وفيه صدقه بن موسى الدقيقى ضعفه ابن معين وغيره وله شاهد من حديث سلمان ~~رواه الطبراني + أي لا بد وأن يطالب بها حتى يعفى عنها # قسمة ثالثة أعلم أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر وقد كثر اختلاف الناس ~~فيها فقال قائلون لا صغيرة ولا كبيرة بل كل مخالفة لله فهى كبيرة وهذا + ~~ضعيف + إذ قال تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ~~وندخلكم مدخلا كريما وقال تعالى الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا ~~اللمم وقال صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة يكفرن ما ~~بينهن إن اجتنبت الكبائر + حديث الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة تكفر ما ~~بينهن ان اجتنبت الكبائر رواه مسلم من حديث أبى هريرة + وفى لفظ آخر كفارات ~~لما بينهن إلا الكبائر وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن ~~عمرو بن العاص الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين ~~الغموس + حديث عبد الله بن عمرو الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل ~~النفس واليمن الغموس رواه البخاري + واختلف الصحابة والتابعون في عدد ~~الكبائر من أربع إلى سبع إلى تسع إلى إحدى عشرة فما فوق ذلك فقال ابن مسعود ~~هن أربع وقال ابن عمر هن سبع وقال عبد الله بن عمرو هن تسع وكان ابن عباس ~~إذا بلغه قول ابن عمر الكبائر سبع يقول هن إلى سبعين أقرب منها إلى سبع ~~وقال مرة كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة وقال غيره كل ما أوعد الله عليه ~~بالنار فهو من الكبائر وقال بعض السلف كل ما أوجب عليه الحد فى الدنيا فهو ~~كبيرة وقيل إنها مبهمة لا يعرف عددها كليلة القدر وساعة يوم الجمعة وقال ~~ابن مسعود لما سئل عنها اقرأ من أول سورة النساء إلى رأس ثلاثين آية منها ~~عند قوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه فكل ما نهى الله عنه فى هذه السورة ~~إلى هنا فهو كبيرة وقال أبو طالب المكى الكبائر سبع عشر جمعتها من جملة ~~الأخبار + الأخبار الواردة في الكبائر حكى المصنف عن أبي طالب المكى أنه ~~قال الكبائر سبع عشرة جميعها من جملة الأخبار وجملة ما اجتمع من قول ابن ~~عباس وابن مسعود وابن عمر وغيرهم الشرك بالله والإصرار على معصيته والقنوط ~~من رحمته والأمن من مكره وشهادة الزور وقذف المحصن واليمين الغموس والسحر ~~وشرب الخمر والمسكر وأكل مال اليتيم ظلما وأكل الربا والزنا واللواط والقتل ~~والسرقة والفرار من الزحف وعقوق الوالدين انتهى وسأذكر ما ورد منها مرفوعا ~~وقد تقدم أربعة منها في حديث عبد الله بن عمرو وفي الصحيحين من حديث أبي ~~هريرة اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هى قال الشرك بالله ~~والسحر وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم ~~والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات ولهما من حديث أبى بكرة ألا ~~أنبئكم بأكبر الكبائر قال الشرك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور أو قال ~~قول الزور ولهما من حديث أنس سئل عن الكبائر قال الشرك بالله وقتل النفس ~~وعقوق الوالدين وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قال قول الزور أو قال شهادة ~~الزور ولهما من حديث ابن مسعود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أى الذنب ~~أعظم قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت ثم أى قال أن تقتل ولدك مخافة أن ~~يطعم معك قلت ثم أى قال أن تزانى حليلة جارك وللطبرانى من حديث سلمة بن قيس ~~إنما هى أربع لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا ~~بالحق ولا تزنوا ولا تسرقوا وفى الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت بايعونى ~~على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا وفى الأوسط للطبرانى من ~~حديث ابن عباس الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر وفيه موقوفا على عبد الله بن ~~عمرو أعظم الكبائر شرب الخمر وكلاهما ضعيف وللبزار من حديث ابن عباس بإسناد ~~حسن أن رجلا قال يا رسول الله ما الكبائر قال الشرك بالله والإياس من روح ~~الله والقنوط من رحمة الله وله من حديث بريدة أكبر الكبائر الإشراك بالله ~~وعقوق الوالدين ومنع فضل الماء ومنع الفحل وفيه صالح ابن حبان ضعفه ابن ~~معين والنسائى وغيرهما وله من حديث أبى هريرة الكبائر أولهن الاشراك بالله ~~وفيه والانتقال إلى الأعراب بعد هجرته وفيه خالد بن يوسف السمين ضعيف ~~وللطبراني في الكبير من حديث سهل بن أبى حثمة في الكبائر والتعرب بعد ~~الهجرة وفيه ابن لهيعة وله في الأوسط من حديث أبى سعيد الخدري الكبائر سبع ~~وفيه والرجوع إلى الأعرابية بعد الهجرة وفيه أبو بلال الأشجرى ضعفه ~~الدارقطنى وللحاكم من حديث عبيد بن عمير عن أبيه الكبائر تسع فذكر منها + ~~وجملة ما اجتمع من قول ابن عباس وابن مسعود وابن عمر PageV04P017 واستحلال ~~البيت الحرام وللطبرانى من حديث واثلة إن من أكبر الكبائر أن يقول الرجل ~~على ما لم أقل وله أيضا من حديثه إن من أكبر الكبائر أن ينتفى الرجل من ~~ولده ولمسلم من حديث جابر بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة ولمسلم ~~من حديث عبد الله بن عمرو من الكبائر شتم الرجل والديه ولأبى داود من حديث ~~سعيد بن زيد من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق وفي الصحيحين ~~من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال إنهما ليعذبان ~~وما يعذبان في كبير وإنه الكبير أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة وأما الآخر ~~فكان لا يستتر من بول الحديث ولأحمد في هذه القصة من حديث أبي بكرة أما ~~أحدهما فكان يأكل لحوم الناس الحديث ولأبى داود والترمذي من حديث أنس عرضت ~~على ذنوب أمتى فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم ~~نسيها سكت عليه أبو داود واستغر به البخاري والترمذي وروى ابن أبى شيبة في ~~التوبة من حديث ابن عباس لا صغيرة مع إصرار وفيه أبو شيبة الخراسانى ~~والحديث منكر يعرف به وأما الموقوفات فروى الطبرانى والبيهقي في الشعب عن ~~ابن مسعود قال الكبائر الإشراك بالله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمه ~~الله واليأس من روح الله وروى البيهقي فيه عن ابن عباس قال الكبائر الإشراك ~~بالله واليأس من روح الله والأمن من مكر الله وعقوق الوالدين وقتل النفس ~~التى حرم الله وقذف المحصنات وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وأكل الربا ~~والسحر والزنا واليمين الغموس الفاجرة والغلول ومنع الزكاة وشهادة الزور ~~وكتمان الشهادة وشرب الخمر وترك الصلاة متعمدا وأشياء مما فرضها الله ونقض ~~العهد وقطيعة الرحم وروى ابن أبى الدنيا في التوبة عن ابن عباس كل ذنب أصر ~~عليه العبد كبيرة وفيه الربيع بن صبيح مختلف فيه وروى أبو منصور الديلمي في ~~مسند الفردوس عن أنس قوله لا صغيرة مع الإصرار وإسناده جيد فقد اجتمع من ~~المرفوعات والموقوفات ثلاثة وثلاثون أو اثنان وثلاثون إلا أن بعضها لا يصح ~~إسناده كما تقدم وإنما ذكرت الموقوفات حتى يعلم ما ورد في المرفوع وما ورد ~~في الموقوف وللبيهقي في الشعب عن ابن عباس أنه قيل له الكبائر سبع فقال هى ~~إلى السبعين أقرب وروى البيهقي أيضا فيه عن ابن عباس قال كل ما نهى الله ~~عنه كبيرة والله اعلم + وغيرهم أربعة في القلب وهى الشرك بالله والإصرار ~~على معصيته والقنوط من رحمته والأمن من مكره وأربع في اللسان وهى شهادة ~~الزور وقذف المحصن واليمين الغموس وهى التى يحق بها باطلا أو يبطل بها حقا ~~وقيل هى التى يقتطع بها مال أمرىء مسلم باطلا ولو سواكا من أراك وسميت ~~غموسا لأنها تغمس صاحبها في النار والسحر وهو كل كلام يغير الإنسان وسائر ~~الأجسام عن موضوعات الخلقة وثلاث في البطن وهى شرب الخمر والسكر من كل شراب ~~وأكل مال اليتيم ظلما وأكل الربا وهو يعلم واثنتان في الفرج وهما الزنا ~~واللواط واثنتان في اليدين وهما القتل والسرقة وواحدة في الرجلين وهى ~~الفرار من الزحف الواحد من اثنتين والعشرة من العشرين وواحدة في جميع الجسد ~~وهى عقوق الوالدين قال وجملة عقوقهما أن يقسما عليه في حق فلا يبر قسمهما ~~وإن سألاه حاجة فلا يعطيهما وأن يسباه فيضربهما ويجوعان فلا يطعمهما هذا ما ~~قاله وهو قريب ولكن ليس يحصل به تمام الشفاء إذ يمكن الزيادة عليه والنقصان ~~منه فإنه جعل أكل الربا ومال اليتيم من الكبائر وهى جناية على الأموال ولم ~~يذكر في كبائر النفوس إلا القتل فأما فقء العين وقطع اليدين وغير ذلك من ~~تعذيب المسلمين بالضرب وأنواع العذاب فلم يتعرض له وضرب اليتيم وتعذيبه ~~وقطع أطرافه لا شك في أنه أكبر من أكل ماله كيف وفي الخبر من الكبائر ~~السبتان بالسبة ومن الكبائر استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم + حديث من ~~الكبائر السبتان بالسبة ومن الكبائر استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم عزاه ~~أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس لأحمد وأبى داود من حديث سعيد بن زيد ~~والذي عندهما من حديثه من أربى الربا استطالة الرجل في عرض المسلم بغير حق ~~كما تقدم + وهذا زائد على قذف المحصن وقال أبو سعيد الخدري وغيره من ~~الصحابة إنكم لتعملون أعمالا هى أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر + حديث أبى سعيد الخدري وغيره من ~~الصحابة إنكم تعملون أعمالا هى أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر أخرجه أحمد والبزار بسند صحيح ~~وقال من الموبقات بدل الكبائر ورواه البخاري من حديث أنس وأحمد والحاكم من ~~حديث عبادة بن قرص وقال صحيح الاسناد + وقالت طائفة كل عمد كبيرة وكل ما ~~نهى عنه فهو كبيرة وكشف الغطاء عن هذا أن نظر الناظر في السرقة أهى كبيرة ~~PageV04P018 أم لا لا يصح ما لم يفهم معنى الكبيرة والمراد بها كقول القائل ~~السرقة حرام أم لا ولا مطمع في تعريفه إلا بعد تقرير معنى الحرام أولا ثم ~~البحث عن وجوده في السرقة فالكبيرة من حيث اللفظ مبهم ليس له موضوع خاص في ~~اللغة ولا في الشرع وذلك لأن الكبير والصغير من المضافات وما من ذنب إلا ~~وهو كبير بالإضافة إلى ما دونه وصغير بالإضافة إلى ما فوقه فالمضاجعة مع ~~الأجنبية بالاضافة إلى النظرة صغيرة بالإضافة إلى الزنا وقطع يد المسلم ~~كبيرة إلى ضربة صغيرة بالاضافة إلى قتله نعم للإنسان أن يطلق على ما توعد ~~بالنار على فعله خاصة اسم الكبيرة ونعنى بوصفه بالكبيرة أن العقوبة بالنار ~~عظيمة وله أن يطلق على ما أوجب الحد عليه مصيرا إلى أن ما عجل عليه في ~~الدنيا عقوبه واجبة عظيم وله أن يطلق على ما ورد في نص الكتاب النهى عنه ~~فيقول تخصيصه بالذكر في القرآن يدل على عظمه ثم يكون عظيما وكبيرة لا محالة ~~بالاضافة إذ منصوصات القرآن أيضا تتفاوت درجاتها فهذه الإطلاقات لا حرج ~~فيها وما نقل من ألفاظ الصحابه يتردد بين هذه الجهات ولا يبعد تنزيلها على ~~شىء من هذه الاحتمالات نعم من المهمات أن تعلم معنى قول الله تعالى @QB@ إن ~~تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم @QE@ وقول رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم الصلوات كفارات لما بينهن إلا الكبائر فإن هذا إثبات حكم ~~الكبائر والحق في ذلك أن الذنوب منقسمة في نظر الشرع إلى ما يعلم استعظامه ~~إياها وإلى ما يعلم إنها معدودة في الصغائر وإلى ما يشك فيه فلا يدرى حكمه ~~فالطمع في معرفة حد حاصر أو عدد جامع مانع طلب لما لم يمكن فإن ذلك لا يمكن ~~إلا بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقول إني أردت بالكبائر ~~عشرا أو خمسا ويفصلها فإن لم يرد هذا بل ورد في بعض الألفاظ ثلاث من ~~الكبائر + حديث ثلاث من الكبائر أخرجه الشيخان من حديث أبى بكرة ألا أنبئكم ~~بأكبر الكبائر ثلاث الحديث وقد تقدم + وفي بعضها سبع من الكبائر + حديث سبع ~~من الكبائر رواه الطبرانى في الأوسط من حديث أبى سعيد الكبائر سبع وقد تقدم ~~وله في الكبير من حديث عبد الله بن عمر من صلى الصلوات الخمس واجتنب ~~الكبائر الحديث ثم عدهن سبعا وتقدم عن الصحيحين حديث أبى هريرة اجتنبوا ~~السبع الموبقات + ثم ورد أن السبتين بالسبة الواحدة من الكبائر وهو خارج عن ~~السبع والثلاث علم أنه لم يقصد به العدد بما يحصر فكيف يطمع في عدد ما لم ~~يعده الشرع وربما قصد الشرع ابهامه ليكون العباد منه على وجل كما أبهم ليلة ~~القدر ليعظم جد الناس في طلبها نعم لنا سبيل كلى يمكننا ان نعرف به أجناس ~~الكبائر وأنواعها بالتحقيق وأما أعيانها فنعرفها بالظن والتقريب ونعرف أيضا ~~أكبر الكبائر فأما أصغر الصغائر فلا سبيل إلى معرفته وبيانه أنا نعلم ~~بشواهد الشرع وأنوار البصائر جميعا أن مقصد الشرائع كلها سياق الخلق إلى ~~جوار الله تعالى وسعادة لقائه وأنه لا وصول لهم إلى ذلك إلا بمعرفة الله ~~تعالى ومعرفة صفاته وكتبه ورسله وإليه الإشارة بقوله تعالى وما خلقت الجن ~~والإنس إلا ليعبدون أي ليكونوا عبيد لى ولا يكون العبد عبدا ما لم يعرف ربه ~~بالربوبية ونفسه بالعبودية ولا بد أن يعرف نفسه وربه فهذا هو المقصود ~~الأقصى ببعثة الأنبياء ولكن لا يتم هذا إلا في الحياة الدنيا وهو المعنى ~~بقوله عليه الصلاة والسلام الدنيا مزرعة الآخرة + حديث الدنيا مزرعة الآخرة ~~لم أجده بهذا اللفظ مرفوعا وروى العقيلي في الضعفاء وأبو بكر بن لال في ~~مكارم الأخلاق من حديث طارق بن أشيم نعمت الدار الدنيا لمن تزود منها ~~لآخرته الحديث وإسناده ضعيف + فصار حفظ الدنيا أيضا مقصودا تابعا للدين ~~لأنه وسيلة إليه والمتعلق من الدنيا بالآخرة شيئان النفوس والأموال فكل ما ~~يسد باب معرفة الله تعالى فهو أكبر الكبائر ويليه ما يسد باب حياة النفوس ~~ويليه باب ما يسد المعايش التى بها حياة الناس فهذه ثلاث مراتب فحفظ ~~PageV04P019 المعرفة على القلوب والحياة على الأبدان والأموال على الأشخاص ~~ضروري في مقصود الشرائع كلها وهذه ثلاثة أمور لا يتصور أن تختلف فيها الملل ~~فلا يجوز أن الله تعالى يبعث نبيا يريد ببعثه إصلاح الخلق في دينهم ودنياهم ~~ثم يأمرهم بما يمنعهم عن معرفته ومعرفة رسله أو يأمرهم بإهلاك النفوس ~~وإهلاك الأموال فحصل من هذا أن الكبائر على ثلاث مراتب الأولى ما يمنع من ~~معرفة الله تعالى ومعرفة رسله وهو الكفر فلا كبيرة فوق الكفر إذ الحجاب بين ~~الله وبين العبد هو الجهل والوسيلة المقربة له إليه هو العلم والمعرفة ~~وقربة بقدر معرفته وبعده بقدر جهله ويتلو الجهل الذي يسمى كفرا الأمن من ~~مكر الله والقنوط من رحمته فإن هذا أيضا عين الجهل فمن عرف الله لم يتصور ~~أن يكون آمنا ولا أن يكون آيسا ويتلو هذه الرتبة البدع كلها المتعلقة بذات ~~الله وصفاته وأفعاله وبعضها أشد من بعض وتفاوتها على حسب تفاوت الجهل بها ~~وعلى حسب تعلقها بذات الله سبحانه بأفعاله وشرائعه وبأوامره ونواهيه ومراتب ~~ذلك لاتنحصر وهى تنقسم إلى ما يعلم أنها داخلة تحت ذكر الكبائر المذكورة في ~~القرآن وإلى ما يعلم أنه لا يدخل وإلى ما يشك فيه وطلب دفع الشك في القسم ~~المتوسط طمع في غير مطمع المرتبة الثانية النفوس إذ ببقائها وحفظها تدوم ~~الحياة وتحصل المعرفة بالله فقتل النفس لا محالة من الكبائر وإن كان دون ~~الكفر لأن ذلك يصدم عين المقصود وهذا يصدم وسيلة المقصود إذ حياة الدنيا لا ~~تراد إلا للآخرة والتوصل إليها بمعرفة الله تعالى ويتلو هذه الكبيرة قطع ~~الأطراف وكل ما يفضى إلى الهلاك حتى الضرب وبعضها أكبر من بعض ويقع في هذه ~~الرتبة تحريم الزنا واللواط لأنه لو اجتمع الناس على الاكتفاء بالذكور في ~~قضاء الشهوات انقطع النسل ودفع الموجود قريب من قطع الوجود وأما الزنا فإنه ~~لا يفوت أصل الوجود ولكن يشوش الأنساب ويبطل التوارث والتناصر وجملة من ~~الأمور التى لا ينتظم العيش إلا بها بل كيف يتم النظام مع إباحة الزنا ولا ~~ينتظم أمور البهائم ما لم يتميز الفحل منها بإناث يختص بها عن سائر الفحول ~~ولذلك لا يتصور أن يكون الزنا مباحا في أصل شرع قصد به الإصلاح وينبغى أن ~~يكون الزنا فى الرتبة دون القتل لأنه ليس يفوت دوام الوجود ولا يمنع أصله ~~ولكنه يفوت تمييز الأنساب ويحرك من الأسباب ما يكاد يفضى إلى التقاتل ~~وينبغى أن يكون أشد من اللواط لأن الشهوة داعية إليه من الجانبين فيكثر ~~وقوعه ويعظم أثر الضرر بكثرته المرتبة الثالثة الأموال فإنها معايش الخلق ~~فلا يجوز تسلط الناس على تناولها كيف شاءوا حتى بالاستيلاء والسرقة وغيرهما ~~بل ينبغى أن تحفظ لتبقى ببقائها النفوس إلا أن الأموال إذا أخذت أمكن ~~استردادها وإن أكلت أمكن تغريمها فليس يعظم الأمر فيها نعم إذا جرى تناولها ~~بطريق يعسر التدارك له فينبغى أن يكون ذلك من الكبائر وذلك بأربع طرق أحدها ~~الخفية وهى السرقة فإنه إذا لم يطلع عليه غالبا كيف يتدارك الثانى أكل مال ~~اليتيم وهذا أيضا من الخفية وأعنى به في حق الولى والقيم فإنه مؤتمن فيه ~~وليس له خصم سوى اليتيم وهو صغير لا يعرفه فتعظيم الأمر فيه واجب بخلاف ~~الغصب فإنه ظاهر يعرف وبخلاف الخيانة في الوديعة فإن المودع خصم فيه ينتصف ~~لنفسه الثالث تفويتها بشهادة الزور الرابع أخذ الوديعة وغيرها باليمين ~~الغموس فإن هذه طريق لا يمكن فيها التدارك ولا يجوز أن تختلف الشرائع في ~~تحريمها أصلا وبعضها أشد من بعض وكلها دون الرتبة الثانية المتعلقة بالنفوس ~~وهذه الأربعة جديرة بأن تكون مرادة بالكبائر وإن لم يوجب الشرع الحد في ~~بعضها ولكن أكثر الوعيد عليها وعظم في مصالح الدنيا تأثيرها وأما أكل الربا ~~فليس إلا أكل مال الغير بالتراضى مع الإخلال بشرط وضعه الشرع ولا يبعد أن ~~تختلف الشرائع PageV04P020 في مثله وإذا لم يجعل الغضب الذى هو أكل مال ~~الغير بغيره رضاه وبغير رضا الشرع من الكبائر فأكل الربا أكل برضا المالك ~~ولكن دون رضا الشرع وإن عظم الشرع الزنا بالزجر عنه فقد عظم أيضا الظلم ~~بالغصب وغيره وعظم الخيانة والمصير إلى أن أكل دانق بالخيانة أو الغصب من ~~الكبائر فيه نظر وذلك واقع في مظنة الشك وأكثر ميل الظن إلى انه غير داخل ~~تحت الكبائر بل ينبغى أن تختص الكبيرة بما لا يجوز اختلاف الشرع فيه ليكون ~~ضروريا في الدين فيبقى مما ذكره أبو طالب المكي القذف والشرب والسحر ~~والفرار من الزحف وحقوق الوالدين أما الشرب لما يزيل العقل فهو جدير بأن ~~يكون من الكبائر وقد دل عليه تشديدات الشرع وطريق النظر أيضا لأن العقل ~~محفوظ كما أن النفس محفوظة بل لا خير في النفس دون العقل فإزالة العقل من ~~الكبائر ولكن هذا لا يجرى في قطرة من الخمر فلا شك في أنه لو شرب ماء فيه ~~قطرة من الخمر لم يكن ذلك كبيرة وإنما هو شرب ماء نجس والقطرة وحدها في محل ~~الشك وإيجاب الشرع الحد به يدل على تعظيم أمره فيعد ذلك من الكبائر بالشرع ~~وليس في قوة البشرية الوقوف على جميع أسرار الشرع فإن ثبت إجماع في أنه ~~كبيرة وجب الاتباع ولا فللتوقف فيه مجال وأما القذف فليس فيه إلا تناول ~~الأعراض والأعراض دون الأموال في الريبة ولتناولها مراتب وأعظمها التناول ~~بالقذف بالإضافة إلى فاحشة الزنا وقد عظم الشرع أمره وأظن ظنا غالبا أن ~~الصحابة كانوا يعدون كل ما يجب به الحد كبيرة فهو بهذا الاعتبار لا تكفره ~~الصلوات الخمس وهو الذي نريده بالكبيرة الآن ولكن من حيث إنه يجوز أن تختلف ~~فيه الشرائع فالقياس بمجرده لا يدل على كبره وعظمته بل كان يجوز أن يرد ~~الشرع بأن العدل الواحد إذا رأى إنسانا يزنى فله أن يشهد ويجلد المشهود ~~عليه بمجرد شهادته فإن لم تقبل شهادته فحده ليس ضروريا في مصالح الدنيا وإن ~~كان على الجملة من المصالح الظاهرة الواقعة في رتبة الحاجات فإذن هذا أيضا ~~يلحق بالكبائر في حق من عرف حكم الشرع فأما من ظن أن له أن يشهد وحده أو ظن ~~أنه يساعده على شهادة غيره فلا ينبغى أن يجعل في حقه من الكبائر وأما السحر ~~فإن كان فيه كفر فكبيرة وإلا فعظمته بحسب الضرر الذي يتولد منه من هلاك نفس ~~أو مرض أو غيره وأما الفرار من الزحف وعقوق الوالدين فهذا أيضا ينبغى أن ~~يكون من حيث القياس في محل التوقف وإذا قطع بأن سب الناس بكل شىء سوى الزنا ~~وضربهم والظلم لهم بغصب اموالهم وإخراجهم من مساكنهم وبلادهم وإجلائهم من ~~أوطانهم ليس من الكبائر إذ لم ينقل ذلك في السبع عشرة كبيرة وهو أكبر ما ~~قيل فيه فالتوقف في هذا أيضا غير بعيد ولكن الحديث يدل على تسميته كبيرة ~~فليحلق بالكبائر فإذا رجع حاصل الأمر إلى أنا نعنى بالكبيرة ما لا تكفره ~~الصلوات بحكم الشرع وذلك مما انقسم إلى ما علم أنه لا تكفره قطعا وإلى ما ~~ينبغى أن تكفره وإلى ما يتوقف فيه والمتوقف فيه بعضه مظنون للنفى والإثبات ~~وبعضه مشكوك فيه وهو شك لا يزيله إلا نص كتاب أو سنة وإذن لا مطمع فيه فطلب ~~رفع الشك فيه محال # فإن قلت فهذا إقامة برهان على استحالة معرفة حدها فكيف يرد الشرع بما ~~يستحيل معرفة حده فاعلم أن كل ما لا يتعلق به حكم في الدنيا فيجوز أن يتطرق ~~إليه الإبهام لأن دار التكليف هى دار الدنيا والكبيرة على الخصوص لا حكم ~~لها في الدنيا من حيث إنها كبيرة بل كل موجبات الحدود معلومة بأسمائها ~~كالسرقة والزنا وغيرهما وإنما حكم الكبيرة أن الصلوات الخمس لا تكفرها وهذا ~~أمر يتعلق بالآخرة والإبهام أليق به حتى يكون الناس على وجل وحذر فلا ~~يتجرءون على الصغائر اعتمادا على الصلوات الخمس وكذلك اجتناب الكبائر ~~PageV04P021 يكفر الصغائر بموجب قوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ~~نكفر عنكم سيئاتكم ولكن اجتناب الكبيرة إنما يكفر الصغيرة إذا اجتنبها مع ~~القدرة والإرادة كمن يتمكن من امرأة ومن مواقعتها فيكف نفسه عن الوقاع ~~فيقتصر على نظر أو لمس فإن مجاهدة نفسه بالكف عن الوقاع أشد تأثيرا في ~~تنوير قلبه من إقدامه على النظر في إظلامه فهذا معنى تكفيره فإن كان عنينا ~~أو لم يكن امتناعه إلا بالضرورة للعجز أو كان قادرا ولكن امتنع لخوف أمر ~~آخر فهذا لا يصلح للتكفير أصلا وكل من يشتهى الخمر بطبعه ولو أبيح له لما ~~شربه فاجتنابه لا يكفر عنه الصغائر التى هى مقدماته كسماع الملاهى والأوتار ~~نعم من يشتهى الخمر وسماع الأوتار فيمسك نفسه بالمجاهدة عن الخمر ويطلقها ~~في السماع فمجاهدته النفس بالكف ربما تمحو عن قلبه الظلمة التى ارتفعت إليه ~~من معصية السماع فكل هذه أحكام أخروية ويجوز أن يبقى بعضها في محل الشك ~~وتكون من المتشابهات فلا يعرف تفصيلها إلا بالنص ولم يرد النص بعد ولا حد ~~جامع بل ورد بألفاظ مختلفات فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة إلى الصلاة كفارة ورمضان إلى رمضان ~~كفارة إلا من ثلاث إشراك بالله وترك السنة ونكث الصفقة + حديث الصلاة إلى ~~الصلاة كفارة ورمضان إلى رمضان كفارة إلا من ثلاث إشراك بالله وترك السنة ~~ونكث الصفقة الحديث أخرجه الحاكم من حديث أبى هريرة نحوه وقال صحيح الإسناد ~~+ قيل ما ترك السنة قيل الخروج عن الجماعة ونكث الصفقة أن يبايع رجلا ثم ~~يخرج عليه بالسيف يقاتله فهذا وأمثاله من الألفاظ لا يحيط بالعدد كله ولا ~~يدل على حد جامع فيبقى لا محالة مبهما # فإن قلت الشهادة لا تقبل إلا ممن يجتنب الكبائر والورع عن الصغائر ليس ~~شرطا في قبول الشهادة وهذا من أحكام الدنيا فاعلم أنا لا نخصص رد الشهادة ~~بالكبائر فلا خلاف في أن من يسمع الملاهى ويلبس الديباج ويتختم بخاتم الذهب ~~ويشرب في أوانى الذهب والفضة لا تقبل شهادته ولم يذهب أحد إلى أن هذه ~~الأمور من الكبائر وقال الشافعى رضي الله عنه إذا شرب الحنفى النبيذ حددته ~~ولم أرد شهادته فقد جعله كبيرة بإيجاب الحد ولم يرد به الشهادة فدل على أن ~~الشهادة نفيا وإثباتا لا تدور على الصغائر والكبائر بل كل الذنوب تقدح في ~~العدالة إلا ما لا يخلو الإنسان عنه غالبا بضرورة مجارى العادات كالغيبة ~~والتجسس وسوء الظن والكذب فى بعض الأقوال وسماع الغيبة وترك الأمر بالمعروف ~~والنهى عن المنكر وأكل الشبهات وسب الولد والغلام وضربهما بحكم الغضب زائدا ~~على المصلحة وإكرام السلاطين الظلمة ومصادقة الفجار والتكاسل عن تعليم ~~الأهل والولد جميع ما يحتاجون إليه من أمر الدين فهذه ذنوب لا يتصور أن ~~ينفك الشاهد عن قليلها أو كثيرها إلا بأن يعتزل الناس ويتجرد لأمور الآخرة ~~ويجاهد نفسه مدة بحيث يبقى على سمعته مع المخالفة بعد ذلك ولو لم يقبل إلا ~~قول مثله لعز وجوده وبطلت الأحكام والشهادات وليس لبس الحرير وسماع الملاهى ~~واللعب بالنرد ومجالسة أهل الشرب في وقت الشرب والخلوة بالأجنبيات وأمثال ~~هذه الصغائر من هذا القبيل فإلى مثل هذا المنهاج ينبغى أن ينظر في قبول ~~الشهادة وردها لا إلى الكبيرة والصغيرة ثم آحاد هذه الصغائر التى لا ترد ~~الشهادة بها لو واظب عليها لأثر في رد الشهادة كمن اتخذ الغيبة وثلب الناس ~~عادة وكذلك مجالسة الفجار ومصادقتهم والصغيرة تكبر بالمواظبة كما أن المباح ~~يصير صغيرة بالمواظبة كاللعب بالشطرنج والترنم بالغناء على الدوام وغيره ~~فهذا بيان حكم الصغائر والكبائر PageV04P022 # | بيان كيفية نوزع الدرجات والدركات في الآخرة على الحسنات والسيئات في # الدنيا # اعلم أن الدنيا من عالم الملك والشهادة والآخرة من عالم الغيب والملكوت ~~وأعنى بالدنيا حالتك قبل الموت وبالآخرة حالتك بعد الموت في فدنياك وآخرتك ~~صفاتك وأحوالك يسمى القريب الدانى منها دنيا والمتأخر آخرة ونحن الآن نتكلم ~~من الدنيا فى الآخرة فإنا الآن نتكلم في الدنيا وهو عالم الملك وغرضنا شرح ~~الآخرة وهى عالم الملكوت ولا يتصور شرح عالم الملكوت في عالم الملك إلا ~~بضرب الأمثال ولذلك قال تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا ~~العالمون وهذا لأن عالم الملك نوم بالإضافة إلى عالم الملكوت ولذلك قال صلى ~~الله عليه وسلم الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا + حديث الناس نيام فإذا ~~ماتوا انتبهوا لم أجده مرفوعا وإنما يعزى إلى على بن أبى طالب + وما سيكون ~~في اليقظة لا يتبين لك في النوم إلا الأمثال المحوجة إلى التعبير فكذلك ما ~~سيكون في يقظة الآخرة لا يتبين في نوم الدنيا إلا في كثرة الأمثال وأعنى ~~بكثرة الأمثال ما نعرفه من علم التعبير ويكفيك منه إن كنت فطنا ثلاثة أمثلة # فقد جاء رجل إلى ابن سرين فقال رأيتك كأن في يدى خاتما أختم به أفواه ~~الرجال وفروج النساء فقال إنك مؤذن تؤذن في رمضان قبل طلوع الفجر قال صدقت ~~وجاء رجل آخر فقال رأيت كأنى أصب الزيت في الزيتون فقال إن كان تحتك جارية ~~اشتريتها ففتش عن حالها فإن أمك سبيت في صغرك لأن الزيتون أصل الزيت فهو ~~يرد إلى الأصل فنظر فإذا جاريته كانت أمه وقد سبيت في صغره وقال له آخر ~~رأيت كأنى أقلد الدر في أعناق الخنازير فقال إنك تعلم الحكمة غير أهلها ~~فكان كما قال والتعبير من أوله إلى آخره أمثال تعرفك طريق ضرب الأمثال ~~وإنما نعنى بالمثل أداء المعنى في صورة إن نظر إلى معناه وجده صادقا وإن ~~نظر إلى صورته وجده كاذبا فالمؤذن إن نظر إلى صورة الخاتم والختم به على ~~الفروج رآه كاذبا فإنه لم يختم به قط وإن نظر إلى معناه وحده صادقا إذ صدر ~~منه روح الختم ومعناه وهو المنع الذي يراد الختم له وليس للأنبياء أن ~~يتكلموا مع الخلق إلا بضرب الأمثال لأنهم كلفوا أن يكلموا الناس على قدر ~~عقولهم وقدر عقولهم أنهم في النوم والنائم لا يكشف له عن شيء إلا بمثل فإذا ~~ماتوا انتبهوا وعرفوا أن المثل صادق ولذلك قال صلى الله عليه وسلم قلب ~~المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن + حديث قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع ~~الرحمن تقدم + وهو من المثال الذي لا يعقله إلا العالمون فأما الجاهل فلا ~~يجاوز قدره ظاهر المثال لجهله بالتفسير الذي يسمى تأويلا كما يسمى تفسير ما ~~يرى من الأمثلة في النوم تعبيرا فيثبت لله تعالى يدا واصبعا تعالى الله عن ~~قوله علوا كبيرا وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم إن الله خلق آدم على ~~صورته + حديث ان الله خلق آدم على صورته تقدم + فإنه لا يفهم من الصورة إلا ~~اللون والشكل والهيئة فيثبت لله تعالى مثل ذلك تعالى الله عن قوله علوا ~~كبيرا من ههنا زل من زل في صفات إلهية حتى في الكلام وجعلوه صوتا وحرفا إلى ~~غير ذلك من الصفات والقول فيه يطول وكذلك قد يرد في أمر الآخرة ضرب أمثله ~~يكذب بها الملحد بجمود نظره على ظاهر المثال وتناقضه عنده كقوله صلى الله ~~عليه وسلم يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح + حديث يؤتى ~~بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح الحديث متفق عليه من حديث أبى ~~سعيد + فيثور الملحد الأحمق ويكذب ويستدل به على كذب الأنبياء ويقول يا ~~سبحان الله الموت عرض والكبش جسم فكيف ينقلب العرض جسما وهل هذا إلا ~~PageV04P023 محال ولكن الله تعالى عزل هؤلاء الحمقى عن معرفة أسراره فقال ~~وما يعقلها إلا العالمون ولا يدرى المسكين أن من قال رأيت في منامى أنه جىء ~~بكبش وقيل هذا هو الوباء الذي في البلد وذبح فقال المعبر صدقت والأمر رأيت ~~وهذا يدل على أن هذا الوباء ينقطع ولا يعود قط لأن المذبوح وقع اليأس منه ~~فإذن المعبر صادق في تصديقه وهو صادق في رؤيته وترجع حقيقة ذلك إلى أن ~~الموكل بالرؤيا وهو الذي يطلع الأرواح عند النوم على ما في اللوح المحفوظ ~~عرفه بما في اللوح المحفوظ بمثال ضربه له لأن النائم إنما يحتمل المثال ~~فكان مثاله صادقا وكان معناه صحيحا فالرسل أيضا إنما يكلمون الناس في ~~الدنيا وهى بالإضافة إلى الآخرة نوم فيوصلون المعانى إلى أفهامهم بالأمثله ~~حكمة من الله ولطفا بعباده وتيسيرا لإدراك ما يعجزون عن إدراكه دون ضرب ~~المثل فقوله يؤتى بالموت في صورة كبش أملح مثال ضربه ليوصل إلى الأفهام ~~حصول اليأس من الموت وقد جبلت القلوب على التأثر بالأمثلة وثبوت المعانى ~~فيها بواسطتها ولذلك عبر القرآن بقوله كن فيكون عن نهاية القدرة وعبر صلى ~~الله عليه وسلم بقوله قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن عن سرعة ~~التقليب وقد أشرنا إلى حكمه ذلك في كتاب قواعد العقائد من ربع العبادات ~~فلنرجع الآن إلى الغرض فالمقصود أن تعريف توزع الدرجات والدركات على ~~الحسنات والسيئات لا يمكن إلا بضرب المثال فلنفهم من المثل الذي نضربه ~~معناه لا صورته فنقول الناس في الآخرة ينقسمون أصنافا وتتفاوت درجاتهم ~~ودركاتهم في السعادة والشقاوة تفاوتا لا يدخل تحت الحصر كما تفاوتوا في ~~سعادة الدنيا وشقاوتها ولا تفارق الآخرة في هذا المعنى أصلا ألبته فإن مدبر ~~الملك والملكوت واحد لا شريك له وسنته الصادرة عن إرادته الأزلية مطردة لا ~~تبديل لها إلا أنا إن عجزنا عن احصاء آحاد الدرجات فلا نعجز عن إحصاء ~~الأجناس فنقول الناس ينقسمون في الآخرة بالضرورة إلى أربعة أقسام هالكين ~~ومعذبين وناجين وفائزين ومثاله في الدنيا أن يستولى ملك من الملوك على ~~اقليم فيقتل بعضهم فهم الهالكون ويعذب بعضهم مدة ولا يقتلهم فهم المعذبون ~~ويخلى بعضهم فهم الناجون ويخلع على بعضهم فهم الفائزون فان كان الملك عادلا ~~لم يقسمهم كذلك إلا باستحقاق فلا يقتل إلا جاحدا لاستحقاق الملك معاندا له ~~في أصل الدولة ولا يعذب الا من قصر في خدمته مع الاعتراف بملكه وعلو درجته ~~ولا يخلى إلا معترفا له برتبة الملك لكنه لم يقصر ليعذب ولم يخدم ليخلع ~~عليه ولا يخلع الا على من ابلى عمره في الخدمة والنصرة ثم ينبغى أن تكون ~~خلع الفائزين متفاوتة الدرجات بحسب درجاتهم في الخدمة واهلاك الهالكين إما ~~تحقيقا بجز الرقبة أو تنكيلا بالمثلة بحسب درجاتهم في المعاندة وتعذيب ~~المعذبين في الخفة والشدة وطول المدة وقصرها واتحاد انواعها واختلاقها بحسب ~~درجات تقصيرهم فتقسم كل رتبة من هذه الرتب إلى درجات لا تحصى ولا تنحصر ~~فكذلك فافهم أن الناس في الآخرة هكذا يتفاوتون فمن هالك ومن معذب مدة ومن ~~ناج يحل في دار السلامة ومن فائز والفائزون ينقسمون إلى من يحلون في جنات ~~عدن أو جنات المأوى أو جنات الفردوس والمعذبون ينقسمون إلى من يعذب قليلا ~~وإلى من يعذب ألف سنة إلى سبعة آلف سنة وذلك آخر من يخرج من النار كما ورد ~~في الخبر + حديث ان آخر من يخرج من النار يعذب سبعة آلأف سنة أخرجه الترمذي ~~الحكيم في نوادر الأصول من حديث أبى هريرة في بسند ضعيف في حديث قال فيه ~~وأطولهم مكثا فيه مثل الدنيا من يوم خلقت إلى يوم القيامة وذلك سبعة آلاف ~~سنة + وكذلك الهالكون الآيسون من رحمة الله تتفاوت دركاتهم وهذه الدرجات ~~بحسب اختلاف الطاعات والمعاصى فلنذكر كيفية توزعها عليها PageV04P024 ~~الرتبة الأولى وهى رتبة الهالكين ونعنى بالهالكين الآيسين من رحمة الله ~~تعالى إذ الذي قتله الملك في المثال الذي ضربناه آيس من رضا الملك وإكرامه ~~فلا تغفل عن معانى المثال وهذه الدرجة لا تكون إلا للجاحدين والمعرضين ~~المتجردين للدنيا المكذبين بالله ورسله وكتبه فإن السعادة الأخروية في ~~القرب من الله والنظر إلى وجهه وذلك لا ينال أصلا إلا بالمعرفة التى يعبر ~~عنها بالإيمان والتصديق والجاحدون هم المنكرون والمكذبون هم الآيسون من ~~رحمة الله تعالى أبد الآباد وهم الذين يكذبون برب العالمين وبأنبيائه ~~المرسلين إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون لا محالة وكل محجوب من محبوبه فمحول ~~بينه وبين ما يشتهيه لا محالة فهو لا محالة يكون مخترقا نار جهنم بنار ~~الفراق ولذلك قال العارفون ليس خوفنا من نار جهنم ولا رجاءونا للحور العين ~~وإنما مطالبنا اللقاء ومهربنا من الحجاب فقط وقالوا من يعبد الله بعوض فهو ~~لئيمكأن يعبده لطلب جنته أو لخوف ناره بل العارف يعبده لذاته فلا يطلب إلا ~~ذاته فقط فأما الحور العين والفواكه فقد لا يشتهيها وأما النار فقد لا ~~يتقيها إذ نار الفراق إذا استولت ربما غلبت النار المحرقة للأجسام فإن نار ~~الفراق نار الله الموقدة التى تطلع على الأفئدة ونار جهنم لا شغل لها إلا ~~مع الأجسام وألم الأجسام يستحقر مع ألم الفؤاد ولذلك قيل # وفي فؤاد المحب نار جوى % أحر نار الجحيم أبردها # ولا ينبغى أن تنكر هذا في عالم الآخرة إذ له نظير مشاهد في عالم الدنيا ~~فقد رؤى من غلب عليه الوجد فغدا على النار وعلى أصول القصب الجارحة القدم ~~وهو لا يحس به لفرط غلبه ما في قلبه وترى الغضبان يستولى عليه الغضب في ~~القتال فتصيبه جراحات وهو لا يشعر بها في الحال لأن الغضب نار في القلب قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم الغضب قطعة من النار + حديث الغضب قطعة من ~~النار أخرجه الترمذي من حديث أبى سعيد نحوه وقد تقدم + واحتراق الفؤاد أشد ~~من احتراق الأجساد والأشد يبطل الإحساس بالأضعف كما تراه فليس الهلاك من ~~النار والسيف إلا من حيث إنه يفرق بين جزءين يرتبط أحدهما بالآخر برابطة ~~التأليف الممكن في الأجسام فالذي يفرق بين القلب وبين محبوبه الذي يرتبط به ~~برابطة تأليف أشد إحكاما من تأليف الأجسام فهو أشد إيلاما إن كنت من أرباب ~~البصائر وأرباب القلوب ولا يبعد أن لا يدرك من لا قلب له شدة هذا الألم ~~ويستحقره بالإضافة إلى ألم الجسم فالصبى لو خير بين ألم الحرمان على الكرة ~~والصولجان وبين ألم الحرمان عن رتبة السلطان لم يحس بألم الحرمان عن رتبة ~~السلطان أصلا ولم يعد ذلك ألما وقال العدو في الميدان مع الصولجان أحب إلى ~~من ألف سرير للسلطان مع الجلوس عليه بل من تغلبة شهوة البطن لو خير بين ~~الهريسة والحلواء وبين فعل جميل يقهر به الأعداء ويفرح به الأصدقاء لآثر ~~الهريسة والحلواء وهذا كله لفقد المعنى الذي بوجوده يصير الجاه محبوبا ~~ووجود المعنى الذي بوجوده يصير الطعام لذيذا وذلك لمن استرقته صفات البهائم ~~والسباع ولم تظهر فيه صفات الملائكة التى لا يناسبها ولا يلذها إلا القرب ~~من رب العالمين ولا يؤلمها إلا البعد والحجاب وكما لا يكون الذوق إلا في ~~اللسان والسمع إلا في الآذان فلا تكون هذه الصفة إلا في القلب فمن لا قلب ~~له ليس له هذا الحس كمن لا سمع له ولا بصر ليس له لذة الألحان وحسن الصور ~~والألوان وليس لكل إنسان قلب ولو كان لما صح قوله تعالى إن في ذلك لذكرى ~~لمن كان له قلب فجعل من لم يتذكر بالقرآن مفلسا من القلب ولست أعنى بالقلب ~~هذا الذي تكتنفه عظام الصدر بل أعنى به السر الذي هو من عالم الأمر واللحم ~~الذي هو من عالم الخلق عرشه والصدر كرسيه وسائر الأعضاء PageV04P025 عالمه ~~ومملكته ولله الخلق والأمر جميعا ولكن ذلك السر الذي قال الله تعالى فيه قل ~~الروح من أمر ربى هو الأمير والملك لأن بين عالم الأمر وعالم الخلق ترتيبا ~~وعالم الأمر أمير على عالم الخلق وهو اللطيفة التى إذا صلحت صلح لها سائر ~~الجسد من عرفها فقد عرف نفسه ومن عرف نفسه فقد عرف ربه وعند ذلك يشم العبد ~~مبادىء روائح المعنى المطوى تحت قوله صلى الله عليه وسلم إن الله خلق آدم ~~على صورته ونظر بعين الرحمة إلى الحاملين له على ظاهر لفظه وإلى المتعسفين ~~في طريق تأويله وإن كانت رحمته للحاملين على اللفظ أكثر من رحمته للمتعسفين ~~في التأويل لأن الرحمة على قدر المصيبة ومصيبة أولئك أكثر وإن اشتركوا في ~~مصيبة الحرمان من حقيقة الأمر فالحقيقة فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو ~~الفضل العظيم وحكمته يختص بها من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا ~~ولنعد إلى الغرض فقد أرخينا الطول وطولنا النفس في أمر هو أعلاى من علوم ~~المعاملات التى نقصدها في هذا الكتاب فقد ظهر أن رتبة الهلاك ليس إلا ~~للجهال المكذبين وشهادة ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا ~~تدخل تحت الحصر فلذلك لم نوردها # الرتبة الثانية رتبة المعذبين وهذه رتبة من تحلى بأصل الإيمان ولكن قصر ~~في الوفاء بمقتضاه فإن رأس الإيمان هو التوحيد وهو أن لا يعبد إلا الله ومن ~~اتبع هواه فقد اتخذ إلهه هواه فهو موحد بلسانه لا بالحقيقة بل معنى قولك لا ~~إله إلا الله معنى قوله تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وهو أن تذر ~~في بالكلية غير الله ومعنى قوله تعالى الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ~~ولما كان الصراط المستقيم الذي لا يكمل التوحيد إلا بالاستقامة عليه أدق من ~~الشعر وأخذ من السيف مثل الصراط الموصوف في الآخرة فلا ينفك بشر عن ميل عن ~~الاستقامة ولو في أمر يسير إذ لا يخلو عن اتباع الهوى ولو في فعل قليل وذلك ~~قادح في كمال التوحيد بقدر ميله عن الصراط المستقيم فذلك يقتضى لا محالة ~~نقصانا في درجات القرب ومع كل نقصان ناران نار الفراق لذلك الكمال الفائت ~~بالنقصان ونار جهنم كما وصفها القرآن فيكون كل مائل عن الصراط المستقيم ~~معذبا مرتين من وجهين ولكن شدة ذلك العذاب وخفته وتفاوته بحسب طول المدة ~~إنما يكون بسبب أمرين أحدهما قوة الإيمان وضعفه والثاني كثرة اتباع الهوى ~~وقلته وإذ لا يخلو بشر في غالب الأمر عن واحد من الأمرين قال الله تعالى ~~وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجى الذين اتقوا ونذر ~~الظالمين فيها جثيا ولذلك قال الخائفون من السلف إنما خوفنا لأنا تيقنا أنا ~~على النار واردون وشككنا فى النجاة ولما روى الحسن الخبر الوارد فيمن يخرج ~~من النار بعد ألف عام وأنه ينادى يا حنان يا منان + حديث من يخرج من النار ~~بعد ألف عام أنه ينادى يا حنان يا منان أخرجه أحمد وأبو يعلي من رواية أبى ~~ظلال القسملى عن أنس وأبو ظلال ضعيف واسمه هلال بن ميمون + قال الحسن يا ~~ليتنى كنت ذلك الرجل واعلم أن فى الأخبار ما يدل على أن آخر من يخرج من ~~النار بعد سبعة آلاف سنة وأن الاختلاف في المدة بين اللحظة وبين سبعة آلاف ~~سنة حتى قد يجوز بعضهم على النار كبرق خاطف ولا يكون له فيها لبث وبين ~~اللحظة وبين سبعة آلاف سنة درجات متفاوتة من اليوم والاسبوع والشهر وسائر ~~المدد وأن الاختلاف بالشدة لا نهاية لأعلاه وأدناه التعذيب بالمناقشة في ~~الحساب كما أن الملك قد يعذب بعض المقصرين في الأعمال بالمناقشة في الحساب ~~ثم يعفو وقد يضرب بالسياط وقد يعذب بنوع آخر من العذاب ويتطرق إلى العذاب ~~اختلاف ثالث في غير المدة والشدة وهو اختلاف الأنواع إذ ليس من يعذب ~~بمصادرة المال فقط كمن يعذاب بأخذ المال وقتل الولد واستباحة الحريم وتعذيب ~~الأقارب والضرب وقطع اللسان واليد PageV04P026 والأنف والأذن وغيره فهذه ~~الاختلافات ثابتة في عذاب الآخرة دل عليها قواطع الشرع وهى بحسب اختلاف قوة ~~الإيمان وضعفه وكثرة الطاعات وقلتها وكثرة السيئات وقلتها أما شدة العذاب ~~فبشدة قبح السيئات وكثرتها وأما كثرته فبكثرتها وأما اختلاف أنواعه ~~فباختلاف أنواع السيئات وقد انكشف هذا لأرباب القلوب مع شواهد القرآن بنور ~~الإيمان وهو المعنى بقوله تعالى وما ربك بظلام للعبيد وبقوله تعالى اليوم ~~تجزى كل نفس بما كسبت وبقوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وبقوله ~~تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره إلى غير ذلك ~~مما ورد في الكتاب والسنة من كون العقاب والثواب جزاء على الأعمال وكل ذلك ~~بعدل لا ظلم فيه وجانب العفو والرحمه أرجح إذ قال تعالى فيما أخبر عنه ~~نبينا صلى الله عليه وسلم سبقت رحمتى غضبى + حديث سبقت رحمتى غضب رضي الله ~~عنهم أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة + وقال تعالى وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت ~~من لدنه أجرا عظيما فإذن هذه الأمور الكلية من ارتباط الدرجات والدركات ~~بالحسنات والسيئات معلومة بقواطع الشرع ونور المعرفة فأما التفصيل فلا يعرف ~~إلا ظنا ومستندة ظواهر الأخبار ونوع حدس يستمد من أنوار الاستبصار بعين ~~الاعتبار فنقول كل من أحكم أصل الإيمان واجتنب جميع الكبائر وأحسن جميع ~~الفرائض أعنى الأركان الخمسة ولم يكن منه إلا صغائر متفرقة لم يصر عليها ~~فيشبه أن يكون عذابه المناقشة في الحساب فقط فإنه إذا حوسب رجحت حسناته على ~~سيئاته إذ ورد في الأخبار أن الصلوات الخمسة والجمعة وصوم رمضان كفارات لما ~~بينهن وكذلك اجتناب الكبائر بحكم نص القرآن مكفرا للصغائر وأقل درجات ~~التكفير أن يدفع العذاب إن لم يدفع الحساب وكل من هذا حالة فقد ثقلت ~~موازينه فينبغى أن يكون بعد ظهور الرجحان في الميزان وبعد الفراغ من الحساب ~~في عيشة راضية نعم التحاقه بأصحاب اليمين أو بالمقربين ونزوله في جنات عدن ~~أو في الفردوس الأعلى فكذلك يتبع أصناف الإيمان لأن الإيمان إيمانان تقليدي ~~كإيمان العوام يصدقون بما يستمعون ويستمرون عليه وإيمان كشفى يحصل بانشراح ~~الصدر بنور الله حتى ينكشف فيه الوجود كله على ما هو عليه فيتضح أن الكل ~~إلى الله مرجعه ومصيره إذ ليس في الوجود إلا الله تعالى وصفاته وأفعاله ~~فهذا الصنف هم المقربون النازلون في الفردوس الأعلى وهم على غاية القرب من ~~الملأ الأعلى وهم أيضا على أصناف فمنهم السابقون ومنهم من دونهم وتفاوتهم ~~بحسب تفاوت معرفتهم بالله تعالى ودرجات العارفين في المعرفة بالله تعالى لا ~~تنحصر إذ الإحاطة بكلمة جلال الله غير ممكنة وبحر المعرفة ليس له ساحل وعمق ~~وإنما يغوص فيه الغواصون بقدر قواهم وبقدر ما سبق لهم من الله تعالى في ~~الأزل فالطريق إلى الله تعالى لا نهاية لمنازلة فالسالكون سبيل الله لا ~~نهاية لدرجاتهم وأما المؤمن إيمانا تقليديا فمن أصحاب اليمين ودرجته دون ~~درجة المقربين وهم أيضا على درجات فالأعلى من درجات أصحاب اليمين تقارب ~~رتبته رتبة الأدنى من درجات المقربين هذا حال من اجتنب كل الكبائر وأدى ~~الفرائض كلها أعنى الأركان الخمسة التى هى النطق بكلمة الشهادة باللسان ~~والصلاة والزكاة والصوم والحج فأما من ارتكب كبيرة أو كبائر أو أهمل بعض ~~أركان الإسلام فإن تاب توبة نصوحا قبل قرب الأجل التحق بمن لم يرتكب لأن ~~التائب من الذنب كمن لا ذنب له والثوب المغسول كالذي لم يتوسخ أصلا وإن مات ~~قبل التوبة فهذا أمر مخطر عند الموت إذ ربما يكون موته على الإصرار سببا ~~لتزلزل إيمانه فيختم له بسوء الخاتمة لا سيما إذا كان إيمانه تقليديا فإن ~~التقليد وإن كان جزما فهو قابل للانحلال PageV04P027 بأدنى شك وخيال ~~والعارف البصير أبعد أن يخاف عليه سوء الخاتمة وكلاهما إن ماتا على الإيمان ~~يعذبان إلا أن يعفو الله عذابا يزيد على عذاب المناقشة في الحساب وتكون ~~كثرة العقاب من حيث المدة بحسب كثرة مدة الإصرار ومن حيث الشدة بحسب قبح ~~الكبائر ومن حيث اختلاف النوع بحسب اختلاف أصناف السيئات وعند انقضاء مدة ~~العذاب ينزل البلة المقلدون في درجات أصحاب اليمين والعارفون المستبصرون في ~~أعلى عليين ففي الخبر آخر من يخرج من النار يعطى مثل الدنيا كلها عشرة ~~أضعاف + حديث إن آخر من يخرج من النار يعطى مثل الدنيا كلها عشرة أضعاف ~~متفق عليه من حديث ابن مسعود + فلا تظن أن المراد به تقديره بالمساحة ~~لأطراف الأجسام كأن يقابل فرسخ بفرسخين أو عشرة بعشرين فإن هذا جهل بطريق ~~ضرب الأمثال بل هذا كقول القائل أخذ منه جملا وأعطاه عشرة أمثاله وكان ~~الجمل يساوى عشرة دنانير فأعطاه مائة دينار فإن لم يفهم من المثل إلا المثل ~~في الوزن والثقل فلا تكون مائة دينار لو وضعت فى كفه الميزان والجمل في ~~الكفة الأخرى عشر عشيرة بل هو موازنة معانى الأجسام وأرواحها دون أشخاصها ~~وهياكلها فإن الجمل لا يقصد لثقله وطوله وعرضه ومساحته بل لماليته فروحه ~~المالية وجسمه اللحم والدم ومائة دينار عشرة أمثاله بالموازنة الروحانية لا ~~بالموازنة الجسمانية وهذا صادق عند من يعرف روح المالية من الذهب والفضة بل ~~لو أعطاه جوهرة وزنها مثقال وقيمتها مائة دينار وقال أعطيته عشرة أمثاله ~~كان صادقا ولكن لا يدرك صدقه إلا الجوهريون فإن روح الجوهرية لا تدرك بمجرد ~~البصر بل بفطنة أخرى وراء البصر فلذلك يكذب به الصبى بل القروى والبدوى ~~ويقول ما هذه الجوهرة إلا حجر وزنه مثقال ووزن الجمل ألف ألف مثقال فقد كذب ~~في قوله إنى أعطيته عشرة أمثاله والكاذب بالتحقيق هو الصبى ولكن لا سبيل ~~إلى تحقيق ذلك عنده إلا بأن ينتظر به البلوغ والكمال وأن يحصل في قلبه ~~النور الذي يدرك به أرواح الجواهر وسائر الأموال فعند ذلك ينكشف له الصدق ~~والعارف عاجز عن تفهيم المقلد القاصر صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ~~هذه الموازنة إذ يقول صلى الله عليه وسلم الجنة في السموات + حديث كون ~~الجنة في السموات أخرجه البخاري من حديث أبى هريرة في أثناء حديث فيه فإذا ~~سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ~~+ كما ورد في الأخبار والسموات من الدنيا فكيف يكون عشرة أمثال الدنيا في ~~الدنيا وهذا كما يعجز البالغ عن تفهيم الصبى تلك الموازنة وكذلك تفهيم ~~البدوى وكما أن الجوهرى مرحوم إذا بلى بالبدوى والقروى في تفهيم تلك ~~الموازنة فالعارف مرحوم إذ يلى بالبليد الأبلة في تفهيم هذه الموازنة ولذلك ~~قال صلى الله عليه وسلم ارحموا ثلاثة عالما بين الجهال وغنى قوم افتقر ~~وعزيز قوم ذل + حديث ارحموا ثلاثة عالما بين الجهال الحديث أخرجه ابن حبان ~~في الضعفاء من رواية عيسى بن طهمان عن أنس وعيسى ضعيف ورواه فيه من حديث ~~ابن عباس إلا أنه قال عالم تلاعب به الصبيان وفيه أبو البحترى واسمه وهب بن ~~وهب أحد الكذابين + والأنبياء مرحومون بين الأمة بهذا السبب ومقاساتهم ~~لقصور عقول الأمة فتنة لهم وامتحان وابتلاء من الله وبلاء موكل بهم سبق ~~بتوكيله القضاء الأزلى وهو المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم البلاء موكل ~~بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل + حديث البلاء موكل بالأنبياء ثم ~~الأولياء ثم الأمثل فالأمثل أخرجه الترمذي وصححه والنسائى في الكبرى وابن ~~ماجه من حديث سعد بن أبى وقاص وقال قلت يا رسول الله أى الناس أشد بلاء ~~فذكره دون ذكر الأولياء وللطبرانى من حديث فاطمة أشد الناس بلاء الأنبياء ~~ثم الصالحون الحديث + فلا تظنن أن البلاء بلاء أيوب عليه السلام وهو الذى ~~ينزل بالبدن فإن بلاء نوح عليه السلام أيضا من البلاء العظيم إذ بلى بجماعة ~~كان لا يزيدهم دعاؤه إلى الله إلا فرارا ولذلك لما تأذى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم بكلام بعض الناس قال رحم الله أخى موسى لقد أوذى بأكثر من هذا ~~فصبر + حديث رحم الله أخى موسى لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر أخرجه البخاري ~~من حديث ابن مسعود + فإذن لا تخلو الأنبياء PageV04P028 عن الابتلاء ~~بالجاحدين ولا تخلو الأولياء والعلماء عن الابتلاء بالجاهلين ولذلك قلما ~~ينفك الاولياء عن ضروب من الإيذاء وأنواع البلاء بالإخراج من البلاد ~~والسعاية بهم إلى السلاطين والشهادة عليهم بالكفر والخروج عن الدين وواجب ~~أن يكون أهل المعرفة عند أهل الجهل من الكافرين كما يجب ان يكون المعتاض عن ~~الجمل الكبير جوهرة صغيرة عند الجاهلين من المبذرين المضيعين فإذا عرفت هذه ~~الدقائق فآمن بقوله عليه الصلاة والسلام إنه يعطى آخر من يخرج من النار مثل ~~الدنيا عشر مرات وإياك أن تقتصر بتصديقك على ما يدركه البصر والحواس فقط ~~فتكون حمارا برجلين لأن الحمار يشاركك في الحواس الخمس وإنما أنت مفارق ~~للحمار بسر إلهى عرض على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنه وأشفقن ~~منه فإدراك ما يخرج عن عالم الحواس الخمس لا يصادف إلا في عالم ذلك السر ~~الذى فارقت به الحمار وسائر البهائم فمن ذهل عن ذلك وعطله وأهمله وقنع ~~بدرجة البهائم ولم يجاوز المحسوسات فهو الذى أهلك نفسه بتعطيلها ونسيها ~~بالإعراض عنها فلا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم فكل من لم يعرف ~~إلا المدرك بالحواس فقد نسى الله إذ ليس ذات الله مدركا في هذا العالم ~~بالحواس الخمس وكل من نسى الله أنساه الله لا محالة نفسه ونزل إلى رتبة ~~البهائم وترك الترقى إلى الأفق الأعلى وخان في الأمانة التى أودعه الله ~~تعالى وأنعم عليه كافرا لأنعمه ومتعرضا لنقمته إلا انه أسوأ حالا من ~~البهيمة فإن البهيمة تتخلص بالموت وأما هذا فعنده أمانة سترجع لا محالة إلى ~~مودعها فإليه مرجع الأمانة ومصيرها وتلك الأمانة كالشمس الزاهرة وإنما هبطت ~~إلى هذه القالب الفانى وغربت فيه وستطلع هذه الشمس عند خراب هذا القالب من ~~مغربها وتعود إلى بارئها وخالقها إما مظلمة منكسفة وإما زاهرة مشرقة ~~والزاهرة المشرقة غير محجوبة عن حضرة الربوبية والمظلمة أيضا راجعة إلى ~~الحضرة إذ المرجع والمصير للكل إليه إلا أنها ناكسة رأسها عن جهة أعلى ~~عليين إلى جهة أسفل سافلين ولذلك قال تعالى ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا ~~رءوسهم عند ربهم فبين أنهم عند ربهم إلا أنهم منكوسون قد انقلبت وجوههم إلى ~~أقفيتهم وانتكست رءوسهم عن جهة فوق إلى جهة أسفل وذلك حكم الله فيمن حرمه ~~توفيقه ولم يهده طريقه فنعوذ بالله من الضلال والنزول إلى منازل الجهال ~~فهذا حكم انقسام من يخرج من النار ويعطى مثل عشرة أمثال الدنيا أو أكثر ولا ~~يخرج من النار إلا موحد ولست أعنى بالتوحيد أن يقول بلسانه لا إله إلا الله ~~فإن اللسان من عالم الملك والشهادة فلا ينفع إلا في عالم الملك فيدفع السيف ~~عن رقبته وأيدي الغانمين عن ماله ومدة الرقبة والمال مدة الحياة فحيث لا ~~تبقى رقبة ولا مال لا ينفع القول باللسان وإنما ينفع الصدق فى التوحيد ~~وكمال التوحيد أن لا يرى الأمور كلها إلا من الله وعلامته أن لا يغضب على ~~أحد من الخلق بما يجرى عليه إذ لا يرى الوسائط وإنما يرى مسبب الأسباب كما ~~سيأتى تحقيقه فى التوكل وهذا التوحيد متفاوت فمن الناس من له من التوحيد ~~مثل الجبال ومنهم من له مثقال ومنهم من له مقدار خردلة وذرة فمن في قلبه ~~مثقال دينار من إيمان فهو أول من يخرج من النار وفي الخبر يقال أخرجوا من ~~النار من في قلبه مثقال دينار من إيمان + حديث اخرجوا من النار من في قلبه ~~مثقال دينار من إيمان الحديث تقدم + وآخر من يخرج من في قلبه مثقال ذرة من ~~إيمان وما بين المثقال والذرة على قدر تفاوت درجاتهم يخرجون بين طبقة ~~المثقال وبين طبقة الذرة والموازنة بالمثقال والذرة على سبيل ضرب المثل كما ~~ذكرنا في الموازنة بين أعيان الأموال وبين النقود وأكثر ما يدخل الموحدين ~~النار مظالم العباد فديوان العباد هو الديوان الذى لا يترك فأما بقية ~~السيئات فيتسارع العفو والتكفير إليها ففى الأثر إن العبد PageV04P029 ~~ليوقف بين يدي الله تعالى وله من الحسنات أمثال الجبال لو سلمت له لكان من ~~أهل الجنة فيقوم أصحاب المظالم فيكون قد سب عرض هذا وأخذ مال هذا وضرب هذا ~~فيقضى من حسناته حتى لا تبقى له حسنة فتقول الملائكة يا ربنا هذا قد فنيت ~~حسناته وبقى طالبون كثير فيقول الله تعالى ألقوا من سيئاتهم على سيئاته ~~وصكوا له صكا إلى النار وكما يهلك هو بسيئة غيره بطريق القصاص فكذلك ينجو ~~المظلوم بحسنة الظالم إذ ينقل إليه عوضا عما ظلم به وقد حكى عن ابن الجلاء ~~أن بعض إخوانه اغتابه ثم أرسل إليه يستحله فقال لا أفعل ليس في صحيفتي حسنة ~~أفضل منها فكيف أمحوها وقال هو وغيره ذنوب إخوانى من حسناتى أريد أن أزين ~~بها صحيفتي فهذا ما أردنا أن نذكره من اختلاف العباد فى المعاد في درجات ~~السعادة والشقاوة وكل ذلك حكم بظاهر أسباب يضاهى حكم الطبيب على مريض بأنه ~~يموت لا محالة ولا يقبل العلاج وعلى مريض آخر بأن عارضة خفيف وعلاجه هين ~~فإن ذلك ظن يصيب في أكثر الأحوال ولكن قد تثوب إلى المشرف على الهلاك نفسه ~~من حيث لا يشعر الطبيب وقد يساق إلى ذى العارض الخفيف أجله من حيث لا يطلع ~~عليه وذلك من أسرار الله تعالى الخفية في أرواح الأحياء وغموض الأسباب التى ~~رتبها مسبب الأسباب بقدر معلوم إذ ليس في قوة البشر الوقوف على كنهها فكذلك ~~النجاة والفوز في الآخرة لهما أسباب خفية ليس في قوة البشر الاطلاع عليها ~~يعبر عن ذلك السبب الخفى المفضى إلى النجاة بالعفو والرضا عما يفضى إلى ~~الهلاك بالغضب والانتقام ووراء ذلك سر المشيئة الإلهية الأزلية التى لا ~~يطلع الخلق عليها فلذلك يجب علينا أن نجوز العفو عن المعاصى وإن كثرت ~~سيئاته الظاهرة والغضب على المطيع وإن كثرت طاعاته الظاهرة فإن الاعتماد ~~على التقوى والتقوى في القلب وهو اغمض من أن يطلع عليه صاحبه فكيف غيره ~~ولكن قد انكشف لأرباب القلوب أنه لا عفو عن عبد الا بسبب خفى فيه يقتضى ~~العفو ولا غضب إلا بسبب باطن يقتضى البعد عن الله تعالى ولو لا ذلك لم يكن ~~العفو والغضب جزاء على الأعمال والأوصاف ولو لم يكن جزاء لم يكن عدلا ولو ~~لم يكن عدلا لم يصح قوله تعالى وما ربك بظلام للعبيد ولا قوله تعالى إن ~~الله لا يظلم مثقال ذرة وكل ذلك صحيح فليس للإنسان إلا ما سعى وسعيه هو ~~الذى يرى وكل نفس بما كسبت رهينة فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ولما غيروا ~~ما بأنفسهم غير الله ما بهم تحقيقا لقوله تعالى إن الله لا يغير ما بقوم ~~حتى يغيروا ما بأنفسهم وهذا كله قد انكشف لأرباب القلوب انكشافا أوضح من ~~المشاهدة بالبصر إذ للبصر يمكن الغلط فيه إذ قد يرى البعيد قريبا والكبير ~~صغيرا ومشاهدة القلب لا يمكن الغلط فيها وإنما الشأن في انفتاح بصيرة القلب ~~وإلا فما يرى بها بعد الانفتاح فلا يتصور فيه الكذب وإليه الإشارة بقوله ~~تعالى ما كذب الفؤاد ما رأى # الرتبة الثالثة رتبة الناجين وأعنى بالنجاة السلامة فقط دون السعادة ~~والفوز وهم قوم لم يخدموا فيخلع عليهم ولم يقصروا فيعذبوا ويشبه أن يكون ~~هذا حال المجانين والصبيان من الكفار والمعتوهين والذين لم تبلغهم الدعوة ~~في أطراف البلاد وعاشوا على البله وعدم المعرفة فلم يكن لهم معرفة ولا جحود ~~ولا طاعة ولا معصية فلا وسيلة تقربهم ولا جناية تبعدهم فما هم من أهل الجنة ~~ولا من أهل النار بل ينزلون في منزلة بين المنزلتين ومقام بين المقامين عبر ~~الشرع عنه بالأعراف وحلول طائفة من الخلق + حديث حلول طائفة من الخلق ~~الأعراف أخرجه البزار من حديث أبى سعيد الخدري سئل رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم عن أصحاب الأعراف فقال هم رجال قتلوا في سبيل الله وهم عصاة لآبائهم ~~فمنعتهم الشهادة أن يدخلوا النار ومنعتهم المعصيبة أن يدخلوا الجنة وهم على ~~سور بين الجنة والنار الحديث وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف ~~ورواه الطبرانى من رواية + فيه معلوم يقينا من الآيات والأخبار ومن ~~PageV04P030 أبى معشر عن يحيى بن شبل عن عمر بن عبد الرحمن المدنى عن أبيه ~~مختصرا وابو معشر تجيح السندى ضعيف ويحيى بن شبل لا يعرف وللحاكم عن حذيفة ~~قال أصحاب الأعراف قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار وقصرت سيئاتهم من الجنة ~~الحديث وقال صحيح على شرط الشيخين وروى الثعلبى عن ابن عباس قال الأعراف ~~موضع عال في الصراط عليه العباس وحمزة وعلى وجعفر الحديث هذا كذب موضوع ~~وفيه جماعة من الكذابين + أنوار الاعتبار فأما الحكم على العين كالحكم مثلا ~~بأن الصبيان منهم فهذا مظنون وليس بمستيقن والاطلاع عليه تحقيقا في عالم ~~النبوة ويبعد أن ترتقي إليه رتبة الأولياء والعلماء والأخبار في حق الصبيان ~~أيضا متعارضة حتى قالت عائشة رضى الله عنها لما مات بعض الصبيان عصفور من ~~عصافير الجنة فأنكر ذلك الرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال وما يدريك + ~~حديث عائشة أنها قالت لما مات بعض الصبيان عصفور من عصافير الجنة فانكر ذلك ~~رسول الله وقال ما يدريك رواه مسلم قال المصنف والأخبار في حق الصبيان ~~متعارضة قلت روى البخارى من حديث سمرة بن جندب في رؤيا النبي صلى الله عليه ~~وسلم وفيه وأما الرجل الطويل الذى في الروضة فإبراهيم عليه السلام وأما ~~الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة فقيل يا رسول الله وأولاد المشركين ~~قال وأولاد المشركين وللطبرانى من حديثه سألنا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم عن أولاد المشركين فقال هم خدمة أهل الجنة وفيه عباد بن منصور الناجى ~~قاضى البصرة وهو ضعيف يروية عن عيسى ابن شعيب وقد ضعفه ابن حبان وللنسائى ~~من حديث الأسود بن سريع كنا في غزاة لنا الحديث في قتلى الذرية وفيه ألا إن ~~خياركم أبناء المشركين ثم قال لا تقتلوا ذرية وكل نسمة تولد على الفطرة ~~الحديث وإسناده صحيح وفي الصحيحين من حديث أبى هريرة كل مولود يولد على ~~الفطرة الحديث وفى رواية لأحمد ليس مولود يولد إلا على هذه الملة ولأبي ~~داود في آخر الحديث يا رسول الله فرأيت من يموت وهو صغير فقال الله أعلم ~~بما كانوا عاملين وفى الصحيحين من حديث ابن عباس سئل النبي صلى الله عليه ~~وسلم عن أولاد المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين وللطبرانى من حديث ~~ثابت بن الحارث الأنصاري كانت يهودى إذا هلك لهم صبى صغير قالوا هو صديق ~~فقال النبي صلى الله عليه وسلم كذبت يهود ما من نسمة يخلقها الله في بطن ~~أمه إلا أنه شقى أو سعيد الحديث وفيه عبد الله بن لهيعة ولأبى داود من حديث ~~ابن مسعود الوائدة والموءودة في النار وله من حديث عائشة قلت يا رسول الله ~~ذرارى المؤمنين فقال مع آبائهم قلت بلا عمل قال الله أعلم بما كانوا عاملين ~~قلت فذراري المشركين قال مع آبائهم قلت بلا عمل قال الله أعلم بما كانوا ~~عاملين وللطبرانى من حديث خديجة قلت يا رسول الله أين أطفالى منك قال في ~~الجنة قلت بلا عمل قال الله أعلم بما كانوا عاملين قلت أطفالى قبلك قال في ~~النار قلت بلا عمل قال لقد علم الله ما كانوا عاملين وإسناده منقطع بين عبد ~~الله بن الحارث وخديجة وفى الصحيحين من حديث الصعب بن جثامة في أولاد ~~المشركين هم من آبائهم وفى رواية هم منهم + فإذن الإشكال والاشتباه أغلب فى ~~هذا المقام # الرتبة الرابعة رتبة الفائزين وهم العارفون دون المقلدين وهم المقربون ~~السابقون فإن المقلد وإن كان له فوز على الجملة بمقام في الجنة فهو من ~~أصحاب اليمين وهؤلاء هم المقربون وما يلقى هؤلاء يجاوز حد البيان والقدر ~~الممكن ذكره ما فصله القرآن فليس بعد بيان الله بيان والذى لا يمكن التعبير ~~عنه فى هذا العالم فهو الذى أجمله قوله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من ~~قرة أعين وقوله عز وجل أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ~~ولا خطر عل قلب بشر والعارفون مطلبهم تلك الحالة التى لا يتصور أن تخطر على ~~قلب بشر في هذا العالم وأما الحور والقصور والفاكهة واللبن والعسل والخمر ~~والحلى والأساور فإنهم لا يحرصون عليها ولو أعطوها لم يقنعوا بها ولا ~~يطلبون إلا لذة النظر إلى وجه الله تعالى الكريم فهى غاية السعادات ونهاية ~~اللذات ولذلك قيل لرابعة العدوية رحمة الله عليها كيف رغبتك في الجنة فقالت ~~الجار ثم الدار فهؤلاء قوم شغلهم حب رب الدار عن الدار وزينتها بل عن كل ~~شىء سواه حتى عن أنفسهم ومثالهم مثال العاشق المستهتر بمعشوقة المستوفى همه ~~بالنظر إلى وجهه والفكر فيه فإنه فى الحال الاستغراق غافل عن نفسه لا يحس ~~بما يصيبه في بدنه ويعبر على هذه الحالة بأنه فنى عن نفسه ومعناه أنه صار ~~مستغرقا بغيره وصارت همومه هما واحدا وهو محبوبه ولم يبق فيه متسع لغير ~~محبوبه حتى يلتفت إليه لانفسه ولا غير نفسه وهذه الحالة هى التى توصل في ~~الآخرة إلى قرة عين لا يتصور أن PageV04P031 تخطر في هذا العالم على قلب ~~بشر كما لا يتصور أن تخطر صورة الألوان والألحان على قلب الأصم والأكمه إلا ~~أن يرفع الحجاب عن سمعه وبصره فعند ذلك يدرك حالة ويعلم قطعا أنه لم يتصور ~~أن تخطر بباله قبل ذلك صورته فالدنيا حجاب على التحقيق وبرفعه ينكشف الغطاء ~~فعند ذلك يدرك ذوق الطيبة وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون ~~فهذا القدر كاف في بيان توزع الدرجات على الحسنات والله الموفق بلطفه # | بيان ما تعظم به الصغائر من الذنوب # أعلم أن الصغيرة تكبر بأسباب منها الإصرار والمواظبة ولذلك قيل لا صغيرة ~~مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار فكبيرة واحدة تنصرم ولا يتبعها مثلها لو ~~تصور ذلك كان العفو عنها أرجى من صغيرة يواظب العبد عليها ومثال ذلك قطرات ~~من الماء تقع على الحجر على توال فتؤثر فيه وذلك القدر من الماء لو صب عليه ~~دفعة واحدة لم يؤثر ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الأعمال ~~أدومها وإن قل + حديث خير الأعمال أدومها وإن قل متفق عليه من حديث عائشة ~~بلفظ أحب وقد تقدم + والأشياء تستبان بأضداها وإن كان النافع من العمل هو ~~الدائم وإن قل فالكثير المنصرم قليل النفع فى تنوير القلب وتطهيره فكذلك ~~القليل من السيئات إذا دام عظم تأثيره في اظلام القلب إلا أن الكبيرة قلما ~~يتصور الهجوم عليها بغتة من غير سوابق ولو احق من جملة الصغائر فقلما يزنى ~~الزانى بغتة من غير مراودة ومقدمات وقلما يقتل بغتة من غير مشاحنة سابقة ~~ومعاداة فكل كبيرة تكتنفها صغائر سابقة ولا حقة ولو تصورت كبيرة وحدها بغتة ~~ولم يتفق إليها عود ربما كان العفو فيها أرجى من صغيرة واطب الإنسان عليها ~~عمره ومنها أن يستصغر الذنب فإن الذنب كلها استعظمه العبد من نفسه صغر عند ~~الله تعالى لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب عنه وكراهيته له وذلك النفور ~~يمنع من شدة تأثره به واستصغاره يصدر عن الألف به وذلك يوجب شدة الأثر في ~~القلب والقلب هو المطلوب تنويره بالطاعات والمحذور تسويده بالسيئات ولذلك ~~لا يؤاخذ بما يجرى عليه في الغفلة فإن القلب لا يتأثر بما يجرى في الغفلة ~~وقد جاء في الخبر المؤمن يرى ذنبه كالجبل فوقه يخاف أن يقع عليه والمنافق ~~يرى ذنبه كذباب مر على أنفه فأطاره + حديث المؤمن يرى دنبه كالجبل فوقه ~~الحديث أخرجه البخارى من رواية الحارث بن سويد قال حدثنا عبد الله ابن ~~مسعود حديثين أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر عن نفسه فذكر هذا ~~وحديث لله أفرح بتوبة العبد ولم يبين المرفوع من الموقوف وقد رواه البيهقى ~~في الشعب من هذا + وقال بعضهم الذنب الذى لا يغفر قول العبد ليت كل ذنب ~~عملته مثل هذا وإنما يعظم الذنب في قلب المؤمن لعلمه بجلال الله فإذا نظر ~~إلى عظم من عصى به رأى الصغيرة كبيرة وقد أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه ~~لا تنظر إلى قلة الهدية وانظر إلى عظم مهديها ولا تنظر إلى صغر الخطيئة ~~وانظر إلى كبرياء من واجهته بها وبهذا الاعتبار قال بعض العارفين لا صغيرة ~~بل كل مخالفة فهى كبيرة وكذلك قال بعض الصحابة رضى الله عنهم للتابعين ~~وإنكم لتعملون أعمالا هى في أعينكم أدق من الشعر كنا نعدها على عهد رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات إذ كانت معرفة الصحابة بجلال الله أتم ~~فكانت الصغائر عندهم بالإضافة إلى جلال الله تعالى من الكبائر وبهذا السبب ~~يعظم من العالم ما لا يعظم من الجاهل ويتجاوز عن العامى في أمور لا يتجاوز ~~في أمثالها عن العارف لأن الذنب والمخالفة يكبر بقدر معرفة المخالف ومنها ~~السرور بالصغيرة والفرح والتبجح بها واعتداد التمكن من ذلك نعمة والغفلة عن ~~كونه سبب الشقاوة فكلما غلبت حلاوة الصغيرة عند العبد كبرت الصغيرة وعظم ~~أثرها في تسويد قلبه حتى ان من المذنبين من يتمدح بذنبه ويتبجح به لشدة ~~فرحه بمقارفته إياه PageV04P032 كما يقول أما رأيتنى كيف مزقت عرضه ويقول ~~المناظر في مناظرته أما رأيتنى كيف فضحته وكيف ذكرت مساوية حتى أخجلته وكيف ~~استخففت به وكيف لبست عليه ويقول المعامل في التجارة أما رأيت كيف روجت ~~عليه الزائف وكيف خدعته وكيف غبنته في ماله وكيف استحمقته فهذا وامثاله ~~تكبر به الصغائر فإن الذنوب مهلكات وإذا دفع العبد إليها وظفر الشيطان به ~~في الحمل عليها فينبغى ان يكون في مصيبة وتأسف بسبب غلبة العدو عليه وبسبب ~~بعده من الله تعالى فالمريض الذى يفرح بأن ينكسر إناؤه الذى فيه دواؤه حتى ~~يتخلص من ألم شربه لا يرجى شفاؤه ومنها أن يتهاون بستر الله عليه وحلمه عنه ~~وإمهاله إياه ولا يدرى أنه إنما يمهل مقتا ليزداد بالإمهال إثما فيظن أن ~~تمكنه من المعاصى عناية من الله تعالى به فيكون ذلك لأمنه من مكر الله ~~وجهله بمكامن الغرور بالله كما قال تعالى ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا ~~الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير ومنها أن يأتى الذنب ويظهره ~~بأن يذكره بعد إتيانه أو يأتيه في مشهد غيره فإن ذلك جناية منه على ستر ~~الله الذى سدله عليه وتحريك لرغبة الشر فيمن أسمعه ذنبه أو أشهده فعله فهما ~~جنايتان انضمتا إلى جنايته فغلظت به فإن انضاف إلى ذلك الترغيب للغير فيه ~~والحمل عليه وتهيئة الأسباب له صارت جناية رابعه وتفاحش الأمر وفى الخبر كل ~~الناس معافى إلا المجاهرين يبيت أحدهم على ذنب قد ستره الله عليه فيصبح ~~فيكشف ستر الله ويتحدث بذنبه + حديث كل الناس معافى إلا المجاهرين الحديث ~~متفق عليه من حديث أبى هريرة بلفظ كل أمتى وقد تقدم + وهذا لأن من صفات ~~الله ونعمه أنه يظهر الجميل ويستر القبيح ولا يهتك الستر فالإظهار كفران ~~لهذه النعمة وقال بعضهم لا تذنب فإن كان ولا بد فلا ترغب غيرك فيه فتذنب ~~ذنبين ولذلك قال تعالى المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر ~~وينهون عن المعروف وقال بعض السلف ما انتهك المرء من أخيه حرمه أعظم من أن ~~يساعده على معصية ثم يهونها عليه ومنها أن يكون المذنب عالما يقتدى به فإذا ~~فعله بحيث يرى ذلك منه كبر ذنبه كلبس العالم الإبريسم وركوبه مراكب الذهب ~~وأخذه مال الشبهة من أموال السلاطين ودخوله على السلاطين وتردده عليهم ~~ومساعدته إياهم بترك الإنكار عليهم وإطلاق اللسان فى الأعراض وتعديه ~~باللسان في المناظرة وقصده الاستخفاف واشتغاله من العلوم بما لا يقصد منه ~~إلا الجاه كعلم الجدل والمناظرة فهذه ذنوب يتبع العالم عليها فيموت العالم ~~ويبقى شره مستطيرا فى العالم آماد متطاولة فطوبى لمن إذا مات ماتت ذنوبه ~~معه وفى الخبر من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص من ~~أوزارهم شيئا + حديث من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الحديث ~~أخرجه مسلم من حديث جرير بن عبد الله وقد تقدم فى آداب الكسب + قال تعالى ~~ونكتب ما قدموا وآثارهم والآثار ما يلحق من الأعمال بعد انقضاء العمل ~~والعامل وقال ابن عباس ويل للعالم من الاتباع يزل زلة فيرجع عنها ويحملها ~~الناس فيذهبون بها في الآفاق وقال بعضهم مثل زلة العالم مثل انكسار السفينة ~~تغرق ويغرق أهلها وفى الإسرائيليات أن عالما كان يضل الناس بالبدعة ثم ~~أدركته توبة فعمل فى الإصلاح دهرا فأوحى الله تعالى إلى نبيهم قل له إن ~~ذنبك لو كان فيما بينى وبينك لغفرته لك ولكن كيف بمن أضللت من عبادي ~~فأدخلتهم النار فبهذا يتضح أن أمر العلماء مخطر فعليهم وظيفتان إحداهما ترك ~~الذنب والأخرى إخفاءه وكما تتضاعف أوزارهم على الذنوب فكذلك يتضاعف ثوابهم ~~على الحسنات إذا أتبعوا فإذا ترك التجمل والميل إلى الدنيا وقنع منها ~~باليسير ومن الطعام بالقوت ومن الكسوة بالخلق فيتبع عليه ويقتدي به العلماء ~~والعوام فيكون له مثل ثوابهم وإن مال إلى التجمل مالت طباع من دونه إلى ~~التشبه به ولا يقدرون على التجمل إلا بخدمة السلاطين PageV04P033 وجمع ~~الحطام من الحرام ويكون هو السبب في جميع ذلك فحركات العلماء في طورى ~~الزيادة والنقصان تتضاعف آثارها أما بالربح وإما بالخسران وهذا القدر كاف ~~فى تفاصيل الذنوب التى التوبة توبة عنها الركن الثالث في تمام التوبة ~~وشروطها ودوامها إلى آخر العمر # قد ذكرنا ان التوبة عبارة عن ندم يورث عزما وقصدا وذلك الندم أورثه العلم ~~بكون المعاصى حائلا بينه وبين محبوبه ولكل واحد من العلم والندم والعزم ~~دوام وتمام ولتمامها علامة ولدوامها شرط فلا بد من بيانها أما العلم فالنظر ~~فيه نظر في سبب التوبة وسيأتى وأما الندم فهو توجع القلب عند شعوره بفوات ~~المحبوب وعلامته طول الحسرة والحزن وانسكاب الدمع وطول البكاء والفكر فمن ~~استشعر عقوبة نازلة بولده أو ببعض أعزته طال عليه مصيبته وبكاؤه وأى عزيز ~~أعز عليه من نفسه وأى عقوبة أشد من النار وأى شيء أدل على نزول العقوبة من ~~المعاصى وأى مخبر أصدق من الله ورسوله ولو حدثه انسان واحد يسمى طبيبا أن ~~مرض ولده المريض لا يبرأ وأنه سيموت منه لطال في الحال حزنه فليس ولده بأعز ~~من نفسه ولا الطبيب بأعلم ولا أصدق من الله ورسوله ولا الموت بأشد من النار ~~ولا المرض بأدل على الموت من المعاصى على سخط الله تعالى والتعرض بها للنار ~~فألم الندم كلما كان أشد كان تكفير الذنوب به أرجى فعلامة صحة الندم رقة ~~القلب وغزارة الدمع وفى الخبر جالسوا التوابين فانهم أرق أفئدة + حديث ~~جالسوا التوابين فإنهم أرق أفئدة لم أجده مرفوعا وهو من قول عون بن عبد ~~الله رواه ابن أبى الدنيا في التوبة قال جالسوا التوابين فإن رحمه الله إلى ~~النادم أقرب وقال أيضا فالموعظة إلى قلوبهم أسرع وهم إلى الرقة أقرب وقال ~~أيضا التائب أسرع دمعا وأرق قلبا + ومن علامته أن تتمكن مرارة تلك الذنوب ~~في قلبه بدلا عن حلاوتها فيستبدل بالميل كراهية وبالرغبة نفرة وفي ~~الاسرائيليات إن الله سبحانه وتعالى قال لبعض أنبيائه وقد سأله قبول توبة ~~عبد بعد أن اجتهد سنين قي العبادة ولم ير قبول توبته فقال وعزتى وجلالى لو ~~شفع فيه أهل السموات والأرض ما قبلت توبته وحلاوة ذلك الذنب الذى تاب منه ~~في قلبه # فإن قلت فالذنوب هى أعمال مشتهاة بالطبع فكيف يجد مرارتها فأقول من تناول ~~عسلا كان فيه سم ولم يدركه بالذوق واستلذه ثم مرض وطال مرضه وألمه وتناثر ~~شعره وفلجت أعضاؤه فإذا قدم إليه عسل فيه مثل ذلك السم وهو فى غاية الجوع ~~والشهوة للحلاوة فهل تنفر نفسه عن ذلك العسل أم لا فإن قلت لا فهو جحد ~~للمشاهدة والضرورة بل ربما تنفر عن العسل الذى ليس فيه سم أيضا لشبهه به ~~فوجدان التائب مرارة الذنب كذلك يكون وذلك لعلمه بأن كل ذنب فذوقه ذوق ~~العسل وعمله عمل السم ولا تصح التوبة ولا تصدق إلا بمثل هذا الإيمان ولم عز ~~مثل هذا الإيمان عزت التوبة والتائبون فلا ترى إلا معرضا عن الله تعالى ~~متهاونا بالذنوب مصرا عليها فهذا شرط تمام الندم وينبغى ان يدوم إلى الموت ~~وينبغى أن يجد هذه المرارة فى جميع الذنوب وإن لم يكن قد ارتكبها من قبل ~~كما يجد متناول السم في العسل النفره من الماء البارد مهما علم أن فيه مثل ~~ذلك السم إذ لم يكن ضرره من العسل بل مما فيه ولم يكن ضرر التائب من سرقته ~~وزناه من حيث أنه سرقة وزنا بل من حيث انه من مخالفة أمر الله تعالى وذلك ~~جار في كل ذنب وأما القصد الذى ينبعث منه هو أرادة التدارك فله تعلق بالحال ~~وهو يوجب ترك كل محظور هو ملابس له وأداء كل فرض وهو متوجه عليه في الحال ~~وله تعلق بالماضى وهو تدارك ما فرط وبالمستقبل وهو دوام الطاعة ودوام ترك ~~المعصية إلى الموت # وشرط صحتها فيما يتعلق بالماضى أن يرد فكره إلى أول يوم بلغ فيه بالسن أو ~~الاحتلام ويفتش عما مضى من PageV04P034 عمره سنة سنة وشهرا شهرا ويوما يوما ~~ونفسا نفسا وينظر إلى الطاعات ما الذى قصر فيه منها والى المعاصى ما الذى ~~قارفه منها # فان كان قد ترك صلاة أو صلاها فى ثوب نجس أو صلاها في بنية غير صحيحة ~~لجهله بشرط النية فيقضيها عن آخرها فإن شك في عدد ما فاته منها حسب من مدة ~~بلوغه وترك القدر الذى يستيقن انه أداه ويقضى الباقى وله أن يأخذ فيه بغالب ~~الظن ويصل اليه على سبيل التحرى والاجتهاد # وأما الصوم فإن كان قد تركه في سفر ولم يقضه أو أفطر عمدا أو نسى النبة ~~بالليل ولم يقض فيتعرف مجموع ذلك بالتحرى والاجتهاد ويشتغل بقضائه # وأما الزكاة فيحسب جميع ماله وعدد السنين من أول ملكه لا من زمان البلوغ ~~فإن الزكاة واجبه في مال الصبى فيؤدي ما علم بغالب الظن انه في ذمته فإن ~~أداه لا على وجه يوافق مذهبه بأن لم يصرف إلى الأصناف الثمانية أو أخرج ~~البدل وهو على مذهب الشافعى رحمه الله تعالى فيقضى جميع ذلك فإن ذلك لا ~~يجزيه أصلا وحساب الزكاة ومعرفة ذلك يطول ويحتاج فيه إلى تأمل شاف ويلزمه ~~ان يسأل عن كيفية الخروج عنه من العلماء # وأما الحج فإن كان قد استطاع فى بعض السنين ولم يتفق له الخروج والآن قد ~~افلس فعليه الخروج فإن لم يقدر مع الإفلاس فعليه أن يكتسب من الحلال قدر ~~الزاد فإن لم يكن له كسب ولا مال فعليه أن يسأل الناس ليصرف إليه الزكاة أو ~~الصدقات ما يحج به فإن إن مات قبل الحج مات عاصيا قال عليه السلام من مات ~~ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا + حديث من مات ولم يحج فليمت ~~إن شاء يهوديا الحديث تقدم فى الحج + والعجز الطارىء بعد القدرة لا يسقط ~~عنه الحج فهذا طريق تفتيشه عن الطاعات وتداركها # وأما المعاصى فيجب أن يفتش من أول بلوغه عن سمعه وبصره ولسانه وبطنه ويده ~~ورجله وفرجه وسائر جوارحه ثم ينظر في جميع أيامه وساعاته ويفصل عند نفسه ~~ديوان معاصيه حتى يطلع على جميعها صغائرها وكبائرها ثم ينظر فيها فما كان ~~من ذلك بينه وبين الله تعالى من حيث لا يتعلق بمظلمة العباد كنظر إلى غير ~~محرم وقعود في مسجد مع الجنابة ومس مصحف بغير وضوء واعتقاد بدعة وشرب خمر ~~وسماع ملاه وغيره ذلك مما لا يتعلق بمظالم العباد فالتوبة عنها بالندم ~~والتحسر عليها وبأن يحسب مقدارها من حيث الكبر ومن حيث المدة ويطلب لكل ~~معصية منها حسنة تناسبها فيأتى من الحسنات بمقدار تلك السيئات أخذا من قوله ~~صلى الله عليه وسلم اتق الله حيث كنت وأتبع السيئة تمحها + حديث اتق الله ~~حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها أخرجه الترمذى من حديث أبى ذر وصححه ~~وتقدم أوله في آداب الكسب وبعضه فى أوائل التوبة وتقدم فى رياضة النفس + بل ~~من قوله تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات فيكفر سماع الملاهى بسماع القرآن ~~وبمجالس الذكر ويكفر القعود في المسجد جنبا بالاعتكاف فيه مع الاشتغال ~~بالعبادة ويكفر مس المصحف محدثا بإكرام المصحف وكثرة قراءة القرآن منه ~~وكثرة تقبيله بأن يكتب مصحفا ويجعله وقفا ويكفر شرب الخمر بالتصدق بشراب ~~حلال هو أطيب منه وأحب إليه وعد جميع المعاصى غير ممكن وإنما المقصود سلوك ~~الطريق المضادة فإن المرض يعالج بضده فكل ظلمة ارتفعت إلى القلب بمعصية فلا ~~يمحوها إلا نور يرتفع إليها بحسنة تضادها والمتضادات هى المتناسبات فلذلك ~~ينبغى أن تمحى كل سيئة بحسنة من جنسها لكن تضادها فإن البياض يزال بالسواد ~~لا بالحرارة والبرودة وهذا التدريج والتحقيق من التلطف فى طريق المحو ~~فالرجاء فيه أصدق والثقة PageV04P035 به أكثر من أن يواظب على نوع واحد من ~~العبادات وإن كان ذلك أيضا مؤثرا فى المحو فهذا حكم ما بينه وبين الله ~~تعالى ويدل على أن الشىء يكفر بضده أن حب الدنيا رأس كل خطيئة وأثر اتباع ~~الدنيا في القلب السرو بها والحنين إليها فلا جرم كان كل أذى يصيب المسلم ~~ينبو بسببه قلبه عن الدنيا يكون كفارة له إذ القلب يتجافى بالهموم والغموم ~~عن دار الهموم قال صلى الله عليه وسلم من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهموم ~~+ حديث من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهموم وفى لفظ آخر إلا الهم فى طلب ~~المعيشة أخرجه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية والخطيب في التلخيص ~~من حديث أبى هريرة بسند ضعيف تقدم فى النكاح + وفى لفظ آخر إلا الهم بطلب ~~المعيشة وفى حديث عائشة رضى الله عنها إذا كثرت ذنوب العبد ولم تكن له ~~أعمال تكفرها أدخل الله تعالى عليه الهموم فتكون كفارة لذنوبه + حديث إذا ~~كثرت ذنوب العبد ولم يكن له أعمال تكفرها أدخل الله عليه الغموم وتقدم أيضا ~~فى النكاح وهو عند أحمد من حديث عائشة بلفظ ابتلاه الله بالحزن + ويقال إن ~~الهم الذى يدخل على القلب والعبد لا يعرف هو ظلمه الذنوب والهم بها وشعور ~~القلب بوقفه الحساب وهول المطلع # فإن قلت هم الإنسان غالبا بما له وولده وجاهه وهو خطيئة فكيف يكون كفارة ~~فاعلم أن الحب له خطيئة والحرمان عنه كفارة ولو تمتع به لتمت الخطيئة فقد ~~روى أن جبريل عليه السلام دخل على يوسف عليه السلام فى السجن فقال له كيف ~~تركت الشيخ الكئيب فقال قد حزن عليك حزن مائة ثكلى قال فما له عند الله قال ~~اجر مائة شهيد فإذن الهموم أيضا مكفرات حقوق الله فهذا حكم ما بينه وبين ~~الله تعالى # وأما مظالم العباد ففيها أيضا معصية وجناية على حق الله تعالى فإن الله ~~تعالى نهى عن ظلم العباد أيضا فما يتعلق منه بحق الله تعالى تداركه بالندم ~~والتحسر وترك مثله في المستقبل والإتيان بالحسنات التى هى أضدادها فيقابل ~~إيذاءه الناس بالإحسان إليهم ويكفر غصب أموالهم بالتصدق بملكه الحلال ويكفر ~~تناول أعراضهم بالغيبة والقدح فيهم بالثناء على أهل الدين وإظهار ما يعرف ~~من خصال الخير من أقرانه وأمثاله ويكفر قتل النفوس بإعتاق الرقاب لأن تلك ~~إحياء إذ العبد مفقود لنفسه موجود لسيده والإعتاق إيجاد لا يقدر الإنسان ~~على أكثر منه فيقابل الإعدام بالإيجاد وبهذا تعرف أن ما ذكرناه من سلوك ~~طريق المضادة في التكفير والمحو مشهود له في الشرع حيث كفر القتل بإعتاق ~~رقبة ثم إذا فعل ذلك كله لم يكفه ما لم يخرج عن مظالم العباد ومظالم العباد ~~إما فى النفوس أو الأموال أو الأعراض أو القلوب أعنى به الإيذاء المحض # أما النفوس فإن جرى عليه قتل خطأ فنوبته بتسليم الدية ووصولها إلى ~~المستحق إما منه أو من عاقلته وهو فى عهدة ذلك قبل الوصول وإن كان عمدا ~~موجبا للقصاص فبالقصاص فإن لم يعرف فيجب عليه أن يتعرف عند ولى الدم ويحكمه ~~فى روحه فإن شاء عفا عنه وإن شاء قتله ولا تسقط عهدته إلا بهذا ولا يجوز له ~~الإخفاء وليس هذا كما لو زنى أو شرب أو سرق أو قطع الطريق أو باشر ما يجب ~~عليه فيه حد الله تعالى فإنه لا يلزمه فى التوبة أن يفضح نفسه ويهتك ستره ~~ويلتمس من الوالى استيفاء حق الله تعالى بل عليه أن بستر الله تعالى ويقيم ~~حد الله على نفسه بأنواع المجاهدة والتعذيب فالعفو فى محض حقوق الله تعالى ~~قريب من التائبين النادمين فإن أمر هذه إلى الوالى حتى أقام عليه الحد وقع ~~موقعه وتكون توبته صحيحة مقبوله عند الله تعالى بدليل ما روى أن ما عز بن ~~مالك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنى قد ظلمت نفسى ~~وزنيت وإنى أريد أن تطهرنى فرده فلما كان من الغد اتاه فقال يا رسول الله ~~إنى قد زنيت فرده الثانية فلما كان فى الثالثة أمر به فحفر له حفرة ثم أمر ~~به PageV04P036 فرجم فكان الناس فيه فريقين فقائل يقول لقد هلك وأحاطت به ~~خطيئته وقائل يقول ما توبة أصدق من توبته فقال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لو سعتهم + حديث اعتراف ما عز بالزنا ~~ورده صلى الله عليه وسلم حتى اعترف اربعا وقوله لقد تاب توبة الحديث أخرجه ~~مسلم من حديث بريدة بن الخصيب + وجاءت الغامدية فقالت يا رسول الله إنى قد ~~زنيت فطهرنى فردها فلما كان من الغد قالت يا رسول الله لم تردنى لعلك تريد ~~أن ترددنى كما رددت ما عزا فو الله إنى لحبلى فقال صلى الله عليه وسلم أما ~~الآن فاذهبى حتى تضعى فلما ولدت أتت بالصبى فى خرقة فقالت هذا قد ولدته قال ~~اذهبى فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتت بالصبي وفى يده كسرة خبز فقالت ~~يانبى الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبى إلى رجل من المسلمين ثم أمر ~~بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى ~~رأسها فتنضح الدم على وجهه فسبها فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبه ~~إياها فقال مهلا يا خالد فو الذى نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب ~~مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفت + حديث الغامدية واعترافها بالزنا ~~ورجمها وقوله صلى الله عليه وسلم لقد تابت توبة الحديث أخرجه مسلم من حديث ~~بريدة وهو بعض الذى قبله + # وأما القصاص وحد القذف فلا بد من تحليل صاحبه المستحق فيه وإن كان ~~المتناول مالا تناوله بغصب أو خيانة أو غبن فى معاملة بنوع تلبيس كترويج ~~زائف أو ستر عيب من المبيع أو نقص أجرة أجير أو منع اجرته فكل ذلك يجب أن ~~يفتش عنه لا من حد بلوغه بل من أول مدة وجوده فإن ما يجب فى مال الصبى يجب ~~على الصبي إخراجه بعد البلوغ إن كان الولى قد قصر فيه فإن لم يفعل كان ~~ظالما مطالبا به إذ يستوى فى الحقوق المالية الصبي والبالغ وليحاسب نفسه ~~على الحبات والدوانق من أول يوم حياته إلى يوم توبته قبل أن يحاسب فى ~~القيامة وليناقش قبل أن يناقش فمن لم يحاسب نفسه فى الدنيا طال فى الآخرة ~~حسابه فإن حصل مجموع ما عليه بظن غالب ونوع من الاجتهاد ممكن فليكتبه ~~وليكتب أسامى أصحاب المظالم واحدا واحدا وليطف فى نواحى العالم وليطلبهم ~~وليستحلهم أو ليؤد حقوقهم وهذه التوبة تشق على الظلمة وعلى التجار فإنهم لا ~~يقدرون على طلب المعاملين كلهم ولا على طلب ورثتهم ولكن على كل واحد منهم ~~أن يفعل منه ما يقدر عليه فإن عجز فلا يبقى له طريق إلا أن يكثر من الحسنات ~~حتى تفيض عنه يوم القيامة فتؤخذ حسناته وتوضع فى موازين أرباب المظالم ولكن ~~كثرة حسناته بقدر كثرة مظالمه فإنه إن لم تف بها حسناته حمل من سيئاته ~~أرباب المظالم فيهلك بسيئات غيره فهذا طريق كل تائب فى رد المظالم وهذا ~~يوجب استغراق العمر فى الحسنات لو طال العمر بحسب طول مدة الظلم فكيف وذلك ~~مما لا يعرف وربما يكون الأجل قريبا فينبغى أن يكون تشميرة للحسنات والوقت ~~ضيق أشد من تشميرة الذى كان فى المعاصى فى متسع الأوقات هذا حكم المظالم ~~الثابتة فى ذمته # أما أمواله الحاضرة فليرد إلى المالك ما يعرف له مالكا معينا وما لا يعرف ~~له مالكا فعليه أن يتصدق به فإن اختلط الحلال بالحرام فعليه أن يعرف قدر ~~الحرام بالاجتهاد ويتصدق بذلك المقدار كما سبق تفصيله فى كتاب الحلال ~~والحرام # وأما الجناية على القلوب بمشافهة الناس بما يسوؤهم أو يعيهم فى الغيبة ~~فيطلب كل من تعرض له بلسان أو آذى قلبه بفعل من أفعاله وليستحل واحدا واحدا ~~منهم ومن مات أو غاب فقد فات أمره ولا يتدارك إلا بتكثير الحسنات لتؤخذ منه ~~عوضا فى القيامة وأما من وجده وأحله بطيب قلب منه فذلك كفارته وعليه أن ~~يعرفه قدر جنايته PageV04P037 وتعرضه له فالاستحلال المبهم لا يكفى وربما ~~لو عرف ذلك وكثرة تعدية عليه لم تطب نفسه بالإحلال وادخر ذلك فى القيامة ~~ذخيرة يأخذها من حسناته أو يحمله من سيئاته فإن كان فى جملة جنايته على ~~الغير ما لو ذكره وعرفه لتأذى بمعرفته كزناه بجاريته أو أهله أو نسبته ~~باللسان إلى عيب من خفايا عيوبه يعظم أذاه مهما شوفة به فقد انسد عليه طريق ~~الاستحلال فليس له إلا أن يستحل منها ثم تبقى له مظلمة فليجبرها بالحسنات ~~كما يجبر مظلمة الميت والغائب # وأما الذكر والتعريف فهو سيئة جديدة يجب الاستحلال منها ومهما ذكر جنايته ~~وعرفه المجنى عليه فلم تسمح نفسه بالاستحلال بقيت المظلمة عليه فإن هذا حقه ~~فعليه أن يتلطف به ويسعى فى مهماته وأغراضه ويظهر من حبه والشفقه عليه ما ~~يستميل به قلبه فإن الإنسان عبد الإحسان وكل من نفر بسيئة مال بحسنة فإذا ~~طاب قلبه بكثرة تودده وتلطفه سمحت نفسه بالإحلال فإن أبى إلا الإصرار فيكون ~~تلطفه به واعتذاره إليه من جملة حسناته التى يمكن أن يجبر بها فى القيامة ~~جنايته وليكن قدر سعيه فى فرحه وسرور قلبه بتودده وتلطفه كقدر سعيه فى اذاه ~~حتى إذا قاوم أحدهما الآخر أو زاد عليه أخذ ذلك منه عوضا فى القيامة بحكم ~~الله به عليه كمن أتلف فى الدنيا ما لا فجاء بمثله فامتنع من له المال من ~~القبول وعن الإبراء فإن الحاكم يحكم عليه بالقبض منه شاء أم أبى فكذلك يحكم ~~فى صعيد القيامة أحكم الحاكمين وأعدل المقسطين وفى المتفق عليه من الصحيحين ~~عن أبى سعيد الخدرى أن نبى الله صلى الله عليه وسلم كان فيمن كان قبلكم رجل ~~قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه ~~قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة قال لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن ~~أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال له إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة ~~قال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى الأرض كذا وكذا فإن بها أناسا ~~يعبدون الله عز وجل فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء ~~فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة ~~العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة ~~العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك فى صورة آدمي فجعلوه حكما بينهم ~~فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوا فوجوده أدنى ~~إلى الأرض التى أراد فقبضته ملائكة الرحمة + حديث أبى سعيد الخدري المتفق ~~عليه كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين فسأل عن أعلم أهل الأرض ~~الحديث هو متفق عليه كما قال المصنف من حديث أبى سعيد + وفى رواية فكان إلى ~~القرية الصالحة أقرب منها بشبر فجعل من أهلها وفى رواية فأوحى الله تعالى ~~إلى هذه أن تباعدى وإلى هذه أن تقربى وقال قيسوا ما بينهما فوجدوه إلى هذه ~~أقرب بشبر فغفر له فبهذا تعرف أنه لاخلاص إلا برجحان ميزان الحسنات ولو ~~بمثقال ذرة فلا بد للتائب من تكثير الحسنات هذا حكم القصد المتعلق بالماضى # وأما العزم المرتبط بالاستقبال فهو أن يعقد مع الله عقدا مؤكدا ويعاهده ~~بعهد وثيق أن لا يعود إلى تلك الذنوب ولا إلى أمثالها كالذى يعلم فى مرضه ~~أن الفاكهة تضره مثلا فيعزم عزما جزما أنه لا يتناول الفاكهة ما لم يزل ~~مرضه فإن هذا العزم يتأكد فى الحال وإن كان يتصور أن تغلبه الشهوة فى ثانى ~~الحال ولكن لا يكون تائبا ما لم يتأكد عزمه فى الحال ولا يتصور أن يتم ذلك ~~للتائب فى أول أمره إلا بالعزلة والصمت وقلة الأكل والنوم وإحراز قوت حلال ~~فإن كان له مال موروث حلال أو كانت له حرفة يكتسب بها قدر الكفاية فليقتصر ~~عليه PageV04P038 فإن رأس المعاصى أكل الحرام فكيف يكون تائبا مع الإصرار ~~عليه ولا يكتفى بالحلال وترك الشبهات من لا يقدر على ترك الشهوات فى ~~المأكولات والملبوسات وقد قال بعضهم من صدق فى ترك شهوة وجاهد نفسه لله سبع ~~مرار لم يبتل بها وقال آخر من تاب من ذنب واستقام سبع سنين لم يعد إليه ~~أبدا ومن مهمات التائب إذا لم يكن عالما أن يتعلم ما يجب عليه فى المستقبل ~~وما يحرم عليه حتى يمكنه الاستقامه وإن لم يؤثر العزلة لم تتم له الاستقامة ~~المطلقة إلا أن يتوب عن بعض الذنوب كالذى يتوب عن الشرب والزنا والغصب مثلا ~~وليست هذه توبة مطلقة # وقد قال بعض الناس إن هذه التوبة لا تصح وقال قائلون تصح ولفظ الصحة فى ~~هذا المقام مجمل بل نقول لمن قال لا تصح إن عنيت به أن تركه بعض الذنوب لا ~~يفيد أصلا بلا وجوده كعدمه فما أعظم خطأك فإنا نعلم أن كثرة الذنوب سبب ~~لكثرة العقاب وقلتها سبب لقلته ونقول لمن قال تصح إن أردت به أن التوبة عن ~~بعض الذنوب توجب قبولا يوصل إلى النجاة أو الفوز فهذا أيضا خطأ بل النجاة ~~والفوز بترك الجميع هذا حكم الظاهر ولسنا نتكلم فى خفايا أسرار عفو الله ~~فإن قال من ذهب إلى أنها لا تصح إنى أردت به أن التوبة عبارة عن الندم ~~وإنما يندم على السرقة مثلا لكونها معصية لا لكونها سرقة ويستحيل أن يندم ~~عليها دون الزنا إن كان توجعه لأجل المعصية فإن العلة شاملة لهما إذ من ~~يتوجع على قتل ولده بالسيف يتوجع على قتله بالسكين لأن توجعه بفوات محبوبه ~~سواء كان بالسيف أو بالسكين فكذلك توجع العبد بفوات محبوبه وذلك بالمعصية ~~سواء عصى بالسرقة أو الزنا فكيف يتوجع على البعض دون البعض فالندم حالة ~~يوجبها العلم بكون المعصية مفوتة للمحبوب من حيث إنها معصية فلا يتصور أن ~~يكون على بعض المعاصى دون البعض ولو جاز هذا لجاز أن يتوب من شرب الخمر من ~~أحد الدنين دون الآخر فإن استحال ذلك من حيث إن المعصية فى الخمرين واحد ~~وإنما الدنان ظروف فكذلك أعيان المعاصى آلات للمعصية والمعصية من حيث ~~مخالفة الأمر واحدة فإذن معنى عدم الصحة أن الله تعالى وعد التائبين رتبة ~~وتلك الرتبة لا تنال إلا بالندم ولا يتصور الندم على بعض المتماثلات فهو ~~كالملك المرتب على الإيجاب والقبول فإنه إذا لم يتم الإيجاب والقبول نقول ~~إن العقد لا يصح أى لم تترتب عليه الثمرة وهو الملك وتحقيق هذا أن ثمرة ~~مجرد الترك أن ينقطع عنه عقاب ما تركه وثمرة الندم تكفير ما سبق فترك ~~السرقة لا يكفر السرقة بل الندم عليها ولا يتصور الندم إلا لكونها معصية ~~وذلك يعم جميع المعاصى وهو كلام مفهوم واقع يستنطق المنصف بتفصيل به ينكشف ~~الغطاء # فنقول التوبة عن بعض الذنوب لا تخلو إما أن تكون عن الكبائر دون الصغائر ~~أو عن الصغائر دون الكبائر أو عن كبيرة دون كبيرة أما التوبة عن الكبائر ~~دون الصغائر فأمر ممكن لأنه يعلم أن الكبائر أعظم عند الله وأجلب لسخط الله ~~ومقته والصغائر أقرب إلى تطرق العفو إليها فلا يستحيل أن يتوب عن الأعظم ~~ويتندم عليه كالذى يجنى على أهل الملك وحرمه ويجنى على دابته فيكون خائفا ~~من الجناية على الأهل مستحقرا للجناية على الدابة والندم بحسب استعظام ~~الذنب واعتقاد كونه مبعدا عن الله تعالى وهذا ممكن وجوده فى الشرع فقد كثر ~~التائبون فى الأعصار الخاليه ولم يكن أحد منهم معصوما فلا تستدعى التوبة ~~العصمة والطبيب قد يحذر المريض العسل تحذيرا شديدا ويحذره السكر تحذيرا أخف ~~منه على وجه يشعر معه أنه ربما لا يظهر ضرر السكر أصلا فيتوب المريض بقوله ~~عن العسل دون السكر فهذا غير محال وجوده وإن أكلهما جميعا بحكم شهوته ندم ~~على أكل العسل دون السكر # الثانى أن يتوب عن بعض الكبائر دون بعض وهذا أيضا ممكن لاعتقاده أن بعض ~~الكبائر أشد وأغلظ عند PageV04P039 الله كالذى يتوب عن القتل والنهب والظلم ~~ومظالم العباد لعلمه أن ديوان العباد لا يترك وما بينه وبين الله يتسارع ~~العفو إليه فهذا أيضا ممكن كما فى تفاوت الكبائر والصغائر لأن الكبائر أيضا ~~متفاوتة فى أنفسها وفى اعتقاد مرتكبها ولذلك قد يتوب عن بعض الكبائر التى ~~لا تتعلق بالعباد كما يتوب عن شرب الخمر دون الزنا مثلا إذ يتضح له أن ~~الخمر مفتاح الشرور وأنه إذا زال عقله ارتكب جميع المعاصى وهو لا يدرى ~~فبحسب ترجح شرب الخمر عنده ينبعث منه خوف يوجب ذلك تركا فى المستقبل وندما ~~على الماضى # الثالث أن يتوب عن صغيرة أو صغائر وهو مصر على كبيرة يعلم أنها كبيرة ~~كالذى يتوب عن الغيبة أو عن النظر إلى غير المحرم أو ما يجرى مجراه وهو مصر ~~على شرب الخمر فهو أيضا ممكن ووجه إمكانة أنه ما من مؤمن إلا وهو خائف من ~~معاصية ونادم على فعله ندما إما ضعيفا وإما قويا ولكن تكون لذة نفسه فى تلك ~~المعصية أقوى من ألم قلبه فى الخوف منها لأسباب توجب ضعف الخوف من الجهل ~~والغفلة وأسباب توجب قوة الشهوة فيكون الندم موجودا ولكن لا يكون مليا ~~بتحريك العزم ولا قويا عليه فإن سلم عن شهوة أقوى منه بأن لم يعارضه إلا ما ~~هو أضعف قهر الخوف الشهوة وغلبها وأوجب ذلك ترك المعصية وقد تشتد ضراوة ~~الفاسق بالخمر فلا يقدر على الصبر عنه وتكون له ضراوة ما بالغيبة وثلب ~~الناس والنظر إلى غير المحرم وخوفة من الله قد بلغ مبلغا يقمع هذه الشهوة ~~الضعيفة دون القوية فيوجب عليه جند الخوف انبعاث العزم للترك بل يقول هذا ~~الفاسق فى نفسه إن قهرنى الشيطان بواسطة غلبه الشهوة فى بعض المعاصى فلا ~~ينبغى أن أخلع العذار وأرخى العنان بالكلية بل أجاهده فى بعض المعاصى ~~فعسانى أغلبه فيكون قهرى له فى البعض كفارة لبعض ذنوبى ولو لم يتصور هذا ~~لما تصور من الفاسق أن يصلى ويصوم ولقيل له إن كانت صلاتك لغير الله فلا ~~تصح وإن كانت لله فاترك الفسق لله فإن أمر الله فيه واحد فلا يتصور أن تقصد ~~بصلاتك التقرب إلى الله تعالى ما لم تتقرب بترك الفسق وهذا محال بأن يقول ~~لله تعالى على أمران ولى على المخالفة فيهما عقوبتان وأناملى فى أحدهما ~~بقهر الشيطان عاجز عنه فى الآخر فأنا أقهره فيما أقدر عليه وأرجو بمجاهدتى ~~فيه أن يكفر عنى بعض ما عجزت عنه بفرط شهوتى فكيف لا يتصور هذا وهو حال كل ~~مسلم إذ لا مسلم إلا وهو جامع بين طاعة الله ومعصيته ولاسبب له إلا هذا ~~وإذا فهم هذا فهم أن غلبة الخوف للشهوة فى بعض الذنوب ممكن وجودها والخوف ~~إذا كان من فعل ماض أورث الندم والندم يورث العزم وقد قال النبي صلى الله ~~عليه وسلم الندم توبة ولم يشترط الندم على كل ذنب وقال التائب من الذنب كمن ~~لا ذنب له ولم يقل التائب من الذنوب كلها وبهذه المعانى تبين سقوط قول ~~القائل إن التوبة عن بعض الذنوب غير ممكنة لأنها متمائلة فى حق الشهوة وفى ~~حق التعرض إلى سخط الله تعالى نعم يجوز أن يتوب عن شرب الخمر دون النبيذ ~~لتفاوتهما فى اقتضاء السخط ويتوب عن الكثير دون القليل لأن لكثرة الذنوب ~~تأثيرا فى كثرة العقوبة فيساعد الشهوة بالقدر الذي يعجز عنه ويترك بعض ~~شهوته لله تعالى كالمريض الذى حذره الطبيب الفاكهة فإنه قد يتناول قليلها ~~ولكن لا يستكثر منها فقد حصل من هذا أنه لا يمكن أن يتوب عن شىء ولا يتوب ~~عن مثله بل لا بد وأن يكون ما تاب عنه مخالفا لما بقى عليه إما فى شدة ~~المعصية وإما فى غلبة الشهوة وإذا حصل هذا التفاوت فى اعتقاد التائب تصور ~~اختلاف حاله فى الخوف والندم فيتصور اختلاف حاله فى الترك فندمه على ذلك ~~الذنب ووفاؤه بعزمه على الترك يلحقه بمن لم يذنب وإن لم يكن قد أطاع الله ~~فى جميع الأوامر والنواهى # فإن قلت هل تصح توبة العنين من الزنا الذى قارفه قبل طريان العنة فأقول ~~لا لأن التوبة عبارة عن ندم PageV04P040 يبعث العزم على الترك فيما يقدر ~~على فعله وما لا يقدر على فعله فقد انعدم بنفسه لا بتركه إياه ولكنى أقول ~~لو طرأ عليه بعد العنة كشف ومعرفة تحقق به ضرر الزنا الذى قارفة وثار منه ~~احتراق وتحسر وندم بحيث لو كانت شهوة الوقاع به باقية لكانت حرقة الندم ~~تقمع تلك الشهوة وتغلبها فإنى أرجو أن يكون ذلك مكفرا لذنبه وما حيا عنه ~~سيئته إذ لا خلاف فى أنه لو تاب قبل طريان العنة ومات عقيب التوبة كان من ~~التائبين وإن لم يطرأ عليه حالة تهيج فيها الشهوة وتتيسر أسباب قضاء الشهوة ~~ولكنه تائب باعتبار أن ندمه بلغ مبلغا أوجب صرف قصده عن الزنا لو ظهر قصده ~~فإذن لا يستحيل أن تبلغ قوة الندم فى حق العنين هذا المبلغ إلا أنه لا ~~يعرفه من نفسه فإن كل من لا يشتهى شيئا يقدر نفسه قادرا على تركه بأدنى خوف ~~والله تعالى مطلع على ضميره وعلى مقدار ندمه فعساه يقبله منه بل الظاهر أنه ~~يقبله # والحقيقة فى هذا كلة ترجع إلى ظلمة المعصية تنمحى عن القلب بشيئين أحدهما ~~حرقة الندم والآخر شدة المجاهدة بالترك فى المستقبل وقد امتنعت المجاهدة ~~بزوال الشهوة ولكن ليس محالا أن يقوى الندم بحيث يقوى على محوها دون ~~المجاهدة ولولا هذا لقلنا إن التوبة لا تقبل ما لم يعش التائب بعد التوبة ~~مدة يجاهد نفسه فى عين تلك الشهوة مرات كثيرة وذلك مما لا يدل ظاهر الشرع ~~على اشتراطه أصلا # فإن قلت إذا فرضنا تائبين أحدهما سكنت نفسه عن النزوع إلى الذنب والآخر ~~بقى في نفسه نزوع إليه وهو يجاهدها ويمنعها فأيهما أفضل فاعلم أن هذا مما ~~اختلف العلماء فيه فقال أحمد بن أبى الحوارى وأصحاب أبى سليمان الدارانى إن ~~المجاهد أفضل لأن له مع التوبة فضل الجهاد وقال علماء البصرة ذلك الآخر ~~أفضل لأنه لو فتر فى توبته كان أقرب إلى السلامة من المجاهد الذى هو فى ~~عرضه الفتور عن المجاهدة وما قاله كل واحد من الفريقين لا يخلو عن حق وعن ~~قصور عن كمال الحقيقة # والحق فيه أن الذى انقطع نزوع نفسه له حالتان إحداهما أن يكون انقطاع ~~نزوعه إليها بفتور فى نفس الشهوة فقط فالمجاهد أفضل من هذا إذ تركه ~~بالمجاهدة قد دل على قوة نفسه واستيلاء دينه على شهوته فهو دليل قاطع على ~~قوة اليقين وعلى قوة الدين وأعنى بقوة الدين قوة الإرادة التى تنبعث بإشارة ~~اليقين وتقمع الشهوة المنبعثة بإشارة الشياطين فهاتان قوتان تدل المجاهدة ~~عليهما قطعا وقول القائل إن هذا أسلم إذ لو فتر لا يعود إلى الذنب فهذا ~~صحيح ولكن استعمال لفظ الأفضل فيه خطأ وهو كقول القائل العنين أفضل من ~~الفحل لأنه فى أمن من خطر الشهوة والصبى أفضل من البالغ لأنه أسلم والمفلس ~~أفضل من الملك القاهر القامع لأعدائه لأن المفلس لا عدو له والملك ربما ~~يغلب مرة وإن غلب مرات وهذا كلام رجل سليم القلب قاصر النظر على الظواهر ~~غير عالم بأن العز فى الأخطار وأن العلو شرطه اقتحام الأغرار بل كقول ~~القائل الصياد الذى ليس له فرس ولا كلب أفضل فى صناعة الاصطياد وأعلى رتبة ~~من صاحب الكلب والفرس لأنه آمن من أن يجمح به فرسه فتنكسر أعضاؤه عند ~~السقوط على الأرض وآمن من أن يعضه الكلب ويعتدى عليه وهذا خطأ بل صاحب ~~الفرس والكلب إذا كان قويا عالما بطريق تأديبهما أعلى رتبة وأحرى بدرك ~~سعادة الصيد # الحالة الثانية أن يكون بطلان النزوع بسبب قوة اليقين وصدق المجاهدة ~~السابقة إذ بلغ مبلغا قمع هيجان الشهوة حتى تأدبت بأدب الشرع فلا تهيج إلا ~~بالإشارة من الدين وقد سكنت بسبب استيلاء الدين عليها فهذا أعلى رتبة من ~~المجاهد المقاسى لهيجان الشهوة وقمعها وقول القائل ليس لذلك فضل الجهاد ~~قصور عن الإحاطة بمقصود PageV04P041 الجهاد فإن الجهاد كان مقصودا لعينه بل ~~المقصود قطع ضراوة العدو حتى لا يستجرك إلى شهواته وإن عجز عن استجرارك فلا ~~يصدك عن سلوك طريق الدين فإذا قهرته وحصلت المقصود فقد ظفرت وما دمت فى ~~المجاهدة فأنت بعد فى طلب الظفر ومثاله كمثال من قهر العدو واسترقه ~~بالإضافة إلى من هو مشغول بالجهاد فى صف القتال ولا يدرى كيف يسلم ومثاله ~~أيضا مثال من علم كلب الصيد وراض الفرس فهما نائمان عنده بعد ترك الكلب ~~الضراوة والفرس الجماح بالإضافة إلى من هو مشغول بمقاساة التأديب بعد ولقد ~~زل فى هذا فريق فظنوا أن الجهاد هو المقصود الأقصى ولم يعلموا أن ذلك طلب ~~للخلاص من عوائق الطريق وظن آخرون أن قمع الشهوات وإماطتها بالكلية مقصود ~~حتى جرب بعضهم نفسه فعجز عنه فقال هذا محال فكذب بالشرع وسلك سبيل الإباحة ~~واسترسل فى اتباع الشهوات وكل ذلك جهل وضلال وقد قررنا ذلك فى كتاب رياضة ~~النفس من ربع المهلكات # فإن قلت فما قولك فى تائبين أحدهما نسى الذنب ولم يشتغل بالتفكر فيه ~~والآخر جعله نصب عينه ولا يزال بتفكر فيه ويحترق ندما عليه فأيهما أفضل ~~فاعلم أن هذا أيضا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم حقيقة التوبة أن تنصب ذنبك ~~بين عينيك وقال آخر حقيقة التوبة ان تنسى ذنبك وكل واحد من المذنبين عندنا ~~على حق ولكن بالإضافة إلى حالين # وكلام المتصوفة أبدا يكون قاصرا فإن عادة كل واحد منهم أن يخبر عن حال ~~نفسه فقط ولا يهمه حال غيره فتختلف الأجوبة لاختلاف الأحوال وهذا نقصان ~~بالإضافة إلى الهمة والإرادة والجد حيث يكون صاحبه مقصور النظر على حال ~~نفسه لا يهمه أمر غيره إذ طريقة إلى الله نفسه ومنازله أحواله وقد يكون ~~طريق العبد إلى الله العلم فالطرق إلى الله تعالى كثيرة وإن كانت مختلفة فى ~~القرب والعبد والله أعلم بمن هو أهدى سبيلا مع الاشتراك فى اصل الهداية # فأقول تصور الذنب وذكره والتفجع عليه كمال فى حق المبتدىء لأنه إذا نسيه ~~لم يكثر احتراقه فلا تقوى إرادته وانبعاثه لسلوك الطريق لأن ذلك يستخرج منه ~~الحزن والخوف الوازع عن الرجوع إلى مثله فهو بالإضافة إلى الغافل كمال ~~ولكنه بالإضافة إلى سالك الطريق نقصان فإنه شغل مانع عن سلوك الطريق بل ~~سالك الطريق ينبغى أن لا يعرج على غير السلوك فإن ظهر له مبادى الوصول ~~وانكشف له أنوار المعرفة ولو امع الغيب استغرقة ذلك ولم يبق متسع للإلتفات ~~إلى ما سبق من أحواله وهو الكمال بل لو عاق المسافر عن الطريق إلى بلد من ~~البلاد نهر حاجز طال تعب المسافر فى عبوره مدة من حيث أنه كان قد خرب جسره ~~من قبل ولو جلس على شاطىء البحر بعد عبورة يبكى متأسفا على تخريبه الجسر ~~كان هذا مانعا آخر اشتغل به بعد الفراغ من ذلك المانع نعم إن لم يكن الوقت ~~وقت الرحيل بأن كان ليلا فتعذر السلوك أو كان على طريقة أنهار وهو يخاف على ~~نفسه أن يمر بها فليطل بالليل بكاؤه وحزنه على تخريب الجسر ليتأكد بطول ~~الحزن عزمه على أن لا يعود إلى مثله فإن حصل له من التنبيه ما وثق بنفسه ~~أنه لا يعود إلى مثله فسلوك الطريق أولى به من الاشتغال بذكر تخريب الجسر ~~والبكاء عليه وهذا لا يعرفه إلا من عرف الطريق والمقصد والعائق وطريق ~~السلوك وقد أشرنا إلى تلويحات منه فى كتاب العلم وفى ربع المهلكات بل نقول ~~شرط دوام التوبة أن يكون كثير الفكر فى النعيم فى الآخرة لتزيد غبته ولكن ~~إن كان شابا فلا ينبغى أن يطيل فكره فى كل ما له نظير فى الدنيا كالحور ~~والقصور فإن ذلك الفكر ربما يحرك رغبته فيطلب العاجلة ولا يرضى بالآجلة بل ~~ينبغى أن يتفكر فى لذة النظر إلى وجه الله تعالى فقط فذلك لا نظير له فى ~~الدنيا PageV04P042 فكذلك تذكر الذنب قد يكون محركا للشهوة فالمبتدى أيضا ~~قد يستضر به فيكون النسيان أفضل له عند ذلك ولا يصدنك عن التصديق بهذا ~~التحقيق ما يحكى لك من بكاء داود ونياحته عليه السلام فإن قياسك نفسك على ~~الانبياء قياس فى غاية الاعوجاج لأنهم قد ينزلون فى أقوالهم وأفعالهم إلى ~~الدرجات اللائقة بأممهم فإنهم ما بعثوا إلا لإرشادهم فعليهم التلبس بما ~~تنتفع أممهم بمشاهدته وإن كان ذلك نازلا عن ذروة مقامهم فلقد كان فى الشيوخ ~~من لا يشير على مريده بنوع رياضة إلا ويخوض معه فيها وقد كان مستغنيا عنها ~~لفراغه عن المجاهدة وتأديب النفس تسهيلا للأمر على المريد ولذلك قال صلى ~~الله عليه وسلم أما إنى لا أنسى ولكنى أنسى لأشرع + حديث أما إنى لا أنسى ~~ولكنى أنسى لأشرع ذكره مالك بلاغا بغير إسناد وقال ابن عبد البر لا يوجد فى ~~الموطأ إلا مرسلا لا إسناد له وكذا قال حمزة الكتانى إنه لم يرد من غير ~~طريق مالك وقال أبو طاهر الأنماطى وقد طال بحثى عنه وسؤالى عنه للأئمة ~~والحفاظ فلم أظفر به ولا سمعت عن أحد أنه ظفر به قال وادعى بعض طلبه الحديث ~~أنه وقع له مسندا + وفى لفظ إنما اسهو لأسن ولا تعجب من هذا فإن الأمم فى ~~كنف شفقة الأنبياء كالصبيان فى كنف شفقة الآباء وكالمواشى فى كنف الرعاة # أما ترى الأب إذا أراد أن يستنطق ولده الصبى كيف ينزل إلى درجه نطق الصبى ~~كما قال صلى الله عليه وسلم للحسن كخ كخ + حديث أنه قال للحسن كخ كخ لما ~~أخذ تمرة من الصدقة ووضعها فى فيه أخرجه البخاري من حديث أبى هريرة وتقدم ~~فى كتاب الحلال والحرام + لما أخذ تمرة من تمر الصدقة ووضعها فى فيه وما ~~كانت فصاحته تقصر عن أن يقول ارم هذه التمرة فإنها حرام ولكنه لما علم أنه ~~لا يفهم منطقة ترك الفصاحة ونزل إلى لكنته بل الذى يعلم شاة أو طائرا يصوت ~~به رغاء أو صفيرا تشبها بالبهيمة والطائر تلطفا فى تعليمه فإياك أن تغفل عن ~~أمثال هذه الدقائق إنها مزلة أقدام العارفين فضلا عن الغافلين نسأل الله ~~حسن التوفيق بلطفه وكرمه # | بيان أقسام العباد فى دوام التوبة # اعلم أن التائبين فى التوبة على أربع طبقات الطبقة الاولى أن يتوب العاصى ~~ويستقيم على التوبة إلى آخر عمره فيتدارك ما فرط من أمره ولا يحدث نفسه ~~بالعود إلى ذنوبه إلا الزلات التى لا ينفك البشر عنها فى العادات مهما لم ~~يكن فى رتبه النبوة فهذا هو الاستقامة على التوبة وصاحبه هو السابق ~~بالخيرات المستبدل بالسيئات حسنات واسم هذه التوبة التوبة النصوح واسم هذه ~~النفس الساكنة النفس المطمئنة التى ترجع إلى ربها راضية مرضية وهؤلاء هم ~~الذين إليهم الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم سبق المفردون المستهترون ~~بذكر الله تعالى وضع الذكر عنهم اوزارهم فوردوا القيامة خفافا + حديث سبق ~~المفردون المستهترون بذكر الله الحديث أخرجه الترمذى من حديث أبى هريرة ~~وحسنة وقد تقدم + فإن فيه إشارة إلى أنهم كانوا تحت أوزار وضعها الذكر عنهم ~~وأهل هذه الطبقة على رتب من حيث النزوع إلى الشهوات فمن تائب سكنت شهواته ~~تحت قهر المعرفة ففتر نزاعها ولم يشغله عن السلوك صرعها وإلى من لا ينفك عن ~~منازعة النفس ولكنه ملى بمجاهدتها وردها ثم تتفاوت درجات النزاع أيضا ~~بالكثرة والقلة وباختلاف المدة وباختلاف الأنواع وكذلك يختلفون من حيث طول ~~العمر فمن مختطف يموت قريبا من توبته يغبط على ذلك لسلامته وموته قبل ~~الفترة ومن ممهل طال جهاده وصبره وتمادت استقامته وكثرت حسناته وحال هذا ~~أعلى وأفضل إذ كل سيئة فإنما تمحوها حسنة حتى قال بعض العلماء إنما يكفر ~~الذنب الذى ارتكبه العاصى أن يتمكن منه عشر مرات مع صدق الشهوة ثم يصبر عنه ~~ويكسر شهوته خوفا من الله تعالى واشتراط هذا بعيد وإن كان لا ينكر عظم أثره ~~لو فرض ولكن لا ينبغى للمريد الضعيف أن يسلك هذا الطريق فتهيج الشهوة وتحضر ~~الأسباب حتى يتمكن ثم يطمع فى الانكفاف فإنه لا يؤمن خروج عنان الشهوة عن ~~PageV04P043 اختياره فيقدم على المعصية وينقض توبته بل طريقها الفرار من ~~ابتداء أسبابه الميسرة له حتى يسد طرقها على نفسه ويسعى مع ذلك فى كسر ~~شهوته بما يقدر عليه فبه تسلم توبته فى الابتداء # الطبقة الثانية تائب سلك طريق الاستقامة فى أمهات الطاعات وترك كبائر ~~الفواحش كلها إلا انه ليس ينفك عن ذنوب تعترية لا عن عمد وتجريد قصد ولكن ~~يبتلى بها فى مجارى أحواله من غير أن يقدم عزما على الإقدام عليها ولكنه ~~كلما أقدم عليها لام نفسه وندم وتأسف وجدد عزمه على أن يتشمر للاحتراز من ~~أسبابها التى تعرضه لها وهذه النفس جديرة بأن تكون هى النفس اللوامة إذ ~~تلوم صاحبها على ما تستهدف له من الأحوال الذميمة لا عن تصميم عزم وتخمين ~~رأى وقصد وهذه أيضا رتبة عالية وإن كانت نازلة عن الطبقة الأولى وهى أغلب ~~أحوال التائبين لأن الشر معجون بطينه الآدمى قلما ينفك عنه وإنما غاية سعية ~~أن يغلب خيره شره حتى يثقل ميزانه فترجح كفه الحسنات فأما أن تخلو بالكلية ~~كفة السيئات فذلك فى غاية البعد وهؤلاء لهم حسن الوعد من الله تعالى إذ قال ~~تعالى الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة ~~فكل المام يقع بصغيرة لا عن توطين نفسه عليه فهو جدير بأن يكون من اللمم ~~المعفو عنه قال تعالى والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله ~~فاستغفروا لذنوبهم فأثنى عليهم مع ظلمهم لأنفسهم لتندمهم ولومهم أنفسهم ~~عليه وإلى مثل هذه الرتبة الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ~~على كرم الله وجهه خياركم كل مفتن تواب + حديث على خياركم كل مفتن تواب ~~أخرجه البيهقى فى الشعب بسند ضعيف + وفى خبر آخر المؤمن كالسنبلة يفىء ~~أحيانا ويميل أحيانا + حديث المؤمن كالسنبلة تفىء أحيانا وتميل أحيانا ~~أخرجه أبو يعلى وابن حبان فى الضعفاء من حديث انس والطبرانى من حديث عمار ~~بن ياسر والبيهقى فى الشعب من حديث الحسن مرسلا وكلها ضعفية وقالوا تقوم ~~بدل تفىء وفى الأمثال للرامهرمزى إسناد جيد لحديث انس + وفى الخبر لا بد ~~للمؤمن من ذنب يأتيه الفينة بعد الفينة + حديث لا بد للمؤمن من ذنب يأتيه ~~الفينة بعد الفينة أخرجه الطبرانى والبيهقى فى الشعب من حديث ابن عباس ~~بأسانيد حسنة + أى الحين بعد الحين فكل ذلك أدلة قاطعة على أن هذا القدر لا ~~ينفض التوبة ولا يلحق صاحبها بدرجة المصرين ومن يؤيس مثل هذا عن درجة ~~التائبين كالطبيب الذي يؤيس الصحيح عن دوام الصحة بما يتناوله من الفواكه ~~والأطعمة الحارة مرة بعد أخرى من غير مداومة واستمرار وكالفقيه الذى يؤيس ~~المتفقه عن نيل درجة الفقهاء بفتورة عن التكرار والتعليق فى أوقات نادرة ~~غير متطاولة ولا كثيرة وذلك يدل على نقصان الطبيب والفقيه بل الفقيه فى ~~الدين هو الذى لا يؤيس الخلق عن درجات السعادات بما يتفق لهم من الفترات ~~ومقارفة السيئات المختطفات قال النبي صلى الله عليه وسلم كل بنى آدم خطاءون ~~وخير الخطائين التوابون المستغفرون + حديث كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين ~~المستغفرون أخرجه الترمذى واستغفر به والحاكم وصحيح إسناده من حديث أنس ~~وقال التوابون بدل المستغفرون قلت فيه على بن مسعدة ضعفه البخارى + وقال ~~تعالى أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة فما وصفهم ~~بعدم السيئة أصلا # الطبقة الثالثة أن يتوب ويستمر على الاستقامة مدة ثم تغلبه الشهوات فى ~~بعضالذنوب فيقدم عليها عن صدق وقصد شهوة لعجزه عن قهر الشهوة إلا أنه مع ~~ذلك مواظب على الطاعات وتارك جملة من الذنوب مع القدرة والشهوة وإنما قهرته ~~هذه الشهوة الواحدة أو الشهوتان وهو يود لو اقدره الله تعالى على قمعها ~~وكفاه شرها هذا أمنيته فى حال قضاء الشهوة عند الفراغ يتندم ويقول ليتنى لم ~~أفعله وسأتوب عنه وأجاهد نفسى PageV04P044 فى قهرها لكنه تسول نفسه ويسوف ~~توبته مرة بعد أخرى ويوما بعد يوم فهذه النفس هى التى تسمى النفس المسولة ~~وصاحبها من الذين قال الله تعالى فيهم وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا ~~صالحا وآخر سيئا فأمره من حيث مواظبته على الطاعات وكراهته لما تعاطاه مرجو ~~فعسى الله أن يتوب عليه وعاقبته مخطرة من حيث تسويفه وتأخيره فربما بختطف ~~قبل التوبة ويقع أمره فى المشيئة فإن تداركه الله بفضله وجبر كسره وامتن ~~عليه بالتوبة التحق بالسابقين وإن غلبته شقوته وقهرته شهوته فيخشى أن يحق ~~عليه فى الخاتمة ما سبق عليه من القول فى الأزل لأنه مهما تعذر على المتفقة ~~مثلا الاحتراز عن شواغل التعلم دل تعذره على أنه سبق له فى الأزل أن يكون ~~من الجاهلين فيضعف الرجاء فى حقه وإذا يسرت له أسباب المواظبة على التحصيل ~~دل على أنه سبق له فى الأزل أن يكون من جملة العالمين فكذلك ارتباط سعادات ~~الآخرة ودركاتها بالحسنات والسيئات بحكم تقدير مسبب الأسباب كارتباط المرض ~~والصحة بتناول الأغذية والأدوية وارتباط حصول فقه النفس الذي به تستحق ~~المناصب العلية فى الدنيا بترك الكسل والمواظبة على تفقيه النفس فكما لا ~~يصلح لمنصب الرياسة والقضاء والتقدم بالعلم إلا نفس صارت فقيهة بطول ~~التفقيه فلا يصلح لملك الآخرة ونعيمها ولا القرب من رب العالمين إلا قلب ~~سليم صار طاهرا بطول التزكية والتطهير هكذا سبق فى الأزل بتدبير رب الأرباب ~~ولذلك قال تعالى ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها ~~وقد خاب من دساها فمهما وقع العبد فى ذنب فصار الذنب نقدا والتوبة نسيئة ~~كان هذا من علامات الخذلان قال صلى الله عليه وسلم إن العبد ليعمل بعمل أهل ~~الجنة سبعين سنة حتى يقول الناس إنه من أهلها ولا يبقى بينه وبين الجنة إلا ~~شبر فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها + حديث إن العبد ليعمل ~~بعمل أهل الجنة سبعين سنة الحديث متفق عليه من حديث سهل بن سعد دون قوله ~~سبعين سنة ولمسلم من حديث أبى هريرة إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل ~~الجنة الحديث ولأحمد من رواية شهر بن حوشب عن أبى هريرة إن الرجل ليعمل ~~بعمل أهل الخير سبعين سنة وشهر مختلف فيه + فإذن الخوف من الخاتمة قبل ~~التوبة وكل نفس فهو خاتمة ما قبله إذ يمكن أن يكون الموت متصلا به فليراقب ~~الأنفاس وإلا وقع فى المحذور ودامت الحسرات حين لا ينفع التحسر # الطبقة الرابعة أن يتوب ويجرى مدة على الاستقامة ثم يعود إلى مقارفة ~~الذنب أو الذنوب من غير أن يحدث نفسه بالتوبة ومن غير أن يتأسف على فعله بل ~~ينهمك انهماك الغافل فى اتباع شهواته فهذا من جملة المصرين وهذه النفس هى ~~النفس الأمارة بالسوء الفرارة من الخير ويخاف على هذا سوء الخاتمة وأمره فى ~~مشيئة الله فإن ختم له بالسوء شقى شقاوة لا آخر لها وإن ختم له بالحسنى حتى ~~مات على التوحيد فينتظر له الخلاص من النار ولو بعد حين ولا يستحيل أن ~~يشمله عموم العفو بسبب خفى لا تطلع عليه كما لا يستحل أن يدخل الإنسان ~~خرابا ليجد كنزا فيتفق أن يجده وأن يجلس فى البيت ليجعله الله عالما ~~بالعلوم من غير تعلم كما كان الأنبياء صلوات الله عليهم فطلب المغفرة ~~بالطاعات كطلب العلم بالجهد والتكرار وطلب المال بالتجارة وركوب البحار ~~وطلبها بمجرد الرجاء مع خراب الأعمال كطلب الكنور فى المواضع الخربة وطلب ~~العلوم من تعليم الملائكة وليت من اجتهد تعلم وليت من اتجر استغنى وليت من ~~صام وصلى غفر له فالناس كلهم محرومون إلا العالمون والعالمون كلهم محرومون ~~إلا العاملون والعاملون كلهم محرومون إلا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم ~~وكما أن من خرب بيته وضيع ماله وترك نفسه وعياله جياعا يزعم أنه ينتظر فضل ~~الله بأن يرزقه كنزا يجده تحت الأرض فى بيته الخرب يعد عنه ذوى البصائر من ~~الحمقى والمغرورين وإن كان ما ينتظره غير مستحيل فى قدرة الله تعالى وفضله ~~فكذلك من ينتظر PageV04P045 المغفرة من فضل الله تعالى وهو مقصر عن الطاعة ~~مصر على الذنوب غير سالك سبيل المغفرة يعد عند أرباب القلوب من المعتوهين ~~والعجب من عقل هذا المعتوه وترويجه حماقته فى صيغة حسنة إذ يقول إن الله ~~كريم وجنته ليست تضيق على مثلى ومعصيتى ليست تضره ثم تراه يركب البحار ~~ويقتحم الاوعار فى طلب الدينار وإذا قيل له إن الله كريم ودنانير خزائنه ~~ليست تقصر على فقرك وكسلك بترك التجارة ليس يضرك فاجلس فى بيتك فعساه يرزقك ~~من حيث لا تحتسب فيستحمق قائل هذا الكلام ويستهزىء به ويقول ما هذا الهوس ~~السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة وإنما ينال ذلك بالكسب وهكذا قدره مسبب ~~الأسباب وأجرى به سنته ولا تبديل لسنة الله ولا يعلم المغرور أن رب الآخرة ~~ورب الدنيا واحد وأن سنته لا تبديل لها فيهما جميعا وأنه قد أخبر إذ قال ~~وأن ليس للإنسان إلا ما سعى فكيف يعتقد أنه كريم فى الآخرة وليس بكريم فى ~~الدنيا وكيف يقول ليس مقتضى الكرم الفتور عن كسب المال ومقتضاه الفتور عن ~~العمل للملك لذلك المقيم والنعيم الدائم وأن ذلك بحكم الكرم يعطيه من غير ~~جهد فى الآخرة وهذا يمنعه مع شدة الاجتهاد فى غالب الأمر فى الدنيا وينسى ~~قوله تعالى وفى السماء رزقكم وما توعدون فنعوذ بالله من العمى والضلال فما ~~هذا إلا انتكاس على أم الرأس وانغماس فى ظلمات الجهل وصاحب هذا جدير بأن ~~يكون داخلا تحت قوله تعالى ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا ~~أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا أى أبصرنا أنك صدقت إذ قلت وأن ليس ~~للإنسان إلا ما سعى فارجعنا نسعى وعند ذلك لا يمكن من الانقلاب ويحق عليه ~~العذاب فنعوذ بالله من دواعى الجهل والشك والارتياب السائق بالضرور إلى سوء ~~المنقلب والمآب # | بيان ما ينبغى أن يبادر إليه التائب إن جرى عليه ذنب إما عن قصد وشهوة # غالبة أو عن إلمام بحكم الاتفاق # اعلم أن الواجب عليه التوبة والندم والاشتغال بالتكفير بحسنة تضاده كما ~~ذكرنا طريقة فإن لم تساعده النفس على العزم على الترك لغلبة الشهوة فقد عجز ~~عن أحد الواجبين فلا ينبغى أن يترك الواجب الثانى وهو أن يدرأ بالحسنة ~~السيئة ليمحوها فيكون ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا فالحسنات المكفرة ~~للسيئات إما بالقلب وإما باللسان وإما بالجوارح ولتكن الحسنة فى محل السيئة ~~وفيما يتعلق بأسبابها # فأما بالقلب فليكفره بالتضرع إلى الله تعالى فى سؤال المغفرة والعفو ~~ويتذلل تذلل العبد الآبق ويكون ذله بحيث يظهر لسائر العباد وذلك بنقصان ~~كبره فيما بينهم فما للعبد الآبق المذنب وجه للتكبر على سائر العباد وكذلك ~~يضمر بقلبه الخيرات للمسلمين والعزم على الطاعات # وأما باللسان فبالاعتراف بالظلم والاستغفار فيقول رب ظلمت نفسى وعملت ~~سوءا فاغفر لى ذنوبى وكذلك يكثر من ضروب الاستغفار كما أوردناه فى كتاب ~~الدعوات والأذكار # وأما بالجوارح فبالطاعات والصدقات وأنواع العبادات وفى الآثار ما يدل على ~~أن الذنب إذا أتبع بثمانية أعمال كان العفو عنه مرجوا أربعة من أعمال ~~القلوب وهى التوبة أو العزم على التوبة وحب الإقلاع عن الذنب وتخوف العقاب ~~عليه ورجاء المغفرة له وأربعة من أعمال الجوارح وهى أن تصلى عقيب الذنب ~~ركعتين ثم تستغفر الله تعالى بعدهم سبعين مرة وتقول سبحان الله العظيم ~~وبحمده مائة مرة ثم تتصدق بصدقة ثم تصوم PageV04P046 يوما وفى بعض الآثار ~~تسبغ الوضوء وتدخل المسجد وتصلى ركعتين + أثر إن من مكفرات الذنب أن تسبغ ~~الوضوء وتدخل المسجد وتصلى ركعتين أخرجه أصحاب السنن من حديث أبى بكر ~~الصديق رضى الله عنه ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلى ثم ~~يستغفر الله إلا غفر الله له لفظ أبى داود وهو فى الكبرى للنسائى مرفوعا ~~وموقوفا فلعل المصنف عبر بالأثر لارادة الموقوف فذكرته احتياطا والا ~~فالآثار ليست من شرط كتابى + وفى بعض الأخبار تصلى أربع ركعات + حديث ~~التكفير بصلاة أربع ركعات أخرجه ابن مردوية فى التفسير والبيهقى فى الشعب ~~من حديث ابن عباس قال كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يهوى ~~امرأة الحديث وفيه فلما رآها جلس منها مجلس الرجل من امرأته وحرك ذكره فإذا ~~هو مثل الهدية فقام نادما فآتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال ~~له النبي صلى الله عليه وسلم صل أربع ركعات فأنزل الله عز وجل وأقم الصلاة ~~طرفى النهار الآية وإسناده جيد + وفى الخبر إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة ~~تكفرها السر بالسر والعلانية بالعلانية + حديث إذا عملت سيئة فاتبعها حسنة ~~تكفرها السر بالسر والعلانية بالعلانية أخرجه البيهقى فى الشعب من حديث ~~معاذ وفيه رجل لم يسم ورواه الطبرانى من رواية عطاء بن يسار عن معاذ ولم ~~يلقه بلفظ وما عملت من سوء فأحدث لله فيه توبة السر بالسر الحديث + ولذلك ~~قيل صدقة السر تكفر ذنوب الليل وصدقة الجهر تكفر ذنوب النهار وفى الخبر ~~الصحيح أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنى عالجت امرأة فأصبت ~~منها كل شىء إلا المسيس فاقض على بحكم الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم ~~أو ما صليت معنا صلاة الغداة قال بلى فقال صلى الله عليه وسلم إن الحسنات ~~يذهبن السيئات + حديث أن رجلا قال يا رسول الله إنى عالجت امرأة فأصبت منها ~~كل شىء إلا المسيس الحديث فى نزول إن الحسنات يذهبن السيئات متفق عليه من ~~حديث ابن مسعود دون قوله أو ما صليت معنا صلاة الغداة ورواه مسلم من حديث ~~أنس وفيه هل حضرت معنا الصلاة قال نعم ومن حديث أبى أمامة وفيه ثم شهدت ~~الصلاة معنا قال نعم الحديث + وهذا يدل على أن ما دون الزنا من معالجة ~~النساء صغيرة إذ جعل الصلاة كفارة له بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم ~~الصلوات الخمس كفارات لما بينهن إلا الكبائر فعلى الأحوال كلها ينبغى أن ~~يحاسب نفسه كل يوم ويجمع سيئاته ويجتهد فى دفعها بالحسنات # فإن قلت فكيف يكون الاستغفار نافعا من غير حل عقدة الإصرار وفى الخبر ~~المستغفر من الذنب وهومصر عليه كالمستهزىء بآيات الله + حديث المستغفر من ~~الذنب وهو مصر عليه كالمستهزىء بآيات الله أخرجه ابن أبى الدنيا فى التوبة ~~ومن طريقة البيهقي فى الشعب من حديث ابن عباس بلفظ كالمستهزىء بربه وسنده ~~ضعيف + وكان بعضهم يقول استغفر الله من قولى استغفر الله وقيل الاستغفار ~~باللسان توبة الكذابين وقالت رابعة العدوية استغفارنا يحتاج إلى استغفار ~~كثير فاعلم أنه قد ورد فى فضل الاستغفار أخبار خارجة عن الحصر ذكرناها فى ~~كتاب الأذكار والدعوات حتى قرن الله الاستغفار ببقاء الرسول صلى الله عليه ~~وسلم فقال تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم ~~يستغفرون فكان بعض الصحابة يقول كان لنا أمانان ذهب أحدهما وهو كون الرسول ~~فينا وبقى الاستغفار معنا فإن ذهب هلكنا + حديث بعض الصحابة فى قوله تعالى ~~وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم الآية كان لنا امانان ذهب أحدهما أخرجه ~~أحمد من قول أبى موسى الأشعرى ورفعه الترمذى من حديثه أنزل الله على أمانين ~~الحديث وضعفه وابن مردوية فى تفسيره من ولابن عباس + فنقول الاستغفار الذي ~~هو توبة الكذابين هو الاستغفار بمجرد اللسان من غير أن يكون للقلب فيه شركة ~~كما يقول الإنسان بحكم العادة وعن رأس الغفلة استغفر الله وكما يقول إذا ~~سمع صفة النار نعوذ بالله منها من غير أن يتأثر به قلبه وهذا يرجع إلى مجرد ~~حركة اللسان ولا جدوى له فأما إذا انضاف إليه تضرع القلب إلى الله تعالى ~~وابتهاله فى سؤال المغفرة عن صدق إرادة وخلوص نية ورغبة فهذه حسنة فى نفسها ~~فتصلح لأن تدفع بها السيئة وعلى هذا تحمل الأخبار الواردة فى فضل الاستغفار ~~حتى قال صلى الله عليه وسلم ما أصر من استغفر ولو عاد فى اليوم سبعين مرة + ~~حديث ما أصر من استغفر الحديث تقدم فى الدعوات + PageV04P047 وهو عبارة عن ~~الاستغفار بالقلب وللتوبة والاستغفار درجات وأوائلها لا تخلو عن الفائدة ~~وإن لم تنته إلى أواخرها ولذلك قال سهل لا بد للعبد فى كل حال من مولاه ~~فأحسن أحواله أن يرجع إليه فى كل شىء فإن عصى قال يا رب استر على فإذا فرغ ~~من المعصية قال يا رب تب على فإذا تاب قال يا رب ارزقنى العصمة وإذا عمل ~~قال يا رب تقبل منى وسئل أيضا عن الاستغفار الذى يكفر الذنوب فقال أول ~~الاستغفار الاستجابة ثم الإنابة ثم التوبة فالاستجابة أعمال الجوارح ~~والإنابة أعمال القلوب والتوبة إقباله على مولاه بأن يترك الخلق ثم يستغفر ~~الله من تقصيره الذى هو فيه ومن الجهل بالنعمة وترك الشكر فعند ذلك يغفر له ~~ويكون عنده مأواه ثم التنقل إلى الانفراد ثم الثبات ثم البيان ثم الفكر ثم ~~المعرفة ثم المناجاة ثم المصافاة ثم الموالاة ثم محادثة السر وهو الخلة ولا ~~يستقر هذا فى قلب عبد حتى يكون العلم غذاءه والذكر قوامه والرضا زاده ~~والتوكل صاحبه ثم ينظر الله إليه فيرفعه إلى العرش فيكون مقامه مقام حملة ~~العرش وسئل أيضا عن قوله صلى الله عليه وسلم التائب حبيب الله فقال إنما ~~يكون حبيبا إذا كان فيه جميع ما ذكر فى قوله تعالى @QB@ التائبون العابدون ~~@QE@ الآية وقال الحبيب هو الذى لا يدخل فيما يكرهه حبيبه # والمقصود أن للتوبة ثمرتين @QB@ إحداهما @QE@ تكفير السيئات حتى يصير كمن ~~لا ذنب له والثانية نيل الدرجات حتى يصير حبيبا وللتكفير أيضا درجات فبعضه ~~محو لأصل الذنب بالكلية وبعضه تخفيف له ويتفاوت ذلك بتفاوت درجات التوبة ~~فالاستغفار بالقلب والتدارك بالحسنات وإن خلا عن حل عقدة الإصرار من أوائل ~~الدرجات فليس يخلو عن الفائدة أصلا فلا ينبغى أن تظن أن وجودها كعدمها بل ~~عرف أهل المشاهدة وأرباب القلوب معرفة لا ريب فيها أن قول الله تعالى @QB@ ~~فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره @QE@ صدق وأنه لا تخلو ذرة من الخير عن أثر ~~كما لا تخلو شعيرة تطرح فى الميزان عن أثر ولو خلت الشعيرة الأولى عن أثر ~~لكانت الثانية مثلها ولكان لا يرجح الميزان بأحمال الذرات وذلك بالضرورة ~~محال بل ميزان الحسنات يرجح بذرات الخير إلى أن يثقل فترفع كفه السيئات ~~فإياك أن تستصغر ذرات الطاعات فلا تأتيها وذرات المعاصى فلا تنفيها كالمرأة ~~الخرقاء تكسل عن الغزل تعللا بأنها لا تقدر فى كل ساعة إلا على خيط واحد ~~وتقول أى غنى يحصل بخيط وما وقع ذلك فى الثياب ولا تدري المعتوهة ان ثياب ~~الدنيا اجتمعت خيطا خيطا وأن أجسام العالم مع اتساع أقطاره اجتمعت ذرة فإذن ~~التضرع والاستغفار بالقلب حسنة لا تضيع عند الله أصلا بل أقول الاستغفار ~~باللسان أيضا حسنة إذ حركة اللسان بها عن غفلة خير من حركة اللسان فى تلك ~~الساعة بغيبة مسلم أو فضول كلام بل هو خير من السكوت عنه فيظهر فضله ~~بالإضافة إلى السكوت عنه وإنما يكون نقصانا بالإضافة إلى عمل القلب ولذلك ~~قال بعضهم لشيخه أبى عثمان المغربى إن لسانى فى بعض الأحوال يجرى بالذكر ~~والقرآن وقلبى غافل فقال اشكر الله إذ استعمل جارحة من جوارحك فى الخير ~~وعودة الذكر ولم يستعمله فى الشر ولم يعوده الفضول وما ذكره حق فإن تعود ~~الجوارح للخير حتى يصير لها ذلك كالطبع يدفع جملة من المعاصى فمن تعود ~~لسانه الاستغفار إذا سمع من غيره كذبا سبق لسانه إلى ما تعود فقال استغفر ~~الله ومن تعود الفضول سبق لسانه إلى قول ما أحمقك وما أقبح كذبك ومن تعود ~~الاستعاذة إذا حدث بظهور مبادىء الشر من شرير قال بحكم سبق اللسان نعوذ ~~بالله وإذا تعود الفضول قال لعنه الله فيعصى فى إحدى الكلمتين ويسلم فى ~~الأخرى وسلامته أثر اعتياد لسانه الخير وهو من جملة معانى قوله تعالى @QB@ ~~إن الله لا يضيع أجر المحسنين @QE@ ومعانى قوله تعالى @QB@ وإن تك حسنة ~~يضاعفها ويؤت من لدنه @QE@ PageV04P048 @QB@ أجرا عظيما @QE@ فانظر كيف ~~ضاعفها إذ جعل الاستغفار فى الغفلة عادة اللسان حتى دفع بتلك العادة شر ~~العصيان بالغيبة واللعن والفضول هذا تضعيف فى الدنيا لأدنى الطاعات وتضعيف ~~الآخرة @QB@ أكبر لو كانوا يعلمون @QE@ فإياك وأن تلمح فى الطاعات مجرد ~~الآفات فتفتر رغبتك عن العبادات فإن هذه مكيدة روجها الشيطان بلعنته على ~~المغرورين وخيل إليهم أنهم أرباب البصائر وأهل التفطن للخفايا والسرائر فأى ~~خير فى ذكرنا باللسان مع غفلة القلب فانقسم الخلق فى هذه المكيدة إلى ثلاثة ~~أقسام ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات أما السابق فقال صدقت يا ملعون ~~ولكن هى كلمة حق أردت بها باطلا فلا جرم أعذبك مرتين وأرغم أنفك من وجهين ~~فأضيف إلى حركة اللسان حركة القلب فكان كالذى داوى جرح الشيطان بنثر الملح ~~عليه وأما الظالم المغرور فاستشعر فى نفسه خيلاء الفطنة لهذه الدقيقة ثم ~~عجز عن الإخلاص بالقلب فترك مع ذلك تعويد اللسان بالذكر فأسعف الشيطان ~~وتدلى بحبل غروره فتمت بينهما المشاركة والموافقة كما قيل وافق شن طبقه ~~وافقه فاعتنقه وأما المقتصد فلم يقدر على إرغامه بإشراك القلب فى العمل ~~وتفطن لنقصان حركة اللسان بالإضافة إلى القلب ولكن اهتدى إلى كماله ~~بالإضافة إلى السكوت والفضول فاستمر عليه وسأل الله تعالى أن يشرك القلب مع ~~اللسان فى اعتياد الخير فكان السابق كالحائك الذى ذمت حياكته فتركها وأصبح ~~كاتبا والظالم المتخلف كالذى ترك الحياكة أصلا وأصبح كناسا والمقتصد كالذى ~~عجز عن الكتابة فقال لا أنكر مقدمة الحياكة ولكن الحائك مذموم بالإضافة إلى ~~الكاتب لا بالإضافة إلى الكناس فإذا عجزت عن الكتابة فلا أترك الحياكة ~~ولذلك قالت رابعة العدوية استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير فلا تظن أنها ~~تذم حركة اللسان من حيث إنه ذكر الله بل تذم غفلة القلب فهو محتاج إلى ~~الاستغفار من غفلة قلبه لا من حركة لسانه فإن سكت عن الاستغفار باللسان ~~أيضا احتاج إلى استغفارين لا إلى استغفار واحد فهكذا ينبغى أن تفهم ذم ما ~~يذم وحمد ما يحمد والا جهلت معنى ما قال القائل الصادق حسنات الأبرار سيئات ~~المقربين فإن هذه أمور تثبت بالإضافة فلا ينبغى أن تؤخذ من غير إضافة بل ~~ينبغى أن لا تستحقر ذرات الطاعات والمعاصى ولذلك قال جعفر الصادق إن الله ~~تعالى خبأ ثلاثا فى ثلاث رضاه فى طاعته فلا تحقروا منها شيئا فلعل رضاه فيه ~~وغضبه فى معاصيه فلا تحقروا منها شيئا فلعل غضبه فيه وخبأ ولايته فى عبادة ~~فلا تحقروا منهم أحدا فلعله ولى الله تعالى وزاد وخبأ إجابته فى دعائه فلا ~~تتركوا الدعاء فربما كانت الإجابة فيه الركن الرابع فى دواء التوبة وطريق ~~العلاج لحل عقدة الإصرار # اعلم أن الناس قسمان شاب لا صبوة له نشأ على الخير واجتناب الشر وهو الذى ~~قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجب ربك من شاب ليست له صبوة + حديث ~~يعجب ربك من شاب ليست له صبوة أخرجه أحمد والطبرانى من حديث عقبة بن عامر ~~وفيه ابن لهيعه + وهذا عزيز نادر والقسم الثانى هو الذى لا يخلو عن مقارفة ~~الذنوب ثم هم ينقسمون إلى مصرين وإلى تائبين وغرضنا أن نبين العلاج فى حل ~~عقدة الإصرار ونذكر الدواة فيه فاعلم ان شفاء التوبة لا يحصل إلا بالدواء ~~ولا يقف على الدواء من لا يقف على الداء إذ لا معنى للدواء إلا مناقضة ~~أسباب الداء فكل داء حصل من سبب فدواؤه حل ذلك السبب ورفعه وإبطاله ولا ~~يبطل الشىء لا بضده ولا سبب للإصرار إلا الغفلة والشهوة ولا يضاد الغفلة ~~إلا العلم ولا يضاد الشهوة إلا الصبر على قطع PageV04P049 الأسباب المحركة ~~للشهوة والغفلة رأس الخطايا قال الله تعالى @QB@ وأولئك هم الغافلون لا جرم ~~أنهم في الآخرة هم الخاسرون @QE@ فلا دواء إذن للتوبة إلا معجون يعجن من ~~حلاوة العلم ومرارة الصبر وكما يجمع السكنجبين بين حلاوة السكر وحموضة الخل ~~ويقصد بكل منهما غرض آخر فى العلاج بمجموعهما فيقمع الأسباب المهيجة ~~للصفراء فهكذا ينبغى أن تفهم علاج القلب مما به من مرض الإصرار فإن لهذا ~~الدواء أصلان أحدهما العلم والآخر الصبر ولا بد من بيانهما # فإن قلت أينفع كل علم لحل الإصرار أم لا بد من علم مخصوص فاعلم أن العلوم ~~بجملتها أدوية لأمراض القلوب ولكن لكل مرض علم يخصه كما أن علم الطب نافع ~~فى علاج الأمراض بالجملة ولكن يخص كل علة علم مخصوص فكذلك دواء الإصرار ~~فلنذكر خصوص ذلك العلم على موازنة مرض الأبدان ليكون أقرب إلى الفهم فنقول ~~يحتاج المريض إلى التصديق بأمور @QB@ الأول @QE@ أن يصدق على الجملة بأن ~~للمرض والصحة أسبابا يتوصل إليها بالاختيار على ما رتبه مسبب الأسباب وهذا ~~هو الإيمان بأصل الطب فإن من لا يؤمن به لا يشتغل بالعلاج ويحق عليه الهلاك ~~وهذا وزانة مما نحن فيه الإيمان بأصل الشرع وهو أن للسعادة فى الآخرة سببا ~~هو الطاعة وللشقاوة سببا هو المعصية وهذا هو الإيمان بأصل الشرائع وهذا لا ~~بد من حصوله إما عن تحقيق أو تقليد وكلاهما من جملة الإيمان # الثانى أنه لا بد أن يعتقد المريض فى طبيب معين أنه عالم بالطب حاذق فيه ~~صادق فيما يعبر عنه لا يلبس ولا يكذب فإن إيمانه بأصل الطب لا ينفعه بمجرده ~~دون هذا الإيمان ووزانه مما نحن فيه العلم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ~~والإيمان بأن كل ما يقوله حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف # الثالث أنه لا بد أن يصغى إلى الطبيب فيما يحذره عنه من تناول الفواكه ~~والأسباب المضرة على الجملة حتى يغلب عليه الخوف فى ترك الاحتماء فتكون شدة ~~الخوف باعثة له على الاحتماء ووزانه من الدين الإصغاء إلى الآيات والأخبار ~~المشتملة على الترغيب فى التقوى والتحذير من ارتكاب الذنوب واتباع الهوى ~~والتصديق بجميع ما يلقى إلى سمعه من ذلك من غير شك واسترابه حتى ينبعث به ~~الخوف المقوى على الصبر الذى هو الركن الآخر فى العلاج # الرابع أن يصغى إلى الطبيب فيما يخص مرضه وفيما يلزمه فى نفسه الاحتماء ~~عنه ليعرفه أولا تفصيل ما يضره من أفعاله وأحواله ومأكوله ومشروبه فليس على ~~كل مريض الاحتماء عن كل شىء ولا ينفعه كل دواء بل لكل علة خاصة علم خاص ~~وعلاج خاص ووزانه من الدين أن كل عبد فليس يبتلى بكل شهوة وارتكاب ذنب بل ~~لكل مؤمن ذنب مخصوص أو ذنوب مخصوصة وإنما حاجته فى الحال مرهقة إلى العلم ~~بأنها ذنوب ثم إلى العلم بآفاتها وقدر ضررها ثم العلم بكيفية التوصل إلى ~~الصبر عنها ثم إلى العلم بكيفية تكفير ما سبق منها # فهذه علوم يختص بها أطباء الدين وهم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ~~فالعاصى إن علم عصيانه فعليه طلب العلاج من الطبيب وهو العالم وإن كان لا ~~يدرى أن ما يرتكبه ذنب فعلى العالم أن يعرفه ذلك وذلك بأن يتكفل كل عالم ~~بإقليم أو بلدة أو محلة أو مسجد أو مشهد فيعلم أهله دينهم ويميز ما يضرهم ~~عما ينفعهم وما يشقيهم عما يسعدهم ولا ينبغى أن يصبر إلى أن يسئل عنه بل ~~ينبغى أن يتصدى لدعوة الناس إلى نفسه فإنهم ورثة الأنبياء والأنبياء ما ~~تركوا الناس على جهلهم بل كانوا ينادونهم فى مجامعهم ويدورون على أبواب ~~دورهم فى الابتداء ويطلبون واحدا واحدا فيرشدونهم فإن مرضى القلوب لا ~~يعرفون مرضهم كما أن الذى ظهر على وجهه برص PageV04P050 ولا مرآة معه لا ~~يعرف برصه ما لم يعرفه غيره وهذا فرض عين على العلماء كافة وعلى السلاطين ~~كافة أن يرتبوا فى كل قرية وفى كل محلة فقيها متدينا يعلم الناس دينهم فإن ~~الخلق لا يولدون إلا جهالا فلا بد من تبليغ الدعوة إليهم فى الأصل والفرع ~~والدنيا دار المرضى إذ ليس فى بطن الأرض إلا ميت ولا على ظهرها إلا سقيم ~~ومرض القلوب أكثر من مرض الأبدان والعلماء أطباء والسلاطين قوام دار المرضى ~~فكل مريض لم يقبل العلاج بمداواة العالم يسلم إلى السلطان ليكف شره كما ~~يسلم الطبيب المريض الذى لا يحتمى أو الذى غلب عليه الجنون إلى القيم ~~ليقيده بالسلاسل والأغلال ويكف شره عن نفسه وعن سائر الناس # وإنما صار مرض القلوب أكثر من مرض الأبدان لثلاث علل إحداها أن المريض به ~~لا يدرى أنه مريض # والثانية أن عاقبته غير مشاهدة فى هذا العالم بخلاف مرض البدن فإن عاقبته ~~موت مشاهد تنفر الطباع منه وما بعد الموت غير مشاهد وعاقبة الذنوب موت ~~القلب وهو غير مشاهد فى هذا العالم فقلت النفرة عن الذنوب وإن علمها ~~مرتكبها فلذلك تراه يتكل على فضل الله فى مرض القلب ويجتهد فى علاج مرض ~~البدن من غير اتكال # والثالثة وهو الداء العضال فقد الطبيب فإن الأطباء هم العلماء وقد مرضوا ~~فى هذه الأعصار مرضا شديدا عجزوا عن علاجه وصارت لهم سلوة فى عموم المرض ~~حتى لا يظهر نقصانهم فاضطروا إلى إغواء الخلق والإشارة عليهم بما يزيدهم ~~مرضا لأن الداء المهلك هو حب الدنيا وقد غلب هذا الداء على الأطباء فلم ~~يقدروا على تحذير الخلق منه استنكافا من أن يقال لهم فما بالكم تأمرون ~~بالعلاج وتنسون انفسكم فبهذا السبب عم على الخلق الداء وعظم الوباء وانقطع ~~الدواء وهلك الخلق لفقد الأطباء بل اشتغل الأطباء بفنون الإغواء فليتهم إذ ~~لم ينصحوا لم يغشوا وإذا لم يصلحوا لم يفسدوا وليتهم سكتوا وما نطقوا فإنهم ~~إذا تكلموا لم يهمهم فى مواعظهم إلا ما يرغب العوام ويستميل قلوبهم ولا ~~يتوصلون إلى ذلك إلا بالإرجاء وتغليب أسباب الرجاء وذكر دلائل الرحمة لأن ~~ذلك الذ فى الأسماع وأخف على الطباع فتنصرف الخلق عن مجالس الوعظ وقد ~~استفادوا مزيد جراءة على المعاصى ومزيد ثقة بفضل الله ومهما كان الطبيب ~~جاهلا أو خائبا أهلك بالدواء حيث يضعه فى غير موضعه فالرجاء والخوف دواءان ~~ولكن لشخصين متضادى العلة أما الذى غلب عليه الخوف حتى هجر الدنيا بالكلية ~~وكلف نفسه ما لا تطيق وضيق العيش على نفسه بالكلية فتكسر سورة إسرافه فى ~~الخوف بذكر أسباب الرجاء ليعود إلى الاعتدال وكذلك المصر على الذنوب ~~المشتهى للتوبة الممتنع عنها بحكم القنوط واليأس استعظاما لذنوبه التى سبقت ~~يعالج أيضا بأسباب الرجاء حتى يطمع فى قبول التوبة فيتوب فأما معالجة ~~المغرور المسترسل فى المعاصى بذكر أسباب الرجاء فيضاهى معالجة المحرور ~~بالعسل طلبا للشفاء وذلك من دأب الجهال والأغبياء فإذن فساد الأطباء هى ~~المعضلة الزباء التى لا تقبل الدواء أصلا # فإن قلت فاذكر الطريق الذى ينبغى أن يسلكه الواعظ فى طريق الوعظ مع الخلق ~~فاعلم أن ذلك يطول ولا يمكن استقصاؤه نعم نشير إلى الأنواع النافعة فى حل ~~عقدة الإصرار وحمل الناس على ترك الذنوب وهى أربعة أنواع # @QB@ الأول @QE@ أن يذكر ما فى القرآن من الآيات المخوفة للمذنبين ~~والعاصين وكذلك ما ورد من الأخبار والآثار PageV04P051 مثل قوله صلى الله ~~عليه وسلم ما من يوم طلع فجره ولا ليلة غاب شفقها إلا وملكان يتجاوبان ~~بأربعة أصوات يقول أحدهما يا ليت هذا الخلق لم يخلقوا ويقول الآخر يا ليتهم ~~إذ خلقوا علموا لماذا خلقوا فيقول الآخر يا ليتهم إذ علموا لماذا خلقوا ~~عملوا بما علموا + حديث ما من يوم طلع فجره ولا ليلة غاب شفقها إلا وملكان ~~يتجاوبان بأربعة أصوات فيقول أحدهما ياليت هذا الخلق لم يخلقوا الحديث غريب ~~لم أجده هكذا وروى أبو منصور الديلمي فى مسند الفردوس من حديث ابن عمر بسند ~~ضعيف إن لله ملكا ينادى فى كل ليلة أبناء الأربعين زرع قد دنا حصاده الحديث ~~وفيه ليت الخلائق لم يخلقوا وليتهم إذ خلقوا علموا لماذا خلقوا فتجالسوا ~~بينهم فتذكروا الحديث + وفى بعض الروايات ليتهم تجالسوا فتذكروا ما علموا ~~ويقول الآخر يا ليتهم إذ لم يعلموا بما يعملوا تابوا مما عملوا وقال بعض ~~السلف إذا اذنب العبد أمر صاحب اليمين صاحب الشمال وهو أمير عليه أن يرفع ~~القلم عنه ست ساعات فإن تاب واستغفر لم يكتبها عليه وإن لم يستغفر كتبها ~~وقال بعض السلف ما من عبد يعصى إلا استأذن مكانه من الأرض أن تخسف له ~~واستأذن سقفه من السماء أن يسقط عليه كسفا فيقول الله تعالى للأرض والسماء ~~كفا عن عبدى وأمهلاه فإنكما لم تخلقاء ولو خلقتماه لرحمتماه ولعله يتوب إلى ~~فأغفر له ولعله يستبدل صالحا فأبدله له حسنات فذلك معنى قوله تعالى إن الله ~~يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن امسكهما من أحد من بعده وفى ~~حديث عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه الطابع معلق بقائمة العرش فإذا ~~انتهكت الحرمات واستحلت المحارم أرسل الله الطابع فيطبع على القلوب بما ~~فيها + حديث عمر الطابع معلق بقائمة من قوائم العرش فإذا انتهكت الحرمات ~~الحديث أخرجه ابن عدي وابن حبان فى الضعفاء من حديث ابن عمر وهو منكر + وفى ~~حديث مجاهد القلب مثل الكف المفتوحة كلما أذنب العبد ذنبا انقبضت أصبع حتى ~~تنقبض الأصابع كلها فيسد على القلب فذلك هو الطبع + حديث مجاهد القلب مثل ~~الكف المفتوحة قلت هكذا قال المصنف وفى حديث مجاهد وكأنه أراد به قول مجاهد ~~وكذا ذكره المفسرون من قوله وليس بمرفوع وقد رويناه فى الشعب الإيمان ~~للبيهقى من قول حذيفة + وقال الحسن إن بين العبد وبين الله حدا من المعاصى ~~معلوما إذا بلغه العبد طبع الله على قلبه فلم يوفقه بعدها لخير # والأخبار والآثار فى ذم المعاصى ومدح التائبين لا تحصى فينبغى أن يستكثر ~~الواعظ منها إن كان وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه ما خلف دينارا ~~ولا درهما إنما خلف العلم والحكمة وورثه كل عالم بقدر ما أصابه + حديث أنه ~~صلى الله عليه وسلم ما خلف دينارا ولا درهما إنما خلف العلم والحكمة أخرجه ~~البخارى من حديث عمرو بن الحارث قال ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~عند موته دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولمسلم من حديث عائشة ما ترك ~~دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا وفى حديث أبى الدرداء إن الأنبياء لم ~~يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم الحديث وقد تقدم فى العلم + # النوع الثانى حكايات الأنبياء والسلف الصالحين وما جرى عليهم من المصائب ~~بسبب ذنوبهم فذلك شديد الوقع ظاهر النفع فى قلوب الخلق مثل أحوال آدم صلى ~~الله عليه وسلم فى عصيانه وما لقيه من الإخراج من الجنة حتى روى أنه لما ~~أكل من الشجرة تطايرت الحلل عن جسده وبدت عورته فاستحيا التاج والإكليل من ~~وجهه أن يرتفعا عنه فجاءه جبريل عليه السلام فأخذ التاج عن رأسه وحل ~~الإكليل عن جبينه ونودى من فوق العرش اهبطا من جوارى فإنه لا يجاورنى من ~~عصانى قال فالتفت آدم إلى حواء باكيا وقال هذا أول شؤم المعصية أخرجنا من ~~جوار الحبيب وروى أن سليمان بن داود عليهما السلام لما عوقب على خطيئته ~~لأجل التمثال الذى عبد فى داره أربعين يوما وقيل لأن المرأة سألته أن بحكم ~~لأبيها فقال نعم ولم يفعل وقيل بل أحب بقلبه أن PageV04P052 يكون الحكم ~~لأبيها على خصمه لمكانها منه فسلب ملكه أربعين يوما فهرب تائها على وجهه ~~فكان يسأل بكفه فلا يطعم فإذا قال أطعموني فإنى سليمان بن داود رشج وطرد ~~وضرب وحكى أنه استطعم من بيت لامرأته فطردته وبصقت فى وجهه وفى رواية أخرجت ~~عجوز جرة فيها بول فصبته على رأسه إلى أن أخرج الله الخاتم من بطن الحوت ~~فلبسه بعد انقضاء الأربعين أيام العقوبة قال فجاءت الطيور فعكفت على رأسه ~~وجاءت الجن والشياطين والوحوش فاجتمعت حوله فاعتذر إليه بعض من كان جنى ~~عليه فقال لا ألومكم فيما فعلتم من قبل ولا أحمدكم فى عذركم الآن إن هذا ~~أمر كان من السماء ولا بد منه وروى فى الإسرائيليات أن رجلا تزوج أمرأة من ~~بلدة أخرى فأرسل عبده ليحملها إليه فراودته نفسه وطالبته بها فجاهدها ~~واستعصم قال فنبأه الله ببركة تقواه فكان نبيا فى بنى إسرائيل وفى قصص موسى ~~عليه السلام أنه قال للخضر عليه السلام بم أطلعك الله على علم الغيب قال ~~بتركى المعاصى لأجل الله تعالى وروى أن الريح كانت تسير بسليمان عليه ~~السلام فنظر إلى قميصه نظرة وكان جديدا فكأنه أعجبه قال فوضعته الريح فقال ~~لم فعلت هذا ولم آمرك قالت إنما نطيعك إذا أطعت الله وروى أن الله تعالى ~~أوحى إلى يعقوب عليه السلام أتدرى لم فرقت بينك وبين ولدك يوسف قال لا قال ~~لقولك لإخوته أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون لم خفت عليه الذئب ولم ~~ترجنى ولم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظى له وتدرى لم رددته عليك ~~قال لا قال لأنك رجوتني وقلت @QB@ عسى الله أن يأتيني بهم جميعا @QE@ وبما ~~قلت اذهبو فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا وكذلك لما قال يوسف لصاحب ~~الملك @QB@ اذكرني عند ربك @QE@ قال الله تعالى @QB@ فأنساه الشيطان ذكر ~~ربه فلبث في السجن بضع سنين @QE@ # وامثال هذه الحكايات لا تنحصر ولم يرد بها القرآن والأخبار ورود الأسمار ~~بل الغرض بها الاعتبار والاستبصار لتعلم أن الانبياء عليهم السلام لم ~~يتجاوز عنهم فى الذنوب الصغار فكيف يتجاوز عن غيرهم فى الذنوب الكبار نعم ~~كانت سعادتهما فى أن عوجلوا بالعقوبة ولم يؤخروا إلى الآخرة والأشقياء ~~يمهلون ليزدادوا إثما ولأن عذاب الآخرة أشد وأكبر فهذا أيضا مما ينبغى أن ~~يكثر جنسه على أسماع المصرين فإنه نافع فى تحريك دواعى التوبة # النوع الثالث أن يقرر عندهم أن تعجيل العقوبة فى الدنيا متوقع على الذنوب ~~وأن كل ما يصيب العبد من المصائب فهو بسبب جناياته فرب عبد يتساهل فى أمر ~~الآخرة ويخاف من عقوبة الله فى الدنيا اكثر لفرط جهله فينبغى أن يخوف به ~~فإن الذنوب كلها يتعجل فى الدنيا شؤمها فى غالب الأمر كما حكى فى قصة داود ~~وسليمان عليهما السلام حتى إنه قد يضيق على العبد رزقه بسبب ذنوبه وقد تسقط ~~منزلته من القلوب ويستولى عليه أعداؤه قال صلى الله عليه وسلم إن العبد ~~ليحرم الرزق بالذنب يصيبه + حديث إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه أخرجه ~~ابن ماجه والحاكم وصحيح إسناده واللفظ له إلا أنه قال الرجل بدل العبد من ~~حديث ثوبان + وقال ابن مسعود إنى لأحسب أن العبد ينسى العلم بالذنب يصيبه ~~وهو معنى قوله عليه السلام من قارف ذنبا فارقه عقل لا يعود إليه أبدا + ~~حديث من قارف ذنبا فارقه عقل لا يعود إليه أبدا تقدم + وقال بعض السلف ليست ~~اللعنة سوادا فى الوجه ونقصا فى المال إنما اللعنة أن لا تخرج من ذنب إلا ~~وقعت فى مثله أو شر منه وهو كما قال لأن اللعنه هى الطرد والإبعاد فإذا لم ~~يوفق للخير ويسر له الشر فقد أبعد والحرمان عن رزق التوفيق أعظم حرمان وكل ~~ذنب فإنه يدعو إلى ذنب آخر ويتضاعف فيحرم العبد به عن رزقه النافع من ~~مجالسة PageV04P053 العلماء المنكرين للذنوب ومن مجالسة الصالحين بل يمقته ~~الله تعالى ليمقته الصالحون وحكى عن بعض العارفين أنه كان يمشى فى الوحل ~~جامعا ثيابه محترزا عن زلقة رجله حتى زلقت رجله وسقط فقام وهو يمشى فى وسط ~~الوحل ويبكى ويقول هذا مثل العبد لا يزال يتوقى الذنوب ويجانبها حتى يقع فى ~~ذنب وذنبين فعندها يخوض فى الذنوب خوضا وهو إشارة إلى أن الذنب تتعجل ~~عقوبته بالانجرار إلى ذنب آخر ولذلك قال الفضيل ما أنكرت من تغير الزمان ~~وجفاء الإخوان فذنوبك ورثتك ذلك وقال بعضهم إنى لأعرف عقوبة ذنبى فى سوء ~~خلق حمارى وقال آخر أعرف العقوبة حتى فى فأر بيتى وقال بعض صوفية الشام ~~نظرت إلى غلام نصرانى حسن الوجه فوقفت أنظر إليه فمر بى ابن الجلاء الدمشقى ~~فأخذ بيدى فاستحييت منه فقلت يا أبا عبد الله سبحان الله تعجبت من هذه ~~الصورة الحسنة وهذه الصنعة المحكمة كيف خلقت للنار فغمز يدي وقال لتجدن ~~عقوبتها بعد حين قال فعوقبت بها بعد ثلاثين سنة وقال أبو سليمان الدارانى ~~الاحتلام عقوبة وقال لا يفوت أحدا صلاة جماعة إلا بذنب يذنبه وفى الخبر ما ~~أنكرتم من زمانكم فبما غيرتم من أعمالكم + حديث ما أنكرتم من زمانكم فبما ~~أنكرتم من أعمالكم أخرجه البيهقى فى الزهد من حديث أبى الدرداء وقال غريب ~~تفرد به هكذا العقيلي وهو عبد الله بن هانىء قلت هو متهم بالكذب قال ابن ~~أبى حاتم روى عن أبيه أحاديث بواطيل + وفى الخبر يقول الله تعالى إن أدنى ~~ما أصنع بالعبد إذا آثر شهوته على طاعتى أن أحرمه لذيذ مناجاتى + حديث يقول ~~الله إنى أدنى ما أصنع بالعبد إذا آثر شهوته على طاعتى أن أحرمه لذة ~~مناجاتى غريب لم أجده + وحكى عن أبى عمرو بن علوان فى قصة يطول ذكرها قال ~~فيها كنت قائما ذات يوم أصلى فخار قلبى هوى طاولته بفكرتى حتى تولد منه ~~شهوة الرجال فوقعت إلى الأرض واسود جسدى كله فاستترت فى البيت فلم أخرج ~~ثلاثة أيام وكنت أعالج غسله فى الحمام بالصابون فلا يزداد إلا سوادا حتى ~~انكشف بعد ثلاث فلقيت الجنيد وكان قد وجه إلى فأشخصنى من الرقة فلما أتيته ~~قال لى أما استحييت من الله تعالى كنت قائما بين يديه فساررت نفسك بشهوة ~~حتى استولت عليك برقة وأخرجتك من بين يدي الله تعالى فلولا أنى دعوت الله ~~لك وتبت إليه عنك للقيت الله بذلك اللون قال فعجبت كيف علم بذلك وهو ببغداد ~~وأنا بالرقة # واعلم أنه لا يذنب العبد ذنبا إلا ويسود وجه قلبه فإن كان سعيدا أظهر ~~السواد على ظاهره لينزجر وإن كان شقيا أخفى عنه حتى ينهمك ويستوجب النار ~~والأخبار كثيرة فى آفات الذنوب فى الدنيا من الفقر والمرض وغيره بل من شؤم ~~الذنب فى الدنيا على الجملة أن يكسب ما بعده صفته فإن ابتلى بشىء كان عقوبة ~~له ويحرم جميل الرزق حتى يتضاعف شقاؤه وإن أصابته نعمة كانت استدراجا له ~~ويحرم جميل الشكر حتى يعاقب على كفرانه وأما المطيع فمن بركة طاعته أن تكون ~~كل نعمة فى حقه جزاء على طاعته ويوفق لشكرها وكل بلية كفارة لذنوبه وزيادة ~~فى درجاته # النوع الرابع ذكر ما ورد من العقوبات على آحاد الذنوب كالخمر والزنا ~~والسرقة والقتل والغيبة والكبر والحسد وكل ذلك مما لا يمكن حصره وذكره مع ~~غير أهله وضع الدواء فى غير موضعه بل ينبغى أن يكون العالم كالطبيب الحاذق ~~فيستدل أولا بالنبض والسحنة ووجود الحركات على العلل الباطنة ويشتغل ~~بعلاجها فيستدل بقرائن الأحوال على خفايا الصفات وليتعرض لما وقف عليه ~~اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال له واحد أوصنى يا رسول الله ~~ولا تكثر على قال لا تغضب + حديث قال رجل أوصنى ولا تكثر على قال لا تغضب ~~تقدم + وقال له آخر أوصنى يا رسول الله فقال PageV04P054 عليك السلام عليك ~~باليأس مما فى أيدي الناس فإن ذلك هو الغنى وإياك والطمع فإنه الفقر الحاضر ~~وصل صلاة مودع وإياك وما يعتذر منه + حديث قال له آخر أوصنى قال عليك ~~باليأس الحديث أخرجه ابن ماجه والحاكم وقد تقدم + وقال رجل لمحمد بن واسع ~~أوصنى فقال أوصيك أن تكون ملكا فى الدنيا والآخرة قال وكيف لى بذلك قال ~~الزم الزهد فى الدنيا فكأنه صلى الله عليه وسلم توسم فى السائل الأول مخايل ~~الغضب فنهاه عنه وفى السائل الآخر مخايل الطمع فى الناس وطول الأمل وتخيل ~~محمد بن واسع فى السائل مخايل الحرص على الدنيا وقال رجل لمعاذ أوصنى فقال ~~كن رحيما أكن لك بالجنة زعيما فكأنه تفرس فيه آثار الفظاظة والغلظة وقال ~~رجل لإبراهيم بن أدهم أوصنى فقال إياك والناس وعليك بالناس ولا بد من الناس ~~فان الناس هم الناس وليس كل الناس بالناس ذهب الناس وبقى النسناس وما أراهم ~~بالناس بل غمسوا فى ماء الياس فكأنه تفرس فيه آفة المخالطة وأخبر عما كان ~~هو الغالب على حاله فى وقته وكان الغالب أذاه بالناس والكلام على قدر حال ~~السائل أولى من أن يكون بحسب حال القائل وكتب معاوية رحمه الله إلى عائشة ~~رضى الله عنها أن اكتبى لى كتابا توصينى فيه ولا تكثري فكتبت إليه من عائشة ~~إلى معاوية سلام الله عليك أما بعد فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس سخط ~~الله برضا الناس وكله الله إلى الناس + حديث عائشة من التمس رضا الناس بسخط ~~الله وكله الله إلى الناس الحديث أخرجه الترمذى والحاكم وفى مسند الترمذى ~~من لم يسم + والسلام عليك فانظر إلى فقهها كيف تعرضت للآفة التى تكون ~~الولاة بصددها وهى مراعاة الناس وطلب مرضاتهم وكتبت إليه مرة أخرى أما بعد ~~فاتق الله فإنك إذا اتقيت الله كفاك الناس وإذا اتقيت الناس لم يغنوا عنك ~~من الله شيئا والسلام # فإذن على كل ناصح أن تكون عنايته مصروفة إلى تفرس الصفات الخفية وتوسم ~~الأحوال اللائقة ليكون اشتغاله بالمهم فإن حكاية جميع مواعظ الشرع مع كل ~~واحد غير ممكنة والاشتغال بوعظه بما هو مستغن عن التوعظ فيه تضييع زمان # فإن قلت فإن كان الواعظ يتكلم فى جمع أو سأله من لا يدرى باطن حاله أن ~~يعظه فكيف يفعل فاعلم أن طريقة فى ذلك أن يعظه بما يشترك كافة الخلق فى ~~الحاجة إليه إما على العموم وإلا على الأكثر فإن فى علوم الشرع أغذية ~~وأدوية فالأغذية للكافة والأدوية لأرباب العلل # ومثاله ما روى أن رجلا قال لأبى سعيد الخدرى أوصنى قال عليك بتقوى الله ~~عز وجل فإنها رأس كل خير وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام وعليك بالقرآن ~~فإنه نور لك فى أهل الأرض وذكر لك فى أهل السماء وعليك بالصمت إلا من خير ~~فإنك بذلك تغلب الشيطان وقال رجل للحسن أوصنى فقال أعز أمر الله يعزك الله ~~وقال لقمان لابنه يا بنى زاحم العلماء بركبتيك ولا تجادلهم فيمقتوك وخذ من ~~الدنيا بلاغك وأنفق فضول كسبك لآخرتك ولا ترفض الدنيا كل الرفض فتكون عيالا ~~وعلى أعناق الرجال كلا وصم صوما يكسر شهوتك ولا تصم صوما يضر بصلاتك فإن ~~الصلاة أفضل من الصوم ولا تجالس السفيه ولا تخالط ذا الوجهين وقال أيضا ~~لابنه يا بنى لا تضحك من غير عجب ولا تمش فى غير أرب ولا تسأل عما لا يعنيك ~~ولا تضيع مالك وتصلح مال غيرك فإن مالك ما قدمت ومال غيرك ما تركت يا بنى ~~إن من يرحم يرحم ومن يصمت يسلم ومن يقل الخير يغنم ومن يقل الشر يأثم ومن ~~لا يملك لسانه يندم وقال رجل لأبى حازم أوصنى فقال كل ما لو جاءك الموت ~~عليه فرأيته غنيمة PageV04P055 فالزمه وكل ما لو جاءك الموت عليه فرأيته ~~مصيبة فاجتنبه وقال موسى للخضر عليهما السلام أوصنى فقال كن بساما ولا تكن ~~غضابا وكن نفاعا ولا تكن ضرارا وانزع عن اللجاجة ولا تمش فى غير حاجة ولا ~~تضحك من غير عجب ولا تعير الخطائين بخطاياهم وابك على خطيئتك يا ابن عمران ~~وقال رجل لمحمد بن كرام أوصنى فقال اجتهد فى رضا خالقك بقدر ما تجتهد فى ~~رضا نفسك وقال رجل لحامد اللفاف أوصنى فقال اجعل لدينك غلافا كغلاف المصحف ~~أن تدنسه الآفات قال وما غلاف الدين قال ترك طلب الدنيا إلا مالا بد منه ~~وترك كثرة الكلام إلا فيما لا بد منه وترك مخالطة الناس إلا فيما لا بد منه ~~وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز رحمهم الله تعالى أما بعد فخف مما خوفك ~~الله وأحذر مما حذرك الله وخذ مما فى يديك لما بين يديك فعند الموت يأتيك ~~الخبر اليقين والسلام وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن يسأل أن يعظه فكتب ~~إليه أما بعد فإن الهول الأعظم والأمور المفظعات أمامك ولا بد لك من مشاهدة ~~ذلك إما بالنجاة وإما بالعطب واعلم أن من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر ~~ومن نظر فى العواقب نجا ومن أطاع هواه ضل ومن حلم غنم ومن خاف أمن ومن أمن ~~اعتبر ومن اعتبر أبصر ومن أبصر فهم ومن فهم علم فإذا زللت فارجع وإذا ندمت ~~فاقلع وإذا جهلت فاسأل وإذا غضبت فأمسك وكتب مطرف بن عبد الله إلى عمر بن ~~عبد العزيز رحمه الله أما بعد فإن الدنيا دار عقوبة ولها يجمع من من لا عقل ~~له وبها يغتر من لا علم عنده فكن فيها يا أمير المؤمنين كالمداوى جرحه يصبر ~~على شدة الدواء لما يخاف من عاقبة الداء وكتب عمر بن عبد العزيز رضى الله ~~عنه إلى عدى بن أرطاة أما بعد فإن الدنيا عدوة أولياء الله وعدوة أعداء ~~الله فأما أولياؤه فغمتهم وأما أعداؤه فغرتهم وكتب أيضا إلى بعض عماله أما ~~بعد فقد أمكنتك القدرة من ظلم العباد فإذا هممت بظلم أحد فاذكر قدرة الله ~~عليك واعلم أنك لا تأتى إلى الناس شيئا إلا كان زائلا عنهم باقيا عليك ~~واعلم أن الله عز وجل آخذ للمظلومين من الظالمين والسلام # فهكذا ينبغى أن يكون وعظ العامة ووعظ من لا يدرى خصوص واقعته فهذه ~~المواعظ مثل الأغذية التى يشترك الكافة فى الانتفاع بها # ولأجل فقد مثل هؤلاء الوعاظ انحسم باب الاتعاظ وغلبت المعاصى واستسرى ~~الفساد وبلى الخلق بوعاظ يزخرفون أسجاعا وينشدون أبياتا ويتكلفون ذكر ما ~~ليس فى سعة علمهم ويتشبهون بحال غيرهم فسقط عن قلوب العامة وقارهم ولم يكن ~~كلامهم صادرا من القلب ليصل إلى القلب بل القائل متصلف والمستمع متكلف وكل ~~واحد منهما مدبر ومتخلف # فإذن كان طلب الطبيب أول علاج المرضى وطلب العلماء أول علاج العاصين فهذا ~~أحد أركان العلاج وأصوله # الأصل الثانى الصبر ووجه الحاجة إليه أن المريض إنما يطول مرضه لتناوله ~~ما يضره وإنما يتناول ذلك إما لغفلته عن مضرته وإما لشدة غلبة شهوته فله ~~سببان فما ذكرناه هو علاج الغفلة فيبقى علاج الشهوة وطريق علاجها قد ذكرناه ~~فى كتاب رياضة النفس وحاصله أن المريض إذا اشتدت ضراوته لمأكول مضر فطريقة ~~أن يستشعر عظم ضرره ثم يغيب ذلك عن عينه فلا يحضره ثم يتسلى عنه بما يقرب ~~منه فى صورته ولا يكثر ضررة ثم يصبر بقوة الخوف على الألم الذى يناله فى ~~تركه فلا بد على كل حال من مرارة الصبر فكذلك يعالج الشهوة فى المعاصى ~~كالشاب مثلا إذا غلبته الشهوة فصار لا يقدر على حفظ عينه ولا حفظ قلبه أو ~~حفظ جوارحه فى السعى وراء شهوته فينبغى أن يستشعر ضرر ذنبه بأن يستقرى ~~المخلوقات التى جاءت فيه من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ~~فإذا اشتد خوفه تباعد من الأسباب المهيجة لشهوته ومهيج الشهوة من خارج هو ~~PageV04P056 حضور المشتهى والنظر إليه وعلاجه الهرب والعزلة ومن داخل تناول ~~لذائذ الأطعمة وعلاجه الجوع والصوم الدائم وكل ذلك لا يتم إلا بصبر ولا ~~يصبر إلا عن خوف ولا يخاف إلا عن علم ولا يعلم إلا عن بصيرة وافتكار أو عن ~~سماع وتقليد فأول الأمر حضور مجالس الذكر ثم الاستماع من قلب مجرد عن سائر ~~الشواغل مصروف إلى السماع ثم التفكر فيه لتمام الفهم وينبعث من تمامه لا ~~محالة خوفة وإذا قوى الخوف تيسر بمعونته الصبر وانبعثت الدواعى لطلب العلاج ~~وتوفيق الله وتيسيره من وراء ذلك فمن أعطى من قلبه حسن الإصغاء واستشعر ~~الخوف فاتقى وانتظر الثواب وصدق بالحسنى فسييسره والله تعالى لليسرى وأما ~~من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسييسره الله للعسرى فلا يغنى عنه ما اشتغل به ~~من ملاذ الدنيا مهما هلك وتردى وما على الأنبياء إلا شرح طرق الهدى وإنما ~~لله الآخرة والأولى # فإن قلت فقد رجع الأمر كله إلى الإيمان لأن ترك الذنب لا يمكن إلا بالصبر ~~عنه والصبر لا يمكن إلا بمعرفة الخوف والخوف لا يكون إلا بالعلم والعلم لا ~~يحصل إلا بالتصديق بعظم بعزم ضرر الذنوب والتصديق بعظم ضرر الذنوب هو تصديق ~~الله ورسوله وهو الإيمان فكأن من أصر على الذنب لم يصر عليه إلا لأنه غير ~~مؤمن فاعلم أن هذا لا يكون لفقد الإيمان بل يكون لضعف الإيمان إذ كل مؤمن ~~مصدق بأن المعصية سبب البعد من الله تعالى وسبب العقاب في الآخرة # ولكن سبب وقوعه في الذنب أمور # أحدها أن العقاب الموعود غيب ليس بحاضر والنفس جبلت متأثرة بالحاضر ~~فتأثرها بالموعود ضعيف بالإضافة إلى تأثرها بالحاضر # الثانى أن الشهوات الباعثة على الذنوب لذاتها ناجزة وهى في الحال آخذة ~~بالمخنق وقد قوى ذلك واستولى عليها بسبب الاعتياد والإلف والعادة طبيعة ~~خامسة والنزوع عن العاجل لخوف الآجل شديد على النفس ولذلك قال تعالى كلا بل ~~تحبون العاجلة وتذرون الآخرة وقال عز وجل بل تؤثرون الحياة الدنيا وقد عبر ~~عن شدة الأمر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حفت الجنة بالمكاره وحفت ~~النار بالشهوات + حديث حفت الجنة بالمكاره الحديث متفق عليه من حديث أبى ~~هريرة + وقوله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى خلق النار فقال لجبريل ~~عليه السلام اذهب فانظر إليها فنظر فقال وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها ~~فحفها بالشهوات ثم قال اذهب فانظر اليها فنظر فقال وعزتك لقد خشيت أن لا ~~يبقى أحد إلا دخلها وخلق الجنة فقال لجبريل عليه السلام اذهب فانظر إليها ~~فنظر فقال وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فحفها بالمكاره ثم قال اذهب ~~فانظر إليها فنظر إليها فقال وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد + حديث إن ~~الله خلق النار فقال لجبريل اذهب فانظر إليها الحديث أخرجه أبو داود ~~والترمذى والحاكم وصححه من حديث أبى هريرة وقدم فيه ذكر الجنة + فإذا كون ~~الشهوة مرهقة فى الحال وكون العقاب متأخرا إلى المآل سببان ظاهران فى ~~الاسترسال مع حصول أصل الإيمان فليس كل من يشرب فى مرضه ماء الثلج لشدة ~~عطشه مكذبا بأصل الطب ولا مكذبا بأن ذلك مضر فى حقه ولكن الشهوة تغلبه وألم ~~الصبر عنه ناجز فيهون عليه الألم المنتظر # الثالث أنه ما من مذنب مؤمن إلا وهو فى الغالب عازم على التوبة وتكفير ~~السيئات بالحسنات وقد وعد بأن ذلك يخبره إلا أن طول الأمل غالب على الطباع ~~فلا يزال يسوف التوبة والتكفير فمن حيث رجاؤه التوفيق للتوبة ربما يقدم ~~عليه مع الإيمان # الرابع أنه ما من مؤمن موقن إلا وهو معتقد أن الذنوب لا توجب العقوبة ~~إيجابا لا يمكن العفو عنها PageV04P057 فهو يذنب وينتظر العفو عنها اتكالا ~~على فضل الله تعالى فهذه أسباب أربعة موجبة للإصرار على الذنب مع بقاء أصل ~~الإيمان # نعم قد يقدم المذنب بسبب خامس يقدح فى أصل إيمانه وهو كونه شاكا فى صدق ~~الرسل وهذا هو الكفر كالذى يحذره الطبيب عن تناول ما يضره فى المرض فإن كان ~~المحذر ممن لا يعتقد فيه أنه عالم بالطب فيكذبه أو يشك فيه فلا يبالى به ~~فهذا هو الكفر # فإن قلت فما علاج الأسباب الخمسة فأقول هو الفكر وذلك بأن يقرر على نفسه ~~فى السبب الأول وهو تأخر العقاب أن كل ما هو آت آت وأن غدا للناظرين قريب ~~وأن الموت أقرب إلى كل أحد من شراك نعله فما يدريه لعل الساعة قريب ~~والمتأخر إذا وقع صار ناجزا ويذكر نفسه أنه أبدا فى دنياه يتعب فى الحال ~~لخوف أمر فى الاستقبال إذ يركب البحار ويقاسى الاسفار لأجل الربح الذى يظن ~~أنه قد يحتاج إليه فى ثانى الحال بل لو مرض فأخبره طبيب نصرانى بأن شرب ~~الماء البارد يضره ويسوقه إلى الموت وكان الماء البارد ألذ الأشياء عنده ~~تركه مع أن الموت ألمه لحظة إذا لم يخف ما بعده ومفارقته للدنيا لا بد منها ~~فكم نسبة وجوده فى الدنيا إلى عدمه أزلا وأبدا فلينظر كيف يبادر إلى ترك ~~ملاذه بقول ذمى لم تقم معجزة على طبه فيقول كيف يليق بعقلى أن يكون قول ~~الأنبياء المؤيدين بالمعجزات عندي دون قول نصرانى يدعى الطب لنفسه بلا ~~معجزة على طبه ولا يشهد له إلا عوام الخلق وكيف يكون عذاب النار عندي أخف ~~من عذاب المرض وكل يوم فى الآخرة بمقدار خمسين ألف سنة من أيام الدنيا ~~وبهذا التفكر بعينه يعالج اللذة الغالبة عليه ويكلف نفسه تركها ويقول إذا ~~كنت لا أقدر على ترك لذاتى أيام العمر وهى أيام قلائل فكيف أقدر على ذلك ~~أبد الآباد وإذا كنت لا أطيق ألم الصبر فكيف أطيق ألم النار وإذا كنت لا ~~أصبر عن زخارف الدنيا مع كدوراتها وتنغصها وامتزاج صفوها بكدرها فكيف أصبر ~~عن نعيم الآخرة وأما تسويف التوبة فيعالجه بالفكر فى أن أكثر صياح أهل ~~النار من التسويف لأن المسوف يبنى الأمر على ما ليس إليه وهو البقاء فلعله ~~لا يبقى وإن بقى فلا يقدر على الترك غدا كما لا يقدر عليه اليوم فليت شعرى ~~هل عجز فى الحال إلا لغلبة الشهوة والشهوة ليست تفارقه غدا بل تتضاعف إذ ~~تتأكد بالاعتياد فليست الشهوة التى أكدها الإنسان بالعادة كالتى لم يؤكدها ~~وعن هذا هلك المسوفون لأنهم يظنون الفرق بين المتماثلين ولا يظنون أن ~~الأيام متشابهة فى أن ترك الشهوات فيها أبدا شاق وما مثال المسوف إلا مثاله ~~من احتاج إلى قلع شجرة فرآها قوية لا تنقلع إلا بمشقة شديدة فقال أؤخرها ~~سنة ثم أعود إليها وهو يعلم أن الشجرة كلما بقيت ازداد رسوخها وهو كلما طال ~~عمره ازداد ضعفه فلا حماقة فى الدنيا أعظم من حماقته إذ عجز مع قوته عن ~~مقاومة ضعيف فأخذ ينتظر الغلبة عليه إذا ضعف هو فى نفسه وقوى الضعيف # وأما المعنى الرابع وهو انتظار عفو الله تعالى فعلاجه ما سبق وهو كمن ~~ينفق جميع أمواله ويترك نفسه وعياله فقراء منتظرا من فضل الله تعالى أن ~~يرزقه العثور على كنز فى أرض خربة فإن إمكان العفو عن الذنب مثل هذا ~~الإمكان وهو مثل من يتوقع النهب من الظلمة فى بلدة وترك ذخائر أمواله فى ~~صحن داره وقدر على دفنها وإخفائها فلم يفعل وقال أنتظر من فضل الله تعالى ~~أن يسلط غفلة أو عقوبة على الظالم الناهب حتى لا يتفرغ إلى دارى أو إذا ~~انتهى إلى دارى مات على باب الدار فإن الموت ممكن والغفلة ممكنة وقد حكى فى ~~الأسمار أن مثل ذلك وقع فأنا أنتظر من فضل الله مثله فمنتظر هذا منتظر أمر ~~ممكن ولكنه فى غاية الحماقة والجهل إذ قد لا يمكن ولا يكون PageV04P058 # وأما الخامس وهو شك فهذا كفر وعلاجه الأسباب التى تعرفة صدق الرسل وذلك ~~يطول ولكن يمكن أن يعالج بعلم قريب يليق بحد عقله فيقال له ما قاله ~~الأنبياء المؤيدون بالمعجزات هل صدقة ممكن أو تقول أعلم أنه محال كما أعلم ~~استحالة شخص واحد فى مكانين فى حالة واحدة فإن قال أعلم استحالته كذلك فهو ~~أخرق معتوه وكأنه لا وجود لمثل هذا فى العقلاء وإن قال أنا شاك فيه فيقال ~~لو أخبرك شخص واحد مجهول عند تركك طعامك فى البيت لحظة أنه ولغت فيه حية ~~وألقت سمها فيه وجوزت صدقة فهل تأكله أو تتركه وإن كان ألذ الأطعمة فيقول ~~أتركه لا محالة لأنى أقول إن كذب فلا يفوتنى إلا هذا الطعام والصبر عنه وإن ~~كان شديدا فهو قريب وإن صدق فتفوتنى الحياة والموت بالإضافة إلى ألم الصبر ~~عن الطعام وإضاعته شديد فيقال له يا سبحان الله كيف تؤخر صدق الأنبياء كلهم ~~مع ما ظهر لهم من المعجزات وصدق كافة الأولياء والعلماء والحكماء بل جميع ~~أصناف العقلاء ولست أعنى بهم جهال العوام بل ذوى الألباب عن صدق رجل واحد ~~مجهول لعل له غرضا فيما يقول فليس فى العقلاء إلا من صدق باليوم الآخروأثبت ~~ثوابا وعقابا وإن اختلفوا فى كيفيته فإن صدقوا فقد أشرفت على عذاب يبقى أبد ~~الآباد وإن كذبوا فلا يفوتك إلا بعض شهوات هذه الدنيا الفانية المكدرة فلا ~~يبقى له توقف إن كان عاقلا مع هذا الفكر إذ لا نسبة لمدة العمر إلى أبد ~~الآباد بل لو قدرنا الدنيا مملوءة بالذرة وقدرنا طائرا يلتقط فى كل ألف ألف ~~سنة حبة واحدة منها لفنيت الذرة ولم ينقص أبد الآباد شيئا فكيف يفتر رأى ~~العاقل فى الصبر عن الشهوات مائة سنة مثلا لأجل سعادة تبقى أبد الآباد ~~ولذلك قال أبو العلاء أحمد بن سليمان التنوخى المعرى # قال المنجم والطبيب كلاهما % لا تبعث الأموات قلت إليكما # إن صح قولكما فلست بخاسر % أو صح قولى فالخسار عليكما # لذلك قال على رضى الله عنه لبعض من قصر عقله عن فهم تحقيق الأمور وكان ~~شاكا إن صح ما قلت فقد تخلصنا جميعا وإلا فقد تخلصت وهلكت أى العاقل يسلك ~~طريق الأمن فى جميع الأحوال # فإن قلت هذه الأمور جلية ولكنها ليست تنال إلا بالفكر فما بال القلوب ~~هجرت الفكر فيها واستثقلته وما علاج القلوب لردها إلى الفكر لا سيما من آمن ~~بأصل الشرع وتفصيله فاعلم أن المانع من الفكر أمران أحدهما أن الفكر النافع ~~هو الفكر فى عقاب الآخرة وأهوالها وشدائدها وحسرات العاصين فى الحرمان عن ~~النعيم المقيم وهذا فكر لداغ مؤلم للقلب فينفر القلب عنه ويتلذذ بالفكر فى ~~أمور الدنيا على سبيل التفرج والاستراحة والثاني أن الفكر شغل فى الحال ~~مانع من لذائذ الدنيا وقضاء الشهوات وما من إنسان إلا وله فى كل حالة من ~~أحواله ونفس من أنفاسه شهوة قد تسلطت عليه واسترقته فصار عقله مسخرا لشهوته ~~فهو مشغول بتدبير حيلته وصارت لذته فى طلب الحيلة فيه أو فى مباشرة قضاء ~~الشهوة والفكر يمنعه من ذلك # أما علاج هذين المانعين فهو أن يقول لقلبه ما أشد غباوتك فى الاحتراز من ~~الفكر فى الموت وما بعده تألما بذكره مع استحقار ألم مواقعته فكيف تصبر على ~~مقاساته إذا وقع وأنت عاجز عن الصبر على تقدير الموت وما بعده ومتألم به ~~وأما الثانى وهو كون الفكر مفوتا للذات الدنيا فهو أن يتحقق أن فوات لذات ~~الآخرة أشد وأعظم فإنها لا آخر لها ولا كدورة فيها ولذات الدنيا سريعة ~~الدثور وهى مشوبة بالمكدرات فما فيها لذة صافيه عن كدر وكيف وفى التوبة عن ~~المعاصى والإقبال على الطاعة تلذذ بمناجاة الله تعالى واستراحة بمعرفته ~~وطاعته PageV04P059 وطول الأنس به ولو لم يكن للمطيع جزاء على عمله إلا ما ~~يجده من حلاوة الطاعة وروح الأنس بمناجاة الله تعالى لكان ذلك كافيا فكيف ~~بما ينضاف إليه من نعيم الآخرة نعم هذه اللذة لا تكون فى ابتداء التوبة ~~ولكنها بعد ما يصير عليها مدة مديدة وقد صار الخير ديدنا كما كان الشر ~~ديدنا فالنفس قابلة ما عودتها تتعود والخير عادة والشر لجاجة # فإذن هذه الأفكار هى المهيجة للخوف المهيج لقؤة الصبر عن اللذات ومهيج ~~هذه الأفكار وعظ الوعاظ وتنبيهات تقع للقلب بأسباب تتفق لا تدخل فى الحصر ~~فيصير الفكر موافقا للطبع فيميل القلب إليه ويعبر عن السبب الذى أوقع ~~الموافقة بين الطبع والفكر الذى هو سبب الخير بالتوفيق إذ التوفيق هو ~~التأليف بين الإرادة وبين المعنى الذى هو طاعة نافعة فى الآخرة وقد روى فى ~~حديث طويل أنه قام عمار بن ياسر فقال لعلى بن ابى طالب كرم الله وجهه يا ~~أمير المؤمنين أخبرنا عن الكفر على ماذا بنى فقال على رضى الله عنه بنى على ~~أربع دعائم على الجفاء والعمى والغفلة والشك فمن جفا احتقر الحق وجهر ~~بالباطل ومقت العلماء ومن عمى نسى الذكر ومن غفل حاد عن الرشد ومن شك غرته ~~الأمانى فأخذته الحسرة والندامة وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب فما ~~ذكرناه بيان لبعض آفات الغفلة عن التفكر وهذا القدر فى التوبة كاف وإذا كان ~~الصبر ركنا من أركان دوام التوبة فلا بد من بيان الصبر فنذكره فى كتاب مفرد ~~إن شاء الله تعالى # | كتاب الصبر والشكر وهو الكتاب الثانى من ربع المنجيات من كتاب إحياء # علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله أهل الحمد والثناء المنفرد برداء الكبرياء المتوحد بصفات المجد ~~والعلاء المؤيد صفوة الأولياء بقوة الصبر على السراء والضراء والشكر على ~~البلاء والنعماء والصلاة على محمد سيد الأنبياء وعلى أصحابه سادة الأصفياء ~~وعلى آله قادة البررة الأتقياء صلاة محروسة بالدوام عن الفناء ومصونة ~~بالتعاقب عن التصرم والانقضاء # أما بعد فإن الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر + حديث الإيمان نصفان نصف ~~صبر ونصف شكر أخرجه أبو منصور الديلمى فى مسند الفردوس من رواية يزيد ~~الرقاشى عن أنس ويزيد ضعيف + كما وردت به الآثار وشهدت له الأخبار وهما ~~أيضا وصفان من أوصاف الله تعالى واسمان من أسمائه الحسنى إذ سمى نفسه صبورا ~~وشكورا فالجهل بحقيقة الصبر والشكر جهل بكلا شطرى الإيمان ثم هو غفلة عن ~~وصفين من أوصاف الرحمن ولا سبيل إلى الوصول إلى القرب من الله تعالى إلا ~~بالإيمان وكيف يتصور سلوك سبيل الإيمان دون معرفة ما به الايمان ومن به ~~الإيمان والتقاعد عن معرفة الصبر والشكر تقاعد عن معرفة من به الإيمان وعن ~~إدراك ما به الإيمان فما أحوج كلا الشطرين إلى الإيضاح والبيان ونحن نوضح ~~كلا الشطرين فى كتاب واحد لارتباط أحدهما بالآخر إن شاء الله تعالى الشطر ~~الأول فى الصبر وفيه بيان فضيلة الصبر وبيان حدة وحقيقته وبيان كونه نصف ~~الإيمان وبيان اختلاف PageV04P060 أساميه باختلاف متعلقاته وبيان أقسامه ~~بحسب اختلاف القوة والضعف وبيان مظان الحاجة إلى الصبر وبيان دواء الصبر ~~وما يستعان به عليه فهي سبعة فصول تشتمل على جميع مقاصده إن شاء الله تعالى # | بيان فضيلة الصبر وقد وصف الله تعالى الصابرين بأوصاف وذكر الصبر # في القرآن في نيف وسبعين موضعا وأضاف أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر ~~وجعلها ثمرة له فقال عز من قائل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ~~وقال تعالى وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا وقال تعالى ~~ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون وقال تعالى أولئك يؤتون ~~أجرهم مرتين بما صبروا وقال تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب فما ~~من قربة إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر ولأجل كون الصوم من الصبر وأنه ~~نصف الصبر قال الله تعالى الصوم لي وأنا أجزى به فأضافه إلى نفسه من بين ~~سائر العبادات ووعد الصابرين بأنه معهم فقال تعالى واصبروا إن الله مع ~~الصابرين وعلق النصرة على الصبر فقال تعالى بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم ~~من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وجمع للصابرين بين ~~أمور لم يجمعها لغيرهم فقال تعالى أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك ~~هم المهتدون فالهدى والرحمة والصلوات مجموعة للصابرين واستقصاء جميع الآيات ~~في مقام الصبر يطول # وأما الأخبار فقد قال صلى الله عليه وسلم الصبر نصف الإيمان + حديث الصبر ~~نصف الإيمان أخرجه أبو نعيم والخطيب من حديث ابن مسعود وتقدم في الصوم + ~~على ما سيأتي وجه كونه نصفا وقال صلى الله عليه وسلم من أقل ما أوتيتم ~~اليقين وعزيمة الصبر ومن أعطى حظه منهما لم يبال بما فاته من قيام الليل ~~وصيام النهار ولأن تصبروا على ما أنتم عليه أحب إلى من أن يوافيني كل امرىء ~~منكم بمثل عمل جميعكم ولكني أخاف أن تفتح عليكم الدنيا بعدى فينكر بعضكم ~~بعضا وينكركم أهل السماء عند ذلك فمن صبر واحتسب ظفر بكمال ثوابه ثم قرأ ~~قوله تعالى ما عندكم ينفد وما عنده الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم ~~الآية + حديث من أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر الحديث بطوله تقدم في ~~العلم مختصرا ولم أجده هكذا بطول + الآية وروى جابر أنه سئل صلى الله عليه ~~وسلم عن الايمان فقال الصبر والسماحة + حديث جابر سئل عن الايمان فقال ~~الصبر والسماحة أخرجه الطبراني في مكارم الآخلاق وابن حبان في الضعفاء وفيه ~~يوسف بن محمد بن المنكدر ضعيف ورواه الطبراني في الكبير من رواية عبد الله ~~بن عبيد بن عمير عن أبيه عن جده وقال أيضا الصبر كنز من كنوز الجنة + حديث ~~الصبر كنز من كنوز الجنة غريب لم أجده وسئل مرة ما الإيمان فقال الصبر + ~~حديث سئل مرة عن الايمان فقال الصبر أخرجه أبو منصور الديملى في مسند ~~الفردوس من رواية يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا الصبر من الايمان بمنزلة ~~الرأس من الجسد ويزيد ضعيف وهذا يشبه قوله صلى الله عليه وسلم الحج عرفه + ~~حديث الحج عرفه تقدم في الحج معناه معظم الحج عرفة وقال أيضا صلى صلى الله ~~عليه وسلم أفضل الاعمال ما أكرهت عليه النفوس + حديث أفضل الأعمال ما أكرهت ~~عليه النفوس لا أصل له مرفوعا وإنما هو من قول عمر بن عبد العزيز هكذا رواه ~~ابن أبي الدنيا في كتاب محاسبة النفس وقيل أوحى الله تعالى إلى داود عليه ~~السلام تخلق بأخلاقي وأن من أخلاقي أني أنا الصبور وفي حديث عطاء عن ابن ~~عباس لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنصار فقال أمؤمنون أنتم ~~فسكتوا فقال عمر نعم يا رسول الله قال وما علامة إيمانكم قالوا نشكر على ~~الرخاء ونصبر على البلاء ونرضى بالقضاء فقال صلى الله عليه وسلم ~~PageV04P061 # مؤمنون ورب الكعبة + حديث عطاء عن ابن عباس دخل على الأنصار فقال أمؤمنون ~~أنتم فسكتوا فقال عمر نعم يا رسول الله الحديث أخرجه الطبرانى فى الأوسط من ~~رواية يوسف بن ميمون وهو منكر الحديث عن عطاء + وقال صلى الله عليه وسلم في ~~الصبر على ما تكره خير كثير + حديث في الصبر على ما تكره خير كثير أخرجه ~~الترمذى من حديث ابن عباس وقد تقدم + وقال المسيح عليه السلام إنكم لا ~~تدركون ما تحبون إلا بصبركم على ما تكرهون وقال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم لو كان الصبر رجلا لكان كريما والله يحب الصابرين + حديث لو كان الصبر ~~رجلا لكان كريما أخرجه الطبراني من حديث عائشة وفيه صبيح بن دينار ضعفه ~~العقيلى + والاخبار في هذا لا تحصى # وأما الآثار فقد وجد في رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى ~~الأشعري عليك بالصبر واعلم أن الصبر صبران أحدهما أفضل من الآخر الصبر في ~~المصيبات حسن وأفضل منه الصبر عما حرم الله تعالى واعلم أن الصبر ملاك ~~الإيمان وذلك بأن التقوى أفضل البر والتقوى بالصبر وقال على كرم الله وجهه ~~بني الإيمان على أربع دعائم اليقين والصبر والجهاد والعدل وقال أيضا الصبر ~~من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا جسد لمن لا رأس له ولا إيمان لمن لا ~~صبر له وكان عمر رضي الله عنه يقول نعم العدلان ونعمت العلاوة للصابرين ~~يعني بالعدلين الصلاة والرحمة وبالعلاوة الهدى والعلاوة ما يحمل فوق ~~العدلين على البعير وأشار به إلى قوله تعالى @QB@ أولئك عليهم صلوات من ~~ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون @QE@ وكان حبيب بن أبي حبيب إذا قرأ هذه ~~الآية إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب بكى وقال واعجباه اعطى واثنى أي ~~هو المعطي للصبر وهو المثنى وقال أبو الدرداء ذروة الايمان الصبر للحكم ~~والرضا بالقدر هذا بيان فضيلة الصبر من حيث النقل وأما من حيث النظر بعين ~~الاعتبار فلا تفهمه الا بعد فهم حقيقة الصبر ومعناه اذ معرفة الفضيلة ~~والرتبة معرفة صفة فلا تحصل قبل معرفة الموصوف فلنذكر حقيقته ومعناه وبالله ~~التوفيق # | بيان حقيقة الصبر ومعناه # اعلم أن الصبر مقام من مقامات الدين ومنزل من منازل السالكين وجميع ~~مقامات الدين إنما تنتظم من ثلاثة أمور معارف وأحوال وأعمال فالمعارف هي ~~الأصول وهي تورث الأحوال والأحوال تثمر الأعمال فالمعارف كالأشجار والأحوال ~~كالأغصان والأعمال كالثمار وهذا مطرد في جميع منازل السالكين إلى الله ~~تعالى واسم الإيمان تارة يختص بالمعارف وتارة يطلق على الكل كما ذكرناه في ~~اختلاف اسم الإيمان والإسلام في كتاب قواعد العقائد وكذلك الصبر لا يتم الا ~~بمعرفة سابقة وبحالة قائمة فالصبر على التحقيق عبارة عنها والعمل هو ~~كالثمرة يصدر عنها ولا يعرف هذا إلا بمعرفة كيفية الترتيب بين الملائكة ~~والإنس والبهائم فان الصبر خاصية الإنس ولا يتصور ذلك في البهائم والملائكة ~~اما في البهائم فلنقصانها وأما في الملائكة فلكمالها # وبيانه أن البهائم سلطت عليها الشهوات وصارت مسخرة لها فلا باعث لها على ~~الحركة والسكون الا الشهوة وليس فيها قوة تصادم الشهوة وتردها عن مقتضاها ~~حتى يسمى ثبات تلك القوة في مقابلة مقتضى الشهوة صبرا # واما الملائكة عليهم السلام فإنهم جردوا للشوق إلى حضرة الربوبية ~~والابتهاج بدرجة القرب منها ولم تسلط عليهم شهوة صارفة صادة عنها حتى يحتاج ~~إلى مصادمة ما يصرفها عن حضرة الجلال بجند آخر يغلب الصوارف # واما الإنسان فإنه خلق في ابتداء الصبا ناقصا مثل البهيمة لم يخلق فيه ~~الا شهوة الغذاء الذي هو محتاج اليه ثم تظهر فيه شهوة اللعب والزينة ثم ~~شهوة النكاح على الترتيب وليس له قوة الصبر ألبته اذ الصبر عبارة عن ~~PageV04P062 ثبات جند في مقابلة جند آخر قام القتال بينهما لتضاد ~~مقتضياتهما ومطالبهما وليس في الصبي إلا جند الهوى كما في البهائم ولكن ~~الله تعالى بفضله وسعة جوده أكرم بني آدم ورفع درجتهم عن درجة البهائم فوكل ~~به عند كمال شخصه بمقاربة البلوغ ملكين أحدهما يهديه والآخر يقويه فتميز ~~بمعونة الملكين عن البهائم واختص بصفتين إحداهما معرفة الله تعالى ومعرفة ~~رسوله ومعرفة المصالح المتعلقة بالعواقب وكل ذلك حاصل من الملك الذي إليه ~~الهداية والتعريف فالبهيمة لا معرفة لها ولا هداية إلى مصلحة العواقب بل ~~إلى مقتضى شهواتها في الحال فقط فلذلك لا تطلب إلا اللذيذ وأما الدواء ~~النافع مع كونه مضرا في الحال فلا تطلبه ولا تعرفه فصار الإنسان بنور ~~الهداية يعرف أن اتباع الشهوات له مغبات مكروهة في العاقبه ولكن لم تكن هذه ~~الهداية كافية ما لم تكن له قدرة على ترك ما هو مضر فكم من مضر يعرفه ~~الإنسان كالمرض النازل به مثلا ولكن لا قدرة له على دفعه فافتقر إلى قدرة ~~وقوة يدفع بها في نحر الشهوات فيجاهدها بتلك القوة حتى يقطع عداوتها عن ~~نفسه فوكل الله تعالى به ملكا آخر يسدده ويؤيده ويقويه بجنود لم تروها وأمر ~~هذا الجند بقتال جند الشهوة فتارة يضعف هذا الجند وتارة يقوى ذلك بحسب ~~إمداد الله تعالى عبده بالتأييد كما أن نور الهداية ايضا يختلف في الخلق ~~اختلافا لا ينحصر # فلنسم هذه الصفة التي بها فارق الانسان البهائم في قمع الشهوات وقهرها ~~باعثا دينيا ولنسم مطالبة الشهوات بمقتضياتها باعث الهوى وليفهم أن القتال ~~قائم بين باعث الدين وباعث الهوى والحرب بينهما سجال ومعركة هذا القتال قلب ~~العبد ومدد باعث الدين من الملائكة الناصرين لحزب الله تعالى ومدد باعث ~~الشهوة من الشياطين الناصرين لأعداء الله تعالى فالصبر عبارة عن ثبات باعث ~~الدين في مقابلة باعث الشهوة فإن ثبت حتى قهره واستمر على مخالفة الشهوة ~~فقد نصر حزب الله والتحق بالصابرين وإن تخاذل وضعف حتى غلبته الشهوة ولم ~~يصبر في دفعها التحق بأتباع الشياطين # فإن ترك الأفعال المشتهاه عمل يثمره حال يسمى الصبر وهو ثبات باعث الدين ~~الذي هو في مقابلة باعث الشهوة وثبات باعث الدين حال تثمرها المعرفة بعداوة ~~الشهوات ومضاداتها لأسباب السعادات في الدنيا والآخره فإذا قوى يقينه أعنى ~~المعرفة التي تسمى إيمانا وهو اليقين بكون الشهوة عدوا قاطعا لطريق الله ~~تعالى قوى ثبات باعث الدين واذا قوى ثباته تمت الافعال على خلاف ما تتقاضاه ~~الشهوة فلا يتم ترك الشهوة الا بقوة باعث الدين المضاد لباعث الشهوة وقوة ~~المعرفة والايمان تقبح مغبة الشهوات وسوء عاقبتها وهذان الملكان هما ~~المتكفلان بهذين الجندين بإذن الله تعالى وتسخيره إياهما وهما من الكرام ~~الكاتبين وهما الملكان الموكلان بكل شخص من الآدميين وإذا عرفت أن رتبة ~~الملك الهادي أعلى من رتبة الملك المقوى لم يخف عليك أن جانب اليمين هو ~~أشرف الجانبين من جنبتي الدست الذي ينبغي أن يكون مسلما له فهو إذن صاحب ~~اليمين والآخر صاحب الشمال # وللعبد طوران في الغفلة والفكر وفي الاسترسال والمجاهدة فهو بالغفلة معرض ~~عن صاحب اليمين ومسيء إليه فيكتب أعراضه سيئة وبالفكر مقبل عليه ليستفيد ~~منه الهداية فهو به محسن فيكتب إقباله له حسنة وكذا بالاسترسال هو معرض عن ~~صاحب اليسار تارك للإستمداد منه فهو به مسىء إليه فيثبت عليه سيئة ~~وبالمجاهدة مستمد من جنوده فيثبت له به حسنة وإنما ثبتت هذه الحسنات ~~والسيئات بإثباتهما فلذلك سميا كراما كاتبين PageV04P063 أما الكرام ~~فلإنتفاع العبد بكرمهما ولأن الملائكة كلهم كرام بررة وأما الكاتبون ~~فلإثباتهما الحسنات والسيئات وإنما يكتبان في صحائف مطوية في سر القلب ~~ومطوية عن سر القلب حتى لا يطلع عليه في هذا العالم فإنهما وكتبتهما وخطهما ~~وصائفهما وجملة ما تعلق بهما من جملة عالم الغيب والملكوت لا من عالم ~~الشهادة وكل شيء من عالم الملكوت لا تدركه الأبصار في هذا العالم ثم تنشر ~~هذه الصحائف المطوية عنه مرتين مرة في القيامة الصغرى ومرة في القيامة ~~الكبرى وأعني بالقيامة الصغرى حالة الموت إذ قال صلى الله صلى الله عليه ~~وسلم من مات فقد قامت قيامته + حديث من مات فقد قامت قيامته أخرجه ابن أبى ~~الدنيا فى كتاب الموت من حديث أنس بسند ضعيف + وفي هذه القيامة يكون العبد ~~وحده وعندها يقال ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وفيها يقال كفى ~~بنفسك اليوم عليك حسيبا أما في القيامة الكبرى الجامعة لكافة الخلائق فلا ~~يكون وحده بل ربما يحاسب على ملأ من الخلق وفيها يساق المتقون إلى الجنة ~~والمجرمون إلى النار زمرا لا آحادا والهول الأول هو هول القيامة الصغرى ~~ولجميع أهوال القيامة الكبرى نظير في القيامة الصغرى مثل زلزلة الأرض مثلا ~~فإن أرضك الخاصة بك تزلزل في الموت فإنك تعلم أن الزلزلة إذا نزلت ببلدة ~~صدق أن يقال قد زلزلت أرضهم وإن لم تزلزل البلاد المحيطة بها بل لو زلزل ~~مسكن الإنسان وحده فقد حصلت الزلزلة في حقه لأنه إنما يتضرر عند زلزلة جميع ~~الأرض بزلزلة مسكنه لا بزلزلة مسكن غيره فحصته من الزلزلة قد توفرت من غير ~~نقصان واعلم أنك أرضى مخلوق من التراب وحظك الخاص من التراب بدنك فقط فأما ~~بدن غيرك فليس بحظك والأرض التي أنت جالس عليها بالإضافة إلى بذلك ظرف ~~ومكان وانما تخاف من تزلزله ان يتزلزل بدنك بسببه والا فالهواء أبدا متزلزل ~~وأنت لا تخشاه اذ ليس يتزلزل به بدنك فحظك من زلزلة الأرض كلها زلزلة بدنك ~~فقط فهي أرضك وترابك الخاص بك وعظامك جبال أرضك ورأسك سماء أرضك وقلبك شمس ~~أرضك وسمعك وبصرك وسائر خواصك نجوم سمائك ومفيض العرق من بدنك بحر أرضك ~~وشعورك نبات أرضك وشعورك نبات ارضك وأطرافك أشجار أرضك وهكذا إلى جميع ~~أجزائك فاذا انهدم بالموت أركان بدنك فقد زلزلت الأرض زلزالها فاذا انفصلت ~~العظام من اللحوم فقد حملت الأرض والجبال فدكتادكة واحدة فإذا رمت العظام ~~فقد نسفت الجبال نسفا فإذا اظلم قلبك عند الموت فقد كورت الشمس تكويرا فإذا ~~بطل سمعك وبصرك وسائر حواسك فقد انكدرت النجوم انكدارا فإذا انشق دماغك فقد ~~انشقت السماء انشقاقا فإذا انفجرت من هول الموت عرق جبينك فقد فجرت البحار ~~تفجيرا فإذا التفت إحدى ساقيك بالأخرى وهما مطيتاك فقد عطلت العشار تعطيلا ~~فإذا فارقت الروح الجسد فقد حملت الأرض فمدت حتى ألقت ما فيها وتخلت ولست ~~أطول بجميع موازنة الأحوال والأهوال ولكني أقول بمجرد الموت تقوم عليك هذه ~~القيامة الصغرى ولا يفوتك من القيامة الكبرى شيء مما يخصك بل ما يخص غيرك ~~فان بقاء الكواكب في حق غيرك ماذا ينفعك وقد انتثرت حواسك التي بها تنتفع ~~بالنظر إلى الكواكب والأعمى يستوى عنده الليل والنهار وكسوف الشمس ~~وانجلاؤها لأنها قد كسفت في حقه دفعه واحدة وهو حصته منها فالانجلاء بعد ~~ذلك حصة غيره ومن انشق رأسه فقد انشقت سماؤه إذ السماء عبارة عما يلي جهة ~~الرأس فمن لا رأس له لا سماء له فمن أين ينفعه بقاء السماء لغيره فهذه هي ~~القيامة الصغرى والخوف بعد أسفل والهول بعد مؤخر وذلك اذا جاءت الطامة ~~الكبرى وارتفع الخصوص وبطلت السموات والأرض ونسفت الجبال ونمت الأهوال ~~PageV04P064 # واعلم أن هذه الصغرى وإن طولنا في وصفها فإنا لم نذكر عشير أوصافها وهي ~~بالنسبة إلى القيامة الكبرى كالولادة الصغرى بالنسبة إلى الولادة الكبرى ~~فإن للإنسان ولادتين إحداهما الخروج من الصلب والترائب إلى مستودع الأرحام ~~فهو في الرحم في قرار مكين إلى قدر معلوم وله في سلوكه إلى الكمال منازل ~~وأطوار من نطفة وعلقة ومضغة وغيرها إلى أن يخرج من مضيق الرحم إلى فضاء ~~العالم فنسبة عموم القيامة الكبرى إلى خصوص القيامة الصغرى كنسبة سعة فضاء ~~العالم إلى سعة فضاء الرحم ونسبة سعة العالم الذي يقدم عليه العبد بالموت ~~إلى سعة فضاء الدنيا كنسبة فضاء الدنيا أيضا إلى الرحم بل أوسع وأعظم فقس ~~الآخره بالأولى فما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وما النشأة الثانية إلا ~~على قياس النشأة الأولى بل أعداد النشآت ليست محصورة في اثنتين وإليه ~~الإشارة بقوله تعالى وننشئكم فيما لا تعلمون فالمقر بالقيامتين مؤمن بعالم ~~الغيب والشهادة وموقن بالملك والملكوت والمقر بالقيامة الصغرى دون الكبرى ~~ناظر بالعين العوراء إلى أحد العالمين وذلك هو الجهل والضلال والأقتداء ~~بالأعور الدجال # فما اعظم غفلتك يا مسكين وكلنا ذلك المسكين وبين يديك هذه الأهوال فإن ~~كنت لا تؤمن بالقيامة الكبرى بالجهل والضلال أفلا تكفيك دلالة القيامة ~~الصغرى أو ما سمعت قول سيد الأنبياء كفى بالموت واعظا + حديث كفى بالموت ~~واعظا أخرجه البيهقى فى الشعب من حديث عائشة وفيه الربيع بن بدر ضعيف ورواه ~~الطبرانى من حديث عقبة بن عامر وهو معروف من قول الفضيل بن عياض رواه ~~البيهى فى الزهد + أو ما سمعت بكر به عليه السلام عند الموت حتى قال صلى ~~الله عليه وسلم اللهم هون على محمد سكرات الموت + حديث اللهم هون على محمد ~~سكرات الموت أخرجه الترمذى وقال غريب والنسائى فى اليوم والليلة وابن ماجه ~~من حديث عائشة بلفظ اللهم أعنى على سكرات الموت + أو ما تستحي من استبطائك ~~هجوم الموت اقتداء برعاع الغافلين الذين لا ينظرون الا صيحة واحدة تأخذهم ~~وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون فيأتيهم المرض نذيرا ~~من الموت فلا ينزجرون ويأتيهم الشيب رسولا منه فما يعتبرون فيا حسرة على ~~العباد ما يأتيهم من رسول الا كانوا به يستهزئون أفيظنون أنهم في الدنيا ~~خالدون أو لم يروا كم اهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون أم ~~يحسبون أن الموتى سافروا من عندهم فهم معدمون كلا وإن كل لما جميع لدينا ~~محضرون @QB@ ولكن @QE@ ما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها ~~معرضين وذلك لأنا جعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا ~~يبصرون وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون # ولنرجع إلى الغرض فان هذه تلويحات تشير إلى أمور هي أعلى من علوم ~~المعاملة فنقول ظهر أن الصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقاومة باعث ~~الهوى وهذه المقاومة من خاصة الآدميين لما وكل بهم من الكرام الكاتبين ولا ~~يكتبان شيئا عن الصبيان والمجانين إذ قد ذكرنا أن الحسنة في الاقبال على ~~الاستفادة منهما والسيئة في الإعراض عنهما وما للصبيان والمجانين سبيل إلى ~~الاستفادة فلا يتصور منهما إقبال وإعراض وهما لا يكتبان الا الإقبال و ~~الإعراض من القادرين على الإقبال والإعراض ولعمري انه قد تظهر مباديء إشراق ~~نور الهداية عند سن التمييز وتنمو على التدريج إلى سن البلوغ كما يبدو نور ~~الصبح إلى ان يطلع قرص الشمس ولكنها هداية قاصرة لا ترشد إلى مضار الآخرة ~~بل إلى مضار الدنيا فلذلك يضرب على ترك الصلوات ناجزا ولا يعاقب على تركها ~~في الآخرة ولا يكتب عليه من الصحائف ما ينشر في الآخرة بل على القيم العدل ~~والولى البر الشفيق PageV04P065 إن كان من الأبرار وكان على سمت الكرام ~~الكاتبين البررة الأخيار أن يكتب على الصبي سيئته وحسنته على صحيفة قلبه ~~فيكتبه عليه بالحفظ ثم ينشره عليه بالتعريف ثم يعذبه عليه بالضرب فكل ولي ~~هذا سمته في حق الصبي فقد ورث أخلاق الملائكة واستعملها في حق الصبي فينال ~~بها درجة القرب من رب العالمين كما نالته الملائكة فيكون مع النبيين ~~والمقربين والصديقين واليه الاشارة بقوله صلى الله عليه وسلم أنا وكافل ~~اليتيم كهاتين في الجنة + حديث أنا وكافل اليتيم كهاتين أخرجه البخارى من ~~حديث سهل بن سعد وتقدم + واشار إلى أصبعيه الكريمتين صلى الله عليه وسلم # | بيان كون الصبر نصف الايمان # اعلم أن الإيمان تارة يختص في إطلاقه بالتصديقات بأصول الدين وتارة يختص ~~بالأعمال الصالحة الصادرة منها وتارة يطلق عليهما جميعا وللمعارف أبواب ~~وللأعمال أبواب ولاشتمال لفظ الإيمان على جميعها كان الإيمان نيفا وسبعين ~~بابا واختلاف هذه الإطلاقات ذكرناه في كتاب قواعد العقائد من ربع العبادات ~~ولكن الصبر نصف الإيمان باعتبارين وعلى مقتضى إطلاقين # أحدهما أن يطلق على التصديقات والأعمال جميعا فيكون للإيمان ركنان أحدهما ~~اليقين # والآخر الصبر والمراد باليقين المعارف القطعية الحاصلة بهداية الله تعالى ~~عبده إلى أصول الدين والمراد بالصبر العمل بمقتضى اليقين إذ اليقين يعرفه ~~أن المعصية ضاره والطاعة نافعة ولا يمكن ترك المعصية والمواظبة على الطاعة ~~إلا بالصبر وهو استعمال باعث الدين فى قهر باعث الهوى والكسل فيكون الصبر ~~نصف الإيمان بهذا الاعتبار ولهذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ~~فقال من أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر الحديث إلى آخره # الاعتبار الثاني أن يطلق على الأحوال المثمرة للأعمال لا على المعارف ~~وعند ذلك ينقسم جميع ما يلاقيه العبد إلى ما ينفعه في الدنيا والآخرة أو ~~يضره فيهما وله بالإضافة إلى ما يضره حال الصبر وبالإضافة إلى ما ينفعه حال ~~الشكر فيكون الشكر أحد شطري الإيمان بهذا الاعتبار كما أن اليقين أحد ~~الشطرين بالاعتبار الأول وبهذا النظر قال ابن مسعود رضي الله عنه الإيمان ~~نصفان نصف صبر ونصف شكر وقد يرفع أيضا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم # ولما كان الصبر صبرا عن باعث الهوى بثبات باعث الدين وكان باعث الهوى ~~قسمين باعث من جهة الشهوة وباعث من جهة الغضب فالشهوة لطلب اللذيذ والغضب ~~للهرب من المؤلم وكان الصوم صبرا عن مقتضى الشهوة فقط وهي شهوة البطن ~~والفرج دون مقتضى الغضب قال بهذا الاعتبار الصوم نصف الصبر لأن كمال الصبر ~~بالصبر عن دواعي الشهوة ودواعي الغضب جميعا فيكون الصوم بهذا الاعتبار ربع ~~الإيمان فهكذا ينبغي أن تفهم تقديرات الشرع بحدود الأعمال والأحوال ونسبتها ~~إلى الإيمان والأصل فيه أن تعرف كثرة أبواب الإيمان فإن اسم الإيمان يطلق ~~على وجوه مختلفة # | بيان الأسامي التي تتجدد للصبر بالإضافة إلى ما عنه الصبر # أعلم أن الصبر ضربان أحدهما ضرب بدني كتحمل المشاق بالبدن والثبات عليها ~~وهو إما بالفعل كتعاطي PageV04P066 الأعمال الشاقة إما من العبادات أو من ~~غيرها واما بالاحتمال كالصبر على الضرب الشديد والمرض العظيم والجراحات ~~الهائلة وذلك قد يكون محمودا إذا وافق الشرع # ولكن المحمود التام هو الضرب الآخر وهو الصبر النفسي عن مشتهيات الطبع ~~ومقتضيات الهوى ثم هذا الضرب إن كان صبرا على شهوة البطن والفرج سمى عفة ~~وإن كان على احتمال مكروه اختلفت أساميه عند الناس باختلاف المكروه الذي ~~غلب عليه الصبر فإن كان في مصيبة اقتصر على اسم الصبر وتضاده حالة تسمى ~~الجزع والهلع وهو إطلاق داعي الهوى ليسترسل في رفع الصوت وضرب الخدود وشق ~~الجيوب وغيرهما وإن كان في احتمال الغنى سمى ضبط النفس وتضاده حالة تسمى ~~البطر وإن كان في حرب ومقاتلة سمى شجاعة ويضاده الجبن وإن كان في كظم الغيظ ~~والغضب سمى حلما ويضاده التذمر وإن كان في نائبة من نوائب الزمان مضجرة سمى ~~سعة الصدر ويضاده الضجر والتبرم وضيق الصدر وإن كان في إخفاء كلام سمي ~~كتمان السر وسمي صاحبه كتوما وإن كان عن فضول العيش سمى زهدا ويضاده الحرص ~~وإن كان صبرا على قدر يسير من الحظوظ سمي قناعة ويضاده الشره فأكثر أخلاق ~~الإيمان داخل في الصبر ولذلك لما سئل عليه السلام مرة عن الإيمان قال هو ~~الصبر لأنه أكثر أعماله وأعزها كما قال الحج عرفة وقد جمع الله تعالى أقسام ~~ذلك وسمى الكل صبرا فقال تعالى والصابرين في البأساء أي المصيبة والضراء أي ~~الفقر وحين البأس أي المحاربة @QB@ أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ~~@QE@ فإذن هذه أقسام الصبر باختلاف متعلقاتها ومن يأخذ المعاني من الأسامي ~~يظن أن هذه الأحوال مختلفة في ذواتها وحقائقها من حيث رأي الأسامي مختلفة ~~والذي يسلك الطريق المستقيم وينظر بنور الله تعالى يلحظ المعاني أولا فيطلع ~~على حقائقها ثم يلاحظ الأسامي فإنها وضعت دالة على المعاني فالمعاني هي ~~الأصول والالفاظ هي التوابع ومن يطلب الأصول من التوابع لا بد وأن يزل وإلى ~~الفريقين الإشارة بقوله تعالى @QB@ أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أم من ~~يمشي سويا على صراط مستقيم @QE@ فإن الكفار لم يغلطوا فيما غلطوا فيه إلا ~~بمثل هذه الانعكاسات نسأل الله حسن التوفيق بكرمه ولطفه # | بيان أقسام الصبر بحسب اختلاف القوة والضعف # أعلم أن باعث الدين بالإضافة إلى باعث الهوى له ثلاثة أحوال أحدها أن ~~يقهر داعي الهوى فلا تبقى له قوة المنازعة ويتوصل إليه بدوام الصبر وعند ~~هذا يقال من صبر ظفر والواصلون إلى هذه الرتبة هم الأقلون فلا جرم هم ~~الصديقون المقربون @QB@ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا @QE@ فهؤلاء ~~لازموا الطريق المستقيم واستووا على الصراط القويم واطمأنت نفوسهم على ~~مقتضى باعث الدين وإياهم ينادي المنادي @QB@ يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي ~~إلى ربك راضية مرضية @QE@ # الحالة الثانية أن تغلب دواعي الهوى وتسقط بالكلية منازعة باعث الدين ~~فيسلم نفسه إلى جند الشياطين ولا يجاهد ليأسه من المجاهدة وهؤلاء هم ~~الغافلون وهم الأكثرون وهم الذين استرقتهم شهواتهم وغلبت عليهم شقوتهم ~~فحكموا أعداء الله في قلوبهم التي هي سر من أسرار الله تعالى وأمر من أمور ~~الله وإليهم الإشارة بقوله تعالى @QB@ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن ~~حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين @QE@ وهؤلاء هم الذين ~~اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فخسرت صفقتهم وقيل لمن قصد إرشادهم فأعرض عمن ~~تولى عن ذكرنا PageV04P067 @QB@ ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من ~~العلم @QE@ وهذه الحالة علامتها اليأس والقنوط والغرور بالأماني وهو غاية ~~الحمق كما قال صلى الله عليه وسلم الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ~~والأحمق من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله + حديث الكيس من دان نفسه ~~الحديث تقدم فى ذم الغرور + وصاحب هذه الحالة إذا وعظ قال أنا مشتاق إلى ~~التوبة ولكنها قد تعذرت على فلست أطمع فيها أو لم يكن مشتاقا إلى التوبة ~~ولكن قال إن الله غفور رحيم كريم فلا حاجة به إلى توبتي وهذا المسكين قد ~~صار عقله رقيقا لشهوته فلا يستعمل عقله إلا في استنباط دقائق الحيل التي ~~بها يتوصل إلى قضاء شهوته فقد صار عقله في يد شهواته كمسلم أسير في أيدي ~~الكفار فهم يستسخرونه في رعاية الخنازير وحفظ الخمور وحملها ومحله عند الله ~~تعالى محل من يقهر مسلما ويسلمه إلى الكفار ويجعله أسيرا عندهم لأنه بفاحش ~~جنايته يشبه أنه سخر ما كان حقه أن لا يستسخر وسلط ما حقه أن لا يتسلط عليه ~~وإنما استحق المسلم أن يكون متسلطا لما فيه من معرفة الله وباعث الدين ~~وإنما استحق الكافر أن يكون مسلطا عليه لما فيه من الجهل بالدين وباعث ~~الشياطين وحق المسلم على نفسه أوجب من حق غيره عليه فمهما سخر المعنى ~~الشريف الذي هو من حزب الله وجند الملائكة للمعنى الخسيس الذي هو من حزب ~~الشياطين المبعدين عن الله تعالى كان كمن أرق مسلما لكافر بل هو كمن قصد ~~الملك المنعم عليه فأخذ أعز أولاده وسلمه إلى أبغض أعدائه فانظر كيف يكون ~~كفرانه لنعمته واستيجابه لنقمته لأن الهوى أبغض إله عبد في الأرض عند الله ~~تعالى والعقل أعز موجود خلق على وجه الأرض # الحالة الثالثة أن يكون الحرب سجالا بين الجندين فتارة له اليد عليها ~~وتارة لها عليه وهذا من المجاهدين يعد مثله لا من الظافرين وأهل هذه الحالة ~~هم الذين @QB@ خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم @QE@ هذا ~~باعتبار القوة والضعف ويتطرق إليه أيضا ثلاثة أحوال باعتبار عدد ما يصبر ~~عنه فإنه إما أن يغلب جميع الشهوات أو لا يغلب شيئا منها أو يغلب بعضها دون ~~بعض وتنزيل قوله تعالى @QB@ خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا @QE@ على من عجز عن ~~بعض الشهوات دون بعض أولى والتاركون للمجاهدة مع الشهوات مطلقا يشبهون ~~بالأنعام بل هم أضل سبيلا إذ البهيمة لم تخلق لها المعرفة والقدرة التي بها ~~تجاهد مقتضى الشهوات وهذا قد خلق ذلك له وعطلة فهو الناقص حقا المدبر يقينا ~~ولذلك قيل # ولم أر في عيوب الناس عيبا % كنقص القادرين على التمام # وينقسم الصبر أيضا باعتبار اليسر والعسر إلى ما يشق على النفس فلا يمكن ~~الدوام عليه إلا بجهد جهيد وتعب شديد ويسمى ذلك تصبرا وإلى ما يكون من غير ~~شدة تعب بل يحصل بأدنى تحامل على النفس ويخص ذلك باسم الصبر وإذا دامت ~~التقوى وقوى التصديق بما في العاقبة من الحسنى تيسر الصبر ولذلك قال تعالى ~~@QB@ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى @QE@ ومثال هذه ~~القسمة قدرة المصارع على غيره فإن الرجل القوي يقدر على أن يصرع الضعيف ~~بأدنى حملة وأيسر قوة بحيث لا يلقاه في مصارعته إعياء ولا لغوب ولا تضطرب ~~فيه نفسه ولا ينبهر ولا يقوى على أن يصرع الشديد إلا بتعب ومزيد جهد وعرق ~~جبين فهكذا تكون المصارعة بين باعث الدين وباعث الهوى فإنه على التحقيق ~~صراع بين جنود الملائكة وجنود الشياطين ومهما أذعنت الشهوات وانقمعت وتسلط ~~باعث الدين واستولى وتيسر الصبر بطول المواظبة اورث ذلك مقام الرضا كما ~~سياتي في كتاب الرضا فالرضا PageV04P068 أعلى من الصبر ولذلك قال صلى الله ~~عليه وسلم اعبد الله على الرضا فان لم تستطع ففي الصبر على ما تكره خير ~~كثير وقال بعض العارفين اهل الصبر على ثلاثة مقامات أولها ترك الشهوة وهذه ~~درجة التائبين وثانيها الرضا بالمقدور وهذه درجة الزاهدين وثالثها المحبة ~~لما يصنع به مولاه وهذه درجة الصديقين # وسنبين في كتاب المحبة ان مقام المحبة أعلى من الرضا كما ان مقام الرضا ~~اعلى من مقام الصبر وكان هذا الانقسام يجري في صبر خاص وهو الصبر على ~~المصائب والبلايا # واعلم ان الصبر ايضا ينقسم باعتبار حكمه إلى فرض ونفل ومكروه ومحرم ~~فالصبر عن المحظورات فرض وعلى المكاره نفل والصبر على الاذى المحظور محظور ~~كمن تقطع يده أو يد ولده وهو يصبر عليه ساكتا وكمن يقصد حريمة بشهوة محظورة ~~فتهيج غيرته فيصبر عن اظهاره الغيرة ويسكت على ما يجري على اهله فهذا الصبر ~~محرم والصبر المكروه هو الصبر على اذى يناله بجهة مكروهه في الشرع فليكن ~~الشرع محك الصبر فكون الصبر نصف الايمان لا ينبغي ان يخيل اليك ان جميعه ~~محمود بل المراد به انواع من الصبر مخصوصة # | بيان مظان الحاجة إلى الصبر وان العبد لا يستغني عنه في حال من # الاحوال # أعلم ان جميع ما يلقى العبد في هذه الحياة لا يخلو من نوعين احدهما هو ~~الذي يوافق هواه والاخر هو الذي لا يوافقه بل يكرهه وهو محتاج إلى الصبر في ~~كل واحد منهما وهو في جميع الاحوال لا يخلو عن أحد هذين النوعين أو عن ~~كليهما فهو إذن لا يستغنى قط عن الصبر # النوع الأول ما يوافق الهوى وهو الصحة والسلامة والمال والجاه وكثرة ~~العشيرة واتساع الاسباب وكثرة الأتباع والأنصار وجميع ملاذ الدنيا وما احوج ~~العبد إلى الصبر على هذه الأمور فإنه ان لم يضبط نفسه عن الاسترسال والركون ~~اليها والانهماك في ملاذها المباحة منها أخرجه ذلك إلى البطر والطغيان فإن ~~الإنسان ليطغى ان رآه استغنى حتى قال بعض العارفين البلاء يصبر عليه المؤمن ~~والعوافي لا يصبر عليها الا صديق وقال سهل الصبر على العافية اشد من الصبر ~~على البلاء ولما فتحت ابواب الدنيا على الصحابة رضي الله عنهم قالوا ~~ابتلينا بفتنة الضراء فصبرنا وابتلينا بفتنة السراء فلم نصبر ولذلك حذر ~~الله عباده من فتنة المال والزوج والولد فقال تعالى @QB@ يا أيها الذين ~~آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله @QE@ وقال عز وجل @QB@ إن ~~من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم @QE@ وقال صلى الله عليه وسلم الولد ~~مبخلة مجبنة محزنة ولما نظر عليه السلام إلى ولده الحسن رضي الله عنه يتعثر ~~في قميصه نزل عن المنبر واحتضنه ثم قال @QB@ صدق الله @QE@ إنما اموالكم ~~واولادكم فتنة اني لما رأيت ابني يتعثر لم املك نفسي ان اخذته ففي ذلك عبرة ~~لأولى الأبصار # فالرجل كل الرجل من يصبر على العافية ومعنى الصبر عليها ان لا يركن اليها ~~ويعلم ان كل ذلك مستودع عنده وعسى ان يسترجع على القرب وان لا يرسل نفسه في ~~الفرح بها ولا ينهمك في التنعم واللذة واللهو واللعب وان يرعى حقوق الله في ~~ماله بالإنفاق وفي بدنه ببذل المعونة للخلق وفي لسانه ببذل الصدق وكذلك في ~~سائر ما انعم الله به عليه PageV04P069 وهذا الصبر متصل بالشكر فلا يتم الا ~~بالقيام بحق الشكر كما سيأتي وانما كان الصبر على السراء اشد لأنه مقرون ~~بالقدرة ومن العصمة ان لا تقدر والصبر على الحجامة والقصد اذا تولاه غيرك ~~أيسر من الصبر على فصدك نفسك وحجامتك نفسك والجائع عند غيبة الطعام اقدر ~~على الصبر منه اذا حضرته الأطعمة الطيبة اللذيذه وقدر عليها فلهذا عظمت ~~فتنة السراء # النوع الثاني ما لا يوافق الهوى والطبع وذلك لا يخلو اما ان يرتبط ~~باختيار العبد كالطاعات والمعاصي أو لا يرتبط باختيار كالمصائب والنوائب ~~أولا يرتبط باختياره ولكن له اختيار في إزالته كالتشفي من المؤذي بالانتقام ~~منه فهذه ثلاثة اقسام # القسم الاول ما يرتبط باختياره وهو سائر افعاله التي توصف بكونها طاعة أو ~~معصية وهما ضربان # الضرب الاول الطاعة والعبد يحتاج إلى الصبر عليها فالصبر على الطاعة شديد ~~لان النفس بطبعها تنفر عن العبودية وتشتهي الربوبية ولذلك قال بعض العارفين ~~ما من نفس الا وهي مضمرة ما أظهر فرعون من قوله أنا ربكم الاعلى ولكن فرعون ~~وجد له مجالا وقبولا فأظهره اذ استخف قومه فأطاعوه وما من أحد الا وهو يدعى ~~ذلك مع عبده وخادمه وأتباعه وكل من هو تحت قهره وطاعته وان كان ممتنعا من ~~اظهاره فان استشاطته وغيظه عند تقصيرهم في خدمته واستعباده ذلك ليس يصدر ~~الا عن اضمار الكبر ومنازعة الربوية في رداء الكبرياء # فإذن العبودية شاقة على النفس مطلقا ثم من العبادات ما يكره بسبب الكسل ~~كالصلاة ومنها ما يكره بسبب البخل كالزكاة ومنها ما يكره بسببهما جميعا ~~كالحج والجهاد فالصبر على الطاعة صبر على الشدائد # ويحتاج المطيع إلى الصبر على طاعته فى ثلاث أحوال الأولى قبل الطاعة وذلك ~~في تصحيح النية والاخلاص والصبر عن شوائب الرياء ودواعي الآفات وعقد العزم ~~على الاخلاص والوفاء وذلك من الصبر الشديد عند من يعرف حقيقة النية ~~والاخلاص وآفات الرياء ومكايد النفس وقد نبه صلى الله عليه وسلم اذ قال صلى ~~الله عليه وسلم إنما الاعمال بالنيات وانما لكل امرىء ما نوى + وقال تعالى ~~وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ولهذا قدم الله تعالى الصبر ~~على العمل فقال تعالى الا الذين صبروا وعملوا الصالحات # الحالة الثانية حالة العمل كي لا يغفل عن الله في اثناء عمله ولا يتكاسل ~~عن تحقيق آدابه وسننه ويدوم على شرط الأدب إلى آخر العمل الاخير فيلازم ~~الصبر عن دواعي الفتور إلى الفراغ وهذا ايضا من شدائد الصبر ولعله المراد ~~بقوله تعالى نعم اجر العاملين الذين صبروا أي صبروا إلى تمام العمل # الحالة الثالثة بعد الفراغ من العمل اذ يحتاج إلى الصبر عن إفشائه ~~والتظاهر به للسمعة والرياء والصبر عن النظر اليه بعين العجب وعن كل ما ~~يبطل عمله ويحبط اثره كما قال تعالى ولا تبطلوا أعمالكم وكما قال تعالى لا ~~تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى فمن لا يصبر بعد الصدقة عن المن والاذى فقد ~~ابطل عمله # والطاعات تنقسم إلى فرض ونفل وهو محتاج إلى الصبر عليهما جميعا وقد ~~جمعهما الله تعالى في قوله أن الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى ~~فالعدل هو الفرض والإحسان هو النفل وايتاء ذي القربى هو المروءة وصلة الرحم ~~وكل ذلك يحتاج إلى صبر # الضرب الثاني المعاصي فما أحوج العبد إلى الصبر عنها وقد جمع الله تعالى ~~انواع المعاصي في قوله تعالى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي @QB@ وقال ~~@QE@ صلى الله عليه وسلم المهاجر من هجر السوء والمجاهد من جاهد هواه ~~PageV04P070 # والمعاصي مقتضى باعث الهوى # واشد انواع الصبر الصبر عن المعاصي التي صارت مألوفة بالعادة فإن العاده ~~طبيعة خامسة فاذا انضافت العادة إلى الشهوة تظاهر جندان من جنود الشيطان ~~على جند الله تعالى فلا يقوى باعث الدين على قمعها ثم ان كان ذلك الفعل مما ~~تيسر فعله كان الصبر عنه اثقل على النفس كالصبر عن معاصي اللسان من الغيبة ~~والكذب والمراء والثناء على النفس تعريضا وتصريحا وأنواع المزح المؤذي ~~للقلوب وضروب الكلمات التي يقصد بها الإزراء والاستحقار وذكر الموتى والقدح ~~فيهم وفي علومهم وسيرهم ومناصبهم فان ذلك في ظاهرة غيبة وفي باطنه ثناء على ~~النفس فللنفس فيه شهوتان احداهما نفي الغير والأخرى اثبات نفسه وبها تتم له ~~الربوبية التي هي في طبعه وهي ضد ما أمر به من العبودية ولاجتماع الشهوتين ~~وتيسر تحريك اللسان ومصير ذلك معتادا في المحاورات يعسر الصبر عنها وهي ~~أكبر الموبقات حتى بطل استنكارها واستقباحها من القلوب لكثرة تكريرها وعموم ~~الانس بها فترى الانسان يلبس حريرا مثلا فيستبعد غاية الاستبعاد ويطلق ~~لسانه طول النهار في أعراض الناس ولا يستنكر ذلك مع ما ورد في الخبر من ان ~~الغيبة أشد من الزنا + ومن لم يملك لسانه في المحاورات ولم يقدر على الصبر ~~عن ذلك فيجب عليه العزلة والانفراد فلا ينجيه غيره فالصبر على الانفراد ~~اهون من الصبر على السكوت مع المخالطة # وتختلف شدة الصبر في آحاد المعاصي باختلاف داعية تلك المعصية في قوتها ~~وضعفها وأيسر من حركة اللسان حركة الخواطر باختلاف الوساوس فلا جرم يبقى ~~حديث النفس في العزلة ولا يمكن الصبر عنه أصلا إلا بأن يغلب على القلب هم ~~آخر في الدين يستغرقه كمن أصبح وهمومه هم واحد والا فإن لم يستعمل الفكر في ~~شيء معين لم يتصور فتور الوسواس عنه # القسم الثاني مالا يرتبط هجومه باختياره وله اختيار في دفعه كما لو أوذي ~~بفعل أو قول وجنى عليه في نفسه أو ماله فالصبر على ذلك بترك المكافأة تارة ~~يكون واجبا وتارة يكون فضيلة قال بعض الصحابة رضوان الله عليهم ما كنا نعد ~~إيمان الرجل ايمانا إذا لم يصبر على الأذى وقال تعالى ولنصبرن على ما ~~آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~مرة مالا فقال بعض الأعراب من المسلمين هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ~~فأخبر رسول الله فاحمرت وجنتاه ثم قال يرحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر ~~من هذا فصبر + وقال تعالى @QB@ ودع أذاهم وتوكل على الله @QE@ وقال تعالى ~~@QB@ واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا @QE@ وقال تعالى @QB@ ولقد ~~نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك @QE@ الآية وقال تعالى @QB@ ~~ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن ~~تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور @QE@ أي تصبروا عن المكأفاة ولذلك مدح ~~الله تعالى العافين عن حقوقهم في القصاص وغيره فقال تعالى @QB@ وإن عاقبتم ~~فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو @QE@ خير الصابرين @QB@ وقال ~~@QE@ صلى الله عليه وسلم صل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك + ورأيت في ~~الإنجيل قال عيسى بن مريم عليه السلام لقد قيل لكم من قبل إن السن بالسن ~~والأنف بالأنف وأنا أقول لكم لا تقاوموا بالشر بل من ضرب خدك الأيمن فحول ~~إليه PageV04P071 الخد الأيسر ومن اخذ رداءك فاعطه ازارك ومن سخرك لتسير ~~معه ميلا فسر معه ميلين وكل ذلك أمر بالصبر على الاذى فالصبر على اذى الناس ~~من أعلى مراتب الصبر لانه يتعاون فيه باعث الدين وباعث الشهوة والغضب جميعا # القسم الثالث ما لا يدخل تحت حصر الاختيار اوله وآخره كالمصائب مثل موت ~~الاعزة وهلاك الاموال وزوال الصحة بالمرض وعمى العين وفساد الاعضاء ~~وبالجملة سائر انواع البلاء فالصبر على ذلك من أعلى مقامات الصبر قال ابن ~~عباس رضي الله عنهما الصبر في القران على ثلاثة أوجه صبر على أداء فرائض ~~الله تعالى فله ثلثمائة درجة وصبر عن محارم الله تعالى فله ستمائة درجة ~~وصبر على المصيبة عند الصدمة الاولى فله تسعمائة درجة وإنما فضلت هذه ~~الرتبة مع انها من الفضائل على ما قبلها وهي من الفرائض لأن كل مؤمن يقدر ~~على الصبر عن المحارم # فأما الصبر على بلاء الله تعالى فلا يقدر عليه الا الأنبياء لأنه بضاعة ~~الصديقين فان ذلك شديد على النفس ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أسألك من ~~اليقين ما تهون على به مصائب الدنيا + فهذا صبر مستنده حسن اليقين # وقال أبو سليمان والله ما نصبر على ما نحب فكيف نصبر على ما نكره وقال ~~النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل اذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة ~~في بدنه أو ماله وولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة ان ~~انصب له ميزانا أو انشر له ديوانا + وقال صلى الله عليه وسلم انتظار الفرج ~~بالصبر عبادة + وقال صلى الله عليه وسلم ما من عبد مؤمن اصيب بمصيبة فقال ~~كما امر الله تعالى @QB@ إنا لله وإنا إليه راجعون @QE@ اللهم اؤجرني ~~بمصيبتي واعقبني خيرا منها الا فعل الله به ذلك + وقال انس حدثني رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قال يا جبريل ما جزاء من سلبت كريمتيه ~~قال سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا قال الله تعالى جزاؤه الخلود في داري ~~والنظر إلى وجهي + وقال صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل إذا ابتليت ~~عبدي ببلاء فصبر ولم يشكني إلى عواده ابدلته لحما خيرا من لحمه ودما خيرا ~~من دمه فاذا أبرأته ابرأته ولا ذنب له وإن توفيته فإلى رحمتي وقال داود ~~عليه السلام يا رب ما جزاء الحزين الذي يصبر على المصائب ابتغاء مرضاتك قال ~~جزاؤه أن ألبسه لباس الإيمان فلا أنزعه عنه ابدا وقال عمر بن عبد العزيز ~~رحمه الله في خطبته ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه وعوضه منها ~~الصبر الا كان ما عوضه منها أفضل مما انتزع منه وقرا خانما يوفى الصابرون ~~أجرهم بغير حساب وسئل فضيل عن الصبر فقال هو PageV04P072 الرضا بقضاء الله ~~قيل وكيف ذلك قال الراضي لا يتمنى فوق منزلته وقيل حبس الشبلى رحمة الله في ~~المارستان فدخل عليه جماعة فقال من أنتم قالوا أحباؤك جاءوك زائرين فأخذ ~~يرميهم بالحجاره فأخذوا يهربون فقال لو كنتم أحبائي لصبرتم على بلائي وكان ~~بعض العارفين في جيبه رقعة يخرجها كل ساعة ويطالعها وكان فيها @QB@ واصبر ~~لحكم ربك فإنك بأعيننا @QE@ ويقال ان امرأة فتح الموصلي عثرت فانقطع ظفرها ~~فضحكت فقيل لها أما تجدين الوجع فقالت إن لذة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة ~~وجعه وقال داود لسليمان عليهما السلام يستدل على تقوى المؤمن بثلاث حسن ~~التوكل فيما لم ينل وحسن الرضا فيما قد نال وحسن الصبر فيما قد فات وقال ~~نبينا صلى الله عليه وسلم من اجلال الله ومعرفة حقه ان لا تشكو وجعك ولا ~~تذكر مصيبتك + ويروى عن بعض الصالحين أنه خرج يوما وفي كمه صرة فافتقدها ~~فإذا هي قد أخذت من كمه فقال بارك الله له فيها لعله أحوج اليها مني وروى ~~عن بعضهم أنه قال مررت على سالم مولى أبي حذيفة في القتلى وبه رمق فقلت له ~~أسقيك ماء فقال جرني قليلا إلى العدو واجعل الماء في الترس فاني صائم فان ~~عشت إلى الليل شربته فهكذا كان صبر سالكي طريق الآخرة على بلاء الله تعالى # فان قلت فبماذا تنال درجة الصبر في المصائب وليس الامر إلى اختياره فهو ~~مضطر شاء أم أبى فإن كان المراد به أن لا تكون في نفسه كراهية المصيبة فذلك ~~غير داخل في اختيار فاعلم أنه إنما يخرج عن مقام الصابرين بالجزع وشق ~~الجيوب وضرب الخدود والمبالغة في الشكوى واظهار الكآبة وتغيير العادة في ~~الملبس والمفرش والمطعم وهذه الامور داخلة تحت اختياره فينبغي ان يجتنب ~~جميعها ويظهر الرضا بقضاء الله تعالى ويبقى مستمرا على عادته ويعتقد ان ذلك ~~كان وديعة فاسترجعت كما روى عن الرميصاء أم سليم رحمها الله أنها قالت توفى ~~ابن لى وزوجي أبو طلحة غائب فقمت فسجيته في ناحية البيت فقدم أبو طلحة فقمت ~~فهيأت له إفطاره فجعل يأكل فقال كيف الصبي قلت بأحسن حال بحمد الله ومنه ~~فإنه لم يكن منذ اشتكى بأسكن منه الليلة ثم تصنعت له أحسن ما كنت أتصنع له ~~قبل ذلك حتى أصاب مني حاجته ثم قلت الا تعجب من جيراننا قال ما لهم قلت ~~أعيروا عارية فلما طلبت منهم واسترجعت جزعوا فقال بئس ما صنعوا فقلت هذا ~~ابنك كان عارية من الله تعالى وإن الله قد قبضه اليه فحمد الله واسترجع ثم ~~غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال اللهم بارك لهما في ~~ليلتهما + قال الراوي فلقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة كلهم قد قرءوا ~~القرآن وروى جابر أنه عليه السلام قال رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا ~~بالرميصاء امرأة أبي طلحة وقد قيل الصبرالجميل هو ان لا يعرف صاحب المصيبة ~~من غيره ولا يخرجه عن حد الصابرين توجع القلب ولا فيضان العين بالدمع اذ ~~يكون من جميع الحاضرين لأجل الموت سواء ولأن البكاء توجع القلب على الميت ~~فان ذلك مقتضى البشرية ولا يفارق الانسان إلى الموت ولذلك لما مات إبراهيم ~~ولد النبي صلى الله عليه وسلم فاضت عيناه فقيل له أما نهيتنا عن هذا فقال ~~ان هذه رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحما بل ذلك ايضا لا يخرج عن مقام ~~الرضا فالمقدم على الحجامة والفصد راض به وهو متألم بسببه لا محالة وقد ~~تفيض عيناه اذا عظم ألمه وسيأتي PageV04P073 ذلك في كتاب الرضا ان شاء الله ~~تعالى وكتب ابن أبي نجيح يعزي بعض الخلفاء ان أحق من عرف حق الله تعالى ~~فيما أخذ منه من عظم حق الله تعالى عنده فيما أبقاه له واعلم ان الماضي ~~قبلك هو الباقي لك والباقي بعدك هو المأجور فيك واعلم ان اجر الصابرين به ~~فيما يصابون به اعظم من النعمة عليهم فيما يعافون منه # فإذن مهما دفع الكراهة بالتفكر في نعمة الله تعالى عليه بالثواب نال درجة ~~الصابرين نعم من كمال الصبر كتمان المرض والفقر وسائر المصائب وقد قيل من ~~كنوز البر كتمان المصائب والاوجاع والصدقة فقد ظهر لك بهذه التقسيمات ان ~~وجوب الصبر عام في جميع الاحوال والافعال فان الذي كفى الشهوات كلها واعتزل ~~وحده لا يستغنى عن الصبر على العزلة والانفراد ظاهرا وعن الصبر عن وساوس ~~الشيطان باطنا فان اختلاج الخواطر لا يسكن واكثر جولان الخواطر إنما يكون ~~في فائت لا تدارك له أو في مستقبل لا بد وان يحصل منه ما هو مقدر فهو كيفما ~~كان تضييع زمان وآلة العبد قلبه وبضاعته عمره فاذا غفل القلب في نفس واحد ~~عن ذكر يستفيد به أنسا بالله تعالى أو عن فكر يستفيد به معرفة بالله تعالى ~~ليستفيد بالمعرفة محبة الله تعالى فهو مغبون هذا ان كان فكره ووسواسه في ~~المباحات مقصورا عليه ولا يكون ذلك غالبا بل يتفكر في وجوء الحيل لقضاء ~~الشهوات اذ لا يزال ينازع كل من تحرك على خلاف غرضه في جميع عمره أو من ~~يتوهم انه ينازعه ويخالف امره أو غرضه بظهور امارة له منه بل يقدر المخالفة ~~من اخلص الناس في حبه حتى في اهله وولده ويتوهم مخالفتهم له ثم يتفكر في ~~كيفية زجرهم وكيفية قهرهم وجوابهم عما يتعللون به في مخالفته ولا يزال في ~~شغل دائم فللشيطان جندان جند يطير وجند يسير والوسواس عبارة عن حركة جنده ~~الطيار والشهوة عبارة عن حركة جنده السيار وهذا لان الشيطان خلق من النار ~~وخلق الانسان من صلصال كالفخار والفخار قد اجتمع فيه مع النار الطين والطين ~~طبيعته السكون والنار طبيعتها الحركة فلا يتصور نار مشتعلة لا تتحرك بل لا ~~تزال تتحرك بطبعها وقد كلف الملعون المخلوق من النار ان يطمئن عن حركته ~~ساجدا لما خلق الله من الطين فأبى واستكبر واستعصى وعبر عن سبب استعصائه ~~بأن قال @QB@ خلقتني من نار وخلقته من طين @QE@ # فاذن حيث لم يسجد الملعون لأبينا آدم صلوات الله عليه وسلامه فلا ينبغي ~~ان يطمع في سجوده لأولاده ومهما كف عن القلب وسواسه وعدوانه وطيرانه ~~وجولانه فقد اظهر انقياده وإذعانه وانقياده بالإذعان سجود منه فهو روح ~~السجود وانما وضع الجبهة على الأرض قالبه وعلامته الدالة عليه بالإصطلاح ~~ولو جعل وضع الجبهة على الأرض علامة استخفاف بالاصطلاح لتصور ذلك كما ان ~~الانبطاح بين يد المعظم المحترم يرى استخفافا بالعادة فلا ينبغي ان يدهشك ~~صدف الجوهر عن الجوهر وقالب الروح عن الروح وقشر اللب عن اللب فتكون ممن ~~قيده عالم الشهادة بالكلية عن عالم الغيب وتحقق ان الشيطان من المنظرين فلا ~~يتواضع لك بالكف عن الوسواس إلى يوم الدين الا ان تصبح وهمومك هم واحد ~~فتشغل قلبك بالله وحده فلا يجد الملعون مجالا فيك فعند ذلك تكون من عباد ~~الله المخلصين الداخلين في الاستثناء عن سلطنة هذا اللعين # ولا تظنن انه يخلو عنه قلب فارغ بل هو سيال يجرى من ابن آدم مجرى الدم ~~وسيلانه مثل الهواء فى القدح فإنك إن أردت أن يخلو القدح عن الهواء من غير ~~ان تشغله بالماء أو بغيره فقد طمعت في غير مطمع بل بقدر ما يخلو من الماء ~~يدخل فيه الهواء لا محالة فكذلك القلب المشغول بفكر مهم في الدين لا يخلو ~~عن جولان الشيطان والا فمن غفل عن الله تعالى ولو في لحظة فليس له في تلك ~~اللحظة قرين الا الشيطان ولذلك قال تعالى PageV04P074 @QB@ ومن يعش عن ذكر ~~الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين @QE@ وقال صلى الله عليه وسلم ان الله ~~تعالى يبغض الشاب الفارغ + وهذا لان الشاب اذا تعطل عن عمل يشغل باطنه ~~بمباح يستعين به على دينه كان ظاهرة فارغا ولم يبق قلبه فارغا بل يعشش فيه ~~الشيطان ويبيض ويفرخ ثم تزدوج افراخه ايضا وتبيض مرة اخرى وتفرخ وهكذا ~~يتوالد نسل الشيطان توالدا أسرع من توالد سائر الحيوانات لان طبعه من النار ~~واذا وجد الحلفاء اليابسة كثر توالده فلا يزال تتوالد النار من النار ولا ~~تنقطع ألبته بل تسرى شيئا فشيئا على الاتصال فالشهوة في نفس الشاب للشيطان ~~كالحلفاء اليابسة للنار وكما لا تبقى النار اذا لم يبق لها قوت وهو الحطب ~~فلا يبقى للشيطان مجال اذا لم تكن شهوة فاذن اذا تأملت علمت ان أعدى عدوك ~~شهوتك وهي صفة نفسك ولذلك قال الحسين بن منصور الحلاج حين كان يصلب وقد سئل ~~عن التصوف ما هو فقال هي نفسك ان لم تشغلها شغلتك # فاذن حقيقة الصبر وكماله الصبر عن كل حركة مذمومة وحركة الباطن أولى ~~بالصبر عن ذلك وهذا صبر دائم لا يقطعه إلا الموت نسأل الله حسن التوفيق ~~بمنه وكرمه # | بيان دواء الصبر وما يستعان به عليه # أعلم ان الذي انزل الداء انزل الدواء ووعد الشفاء فالصبر وان كان شاقا أو ~~ممتنعا فتحصيله ممكن بمعجون العلم والعمل فالعلم والعمل هما الاخلاط التي ~~منها تركب الادوية لامراض القلوب كلها ولكن يحتاج كل مرض إلى علم آخر وعمل ~~آخر وكما ان اقسام الصبر مختلفة فأقسام العلل المانعة منه مختلفة واذا ~~اختلفت العلل اختلف العلاج اذ معنى العلاج مضادة العلة وقمعها واستيفاء ذلك ~~مما يطول ولكنا نعرف الطريق في بعض الامثلة # فنقول اذا افتقر إلى الصبر عن شهوة الوقاع مثلا وقد غلبت عليه الشهوة ~~بحيث ليس يملك معها فرجه أو يملك فرجه ولكن ليس يملك عينه أو يملك عينه ~~ولكن ليس يملك قلبه ونفسه اذ تزال تحدثه بمقتضيات الشهوات ويصرفه ذلك عن ~~المواظبة على الذكر والفكر والاعمال الصالحة فنقول قد قدمنا ان الصبر عبارة ~~عن مصارعة باعث الدين مع باعث الهوى وكل متصارعين أردنا ان يغلب أحدهما ~~الآخر فلا طريق لنا فيه الا تقوية من اردنا ان تكون له اليد العليا وتضعيف ~~الآخر فلزمنا ههنا تقوية باعث الدين وتضعيف باعث الشهوة # فأما باعث الشهوة فسبيل تضعيفه ثلاثة أمور # أحدها ان تنظر إلى مادة قوتها وهي الاغذية الطيبة المحركة للشهوة من حيث ~~نوعها ومن حيث كثرتها فلا بد من قطعها بالصوم الدائم مع الاقتصاد عند ~~الأفطار على طعام قليل في نفسه ضعيف في جنسه فيحترز عن اللحم والأطعمة ~~المهيجة للشهوة # الثاني قطع اسبابه المهيجة في الحال فإنه إنما يهيج بالنظر إلى مظان ~~الشهوة اذ النظر يحرك القلب والقلب يحرك الشهوة وهذا يحصل بالعزلة ~~والاحتراز عن مظان وقوع البصر على الصور المشتهاة والفرار منها بالكلية قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم النظرة سهم من سهام ابليس وهو سهم يسدده ~~الملعون ولا ترس يمنع منه الا تغميض الاجفان أو الهرب من صوب رميه فإنه ~~إنما يرمى هذا السهم عن قوس الصور فاذا انقلبت عن صوب الصور لم يصبك سهمه # الثالث تسلية النفس بالمباح من الجنس الذي تشتهيه وذلك بالنكاح فان كل ما ~~يشتهيه الطبع ففي المباحات PageV04P075 من جنسه ما يغني عن المحظورات منه ~~وهذا هو العلاج الأنفع في حق الأكثر فان قطع الغذاء يضعف عن سائر الأعمال ~~ثم قد لا يقمع الشهوة في حق اكثر الرجال ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ~~عليكم بالباءة فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء + # فهذه ثلاثة اسباب فالعلاج الأول وهو قطع الطعام يضاهي قطع العلف عن ~~البهيمة الجموح وعن الكلب الضاري ليضعف فتسقط قوته الثاني يضاهي تغيب اللحم ~~عن الكلب وتغييب الشعير عن البهيمة حتى لا تتحرك بواطنها بسبب مشاهدتها ~~والثالث يضاهي تسليتها بشيء قليل مما يميل اليه طبعها حتى يبقى معها من ~~القوة ما تصبر به على التأديب # وأما تقوية باعث الدين فإنما تكون بطريقين احدهما اطماعه في فوائد ~~المجاهدة وثمراتها في الدين والدنيا وذلك بأن يكثر فكرة في الاخبار التي ~~اوردناها في فضل الصبر وفي حسن عواقبه في الدنيا والآخرة وفي الأثر ان ثواب ~~الصبر على المصيبة اكثر مما فات وانه بسبب ذلك مغبوط بالمصيبة اذ فاته ما ~~لا يبقى معه الا مدة الحياة وحصل له ما يبقى بعد موته ابد الدهر ومن اسلم ~~خسيسا في نفيس فلا ينبغي ان يحزن لفوات الخسيس في الحال وهذا من باب ~~المعارف وهو من الايمان فتارة يضعف وتارة يقوى فان قوى قوى باعث الدين ~~وهيجه تهييجا شديدا وان ضعف ضعفه وانما قوة الايمان يعبر عنها باليقين وهو ~~المحرك لعزيمة الصبر واقل ما اوتي الناس اليقين وعزيمة الصبر # والثاني ان يعود هذا الباعث مصارعة باعث الهوى تدريجا قليلا قليلا حتى ~~يدرك لذة الظفر بها فيستجريء عليها وتقوى منته في مصارعتها فان الاعتياد ~~والممارسة للاعمال الشاقة تؤكد القوى التي تصدر منها تلك الاعمال ولذلك ~~تزيد قوة الحمالين والفلاحين والمقاتلين وبالجملة فقوة الممارسين للأعمال ~~الشاقة تزيد على قوة الخياطين والعطارين والفقهاء والصالحين وذلك لأن قواهم ~~لم تتأكد بالممارسة # فالعلاج الاول يضاهي اطماع المصارع بالخلعة عند الغلبة ووعده بأنواع ~~الكرامة كما وعد فرعون سحرته عند إغرائه اياهم بموسى حيث قال صلى الله عليه ~~وسلم وانكم اذا لمن المقربين # والثاني يضاهي تعويد الصبي الذي يراد منه المصارعة والمقاتلة بمباشرة ~~اسباب ذلك منذ الصبا حتى يأنس به ويستجرىء عليه وتقوى فيه منته فمن ترك ~~بالكلية المجاهدة بالصبر ضعف فيه باعث الدين ولا يقوى على الشهوة وان ضعفت ~~ومن عود نفسه مخالفة الهوى غلبها مهما اراد # فهذا منهاج العلاج في جميع انواع الصبر ولا يمكن استيفاؤه وانما اشدها كف ~~الباطن عن حديث النفس وانما يشتد ذلك على من تفرغ له بأن قمع الشهوات ~~الظاهرة وآثر العزلة وجلس للمراقبة والذكر والفكر فإن الوسواس لا يزال ~~يجاذبه من جانب إلى جانب وهذا لا علاج له البته الا قطع العلائق كلها ظاهرا ~~وباطنا بالفرار عن الأهل والولد والمال والجاه والرفقاء والأصدقاء ثم ~~الاعتزال إلى زاوية بعد احراز قدر يسير من القوت وبعد القناعة به ثم كل ذلك ~~لا يكفي ما لم تصر الهموم هما واحدا وهو الله تعالى ثم اذا غلب ذلك على ~~القلب فلا يكفي ذلك مالم لم يكن له مجال في الفكر وسير بالباطن في ملكوت ~~السموات والأرض وعجائب صنع الله تعالى وسائر أبواب معرفة الله تعالى حتى ~~اذا استولى ذلك على قلبه دفع اشتغاله بذلك مجاذبة الشيطان ووسواسه وإن ~~PageV04P076 لم يكن له سير بالباطن فلا ينجيه الا الأوراد المتواصلة ~~المترتبة في كل لحظة من القراءة والاذكار والصلوات ويحتاج مع ذلك إلى تكليف ~~القلب الحضور فان الفكر بالباطن هو الذي يستغرق القلب دون الاوراد الظاهرة ~~ثم اذا فعل ذلك كله لم يسلم له من الأوقات الا بعضها اذ لا يخلو في جميع ~~اوقاته عن حوادث تتجدد فتشغله عن الفكر والذكر من مرض و خوف وايذاء من ~~إنسان وطغيان من مخالط اذ لا يستغنى عن مخالطة من يعينه في بعض اسباب ~~المعيشة فهذا أحد الانواع الشاغلة # واما النوع الثاني فهو ضروري اشد ضرورة اشد من الأول وهو اشتغاله بالمطعم ~~والملبس واسباب المعاش فإن تهيئة ذلك ايضا تحوج إلى شغل ان تولاه بنفسه وان ~~تولاه غيره فلا يخلو عن شغل قلب بمن يتولاه ولكن بعد قطع العلائق كلها يسلم ~~له اكثر الاوقات ان لم تهجم به ملمة أو واقعة وفي تلك الأوقات يصفو القلب ~~ويتيسر له الفكر وينكشف فيه من اسرار الله تعالى في ملكوت السموات والأرض ~~مالا يقدر على عشر عشيرة في زمان طويل لو كان مشغول القلب بالعلائق ~~والانتهاء إلى هذا هو اقصى المقامات التي يمكن ان تنال بالاكتساب والجهد ~~فأما مقادير ما ينكشف مبالغ ما يرد من لطف الله تعالى في الاحوال و الاعمال ~~فذلك يجري مجرى الصيد وهو بحسب الرزق فقد يقل الجهد ويجل الصيد وقد يطول ~~الجهد ويقل الحظ والمعول وراء هذا الاجتهاد على جذبه من جذبات الرحمن فانها ~~توازي اعمال الثقلين وليس ذلك باختيار العبد نعم اختيار العبد في ان يتعرض ~~لتلك الجذبة بان يقطع عن قلبه جواذب الدنيا فإن المجذوب إلى اسفل سافلين لا ~~ينجذب إلى اعلى عليين وكل مهموم بالدنيا فهو منجذب اليها فقطع العلائق ~~الجاذبة هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم ان لربكم في ايام دهركم نفحات ~~الا فتعرضوا لها وذلك لان تلك النفحات والجذبات لها اسباب سماوية اذ قال ~~الله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون وهذا من أعلى أنواع الرزق والامور ~~السماوية غائبة عنا فلا ندري متى ييسر الله تعالى اسباب الرزق فما علينا ~~الا تفريغ المحل والانتظار لنزول الرحمة وبلوغ الكتاب اجله كالذي يصلح ~~الأرض وينقيها من الحشيش ويبث البذر فيها وكل ذلك لا ينفعه الا بمطر ولا ~~يدري متى يقدر الله اسباب المطر الا انه يثق بفضل الله تعالى ورحمته انه لا ~~يخلي سنة عن مطر فكذلك فلما تجلو سنة وشهر ويوم عن جذبه من الجذبات ونفحة ~~من النفحات فينبغي ان يكون العبد قد طهر القلب عن حشيش الشهوات وبذر فيه ~~بذر الارادة والاخلاص وعرضه لمهاب رياح الرحمة وكما يقوى انتظار الأمطار في ~~اوقات الربيع وعند ظهور الغيم فيقوى انتظار تلك النفحات في الأوقات الشريفة ~~وعند اجتماع الهمم وتساعد القلوب كما في يوم عرفة ويوم الجمعة وأيام رمضان ~~فان الهمم والأنفاس اسباب بحكم تقدير الله تعالى لاستدرار رحمته حتى تستدر ~~بها الامطار في اوقات الاستسقاء وهي لا ستدراك امطار المكاشفات ولطائف ~~المعارف من خزائن الملكوت اشد مناسبة منها لاستدرار قطرات الماء واستجرار ~~الغيوم من اقطار الجبال والبحار بل الأحوال والمكاشفات حاضرة معك في قلبك ~~وانما انت مشغول عنها بعلائقك وشهواتك فصار ذلك حجابا بينك وبينها فلا ~~تحتاج الا إلى ان تنكسر الشهوة ويرفع الحجاب فتشرق انوار المعارف من باطن ~~القلب واظهار ماء الأرض بحفر القنى أسهل واقرب من الاسترسال اليها من مكان ~~بعيد منخفض عنها ولكونه حاضرا في القلب ومنسيا بالشغل عنه سمي الله تعالى ~~جميع معارف الإيمان تذكرا فقال تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ~~وقال تعالى وليتذكر اولو الالباب وقال تعالى ولقد يسرنا القران للذكر فهل ~~من مدكر PageV04P077 فهذا هو علاج الصبر عن الوساوس والشواغل وهو آخر درجات ~~الصبر وإنما الصبر عن العلائق كلها مقدم على الصبر عن الخواطر # قال الجنيد رحمة الله السير من الدنيا إلى الآخرة سهل على المؤمن وهجران ~~الخلق في حب الحق شديد والسير من النفس إلى الله تعالى صعب شديد والصبر مع ~~الله اشد فذكر شدة الصبر عن شواغل القلب ثم شدة هجران الخلق # وأشد العلائق على النفس علاقة الخلق وحب الجاه فإن لذة الرياسة والغلبة ~~والاستعلاء والاستتباع اغلب اللذات في الدنيا على نفوس العقلاء وكيف لا ~~تكون اغلب اللذات ومطلوبها صفة من صفات الله تعالى وهي الربوبية والربوبية ~~محبوبة ومطلوبه بالطبع للقلب لما فيه من المناسبة لأمور الربوبية وعنه ~~العبارة بقوله تعالى قل الروح من امر ربي وليس القلب مذموما على حبه ذلك ~~وانما هو مذموم على غلط وقع له بسبب تغرير الشيطان اللعين المبعد عن عالم ~~الامر اذ حسده على كونه من عالم الامر فأضله واغواه وكيف يكون مذموما عليه ~~وهو يطلب سعادة الاخرة فليس يطلب الا بقاء لا فناء فيه وعزا لا ذل فيه ~~وأمنا لا خوف فيه وغنى لا فقر فيه وكمالا لا نقصان فيه وهذه كلها من اوصاف ~~الربوبية وليس مذموما على طلب ذلك بل حق كل عبد ان يطلب ملكا عظيما لا آخر ~~له وطالب الملك طالب للعلو والعز والكمال لا محالة ولكن الملك ملكان ملك ~~مشوب بأنواع آلالام وملحوق بسرعة الانصرام ولكنه عاجل وهو في الدنيا وملك ~~مخلد دائم لا يشوبه كدر ولا آلم ولا يقطعه قاطع ولكنه آجل وقد خلق الانسان ~~عجولا راغبا في العاجلة فجاء الشيطان وتوسل اليه بواسطة العجلة التي في ~~طبعه فاستغواه بالعاجلة وزين له الحاضرة وتوسل اليه بواسطة الحمق فوعده ~~بالغرور في الاخرة ومناه مع ملك الدنيا ملك الآخرة كما قال صلى الله عليه ~~وسلم والاحمق من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني فانخدع المخذول ~~بغروره واشتغل بطلب عز الدنيا وملكها على قدر امكانه ولم يتدل الموفق بحبل ~~غروره اذ علم مداخل مكره فأعرض عن العاجلة فعبر عن المخذولين بقوله تعالى ~~كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة وقال تعالى ان هؤلاء يحبون العاجلة ~~ويذرون وراءهم يوما ثقيلا وقال تعالى فاعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد الا ~~الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم # ولما استطار مكر الشيطان في كافة الخلق ارسل الله الملائكة إلى الرسل ~~وأوحوا إليهم ما تم على الخلق من اهلاك العدو واغوائه فاشتغلوا بدعوة الخلق ~~إلى الملك الحقيقي عن الملك المجازي الذي لا اصل له ان سلم ولا دوام له ~~اصلا فنادوا فيهم يا ايها الذين امنوا ما لكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل ~~الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الاخرة فما متاع الحياة ~~الدنيا في الاخرة الا قليل # فالتوراة والانجيل والزبور والفرقان وصحف موسى وابراهيم وكل كتاب منزل ما ~~أنزل إلالدعوة الخلق إلى الملك الدائم المخلد والمراد منهم ان يكونوا ملوكا ~~في الدنيا ملوكا في الآخرة اما ملك الدنيا فالزهد فيها والقناعة باليسير ~~منها واما ملك الآخرة فبالقرب من الله تعالى يدرك بقاء لا فناء فيه وعزا لا ~~ذل فيه وقرة عين اخفيت في هذا العالم لا تعلمها نفس من النفوس # والشيطان يدعوهم إلى ملك الدنيا لعلمه بان ملك الاخرة يفوت به اذ الدنيا ~~والاخرة ضرتان ولعلمه بأن الدنيا لا تسلم له ايضا ولو كانت تسلم له لكان ~~يحسده ايضا ولكن ملك الدنيا لا يخلو عن المنازعات والمكدرات وطول ~~PageV04P078 الهموم في التدبيرات وكذا سائر اسباب الجاه ثم مهما تسلم وتتم ~~الاسباب ينقضي العمر حتى اذا اخذت الأرض زخرفها وازينت وظن اهلها انهم ~~قادرون عليها اتاها امرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس ~~فضرب الله تعالى لها مثلا فقال تعالى واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء ~~انزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح والزهد ~~في الدنيا لما ان كان ملكا حاضرا حسده الشيطان عليه فصده عنه # ومعنى الزهد ان يملك العبد شهوته وغضبه فينقادان لباعث الدين واشارة ~~الايمان وهذا ملك بالاستحقاق اذ به يصير صاحبه حرا وباستيلاء الشهوة عليه ~~يصير عبدا لفرجه وبطنه وسائر اغراضه فيكون مسخرا مثل البهيمة مملوكا يستجره ~~زمام الشهوة آخذا بمختنقه إلى حيث يريد ويهوى فما اعظم اغترار الانسان اذ ~~ظن انه ينال الملك بأنه يصير مملوكا وينال الربوبية بان يصير عبدا ومثل هذا ~~هل يكون الا معكوسا في الدنيا منكوسا في الآخره ولهذا قال بعض الملوك لبعض ~~الزهاد هل من حاجة قال كيف اطلب منك حاجة وملكي اعظم من ملكك فقال كيف قال ~~من انت عبده فهو عبد لي فقال كيف ذلك قال انت عبد شهوتك وغضبك وفرجك وبطنك ~~وقد ملكت هؤلاء كلهم فهم عبيد لي فهذا اذن هو الملك في الدنيا وهو الذي ~~يسوق إلى الملك في الاخرة فالمخدوعون بغرور الشيطان خسروا الدنيا والآخره ~~جميعا والذين وفقوا للاشتداد على الصراط المستقيم فازوا بالدنيا والاخرة ~~جميعا # فإذا عرفت الان معنى الملك والربوبية ومعنى التسخير والعبودية ومدخل ~~الغلط في ذلك وكيفية تعمية الشيطان وتلبيسة يسهل عليك النزوع عن الملك ~~والجاه والإعراض عنه والصبر عند فواته اذ تصير بتركه ملكا في الحال وترجو ~~به ملكا في الآخرة # ومن كوشف بهذه الامور بعد ان ألف الجاه وانس به ورسخت فيه بالعادة مباشرة ~~اسبابه فلا يكفيه في العلاج مجرد العلم والكشف بل لا بد وان يضيف اليه ~~العمل وعمله في ثلاثة امور أحدها ان يهرب عن موضع الجاه كي لا يشاهد اسبابه ~~فيعسر عليه الصبر مع الاسباب كما يهرب من غلبته الشهوة من مشاهدة الصور ~~المحركة ومن لم يفعل هذا فقد كفر نعمة الله في سعة الأرض اذ قال تعالى ألم ~~تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها الثاني ان يكلف نفسه في أعماله أفعالا ~~تخالف ما اعتاده فيبدل التكلف بالتبذل وزي الحشمة بزي التواضع وكذلك كل ~~هيئة وحال وفعل في مسكن وملبس ومطعم وقيام وقعود كان يعتاده وفاء بمقتضى ~~جاهه فينبغي ان يبدلها بنقائضها حتى يرسخ باعتياد ذلك ضد ما رسخ فيه من قبل ~~باعتياد ضده فلا معنى للمعالجة الا المضادة الثالث ان يراعي في ذلك التلطف ~~والتدريج فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطرف الأقصى من التبذل فإن الطبع نفور ~~ولا يمكن نقله عن اخلاقه الا بالتدريج فيترك البعض ويسلى نفسه بالبعض ثم ~~اذا قنعت نفسه بذلك البعض ابتدأ بترك البعض من ذلك البعض إلى ان يقنع ~~بالبقية وهكذا يفعل شيئا فشيئا إلى ان يقمع تلك الصفات التي رسخت فيه والى ~~هذا التدريج الاشارة بقوله صلى الله عليه وسلم إن هذا الدين متين فأوغل فيه ~~برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ~~وإليه الإشارة بقوله عليه السلام لا تشادوا هذا الدين فإن من يشاده يغلبه + ~~PageV04P079 # فإذن ما ذكرناه من علاج الصبر عن الوسواس وعن الشهوة وعن الجاه اضفه إلى ~~ما ذكرناه من قوانين طرق المجاهدة في كتاب رياضة النفس من ربع المهلكات ~~فاتخذه دستورك لتعرف به علاج الصبر في جميع الاقسام التي فصلناها من قبل ~~فان تفصيل الآحاد يطول ومن راعي التدريج ترقى به الصبر إلى حال يشق عليه ~~الصبر دون كما كان يشق عليه معه فتنعكس اموره فيصير ما كان محبوبا عنده ~~ممقوتا وما كان مكروها عنده مشربا هنيئا لا يصبر عنه وهذا لا يعرف الا ~~بالتجربة والذوق وله نظير في العادات فان الصبي يحمل على التعلم في ~~الابتداء قهرا فيشق عليه الصبر عن اللعب والصبر مع العلم حتى اذا انفتحت ~~بصيرته وأنس بالعلم انقلب الامر فصار يشق عليه الصبر عن العلم والصبر على ~~اللعب والى هذا يشير ما حكى عن بعض العارفين انه سأل الشبلى عن الصبر أية ~~اشد فقال الصبر في الله تعالى فقال لا فقال الصبر لله فقال لا فقال الصبر ~~مع الله فقال لا فقال فأيش قال الصبر عن الله فصرخ الشبلى صرخة كادت روحه ~~تتلف وقد قيل في معنى قوله تعالى اصبروا وصابروا ورابطوا اصبروا في الله ~~وصابروا بالله ورابطوا مع الله وقيل الصبر لله غناء والصبر بالله بقاء ~~والصبر مع الله وفاء والصبر عن الله جفاء وقد قيل في معناه # والصبر عنك فمذموم عواقبه % والصبر في سائر الاشياء محمود # وقيل ايضا الصبر يحمل في المواطن كلها % الا عليك فانه لا يجمل # هذا آخر ما اردنا شرحه عن علوم الصبر واسراره الشطر الثاني من الكتاب في ~~الشكر # وله ثلاثة اركان الاول في فضيلة الشكر وحقيقته واقسامه واحكامه الثاني في ~~حقيقة النعمة واقسامها الخاصة والعامة الثالث في بيان الافضل من الشكر ~~والصبر الركن الأول في نفس الشكر بيان فضيلة الشكر # اعلم ان الله تعالى قرن الشكر بالذكر في كتابه مع انه قال ولذكر الله ~~اكبر فقال تعالى فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفرون وقال تعالى ما يفعل ~~الله بعذابكم ان شكرتم وآمنتم وقال تعالى وسنجزي الشاكرين وقال عز وجل ~~اخبارا عن ابليس اللعين لاقعدن لهم صراطك المستقيم قيل هو طريق الشكر ولعلو ~~رتبة الشكر طعن اللعين في الخلق فقال ولا تجد اكثرم شاكرين وقال تعالى ~~وقليل من عبادي الشكور وقد قطع الله تعالى بالمزيد مع الشكر ولم يستثن فقال ~~تعالى لئن شكرتم لأزيدنكم واستثنى في خمسة اشياء في الاغناء والاجابة ~~والرزق والمغفرة والتوبة فقال تعالى فسوف يغنيكم الله من فضله ان شاء @QB@ ~~وقال @QE@ فيكشف ما تدعون اليه ان شاء @QB@ وقال @QE@ يرزق من يشاء بغير ~~حساب @QB@ وقال @QE@ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء @QB@ وقال @QE@ ويتوب الله ~~على من يشاء وهو خلق من اخلاق الربوبية اذ قال تعالى والله شكور حليم وقد ~~جعل الله الشكر مفتاح كلام اهل الجنة فقال تعالى وقالوا الحمد لله الذي ~~صدقناه وعده @QB@ وقال @QE@ وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين ~~PageV04P080 وأما الأخبار فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعم ~~الشاكر بمنزلة الصائم الصابر + حديث الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر ~~علقه البخاري واسنده الترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حيان من حديث أبي هريرة ~~ورواه ابن ماجه من حديث سنان بن سنة وفي اسناده اختلاف وروى عن عطاء انه ~~قال دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت اخبرينا بأعجب ما رأيت من رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فبكت وقالت وأي شأنه لم يكن عجبا أتاني ليلة فدخل معي ~~في فراشي أو قالت في لحافي حتى مس جلدي جلده ثم قال يا ابنه أبي بكر ذريني ~~اتعبد لربي فقالت قلت اني احب قربك لكني أوثر هواك فأذنت له فقام إلى قربة ~~ماء فتوضأ فلم يكثر صب الماء ثم قام يصلي فبكى حتى سالت دموعه على صدره ثم ~~ركع فبكى ثم سجد فبكى ثم رفع رأسه فبكى فلم يزل كذلك يبكي حتى جاء بلال ~~فآذنه بالصلاة فقلت يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك ~~وما تأخر قال افلا اكون عبدا شكورا ولم لا افعل ذلك وقد أنزل الله تعالى ~~على إن في خلق السموات والأرض الآية + حديث عطاء دخلت على عائشة فقلت لها ~~اخبرينا بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت واي امره لم ~~يكن عجبا الحديث في بكائه في صلاة الليل أخرجه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب ~~اخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن طريقة ابن الجوزي في الوفا وفيه ~~أبو جناب واسمه يحيى بن أبي حبة ضعفه الجمهور ورواه ابن حبان في صحيحه من ~~رواية عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء دون قولها واي امره لم يكن عجبا ~~وهو عند مسلم من رواية عروة عن عائشة مقتصرا على آخر الحديث وهذا يدل على ~~ان البكاء ينبغي ان لا ينقطع ابدا والى هذا السر يشير ما روى أنه مر بعض ~~الانبياء بحجر صغير يخرج منه ماء كثير فتعجب منه فأنطقه الله تعالى فقال ~~منذ سمعت قوله تعالى وقودها الناس والحجارة فأنا ابكي من خوفه فسأله ان ~~يجيره من النار فأجاره ثم رآه بعد مدة على مثل ذلك فقال لم تبكي الآن فقال ~~ذاك بكاء الخوف وهذا بكاء الشكر والسرور وقلب العبد كالحجارة أو اشد قسوة ~~ولا تزول قسوته الا بالبكاء في حال الخوف والشكر جميعا وروى عنه صلى الله ~~عليه وسلم انه قال ينادي يوم القيامة ليقم الحمادون فتقوم زمرة فينصب لهم ~~لواء فيدخلون الجنة قيل ومن الحمادون قال الذين يشكرون الله تعالى على كل ~~حال + حديث ينادي يوم القيامة ليقم الحمادون الحديث أخرجه الطبراني وابو ~~نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب من حديث ابن عباس بلفظ اول من يدعى إلى ~~الجنة الحمادون الحديث وفيه قيس بن الربيع ضعفه الجمهور وفي لفظ آخر الذين ~~يشكرون الله على السراء والضراء وقال صلى الله عليه وسلم الحمد رداء الرحمن ~~+ حديث الحمد رداء الرحمن لم اجد له اصلا وفي الصحيح من حديث أبي هريرة ~~الكبر رداؤه الحديث وتقدم في العلم وأوحى الله تعالى إلى ايوب عليه السلام ~~اني رضيت بالشكر مكأفاة من اوليائي في كلام طويل واوحى الله تعالى اليه ~~ايضا في صفة الصابرين ان دارهم دار السلام اذا دخلوها ألهمتهم الشكر وهو ~~خير الكلام وعند الشكر استزيدهم وبالنظر إلى أزيدهم ولما نزل في الكنوز ما ~~نزل قال عمر رضي الله عنه أي المال نتخذ فقال عليه السلام ليتخذ احدكم ~~لسانا ذاكرا أو قلبا شاكرا + حديث عمر ليتخذ احدكم لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا ~~الحديث تقدم في النكاح فأمر باقتناء القلب الشاكر بدلا عن المال وقال ابن ~~مسعود الشكر نصف الايمان # | بيان حد الشكر وحقيقته # اعلم ان الشكر من جملة مقامات السالكين وهو ايضا ينتظم من علم وحال وعمل ~~فالعلم هو الاصل فيورث الحال والحال يورث العمل فأما العلم فهو معرفة ~~النعمة من المنعم والحال هو الفرح الحاصل بانعامه والعمل هو القيام بما هو ~~مقصود المنعم ومحبوبه ويتعلق ذلك العمل بالقلب وبالجوارح وباللسان ولا بد ~~من بيان جميع ذلك ليحصل بمجموعة الاحاطة بحقيقة الشكر فان كل ما قيل في حد ~~الشكر قاصر عن الاحاطة بكمال معانيه PageV04P081 # فالأصل الاول العلم وهو علم بثلاثة امور بعين النعمة ووجه كونها نعمة في ~~حقه وبذات المنعم ووجود صفاته التي بها يتم الانعام ويصدر الانعام منه عليه ~~فانه لا بد من نعمة ومنعم ومنعم عليه تصل اليه النعمة من المنعم بقصد ~~وارادة فهذه الامور لا بد من معرفتها هذا في حق غير الله تعالى فأما في حق ~~الله تعالى فلا يتم الا بان يعرف ان النعم كلها من الله وهو المنعم ~~والوسائط مسخرون من جهته # وهذه المعرفة وراء التوحيد والتقديس اذ دخل التقديس والتوحيد فيها بل ~~الرتبة الاولى في معارف الايمان التقديس ثم اذا عرف ذاتا مقدسة فيعرف انه ~~لا مقدس الا واحد وما عداه غير مقدس وهو التوحيد ثم يعلم ان كل ما في ~~العالم فهو موجود من ذلك الواحد فقط فالكل نعمة منه فتقع هذه المعرفة في ~~الرتبة الثالثة اذ ينطوي فيها مع التقديس والتوحيد كمال القدرة والانفراد ~~بالفعل وعن هذا عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال من قال سبحان ~~الله فله عشر حسنات ومن قال لا اله الا الله فله عشرون حسنة ومن قال الحمد ~~لله فله ثلاثون حسنة + حديث من قال سبحان الله فله عشر حسنات الحديث تقدم ~~في الدعوات + وقال صلى الله عليه وسلم افضل الذكر لا اله الا الله وافضل ~~الدعاء الحمد لله + حديث افضل الذكر لا اله الا الله وافضل الوعاء الحمد ~~لله احرجه الترمذي وحسنه والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه وابن حبان من ~~حديث جابر + وقال ليس شيء من الأذكار يضاعف ما يضاعف الحمد لله + حديث ليس ~~شيء من الاذكار يضاعف ما يضاعف الحمد لله لم اجده مرفوعا وانما رواه ابن ~~أبي الدنيا في كتاب الشكر عن إبراهيم النخعي يقال إن الحمد اكثر الكلام ~~تضعيفا + ولاتظنن ان هذه الحسنات بازاء تحريك اللسان بهذه الكلمات من غير ~~حصول معانيها في القلب فسبحان الله كلمة تدل على التقديس ولا اله الا الله ~~كلمة تدل على التوحيد والحمد لله كلمة تدل على النعمة من الواحد الحق ~~فالحسنات بإزاء هذه المعارف التي هي من ابواب الايمان واليقين # واعلم ان تمام هذه المعرفة بنفي الشرك في الأفعال فمن أنعم عليه ملك من ~~الملوك بشيء فإن رأي لوزيره أو وكيله دخلا في تيسير ذلك وايصاله اليه فهو ~~اشراك به في النعمة فلا يرى النعمة من الملك من كل وجه بل منه بوجه ومن ~~غيره بوجه فيتوزع فرحة عليهما فلا يكون موحدا في حق الملك نعم لا يغض من ~~توحيده في حق الملك وكمال شكره ان يرى النعمة الواصلة اليه بتوقيعه الذي ~~كتبه بقلمه وبالكاغد الذي كتبه عليه فانه لا يفرح بالقلم والكاغد ولا ~~يشكرهما لانه لا يثبت لهما دخلا من حيث هما موجودان بأنفسهما بل من حيث هما ~~مسخران تحت قدرة الملك وقد يعلم ان الوكيل الموصل والخازن ايضا مضطران من ~~جهة الملك في الايصال وانه لو رد الأمر اليه ولم يكن من جهة الملك ارهاق ~~وامر جزم يخاف عاقبته لما سلم اليه شيئا فاذا عرف ذلك كان نظره إلى الخازن ~~الموصل كنظرة إلى القلم والكاغد فلا يورث ذلك شركا في توحيده من اضافة ~~النعمة اليه إلى الملك # وكذلك من الكاتب وان الحيوانات التي لها اختيار مسخرات في نفس اختيارها ~~فان الله تعالى هو المسلط للدواعي عليها لتفعل شاءت أم ابت كالخازن المضطر ~~الذي لا يجد سبيلا إلى مخالفة الملك ولو خلى ونفسه لما اعطاك ذروة مما في ~~يده فكل من وصل اليك نعمة من الله تعالى على يده فهو مضطر اذ سلط الله عليه ~~الارادة وهيج عليه الدواعي والقى في نفسه ان خيره في الدنيا والآخرة ان ~~يعطيك ما اعطاك وان غرضه المقصود عنده في الحال والمال لا يحصل الا به وبعد ~~ان خلق الله له هذا الإعتقاد لا يجد سبيل إلى تركه فهو اذن إنما يعطيك ~~PageV04P082 لغرض نفسه لا لغرضك ولو لم يكن غرضه في العطاء لما اعطاك ولو ~~لم يعلم ان منفعته في منفعتك لما نفعك فهو اذن انما يطلب نفع نفسه بنفعك ~~فليس منعما عليك بل اتخذك وسبيله إلى نعمة اخرى وهو يرجوها وانما الذي انعم ~~عليك هو الذي سخره لك وألقى في قلبه من الاعتقادات والارادات ما صار به ~~مضطرا إلى الايصال اليك فان عرفت الأمور كذلك فقد عرفت الله تعالى وعرفت ~~فعله وكنت موحدا وقدرت على شكره بل كنت بهذه المعرفة بمجردها شاكرا # ولذلك قال موسى عليه السلام في مناجاته إلهي خلقت آدم بيدك وفعلت وفعلت ~~فكيف شكرك فقال الله عز وجل علم ان كل ذلك مني فكانت معرفته شكرا # فإذن لا تشكر إلا بأن تعرف ان الكل منه فان خالجك ريب في هذا لم تكن ~~عارفا لا بالنعمة ولا بالمنعم فلا تفرح بالمنعم وحده بل وبغيره فبنقصان ~~معرفتك ينقص حالك في الفرح وبنقصان فرحك ينقص عملك فهذا بيان هذا الأصل # الاصل الثاني الحال المستمدة من اصل المعرفة وهو الفرح بالمنعم مع هيئة ~~الخضوع والتواضعوهو ايضا في نفسه شكر على تجرده كما ان المعرفة شكر ولكن ~~انما يكون شكرا اذا كان حاويا شرطه وشرطه ان يكون فرحك بالمنعم لا بالنعمة ~~ولا بالانعام ولعل هذا يتعذر عليك فهمه فنضرب لك مثلا فنقول الملك الذي ~~يريد الخروج إلى سفره فأنعم بفرس على انسانيتصور ان يفرح المنعم عليه ~~بالفرس من ثلاثة أوجه احدها ان يفرح بالفرس من حيث انه فرس وإنه مال ينتفع ~~به ومركوب يوافق غرضه وإنه جواد نفيس وهذ فرح من لاحظ له في الملك بل غرضه ~~الفرس فقط ولو وجده في صحراء فأخذه لكان فرحه مثل ذلك الفرح الوجه الثاني ~~ان يفرح به لا من حيث انه فرس بل من حيث تستدل به على عناية الملك به ~~وشفقته عليه واهتمامه بجانبه لو وجد هذا الفرس في صحراء أو اعطاه غير الملك ~~لكان لا يفرح به أصلا لاستغنائه عن الفرس اصلا أو استحقاره له بالاضافة إلى ~~مطلوبه من نيل المحل في قلب الملك الوجه الثالث ان يفرح به ليركبه ليخرج في ~~خدمة الملك ويتحمل مشقة السفر لينال بخدمته القرب منه وربما يرتقي إلى درجة ~~الوزارة من حيث انه ليس يقنع بأن يكون محله في قلب الملك ان يعطيه فرسا ~~ويعتني به هذا القدر من العناية بل هو طالب لان لا ينعم الملك بشيء من ماله ~~على أحد الا بواسطته ثم انه ليس يريد من الوزارة الوزارة بل يريد مشاهدة ~~الملك والقرب منه حتى لو خير بين القرب منه دون الوزارة وبين الوزارة دون ~~القرب لاختار القرب فهذه ثلاث درجات فالأولى لا يدخل فيها معنى الشكر أصلا ~~لأن نظر صاحبها مقصور على الفرس ففرحه بالفرس لا بالمعطي وهذا حال كل من ~~فرح بنعمة من حيث إنها لذيذة وموافقة لغرضه فهو بعيد عن معنى الشكر ~~والثانية داخله في معنى الشكر من حيث انه فرح بالمنعم ولكن لا من حيث ذاته ~~بل من حيث معرفة عنايته التي تستحثه على الانعام في المستقبل وهذا حال ~~الصالحين الذين يعبدون الله ويشكرونه خوفا من عقابه ورجاء لثوابه وإنما ~~الشكر التام في الفرح الثالث وهو ان يكون فرح العبد بنعمة الله تعالى من ~~حيث انه يقدر بها على التوصل إلى القرب منه تعالى والنزول في جواره والنظر ~~إلى وجهه على الدوام فهذا هو الرتبة العليا وأمارته ان لايفرح من الدنيا ~~الا بما هو مزرعة للآخرة ويعينه عليها ويحزن بكل نعمة تلهيه عن ذكر الله ~~تعالى وتصده عن سبيله لانه ليس يريد النعمة لأنها لذيذه كما يريد صاحب ~~الفرس لانه جواد ومهملج بل من حيث انه يحمله في صحبة الملك حتى تدوم ~~مشاهدته له وقربه منه ولذلك قال الشبلى رحمة الله الشكر رؤية المنعم ~~PageV04P083 لا رؤية النعمة وقال الخواص رحمه الله شكر العامة على المطعم ~~والملبس والمشرب وشكر الخاصة على واردات القلوب وهذه رتبة لا يدركها كل من ~~انحصرت عنده اللذات في البطن والفرج ومدركات الحواس من الألوان والأصوات ~~وخلا عن لذة القلب فان القلب لا يلتذ في حال الصحة الا بذكر الله تعالى ~~ومعرفته ولقائه وانما يلتذ بغيره اذا مرض بسوء العادات كما يلتذ بعض الناس ~~بأكل الطين وكما يستبشع بعض المرضى الاشياء الحلوة ويستحلي الأشياء المرة ~~كما قيل # ومن يك ذا فم مر مريض % جد مرا به الماء الزلالا # فاذن هذا شرط الفرح بنعمة الله تعالى فان لم تكن ابل فمعزى فان لم يكن ~~هذا فالدرجة الثانية اما الأولى فخارجة عن كل حساب فكم من فرق بين من يريد ~~الملك للفرس ومن يريد الفرس للملك وكم من فرق بين من يريد الله لينعم عليه ~~وبين من يريد نعم الله ليصل بها إليه # الاصل الثالث العمل بموجب الفرح الحاصل من معرفة المنعم وهذا العمل يتعلق ~~بالقلب وباللسان وبالجوارح اما بالقلب فقصد الخير واضماره لكافة الخلق واما ~~باللسان فإظهار الشكر لله تعالى بالتحميدات الدالة عليه واما بالجوارح ~~فاستعمال نعم الله تعالى في طاعته والتوقى من الاستعانة بها على معصيته حتى ~~إن شكر العينين ان تستر كل عيب تراه لمسلم وشكر الاذنين ان تستر كل عيب ~~تسمعه فيه فيدخل هذا في جملة شكر نعم الله تعالى بهذه الاعضاء والشكر ~~باللسان لاظهار الرضا عن الله تعالى وهو مامور به فقد قال صلى الله عليه ~~وسلم لرجل كيف أصبحت قال بخير فأعاد صلى الله عليه وسلم وسلم السؤال حتى ~~قال في الثالثة بخير أحمد الله واشكره فقال صلى الله عليه وسلم وسلم هذا ~~الذي أردت منك + حديث قال صلى الله عليه وسلم لرجل كيف اصبحت فقال بخير ~~فأعاد السؤال حتى قال في الثالثة بخير أحمد الله واشكره فقال هذا الذي اردت ~~منك أخرجه الطبراني في الدعاء من رواية الفضيل بن عمرو مرفوعا نحوه قال في ~~الثالثة أحمد الله وهذا معضل ورواه في المعجم الكبير من حديث عبدالله بن ~~عمرو ليس فيه تكرار السؤال وقال أحمد الله اليك وفيه راشد بن سعد ضعفه ~~الجمهور لسوء حفظه ورواه مالك في الموطأ موقوفا على عمر بإسناد صحيح وكان ~~السلف يتساءلون ونيتهم استخراج الشكر لله تعالى ليكون الشاكر مطيعا ~~والمستنطق له به مطيعا وما كان قصدهم الرياء بإظهار الشوق وكل عبد سئل عن ~~حال فهو بين ان يشكر أو يشكو يسكت فالشكر طاعة والشكوى معصية قبيحة من اهل ~~الدين وكيف لا تقبح الشكوى من ملك الملوك وبيده كل شيء إلى عبد مملوك لا ~~يقدر على شيء فالأحرى بالعبد ان لم يحسن الصبر على البلاء والقضاء وأفضي به ~~الضعف إلى الشكوى ان تكون شكواه إلى الله تعالى فهو المبلى والقادر على ~~ازالة البلاء وذل العبد لمولاه عز والشكوى إلى غيره ذل وإظهار الذل للعبد ~~مع كونه عبدا مثله ذل قبيح قال الله تعالى @QB@ إن الذين تعبدون من دون ~~الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له @QE@ ~~وقال تعالى @QB@ إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم @QE@ فالشكر ~~باللسان من جملة الشكر وقد روي ان وفدا قدموا على عمر بن عبد العزيز رحمه ~~الله فقام شاب ليتكلم فقال عمر الكبر الكبر فقال يا امير المؤمنين لو كان ~~الأمر بالسن لكان في المسلمين من هو أسكن منك فقال تكلم فقال لسنا وفد ~~الرغبة ولا وفد الرهبة أما الرغبة فقد أوصلها إلينا فضلك وأما الرهبة فقد ~~آمننا منها عدلك وإنما نحن وقد الشكر جئناك نشكرك باللسان وننصرف فهذه هي ~~أصول معاني الشكر المحيطة بمجموع حقيقته # فأما قول من قال إن الشكر هو الإعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع فهو ~~نظر إلى فعل اللسان مع بعض أحوال القلب وقول من قال إن الشكر هو الثناء على ~~المحسن بذكر إحسانه نظر إلى مجرد عمل اللسان وقول القائل PageV04P084 ان ~~الشكر هو الاعتكاف على بساط الشهود بإدامة حفظ الحرمة جامع لأكثر معاني ~~الشكر لا يشذ منه إلا عمل اللسان وقول حمدون القصار شكر النعمة أن ترى نفسك ~~في الشكر طفيليا إشارة إلى ان معنى المعرفة من معاني الشكر فقط وقول الجنيد ~~الشكر ان لا ترى نفسك أهلا للنعمة اشارة إلى حال من احوال القلب على الخصوص ~~وهؤلاء اقوالهم تعرب على أحواهم فلذلك تختلف أجوبتهم ولا تتفق ثم قد يختلف ~~جواب كل واحد في حالتين لأنهم لا يتكلمون الا عن حالتهم الراهنة الغالبة ~~عليهم اشتغالا بما يهمهم عما لا يهمهم أو يتكلمون بما يرونه لائقا بحالة ~~السائل اقتصارا على ذكر القدر الذي يحتاج اليه وإعراضا عما لا يحتاج اليه ~~فلا ينبغي أن تظن أن ما ذكرناه طعن عليهم وانه لو عرض عليهم جميع المعاني ~~التي شرحناها كانوا ينكرونها بل لا يظن ذلك بعاقل اصلا الا ان تعرض منازعة ~~من حيث اللفظ في ان اسم الشكر في وضع اللسان هل يشمل جميع المعاني أم ~~يتناول بعضها مقصودا وبقية المعاني تكون من توابعه ولوازمه ولسنا نقصد في ~~هذا الكتاب شرح موضوعات اللغات فليس ذلك من علم طريق الاخرة في شيء والله ~~الموفق برحمته # | بيان طريق كشف الغطاء عن الشكر في حق الله تعالى # لعل يخطر ببالك ان الشكر إنما يفعل في حق منعم هو صاحب حظ في الشكر فإنا ~~نشكر الملوك إما بالثناء ليزيد محلهم في القلوب ويظهر كرمهم عند الناس ~~فيزيد به صيتهم وجاههم أو بالخدمة التي هي إعانة لهم على بعض أغراضهم أو ~~بالمثول بين ايديهم في صورة الخدم وذلك تكثير لسوادهم وسبب لزيادة جاههم ~~فلا يكونون شاكرين لهم الا بشيء من ذلك وهذا محال في حق الله تعالى من ~~وجهين أحدهما ان الله تعالى منزه عن الحظوظ والاغراض مقدس عن الحاجة إلى ~~الخدمة والاعانة وعن نشر الجاه والحشمة بالثناء والاطراء وعن تكثير سواد ~~الخدم بالمثول بين يديه ركعا سجدا فشكرنا إياه بما لا حظ فيه يضاهي شكرنا ~~الملك المنعم علينا بأن ننام في بيوتنا أو نسجد أو نركع اذ لا حظ للملك فيه ~~وهو غائب لا علم له ولا حظ لله تعالى في افعالنا كلها الوجه الثاني ان كل ~~ما نتعاطاه باختيارنا فهو نعمة اخرى من نعم الله علينا اذ جوارحنا وقدرتنا ~~وارادتنا وداعيتنا وسائر الأمور التي هي اسباب حركتنا ونفس حركتنا من خلق ~~الله تعالى ونعمته فكيف نشكر نعمة بنعمة ولو اعطانا الملك مركوبا فاخذنا ~~مركوبا اخر له وركبناه أو اعطانا الملك مركوبا اخر لم يكن الثاني شكر للاول ~~منا بل كان الثاني يحتاج إلى شكر كما يحتاج الاول ثم لا يمكن شكر الشكر الا ~~بنعة اخرى فيؤدي إلى ان يكون الشكر محالا في حق الله تعالى من هذين الوجهين ~~ولسنا نشك في الامرين جميعا والشرع قد ورد به فكيف السبيل إلى الجمع فاعلم ~~ان هذا الخاطر قد خطر لداود عليه السلام وكذلك لموسى عليه السلام فقال يا ~~رب كيف اشكرك وانا لا استطيع ان اشكرك الا بنعمة ثانية من نعمك وفي لفظ اخر ~~وشكرى لك نعمة اخرى منك توجب على الشكر لك فأوحى الله تعالى اليه اذا عرفت ~~هذا فقد شكرتني وفي خبر آخر اذا عرفت ان النعمة مني رضيت منك بذلك شكرا # فان قلت فقد فهمت السؤال وفهمي قاصر عن ادراك معنى ما اوحى اليهم فاني ~~اعلم استحالة الشكر لله تعالى فأما كون العلم باستحالة الشكر شكرا فلا ~~أفهمه فان هذا العلم ايضا نعمة منه فكيف صار شكرا وكأن الحاصل يرجع إلى ان ~~من لم يشكر فقد شكر وان قبول الخلعة الثانية من الملك شكر للخلعة الاولى ~~والفهم قاصر عن درك السر فيه فان امكن تعريف ذلك بمثال فهو مهم في نفسه ~~فاعلم ان هذا قرع باب من المعارف وهي اعلى PageV04P085 من علوم المعاملة ~~ولكنا نشير منها إلى ملامح ونقول ههنا نظران نظر بعين التوحيد المحض وهذا ~~النظر يعرفك قطعا انه الشاكر وانه المشكور وانه المحب وانه المحبوب وهذا ~~نظر من عرف انه ليس في الوجود غيره وان كل شيء هالك إلا وجهه وان ذلك صدق ~~في كل حال أزلا وابدا لأن الغير هو الذي يتصور ان يكون له بنفسه قوام ومثل ~~هذا الغير لا وجود له بل هو محال أن يوجد اذ الموجود المحقق هو القائم ~~بنفسه وما ليس له بنفسه قوام فليس له بنفسه وجود بل هو قائم بغيره فهو ~~موجود بغيره فان اعتبر ذاته ولم يلتفت إلى غيره لم يكن له وجود ألبته وإنما ~~الموجود هو القائم بنفسه والقائم بنفسه هو الذي لو قدر عدم غيره بقى موجودا ~~فان كان مع قيامه بنفسه يقوم بوجوده وجود غيره فهو قيوم ولا قيوم الا واحد ~~ولا يتصور ان يكون غير ذلك فإذن ليس في الوجود غير الحي القيوم وهو الواحد ~~الصمد فاذا نظرت من هذا المقام عرفت ان الكل منه مصدره واليه مرجعه فهو ~~الشاكر وهو المشكور وهو المحب وهو المحبوب ومن ههنا نظر حبيب بن أبي حبيب ~~حيث قرأ @QB@ إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب @QE@ فقال واعجباه اعطى ~~واثنى اشارة إلى انه اذا اثنى على اعطائه فعلى نفسه اثنى فهو المثنى وهو ~~المثنى عليه ومن ههنا نظر الشيخ أبو سعيد المهينى حيث قرىء بين يديه @QB@ ~~يحبهم ويحبونه @QE@ فقال لعمري يحبهم ودعه يحبهم فبحق يحبهم لأنه إنما يحب ~~نفسه اشار به إلى أنه المحب وأنه المحبوب وهذه رتبة عالية لا تفهمها الا ~~بمثال على حد عقلك فلا يخفي عليك ان المصنف اذا أحب تصنيفه لقد احب نفسه ~~والصانع اذا احب صنعته فقد احب نفسه والوالد اذا احب ولده من حيث إنه ولده ~~فقد احب نفسه وكل ما في الوجود سوى الله تعالى فهو تصنيف الله تعالى وصنعته ~~فإن أحبه فما أحب إلا نفسه واذا لم يحب الانفسه فبحق احب ما احب وهذا ما ~~احب وهذا كله نظر بعين التوحيد وتعبر الصوفيه عن هذه الحالة بفناء النفس أي ~~فنى عن نفسه وعن غير الله فلم ير الا الله تعالى فمن لم يفهم هذا ينكر ~~عليهم ويقول كيف فنى وطول ظله أربعة اذرع ولعله يأكل في كل يوم أرطالا من ~~الخبز فيضحك عليهم الجهال لجهلهم بمعاني كلامهم وضرورة قول العارفين ان ~~يكونوا ضحكة للجاهلين واليه الاشارة بقوله تعالى ان الذين اجرموا كانوا من ~~الذين امنوا يضحكون واذا مروا بهم يتغامزون واذا انقلبوا إلى اهلهم انقلبوا ~~فكهين وإذ رأوهم قالوا ان هؤلاء لضالون وما ارسلوا عليهم حافظين ثم بين أن ~~ضحك العارفين عليهم غدا اعظم اذ قال تعالى @QB@ فاليوم الذين آمنوا من ~~الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون @QE@ وكذلك امة نوح عليه السلام كانوا ~~يضحكون عليه عند اشتغاله بعمل السفينة قال @QB@ إن تسخروا منا فإنا نسخر ~~منكم كما تسخرون @QE@ فهذا أحد النظرين النظر الثاني نظر من لم يبلغ إلى ~~مقام الفناء عن نفسه وهؤلاء قسمان قسم لم يثبتوا الا وجود انفسهم وانكروا ~~ان يكون لهم رب يعبد وهؤلاء هم العميان المنكوسون وعماهم في كلتا العينين ~~لأنهم نفوا ما هو الثابت تحقيقا وهو القيوم الذي هو قائم بنفسه وقائم على ~~كل نفس بما كسبت وكل قائم فقائم به ولم يقتصروا على هذا حتى اثبتوا انفسهم ~~ولو عرفوا لعلموا انهم من حيث هم هم لا ثبات لهم ولا وجود لهم وانما وجودهم ~~من حيث أوجدوا لا من حيث وجدوا وفرق بين الموجود وبين الموجد وليس في ~~الوجود الا موجود واحد وموجد فالموجود حق والموجد باطل من حيث هو هو ~~والموجود قائم وقيوم والموجد هالك وفإن واذا كان كل من عليها فان فلا يبقى ~~الا وجه ربك ذو الجلال والاكرام الفريق الثاني ليس بهم عمى ولكن بهم عور ~~لانهم يبصرون باحدى العينين وجود الموجود الحق فلا ينكرونه والعين الأخرى ~~ان تم عماها لم يبصر بها فناء غير الموجود الحق فاثبت موجودا اخر مع الله ~~تعالى وهذا مشرك تحقيقا كما PageV04P086 ان الذى قبله جاحد تحقيقا فان جاوز ~~حد العمى إلى العمش ادرك تفاوتا بين الموجودين فأثبت عبدا وربا فبهذا القدر ~~من إثبات التفاوت والنقص من الموجود الاخر دخل في حد التوحيد ثم إن كحل ~~بصره بما يزيد في أنواره فيقل عمشه وبقدر ما يزيد في بصره يظهر له نقصان ما ~~أثبته سوى الله تعالى فان بقى في سلوكه كذلك فلا يزال يفضى به النقصان إلى ~~المحو فينمحى عن رؤية ما سوى الله فلا يرى إلا الله ليكون قد بلغ كمال ~~التوحيد وحيث أدرك نقصا في وجود ما سوى الله تعالى دخل في أوائل التوحيد ~~وبينهما درجات لا تحصى فبهذا تتفاوت درجات الموحدين وكتب الله المنزلة على ~~ألسنة رسله هي الكحل الذي به يحصل انوار الابصار والانبياء هم الكحالون وقد ~~جاءوا داعين إلى التوحيد المحض وترجمته قول لا اله الا الله ومعناه ان لا ~~يرى الا الواحد الحق والواصلون إلى كمال التوحيد هم الاقلون والجاحدون ~~والمشركون ايضا قليلون وهم على الطرف الاقصى المقابل لطرف التوحيد اذ عبدة ~~الأوثان قالوا @QB@ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى @QE@ فكانوا ~~داخلين في اوائل ابواب التوحيد دخولا ضعيفا والمتوسطون هم الاكثرون وفيهم ~~من تنفتح بصيرته في بعض الاحوال فتلوح له حقائق التوحيد ولكن كالبرق الخاطف ~~لا يثبت وفيهم من يلوح له ذلك ويثبت زمانا ولكن لا يدوم والدوام فيه عزيز # لكل إلى شأو العلا حركات % ولكن عزيز في الرجال ثبات # ولما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب القرب فقيل له @QB@ ~~واسجد واقترب @QE@ قال في سجوده أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك ~~وأعوذ بك منك لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك + حديث قال في ~~سجوده اعوذ بعفوك من عقابك واعوذ برضاك من سخطك الحديث أخرجه مسلم من حديث ~~عائشة اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك الحديث فقوله صلى الله عليه ~~وسلم أعوذ بعفوك من عقابك كلام عن مشاهدة فعل الله فقط فكأنه لم ير الا ~~الله وأفعاله فاستعاذ بفعله من فعله ثم اقترب ففنى عن مشاهدة الافعال وترقى ~~إلى مصادر الافعال وهي الصفات فقال أعوذ برضاك من سخطك وهما صفتان ثم رأي ~~ذلك نقصانا في التوحيد فاقترب ورقى من مقام مشاهدة الصفات إلى مشاهدة الذات ~~فقال واعوذ بك منك وهذا فرار منه اليه من غير رؤية فعل وصفة ولكنه راي نفسه ~~فارا منه اليه ومستعيذا ومثنيا ففنى عن مشاهدة نفسه اذ راى ذلك نقصانا ~~واقترب فقال لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك فقوله صلى الله عليه ~~وسلم لا أحصى خبر عن فناء نفسه وخروج عن مشاهدتها وقوله أنت كما أثنيت على ~~نفسك بيان انه المثنى والمثنى عليه وان الكل منه بدا واليه يعود وان كل شيء ~~هالك إلا وجهه فكان اول مقاماته نهاية مقامات الموحدين وهو ان لا يرى الا ~~الله تعالى وافعاله فيستعيذ بفعل من فعل فانظر إلى ماذا انتهت نهايته اذ ~~انتهى إلى الواحد الحق حتى ارتفع من نظره ومشاهدته سوى الذات الحق ولقد كان ~~صلى الله عليه وسلم لا يرقى من رتبة إلى اخرى الا ويرى الاولى بعدا ~~بالإضافة إلى الثانية فكان يستغفر الله من الاولى ويرى ذلك نقصا في سلوكه ~~وتقصيرا في مقامه واليه الاشارة بقوله صلى الله عليه وسلم انه ليغان على ~~قلبي حتى استغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة + حديث انه ليغان على ~~قلبي الحديث تقدم في التوبة وقبله في الدعوات فكان ذلك لترقية إلى سبعين ~~مقاما بعضها فوق البعض اولها وان كان مجاوزا اقصى غايات الخلق ولكن كان ~~نقصانا بالاضافة إلى آخرها فكان استغفاره لذلك ولما قالت عائشة رضي الله ~~عنها اليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فما هذا البكاء في ~~السجود وما هذا الجهد الشديد PageV04P087 @QB@ قال @QE@ أفلا أكون عبدا ~~شكورا + حديث عائشة لما قالت له غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فما ~~هذا البكاء الحديث رواه أبو الشيخ وهو بقية حديث عطاء عنها المتقدم قبل هذا ~~بتسعة أحاديث وهو عند مسلم من رواية عروة عنها مختصرا وكذلك هو في الصحيحين ~~مختصرا من حديث المغيرة بن شعبة معناه أفلا أكون طالبا للمزيد في المقامات ~~فان الشكر سبب الزيادة حيث قال تعالى @QB@ لئن شكرتم لأزيدنكم @QE@ # واذا تغلغنا في بحار المكاشفة فلنقبض العنان ولنرجع إلى ما يليق بعلوم ~~المعاملة فنقول الانبياء عليهم السلام بعثوا لدعوة الحق إلى كمال التوحيد ~~الذي وصفناه ولكن بينهم وبين الوصول اليه مسافة بعيدة وعقبات شديدة وانما ~~الشرع كله تعريف طريق سلوك تلك المسافة وقطع تلك العقبات وعند ذلك يكون ~~النظر عن مشاهدة اخرى ومقام آخر فيظهر في ذلك المقام باضافة إلى تلك ~~المشاهدة الشكر والشاكر والمشكور ولا يعرف ذلك الا بمثال فاقول يمكنك ان ~~تفهم ان ملكا من الملوك ارسل إلى عبد قد بعد منه مركوبا وملبوسا ونقد الاجل ~~زاده في الطريق حتى يقطع به مسافة البعد ويقرب من حضرة الملك ثم يكون له ~~حالتان احداهما ان يكون قصده من وصول العبد إلى حضرته ان يقوم ببعض مهماته ~~ويكون له عناية في خدمته والثانية أن لا يكون للملك حظ في العبد ولا حاجة ~~به اليه بل حضوره لا يزيد في ملكه لانه لا يقوى على القيام بخدمة تغني فيه ~~غناء وغيبته لا تنقص من ملكه فيكون قصد من الإنعام عليه بالمركوب والزاد أن ~~يحظى العبد بالقرب منه وينال سعادة حضرته لينتفع هو في نفسه لا لينتفع ~~الملك به وبانتفاعه فمنزل العباد من الله تعالى في المنزلة الثانية لا في ~~المنزلة الاولى فان الاولى محال على الله تعالى والثانية غير محال ثم اعلم ~~ان العبد لا يكون شاكرا في الحالة الأولى بمجرد الركوب والوصول إلى حضرته ~~ما لم يقم بخدمته التي ارادها الملك منه واما في الحالة الثانية فلا يحتاج ~~إلى الخدمة اصلا ومع ذلك يتصور ان يكون شاكرا وكافرا ويكون شكره بان يستعمل ~~ما انفذه اليه مولاه فيما احبه لاجله لا لاجل نفسه وكفره ان لا يستعمل ذلك ~~فيه بان يعطله أو يستعمله فيما يزيد في بعده منه فمهما لبس العبد الثوب ~~وركب الفرس ولم ينفق الزاد الا في الطريق فقد شكره مولاه اذ استعمل نعمته ~~في محبته أي فيما احبه لعبده لا لنفسه وان ركبه واستدبر حضرته وأخذ يبعد ~~منه فقد كفر نعمته أي استعملها فيما كرهه مولاه لعبده لا لنفسه وان جلس ولم ~~يركب لا في طلب القرب ولا في طلب البعد فقد كفر ايضا نعمته اذا اهملها ~~وعطلها وان كان هذا دون ما لو بعد منه فكذلك خلق الله سبحانه الخلق وهم في ~~ابتداء فطرتهم يحتاجون إلى استعمال الشهوات لتكمل بها ابدانهم فيبعدون بها ~~عن حضرته وانما سعادتهم في القرب منه فأعد لهم من النعم ما يقدرون على ~~استعماله في نيل درجة القرب وعن بعدهم وقربهم عبر الله تعالى اذ قال @QB@ ~~لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا ~~@QE@ آلاية فإذن نعم الله تعالى آلات يترقى العبد بها عن اسفل السافلين ~~خلقها الله تعالى لاجل العبد حتى ينال بها سعادة القرب والله تعالى غني عنه ~~قرب أم بعد والعبد فيها بين ان يستعملها في الطاعة فيكون قد شكر لموافقة ~~محبة مولاه وبين ان يستعملها في معصيته فقد كفر لاقتحامه ما يكرهه مولاه ~~ولا يرضاه له فإن الله لا يرضى لعباده الكفر والمعصية وان عطلها ولم ~~يستعملها في طاعة ولا معصية فهو ايضا كفر كفران إن للنعمة بالتضييع وكل ما ~~خلق في الدنيا انما خلق آلة للعبد ليتوصل به إلى سعادة الاخرة ونيل القرب ~~من الله تعالى فكل مطيع فهو بقدر طاعته شاكر نعمة الله في الاسباب التي ~~استعملها في الطاعة وكل كسلان ترك الاستعمال أو عاص استعملها في طريق البعد ~~فهو كافر جار في غير محبة الله تعالى فالمعصية والطاعة تشملهما المشيئة ~~ولكن لا تشملهما المحبة والكراهة بل رب مراد PageV04P088 محبوب ورب مراد ~~مكروه ووراء بيان هذه الدقيقة سر القدر الذي منع من افشائه وقد انحل بهذا ~~الاشكال الاول وهو انه اذا لم يكن للمشكور حظ فكيف يكون الشكر وبهذا ايضا ~~ينحل الثاني فانا لم نعن بالشكر الا انصراف نعمة الله في جهة محبة الله ~~فاذا انصرفت النعمة في جهة المحبة بفعل الله فقد حصل المراد وفعلك عطاء من ~~الله تعالى ومن حيث انت محله فقد اثنى عليك وثناؤه نعمة اخرى منه اليك فهو ~~الذي اعطى وهو الذي اثنى وصار أحد فعليه سببا لانصراف فعله الثاني إلى جهة ~~محبته فله الشكر على كل حال وانت موصوف بأنك شاكر بمعنى انك محل المعنى ~~الذي الشكر عبارة عنه لا بمعنى انك موجب له كما انك موصوف بانك عارف وعالم ~~لا بمعنى انك خالق للعلم وموجده ولكن بمعنى انك محل له وقد وجد بالقدرة ~~الازلية فيك فوصفك بانك شاكر اثبات شيئية لك وانت شيء اذ جعلك خالق الاشياء ~~شيئا وإنما أنت لا شيء إذا كنت أنت ظانا لنفسك شيئا من ذاتك فأما باعتبار ~~النظر إلى الذي جعل الأشياء شيئا فأنت شيء إذ جعلك شيئا فإن قطع النظر عن ~~جعله كنت لا شيء تحقيقيا والى هذا أشار صلى الله الله عليه وسلم حيث قال ~~اعملوا فكل ميسر لما خلق له + حديث اعملوا فكل ميسر لما خلق له من حديث على ~~وعمران بن حصين لما قيل له يا رسول الله ففيم العمل اذا كانت الاشياء قد ~~فرغ منها من قبل فتبين ان الخلق مجاري قدرة الله تعالى ومحل افعاله وان ~~كانوا هم ايضا من افعاله ولكن بعض افعاله محل للبعض وقوله @QB@ اعملوا @QE@ ~~وان كان جاريا على لسان الرسول صلى الله تعالى عليه واله وسلم فهو فعل من ~~افعاله وهو سبب لعلم الخلق ان العمل نافع وعلمهم فعل من افعال الله تعالى ~~والعلم سبب لانبعاث داعية جازمة إلى الحركة والطاعة وانبعاث الداعية ايضا ~~من افعال الله تعالى وهو سبب لحركة الاعضاء وهي ايضا من افعال الله تعالى ~~ولكن بعض افعاله سبب للبعض أي الاول شرط للثاني كما كان خلق الجسم سببا ~~لخلق العرض اذ لا يخلق العرض قبله وخلق الحياة شرط لخلق العلم وخلق العلم ~~شرط لخلق الارادة والكل من افعال الله تعالى وبعضها سبب للبعض أي هو شرط ~~ومعنى كونه شرطا انه لا يستعد لقبول فعل الحياة الا جوهر ولا يستعد لقبول ~~العلم الا ذو حياة ولا لقبول الارادة الاذو علم فيكون بعض افعاله سببا ~~للبعض بهذا المعنى لا بمعنى ان بعض افعاله موجد لغيره بل ممهد شرط الحصول ~~لغيره وهذا اذا حقق ارتقى إلى درجة التوحيد الذي ذكرناه # فإن قلت فلم قال الله تعالى اعملوا والا فأنتم معاقبون مذمومون على ~~العصيان وما الينا شيء فكيف نذم وانما الكل إلى الله تعالى فاعلم ان هذا ~~القول من الله تعالى سبب لحصول اعتقاد فينا والاعتقاد سبب لهيجان الخوف ~~وهيجان الخوف سبب لترك الشهوات والتجافي عن دار الغرور وذلك سبب للوصول إلى ~~جوار الله والله تعالى مسبب الاسباب ومرتبها فمن سبق له في الازل السعادة ~~يسر له هذه الاسباب حتى يقوده بسلسلتها إلى الجنة ويعبر عن مثله بان كلا ~~ميسر لما خلق له ومن لم يسبق له من الله الحسنى بعد عن سماع كلام الله ~~تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام العلماء فاذا لم يسمع لم ~~يعلم واذا لم يعلم لم يخف واذا لم يخف لم يترك الركون إلى الدنيا واذا لم ~~يترك الركون إلى الدنيا بقى في حزب الشيطان وان جهنم لموعدهم اجمعين فإذا ~~عرفت هذا تعجبت من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل فما من أحد الا وهو مقود ~~إلى الجنة بسلاسل الاسباب وهو تسليط العلم والخوف عليه وما من مخذول الا ~~وهو مقود إلى النار بالسلاسل وهو تسليط الغفلة والأمن والغرور عليه ~~فالمتقون يساقون إلى الجنة قهرا والمجرمون يقادون إلى النار قهرا ولا قاهر ~~الا الله الواحد القهار PageV04P089 ولا قادر الا الملك الجبار واذا انكشفت ~~الغطاء عن اعين الغافلين فشاهدوا الامر كذلك سمعوا عند ذلك نداء المنادي ~~@QB@ لمن الملك اليوم لله الواحد القهار @QE@ ولقد كان الملك لله الواحد ~~القهار كل يوم لا ذلك على الخصوص ولكن الغافلين لا يسمعون هذا النداء الا ~~ذلك اليوم فهو نبأ عما يتجدد للغافلين من كشف الاحوال حيث لا ينفعهم الكشف ~~فنعوذ بالله الحليم الكريم من الجهل والعمى فانه اصل اسباب الهلاك # | بيان تمييز ما يحبه الله تعالى عما يكرهه # اعلم أن فعل الشكر وترك الكفر لا يتم إلا بمعرفة ما يحبه الله تعالى عما ~~يكرهه اذ معنى الشكر استعمال نعمه تعالى في محابة ومعنى الكفر نقيض ذلك اما ~~بترك الاستعمال أو باستعمالها في مكارهه ولتمييز ما يحبه الله تعالى مما ~~يكرهه مدركان احدهما السمع ومستنده الآيات والاخبار والثاني بصيرة القلب ~~وهو النظر بعين الاعتبار وهذا الاخير عسير وهو لاجل ذلك عزيز فلذلك ارسل ~~الله تعالى الرسل وسهل بهم الطريق على الخلق ومعرفة ذلك تنبني على معرفة ~~جميع احكام الشرع في افعال العباد فمن لا يطلع على احكام الشرع في جميع ~~افعاله لم يمكنه القيام بحق الشكر اصلا واما الثاني وهو النظر بعين ~~الاعتبار فهو ادراك حكمة الله تعالى في كل موجود خلقه اذ ما خلق شيئا في ~~العالم الا وفيه حكمة وتحت الحكمة مقصود وذلك المقصود هو المحبوب وتلك ~~الحكمة منقسمة إلى جلية وخفية اما الجلية فكالعلم بان الحكمة في خلق الشمس ~~ان يحصل بها الفرق بين الليل والنهار فيكون النهار معاشا والليل لباسا ~~فتتيسر الحركة عند الابصار والسكون عند الاستتار فهذا من جملة حكم الشمس لا ~~كل الحكم فيها بل فيها حكم اخرى كثيرة دقيقة وكذلك معرفة الحكمة في الغيم ~~ونزول الأمطار وذلك لانشقاق الأرض بأنواع النبات مطعما للخلق ومرعي للأنعام ~~وقد انطوى القرآن على جملة من الحكم الجليلة التي تحتملها افهام الخلق دون ~~الدقيق الذي يقصرون عن فهمه اذ قال تعالى @QB@ أنا صببنا الماء صبا ثم ~~شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا @QE@ الآية وأما الحكمة في سائر ~~الكواكب السيارة منها والثوابت فخفية لا يطلع عليها كافة الخلق والقدر الذي ~~يحتمله فهم الخلق انها زينة للسماء لتستلذ العين بالنظر اليها وأشار اليه ~~قوله تعالى @QB@ إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب @QE@ فجميع اجزاء ~~العالم سماؤه وكواكبه ورياحه وبحاره وجباله ومعادنه ونباته وحيواناته ~~وأعظاء حيواناته لا تخلو ذرة من ذراته عن حكم كثيرة من حكمة واحدة إلى عشرة ~~إلى الف إلى عشرة آلاف وكذا اعضاء الحيوان تنقسم الا ما يعرف حكمتها كالعلم ~~بان العين للإبصار لا للبطش واليد للبطش لا للمشي والرجل للمشي لا للشم ~~فاما الاعضاء الباطنة من الامعاء والمرارة والكبد والكلية وآحاد العروق ~~والاعصاب والعضلات وما فيها من التجاويف والالتفاف والاشتباك والانحراف ~~والدقة والغلظ وسائر الصفات فلا يعرف الحكمة فيها سائر الناس والذين ~~يعرفونها لا يعرفون منها إلا قدرا يسيرا بالاضافة إلى ما في علم الله تعالى ~~@QB@ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا @QE@ فإذن كل من استعمل شيئا في جهة ~~غير الجهة التي خلق لها ولا على الوجه الذي اريد به فقد كفر فيه نعمة الله ~~تعالى فمن ضرب غيره بيده فقد كفر نعمة اليد اذ خلقت له اليد ليدفع بها عن ~~نفسه ما يهلكه ويأخذ ما ينفعه لا ليهلك بها غيره ومن نظر إلى وجه غير ~~المحرم فقد كفر نعمة العين ونعمة الشمس اذ الابصار يتم بهما وانما خلقتا ~~ليبصر بهما ما ينفعه في دينه ودنياه ويتقي بهما ما يضره فيهما فقد استعملها ~~في غير ما اريد به وهذا لان المراد من خلق الخلق وخلق الدنيا وأسبابها ان ~~يستعين الخلق بهما على الوصول إلى الله تعالى ولا وصول اليه الا بمحبته ~~والانس به في الدنيا والتجافي عن غرور الدنيا ولا انس PageV04P090 إلا ~~بدوام الذكر ولا محبة إلا بالمعرفة الحاصلة بدوام الفكر ولا يمكن الدوام ~~على الذكر والفكر إلا بدوام البدن ولا يبقى البدن إلا بالغذاء ولا يتم ~~الغذاء إلا بالأرض والماء والهواء ولا يتم ذلك إلا بخلق السماء والأرض وخلق ~~سائر الأعضاء ظاهرا وباطنا فكل ذلك لأجل البدن والبدن مطية النفس والراجح ~~إلى الله تعالى هى النفس المطمئنة بطول العبادة والمعرفة فلذلك قال تعالى ~~@QB@ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق @QE@ الآية فكل ~~من استعمل شيئا فى غير طاعة الله فقد كفر نعمة الله فى جميع الأسباب التى ~~لا بد منها لإقدامه على تلك المعصية ولتذكر مثالا واحدا للحكم الخفية التى ~~ليست فى غاية الخفاء حتى تعتبر بها وتعلم طريقة الشكر والكفران على النعم ~~فنقول من نعم الله تعالى خلق الدراهم والدنانير وبهما قوام الدنيا وهما ~~حجران لا منفعة فى أعيانهما ولكن يضطر الخلق إليهما من حيث إن كل إنسان ~~محتاج إلى أعيان كثيرة فى مطعمه وملبسه وسائر حاجاته وقد يعجز عما يحتاج ~~إليه ويملك ما يستغنى عنه كمن يملك الزعفران مثلا وهو محتاج إلى جمل يركبه ~~ومن يملك الجمل ربما يستغنى عنه ويحتاج إلى الزعفران فلا بد بينهما من ~~معاوضة ولا بد فى مقدار العوض من تقدير إذ لا يبذل صاحب الجمل جمله بكل ~~مقدار من الزعفران ولا مناسبة بين الزعفران والجمل حتى يقال يعطى منه مثله ~~فى الوزن أو الصورة وكذا من يشترى دارا ثياب أو عبدا بخف أو دقيقا بحمار ~~فهذه الأشياء لا تتناسب فيها فلا يدرى أن الجمل كم يسوى بالزعفران فتتعذر ~~المعاملات جدا فافتقرت هذه الأعيان المتنافرة المتباعدة إلى متوسط بينها ~~يحكم بينهما بحكم عدل فيعرف من كل واحد رتبته ومنزلته حتى إذا تقررت ~~المنازل وترتبت الرتب علم بعد ذلك المساوى من غير المساوى فخلق الله تعالى ~~الدنانير والدراهم حاكمين ومتوسطين بين سائر الأموال حتى تقدر الأموال بهما ~~فيقال هذا الجمل يسوى مائة دينار وهذا القدر من الزعفران يسوى مائة فهما من ~~حيث إنهما مساويان بشىء واحد إذن متساويان وإنما أمكن التعديل بالنقدين إذ ~~لا غرض فى أعيانهما ولو كان فى أعيانهما غرض ربما اقتضى خصوص ذلك الغرض فى ~~حق صاحب الغرض ترجيحا ولم يقتض ذلك فى حق من لا غرض له فلا ينتظم الأمر ~~فإذن خلقهما الله تعالى لتتداولهما الأيدى ويكونا حاكمين بين الأموال ~~بالعدل ولحكمة أخرى وهى التوسل بهما إلى سائر الأشياء لأنهما عزيزان فى ~~أنفسهما ولا غرض فى أعيانهما ونسبتهما إلى سائر الأحوال نسبة واحدة فمن ~~ملكهما فكأنه ملك كل شىء لا كمن ملك ثوبا فإنه لم يملك إلا الثوب فلو احتاج ~~إلى طعام ربما لم يرغب صاحب الطعام فى الثوب لأن غرضه فى دابة مثلا فاحتيج ~~إلى شىء وهو فى صورته كأنه ليس بشىء وهو فى معناه كأنه كل الأشياء والشىء ~~إنما تستوى نسبته إلى المختلفات إذا لم تكن له صورة خاصة يفيدها بخصوصها ~~كالمرآة لا لون لها وتحكى كل لون فكذلك النقد لا غرض فيه وهو وسيلة إلى كل ~~غرض وكالحرف لا معنى له نفسه وتظهر به المعانى فى غيره فهذه هى الحكمة ~~الثانية وفيهما أيضا حكم يطول ذكرها فكل من عمل فيهما عملا لا يليق بالحكم ~~بل يخالف الغرض المقصود بالحكم فقد كفر نعمة الله تعالى فيهما فإذن من ~~كنزهما فقد ظلمهما وأبطل الحكمة فيهما وكان كمن حبس حاكم المسلمين فى سجن ~~يمتنع عليه الحكم بسببه لأنه إذا كنز فقد ضيع الحكم ولا يحصل الغرض المقصود ~~به وما خلقت الدراهم والدنانير لزيد خاصة ولا لعمرو خاصة إذ لا غرض للآحاد ~~فى أعيانهما فإنهما حجران وإنما خلقا لتتداولها الأيدى فيكونا حاكمين بين ~~الناس وعلامة معرفة المقادير مقومة للراتب فأخبر الله تعالى الذين يعجزون ~~عن قراءة الأسطر الإلهية المكتوبة فى صفحات الموجودات بخط إلهى لا حرف فيه ~~ولا صوت الذى لا يدرك بعين البصر بل بعين البصيرة أخبر هؤلاء العاجزين ~~PageV04P091 بكلام سمعوه من رسوله صلى الله عليه وسلم حتى وصل اليهم بواسطة ~~الحرف والصوت المعنى الذى عجزوا عن إدراكه فقال تعالى @QB@ والذين يكنزون ~~الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم @QE@ وكل من ~~اتخذ من الدراهم والدنانير آنية من ذهب أو فضة فقد كفر النعمة وكان أسوأ ~~حالا ممن كنز لان مثال هذا مثال من استسخر حاكم البلد فى الحياكة والمكس ~~والأعمال التى يقوم بها أخساء الناس والحبس أهوك منه وذلك أن الخزف والحديد ~~والرصاص والنحاس تنوب مناب الذهب والفضة فى حفظ المائعات عن أن تتبدد وإنما ~~الأوانى لحفظ المائعات ولا يكفى الخزف والحديد فى المقصود الذى أريد به ~~النقود فمن لم ينكشف له هذا انكشف له بالترجمة الإلهية وقيل له من شرب فى ~~آنية من ذهب أو فضة فكأنما يجرجر فى بطنه نار جهنم وكل من عامل معاملة ~~الربا على الدراهم والدنانير فقد كفر النعمة وظلم لأنهما خلقا لغيرهما لا ~~لنفسهما إذ لا غرض فى عينهما فإذا اتجر فى عينهما فقد اتخذهما مقصودا على ~~خلاف وضع الحكمة إذ طلب النقد لغير ما وضع له ظلم ومن معه ثوب ولا نقد معه ~~فقد لا يقدر على أن يشترى به طعاما ودابة إذ ربما لا يباع الطعام والدابة ~~بالثوب فهو معذور فى بيعه بنقد آخر ليحصل النقد فيتوصل به إلى مقصوده ~~فانهما وسيلتان إلى الغير لا غرض فى أعيانهما وموقهما فى الأموال كموقع ~~الحرف من الكلام كما قال النحويون إن الحرف هو الذى جاء لمعنى فى غيره ~~وكموقع المرآة من الألوان فأما من معه نقد فلو جاز له أن يبيعه بالنقد ~~فيتخذ التعامل على النقد غاية عمله فيبقى النقد مقيدا عنده وينزل منزلا ~~المكنوز وتقييد الحاكم والبريد الموصل إلى الغير ظلم كما أن حبسه ظلم فلا ~~معنى لبيع النقد بالنقد إلا اتخاذ النقد مقصودا للادخار وهو ظلم # فإن قلت فلم جاز بيع أحد النقدين بالآخر ولما جاز بيع الدرهم بمثله فاعلم ~~أن أحد النقدين يخالف الآخر فى مقصود التوصل إذ قد يتيسر التوصل بأحدهما من ~~حيث كثرته كالدراهم تتفرق فى الحاجات قليلا قليلا ففى المنع منه ما يشوش ~~المقصود الخاص به وهو تيسر التوصل به إلى غيره وأما بيع الدرهم بدرهم ~~يماثله فجائز من حيث إن ذلك لا يرغب فيه عاقل مهما تساويا ولا يشتغل به ~~تاجر فإنه عبث يجرى مجرى وضع الدرهم على الأرض وأخذه بعينه ونحن لا نخاف ~~على العقلاء أن يصرفوا أوقاتهم إلى وضع الدرهم على الأرض وأخذه بعينه فلا ~~نمنع مما لا تتشوق النفوس إليه إلا أن يكون أحدهما أجود من الآخر وذلك أيضا ~~لا يتصور جريانه إذ صاحب الجيد لا يرضى بمثله من الردىء فلا ينتظم العقد ~~وإن طلب زيادة فى الردىء فذلك مما قد يقصده فلا جرم نمنعه منه ونحكم بأن ~~جيدها ورديئها سواء لأن الجودة والرداءة ينبغى أن ينظر إليهما فيما يقصد فى ~~عينه وما لا غرض فى عينه فلا ينبغى أن ينظر إلا مضافات دقيقة فى صفاته ~~وإنما الذى ظلم هو الذى ضرب النقود مختلفة فى الجودة والرداءة حتى صارت ~~مقصودة فى أعيانها وحقها أن لا تقصد وأما إذا باع درهما بدرهم مثله نسيئة ~~فإنما لم يجز ذلك لأنه لا يقدم على هذا إلا مسامح قاصد الإحسان فى القرض ~~وهو مكرمة مندوحة عنه لتبقى صورة المسامحة فيكون له حمد وأجر والمعاوضة ~~لاحمد فيها ولا أجر فهو أيضا ظلم لأنه إضاعة خصوص المسامحة وإخراجها فى ~~معرض المعارضة وكذلك الأطعمة خلقت ليتغذى بها أو يتداوى بها فلا ينبغى أن ~~تصرف على جهتها فإن فتح باب المعاملة فيها يوجب تقييدها فى الأيدى ويؤخر ~~عنها الأكل الذى أريدت له فما خلق الله الطعام إلا ليؤكل والحاجة إلى ~~الأطعمة شديدة فينبغى أن تخرج عن يد المستغنى عنها إلى المحتاج ولا يعامل ~~على الأطعمة إلا مستغن عنها إذ من معه طعام فلم PageV04P092 لا يأكله إن ~~كان محتاجا ولم يجعله بضاعة تجارة وإن جعله بضاعة تجارة فليبعه ممن يطلبه ~~بعوض غير الطعام يكون محتاجا إليه فأما من يطلبه بعين ذلك الطعام فهو أيضا ~~مستغن عنه ولهذا ورد فى الشرع لعن المحتكر وورد فيه من التشديدات ما ذكرناه ~~فى كتاب آداب الكسب نعم بائع البر بالتمر معذور إذ أحدهما لا يسد مسد الآخر ~~فى الغرض وبائع صاع من البر بصاع منه غير معذور ولكنه عابث فلا يحتاج إلى ~~منع لأن النفوس لا تسمح به إلا عند التفاوت فى الجودة ومقابلة الجيد بمثله ~~من الردىء لا يرضى بها صاحب الجيد وأما جيد برديئين فقد يقصد ولكن لما كانت ~~الأطعمة من الضروريات والجيد يساوى الردىء فى أصل الفائدة ويخالفه فى وجوه ~~التنعم أسقط الشرع غرض التنعم فيما هو القوام فهذه حكمه الشرع فى تحريم ~~الربا وقد انكشف لنا هذا بعد الإعراض عن فن الفقه فلنلحق هذا بفن الفقهيات ~~فإنه أوى من جميع ما أوردناه فى الخلافيات وبهذا يتضح رجحان مذهب الشافعى ~~رحمه الله فى التخصص بالأطعمة دون المكيلات إذ لو دخل الجص فيه لكانت ~~الثياب والدواب أولى بالدخول ولولا الملح لكان مذهب مالك رحمه الله أقوم ~~المذاهب فيه إذ خصصه بالأوقات ولكن كل معنى يرعاه الشرع فلا بد أن يضبط بحد ~~وتحديد هذا كان ممكنا بالقوت وكان ممكنا بالمطعوم فرأى الشرع التحديد بجنس ~~المطعوم أخرى لكل ما هو ضرورة البقاء وتحديدات الشرع قد تحيط بأطراف لا ~~يقوى فيها أصل المعنى الباعث على الحكم ولكن التحديد يقع كذلك بالضرورة ولو ~~لم يحد لتحير الخلق فى أتباع جوهر المعنى مع اختلافه بالأحوال والأشخاص ~~فعين المعنى بكمال قوته يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فيكون الحد ضروريا ~~فلذلك قال الله تعالى @QB@ ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه @QE@ ولأن أصول ~~هذه المعانى لا تختلف فيها الشرائع وإنما تختلف فى وجوه التحديد كما يحد ~~شرع عيسى ابن مريم عليه السلام تحريم الخمر بالسكر وقد حده شرعنا بكونه من ~~جنس المسكر لأن قليله يدعو إلى كثير والداخل فى الحدود داخل فى التحريم ~~بحكم الجنس كما دخل أصل المعنى بالجملة الأصلية فهذا مثال واحد لحكمه خفية ~~من حكم النقدين فينبغى أن يعتبر شكر النعمة وكفرانها بهذا المثال فكل ما ~~خلق لحكمة فينبغى أن يصرف عنها ولا يعرف هذا إلا من قد عرف الحكمة @QB@ ومن ~~يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا @QE@ ولكن لا تصادف جواهر الحكم فى قلوب هى ~~مزابل الشهوات وملاعب الشياطين بل لا يتذكر إلا أولوا الألباب ولذلك قال ~~صلى الله عليه وسلم لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بنى آدم لنظروا إلى ~~ملكوت السماء + حديث لولا أن الشياطين يحومون على بنى آدم لنظروا إلى ملكوت ~~السماء تقدم فى الصوم + وإذ عرفت هذا المثال فقس عليه حركتك وسكونك ونطقك ~~وسكوتك وكل فعل صادر منك فإنه إما شكر وإما كفر إذ لا يتصور أن ينفك عنهما ~~وبعض ذلك نصفه فى لسان الفقه الذى تناطق به عوام الناس بالكراهة وبعضه ~~بالخطر وكل ذلك عند أرباب القلوب موصوف بالخطر فأقول مثلا لو أستنجيت ~~باليمنى فقد كفرت نعمه اليدين إذ خلق الله لك اليدين وجعل إحداهما أقوى من ~~الأخرى فاستحق الأقوى بمزيد رجحانه فى الغالب التشريف والتفضيل وتفضيل ~~الناقص عدول عن العدل والله لا يأمر بالعدل ثم أحوجك من أعطاك اليدين إلى ~~أعمال بعضها شريف كأخذ المصحف وبعضها خسيس كإزالة النجاسة فإذا اخذت المصحف ~~باليسار وأزلت النجاسة باليمين فقد خصصت الشريف بما هو خسيس فغضضت من حقه ~~وظلمته وعدلت عن العدل وكذلك إذا بصقت مثلا فى جهة القبلة أو استقبلتها فى ~~قضاء الحاجة فقد كفرت نعمة الله تعالى فى خلق الجهات وخلق سعة العالم لأنه ~~خلق الجهات لتكون متسعك فى حركتك وقسم الجهات إلى ما لم يشرفها وإلى ما ~~شرفها بأن وضع فيها بيتا أضافة إلى نفسه استمالة PageV04P093 لقلبك إليه ~~ليتقيد به قلبك فيتقيد بسببه بدنك فى تلك الجهة على هيئة الثبات والوقار ~~إذا عبدت ربك وكذلك انقسمت أفعالك إلى ما هى شريفة كالطاعات وإلى ما هى ~~خسيسة كقضاء الحاجة ورمى البصاق فإذا رميت بصاقك إلى الجهة القبلة فقد ~~ظلمتها وكفرت نعمة الله تعالى عليك بوضع القبلة التى بوضعها كمال عبادتك ~~وكذلك إذا لبست خفك فابتدأت باليسرى فقد ظلمت لأن الخف وقاية للرجل فللرجل ~~فيه حظ والبداءة فى الحظوظ ينبغى أن تكون بالأشرف فهو العدل والوفاء ~~بالحكمة ونقيضه ظلم وكفران لنعمة الخف والرجل وهذا عند العارفين كبيرة وإن ~~سماه الفقيه مكروها حتى إن بعضهم كان قد جمع إكرارا من الحنطة وكان يتصدق ~~بها فسئل عن سببه فقال لبست المداس مرة فابتدأت بالرجل اليسرى سهوا فأريد ~~أن أكفره بالصدقة نعم الفقيه لا يقدر على تفخيم الأمر فى هذه الأمور لأنه ~~مسكين بل بإصلاح العوام الذين تقرب درجتهم من درجة الإنعام وهم مغموسون فى ~~ظلمات أطم وأعظم من أن تظهر أمثال هذه الظلمات بالإضافة إليها فقبيح أن ~~يقال الذى شرب الخمر وأخذ القدح بيساره قد تعدى من وجهين أحدهما الشرب ~~والآخر الآخذ باليسار ومن باع خمرا فى وقت النداء يوم الجمعة فقبيح أن يقال ~~خان من وجهين @QB@ أحدهما @QE@ بيع الخمر والآخر البيع فى وقت النداء ومن ~~قضى حاجته فى محراب المسجد مستدبر القبلة فقبيح أن يذكر تركه الأدب فى قضاء ~~الحاجة من حيث إنه لم يجعل القبلة عن يمينه فالمعاصى كلها ظلمات بعضها فوق ~~بعض فيمنحق بعضها فى جنب البعض فالسيد قد يعاقب عبده إذا استعمل سكينه بغير ~~إذنه ولكن لو قتل بتلك السكين أعز أولاده لم يبق لاستعمال السكين بغير إذنه ~~حكم ونكاية فى نفسه فكل ما راعاه الأنبياء والأولياء من الآداب وتسامحنا ~~فيه فى الفقه مع العوام فسببه هذه الضرورة وإلا فكل هذه المكاره عدول عن ~~العدل وكفران للنعمة ونقصان عن الدرجة المبلغة للعبد إلى درجات القرب بعضها ~~يؤثر فى العبد بنقصان القرب وانحطاط المنزلة وبعضها يخرج بالكلية عن حدود ~~القرب إلى عالم البعد الذى هو مستقر الشياطين وكذلك من كسر غصنا من شجرة من ~~غير حاجة ناجزة مهمة ومن غير حاجة غرض صحيح فقد كفر نعمة الله تعالى فى خلق ~~الأشجار وخلق اليد أما اليد فإنها لم تخلق للعبث بل للطاعة والأعمال ~~المعينة على الطاعة وأما الشجر فإنه خلقه الله تعالى وخلق له العروق وساق ~~إليه الماء وخلق فيه قوة الاغتذاء والنماء ليبلغ منتهى نشوه فينتفع به ~~عباده فكسره قبل منتهى نشوة لا على وجه ينتفع به عباده مخالفة لمقصود ~~الحكمة وعدول عن العدل فإن كان له غرض صحيح فله ذلك إذ الشجر والحيوان جعلا ~~فداء لأغراض الإنسان فإنهما جميعا فانيان هالكان فإفناء الأخس فى بقاء ~~الأشرف مدة ما أقرب إلى العدل من تضييعهما جميعا وإليه الإشارة بقوله تعالى ~~وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه نعم إذا كسر ذلك من ملك ~~غيره فهو ظالم أيضا وإن كان محتاجا لأن كل شجرة بعينها لاتفى بحاجات عباد ~~الله كلهم بل تفى بحاجة واحدة ولو خصص واحد بها من غير رجحان واختصاص كان ~~ظلما فصاحب الاختصاص هو الذى حصل البذر ووضعه فى الأرض وساق إليه الماء ~~وقام بالتعهد فهو أولى به من غيره فيرجع جانبه بذلك فإن نبت ذلك فى موات ~~الأرض لا بسعى آدمى اختص بمغرسة أو بغرسه فلا بد من طلب اختصاص آخر وهو ~~السبق إلى أخذه فللسابقخاصية السبق فالعدل هو أن يكون أولى به وعبر الفقراء ~~عن هذا الترجيح بالملك وهو مجاز محض إذ لا ملك إلا لملك الملوك الذى له ما ~~فى السموات والأرض وكيف يكون العبد مالكا وهو فى نفسه ليس يملك نفسه بل هو ~~ملك غيره نعم الخلق عباد الله والأرض مائدة الله وقد أذن لهم فى الأكل من ~~مائدته بقدر حاجتهم كالملك ينصب مائدة لعبيده فمن أخذ لقمة بيمينه واحتوت ~~عليها براجمه فجاء عبد آخر وأراد انتزاعها PageV04P094 من يده لم يمكن منه ~~لا لأن اللقمة صارت ملكا له بالأخذ باليد فإن اليد وصاحب اليد أيضا مملوك ~~ولكن إذا كانت كل لقمة بعينها لا تفى بحاجة كل العبيد فالعدل فى التخصيص ~~عند حصول ضرب من الترجيح والاختصاص والأخذ اختصاص ينفرد به العبد فمنع من ~~لا يدلى بذلك الاختصاص عن مزاحمته فهكذا ينبغى أن تفهم أمر الله فى فى ~~عباده ولذلك نقول من أخذ من أموال الدنيا أكثر من حاجته وكنزه وأمسكه وفى ~~عباد الله من يحتاج إليه فهو ظالم وهو من الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ~~ينفقونها فى سبيل الله وإنما سبيل الله طاعته وزاد الخلق فى طاعته أموال ~~الدنيا إذ بها تندفع ضروراتهم وترتفع حاجاتهم نعم لا يدخل هذا فى حد فتاوى ~~الفقة لأن مقادير الحاجات خفية والنفوس فى استشعار الفقر فى الاستقبال ~~مختلفة وأواخر الأعمار غير معلومة فتكليف العوام ذلك يجرى مجرى تكليف ~~الصبيان الوقار والتؤدة والسكوت عن كلام غير مهم وهو بحكم نقصانهم لا ~~يطيقونه فتركنا الاعتراض عليهم فى اللعب واللهو وإباحتنا ذلك إياهم لا يدل ~~على أن اللهو واللعب حق فكذلك إباحتنا للعوام حفظ الأموال والاقتصار فى ~~الإنفاق على قدر الزكاة لضرورة ما جبلوا عليه من البخل لا يدل على أنه غاية ~~الحق وقد أشار القرآن إليه إذ قال تعالى @QB@ إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ~~@QE@ بل الحق الذى لا كدورة فيه والعدل الذى لا ظلم فيه أن لا يأخذ أحد من ~~عباد الله من مال الله إلا بقدر زاد الراكب فكل عباد الله ركاب لمطايا ~~الأبدان إلى حضرة الملك الديان فمن أخذ زيادة عليه ثم منعه عن راكب آخر ~~محتاج إليه فهو ظالم تارك للعدو وخارج عن مقصود الحكمة وكافر نعمة الله ~~تعالى عليه بالقرآن والرسول والعقل وسائر الأسباب التى بها عرف ان ما سوى ~~زاد الراكب وبال عليه فى الدنيا والآخرة فمن فهم حكمة الله تعالى فى جميع ~~أنواع الموجودات قدر على القيام بوظيفة الشكر واستقصاء ذلك يحتاج إلى ~~مجلدات ثم لا تفى إلا بالقليل وإنما أوردنا هذا القدر ليعلم علة الصدق فى ~~قوله تعالى @QB@ وقليل من عبادي الشكور @QE@ وفرح إبليس لعنه الله بقوله ~~@QB@ ولا تجد أكثرهم شاكرين @QE@ فلا يعرف معنى هذه الآية من لم يعرف معنى ~~هذا كله وأمورا أخر وراء ذلك تنقضى الأعمار دون استقصاء مباديها فأما تفسير ~~الآية ومعنى لفظها فيعرفه كل من يعرف اللغة وبهذا يتبين لك الفرق بين ~~المعنى والتفسير # فإن قلت فقد رجع حاصل هذا الكلام إلى أن الله تعالى حكمه فى كل شىء وأنه ~~جعل بعض أفعال العباد سببا لتمام الحكمة وبلوغها غاية المراد منها وجعل بعض ~~أفعالها مانعا من تمام الحكمة فكل فعل وافق مقتضى الحكمة حتى انساقت الحكمة ~~إلى غايتها فهو شكر وكل ما خالف ومنع الأسباب من أن تنساق إلى الغاية ~~المرادة بها فهو كفران وهذا كله مفهوم ولكن الإشكال باق وهو أن فعل العبد ~~المنقسم إلى ما يتمم الحكمة وإلى ما يرفعها هو أيضا من فعل الله تعالى فاين ~~العبد فى البين حتى يكون شاكرا مرة وكافرا أخرى فاعلم أن تمام التحقيق فى ~~هذا يستمد من تيار بحر عظيم من علوم المكاشفات وقد رمزنا فيما سبق إلى ~~تلويحات بمباديها ونحن الآن نعبر بعبارة وجيزة عن آخرها وغايتها يفهمها من ~~عرف منطق الطير ويجحدها من عجز عن الإيضاع فى السير فضلا عن أن يجول فى جو ~~الملكوت جولان الطير فنقول أن الله عز وجل فى جلاله وكبريائه صفة عنها يصدر ~~الخلق والاختراع وتلك الصفة أعلى وأجل من أن تلمحها عين واضع اللغة حتى ~~يعبر عنها بعبارة تدل على كنة جلالها وخصوص حقيقتها فلم يكن لها فى العالم ~~عبارة لعلو شأنها وانحطاط رتبة واضعى اللغات عن أن يمتد طرف فهمهم إلى ~~مبادى إشراقها فانخفضت عن ذروتها أبصارهم كما تنخفض أبصار الخفافيش عن نور ~~الشمس لا لغموض PageV04P095 فى نور الشمس ولكن لضعف فى أبصار الخفافيش ~~فاضطر الذين فتحت أبصارهم لملاحظة جلالها إلى أن يستعيروا من حضيض عالم ~~المتناطقين باللغات عبارة تفهم من مبادى حقائقها شيئا ضعيفا جدا فاستعاروا ~~لها اسم القدرة فتجاسرنا بسبب استعارتهم على النطق فقلنا لله تعالى صفة هى ~~القدرة عنها يصدر الخلق والاختراع ثم الخلق ينقسم فى الوجود إلى أقسام ~~وخصوص صفات ومصدر انقسام هذه الأقسام واختصاصها بخصوص صفاتها صفة اخرى ~~استعير لها بمثل الضرورة التى سبقت عبارة المشيئة فهى توهم منها أمرا محملا ~~عند المتناطقين باللغات التى هى حروف وأصوات المتفاهمين بها وقصور لفظ ~~المشيئة عن الدلالة على كنه تلك الصفة وحقيقتها كفصور لفظ القدر ثم انقسمت ~~الأفعال الصادرة من القدرة إلى ما ينساق إلى المنتهى الذى هو غاية حكمتها ~~وإلى ما يقف دون الغاية وكان لكل واحد نسبة إلى صفة المشيئة لرجوعها إلى ~~الاختصاصات التى بها تتم القسمة والاختلافات فاستعير لنسبة البالغ غايته ~~عبارة المحبة واستعير لنسبة الواقف دون غايته عبارة الكراهة وقيل إنهما ~~جميعا داخلان فى وصف المشيئة ولكن لكل واحد خاصية أخرى فى النسبة يوهم لفظ ~~المحبة والكراهة منهما أمرا مجملا عند طالبى الفهم من الألفاظ واللغات ثم ~~انقسم عباده الذين هم أيضا من خلقه واختراعه إلى من سبقت له المشيئة ~~الأزلية أن يستعمله لاستيقاف حكمته دون غايتها ويكون ذلك قهرا فى حقهم ~~بتسليط الدواعى والبواعث عليهم وإلى من سبقت لهم فى الأزل أن يستعملهم ~~لسياقة حكمته إلى غايتها فى بعض الأمور فكان لكل واحد من الفريقين نسبة إلى ~~المشيئة خاصة فاستعير لنسبة المستعملين فى إتمام الحكمة بهم عبارة الرضا ~~واستعير للذين استوقف بهم أسباب الحكمة دون غايتها عبارة الغضب فظهر على من ~~غضب عليه فى الأزل فعل وقفت الحكمة به دون غايتها فاستعير له الكفران وأردف ~~ذلك بنقمة اللعن والمذمة زيادة فى النكال وظهر على من ارتضاه فى الأزل فعل ~~انساقت بسببه الحكمة إلى غايتها فاستعير له عبارة الشكر وأردف بخلعة الثناء ~~والإطراء زيادة فى الرضا والقبول والإقبال فكان الحاصل أنه تعالى أعطى ~~الجمال ثم أثنى وأعطى النكال ثم قبح وأردى وكان مثاله أن ينظف الملك عبده ~~الوسخ عن أوساخه ثم يلبسه من محاسن ثيابه فإذا تمم زينته قال يا جميل ما ~~أجملك وأجمل ثيابك وأنظف وجهك فيكون بالحقيقة هو المجمل وهو المثنى على ~~الجمال فهو المثنى عليه بكل حال وكأنه لم يثنى من حيث المعنى إلا على نفسه ~~وإنما العبد هدف الثناء من حيث الظاهر والصورة فهكذا كانت الأمور فى الأزال ~~وهكذا تتسلسل الأسباب والمسببات بتقدير رب الأرباب ومسبب الأسباب ولم يكن ~~ذلك على اتفاق وبحث بل عن إرادة وحكمة وحكم حق وأمر جزم استعير له لفظ ~~القضاء وقيل إنه كلمح بالبصر أو هو أقرب لفاضت بحار المقادير بحكم ذلك ~~القضاء الجزم بما سبق به التقدير فاستعير لترتب آحاد المقدورات بعضها على ~~بعض لفظ القدر فكان لفظ القضاء بإزاء الآمر الواحد الكلى ولفظ القدر بإزاء ~~التفصيل المتمادى إلى غير نهاية وقيل إن شيئا من ذلك ليس خارجا عن القضاء ~~والقدر فخطر لبعض العباد أن القسمة لماذا اقتضت هذا التفصيل وكيف انتظم ~~العدل مع هذا التفاوت والتفضيل وكان بعضهم لقصوره لا يطيق ملاحظة كنه هذا ~~الأمر والاحتواء على مجامعه فألجموا عما لم يطيقوا خوض غمرته بلجام المنع ~~وقيل لهم اسكنوا فما لهذا خلقتم لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون وامتلأت مشكاة ~~بعضهم نورا مقتبسا من نور الله تعالى فى السموات والأرض وكان زيتهم أولا ~~صافيا يكاد يضىء ولو لم تمسسه نار فمسته نار فاشتعل نورا على نور فأشرقت ~~أقطار الملكوت بين أيديهم بنور ربها فأدركوا الأمور كلها كما هى عليه فقيل ~~لهم تأدبوا بآداب الله تعالى واسكنوا وإذا PageV04P096 ذكر القدر فأمسكوا + ~~حديث إذا ذكر القدر فأمسكوا رواه الطبرانى من حديث ابن مسعود وقد تقدم فى ~~العلم ولم يصرح المصنف بكونه حديثا + فإن للحيطان آذانا وحواليكم ضعفاء ~~الإبصار فسيروا بسير أضعفكم ولا تكشفوا حجاب الشمس لأبصار الخفافيش فيكون ~~ذلك سبب هلاكهم فتخلقوا بأخلاق الله تعالى وانزلوا إلى سماء الدنيا من ~~منتهى علوكم ليأنس بكم الضعفاء ويقتبسوا من بقايا أنواركم المشرقة من وراء ~~حجابكم كما يقتبس الخفافيش من بقايا نور الشمس والكواكب فى جنح الليل فيحيا ~~به حياة يحتملها شخصه وحاله وإن كان لا يحيا به حياة المترددين فى كمال نور ~~الشمس وكونوا كمن قيل فيهم # شربنا شرابا طيبا عند طيب % كذلك شراب الطيبين يطيب # شربنا وأهرقنا على الأرض فضله % وللأرض من كاس الكرام نصيب # فهكذا كان أول هذا الأمر وآخره ولا تفهمه إلا إذا كنت أهلا له وإذا كنت ~~أهلا له فتحت العين وأبصرت فلا تحتاج إلى قائد يقودك والأعمى يمكن أن يقاد ~~ولكن حد ما فإذا ضاق الطريق وصار أحد من السيف وأدق من الشعر قدر الطائر ~~على أن يطير عليه ولم يقدر على أن يستجر وراءه أعمى وإذا دق المجال ولطف ~~لطف الماء مثلا ولم يكن العبور إلا بالسباحة فقد يقدر الماهر بصنعه السباحة ~~أن يعبر بنفسه وربما لم يقدر على أن يستجر وراءه آخر فهذه أمور نسبة السير ~~عليها إلى السير على ما هو بحال جماهير الخلق كنسبة المشى على الماء إلى ~~المشى على الأرض والسباحة يمكن أن تتعلم فأما المشى على الماء فلا يكتسب ~~بالتعليم بل ينال بقوة اليقين ولذلك قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن عيسى ~~عليه السلام يقال إنه مشى على الماء فقال صلى الله عليه وسلم لو ازداد ~~يقينا لمشى على الهواء + حديث قيل له يقال إن عيسى مشى على الماء قال لو ~~ازداد يقينا لمشى على الهواء هذا حديث منكر لا يعرف هكذا والمعروف رواه ابن ~~أبى الدنيا فى كتاب اليقين من قول بكر بن عبد الله المزنى قال فقد ~~الحواريون نبيهم فقيل لهم توجه نحو البحر فانطلقوا يطلبونه فلما انتهو إلى ~~البحر إذا هو قد أقبل يمشى على الماء فذكر حديثا فيه أن عيسى قال لو أن ~~لابن آدم من اليقين شعره مشى على الماء وروى أبو منصور الديلمى فى مسند ~~الفردوس بسند ضعيف من حديث معاذ بن جبل لو عرفتم الله حق معرفته لمشيتم على ~~البحور ولزالت بدعائكم الجبال فهذه رموز وإشارات إلى معنى الكراهة والمحبة ~~والرضا والغضب والشكر والكفران لا يليق بعلم المعاملة أكثر منها وقد ضرب ~~الله تعالى مثلا لذلك تقريبا إلى أفهام الخلق إذ عرف أنه ما خلق الجن ~~والإنس إلا ليعبدوه فكانت عبادتهم غاية الحكمة فى حقهم ثم أخبر أن له عبدين ~~يحب أحدهما واسمه جبريل وروح القدس والأمين وهو عنده محبوب مطاع أمين مكين ~~ويبغض الآخر واسمه إبليس وهو اللعين المنظر إلى يوم الدين ثم أحال الإرشاد ~~إلى جبريل فقال تعالى @QB@ قل نزله روح القدس من ربك بالحق @QE@ وقال تعالى ~~@QB@ يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده @QE@ وأحال الإغواء على ~~إبليس فقال تعالى @QB@ ليضل عن سبيله @QE@ والإغواء هو استيقاف العباد دون ~~بلوغ غاية الحكمة فانظر كيف نسبه إلى العبد الذى غضب عليه والإرشاد سياقه ~~لهم إلى الغاية فانظر كيف نسبه إلى العبد الذى أحبه وعندك فى العادة له ~~مثال فالملك إذا كان محتاجا إلى من يسقيه الشراب وإلى من يحجمه وينظف فناء ~~منزله عن القاذورات وكان له عبدان فلا يعين للحجامة والتنظيف إلا أقبحهما ~~وأخسهما ولا يفوض حمل الشراب والطيب إلا إلى أحسنهما وأكملهما وأحبهما إليه ~~ولا ينبغى أن تقول هذا فعلى ولم يكون فعله دون فعلى فإنك أخطأت إذ أضفت ذلك ~~إلى نفسك بل هو الذى صرف داعيتك لتخصيص الفعل المكروه بالشخص المكروه ~~والفعل المحبوب بالشخص المحبوب إتماما للعدل فإن عدله تارة يتم بأمور لا ~~مدخل لك فيها وتارة يتم فيك فإنك أيضا من أفعاله فداعيتك وقدرتك وعلمك ~~وعملك وسائر أسباب PageV04P097 حركاتك فى التعبير هو فعله الذى رتبه بالعدل ~~ترتيبا تصدر منه الأفعال المعتدلة إلا أنك لا ترى إلا نفسك فتظن أن ما يظهر ~~عليك فى عالم الشهادة ليس له سبب من عالم الغيب والملكوت فلذلك تضيفه إلى ~~نفسك وإنما أنت مثل الصبى الذى ينظر ليلا إلى لعب المشعبذ الذى يخرج صورا ~~من وراء حجاب ترقص وتزعق وتقوم وتقعد وهى مؤلفة من خرق لا تتحرك بأنفسها ~~وإنما تحركها خيوط شعرية دقيقة لا تظهر فى ظلام الليل ورءوسها فى يد ~~المشعبذ وهو محتجب عن أبصار الصبيان فيفرحون ويتعجبون لظنهم أن تلك الخرق ~~ترقص وتلعب وتقوم وتقعد وأما العقلاء فإنهم يعلمون أن ذلك تحريك وليس ~~بتحريك ولكنهم ربما لا يعلمون كيف تفصيله والذى يعلم بعض تفصيله لا يعلمه ~~كما يعلمه المشعبذ الذى الأمر إليه والجاذبة بيده فكذلك صبيان أهل الدنيا ~~والخلق كلهم صبيان بالنسبة إلى العلماء ينظرون إلى هذه الأشخاص فيظنون أنها ~~المتحركة فيحيلون عليها والعلماء يعلمون أنهم محركون إلا أنهم لا يعرفون ~~كيفية التحريك وهم الأكثرون إلا العارفون والعلماء والراسخون فإنهم أدركوا ~~بحده أبصارهم خيوطا دقيقة عنكبوتية بل أدق منها بكثير معلقة من السماء ~~متشبثة الأطراف بأشخاص أهل الأرض لا تدرك تلك الخيوط لدقتها بهذه الأبصار ~~الظاهرة ثم شاهدوا رءوس تلك الخيوط فى مناطات لها هى معلقة بها وشاهدوا ~~لتلك المناطات مقابض هى فى أيدي الملائكة المحركين للسموات وشاهدوا أيضا ~~ملائكة السموات مصروفة إلى حملة العرش ينتظرون منهم ما ينزل عليهم من الأمر ~~من حضرة الربوبية كى لا يعصوا الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وعبر عن هذه ~~المشاهدات فى القرآن وقيل @QB@ وفي السماء رزقكم وما توعدون @QE@ وعبر عن ~~انتظار ملائكة السموات لما ينزل إليهم من القدر والأمر فقيل خلق سبع سموات ~~ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شىء قدير وأن ~~الله قد أحاط بكل شىء علما وهذه أمور لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون ~~فى العلم وعبر ابن عباس رضى الله عنهما عن اختصاص الراسخين فى العلم بعلوم ~~لا تحتملها أفهام الخلق حيث قرأ قوله تعالى @QB@ يتنزل الأمر بينهن @QE@ ~~فقال لو ذكرت ما أعرفه من معنى هذه الآية لرجمتمونى وفى لفظ آخر لقلتم إنه ~~كافر # ولنقتصر على هذا القدر فقد خرج عنان الكلام عن قبضة الاختيار وامتزج بعلم ~~المعاملة ما ليس منه فلنرجع إلى مقاصد الشكر فنقول إذا رجع حقيقة الشكر إلى ~~كون العبد مستعملا في اتمام حكمة الله تعالى فأشكر العباد احبهم إلى الله ~~وأقربهم اليه واقربهم إلى الله الملائكة ولهم ايضا ترتيب وما منهم الا وله ~~مقام معلوم واعلاهم في رتبة القرب ملك اسمه اسرافيل عليه السلام وانما علو ~~درجتهم لأنهم في أنفسهم كرام برره وقد اصلح الله تعالى بهم الانبياء عليهم ~~السلام وهم اشرف مخلوق على وجه الأرض ويلي درجتهم درجة الأنبياء فانهم في ~~انفسهم اخيار وقد هدى الله بهم سائر الخلق وتمم بهم حكمته وأعلاهم رتبة ~~نبينا صلى الله عليه وسلم وعليهم إذا أكمل الله به الدين وختم به النبيين ~~ويليهم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء فإنهم فى أنفسهم صالحون وقد أصلح ~~الله بهم سائر الخلق ودرجة كل واحد منهم بقدر ما أصلح من نفسه ومن غيره ثم ~~يليهم السلاطين بالعدل لأنهم أصلحوا دنيا الخلق كما أصلح العلماء دينهم ~~ولأجل اجتماع الدين والملك والسلطنة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان ~~أفضل من سائر الأنبياء فإنه أكمل الله به صلاح دينهم ودنياهم ولم يكن السيف ~~والملك لغيره من الأنبياء ثم يلى العلماء والسلاطين الصالحون الذين أصلحوا ~~دينهم ونفوسهم فقط فلم تتم حكمة الله بهم بل فيهم ومن عدا هؤلاء فهمج رعاع ~~PageV04P098 # واعلم أن السلطان به قوام الدين فلا ينبغى أن يستحقر وإن كان ظالما فاسقا ~~قال عمرو بن العاص رحمه الله إمام غشوم خير من فتنة تدوم وقال النبي صلى ~~الله عليه وسلم سيكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون ويفسدون وما يصلح ~~الله بهم اكثر فإن أحسنوا فلهم الأجر وعليكم الشكر وإن أساءوا فعليهم الوزر ~~وعليكم الصبر + حديث سيكون عليكم أمراء يفسدون وما يصلح الله بهم أكثر ~~الحديث أخرجه مسلم من حديث أم سلمة يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون ~~ورواه الترمذى بلفظ سيكون عليكم أئمة وقال حسن صحيح وللبزار بسند ضعيف من ~~حديث ابن عمر السلطان ظل الله فى الأرض يأوى اليه كل مظلوم من عبادة فإن ~~عدل كان له الأجر وكان على الرعية الشكر وإن جار أو حاف أو ظلم كان عليه ~~الوزر وعلى الرعية الصبر وأما قوله وما يصلح الله بهم أكثر فلم أجده بهذا ~~اللفظ إلا أنه يؤخذ من حديث ابن مسعود حين فزع إليه الناس لما أنكروا سيرة ~~الوليد بن عقبة فقال عبد الله اصبروا فإن جور إمامكم خمسين سنة خير من هرج ~~شهر فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر حديثا فيه والإمارة ~~الفاجرة خير من الهرج رواه الطبرانى فى الكبير بإسناد لا بأس به وقال سهل ~~من أنكر إمامه السلطان فهو زنديق ومن دعاه السلطان فلم يجب فهو مبتدع ومن ~~أتاه من غير دعوة فهو جاهل وسئل أى الناس خير فقال السلطان فقيل كنا نرى أن ~~شر الناس السلطان فقال مهلا إن لله تعالى له كل يوم نظرتين نظرة إلى سلامة ~~أموال المسلمين ونظرة إلى سلامة أبدانهم فيطلع فى صحيفته فيغفر له جميع ~~ذنبه وكان يقول الخشبات السود المعلقة على أبوابهم خير من سبعين قاصا يقصون ~~الركن الثانى من أركان الشكر ما عليه الشكر # وهو النعمة فلنذكر فيه حقيقة النعمة وأقسامها ودرجاتها وأصنافها ومجامعها ~~فيما يخص ويعم فإن إحصاء نعم الله على عباده خارج عن مقدور البشر كما قال ~~تعالى @QB@ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها @QE@ فنقدم أمورا كلية تجرى مجرى ~~القوانين فى معرفة النعم ثم نشتغل بذكر الآحاد والله الموفق للصواب # | بيان حقيقة النعمة وأقسامها # اعلم أن كل خير ولذة وسعادة بل كل مطلوب ومؤثر فإنه يسمى نعمة ولكن ~~النعمة بالحقيقة هى السعادة الآخروية وتسميه ما سواها نعمة وسعادة إما غلط ~~وأما مجاز كتسمية السعادة الدنيوية التى لا تعين على الآخرة نعمة فإن ذلك ~~غلط محض وقد يكون اسم النعمة للشى صدقا ولكن يكون إطلاقه على السعادة ~~الأخروية أصدق فكل سبب يوصل إلى سعادة الآخرة ويعين عليها إما بوسطة واحدة ~~أو بوسائط فإن تسمية نعمة صحيحة وصدق لأجل أنه يفضى إلى النعمة الحقيقية # والأسباب المعينة واللذات المسماه نعمة نشرحها بتقسيمات القسمة الأولى أن ~~الأمور كلها بالإضافة إلينا تنقسم إلى ما هو نافع فى الدنيا والآخرة جميعا ~~كالعلم وحسن الخلق وإلى ما هو ضار فيهما جميعا كالجهل وسوء الخلق وإلى ما ~~ينفع فى الحال المضر فى المآل كالتلذذ باتباع الشهوة وإلى ما يضر فى الحال ~~ويؤلم ولكن ينفع فى المآل كقمع الشهوات ومخالفة النفس فالنافع فى الحال ~~والمآل هو النعمة تحقيقا كالعلم وحسن الخلق والضار فيهما هو البلاء تحقيقا ~~وهو ضدهما والنافع فى الحال فى المآل بلاء محض عند ذوى البصائر وتظنه ~~الجهال نعمة ومثاله الجائع إذا وجد عسلا فيه سم فإنه يعده نعمة إن كان ~~جاهلا وإذا علمه علم أن ذلك بلاء سيق إليه والضار فى الحال النافع فى المآل ~~نعمة عند ذوى الألباب بلاء عند الجهال ومثاله الدواء البشع فى الحال مذاقه ~~إلا أنه شاف من الأمراض والأسقام وجالب للصحة والسلامة فالصبى الجاهل إذا ~~كلف شربه ظنه بلاء والعاقل يعده نعمة ويتقلد المنة ممن يهديه إليه ويقربه ~~منه ويهيىء له أسبابه فلذلك تمنع الأم ولدها من الحجامة والأب يدعوه إليها ~~فإن الأب لكمال عقله يلمح العاقبة والأم لفرط حبها وقصورها تلحظ الحال ~~والصبى لجهله يتقلد منة من أمه دون أبيه PageV04P099 ويأنس إليها وإلى ~~شفقتها ويقدر الآب عدو له ولو عقل لعلم أن الأم عدوا باطنا فى سورة صديق ~~لأن منعها إياه من الحجامة يسوقه إلى أمراض وآلام أشد من الحجامة ولكن ~~الصديق الجاهل شر من العدو العاقل وكل إنسان فإنه صديق نفسه ولكنه صديق ~~جاهل فلذلك تعمل به مالا يعمل به العدو # قسمة ثانية اعلم أن كل الأسباب الدنيوية مختلطة قد امتزج خيرها بشرها ~~فقلما يصفو خيرها كالمال والأهل والولد والأقارب والجاه وسائر الأسباب ولكن ~~تنقسم إلى ما نفعه أكثر من ضره كقدر الكفاية من المال والجاه وسائر الأسباب ~~وإلى ما ضره أكثر من نفعه فى حق أكثر الأشخاص كالمال الكثير والجاه الواسع ~~وإلى ما يكافىء ضرور نفعه وهذه أمور تختلف بالأشخاص فرب إنسان صالح ينتفع ~~بالمال الصالح وإن كثر فينفقه فى سبيل الله ويصرفه إلى الخيرات فهو مع هذه ~~التوفيق نعمه فى حقه ورب إنسان يستضر بالقليل أيضا إذ لا يزال مستصغرا له ~~شاكيا من ربه طالبا للزيادة عليه فيكون ذلك مع هذا الخذلان بلاء فى حقه # قسمة ثالثة اعلم أن الخيرات باعتبار آخر تنقسم إلى ما هو مؤثر لذاته لا ~~لغيره وإلى مؤثر لغيره وإلى مؤثر لذاته ولغيره فالاول ما يؤثر لذاته لا ~~لغيره كلذة النظر إلى وجه الله تعالى وسعادة لقائه وبالجملة سعادة الأخرى ~~التى لا انقضاء لها فإنها لا تطلب ليتوصل بها إلى غاية أخرى مقصودة وراءها ~~بل تطلب لذاتها الثانى ما يقصد لغيره ولا غرض أصلا فى ذاته كالدراهم ~~والدنانير فان الحاجة لو كانت لا تنقضى بها فكانت هى والحصباء بمثابة واحدة ~~ولكن لما كانت وسيلة إلى اللذات سريعة الإيصال اليها صارت عند الجهال ~~محبوبة فى نفسها حتى يجمعوها ويكنزوها ويتصارفوا عليها بالربا ويظنون انها ~~مقصودة ومثال هؤلاء مثال من يحب شخصا فيحب بسببه رسوله الذى يجمع بينه ~~وبينه ثم ينسى فى محبة الرسول محبة الأصل فيعرض عنه طول عمره ولا يزال ~~مشغولا بتعهد الرسول ومراعاته وتفقده وهو غاية الجهل والضلال الثالث ما ~~يقصد لذاته ولغيره كالصحة والسلامة فإنها تقصد ليقدر بسببها على الذكر ~~والفكر الموصلين إلى لقاء الله تعالى أو ليتوصل بها إلى استيفاء لذات ~~الدنيا وتقصد أيضا لذاتها فإن الإنسان وإن استغنى عن الشىء الذى تراد سلامة ~~الرجل لأجله فيريد أيضا سلامة الرجل من حيث إنها سلامة فإذن المؤثر لذاته ~~فقط هو الخير والنعمة تحقيقا وما يؤثر لذاته ولغيره أيضا فهو نعمة ولكن دون ~~الأول فأما مالا يؤثر إلا لغيره كالنقدين فلا يوصفان أنفسهما من حيث إنهما ~~جوهران بأنهما نعمة بل من حيث هما وسيلتان فيكونان نعمة فى حق من يقصد أمر ~~ليس يمكنه أن يتوصل إليه إلا بهما فلو كان مقصده العلم والعبادة ومعه ~~الكفاية التى هى ضرورة حياته استوى عند الذهب والمدر فكان وجودهما وعدمهما ~~عنده بمثابة واحدة بل ربما شغله وجودهما عن الفكر والعبادة فيكونان بلاء فى ~~حقه ولا يكونان نعمة # قسمة رابعة اعلم أن الخيرات باعتبار آخر تنقسم إلى نافع ولذيذ وجميل ~~فاللذيذ هو الذى تدرك راحته فى الحال والنافع هو الذى يفيد فى المآل ~~والجميل هو الذى يستحسن فى سائر الأحوال والشرور أيضا تنقسم إلى ضار وقبيح ~~ومؤلم وكل واحد من القسمين ضربان مطلق ومقيد فالمطلق هو الذى اجتمع فيه ~~الأوصاف الثلاثة اما فى الخير فكالعلم والحكمة فإنها نافعة وجميلة ولذيذة ~~عند أهل العلم والحكمة وأما فى الشر فكالجهل فإنه ضار وقبيح ومؤلم وإنما ~~يحس الجاهل بألم جهله إذا عرف أنه جاهل وذلك بأن يرى غيره عالما ويرى نفسه ~~جاهلا فيدرك ألم النقص فتنبعث منه شهوة العلم اللذيذة ثم قد يمنع الحسد ~~والكبر والشهوات البدنية عن التعلم فيتجاذبه متضادان فيعظم ألمه فإنه إن ~~ترك التعلم تألم بالجهل ودرك النقصان وإن اشتغل بالتعلم تألم بترك الشهوات ~~أو بترك PageV04P100 الكبر وذل التعلم ومثل هذا الشخص لا يزال فى عذاب دائم ~~لا محالة الضرب الثانى المقيد وهو الذى جمع بعض هذه الأوصاف دون بعض فرب ~~نافع مؤلم كقطع الأصبع المتأكلة والسلعة الخارجة من البدن ورب نافع قبيح ~~كالحمق فإنه بالإضافة إلى بعض الأحوال نافع فقد قيل استراح من لا عقل له ~~فإنه لا يتهم بالعاقبة فيستريح فى الحال إلى أن يحين وقت هلاكه ورب نافع من ~~وجه ضار من وجه كإلقاء المال فى البحر عند خوف الغرق فإنه ضار للمال نافع ~~للنفس فى نجاتها # والنافع قسمان ضرورى كالإيمان وحسن الخلق فى الإيصال إلى سعادة الآخرة ~~وأعنى بهما العلم والعمل إذ لا يقوم مقامهما ألبتة غيرهما وإلى ما لا يكون ~~ضروريا كالسكنجبين مثلا فى تسكين الصفراء فإنه قد يمكن تسكينها أيضا بما ~~يقوم مقامه # قسمة خامسة اعلم أن النعمة يعبر بها عن كل لذيذ واللذات بالإضافة إلى ~~الإنسان من حيث اختصاصه بها أو مشاركته لغيره ثلاثة أنواع عقلية وبدنية ~~مشتركة مع بعض الحيوانات وبدنية مشتركة مع جميع الحيوانات أما العقلية ~~فكلذة العلم والحكمة إذ ليس يستلذها السمع والبصر والشم والذوق ولا البطن ~~ولا الفرج وإنما يستلذها القلب لاختصاصة بصفة يعبر عنها بالعقل وهذه أقل ~~اللذات وجودا وهى أشرفها أما قلتها فلأن العلم لا يستلذه إلا عالم والحكمة ~~لا يستلذها إلا حكيم وما أقل أهل العلم والحكمة وما أكثر المتسمين باسمهم ~~والمترسمين برسومهم واما شرفها فلأنها لازمة لا تزول أبدا لا فى الدنيا ولا ~~فى الآخرة ودائمة لا تمل فالطعام يشبع منه فيمل وشهوة الوقاع يفرغ منها ~~فتستثقل والعلم والحكمة قط لا يتصور أن تمل وتستثقل ومن قدر على الشريف ~~الباقى أبد الآباد إذا رضى بالخسيس الفانى فى أقرب الآماد فهو مصاب فى عقله ~~محروم لشقاوته وإدباره وأقل أمر فيه أن العلم والعقل لا يحتاج إلى أعوان ~~وحفظة بخلاف المال إذ العلم يحرسك وأنت تحرس المال والعلم يزيد بالإنفاق ~~والمال ينقص بالإنفاق والمال يسرق والولاية يعزل عنها والعلم لا تمتد إليه ~~أيدى السراق بالأخذ ولا أيدى السلاطين بالعزل فيكون صاحبه فى روح الأمن ~~أبدا وصاحب المال والجاه فى كرب الخوف أبدا ثم العلم نافع ولذيذ وجميل فى ~~كل حال أبدا والمال تارة يجذب إلى الهلاك وتارة يجذب إلى النجاة ولذلك ذم ~~الله تعالى المال فى القرآن فى مواضع وإن سماه خيرا فى مواضع وأما قصور ~~أكثر الخلق عن إدراك لذة العلم فإما لعدم الذوق فمن لم يذق لم يعرف ولم ~~يشتق إذ الشوق تبع الذوق وإما لفساد أمزجتهم ومرض قلوبهم بسبب اتباع ~~الشهوات كالمريض الذى لا يدرك حلاوة العسل ويراه مرا وإما لقصور فطنتهم إذ ~~لم تخلق لهم بعد الصفة التى بها يستلذ العلم كالطفل الرضيع الذى لا يدرك ~~لذة العسل والطيور السمان ولا يستلذ إلا اللبن وذلك لا يدل على أنها ليست ~~لذيذة ولا استطابته اللبن تدل على أنه ألذ الأشياء فالقاصرون عزدرك لذة ~~العلم والحكمة ثلاثة إما من لم يحى باطنه كالطفل وإما من مات بعد الحياة ~~باتباع الشهوات وإما من مرض بسبب اتباع الشهوات وقوله تعالى @QB@ في قلوبهم ~~مرض @QE@ إشارة إلى مرض العقول وقوله عز وجل @QB@ لينذر من كان حيا @QE@ ~~إشارة إلى من لم يحى حياة باطنة وكل حى بالبدن ميت بالقلب فهو عند الله من ~~الموتى وإن كان عند الجهال من الأحياء ولذلك كان الشهداء أحياء عند ربهم ~~يرزقون فرحين وإن كانوا موتى بالأبدان الثانية لذة يشارك الإنسان فيها بعض ~~الحيوانات كلذة الرياسة والغلبة والاستيلاء وذلك موجود فى الأسد والنمر ~~وبعض الحيوانات الثالثة ما يشارك فيها سائر الحيوانات كلذة البطن والفرج ~~وهذه أكثرها وجودا وهى أخسها ولذلك اشترك فيها كل ودرج حتى الديدان ~~والحشرات ومن جاوز هذه الرتبة تشبثت به لذة الغلبة وهو PageV04P101 أشدها ~~التصاقا بالمتغافلين فإن جاوز ذلك ارتقى إلى الثالثة فصار أغلب اللذات عليه ~~لذة العلم والحكمة لا سيما لذة معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته وأفعاله وهذه ~~رتبة الصديقين ولا ينال تمامها إلا بخروج استيلاء حب الرياسة من القلب وآخر ~~ما يخرج من رءوس الصديقين حب الرياسة وأما شره البطن والفرج فكسره مما يقوى ~~عليه الصالحون وشهوة الرياسة لا يقوى على كسرها إلا الصديقون فأما قمعها ~~بالكلية حتى لا يقع بها الإحساس على الدوام وفى اختلاف الأحوال فيشبه أن ~~يكون خارجا عن مقدور البشر نعم تغلب لذة معرفة الله تعالى فى أحوال لا يقع ~~معها الإحساس بلذة الرياسة والغلبة ولكن ذلك لا يدوم طول العمر بل تعتريه ~~الفترات فتعود إلى الصفات البشرية فتكون موجودة ولكن تكون مقهورة لا تقوى ~~على حمل النفس على العدول عن العدل وعند هذا تنقسم القلوب إلى أربعة أقسام ~~قلب لا يحب إلا الله تعالى ولا يستريح إلا بزيادة المعرفة به والفكر فيه ~~وقلب لا يدرى ما لذة المعرفة وما معنى الأنس بالله وإنما لذته بالجاه ~~والرياسة والمال وسائر الشهوات البدنية وقلب أغلب أحواله الأنس بالله ~~سبحانه والتلذذ بمعرفته والفكر فيه ولكن قد يعتريه فى بعض الأحوال الرجوع ~~إلى أوصاف البشرية وقلب أغلب أحواله التلذذ بالصفات البشرية ويعتريه فى بعض ~~الأحوال تلذذ بالعلم والمعرفة أما الأول فإن كان ممكنا فى الوجود فهو فى ~~غاية البعد وأما الثانى فالدنيا طافحة به وأما الثالث والرابع فموجودان ~~ولكن على غاية الندور ولا يتصور أن يكون ذلك نادرا شاذا وهو مع الندور ~~يتفاوت فى القلة والكثرة وإنما تكون كثرته فى الأعصار القريبة من أعصار ~~الأنبياء عليهم السلام فلا يزال يزداد العهد طولا وتزداد مثل هذه القلوب ~~قلة إلى أن تقرب الساعة ويقضى الله أمرا كان مفعولا وإنما وجب أن يكون هذا ~~نادرا لأنه مبادى ملك الآخرة والملك عزيز والملوك لا يكثرون فكما لا يكون ~~الفائق فى الملك والجمال إلا نادرا وأكثر الناس من دونهم فكذا فى ملك ~~الآخرة فإن الدنيا مرآة الآخرة فإنها عبارة عن عالم الشهادة والآخرة عبارة ~~عن عالم الغيب وعالم الشهادة تابع لعالم الغيب كما أن الصورة فى المرآة ~~تابعة لصورة الناظر فى المرآة والصورة فى المرآة وإن كانت هى الثانية فى ~~رتبة الوجود فإنها أولى فى حق رؤيتك فإنك لا ترى نفسك وترى صورتك فى المرآة ~~أولا فتعرف بها صورتك التى هى قائمة بك ثانيا على سبيل المحاكاة فالقلب ~~التابع فى الوجود متبوعا فى حق المعرفة والقلب المتأخر متقدما وهذا نوع من ~~الانعكاس ولكن الانعكاس والانتكاس ضرورة هذا العالم فكذلك عالم الملك ~~والشهادة محاك لعالم الغيب والملكوت فمن الناس من يسر له نظر الاعتبار فلا ~~ينظر فى شىء من عالم الملك إلا ويعبر به إلى عالم الملكوت فيسمى عبوره عبرة ~~وقد أمر الحق به فقال @QB@ فاعتبروا يا أولي الأبصار @QE@ ومنهم من عميت ~~بصيرته فلم يعتبر فاحتبس فى عالم الملك والشهادة وستنفتح إلى حبسه أبواب ~~جهنم وهذا الحبس مملوء نارا من شأنها أن تطلع على الأفئدة إلا أن بينه وبين ~~إدراك ألمها حجابا فإذا رفع ذلك الحجاب بالموت أدرك وعن هذا أظهر الله ~~تعالى الحق على لسان قوم استنطقهم بالحق فقالوا الجنة والنار مخلوقتان ولكن ~~الجحيم تدرك مرة بإدراك يسمى علم اليقين ومرة بإدراك آخر يسمى عين اليقين ~~وعين اليقين لا يكون إلا فى الآخرة وعلم اليقين قد يكون فى الدنيا ولكن ~~للذين قد وفوا حظهم من نور اليقين فلذلك قال الله تعالى @QB@ كلا لو تعلمون ~~علم اليقين لترون الجحيم @QE@ أى فى الدنيا @QB@ ثم لترونها عين اليقين ~~@QE@ أى فى الآخرة فإذن قد ظهر أن القلب الصالح لملك الآخرة لا يكون إلا ~~عزيزا كالشخص الصالح لملك الدنيا # قسمة سادسة حاوية لمجامع النعم اعلم ان النعم تنقسم إلى ما هي غاية ~~مطلوبة لذاتها وإلى ما هي مطلوبة لأجل PageV04P102 الغاية أم الغاية فإنها ~~سعادة الآخرة ويرجع حاصلها إلى أربعة أمور بقاء لا فناء له وسرور لا غم فيه ~~وعلم لا جهل معه وغني لا فقر بعده وهي النعمة الحقيقية ولذلك قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم لا عيش إلا عيش الآخرة + حديث قوله عند حفر الخندق لا ~~عيش إلا عيشة الآخرة متفق عليه من حديث أنس + وقال ذلك في الشدة تسلية ~~النفس وذلك في وقت حفر الخندق في شدة الضر وقال ذلك مرة في السرور منعا ~~للنفس من الركون إلى سرور الدنيا وذلك عند إحداق الناس به في حجة الوداع ~~حديث قوله في حجة الوداع لا عيش إلا عيشة الآخرة رواه الشافعي مرسلا ~~والحاكم متصلا وصححه وتقدم في الحج وقال رجل اللهم إني أسألك تمام النعمة ~~فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهل تعلم ما تمام النعمة قال لا قال تمام ~~النعمة دخول الجنة حديث قال رجل اللهم إني أسألك تمام النعمة الحديث + ~~أخرجه الترمذي من حديث معاذ بسند حسن + أما الوسائل فتنقسم إلى الأقرب ~~الأخص كفضائل النفس وإلى ما يليه في القرب كفضائل البدن وهو الثاني وإلى ما ~~يليه في القرب ويجاوز إلى غير البدن كالأسباب المطيفة بالبدن من المال ~~والأهل والعشيرة وإلى ما يجمع بين هذه الأسباب الخارجة عن النفس وبين ~~الحاصلة للنفس كالتوفيق والهداية فهي إذن أربعة أنواع النوع الأول وهو ~~الأخص الفضائل النفسية ويرجع حاصلها مع انشعاب أطرافها إلى الإيمان وحسن ~~الخلق وينقسم الإيمان إلى علم المكاشفة وهو العلم بالله تعالى وصفاته ~~وملائكته ورسله وإلى علوم المعاملة وحسن الخلق ينقسم إلى قسمين ترك مقتضى ~~الشهوات والغضب واسمه العفة ومراعاة العدل في الكف عن مقتضى الشهوات ~~والإقدام حتى لا يمتنع أصلا ولا يقدم كيف شاء بل يكون إقدامه وإحجامه ~~بالميزان العدل الذي أنزله الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ~~إذ قال الله تعالى أن لا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا ~~الميزان فمن خصى نفسه ليزيل شهوة النكاح أو ترك النكاح مع القدرة والأمن من ~~الآفات أو ترك الأكل حتى ضعف عن العبادة والذكر والفكر فقد أخسر الميزان ~~ومن انهمك في شهوة البطن والفرج فقد طغى في الميزان وإنما العدل أن يخلو ~~وزنه وتقديره عن الطغيان والخسران فتعتدل به كفتا الميزان فإذن الفضائل ~~الخاصة بالنفس المقربة إلى الله تعالى أربعة علم مكاشفة وعلم معاملة وعفة ~~وعدالة ولا يتم هذا في غالب الأمر إلا بالنوع الثاني وهو الفضائل البدنية ~~وهي أربعة الصحة والقوة والجمال وطول العمر ولا تتهيأ هذه الأمور الأربعة ~~إلا بالنوع الثالث وهي النعم الخارجة المطيفة بالبدن وهي أربعة المال ~~والأهل والجاه وكرم العشيرة ولا ينتفع بشيء من هذه الأسباب الخارجة ~~والبدنية إلا بالنوع الرابع وهي الأسباب التي تجمع بينها وبين ما يناسب ~~الفضائل النفسية الداخلة وهي أربعة هداية الله ورشده وتسديده وتأييده ~~فمجموع هذه النعم ستة عشر إذا قسمناها إلى أربعة وقسمنا كل واحدة من ~~الأربعة إلى أربعة وهذه الجملة يحتاج البعض منها إلى البعض إما حاجة ضرورية ~~أو نافعة أم الحاجة الضرورية فكحاجة سعادة الآخرة إلى الإيمان وحسن الخلق ~~إذ لا سبيل إلى الوصول إلى سعادة الآخرة ألبته إلا بهما فليس للإنسان إلا ~~ما سعى وليس لأحد في الآخرة إلا ما تزود من الدنيا فكذلك حاجة الفضائل ~~النفسية التي تكسب هذه العلوم وتهذب الأخلاق إلى صحة البدن ضروري وأما ~~الحاجة النافعة على الجملة فكحاجة هذه النعم النفسية والبدنية إلى النعم ~~الخارجة مثل المال والعز والأهل فإن ذلك لو عدم ربما تطرق الخلل إلى بعض ~~النعم الداخلة # فإن قلت فما وجه الحاجة لطريق الآخرة إلى النعم الخارجة من المال والأهل ~~والجاه والعشيرة فاعلم أن هذه الأسباب جارية مجرى الجناح المبلغ والآلة ~~المسهلة للمقصود أما المال فالفقير في طلب العلم والكمال وليس PageV04P103 ~~له كفاية كساع إلى الهيجا بغير سلاح وكبازي يروم الصيد بلا جناح ولذلك قال ~~صلى الله عليه وسلم نعم المال الصالح للرجل الصالح وقال صلى الله عليه وسلم ~~نعم العون على تقوى الله المال 2 وكيف لا ومن عدم المال صار مستغرق الأوقات ~~في طلب الأقوات وفي تهيئة اللباس والمسكن وضرورات المعيشة ثم يتعرض لأنواع ~~من الأذى تشغله عن الذكر والفكر ولا تندفع إلا بسلاح المال ثم ذلك يحرم عن ~~فضيلة الحج والزكاة والصدقات وإفاضة الخيرات # وقال بعض الحكماء وقد قيل له ما النعيم فقال الغنى فإني رأيت الفقير لا ~~عيش له قيل زدنا قال الأمن فإني رأيت الخائف لا عيش له قيل زدنا قال ~~العافية فإني رأيت المريض لا عيش له قيل زدنا قال الشباب فإني رأيت الهرم ~~لا عيش له وكأن ما ذكره إشارة إلى نعيم الدنيا ولكن من حيث أنه معين على ~~الآخرة فهو نعمة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم من أصبح معافي بدنه آمنا في ~~سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها + حديث نعم المال ~~الصالح للرجل الصالح رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني من حديث عمرو بن العاص ~~بسند جيد # حديث نعم العون على تقوى الله المال رواه أبو منصور الديلمي في مسند ~~الفردوس من رواية محمد بن المنكدر عن جابر ورواه أبو القاسم البغوي من ~~رواية المنكدر مرسلا ومن طريقة رواه القضاعي في مسند الشهاب هكذا مرسلا # حديث من أصبح معافى في بدنه آمنا في سربه الحديث أخرجه الترمذي وحسنه ~~وابن ماجه من حديث عبيد الله ابن محصن الأنصاري وقد تقدم # وأما الأهل والولد الصالح فلا يخفى وجه الحاجة إليهما إذ قال صلى الله ~~عليه وسلم نعم العون على الدين المرأة الصالحة # حديث نعم العون على الدين المرأة الصالحة لم أجد له اسنادا ولمسلم من ~~حديث عبد الله بن عمرو الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة + وقال ~~صلى الله عليه وسلم في الولد إذا مات العبد انقطع عمله إلا في ثلاث ولد ~~صالح يدعو له الحديث حديث إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث الحديث ~~أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وتقدم في النكاح وقد ذكرنا فوائد الأهل ~~والولد في كناب النكاح وأما الأقارب # فهما كثر أولاد الرجل وأقاربه كانوا له مثل الأعين والأيدي فيتيسر له ~~بسببهم من الأمور الدنيوية المهمة في دينه ما لمو انفرد به لطال شغله وكل ~~ما يفرغ قلبك من ضرورات الدنيا فهو معين لك على الدين فهو إذن نعمة وأما ~~العز والجاه فبه يدفع الإنسان عن نفسه الذل والضيم ولا يستغني عنه مسلم ~~فإنه لا ينفك عن عدو يؤذيه وظالم يشوش عليه علمه وعمله وفراغه ويشغل قلبه ~~وقلبه رأس ماله وإنما تندفع هذه الشواغل بالعز والجاه ولذلك قيل الدين ~~والسلطان توأمان قال تعالى @QB@ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت ~~الأرض @QE@ ولا معنى للجاه إلا ملك القلوب كما لا معنى للغنى إلا ملك ~~الدراهم ومن ملك الدراهم تسخرت له أرباب القلوب لدفع الأذى عنه فكما يحتاج ~~إلى سقف يدفع عنه المطر وجبة تدفع عنه البرد و كلب يدفع الذئب عن ماشيته ~~فيحتاج أيضا إلى من يدفع الشر به عن نفسه وعلى هذا القصد كان الأنبياء ~~الذين لا ملك لهم ولا سلطنة يراعون السلاطين ويطلبون عندهم الجاه وكذلك ~~علماء الدين لا على القصد التناول من خزائنهم والاستئثار والاستكثار في ~~الدنيا بمتابعتهم ولا تظن أن نعمة الله تعالى على صلى الله عليه وسلم حيث ~~نصره وأكمل دينه وأظهره على جميع أعدائه ومكن في القلوب حبه حتى اتسع به ~~عزه وجاهه كانت أقل من نعمته عليه حيث كان يؤذى ويضرب حتى افتقر إلى الهرب ~~والهجرة + حديث ما ناله صلى الله عليه وسلم من الأذى ونحوه حتى افتقر إلى ~~الهرب والهجرة رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة أنها قالت للنبي صلى الله ~~عليه وسلم هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك وكان أشد ~~ما لقيت يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل الحديث وللترمذي وصححه ~~وابن ماجة من حديث أنس لقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت في الله ~~ولقد أذيت في الله وما يؤذى أحد ولقد إتى علي ثلاثون من بين يوم وليلة ~~ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شئ إبط بلال قال الترمذي معنى هذا حين ~~خرج النبي صلى الله عليه وسلم هاربا من مكة ومعه بلال وللبخاري عن عروة قال ~~سألت عبدالله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه ~~وسلم قال رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلى ~~فوضع رداءه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فجاء أبو بكر فدفعه عنه الحديث ~~وللبزار وأبي يعلى من حديث أنس قال لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~حتى غشي عليه فقام أبو بكر فجعل ينادي ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ~~وإسناده صحيح على شرط مسلم PageV04P104 فإن قلت كرم العشيرة وشرف الأهل هو ~~من النعم أم لا فأقول نعم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم الأئمة من قريش + ~~حديث الأئمة من قريش رواهالنسائي والحاكم من حديث أنس بإسناد صحيح + ولذلك ~~كان صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس أرومة في نسب آدم عليه السلام حديث ~~كان صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس أرومة الأرومة الأصل هذا معلوم فروى ~~مسلم من حديث واثلة بن الأسقى مرفوع إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ~~واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم وفي ~~رواية الترمذي إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل وله من حديث العباس ~~وحسنه وابن عباس والمطلب ابن ربيعة وصححه والمطلب بن أبي وداعة وحسنه إن ~~الله خلق الخلق فجعلني من خير وفي حديث ابن عباس ما بالوا أقوام يبتذلون ~~أصل فوالله لأنا أفضلهم أصلا وخيرهم موضعا وقال صلى الله عليه وسلم تخيروا ~~لنطفكم الأكفاء + حديث تخيروا ليطفكم أرجه ابن ماجة من حديث عائشة وتقدم في ~~النكاح وقال صلى الله عليه وسلم إياكم وخضراء الدمن فقيل وما خضراء الدمن ~~قال المرأة الحسناء في المنبت السوء إياكم وخضراء الدمن تقدم فيه أيضا فهذا ~~أيضا من النعم ولست أعني به الانتساب إلى الظلمة وأرباب الدنيا بل الانتساب ~~إلى شجرة صلى الله عليه وسلم وإلى أئمة العلماء وإلى الصالحين والأبرار ~~المتوسمين في العلم والعمل # فأن قلت فما معنى الفضائل البدنية فأقول لا خفاء بشدة الحاجة إلى الصحة ~~والقوة وإلى طول العمر إذ لا يتم علم وعمل إلا بهما ولذلك قال صلى الله ~~عليه وسلم أفضل السعادات طول العمر في طاعة الله تعالى حديث أفضل السعادة ~~طول العمر في عبادة الله غريب بهذا اللفظ وللترمذي من حديث أبي بكرة أن رجل ~~قال يا رسول الله أي الناس خير قال من طال عمره وحسن عمله وقال حسن صحيح ~~وإنما يستحقر من جملته أمر الجمال فيقال يكفي أن يكون البدن سليما من ~~الأمراض الشاغلة عن تحري الخيرات ولعمري الجمال قليل الغناء ولكنه من ~~الخيرات أيضا أما في الدنيا فلا يخفي نفعه فيها وأما في الآخرة فمن وجهين ~~@QB@ أحدهما @QE@ أن القبيح مذموم والطباع عنه نافرة وحاجات الجميل إلى ~~الإجابة أقرب وجاهه في الصدور أوسع فكأنه من هذا الوجه جناح مبلغ كالمال ~~والجاه إذ هو نوع قدرة إذ يقدر الجميل الوجه على تنجيز حاجات لا يقدر عليها ~~القبيح وكل معين على قضاء حاجات الدنيا فمعين على الآخرة بواسطتها والثاني ~~أن الجمال في الأكثر يدل على فضيلة النفس لأن نور النفس إذ أتم إشراقه تأدى ~~إلى البدن فالمنظر والمخبر كثيرا ما يتلازمان ولذلك عول أصحاب الفراسة في ~~معرفة مكارم النفس على هيآت البدن فقالوا الوجه والعين مرآة الباطن ولذلك ~~يظهر فيه أثر الغضب والسرور والغم ولذلك قيل طلاقة الوجه عنوان ما في النفس ~~وقيل ما في الأرض قبيح إلا ووجهه الأحسن ما فيه واستعرض المأمون جيشا فعرض ~~عليه رجل قبيح فاستنطقه فإذا هو ألكن فأسقط اسمه من الديوان وقال الروح إذا ~~أشرقت على الظاهر فصباحة أو على الباطن ففصاحة وهذا ليس له ظاهر ولا باطن ~~وقد قال صلى الله عليه وسلم اطلبوا الخير عند صباح الوجوه + حديث اطلبوا ~~الخير عند حسان الوجوه أخرجه أبو يعلي من رواية اسماعيل بن عياش عن خيرة ~~بنت محمد بن ثابت بن سباع عن أمها عائشة وخيرة وأمها لا أعرف حالهما ورواه ~~ابن حبان من وجه آخر في الضعفاء والبيهقي في الشعب من حديث ابن عمر وله طرق ~~كلها ضعيفة + وقال عمر PageV04P105 رضي الله تعالى عنه إذا بعثتم رسولا ~~فاطلبوه حسن الوجه حسن الاسم وقال الفقهاء إذا تساوت درجات المصلين فأحسنهم ~~وجها أولاهم بالإمامة وقال تعالى ممتنا بذلك @QB@ وزاده بسطة في العلم ~~والجسم @QE@ ولسنا نعني بالجمال ما يحرك الشهوة فإن ذلك أنوثة وإنما نعني ~~به ارتفاع القامة على الاستقامة مع الاعتدال في اللحم وتناسب الاعضاء ~~وتناصف خلقة الوجه بحيث لا تنبو الطباع عن النظر إليه # فإن قلت فقد أدخلت المال والجاه والنسب والأهل والولد في حيز النعم وقد ~~ذم الله تعالى المال والجاه وكذا رسول صلى الله عليه وسلم حديث ذم المال ~~والجاه أخرجه الترمذي من حديث كعب بن مالك ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم ~~بأفسد لها من حب المال والشرف لدينه وقد تقدم في ذم المال والبخل + وكذا ~~العلماء قال تعالى @QB@ إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم @QE@ ~~وقال عز وجل @QB@ أنما أموالكم وأولادكم فتنة @QE@ وقال علي كرم الله وجهه ~~في ذم النسب الناس أبناء ما يحسنون وقيمة كل امرىء ما يحسنه وقيل المرء ~~بنفسه لا بأبيه فما معنى كونها نعمة مع كونها مذمومة شرعا فاعلم أن من يأخذ ~~العلوم من الألفاظ المنقولة المؤولة والعمومات المخصصة كان الضلال عليه ~~اغلب ما لم يهتد بنور الله تعالى إلى ادراك العلوم على ما هي عليه ثم ينزل ~~النقل على وفق ما ظهر له منها بالتأويل مرة وبالتخصيص أخرى فهذه نعم معينة ~~على أمر الآخرة لا سبيل إلى جحدها إلا أن فيها فتنا ومخاوف فمثال المال ~~مثال الحية التي فيها ترياق نافع وسم نافع فإن أصابها المعزم الذي يعرف وجه ~~الاحتراز عن سمها وطريق استخراج ترياقها النافع كانت نعمة وإن أصابها ~~السوادى الغر فهي عليه بلاء وهلاك وهو مثل البحر الذي تحته أصناف الجواهر ~~واللآلئ فمن ظفر بالبحر فإن كان عالما بالسباحة وطريق الغوص وطريق الاحتراز ~~عن مهلكات البحر فقد ظفر بنعمه وإن خاضه جاهلا بذلك فقد هلك فلذلك مدح الله ~~تعالى المال وسماه خيرا ومدحه رسول صلى الله عليه وسلم وقال نعم العون على ~~تقوى الله تعالى المال وكذلك مدح الجاه والعز إذ من الله تعالى على رسوله ~~صلى الله عليه وسلم بأن أظهره على الدين كله وحببه في قلوب الخلق وهو ~~المعنى بالجاه ولكن المنقول في مدحهما قليل والمنقول في ذم المال والجاه ~~كثير وحيث ذم الرياء فهو ذم الجاه إذ الرياء مقصوده اجتلاب القلوب ومعنى ~~الجاه ملك القلوب وإنما كثر هذا وقل ذاك لأن الناس أكثرهم جهال بطريق ~~الرقية لحية المال وطريق الغوص في بحر الجاه فوجب تحذيرهم فإنهم يهلكون بسم ~~المال قبل الوصول إلى ترياقه ويهلكهم تمساح بحر الجاه قبل العثور على ~~جواهره ولو كانا في أعيانهما مذمومين بالإضافة إلى كل أحد لما تصور أن ~~ينضاف إلى النبوة الملك كما كان لرسولنا صلى الله عليه وسلم ولا أن ينضاف ~~إليها الغنى كما كان لسليمان عليه السلام فالناس كلهم صبيان والأموال حيات ~~والأنبياء والعارفون معزمون فقد يضر الصبي مالا يضر المعزم نعم المعزم لو ~~كان له ولد يريد بقاءه وصلاحه وقد وجد حية وعلم أنه لو أخذها لأجل ترياقها ~~لاقتدى به ولده وأخذ الحية إذا رآها ليلعب بها فيهلك فله غرض في الترياق ~~وله غرض في حفظ الولد فواجب عليه أن يزن غرضه في الترياق بغرضه في حفظ ~~الولد فإذا كان يقدر على الصبر عن الترياق ولا يستضر به ضررا كثيرا ولو ~~أخذها لأخذها الصبي ويعظم ضرره بهلاكهم فواجب عليه أن يهرب عن الحية إذا ~~رآها ويشير على الصبي بالهرب ويقبح صورتها في عينه ويعرفه أن فيها سما ~~قاتلا لا ينجو منه أحد ولا يحدثه أصلا بما فيها من نفع الترياق فإن ذلك ~~ربما يغره فيقدم عليه من غير تمام المعرفة وكذلك الغواص إذا علم أنه لو غاص ~~في البحر بمرأى من ولده لاتبعه وهلك PageV04P106 فواجب عليه أن يحذر الصبى ~~ساحل البحر والنهر فإن كان لا ينزجر الصبى بمجرد الزجر مهما رأى والده يحوم ~~حول الساحل فواجب عليه أن يبعد من الساحل مع الصبى ولا يقرب منه بين يدية ~~فكذلك الأمة فى حجر الأنبياء عليهم السلام كالصبيان الأغبياء ولذلك قال صلى ~~الله عليه وسلم إنما أنا لكم مثل الوالد لولده وقال صلى الله عليه وسلم ~~إنما تتهافتون على النار تهافت الفراش وأنا آخذ بحجزكم وحظهم الأوفر فى حفظ ~~أولادهم عن المهالك فإنهم لم يبعثوا إلا لذلك وليس لهم فى المال حظ إلا ~~بقدر القوت فلا جرم اقتصروا على قدر القوت وما فضل فلم يمسكون بل أنفقوه ~~فإن الإنفاق فيه الترياق وفى الإمساك السم ولو فتح للناس باب كسب المال ~~ورغبوا فيه لمالوا إلى سم الإمساك ورغبوا عن ترياق الإنفاق فلذلك قبحت ~~الأموال والمعنى به تقبيح إمساكها والحرص عليها للاستكثار منها والتوسع فى ~~نعيمها بما يوجب الركون إلى الدنيا ولذتها فأما أخذها بقدر الكفاية وصرف ~~الفاضل إلى الخيرات فليس بمذموم وحق كل مسافر أن لا يحمل إلا بقدر زاده فى ~~السفر إذا صمم العزم على أن يختص بما يحمله فأما إذا سمحت نفسه بإطعام ~~الطعام وتوسيع الزاد على الرفقاء فلا بأس بالاستكثار وقوله عليه الصلاة ~~والسلام ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب معناه لأنفسكم خاصة ولا فقد ~~كان فيمن يروى هذا الحديث ويعمل به من يأخذ مائة ألف درهم فى موضع واحد ~~ويفرقها فى موضعه وإلا يمسك منها حبة ولما ذكر رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أن الأغنياء يدخلون الجنة بشدة إستأذنه عبد الرحمن بن عوف رضى الله ~~عنه فى أن يخرج عن جميع ما يملكه فأذن له فنزل جبريل عليه السلام وقال مره ~~بأن يطعم المسكين ويكسو العارى ويقرى الضيف الحديث فإذن النعم الدنيوية ~~مشوبة قد امتزج دواؤها بدائها ومرجوها بمخوفها ونفعها بضرها فمن وثق ~~ببصيرته وكمال معرفته فله أن يقرب منها متقيا داءها ومستخرجا دواءها ومن لا ~~يثق بها فالبعد البعد والفرار الفرار عن مظان الأخطار فلا تعدل بالسلامة ~~شيئا فى حق هؤلاء وهم الخلق كلهم إلا من عصمه الله تعالى وهداه لطريقة # فإن قلت فما معنى النعم التوفيقية الراجحة إلى الهداية والرشد والتأييد ~~والتسديد فاعلم أن التوفيق لا يستغنى عنه أحد وهو عبارة عن التأليف ~~والتلفيق بين إرادة العبد وبين قضاء الله وقدره وهذا يشمل الخير والشر وما ~~هو سعادة وما هو شقاوة ولكن جرت العادة بتخصيص اسم التوفيق بما يوافق ~~السعادة من جملة قضاء الله تعالى وقدره كما أن الإلحاد عبارة عن الميل فخصص ~~بمن مال إلى الباطل عن الحق وكذا الارتداد ولا خفاء بالحاجة إلى التوفيق ~~ولذلك قيل # إذا لم يكن عون من الله للفتى % فأكثر ما يجنى عليه اجتهاده # فأما الهداية فلا سبيل لأحد إلى طلب السعادة إلا بها لأن داعية الإنسان ~~قد تكون مائلة إلى ما فيه صلاح آخرته PageV04P107 ولكن إذا لم يعلم ما فيه ~~صلاح آخرته حتى يظن الفساد صلاحا فمن أين ينفعه مجرد الإرادة فلا فائدة فى ~~الإرادة والقدرة والأسباب إلا بعد الهداية ولذلك قال تعالى @QB@ ربنا الذي ~~أعطى كل شيء خلقه ثم هدى @QE@ وقال تعالى ولو لا فضل الله عليكم ورحمته ما ~~زكى منكم أحد أبدا ولكن الله يزكى من يشاء وقال صلى الله عليه وسلم ما من ~~أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى أى بهدايته فقيل ولا أنت يا رسول الله ~~قال ولا أنا + حديث ما من أحد يدخل الجنة الا برحمة الله متفق عليه من حديث ~~أبى هريرة لن يدخل أحدكم عمله الجنة قالوا ولا انت يا رسول الله قال ولا ~~أنا الا أن يتغمدنى الله بفضل منه ورحمة وفى رواية لمسلم ما من أحد يدخله ~~عمله الجنة الحديث واتفقا عليه من حديث عائشة وانفرد به مسلم من حديث جابر ~~وقد تقدم + وللهداية ثلاث منازل @QB@ الأولى @QE@ معرفة طريق الخير والشر ~~المشار إليه بقوله تعالى @QB@ وهديناه النجدين @QE@ وقد أنعم الله تعالى به ~~على كافة عباده بعضه بالعقل وبعضه على لسان الرسل ولذلك قال تعالى @QB@ ~~وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى @QE@ فأسباب الهدى هى الكتاب ~~والرسل وبصائر العقول وهى مبذولة ولا يمنع منها إلا الحسد والكبر وحب ~~الدنيا والأسباب التى تعمى القلوب وإن كانت لا تعمى الأبصار قال تعالى @QB@ ~~فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور @QE@ ومن جملة ~~المعميات الإلف والعادة وحب استصحابهما وعنه العبارة بقوله تعالى @QB@ إنا ~~وجدنا آباءنا على أمة @QE@ الآية وعن الكبر والحسد العبارة بقوله تعالى ~~@QB@ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم @QE@ وقوله ~~تعالى @QB@ أبشرا منا واحدا نتبعه @QE@ فهذه المعميات هى التى منعت ~~الاهتداء والهداية الثانية وراء هذه الهداية العامة وهى التى يمد الله ~~تعالى بها العبد حالا بعد حال وهى ثمرة المجاهدة حيث قال تعالى @QB@ والذين ~~جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا @QE@ وهو المراد بقوله تعالى @QB@ والذين ~~اهتدوا زادهم هدى @QE@ والهداية الثالثة وراء الثانية وهو النور الذى يشرق ~~فى عالم النبوة والولاية بعد كمال المجاهدة فيهتدى بها إلا ما لا يهتدى ~~إليه بالعقل الذى يحصل به التكليف وإمكان تعلم العلوم وهو الهوى المطلق وما ~~عداه حجاب له ومقدمات وهو الذى شرفه الله تعالى بتخصيص الإضافة إليه وإن ~~كان الكل من جهته تعالى فقال تعالى @QB@ قل إن هدى الله هو الهدى @QE@ وهو ~~المسمى حياة فى قوله تعالى @QB@ أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا ~~يمشي به في الناس @QE@ والمعنى بقوله تعالى @QB@ أفمن شرح الله صدره ~~للإسلام فهو على نور من ربه @QE@ وأما الرشد فنعنى به العناية الإلهية التى ~~تعين الإنسان عند توجهه إلى مقاصده فتقوبه على ما فيه صلاحه وتفتره عما فيه ~~فساده ويكون ذلك من الباطن كما قال تعالى @QB@ ولقد آتينا إبراهيم رشده من ~~قبل وكنا به عالمين @QE@ فالرشد عبارة عن هداية باعثة إلى جهة السعادة ~~محركة إليها فالصبى إذا بلغ خبيرا بحفظ المال وطرق التجارة والاستنماء ~~ولكنه مع ذلك يبذر ولا يريد الاستنماء لا يسمى رشيدا لا لعدم هدايته بل ~~لقصور هدايته عن تحريك داعيته فكم من شخص يقدم على ما يعلم أنه يضره فقد ~~أعطى الهداية وميز بها عن الجاهل الذى لا يدرى أنه يضره ولكن ما أعطى الرشد ~~فالرشد بهذا الاعتبار أكمل من مجرد الهداية إلى وجوه الأعمال وهى نعمة ~~عظيمة وأما التسديد فهو توجيه حركاته إلى صوب المطلوب وتيسرها عليه ليشتد ~~فى صوب الصواب فى أسرع وقت فإن الهداية بمجردها لا تكفى بل لا بد من هداية ~~محركة للداعية وهى الرشد والرشد لا يكفى بل لا بد من تيسر الحركات بمساعدة ~~الأعضاء والآلات حتى يتم المراد مما انبعثت الداعية إليه فالهداية محض ~~التعريف والرشد هو تنبيه الداعية لتستقيظ وتتحرك والتسديد إعانة ونصرة ~~بتحريك الأعضاء فى صوب السداد وأما التأييد فكأنه جامع للكل وهو عبارة عن ~~تقوية أمره بالبصيرة من داخل وتقوية البطش ومساعدة الأسباب من خارج وهو ~~المراد بقوله عز وجل @QB@ إذ أيدتك بروح القدس @QE@ وتقرب منه العصمة وهى ~~PageV04P108 عبارة عن وجود إلهى يسبح فى الباطن يقوى به الإنسان على تحرى ~~الخير وتجنب الشر يصير كمانع من باطنه غير محسوس وإياه عنى بقوله تعالى ~~@QB@ ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه @QE@ فهذه هى مجامع النعم ~~ولن تثبت إلا بما يخوله الله من الفهم الصافى الثاقب والسمع الواعى والقلب ~~البصير المراعى المتواضع والمعلم الناصح والمال الزائد على ما يقصر عن ~~المهمات بقلته القاصر عما يشغل عن الدين بكثرته والعز الذى يصونه عن سفه ~~السفهاء وظلم الأعداء ويستدعى كل واحد من هذه الأسباب الستة عشر أسبابا ~~وتستدعى تلك الأسباب أسبابا إلى أن تنتهى بالآخرة إلى دليل المتحيرين وملجأ ~~المضطرين وذلك رب الأرباب ومسبب الأسباب وإذا كانت تلك الأسباب طويلة لا ~~يحتمل مثل هذا الكتاب استقصاءها فلنذكر منها أنموذجا ليعلم به معنى قوله ~~تعالى @QB@ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها @QE@ وبالله التوفيق # | بيان وجه الأنموذج فى كثرة نعم الله تعالى وتسلسلها وخروجها عن الحصر # والإحصاء # اعلم أنا جمعنا النعم فى ستة عشر ضربا وجعلنا صحة البدن نعمة من النعم ~~الواقعة فى الرتبة المتأخرة فهذه النعمة الواحدة لو أردنا أن نستقصى ~~الأسباب التى بها تمت هذه النعمة لم نقدر عليها ولكن الأكل أحد أسباب الصحة ~~فلنذكر نبذة من جملة الأسباب التى بها تتم نعمة الأكل فلا يخفى أن الأكل ~~فعل وكل فعل من هذا النوع فهو حركة وكل حركة لا بد لها من جسم متحرك هو ~~آلتها ولا بد لها من قدرة على الحركة ولا بد من إرادة للحركة ولا بد من علم ~~بالمراد وإدراك له ولا بد للأكل من مأكول ولا بد للمأكول من أصل منه يحصل ~~ولا بد له من صانع يصلحه فلنذكر أسباب الإدراك ثم اسباب الإرادات ثم أسباب ~~القدرة ثم أسباب المأكول على سبيل التلويح لا على سبيل الاستقصاء الطرف ~~الأول فى نعم الله تعالى فى خلق أسباب الإدراك # اعلم أن الله تعالى خلق النبات وهو أكمل وجودا من الحجر والمدر والحديد ~~والنحاس وسائر الجواهر التى لا تنمى ولا تغذى فإن النبات خلق فيه قوة بها ~~يجتذب الغذاء إلى نفسه من جهة أصله وعروقه التى فى الأرض وهى له آلات فبها ~~يجتذب الغذاء وهى العروق الدقيقة التى تراها فى كل ورقة ثم تغلظ أصولها ثم ~~تتشعب ولا تزال تستدق وتتشعب إلى عروق شعرية تنبسط فى أجزاء الورقة حتى ~~تغيب عن البصر إلا ان النبات مع هذا الكال ناقص فإنه إذا أعوزه غذاء يساق ~~إليه ويماس اصله جف ويبس ولم يمكنه طلب الغذاء من وضع آخر فإن الطلب إنما ~~يكون بمعرفة المطلوب وبالانتقال إليه والنبات عاجز عن ذلك فمن نعمة الله ~~تعالى عليك أن خلق لك آلات الإحساس وآلة الحركة فى طلب الغذاء فانظر إلى ~~ترتيب حكمة الله تعالى فى خلق الحواس الخمس التى هى آلة الإدراك فأولها ~~حاسة اللمس وإنما خلقت لك حتى إذا مستك نار محرقة أو سيف جارح تحس به فتهرب ~~منه وهذا أول حس يخلق للحيوان ولا يتصور حيوان إلا ويكون له هذا الحس لأنه ~~إذا لم يحس أصلا فليس بحيوان وأنقص درجات الحس أن يحس بما لا يلاصقه ويماسه ~~فإن الإحساس مما يبعد منه إحساس أتم لا محالة وهذا الحس موجود لكل حيوان ~~حتى الدودة التى فى الطين فإنها إذا غرز فيها إبرة انقبضت للهرب لا كالنبات ~~فإن النبات يقطع فلا ينقبض إذ لا يحس بالقطع إلا أنك لو لم يخلق لك إلا هذا ~~الحس لكنت PageV04P109 ناقصا كالدودة لا تقدر على طلب الغذاء من حيث يبعد ~~عنك بل ما يمس فتحس به فتجذبه إلى نفسك فقط فافتقرت إلى حس تدرك به ما بعد ~~عنك فخلق لك الشم إلا أنك تدرك به الرائحة ولا تدرى أنها جاءت من أى ناحية ~~فتحتاج إلى أن تطوف كثيرا من الجوانب فربما تعثر على الغذاء الذى شممت ريحه ~~وربما لم تعثر فتكون فى غاية النقصان لو لم يخلق لك إلا هذا فخلق لك البصر ~~لتدرك به ما بعد عنك وتدرك جهته فتقصد تلك الجهة بعينها إلا أنه لو لم يخلق ~~لك إلا هذا لكنت ناقصا إذ لا تدرك بهذا ما وراء الجدران والحجب فتبصر غذاء ~~ليس بينك وبينه حجاب وتبصر عدوا لا حجاب بينك وبينه وأما ما بينك وبينه ~~حجاب فلا تبصره وقد لا ينكشف الحجاب إلا بعد قرب العدو فتعجز عن الهرب فخلق ~~لك السمع حتى تدرك به الأصوات من وراء الجدران والحجب عند جريان الحركات ~~لأنك لا تدرك بالبصر إلا شيئا حاضرا وأما الغائب فلا يمكنك معرفته إلا ~~بكلام ينتظم من حروف وأصوات تدرك بحس السمع فاشتدت إليه حاجتك فخلق لك ذلك ~~وميزت بفهم الكلام عن سائر الحيوانات وكل ذلك ما كان يغنيك لو لم يكن لك حس ~~الذوق إذ يصل الغذاء إليك فلا تدرك أنه موافق لك أو مخالف فتأكله فتهلك ~~كالشجرة يصب فى أصلها كل مائع ولا ذوق لها فتجذب وربما يكون ذلك سبب جفافها ~~ثم كل ذلك لا يكفيك لو لم يخلق فى مقدمة دماغك إدراك آخر يسمى حسا مشتركا ~~تتأدى إليه هذه المحسوسات الخمس وتجتمع فيه ولولاه لطال الأمر عليك فإنك ~~إذا أكلت شيئا أصفر مثلا فوجدته مرا مخالفا لك فتركته فإذا رأيته مرة أخرى ~~فلا تعرف أنه مر مضر ما لم تذقه ثانيا لو لا الحس المشترك إذ العين تبصر ~~الصفرة ولا تدرك المرارة فكيف تمتنع والذوق يدرك المرارة ولا يدرك الصفرة ~~فلا بد من حاكم تجتمع عنده الصفرة والمرارة جميعا حتى إذا اردت الصفرة حكم ~~أنه مر فيمتنع عن تناوله ثانيا وهذا كله تشاركك فيه الحيوانات إذ للشاة هذه ~~الحواس كلها فلو لم يكن لك إلا هذا لكنت ناقصا فإن البهيمة يحتال عليها ~~فتؤخذ فلا تدرى كيف تدفع الحيلة عن نفسها وكيف تتخلص إذا قيدت وقد تلقى ~~نفسها فى بئر ولا تدرى أن ذلك يهلكها ولذلك قد تأكل البهيمة ما تستلذه فى ~~الحال ويضرها فى ثانى الحال فتمرض وتموت إذ ليس لها إلا الإحساس بالحاضر ~~فأما إدراك العواقب فلا فميزك الله تعالى وأكرمك بصفة أخرى وهى أشرف من ~~الكل وهو العقل فبه تدرك مضرة الأطعمة ومنفعتها فى الحال والمآل وبه تدرك ~~كيفية طبخ الأطعمة وتأليفها وإعداد أسبابها فتنتفع بعقلك فى الأكل الذى هو ~~سبب صحتك وهو احسن فوائد العقل وأقل الحكم فيه بل الحكمة الكبرى فيه معرفة ~~الله تعالى ومعرفة أفعاله ومعرفة الحكمة فى عالمه وعند ذلك تنقلب فائدة ~~الحواس الخمس فى حقك فتكون الحواس الخمس كالجواسيس واصحاب الأخبار الموكلين ~~بنواحى المملكة وقد وكلت كل واحدة منها بأمر تختص به فواحدة منها بأخبار ~~الألوان والأخرى بأخبار الأصوات والأخرى بأخبار الروائح والأخرى بأخبار ~~الطعوم والأخرى بأخبار الحر والبرد والخشونة والملاسة واللين والصلابة ~~وغيرها وهذه البرد والجواسيس يقتنصون الأخبار من أقطار المملكة ويسلمونها ~~إلى الحس المشترك والحس المشترك قاعد فى مقدمة الدماغ مثل صاحب القصص ~~والكتب على باب الملك يجمع القصص والكتب الواردة من نواحى العالم فيأخذها ~~وهى مختومة ويسلمها إذ ليس له إلا أخذها وجمعها وحفظها فأما معرفة حقائق ما ~~فيها فلا ولكن إذا صادف القلب العاقل الذى هو الأمير والملك سلم الإنهاءات ~~إليه مختومة فيفتشها الملك ويطلع منها على أسرار المملكة ويحكم فيها بأحكام ~~عجيبة لا يمكن استقصاؤها فى هذا المقام وبحسب ما يلوح له من الأحكام ~~والمصالح يحرك الجنود وهى الأعضاء مرة فى الطلب ومرة فى الهرب ومرة فى ~~إتمام التدبيرات التى تعن له PageV04P110 فهذه سياقة نعمة الله عليك فى ~~الإدراكات ولا تظنن أنا استوفيناها فإن الحواس الظاهرة هى بعض الإدراكات ~~والبصر واحد من جملة الحواس والعين آلة واحدة له وقد ركبت العين من عشر ~~طبقات مختلفة بعضها رطوبات وبعضها أغشية وبعض الأغشية كأنها نسج العنكوب ~~وبعضها كالمشيمة وبعض تلك الرطوبات كأنه بياض البيض وبعضها كأنه الجمد ولكل ~~واحدة من هذه الطبقات العشر صفة وصورة وشكل وهيئة وعرض وتدوير وتركيب ولو ~~اختلت طبقة واحدة من جملة العشر أو صفة واحدة من صفات كل طبقة لاختل البصر ~~وعجز عنه الأطباء والكحالون كلهم فهذا فى حس واحد فقس به حاسة السمع وسائر ~~الحواس بل لا يمكن أن تستوفى حكم الله تعالى وأنواع نعمة فى جسم البصر ~~وطبقاته فى مجلدات كثيرة مع أن جملته لا تزيد على جوزة صغيرة فكيف ظنك ~~بجميع البدن وسائر أعضائه وعجائبه فهذه مرامز إلى نعم الله تعالى بخلق ~~الإدراكات الطرف الثانى فى أصناف النعم فى خلق الإرادات # اعلم أنه لو خلق لك البصر حتى تدرك به الغذاء من بعد ولم يخلق لك ميل فى ~~الطبع وشوق إليه وشهوة له تستحثك على الحركة لكان البشر معطلا فكم من مريض ~~يرى الطعام وهو أنفع الأشياء له وقد سقطت شهوته فلا يتناوله فيبقى البصر ~~والإدراك معطلا فى حقه فاضطررت إلى أن يكون لك ميل إلى ما يوافقك يسمى شهوة ~~ونفرة عما يخالفك تسمى كراهة لتطلب بالشهوة وتهرب بالكراهة فخلق الله تعالى ~~فيك شهوة الطعام وسلطها عليك ووكلها بك كالمتقاصى الذى يضطرك إلى التناول ~~حتى تتناول وتغتذى فتبقى بالغذاء وهذا مما يشاركك فيه الحيوانات دون النبات ~~ثم هذه الشهوة لو لم تسكن إذا أخذت مقدار الحاجة أسرفت وأهلكت نفسك فخلق ~~الله لك الكراهة عند الشبع لتترك الأكل بها لا كالزرع فإنه لا يزال يجتذب ~~الماء إذا انصب فى أسفله حتى يفسد فيحتاج إلى آدمى يقدر غذاءه بقدر الحاجة ~~فيسقيه مرة ويقطع عنه الماء أخرى وكما خلقت لك هذه الشهوة حتى تأكل فيبقى ~~به بدنك خلق لك شهوة الجماع حتى تجامع فيبقى به نسلك ولو قصصنا عليك عجائب ~~صنع الله تعالى فى خلق الرحم وخلق دم الحيض وتأليف الجنين من المنى ودم ~~الحيض وكيفية خلق الأنثيين والعروق السالكة إليها من الفقار الذى هو مستقر ~~النطفة وكيفية انصباب ماء المرأة من الترائب بواسطة العروق وكيفية انقسام ~~مقعر الرحم إلى قوالب تقع النطفة فى بعضها فتتشكل بشكل الذكور وتقع فى ~~بعضها فتتشكل بشكل الإناث وكيفية إدارتها فى أطوار خلقها مضغة وعلقة ثم ~~عظما ولحما ودما وكيفية قسمة أجزائها إلى رأس ويد ورجل وبطن وظهر وسائر ~~الأعضاء لقضيت من أنواع نعم الله تعالى عليك فى مبدأ خلقك كل العجب فضلا ~~عما تراه الآن ولكنا لسنا نريد أن نتعرض الا لنعم الله تعالى فى الأكل وحده ~~كى لا يطول الكلام فإذن شهوة الطعام أحد ضروب الإرادات وذلك لا يكفيك فإنه ~~تأتيك المهلكات من الجوانب فلو لم يخلق فيك الغضب الذى به تدفع كل ما يضادك ~~ولا يوافقك لبقيت عرضة للآفات ولأخذ منك كل ما حصلته من الغذاء فإن كل واحد ~~يشتهى ما فى يديك فتحتاج إلى داعية فى دفعه ومقاتلته وهى داعية الغضب الذى ~~به تدفع كل ما يضادك ولا يوافقك ثم هذا لا يكفيك إذ الشهوة والغضب لا ~~يدعوان إلى إلا ما يضر وينفع فى الحال وأما فى المآل فلا تكفى فيه هذه ~~الإرادة فخلق الله تعالى لك إرادة أخرى مسخرة تحت إشارة العقل المعرف ~~للعواقب كما خلق الشهوة والغضب مسخرة تحت إدراك الحس المدرك للحالة الحاضرة ~~فتم بها انتفاعك بالعقل إذ كان مجرد المعرفة بأن هذه الشهوة مثلا تضرك لا ~~يغنيك فى الاحتراز عنها ما لم يكن لك ميل إلى العمل بموجب المعرفة وهذه ~~PageV04P111 الإرادة أفردت بها عن البهائم إكراما لبنى آدم كما افردت ~~بمعرفة العواقب وقد سمينا هذه الإرادة باعثا دينيا وفصلناه فى كتاب الصبر ~~تفصيلا أوفى من هذا الطرف الثالث فى نعم الله تعالى فى خلق القدرة وآلات ~~الحركة # اعلم أن الحس لا يفيد إلا الإدراك والإرادة لا معنى لها إلا الميل إلى ~~الطلب والهرب وهذا لا كفاية فيه ما لم تكن فيك آلة الطلب والهرب فكم من ~~مريض مشتاق إلى شىء بعيد عنه مدرك له ولكنه لا يمكنه أن يمشى إليه لفقد ~~رجله أو لا يمكنه أن يتناوله لفقد يده أو لفلج وخدر فيهما فلا بد من آلات ~~للحركة وقدرة فى تلك الآلات على الحركة لتكون حركتها بمقتضى الشهوة طلبا ~~وبمقتضى الكراهية هربا فلذلك خلق الله تعالى لك الأعضاء التى تنظر إلى ~~ظاهرها ولا تعرف أسرارها فمنها ما هو للطلب والهرب كالرجل للإنسان والجناح ~~للطير والقوائم للدواب ومنها ما هو للدفع كالأسلحة للإنسان والقرون للحيوان ~~وفى هذا تختلف الحيوانات اختلافا كثيرا فمنها ما يكثر أعداؤه ويبعد غذاؤه ~~فيحتاج إلى سرعة الحركة فخلق له الجناح ليطير بسرعة ومنها ما خلق له أربع ~~قوائم ومنها ما له رجلان ومنها ما يدب وذكر ذلك يطول فلنذكر الأعضاء التى ~~بها يتم الأكل فقط ليقاس عليها غيرها فنقول رؤيتك الطعام من بعد وحركتك ~~إليه لا تكفى ما لم تتمكن من أن تأخذه فافتقرت إلى آله باطشة فأنعم الله ~~تعالى عليك بخلق اليدين وهم طويلتان ممتدتان إلى الأشياء ومشتملتان على ~~مفاصل كثيرة لتتحرك في الجهات فتمتد وتنثنى إليك فلا تكون كخشبة منصوبة ثم ~~جعل رأس اليد عريضا بخلق الكف ثم قسم رأس الكف بخمسة أقسام هي الأصابع ~~وجعلها في صفين بحيث يكون الإبهام في جانب ويدور على الأربعة الباقية ولو ~~كانت مجتمعة أو متراكمة لم يحصل به تمام غرضك فوضعها وضعا إن بسطتها كانت ~~لك مجرفة وإن ضمتها كانت لك مغرفة وإن جمعتها كانت لك آلة للضرب وإن نشرتها ~~ثم قبضتها كانت لك آلة في القبض ثم خلق لها أظفارا وأسند إليها رءؤس ~~الأصابع حتى لا تتفتت وحتى تلتقط بها الأشياء الدقيقة التي لا تحويها ~~الأصابع فتأخذها برءوس أظفارك ثم هب أنك أخذت الطعام باليدين فمن أين يكفيك ~~هذا ما لم يصل إلى المعدة وهي في الباطن فلا بد وأن يكون من الظاهر دهليز ~~إليها حتى يدخل الطعام منه فجعل الفم منفذا إلى المعدة مع ما فيه من الحكم ~~الكثيرة سوى كونه منفذا للطعام إلى المعدة ثم إن وضعت الطعام في الفم وهو ~~قطعة واحدة فلا يتيسر ابتلاعه فتحتاج إلى طاحونة تطحن بها الطعام فخلق لك ~~اللحيين من عظمتين وركب فيهما الأسنان وطبق الأضراس العليا على السفلى ~~لتطحن بهما الطعام طحنا ثم الطعام تارة يحتاج إلى الكسر وتارة إلى القطع ثم ~~يحتاج إلى طحن بعد ذلك فقسم الأسنان إلى عريضة طواحين كالأضراس وإلى حادة ~~قواطع كالرباعيات وإلى ما يصلح للكسر كالأنياب ثم جعل مفصل اللحيين متخلخلا ~~بحيث يتقدم الفك الأسفل ويتأخر حتى يدور على الفك الأعلى دوران الرخى ولولا ~~ذلك لما تيسر إلا ضرب أحدهما على الآخر مثل تصفيق اليدين مثلا وبذلك لا يتم ~~الطحن فجعل اللحى الأسفل متحركا حركة دورية واللحى الأعلى ثابتا لا يتحرك ~~فانظر إلى عجيب صنع الله تعالى فإن كل رحى صنعه الخلق فيثبت منه الحجر ~~الأسفل ويدور الأعلى إلا هذا الرحى الذي صنعه الله تعالى إذ يدور منه ~~الأسفل على الأعلى فسبحانه ما أعظم شأنه وأعز سلطانه وأتم برهانه وأوسع ~~امتنانه ثم هب أنك وضعت الطعام في فضاء الفم فكيف يتحرك الطعام إلى ما تحت ~~الأسنان أو كيف تستجره الأسنان إلى نفسها وكيف يتصرف باليد في داخل الفم ~~فانظر كيف أنعم الله عليك بخلق اللسان فإنه يطوف في جوانب الفم ويرد الطعام ~~من الوسط إلى الأسنان بحسب الحاجة كالمجرفة التي ترد الطعام إلى الرحى ~~PageV04P112 هذا مع ما فيه من فائدة الذوق وعجائب قوة النطق والحكم التى ~~لسنا نطنب بذكرها ثم هب أنك قطعت الطعام وطحنته وهو يابس فلا تقدر على ~~الابتلاع إلا بأن ينزلق إلى الحلق بنوع رطوبة فانظر كيف خلق الله تعالى تحت ~~اللسان عينا يفيض اللعاب منها وينصب بقدر الحاجة حتى يتعجن به الطعام فانظر ~~كيف سخرها لهذا الأمر فإنك ترى الطعام من بعد فيثور الحنكان للخدمة وينصب ~~اللعاب حتى تتحلب أشداقك والطعام بعد بعيد عنك ثم هذا الطعام المطحون ~~المتعجن من يوصله إلى المعدة وهو فى الفم ولا تقدر على أن تدفعه باليد ولا ~~يد فى المعدة حتى تمتد فتجذب الطعام فانظر كيف هيأ الله تعالى المرىء ~~والحنجرة وجعل على رأسها طبقات تنفتح لأخذ الطعام ثم تنضغط حتى يتقلب ~~الطعام بضغطه فيهوى إلى المعدة فى دهلين المرىء فإذا ورد الطعام على المعدة ~~وهو خبز وفاكهة مقطعة فلا يصلح لأن يصير لحما وعظما ودما على هذه الهيئة بل ~~لا بد وأن يطبخ طبخا تاما حتى تتشابه أجزاؤه فخلق الله تعالى المعدة على ~~هيئة قدر فيقع فيها الطعام فتحتوى عليه وتغلق عليه الأبواب فلا يزال لابثا ~~فيها حتى يتم الهضم والنضج بالحرارة التى تحيط بالمعدة من الأعضاء الباطنة ~~إذ من جانبها الأيمن الكبد ومن الأيسر الطحال ومن قدام الترائب ومن خلف لحم ~~الصلب فتتعدى الحرارة إليها من تسخين هذه الأعضاء من الجوانب حتى ينطبخ ~~الطعام ويصير مائعا متشابها يصلح للنفوذ فى تجاويف العروق وعند ذلك يشبه ~~ماء الشعير فى تشابه أجزائه ووقته وهو بعد لا يصلح للتغذية فخلق الله تعالى ~~بينها وبين الكبد مجارى من العروق وجعل لها فوهات كثيرة حتى يصب الطعام ~~فيها فينتهى إلى الكبد والكبد معجون من طينة الدم حتى كأنه دم وفيه عروق ~~كثيرة شعرية منتشرة فى أجزاء الكبد فينصب الطعام الرقيق النافذ فيها وينتشر ~~فى أجزائها حتى تستولى عليه قوة الكبد فتصبغه بلون الدم فيستقر فيها ريثما ~~يحصل له نضج آخر ويحصل له هيئة الدم الصافى الصالح لغذاء الأعضاء إلا أن ~~حرارة الكبد هى التى تنضج هذا الدم فيتولد من هذا الدم فضلتان كما يتولد فى ~~جميع ما يطبخ إحداهما شبيهة بالدردى والعكر وهو الخلط السوداوى والأخرى ~~شبيهة بالرغوة وهى الصفراء ولو لم تفصل عنها الفضلتان فسد مزاج الأعضاء ~~فخلق الله تعالى المرارة والطحال وجعل لكل واحد منهما عنقا ممدودا إلى ~~الكبد داخلا فى تجويفه فتجذب المرارة الفضلة الصفراوية ويجذب الطحال العكر ~~السوداوى فيبقى الدم صافيا ليس فيه إلا زيادة رقة ورطوبة لما فيه من ~~المائية ولولاها لما انتشر فى تلك العروق الشعرية ولا خرج منها متصاعدا إلا ~~الأعضاء فخلق الله سبحانه الكليتين وأخرج من كل واحدة منهما عنقا طويلا إلى ~~الكبد ومن عجائب حكمة الله تعالى أن عنقهما ليس داخلا فى تجويف الكبد بل ~~متصل بالعروق الطالعة من حدبة الكبد ومن عجائب حكمة الله تعالى أن عنقهما ~~ليس داخلا فى تجويف الكبد بل متصل بالعروق الطالعة من حدبة الكبد حتى يجذب ~~ما يليها بعد الطلوع من العروق الدقيقة التى فى الكبد إذ لو اجتذب قبل ذلك ~~لغلظ ولم يخرج من العروق فإذا انفصلت منه المائية فقد صار الدم صافيا من ~~الفضلات الثلاث نقيا من كل ما يفسد الغذاء ثم إن الله تعالى أطلع من الكبد ~~عروقا ثم قسمها بعد الطلوع أقساما وشعب كل قسم بشعب وانتشر ذلك فى البدن ~~كله من الفرق إلى القدم ظاهرا وباطنا فيجرى الدم الصافى فيها ويصل إلى سائر ~~الأعضاء حتى تصير العروق المنقسمة شعرية كعروق الاوراق والاشجار بحيث لا ~~تدرك بالابصار فيصل منها الغذاء بالرشح إلى سائر الاعضاء ولو حلت بالمرارة ~~آفة فلم تجذب الفضلة الصفراوية فسد الدم وحصل منه الامراض الصفراوية ~~كاليرقان والبثور والحمرة وإن حلت بالطحال آفة فلم يجذب الخلط السوداوى ~~حدثت الامراض السوداوية كالبهق والجذام والم اليخوليا وغيرها وإن لم تندفع ~~المائية نحو الكلى حدث منه الاستسقاء وغيره ثم انظر إلى حكمة الفاطر الحكيم ~~كيف رتب المنافع على هذه الفضلات الثلاث الخسيسة أما المرارة فإنها تجذب ~~بأحد عنقيها وتقذف PageV04P113 بالعنق الآخر إلى الأمعاء ليحصل له فى ثفل ~~الطعام رطوبة مزلقة ويحدث فى الأمعاء لذع يحركها للدفع فتنضغط حتى يندفع ~~الثفل وينزلق وتكون صفرته لذلك وأما الطحال فإنه يحيل تلك الفضلة إحالة ~~يحصل بها فيه حموضة وقبض ثم يرسل منها كل يوم شيئا إلى فم المعدة فيحرك ~~الشهوة بحموضته وينبهها ويثيرها ويخرج الباقى مع الثفل وأما الكلية فإنها ~~تغتذى بما فى تلك المائية من دم وترسل الباقى إلى المثانة ولنقتصر على هذا ~~القدر من بيان نعم الله تعالى فى الأسباب التى أعدت للأكل ولو ذكرنا كيفية ~~احتياج الكبد إلى القلب والدماغ واحتياج كل واحد من هذه الأعضاء الرئيسية ~~إلى صاحبه وكيفية انشعاب العروق الضوارب من القلب إلى سائر البدن وبواسطتها ~~يصل الحس وكيفية انشعاب العروق السواكن من الكبد إلى سائر البدن وبواسطتها ~~يصل الغذاء ثم كيفية تركب الأعضاء وعدد عظامها وعضلاتها وعروقها وأوتارها ~~ورباطاتها وغضاريفها ورطوباتها لطال الكلام وكل ذلك محتاج إليه للأكل ~~ولأمور أخر سواه بل فى الآدمى آلاف من العضلات والعروق والأعصاب مختلفة ~~بالصغر والكبر والدقة والغلظ وكثرة الأنقسام وقلته ولا شيء منها إلا وفيه ~~حكمه أو اثنتان أو ثلاث أو اربع إلى عشر وزيادة وكل ذلك نعم من الله تعالى ~~عليك لو سكن من جملتها عرق متحرك أو تحرك عرق ساكن لهلكت يا مسكين فانظر ~~إلى نعمة الله تعالى عليك أو لا لتقوى بعدها على الشكر فإنك لا تعرف من ~~نعمة الله سبحانه إلا الأكل وهو أخسها ثم لا تعرف منها إلا أنك تجوع فتأكل ~~والحمار ايضا يعلم أنه يجوع فيأكل ويتعب فينام ويشتهى فيجامع ويستنهض فينهض ~~ويرمح فإذا لم تعرف انت من نفسك إلا ما يعرف الحمار فكيف تقوم بشكر نعمة ~~الله عليك وهذا الذى رمزنا إليه على الإيجاز قطرة من بحر واحد من بحار نعم ~~الله فقط فقس على الإجمال ما أهملناه من جملة ما عرفناه حذرا من التطويل ~~وجملة ما عرفناه وعرفه الخلق كلهم بالإضافة إلى ما لم يعرفوه من نعم الله ~~تعالى أقل من قطرة من بحر إلا أن من علم شيئا من هذا أدرك شمة من معانى ~~قوله تعالى @QB@ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها @QE@ ثم انظر كيف ربط الله ~~تعالى قوام هذه الأعضاء وقوام منافعها وإدراكاتها وقواها ببخار لطيف يتصاعد ~~من الأخلاط الأربعة ومستقرة القلب ويسرى فى جميع البدن بواسطة العروق ~~الضوارب فلا ينتهى إلى جزء من أجزاء البدن إلا ويحدث عند وصوله فى تلك ~~الأجزاء ما يحتاج إليه من قوة حس وإدراك وقوة حركة وغيرها كالسراج الذى ~~يدار فى أطراف البيت فلا يصل إلى جزء إلا ويحصل بسبب وصوله ضوء على أجزاء ~~البيت من خلق الله تعالى واختراعه ولكنه جعل السراج سببا له بحكمته وهذا ~~البخار اللطيف هو الذى تسميه الأطباء الروح ومحله القلب ومثاله جرم نار ~~السراج والقلب له كالمسرجة والدم الأسود الذى فى باطن القلب له كالفتيلة ~~والغذاء له كالزيت والحياة الظاهرة فى سائر أعضاء البدن بسببه كالضوء ~~للسراج فى جملة البيت وكما ان السراج إذا انقطع زيته انطفأ فسراج الروح ~~أيضا ينطفىء مهما انقطع غذاؤه وكما ان الفتيلة قد تحترق فتصير رمادا بحيث ~~لا تقبل الزيت فينطفىء السراج مع كثرة الزيت فكذلك الدم الذى تشبث به هذا ~~البخار فى القلب قد يحترق بفرط حرارة القلب فينطفىء مع وجود الغذاء فإنه لا ~~يقبل الغذاء الذى يبقى به الروح كما لا يقبل الرماد الزيت قبولا تتشبث ~~النار به وكما أن السراج تارة ينطفىء بسبب من داخل كما ذكرناه وتارة بسبب ~~من خارج كريح عاصف فكذلك الروح تارة تنطفىء بسبب من داخل وتارة بسبب من ~~خارج وهو القتل وكما أن انطفاء السراج بفناء الزيت أو بفساد الفتيلة أو ~~بريح عاصف أو بإطفاء انسان لا يكون إلا بأسباب مقدرة فى علم الله مرتبة ~~ويكون كل ذلك بقدر فكذلك انطفاء الروح وكما أن انطفاء السراج هو منتهى وقت ~~وجوده فيكون ذلك أجله الذى أجل له فى أم الكتاب فكذلك انطفاء الروح وكما أن ~~السراج إذا انطفأ أظلم البيت كله فالروح إذا انطفأ أظلم PageV04P114 البدن ~~كله وفارقته أنواره التى كان يستفيدها من الروح وهى أنوار الإحساسات والقدر ~~والإرادات وسائر ما يجمعها معنى لفظ الحياة فهذا أيضا رمز وجيز إلى عالم ~~آخر من عوالم نعم الله تعالى وعجائب صنعه وحكمته ليعلم أنه @QB@ لو كان ~~البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي @QE@ عز وجل ~~فتعسا لمن كفر بالله تعسا وسحقا لمن كفر نعمته سحقا # فإن قلت فقد وصفت الروح ومثلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ~~الروح فلم يزد عن أن قال @QB@ قل الروح من أمر ربي @QE@ فلم يصفه لهم على ~~هذا الوجه فاعلم أن هذه غفلة عن الاشتراك الواقع فى لفظ الروح فإن الروح ~~يطلق لمعان كثيرة لا نطول بذكرها نحن إنما وصفنا من جملتها جسما لطيفا ~~تسميه الأطباء روحا وقد عرفوا صفته ووجوده وكيفية سريانه فى الأعضاء وكيفية ~~حصول الإحساس والقوى فى الأعضاء به حتى إذا خدر بعض الأعضاء علموا أن ذلك ~~لوقوع سدة فى مجرى هذا الروح فلا يعالجون موضع الخدر بل منابت الأعصاب ~~ومواقع السدة فيها ويعالجونها بما يفتح السدة فإن هذا الجسم بلطفه ينفذ فى ~~شباك العصب وبواسطته يتأدى من القلب إلى سائر الأعضاء وما يرتقى إليه معرفة ~~الأطباء فأمره سهل نازل وأما الروح التى هى الأصل وهى التى إذا فسدت فسد ~~لها سائر البدن فذلك سر من أسرار الله تعالى لم نصفه ولا رخصة فى وصفه إلا ~~بأن يقال هو أمر ربانى كما قال تعالى @QB@ قل الروح من أمر ربي @QE@ ~~والأمور الربانية لا تحتمل العقول وصفها بل تتحير فيها عقول أكثر الخلق ~~وأما الأوهام والخبالات فقاصرة عنها بالضرورة قصور البصر عن إدراك الأصوات ~~وتتزلزل فى ذكر مبادىء وصفها معاقد العقول المقيدة بالجوهر والعرض المحبوسة ~~فى مضيقها فلا يدرك بالعقل شىء من وصفه بل بنور آخر أعلى وأشرف من العقل ~~يشرق ذلك النور فى عالم النبوة والولاية نسبته إلى العقل نسبة العقل إلى ~~الوهم والخيال وقد خلق الله تعالى الخلق أطوارا فكما يدرك الصبى المحسوسات ~~ولا يدرك المعقولات لأن ذلك طور لم يبلغه بعد فكذلك يدرك البالغ المعقولات ~~ولا يدرك ما وراءها لأن ذلك طور لم يبلغه بعد وإنه لمقام شريف ومشرب عذب ~~ورتبة عالية فيها يلحظ جنات الحق بنور الإيمان واليقين وذلك المشرب أعز من ~~أن يكون شريعة لكل وارد بل لا يطلع عليه إلا واحد بعد واحد ولجناب الحق صدر ~~وفى مقدمة الصدر مجال وميدان رحب وعلى أول الميدان عتبة هى مستقر ذلك الأمر ~~الربانى فمن لم يكن له على هذه العتبة جواز ولا لحافظ العتبة مشاهدة ~~واستحال أن يصل الميدان فكيف بالانتهاء إلى ما وراءه من المشاهدات العالية ~~ولذلك قيل من لم يعرف نفسه لم يعرف ربه وأنى يصادف هذا خزانة الأطباء ومن ~~أين للطبيب أن يلاحظه بل المعنى المسمى روحا عند الطبيب بالإضافة إلى هذا ~~الأمر الربانى كالكرة التى يحركها صولجان الملك بالإضافة إلى الملك فمن عرف ~~الروح الطبى فظن أنه أدرك الأمر الربانى كان كمن رأى الكرة التى يحركها ~~صولجان الملك فظن أنه رأى الملك ولا يشك فى أن خطأه فاحش وهذا الخطأ أفحش ~~منه جدا ولما كانت العقول التى بها يحصل التكليف وبها تدرك مصالح الدنيا ~~عقولا قاصرة عن ملاحظة كنه هذا الأمر لم يأذن الله تعالى لرسول صلى الله ~~عليه وسلم أن يتحدث عنه بل أمره أن يكلم الناس على قدر عقولهم ولم يذكر ~~الله تعالى فى كتابه من حقيقة هذا الأمر شيئا ولكن ذكر نسبته وفعله ولم ~~يذكر ذاته أما نسبته ففى قوله تعالى @QB@ من أمر ربي @QE@ وأما فعله فقد ~~ذكر فى قوله تعالى ياأيها النفس PageV04P115 @QB@ المطمئنة ارجعي إلى ربك ~~راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي @QE@ ولنرجع الآن إلى الغرض فإن ~~المقصود ذكر نعم الله تعالى فى الأكل فقد ذكرنا بعض نعم الله تعالى فى آلات ~~الأكل الطرف الرابع فى نعم الله تعالى فى الأصول التى يحصل منها الأطعمة ~~وتصير صالحة لأن يصلحها الآدمى بعد ذلك بصنعته # اعلم أن الأطعمة كثيرة ولله تعالى فى خلقها عجائب كثيرة لا تحصى وأسباب ~~متوالية لا تتناهى وذكر ذلك فى كل طعام مما يطول فإن الأطعمة إما أدوية ~~وإما فواكه وإما أغذية فلنأخذ الأغذية فإنها الأصل ولنأخذ من جملتها حبة من ~~البر ولندع سائر الأغذية فنقول إذا وجدت حبة أو حبات فلو أكلتها فنيت وبقيت ~~جائعا فما أحوجك إلى أن تنمو الحبة فى نفسها وتزيد وتتضاعف حتى تفى بتمام ~~حاجتك فخلق الله تعالى فى حبة الحنطة من القوى ما يغتذى به كما خلق فيك فإن ~~النبات إنما يفارقك فى الحس والحركة ولا يخالفك فى الاغتذاء لأنه يغتذى ~~بالماء ويجتذب إلى باطنه بواسطة العروق كما تغتذى أنت وتجتذب ولسنا نطنب فى ~~ذكر الات النبات فى اجتذاب الغذاء إلى نفسه ولكن نشير إلى غذائه فنقول كما ~~أن الخشب والتراب لا يغذيك بل تحتاج إلى طعام مخصوص فكذلك الحبة لا تغتذى ~~بكل شىء بل تحتاج إلى شىء مخصوص بدليل أنك لو تركتها فى البيت لم تزد لأنه ~~ليس يحيط بها إلا هواء ومجرد الهواء لا يصلح لغذائها ولو تركنها فى الماء ~~لم تزد ولو تركنها فى أرض لا ماء فيها لم تزد بل لا بد من أرض فيها ماء ~~يمتزج ماؤها بالأرض فيصير طينا وإليه الإشارة بقوله تعالى @QB@ فلينظر ~~الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها ~~حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا @QE@ الآية ثم لا يكفى الماء والتراب إذ لو ~~تركت فى أرض ندية صلبة متراكمة لم تنبت لفقد الهواء فيحتاج إلى تركها فى ~~أرض رجوة متخلخلة يتغلغل الهواء إليها ثم الهواء لا يتحرك إليها بنفسه ~~فيحتاج إلى ريح تحرك الهواء وتضربه بقهر وعنف على الأرض حتى ينفذ فيها ~~وإليه الإشارة بقولة تعالى @QB@ وأرسلنا الرياح لواقح @QE@ وإنما إلقاحها ~~فى إيقاع الازدواج بين الهواء والماء والأرض ثم كل ذلك لا يغنيك لو كان فى ~~برد مفرط وشتاء شات فتحتاج إلى حرارة الربيع والصيف فقد بان احتياج غذائه ~~إلى هذه الأربعة فانظر إلى ماذا يحتاج كل واحد إذ يحتاج الماء لينساق إلى ~~أرض الزراعة من البحار والعيون والأنهار والسواقى فانظر كيف خلق الله ~~البحار وفجر العيون وأجرى منها الأنهار ثم الأرض ربما تكون مرتفعة والمياه ~~لا ترتفع إليها فانظر كيف خلق الله تعالى الغيوم وكيف سلط الرياح عليها ~~لتسوقها بإذنه إلى أقطار الأرض وهى سحب ثقال حوامل بالماء ثم انظر كيف ~~يرسله مدرارا على الأراضى فى وقت الربيع والخريف على حسب الحاجة وانظر كيف ~~خلق الجبال حافظة للمياه تتفجر منها العيون تدريجا فلو خرجت دفعة لغرقت ~~البلاد وهلك الزرع والمواشى ونعم الله فى الجبال والسحاب والبحار والأمطار ~~لا يمكن إحصاؤها وأما الحرارة فإنها لا تحصل بين الماء والأرض وكلاهما ~~باردان فانظر كيف سخر الشمس وكيف خلقها مع بعدها عن الأرض مسخنة للأرض فى ~~وقت دون وقت ليحصل البرد عند الحاجة إلى البرد والحر عند الحاجة إلى الحر ~~فهذه إحدى حكم الشمس والحكم فيها أكثر من أن تحصى ثم النبات إذا ارتفع عن ~~الأرض كان فى الفواكه انعقاد وصلابة فتفتقر إلى رطوبة تنضجها فانظر كيف خلق ~~القمر وجعل من خاصيته الترطيب كما جعل من خاصية الشمس التسخين فهو ينضج ~~الفواكه ويصبغها بتقدير الفاطر الحكيم ولذلك لو كانت الأشجار فى ظل يمنع ~~شروق الشمس والقمر وسائر PageV04P116 الكواكب عليها لكانت فاسدة ناقصة حتى ~~إن الشجرة الصغيرة تفسد إذا ظللتها شجرة كبيرة وتعرف ترطيب القمر بأن تكشف ~~رأسك له بالليل فتغلب على رأسك الرطوبة التى يعبر عنها بالزكام فكما يرطب ~~رأسك يرطب الفاكهة أيضا ولا نطول فيما لا مطمع فى استقصائه بل نقول كل كوكب ~~فى السماء فقد سخر لنوع فائدة كما سخرت الشمس للتسخين والقمر للترطيب فلا ~~يخلو واحد منها عن حكم كثيرة لا تفى قوة البشر بإحصائها ولو لم يكن كذلك ~~لكان خلقها عبثا وباطلا ولم يصح قوله تعالى @QB@ ربنا ما خلقت هذا باطلا ~~@QE@ وقوله عز وجل وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين وكما أنه ~~ليس فى أعضاء بدنك عضو إلا لفائدة فليس فى أعضاء بدن العالم عضو إلا لفائدة ~~والعالم كله كشخص واحد وآحاد أجسامه كالأعضاء له وهى متعاونة تعاون أعضاء ~~بدنك فى جملة بدنك وشرح ذلك يطول ولا ينبغى أن تظن أن الإيمان بأن النجوم ~~والشمس والقمر مسخرات بأمر الله سبحانه فى أمور جعلت أسبابا لها بحكم ~~الحكمة مخالف للشرع لما ورد فيه من النهى عن تصديق المنجمين وعن علم النجوم ~~+ حديث النهى عن تصديق المنجمين وعن علم النجوم أخرجه أبو داود وابن ماجه ~~بسند صحيح من حديث ابن عباس من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر ~~زاد ما زاد وللطبرانى من حديث ابن مسعود وثوبان إذا ذكرت النجوم فأمسكوا ~~وإسنادهما ضعيف وقد تقدم فى العلم ولمسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمى ~~قال قلت يا رسول لله أمورا كنا نصنعها فى الجاهلية كنا نأتى الكهان قال فلا ~~تأتوا الكهان الحديث # بل المنهى عنه فى النجوم أمران أحدهما أن تصدق بأنها فاعلة لآثارها ~~مستقلة بها وأنها ليست مسخرة تحت تدبير مدبر خلقها وقهرها وهذا كفر والثانى ~~تصديق المنجمين فى تفصيل ما يخبرون عنه من الآثار التى لا يشترك كافة الخلق ~~فى دركها لأنهم يقولون ذلك عن جهل فإن علم أحكام النجوم كان معجزة لبعض ~~الأنبياء عليهم السلام ثم اندرس ذلك العلم فلم يبق إلا ما هو مختلط لا ~~يتميز فيه الصواب عن الخطإ فاعتقاد كون الكواكب أسبابا لآثار تحصل بخلق ~~الله تعالى فى الأرض وفى النبات وفى الحيوان ليس قادحا فى الدين بل هو حق ~~ولكن دعوى العلم بتلك الآثار على التفصيل مع الجهل قادح فى الدين ولذلك إذا ~~كان معك ثوب غسلته وتريد تجفيفه فقال لك غيرك أخرج الثوب وابسطه فإن الشمس ~~قد طلعت وحمى النهار والهواء لا يلزمك تكذيبه ولا يلزمك الإنكار عليه ~~بحوالته حمى الهواء على طلوع الشمس وإذا سألت عن تغيير وجه الإنسان فقال ~~قرعتنى الشمس فى الطريق فاسود وجهى لم يلزمك تكذيبه بذلك وقس بهذا سائر ~~الآثار إلا أن الآثار بعضها معلوم وبعضها مجهول فالمجهول لا يجوز دعوى ~~العلم فيه والمعلوم بعضه معلوم للناس كافة كحصول الضياء والحرارة بطلوع ~~الشمس وبعضه لبعض الناس كحصول الزكام بشروق القمر فإذن الكواكب ما خلقت ~~عبثا بل فيها حكم كثيرة لا تحصى ولهذا نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~إلى السماء وقرأ قوله تعالى ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ~~ثم قال صلى الله عليه وسلم ويل لمن قرأ هذه الآية ثم مسح بها سبلته # حديث قرأ قوله تعالى ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ثم ~~قال ويل لمن قرأ هذه الآية ثم مسح بها سبلته أى ترك تأملها أخرجه الثعلبى ~~من حديث ابن عباس بلفظ ولم يتفكر فيها وفيه أبو جناب يحيى بن أبى حبة ضعيف # ومعناه أن يقرأ ويترك التأمل ويقتصر من فهم ملكوت السموات على أن يعرف ~~لون السماء وضوء الكواكب وذلك مما تعرفه البهائم أيضا فمن قنع منه بمعرفة ~~ذلك فهو الذى مسح بها سبلته فلله تعالى فى ملكوت السموات والآفاق والأنفس ~~والحيوانات عجائب يطلب معرفتها المحبون لله تعالى فإن من أحب عالما فلا ~~يزال مشغولا بطلب تصانيفه ليزداد بمزيد الوقوف على عجائب علمه حبا له فكذلك ~~الأمر فى عجائب صنع الله تعالى فإن العالم PageV04P117 كله من تصنيفه بل ~~تصنيف المصنفين من تصنيفه الذى صنفه بواسطة قلوب عباده فإن تعجبت من تصنيف ~~فلا تتعجب من المصنف بل من الذى سخر المصنف لتصنيفه بما أنعم عليه من ~~هدايته وتسديده وتعريفه كما إذا رأيت لعب المشعوذ ترقص وتتحرك حركات موزونة ~~متناسبة فلا تعجب من اللعب فإنها خرق محركة لا متحركة ولكن تعجب من حذق ~~المشعوذ المحرك لها بروابط دقيقة خفية عن الأبصار فإذن المقصود أن غذاء ~~النبات لا يتم إلا بالماء والهواء والشمس والقمر والكواكب ولا يتم ذلك إلا ~~بالأفلاك التى هى مركوزة فيها ولا تتم الأفلاك إلا بحركانها ولا تتم ~~حركاتها إلا بملائكة سماوية يحركونها وكذلك يتمادى ذلك إلى أسباب بعيدة ~~تركنا ذكرها تنبيها بما ذكرناه على ما أهملناه ولنقتصر على هذا من ذكر ~~أسباب غذاء النبات الطرف الخامس فى نعم الله تعالى فى الأسباب الموصلة ~~للأطعمة إليك # اعلم أن هذه الأطعمة كلها لا توجد فى كل مكان بل لها شروط مخصوصة لأجلها ~~توجد فى بعض الأماكن دون بعض والناس منتشرون على وجه الأرض وقد تبعد عنهم ~~الأطعمة ويحول بينهم وبينها البحار والبرارى فانظر كيف سخر الله تعالى ~~التجار وسلط عليهم حرص حب المال وشهوة الربح مع أنهم لا يغنيهم فى غالب ~~الأمر شىء بل يجمعون فإما أن تغرق بها السفن أو تنهبها قطاع الطريق أو ~~يموتوا فى بعض البلاد فيأخذها السلاطين وأحسن أحوالهم أن يأخذها ورثتهم وهم ~~أشد أعدائهم لو عرفوا فانظر كيف سلط الله الجهل والغفلة عليهم حتى يقاسوا ~~الشدائد فى طلب الربح ويركبوا الأخطار ويغرروا بالأرواح فى ركوب البحر ~~فيحملون الأطعمة وأنواع الحوائج من أقصى الشرق والغرب إليك وانظر كيف علمهم ~~الله تعالى صناعة السفن وكيفية الركوب فيها وانظر كيف خلق الحيوانات وسخرها ~~للركوب والحمل فى البرارى وانظر إلى الإبل كيف خلقت وإلى الفرس كيف أمدت ~~بسرعة الحركة وإلى الحمار كيف جعل صبورا على التعب وإلى الجمال كيف تقطع ~~البرارى وتطوى المراحل تحت الأعباء الثقيلة على الجوع والعطش وانظر كيف ~~سيرهم الله تعالى بواسطة السفن والحيوانات فى البر والبحر ليحملوا إليك ~~الأطعمة وسائر الحوائج وتأمل ما يحتاج إليه الحيوانات من أسبابها وأدواتها ~~وعلفها وما تحتاج إليه السفن فقد خلق الله تعالى جميع ذلك إلى حد الحاجة ~~وفوق الحاجة وإحصاء ذلك غير ممكن ويتمادى ذلك إلى أمور خارجة عن الحصر نرى ~~تركها طلبا للإيجاز الطرف السادس فى إصلاح الأطعمة # اعلم أن الذى ينبت فى الأرض من النبات وما يخلق من الحيوانات لا يمكن أن ~~يقضم ويؤكل وهو كذلك بل لا بد فى كل واحد من إصلاح وطبخ وتركيب وتنظيف ~~بإلقاء البعض وإبقاء البعض إلى أمور أخر لا تحصى واستقصاء ذلك فى كل طعام ~~يطول فلنعين رغيفا واحدا ولننظر إلى ما يحتاج إليه الرغيف الواحد حتى ~~يستدير ويصلح للأكل من بعد إلقاء البذر فى الأرض فأول ما يحتاج إليه الحارث ~~ليزرع ويصلح الأرض ثم الثور الذى يثير الأرض والفدان وجميع أسبابه ثم بعد ~~ذلك التعهد بسقى الماء مدة ثم تنقية الأرض من الحشيش ثم الحصاد ثم الفرك ~~والتنقية ثم الطحن ثم العجين ثم الخير فتأمل عدد هذه الافعال التى ذكرناها ~~وما لم نذكره وعدد الاشخاص القائمين بها وعدد الآلات التى يحتاج إليها من ~~الحديد والخشب والحجر وغيره وانظر إلى أعمال الصناع فى إصلاح آلات الحراثة ~~والطحن والخبز من نجار وحداد وغيرهما وانظر إلى حاجة الحداد إلى الحديد ~~والرصاص والنحاس وانظر كيف خلق الله تعالى PageV04P118 الجبال والأحجار ~~والمعادن وكيف جعل الأرض قطعا متجاورات مختلفة فإن فتشت علمت أن رغيفا ~~واحدا لا يستدير بحيث يصلح لأكلك يا مسكين مالم يعمل عليه أكثر من ألف صانع ~~فابتدىء من الملك الذى يزجى السحاب لينزل الماء إلى آخر الأعمال من جهة ~~الملائكة حتى تنتهى النوبة إلى عمل الإنسان فإذا استدار طلبه قريب من سبعة ~~آلاف صانع كل صانع أصل من أصول الصنائع التى بها تتم مصلحة الخلق ثم تأمل ~~كثرة أعمال الإنسان فى تلك الآلات حتى إن الإبرة التى هى آلة صغيرة فائدتها ~~خياطة اللباس الذى يمنع البرد عنك لا تكمل صورتها من حديدة تصلح للإبرة إلا ~~بعد أن تمر على يد الإبرى خمسا وعشرين مرة ويتعاطى فى كل مرة منها عملا فلو ~~لم يجمع الله تعالى البلاد ولم يسخر العباد وافتقرت إلى عمل المنجل الذى ~~تحصد به البر مثلا بعد نباته لنفذ عمرك وعجزت عنه أفلا ترى كيف هدى الله ~~عبده الذى خلقه من نطفة قذرة لأن يعمل هذه الأعمال العجيبة والصنائع ~~الغريبة فانظر إلى المقراض مثلا وهما جلمان متطابقان ينطبق أحدهما على ~~الآخر فيتناولان الشىء معا ويقطعانه بسرعة ولو لم يكشف الله تعالى طريق ~~اتخاذه بفضله وكرمه لمن قبلنا وافتقرنا إلى استنباط الطريق فيه بفكرنا ثم ~~إلى استخراج الحديد من الحجر وإلى تحصيل الآلات التى بها يعمل المقراض وعمر ~~الواحد منا عمر نوح وأوتى أكمل العقول لقصر عمره عن استنباط الطريق فى ~~إصلاح هذه الآلة وحدها فضلا عن غيرها فسبحان من ألحق ذوى الأبصار بالعميان ~~وسبحان من منع النبيين مع هذا البيان فانظر الآن لو خلا بلدك عن الطحان ~~مثلا أو عن الحداد أو عن الحجام الذى هو أخس العمال أو عن الحائك أو عن ~~واحد من جملة الصناع ماذا يصيبك من الأذى وكيف تضطرب عليك أمورك كلها ~~فسبحان من سخر بعض العباد لبعض حتى نفذت به مشيئته وتمت به حكمته ولنوجز ~~القول فى هذه الطبقة أيضا فإن الغرض التنبيه على النعم دون الاستقصاء الطرف ~~السابع فى إصلاح المصلحين # إعلم أن هؤلاء الصناع المصلحين للأطعمة وغيرها لو تفرقت آراؤهم وتنافرت ~~طباعهم تنافر طباع الوحش لتبددوا وتباعدوا ولم ينتفع بعضهم ببعض بل كانوا ~~كالوحوش لا يحويهم مكان واحد ولا يجمعهم غرض واحد فانظر كيف ألف الله تعالى ~~بين قلوبهم وسلط الأنس والمحبة عليهم @QB@ لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ~~ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم @QE@ فلأجل الإلف وتعارف الأرواح ~~اجتمعوا وائتلفوا وبنوا المدن والبلاد ورتبوا المساكن والدور متقاربة ~~متجاورة ورتبوا الأسواق والخانات وسائر أصناف البقاع مما يطول إحصاؤه ثم ~~هذه المحبة تزول بأغراض يتزاحمون عليها ويتنافسون فيها ففى جبلة الإنسان ~~الغيظ والحسد والمنافسة وذلك مما يؤدى إلى التقاتل والتنافر فانظر كيف سلط ~~الله تعالى السلاطين وأمدهم بالقوة والعدة والأسباب وألقى رعبهم فى قلوب ~~الرعايا حتى أذعنوا لهم طوعا وكرها وكيف هدى السلاطين إلى طريق إصلاح ~~البلاد حتى رتبوا أجزاء البلد كأنها أجزاء شخص واحد تتعاون على غرض واحد ~~ينتفع البعض منها بالبعض فرتبوا الرؤساء والقضاة والسجن وزعماء الأسواق ~~واضطروا الخلق إلى قانون العدل وألزموهم التساعد والتعاون حتى صار الحداد ~~ينتفع بالقصاب والخباز وسائر أهل البلد وكلهم ينتفعون بالحداد وصار الحجام ~~ينتفع بالحراث والحراث بالحجام وينتفع كل واحد بكل واحد بسبب ترتيبهم ~~واجتماعهم وانضباطهم تحت ترتيب السلطان وجمعه كما يتعاون جميع أعضاء البدن ~~وينتفع بعضها ببعض وانظر كيف بعث الأنبياء عليهم السلام حتى أصلحوا ~~السلاطين المصلحين للرعايا وعرفوهم قوانين الشرع فى حفظ العدل بين الخلق ~~وقوانين السياسة فى ضبطهم وكشفوا من أحكام الإمامة والسلطنة وأحكام الفقه ~~PageV04P119 ما اهتدوا به إلى إصلاح الدنيا فضلا عما أرشدوهم إليه من إصلاح ~~الدين وانظر كيف أصلح الله تعالى الأنبياء بالملائكة وكيف أصلح الملائكة ~~بعضهم ببعض إلى أن ينتهى إلى الملك المقرب الذى لاواسطه بينه وبين الله ~~تعالى فالخباز يخبز العجين والطحان يصلح الحب بالطحن والحراث يصلحه بالحصاد ~~والحداد يصلح آلات الحراثة والنجار يصلح آلات الحداد وكذا جميع أرباب ~~الصناعات المصلحين لآلات الأطعمة والسلطان يصلح الصناع والأنبياء يصلحون ~~العلماء الذين هم ورثتهم والعلماء يصلحون السلاطين والملائكة يصلحون ~~الأنبياء إلى أن ينتهى إلى حضرة الربوبية التى هى ينبوع كل نظام ومطلع كل ~~حسن وجمال ومنشأ كل ترتيب وتأليف وكل ذلك نعم من رب الأرباب ومسبب الأسباب ~~ولولا فضله وكرمه إذ قال تعالى @QB@ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ~~@QE@ لما اهتدينا إلى هذه النبذة اليسيرة من نعم الله تعالى ولولا عزله ~~إيانا عن أن نطمح بعين الطمع إلى الإحاطة بكنه نعمه لتشوفنا إلى طلب ~~الإحاطة والاستقصاء ولكنه تعالى عزلنا بحكم القهر والقدرة فقال تعالى @QB@ ~~وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها @QE@ فإن تكلمنا فبإذنه انبسطنا وإن سكنا ~~فبقهره انقبضنا إذ لا معطى لما منع ولا مانع لما أعطى لأنا فى كل لحظة من ~~لحظات العمر قبل الموت نسمع بسمع القلوب نداء الملك الجبار @QB@ لمن الملك ~~اليوم لله الواحد القهار @QE@ فالحمد لله الذى ميزنا عن الكفار وأسمعنا هذا ~~النداء قبل انقضاء الأعمار الطرف الثامن فى بيان نعمة الله تعالى فى خلق ~~الملائكة عليهم السلام # ليس يخفى عليك ما سبق من نعمة الله فى خلق الملائكة بإصلاح الأنبياء ~~عليهم السلام وهدايتهم وتبليغ الوحى إليهم ولا تظنن أنهم مقتصرون فى ~~أفعالهم على ذلك القدر بل طبقات الملائكة مع كثرتها وترتيب مراتبها تنحصر ~~بالجملة فى ثلاث طبقات الملائكة الأرضية والسماوية وحملة العرش فانظر كيف ~~وكلهم الله تعالى بك فيما يرجع إلى الأكل والغذاء الذى ذكرناه دون ما يجاوز ~~ذلك من الهداية والإرشاد وغيرهما واعلم أن كل جزء من أجزاء بدنك بل من ~~أجزاء النبات لا يغتذى إلا بأن يوكل به سبعة من الملائكة هو أقله إلى عشرة ~~إلى مائة إلى ما وراء ذلك وبيانه أن معنى الغذاء أن يقوم جزء من الغذاء ~~مقام جزء وقد تلف وذلك الغذاء يصير دما فى آخر الأمر ثم يصير لحما وعظما ~~وإذا صار لحما وعظما تم اغتذاؤك والدم واللحم أجسام ليس لها قدرة ومعرفة ~~واختيار فهى لا تتحرك بأنفسها ولا تتغير بأنفسها ومجرد الطبع لا يكفى فى ~~ترددها فى أطوارها كما أن البر بنفسه لا يصير طحينا ثم عجينا ثم خبزا ~~مستديرا مخبوزا إلا بصناع فكذلك الدم بنفسه لا يصير لحما وعظما وعروقا ~~وعصبا إلا بصناع والصناع فى الباطن هم الملائكة كما أن الصناع فى الظاهر هم ~~أهل البلد وقد أسبغ الله تعالى عليك نعمه ظاهرة وباطنة فلا ينبغى أن تغفل ~~عن نعمه الباطنة فأقول لا بد من ملك يجذب الغذاء إلى جوار اللحم والعظم فإن ~~الغذاء لا يتحرك بنفسه ولا بد من ملك آخر يمسك الغذاء فى جواره ولا بد من ~~ثالث يخلع عليه صورة الدم ولا بد من رابع يكسوه صورة اللحم والعروق أو ~~العظم ولا بد من خامس يدفع الفضل الفاضل عن حاجة الغذاء ولا بد من سادس ~~يلصق ما اكتسب صفة العظم بالعظم وما اكتسب صفة اللحم باللحم حتى لا يكون ~~منفصلا ولا بد من سابع يرعى المقادير فى الإلصاق فيلحق بالمستدير ما لا ~~يبطل استدارته وبالعريض ما لا يزيل عرضه وبالمجوف ما لا يبطل تجويفه ويحفظ ~~على كل واحد قدر حاجته فإنه لو جمع مثلا من الغذاء على أنف الصبى ما يجمع ~~على فخذه لكبر أنفه وبطل تجويفه وتشوهت صورته وخلقته بل ينبغى أن يسوق إلى ~~الأجفان مع رقتها وإلى الحدقة مع صفائها وإلى الأفخاذ مع غلظها وإلى العظم ~~مع صلابته ما يليق بكل واحد منها من حيث القدر والشكل وإلا بطلت الصورة ~~PageV04P120 وربا بعض المواضع وضعف بعض المواضع بل لو لم يراع هذا الملك ~~العادل فى القسمة والتقسيط فساق إلى رأس الصبى وسائر بدنه من الغذاء ما ~~ينمو به إلا إحدى الرجلين مثلا لبقيت تلك الرجل كما كانت فى حد الصغر وكبر ~~جميع البدن فكنت ترى شخصا فى ضخامة رجل وله رجل واحدة كأنها رجل صبى فلا ~~ينتفع بنفسه ألبتة فمراعاة هذه الهندسة فى هذه القسمة مفوضة إلى ملك من ~~الملائكة ولا تظنن أن الدم بطبعه يهندس شكل نفسه فإن محيل هذه الأمور على ~~الطبع جاهل لا يدرى ما يقول فهذه هى الملائكة الأرضية وقد شغلوا بك وأنت فى ~~النوم تستريح وفى الغفلة تتردد وهم يصلحون الغذاء فى باطنك ولا خبر لك منهم ~~وذلك فى كل جزء من أجزائك الذى لا يتجزأ حتى يفتقر بعض الأجزاء كالعين ~~والقلب إلى أكثر من مائة ملك تركنا تفصيل ذلك للإيجاز والملائكة الأرضية ~~مددهم من الملائكة السماوية على ترتيب معلوم لا يحيط بكنهه إلا الله تعالى ~~ومدد الملائكة السماوية من حملة العرش والمنعم على جملتهم بالتأييد ~~والهداية والتسديد المهيمن القدوس المنفرد بالملك والملكوت والعزة والجبروت ~~جبار السموات والأرض مالك الملك ذو الجلال والإكرام والأخبار الواردة فى ~~الملائكة الموكلين بالسموات والأرض وأجزاء النبات والحيوانات حتى كل قطرة ~~من المطر وكل سحاب ينجر من جانب إلى جانب + حديث الأخبار الواردة فى ~~الملائكة الموكلين بالسموات والأرضين وأجزاء النبات والحيوانات حتى كل قطرة ~~من المطر وكل سحاب ينجر من جانب إلى جانب ففى الصحيحين من حديث أبى ذر فى ~~قصة الإسراء قال جبريل لخازن السماء الدنيا افتح وفيه أتى السماء الثانية ~~فقال لخازنها افتح الحديث ولهما من حديث أبى هريرة إن لله ملائكة سياحين ~~يبدونى عن أمتى السلام وفى الصحيحين من حديث عائشة فى قصة عرضه نفسه على ~~عبد ياليل فنادانى ملك الجبال إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين الحديث ولهما ~~من حديث أنس إن الله وكل بالرحم ملكا الحديث وروى أبو منصور الديلمى فى ~~مسند الفردوس من حديث بريدة الأسلمى ما من نبت ينبت إلا وتحته ملك موكل حتى ~~يحصد الحديث وفيه محمد بن صالح الطبرى وأبو بحر البكراوى واسمه عثمان بن ~~عبد الرحمن وكلاهما ضعيف وللطبراني من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف إن لله ~~ملائكة ينزلون فى كل ليلة يحسون الكلال عن دواب الغزاة إلا دابة فى عنقها ~~جرس وللترمذى وحسنه من حديث ابن عباس قالت اليهود يا أبا القاسم أخبرنا عن ~~الرعد قال ملك من الملائكة موكل بالسحاب ولمسلم من حديث أبى هريرة بينما ~~رجل بفلاة من الأرض سمع صوتا من سحابة اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب ~~فأفرغ ماء فى حرة الحديث + أكثر من أن تحصى فلذلك تركنا الاستشهاد به # فإن قلت فهلا فوضت هذه الأفعال إلى ملك واحد ولم أفتقر إلى سبعة أملاك ~~والحنطة أيضا تحتاج إلى من يطحن أولا ثم إلى من يميز عنه النخالة ويدفع ~~الفضلة ثانيا ثم إلى من يصب الماء عليه ثالثا ثم إلى من يعجن رابعا ثم إلى ~~من يقطعه كرات مدورة خامسا ثم إلى من يرقها رغفانا عريضة سادسا ثم إلى من ~~يلصقها بالتنور سابعا ولكن قد يتولى جميع ذلك رجل واحد يستقل به فهلا كانت ~~أعمال الملائكة باطنا كأعمال الإنس ظاهرا فاعلم أن خلقه الملائكة تخالف ~~خلقة الإنس وما من واحد منهم إلا وهو وحدانى الصفة ليس فيه خلط وتركيب ~~ألبتة فلا يكون لكل واحد منهم إلا فعل واحد وإليه الإشارة بقوله تعالى وما ~~منا إلا وله مقام معلوم فلذلك ليس بينهم تنافس وتقاتل بل مثالهم فى تعين ~~مرتبة كل واحد منهم وفعله مثال الحواس الخمس فإن البصر لا يزاحم السمع فى ~~إدراك الأصوات ولا الشم يزاحمها ولا هما يتنازعان الشم وليس كاليد والرجل ~~فإنك قد تبطش بأصابع الرجل بطشا ضعيفا فتزاحم به اليد وقد تضرب غيرك برأسك ~~فتزاحم اليد التى هى آلة الضرب ولا كالإنسان الواحد الذى يتولى بنفسه الطحن ~~والعجن والخبز فإن هذا نوع من الاعوجاج والعدول عن العدل سببه اختلاف صفات ~~الإنسان واختلاف دواعيه فإنه ليس وحدانى الصفة فلم يكن وحدانى الفعل ولذلك ~~نرى الإنسان يطيع الله مرة ويعصيه أخرى لاختلاف دواعيه وصفاته وذلك غير ~~ممكن فى طباع الملائكة بل هم مجبولون على الطاعة PageV04P121 ضي الله عنه ~~ضي الله عنه عليه السلام ضي الله عنه ضي الله عنه ضي الله عنه لا مجال ~~للمعصية فى حقهم فلا جرم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ويسبحون ~~الليل والنهار لا يفترون والراكع منهم راكع أبدا والساجد منهم ساجد أبدا ~~والقائم قائم أبدا لا اختلاف فى أفعالهم ولا فتور ولكل واحد مقام معلوم لا ~~يتعداه وطاعتهم لله تعالى من حيث لا مجال للمخالفة فيهم يمكن أن تشبه بطاعة ~~أطرافك لك فإنك مهما جزمت الإرادة بفتح الأجفان لم يكن للجفن الصحيح تردد ~~واختلاف فى طاعتك مرة ومعصيتك أخرى بل كأنه منتظر لأمرك ونهيك ينفتح وينطبق ~~متصلا بإشارتك فهذا يشبهه من وجه ولكن يخالفه من وجه إذ الجفن لا علم له ~~بما يصدر منه من الحركة فتحا وإطباقا والملائكة أحياء عالمون بما يعملون ~~فإذن هذه نعمة الله عليك فى الملائكة الأرضية والسماوية وحاجتك إليها فى ~~غرض الأكل فقط دون ما عداها من الحركات والحاجات كلها فإنا لم نطول بذكرها ~~فهذه طبقة أخرى من طبقات النعم ومجامع الطبقات لا يمكن إحصاؤها فكيف آحاد ~~ما يدخل تحت مجامع الطبقات فإذن قد أسبغ الله تعالى نعمه عليك ظاهرة وباطنة ~~ثم قال وذروا ظاهر الإثم وباطنه فترك باطن الإثم مما لا يعرفه الخلق من ~~الحسد وسوء الظن والبدعة وإضمار الشر للناس إلى غير ذلك من آثام القلوب هو ~~الشكر للنعم الباطنة وترك الإثم الظاهر بالجوارح شكر للنعمة الظاهرة بل ~~أقول كل من عصى الله تعالى ولو فى طريفة واحدة بأن فتح جفنه مثلا حيث يجب ~~غض البصر فقد كفر كل نعمة لله تعالى عليه فى السموات والأرض وما بينهما فإن ~~كل ما خلقه الله تعالى حتى الملائكة والسموات والأرض والحيوانات والنبات ~~بجملته نعمة على كل واحد من العباد قد نم به انتفاعه وإن انتفع غيره أيضا ~~به فإن لله تعالى فى كل تطريفة بالجفن نعمتين فى نفس الجفن إذ خلق تحت كل ~~جفن عضلات ولها أوتار ورباطات متصلة بأعصاب الدماغ بها يتم انخفاض الجفن ~~الأعلى وارتفاع الجفن الأسفل وعلى كل جفن شعور سود ونعمة الله تعالى فى ~~سوادها أنها تجمع ضوء العين إذ البياض يفرق الضوء والسواد يجمعه ونعمة الله ~~تعالى فى ترتيبها صفا واحدا أن يكون مانعا للهوام من الدبيب إلى باطن العين ~~ومتشبثا للأفذاء التى تتناثر فى الهواء وله فى كل شعرة منها نعمتان من حيث ~~لين أصلها ومع اللين قوام نصبها وله فى اشتباك الأهداب نعمة أعظم من الكل ~~وهو أن غبار الهواء قد يمنع من فتح العين ولو طبق لم يبصر فيجمع الأجفان ~~مقدار ما تتشابك الأهداب فينظر من وراء شباك الشعر فيكون شباك الشعر مانعا ~~من وصول القذى من خارج وغير مانع من امتداد البصر من داخل ثم إن أصاب ~~الحدقة غبار فقد خلق أطراف الأجفان خادمة منطبقة على الحدقة كالمصقلة ~~للمرآة فيطبقها مرة أو مرتين وقد انصقلت الحدقة من الغبار وخرجت الأقذاء ~~إلى زوايا العين والأجفان والذباب لما لم يكن لحدقته جفن خلق له يدين فتراه ~~على الدوام يمسح بهما حدقتيه ليصقلهما من الغبار وإذ تركنا الاستقصاء ~~لتفاصيل النعم لافتقاره إلى تطويل يزيد على أصل هذا الكتاب ولعلنا نستأنف ~~له كتابا مقصودا فيه إن أمهل الزمان وساعد التوفيق نسميه عجائب صنعالله ~~تعالى فلنرجع إلى غرضنا فنقول من نظر إلى غير محرم فقد كفر بفتح العين نعمة ~~الله تعالى فى الأجفان ولا تقوم الأجفان إلا بعين ولا العين إلا برأس ولا ~~الرأس إلا بجميع البدن ولا البدن إلا بالغذاء ولا الغذاء إلا بالماء والأرض ~~والهواء والمطر والغيم والشمس والقمر ولا يقوم شىء من ذلك إلا بالسموات ولا ~~السموات إلا بالملائكة فإن الكل كالشىء الواحد يرتبط البعض منه بالبعض ~~ارتباط أعضاء البدن بعضها ببعض فإذن قد كفر كل نعمة فى الوجود من منتهى ~~الثريا إلى منتهى الثرى فلم يبق فلك ولا ملك ولا حيوان ولا نبات ولا جماد ~~إلا ويلعنه ولذا ورد فى الأخبار أن البقعة التى يجتمع فيها الناس إما أن ~~تلعنهم إذا تفرقوا أو تستغفر لهم + حديث أن البقعة التى اجتمع فيها الناس ~~تلعنهم أو تستغفر لهم لم أجد له أصلا + وكذلك ورد أن العالم يستغفر ~~PageV04P122 عليه السلام عليه السلام عليه السلام ضي الله عنه له كل شىء ~~حتى الحوت فى البحر + حديث إن العالم ليستغفر له كل شىء حتى الحوت فى البحر ~~تقدم فى العلم + وأن الملائكة يلعنون العصاة + حديث إن الملائكة يلعنون ~~العصاة أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة الملائكة تلعن أحدكم إذا أشار إلى ~~أخيه بحديدة وإن كان أخاه لأبيه وأمه + فى ألفاظ كثيرة لا يمكن إحصاؤها وكل ~~ذلك إشارة إلى أن العاصيبتطريفة واحدة جنى على جميع ما فى الملك والملكوت ~~وقد أهلك نفسه إلا أن يتبع السيئة بحسنة تمحوها فيتبدل اللعن بالاستغفار ~~فعسى الله أن يتوب عليه ويتجاوز عنه وأوحى الله تعالى إلى أيوب عليه السلام ~~يا أيوب ما من عبد لى من الآدميين إلا ومعه ملكان فإذا شكرنى على نعمائى ~~قال الملكان اللهم زده نعما على نعم فإنك أهل الحمد والشكر فكن من الشاكرين ~~قريبا فكفى بالشاكرين علو رتبة وعندى أنى أشكر شكرهم وملائكتى يدعون لهم ~~والبقاع تحبهم والآثار تبكى عليهم # وكما عرفت أن فى كل طرفة عين نعما كثيرة فاعلم أن فى كل نفس ينبسط وينقبض ~~نعمتين إذ بانبساطه يخرج الدخان المحترق من القلب ولو لم يخرج لهلك ~~وبانقباضه يجمع روح الهواء إلى القلب ولو سد متنفسه لاحترق قلبه بانقطاع ~~روح الهواء وبرودته عنه وهلك بل اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة وفى كل ~~ساعة قريب من ألف نفس وكل نفس قريب من عشر لحظات فعليك فى كل لحظة آلاف ~~آلاف نعمة فى كل جزء من أجزاء بدنك بل فى كل جزء من أجزاء العالم فانظر هل ~~يتصور إحصاء ذلك أم لا ولما انكشف لموسى عليه السلام حقيقة قوله تعالى وإن ~~تعدوا نعمة الله لا تحصوها قال إلهى كيف أشكرك ولك في كل شعرة من جسدى ~~نعمتان أن لينت أصلها وأن طمست رأسها وكذا ورد فى الأثر أن من لم يعرف نعم ~~الله فى مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه # وجميع ما ذكرناه يرجع إلى المطعم والمشرب فاعتبر ما سواه من النعم به فإن ~~البصير لا تقع عينه فى العالم على شىء ولا يلم خاطره بموجود إلا ويتحقق أن ~~لله فيه نعمة عليه فلنترك الاستقصاء والتفصيل فإنه طمع فى غير مطمع # | بيان السبب الصارف للخلق عن الشكر # اعلم أنه لم يقصر بالخلق عن شكر النعمة إلا الجهل والغفلة فإنهم منعوا ~~بالجهل والغفلة عن معرفة النعم ولا يتصور شكر النعمة إلا بعد معرفتها ثم ~~إنهم إن عرفوا نعمة ظنوا أن الشكر عليها أن يقول بلسانه الحمد لله الشكر ~~لله ولم يعرفوا أن معنى الشكر أن يستعمل النعمة فى إتمام الحكمة التى أريدت ~~بها وهى طاعة الله عز وجل فلا يمنع من الشكر بعد حصول هاتين المعرفتين إلا ~~غلبة الشهوة واستيلاء الشيطان # أما الغفلة عن النعم فلها أسباب وأحد أسبابها أن الناس يجهلهم لا يعدون ~~ما يعم الخلق ويسلم لهم فى جميع أحوالهم نعمة فلذلك لا يشكرون على جملة ما ~~ذكرناه من النعم لأنها عامة للخلق مبذولة لهم فى جميع أحوالهم فلا يرى كل ~~واحد لنفسه منهم اختصاصا به فلا يعده نعمة ولا تراهم يشكرون الله على روح ~~الهواء ولو أخذ بمختنقهم لحظة حتى انقطع الهواء عنهم ماتوا ولو حبسوا فى ~~بيت حمام فيه هواء حار أو فى بئر فيه هواء ثقل برطوبة الماء ماتوا غما فإن ~~ابتلى واحد منهم بشىء من ذلك ثم نجا ربما قدر ذلك نعمة وشكر الله عليها ~~وهذا غاية الجهل إذ صار شكرهم موقوفا على أن تسلب عنهم النعمة ثم ترد عليهم ~~فى بعض الأحوال والنعمة فى جميع الأحوال أولى بأن تشكر فى بعضها فلا ترى ~~البصير يشكر صحة بصره إلا أن تعمى عينيه فعند ذلك لو أعيد عليه بصره ~~PageV04P123 أحس به وشكره وعده نعمة ولما كانت رحمة الله واسعة عمم الخلق ~~وبذل لهم فى جميع الأحوال فلم يعده الجاهل نعمة وهذا الجاهل مثل العبد ~~السوء حقه أن يضرب دائما حتى إذا ترك ضربه ساعة تقلد به منة فإن ترك ضربه ~~على الدوام غلبه البطر وترك الشكر فصار الناس لا يشكرون إلا المال الذى ~~يتطرق الاختصاص إليه من حيث الكثرة والقلة وينسون جميع نعم الله تعالى ~~عليهم كما شكا بعضهم فقره إلى بعض أرباب البصائر وأظهر شدة اغتمامه به فقال ~~له أيسرك أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم فقال لا فقال أيسرك أنك أخرس ولك ~~عشرة آلاف درهم فقال لا فقال أيسرك أن أقطع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفا ~~فقال لا فقال أيسرك أنك مجنون ولك عشر آلاف درهم فقال لا فقال أما تستحى أن ~~تشكو مولاك وله عندك عروض بخمسين ألفا # وحكى أن بعض القراء اشتد به الفقر حتى ضاق به ذرعا فرأى فى المنام كأن ~~قائلا يقول له تود أنا أنسيناك من القرآن سورة الأنعام وأن لك ألف دينار ~~قال لا قال فسورة هود قال لا قال فسورة يوسف قال لا فعدد عليه سورا ثم قال ~~فمعك قيمة مائة ألف دينار وأنت تشكو فأصبح وقد سرى عنه # ودخل ابن السماك على بعض الخلفاء وبيده كوز ماء يشربه فقال له عظنى فقال ~~لو لم تعط هذه الشربة إلا ببذل جميع أموالك وإلا بقيت عطشان فهل كنت تعطيه ~~قال نعم فقال لو لم تعط إلا بملكك كله فهل كنت تتركه قال نعم قال فلا تفرح ~~بملك لا يساوى شربة ماء # فهذا تبين أن نعمة الله تعالى على العبد فى شربة ماء عند العطش أعظم من ~~ملك الأرض كلها وإذا كانت الطباع مائلة إلى اعتداد النعمة الخاصة دون ~~العامة وقد ذكرنا النعم العامة فلنذكر إشارة وجيزة إلى النعم الخاصة فنقول ~~ما من عبد إلا ولو أمعن النظر فى أحواله رأى من الله نعمة أو نعما كثيرة ~~تخصه لا يشاركه فيها الناس كافة بل يشاركه عدد يسير من الناس وربما لا ~~يشاركه فيها أحد وذلك يعترف به كل عبد فى ثلاثة أمور فى العقل والخلق ~~والعلم # أما العقل فما من عبد لله تعالى إلا وهو راض عن الله فى عقله يعتقد أنه ~~أعقل الناس وقل من يسأل الله العقل وإن من شرف العقل أن يفرح به الخالى عنه ~~كما يفرح به المتصف به فإذا كان اعتقاده أنه أعقل الناس فواجب عليه أن ~~يشكره لأنه إن كان كذلك فالشكر واجب عليه وإن لم يكن ولكنه يعتقد أنه كذلك ~~فهو نعمة فى حقه فمن وضع كنزا تحت الأرض فهو يفرح به ويشكره عليه فإن أخذ ~~الكنز من حيث لا يدرى فيبقى فرحه بحسب اعتقاده ويبقى شكره لأنه فى حقه ~~كالباقى # وأما الخلق فما من عبد إلا ويرى من غيره عيوبا يكرهها وأخلاقا يذمها ~~وإنما يذمها من حيث يرى نفسه بريئا عنها فإذا لم يشتغل بذم الغير فينبغى أن ~~يشتغل بشكر الله تعالى إذ حسن خلقه وابتلى غيره بالخلق السىء # وأما العلم فما من أحد إلا ويعرف بواطن أمور نفسه وخفايا أفكاره وما هو ~~منفرد به ولو كشف الغطاء حتى اطلع عليه أحد من الخلق لافتضح فكيف لو اطلع ~~الناس كافة فإذن لكل عبد علم بأمر خاص لا يشاركه فيه أحد من عباد الله فلم ~~لا يشكر ستر الله الجميل الذي أرسله على وجه مساويه فأظهر الجميل وستر ~~القبيح وأخفى ذلك عن أعين الناس وخصص علمه به حتى لا يطلع عليه أحد فهذه ~~ثلاثة من النعم خاصة يعترف بها كل عبد إما مطلقا وأما فى بعض الأمور فلننزل ~~عن هذه الطبقة إلى طبقة أخرى أعم منها قليلا فنقول ما من عبد إلا وقد رزقه ~~الله تعالى فى صورته أو شخصه أو أخلاقه أو صفاته أو أهله أو ولده أو مسكنه ~~أو بلده أو رفيقه أو أقاربه أو عزه أو جاهه أو فى سائر محابه أمورا ~~PageV04P124 لو سلب ذلك منه وأعطى ما خصص به غيره لكان لا يرضى به وذلك مثل ~~أن جعله مؤمنا لا كافرا وحيا لا جمادا وإنسانا لا بهيمة وذكرا لا أنثى ~~وصحيحا لا مريضا وسليما لا معيبا فإن كل هذه خصائص وإن كان فيها عموم أيضا ~~فإن هذا الأحوال لو بدلت بأضدادها لم يرض بها بل له أمور لا يبدلها بأحوال ~~الآدميين أيضا وذلك إما أن يكون بحيث لا يبدله بما خص به أحد من الخلق أو ~~لا يبدله بما خص به الأكثر فإذا كان لا يبدل حال نفسه بحال غيره فإذن حاله ~~أحسن من حال غيره وإذا كان لا يعرف شخص يرتضى لنفسه حالة بدلا عن حال نفسه ~~إما على الجملة وإما فى أمر خاص فإذن لله عليه نعم ليست له على أحد من ~~عباده سواه وإن كان يبدل حال نفسه بحال بعضهم دون البعض فلينظر إلى عدد ~~المغبوطين عنده فإنه لا محالة يراهم أقل بالإضافة إلى غيرهم فيكون من دونه ~~فى الحال أكثر بكثير مما هو فوقه فما باله ينظر إلى من فوقه ليزدرى نعم ~~الله تعالى على نفسه ولا ينظر إلى من دونه ليستعظم نعم الله عليه وما باله ~~لا يسوى دنياه بدينه أليس إذا لامته نفسه على سيئة يقارفها يعتذر إليها بأن ~~فى الفساق كثرة فينظر أبدا فى الدين إلى من دونه لا إلى من فوقه فلم لا ~~يكون نظره فى الدنيا كذلك فإذا كان حال أكثر الخلق فى الدين خيرا منه وحاله ~~فى الدنيا خير من حال أكثر الخلق فكيف لا يلزمه الشكر وإذا قال صلى الله ~~عليه وسلم من نظر فى الدنيا إلى من هو دونه ونظر فى الدين إلى من هو فوقه ~~كتبه الله صابرا وشاكرا ومن نظر فى الدنيا إلى من هو فوقه وفى الدين إلى من ~~هو دونه لم يكتبه الله صابرا ولا شاكرا + حديث من نظر فى الدنيا إلى من هو ~~دونه ونظر فى الدين إلى من هو فوقه كتبه الله صابرا وشاكرا الحديث أخرجه ~~الترمذى من حديث عبد الله بن عمرو وقال غريب وفيه المثنى بن الصباح ضعيف لا ~~غناء بعده ولا فقر معه أخرجه أبو يمنى والطبرانى من حديث أنس بسند ضعيف ~~بلفظ أن القرآن غنى لا فقر بعده ولا غنى دونه قال الدارقطنى رواه أبو ~~معاوية عن الأعمش عن يزيد الرقاشى عن الحسن مرسلا وهو أشبه بالصوابفإذن كل ~~من اعتبر حال نفسه وفتش عما خص به وحد الله تعالى على نفسه نعما كثيرة لا ~~سيما من خص بالسنة والإيمان والعلم والقرآن ثم الفراغ والصحة والأمن وغير ~~ذلك وقيل # من شاء عيشا رحيل يستطيل به % في دينه ثم في دنياه إقبالا # فلينظر إلى من فوقه ورعا % ولينظرن إلى من دونه مالا # وقال صلى الله عليه وسلم من يستغن بآيات الله فلا أغناه الله وهذا إشارة ~~إلى نعمة العلم وقال عليه السلام إن القرآن هو الغنى الذي لا غنى بعده ولا ~~فقر معه وقال عليه السلام من أتاه الله القرآن فظن أن أحدا أغنى منه فقد ~~استهزأ بآيات الله + حديث من أتاه الله القرآن فظن أن أحدا أغنى منه فقد ~~استهزأ بآيات الله أخرجه البخارى فى التاريخ من حديث رجاء الفنوي بلفظ من ~~آتاه الله حفظ كتابه وظن أن أحدا أوتي أفضل مما أوتى فقد صغر أعظم النعم ~~وقد تقدم فى فضل القرآن ورجاء مختلف فى صحبته وورد من حديث عبد الله بن ~~عمرو وجابر والبراء نحوه وكلها ضعيفة + وقال صلى الله عليه سلم ليس منا من ~~لم يتغن بالقرآن + حديث ليس منا من لم يتغنى بالقرآن تقدم فى أداب التلاوة ~~+ وقال عليه السلام كفى باليقين غنى + حديث كفى باليقين غنى رواه الطبرانى ~~من حديث عقبة بن عامر ورواه ابن أبى الدنيا فى القناعة موقوفا عليه وقد ~~تقدم + وقال بعض السلف يقول الله تعالى فى بعض الكتب المنزلة أن عبدا ~~أغنيته عن ثلاثة لقد أتممت عليه نعمتي عن سلطان يأتيه وطبيب يداويه وعما فى ~~يد أخيه وعبر الشاعر عن هذا فقال # إذا ما القوت يأتيك % كذا الصحة والأمن # وأصبحت أخا حزن % فلا فارقك الحزن PageV04P125 # بل أرشق العبارات وأفصح الكلمات كلام أفصح من نطق بالضاد حيث عبر صلى ~~الله عليه وسلم عن هذا المعنى فقال من أصبح آمنا فى سربه معافى فى بدنه ~~عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها + حديث من أصبح آمنا فى ~~سربه الحديث تقدم غير مرة + ومهما تأملت الناس كلهم وجدتهم يشكون ويتألمون ~~من أمور وراء هذه الثلاث مع أنها وبال عليهم ولا يشكرون نعمة الله فى هذه ~~الثلاث ولا يشكرون نعمة الله عليهم فى الإيمان الذى به وصولهم إلى النعيم ~~المقيم والملك العظيم بل البصير بنبغى أن لا يفرح إلا بالمعرفة واليقين ~~والإيمان بل نحن نعلم من العلماء من لو سلم إليه جميع ما دخل تحت قدرة ملوك ~~الأرض من المشرق إلى المغرب من أموال وأتباع وأنصار وقيل له خذها عوضا عن ~~علمك بل عن عشر عشير علمك لم يأخذه وذلك لرجائه أن نعمة العلم تفضى به إلى ~~قرب الله تعالى فى الآخرة بل لو قيل له لك فى الآخرة ما ترجوه بكماله فخذ ~~هذه اللذات فى الدنيا بدلا عن التذاذك بالعلم فى الدنيا وفرحك به لكان لا ~~يأخذه لعلمه بأن لذة العلم دائمة لا تنقطع وباقية لا تسرق ولا تعصب ولا ~~ينافس فيها وأنها صافيه لا كدورة فيها ولذات الدنيا كلها ناقصة مكدرة مشوشة ~~لا يفى مرجوها بمخوفها ولا لذتها بألمها ولا فرحها بغمها هكذا كانت إلى ~~الآن وهكذا تكون ما بقى من الزمان إذ ما خلقت لذات الدنيا إلا لتجلب بها ~~العقول الناقصة وتخدع حتى إذا انخدعت وتقيدت بها أبت عليها واستعصت كالمرأة ~~الجميل ظاهرها تتزين للشاب الشبق الغنى حتى إذا تقيد بها قلبه استعصت عليه ~~واحتجبت عنه فلا يزال معها فى تعب قائم وعناء دائم وكل ذلك باغتراره بلذة ~~النظر إليها فى لحظة ولو عقل وغض البصر واستهان بتلك اللذة سلم جميع عمره ~~فهكذا وقعت أرباب الدنيا فى شباك الدنيا وحبائلها ولا ينبغى أن نقول إن ~~المعرض عن الدنيا متألم بالصبر عنها فإن المقبل عليها أيضا متألم بالصبر ~~عليها وحفظها وتحصيلها ودفع اللصوص عنها وتألم المعرض يفضى إلى لذة فى ~~الآخرة وتألم المقبل يفضى إلى الألم فى الآخرة فليقرأ المعرض عن الدنيا على ~~نفسه قوله تعالى ولا تهنوا فى ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون ~~كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون فإذن إنما انسد طريق الشكر على ~~الخلق لجهلهم بضروب النعم الظاهرة والباطنة والخاصة والعامة # فإن قلت فما علاج هذه القلوب الغافلة حتى تشعر بنعم الله تعالى فعساها ~~تشكر فأقول أما القلوب البصيرة فعلاجها التأمل فيما رمزنا إليه من أصناف ~~نعم الله تعالى العامة وأما القلوب البليدة التى لا تعد النعمة نعمة إلا ~~إذا خصتها أو شعرت بالبلاء معها فسبيله أن ينظر أبدا إلى من دونه ويفعل ما ~~كان يفعله بعض الصوفيه إذ كان كل يوم يحضر دار المرضى والمقابر والمواضع ~~التى تقام فيها الحدود فكان يحضر دار المرضى ليشاهد أنواع بلاء الله تعالى ~~عليهم ثم يتأمل فى صحته وسلامته فيشعر قلبه بنعمة الصحة عند شعوره ببلاء ~~الأمراض ويشكر الله تعالى ويشاهد الجناة الذين يقتلون وتقطع أطرافهم ~~ويعذبون بأنواع العذاب ليشكر الله تعالى على عصمته من الجنايات ومن تلك ~~العقوبات ويشكر الله تعالى على نعمة الأمن ويحضر المقابر فيعلم أن أحب ~~الأشياء إلى الموتى أن يردوا إلى الدنيا ولو يوما واحدا أما من عصى الله ~~تعالى فليتدارك وأما من أطاع فليزد فى طاعته فإن يوم القيامة يوم التغابن ~~فالمطيع مغبون إذ يرى جزاء طاعته فيقول كنت أقدر على أكثر من هذه الطاعات ~~فما أعظم غبنى إذ ضيعت بعض الأوقات فى المباحات وأما العاصى فغبنه ظاهر ~~فإذا شاهد المقابر وعلم أن أحب الأشياء إليهم أن يكون قد بقى لهم من العمر ~~ما بقى له فيصرف بقية العمر إلى ما يشتهى أهل القبور العود لأجله ليكون ذلك ~~معرفة لنعم الله تعالى فى بقية العمر بل فى الإمهال فى كل نفس من الأنفاس ~~وإذا عرف تلك النعمة شكر بأن يصرف العمر إلى ما خلق العمر لأجله وهو التزود ~~من الدنيا للآخرة فهذا علاج هذه القلوب الغافلة لتشعر بنعم الله تعالى ~~PageV04P126 فعساها تشكر وقد كان الربيع بن خيثم مع تمام استبصاره يستعين ~~بهذه الطريق تأكيد اللمعرفة فكان قد حفر فى داره قبرا فكان يضع غلا فى عنقه ~~وينام فى لحده ثم يقول رب ارجعون لعلى أعمل صالحا ثم يقوم ويقول يا ربيع قد ~~أعطيت ما سألت فاعمل قبل أن تسأل الرجوع فلا ترد # ومما ينبغى أن تعالج به القلوب البعيدة عن الشكر أن تعرف أن النعمة إذا ~~لم تشكر زالت ولم تعد ولذلك كان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول عليكم ~~بملازمة الشكر على النعم فقل نعمة زالت عن القوم فعاذت إليهم وقال بعض ~~السلف النعم وحشية فقيدوها بالشكر وفى الخبر ما عظمت نعمة الله تعالى على ~~عبد إلا كثرت حوائج الناس إليه فمن تهاون بهم عرض تلك النعمة للزوال + حديث ~~ما عظمت نعمة الله على عبد إلا كثرت حوائج الناس إليه الحديث أخرجه ابن عدى ~~وابن حبان فى الضعفاء من حديث معاذ بن جبل بلفظ إلا عظمت مؤنة الناس عليه ~~فمن لم يحتمل تلك المونة الحديث ورواه ابن حبان فى الضعفاء من حديث ابن ~~عباس وقال أنه موضوع على حجاج الأعور + وقال الله سبحانه وتعالى إن الله لا ~~يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فهذا تمام هذا الركن الركن الثالث من ~~كتاب الصبر والشكر # فيما يشترك فيه الصبر والشكر ويرتبط أحدهما بالآخر # بيان وجه اجتماع الصبر والشكر على شىء واحد # لعلك تقول ما ذكرته في النعم إشارة إلى أن لله تعالى فى كل موجود نعمة ~~وهذا يشير إلى أن البلاء لا وجود له أصلا فما معنى الصبر إذن وإن كان ~~البلاء موجودا فما معنى الشكر على البلاء وقد ادعى مدعون أنا نشكر على ~~البلاء فضلا عن الشكر على النعمة فكيف يتصور الشكر على البلاء وكيف يشكر ~~على ما يصبر عليه والصبر على البلاء يستدعى ألما والشكر يستدعى فرحا وهما ~~يتضادان وما معنى ما ذكرتموه من أن لله تعالى فى كل ما أوجده نعمة على ~~عباده فاعلم أن البلاء موجود كما أن النعمة موجودة والقول بإثبات النعمة ~~يوجب القول بإثبات البلاء لأنهما متضادان ففقد البلاء نعمة وفقد النعمة ~~بلاء ولكن قد سبق أن النعمة تنقسم إلى نعمة مطلقة من كل وجه أما فى الآخرة ~~فكسعادة العبد بالنزول فى جوار الله تعالى وأما فى الدنيا فكالإيمان وحسن ~~الخلق وما يعين عليهما وإلى نعمة مقيدة من وجه دون وجه كالمال الذى يصلح ~~الدين من وجه ويفسده من وجه فكذلك البلاء ينقسم إلى مطلق ومقيد أما المطلق ~~فى الآخرة فالبعد من الله تعالى إما مدة وأما أبدا # وأما فى الدنيا فالكفر والمعصية وسوء الخلق وهى التى تفضى إلى البلاء ~~المطلق # وأما المقيد فكالفقر والمرض والخوف وسائر أنواع البلاء التى لا تكون بلاء ~~فى الدين بل فى الدنيا فالشكر المطلق للنعمة المطلقة وأما البلاء المطلق فى ~~الدنيا فقد لا يؤمر بالصبر عليه لأن الكفر بلاء ولا معنى للصبر عليه وكذا ~~المعصية بل حق الكافر أن يترك كفره وكذا حق العاصي نعم الكافر قد لا يعرف ~~أنه كافر فيكون كمن به علة وهو لا يتألم بسبب غشية أو غيرها فلا صبر عليها ~~والعاصي يعرف أنه عاص فعليه ترك المعصية بل كل بلاء يقدر الإنسان على دفعه ~~فلا يؤمر بالصبر عليه فلو ترك الإنسان الماء مع طول العطش حتى عظم تألمه ~~فلا يؤمر بالصبر عليه بل يؤمر بإزالة الألم وإنما الصبر على ألم ليس إلى ~~العبد إزالته فإذن يرجع الصبر فى الدنيا إلى ما ليس ببلاء مطلق بل يجوز أن ~~يكون نعمة من وجه فلذلك يتصور أن يجتمع عليه وظيفة الصبر والشكر فإن الغنى ~~مثلا يجوز أن يكون PageV04P127 سببا لهلاك الإنسان حتى يقصد بسبب ما له ~~فيقتل وتقتل أولاده والصحة أيضا كذلك فما من نعمة من هذه النعم الدنيوية ~~إلا ويجوز أن تصير بلاء ولكن بالإضافة إليه فكذلك ما من بلاء إلا ويجوز أن ~~يصير نعمة ولكن بالإضافة إلى حالة فرب عبد تكون الخيرة له فى الفقر والمرض ~~ولو صح بدنه وكثر ماله لبطر وبغى قال الله تعالى ولو بسط الله الرزق لعباده ~~لبغوا فى الأرض وقال تعالى كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى وقال صلى ~~الله عليه وسلم إن الله ليحمى عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما يحمى ~~أحدكم مريضه + حديث إن الله ليحمى عبده من الدنيا الحديث أخرجه الترمذى ~~وحسنه والحاكم وصححه وقد تقدم + وكذلك الزوجة والولد والقريب وكل ما ذكرناه ~~فى الأقسام الستة عشر من النعم سوى الإيمان وحسن الخلق فإنها يتصور أن تكون ~~بلاء فى حق بعض الناس فتكون أضدادها إذن نعما فى حقهم إذ سبق أن المعرفة ~~كمال ونعمة فإنها صفة من صفات الله تعالى ولكن قد تكون على العبد فى بعض ~~الأمور بلاء ويكون فقدها نعمة مثاله جهل الإنسان بأجله فإنه نعمة عليه إذ ~~لو عرفه ربما تنغص عليه العيش وطال بذلك غمه وكذلك جهله بما يضمره الناس ~~عليه من معارفه وأقاربه نعمة عليه إذ لو رفع الستر واطلع عليه لطال ألمه ~~وحقده وحسده واشتغاله بالانتقام وكذلك جهله بالصفات المذمومة من غيره نعمة ~~عليه إذ لو عرفها أبغضه وآذاه وكان ذلك وبالا عليه فى الدنيا والآخرة بل ~~جهله بالصفات المحمودة فى غيره قد يكون نعمة عليه فإنه ربما يكون وليا لله ~~تعالى وهو يضطر إلى إيذائه وإهانته ولو عرف ذلك وآذى كان إثمه لا محالة ~~أعظم فليس من آذى نبيا أو وليا وهو يعرف كمن آذى وهو لا يعرف ومنها إبهام ~~الله تعالى أمر القيامة وإبهامه ليلة القدر وساعة يوم الجمعة وإبهامه بعض ~~الكبائر فكل ذلك نعمة لأن هذا الجهل يوفر دواعيك على الطلب والاجتهاد فهذه ~~وجوه نعم الله تعالى فى الجهل فكيف فى العلم وحيث قلنا إن لله تعالى فى كل ~~موجود نعمة فهو حق وذلك مطرد فى حق كل أحد ولا يستثنى عنه بالظن إلا الآلام ~~التى يخلقها فى بعض الناس وهى أيضا قد تكون نعمة فى حق المتألم بها فإن لم ~~تكن نعمة فى حقه كالألم الحاصل من المعصية كقطعه يد نفسه ووشمه بشرته فإنه ~~يتألم به وهو عاص به وألم الكفار فى النار فهو أيضا نعمة ولكن فى حق غيرهم ~~من العباد لا فى حقهم لأن مصائب قوم عند قوم فوائد ولولا أن الله تعالى خلق ~~العذاب وعذب به طائفة لما عرف المتنعمون قدر نعمه ولو كثر فرحهم بها ففرح ~~أهل الجنة إنما يتضاعف إذا تفكروا فى آلام أهل النار أما ترى أهل الدنيا ~~ليس يشتد فرحهم بنور الشمس مع شدة حاجتهم إليه من حيث إنها عامة مبذولة ولا ~~يشتد فرحهم بالنظر إلى زينة السماء وهى أحسن من كل بستان لهم فى الأرض ~~يجتهدون فى عمارته ولكن زينة السماء لما عمت لم يشعروا بها ولم يفرحوا ~~بسببها فإذن قد صح ما ذكرناه من أن الله تعالى لم يخلق شيئا إلا وفيه حكمة ~~ولا خلق شيئا إلا وفيه نعمة إما على جميع عباده أو على بعضهم فإذن فى خلق ~~الله تعالى البلاء نعمة أيضا إما على المبتلى أو على غير المبتلى فإذن كل ~~حالة لا توصف بأنها بلاء مطلق ولا نعمة مطلقة فيجتمع فيها على العبد ~~وظيفتان الصبر والشكر جميعا # فإن قلت فهما متضادان فكيف يجتمعان إذ لا صبر إلا على غم ولا شكر إلا على ~~فرح فاعلم أن الشىء الوحيد قد يغتم به من وجه ويفرح به من وجه آخر فيكون ~~الصبر من حيث الاغتمام والشكر من حيث الفرح وفى كل فقر ومرض وخوف وبلاء فى ~~الدنيا خمسة أمور ينبغى أن يفرح الغافل بها ويشكر عليها أحدها أن كل مصيبة ~~ومرض فيتصور أن يكون أكبر منها إذ مقدورات الله تعالى لا تتناهى فلو ضعفها ~~الله PageV04P128 تعالى وزادها ماذا كان يرده ويحجزه فليشكر إذ لم تكن أعظم ~~منها فى الدنيا الثاني أنه كان يمكن أن تكون مصيبته فى دينه قال رجل لسهل ~~رضى الله تعالى عنه دخل اللص بيتى وأخذ متاعى فقال اشكر الله تعالى لو دخل ~~الشيطان قلبك فأفسد التوحيد ماذا كنت تصنع ولذلك استعاذ عيسى عليه الصلاة ~~والسلام فى دعائه إذ قال اللهم لا تجعل مصيبتى فى دينى وقال عمر بن الخطاب ~~رضى الله تعالى عنه ما ابتليت ببلاء إلا كان لله تعالى على فيه أربع نعم إذ ~~لم يكن فى دينى وإذ لم يكن أعظم منه وإذ لم أحرم الرضا به وإذ أرجو الثواب ~~عليه وكان لبعض أرباب القلوب صديق فحبسه السلطان فأرسل إليه يعلمه ويشكو ~~إليه فقال له اشكر الله فضربه فأرسل إليه يعلمه ويشكو إليه فقال اشكر الله ~~فجىء بمجوسى فحبس عنده وكان مبطونا فقيد وجعل حلقة من قيده فى رجله وحلقة ~~فى رجل المجوسى فأرسل إليه فقال اشكر الله فكان المجوسى يحتاج إلى أن يقوم ~~مرات وهو يحتاج إلى أن يقوم معه ويقف على رأسه حتى يقضى حاجته فكتب إليه ~~بذلك فقال اشكر الله فقال إلى متى هذا وأى بلاء أعظم من هذا فقال لو جعل ~~الزنار الذى فى وسطه على وسطك ماذا كنت تصنع فإذن ما من إنسان أصيب ببلاء ~~إلا ولو تأمل حق التأمل فى سوء أدبه ظاهرا وباطنا فى حق مولاه لكان يرى أنه ~~يستحق أكثر مما أصيب به عاجلا وآجلا ومن استحق عليك أن يضربك مائة سوط ~~فاقتصر على عشرة فهو مستحق للشكر ومن استحق عليك أن يقطع يديك فترك إحداهما ~~فهو مستحق للشكر ولذلك مر بعض الشيوخ فى شارع فصب على رأسه طشت من رماد ~~فسجد لله تعالى سجدة الشكر فقيل له ما هذه السجدة فقال كنت أنتظر أن تصب ~~على النار فالاقتصار على الرماد نعمة وقيل لبعضهم لا تخرج إلى الاستسقاء ~~فقد احتبست الأمطار فقال أنتم تستبطئون المطر وأنا استبطىء الحجر # فإن قلت كيف أفرح وأرى جماعة ممن زادت معصيتهم على معصيتى ولم يصابوا بما ~~اصبت به حتى الكفار فاعلم أن الكافر قد خبىء له ما هو أكثر وإنما أمهل حتى ~~يستكثر من الإثم ويطول عليه العقاب كما قال تعالى إنما نملى لهم ليزدادوا ~~إثما وأما المعاصى فمن أين تعلم أن فى العالم من هو أعصى منه ورب خاطر بسوء ~~أدب فى حق الله تعالى وفى صفاته أعظم وأطم من شرب الخمر والزنا وسائر ~~المعاصى بالجوارح ولذلك قال تعالى فى مثله وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ~~فمن أين تعلم أن غيرك أعصى منك ثم لعله قد أخرت عقوبته إلى الآخرة وعجلت ~~عقوبتك فى الدنيا فلم لا تشكر الله تعالى على ذلك وهذا هو الوجه الثالث فى ~~الشكر وهو أنه ما من عقوبة إلا وكان يتصور أن تؤخر إلى ألاخرة ومصائب ~~الدنيا يتسلى عنها بأسباب أخر تهون المصيبة فيخف وقعها ومصيبة الآخرة تدوم ~~وإن لم تدم فلا سبيل إلى تخفيفها بالتسلى إذ أسباب التسلى مقطوعة بالكلية ~~فى الآخرة عن المعذبين ومن عجلت عقوبته فى الدنيا فلا يعاقب ثانيا إذ قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم إن العبد إذا أذنب ذنبا فأصابته شدة أو بلاء ~~فى الدنيا فالله أكرم من أن يعذبه ثانيا + حديث إن العبد إذا أذنب ذنبا ~~فأصابه شدة وبلاء فى الدنيا فالله أكرم من أن يعذبه ثانيا أخرجه الترمذى ~~وابن ماجه من حديث على من أصاب فى الدنيا ذنبا عوقب به فالله أعدل من أن ~~يلي عقوبته على عبده الحديث لفظ ابن ماجه وقال الترمذي من أصاب حدا فعجل ~~عقوبته فى الدنيا وقال حسن وللشيخين من حديث عبادة بن الصامت ومن أصاب من ~~ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له الحديث + الرابع أن هذه المصيبة والبلية ~~كانت مكتوبة عليه فى أم الكتاب وكان لا بد من وصولها إليه وقد وصلت ووقع ~~الفراغ واستراح من بعضها أو من جميعها فهذه نعمة الخامس أن ثوابها ~~PageV04P129 أكثر منها فإن مصائب الدنيا طرق إلى الآخرة من وجهين أحدهما ~~الوجه الذى يكون به الدواء الكريه نعمة فى حق المريض ويكون المنع من أسباب ~~اللعب نعمة حق الصبى فإنه لو خلى واللعب كان يمنعه ذلك عن العلم والأدب ~~فكان يخسر جميع عمره فكذلك المالى والأهل والأقارب والأعضاء حتى العين التى ~~هى أعز الأشياء قد تكون سببا لهلاك الإنسان فى بعض الأحوال بل العقل الذى ~~هو أعز الأمور قد يكون سببا لهلاكه فالملحدة غدا يتمنون لو كانوا مجانين أو ~~صبيانا ولم يتصرفوا بعقولهم فى دين الله تعالى فما من شىء من هذه الأسباب ~~يوجد من العبد إلا ويتصور أن يكون له فيه خيرة دينية فعليه أن يحسن الظن ~~بالله تعالى ويقدر فيه الخيرة ويشكره عليه فإن حكمة الله واسعة وهو بمصالح ~~العباد أعلم من العباد وغدا يشكره العباد على البلايا إذا رأوا ثواب الله ~~على البلايا كما يشكر الصبى بعد العقل والبلوغ أستاذه وأباه على ضربه ~~وتأديبه إذيدرك ثمرة ما استفاده من التأديب والبلاء من الله تعالى تأديب ~~وعنايته بعباده أتم وأوفر من عناية الآباء بالأولاد فقد روى أن رجلا قال ~~لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوصنى قال لا تتهم الله فى شىء قضاه عليك + ~~حديث قال له رجل أوصنى قال لا تتهم الله فى شىء قضاه عليك رواه أحمد ~~والطبرانى من حديث عبادة بزيادة فى أوله وفى إسناده ابن لهيعة + ونظر صلى ~~الله عليه وسلم إلى السماء فضحك فسئل فقال عجبت لقضاء الله تعالى للمؤمن إن ~~قضى له بالسراء رضى وكان خيرا له وإن قضى له بالضراء رضى وكان خيرا له + ~~حديث نظر إلى السماء فضحك فسئل فقال عجبت لقضاء الله للمؤمن الحديث أخرجه ~~مسلم من حديث صهيب دون نظره إلى السماء وضحكه عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله ~~خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ~~ضراء صبر فكان خيرا له وللنسائى فى اليوم والليلة من حديث سعد بن أبى وقاص ~~عجبت من رضا الله للمؤمن إن أصابه خير حمد ربه وشكر الحديث + الوجه الثانى ~~أن رأس الخطايا المهلكة حب الدنيا ورأس أسباب النجاة التجافى بالقلب عن دار ~~الغرور ومواتاة النعم على وفق المراد من غير امتزاج ببلاء ومصيبة تورث ~~طمأنينة القلب إلى الدنيا وأسبابها وأنسه بها حتى تصير كالجنة فى حقه فيعظم ~~بلاؤه عند الموت بسبب مفارقته وإذا كثرت عليه المصائب انزعج قلبه عن الدنيا ~~ولم يسكن إليها ولم يأنس بها وصارت سجنا عليه وكانت نجاته منها غاية اللذة ~~كالخلاص من السجن ولذلك قال صلى الله عليه وسلم الدنيا سجن المؤمن وجنة ~~الكافر + حديث الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة ~~وقد تقدم + والكافر كل من أعرض عن الله تعالى ولم يرد إلا الحياة الدنيا ~~ورضى بها واطمأن إليها والمؤمن كل منقطع بقلبه عن الدنيا شديد الحنين إلى ~~الخروج منها والكفر بعضه ظاهر وبعضه خفى وبقدر حب الدنيا فى القلب يسرى فيه ~~الشرك الخفى بل الموحد المطلق هو الذى لا يحب إلا الواحد الحق فإذن فى ~~البلاء نعم من هذا الوجه فيجب الفرح به وأما التألم فهو ضرورى وذلك يضاهى ~~فرحك عند الحاجة إلى الحجامة بمن يتولى حجامتك مجانا أو يسقيك دواء نافعا ~~بشعا مجانا فإنك تتألم وتفرح فتصبر على الألم وتشكره على سبب الفرح فكل ~~بلاء فى الأمور الدنيوية مثاله الدواء الذى يؤلم فى الحال وينفع فى المآل ~~بل من دخل دار ملك للنضارة وعلم أنه يخرج منها لا محالة فرأى وجها حسنا لا ~~يخرج معه من الدار كان ذلك وبالا وبلاء عليه لأنه يورثه الأنس بمنزل لا ~~يمكنه المقام فيه ولو كان عليه فى المقام خطر من أن يطلع عليه الملك فيعذبه ~~فأصابه ما يكره حتى نفره عن المقام كان ذلك نعمة عليه والدنيا منزل وقد ~~دخلها الناس من باب الرحم وهم خارجون عنها من باب اللحد فكل ما يحقق أنسهم ~~بالمنزل فهو بلاء وكل ما يزعج قلوبهم عنها ويقطع أنسهم بها فهو نعمة فمن ~~عرف هذا تصور منه أن يشكر على البلايا ومن لم يعرف هذه النعم فى البلاء لم ~~يتصور منه الشكر لأن الشكر يتبع معرفة النعمة بالضرورة PageV04P130 ومن لا ~~يؤمن بأن ثواب المصيبة أكبر من المصيبة لم يتصور منه الشكر على المصيبة ~~وحكى أن أعرابيا عزى ابن عباس على أبيه فقال # اصبر نكن بك صابرين فإنما % صبر الرعية بعد صبر الرأس # خير من العباس أجرك بعده % والله خير منك للعباس # فقال ابن عباس ما عزانى أحد أحسن من تعزيته # والأخبار الواردة فى الصبر على المصائب كثيرة قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم من يرد الله به خيرا يصب منه + حديث من يرد الله به خير يصب منه ~~رواه البخارى من حديث أبى هريرة + وقال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ~~إذا وجهت إلى عبد من عبيدى مصيبة فى بدنه أو ماله أو لده ثم استقبل ذلك ~~بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا ~~وقال عليه السلام ما من عبد أصيب بمصيبة فقال كما أمره الله تعالى إنا لله ~~وإنه إليه راجعون اللهم أجرنى فى مصيبتى وأعقبنى خيرا منها إلا فعل الله ~~ذلك به وقال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى من سلبته كريمتيه فجزاؤه ~~الخلود فى دارى والنظر إلى وجهى وروى أن رجلا قال يا رسول الله ذهب مالى ~~وسقم جسمى فقال صلى الله عليه وسلم لا خير فى عبد لا يذهب ماله ولا يسقم ~~جسمه إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه وإذا ابتلاه صبره + حديث أن رجلا قال يا ~~رسول الله ذهب مالى وسقم جسدى فقال لا خير فى عبد لا يذهب ماله ولا يسقم ~~جسده إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه وإذا ابتلاه صبره أخرجه ابن أبى الدنيا ~~فى كتاب المرض والكفارات من حديث أبى سعيد الخدرى بإسناد فيه لين + وقال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل لتكون له الدرجة عند الله تعالى لا ~~يبلغها بعمل حتى يبتلى ببلاء فى جسمه فيبلغها بذلك + حديث إن الرجل ليكون ~~له الدرجه عند الله لا يبلغها بعمل حتى يبتلى ببلاء فى جسمه فيبلغها بذلك ~~رواه أبو داود فى رواية ابن داسه وابن العبد من حديث محمد بن خالد السلمى ~~عن أبيه عن جده وليس فى رواية اللؤلؤى ورواه أحمد وأبو يعلى والطبرانى من ~~هذا الوجه ومحمد بن خالد لم يرو عنه إلا أبو المليح الحسن بن عمر الرقى ~~وكذلك لم يرو عن خالد إلا ابنه محمد وذكر أبو نعيم أن ابن منده سمى جده ~~اللجلاج بن سليم فالله أعلم وعلى هذا فابنه خالد بن اللجلاج العامرى ذاك ~~مشهور روى عنه جماعة ورواه ابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر فى الصحابة من ~~رواية عبد الله بن أبى إياس بن أبى فاطمة عن أبيه عن جده ورواه البيهقى من ~~رواية إبراهيم السلمى عن أبيه عن جده فالله أعلم + وعن خباب بن الأرت قال ~~أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردائه فى ظل الكعبة فشكونا ~~إليه فقلنا يا رسول الله ألا تدعو الله تستنصره لنا فجلس محمرا لونه ثم قال ~~إن من كان قبلكم ليؤتى بالرجل فيحفر له فى الأرض حفيرة ويجاء بالمنشار ~~فيوضع على رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه + حديث خباب بن الأرت ~~أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برداء فى ظل الكعبة فشكونا ~~إليه الحديث تقدم + وعن على كرم الله وجهه قال أيما رجل حبسه السلطان ظلما ~~فمات فهو شهيد وإن ضربه فمات فهو شهيد وقال عليه السلام من إجلال الله ~~ومعرفة حقه أن لا تشكو وجعك ولا تذكر مصيبتك وقال أبو الدرداء رضى الله ~~تعالى عنه تولدون للموت وتعمرون للخراب وتحرصون على ما يفنى وتذرون ما يبقى ~~ألا حبذا المكروهات الثلاث الفقر والمرض والموت وعن أنس قال قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله تعالى بعبد خيرا وأراد أن يصافيه صب عليه ~~البلاء صبا وثجه عليه ثجا فإذا دعاه قالت الملائكة صوت معروف وإن دعاه ~~ثانيا فقال يا رب قال الله تعالى لبيك عبدى وسعديك لا تسألنى شيئا إلا ~~أعطيتك أو دفعت عنك ما هو خير وادخرت لك عندى ما هو أفضل منه فإذا كان يوم ~~القيامة جىء بأهل الأعمال فوفوا أعمالهم بالميزان أهل PageV04P131 الصلاة ~~والصيام والصدقة والحج ثم يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر ~~لهم ديوان يصب عليهم الأجر صبا كما كان يصب عليهم البلاء صبا فيود أهل ~~العافية فى الدنيا لو أنهم كانت تقرض أجسادهم بالمقاريض لما يرون ما يذهب ~~به أهل البلاء من الثواب + حديث أنس إذا أراد الله بعبد خيرا وأراد أن ~~يصافيه صب عليه البلاء صبا الحديث أخرجه ابن أبى الدنيا فى كتاب المرض من ~~رواية بكر بن خنيس عن يزيد الرقاشيعن أنس أخصر منه دون قوله فإذا كان يوم ~~القيامة إلى آخره وبكر بن خنيس والرقاشى ضعيفان ورواه الأصفهانى فى الترغيب ~~والترهيب بتمامه وأدخل بين بكر وبين الرقاشى ضرار بن عمرو وهو أيضا ضعيف + ~~فذلك قوله تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وعن ابن عباس رضى الله ~~تعالى عنهما قال شكا نبى من الأنبياء عليهم السلام إلى ربه فقال يا رب ~~العبد المؤمن يطيعك ويجتنب معاصيك تزوى عنه الدنيا وتعرض له البلاء ويكون ~~الكافر لا يطيعك ويجترىء عليك وعلى معاصيك تزوى عنه البلاء وتبسط له الدنيا ~~فأوحى الله تعالى إليه إن العباد والبلاء لي وكل يسبح بحمدى فيكون المؤمن ~~عليه من الذنوب فأزوى عنه الدنيا وأعرض له البلاء فيكون كفارة لذنوبه حتى ~~يلقانى فأجز به بحسناته ويكون الكافر له الحسنات فأبسط له فى الرزق وأزوى ~~عنه البلاء فأجزيه بحسناته فى الدنيا حتى يلقانى فأجزيه بسيئاته # وروى أنه لما نزل قوله تعالى من يعمل سوءا يجز به قال أبو بكر الصديق رضى ~~الله تعالى عنه كيف الفرح بعد هذه الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض ألست يصيبك الأذى ألست تحزن فهذا مما ~~تجزون به + حديث لما نزل قوله تعالى من يعمل سوءا يجز به قال أبو بكر ~~الصديق كيف الفرح بعد هذه الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر ~~الله لك يا أبا بكر ألست تمرض الحديث من رواية من لم يسم عن أبى بكر ورواه ~~الترمذى من وجه آخر بلفظ آخر وضعفه قال وليس له إسناد صحيح وقال الدارقطنى ~~وروى أيضا من حديث عمر ومن حديث الزبير قال وليس فيها شىء يثبت + يعنى أن ~~جميع ما يصيبك يكون كفارة لذنوبك وعن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم أنه قال إذا رأيتم الرجل يعطيه الله ما يحب وهو مقيم على معصيته ~~فاعلموا أن ذلك استدراج ثم قرأ قوله تعالى فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا ~~عليهم أبواب كل شىء + حديث عقبة بن عامر إذا رأيتم الرجل يعطيه الله ما يحب ~~وهو مقيم على معصيته فاعلموا أن ذلك استدراج الحديث رواه أحمد والطبرانى ~~والبيهقى فى الشعب بسند حسن + يعنى لما تركوا ما أمروا به فتحنا عليهم ~~أبواب الخير حتى إذا فرحوا بما أوتوا أى بما أعطوا من الخير أخذناهم بغتة # وعن الحسن البصري رحمه الله أن رجلا من الصحابة رضى الله عنهم رأى امرأة ~~كان يعرفها فى الجاهلية فكلمها ثم تركها فجعل الرجل يلتفت إليها وهو يمشى ~~فصدمه حائط فأثر فى وجهه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال صلى ~~الله عليه وسلم إذا أراد الله بعبد خيرا عجل له عقوبة ذنبه فى الدنيا + ~~حديث الحسن البصرى فى الرجل الذى رأى امرأة فجعل يلتفت إليها وهو يمشى ~~فصدمه حائط الحديث وفيه إذا أراد الله بعبد خيرا عجل له عقوبة ذنبه فى ~~الدنيا أخرجه أحمد والطبرانى بإسناد صحيح من رواية الحسن عن عبد الله بن ~~معقل مرفوعا ومتصلا ووصله الطبرانى أيضا من رواية الحسن عن عمار بن ياسر ~~ورواه أيضا من حديث ابن عباس وقد روى الترمذى وابن ماجه المرفوع منه من ~~حديث أنس وحسنه الترمذى + وقال على كرم الله وجهه ألا أخبركم بأرجى آية فى ~~القرآن قالوا بلى فقرأ عليهم @QB@ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ~~ويعفو عن كثير @QE@ فالمصائب فى الدنيا بكسب الأوزار فإذا عاقبه الله فى ~~الدنيا فالله أكرم من أن يعذبه ثانيا وإن عفا عنه فى الدنيا فالله أكرم من ~~أن يعذبه يوم القيامة وعن أنس رضى الله تعالى منه عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم قال ما تجرع عبد قط جرعتين أحب إلى الله من جرعة غيظ ردها بحلم وجرعة ~~مصيبة يصبر الرجل لها ولا قطرت قطرة أحب إلى الله من قطرة دم أهريقت فى ~~سبيل الله أو قطرة دمع فى سواد الليل وهو ساجد ولا يراه إلا الله وما خطا ~~عبد PageV04P132 خطوتين أحب إلى الله تعالى من خطوة إلى صلاة الفريضة وخطوة ~~إلى صلة الرحم + حديث أنس ما تجرع عبد قط جرعتين أحب إلى الله من جرعة غيظ ~~ردها بحلم وجرعة مصيبة يصبر الرجل لها الحديث أخرجه أبو بكر بن لال فى ~~مكارم الأخلاق من حديث على بن أبى طالب دون ذكر الجرعتين وفيه محمد بن صدقة ~~وهو الفلكى منكر الحديث وروى ابن ماجه من حديث ابن عمر بإسناد جيد ما من ~~جرعة أعظم عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله وروى أبو منصور ~~الديلمى فى مسند الفردوس من حديث أبى أمامة ما قطر فى الأرض قطرة أحب إلى ~~الله عز وجل من دم رجل مسلم فى سبيل الله أو قطرة دمع فى سواد الليل الحديث ~~وفيه محمد بن صدقة وهو الفلكى المنكر الحديث + # وعن أبى الدرداء قال توفى ابن لسليمان بن داود عليهما السلام فوجد عليه ~~وجدا شديدا فأتاه ملكان فجثيا بين يديه فى زى الخصوم فقال أحدهما بذرت بذرا ~~فلما استحصد مر به هذا فأفسده فقال للآخر ما تقول فقال أخذت الجادة فأتيت ~~على زرع فنظرت يمينا وشمالا فإذا الطريق عليه فقال سليمان عليه السلام ولم ~~بذرت على الطريق أما علمت أن لا بد للناس من الطريق قال فلم تحزن على ولدك ~~أما علمت أن الموت سبيل الآخرة فتاب سليمان إلى ربه ولم يجزع على ولد بعد ~~ذلك # ودخل عمر بن عبد العزيز على ابن له مريض فقال يا بنى لأن تكون فى ميزانى ~~أحب إلى من أن أكون فى ميزانك فقال يا أبت لأن يكون ما تحب أحب إلى من أن ~~يكون ما أحب # وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه نعى إليه ابنه له فاسترجع وقال عورة ~~سترها الله تعالى ومؤنة كفاها الله وأجر قد ساقة الله تعالى ثم نزل فصلى ~~ركعتين ثم قال قد صنعنا ما أمر الله تعالى قال تعالى @QB@ واستعينوا بالصبر ~~والصلاة @QE@ # وعن ابن المبارك أنه مات له ابن فعزاه مجوسى يعرفه فقال له ينبغى للعاقل ~~أن يفعل اليوم ما يفعله الجاهل بعد خمسة أيام فقال ابن المبارك اكتبوا عنه ~~هذه # وقال بعض العلماء إن الله ليبتلى العبد بالبلاء بعد البلاء حتى يمشى على ~~الأرض وماله ذنب # وقال الفضيل إن الله عز وجل ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد ~~الرجل أهله بالخير # وقال حاتم الأصم إن الله عز وجل يحتج يوم القيامة على الخلق بأربعة أنفس ~~على أربعة أجناس على الأغنياء بسليمان وعلى الفقراء بالمسيح وعلى العبيد ~~بيوسف وعلى المرضى بأيوب صلوات الله عليهم # وروى أن زكريا عليه السلام لما هرب من الكفار من بنى إسرائيل واختفى فى ~~الشجرة فعرفوا ذلك فجىء بالمنشار فنشرت الشجرة حتى بلغ المنشار إلى رأس ~~زكريا فأن منه أنة فأوحى الله تعالى إليه يا زكريا لئن صعدت منك أنة ثانية ~~لأمحونك من ديوان النبوة فعض زكريا عليه السلام على أصبعه حتى قطع شطرين # وقال أبو مسعود البلخى من أصيب بمصيبة فمزق ثوبا أو ضرب صدرا فكأنما أخذ ~~رمحا يريد أن يقاتل به ربه عز وجل # وقال لقمان رحمه الله لابنه يا بنى إن الذهب يجرب بالنار والعبد الصالح ~~يجرب بالبلاء فإذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله ~~السخط # وقال الأحنف بن قيس أصبحت يوما أشتكي ضرسى فقلت لعمى ما نمت البارحة من ~~وجع الضرس حتى قلعتها ثلاثا فقال لقد أكثرت من ضرسك فى ليلة واحدة وقد ذهبت ~~عينى هذه منذ ثلاثين سنة ما علم بها أحد وأوحى الله تعالى إلى عزيز عليه ~~السلام إذا نزلت بك بلية فلا تشكنى إلى خلقى واشك إلى PageV04P133 كما لا ~~أشكوك إلى ملائكتى إذا صعدت مساويك وفضائحك نسأل الله من عظيم لطفه وكرمه ~~ستره الجميل فى الدنيا والآخرة # | بيان فضل النعمة على البلاء # لعلك تقول هذه الأخبار تدل على أن البلاء خير فى الدنيا من النعم فهل لنا ~~أن نسأل الله البلاء فأقول لا وجه لذلك لما روى عن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أنه كان يستعيذ فى دعائه من بلاء الدنيا وبلاء الآخرة + حديث أنه صلى ~~الله عليه وسلم كان يستعيذ فى دعائه من بلاء الدنيا وبلاء الآخرة رواه أحمد ~~من حديث بشر بن أبى أرطاة بلفظ أجرنا من خزى الدنيا وعذاب الآخرة وإسناده ~~جيد ولأبى داود من حديث عائشة اللهم إنى أعوذ بك من ضيق الدنيا وضيق يوم ~~القيامة وفيه بقية وهو مدلس ورواه بالعنعنة + وكان يقول هو والأنبياء عليهم ~~السلام ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة + حديث كان يقول هو ~~والأنبياء عليهم السلام ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا ~~عذاب النار أخرجه البخارى ومسلم من حديث أنس كان أكثر دعوة يدعو بها النبي ~~صلى الله عليه وسلم يقول اللهم آتنا فى الدنيا الحديث ولأبى داود والنسائى ~~من حديث عبد الله بن السائب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما ~~بين الركنين ربنا آتنا الحديث + وكانوا يستعيذون من شماتة الأعداء وغيرها + ~~حديث كان يستعيذ من شماتة الأعداء تقدم فى الدعوات + # وقال على كرم الله وجهه اللهم إنى أسألك الصبر فقال صلى الله عليه وسلم ~~لقد سألت البلاء فاسأله العافية + حديث قال على رضى الله عنه اللهم إنى ~~أسألك الصبر فقال صلى الله عليه وسلم لقد سألت الله البلاء فسله العافية ~~رواه الترمذى من حديث معاذ فى أثناء حديث وحسنه ولم يسم عليا وإنما قال سمع ~~رجلا وله وللنسائى فى اليوم والليلة من حديث على كنت ساكنا فمر بى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول الحديث وفيه فإن كان بلاء فصبرنى فضربه ~~برجله وقال اللهم عافه واشفه وقال حسن صحيح + # وروى الصديق رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ~~سلوا الله العافية فما أعطى أحد أفضل من العافية إلا اليقين + حديث أبي بكر ~~الصديق سلوا الله العافية الحديث أخرجه ابن ماجه والنسائى فى اليوم والليلة ~~بإسناد جيد وقد تقدم + وأشار باليقين إلى عافية القلب عن مرض الجهل والشك ~~فعافية القلب أعلى من عافية البدن # وقال الحسن رحمه الله الخير الذى لا شر فيه العافية مع الشكر فكم من منعم ~~عليه غير شاكر # وقال مطرف بن عبد الله لأن أعافى فأشكر أحب إلى من أن أبتلى فأصبر # وقال صلى الله عليه وسلم فى دعائه وعافيتك أحب إلى + حديث وعافيتك أحب ~~إلى ذكره ابن إسحاق فى السيرة فى دعائه يوم خرج إلى الطائف بلفظ وعافيتك ~~أوسع لى وكذا رواه ابن أبى الدنيا فى الدعاء من رواية حسان بن عطية مرسلا ~~ورواه أبو عبد الله بن منده من حديث عبد اللهبن جعفر مسندا وفيه من يجهل + ~~وهذا أظهر من أن يحتاج فيه إلى دليل واستشهاد وهذا لأن البلاء صار نعمة ~~باعتبارين أحدهما بالإضافة إلى ما هو أكثر منه إما فى الدنيا أو فى الدين ~~والآخر بالإضافة إلى ما يرجى من الثواب فينبغى أن نسأل الله تمام النعمة فى ~~الدنيا ودفع ما فوقه من البلاء ونسأله الثواب فى الآخرة على الشكر على ~~نعمته فإنه قادر على أن يعطى على الشكر ما لا يعطيه على الصبر # فإن قلت فقد قال لعضهم أود أن أكون جسرا على النار يعبر على الخلق كلهم ~~فينجون وأكون أنا فى النار وقال سمنون رحمه الله تعالى # وليس لي في سواك حظ % فكيفما شئت فاختبرنى PageV04P134 # فهذا من هؤلاء سؤال للبلاء فاعلم أنه حكى عن سمنون المحب رحمه الله أنه ~~بلى بعد هذا البيت بعلة الحصر فكان بعد ذلك يدور على أبواب المكاتب ويقول ~~للصبيان ادعوا لعمكم الكذاب وأما محبة الإنسان ليكون هو فى النار دون سائر ~~الخلق فغير ممكنة ولكن قد تغلب المحبة على القلب حتى يظن المحب بنفسه حبا ~~لمثل ذلك فمن شرب كأس المحبة سكر ومن سكر توسع فى الكلام ولو زايله سكره ~~علم أن ما غلب عليه كان حالة لا حقيقة لها فما سمعته من هذا الفن فهو من ~~كلام العشاق الذين أفرط حبهم وكلام العشاق يستلذ سماعه ولا يعول عليه كما ~~حكى أن فاختة كان يراودها زوجها فتمنعه فقال ما الذى يمنعك عنى ولو أردت أن ~~أقلب لك الكونين مع ملك سليمان ظهرا لبطن لفعلته لأجلك فسمعه سليمان عليه ~~السلام فاستدعاه وعاتبه فقال يا نبى الله كلام العشاق لا يحكى وهو كما قال ~~وقال الشاعر # أريد وصاله ويريد هجرى % فأترك ما أريد لما يريد # وهو أيضا محال ومعناه أنى أريد ما لا يريد لأن من أراد الوصال ما أراد ~~الهجر فكيف أراد الهجر الذى لم يرده بل لا يصدق هذا الكلام إلا بتأويلين ~~أحدهما أن يكون ذلك فى بعض الأحوال حتى يكتسب به رضاه الذى يتوصل به إلى ~~الوصال فى الاستقبال فيكون الهجران وسيلة إلى الرضا والرضا وسيلة إلى وصال ~~المحبوب والوسيلة إلى المحبوب محبوبة فيكون مثاله مثال محب المال إذا أسلم ~~درهما فى درهمين فهو بحب الدرهمين يترك الدرهم فى الحال الثانى أن يصير ~~رضاه عنده مطلوبا من حيث إنه رضاه فقط ويكون له لذة فى استشعاره رضا محبوبه ~~منه تزيد تلك اللذة على لذته فى مشاهدته مع كراهته فعند ذلك يتصور أن يريد ~~ما فيه الرضا فلذلك قد انتهى حال بعض المحبين إلى أن صارت لذتهم فى البلاء ~~مع استشعارهم رضا الله عنهم أكثر من لذتهم فى العافية من غير شعور الرضا ~~فهؤلاء إذا قدروا رضاه فى البلاء صار البلاء أحب إليهم من العافية وهذه ~~حالة لا يبعد وقوعها فى غلبات الحب ولكنها لا تثبت وإن ثبتت مثلا فهل هى ~~حالة صحيحة أم حالة اقتضتها حالة أخرى وردت على القلب فمالت به عن الاعتدال ~~هذا فيه نظر وذكر تحقيقه لا يليق بما نحن فيه وقد ظهر بما سبق أن العافية ~~خير من البلاء فنسأل الله تعالى المان بفضله على جميع خلقه العفو والعافية ~~فى الدين والدنيا والآخرة لنا ولجميع المسلمين # | بيان الأفضل من الصبر والشكر # اعلم أن الناس اختلفوا فى ذلك فقال قائلون الصبر أفضل من الشكر وقال ~~آخرون الشكر أفضل وقال آخرون هما سيان وقال آخرون يختلف ذلك باختلاف ~~الأحوال واستدل كل فريق بكلام شديد الاضطراب بعيد عن التحصيل فلا معنى ~~للتطويل بالنقل بل المبادرة إلى إظهار الحق أولى فنقول فى بيان ذلك مقامان # المقام الأول البيان على سبيل التساهل وهو أن ينظر إلى ظاهر الأمر ولا ~~يطلب التفتيش بحقيقته وهو البيان الذى ينبغى أن يخاطب به عوام الخلق لقصور ~~أفهامهم عن درك الحقائق الغامضة وهذا الفن من الكلام هو الذى ينبغى أن ~~يعتمده الوعاظ إذ مقصود كلامهم من مخاطبة العوام إصلاحهم والظئر المشفقة لا ~~ينبغى أن تصلح الصبى الطفل بالطيور السمان وضروب الحلاوات بل باللبن اللطيف ~~وعليها أن تؤخر عنه أطايب الأطعمة إلى أن يصير محتملا لها بقوته ويفارق ~~الضعف الذى هو عليه فى بنيته فنقول هذا المقام فى البيان يأبى البحث ~~والتفصيل ومقتضاه النظر إلى الظاهر المفهوم من موارد الشرع وذلك يقتضى ~~تفضيل الصبر فإن الشكر وإن وردت أخبار كثيرة فى فضله فإذا أضيف إليه ما ورد ~~فى فضيلة الصبر كانت فضائل الصبر أكثر بل فيه ألفاظ PageV04P135 صريحة في ~~التفضيل كقوله صلى الله عليه وسلم من أفضل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر + ~~حديث من أفضل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر تقدم + وفي الخبر يؤتى بأشكر ~~أهل الأرض فيجزيه الله جزاء الشاكرين ويؤتى بأصبر أهل الأرض فيقال له أما ~~ترضى أن يجزيك كما جزينا هذا الشاكر فيقول نعم يا رب فيقول الله تعالى كلا ~~أنعمت عليه فشكر وابتليتك فصبرت لأضعفن لك الأجر عليه فيعطى أضعاف جزاء ~~الشاكرين + حديث يؤتى بأشكر أهل الأرض فيجزيه الله جزاء الشاكرين ويؤتى ~~بأصبر أهل الأرض الحديث لم أجد له أصلا + وقد قال الله تعالى @QB@ إنما ~~يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب @QE@ وأما قوله الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم ~~الصابر + حديث الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر أخرجه الترمذي وحسنه ~~وابن ماجه من حديث أبي هريرة وقد تقدم فهو دليل على أن الفضيلة في الصبر إذ ~~ذكر ذلك في معرض المبالغة لرفع درجة الشكر فألحقه بالصبر فكان هذا منتهى ~~درجته ولولا أنه فهم من الشرع علو درجة الصبر لما كان إلحاق الشكر به ~~مبالغة في الشكر وهو كقوله صلى الله عليه وسلم الجمعة حج المساكين وجهاد ~~المرأة حسن التبعل + حديث الجمعة حج المساكين وجهاد المرأة حسن التبعل ~~أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده بالشطر الأول من حديث ابن عباس بسند ~~ضعيف أو الطبراني بالشطر الثاني من حديثه بسند ضعيف أيضا أن امرأة قالت كتب ~~الله الجهاد على الرجال فما يعدل ذلك من أعمالهم من الطاعة قال طاعة ~~أزواجهن وفي رواية ما جزاء غزوة المرأة قال طاعة الزوج الحديث وفيه القاسم ~~بن فياض وثقه أبو داود وضعفه ابن معين وباقي رجاله ثقات + وكقوله صلى الله ~~عليه وسلم شارب الخمر كعابد الوثن + حديث شارب الخمر كعابد الوثن أخرجه ابن ~~ماجه من حديث أبي هريرة بلفظ مدمن الخمر ورواه بلفظ شارب الحارث بن أبي ~~أسامة من حديث عبد الله بن عمر وكلاهما ضعيف وقال ابن عدي إن حديث أبي ~~هريرة أخطأ فيه محمد بن سليمان بن الأصبهاني + وأبدا المشبه به ينبغي أن ~~يكون أعلى رتبة فكذلك قوله صلى الله عليه وسلم الصبر نصف الإيمان لا يدل ~~على أن الشكر مثله وهو كقوله صلى الله عليه وسلم الصوم نصف الصبر فإن كل ما ~~ينقسم قسمين يسمى أحدهما نصفا وإن كان بينهما تفاوت كما يقال الإيمان هو ~~العلم والعمل فالعمل هو نصف الإيمان فلا يدل ذلك على أن العمل يساوي العلم # وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء دخولا الجنة سليمان ~~بن داود عليهما السلام لمكان ملكه وآخر أصحابي دخولا الجنة عبد الرحمن بن ~~عوف لمكان غناه + حديث آخر الأنبياء دخولا الجنة سليمان بن داود لمكان ملكه ~~وآخر أصحابي دخولا الجنة عبد الرحمن بن عوف لمكان غناه أخرجه الطبراني في ~~الأوسط من حديث معاذ بن جبل يدخل الأنبياء كلهم قبل داود وسليمان الجنة ~~بأربعين عاما وقال لم يروه إلا شعيب بن خالد وهو كوفي ثقة وروى البزار من ~~حديث أنس أول من يدخل الجنة من أغنياء أمتي عبد الرحمن بن عوف وفيه أغلب بن ~~تميم ضعيف + وفي خبر آخر يدخل سليمان بعد الأنبياء بأربعين خريفا + حديث ~~يدخل سليمان عبد الأنبياء بأربعين خريفا تقدم حديث معاذ قبله ورواه أبو ~~منصوزر الديلمى في مسند الفردوس من رواية دينار عن أنس بن مالك ودينار ~~الحبشي أحد الكذاببين على أنس والحديث منكر + وفي الخبر أبواب الجنة كلها ~~مصراعان إلا باب الصبر فإنه مصراع واحد وأول من يدخله أهل البلاء أمامهم ~~أيوب عليه السلام + حديث أبواب الجنة كلها مصراعان إلا باب الصبر فإنه باب ~~واحد الحديث لم أجد له أصلا ولا في الأحاديث الواردة في مصاريع أبواب الجنة ~~تفرقة فروى مسلم من حديث أنس في الشفاعة والذي نفس محمد بيده إن ما بين ~~المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وبصرى وفي الصحيحين في خطبة عتبة ~~بن غزوان ولقد ذكرنا أن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة ~~وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام # وكل ما ورد في فضائل الفقر يدل على فضيلة الصبر لأن الصبر حال الفقير ~~والشكر حال الغنى فهذا هو المقام الذي يقنع العوام ويكفيهم في الوعظ اللائق ~~والتعريف لما فيه صلاح دينهم # المقام الثاني هو البيان الذي نقصد به تعريف أهل العلم والإستبصار بحقائق ~~الأمور بطريق الكشف PageV04P136 والإيضاح فنقول فيه كل أمرين مبهمين لا ~~تمكن الموازنة بينهما مع الإبهام ما لم يكشف عن حقيقة كل واحد منهما وكل ~~مكشوف يشتمل على أقسام لا تمكن الموازنة بين الجملة والجملة بل يجب أن تفرد ~~الآحاد بالموازنة حتى يتبين الرجحان # والصبر والشكر أقسامهما وشعبهما كثيرة فلا يتبين لحكمهما في الرجحان ~~والنقصان مع الإجمال فنقول قد ذكرنا أن هذه المقامات تنتظم من أمور ثلاثة ~~علوم وأحوال وأعمال والشكر والصبر وسائر المقامات هي كذلك وهى الثلاثة إذا ~~وزن البعض منها بالبعض لاح للناظرين في الظواهر أن العلوم تراد للأحوال ~~والأحوال تراد للأعمال والأعمال هي الأفضل وأما أرباب البصائر فالأمر عندهم ~~بالعكس من ذلك فإن الأعمال تراد للأحوال والأحوال تراد للعلوم فالأفضل ~~العلوم ثم الأحوال ثم الأعمال لأن كل مراد لغيره فذلك الغير لا محالة أفضل ~~منه وأما آحاد هذه الثلاثة فالأعمال قد تتساوى وقد تتفاوت إذا أضيف بعضها ~~إلى بعض وكذا آحاد الأحوال إذا أضيف بعضها إلى بعض وكذا آحاد المعارف وأفضل ~~المعارف علوم المكاشفة وهي أرفع من علوم المعاملة بل علوم المعاملة دون ~~المعاملة لأنها تراد المعاملة ففائدتها إصلاح العمل وإنما فضل العالم ~~بالمعاملة على العابد إذا كان علمه مما يعم نفعه فيكون بالإضافة إلى عمل ~~خاص أفضل وإلا فالعلم القاصر بالعمل ليس بأفضل من العمل القاصر فنقول فائدة ~~إصلاح العمل إصلاح حال القلب وفائدة إصلاح حال القلب أن ينكشف له جلال الله ~~تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله فأرفع علوم المكاشفة معرفة الله سبحانه وهى ~~الغاية التي تطلب لذاتها فإن السعادة تنال بها بل هي عين السعادة ولكن قد ~~لا يشعر القلب في الدنيا بأنها عين السعادة وإنما يشعر بها في الآخرة فهي ~~المعرفة الحرة التي لا قيد عليها فلا تتقيد بغيرها # وكل ما عداها من المعارف عبيد وخدم بالإضافة إليها فإنها إنما تراد ~~لأجلها # ولما كانت مرادة لأجلها كان تعاونها بحسب نفعها في الإفضاء إلى معرفة ~~الله تعالى فإن بعض المعارف يفضى إلى بعض إما بواسطة أو بوسائط كثيرة فكما ~~كانت الوسائط بينه وبين معرفة الله تعالى أقل فهي أفضل وأما الأحوال فنعنى ~~بها أحوال القلب في تصفيته وتطهيره عن شوائب الدنيا وشواغل الخلق حتى إذا ~~طهر وصفا اتضح له حقيقة الحق فإذن فضائل الأحوال بقدر تأثيرها في إصلاح ~~القلب وتطهيره وإعداده لأن تحصل له علوم المكاشفة وكما أن تصقيل المرآة ~~يحتاج إلى أن يتقدم على تمامه أحوال للمرآة بعضها أقرب إلى الصقالة من بعض ~~فكذلك أحوال القلب فالحالة القريبة أو المقربة من صفاء القلب هي أفضل مما ~~دونها لا محالة بسبب القرب من المقصود وهكذا ترتيب الأعمال فإن تأثيرها في ~~تأكيد صفاء القلب وجلب الأحوال إليه وكل عمل إما أن يجلب إليه حالة مانعة ~~من المكاشفة موجبة لظلمة القلب جاذبة إلى زخارف الدنيا وإما أن يجلب إليه ~~حالة مهيئة المكاشفة موجبة لصفاء القلب وقطع علائق الدنيا عنه # واسم الأول المعصية واسم الثاني الطاعة والمعاصي من حيث التأثير في ظلمة ~~القلب وقساوته متفاوتة وكذا الطاعات في تنوير القلب وتصفيته فدرجاتها بحسب ~~درجات تأثيرها وذلك يختلف بإختلاف الأحوال وذلك أنا بالقول المطلق ربما ~~نقول الصلاة النافلة أفضل من كل عبادة نافلة وأن الحج أفضل من الصدقة وأن ~~قيام الليل أفضل من غيره ولكن التحقيق فيه أن الغنى الذي معه مال وقد غلبه ~~البخل وحب المال على إمساكه فإخراج الدراهم له أفضل من قيام ليال وصيام ~~أيام لأن الصيام يليق بمن غلبته شهوة البطن فأراد كسرها أو منعه الشبع عن ~~صفاء الفكر من علوم المكاشفة فأراد تصفية القلب بالجوع فأما هذا المدبر إذا ~~لم تكن حاله هذه الحال فليس يستضر بشهوة بطنه ولا هو مشتغل بنوع فكر يمنعه ~~الشبع منه فأشتغاله بالصوم خروج منه عن حاله إلى حال غيره وهو كالمريض الذي ~~يشكو وجع البطن إذا استعمل دواء الصداع لم ينتفع به بل حقه أن ينظر في ~~المهلك الذي استولى عليه والشح المطاع من جملة PageV04P137 المهلكات ولا ~~يزيل صيام مائة سنة وقيام ألف ليلة منه ذرة بل لا يزيله إلا إخراج المال ~~فعليه أن يتصدق بما معه وتفصيل هذه مما ذكرناه في ربع المهلكات فليرجع إليه ~~فإذن باعتبار هذه الأحوال يختلف وعند ذلك يعرف البصير أن الجواب المطلق فيه ~~خطأ إذ لو قال لنا قائل الخبز أفضل أم الماء لم يكن فيه جواب حق إلا أن ~~الخبز للجائع أفضل والماء للعطشان أفضل فإن اجتمعا فلينظر إلى الأغلب فإن ~~كان العطش هو الأغلب فالماء أفضل وإن كان الجوع أغلب فالخبز أفضل فإن ~~تساويا فهما متساويان وكذا إذا قيل السكنجبين أفضل أم شراب اللينوفر لم يصح ~~الجواب عنه مطلقا أصلا نعم لو قيل لنا السكنجبين أفضل أم عدم الصفراء فنقول ~~عدم الصفراء لأن السكنجبين مراد له وما يراد لغيره فلذلك أفضل منه لا محالة ~~فإذن في بذل المال عمل وهو الإنفاق ويحصل به حال وهو زوال البخل وخروج حب ~~الدنيا من القلب ويتهيأ القلب بسبب خروج حب الدنيا منه لمعرفة الله تعالى ~~وحبه فالأفضل المعرفة ودونها الحال ودونها العمل # فإن قلت فقد حث الشرع على الأعمال وبالغ في ذكر فضلها حتى طلب الصدقات ~~بقوله @QB@ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا @QE@ وقال تعالى @QB@ ويأخذ ~~الصدقات @QE@ فكيف لا يكون الفعل والإنفاق هو الأفضل فاعلم أن الطبيب إذا ~~أثنى على الدواء لم يدل على أن الدواء مراد لعينه أو على أنه أفضل من الصحة ~~والشفاء الحاصل به ولكن الأعمال علاج لمرض القلوب ومرض القلوب مما لا يشعر ~~به غالبا فهو كبرص على وجه من لا مرآة معه فإنه لا يشعر به ولو ذكر له لا ~~يصدق به # والسبيل معه المبالغة في الثناء على غسل الوجه بماء الورد مثلا إن كان ~~ماء الورد يزيل البرص حتى يستحثه فرط الثناء على المواظبة عليه فيزول مرضه ~~فإنه لو ذكر له أن المقصود زوال البرص عن وجهك ربما ترك العلاج وزعم أن ~~وجهه لا عيب فيه # ولنضرب مثلا أقرب من هذا من له ولد علمه العلم والقرآن وأراد أن يثبت ذلك ~~في حفظه بحيث لا يزول عنه وعلم أنه لو أمره بالتكرار والدراسة ليبقى له ~~محفوظا لقال إنه محفوظ ولا حاجة بي إلى تكرار ودراسة لأنه يظن أن ما يحفظه ~~في الحال يبقى كذلك أبدا وكان له عبيد فأمر الولد بتعليم العبيد ووعده على ~~ذلك بالجميل لتتوفر داعيته على كثرة التكرار بالتعليم فربما يظن الصبي ~~المسكين أن المقصود تعليم العبيد القرآن وأنه قد استخدم لتعليمهم فيشكل ~~عليه الأمر فيقول ما بالي قد استخدمت لأجل العبيد وأنا أجل منهم وأعز عند ~~الوالد وأعلم أن أبي لو أراد تعليم العبيد لقدر عليه دون تكليفي به وأعلم ~~أن لا نقصان لأبي بفقد هؤلاء العبيد فضلا عن عدم علمهم بالقرآن فربما ~~يتكاسل هذا المسكين فيترك تعليمهم اعتمادا على استغناء أبيه وعلى كرمه في ~~العفو عنه فينسى العلم والقرآن ويبقى مدبرا محروما من حيث لا يدري وقد ~~انخدع بمثل هذا الخيال طائفة وسلكوا طريق الإباحة وقالوأ إن الله تعالى غنى ~~عن عبادتنا وعن أن يستقرض منا فأي معنى لقوله @QB@ من ذا الذي يقرض الله ~~قرضا حسنا @QE@ ولو شاء الله إطعام المساكين لأطعمهم فلا حاجة بنا إلى صرف ~~أموالنا إليهم كما قال تعالى حكاية عن الكفار @QB@ وإذا قيل لهم أنفقوا من ~~ما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ~~@QE@ وقالوا أيضا @QB@ لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا @QE@ فانظر كيف ~~كانوا صادقين في كلامهم وكيف هلكوا بصدقهم فسبحان من إذا شاء أهلك بالصدق ~~وإذا شاء أسعد بالجهل @QB@ يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا @QE@ فهؤلاء لما ~~ظنوا أنهم استخدموا لأجل المساكين والفقراء أو جل الله تعالى ثم قالوا لا ~~حظ لنا في المساكين ولا حظ لله فينا وفي أموالنا سواء أنفقنا أو أمسكنا ~~هلكوا كما هلك الصبي لما ظن أن مقصود الوالد استخدامه لأجل PageV04P138 ~~العبيد ولم يشعر بأنه كان المقصود ثبات صفة العلم في نفسه وتأكده في قلبه ~~حتى يكون ذلك سبب سعادته في الدنيا وإنما كان ذلك من الوالد تلطفا به في ~~استجراره إلى ما فيه سعادته فهذا المثال يبين لك ضلال من ضل من هذا الطريق ~~فإذن هذا المسكين الآخذ لمالك يستوفى بواسطة المال خبث البخل وحب الدنيا من ~~باطنك فإنه مهلك لك فهو كالحجام يستخرج الدم منك ليخرج بخروج الدم العلة ~~المهلكة من باطنك فالحجام خادم لك لا أنت خادم للحجام # ولا يخرج الحجام عن كونه خادما بأن يكون له غرض في أن يصنع شيئا بالدم ~~ولما كانت الصدقات مطهرة للبواطن ومزكية لها عن خبائث الصفات امتنع رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم من أخذها وانتهى عنها + حديث النهى عن كسب الحجام ~~تقدم + كما نهى عن كسب الحجام وسماها أوساخ أموال الناس وشرف أهل بيته ~~بالصيانة عنها + حديث امتنع من الصدقة وسماها أوساخ الناس وشرف أهل بيته ~~بالصيانة عنها أخرجه مسلم من حديث عبد المطلب بن ربيعة أن هذه الصدقة لا ~~تحل لنا إنما هي أوساخ القوم وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وفي رواية له ~~أوساخ الناس + والمقصود أن الأعمال مؤثرات في القلب كما سبق في ربع ~~المهلكات والقلب بحسب تأثيرها مستعد لقبول الهداية ونور المعرفة فهذا هو ~~القول الكلى والقانون الأصلي الذي ينبغي أن يرجع إليه في معرفة فضائل ~~الأعمال والأحوال والمعارف ولنرجع الآن إلى خصوص ما نحن فيه من الصبر ~~والشكر فنقول في كل واحد منهما معرفة وحال وعمل فلا يجوز أن تقابل المعرفة ~~في أحدهما بالحال أو العمل في الآخر بل يقابل كل واحد منهما بنظيره حتى ~~يظهر التناسب وبعد التناسب يظهر الفضل ومهما قوبلت معرفة الشاكر بمعرفة ~~الصابر ربما رجعا إلى معرفة واحدة إذ معرفة الشاكر أن يرى نعمة العينين ~~مثلا من الله تعالى # ومعرفة الصابر أن يرى العمى من الله وهما معرفتان متلازمتان متساويتان ~~هذا إن اعتبرنا في البلاء والمصائب # وقد بينا أن الصبر قد يكون على الطاعة وعن المعصية وفيهما يتحد الصبر ~~والشكر لأن الصبر على الطاعة هو عين شكر الطاعة لأن الشكر يرجع إلى صرف ~~نعمة الله تعالى إلى ما هو المقصود منها بالحكمة والصبر يرجع إلى ثبات باعث ~~الدين في مقابلة باعث الهوى فالصبر والشكر فيه اسمان لمسمى واحد باعتبارين ~~مختلفين فثبات باعث الدين في مقاومة باعث الهوى يسمى صبرا بالإضافة إلى ~~باعث الهوى ويسمى شكرا بالإضافة إلى باعث الدين إذ باعث الدين إنما خلق ~~لهذه الحكمة وهو أن يصرع به باعث الشهوة وقد صرفه إلى مقصود الحكمة فهما ~~عبارتان عن معنى واحد فكيف يفضل الشىء على نفسه فإذن مجارى الصبر ثلاثة ~~الطاعة والمعصية والبلاء وقد ظهر حكمهما في الطاعة والمعصية وأما البلاء ~~فهو عبارة عن فقد نعمة والنعمة إما أن تقع ضرورية كالعينين مثلا وإما أن ~~تقع في محل الحاجة كالزيادة على قدر الكفاية من المال أما العينان فصبر ~~الأعمى عنهما بأن لا يظهر الشكوى ويظهر الرضا بقضاء الله تعالى ولا يترخص ~~بسبب العمى في بعض المعاصي وشكر البصير عليهما من حيث العمل بأمرين أحدهما ~~أن لا يستعين بهما على معصية والآخر أن يستعملهما في الطاعة وكل أحد من ~~الأمرين لا يخلو عن الصبر فإن الأعمى كفى الصبر عن الصور الجميلة لأنه لا ~~يراها والبصير إذا وقع بصره على جميل فصبر كان شاكرا لنعمة العينين وإن ~~اتبع النظر كفر نعمة العينين فقد دخل الصبر في شكره وكذا إذا استعان ~~بالعينين على الطاعة فلا بد أيضا فيه من صبر على الطاعة ثم قد يشكرها ~~بالنظر إلى عجائب صنع الله تعالى ليتوصل به إلى معرفة الله سبحانه وتعالى ~~فيكون هذا الشكر أفضل من الصبر ولولا هذا لكانت رتبة شعيب عليه السلام مثلا ~~وقد كان ضريرا من الأنبياء فوق رتبة موسى عليه السلام وغيره من الأنبياء ~~لأنه صبر على فقد البصر وموسى عليه السلام لم يصبر مثلا ولكان الكمال في أن ~~يسلب الإنسان الأطراف كلها ويترك كلحم على وضم وذلك محال جدا PageV04P139 ~~لأن كل واحد من هذه الأعضاء آلة في الدين يفوت بفوتها ذلك الركن من الدين ~~وشكرها بإستعمالها فما هي آلة فيه من الدين وذلك لا يكون إلا بصبر وأما ما ~~يقع في محل الحاجة كالزيادة على الكفاية من المال فإنه إذا لم يؤت إلا قدر ~~الضرورة وهو محتاج إلى ما وراءه ففي الصبر عنه مجاهدة وهو جهاد الفقر ووجود ~~الزيادة نعمة وشكرها أن تصرف إلى الخيرات أو أن لا تستعمل في المعصية فإن ~~أضيف الصبر إلى الشكر الذي هو صرف إلى الطاعة فالشكر أفضل لأنه تضمن الصبر ~~أيضا وفيه فرح بنعمة الله تعالى وفيه احتمال ألم في صرفه إلى الفقراء وترك ~~صرفه إلى التنعم المباح وكان الحاصل يرجع إلى أن شيئين أفضل من شيء واحد ~~وأن الجملة أعلى رتبة من البعض وهذا فيه خلل إذ لاتصح الموازنة بين الجملة ~~وبين أبعاضها وأما إذا كان شكره بأن لا يستعيين به على معصية بل يصرفه إلى ~~التنعم المباح فالصبر ههنا أفضل من الشكر والفقير الصابر أفضل من الغنى ~~الممسك ماله الصارف إياه إلى المباحات لا من الغنى الصارف ماله إلى الخيرات ~~لأن الفقير قد جاهد نفسه وكسر نهمتها وأحسن الرضا على بلاء الله تعالى وهذه ~~الحالة تستدعي لا محالة قوة والغنى أتبع نهمته وأطاع شهوته ولكنه اقتصر على ~~المباح والمباح فيه مندوحة عن الحرام ولكن لا بد من قوة في الصبر عن الحرام ~~أيضا إلا أن القوة التي عنها يصدر صبر الفقير أعلى وأتم من هذه القوة التي ~~يصدر عنها الإقتصار في التنعم على المباح والشرف لتلك القوة التي يدل العمل ~~عليها فإن الأعمال لا تراد إلا الأحوال القلوب وتلك القوة حالة للقلب تختلف ~~بحسب قوة اليقين والإيمان فما دل على زيادة قوة في الإيمان فهو أفضل لا ~~محالة وجميع ما ورد من تفضيل أجر الصبر على أجر الشكر في الآيات والأخبار ~~إنما أريد به هذه الرتبة على الخصوص لأن السابق إلى أفهام الناس من النعمة ~~والأموال الغنى بها والسابق إلى الأفهام من الشكر أن يقول الإنسان الحمد ~~لله ولا يستعين بالنعمة على المعصية لا أن يصرفها إلى الطاعة فإذن الصبر ~~أفضل من الشكر أي الصبر الذي تفهمه العامة أفضل من الشكر الذي تفهمه العامة ~~وإلى هذا المعنى على الخصوص أشار الجنيد رحمه الله حيث سئل عن الصبر والشكر ~~أيهما أفضل فقال ليس مدح الغنى بالوجود ولا مدح الفقير بالعدم وإنما المدح ~~في الإثنين قيامهما بشروط ما عليهما فشرط الغنى يصحبه فيما عليه أشياء ~~تلائم صفته وتمتعها وتلذذها والفقير يصحبه فيما عليه أشياء تلائم صفته ~~وتقبضها وتزعجها فإذا كان الإثنان قائمين لله تعالى بشرط ما عليهما كان ~~الذي ألم صفته وأزعجها أتم حالا ممن متع صفته ونعمها # والأمر على ما قاله وهو صحيح من جملة أقسام الصبر والشكر في القسم الأخير ~~الذي ذكرناه وهو لم يرد سواه # ويقال كان أبو العباس بن عطاء قد خالفه في ذلك وقال الغنى الشاكر أفضل من ~~الفقير الصابر فدعا عليه الجنيد فأصابه ما أصابه من البلاء من قتل أولاده ~~وإتلاف أمواله وزوال عقله أربع عشرة سنة فكان يقول دعوة الجنيد أصابتني ~~ورجع إلى تفضيل الفقير الصابر على الغنى الشاكر # ومهما لاحظت المعاني التي ذكرناها علمت أن لكل واحد من القولين وجها في ~~بعض الأحوال فرب فقير صابر أفضل من غني شاكر كما سبق ورب غني شاكر أفضل من ~~فقير صابر وذلك هو الغني الذي يرى نفسه مثل الفقير إذ لا يمسك لنفسه من ~~المال إلا قدر الضرورة والباقي يصرفه إلى الخيرات أو يمسكه على اعتقاد أنه ~~خازن للمحتاجين والمساكين وإنما ينتظر حاجة تسنح حتى يصرف إليها ثم إذا صرف ~~لم يصرفه لطلب جاه وصيت ولا لتقليد منه بل أداء الحق الله تعالى في تفقد ~~عباده فهذا أفضل من الفقير الصابر PageV04P140 # فإن قلت فهذا لا يثقل على النفس والفقير يثقل عليه الفقر لأن هذا يستشعر ~~لذة القدرة وذاك يستشعر ألم الصبر فإن كان متألما بفراق المال فينجبر ذلك ~~بلذته في القدرة على الإنفاق فاعلم أن الذي تراه أن من ينفق ماله عن رغبة ~~وطيب نفس أكمل حالا ممن ينفقه وهو بخيل به وإنما يقتطعه عن نفسه قهرا # وقد ذكرنا تفصيل هذا فيما سبق من كتاب التوبة فإيلام النفس ليس مطلوبا ~~لعينه بل لتأديبها وذلك يضاهى ضرب كلب الصيد والكلب المتأدب أكمل من الكلب ~~المحتاج إلى الضرب وإن كان صابرا على الضرب ولذلك يحتاج إلى الإيلام ~~والمجاهدة في البداية ولا يحتاج إليهما في النهاية بل النهاية أن يصير ما ~~كان مؤلما في حقه لذيذا عنده كما يصير التعلم عند الصبي العاقل لذيذا وقد ~~كان مؤلما له أولا ولكن لما كان الناس كلهم إلا الأقلين في البداية بل قبل ~~البداية بكثير كالصبيان أطلق الجنيد القول بأن الذي يؤلم صفته أفضل وهو كما ~~قال صحيح فيما أراده من عموم الخلق فإذن إذا كنت لا تفصل الجواب وتطلقه ~~لإرادة الأكثر فأطلق القول بأن الصبر أفضل من الشكر فإنه صحيح بالمعنى ~~السابق إلى الأفهام فإذا أردت التحقيق ففصل فإن للصبر درجات أقلها ترك ~~الشكوى مع الكراهية ووراءها الرضا وهو الرضا وهو مقام وراء الصبر ووراءه ~~الشكر على البلاء وهو وراء الرضا إذ الصبر مع التألم والرضا يمكن بما لا ~~ألم فيه ولا فرح والشكر لا يمكن إلا على محبوب مفروح به وكذلك الشكر درجات ~~كثيرة ذكرنا أقصاها ويدخل في جملتها أمور دونها فإن حياء العبد من تتابع ~~نعم الله عليه شكر ومعرفته بتقصيره عن الشكر شكر والإعتذار من قلة الشكر ~~شكر والمعرفة بعظيم حلم الله وكنف ستره شكر والإعتراف بأن النعم ابتداء من ~~الله تعالى من غير استحقاق شكر والعلم بأن الشكر أيضا نعمة من نعم الله ~~وموهبة منه شكر وحسن التواضع للنعم والتذلل فيها شكر وشكر الوسائط شكر إذ ~~قال عليه السلام من لم يشكر الناس لم يشكر الله + حديث من لم يشكر الناس لم ~~يشكر الله تقدم في الزكاة + وقد ذكرنا حقيقة ذلك في كتاب أسرار الزكاة وقلة ~~الإعتراض وحسن الأدب بين يدي المنعم شكر وتلقى النعم بحسن القبول واستعظام ~~صغيرها شكر # وما يندرج من الأعمال والأحوال تحت اسم الشكر والصبر لا تنحصر آحادها وهي ~~درجات مختلفة فكيف يمكن إجمال القول بتفضيل أحدهما على الآخر إلا على سبيل ~~إرادة الخصوص باللفظ العام كما ورد في الأخبار والآثار # وقد روى عن بعضهم أنه قال رأيت في بعض الأسفار شيخا كبيرا قد طعن في السن ~~فسألته عن حاله فقال إني كنت في ابتداء عمري أهوى ابنة عم لي وهي كذلك كانت ~~تهواني فاتفق أنها زوجت مني فليلة زفافها قلت تعالى حتى نحيى هذه الليلة ~~شكرا لله تعالى على ما جمعنا فصلينا تلك الليلة ولم يتفرغ أحدنا إلى صاحبه ~~فلما كانت الليلة الثانية قلنا مثل ذلك فصلينا طول الليل فمنذ سبعين أو ~~ثمانين سنة نحن على تلك الحالة كل ليلة أليس كذلك يا فلانة قالت العجوز هو ~~كما يقول الشيخ فانظر إليهما لو صبرا على بلاء الفرقة أو لو لم يجمع الله ~~بينهما وانسب صبر الفرقة إلى شكر الوصال على هذا الوجه فلا يخفى عليك أن ~~هذا الشكر أفضل فإذن لا وقوف على حقائق المفضلات إلا بتفضيل كما سبق والله ~~أعلم PageV04P141 # | كتاب الخوف والرجاء وهو كتاب الثالث من ربع المنجيات من كتاب إحياء # علوم الدين بسم الله الرحمن الرحمن # الحمد لله المرجو لطفه وثوابه المخوف مكره وعقابه الذى عمر قلوب أوليائه ~~بروح رجائه حتى ساقهم بلطائف آلائه إلى النزول بفنائه والعدول عن دار بلائه ~~التى هي مستقر أعدائه وضرب بسياط التخويف وزجره العنيف وجوه المعرضين عن ~~حضرته إلى دار ثوابه وكرامته وصدهم عن التعرض لأئمته والتهدف لسخطه ونقمته ~~قودا لأصناف الخلق بسلاسل القهر والعنف وأزمة الرفق واللطف إلى جنته ~~والصلاة والسلام على محمد سيد أنبيائه وخير خليقته وعلى آله وأصحابه وعترته # أما بعد فإن الرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى كل مقام محمود ~~ومطيتان بهما يقطع من طرق الآخرة كل عقبة كسود فلا يقود إلى قرب الرحمن ~~وروح الجنان مع كونه بعيد الأرجاء ثقيل الأعباء مجفوفا بمكاره القلوب ومشاق ~~الجوارح والأعضاء إلا أزمة الرجاء ولا يصد عن نار الجحيم والعذاب الأليم مع ~~كونه محفوفا بلطائف الشهوات وعجائب اللذات إلا سياط التخويف وسطوات التعنيف ~~فلا بد إذن من بيان حقيقتهما وفضيلتهما وسبيل التوصيل إلى الجمع بينها مع ~~تضادهما وتعاندهما ونحن نجمع ذكرهما في كتاب واحد يشمل على شطرين الشطر ~~الأول في الرجاء والشطر الثانى في الخوف # أما الشطر الأول فيشتمل على # | بيان حقيقة الرجاء # وبيان فضيلة الرجاء وبيان دواء الرجاء والطرق الذى يجتلب به الرجاء بيان ~~حقيقة الرجاء # أعلم أن الرجاء من جملة مقامات السالكين وأحوال الطالبين وإنما يسمى ~~الوصف مقاما إذا ثبت وأقام وإنما يسمى حالا إذا كان عارضا سريع الزوال وكما ~~أن الصفرة تنقسم إلى ثابتة كصفرة الذهب وإلى سريعة الزوال كصفرة الوجل وإلى ~~ما هو بينهما كصفرة المريض فكذلك صفات القلب تنقسم هذه الأقسام فالذى هو ~~غير ثابت يسمى حالا لأنه يحول على القرب وهذا جار في كل وصف من أوصاف القلب ~~وغرضنا الآن حقيقة الرجاء فالرجاء أيضا يتم من حال وعلم وعمل فالعلم سبب ~~يثمر الحال والحال يقتضى العمل وكان الرجاء اسما من جملة الثلاثة وبيانه أن ~~كل ما يلاقيك من مكروه ومحبوب فينقسم إلى موجود في الحال وإلى موجود فيما ~~مضى وإلى منتظر في الاستقبال فإذا خطر ببالك موجود فيما مضى سمى ذكرا ~~وتذكرا وإن كان من خطر بقلبك موجودا في الحال سمى وجدا وذوقا وإدراكا وإنما ~~سمى وجدا لأنها حالة تجدها من نفسك وإن كان قد خطر ببالك وجود شىء في ~~الاستقبال وغلب ذلك على قلبك سمى انتظار وتوقعا فإن كان المنظر مكروها حصل ~~منه ألم في القلب سمى خوفا وإشفاقا وإن كان محبوبا حصل من انتظاره وتعلق ~~القلب به وإخطار وجوده بالبال لذة في القلب وارتياح سمى ذلك الارتياح رجاء ~~فالرجاء هو ارتياح القلب لانتظار ما هو محبوب عنده ولكن ذلك PageV04P142 ~~المحبوب المتوقع لا بد وأن يكون له سبب فإن كان انتظاره لأجل حصول أكثر ~~أسبابه الرجاء عليه صادق وإن كان ذلك انظارا مع انخرام أسبابه واضطرابها ~~فاسم الغرور والحمق عليه أصدق من اسم الرجاء وإن لم تكن الأسباب معلومة ~~الوجود ولا معلومة الانتقاء فاسم التمنى أصدق على انتظاره لأنه انتظار من ~~غير سبب وعلى كل حال فلا يطلق اسم الرجاء والخوف إلا على ما يتردد فيه أما ~~ما يقطع به فلا إذا لا يقال أرجو طلوع الشمس وقت الطلوع وأخاف غروبها وقت ~~الغروب لأن ذلك مقطوع به نعم يقال أرجو نزول المطر وأخاف انقطاعه وقد علم ~~أرباب القلوب أن الدنيا مزرعة الآخرة والقلب كالأرض والإيمان كالبدر فيه ~~والطاعات جارية مجرى تقليب الأرض وتطهيرها ومجرى حفر الأنهار وسياقه الماء ~~إليها والقلب المستهتر في الدنيا المستغرق بها كالأرض السبخة التى لا ينمو ~~فيها البذر ويوم القيامة يوم الحصاد ولا يحصد أحد إلا ما زرع ولا ينمو زرع ~~إلا من بذر السبخة التى لا ينمو إيمان مع خبث القلب وسوء أخلافه كما لا ~~ينمو بذر في أرض سبخة فينبغى أن يقاس رجاء العبد المغفرة برجاء صاحب الزرع ~~فكل من طلب أرضا طيبة وألقى فيها بذرا جيدا غير عفن ولا مسوس ثم أمده بما ~~يحتاج إليه وهو سوق الماء إليه في أوقاته ثم نقى الشوك عن الأرض والحشيش ~~وكل ما يمنع نبات البذر أو يفسده ثم جلس منتظرا من فضل الله تعالى دفع ~~الصواعق والآفات المفسدة إلى أن يتم الزرع ويبلغ غايته سمى انتظاره رجاء ~~وإن بث البذر في أرض صلبة سبخة مرتفعة لا ينصب إليها الماء ولم يشتغل بتعهد ~~البذر اصلا ثم انتظر الحصاد منه سمى انتظاره حمقا وغرورا لا رجاء وإن بث ~~البذر في أرض طيبة ولكن لا ماء لها وأخذ ينتظر مياه الأمطار حيث لا تغلب ~~الأمطار ولا تمتنع أيضا سمى انتظاره تمنيا لا رجاء فإذن اسم الرجاء إنما ~~يصدق على انتظاره محبوب تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد ولم ~~يبق إلا ما ليس يدخل تحت اختياره وهو فضل الله تعالى بصرف القواطع ~~والمفسدات فالعبد إذا بث بذر الإيمان وسقاه بماء الطاعات وطهر القلب عن شوك ~~الأخلاق الردئية وانتظر من فضل الله تعالى تثبيته على ذلك إلى الموت وحسن ~~الخاتمة المفضية إلى المغفرة وكان انتظاره رجاء حقيقا محمودا في نفسه باعثا ~~له على المواظبة القيام بمقتضى أسباب الإيمان في إنمام أسباب المغفرة إلى ~~الموت وإن قطع عن بذر الإيمان تعهده بماء الطاعات وترك القلب مشحونا برذائل ~~الأخلاق وانهمك في طلب لذات الدنيا ثم انتظر المغفرة فانتظاره حمق وغرور ~~قال صلى الله عليه وسلم الأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الجنة ~~وقال تعالى فخلف من بعدهم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ~~وقال تعالى فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون ~~سيغفر لنا وذم الله تعالى صاحب البستان إذا دخل جنته وقال ما أظن تبيده هذه ~~أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربدى لأجدن خيرا منها منقلبا فإذا ~~العبد المجتهد في الطاعات المجتنب للمعاصى حقيق بإن ينتظر من فضل الله تمام ~~النعمة وما تمام النعمة إلا بدخول الجنة وأما العاصى فإذا تاب وتدارك جميع ~~ما فرط منه من تقصير فحقيق بأن يرجو قبول التوبة وأما قبل التوبة إذا كان ~~كارها للمعصية تسوءه السيئة وتسره الحسنة وهو يذم نفسه ويلومها ويشتهى ~~التوبة ويشتاق إليها فحقيق بأن يرجو منا لله التوفيق للتوبة لأن كراهيتة ~~للمعصية وحؤصه على التوبة يجرى مجرى السبب الذى قد يفضى إلى التوبة وإما ~~الرجاء بعد تأكد الأسباب ولذلك قال تعالى إن الذين آمنوا والذين هاجروا ~~وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله معناه أولئك يستحون أن يرجوا ~~رحمة الله وما أراد به تخصيص وجود PageV04P143 الرجاء لأن غيرهم أيضا قد ~~يرجو ولكن خصص بهم استحقاق الرجاء فأما من ينهمك فيما يكرهه الله تعالى ولا ~~يذم نفسه عليه ولا يعزم على التوبة والرجوع فرجاؤه المغفرة حمق كرجاء من بث ~~البذر في أرض سبخة وعزم على أن لا يتعهده بسقى ولا تنقية # قال يحيى بن معاذ من أعظم الإغترار عندي التمادي في الذنوب مع رجاء العفو ~~من غير ندامة وتوقع القرب من الله تعالى بغير طاعة وانتظار زرع الجنة ببذر ~~النار وطلب دار المطيعين بالمعاصي وانتظار الجزاء بغير عمل والتمني على ~~الله عز وجل مع الإفراط # ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها % إن السفينة لا تجري على اليبس # فإذا عرفت حقيقة الرجاء ومظنته فقد علمت أنها حالة أثمرها العلم بجريان ~~أكثر الأسباب وهذه الحالة تثمر الجهد للقيام ببقية الأسباب على حسب الإمكان ~~فإن من حسن بذره وطابت أرضه وغزر ماؤه صدق رجاؤه فلا يزال يحمله صدق الرجاء ~~على تفقد الأرض وتعهدها وتنحية كل حشيش ينبت فيها فلا يفتر عن تعهدها أصلا ~~إلى وقت الحصاد وهذا لأن الرجاء يضاده اليأس واليأس يمنع من التعهد فمن عرف ~~أن الأرض سبخة وأن الماء معوز وأن البذر لا ينبت فيترك لا محالة تفقد الأرض ~~والتعب في تعهدها والرجاء محمود لأنه باعث واليأس مذموم وهو ضده لأنه صارف ~~عن العمل والخوف ليس بضد للرجاء بل هو رفيق له كما سيأتي بيانه بل هو باعث ~~آخر بطريق الرهبة كما أن الرجاء باعث بطريق الرغبة فإذن حال الرجاء يورث ~~طول المجاهدة بالأعمال والمواظبة على الطاعات كيفما تقلبت الأحوال ومن ~~آثاره التلذذ بدوام الإقبال على الله تعالى والتنعم بمناجاته والتلطف في ~~التملق له فإن هذه الأحوال لابد وأن تظهر على كل من يرجو ملكا من الملوك أو ~~شخصا من الأشخاص فكيف لا يظهر ذلك في حق الله تعالى فإن كان لا يظهر ~~فليستدل به على الحرمان عن مقام الرجاء والنزول في حضيض الغرور والتمنى ~~فهذا هو البيان لحال الرجاء ولما أثمره من العلم ولما استثمر منه من العمل ~~ويدل على إثماره لهذه الأعمال حديث زيد الخيل إذ قال لرسول الله صلى الله ~~عليه وسلم جئت لأسألك عن علامة الله فيمن لا يريد وعلامته فيمن لا يريد ~~فقال كيف أصبحت قال أصحبت أحب الخير وأهله وإذا قدرت على شىء منه سارعت ~~إليه وأيقنت بثوابه وإذا فاتني منه شيىء حزنت عليه وحننت إليه # فقال هذه علامة الله فيمن يريد ولو أرادك للأخرى هيأك لها ثم لا يبالى في ~~أي أوديتها هلكت فقد ذكر صلى الله عليه وسلم علامة من أريد به الخير فمن ~~ارتجى أن يكون مرادا بالخير من غير هذه العلامات فهو مغرور + حديث قال زيد ~~الخيل جئت لأسألك عن علامة الله فيمن يريد وعلامته فيمن لا يريد الحديث ~~أخرجه الطبراني في الكبير من حديث ابن مسعود بسند ضعيف وفيه أنه قال أنت ~~زيد الخير وكذا قال ابن أبي حاتم سماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد الخير ~~يروى عنه حديث وذكره في حديث يروى فقال زيد الخير فقال يا رسول الله الحديث ~~سمعت أبي يقول ذلك # | بيان فضيلة الرجاء والترغيب فيه # اعلم أن العمل على الرجاء أعلى منه على الخوف لأن أقرب العباد إلى الله ~~تعالى أحبهم له والحب يغلب الرجاء واعتبر ذلك بملكين يخدم أحداهما خوفا من ~~عقابه والآخر رجاء لثوابه ولذلك ورد في الرجاء وحسن الظن رغائب لا سيما في ~~وقت الموت قال تعالى لا تقنطوا من رحمة الله فحرم أصل اليأس وفي أخبار ~~يعقوب عليه السلام أن الله تعالى أوحى إليه # أتدري لم فرقت بينك وبين يوسف لأنك قلت أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه ~~غافلون لم خفت الذئب ولم ترجني ولم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظى ~~له # وقال صلى الله عليه وسلم PageV04P144 لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله ~~تعالى + حديث لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله أخرجه مسلم من حديث ~~جابر + وقال صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي فليظن ~~بي ما شاء + حديث أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء أخرجه ابن حيان من ~~حديث وائلة بن الأسقع وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة دون قوله فليظن بي ~~ما شاء + # ودخل صلى الله عليه وسلم على رجل وهو في النزع فقال كيف تجدك فقال أجدني ~~أخاف ذنوبي وأرجو رحمة ربي # فقال صلى الله عليه وسلم ما اجتمعا في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه ~~الله ما رجا وأمنه مما يخاف + حديث دخل صلى الله عليه وسلم على رجل وهو في ~~النزع فقال كيف تجدك الحديث رواه الترمذي وقال غريب والنسائي في الكبرى ~~وابن ماجه من حديث أنس وقال النووي إسناده جيد + وقال علي رضي الله عنه ~~لرجل أخرجه الخوف إلى القنوط لكثرة ذنوبه يا هذا يأسك من رحمة الله أعظم من ~~ذنوبك # وقال سفيان من أذنب ذنبا فعلم أن الله تعالى قدره عليه ورجاء غفرانه غفر ~~الله له ذنبه قال لأن الله عز وجل عير قوما فقال وذلكم ظنكم الذي ظننتم ~~بربكم أرداكم وقال تعالى وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا وقال صلى الله ~~عليه وسلم إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة ما منعك إذ رأيت المنكر أن ~~تنكره فإن لقنه الله حجته قال يا رب رجوتك وخفت الناس قال فيقول الله تعالى ~~قد غفرته لك + حديث إن الله يقول للعبد يوم القيامة ما منعك إذ رأيت المنكر ~~أن تنكره الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري بإسناد جيد وقد ~~تقدم في الأمر بالمعروف + وفي الخبر الصحيح أن رجلا كان يداين الناس فيسامح ~~الغنى ويتجاوز عن المعسر فلقي الله ولم يعمل خيرا قط فقال الله عز وجل من ~~أحق بذلك منا + حديث إن رجلا كان يداين الناس فيسامح الغني ويتجاوز عن ~~المعسر الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي مسعود حوسب رجل ممن كان قبلكم فلو ~~يوجد له من الخير شيى إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسرا فكان يأمر غلمانه ~~أن يتجاوزوا عن المعسر قال الله عز وجل نحن أحق بذلك تجاوزوا عنه واتفقا ~~عليه من حديث حذيفة وأبي هريرة بنحوه + فعفا عنه لحسن ظنه ورجائه أن يعفو ~~عنه مع إفلاسه عن الطاعات وقال تعالى إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا ~~الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ولما قال صلى ~~الله عليه وسلم لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولخرجتم إلى ~~الصعدات تلدمون صدروكم وتجارون إلى ربكم فهبط جبريل عليه السلام فقال إن ~~ربك يقول لك لم تقنط عبادي فخرج عليهم ورجاهم وشوقهم + حديث لو تعلمون ما ~~أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا الحديث @QB@ وفيه @QE@ فهبط جبريل الحديث ~~أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة فأوله متفق عليه من حديث أنس ~~ورواه بزيادة ولخرجتم إلى الصعدات أخرجه أحمد والحاكم وقد تقدم + # وفي الخبر إن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام أحبني وأحب من يحبني ~~وحببني إلى خلقي فقال يا رب كيف أحببك إلى خلقك اذكرني بالحسن الجميل واذكر ~~آلائي وإحساني وذكرهم ذلك فإنهم لا يعرفون مني إلا الجميل + حديث إن الله ~~تعالى أوحى إلى عبده داود عليه السلام أحبني وأحب من يحبني الحديث لم أجد ~~له أصلا وكأنه من الإسرائيليات كالذي قبله + ورئى أبان بن أبي عياش في ~~النوم وكان يكثر ذكر أبواب الرجاء فقال أوقفني الله تعالى بين يديه فقال ما ~~الذي حملك على ذلك فقلت أردت أن أحببك إلى خلقك فقال قد غفرت لك # ورئى يحيى بن أكثم بعد موته في النوم فقيل له ما فعل الله بك فقال أوقفني ~~الله بين يديه وقال يا شيخ السوء فعلت وفعلت وقال فأخذني من الرعب ما يعلم ~~الله ثم قلت يا رب ما هكذا حدثت عنك فقال وما حدثت عني فقلت حدثني عبد ~~الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس عن نبيك صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه ~~السلام أنك قلت أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء وكنت أظن بك أن لا ~~تعذبني فقال الله عز وجل صدق جبريل وصدق نبيى وصدق أنس وصدق الزهري وصدق ~~معمر وصدق عبد الرزاق وصدقت قال فألبست ومشى بين PageV04P145 يدى الولدان ~~إلى الجنة فقلت يا لها من فرحة # وفي الخبر أن رجلا من بني إسرائيل كان يقنط الناس ويشدد عليهم قال فيقل ~~له الله تعالى يوم القيامة اليوم أويسك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي منها + ~~حديث إن رجلا من بني إسرائيل كان يقنط الناس ويشدد عليهم الحديث رواه ~~البيهقي في الشعب عن زيد بن أسلم فذكره مقطوعا + وقال صلى الله عليه وسلم ~~إن رجلا يدخل النار فيمكث فيها ألف سنة ينادي يا حنان يا منان فيقول الله ~~تعالى لجبريل اذهب فائتني بعبدي قال فيجىء به فيوقفه على ربه فيقول الله ~~تعالى كيف وجدت مكانك فيقول شر مكان قال فيقول رذوه إلى مكانه قال فيمشى ~~ويلتفت إلى ورائه فيقول الله عز وجل إلى أي شىء تلتفت فيقول لقد رجوت أن لا ~~تعيدني إليها بعد إذ أخرجتني منها فيقول الله تعالى اذهبوا به إلى الجنة + ~~حديث إن رجلا يدخل النار فينكث فيها ألف سنة ينادى يا حنان يا منان الحديث ~~أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب حسن الظن بالله والبيهقي في الشعب وضعفه من ~~حديث أنس + فدل هذا على أن رجاءه كان سبب نجاته نسأل الله حسن التوفيق ~~بلطفه وكرمه # | بيان دواء الرجاء والسبيل الذي يحصل منه حال الرجاء ويغلب # اعلم أن هذا الدواء يحتاج إليه أحد رجلين إما رجل غلب عليه اليأس فترك ~~العبادة وإما رجل غلب عليه الخوف فأسرف في المواظبة على العبادة حتى أضر ~~بنفسه وأهله وهذان رجلان مائلان عن الإعتدال إلى طرفي الإفراط والتفريط ~~فيحتاجان إلى علاج يردهما إلى الإعتدال فأما العاصي المغرور المتمنى على ~~الله مع الإعراض عن العبادة واقتحام المعاصي فأدوية الرجاء تنقلب سموما ~~مهلكة في حقه وتنزل منزلة العسل الذي هو شفاء لمن غلب عليه البرد وهم سم ~~مهلك لمن غلب عليه الحرارة بل المغرور لا يستعمل في حقه إلا أدوية الخوف ~~والأسباب المهيجة له فلهذا يجب أن يكون واعظ الخلق متلطفا ناظرا إلى مواقع ~~العلل معالجا لكل علة بما يضادها لا بما يزيد فيها فإن المطلوب هو العدل ~~والقصد في الصفات والأخلاق كلها وخير الأمور أوساطها فإذا جاوز الوسط إلى ~~أحد الطرفين عولج بما يرده إلى الوسط لا بما يزيد في ميله عن الوسط وهذا ~~الزمان زمان لا ينبغي أن يستعمل فيه مع الخلق أسباب الرجاء بل المبالغة في ~~التخويف أيضا تكاد أن لا تردهم إلى جادة الحق وسنن الصواب فأما ذكر أسباب ~~الرجاء فيهلكهم ويرديهم بالكلية ولكنها لما كانت أخف على القلوب وألذ عند ~~النفوس ولم يكن غرض الوعاظ إلا استمالة القلوب واستنطاق الخلق بالثناء ~~كيفما كانوا مالوا إلى الرجاء حتى ازداد الفساد فسادا وازداد المنهمكون في ~~طغيانهم تماديا # قال علي كرم الله وجهه إنما العالم الذي لا يقنط الناس من رحمة الله ~~تعالى ولا يؤمنهم من مكر الله # ونحن نذكر اساب الرجاء لتستعمل في حق الآيس أو فيمن غلب عليه الخوف ~~اقتداء بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنهما مشتملان على ~~الخوف والرجاء جميعا لأنهما جامعان لأسباب الشفاء في حق أصناف المرضى ~~ليستعمله العلماء الذين هم ورثة الأنبياء بحسب الحاجة استعمال الطبيب ~~الحاذق لا استعمال الأخرق الذي يظن أن كل شيى من الأدوية صالح لكل مريض ~~كيفما كان # وحال الرجاء يغلب بشيئين أحدهما الإعتبار والآخر استقراء الآيات والأخبار ~~والآثار # أما الإعتبار فهو أن يتأمل جميع ما ذكرناه في أصناف النعم من كتاب الشكر ~~حتى إذا علم لطائف نعم الله تعالى لعباده في الدنيا وعجائب حكمه التي ~~راعاها في فطرة الإنسان حتى أعد له في الدنيا كل ما هو ضروري له في دوام ~~PageV04P146 الوجود كآلات الغذاء وما هو محتاج إليه كالأصابع والأظفار وما ~~هو زينة له كاستقواس الحاجبين وإختلاف ألوان العينين وحمرة الشفتين وغير ~~ذلك مما كان لا ينثلم بفقده غرض مقصود وإنما كان يفوت به مزية جمال ~~فالعناية الإلهية إذا لم تقصر عن عباده في أمثال هذه الدقائق حتى لم يرض ~~لعباده أن تفوتهم المزايد والمزايا في الزينة والحاجة كيف يرضى بسياقهم إلى ~~الهلاك المؤبد بل إذا نظر الإنسان نظرا شافيا علم أن أكثر الخلق قد هيء له ~~أسباب السعادة في الدنيا حتى إنه يكره الإنتقال من الدنيا بالموت وإن أخبر ~~بأنه لا يعذب بعد الموت أبدا مثلا أولا يحشر أصلا فليست كراهتهم للعدم إلا ~~لأن أسباب النعم أغلب لا محالة وإنما الذي يتمنى الموت نادر ثم لا يتمناه ~~إلا في حال نادرة وواقعة هاجمة غريبة فإذا كان حال أكثر الخلق في الدنيا ~~الغالب عليه الخير والسلامة فسنة الله لا تجد لها تبديلا فالغالب أن أمر ~~الآخرة هكذا يكون لأن مدبر الدنيا والآخرة واحد وهو غفور رحيم لطيف بعباده ~~متعطف عليهم فهذا إذا تؤمل حق التأمل قوى به أسباب الرجاء ومن الإعتبار ~~أيضا النظر في حكمة الشريعة وسنتها في مصالح الدنيا ووجه الرحمة للعباد بها ~~حتى كان بعض العارفين يرى آية المداينة في البقرة من أقوى أسباب الرجاء # فقيل له وما فيها من الرجاء فقال الدنيا كلها قليل ورزق الإنسان منها ~~قليل والدين قليل عن رزقه فانظر كيف أنزل الله تعالى فيه أطول آية ليهدى ~~عبده إلى طريق الإحتياط في حفظ دينه فكيف لا يحفظ دينه الذي لا عوض له منه # الفن الثاني استقراء الآيات والأخبار فما ورد في الرجاء خارج عن الحصر ~~أما الآيات فقد قال تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا ~~من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وفي قراءة ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم + حديث قرأ ~~قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر ~~الذنوب جميعا ولا يبالي أخرجه الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد وقال حسن ~~غريب + وقال تعالى والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ~~وأخبر تعالى أن النار أعدها لإعدائه وإنما خوف بها أولياءه فقال لهم من ~~فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده وقال تعالى ~~واتقوا النار التي أعدت للكافرين وقال تعالى فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها ~~إلا الأشقى الذي كذب وتولى وقال عز وجل وإن ربك لذوا مغفرة للناس على ظلمهم ~~ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يسأل في أمته حتى قيل له أما ~~ترضى وقد أنزلت عليك هذه الآية وإن ربك لذو مغفرة للناس ظلمهم + حديث إن ~~النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يسأل في أمته حتى قيل له أما ترضى وقد ~~أنزل عليك @QB@ وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم @QE@ لم أجده بهذا اللفظ ~~وروى ابن أبي حاتم والثعلبي في تفسيرهما من رواية علي بن زيد بن جدعان عن ~~سعيد بن المسيب قال لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحد العيش الحديث + # وفي تفسير قوله تعالى @QB@ ولسوف يعطيك ربك فترضى @QE@ قال لا يرضى محمد ~~وواحد من أمته في النار وكان أبو جعفر محمد بن علي يقول أنتم أهل العراق ~~تقولون أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله @QB@ قل يا عبادي الذين أسرفوا ~~على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله @QE@ الآية ونحن أهل البيت نقول أرجى ~~آية في كتاب الله تعالى قوله تعالى @QB@ ولسوف يعطيك ربك فترضى @QE@ وأما ~~الأخبار فقد روى أبو موسى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أمتي أمة مرحومة ~~لا عذاب عليها في الآخرة عجل الله عقابها في الدنيا الزلازل والفتن فإذا ~~كان يوم القيامة دفع إلى كل رجل من أمتي رجل من أهل الكتاب فقيل هذا فداؤك ~~من النار + حديث أبي موسى أمتي أمة مرحومة لا عذاب عليها عجل الله عقابها ~~في الدنيا الزلازل والفتن الحديث أخرجه أبو داود دون قوله فإذا كان يوم ~~القيامة الخ فرواها ابن ماجه من حديث أنس بسند ضعيف وفي صحيحه من حديث أبي ~~موسى كما سيأتي ذكره في الحديث الذي يليه + PageV04P147 وفي لفظ آخر يأتي ~~كل رجل من هذه الأمة بيهودي أو نصراني إلى جهنم فيقول هذا فدائي من النار ~~فيلقى فيها + حديث يأتي كل رجل من هذه الأمة بيهودي أو نصراني إلى جهنم ~~الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي موسى إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل ~~مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فداؤك من النار وفي رواية له لا يموت رجل ~~مسلم إلا أدخل الله مكانه في النار يهوديا أو نصرانيا + وقال صلى الله عليه ~~وسلم الحمى من فيح جهنم وهي حظ المؤمن من النار + حديث الحمى من فيح جهنم ~~وهي حظ المؤمن من النار أخرجه أحمد من رواية أبي صالح الأشعري عن أبي أمامة ~~وأبو صالح لا يعرف ولا يعرف اسمه + وروى في تفسير قوله تعالى @QB@ يوم لا ~~يخزي الله النبي والذين آمنوا معه @QE@ أن الله تعالى أوحى إلى نبيه صلى ~~الله عليه وسلم إني أجعل حساب أمتك إليك # قال لا يارب أنت أرحم بهم مني فقال إذن لا نخزيك فيهم + حديث إن الله ~~أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم إني أجعل حساب أمتك إليك فقال لا يارب ~~أنت خير لهم مني الحديث في تفسير قوله تعالى @QB@ يوم لا يخزي الله النبي ~~@QE@ أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب حسن الظن بالله + # وروي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه في ذنوب أمته فقال ~~يا رب اجعل حسابهم إلى لئلا يطلع على مساويهم غيري فأوحى الله تعالى إليه ~~هم أمتك وهم عبادي وأنا أرحم بهم منك ولا أجعل حسابهم إلى غيري لئلا تنظر ~~إلى مساويهم أنت ولا غيرك + حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم سأل ربه في ~~ذبوب أمته فقال يا رب اجعل حسابهم إلى الحديث لم أقف له على أصل + # وقال صلى الله عليه وسلم حياتي خير لكم وموتي خيرك لكم أما حياتي فأسن ~~لكم السنن وأشرع لكم الشرائع وأما موتي فإن أعمالكم تعرض على فما رأيت منها ~~حسنا حمدت الله عليه وما رأيت منها سيئا استغفرت الله تعالى لكم + حديث ~~حياتي خير لكم وموتي خير لكم الحديث أخرجه البزار من حديث عبد الله بن ~~مسعود ورجاله رجال الصحيح إلا أن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود وإن ~~أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه كثيرون ورواه الحارث بن أبي ~~أسامة في مسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم ~~يوما يا كريم العفو فقال جبريل عليه السلام أتدري ما تفسير يا كريم العفو ~~هو إن عفا عن السيئات برحمته بدلها حسنات بكرمه + حديث قال صلى الله عليه ~~وسلم يوما يا كريم العفو فقال جبريل أتدري ما تفسير يا كريم العفو الحديث ~~لم أجده عن النبي صلى الله عليه وسلم والموجود أن هذا كان بين إبراهيم ~~الخليل وبين جبريل هكذا رواه أبو الشيخ في كتاب العظمة من قول عتبة بن ~~الوليد ورواه البيهقي في الشعب من رواية عتبة بن الوليد قال حدثني بعض ~~الزهاد فذكره + # وسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول اللهم إني أسألك تمام النعمة ~~فقال هل تدري ما تمام النعمة قال لا قال دخول الجنة + حديث سمع رجلا يقول ~~اللهم إني أسألك تمام النعمة الحديث تقدم + # قال العلماء قد أتم الله علينا نعمته برضاه الإسلام لنا إذ قال تعالى ~~@QB@ وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا @QE@ وفي الخبر إذا أذنب ~~العبد ذنبا فاستغفر الله يقول الله عز وجل لملائكته انظروا إلى عبدي أذنب ~~ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنوب ويأخذ بالذنب أشهدكم أني قد غفرت له + ~~حديث إذا أذنب العبد فاستغفر يقول الله تعالى لملائكته انظروا إلى عبدي ~~أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة ~~بلفظ إن عبدا أصاب ذنبا فقال أي رب أذنبت ذنبا فاغفر لي الحديث وفي رواية ~~أذنب عبد ذنبا فقال الحديث + وفي الخبر لو أذنب العبد حتى تبلغ ذنوبه عنان ~~السماء غفرتها له ما استغفرني ورجاني + حديث لو أذنب العبد حتى تبلغ ذنوبه ~~عنان السماء الحديث أخرجه الترمذي من حديث أنس يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك ~~عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك وقال حسن + وفي الخبر لو لقيني عبد بقراب ~~الأرض ذنوبا لقيته بقراب الأرض مغفرة + حديث لو لقيني عبدي بقراب الأرض ~~ذنوبا لقيته بقرابها مغفرة أخرجه مسلم من حديث أبي ذر ومن لقيني بقراب ~~الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة وللترمذي من حديث أنس الذي ~~قبله يا ابن آدم لو لقيتني الحديث + وفي الحديث إن الملك ليرفع القلم عن ~~العبد إذا أذنب ست ساعات فإن تاب واستغفر لم يكتبه عليه وإلا كتبها سيئة + ~~حديث إن الملك ليرفع القلم عن العبد إذا أذنب ست ساعات فإن تاب واستغفر لم ~~يكتبه عليه الحديث قال وفي لفظ آخر فإذا كتبها عليه وعمل حسنة قال صاحب ~~اليمين لصاحب الشمال وهو أمير عليه ألق هذه السيئة حتى ألقى من حسناته ~~واحدة من تضيف العشر الحديث أخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبي أمامة بسند ~~فيه لين باللفظ الأول ورواه أيضا أطول منه وفيه إن صاحب اليمين أمير على ~~صاحب الشمال وليس فيه أنه يأمر صاحب الشمال بإلقاء السيئة حتى يلقي من ~~حسناته واحدة لم أجد لذلك أصلا + وفي لفظ آخر فإذا كتبها عليه وعمل حسنة ~~قال صاحب اليمين لصاحب PageV04P148 الشمال وهو أمير عليه ألق هذه السيئة ~~حتى ألقي من حسناته واحدة تضعيف العشر وأرفع له تسع حسنات فتلقى عنه السيئة ~~وروى أنس في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا أذنب العبد ذنبا كتب عليه ~~فقال أعرابي وإن تاب عنه قال محى عنه قال فإن عاد قال النبي صلى الله عليه ~~وسلم يكتب عليه قال الأعرابي فإن تاب قال محى من صحيفته قال إلى متى قال ~~إلى أن يستغفر ويتوب إلى الله عز وجل إن الله لا يمل من المغفرة حتى يمل ~~العبد من الإستغفار فإذا هم العبد بحسنة كتبها صاحب اليمين قبل أن يعملها ~~فإن عملها كتبت عشر حسنات ثم يضاعفها الله سبحانه وتعالى إلى سبعمائة ضعف ~~وإذا هم بخطيئة لم تكتب عليه فإذا عملها كتبت خطيئة واحدة ووراءها حسن عفو ~~الله عز وجل + حديث أنس إذا أذنب العبد ذنبا كتب عليه فقال أعرابي فإن تاب ~~عنه قال محى عنه قال فإن عاد الحديث وفيه إن الله لا يمل من التوبة حتى يمل ~~العبد من الإستغفار الحديث أخرجه البيهقي في الشعب بلفظ فقال يا رسول الله ~~إني أذنبت ذنبا قال استغفر ربك قال فاستغفر ثم أعود قال فإذا عدت فاستغفر ~~ربك ثلاث مرات أو أربعا قال فاستغفر ربك حتى يكون الشيطان هو المسجور ~~المحسور وفيه أبو بدر يسار بن الحكم المصري منكر الحديث وروى أيضا من حديث ~~عقبة بن عامر أحدنا يذنب قال يكتب عليه قال ثم يستغفر ويتوب قال يغفر له ~~ويتاب عليه قال فيعود الحديث وفيه لا يمل الله حتى تملوا وليس في الحديثين ~~قوله في آخره فإذا هم العبد بحسنة الخ وهو في الصحيحين بنحوه من حديث ابن ~~عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه فمن هم بحسنة فلم ~~يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة فإن هم بها وعملها كتبها الله عنده عشر ~~حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله ~~عنده حسنة كاملة فإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة زاد مسلم في ~~رواية أو محاها الله ولا يهلك على الله إلا هالك ولهما نحوه من حديث أبي ~~هريرة + # وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني لا أصوم ~~إلا الشهر لا أزيد عليه ولا أصلى إلا الخمس لا أزيد عليها وليس لله في مالي ~~صدقة ولا حج ولا تطوع أين أنا إذا مت فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وقال نعم معي إذا حفظت قلبك من اثنتين الغل والحسد ولسانك من اثنتين الغيبة ~~والكذب وعينيك من اثنتين النظر إلى ما حرم الله وأن تزدري بهما مسلما دخلت ~~معي الجنة على راحتي هاتين + حديث جاء رجل فقال يا رسول الله إني لا أصوم ~~إلا الشهر لا أزيد عليه ولا أصلي إلا الخمس لا أزيد عليها وليس لله في مالي ~~صدقة ولا حج ولا تطوع الحديث تقدم + وفي الحديث الطويل لأنس أن الأعرابي ~~قال يا رسول الله من يلي حساب الخلق فقال الله تبارك وتعالى قال هو بنفسه ~~قال نعم فتبسم الأعرابي فقال صلى الله عليه وسلم مم ضحكت يا أعرابي فقال إن ~~الكريم إذا قدر عفا وإذا حاسب سامح فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق ~~الأعربي ألا لا كريم أكرم من الله تعالى هو أكرم الأكرمين @QB@ ثم قال @QE@ ~~فقه الأعرابي + حديث أنس الطويل قال أعرابي يا رسول الله من يلي حساب الخلق ~~قال الله تبارك وتعالى فقال هو بنفسه قال نعم فتبسم الأعرابي الحديث لم أجد ~~له أصلا + وفيه أيضا إن الله تعالى شرف الكعبة وعظمها ولو أن عبدا هدمها ~~حجرا حجرا ثم أحرقها ما بلغ جرم من استخف بولي من أولياء الله تعالى قال ~~الأعرابي ومن أولياء الله تعالى قال المؤمنون كلهم أولياء الله تعالى أما ~~سمعت قول الله عز وجل @QB@ الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى ~~النور @QE@ وفي بعض الاخبار المؤمن أفضل من الكعبة + حديث المؤمن أفضل من ~~الكعبة أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر بلفظ ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي ~~نفسي بيده لحرمة المؤمن أعظم حرمة منك ماله ودمه وأن يظن به إلا خيرا وشيخه ~~نصر بن محمد بن سليمان الحمصي ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبان وقد تقدم + ~~PageV04P149 و المؤمن طيب طاهر + حديث المؤمن طيب طاهر لم أجده بهذا اللفظ ~~وفي الصحيحين من حديث حذيفة المؤمن لا ينجس + و المؤمن أكرم على الله تعالى ~~من الملائكة + حديث المؤمن أكرم على الله من الملائكة أخرجه ابن ماجه من ~~رواية أبي المهزم يزيد بن سفيان عن أبي هريرة بلفظ المؤمن أكرم على الله من ~~بعض الملائكة وأبو المهزم تركه شعبة وضعفه ابن معين ورواه ابن حبان في ~~الضعفاء والبيهقي في الشعب من هذا الوجه بلفظ المصنف + وفي الخبر خلق الله ~~تعالى جهنم من فضل رحمته سوطا يسوق به عباده إلى الجنة + حديث خلق الله من ~~فضل رحمته سوطا يسوق به عباده إلى الجنة لم أجده هكذا ويغنى عنه ما رواه ~~البخاري من حديث أبي هريرة عجب ربنا من قوم يجاء بهم إلى الجنة في السلاسل ~~+ # وفي خبر آخر يقول الله عز وجل إنما خلقت الخلق ليربحوا علي ولم أخلقهم ~~لأربح عليهم + حديث قال الله إنما خلقت الخلق ليربحوا علي ولم أخلقهم لأربح ~~عليهم لم أقف له على أصل + وفي حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ما خلق الله تعالى شيئا إلا جعل له ما يغلبه وجعل رحمته تغلب ~~غضبه + حديث أبي سعيد ما خلق الله شيئا إلا جعل له ما يغلبه وجعل رحمته ~~تغلب غضبه أخرجه أبو الشيخ ابن حبان في الثواب وفيه عبد الرحمن بن كردم ~~جهله أبو حاتم وقال صاحب الميزان ليس بواه ولا بمجهول + وفي الخبر المشهور ~~إن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي تغلب غضبي + ~~حديث إن الله كتب على نفسه بنفسه قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي تغلب غضبي ~~متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد تقدم + وعن معاذ بن جبل وأنس بن مالك أنه ~~صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله دخل الجنة + حديث معاذ وأنس ~~من قال لا إله إلا الله دخل الجنة أخرجه الطبراني في الدعاء بلفظ من مات ~~يشهد وتقدم من حديث معاذ وهو في اليوم والليلة للنسائي بلفظ من مات يشهد ~~وقد تقدم من حديث معاذ ومن حديث أنس أيضا وتقدم في الأذكار + # و من كان آخر كلامه لا إله إلا الله لم تسمه النار + حديث من كان آخر ~~كلامه لا إله إلا الله لم تمسه النار أخرجه أبو داود والحاكم وصححه من حديث ~~معاذ بلفظ دخل الجنة + و من لقي الله لا يشرك به شيئا حرمت عليه النار + ~~حديث من لقي الله لا يشرك به شيئا حرمت عليه النار أخرجه الشيخان من حديث ~~أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله ~~وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار وزاد البخاري صادقا من قلبه ~~وفي رواية له من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ورواه أحمد من حديث ~~معاذ بلفظ جعله الله في الجنة وللنسائي من حديث أبي عمرة الأنصاري في أثناء ~~حديث فقال أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أني رسول الله لا يلقى الله عبد ~~يؤمن بهما إلا حجب عن النار يوم القيامة + # و لا يدخلها من في قلبه مثقال ذرة من إيمان + حديث لا يدخلها من في قلبه ~~وزن ذرة من إيمان أخرجه أحمد من حديث سهل بن بيضاء من شهد أن لا إله إلا ~~الله حرمه الله على النار وفيه انقطاع وله من حديث عثمان بن عفان إني لأعلم ~~كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه إلا حرم على النار قال عمر بن الخطاب هي ~~كلمة الإخلاص وإسناده صحيح ولكن هذا ونحوه شاذ مخالف لما ثبت في الأحاديث ~~الصحيحة من دخول جماعة من الموحدين النار وإخراجهم بالشفاعة نعم لا يبقى في ~~النار من في قلبه ذرة من إيمان كما هو متفق عليه من حديث أبي سعيد وفيه فمن ~~وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه وقال مسلم من خير @QB@ بدل @QE@ ~~من إيمان + وفي خبر آخر لو علم الكافر سعة رحمة الله ما آيس من جنته أحد + ~~حديث لو علم الكافر سعة رحمة الله ما أيس من جنته أحد متفق عليه من حديث ~~أبي هريرة + ولما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى إن زلزلة ~~الساعة شيء عظيم @QB@ قال @QE@ أتدرون أي يوم هذا هذا يوم يقال لآدم عليه ~~الصلاة والسلام قم فابعث بعث النار من ذريتك فيقول كم فيقال من كل ألف ~~تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة قال فأبلس القوم وجعلوا ~~يبكون وتعطلوا يومهم عن الإشتغال والعمل فخرج عليهم رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وقال ما لكم لا تعملون فقالوا ومن يشتغل بعمل بعد ما حدثتنا بهذا ~~فقال كم أنتم في الأمم أين تأويل وثاريث ومنسك ويأجوج ومأجوج أمم لا يحصيها ~~إلا الله تعالى إنما أنتم في سائر الأمم كالشعرة البيضاء في جلد الثور ~~الأسود وكالرقمة في ذراع الدابة + حديث لما تلا @QB@ إن زلزلة الساعة شيء ~~عظيم @QE@ قال أتدرون أي يوم هذا الحديث أخرجه الترمذي من حديث عمران بن ~~حصين وقال حسن صحيح قلت هو من رواية الحسن البصري عن عمران ولم يسمع منه ~~وفي الصحيحين نحوه من حديث أبي سعيد + فانظر كيف كان الخوف يسوق الخلق ~~بسياط الخوف ويقودهم بأزمة PageV04P150 الرجاء إلى الله تعالى إذ ساقهم ~~بسياط الخوف أولا فلما خرج ذلك بهم عن حد الإعتدال إلى إفراط اليأس داواهم ~~بدواء الرجاء وردهم إلى الإعتدال والقصد والآخر لم يكن مناقضا للأول ولكن ~~ذكر في الأول ما رآه سببا للشفاء واقتصر عليه فلما احتاجوا إلى المعالجة ~~بالرجاء # ذكر تمام الأمر فعلى الواعظ أن يقتدي بسيد الوعاظ فيتلطف في استعمال ~~أخبار الخوف والرجاء بحسب الحاجة بعد ملاحظة العلل الباطنة وإن لم يراع ذلك ~~كان ما يفسد بوعظه أكثر مما يصلح وفي الخبر لو لم تذنبوا لخلق الله خلقا ~~يذنبون فيغفر لهم + حديث لو لم تذنبوا لخلق الله خلقا يذنبون فيغفر لهم وفي ~~لفظ لذهب بكم الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي أيوب واللفظ الثاني من حديث ~~أبي هريرة قريبا منه + وفي لفظ آخر لذهب بكم وجاء بخلق يذنبون فيغفر لهم ~~إنه هو الغفور الرحيم وفي الخبر لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو شر من ~~الذنوب قيل وما هو قال العجب + حديث لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو شر من ~~الذنوب قيل ما هو قال العجب أخرجه البزار وابن حبان في الضعفاء والبيهقي في ~~الشعب من حديث أنس وتقدم في ذم الكبر والعجب + وقال صلى الله عليه وسلم ~~والذي نفسي بيده لله أرحم بعبده المؤمن من الوالدة الشفيقة بولدها + حديث ~~والذي نفسي بيده لله أرحم بعبده المؤمن من الوالدة الشفيقة بولدها متفق ~~عليه من حديث عمر بنحوه + وفي الخبر ليغفرن الله تعالى يوم القيامة مغفرة ~~ما خطرت على قلب أحد حتى إن إبليس ليتطاول لها رجاء أن تصيبه + حديث ليغفرن ~~الله تعالى يوم القيامة مغفرة ما خطرت قط على قلب أحد الحديث أخرجه ابن أبي ~~الدنيا في كتاب حسن الظن بالله من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف + وفي الخبر ~~إن لله تعالى مائة رحمة ادخر منها عنده تسعا وتسعين رحمة وأظهر منها في ~~الدنيا رحمة واحدة فبها يتراحم الخلق فتحن الوالدة على ولدها وتعطف البهيمة ~~على ولدها فإذا كان يوم القيامة ضم هذه الرحمة إلى التسع والتسعين ثم بسطها ~~على جميع خلقه وكل رحمة منها طباق السموات والأرض قال فلا يهلك على الله ~~يومئذ إلا هالك + حديث إن الله تعالى مائة رحمة الحديث متفق عليه من حديث ~~أبي هريرة + وفي الخبر ما منكم من أحد يدخله عمله الجنة ولا ينجيه من النار ~~قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا ان يتغمدني الله برحمته + حديث ~~ما منكم من أحد يدخله عمله الجنة الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد ~~تقدم + وقال عليه افضل الصلاة والسلام اعملوا وابشروا واعلموا أن أحدا لن ~~ينجيه عمله + حديث اعملوا وأبشروا واعلموا أن أحدا لن ينجيه عمله تقدم أيضا ~~+ وقال صلى الله عليه وسلم إني اختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي أترونها ~~للمطيعين المتقين بل هي للمتلوثين المخلطين + حديث إني اختبأت شفاعتي لأهل ~~الكبائر من أمتي الحديث أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة لكل نبي دعوة وإني ~~خبأت دعوتي شفاعة لأمتي ورواه مسلم من حديث أنس وللترمذي من حديثه وصححه ~~وابن ماجه من حديث جابر شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ولإبن ماجه من حديث ~~أبي موسى ولأحمد من حديث ابن عمر خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي ~~الجنة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى أترونها للمتقين الحديث وفيه من لم ~~يسم + وقال صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة السهلة + حديث بعثت ~~بالحنيفية السمحة السهلة أخرجه أحمد من حديث أبي أمامة بسند ضعيف دون قوله ~~السهلة وله وللطبراني من حديث ابن عباس أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة ~~وفيه محمد بن إسحاق رواه بالعنعنة + وقال صلى الله عليه وسلم وعلى كل عبد ~~مصطفى أحب أن يعلم أهل الكتابين أن في ديننا سماحة + حديث أحب أن يعلم أهل ~~الكتاب أن في ديننا سماحة رواه أبو عبيد في غريب الحديث وأحمد + ويدل على ~~معناه استجابة الله تعالى للمؤمنين في قولهم @QB@ ولا تحمل علينا إصرا @QE@ ~~وقال تعالى @QB@ ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم @QE@ وروى محمد ~~بن الحنفية عن علي رضي الله تعالى عنهما أنه قال لما نزل قوله تعالى @QB@ ~~فاصفح الصفح الجميل @QE@ قال يا جبريل وما الصفح الجميل قال عليه السلام ~~إذا عفوت عمن ظلمك فلا تعاتبه فقال يا جبريل فالله تعالى أكرم من أن يعاتب ~~من عفا عنه فبكى جبريل وبكى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث الله تعالى ~~PageV04P151 إليهما ميكائيل عليه السلام وقال إن ربكما يقرئكما السلام ~~ويقول كيف أعاتب من عفوت عنه هذا ما لا يشبه كرمى + حديث محمد بن الحنفية ~~عن علي لما نزل قوله تعالى @QB@ فاصفح الصفح الجميل @QE@ قال يا جبريل ما ~~الصفح الجميل قال إذا عفوت عمن ظلمك فلا تعاتبه الحديث أخرجه ابن مردويه في ~~تفسيره موقوفا على على مختصرا قال الرضا بغير عتاب ولم يذكر بقية الحديث ~~وفي إسناده نظر + والأخبار الواردة في أسباب الرجاء أكثر من أن تحصى # وأما الآثار فقد قال علي كرم الله وجهه من أذنب ذنبا فستره الله عليه في ~~الدنيا فالله أكرم من أن يكشف ستره في الآخرة ومن أذنب ذنبا فعوقب عليه في ~~الدنيا فالله تعالى أعدل من أن يثنى عقوبته على عبده في الآخرة وقال الثوري ~~ما أحب أن يجعل حسابي إلى أبوي لأني أعلم أن الله تعالى أرحم بي منهما # وقال بعض السلف المؤمن إذا عصى الله تعالى ستره عن أبصار الملائكة كيلا ~~تراه فتشهد عليه # وكتب محمد بن صعب إلى أسود بن سالم بخطه إن العبد إذا كان مسرفا فاعلى ~~نفسه فرفع يديه يدعو ويقول يا رب حجبت الملائكة صوته وكذا الثانية والثالثة ~~حتى إذا قال الرابعة يا ربي قاله الله تعالى حتى متى تحجبون عني صوت عبدي ~~قد علم عبدي أنه ليس له رب يغفر له الذنوب غيري أشهدكم أني قد غفرت له وقال ~~إبراهيم بن أدهم رحمة الله عليه خلا لي الطواف ليلة وكانت ليلة مطيرة مظلمة ~~فوقفت في الملتزم عند الباب فقلت يا رب اعصمني حتى لا أعصيك أبدا فهتف بي ~~هاتف من البيت يا إبراهيم أنت تسألني العصمة وكل عبادي المؤمنين يطلبون مني ~~ذلك فإذا عصمتهم فعلى من أتفضل ولمن أغفر وكان الحسن يقول لو لم يذنب ~~المؤمن لكان يطير في ملكوت السماوات ولكن الله تعالى قمعه بالذنوب وقال ~~الجنيد رحمه الله تعالى إن بدت عين من الكرم ألحقت المسيئين بالمحسنين # ولقي مالك بن دينار أبانا فقال له إلى كم تحدث الناس بالرخص فقال يا أبا ~~يحيى إني لأرجو أن ترى من عفو الله يوم القيامة ما تخرق له كساءك هذا من ~~الفرح # وفي حديث ربعي بن حراش عن أخيه وكان من خيار التابعين وهو ممن تكلم بعد ~~الموت قال لما مات أخي سجى بثوبه والقيناه على نعشه فكشف الثوب عن وجهه ~~واستوى قاعدا وقال إني لقيت ربي عز وجل فحياني بروح وريحان وربي غير غضبان ~~وإني رأيت الأمر أيسر مما تظنون فلا تفتروا وأن محمدا صلى الله عليه وسلم ~~ينتظرني وأصحابه حتى أرجع إليهم # قال ثم طرح نفسه فكأنها كانت حصاة وقعت في طشت فحملناه ودفناه # وفي الحديث أن رجلين من بني إسرائيل تواخيا في الله تعالى فكان أحدهما ~~يسرف على نفسه وكان الآخر عابدا وكان يعظه ويزجره فكان يقول دعني وربي ~~أبعثت على رقيبا حتى رآه ذات يوم على كبيرة فغضب فقال لا يغفر الله لك # قال فيقول الله تعالى يوم القيامة أيستطيع أحد أن يحظر رحمتي على عبادي ~~اذهب أنت فقد غفرت لك ثم يقول للعابد وأنت فقد أوجبت لك النار # قال فوالذي نفسي بيده لقد تكلم بكلمة أهلكت دنياه وآخرته + حديث إن رجلين ~~من بني إسرائيل تواخيا في الله عز وجل فكان أحدهما يسرف على نفسه وكان ~~الآخر عابدا الحديث رواه أبو داود من حديث أبي هريرة بإسناد جيد + # وروى أيضا أن لصا كان يقطع الطريق في بني إسرائيل أربعين سنة فمر عليه ~~عيسى عليه السلام وخلفه عابد من عباد بني إسرائيل من الحواريين فقال اللص ~~في نفسه هذا نبي الله يمر وإلى جنبه جواريه لو نزلت فكنت معهما ثالثا قال ~~فنزل فجعل يريد أن يدنو من الحواري ويزدري نفسه تعظيما للحواري ويقول في ~~نفسه مثلى لا يمشى إلى جنب هذا العابد # قال وأحس الحواري به فقال في نفسه هذا يمشى إلى جانبي فضم نفسه ومشى إلى ~~عيسى عليه الصلاة والسلام فمشى بجنبه فبقي اللص خلفه فأوحى الله تعالى إلى ~~عيسى عليه الصلاة والسلام PageV04P152 قل لهما ليستأنفا العمل فقد أحبطت ما ~~سلف من أعمالهما أما الحوارى فقد أحبطت حسناته لعجبه بنفسه وأما الآخر فقد ~~أحبطت سيئاته بما ازدرى على نفسه فأخبرهما بذلك وضم اللص إليه في سياحته ~~وجعله من حواريه # وروى عن مسروق أن نبيا من الأنبياء كان ساجدا فوطىء عنقه بعض العصاة حتى ~~ألزق الحصى بجبهته قال فرفع النبى عليه الصلاة والسلام رأسه مغضبا فقال ~~اذهب فلن يغفر الله لك فأوحى الله تعالى إليه تتألى على في عبادي إني قد ~~غفرت له # ويقرب من هذا ما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم كان يقنت على المشركين ويلعنهم في صلاته فنزل عليه قوله ~~تعالى ليس لك من الأمر شيء الآية فترك الدعاء عليهم وهدى الله تعالى عامة ~~أولئك للإسلام + حديث ابن عباس كان يقنت على المشركين ويلعنهم في صلاته ~~فنزل قوله تعالى @QB@ ليس لك من الأمر شيء @QE@ فترك الدعاء عليهم الحديث ~~أخرجه البخاري من حديث ابن عمر أنه كان إذا رفع راسه من الركوع في الركعة ~~الأخيرة من الفجر يقول اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا بعد ما يقول سمع ~~الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله عز وجل ليس لك من الأمر شيء إلى ~~قوله فإنهم ظالمون ورواه الترمذي وسماهم أبا سفيان والحارث بن هشام وصفوان ~~بن أمية وزاد فتاب عليهم فأسلموا فحسن إسلامهم وقال حسن غريب وفي رواية له ~~أربعة نفر لم يسمهم وقال فهداهم الله للإسلام وقال حسن غريب صحيح + # وروى في الأثر أن رجلين كانا من العابدين متساويين في العبادة قال فإذا ~~أدخلا الجنة رفع أحدهما في الدرجات العلى على صاحبه فيقول يا رب ما كان هذا ~~في الدنيا بأكثر مني عبادة فرفعته علي في عليين فيقول الله سبحانه إنه كان ~~يسألني في الدنيا الدرجات العلى وأنت كنت تسألني النجاة من النار فأعطيت كل ~~عبد سؤله وهذا يدل على أن العبادة على الرجاء أفضل لأن المحبة أغلب على ~~الراجي منها على الخائف فكم من فرقف في الملوك بين من يخدم اتقاء لعقابه ~~وبين من يخدم إرتجاه لإنعامه وإكرامه # ولذلك أمر الله تعالى بحسن الظن ولذلك قال صلى الله عليه وسلم سلوا الله ~~الدرجات العلى فإنما تسألون كريما + حديث سلوا الله الدرجات العلى فإنما ~~تسألون كريما لم أجده بهذا اللفظ وللترمذي من حديث ابن مسعود سلوا الله من ~~فضله فإن الله يحب أن يسئل وقال هكذا روى حماد بن واقد وليس بالحافظ + وقال ~~إذا سألتم الله فأعظموا الرغبة واسألوا الفردوس الأعلى فإن الله تعالى لا ~~يتعاظمه شيء + حديث إذا سألتم الله فأعظموا الرغبة واسألوا الفردوس الأعلى ~~فإن الله لا يتعاظمه شيء أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة إذا دعا أحدكم فلا ~~يقل اللهم اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم وليعظم الرغبة فإن الله عز وجل لا ~~يتعاظمه شيء أعطاه والبخاري من حديث أبي هريرة في أثناء حديث فإذا سألتم ~~الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ورواه الترمذي من حديث ~~معاذ وعبادة بن الصامت + # وقال بكر بن سليم الصواف دخلنا على مالك بن أنس في العشية التي قبض فيها ~~فقلنا يا أبا عبد الله كيف تجدك قال لا أدري ما أقول لكم إلا أنكم ستعاينون ~~من عفو الله ما لم يكن لكم في حساب ثم ما برحنا حتى أغمضناه # وقال يحيى بن معاذ في مناجاته يكاد رجائي لك من الذنوب يغلب رجائي إليك ~~مع الأعمال لأني أعتمد في الأعمال على الإخلاص وكيف أحرزها وأنا بالآفة ~~معروف وأجدني في الذنوب أعتمد على عفوك وكيف لا تغفرها وأنت بالجود موصوف # وقيل إن مجوسيا استضاف إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فقال إن أسلمت ~~أضفتك فمر المجوسي PageV04P153 فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم لم تطعمه ~~إلا بتغيير دينه ونحن من سبعين سنة نطعمه على كفره فلو أضفته ليلة ماذا كان ~~عليك فمر إبراهيم يسعى خلف المجوسي فرده وأضافه فقال له المجوسي ما السبب ~~فيما بدا لك فذكر له فقال له المجوسي أهكذا يعاملني ثم قال أعرض على ~~الإسلام فأسلم # ورأى الأستاذ أبو سهل الصعلوكي أبا سهل الزجاجي في المنام وكان يقول ~~بوعيد الأبد فقال له كيف حالك فقال وجدنا الأمر أهون مما توهمنا # ورأى بعضهم أبا سهل الصعلوكي في المنام على هيئة حسنة لا توصف فقال له يا ~~أستاذ بما نلت هذا فقال بحسن ظني بربي # وحكى أن أبا العباس بن سريج رحمه الله تعالى رأى في مرض موته في منامه ~~كأن القيامة قد قامت وإذا الجبار سبحانه يقول أين العلماء قال فجاءوا ثم ~~قال ماذا عملتم فيما علمتم قال فقلنا يا رب قصرنا وأسأنا قال فأعاد السؤال ~~كأنه لم يرض بالجواب وأراد جوابا غيره فقلت أما أنا فليس في صحيفتي الشرك ~~وقد وعدت أن تغفر ما دونه فقال اذهبوا به فقد غفرت لكم ومات بعد ذلك بثلاث ~~ليال # وقيل كان رجل شريب جمع قوما من ندمائه ودفع إلى غلامه أربعة دراهم وأمره ~~أن يشتري شيئا من الفواكه للمجلس فمر الغلام بباب مجلس منصور بن عمار وهو ~~يسأل لفقير شيئا ويقول من دفع إليه أربعة دراهم دعوت له أربع دعوات قال ~~فدفع الغلام إليه الدراهم فقال منصور ما الذي تريد أن أدعو لك فقال لي سيد ~~أريد أن أتخلص منه فدعا منصور وقال الأخرى # قال أن يخلف الله على دراهمي فدعا ثم قال الآخرى قال أن يتوب الله على ~~سيدي فدعا ثم قال الأخرى فقال أن يغفر الله لي ولسيدي ولك وللقوم فدعا ~~منصور فرجع الغلام فقال له سيده لم أبطأت فقص عليه القصة قال وبما دعا فقال ~~سألت لنفسي العتق فقال له اذهب فانت حر قال وأيش الثاني قال أن يخلف الله ~~على الدراهم قال لك أربعة آلاف درهم وايش الثالث قال أن يتوب الله عليك قال ~~تبت إلى الله تعالى قال وأيش الرابع قال أن يغفر الله لي ولك وللقوم قال ~~هذا الواحد ليس إلى فلما بات تلك الليلة رأى في المنام كأن قائلا يقول له ~~أنت فعلت ما كان إليك أفترى أني لا أفعل ما إلى قد غفرت لك وللغلام ولمنصور ~~بن عمار وللقوم الحاضرين أجمعين # وروى عن عبد الوهاب بن عبد الحميد الثقفي قال رأيت ثلاثة من الرجال ~~وإمرأة يحملون جنازة قال فأخذت مكان المرأة وذهبنا إلى المقبرة وصلينا ~~عليها ودفنا الميت فقلت للمرأة من كان هذا الميت منك قالت ابني قلت ولم يكن ~~لكم جيران قالت بلى ولكن صغروا أمره قلت وأيش كان هذا قالت مخنثا قال ~~فرحمتها وذهبت بها إلى منزلي وأعطيتها دراهم وحنطة وثيابا قال فرأيت تلك ~~الليلة كأنه أتاني آت كأنه القمر ليلة البدر وعليه ثياب بيض فجعل يتشكرني ~~فقلت من أنت فقال المخنث الذي دفنتموني اليوم رحمني ربي بإحتقار الناس إياي # وقال إبراهيم الأطروش كنا قعودا ببغداد مع معروف الكرخي على دجلة إذ مر ~~أحداث في زورق يضربون بالدف ويشربون ويلعبون فقالوا لمعروف أما تراهم يعصون ~~الله مجاهرين ادع الله عليهم فرفع يديه وقال إلهى كما فرحتم في الدنيا ~~ففرحهم في الآخرة فقال القوم إنما سألناك أن تدعو عليهم فقال إذا ~~PageV04P154 فرحهم في الآخرة تاب عليهم وكان بعض السلف يقول في دعائه يا رب ~~وأي أهل دهر لم يعصوك ثم كانت نعمتك عليهم سابغة ورزقك عليهم دارا سبحانك ~~ما أحلمك وعزتك إنك لتعصى ثم تسبغ النعمة وتدر الرزق حتى كأنك يا ربنا لا ~~تغضب # فهذه هي الأسباب التي بها يجلب روح الرجاء إلى قلوب الخائفين والآيسين ~~فأما الحمقى المغرورون فلا ينبغي أن يسمعوا شيئا من ذلك بل يسمعون ما ~~سنورده في أسباب الخوف فإن أكثر الناس لا يصلح إلى على الخوف كالعبد السوء ~~والصبى العرم لا يستقيم إلا بالسوط والعصا وإظهار الخشونة في الكلام # وأما ضد ذلك فيسد عليهم باب الصلاح في الدين والدنيا الشطر الثاني من ~~الكتاب في الخوف # وفيه # | بيان حقيقة الخوف # وبيان درجاته وبيان أقسام المخاوف وبيان فضيلة الخوف وبيان الأفضل من ~~الخرف والرجاء وبيان دواء الخوف وبيان معنى سوء الخاتمة وبيان أحوال ~~الخائفين من الأنبياء صلوات الله عليهم والصالحين رحمة الله عليهم ونسأل ~~الله حسن التوفيق بيان حقيقة الخوف # اعلم أن الخوف عبارة عن تألم القلب وإحتراقه بسبب توقع مكروه في ~~الإستقبال وقد ظهر هذا في بيان حقيقة الرجاء ومن أنس بالله وملك الحق قلبه ~~وصار ابن وقته مشاهدا لجمال الحق على الدوام لم يبق له التفات إلى المستقبل ~~فلم يكن له خوف ولا رجاء بل صار حاله أعلى من الخوف والرجاء فإنهما زمانان ~~يمنعان النفس عن الخروج إلى رعوناتها وإلى هذا أشار الواسطي حيث قال الخوف ~~حجاب بين الله تعالى وبين العبد # وقال أيضا إذا ظهر الحق على السرائر لا يبقى فيها فضلة لرجاء ولا لخوف ~~وبالجملة فالمحب إذا شغل قلبه في مشاهدة المحبوب بخوف الفراق كان ذلك نقصا ~~في الشهود وإنما دوام الشهود غاية المقامات ولكنا الآن إنما نتكلم في أوائل ~~المقامات فنقول حال الخوف ينتظم أيضا من علم وحال وعمل # أما العلم فهو العلم بالسبب المفضى إلى المكروه وذلك كمن جنى على ملك ثم ~~وقع في يده فيخاف القتل مثلا ويجوز العفو والإفلات ولكن يكون تألم قلبه ~~بالخوف بحسب قوة عليه بالأسباب المفضية إلى قتله وهو تفاحش جنايته وكون ~~الملك في نفسه حقودا غضوبا منتقما وكونه محفوفا بمن يحثه على الإنتقام ~~خاليا عمن يتشفع إليهم في حقه وكان هذا الخائف عاطلا عن كل وسيلة وحسنة ~~تمحو أثر جنايته عند الملك فالعلم بتظاهر هذه الأسباب سبب لقوة الخوف وشدة ~~تألم القلب وبحسب ضعف هذه الأسباب يضعف الخوف وقد يكون الخوف لا عن سبب ~~جناية قارفها الخائف بل عن صفة المخوف كالذي وقع في مخالب سبع فإنه يخاف ~~السبع لصفة ذات السبع وهي حرصه وسطوته على الإفتراس غالبا وإن كان إفتراسه ~~بالإختيار وقد يكون من صفة جبلية للمخوف منه كخوف من وقع في مجرى سيل أو ~~جوار حريق فإن الماء يخاف لأنه بطبعه مجبول على السيلان والإعراق وكذا ~~النار على الإحراق فالعلم بأسباب المكروه هو السبب الباعث المثير لإحراق ~~القلب وتألمه وذلك الإحراق هو الخوف فكذلك الخوف من الله تعالى تارة يكون ~~لمعرفة الله تعالى ومعرفة صفاته وأنه لو أهلك العالمين لم يبال ولم يمنعه ~~مانع وتارة يكون لكثرة الجناية من العبد بمقارفة المعاصي وتارة يكون بهما ~~جميعا وبحسب معرفته بعيوب نفسه ومعرفته بجلال الله تعالى واستغنائه وأنه لا ~~يسئل عما يفعل وهم يسئلون PageV04P155 فتكون قوة خوفه فأخوف الناس لربه ~~أعرفهم بنفسه وبربه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أنا أخوفكم لله + حديث ~~أنا أخوفكم لله أخرجه البخاري من حديث أنس والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم ~~له وللشيخين من حديث عائشة والله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية + وكذلك ~~قال الله تعالى @QB@ إنما يخشى الله من عباده العلماء @QE@ ثم إذا كملت ~~المعرفة أورثت جلال الخوف وإحتراق القلب ثم يفيض أثر الحرقة من القلب على ~~البدن وعلى الجوارج وعلى الصفات # أما في البدن فبالنحول والصفار والغشية والزعقة والبكاء وقد تنشق به ~~المرارة فيفضى إلى الموت أو يصعد إلى الدماغ فيفسد العقل أو يقوى فيورث ~~القنوط واليأس # وأما في الجوارح فبكفها عن المعاصي وتقييدها بالطاعات تلافيا لما فرط ~~وإستعدادا للمستقبل ولذلك قيل ليس الخائف من يبكى ويمسح عينيه بل من يترك ~~ما يخاف أن يعاقب عليه وقال أبو القاسم الحكيم من خاف شيئا هرب منه ومن خاف ~~الله هرب إليه # وقيل لذي النون متى يكون العبد خائفا قال إذا نزل نفسه منزلة السقيم الذي ~~يحتمى مخافة طول السقام # وأما في الصفات فبأن يقمع الشهوات ويكدر اللذات فتصير المعاصي المحبوبة ~~عنده مكروهة كما يصير العسل مكروها عند من يشتهيه إذا عرف أن فيه سما ~~فتحترق الشهوات بالخوف وتتأدب الجوارح ويحصل في القلب الذبول والخشوع ~~والذلة والإستكانة ويفارقه الكبر والحقد والحسد بل يصير مستوعب الهم بخوفه ~~والنظر في خطر عاقبته فلا يتفرغ لغيره ولا يكون له شغل إلا المراقبة ~~والمحاسبة والمجاهدة والضنة بالأنفاس واللحظات مؤاخذة النفس بالخطرات ~~والخطوات والكلمات ويكون حاله حال من وقع في مخالب سبع ضار لا يدري أنه ~~يغفل عنه فيفلت أو يهجم عليه فيهلك فيكون ظاهره وباطنه مشغولا بما هو خائف ~~منه لا متسع فيه لغيره هذا حال من غلبه الخوف واستولى عليه وهكذا كان حال ~~جماعة من الصحابة والتابعين وقوة المراقبة والمحاسبة والمجاهدة بحسب قوة ~~الخوف الذي هو تألم القلب وإحتراقه وقوة الخوف بحسب قوة المعرفة بجلال الله ~~وصفاته وأفعاله وبعيوب النفس وما بين يديها من الأخطار والأهوال وأقل درجات ~~الخوف مما يظهر أثره في الأعمال أن يمنع عن المحظورات ويسمى الكف الحاصل عن ~~المحظورات ورعا فإن زادت قوته كف عما يتطرق إليه إمكان التحريم فيكف أيضا ~~عما لا يتيقن تحريمه ويسمى ذلك تقوى إذ التقوى أن يترك ما يريبه إلى ما لا ~~يريبه وقد يحمله على أن يترك ما لا بأس به مخافة ما به باس وهو الصدق في ~~التقوى فإذا انضم إليه التجرد للخدمة فصار لا يبنى مالا يسكنه ولا يجمع ما ~~لا يأكله ولا يلتفت إلى دنيا يعلم أنها تفارقه ولا يصرف إلى غير الله تعالى ~~نفسا من أنفاسه فهو الصدق وصاحبه جدير بأن يسمى صديقا ويدخل في الصدق ~~التقوى ويدخل في التقوى الورع ويدخل في الورع العفة فإنها عبارة عن ~~الإمتناع عن مقتضى الشهوات خاصة فإذن الخوف يؤثر في الجوارح بالكف والإقدام ~~ويتجدد له بسبب الكف اسم العفة وهو كف عن مقتضى الشهوة وأعلى منه الورع ~~فإنه أعم لأنه كف عن كل محظور وأعلى منه التقوى فإنه اسم للكف عن المحظور ~~والشبهة جميعا ووراءه اسم الصديق والمقرب وتجرى الرتبة الآخرة مما قبلها ~~مجرى الأخص من الأعم فإذا ذكرت الأخص فقد ذكرت الكل كما أنك تقول الإنسان ~~إما عربي وإما عجمي والعربي إما قرشي أو غيره والقرشي إما هاشمي أو غيره ~~والهاشمي إما علوي أو غيره والعلوي إما حسنى أو حسيني فإذا ذكرت أنه حسنى ~~مثلا فقد وصفته بالجميع وإن وصفته بأنه علوي وصفته بما هو فوقه مما هو أعم ~~منه فكذلك إذا قلت صديق فقد قلت إنه تقي وورع وعفيف فلا ينبغي أن تظن أن ~~كثرة هذه الأسامي تدل على معان كثيرة متباينة فيختلط عليك كما اختلط ~~PageV04P156 على من طلب المعاني من الألفاظ ولم يتبع الألفاظ المعاني فهذه ~~إشارة إلى مجامع معاني الخوف وما يكتنفه من جانب العلو كالمعرفة الموجبة له ~~ومن جانب السفل كالأعمال الصادرة منه كفا وإقداما # | بيان درجات الخوف وإختلافه في القوة والضعف # اعلم أن الخوف محمود وربما يظن أن كل ما هو خوف محمود فكل ما كان أقوى ~~وأكثر كان أحمد وهو غلط بل الخوف سوط الله يسوق به عباده إلى المواظبة على ~~العلم والعمل لينالوا بهما رتبة القرب من الله تعالى والأصلح للبهيمة أن لا ~~تخلو عن سوط وكذا الصبي ولكن ذلك لا يدل على أن المبالغة في الضرب محمودة ~~وكذلك الخوف له قصور وله إفراط وله إعتدال # والمحمود هو الإعتدال والوسط فأما القاصر منه فهو الذي يجرى مجرى رقة ~~النساء يخطر بالبال عند سماع آية من القرآن فيورث البكاء وتفيض الدموع ~~وكذلك عند مشاهدة سبب هائل فإذا غاب ذلك السبب عن الحس ورجع القلب إلى ~~الغفلة فهذا خوف قاصر قليل الجدوى ضعيف النفع وهو كالقضيب الضعيف الذي تضرب ~~به دابة قوية لا يؤلمها ألما مبرحا فلا يسوقها إلى المقصد ولا يصلح ~~لرياضتها وهكذا خوف الناس كلهم إلا العارفين والعلماء ولست أعني بالعلماء ~~المترسمين برسوم العلماء والمتسمين بأسمائهم فإنهم أبعد الناس عن الخوف بل ~~أعني العلماء بالله وبأيامه وأفعاله وذلك مما قد عز وجوده الآن ولذلك قال ~~الفضيل بن عياض إذا قيل لك هل تخاف الله فاسكت فإنك إن قلت لا كفرت وإن قلت ~~نعم كذبت وأشار به إلى أن الخوف هو الذي يكف الجوارح عن المعاصي ويقيدها ~~بالطاعات وما لم يؤثر في الجوارح فهو حديث نفس وحركة خاطر لا يستحق أن يسمى ~~خوفا # وأما المفرط فإنه الذي يقوى ويجاوز حد الإعتدال حتى يخرج إلى اليأس ~~والقنوط وهو مذموم أيضا لأنه يمنع من العمل وقد يخرج الخوف أيضا إلى المرض ~~والضعف وإلى الوله والدهشة وزوال العقل فالمراد من الخوف ما هو المراد من ~~السوط وهو الحمل على العمل ولولاه لما كان الخوف كما لا لأنه بالحقيقة ~~نقصان لأن منشأه الجهل والعجز # أما الجهل فإنه ليس يدري عاقبة أمره ولو عرف لم يكن خائفا لأن المخوف هو ~~الذي يتردد فيه # وأما العجز فهو أنه متعرض لمحذور لا يقدر على دفعه فإذن هو محمود ~~بالإضافة إلى نقص الآدمي وإنما المحمود في نفسه وذاته هو العلم والقدرة وكل ~~ما يجوز أن يوصف الله تعالى به وما لا يجوز وصف الله تعالى به فليس بكمال ~~في ذاته وإنما يصير محمودا بالإضافة إلى نقص هو أعظم منه كما يكون إحتمال ~~ألم الدواء محمودا لأنه أهون من ألم المرض والموت فما يخرج إلى القنوط فهو ~~مذموم وقد يخرج الخوف أيضا إلى المرض والضعف وإلى الوله والدهشة وزوال ~~العقل وقد يخرج إلى الموت وكل ذلك مذموم وهو كالضرب الذي يقتل الصبي والسوط ~~الذي يهلك الدابة أو يمرضها أو يكسر عضوا من أعضائها وإنما ذكر رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم أسباب الرجاء وأكثر منها ليعالج به صدمة الخوف المفرط ~~المفضى إلى القنوط أو أحد هذه الأمور فكل ما يراد لأمر فالمحمود منه ما ~~يفضى إلى المراد المقصود منه وما يقصر عنه أو يجاوزه فهو مذموم وفائدة ~~الخوف الحذر والورع والتقوى والمجاهدة والعبادة والفكر والذكر وسائر ~~الأسباب الموصلة إلى الله تعالى وكل ذلك يستدعى الحياة مع صحة البدن وسلامة ~~العقل فكل ما يقدح في هذه الأسباب فهو مذموم # فإن قلت من خاف فمات من خوفه فهو شهيد فكيف يكون حاله مذموما فاعلم أن ~~معنى كونه شهيدا أن له رتبة بسبب موته من الخوف كان لا ينالها لو مات في ~~ذلك الوقت لا بسبب الخوف فهو بالإضافة إليه فضيلة فأما بالإضافة إلى تقدير ~~بقائه وطول عمره في طاعة الله وسلوك سبله فليس بفضيلة بل للسالك إلى الله ~~تعالى بطريق PageV04P157 الفكر والمجاهدة والترقي في درجات المعارف في كل ~~لحظة رتبة شهيد وشهداء ولولا هذا لكانت رتبة صبي يقتل أو مجنون يفترسه سبع ~~أعلى من رتبة نبي أو ولي يموت حتف أنفه وهو محال فلا ينبغي أن يظن هذا بل ~~أفضل السعادات طول العمر في طاعة الله تعالى فكل ما أبطل العمر أو العقل أو ~~الصحة التي يتعطل العمر بتعطيلها فهو خسران ونقصان بالإضافة إلى أمور وإن ~~كان بعض أقسامها فضيلة بالإضافة إلى أمور أخر كما كانت الشهادة فضيلة ~~بالإضافة إلى ما دونها لا بالإضافة إلى درجة المتقين والصديقين فإذن الخوف ~~إن لم يؤثر في العمل فوجوده كعدمه مثل السوط الذي لا يزيد في حركة الدابة ~~وإن أثر فله درجات بحسب ظهور أثره فإن لم يحمل إلا على العفة وهي الكف عن ~~مقتضى الشهوات فله درجة فإذا أثمر الورع فهو أعلى وأقصى درجاته أن يثمر ~~درجات الصديقين وهو أن يسلب الظاهر والباطن عما سوى الله تعالى حتى لا يبقى ~~لغير الله تعالى فيه متسع فهذا أقصى ما يحمد منه وذلك مع بقاء الصحة والعقل ~~فإن جاوز هذا إلى إزالة العقل والصحة فهو مرض يجب علاجه إن قدر عليه ولو ~~كان محمودا لما وجب علاجه بأسباب الرجاء وبغيره حتى يزول ولذلك كان سهل ~~رحمه الله يقول للمريدين الملازمين للجوع أياما كثيرة احفظوا عقولكم فإنه ~~لم يكن لله تعالى ولي ناقص العقل # | بيان أقسام الخوف بالإضافة إلى ما يخاف منه # اعلم أن الخوف لا يتحقق إلا بإنتظار مكروه والمكروه أما أن يكون مكروها ~~في ذاته كالنار وإما أن يكون مكروها لأنه يفضى إلى المكروه كما تكره ~~المعاصي لأدائها إلى مكروه في الآخرة وكما يكره المريض الفواكه المضرة ~~لأدائها إلى الموت فلا بد لكل خائف من أن يتمثل في نفسه مكروها من أحد ~~القسمين ويقوى إنتظاره في قلبه حتى يحرق قلبه بسبب استشعاره ذلك المكروه ~~ومقام الخائفين يختلف فيما يغلب على قلوبهم من المكروهات المحذورة فالذين ~~يغلب على قلوبهم ما ليس مكروها لذاته بل لغيره كالذين يغلب عليهم خوف الموت ~~قبل التوبة أو خوف نقض التوبة ونكث العهد أو خوف ضعف القوة عن الوفاء بتمام ~~حقوق الله تعالى أو خوف زوال رقة القلب وتبدلها بالقساوة # أو خوف الميل عن الإستقامة أو خوف إستيلاء العادة في اتباع الشهوات ~~المألوفة أو خوف أن يكله الله تعالى إلى حسناته التي أتكل عليها وتعزز بها ~~في عباد الله أو خوف البطر بكثرة نعم الله عليه أو خوف الإشتغال عن الله ~~بغير الله أو خوف الإستدراج بتواتبر النعم أو خوف إنكشاف غوائل طاعاته حيث ~~يبدو له من الله ما لم يكن يحتسب أو خوف تبعات الناس عنده في الغيبة ~~والخيانة والغش وإضمار السوء أو خوف ما لا يدرى أنه يحدث في بقية عمره أو ~~خوف تعجيل العقوبة في الدنيا والإفتضاح قبل الموت أو خوف الإغترار بزخارف ~~الدنيا أو خوف إطلاع الله على سريرته في حال غفلته عنه # أو خوف الختم له عند الموت بخاتمة السوء أو خوف السابقة التي سبقت له في ~~الأزل # فهذه كلها مخاوف ولكل واحد خصوص فائدة وهو سلوك سبيل الحذر عما يفضى إلى ~~المخوف فمن يخاف استيلاء العادة عليه فيواظب على الفطام عن العادة والذي ~~يخاف من إطلاع الله تعالى على سريرته يشتغل بتطهير قلبه عن الوساوس وهكذا ~~إلى بقية الأقسام # وأغلب هذه المخاوف على اليقين خوف الخاتمة فإن الأمر فيه مخطر وأعلى ~~الأقسام وأدلها على كمال المعرفة خوف السابقة لأن الخاتمة تتبع السابقة ~~وفرع يتفرع عنها بعد تخلل أسباب كثيرة فالخاتمة تظهر ما سبق به القضاء في ~~أم الكتاب والخائف من الخاتمة بالإضافة إلى الخائف من السابقة كرجلين وقع ~~الملك في حقهما بتوقيع يحتمل أن يكون فيه حز الرقبة ويحتمل أن يكون في ~~تسليم الوزارة إليه ولم يصل التوقيع إليهما بعد فيرتبط قلب أحدهما بحالة ~~وصول التوقيع ونشره وأنه PageV04P158 عماذا يظهر ويرتبط قلب الآخر بحالة ~~توقيع الملك وكيفيته وأنه ما الذي خطر له في حال التوقيع من رحمة أوغضب ~~وهذا التفات إلى السبب فهو أعلى من الإلتفات إلى ما هو فرع فكذلك الإلتفات ~~إلى القضاء الأزلي الذي جرى بتوقيعه القلم أعلى من الإلتفات إلى ما يظهر في ~~الأبد وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان على المنبر فقبض كفيه ~~اليمنى ثم قال هذا كتاب الله كتب فيه أهل الجنة بأسمائهم وأسماء آبائهم لا ~~يزاد فيهم ولا ينقص ثم قبض كفه اليسرى وقال هذا كتاب الله كتب فيه أهل ~~النار بأسمائهم وأسماء آبائهم لا يزاد فيهم ولا ينقص وليعملن أهل السعادة ~~بعمل أهل الشقاوة حتى يقال كأنهم مونهم بل هم هم ثم يستنقذهم الله قبل ~~الموت ولو بفواق ناقة وليعملن أهل الشقاوة بعمل أهل السعادة حتى يقال كأنهم ~~منهم بل هم هم ثم يستخرجهم الله قبل الموت ولو بفواق ناقة السعيد من سعد ~~بقضاء الله والشقي من شقى بقضاء الله والأعمال بالخواتيم + حديث هذا كتاب ~~من الله كتب فيه أهل الجنة بأسمائهم وأسماء آبائهم الحديث أخرجه الترمذي من ~~حديث عبد الله ابن عمر بن العاص وقال حسن صحيح غريب + وهذا كإنقسام ~~الخائفين إلى من يخاف معصيته وجنايته وإلى من يخاف الله تعالى نفسه لصفته ~~وجلاله وأوصافه التي تقتضى الهيبة لا محالة فهذا أعلى رتبة ولذلك يبقى خوفه ~~وإن كان في طاعة الصديقين وأما الآخر فهو في عرضة الغرور والأمن # إن واظب على الطاعات فالخوف من المعصية خوف الصالحين والخوف من الله خوف ~~الموحدين والصديقين وهو ثمرة المعرفة بالله تعالى وكل من عرفه وعرف صفاته ~~علم من صفاته ما هو جدير بأن يخاف من غير جناية بل العاصي لو عرف الله حق ~~المعرفة لخاف الله ولم يخف معصيته ولولا أنه مخوف في نفسه لما سخره للمعصية ~~ويسر له سبيلها ومهد له أسبابها فإن تيسير أسباب المعصية إبعاد ولم يسبق ~~منه قبل المعصية معصية استحق بها أن يسخر للمعصية وتجرى عليه أسبابها ولا ~~سبق قبل الطاعة وسيلة توسل بها من يسرت له الطاعات ومهد له سبيل القربات ~~فالعاصي قد قضى عليه بالمعصية شاء أم أبى وكذا المطيع فالذي يرفع محمد صلى ~~الله عليه وسلم إلى أعلى عليين من غير وسيلة سبقت منه قبل وجوده ويضع أبا ~~جهل في أسفل سافلين من غير جناية سبقت منه قبل وجوده جدير بأن يخاف منه ~~لصفة جلاله فإن من أطاع الله أطاع بأن سلط عليه إرادة الطاعة وآتاه القدر ~~وبعد خلق الإرادة الجازمة والقدرة التامة يصير الفعل ضروريا والذي عصى عصى ~~لأنه سلط عليه إرادة قوية جازمة وآتاه الأسباب والقدرة فكان الفعل بعد ~~الإرادة والقدرة ضروريا فليت شعرى ما الذي أوجب إكرام هذا وتخصيصه بتسليط ~~إرادة الطاعات عليه وما الذي أوجب إهانة الآخر وإبعاده بتسليط دواعي ~~المعصية عليه وكيف يحال ذلك على العبد وإذا كانت الحوالة ترجع إلى القضاء ~~الأزلي من غير جناية ولا وسيلة فالخوف ممن يقضى بما يشاء ويحكم بما يريد ~~حزم عند كل عاقل ووراء هذا المعنى سر القدر لا يجوز إفشاؤه ولا يمكن أن ~~تفهم الخوف منه في صفاته جل جلاله إلا بمثال لولا إذن الشرع لم يستجرىء على ~~ذكره ذو بصيرة فقد جاء في الخبر إن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام ~~يا داود خفني كما تخاف السبع الضاري + حديث إن الله تعالى أوحى إلى داود يا ~~داود خفني كما يخاف السبع الضاري لم أجد له أصلا ولعل المصنف قصد بإيراده ~~أنه من الإسرائيليات فإنه عبر عنه بقول جاء في الخبر وكثيرا ما يعبر بذلك ~~عن الإسرائيليات التي هي غير مرفوعة + فهذا المثال يفهمك حاصل المعنى وإن ~~كان لا يقف بك على سببه فإن الوقوف على سببه وقوف على سر القدر ولا يكشف ~~ذلك إلا لأهله # والحاصل أن السبع يخاف لا لجناية سبقت إليه منك بل لصفته وبطشه وسطوته ~~وكبره وهيبته ولأنه يفعل ما يفعل ولا يبالي فإن قتلك لم يرق قلبه ولا يتألم ~~بقتلك وإن خلاك لم يخلك شفقة عليك وإبقاء على روحك بل أنت عنده أخس من أن ~~يلتفت إليك حيا كنت أو ميتا بل إهلاك ألف مثلك وإهلاك نملة عنده على وتيرة ~~واحدة إذ لا يقدح PageV04P159 ذلك في عالم سبعيته وما هو موصوف به من قدرته ~~وسطوته ولله المثل الأعلى ولكن من عرفه عرف بالمشاهدة الباطنة التي هي أقوى ~~وأوثق وأجلى من المشاهدة الظاهرة أنه صادق في قوله هؤلاء إلى الجنة ولا ~~أبالي وهؤلاء إلى النار ولا أبالي ويكفيك من موجبات الهيبة والخوف المعرفة ~~بالإستغناء وعدم المبالاة الطبقة الثانية من الخائفين أن يتمثل في أنفسهم ~~ما هو المكروه وذلك مثل سكرات الموت وشدته أو سؤال منكر ونكير أو عذاب ~~القبر أو هول المطلع أو هيبة الموقف بين يدي الله تعالى والحياء من كشف ~~الستر والسؤال عن النقير والقطمير أو الخوف من الصراط وحدته وكيفية العبور ~~عليه أو الخوف من النار وأغلالها وأهوالها أو الخوف من الحرمان عن الجنة ~~دار النعيم والملك المقيم وعن نقصان الدرجات أو الخوف من الحجاب عن الله ~~تعالى وكل هذه الأسباب مكروهة في نفسها فهي لا محالة مخوفة تختلف أحوال ~~الخائفين فيها # وأعلاها رتبة هو خوف الفراق والحجاب عن الله تعالى وهو خوف العارفين وما ~~قبل ذلك هو خوف العاملين والصالحين والزاهدين وكافة العالمين ومن لم تكمل ~~معرفته ولم تنفتح بصيرته لم يشعر بلذة الوصال ولا بألم البعد والفراق وإذا ~~ذكر له أن العارف لا يخاف النار وإنما يخاف الحجاب وجد ذلك في باطنه منكرا ~~وتعجب منه في نفسه وربما أنكر لذة النظر إلى وجه الله الكريم لولا منع ~~الشرع إياه من إنكاره فيكون إعترافه به باللسان عن ضرورة التقليد وإلا ~~فباطنه لا يصدق به لأنه لا يعرف إلا لذة البطن والفرج والعين بالنظر إلى ~~الألوان والوجوه الحسان وبالجملة كل لذة تشاركه فيها البهائم فأما لذة ~~العارفين فلا يدركها غيرهم وتفصيل ذلك وشرحه حرام مع من ليس أهلا له ومن ~~كان أهلا له استبصر بنفسه واستغنى عن أن يشرحه له غيره فإلى هذه الأقسام ~~يرجع خوف الخائفين نسأل الله تعالى حسن التوفيق بكرمه # | بيان فضيلة الخوف والترغيب فيه # أعلم أن فضل الخوف تارة يعرف بالتأمل والإعتبار وتارة بالآيات والأخبار # أما الإعتبار فسبيله أن فضيلة الشيء بقدر غنائه في الإفضاء إلى سعادة ~~لقاء الله تعالى في الآخرة إذ لا مقصود سوى السعادة ولا سعادة للعبد إلا في ~~لقاء مولاه والقرب منه فكل ما أعان عليه فله فضيلة وفضيلته بقدر غايته وقد ~~ظهر أنه لا وصول إلى سعادة لقاء الله في الآخرة إلا بتحصيل محبته والأنس به ~~في الدنيا ولا تحصل المحبة إلا بالمعرفة ولاتحصل المعرفة إلا بدوام الفكر ~~ولا يحصل الأنس إلا بالمحبة ودوام الذكر ولا تتيسر المواظبة على الذكر ~~والفكر إلا بإنقطاع حب الدنيا من القلب ولا ينقطع ذلك إلا بترك لذات الدنيا ~~وشهواتها ولا يمكن ترك المشتهيات إلا بقمع الشهوات ولا تنقعمع الشهوة بشىء ~~كما تقمع بنار الخوف فالخوف هو النار المحرقة للشهوات فإن فضيلته بقدر ما ~~يحرق من الشهوات وبقدر ما يكف عن المعاصي ويحث على الطاعات ويختلف ذلك ~~بإختلاف درجات الخوف كما سبق وكيف لا يكون الخوف ذا فضيلة وبه تحصل العفة ~~والورع والتقوى والمجاهدة وهي الأعمال الفاضلة المحمودة التي تقرب إلى الله ~~زلفى # وأما بطريق الإقتباس من الآيات والأخبار فما ورد في فضيلة الخوف خارج عن ~~الحصر وناهيك دلالة على فضيلته جمع الله تعالى للخائفين الهدى والرحمة ~~والعلم والرضوان وهي مجامع مقامات أهل الجنان وقال الله تعالى وهدى ورحمة ~~للذين هم لربهم يرهبون وقال تعالى @QB@ إنما يخشى الله من عباده العلماء ~~@QE@ وصفهم بالعلم لخشيتهم # وقال عز وجل @QB@ رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه @QE@ وكل ما ~~دل على فضيلة العلم دل على فضيلة الخوف لأن الخوف ثمرة العلم ولذلك جاء في ~~خبر موسى عليه أفضل الصلاة والسلام وأما الخائفون PageV04P160 فإن لهم ~~الرفيق الأعلى لا يشاركون فيه فانظر كيف أفردهم بمرافقة الرفيق الأعلى وذلك ~~لأنهم العلماء والعلماء لهم رتبة مرافقة الأنبياء لأنهم ورثة الأنبياء ~~ومرافقة الرفيق الأعلى للأنبياء ومن يلحق بهم ولذلك لما خير رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم في مرض موته بين البقاء في الدنيا وبين القدوم على الله ~~تعالى كان يقول أسألك الرفيق الأعلى + حديث لما خير في مرض موته كان يقول ~~أسألك الرفيق الأعلى متفق عليه من حديث عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه ~~وسلم يقول وهو صحيح إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير فلما ~~نزل به ورأسه في حجري غشى عليه ثم أفاق فأشخص ببصره إلى سقف البيت ثم قال ~~اللهم الرفيق الأعلى فعلمت أنه لا يختارنا وعرفت أنه الحديث الذي كان ~~يحدثنا وهو صحيح الحديث + # فإذن إن نظر إلى مثمره فهو العلم وإن نظر إلى ثمرته فالورع والتقوى ولا ~~يخفى ما ورد في فضائلهما حتى إن العاقب صارت موسومة بالتقوى مخصوصة بها كما ~~صار الحمد مخصوصا بالله تعالى والصلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ~~يقال الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة على سيدنا محمد صلى ~~الله عليه وسلم وآله أجمعين # وقد خصص الله تعالى التقوى بالإضافة إلى نفسه فقال تعالى @QB@ لن ينال ~~الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم @QE@ وإنما التقوى عبارة عن ~~كف بمقتضى الخوف كما سبق ولذلك قال تعالى @QB@ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ~~@QE@ ولذلك أوصى الله تعالى الأولين والآخرين بالتقوى فقال تعالى @QB@ ولقد ~~وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله @QE@ وقال عز وجل ~~@QB@ وخافون إن كنتم مؤمنين @QE@ فأمر بالخوف وأوجبه وشرطه في الإيمان # فلذلك لا يتصور أن ينفك مؤمن عن خوف وإن ضعف ويكون ضعف خوفه بحسب ضعف ~~معرفته وإيمانه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضيلة التقوى وإذا ~~جمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم فإذا هم بصوت يسمع أقصاهم كما ~~يسمع أدناهم فيقول يا أيها الناس إني قد أنصت لكم مند خلقتكم إلى يومكم هذا ~~فأنصتوا إلي اليوم إنما هي أعمالكم ترد عليكم أيها الناس إني قد جعلت نسبا ~~وجعلتم نسبا فوضعتم نسبي ورفعتم نسبكم قلت إن أكرمكم عند الله أتقاكم ~~وأبيتم إلا أن تقولوا فلان بن فلان وفلان أغنى من فلان فاليوم أضع نسبكم ~~وأرفع نسبي أين المتقون فيرفع للقوم لواء فيتبع القوم لواءهم إلى منازلهم ~~فيدخلون الجنة بغير حساب + حديث إذا جمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم ~~معلوم ناداهم بصوت يسمعه أقصاهم كما يسمعه أدناهم فيقول يا أيها الناس إني ~~قد أنصت إليكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا فأنصتوا إلي اليوم إنما هي أعمالكم ~~ترد عليكم أيها الناس إني جعلت نسبا الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط ~~والحاكم في المستدرك بسند ضعيف والثعلبي في التفسير مقتصرا على آخره إني ~~جعلت نسبا الحديث من حديث أبي هريرة # وقال صلى الله عليه وسلم رأس الحكمة مخافة الله + حديث رأس الحكمة مخافة ~~الله رواه أبو بكر بن لال الفقيه في مكارم الأخلاق والبيهقي في الشعب وضعفه ~~من حديث ابن مسعود ورواه في دلائل النبوة من حديث عقبة بن عامر ولا يصح ~~أيضا # وقال صلى الله عليه وسلم لابن مسعود إن أردت أن تلقاني فأكثر من الخوف ~~بعدي + حديث إن أردت أن تلقاني فأكثر من الخوف بعدي قاله لابن مسعود لم أقف ~~له على أصل # وقال الفضيل من خاف الله دله الخوف على كل خير # وقال الشبلي رحمه الله ما خفت الله يوما إلا رأيت له بابا من الحكمة ~~والعبرة ما رأيته قط # وقال يحيى بن معاذ ما من مؤمن يعمل السيئة إلا ويلحقها حسنتان خوف العقاب ~~ورجاء العفو كثعلب بين أسدين # وفي خبر موسى عليه الصلاة والسلام وأما الورعون فإنه لا يبقى أحد إلا ~~ناقشته الحساب وفتشت عما في يديه إلا الورعين فإني أستحي منهم وأجلهم أن ~~أوقفهم للحساب # والورع والتقوى أسام اشتقت من معان شرطها الخوف فإن خلت عن الخوف لم تسم ~~بهذه الأسامي وكذلك ما ورد في فضائل الذكر لا يخفى وقد جعله الله تعالى ~~مخصوصا بالخائفين فقال @QB@ سيذكر من يخشى @QE@ PageV04P161 وقال تعالى ~~@QB@ ولمن خاف مقام ربه جنتان @QE@ وقال صلى الله عليه وسلم قال الله عز ~~وجل وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين فإن أمنني في الدنيا ~~أخفته يوم القيامة وإن خافتي في الدنيا أمنته يوم القيامة + حديث لا أجمع ~~على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين أخرجه ابن حبان في صحيحه والبيهقي في ~~الشعب من حديث أبي هريرة ورواه ابن المبارك في الزهد وابن أبي الدنيا في ~~كتاب الخائفين من رواية الحسن مرسلا # وقال صلى الله عليه وسلم من خاف الله تعالى خافه كل شيء ومن خاف غير الله ~~خوفه الله من كل شيء + حديث من خاف الله خافه كل شيء الحديث رواه أبو الشيخ ~~ابن حبان في كتاب الثواب من حديث أبي أمامة بسند ضعيف جدا ورواه ابن أبي ~~الدنيا في كتاب الخائفين بإسناد ضعيف معضل وقد تقدم # وقال صلى الله عليه وسلم أتمكم عقلا أشدكم خوفا لله تعالى وأحسنكم فيما ~~أمر الله تعالى به ونهى عنه نظرا + حديث أتمكم عقلا أشدكم لله خوفا الحديث ~~لم أقف له على أصل ولم يصح في فضل العقل شيء + # وقال يحيى بن معاذ رحمة الله عليه مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف ~~الفقر دخل الجنة # وقال ذو النون رحمه الله تعالى من خاف الله تعالى ذاب قلبه واشتد حبه وصح ~~له لبه # وقال ذو النون أيضا ينبغي أن يكون الخوف أبلغ من الرجاء فإذا غلب الرجاء ~~تشوش القلب وكان أبو الحسين الضرير يقول علامة السعادة خوف الشقاوة لأن ~~الخوف زمام بين الله تعالى وبين عبده فإذا انقطع زمامه هلك مع الهالكين # وقيل ليحيى بن معاذ من آمن الخلق غدا فقال أشدهم خوفا اليوم # وقال سهل رحمه الله لا تجد الخوف حتى تأكل الحلال # وقيل للحسن يا أبا سعيد كيف نصنع نجالس أقواما يخوفونا حتى تكاد قلوبنا ~~تطير فقال والله إنك إن تخالط أقواما يخوفونك حتى يدركك أمن خير لك من أن ~~تصحب أقواما يؤمنونك حتى يدركك الخوف # وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله ما فارق الخوف قلبا إلا خرب # وقالت عائشة رضي الله عنها قلت يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم ~~وجلة هو الرجل يسرق ويزني قال لا بل الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا ~~يقبل منه + حديث عائشة قلت يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ~~هو الرجل يسرق ويزني قال لا الحديث رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم وقال ~~صحيح الإسناد قلت بل منقطع بين عائشة وبين عبد الرحمن بن سعد بن وهب قال ~~الترمذي وروي عن الرحمن بن حازم عن أبي هريرة # والتشديدات الواردة في الأمن من مكر الله وعذابه لا تنحصر وكل ذلك ثناء ~~على الخوف لأن مذمة الشيء ثناء على ضده الذي ينفيه وضد الخوف الأمن كما أن ~~ضد الرجاء اليأس وكما دلت مذمة القنوط على فضيلة الرجاء فكذلك تدل مذمة ~~الأمن على فضيلة الخوف المضاد له بل نقول كل ما ورد في فضل الرجاء فهو دليل ~~على فضل الخوف لأنهما متلازمان فإن كل من رجا محبوبا فلابد وأن يخاف فوته ~~فإن كان لا يخاف فوته فهو إذا لا يحبه فلا يكون بانتظاره راجيا فالخوف ~~والرجاء متلازمان يستحيل انفكاك أحدهما عن الآخر نعم يجوز أن يغلب أحدهما ~~على الآخر وهما مجتمعان ويجوز أن يشتغل القلب بأحدهما ولا يلتفت إلى الآخر ~~في الحال لغفلته عنه وهذا لأن من شرط الرجاء الخوف تعلقهما بما هو مشكوك ~~فيه إذ المعلوم لا يرجى ولا يخاف فإذن المحبوب الذي يجوز وجوده يجوز عدمه ~~لا محالة فتقدير وجوده يروح القلب وهو الرجاء وتقدير عدمه يوجع القلب وهو ~~الخوف والتقدير أن يتقابلان لا محالة إذا كان ذلك الأمر المنتظر مشكوكا فيه ~~نعم أحد طرفي الشك قد يترجح على الآخر بحضور بعض الأسباب ويسمى ذلك ظنا ~~فيكون ذلك سبب غلبة أحدهما على الآخر فإذا غلب على الظن وجود المحبوب قوى ~~الرجاء وخفي الخوف بالإضافة إليه وكذا بالعكس وعلى كل حال فهما متلازمان ~~ولذلك قال تعالى @QB@ ويدعوننا رغبا ورهبا @QE@ وقال عز وجل @QB@ يدعون ~~ربهم خوفا وطمعا @QE@ ولذلك عبر العرب عن الخوف PageV04P162 بالرجاء فقال ~~تعالى @QB@ ما لكم لا ترجون لله وقارا @QE@ أي لا تخافون وكثيرا ما ورد في ~~القرآن الرجاء بمعنى الخوف وذلك لتلازمهما إذ عادة العرب التعبير عن الشيء ~~بما يلازمه بل أقول كل ما ورد في فضل البكاء من خشية الله فهو إظهار لفضيلة ~~الخشية فإن البكاء ثمرة الخشية فقد قال تعالى @QB@ فليضحكوا قليلا وليبكوا ~~كثيرا @QE@ وقال تعالى @QB@ يبكون ويزيدهم خشوعا @QE@ وقال عز وجل @QB@ ~~أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون @QE@ وقال صلى الله ~~عليه وسلم ما من عبد مؤمن تخرج من عينيه دمعة وإن كانت مثل رأس الذباب من ~~خشية الله تعالى ثم تصيب شيئا من حر وجهه إلا حرمه الله على النار + حديث ~~ما من مؤمن يخرج من عينه دمعة وإن كانت مثل رأس الذباب الحديث أخرجه ~~الطبراني والبيهقي في الشعب من حديث ابن مسعود بسند ضعيف # وقال صلى الله عليه وسلم إذا اقشعر قلب المؤمن من خشية الله تحاتت عنه ~~خطاياه كما يتحات من الشجرة ورقها + حديث إذا اقشعر جلد المؤمن من خشية ~~الله تعالى تحاتت عنه ذنوبه الحديث أخرجه الطبراني والبيهقي فيه من حديث ~~العباس بسند ضعيف # وقال صلى الله عليه وسلم لا يلج النار أحد بكى من خشية الله تعالى حتى ~~يعود اللبن في الضرع + حديث لا يلج النار عبد بكى من خشية الله الحديث ~~أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة # وقال عقبة بن عامر من النجاة يا رسول الله قال أمسك عليك لسانك وليسعك ~~بيتك وابك على خطيئتك + حديث قال عقبة بن عامر ما النجاة يا رسول الله قال ~~أمسك عليك لسانك الحديث تقدم # وقالت عائشة رضي الله عنها قلت يا رسول الله أيدخل أحد من أمتك الجنة ~~بغير حساب قال نعم من ذكر ذنوبه فبكى + حديث عائشة قلت أيدخل الجنة أحد من ~~أمتك بغير حساب قال نعم من ذكر ذنوبه فبكى لم أقف له على أصل # وقال صلى الله عليه وسلم ما من قطرة أحب إلى الله تعالى من قطرة دمع من ~~خشية الله تعالى أو قطرة دم أهريقت في سبيل الله سبحانه وتعالى + حديث ما ~~من قطرة أحب إلى الله من قطرة دمعة من خشية الله الحديث أخرجه الترمذي من ~~حديث أبي أمامة وقال حسن غريب وقد تقدم # وقال صلى الله عليه وسلم اللهم ارزقني عينين هطالتين تشفيان القلب بذروف ~~الدمع مع خشيتك قبل أن تصير الدموع دما والأضراس جمرا + حديث اللهم ارزقني ~~عينين هطالتين يشفيان القلب بذروف الدمع الحديث أخرجه الطبراني في الكبير ~~في الدعاء وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر بإسناد حسن ورواه الحسين ~~المروزي في زياداته على الزهد والرقائق لابن المبارك من رواية سالم بن عبد ~~الله مرسلا دون ذكر الله وذكر الدارقطني في العلل أن من قال فيه عن أبيه ~~وهم وإنما هو عن سالم بن عبد الله مرسلا قال وسالم هذا يشبه أن يكون سالم ~~بن عبد الله المحاربي وليس بابن عمر انتهى وما ذكره من أنه سالم المحاربي ~~هو الذي يدل عليه كلام البخاري في التاريخ ومسلم في الكنى وابن أبي حاتم عن ~~أبيه وأبي أحمد الحاكم فإن الراوي له عن سالم عبد الله أبو سلمة وإنما ~~ذكروا له رواية عن سالم المحاربي والله أعلم نعم حكى ابن عساكر في تاريخه ~~الخلاف في أن الذي يروي عن سالم المحاربي أو سالم بن عبد الله بن عمر # وقال صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم ~~رجلا ذكر الله خاليا ففاضت عيناه + حديث سبعة يظلهم الله في ظله الحديث ~~متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد تقدم # وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه من استطاع أن يبكي فليبك ومن لم يستطع ~~فليتباك # وكان محمد بن المنكدر رحمه الله إذا بكى مسح وجهه ولحيته بدموعه ويقول # بلغني أن النار لا تأكل موضعا مسته الدموع # وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ابكوا فإن لم تبكوا ~~فتباكوا فوالذي نفسي بيده لو يعلم العلم أحدكم لصرخ حتى ينقطع صوته وصلى ~~حتى ينكسر صلبه # وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله ما تغرغرت عين بمائها إلا لم يرهق ~~وجه صاحبها قتر ولا ذلة يوم القيامة PageV04P163 فإن سالت دموعه أطفأ الله ~~بأول قطرة منها بحارا من النيران ولو أن رجلا بكى في أمة ما عذبت تلك الأمة # وقال أبو سليمان البكاء من الخوف والرجاء والطرب من الشوق # وقال كعب الأحبار رضي الله عنه # والذي نفسي بيده لأن أبكي من خشية الله حتى تسيل دموعي على وجنتي أحب إلي ~~من أن أتصدق بجبل من ذهب # وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما # لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار # وروي عن حنظلة قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظنا موعظة ~~رقت لها القلوب وذرفت منها العيون وعرفنا أنفسنا فرجعت إلى أهلي فدنت مني ~~المرأة وجرى بيننا من حديث الدنيا فنسيت ما كنا عليه عند رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وأخذنا في الدنيا ثم تذكرت ما كنا فيه فقلت في نفسي # قد نافقت حيث تحول عني ما كنت فيه من الخوف والرقة فخرجت وجعلت أنادي # نافق حنظلة فاستقبلني أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال # كلا لم ينافق حنظلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول # نافق حنظلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا لم ينافق حنظلة فقلت ~~يا رسول الله كنا عندك فوعظتنا موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ~~وعرفنا أنفسنا فرجعت إلى أهلي فأخذنا في حديث الدنيا ونسيت ما كنا عندك ~~عليه # فقال صلى الله عليه وسلم يا حنظلة لو أنكم كنتم أبدا على تلك الحالة ~~لصافحتكم الملائكة في الطريق وعلى فراشكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة + حديث ~~حنظلة كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظنا الحديث وفيه نافق حنظلة ~~الحديث وفيه ولكن يا حنظلة ساعة وساعة أخرجه مسلم مختصرا # فإذن كل ما ورد في فضل الرجاء والبكاء وفضل التقوى والورع وفضل العلم ~~ومذمة الأمن فهو دلالة على فضل الخوف لأن جملة ذلك متعلقة به إما تعلق ~~السبب أو تعلق المسبب # | بيان أن الأفضل هو غلبة الخوف أو غلبة الرجاء أو اعتدالهما # اعلم أن الأخبار في فضل الخوف والرجاء قد كثرت وربما ينظر الناظر إليها ~~فيعتريه شك في أن الأفضل أيهما وقول القائل # الخوف أفضل أم الرجاء سؤال فاسد يضاهي قول القائل الخبز أفضل أم الماء ~~وجوابه أن يقال الخبز أفضل للجائع والماء أفضل للعطشان فإن اجتمعا نظر إلى ~~الأغلب فإن كان الجوع أغلب فالخبز أفضل وإن كان العطش أغلب فالماء أفضل وإن ~~استويا فهما متساويان وهذا لأن كل ما يراد لمقصود ففضله يظهر بالإضافة إلى ~~مقصوده لا إلى نفسه والخوف والرجاء دواءان يداوي بهما القلوب ففضلهما بحسب ~~الداء الموجود فإن كان الغالب على القلب داء الأمن من مكر الله تعالى ~~والاغترار به فالخوف أفضل وإن كان الأغلب هو اليأس والقنوط من رحمة الله ~~فالرجاء أفضل وكذلك إن كان الغالب على العبد المعصية فالخوف أفضل ويجوز أن ~~يقال مطلقا الخوف أفضل على التأويل الذي يقال فيه الخبز أفضل من السكنجبين ~~إذ يعالج بالخبز مرض الجوع و بالسكنجبين مرض الصفراء ومرض الجوع أغلب وأكثر ~~فالحاجة إلى الخبز أكثر فهو أفضل فبهذا الاعتبار غلبة الخوف أفضل لأن ~~المعاصي والاغترار على الخلق أغلب وإن نظر إلى مطلع الخوف والرجاء فالرجاء ~~أفضل لأنه مستقى من بحر الرحمة ومستقى الخوف من بحر الغضب ومن لاحظ من صفات ~~الله تعالى ما يقتضي اللطف والرحمة كانت المحبة عليه أغلب وليس وراء المحبة ~~مقام # وأما الخوف فمستنده الالتفات إلى الصفات التي تقتضي العنف فلا تمازجه ~~المحبة ممازجتها للرجاء PageV04P164 # وعلى الجملة فما يراد لغيره ينبغي أن يستعمل فيه لفظ الأصلح لا لفظ ~~الأفضل فنقول أكثر الخلق الخوف لهم أصلح من الرجاء وذلك لأجل غلبة المعاصي # فأما التقى الذي ترك ظاهر الإثم وباطنه وخفيه وجليه فالأصلح أن يعتدل ~~خوفه ورجاؤه ولذلك قيل لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا # وروى أن عليا كرم الله وجهه قال لبعض ولده يا بني خف الله خوفا ترى أنك ~~لو أتيته بحسنات أهل الأرض لم يتقبلها منك وارج الله رجاء ترى أنك لو أتيته ~~بسيئات أهل الأرض غفرها لك ولذلك قال عمر رضي الله عنه لو نودي ليدخل النار ~~كل الناس إلا رجلا واحدا لرجوت أن أكون أنا ذلك الرجل ولو نودي ليدخل الجنة ~~كل الناس إلا رجلا واحدا لخشيت أن أكون أنا ذلك الرجل وهذا عبارة عن غاية ~~الخوف والرجاء واعتدالهما مع الغلبة والاستيلاء ولكن على سبيل التقاوم ~~والتساوي فمثل عمر رضي الله عنه ينبغي أن يستوي خوفه ورجاؤه فأما العاصي ~~إذا ظن أنه الرجل الذي استثنى من الذين أمروا بدخول النار كان ذلك دليلا ~~على اغتراره # فإن قلت مثل عمر رضي الله عنه لا ينبغي أن يتساوى خوفه ورجاؤه بل ينبغي ~~أن يغلب رجاؤه كما سبق في أول كتاب الرجاء وأن قوته ينبغي أن تكون بحسب قوة ~~أسبابه كما مثل بالزرع والبذر ومعلوم أن من بث البذر الصحيح في أرض نقية ~~وواظب على تعهدها وجاء بشروط الزراعة جميعها غلب على قلبه رجاء الإدراك ولم ~~يكن خوفه مساويا لرجائه فهكذا ينبغي أن تكون أحوال المتقين فاعلم أن من ~~يأخذ المعارف من الألفاظ والأمثلة يكثر زلله وذلك وإن أوردناه مثالا فليس ~~يضاهي ما نحن فيه من كل وجه لأن سبب غلبة الرجاء العلم الحاصل بالتجربة إذ ~~علم بالتجربة صحة الأرض ونقاؤها وصحة البذر وصحة الهواء وقلة الصواعق ~~المهلكة في تلك البقاع وغيرها وإنما مثال مسألتنا بذر لم يجرب جنسه وقد بث ~~في أرض غريبة لم يعهدها الزارع ولم يختبرها وهي في بلاد ليس يدري أتكثر ~~الصواعق فيها أم لا فمثل هذا الزارع وإن أدى كنه مجهوده وجاء بكل مقدوره ~~فلا يغلب رجاؤه على خوفه والبذر في مسألتنا هو الإيمان وشروطه صحته دقيقة ~~والأرض القلب وخفايا خبثة وصفائه من الشرك الخفي والنفاق والرياء وخفايا ~~الأخلاق فيه غامضة والآفات هي الشهوات وزخارف الدنيا والتفات القلب إليها ~~في مستقبل الزمان وإن سلم في الحال وذلك مما لا يتحقق ولا يعرف بالتجربة إذ ~~قد تعرض من الأسباب ما لا يطاق مخالفته ولم يجرب مثله والصواعق هي أهوال ~~سكرات الموت واضطراب الإعتقاد عنده وذلك مما لم يجرب مثله ثم الحصاد ~~والإدراك عند المنصرف من القيامة إلى الجنة وذلك لم يجرب فمن عرف حقائق هذه ~~الأمور فإن كان ضعيف القلب جبانا في نفسه غلب خوفه على رجائه لا محالة كما ~~سيحكى في أحوال الخائفين من الصحابة والتابعين وإن كان قوي القلب ثابت ~~الجأش تام المعرفة استوى خوفه ورجاؤه فأما أن يغلب رجاؤه فلا ولقد كان عمر ~~رضي الله عنه يبالغ في تفتيش قلبه حتى كان يسأل حذيفة رضي الله عنه أنه هل ~~يعرف به من آثار النفاق شيئا إذ كان قد خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بعلم المنافقين + حديث أن حذيفة كان خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلم ~~المنافقين أخرجه مسلم من حديث حذيفة في أصحابي اثنا عشر منافقا تمامه لا ~~يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط الحديث + # فمن ذا الذي يقدر على تطهير قلبه من خفايا النفاق والشرك الخفي وإن اعتقد ~~نقاء قلبه عن ذلك فمن أين يأمن مكر الله تعالى بتلبيس حاله عليه وإخفاء ~~عيبه عنه وإن وثق به فمن أين يثق ببقائه على ذلك إلى تمام حسن الخاتمة وقد ~~قال صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة خمسين سنة حتى لا ~~يبقى بينه وبين الجنة إلا شبر + حديث إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة خمسين ~~سنة حتى لا يبقى بينه وبين الجنة إلا شبرا وفي رواية الأقدر فواق ناقة ~~الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل ~~الجنة ثم يختم له بعمل أهل النار وللبزار وللطبراني في الأوسط سبعين سنة ~~وإسناده حسن وللشيخين في أثناء حديث لابن مسعود أن أحدكم ليعمل بعمل أهل ~~الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع الحديث ليس فيه تقدير زمن للعمل ~~بخمسين سنة ولا ذكر شبر @QB@ ولا @QE@ فواق ناقة # وفي رواية إلا قدر فواق PageV04P165 ناقة فيسبق عليه الكتاب فيختم له ~~بعمل أهل النار وقدر فواق الناقة لا يحتمل عملا بالجوارح إنما هو بمقدار ~~خاطر يختلج في القلب عند الموت فيقتضي خاتمة السوء فكيف يؤمن ذلك فإذن أقصى ~~غايات المؤمن أن يعتدل خوفه ورجاءه وغلبة الرجاء في غالب الناس تكون مستندة ~~للاغترار وقلة المعرفة ولذلك جمع الله تعالى بينهما في وصف من أثنى عليهم ~~فقال تعالى يدعون ربهم خوفا وطمعا وقال عز وجل ويدعوننا رغبا ورهبا وأين ~~مثل عمر رضي الله عنه فالخلق الموجودة في هذا الزمان كلهم الأصلح لهم غلبة ~~الخوف بشرط أن لا يخرجهم إلى اليأس وترك العمل وقطع الطمع من المغفرة فيكون ~~ذلك سببا للتكاسل عن العمل وداعيا إلى الانهماك في المعاصي فإن ذلك قنوط ~~وليس بخوف إنما الخوف هو الذي يحث على العمل ويكدر جميع الشهوات ويزعج ~~القلب عن الركون إلى الدنيا ويدعوه إلى التجافي عن دار الغرور فهو الخوف ~~المحمود دون حديث النفس الذي لا يؤثر في الكف والحث ودون اليأس الموجب ~~للقنوط # وقد قال يحيى بن معاذ من عبد الله تعالى بمحض الخوف غرق في بحار الأفكار ~~ومن عبده بمحض الرجاء تاه في مفازة الاغترار ومن عبده بالخوف والرجاء ~~استقام في محجة الادكار # وقال مكحول الدمشقي من عبد الله بالخوف فهو حروري ومن عبده بالرجاء فهو ~~مرجىء ومن عبده بالمحبة فهو زنديق ومن عبده بالخوف والرجاء والمحبة فهو ~~موحد # فإذن لا بد من الجمع بين هذه الأمور وغلبة الخوف هو الأصلح ولكن قبل ~~الإشراف على الموت أما عند الموت فالأصلح غلبة الرجاء وحسن الظن لأن الخوف ~~جار مجرى السوط الباعث على العمل وقد انقضى وقت العمل فالمشرف على الموت لا ~~يقدر على العمل ثم لا يطيق أسباب الخوف فإن ذلك يقطع نياط قلبه ويعين على ~~تعجيل موته وأما روح الرجاء فإنه يقوى قلبه ويحبب إليه ربه الذي إليه رجاؤه ~~ولا ينبغي أن يفارق أحد الدنيا إلا محبا لله تعالى ليكون محبا للقاء الله ~~تعالى فإن من أحب لقاء الله تعالى أحب الله لقاءه والرجاء تقارنه المحبة ~~فمن ارتجى كرمه فهو محبوب والمقصود من العلوم والأعمال كلها معرفة الله ~~تعالى حتى تثمر المعرفة المحبة فإن المصير إليه والقدوم بالموت عليه ومن ~~قدم على محبوبه عظم سروره بقدر محبته ومن فارق محبوبه اشتدت محنته وعذابه ~~فمهما كان القلب الغالب عليه عند الموت حب الأهل والولد والمال والمسكن ~~والعقار والرفقاء والأصحاب فهذا رجل محابه كلها في الدنيا فالدنيا جنته إذ ~~الجنة عبارة عن البقعة الجامعة لجميع المحاب فموته خروج من الجنة وحيلولة ~~بينه وبين ما يشتهيه ولا يخفى حال من يحال بينه وبين ما يشتهيه فإذا لم يكن ~~له محبوب سوى الله تعالى وسوى ذكره ومعرفته والفكر فيه والدنيا وعلائقها ~~شاغلة له عن المحبوب فالدنيا إذن سجنه لأن السجن عبارة عن البقعة المانعة ~~للمحبوس عن الاسترواح إلى محابه فموته قوم على محبوبه وخلاص من السجن ولا ~~يخفى حال من أفلت من السجن وخلى بينه وبين محبوبه بلا مانع ولا مكدر فهذا ~~أول ما يلقاه كل من فارق الدنيا عقيب موته من الثواب والعقاب فضلا عما أعده ~~الله لعباده الصالحين مما لم تره عين ولا تسمعه أذن ولا خطر على قلب بشر ~~وفضلا عما أعده الله تعالى للذين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ورضوا ~~بها واطمأنوا إليها من PageV04P166 الأنكال والسلاسل والأغلال وضروب الخزى ~~والنكال فنسأل الله تعالى أن يتوفانا مسلمين ويلحقنا بالصالحين ولا مطمع في ~~إجابة هذا الدعاء إلا باكتساب حب الله تعالى ولا سبيل إليه إلا بإخراج حب ~~غيره من القلب وقطع العلائق عن كل ما سوى الله تعالى من جاه ومال ووطن ~~فالأولى أن تدعو بما دعا به نبينا صلى الله عليه وسلم إذ قال اللهم ارزقني ~~حبك وحب من أحبك وحب ما يقربني إلى حبك واجعل حبك أحب إلي من الماء البارد ~~+ حديث اللهم ارزقني حبك وحب من أحبك الحديث أخرجه الترمذي من حديث معاذ ~~وتقدم في الأذكار والدعوات + # والغرض أن غلبة الرجاء عند الموت أصلح لأنه أجلب للمحبة وغلبة الخوف قبل ~~الموت أصلح لأنه أحرق لنار الشهوات وأقمع لمحبة الدنيا عن القلب ولذلك قال ~~صلى الله عليه وسلم لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه + حديث لا يموتن ~~أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه أخرجه مسلم من حديث جابر وقد تقدم # وقال تعالى أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ولما حضرت سليمان التيمي ~~الوفاة قال لابنه يا بني حدثني بالرخص واذكر لي الرجاء حتى ألقى الله على ~~حسن الظن به وكذلك لما حضرت الثوري الوفاة واشتد جزعه جمع العلماء حوله ~~يرجونه # وقال أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه لابنه عند الموت اذكر لي الأخبار ~~التي فيها الرجاء وحسن الظن والمقصود من ذلك كله أن يحبب الله تعالى إلى ~~نفسه ولذلك أوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام أن حببني إلى ~~عبادي فقال بماذا قال بأن تذكر لهم آلائي ونعمائي فإذن غاية السعادة أن ~~يموت محبا لله تعالى وإنما تحصل المحبة بالمعرفة بإخراج حب الدنيا من القلب ~~حتى تصير الدنيا كلها كالسجن المانع من المحبوب ولذلك رأى بعض الصالحين أبا ~~سليمان الداراني في المنام وهو يطير فسأله فقال الآن أفلت فلما أصبح سأل عن ~~حاله فقيل له إنه مات البارحة # | بيان الدواء الذي به يستجلب حال الخوف # اعلم أن ما ذكرناه في حال الصبر وشرحناه في كتاب الصبر والشكر هو كاف في ~~هذا الغرض لأن الصبر لا يمكن إلا بعد حصول الخوف والرجاء لأن أول مقامات ~~الدين اليقين الذي هو عبارة عن قوة الإيمان بالله تعالى باليوم والآخر ~~والجنة والنار وهذا اليقين بالضرورة يهيج الخوف من النار والرجاء للجنة ~~والرجاء والخوف يقويان على الصبر فإن الجنة قد حفت بالمكاره فلا يصبر على ~~تحملها إلا بقوة الرجاء والنار قد حفت بالشهوات فلا يصبر على قمعها إلا ~~بقوة الخوف ولذلك قال علي كرم الله وجهه # من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات ثم ~~يؤدي مقام الصبر المستفاد من الخوف والرجاء إلى مقام المجاهدة والتجرد لذكر ~~الله تعالى والفكر فيه على الدوام ويؤدي دوام الذكر إلى الأنس ودوام الفكر ~~إلى كمال المعرفة ويؤدي كمال المعرفة والأنس إلى المحبة ويتبعها مقام الرضا ~~والتوكل وسائر المقامات فهذا هو الترتيب في سلوك منازل الدين وليس بعد أصل ~~اليقين مقام سوى الخوف والرجاء ولا بعدهما مقام سوى الصبر وبه المجاهدة ~~والتجرد لله ظاهرا وباطنا ولا مقام بعد المجاهدة لمن فتح له الطريق إلا ~~الهداية والمعرفة ولا مقام بعد المعرفة إلا المحبة والأنس ومن ضرورة المحبة ~~الرضا بفعل المحبوب والثقة بعنايته وهو التوكل فإذن فيما ذكرناه في علاج ~~الصبر كفاية ولكنا نفرد الخوف بكلام جملى فنقول الخوف يحصل بطريقتين ~~مختلفين أحدهما أعلى من الآخر ومثاله أن الصبي إذا كان في بيت فدخل عليه ~~سبع أو حية ربما كان لا يخاف وربما مد اليد إلى الحية ليأخذها ويلعب بها ~~ولكن إذا كان معه أبوه وهو عاقل خاف من الحية وهرب منها فإذا نظر الصبي إلى ~~أبيه PageV04P167 وهو ترتعد فرائصه ويحتال في الهرب منها قام معه وغلب عليه ~~الخوف ووافقه في الهرب فخوف الأب عن بصيرة ومعرفة بصفة الحية وسمها ~~وخاصيتها وسطوة السبع وبطشه وقلة مبالاته # وأما خوف الابن فإيمانه بمجرد التقليد لأنه يحسن الظن بأبيه ويعلم أنه لا ~~يخاف إلا من سبب مخوف في نفسه فيعلم أن السبع مخوف ولا يعرف وجهه وإذا عرفت ~~هذا المثال فاعلم أن الخوف من الله تعالى على مقامين أحدهما الخوف من عذابه ~~والثاني الخوف منه فأما الخوف منه فهو خوف العلماء وأرباب القلوب العارفين ~~من صفاته ما يقتضي الهيبة والخوف والحذر المطلعين على سر قوله تعالى ~~ويحذركم الله نفسه وقوله عز وجل اتقوا الله حق تقاته وأما الأول فهو خوف ~~عموم الخلق وهو حاصل بأصل الإيمان بالجنة والنار وكونهما جزاءين على الطاعة ~~والمعصية وضعفه بسبب الغفلة وسبب ضعف الإيمان وإنما تزول الغفلة بالتذكير ~~والوعظ وملازمة الفكر في أهوال يوم القيامة وأصناف العذاب في الآخرة وتزول ~~أيضا بالنظر إلى الخائفين ومجالستهم ومشاهدة أحوالهم فإن فاتت المشاهدة ~~فالسماع لا يخلو عن تأثير وأما الثاني وهو الأعلى فأن يكون الله هو المخوف ~~أعني أن يخاف العبد الحجاب عنه ويرجو القرب منه # قال ذو النون رحمه الله تعالى خوف النار عند خوف الفراق كقطرة قطرت في ~~بحر لجي وهذه خشية العلماء حيث قال تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء ~~ولعموم المؤمنين أيضا حظ من هذه الخشية ولكن هو بمجرد التقليد أيضا هي خوف ~~الصبي من الحية تقليدا لأبيه وذلك لا يستند إلى بصيرة فلا جرم يضعف ويزول ~~على قرب حتى إن الصبي ربما يرى المعزم يقدم على أخذ الحية فينظر إليه ويغتر ~~به فيتجرأ على أخذها تقليدا له كما احترز من أخذها تقليدا لأبيه والعقائد ~~التقليدية ضعيفة في الغالب إلا إذا قويت بمشاهدة أسبابها المؤكدة لها على ~~الدوام وبالمواظبة على مقتضاها في تكثير الطاعات واجتناب المعاصي مدة طويلة ~~على الاستمرار فإذن من ارتقى إلى ذروة المعرفة وعرف الله تعالى خافه ~~بالضرورة فلا يحتاج إلى علاج لجلب الخوف كما أن من عرف السبع ورأى نفسه ~~واقعا في مخالبه لا يحتاج إلى علاج لجلب الخوف إلى قلبه بل يخافه بالضرورة ~~شاء أم أبى ولذلك أوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام خفني كما ~~تخاف السبع الضاري # ولا حيلة في جلب الخوف من السبع الضاري إلا معرفة السبع ومعرفة الوقوع في ~~مخالبة فلا يحتاج إلى حيلة سواء فمن عرف الله تعالى عرف أنه يفعل ما يشاء ~~ولا يبالي ويحكم ما يريد ولا يخاف قرب الملائكة من غير وسيلة سابقة وأبعد ~~إبليس من غير جريمة سالفة بل صفته ما ترجمه قوله تعالى هؤلاء في الجنة ولا ~~أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي # وإن خطر ببالك أنه لا يعاقب إلا على معصية ولا يثيب إلا على طاعة فتأمل ~~أنه لم يمد المطيع بأسباب الطاعة حتى يطيع شاء أم أبى ولم يمد العاصي ~~بدواعي المعصية حتى يعصي شاء أم أبى فإنه مهما خلق الغفلة والشهوة والقدرة ~~على قضاء الشهوة كان الفعل واقعا بها بالضرورة فإن كان أبعده لأنه عصاه فلم ~~حمله على المعصية هل ذلك لمعصية سابقة حتى يتسلسل إلى غير نهاية أو يقف لا ~~محالة على أول لا علة له من جهة العبد بل قضى عليه في الأزل وعن هذا المعنى ~~عبر صلى الله عليه وسلم إذ قال احتج آدم موسى عليهما الصلاة والسلام عند ~~ربهما فحج آدم موسى عليه السلام قال موسى أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ ~~فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك جنته ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى ~~الأرض # فقال آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه وأعطاك الألواح فيها ~~تبيان كل شيء وقربك نجيا فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى ~~بأربعين عاما # قال آدم فهل وجدت فيها @QB@ وعصى آدم ربه فغوى @QE@ قال نعم # قال أفتلومني على PageV04P168 أن عملت عملا كتبه الله علي قبل أن أعمله ~~وقبل أن يخلقني بأربعين سنة قال صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى + حديث ~~احتج آدم وموسى عند ربهما فحج آدم موسى الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي ~~هريرة وهو متفق عليه بألفاظ أخر + # فمن عرف السبب في هذا الأمر معرفة صادرة عن نور الهداية فهو من خصوص ~~العارفين المطلعين على سر القدر ومن سمع هذا فآمن به وصدق بمجرد السماع فهو ~~من عموم المؤمنين ويحصل لكل واحد من الفريقين خوف فإن كان عبد فهو واقع في ~~قبضة القدرة وقوع الصبي الضعيف في مخالب السبع والسبع قد يغفل بالاتفاق ~~فيخليه وقد يهجم عليه فيفترسه وذلك بحسب ما يتفق ولذلك الاتفاق أسباب مرتبة ~~بقدر معلوم ولكن إذا أضيف إلى من لا يعرفه سمي اتفاقا وإن أضيف إلى علم ~~الله لم يجز أن يسمى اتفاقا والواقع في مخالب السبع لو كملت معرفته لكان لا ~~يخاف السبع لأن السبع مسخر إن سلط عليه الجوع افترس وإن سلط عليه الغفلة ~~خلى وترك فإنما يخاف خالق السبع وخالق صفاته فلست أقول مثال الخوف من الله ~~تعالى الخوف من السبع بل إذا كشف الغطاء علم أن الخوف من السبع هو عين ~~الخوف من الله تعالى لأن المهلك بواسطة السبع هو الله فاعلم أن سباع الآخرة ~~مثل سباع الدنيا وأن الله تعالى خلق أسباب العذاب وأسباب الثواب وخلق لكل ~~واحد أهلا يسوقه القدر المتفرع عن القضاء الجزم الأزلي إلى ما خلق له فخلق ~~الجنة وخلق لها أهلا سخروا لأسبابها شاءوا أم أبوا وخلق النار وخلق لها ~~أهلا سخروا لأسبابها شاءوا أم أبوا فلا يرى أحد نفسه في ملتطم أمواج القدر ~~إلا غلبه الخوف بالضرورة فهذه مخاوف العارفين بسر القدر فمن قعد به القصور ~~عن الارتفاع إلى مقام الاستبصار فسبيله أن يعالج نفسه بسماع الأخبار ~~والآثار فيطالع أحوال الخائفين العارفين وأقوالهم وينسب عقولهم ومناصبهم ~~إلى مناصب الراجين المغرورين فلا يتمارى في أن الاقتداء بهم أولى لأنهم ~~الأنبياء والأولياء والعلماء # وأما الآمنون فهم الفراعنة والجهال والأغنياء # أما رسولنا صلى الله عليه وسلم فهو سيد الأولين والآخرين + حديث كان سيد ~~الأولين والآخرين أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة أنا سيد ولد آدم ولا فخر ~~الحديث + # وكان أشد الناس خوفا + حديث كان أشد الناس خوفا تقدم قبل هذا بخمسة ~~وعشرين حديثا قوله والله إني لأخشاكم لله وقوله والله إني لأعلمهم بالله ~~وأشدهم له خشية # حتى روى أنه كان يصلي على طفل ففي رواية أنه سمع في دعائه يقول اللهم قه ~~عذاب القبر وعذاب النار + حديث أنه كان يصلي على طفل سمع في دعائه يقول ~~اللهم قه عذاب القبر وعذاب النار أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أنس أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم صلى على صبي أو صبية وقال لو كان أحد نجا من ضمة ~~القبر لنجا هذا الصبي واختلف في إسناده فرواه في الكبير من حديث أبي أيوب ~~أن صبيا دفن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أفلت أحد من ضمة القبر ~~لأفلت هذا الصبي # وفي رواية ثانية أنه سمع قائلا يقول هنيئا لك عصفور من عصافير الجنة فغضب ~~وقال ما يدريك أنه كذلك والله إني رسول الله وما أدري ما يصنع بي إن الله ~~خلق الجنة وخلق لها أهلا لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم + حديث أنه سمع قائلة ~~تقول لطفل مات هنيئا لك عصفور من عصافير الجنة فغضب وقال ما يدريك الحديث ~~أخرجه مسلم من حديث عائشة قالت توفى صبي فقلت طوبى له عصفور من عصافير ~~الجنة الحديث وليس فيه فغضب وقد تقدم # وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك أيضا على جنازة عثمان بن مظعون وكان ~~من المهاجرين الأولين لما قالت أم سلمة هنيئا لك الجنة فكانت تقول أم سلمة ~~بعد ذلك والله لا أزكى أحدا بعد عثمان + حديث لما توفي عثمان بن مظعون قالت ~~أم سلمة هنيئا لك الجنة الحديث أخرجه البخاري من حديث أم العلاء الأنصارية ~~وهي القائلة رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله قال ~~وما يدريك الحديث وورد أن التي قالت ذلك أم خارجة بن زيد ولم أجد فيه ذكر ~~أم سلمة # وقال محمد بن خولة الحنفية والله لا أزكى أحدا غير رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم PageV04P169 ولا أبي الذي ولدني قال فثارت الشيعة عليه فأخذ يذكر ~~من فضائل علي ومناقبه وروي في حديث آخر عن رجل من أهل الصفة استشهد فقالت ~~أمه هنيئا لك عصفور من عصافير الجنة هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وقتلت في سبيل الله فقال صلى الله عليه وسلم وما يدريك لعله كان يتكلم ~~بما لا ينفعه ويمنع ما لا يضره + حديث إن رجلا من أهل الصفة استشهد فقالت ~~أمه هنيئا لك يا بني الجنة رواه البيهقي في الشعب إلا أنه قال فقالت أمه ~~هنيئا لك الشهادة وهو عند الترمذي إلا أنه قال إن رجلا قال له أبشر بالجنة ~~وقد تقدم في ذم المال والبخل مع اختلاف # وفي حديث آخر أنه دخل صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه وهو عليل فسمع ~~امرأة تقول هنيئا لك الجنة فقال صلى الله عليه وسلم من هذه المتألية على ~~الله تعالى فقال المريض هي أمي يا رسول الله فقال وما يدريك لعل فلانا كان ~~يتكلم بما لا يعنيه ويبخل بما لا يغنيه + حديث دخل على بعض أصحابه وهو عليل ~~فسمع امرأة تقول هنيئا له الجنة الحديث تقدم أيضا # وكيف لا يخاف المؤمنون كلهم وهو صلى الله عليه وسلم يقول شيبتني هود ~~وأخواتها + حديث شيبتني هود وأخواتها الحديث أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم ~~وصححه من حديث ابن عباس وهو في الشمائل من حديث أبي جحيفة وقد تقدم في كتاب ~~السماع # سورة الواقعة وإذا الشمس كورت وعم يتساءلون فقال العلماء لعل ذلك لما في ~~سورة هود من الإبعاد كقوله تعالى ألا بعد لعاد قوم هود ألا بعدا لثمود ألا ~~بعدا لمدين كما بعدت ثمود مع علمه صلى الله عليه وسلم بأنه لو شاء الله ما ~~أشركوا إذا لو شاء لآتى كل نفس هداها وفي سورة الواقعة ليس لوقعتها كاذبة ~~خافضة رافعة أي جف القلم بما هو كائن وتمت السابقة حتى نزلت الواقعة إما ~~خافضة قوما كانوا مرفوعين في الدنيا وإما رافعة قوما كانوا مخفوضين في ~~الدنيا # وفي سورة التكوير أهوال يوم القيامة وانكشاف الخاتمة وهو قوله تعالى وإذا ~~الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت علمت نفس ما أحضرت وفي عم يتساءلون يوم ينظر ~~المرء ما قدمت يداه الآية وقوله تعالى لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن ~~وقال صوابا والقرآن من أوله إلى آخره مخاوف لمن قرأه بتدبر ولو لم يكن فيه ~~إلا قوله تعالى وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى لكان كافيا إذ ~~علق المغفرة على أربعة شروط يعجز العبد عن آحادها وأشد منه قوله تعالى فأما ~~من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين وقوله تعالى ليسأل ~~الصادقين عن صدقهم وقوله تعالى سنفرغ لكم أيه الثقلان وقوله عز وجل أفأمنوا ~~مكر الله الآية # وقوله وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد وقوله ~~تعالى يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا الآيتين # وقوله تعالى وإن منكم إلا واردها الآية وقوله اعملوا ما شئتم الآية وقوله ~~من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه الآية # قوله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره الآيتين # وقوله تعالى وقدمنا إلى ما عملوا من عمل الآية # وكذلك قوله تعالى والعصر إن الإنسان لفي خسر إلى آخر السورة فهذه أربعة ~~شروط للخلاص من الخسران وإنما كان خوف الأنبياء مع ما فاض عليهم من النعم ~~لأنهم لم يأمنوا مكر الله تعالى فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون حتى ~~روى أن النبي وجبريل عليهما الصلاة والسلام بكيا خوفا من الله تعالى فأوحى ~~الله إليهما لم تبكيان وقد أمنتكما فقالا ومن يأمن مكرك + حديث أنه وجبريل ~~صلى الله عليهما وسلم بكيا خوفا من الله عز وجل فأوحى الله إليهما لم ~~تبكيان الحديث أخرجه ابن شاهين في شرح السنة من حديث عمر ورويناه في مجلس ~~عن أماني أبي سعيد النقاش بسند ضعيف # وكأنهما إذ علما أن الله هو علام الغيوب وأنه لا وقوف لهما على غاية ~~الأمور لم يأمنا أن يكون قوله قد أمنتكما ابتلاء وامتحانا لهما ومكرا بهما ~~حتى إن سكن خوفهما ظهر أنهما قد أمنا من المكر وما وفيا بقولهما ~~PageV04P170 كما أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما وضع في المنجنيق قال ~~حسبي الله وكانت هذه من الدعوات العظام فامتحن وعورض بجبريل في الهواء حتى ~~قال ألك حاجة فقال أما إليك فلا فكان ذلك وفاء بحقيقة قوله حسبي الله فأخبر ~~الله تعالى عنه فقال وإبراهيم الذي وفى أي بموجب قوله حسبي الله وبمثل هذا ~~أخبر عن موسى صلى الله عليه وسلم حيث قال إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن ~~يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ومع هذا لما ألقى السحرة سحرهم ~~أوجس موسى في نفسه خيفة إذا لم يأمن مكر الله والتبس الأمر عليه حتى جدد ~~عليه الأمن وقيل له لا تخف إنك أنت الأعلى ولما ضعفت شوكة المسلمين يوم بدر ~~قال صلى الله عليه وسلم اللهم إن تهلك هذه العصابة لم يبق على وجه الأرض ~~أحد يعبدك + حديث قال يوم بدر اللهم إن تهلك هذه العصابة لم يبق على وجه ~~الأرض أحد يعبدك أخرجه البخاري من حديث ابن عباس بلفظ اللهم إن شئت لم تعبد ~~بعد اليوم الحديث فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه دع عنك مناشدتك ربك فإنه ~~واف لك بما وعدك فكان مقام الصديق رضي الله عنه مقام الثقة بوعد الله وكان ~~مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مقام الخوف من مكر الله وهو أتم لأنه لا ~~يصدر إلا عن كمال المعرفة بأسرار الله تعالى وخفايا أفعاله ومعاني صفاته ~~التي يعبر عن بعض ما يصدر عنها بالمكر وما لأحد من البشر الوقوف على كنه ~~صفات الله تعالى ومن عرف حقيقة المعرفة قصور معرفته عن الإحاطة بكنة الأمور ~~عظم خوفه لا محالة ولذلك قال المسيح صلى الله عليه وسلم لما قيل له أأنت ~~قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ~~ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ~~@QB@ وقال @QE@ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم الآية فوض الأمر إلى ~~المشيئة وأخرج نفسه بالكلية من البين لعلمه بأنه ليس له من الأمر شيء وأن ~~الأمور مرتبطة بالمشيئة ارتباطا يخرج عن حد المعقولات والمألوفات فلا يمكن ~~الحكم عليها بقياس ولا حدس ولا حسبان فضلا عن التحقيق والاستيقان وهذا هو ~~الذي قطع قلوب العارفين إذ الطامة الكبرى هي ارتباط أمرك بمشيئة من لا ~~يبالي بك إن أهلكك فقد أهلك أمثالك ممن لا يحصى ولم يزل في الدنيا يعذبهم ~~بأنواع الآلام والأمراض ويمرض من ذلك قلوبهم بالكفر والنفاق ثم يخلد العقاب ~~عليهم أبد الآباد ثم يخبر عنه ويقول ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق ~~القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وقال تعالى وتمت كلمة ربك ~~لأملأن جهنم الآية فكيف لا يخاف ما حق من القول في الأزل ولا يطمع في ~~تداركه ولو كان الأمر أنفا لكانت الأطماع تمتد إلى حيلة فيه ولكن ليس إلا ~~التسليم فيه واستقراء خفى السابقة من جلى الأسباب الظاهرة على القلب ~~والجوارح فمن يسرت له أسباب الشر وحيل بينه وبين أسباب الخير وأحكمت علاقته ~~من الدنيا فكأنه كشف له على التحقيق سر السابقة التي سبقت له بالشقاوة إذ ~~كل ميسر لما خلق له وإن كانت الخيرات كلها ميسرة والقلب بالكلية عن الدنيا ~~منقطعا وبظاهره وباطنه على الله مقبلا كان هذا يقتضي تخفيف الخوف لو كان ~~الدوام على ذلك موثوقا به ولكن خطر الخاتمة وعسر الثبات يزيد نيران الخوف ~~إشعالا ولا يمكنها من الانطفاء وكيف يؤمن تغير الحال وقلب المؤمن بين ~~أصبعين من أصابع الرحمن وأن القلب أشد تقلبا من القدر في غليانها وقد قال ~~مقلب القلوب عز وجل إن عذاب ربهم غير مأمون فأجهل الناس من أمنه وهو ينادي ~~بالتحذير من الأمن ولو أن الله لطف بعباده العارفين إذ روح قلوبهم بروح ~~الرجاء لاحترقت قلوبهم من نار الخوف # فأسباب الرجاء رحمة لخواص الله وأسباب الغفلة رحمة على عوام الخلق من وجه ~~إذ لو انكشف الغطاء لزهقت النفوس وتقطعت القلوب من خوف مقلب القلوب # قال بعض العارفين لو حالت بيني وبين من عرفته بالتوحيد خمسين PageV04P171 ~~سنة أسطوانة فمات لم أقطع له بالتوحيد لأني لا أدري ما ظهر له من التقلب # وقال بعضهم لو كانت الشهادة على باب الدار والموت على الإسلام عند باب ~~الحجرة لاخترت الموت على الإسلام لأني لا أدري ما يعرض لقلبي بين باب ~~الحجرة وباب الدار # وكان أبو الدرداء يحلف بالله ما أحد أمن على إيمانه أن يسلبه عن الموت ~~إلا سلبه # وكان سهل يقول خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة وعند كل حركة وهم ~~الذين وصفهم الله تعالى إذ قال وقلوبهم وجلة # ولما احتضر سفيان جعل يبكي ويجزع فقيل له يا أبا عبد الله عليك بالرجاء ~~فإن عفو الله أعظم من ذنوبك فقال أو على ذنوبي أبكي لو علمت أني أموت على ~~التوحيد لم أبال بأن ألقى الله بأمثال الجبال من الخطايا # وحكى عن بعض الخائفين أنه أوصى بعض إخوانه فقال إذا حضرتني الوفاة فاقعد ~~عند رأسي فإن رأيتني مت على التوحيد فخذ جميع ما أملكه فاشتر به لوزا وسكرا ~~وانثره على صبيان أهل البلد وقل هذا عرس المنفلت وإن مت على غير التوحيد ~~فأعلم الناس بذلك حتى لا يغتروا بشهود جنازتي ليحضر جنازتي من أحب على ~~بصيرة لئلا يلحقني الرياء بعد الوفاة # فقال وبم أعلم ذلك فذكر له علامة فرأى علامة التوحيد عند موته فاشترى ~~السكر واللوز وفرقه # وكان سهل يقول المريد يخاف أن يبتلى بالمعاصي والعارف يخاف أن يبتلى ~~بالكفر # وكان أبو زيد يقول إذا توجهت إلى المسجد فكأن في وسطي زنارا أخاف أن يذهب ~~بي إلى البيعة وبيت النار حتى أدخل المسجد فينقطع عني الزنار فهذا لي في كل ~~يوم خمس مرات # وروي عن المسيح عليه الصلاة والسلام أنه قال يا معشر الحواريين أنتم ~~تخافون المعاصي ونحن معاشر الأنبياء نخاف الكفر # وروي في أخبار الأنبياء أن نبيا شكى إلى الله تعالى الجوع والقمل والعرى ~~سنين وكان لباسه الصوف # فأوحى الله تعالى إليه عبدي أما رضيت أن عصمت قلبك أن تكفر بي حتى تسألني ~~الدنيا فأخذ التراب فوضعه على رأسه وقال بلى قد رضيت يا رب فاعصمني من ~~الكفر # فإن كان خوف العارفين مع رسوخ أقدامهم وقوة إيمانهم من سوء الخاتمة فكيف ~~لا يخافه الضعفاء # ولسوء الخاتمة أسباب تتقدم على الموت مثل البدعة والنفاق والكبر وجملة من ~~الصفات المذمومة ولذلك اشتد خوف الصحابة من النفاق حتى قال الحسن لو أعلم ~~أني برئ من النفاق كان أحب إلى مما طلعت عليه الشمس وما عنوا به النفاق ~~الذي هو ضد أصل الإيمان بل المراد به ما يجتمع مع أصل الإيمان فيكون مسلما ~~منافقا وله علامات كثيرة قال صلى الله عليه وسلم أربع من كن فيه فهو منافق ~~خالص وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم وإن كانت فيه خصلة منهم ففيه شعبة من ~~النفاق حتى يدعها من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وإذا خاصم ~~فجر + حديث أربع من كن فيه فهو منافق الحديث متفق عليه من حديث عبد الله بن ~~عمرو وقد تقدم في قواعد العقائد + # وفي لفظ آخر وإذا عاهد غدر # وقد فسر الصحابة والتابعون النفاق بتفاسير لا يخلو عن شيء منه إلا صديق ~~إذ قال الحسن إن من النفاق اختلاف السر والعلانية واختلاف اللسان والقلب ~~واختلاف المدخل والمخرج ومن الذي يخلو عن هذا المعاني PageV04P172 بل صارت ~~هذه الأمور مألوفة بين الناس معتادة ونسى كونها منكر الكلية بل جرى ذلك على ~~قرب عهد بزمان النبوة فكيف الظن بزماننا حتى قال حذيفة رضي الله تعالى عنه ~~إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير ~~بها منافقا إني لأسمعها من أحدكم في اليوم عشر مرات + حديث حذيفة إن كان ~~الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير بها ~~منافقا الحديث أخرجه أحمد من حديث حذيفة وقد تقدم في قواعد العقائد وكان ~~أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في ~~أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ~~الكبائر + حديث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم لتعملون أعمالا هي ~~أدق في أعينكم من الشعر الحديث أخرجه البخاري من حديث أنس وأحمد والبزار من ~~حديث أبي سعيد وأحمد والحاكم من حديث عبادة بن فرص وصحح إسناده وتقدم في ~~التوبة # وقال بعضهم علامة النفاق أن تكره من الناس ما تأتي مثله وأن تحب على شيء ~~من الجور وأن تبغض على شيء من الحق # وقيل من النفاق أنه إذا مدح بشيء ليس فيه أعجبه ذلك # وقال رجل لابن عمر رحمه الله إنا ندخل على هؤلاء الأمراء فنصدقهم فيما ~~يقولون فإذا خرجنا تكلمنا فيهم فقال كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسو الله ~~صلى الله عليه وسلم + حديث قال رجل لابن عمر إنا ندخل على هؤلاء الأمراء ~~فنصدقهم بما يقولون الحديث رواه أحمد والطبراني وقد تقدم في قواعد العقائد ~~+ # وروي أنه سمع رجلا يذم الحجاج ويقع فيه فقال أرأيت لو كان الحجاج حاضرا ~~أكنت تتكلم بما تكلمت به قال لا # قال كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم + حديث سمع ~~ابن عمر رجلا يذم الحجاج ويقع فيه فقال أرأيت لو كان الحجاج حاضرا الحديث ~~تقدم هناك ولم أجد فيه ذكر الحجاج # وأشد من ذلك ما روي أن نفرا قعدوا على باب حذيفة بنتظرونه فكانوا يتكلمون ~~في شيء من شأنه فلما خرج عليهم سكتوا حياء منه فقال تكلموا فيما كنتم ~~تقولون فسكتوا فقال كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم + حديث إن نفرا قعدوا عند باب حذيفة ينتظرونه فكانوا يتكلمون في شيء ~~من شأنه فلما خرج سكتوا الحديث لم أجد له أصلا # وهذا حذيفة كان قد خص بعلم المنافقين وأسباب النفاق وكان يقول إنه يأتي ~~على القلب ساعة يمتلئ بالإيمان حتى لا يكون للنفاق فيه مغرز إبرة ويأتي ~~عليه ساعة يمتلئ بالنفاق حتى لا يكون للأيمان فيه مغرز إبرة فقد عرفت بهذا ~~أن خوف العارفين من سوء الخاتمة وأن سببه أمور تتقدمه منها البدع # ومنها المعاصي ومنها النفاق ومتى يخلو العبد عن شيء من جملة ذلك وإن ظن ~~أنه خلا عنه فهو النفاق إذ قيل من أمن النفاق فهو منافق # وقال بعضهم لبعض العارفين إني أخاف على نفسي النفاق فقال لو كنت منافقا ~~لما خفت النفاق فلا يزال العارف بين الالتفات إلى السابقة والخاتمة خائفا ~~منهما ولذلك قال صلى الله عليه وسلم العبد المؤمن بين مخافتين بين أجل قد ~~مضى لا يدري ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه ~~فوالذي نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة ~~أو النار + حديث العبد المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى الحديث أخرجه ~~البيهقي في الشعب من رواية الحسن عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ~~وقد تقدم في ذم الدنيا ذكره ابن المبارك في كتاب الزهد بلاغا وذكره صاحب ~~الفردوس من حديث جابر ولم يخرجه ولده في مسند الفردوس + # والله المستعان # | بيان معنى الخاتمة # فإن قلت إن أكثر هؤلاء يرجع خوفهم إلى سوء الخاتمة فما معنى الخاتمة ~~فاعلم أن سوء الخاتمة على رتبتين # إحداهما أعظم من الأخرى فأما الرتبة العظيمة الهائلة فأن يغلب على القلب ~~عند سكرات الموت وظهور أهواله إما الشك وإما الجحود فتقبض الروح على حال ~~غلبة الجحود أو الشك فيكون ما غلب على PageV04P173 القلب من عقدة الجحود ~~حجابا بينه وبين الله تعالى أبدا وذلك يقتضي البعد الدائم والعذاب المخلد ~~والثانية وهي دونها أن يغلب على قلبه عند الموت حب أمر من أمور الدنيا ~~وشهوة من شهواتها فيتمثل ذلك في قلبه ويستغرقه حتى لا يبقى في تلك الحالة ~~متسع لغيره فيتفق قبض روحه في تلك الحال فيكون استغراق قلبه به منكسا رأسه ~~إلى الدنيا وصارفا وجهه إليها # ومهما انصرف الوجه عن الله تعالى حصل الحجاب # ومهما حصل الحجاب نزل العذاب إذ نار الله الموقدة لا تأخذ إلا المحجوبين ~~عنه فأما المؤمن السليم قلبه من حب الدنيا المصروف همه إلى الله تعالى ~~فتقول له النار جز يا مؤمن فإن نورك أطفأ لهبي فمهما اتفق قبض الروح في ~~حالة غلبة حب الدنيا فالأمر مخطر لأن المرء يموت على ما عاش عليه ولا يمكن ~~اكتساب صفة أخرى للقلب بعد الموت تضاد الصفة الغالبة عليه إذ لا تصرف في ~~القلوب إلا بأعمال الجوارح وقد بطلت الجوارح بالموت فبطلت الأعمال فلا مطمع ~~في عمل ولا مطمع في رجوع إلى الدنيا ليتدارك وعند ذلك تعظم الحسرة إلا أن ~~أصل الإيمان وحب الله تعالى إذا كان قد رسخ في القلب مدة طويلة وتأكد ذلك ~~بالأعمال الصالحة فإنه يمحو عن القلب هذه الحالة التي عرضت له عند الموت ~~فإن كان إيمانه في القوة إلى حد مثقال أخرجه من النار في زمان أقرب وإن كان ~~أقل من ذلك طال مكثه في النار ولو لم يكن إلا مثقال حبة فلا بد وأن يخرجه ~~من النار ولو بعد آلاف سنين # فإن قلت فما ذكرته يقتضي أن تسرع النار إليه عقيب موته فما باله يؤخر إلى ~~يوم القيامة ويمهل طول هذه المدة فاعلم أن كل من أنكر عذاب القبر فهو مبتدع ~~محجوب عن نور الله تعالى وعن نور القرآن ونور الإيمان بل الصحيح عند ذوي ~~الأبصار ما صحت به الأخبار وهو أن القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من ~~رياض الجنة + حديث القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة ~~أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد وقال غريب وتقدم في الأذكار + # وأنه قد يفتح إلى قبر المعذب سبعون بابا من الجحيم + حديث إنه يفتح إلى ~~قبر المعذب سبعون بابا من الجحيم لم أجد له أصلا + # كما وردت به الأخبار فلا تفارقه روحه إلا وقد نزل به البلاء إن كان قد ~~شقي بسوء الخاتمة # وإنما تختلف أصناف العذاب باختلاف الأوقات فيكون سؤال منكر ونكير عند ~~الوضع في القبر + حديث سؤال منكر ونكير عند الوضع في القبر تقدم في قواعد ~~العقائد + # والتعذيب بعده + حديث عذاب القبر تقدم فيه + # ثم المناقشة في الحساب + حديث المناقشة في الحساب تقدم فيه + # والافتضاح على ملأ من الأشهاد في القيامة + حديث الافتضاح على ملأ ~~الأشهاد في القيامة رواه أحمد والطبراني من حديث ابن عمر بإسناد جيد من ~~انتقى من ولده ليفضحه في الدنيا فضحه الله على رءوس الأشهاد وفي الصحيحين ~~من حديث ابن عمر وأما الكافر والمنافق فينادى بهم على رءوس الخلائق هؤلاء ~~الذين كذبوا على ربهم والطبراني والعقيلي في الضعفاء من حديث الفضيل بن ~~عياض فضوح الدنيا أهون من فوضح الآخرة وهو حديث طويل منكر + # ثم بعد ذلك خطر الصراط + حديث خطر الصراط تقدم في قواعد العقائد # وهول الزبانية + حديث هو الزبانية أخرجه الطبراني من حديث أنس الزبانية ~~يوم القيامة أسرع إلى فسقة حملة القرآن منها إلى عبدة الأوثان والنيران قال ~~صاحب الميزان حديث منكر وروى ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم معضلا ~~في خزنة جهنم ما بين منكبي أحدهم كما بين المشرق والمغرب + # إلى آخر ما وردت به الأخبار فلا يزال الشقي مترددا في جميع أحواله بين ~~أصناف العذاب وهو في جملة الأحوال معذب إلا أن يتغمده الله برحمته ولا تظنن ~~أن محل الإيمان لا يأكله التراب بل التراب يأكل جميع الجوارح ويبددها إلى ~~أن يبلغ الكتاب أجله فتجتمع الأجزاء المتفرقة وتعاد إليها الروح التي هي ~~محل الإيمان وقد كانت من وقت الموت إلى الإعاذة إما في حواصل طيور خضر ~~معلقة تحت العرش إن كانت سعيدة وإما على حالة تضاد هذه الحال إن كانت ~~والعياذ بالله شقية PageV04P174 # فإن قلت فما السبب الذي يفضي إلى سوء الخاتمة فاعلم أن أسباب هذه الأمور ~~لا يمكن إحصاؤها على التفصيل ولكن يمكن الإشارة إلى مجامعها أما الختم على ~~الشك والجحود فينحصر سببه في شيئين # أحدهما يتصور مع تمام الورع والزهد وتمام الصلاح في الأعمال كالمبتدع ~~الزاهد فإن عاقبته مخطرة جدا وإن كانت أعماله صالحة ولست أعني مذهبا فأقول ~~إنه بدعة فإن بيان ذلك يطول القول فيه بل أعني بالبدعة أن يعتقد الرجل في ~~ذات الله وصفاته وأفعاله خلاف الحق فيعتقده على خلاف ما هو عليه إما برأيه ~~ومعقوله ونظره الذي به يجادل الخصم وعليه يعول وبه يغتر وإما أخذا بالتقليد ~~ممن هذا حاله فإذا قرب الموت وظهرت له ناصية ملك الموت واضطرب القلب بما ~~فيه ربما ينكشف له في حال سكرات الموت بطلان ما اعتقده جهلا إذ حال الموت ~~حال كشف الغطاء ومبادىء سكراته منه فقد ينكشف به بعض الأمور فمهما بطل عنده ~~ما كان اعتقده وقد كان قاطعا به متيقنا له عند نفسه لم يظن بنفسه أنه أخطأ ~~في هذا الإعتقاد خاصة لالتجائه فيه إلى رأيه الفاسد وعقله الناقص بل ظن أن ~~كل ما اعتقده لا أصل له إذ لم يكن عنده فرق في إيمانه بالله ورسوله وسائر ~~اعتقاداته الصحيحة وبين اعتقاده الفاسد فيكون انكشاف بعض اعتقاداته عن ~~الجهل سببا لبطلان بقية اعتقاداته أو لشكه فيها فإن اتفق زهوق روحه في هذه ~~الخطرة قبل أن يثبت ويعود إلى أصل الإيمان فقد ختم له بالسوء وخرجت روحه ~~على الشرك والعياذ بالله منه فهؤلاء هم المرادون بقوله تعالى وبدا لهم من ~~الله ما لم يكونوا يحتسبون وبقوله عز وجل قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ~~الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وكما أنه ~~ينكشف في النوم ما سيكون في المستقبل وذلك بسبب خفة أشغال الدنيا عن القلب ~~فكذلك ينكشف في سكرات الموت بعض الأمور إذ شواغل الدنيا وشهوات البدن هي ~~المانعة للقلب من أن ينظر إلى الملكوت فيطالع ما في اللوح المحفوظ لتنكشف ~~له الأمور على ما هي عليه فيكون مثل هذه الحال سببا للكشف ويكون الكشف سبب ~~الشك في بقية الاعتقادات وكل من اعتقد في الله تعالى وفي صفاته وأفعاله ~~شيئا على خلاف ما هو به إما تقليدا وإما نظرا بالرأي والمعقون فهو في هذا ~~الخطر والزهد والصلاح لا يكفي لدفع هذا الخطر بل لا ينجي منه إلا الإعتقاد ~~الحق والبله بمعزل عن هذا الخطر أعني الذين آمنوا بالله ورسوله واليوم ~~الآخر إيمانا مجملا راسخا كالأعراب والسوادية وسائر العوام الذين لم يخوضوا ~~في البحث والنظر ولم يشرعوا في الكلام استقلالا ولا صغوا إلى أصناف ~~المتكلمين في تقليد أقاويلهم المختلفة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أكثر ~~أهل الجنة البله + حديث أكثر أهل الجنة البلة أخرجه البزار من حديث أنس وقد ~~تقدم + # ولذلك منع السلف من البحث والنظر والخوض في الكلام والتفتيش عن هذه ~~الأمور وأمروا الخلق أن يقتصروا على أن يؤمنوا بما أنزل الله عز وجل جميعا ~~وبكل ما جاء من الظواهر مع اعتقاد نفي التشبيه ومنعوهم عن الخوض في التأويل ~~لأن الخطر في البحث عن الصفات عظيم وعقباته كئودة ومسالكه وعرة والعقول عن ~~درك جلال الله تعالى قاصرة وهداية الله تعالى بنور اليقين عن القلوب بما ~~جبلت عليه من حب الدنيا محجوبة وما ذكره الباحثون ببضاعة عقولهم مضطرب ~~ومتعارض والقلوب لما ألقى إليها في مبدأ النشأة آلفة وبه متعلقة والتعصبات ~~الثائرة بين الخلق مسامير مؤكدة للعقائد الموروثة أو المأخوذة بحسن الظن من ~~المعلمين في أول الأمر ثم الطباع بحب الدنيا مشغوفة وعليها مقبلة وشهوات ~~الدنيا بمخنقها آخذة وعن تمام الفكر صارفة فإذا فتح باب الكلام في الله وفي ~~صفاته بالرأي والمعقول مع تفاوت الناس في قرائحهم واختلافهم في طبائعهم ~~وحرص كل جاهل منهم على PageV04P175 أن يدعي الكمال أو الإحاطة بكنة الحق ~~انطلقت ألسنتهم بما يقع لكل واحد منهم وتعلق ذلك بقلوب المصغين إليهم وتأكد ~~ذلك بطول الألف فيهم فانسد بالكلية طريق الخلاص عليهم فكانت سلامة الخلق في ~~أن يشتغلوا بالأعمال الصالحة ولا يتعرضوا لما هو خارج عن حد طاقتهم ولكن ~~الآن قد استرخى العنان وفشا الهذيان ونزل كل جاهل على ما وافق طبعه بظن ~~وحسبان وهو يعتقد أن ذلك علم واستيقان وأنه صفو الإيمان ويظن أن ما وقع به ~~من حدس وتخمين علم اليقين وعين اليقين ولتعلمن نبأه بعد حين وينبغي أن ينشد ~~في هؤلاء عند كشف الغطاء # أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت % ولم تخف سوء ما يأتي به القدر # وسالمتك الليالي فاغتررت بها % وعند صفو الليالي يحدث الكدر # واعلم يقينا أن كل من فارق الإيمان الساذج بالله ورسوله وكتبه وخاض في ~~البحث فقد تعرض لهذا الخطر ومثاله مثال من انكسرت سفينته وهو في ملتطم ~~الأمواج يرميه موج إلى موج فربما يتفق أن يلقيه إلى الساحل وذلك بعيد ~~والهلاك عليه أغلب # وكل نازل على عقيدة تلقفها من الباحثين ببضاعة عقولهم إما مع الأدلة التي ~~حرروها في تعصباتهم أو دون الأدلة فإن كان شاكا فيه فهو فاسد الدين وإن كان ~~واثقا فهو آمن من مكر الله مغتر بعقله الناقص وكل خائض في البحث فلا ينفك ~~عن هاتين الحالتين إلا إذا جاوز حدود المعقول إلى نور المكاشفة الذي هو ~~مشرق في عالم الولاية والنبوة وذلك هو الكبريت الأحمر وإني يتيسر وإنما ~~يسلم عن هذا الخطر البله من العوام أو الذين شغلهم خوف النار بطاعة الله ~~فلم يخوضوا في هذا الفضول فهذا أحد الأسباب المخطرة في سوء الخاتمة # وأما السبب الثاني فهو ضعف الإيمان في الأصل ثم استيلاء حب الدنيا على ~~القلب # ومهما ضعف الإيمان ضعف حب الله تعالى وقوى حب الدنيا فيصير بحيث لا يبقى ~~في القلب موضع لحب الله تعالى إلا من حيث حديث النفس ولا يظهر له أثر في ~~مخالفة النفس والعدول عن طريق الشيطان فيورث ذلك الانهماك في اتباع الشهوات ~~حتى يظلم القلب ويقسو ويسود وتتراكم ظلمة النفوس على القلب فلا يزال يطفئ ~~ما فيه من نور الإيمان على ضعفه حتى يصير طبعا ورينا فإذا جاءت سكرات الموت ~~ازداد ذلك الحب أعني حب الله ضعفا لما يبدو من استشعار فراق الدنيا وهي ~~المحبوب الغالب على القلب فيتألم القلب باستشعار فراق الدنيا ويرى ذلك من ~~الله فيختلج ضميره بإنكار ما قدر عليه من الموت وكراهة ذلك # من حيث إنه من الله فيخشى أن يثور في باطنه بغض الله تعالى بدل الحب كما ~~أن الذي يحب ولده حبا ضعيفا إذا اخذ ولده أمواله التي هي أحب إليه من ولده ~~وأحرقها انقلب ذلك الحب الضعيف بغضا فإن اتفق زهوق روحه في تلك اللحظة التي ~~خطرت فيها هذه الخطرة فقد ختم له بالسوء وهلك هلاكا مؤبدا والسبب الذين ~~يفضي إلى مثل هذه الخاتمة هو غلبة حب الدنيا والركون إليها والفرح بأسبابها ~~مع ضعف الإيمان الموجب لضعف حب الله تعالى فمن وجد في قلبه حب الله أغلب من ~~حب الدنيا وإن كان يحب الدنيا أيضا فهو أبعد عن هذا الخطر وحب الدنيا رأس ~~كل خطيئة وهو الداء العضال وقد عم أصناف الخلق وذلك كله لقلة المعرفة بالله ~~تعالى إذ لا يحبه إلا من عرفه ولهذا قال تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم ~~وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال أقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ~~ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله ~~بأمره فإذن كل من فارقته روحه في حالة خطرة الإنكار على الله تعالى بباله ~~وظهر بغض فعل الله بقلبه في تفريقه بينه وبين أهله وماله وسائر محابه فيكون ~~موته قدوما على ما أبغضه وفراقا PageV04P176 لما أحبه فيقدم على الله قدوم ~~العبد المبغض الآبق إذا قدم به على مولاه قهرا فلا يخفى ما يستحقه من الخزي ~~والنكال وأما الذي يتوفى على الحب فإنه يقدم على الله تعالى قدوم العبد ~~المحسن المشتاق إلى مولاه الذي تحمل مشاق الأعمال ووعثاء الأسفار طمعا في ~~لقائه فلا يخفى ما يلقاه من الفرح والسرور بمجرد القدوم فضلا عما يستحقه من ~~لطائف الإكرام وبدائع الإنعام # وأما الخاتمة الثانية التي هي دون الأولى وليست مقتضية للخلود في النار ~~فلها أيضا سببان # أحدهما كثرة المعاصي وإن قوي الإيمان والآخر ضعف الإيمان وإن قلت المعاصي ~~وذلك لأن مقارفة المعاصي سببها غلبة الشهوات ورسوخها في القلب بكثرة الإلف ~~والعادة # وجميع ما ألفه الإنسان في عمره يعود ذكره إلى قلبه عند موته فإن كان ميله ~~الأكثر إلى الطاعات كان أكثر ما يحضره ذكر طاعة الله وإن كان ميله الأكثر ~~إلى المعاصي غلب ذكرها على قلبه عند الموت فربما تقبض روحه عند غلبة شهوة ~~من الشهوات الدنيا ومعصية من المعاصي فيتقيد بها قلبه ويصير محجوبا عن الله ~~تعالى فالذي لا يقارف الذنب إلا الفينة بعد الفينة فهو أبعد عن هذا الخطر ~~والذي لم يقارف ذنبا أصلا فهو بعيد جدا عن هذا الخطر والذي غلبت عليه ~~المعاصي وكانت أكثر من طاعاته وقلبه بها أفرح منه بالطاعات فهذا الخطر عظيم ~~في حقه جدا ونعرف هذا بمثال وهو أنه لا يخفى عليك أن الإنسان يرى في منامه ~~جملة من الأحوال التي عهدها طول عمره حتى إنه لا يرى إلا ما يماثل مشاهدته ~~في اليقظة وحتى إن المراهق الذي يحتلم لا يرى صورة الوقاع إذا لم يكن قد ~~واقع في اليقظة ولو بقي كذلك مدة لما رأى عند الاحتلام صورة الوقاع ثم لا ~~يخفى أن الذي قضى عمره في الفقه يرى من الأحوال المتعلقة بالعلم والعلماء ~~أكثر مما يراه التاجر الذي قضى عمره في التجارة والتاجر يرى من الأحوال ~~المتعلقة بالتجارة وأسبابها أكثر مما يراه الطبيب والفقيه لأنه إنما يظهر ~~في حال النوم ما حصل له مناسبة مع القلب بطول الإلف أو بسبب آخر من الأسباب ~~والموت شبه النوم ولكنه فوقه ولكن سكرات الموت وما يتقدمه من الغشية قريب ~~من النوم فيقضي ذلك تذكر المألوف وعوده إلى القلب وأحد الأسباب المرجحة ~~لحصول ذكره في القلب طول الإلف فطول الإلف بالمعاصي والطاعات أيضا مرجح ~~وكذلك تخالف أيضا منامات الصالحين منامات الفساق فتكون غلبة الإلف سبب لأن ~~تتمثل صورة فاحشة في قلبه وتميل إليها نفسه فربما تقبض عليها روحه فيكون ~~ذلك سبب سوء خاتمته وإن كان أصل الإيمان باقيا بحيث يرجى له الخلاص منها ~~وكما أن ما يخطر في اليقظة إنما يخطر بسبب خاص يعلمه الله تعالى فكذلك آحاد ~~المنامات لها أسباب عند الله تعالى نعرف بعضها ولا نعرف بعضها كما أنا نعلم ~~أن الخاطر ينتقل من الشيء إلى ما يناسبه إما بالمشابهة وإما بالمضادة وإما ~~بالمقارنة بأن يكون قد ورد على الحس منه # أما بالمشابهة فبأن ينظر إلى جميل فيتذكر جميلا آخر وأما بالمضادة فبأن ~~ينظر إلى جميل فيتذكر قبيحا ويتأمل في شدة التفاوت بينهما وأما بالمقارنة ~~فبأن ينظر إلى فرس قد رآه من قبل مع إنسان فيتذكر ذلك الإنسان وقد ينتقل ~~الخاطر من شيء إلى شيء ولا يدري وجه مناسبته له وإنما يكون ذلك بواسطة ~~وواسطتين مثل أن ينتقل من شيء ثان ومنه إلى شيء ثالث ثم ينسى الثاني ولا ~~يكون بين الثالث والأول مناسبة ولكن يكون بينه وبين الثاني مناسبة وبين ~~الثاني والأول مناسبة فكذلك لانتقالات الخواطر في المنامات أسباب من هذا ~~الجنس وكذلك عند سكرات الموت فعلى هذا والعلم عند الله من كانت الخياطة ~~أكثر أشغاله فإنك تراه يومئ إلى رأسه كأنه يأخذ إبرته ليخيط بها ويبل أصبعه ~~التي لها عادة الكستبان ويأخذ الإزار من فوقه ويقدره ويشبره كأنه يتعاطى ~~تفصيله ثم يمد يده إلى المقراض PageV04P177 ومن أراد أن يكف خاطره عن ~~الانتقال عن المعاصي والشهوات فلا طريق له إلا المجاهدة طول العمر في فطامة ~~نفسه عنها وفي قمع الشهوات عن القلب فهذا هو القدر الذي يدخل تحت الاختيار ~~ويكون طول المواظبة على الخير وتخلية الفكر عن الشر عدة وذخيرة لحالة سكرات ~~الموت فإنه يموت المرء على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه ولذلك نقل عن ~~بقال أنه كان يلقن عند الموت كلمتي الشهادة فيقول خمسة ستة أربعة فكان ~~مشغول النفس بالحساب الذي طال إلفه له قبل الموت # وقال بعض العارفين من السلف العرش جوهرة تتلألأ نورا فلا يكون العبد على ~~حال إلا انطبع مثاله في العرش على الصورة التي كان عليها فإذا كان في سكرات ~~الموت كشف له صورته من العرش فربما يرى نفسه على صورة معصية وكذلك يكشف له ~~يوم القيامة فيرى أحوال نفسه فيأخذه من الحياء والخوف ما يجل عن الوصف وما ~~ذكره صحيح وسبب الرؤيا الصادقة قريب من ذلك فإن النائم يدرك ما يكون في ~~المستقبل من مطالعة اللوح المحفوظ وهي جزء من أجزاء النبوة فإذا رجع سوء ~~الخاتمة إلى أحوال القلب واختلاج الخواطر ومقلب القلوب هو الله والاتفاقات ~~المقتضية لسوء الخواطر غير داخلة تحت الاختيار دخولا كليا وإن كان لطول ~~الإلف فيه تأثير فبهذا عظم خوف العارفين من سوء الخاتمة لأنه لو أراد ~~الإنسان أن لا يرى في المنام إلا أحوال الصالحين وأحوال الطاعات والعبادات ~~عسر عليه ذلك وإن كانت كثرة الصلاح والموظبة عليه مما يؤثر فيه ويكن ~~اضطرابات الخيال لا تدخل بالكلية تحت الضبط وإن كان الغالب مناسبة ما يظهر ~~في النوم لما غلب في اليقظة حتى سمعت الشيخ أبا علي الفارمذي رحمة الله ~~عليه يصف لي وجوب حسن أدب المريد لشيخه وأن لا يكون في قلبه إنكار لكل ما ~~يقوله ولا في لسانه مجادلة عليه قال حكيت لشيخي أبي القاسم السكرماني مناما ~~لي وقلت رأيت قلت لي كذا فقلت لم ذاك قال فهجرني شهرا ولم يكلمني وقال لولا ~~أنه كان في باطنك تجويز المطالبة وإنكار ما أقوله لك لما جرى ذلك على لسانك ~~في النوم وهو كما قال إذ قلما يرى الإنسان في منامه خلاف ما يغلب في اليقظة ~~على قلبه فهذا هو القدر الذي نسمح بذكره في علم المعاملة من أسرار أمر ~~الخاتمة وما وراء ذلك فهو داخل في علم المكاشفة وقد ظهر لك بهذا أن الأمن ~~من سوء الخاتمة بأن ترى الأشياء كما هي عليه من غير جهل وتزجي جميع العمر ~~في طاعة الله من غير معصية فإن كنت تعلم أن ذلك محال أو عسير فلا بد وأن ~~يغلب عليك من الخوف ما غلب على العارفين حتى يطول بسببه بكاؤك ونياحتك ~~ويدوم به حزنك وقلقك كما سنحكيه من أحوال الأنبياء والسلف الصالحين ليكون ~~ذلك أحد الأسباب المهيجة لنار الخوف من قلبك وقد عرفت بهذا أن أعمال العمر ~~كلها ضائعة إن لم يسلم في النفس الأخير الذي عليه خروج الروح وإن سلامته مع ~~اضطراب أمواج الخواطر مشكلة جدا ولذلك كان مطرف بن عبد الله يقول إني لا ~~أعجب ممن هلك كيف هلك ولكني أعجب مما نجا كيف نجا ولذلك قال حامد اللفاف ~~إذا صعدت الملائكة بروح العبد المؤمن وقد مات على الخير والإسلام تعجبت ~~الملائكة منه وقالوا كيف نجا هذا من دنيا فسد فيها خيارنا # وكان الثوري يوما يبكي فقيل له علام تبكي فقال بكينا على الذنوب زمانا # فالآن نبكي على الإسلام # وبالجملة من وقعت سفينته في لجة البحر وهجمت عليه الرياح العاصفة واضطربت ~~الأمواج كانت النجاة في حقه أبعد من الهلاك وقلب المؤمن أشد اضطرابا من ~~السفينة وأمواج الخواطر أعظم التطاما من أمواج البحر وإنما المخوف عند ~~الموت خاطر سوء يخطر فقط وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ~~الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة خمسين سنة حتى لا يبقى بينه وبين الجنة إلا ~~فواق ناقة فيختم له بما سبق به الكتاب + حديث إن الرجل ليعمل بعمل أهل ~~الجنة خمسين سنة الحديث تقدم + # ولا يتسع PageV04P178 فواق الناقة لأعمال توجب الشقاوة بل هي الخواطر ~~التي تضطرب وتخطر خطور البرق الخاطف # وقال سهل رأيت كأني أدخلت الجنة فرأيت ثلثمائة نبي فسألتهم ما أخوف ما ~~كنتم تخافون في الدنيا قالوا سوء الخاتمة ولأجل هذا الخطر العظيم كانت ~~الشهادة مغبوطا عليها وكان موت الفجأة مكروها أما الموت فجأة فلأنه ربما ~~يتفق عند غلبة خاطر سوء واستيلائه على القلب لا يخلو عن أمثاله إلا أن يدفع ~~بالكراهة أو بنور المعرفة # وأما الشهادة فلأنها عبارة عن قبض الروح في حالة لم يبق في القلب سوى حب ~~الله تعالى وخرج حب الدنيا والأهل والمال والولد وجميع الشهوات عن القلب إذ ~~لا يهجم على صف القتال موطنا نفسه على الموت إلا حبا لله وطلبا لمرضاته ~~وبائعا دنياه بآخرته وراضيا بالبيع الذي بايعه الله به إذ قال تعالى إن ~~الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة والبائع راغب عن ~~المبيع لا محالة ومخرج حبه عن القلب ومجرد حب العوض المطلوب في قلبه ومثل ~~هذه الحالة قد يغلب على القلب في بعض الأحوال ولكن لا يتفق زهوق الروح فيها ~~فصف القتال سبب لزهوق الروح على مثل هذه الحالة هذا فيمن ليس يقصد الغلبة ~~والغنيمة وحسن الصيت بالشجاعة فإن من هذا حاله وإن قتل في المعركة فهو بعيد ~~عن مثل هذه الرتبة كما دلت عليه الأخبار + حديث المقتول في الحرب إذا كان ~~قصده الغلبة والغنيمة وحسن الصيت فهو بعيد عن رتبة الشهادة متفق عليه من ~~حديث أبي موسى الأشعري إن رجلا قال يا رسول الله الرجل يقاتل للمغنم والرجل ~~يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله فقال من قاتل لتكون ~~كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله وفي رواية الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل ~~حمية ويقاتل رياء وفي رواية غضبا # وإذ بان لك معنى سوء الخاتمة وما هو مخوف فيها فاشتغل بالاستعداد لها ~~فواظب على ذكر الله تعالى وأخرج من قلبك حب الدنيا واحرس عن فعل المعاصي ~~جوارحك وعن الفكر فيها قلبك واحترز عن مشاهدة المعاصي ومشاهدة أهلها جهدك ~~فإن ذلك أيضا يؤثر في قلبك ويصرف إليه فكرك وخواطرك وإياك أن تسوف وتقول ~~سأستعد لها إذا جاءت الخاتمة فإن كان نفس من أنفاسك خاتمتك إذ يمكن أن ~~تختطف فيه روحك فراقب قلبك في كل تطريفة وإياك أن تهمله لحظة فلعل تلك ~~اللحظة خاتمتك إذ يمكن أن تختطف فيها روحك هذا ما دمت في يقظتك وأما إذا ~~نمت فإياك أن تنام إلا على طهارة الظاهر الباطن وأن يغلبك النوم إلا بعد ~~غلبة ذكر الله على قلبك لست أقول على لسانك فإن حركة اللسان بمجردها ضعيفة ~~الأثر # واعلم قطعا أنه لا يغلب عند النوم على قلبك إلا ما كان قبل النوم غالبا ~~عليه وأنه لا يغلب في النوم إلا ما كان غالبا قبل النوم ولا ينبعث عن نومك ~~إلا ما غلب على قلبك في نومك والموت والبعث شبيه النوم واليقظة فكما لا ~~ينام العبد إلا على ما غلب عليه في يقظته ولا يستيقظ إلا على ما كان عليه ~~في نومه فكذلك لا يموت المرء إلا على ما عاش عليه ولا يحشر إلا على ما مات ~~عليه وتحقق قطعا ويقينا أن الموت والبعث حالتان من أحوالك كما أن النوم ~~واليقظة حالتان من أحوالك وآمن بهذا تصديقا باعتقاد القلب إن لم تكن أهلا ~~لمشاهدة ذلك بعين اليقين ونور البصيرة وراقب أنفاسك ولحظاتك وإياك أن تغفل ~~عن الله طرفة عين فإنك إذا فعلت ذلك كله كنت مع ذلك في خطر عظيم فكيف إذا ~~لم تفعل # والناس كلهم هلكى إلا العالمون والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون ~~والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم # واعلم أن ذلك لا يتيسر لك ما لم تقنع من الدنيا بقدر ضرورتك وضرورتك مطعم ~~وملبس ومسكن والباقي كله فضول والضرورة من المطعم ما يقيم صلبك ويسد رمقك ~~فينبغي أن يكون تناولك تناول مضطر كاره له ولا تكون رغبتك فيه أكثر من ~~رغبتك في قضاء حاجتك PageV04P179 إذ لا فرق بين إدخال الطعام في البطن ~~وإخراجه فهما ضرورتان في الجبلة وكما لا يكون قضاء الحاجة من همتك التي ~~يشتغل بها قلبك فلا ينبغي أن يكون تناول الطعام من همتك # واعلم أنه إن كان همتك ما يدخل بطنك فقيمتك ما يخرج من بطنك وإذ لم يكن ~~قصدك من الطعام إلا التقوى على عبادة الله تعالى كقصدك من قضاء حاجتك ~~فعلامة ذلك تظهر في ثلاثة أمور # من مأكولك في وقته وقدره وجنسه أما الوقت فأقله أن يكتفي في اليوم ~~والليلة بمرة واحد فيواظب على الصوم وأما قدره فبأن لا يزيد على ثلث البطن ~~وأما جنسه فأن لا يطلب لذائذ الأطعمة بل يقنع بما يتفق فإن قدرت على هذه ~~الثلاثة وسقطت عنك مئونة الشهوات واللذائذ قدرت بعد ذلك على ترك الشبهات ~~وأمكنك أن لا تأكل إلا من حله فإن الحلال يعز ولا يفى بجميع الشهوات وأما ~~ملبسك فيكن غرضك منه دفع الحر والبرد وستر العورة فكل ما دفع البرد عن رأسك ~~ولو قلنسوة يدانق فطلبك غيره فضول منك يضيع فيه زمانك ويلزمك الشغل الدائم ~~والعناء القائم في تحصيله بالكسب مرة والطمع أخرى من الحرام والشبهة وقس ~~بهذا ما تدفع به الحر والبرد عن بدنك فكل ما حصل مقصود اللباس إن لم تكنف ~~به في خساسة قدره وجنسه لم يكن لك موقف ومرد بعده # بل كنت ممن لا يملأ بطنه إلا التراب وكذلك المسكن إن اكتفيت بمقصوده كفتك ~~السماء سقفا والأرض مستقرا فإن غلبك حر أو برد فعليك بالمساجد فإن طلبت ~~مسكنا خاصا طال عليك وانصرف إليه أكثر عمرك وعمرك هو بضاعتك ثم إن تيسر لك ~~فقصدت من الحائط سوى كونه حائلا بينك وبين الأبصار ومن السقف سوى كونه ~~دافعا للأمطار فأخذت ترفع الحيطان وتزين السقوف فقد تورطت في مهواة يبعد ~~رقيك منها وهكذا جميع ضرورات أمورك إن اقتصرت عليها تفرغت لله وقدرت على ~~التزود لآخرتك والاستعداد لخاتمتك وإن جاوزت حد الضرورة إلى أودية الأماني ~~تشعبت همومك ولم يبال الله في أي واد أهلكك فاقبل هذه النصيحة ممن هو أحوج ~~إلى النصيحة منك # واعلم أن متسع التدبير والتزود والاحتياط هذا العمر القصير فإذا دفعته ~~يوما بيوم في تسويفك أو غفلتك اختطفت فجأة في غير وقت إرادتك ولم تفارقك ~~حسرتك وندامتك فإن كنت لا تقدر على ملازمة ما أرشدت إليه بضعف خوفك إذا لم ~~يكن فيما وصفناه من أمر الخاتمة كفاية في تخويفك فإنا سنورد عليك من أحوال ~~الخائفين ما نرجو أن يزيل بعض القساوة عن قلبك فإنك تتحقق أن عقل الأنبياء ~~والأولياء والعلماء وعملهم ومكانهم عند الله تعالى لم يكن دون عقلك وعملك ~~ومكانك فتأمل مع كلال بصيرتك وعمش عين قلبك في أحوالهم لم اشتد بهم الخوف ~~وطال بهم الحزن والبكاء حتى كان بعضهم يصعق وبعضهم يدهش وبعضهم يسقط مغشيا ~~عليه وبعضهم يخر ميتا إلى الأرض ولا غرو وإن كان ذلك لا يؤثر في قلبك فإن ~~قلوب الغافلين مثل الحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه ~~الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله ~~وما الله بغافل عما تعملون # | بيان أحوال الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام في الخوف # روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تغير ~~الهواء وهبت ريح عاصفة يتغير وجهه فيقول ويتردد في الحجرة ويدخل ويخرج كل ~~ذلك خوفا من عذاب الله + حديث عائشة كان إذا تغير الهواء وهبت ريح عاصفة ~~تغير وجهه الحديث متفق عليه من حديث عائشة + # وقرأ صلى الله عليه وسلم آية في سورة الواقعة فصعق + حديث قرأ في سورة ~~الحاقة فصعق المعروف فيما يروى من هذه القصة أنه قرئ عنده إن لدينا أنكالا ~~وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما فصعق كما رواه ابن عدي والبيهقي في ~~الشعب مرسلا وهكذا ذكره المصنف على الصواب في تاب السماع كما تقدم + # وقال تعالى وخر موسى صعقا ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة جبريل ~~PageV04P180 عليه السلام بالأبطح فصعق + حديث إنه رأى صورة جبريل بالأبطح ~~فصعق أخرجه البزار من حديث ابن عباس بسند جيد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ~~جبريل أن يراه في صورته فقال ادع ربك فدعا ربه فطلع عليه من قبل المشرق ~~فجعل يرتفع ويسير فلما رآه صعق ورواه ابن المبارك من رواية لحسن مرسلا بلفظ ~~فغشي عليه وفي الصحيحين عن عائشة رأى جبريل في صورته مرتين ولهما عن ابن ~~مسعود رأى جبريل له ستمائة جناح + # وروي أنه عليه السلام كان إذا دخل في الصلاة يسمع لصدره أزيز كأزيز ~~المرجل + حديث كان إذا دخل في الصلاة سمع لصدره أزيز كأزيز المرجل رواه أبو ~~داود والترمذي في الشمائل والنسائي من حديث عبد الله بن الشخير وتقدم في ~~كتاب السماع + # وقال صلى الله عليه وسلم ما جاءني جبريل قط إلا وهو يرعد فرقا من الجبار ~~+ حديث ما جاءني جبريل قط إلا وهو ترتعد فرائصه من الجبار لم أجد هذا اللفظ ~~وروى أبو الشيخ في كتاب العظمة من ابن عباس قال أتى جبريل عليه السلام يوم ~~القيامة لقائم بين يدي الجبار تبارك وتعالى ترتعد فرائصه فرقا من عذاب الله ~~الحديث وفيه زميل بن سماك الحنفي يحتاج إلى معرفته # وقيل لما ظهر على إبليس ما ظهر طفق جبريل وميكائيل عليهما السلام يبكيان ~~فأوحى الله إليهما ما لكما تبكيان كل هذا البكاء فقالا يا رب ما نأمن مكرك ~~فقال الله تعالى هكذا كونا لا تأمنا مكري # وعن محمد بن المنكدر قال لما خلقت النار طارت أفئدة الملائكة من أماكنها ~~فلما خلق بنو آدم عادت # وعن أنس أنه عليه السلام سأل جبريل مالي لا أرى ميكائيل يضحك فقال جبريل ~~ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار + حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال ~~لجبريل مالي لا أرى ميكائيل يضحك فقال ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار رواه ~~أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب الخائفين من رواية ثابت عن أنس بإسناد جيد ~~ورواه ابن شاهين في السنة من حديث ثابت مرسلا وورد ذلك أيضا في حق إسرافيل ~~رواه البيهقي في الشعب وفي حق جبريل رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الخائفين # ويقال إن لله تعالى ملائكة لم يضحك أحد منهم منذ خلقت النار مخافة أن ~~يغضب الله عليهم فيعذبهم بها # وقال ابن عمر رضي الله عنهما خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ~~دخل بعض حيطان الأنصار فجعل يلتقط من التمر ويأكل فقال يا ابن عمر مالك لا ~~تأكل فقلت يا رسول الله لا أشتهيه فقال لكني أشتهيه وهذا صبح رابعة لم أذق ~~طعاما ولم أجده ولو سألت ربي لأعطاني ملك قيصر وكسرى فكيف بك يا ابن عمر ~~إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم ويضعف اليقين في قلوبهم قال فوالله ما ~~برحنا ولا قمنا حتى نزلت @QB@ وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها ~~وإياكم وهو السميع العليم @QE@ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ~~الله لم يأمركم بكنز المال ولا باتباع الشهوات من كنز دنانير يريد بها حياة ~~فانية فإن الحياة بيد الله ألا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ولا أخبأ ~~رزقا لغد + حديث ابن عمر خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل على ~~حيطان الأنصار فجعل يلتقط من التمر ويأكل الحديث أخرجه ابن مردويه في ~~التفسير والبيهقي في الزهد من رواية رجل لم يسم عن ابن عمر قال البيهقي هذا ~~إسناد مجهول والجراح بن منهال ضعيف # وقال أبو الدرداء كان يسمع أزير قلب إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه ~~وسلم إذا قام في الصلاة في مسيره ميل خوفا من ربه # وقال مجاهد بكى داود عليه السلام أربعين يوما ساجدا لا يرفع رأسه حتى نبت ~~المرعي من دموعه وحتى غطى رأسه فنودي يا داود أجائع أنت فتطعم أم ظمآن ~~فتسقى أم عار فتكسى فنحب نحبة هاج العود فاحترق من حر جوفه ثم أنزل الله ~~تعالى عليه التوبة والمغفرة فقال يا رب اجعل خطيئتي في كفي فصارت خطيئته في ~~كفه مكتوبة فكان لا يبسط كفه لطعام ولا لشراب ولا لغيره إلا رآها فأبكته ~~قال وكان يؤتى بالقدح ثلثاه فإذا PageV04P181 تناولته أبصر خطيئته فما يضعه ~~على شفته حتى يفيض القدح من دموعه # ويروى عنه عليه السلام أنه ما رفع رأسه إلى السماء حتى مات حياء من الله ~~عز وجل وكان يقول في مناجاته إلهي إذا ذكرت خطيئتي ضاقت علي الأرض برحبها ~~وإذا ذكرت رحمتك ارتدت إلى روحي سبحانك إلهي أتيت أطباء عبادك ليداووا ~~خطيئتي فكلهم عليك يدلني فبؤسا للقانطين من رحمتك # وقال الفضيل بلغني أن داود عليه السلام ذكر ذنبه ذات يوم فوثب صارخا ~~واضعا يده على رأسه حتى لحق بالجبال فاجتمعت إليه السباع فقال ارجعوا لا ~~أريدكم إنما أريد كل بكاء على خطيئته فلا يستقبلني إلا البكاء ومن لم يكن ~~ذا خطيئة فما يصنع بداود الخطاء # وكان يعاتب في كثرة البكاء فيقول دعوني أبكي قبل خروج يوم البكاء قبل ~~تخريق العظام واشتغال الحشا وقبل أن يؤمر بي ملائكة غلاظ شداد لا يعصون ~~الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون # وقال عبد العزيز بن عمر لما أصاب داود الخطيئة نقص صوته فقال إلهي بح ~~صوتي في صفاء أصوات الصديقين # وروي أنه عليه السلام لما طال بكاؤه ولم ينفعه ذلك ضاق ذرعه واشتد غمه ~~فقال يا رب أما ترحم بكائي فأوحى الله تعالى إليه يا داود نسيت ذنبك وذكرت ~~بكاءك فال إلهي وسيدي كيف أنسي ذنبي وكنت إذا تلوت الزبور كف الماء الجاري ~~عن جريه وسكن هبوب الريح وأظلني الطير على رأسي وأنست الوحوش إلى محرابي ~~إلهي وسيدي فما هذه الوحشة التي بيني وبينك فأوحى الله تعالى إليه يا داود ~~ذلك أنس الطاعة وهذه وحشة المعصية يا داود آدم خلق من خلقي خلقته بيدي ~~ونفخت فيه من روحي وأسجدت له ملائكتي وألبسته ثوب كرامتي وتوجته بتاج وقاري ~~وشكا لي الوحدة فزوجته حواء أمتي وأسكنته جنتي عصاني فطردته عن جواري ~~عريانا ذليلا يا داود اسمع مني والحق أقول أطعتنا فأطعناك وسألتنا فأعطيناك ~~وعصيتنا فأمهلناك وإن عدت إلينا على ما كان منك قبلناك # وقال يحيى بن أبي كثير بلغنا أن داود عليه السلام كان إذا أراد أن ينوح ~~مكث قبل ذلك سبعا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يقرب النساء فإذا كان ~~قبل ذلك بيوم أخرج له المنبر إلى البرية فأمر سليمان أن ينادي بصوت يستقرى ~~البلاد وما حولها من الغياض والآكام والجبال والبراري والصوامع والبيع ~~فينادي فيها ألا من أراد أن يسمع نوح داود على نفسه فليأت قال فتأتي الوحوش ~~من البراري والآكام وتأتي السباع من الغياض وتأتي الهوام من الجبال وتأتي ~~الطير من الأوكار وتأتي العذاري من خدورهن وتجتمع الناس لذلك اليوم ويأتي ~~داود حتى يرقى المنبر ويحيط به بنو إسرائيل وكل صنف على حدته محيطون به ~~وسليمان عليه السلام قائم على رأسه فيأخذ في الثناء على ربه فيضجون بالبكاء ~~والصراخ ثم يأخذ في ذكر الجنة والنار فتموت الهوام وطائفة من الوحوش ~~والسباع الناس ثم يأخذ في أهوال القيامة وفي النياحة على نفسه فيموت من كل ~~نوع طائفة فإذا رأى سليمان كثرة الموتى قال يا أبتاه قد مزقت المستمعين كل ~~ممزق وماتت طوائف من بني إسرائيل ومن الوحوش والهوام فيأخذ في الدعاء فبينا ~~هو كذلك إذ ناداه بعض عباد بني إسرائيل يا داود عجلت بطلب الجزاء على ربك ~~قال فيخر داود مغشيا عليه فإذا نظر سليمان إلى ما أصابه أتى بسرير فحمله ~~عليه ثم أمر مناديا ينادي ألا من كان له مع داود حميم أو قريب فليأت بسرير ~~فليحمله فإن الذين كانوا معه قد قتلهم ذكر الجنة والنار فكانت المرأة تأتي ~~بالسرير وتحمل قريبها وتقول يا من قتله ذكر النار يا من قتله خوف الله ثم ~~إذا أفاق داود قام ووضع يده على رأسه ودخل بيت عبادته وأغلق بابه ويقول يا ~~إله داود أغضبان أنت على داود ولا يزال يناجي ربه فيأتي سليمان ويقعد على ~~الباب ويستأذن ثم يدخل ومعه قرص من شعير فيقول يا أبتاه تقو بهذا على ما ~~تريد فيأكل من PageV04P182 ذلك القرص ما شاء الله ثم يخرج إلى بني إسرائيل ~~فيكون بينهم # وقال يزيد الرقاشي خرج داود ذات يوم بالناس يعظهم ويخوفهم فخرج في أربعين ~~ألفا فمات منهم ثلاثون ألفا وما رجع إلا في عشرة آلاف قال وكان له جاريتان ~~اتخذهما حتى إذا جاءه الخوف وسقط فاضطرب قعدتا على صدره وعلى رجليه مخافة ~~أن تتفرق أعضاؤه ومفاصله فيموت # وقال ابن عمر رضي الله عنهما دخل يحيى بن زكريا عليهما السلام بيت المقدس ~~وهو ابن ثمان حجج فنظر إلى عبادهم قد لبسوا مدارع الشعر والصوف ونظر إلى ~~مجتهديهم قد خرقوا التراقي وسلكوا فيها السلاسل وشدوا أنفسهم إلى أطراف بيت ~~المقدس فهاله ذلك فرجع إلى أبويه فمر بصبيان يلعبون فقالوا له يا يحيى هلم ~~بنا لنعلب فقال إني لم أخلق للعب قال فأتى أبويه فسألهما أن يدرعاه الشعر ~~ففعلا فرجع إلى بيت المقدس وكان يخدمه نهارا ويصبح فيه ليلا حتى أتت عليه ~~خمس عشرة سنة فخرج ولزم أطواد الأرض وغير ان الشعاب فخرج أبواه في طلبه ~~فأدركاه على بحيرة الأردن وقد أنقع رجليه في الماء حتى كاد العطش يذبحه وهو ~~يقول عزتك وجلالك لا أذوق بارد الشراب حتى أعلم أين مكاني منك فسأله أبواه ~~أن يفطر على قرص كان معهما من شعير ويشرب من ذلك الماء ففعل وكفر عن يمينه ~~فمدح بالبر فرده أبواه إلى بيت المقدس فكان إذا قام يصلي بكى حتى يبكي معه ~~الشجر والمدر ويبكي زكريا عليه السلام لبكائه حتى يغمى عليه فلم يزل يبكي ~~حتى خرقت دموعه لحم خديه وبدت أضراسه للناظرين فقالت له أمه يا بني لو أذنت ~~لي أن أتخذ لك شيئا تواري به أضراسك عن الناظرين فأذن لهما فعمدت إلى قطعتي ~~لبود فألصقتها على خدية فكان إذا قام يصلي بكى فإذا استنقعت دموعه في ~~القطعتين أتت إليه أمه فعصرتهما فإذا رأى دموع تسبل على ذراعي أمه قال ~~اللهم هذه دموعي وهذه أمي وأنا عبدك وأنت أرحم الراحمين قال له زكريا يوما # يا بني إنما سالت ربي أن يهبك لي لتقر عيناي بك فقال يحيى يا أبت إن ~~جبريل عليه السلام أخبرني أن بين الجنة والنار مفازة لا يقطعها إلا كل بكاء # فقال زكريا عليه السلام يا بني فابك # وقال المسيح عليه السلام معاشر الحواريين خشية الله وحب الفردوس يورثان ~~الصبر على المشقة ويباعدان من الدنيا # بحق أقول لكم إن أكل الشعير والنوم على المزابل مع الكلاب في طلب الفردوس ~~قليل # وقيل كان الخليل صلوات الله عليه وسلامه إذا ذكر خطيئته يغشى عليه ويسمع ~~اضطراب قلبه ميلا في ميل فيأتيه جبريل فيقول له ربك يقرئك السلام ويقول هل ~~رأيت خليلا يخاف خليله فيقول يا جبريل إني إذا ذكرت خطيئتي نسيت خلتي فهذه ~~أحوال الأنبياء عليه السلام فدونك والتأمل فيها فإنهم أعرف خلق الله بالله ~~وصفاته صلوات الله عليهم أجمعين وعلى كل عباد الله المقربين وحسبنا الله ~~ونعم الوكيل # | بيان أحوال الصحابة والتابعين والسلف والصالحين في شدة الخوف # روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لطائر ليتني مثلك يا طائر ولم ~~أخلق بشرا # وقال أبو ذر رضي الله عنه وددت لو أني شجرة تعضد وكذلك قال طلحة # وقال عثمان رضي الله عنه وددت إني إذا مت لم أبعث # وقالت عائشة رضي الله عنها وددت أني كنت نسيا منسيا # وروي أن عمر رضي الله عنه كان يسقط من الخوف إذا سمع آية من القرآن مغشيا ~~عليه فكان يعاد أياما # وأخذ يوما تبنة من الأرض فقال يا ليتني كنت هذه التبنة يا ليتني لم أك ~~شيئا مذكورا يا ليتني كنت نسيا منسيا PageV04P183 يا ليتني لم تلدني أمي # وكان في وجه عمر رضي الله عنه خطان أسودان من الدموع وقال رضي الله عنه ~~من خاف الله لم يشف غيظه ومن اتقى الله لم يصنع ما يريد ولولا يوم القيامة ~~لكان غير ما ترون # ولما قرأ عمر رضي الله عنه @QB@ إذا الشمس كورت @QE@ وانتهى إلى قوله ~~تعالى @QB@ وإذا الصحف نشرت @QE@ خر مغشيا عليه # ومر يوما بدار إنسان وهو يصلي ويقرأ سورة @QB@ والطور @QE@ فوقف يستمع ~~فلما بلغ قوله تعالى إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع نزل عن حماره واستند ~~إلى حائط ومكث زمانا ورجع إلى منزله فمرض شهرا يعوده الناس ولا يدرون ما ~~مرضه # وقال علي كرم الله وجهه وقد سلم من صلاة الفجر وقد علاه كآبة وهو يقلب ~~يده لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلم أر اليوم شيئا يشبههم لقد ~~كانوا يصبحون شعثا صفرا غبرا بين أعينهم أمثال ركب المعزى قد باتوا لله ~~سجدا وقياما يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم فإذا أصبحوا ~~ذكروا الله فمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهملت أعينهم بالدموع حتى ~~تبل ثيابهم والله فكأن بالقوم باتوا غافلين ثم قام فما رؤي بعد ذلك ضاحكا ~~حتى ضربه ابن ملجم # وقال عمران بن حصين وددت أن أكون رمادا تنسفني الرياح في يوم عاصف # وقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه # وددت أني كبش فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحسون مرقي # وكان علي بن الحسين رضي الله عنه إذا توضأ أصفر لونه فيقولون له أهله ما ~~هذا الذي يعتادك عند الوضوء فيقول أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم # قال موسى بن مسعود كنا إذا جلسنا إلى الثوري كأن النار قد أحاطت بنا لما ~~نرى من خوفه وجزعه # وقرأ مضر القارئ يوما هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقالآية فبكى عبد الواحد ~~بن زيد حتى غشي عليه فلما أفاق قال وعزتك لأعصيتك جهدي أبدا فأعني بتوفيقك ~~على طاعتك # وكان المسور بن مخرمة لا يقوى أن يسمع شيئا من القرآن لشدة خوفه ولقد كان ~~يقرأ عنده الحرف والآية فيصيح الصحية فما يعقل أياما حتى أتى عليه رجل من ~~خثعم فقرأ عليه @QB@ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى ~~جهنم وردا @QE@ فقال أنا من المجرمين ولست من المتقين أعد على القول أيها ~~القارئ فأعادها عليه فشهق شهقة فلحق بالآخرة # وقرئ عند يحيى البكاء @QB@ ولو ترى إذ وقفوا على ربهم @QE@ فصاح صيحة مكث ~~منها مريضا أربعة أشهر يعاد من أطراف البصرة # وقال مالك بن دينار بينما أنا أطوف بالبيت إذا أنا بجويرة متعبدة متعلقة ~~بأستار الكعبة وهي تقول يا رب كم شهوة ذهبت لذاتها وبقيت تبعاتها يا رب أما ~~كان لك أدب وعقوبة إلا النار وتبكى فما زال ذلك مقامها حتى طلع الفجر قال ~~مالك فلما رأيت ذلك وضعت يدي على رأسي صارخا أقول ثكلت مالكا أمه # وروي أن الفضيل رؤي يوم عرفة والناس يدعون وهو يبكي بكاء الثكلي المحترقة ~~حتى إذا كادت الشمس تغرب قبض على لحيته ثم رفع رأسه إلى السماء وقال ~~واسوأتاه منك وإن غفرت ثم انقلب مع الناس # وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الخائفين فقال قلوبهم بالخوف فرحة ~~وأعينهم باكية يقولون كيف نفرح والموت من ورائنا والقبر أمامنا والقيامة ~~موعدنا وعلى جهنم طريقنا وبين يدي الله ربنا موقفنا PageV04P184 # ومر الحسن بشاب وهو مستغرق في ضحكه وهو جالس مع قوم في مجلس فقال له ~~الحسن يا فتى هل مررت بالصراط قال لا # قال فهل تدري إلى الجنة تصير أم إلى النار قال لا # قال فما هذا الضحك قال فما رؤي ذلك الفتى بعدها ضاحكا # وكان حماد بن عبد ربه إذا جلس جلس مستوفرا على قدميه فيقال له اطمأننت ~~فيقول تلك جلسة الآمن وأنا غير آمن إذ عصيت الله تعالى # وقال عمر بن عبد العزيز إنما جعل الله هذه الغفلة في قلوب العباد رحمة ~~كيلا يموتوا من خشية الله تعالى # وقال مالك بن دينار قد هممت إذا أنا مت آمرهم أن يقيدوني ويغلوني ثم ~~ينطلقوا بي إلى ربي كما ينطلق بالعبد الآبق إلى سيده # وقال حاتم الأصم لا تغتر بموضع صالح فلا مكان أصلح من الجنة وقد لقي آدم ~~عليه السلام فيهما ما لقي ولا تغتر بكثرة العبادة فإن إبليس بعد طول تعبده ~~لقي ما لقي ولا تغتر بكثرة العلم فإن بلعام كان يحسن اسم الله الأعظم فانظر ~~ماذا لقي ولا تغتر برؤية الصالحين فلا شخص أكبر منزلة عند الله من المصطفى ~~صلى الله عليه وسلم ولم ينتفع بلقائه أقاربه وأعداؤه # وقال السري إني لأنظر إلى أنفي كل يوم مرات مخافة أن يكون قد أسود وجهي # وقال أبو حفص منذ أربعين سنة اعتقادي في نفسي أن الله ينظر إلى نظر السخط ~~وأعمالي تدل على ذلك # وخرج ابن المبارك يوما على أصحابه فقال إني اجترأت البارحة على الله ~~سألته الجنة # وقالت أم محمد بن كعب القرظي لابنها يا بني إني أعرفك صغيرا طيبا وكبيرا ~~طيبا وكأنك أحدثت حدثا موبقا لما أراك تصنع في ليلك ونهارك فقال يا أماه ما ~~يؤمنني أن يكون الله تعالى قد اطلع علي وأنا على بعض ذنوبي فمقتني وقال ~~وعزتي وجلالي لا غفرت لك # وقال الفضيل إني لا أغبط نبيا مرسلا ولا ملكا مقربا ولا عبدا صالحا أليس ~~هؤلاء يعاينون يوم القيامة إنما أغبط من لم يخلق # وروي أن فتى من الأنصار دخلته خشية النار فكان يبكي حتى حبسه ذلك في ~~البيت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه واعتنقه فخر ميتا فقال صلى ~~الله عليه وسلم جهزوا صاحبكم فإن الفرق من النار فتت كبده + حديث أن فتى من ~~الأنصار دخلته خشية من النار حتى حبسه خوفه في البيت الحديث أخرجه ابن أبي ~~الدنيا في الخائفين من حديث حذيفة والبيهقي في الشعب من حديث سهل بن سعد ~~بإسنادين فيهما نظر + # وروي عن ابن أبي ميسرة أنه كان إذا أوى إلى فراشه يقول يا ليت أمي لم ~~تلدني فقالت له أمه يا ميسرة إن الله تعالى قد أحسن إليك هداك إلى الإسلام ~~قال أجل ولكن الله قد بين لنا أنا واردو النار ولم يبين لنا أنا صادرون ~~عنها # وقيل لفرقد السبخي أخبرنا بأعجب شيء بلغك عن إسرائيل فقال بلغني أنه دخل ~~بيت المقدس خمسمائة عذارء لباسهن الصوف والمسوح فتذاكرن ثواب الله وعقابه ~~فمتن جميعا في يوم واحد # وكان عطاء السلمي من الخائفين ولم يكن يسأل الله الجنة أبدا إنما كان ~~يسأل الله العفو وقيل له في مرضه ألا تشتهي شيئا فقال إن خوف جهنم لم يدع ~~في قلبي موضعا للشهوة إنه ما رفع رأسه إلى السماء ولا ضحك PageV04P185 ~~أربعين سنة # وأنه رفع رأسه يوما ففزع فسقط فانفتق في بطنه فتق وكان يمس جسده في بعض ~~الليلة مخافة أن يكون قد مسخ # وكان إذا أصابتهم ريح أو برق أو غلاء طعام قال هذا من أجلي يصيبهم لو مات ~~عطاء لاستراح الناس # وقال عطاء خرجنا مع عتبة الغلام وفينا كهول وشبان يصلون صلاة الفجر بطهور ~~العشاء قد تورمت أقدامهم من طول القيام وغارت أعينهم في رءوسهم ولصقت ~~جلودهم على عظامهم وبقيت العروق كأنها الأوتار يصبحون كأن جلودهم قشور ~~البطيخ وكأنهم قد خرجوا من القبور يخبرون كيف أكرم الله المطيعين وكيف أهان ~~العاصين فبينما هم يمشون إذ مر أحد بمكان فخر مغشيا عليه فجلس أصحابه حوله ~~يبكون في يوم شديد البرد وجبينه يرشح عرقا فجاءوا بماء فمسحوا وجهه فأفاق ~~وسألوه عن أمره فقال إني ذكرت أني كنت عصيت الله في ذلك المكان # وقال صالح المري قرأت على رجل من المتعبدين @QB@ يوم تقلب وجوههم في ~~النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا @QE@ فصعق ثم أفاق فقال ~~زدني يا صالح فإني أجد غما فقرأت @QB@ كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا ~~فيها @QE@ فخر ميتا # وروي أن زرارة بن أبي أوفى صلى بالناس الغداة فلما قرأ @QB@ فإذا نقر في ~~الناقور @QE@ خر مغشيا عليه فحمل ميتا # ودخل يزيد الرقاشي على عمر بن عبد العزيز فقال عظني يا يزيد فقال يا أمير ~~المؤمنين اعلم أنك لست أول خليفة يموت فبكى ثم قال زدني قال يا أمير ~~المومنين ليس بينك وبين آدم أب إلا ميت فبكى ثم قال زدني يا يزيد فقال يا ~~أمير المؤمنين ليس بينك وبين الجنة والنار منزل فخر مغشيا عليه # وقال ميمون بن مهران لما نزلت هذه الآية @QB@ وإن جهنم لموعدهم أجمعين ~~@QE@ صاح سلمان الفارسي ووضع يده على رأسه وخرج هاربا ثلاثة أيام لا يقدرون ~~عليه + حديث ميمون بن مهران لما نزلت هذه الآية @QB@ وإن جهنم لموعدهم ~~أجمعين @QE@ صاح سلمان الفارسي لم أقف له على أصل + # ورأى داود الطائي امرأة تبكي على رأس قبر ولدها وهي تقول يا ابناه ليت ~~شعري أي خديك بدأ به الدود أولا فصعق داود وسقط مكانه # وقيل مرض سفيان الثوري فعرض دليله على طبيب ذمي فقال هذا رجل قطع الخوف ~~كبده ثم جاء وجس عروقه ثم قال ما علمت أن في الملة الحنيفية مثله # وقال أحمد بن حنبل رحمة الله عليه سألت الله عز وجل أن يفتح علي بابا من ~~الخوف ففتح فخفت على عقلي فقلت يا رب على قدر ما أطيق فسكن قلبي # وقال عبد الله بن عمرو بن العاص ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فوالذي نفسي ~~بيده لو يعلم العلم أحدكم لصرخ حتى ينقطع صوته وصلى حتى ينكسر صلبه وكأنه ~~أشار إلى معنى قوله صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ~~ولبكيتم كثيرا + حديث لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا تقدم ~~في قواعد العقائد + # وقال العنبري اجتمع أصحاب الحديث على باب الفضيل بن عياض فاطلع عليهم من ~~كوة وهو يبكي ولحيته ترجف فقال عليكم بالقرآن عليكم بالصلاة ويحكم ليس هذا ~~زمان حديث إنما هذا زمان بكاء وتضرع واستكانة ودعاء كدعاء الغريق إنما هذا ~~زمان احفظ لسانك وأخف مكانك وعالج قلبك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر ~~PageV04P186 ورؤي الفضيل يوما وهو يمشي فقيل له إلى أين قال لا أدري وكان ~~يمشي والها من الخوف # وقال ذر بن عمر لأبيه عمر بن ذر ما بال المتكلمين يتكلمون فلا يبكي أحد ~~فإذا تكلمت أنت سمعت البكاء من كل جانب فقال يا بني ليست النائحة الثكلى ~~كالنائحة المستأجرة # وحكى أن قوما وقفوا بعابد وهو يبكي فقالوا ما الذي يبكيك يرحمك الله قال ~~فرحة يجدها الخائفون في قلوبهم قالوا وما هي قال روعة النداء بالعرض على ~~الله عز وجل # وكان الخواص يبكي ويقول في مناجاته قد كبرت وضعف جسمي عن خدمتك فأعتقني # وقال صالح المري قدم علينا ابن السماك مرة فقال أرني شيئا من بعض عجائب ~~عبادكم فذهبت به إلى رجل في بعض الأحياء في خص له فاستأذنا عليه فإذا رجل ~~يعمل خوصا فقرأت عليه @QB@ إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في ~~الحميم ثم في النار يسجرون @QE@ فشهق الرجل شهقة وخر مغشيا عليه فخرجنا من ~~عنده وتركناه على حاله وذهبنا إلى آخر فدخلنا عليه فقرأت هذه الآية فشهق ~~شهقة وخر مغشيا عليه فذهبنا واستأذنا على ثالث فقال ادخلوا إن لم تشغلونا ~~عن ربنا فقرأت @QB@ ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد @QE@ فشهق شهقة فبدا الدم ~~من منخريه وجعل يتشحط في دمه حتى يبس فتركناه على حاله وخرجنا فأدرته على ~~ستة أنفس كل نخرج من عنده ونتركه مغشيا عليه ثم أتيت به إلى السابع ~~فاستأذنا فإذا امرأة من داخل الخص تقول ادخلوا فدخلنا فإذا شيخ فان جالس في ~~مصلاه فسلمنا عليه فلم يشعر بسلامنا فقلت بصوت عال ألا إن للخلق غدا مقاما ~~فقال الشيخ بين يدي من ويحك ثم بقي مبهوتا فاتحا فاه شاخصا بصره يصيح بصوت ~~له ضعيف أوه أوه حتى انقطع ذلك الصوت فقالت امرأته اخرجوا فإنكم لا تنتفعون ~~به الساعة فلما كان بعد ذلك سالت عن القوم فإذا ثلاثة قد أفاقوا وثلاثة قد ~~لحقوا بالله تعالى # وأما الشيخ فإنه مكث ثلاثة أيام على حالته مبهوتا متحيرا لا يؤدي فرضنا ~~فلم كان بعد ثلاث عقل # وكان يزيد بن الأسود يرى أنه من الأبدال وكان قد حلف أن لا يضحك أبدا ولا ~~ينام مضطجعا ولا يأكل سمنا أبدا فما رؤي ضاحكا ولا مضطجعا ولا أكل سمنا حتى ~~مات رحمه الله # وقال الحجاج لسعيد بن جبير بلغني أنك لم تضحك قط فقال # كيف أضحك وجهنم قد سعرت والأغلال قد نصبت والزبانية قد أعدت # وقال رجل يا أبا سعيد كيف أصبحت قال بخير قال كيف حالك فتبسم الحسن وقال ~~تسألني عن حالي ما ظنك بناس ركبوا سفينة حتى توسطوا البحر فانكسرت سفينتهم ~~فتعلق كل إنسان منهم بخشبة على أي حال يكون قال الرجل على حال شديدة # قال الحسن حالي أشد من حالهم # ودخلت مولاة لعمر بن عبد العزيز عليه فسلمت عليه ثم قامت إلى مسجد في ~~بيته فصلت فيه ركعتين وغلبتها عيناها فرقدت فاستبكت في منامها ثم انتبهت ~~فقالت يا أمير المؤمنين إني والله رأيت عجبا قال وما ذلك قالت رأيت النار ~~وهي تزفر على أهلها ثم جئ بالصراط ووضع على متنها فقال هيه قالت فجئ بعبد ~~الملك بن مروان فحمل عليه فما مضى عليه إلا يسير حتى انكفأ به الصراط فهوى ~~إلى جهنم فقال عمر هيه قالت ثم جئ بالوليد بن عبد الملك فحمل عليه فما مضى ~~عليه إلا يسيرا حتى انكفأ به الصراط فهوى إلى جهنم فقال عمر هيه قالت ثم جئ ~~بسليمان بن عبد الملك فما مضى عليه إلا يسيرا حتى انكفأ به الصراط فهوى ~~كذلك فقال عمر هيه قالت ثم جئ بك والله يا أمير المؤمنين فصاح عمر رحمه ~~الله عليه صيحة خر مغشيا عليه PageV04P187 فقامت إليه فجعلت تنادي في أذنه ~~يا أمير المؤمنين إني رأيتك والله قد نجوت إني رأيتك والله قد نجوت قال وهي ~~تنادي وهو يصيح ويفحص برجليه # ويحكى أن أويسا القرني رحمه الله كان يحضر عند القاص فيبكي من كلامه فإذا ~~ذكر النار صرخ أويس ثم يقوم منطلقا فيتبعه الناس فيقولون مجنون مجنون # وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه إن المؤمن لا يسكن روعه حتى يترك جسر جهنم ~~وراءه # وكان طاوس يفرش له الفرش فيضطجع ويتقلى كما تتقلى الحبة في المقلى ثم يثب ~~فيدرجه ويستقبل القبلة حتى الصباح ويقول طير ذكر جهنم نوم الخائفين # وقال الحسن البصري رحمه الله يخرج من النار رجل بعد ألف عام يا ليتني كنت ~~ذلك الرجل وإنما قال ذلك لخوفه من الخلود وسوء الخاتمة # وروي أنه ما ضحك أربعين سنة قال وكنت إذا رأيته قاعدا كأنه أسير قد قدم ~~لتضرب عنقه وإذا تكلم كأنه يعاين الآخرة فيخبر عن مشاهدتها فإذا سكت كأن ~~النار تسعر بين عينيه # وعوتب في شدة حزنه وخوفه فقال ما يؤمنني أن يكون الله تعالى قد اطلع في ~~على بعض ما يكره فمقتني فقال اذهب فلا غفرت لك فأنا أعمل في غير معتمل # وعن ابن السماك قال وعظت يوما في مجلس فقام شاب من القوم فقال يا أبا ~~العباس لقد وعظت اليوم بكلمة ما كنا نبالي أن لا نسمع غيرها # قلت وما هي رحمك الله قال قولك لقد قطع قلوب الخائفين طول الخلو دين إما ~~في الجنة أو في النار # ثم غاب عني ففقدته في المجلس الآخر فلم أره فسألت عنه فأخبرت أنه مريض ~~يعاد فأتيته أعوده فقلت يا أخي ما الذي أرى بك فقال يا أبا العباس ذلك من ~~قولك لقد قطع قلوب الخائفين طول الخلو دين إما في الجنة أو في النار # قال ثم مات رحمه الله فرأيته في المنام فقلت يا أخي ما فعل الله بك قال ~~غفر لي ورحمني وأدخلني الجنة # قلت بماذا قال بالكلمة # فهذه مخاوف الأنبياء والأولياء والعلماء والصالحين ونحن أجدر بالخوف منهم ~~لكن ليس الخوف بكثرة الذنوب بل بصفاء القلوب وكمال المعرفة وإلا فليس أمننا ~~لقلة ذنوبنا وكثرة طاعاتنا بل قادتنا شهوتنا وغلبت علينا شقوتنا وصدتنا عن ~~ملاحظة أحوالنا غفلتنا وقسوتنا فلا قرب الرحيل ينبهنا ولا كثرة الذنوب ~~تحركنا ولا مشاهدة أحوال الخائفين تخوفنا ولا خطر الخاتمة يزعجنا فنسأل ~~الله تعالى أن يتدارك بفضله وجوده أحوالنا فيصلحنا إن كان تحريك اللسان ~~بمجرد السؤال دون الاستعداد ينفعنا # ومن العجائب أنا إذا أردنا المال في الدنيا زرعنا وغرسنا واتجرنا وركبنا ~~البحار والبراري وخاطرنا # وإن أردنا طلب رتبة العلم فقهنا وتعبنا في حفظه وتكراره وشهرنا ونجتهد في ~~طلب أرزاقنا ولا نثق بضمان الله لنا ولا نجلس في بيوتنا فنقول اللهم ارزقنا ~~ثم إذا طمعت أعيننا نحو الملك الدائم المقيم قنعنا بأن نقول بألسنتنا اللهم ~~اغفر لنا وارحمنا والذي إليه رجاؤنا وبه اعتزازنا ينادينا ويقول @QB@ وأن ~~ليس للإنسان إلا ما سعى @QE@ @QB@ ولا يغرنكم بالله الغرور @QE@ يا أيها ~~الإنسان ما عزك بربك الكريم ثم كل ذلك لا ينبهنا ولا يخرجنا عن أودية ~~غرورنا وأمانينا فما هذه إلا محنة هائلة إن لم يتفضل الله علينا بتوبة نصوح ~~يتداركنا بها ويجيرنا فنسأل الله تعالى أن يتوب علينا بل نسأله أن يشوق إلى ~~التوبة سرائر قلوبنا وأن لا يجعل حركة اللسان بسؤال التوبة غاية حظنا فنكون ~~ممن يقول ولا يعمل ويسمع ولا يقبل إذا سمعنا الوعظ بكينا وإذا جاء وقت ~~العمل بما سمعناه عصينا علامة للخذلان أعظم من هذا فنسأل الله تعالى أن يمن ~~علينا بالتوفيق والرشد بمنه وفضله PageV04P188 # ولنقتصر من حكاية أحوال الخائفين على ما أوردناه فإن القليل من هذا يصادف ~~القلب القابل فيكفي والكثير منه وإن أفيض على القلب الغافل فلا يغني # ولقد صدق الراهب الذي حكى عنه عيسى بن مالك الخولاني وكان من خيار العباد ~~أنه رآه على باب بيت المقدس واقفا كهيئة المحزون من شدة الوله ما يكاد يرقأ ~~دمعه من كثرة البكاء فقال عيسى لما رأيته هالني منظره فقلت أيها الراهب ~~أوصني بوصية أحفظها عنك فقال يا أخي بماذا أوصيك إن استطعت أن تكون بمنزلة ~~رجل قد احتوشته السباع والهوام فهو خائف حذر يخاف أن يغفل فتفترسه السباع ~~أو يسهو فتنهشه الهوام فهو مذعور القلب وجل فهو في المخالفة ليله وإن أمن ~~المغترون وفي الحزن نهاره وإن فرح الباطلون ثم ولى وتركني فقلت لو زدتني ~~شيئا عسى أن ينفعني فقال الظمآن يجزيه من الماء أيسره وقد صدق فإن القلب ~~الصافي يحركه أدنى مخافة والقلب الجامد تنبو عنه كل المواعظ وما ذكره من ~~تقديره أنه احتوشته السباع والهوام فلا ينبغي أن يظن أنه تقدير بل هو تحقيق ~~فإنك لو شاهدت بنور البصيرة باطنك لرأيته مشحونا بأصناف السباع وأنواع ~~الهوام مثل الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب والرياء وغيرها وهي ~~التي لا تزال تفترسك وتنهشك إن غفلت عنها لحظة إلا أنك محجوب العين عن ~~مشاهدتها فإذا انكشف الغطاء ووضعت في قبرك عاينتها وقد تمثلت لك بصورها ~~وأشكالها الموافقة لمعانيها فترى بعينك العقارب والحيات وقد أحدقت بك في ~~قبرك وإنما هي صفاتك الحاضرة الآن قد انكشفت لك صورها فإن أردت أن تقتلها ~~وتقهرها وأنت قادر عليها قبل الموت فافعل وإلا فوطن نفسك على لدغها ونهشها ~~لصميم قلبك فضلا عن ظاهر بشرتك والسلام # | كتاب الفقر والزهد وهو الكتاب رابع من ربع المنجيات من كتاب إحياء # علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي تسبح له الرمال وتسجد له الظلال وتتدكدك من هيبته الجبال ~~خلق الإنسان من الطين اللازب والصلصال وزين صورته بأحسن تقويم وأتم اعتدال ~~وعصم قلبه بنور الهداية عن ورطات الضلال وأذن له في قرع باب الخدمة بالغدو ~~والآصال ثم كحل بصيرة المخلص في خدمته بنور العبرة حتى لاحظ بضيائه حضرة ~~الجلال فلاح له من بالبهجة والبهاء والكمال ما استقبح دون مبادئ إشراقه كل ~~حسن وجمال واستثقل كل ما صرفه عن مشاهدته وملازمته غاية الاستثقال وتمثل له ~~ظاهر الدنيا في صورة امرأة جملية تميس وتحتال وانكشف له باطنها عن جور ~~شوهاء عجنت من طينة الخزي وضربت في قالب النكال وهي متلفلفة بجلبابها لتخفي ~~قبائح أسرارها بلطائف السحر والاحتيال وقد نصبت حبائلها في مدارج الرجال ~~فهي تقتنصهم بضروب المكر والاغتيال ثم لا تجتزئ معهم بالخلف في مواعيد ~~الوصال بل تقيدهم مع قطع الوصال بالسلاسل والأغلال وتبليهم بأنواع البلايا ~~والأنكال فلما انكشف للعارفين منا قبائح الأسرار والأفعال زهدوا فيها زهد ~~المبغض لها فتركوها وتركوا التفاخر والتكاثر بالأموال وأقبلوا بكنه همهم ~~على حضرة الجلال واثقين منها بوصال ليس دونه انفصال ومشاهدة أبدية لا ~~يعتريها فناء ولا زوال والصلاة والسلام على محمد سيد الأنبياء وعلى آله خير ~~آل PageV04P189 # أما بعد فإن الدنيا عدوة لله عز وجل بغرورها ضل من ضل وبمكرها زل من زل ~~فحبها رأس الخطايا والسيئات وبغضها أم الطاعات رأس القربات # وقد استقصينا ما يتعلق بوصفها وذم الحب لها في كتاب ذم الدنيا من ربع ~~المهلكات ونحن الآن نذكر فضل البغض لها والزهد فيها فإنه رأس المنجيات فلا ~~مطمع في النجاة إلا بالانقطاع عن الدنيا والبعد منها لكن مقاطعتها إما أن ~~تكون بانزوائها عن العبد ويسمى ذلك فقرا وإما بانزواء العبد عنها ويسمى ذلك ~~زهدا ولكل واحد منهما درجة في نيل السعادات وحظ في الإعانة على الفوز ~~والنجاة ونحن الآن نذكر حقيقة الفقر والزهد ودرجاتهما وأقسامهما وشروطهما ~~وأحكامهما ونذكر الفقر في شطر من الكتاب والزهد في شطر آخر منه ونبدأ بذكر ~~الفقر فنقول الشطر الأول من الكتاب في الفقر # وفيه بيان حقيقة الفقر وبين فضيلة الفقر مطلقا وبيان خصوص فضيلة الفقراء ~~وبيان فضيلة الفقير على الغني وبيان أدب الفقير في فقره وبيان أدبه في ~~قبوله العطاء وبيان تحريم السؤال بغير ضرورة وبيان مقدار الغني المحرم ~~للسؤال وبيان أحوال السائلين والله الموفق بلطفه وكرمه # | بيان حقيقة الفقر واختلاف أحوال الفقير وأساميه # اعلم أن الفقر عبارة عن فقد ما هو محتاج إليه أما فقد ما لا حاجة إليه ~~فلا يسمى فقرا # وإن كان المحتاج إليه موجودا مقدورا عليه لم يكن المحتاج فقيرا وإذا فهمت ~~هذا لم تشك في أن كل موجود سوى الله تعالى فهو فقير لأنه محتاج إلى دوام ~~الوجود في ثاني الحال ودوام وجود مستفاد من فضل الله تعالى وجوده فإن كان ~~في الوجود موجود ليس وجوده مستفاد له من غير فهو الغني المطلق ولا يتصور أن ~~يكون مثل هذا الموجود إلا واحدا فليس في الوجود إلا غني واحد وكل من عداه ~~فإنهم محتاجون إليه ليمدوا وجودهم بالدوام وإلى هذا الحصر الإشارة بقوله ~~تعالى @QB@ والله الغني وأنتم الفقراء @QE@ هذا معنى الفقر مطلقا ولكنا ~~لسنا نقصد بيان الفقر المطلق بل الفقر من المال على الخصوص وإلا ففقر العبد ~~بالإضافة إلى أصناف حاجاته لا ينحصر لأن حاجاته لا حصر لها # ومن جملة حاجاته ما يتوصل إليه بالمال وهو الذي نريد الآن بيانه فقط ~~فنقول كل فاقد للمال فإنا نسميه فقيرا بالإضافة إلى المال الذي فقده إذا ~~كان ذلك المفقود محتاجا إليه في حقه ثم يتصور أن يكون له خمسة أحوال عن ~~الفقر ونحن نميزها ونخصص كل حال باسم لنتوصل بالتمييز إلى ذكر أحكامها # الحالة الأولى وهي العليا أن يكون بحيث لو أتاه المال لكرهه وتأذى به ~~وهرب من أخذه مبغضا له ومحترزا من شره وشغله وهو الزهد واسم صاحبه الزاهد # الثانية أن يكون بحيث لا يرغب فيه رغبة يفرح لحصوله ولا يكرهه كراهة ~~يتأذى بها ويزهد فيه لو أتاه وصاحب هذه الحالة يسمى راضيا # الثالثة أن يكون وجود المال أحب إليه من عدمه لرغبة له فيه ولكن لم يبلغ ~~من رغبته أن ينهض لطلبه بل إن أتاه صفوا عفوا أخذه وفرح به وإن افتقر إلى ~~تعب في طلبه لم يشتغل به وصاحب هذه الحالة نسميه قانعا إذ قنع نفسه ~~بالموجود حتى ترك الطلب مع ما فيه من الرغبة الضعيفة # الرابعة أن يكون تركه الطلب لعجزه وإلا فهو راغب فيه رغبة لو وجد سبيلا ~~إلى طلبه ولو بالتعب لطلبه أو هو مشغول بالطلب وصاحب هذه الحالة نسميه ~~بالحريص PageV04P190 # الخامسة أن يكون ما فقده من المال مضطرا إليه كالجائع الفاقد للخبز ~~والعاري الفاقد للثوب ويسمى صاحب هذه الحالة مضطرا كيفما كانت رغبته في ~~الطلب إما ضعيفة وإما قوية وقلما تنفك هذه الحالة عن الرغبة فهذه خمسة ~~أحوال أعلاها الزهد والاضطرار إن انضم إليه الزهد وتصور ذلك فهو أقصى درجات ~~الزهد كما سيأتي بيانه ووراء هذه الأحوال الخمسة حالة هي أعلى من الزهد وهي ~~أن يستوي عنده وجود المال وفقده فإن وجده لم يفرح به ولم يتأذ وإن فقده ~~فكذلك بل حاله كما كان حال عائشة رضي الله تعالى عنها إذا أتاها مائة ألف ~~درهم من العطاء فأخذتها وفرقتها من يومها فقالت خادمتها ما استطعت فيما ~~فرقت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحما نفطر عليه فقالت لو ذكرتيني لفعلت فمن ~~هذا حاله لو كانت الدنيا بحذافيرها في يده وخزائنه لم تضره إذ هو يرى ~~الأموال في خزانة الله تعالى لا في يد نفسه فلا يفرق بين أن تكون في يده أو ~~في يده غيره وينبغي أن يسمى صاحب هذه الحالة المستغنى لأنه غني عن فقد ~~المال ووجوده جميعا وليفهم من هذا الاسم معنى يفارق اسم الغني المطلق على ~~الله تعالى وعلى كل من كثر ماله من العباد فإن من كثر ماله من العباد وهو ~~يفرح به فهو فقير إلى بقاء المال في يده وإنما هو هو غني عن دخول المال في ~~يده لا عن بقائه فهو إذن فقير من وجه وأما هذا الشخص فهو غني عن دخول المال ~~في يده وعن بقائه في يده وعن خروجه من يده أيضا فإنه ليس يتأذن به ليحتاج ~~إلى إخراجه وليس يفرح به ليحتاج إلى بقائه # وليس فاقد له ليحتاج إلى الدخول في يديه فغناه إلى العموم أميل فهو إلى ~~الغني الذي هو وصف الله تعالى أقرب وإنما قرب العبد من الله تعالى بقرب ~~الصفات لا بقرب المكان ولكنا لا نسمي صاحب هذه الحالة غنيا بل مستغنيا ~~ليبقى الغنى اسما لمن له الغنى المطلق عن كل شيء # وأما هذا العبد فإن استغنى عن المال وجودا أو عدما فلم يستغن عن أشياء ~~أخر سواء ولم يستغن عن مدد توفيق الله له ليبقى استغناؤه والذي زين الله به ~~قلبه فإن القلب المقيد بحب المال رقيق والمستغني عنه حر والله تعالى هو ~~الذي من هذا الرق فهو محتاج إلى داوم هذا العتق والقلوب متعلقة بين الرق ~~والحربة في أوقات متقاربة لأنها بين أصبعين من أصابع الرحمن فلذلك لم يكن ~~اسم الغني مطلقا عليه مع هذا الكمال إلا مجازا # واعلم أن الزهد درجة هي كمال الأبرار وصاحب هذه الحالة من المقربين فلا ~~جرم صار الزهد في حقه نقصانا إذ حسنات الأبرار سيئات المقربين وهذا لأن ~~الكاره للدنيا مشغول بالدنيا كما أن الراغب فيها مشغول بها والشغل بما سوى ~~الله تعالى حجاب عن الله تعالى إذ لا بعد بينك وبين الله تعالى حتى يكون ~~البعد حجابا فإنه أقرب إليك من حبل الوريد وليس هو في مكان حتى تكون ~~السماوات والأرض حجابا بينك وبينه فلا حجاب بينك وبينه إلا شغلك بغيره ~~وشغلك نفسك وشهواتك شغل بغيره وأنت لا تزال مشغولا بنفسك وبشهوات نفسك ~~فكذلك لا تزال محجوبا عنه فالمشغول بحب نفسه مشغول عن الله تعالى والمشغول ~~ببغض نفسه أيضا مشغول عن الله تعالى بكل ما سوى الله مثاله مثال الرقيب ~~الحاضر في مجلس يجمع العاشق والمعشوق فإن التفت قلب العاشق إلى الرقيب وإلى ~~بغضه واستثقاله وكراهة حضوره فهو في حال اشتغال قلبه ببغضه مصروف عن التلذذ ~~بمشاهدة معشوقه ولو استغرقه العشق لغفل عن غير المعشوق ولم يلتفت إليه فكما ~~أن النظر إلى غير المعشوق لحبه عند حضور المعشوق شرك في العشق ونقص فيه ~~فكذا النظر إلى غير المحبوب لبغضه شرك فيه ونقص ولكن أحدهما أخف من الآخر ~~بل الكمال في أن لا يلتفت القلب إلى غير المحبوب بغضا وحبا فإنه كما لا ~~يجتمع في القلب حبان PageV04P191 كرم الله وجهه الله جل ذكره في حالة واحدة ~~فلا يجتمع أيضا بغض وحب في حالة واحدة فالمشغول ببغض الدنيا غافل عن الله ~~كالمشغول بحبها إلا أن المشغول بحبها غافل وهو في غفلته سالك في طريق البعد ~~والمشغول ببغضها غافل وهو في غفلته سالك في طريق القرب إذ يرجى له أن ينتهي ~~حاله إلى أن تزول هذه الغفلة وتتبدل بالشهود فالكمال مرتقب لأن بغض الدنيا ~~مطية توصل إلى الله فالمحب والمبغض كرجلين في طريق الحج مشغولين بركوب ~~الناقة علفها وتسييرها ولكن أحدهما مستقبل الكعبة والآخر مستدبر لها فهما ~~سيان بالإضافة إلى الحال في أن كل واحد منهما محجوب عن الكعبة ومشغول عنها ~~ولكن حال المستقبل محمود بالإضافة إلى المستدبر إذ يرجى له الوصول إليها ~~وليس محمودا بالإضافة إلى المعتكف في الكعبة الملازم لها الذي لا يخرج منها ~~حتى يفتقر إلى الاشتغال بالدابة في الوصول إليها فلا ينبغي أن تظن أن بغض ~~الدنيا مقصود في عينه بل الدنيا عائق عن الله تعالى ولا وصول إليه إلا بدفع ~~العائق ولذلك قال أبو سليمان الداراني رحمه الله من زهد في الدنيا واقتصر ~~عليه فقد استعجل الراحة بل ينبغي أن يشتغل بالآخرة فبين أن سلوك طريق ~~الآخرة وراء الزهد كما أن سلوك طريق الحج وراء دفع الغريم العائق عن الحج ~~فإذن قد ظهر أن الزهد في الدنيا إن أريد به عدم الرغبة في وجودها وعدمها ~~فهو غاية الكمال وإن أريد به الرغبة في عدمها فهو كمال بالإضافة إلى درجة ~~الراضي والقانع والحريص ونقصان بالإضافة إلى درجة المستغني بل الكمال في حق ~~المال أن يستوي عندك المال والماء وكثرة الماء في جوارك لا تؤذيك بأن تكون ~~على شاطئ البحر ولا قلته تؤذيك إلا في قدر الضرورة مع أن المال محتاج إليه ~~كما أن الماء محتاج إليه فلا يكون قلبك مشغولا بالفرار عن جوار الماء ~~الكثير ولا ببغض الماء الكثير بل تقول أشرب منه بقدر الحاجة وأسقى منه عباد ~~الله بقدر الحاجة ولا أبخل به على أحد فهكذا ينبغي أن يكون المال لأن الخبز ~~والماء واحد في الحاجة وإنما الفرق بينهما في قلة أحدهما وكثرة الآخر وإذا ~~عرفت الله تعالى ووثقت بتدبيره الذي دبر به العالم علمت أن قدر حاجتك من ~~الخبز يأتيك لا محالة ما دمت حيا كما يأتيك قدر حاجتك من الماء على ما ~~سيأتي بيانه في كتاب التوكل إن شاء الله تعالى # قال أحمد بن أبي الحواري قلت لأبي سليمان الداراني قال مالك بن دينار ~~للمغيرة اذهب إلى البيت فخذ الركوة التي أهديتها لي فإن العدو يوسوس لي أن ~~اللص قد أخذها قال أبو سليمان هذا من ضعف قلوب الصوفية قد زاده في الدنيا ~~ما غلبه من أخذها فبين أن كراهية كون الركوة في بيته التفات إليها سببه ~~الضعف والنقصان # فإن قلت فما بال الأنبياء والأولياء هربوا من المال ونفروا منه كل النفار ~~فأقول كما هربوا من الماء على معنى أنهم ما شربوا أكثر من حاجتهم ففروا عما ~~وراءه ولم يجمعوه في القرب والروايا يدبرونه مع أنفسهم بل تركوه في الأنهار ~~والآبار والبراري للمحتاجين إليه لا أنهم كانت قلوبهم مشغولة بحبه أبو بغضه ~~وقد حملت خزائن الأرض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبي بكر وعمر ~~رضي الله عنهما فأخذوها ووضعوها في مواضعا وما هربوا منها + حديث إن خزائن ~~الأرض حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبي بكر وعمر فأخذوها ~~ووضعوها في مواضعها هذا معروف وقد تقدم في أداب المعيشة من عند البخاري ~~تعليقا مجزوما به من حديث أنس أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال من ~~البحرين وكان أكثر مال أتى به فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ~~الصلاة ولم يلتفت إليه فلما قضى الصلاة جاء فجلس إله فقلما كان يرى أحد إلا ~~أعطاه ووصله عمر بن محمد البحيري في صحيحه من هذا الوجه وفي الصحيحين من ~~حديث عمرو ابن عوف قدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدومه ~~الحديث ولهما من حديث جابر لو جاءنا مال البحرين أعطيتك هكذا ثلاثا فلم ~~يقدم حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أبو بكر مناديا فنادى من ~~كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أو دين فليأتنا فقلت إن النبي ~~صلى الله عليه وسلم وعدني فحثا لي ثلاثا + # إذ كان يستوي عندهم المال والماء والذهب والحجر وما نقل عنهم من امتناع ~~فإما أن ينقل عمن خاف PageV04P192 أن لو أخذه أن يخدعه المال ويقيد قلبه ~~فيدعوه إلى الشهوات وهذا حال الضعفاء فلا جرم البغض للمال والهرب منه فى ~~حقهم كمال وهذا حكم جميع الخلق لأن كلهم ضعفاء إلا الأنبياء والأولياء وإما ~~أن ينقل عن قوى بلغ الكمال ولكن أظهر الفرار والنفارنزولا إلى درجة الضعفاء ~~ليقتدوا به فى الترك إذ لو اقتدوا به فى الأخذ لهلكوا كما يفر الرجل المعزم ~~بين يدي أولاده من الحية لا لضعفه عن أخذها ولكن لعلمه أنه لو أخذها أخذها ~~أولاده إذا رأوها فيهلكون والسير بسير الضعفاء ضرورة الأنبياء والأولياء ~~والعلماء فقد عرفت إذن أن المراتب ست وأعلاها رتبة المستغنى ثم الزاهد ثم ~~الراضى ثم القانع ثم الحريص وأما المضطر فيتصور فى حقة أيضا الزهد والرضا ~~والقناعة ودرجه تختلف بحسب اختلاف هذه الأحوال واسم الفقير يطلق على هذه ~~الخمسة أما تسمية المستغنى فقيرا فلا وجه لها بهذا المعنى بل إن سمى فقيرا ~~فبمعنى آخر وهو معرفته بكونه محتاجا إلى الله تعالى فى جميع أموره عامة وفى ~~بقاء استغنائه عن المال خاصة فيكون اسم الفقير له كاسم العبد لمن عرف نفسه ~~بالعبودية وأقر بها فإنه أحق باسم العبد من الغافلين وإن كان اسم العبد ~~عاما للخلق فكذلك اسم الفقير عام ومن عرف نفسه بالفقر إلى الله تعالى فهو ~~أحق باسم الفقير فاسم الفقير مشترك بين هذين المعنيين وإذا عرفت هذا ~~الاشتراك فهمت أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أعوذ بك من الفقر + ~~حديث أعوذ بك من الفقر تقدم فى الأذكار والدعوات + وقوله عليه السلام كاد ~~الفقر أن يكون كفرا + حديث كاد الفقر أن يكون كفرا تقدم فى ذم الحسد + لا ~~يناقض قوله أحينى مسكينا وأمتنى مسكينا + حديث اللهم أحينى مسكينا وأمتنى ~~مسكينا رواه الترمذى من حديث أنس وحسنه وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث ~~أبي سعيد وقد تقدم + إذ فقر المضطر هو الذى استعاذ منه والفقر الذى هو ~~الاعتراف بالمسكنة والذلة والافتقار إلى الله تعالى هو الذى سأله فى دعائه ~~صلى الله عليه وسلم وعلى كل عبد مصطفى من أهل الأرض والسماء # | بيان فضيلة الفقر مطلقا # أما من الآيات فيدل عليه قوله تعالى @QB@ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا ~~من ديارهم وأموالهم @QE@ الآية وقال تعالى @QB@ للفقراء الذين أحصروا في ~~سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض @QE@ ساق الكلام فى معرض المدح ثم قدم ~~وصفهم بالفقر على وصفهم بالهجرة والإحصار وفيه دلالة ظاهرة على مدح الفقر # وأما الأخبار فى مدح الفقر فأكثر من أن تحصى روى عبد الله بن عمر رضى ~~الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أى الناس خير ~~فقالوا موسر من المال يعطى حق الله من نفسه وماله فقال نعم الرجل هذا وليس ~~به قالوا فمن خير الناس يا رسول الله قال فقير يعطى جهده + حديث ابن عمر ~~أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه أى الناس خير فقالوا موسر من المال ~~يعطى حق الله من نفسه وماله فقال نعم الرجل هذا وليس به قالوا فمن خير ~~الناس قال فقير يعطى جهده أخرجه أبو منصور الديلمى فى مسند الفردوس بسند ~~ضعيف مقتصرا على المرفوع منه دون سؤاله لأصحابه وسؤالهم له + وقال صلى الله ~~عليه وسلم لبلال الق الله فقيرا ولا تلقه غنيا + حديث قال لبلال الق الله ~~فقيرا ولا تلقه غنيا أخرجه الحاكم فى كتاب علامات أهل التحقيق من حديث بلال ~~ورواه الطبرانى من حديث أبي سعيد بلفظ مت فقيرا ولا تمت غنيا وكلاهما ضعيف ~~+ وقال صلى الله عليه وسلم إن الله يحب الفقير المتعفف أبا العيال + حديث ~~إن يحب الفقير المتعفف أبا العيال أخرجه ابن ماجه من حديث عمران بن حصين ~~وقد تقدم + وفى الخبر المشهور يدخل فقراء أمتى الجنة قبل أغنيائها بخمسمائة ~~عام + حديث يدخل فقراء أمتى الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام أخرجه الترمذى ~~من حديث أبي هريرة وقال حسن صحيح وقد تقدم + وفى حديث آخر PageV04P193 ~~بأربعين خريفا + حديث دخولهم قبلهم بأربعين خريفا أخرجه مسلم من حديث عبد ~~الله بن عمرو إلا أنه قال فقراء المهاجرين والترمذى من حديث جابر وأنس + أى ~~أربعين سنة فيكون المراد به تقدير تقدم الفقير الحريص على الغنى الحريص ~~والتقدير بخمسمائة عام تقدير تقدم الفقير الزاهد على الغنى الراغب وما ~~ذكرناه من اختلاف درجات الفقر يعرفك بالضرورة تفاوتا بين الفقراء فى ~~درجاتهم وكأن الفقير الحريص على درجة من خمسوعشرين درجة من الفقير الزاهد ~~إذ هذه نسبة الأربعين إلى خمسمائة ولا تظنن أن تقدير رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يجرى على لسانه جزافا وبالاتفاق بل لا يستنطق صلى الله عليه وسلم ~~إلا بحقيقة الحق فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى وهذا كقوله صلى ~~الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءامن النبوة + حديث ~~الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة أخرجه البخارى من حديث ~~أبى سعيد ورواه هو ومسلم من حديث أبي هريرة وعبادة بن الصامت وأنس بلفظ ~~رؤيا المؤمن جزء الحديث وقد تقدم + فإنه تقدير تحقيق لا محالة لكن ليس فى ~~قوة غيره أن يعرف علة تلك النسبة إلا بتخمين فأما بالتحقيق فلا إذ يعلم أن ~~النبوة عبارة عما يختص به النبى ويفارق به غيره وهو يختص بأنواع من الخواص ~~أحدها أن يعرف حقائق الأمور المتعلقة بالله وصفاته والملائكة والدار الآخرة ~~لا كما يعلمه غيره بل مخالفا له بكثرة المعلومات وبزيادة اليقين والتحقيق ~~والكشف # والثانى أن له فى نفسه صفة بها تتم له الأفعال الخارقة للعادات كما أن ~~لنا صفة بها تتم الحركات المقرونة بإرادتنا وباختيارنا وهى القدرة وإن كانت ~~القدرة والمقدور جميعا من فعل الله تعالى # والثالث أن له صفة بها يبصر الملائكة ويشاهدهم كما أن للبصر صفة بها ~~يفارق الأعمى حتى يدرك بها المبصرات # والرابع أن له صفة بها يدرك ما سيكون فى الغيب إما فى اليقظة أو فى ~~المنام إذ بها يطالع اللوح المحفوظ فيرى ما فيه من الغيب فهذه كمالات وصفات ~~يعلم ثبوتها للأنبياء وبعلم انقسام كل واحد منها إلى أقسام وربما يمكننا أن ~~نقسمها إلى أربعين وإلى خمسين وإلى ستين ويمكننا أيضا أن نتكلف تقسيمها إلى ~~ستة وأربعين بحيث تقع الرؤيا الصحيحة جزءا واحدا من جملتها ولكن تعيين طريق ~~واحد من طرق التقسيمات الممكنة لا يمكن إلا بظن وتخمين فلا ندرى تحقيقا أنه ~~الذى أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا وإنما المعلوم مجامع الصفات ~~التى بها تتم النبوة وأصل انقسامها وذلك لا يرشدنا إلى معرفة علة التقدير ~~فكذلك نعلم أن الفقراء لهم درجات كما سبق فأما لم كان هذا الفقير الحريص ~~مثلا على نصف سدس درجة الفقير الزاهد حتى لم يبق له التقدم بأكثر من أربعين ~~سنة إلى الجنة واقتضى ذلك التقدم بخمسمائة عام فليس فى قوة البشر غير ~~الأنبياء الوقوف على ذلك إلا بنوع من التخمين ولا وثوق به والغرض التنبيه ~~على منهاج التقدير فى أمثال هذه الأمور فإن الضعيف الإيمان قد يظن أن ذلك ~~يجرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الاتفاق وحاشا منصب النبوة ~~عن ذلك ولنرجع إلى نقل الأخبار فقد قال صلى الله عليه وسلم أيضا خير هذه ~~الأمة فقراؤها وأسرعها تضجعا فى الجنة ضعفاؤها + حديث خير الأمة فقراؤها ~~وأسرعها تضجعا فى الجنة ضعفاؤها لم أجد له أصلا + وقال صلى الله عليه وسلم ~~إن لى حرفتين اثنتين فمن أحبهما فقد أحبنى ومن أبغضهما فقد ابغضنى الفقر ~~والجهاد + حديث إن لى حرفتين اثنتين الحديث وفيه الفقر والجهاد لم أجد له ~~أصلا + وروى أن جبريل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فقال يا محمد إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول أنحب أن أجعل هذه ~~الجبال ذهبا + حديث أن جبريل نزل فقال إن الله يقرأ عليك السلام ويقول أتحب ~~أن أجعل هذه الجبال ذهبا الحديث وفيه إن الدنيا دار من لا دار له الحديث ~~هذا ملفق من حديثين فروى الترمذى من حديث أبى أمامة عرض على ربى ليجعل لى ~~بطحاء مكة ذهبا قلت لا يا رب ولكن أشبع يوما وأجوع يوما الحديث وقال حسن # ولأحمد من حديث عائشة الدنيا دار من لا دار له الحديث وقد تقدم فى ذم ~~الدنيا + PageV04P194 وتكون معك أينما كنت فأطرق رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم ثم قال يا جبريل إن الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها ~~يجمع من لا عقل له فقال له جبريل يا محمد ثبتك الله بالقول الثابت # وروى أن المسيح صلى الله عليه وسلم مر فى سياحته برجل نائم ملتف فى عباءة ~~فأيقظه وقال يا نائم قم فاذكر الله تعالى فقال ما تريد منى إني قد تركت ~~الدنيا لأهلها فقال له قم إذن يا حبيبى # ومر موسى صلى الله عليه وسلم برجل نائم على التراب وتحت رأسه لبنة ووجهه ~~ولحيته فى التراب وهو متزر بعباءة فقال يا رب عبدك هذا فى الدنيا ضائع ~~فأوحى الله تعالى إليه يا موسى أما علمت أنى إذا نظرت إلى عبد بوجهى كله ~~زويت عنه الدنيا كلها # وعن أبي رافع أنه قال ورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف فلم يجد ~~عنده ما يصلحه فأرسلى إلى رجل من يهود خيبر وقال قل له يقول لك محمدا سلفنى ~~أو بعنى دقيقا إلى هلال رجب قال فأتيته فقال لا والله إلا برهن فأخبرت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال أما والله إنى لأمين في أهل السماء أمين ~~فى أهل الأرض ولو باعنى أو أسلفنى لأديت إليه اذهب بدرعى هذا إليه فارهنه ~~فلما خرجت نزلت هذه الآية @QB@ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ~~زهرة الحياة الدنيا @QE@ + حديث أبي رافع ورد على رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم ضيف فلم يجد عنده ما يصلحه فأرسلنى إلى رجل من يهود خيبر الحديث فى ~~نزول قوله تعالى @QB@ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم @QE@ ~~أخرجه الطبرانى بسند ضعيف + الآية وهذه الآية تعزية لرسول الله صلى الله ~~عليه وسلم عن الدنيا وقال صلى الله عليه وسلم الفقر أزين بالمؤمن من العذار ~~الحسن على خد الفرس + حديث الفقر أزين بالمؤمن من العذار الحسن على خد ~~الفرس رواه الطبرانى من حديث شداد بن أوس بسند ضعيف والمعروف أنه من كلام ~~عبد الرحمن بن زياد بن أنعم رواه ابن عدى فى الكامل هكذا + وقال صلى الله ~~عليه وسلم من أصبح منكم معافى فى جسمه آمنا فى سربه عنده قوت يومه فكأنما ~~حيزت له الدنيا بحذافيرها + حديث من أصبح منكم معافى فى جسمه الحديث أخرجه ~~الترمذى وقد تقدم + # وقال كعب الأحبار قال الله تعالى لموسى عليه السلام يا موسى إذا رأيت ~~الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين # وقال عطاء الخراسانى مر نبى من الأنبياء بساحل فإذا هو برجل يصطاد حيتانا ~~فقال بسم الله وألقى الشبكة فلم يخرج فيها شيء ثم مر بآخر فقال باسم ~~الشيطان وألقى شبكته فخرج فيها من الحيتان ما كان يتقاعس من كثرتها # فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا رب ما هذا وقد علمت أن كل ذلك بيدك ~~فقال الله تعالى للملائكة اكشفوا لعبدى عن منزلتيهما فلما رأى ما أعد الله ~~تعالى لهذا من الكرامة ولذاك من الهوان قال رضيت يا رب # وقال نبينا صلى الله عليه وسلم اطلعت فى الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ~~واطلعت فى النار فرأيت اكثر أهلها الأغنياء والنساء وفى لفظ آخر فقلت اين ~~الأغنياء حبسهم الجد وفى حديث آخر فرأيت أكثر أهل النار النساء فقلت ما ~~شأنهن فقيل شغلهن الأحمران الذهب والزعفران + حديث اطلعت فى النار فرأيت ~~أكثر أهلها النساء الحديث تقدم فى آداب النكاح مع الزيادة التى فى آخره + ~~وقال صلى الله عليه وسلم تحفة المؤمن فى الدنيا الفقر + حديث تحفة المؤمن ~~فى الدنيا الفقر رواه محمد بن خفيف الشيرازى فى شرف الفقر وأبو منصور ~~الديلمى فى مسند الفردوس من حديث معاذ بن جبل بسند لا بأس به ورواه أبو ~~منصور أيضا فيه من حديث ابن عمر بسند ضعيف جدا + وفى الخبر آخر الأنبياء ~~دخولا الجنة سليمان بن داود عليهما السلام لمكان ملكه وآخر أصحابى دخولا ~~الجنة عبد الرحمن بن عوف لأجل غناه + حديث آخر الأنبياء دخولا الجنة سليمان ~~الحديث تقدم وهو فى الأوسط للطبرانى بإسناد فرد وفيه نكارة + وفى حديث آخر ~~رأيته يدخل الجنة زحفا + حديث رأيته يعنى عبد الرحمن بن عوف دخل الجنة زحفا ~~تقدم وهو ضعيف + PageV04P195 وقال المسيح صلى الله عليه وسلم بشدة يدخل ~~الغنى الجنة # وفى خبر آخر عن أهل البيت رضى الله عنهم أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا ~~أحب الله عبدا ابتلاه فإذا أحبه الحب البالغ اقتناه قيل وما اقتناه قال لم ~~يترك له أهلا ولا مالا + حديث إذا أحب الله عبدا ابتلاه الحديث أخرجه ~~الطبراني من حديث أبي عتبة الخولاني + # وفى الخبر إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين وإذا رأيت ~~الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته + حديث إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا ~~بشعار الصالحين وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته أخرجه أبو منصور ~~الديلمي في مسند الفردوس من رواية مكحول عن أبي الدرداء ولم يسمع منه قال ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام ~~فذكره بزيادة في أوله ورواه أبو نعيم في الحلية من قول كعب الأحبار غير ~~مرفوع بإسناد ضعيف + # وقال موسى عليه السلام يا رب من أحباؤك من خلقك حتى أحبهم لأجلك فقال كل ~~فقير فقير فيمكن أن يكون الثانى للتوكيد ويمكن أن يراد به الشديد الضر # وقال المسيح صلوات الله عليه وسلامه إنى لأحب المسكنة وأبغض النعماء وكان ~~أحب الأسامى إليه صلوات الله عليه أن يقال له يا مسكين ولما قالت سادات ~~العرب واغنياؤهم للنبي صلى الله عليه وسلم اجعل لنا يوما ولهم يوما يجيئون ~~إليك ولا نجىء ونجىء إليك ولا يجيئون بعنون بذلك الفقراء مثل بلال وسلمان ~~وصهيب وأبي ذر وخباب بن الأرت وعمار بن ياسر وأبى هريرة وأصحاب الصفة من ~~الفقراء رضى الله عنهم أجمعين أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك ~~وذلك لأنهم شكوا إليه التأذى برائحتهم وكان لباس القوم الصوف فى شدة الحر ~~فإذا عرقوا فاحت الروائح من ثيابهم فاشتد ذلك على الأغنياء منهم الأقرع بن ~~حابس التميمى وعيينة بن حصن الفزاري وعباس بن مرداس السلمى وغيرهم فأجابهم ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجمعهم وإياهم مجلس واحد فنزل عليه ~~قوله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا ~~تعد عيناك عنهم يعنى الفقراء تريد زينة الحياة الدنيا يعنى الأغنياء ولا ~~تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا يعنى الأغنياء إلى قوله تعالى وقل الحق من ~~ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر + حديث قال سادات العرب وأغنياؤهم ~~للنبي صلى الله عليه وسلم اجعل لنا يوما ولهم يوما الحديث في نزول قوله ~~تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الآية تقدم من حديث خباب وليس فيه ~~أنه كان لباسهم الصوف ويفوح ريحهم إذا عرفوا وهذه الزيادة من حديث سلمان + ~~الآية # واستأذن ابن أم مكتوم على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده رجل من أشراف ~~قريش فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى عبس وتولى أن ~~جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى يعنى ابن مكتوم أما ~~من استغنى فأنت له تصدى + حديث استئذان ابن أم مكتوم على النبي صلى الله ~~عليه وسلم وعنده رجل من أشراف قريش ونزول قوله تعالى عبس وتولى أخرجه ~~الترمذي من حديث عائشة وقال غريب قلت ورجاله رجال الصحيح + يعنى هذا الشريف # وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يؤتى بالعبد يوم القيامة فيعتذر ~~الله تعالى إليه كما يعتذر الرجل للرجل فى الدنيا فيقول وعزتى وجلالى ما ~~زويت الدنيا عنك لهوانك على ولكن لما أعددت لك من الكرامة والفضيلة اخرج يا ~~عبدى إلى هذه الصفوف فمن أطعمك فى أو كساك فى يريد بذلك وجهى فخذ بيده فهو ~~لك والناس يومئذ قد ألجمهم العرق فيتخلل الصفوف وينظر من فعل ذلك به فيأخذ ~~بيده ويدخله الجنة + حديث يؤتى بالعبد يوم القيامة فيعتذر الله إليه كما ~~يعتذر الرجل إلى الرجل في الدنيا فيقول وعزتي وجلالي ما زويت عنك الدنيا ~~لهرناك على الحديث أخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب من حديث أنس بإسناد ضعيف ~~يقول الله عز وجل يوم القيامة أدنوا منى أحبائي فتقول الملائكة ومن أحباؤك ~~فيقول فقراء المسلمين فيدنون منه فيقول أما إني لم أزو الدنيا عنكم لهوان ~~كان بكم علي ولاكن أردت بذلك أن أضعف لكم كرامتي اليوم فتمنوا على ماشئتم ~~اليوم الحديث دون آخر الحديث وأما أول الحديث فرواه أبو نعيم في الحلية ~~وسيأتي في الحديث الذي بعده PageV04P196 # وقال عليه السلام أكثروا معرفة الفقراء واتخذوا عندهم الأيادى فإن لهم ~~دولة قالوا يا رسول الله وما دولتهم قال إذا كان يوم القيامة قيل لهم ~~انظروا من أطعمكم كسرة أو سقاكم شربة أو كساكم ثوبا فخذوا بيده ثم امضوا به ~~إلى الجنة + حديث أكثروا معرفة الفقراء واتخذوا عندهم الأيادي فإن لهم دولة ~~الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث الحسين بن علي بسند ضعيف اتخذوا ~~عند الفقراء أيادي فإن لهم دولة يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة نادى ~~مناد سيروا إلى الفقراء فيعتذر إليهم كما يعتذر أحدكم إلى أخيه في الدنيا + ~~وقال صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فسمعت حركة أمامى فنظرت فإذا بلال ~~ونظرت فى أعلاها فإذا فقراء أمتى وأولادهم ونظرت فى أسفلها فإذا فيه من ~~الأغنياء والنساء قليل فقلت يا رب ما شأنهم قال أما النساء فأضربهن ~~الأحمران الذهب والحرير وأما الأغنياء فاشتغلوا بطول الحساب وتفقدت أصحابى ~~فلم أر عبد الرحمن بن عوف ثم جاءنى بعد ذلك وهو يبكى فقلت ما خلفك عنى قال ~~يا رسول الله والله ما وصلت إليك حتى لقيت المشيبات وظننت أنى لا أراك فقلت ~~ولم قال كنت أحاسب بمالى + حديث دخلت الجنة فسمعت حركة أمامي فنظرت فإذا ~~بلال ونظرت إلى أعلاها فإذا فقراء أمتى وأولادهم الحديث أخرجه الطبراني من ~~حديث أبي أمامة بسند ضعيف نحوه وقصه بلال في الصحيح من طريق آخر + فانظر ~~إلى هذا وعبد الرحمن صاحب السابقة العظيمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وهو من العشرة المخصوصين بأنهم من أهل الجنة + حديث إن عبد الرحمن بن عوف ~~أحد العشرة المخصوصين بأنهم من أهل الجنة رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث ~~سعيد بن زيد قال الترمذي حسن صحيح + وهو من الأغنياء الذين قال فيهم رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم إلا من قال بالمال هكذا وهكذا + حديث إلا من قال ~~بالمال هكذا وهكذا متفق عليه من حديث أبي ذر في أثناء حديث تقدم + ومع هذا ~~فقد استضر بالغنى إلى هذا الحد # ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل فقير فلم ير له شيئا فقال لو ~~قسم نور هذا على أهل الأرض لوسعهم + حديث دخل على رجل فقير ولم ير له شيئا ~~فقال لو قسم نور هذا على أهل الأرض لوسعهم لم أجده + # وقال صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بملوك أهل الجنة قالوا بلى يا رسول ~~الله قال كل ضعيف مستضعف أغبر أشعث ذى طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله ~~لأبره + حديث ألا أخبركم عن ملوك الجنة الحديث متفق عليه من حديث حارثة بن ~~وهب مختصرا ولم يقل ملوك وقد تقدم ولابن ماجه بسند جيد من حديث معاذ ألا ~~أخبركم عن ملوك الجنة الحديث دون قوله أغبر أشعث + # وقال عمران بن حصين كانت لى من رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة وجاه ~~فقال يا عمران إن لك عندنا منزلة وجاها فهل لك فى عيادة فاطمة بنت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم قلت نعم بأبى أنت وأمى يا رسول الله فقام وقمت معه ~~حتى وقف بباب فاطمة فقرع الباب وقال السلام عليكم أأدخل فقالت ادخل يا رسول ~~الله قال أنا ومن معى قالت ومن معك يا رسول الله قال عمران فقالت فاطمة ~~والذى بعثك بالحق نبيا ما على إلا عباءة قال اصنعى بها هكذا وهكذا وأشار ~~بيده فقالت هذا جسدى قد واريته فكيف برأسى فألقى إليها ملاءة كانت عليه ~~خلقة فقال شدى على رأسك ثم أذنت له فدخل فقال PageV04P197 السلام عليكم يا ~~ابنتاه كيف أصبحت قالت أصبحت والله وجعة وزادني وجعا على ما بى أنى لست ~~أقدر على طعام آكله فقد أضر بى الجوع فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وقال لا تجزعى يا ابنتاه فو الله ما ذقت طعاما منذ ثلاث وإنى لأكرم على ~~الله منك ولو سألت ربى لأطعمنى ولكنى آثرت الآخرة على الدنيا ثم ضرب بيده ~~على منكبها وقال لها أبشري فو الله إنك لسيدة نساء أهل الجنة قالت فأين ~~آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران قال آسيه سيدة نساء عالمها ومريم سيدة ~~نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك إنكن في بيوت من قصب لا أذى فيها ولا صخب ~~ولا نصب ثم قال لها اقنعي بابن عمك فو الله لقد زوجتك سيدا في الدنيا سيدا ~~في الآخرة + حديث عمران ابن حصين كانت لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~منزلة وجاه فقال يا عمران إن لك عندنا منزلة وجاها فهل لك في عيادة فاطمة ~~الحديث تقدم + # وروى عن على كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أبغض ~~الناس فقراءهم وأظهروا عمارة الدنيا وتكالبوا على جمع الدراهم رماهم الله ~~بأربع خصال بالقحط من الزمان والجور من السلطان والخيانة من ولاة الأحكام ~~والشوكة من الأعداء + حديث إذا أبغض الناس فقراءهم وأظهروا عمارة الدنيا ~~الحديث أخرجه أبو منصور الديلمي بإسناد فيه جهالة وهو منكر + # وأما الآثار فقد قال أبو الدرداء رضى الله عنه ذو الدرهمين أشد حبسا أو ~~قال أشد حسابا من ذى الدرهم # وأرسل عمر رضى الله عنه إلى سعيد بن عامر بألف دينار فجاء حزينا كئيبا ~~فقالت امرأته أحدث أمر قال أشد من ذلك ثم قال أرينى درعك الخلق فشقه وجعله ~~صررا وفرقه ثم قام يصلى ويبكى إلى الغداة ثم قال سمعت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يقول يدخل فقراء أمتى الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام حتى إن ~~الرجل من الأغنياء يدخل في غمارهم فيؤخذ بيده فيستخرج + حديث سعيد بن عامر ~~يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام الحديث وفي أوله قصة ~~أن عمر بعث إلى سعيد بألف دينار فجاء كئيبا حزينا وفرقها وقد روى أحمد في ~~الزهد القصة إلا أنه قال تسعين عاما وفي إسناده يزيد بن أبي زياد تكلم فيه ~~وفي رواية له بأربعين سنة وأما دخولهم قبلهم بخمسمائة عام فهو عند الترمذي ~~من حديث أبي هريرة وصححه وقد تقدم + # وقال أبو هريرة ثلاثة يدخلون الجنة بغير حساب رجل يريد أن يغسل ثوبه فلم ~~يكن له خلق يلبسه ورجل لم ينصب على مستوقد قدرين ورجل دعا بشرابه فلا يقال ~~له أيها تريد # وقيل جاء فقير إلى مجلس الثورى رحمه الله فقال له تخط لو كنت غنيا لما ~~قربتك وكان الأغنياء من أصحابه يودون أنهم فقراء لكثرة تقريبه للفقراء ~~وإعراضه عن الأغنياء وقال المؤمل ما رأيت الغنى أذل منه فى مجلس الثورى ولا ~~رأيت الفقير أعز منه فى مجلس الثورى رحمه الله # وقال بعض الحكماء مسكين ابن آدم لو خاف من النار كما يخاف من الفقر لنجا ~~منهما جميعا ولو رغب فى الجنة كما يرغب فى الغنى لفاز بهما جميعا ولو خاف ~~الله فى الباطن كما يخاف خلقه فى الظاهر لسعد فى الدارين جميعا # وقال ابن عباس ملعون من أكرم بالغنى وأهان بالفقر # وقال يحيى بن معاذ حبك الفقراء من أخلاق المرسلين وإيثارك مجالستهم من ~~علامة الصالحين وفرارك من صحبتهم من علامة المنافقين # وفى الأخبار عن الكتب السالفة أن الله تعالى أوحى إلى بعض أنبيائه عليهم ~~السلام احذر أن أمقتك فتسقط PageV04P198 من عينى فأصب الدنيا عليك صبا # ولقد كانت عائشة رضى الله عنها تفرق مائة ألف درهم فى يوم واحد يوجهها ~~إليها معاوية وابن عامر وغيرهما وإن درعها لمرقوع وتقول لها الجارية لو ~~اشتريت لك بدرهم لحما تفطرين عليه وكانت صائمة فقالت لو ذكرتينى لفعلت وكان ~~قد أوصاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن أردت اللحوق بى فعليك بعيش ~~الفقراء وإياك ومجالسة الأغنياء ولا تنزعى درعك حتى ترقعيه + حديث قال ~~لعائشة إن أردت اللحوق بي فعليك بعيش الفقراء وإياك ومجالسة الأغنياء ~~الحديث أخرجه الترمذي وقال غريب والحاكم وصححه نحوا من حديثها وقد تقدم + # وجاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم بعشرة آلاف درهم فأبى عليه أن يقبلها فألح ~~عليه الرجل فقال له إبراهيم أتريد أن أمحو اسمى من ديوان الفقراء بعشرة ~~آلاف درهم لا أفعل ذلك أبدا رضى الله عنه # | بيان فضيلة خصوص الفقراء من الراضين والقانعين والصادقين # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن هدى إلى الإسلام وكان عيشه ~~كفافا وقنع به + حديث طوبى لمن هدى للإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به رواه ~~مسلم وقد تقدم + وقال صلى الله عليه وسلم يا معشر الفقراء أعطوا الله الرضا ~~من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا + حديث يا معشر الفقراء أعطوا الله ~~الرضا من قلوبكم الحديث رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ~~أبي هريرة وهو ضعيف جدا فيه أحمد بن الحسن بن أبان المصري متهم بالكذب ووضع ~~الحديث + فالأول القانع وهذا الراضى ويكاد يشعر هذا بمفهومه أن الحريض لا ~~ثواب له على فقره ولكن العمومات الواردة فى فضل الفقر تدل على أن له ثوابا ~~كما سيأتى تحقيقه فلعل المراد بعدم الرضا هو الكراهة لفعل الله فى حبس ~~الدنيا عنه ورب راغب فى المال لا يخطر بقلبه إنكار على الله تعالى ولا ~~كراهة فى فعله فتلك الكراهة هى التى تحبط ثواب الفقر # وروى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ~~إن لكل شىء مفتاحا ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء لصبرهم هم جلساء الله ~~تعالى يوم القيامة + حديث إن لكل شيء مفتاحا ومفتاح الجنة حب المساكين ~~الحديث رواه الدارقطني في غرائب مالك وأبو بكر ابن بلال في مكارم الأخلاق ~~وابن عدي في الكامل وابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمر + # وروى عن على كرم الله وجهه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال أحب ~~العباد إلى الله تعالى الفقير القانع برزقه الراضى عن الله تعالى + حديث ~~أحب العباد إلى الله الفقير القانع برزقه الراضي عن الله لم أجده بهذا ~~اللفظ وتقدم عند ابن ماجة حديث إن الله يحب الفقير المتعفف + وقال صلى الله ~~عليه وسلم اللهم اجعل قوت آل محمد كفافا + حديث اللهم اجعل رزق آل محمد ~~كفافا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وهو متفق عليه بلفظ قوتا وقد تقدم + ~~وقال ما من أحد غنى ولا فقير إلا ود يوم القيامة أنه كان أوتى قوتا فى ~~الدنيا + حديث ما من أحد غنى ولا فقير إلا ود يوم القيامة أنه كان أوتي ~~قوتا في الدنيا أخرجه ابن ماجة من حديث أنس وقد تقدم + وأوحى الله تعالى ~~إلى إسماعيل عليه السلام اطلبنى عند المنكسرة قلوبهم قال ومن هم قال ~~الفقراء الصادقون وقال صلى الله عليه وسلم لا أحد أفضل من الفقير إذا كان ~~راضيا + حديث لا أحد أفضل من الفقير إذا كان راضيا لم أجده بهذا اللفظ + ~~وقال صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى يوم القيامة أين صفوتى من خلقى ~~فتقول الملائكة ومن هم يا ربنا فيقول فقراء المسلمين القانعون بعطائى ~~الراضوان بقدرى PageV04P199 أدخلوهم الجنة فيدخلونها ويأكلون ويشربون ~~والناس فى الحساب يترددون + حديث يقول الله يوم القيامة أين صفوتي من خلقي ~~فتقول الملائكة ومن هم يا ربنا فيقول فقراء المسلمين الحديث رواه أبو منصور ~~الديلمي في مسند الفردوس + فهذا فى القانع والراضى # وأما الزاهد فسنذكر فضله فى الشطر الثانى من الكتاب إن شاء الله تعالى # وأما الآثار فى الرضا والقناعة فكثيرة ولا يخفى أن القناعة يضادها الطمع ~~وقد قال عمر رضى الله تعالى عنه إن الطمع فقر واليأس غنى وإنه من يئس عما ~~فى أيدى الناس وقنع استغنى عنهم # وقال أبو مسعود رضى الله تعالى عنه ما من يوم إلا وملك ينادى من تحت ~~العرش يا ابن آدم قليل يكفيك خير من كثير يطغيك # وقال أبو الدرداء رضى الله تعالى عنه ما من أحد إلا وفى عقله نقص وذلك ~~أنه إذا أتته الدنيا بالزيادة ظل فرحا مسرورا والليل والنهار دائبان فى هدم ~~عمره ثم لا يحزنه ذلك ويح ابن آدم ما ينفع مال يزيد وعمر ينقص # وقيل لبعض الحكماء ما الغنى قال قلة تمنيك ورضاك بما يكفيك # وقيل كان إبراهيم بن أدهم من أهل النعم بخراسان فبينما هو يشرف من قصر له ~~ذات يوم إذ نظر إلى رجل فى فناء القصر وفى يده رغيف يأكله فلما أكل نام ~~فقال لبعض غلمانه إذا قام فجئنى به فلما قام جاء به إليه فقال إبراهيم أيها ~~الرجل أكلت الرغيف وأنت جائع قال نعم قال فشبعت قال نعم قال ثم نمت طيبا ~~قال نعم فقال إبراهيم فى نفسه فما أصنع أنا بالدنيا والنفس تقنع بهذا القدر # ومر رجل بعامر بن عبد القيس وهو يأكل ملحا وبقلا فقال له يا عبد الله ~~أرضيت من الدنيا بهذا فقال ألا أدلك على من رضى بشر من هذا قال بلى قال من ~~رضى بالدنيا عوضا عن الآخرة # وكان محمد بن واسع رحمة الله عليه يخرج خبزا يابسا فيبله بالماء وياكله ~~بالملح ويقول من رضى من الدنيا بهذا لم يحتج إلى أحد # وقال الحسن رحمه الله لعن الله أقواما أقسم لهم الله تعالى ثم لم يصدقوه ~~ثم قرأ @QB@ وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ~~ما أنكم تنطقون @QE@ # وكان أبو ذر رضى الله عنه يوما جالسا فى الناس فأتته امرأته فقالت له ~~أتجلس بين هؤلاء والله ما فى البيت هفة ولا سفة فقال يا هذه إن بين أيدينا ~~عقبة كئودا لا ينجو منها إلا كل مخف فرجعت وهى راضية # وقال ذو النون رحمه الله أقرب الناس إلى الكفر ذو فاقة لا صبر له # وقيل لبعض الحكماء ما مالك فقال التجمل فى الظاهر والقصد فى الباطن ~~واليأس مما فى أيدى الناس # وروى أن الله عز وجل قال فى بعض الكتب السالفة المنزلة يا ابن آدم لو ~~كانت الدنيا كلها لك لم يكن لك منها إلا القوت فإذا أنا أعطيتك منها القوت ~~وجعلت حسابها على غيرك فأنا محسن إليك وقد قيل فى القناعة # إضرع إلى الله لا تضرع إلى الناس % واقنع بيأس فإن العز فى الياس # واستغن عن كل ذى قربى وذى رحم % إن الغنى من استغنى عن الناس PageV04P200 # وقد قيل فى هذا المعنى أيضا # يا جامعا مانعا والدهر يرمقه % مقدرا أى باب منه يغلقه # مفكرا كيف تأتيه منيته % أغاديا أم بها يسرى فتطرقه # جمعت مالا فقل لى هل جمعت له % يا جامع المال أياما تفرقه # المال عندك مخزون لوارثه % ما المال مالك إلا يوم تنفقه # أرفه ببال فتى يغدو على ثقة % أن الذى قسم الأرزاق يرزقه # فالعرض منه مصون مايدنسه % والوجه منه جديد ليس يخلقه # إن القناعة من يحلل بساحتها % لم يبق فى ظلها هم يؤرقه # | بيان فضيلة الفقر على الغنى # اعلم أن الناس قد اختلفوا فى هذا فذهب الجنيد والخواص والأكثرون إلى ~~تفضيل الفقر وقال ابن عطاء الغنى الشاكر القائم بحقه أفضل من الفقير الصابر ~~ويقال إن الجنيد دعا على ابن عطاء لمخالفته إياه فى هذا فأصابته محنة وقد ~~ذكرنا ذلك فى كتاب الصبر وبينا أوجه التفاوت بين الصبر والشكر ومهدنا سبيل ~~طلب الفضيلة فى الأعمال والأحوال وأن ذلك لا يمكن إلا بتفصيل # فأما الفقر والغنى إذا أخذا مطلقا لم يسترب من قرأ الأخبار والآثار فى ~~تفضيل الفقر ولا بد فيه من تفصيل فنقول إنما يتصور الشك فى مقامين @QB@ ~~أحدهما @QE@ فقير صابر ليس بحريص على الطلب بل هو قانع أو راض بالإضافة إلى ~~غنى منفق ماله فى الخيرات ليس حريصا على إمساك المال والثانى فقير حريص مع ~~غنى حريص إذ لا يخفى أن الفقير القانع أفضل من الغنى الحريص الممسك وأن ~~الغنى المنفق ماله فى الخيرات أفضل من الفقير الحريص أما الأول فربما يظن ~~أن الغنى أفضل من الفقير لأنهما تساويا فى ضعف الحرص على المال والغنى ~~متقرب بالصدقات والخيرات والفقير عاجز عنه وهذا هو الذى ظنه ابن عطاء فيما ~~نحسبه فأما الغنى المتمتع بالمال وإن كان فى مباح فلا يتصور أن يفضل على ~~الفقير القانع وقد يشهد له ما روى فى الخبر أن الفقراء شكوا إلى رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم سبق الأغنياء بالخيرات والصدقات والحج والجهاد فعلمهم ~~كلمات فى التسبيح وذكر لهم أنهم ينالون بها فوق ما ناله الأغنياء فتعلم ~~الأغنياء ذلك فكانوا يقولونه فعاد الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فأخبروه فقال صلى الله عليه وسلم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء + حديث ~~شكى الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق الأغنياء بالخيرات ~~والصدقات الحديث وفي آخر فقال @QB@ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء @QE@ متفق ~~عليه من حديث أبي هريرة نحوه + # وقد استشهد ابن عطاء أيضا لما سئل عن ذلك فقال الغنى أفضل لأنه وصف الحق ~~أما دليله الأول ففيه نظر لأن الخبر قد ورد مفصلا تفصيلا يدل على خلاف ذلك ~~وهو أن ثواب الفقير فى التسبيح يزيد على ثواب الغنى وأن فوزهم بذلك الثواب ~~فضل الله يؤتيه من يشاء فقد روى زيد بن أسلم عن أنس بن مالك رضى الله عنه ~~قال بعث الفقراء رسولا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنى رسول ~~الفقراء إليك فقال @QB@ مرحبا @QE@ بك وبمن جئت من عندهم قوم أحبهم قال ~~قالوا يا رسول الله إن الأغنياء ذهبوا بالخير يحجون ولا نقدر عليه ويعتمرون ~~ولا نقدر عليه وإذا مرضوا بعثوا بفضل أموالهم ذخيرة لهم فقال النبي صلى ~~الله عليه وسلم بلغ عنى PageV04P201 الفقراء أن لمن صبر واحتسب منكم ثلاث ~~خصال ليست للأغنياء أما خصلة واحدة فإن فى الجنة غرفا ينظر إليها أهل الجنة ~~كما ينظر أهل الأرض إلى نجوم السماء لا يدخلها إلا نبى فقير أو شهيد فقير ~~أو مؤمن فقير والثانية يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو ~~خمسمائة عام والثالثة إذا قال الغنى سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا ~~الله والله أكبر وقال الفقير مثل ذلك لم يلحق الغنى بالفقير ولو أنفق فيها ~~عشرة آلاف درهم وكذلك أعمال البر كلها فرجع إليهم فأخبرهم بما قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فقالوا رضينا رضينا + حديث زيد بن أسلم عن أنس بعث ~~الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا إن الأغنياء ذهبوا بالجنة ~~يحجون ولا نقدر عليه الحديث وفيه بلغ عني الفقراء أن لمن صبر واحتسب منكم ~~ثلاث خصال ليست للأغنياء الحديث لم أجده هكذا بهذا السياق والمعروف في هذا ~~المعنى ورواه ابن ماجه من حديث ابن عمر اشتكى فقراء المهاجرين إلى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم ما فضل الله به عليهم أغنياءهم فقال يا معشر ~~الفقراء ألا أبشركم إن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم ~~خمسمائة عام وإسناده ضعيف + فهذا يدل على أن قوله ذلك فضل الله يؤتيه من ~~يشاء أى مزيد ثواب الفقراء على ذكرهم وأما قوله إن الغنى وصف الحق فقد ~~أجابه بعض الشيوخ فقال أترى أن الله تعالى غنى بالأسباب والأعراض فانقطع ~~ولم ينطق وأجاب آخرون فقالوا إن التكبر من صفات الحق فينبغى أن يكون أفضل ~~من التواضع ثم قالوا بل هذا يدل على أن الفقر أفضل لأن صفات العبودية فضل ~~للعبد كالخوف والرجاء وصفات الربوبية لا ينبغى أن ينازع فيها ولذلك قال ~~تعالى فيما روى عنه نبينا صلى الله عليه وسلم الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ~~فمن نازعني واحدا منهما قصمته + حديث قال الله تعالى الكبرياء ردائي ~~والعظمة إزاري تقدم في العلم وغيره + # وقال سهل حب العز والبقاء شرك فى الربوبية ومنازعة فيها لأنهما من صفات ~~الرب تعالى فمن هذا الجنس تكلموا في تفضيل الغنى والفقر وحاصل ذلك تعلق ~~بعمومات تقبل التأويلات وبكلمات قاصرة لا تبعد مناقضتها إذ كما يناقض قول ~~من فضل الغنى بأنه صفة الحق بالتكبر فكذلك يناقض قول من ذم الغنى لأنه وصف ~~للعبد بالعلم والمعرفة فإنه وصف الرب تعالى والجهل والغفلة وصف العبد وليس ~~لأحد أن يفضل الغفلة على العلم فكشف الغطاء عن هذا هو ما ذكرناه فى كتاب ~~الصبر وهو أن ما لا يراد لعينه بل يراد لغيره فينبغى أن يضاف إلى مقصوده إذ ~~به يظهر فضله والدنيا ليست محذورة لعينها ولكن لكونها عائقة عن الوصول إلى ~~الله تعالى ولا الفقر مطلوبا لعينه لكن لأن فيه فقد العائق عن الله تعالى ~~وعدم الشاغل عنه وكم من غنى لم يشغله الغنى عن الله عز وجل مثل سليمان عليه ~~السلام وعثمان وعبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنهما وكم من فقير شغله ~~الفقر وصرفه عن المقصد وغاية المقصد فى الدنيا هو حب الله تعالى والأنس به ~~ولا يكون ذلك إلا بعد معرفته وسلوك سبيل المعرفة مع الشواغل غير ممكن ~~والفقر قد يكون من الشواغل كما الغنى قد يكون من الشواغل وإنما الشاغل على ~~التحقيق حب الدنيا إذ لا يجتمع معه حب الله تعالى فى القلب والمحب للشىء ~~مشغول به سواء كان فى فراقه أو فى وصاله وربما يكون شغله فى الفراق أكثر ~~وربما يكون شغله فى الوصال أكثر والدنيا معشوقة الغافلين المحروم منها ~~مشغول بطلبها والقادر عليها مشغول بحفظها والتمتع بها فإذن إن فرضت فارغين ~~عن حب المال بحيث صار المال فى حقهما كالماء استوى الفاقد والواجد إذ كل ~~واحد غير متمتع إلا بقدر الحاجة ووجود قدر الحاجة أفضل من فقده إذ الجائع ~~يسلك سبيل الموت لا سبيل المعرفة وإن أخذت الأمر باعتبار الأكبر فالفقير عن ~~الخطر أبعد إذ فتنة السراء أشد من فتنة الضراء ومن العصمة أن لا يقدر ولذلك ~~قال الصحابة رضى الله تعالى عنهم بلينا بفتنة الضراء فصبرنا وبلينا بفتنة ~~السراء فلم نصبر وهذه خلقة الآدميين كلهم إلا الشاذ الفذ الذى لا يوجد فى ~~الأعصار الكثيرة إلا نادرا PageV04P202 # ولما كان خطاب الشرع مع الكل لا مع ذلك النادر والضراء أصلح للكل دون ذلك ~~النادر زجر الشرع عن الغنى وذمه وفضل الفقر ومدحه حتى قال المسيح عليه ~~السلام لا تنظروا إلى أموال أهل الدنيا فإن بريق أموالهم يذهب بنور إيمانكم # وقال بعض العلماء تقليب الأموال يمص حلاوة الإيمان # وفى الخبر إن لكل أمة عجلا وعجل هذه الأمة الدينار والدرهم + حديث لكل ~~أمة عجل وعجل هذه الأمة الدينار والدرهم رواه أبو منصور الديلمي من طريق ~~أبي عبد الرحمن السلمي من حديث حذيفة بإسناد في جهالة + وكان أصل عجل قوم ~~موسى من حلية الذهب والفضة أيضا واستواء المال والماء والذهب والحجر إنما ~~يتصور للأنبياء عليهم السلام والأولياء ثم يتم لهم ذلك بعد فضل الله تعالى ~~بطول المجاهدة إن كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول للدنيا إليك عنى + ~~حديث كان يقول للدنيا إليك عني الحديث رواه الحاكم مع اختلاف وقد تقدم + إذ ~~كانت تتمثل له بزينتها # وكان على كرم الله وجهه يقول يا صفراء غرى غيرى ويا بيضاء غرى غيرى وذلك ~~لاستشعاره فى نفسه ظهور مبادىء الاغترار بها لو لا أن رأى برهان ربه وذلك ~~هو الغنى المطلق إذ قال صلى الله عليه وسلم ليس الغنى عن كثرة العرض إنما ~~الغنى غنى النفس + حديث ليس الغني عن كثرة العرض الحديث متفق عليه من حديث ~~أبي هريرة وقد تقدم + وإذا كان ذلك بعيدا فإذن الأصلح لكافة الخلق فقد ~~المال وإن تصدقوا به وصرفوه إلى الخيرات لأنهم لا ينفكون فى القدرة على ~~المال عن أنس بالدنيا وتمتع بالقدرة عليها واستشعار راحة فى بذلها وكل ذلك ~~يورث الأنس بهذا العالم وبقدر ما يأنس العبد بالدنيا يستوحش من الآخرة ~~وبقدر ما يأنس بصفة من صفاته سوى صفة المعرفة بالله يستوحش من الله ومن حبه ~~ومهما انقطعت أسباب الأنس بالدنيا تجافى القلب عن الدنيا وزهرتها والقلب ~~إذا تجافى عما سوى الله تعالى وكان مؤمنا بالله انصرف لا محالة إلى الله إذ ~~لا يتصور قلب فارغ وليس فى الوجود إلا الله تعالى وغيره فمن أقبل على غيره ~~فقد تجافى عنه ومن أقبل عليه تجافى عن غيره ويكون إقباله على أحدهما بقدر ~~تجافيه عن الآخر وقربه من أحدهما بقدر بعده من الآخر ومثلهما مثل المشرق ~~والمغرب فإنهما جهتان فالمتردد بينهما يقدر ما يقرب من أحدهما يبعد عن ~~الآخر بل عين القرب من أحدهما هو عين البعد من الآخر فعين حب الدنيا هو عين ~~بغض الله تعالى فينبغى أن يكون مطمح نظر العارف قلبه فى عزوبه عن الدنيا ~~وأنسه بها فإذن فضل الفقير والغنى بحسب تعلق قلبيهما بالمال فقط فإن تساويا ~~فيه تساوت درجتهما إلا أن هذا مزلة قدم وموضع غرور فإن الغنى ربما يظن أنه ~~منقطع القلب عن المال ويكون حبه دفينا فى باطنه وهو لا يشعر به وإنما يشعر ~~به إذا فقده فليجرب نفسه بتفريقه أو إذا سرق منه فإن وجد لقلبه إليه ~~التفاتا فليعلم أنه كان مغرورا فكم من رجل باع سرية له لظنه أنه منقطع ~~القلب عنها فبعد لزوم البيع وتسليم الجارية اشتعلت من قلبه النار التى كنت ~~مستكنه فيه فتحقق إذن أنه كان مغرورا وأن العشق كان مستكنا فى الفؤاد ~~استكنان النار تحت الرماد وهذا حال كل الأغنياء إلا الأنبياء والأولياء ~~وإذا كان ذلك محالا أو بعيدا فلنطلق القول بأن الفقر أصلح لكافة الخلق ~~وأفضل لأن علاقة الفقير وأنسه بالدنيا أضعف وبقدر ضعف علاقته يتضاعف ثواب ~~تسبيحاته وعباداته فإن حركات اللسان ليست مرادة لأعيانها بل ليتأكد بها ~~الأنس بالمذكور ولا يكون تأثيرها فى إثارة الأنس فى قلب فارغ من غير ~~المذكور كتأثيرها فى قلب مشغول ولذلك قال بعض السلف مثل من تعبد وهو فى طلب ~~الدنيا مثل من يطفىء النار بالحلفاء ومثل من يغسل يده من الغمر بالسمك ~~PageV04P203 وقال أبو سليمان الدارانى رحمه الله تعالى تنفس فقير دون شهوة ~~لا يقدر عليها أفضل من عبادة غنى ألف عام # وعن الضحاك قال من دخل السوق فرأى شيئا يشتهيه فصبر واحتسب كان خيرا له ~~من ألف دينار ينفقها كلها فى سبيل الله تعالى # وقال رجل لبشر بن الحارث رحمه الله ادع الله لى فقد أضر بى العيال فقال ~~إذا قال لك عيالك ليس عندنا دقيق ولا خبز فادع الله لى فى ذلك الوقت فإن ~~دعاءك أفضل من دعائى وكان يقول مثل الغنى المتعبد مثل روضة على مزبلة ومثل ~~الفقير المتعبد مثل عقد الجوهر فى جيد الحسناء وقد كانوا يكرهون سماع علم ~~المعرفة من الأغنياء وقد قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه اللهم إنى أسالك ~~الذل عند النصف من نفسى والزهد فيما جاوز الكفاف # وإذا كان مثل الصديق رضى الله عنه فى كماله يحذر من الدنيا ووجودها فكيف ~~يشك فى أن فقد المال أصلح من وجوده هذا مع أن أحسن أحوال الغنى أن يأخذ ~~حلالا وينفق طيبا ومع ذلك فيطول حسابه فى عرصات القيامة ويطول انتظاره ومن ~~نوقش الحساب فقد عذب ولهذا تأخر عبد الرحمن بن عوف عن الجنة إذ كان مشغولا ~~بالحساب كما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال أبو الدرداء رضى ~~الله عنه ما أحب أن لى حانوتا على باب المسجد ولا تخطئنى فيه صلاة وذكر ~~وأربح كل يوم خمسين دينارا وأتصدق بها فى سبيل الله تعالى قيل وما تكره قال ~~سوء الحساب ولذلك قال سفيان رحمه الله اختار الفقراء ثلاثة أشياء واختار ~~الأغنياء ثلاثة أشياء اختار الفقراء راحة النفس وفراغ القلب وخفة الحساب ~~واختار الأغنياء تعب النفس وشغل القلب وشدة الحساب وما ذكره ابن عطاء من أن ~~الغنى وصف الحق فهو بذلك أفضل فهو صحيح ولكن إذا كان العبد غنيا عن وجود ~~المال وعدمه جميعا بأن يستوى عنده كلاهما فأما إذا كان غنيا بوجوده ومفتقرا ~~إلى بقائه فلا يضاهى غناه غنى الله تعالى لأن الله تعالى غنى بذاته لا بما ~~يتصور زواله والمال يتصور زواله بأن يسرق وما ذكر من الرد عليه بأن الله ~~ليس غنيا بالأعراض والأسباب صحيح فى ذم غنى يريد بقاء المال وما ذكر من أن ~~صفات الحق لا تليق بالعبد غير صحيح بل العلم من صفاته وهو أفضل شىء للعبد ~~بل منتهى العبد أن يتخلق بأخلاق الله تعالى وقد سمعت بعض المشايخ يقول إن ~~سالك الطريق إلى الله تعالى قبل أن يقطع الطريق تصير الأسماء التسعة ~~والتسعون أوصافا له أى يكون له من كل واحد نصيب وأما التكبر فلا يليق ~~بالعبد فإن التكبر على من لا يستحق التكبر عليه ليس من صفات الله تعالى ~~وأما التكبر على من يستحقه كتكبر المؤمن على الكافر وتكبر العالم على ~~الجاهل والمطيع على العاصى فيليق به نعم قد يراد بالتكبر الزهو والصلف ~~والإيذاء وليس ذلك من وصف الله تعالى وإنما وصف الله تعالى أنه أكبر من كل ~~شىء وأنه يعلم أنه كذلك والعبد مأمور بأنه بأنه يطلب أعلى المراتب إن قدر ~~عليه ولكن بالاستحقاق كما هو حقه لا بالباطل والتلبيس فعلى العبد أن يعلم ~~أن المؤمن أكبر من الكافر والمطيع أكبر من العاصى والعالم أكبر من الجاهل ~~والإنسان أكبر من البهيمة والجماد والنبات وأقرب إلى الله تعالى منها فلو ~~رأى نفسه بهذه الصفة رؤية محققة لا شك فيها لكانت صفة التكبر حاصلة له ~~ولائقة به وفضيلة فى حقه إلا أنه لا سبيل له إلى معرفته فإن ذلك موقوف على ~~الخاتمة وليس يدرى الخاتمة كيف تكون وكيف تتفق فلجهله بذلك وجب أن لا يعتقد ~~لنفسه رتبة فوق رتبة الكافر إذ ربما يختم للكافر بالإيمان وقد يختم له ~~بالكفر فلم يكن ذلك لائقا به لقصور علمه عن معرفة العاقبة ولما تصور أن ~~يعلم الشىء على ما هو به كان العلم كمالا فى حقه لأنه PageV04P204 فى صفات ~~الله تعالى ولما كانت معرفة بعض الأشياء قد تضره صار ذلك العلم نقصانا فى ~~حقه إذ ليس من أوصاف الله تعالى علم يضره فمعرفة الأمور التى لا ضرر فيها ~~هى التى تتصور فى العبد من صفات الله تعالى فلا جرم هو منتهى الفضيلة وبه ~~فضل الأنبياء والأولياء والعلماء فإذن لو استوى عنده وجود المال وعدمه فهذا ~~نوع من الغنى يضاهى بوجه من الوجوه الغنى الذى يوصف به الله سبحانه وتعالى ~~فهو فضيلة أما الغنى بوجود المال فلا فضيلة فيه أصلا فهذا بيان نسبة حال ~~الفقير القانع إلى حال الغنى الشاكر # | المقام الثانى فى نسبة حال الفقير الحريص إلى حال الغنى الحريص # ولنفرض هذا فى شخص واحد هو طالب للمال وساع فيه وفاقد له ثم وجده فله ~~حالة الفقد وحالة الوجود فأى حالتيه أفضل فنقول ننظر فإن كان مطلوبه ما لا ~~بد منه فى المعيشة وكان قصده أن يسلك سبيل الدين ويستعين به عليه فحال ~~الوجود أفضل لأن الفقر يشغله بالطلب وطالب القوت لا يقدر على الفكر والذكر ~~إلا قدرة مدخولة بشغل والمكفى هو القادر ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ~~اللهم اجعل قوت آل محمد كفافا @QB@ وقال @QE@ كاد الفقر أن يكون كفرا أى ~~الفقر مع الاضطرار فيما لا بد منه وإن كان المجلوب فوق الحاجة أو كان ~~المطلوب قدر الحاجة ولكن لم يكن المقصود الاستعانة به على سلوك سبيل الدين ~~فحالة الفقر أفضل وأصلح لأنهما استويا فى الحرص وحب المال واستويا فى أن كل ~~واحد منهما ليس يقصد به الاستعانة على طريق الدين واستويا فى أن كل واحد ~~منهما ليس يتعرض لمعصية بسبب الفقر والغنى ولكن افترقا فى أن الواجد يأنس ~~بما وجده فيتأكد حبه فى قلبه ويطمئن إلى الدنيا والفاقد المضطر يتجافى قلبه ~~عن الدنيا وتكون الدنيا عنده كالسجن الذى يبغى الخلاص منه ومهما استوت ~~الأمور كلها وخرج من الدنيا رجلان أحدهما أشد ركونا إلى الدنيا فحاله أشد ~~لا محالة إذ يلتفت قلبه إلى الدنيا ويستوحش من الآخرة بقدر تأكد أنسه ~~بالدنيا وقد قال صلى الله عليه وسلم + إن روح القدس نفث فى روعى أحبب من ~~أحبب فإنك مفارقه + حديث إن روح القدس نفث في روعي أحبب من أحببت فإنك ~~مفارقه تقدم + وهذا تنبيه على أن فراق المحبوب شديد فينبغى أن تحب من لا ~~يفارقك وهو الله تعالى ولا تحب ما يفارقك وهو الدنيا فإنك إذا أحببت الدنيا ~~كرهت لقاء الله تعالى فيكون قدومك بالموت على ما تكرهه وفراقك لما تحبه وكل ~~من فارق محبوبا فيكون أذاه فى فراقه بقدر حبه وقدر أنسه وأنس الواجد للدنيا ~~القادر عليها أكثر من أنس الفاقد لها وإن كان حريصا عليها فإذن قد انكشف ~~بهذا التحقيق أن الفقر هو الأشرف والأفضل والأصلح لكافة الخلق إلا فى ~~موضعين أحدهما غنى مثل غنى عائشة رضى الله عنها يستوى عنده الوجود والعدم ~~فيكون الوجود مزيدا له إذ يستفيد به أدعية الفقراء والمساكين وجمع همهم ~~والثانى الفقر عن مقدار الضرورة فإن ذلك يكاد أن يكون كفرا ولا خير فيه ~~بوجه من الوجوه إلا إذا كان وجوده يبقى حياته ثم يستعين بقوته وحياته على ~~الكفر والمعاصى ولو مات جزعا لكانت معاصيه أقل فالأصلح له أن يموت جوعا ولا ~~يجد ما يضطر إليه أيضا فهذا تفصيل القول فى الغنى والفقر # ويبقى النظر فى فقير حريص متكالب على طلب المال ليس له هم سواه وفى غنى ~~دونه فى الحرص على حفظ المال ولم يكن تفجعه بفقد المال لو فقده كتفجع ~~الفقير بفقهره فهذا فى محل النظر والأظهر أن بعدهما عن الله تعالى بقدر قوة ~~تفجعهما لفقد المال وقربهما بقدر ضعف تفجعهما بفقده والعلم عند الله تعالى ~~فيه PageV04P205 # | بيان آداب الفقير فى فقره # اعلم أن للفقير آدابا فى باطنه وظاهره ومخالطته وأفعاله ينبغى أن يراعيها # فأما أدب باطنه فأن لا يكون فيه كراهية لما ابتلاه الله تعالى به من ~~الفقر أعنى أنه لا يكون كارها فعل الله تعالى من حيث إنه فعله وإن كان ~~كارها للفقر كالمحجوم يكون كارها للحجامة لتألمه بها ولا يكون كارها فعل ~~الحجام ولا كارها للحجام بل ربما يتقلد منه منة فهذا أقل درجاته وهو واجب ~~ونقيضه حرام ومحبط ثواب الفقر وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم يا معشر ~~الفقراء أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا وأرفع من ~~هذا أن لا يكون كارها للفقر بل يكون راضيا به وأرفع منه أن يكون طالبا له ~~وفرحا به لعلمه بغوائل الغنى ويكون متوكلا فى باطنه على الله تعالى واثقا ~~به فى قدر ضرورته أنه يأتيه لا محالة ويكون كارها للزيادة على الكفاف وقد ~~قال على كرم الله وجهه إن لله تعالى عقوبات بالفقر ومثوبات بالفقر من ~~علامات الفقر إذا كان مثوبة أن يحسن عليه خلقه ويطيع به ربه ولا يشكو حاله ~~ويشكر الله تعالى على فقره ومن علاماته إذا كان عقوبة أن يسوء عليه خلقه ~~ويعصى ربه بترك طاعته ويكثر الشكاية ويتسخط القضاء وهذا يدل أن كل فقير ~~فليس بمحمود بل المحمود الذى لا يتسخط ويرضى أو يفرح بالفقر ويرضى لعلمه ~~بثمرته إذ قيل ما أعطى عبد شيئا من الدنيا إلا قيل له خذه على ثلاثة أثلاث ~~شغل وهم وطول حساب # وأما أدب ظاهره فأن يظهر التعفف والتجمل ولا يظهر الشكوى والفقر بل يستر ~~فقره ويستر أنه يستره ففى الحديث إن الله تعالى يحب الفقير المتعفف أبا ~~العيال وقال تعالى يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف وقال سفيان أفضل الأعمال ~~التجمل عند المحنة وقال بعضهم ستر الفقر من كنوز البر # وأما فى الأعمال فأدبه أن لا يتواضع لغني لأجل غناه بل يتكبر عليه قال ~~علي كرم الله وجهه ما أحسن تواضع الغنى للفقير رغبة في ثواب الله تعالى ~~وأحسن منه تيه الفقير على الغنى ثقة بالله عز وجل فهذه رتبة وأقل منها أن ~~لا يخالط الأغنياء ولا يرغب في مجالستهم لأن ذلك من مبادىء الطمع # قال الثورى رحمه الله إذا خالط الفقير الأغنياء فاعلم أنه مراء وإذا خالط ~~السلطان فاعلم أنه لص # وقال بعض العارفين إذا خالط الفقير الأغنياء انحلت عروته فإذا طمع فيهم ~~انقطعت عصمته فإذا سكن إليهم ضل # وينبغي أن لا يسكت عن ذكر الحق مدامنة للأغنياء وطمعا في العطاء # وأما أدبه في أفعاله لا يفتر بسبب الفقر عن عبادة ولا يمنع بذل قليل ما ~~يفضل عنه فإن ذلك جهد المقل وفضله أكثر من أموال كثيرة تبذل عن ظهر غنى روى ~~زيد بن أسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم درهم من الصدقة أفضل عند ~~الله من مائة ألف درهم قيل وكيف ذلك يا رسول الله قال أخرج رجل من عرض ماله ~~مائة ألف درهم فتصدق بها وأخرج رجل درهما من درهمين لا يملك غيرهما طيبة به ~~نفسه فصار صاحب الدرهم أفضل من صاحب المائة ألف + حديث زيد بن أسلم درهم من ~~الصدقة أفضل عند الله من مائة ألف قيل وكيف يا رسول الله قال أخرج رجل من ~~عرض ماله مائة ألف الحديث أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة متصلا وقد تقدم ~~في الزكاة ولا أصل له من رواية زيد بن أسلم مرسلا + وينبغى أن لا يدخر مالا ~~بل يأخذ قدر الحاجة ويخرج الباقى وفى الادخار ثلاث درجات إحداها أن لا يدخر ~~إلا ليومه وليلته وهى درجه الصديقين والثانية أن يدخر لأربعين يوما فإن ما ~~زاد عليه داخل فى طول الأمل وقد فهم العلماء ذلك من ميعاد الله تعالى لموسى ~~عليه السلام PageV04P206 ففهم منه الرخصة فى أمل الحياة أربعين يوما # وهذه درجة المتقين والثالثة أن يدخر لسنته وهى أقصى المراتب وهى رتبة ~~الصالحين ومن زاد فى الادخار على هذا فهو واقع فى غمار العموم خارج عن حيز ~~الخصوص بالكلية فغنى الصالح الضعيف فى طمأنينة قلبه فى قوت سنته وغنى ~~الخصوص فى أربعين يوما وغنى خصوص الخصوص فى يوم وليلة وقد قسم النبي صلى ~~الله عليه وسلم نساءه على مثل هذه الأقسام فبعضهن كان يعطيها قوت سنة عند ~~حصول ما يحصل وبعضهن قوت أربعين يوما وليلة وهو قسم عائشة وحفصة # | بيان آداب الفقير فى قبول العطاء إذا جاءه بغير سؤال # ينبغى أن يلاحظ الفقير فيما جاءه ثلاثة أمور نفس المال # وغرض المعطى وغرضه فى الأخذ # أما نفس المال فينبغى أن يكون حلالا خاليا عن الشبهات كلها فإن كان فيه ~~شبهة فليحترز من أخذه وقد ذكرنا فى كتاب الحلال والحرام درجات الشبهة وما ~~يجب اجتنابه وما يستحب # وأما غرض المعطى فلا يخلو إما أن يكون غرضه تطييب قلبه وطلب محبته وهو ~~الهدية أو الثواب وهو الصدقة والزكاة والذكر والرياء والسمعة إما على ~~التجرد وإما ممزوجا ببقية الأغراض # أما الأول وهو الهدية فلا بأس بقبولها فإن قبولها سنة رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم + حديث أن قبول الهدية سنة تقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل ~~الهدية + ولكن ينبغى أن لا يكون فيها منة فإن كان فيها منة فالأولى تركها ~~فإن علم أن بعضها مما تعظم فيه المنة فليرد البعض دون البعض فقد أهدى إلى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم سمن وأقط وكبش فقبل السمن والأقط ورد الكبش + ~~حديث أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم سمن وأقط وكبش فقبل السمن والأقط ~~ورد الكبش # أخرجه أحمد في أثناء حديث ليعلى بن مرة وأهدت إليه كبشين وشيئا من سمن ~~وأقط فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذ الأقط والسمن وأحد الكبشين ورد ~~عليها الآخر وإسناده جيد وقال وكيع مرة عن يعلى بن مرة عن أبيه + وكان صلى ~~الله عليه وسلم يقبل من بعض الناس ويرد على بعض + حديث كان يقبل من بعض ~~الناس ويرد على بعض رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة وأيم الله لا ~~أقبل بعد يومي هذا من أحد هدية إلا أن يكون مهاجريا الحديث فيه محمد بن ~~إسحاق ورواه بالعنعنة + # وقال لقد هممت أن لا أتهب إلا من قرشى أو ثقفى أو أنصارى أو دوسى + حديث ~~لقد هممت أن لا أتهب إلا من قريشي أو ثقفي أو أنصاري أو دوسي أخرجه الترمذي ~~من حديث أبي هريرة وقال روى من غير وجه عن أبي هريرة قلت ورجاله ثقات + ~~وفعل هذا جماعة من التابعين # وجاءت إلى فتح الموصلى صرة فيها خمسين درهما فقال حدثنا عطاء عن النبي ~~صلى الله عليه وسلم أنه قال من أتاه رزق من غير مسألة فرده فإنما يرده على ~~الله + حديث عطاء مرسلا من أتاه رزق من غير وسيلة فرده فإنما يرد على الله ~~عز وجل لم أجده مرسلا هكذا ولأحمد وأبي يعلى والطبراني بإسناد جيد من حديث ~~خالد بن عدي الجهني من بلغه معروف من أخيه من غير مسئلة ولا إشراف نفس ~~فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله عز وجل إليه ولأحمد وأبي داود ~~الطيالسي من حديث أبي هريرة من آتاه الله من هذا المال شيئا من غير أن ~~يسأله فليقبله وفي الصحيحين من حديث عمر ما أتاك من هذا المال وأنت غير ~~مشرف ولا سائل فخذه الحديث + ثم فتح الصرة فأخذ منها درهما ورد سائرها # وكان الحسن يروى هذا الحديث أيضا ولكن حمل إليه رجل كيسا ورزمة من رقيق ~~ثياب خراسان فرد ذلك وقال من جلس مجلسى هذا وقبل من الناس مثل هذا لقى الله ~~عز وجل يوم القيامة وليس له خلاق # وهذا يدل على أن أمر العالم والواعظ أشد فى قبول العطاء وقد كان الحسن ~~يقبل من أصحابه # وكان إبراهيم التيمي يسأل من أصحابه الدرهم والدرهمين ونحوه ويعرض عليه ~~غيرهم المئين فلا يأخذها وكان بعضهم إذا أعطاه صديقه شيئا يقول اتركه عندك ~~وانظر إن كنت بعد قبوله فى قلبك أفضل مني قبل القبول فأخبرنى PageV04P207 ~~حتى آخذه وإلا فلا وأمارة هذا أن يشق عليه الرد لو رده ويفرح بالقبول ويرى ~~المنة على نفسه فى قبول صديقه هديته فإن علم أنه يمازجه منة فأخذه مباح ~~ولكنه مكروه عند الفقراء الصادقين # وقال بشر ما سألت أحدا قط شيئا إلا سريا السقطى لأنه قد صح عندي زهده في ~~الدنيا فهو يفرح بخروج الشيء من يده ويتبرم ببقائه عنده فأكون عونا له على ~~ما يحب # وجاء خراساني إلى الجنيد رحمه الله بمال وسأله أن يأكله فقال أفرقه على ~~الفقراء فقال ما أريد هذا قال ومتى أعيش حتى آكل هذا قال ما أريد أن تنفقه ~~فى الخل والبقل بل في الحلاوات والطيبات فقبل ذلك منه فقال الخراسانى ما ~~أجد فى بغداد أمن على منك فقال الجنيد ولا ينبغى أن يقبل إلا من مثلك # الثانى أن يكون للثواب المجرد وذلك صدقة أو زكاة فعليه أن ينظر فى صفات ~~نفسه هل هو مستحق للزكاة فإن اشتبه عليه فهو محل شبهة وقد ذكرنا تفصيل ذلك ~~فى كتاب أسرار الزكاة # وإن كانت صدقة وكان يعطيه لدينه فلينظر إلى باطنه فإن كان مقارفا لمعصية ~~فى السر يعلم أن المعطى لو علم ذلك لنفر طبعه ولما تقرب إلى الله بالتصدق ~~عليه فهذا حرام أخذه كما لو أعطاه لظنه أنه عالم أو علوى ولم يكن فإن أخذه ~~حرام محض لا شبهة فيه # الثالث أن يكون غرضه السمعة والرياء والشهرة فينبغي أن يرد عليه قصده ~~الفاسد ولا يقبله إذ يكون معينا له على غرضه الفاسد # وكان سفيان الثوري يرد ما يعطي ويقول لو علمت أنهم لا يذكرون ذلك افتخارا ~~به لأخذت وعوتب بعضهم في رد ما كان يأتيه من صلة فقال إنما أرد صلتهم ~~إشفاقا عليهم ونصحا لهم لأنهم يذكرون ذلك ويحبون أن يعلم به فتذهب أموالهم ~~وتحبط أجورهم # وأما غرضه في الأخذ فينبغي أن ينظر أهو محتاج إليه فيما لا بد منه أو هو ~~مستغن عنه فإن كان محتاجا إليه وقد سلم من الشبهة والآفات التي ذكرناها في ~~المعطي فالأفضل له الأخذ قال النبي صلى الله عليه وسلم ما المعطي من سعة ~~بأعظم أجرا من الآخذ إذا كان محتاجا + حديث ما المعطي من سعة بأعظم أجرا من ~~الآخذ إذا كان محتاجا رواه الطبراني من حديث ابن عمر وقد تقدم في الزكاة + ~~وقال صلى الله عليه وسلم من أتاه شيء من هذا المال من غير مسألة ولا ~~استشراف فإنما هو رزق ساقه الله إليه + حديث من أتاه شيء من هذا المال من ~~غير مسألة ولا استشراف فإنما هو رزق ساقه الله إليه + وفي لفظ آخر فلا يرده # وقال بعض العلماء من أعطى ولم يأخذ سأل ولم يعط # وقد كان سرى السقطي يوصل إلى أحمد بن حنبل رحمة الله عليهما شيئا فرده ~~مرة فقال له السري يا أحمد احذر آفة الرد فإنها أشد من آفة الأخذ فقال له ~~أحمد أعد على ما قلت فأعاده فقال أحمد ما رددت عليك إلا لأن عندي قوت شهر ~~فاحسبه لي عندك فإذا كان بعد شهر فأنفذه إلي وقد قال بعض العلماء يخاف في ~~الرد مع الحاجة عقوبة من ابتلاء بطمع أو دخول في شبهة أو غيره فأما إذا كان ~~ما أتاه زائدا على حاجته فلا يخلو إما أن يكون حاله الاشتغال بنفسه أو ~~التكفل بأمور الفقراء والإنفاق عليهم لما في طبعه من الرفق والسخاء فإن كان ~~مشغولا بنفسه فلا وجه لأخذه وإمساكه إن كان طالبا طريق الآخرة فإن ذلك محض ~~اتباع الهوى وكل عمل ليس لله فهو سبيل الشيطان أو داع إليه ومن حام حول ~~الحمى يوشك أن يقع فيه ثم له مقامان أحدهما أن يأخذ في العلانية ويرد في ~~السر أو يأخذ في العلانية ويفرق في السر وهذا مقام الصديقين وهو شاق على ~~النفس لا يطيقه إلا من أطمأنت نفسه بالرياضة والثاني أن يترك ولا يأخذ ~~ليصرفه صاحبه إلى من هو أحوج منه أو يأخذ ويوصل إلى من هو أحوج منه فيفعل ~~كليهما في السر أو كليهما في العلانية وقد ذكرنا هل الأفضل إظهار ~~PageV04P208 الأخذ أو إخفاؤه في كتاب أسرار الزكاة مع جملة من أحكام الفقر ~~فليطلب من موضعه # وأما امتناع أحمد بن حنبل عن قبول عطاء سري السقطي رحمهما الله فإنما كان ~~لاستغنائه عنه إذ كان عنده قوت شهر ولم يرض لنفسه أن يشتغل بأخذه وصرفه إلى ~~غيره فإن في ذلك آفات وأخطارا والزرع يكون حذرا من مظان الآفات إذ لم يأمن ~~مكيدهالشيطان على نفسه # وقال بعض المجاورين بمكة كانت عندي دراهم أعددتها للإنفاق في سبيل الله ~~فسمعت فقيرا قد فرغ من طوافه وهو يقول بصوت خفي أنا جائع كما ترى عريان كما ~~ترى فما ترى فيما ترى يا من يرى ولا يرى فنظرت فإذا عليه خلقان لا تكاد ~~تواريه فقلت في نفسي لا أجد لدراهمي موضعا أحسن من هذا فحملتها إليه فنظر ~~إليها ثم أخذ منها خمسة دراهم وقال أربعة ثمن مئزرين ودرهم أنفقه ثلاثة فلا ~~حاجة بي إلى الباقي فرده قال فرأيته الليلة الثانية وعليه مئزران جديدان ~~فهجس في نفسي منه شيء فالتفت إلى فأخذ بيدي فأطافني معه أسبوعا كل شوط منها ~~على جوهر من معادن الأرض يتخشخش تحت أقدامنا إلى الكعبين منها ذهب وفضة ~~وياقوت ولؤلؤ وجوهر ولم يظهر ذلك للناس فقال هذا كله قد أعطانيه فرهدت فيه ~~وآخذ من أيدي الخلق لأن هذه أثقال وفتنة وذلك للعباد فيه رحمة ونعمة ~~والمقصود من هذا أن الزيادة على قدر الحاجة إنما تأتيك ابتلاء وفتنة لينظر ~~الله إليك ماذا تعمل فيه وقدر الحاجة يأتيك رفقا بك فلا تغفل عن الفرق بين ~~الرفق والابتلاء # قال الله تعالى إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ~~وقد قال صلى الله عليه وسلم لا حق لابن آدم إلا في ثلاث طعام يقيم صلبه ~~وثوب يواري عورته وبيت يكنه فما زاد فهو حساب + حديث لا حق لابن آدم إلا في ~~ثلاث طعام يقيم صلبه وثوب يوارى عورته وبيت يكنه فما زاد فهو حساب أخرجه ~~الترمذي من حديث عثمان بن عفان وقال وجلف الخبز والماء بدل قوله طعام يقيم ~~صلبه وقال صحيح + فإذن أنت في أخذ قدر الحاجة من هذه الثلاث مثاب وفيما زاد ~~عليه إن لم تعص الله متعرض للحساب وإن عصيت الله فأنت متعرض للعقاب # ومن الاختبار أيضا أن تعزم على ترك لذة من اللذات تقربا إلى الله تعالى ~~وكسرا لصلة النفس فتأتيك عفوا صفوا لتمتحن بها قوة عقلك فالأولى الامتناع ~~عنها فإن النفس إذا رخص لها في نقض العزم ألفت نقض العهد وعادت لعادتها ولا ~~يمكن قهرها فرد ذلك مهم وهو الزهد فإن أخذته وصرفته إلى محتاج فهو غاية ~~الزهد ولا يقدر عليه إلا الصديقون وأما إذا كانت حالك السخاء والبذل ~~والتكفل بحقوق الفقراء وتعهد جماعة من الصلحاء فخذ ما زاد على حاجتك فإنه ~~غير زائد على حاجة الفقراء وبادر به إلى الصرف إليهم ولا تدخره فإن إمساكه ~~ولو ليلة واحدة فيه فتنة واختبار فربما يحلو في قلبك فتمسكه فيكون فتنة ~~عليك وقد تصدى لخدمة الفقراء جماعة اتخذوها وسيلة إلى التوسع في المال ~~والتنعم في المطعم والمشرب وذلك هو الهلاك ومن كان غرضه الرفق وطلب الثواب ~~به فله أن يستقرض على حسن الظن بالله لا على اعتماد السلاطين الظلمة فإن ~~رزقه الله من حلال قضاه وإن مات قبل القضاء قضاه الله تعالى عنه وأرضى ~~غرماءه وذلك بشرط أن يكون مكشوف الحال عند من يقرضه فلا يغر المقرض ولا ~~يخدعه بالمواعيد بل يكشف حاله عنده ليقدم على إقراضه على بصيرة ودين مثل ~~هذا الرجل واجب أن يقضي من مال بيت المال ومن الزكاة وقد قال تعالى ومن قدر ~~عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله قيل معناه ليبع أحد ثوبيه # وقيل معناه فليستقرض بجاهه فذلك مما آتاه الله # وقال بعضهم إن لله تعالى عبادا ينفقون على قدر بضائعهم ولله عباد ينفقون ~~على قدر حسن الظن بالله تعالى # ومات بعضهم فأوصى بماله لثلاث طوائف الأقوياء والأسخياء والأغنياء فقيل ~~من هؤلاء فقال أما الأقوياء فهم أهل PageV04P209 التوكل على الله تعالى ~~وأما الأسخياء فهم أهل حسن الظن بالله تعالى وأما الأغنياء فهم أهل ~~الانقطاع إلى الله تعالى فإذن مهما وجدت هذه الشروط فيه وفي المال وفي ~~المعطي فليأخذه وينبغي أن يرى ما يأخذه من الله لا من المعطي لأن المعطي ~~واسطة قد سخر للعطاء وهو مضطر إليه بما سلط عليه من الدواعي والإوادات ~~والاعتقادات وقد حكى أن بعض الناس دعا شقيقا في خمسين من أصحابه فوضع الرجل ~~مائدة حسنة فلما قعد قال لأصحابه إن هذا الرجل يقول من لم يرن صنعت هذا ~~الطعام وقدمته فطعامي عليه حرام فقاموا كلهم وخرجوا إلا شابا منهم كان ~~دونهم في الدرجة فقال صاحب المنزل لشقيق ما قصدت بهذا قال أردت أن أختبر ~~توحيد أصحابي كلهم # وقال موسى عليه السلام يا رب جعلت رزقي هكذا على أيدي بني إسرائيل يغديني ~~هذا يوما ويعشيني هذا ليلة فأوحى الله تعالى إليه هكذا أصنع بأوليائي أجري ~~أرزاقهم على أيدي البطالين من عبادي ليؤجروا فيهم # فلا ينبغي أن يرى المعطي إلا من حيث إنه مسخر مأجور من الله تعالى نسأل ~~الله حسن التوفيق لما يرضاه # | بيان تحريم السؤال من غير ضرورة وآداب الفقير المضطر فيه # إعلم أنه قد وردت مناه كثيرة في السؤال وتشديدات وورد فيه أيضا ما يدل ~~على الرخصة إذ قال صلى الله عليه وسلم للسائل حق ولو جاء على فرس + حديث ~~للسائل حق وإن جاء على فرس رواه أبو داود من حديث الحسين بن علي ومن حديث ~~علي + وفي الحديث ردوا السائل ولو بظلف محرق + حديث ردوا السائل ولو بظلف ~~محرق رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي واللفظ له من حديث أم ~~مجيد وقال ابن عبد البر حديث مضطرب + ولو كان السؤال حراما مطلقا لما جاز ~~إعانة المتعدي على عدوانه والإعطاء إعانة فالكاشف للغطاء فيه أن السؤال ~~حرام في الأصل وإنما يباح بضرورة أو حاجة مهمة قريبة من الضرورة فإن كان ~~عنها فهو حرام وإنما قلنا إن الأصل فيه التحريم لأنه لا ينفك عن ثلاثة أمور ~~محرمة # الأول إظهار الشكوى من الله تعالى إذ السؤال إظهار للفقر وذكر لقصور نعمة ~~الله تعالى عنه وهو عين الشكوى وكما أن العبد المملوك لو سأل لكان سؤاله ~~تشنيعا على سيده فكذلك سؤال العباد تشنيع على الله تعالى وهذا ينبغي أن ~~يحرم ولا يحل إلا لضرورة كما تحل الميتة # الثاني ان فيه إذلال السائل نفسه لغير الله تعالى وليس للمؤمن أن يذل ~~نفسه لغير الله بل عليه أن يذل نفسه لمولاه فإن فيه عزة فأما سائر الخلق ~~فإنهم عباد أمثاله فلا ينبغي أن يذل لهم إلا لضرورة وفي السؤال ذل للسائل ~~بالإضافة إلى المسئول # الثالث أنه لا ينفك عن إيذاء المسئول غالبا لأنه ربما لا تسمح نفسه ~~بالبذل عن طيب قلب منه فإن بذل حياء من السائل أو رياء فهو حرام على الآخذ ~~وإن منع ربما استحيا وتأذى في نفسه بالمنع إذ يرى نفسه في صورة البخلاء ففي ~~البذل نقصان ماله وفي المنع نقصان جاهه وكلاهما مؤذيان والسائل هو السبب في ~~الإيذاء والإيذاء حرام إلا بضرورة # ومهما فهمت هذه المحذورات الثلاث فقد فهمت قوله صلى الله عليه وسلم مسألة ~~الناس من الفواحش ما أحل من الفواحش غيرها + حديث مسئلة الناس من الفواحش ~~وما أحل الله من الفواحش غيرها + فانظر كيف سماها فاحشة ولا يخفى أن ~~الفاحشة إنما تباح PageV04P210 لضرورة كما يباح شرب الخمر لمن غص بلقمة وهو ~~لا يجد غيره # وقال صلى الله عليه وسلم من سأل عن غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم + حديث ~~من سأل عن غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم الحديث رواه أبو داود وابن حبان من ~~حديث سهل ابن الحنظلية مقتصرا على ما ذكر منه وتقدم في الزكاة ولمسلم من ~~حديث أبي هريرة من يسأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا الحديث ~~وللبزار والطبراني من حديث مسعود بن عمر ولا يزال العبد يسأل وهو غني حتى ~~يخلق وجهه وفي إسناده لين وللشيخين من حديث ابن عمر ما يزال الرجل يسأل ~~الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم وإسناده جيد + ومن سأل ~~وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ووجهه عظم يتقعقع وليس عليه لحم وفي لفظ آخر ~~كانت مسألته خدوشا وكدوحا في وجهه + حديث من سأل وله ما يغنيه كانت مسئلته ~~خدوشا وكدوما في وجهه رواه أصحاب السنن من حديث ابن مسعود وتقدم في الزكاة ~~+ وهذه الألفاظ صريحة في التحريم والتشديد # وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما على الإسلام فاشترط عليهم السمع ~~والطاعة ثم قال لهم كلمة خفية ولا تسألوا الناس شيئا + حديث بايع قوما على ~~الإسلام فاشترط عليهم السمع والطاعة ثم قال كلمة خفية ولا تسألوا الناس ~~شيئا أخرجه مسلم من حديث عوف بن مالك الأشجعي + وكان صلى الله عليه وسلم ~~يأمر كثيرا بالتعفف عن السؤال ويقول من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه ~~الله ومن لم يسألنا فهو أحب إلينا وقال صلى الله عليه وسلم استغنوا عن ~~الناس وما قل من السؤال فهو خير قالوا ومنك يا رسول الله قال ومني وسمع عمر ~~رضي الله عنه سائلا يسأل بعد المغرب فقال لواحد من قومه عش الرجل فعشاه ثم ~~سمعه ثانيا يسأل فقال ألم أقل لك عش الرجل قال قد عشيته فنظر عمر فإذا تحت ~~يده مخلاه مملوءة خبزا فقال لست سائلا ولكنك تاجر ثم أخذ المخلاة ونثرها ~~بين يدي إبل الصدقة وضربه بالدرة وقال لا تعد # ولولا أن سؤاله كان حراما لما ضربه ولا أخذ مخلاته ولعل الفقيه الضعيف ~~المنة الضيق الحوصلة يستبعد هذا من فعل عمر ويقول أما ضربه فهو تأديب وقد ~~ورد الشرع بالتعزير وأما أخذه ماله فهو مصادرة والشرع لم يرد بالعقوبة بأخذ ~~المال فكيف استجازه وهو استبعاد مصدره القصور في الفقه فأين يظهر فقه ~~الفقهاء كلهم في حوصلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه واطلاعه على أسرار دين ~~الله ومصالح عباده أفترى أنه لم يعلم أن المصادرة بالمال غير جائزة أو علم ~~ذلك ولكن أقدم عليه غضبا في معصية الله وحاشاه أو أراد الزجر بالمصلحة بغير ~~طريق شرعها نبي الله وهيهات فإن ذلك أيضا معصية بل الفقه الذي لاح له فيه ~~أنه رآه مستغنيا عن السؤال وعلم أن من أعطاه شيئا فإنما أعطاه على اعتقاد ~~أنه محتاج وقد كان كاذبا فلم يدخل في ملكه بأخذه مع التلبيس وعسر تمييز ذلك ~~ورده إلى أصحابه إذ لا يعرف أصحابه بأعيانهم فبقي مالا لا مالك له فوجب ~~صرفه إلى المصالح وإبل الصدقة وعلفها من المصالح ويتنزل أخذ السائل مع ~~إظهار الحاجة كاذبا كأخذ العلوي بقوله إني علوي وهو كاذب # فإنه لا يملك ما يأخذه كأخذ الصوفي الصالح الذي يعطي لصلاحه وهو في ~~الباطن مقارف لمعصية لو عرفها المعطي لما أعطاه وقد ذكرنا في مواضع أن ما ~~أخذوه على هذا الوجه لا يملكونه وهو حرام عليهم ويجب عليهم الرد إلى مالكه ~~فاستدل بفعل عمر رضي الله عنه على صحة هذا المعنى الذي يغفل عنه كثير من ~~الفقهاء وقد قررناه في مواضع ولا تستدل بغفلتك عن هذا الفقه على بطلان فعل ~~عمر # فإذا عرفت أن السؤال يباح لضرورة فاعلم أن الشيء إما أن يكون مضطرا إليه ~~أو محتاجا إليه حاجة PageV04P211 مهمة أو حاجة خفيفة أو مستغني عنه فهذه ~~أربعة أحوال # أما المضطر إليه فهو سؤال الجائع عند خوفه على نفسه موتا أو مرضا وسؤال ~~العاري وبدنه مكشوف ليس معه ما يواريه وهو مباح مهما وجدت بقية الشروط في ~~المسئول بكونه مباحا والمسئول منه بكونه راضيا في الباطن وفي السائل بكونه ~~عاجزا عن الكسب فإن القادر على الكسب وهو بطال له السؤال إلا إذا استغرق ~~طلب العلم أوقاته وكل من له خط فهو قادر على الكسب بالوراقة # وأما المستغني فهو الذي يطلب شيئا وعنده مثله وأمثاله فسؤاله حرام قطعا ~~وهذان طرفان واضحان # وأما المحتاج حاجة مهمة فكالمريض الذي يحتاج إلى دواء ليس يظهر خوفه لو ~~لم يستعمله ولكن لا يخلو عن خوف وكمن له جبة لا قميص تحتها في الشتاء وهو ~~يتأذى بالبرد تأذيا لا ينتهى إلى حد الضرورة وكذلك من يسأل لأجل الكراء وهو ~~قادر على المشي بمشقة فهذا أيضا ينبغي أن تسترسل عليه الإباحة لأنها أيضا ~~حاجة محققة ولكن الصبر عنه أولى وهو بالسؤال تارك للأولى ولا يسمى سؤاله ~~مكروها مهما صدق في السؤال وقال ليس تحت جبتي قميص والبرد يؤذيني أذى أطيقه ~~ولكن يشق علي فإذا صدق فصدقه يكون كفارة لسؤاله إن شاء الله تعالى # وأما الحاجة الخفيفة فمثل سؤال قميصا ليلبسه فوق ثيابه عند خروجه ليستر ~~الخروق من ثيابه عن أعين الناس وكمن يسأل لأجل الأدم وهو واجد للخبز وكمن ~~يسأل الكراء لفرس في الطريق وهو واجد كراء الحمار أو يسأل كراء المحمل وهو ~~قادر على الراحلة فهذا ونحوه إن كان فيه تلبيس حال بإظهار حاجة غير هذه فهو ~~حرام وإن لم يكن وكان فيه شيء من المحذورات الثلاثة من الشكوى والذل وإيذاء ~~المسؤل فهو حرام لأن مثل هذه الحاجة لا تصلح لأن تباح بها هذه المحذورات ~~وإن لم يكن فيها شيء من ذلك فهو مباح مع الكراهة # فإن قلت فكيف يمكن إخلاء السؤال عن هذه المحذورات فاعلم أن الشكوى تندفع ~~بأن يظهر الشكر لله والاستغناء عن الخلق ولا يسأل سؤال محتاج ولكن يقول أنا ~~مستغن بما أملكه ولكن تطالبني رعونة النفس بثوب فوق ثيابي وهو فضلة عن ~~الحاجة وفضول من النفس فيخرج به عن حد الشكوى وأما الذل فبأن يسأل أباه أو ~~قريبه أو صديقه الذي يعلم انه لا ينقصه ذلك في عينه ولا يزدريه بسبب سؤاله ~~أو الرجل السخي الذي قد أعد ماله لمثل هذه المكارم فيفرح بوجود مثله ويتقلد ~~منه منة بقبوله فيسقط عنه الذل بذلك فإن الذل لازم للمنة لا محالة # وأما الإيذاء فسبيل الخلاص عنه أن لا يعين شخصا بالسؤال بعينه بل يلقى ~~الكلام عرضا بحيث لا يقدم على البذل إلا متبرع بصدق الرغبة وإن كان في ~~القوم شخص مرموق لو لم يبذل لكان يلام فهذا إيذاء فإنه ربما يبذل كرها خوفا ~~من الملامة ويكون الأحب إليه في الباطن الخلاص لو قدر عليه من غير الملامة # وأما إذا كان يسأل شخصا معينا فينبغي أن لا يصرح بل يعرض تعريضا يبقى له ~~سبيلا إلى التغافل إن أراد فإذا لم يتغافل مع القدرة عليه فذلك لرغبته وأنه ~~غير متأذ به وينبغي أن يسأل من لا يستحيا منه لو رده أو تغافل عنه فإن ~~الحياء من السائل يؤذي كما أن الرياء مع غير السائل يؤذي # فإن قلت فإذا أخذ مع العلم بأن باعث المعطي هو الحياء منه أو من الحاضرين ~~ولولاه لما ابتدأه به فهل هو حلال أو شبهة فأقول ذلك حرام محض لا خلاف فيه ~~بين الأمة وحكمه حكم أخذ مال الغير بالضرب والمصادرة إذ لا فرق بين أن يضرب ~~ظاهر جلده بسياط الخشب أو يضرب باطن قلبه بسوط الحياء وخوف الملام وضرب ~~الباطن أشد نكاية في قلوب العقلاء ولا يجوز أن يقال هو في الظاهر قد رضي به ~~وقد قال صلى الله عليه وسلم PageV04P212 إنما أحكم بالظاهر والله يتولى ~~السرائر + حديث إنما نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر لم أجد له أصلا وكذا ~~قال المزى لما سئل عنه + فإن هذه ضرورة القضاء في فصل الخصومات إذ لا يمكن ~~ردهم إلى البواطن وقرائن الأحوال فاضطروا إلى الحكم بظاهر القول باللسان مع ~~أنه ترجمان كثير الكذب ولكن الضرورة دعت إليه وهذا سؤال عما بين العبد وبين ~~الله تعالى والحاكم فيه أحكم الحاكمين والقلوب عنده كالألسنة عند سائر ~~الحكام فلا تنظر في مثل هذا إلا إلى قلبك وإن أفتوك وأفتوك فإن المفتي معلم ~~للقاضي والسلطان ليحكموا في عالم الشهادة ومفتي القلوب هم علماء الآخرة ~~وبفتواهم النجاة من سلطان الآخرة كما أن بفتوى الفقيه النجاة من سطوة سلطان ~~الدنيا فإذا ما أخذه مع الكراهة لا يملكه بينه وبين الله تعالى ويجب عليه ~~رده إلى صاحبه فإن كان يستحيي من أن يسترده ولم يسترده فعليه أن يثيبه على ~~ذلك بما يساوي قيمته في معرض الهديه والمقابلة ليتفصى عن عهدته فإن لم يقبل ~~هديته فعليه أن يرد ذلك إلى ورثته فإن تلف في يده فهو مضمون عليه بينه وبين ~~الله تعالى وهو عاص بالتصرف فيه وبالسؤال الذي حصل به الأذى # فإن قلت فهذا أمر باطن يعسر الاطلاع عليه فكيف السبيل إلى الخلاص منها ~~فربما يظن السائل أنه راض ولا يكون هو في الباطن راضيا فأقول لهذا ترك ~~المتقون السؤال رأسا فما كانوا يأخذون من أحد شيئا أصلا فكان بشر لا يأخذ ~~من أحد أصلا إلا من السري رحمة الله عليهما وقال لأني علمت أنه يفرح بخروج ~~المال من يده فأنا أعينه على ما يحب وإنما عظم النكير في السؤال وتأكد ~~الأمر بالتعفف لهذا لأن الأذى إنما يحل بضرورة وهو أن يكون السائل مشرفا ~~على الهلاك ولم يبق له سبيل إلى الخلاص ولم يجد من يعطيه من غير كراهة وأذى ~~فيباح له ذلك كما يباح له أكل لحم الخنزير وأكل لحم الميتة فكان الامتناع ~~طريق الورعين ومن أرباب القلوب من كان واثقا ببصيرته في الاطلاع على قرائن ~~الأحوال فكانوا يأخذون من بعض الناس دون البعض ومنهم من كان لا يأخذ إلا من ~~أصدقائه ومنهم من كان يأخذ مما يعطى بعضا ويرد بعضا كما فعل رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم في الكبش والسمن والأقط وكان هذا يأتيهم من غير سؤال فإن ~~ذلك لا يكون إلا عن رغبة ولكن قد تكون رغبته طمعا في جاه أو طلبا للرياء ~~والسمعة فكانوا يحترزون من ذلك فأما السؤال فقد امتنعوا عنه رأسا إلا في ~~موضعين أحدهما الضرورة فقد سأل ثلاثة من الأنبياء في موضع الضرورة سليمان ~~وموسى والخضر عليهم السلام # ولا شك في أنهم ما سألوا إلا من علموا أنه يرغب في إعطائهم # والثاني السؤال من الأصدقاء والإخوان فقد كانوا يأخذون مالهم بغير سؤال ~~واستئذان لأن أرباب القلوب علموا أن المطلوب رضا القلب لا نطق اللسان وقد ~~كانوا وثقوا بإخوانهم أنهم كانوا يفرحون بمباسطتهم فإذا كانوا يسألون ~~الإخوان عند شكهم في اقتدار إخوانهم على ما يريدونه وإلا فكانوا يستغنون عن ~~السؤال وحد إباحة السؤال أن تعلم أن المسئول بصفة لو علم ما بك من الحاجة ~~لا لابتدأك دون السؤال فلا يكون لسؤالك تأثير إلا بتعريف حاجتك فأما في ~~تحريكه بالحياء وإثارة داعيته بالحيل فلا ويتصدى للسائل حالة لا يشك فيها ~~في الرضا بالباطن وحالة لا يشك في الكراهة ويعلم ذلك بقرينة الأحوال فالأخذ ~~في الحالة الأولى حلال طلق وفي الثانية سحت ويتردد بين الحالتين أحوال يشك ~~فيها فليستفت قلبه فيها وليترك حزاز القلب فإنه الإثم وليدع ما يريبه إلى ~~ما لا يريبه وإدراك ذلك بقرائن الأحوال سهل على من قويت فطنته وضعف حرصه ~~وشهوته فإن قوى الحرص وضعفت الفطنة تراءى له ما يوافق غرضه فلا يتفطن ~~للقرائن الدالة على الكراهة وبهذه الدقائق يطلع على سر قوله PageV04P213 ~~صلى الله عليه وسلم إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه + حديث إن أطيب ما أكل ~~الرجل من كسبه تقدم + وقد أوتي جوامع الكلم لأن من لا كسب له ولا مال ورثه ~~من كسب أبيه أو أحد قرابته فليأكل من أيدي الناس وإن أعطي بغير سؤال فإنما ~~يعطي بدينه ومتى يكون باطنه بحيث لو انكشف لا يعطى بدينه فيكون ما يأخذه ~~حراما وإن أعطى بسؤال فأين من يطيب قلبه بالعطاء إذا سئل وأين من يقتصر في ~~السؤال على حد الضرورة فإذا فتشت أحوال من يأكل من أيدي الناس علمت أن جميع ~~ما يأكله أو أكثره سحت وأن الطيب هو الكسب الذي اكتسبته بحلالك أنت أو ~~مورثك فإذن بعيد أن يجتمع الورع مع الأكل من أيدي الناس فنسأل الله تعالى ~~أن يقطع طمعنا عن غيره وأن يغنينا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه بمنه ~~وسعة جوده فإنه على ما يشاء قدير # | بيان مقدار الغنى المحرم للسؤال # أعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم من سأل عن ظهر غنى فإنما يسأل جمرا ~~فليستقل منه أو ليستكثر صريح في التحريم ولكن حد الغنى مشكل وتقديره عسير ~~وليس إلينا وضع المقادير بل يستدرك ذلك بالتوقيف وقد ورد في الحديث استغنوا ~~بغنى الله تعالى عن غيره قالوا وما هو قال غداء يوم وعشاء ليلة + حديث ~~استغنوا بغنى الله قالوا وما هو قال غداء يوم وعشاء ليلة تقدم في الزكاة من ~~حديث سهل ابن الحنظلية قالوا ما يغنيه قال ما يغديه أويعشيه ولأحمد من حديث ~~علي بإسناد حسن قالوا وما ظهر غنى قال عشاء ليلته وأما اللفظ الذي ذكره ~~المصنف فذكره صاحب الفردوس من حديث أبي هريرة + وفي حديث آخر من سأل وله ~~خمسون درهما أو عدلها من الذهب فقد سأل إلحافا + حديث من سأل وله خمسون ~~درهما أو عدلها من الذهب فقد سأل إلحافا وفي لفظ آخر أربعون درهما تقدما في ~~الزكاة + وورد في لفظ آخر أربعون درهما ومهما اختلفت التقديرات وصحت ~~الأخبار فينبغي أن يقطع بورودها على أحوال مختلفة فإن الحق في نفسه لا يكون ~~إلا واحدا والتقدير ممتنع وغاية الممكن فيه تقريب ولا يتم ذلك إلا بتقسيم ~~محيط بأحوال المحتاجين فنقول قال رسول صلى الله عليه وسلم لا حق لابن آدم ~~إلا في ثلاث طعام يقيم صلبه وثوب يوارى به عورته وبيت يكنه فما زاد فهو ~~حساب فلنجعل هذه الثلاث أصلا في الحاجات لبيان أجناسها والنظر في الأجناس ~~والمقادير والأوقات فأما الأجناس فهى هذه الثلاث ويلحق بها ما في معناها ~~حتى يلحق بها الكراء للمسافر إذا كان لا يقدر على المشي وكذلك ما يجرى ~~مجراه من المهمات ويلحق بنفسه عياله وولده وكل من تحت كفالته كالدابة أيضا # وأما المقادير فالثوب يراعى فيه ما يليق بذوي الدين وهو ثوب واحد وقميص ~~ومنديل وسراويل ومداس وأما الثاني من كل جنس فهو مستغن عنه وليقس على هذا ~~أثاث البيت جميعا ولا ينبغي أن يطلب رقة الثياب وكون الأواني من النحاس ~~والصفر فيما يكفي فيه الخزف فإن ذلك مستغنى عنه فيقتصر من العدد على واحد ~~ومن النوع على أخس أجناسه ما لم يكن في غاية البعد عن العادة # وأما الطعام فقدره في اليوم مد وهو ما قدره الشرع ونوعه ما يقتات ولو كان ~~من الشعير # والأدم على الدوام فضلة وقطعة بالكلية إضرار ففي طلبه في بعض الأحوال ~~رخصة # وأما المسكن فأقله ما يجزئ من حيث المقدار وذلك من غير زينة فأما السؤال ~~للزينة والتوسع فهو سؤال عن ظهر غنى وأما بالإضافة إلى الأوقات فما يحتاج ~~إليه في الحال من طعام يوم وليلة وثوب يلبسه ومأوى يكنه فلا شك فيه # فأما سؤاله للمستقبل فهذا له ثلاث درجات إحداها ما يحتاج إليه في غد ~~والثانية ما يحتاج إليه في أربعين يوما أو خمسين يوما والثالثة ما يحتاج ~~إليه في السنة ولنقطع بأن من معه ما يكفيه له ولعياله إن كان له عيال ~~PageV04P214 لسنه فسؤاله حرام فإن ذلك غاية الغنى وعليه ينزل التقدير ~~بخمسين درهما في الحديث فإن خمسة دنانير تكفي المنفرد في السنة إذا اقتصد ~~أما المعيل فربما لا يكفيه ذلك وإن كان يحتاج إليه قبل السنة فإن كان قادرا ~~على السؤال ولا تفوته فرصته فلا يحل له السؤال لأنه مستغن في الحال وربما ~~لا يعيش إلى الغد فيكون قد سأل مالا يحتاج فيكفيه غداء يوم وعشاء ليلة ~~وعليه ينزل الخبر الذي ورد في التقدير بهذا القدر # وإن كان يفوته فرصة السؤال ولا يجد من يعطيه لو أخر فيباح له السؤال لأن ~~أمل البقاء سنة غير بعيد فهو بتأخير السؤال خائف أن يبقى مضطرا عاجزا عما ~~يعينه فإن كان خوف العجز عن السؤال في المستقبل ضعيفا وكان ما لأجله السؤال ~~خارجا عن محل الضرورة لم يخل سؤاله عن كراهية وتكون كراهته بحسب درجات ضعف ~~الإضطرار وخوف الفوت وتراخي المدة التي فيها يحتاج إلى السؤال وكل ذلك لا ~~يقبل الضبط وهو منوط باجتهاد العبد ونظره لنفسه بينه وبين الله تعالى ~~فيستفتي فيه قلبه ويعمل به إن سالكا طريق الآخرة وكل من كان يقينه أقوى ~~وثقته بمجيء الرزق في المستقبل أتم وقناعته بقوت الوقت أظهر فدرجته عند ~~الله تعالى أعلى فلا يكون خوف الاستقبال وقد آتاك الله قوت يومك لك ولعيالك ~~إلا من ضعف اليقين والإصغاء إلى تخويف الشيطان وقد قال تعالى فلا تخافوهم ~~وخافون إن كنتم مؤمنين وقال عز وجل الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ~~والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والسؤال من الفحشاء التي أبيحت بالضرورة وحال ~~من يسأل لحاجة متراخية عن يومه وإن كان مما يحتاج إليه في السنة أشد من حال ~~من ملك مالا موروثا وادخره لحاجة وراء السنة وكلاهما مباحان في الفتوى ~~الظاهرة ولكنهما صادران عن حب الدنيا وطول الأمل وعدم الثقة بفضل الله وهذه ~~الخصلة من أمهات المهلكات نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه # | بيان أحوال السائلين كان بشر رحمه الله يقول الفقراء ثلاثة فقير لا # يسأل وإن أعطى لا يأخذ فهذا مع الروحانيين في عليين # وفقير لا يسأل وإن أعطي أخذ فهذا مع المقربين في جنات الفردوس # وفقير يسأل عند الحاجة فهذا مع الصادقين من أصحاب اليمين # فإذن قد أتفق كلهم على ذم السؤال وعلى أنه مع الفاقة يحط المرتبة والدرجة # قال شقيق البلخي لإبراهيم بن أدهم حين قدم عليه من خراسان كيف تركت ~~الفقراء من أصحابك قال تركتهم إن أعطوا شكروا وإن منعوا صبروا وظن أنه لما ~~وصفهم بترك السؤال قد أثنى عليهم غاية الثناء فقال شقيق هكذا تركت كلاب بلخ ~~عندنا فقال له إبراهيم فكيف الفقراء عندك يا أبا إسحاق فقال الفقراء عندنا ~~إن منعوا شكروا وإن أعطوا آثروا فقبل رأسه وقال صدقت يا أستاذ # فإذن درجات أرباب الأحوال في الرضا والصبر والشكر والسؤال كثيرة فلا بد ~~لسالك طريق الآخرة من معرفتها ومعرفة انقسامها واختلاف درجاتها فإنه إذا لم ~~يعلم لم يقدر على الرقى من حضيضها إلى قلاعها ومن أسفل سافلين إلى أعلى ~~أعليين وقد خلق الإنسان في أحسن تقويم ثم رد إلى أسفل سافلين ثم أمر أن ~~يترقى إلى أعلى عليين ومن لا يميز بين السفل والعلو لا يقدر على الرقى قطعا ~~وإنما الشك فيمن عرف ذلك فإنه ربما لا يقدر عليه وأرباب الأحوال قد تغلبهم ~~حالة تقتضي أن يكون السؤال مزيدا لهم في درجاتهم ولكن بالإضافة إلى حالهم ~~فإن مثل هذه الأعمال بالنيات وذلك كما روى أن بعضهم رأى أبا إسحاق النورى ~~رحمه الله يمد يده ويسأل الناس في بعض المواضع قال فاستعظمت ذلك واستقبحته ~~له فأتيت الجنيد رحمه الله فأخبرته بذلك فقال لا يعظم هذا PageV04P215 عليك ~~فإن النوري لم يسأل الناس إلا ليعطيهم وإنما سألهم ليثيبهم في الآخرة ~~فيؤجرون من حيث لا يضرهم # وكأنه أشار به إلى قوله صلى الله عليه وسلم يد المعطي هي العليا + حديث ~~يد المعطي هي العليا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة + فقال بعضهم يد المعطي ~~هي يد الآخذ للمال لأنه يعطى الثواب والقدر له لا لما يأخذه ثم قال الجنيد ~~هات الميزان فوزن مائة درهم ثم قبض قبضة فألقاها على المائة ثم قال احملها ~~إليه فقلت في نفسي إنما يوزن الشيء ليعرف مقداره فكيف خلط به مجهولا وهو ~~رجل حكيم واستحييت أن أسأله فذهبت بالصرة إلى النوري فقال هات الميزان فوزن ~~مائة درهم وقال ردها عليه وقل له أنا لا أقبل منك أنت شيئا وأخذ ما زاد على ~~المائة قال فزاد تعجبي فسألته فقال الجنيد رجل حكيم يريد أن يأخذ الحبل ~~بطرفيه وزن المائة لنفسه طلبا لثواب الآخرة وطرح عليها قبضة بلا وزن لله عز ~~وجل فأخذت ما كان لله تبارك وتعالى ورددت ما جعله لنفسه قال فرددتها إلى ~~الجنيد فبكى وقال أخذ ماله ورد مالنا الله المستعان فانظر الآن كيف صفت ~~قلوبهم وأحوالهم وكيف خلصت لله أعمالهم حتى كان يشاهد كل واحد منهم قلب ~~صاحبه من غير مناطقة باللسان ولكن بتشاهد القلوب وتناجى الأسرار وذلك نتيجة ~~أكل الحلال وخلو القلب عن حب الدنيا والإقبال على الله تعالى بكنه الهمة ~~فمن أنكر ذلك قبل تجربة طريقه فهو جاهل كمن ينكر مثلا كون الدواء مسهلا قبل ~~شربه # ومن أنكره بعد أن طال اجتهاده حتى بذل كنه مجهوده ولم يصل فأنكر ذلك ~~لغيره كان كمن شرب المسهل فلم يؤثر في حقه خاصة لعلة في باطنه فأخذ ينكر ~~كون الدواء مسهلا وهذا وإن كان في الجهل دون الأول ولكنه ليس خاليا عن حط ~~واف من الجهل بل البصير أحد رجلين إما رجل سالك الطريق فظهر له مثل ما ظهر ~~لهم فهو صاحب الذوق والمعرفة وقد وصل إلى عين اليقين وإما رجل لم يسلك ~~الطريق أو سلك ولم يصل ولكنه آمن بذلك وصدق به فهو صاحب علم اليقين وإن لم ~~يكن واصلا إلى عين اليقين # ولعلم اليقين أيضا رتبة وإن كان دون عين اليقين ومن خلا عن علم اليقين ~~وعين اليقين فهو خارج عن زمرة المؤمنين ويحشر يوم القيامة في زمرة الجاحدين ~~المستكبرين الذين هم قتلى القلوب الضعيفة وأتباع الشياطين # فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من الراسخين في العلم القائلين آمنا به كل من ~~عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب الشطر الثاني من الكتاب في الزهد وفيه # | بيان حقيقة الزهد # وبيان فضيلة الزهد وبيان درجات الزهد وأقسامه وبيان تفصيل الزهد في ~~المطعم والملبس والمسكن والأثاث وضروب المعيشة وبيان علامة الزهد بيان ~~حقيقة الزهد # أعلم أن الزهد في الدنيا مقام شريف من مقامات السالكين وينتظم هذا المقام ~~من علم وحال وعمل كسائر المقامات لأن أبواب الإيمان كلها كما قال السلف ~~ترجع إلى عقد وقول وعمل وكأن القول لظهوره أقيم مقام الحال إذ به يظهر ~~الحال الباطن وإلا فليس القول مرادا لعينه وإن لم يكن صادرا عن حال سمي ~~إسلاما ولم يسم إيمانا والعلم هو السبب في حال يجرى مجرى المثمر والعمل ~~يجرى من الحال مجرى الثمرة فلنذكر الحال مع كلا طرفيه من العلم والعمل أما ~~الحال فنعني بها ما يسمى زهدا وهو عبارة عن انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما ~~هو خير منه فكل من عدل عن شيء إلى غيره بمعاوضة وبيع وغيره فإنما عدل عنه ~~لرغبته عنه وإنما عدل إلى غيره لرغبته PageV04P216 في غيره فحاله بالإضافة ~~إلى المعدول عنه يسمى زهدا وبالإضافة إلى المعدول إليه يسمى رغبة وحبا فإذن ~~يستدعى حال الزهد مرغوبا عنه ومرغوبا فيه هو خير من المرغوب عنه وشرط ~~المرغوب عنه أن يكون هو أيضا مرغوبا فيه بوجه من الوجوه فمن رغب عما ليس ~~مطلوبا في نفسه لا يسمى زاهدا إذ تارك الحجر والتراب وما أشبهه لا يسمى ~~زاهدا وإنما يسمى زاهدا من ترك الدراهم والدنانير لأن التراب والحجر ليسا ~~في مظنة الرغبة وشرط المرغوب فيه أن يكون عنده خيرا من المرغوب عنه حتى ~~تغلب هذه الرغبة فالبائع لا يقدم على البيع إلا والمشتري عنده خير من ~~المبيع فيكون حاله بالإضافة إلى المبيع زهدا فيه وبالإضافة إلى العوض عنه ~~رغبة فيه وحبا ولذلك قال الله تعالى وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا ~~فيه من الزاهدين معناه باعوه فقد يطلق الشراء بمعنى البيع ووصف إخوة يوسف ~~بالزهد فيه إذ طمعوا أن يخلو لهم وجه أبيهم وكان ذلك عندهم أحب إليهم من ~~يوسف فباعوه طمعا في العوض فإذن كل من باع الدنيا بالآخرة فهو زاهد في ~~الدنيا وكل من باع الآخرة بالدنيا فهو أيضا زاهد ولكن في الآخرة ولكن ~~العادة جارية بتخصيص اسم الزهد بمن يزهد في الدنيا كما خصص اسم الإلحاد بمن ~~يميل إلى الباطل خاصة وإن كان هو للميل في وضع اللسان # ولما كان الزهد رغبة عن محبوب بالجملة لم يتصور إلا بالعدول إلى شيء هو ~~أحب منه وإلا فترك المحبوب بغير الأحب محال والذي يرغب عن كل ما سوى الله ~~تعالى حتى الفراديس ولا يحب إلا الله تعالى فهو الزاهد المطلق والذي يرغب ~~عن كل حظ ينال في الدنيا ولم يزهد في مثل تلك الحظوظ في الآخرة بل طمع في ~~الحور والقصور والأنهار والفواكه فهو أيضا زاهد ولكنه دون الأول والذي يترك ~~من حظوظ الدنيا البعض دون البعض كالذي يترك المال دون الجاه أو يترك التوسع ~~في الأكل ولا يترك التجمل في الزينة فلا يستحق اسم الزاهد مطلقا ودرجته في ~~الزهاد درجة من يتوب عن بعض المعاصي في التائبين وهو زهد صحيح كما أن ~~التوبة عن بعض المعاصي صحيحة فإن التوبة عبارة عن ترك المحظورات والزهد ~~عبارة عن ترك المباحات التي هي حظ النفس ولا يبعد أن يقدر على ترك بعض ~~المباحات دون بعض كما لا يبعد ذلك في المحظورات والمقتصر على ترك المحظورات ~~لا يسمى زاهدا وإن كان قد زهد في المحظور وانصرف عنه ولكن العادة تخصص هذا ~~الاسم بترك المباحات فإذن الزهد عبارة عن رغبته عن الدنيا عدولا إلى الآخرة ~~أو عن غير الله تعالى عدولا إلى الله تعالى وهي الدرجة العليا وكما يشترط ~~في المرغوب فيه أن يكون خيرا عنده فيشترط في المرغوب عنه أن يكون مقدورا ~~عليه فإن ترك ما لا يقدر عليه محال وبالترك يتبين زوال الرغبة ولذلك قيل ~~لابن المبارك يا زاهد فقال الزاهد عمر بن عبد العزيز إذ جاءته الدنيا راغمة ~~فتركها وأما أنا ففيماذا زهدت # وأما العلم الذي هو مثمر لهذه الحال فهو العلم بكون المتروك حقيرا ~~بالإضافة إلى المأخوذ كعلم التاجر بأن العوض خير من المبيع فيرغب فيه وما ~~لم يتحقق هذا العلم لم يتصور أن تزول الرغبة عن المبيع فكذلك من عرف أن ما ~~عند الله باق وأن الآخرة خير وأبقى أى لذاتها خير في أنفسها وأبقى كما تكون ~~الجواهر خيرا وأبقى من الثلج مثلا # ولا بعسر على مالك الثلج بيعه بالجواهر واللآلئ فهكذا مثال الدنيا ~~والآخرة فالدنيا كالثلج الموضوع في الشمس لا يزال في الذوبان إلى الانقراض ~~والآخرة كالجوهر الذي لا فناء له فبقدر قوة اليقين والمعرفة بالتفاوت بين ~~الدنيا والآخرة تقوى الرغبة في البيع والمعاملة حتى إن من قوى يقينه يبيع ~~نفسه وماله كما قال الله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ~~بأن لهم الجنة ثم بين أن صفقتهم رابحة فقال تعالى فاستبشروا ببيعكم الذي ~~بايعتم به فليس يحتاج من العلم في الزهد إلا إلى هذا القدر وهو أن الآخرة ~~PageV04P217 خير وأبقى وقد يعلم ذلك من لا يقدر على ترك الدنيا إما لضعف ~~علمه ويقينه وإما لإستيلاء الشهوة في الحال عليه وكونه مقهورا في يد ~~الشيطان وإما لاغتراره بمواعيد الشيطان في التسويف يوما بعد يوم إلى أن ~~يختطفه الموت ولا يبقى معه إلا الحسرة بعد الفوت وإلى تعريف خساسة الدنيا ~~الإشارة بقوله تعالى قل متاع الدنيا قليل وإلى تعريف نفاسة الآخرة الإشارة ~~بقوله عز وجل وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير فنبه على أن ~~العلم بنفاسة الجوهر هو المرغب عن عوضه ولما لم يتصور الزهد إلا بمعاوضة ~~ورغبة عن المحبوب في أحب منه قال رجل في دعائه اللهم أرني الدنيا كما تراها ~~فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا تقل هكذا ولكن قل أرني الدنيا كما ~~أريتها الصالحين من عبادك + حديث قال رجل اللهم أرني الدنيا كما تراها فقال ~~له لا تقل هكذا ولكن قل أرني الدنيا كما أريتها الصالحين من عبادك ذكره ~~صاحب الفردوس مختصرا اللهم أرني الدنيا كما تريها صالح عبادك من حديث أبي ~~القصير ولم يخرجه ولده + وهذا لأن الله تعالى يراها حقيرة كما هي وكل مخلوق ~~فهو بالإضافة إلى جلاله حقيرة والعبد يراها حقيرة في نفسه بالإضافة إلى ما ~~هو خير له ولا يتصور أن يرى بائع الفرس وإن رغب عنه فرسه كما يرى حشرات ~~الأرض مثلا لأنه مستغن عن الحشرات أصلا وليس مستغنيا عن الفرس والله تعالى ~~غني بذاته عن كل ما سواه فيرى الكل في درجة واحدة بالإضافة إلى جلاله ويراه ~~متفاوتا بالإضافة إلى غيره والزاهد هو الذي يرى تفاوته بالإضافة إلى نفسه ~~لا إلى غيره وأما العمل الصادر عن حال الزهد فهو ترك واحد لأنه بيع ومعاملة ~~واستبدال للذي هو خير بالذي هو أدنى فكما أن العمل الصادر من عقد البيع هو ~~ترك المبيع وإخراجه من اليد وأخذ العوض فكذلك الزهد يوجب ترك المزهود فيه ~~بالكلية وهي الدنيا بأسرها مع أسبابها ومقدماتها وعلائقها فيخرج من القلب ~~حبها ويدخل حب الطاعات ويخرج من العين واليد ما أخرجه من القلب ويوظف على ~~اليد والعين وسائر الجوارح وظائف الطاعات وإلا كان كمن سلم المبيع ولم يأخذ ~~الثمن فإذا وفى بشرط الجانبين في الأخذ والترك فليستبشر ببيعه الذي بايع به ~~فإن الذي بايعه بهذا البيع وفى بالعهد فمن سلم حاضرا في غائب وسلم الحاضر ~~وأخذ يسعى في طلب الغائب سلم إليه الغائب حين فراغه من سعيه إن كان العاقد ~~ممن يوثق بصدقه وقدرته ووفائه بالعهد وما دام ممسكا للدنيا لا يصح زهده ~~أصلا ولذلك لم يصف الله تعالى إخوة يوسف بالزهد في بنيامين وإن كانوا قد ~~قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا وعزموا على أبعاده كما عزموا على يوسف ~~حتى تشفع فيه أحدهم فترك ولا وصفهم أيضا بالزهد في يوسف عند العزم على ~~إخراجه بل عند التسليم والبيع فعلامة الرغبة والإمساك وعلامة الزهد ~~والإخراج فإن أخرجت عن اليد بعض الدنيا دون البعض فأنت زاهد فيما أخرجت فقط ~~ولست زاهدا مطلقا وإن لم يكن لك مال ولم تساعدك الدنيا لم يتصور منك الزهد ~~لأن ما لا يقدر عليه لا يقوى على تركه وربما يستهويك الشيطان بغروره ويخيل ~~إليك أن الدنيا وإن لم تأتك فأنت زاهدا فيها فلا ينبغي أن تتدلى بحبل غروره ~~دون أن تستوثق وتستظهر بموثق غليظ من الله فإنك إذا لم تجرب حال القدرة فلا ~~تثق بالقدرة على الترك عندها فكم من ظان بنفسه كراهة المعاصي عند تعذرها ~~فلما تيسرت له أسبابها من غير مكدر ولا خوف من الخلق وقع فيها وإذا كان هذا ~~غرور النفس في المحظورات فإياك أن تثق بوعدها في المباحات والموثق الغليظ ~~الذي تأخذه عليها أن تجربها مرة بعد مرة في حال القدرة فإذا وفت بما وعدت ~~على الدوام مع انتقاء الصوارف والأعذار ظاهرا وباطنا فلا بأس أن تثق بها ~~وثوقا ما ولكن تكون من تغيرها أيضا على حذر فإنها سريعة النقض للعهد قريبة ~~الرجوع إلى مقتضى الطبع وبالجملة فلا أمان منها إلا عند الترك بالإضافة إلى ~~ما ترك فقط وذلك عند القدرة قال ابن أبي ليلى لابن شبرمة ألا ترى إلى ابن ~~الحائك هذا PageV04P218 لا نفتي في مسألة إلا رد علينا يعني أبا حنيفة فقال ~~ابن شبرمة لا أدري أهو ابن الحائك أم ما هو لكن أعلم أن الدنيا غدت إليه ~~فهرب منها وهربت منا فطلبناها وكذلك قال جميع المسلمين على عهد رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إنا نحب ربنا ولو علمنا في أي شيء محبته لفعلناه حتى ~~نزل قوله تعالى ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ~~ما فعلوه إلا قليل منهم + حديث قال المسلمون إنا نحب ربنا ولو علمنا في أي ~~شيء محبته لفعلناه حتى نزل قوله تعالى ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا ~~أنفسكم الآية لم أقف له على أصل + # قال ابن مسعود رحمه الله قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت منهم ~~يعني من القليل قال وما عرفت أن فينا من يحب الدنيا حتى نزل قوله تعالى ~~منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة واعلم أنه ليس من الزهد ترك ~~المال وبذله على سبيل السخاء والفتوة وعلى سبيل استمالة القلوب وعلى سبيل ~~الطمع فذلك كله من محاسن العادات ولكن لا مدخل لشيء منه في العبادات وإنما ~~الزهد أن تترك الدنيا لعلمك بحقارتها بالإضافة إلى نفاسة الآخرة فأما كل ~~نوع من الترك فإنه يتصور ممن لا يؤمن بالآخرة فذلك قد يكون مروءة وفتوة ~~وسخاء وحسن خلق ولكن لا يكون زهدا إذ حسن الذكر وميل القلوب من حظوظ ~~العاجلة وهي ألذ وأهنأ من المال وكما أن ترك المال على سبيل السلم طمعا في ~~العوض ليس من الزهد فكذلك تركه طمعا في الذكر والثناء والاشتهار بالفتوة ~~والسخاء واستثقالا له لما في حفظ المال من المشقة والعناء # والحاجة إلى التذلل للسلاطين والأغنياء ليس من الزهد أصلا بل هو استعجال ~~حظ آخر للنفس بل الزاهد من أتته الدنيا راغمة صفوا عفوا وهو قادر على ~~التنعم بها من غير نقصان جاه وقبح اسم ولا فوات حظ للنفس فتركها خوفا من أن ~~يأنس بها فيكون آنسا بغير الله ومحبا لما سوى الله ويكون مشركا في حب الله ~~تعالى غيره # أو تركها طمعا في ثواب الله في الآخرة فترك التمتع بأشربة الدنيا طمعا في ~~أشربة الجنة وترك التمتع بالسراري والنسوان طمعا في الحور العين وترك ~~التفرج في البساتين طمعا في بساتين الجنة وأشجارها وترك التزين والتجمل ~~بزينة الدنيا طمعا في زينة الجنة وترك المطاعم اللذيذة طمعا في فواكه الجنة ~~وخوفا من أن يقال له أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا فآثر في جميع ذلك ما ~~وعد به في الجنة على ما تيسر له في الدنيا عفوا وصفوا لعلمه بأن ما في ~~الآخرة خير وأبقى وأن ما سوى هذا فمعاملات دنيوية لا جدوى لها في الآخرة ~~أصلا # | بيان فضيلة الزهد قال الله تعالى فخرج على قومه في زينته إلى قوله # تعالى وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن فنسب الزهد ~~إلى العلماء ووصف أهله بالعلم وهو غاية الثناء وقال تعالى اولئك يؤتون ~~أجرهم مرتين بما صبروا وجاء في التفسير على الزهد في الدنيا وقال عز وجل ~~إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا قيل معناه أيهم ~~أزهد فيها فوصف الزهد بأنه من أحسن الأعمال وقال تعالى من كان يريد حرث ~~الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة ~~من نصيب وقال تعالى ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة ~~الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى وقال تعالى الذين يستحبون ~~الحياة الدنيا على الآخرة فوصف الكفار بذلك فمفهومه أن المؤمن هو الذي يتصف ~~بنقيضه وهو أن يستحب الآخرة على الحياة الدنيا PageV04P219 وأما الأخبار ~~فما ورد منها في ذم الدنيا كثير وقد أوردنا بعضها في كتاب ذم الدنيا مع ربع ~~المهلكات إذ حب الدنيا من المهلكات ونحن الآن نقتصر على فضيلة بغض الدنيا ~~فإنه من المنجيات وهو المعنى بالزهد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~من أصبح وهمه الدنيا شتت الله عليه أمره وفرق عليه ضيعته وجعل فقره بين ~~عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن أصبح وهمه الآخرة جمع الله له ~~همه وحفظ عليه ضيعته وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة + حديث من ~~أصبح وهمه الدنيا شتت الله عليه أمره الحديث أخرجه ابن ماجة من حديث زيد بن ~~ثابت بسند جيد والترمذي من حديث أنس بسند ضعيف نحوه + وقال صلى الله عليه ~~وسلم إذا رأيتم العبد وقد أعطى صمتا وزهدا في الدنيا فاقتربوا منه فإنه ~~يلقى الحكمة + حديث إذا رأيتم العبد قد أوتي صمتا وزهدا في الدنيا فاقتربوا ~~منه فأنه يلقى الحكمة رواه ابن ماجة من حديث أبي خلاد بسند فيه ضعف + وقال ~~تعالى @QB@ ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا @QE@ ولذلك قيل من زهد في ~~الدنيا أربعين يوما أجرى الله ينابيع الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وعن ~~بعض الصحابة أنه قال قلنا يا رسول الله أي الناس خير قال كل مؤمن محموم ~~القلب صدوق اللسان قلنا يا رسول الله وما محموم القلب قال التقي النقي الذي ~~لا غل فيه ولا غش ولا بغى ولا حسد قلنا يا رسول الله فمن على أثره قال الذي ~~يشنأ الدنيا ويحب الآخرة + حديث قلنا يا رسول الله وما محموم القلب قال ~~التقي النقي الحديث رواه ابن ماجه بإسناد صحيح من حديث عبدالله بن عمرو دون ~~قوله يارسمول الله فمن على أثره وقد تقدم ورواه بهذه الزيادة بإسناد ~~المذكور الخرائط في مكارم الأخلاق + ومفهوم هذا أن شر الناس الذي يحب ~~الدنيا # وقال صلى الله عليه وسلم إن أردت أن يحبك الله فازهد في الدنيا + حديث أن ~~أردت أن يحبك الله فازهد في الدنيا رواه ابن ماجه من حديث سهل بن سعد بسند ~~ضعيف نحوه وقد تقدم + فجعل الزهد سببا للمحبة فمن أحبه الله تعالى فهو في ~~أعلى الدرجات فينبغي أن يكون الزهد في الدنيا من أفضل المقامات ومفهومه ~~أيضا أن من محب الدنيا متعرض لبغض الله تعالى وفي خبر من طريق أهل البيت ~~الزهد والورع يجولان في القلوب كل ليلة فإن صادفا قلبا فيه الإيمان والحياء ~~أقاما فيه وإلا ارتحلا + حديث الزهد والورع يجولان في القلب كل ليلة فإن ~~صادفا قلبا فيه الإيمان والحياء أقاما فيه وإلا ارتحلا لم أجد له أصلا + ~~ولما قال حارثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنا مؤمن حقا قال وما حقيقة ~~إيمانك قال عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى عندي حجرها وذهبها وكأني بالجنة ~~والنار وكأني بعرش ربي بارزا فقال صلى الله عليه وسلم اعرفت فالزم عبد نور ~~الله قلبه بالإيمان + حديث لما قال له حارثة أنا مؤمن حقا فقال وما حقيقة ~~إيمانك الحديث أخرجه البزار من حديث أنس والطبراني من حديث الحارث بن مالك ~~وكلا الحديثين ضعيف + فانظر كيف بدأ في إظهار حقيقة الإيمان بعزوف النفس عن ~~الدنيا وقرنه باليقين وكيف زكاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال عبد ~~نور الله قلبه بالإيمان # ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى الشرح في قوله تعالى فمن ~~يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام وقيل له ما هذا الشرح قال إن النور ~~إذا دخل في القلب انشرح له الصدر وانفسح قيل يا رسول الله وهل لذلك من ~~علامة قال نعم التجافى عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد ~~للموت قبل نزوله + حديث سئل عن قوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه الحديث ~~أخرجه الحاكم + وقد تقدم فانظر كيف جعل الزهد شرطا للإسلام وهو التجافي عن ~~دار الغرور وقال صلى الله عليه وسلم استحيوا من الله حق الحياء قالوا إنا ~~لنستحي منه تعالى فقال ليس كذلك تبنون مالا تسكنون وتجمعون مالا تأكلون + ~~حديث استحيوا من الله حق الحياء الحديث رواه الطبراني من حديث أمم الوليد ~~بنت عمر بن الخطاب بإسناد ضعيف + فبين أن ذلك يناقض الحياء من الله تعالى ~~ولما قدم عليه بعض الوفود قالوا إنا مؤمنون قال وما علامة إيمانكم فذكروا ~~PageV04P220 الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء والرضا بمواقع القضاء وترك ~~الشماتة بالمصيبة إذا نزلت بالأعداء فقال صلى الله عليه وسلم إن كنتم كذلك ~~فلا تجمعوا مالا تأكلون ولا تبنوا مالا تسكنون ولا تنافسوا فيما عنه ترحلون ~~+ حديث لما قدم عليه بعض الوفود قالواإنا مؤمنون قال وما علامة إيمانكم ~~الحديث رواه الخطيب وابن عساكر في تاريخهما بإسناد ضعيف من حديث جابر فجعل ~~الزهد تكملة لإيمانهم # وقال جابر رضي الله عنه خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من جاء ~~بلا إله إلا الله لا يخلط بها غيرها وجبت له الجنة فقام إليه علي كرم الله ~~وجهه فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله مالا يخلط بها غيرها صفه لنا فسره ~~لنا فقال حب الدنيا طلبا لها واتباعا لها وقوم يقولون قول الأنبياء ويعملون ~~عمل الجبابرة فمن جاء بلا إله إلا الله ليس فيها شيء من هذا وجبت له الجنة ~~+ حديث جابر من جاء بلا إله إلا الله لا يخلط معها شيئا وجبت له الجنة لم ~~أره من حديث جابر وقد رواه الترمذي الحكيم في النوادر من حديث زيد بن أرقم ~~بإسناد ضعيف + وفي الخبر السخاء من اليقين ولا يدخل النار موقن والبخل من ~~الشك ولا يدخل الجنة من شك + حديث السخاء من اليقين ولا يدخل النار موقن ~~الحديث ذكره صاحب الفردوس من حديث أبي الدرداء ولم يخرجه ولده في مسنده + # وقال أيضا السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة والبخيل بعيد ~~من الله بعيد من الناس قريب من النار + حديث السخي قريب من الله الحديث ~~أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة وقد تقدم والبخل ثمرة الرغبة في الدنيا ~~والسخاء ثمرة الزهد # والثناء على الثمرة ثناء على المثمر لا محالة # وروى عن ابن المسيب عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ~~من زهد في الدنيا أدخل الله الحكمة قلبه فأنطق بها لسانه وعرفه داء الدنيا ~~ودواءها وأخرجه منها سالما إلى دار السلام + حديث أبي ذر من زهد الدنيا ~~أدخل الله الحكمة قلبه الحديث لم أره من حديث أبي ذر ورواه ابن أبي الدنيا ~~في كتاب ذم الدنيا من حديث صفوان بن سليم مرسلا ولابن عدي في الكامل من ~~حديث أبي موسى الأشعري من زهد في الدنيا أربعين يوما وأخلص فيها العبادة ~~أجرى الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه وقال حديث منكر وقال الذهبي ~~باطل ورواه أبو الشيخ في كتاب الثواب وأبو نعيم في الحلية مختصرا من حديث ~~أبي أيوب من أخلص لله وكلها ضعيفة + وروى أنه صلى الله عليه وسلم مر في ~~أصحابه بعشار من النوق حفل وهي الحوامل وكانت من أحب أموالهم إليهم وأنفسها ~~عندهم لأنها تجمع الظهر واللحم واللبن والوبر ولعظمها في قلوبهم قال الله ~~تعالى @QB@ وإذا العشار عطلت @QE@ قال فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وغض بصره فقيل له يا رسول الله هذه أنفس أموالنا لم لا تنظر إليها ~~فقال قد نهاني الله عن ذلك ثم تلا قوله تعالى @QB@ ولا تمدن عينيك إلى ما ~~متعنا به @QE@ الآية + حديث مر في أصحابه بعشار من النوق حفل الحديث وفيه ~~ثم تلا قوله تعالى @QB@ ولا تمدن عينيك @QE@ الآية لم أجد له أصلا + وروى ~~مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله ألا تستطعم لله فيطعمك ~~قالت وبكيت لما رأيت به من الجوع فقال يا عائشة والذي نفسي بيده لو سألت ~~ربي أن يجرى معي جبال الدنيا ذهبا لأجراها حيث شئت من الأرض ولكن اخترت جوع ~~الدنيا على شبعها وفقر الدنيا على غناها وحزن الدنيا على فرحها يا عائشة إن ~~الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد يا عائشة إن الله لم يرض لأولى العزم ~~من الرسل إلا الصبر على مكروه الدنيا والصير عن محبوبها ثم لم يرض إلا أن ~~يكلفني ما كلفهم فقال فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل والله مالي بد من ~~طاعته وإني والله لأصبرن كما صبروا بجهدي ولا قوة إلا بالله + حديث مسروق ~~عن عائشة قلت يا رسول الله ألا تستطعم ربك فيطعمك قالت وبكيت لما رأيت به ~~من الجوع الحديث وفيه يا عائشة إن الله لم يرض لأولى العزم من الرسل إلا ~~الصبر الحديث أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي عبد ~~الرحمن السلمي من رواية عباد بن عباد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق مختصرا ~~يا عائشة إن الله لم يرض من أولى العزم من الرسل إلا الصبر على مكروهها ~~والصبر عن محبوبها ثم لم يرض إلا أن كلفني ما كلفهم فقال تعالى فاصبر كما ~~صبر أولوا العزم من الرسل ومجالد مختلف في الاحتجاج به + وروى عن عمر رضي ~~الله عنه أنه حين فتح عليه الفتوحات قالت له ابنته حفصة رضي الله عنها ~~PageV04P221 إلبس ألين الثياب إذا وفدت عليك الوفود من الآفاق ومر بصنعة ~~طعام تطعمه وتطعم من حضر فقال عمر يا حفصة ألست تعلمين أن أعلم الناس بحال ~~الرجل أهل بيته فقالت بلى قال ناشدتك الله هل تعلمين أن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم لبث في النبوة كذا وكذا سنة لم يشبع هو ولا أهل بيته غدوة إلا ~~جاعوا عشية ولا شبعوا عشية إلا جاعوا غدوة وناشدتك الله هل تعلمين أن النبي ~~صلى الله عليه وسلم لبث في النبوة كذا وكذا سنة لم يشبع من التمر وهو وأهله ~~حتى فتح الله عليه خيبر وناشدتك الله هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم قربتم إليه يوما طعاما على مائدة فيها أرتفاع فشق ذلك عليه حتى تغير ~~لونه ثم أمر بالمائدة فرفعت ووضع الطعام على دون ذلك أو وضع على الأرض ~~وناشدتك الله هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينام على ~~عباءة مثنية فثنيت له ليلة أربع طاقات فنام عليها فلما استيقظ قال منعتموني ~~قيام الليلة بهذه العباءة اثنوها باثنتين كما كنتم تثنونها وناشدتك الله هل ~~تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضع ثيابه لتغسل فيأتيه بلال ~~فيؤذنه بالصلاة فما يجد ثوبا يخرج به إلى الصلاة حتى تجف ثيابه فيخرج بها ~~إلى الصلاة وناشدتك الله هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنعت ~~له امرأة من بني ظفر كساءين إزارا ورداء وبعثت إليه بأحدهما قبل أن يبلغ ~~الآخر فخرج إلى الصلاة وهو مشتمل به ليس عليه غيره وقد عقد طرفيه إلى عنقه ~~فصلى كذلك فما زال يقول حتى أبكاها وبكى عمر رضي الله عنه وانتحب حتى ظننا ~~أن نفسه ستخرج + حديث أن عمر لما فتحت عليه الفتوحات قالت له حفصة إلبس لين ~~الثياب إذا قدمت عليك الوفود الحديث بطوله وفيه ناشدتك الله هل تعلمين كذا ~~يذكرها ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أبكاها وبكى إلخ # لم أجده هكذا مجموعا في حديث وهو مفرق في عدة أحاديث فروى البزار من حديث ~~عمران بن حصين قال ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله غداء وعشاء ~~من خبز حتى لقي ربه وفيه عمرو بن عبد الله القدري متروك الحديث والترمذي من ~~حديث عائشة قالت ما أشبع من طعام فأشاء أن أبكي إلا بكيت قلت لم قالت أذكر ~~الحال التي فارق رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا عليها والله ما شبع ~~من خبز ولحم مرتين في يوم # وقال حديث حسن وللشيخين من حديثها ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من ~~طعام ثلاث ليال تباعا حتى قبض # وللبخاري من حديث أنس كان لا يأكل على خوان الحديث وتقدم في آداب الأكل ~~وللترمذي في الشمائل من حديث حفصة أنها لما سئلت ما كان فراش النبي صلى ~~الله عليه وسلم مسح نثنيه ثنتين فينام عليه الحديث # ولابن سعد في الطبقات من حديث عائشة أنها كانت تفرش للنبي صلى الله عليه ~~وسلم عباءة باثنتين الحديث وتقدما في آداب المعيشة وللبزار من حديث أبي ~~الدرداء قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينخل له الدقيق ولم لم ~~يكن له إلا قميص واحد وقال لا نعلم يروى بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد قال ~~يونس بن بكير قد حدث عن سعيد بن ميسرة البكرى بأحاديث لم يتابع عليها ~~واحتملت على ما فيها قلت فيه سعيد بن ميسرة فقد كذبه يحيى القطان وضعفه ~~البخاري وابن حبان وابن عدي وغيرهم ولابن ماجة من حديث عبادة بن الصامت صلى ~~في شملة قد عقد عليها الغطريفى في جزئه المشهور فعقدها في عنقه ما عليه ~~غيرها وإسناده ضعيف وتقدم في آداب الميشة + # وفي بعض الروايات زيادة من قول عمر وهو أنه قال كان لي صاحبان سلكا طريقا ~~فإن سلكت غير طريقهما سلك بي طريق غير طريقهما وإني والله سأصبر على عيشهما ~~الشديد لعلي أدرك معهما عيشهما الرغيد # وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لقد كان ~~الأنبياء قبلي يبتلى أحدهم بالفقر فلا يلبس إلا العباءة وإن كان أحدهم ~~ليبتلى بالقمل حتى يقتله القمل وكان ذلك أحب إليهم من العطاء إليكم + حديث ~~أبي سعيد الخدرى كان الأنبياء يبتلى أحدهم بالفقر فلا يجد إلا العباء ~~الحديث بإسناد صحيح في أثناء حديث أوله دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ~~وهو يوعك دون قوله وإن كان أحدهم ليبتلى بالقمل + # وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما ورد موسى عليه السلام ~~ماء مدين كانت خضرة البقل ترى في بطنه من الهزال فهذا ما كان قد اختاره ~~أنبياء الله ورسله وهم أعرف خلق الله بالله وبطريق الفوز في الآخرة # وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه قال لما نزل قوله تعالى والذين يكنزون ~~الذهب والفضة ولا ينفقونها PageV04P222 في سبيل الله قال صلى الله عليه ~~وسلم تبا للدنيا تبا للدينار والدرهم فقلنا يا رسول الله نهانا الله عن كنز ~~الذهب والفضة فأي شيء ندخر فقال صلى الله عليه وسلم ليتخذ أحدكم لسانا ~~ذاكرا وقلبا شاكرا أو زوجة صالحة تعينه على أمر آخرته + حديث عمر لما نزل ~~قوله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة الآية قال تبا للدينار والدرهم ~~الحديث وفيه فأي شيء ندخر أخرجه الترمذي وابن ماجه وتقدم في النكاح دون ~~قوله تبا للدينار والدرهم والزيادة رواها الطبراني في الأوسط وهو من حديث ~~ثوبان وإنما قال المصنف إنه حديث عمر لأن عمر هو الذي سأل النبي صلى الله ~~عليه وسلم أي المال يتخذ كما في رواية ابن ماجه وكما رواه البزار من حديث ~~ابن عباس + # وفي حديث حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من آثر ~~الدنيا على الآخرة ابتلاه الله بثلاث هما لا يفارق قلبه أبدا وفقرا لا ~~يستغنى أبدا وحرصا لا يشبع أبدا + حديث حذيفة من آثر الدنيا على الآخرة ~~ابتلاه الله بثلاث الحديث لم أجده من حديث حذيفة أخرجه الطبراني من حديث ~~ابن مسعود بسند حسن من أشر في قلبه حب الدنيا التاط منها بثلاث شقاء لا ~~ينفد عناء وحرص لا بلغ عناه وأمل لايبلغ منها وفي آخر زيادة + # وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يستكمل العبد الإيمان حتى يكون أن لا ~~يعرف أحب إليه من أن يعرف وحتى يكون قلة الشيء أحب إليه من كثرته + حديث لا ~~يستكمل عبد الإيمان حتى يكون أن لا يعرف أحب إليه من أن يعرف وحتى يكون ~~قلته أحب إليه من كثرته لم أجد له إسنادا وذكره صاحب الفردوس من رواية على ~~بن أبي طلحة مرسلا لا يستكمل عبد الإيمان حتى يكون قلة الشيء أحب إليه من ~~كثرته وحتى يكون أن يعرف في ذات الله أحب إليه من أن يعرف في غير ذات الله ~~ولم يخرجه ولده في مسند الفردوس وعلي بن أبي طلحة أخرج له مسلم # وروى عن ابن عباس لكن روايته عنه مرسلة فالحديث إذن مفصل # وقال المسيح صلى الله عليه وسلم الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها وقيل ~~له يا نبي الله لو أمرتنا أن نبني بيتا نعبد الله فيه قال اذهبوا فابنوا ~~بيتا على الماء فقالوا كيف يستقيم بنيان على الماء قال وكيف تستقيم عبادة ~~مع حب الدنيا # وقال نبينا صلى الله عليه وسلم إن ربي عز وجل عرض على أن يجعل لي بطحاء ~~مكة ذهبا فقلت لا يا رب ولكن أجوع يوما وأشبع يوما فأما اليوم الذي أجوع ~~فيه فأتضرع إليك وأدعوك وأما اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك وأثنيعليك # وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ~~يوم يمشي وجبريل معه فصعد على الصفا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا ~~جبريل والذي بعثك الحق ما أمسى لآل محمد كف سويق ولا سفة دقيق فلم يكن أسرع ~~من أن سمع هدة من السماء أفظعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ~~الله القيامة أن تقوم قال لا ولكن هذا إسرافيل عليه السلام قد نزل إليك حين ~~سمع كلامك فأتاه إسرافيل فقال إن الله عز وجل سمع ما ذكرت فبعثني بمفاتيح ~~الأرض وأمرني أن أعرض عليك إن أحببت أن أسير معك جبال تهامة زمردا وياقوتا ~~وذهبا وفضة فعلت وإن شئت نبيا ملكا وإن شئت نبيا عبدا # فأومأ إليه جبريل أن تواضع لله فقال نبيا عبدا ثلاثا + حديث ابن عباس خرج ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجبريل معه فصعد على الصفا الحديث في ~~نزول إسرافيل وقوله إن أحببت أن أسير معك جبال تهامة زمردا وياقوتا وذهبا ~~وفضة الحديث تقدم مختصرا + # وقال صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله بعبد خيرا زهده في الدنيا ورغبه ~~في الآخرة وبصره بعيوب نفسه + حديث إذا أراد الله بعبد خيرا زهده في الدنيا ~~ورغبه في الآخرة وبصره بعيوب نفسه رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس ~~دون قوله ورغبه في الآخرة وزاد فقهه في الدين وإسناده ضعيف + PageV04P223 # وقال صلى الله عليه وسلم لرجل إزهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في ~~أيدي الناس يحبك الناس + حديث إزهد في الدنيا يحبك الله الحديث تقدم + وقال ~~صلى الله عليه وسلم من أراد أن يؤتيه الله علما بغير تعلم وهدى بغير هداية ~~فليزهد في الدنيا + حديث من أراد أن يؤتيه الله علما بغير تعلم وهدى بغير ~~هداية فليزهد في الدنيا لم أجد له أصلا + وقال صلى الله عليه وسلم من اشتاق ~~إلى الجنة سارع إلى الخيرات ومن خاف من النار لها عن الشهوات ومن ترقب ~~الموت ترك اللذات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات + حديث من اشتاق ~~إلى الجنة سارع إلى الخيرات الحديث رواه ابن حبان في الضعفاء من حديث علي ~~بن أبي طالب + # ويروى عن نبينا وعن المسيح عليهما السلام أربع لا يدركن إلا بتعب الصمت ~~وهو أول العبادة والتواضع وكثرة الذكر وقلة الشيء + حديث أربع لا يدركن إلا ~~بتعب الصمت وهو أول العبادة الحديث رواه الطبراني والحاكم من حديث أنس وقد ~~تقدم + وإيراد جميع الأخبار الواردة في مدح بغض الدنيا وذم حبها لا يمكن ~~فإن الأنبياء ما بعثوا إلا لصرف الناس عن الدنيا إلى الآخرة وإليه يرجع ~~أكثر كلامهم مع الخلق وفيما أوردناه كفاية والله المستعان # وأما الآثار فقد جاء في الأثر لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن العباد ~~سخط الله عز وجل ما لم يسألوا ما نقص من دنياهم # وفي لفظ آخر ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على دينهم فإذا فعلوا ذلك وقالوا ~~لا إله إلا الله قال الله تعالى كذبتم لستم بها صادقين # وعن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنه قال تابعنا الأعمال كلها فلم نر في ~~أمر الآخرة أبلغ من زهد في الدنيا # وقال بعض الصحابة لصدر من التابعين أنتم أكثر أعمالا واجتهادا من أصحاب ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا خيرا منكم قيل ولم ذلك قال كانوا أزهد ~~في الدنيا منكم # وقال عمر رضي الله عنه الزهادة في الدنيا راحة القلب والجسد # وقال بلال بن سعد كفى به ذنبا أن الله تعالى يزهدنا في الدنيا ونحن نرغب ~~فيها # وقال رجل لسفيان أشتهى أن أرى عالما زاهدا فقال ويحك تلك ضالة لا توجد # وقال وهب بن منبه إن للجنة ثمانية أبواب فإذا صار أهل الجنة إليها جعل ~~البوابون يقولون وعزة ربنا لا يدخلها أحد قبل الزاهدين في الدنيا العاشقين ~~للجنة # وقال يوسف بن أسباط رحمه الله إني لأشتهى من الله ثلاث خصال أن أموت حين ~~أموت وليس في ملكي درهم ولا يكون على دين ولا على عظمي لحم فأعطى ذلك كله # وروى أن بعض الخلفاء أرسل إلى الفقهاء بجوائز فقبلوها وأرسل إلى الفضيل ~~بعشرة آلاف فلم يقبلها فقال له بنوه قد قبل الفقهاء وأنت ترد على حالتك هذه ~~فبكى الفضيل وقال أتدرون ما مثلي ومثلكم كمثل قوم كانت لهم بقرة يحرثون ~~عليها فلما هرمت ذبحوها لأجل أن ينتفعوا بجلدها كذلك أنتم أردتم ذبحي على ~~كبر سني موتوا يا أهلي جوعا خير لكم من أن تذبحوا فضيلا # وقال عبيد بن عميرة كان المسيح ابن مريم عليه السلام يلبس الشعر ويأكل ~~الشجر وليس له ولد يموت ولا بيت يخرب ولا يدخر لغد أينما أدركه المساء نام # وقالت امرأة أبي حازم لأبي هذا الشتاء قد هجم علينا ولا بد لنا من الطعام ~~والثياب والحطب PageV04P224 فقال لها أبو حازم من هذا كله بد ولكن لا بد ~~لنا من الموت ثم البعث ثم الوقوف بين يدى الله تعالى ثم الجنة أو النار # وقيل للحسن لم لا تغسل ثيابك قال الأمر أعجل من ذلك # وقال إبراهيم ابن أدهم قد حجبت قلوبنا بثلاثة أغطية فلن يكشف للعبد ~~اليقين حتى ترفع هذه الحجب الفرح بالموجود والحزن على المفقود والسرور ~~بالمدح فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص وإذا حزنت على المفقود فأنت ساخط ~~والساخط معذب وإذا سررت بالمدح فأنت معجب والعجب يحبط العمل # وقال ابن مسعود رضى الله عنه ركعتين من زاهد قلبه خير له وأحب إلى الله ~~من عبادة المتعبدين المجتهدين إلى آخر الدهر أبدا سرمدا # وقال بعض السلف نعمة الله علينا فيما صرف عنا أكثر من نعمته فيما صرف ~~إلينا وكأنه التفت إلى معنى قوله صلى الله عليه وسلم إن الله يحمى عبده ~~المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه + ~~حديث إن الله يحيي عبده المؤمن من الدنيا الحديث تقدم + فإذا فهم هذا علم ~~أن النعمة فى المنع المؤدى إلى الصحة أكبر منها فى الإعطاء المؤدى إلى ~~السقم # وكان الثورى يقول الدنيا دار التواء لا دار استواء ودار ترح لا دار فرح ~~من عرفها لم يفرح برخاء ولم يحزن على شقاء # وقال سهل لا يخلص العمل لمتعبد حتى يفرغ من أربعة أشياء الجوع والعرى ~~والفقر والذل # وقال الحسن البصري أدركت أقواما وصحبت طوائف ما كانوا يفرحون بشيء من ~~الدنيا أقبل ولا يأسفون على شىء منها أدبر ولهى كانت فى أعينهم أهون من ~~التراب كان أحدهم يعيش خمسين سنة أو ستين سنة لم يطوله ثوب ولم ينصب له قدر ~~ولم يجعل بينه وبين الأرض شيئا ولا أمر من فى بيته بصنعة طعام قط فإذا كان ~~الليل فقيام على أقدامهم يفترشون وجوههم تجرى دموعهم على خدودهم يناجون ~~ربهم فى فكاك رقابهم كانوا إذا عملوا الحسنة دأبوا فى شكرها وسألوا الله أن ~~يقبلها وإذا عملوا السيئة أحزنتهم وسألوا الله أن يغفرها لهم فلم يزالوا ~~على ذلك ووالله ما سلموا من الذنوب ولا نجوا إلا بالمغفرة رحمة الله عليهم ~~ورضوانه # | بيان درجات الزهد وأقسامه بالإضافة إلى نفسه وإلى المرغوب عنه وإلى # المرغوب فيه # اعلم أن الزهد في نفسه يتفاوت بحسب تفاوت قوته على درجات ثلاث الدرجة ~~الأولى وهى السفلى منها أن يزهد فى الدنيا وهو لها مشته وقلبه إليها مائل ~~ونفسه إليها ملتفتة ولكنه يجاهدها ويكفها وهذا يسمى المتزهد وهو مبدأ الزهد ~~فى حق من يصل إلى درجة الزهد بالكسب والاجتهاد والمتزهد يذيب أولا نفسه ثم ~~كيسه والزاهد أولا يذيب كيسه ثم يذيب نفسه في الطاعات لا فى الصبر على ما ~~فارقه والمتزهد على خطر فإنه ربما تغلبه نفسه وتجذبه شهوته فيعود إلى ~~الدنيا وإلى الاستراحة بها فى قليل أو كثير # الدرجة الثانية الذى يترك الدنيا طوعا لاستحقاره إياها بالإضافة إلى ما ~~طمع فيه كالذى يترك درهما لأجل درهمين فإنه لا يشق عليه ذلك وإن كان يحتاج ~~إلى انتظار قليل ولكن هذا الزاهد يرى لا محالة زهده ويلتفت إليه كما يرى ~~البائع المبيع ويلتفت إليه فيكاد يكون معجبا بنفسه وبزهده ويظن فى نفسه أنه ~~ترك شيئا له قدر لما هو أعظم قدرا منه وهذا أيضا نقصان الدرجة الثالثة وهى ~~العليا أن يزهد طوعا ويزهد فى زهده فلا يرى زهده إذ لا يرى أنه ترك شيئا إذ ~~عرف أن الدنيا لا شىء PageV04P225 فيكون كمن ترك خزفه وأخذ جوهرة فلا يرى ~~ذلك معاوضة ولا يرى نفسه تاركا شيئا والدنيا بالإضافة إلى الله تعالى ونعيم ~~الآخرة أخس من خزفة بالإضافة إلى جوهرة فهذا هو الكمال فى الزهد # وسببه كمال المعرفة ومثل هذا الزاهد آمن من خطر الالتفات إلى الدنيا كما ~~أن تارك الخزفة بالجوهرة أمن من طلب الإقالة فى البيع # قال أبو يزيد رحمه الله تعالى لأبى موسى عبد الرحيم فى أى شىء تتكلم قال ~~فى الزهد قال فى أى شىء قال فى الدنيا فنفض يده وقال ظننت أنه يتكلم فى شىء ~~والدنيا لا شىء إيش يزهد فيها # ومثل من ترك الدنيا للآخرة عند أهل المعرفة وأرباب القلوب المعمورة ~~بالمشاهدات والمكاشفات مثل من منعه من باب الملك كلب على بابه فألقى إليه ~~لقمة من خبز فشغله بنفسه ودخل الباب ونال القرب عند الملك حتى نفذ أمره فى ~~جميع مملكته أفترى أنه يرى لنفسه يدا عند الملك بلقمة خبز ألقاها إلى كلبه ~~فى مقابلة ما قد ناله فالشيطان كلب على باب الله تعالى يمنع الناس من ~~الدخول مع أن الباب مفتوح والحجاب مرفوع والدنيا كلقمة خبز إن أكلت فلذتها ~~فى حال المضغ وتنقضى على القرب بالابتلاع ثم يبقى ثقلها فى المعدة ثم تنتهى ~~إلى النتن والقذر ثم يحتاج بعد ذلك إلى إخراج ذلك الثقل فمن تركها لينال عز ~~الملك كيف يلتفت إليها ونسبة الدنيا كلها أعنى ما يسلم لكل شخص منها وإن ~~عمر مائة سنة بالإضافة إلى نعيم الآخرة أقل من لقمة بالإضافة إلى ملك ~~الدنيا إذ لا نسبة للمتناهى إلى مالا نهاية له والدنيا متناهية على القرب ~~ولو كانت تتمادى ألف ألف سنة صافية عن كل كدر لكان لا نسبة لها إلى نعيم ~~الأبد فكيف ومدة العمر قصيرة ولذات الدنيا مكدرة غير صافية فأى نسبة لها ~~إلى نعيم الأبد فإذن لا يلتفت الزاهد إلى زهده إلا إذا التفت إلى ما زهد ~~فيه ولا يلتفت إلى ما زهد فيه إلا لأنه يراه شيئا معتدا به ولا يراه شيئا ~~معتدا به إلا لقصور معرفته فسبب نقصان الزهد نقصان المعرفة فهذا تفاوت ~~درجات الزهد وكل درجة من هذه أيضا لها درجات إذ تصبر المتزهد يختلف ويتفاوت ~~أيضا باختلاف قدر المشقة فى الصبر وكذلك درجة المعجب بزهده بقدر التفاته ~~إلى زهده # وأما انقسام الزهد بالإضافة إلى المرغوب فيه فهو أيضا على ثلاث درجات ~~الدرجة السفلى أن يكون المرغوب فيه النجاة من النار ومن سائر الآلام كعذاب ~~القبر ومناقشة الحساب وخطر الصراط وسائر ما بين يدى العبد من الأهوال كما ~~وردت به الأخبار إذ فيها إن الرجل ليوقف في الحساب حتى لو وردت مائة بعير ~~عطاشا على عرقه لصدرت رواء + حديث إن الرجل ليوقف في الحساب حتى لو وردت ~~مائة بعير عطاشا على عرفه لصدرت رواء أخرجه أحمد من حديث ابن عباس التقى ~~مؤمنان على باب الجنة مؤمن غني ومؤمن فقير الحديث وفيه أني حبست بعدك محبسا ~~فظيعا كريها ما وصلت إليك حتى سال مني العرق ما لو ورده ألف بعير أكلة حمض ~~لصدرت عنه رواء وفيه دريد غير منسوب يحتاج إلى معرفتهقال أحمد حديثه مثله + ~~فهذا هو زهد الخائفين وكأنهم رضوا بالعدم لو أعدموا فإن الخلاص من الألم ~~يحصل بمجرد العدم # الدرجة الثانية أن يزهد رغبة في ثواب الله ونعيمه واللذات الموعودة فى ~~جنته من الحور والقصور وغيرها وهذا زهد الراجين فإن هؤلاء ما تركوا الدنيا ~~قناعة بالعدم والخلاص من الألم بل طمعوا في وجود دائم ونعيم سرمد لا آخر له ~~الدرجة الثالثة وهى العليا أن لا يكون له رغبة إلا فى الله وفي لقائه فلا ~~يلتفت قلبه إلى الآلام ليقصد الخلاص منها ولا إلى اللذات ليقصد نيلها ~~والظفر بها بل هو مستغرق الهم بالله تعالى وهو الذى أصبح وهمومه هم واحد ~~وهو الموحد الحقيقي الذى لا يطلب غير الله تعالى لأن من طلب غير الله فقد ~~عبده وكل مطلوب معبود وكل طالب عبد بالإضافة إلى مطلبه وطلب غير الله من ~~الشرك الخفى وهذا زهد PageV04P226 المحبين وهم العارفون لأنه لا يحب الله ~~تعالى خاصة إلا من عرفه وكما أن من عرف الدينار والدرهم وعلم أنه لا يقدر ~~على الجمع بينهما لم يحب إلا الدينار فكذلك من عرف الله وعرف لذة النظر إلى ~~وجهه الكريم وعرف أن الجمع بين تلك اللذة وبين لذة التنعم بالحور العين ~~والنظر إلى نقش القصور وخضرة الأشجار غير ممكن فلا يحب إلا لذة النظر ولا ~~يؤثر غيره ولا تظنن أن أهل الجنة عند النظر إلى وجه الله تعالى يبقى للذة ~~الحور والقصور متسع في قلوبهم بل تلك اللذة بالإضافة إلى لذة نعيم أهل ~~الجنة كلذة ملك الدنيا والاستيلاء على أطراف الأرض ورقاب الخلق بالإضافة ~~إلى لذة الاستيلاء على عصفور واللعب به والطالبون لنعيم الجنة عند أهل ~~المعرفة وأرباب القلوب كالصبى الطالب للعب بالعصفور التارك للذة الملك وذلك ~~لقصوره عن إدراك لذة الملك لا لأن اللعب بالعصفور في نفسه أعلى وألذ من ~~الاستيلاء بطريق الملك على كافة الخلق # وأما انقسامه بالإضافة إلى المرغوب عنه فقد كثرت فيه الأقاويل ولعل ~~المذكور فيه يزيد على مائة قول فلا نشتغل بنقل الأقاويل ولكن نشير إلى كلام ~~محيط بالتفاصيل حتى يتضح أن أكثر ما ذكر فيه قاصر عن الإحاطة بالكل فنقول ~~المرغوب عنه بالزهد له إجمال وتفصيل ولتفصيله مراتب بعضها أشرح لآحاد ~~الأقسام وبعضها أجمل للجمل # أما الإجمال فى الدرجة الأولى فهو كل ما سوى الله فينبغى أن يزهد فيه حتى ~~يزهد فى نفسه أيضا والإجمال في الدرجة الثانية أن يزهد فى كل صفة للنفس ~~فيها متعة وهذا يتناول جميع مقتضيات الطبع من الشهوة والغضب والكبر ~~والرياسة والمال والجاه وغيرها # وفي الدرجة الثالثة أن يزهد في المال والجاه وأسبابهما إذ إليهما ترجع ~~جميع حظوظ النفس # وفي الدرجة الرابعة أن يزهد في العلم والقدرة والدينار والدرهم والجاه ~~إذا الأموال وإن كثرت أصنافها فيجمعها الدينار والدرهم والجاه وإن كثرت ~~أسبابه فيرجع إلى العلم والقدرة وأعنى به كل علم وقدرة مقصودها ملك القلوب ~~إذ معنى الجاه هو ملك القلوب والقدرة عليها كما أن معنى المال ملك الأعيان ~~والقدرة عليها فإن جاوزت هذا التفصيل إلى شرح وتفصيل أبلغ من هذا فيكاد ~~يخرج ما فيه الزهد عن الحصر # وقد ذكر الله تعالى في آية واحدة سبعة منها فقال زين للناس حب الشهوات من ~~النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة ~~والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا ثم رده في آية أخرى إلى خمسة فقال ~~عز وجل اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في ~~الأموال والأولاد ثم رده تعالى في موضع آخر إلى اثنين فقال تعالى وإنما ~~الحياة الدنيا لعب ولهو ثم رد الكل إلى واحد في موضع آخر فقال ونهى النفس ~~عن الهوى فإن الجنة هي المأوى فالهوى لفظ يجمع جميع حظوظ النفس في الدنيا ~~فينبغى أن يكون الزهد فيه # وإذا فهمت طريق الإجمال والتفصيل عرفت أن البعض من هذه لا يخالف البعض ~~وإنما يفارقه فى الشرح مرة والإجمال أخرى # فالحاصل أن الزهد عبارة عن الرغبة عن حظوظ النفس كلها ومهما رغب عن حظوظ ~~النفس رغب عن البقاء في الدنيا فقصر أمله لا محالة لأنه إنما يريد البقاء ~~ليتمتع ويريد التمتع الدائم بإرادة البقاء فإن من أراد شيئا أراد دوامه ولا ~~معنى لحب الحياة إلا حب دوام ما هو موجود أو ممكن في هذه الحياة فإذا رغب ~~عنها لم يردها ولذلك لما كتب عليهم القتال قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال ~~لولا أخرتنا إلى أجل قريب فقال تعالى قل متاع الدنيا قليل أى لستم تريدون ~~البقاء إلا لمتاع الدنيا فظهر عند ذلك الزاهدون وانكشف حال المنافقين # أما الزاهدون المحبون لله تعالى فقاتلوا فى سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص ~~وانتظروا إحدى الحسنيين وكانوا إذا دعوا إلى القتال يستنشقون رائحة الجنة ~~ويبادرون إليه مبادرة الظمآن إلى الماء البارد حرصا على نصرة دين الله ~~PageV04P227 أو نيل رتبة الشهادة وكان من مات منهم على فراشه يتحسر على فوت ~~الشهادة حتى إن خالد بن الوليد رضى الله تعالى عنه لما احتضر للموت على ~~فراشه كان يقول كم غررت بروحى وهجمت على الصفوف طمعا فى الشهادة وأنا الآن ~~أموات موت العجائز فلما مات عد على جسده ثمانمائة ثقب من آثار الجراحات ~~هكذا كان حال الصادقين فى الإيمان رضى الله تعالى عنهم أجمعين # وأما المنافقون ففروا من الزحف خوفا من الموت فقيل لهم إن الموت الذين ~~تفرون منه فإنه ملاقيكم فإيثارهم البقاء على الشهادة استبدال الذى هو أدنى ~~بالذى هو خير فأولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما ~~كانوا مهتدين # وأما المخلصون فإن الله تعالى اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ~~فلما رأوا أنهم تركوا تمتع عشرين سنة مثلا أو ثلاثين سنة بتمتع الأبد ~~استبشروا ببيعهم الذى بايعوا به فهذا بيان المزهود فيه # وإذا فهمت هذا علمت أن ما ذكره المتكلمون في حد الزهد لم يشيروا به إلا ~~إلى بعض أقسامه فذكر كل واحد منهم ما رآه غالبا على نفسه أو على من كان ~~يخاطبه فقال بشر رحمه الله تعالى الزهد في الدنيا هو الزهد في الناس وهذا ~~إشارة إلى الزهد في الجاه خاصة # وقال قاسم الجوعى الزهد في الدنيا هو الزهد في الجوف فبقدر ما تملك من ~~بطنك كذلك تملك من الزهد وهذا إشارة إلى الزهد في شهوة واحدة ولعمرى هي ~~أغلب الشهوات على الأكثر وهي المهيجة لأكثر الشهوات وقال الفضيل الزهد في ~~الدنيا هو القناعة وهذا إشارة إلى المال خاصة وقال الثورى الزهد هو قصر ~~الأمل وهو جامع لجميع الشهوات فإن من يميل إلى الشهوات يحدث نفسه بالبقاء ~~فيطول أمله ومن قصر أمله فكأنه رغب عن الشهوات كلها وقال أويس إذا خرج ~~الزاهد يطلب ذهب الزهد عنه وما قصد بهذا حد الزهد ولكن جعل التوكل شرطا في ~~الزهد # وقال أويس أيضا الزهد هو ترك الطلب للمضمون وهو إشارة إلى الرزق وقال أهل ~~الحديث حب الدنيا هو العمل بالرأى والمعقول والزهد إنما هو أتباع العلم ~~ولزوم السنة وهذا إن أريد به الرأى الفاسد والمعقول الذى يطلب به الجاه في ~~الدنيا فهو صحيح ولكنه إشارة إلى بعض أسباب الجاه خاصة أو إلى بعض ما هو من ~~فضول الشهوات فإن من العلوم ما لا فائدة فيه في الآخرة وقد طولوها حتى ~~ينقضى عمر الإنسان في الاشتغال بواحد منها فشرط الزاهد أن يكون الفضول أول ~~مرغوب عنه عنده وقال الحسن الزاهد الذى إذا رأى أحدا قال هذا أفضل منى فذهب ~~إلى أن الزهد هو التواضع وهذا إشارة إلى نفى الجاه والعجب وهو بعض أقسام ~~الزهد وقال بعضهم الزهد هو طلب الحلال وأين هذا ممن يقول الزهد هو ترك ~~الطلب كما قال أويس ولا شك في أنه أراد به ترك طلب الحلال وقد كان يوسف بن ~~أسباط يقول من صبر على الأذى وترك الشهوات وأكل الخبز من الحلال فقد أخذ ~~بأصل الزهد # وفي الزهد أقاويل وراء ما نقلناه فلم نر في نقلها فائدة فإن من طلب كشف ~~حقائق الأمور من أقاويل الناس رآها مختلفة فلا يستفيد إلا الحيرة وأما من ~~انكشف له الحق في نفسه وأدركه بمشاهدة من قلبه لا بتلقف من سمعه فقد وثق ~~بالحق واطلع على قصور من قصر لقصور بصيرته وعلى اقتصار من اقتصر من اقتصر ~~مع كمال المعرفة لاقتصار حاجته وهؤلاء كلهم اقتصروا لا لقصور في البصيرة ~~لكنهم ذكروا ما ذكروه عند الحاجة فلا جرم ذكروه بقدر الحاجة والحاجات تختلف ~~فلا جرم الكلمات تختلف وقد يكون سبب الاقتصار الإخبار عن الحالة الراهنة ~~التى هي مقام العبد في نفسه والأحوال تختلف فلا جرم الأقوال المخبرة عنها ~~تختلف وأما الحق في نفسه PageV04P228 فلا يكون إلا واحدا ولا يتصور أن ~~يختلف وإنما الجامع من هذه الأقاويل الكامل في نفسه وإن لم يكن فيه تفصيل ~~ما قاله أبو سليمان الدارانى إذ قال سمعنا في الزهد كلاما كثيرا والزهد ~~عندنا ترك كل شىء يشغلك عن الله عز وجل وقد فصل مرة وقال من تزوج أو سافر ~~في طلب المعيشة أو كتب الحديث فقد ركن إلى الدنيا فجعل جميع ذلك ضدا للزهد ~~وقد قرأ أبو سفيان قوله تعالى إلا من أتى الله بقلب سليم فقال هو القلب ~~الذي ليس فيه غير الله تعالى وقال إنما زهدوا في الدنيا لتفرغ قلوبهم من ~~همومها للآخرة فهذا بيان انقسام الزهد بالإضافة إلى أصناف المزهود فيه فأما ~~بالإضافة إلى أحكامه فينقسم إلى فرض ونفل وسلامة كما قاله إبراهيم بن أدهم ~~فالفرض هو الزهد في الحرام # والنفل هو الزهد في الحلال # والسلامة هو الزهد في الشبهات # وقد ذكرنا تفاصيل درجات الورع في كتاب الحلال والحرام وذلك من الزهد إذ ~~قيل لمالك بن أنس ما الزهد قال التقوى وأما بالإضافة إلى خفايا ما يتركه ~~فلا نهاية للزهد فيه إذ لا نهاية لما تتمتع به النفس في الخطرات واللحظات ~~وسائر الحالات لا سيما خفايا الرياء فإن ذلك لا يطلع عليه إلا سماسرة ~~العلماء بل الأحوال الظاهرة أيضا درجات الزهد فيها لا تتناهى فممن أقصى ~~درجاته زهد عيسى عليه السلام إذ توسد حجرا فى نومه فقال له الشيطان أما كنت ~~تركت الدنيا فما الذى بدا لك قال وما الذى تجدد قال توسدك الحجر أى تنعمت ~~برفع رأسك عن الأرض فى النوم فرمى الحجر وقال خذه مع ما تركته لك # وروى عن يحيى بن زكريا عليهما السلام أنه لبس المسوح حتى ثقب جلده تركا ~~للتنعم بلين اللباس واستراحة حس اللمس فسألته أمه أن يلبس مكان المسح جبة ~~من صوف ففعل فأوحى الله تعالى إليه يا يحيى آثرت على الدنيا فبكى ونزع ~~الصوف وعاد إلى ما كان عليه # وقال أحمد رحمه الله تعالى الزهد زهد أويس بلغ من العرى أن جلس في قوصرة # وجلس عيسى عليه السلام في ظل حائط إنسان فأقامه صاحب الحائط فقال ما ~~أقمتنى أنت إنما أقامنى الذى لم يرض لى أن أتنعم بظل الحائط فإذن درجات ~~الزهدد ظاهرا وباطنا لا حصر لها وأقل درجاته الزهد في كل شبهة ومحظور # وقال قوم الزهد هو الزهد الحلال لافى الشبهة والمحظور فليس ذلك من درجاته ~~في شىء ثم رأوا أنه لم يبق حلال في أموال الدنيا فلا يتصور الزهد الآن # فإن قلت مهما كان الصحيح هو أن الزهد ترك ما سوى الله فكيف يتصور ذلك مع ~~الأكل والشرب واللبس ومخالطة الناس ومكالمتهم وكل ذلك اشتغال بما سوى الله ~~تعالى فاعلم أن معنى الانصراف عن الدنيا إلى الله تعالى هو الإقبال بكل ~~القلب عليه ذكرا وفكرا ولا يتصور ذلك إلا مع البقاء ولا بقاء إلا بضروريات ~~النفس فمهما اقتصرت من الدنيا على دفع المهلكات عن البدن وكان غرضك ~~الاستعانة بالبدن على العبادة لم تكن مشتغلا بغير الله فإن ما لا يتوصل إلى ~~الشىء إلا به فهو منه فالمشتغل بعلف الناقة وبسقيها فى طريق الحج ليس معرضا ~~عن الحج ولكن ينبغى أن يكون بدنك في طريق الله مثل ناقتك في طريق الحج ولا ~~غرض لك في تنعم ناقتك باللذات بل غرضك مقصور على دفع المهلكات عنها حتى ~~تسير بك إلى مقصدك فكذلك ينبغى أن تكون في صيانة بدنك عن الجوع والعطش ~~المهلك بالأكل والشرب وعن الحر والبرد المهلك باللباس والمسكن فتقصر على ~~قدر الضرورة ولا تقصد التلذذ بل التقوي على طاعة الله تعالى فذلك لا يناقض ~~الزهد بل هو شرط الزهد وإن قلت فلا بد وأن أتلذذ بالأكل عند الجوع فاعلم أن ~~ذلك لا يضرك إذا لم يكن قصدك التلذذ فإن شارب الماء البارد قد يستلذ الشرب ~~ويرجع حاصله إلى زوال ألم العطش ومن يقضى حاجته قد يستريح بذلك PageV04P229 ~~ولكن لا يكون ذلك مقصودا عنده ومطلوبا بالقصد فلا يكون القلب منصرفا إليه ~~فالإنسان قد يستريح في قيام الليل بتنسم الأسحار وصوت الأطيار ولكن إذا لم ~~يقصد طلب موضع لهذه الاستراحة فما يصيبه من ذلك بغير قصد لا يضره ولقد كان ~~في الخائفين من طلب موضعا لا يصيبه فيه نسيم الأسحار خيفة من الاستراحة به ~~وأنس القلب معه فيكون فيه أنس بالدنيا ونقصان في الأنس بالله بقدر وقوع ~~الأنس بغير الله ولذلك كان داود الطائى له جب مكشوف فيه ماؤه فكان لا يرفعه ~~من الشمس ويشرب الماء الحار ويقول من وجد لذة الماء البارد شق عليه مفارقة ~~الدنيا فهذه مخاوف المحتاطين والحزم في جميع ذلك الاحتياط فإنه وإن كان ~~شاقا فمدته قريبة والاحتماء مدة يسيرة للتنعم على التأبيد لا يثقل على أهل ~~المعرفة القاهرين لأنفسهم بسياسة الشرع المعتصمين بعروة اليقين في معرفة ~~المضادة التى بين الدنيا والدين رضى الله تعالى عنهم أجمعين # | بيان تفضيل الزهد فيما هو من ضروريات الحياة # اعلم أن ما الناس منهمكون فيه ينقسم إلى فضول وإلى مهم فالفضول كالخيل ~~المسومة مثلا إذ غالب الناس إنما يقتنيها للترفه بركوبها وهو قادر على ~~المشى والمهم كالأكل والشرب ولسنا نقدر على تفصيل أصناف الفضول فإن ذلك لا ~~ينحصر وإنما ينحصر المهم الضرورى والمهم أيضا يتطرق إليه فضول في مقداره ~~وجنسه وأوقاته فلا بد من بيان وجه الزهد فيه والمهمات ستة أمور المطعم ~~والملبس والمسكن وأثاثه والمنكح والمال والجاه يطلب لأغراض # وهذه الستة من جملتها وقد ذكرنا معنى الجاه وسبب حب الخلق وكيفية ~~الاحتراز منه في كتاب الرياء من ربع المهلكات ونحن الآن نقتصر على بيان هذه ~~المهمات الستة # الأول المطعم ولا بد للإنسان من قوت حلال يقيم صلبه ولكن له طول وعرض فلا ~~بد من قبض طوله وعرضه حتى يتم به الزهد فأما طوله فبالإضافة إلى جملة العمر ~~فإن من يملك طعام يومه فلا يقنع به وأما عرضه ففي مقدار الطعام وجنسه ووقت ~~تناوله أما طوله فلا يقصر إلا بقصر الأمل وأقل درجات الزهد فيه الاقتصار ~~على قدر دفع الجوع عند شدة الجوع وخوف المرض ومن هذا حاله فإذا استقل بما ~~تناوله لم يدخر من غدائه لعشائه وهذه هي الدرجة العليا الدرجة الثانية أن ~~يدخر لشهر أو أربعين يوما الدرجة الثالثة أن يدخر لسنة فقط وهذه رتبة ضعفاء ~~الزهاد ومن ادخر لأكثر من ذلك فتسميته زاهدا محال لأن من أمل بقاء أكثر من ~~سنة فهو طويل الأمل جدا فلا يتم منه الزهد إلا إذا لم يكن له كسب ولم يرض ~~لنفسه الأخذ من أيدى الناس كداود الطائى فإنه ورث عشرين دينارا فأمسكها ~~وأنفقها في عشرين سنة فهذا لا يضاد أصل الزهد إلا عند من جعل التوكل شرط ~~الزهد وأما عرضه فبالإضافة إلى المقدار وأقل درجاته في اليوم والليلة نصف ~~رطل وأوسطه رطل وأعلاه مد واحد وهو ما قدره الله تعالى في إطعام المسكين في ~~الكفارة وما وراء ذلك فهو من اتساع البطن والاشتغال به ومن لم يقدر على ~~الاقتصار على مد لم يكن له من الزهد في البطن نصيب وأما بالإضافة إلى الجنس ~~فأقله كل ما يقوت ولو الخبز من النخالة وأوسطه خبز الشعير والذرة وأعلاه ~~خبز البر غير منخول فإذا ميز من النخالة وصار حوارى فقد دخل في التنعم وخرج ~~عن أخر أبواب الزهد فضلا عن أوائله # وأما الأدم فأقله الملح أو البقل والخل وأوسطه الزيت أو يسير من الأدهان ~~أى دهن كان وأعلاه اللحم أي لحم كان وذلك في الأسبوع مرة أو مرتين فإن صار ~~دائما أو أكثر من مرتين في الأسبوع خرج عن آخر أبواب الزهد فلم يكن صاحبه ~~زاهدا في البطن أصلا وأما بالإضافة إلى الوقت فأقله في اليوم والليلة مرة ~~وهو أن يكون صائما وأوسطه PageV04P230 أن يصوم ويشرب ليلة ولا يأكل ويأكل ~~ليلة ولا يشرب وأعلاه أن ينتهى إلى أن يطوى ثلاثة أيام أو أسبوعا وما زاد ~~عليه وقد ذكرنا طريق تقليل الطعام وكسر شرهه في ربع المهلكات ولينظر إلى ~~أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم في كيفية ~~زهدهم في المطاعم وتركهم الأدم # قالت عائشة رضى الله تعالى عنها كانت تأتى علينا أربعون ليلة وما يوقد في ~~بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مصباح ولا نار قيل لها فبم كنتم تعيشون ~~قالت بالأسودين التمر والماء + حديث عائشة كانت تأتي أربعون ليلة وما يوقد ~~في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مصباح ولا نار الحديث أخرجه ابن ماجه ~~من حديث عائشة كان يأتي على آل محمد الشهر ما يرى في بيت من بيوته دخان ~~الحديث # وفي رواية له ما يوقد فيه بنار # ولأحمد كان يمر بنا هلال وهلال ما يوقد في بيت من بيوته نار # وفي رواية له ثلاثة أهله + وهذا ترك اللحم والمرقة والأدم # وقال الحسن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب الحمار ويلبس الصوف ~~وينتعل المخصوف ويلعق أصابعه ويأكل على الأرض # ويقول إنما أنا عبد آكل كما تأكل العبيد وأجلس كما تجلس العبيد + حديث ~~الحسن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب الحمار الحديث تقدم دون قوله ~~إنما أنا عبد فإنه ليس من حديث الحسن إنما هو من حديث عائشة وقد تقدم + # وقال المسيح عليه السلام بحق أقول لكم إنه من طلب الفردوس فخبز الشعير له ~~والنوم على المزابل مع الكلاب كثير # وقال الفضيل ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة ثلاثة ~~أيام من خبز البر + حديث ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ قدم ~~المدينة ثلاثة أيام من خبز البر تقدم + # وكان المسيح صلى الله عليه وسلم يقول يا بنى إسرائيل عليكم بالماء القراح ~~والبقل البرى وخبز الشعير وإياكم وخبز البر فإنكم لن تقوموا بشكره # وقد ذكرنا سيرة الأنبياء والسلف في المطعم والمشرب في ربع المهلكات فلا ~~نعيده # ولما أتى النبي صلى الله عليه وسلم أهل قباء أتوه بشربة من لبن مشوبة ~~بعسل فوضع القدح من يده وقال أما إنى لست أحرمه ولكن أتركه تواضعا لله ~~تعالى + حديث لما أتى أهل قباء أتوه بشربة من لبن بعسل فوضع القدح من يده ~~الحديث تقدم + # وأتى عمر رضى الله عنه بشربة من ماء بارد وعسل في يوم صائف فقال اعزلوا ~~عنى حسابها # وقد قال يحيى ابن معاذ الرازى الزاهد الصادق قوته ما وجد ولباسه ما ستر ~~ومسكنه حيث أدرك الدنيا سجنه والقبر مضجعه والخلوة مجلسه والاعتبار فكرته ~~والقرآن حديثه والرب أنيسه والذكر رفيقه والزهد قرينه والحزن شأنه والحياء ~~شعاره والجوع إدامه والحكمة كلامه والتراب فراشه والتقوى زاده والصمت ~~غنيمته والصبر معتمده والتوكل حسبه والعقل دليله والعبادة حرفته والجنة ~~مبلغه إن شاء الله تعالى # المهم الثانى الملبس # وأقل درجته ما يدفع الحر والبرد ويستر العورة وهو كساء يتغطى به وأوسطه ~~قميص وقلنسوة ونعلان وأعلاه أن يكون معه منديل وسراويل وما جاوز هذا من حيث ~~المقدار فهو مجاوز حد الزهد # وشرط الزاهد أن لا يكون له ثوب يلبسه إذا غسل ثوبه بل يلزمه القعود فى ~~البيت فإذا صار صاحب قميصين وسراويلين ومنديلين فقد خرج من جميع ألوان ~~الزهد من حيث المقدار # أما الجنس فأقله المسوح PageV04P231 الخشنة وأوسطه الصوف الخشن وأعلاه ~~القطن الغليظ # وأما من حيث الوقت فأقصاه ما يستر سنة وأقله ما يبقى يوما حتى رقع بعضهم ~~ثوبه بورق الشجر وإن كان يتسارع الجفاف إليه وأوسطه ما يتماسك عليه شهرا ~~ومما يقاربه فطلب ما يبقى أكثر من سنة خروج إلى طول الأمل وهو مضاد للزهد ~~وإلا إذا كان المطلوب خشونته ثم قد يتبع ذلك قوته ودوامه فمن وجد زيادة من ~~ذلك فينبغى أن يتصدق به فإن أمسكه لم يكن زاهدا بل كان محبا للدنيا ولينظر ~~فيه إلى أحوال الأنبياء والصحابة كيف تركوا الملابس قال أبو بردة أخرجت لنا ~~عائشة رضى الله تعالى عنها كساء ملبدا وإزارا غليظا فقالت قبض رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم في هذين + حديث أخرجت عائشة كساء ملبدا وإزارا غليظا ~~فقالت قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين رواه الشيخان وقد تقدم في ~~آداب المعيشة + وقال صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يحب المتبذل الذى لا ~~يبالى مما لبس + حديث إن الله يحب المتبذل لا يبالي ما لبس لم أجد له أصلا ~~+ وقال عمرو بن الأسود العنسى لا ألبس مشهورا أبدا ولا أنام بليل أبدا على ~~دثار أبدا ولا أركب على مأثور أبدا ولا أملأ جوفى من طعام أبدا فقال عمر من ~~سره أن ينظر إلى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى عمرو بن ~~الأسود + حديث عمر من سره أن ينظر إلى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فلينظر إلى هدى عمرو بن الأسود رواه أحمد بإسناد جيد + # وفي الخبر ما من عبد لبس ثوب شهرة إلا أعرض الله عنه حتى ينزعه وإن كان ~~عنده حبيبا + حديث ما من عبد لبس ثوب شهرة الحديث رواه ابن ماجه من حديث ~~أبي ذر بإسناد جيد دون قوله وإن كان عنده حبيبا + واشترى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ثوبا بأربعة دراهم + حديث اشترى رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم ثوبا بأربعة دراهم # أخرجه أبو يعلى من حديث أبي هريرة قال دخلت يوما السوق مع رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فجلس إلى البزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم الحديث ~~وإسناده ضعيف + # وكانت قيمة ثوبيه عشرة + حديث كان قيمة ثوبية عشرة دراهم لم أجده + وكان ~~إزاره أربعة أذرع ونصفا + حديث كان إزاره أربعة أذرع ونصفا # أخرجه أبو الشيخ في كتاب أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية ~~عروة بن الزبير مرسلا كان رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أذرع ~~وعرضه ذراعان ونصف الحديث وفيه ابن لهيعة # وفي طبقات ابن سعد من حديث أبي هريرة كان له إزار من نسج عمان طوله أربعة ~~أذرع وشبر في ذراعين وشبر وفيه محمد بن عمر الواقدي + واشترى سراويل بثلاثة ~~دراهم + حديث اشترى سراويل بثلاثة دراهم المعروف أنه اشتراه بأربعة دراهم ~~تقدم عند أبي يعلى وشراؤه السراويل عند أصحاب السنن من حديث سويد بن قيس ~~إلا أنه لم يذكر فيه مقدار ثمنه قال الترمذي حسن صحيح + # وكان يلبس شملتين بيضاوين من صوف + حديث كان يلبس شملتين بيضاوين من صوف ~~وكانت تسمى حلة لأنها ثوبان من جنس واحد وربما كان يلبس بردين يمانيين أو ~~سحوليين من هذه الغلاظ تقدم في آداب وأخلاق النبوة لبسه للشملة والبرد ~~والحبرة # وأما لبسه الحلة ففي الصحيحين من حديث البراء رأيته في حلة حمراء ولأبي ~~داود من حديث ابن عباس حين خرج إلى الحرورية وعليه أحسن ما يكون من حلل ~~اليمن # وقال رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما ييكون من الحلل وفي ~~الصحيحين من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قبض في ثوبين أحدها أزار ~~غليظ مما يصنع باليمن وتقدم في آداب المعيشة ولأبي داود والترمذي والنسائي ~~من حديث أبي رمثة وعليه يردان أخضران سكت عليه أبو داود واستغربه الترمذي ~~والبزار من حديث قدامة الكلابي وعليه حلة حيرة وفيه عريف بن إبراهيم لا ~~يعرف قاله الذهبي + وكانت تسمى حلة لأنها ثوبان من جنس واحد وربما كان يلبس ~~بردين يمانيين أو سحوليين من هذه الغلاظ # وفي الخبر كان قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قميص زيات + حديث ~~كان قميصه كأنه قميص زيات أخرجه الترمذي من حديث أنس بسند ضعيف كان يكثر ~~دهن رأسه وتسريح لحيته حتى كأن ثوبه ثوب زيات + # ولبس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما واحدا ثوبا سيراء من سندس قيمته ~~مائتا درهم + حديث لبس يوما واحدا ثوبا سيراء من سندس قيمته مائتا درهم ~~إهداء له المقوقس ثم نزعه الحديث + فكان أصحابه يلمسونه ويقولون ~~PageV04P232 يا رسول الله أنزل عليك هذا من الجنة تعجبا وكان قد أهداه إليه ~~المقوقس ملك الإسكندرية فأراد أن يكرمه بلبسه ثم نزعه وأرسل به إلى رجل من ~~المشركين وصله به ثم حرم لبس الحرير والديباج # وكأنه إنما لبسه أولا تأكيدا للتحريم كما لبس خاتما من ذهب يوما ثم نزعه ~~+ حديث لبس يوما خاتما من ذهب ثم نزعه متفق عليه وقد تقدم + فحرم لبسه على ~~الرجال وكما قال لعائشة فى شأن بريرة اشترطي لأهلها الولاء + حديث قال ~~لعائشة في شأن بريرة اشترطي لأهلها الحديث متفق عليه من حديثها + فلما ~~اشترطته صعد عليه السلام المنبر فحرمه وكما أباح المتعة ثلاثا ثم حرمها ~~لتأكيد أمر النكاح + حديث أباح المتعة ثلاثا ثم حرمها أخرجه مسلم من حديث ~~سلمة بن الأكوع + وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة لها علم ~~فلما سلم قال شغلى النظر إلى هذه اذهبوا بها إلى أبى جهم وائتونى ~~بأنبجانيته + حديث صلى في خميصة لها علم الحديث متفق عليه وقد تقدم في ~~الصلاة + يعنى كساءه فاختار لبس الكساء على الثوب الناعم وكان شراك نعله قد ~~أخلق فأبدل بسير جديد فصلى فيه فلما سلم قال أعيدوا الشراك الخلق وانزعوا ~~هذا الجديد فإنى نظرت إليه في الصلاة ولبس خاتما من ذهب ونظر إليه على ~~المنبر نظرة فرمى به فقال شغلى هذا عنكم نظرة إليه ونظرة إليكم + حديث لبس ~~خاتما فنظر إليه على المنبر فرمى به وقال شغلني هذا عنكم الحديث تقدم + ~~وكان صلى الله عليه وسلم قد احتذى مرة نعلين جديدين فأعجبه حسنهما فخر ~~ساجدا وقال أعجبنى حسنهما فتواضعت لربى خشية أن يمقتنى ثم خرج بهما فدفعهما ~~إلى أول مسكين رآه + حديث احتذى نعلين جديدين فأعجبه حسنهما الحديث تقدم + # وعن سنان بن سعد قال حيكت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من صوف ~~أنمار وجعلت حاشيتها سوداء فلما لبسها قال انظروا ما أحسنها ما ألينها قال ~~فقام إليه أعرابي فقال يا رسول الله هبها لى وكان رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم إذا سئل شيئا لم يبخل به قال فدفعها إليه وأمر أن يحاك له واحدة أخرى ~~فمات صلى الله عليه وسلم وهى في المحاكة + حديث سنان بن سعد حيكت لرسول ~~الله صلى الله عليه وسلم جبة صوف من صوف أنمار الحديث رواه أبو داود ~~الطيالسي والطبراني من حديث سهل بن سعد دون قوله وأمر أن يحاك له أخرى فهي ~~عند الطبراني فقط وفيه زمعة بن صالح ضعيف ويقع في كثير من نسخ الإحياء سيار ~~بن سعد وهو غلط + # وعن جابر قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة رضى الله تعالى ~~عنها وهى تطحن بالرحى وعليها كساء من وبر الإبل فلما نظر إليها بكى وقال يا ~~فاطمة تجرعى مرارة الدنيا لنعيم الأبد فأنزل الله عليه @QB@ ولسوف يعطيك ~~ربك فترضى @QE@ + حديث جابر دخل على فاطمة وهي تطحن بالرحى الحديث أخرجه ~~أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق بإسناد ضعيف + وقال صلى الله عليه وسلم إن ~~من خيار أمتى فيما أنبأني الملأ الأعلى قوما يضحكون جهرا من سعة رحمه الله ~~تعالى ويبكون سرا من خوف عذابه مؤنتهم على الناس خفيفة وعلى أنفسهم ثقيلة ~~يلبسون الخلقان ويتبعون الرهبان أجسامهم في الأرض وأفئدتهم عند العرش + ~~حديث إن من خيار أمتي فيما آتاني العلي الأعلى قوما يضحكون جهرا من سعة ~~رحمة ربهم ويبكون سرا من خوف عذابه الحديث تقدم وهو عند الحاكم والبيهقي في ~~الشعب وضعفه + فهذه كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الملابس وقد ~~أوصى أمته عامة باتباعه إذ قال من أحبنى فليستن بسنتى + حديث من أحبني ~~فليستن بسنتي تقدم في النكاح + وقال عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من ~~بعدى عضوا عليها بالنواجذ + حديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين الحديث ~~رواه أبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه من حديث العرباض بن سارية + وقال ~~تعالى @QB@ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله @QE@ وأوصى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضى الله عنها خاصة وقال إن أردت اللحوق بى ~~فإياك ومجالسة الأغنياء ولا تنزعى ثوبا حتى ترقعيه + حديث قال لعائشة إن ~~أردت اللحوق بي فإياك ومجالسة الأغنياء أخرجه الترمذي وقال غريب والحاكم ~~وصححه من حديث عائشة وقد تقدم + وعد على قميص عمر رضى الله عنه اثنتا عشرة ~~رقعة بعضها من أدم PageV04P233 واشترى على بن أبى طالب كرم الله وجهه ثوبا ~~بثلاثة دراهم ولبسه وهو في الخلافة وقطع كميه من الرسغين وقال الحمد لله ~~الذي كساني هذا من رياشه # وقال الثورى وغيره إلبس من الثياب مالا يشهرك عند العلماء ولا يحقرك عند ~~الجهال وكان يقول إن الفقير ليمر بي وأنا أصلى فأدعه يجوز ويمر بى واحد من ~~أبناء الدنيا وعليه هذه البزة فأمقته ولا أدعه يجوز وقال بعضهم قومت ثوبي ~~سفيان ونعليه بدرهم وأربعة دوانق وقال ابن شبرمة خير ثيابي ما خدمني وشرها ~~ما خدمته # وقال بعض السلف البس من الثياب ما يخلطك بالسوقة ولا تلبس منها ما يشهرك ~~فينظر إليك # وقال أبو سليمان الدارانى الثياب ثلاثة ثوب لله وهو ما يستر العورة وثوب ~~للنفس وهو ما يطلب لينه وثوب للناس وهو ما يطلب جوهره وحسنه # وقال بعضهم من رق ثوبه رق دينه # وكان جمهور العلماء من التابعين قيمة ثيابهم ما بين العشرين إلى الثلاثين ~~درهما وكان الخواص لا يلبس أكثر من قطعتين قميص ومتزر تحته وربما يعطف ذيل ~~قميصه على رأسه وقال بعض السلف أول النسك الزى وفى الخبر البذاذة من ~~الإيمان وفى الخبر من ترك ثوب جمال وهو يقدر عليه تواضعا لله تعالى وابتغاء ~~لوجهه كان حقا على الله أن يدخر له من عبقرى الجنة في تخات الياقوت وأوحى ~~الله تعالى إلى بعض أنبيائه قل لأوليائى لا يلبسوا ملابس أعدائى ولا يدخلوا ~~مداخل أعدائى فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي # ونظر رافع بن خديج إلى بشر بن مروان على منبر الكوفة وهو يعظ فقال انظروا ~~إلى أميركم يعظ الناس وعليه ثياب الفساق وكان عليه ثياب رقاق وجاء عبد الله ~~بن عامر بن ربيعة إلى أبى ذر في بزته فجعل يتكلم في الزهد فوضع أبى ذر ~~راحته على فيه وجعل يضرط به فغضب ابن عامر فشكاه إلى عمر فقال أنت صنعت ~~بنفسك تتكلم في الزهد بين يديه بهذه البزة وقال على كرم الله وجهه إن الله ~~تعالى أخذ على أئمة الهدى أن يكونوا في مثل أدنى أحوال الناس ليقتدى بهم ~~الغنى ولا يزرى بالفقير فقره ولما عوتب في خشونة لباسه قال هو أقرب إلى ~~التواضع وأجدر أن يقتدى به المسلم # ونهى صلى الله عليه وسلم عن التنعم وقال إن لله تعالى عبادا ليسوا ~~بالمتنعمين + حديث نهى عن التنعم وقال إن لله عبادا ليسوا بالمتنعمين أخرجه ~~أحمد من حديث معاذ وقد تقدم + ورؤى فضالة بن عبيد وهو والى مصر أشعث حافيا ~~فقيل له أنت الأمير وتفعل هذا فقال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ~~الإرفاء وأمرنا أن نحتفى أحيانا + حديث فضالة بن عبيد نهانا رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم عن الإرفاء وأمرنا أن نحتفي أحيانا # أخرجه أبو داود بإسناد جيد + # وقال على لعمر رضى الله عنهما إن أردت أن تلحق بصاحبيك فارفع القميص ونكس ~~الإزار واخصف النعل وكل دون الشبع # وقال عمر اخشوشنوا وإياكم وزى العجم كسرى وقيصر وقال على كرم الله وجهه ~~من تزيا بزى قوم فهو منهم # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من شرار أمتى الذين غذوا بالنعيم ~~يطلبون ألوان الطعام وألوان الثياب ويتشدقون فى الكلام + حديث إن من شرار ~~أمتي الذين غذوا بالنعيم الحديث رواه الطبراني من حديث أبي أمامة بإسناد ~~ضعيف سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام الحديث وآخره أولئك شرار أمتي ~~وقد تقدم + وقال صلى الله عليه وسلم أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ولا جناح ~~عليه فيما بينه وبين الكعبين وما أسفل من ذلك ففي النار ولا ينظر الله يوم ~~القيامة إلى من جر إزاره بطرا + حديث إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه الحديث ~~رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن حبان من حديث أبي سعيد ورواه أيضا ~~النسائي من حديث أبي هريرة قال محمد بن يحيى الذهلي كلا الحديثين محفوظ + ~~وقال أبو سليمان الدارانى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلبس الشعر ~~من أمتى إلا مراء أو أحمق + حديث أبي سليمان لا يلبس الشعر من أمتي إلا ~~مراء أو أحمق لم أجد له إسنادا + وقال الأوزاعى لباس الصوف في السفر سنة ~~وفي الحضر بدعة ودخل محمد بن واسع PageV04P234 على قتيبة بن مسلم وعليه جبة ~~صوف فقال له قتيبة ما دعاك إلى مدرعة الصوف فسكت فقال أكلمك ولا تجيبني ~~فقال أكره أن أقول زهدا فأزكى نفسى أو فقرا فأشكو ربى # وقال أبو سليمان لما اتخذ الله إبراهيم خليلا أوحى إليه أن وار عورتك من ~~الأرض وكان لا يتخذ من كل شىء إلا واحدا سوى السراويل فإنه كان يتخذ ~~سراويلين فإذا غسل أحدهما لبس الآخر حتى لا يأتى عليه حال إلا وعورته ~~مستورة وقيل لسلمان الفارسى رضى الله عنه مالك لا تلبس الجيد من الثياب ~~فقال وما للعبد والثوب الحسن فإذا عتق فله والله ثياب لا تبلى أبدا ويروى ~~عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه كان له جبة شعر وكساء يلبسهما من الليل ~~إذا قام يصلى # وقال الحسن لفرقد السبخى تحسب أن لك فضلا على الناس بكسائك بلغنى أن أكثر ~~أصحاب النار أصحاب الأكسية نفاقا وقال يحيى بن معين أرأيت أبا معاوية ~~الأسود وهو يلتقط الخرق من المزابل ويغسلها ويلفقها ويلبسها فقلت إنك تكسى ~~خيرا من هذا فقال ما ضرهم ما أصابهم فى الدنيا جبر الله لهم بالجنة كل ~~مصيبة فجعل يحيى ابن معين يحدث بها ويبكى # المهم الثالث المسكن وللزهد فيه أيضا ثلاث درجات أعلاها أن لا يطلب موضعا ~~خاصا لنفسه فيقنع بزوايا المساجد كأصحاب الصفة # وأوسطها أن يطلب موضعا خاصا لنفسه مثل كوخ مبنى من سعف أو خص ما يشبهه ~~وأدناها أن يطلب حجرة مبنية إما بشراء أو إجارة فإن كان قدر سعة المسكن على ~~قدر حاجته من غير زيادة ولم يكن فيه زينة لم يخرجه هذا القدر عن آخر درجات ~~الزهد فإن طلب التشييد والتجصيص والسعة وارتفاع السقف أكثر من ستة أذرع فقد ~~جاوز بالكلية حدد للزهد في المسكن فاختلاف جنس البناء بأن يكون من الجص أو ~~القصب أو بالطين أو بالآجر واختلاف قدره بالسعة والضيق واختلاف طوله ~~بالإضافة إلى الأوقات بأن يكون مملوكا أو مستأجرا أو مستعارا والزهد مدخل ~~في جميع ذلك # وبالجملة كل ما يراد للضرورة فلا ينبغى أن يجاوز حد الضرورة # وقدر الضرورة من الدنيا آلة الدين ووسيلته وما جاوز ذلك فهو مضاد للدين ~~والغرض من المسكن دفع المطر والبرد ودفع الأعين والأذى وأقل الدرجات فيه ~~معلوم وما زاد عليه فهو الفضول والفضول كله من الدنيا وطالب الفضول والساعى ~~له بعيد من الزهد جدا وقد قيل أول شىء ظهر من طول الأمل بعد رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم التدريز والتشييد يعنى يالتدريز كف دروز الثياب فإنها كانت ~~تشل شلا والتشييد هو البنيان بالجص والآجر وإنما كانوا يبنون بالسعف ~~والجريد + حديث كانت الثياب تشل شلا وكانوا يبنون بالسعف والجريد # أما شل الثياب من غير كف فروى الطبراني والحاكم أن عمر قطع ما فضل عن ~~الأصابع من غير كف وقال # هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم # وأما البناء ففي الصحيحين من حديث أنس في قصة بناء مسجد المدينة فصفوا ~~النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه الحجارة الحديث ولهما من حديث أبي سعيد ~~كان المسجد على عريش فوكف المسجد + وقد جاء في الخبر يأتى على الناس زمان ~~يوشون ثيابهم كما توشى البرود اليمانية وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~العباس أن يهدم علية كان قد علا بها + حديث أمر العباس أن يهدم علية له كان ~~قد علاها # رواه الطبراني من رواية أبي العالية أن العباس بنى غرفة فقال له النبي ~~صلى الله عليه وسلم اهدمها الحديث وهو منقطع + # ومر عليه السلام بجنبذة معلاة فقال لمن هذه قالوا لفلان فلما جاءه الرجل ~~أعرض عنه فلم يكن يقبل عليه كما كان فسأل الرجل أصحابه عن تغيير وجهه صلى ~~الله عليه وسلم فأخبر فذهب فهدمها فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بالموضع فلم يرها فأخبر بأنه هدمها فدعا له بخير + حديث مر بجنبذة معلاة ~~فقال لمن هذه فقالوا لفلان فلما جاءه الرجل أعرض عنه الحديث أخرجه أبو داود ~~من حديث أنس بإسناد جيد بلفظ فرأى قبة مشرفة الحديث والجنبذة القبة + ~~PageV04P235 # وقال الحسن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يضع لبنة على لبنة ولا ~~قصبة على قصبة + حديث الحسن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يضع لبنة ~~على لبنة الحديث رواه ابن حبان في الثقات وأبو نعيم في الحلية هكذا مرسلا # والطبراني في الأوسط من حديث عائشة من سأل عني أو سره أن ينظر إلي فلينظر ~~إلى أشعث شاحب مشمر لم يضع لبنة على لبنة الحديث وإسناده ضعيف + وقال النبي ~~صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله بعبد شرا أهلك ماله في الماء والطين + ~~حديث إذا أراد الله بعبد شرا أهلك ماله في الماء والطين رواه أبو داود من ~~حديث عائشة بإسناد جيد خضر له في الطين واللبن حتى يبنى + وقال عبد الله بن ~~عمر مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نعالج خصا فقال ما هذا ~~قلنا خص لنا قد وهى فقال أرى الأمر أعجل من ذلك + حديث عبد الله بن عمر مر ~~علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نعالج خصا لنا قد وهى الحديث رواه ~~أبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه + واتخذ نوح عليه السلام بيتا من قصب ~~فقيل له لو بنيت فقال هذا كثير لمن يموت وقال الحسن دخلنا على صفوان بن ~~محيريز وهو في بيت من قصب قد مال عليه فقيل له لو أصلحته فقال كم من رجل قد ~~مات وهذا قائم على حاله وقال النبي صلى الله عليه وسلم من بنى فوق ما يكفيه ~~كلف أن يحمله يوم القيامة + من بنى فوق ما يكفيه كلف يوم القيامة أن يحمله ~~رواه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد فيه لين وانقطاع + وفي الخبر كل ~~نفقة في الأرض يؤجر عليها إلا ما أنفقه في الماء والطين + حديث كل نفقة ~~العبد يؤجر عليهم إلا ما أنفقه في الماء والطين رواه ابن ماجة من حديث خباب ~~بن الأرت بإسناد جيد بلفظ إلا في التراب أو قال في البناء + وفي قوله تعالى ~~تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا إنه ~~الرياسة والتطاول في البنيان # وقال صلى الله عليه وسلم كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما أكن ~~من حر أو برد + حديث كل بناء وبال على صاحبه إلا ما أكن من حر أو برد رواه ~~أبو داود من حديث أنس بإسناد جيد بلفظ إلا مالا يعني مالا بد منه + وقال ~~صلى الله عليه وسلم للرجل الذى شكا إليه ضيق منزله اتسع في السماء + حديث ~~قال الرجل الذي شكى إليه ضيق منزله اتسع في السماء قال المصنف أي في الجنة # رواه أبو داود في المراسيل من رواية اليسع بن المغيرة قال شكى خالد بن ~~الوليد فذكره وقد وصله الطبراني فقال عن اليسع بن المغيرة عن أبيه عن خالد ~~الوليد إلا أنه قال ارفع إلى السماء واسأل الله السعة وفي إسناده لين + أي ~~في الجنة ونظر عمر رضى الله عنه في طريق الشام إلى صرح قد بنى بجص وآجر ~~فكبر وقال ما كنت أظن أن يكون في هذه الأمة من يبنى بنيان هامان لفرعون ~~يعنى قول فرعون فأوقد لى يا هامان على الطين يعنى به الآجر ويقال إن فرعون ~~هو أول من بنى له بالجص والآجر وأول من عمله هامان ثم تبعهما الجبابرة وهذا ~~هو الزخرف ورأى بعض السلف جامعا في بعض الأمصار فقال أدركت هذا المسجد ~~مبنيا من الجريد والسعف ثم رأيته من رهص ثم رأيته الآن مبنيا باللبن فكان ~~أصحاب السعف خيرا من أصحاب الرهص وكان أصحاب الرهص خير من أصحاب اللبن وكان ~~من السلف من يبنى داره مرارا في مدة عمره لضعف بنائه وقصر أمله وزهده في ~~إحكام البنيان وكان منهم من إذا حج أو غزا نزع بيته أو وهبة لجيرانه فإذا ~~رجع أعاده وكانت بيوتهم من الحشيش والجلود وهي عادة العرب الآن ببلاد اليمن ~~وكان ارتفاع بناء السقف قامة وبسطة # قال الحسن كنت إذا دخلت بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربت بيدي إلى ~~السقف # وقال عمرو بن دينار إذا أعلى العبد البناء فوق ستة أذرع ناداه ملك إلى ~~أين يا أفسق الفاسقين وقد نهى سفيان عن النظر إلى بناء مشيد وقال لولا نظر ~~الناس لما شيدوا فالنظر إليه معين عليه # وقال الفضيل إنى لم أعجب ممن بنى وترك ولكن أعجب ممن نظر إليه ولم يعتبر # وقال ابن مسعود رضى الله عنه يأتى قوم يرفعون الطين ويضعون الدين ~~ويستعملون البرازين يصلون إلى قبلتكم ويموتون على غير دينكم PageV04P236 # المهم الرابع أثاث البيت وللزهد فيه أيضا درجات أعلاها حال عيسى المسيح ~~صلوات الله عليه وسلامه وعلى كل عبد مصطفى إذ كان لا يصحبه إلا مشط وكوز ~~فرأى إنسانا يمشط لحيته بأصابعه فرمى بالمشط ورأى آخر يشرب من النهر بكفيه ~~فرمى بالكوز وهذا حكم كل أثاث فإنه إنما يراد لمقصود فإذا استغنى عنه فهو ~~وبال في الدنيا والآخرة ومالا يستغنى عنه فيقتصر فيه على أقل الدرجات وهو ~~الخزف في كل ما يكفي فيه الخزف ولا يبالى بأن يكون مكسور الطرف إذا كان ~~المقصود يحصل به وأوسطها أن يكون له أثاث بقدر الحاجة صحيح في نفسه ولكن ~~يستعمل الآلة الواحدة في مقاصد كالذي معه قصعة يأكل فيها ويشرب فيها ويحفظ ~~المتاع فيها وكان السلف يستحبون استعمال آلة واحدة في أشياء للتخفيف ~~وأعلاها أن يكون له بعدد كل حاجة آلة من الجنس النازل الخسيس فإن زاد في ~~العدد أو في نفاسة الجنس خرج عن جميع أبواب الزهد وركن إلى طلب الفضول ~~ولينظر إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة رضوان الله ~~عليهم أجمعين فقد قالت عائشة رضي الله عنها كان ضجاع رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم الذي ينام عليه وسادة من أدم حشوها ليف + حديث عائشة كان ضجاع ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه وسادة من أدم حشوها ليف # رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وابن ماجه + # وقال الفضيل ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عباءة مثنية ~~ووسادة من أدم حشوها ليف + حديث ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~إلا عباءة مثنية ووسادة من أدم حشوها ليف # رواه الترمذي في الشمائل من حديث حفصة بقصة العباءة وقد تقدم ومن حديث ~~عائشة بقصة الوسادة وقد تقدم قبله بعض طرقه + # وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وهو نائم على سرير مرمول بشريط فجلس فرأى أثر الشريط في جنبه عليه ~~السلام فدمعت عينا عمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما الذي أبكاك يا ~~ابن الخطاب قال ذكرت كسرى وقيصر وما هما فيه من الملك وذكرتك وأنت حبيب ~~الله وصفيه ورسوله نائم على سرير مرمول بالشريط فقال صلى الله عليه وسلم ~~أما ترضى يا عمر أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قال بلى يا رسول الله قال ~~فذلك كذلك + حديث دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم على ~~سرير مرمول بشريط النخل فجلس فرأى أثر الشريط في جنبه الحديث متفق عليه من ~~حديثه وقد تقدم + ودخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته فقال يا أبا ~~ذر ما أرى في بيتك متاعا ولا غير ذلك من الأثاث فقال إن لنا بيتا نوجه إليه ~~صالح متاعنا فقال إنه لا بد لك من متاع ما دمت ههنا فقال إن صاحب المنزل لا ~~يدعنا فيه ولما قدم عمير بن سعيد أمير حمص على عمر رضي الله عنهما قال له ~~ما معك من الدنيا فقال معى عصاى أتوكأ عليها وأقتل بها حية إن لقيتها ومعى ~~جرابي أحمل فيه طعامي ومعي قصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثوبي # ومعي مطهرتي أحمل فيها شرابي وطهوري للصلاة فما كان بعد هذا من الدنيا ~~فهو تبع لما معي فقال عمر صدقت رحمك الله وقدم رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم من سفر فدخل على فاطمة رضي الله عنها فرأى على باب منزلها ستر وفي ~~يديها قلبين من فضة فرجع فدخل عليها أبو رافع وهي تبكي فأخبرته برجوع رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فسأله أبو رافع فقال من أجل التستر والسوارين ~~فأرسلت بهما بلالا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت قد تصدقت بهما ~~فضعهما حيث ترى فقال اذهب فبعه وادفعه إلى أهل الصفة فباع القلبين بدرهمين ~~ونصف وتصدق بهما عليهم فدخل عليها صلى الله عليه وسلم فقال بأبي أنت قد ~~أحسنت + حديث قدم من سفره فدخل على فاطمة فرأى على منزلها سترا وفي يديها ~~قلبين من فضة فرجع الحديث لم أره مجموعا ولأبي داود وابن ماجه من حديث ~~سفينة بإسناد جيد أنه صلى الله عليه وسلم جاء فوضع يديه على عضادتي الباب ~~فرأى القرام قد ضرب في ناحية البيت فرجع فقالت فاطمة لعلي انظر فأرجعه # الحديث رواه النسائي من حديث ثوبان بإسناد جيد قال جاءت ابنة هبيرة إلى ~~النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ من ذهب الحديث وفيه أنه وجد في يد ~~فاطمة سلسلة من ذهب وفيه يقول الناس فاطمة بنت محمد في يدها سلسلة من نار ~~وأنه خرج ولم يقعد فأمرت بالسلسلة فبيعت فاشترت بثمنها عبد فأعتقته فلما ~~سمع قال الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار + ورأى رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم على باب عائشة سترا فهتكه PageV04P237 @QB@ وقال @QE@ كلما رأيته ذكرت ~~الدنيا أرسلي به إلى آل فلان + حديث رأى على باب عائشة سترا فهتكه الحديث # أخرجه الترمذي وحسنه والنسائي في الكبرى من حديثها + وفرشت له عائشة ذات ~~ليلة فراشا جديدا وقد كان صلى الله عليه وسلم ينام على عباءة مثنية فما زال ~~يتقلب ليلته فلما أصبح قال لها أعيدي العباءة الخلقة ونحى هذا الفراش عنى ~~قد أسهرني الليلة + حديث فرشت له عائشة ذات ليلة فراشا جديدا وفيه كان ينام ~~على عباءة مثنية الحديث رواه ابن حبان في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه ~~وسلم من حديثها قالت دخلت على امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم عباءة مثنية فانطلقت فبعثت إلي بفراش حشوه صوف فدخل على ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا الحديث وفيه أنه أمرها برده ثلاث ~~مرات فردته وفيه مجالد بن سعيد مختلف فيه والمعروف حديث حفصة المتقدم ذكره ~~من الشمائل + وكذلك أتته دنانير خمسة أو ستة ليلا فبيتها فسهر ليلته حتى ~~أخرجها من آخر الليل # قالت عائشة رضى الله عنها فنام حينئذ حتى سمعت غطيطه ثم قال ما ظن محمد ~~بربه لو لقى الله وهذه عنده + حديث أتته دنانير خمسة أو ستة عشاء فبيتها ~~فسهر ليله الحديث وفيه ما ظن محمد بربه لو لقي الله وهذه عنده أخرجه أحمد ~~من حديث عائشة بإسناد حسن أنه قال في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما فعلت ~~بالذهب فجاء ما بين الخمسة إلى الثمانية إلى التسعة فجعل يقلبها بيده ويقول ~~ما ظن محمد الحديث وزاد أنفقها وفي رواية سبعة أو تسعة دنانير وله من حديث ~~أم سلمة بإسناد صحيح دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شاهم الوجه ~~قالت فحسبت ذلك من وجع فقلت يا نبي الله ما لك شاهم الوجه فقال من أجل ~~الدنانير السبعة التي أتتنا أمس أمسينا وهي في خصم الفراش وفي رواية أمسينا ~~ولم ننفقها + وقال الحسن أدركت سبعين من الأخيار ما لأحدهم إلا ثوبه وما ~~وضع أحدهم بينه وبين الأرض ثوبا قط كان إذا أراد النوم باشر الأرض بجسمه ~~وجعل ثوبه فوقه # المهم الخامس المنكح وقد قال قائلون لا معنى للزهد في أصل النكاح ولا في ~~كثرته وإليه ذهب سهل ابن عبد الله وقال قد حبب إلى سيد الزاهدين النساء ~~فكيف نزهد فيهن ووافقه على هذا القول ابن عيينة وقال كان أزهد الصحابة على ~~بن أبي طالب رضى الله عنه وكان له أربع نسوة وبضع عشرة سرية # والصحيح ما قاله أبو سليمان الدارانى رحمه الله إذ قال كل ما شغلك عن ~~الله من أهل ومال وولد فهو عليك مشئوم والمرأة قد تكون شاغلا عن الله # وكشف الحق فيه أنه قد تكون العزوبة أفضل في بعض الأحوال كما سبق في كتاب ~~النكاح فيكون ترك النكاح من الزهد وحيث يكون النكاح أفضل لدفع الشهوة ~~الغالبة فهو واجب فكيف يكون تركه من الزهد وإن لم يكن عليه آفة في تركه ولا ~~فعله ولكن ترك النكاح احترازا عن ميل القلب إليهن والأنس بهن بحيث يشتغل عن ~~ذكر الله فترك ذلك من الزهد فإن علم أن المرأة لا تشغله عن ذكر الله ولكن ~~ترك ذلك احترازا من لذة النظر والمضاجعة والمواقعة فليس هذا من الزهد أصلا ~~فإن الولد مقصود لبقاء نسله وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من القربات ~~واللذة التى تلحق الإنسان فيما هو من ضرورة الوجود لا تضره إذا لم تكن هي ~~المقصد والمطلب وهذا كمن ترك أكل الخبز وشرب الماء احترازا من لذة الأكل ~~والشرب وليس ذلك من الزهد في شىء لأن في ترك ذلك فوات بدنه فكذلك في ترك ~~النكاح انقطاع نسله فلا يجوز أن يترك النكاح زهدا في لذته من غير خوف آفة ~~أخرى وهذا ما عناه سهل لا محالة ولأجله نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم # وإذا ثبت هذا فمن حاله حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه لا يشغله ~~كثرة النسوة ولا اشتغال القلب بإصلاحهن والإنفاق عليهن + حديث كان لا يشغله ~~كثرة النسوة ولا اشتغال القلب بإصلاحهن والإنفاق عليهن تقدم في النكاح + ~~فلا معنى لزهده فيهن حذرا من مجرد لذة الوقاع والنظر ولكن أنى يتصور ذلك ~~لغير الأنبياء والأولياء فأكثر الناس يشغلهم PageV04P238 كثرة النسوان ~~فينبغى أن يترك الأصل إن كان يشغله وإن لم يشغله وكان يخاف من أن تشغله ~~الكثرة منهن أو جمال المرأة فلينكح واحدة غير جميلة وليراع قلبه في ذلك # قال أبو سليمان الزهد في النساء أن يختار المرأة الدون أو اليتيمة على ~~المرأة الجميلة والشريفة # وقال الجنيد رحمه الله أحب للمريد المبتدى أن لا يشغل قلبه بثلاث وإلا ~~تغير حاله التكسب وطلب الحديث والتزوج وقال أحب للصوفى أن لا يكتب ولا يقرأ ~~لأنه أجمع لهمه فإذا ظهر أن لذة النكاح كلذة الأكل فما شغل عن الله فهو ~~محذور فيهما جميعا # المهم السادس ما يكون وسيلة إلى هذه الخمسة وهو المال والجاه أما الجاه ~~فمعناه ملك القلوب بطلب محل فيها ليتوصل به إلى الاستعانة في الأغراض ~~والأعمال وكل من لا يقدر على القيام بنفسه في جميع حاجته وافتقر إلى من ~~يخدمه افتقر إلى جاه لا محالة في قلب خادمه لأنه إن لم يكن له عنده محل ~~وقدر لم يقم بخدمته وقيام القدر والمحل في القلوب هو الجاه وهذا له أول ~~قريب ولكن يتمادى به إلى هاوية لا عمق لها ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع ~~فيه وإنما يحتاج إلى المحل في القلوب إما لجلب نفع أو لدفع ضر أو لخلاص من ~~ظلم فأما النفع فيغني عنه المال فإن من يخدم بأجرة يخدم وإن لم يكن عنده ~~المستأجر قدر وإنما يحتاج إلى الجاه في قلب من يخدم بغير أجرة وأما دفع ~~الضر فيحتاج لأجله إلى الجاه في بلد لا يكمل فيه العدل أو يكون بين جيران ~~يظلمونه ولا يقدر على دفع شرهم إلا بمحل له في قلوبهم أو محل له عند ~~للسلطان وقدر الحاجة فيه لا ينضبط لا سيما إذا انضم إليه الخوف وسوء الظن ~~بالعواقب والخائض في طلب الجاه سالك طريق الهلاك بل حق الزاهد أن لا يسعى ~~لطلب المحل في القلوب أصلا فإن اشتغاله بالدين والعبادة يمهد له من المحل ~~في القلوب ما يدفع به عنه الأذى ولو كان بين الكفار فكيف بين المسلمين فأما ~~التوهمات والتقديرات التى تحوج إلى زيادة في الجاه على الحاصل بغير كسب فهى ~~أوهام كاذبة إذ من طلب الجاه أيضا لم يخل عن أذى في بعض الأحوال فعلاج ذلك ~~بالاحتمال والصبر أولى من علاجه بطلب الجاه فإذن طلب المحل في القلوب لا ~~رخصة فيه أصلاواليسير منه داع إلى الكثير وضراوته أشد من ضراوة الخمر ~~فليحترز من قليله وكثيره # وأما المال فهو ضرورى في المعيشة أعنى القليل منه فإن كان كسوبا فإذا ~~اكتسب حاجة يومه فينبغى أن يترك الكسب كان بعضهم إذا اكتسب حبتين رفع سفطه ~~وقام هذا شرط الزهد فإن جاوز ذلك إلى ما يكفيه أكثر من سنة فقد خرج عن حد ~~ضعفاء الزهاد وأقويائهم جميعا وإن كانت له ضيعة ولم يكن له قوة يقين في ~~التوكل فأمسك منها مقدار ما يكفى ريعه لسنة واحدة فلا يخرج بهذا القدر عن ~~الزهد بشرط أن يتصدق بكل ما يفضل عن كفاية سنته ولكن يكون من ضعفاء الزهاد ~~فإن شرط التوكل في الزهد كما شرطه أويس القرنى رحمه الله فلا يكون هذا من ~~الزهاد وقولنا إنه خرج من حد الزهاد نعنى به أن ما وعد للزاهدين في الدار ~~الآخرة من المقامات المحمودة لا يناله وإلا فاسم الزهد قد لا يفارقه ~~بالإضافة إلى ما زهد فيه من الفضول والكثرة وأمر المنفرد في جميع ذلك أخف ~~من أمر المعيل وقد قال أبو سليمان لا ينبغى أن يرهق الرجل أهله إلى الزهد ~~بل يدعوهم إليه فإن أجابوا وإلا تركهم وفعل بنفسه ما شاء معناه أن التضييق ~~المشروط على الزاهد يخصه ولا يلزمه كل ذلك في عياله نعم لا ينبغى أن يجيبهم ~~أيضا فيما يخرج عن حد الاعتدال وليتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ~~انصرف من بيت فاطمة رضوان الله عليها بسبب ستر وقلبين لأن ذلك من الزينة لا ~~من الحاجة فإذا ما يضطر الإنسان إليه من جاه ومال ليس بمحذور بل الزائد على ~~الحاجة سم قائل والمقتصر على الضرورة دواء PageV04P239 نافع وما بينهما ~~درجات متشابهة فما يقرب من الزيادة وإن لم يكن سما قاتلا فهو مضر وما يقرب ~~من الضرورة فهو وإن لم يكن دواء نافعا لكنه قليل الضرر والسم محظور شربه ~~والدواء فرض تناوله وما بينهما مشتبه أمره فمن احتاط فإنما يحتاط لنفسه ومن ~~تساهل فإنما يتساهل على نفسه ومن استبرأ لدينه وترك ما يريبه إلى ما لا ~~يريبه ورد نفسه إلى مضيق الضرورة فهو الآخذ بالحزم وهو من الفرق الناجية لا ~~محالة # والمقتصر على قدر الضرورة والمهم لا يجوز أن ينسب إلى الدنيا بل ذلك ~~القدر من الدنيا هو عين الدين لأنه شرط الدين والشرط من جملة المشروط # ويدل عليه ما روى أن إبراهيم الخليل عليه السلام أصابته حاجة فذهب إلى ~~صديق له يستقرضه شيئا فلم يقرضه فرجع مهموما فأوحى الله تعالى إليه لو سألت ~~خليلك لأعطاك فقال يا رب عرفت مقتك للدنيا فخفت أن أسالك منها شيئا فأوحى ~~الله تعالى إليه ليس الحاجة من الدنيا فإذن قدر الحاجة من الدين وما وراء ~~ذلك وبال في الآخرة وهو في الدنيا أيضا كذلك يعرفه من يخبر أحوال الأغنياء ~~وما عليهم من المحنة في كسب المال وجمعه وحفظه واحتمال الذل فيه وغاية ~~سعادته به أن يسلم لورثته فيأكلون وربما يكونون أعداء له وقد يستعينون به ~~على المعصية فيكون هو معينا لهم عليها ولذلك شبه جامع الدنيا ومتبع الشهوات ~~بدود القز لا يزال ينسج على نفسه حيا ثم يروم الخروج فلا يجد مخلصا فيموت ~~ويهلك بسبب عمله الذى عمله بنفسه فكذلك كل من اتبع شهوات الدنيا فإنما يحكم ~~على قلبه بسلاسل تقيده بما يشتهيه حتى تتظاهر عليه السلاسل فيقيده المال ~~والجاه والأهل والولد وشماتة الأعداء ومراءاة الأصدقاء وسائر حظوظ الدنيا ~~فلو خطر له أنه قد أخطأ فيه فقصد الخروج من الدنيا لم يقدر عليه ورأى قلبه ~~مقيدا بسلاسل وأغلال لا يقدر على قطعها ولو ترك محبوبا من محابه باختياره ~~كاد أن يكون قاتلا لنفسه وساعيا في هلاكه إلى أن يفرق ملك الموت بينه وبين ~~جميعها دفعة واحدة # فتبقى السلاسل في قلبه معلقة بالدنيا التى فاتته وخلفها فهى تجاذبه إلى ~~الدنيا ومخالب ملك الموت قد علقت بعروق قلبه تجذبه إلى الآخرة فيكون أهون ~~أحواله عند الموت أن يكون كشخص ينشر بالمنشار ويفصل أحد جانبيه عن الآخر ~~بالمجاذبة من الجانبين والذى ينشر بالمنشار إنما ينزل المؤلم ببدنه ويؤلم ~~قلبه بذلك بطرق السراية من حيث أثره فما ظنك بألم يتمكن أولا من صميم القلب ~~مخصوصا به لا بطريق السراية إليه من غيره فهذا أول عذاب يلقاه قبل ما يراه ~~من حسرة فوت النزول في أعلى عليين وجوار رب العالمين فبالنزوع إلى الدنيا ~~يحجب عن لقاء الله تعالى وعند الحجاب تتسلط عليه نار جهنم إذ النار غير ~~مسلطة إلا على محجوب # قال الله تعلى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم ~~فرتب العذاب بالنار على ألم الحجاب وألم الحجاب كاف من غير علاوة النار ~~فكيف إذا أضيفت العلاوة إليه فنسأل الله تعالى أن يقرر في أسماعنا ما نفث ~~في روع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قيل له أحبب من أحببت فإنك مفارقه ~~+ حديث نفث في روعه أحبب من أحببت فإنك مفارقه تقدم + وفي معنى ما ذكرناه ~~من المثال قول الشاعر # كدود كدود القز ينسج دائما % ويهلك غما وسط ما هو ناسجه # ولما انكشف لأولياء الله تعالى أن العبد مهلك نفسه بأعماله واتباعه هوى ~~نفسه إهلاك دود القز نفسه رفضوا الدنيا بالكلية حتى قال الحسن رأيت سبعين ~~بدريا كانوا فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم الله عليكم # وفي لفظ آخر كانوا بالبلاء أشد فرحا منكم بالغصب والرخاء لو رأيتموهم ~~قلتم مجانين ولو رأوا خياركم قالوا PageV04P240 ما لهؤلاء من خلاق ولو رأوا ~~أشراركم قالوا ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب وكان أحدهم يعرض لهم المال الحلال ~~فلا يأخذه ويقول أخاف أن يفسد على قلبى فمن كان له قلب فهو لا محالة يخاف ~~من فساده والذين أمات حب الدنيا قلوبهم فقد أخبر الله عنهم إذ قال تعالى ~~ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون وقال عز وجل ~~ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا # وقال تعالى فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك ~~مبلغهم من العلم فأحال ذلك كله على الغفلة وعدم العلم ولذلك قال رجل لعيسى ~~عليه السلام احملنى معك في سياحتك فقال اخرج مالك والحقني # فقال لا أستطيع فقال عيسى عليه السلام بعجب يدخل الغنى الجنة أو قال بشدة ~~وقال بعضهم ما من يوم ذر شارقه إلا وأربعة أملاك ينادون في الآفاق بأربعة ~~أصوات ملكان بالمشرق وملكان بالمغرب يقول أحدهم بالمشرق يا باغى الخير هلم ~~ويا باغى الشر أقصر ويقول الآخر اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا ~~ويقول اللذان بالمغرب أحدهما لدوا للموت وابنوا للخراب # ويقول الآخر كلوا وتمتعوا لطول الحساب # | بيان علامات الزهد اعلم أنه قد يظن أن تارك المال زاهد وليس كذلك # فإن ترك المال وإظهار الخشونة سهل على من أحب المدح بالزهد فكم من ~~الرهابين من ردوا أنفسهم كل يوم إلى قدر يسير من الطعام ولازموا ديرا لا ~~باب له وإنما مسرة أحدهم معرفة الناس حاله ونظرهم إليه ومدحهم له فذلك لا ~~يدل على الزهد دلالة قاطعة بل لا بد من الزهد في المال والجاه جميعا حتى ~~يكمل الزهد في جميع حظوظ النفس من الدنيا بل قد يدعى جماعة الزهد مع لبس ~~الأصواف الفاخرة والثياب الرفيعة كما قال الخواص في وصف المدعين إذ قال ~~وقوم ادعوا الزهد ولبسوا الفاخر من اللباس يموهون بذلك على الناس ليهدى ~~إليهم مثل لباسهم لئلا ينظر إليهم بالعين التى ينظر بها إلى الفقراء ~~فيحتقروا فيعطوا كما تعطى المساكين ويحتجون لنفوسهم بأتباع العلم وأنهم على ~~السنة وأن الأشياء داخلة إليهم وهم خارجون منها وإنما يأخذون بعلة غيرهم # هذا إذا طولبوا بالحقائق وألجئوا إلى المضايق وكل هؤلاء أكلة الدنيا ~~بالدين لم يعنوا بتصفية أسرارهم ولا بتهذيب أخلاق نفوسهم فظهرت عليهم ~~صفاتهم فغلبتهم فادعوها حالا لهم فهم مائلون إلى الدنيا متبعون الهوى # فهذا كله كلام الخواص رحمه الله فإذن معرفة الزهد أمر مشكل بل حال الزهد ~~على الزاهد مشكل # وينبغى أن يعول في باطنه على ثلاث علامات العلامة الأولى أن لا يفرح ~~بموجود ولا يحزن على مفقود كما قال تعالى لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا ~~تفرحوا بما آتاكم بل ينبغى أن يكون بالضد من ذلك وهو أن يحزن بوجود المال ~~ويفرح بفقده العلامة الثانية أن يستوى عنده ذامه ومادحه فالأول علامة الزهد ~~في المال والثانى علامة الزهد في الجاه العلامة الثالثة أن يكون أنسه بالله ~~تعالى والغالب على قلبه حلاوة الطاعة إذ لا يخلو القلب عن حلاوة المحبة إما ~~محبة الدنيا وإما محبة الله وهما في القلب كالماء والهواء في القدح فالماء ~~إذا دخل خرج الهواء ولا يجتمعان وكل من أنس بالله اشتغل به ولم يشتغل بغيره ~~ولذلك قيل لبعضهم إلى ماذا أفضى بهم الزهد فقال إلى الأنس بالله فأما الأنس ~~بالدنيا وبالله فلا يجتمعان # وقد قال أهل المعرفة إذا تعلق الإيمان بظاهر القلب أحب الدنيا والآخرة ~~جميعا وعمل لهما وإذا بطن الإيمان في سويداء القلب وباشره أبغض الدنيا فلم ~~ينظر إليها ولم يعمل لها ولهدا ورد فى دعاء آدم عليه السلام PageV04P241 ~~اللهم إنى أسألك إيمانا يباشر قلبى # وقال أبو سليمان من شغل بنفسه شغل عن الناس وهذا مقام العاملين ومن شغل ~~بربه شغل عن نفسه وهذا مقام العارفين # والزاهد لا بد وأن يكون في أحد هذين المقامين ومقامه الأول أن يشغل نفسه ~~بنفسه وعند ذلك يستوى عنده المدح والذم والوجود والعدم ولا يستدل بإمساكه ~~قليلا من المال على فقد زهده أصلا # قال ابن أبى الحوارى قلت لأبى سليمان أكان داود الطائى زاهدا قال نعم قلت ~~قد بلغنى أنه ورث عن أبيه عشرين دينارا فأنفقها في عشرين سنة فكيف كان ~~زاهدا وهو يمسك الدنانير فقال أردت منه أن يبلغ حقيقة الزهد وأراد بالحقيقة ~~الغاية فإن الزهد ليس له غاية لكثرة صفات النفس # ولا يتم الزهد إلا بالزهد في جميعها فكل من ترك من الدنيا شيئا مع القدرة ~~عليه خوفا على قلبه وعلى دينه فله مدخل في الزهد بقدر ما تركه وآخره أن ~~يترك كل ما سوى الله حتى لا يتوسد حجرا كما فعله المسيح عليه السلام فنسأل ~~الله تعالى أن يرزقنا من مباديه نصيبا وإن قل فإن أمثالنا لا يستجرىء على ~~الطمع في غاياته وإن كان قطع الرجاء عن فضل الله غير مأذون فيه وإذا لاحظنا ~~عجائب نعم الله تعالى علينا علمنا أن الله تعالى لا يتعاظمه شىء فلا بعد في ~~أن نعظم السؤال اعتمادا على الجود المجاوز لكل كمال # فإذن علامة الزهد استواء الفقر والغنى والعز والذل والمدح والذم وذلك ~~لغلبة الأنس بالله # ويتفرع عن هذه العلامات علامات أخرى لا محالة مثل أن يترك الدنيا ولا ~~يبالى من أخذها # وقيل علامته أن يترك الدنيا كما هي فلا يقول أبنى رباطا أو أعمر مسجدا # وقال يحيى بن معاذ علامة الزهد السخاء بالموجود # وقال ابن خفيف علامته وجود الراحة في الخروج من الملك وقال أيضا الزهد هو ~~عزوف النفس عن الدنيا بلا تكلف # وقال أبو سليمان الصوف علم من أعلام الزهد فلا ينبغى أن يلبس صوفا بثلاثة ~~دراهم وفي قلبه رغبة خمسة دراهم # وقال أحمد بن حنبل وسفيان رحمهما الله علامة الزهد قصر الأمل وقال سرى لا ~~يطيب عيش الزاهد إذا اشتغل عن نفسه ولا يطيب عيش العارف إذا اشتغل بنفسه # وقال النصراباذي الزاهد غريب في الدنيا والعارف غريب في الآخرة # وقال يحيى بن معاذ علامة الزهد ثلاث عمل بلا علاقة وقول بلا طمع وعز بلا ~~رياسة وقال أيضا الزاهد لله يسعطك الخل والخردل والعارف يشمك المسك والعنبر # وقال له رجل متى أدخل حانوت التوكل وألبس رداء الزهد وأقعد مع الزاهدين ~~فقال إذا صرت من رياضتك لنفسك في السر إلى حد لو قطع الله عنك الرزق ثلاثة ~~أيام لم تضعف في نفسك فأما ما لم تبلغ هذه الدرجة فجلوسك على بساط الزاهدين ~~جهل ثم لا آمن عليك أن تفتضح وقال أيضا الدنيا كالعروس ومن يطلبها ما شطتها ~~والزاهد فيها يسخم وجهها وينتف شعرها ويخرق ثوبها والعارف يشتغل بالله ~~تعالى ولا يلتفت إليها # وقال السرى مارست كل شىء من أمر الزهد فنلت منه ما أريد إلا الزهد في ~~الناس فإنى لم أبلغه ولم أطقه PageV04P242 # وقال الفضيل رحمه الله جعل الله الشر كله في بيت وجعل مفتاحه حب الدنيا ~~وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا # فهذا ما أردنا أن نذكره من حقيقة الزهد وأحكامه وإذا كان الزهد لا يتم ~~إلا بالتوكل فلنشرع في بيانه إن شاء الله تعالى # | كتاب التوحيد والتوكل وهو الكتاب الخامس من ربع المنجيات من كتاب # إحياء علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله مدبر الملك والملكوت المنفرد بالعزة والجبروت # الرافع السماء بغير عماد المقدر فيها أرزاق العباد الذى صرف أعين ذوي ~~القلوب والألباب عن ملاحظة الوسائط والأسباب إلى مسبب الأسباب ورفع همهم عن ~~الالتفات إلى ما عداه والاعتمام على مدبر سواه فلم يعبدوا إلا أياه علما ~~بأنه الواحد الفرد الصمد الإله وتحقيقا بأن جميع أصناف الخلق عباد أمثالهم ~~لا يبتغي عندهم الرزق وأنه ما من ذرة إلا إلى الله خلقها وما من دابة إلا ~~على الله رزقها فلما تحققوا أنه لرزق عباده ضامن وبه كفيل توكلوا عليه ~~فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل # والصلاة على محمد قامع الأباطيل الهادي إلى سواء السبيل وعلى آله وسلم ~~تسليما كثيرا # أما بعد فإن التوكل منزل من منازل الدين ومقام من مقامات الموقنين بل هو ~~من معالى درجات المقربين وهو في نفسه غامض من حيث العلم ثم هو شاق من حيث ~~العمل ووجه غموضه من حيث الفهم أن ملاحظة الأسباب والاعتماد عليها شرك في ~~التوحيد والتثاقل عنها بالكلية طعن في السنة وقدح فى الشرع والاعتماد على ~~الأسباب من غير أن ترى أسبابا تغيير في وجه العقل وانغماس في غمرة الجهل ~~وتحقيق معنى التوكل على وجه يتوافق فيه مقتضى التوحيد والنقل والشرع في ~~غاية الغموض والعسر ولا يقوى على كشف هذا الغطاء مع شدة الخفاء إلا سماسرة ~~العلماء الذين اكتحلوا من فضل الله تعالى بأنوار الحقائق فأبصروا وتحققوا ~~ثم نطقوا بالإعراب عما شاهدوه من حيث استنطقوا # ونحن الآن نبدأ بذكر فضيلة التوكل على سبيل التقدمة ثم نردفه بالتوحيد في ~~الشطر الأول من الكتاب ونذكر حال التوكل وعمله في الشطر الثاني # | بيان فضيلة التوكل أما من الآيات فقد قال تعالى وعلى الله فتوكلوا # إن كنتم مؤمنين وقال عز وجل وعلى الله فليتوكل المتوكلون وقال تعالى ومن ~~يتوكل على الله فهو حسبه وقال سبحانه وتعالى إن الله يحب المتوكلين وأعظم ~~بمقام موسوم بمحبة الله تعالى صاحبه ومضمون كفاية الله تعالى ملابسه فمن ~~الله تعالى حسبه وكافيه ومحبه ومراعيه فقد فاز الفوز العظيم فإن المحبوب لا ~~يعذب ولا يبعد ولا يحجب وقال تعالى أليس الله بكاف عبده فطالب الكفاية من ~~غيره والتارك للتوكل هو المكذب لهذه الآية # فإنه سؤال في معرض استنطاق بالحق كقوله تعالى هل أتى على الإنسان حين من ~~الدهر لم يكن شيئا مذكورا وقال عز وجل ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز ~~حكيم أي عزيز لا يذل من استجار به ولا يضيع من لاذ بجنا به والتجأ إلى ~~PageV04P243 ذمامه وحماه وحكيم لا يقصر عن تدبير من توكل على تدبيره # وقال تعالى إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم بين أن كل ما سوى ~~الله تعالى عبد مسخر # حاجته مثل حاجتكم فكيف يتوكل عليه # وقال تعالى إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند ~~الله الرزق واعبدوه وقال عز وجل ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين ~~لا يفقهون وقال عز وجل يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه وكل ما ذكر ~~في القرآن من التوحيد فهو تنبيه على قطع الملاحظة عن الأغيار والتوكل على ~~الواحد القهار # وأما الأخبار فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود أريت الأمم ~~في الموسم فرأيت أمتى قد ملأوا السهل والجبل فأعجبتنى كثرتهم وهيأتهم فقيل ~~لى أرضيت قلت نعم قيل ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب قيل من ~~هم يا رسول الله قال الذين لا يكتوون ولا يتطيرون ولا يسترقون وعلى ربهم ~~يتوكلون فقام عكاشة وقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعله منهم فقام آخر فقال يا رسول الله ادع ~~الله أن يجعلني منهم فقال صلى الله عليه وسلم سبقك بها عكاشة + حديث ابن ~~مسعود أريت الأمم في الموسم فرأيت أمتي قد ملأوا السهل والجبل الحديث رواه ~~ابن منيع بإسناد حسن واتفق عليه الشيخان من حديث ابن عباس + وقال صلى الله ~~عليه وسلم لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو ~~خماصا وتروح بطانا + حديث لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما ~~يرزق الطير الحديث أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه من حديث عمر وقد تقدم + ~~وقال صلى الله عليه وسلم من انقطع إلى الله عز وجل كفاه الله تعالى كل مؤنة ~~ورزقه من حيث لا يحتسب ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها + حديث من ~~انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة الحديث أخرجه الطبراني في الصغير وابن ~~أبي الدنيا ومني طريقة البيهقي في الشعب من رواية عن عمران بن حصين ولم ~~يسمع منه وفيه إبراهيم بن الأشعث تكلم فيه أبو حاتم + وقال صلى الله عليه ~~وسلم من سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما عند الله أوثق منه بما في يديه + ~~حديث من سره أن يكون أغنى الناس فليسكن بما عند الله أوثق منه بما في يده ~~رواه الحاكم والبيهقي في الزهد من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف + ويروى عن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أصاب أهله خصاصة قال قوموا إلى ~~الصلاة ويقول بهذا أمرنى ربى عز وجل قال عز وجل @QB@ وأمر أهلك بالصلاة ~~واصطبر عليها @QE@ + حديث كان إذا أصاب أهله خصاصة قال قوموا إلى الصلاة ~~ويقول بهذا أمرني ربي قال تعالى @QB@ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها @QE@ ~~رواه الطبراني في الأوسط من حديث محمد بن حمزة عن عبد الله بن سلام قال كان ~~النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله الضيق أمرهم بالصلاة ثم قرأ هذه ~~الآية # ومحمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام إنما ذكروا له روايته عن أبيه ~~عن جده فيبعد سماعه من جد أبيه + الآية وقال صلى الله عليه وسلم لم يتوكل ~~من استرقى واكتوى + حديث لم يتوكل من استرقى واكتوى أخرجه الترمذي وحسنه ~~والنسائي في الكبير والطبراني واللفظ له إلا أنه قال أو من حديث المغيرة بن ~~شعبة وقال الترمذي من اكتوت أو استرقى فقد برىء من التوكل وقال النسائي ما ~~توكل من اكتوى أو استرقى + # وروى أنه لما قال جبريل لإبراهيم عليهما السلام وقد رمى إلى النار ~~بالمنجنيق ألك حاجة قال أما إليك فلا وفاء بقوله حسبى الله ونعم الوكيل إذ ~~قال ذلك حين أخذ ليرمي فأنزل الله تعالى @QB@ وإبراهيم الذي وفى @QE@ # وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام يا داود ما من عبد يعتصم بي دون ~~خلقي فتكيده السموات والأرض إلا جعلت له مخرجا # وأما الآثار فقد قال سعيد بن جبير لدغتنى عقرب فأقسمت على أمى لتسترقين ~~فناولت الراقى يدى التى لم تلدغ PageV04P244 # وقرأ الخواص قوله تعالى @QB@ وتوكل على الحي الذي لا يموت @QE@ إلى آخر ~~فقال ما ينبغى للعبد بعدد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد غير الله تعالى # وقيل لبعض العلماء في منامه من وثق بالله تعالى فقد أحرز قوته وقال بعض ~~العلماء لا يشغلك المضمون لك من الرزق عن المفروض عليك من العمل فتضيع أمر ~~آخرتك ولا تنال من الدنيا إلا ما قد كتب الله لك # وقال يحيى بن معاذ في وجود العبد الرزق من غير طلب دلالة على أن الرزق ~~مأمور بطلب العبد # وقال إبراهيم بن أدهم سألت بعض الرهبان من أين تأكل فقال لى ليس هذا ~~العلم عندى ولكن سل ربى من أين يطعمنى # وقال هرم بن حيان لأويس القرنى أين تأمرنى أن أكون فأومأ إلى الشام قال ~~هرم كيف المعيشة قال أويس أف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها ~~الموعظة # وقال بعضهم متى رضيت بالله وكيلا وجدت إلى كل خير سبيلا ونسأل الله تعالى ~~حسن الأدب # | بيان حقيقة التوحيد الذي هو أصل التوكل # اعلم أن التوكل من باب الإيمان وجميع أبواب الإيمان لا تنتظم إلا بعلم ~~وحال وعمل والتوكل كذلك ينتظم من علم هو الأصل وعمل هو الثمرة وحال هو ~~المراد باسم التوكل # فلنبدأ ببيان العلم الذي هو الأصل وهو المسمى إيمانا في أصل اللسان إذ ~~الإيمان هو التصديق وكل تصديق بالقلب فهو علم وإذا قوى سمى يقينا ولكن ~~أبواب اليقين كثيرة ونحن إنما نحتاج منها إلى ما نبنى عليه التوكل وهو ~~التوحيد الذى يترجمه قولك لا إله إلا الله وحده لا شريك له والإيمان ~~بالقدرة التي يترجم عنها قولك @QB@ له الملك @QE@ والإيمان بالجود والحكمة ~~الذي يدل عليه قولك @QB@ وله الحمد @QE@ فمن قال لا إله إلا الله وحده لا ~~شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير تم له الإيمان الذي هو أصل ~~التوكل أعنى أن يصير معنى هذا القول وصفا لازما لقلبه غالبا عليه فأما ~~التوحيد فهو الأصل والقول فيه يطول وهو من علم المكاشفة ولكن بعض علوم ~~المكاشفات متعلق بالأعمال بواسطة الأحوال ولا يتم علم المعاملة إلا بها ~~فإذن لا نتعرض إلا للقدر الذي يتعلق بالمعاملة وإلا فالتوحيد هو البحر ~~الخضم الذي لا ساحل له فنقول # للتوحيد أربع مراتب وينقسم إلى لب وإلى لب اللب وإلى قشر وإلى قشر القشر # ولنمثل ذلك تقريبا إلى الأفهام الضعيفة بالجوز في قشرته العليا فإن له ~~قشرتين وله لب وللب دهن هو لب اللب فالرتبة الأولى من التوحيد هي أن يقول ~~الإنسان بلسانه @QB@ لا إله إلا الله @QE@ وقلبه غافل عنه أو منكر له ~~كتوحيد المنافقين # والثانية أن يصدق بمعنى اللفظ قلبه كما صدق به عموم المسلمين وهو اعتقاد ~~العوام # والثالثة أن يشاهد ذلك بطريق الكشف بواسطة نور الحق وهو مقام المقربين ~~وذلك بأن يرى أشياء كثيرة ولكن يراها على كثرتها صادرة عن الواحد القهار # والرابعة أن لا يرى في الوجود إلا واحدا وهي مشاهدة الصديقين وتسمية ~~الصوفية الفناء في التوحيد لأنه من حيث لا يرى إلا واحدا فلا يرى نفسه أيضا ~~وإذا لم ير نفسه لكونه مستغرقا بالتوحيد كان فانيا عن نفسه في توحيده بمعنى ~~أنه فنى عن رؤية نفسه والخلق فالأول موحد بمجرد اللسان ويعصم ذلك صاحبه في ~~الدنيا عن السيف والسنان # والثاني موحد بمعنى أنه معتقد بقلبه مفهوم لفظه وقلبه خال عن التكذيب بما ~~انعقد عليه قلبه وهو عقدة على القلب ليس فيه انشراح وانفساح ولكنه يحفظ ~~صاحبه من العذاب في الآخرة إن توفى عليه ولم تضعف PageV04P245 بالمعاصي ~~عقدته ولهذا العقد حيل يقصد بها تضعيفه وتحليله تسمى بدعة وله حيل يقصد بها ~~دفع حيلة التحليل والتضعيف ويقصد بها أيضا إحكام هذه العقدة وشدها على ~~القلب وتسمى كلاما والعارف به يسمى متكلما وهو في مقابلة المبتدع ومقصده ~~دفع المبتدع عن تحليل هذه العقدة عن قلوب العوام وقد يخص المتكلم باسم ~~الموحد من حيث إنه يحمى بكلامه مفهوم لفظ التوحيد على قلوب العوام حتى لا ~~تنحل عقدته # والثالث موحد بمعنى أنه لم يشاهد إلا فاعلا واحدا إذا انكشف له الحق كما ~~هو عليه # ولا يرى فاعلا بالحقيقة إلا واحدا وقد انكشفت له الحقيقة كما هي عليه ~~لأنه كلف قلبه أن يعقد على مفهوم لفظ الحقيقة فإن تلك رتبة العوام ~~والمتكلمين إذ لم يفارق المتكلم العامى في الإعتقاد بل في صنعة تلفيق ~~الكلام الذي به حيل المبتدع عن تحليل هذه العقدة # والرابع موحد بمعنى أنه لم يحضر في شهوده غير الواحد فلا يرى الكل من حيث ~~إنه كثير بل من حيث إنه واحد وهذه هي الغاية القصوى في التوحيد فالأول ~~كالقشرة العليا من الجوز والثاني كالقشرة السفلي والثالث كاللب والرابع ~~كالدهن المستخرج من اللب # وكما أن القشرة العليا من الجوز لا خير فيها بل إن أكل فهو مر المذاق وإن ~~نظر إلى باطنه فهو كريه المنظر وإن اتخذ حطبا أطفأ النار وأكثر الدخان وإن ~~ترك في البيت ضيق المكان فلا يصلح إلا أن يترك مدة على الجوز للصون ثم يرمى ~~به عنه فكذلك التوحيد بمجرد اللسان دون التصديق بالقلب عديم الجدوى كثير ~~الضرر مذموم الظاهر والباطن لكنه ينفع مدة في حفظ القشرة السفلى إلى وقت ~~الموت والقشرة السفلى هي القلب والبدن # وتوحيد المنافق يصون بدنه عن سيف الغزاة فإنهم لم يؤمروا بشق القلوب ~~والسيف إنما يصيب جسم البدن وهو القشرة وإنما يتجرد عنه بالموت فلا يبقى ~~لتوحيده فائدة بعده وكما أن القشرة السفلى ظاهرة النفع بالإضافة إلى القشرة ~~العليا فإنها تصون اللب وتحرسه عن الفساد عند الادخار وإذا فصلت أمكن أن ~~ينتفع بها حطبا لكنها نازلة القدر بالإضافة إلى اللب وكذلك مجرد الإعتقاد ~~من غير كشف كثير النفع بالإضافة إلى مجرد نطق اللسان ناقص القدر بالإضافة ~~إلى الكشف والمشاهدة التى تحصل بانشراح الصدر وانفساحه وإشراق نور الحق فيه ~~إذ ذاك الشرح هو المراد بقوله تعالى @QB@ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره ~~للإسلام @QE@ وبقوله عز وجل @QB@ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور ~~من ربه @QE@ وكما أن اللب نفيس في نفسه بالإضافة إلى القشر وكله المقصود ~~ولكنه لا يخلو عن شوب عصارة بالإضافة إلى الدهن المستخرج منه فكذلك توحيد ~~الفعل مقصد عال للسالكين لكنه لا يخلو عن شوب ملاحظة الغير والالتفات إلى ~~الكثرة بالإضافة إلى من لا يشاهد سوى الواحد الحق # فإن قلت كيف يتصور أن لا يشاهد إلا واحد وهو يشاهد السماء والأرض وسائر ~~الأجسام المحسوسة وهي كثيرة فكيف يكون الكثير واحدا فاعلم أن هذه غاية علوم ~~المكاشفات # وأسرار هذا العلم لا يجوز أن تسطر في كتاب فقد قال العارفون إفشاء سر ~~الربوبية كفر ثم هو غير متعلق بعلم المعاملة نعم ذكر ما يكسر سورة استبعادك ~~ممكن وهو أن الشيء قد يكون كثيرا بنوع مشاهدة واعتبار ويكون واحدا بنوع آخر ~~من المشاهدة والاعتبار وهذا كما أن الإنسان كثير إن التفت إلى روحه وجسده ~~وأطرافه وعروقه وعظامه وأحشائه وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد إذ نقول ~~إنه إنسان واحد فهو بالإضافة إلى الإنسانية واحد وكم من شخص يشاهد إنسانا ~~ولا يخطر بباله كثرة أمعائه وعروقه وأطرافه وتفصيل روحه وجسده وأعضائه ~~والفرق بينهما أنه فى حالة الاستغراق والاستهتار به مستغرق بواحد ليس فيه ~~تفريق وكأنه في عين الجمع والملتفت إلى الكثرة في تفرقه فكذلك كل ما في ~~الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات كثيرة مختلفة فهو باعتبار ~~واحد من PageV04P246 الاعتبارات واحد وباعتبارات أخر سواه كثير وبعضها أشد ~~كثرة من بعض ومثاله الإنسان وإن كان لا يطابق الغرض ولكنه ينبه في الجملة ~~على كيفية مصير الكثرة في حكم المشاهدة واحدا ويستبين بهذا الكلام ترك ~~الإنكار والجحود لمقام لم تبلغه وتؤمن به إيمان تصديق فيكون لك من حيث إنك ~~مؤمن بهذا التوحيد نصيب وإن لم يكن ما آمنت به صفتك كما أنك إذا آمنت ~~بالنبوة وإن لم تكن نبيا كان لك نصيب منه بقدر قوة إيمانك # وهذه المشاهدة التي لا يظهر فيها إلا الواحد الحق تارة تدوم وتارة تطرأ ~~كالبرق الخاطف وهو الأكثر والدوام نادر عزيز وإلى هذا أشار الحسين بن منصور ~~الحلاج حيث رأى الخواص يدور في الأسفار فقال فيماذا أنت فقال أدور في ~~الأسفار لأصحح حالتي في التوكل وقد كان من المتوكلين فقال الحسين قد أفنيت ~~عمرك في عمران باطنك فأين الفناء في التوحيد فكأن الخواص كان في تصحيح ~~المقام الثالث في التوحيد فطالبه بالمقام الرابع فهذه مقامات الموحدين في ~~التوحيد على سبيل الإجمال # فإن قلت فلا بد لهذا من شرح بمقدار ما يفهم كيفية ابتناء التوكل عليه ~~فأقول أما الرابع فلا يجوز الخوض في بيانه وليس التوكل أيضا مبنيا عليه بل ~~يحصل حال التوكل بالتوحيد الثالث # وأما الأول وهو النفاق فواضح وأما الثاني وهو الإعتقاد فهو موجود في عموم ~~المسلمين وطريق تأكيده بالكلام ودفع حيل المبتدعة فيه مذكور في عالم الكلام ~~وقد ذكرنا في كتاب الاقتصاد في الإعتقاد القدر المهم منه # وأما الثالث فهو الذي يبني عليه التوكل فلنذكر منه القدر الذي يرتبط ~~التوكل به دون تفصيله الذي لا يحتمله أمثال هذا الكتاب وحاصله أن ينكشف لك ~~أن لا فاعل إلا الله تعالى وأن كل موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع وحياة وموت ~~وغنى وفقر إلى غير ذلك مما ينطلق عليه اسم فالمنفرد بإبداعه واختراعه هو ~~الله عز وجل لا شريك له فيه وإذا انكشف لك هذا لم تنظر إلى غيره بل كان منه ~~خوفك واليه رجاؤك وبه ثقتك وعليه اتكالك فإنه الفاعل على الانفراد دون غيره ~~وما سواه مسخرون لا استقلال لهم بتحريك ذرة من ملكوت السموات والأرض وإذا ~~انفتحت لك أبواب المكاشفة اتضح لك هذا اتضاحا أتم من المشاهدة بالبصر وإنما ~~يصدك الشيطان عن هذا التوحيد في مقام يبتغى به أن يطرق إلى قلبك شائبة ~~الشرك بسببين أحدهما الالتفات إلى اختيار الحيوانات # والثاني الالتفاف إلى الجمادات أما الالتفاف إلى الجمادات فكاعتمادك على ~~المطر في خروج الزرع ونباته ونمائه وعلى الغيم في نزول المطر وعلى البرد في ~~اجتماع الغيم وعلى الريح في استواء السفينة وسيرها وهذا كله شرك في التوحيد ~~وجهل بحقائق الأمور ولذلك قال تعالى @QB@ فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله ~~مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون @QE@ قيل معناه أنهم ~~يقولون لولا استواء الريح لما نجونا # ومن انكشف له أمر العالم كما هو عليه علم أن الريح هو الهواء والهواء لا ~~يتحرك بنفسه مالم يحركه محرك وكذلك محركه وهكذا إلى أن ينتهي إلى المحرك ~~الأول الذي لا محرك له ولا هو متحرك في نفسه عز وجل فالتفات العبد في ~~النجاة إلى الريح يضاهى التفات من أخذ لتحزرقبته كتب الملك توقيعا بالعفو ~~عنه وتخليته فأخذ يشتغل بذكر الحبر والكاغد والقلم الذي به يكتب التوقيع ~~يقول # لولا القلم لما تخلصت فيرى نجاته من القلم لا من محرك القلم وهو غاية ~~الجهل ومن علم أن القلم لا حكم له في نفسه وإنما هو مسخر في يد الكاتب لم ~~يلتفت إليه ولم يشكر إلا الكاتب بل ربما يدهشه فرح النجاة وشكر الملك ~~والكاتب من أن يخطر بباله القلم والحبر والدواة والشمس والقمر والنجوم ~~والمطر والغيم والأرض وكل حيوان وجماد مسخرات في قبضة القدرة كتسخير القلم ~~في يد الكاتب بل هذا تمثيل في حقك لاعتقادك أن الملك PageV04P247 الموقع هو ~~الكاتب التوقيع والحق أن الله تبارك وتعالى هو الكاتب لقوله تعالى @QB@ وما ~~رميت إذ رميت ولكن الله رمى @QE@ فإذا انكشف لك أن جميع ما في السموات ~~والأرض مسخرات على هذا الوجه انصرف عنك الشيطان خائبا وأيس عن مزج توحيدك ~~بهذا الشرك فأتاك في المهلكة الثانية وهي الالتفات إلى اختيار الحيوانات في ~~الأفعال الاختيارية ويقول كيف ترى الكل عن الله وهذا الإنسان يعطيك رزقك ~~باختياره فإن شاء أعطاك وإن شاء قطع عنك وهذا الشخص هو الذي يحز رقبتك ~~بسيفه وهو قادر عليك إن شاء حزن رقبتك وإن شاء عفا عنك فكيف لا تخافه وكيف ~~لا ترجوه وأمرك بيده وأنت تشاهد ذلك ولا تشك فيه ويقول له أيضا نعم إن كنت ~~لا ترى القلم لأنه مسخر فكيف لا ترى الكاتب بالقلم وهو المسخر له وعند هذا ~~زل أقدام الأكثرون إلا عباد الله المخلصين الذين لا سلطان عليهم للشيطان ~~اللعين فشاهدوا بنور البصائر كون الكاتب مسخرا مضطرا كما شاهد جميع الضعفاء ~~كون القلم مسخرا وعرفوا أن غلط الضعفاء في ذلك كغلظ النملة مثلا لو كانت ~~تدب على الكاغد فترى رأس القلم يسود الكاغد ولم يمتد بصرها إلى اليد ~~والأصابع فضلا عن صاحب اليد فغلطت وظنت أن القلم هو المسود للبياض وذلك ~~لقصور بصرها عن مجاوزة رأس القلم لضيق حدقتها فكذلك من لم ينشرح بنور الله ~~تعالى صدره للإسلام قصرت بصيرته عن ملاحظة جبار السموات والأرض ومشاهدة ~~كونه قاهرا وراء الكل فوقف في الطريق على الكاتب وهو جهل محض بل أرباب ~~القلوب والمشاهدات قد انطق الله تعالى في حقهم كل ذرة في السموات والأرض ~~بقدرته التي بها نطق كل شيء حتى سمعوا تقديسها وتسبيحها لله تعالى وشهادتها ~~على نفسها بالعجز بلسان ذلق تتكلم بلا حرف ولا صوت لا يسمعه الذين هم عن ~~السمع معزلون ولست أعنى به السمع الظاهر الذي لا يجاوز بالأصوات فإن الحمار ~~شريك فيه ولا قدر لما يشارك فيه البهائم وإنما أريد به سمعا يدرك به كلام ~~ليس بحرف ولا صوت ولا هو عربي ولا عجمي # فإن قلت فهذه أعجوبة لا يقبلها العقل فصف لي كيفية نطقها وإنها كيف نطقت ~~وبماذا نطقت وكيف سبحت وقدست وكيف شهدت على نفسها بالعجز فاعلم إن لكل ذرة ~~في السموات والأرض مع أرباب القلوب مناجاة في السر وذلك مما لا ينحصر ولا ~~يتناهى فإنها كلمات تستمد من بحر كلام الله تعالى الذي لا نهاية له @QB@ قل ~~لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر @QE@ الآية ثم إنها تتناجى ~~بأسرار الملك والملكوت وإفشاء السر لؤم بل صدور الأحرار قبور الأسرار وهل ~~رأيت قط أمينا على أسرار ملك قد نوجى بخفاياه فنادى بسره على ملأ من الخلق ~~ولو جاز إفشاء كل سر لنا لما قال صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما أعلم ~~لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا + حديث لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا الحديث ~~تقدم غير مرة + بل كان يذكر ذلك لهم حتى يبكون ولا يضحكون # ولما نهى عن إفشاء سر القدر + حديث النهى عن إفشاء سر القدر رواه أبو عدي ~~وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر القدر سر الله فلا تفشوا لله عز وجل ~~سره لفظ أبي نعيم وقال ابن عدي لا تكلموا في القدر فإنه سر الله الحديث وهو ~~ضعيف وقد تقدم + ولما قال إذا ذكر النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا ~~وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا + حديث إذا ذكر النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر ~~فأمسكوا الحديث أخرجه الطبراني وابن حبان في الضعفاء وتقدم في العلم + ولما ~~خص حذيفة رضي الله عنه ببعض الأسرار + حديث أنه خص حذيفة ببعض الأسرار تقدم ~~+ فإذن عن حكايات مناجاة ذرات الملك والملكوت لقلوب أرباب المشاهدات مانعان ~~أحدهما استحالة إفشاء السر والثاني خروج كلماتها عن الحصر والنهاية ولكنا ~~في المثال الذي كنا فيه وهي حركة القلم PageV04P248 نحكى من مناجاتها قدرا ~~يسيرا يفهم به على الإجمال كيفية ابتناء التوكل عليه ونرد كلماتها إلى ~~الحروف والأصوات وإن لم تكن حروفا وأصواتا ولكن هي ضرورة التفهيم فنقول قال ~~بعض الناظرين عن مشكاة نور الله تعالى للكاغد وقد رآه أسود وجهه بالحبر ما ~~بال وجهك كان أبيض مشرقا والآن قد ظهر عليه السواد فلم سودت وجهك وما السبب ~~فيه فقال الكاغد ما أنصفتني في هذه المقالة فإني ما سودت وجهي بنفسي ولكن ~~سل الحبر فإنه كان مجموعا في المحبرة التي هي مستقرة ووطنه فسافر عن الوطن ~~ونزل بساحة وجهي ظلما وعدوا فقال صدقت فسأل الحبر عن ذلك فقال ما أنصفتني ~~فإني كنت في المحبرة وادعا ساكنا عازما على أن لا أبرح منها فأعتدي على ~~القلم بطمعه الفاسد وأختطفني من وطني وأجلاني عن بلادي وفرق جمعي وبدني كما ~~ترى على ساحة بيضاء فالسؤال عليه لا على فقال صدقت ثم سأل القلم عن السبب ~~في ظلمه وعدوانه وإخراج الحبر من أوطانه فقال سل اليد والأصابع فإني كنت ~~قصبا نابتا على شط الأنهار متنزها بين خضرة الأشجار فجاءتني اليد بسكين ~~فنحت عني قشري ومزقت عني ثيابي واقتلعتني من أصلي وفصلت بين أنابيبي ثم ~~برتني وشقت رأسي ثم غمستني في سواد الخبر ومرارته وهي تستخدمني وتمشيني على ~~قمة رأسي ولقد نثرت الملح على جرحي بسؤالك وعتابك فتنح عني وسل من قهرني ~~فقال صدقت ثم سأل اليد عن ظلمها وعدولها على القلم واستخدامها له فقالت ~~اليد ما أنا إلا لحم وعظم ودم وهل رأيت لحما يظلم أو جسما يتحرك بنفسه ~~وإنما أنا مركب مسخر ركبني فارس يقال له القدرة والعزة فهي التي ترددني ~~وتجول بي في نواحي الأرض أما ترى المدر والحجر والشجر لا يتعدى شيئا منها ~~مكانه ولا يتحرك بنفسه إذ لم يركبه مثل هذا الفارس القوى القاهر أما ترى ~~أيدي الموتى تساويني في صورة اللحم والعظم والدم ثم لا معاملة بينها وبين ~~القلم فأنا أيضا من حيث أنا لا معاملة بيني وبين القلم فسل القدرة عن شأني ~~فإني مركب أزعجي من ركبني فقال صدقت ثم سأل القدرة عن شأنها في استعمالها ~~اليد وكثرة استخدامها وترديدها فقالت دع عنك لومي ومعاتبتي فكم من لائم ~~ملوم وكم من ملوم لا ذنب له وكيف خفي عليك أمري وكيف ظننت أني ظلمت اليد ~~لما ركبتها وقد كنت لها راكبة قبل التحريك وما كنت أحركها ولا أستسخرها بل ~~كنت نائمة ساكنة نوما ظن الظانون بي أني ميتة أو معدومة لأني ما كنت أتحرك ~~ولا أحرك حتى جاءني موكل أزعجني وأرهقني إلى ما تراه مني فكانت لي قوة على ~~مساعدته ولم تكن لي قوة على مخالفته وهذا الموكل يسمى الإرادة ولا أعرفه ~~إلا باسمه وهجومه وصياله إذ أزعجني من غمرة النوم وأرهقني إلى ما كان لي ~~مندوحة عنه لو خلاني ورأبي فقال صدقت ثم سأل الإرادة ما الذي جرأك على هذه ~~القدرة الساكنة المطمئنة حتى صرفتها إلى التحريك وأرهقتها إليه إرهاقا لم ~~تجد عنه مخلصا ولا مناصا فقالت الإرادة لا تعجل على فلعل لنا عذرا وأنت ~~تلوم فإني ما انتهضت بنفسي ولكني انهضت وما أن انبعثت ولكني بعثت بحكم قاهر ~~وأمر جازم وقد كنت ساكنة قبل مجيئه ولكن ورد على من حضرة القلب رسول العلم ~~على لسان العقل بالأشخاص للقدرة فأشخصتها باضطرار فإني مسكينة مسخرة تحت ~~قهر العلم والعقل ولم أدري بأي جرم وقفت عليه وسخرت له وألزمت طاعته لكني ~~أدري أني في دعة وسكون مالم يرد على هذا الولود القاهر وهذا الحاكم العادل ~~أو الظالم وقد وقفت عليه وقفا وألزمت طاعته إلزاما بل لا يبقى لي معه مهما ~~جزم حكمه طاقة على المخالفة لعمري ما دام هو في التردد مع نفسه والتحير في ~~حكمه فأنا ساكنة لكن مع استشعار وانتظار لحكمه فإذا انجزم حكمه أزعجت بطبع ~~وقهر تحت طاعته وأشخصت القدرة لتقوم بموجب حكمه فسل العلم عن شأني ودع عني ~~عتابك PageV04P249 # فإني كما قال القائل # متى ترحلت عن قوم وقد قدروا % أن لا تفارقهم فالراحلون هم # فقال صدقت وأقبل على العلم والعقل والقلب مطالبا لهم ومعاتبا إياهم على ~~استنهاض الإرادة وتسخيرها لإشخاص القدرة فقال العقل أما أنا فسراج ما ~~اشتعلت بنفسى ولكن أشعلت وقال القلب أما أنا فلوح ما انبسطت بنفسى ولكن ~~بسطت وقال العلم أما أنا فنقش نقشت في بياض لوح القلب لما أشرق سراج العقل ~~وما انخططت بنفسى فكم كان هذا اللوح قبل خاليا عنى فسل القلم عنى لأن الخط ~~لا يكون إلا بالقلم فعند ذلك تتعتع السائل ولم يقنعه جواب وقال قد طال تعبى ~~في هذا الطريق وكثرت منازلى ولا يزال يحيلنى من طمعت في معرفة هذا الأمر ~~منه على غيره ولكنى كنت أطيب نفسا بكثرة الترداد لما كنت أسمع كلاما مقبولا ~~لا في الفؤاد وعذرا ظاهرا في دفع السؤال فأما قولك إنى خط ونقش وإنما خطى ~~قلم فلست أفهمه فإنى لا أعلم قلما إلا من القصب ولا لوحا إلا من الحديد أو ~~الخشب ولا خطا إلا بالحبر ولا سراجا إلا من النار وإنى لأسمع في هذا المنزل ~~حديث اللوح والسراج والخط والقلم ولا أشاهد من ذلك شيئا أسمع جعجعة ولا أرى ~~طحنا فقال له القلم إن صدقت فيما قلت فبضاعتك مزجاة وزادك قليل ومركبك ضعيف ~~واعلم أن المهالك في الطريق التي توجهت إليها كثيرة فالصواب لك أن تنصرف ~~وتدع ما أنت فيه فما هذا بعشك فادرج عنه فكل ميسر لما خلق له وإن كنت راغبا ~~في استتمام الطريق إلى المقصد فألق سمعك وأنت شهيد # واعلم أن العوالم في طريقك هذا ثلاثة عالم الملك والشهادة أولها ولقد كان ~~الكاغد والحبر والقلم واليد من هذا العالم وقد جاوزت تلك المنازل على سهولة ~~والثاني عالم الملكوت وهو ورائى فإذا جاوزتنى انتهيت إلى منازله وفيه ~~المهامة الفيح والجبال الشاهقة والبحار المغرقة ولا أدرى كيف تسلم فيها ~~والثالث هو عالم الجبروت وهو بين عالم الملك وعالم الملكوت ولقد قطعت منها ~~ثلاث منازل في أوائلها منزلة القدرة والإرادة والعلم وهو واسطة بين عالم ~~الملك والشهادة والملكوت لأن عالم الملك أسهل منه طريقا وعالم الملكوت أوعر ~~منه منهجا وإنما عالم الجبروت بين عالم الملك وعالم الملكوت يشبه السفينة ~~التي هي في الحركة بين الأرض والماء فلا هي في حد اضطراب الماء ولا هي في ~~حد سكون الأرض وثبرتها وكل من يمشى على الأرض يمشى في عالم الملك والشهادة ~~فإن جاوزت قوته إلى أن يقوى على ركوب السفينة كان كمن يمشى في عالم الجبروت ~~فإن انتهى إلى أن يمشى على الماء من غير سفينة مشى في عالم الملكوت من غير ~~تتعتع فإن كنت لا تقدر على المشى على الماء فانصرف فقد جاوزت الأرض وخلفت ~~السفينة ولم يبق بين يديك إلا الماء الصافى وأول عالم الملكوت مشاهدة القلم ~~الذي يكتب به العلم في لوح القلب وحصول اليقين الذي يمشى به على الماء أما ~~سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيسى عليه السلام لو ازداد يقينا ~~لمشى على الهواء + حديث قيل له أن عيسى يمشي على الماء قال لو ازداد يقينا ~~لمشى على الهواء تقدم + لما قيل له إنه كان يمشى على الماء فقال السالك ~~السائل قد تحيرت في أمري وأستشعر قلبي خوفا مما وصفته من خطر الطريق ولست ~~أدرى أطيق قطع هذه المهامة التي وصفتها أم لا فهل لذلك من علامة قال نعم ~~افتح بصرك واجمع ضوء عينيك وحدقهنحوي فإن ظهر لك القلم الذي به أكتب في لوح ~~القلب فيشبه أن تكون أهلا لهذا الطريق فإن كل من جاوز عالم الجبروت وقرع ~~بابا من أبواب الملكوت كوشف بالقلم أما ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم في ~~أول أمره كوشف بالقلم إذ أنزل عليه اقرأ وربك PageV04P250 الأكرم الذي علم ~~بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم فقال السالك لقد فتحت بصري وحدقته فو الله ~~ما أرى قصبا ولا خشبا ولا أعلم قلما إلا كذلك فقال العلم لقد أبعدت النجعة ~~أما سمعت أن متاع البيت يشبه رب البيت أما علمت أن الله تعالى لا تشبه ذاته ~~سائر الذوات فكذلك لا تشبه يده الأيدى ولا قلمه الأقلام ولا كلامه سائر ~~الكلام ولا خطه سائر الخطوط وهذه أمور إلهية من عالم الملكوت فلبس الله ~~تعالى في ذاته بجسم ولا هو في مكان بخلاف غيره ولا يده لحم وعظم ودم بخلاف ~~الأيدي ولا قلمه من قصب ولا لوحه من خشب ولا كلامه بصوت وحرف ولا خطه رقم ~~ورسم ولا حبره زاج وعفص فإن كنت لا تشاهد هذا هكذا فما أراك إلا مخنثا بين ~~فحولة التنزيه وأنوثة التشبيه مذبذبا بين هذا وذا لا إلى هؤلاء ولا إلى ~~هؤلاء فكيف نزهت ذاته وصفاته تعالى عن الأجسام وصفاتها ونزهت كلامه عن ~~معانى الحروف والأصوات وأخذت تتوقف في يده وقلمه ولوحه وخطه فإن كنت قد ~~فهمت من قوله صلى الله عليه وسلم إن الله خلق آدم على صورته الصورة الظاهرة ~~المدركة بالبصر فكن مشبها مطلقا كما يقال كن يهوديا صرفا وإلا فلا تلعب ~~بالتوراة وإن فهمت منه الصورة الباطنة التي تدرك بالبصائر لا بالأبصار فكن ~~منزها صرفا ومقدسا فحلا واطو الطريق فإنك بالواد المقدس طوى واستمع بسر ~~قلبك لما يوحى فلعلك تجد على النار هدى ولعلك من سرادقات العرش تنادى بما ~~نودى به موسى إنى أنا ربك فلما سمع السالك من العلم ذلك استشعر قصور نفسه ~~وانه مخنث بين التشبيه والتنزيه فاشتعل قلبه نارا من حدة غضبه على نفسه لما ~~رآها بعين النقص ولقد كان زيته الذى في مشكاة قلبه يكاد يضىء ولو لم تمسه ~~نار فلما نفخ فيه العلم بحدته اشتعل زيته فأصبح نورا على نور فقال له العلم ~~اغتنم الآن هذه الفرصة وافتح بصرك لعلك تجد على النار هدى ففتح بصره فانكشف ~~له القلم الإلهي فإذا هو كما وصفه العلم فى التنزيه ما هو من خشب ولا قصب ~~ولا له رأس ولا ذنب وهو يكتب على الدوام في قلوب البشر كلهم أصناف العلوم ~~وكأن له في كل قلب رأسا ولا رأس له فقضى منه العجب وقال نعم الرفيق العلم ~~فجزاه الله تعالى عني خيرا إذ الآن ظهر لي صديق أنبائه عن أوصاف القلم فإني ~~أراه قلما لا كالأقلام فعند هذا ودع العلم وشكره وقال قد طال مقامي عندك ~~ومرادتى لك وأنا عازم على أن أسافر إلى حضرة القلم وأسأله عن شأنه فسافر ~~إليه وقال له ما بالك ايها القلم تخط على الدوام في القلوب من العلوم ما ~~تبعث به الإرادات إلى إشخاص القدر وصرفها إلى المقدورات فقال أو قد نسيت ما ~~رأيت في عالم الملك والشهادة وسمعت من جواب القلم إذ سألته فأحالك على اليد ~~قال لم انس ذلك # قال فجوابي مثله جوابه قال كيف وأنت لا تشبهه قال القلم أما سمعت أن الله ~~تعالى خلق آدم على صورته قال نعم # قال فسل عن شأني الملقب بيمين الملك فإني في قبضته وهو الذي يرددني وأنا ~~مقهور مسخر فلا فرق بين القلم الإلهي وقلم الآدمي في معنى التسخير وإنما ~~الفرق في ظاهر الصورة # فقال فمن يمين الملك فقال القلم أما سمعت قوله تعالى والسموات مطويات ~~بيمينه قال نعم قال والأقلام أيضا في قبضة يمينه هو الذي يرددها فسافر ~~السالك من عنده إلى اليمين حتى شاهده ورأى من عجائبه ما يزيد على عجائب ~~القلم ولا يجوز وصف شيء من ذلك ولا شرحه بل لا تحوى مجلدات كثيرة عشر عشير ~~وصفه والجملة فيه أنه يمين لا كالإيمان ويد لا كالأيدي وأصبع لا كالأصابع ~~فرأى القلم محركا في قبضته فظهر له عذر القلم فسأل اليمين عن شأنه وتحريكه ~~للقلم فقال جوابي مثل ما سمعته من اليمين التي رأيتها في عالم الشهادة وهي ~~الحوالة على القدرة إذ اليد لا حكم لها في نفسها وإنما PageV04P251 محركها ~~القدرة لا محالة فسافر السالك إلى عالم القدرة ورأى فيه من العجائب ما ~~استحقر عندها ما قبله وسألها عن تحريك اليمين فقالت إنما أنا صفة فاسأل ~~القادر إذ العمدة على الموصوفات لا على الصفات وعند هذا كاد أن يزيغ ويطلق ~~بالجراءة لسان السؤال فثبت بالقول الثابت ونودي من وراء حجاب سرادقات ~~الحضرة لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون فغشيته هيبة الحضرة فخر صعقا يضطرب في ~~غشيته فلما أفاق قال سبحانك ما أعظم شأنك تبت إليك وتوكلت عليك وآمنت بأنك ~~الملك الجبار الواحد القهار فلا أخاف غيرك ولا أرجو سواك ولا أعوذ إلا ~~بعفوك من عقابك وبرضاك من سخطك وما لي إلا أن أسألك وأتضرع إليك وأبتهل بين ~~يديك فأقول اشرح لي صدري لأعرفك واحلل عقدة من لساني لأثني عليك فنودي من ~~وراء الحجاب إياك أن تطمع في الثناء وتزيد على سيد الأنبياء بل إرجع إليه ~~فما آتاك فخذه وما نهاك عنه فانته عنه وما قاله لك فقله فإنه ما زاد في هذه ~~الحضرة على أن قال سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك + حديث ~~سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك تقدم + فقال إلهي إن لم ~~يكن للسان جراءة على الثناء عليك فهل للقلب مطمع في معرفتك فنودي إياك أن ~~تتخطى رقاب الصديقين فارجع إلى الصديق الأكبر فاقتد به فإن أصحاب سيد ~~الأنبياء كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم أما سمعته يقول العجز عن درك ~~الإدراك إدراك فيكفيك نصيبا من حضرتنا أن تعرف أنك محروم عن حضرتنا عاجز عن ~~ملاحظة جمالنا وجلالنا فعند ذلك رجع السالك واعتذر عن أسئلته ومعاتباته ~~وقال لليمين والقلم والعلم والإرادة والقدرة وما بعدها اقبلوا عذري فإني ~~كنت غريبا حديث العهد بالدخول في هذه البلاد ولكل داخل دهشة فما كان إنكاري ~~عليكم إلا عن قصور وجهل والآن قد صح عندي عذركم وانكشف لي أن المنفرد ~~بالملك والملكوت والعزة والجبروت هو الواحد القهار فما أنتم إلا مسخرون تحت ~~قهره وقدرته مرددون في قبضته وهو الأول والآخر والظاهر والباطن فلما ذكر ~~ذلك في عالم الشهادة استبعد منه ذلك وقيل له كيف يكون هو الأول والآخر وهما ~~وصفان متناقضان وكيف يكون هو الظاهر والباطن فالأول ليس بآخر والظاهر ليس ~~بباطن فقال هو الأول بالإضافة إلى الموجودات إذ صدر منه الكل على ترتيبه ~~واحدا بعد واحد وهو الآخر بالإضافة إلى سير السائرين إليه فإنهم لا يزالون ~~مترقين من منزل إلى منزل إلى أن يقع الانتهاء إلى تلك الحضرة فيكون ذلك آخر ~~السفر فهو آخر في المشاهدة أول في الوجود وهو باطن بالإضافة إلى العاكفين ~~في عالم الشهادة الطالبين لإدراكه بالحواس الخمس ظاهر بالإضافة إلى من ~~يطلبه في السراج الذي اشتعل في قلبه بالبصيرة الباطنة النافذة في عالم ~~الملكوت فهذا كان توحيد السالكين لطريق التوحيد في الفعل أعني من انكشف له ~~أن الفاعل واحد # فإن قلت قد انتهى هذا التوحيد إلى أنه يبتني على الإيمان بعالم الملكوت ~~فمن لم يفهم ذلك أو يجحده فما طريقه فأقول أما الجاحد فلا علاج له إلا أن ~~يقال له إنكارك لعالم الملكوت كإنكار السمنية لعالم الجبروت وهم الذين ~~حصروا العلوم في الحواس الخمس فأنكروا القدرة والإرادة والعلم لأنها لا ~~ندرك بالحواس الخمس فلازموا حضيض عالم الشهادة بالحواس الخمس فإن قال وأنا ~~منهم فإني لا أهتدي إلا إلى عالم الشهادة بالحواس الخمس ولا أعلم شيئا سواه ~~فيقال إنكارك لما شاهدناه مما وراء الحواس الخمس كإنكار السوفسطائية للحواس ~~الخمس فإنهم قالوا ما نراه لا نثق به فلعلنا نراه في المنام فإن قال وأنا ~~من جملتهم فإني شاك أيضا في PageV04P252 المحسوسات فيقال هذا شخص فسد مزاجه ~~وامتنع علاجه فيترك أياما قلائل وما كل مريض يقوى على علاجه الأطباء هذا ~~حكم الجاحد # وأما الذي لا يجحد ولكن لا يفهم فطريق السالكين معه أن ينظروا إلى عينه ~~التي يشاهد بها عالم الملكوت فإن وجدوها صحيحة في الأصل وقد نزل فيها ماء ~~أسود يقبل الإزالة والتنقية اشتغلوا بتنقيته اشتغال الكحال بالأبصار ~~الظاهرة فإذا استوى بصره أرشد إلى الطريق ليسلكها كما فعل ذلك صلى الله ~~عليه وسلم بخواص أصحابه فإن كان غير قابل للعلاج فلم يمكنه أن يسلك الطريق ~~الذي ذكرناه في التوحيد ولم يمكنه أن يسمع كلام ذرات الملك والملكوت بشهادة ~~التوحيد كلموه بحرف وصوت وردوا ذروة التوحيد إلى حضيض فهمه فإن في عالم ~~الشهادة أيضا توحيدا إذ يعلم كل أحد أن المنزل يفسد بصاحبين والبلد يفسد ~~بأميرين فيقال له على حد عقله # إله العالم واحد والمدبر واحد إذ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ~~فيكون ذلك على ذوق ما رآه في عالم الشهادة فينغرس اعتقاد التوحيد في قلبه ~~بهذا الطريق اللائق بقدر عقله وقد كلف الله الأنبياء أن يكلموا الناس على ~~قدر عقولهم ولذلك نزل القرآن بلسان العرب على حد عادتهم في المحاورة # فإن قلت فمثل هذا التوحيد الاعتقادي هل يصلح أن يكون عمادا للتوكل وأصلا ~~فيه فأقول نعم فإن الإعتقاد إذا قوى عمل عمل الكشف في أثارة الأحوال إلا ~~أنه في الغالب يضعف ويتسارع إليه الاضطراب والتزلزل غالبا ولذلك يحتاج ~~صاحبه إلى متكلم يحرسه بكلامه أو إلى أن يتعلم هو الكلام ليحرس به العقيدة ~~التي تلقنها من أستاذه أو من أبويه أو من أهل بلده # وأما لذى شاهد الطريق وسلكه بنفسه فلا يخاف عليه شيء من ذلك بل لو كشف ~~الغطاء لما ازداد يقينا وإن كان يزداد وضوحا كما أن الذي يرى إنسانا في وقت ~~الإسفار لا يزداد يقينا عند طلوع الشمس بأنه إنسان ولكن يزداد وضوحا في ~~تفصيل خلقته وما مثال المكاشفين والمعتقدين إلا كسحرة فرعون مع أصحاب ~~السامري فإن سحرة فرعون لما كانوا مطلعين على منتهى تأثير السحر لطول ~~مشاهدتهم وتجربتهم رأوا من موسى عليه السلام تجاوز حدود السحر وانكشف لهم ~~حقيقة الأمر فلم يكترثوا بقول فرعون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف @QB@ بل ~~@QE@ قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا قاقض ما أنت قاض ~~إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فإن البيان والكشف يمنع التغيير وأما أصحاب ~~السامري لما كان إيمانهم عن النظر إلى ظاهر الثعبان فلما نظروا إلى عجل ~~السامري وسمعوا خواره تغيروا وسمعوا قوله هذا إلهكم وإله موسى ونسوا أنه لا ~~يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا فكل من آمن بالنظر إلى ثعبان ~~يكفر لا محالة إذا نظر إلى عجل لأن كليهما من عالم الشهادة والاختلاف ~~والتضاد في عالم الشهادة كثير # وأما عالم الملكوت فهو من عند الله تعالى فلذلك لا نجد فيه اختلافا ~~وتضادا أصلا # فإن قلت ما ذكرته من التوحيد ظاهر مهما ثبت أن الوسائط والأسباب مسخرات ~~وكل ذلك ظاهر إلا في حركات الإنسان فإنه يتحرك إن شاء ويسكن إن شاء فكيف ~~يكون مسخرا فأعلم انه لو كان مع هذا يشاء إن أراد أن يشاء ولا يشاء إن لم ~~يرد أن يشاء لكان هذا مزلة القدم وموقع الغلط ولكن علم أنه يفعل ما يشاء ~~إذا شاء إن يشأ أم لم يشأ فليست المشيئة إليه إذ لو كانت إليه لافتقرت إلى ~~مشيئة أخرى وتسلسل إلى غير نهاية وإذا لم تكن إليه المشيئة فمهما وجدت ~~المشيئة التي تصرف القدرة إلى مقدورها انصرفت القدرة لا محالة ولم يكن لها ~~سبيل إلى المخالفة فالحركة لازمة ضرورة بالقدرة والقدرة متحركة ضرورة عند ~~انجزام المشيئة فالمشيئة تحدث ضرورة في القلب فهذا ضرورات ترتب بعضها على ~~بعض # وليس للعبد أن يدفع وجود المشيئة ولا انصراف PageV04P253 القدرة إلى ~~المقدور بعدها ولا وجود الحركة بعد بعث المشيئة المقدرة فهو مضطر في الجميع # فإن قلت فهذا جبر محض والجبر يناقض الاختيار وأنت لا تنكر الاختيار فكيف ~~يكون مجبورا مختارا فأقول لو انكشف الغطاء لعرفت أنه في عين الاختيار مجبور ~~فهو إذن مجبور على الاختيار فكيف يفهم هذا من لا يفهم الاختيار فلنشرح ~~الاختيار بلسان المتكلمين شرحا وجيزا يليق بما ذكر متطفلا وتابعا فإن هذا ~~الكتاب لم نقصد به إلا علم المعاملة ولكني أقول لفظ الفعل في الإنسان يطلق ~~على ثلاثة أوجه إذ يقال الإنسان يكتب بالأصابع ويتنفس بالرئة والحنجرة ~~ويخرق الماء إذا وقف عليه بجسمه فينسب إليه الخرق في الماء والتنفس ~~والكتابة وهذه الثلاثة في حقيقة الاضطرار والجبر واحدة ولكنها تختلف وراء ~~ذلك في أمور فأعرب لك عنها بثلاث عبارات فنسمي خرقة للماء عند وقوعه على ~~وجهه فعلا طبيعيا ونسمي تنفسه فعلا إراديا ونسمي كتابته فعلا اختياريا ~~والجبر ظاهر في الفعل الطبيعي لأنه مهما وقف على وجه الماء أو تخطى من ~~السطح للهواء انخرق الهواء لا محالة وقد يكون الخرق بعد التخطي ضروريا ~~والتنفس في معناه فإن نسبة حركة الحنجرة إلى إرادة التنفس كنسبة انخراق ~~الماء إلى ثقل البدن فمهما كان الثقل موجودا وجد الإنخراق بعده وليس الثقل ~~إليه وكذلك الإرادة ليست إليه ولذلك لو قصد عين الإنسان بإبرة طبق الأجفان ~~اضطرارا ولو أراد أن يتركها مفتوحة لم يقدر مع أن تغميض الأجفان اضطرارا ~~فعل إرادي ولكنه إذا تمثل صورة الإبرة في مشاهدته بالإدراك حدثت الإرادة ~~بالتغميض ضرورة وحدثت الحركة بها ولو أراد أن يترك ذلك لم يقدر عليه مع أنه ~~فعل بالقدرة والإرادة فقد التحق هذا بالفعل الطبيعي في كونه ضروريا # وأما الثالث وهو الاختيار فهو مظنة الالتباس كالكتابة والنطق وهو الذي ~~يقال فيه إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل وتارة لا يشاء فيظن من هذا أن الأمر ~~إليه وهذا للجهل بمعنى الاختيار فلنكشف عنه وبيانه أن الإرادة تبع للعلم ~~الذي يحكم بأن الشيء موافق لك والأشياء تنقسم إلى ما تحكم مشاهدتك الظاهرة ~~أو الباطنة بأنه يوافقك من غير تحير وتردد وإلى ما قد يتردد العقل فيه ~~فالذي نقطع به من غير تردد أن من يقصد عينك مثلا بإبرة أو بدنك بسيف فلا ~~يكون في علمك تردد في أن دفع ذلك خير لك وموافق فلا جرم تنبعث الإرادة ~~بالعلم # والقدرة بالإرادة وتحصل حركة الأجفان بالدفع وحركة اليد بدفع السيف ولكن ~~من غير روية وفكرة ويكون ذلك بالإرادة ومن الأشياء ما يتوقف التمييز والعقل ~~فيه فلا يدرى أنه موافق أم لا فيحتاج إلى روية فكر حتى يتميز أن الخير في ~~الفعل أو الترك فإذا حصل بالفكر والروية العلم بأن أحدهما خير التحقق ذلك ~~بالذي يقطع به من غير روية فكر فانبعثت الإرادة ههنا كما تنبعث لدفع السيف ~~والسنان فإذا انبعثت لفعل ما ظهر للعقل أنه خير سميت هذه الإرادة اختيارا ~~مشتقا من الخير أي هو انبعاث إلى ما ظهر للعقل أنه خير وهو عين تلك الإرادة ~~ولم ينتظر في انبعاثها إلى ما انتظرت تلك الإرادة وهو ظهور خيرية الفعل في ~~ححقه إلا أن الخيرية في دفع السيف ظهرت من غير روية بل على البديهة وهذا ~~افتقر إلى الروية فالاختيار عبارة عن إرادة خاصة وهي التي انبعثت بإشارة ~~العقل فيما له في إدراكه توقف وعن هذا قيل إن العقل يحتاج إليه للتمييز بين ~~خير الخيرين وشر الشرين ولا يتصور أن تنبعث الإرادة إلا بحكم الحس والتخيل ~~أو بحكم جزم من العقل ولذلك لو أراد الإنسان أن يحز رقبة نفسه مثلا لم ~~يمكنه لا لعدم القدرة في اليد ولا لعدم السكين ولكن لفقد الإرادة الداعية ~~المشخصة للقدرة وإنما فقدت الإرادة لأنها تنبعث بحكم العقل أو الحسن بكون ~~الفعل موافقا وقتله نفسه ليس موافقا له فلا يمكنه مع قوة الأعضاء أن يقتل ~~نفسه إلا إذا كان في عقوبة مؤلمة لا تطاق فإن العقل هنا يتوقف في الحكم ~~ويتردد لأن PageV04P254 تردده بين شر الشرين فإن ترجح له بعد الروية أن ترك ~~القتل أقل شرا لم يمكنه قتل نفسه وإن حكم بأن القتل أقل شرا وكان حكمه جزما ~~لا ميل فيه ولا صارف منه انبعثت الإرادة والقدرة وأهلك نفسه كالذي يتبع ~~بالسيف للقتل فإنه يرمى بنفسه من السطح مثلا وإن مهلكا ولا يبالى ولا يمكنه ~~أن لا يرمى نفسه فإن كان يتبع بضرب خفيف فإن انتهى إلى طرف السطح حكم العقل ~~بأن الضرب أهون من الرمى فوقفت أعضاؤه فلا يمكنه أن يرمى نفسه ولا تنبعث له ~~داعية ألبتة لأن داعية الإرادة مسخرة بحكم العقل والحس والقدرة مسخرة ~~للداعية والحركة مسخرة للقدرة والكل مقدر بالضرورة فيه من حيث لا يدري ~~فإنما هو محل ومجرى لهذه الأمور فأما أن يكون منه فكلا ولا فإذن معنى كونه ~~مجبورا أن جميع ذلك حاصل فيه من غيره لا منه ومعنى كونه مختارا أنه محل ~~لإرادة حدثت فيه جبرا بعد حكم العقل بكون الفعل خيرا محضا موافقا وحدث ~~الحكم أيضا جبرا فإذا هو مجبور على الاختيار ففعل النار في الإحراق مثلا ~~جبر محض وفعل الله تعالى اختيارا محض وفعل الإنسان على منزلة بين المنزلتين ~~فإنه جبر على الاختيار فطلب أهل الحق لهذا عبارة ثالثة لأنه لما كان فنا ~~ثالثا وائتموه فيه بكتاب الله تعالى فسموه كسبا وليس مناقضا للجبر ولا ~~للاختيار بل هو جامع بينهما عند من فهمه وفعل الله تعالى يسمى اختيارا بشرط ~~أن لا يفهم من الاختيار إرادة بعد تحير وتردد فإن ذلك في حقه محال وجميع ~~الألفاظ المذكورة في اللغات لا يمكن أن تستعمل في حق الله تعالى إلا على ~~نوع من الاستعارة والتجوز وذكر ذلك لا يليق بهذا العلم ويطول القول فيه # فإن قلت فهل تقول إن العلم ولد الإرادة والإرادة ولدت القدرة والقدرة ~~ولدت الحركة وأن كل متأخر حدث من المتقدم فإن قلت ذلك فقد حكمت بحدوث شيء ~~لا من قدرة الله تعالى وإن أبيت ذلك فما معنى ترتب البعض من هذا على البعض ~~فاعلم أن القول بأن بعض ذلك حدث عن بعض جهل محض سواء عبر عنه بالتولد أو ~~بغيره بل حوالة جميع ذلك على معنى الذي يعبر عنه بالقدرة الأزلية وهو الأصل ~~الذي لم يقف كافة الخلق عليه إلا الراسخون في العلم فإنهم وقفوا على كنه ~~معناه والكافة وقفوا على مجرد لفظه مع نوع تشبيه بقدرتنا وهو بعيد عن الحق ~~وبيان ذلك يطول ولكن بعض المقدورات مترتب على البعض في الحدوث ترتب المشروط ~~على الشرط فلا تصدر من القدرة الأزلية إرادة إلا بعد علم ولا علم إلا بعد ~~حياة ولا حياة إلا بعد محل الحياة وكما لا يجوز أن يقال الحياة تحصل من ~~الجسم الذي هو شرط الحياة فكذلك في سائر درجات الترتيب ولكن بعض الشروط ~~ربما ظهرت للعامة وبعضها لم يظهر إلا للخواص المكاشفين بنور الحق وإلا فلا ~~يتقدم متقدم ولا يتأخر متأخر إلا بالحق واللزوم وكذلك جميع أفعال الله ~~تعالى ولولا ذلك لكان التقديم والتأخير عبثا يضاهي فعل المجانين تعالى الله ~~عن قول الجاهلين علوا كبيرا وإلى هذا أشار قوله تعالى وما خلقت الجن والإنس ~~إلا ليعبدون وقوله تعالى وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما ~~خلقناهما إلا بالحق فكل ما بين السماء والأرض حادث على ترتيب واجب وحق لازم ~~لا يتصور أن يكون إلا كما حدث وعلى هذا الترتيب الذي وجد فما تأخر متأخر ~~إلا لانتظار شرطه والمشروط قبل الشرط محال والمحال لا يوصف بكونه مقدورا ~~فلا يتأخر العلم عن النطفة إلا لفقد شرط الحياة ولا تتأخر عنها الإرادة بعد ~~العلم إلا لفقد شرط العلم وكل ذلك منهاج الواجب وترتيب الحق ليس في شيء من ~~ذلك لعب واتفاق بل كل ذلك بحكمة وتدبير وتفهيم ذلك عسير ولكنا نضرب لتوقف ~~المقدور مع وجود القدرة على وجود الشرط مثالا يقرب مبادئ الحق من الأفهام ~~الضعيفة وذلك بأن PageV04P255 نقدر إنسانا محدثا قد انغمس في الماء إلى ~~رقبته فالحدث لا يرتفع عن أعضائه وإن كان الماء هو الرافع وهو ملاق له فقدر ~~القدرة الأزلية حاضرة ملاقية للمقدورات متعلقة بها ملاقاة الماء للأعضاء ~~ولكن لا يحصل بها المقدور كما لا يحصل رفع الحدث بالماء انتظارا للشرط وهو ~~غسل الوجه فإذا وضع الواقف في الماء وجهه على الماء عمل الماء في سائر ~~أعضائه وارتفع الحدث فربما يظن الجاهل أن الحدث ارتفع عن اليدين برفعه عن ~~الوجه لأنه حدث عقيبه إذ يقول كان الماء ملاقيا ولم يكن رافعا والماء لم ~~يتغير عما كان فكيف حصل منه ما لم يحصل من قبل بل حصل ارتفاع الحدث عن ~~اليدين عند غسل الوجه فإذن غسل الوجه هو الرافع للحدث عن اليدين وهو جهل ~~يضاهي ظن من يظن أن الحركة تحصل بالقدرة والقدرة بالإرادة والإرادة بالعلم ~~وكل ذلك خطأ بل عند ارتفاع الحدث عن الوجه ارتفع الحدث عن اليد بالماء ~~الملاقي لها لا بغسل الوجه والماء لم يتغير واليد لم تتغير ولم يحدث فيهما ~~شيء ولكن حدث وجود الشرط فظهر أثر العلة فهكذا ينبغي أن تفهم صدور المقدرات ~~عن القدرة الأزلية مع أن القدرة قديمة والمقدورات حادثة وهذا قرع باب آخر ~~لعالم آخر من عوالم المكاشفات فلنترك جميع ذلك فإن مقصودنا التنبيه على ~~طريق التوحيد في الفعل فإن الفاعل بالحقيقة واحد فهو المخوف والمرجو وعليه ~~التوكل والاعتماد ولم نقدر على أن نذكر من بحار التوحيد إلا قطرة من بحر ~~المقام الثالث من مقامات التوحيد واستيفاء ذلك في عمر نوح محال كاستيفاء ~~ماء البحر بأخذ القطرات منه وكل ذلك ينطوي تحت قول لا إله إلا الله وما أخف ~~مؤنته على اللسان وما أسهل اعتقاد مفهوم لفظه على القلب وما أعز حقيقته ~~ولبه عند العلماء الراسخين في العلم فكيف عند غيرهم # فإن قلت فكيف الجمع بين التوحيد والشرع ومعنى التوحيد أن لا فاعل إلا ~~الله تعالى ومعنى الشرع إثبات الأفعال للعباد فإن كان العبد فاعلا فكيف ~~يكون الله تعالى فاعلا وإن كان الله تعالى فاعلا فكيف يكون العبد فاعلا ~~ومفعول بين فاعلين غير مفهوم فأقول نعم ذلك غير مفهوم إذا كان للفاعل معنى ~~واحد وإن كان له معنيان ويكون الاسم مجملا مرددا بينهما لم يتناقض كما يقال ~~قتل الأمير فلانا ويقال قتله الجلاد ولكن الأمير قاتل بمعنى والجلاد قاتل ~~بمعنى آخر فكذلك العبد فاعل بمعنى والله عز وجل فاعل بمعنى آخر فمعنى كون ~~الله تعالى فاعلا أنه المخترع الموجد ومعنى كون العبد فاعلا أنه المحل الذي ~~خلق فيه القدرة بعد أن خلق فيه الإرادة بعد أن خلق فيه العلم فارتبطت ~~القدرة بالإرادة والحركة بالقدرة ارتباط الشرط بالمشروط وارتبط بقدرة الله ~~ارتباط المعلول بالعلة وارتباط المخترع بالمخترع وكل ما له ارتباط بقدرة ~~فإن محل القدرة يسمى فاعلا له كيفما كان الارتباط كما يسمى الجلاد قاتلا ~~والأمير قاتلا لأن القتل ارتبط بقدرتهما ولكن على وجهين مختلفين فلذلك سمي ~~فعلا لهما فكذلك ارتباط المقدورات بالقدرتين ولأجل توافق ذلك وتطابقه نسب ~~الله تعالى الأفعال في القرآن مرة إلى الملائكة ومرة إلى العباد ونسبها ~~بعينها مرة أخرى إلى نفسه فقال الله تعالى في الموت قل يتوفاكم ملك الموت ~~ثم قال عز وجل الله يتوفى الأنفس حين موتها وقال تعالى افرأيتم ما تحرثون ~~أضاف إلينا ثم قال تعالى أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا ~~فيها حبا وعنبا وقال عز وجل فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ثم ~~قال تعالى فنفخنا فيها من روحنا وكان النافخ جبريل عليه السلام وكما قال ~~تعالى فإذا قرأناه فاتبع قرآنه قيل في التفسير معناه إذا قرأه عليك جبريل ~~وقال تعالى قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم فأضاف القتل إليهم والتعذيب إلى ~~نفسه والتعذيب هو عين PageV04P256 القتل بل صرح وقال تعالى فلم تقتلوهم ~~ولكن الله قتلهم وقال تعالى وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وهو جمع بين ~~النفي والإثبات ظاهرا ولكن معناه وما رميت بالمعنى الذي يكون الرب به راميا ~~إذ رميت بالمعنى الذي يكون العبد به راميا إذ هما معنيان مختلفان # وقال الله تعالى الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم @QB@ ثم قال @QE@ ~~الرحمن علم القرآن @QB@ وقال @QE@ علمه البيان @QB@ وقال @QE@ ثم إن علينا ~~بيانه @QB@ وقال @QE@ أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ثم ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف ملك الأرحام إنه يدخل الرحم فيأخذ ~~النطفة في يده ثم يصورها جسدا فيقول يا رب أذكر أم أنثى أسوى أم معوج فيقول ~~الله تعالى ما شاء ويخلق الملك + حديث وصف ملك الأرحام أنه يدخل الرحم ~~فيأخذ النطفة بيده ثم يصورها جسدا الحديث رواه البزار وابن عدي من حديث ~~عائشة إن الله تبارك وتعالى حين يريد أن يخلق الخلق يبعث ملكا فيدخل الرحم ~~فيقول يا رب ماذا الحديث وفي آخره فما من شيء إلا وهو يخلق معه في الرحم ~~وفي سنده جهالة وقال ابن عدي أنه منكر وأصله متفق عليه من حديث ابن مسعود ~~بنحوه + وفي لفظ آخر ويصور الملك ثم ينفخ فيه الروح بالسعادة أو بالشقاوة # وقد قال بعض السلف إن الملك الذي يقال له الروح هو الذي يولج الأرواح في ~~الأجساد وأنه يتنفس بوصفه فيكون كل نفس من أنفاسه روحا يلج في جسم ولذلك ~~سمي روحا وما ذكره في مثل هذا الملك وصفته فهو حق شاهده أرباب القلوب ~~ببصائرهم فأما كون الروح عبارة عنه فلا يمكن أن يعلم إلا بالنقل والحكم به ~~دون النقل تخمين مجرد وكذلك ذكر الله تعالى في القرآن من الأدلة والآيات في ~~الأرض والسموات ثم قال أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد @QB@ وقال @QE@ ~~شهد الله أنه لا إله إلا هو فبين أنه الدليل على نفسه وذلك ليس متناقضا بل ~~طرق الاستدلال مختلفة # فكم من طالب عرف الله تعالى بالنظر إلى الموجودات وكم من طالب عرف كل ~~الموجودات بالله تعالى كما قال بعضهم عرفت ربي بربي ولولا ربي لما عرفت ربي ~~وهو معنى قوله تعالى أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد وقد وصف الله ~~تعالى نفسه بأنه المحيي والمميت ثم فوض الموت والحياة إلى ملكين ففي الخبر ~~أن ملكي الموت والحياة تناظرا فقال ملك الموت أنا أميت الأحياء وقال ملك ~~الحياة أنا أحيي الموتى فأوحى الله تعالى إليهما كونا على عملكما وما ~~سخرتكما له من الصنع وأنا المميت والمحيي لا يميت ولا يحيى سواى + حديث إن ~~ملك الموت والحياة تناظرا فقال ملك الموت أنا أميت الأحياء وقال ملك الحياة ~~أنا أحيي الأموات فأوحى الله إليهما أن كونا على عملكما الحديث لم أجد له ~~أصلا + فإذن الفعل يستعمل على وجوه مختلفة فلا تتناقض هذه المعاني إذا فهمت ~~ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للذي ناوله التمرة خذها لو لم تأتها لأتتك + ~~حديث قال للذي ناوله التمرة خذها لو لم تأتها لأتتك أخرجه ابن حبان في كتاب ~~روضة العقلاء من رواية هذيل ابن شرحبيل ووصله الطبراني عن هذيل عن ابن عمر ~~ورجاله رجال الصحيح + أضاف الإتيان إليه وإلى التمرة ومعلوم أن التمرة لا ~~تأتي على الوجه الذي يأتي الإنسان إليها وكذلك لما قال التائب أتوب إلى ~~الله تعالى ولا أتوب إلى محمد فقال صلى الله عليه وسلم عرف الحق لأهله + ~~حديث إنه قال للذي قال أتوب إلى الله ولا أتوب إلى محمد عرف الحق لأهله ~~تقدم في الزكاة + فكل من أضاف الكل إلى الله تعالى فهو المحقق الذي عرف ~~الحق والحقيقة ومن أضافه إلى غيره فهو المتجوز والمستعير في كلامه وللتجوز ~~وجه كما أن للح 4 قيقة وجها واسم الفاعل وضعه واضع اللغة للمخترع ولكن ظن ~~أن الإنسان مخترع بقدرته فسماه فاعلا بحركته وظن أنه تحقيق وتوهم أن نسبته ~~إلى الله تعالى على سبيل المجاز مثل نسبة القتل إلى الأمير فإنه مجاز ~~بالإضافة إلى نسبته إلى الجلاد فلما انكشف الحق لأهله عرفوا أن الأمر ~~بالعكس PageV04P257 وقالوا إن الفاعل قد وضعته أيها اللغوى للمخترع فلا ~~فاعل إلا الله فالاسم له بالحقيقة ولغيره بالمجاز # أي تتجوز به عما وضعه اللغوى له ولما جرى حقيقة المعنى على لسان بعض ~~الأعراب قصدا أو اتفاقا صدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصدق بيت ~~قاله الشاعر قول لبيد # ألا كل شيء ما خلا الله باطل + حديث أصدق بيت قالته العرب بيت لبيد ألا ~~كل شيء ما خلا الله باطل متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ قاله الشاعر وفي ~~رواية لمسلم أشعر كلمة تكلمت بها العرب + أي كل ما لا قوام له بنفسه وإنما ~~قوامه بغيره فهو باعتبار نفسه باطل وإنما حقيته وحقيقته بغيره لا بنفسه ~~فإذن لا حق بالحقيقة إلى الحي القيوم الذي ليس كمثله شيء فإنه قائم بذاته ~~وكل ما سواه قائم بقدرته فهو الحق وما سواه باطل ولذلك قال سهل يا مسكين ~~كان ولم تكن ويكون ولا تكون فلما كنت اليوم صرت تقول أنا وأنا كن الآن كما ~~لم تكن فإنه اليوم كما كان # فإن قلت فقد ظهر الآن أن الكل جبر فما معنى الثواب والعقاب والغضب والرضا ~~وكيف غضبه على فعل نفسه فاعلم أن معنى ذلك قد أشرنا إليه في كتاب الشكر فلا ~~نطول بإعادته فهذا هو القدر الذي رأينا الرمز إليه من التوحيد الذي يورث ~~حال التوكل ولا يتم هذا إلا بالإيمان بالرحمة والحكمة فإن التوحيد يورث ~~النظر إلى مسبب الأسباب والإيمان بالرحمة وسعتها هو الذي يورث الثقة بمسبب ~~الأسباب ولا يتم حال التوكل كما سيأتي إلا بالثقة بالوكيل وطمأنينة القلب ~~إلى حسن نظر الكفيل وهذا الإيمان أيضا باب عظيم من أبواب الإيمان وحكاية ~~طريق المكاشفين فيه تطول فلنذكر حاصله ليعتقده الطالب لمقام التوكل اعتقادا ~~قاطعا لا يستريب فيه # وهو أن يصدق تصديقا يقينيا لا ضعف فيه ولا ريب أن الله عز وجل لو خلق ~~الخلق كلهم على عقل أعقلهم وعلم أعلمهم وخلق لهم من العلم ما تحتمله نفوسهم ~~وأفاض عليهم من الحكمة مالا منتهى لوصفها ثم زاد مثل عدد جميعهم علما وحكمة ~~وعقلا ثم كشف لهم عن عواقب الأمور وأطلعهم على أسرار الملكوت وعرفهم دقائق ~~اللطف وخفايا العقوبات حتى اطلعوا به على الخير والشر والنفع والضر ثم ~~أمرهم أن يدبروا الملك والملكوت بما أعطوا من العلوم والحكم لما أقتضى ~~تدبير جميعهم مع التعاون والتظاهر عليه أن يزاد فيما دبر الله سبحانه الخلق ~~به في الدنيا والآخرة جناح بعوضة ولا أن ينقص منها جناح بعوضة ولا أن يرفع ~~منها ذرة ولا أن يخفض منها ذرة ولا أن يدفع مرض أو عيب أو نقص أو فقر أو ضر ~~عمن بلى به ولا أن يزال صحة أو كمال أو غنى أو نفع عمن أنعم الله به عليه ~~بل كل ما خلقه الله تعالى من السموات والأرض إن رجعوا فيها البصر وطولوا ~~فيها النظر ما رأوا فيها من تفاوت ولا فطور وكل ما قسم الله تعالى بين ~~عباده من رزق وأجل وسرور وحزن وعجز وقدرة وإيمان وكفر وطاعة ومعصية فكله ~~عدل محض لا جور فيه وحق صرف لا ظلم فيه بل هو على الترتيب الواجب الحق على ~~ما ينبغي وكما ينبغي بالقدر الذي ينبغي وليس في الإمكان أصلا أحسن منه ولا ~~أتم ولا أكمل ولو كان وادخره مع القدرة ولم يتفضل بفعله لكان بخلا يناقض ~~الجود وظلما يناقض العدل ولو لم يكن قادرا لكان عجزا يناقض الإلهية بل كل ~~فقر وضر في الدنيا فهو نقصان من الدنيا وزيادة في الآخرة وكل نقص في الآخرة ~~بالإضافة إلى شخص فهو نعيم بالإضافة إلى غيره إذ لولا الليل لما عرف قدر ~~النهار ولولا المرض لما تنعم الأصحاء بالصحة ولولا النار لما عرف أهل الجنة ~~قدر النعمة وكما أن فداء أرواح الإنس بأرواح البهائم وتسليطهم على ذبحها ~~ليس بظلم بل تقديم الكامل على الناقص عين العدل فكذلك تفخيم النعم على سكان ~~الجنان بتعظيم العقوبة على أهل النيران وفداء PageV04P258 أهل الإيمان بأهل ~~الكفران عين العدل وما لم يخلق الناقص لا يعرف الكامل ولولا خلق البهائم ~~لما ظهر شرف الإنس فإن الكمال والنقص يظهر بالإضافة فمقتضى الجود والحكمة ~~خلق الكامل والناقص جميعا وكما أن قطع اليد إذا تأكلت إبقاء على الروح عدل ~~لأنه فداء كامل بناقص فكذلك الأمر في التفاوت الذي بين الخلق في القسمة في ~~الدنيا والآخرة فكل ذلك عدل لا جور فيه وحق لا لعب فيه وهذا الآن بحر آخر ~~عظيم العمق واسع الأطراف مضطرب الأمواج قريب في السعة من بحر التوحيد فيه ~~غرق طوائف من القاصرين ولم يعلموا أن ذلك غامض لا يعقله إلا العالمون ووراء ~~هذا البحر سر القدر الذي تحير فيه الأكثرون ومنع من إفشاء سره المكاشفون ~~والحاصل أن الخير والشر مقضى به وقد كان ما قضى به واجب الحصول بعد سبق ~~المشيئة فلا راد لحكمه ولا معقب لقضائه وأمره بل كل صغير وكبير مستطر ~~وحصوله بقدر معلوم منتظر وما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ~~ولنقتصر على هذه المرامز من علوم المكاشفة التي هي أصول مقام التوكل ولنرجع ~~إلى علم المعاملة إن شاء الله تعالى وحسبنا الله ونعم الوكيل الشطر الثاني ~~من الكتاب في أحوال التوكل وأعماله # وفيه # | بيان حال التوكل # وبيان ما قاله الشيوخ في حد التوكل وبيان التوكل في الكسب للمنفرد ~~والمعيل وبيان التوكل بقدر الادخار وبيان التوكل في دفع المضار وبيان ~~التوكل في إزالة الضرر بالتداوى وغيره والله الموفق برحمته بيان حال التوكل # قد ذكرنا أن مقام التوكل ينتظم من علم وحال وعمل وذكرنا العلم # فأما الحال فالتوكل بالتحقيق عبارة عنه وإنما العلم أصله والعمل ثمرته ~~وقد أكثر الخائضون في بيان حد التوكل واختلفت عباراتهم وتكلم كل واحد عن ~~مقام نفسه وأخبر عن حده كما جرت عادة أهل التصوف به ولا فائدة في النقل ~~والإكثار فلنكشف الغطاء عنه ونقول التوكل مشتق من الوكالة يقال وكل أمره ~~إلى فلان أي فوضه إليه واعتمد عليه فيه ويسمى الموكول إليه وكيلا ويسمى ~~المفوض إليه متكلا عليه ومتوكلا عليه مهما اطمأنت إليه نفسه ووثق به ولم ~~يتهمه فيه بتقصير ولم يعتقد فيه عجزا وقصورا فالتوكل عبارة عن اعتماد القلب ~~على الوكيل وحده ولنضرب للوكيل في الخصومة مثلا فنقول من ادعى عليه دعوى ~~باطلة بتلبيس فوكل للخصومة من يكشف ذلك التلبيس لم يكن متوكلا عليه ولا ~~واثقا به ولا مطمئن النفس بتوكيله إلا إذا اعتقد فيه أربعة أمور منتهى ~~الهداية ومنتهى القوة ومنتهى الفصاحة ومنتهى الشفقة أما الهداية فليعرف بها ~~مواقع التلبيس حتى لا يخفى عليه من غوامض الحيل شيء أصلا وأما القدرة ~~والقوة فليستجرئ على التصريح بالحق فلا يداهن ولا يخاف ولا يستحى ولا يجبن ~~فإنه ربما يطلع على وجه تلبيس خصمه فيمنعه الخوف أو الجبن أو الحياء أو ~~صارف آخر من الصوارف المضعفة للقلب عن التصريح به وأما الفصاحة فهي أيضا من ~~القدرة إلا أنها قدرة في اللسان على الإفصاح عن كل ما استجرأ القلب عليه ~~وأشار إليه فلا كل عالم بمواقع التلبيس قادر بذلاقة لسانه على حل عقدة ~~التلبيس وأما منتهى الشفقة فيكون باعثا له على بذل كل ما يقدر PageV04P259 ~~عليه في حقه من المجهود فإن قدرته لا تغني دون العناية به إذا كان لا يهمه ~~أمره ولا يبالى به ظفر خصمه أو لم يظفر هلك به حقه أو لم يهلك فإن كان شاكا ~~في الأربعة أو في واحدة منها أو جوز أن يكون خصمه في هذه الأربعة أكمل منه ~~لم تطمئن نفسه إلى وكيله بل بقي منزعج القلب مستغرق الهم بالحيلة والتدبير ~~ليدفع ما يحذره من قصور وكيله وسطوة خصمه ويكون تفاوت درجة أحواله في شدة ~~الثقة والطمأنينة بحسب تفاوت قوة اعتقاده لهذه الخصال فيه والاعتقادات ~~والظنون في القوة والضعف تتفاوت تفاوتا لا ينحصر فلا جرم تتفاوت أحوال ~~المتوكلين في قوة الطمأنينة والثقة تفاوتا لا ينحصر إلى أن ينتهى إلى ~~اليقين الذي لا ضعف فيه كما لو كان الوكيل والد الموكل وهو الذي يسعى لجمع ~~الحلال والحرام لأجله فإنه يحصل له يقين بمنتهى الشفقة والعناية فتصير خصلة ~~واحدة من الخصال الأربعة قطعية وكذلك سائرا الخصال يتصور أن يحصل القطع به ~~وذلك بطول الممارسة والتجربة وتواتر الأخبار بأنه أفصح الناس لسانا وأقدرهم ~~بيانا وأقدرهم على نصرة الحق بل على تصوير الحق بالباطل والباطل بالحق فإذا ~~عرفت التوكل في هذا المثال فقس عليه التوكل على الله تعالى فإن ثبت في نفسك ~~كشف أو باعتقاد جازم أنه لا فاعل إلا الله كما سبق واعتقدت مع ذلك تمام ~~العلم والقدرة على كفاية العباد ثم تمام العناية والعطف والرحمة بجملة ~~العباد والآحاد وأنه ليس وراء منتهى قدرته قدرة ولا وراء منتهى علمه علم ~~ولا وراء منتهى عنايته بك ورحمته لك عناية ورحمة اتكل لا محالة قلبك عليه ~~وحده ولم يلتفت إلى غيره بوجه ولا إلى نفسه وحوله وقوته فإنه لا حول ولا ~~قوة إلا بالله كما سبق في التوحيد عند ذكر الحركة والقدرة فإن الحول عبارة ~~عن الحركة والقوة عبارة عن القدرة فإن كنت لا تجد هذه الحالة من نفسك فسببه ~~أحد أمرين إما ضعف اليقين بإحدى هذه الخصال الأربعة وإما ضعف القلب ومرضه ~~باستيلاء الجبن عليه وانزعاجه بسبب الأوهام الغالبة عليه فإن القلب قد ~~ينزعج تبعا للوهم وطاعة له عن غير نقصان في اليقين فإن من يتناول عسلا فشبه ~~بين يديه بالعذرة ربما نفر طبعه وتعذر عليه تناوله ولو كلف العاقل أن يبيت ~~مع الميت في قبر أو فراش أو بيت نفر طبعه عن ذلك وإن كان متيقنا بكونه ميتا ~~وأنه جماد في الحال وأن سنة الله تعالى مطردة بأنه لا يحشره الآن ولا يحييه ~~وإن كان قادرا عليه كما أنها مطردة بأن لا يقلب القلم الذي في يده حية ولا ~~يقلب السنور أسدا وإن كان قادرا عليه ومع أنه لا يشك في هذا اليقين ينفر ~~طبعه عن مضاجعة الميت في فراش أو المبيت معه في البيت ولا ينفر عن سائر ~~الجمادات وذلك جبن في القلب وهو نوع ضعيف فلما يخلو الإنسان عن شيء منه وإن ~~قل وقد يقوى فيصير مرضا حتى يخاف أن يبيت في البيت وحده مع إغلاق الباب ~~وإحكامه فإذن لا يتم التوكل إلا بقوة القلب وقوة اليقين جميعا إذ بهما يحصل ~~سكون القلب وطمأنينته فالسكون في القلب شيء واليقين شيء آخر فكم من يقين لا ~~طمأنينتة معه كما قال تعالى لإبراهيم عليه السلام @QB@ أو لم تؤمن قال بلى ~~ولكن ليطمئن قلبي @QE@ فالتمس أن يكون مشاهدا إحياء الميت بعينه ليثبت في ~~خياله فإن النفس تتبع الخيال وتطمئن به ولا تطمئن باليقين في ابتداء أمرها ~~إلى أن تبلغ بالآخرة إلى درجة النفس المطمئنة وذلك لا يكون في البداية أصلا ~~وكم من مطمئن لا يقين له كسائر أرباب الملل والمذاهب فإن اليهودي مطمئن ~~القلب إلى تهوده وكذا النصراني ولا يقين لهم أصلا وإنما يتبعون الظن وما ~~تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى وهو سبب اليقين إلا أنهم معرضون عنه ~~فإذن الجبن والجراءة غرائز ولا ينفع اليقين معها فهي أحد الأسباب التي تضاد ~~حال التوكل كما أن ضعف اليقين بالخصال الأربعة أحد الأسباب وإذا اجتمعت هذه ~~الأسباب حصلت الثقة بالله تعالى وقد قيل مكتوب في التوراة ملعون من ثقته ~~إنسان مثله وقد قال صلى الله عليه وسلم PageV04P260 من استعز بالعبيد أذله ~~الله تعالى + حدديث من اعتز بالعبيد أذلة الله أخرجه العقيلى في الضعفاء ~~وأبو نعيم في الحلية من حديث عمر أورده العقيلي في ترجمة عبد الله بن عبد ~~الله الأموي وقال لا يتابع على حديثه وقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال ~~يخالف في روايته وإذا انكشف لك معنى التوكل وعلمت الحالة التي سميت توكلا ~~فاعلم أن تلك الحالة لها في القوة والضعف ثلاث درجات # الدرجة الأولى ما ذكرناه وهو أن يكون حاله في حق الله تعالى والثقة ~~بكفالته وعنايته كحاله في الثقة بالوكيل الثانية وهي أقوى أن يكون حاله مع ~~الله تعالى كحال الطفل مع أمه فإنه لا يعرف غيرها ولا يفزع إلى أحد سواها ~~ولا يعتمد إلا إياها فإذا رآها تعلق في كل حال بذيلها ولم يخلها وإن نابه ~~أمر في غيبتها كان أول سابق إلى لسانه يا أماه وأول خاطر يخطر في قلبه أمه ~~فإنها مفزعه فإنه قد وثق بكفالتها وكفايتها وشفقتها ثقة ليست خالية عن نوع ~~إدراك بالتمييز الذي له ويظن أنه طبع من حيث إن الصبي لو طولب بتفصيل هذه ~~الخصال لم يقدر على تلقين لفظه ولا على إحضاره مفصلا في ذهنه ولكن كل ذلك ~~وراء الإدراك فمن كان باله إلى الله عز وجل ونظره إليه واعتماده عليه كلف ~~به كما يكلف الصبي بأمه فيكون متوكلا حقا فإن الطفل متوكل على أمه والفرق ~~بين هذا وبين الأول أن هذا متوكل وقد فني في توكله عن توكله إذ ليس يلتفت ~~قلبه إلى التوكل وحقيقته بل إلى المتوكل عليه فقط فلا مجال في قلبه لغير ~~المتوكل عليه وأما الأول فيتوكل بالتكلف والكسب وليس فانيا عن توكله لأن له ~~التفاتا إلى توكله وشعورا به وذلك شغل صارف عن ملاحظة المتوكل عليه وحده ~~وإلى هذه الدرجة أشار سهل حيث سئل عن التوكل ما أدناه قال ترك الأماني قيل ~~وأوسطه قال ترك الاختيار وهو إشارة إلى الدرجة الثانية وسئل عن أعلاه فلم ~~يذكره وقال لا يعرفه إلا من بلغ أوسطه الثالثة وهي أعلاها أن يكون بين يدي ~~الله تعالى في حركاته وسكناته مثل الميت بين يدي الغاسل لا يفارقه إلا في ~~أنه يرى نفسه ميتا تحركه القدرة الأزلية كما تحرك يد الغاسل الميت وهو الذي ~~قوى يقينه بأنه مجرى للحركة والقدرة والإرادة والعلم وسائر الصفات وأن كلا ~~يحدث جبرا فيكون بائنا عن الانتظار لما يجرى عليه ويفارق الصبي فإن الصبي ~~يفزع إلى أمه ويصيح ويتعلق بذيلها ويعدو خلفها بل هو مثل صبي علم أنه وإن ~~لم يزعق بأمه فالأم تطلبه وأنه وإن لم يتعلق بذيل أمه فالأم تحمله وإن لم ~~يسألها اللبن فالأم تفاتحه وتسقيه وهذا المقام في التوكل يثمر ترك الدعاء ~~والسؤال منه ثقة بكرمه وعنايته وأنه يعطي ابتداء أفضل مما يسئل فكم من نعمة ~~ابتدأها قبل السؤال والدعاء وبغير الاستحقاق والمقام الثاني لا يقتضى ترك ~~الدعاء والسؤال منه وإنما يقتضى ترك السؤال من غيره فقط # فإن قلت فهذه الأحوال هل يتصور وجودها فاعلم أن ذلك ليس بمحال ولكنه عزيز ~~نادر والمقام الثاني والثالث أعزها والأول أقرب إلى الإمكان ثم إذا وجد ~~الثالث والثاني فداومه أبعد منه بل يكاد لا يكون المقام الثالث في دوامه ~~إلا كصفرة الوجل فإن انبساط القلب إلى ملاحظة الحول والقوة والأسباب طبع ~~وانقباضه عارض كما إن انبساط الدم إلى جميع الأطراف طبع وانقباضه عارض ~~والوجل عبارة عن انقباض الدم عن ظاهر البشرة إلى الباطن حتى تنمحى عن ظاهر ~~البشرة الحمرة التي كانت ترى من وراء الرقيق من ستر البشرة فإن البشرة ستر ~~رقيق تتراءى من ورائه حمرة الدم وانقباضه يوجب الصفرة وذلك لا يدوم وكذا ~~انقباض القلب بالكلية عن ملاحظة الحول والقوة وسائر الأسباب الظاهرة لا ~~يدوم وأما المقام الثاني فيشبه صفرة المحموم فإنه قد يدوم يوما ويومين ~~والأول يشبه صفرة مريض استحكم مرضه فلا يبعد أن يدوم ولا يبعد أن يزول ~~PageV04P261 فإن قلت فهل يبقى مع العبد تدبير وتعلق بالأسباب فى هذه ~~الأحوال فاعلم إن المقام الثالث ينفى التدبير رأسا ما دامت الحالة باقية بل ~~يكون صاحبها كالمبهوت والمقام الثانى ينفى كل تدبير إلا من حيث الفزع إلى ~~الله بالدعاء والابتهال كتدبير الطفل فى التعلق بأمه فقط والمقام الأول لا ~~ينفى أصل التدبير والاختيار ولكن ينفى بعض التدبيرات كالمتوكل على وكيله فى ~~الخصومة فإنه يترك تدبيره من جهة غير الوكيل ولكن لا يترك التدبير الذى ~~أشار إليه وكيله به أو التدبير الذى عرفه من عادته وسننه دون صريح إشارته ~~فأما الذى يعرفه بإشارته بأن يقول له لست أتكلم إلا فى حضورك فيشتغل لا ~~محالة بالتدبير للحضور ولا يكون هذا مناقضا توكله عليه إذ ليس هو فزعا منه ~~إلى حول نفسه وقوته فى إظهار الحجة ولا إلى حول غيره بل من تمام توكله عليه ~~أن يفعل ما رسمه له إذ لو لم يكن متوكلا عليه ولا معتمدا عليه فى قوله لما ~~حضر فقوله وأما المعلوم من عادته وإطراد سننه فهو أن يعلم من عادته أن لا ~~يحاج الخصم إلا من السجل فتمام توكله إن كان متوكلا عليه أن يكون معولا على ~~سنته وعادته ووافيا بمقتضاها وهو أن يحمل السجل مع نفسه إليه عند مخاصمته ~~فإذن لا يستغنى عن التدبير فى الحضور وعن التدبير فى إحضار السجل ولو ترك ~~شيئا من ذلك كان نقصا فى توكله فكيف يكون فعله نقصا فيه نعم بعد أن حضر ~~وفاء بإشارته وأحضر السجل وفاء بسنته وعادته وقعد ناظرا إلى محاجته فقد ~~ينتهى إلى المقام الثانى والثالث فى حضوره حتى يبقى كالبهوت المنتظر لا ~~يفزع إلى حوله وقوته إذ لم يبق له حول ولا قوة وقد كان فزعه إلى حوله وقوته ~~فى الحضور وإحضار السجل بإشارة الوكيل وسنته وقد انتهى نهايته فلم يبق إلا ~~طمأنينة النفس والثقة بالوكيل والانتظار لما يجرى وإذا تأملت هذا اندفع عنك ~~كل إشكال فى التوكل وفهمت أنه ليس من شرط التوكل ترك كل تدبير وعمل وأن كل ~~تدبير وعمل لا يجوز أيضا مع التوكل بل هو على الانقسام وسيأتى تفصيله فى ~~الأعمال فإذا فزع المتوكل إلى حوله وقوته فى الحضور والإحضار لا يناقض ~~التوكل لأنه يعلم أنه لو لا الوكيل لكان حضوره وإحضاره باطلا وتعبا محضا ~~بلا جدوى فإذن لا يصير مفيدا من حيث إنه حوله وقوته بل من حيث إن الوكيل ~~جعله معتمدا لمحاجته وعرفه ذلك بإشارته وسنته فإذن لا حول ولا قوة إلا ~~بالوكيل إلا أن هذه الكلمة لا يكمل معناها فى حق الوكيل لأنه ليس خالقا ~~حوله وقوته بل هو جاعل لهما مفيدين فى أنفسهما ولم يكونا مفيدين لولا فعله ~~وإنما يصدق ذلك فى حق الوكيل وهو الله تعالى إذ هو خالق الحول والقوة كما ~~سبق فى التوحيد وهو الذى جعلهما مفيدين إذ جعلهما شرطا لما سيخلقه من ~~بعدهما من الفوائد والمقاصد فإذن لا حول ولا قوة إلا بالله حقا وصدقا فمن ~~شاهد هذا كله كان له الثواب العظيم الذى وردت به الأخبار فيمن يقول لا حول ~~ولا قوة إلا بالله + أحاديث ثواب قول لا حول ولا قوة إلا بالله تقدمت فى ~~الدعوات + وذلك قد يستبعد فيقال كيف يعطى هذا الثواب كله بهذه الكلمة مع ~~سهولتها على اللسان وسهولة اعتقاد القلب بمفهوم لفظها وهيهات فإنما ذلك ~~جزاء على هذه المشاهدة التى ذكرناها فى التوحيد ونسبة هذه الكلمة وثوابها ~~إلى كلمة @QB@ لا إله إلا الله @QE@ وثوابها كنسبة معنى إحداهما إلى الأخرى ~~إذ فى هذه الكلمة إضافة إلى شيئين إلى الله تعالى فقط وهما الحول والقوة ~~وأما كلمة لا إله إلا الله فهو نسبة الكل إليه فانظر إلى التفاوت بين الكل ~~وبين شيئين لتعرف به ثواب @QB@ لا إله إلا الله @QE@ بالإضافة إلى هذا وكما ~~ذكرنا من قبل أن للتوحيد قشرين ولبين فكذلك لهذه الكلمة ولسائر الكلمات ~~وأكثر الخلق قيدوا بالقشرين وما طرقوا إلى اللبين وإلى اللبين الإشارة ~~بقوله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله PageV04P262 صادقا من ~~قلبه مخلصا وجبت له الجنة + حديث من قال لا إله إلا الله صادقا مخلصا من ~~قلبه وجبت له الجنة رواه الطبراني من حديث زيد بن أرقم وأبو يعلى من حديث ~~أبي هريرة وقد تقدم + وحيث أطلق من غير الصدق والإخلاص أراد بالمطلق هذا ~~المقيد كما أضاف المغفرة إلى الإيمان والعمل الصالح فى بعض المواضع وأضافها ~~إلى مجرد الإيمان فى بعض المواضع والمراد به المقيد بالعمل الصالح فالملك ~~لا ينال بالحديث وحركة اللسان حديث وعقد القلب أيضا حديث ولكنه حديث نفس ~~وإنما الصدق والإخلاص وراءهما ولا ينصب سرير الملك إلا للمقربين وهم ~~المخلصون نعم لمن يقرب منهم فى الرتبة من أصحاب اليمين أيضا درجات عند الله ~~تعالى وإن كانت لا تنتهى إلا بالملك أما ترى أن الله سبحانه لما ذكر فى ~~سورة الواقعة المقربين السابقين تعرض لسرير الملك فقال @QB@ على سرر موضونة ~~متكئين عليها متقابلين @QE@ ولما انتهى إلى أصحاب اليمين ما زاد فى ذكر ~~الماء والظل والفواكه والأشجار والحور العين وكل ذلك من لذات المنظور ~~والمشروب والمأكول والمنكوح ويتصور ذلك للبهائم على الدوام وأين لذات ~~البهائم من لذة الملك والنزول فى أعلى عليين فى جوار رب العالمين ولو كان ~~لهذه اللذات قدر لما وسعت على البهائم ولما رفعت عليها درجة الملائكة أفترى ~~أن أحوال البهائم وهى مسيبة فى الرياض متنعمة بالماء والأشجار وأصناف ~~المأكولات متمتعة بالنزوان والسفاد أعلى وألذ وأشرف وأجدر بأن تكون عند ذوى ~~الكمال مغبوطة من أحوال الملائكة فى سرورهم بالقرب من جوار رب العالمين فى ~~أعلى عليين هيهات هيهات ما أبعد عن التحصيل من إذا خير بين أن يكون حمارا ~~أو يكون فى درجة جبريل عليه السلام فيختار درجة الحمار على درجة جبريل عليه ~~السلام وليس يخفى أن شبه كل شىء منجذب إليه وأن النفس التى نزوعها إلى صنعه ~~الأساكفة أكثر من نزوعها إلى صنعة الكتابة فهو بالأساكفه أشبه فى جوهره منه ~~بالكتاب وكذلك من نزوع نفسه إلى نيل لذات البهائم أكثر من نزوعها إلى نيل ~~لذات الملائكة فهو بالبهائم أشبه منه بالملائكة لا محالة وهؤلاء هم الذين ~~يقال فيهم @QB@ أولئك كالأنعام بل هم أضل @QE@ وإنما كانوا أضل لأن الأنعام ~~ليس فى قوتها طلب درجة الملائكة فتركها الطلب للعجز وأما الإنسان ففى قوته ~~ذلك والقادر على نيل الكمال أحرى بالذم وأجدر بالنسبة إلى الضلال مهما ~~تقاعد عن طلب الكمال وإذا كان هذا كلاما معترضا فلنرجع إلى المقصود فقد ~~بينا معنى قول @QB@ لا إله إلا الله @QE@ ومعنى قول لا حول ولا قوة إلا ~~بالله وإن من ليس قائلا بهما عن مشاهدة فلا يتصور منه حال التوكل # فإن قلت ليس فى قولك لا حول ولا قوة إلا بالله إلا نسبة شيئين إلى الله ~~فلو قال قائل السماء والأرض خلق الله فهل يكون ثوابه مثل ثوابه فأقول لا ~~لأن الثواب على قدر درجة المثاب عليه ولا مساواة بين الدرجتين ولا ينظر إلى ~~عظم السماء والأرض وصغر الحول والقوة إن جاز وصفهما بالصغر تجوزا فليست ~~الأمور بعظم الأشخاص بل كل عامى يفهم أن الأرض والسماء ليستا من جهة ~~الآدميين بل هما من خلق الله تعالى فأما الحول والقوة فقد أشكل أمرهما على ~~المعتزلة والفلاسفة وطوائف كثيرة ممن يدعى أنه يدقق النظر فى الرأى ~~والمعقول حتى يشق الشعر بحدة نظره فهى مهلكة مخطرة ومزلة عظيمة هلك فيها ~~الغافلون إذ أثبتوا لأنفسهم أمرا وهو شرك فى التوحيد وإثبات خالق سوى الله ~~تعالى فمن جاوز هذه العقبة بتوفيق الله تعالى إياه فقد علت رتبته وعظمت ~~درجته فهو الذى يصدق قول لا حول ولا قوة إلا بالله وقد ذكرنا أنه ليس فى ~~التوحيد إلا عقبتان إحداهما النظر PageV04P263 إلى السماء والأرض والشمس ~~والقمر والنجوم والغيم والمطر وسائر الجمادات والثانية النظر إلى اختيار ~~الحيوانات وهى أعظم العقبتين وأخطرهما وبقطعهما كمال سر التوحيد فلذلك عظم ~~ثواب هذه الكلمة أعنى ثواب المشاهدة التى هذه الكلمة ترجمتها فإذا رجع حال ~~التوكل إلى التبرى من الحول والقوة والتوكل على الواحد الحق وسيتضح عند ~~ذكرنا تفصيل أعمال التوكل إن شاء الله تعالى # | بيان ما قاله الشيوخ فى أحوال التوكل # ليتبين أن شيئا منها لا يخرج عما ذكرنا ولكن كل واحد يشير إلى بعض ~~الأحوال فقد قال أبو موسى الديلى قلت لأبى يزيد ما التوكل فقال ما تقول أنت ~~قلت إن أصحابنا يقولون لو أن السباع والأفاعى عن يمينك ويسارك ما تحرك لذلك ~~سرك فقال أبو يزيد نعم هذا قريب ولكن لو أن أهل الجنة فى الجنة يتنعمون ~~وأهل النار فى النار يعذبون ثم وقع بك تمييز بينهما خرجت من جملة التوكل ~~فما ذكره أبو موسى فهو خبر عن أجل أحوال التوكل وهو المقام الثالث وما ذكره ~~أبو يزيد عبارة عن أعز أنواع العلم الذى هو من أصول التوكل وهو العلم ~~بالحكمة وأن ما فعله الله تعالى فعله بالواجب فلا تمييز بين أهل النار وأهل ~~الجنة بالإضافة إلى أصل العدل والحكمة وهذا أغمض أنواع العلم ووراءه سر ~~القدر وأبو يزيد قلما يتكلم إلا عن أعلى المقامات وأقصى الدرجات وليس ترك ~~الاحتراز عن الحيات شرطا فى المقام الأول من التوكل فقد احترز أبو بكر رضى ~~الله عنه فى الغار إذ سد منافذ الحيات + حديث إن أبا بكر سد منافذ الحيات ~~فى الغار شفقة على النبي صلى الله عليه وسلم تقدم + إلا أن يقال فعل ذلك ~~برجله ولم يتغير بسببه سره أو يقال إنما فعل ذلك شفقة فى حق رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم لا فى حق نفسه وإنما يزول التوكل بتحرك سره وتغيره لأمر ~~يرجع إلى نفسه وللنظر فى هذا مجال ولكن سيأتى بيان أن أمثال ذلك وأكثر منه ~~لا يناقض التوكل فإن حركة السر من الحيات هو الخوف وحق المتوكل أن يخاف ~~مسلط الحيات إذ لا حول للحيات ولا قوة لها إلا بالله فإن احترز لم يكن ~~اتكاله على تدبيره وحوله وقوته فى الاحتراز بل على خالق الحول والقوة ~~والتدبير # وسئل ذو النون المصرى عن التوكل فقال خلع الأرباب وقطع الأسباب فخلع ~~الأرباب إشارة إلى علم التوحيد وقطع الأسباب إشارة إلى الأعمال وليس فيه ~~تعرض صريح للحال وإن كان اللفظ يتضمنه فقيل له زدنا فقال إلقاء النفس فى ~~العبودية وإخراجها من الربوبية وهذا إشارة إلى التبرى من الحول والقوة فقط # وسئل حمدون القصار عن التوكل فقال إن كان لك عشرة آلاف درهم وعليك دانق ~~دين لم تأمن أن تموت ويبقى دينك فى عنقك ولو كان عليك عشرة آلاف درهم دين ~~من غير أن تترك لها وفاء لا تيأس من الله تعالى أن يقضيها عنك وهذا إشارة ~~إلى مجرد الإيمان بسعة القدرة وأن فى المقدورات أسبابا خفية سوى هذه ~~الأسباب الظاهرة # وسئل أبو عبد الله القرشى عن التوكل فقال التعلق بالله تعالى فى كل حال ~~فقال السائل زدنى فقال ترك كل سبب يوصل إلى سبب حتى يكون الحق هو المتولى ~~لذلك فالأول عام للمقامات الثلاث والثانى إشارة إلى المقام الثالث خاصة وهو ~~مثل توكل إبراهيم صلى الله عليه وسلم إذ قال له جبريل عليه السلام ألك حاجة ~~فقال أما إلبك فلا إذ كان سؤاله سببا يفضى إلى سبب وهو حفظ جبريل له فترك ~~ذلك ثقة بأن الله تعالى إن أراد سخر جبريل لذلك فيكون هو المتولى لذلك وهذا ~~حال مبهوت غائب عن نفسه بالله تعالى فلم ير معه غيره PageV04P264 وهو حال ~~عزيز فى نفسه ودوامه إن وجد أبعد منه وأعز # وقال أبو سعيد الخراز التوكل اضطراب بلا سكون وسكون بلا اضطراب ولعله ~~يشير إلى المقام الثانى فسكونه بلا اضطراب إشارة إلى سكون القلب إلى الوكيل ~~وثقته به واضطراب بلا سكون إشارة إلى فزعه إليه وابتهاله وتضرعه بين يديه ~~كاضطراب الطفل بيديه إلى أمه وسكون قلبه إلى تمام شفقتها # وقال أبو على الدقاق التوكل ثلاث درجات التوكل ثم التسليم ثم التفويض ~~فالمتوكل يسكن إلى وعده والمسلم يكتفى بعلمه وصاحب التفويض يرضى بحكمه وهذا ~~إشارة إلى تفاوت درجات نظره بالإضافة إلى المنظور إليه فإن العلم هو الأصل ~~والوعد يتبعه والحكم يتبع الوعد ولا يبعد أن يكون الغالب على قلب المتوكل ~~ملاحظة شىء من ذلك وللشيوخ فى التوكل أقاويل سوى ما ذكرناه فلا نطول بها ~~فإن الكشف أنفع من الرواية والنقل فهذا ما يتعلق بحال التوكل والله الموفق ~~برحمته ولطفه # | بيان أعمال المتوكلين # اعلم أن العلم يورث الحال والحال يثمر الأعمال وقد يظن أن معنى التوكل ~~ترك الكسب بالبدن وترك التدبير بالقلب والسقوط على الأرض كالخرقة الملقاة ~~وكاللحم على الوضم وهذا ظن الجهال فإن ذلك حرام فى الشرع والشرع قد أثنى ~~على المتوكلين فكيف ينال مقام من مقامات الدين بمحظورات الدين بل نكشف ~~الغطاء عنه ونقول إنما يظهر تأثير التوكل فى حركة العبد وسعيه بعلمه إلى ~~مقاصده وسعى العبد باختياره إما أن يكون لأجل جلب نافع هو مفقود عنده ~~كالكسب أو لحفظ نافع هو موجود عنده كالادخار أو لدفع ضار لم ينزل به كدفع ~~الصائل والسارق والسباع أو لإزالة ضار قد نزل به كالتداوى من المرض فمقصود ~~حركات العبد لا تعدو هذه الفنون الأربعة وهو جلب النافع أو حفظه أو دفع ~~الضار أو قطعه فلنذكر شروط التوكل ودرجاته فى كل واحد منها مقرونا بشواهد ~~الشرع الفن الأول فى جلب النافع فنقول فيه الأسباب التى بها يجلب النافع ~~على ثلاث درجات مقطوع به ومظنون ظنا يوثق به وموهوم وهما لا تثق النفس به ~~ثقة تامة ولا تطمئن إليه الدرجة الأولى المقطوع به وذلك مثل الأسباب التى ~~ارتبطت المسببات بها بتقدير الله ومشيئته ارتباطا مطردا لا يختلف كما أن ~~الطعام إذا كان موضوعا بين يديك وأنت جائع محتاج ولكنك لست تمد اليد إليه ~~وتقول أنا متوكل وشرط التوكل ترك السعى ومد اليد إليه سعى وحركة وكذلك مضغه ~~بالأسنان وابتلاعه بإطباق أعالى الحنك على أسافله فهذا جنون محض وليس من ~~التوكل فى شىء فإنك إن انتظرت أن يخلق الله تعالى فيك شبعا دون الخبز أو ~~يخلق فى الخبز حركة إليك أو يسخر ملكا ليمضغه لك ويوصله إلى معدتك فقد جهلت ~~سنة الله تعالى وكذلك لو لم تزرع الأرض وطمعت فى أن يخلق الله تعالى نباتا ~~من غير بذر أو تلد زوجتك من غير وقاع كما ولدت مريم عليها السلام فكل ذلك ~~جنون وأمثال هذا مما يكثر ولا يمكن إحصاؤه أليس التوكل فى هذا المقام ~~بالعمل بل بالحال والعلم أما العلم فهو أن تعلم أن الله تعالى خلق الطعام ~~واليد والأسنان وقوة الحركة وأنه هو الذى يطعمك ويسقيك وأما الحال فهو أن ~~يكون سكون قلبك واعتمادك على فعل الله تعالى لا على اليد والطعام وكيف ~~تعتمد على صحة يدك وربما تجف فى الحال وتفلج وكيف تعول على قدرتك وربما ~~يطرأ عليك فى الحال ما يزيل عقلك ويبطل قوة حركتك وكيف تعول على حضور ~~الطعام وربما يسلط الله تعالى PageV04P265 من يغلبك عليه أو يبعث حية تزعجك ~~عن مكانك وتفرق بينك وبين طعامك وإذا احتمل أمثال ذلك ولم يكن لها علاج إلا ~~بفضل الله تعالى فبذلك فلتفرح وعليه فلتعول فإذا كان هذا حاله وعلمه فليمد ~~اليد فإنه متوكل الدرجة الثانية الأسباب التى ليست متيقنة ولكن الغالب أن ~~المسببات لا تحصل دونها وكان احتمال حصولها دونها بعيدا كالذى يفارق ~~الأمصار والقوافل ويسافر فى البوادى التى لا يطرقها الناس إلا نادرا ويكون ~~سفره من غير استصحاب زاد فهذا ليس شرطا فى التوكل بل استصحاب الزاد فى ~~البوادى سنة الأولين ولا يزول التوكل به بعد أن يكون الاعتماد على فضل الله ~~تعالى لا على الزاد كما سبق ولكن فعل ذلك جائز وهو من أعلى مقامات التوكل ~~ولذلك كان يفعله الخواص # فإن قلت فهذا سعى فى الهلاك وإلقاء النفس فى التهلكة فاعلم أن ذلك يخرج ~~عن كونه حراما بشرطين أحدهما أن يكون الرجل قد راض نفسه وجاهدها وسواها على ~~الصبر عن الطعام أسبوعا وما يقاربه بحيث يصبر عنه بلا ضيق قلب وتشوش خاطر ~~وتعذر فى ذكر الله تعالى والثانى أن يكون بحيث يقوى على التقوت بالحشيش وما ~~يتفق من الأشياء الخسيسة فبعد هذين الشرطين لا يخلو فى غالب الأمر فى ~~البوادى فى كل أسبوع عن أن يلقاه آدمى أو ينتهى إلى حلة أو قرية أو إلى ~~حشيش يجتزئ به فيحيا به مجاهدا نفسه والمجاهدة عماد التوكل وعلى هذا كان ~~يعول الخواص ونظراؤه من المتوكلين والدليل عليه أن الخواص كان لا تفارقه ~~الإبرة والمقراض والحبل والركوة ويقول هذا لا يقدح فى التوكل وسببه أنه علم ~~أن البوادى لا يكون الماء فيها على وجه الأرض وما جرت سنة الله تعالى بصعود ~~الماء من البئر بغير دلو ولا حبل ولا يغلب وجود الحبل والدلو فى البوادى ~~كما يغلب وجود الحشيش والماء يحتاج إليه لوضوئه كل يوم مرات ولعطشه فى كل ~~يوم أو يومين مرة فإن المسافر مع حرارة الحركة لا يصبر عن الماء وإن صبر عن ~~الطعام وكذلك يكون له ثوب واحد وربما يتخرق فتنكشف عورته ولا يوجد المقراض ~~والإبرة فى البوادى غالبا عند كل صلاة ولا يقوم مقامهما فى الخياطة والقطع ~~شىء مما يوجد فى البوادى فكل ما فى معنى الأربعة أيضا يلتحق بالدرجة ~~الثانية لأنه مظنون ظنا ليس مقطوعا به لأنه يحتمل أن لا يتخرق الثوب أو ~~يعطيه إنسان ثوبا أو يجد على رأس البئر من يسقيه ولا يحتمل أن يتحرك الطعام ~~ممضوغا إلى فيه فبين الدرجتين فرقان ولكن الثانى فى معنى الأول ولهذا نقول ~~لو انحاز إلى شعب من شعاب الجبال حيث لا ماء ولا حشيش ولا يطرقه طارق فيه ~~وجلس متوكلا فهو آثم به ساع فى هلاك نفسه كما روى أن زاهدا من الزهاد فارق ~~الأمصار وأقام فى سفح جبل سبعا وقال لا أسال أحدا شيئا حتى فائتني ربى ~~برزقى فقعد سبعة فكاد يموت ولم يأته رزق فقال يا رب إن أحييتنى فأئتنى ~~برزقى الذى قسمت لى وإلا فاقبضنى إليك فأوحى الله جل ذكره إليه وعزتى لا ~~أرزقنك حتى تدخل الأمصار وتقعد بين الناس فدخل المصر وقعد فجاءه هذا بطعام ~~وهذا بشراب فأكل وشرب وأوجس فى نفسه من ذلك فأوحى الله تعالى إليه أردت أن ~~تذهب حكمتى بزهدك فى الدنيا أما علمت أنى أرزق عبدي بأيدي عبادى أحب إلى من ~~أن أرزقه بيد قدرتى فإذن التباعد عن الأسباب كلها مراغمة للحكمة وجهل بسنة ~~الله تعالى والعمل بموجب سنة الله تعالى مع الاتكال على الله عز وجل دون ~~الأسباب لا يناقض التوكل كما ضربناه مثلا فى الوكيل بالخصومة من قبل ولكن ~~الأسباب تنقسم إلى ظاهرة وإلى خفية فمعنى التوكل الاكتفاء بالأسباب الخفية ~~عن الأسباب الظاهرة مع سكون النفس إلى مسبب السبب لا إلى السبب PageV04P266 # فإن قلت ما قولك فى القعود فى البلد بغير كسب أهو حرام أو مباح أو مندوب ~~فاعلم أن ذلك ليس بحرام لأنه كفعل صاحب السياحة فى البادية إذا لم يكن ~~مهلكا نفسه فهذا كيف كان لم يكن مهلكا نفسه حتى يكون فعله حراما بل لا يبعد ~~أن يأتيه الرزق من حيث لا يحتسب ولكن قد يتأخر عنه والصبر ممكن إلى ان يتفق ~~ولكن لو أغلق باب البيت على نفسه بحيث لا طريق لأحد إليه ففعله ذلك حرام ~~وإن فتح باب البيت وهو بطال غير مشغول بعبادة فالكسب والخروج أولى له ولكن ~~ليس فعله حراما إلا أن يشرف على الموت فعند ذلك يلزمه الخروج والسؤال ~~والكسب وإن كان مشغول القلب بالله غير مستشرف إلى الناس ولا متطلع إلى من ~~يدخل من الباب فيأتيه برزقه بل تطلعه إلى فضل الله تعالى واشتغاله بالله ~~فهو أفضل وهو من مقامات التوكل وهو أن يشتغل بالله تعالى ولا يهتم برزقه ~~فإن الرزق يأتيه لا محالة وعند هذا يصح ما قاله بعض العلماء وهو أن العبد ~~لو هرب من رزقه لطلبه كما لو هرب من الموت لأدركه وأنه لو سأل الله تعالى ~~أن لا يرزقه لما استجاب وكان عاصيا ولقال له يا جاهل كيف أخلقك ولا أرزقك ~~ولذلك قال ابن عباس رضى الله عنهما اختلف الناس فى كل شىء إلا فى الرزق ~~والأجل فإنهم أجمعوا على أن لا رزاق ولا مميت إلا الله تعالى وقال صلى الله ~~عليه وسلم لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا ~~وتروح بطانا ولزالت بدعائكم الجبال + حديث لو توكلتم على الله حق توكله ~~الحديث وزاد فى آخره ولزالت بدعائكم الجبال وقد تقدما قريبا دون هذه ~~الزيادة فرواها الإمام محمد بن نصر فى كتاب تعظيم قدر الصلاة من حديث معاذ ~~بن جبل بإسناد فيه لين لو عرفتم الله حق معرفته لمشيتم على البحور ولزالت ~~بدعائكم الجبال ورواه البيهقى فى الزهد من رواية وهيب المكى مرسلا دون قوله ~~لمشيتم على البحور وقال هذا منقطع + وقال عيسى عليه السلام انظروا إلى ~~الطير لا تزرع ولا تحصد ولا تدخر والله تعالى يرزقها يوما بيوم فإن قلتم ~~نحن أكبر بطونا فانظروا إلى الأنعام كيف قيض الله تعالى لها هذا الحق للرزق ~~وقال أبو يعقوب السوسى المتوكلون تجرى أرزاقهم على أيدى العباد بلا تعب ~~منهم وغيرهم مشغولون مكدودون وقال بعضهم العبيد كلهم فى رزق الله تعالى ~~ولكن بعضهم يأكل بذل كالسؤال وبعضهم بتعب وانتظار كالتجار وبعضهم بامتهان ~~كالصناع وبعضهم بعز كالصوفية يشهدون العزيز فيأخذون رزقهم من يده ولا يرون ~~الواسطة الدرجة الثالثة ملابسة الأسباب التى يتوهم إفضاؤها إلى المسببات من ~~غير ثقة ظاهرة كالذى يستقصى فى التدبيرات الدقيقة فى تفصيل الاكتساب ووجوهه ~~وذلك يخرج بالكلية عن درجات التوكل كلها وهو الذى فيه الناس كلهم أعنى من ~~يكتسب بالحيل الدقيقة اكتسابا مباحا لمال مباح فأما أخذ الشبهة أو اكتساب ~~بطريق فيه شبهة فذلك غاية الحرص على الدنيا والاتكال على الأسباب فلا يخفى ~~أن ذلك يبطل التوكل وهذا مثل الأسباب التى نسبتها إلى جلب النافع مثل نسبة ~~الرقية والطير والكي بالإضافة إلى إزالة الضار فإن النبي صلى الله عليه ~~وسلم وصف المتوكلين بذلك ولم يصفهم بأنهم لا يكتسبون ولا يسكنون الأمصار ~~ولا يأخذون من أحد شيئا بل وصفهم بأنهم يتعاطون هذه الأسباب وأمثال هذه ~~الأسباب التى يوثق بها فى المسببات مما يكثر فلا يمكن إحصاؤها وقال سهل فى ~~التوكل إنه ترك التدبير وقال إن الله خلق الخلق ولم يحجبهم عن نفسه وإنما ~~حجابهم بتدبيرهم ولعله أراد به استنباط الأسباب البعيدة بالفكر فهى التى ~~تحتاج إلى التدبير دون الأسباب الجلية فإذن قد ظهر أن الأسباب منقسمة إلى ~~ما يخرج التعلق بها عن التوكل وإلى ما لا يخرج وأن الذى يخرج ينقسم إلى ~~مقطوع به وإلى مظنون وأن المقطوع به لا يخرج عن التوكل عند وجود حال التوكل ~~وعلمه وهو الاتكال على مسبب الأسباب فالتوكل فيها بالحال والعلم لا بالعمل ~~وأما المظنونات PageV04P267 فالتوكل فيها بالحال والعلم والعمل جميعا ~~والمتوكلون فى ملابسة هذه الأسباب على ثلاثة مقامات الأول مقام الخواص ~~ونظرائه وهو الذى يدور فى البوادى بغير زاد ثقة بفضل الله تعالى عليه فى ~~تقويته على الصبر أسبوعا وما فرقه أو تيسير حشيش له أو قوت أو تثبيته على ~~الرضا بالموت إن لم يتيسر شىء من ذلك فإن الذى يحمل الزاد قد يفقد الزاد أو ~~يضل بعيره ويموت جوعا فذلك ممكن مع الزاد كما أنه يمكن مع فقده المقام ~~الثانى أن يقعد فى بيته أو فى مسجد ولكنه فى القرى والأمصار وهذا أضعف من ~~الأول لكنه أيضا متوكل لأنه تارك للكسب والأسباب الظاهرة معول على فضل الله ~~تعالى فى تدبير أمره من جهة الأسباب الخفية ولكنه بالقعود فى الأمصار متعرض ~~لأسباب الرزق فإن ذلك من الأسباب الجاية إلا أن ذلك لا يبطل توكله إذا كان ~~نظره إلى الذى يسخر له سكان البلد لإيصال رزقه إليه لا إلى سكان البلد إذ ~~يتصور أن يغفل جميعهم عنه ويضيعوه لولا فضل الله تعالى بتعريفهم وتحريك ~~دواعيهم المقام الثالث أن يخرج ويكتسب اكتسابا على الوجه الذى ذكرناه فى ~~الباب الثالث والرابع من كتاب آداب الكسب وهذا السعى لا يخرجه أيضا عن ~~مقامات التوكل إذا لم يكن طمأنينة نفسه إلى كفايته وقوته وجاهه وبضاعته فإن ~~ذلك ربما يهلكه الله تعالى جميعه فى لحظة بل يكون نظره إلى الكفيل الحق ~~بحفظ جميع ذلك وتيسير أسبابه له بل يرى كسبه وبضاعته وكفايته بالإضافة إلى ~~قدرة الله تعالى كما يرى القلم فى يد الملك الموقع فلا يكون نظره إلى القلم ~~بل إلى قلب الملك أنه بماذا يتحرك وإلى ماذا يميل وبم يحكم ثم إن كان هذا ~~المكتسب مكتسبا لعياله أو ليفرق على المساكين فهو ببدنه مكتسب وبقلبه عنه ~~منقطع فحال هذا أشرف من حال القاعد فى بيته والدليل على أن الكسب لا ينافى ~~حال التوكل إذا روعيت فيه الشروط وانضاف إليه الحال والمعرفة كما سبق أن ~~الصديق رضى الله عنه لما بويع بالخلافة أصبح آخذا الأثواب تحت حضنه والذراع ~~بيده ودخل السوق ينادى حتى كرهه المسلمون وقالوا كيف تفعل ذلك وقد أقمت ~~لخلافة النبوة فقال لا تشغلونى عن عيالى فإنى إن أضعتهم كنت لما سواهم أضيع ~~حتى فرضوا له قوت أهلبيت من المسلمين فلما رضوا بذلك رأى مساعدتهم وتطييب ~~قلوبهم واستغراق الوقت بمصالح المسلمين أولى ويستحيل أن يقال لم يكن الصديق ~~فى مقام التوكل فمن أولى بهذا المقام منه فدل على أنه كان متوكلا لا ~~باعتبار ترك الكسب والسعى بل باعتبار قطع الالتفات إلى قوته وكفايته والعلم ~~بأن الله هو ميسر الاكتساب ومدبر الأسباب وبشروط كان يراعيها فى طريق الكسب ~~من الاكتفاء بقدر الحاجة من غير استكثار وتفاخر وادخار ومن غير أن يكون ~~درهمه أحب إليه من درهم غيره فمن دخل السوق ودرهمه أحب إليه من درهم غيره ~~فهو حريص على الدنيا ومحب لها ولا يصح التوكل إلا مع الزهد فى الدنيا نعم ~~يصح الزهد دون التوكل فإن التوكل مقام وراء الزهد وقال أبو جعفر الحداد وهو ~~شيخ الجنيد رحمة الله عليها وكان من المتوكلين أخفيت التوكل عشرين سنة وما ~~فارقت السوق كنت أكتسب فى كل يوم دينارا ولا أبيت منه دانقا ولا أستريح منه ~~إلى قيراط أدخل به الحمام بل أخرجه كله قبل الليل وكان الجنيد لا يتكلم فى ~~التوكل بحضرته وكان يقول أستحى أن أتكلم فى مقامه وهو حاضر عندى واعلم أن ~~الجلوس فى رباطات الصوفية مع معلوم بعيد من التوكل فإن لم يكن معلوم ووقف ~~وأمروا الخادم بالخروج للطلب لم يصح معه التوكل إلا على ضعف ولكن يقوى ~~بالحال والعلم كتوكل المكتسب وإن لم يسألوا بل قنعوا بما يحمل PageV04P268 ~~إليهم فهذا أقوى فى توكلهم لكنه بعد اشتهار القوم بذلك فقد صار لهم سوقا ~~فهو كدخول السوق ولا يكون داخل السوق متوكلا إلا بشروط كثيرة كما سبق # فإن قلت فما الأفضل أن يقعد فى بيته أو يخرج ويكتسب فاعلم أنه إن كان ~~يتفرغ بترك الكسب لفكر وذكر وإخلاص واستغراق وقت بالعبادة وكان الكسب يشوش ~~عليه ذلك وهو مع هذا لا تستشرف نفسه إلى الناس فى انتظار من يدخل عليه ~~فيحمل إليه شيئا بل يكون قوى القلب فى الصبر والاتكال على الله تعالى ~~فالمقصود له أولى وإن كان يضطرب قلبه فى البيت ويستشرف إلى الناس فالكسب ~~أولى لأن استشراف القلب إلى الناس سؤال بالقلب وتركه أهم من ترك الكسب وما ~~كان المتوكلون يأخذون ما تستشرف إليه نفوسهم كان أحمد بن حنبل قد أمر أبا ~~بكر المروزى أن يعطى بعض الفقراء شيئا فضلا عما كان استأجره عليه فرده فلما ~~ولى قال له أحمد الحقه وأعطه فإنه يقبل فلحقه وأعطاه فأخذه فسأل أحمد عن ~~ذلك فقال كان قد استشرفت نفسه فرد فلما خرج انقطع طمعه وأيس فأخذه وكان ~~الخواص رحمه الله إذا نظر إلى عبد فى العطاء أو خاف اعتياد النفس لذلك لم ~~يقبل منه شيئا # وقال الخواص بعد أن سئل عن أعجب ما رآه فى أسفاره رأيت الخضر ورضى بصحبتى ~~ولكنى فارقته خيفة أن تسكن نفسى إليه فيكون نقصا فى توكلى فإذن المكتسب إذا ~~راعى آداب الكسب وشروط نيته كما سبق فى كتاب الكسب وهو أن لا يقصد به ~~الاستكثار ولم يكن اعتماده على بضاعته وكفايته كان متوكلا # فإن قلت فما علامة عدم اتكاله على البضاعة والكفاية فأقول علامته أنه إن ~~سرقت بضاعته أو خسرت تجارته أو تعوق أمر من أموره كان راضيا به ولم تبطل ~~طمأنينته ولم يضطرب قلبه بل كان حال قلبه فى السكون قبله وبعده واحدا فإن ~~من لم يسكن إلى شىء لم يضطرب لفقده ومن اضطرب لفقد شىء فقد سكن إليه وكان ~~بشر يعمل المغازل فتركها وذلك لأن البعادى كاتبه قال بلغنى أنك استعنت على ~~رزقك بالمغازل أرأيت إن أخذ الله سمعك وبصرك الرزق على من فوقع ذلك فى قلبه ~~فأخرج آلة المغازل من يده وتركها وقيل تركها لما نوهت باسمه وقصد لأجلها ~~وقيل فعل ذلك لما مات عياله كما كان لسفيان خمسون دينارا يتجر فيها فلما ~~مات عياله فرقها # فإن قلت فكيف يتصور أن يكون له بضاعة ولا يسكن إليها وهو يعلم أن الكسب ~~بغير بضاعة لا يمكن فأقول بأن يعلم أن الذين يرزقهم الله تعالى بغير بضاعة ~~فيهم كثرة وأن الذين كثرت بضاعتهم فسرقت وهلكت فيهم كثرة وأن يوطن نفسه على ~~أن الله لا يفعل به إلا ما فيه صلاحه فإن أهلك بضاعته فهو خير له فلعله لو ~~تركه كان سببا لفساد دينه وقد لطف الله تعالى به وغايته أن يموت جوعا ~~فينبغى أن يعتقد أن الموت جوعا خير له فى الآخرة مهما قضى الله تعالى عليه ~~بذلك من غير تقصير من جهته فإذا اعتقد جميع ذلك استوى عنده وجود البضاعة ~~وعدمها ففى الخبر إن العبد ليهم من الليل بأمر من أمور التجارة مما لو فعله ~~لكان فيه هلاكه فينظر الله تعالى إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه فيصبح كئيبا ~~حزينا يتطير بجاره وابن عمه من سبقنى من دهانى وما هى إلا رحمة رحمه الله ~~بها + حديث إن العبد ليهم من الليل بأمر من أمور التجارة مما لو فعله لكان ~~فيه هلاكه فينظر الله إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه الحديث أخرجه أبو نعيم ~~فى الحلية من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف جدا نحوه إلا أنه قال إن العبد ~~ليشرف على حاجة من حاجات الدنيا الحديث بنحوه + ولذلك قال عمر رضى الله عنه ~~لا أبالى أصبحت غنيا أو فقيرا فإنى قلبه فأخرج آلة المغازلة من يده وتركها ~~وقيل تركها لما نوهت باسمه وقصد لأجلها وقيل فعل ذلك لما مات عياله كما كان ~~لسقيان خمسون دينارا يتجر فيها فلما مات عياله فرقها # فإن قلت فكيف يتصور أن يكون له بضاعة ولا يسكن غليها وهو يعلم أن الكسب ~~بغير بضاعة لا يمكن فأقول بأن يعلم أن الذين يرزقهم الله تعالى بغير بضاعة ~~فيهم كثرة وأن الذين كثرت بضاعتهم فسرقت وهلكت فيهم كثرة وأن يوطن نفسه على ~~أن الله لا يفعل به إلا ما فيه صلاحه فإن أهلك بضاعته فهو خير له فلعله لو ~~تركه كان سببا لفساد دينه وقد لطف الله تعالى به وغايته أن يموت جوعا ~~فينبغى أن يعتقد أن الموت جوعا خير له فى الآخرة مهما قضى الله تعالى عليه ~~بذلك من غير تقصير من جهته فإذا اعتقد جميع ذلك استوى عنده وجود البضاعة ~~وعدمها ففى الخبر إن العبد ليهم من الليل بأمر من أمور التجارة مما لو فعله ~~لكان فيه هلاكه فينظر الله تعالى إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه فيصبح كثيبا ~~حزينا بجاره وابن عمه من سبقنى من دهانى وما هى إلا رحمة رحمه الله بها + ~~حديث غن العبد ليهم من الليل بأمر من أمور التجارة مما لو فعله لكان فيه ~~هلاكه فينظر الله إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه الحديث أخرجه أبو نعيم فى ~~الحلية من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف جدا نحوه إلا أنه قال إن العبد ليشرف ~~على حاجة من حاجات الدنيا الحديث بنحوه + ولذلك قال عمر رضى الله عنه لا ~~أبالى أصبحت غنيا أو فقيرا فإنى PageV04P269 لا أدرى أيهما خير لى ومن لم ~~يتكامل يقينه بهذه الأمور لم يتصور منه التوكل ولذلك قال أبو سليمان ~~الدارانى لأحمد بن أبى الحوارى لى من كل مقام نصيب إلا من هذا التوكل ~~المبارك فإنى ما شممت منه رائحة هذا كلامه مع علو قدره ولم ينكر كونه من ~~المقامات الممكنة ولكنه قال ما أدركته ولعله أراد إدراك أقصاه وما لم يكمل ~~الإيمان بأن لا فاعل إلا الله ولا رازق سواه وأن كل ما يقدره على العبد من ~~فقر وغنى وموت وحياة فهو خير له مما يتمناه العبد لم يكمل حال التوكل فبناء ~~التوكل على قوة الإيمان بهذه الأمور كما سبق وكذا سائر مقامات الدين من ~~الأقوال والأعمال تنبنى على أصولها من الإيمان وبالجملة التوكل مقام مفهوم ~~ولكن يستدعى قوة القلب وقوة اليقين ولذلك قال سهل من طعن على التكسب فقد ~~طعن على السنة ومن طعن على ترك التكسب فقد طعن على التوحيد # فإن قلت فهل من دواء ينتفع به فى صرف القلب عن الركون إلى الأسباب ~~الظاهرة وحسن الظن بالله تعالى فى تيسير الأسباب الخفية فأقول نعم هو أن ~~تعرف أن سوء الظن تلقين الشيطان وحسن الظن تلقين الله تعالى قال الله تعالى ~~الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا فإن ~~الإنسان بطبعه مشغوف بسماع تخويف الشيطان ولذلك قيل الشفيق بسوء الظن مولع ~~وإذا انضم إليه الجبن وضعف القلب ومشاهدة المتكلين على الأسباب الظاهرة ~~والباعثين عليها غلب سوء الظن وبطل التوكل بالكلية بل رؤية الرزق من ~~الأسباب الخفية أيضا تبطل التوكل فقد حكى عن عابد أنه عكف فى مسجد ولم يكن ~~له معلوم فقال له الإمام لو اكتسبت لكان أفضل لك فلم يجبه حتى أعاد عليه ~~ثلاثا فقال فى الرابعة يهودى فى جوار المسجد قد ضمن لى كل يوم رغيفين فقال ~~إن كان صادقا فى ضمانه فعكوفك فى المسجد خير لك فقال يا هذا لو لم تكن ~~إماما تقف بين يدى الله وبين العباد مع هذا النقص فى التوحيد كان خيرا لك ~~إذ فضلت وعد يهودى على ضمان الله تعالى بالرزق وقال إمام المسجد لبعض ~~المصلين من أين تأكل فقال يا شيخ اصبر حتى أعيد الصلاة التى صليتها خلفك ثم ~~أجيبك # وينفع حسن الظن بمجىء الرزق من فضل الله تعالى بواسطة الأسباب الخفية أن ~~تسمع الحكايات التى فيها عجائب صنع الله تعالى فى وصول الرزق إلى صاحبه ~~وفيها عجائب قهر الله تعالى فى إهلاك أموال التجار والأغنياء وقتلهم جوعا ~~كما روى عن حذيفة المرعشى وقد كان خدم إبراهيم بن أدهم فقيل له ما أعجب ما ~~رأيت منه فقال بقينا فى طريق مكة أياما لم نجد طعاما ثم دخلنا الكوفة ~~فأوينا إلى مسجد خراب فنظر إلى إبراهيم وقال يا حذيفة أرى بك الجوع فقلت هو ~~ما رأى الشيخ فقال علي بدواة وقرطاس فجئت به إليه فكتب بسم الله الرحمن ~~الرحيم أنت المقصود إليه بكل حال والمشار إليه بكل معنى وكتب شعرا # أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر % أنا جائع أنا ضائع أنا عارى # هى ستة وأنا الضمين لنصفها % فكن الضمين لنصفها يا بارى # مدحى لغيرك لهب نار خضتها % فأجر عبيدك من دخول النار # ثم دفع إلى الرقعة فقال اخرج ولا تعلق قلبك بغير الله تعالى وادفع الرقعة ~~إلى أول من يلقاك فخرجت فأول من لقينى كان رجلا على بغلة فناولته الرقعة ~~فأخذها فلما وقف عليها بكى وقال ما فعل صاحب هذه الرقعة فقلت هو فى المسجد ~~الفلانى فدفع إلي صرة فيها ستمائة دينار ثم لقيت رجلا آخر فسألته عن راكب ~~البغلة PageV04P270 # فقال هذا نصراني فجئت إلى إبراهيم وأخبرته بالقصة فقال لا تمسها فإنه ~~يجيىء الساعة فلما كان بعد ساعة دخل النصراني وأكب على رأس إبراهيم يقبله ~~وأسلم # وقال أبو يعقوب الأقطع البصرى جعت مرة بالحرم عشرة أيام فوجدت ضعفا ~~فحدثتني نفسى بالخروج فخرجت إلى الوادى لعلي أجد شيئا يسكن ضعفي فرأيت ~~سلجمة مطروحة فأخذتها فوجدت في قلبي منها وحشة وكأن قائلا يقول لي جعت عشرة ~~أيام وآخره يكون حظك سلجمة متغيرة فرميت بها ودخلت المسجد وقعدت فإذا أنا ~~برجل أعجمي قد أقبل حتى جلس بين يدي ووضع قمطرة وقال هذه لك فقلت كيف ~~خصصتني بها قال إعلم أنا كنا في البحر منذ عشرة أيام وأشرفت السفينة على ~~الغرق فنذرت إن خلصني الله تعالى أن أتصدق بهذه على على أول من يقع عليه ~~بصرى من المجاورين وأنت أول من لقيته فقلت افتحها ففتحتها فإذا فيها سميد ~~مصري ولوز مقشور وسكر كعاب فقبضت قبضة من ذا وقبضة من ذا وقلت رد الباقى ~~إلى أصحابك هدية مني إليكم وقد قبلتها ثم قلت في نفسى رزقك يسير إليك من ~~عشرة أيام وأنت تطلبه من الوادي # وقال ممشاد الدينورى كان على دين فاشتغل قلبى بسببه فرأيت في النوم كأن ~~قائلا يقول يا بخيل أخذت علينا هذا المقدار من الدين خذ عليك الأخذ وعلينا ~~العطاء فما حاسبت بعد ذلك بقالا ولا قصابا ولا غيرهما # وحكى عن بنان الحمال قال كنت في طريق مكة أجيء من مصر ومعى زاد فجاءتني ~~امرأة وقالت لي يابنات أنت حمال تحمل على ظهرك الزاد وتتوهم أنه لا يرزقك ~~قال فرميت بزادي ثم أتى على ثلاث لم آكل فوجدت خلخالا في الطريق فقلت في ~~نفسى أحمله حتى يجئ صاحبه فربما يعطيني شيئا فأرده عليه فإذا أنا بتلك ~~المرأة فقالت لى أنت تاجر تقول عسى يجيئ صاحبه فآخذ منه شيئا ثم رمت لي ~~شيئا من الدراهم وقالت أنفقها فاكتفيت بها إلى قريب مكة # وحكى أن بنانا احتاج إلى جارية تخدمه فانبسط إلى إخوانه فجمعوا له ثمنها ~~وقالوا هو ذا يجيئ النفير فنشترى ما يوافق فلما ورد النفير اجتمع رأيهم على ~~واحدة وقالوا إنها تصلح له فقالوا لصاحبها بكم هذه فقال إنها ليست للبيع ~~فألحوا عليه فقال إنها لبنان الحمال أهدتها إليه امرأة من سمرقند فحملت إلى ~~بنان وذكرت له القصة # وقيل كان في الزمان الأول رجل في سفر ومعه قرص فقال إن أكلته مت فركل ~~الله عز وجل به ملكا وقال إن أكله فارزقه وأن لم يأكله فلا تعطه غيره فلم ~~يزل القرص معه إلى أن مات ولم يأكله وبقى القرص عنده # وقال أبو سعيد الخراز دخلت البادية بغير زاد فأصابتني فاقة فرأيت المرحلة ~~من بعيد فسررت بأن وصلت ثم فكرت في نفسى أني سكنت واتكلت على غيره وآليت أن ~~لا أدخل المرحلة إلا أن أحمل إليها فحفرت لنفسى في الرمل حفرة واريت جسدي ~~فيها إلى صدرى فسمعت صوتا في نصف الليل عاليا يا أهل المرحلة إن لله تعالى ~~وليا حبس نفسه في هذا الرمل فألحقوه فجاء جماعة فأخرجوني وحملوني إلى ~~القرية # وروى أن رجلا لازم باب عمر رضي الله عنه فإذا هو بقائل يقول يا هذا هاجرت ~~إلى عمر أو إلى الله تعالى اذهب فتعلم القرآن فإنه سيغنيك عن باب عمر فذهب ~~الرجل وغاب حتى افتقده عمر فإذا هو قد اعتزل واشتغل بالعبادة فجاءه عمر ~~فقال له إنى قد اشتقت إليك فما الذى شغلك عنى فقال إنى قرأت القرآن فأغناني ~~PageV04P271 عن عمر وآل عمر فقال عمر # رحمك الله فماالذي وجدت فيه فقال وجدت فيه وفي السماء رزقكم وما توعدون ~~فقلت رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض فبكى عمر وقال صدقت فكان عمر بعد ~~ذلك يأتيه ويجلس إليه # وقال أبو حمزة الخراساني حججت سنة من السنين فبينا أنا أمشى في الطريق إذ ~~وقعت في بئر فنازعتني نفسى أن أستغيث فقلت لا والله لا أستغيث فما استتممت ~~هذا الخاطر حتى مر برأس البئر رجلان فقال أحدهما للآخر تعالى حتى نسد رأس ~~هذا البئر لئلا يقع فيه أحد فأتوا بقصب وبارية وطموا رأس البئر فهممت أن ~~أصيح فقلت في نفسى إلى من أصيح هو أقرب منهما وسكنت فبينا أنا بعد ساعة إذ ~~أنا بشيء جاء وكشف عن رأس البئر وأدلى رجله وكأنه يقول تعلق بي في همهمة له ~~كنت أعرف ذلك فتعلقت به فأخرجني فإذا هو سبع فمر وهتف بي هاتف يا أبا حمزة ~~أليس هذا أحسن نجيناك من التلف بالتلف فمشيت وأنا أقول # نهانى حيائى منك أن أكشف الهوى % وأغنيتني بالفهم منك عن الكشف # تلطفت في أمرى فأبديت شاهدى % إلى غائبي واللطف يدرك باللطف # تراءيت لى بالغيب حتى كأنما % تبشرنى بالغيب أنك في الكف # أراك وبي من هيبتي لك وحشة % فتؤنسني باللطف منك وبالعطف # وتحيى محبا أنت في الحب حتفه % وذا عجب كون الحياة مع الحتف # وأمثال هذه الوقائع مما يكثر وإذا قوى الإيمان به وانضم إليه القدرة على ~~الجوع قدر أسبوع من غير ضيق صدر وقوى الإيمان بأنه إن لم يسق إليه رزقه في ~~أسبوع فالموت خير له عند الله عز وجل ولذلك حبسه عنه تم التوكل بهذه ~~الأحوال والمشاهدات وإلا فلا يتم أصلا # | بيان توكل المعيل # إعلم أن من له عيال فحكمه يفارق المنفرد لأن المنفرد لا يصح توكله إلا ~~بأمرين أحدهما قدرته على الجوع أسبوعا من غير استشراف وضيق نفس والآخر ~~أبواب من الإيمان ذكرناها من جملتها أن يطيب نفسا بالموت إن لم يأته رزقه ~~علما بأن رزقه الموت والجوع وهو إن كان نقصا في الدنيا فهو زيادة في الآخرة ~~فيرى أنه سيق إليه خير الرزقين له وهو رزق الآخرة وأن هذا هو المرض الذي به ~~يموت ويكون راضيا بذلك وأنه كذا قضي وقدر له فبهذا يتم التوكل المنفرد ولا ~~يجوز تكليف العيال الصبر على الجوع ولا يمكن أن يقرر عندهم الإيمان ~~بالتوحيد وأن الموت على الجوع رزق مغبوط عليه في نفسه إن اتفق ذلك نادرا ~~وكذا سائر أبواب الإيمان فإذن لا يمكنه في حقهم إلا توكل المكتسب وهو ~~المقام الثالث كتوكل أبي بكر الصديق رضى الله عنه إذ خرج للكسب فأما دخول ~~البوادى وترك العيال توكلا في حقهم أو القعود عن الاهتمام بأمرهم توكلا في ~~حقهم فهذا حرام وقد يفضى إلى هلاكهم ويكون هو مؤاخذا بهم بل التحقيق أنه لا ~~فرق بينه وبين عياله فإنه إن ساعده العيال على الصبر على الجوع مدة وعلى ~~الاعتداد بالموت على الجوع رزقا وغنيمة في الآخرة فله أن يتوكل في حقهم ~~ونفسه أيضا عيال عنده ولا يجوز له أن يضيعها إلا أن تساعده على الصبر على ~~الجوع مدة فإن كان لا يطيقه ويضطرب عليه قلبه وتتشوش عليه عبادته لم يجز له ~~التوكل ولذلك روى أن أبا تراب النخشبي نظر إلى صوفى مد يده إلى قشر بطيخ ~~ليأكله بعد ثلاثة أيام فقال له لا يصلح لك التصوف إلزم السوق أى لا تصوف ~~إلا مع التوكل PageV04P272 # ولا يصح التوكل إلا لمن يصبر عن الطعام أكثر من ثلاثة أيام وقال أبو علي ~~الروذباري إذا قال الفقير بعد خمسة أيام أنا جائع فألزموه السوق ومروه ~~بالعمل والكسب فإن بدنه عياله وتوكله فيما يضر ببدنه كتوكله في عياله وإنما ~~يفارقهم في شيءواحد وهو أن له تكليف نفسه الصبر على الجوع وليس له ذلك في ~~عياله وقد انكشف لك من هذا أن التوكل ليس انقطاعا عن الأسباب بل الاعتماد ~~على الصبر على الجوع مدة والرضا بالموت إن تأخر الرزق نادرا وملازمة البلاد ~~والأمصار أو ملازمة البوادى التي لا تخلو عن حشيش وما يجرى مجراه فهذه كلها ~~أسباب البقاء ولكن مع نوع من الأذى إذ لا يمكن الاستمرار عليه إلا بالصبر ~~والتوكل في الأمصار أقرب إلى الأسباب من التوكل في البوادي وكل ذلك ذلك من ~~الأسباب إلا أن الناس عدلوا إلى أسباب أظهر منها فلم يعدوا تلك أسبابا وذلك ~~لضعف إيمانهم وشدة حرصهم وقلة صبرهم على الأذى في الدنيا لأجل الآخرة ~~واستيلاء الجبن على قلوبهم بإساءة الظن وطول الأمل ومن نظر في ملكوت ~~السموات والأرض انكشف له تحقيقا أن الله تعالى دبر الملك والملكوت تدبيرا ~~لا يجاوز العبد رزقه وأن ترك الاضطراب فإن العاجز عن الاضطراب لم يجاوزه ~~رزقه أما ترى الجنين في بطن أمه لما أن كان عاجزا عن الاضطراب كيف وصل سرته ~~بالأم حتى تنتهى إليه فضلات غذاء الأم بواسطة السرة ولم يكن ذلك بحيلة ~~الجنين ثم لما انفصل سلط الحب والشفقة على الأم لتتكفل به شاءت أم أبت ~~اضطرارا من الله تعالى إليه بما أشعل في قلبها من نار الحب ثم لما لم يكن ~~له سن يمضغ به الطعام جعل رزقه من اللبن الذى لا يحتاج إلى المضغ ولأنه ~~لرخاوة مزاجه كان لا يحتمل الغذاء الكثيف فأدر له اللبن اللطيف في ثدى الأم ~~عند انفصاله على حسب حاجته أفكان هذا بحيلة الطفل أو بحيلة الأم إذا صار ~~بحيث يوافقه الغذاء الكثيف أنبت له أسنانا قواطع وطواحين لأجل المضغ فإذا ~~كبر واستقل يسر له أسباب التعلم وسلوك سبيل الآخرة فجنبه بعد البلوغ جهل ~~محض لأنه ما نقصت أسباب معيشته ببلوغه بل زادت فإنه لم يكن قادرا على ~~الاكتساب فالآن قد قدر فزادت قدرته نعم كان المشفق عليه شخصا واحدا وهي ~~الأم أو الأب وكانت شفقته مفرطة جدا فكان يطعمه ويسقيه في اليوم مرتين وكان ~~إطعامه بتسليط الله تعالى الحب والشفقة على قلبه فكذلك قد سلط الله الشفقة ~~والمودة والرحمة والرقة على قلوب المسلمين بل أهل البلد كافة حتى إن كل ~~واحد منهم إذا أحس بمحتاج تألم قلبه ورق عليه وانبعثت له داعية إلى إزالة ~~حاجته فقد كان المشفق عليه واحدا والآن المشفق عليه ألف وزيادة وقد كانوا ~~لا يشفقون عليه لأنهم رأوه في كفالة الأم والأب وهو مشفق خاص فما رأوه ~~محتاجا ولو رأوه يتيما لسلط الله داعية الرحمة على واحد من المسلمين أو على ~~جماعة حتى يأخذونه ويكفلونه فما رؤى إلى الآن في سنى الخصب يتيم قد مات ~~جوعا مع أنه عاجز عن الاضطراب وليس له كافل خاص والله تعالى كافله بواسطة ~~الشفقة التي خلقها في قلوب عباده فلماذا ينبغى أن يشتغل قلبه برزقه بعد ~~البلوغ ولم يشتغل في الصبا وقد كان المشفق واحدا والمشفق الآن ألف نعم كانت ~~شفقة الأم أقوى وأحظى ولكنها واحدة وشفقة آحاد الناس وإن ضعفت فيخرج من ~~مجموعها ما يفيد الغرض فكم من يتيم قد يسر الله تعالى له حالا هو أحسن من ~~حال من له أب وأم فينجبر ضعف شفقة الآحاد بكثرة المشفقين وبترك التنعم ~~والاقتصار على قدر الضرورة ولقد أحسن الشاعر حيث يقول # جرى قلم القضاء بما يكون % فسيان التحرك والسكون # جنون منك أن تسعى لرزق % ويرزق في غشاوته الجنين PageV04P273 # فإن قلت الناس يكفلون اليتيم لأنهم يرونه عاجزا بصباه وأما هذا فبالغ ~~قادر على الكسب فلا يلتفتون إليه ويقولون هو مثلنا فليجتهد لنفسه فأقول إن ~~كان هذا القادر بطالا فقد صدقوا فعليه الكسب ولا معنى للتوكل في حقه فإن ~~التوكل من مقامات الدين يستعان به على التفرغ لله تعالى فما للبطال والتوكل ~~وإن كان مشتغلا بالله ملازما لمسجد أو بيت وهو مواظب على العلم والعبادة ~~فالناس لا يلومونه في ترك الكسب ولا يكلفونه ذلك بل اشتغاله بالله تعالى ~~يقرر حبه في قلوب الناس حتى يحملون إليه فوق كفايته وإنما عليه أن لا يغلق ~~الباب ولا يهرب إلى جبل من بين الناس وما رؤى إلى الآن عالم أو عابد استغرق ~~الأوقات بالله تعالى وهو في الأمصار فمات جوعا ولا يرى قط بل لو أراد أن ~~يطعم جماعة من الناس بقوله لقدر عليه فإن من كان لله تعالى كان الله عز وجل ~~له ومن اشتغل بالله عز وجل ألقى الله حبه في قلوب الناس وسخر له القلوب كما ~~سخر قلب الأم لولدها فقد دبر الله تعالى الملك والملكوت تدبيرا كافيا لأهل ~~الملك والملكوت # فمن شاهد هذا التدبير وثق بالمدبر واشتغل به وآمن ونظر إلى مدبر الأسباب ~~لا إلى الأسباب نعم ما دبره تدبيرا يصل إلى المشتغل به الحلو والطيور ~~السمان والثياب الرقيقة والخيول النفيسة على الدوام لا محالة وقد يقع ذلك ~~أيضا في بعض الأحوال لكن دبره تدبيرا يصل إلى كل مشتغل بعبادة الله تعالى ~~في كل أسبوع قرص شعير أو حشيش يتناوله لا محالة والغالب أنه يصل أكثر منه ~~بل يصل ما يزيد على قدر الحاجة والكفاية فلا سبب لترك التوكل إلا رغبة ~~النفس في التنعم على الدوام ولبس الثياب الناعمة وتناول الأغذية اللطيفة ~~وليس ذلك من طريق الآخرة وذلك قد لا يحصل بغير اضطراب وهو في الغالب أيضا ~~ليس يحصل مع الاضطراب وإنما يحصل نادرا وفي النادر أيضا قد يحصل بغير ~~اضطراب فأثر الاضطراب ضعف عند من انفتحت بصيرته فلذلك لا يطمئن إلى اضطرابه ~~بل إلى مدبر الملك والملكوت تدبيرا لا يجاوز عبدا من عباده رزقه وإن سكن ~~إلا نادرا ندورا عظيما يتصور مثله في حق المضطرب فإذا انكشفت هذه الأمور ~~وكان معه قوه في القلب وشجاعة في النفس أثمر ما قاله الحسن البصري رحمه ~~الله إذ قال وددت أن أهل البصرة في عيالي وأن حبة بدينار # وقال وهيب بن الورد لو كانت السماء نحاسا والأرض رصاصا واهتممت برزقي ~~لظننت أنى مشرك # فإذا فهمت هذه الأمور فهمت أن التوكل مقام مفهوم في نفسه ويمكن الوصول ~~إليه لمن قهر نفسه وعلمت أن من أنكر أصل التوكل وإمكانه أنكره عن جهل فإياك ~~أن تجمع بين الإفلاسين الإفلاس عن وجود المقام ذوقا والإفلاس عن الإيمان به ~~علما فإذن عليك بالقناعة بالنزر القليل والرضا بالقوت فإنه يأتيك لا محالة ~~وإن فررت منه وعند ذلك على الله أن يبعث إليك رزقك على يدى من لا تحتسب فإن ~~اشتغلت بالتقوى والتوكل شاهدت بالتجربة مصداق قوله تعالى ومن يتق الله يجعل ~~له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب الآية إلا أنه لم يتكفل له أن يرزقه لحم ~~الطير ولذائذ الأطعمة فما ضمن إلا الرزق الذي تدوم به حياته وهذا المضمون ~~مبذول لكل من اشتغل بالضامن واطمأن إلى ضمانه فإن الذي أحاط به تدبير الله ~~من الأسباب الخفية للرزق أعظم مما ظهر للخلق بل مداخل الرزق لا تحصى ~~ومجاريه لا يهتدى إليها وذلك لأن ظهوره على الأرض وسببه في السماء # قال الله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون وأسرار السماء لا يطلع عليها ~~ولهذا دخل جماعة على الجنيد فقال ماذا تطلبون قالوا نطلب الرزق فقال إن ~~علمتم في أي موضع هو فاطلبوه # قالوا نسأل الله # قال إن علمتم أنه ينساكم فذكروه فقالوا ندخل البيت ونتوكل وننظر ما يكون # فقال التوكل على التجربة شك قالوا فما الحيلة قال ترك الحيلة # وقال أحمد بن عيسى PageV04P274 الخراز كنت في البادية فنالنى جوع شديد ~~فغلبتني نفسي أن أسأل الله تعالى طعاما فقلت ليس هذا من أفعال المتوكلين ~~فطالبتنى أن أسأل الله صبرا فلما هممت بذلك سمعت هاتفا يهتف بي ويقول # ويزعم أنه منا قريب % وأنا لا نضيع من أتانا # ويسألنا على الإقتار جهدا % كأنا لا نراه ولا يرانا # فقد فهمت أن من انكسرت نفسه وقوى قلبه ولم يضعف بالجبن باطنه وقوى إيمانه ~~بتدبير الله تعالى كان مطمئن النفس أبدا واثقا بالله عز وجل فإن أسوأ حاله ~~أن يموت ولا بد أن يأتيه الموت كما يأتى من ليس مطمئنا فإذن تمام التوكل ~~بقناعة من جانب ووفاء بالمضمون من جانب والذي ضمن رزق القانعين بهذه ~~الأسباب التي دبرها صادق فاقنع وجرب تشاهد صدق الوعد تحقيقا بما يرد عليك ~~من الأرزاق العجيبة التي لم تكن في ظنك وحسابك ولا تكن في توكلك منتظرا ~~للأسباب بل لمسبب الأسباب كما لا تكون منتظرا لقلم الكاتب بل لقلب الكاتب ~~فإنه أصل حركة القلم والمحرك الأول واحد فلا ينبغي أن يكون النظر إلا إليه ~~وهذا شرط توكل من يخوض البوادى بلا زاد أو يقعد في الأمصار وهو خامل # وأما الذي له ذكر بالعبادة والعلم فإذا قنع في اليوم والليلة بالطعام مرة ~~واحدة كيف كان وإن لم يكن من اللذائذ وثوب خشن يليق بأهل الدين فهذا يأتيه ~~من حيث يحتسب ولا يحتسب على الدوام بل يأتيه أضعافه فتركه التوكل واهتمامه ~~بالرزق غاية الضعف والقصور فإن اشتهاره بسبب ظاهر يجلب الرزق إليه أقوى من ~~دخول الأمصار في حق الخامل مع الاكتساب فالاهتمام بالرزق قبيح بذوى الدين ~~وهو بالعلماء أقبح لأن شرطهم القناعة والعالم القانع يأتيه رزقه ورزق جماعة ~~كثيرة إن كانوا معه إلا إذا أراد أن لا يأخذ من أيدى الناس ويأكل من كسبه ~~فذلك له وجه لائق بالعالم العامل الذي سلوكه بظاهر العلم والعمل ولم يكن له ~~سير بالباطن فإن الكسب يمنع عن السير بالفكر الباطن فاشتغاله بالسلوك مع ~~الأخذ من يد من يتقرب إلى الله تعالى بما يعطيه أولى لأنه تفرغ لله عز وجل ~~وإعانة للمعطى على نيل الثواب ومن نظر إلى مجارى سنة الله تعالى علم أن ~~الرزق ليس على قدر الأسباب ولذلك سأل بعض الأكاسرة حكيما عن الأحمق المرزوق ~~والعاقل المحروم فقال أراد الصالح أن يدل على نفسه إذ لو رزق كل عاقل وحرم ~~كل أحمق لظن أن العقل رزق صاحبه فلما رأوا خلافة علموا أن الرازق غيرهم ولا ~~ثقة بالأسباب الظاهرة لهم قال الشاعر # ولو كانت الأرزاق تجري على الحجا % هلكن إذن من جهلهن البهائم # | بيان أحوال المتوكلين في التعلق بالأسباب بضرب مثال # أعلم أن مثال الخلق مع الله تعالى مثل طائفة من السؤال وقفوا في ميدان ~~على باب قصر الملك وهم محتاجون إلى الطعام فأخرج إليهم غلمانا كثيرة ومعهم ~~أرغفة من الخبز وأمرهم أن يعطوا بعضهم رغيفين رغيفين وبعضهم رغيفا رغيفا ~~ويجتهدوا في أن لا يغفلوا عن واحد منهم وأمر مناديا حتى نادى فيهم أن ~~اسكنوا ولا تتعلقوا بغلماني إذا خرجوا إليكم بل ينبغى أن يطمئن كل واحد ~~منكم في موضعه فإن الغلمان مسخرون وهم مأمورون بأن يوصلوا إليكم طعامكم فمن ~~تعلق بالغلمان وآذاهم وأخذ رغيفين فإذا فتح باب الميدان وخرج اتبعته بغلام ~~يكون موكلا به إلى أن أتقدم لعقوبته في ميعاد معلوم عندى ولكن أخفيه ومن لم ~~يؤذ الغلمان وقنع برغيف واحد أتاه من يد الغلام وهو ساكن فإنى اختصه بخلعة ~~سنية في الميعاد المذكور لعقوبة الآخر ومن ثبت في مكانه ولكنه أخذ رغيفين ~~فلا عقوبة عليه ولا خلعة له ومن أخطأه غلماني فما أوصلوا إليه شيئا فبات ~~الليلة جائعا غير متسخط للغلمان PageV04P275 # ولا قائلا ليته أوصل إلى رغيفا فإنى غدا أستوزره وأفوض ملكي إليه فانقسم ~~السؤال إلى أربعة أقسام قسم غلبت عليهم بطونهم فلم يلتفتوا إلى العقوبة ~~الموعودة وقالوا من اليوم إلى غد فرج ونحن الآن جائعون فبادروا إلى الغلمان ~~فآذوهم وأخذوا الرغيفين فسبقت العقوبة إليهم في الميعاد المذكور فندموا ولم ~~ينفعهم الندم وقسم تركوا التعلق بالغلمان خوف العقوبة ولكن أخذوا رغيفين ~~لغلبة الجوع فسلموا من العقوبة وما فازوا بالخلعة وقسم قالوا إنا نجلس ~~بمرأى من الغلمان حتى لا يخطئونا ولكن نأخذ إذا أعطونا رغيفا واحدا ونقنع ~~به فلعلنا نفوز بالخلعة ففازوا بالخلعة وقسم رابع اختفوا في زوايا الميدان ~~وانحرفوا عن مرأى أعين الغلمان وقالوا إن اتبعونا وأعطونا قنعنا برغيف واحد ~~وإن أخطأونا قاسينا شدة الجوع الليلة فلعلنا نقوى على ترك التسخط فننال ~~رتبة الوزارة ودرجة القرب عند الملك فما نفعهم ذلك إذ اتبعهم الغلمان في كل ~~زاوية وأعطوا كل واحد رغيفا واحدا وجرى مثل ذلك أياما حتى اتفق على الندور ~~أن اختفى ثلاثة في زاوية ولم تقع عليهم أبصار الغلمان وشغلهم شغل صارف عن ~~طول التفتيش فباتوا في جوع شديد فقال اثنان منهم ليتنا تعرضنا للغلمان ~~وأخذنا طعامنا فلسنا نطيق الصبر وسكت الثالث إلى الصباح فنال درجة القرب ~~والوزارة فهذا مثال الخلق والميدان هو الحياة في الدنيا وباب الميدان الموت ~~والميعاد المجهول يوم القيامة والوعد بالوزارة هو الوعد بالشهادة للمتوكل ~~إذا مات جائعا راضيا من غير تأخير ذلك إلى ميعاد القيامة لأن الشهداء أحياء ~~عند ربهم يرزقون والمتعلق بالغلمان هو المعتدي في الأسباب والغلمان ~~المسخرون هم الأسباب والجالس في ظاهر الميدان بمرأى الغلمان هم المقيمون في ~~الأمصار في الرباطات والمساجد على هيئة السكون والمختفون في الزوايا هم ~~السائحون في البوادى على هيئة التوكل والأسباب تتبعهم والرزق يأتيهم إلا ~~على سبيل الندور فإن مات واحد منهم جائعا راضيا فله الشهادة والقرب من الله ~~تعالى وقد انقسم الخلق إلى هذه الأقسام الأربعة ولعل من كل مائة تعلق ~~بالأسباب تسعون وأقام سبعة من العشرة الباقية في الأمصار متعرضين للسبب ~~بمجرد حضورهم واشتهارهم وساح في البوادي ثلاثة وتسخط منهم اثنان وفاز ~~بالقرب واحد ولعله كان كذلك في الأعصار السالفة وأما الآن فالتارك للأسباب ~~لا ينتهي إلى واحد من عشرة آلاف # الفن الثاني في التعرض لأسباب الادخار فمن حصل له مال بإرث أو كسب أو ~~سؤال أو سبب من الأسباب فله في الادخار ثلاثة أحوال الأولى أن يأخذ قدر ~~حاجته في الوقت فيأكل إن كان جائعا ويلبس إن كان عاريا ويشترى مسكنا مختصرا ~~إن كان محتاجا ويفرق الباقى في الحال ولا يأخذه ولا يدخره إلا بالقدر الذي ~~يدرك به من يستحقه ويحتاج إليه فيدخره على هذه النية فهذا هو الوفي بموجب ~~التوكل تحقيقا وهى الدرجة العليا الحالة الثانية المقابلة لهذه المخرجة له ~~عن حدود التوكل أن يدخر لسنة فما فوقها فهذا ليس من المتوكلين أصلا وقد قيل ~~لا يدخر من الحيوانات إلا ثلاثة الفأرة والنملة وابن آدم الحالة الثالثة أن ~~يدخر لأربعين يوما فما دونها فهذا هل يوجب حرمانه من المقام المحمود ~~الموعود في الآخرة للمتوكلين اختلفوا فيه فذهب سهل إلى أنه يخرج عن حد ~~التوكل # وذهب الخواص إلى أنه لا يخرج بأربعين يوما ويخرج بما يزيد على الأربعين # وقال أبو طالب المكي لا يخرج عن حد التوكل بالزيادة على الأربعين أيضا ~~وهذا اختلاف لا معنى له بعد تجويز أصل الادخار نعم يجوز أن يظن ظان أن أصل ~~الادخار يناقض التوكل فأما التقدير بعد ذلك فلا مدرك له وكل ثواب موعود على ~~رتبة فإنه يتوزع على تلك الرتبة وتلك الرتبة لها بداية PageV04P276 ونهاية ~~ويسمي أصحاب النهايات السابقين وأصحاب البدايات أصحاب اليمين ثم أصحاب ~~اليمين أيضا على درجات وكذلك السابقون وأعالى درجات أصحاب اليمين تلاصق ~~أسافل درجات السابقين فلا معنى للتقدير في مثل هذا بل التحقيق أن التوكل ~~بترك الادخار لا يتم إلا بقصر الأمل وأما عدم آمال البقاء فيبعد اشتراطه ~~ولو في نفس فإن ذلك كالممتنع وجوده أما الناس فمتفاوتون في طول الأمل وقصره ~~وأقل درجات الأمل يوم وليلة فما دونه من الساعات وأقصاه ما يتصور أن يكون ~~عمر الإنسان وبينهما درجات لا حصر لها فمن لم يؤمل أكثر من شهر أقرب إلى ~~المقصود ممن يؤمل سنة وتقييده بأربعين لأجل ميعاد موسى عليه السلام بعيد ~~فإن تلك الواقعة ما قصد بها بيان مقدار مارخص الأمل فيه ولكن استحقاق موسى ~~لنيل الموعود كان لا يتم إلا بعد أربعين يوما لسر جرت به وبأمثاله سنة الله ~~تعالى في تدريج الأمور كما قال عليه السلام إن الله خمر طينة آدم بيده ~~أربعين صباحا + حديث خمر طينة آدم بيده أربعين صباحا رواه أبو منصور ~~الديلمى في مسند الفردوس من حديث ابن مسعود وسلمان الفارسي بإسناد ضعيف جدا ~~وهو باطل + لأن استحقاق تلك الطينة التخمر كان موقوفا على مدة مبلغها ما ~~ذكر فإذن ما وراء السنة لا يدخر له إلا بحكم ضعف القلب والركون إلى ظاهر ~~الأسباب فهو خارج عن مقام التوكل غير واثق بإحاطة التدبير من الوكيل الحق ~~بخفايا الأسباب فإن أسباب الدخل في الارتفاعات والزكوات تتكرر بتكرر السنين ~~غالبا ومن ادخر لأقل من سنة فله درجة بحسب قصر أمله ومن كان أمله شهرين لم ~~تكن درجته كدرجة من أمل شهرا ولا درجة من أمل ثلاثة أشهر بل هو بينهما في ~~الرتبة ولا يمنع من الادخار إلا قصر الأمل فالأفضل أن لا يدخر أصلا وإن ضعف ~~قلبه فكلما قل ادخاره كان فضله أكثر وقد روى في الفقير الذي أمر صلى الله ~~عليه وسلم عليا كرم الله وجهه وأسامة أن يغسلاه فغسلاه وكفناه ببردته فلما ~~دفنه قال لأصحابه إنه يبعث يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر ولولا خصلة ~~كانت فيه لبعث ووجهه كالشمس الضاحية قلنا وما هي يا رسول الله قال كان ~~صواما قواما كثير الذكر لله تعالى غير أنه كان إذا جاء الشتاء ادخر حلة ~~الصيف لصيفه وإذا جاء الصيف ادخر حلة الشتاء لشتائه ثم قال صلى الله عليه ~~وسلم بل أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر + حديث أنه قال في حق الفقير ~~الذى أمر عليا أو أسامة فغسله وكفنه ببردته أنه يبعث يوم القيامة ووجهه ~~كالقمر ليلة البدر الحديث وفي آخره من أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر ~~لم أجد له أصلا وتقدم آخر الحديث قبل هذا + الحديث وليس الكوز والشفرة وما ~~يحتاج إليه على الدوام معنى ذلك فإن ادخاره لا ينقص الدرجة وأما ثوب الشتاء ~~فلا يحتاج إليه في الصيف وهذا في حق من لا ينزعج قلبه بترك الادخار ولا ~~تستشرف نفسه إلى أيدى الخلق بل لا يلتفت قلبه إلا إلى الوكيل الحق فإن كان ~~يستشعر في نفسه اضطرابا يشغل قلبه عن العبادة والذكر والفكر فالادخار له ~~أولى بل لو أمسك ضيعة يكون دخلها وافيا بقدر كفايته وكان لا يتفرغ قلبه إلا ~~به فذلك له أولى لأن المقصود إصلاح القلب ليتجرد لذكر الله ورب شخص يشغله ~~وجود المال ورب شخص يشغله عدمه والمحذور ما يشغل عن الله عز وجل وإلا ~~فالدنيا في عينها غير محذورة لا وجودها ولا عدمها ولذلك بعث رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم إلى أصناف الخلق وفيهم التجار والمحترفون وأهل الحرف ~~والصناعات فلم يأمر التجار بترك تجارته ولا المحترف بترك حرفته ولا أمر ~~التارك لهما بالاشتغال بهما بل دعا الكل إلى الله تعالى وأرشدهم إلى أن ~~فوزهم ونجاتهم في انصراف قلوبهم عن الدنيا إلى الله تعالى وعمدة الاشتغال ~~بالله عز وجل القلب فصواب الضعيف ادخار قدر حاجته كما أن صواب القوى ترك ~~الادخار PageV04P277 وهذا كله حكم المنفرد فأما المعيل فلا يخرج عن حد ~~التوكل بادخار قوت سنة لعياله جبرا لضعفهم وتسكينا لقلوبهم وادخار أكثر من ~~ذلك مبطل للتوكل لأن الأسباب تتكرر عند تكرر السنين فادخاره ما يزيد عليه ~~سببه ضعف قلبه وذلك يناقض قوة التوكل فالمتوكل عبارة عن موحد قوى القلب ~~مطمئن النفس إلى فضل الله تعالى واثق بتدبيره دون وجود الأسباب الظاهرة وقد ~~ادخر رسول الله صلى الله عليه وسلم لعياله قوت سنة + حديث ادخر لعياله قوت ~~سنة متفق عليه وتقدم في الزكاة + ونهى أم أيمن وغيرها أن تدخر له شيئا لغد ~~+ حديث نهى أم أيمن وغيرها أن تدخر شيئا لغد تقدم نهيه لأم أيمن وغيرها + ~~ونهى بلالا عن الادخار في كسرة خبز ادخرها ليفطر عليها فقال صلى الله عليه ~~وسلم أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا + حديث نهى بلالا عن الادخار ~~وقال أنفق بلالا ولا تخش من ذى العرش إقلالا رواه البزار من حديث ابن مسعود ~~وأبي هريرة وبلال دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده صبر من تمر فقال ~~ذلك وروى أبو يعلى والطبرانى في الأوسط حديث أبي هريرة وكلها ضعيفة # وأما ما ذكره المصنف من أنه ادخر كسرة خبز فلم أره + وقال صلى الله عليه ~~وسلم إذا سئلت فلا تمنع وإذا أعطيت فلا تخبأ + حديث قال لبلال إذا سئلت فلا ~~تمنع وإذا أعطيت فلا تخبأ رواه الطبراني والحاكم من حديث أبي سعيد وهو ثقة ~~+ اقتداء بسيد المتوكلين صلى الله عليه وسلم وقد كان قصر أمله بحيث كان إذا ~~بال تيمم مع قرب الماء ويقول ما يدريني لعلي لا أبلغه + حديث أنه صلى الله ~~عليه وسلم بال وتيمم مع قرب الماء ويقول ما يدريني لعلى لا أبلغه أخرجه ابن ~~أبي الدنيا في قصر الأمل من حديث ابن عباس بسند ضعيف + وكان صلى الله عليه ~~وسلم لو أخر لم ينقص ذلك من توكله إذ كان لا يثق بما ادخره ولكنه عليه ~~السلام ترك ذلك تعليما للأقوياء من أمته فإن أقوياء أمته ضعفاء بالإضافة ~~إلى قوته وادخر عليه السلام لعياله سنة لا لضعف قلب فيه وفي عياله ولكن ~~ليسن ذلك للضعفاء من أمته بل أخبر إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب ~~أن تؤتى عزائمه + حديث إن الله يحب أن تؤتى رخصه الحديث أخرجه أحمد ~~والطبرانى والبيهقي من حديث أم عمر وقد تقدم + تطييبا لقلوب الضعفاء حتى لا ~~ينتهى بهم الضعف إلى اليأس والقنوط فيتركون الميسور من الخير عليهم بعجزهم ~~عن منتهى الدرجات فما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رحمة للعالمين ~~كلهم عليه اختلاف أصنافهم ودرجاتهم وإذا فهمت هذا علمت أن الادخار قد يضر ~~بعض الناس وقد لا يضر ويدل على ما روى أبو أمامة الباهلى أن بعض أصحاب ~~الصفة توفى فما وجد له كفن فقال صلى الله عليه وسلم فتشوا ثوبه فوجدوا فيه ~~دينارين في داخل إزاره فقال صلى الله عليه وسلم كيتان + حديث أبي أمامة ~~توفى بعض أصحاب الصفة فوجدوا دينارين في داخلة إزاره فقال صلى الله عليه ~~وسلم كيتان رواه أحمد من رواية شهر بن حوشب عنه + وقد كان غيره من المسلمين ~~يموت ويخلف أموالا ولا يقول ذلك في حقه وهذا يحتمل وجهين لأن حاله يحتمل ~~حالين أحدهما أنه أراد كيتين من النار كما قال تعالى تكوى بها جباههم ~~وجنوبهم وظهورهم وذلك إذا كان حاله إظهار الزهد والفقر والتوكل مع الإفلاس ~~عنه فهو نوع تلبيس والثاني أن لا يكون ذلك عن تلبيس فيكون المعنى به ~~النقصان عن درجة كماله كما ينقص من جمال الوجه اثر كيتين في الوجه وذلك لا ~~يكون عن تلبيس فإن كل ما يخلفه الرجل فهو نقصان عن درجته في الآخرة إذ لا ~~يؤتى أحد من الدنيا شيئا إلا نقص بقدره من الآخرة وأما بيان أن الادخار مع ~~فراغ القلب عن المدخر ليس من ضرورته بطلان التوكل فيشهد له ما روى عن بشر ~~قال الحسين المغازلى من أصحابه كنت عنده ضحوة من النهار فدخل عليه رجل كهل ~~أسمر خفيف العارضين فقام إليه بشر قال وما رأيته قام لأحد غيره قال ودفع ~~إلى كفا من دراهم وقال اشتر لنا من أطيب ما تقدر عليه من الطعام الطيب وما ~~قال لي قط PageV04P278 مثل ذلك قال فجئت بالطعام فوضعته فأكل معه وما رأيته ~~أكل مع غيره قال فأكلنا حاجتنا وبقى من الطعام شىء كثير فأخذه الرجل وجمعه ~~في ثوبه وحمله معه وانصرف فعجبت من ذلك وكرهته له فقال لي بشر لعلك أنكرت ~~فعله قلت نعم أخذ بقية الطعام من غير إذن فقال ذاك أخونا فتح الموصلى زارنا ~~اليوم من الموصل فإنما أراد أن يعلمنا أن التوكل إذا صح لم يضر معه الادخار # الفن الثالث في مباشرة الأسباب الدافعة للضرر المعرض للخوف أعلم أن الضرر ~~قد يعرض للخوف في نفس أو مال وليس من شروط التوكل ترك الأسباب الدافعة رأسا ~~أما في النفس فكالنوم في الأرض المسبعة أو في مجاري السيل من الوادى أو تحت ~~الجدار المائل والسقف المنكسر فكل ذلك منهى عنه وصاحبه قد عرض نفسه للهلاك ~~بغير فائدة نعم تنقسم هذه الأسباب إلى مقطوع بها ومظنونة وإلى موهومة فترك ~~الموهوم منها من شرط التوكل وهى التى نسبتها إلى دفع الضرر نسبة الكى ~~والرقية فإن الكى والرقية قد تقدم به على المحذور دفعا لما يتوقع وقد ~~يستعمل بعد نزول المحذور للإزالة ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصف ~~المتوكلين إلا بترك الكى والرقية والطيرة ولم يصفهم بأنهم إذا خرجوا إلى ~~موضع بارد لم يلبسوا جبة والجبة تلبس دفعا للبرد المتوقع وكذلك كل مافي ~~معناها من الأسباب نعم الاستظهار بأكل الثوم مثلا عند الخروج إلى السفر في ~~الشتاء تهييجا لقوة الحرارة من الباطن ربما يكون من قبيل التعمق في الأسباب ~~والتعويل عليها فيكاد يقرب من الكي بخلاف الجبة ولترك الأسباب الدافعة وإن ~~كانت مقطوعة وجه إذا ناله الضرر من إنسان فإنه إذا أمكنه الصبر وأمكنه ~~الدفع والتشفى فشرط التوكل الاحتمال والصبر قال الله تعالى @QB@ فاتخذه ~~وكيلا واصبر على ما يقولون @QE@ وقال تعالى @QB@ ولنصبرن على ما آذيتمونا ~~وعلى الله فليتوكل المتوكلون @QE@ وقال عز وجل @QB@ ودع أذاهم وتوكل على ~~الله @QE@ وقال سبحانه تعالى فاصبر كما صبر أولى العزم من الرسل وقال تعالى ~~@QB@ نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون @QE@ وهذا في أذى ~~الناس وأما الصبر على أذى الحيات والسباع والعقارب فترك دفعها ليس من ~~التوكل في شىء إذ لا فائدة فيه ولا يراد السعى ولا يترك السعى لعينه بل ~~لإعانته على الدين وترتب الأسباب ههنا كترتبها في الكسب وجلب المنافع فلا ~~نطول بالإعادة وكذلك في الأسباب الدافعة عن المال فلا ينقص التوكل بإغلاق ~~باب البيت عند الخروج ولا بأن يعقل البعير لأن هذه أسباب عرفت سنة الله ~~تعالى إما قطعا وإما ظنا ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للإعرابي لما أن ~~أهمل البعير وقال توكلت على الله اعقلها وتوكل + حديث اعقلها وتوكل أخرجه ~~الترمذى من حديث أنس قال يحيى القطان منكر ورواه ابن خزيمة في التوكل ~~والطبراني من حديث عمرو بن أمية الضمرى بإسناد جيد قيدها + وقال تعالى @QB@ ~~خذوا حذركم @QE@ وقال في كيفية صلاة الخوف @QB@ وليأخذوا أسلحتهم @QE@ وقال ~~سبحانه @QB@ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل @QE@ وقال تعالى ~~لموسى عليه السلام @QB@ فأسر بعبادي ليلا @QE@ والتحصن بالليل اختفاء عن ~~أعين الأعداء ونوع تسبب واختفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ~~اختفاء عن أعين الأعداء دفعا للضرر + حديث اختفى رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم عن أعين الأعداء دفعا للضرر تقدم في قصة اختفائه في الغار عند إرادة ~~الهجرة + وأخذ السلاح في الصلاة فليس دافعا قطعا كقتل الحية والعقرب فإنه ~~دافع قطعا ولكن أخذ السلاح سبب مظنون وقد بينا أن المظنون كالمقطوع وإنما ~~الموهوم هو الذي يقتضى التوكل تركه # فإن قلت فقد حكى عن جماعة أن منهم من وضع الأسد يده على كتفه ولم يتحرك ~~فأقول وقد حكى عن جماعة أنهم ركبوا الأسد وسخروه فلا ينبغى أن يغرك ذلك ~~المقام فإنه وإن كان صحيحا في نفسه فلا يصلح للاقتداء PageV04P279 بطريق ~~التعلم من الغير بل ذلك مقام رفيع في الكرامات وليس ذلك شرطا في التوكل ~~وفيه أسرار لا يقف عليها من لم ينته إليها # فإن قلت وهل من علامة أعلم بها أنى قد وصلت إليها فأقول الواصل لا يحتاج ~~إلى طلب العلامات ولكن من العلامات على ذلك المقام السابقة عليه أن يسخر لك ~~كلب هو معك في إهابك يسمى الغضب فلا يزال يعضك ويعض غيرك فإن سخر لك هذا ~~الكلب بحيث إذا هيج وأشلى لم يستشل إلا بإشارتك وكان مسخرا لك فربما ترتفع ~~درجتك إلى أن يسخر لك الأسد الذى هو ملك السباع وكلب دارك أولى أن يكون ~~مسخرا لك من كلب البوادى وكلب إهابك أولى بأن يتسخر من كلب دارك فإذا لم ~~يسخر لك الكلب الباطن فلا تطمع في استسخار الكلب الظاهر # فإن قلت فإذا اخذ المتوكل سلاحه حذرا من العدو وأغلق بابه حذرا من اللص ~~وعقل بعيره حذرا من أن ينطلق فبأى اعتبار يكون متوكلا فأقول يكون متوكلا ~~بالعلم والحال فأما العلم فهو أن يعلم أن اللص إن اندفع لم يندفع بكفايته ~~في إغلاق الباب بل لم يندفع إلا بدفع الله تعالى إياه فكم من باب يغلق ولا ~~ينفع وكم من بعير يعقل ويموت أو يفلت وكم من آخذ سلاحه يقتل أو يغلب فلا ~~تتكل على هذه الأسباب أصلا بل على مسبب الأسباب كما ضربنا المثل في الوكيل ~~في الخصومة فإنه إن حضر وأحضر السجل فلا يتكل على نفسه وسجله بل يتكل على ~~كفاية الوكيل وقوته وأما الحال فهو أن يكون راضيا بما يقضى الله تعالى به ~~في بيته ونفسه ويقول اللهم إن سلطت على ما في البيت من يأخذه فهو في سبيلك ~~وأنا راض بحكمك فإنى لا أدرى أن ما أعطيتني هبة فلا تسترجعها أو عارية ~~ووديعة فتستردها ولا أدرى أنه رزقى أو سبقت مشيئتك في الأزل بأنه رزق غيرى ~~وكيفما قضيت فأنا راض به وما أغلقت الباب تحصنا من قضاؤك وتسخطا له بل جريا ~~على مقتضى سنتك في ترتيب الأسباب فلا ثقة إلا بك يا مسبب الأسباب فإذا كان ~~هذا حاله وذلك الذى ذكرناه علمه لم يخرج عن حدود التوكل بعقل البعير وأخذ ~~السلاح وإغلاق الباب ثم إذا عاد فوجد متاعه في البيت فينبغى أن يكون ذلك ~~عنده نعمة جديدة من الله تعالى وإن لم يجده بل وجده مسروقا نظر إلى قلبه ~~فإن وجده راضيا أو فرحا بذلك عالما أنه ما أخذ الله تعالى ذلك منه إلا ~~ليزيد رزقه في الآخرة فقد صح مقامه في التوكل وظهر له صدقه وإن تألم قلبه ~~به ووجد قوة الصبر فقد بان له أنه ما كان صادقا في دعوى التوكل لان التوكل ~~مقام بعد الزهد ولا يصح الزهد إلا ممن لا يتأسف على ما فات من الدنيا ولا ~~يفرح بما يأتى بل يكون على العكس منه فكيف يصح له التوكل نعم قد يصح له ~~مقام الصبر إن أخفاه ولم يظهر شكواه ولم يكثر سعيه في الطلب والتجسس وإن لم ~~يقدر على ذلك حتى تأذى بقلبه وأظهر الشكوى بلسانه واستقصى الطلب ببدنه فقد ~~كانت السرقة مزيدا له في ذنبه من حيث إنه ظهر له قصوره عن جميع المقامات ~~وكذبه في جميع الدعاوي فبعد هذا ينبغى أن يجتهد حتى لا يصدق نفسه في ~~دعاويها ولا يتدلى بحبل غرورها فإنها خداعة أمارة بالسوء مدعية للخير # فإن قلت فكيف يكون للمتوكل مال حتى يؤخذ فأقول المتوكل لا يخلوا بيته من ~~متاع كقصعة يأكل فيها وكوز يشرب منه وإناء يتوضأ منه وجراب يحفظ به زاده ~~وعصا يدفع بها عدوه وغير ذلك من ضرورات المعيشة من اثاث البيت وقد يدخل في ~~يده مال وهو يمسكه ليجد محتاجا فيصرفه إليه فلا يكون ادخاره على هذه النية ~~مبطلا لتوكله وليس من شرط التوكل إخراج الكوز الذي يشرب منه والجراب الذي ~~فيه زاده وإنما ذلك في PageV04P280 المأكول وفي كل مال زائد على قدر ~~الضرورة لأن سنة الله جارية بوصول الخير إلى الفقراء المتوكلين في زوايا ~~المساجد وما جرت السنة بتفرقة الكيزان والأمتعة في كل يوم ولا في كل أسبوع ~~والخروج عن سنة الله عز وجل ليس شرطا في التوكل ولذلك كان الخواص يأخذ في ~~السفر الحبل والركوة والمقراض والإبرة دون الزاد لكن سنة الله تعالى جارية ~~بالفرق بين الأمرين # فإن قلت فكيف يتصور أن لا يحزن إذا أخذ متاعه الذي هو محتاج إليه ولا ~~يتأسف عليه فإن كان لا يشتهيه فلم أمسكه وأغلق الباب عليه وإن كان أمسكه ~~لأنه يشتهيه لحاجته إليه فكيف لا يتأذى قلبه ولا يحزن وقد حيل بينه وبين ما ~~يشتهيه فأقول إنما كان يحفظه ليستعين به على دينه إذ كان يظن أن الخيرة له ~~في أن يكون له ذلك المتاع ولولا أن الخيرة له فيه لما رزقه الله تعالى ولما ~~أعطاه إياه فاستدل على ذلك بتيسير الله عز وجل وحسن الظن بالله تعالى مع ~~ظنه أن ذلك معين له على أسباب دينه ولم يكن ذلك عنده مقطوعا به إذ يحتمل أن ~~تكون خيرته في أن يبتلى بفقده ذلك حتى ينصب في تحصيل غرضه ويكون ثوابه في ~~النصب والتعب أكثر فلما أخذه الله تعالى منه بتسليط اللص تغير ظنه لأنه في ~~جميع الأحوال واثق بالله حسن الظن به فيقول لولا أن الله عز وجل علم أن ~~الخيرة كانت لي في وجودها إلى الآن والخيرة لي الآن في عدمها لما أخذها منى ~~فبمثل هذا الظن يتصور أن يندفع عنه الحزن إذ به يخرج عن ان يكون فرحه ~~بأسباب من حيث إنها أسباب بل من حيث إنه يسرها مسبب الأسباب عناية وتلطفا ~~وهو كالمريض بين يدى الطبيب الشفيق يرضى بما يفعله فإن قدم إليه الغذاء فرح ~~وقال لولا أنه يعرف أن الغذاء ينفعنى وقد قويت على احتماله لما قربه إلى ~~وأن أخر عنه الغذاء بعد ذلك أيضا فرح وقال لولا أن الغذاء يضرني ويسوقني ~~إلى الموت لما حال بينى وبينه وكل من لا يعتقد لطف الله تعالى ما يعتقده ~~المريض في الوالد المشفق الحاذق لعلم الطب فلا يصح منه التوكل أصلا ومن عرف ~~الله تعالى وعرف أفعاله وعرف سنته في إصلاح عباده لم يكن فرحه بالأسباب ~~فإنه لا يدرى أي الأسباب خير له كما قال عمر رضى الله عنه لا أبالى أصبحت ~~غنيا أو فقيرا فإنى لا أدرى أيهما خير لي فكذلك ينبغي أن لا يبالى المتوكل ~~يسرق متاعه أو لا يسرق فإنه لا يدرى أيهما خير له في الدنيا أو في الآخرة ~~فكم من متاع في الدنيا يكون سبب هلاك الإنسان وكم من غنى يبتلى بواقعة لأجل ~~غناه يقول ياليتنى كنت فقيرا # | بيان آداب المتوكلين إذا سرق متاعهم # للمتوكل آداب في متاع بيته إذا خرج عنه @QB@ الأول @QE@ أن يغلق الباب ~~ولا يستقصى في أسباب الحفظ كالتماسك من الجيران الحفظ مع الغلق وكجمعه ~~أغلاقا كثيرة فقد كان مالك بن دينار لا يغلق بابه ولكن يشده بشريط ويقول ~~لولا الكلاب ما شددته أيضا الثاني أن لا يترك في البيت متاعا يحرض عليه ~~السراق فيكون هو سبب معصيتهم أو إمساكه يكون سبب هيجان رغبتهم ولذلك لما ~~أهدى المغيرة إلى مالك بن دينار ركوة قال خذها لا حاجة لي إليها قال لم قال ~~يوسوس إلى العدو أن اللص يأخذها فكأنه احترز من أن يعصى السارق ومن شغل ~~قلبه بوسواس الشيطان بسرقتها ولذلك قال أبو سليمان هذا من ضعف قلوب الصوفية ~~هذا قد زهد في الدنيا فما عليه من أخذها الثالث أن ما يضطر إلى تركه في ~~البيت ينبغى أن ينوى عند خروجه الرضا بما يقضى الله فيه من تسليط سارق عليه ~~ويقول ما يأخذه السارق فهو منه في حل أو في سبيل الله تعالى وإن كان فقيرا ~~فهو عليه صدقة وإن لم يشترط الفقر فهو أولى فيكون له نيتان لو أخذه غنى أو ~~فقير @QB@ إحداهما @QE@ أن يكون PageV04P281 ماله مانعا من المعصية فإنه ~~ربما يستغنى به فيتوانى عن السرقة بعده وقد زال عصيانه بأكل الحرام لما أن ~~جعله في حل والثانية أن لا يظلم مسلما آخر فيكون ماله فداء لمال مسلم آخر ~~ومهما ينوى حراسة مال غيره بمال نفسه أو ينوى دفع المعصية عن السارق أو ~~تخفيفها عليه فقد نصح للمسلمين وامتثل قوله صلى الله عليه وسلم انصر أخاك ~~ظالما أو مظلوما + حديث انصر أخاك ظالما أو مظلوما متفق عليه من حديث أنس ~~وقد تقدم + ونصر الظالم أن تمنعه من الظلم وعفوه عنه إعدام للظلم ومنع له ~~وليتحقق أن هذه النية لا تضره بوجه من الوجوه إذ ليس فيها ما يسلط السارق ~~ويغير القصاء الأزلى ولكن يتحقق بالزهد نيته فإن أخذ ماله كان له بكل درهم ~~سبعمائة درهم لأنه نواه وقصده وإن لم يؤخذ حصل له الأجر أيضا كما روى عن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن ترك العزل فأقر النطفة قرارها أن له أجر ~~غلام ولد له من ذلك الجماع وعاش فقتل في سبيل الله تعالى وإن لم يولد له + ~~حديث من ترك العزل وأقر النطفة قرارها كان له أجر غلام + لأنه ليس أمر ~~الولد إلا الوقاع فأما الخلق والحياة والرزق والبقاء فليس إليه فلو خلق ~~لكان ثوابه على فعله وفعله لم ينعدم فكذلك أمر السرقة الرابع أنه إذا وجد ~~المال مسروقا فينبغى أن لا يحزن بل يفرح إن أمكنه ويقول لولا أن الخيرة ~~كانت فيه لما سلبه الله تعالى ثم إن لم يكن قد جعله في سبيل الله عز وجل ~~فلا يبالغ في طلبه وفي إساءة الظن بالمسلمين وإن كان قد جعله في سبيل الله ~~فيترك طلبه فإنه قد قدمه ذخيرة لنفسه إلى الآخرة فإن أعيد عليه فالأولى أن ~~لا يقبله بعد أن كان قد جعله في سبيل الله عز وجل وإن قبله فهو في ملكه في ~~ظاهر العلم لأن الملك لا يزول بمجرد تلك النية ولكنه غير محبوب عند ~~المتوكلين # وقد روى أن ابن عمر سرقت ناقته فطلبها حتى أعيا ثم قال في سبيل الله ~~تعالى فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين فجاءه رجل فقال يا أبا عبد الرحمن إن ~~ناقتك في مكان كذا فلبس نعله وقام ثم قال استغفر الله وجلس فقيل له ألا ~~تذهب فتأخذها فقال إنى كنت قلت في سبيل الله # وقال بعض الشيوخ رأيت بعض إخواني في النوم بعد موته فقلت ما فعل الله بك ~~قال غفر لي وأدخلنى الجنة وعرض على منازلي فيها فرأيتها قال وهو مع ذلك ~~كئيب حزين فقلت قد غفر لك ودخلت الجنة وأنت حزين فتنفس الصعداء ثم قال نعم ~~إنى لا أزال حزينا إلى يوم القيامة قلت ولم قال إنى لما رأيت منازلى في ~~الجنة رفعت لي مقامات في عليين ما رأيت مثلها فيما رأيت ففرحت بها فلما ~~هممت بدخولها نادى منادى من فوقها اصرفوه عنها فليست هذه له إنما هى لمن ~~أمضى السبيل فقلت وما إمضاء السبيل فقيل لي كنت تقول للشىء إنه في سبيل ~~الله ثم ترجع فيه فلو كنت أمضيت السبيل لأمضينا لك # وحكى عن بعض العباد بمكة أنه كان نائما إلى جنب رجل معه هميانه فانتبه ~~الرجل ففقد هميانه فاتهمه به فقال له كم كان في هميانك فذكر له فحمله من ~~البيت ووزنه من عنده ثم بعد ذلك أعلمه أصحابه أنهم كانوا أخذوا الهميان ~~مزحا معه فجاء هو وأصحابه معه وردوا الذهب فأبى وقال خذه حلالا طيبا فما ~~كنت لأعود في مال أخرجته في سبيل الله عز وجل فلم يقبل فألحوا عليه فدعا ~~ابنه وجعل يصره صررا ويبعث به إلى الفقراء حتى لم يبق منه شىء # فهكذا كانت أخلاق السلف وكذلك من أخذ رغيفا ليعطيه فقيرا فغاب عنه كان ~~يكره رده إلى البيت بعد إخراجه فيعطيه فقيرا آخر وكذلك يفعل في الدراهم ~~والدنانير وسائر الصدقات الخامس وهو أقل الدرجات PageV04P282 أن لا يدعو ~~على السارق الذى ظلمه بالأخذ فإن فعل بطل توكله ودل ذلك على كراهته وتأسفه ~~على ما فات وبطل زهده ولو بالغ بطل أجره أيضا فيما أصيب به ففي الخبر من ~~دعا على ظالمه فقد انتصر + حديث من دعا على من ظلمه فقد انتصر تقدم + وحكى ~~أن الربيع بن خثيم سرق فرس له وكان قيمته عشرين ألفا وكان قائما يصلى فلم ~~يقطع صلاته ولم ينزعج لطلبه فجاءه قوم يعزونه فقال أما إنى قد كنت رأيته ~~وهو يحله قيل وما منعك أن تزجره قال كنت فيما هو أحب إلى من ذلك يعنى ~~الصلاة فجعلوا يدعون عليه فقال لا تفعلوا وقولوا خيرا فإنى قد جعلتها صدقة ~~عليه # وقيل لبعضهم في شىء قد كان سرق له ألا تدعو على ظالمك قال ما أحب أن أكون ~~عونا للشيطان عليه # قيل أرأيت لو رد عليك قال لا آخذه ولا أنظر إليه لأنى كنت قد أحللته له # وقيل لآخر ادع الله على ظالمك فقال ماظلمنى أحد ثم قال إنما ظلم نفسه ألا ~~يكفيه المسكين ظلم نفسه حتى أزيده شرا # وأكثر بعضهم شتم الحجاج عند بعض السلف في ظلمه فقال لا تغرق في شتمه فإن ~~الله تعالى ينتصف للحجاج فمن انتهك عرضه كما ينتصف منه لمن أخذ ماله ودمه # وفي الخبر إن العبد كيظلم المظلمة فلا يزال يشتم ظالمه ويسبه حتى يكون ~~بمقدار ما ظلمه ثم يبقى للظالم عليه مطالبة بما زاد عليه يقتص له من ~~المظلوم + حديث إن العبد ليظلم المظلمة فلا يزال يشتم ظالمه ويسبه حتى يكون ~~بمقدار ما ظلمه ثم يبقى للظالم عليه مطالبة الحديث تقدم + السادس أن يغتم ~~لأجل السارق وعصيانه وتعرضه لعذاب الله تعالى ويشكر الله تعالى إذ جعله ~~مظلوما ولم يجعله ظالما وجعل ذلك نقصا في دنياه لا نقصا في دينه فقد شكا ~~بعض الناس إلى عالم أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله فقال إن لم يكن لك غم ~~أنه قد صار في المسلمين من يستحل هذا أكثر من غمك بمالك فما نصحت للمسلمين # وسرق من على بن الفضيل دنانير وهو يطوف بالبيت فرآه أبوه وهو يبكي ويحزن ~~فقال أعلى الدنانير تبكى فقال لا والله ولكن على المسكين أن يسئل يوم ~~القيامة ولا تكون له حجة # وقيل لبعضهم ادع على من ظلمك فقال إنى مشغول بالحزن عليه عن الدعاء عليه ~~فهذه أخلاق السلف رضى الله عنهم أجمعين # الفن الرابع في السعى في إزالة الضرر كمداواة المرض وأمثاله أعلم أن ~~الأسباب المزيلة للمرض أيضا تنقسم إلى مقطوع به كالماء المزيل لضرر العطش ~~والخبز المزيل لضرر الجوع وإلى مظنون كالفصد والحجامة وشرب الدواء المسهل ~~وسائر أبواب الطب أعنى معالجة البرودة بالحرارة والحرارة بالبرودة وهى ~~الأسباب الظاهرة في الطب وإلى موهوم كالكى والرقية أما المقطوع فليس من ~~التوكل تركه بل تركه حرام عند خوف الموت وأما الموهوم فشرط التوكل تركه إذ ~~به وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوكلين وأقواها الكى ويليه الرقية ~~والطيرة آخر درجاتها والاعتماد عليها والاتكال إليها غاية التعمق في ملاحظة ~~الأسباب وأما الدرجة المتوسطة وهى المظنونة كالمداواة بالأسباب الظاهرة عند ~~الأطباء ففعله ليس مناقضا للتوكل بخلاف الموهوم وتركه ليس محظورا بخلاف ~~المقطوع بل قد يكون أفضل من فعله في بعض الأحوال وفي بعض الأشخاص فهى على ~~درجة بين الدرجتين ويدل على أن التداوى غير مناقض للتوكل فعل رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم PageV04P283 وقوله وأمره به أما قوله فقد قال صلى الله عليه ~~وسلم ما من داء إلا وله دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله إلا السام + حديث ~~ما من داء إلا له دواء عرفه من عرفه جهله من جهله إلا السام رواه أحمد ~~والطبرانى من حديث ابن مسعود دون قوله إلا السام وهو عند ابن ماجه مختصرا ~~دون قوله عرفه إلى آخره واسناد حسن وللترمذي وصححه من حديث أسامة بن شريك ~~إلا الهرم وللطبرانى في الأوسط والبزار من حديث أبي سعيد الخدرى والطبراني ~~في الكبير من حديث ابن عباس وسندهما ضعيف والبخارى من حديث أبي هريرة ما ~~أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ولمسلم من حديث جابر لكل داء دواء + يعنى ~~الموت وقال عليه السلام تداووا عباد الله فإن الله خلق الداء والدواء + ~~حديث تداووا عباد الله رواه الترمذي وصححه وابن ماجه واللفظ له من حديث ~~أسامة ابن شريك + وسئل عن الدواء والرقى هل ترد من قدر الله شيئا قال هى من ~~قدر الله + حديث سئل عن الدواء والرقى هل يرد من قدر الله فقال هى من قدر ~~الله أخرجه الترمذى وابن ماجه من حديث أبي خزامة وقيل عن أبي خزامة عن أبيه ~~قال الترمذى وهذا أصح + وفي الخبر المشهور ما مررت بملأ من الملائكة إلا ~~قالوا مر أمتك بالحجامة + حديث ما مررت بملأ من الملائكة إلا قالوا مر أمتك ~~بالحجامة رواه الترمذى من حديث ابن مسعود وقال حسن غريب ورواه ابن ماجه من ~~حديث أنس بسند ضعيف + وفي الحديث أنه أمر بها وقال احتجموا لسبع عشرة وتسع ~~عشرة وإحدى وعشرين لا يتبيغ بكم الدم فيقتلكم + حديث احتجموا لسبع عشرة ~~وتسع عشرة وإحدى وعشرين الحديث أخرجه البزار من حديث ابن عباس بسند حسن ~~موقوفا ورفعه الترمذى بلفظ إن خير ما تحتجمون فيه سبع عشرة الحديث دون ذكر ~~التبيغ وقال حسن غريب وقال البزار إن طريقه المتقدمة أحسن من هذا الطريق ~~ولابن ماجه من حديث أنس بسند ضعيف من أراد الحجامة فليتحر سبعة عشر الحديث ~~+ فذكر أن تبيغ الدم سبب الموت وأنه قاتل بإذن الله تعالى وبين أن إخراج ~~الدم خلاص منه إذ لا فرق بين إخراج الدم المهلك من الإهاب وبين إخراج ~~العقرب من تحت الثياب وإخراج الحية من البيت وليس من شرط التوكل ترك ذلك بل ~~هو كصب الماء على النار لإطافئها ودفع ضررها عند وقوعها في البيت وليس من ~~التوكل الخروج عن سنة الوكيل أصلا وفي خبر مقطوع من احتجم يوم الثلاثاء ~~لسبع عشرة من الشهر كان له دواء من داء سنة + حديث من احتجم يوم الثلاثاء ~~لسبع عشرة من الشهر كان له دواء من داء سنة رواه الطبرانى من حديث معقل بن ~~يسار وابن حيان في الضعفاء من حديث أنس وإسنادهما واحد اختلف على راوية في ~~الصحابي وكلاهما فيه زين العمى وهو ضعيف + وأما أمره صلى الله عليه وسلم ~~فقد أمر غير واحد من الصحابة بالتداوى وبالحمية + حديث أمره بالتداوى لغير ~~واحد من الصحابة أخرجه الترمذى وابن ماجه من حديث أسامة بن شريك أنه قال ~~للأعراب حين سألوه تداووا الحديث وسيأتى في قصة على وصهيب في الحمية بعده + ~~وقطع لسعد بن معاذ عرقا + حديث قطع عرقا لسعد ابن معاذ أخرجه مسلم من حديث ~~جابر قال رمى سعد في أكحله فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص ~~الحديث + أى فصده وكوى سعد بن زرارة + حديث أنه كوى أسعد بن زرارة رواه ~~الطبراني من حديث سهل بن حنيف بسند ضعيف ومن حديث أبي أسامة بن سهل بن حنيف ~~دون ذكر سهل + وقال لعلى رضي الله تعالى عنه وكان رمد العين لا تأكل من هذا ~~يعنى الرطب وكل من هذا فإنه أوفق لك + حديث قال لعلى وكان رمدا لا تأكل من ~~هذا الحديث رواه أبو داود والترمذى وقال حسن غريب وابن ماجه من حديث أم ~~المنذر + يعنى سلقا قد طبخ بدقيق شعير وقال لصهيب وقد رآه يأكل التمر وهو ~~وجع العين تأكل تمرا وأنت أرمد فقال إنى آكل من الجانب الآخر فتبسم + صلى ~~الله عليه وسلم حديث قال لصهيب وقد رآه يأكل التمر وهو وجع العين تأكل تمرا ~~وأنت رمد الحديث تقدم في آفات اللسان + وأما فعله عليه الصلاة والسلام فقد ~~روى في حديث من طريق أهل البيت أنه كان يكتحل كل ليلة ويحتجم كل شهر ويشرب ~~الدواء كل سنة + حديث من طريق أهل البيت أنه كان يكتحل كل ليلة ويحتجم كل ~~شهر ويشرب الدواء كل سنة أخرجه ابن عدي من حديث عائشة وقال إنه منكر وفيه ~~سيف بن محمد كذبه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين + قيل السنا المكى ~~PageV04P284 وتداوى صلى الله عليه وسلم غير مرة من العقرب وغيرها + حديث ~~أنه تداوى غير مرة من العقرب وغيرها رواه الطبراني بإسناد حسن من حديث جبلة ~~بن الأزرق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لدغته عقرب فغشى عليه فرقاه ~~الناس الحديث له في الأوسط من رواية سعيد بن ميسرة وهو ضعيف عن أنس أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكي تقمح كفا من شونيز ويشرب عليه ماء ~~وعسلا ولأبي يعلى والطبراني في الكبير من حديث عبدالله بن جعفر أن النبي ~~صلى الله عليه وسلم احتجم بعد ماسم وفيه جابر الجعفي ضعفه الجمهور وروي أنه ~~كان إذا نزل عليه الوحي صدع رأسه فكان يغلفه بالحناء + حديث كان إذى نزل ~~الوحي صدع رأسه فيغلفه بالحناء أخرجه البزار وابن عدي في الكامل من حديث ~~أبي هريرة وقد اختلف في إسناده على الأحوص بن حكيم كان إذا خرجت به قرحة ~~جعل عليها حناء رواه الترمذي وابن ماجة من حديث سلمى قال الترمذي غريب وفي ~~خبر : أنه كان إذا خرجت به قرحة جعل عليها حناء وقد جعل على قرحة خرجت به ~~ترابا جعل على قرحة خرجت بيده ترابا حديث جعل على قرحة خرجة بيده ترابا ~~رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة كان إذا إشتكى الإنسان الشيء منه أو كانت ~~فرحة أو جرح قال النبي صلى الله عليه وسلم بيده ووضع سفيان عيينه الراوي ~~سبابته بالأرض ثم رفعها وقال بسم الله تربة أرضنا وريقة بعضنا يشفى سقيمنا ~~+ وما روى في تداويه وأمره بذلك كثير خارج عن الحصر وقد صنف في ذلك كتاب ~~وسمي طب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر بعض العلماء في الإسرائيليات أن ~~موسى عليه السلام اعتل بعلة فدخل عليه بنو إسرائيل فعرفوا علته فقالوا له ~~لو تداويت بكذا لبرئت فقال لا أتداوى حتى يعافيني هو من غير دواء فطالت ~~علته فقالوا له أن دواء هذه العلة معروف مجرب وانا نتداوى به فنبرأ فقال لا ~~أتداوى وأقامت علته فأوحى الله تعا رضي الله عنها لى إليه وعزتي وجلالي لا ~~أبرأتك حتى تتداوى بما ذكروه لك فقال لهم داووني بما ذكرتم فداووه فبرأ ~~فأوجس في نفسه من ذلك فأوحى الله تعالى إليه أردت أن تبطل حكمتي بتوكلك على ~~من أودع العقاقير منافع الأشياء غيري وروى في خبر آخر أن نبيا من الأنبياء ~~عليهم السلام شكا علة يجدها فأوحى الله تعالى إليه كل البيض وشكا نبي آخر ~~الضعف فأوحى الله تعالى إليه كل اللحم باللبن فان فيهما القوة قيل هو الضعف ~~عن الجماع وقد روى أن قوما شكوا إلى نبيهم قبح أولادهم فأوحى الله تعالى ~~إليه مرهم أن يطعموا نساءهم الحبلى السفرجل فانه يحسن الولد ويفعل ذلك في ~~الشهر الثالث والرابإذ فيه يصور الله تعالى الولد وقد كانوا يطعمون الحبلى ~~السفرجل والنفساء الرطب فبهذا تبين ان مسبب الأسباب اجرى سنته بربط ~~المسببات بالأسباب إظهارا للحكمة والأدوية أسباب مسخرة بحكم الله تعالى ~~كسائر الأسباب فكما ان الخبز دواء الجوع والماء دواء العطش فالسكنجبين دواء ~~الصفراء والسقمونيا دواء الإسهال لا يفارقه إلا في أحد أمرين @QB@ أحدهما ~~@QE@ أن معالجة الجوع والعطش بالماء والخبز جلى واضح يدركه كافة الناس ~~ومعالجة الصفراء بالسكنحبين يدركه بعض الخواص فمن أدرك ذلك بالتجربة التحق ~~في حقه بالأول والثاني آن الدواء يسهل والسكنجبين يسكن الصفراء بشروط أخر ~~في الباطن واسباب في المزاج ربما يتعذر الوقوف على جميع شروطها وربما يفوت ~~بعض الشروط فيتقاعد الدواء عن الإسهال وأما زوال العطش فلا يستدعي سوى ~~الماء شروطا كثيرة وقد يتفق من العوارض ما يوجب داء العطش مع كثرة شرب ~~الماء ولكنه نادر واختلال الأسباب ابدا ينحصر في هذين الشيئين وإلا فالمسبب ~~يتلو السبب لا محالة مهما تمت شروط السبب وكل ذلك بتدبير مسبب الأسباب ~~وتسخيره وترتيبه بحكم حكمته وكمال قدرته فلا يضر المتوكل استعماله مع النظر ~~إلى مسبب الأسباب دون الطبيب والدواء فقد روى عن موسى صلى صلى الله عليه ~~وسلم انه قال يارب ممن الداء والدواء فقال تعالى مني قال : فما يصنع ~~الأطباء قال يأكلون أرزاقهم ويطيبون نفوس PageV04P285 عبادي حتى يأتي شفائي ~~أو قضائي فإذن معنى التوكل مع التداوي التوكل بالعلم والحال كما سبق في ~~فنون الاعمال الدافعة للضرر الجالبة للنفع فأما ترك التداوي رأسا فليس شرطا ~~فيه # فان قلت فالكي أيضا من الأسباب الظاهرة النفع فأقول ليس كذلك اذ الأسباب ~~الظاهرة مثل الفصد والحجامة وشرب المسهل وسقي المبردات للمحرور واما الكي ~~فلو كان مثلها في الظهور لما خلت البلاد الكثيرة عنه وقلما يعتاد الكي في ~~أكثر البلاد وانما ذلك عادة بعض الأتراك والأعراب فهذا من الأسباب الموهومة ~~كالرقى إلا أنه يتميز عنها بأمر وهو أنه احراق النار فى الحال مع الاستغناء ~~عنه فإنه ما من وجع يعالج بالكي الا وله دواء يغنى عنه ليس فيه احراق ~~فالاحراق بالنار جرح مخرب للبنية محذور السراية مع الاستغناء عنه بخلاف ~~الفصد والحجامة فان سرايتهما بعيدة ولا يسد مسدها غيرهما ولذلك نهى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم عن الكي دون الرقي + حديث نهى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم عن الكي دون الرقى رواه البخاري من حديث ابن عباس وأنهى أمتي عن ~~الكي وفي الصحيحين من حديث عائشة رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ~~الرقية من كل ذي حمة + # وكل واحد منهما بعيد عن التوكل وروى ان عمران بن الحصين اعتل فأشاروا ~~عليه بالكي فامتنع فلم يزالوا به وعزم عليه الامر حتى اكتوى فكان يقول كنت ~~أرى نورا واسمع صوتا وتسلم علي الملائكة فلما اكتويت انقطع ذلك عني وكان ~~يقول اكتوينا كيات فوالله ما أفلحت ولا أنجحت ثم تاب من ذلك وأناب إلى الله ~~تعالى فرد الله تعالى عليه ما كان يجد من أمر الملائكة وقال لمطرف بن عبد ~~الله : ألم تر إلى الملائكة التي كان أكرمني الله بها قد ردها الله تعالى ~~علي بعد أن كان أخبره بفقدها : فاذن الكي وما يجري مجراه هو الذي لا يليق ~~بالمتوكل لأنه يحتاج في استنباطه إلى تدبير ثم هو مذموم ويدل ذلك على شدة ~~ملاحظة الأسباب وعلى التعمق فيها والله أعلم # | بيان ان ترك التداوي قد يحمد في بعض الأحوال ويدل على قوة التوكلوان ~~ذلك # لا يناقض فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم # اعلم ان الذين تداووا من السلف لا ينحصرون ولكن قد ترك التداوي أيضا ~~جماعة من الأكابر فربما يظن أن ذلك نقصان لأنه لو كان كمالا لتركه رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم اذ لا يكون حال غيره في التوكل أكمل من حاله # وقد روى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه انه قيل له لو دعونا لك طبيبا ~~فقال الطبيب قد نظر الي وقال : اني فعال لما أريد # وقيل لأبي الدرداء في مرضه ما تشتكي قال ذنوبي قيل فما تشتهي قال مغفرة ~~ربي قالوا ألا ندعو لك طبيبا قال الطبيب أمرضني وقيل لأبي ذر وقد رمدت ~~عيناه لو داويتهما قال اني عنهما مشغول فقيل لو سألت الله تعالى أن يعافيك ~~فقال أسأله فيما هو أهم على منهما # وكان الربيع بن خثيم أصابه فالج فقيل له لو تداويت فقال قد هممت ثم ذكرت ~~عادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا وكان فيهم الأطباء فهلك ~~المداوي والمداوى ولم تغن الرقي شيئا # وكان أحمد بن حنبل يقول أحب لمن اعتقد التوكل وسلك هذا الطريق ترك ~~التداوي من شرب الدواء وغيره وان كان به علل فلا يخبر المتطبب بها أيضا إذا ~~سأله PageV04P286 وقيل لسهل متى يصح للعبد التوكل قال إذا دخل عليه الضرر ~~في جسمه والنقص في ماله فلم يلتفت إليه شغلا بحاله وينظر إلى قيام الله ~~تعالى عليه # فإذا منهم من ترك التداوي وراءه ومنهم من كرهه ولا يتضح وجه الجمع بين ~~فعل رسولالله صلى الله عليه وسلم وأفعالهم الا بحصر الصوارف عن التداوي # فنقول ان لترك التداوي أسبابا السبب الأول ان يكون المريض من المكاشفين ~~وقد كوشف بأنه انتهى أجله وأن الدواء لا ينفعه ويكون ذلك معلوما عنده تارة ~~برؤيا صادقة وتارة بحدس وظن وتارة بكشف محقق ويشبه ان يكون ترك الصديق رضي ~~الله عنه التداوي من هذا السبب فانه كان من المكاشفين فإنه قال لعائشة رضي ~~الله عنها في أمر الميراث إنما هن أختاك وانما كان لها أخت واحدة ولكن كانت ~~امرأته حاملا فولدت أنثى فعلم انه كان قد كوشف بأنها حامل بأنثى فلا يبعد ~~ان يكون قد كوشف ايضا بانتهاء اجله والا فلا يظن به انكار التداوي وقد شاهد ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم تداوي وامر به السبب الثاني ان يكون المريض ~~مشغولا بحاله وبخوف عاقبته واطلاع الله تعالى عليه فينسيه ذلك ألم المرض ~~فلا يتفرغ قلبه للتداوي شغلا بحاله وعليه يدل كلام أبى ذر اذ قال أنى عنهما ~~مشغول وكلام أبي الدرداء اذ قال انما اشتكي ذنوبي فكان تألم قلبه خوفا من ~~ذنوبه اكثر من تألم بدنه بالمرض ويكون هذا كالمصاب بموت عزيز من أعزته أو ~~كالخائف الذي يحمل إلى ملك من الملوك ليقتل إذا قيل له الا تاكل وانت جائع ~~فيقول أنا مشغول عن ألم الجوع فلا يكون ذلك انكارا لكون الاكل نافعا من ~~الجوع ولا طعنا فيمن اكل ويقرب من هذ اشتغال سهل حيث قيل له ما القوت فقال ~~هو ذكر الحي القيوم فقيل انما سألناك عن القوام فقال : القوام هو العلم قيل ~~سألناك عن الغذاء قال الغذاء هو الذكر قيل سألناك عن طعمة الجسد قال مالك ~~وللجسد دع من تولاه أولا يتولاه آخرا : اذا دخل عليه علة فرده إلى صانعه ~~اما رايت الصنعة اذا عيبت ردوها إلى صانعها حتى يصلحها السبب الثالث ان ~~تكون العلة مزمنة والدواء الذي يؤمر به بالإضافة إلى علته موهوم النفع جار ~~مجري الكي والرقية فيتركه المتوكل واليه يشير قول الربيع بن خثيم اذ قال ~~ذكرت عادا وثمود وفيهم الأطباء فهلك المداوي والمداوى أي ان الدواء غير ~~موثوق به وهذا قد يكون كذلك في نفسه وقد يكون عند المريض كذلك لقلة ممارسته ~~للطب وقلة تجربته له فلا يغلب على ظنه كونه نافعا ولا شك في أن الطبيب ~~المجرب اشد اعتقادا لي الأدوية من غيره فتكون الثقة والظن بحسب الإعتقاد ~~والاعتقاد بحسب التجربة وأكثر من ترك التداوي من العباد والزهاد هذا ~~مستندهم لانه يبقى الدواء عنده شيئا موهوما لا اصل له وذلك صحيح في بعض ~~الأدوية عند من عرف صناعة الطب غير صحيح في البعض ولكن غير الطبيب قد ينظر ~~إلى الكل نظرا واحدا فيرى التداوي تعمقا في الأسباب كالكي والرقي فيتركه ~~السبب الرابع ان يقصد العبد بترك التداوي استبقاء المرض لينال ثواب المرض ~~بحسن الصبر على بلاء الله تعالى أو ليجرب نفسه في القدرة على الصبر فقد ورد ~~في ثواب المرض ما يكثر ذكره فقد قال عليه السلام نحن معاشر الأنبياء أشد ~~الناس بلاء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى العبد على قدر إيمانه فان كان صلب ~~الإيمان شدد عليه البلاء وان كان في إيمانه ضعف حفف عنه البلاء + وفي الخبر ~~ان الله تعالى يجرب عبده بالبلاء كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار + حديث نحن ~~معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء ثم الأمثل فالأمثل الحديث رواه أحمد وأبو ~~يعلي والحاكم وصححه على شرط مسلم نحوه مع اختلاف وقد تقدم مختصرا ورواه ~~الحاكم ايضا من حديث سعد بن أبي وقاص وقال صحيح على شرط الشيخين ~~PageV04P287 فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز لا يزبد ومنهم دون ذلك ومنهم من ~~يخرج اسود محترقا حديث أن الله تعالى يجرب عبد بالبلاء كما يجرب أحكم ذهبه ~~الحديث رواه الطبراني من حديث أبي أمامة بسند ضعيف + وفي حديث من طريق أهل ~~البيت أن الله تعالى إذا احب عبدا ابتلاه فان صبر اجتباه فان رضي اصطفاه ~~حديث من طريق أهل البيت إن الله إذا أحب عبدا + وقال صلى الله عليه وسلم ~~تحبون ان تكونوا كالحمر الضالة لا تمرضون ولا تسقمون + + حديث تحبون ان ~~تكونوا كالحمر الضالة لا تمرضون ولا تسقمون أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد ~~والمثاني وأبو نعيم وابن عبد البر في الصحابة والبيهقي في الشعب من حديث ~~أبي فاطمة وهو صدر حديث ان الرجل تكون له المنزلة عند الله الحديث وقد تقدم ~~قال ابن مسعود رضي الله عنه تجد المؤمن أصح شىء قلبا وأمرضه جسما وتجد ~~المنافق اصح شئ جسما وأمرضه قلبا فلما عظم الثناء على المرض والبلاء احب ~~قوم المرض واغتنموه لينالوا ثواب الصبر عليه فكان منهم من له علة يخفيها ~~ولا يذكرها للطبيب ويقاسي العلة ويرضى بحكم الله تعالى ويعلم أن الحق اغلب ~~على قلبه من أن يشغله المرض عنه وإنما يمنع المرض جوارحه وعلموا ان صلاتهم ~~قعودا مثلا مع الصبر على قضاء الله تعالى افضل من الصلاة قياما مع العافية ~~والصحة ففي الخبر ان الله تعالى يقول لملائكته : اكتبوا لعبدي الصالح ما ~~كان يعمله فانه في وثاقي ان أطلقته أبدلته لحما خيرا من لحمه ودما خير من ~~دمه وان توفيته توفيته إلى رحمتي + + حديث ان الله يقول للملائكة : اكتبو ~~لعبدي صالح ما كان يعمل فانه في وثاقي الحديث أخرجه الطبراني من حديث عبد ~~الله بن عمر وقد تقدم وقال صلى الله عليه وسلم افضل الأعمال ما أكرهت عليه ~~النفوس + حديث افضل الاعمال ما أكرهت عليه النفوس تقدم ولم أجده مرفوعا ~~فقيل : معناه ما دخل عليه من الامراض والمصائب واليه الاشارة بقوله تعالى ~~@QB@ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم @QE@ وكان سهل يقول ترك التداوي وان ~~ضعف عن الطاعات وقصر عن الفرائض أفضل من التداوي لأجل الطاعات وكانت به علة ~~عظيمة فلم يكن يتداوى منها وكان يداوي الناس منها وكان اذا رأى العبد يصلى ~~من قعود ولا يستطيع اعمال البر من الامراض فيتداوى للقيام إلى الصلاة ~~والنهوض إلى الطاعات يعجب من ذلك ويقول صلاته من قعود مع الرضا بحاله أفضل ~~من التداوي للقوة والصلاة قائما وسئل عن شرب الدواء فقال كل من دخل في شىء ~~من الدواء فانما هو سعة من الله تعالى لأهل الضعف ومن لم يدخل في شىء فهو ~~افضل لانه ان اخذ شيئا من الدواء ولو كان هو الماء البارد يسئل عنه لم أخذه ~~ومن لم يأخذ فلا سؤال عليه وكان مذهبه ومذهب البصريين تضعيف النفس بالجوع ~~وكسر الشهوات لعلمهم بأن ذرة من اعمال القلوب مثل الصبر والرضا والتوكل ~~افضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح والمرض لا يمنع من أعمال القلوب إلا ~~إذا كان ألمه غالبا مدهشا وقال سهل رحمه الله علل الأجسام رحمة الله وعلل ~~القلوب عقوبة السبب الخامس ان يكون العبد قد سبق له ذنوب وهو خائف منها ~~عاجز عن تكفيرها فيرى المرض اذا طال تكفيرا فيترك التداوي خوفا من أن يسرع ~~زوال المرض فقد قال صلى الله عليه وسلم لا تزال الحمى والمليلة بالعبد حتى ~~يمشي على الأرض كالبردة ما عليه ذنب ولا خطيئة + حديث لا تزال الحمى ~~والمليلة بالعبد حتى يمشي على الأرض كالبردة ما عليه خطيئة أخرجه أبو يعلي ~~وابن عدي من حديث أبي هريرة والطبراني من حديث أبي الدرداء نحوه وقال ~~الصداع بدل الحمى وللطبراني في الأوسط من حديث انس مثل المريض اذا صح وبرأ ~~من مرضه كمثل البردة تقع من السماء تقع في صفائها ولونها وأسانيده ضعيفة + ~~وفي الخبر حمى يوم كفارة سنة + + حديث حمى يوم كفارة سنة رواه القضاعي في ~~مسند الشهاب من حديث ابن مسعود بسند ضعيف وقال ليلة بدل يوم فقيل لأنها تهد ~~قوة سنة وقيل للإنسان ثلثمائة وستون مفصلا فتدخل الحمى جميعها ويجد من كل ~~واحد ألما فيكون كل + حديث ان الله تعالى يجرب عبده بالبلاء كما يجرب احدكم ~~ذهبه الحديث رواه الطبراني من حديث أبي امامة بسند ضعيف PageV04P288 ألم ~~كفارة يوم ولما ذكر صلى الله عليه وسلم كفارة الذنوب بالحمى سأل زيد بن ~~ثابت ربه عز وجل أن لا يزال محموما فلم تكن الحمى تفارقه حتى مات رحمه الله ~~وسأل ذلك طائفة من الأنصار فكانت الحمى لا تزايلهم + حديث لما ذكر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم كفارة الذنوب بالحمى سأل زيد بن ثابت أن لا يزال ~~محموما الحديث وسأل ذلك طائفة من الأنصار : أخرجه أحمد وأبو يعلي من حديث ~~أبي سعيد الخدري باسناد جيد ان رجلا من المسلمين قال يارسول الله ارايت هذه ~~الأمراض تصيبنا مالنا فيها قال كفارات قال أبي : وان قلت قال فان شوكة فما ~~فوقها قال فدعا أبي أن لا يفارقه الوعك حتى يموت الحديث وللطبراني في ~~الأوسط من حديث أبي بن كعب أنه قال يارسول الله ما جزاء الحمى قال تجري ~~الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق فقال : اللهم اني ~~أسألك حمى لا تمنعني خروجا في سبيلك ولا خروجا إلى بيتك ولا لمسجد نبيك ~~الحديث والاسناد مجهول قاله علي بن المديني + ولما قال صلى الله عليه وسلم ~~من أذهب الله كريمتيه لم يرض له ثوابا دون الجنة حديث من أذهب الله كريمتيه ~~لم يرضى له ثوابا دون الجنة تقدم المرفوع منه دون قوله قال فلقد كان من ~~الأنصار من يتمنى العمى وقال عيسى عليه السلام لا يكون عالما من لم يفرح ~~بدخول المصائب والأمراض على جسده وماله لما يرجو في ذلك من كفارة خطاياه ~~وروي ان موسى عليه السلام نظر إلى عبد عظيم البلاء فقال : يا رب ارحمه فقال ~~تعالى : كيف أرحمه فيما به أرحمه أي به أكفر ذنوبه وأزيد في درجاته السبب ~~السادس أن يستشعر العبد في نفسه مبادىء البطر والطغيان بطول مدة الصحة ~~فيترك التداوي خوفا من ان يعاجله زوال المرض فتعاوده الغفلة والبطر ~~والطغيان أو طول الأمل والتسويف في تدارك الفائت وتأخير الخيرات فإن الصحة ~~عبارة عن قوة الصفات وبها ينبعث الهوى وتتحرك الشهوات وتدعو إلى المعاصي ~~واقلها ان تدعو إلى التنعم في المباحات وهو تضييع الأوقات واهمال للربح ~~العظيم في مخالفة النفس وملازمة الطاعات واذا أراد الله بعبد خيرا لم يخله ~~عن التنبه بالأمراض والمصائب ولذلك قيل لا يخلو المؤمن من علة أو قلة أو ~~زلة # وقد روى وقد روي ان الله تعالى يقول : الفقر سجني والمرض قيدي أحبس به من ~~أحب من خلقي فإذا كان في المرض حبس عن الطغيان وركوب المعاصي فأي خير يزيد ~~عليه ولم ينبغ ان يشتغل بعلاجه من يخاف ذلك على نفسه فالعافية في ترك ~~المعاصي فقد قال بعض العارفين لإنسان كيف كنت بعدي قال في عافية قال ان كنت ~~لم تعص الله عز وجل فأنت في عافية وان كنت قد عصيته فأي داء أدوا من ~~المعصية ما عوفي من عصي الله وقال على كرم الله وجهه لما رأى زينة النبط ~~بالعراق في يوم عيد ما هذا الذي أظهروه قالوا : يا أمير المؤمنين هذا يوم ~~عيد لهم فقال : كل يوم لا يعصى الله عز وجل فيه فهو لنا عيد وقال تعالى من ~~بعد ما أراكم ما تحبون قيل العوافي ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى وكذلك ~~اذا استغنى بالعافية قال بعضهم : انما قال فرعون : انا ربكم الأعلى لطول ~~العافية لأنه لبث أربعمائة سنة لم يصدع له رأس ولم يحم له جسم ولم يضرب ~~عليه عرق فادعى الربوبية لعنه الله ولو أخذته الشقيقة يوما لشغلته عن ~~الفضول فضلا عن دعوى الربوبية وقال صلى الله عليه وسلم أكثروا من ذكر هاذم ~~اللذات حديث اكثروا ذكر هاذم اللذات أخرجه الترمذي وقال : حسن غريب ~~والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة وقد تقدم + وقيل : الحمى رائد الموت ~~فهو مذكر له ودافع للتسويف # وقال تعالى أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ~~ولا هم يذكرون قيل يفتنون بأمراض يختبرون بها ويقال أن العبد اذا مرض ~~مرضتين ثم لم يتب قال له ملك الموت : يا غافل جاءك مني رسول بعد رسول فلم ~~تجب PageV04P289 وقد كان السلف لذلك يستوحشون إذا خرج عام ولم يصابوا فيه ~~بنقص في نفس أو مال وقالوا لا يخلو المؤمن في كل أربعين يوما أن يروع روعة ~~أو يصاب ببلية حتى روى أن عمار بن ياسر تزوج امرأة فلم تكن تمرض فطلقها وأن ~~النبي صلى الله عليه وسلم عرض عليه امرأة فحكى من وصفها حتى هم أن يتزوجها ~~فقيل وإنها ما مرضت قط فقال لا حاجة لي فيها + حديث عرضت عليه أمرأة فذكر ~~من وصفها حتى هم أن يتزوجها فقيل فإنها ما مرضت قط قال لا حاجة لي فيها ~~أخرجه أحمد من حديث أنس بنحوه بإسناد جيد وذكر رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم الأمراض والأوجاع كالصداع وغيره فقال رجل وما الصداع ما أعرفه فقال ~~صلى الله عليه وسلم إليك عني من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر ~~إلى هذا وهذا + حديث ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمراض والأوجاع ~~كالصداع وغير فقال رجل وما الصداع ما أعرفه فقال إليك عنى الحديث رواه أبو ~~داود من حديث عارم البرام أخي الحضر بنوه وفي إسناده من لم يسم لانه ورد في ~~الخبر الحمى حظ كل مؤمن من النار حديث الحمى حظ كل مؤمن من النار رواه ~~البزار من حديث عائشة وأحمد ومن حديث عائشة وأحمد من حديث أبي أمامة ~~والطبراني في الأوسط من حديث أنس وأبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من ~~حديث ابن مسعود وحديث أنس ضعيف وباقيها حسان وفي حديث أنس وعائشة رضي الله ~~عنهما قيل يا رسول الله هل يكون مع الشهداء يوم القيامة غيرهم قال نعم من ~~ذكر الموت كل يوم عشرين مرة حديث أنس وعائشة حديث أنس وعائشة قيل يا رسل ~~الله هل يكون مع الشهداء يوم القيامة غيرهم فقال نعم من ذكر الموت كل يوم ~~عشرين مرة لم أقف له على إسناده + وفي لفظ آخر الذي يذكر ذنوبه فتحزنه ولا ~~شك في أن ذكر الموت على المريض أغلب فلما أن كثرت فوائد المرض رأى جماعة ~~ترك الحيلة في زوالها إذ رأوا لأنفسهم مزيدا فيها لا من حيث رأوا التداوي ~~نقصانا وكيف يكون نقصانا وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم # | بيان الرد على من قال : ترك التداوي أفضل بكل حال # فلو قال قائل : انما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسن لغيره والا ~~فهو حال الضعفاء ودرجة الأقوياء توجب التوكل بترك الدواء فيقال : ينبغي أن ~~يكون من شروط التوكل ترك الحجامة والفصد عند تبغ الدم # فإن قيل : إن ذلك أيضا شرط فليكن من شرطه أن تلدغه العقرب أو الحية فلا ~~ينحيها عن نفسه إذ الدم يلدغ الباطن والعقرب تلدغ الظاهر فأي فرق بينهما ~~فإن قال : وذلك أيضا شرط التوكل فيقال : ينبغي أن لا يزيل لدغ العطش بالماء ~~ولدغ الجوع بالخبز ولدغ البرد بالجبة وهذا لا قائل به # ولا فرق بين هذه الدرجات فإن جميع ذلك أسباب رتبها مسبب الأسباب سبحانه ~~وتعالى وأجرى بها سنته ويدل على أن ذلك ليس من شرط التوكل ما روى عن عمر ~~رضي الله عنه وعن الصحابه في قصة الطاعون فإنهم لما قصدوا الشام وانتهوا ~~إلى الجابية بلغهم الخبر أن به موتا عظيما ووباء ذريعا فافترق الناس فرقتين ~~فقال بعضهم لا ندخل على الوباء فنلقى بأيدينا إلى التهلكة وقالت طائفة أخرى ~~: بل ندخل ونتوكل ولا نهرب من قدر الله تعالى ولا نفر من الموت فنكون كمن ~~قال الله تعالى فيهم ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ~~فرجعوا إلى عمر فسألوه عن رأيه فقال نرجع ولا ندخل على الوباء فقال له ~~المخالفون في رأيه أنفر من قدر الله تعالى قال عمر نعم نفر من قدر الله إلى ~~قدر الله ثم ضرب لهم مثلا فقال أرأيتم لو كان لأحدكم غنم فهبط واديا له ~~شعبتان : إحداهما مخصبة : والأخرى مجدبة أليس إن رعى المخصبة رعاها بقدر ~~الله تعالى وإن رعى المجدبة رعاها بقدر الله تعالى فقالوا : نعم ثم طلب عبد ~~الرحمن بن عوف ليسأله عن رأيه وكان غائبا فلما أصبحوا جاء PageV04P290 عبد ~~الرحمن فسأله عمر عن ذلك فقال : عندي فيه يا أمير المؤمنين شىء سمعته من ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : الله أكبر فقال عبد الرحمن : سمعت ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم @QB@ يقول @QE@ اذا سمعتم بالوباء في أرض فلا ~~تقدموا عليه واذا وقع في أرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه + حديث ~~عبدالرحمن بن عوف إذا سمعتم بالوباء في أرض فلا تقدموا عليه الحديث وفي ~~أوله قصة خروج عمرو بالناس إلى الجابيه وأنه بلنهم أن بالشام وباء الحديث ~~رواه البخاري ففرح عمر رضي الله عنه بذلك وحمد الله تعالى إذ وافق رأيه ~~ورجع من الجابية بالناس فإذن كيف اتفق الصحابة كلهم على ترك التوكل وهو من ~~أعلى المقامات إن كان أمثال هذا من شروط التوكل # فإن قلت : فلم نهى عن الخروج من البلد الذي فيه الوباء وسبب الوباء في ~~الطب الهواء وأظهر طرق التداوي الفرار من المضر والهواء هو المضر وترك ~~التوكل في أمثال هذا مباح وهذا لا يدل على المقصود ولكن الذي ينقدح فيه ~~والعلم عند الله تعالى أن الهواء لا يضر من حيث إنه يلاقى ظاهر البدن بل من ~~حيث دوام الاستنشاق له فانه اذا كان فيه عفونة ووصل إلى الرئة والقلب وباطن ~~الأحشاء أثر فيها بطول الاستنشاق فلا يظهر الوباء على الظاهر إلا بعد طول ~~التأثير في الباطن فالخروج من البلد لا يخلص غالبا من الأثر الذي استحكم من ~~قبل ولكن يتوهم الخلاص فيصير هذا من جنس الموهومات كالرقي والطيرة وغيرهما ~~ولو تجرد هذا المعنى لكان مناقضا للتوكل ولم يكن منهيا عنه ولكن صار منهيا ~~عنه لانه انضاف اليه أمر آخر وهو أنه لو رخص للأصحاء في الخروج لما بقي في ~~البلد إلا المرضى الذين أقعدهم الطاعون فانكسرت قلوبهم وفقدوا المتعهدين ~~ولم يبق في البلد من يسقيهم الماء ويطعمهم الطعام وهم يعجزون عن مباشرتهما ~~بأنفسهم فيكون ذلك سعيا في اهلاكهم تحقيقا وخلاصهم منتظر كما أن خلاص ~~الأصحاء منتظر فلو أقاموا لم تكن الاقامة قاطعة بالموت ولو خرجوا لم يكن ~~الخروج قاطعا بالخلاص وهو قاطع في اهلاك الباقين والمسلمون كالبنيان يشد ~~بعضه بعضا والمؤمنون كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى اليه سائر ~~أعضائه فهذا هو الذي ينقدح عندنا في تعليل النهي وينعكس هذا فيمن لم يقدم ~~بعد على البلد فانه لم يؤثر الهواء في باطنهم ولا بأهل البلد حاجة إليهم ~~نعم لو لم يبق بالبلد إلا مطعونون وافتقروا إلى المتعهدين وقدم عليهم قوم ~~فربما كان ينقدح استحباب الدخول ههنا لأجل الإعانة ولا ينهى عن الدخول لأنه ~~تعرض لضرر موهوم على رجاء دفع ضرر عن بقية المسلمين وبهذا شبه الفرار من ~~الطاعون في بعض الأخبار بالفرار من الزحف + حديث تشبيه الفرار من الطاعون ~~بالفار من الزحف رواه أحمد من حديث عائشة بإسناد جيد ومن حديث جابر بإسناد ~~ضعيف وقد تقدم لأن فيه كسرا لقلوب بقية المسلمين وسعيا في اهلاكهم فهذه ~~أمور دقيقة فمن لا يلاحظها وينظر إلى ظواهر الأخبار والآثار يتناقض عنده ~~أكثر ما سمعه وغلط العباد والزهاد فى مثل هذا كثير وانما شرف العلم وفضيلته ~~لأجل ذلك فإن قلت : ففي ترك التداوي فضل كما ذكرت فلم لم يترك رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم التداوي لينال الفضل فنقول : فيه فضل بالإضافة إلى من ~~كثرت ذنوبه ليكفرها أو خاف على نفسه طغيان العافية وغلبة الشهوات أو احتاج ~~إلى ما يذكره الموت لغلبة الغفلة أو احتاج إلى نيل ثواب الصابرين لقصوره عن ~~مقامات الراضين والمتوكلين أو قصرت بصيرته عن الاطلاع على ما أودع الله ~~تعالى في الأدوية من لطائف المنافع حتى صار في حقه موهوما كالرقى أو كان ~~شغله بحاله يمنعه عن التداوي وكان التداوي يشغله عن حاله لضعفه عن الجمع ~~فإلى هذه المعاني رجعت الصوارف في ترك التداوي وكل ذلك كمالات بالإضافة إلى ~~بعض الخلق ونقصان بالإضافة إلى درجة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كان ~~مقامه أعلى من هذه المقامات كلها إذ كان حاله يقتضى أن تكون + حديث عبد ~~الرحمن بن عوف اذا سمعتم بالوباء في أرض فلا تقدموا عليه الحديث وفي أوله ~~قصة خروج عمر بالناس إلى الجابية وأنه بلغهم أن بالشام وباء الحديث رواه ~~البخاري + حديث تشبيه الفرار من الطاعون بالفار من الزحف رواه أحمد من حديث ~~عائشة بإسناد جيد ومن حديث جابر باسناد ضعيف وقد تقدم PageV04P291 مشاهدته ~~على وتيرة واحدة عند وجود الأسباب وفقدها فانه لم يكن له نظر في الأحوال ~~الا إلى مسبب الأسباب ومن كان هذا مقامه لم تضره الأسباب كما أن الرغبة في ~~المال نقص والرغبة عن المال كراهية له وان كانت كمالا فهي أيضا نقص ~~بالإضافة إلى من يستوي عنده وجود المال وعدمه فاستواء الحجر والذهب أكمل من ~~الهرب من الذهب دون الحجر وكان حاله صلى الله عليه وسلم استواء المدر ~~والذهب عنده وكان لايمسكه لتعليم الخلق مقام الزهد فانه منتهى قوتهم لا ~~لخوفه على نفسه من امساكه فانه كان أعلى رتبة من أن تغره الدنيا وقد عرضت ~~عليه خزائن الأرض فأبى أن يقبلها فكذلك يستوى عنده مباشرة الأسباب وتركها ~~لمثلهذه المشاهده وإنما لم يترك استعمال الدواء جريا على سنة الله تعالى ~~وترخيصا لأمته فيما تمس إليه حاجتهم مع أنه لا ضرر فيه بخلاف ادخار الأموال ~~فإن ذلك يعظم ضرره نعم التداوي لا يضر الامن حيث رؤية الدواء نافعا دون ~~خالق الدواء وهذا قد نهى عنه ومن حيث أنه يقصد به الصحة ليستعان بها على ~~المعاصي وذلك منهى عنه والمؤمن في غالب الأمر لا يقصد ذلك وأحد من المؤمنين ~~لا يرى الدواء نافعا بنفسه بل من حيث إنه جعله الله تعالى سببا للنفع كما ~~لا يرى الماء مروريا ولا الخبز مشبعا فحكم التداوي في مقصوده كحكم الكسب ~~فانه ان اكتسب للاستعانة على الطاعة أو على المعصية كان له حكمها وان اكتسب ~~للتنعم المباح فله حكمه فقد ظهر بالمعاني التي أوردناها أن ترك التداوي قد ~~يكون أفضل في بعض الأحوال وأن التداوي قد يكون أفضل في بعض وأن ذلك يختلف ~~باختلاف الاحوال والأشخاص والنيات وأن واحدا من الفعل والترك ليس شرطا في ~~التوكل الا ترك الموهومات كالكي والرقى فإن ذلك تعمق في التدبيرات لا يليق ~~بالمتوكلين # | بيان أحوال المتوكلين في إظهار المرض وكتمانه # أعلم أن كتمان المرض وإخفاء الفقر وأنواع البلاء من كنوز البر وهو من ~~أعلى المقامات : لأن الرضا بحكم الله والصبر على بلائه معاملة بينه وبين ~~الله عز وجل فكتمانه أسلم عن الآفات # ومع هذا فالإظهار لا بأس به إذا صحت فيه النية والمقصد ومقاصد الإظهار ~~ثلاثة : الأول : أن يكون غرضه التداوي فيحتاج إلى ذكره للطبيب فيذكره لا في ~~معرض الشكاية بل في معرض الحكاية لما ظهر عليه من قدرة الله تعالى فقد كان ~~بشر يصف لعبد الرحمن المطبب أوجاعه وكان أحمد بن حنبل يخبر بأمراض يجدها ~~ويقول : انما أصف قدرة الله تعالى في # الثاني : أن يصف لغير الطبيب وكان ممن يقتدى به وكان مكينا في المعرفة ~~فأراد من ذكره أن يتعلم منه حسن الصبر في المرض بل حسن الشكر بأن يظهر أنه ~~يرى أن المرض نعمة فيشكر عليها فيتحدث به كما يتحدث بالنعم قال الحسن ~~البصري : اذا حمد المريض الله تعالى وشكره ثم ذكر أوجاعه لم يكن ذلك شكوى # الثالث : أن يظهر بذلك عجزه وافتقاره إلى الله تعالى وذلك يحسن ممن تليق ~~به القوة والشجاعة ويستبعد منه العجز كما روى أنه قيل لعلي في مرضه رضي ~~الله عنه كيف أنت قال : بشر فنظر بعضهم إلى بعض كأنهم كرهوا ذلك وظنوا أنه ~~شكاية فقال : أتجلد على الله فأحب أن يظهر عجزه وافتقاره مع ما علم به من ~~القوة والضراوة وتأدب فيه بأدب النبي صلى الله عليه وسلم إياه حيث مرض علي ~~كرم الله وجهه فسمعه + حديث : أنه عرضت عليه خزائن الأرض فأبى ان يقبلها ~~ولفظه : عرضت عليه مفاتيح خزائن السماء وكنوز الأرض فردها PageV04P292 عليه ~~السلام وهو يقول : اللهم صبرني على البلاء فقال له صلى الله عليه وسلم لقد ~~سألت الله تعالى البلاء فسل الله العافية + حديث مرض على فسمعه رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم وهو يقول اللهم صبرني على البلاء فقال لقد سألت الله ~~البلاء فسل الله العافيه تقدم مع إختلاف # فبهذه النيات يرخص في ذكر المرض وإنما يشترط ذلك لأن ذكره شكاية والشكوى ~~من الله تعالى حرام كما ذكرته في تحريم السؤال على الفقراء الا بضرورة ~~ويصير الإظهار شكاية بقرينة السخط وإظهار الكراهة لفعل الله تعالى فإن خلا ~~عن قرينه السخط وعن النيات التي ذكرناها فلا يوصف بالتحريم ولكن يحكم فيه ~~بأن الأولى تركه لأنه ربما يوهم الشكاية ولأنه ربما يكون فيه تصنع ومزيد في ~~الوصف على الموجود من العلة ومن ترك التداوي توكلا فلا وجه في حقه للإظهار ~~لأن الاستراحة إلى الدواء أفضل من الاستراحة إلى الإفشاء وقد قال بعضهم : ~~من بث لم يصبر وقيل في معنى قوله فصبرجميل لا شكوى فيه وقيل ليعقوب عليه ~~السلام : ما الذي أذهب بصرك قال مر الزمان وطول الأحزان فأوحى الله تعالى ~~اليه تفرغت لشكواي إلى عبادي فقال يا رب أتوب إليك : وروي عن طاوس ومجاهد ~~أنهما قالا : يكتب على المريض أنينه في مرضه وكانوا يكرهون أنين المرض لأنه ~~إظهار معنى يقتضي الشكوى حتى قيل ما أصاب إبليس لعنه الله من أيوب عليه ~~السلام إلا أنينه في مرضه فجعل الأنين حظه منه وفي الخبر اذا مرض العبد ~~أوحى الله تعالى إلى الملكين انظرا ما يقول لعواده فإن حمد الله وأثنى بخير ~~دعوا له وأن شكا وذكر شرا قالا كذلك تكون + حديث إذا مرض العبد أوحى الله ~~إلى الملكين انظر ما يقول لعواده الحديث تقدم وإنما كره بعض العباد العيادة ~~خشية الشكاية خوف الزيادة في الكلام فكان بعضهم اذا مرض أغلق بابه فلم يدخل ~~عليه أحد حتى يبرأ فيخرج إليهم منهم : فضيل ووهيب وبشر وكان فضيل يقول : ~~اشتهي أن أمرض بلا عواد وقال : لا أكره العلة الا لأجل العواد رضي الله عنه ~~وعنهم أجمعين كمل كتاب التوحيد والتوكل بعون الله وحسن توفيقه يتلوه إن شاء ~~الله تعالى : # | كتاب المحبة والشوق والأنس والرضا # والله سبحانه وتعالى الموفق كتاب المحبة والشوق والأنس والرضا وهو الكتاب ~~السادس من ربع المنجيات من كتاب إحياء علوم الدين # | بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي نزه أوليائه عن الالتفات إلى زخرف الدنيا ونضرته وصفى ~~أسراهم من ملاحظة غير حضرته ثم استخلصها للعكوف على بساط عزته ثم تجلى لهم ~~بأسمائه وصفاته حتى أشرقت بأنوار معرفته ثم + حديث مرض علي فسمعه رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم وهو يقول : اللهم صبرني على البلاء فقال لقد سألت الله ~~البلاء فسل الله العافية تقدم مع اختلاف + حديث اذا مرض العبد أوحى الله ~~إلى الملكين انظرا ما يقول لعواده الحديث تقدم PageV04P293 # كشف لهم عن سبحات وجهه حتى احترقت بنار محبته ثم احتجب عنها بكنه جلاله ~~حتى تاهت في بيداء كبريائه وعظمته فكلما اهتزت لملاحظة كنه الجلال غشيها من ~~الدهش ما اغبر في وجه العقل وبصيرته وكلما همت بالانصراف آيسة نوديت من ~~سرادقات الجمال صبرا أيها الآيس عن نيل الحق بجهله وعجلته فبقيت بين الرد ~~والقبول والصد والوصول غرقى في بحر معرفته ومحترقة بنار محبته والصلاة على ~~محمد خاتم الأنبياء بكمال نبوته وعلى آله وأصحابه سادة الخلق وأئمته وقادة ~~الحق وأزمته وسلم كثيرا # أما بعد : فان المحبة لله هي الغاية القصوى من المقامات والذروة العليا ~~من الدرجات فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها وتابع من ~~توابعها كالشوق والأنس والرضا وأخواتها ولا قبل المحبة مقام إلا وهو مقدمة ~~من مقدماتها كالتوبة والصبر والزهد وغيرها وسائر المقامات إن عز وجودها فلم ~~تخل القلوب عن الإيمان بإمكانها وأما محبة الله تعالى فقد عز الإيمان بها ~~حتى أنكر بعض العلماء إمكانها وقال : لا معنى لها إلا المواظبة على طاعة ~~الله تعالى وأما حقيقة المحبة فمحال إلا مع الجنس والمثال ولما أنكروا ~~المحبة أنكروا الأنس والشوق ولذة المناجاة وسائر لوازم الحب وتوابعه ولا بد ~~من كشف الغطاء عن هذا الأمر # ونحن نذكر في هذا الكتاب : بيان شواهد الشرع في المحبة ثم بيان حقيقتها ~~وأسبابها ثم بيان أن لا مستحق للمحبة إلا الله تعالى ثم بيان أن أعظم ~~اللذات لذة النظر إلى وجه الله تعالى ثم بيان سبب زيادة لذة النظر في ~~الآخرة على المعرفة في الدنيا ثم بيان الأسباب المقوية لحب الله تعالى ثم ~~بيان السبب في تفاوت الناس في الحب ثم بيان السبب في قصور الأفهام عن معرفة ~~الله تعالى ثم بيان معنى الشوق ثم بيان محبة الله تعالى للعبد ثم القول في ~~علامات محبة العبد لله تعالى ثم بيان معنى الأنس بالله تعالى ثم بيان معنى ~~الانبساط في الأنس ثم القول في معنى الرضا وبيان فضيلته ثم بيان حقيقته ثم ~~بيان أن الدعاء وكراهة المعاصي لا تناقضه وكذا الفرار من المعاصي ثم بيان ~~حكايات وكلمات للمحبين متفرقة فهذه جميع بيانات هذا الكتاب # | بيان شواهد الشرع في حب العبد لله تعالى # أعلم أن الأمة مجمعة على أن الحب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ~~فرض وكيف يفرض مالا وجود له وكيف يفسر الحب بالطاعة والطاعة تبع الحب ~~وثمرته فلا بد وأن يتقدم الحب ثم بعد ذلك يطيع من أحب ويدل على إثبات الحب ~~لله تعالى قوله عز وجل يحبهم ويحبونه وقوله تعالى والذين آمنوا أشد حبا لله ~~وهو دليل على إثبات الحب واثبات التفاوت فيه وقد جعل رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم الحب لله من شرط الإيمان في أخبار كثيرة إذ قال أبو رزين العقيلى ~~: يا رسول الله ما الإيمان قال أن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما + ~~حديث أبو رزين العقيلي أنه قال يا رسول الله مالإيمان قال أن يكون الله ~~ورسوله أحب إليك مما سواهما أخرجه أحمد بزيادة في أوله وفي حديث آخر لا ~~يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما + حديث لا يؤمن أحدكم ~~حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما متفق عليه من حديث أنس بلفظ لا ~~يجد أحد حلاوة الإيمان حتى أكون أحب إليه من أهلاه وماله وذكر بزيادة + وفي ~~حديث آخر لا يؤمن العبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين + ~~حديث لا يؤمن العبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله ونفسه والناس أجمعين ~~وفي رواية ومن نفسه متفق عليه من حديث أنس واللفظ لمسلم دون قوله ومن نفسه ~~وقال البخاري من والده وولده وله من حديث عبد الله بن هشام : قال عمر يا ~~رسول الله لأنت أحب إلي من كل شىء إلا نفسي فقال لا والذي نفسي بيده حتى ~~أكون أحب إليك من نفسك فقال عمر : فأنت الآن والله أحب إلي من نفسي فقال : ~~الآن يا عمر PageV04P294 نفسه كيف وقد قال تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم ~~وأخوانكم الآية وانما أجرى ذلك في معرض التهديد والإنكار وقد أمر رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم بالمحبة فقال أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني ~~لحب الله إياي + + حديث أحبوا الله لما غدوكم به من نعمه الحديث أخرجه ~~الترمذي من حديث ابن عباس وقال حسن غريب ويروى أن رجلا قال : يا رسول الله ~~أني أحبك فقال صلى الله عليه وسلم استعد للفقر فقال إني أحب الله تعالى ~~فقال استعد للبلاء + + حديث ان رجلا قال يا رسول الله أني أحبك فقال استعد ~~للفقر الحديث أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن منفل بلف فأعد للفقر تجفاف ~~دون أخر الحديث وقال حسن غريب وعن عمر رضى الله عنه قال : نظر النبي صلى ~~الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه إهاب كبش قد تنطق له فقال ~~النبي صلى الله عليه وسلم انظروا إلى هذا الرجل الذي نور الله قلبه لقد ~~رأيته بين أبويه يغذوانه بأطيب الطعام والشراب فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ~~ترون + + حديث عمر قال نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير ~~مقبلا وعليه أهاب كبش قد تنطق به الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية باسناد ~~حسن # وفي الخبر المشهور إن إبراهيم عليه السلام قال لملك الموت إذ جاءه لقبض ~~روحه : هل رأيت خليلا يميت خليله فأوحى الله تعالى إليه : هل رأيت محبا ~~يكره لقاء حبيبه فقال يا ملك الموت الآن فاقبض + + حديث ان إبراهيم قال ~~لملك الموت اذا جاءه ليقبض روحه هل رأبت خلالا يقبض خليله الحديث لم أجد له ~~أصلا + حديث اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك الحديث تقدم وهذا لا يجده إلا ~~عبد يحب الله بكل قلبه فإذا علم أن الموت سبب اللقاء انزعج قلبه إليه ولم ~~يكن له محبوب غيره حتى يلتفت إليه # وقد قال نبينا صلى صلى الله عليه وسلم في دعائه اللهم ارزقني حبك وحب من ~~أحبك وحب ما يقربني إلى حبك واجعل حبك أحب إلى من الماء البارد + حديث قال ~~أعرابي يا رسول الله متى الساعة قال ما أعددت لها الحديث متفق عليه من حديث ~~أنس ومن حديث أبي موسى وابن مسعود بنحوه وجاء أعرابي إلى النبي صلى الله ~~عليه وسلم وسلم فقال : يا رسول الله متى الساعة قال ما أعددت لها فقال : ما ~~أعددت لها كثير صلاة ولا صيام إلا أني أحب الله ورسوله فقال له رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب قال انس : فما رأيت المسلمين فرحوا ~~بشيء بعد الإسلام فرحهم بذلك وقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه من ذاق من ~~خالص محبة الله تعالى شغله ذلك عن طلب الدنيا وأوحشه عن جميع البشر وقال ~~الحسن : من عرف ربه أحبه ومن عرف الدنيا زهد فيها والمؤمن لا يلهو حتى يغفل ~~فإذا تفكر حزن وقال أبو سليمان الدارانى : إن من خلق الله خلقا ما يشغلهم ~~الجنان وما فيها من النعيم عنه فكيف يشتغلون عنه بالدنيا # ويروى أن عيسى عليه السلام مر بثلاثة نفر قد نحلت أبدانهم وتغيرت ألوانهم ~~فقال لهم : ما الذي بلغ بكم ما أرى فقالوا الخوف من النار فقال : حق على ~~الله أن يؤمن الخائف ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولا وتغيرا ~~فقال : ما الذي بلغ بكم ما أرى قالوا : الشوق إلى الجنة فقال حق على الله ~~أن يعطيكم ما ترجون ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولا وتغيرا ~~كان وجوههم المرائي من النور فقال : ما الذي بلغ بكم ما أرى قالوا : نحب ~~الله عز وجل فقال أنتم المقربون أنتم المقربون وقال عبد الواحد بن زيد : ~~مررت برجل قائم في الثلج فقلت أما تجد البرد فقال من شغله حب الله لم يجد ~~البرد # وعن سرى السقطى : تدعى الأمم يوم القيامة بأنبيائها عليهم السلام فيقال ~~يا أمة موسى ويا أمة عيسى ويا أمة محمد غير المحبين لله تعالى فانهم ينادون ~~يا أولياء الله هلموا إلى الله سبحانه فتكاد قلوبهم تنخلع فرحا PageV04P295 # وقال هرم بن حيان : المؤمن إذا عرف ربه عز وجل أحبه وإذا أحبه أقبل إليه ~~وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة ولم ينظر إلى ~~الآخرة بعين الفترة وهي تحسره في الدنيا وتروحه في الآخرة وقال يحي ابن ~~معاذ عفوه يستغرق الذنوب فكيف رضوانه ورضوانه يستغرق الآمال فكيف حبه وحبه ~~يدهش العقول فكيف وده ووده ينسى ما دونه فكيف لطفه وفي بعض الكتب عبدي أنا ~~وحقك لك محب فبحقي عليك كن لي محبا وقال يحي بن معاذ : مثقال خردلة من الحب ~~احب إلي من عبادة سبعين سنة بلا حب وقال يحي بن معاذ إلهي إني مقيم بفنائك ~~مشغول بثنائك صغيرا أخذتني إليك وسربلتني بمعرفتك وامكنتني من لطفك ونقلتني ~~في الأحوال وقلبتني في الأعمال سترا وتوبة وزهدا وشوقا ورضا وحبا تسقيني من ~~حياضك وتهملني في رياضك ملازما لأمرك ومشغوفا بقولك ولما طر شاربي ولاح ~~طائري فكيف أنصرف اليوم عنك كبيرا وقد اعتدت هذا منك صغيرا فلي ما بقيت ~~حولك دندنة وبالضراعة إليك همهمة لأني محب وكل محب بحبيبه مشغوف وعن غير ~~حبيبه مصروف وقد ورد في حب الله تعالى من الأخبار والآثار مالا يدخل في حصر ~~حاصر وذلك أمر ظاهر وانما الغموض في تحقيق معناه فلنشتغل به # | بيان حقيقة المحبة وأسبابها وتحقيق معنى محبة العبد لله تعالى # اعلم أن المطلب من هذا الفصل لا ينكشف إلا بمعرفة حقيقة المحبة في نفسها ~~ثم معرفة شروطها وأسبابها ثم النظر بعد ذلك في تحقيق معناها في حق الله ~~تعالى : فأول ما ينبغي أن يتحقق انه لا يتصور محبة إلا بعد معرفة وأدراك إذ ~~لا يحب الإنسان إلا ما يعرفه ولذلك لم يتصور أن يتصف بالحب جماد بل هو من ~~خاصية الحي المدرك ثم المدركات في انقسامها تنقسم إلى ما يوافق طبع المدرك ~~ويلائمه ويلذه والى ما ينافيه وينافره ويؤلمه والى ما لا يؤثر فيه بإيلام ~~والذاذ فكل ما في إدراكه لذة وراحة فهو محبوب عند المدرك وما في إدراكه ألم ~~فهو مبغوض عند المدرك وما يخلو عن استعقاب ألم ولذة لا يوصف بكونه محبوبا ~~ولا مكروها فإذن كل لذيذ محبوب عند الملتذ به ومعنى كونه محبوبا أن في ~~الطبع ميلا إليه ومعنى كونه مبغوضا أن في الطبع نفره عنه فالحب عبارة عن ~~ميل الطبع إلى الشيء الملذ فان تأكد ذلك الميل وقوى سمي عشقا والبغض عبارة ~~عن نفره الطبع عن المؤلم المتعب فإذا قوى سمى مقتا فهذا أصل في حقيقة معنى ~~الحب لا بد من معرفته # الأصل الثاني أن الحب لما كان تابعا للإدراك والمعرفة انقسم لا محالة ~~بحسب انقسام المدركات والحواس فلكل حاسة إدراك لنوع من المدركات ولكل واحد ~~منها لذة في بعض المدركات وللطبع بسبب تلك اللذة ميل إليها فكانت محبوبات ~~عند الطبع السليم فلذة العين في الإبصار وإدراك المبصرات الجميلة والصور ~~المليحة الحسنة المستلذة ولذة الأذن في النغمات الطيبة الموزونة ولذة الشم ~~في الروائح الطيبة ولذة الذوق في الطعوم ولذة اللمس في اللين والنعومة # ولما كانت هذه المدركات بالحواس ملذة كانت محبوبة أى كان للطبع السليم ~~ميل إليها حتى قال رسول صلى الله عليه وسلم حبب إلي من دنياكم ثلاث : الطيب ~~والنساء وجعل قرة عيني في الصلاة فسمى الطيب محبوبا ومعلوم انه لا حظ للعين ~~والسمع فيه بل للشم فقط وسمى النساء محبوبات ولاحظ فبهن إلا للبصر واللمس ~~دون + حديث حبب إلي من دنياكم ثلاث : الطيب والنساء أخرجه النسائي من حديث ~~أنس دون قوله ثلاث وقد تقدم PageV04P296 # الشم والذوق والسمع وسمى الصلاة قرة عين وجعلها أبلغ المحبوبات ومعلوم ~~انه ليس تحظى بها الحواس الخمس بل حس سادس مظنته القلب لا يدركه إلا من كان ~~له قلب ولذات الحواس الخمس تشارك فيها البهائم الإنسان فان كان الحب مقصورا ~~على مدركات الحواس الخمس حتى يقال إن الله تعالى لا يدرك بالحواس ولا يتمثل ~~في الخيال فلا يحب فإذن قد بطلت خاصية الإنسان وما تميز به من الحس السادس ~~الذي يعبر عنه إما بالعقل أو بالنور أو بالقلب أو بما شئت من العبارات فلا ~~مشاحة فيه وهيهات فالبصيرة الباطنة أقوى من البصر الظاهر والقلب اشد إدراكا ~~من العين وجمال المعاني المدركة بالعقل اعظم من جمال الصور الظاهرة للأبصار ~~فتكون لا محالة لذة القلب بما يدركه من الأمور الشريفة الإلهية التي تجل عن ~~أن تدركها الحواس أتم وأبلغ فيكون ميل الطبع السليم والعقل الصحيح إليه ~~أقوى ولا معنى للحب إلا الميل إلى ما في إدراكه لذة كما سيأتي تفصيله فلا ~~ينكر إذن حب الله تعالى إلا من قعد به القصور في درجة البهائم فلم يجاوز ~~إدراك الحواس أصلا # الأصل الثالث أن الإنسان لا يخفى انه يحب نفسه ولا يخفى انه قد يحب غيره ~~لاجل نفسه وهل يتصور آن يحب غيره لذاته لا لاجل نفسه هذا مما قد يشكل على ~~الضعفاء حتى يظنون انه لا يتصور أن يحب الإنسان غيره لذاته ما لم يرجع منه ~~حظ إلى المحب سوى إدراك ذاته والحق أن ذلك متصور وموجود فلنبين أسباب ~~المحبة وأقسامها وبيانه أن المحبوب الأول عند كل حي نفسه وذاته ومعنى حبه ~~لنفسه آن في طبعه ميلا إلى دوام وجوده ونفرة عن عدمه وهلاكه لان المحبوب ~~بالطبع هو الملائم للمحب وأي شىء أتم ملاءمة من نفسه ودوام وجوده وأي شىء ~~أعظم مضادة ومنافرة له من عدمه وهلاكه فلذلك يحب الإنسان دوام الوجود ويكره ~~الموت والقتل لا لمجرد ما يخافه بعد الموت ولا لمجرد الحذر من سكرات الموت ~~بل لو اختطف من غير آلم وأميت من غير ثواب ولا عقاب لم يرض به وكان كارها ~~لذلك ولا يحب الموت والعدم المحض إلا لمقاساة ألم في الحياة ومهما كان ~~مبتلى ببلاء فمحبوبه زوال البلاء فان أحب العدم لم يحبه لأته عدم بل لان ~~فيه زوال البلاء فالهلاك والعدم ممقوت ودوام الوجود محبوب وكما أن دوام ~~الوجود محبوب فكمال الوجود أيضا محبوب لان الناقص فاقد للكمال والنقص عدم ~~بالإضافة إلى القدر المفقود وهو هلاك بالنسبة إليه والهلاك والعدم ممقوت في ~~الصفات وكمال الوجود كما انه ممقوت في اصل الذات ووجود صفات الكمال محبوب ~~كما أن دوام اصل الوجود محبوب وهذه غريزة في الطباع بحكم سنة الله تعالى ~~ولن تجد لسنة الله تبديلا # فإذن المحبوب الأول للإنسان ذاته ثم سلامة أعضاءه ثم ماله وولده وعشيرته ~~وأصدقائه فالأعضاء محبوبة وسلامتها مطلوبة لان كمال الوجود ودوام الوجود ~~موقوف عليها والمال محبوب لانه أيضا آلة في دوام الوجود وكماله وكذا سائر ~~الأسباب فالإنسان يحب هذه الأشياء لا لأعيانها بل لارتباط حظه في دوام ~~الوجود وكماله بها حتى انه ليحب ولده وان كان لا يناله منه حظ بل يتحمل ~~المشاق لأجله لانه يخلفه في الوجود بعد عدمه فيكون في بقاء نسله نوع بقاء ~~له فلفرط حبه في بقاء نفسه يحب بقاء من هو قائم مقامه وكأنه جزء منه لما ~~عجز عن الطمع في بقاء نفسه أبدا نعم لو خير بين قتله وقتل ولده وكان طبعه ~~باقيا على اعتداله آثر بقاء نفسه على بقاء ولده لان بقاء ولده يشبه بقاءه ~~من وجه وليس هو بقاء المحقق وكذلك حبه لأقاربه وعشيرته يرجع إلى حبه لكمال ~~نفسه فانه يرى نفسه كثيرا بهم قويا بسببهم متجملا بكمالهم فان العشيرة ~~والمال والأسباب الخارجة كالجناح المكمل للانسان وكمال الوجود ودوامه محبوب ~~بالطبع لا محالة فإذن المحبوب الاول عند كل حي ذاته وكمال ذاته ودوام ~~PageV04P297 ذلك كله والمكروه عنده ضد ذلك فهذا هو أول الأسباب # السبب الثاني : الإحسان فان الإنسان عبد الإحسان وقد جبلت القلوب على حب ~~من أحسن إليها وبغض من أساء إليها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ~~لا تجعل لفاجر على يدا فيحبه قلبي + حديث اللهم لا تجعل لكافر على يدا ~~فيحبه قلبي رواه أبو منصور الديلمي مسند الفردوس : من حديث معاذ بن جبل ~~بسند ضعيف منقطع وقد تقدم إشارة إلى ان حب القلب للمحسن اضطرارا لا يستطاع ~~دفعه وهو جبلة وفطرة لا سبيل إلى تغييرها وبهذا السبب قد يحب الإنسان ~~الأجنبي الذي لا قرابة بينه وبينه ولا علاقة وهذا إذا حقق رجع إلى السبب ~~الأول فان المحسن من أمد بالمال والمعونة وسائر الأسباب الموصلة إلى دوام ~~الوجود وكمال الوجود وحصول الحظوظ التي بها يتهيأ الوجود إلا أن الفرق أن ~~أعضاء الإنسان محبوبة لان بها كمال وجوده وهى عين الكمال المطلوب فأما ~~المحسن فليس هو عين الكمال المطلوب ولكن قد يكون سببا له كالطبيب يكون سببا ~~فى دوام صحة الأعضاء ففرق بين حب الصحة وبين حب الطبيب الذى هو سبب الصحة ~~إذ الصحة مطلوبة لذاتها والطبيب محبوب لا لذاته بل لأنه سبب الصحة وكذلك ~~العلم محبوب والأستاذ محبوب ولكن العلم محبوب لذاته والأستاذ محبوب لكونه ~~سبب العلم المحبوب وكذلك الطعام والشراب محبوب والدنانير محبوبة لكن الطعام ~~محبوب لذاته والدنانير محبوبة لأنها وسيلة إلى الطعام فإذن يرجع الفرق إلى ~~تفاوت الرتبة وإلا فكل واحد يرجع إلى محبة الإنسان نفسه فكل من احب المحسن ~~لإحسانه فما احب ذاته تحقيقا بل احب إحسانه وهو فعل من أفعاله لو زال زال ~~الحب مع بقاء ذاته تحقيقا ولو نقص نقص الحب ولو زاد زاد ويتطرق اليه ~~الزيادة والنقصان بحسب زيادة الإحسان ونقصانه # السبب الثالث : أن يحب الشيء لذاته لا لحظ ينال منه وراء ذاته بل تكون ~~ذاته عين حظه وهذا هو الحب الحقيقي البالغ الذي يوثق بدوامه وذلك كحب ~~الجمال والحسن فان كل جمال محبوب عند مدرك الجمال وذلك لعين الجمال لان ~~إدراك الجمال فيه عين اللذة واللذة محبوبة لذاتها لا لغيرها ولا تظنن أن حب ~~الصور الجميلة لا يتصور إلا لأجل قضاء الشهوة فان قضاء الشهوة لذة أخرى قد ~~تحب الصور الجميلة لأجلها وإدراك نفس الجمال أيضا لذيذ فيجوز أن يكون ~~محبوبا لذاته وكيف ينكر ذلك والخضرة والماء الجاري محبوب لا ليشرب الماء ~~وتؤكل الخضرة أو ينال منها حظ سوى نفس الرؤية وقد كان رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يعجبه الخضرة والماء الجاري + حديث : كان يعجبه الخضرة والماء ~~الجاري أخرجه أبو نعيم في الطب النبوي من حديث ابن عباس ان النبي صلى الله ~~عليه وسلم كان يحب أن ينظر إلى الخضرة وإلى الماء الجاري وإسناده ضعيف + ~~والطباع السليمة قاضية باستلذاذ النظر إلى الأنوار والأزهار والأطيار ~~المليحة الألوان الحسنة النقش المتناسبة الشكل حتى أن الإنسان لتنفرج عنه ~~الغموم والهموم بالنظر إليها لا لطلب حظ وراء النظر فهذه الأسباب ملذة وكل ~~لذيذ محبوب وكل حسن وجمال فلا يخلو إدراكه عن لذة ولا أحد ينكر كون الجمال ~~محبوبا بالطبع فان ثبت أن الله جميل كان لا محالة محبوبا عند من انكشف له ~~جماله وجلاله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله جميل يحب ~~الجمال + حديث إن الله جميل يحب الجمال رواه مسلم في أثناء حديث لابن مسعود # الأصل الرابع في بيان معنى الحسن والجمال اعلم أن المحبوس في مضيق ~~الخيالات والمحسوسات ربما يظن أنه لا معنى للحسن والجمال إلا تناسب الخلقة ~~والشكل وحسن اللون وكون البياض مشربا بالحمرة وامتداد القامة إلى غير ذلك ~~مما يوصف من جمال شخص الإنسان فان الحسن الأغلب على الخلق حسن الإبصار ~~وأكثر التفاتهم PageV04P298 إلى صور الأشخاص فيظن أن ما ليس مبصرا ولا ~~متخيلا ولا متشكلا ولا ملونا مقدر فلا يتصور حسنه وإذا لم يتصور حسنه لم ~~يكن في إدراكه لذة فلم يكن محبوبا وهذا خطأ ظاهر فإن الحسن ليس مقصورا على ~~مدركات البصر ولا على تناسب الخلقة وامتزاج البياض بالحمرة فأنا نقول هذا ~~خط حسن وهذا صوت حسن وهذا فرس حسن بل نقول هذا ثوب حسن وهذا إناء حسن فأي ~~معنى لحسن الصوت والخط وسائر الأشياء إن لم يكن الحسن إلا في الصورة ومعلوم ~~أن العين تستلذ بالنظر إلى الخط الحسن والأذن تستلذ استماع النغمات الحسنة ~~الطيبة وما من شىء من المدركات إلا وهو منقسم إلى حسن وقبيح فما معنى الحسن ~~الذى تشترك فيه هذه الأشياءفلا بد من البحث عنه وهذا البحث يطول ولا يليق ~~بعلم المعاملة الإطناب فيه فنصرح بالحق ونقول : كل شىء فجماله وحسنه في أن ~~يحضر كماله اللائق به الممكن له فاذا كان جميع كمالاته الممكنة حاضرة فهو ~~في غاية الجمال وان كان الحاضر بعضها فله من الحسن والجمال بقدر ما حضر ~~فالفرس الحسن هو الذي جمع كل ما يليق بالفرس من هيئة وشكل ولون وحسن عدو ~~وتيسر كر وفر عليه والخط الحسن كل ما جمع كل ما يليق بالخط من تناسب الحروف ~~وتوازيها واستقامة ترتيبها وحسن انتظامها ولكل شىء كمال يليق به وقد يليق ~~بغير ضد فحسن كل شىء في كماله الذي يليق به فلا يحسن الإنسان بما يحسن به ~~الفرس ولا يحسن الخط بما يحسن به الصوت ولا تحسن الأواني بما تحسن به ~~الثياب وكذلك سائر الأشياء # فإن قلت : فهذه الأشياء وإن لم تدرك جميعها بحس البصر مثل الأصوات ~~والطعوم فإنها لا تنفك عن إدراك الحواس لها فهي محسوسات وليس ينكر الحسن ~~والجمال للمحسوسات ولا ينكر حصول اللذة بادراك حسنها وإنما ينكر ذلك في غير ~~المدرك بالحواس فاعلم أن الحسن والجمال موجود في غير المحسوسات إذ يقال : ~~هذا خلق حسن وهذا علم حسن وهذه سيرة حسنة وهذه أخلاق جميلة وإنما الأخلاق ~~الجميلة يراد بها العلم والعقل والعفة والشجاعة والتقوى والكرم والمروءة ~~وسائر خلال الخير وشىء من هذه الصفات لا يدرك بالحواس الخمس بل يدرك بنور ~~البصيرة الباطنة وكل هذه الخلال الجميلة محبوبة والموصوف بها محبوب بالطبع ~~عند من عرف صفاته وآية ذلك وأن الأمر كذلك إن الطباع مجبولة على حب ~~الأنبياء صلوات الله عليهم وعلى حب الصحابة رضي الله تعالى عنهم مع أنهم لم ~~يشاهدوا بل حب أرباب المذاهب مثل الشافعي وأبي حنيفة ومالك وغيرهم حتى أن ~~الرجل قد يجاوز به حبه لصاحب مذهبه حد العشق فيحمله ذلك على أن تنفق جميع ~~ماله في نصرة مذهبه والذب عنه ويخاطر بروحه في قتال من يطعن في إمامه ~~ومتبوعه فكم من دم أريق في نصرة أرباب المذاهب وليت شعري من يحب الشافعي ~~مثلا فلم يحبه ولم يشاهد قط صورته ولو شاهده ربما لم يستحسن صورته ~~فاستحسانه الذي حمله على إفراط الحب هو لصورته الباطنة لا لصورته الظاهرة ~~فان صورته الظاهرة قد انقلبت ترابا مع التراب وانما يحبه لصفاته الباطنة من ~~الدين والتقوى وغزارة العلم والاحاطة بمدارك الدين وانتهاضه لإفادة علم ~~الشرع ولنشره هذه الخيرات في العالم وهذه أمور جميلة لا يدرك جمالها الا ~~بنور البصيرة فأما الحواس فقاصرة عنها وكذلك من يحب أبا بكر الصديق رضي ~~الله عنه ويفضله على غيره أو يحب عليا رضي الله عنه ويفضله ويتعصب له فلا ~~يحبهم الا لاستحسان صورهم الباطنة من العلم والدين والتقوى والشجاعة والكرم ~~وغيره فمعلوم أن من يحب الصديق رضي الله تعالى عنه مثلا ليس يحب عظمه ولحمه ~~وجلده وأطرافه وشكله اذ كل ذلك زال وتبدل وانعدم ولكن بقي ما كان الصديق به ~~صديقا وهي الصفات المحمودة التي هي مصادر السير الجميلة فكان PageV04P299 ~~الحب باقيا ببقاء تلك الصفات مع زوال جميع الصور وتلك الصفات ترجع جملتها ~~إلى العلم والقدرة اذا علم حقائق الأمور وقدر على حمل نفسه عليها بقهر ~~شهواته فجميع خلال الخير يتشعب على هذين الوصفين وهما غير مدركين بالحس ~~ومحلهما من جملة البدن جزء لا يتجزأ فهو المحبوب بالحقيقة وليس للجزء الذي ~~لا يتجزأ صورة وشكل ولون يظهر للبصر حتى يكون محبوبا لأجله فإذن الجمال ~~موجود في السير ولو صدرت السيرة الجميلة من غير علم وبصيرة لم يوجب ذلك حبا ~~فالمحبوب مصدر السير الجميلة وهى الأخلاق الحميدة والفضائل الشريفة وترجع ~~جملتها إلى كمال العلم والقدرة وهو محبوب بالطبع وغير مدرك بالحواس حتى ان ~~الصبي المخلي وطبعه اذ أردنا أن نحبب إليه غائبا أو حاضرا حيا أو ميتا لم ~~يكن لنا سبيل الا بالإطناب في وصفه بالشجاعة والكرم والعلم وسائر الحضال ~~الحميدة فمهما اعتقد ذلك لم يتمالك في نفسه ولم يقدر أن لا يحبه فهل فل غلب ~~الصحابة به رضي الله تعالى عنهم وبغض أبي جهل وبعض إبليس لعنه الله إلا ~~بالإطناب في وصف المحاسن والمقابح التي لا تدرك بالحواس بل لما وصف الناس ~~حاتما بالسخاء ووصفوا خالدا بالشجاعة أحبتهم القلوب حبا ضروريا وليس ذلك عن ~~نظر إلى صورة محسوسة ولا عن حظ يناله المحب منهم بل إذا حكى من سيرة بعض ~~الملوك في بعض أقطار الأرض العدل والإحسان وافاضة الخير غلب حبه على القلوب ~~مع اليأس من انتشار إحسانه إلى المحبين لبعد المزار ونأي الديار فإذن ليس ~~حب الإنسان مقصورا على من أحسن إليه بل المحسن في نفسه محبوب وان كان لا ~~ينتهي قط إحسانه إلى المحب لأن كل جمال وحسن فهو محبوب والصورة ظاهرة ~~وباطنه والحسن والجمال يشملهما وتدرك الصور الظاهرة بالبصر الظاهر والصور ~~الباطنة بالبصيرة الباطنة فمن حرم البصيرة الباطنة لا يدركها ولا يلتذ بها ~~ولا يحبها ولا يميل إليها ومن كانت الباطنة أغلب عليه من الحواس الظاهرة ~~كان حبه للمعاني الباطنة أكثر من حبه للمعاني الظاهرة فشتان بين من يحب ~~نقشا مصورا على الحائط لجمال صورته الظاهرة وبين من يحب نبيا من الأنبياء ~~لجمال صورته الباطنة # السبب الخامس : المناسبة الخفية بين المحب والمحبوب إذ رب شخصين تتأكد ~~المحبة بينهما لا بسبب جمال أو حظ ولكن بمجرد تناسب الأرواح كمال قال صلى ~~الله عليه وسلم فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف + حديث فما ~~تعارف منها ائتلف أخرجه مسلم من أبي هريرة وقد تقدم في آداب الصحبة وقد ~~حققنا ذلك في كتاب آداب الصحبة عند ذكر الحب في الله فليطلب منه لأنه أيضا ~~من عجائب أسباب الحب فإذن ترجع أقسام الحب إلى خمسة أسباب : وهو حب الإنسان ~~وجود نفسه وكماله وبقائه وحبه من أحسن إليه فيما يرجع إلى دوام وجوده ويعين ~~على بقائه ودفع المهلكات عنه وحبه من كان محسنا في نفسه إلى الناس وان لم ~~يكن محسنا إليه وحبه لكل ما هو جميل في ذاته سواء كان من الصور الظاهرة أو ~~الباطنه وحبه لمن بينه وبينه مناسبة خفية في الباطن فلو اجتمعت هذه الأسباب ~~في شخص واحد تضاعف الحب لا محالة كما لو كان للإنسان ولد جميل الصورة حسن ~~الخلق كامل العلم حسن التدبير محسن إلى الخلق ومحسن إلى الوالد كان محبوبا ~~لا محالة غاية الحب وتكون قوة الحب بعد اجتماع هذه الخصال بحسب قوة هذه ~~الخلال في نفسها فان كانت هذه الصفات في أقصى درجات الكمال كان الحب لا ~~محالة في أعلى الدرجات فلقبين الآن أن هذه الأسباب كلها لا يتصور كمالها ~~واجتماعها إلا في حق الله تعالى فلا يستحق المحبة بالحقيقة إلا الله سبحانه ~~وتعالى # | بيان أن المستحق للمحبة هو الله وحده # وأن من أحب غير الله لا من حيث نسبته إلى الله فذلك لجهله وقصوره في ~~معرفة الله تعالى وحب الرسول + حديث فما تعارف منها ائتلف أخرجه مسلم من ~~حديث أبي هريرة وقد تقدم في آداب الصحبة PageV04P300 صلى الله عليه وسلم ~~محمود لأنه عين حب الله تعالى وكذلك حب العلماء والأتقياء لأن محبوب ~~المحبوب محبوب ورسول المحبوب محبوب ومحب المحبوب محبوب وكل ذلك يرجع إلى حب ~~الأصل فلا يتجاوزه إلى غيره فلا محبوب بالحقيقة عند ذوى البصائر إلا الله ~~تعالى ولا مستحق للمحبة سواه وإيضاحه بأن نرجع إلى الأسباب الخمسة التي ~~ذكرناها ونبين أنها مجتمعة في حق الله تعالى بحملتها ولا يوجد في غيره إلا ~~آحادها وأنها حقيقة في حق الله تعالى ووجودها في حق غيره وهم وتخيل وهو ~~مجاز محض لا حقيقة له ومهما ثبت ذلك انكشف لكل ذى بصيرة ضد ما تخيله ضعفاء ~~العقول والقلوب من استحالة حب الله تعالى تحقيقا وبان أن التحقيق يقتضى أن ~~لا نحب أحدا غير الله تعالى # فأما السبب الأول وهو حب الإنسان نفسه وبقاءه وكماله ودوام وجوده وبغضه ~~لهلاكه وعدمه ونقصانه وقواطع كماله فهذه جبلة كل حى ولا يتصور أن ينفك عنها ~~وهذا يقتضى غاية المحبة لله تعالى فإن من عرف نفسه وعرف ربه عرف قطعا أنه ~~لا وجود له من ذاته وإنما وجود ذاته ودوام وجوده وكمال وجوده من الله وإلى ~~الله وبالله فهو المخترع الموجد له وهو المبقى له وهو المكمل لوجوده بخلق ~~صفات الكمال وخلق الأسباب الموصلة إليه ذو خلق الهداية إلى استعمال الأسباب ~~وإلا فالعبد من حيث ذاته لا وجود له من ذاته بل هو محو محض وعدم صرف لولا ~~فضل الله تعالى عليه بالإيجاد وهو هالك عقيب وجوده لولا فضل الله عليه ~~بالإبقاء وهو ناقص بعد الوجود لولا فضل الله عليه بالتكميل لخلقته وبالجملة ~~فليس في الوجود شيء له بنفسه قوام إلا القيوم الحى الذى هو قائم لوجوده ~~والمديم له إن عرفه خالقا موجدا ومخترعا مبقيا وقيوما بنفسه ومقوما لغيره ~~فإن كان لا يحبه فهو لجهله بنفسه وبربه والمحبة ثمرة المعرفة فتنعدم ~~بانعدامها وتضعف بضعفها وتقوى بقوتها ولذلك قال الحسن البصرى رحمه الله ~~تعالى من عرف ربه أحبه ومن عرف الدنيا زهد فيها وكيف يتصور أن يحب الإنسان ~~نفسه ولا يحب ربه الذى به قوام نفسه ومعلوم أن المبتلى بحر الشمس لما كان ~~يحب الظل فيحب بالضرورة الأشجار التى بها قوام الظل وكل ما في الوجود ~~بالإضافة إلى قدرة الله تعالى فهو كالظل بالإضافة إلى الشجر والنور ~~بالإضافة إلى الشمس فإن الكل من آثار قدرته ووجود الكل تابع لوجوده كما أن ~~وجود النور تابع للشمس ووجود الظل تابع للشجر بل هذا المثال صحيح بالإضافة ~~إلى أوهام العوام إذ تخيلوا أن النور أثر الشمس وفائض منها وموجود بها وهو ~~خطأ محض إذا انكشف لأرباب القلوب انكشافا أظهر من مشاهدة الأبصار أن النور ~~حاصل من قدرة الله تعالى اختراعا عند وقوع المقابلة بين الشمس والأجسام ~~الكثيفة كما أن نور الشمس وعينها وشكلها وصورتها أيضا حاصل من قدرة الله ~~تعالى ولكن الغرض من الأمثلة التفهيم فلا يطلب فيها الحقائق فإذن إن كان حب ~~الإنسان نفسه ضروريا فحبه لمن به قوامه أولا ودوامه ثانيا في أصله وصفاته ~~وظاهره وباطنه وجواهره وأعراضه أيضا ضروري إن عرف ذلك كذلك ومن خلا عن الحب ~~هذا فلأنه اشتغل بنفسه وشهواته وذهل عن ربه وخالقه فلم يعرفه حق معرفته ~~وقصر نظره على شهواته ومحسوساته وهو عالم الشهادة الذي يشاركه البهائم في ~~التنعم به والاتساع فيه دون عالم الملكوت الذي لا يطأ أرضه إلا من يقرب إلى ~~شبه من الملائكة فينظر فيه بقدر قربه في الصفات من الملائكة ويقصر عنه بقدر ~~انحطاطه إلى حضيض عالم البهائم # وأما السبب الثاني وهو حبه من أحسن عليه فواساه بماله ولاطفه بكلامه ~~وأمده بمعونته وانتدب لنصرته PageV04P301 وقمع أعداءه وقام بدفع شر الأشرار ~~عنه وانتهض وسيلة إلى جميع حظوظه وأغراضه في نفسه وأولاده وأقاربه فإنه ~~محبوب لا محالة عنده وهذا بعينه يقتضى أن لا يحب إلا الله تعالى فإنه لو ~~عرف حق المعرفة لعلم أن المحسن إليه هو الله تعالى فقط فأما أنواع إحسانه ~~إلى كل عبيده فلست أعدها إذ ليس يحيط بها حصر حاصر كما قال تعالى وإن تعدوا ~~نعمة الله لا تحصوها وقد أشرنا إلى طرف منه في كتاب الشكر ولكنا نقتصر الآن ~~على بيان أن الإحسان من الناس غير متصور إلا بالمجاز وإنما المحسن هو الله ~~تعالى ولنفرض ذلك فيمن أنعم عليك بجميع خزائنه ومكنك منها لتتصرف فيها كيف ~~تشاء فإنك تظن أن هذا الإحسان منه وهو غلط فإنه إنما تم إحسانه به وبماله ~~وبقدرته على المال وبداعيته الباعثة له على صرف المال إليك فمن الذى أنعم ~~بخلقه وخلق ماله وخلق قدرته وخلق إرادته وداعيته ومن الذى حببك إليه وصرف ~~وجهه إليك وألقى في نفسه أن صلاح دينه أو دنياه في الإحسان إليك ولولا كل ~~ذلك لما أعطاك حبة من ماله ومهما سلط الله عليه الدواعى وقرر في نفسه أن ~~صلاح دينه أو دنياه في أن يسلم إليك ماله كان مقهورا مضطرا في التسليم لا ~~يستطيع مخالفته فالمحسن هو الذى اضطره لك وسخره وسلط عليه الدواعى الباعثة ~~المرهقة إلى الفعل وأما يده فواسطة يصل بها إحسان الله إليك وصاحب اليد ~~مضطر في ذلك اضطرارا مجرى الماء في جريان الماء فيه فإن اعتقدته محسنا أو ~~شكرته من حيث هو بنفسه محسن لا من حيث هو واسطة كنت جاهلا بحقيقة الأمر ~~فإنه لا يتصور الإحسان من الإنسان إلا إلى نفسه أما الإحسان إلى غيره فمحال ~~من المخلوقين لأنه لا يبذل ماله إلا لغرض له البذل إما آجل وهو الثواب وإما ~~عاجل وهو المنة والاستسخار أو الثناء والصيت والاشتهار بالسخاء والكرم أو ~~جذب قلوب الخلق إلى الطاعة والمحبة وكما أن الإنسان لا يلقى ماله في البحر ~~إذ لا غرض له فيه فلا يلقيه في يد إنسان إلا لغرض له فيه وذلك الغرض هو ~~مطلوبه ومقصده وأما أنت فلست مقصودا بل يدك آلة له في القبض حتى يحصل غرضه ~~من الذكر والثناء أو الشكر أو الثواب بسبب قبضك المال فقد استسخرك في القبض ~~للتوصل إلى غرض نفسه فهو إذن محسن إلى نفسه ومعتاض عما بذله من ماله عوضا ~~هو أرجح عنده من ماله ولولا رجحان ذلك الحظ عنده لما نزل عن ماله لأجلك ~~أصلا ألبتة فإذن هو غير مستحق للشكر والحب من وجهين # أحدهما أنه مضطر بتسليط الله الدواعى عليه فلا قدرة له على المخالفة فهو ~~جار مجرى خازن الأمير فإنه لا يرى محسنا بتسليم خلعة الأمير إلى من خلع ~~عليه لأنه من جهة الأمير مضطر إلى الطاعة والامتثال لما يرسمه ولا يقدر على ~~مخالفته ولو خلاه الامير ونفسه لما سلم ذلك فكذلك كل محسن لو خلاه الله ~~ونفسه لم يبذل حبة من ماله حتى سلط الله الدواعى عليه وألقى في نفسه أن حظه ~~دينا ودنيا في بذله فبذله لذلك والثاني أنه معتاض عما بذله حظا هو أوفى ~~عنده وأحب مما بذله فكما لا يعد البائع محسنا لأنه بذل بعوض هو أحب عنده ~~مما بذله فكذلك الواهب اعتاض الثواب أو الحمد والثناء أو عوضا آخر وليس من ~~شرط العوض أن يكون عينا متمولا بل الحظوظ كلها أعواض تستحقر الأموال ~~والأعيان بالإضافة إليها فالإحسان في الجود والجود هو بذل المال من غير عوض ~~وحظ يرجع إلى الباذل وذلك محال من غير الله سبحانه فهو الذى أنعم على ~~العالمين إحسانا إليهم ولأجلهم لا لحظ وغرض يرجع إليه فإنه يتعالى عن ~~الأغراض فلفظ الجود والإحسان في حق غيره كذب أو مجاز ومعناه في حق غيره ~~محال وممتنع امتناع الجمع بين السواد والبياض فهو المنفرد بالجود والإحسان ~~والطول والامتنان فان كان في الطبع حب المحسن فينبغي أن لا يحب العارف إلا ~~الله تعالى إذ الإحسان PageV04P302 من غيره محال فهو المستحق لهذه المحبة ~~وحده وأما غيره فيستحق المحبة على الإنسان بشرط الجهل بمعنى الإحسان ~~وحقيقته # وأما السبب الثالث وهو حبك المحسن في نفسه وإلى لم يصل إليك إحسانه وهذا ~~أيضا موجود في الطباع # فإنه إذا بلغك خبر ملك عابد عادل عالم رفيق بالناس متلطف بهم متواضع لهم ~~وهو في قطر من أقطار الأرض بعيد عنك وبلغك خبر ملك آخر ظالم متكبر فاسق ~~متهتك شرير وهو أيضا بعيد عنك فإنك تجد في قلبك تفرقة بينهما إذ تجد في ~~القلب ميلا إلى الأول وهو الحب ونفرة عن الثاني وهو البغض مع أنك آيس من ~~خير الأول وآمن من شر الثاني لانقطاع طمعك عن التوغل إلى بلادهما فهذا حب ~~المحسن من حيث إنه محسن فقط لا من حيث إنه محسن إليك وهذا أيضا يقتضى حب ~~الله تعالى بل يقتضى أن لا يحب غيره أصلا إلا من حيث يتعلق منه بسبب فإن ~~الله هو المحسن إلى الكافة والمتفضل على جميع أصناف الخلائق أولا بإيجادهم ~~وثانيا بتكميلهم بالأعضاء والأسباب التى هى من ضروراتهم وثالثا بترفيههم ~~وتنعيمهم بخلق الأسباب التى هى في مظان حاجاتهم وإن لم تكن في مظان الضرورة ~~ورابعا بتجميلهم بالمزايا والزوائد التى هى في مظنة زينتهم وهى خارجة عن ~~ضروراتهم وحاجاتهم # ومثال الضرورى من الأعضاء الرأس والقلب والكبد ومثال المحتاج إليه العين ~~واليد والرجل ومثال الزينة استقواس الحاجبين وحمرة الشفتين وتلون العينين ~~إلى غير ذلك مما لو فات لم تنخرم به حاجة ولا ضرورة # ومثال الضرورى من النعم الخارجة عن بدن الإنسان الماء والغذاء ومثال ~~الحاجة الدواء واللحم والفواكه ومثال المزايا والزوائد خضرة الأشجار وحسن ~~أشكال الأنوار والأزهار ولذائذ الفواكه والأطعمة التى لا تنخرم بعدمها حاجة ~~ولا ضرورة # وهذه الأقسام الثلاثة موجودة لكل حيوان بل لكل نبات بل لكل صنف من أصناف ~~الخلق من ذروة العرش إلى منتهى الفرش فإذن هو المحسن فكيف يكون غيره محسنا ~~وذلك المحسن حسنة من حسنات قدرته فإنه خالق الحسن وخالق المحسن وخالق ~~الإحسان وخالق أسباب الإحسان فالحب بهذه العلة لغيره أيضا جهل محض ومن عرف ~~ذلك لم يحب بهذه العلة إلا الله تعالى # وأما السبب الرابع وهو حب كل جميل لذات الجمال لا لحظ ينال من وراء إدراك ~~الجمال فقد بينا أن ذلك مجبول في الطباع وأن الجمال ينقسم إلى جمال الصورة ~~الظاهرة المدركة بعين الرأس وإلى جمال الصورة الباطنة المدركة بعين القلب ~~ونور البصيرة والأول يدركه الصبيان والبهائم والثاني يختص بدركه أرباب ~~القلوب ولا يشاركهم فيه من لا يعلم إلا ظاهرا من الحياة الدنيا وكل جمال ~~فهو محبوب عند مدرك الجمال فإن كان مدركا بالقلب فهو محبوب القلب ومثال هذا ~~في المشاهدة حب الأنبياء والعلماء وذوى المكارم السنية والأخلاق المرضية ~~فإن ذلك منضور مع تشوش صورة الوجه وسائر الأعضاء وهو المراد بحسن الصورة ~~الباطنة والحس لا يدرك نعم يدرك بحسن آثاره الصادرة منه الدالة عليه حتى ~~إذا دل القلب عليه مال القلب إليه فأحبه فمن يحب رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أو الصديق رضي الله تعالى عنه أو الشافعى رحمة الله عليه فلا يحبهم ~~إلا لحسن ما ظهر له منهم وليس ذلك لحسن صورهم ولا لحسن أفعالهم بل دل حسن ~~أفعالهم على حسن الصفات التى هى مصدر الأفعال إذ الأفعال آثار صادرة عنها ~~ودالة عليها فمن رأى حسن تصنيف المصنف وحسن شعر الشاعر بل PageV04P303 حسن ~~نقش النقاش وبناء البناء انكشف له من هذه الأفعال صفاتها الجميلة الباطنة ~~التى يرجع حاصلها عند البحث إلى العلم والقدرة ثم كلما كان المعلوم أشرف ~~وأتم جمالا وعظمة كان العلم أشرف وأجمل وكذا المقدور كلما كان أعظم رتبة ~~وأجل منزلة كانت القدرة عليه أجل رتبة وأشرف قدرا وأجل المعلومات هو الله ~~تعالى فلا جرم أحسن العلوم وأشرفها معرفة الله تعالى وكذلك ما يقاربه ويختص ~~به فشرفه على قدر تعلقه به # فإذن جمال صفات الصديقين الذين تحبهم القلوب طبعا ترجع إلى ثلاثة أمور ~~أحدها علمهم بالله وملائكته وكتبه ورسله وشرائع أنبيائه والثانى قدرتهم على ~~إصلاح أنفسهم وإصلاح عباد الله بالإرشاد والسياسة والثالث تنزههم عن ~~الرذائل والخبائث والشهوات الغالبة الصارفة عن سنن الخير الجاذبة إلى طريق ~~الشر وبمثل هذا يحب الأنبياء والعلماء والخلفاء والملوك الذين هم أهل العدل ~~والكرم فأنسب هذه الصفات إلى صفات الله تعالى # أما العلم فأين علم الأولين والآخرين من علم الله تعالى الذى يحيط بالكل ~~إحاطة خارجة عن النهاية حتى لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ~~وقد خاطب الخلق كلهم فقال عز وجل وما أوتيتم من العلم إلا قليلا بل لو ~~اجتمع أهل الأرض والسماء على أن يحيطوا بعلمه وحكمته في تفصيل خلق نملة أو ~~بعوضة لم يطلعوا على عشر عشير ذلك ولا يحيطون بشىء من علمه إلا بما شاء ~~والقدر اليسير الذى علمه الخلائق كلهم فبتعليمه علموه كما قال تعالى خلق ~~الإنسان علمه البيان فإن كان جمال العلم وشرفه أمرا محبوبا وكان هو في نفسه ~~زينة وكمالا للموصوف به فلا ينبغى أن يحب بهذا السبب إلا الله تعالى # فعلوم العلماء جهل بالإضافة إلى علمه بل من عرف أعلم أهل زمانه وأجهل أهل ~~زمانه استحال أن يحب بسبب العلم الأجهل ويترك الأعلم وإن كان الأجهل لا ~~يخلو عن علم ما تتقاضاه معيشته والتفاوت بين علم الله وبين علم الخلائق ~~أكثر من التفاوت بين علم أعلم الخلائق وأجهلهم لأن الأعلم لا يفضل الأجهل ~~إلا بعلوم معدودة متناهية يتصور في الإمكان أن ينالها الأجهل بالكسب ~~والاجتهاد وفضل علم الله تعالى على علوم الخلائق كلهم خارج عن النهاية إذ ~~معلوماته لا نهاية لها ومعلومات الخلق متناهية # وأما صفة القدرة فهى أيضا كمال والعجز نقص فكل كمال وبهاء وعظمة واستيلاء ~~فإنه محبوب وإدراكه لذيذ حتى إن الإنسان ليسمع في الحكاية شجاعة على وخالد ~~رضى الله عنهما وغيرهما من الشجعان وقدرتهما واستيلاؤهما على الأقران فيضاف ~~في قلبه اهتزازا وفرحا وارتياحا ضروريا بمجرد لنة السماع فضلا عن المشاهدة ~~ويورث ذلك حبا في القلب ضروريا للمتصف به فإنه نوع كمال فانسب الآن قدرة ~~الخلق كلهم إلى قدرة الله تعالى فأعظم الأشخاص قوة وأوسعهم ملكا وأقواهم ~~بطشا وأقهرهم للشهوات وأقمعهم لخبائث النفس وأجمعهم للقدرة على سياسة نفسه ~~وسياسة غيره ما منتهى قدرته وإنما غايته أن يقدر على بعض صفات نفسه وعلى ~~بعض أشخاص الإنس في بعض الأمور وهو مع ذلك لا يملك لنفسه موتا ولا حياة ولا ~~نشورا ولا ضرا ولا نفعا بل لا يقدر على حفظ عينه من العمى ولسانه من الخرس ~~وأذنه من الصمم وبدنه من المرض ولا يحتاج إلى عد ما يعجز عنه في نفسه وغيره ~~مما هو على الجملة متعلق قدرته فضلا عما لا تتعلق به قدرته من ملكوت ~~السموات وأفلاكها وكواكبها والأرض وجبالها وبحارها ورياحها وصواعقها ~~ومعادنها ونباتها وحيواناتها وجميع أجزائها فلا قدرة له على ذرة منها وما ~~هو قادر عليه من نفسه وغيره فليست قدرته من نفسه وبنفسه بل الله خالقه ~~وخالق قدرته وخالق أسبابه والممكن له من ذلك ولو سلط بعوضا على أعظم ملك ~~وأقوى شخص من الحيوانات لأهلكه فليس للعبد PageV04P304 قدرة إلا بتمكين ~~مولاه كما قال في أعظم ملوك الأرض ذى القرنين إذ قال إنا مكنا له في الأرض ~~فلم يكن جميع ملكه وسلطنته إلا بتمكين الله تعالى إياه في جزء من الأرض ~~والأرض كلها مدرة بالإضافة إلى أجسام العالم وجميع الولايات التى يحظى بها ~~الناس من الأرض غبرة من تلك المدرة ثم تلك الغبرة أيضا من فضل الله تعالى ~~وتمكينه فيستحيل أن يحب عبدا من عباد الله تعالى لقدرته وسياسته وتمكينه ~~واستيلائه وكمال قوته ولا يحب الله تعالى لذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله ~~العلى العظيم فهو الجبار القاهر والعليم القادر السموات مطويات بيمينه ~~والأرض وملكها وما عليها في قبضته وناصية جميع المخلوقات في قبضة قدرته إن ~~أهلكهم من عند آخرهم لم ينقص من سلطانه وملكه ذرة وإن خلق أمثالهم ألف مرة ~~لم يعى بخلقها ولا يمسه لغوب ولا فتور في اختراعها فلا قدرة ولا قادر إلا ~~وهو أثر من آثار قدرته فله الجمال والبهاء والعظمة والكبرياء والقهر ~~والاستيلاء فإن كان يتصور أن يحب قادر لكمال قدرته فلا يستحق الحب بكمال ~~القدرة سواه أصلا # وأما صفة التنزه عن العيوب والنقائص والتقدس عن الرذائل والخبائث فهو أحد ~~موجبات الحب ومقتضيات الحسن والجمال في الصور الباطنة والأنبياء والصديقون ~~وإن كانوا منزهين عن العيوب والخبائث فلا يتصور كمال التقدس والتنزه إلا ~~للواحد الحق الملك والقدوس ذى الجلال والإكرام # وأما كل مخلوق فلا يخلو عن نقص وعن نقائص بل كونه عاجزا مخلوقا مسخرا ~~مضطرا هو عين العيب والنقص فالكمال لله وحده وليس لغيره كمال إلا بقدر ما ~~أعطاه الله وليس في المقدور أن ينعم بمنتهى الكمال على غيره فإن منتهى ~~الكمال أقل درجاته أن لا يكون عبدا مسخرا لغيره قائما بغيره وذلك محال في ~~حق غيره فهو المنفرد بالكمال المنزه عن النقص المقدس عن العيوب وشرح وجوه ~~التقدس والتنزه في حقه عن النقائص يطول وهو من أسرار علوم المكاشفات فلا ~~نطول بذكره فهذا الوصف أيضا إن كان كمالا وجمالا محبوبا فلا تتم حقيقته إلا ~~له وكمال غيره وتنزهه لا يكون مطلقا بل بالإضافة إلى ما هو أشد منه نقصانا ~~كما أن للفرس كمالا بالإضافة إلى الحمار وللإنسان كمالا بالإضافة إلى الفرس ~~وأصل النقص شامل للكل وإنما يتفاوتون في درجات النقصان # فإذن الجميل محبوب والجميل المطلق هو الواحد الذى لا ند له الفرد الذى لا ~~ضد له الصمد الذى لا منازع له الغنى الذى لا حاجة له القادر الذى يفعل ما ~~يشاء ويحكم ما يريد لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه العالم الذى لا يعزب عن ~~علمه مثقال ذرة في السموات والأرض القاهر الذى لا يخرج عن قبضة قدرته أعناق ~~الجبابرة ولا ينفلت من سطوته وبطشه رقاب القياصرة الأزلى الذى لا أول ~~لوجوده الأبدى الذى لا آخر لبقائه الضرورى الوجود الذى لا يحوم إمكان العدم ~~حول حضرته القيوم الذى يقوم بنفسه ويقوم كل موجود به جبار السموات والأرض ~~خالق الجماد والحيوان والنبات المنفرد بالعزة والجبروت والمتوحد بالملك ~~والملكوت ذو الفضل والجلال والبهاء والجمال والقدرة والكمال الذى تتحير في ~~معرفة جلاله العقول وتخرس في وصفه الألسنة الذى كمال معرفة العارفين ~~الاعتراف بالعجز عن معرفته ومنتهى نبوة الأنبياء الإقرار بالقصور عن وصفه ~~كما قال سيد الأنبياء صلوات الله عليه وعليهم أجمعين لا أحصى ثناء عليك أنت ~~كما أثنيت على نفسك + حديث لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك تقدم ~~+ وقال سيد الصديقين رضى الله تعالى عنه العجز عن درك الإدراك إدراك سبحان ~~من لم يجعل للخلق طريقا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته فليت شعرى من ينكر ~~إمكان حب الله تعالى تحقيقا ويجعله مجازا أينكر أن هذه الأوصاف من أوصاف ~~الجمال PageV04P305 والمحامد ونعوت الكمال والمحاسن أن ينكر كون الله تعالى ~~موصوفا بها أو ينكر كون الكمال والجمال والبهاء والعظمة محبوبا بالطبع عند ~~من أدركه فسبحان من احتجب عن بصائر العميان غيرة على جماله وجلاله أن يطلع ~~عليه إلا من سبقت له منه الحسنى الذين هم عن نار الحجاب مبعدون وترك ~~الخاسرين في ظلمات العمى يتيهون وفي مسارح المحسوسات وشهوات البهائم ~~يترددون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون الحمد لله ~~بل أكثرهم لا يعلمون # فالحب بهذا السبب أقوى من الحب بالإحسان لأن الإحسان يزيد وينقص ولذلك ~~أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام إن أود الأوداء إلى من عبدنى بغير ~~نوال لكن ليعطى الربوبية حقها وفي الزبور من أظلم ممن عبدنى لجنة أونار لو ~~لم أخلق جنة ولا نارا ألم أكن أهلا أن أطاع ومر عيسى عليه السلام على طائفة ~~من العباد قد نحلوا فقالوا نخاف النار ونرجو الجنة فقال لهم مخلوقا خفتم ~~ومخلوقا رجوتم ومر بقوم آخرين كذلك فقالوا نعبده حبا له وتعظيما لجلاله ~~فقال أنتم أولياء الله حقا معكم أمرت أن أقيم وقال أبو حازم إنى لأستحى أن ~~أعبده للثواب والعقاب فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل وكالأجير السوء ~~إن لم يعط لم يعمل # وفي الخبر لا يكونن أحدكم كالأجير السوء إن لم يعط أجرا لم يعمل ولا ~~كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل + حديث لا يكونن أحدكم كالأجير السوء إن لم ~~يعط أجرا لم يعمل لم أجد له أصلا + # وأما السبب الخامس للحب فهو المناسبة والمشاكلة لأن شبه الشيء منجذب إليه ~~والشكل إلى الشكل أميل # ولذلك ترى الصبى يألف الصبى والكبير يألف الكبير ويألف الطير نوعه وينفر ~~من غير نوعه وأنس العالم بالعالم أكثر منه بالمحترف وأنس النجار بالنجار ~~أكثر من أنسه بالفلاح وهذا أمر تشهد به التجربة وتشهد له الأخبار والآثار ~~كما استقصيناه في باب الأخوة في الله من كتاب آداب الصحبة فليطلب منه # وإذا كانت المناسبة سبب المحبة فالمناسبة قد تكون في معنى ظاهر كمناسبة ~~الصبى الصبى في معنى الصبا وقد يكون خفيا حتى لا يطلع عليه كما ترى من ~~الاتحاد الذى يتفق بين شخصين من غير ملاحظة جمال أو طمع في مال أو غيره كما ~~أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال الأرواح جنود مجندة فما تعارف ~~منها ائتلف وما تناكر منها اختلف فالتعارف هو التناسب والتناكر هو التباين ~~وهذا السبب أيضا يقتضى حب الله تعالى لمناسبة باطنة لا ترجع إلى المشابهة ~~في الصور والأشكال بل إلى معان باطنة يجوز أن يذكر بعضها في الكتب وبعضها ~~لا يجوز أن يسطر بل يترك تحت غطاء الغبرة حتى يعثر عليه السالكون للطريق ~~إذا استكملوا شرط السلوك # فالذى يذكر هو قرب العبد من ربه عز وجل في الصفات التى أمر فيها ~~بالاقتداء والتخلق بأخلاق الربوبيه حتى قيل تخلقوا بأخلاق الله وذلك في ~~اكتساب محامد الصفات التى هى من صفات الإلهية من العلم والبر والإحسان ~~واللطف وإفاضة الخير والرحمة على الخلق والنصيحة لهم وإرشادهم إلى الحق ~~ومنعهم من الباطل إلى غير ذلك من مكارم الشريعة فكل ذلك يقرب إلى الله ~~سبحانه وتعالى لا بمعنى طلب القرب بالمكان بل بالصفات # وأما ما لا يجوز أن يسطر في الكتب من المناسبة الخاصة التى اختص بها ~~الآدمي فهى التى يومىء إليها قوله تعالى ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ~~ربي إذ بين أنه أمر ربانى خارج عن حد عقول الخلق وأوضح من ذلك قوله تعالى ~~فإذا سويته ونفخت فيه من روحى ولذلك أسجد له ملائكته ويشير إليه قوله تعالى ~~إنا جعلناك خليفة في الأرض إذ لم يستحق آدم خلافة الله تعالى إلا بتلك ~~المناسبة وإليه يرمز قوله صلى الله عليه وسلم PageV04P306 إن الله خلق آدم ~~على صورته + حديث إن الله خلق آدم على صورته تقدم + حتى ظن القاصرون أن لا ~~صورة إلا الصورة الظاهرة المدركة بالحواس فشبهوا وجسموا وصوروا تعالى الله ~~رب العالمين عما يقول الجاهلون علوا كبيرا وإليه الإشارة بقوله تعالى لموسى ~~عليه السلام مرضت فلم تعدنى فقال يا رب وكيف ذلك قال مرض عبدى فلان فلم ~~تعده ولو عدته وجدتنى عنده + حديث قوله تعالى مرضت فلم تعدنى فقال وكيف ذاك ~~قال مرض فلان الحديث تقدم + وهذه المناسبة لاتظهر إلا بالمواظبة على ~~النوافل بعد إحكام الفرائض كما قال الله تعالى لا يزال يتقرب العبد إلى ~~بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ~~ولسانه الذى ينطق به + حديث قوله تعالى لا يزال يتقرب العبد إلى بالنوافل ~~حتى أحبه الحديث أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة وقد تقدم + وهذا موضع يجب ~~قبض عنان القلم فيه فقد تحزب الناس فيه إلى قاصرين مالوا إلى التشبيه ~~الظاهر وإلى غالين مسرفين جاوزوا حد المناسبة إلى الاتحاد وقالوا بالحلول ~~حتى قال بعضهم أنا الحق وضل النصارى في عيسى عليه السلام فقالوا هو الإله ~~وقال آخرون منهم تذرع الناسوت باللاهوت وقال آخرون اتحد به وأما الذين ~~انكشف لهم استحالة التشبيه والتمثيل واستحالة الانحاد والحلول واتضح لهم مع ~~ذلك حقيقة السر فهم الأقلون ولعل أبا الحسن النوري عن هذا المقام كان ينظر ~~إذا غلبه الوجد في قول القائل # لازلت أنزل من ودادك منزلا % تتحير الألباب عند نزوله # فلم يزل يعدو في وجده على أجمة قد قطع قصبها وبقى أصوله حتى تشققت قدماه ~~وتورمتا مات من ذلك وهذا هوأعظم أسباب الحب وأقواها وهو أعزها وأبعدها ~~وأقلها وجودا فهذه هى المعلومة من أسباب الحب وجملة ذلك متظاهرة في حق الله ~~تعالى تحقيقا لا مجانا وفي أعلى الدرجات لا في أدناها فكان المعقول المقبول ~~عند ذوى البصائر حب الله تعالى فقط كما أن المعقول الممكن عند العميان حب ~~غير الله تعالى فقط ثم كل من يحب من الخلق بسبب من هذه الأسباب يتصور أن ~~يحب غير لمشاركته إياه في السبب والشركة نقصان في الحب وغض من كماله ولا ~~ينفرد أحد بوصف محبوب إلا وقد يوجد له شريك فيه فإن لم يوجد فيمكن أن يوجد ~~إلا الله تعالى فإنه موصوف بهذه الصفات التى هى نهاية الجلال والكمال ولا ~~شريك له في ذلك وجودا ولا يتصور أن يكون ذلك إمكانا فلا جرم لا يكون في حبه ~~شركة فلا يتطرق النقصان إلى حبه كما لا تتطرق الشركة إلى صفاته فهو المستحق ~~إذا لأصل المحبة ولكمال المحبة استحقاقا لا يساهم فيه أصلا # | بيان أن أجل اللذات وأعلاها معرفة الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم # وأنه لا يتصور أن لا يؤثر عليها لذة أخرى إلا من حرم هذه اللذة # أعلم أن اللذات تابعة للإدراكات والإنسان جامع لجملة من القوى والغرائز ~~ولكل قوة وغريزة لذة ولذتها في نيلها المقتضى طبعها الذى خلقت له فإن هذه ~~الفرائز ما ركبت في الإنسان عبثا بل ركبت كل قوة وغريزة لأمر من الأمور هو ~~مقتضاها بالطبع فغريزة الغضب خلقت للنشفى والانتقام فلا جرم لذتها في ~~الغلبة والانتقام الذى هو مقتضى طبعها وغريزة شهوة الطعام مثلا خلقت لتحصيل ~~الغذاء الذى به القوام فلا جرم لذتها في نيل هذا الغذاء الذى هو مقتضى ~~طبعها وكذلك لذة السمع والبصر والشم في الإبصار والاستماع والشم فلا تخلو ~~غريزة من هذه الغرائز عن ألم ولذة بالإضافة إلى مدركاتها فكذلك في القلب ~~غريزة تسمى النور الإلهى لقوله تعالى أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على ~~نور من ربه وقد تسمى العقل وقد تسمى البصيرة الباطنة وقد تسمى PageV04P307 ~~نور الإيمان واليقين ولا معنى للاشتغال بالأسامى فإن الاصطلاحات مختلفة ~~والضعيف يظن أن الاختلاف واقع في المعانى لأن الضعيف يطلب المعانى من ~~الألفاظ وهو عكس الواجب فالقلب مفارق لسائر أجزاء البدن بصفة بها يدرك ~~المعانى التى ليست متخيلة ولا محسوسة كإدراكه خلق العالم أو افتقاره إلى ~~خالق قديم مدبر حكيم موصوف بصفات إلهية ولنسم تلك الغريزة عقلا بشرط أن لا ~~يفهم من لفظ العقل ما يدرك به طرق المجادلة والمناظرة فقد اشتهر اسم العقل ~~بهذا ولهذا ذمه بعض الصوفية وإلا فالصفة التى فارق الإنسان بها البهائم ~~وبها يدرك معرفة الله تعالى أعز الصفات فلا ينبغى أن تذم وهذه الغريزة خلقت ~~ليعلم بها حقائق الأمور كلها فمقتضى طبعها المعرفه والعلم وهى لذتها كما أن ~~مقتضى سائر الغرائز هو لذتها وليس يخفى أن في العلم والمعرفة لذة حتى إن ~~الذى ينسب إلى العلم والمعرفة ولو في شىء خسيس يفرح به والذى ينسب إلى ~~الجهل ولو في شىء حقير يغتم به وحتى أن الإنسان لا يكاد يصبر عن التحدى ~~بالعلم والتمدح به في الأشياء الحقيرة فالعالم باللعب بالشطرنج على خسته لا ~~يطيق السكوت فيه عن التعليم وينطلق لسانه بذكر ما يعلمه وكل ذلك لفرط لذة ~~العلم وما يستشعره من كمال ذاته به فإن العلم من أخص صفات الربوبية وهى ~~منتهى الكمال ولذلك يرتاح الطبع إذا أثنى عليه بالذكاء وغزارة العلم لأنه ~~يستشعر عند سماع الثناء كمال ذاته وكمال علمه فيعجب بنفسه ويلتذ به ثم ليست ~~لذة العلم بالحراثة والخياطة كلذة العلم بسياسة الملك وتدبير أمر الخلق ولا ~~لذة العلم بالنحو والشعر كلذة العلم بالله تعالى وصفاته وملائكته وملكوت ~~السموات والأرض بل لذة العلم بقدر شرف العلم وشرف العلم بقدر شرف المعلوم ~~حتى إن الذى يعلم بواطن أحوال الناس ويخبر بذلك يجد له لذة وإن جهله تقاضاه ~~طبعه أن يفحص عنه فإن علم بواطن أحوال رئيس البلد وأسرار تدبيره في رياسته ~~كان ذلك ألذ عنده وأطيب من علمه بباطن حال فلاح أو حائك فإن اطلع على أسرار ~~الوزير وتدبيره وما هو عازم عليه في أمور الوزارة فهو أشهى عنده وألذ من ~~علمه بأسرار الرئيس فإن كان خبيرا بباطن أحوال الملك والسلطان الذى هو ~~المستولى على الوزير كان ذلك أطيب عنده وألذ من علمه بباطن أسرار الوزير ~~وكان تمدحه بذلك وحرصه عليه وعلى البحث عنه أشد وحبه له أكثر لأن لذته فيه ~~أعظم # فهذا استبان أن ألذ المعارف أشرفها وشرفها بحسب شرف المعلوم فإن كان في ~~المعلومات ما هو الأجل والأكمل والأشرف والأعظم فالعلم به ألذ العلوم لا ~~محالة وأشرفها وأطيبها # وليت شعرى هل في الوجود شئ أجل وأعلى وأشرف وأكمل وأعظم من خالق الأشياء ~~كلها ومكملها ومزينها ومبدئها ومعيدها ومدبرها ومرتبها وهل يتصور أن تكون ~~حضرة في الملك والكمال والجمال والبهاء والجلال أعظم من الحضرة الربانية ~~التى لا يحيط بمبادى جلالها وعجائب أحوالها وصف الواصفين فإن كنت لا تشك في ~~ذلك فلا ينبغى أن تشك في أن الاطلاع على أسرار الربوبية والعلم بترتب ~~الأمور الإلهية المحيطة بكل الموجودات هو أعلى أنواع المعارف والاطلاعات ~~وألذها وأطيبها وأشهاها وأحرى ما تستشعر به النفوس عند الاتصاف به كمالها ~~وجمالها واجدر ما يعظم به الفرح والارتياح والاستبشار وبهذا تبين أن العلم ~~لذيذ وأن ألذ العلوم العلم بالله تعالى وبصفاته وأفعاله وتدبيره في مملكته ~~من منتهى عرشه إلى تخوم الأرضين فينبغي أن يعلم أن لذة المعرفة أقوى من ~~سائر اللذات أعنى لذة الشهوات والغضب ولذة سائر الحواس الخمس فإن اللذات ~~مختلفة بالنوع أولا كمخالفة لذة الوقاع للذة السماع ولذة المعرفة للذة ~~الرياسة # وهى مختلفة بالضعف والقوة كمخالفة لذة الشبق المغتلم من الجماع للذة ~~الفاتر للشهوة وكمخالفة لذة النظر إلى الوجه الجميل الفائق الجمال للذة ~~النظر إلى ما دونه في الجمال وإنما تعرف أقوى PageV04P308 اللذات بأن تكون ~~مؤثرة على غيرها فإن المخير بين النظر إلى صورة جميلة والتمتع بمشاهدتها ~~وبين استنشاق روائح طيبة إذا اختار النظر إلى الصورة الجميلة علم أنها ألذ ~~عنده من الروائح الطيبة وكذلك إذا حضر الطعام وقت الأكل واستمر اللاعب ~~بالشطرنج على اللعب وترك الأكل فيعلم به أن لذة الغلبة في الشطرنج أقوى ~~عنده من لذة الاكل # فهذا معيا صادق في الكشف عن ترجيح اللذات فنعود ونقول # اللذات تنقسم إلى ظاهرة كلذة الحواس الخمس وإلى باطنة كلذة الرياسة ~~والغلبة والكرامة والعلم وغيرها إذ ليست هذه اللذة للعين ولا للأنف ولا ~~الأذن ولا للمس ولا للذوق والمعانى الباطنة أغلب على ذوى الكمال من اللذات ~~الظاهرة فلو خير الرجل بين لذة الدجاج السمين واللوزينج وبين لذة الرياسة ~~وقهر الأعداء ونيل درجة الاستيلاء فإن كان المخير خسيس الهمة ميت القلب ~~شديد النهمة اختار اللحم والحلاوة وإن كان على الهمة كامل العقل اختار ~~الرياسة وهان عليه الجوع والصبر عن ضرورة القوت أياما كثيرة فاختياره ~~للرياسة يدل على أنها ألذ عنده من الطعومات الطيبة نعم الناقص الذى لم تكمل ~~معانيه الباطنة بعد كالصبى أو كالذى ماتت قواه الباطنة كالمعتوه لا يبعد أن ~~يؤثر لذة المطعومات على لذة الرياسة وكما أن لذة الرياسة والكرامة أغلب ~~اللذات على من جاوز نقصان الصبا والعته فلذة معرفة الله تعالى ومطالعة جمال ~~حضرة الربوبية والنظر إلى أسرار الأمور الإلهية ألذ من الرياسة التى هى ~~أعلى اللذات الغالبة على الخلق وغاية العبارة عنه أن يقال فلا تعلم نفس ما ~~أخفى لهم من قرة أعين وإنه أعد لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولاخطر على ~~قلب بشر وهذا الآن لا يعرفه إلا من ذاق اللذتين جميعا فإنه لا محالة يؤثر ~~التبتل والتفرد والفكر والذكر وينغمس في بحار المعرفة ويترك الرياسة ~~ويستحقر الخلق الذين يرأسهم لعلمه بفناء رياسته وفناء من عليه رياسته وكونه ~~مشوبا بالكدورات التى لا يتصور الخلو عنها وكونه مقطوعا بالموت الذى لا بد ~~من إتيانه مهما أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها ~~فيستعظم بالإضافة إليها لذة معرفة الله ومطالعة صفاته وأفعاله ونظام مملكته ~~من أعلى عليين إلى أسفل السافلين فإنها خالية من المزاحمات والمكدرات متسعة ~~للمتواردين عليها لا تضيق عنهم بكبرها وإنما عرضها من حيث التقدير السموات ~~والأرض وإذا خرج النظر عن المقدرات فلا نهاية لعرضها فلا يزال العارف ~~بمطالعتها في جنة عرضها السموات والأرض يرتع في رياضها ويقطف من ثمارها ~~ويكرع من حياضها وهو آمن من انقطاعها إذ ثمار هذه الجنة غير مقطوعة ولا ~~ممنوعة ثم هى أبدية سرمدية لا يقطعها الموت إذ الموت لا يهدم محل معرفة ~~الله تعالى ومحلها الروح الذى هو أمر ربانى سماوى وإنما الموت بغير أحوالها ~~ويقطع شواغلها وعوائقها ويخليها من حبسها فأما أن يعدمها فلا ولا تحسبن ~~الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتهم ~~الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الآية # ولا تظنن أن هذا مخصوص بالمقتول في المعركة فإن للعارف بكل نفس درجة ألف ~~شهيد وفي الخبر إن الشهيد يتمنى في الآخرة أن يرد إلى الدنيا فيقتل مرة ~~أخرى لعظم ما يراه من ثواب الشهادة وإن الشهداء يتمنون لو كانوا علماء لما ~~يرونه من علو درجة العلماء + حديث ان الشهيد يتمنى أن يرد في الآخرة إلى ~~الدنيا ليقتل مرة أخرى الحديث متفق عليه من حديث أنس وقد تقدم وليس فيه وان ~~الشهداء يتمنون أن يكونوا علماء الحديث + # فإذن جميع أقطار ملكوت السموات والأرض ميدان العارف يتبوأ منه حيث يشاء ~~من غير حاجة إلى أن يتحرك إليها بجسمه وشخصه فهو من مطالعة جمال الملكوت في ~~جنة عرضها السموات والأرض وكل عارف فله مثلها من غير أن يضيق بعضهم على بعض ~~أصلا إلا أنهم يتفاوتون في سعة منتزهاتهم بقدر تفاوتهم في اتساع نظرهم ~~PageV04P309 وسعة معارفهم وهم درجات عند الله ولا يدخل في الحصر تفاوت ~~درجاتهم فقد ظهر أن لذة الرياسة وهى باطنة أقوى في ذوى الكمال من لذات ~~الحواس كلها وأن هذه اللذة لا تكون لبهيمة ولا لصبى ولا لمعتوه وأن لذة ~~المحسوسات والشهوات تكون لذوى الكمال مع لذة الرياسة ولكن يؤثرون الرياسة ~~فأما معنى كون معرفة الله وصفاته وأفعاله وملكوت سمواته وأسرار ملكه أعظم ~~لذة من الرياسة فهذا يختص بمعرفته من نال رتبة المعرفة وذاقها ولا يمكن ~~إثبات ذلك عند من لا قلب له لأن القلب معدن هذه القوة كما أنه لا يمكن ~~إثبات رجحان لذة الوقاع على لذة اللعب بالصولجان عند الصبيان ولا رجحانه ~~على لذة شم البنفسج عند العنين لأنه فقد الصفة التى بها تدرك هذه اللذة ~~ولكن من سلم من آفة العنة وسلم حاسة شمه أدرك التفاوت بين اللذتين وعند هذا ~~لا يبقى إلا أن يقال من ذاق عرف # ولعمرى طلاب العلوم وإن لم يشتغلوا بطلب معرفة الأمور الإلهية فقد ~~استنشقوا رائحة هذه اللذة عند انكشاف المشكلات وانحلال الشبهات التى قوى ~~حرصهم على طلبها فإنها أيضا معارف وعلوم وإن كانت معلوماتها غير شريفة شرف ~~المعلومات الإلهية فأما من طال فكره في معرفة الله سبحانه وقد انكشف له من ~~أسرار ملك الله ولو الشئ اليسير فإنه يصادف في قلبه عند حصول الكشف من ~~الفرح ما يكاد يطير به ويتعجب من نفسه في ثباته واحتماله لقوة فرحه وسروره ~~وهذا مما لا يدرك إلا بالذوق والحكاية فيه قليلة الجدوى # فهذا القدر ينبهك على أن معرفة الله سبحانه ألذ الأشياء وأنه لا لذة ~~فوقها # ولهذا قال أبو سليمان الدارانى إن لله عبادا ليس يشغلهم عن الله خوف ~~النار ولا رجاء الجنة فكيف تشغلهم الدنيا عن الله ولذلك قال بعض إخوان ~~معروق الكرخى له أخبرنى يا أبا محفوظ أي شئ هاجك إلى العبادة والانقطاع عن ~~الخلق فسكت فقال ذكر الموت فقال وأى شئ الموت فقال ذكر القبر والبرزخ فقال ~~وأى شئ القبر فقال خوف النار ورجاء الجنة فقال وأي شئ هذا إن ملكا هذا كله ~~بيده إن أحببته أنساك جميع ذلك وإن كانت بينك وبينه معرفة كفاك جميع هذا # وفي أخبار عيسى عليه السلام إذا رأيت الفتى مشغوفا بطلب الرب تعالى فقد ~~ألهاه ذلك عما سواه # ورأى بعض الشيوخ بشر بن الحارث في النوم فقال ما فعل أبو نصر التمار وعبد ~~الوهاب الوراق فقال تركتهما الساعة بين يدى الله تعالى يأكلان ويشربان قلت ~~فأنت قال علم الله قلة رغبتى في الأكل والشرب فأعطانى النظر إليه # وعن على بن الموفق قال رأيت في النوم كأنى ادخلت الجنة فرأيت رجلا قاعدا ~~على مائدة وملكان عن يمينه وشماله يلقمانه من جميع الطيبات وهو يأكل ورأيت ~~رجلا قائما على باب الجنة يتصفح وجوه الناس فيدخل بعضا ويرد بعضا قال ثم ~~جاوزتهما إلى حديقة القدس فرأيت في سرادق العرش رجلا قد شخص ببصره ينظر إلى ~~الله تعالى لا يطرف فقلت لرضوان من هذا قال معروف الكرخى عبد الله لا خوفا ~~من ناره ولا شوقا إلى جنته بل حبا له فأباحه النظر إليه إلى يوم القيامة # وذكر أن الآخرين بشر بن الحارث واحمد بن حنبل ولذلك قال أبو سليمان من ~~كان اليوم مشغولا بنفسه فهو غدا مشغول بنفسه ومن كان اليوم مشغولا بربه فهو ~~عذا مشغول بربه # وقال الثورى لرابعة ما حقيقة إيمانك قالت ما عبدته خوفا من ناره ولا حبا ~~لجنته فأكون كالأجير السوء بل عبدته حبا له وشوقا إليه وقالت في معنى ~~المحبة نظما # أحبك حبين حب الهوى % وحبا لأنك أهل لذاكا # فأما الذى هو حب الهوى % فشغلى بذكرك عمن سواكا # وأما الذى أنت أهل له % فكشفك لى الحجب حتى أراكا PageV04P310 # فلا الحمد في ذا ولا ذاك لى % ولكن لك الحمد في ذا وذاكا ولعلها أرادت ~~بحب الهوى حب الله لإحسانه إليها وإنعامه عليها بحظوظ العاجلة وبحبه لما هو ~~أهل له الحب لجماله وجلاله الذى انكشف لها وهو أعلى الحبين وأقواهما ولذة ~~مطالعة جمال الربوبية هى التى عبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ~~قال حاكيا عن ربه تعالى أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ~~ولا خطر على قلب بشر + حديث قال صلى الله عليه وسلم حاكيا عن ربه تعالى ~~أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت الحديث أخرجه البخاري من حديث أبي ~~هريرة + وقد تعجل بعض هذه اللذات في الدنيا لمن انتهى صفاء قلبه إلى الغاية ~~ولذلك قال بعضهم إنى أقول يا رب يا الله فأجد ذلك على قلبي أثقل من الجبال ~~لأن النداء يكون من وراء حجاب وهل رأيت جليسا ينادى جليسه وقال إذا بلغ ~~لارجل في هذا العلم الغاية رماه الخلق بالحجارة أي يخرج كلامه عن حد عقولهم ~~فيرون ما يقوله جنونا أو كفرا # فمقصد العارفين كلهم وصله ولقاؤه فقط فهى قرة العين التى لا تعلم نفس ما ~~أخفى لهم منها وإذا حصلت انمحقت الهموم والشهوات كلها وصار القلب مستغرقا ~~بنعيمها فلو ألقى في النار لم يحس بها لاستغراقه ولو عرض عليه نعيم الجنة ~~لم يلتفت إليه لكمال نعيمه وبلوغه الغاية التى ليس فوقها غاية وليت شعر من ~~لم يفهم إلا حب المحسوسات كيف يؤمن بلذة النظر إلى وجه الله تعالى وماله ~~صورة ولا شكل وأى معنى لو عد الله تعالى به عباده وذكره أنه أعظم النعم بل ~~من عرف الله عرف أن اللذات المفرقة بالشهوات المختلفة كلها تنطوى تحت هذه ~~اللذة كما قال بعضهم # كانت لقلبى أهواء مفرقة % فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائى # فصار يحسدنى من كنت أحسده % وصرت مولى الورى مذ صرت مولائى # تركت للناس دنياهم ودينهم % شغلا بذكرك يا دينى ودنيائى # ولذلك قال بعضهم # وهجره أعظم من ناره % ووصله أطيب من جنته # وما أرادوا بهذا إلا إيثار لذة القلب في معرفة الله تعالى على لذة الأكل ~~والشرب والنكاح فإن الجنة معدن تمتع الحواس فأما القلب فلذته في لقاء الله ~~فقط # ومثال أطوار الخلق في لذتهم ما نذكره وهو أن الصبى في أول حركته وتمييزه ~~يظهر فيه غريزة بها يستلذ اللعب واللهو حتى يكون ذلك عنده ألذ من سائر ~~الأشياء ثم يظهر بعده لذة الزينة ولبس الثياب وركوب الدواب فيستحقر معها ~~لذة اللعب ثم يظهر بعده لذة الوقاع وشهوة النساء فيترك بها جميع ما قبلها ~~في الوصول إليها ثم تظهر لذة الرياسة والعلو والتكاثر وهى آخر لذات الدنيا ~~وأعلاها وأقواها كما قال تعالى اعلمواأنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة ~~وتفاخر بينكم وتكاثر الآية # ثم بعد هذا تظهر غريزة أخرى يدرك بها لذة معرفة الله تعالى ومعرفة أفعاله ~~فيستحقر معها جميع ما قبلها فكل متأخر فهو أقوى وهذا هو الأخير إذ يظهر حب ~~اللعب في سن التمييز وحب النساء والزينة في سن البلوغ وحب الرياسة بعد ~~العشرين وحب العلوم بقرب الأربعين وهى الغاية العليا وكما أن الصبى يضحك ~~على من يترك اللعب ويشتغل بملاعبة النساء وطلب الرياسة فكذلك الرؤساء ~~يضحكون على من يترك الرياسة ويشتغل بمعرفة الله تعالى والعارفون يقولون إن ~~تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون PageV04P311 # | بيان السبب في زيادة النظر في لذة الآخرة على المعرفة في الدنيا # أعلم أن المدركات تنقسم إلى ما يدخل في الخيال كالصور المتخيلة والأجسام ~~المتلونة والمتشكلة من أشخاص الحيوان والنبات وإلى مالا يدخل في الخيال ~~كذات الله تعالى وكل ما ليس بجسم كالعلم والقدرة والإرادة وغيرها # ومن رأى إنسانا ثم غض بصره وجد صورته حاضرة في خياله كأنه ينظر إليها ~~ولكن إذا فتح العين وأبصر أدرك تفرقة بينهما ولا ترجع التفرقة إلى اختلاف ~~بين الصورتين لأن الصورة المرئية تكون موافقة للمتخيلة وإنما الافتراق ~~بمزيد الوضوح والكشف فإن صورة المرئى صارت بالرؤية أتم انكشافا ووضوحا وهو ~~كشخص يرى في وقت الإسفار قبل انتشار ضوء النهار ثم رؤى عند تمام الضوء فإنه ~~لا تفارق إحدى الحالتين الأخرى إلا في مزيد الانكشاف # فإذن الخيال أول الإدراك والرؤية هو الاستكمال لإدراك الخيال وهو غاية ~~الكشف وسمى ذلك رؤية لأنه غاية الكشف لا لأنه في العين بل لو خلق الله هذا ~~الإدراك الكامل المكشوف في الجبهة أو الصدر مثلا استحق أن يسمى رؤية وإذا ~~فهمت هذا في المتخيلات فاعلم أن المعلومات التى لا تتشكل أيضا في الخيال ~~لمعرفتها وإدراكها درجتان إحداهما @QB@ أولي @QE@ والثانية استكمال لها # وبين الأولى والثانية من التفاوت في مزيد الكشف والإيضاح ما بين المتخيل ~~والمرئى فيسمى الثانى أيضا بالإضافة إلى الأول مشاهدة ولقاء ورؤية وهذه ~~التسمية حق لأن الرؤية سميت رؤية لأنها غاية الكشف وكما أن سنة الله تعالى ~~جارية بأن تطبيق الأجفان يمنع من تمام الكشف بالرؤية ويكون حجابا بين البصر ~~والمرئى ولا بد من ارتفاع الحجب لحصول الرؤية وما لم ترتفع كان الإدراك ~~الحاصل مجرد التخيل فكذلك مقتضى سنة الله تعالى أن النفس ما دامت محجوبة ~~بعوارض البدن ومقتضى الشهوات وما غلب عليها من الصفات البشرية فإنها لا ~~تنتهى إلى المشاهدة واللقاء في المعلومات الخارجة عن الخيال بل هذه الحياة ~~حجاب عنها بالضرورة كحجاب الأجفان عن روية الأبصار # والقول في سبب كونها حجابا يطول ولا يليق بهذا العلم # ولذلك قال تعالى لموسى عليه السلام لن ترانى وقال تعالى لا تدركه الأبصار ~~أى في الدنيا والصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى الله تعالى ~~ليلة المعراج + حديث أنه صلى الله عليه وسلم ما رأى الله تعالى ليلة ~~المعراج في الصحيح هذا الذى صححه المصنف هو قول عائشة ففي الصحيحين أنها ~~قالت من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب ولمسلم من حديث أبى ذر سألت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال نورانى أراه وذهب ابن عباس وأكثر ~~العلماء إلى إثبات رؤيته له وعائشة لم ترو ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ~~وحديث أبى ذر قال فيه أحمد مازلت له منكرا وقال ابن خزيمة في القلب من صحة ~~إسناده شىء مع أن في رواية لأحمد في حديث أبى ذر رأيته نورا انى أراه ورجال ~~إسنادها رجال الصحيح + فإذا ارتفع الحجاب بالموت بقيت النفس ملوثة بكدورات ~~الدنيا غير منفكة عنها بالكلية وإن كانت متفاوته فمنها ما تراكم عليه الخبث ~~والصدأ فصار كالمرآة التى فسد بطول تراكم الخبث جوهرها فلا تقبل الإصلاح ~~والتصقيل وهؤلاء هم المحجوبون عن ربهم أبد الآباد نعوذ بالله من ذلك ومنها ~~ما لم ينته إلى حد الرين والطبع ولم يخرج عن قبول التزكية والتصقيل فيعرض ~~على النار عرضا يقمع منه الخبث الذى هو متدنس به ويكون العرض على النار ~~بقدر الحاجة إلى التزكية وأقلها لحظة خفيفة وأقصاها في حق المؤمنين كما ~~وردت به الأخبار سبعة آلاف سنة + حديث ان أقصى المكث في النار في حق ~~المؤمنين سبعة آلاف سنة أخرجه الترمذى الحكيم في نوادر الأصول من حديث أبى ~~هريرة إنما الشفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أمتى الحديث وفيه ~~وأطولهم مكثا فيها مثل الدنيا من يوم خلقت إلى يوم القيامة وذلك سبعة آلاف ~~سنة وإسناده ضعيف + ولن ترتحل نفس عن PageV04P312 هذا العالم إلا ويصحبها ~~غبرة وكدورة ما وإن قلت ولذلك قال الله تعالى وإن منكم إلا واردها كان على ~~ربك حتما مقضيا ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا فكل نفس ~~مستيقنة للورود على النار وغير مستيقنة للصدور عنها فإذا أكمل الله تطهيرها ~~وتزكيتها وبلغ الكتاب أجله ووقع الفراغ عن جملة ما وعد به الشرع من الحساب ~~والعرض وغيره ووافى استحقاق الجنة وذلك وقت مبهم لم يطلع الله عليه أحدا من ~~خلقه فإنه واقع بعد القيامة ووقت القيامة مجهول فعند ذلك يشتغل بصفائه ~~ونقائه عن الكدورات حيث لا يرهق وجهه غبرة ولا قترة لأن فيه يتجلى الحق ~~سبحانه وتعالى فيتجلى له تجليا يكون انكشاف تجليه بالإضافة إلى ما علمه ~~كانكشاف تجلى المرآة بالإضافة إلى ما تخيله # وهذه المشاهدة والتجلى هى التى تسمى رؤية فإذن الرؤية حق بشرط أن لا يفهم ~~من الرؤية استكمال الخيال في متخيل متصور مخصوص بجهة ومكان فإن ذلك مما ~~يتعالى عنه رب الأرباب علوا كبيرا بل كما عرفته في الدنيا معرفة حقيقية ~~تامة من غير تخيل وتصور وتقدير شكل وصورة فتراه في الآخرة كذلك # بل أقول المعرفة الحاصلة في الدنيا بعينها هى التى تستكمل فتبلغ كمال ~~الكشف والوضوح وتنقلب مشاهدة ولا يكون بين المشاهدة في الآخرة والمعلوم في ~~الدنيا اختلاف إلا من حيث زيادة الكشف والوضوح كما ضربناه من المثال في ~~استكمال الخيال بالرؤية # فإذا لم يكن في معرفة الله تعالى إثبات صورة وجهة فلا يكون في استكمال ~~تلك المعرفة بعينها وترقيها في الوضوح إلى غاية الكشف أيضا جهة وصورة لأنها ~~هى بعينها لا تفترق منها إلا في زيادة الكشف كما أن الصورة المرئية هى ~~المتخيلة بعينها إلا في زيادة الكشف وإليه الإشارة بقوله تعالى يسعى نورهم ~~بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا إذ تمام النور لا يؤثر ~~إلا في زيادة الكشف ولهذا لا يفوز بدرجة النطر والرؤية إلا العارفون في ~~الدنيا لأن المعرفة هى البذر الذى ينقلب في الآخرة مشاهدة كما تنقلب النواة ~~شجرة والحب زرعا ومن لا نواة في أرضه كيف يحصل له نخل ومن لم يزرع الحب ~~فكيف يحصد الزرع فكذلك من لم يعرف الله تعالى في الدنيا فكيف يراه في ~~الآخرة ولما كانت المعرفة على درجات متفاوتة كان التجلى أيضا على درجات ~~متفاوتة فاختلاف التجلى بالإضافة إلى اختلاف المعارف كاختلاف النبات ~~بالإضافة إلى اختلاف البذر إذ تختلف لا محالة بكثرتها وقلتها وحسنها وقوتها ~~وضعفها ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم أن الله يتجلى للناس عامة ولأبى ~~بكر خاصة + حديث أن الله يتجلى للناس عامة ولأبى بكر خاصة أخرجه ابن عدى من ~~حديث جابر وقال باطل بهذا الإسناد وفي الميزان للذهبى أن الدارقطنى رواه عن ~~المحاملى عن على بن عبدة وقال الدارقطنى ان على بن عبدة كان يضع الحديث ~~ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق وابن الجوزى في الموضوعات من حديث جابر وأبى ~~بردة وعائشة + فلا ينبغى أن يظن أن غير أبي بكر ممن هو دونه يجد من لذة ~~النظر والمشاهدة ما يجده أبو بكر بل لا يجد إلا عشر عشيره إن كانت معرفتة ~~في الدنيا عشر عشيرة ولما فضل من الناس بسر وقر في صدره فضل لا محالة بتدل ~~انفرد به وكما أنك ترى في الدنيا من يؤثر لذة الرياسة على المطعوم والمنكوح ~~وترى من يؤثر لذة العلم وانكشاف مشكلات ملكوت السموات والأرض وسائر الأمور ~~الإلهية على الرياسة وعلى المنكوح والمطعوم والمشروب جميعا فكذلك يكون في ~~الآخرة قوم يؤثرون لذة النظر إلى وجه الله تعالى على نعيم الجنة إذ يرجع ~~نعيمها إلى المطعوم والمنكوح وهؤلاء بعينهم هم الذين حالهم في الدنيا ما ~~وصفنا من إيثار لذة العلم والمعرفة والاطلاع على أسرار الربوبية على لذة ~~المنكوح والمطعوم والمشروب وسائر الخلق مشغولون به # ولذلك لما قيل لرابعة ما تقولين في الجنة فقال الجار ثم الدار # فبينت أنه ليس في قلبها التفات إلى الجنة بل إلى رب الجنة # وكل من لم يعرف الله في الدنيا فلا يراه PageV04P313 في الآخرة وكل من لم ~~يجد لذة المعرفة في الدنيا فلا يجد لذة النظر في الآخرة إذ ليس يستأنف لأحد ~~في الآخرة ما لم يصحبه من الدنيا ولا يحصد أحد إلا ما زرع ولا يحشر المرء ~~إلا على ما مات عليه ولا يموت إلا على ما عاش عليه فما صحبه من المعرفة هو ~~الذى يتنعم به بعينه فقط إلا أنه ينقلب مشاهدة بكشف الغطاء فتتضاعف اللذة ~~به كما تتضاعف لذة العاشق إذا استبدل بخيال صورة المعشوق رؤية صورته فإن ~~ذلك منتهى لذته وإنما طيبة الجنة أن لكل أحد فيها ما يشتهى فمن لا يشتهي ~~إلا لقاء الله تعالى فلا لذة له في غيره بل ربما يتأذى به # فإذن نعيم الجنة بقدر حب الله تعالى وحب الله تعالى بقدر معرفته فأصل ~~السعادات هى المعرفة التى عبر الشرع عنها بالإيمان # فإن قلت فلذة الرؤية إن كان لها نسبة إلى لذة المعرفة فهى قليلة وإن كان ~~أضعافها لأن لذة المعرفة في الدنيا ضعيفة فتضاعفها إلى حد قريب لا ينتهى في ~~القوة إلى أن يستحقر سائر لذات الجنة فيها فاعلم أن هذا الاستحقار للذة ~~المعرفة صدر من الخلو عن المعرفة فمن خلا عن المعرفة كيف يدرك لذتها وإن ~~انطوى على معرفة ضفيفة وقلبه مشحون بعلائق الدنيا فكيف يدرك لذتها ~~فللعارفين في معرفتهم وفكرتهم ومناجاتهم لله تعالى لذات لو عرضت عليهم ~~الجنة في الدنيا بدلا عنها لم يستبدلوا بها لذة الجنة ثم هذه اللذة مع ~~كمالها لا نسبة لها أصلا إلى لذة اللقاء والمشاهدة كما لا نسبة للذة خيال ~~المعشوق إلى رؤيته ولا لذة استنشاق روائح الأطعمة الشهية إلى ذوقها ولا ~~للذة اللمس باليد إلى لذة الوقاع # وإظهار عظم التفاوت بينهما لا يمكن إلا بضرب مثال فنقول لذة النظر إلى ~~وجه المعشوق في الدنيا تتفاوت بأسباب أحدهما كمال جمال المعشوق ونقصانه فإن ~~اللذة في النظر إلى الأجمل أكمل لا محالة # والثانى كمال قوة الحب والشهوة والعشق فليس التذاذ من اشتد عشقه كالتذاذ ~~ضعفت شهوته وحبه # والثالث كمال الإدراك فليس التذاذ برؤية المعشوق في ظلمة أو من وراء ستر ~~رقيق أو من بعده كالتذاذه بإدراكه على قرب من غير ستر وعند كمال الضوء ولا ~~إدراك لذة المضاجعة مع ثوب حائل كإدراكها مع التجرد # والرابع اندفاع العوائق المشوشة والآلام الشاغلة للقلب فليس التذاذ ~~الصحيح الفارغ المتجرد للنظر إلى المعشوق كالتذاذ الخائف المذعور أو المريض ~~المتألم أو المشغول قلبه بمهم من المهمات # فقدر عاشقا ضعيف العشق ينظر إلى وجه معشوقه من وراء ستر رقيق على بعد ~~بحيث يمنع انكشاف كنه صورته في حالة اجتمع عليه عقارب وزنابير تؤذيه وتلدغه ~~وتشغل قلبه فهو في هذه الحالة لا يخلو عن لذة ما من مشاهدة معشوقه فلو طرأت ~~على الفجأة حالة انهتك بها الستر وأشرق بها الضوء واندفع عنه المؤذيات وبقى ~~سليما فارغا وهجمت عليه الشهوة القوية والعشق المفرط حتى بلغ أقصى الغايات ~~فانظر كيف تتضاعف اللذة حتى لا يبقى للأولى إليها نسبة يعتد بها فكذلك ~~فافهم نسبة لذة النظر إلى لذة المعرفة # فالستر الرقيق مثال البدن والاشتغال به والعقارب والزنابير مثال الشهوات ~~المتسلطة على الإنسان من الجوع والعطش والغضب والغم والحزن وضعف الشهوة ~~والحب مثال لقصور النفس في الدنيا ونقصانها عن الشوق إلى الملأ الأعلى ~~والتفاتها إلى أسفل السافلين وهو مثل قصور الصبى عن ملاحظة لذة الرياسة ~~والتفاته إلى اللعب بالعصفور والعارف وإن قويت في الدنيا معرفته فلا يخلو ~~عن هذه المشوشات ولا يتصور أن يخلو عنها ألبتة # نعم قد تضعف هذه العوائق في بعض الأحوال ولا تدوم فلا جرم يلوح من جمال ~~المعرفة ما يبهت العقل وتعظم لذته بحيث يكاد القلب يتفطر لعظمته ولكن يكون ~~ذلك PageV04P314 كالبرق الخاطف وقلما يدوم بل يعرض من الشواغل والأفكار ~~والخواطر ما يشوشه وينغصه وهذه ضرورة دائمة في هذه الحياة الفانية فلا تزال ~~هذه اللذة منغصة إلى الموت وإنما الحياة الطيبة بعد الموت وإنما العيش عيش ~~الآخرة وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون وكل من انتهى إلى هذه ~~الرتبة فإنه يحب لقاء الله تعالى فيحب الموت ولا يكره إلا من حيث ينتظر ~~زيادة استكمال في المعرفة فإن المعرفة كالبذر وبحر المعرفة لا ساحل له ~~فالإحاطة بكنه جلال الله محال فكلما كثرت المعرفة بالله وبصفاته وأفعاله ~~وبأسرار مملكته وقويت كثر النعيم في الآخرة وعظم كما أنه كلما كثر البذر ~~وحسن كثر الزرع وحسن ولا يمكن تحصيل هذا البذر إلا في الدنيا ولا يزرع إلا ~~في صعيد القلب ولا حصاد إلا في الآخرة # ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل السعادات طول العمر في طاعة ~~الله + حديث أفضل السعادات طول العمر في طاعة الله أخرجه إبراهيم الحربي في ~~كتاب ذكر الموت من رواية ابن لهيعة عن ابن الهاد عن المطلب عن أبيه عن ~~النبى صلى الله عليه وسلم قال السعادة كل السعادة طول العمر في طاعة الله ~~ووالد المطلب عبد الله بن حوطب مختلف في صحبته ولأحمد من حديث جابر ان من ~~سعادة المرء أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة والترمذى من حديث أبى بكرة ~~أن رجلا قال يا رسول الله أى الناس خير قال من طال عمره وحسن عمله قال هذا ~~حديث حسن صحيح وقد تقدم + لأن المعرفة إنما تكمل وتكثر وتتسع في العمر ~~الطويل بمداومة الفكر والمواظبة على المجاهدة والأنقطاع عن علائق الدنيا ~~والتجرد للطلب ويستدعى ذلك زمانا لا محالة فمن أحب الموت أحبه لأنه رأى ~~نفسه واقفا في المعرفة بالغا إلى منتهى ما يسر له ومن كره الموت كرهه لأنه ~~كان يؤمل مزيد معرفة تحصل له بطول العمر ورأى نفسه مقصرا عما تحتمله قوته ~~لو عمر فهذا سبب كراهة الموت وحبه عند أهل المعرفة # وأما سائر الخلق فنظرهم مقصور على شهوات الدنيا إن اتسعت أحبوا البقاء ~~وإن ضاقت تمنوا الموت # وكل ذلك حرمان وخسران مصدره الجهل والغفلة # فالجهل والغفلة مغرس كل شقاوة # والعلم والمعرفة أساس كل سعادة فقد عرفت بما ذكرناه معنى المحبة ومعنى ~~العشق فإنه المحبة المفرطة القوية ومعنى لذة المعرفة ومعنى الرؤية ومعنى ~~لذة الرؤية ومعنى كونها ألذ من سائر اللذات عند ذوى العقول والكمال وإن لم ~~تكن كذلك عند ذوى النقصان كما لم تكن الرياسة ألذ من المطعومات عند الصبيان # فإن قلت فهذه الرؤيا محلها القلب أو العين في الآخرة فاعلم أن الناس قد ~~اختلفوا في ذلك وأرباب البصائر لا يلتفتون إلى هذا الخلاف ولا ينظرون فيه ~~بل العاقل يأكل البقل ولا يسأل عن المبقلة ومن يشتهى رؤية معشوقه يشغله ~~عشقه عن ان يلتفت إلى أن رؤيته تخلق في عينه أو جبهته بل يقصد الرؤيا ~~ولذتها سواء كان ذلك بالعين أو غيرها فإن العين محل وظرف لا نظر إليه ولا ~~حكم له والحق فيه أن القدرة الآزلية واسعة فلا يجوز أن نحكم عليها بالقصور ~~عن أحد الأمرين هذا في حكم الجواز فأما الواقع في الآخرة من الجائزين فلا ~~يدرك إلا بالسمع + حديث رؤية الله في الآخرة حقيقة متفق عليه من حديث أبى ~~هريرة أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تضارون ~~في رؤية القمر ليلة البدر الحديث + والحق ما ظهر لأهل السنة والجماعة من ~~شواهد الشرع أن ذلك يخلق في العين ليكون لفظ الرؤية والنظر وسائر الألفاظ ~~الواردة في الشرع مجرى على ظاهره إذ لا يجوز إزالة الظواهر إلا لضرورة ~~والله تعالى أعلم # | بيان الأسباب المقوية لحب الله تعالى # أعلم أن أسعد الخلق حالا في الآخرة أقواهم حبا لله تعالى فإن الآخرة ~~معناها القدوم على الله تعالى ودرك سعادة لقائه وما أعظم نعيم المحب إذا ~~قدم على محبوبه بعد طول شوقه وتمكن من دوام مشاهدته أبد الآباد من ~~PageV04P315 غير منغص ومكدر ومن غير رقيب ومزاحم ومن غير خوف انقطاع إلا أن ~~هذا النعيم على قدر قوة الحب فكلما ازدادت المحبة ازدادت اللذة وإنما يكتسب ~~العبد حب الله تعالى في الدنيا وأصل الحب لا ينفك عنه مؤمن لأنه لا ينفك عن ~~أصل المعرفة وأما قوة الحب واستيلاؤه حتى ينتهي إلى الاستهتار الذي يسمى ~~عشقا فذلك ينفك عنه الأكثرون وإنما يحصل ذلك بسبين أحدهما قطع علائق الدنيا ~~وإخراج حب غير الله من القلب فإن القلب مثل الإناء لا يتسع للخل مثلا ما لم ~~يخرج منه الماء ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وكمال الحب في أن يحب ~~الله عز وجل بكل قلبه # وما دام يلتفت إلى غيره فزاوية من قلبه مشغولة بغيره فبقدر ما يشغل بغير ~~الله ينقص منه حب الله وبقدر ما يبقى من الماء في الإناء ينقص من الخل ~~المصبوب فيه # وإلى هذا التفريد والتجريد الإشارة بقوله تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم ~~وبقوله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا بل هو معنى قولك لا إله ~~إلا الله أى لا معبود ولا محبوب سواه فكل محبوب فإنه معبود فإن العبد هو ~~المقيد والمعبود هو المقيد به # وكل محب فهو مقيد بما يحبه ولذلك قال الله تعالى أرأيت من اتخذ إلهه هواه ~~وقال صلى الله عليه وسلم أبغض إله عبد في الأرض الهوى ولذلك قال عليه ~~السلام من قال لا اله إلا الله مخلصا دخل الجنة ومعنى الإخلاص أن يخلص قلبه ~~لله فلا يبقى فيه شرك لغير الله فيكون الله محبوب قلبه ومعبود قلبه ومقصود ~~قلبه فقط ومن هذا حاله فالدنيا سجنه لأنها مانعة له من مشاهدة محبوبه وموته ~~خلاص من السجن وقدوم على المحبوب فما حال من ليس له الا محبوب واحد وقد طال ~~اليه شوقه وتمادى عنه حبسه فخلى من السجن ومكن من المحبوب وروح بالأمن ابد ~~الآباد فاحد أسباب ضعف حب الله في القلوب قوة حب الدنيا ومنه حب الأهل ~~والمال والولد والأقارب والعقار والدواب والبساتين والمنتزهات حتى إن ~~المتفرح بطيب أصوات الطيور وروح نسم الأسحار ملتفت إلى نعيم الدنيا ومتعرض ~~لنقصان حب الله تعالى بسببه فبقدر ما أنس بالدنيا فينقص أنسه بالله ولا ~~يؤتى أحد من الدنيا شيئا إلا وينقص بقدره من الآخرة بالضرورة كما أنه لا ~~يقرب الإنسان من المشرق إلا ويبعد بالضرورة من المغرب بقدره ولا يطيب قلب ~~امرأته إلا ويضيق به قلب ضرتها فالدنيا والآخرة ضرتان وهما كالمشرق والمغرب ~~وقد انكشف ذلك لذوى القلوب انكشافا أوضح من الأبصار بالعين وسبيل قلع حب ~~الدنيا من القلب سلوك طريق الزهد وملازمة الصبر والانقياد إليهما بزمام ~~الخوف والرجاء فما ذكرناها من المقامات كالتوبة والصبر والزهد والخوف ~~والرجاء هي مقدمات ليكتسب بها أحد ركني المحبة وهو تخلية القلب عن غير الله ~~وأوله الإيمان بالله واليوم الآخر والجنة والنار ثم يتشعب منه الخوف ~~والرجاء ويتشعب منهما التوبة والصبر عليهما ثم ينجر ذلك إلى الزهد في ~~الدنيا وفي المال والجاه وكل حظوظ الدنيا حتى يحصل من جميعه طهارة القلب عن ~~غير الله فقط حتى يتسع بعده لنزول معرفة الله وحبه فكل ذلك مقدمات تطهير ~~القلب وهو أحد ركني المحبة واليه الإشارة بقوله عليه السلام الطهور شطر ~~الإيمان + حديث الطهور شطر الإيمان أخرجه مسلم حديث أبى مالك من الأشعرى ~~وقد تقدم + كما ذكرناه في أول كتاب الطهارة السبب الثاني لقوة المحبة قوة ~~معرفة الله تعالى واتساعها واستيلاؤها على القلب وذلك بعد تطهير القلب من ~~جميع شواغل الدنيا وعلائقها يجري مجرى وضع البذر في الأرض بعد تنقيتها من ~~الحشيش وهو الشطر الثاني ثم يتولد من هذا البذر شجرة المحبة والمعرفة وهي ~~الكلمة الطيبة التي ضرب الله بها مثلا حيث قال @QB@ ضرب الله مثلا كلمة ~~@QE@ PageV04P316 @QB@ طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء @QE@ ~~واليها الاشارة بقوله تعالى @QB@ إليه يصعد الكلم الطيب @QE@ أي المعرفة ~~@QB@ والعمل الصالح يرفعه @QE@ فالعمل الصالح كالجمال لهذه المعرفة ~~وكالخادم وانما العمل الصالح كله في تطهير القلب أولا من الدنيا ثم ادامة ~~طهارته فلا يراد العمل الا لهذه المعرفة وأما العلم بكيفية العمل فيراد ~~للعمل فالعلم هو الأول وهو الآخر وانما الأول علم المعاملة وغرضه العمل ~~وغرض المعاملة صفاء القلب وطهارته ليتضح فيه جلية الحق ويتزين بعلم المعرفة ~~وهو علم المكاشفة ومهما حصلت هذه المعرفة تبعتها المحبة بالضرورة كما أن من ~~كان معتدل المزاج اذا أبصر الجميل وأدركه بالعين الظاهرة أحبه ومال اليه ~~ومهما أحبه حصلت اللذة فاللذة تبع المحبة بالضرورة والمحبة تبع المعرفة ~~بالضرورة ولا يوصل إلى هذه المعرفة بعد انقطاع شواغل الدنيا من القلب الا ~~بالفكر الصافي والذكر الدائم والجد البالغ في الطلب والنظر المستمر في الله ~~تعالى وفي صفاته وفي ملكوت سمواته وسائر مخلوقاته والواصلون الي هذه الرتبة ~~ينقسمون الي الأقوياء ويكون أول معرفتهم بالله تعالى ثم به يعرفون غيره ~~والى الضعفاء ويكون أول معرفتهم بالأفعال ثم يترقون منها إلى الفاعل والى ~~الأول الاشارة بقوله تعالى أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد وبقوله ~~تعالى @QB@ شهد الله أنه لا إله إلا هو @QE@ ومنه نظر بعضهم حيث قيل له بم ~~عرفت ربك قال عرفت ربي ولولا ربي لما عرفت ربي والى الثاني الاشارة بقوله ~~تعالى @QB@ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ~~@QE@ الآية وبقوله عز وجل أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وبقوله ~~تعالى قل انظروا ماذا في السموات والأرض وبقوله تعالى الذي خلق سبع سموات ~~طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع ~~البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير وهذا الطريق هو الأسهل على ~~الأكثرين وهو الأوسع على السالكين واليه أكثر دعوة القرآن عند الأمر ~~بالتدبر والتفكر والاعتبار والنظر في آيات خارجة عن الحصر فان قلت كلا ~~الطريقين مشكل فأوضح لنا منهما ما يستعان به على تحصيل المعرفة والتوصل به ~~الي المحبة فاعلم أن الطريق الأعلى هو الاستشهاد بالحق سبحانه على سائر ~~الخلق فهو غامض والكلام فيه خارج عن حد فهم أكثر الخلق فلا فائدة في ايراده ~~في الكتب وأما الطريق الأسهل الأدنى فأكثره غير خارج عن حد الأفهام وانما ~~قصرت الأفهام عنه لاعراضها عن التدبر واشتغالها بشهوات الدنيا وحظوظ النفس ~~والمانع من ذكر هذا اتساعه وكثرته وانشعاب أبوابه الخارجة عن الحصر ~~والنهاية إذ مامن ذرة من أعلى السموات إلى تخوم الأرضين الا وفيها عجائب ~~آيات تدل على كمال قدرة الله تعالى وكمال حكمته ومنتهى جلاله وعظمته وذلك ~~مما لا يتناهى @QB@ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن ~~تنفد كلمات ربي @QE@ فالخوض فيه انغماس في بحار علوم المكاشفة ولا يمكن أن ~~يتطفل به على علوم المعاملة ولكن يمكن الرمز الي مثال واحد على الايجاز ~~ليقع التنبيه لجنسه فنقول أسهل الطريقين النظر الي الأفعال فلنتكلم فيها ~~ولنترك الأعلى ثم الأفعال الالهية كثيرة فنطلب أقلها وأحقرها وأصغرها ~~ولننظر في عجائبها فأقل المخلوقات هو الأرض وما عليها أعني بالاضافة الي ~~الملائكة وملكوت السموات فانك ان نظرت فيها من حيث الجسم والعظم في الشخص ~~فالشمس على ما ترى من صغر حجمها هي مثل الأرض مائة ونيفا وستين مرة فانظر ~~إلى صغر الأرض بالاضافة اليها ثم انظر إلى صغر الشمس بالاضافة الى ~~PageV04P317 فلكها الذي هي مركوزة فيه فانه لا نسبة لها إليه وهي في السماء ~~الرابعة وهي صغيرة بالاضافة إلى ما فوقها من السموات السبع ثم السموات ~~السبع في الكرسي كخلقة في فلاة والكرسى في العرش كذلك فهذا نظر إلى ظاهر ~~الأشخاص من حيث المقادير وما أحقر الأرض كلها بالاضافة إليها بل ما أصغر ~~الأرض بالإضافة إلى البحار فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرض في ~~البحر كالاصطبل في الأرض + حديث الأرض في البحر كالاصطبل في الأرض لم أجد ~~له أصلا + ومصداق هذا عرف بالمشاهدة والتجربة وعلم أن المكشوف من الأرض عن ~~الماء كجزيرة صغيرة بالاضافة إلى كل الأرض ثم انظر إلى الآدمي المخلوق من ~~التراب الذي هو جزء من الأرض والى سائر الحيوانات والى صغره بالاضافة إلى ~~الأرض ودع عنك جميع ذلك فأصغر ما نعرفه من الحيوانات البعوض والنحل وما ~~يجري مجراه فانظر في البعوض على قدر صغر قدره وتأمله بعقل حاضر وفكر صاف ~~فانظر كيف خلقه الله تعالى على شكل الفيل الذي هو أعظم الحيوانات إذ خلق له ~~خرطوما مثل خرطومه وخلق له على شكله الصغير سائر الأعضاء كما خلقه للفيل ~~بزيادة جناحين وانظر كيف قسم أعضاءه الظاهرة فأنبت جناحه وأخرج يده ورجله ~~وشق سمعه وبصره ودبر في باطنه من أعضاء الغذاء وآلاته ما دبره في سائر ~~الحيوانات وركب فيها من القوى الغاذية والجاذبة الدافعة والماسكة والهاضمة ~~ما ركب في سائر الحيوانات هذا في شكله وصفاته ثم انظر إلى هدايته كيف هداه ~~الله تعالى إلى غذائه وعرفه أن غذاءه دم الإنسان ثم انظر كيف أنبت له آلة ~~الطيران إلى الإنسان وكيف خلق له الخرطوم الطويل وهو محدد الرأس وكيف هداه ~~إلى مسام بشرة الإنسان حتى يضع خرطومه في واحد منها ثم كيف قواه حتى يغرز ~~فيه الخرطوم وكيف علمه المص والتجرع للدم وكيف خلق الخرطوم مع دقته مجوفا ~~حتى يجرى فيه الدم الرقيق وينتهى إلى باطنه وينتشر في سائر أجزائه ويغذيه ~~ثم كيف عرفه أن الإنسان يقصده بيده فعلمه حيلة الهرب واستعداد آلته وخلق له ~~السمع الذي يسمع به خفيف حركة اليد وهى بعد بعيدة منه فيترك المص ويهرب ثم ~~إذا سكنت اليد يعود ثم انظر كيف خلق له حدقتين حتى يبصر موضع غذائه فيقصده ~~مع صغر حجم وجهه # وانظر إلى أن حدقة كل حيوان صغير لما لم تحتمل حدقته الأجفان لصغره وكانت ~~الأجفان مصقلة لمرآة الحدقة عن القذى والغبار خلق للبعوض والذباب يدين ~~فتنظر إلى الذباب فتراه على الدوام يمسح حدقتيه بيديه # وأما الإنسان والحيوان الكبير فخلق لحدقتيه الأجفان حتى ينطبق أحدهما على ~~الآخر وأطرافهما حادة فيجمع الغبار الذى يلحق الحدقة ويرميه إلى أطراف ~~الأهداب وخلق الأهداب السود لتجمع ضوء العين وتعين على الإبصار وتحسن صورة ~~العين وتشبكها عند هيجان الغبار فينظر من وراء شباك الأهداب واشتباكها يمنع ~~دخول الغبار ولا يمنع الإبصار # وأما البعوض فخلق لها حدقتين مصقلتين من غير أجفان وعلمها كيفية التصقيل ~~باليدين ولأجل ضعف أبصارها تراها تتهافت على السراج لأن بصره ضعيف فهى تطلب ~~ضوء النهار فإذا رأى المسكين ضوء السراج بالليل ظن أنه في بيت مظلم وأن ~~السراج كوة من البيت المظلم إلى الموضع المضيء فلا يزال يطلب الضوء ويرمى ~~بنفسه إليه فإذا جاوزه ورأى الظلام ظن أنه لم يصب الكوة ولم يقصدها على ~~السداد فيعود إليه مرة أخرى إلى أن يحترق ولعلك تظن أن هذا لنقصانها وجهلها ~~فاعلم أن جهل الإنسان أعظم من جهلها بل صورة الآدمى في الإكباب على الشهوات ~~الدنيا صورة الفراش في التهافت على النار إذتلوح للآدمى أنوار الشهوات من ~~حيث ظاهر صورتها ولا يدرى أن تحتها السم الناقع القاتل فلا يزال يرمى نفسه ~~عليها إلى أن ينغمس فيها ويتقيد بها ويهلك PageV04P318 هلاكا مؤبدا فليت ~~كان جهل الآدمى كجهل الفراش فإنها باغترارها بظاهر الضوء إن احترقت تخلصت ~~في الحال والآدمى يبقى في النار أبد الآباد أو مدة مديدة ولذلك كان ينادى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول إنى ممسك بحجزكم عن النار وأنتم ~~تتهافتون فيها تهافت الفراش + حديث إنى ممسك بحجزكم عن النار وأنتم تهافتون ~~فيها تهافت الفراش متفق عليه من حديث أبى هريرة مثلى ومثل أمتى كمثل رجل ~~استوقد نارا فجعلت الدواب والفراش يقعن فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقتحمون فيه ~~لفظ مسلم واقتصر البخارى على أوله ولمسلم من حديث جابر وأنا آخذ بحجزكم ~~وأنتم تفلتون من يدى + فهذه لمعة عجيبة من عجائب صنع الله تعالى في أصغر ~~الحيوانات وفيها من العجائب ما لو اجتمع الأولون والآخرون على الإحاطة ~~بكنهه عجزوا عن حقيقته ولم يطلعوا على أمور جلية من ظاهر صورته فأما خفايا ~~معانى ذلك فلا يطلع عليها إلا الله تعالى # ثم في كل حيوان ونبات أعجوبة وأعاجيب تخصه لا يشاركه فيها غيره فانظر إلى ~~النحل وعجائبها وكيف أوحى الله تعالى إليها حتى اتخذت من الجبال بيوتا ومن ~~الشجر ومما يعرشون وكيف استخرج من لعابها الشمع والعسل وجعل أحدهما ضياء ~~وجعل الآخر شفاء ثم لو تأملت عجائب أمرها في تناولها الأزهار والأنوار ~~واحترازها عن النجاسات والأقذار وطاعتها لواحد من جملتها هو أكبرها شخصا ~~وهو أميرها ثم ما سخر الله تعالى له أميرها من العدل والإنصاف بينها حتى ~~انه ليقتل على باب المنفذ كل ما وقع منها على نجاسة لقضيت منها عجبا آخر ~~العجب إن كنت بصيرا في نفسك وفارغا من هم بطنك وفرجك وشهوات نفسك في معاداة ~~أقرانك وموالاة إخوانك ثم دع عنك جميع ذلك وانظر إلى بنائها بيوتها من ~~الشمع واختيارها من جملة الأشكال الشكل المسدس فلا تبني بيتا مستديرا ولا ~~مربعا ولا مخمسا بل مسدسا لخاصية في الشكل المسدس يقصر فهم المهندسين عن ~~دركها وهو أن أوسع الأشكال وأحواها المستديرة وما يقرب منها فان المربع ~~يخرج منه زوايا ضائعة وشكل النحل مستدير مستطيل فترك المربع حتى لا تضيع ~~الزوايا فتبقى فارغة ثم لو بناها مستديرة لبقيت خارج البيوت فرج ضائعة فان ~~الأشكال المستديرة إذا جمعت لم تجتمع متراصة ولا شكل في الأشكال ذوات ~~الزوايا يقرب في الاحتواء من المستدير ثم تتراص الجملة منه بحيث لا يبقى ~~بعد اجتماعها فرجة الا المسدس وهذه خاصية هذه الشكل فانظر كيف ألهم الله ~~تعالى النحل على صغر جرمه ولطافة قده لطفا به وعناية بوجوده وما هو محتاج ~~اليه ليتهنأ بعيشه فسبحانه ما أعظم شأنه وأوسع لطفه وامتنانه # فاعتبر بهذه اللمعة اليسيرة من محقرات الحيوانات ودع عنك عجائب ملكوت ~~الأرض والسموات فان القدر الذي بلغه فهمنا القاصر منه تنقضي الأعمار دون ~~إيضاحه ولا نسبة لما أحاط به علمنا إلى ما أحاط به العلماء والأنبياء ولا ~~نسبة لما أحاط به علم الخلائق كلهم إلى ما استأثر الله تعالى بعلمه بل كل ~~ما عرفه الخلق لا يستحق أن يسمى علما في جنب علم الله تعالى فبالنظر في هذا ~~وأمثاله تزداد المعرفة الحاصلة بأسهل الطريقين وبزيادة المعرفة تزداد ~~المحبة فان كنت طالبا سعادة لقاء الله تعالى فانبذ الدنيا وراء ظهرك ~~واستغرق العمر في الذكر الدائم والفكر اللازم فعساك تحظى منها بقدر يسير ~~ولكن تنال بذلك اليسير ملكا عظيما لا آخر له # | بيان السبب في تفاوت الناس في الحب # اعلم ان المؤمنين مشتركون في أصل الحب لاشتراكهم في أصل المحبة ولكنهم ~~متفاوتون لتفاوتهم في المعرفة وفي حب الدنيا إذ الأشياء إنما تتفاوت بتفاوت ~~أسبابها وأكثر الناس ليس لهم من الله تعالى إلا الصفات PageV04P319 ~~والأسماء التى قرعت سمعهم فتلقنوها وحفظوها وربما تخيلوا لها معانى يتعالى ~~عنها رب الأرباب وربما لم يطلعوا على حقيقتها ولا تخيلوا لها معنى فاسدا بل ~~آمنوا بها إيمان تسليم وتصديق واشتغلوا بالعمل وتركوا البحث وهؤلاء هم أهل ~~السلامة من أصحاب اليمين والمتخيلون هم الضالون والعارفون بالحقائق هم ~~المقربون # وقد ذكر الله حال الأصناف الثلاثة في قوله تعالى @QB@ فأما إن كان من ~~المقربين فروح وريحان وجنة نعيم @QE@ الآية # فإن كنت لا تفهم الأمور إلا بالأمثلة فلنضرب لتفاوت الحب مثالا فنقول ~~أصحاب الشافعى مثلا يشتركون في حب الشافعى رحمه الله الفقهاء منهم والعوام ~~لأنهم مشتركون في معرفة فضله ودينه وحسن سيرته ومحامد خصاله ولكن العامى ~~يعرف علمه مجملا والفقيه يعرفه مفصلا فتكون معرفة الفقيه به أتم وإعجابه به ~~وحبه له أشد فإن من رأى تصنيف مصنف فاستحسنه وعرف به فضله أحبه لا محالة ~~ومال إليه قلبه فإن رأى تصنيفا آخر أحسن منه وأعجب تضاعف لا محالة حبه لأنه ~~تضاعفت معرفته بعلمه وكذلك يعتقد الرجل في الشاعر أنه حسن الشعر فيحبه فإذا ~~سمع من غرائب شعره ما عظم فيه حذقه وصنعته ازداد به معرفة وازداد له حبا ~~وكذا سائر الصناعات والفضائل # والعامى قد يسمع أن فلانا مصنف وأنه حسن التصنيف ولكن لا يدرى ما في ~~التصنيف فيكون له معرفة مجملة ويكون له بحسبه ميل مجمل والبصير إذا فتش عن ~~التصانيف واطلع على ما فيها من العجائب تضاعف حبه لا محالة لأن عجائب ~~الصنعة والشعر والتصنيف تدل على كمال صفات الفاعل والمصنف والعالم بجملته ~~صنع الله تعالى وتصنيفه والعامى يعلم ذلك ويعتقده وأما البصير فإنه يطالع ~~تفصيل صنع الله تعالى فيه حتى يرى في البعوض مثلا من عجائب صنعه ما ينبهر ~~به عقله ويتحير فيه لبه ويزداد بسببه لا محالة عظمة الله وجلاله وكمال ~~صفاته في قلبه فيزداد له حبا وكلما ازداد على أعاجيب صنع الله اطلاعا استدل ~~بذلك على عظمة الله الصانع وجلاله وازداد به معرفة وله حبا # وبحر هذه المعرفة أعنى معرفة عجائب صنع الله تعالى بحر لا ساحل له فلا ~~جرم تفاوت أهل المعرفة في الحب لا حصر له ومما يتفاوت بسببه الحب اختلاف ~~الأسباب الخمسة التى ذكرناها للحب فإن من يحب الله مثلا لكونه محسنا إليه ~~منعما عليه ولم يحبه لذاته ضعفت محبته إذ تتغير بتغير الإحسان فلا يكون حبه ~~في حالة البلاء كحبه في حالة الرضا والنعماء # وأما من يحبه لذاته ولأنه مستحق للحب بسبب كماله وجماله ومجده وعظمته ~~فإنه لا يتفاوت حبه بتفاوت الإحسان إليه # فهذا وأمثاله هو سبب تفاوت الناس في المحبة # والتفاوت في المحبة هو السبب للتفاوت في سعادة الآخرة # ولذلك قال تعالى @QB@ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا @QE@ # | بيان السبب في قصور أفهام الخلق عن معرفة الله سبحانه # أعلم أن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله تعالى وكان هذا يقتضى أن تكون ~~معرفته أول المعارف وأسبقها إلى الأفهام وأسهلها على العقول وترى الأمر ~~بالضد من ذلك فلا بد من بيان السبب فيه # وإنما قلنا إنه أظهر الموجودات وأجلاها لمعنى لا تفهمه إلا بمثال وهو أنا ~~إذا رأينا إنسانا يكتب أو يخيط مثلا كان كونه حيا عندنا من أظهر الموجودات ~~فحياته وعلمه وقدرته وإرادته للخياطة أجلى عندنا من سائر صفاته الظاهرة ~~والباطنة إذصفاته الباطنة كشهوته وغضبه وخلقه وصحته ومرضه وكل ذلك لا نعرفه ~~وصفاته الظاهرة لا نعرف بعضها وبعضها نشك فيه كمقدار طوله واختلاف لون ~~بشرته وغير ذلك من صفاته # أما حياته وقدرته وإرادته وعلمه وكونه حيوانا فإنه جلى عندنا من غير أن ~~يتعلق حس البصر بحياته وقدرته وإرادته فإن هذه الصفات PageV04P320 لا تحس ~~بشيء من الحواس الخمس ثم لا يمكن أن نعرف حياته وقدرته وإرادته إلا بخياطته ~~وحركته فلو نظرنا إلى كل ما في العالم سواه لم نعرف به صفته فما عليه إلا ~~دليل واحد وهو مع ذلك جلى واضح ووجود الله تعالى وقدرته وعلمه وسائر صفاته ~~يشهد له بالضرورة كل ما نشاهده وندركه بالحواس الظاهرة والباطنة من حجر ~~ومدر ونبات وشجر وحيوان وسماء وأرض وكوكب وبحر ونار وهواء وجوهر وعرض بل ~~أول شاهد عليه أنفسنا وأجسامنا وأوصافنا وتقلب أحوالنا وتغير قلوبنا وجميع ~~أطوارنا في حركاتنا وسكناتنا وأظهر الأشياء في علمنا أنفسنا ثم محسوساتنا ~~بالحواس الخمس ثم مدركاتنا بالعقل والبصيرة وكل واحد من هذه المدركات له ~~مدرك واحد وشاهد واحد ودليل واحد وجميع ما في العالم شواهد ناطقة وأدلة ~~شاهدة بوجود خالقها ومدبرها ومصرفها ومحركها ودالة على علمه وقدرته ولطفه ~~وحكمته # والموجودات المدركة لا حصر لها فإن كانت حياة الكاتب ظاهرة عندنا وليس ~~لها يشهد إلا شاهد واحد وهو ما أحسسنا به من حركة يده فكيف لا يظهر عندنا ~~ما لا يتصور في الوجود شيء داخل نفوسنا وخارجها إلا وهو شاهد عليه وعلى ~~عظمته وجلاله إذ كل ذرة فإنها تنادى بلسان حالها أنه ليس وجودها بنفسها ولا ~~حركتها بذاتها وأنها تحتاج إلى موجد ومحرك لها يشهد بذلك أولا تركيب ~~أعضائنا وائتلاف عظامنا ولحومنا وأعصابنا ومنابت شعورنا وتشكل أطرافنا ~~وسائر أجزائنا الظاهرة والباطنة فإنه نعلم أنها لم تأتلف بأنفسها كما نعلم ~~أن يد الكاتب لم تتحرك بنفسها ولكن لما لم يبق في الوجود شيء مدرك ومحسوس ~~ومعقول وحاضر وغائب إلا وهو شاهد ومعرف عظم ظهوره فانبهرت العقول ودهشت عن ~~إدراكه # فإن ما تقصر عن فهمه عقولنا فله سببان أحدهما خفاؤه في نفسه وغموضه وذلك ~~لا يخفى مثاله والآخر ما يتناهى وضوحه وهذا كما أن الخفاش يبصر بالليل ولا ~~يبصر بالنهار لا لخفاء النهار واستتاره ولكن لشدة ظهوره فإن بصر الخفاش ~~ضعيف يبهره نور الشمس إذا أشرقت فتكون قوة ظهوره مع ضعف بصره سببا لامتناع ~~إبصاره فلا يرى شيئا إلا إذا امتزج الضوء بالظلام وضعف ظهوره # فكذلك عقولنا ضعيفة وجمال الحضرة الإلهية في نهاية الإشراق والاستنارة ~~وفي غاية الاستغراق والشمول حتى لم يشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السموات ~~والأرض فصار ظهوره سبب خفائه فسبحان من احتجب بإشراق نوره واختفى عن ~~البصائر والأبصار بظهوره ولا يتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور فإن الأشياء ~~تستبان بأضدادها وماعم وجوده حتى أنه لا ضد له عسر إدراكه فلو اختلفت ~~الأشياء فدل بعضها دون بعض أدركت التفرقة على قرب ولما اشتركت في الدلالة ~~على نسق واحد أشكل الأمر # ومثاله نور الشمس المشرق على الأرض فإنا نعلم أنه عرض من الأعراض يحدث في ~~الأرض ويزول عند غيبة الشمس فلو كانت الشمس دائمة الإشراق لا غروب لها لكنا ~~نظن أنه لا هيئة في الأجسام إلا ألوانها وهى السواد والبياض وغيرهما فإنا ~~لا نشاهد في الأسود إلا السواد وفي الأبيض إلا البياض فأما الضوء فلا ندركه ~~وحده ولكن لما غابت الشمس وأظلمت المواضع أدركنا تفرقة بين الحالين فعلمنا ~~أن الأجسام كانت قد استضاءت بضوء واتصفت بصفة فارقتها عند الغروب فعرفنا ~~وجود النور بعدمه وما كنا نطلع عليه لولا عدمه إلا بعسر شديد وذلك ~~لمشاهدتنا الأجسام متشابهة غير مختلفة في الظلام والنور هذا مع أن النور ~~أظهر المحسوسات إذ به تدرك سائر المحسوسات فما هو ظاهر في نفسه وهو مظهر ~~لغيره انظر كيف تصور استبهام أمره بسبب ظهوره لولا طريان ضده فالله تعالى ~~هو أظهر الأمور وبه ظهرت الأشياء كلها ولو كان له عدم أو غيبة أو تغير ~~لانهدت السموات والأرض وبطل الملك PageV04P321 والملكوت ولأدرك بذلك ~~التفرقة بين الحالين ولو كان بعض الأشياء موجودا به وبعضها موجودا بغيره ~~لأدركت التفرقة بين الشيئين في الدلالة ولكن دلالته عامة في الأشياء على ~~نسق واحد ووجوده دائم في الأحوال يستحيل خلافه فلا جرم أورثت شدة الظهور ~~خفاء فهذا هو السبب في قصور الأفهام # وأما من قويت بصيرته ولم تضعف منته فإنه في حال اعتدال أمره لا يرى إلا ~~الله تعالى ولا يعرف غيره يعلم أنه ليس في الوجود إلا الله وأفعاله أثر من ~~الآثار قدرته فهى تابعة له فلا وجود لها بالحقيقة دونه وإنما الوجود للواحد ~~الحق الذى به وجود الأفعال كلها ومن هذه حاله فلا ينظر في شيء من الأفعال ~~إلا ويرى فيه الفاعل ويذهل عن الفعل من حيث إنه سماء وأرض وحيوان وشجر بل ~~ينظر فيه من حيث أنه صنع الواحد الحق فلا يكون نظره مجاوزا له إلى غيره كمن ~~نظر في شعر إنسان أو خطه أو تصنيفه ورأى فيها الشاعر والمصنف ورأى آثاره من ~~حيث أثره لا من حيث إنه حبر وعفص وزاج مرقوم على بياض فلا يكون قد نظر إلى ~~غير المصنف # وكل العالم تصنيف الله تعالى فمن نظر إليه من حيث إنه فعل الله وعرفه من ~~حيث إنه فعل الله وأحبه من حيث إنه فعل الله لم يكن ناظرا إلا في الله ولا ~~عارفا إلا بالله ولا محبا إلا له وكان هو الموحد الحق الذى لا يرى إلا الله ~~بل لا ينظر إلى نفسه من حيث نفسه بل من حيث إنه عبدا لله فهذا الذى يقال ~~فيه إنه فنى في التوحيد وإنه فنى عن نفسه وإليه الإشارة بقول من قال كنا ~~بنا ففنينا عنا فبقينا بلا نحن فهذه أمور معلومة عند ذوى البصائر أشكلت ~~لضعف الأفهام عن دركها وقصور قدرة العلماء بها عن إيضاحها وبيانها بعبارة ~~مفهمة موصلة للغرض إلى الأفهام أو باشتغالهم بأنفسهم واعتقادهم أن بيان ذلك ~~لغيرهم مما لا يعنيهم # فهذا هو السبب في قصور الأفهام عن معرفة الله تعالى وانضم إليه أن ~~المدركات كلها التى هى شاهدة على الله إنما يدركها الإنسان في الصبا عند ~~فقد العقل ثم تبدو فيه غريزة العقل قليلا قليلا وهو مستغرق الهم بشهواته ~~وقد أنس بمدركاته ومحسوساته وألفها فسقط وقعها عن قلبه بطول الأنس ولذلك ~~إذا رأى على سبيل الفجأة حيوانا غريبا أو نباتا غريبا أو فعلا من أفعال ~~الله تعالى خارقا للعادة عجيبا انطلق لسانه بالمعرفة طبعا فقال سبحان الله ~~وهو يرى طول النهار نفسه وأعضاءه وسائر الحيوانات المألوفة وكلها شواهد ~~قاطعة لا يحس بشهادتها لطول الأنس بها ولو فرض أكمه بلغ عاقلا ثم انقشعت ~~غشاوة عينه فامتد بصره إلى السماء والأرض والأشجار والنبات والحيوان دفعة ~~واحدة على سبيل الفجأة لخيف على عقله أن ينبهر لعظم تعجبه من شهادة العجائب ~~لخالقها # فهذا وأمثاله من الأسباب مع الانهماك في الشهوات هو الذي سد على الخلق ~~سبيل الاستضاءة بأنوار المعرفة والسباحة في بحارها الواسعة فالناس في طلبهم ~~معرفة الله كالمدهوش الذى يضرب به المثل إذا كان راكبا لحماره وهو يطلب ~~حماره والجليات إذا صارت مطلوبة صارت معتاصة # فهذا سر هذا الأمر فليحقق ولذلك قيل # فقد ظهرت فما تخفى على أحد % إلا على أكمه لا يعرف القمرا # لكن بطنت بما أظهرت محتجبا % فكيف يعرف من بالعرف قد سترا # | بيان معنى الشوق إلى الله تعالى # أعلم أن من أنكر حقيقة المحبة لله تعالى فلا بد وأن ينكر حقيقة الشوق إذ ~~لا يتصور الشوق إلا إلى محبوب ونحن نثبت وجود الشوق إلى الله تعالى وكون ~~العارف مضطرا إليه بطريق الاعتبار والنظر بأنوار البصائر وبطريق الأخبار ~~والآثار # أما الاعتبار فيكفى في إثباته ما سبق في إثبات الحب فكل محبوب يشتاق إليه ~~في غيبته PageV04P322 لا محالة فأما الحاصل الحاضر فلا يشتاق إليه فإن ~~الشوق طلب وتشوف إلى أمر والموجود لا يطلب ولكن بيانه أن الشوق لا يتصور ~~إلا إلى شيء أدرك من وجه ولم يدرك من وجه فأما ما لا يدرك أصلا فلا يشتاق ~~إليه فإن من لم ير شخصا ولم يسمع وصفه ولا يتصور أن يشتاق إليه وما أدرك ~~بكماله لا يشتاق إليه وكمال الإدراك بالرؤية فمن كان في مشاهدة محبوبه ~~مداوما للنظر إليه لا يتصور أن يكون له شوق ولكن الشوق إنما يتعلق بما أدرك ~~من وجه ولم يدرك من وجه وهو من وجهين لا ينكشف إلا بمثال من المشاهدات # فنقول مثلا من غاب عنه معشوقه وبقى في قلبه خياله فيشتاق إلى استكمال ~~خياله بالرؤية فلو انمحى عن قلبه ذكره وخياله ومعرفته حتى نسيه لم يتصور أن ~~يشتاق إليه ولو رآه لم يتصور أن يشتاق في وقت الرؤية فمعنى شوقه تشوق نفسه ~~إلى استكمال خياله فكذلك قد يراه في ظلمة بحيث لا ينكشف له حقيقة صورته ~~فيشتاق إلى استكمال رؤيته وتمام الانكشاف في صورته بإشراق الضوء عليه ~~والثاني أن يرى وجه محبوبه ولا يرى شعره مثلا ولا سائر محاسنه فيشتاق ~~لرؤيته وإن لم يرها قط ولم يثبت في نفسه خيال صادر عن الرؤية ولكنه يعلم أن ~~له عضوا وأعضاء جميلة ولم يدرك تفصيل جمالها بالرؤية فيشتاق إلى أن ينكشف ~~له ما لم يره قط # والوجهان جميعا متصوران في حق الله تعالى بل هما لازمان بالضرورة لكل ~~العارفين فإن ما اتضح للعارفين من الأمور الإلهية وإن كان في غاية الوضوح ~~فكأنه من وراء ستر رقيق فلا يكون متضحا غاية الاتضاح بل يكون مشوبا بشوائب ~~التخيلات فإن الخيالات لا تفتر في هذا العالم عن التمثيل والمحاكاة لجميع ~~المعلومات وهى مكدرات للمعارف ومنغصات وكذلك ينضاف إليها شواغل الدنيا ~~فإنما كمال الوضوح بالمشاهدة وتمام إشراق التجلى ولا يكون ذلك إلا في ~~الآخرة وذلك بالضرورة يوجب الشوق فإنه منتهى محبوب العارفين # فهذا أحد نوعى الشوق وهو استكمال الوضوح فيما اتضح اتضاحا ما الثانى أن ~~الأمور الإلهية لا نهاية لها وإنما ينكشف لكل عبد من العباد بعضها وتبقى ~~أمور لا نهاية لها غامضة والعارف يعلم وجودها وكونها معلومة لله تعالى ~~ويعلم أن ما غاب عن علمه من المعلومات أكثر مما حضر فلا يزال متشوقا إلى أن ~~يحصل له أصل المعرفة فيما لم يحصل مما بقى من المعلومات التى لم يعرفها ~~أصلا لا معرفة واضحة ولا معرفة غامضة # والشوق الاول ينتهى في الدار الآخرة بالمعنى الذى يسمى رؤية ولقاء ~~ومشاهدة ولا يتصور أن يسكن في الدنيا # وقد كان إبراهيم بن أدهم من المشتاقين فقال قلت ذات يوم يارب إن أعطيت ~~أحدا من المحبين لك ما يسكن به قلبه قبل لقائك فأعطنى ذلك فقد أضر بى القلق ~~قال فرأيت في النوم أنه أوقفنى بين يديه وقال يا إبراهيم أما استحييت منى ~~أن تسألنى أن أعطيك ما يسكن به قلبك قبل لقائى وهل يسكن المشتاق قبل لقاء ~~حبيبه فقلت يا رب تهت في حبك فلم أدر ما أقول فاغفر لي وعلمنى ما أقول فقال ~~قل اللهم رضنى بقضائك وصبرنى على بلائك وأوزعنى شكر نعمائك فإن هذا الشوق ~~يسكن في الآخرة # وأما الشوق الثاني فيشبه أن لا يكون له نهاية لا في الدنيا ولا في الآخرة ~~إذ نهايته أن ينكشف للعبد في الآخرة من جلال الله تعالى وصفاته وحكمته ~~وأفعاله ما هو معلوم لله تعالى وهو محال لأن ذلك لا نهاية له # ولا يزال العبد عالما بأنه بقى من الجمال والجلال ما لم يتضح له فلا يسكن ~~قط شوقه لا سيما من يرى فوق درجته درجات كثيرة إلا أنه تشوق إلى استكمال ~~الوصال مع حصول أصل الوصال فهو يجد لذلك شوقا لذيذا لا يظهر فيه ألم ولا ~~يبعد أن تكون ألطاف الكشف والنظر متوالية إلى غير نهاية فلا يزال النعيم ~~واللذة متزايدا أبد الآباد PageV04P323 وتكون لذة ما يتجدد من لطائف النعيم ~~شاغلة عن الإحساس بالشوق إلى ما لم يحصل وهذا بشرط أن يمكن حصول الكشف فيما ~~لم يحصل فيه كشف في الدنيا أصلا فإن كان ذلك غير مبذول فيكون النعيم واقفا ~~على حد لا يتضاعف ولكن يكون مستمرا على الدوام # وقوله سبحانه وتعالى @QB@ نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا ~~أتمم لنا نورنا @QE@ محتمل لهذا المعنى وهو أن ينعم عليه بإتمام النور مهما ~~تزود من الدنيا أصل النور ويحتمل أن يكون المراد به إتمام النور في غير ما ~~استنار في الدنيا استنارة محتاجة إلى مزيد الاستكمال والإشراق فيكون هو ~~المراد بتمامه وقوله تعالى @QB@ انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم ~~فالتمسوا نورا @QE@ يدل على أن الأنوار لابد وأن يتزود أصلها في الدنيا ثم ~~يزداد في الآخرة إشراقا فأما أن يتجدد نور فلا والحكم في هذا برجم الظنون ~~مخطر ولم ينكشف لنا فيه بعد ما يوثق به فنسأل الله تعالى أن يزيدنا علما ~~ورشدا ويرينا الحق حقا # فهذا القدر من أنوار البصائر كاشف لحقائق الشوق ومعانيه # وأما شواهد الأخبار والآثار فأكثر من أن تحصى فمما اشتهر من دعاء رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول اللهم إنى أسألك الرضا بعد القضاء ~~وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك + حديث ~~أنه كان يقول في دعائه اللهم إنى أسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد ~~الموت الحديث أخرجه أحمد والحاكم وتقدم في الدعوات + وقال أبو الدرداء لكعب ~~أخبرني عن أخص آية يعنى في التوراة فقال يقول الله تعالى طال شوق الأبرار ~~إلى لقائي وإني إلى لقائهم لأشد شوقا قال ومكتوت إلى جانبها من طلبنى وجدنى ~~ومن طلب غيرى لم يجدنى فقال أبو الدرداء أشهد أنى لسمعت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يقول هذا # وفي أخبار داود عليه السلام إن الله تعالى قال يا داود أبلغ أهل أرضي أنى ~~حبيب لمن أحبنى وجليس لمن جالسنى ومؤنس لمن أنس بذكرى وصاحب لمن صاحبنى ~~ومختار لمن اختارنى ومطيع لمن أطاعنى ما أحبنى عبد أعلم ذلك يقينا من قلبه ~~إلا قبلته لنفسى وأحببته حبا لا يتقدمه أحد من خلقى من طلبنى بالحق وجدنى ~~ومن طلب غيرى لم يجدنى فارفضوا يا أهل الأرض ما أنتم عليه من غرورها وهلموا ~~إلى كرامتى ومصاحبتى ومجالستى وائنسوا بي أؤانسكم وأسارع إلى محبتكم فإنى ~~خلقت طينة أحبائى من طينة إبراهيم خليلى وموسى نجي ومحمد صفي وخلقت قلوب ~~المشتاقين من نورى ونعمتها بجلالى # وروى عن بعض السلف أن الله تعالى أوحى إلى بعض الصديقين إن لى عبادا من ~~عبادى يحبونى وأحبهم ويشتاقون إلى وأشتاق إليهم ويذكرونى وأذكرهم وينظرون ~~إلى وأنظر إليهم فأن حذوت طريقهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك قال يارب وما ~~علامتهم قال يراعون الظلال بالنهار كما يراعى الراعى الشفيق غنمه ويحنون ~~إلى غروب الشمس كما يحن الطائر إلى وكره عند الغروب فإذا جنهم الليل واختلط ~~الظلام وفرشت الفرش ونصبت الأسرة وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا إلى أقدامهم ~~وافترشوا إلى وجوههم وناجونى بكلامى وتملقوا إلى بإنعامى فبين صارخ وباك ~~وبين متأوه وشاك وبين قائم وقاعد وبين راكع وساجد بعينى ما يتحملون من أجلى ~~وبسمعى ما يشتكون من حبى أول ما أعطيهم ثلاث أقذف من نورى في قلوبهم ~~فيخبرون عنى كما أخبر عنهم # والثانية لو كانت السموات والأرض وما فيها في موازينهم لاستقللنها لهم # والثالثة أقبل بوجهى عليهم فترى من أقبلت عليه يعلم أحد ما أريد أن أعطيه # وفي أخبار داود عليه السلام إن الله تعالى أوحى إليه يا داود إلى كم تذكر ~~الجنة ولا تسألنى الشوق إلى PageV04P324 قال يا رب من المشتاقون إليك قال ~~إن المشتاقين إلى الذين صفيتهم من كل كدر ونبهتهم بالحذر وخرقت من قلوبهم ~~إلى خرقا ينظرون إلى وإنى لأحمل قلوبهم بيدى فأضعها على سمائى ثم أدعو ~~نجباء ملائكتى فإذا اجتمعوا سجدوا لى فأقول إنى لم أدعكم لتسجدوا لى ولكنى ~~دعوتكم لأعرض عليكم قلوب المشتاقين إلى وأباهى بكم أهل الشوق إلى فإن ~~قلوبهم لتضيء في سمائي لملائكتى كما تضيء الشمس لأهل الأرض يا داود إنى ~~خلقت قلوب المشتاقين من رضوانى ونعمتها بنور وجهى فاتخذتهم لنفسى محدثى ~~وجعلت أبدانهم موضع نظرى إلى الأرض وقطعت من قلوبهم طريقا ينظرون به إلى ~~يزدادون في كل يوم شوقا قال داود يا رب أرنى أهل محبتك فقال يا داود أئت ~~جبل لبنان فإن فيه أربعة عشر نفسا فيهم شبان وفيهم شيوخ وفيهم كهول فإذا ~~أتيتهم فأقرئهم منى السلام وقل لهم إن ربكم يقرئكم السلام ويقول لكم ألا ~~تسألون حاجة فإنكم أحبائى وأصفيائى وأوليائى أفرح لفرحكم وأسارع إلى محبتكم # فأتاهم داود عليه السلام فوجدهم عند عين من العيون يتفكرون في عظمة الله ~~عز وجل فلما نظروا إلى داود عليه السلام نهضوا ليتفرقوا عنه فقال داود إنى ~~رسول الله إليكم جئتكم لأبلغكم رسالة ربكم فأقبلوا نحوه وألقوا أسماعهم نحو ~~قوله وألقوا أبصارهم إلى الأرض فقال داود إنى رسول الله إليكم يقرئكم ~~السلام ويقول لكم ألا تسألون حاجة ألا تنادونى أسمع صوتكم وكلامكم فإنكم ~~أحبائى وأصفيائى وأوليائى أفرح لفرحكم وأسارع إلى محبتكم وأنظر إليكم في كل ~~ساعة نظر الوالدة الشفيقة الرفيقة قال فجرت الدموع على خدودهم فقال شيخهم ~~سبحانك سبحانك نحن عبيدك وبنو عبيدك فاغفر لنا ما قطع قلوبنا عن ذكرك فيما ~~مضى من أعمارنا وقال الآخر سبحانك سبحانك نحن عبيدك وبنو عبيدك فامنن علينا ~~بحسن النظر فيما بيننا وبينك وقال الآخر سبحانك سبحانك نحن عبيدك وبنو عبيد ~~أفنجترىء على الدعاء وقد علمت أنه لا حاجة لنا في شيء من أمورنا فأدم لنا ~~لزوم الطريق إليك وأتمم بذلك المنة علينا # وقال الآخر نحن مقصرون في طلب رضاك فأعنا علينا بجودك # وقال الآخر من نطفة خلقتنا ومننت علينا بالتفكر في عظمتك أفيجترىء على ~~الكلام من هو مشتغل بعظمتك متفكر في جلالك وطلبتنا الدنو من نورك # وقال الآخر كلت ألسنتنا عن دعائك لعظم شأنك وقربك من أوليائك وكثرة منتك ~~على أهل محبتك # وقال الآخر أنت هديت قلوبنا لذكرك فرغتنا للاشتغال بك فاغفر لنا تقصيرنا ~~في شكرك # وقال الآخر قد عرفت حاجتنا إنما هى النظر إلى وجهك # وقال الآخر كيف يجترىء العبد على سيده إذ أمرتنا بالدعاء بجودك فهب لنا ~~نورا نهتدى به في الظلمات من أطباق السموات # وقال آخر ندعوك أن تقبل علينا وتديمه عندنا # وقال الآخر نسألك تمام نعمتك فيما وهبت لنا وتفضلت به علينا # وقال الآخر لا حاجة لنا في شيء من خلقك فامنن علينا بالنظر إلى جمال وجهك # وقال الآخر أسألك من بينهم أن تعمى عينى عن النظر إلى الدنيا وأهلها ~~وقلبى عن الإشتغال بالآخرة # وقال الآخر قد عرفت تباركت وتعاليت أنك تحب أولياءك فامنن علينا باشتغال ~~القلب بك عن كل شيء دونك فأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام قل لهم قد ~~سمعت كلامكم وأجبتكم إلى ما أحببتم فليفارق كل واحد منكم صاحبه وليتخذ ~~لنفسه سربا فإنى كاشف الحجاب فيما بينى وبينكم حتى تنظروا إلى نورى وجلالى # فقال داود يارب بم نالوا هذا منك قال بحسن الظن والكف عن الدنيا وأهلها ~~والخلوات بي ومناجاتهم لى وإن هذا منزل لا يناله إلى من رفض الدنيا وأهلها ~~ولم يشتغل بشيء من ذكرها وفرغ قلبه لي واختارنى على جميع خلقى فعند ذلك ~~أعطف عليه وأفرغ نفسه وأكشف الحجاب فيما بينى وبينه حتى ينظر إلى نظر ~~الناظر PageV04P325 بعينه إلى الشيء وأريه كرامتى في كل ساعة وأقربه من نور ~~وجهى إن مرض مرضته كما تمرض الوالدة الشفيقة ولدها وإن عطش أرويته وأذيقه ~~طعم ذكرى فإذا فعلت ذلك به يا داود عميت نفسه عن الدنيا وأهلها ولم أحببها ~~إليه لا يفتر عن الاشتغال بي يستعجلنى القدوم وأنا أكره أن أميته لأنه موضع ~~نظرى من بين خلقي لا يرى غيرى ولا أرى غيره فلو رأيته يا داود وقد ذابت ~~نفسه ونحل جسمه وتهشمت أعضاؤه وانخلع قلبه إذا سمع بذكرى أباهى به ملائكتى ~~وأهل سمواتى يزداد خوفا وعبادة وعزتي وجلالى يا داود لأقعدنه في الفردوس ~~ولأشفين صدره من النظر إلى حتى يرضى وفوق الرضا # وفي أخبار داود أيضا قل لعبادى المتوجهين إلى محبتى ما ضركم إذا احتجبت ~~عن خلقى ورفعت الحجاب فيما بينى وبينكم حتى تنظروا إلى بعيون قلوبكم وما ~~ضركم ما زويت عنكم من الدنيا إذا بسطت دينى لكم وما ضركم مسخطة الخلق إذا ~~التمستم رضائى # وفي أخبار داود أيضا إن الله تعالى أوحى إليه تزعم أنك تحبنى فإن كنت ~~تحبنى فأخرج حب الدنيا من قلبك فإن حبى وحبها لا يجتمعان في قلب # يا داود خالص حبيبى مخالصة وخالط أهل الدنيا مخالطة ودينك فقلدنيه ولا ~~تقلد دينك الرجال أما ما استبان لك مما وافق محبتى فتمسك به وأما ما أشكل ~~عليك فقلدنيه حقا على أني أسارع إلى سياستك وتقويمك وأكن قائدك ودليلك ~~أعطيك من غير أن تسألنى وأعينك على الشدائد وإنى قد حلفت على نفسى أنى لا ~~أثيب إلا عبدا قد عرفت من طلبته وإرادته إلفاء كنفه بين يدى وأنه لا غنى به ~~عنى # فإذا كنت كذلك نزعت الذلة والوحشة عنك وأسكن الغنى قلبك فإنى قد حلفت على ~~نفسى أنه لا يطمئن عبد لى إلى نفسه ينظر إلى فعالها إلا وكلته إليها أضف ~~الأشياء إلى لا تضاد عملك فتكون متعنيا ولا ينتفع بك من يصحبك ولا تجد ~~لمعرفتى حدا فليس لها غاية ومتى طلبت منى الزيادة أعطك ولا تجد للزيادة منى ~~حدا ثم أعلم بنى اسرائيل أنه ليس بينى وبين أحد من خلقى نسب فلتعظم رغبتهم ~~وإرادتهم عندى أبح لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ~~ضعنى بين عينيك وانظر إلى ببصر قلبك ولا تنظر بعينك التى في رأسك إلى الذين ~~حجبت عقولهم عنى فأمر جوها وسخت بانقطاع ثوابي عنها فإنى حلفت بعزتي وجلالى ~~لا أفتح ثوابي لعبد دخل في طاعتى للتجربة والتسويف تواضع لمن تعلمه ولا ~~تطاول على المريدين فلو علم أهل محبتى منزلة المريدين عندى لكانوا لهم أرضا ~~يمشون عليها # يا دواد لأن تخرج مريدا من سكرة هو فيها تستنقذه فأكتبك عندى جهيدا ومن ~~كتبته عندى جهيدا لا تكون عليه وحشة ولا فاقة إلى المخلوقين # يا داود تمسك بكلامى وخذ من نفسك لنفسك لا تؤتين منها فأحجب عنك محنتى لا ~~تؤيس عبادى من رحمتى اقطع شهوتك لي فإنما أبحت الشهوات لضعفة خلقى ما بال ~~الأقوياء أن ينالوا الشهوات فإنها تنقص حلاوة مناجاتى وإنما عقوبة الأقوياء ~~عندى في موضع التناول أدنى ما يصل إليهم أن أحجب عقولهم عنى فإنى لم أرض ~~الدنيا لحبيبى ونزهته عنها # يا داود لا تجعل بينى وبينك عالما يحجبك بسكره عن محبتى أولئك قطاع ~~الطريق على عبادى المريدين استعن على ترك الشهوات بإدمان الصوم وإياك ~~والتجربة في الإفطار فإن محبتى للصوم إدمانه # يا داود تحبب إلى بمعاداة نفسك امنعها الشهوات أنظر إليك وترى الحجب بينى ~~وبينك مرفوعة إنما أداريك مداراة لتقوى على ثوابى إذا مننت عليك به وإنى ~~أحبسه عنك وأنت متمسك بطاعتى # أوحى الله تعالى إلى داود يا داود لو يعلم المدبرون عنى كيف انتظارى لهم ~~ورفقى بهم وشوقي إلى ترك معاصيهم لماتوا شوقا إلى وتقطعت أوصالهم من محبتى # يا داود هذه إرادتى في المدبرين عنى فكيف إرادتى في المقبلين على ~~PageV04P326 يا داود أحوج ما يكون العبد إلى إذا استغنى عنى وأرحم ما أكون ~~بعبدى إذا أدبر عنى وأجل ما يكون عندى إذا رجع إلى فهذه الأخبار ونظائرها ~~مما لا يحصى تدل على إثبات المحبة والشوق والأنس وإنما تحقيق معناها ينكشف ~~بما سبق # | بيان محبة الله للعبد ومعناها # أعلم أن شواهد القرآن متظاهرة على أن الله تعالى يحب عبده فلا بد من ~~معرفة مع معنى ذلك ولنقدم الشواهد على محبته فقد قال الله تعالى @QB@ يحبهم ~~ويحبونه @QE@ وقال تعالى @QB@ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا @QE@ ~~وقال تعالى @QB@ إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين @QE@ ولذلك رد سبحانه ~~على من ادعى أنه حبيب الله فقال @QB@ قل فلم يعذبكم بذنوبكم @QE@ وقد روى ~~أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أحب الله تعالى عبدا لم يضره ~~ذنب والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ثم تلا إن الله يحب التوابين + حديث ~~أنس إذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ذكره ~~صاحب الفردوس ولم يخرجه ولده في مسنده وروى ابن ماجه الشطر الثانى من حديث ~~ابن مسعود وتقدم في التوبة + ومعناه أنه إذا أحبه تاب عليه قبل الموت فلم ~~تضره الذنوب الماضية وإن كثرت كما لا يضر الكفر الماضى بعد الإسلام وقد ~~اشترط الله تعالى للمحبة غفران الذنب فقال @QB@ قل إن كنتم تحبون الله ~~فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم @QE@ وقال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم إن الله تعالى يعطى الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطى الإيمان إلا من ~~يحب + حديث ان الله يعطى الدنيا من يحب ومن لا يحب الحديث أخرجه الحاكم ~~وصحح إسناده والبيهقى في الشعب من حديث ابن مسعود + وقال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله ومن أكثر ذكر ~~الله أحبه الله + حديث من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله ومن أكثر ~~من ذكر الله أحبه الله أخرجه ابن ماجه من حديث أبي سعيد بإسناد حسن دون ~~قوله ومن أكثر إلى آخره ورواه أبو يعلى وأحمد بهذه الزيادة وفيه ابن لهيعة ~~+ وقال عليه السلام قال الله تعالى لا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى ~~أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به + حديث قال ~~الله تعالى لا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه الحديث أخرجه ~~البخارى من حديث أبى هريرة وقد تقدم + الحديث وقال زيد بن أسلم إن الله ~~ليحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول اعمل ما شئت فقد غفرت لك وما ورد من ~~ألفاظ المحبة خارج عن الحصر # وقد ذكرنا أن محبة العبد لله تعالى حقيقة وليست بمجاز إذ المحبة في وضع ~~اللسان عبارة عن ميل النفس إلى الشيء الموافق والعشق عبارة عن الميل الغالب ~~المفرط وقد بينا أن الإحسان موافق للنفس والجمال موافق أيضا وأن الجمال ~~والإحسان تارة يدرك بالبصر وتارة يدرك بالبصيرة والحب يتبع كل واحد منهما ~~فلا يختص بالبصر # فأما حب الله للعبد فلا يمكن أن يكون بهذا المعنى أصلا بل الأسامي كلها ~~إذا أطلقت على الله تعالى وعلى غير الله لم تنطلق عليهما بمعنى واحد أصلا ~~حتى إن اسم الوجود الذى هو أعم الأسماء اشتراكا لا يشمل الخالق والخلق على ~~وجه واحد بل كل ما سوى الله تعالى فوجوده مستفاد من وجود الله تعالى ~~فالوجود التابع لا يكون مساويا للوجود المتبوع # وإنما الاستواء في إطلاق الاسم نظيره اشتراك الفرس والشجر في اسم الجسم ~~إذ معنى الجسمية وحقيقتها متشابهة فيهما من غير استحقاق أحدهما لأن يكون ~~فيه أصلا فليست الجسمية لأحدهما مستفادة من الآخر وليس كذلك اسم الوجود لله ~~ولا لخلقه وهذا التباعد في سائر الأسامى أظهر كالعلم والإرادة PageV04P327 ~~والقدرة وغيرها فكل ذلك لا يشبه فيه الخالق الخلق وواضع اللغة إنما وضع هذه ~~الأسامى أولا للخلق فإن الخلق أسبق إلى العقول والأفهام من الخالق فكان ~~استعمالها فى حق الخالق بطريق الاستعارة والتجوز والنقل والمحبة في وضع ~~اللسان عبارة عن ميل النفس إلى موافق ملائم وهذا إنما يتصور في نفس ناقصة ~~فاتها ما يوافقها فتستفيد بنيله كمالا فتلتذ بنيله وهذا محال على الله ~~تعالى فإن كل كمال وجمال وبهاء وجلال ممكن في حق الإلهية فهو حاضر وحاصل ~~وواجب الحصول أبدا وأزلا ولا يتصور تجدده ولا زواله فلا يكون له إلى غيره ~~نظر من حيث إنه غيره بل نظره إلى ذاته وأفعاله فقط وليس في الوجود إلا ذاته ~~وأفعاله ولذلك قال الشيخ أبو سعيد الميهنى رحمه الله تعالى لما قرىء عليه ~~قوله تعالى يحبهم ويحبونه فقال بحق يحبهم فإنه ليس يحب إلا نفسه على معنى ~~أنه الكل وأن ليس في الوجود غيره فمن لا يحب إلا نفسه وأفعال نفسه وتصانيف ~~نفسه فلا يجاوز حبه ذاته وتوابع ذاته من حيث هي متعلقة بذاته فهو إذن لا ~~يحب إلا نفسه وما ورد من الألفاظ في حبه لعباده فهو مؤول ويرجع معناه إلى ~~كشف الحجاب عن قلبه حتى يراه بقلبه وإلى تمكينه إياه من القرب منه وإلى ~~إرادته ذلك به في الأزل فحبه لمن أحبه أزلى مهما أضيف إلى الإرادة الأزلية ~~التي اقتضت تمكين هذا العبد من سلوك طرق هذا القرب وإذا أضيف إلى فعله الذى ~~يكشف الحجاب عن قلب عبده فهو حادث يحدث بحدوث السبب المقتضى له كما قال ~~تعالى لا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فيكون تقربه بالنوافل سببا ~~لصفاء باطنه وارتفاع الحجاب عن قلبه وحصوله في درجة القرب من ربه فكل ذلك ~~فعل الله تعالى ولطفه به فهو معنى حبه # ولا يفهم هذا إلا بمثال وهو أن الملك قد يقرب عبده من نفسه ويأذن له في ~~كل وقت في حضور بساطه لميل الملك إليه إما لينصره بقوته أو ليستريح ~~بمشاهدته أو ليستشيره في رأيه أو ليهيىء أسباب طعامه وشرابه فيقال إن الملك ~~يحبه ويكون معناه ميله إليه لما فيه من المعنى الموافق الملائم له # وقد يقرب عبدا ولا يمنعه من الدخول عليه لا للانتفاع به ولا للاستنجاد به ~~ولكن لكون العبد في نفسه موصوفا من الأخلاق المرضية والخصال الحميدة بما ~~يليق به أن يكون قريبا من حضرة الملك وافر الحظ من قربه مع أن الملك لا غرض ~~له فيه أصلا فإذا رفع الملك الحجاب بينه وبينه يقال قد أحبه وإذا اكتسب من ~~الخصال الحميدة ما اقتضى رفع الحجاب يقال قد توصل وحبب نفسه إلى الملك # فحب الله للعبد إنما يكون بالمعنى الثاني لا بالمعنى الأول # وإنما يصح تمثيله بالمعنى الثانى بشرط أن لا يسبق إلى فهمك دخول تغير ~~عليه عند تجدد القرب فإن الحبيب هو القريب من الله تعالى والقرب من الله في ~~البعد من صفات البهائم والسباع والشياطين والتخلق بمكارم الأخلاق التى هى ~~الأخلاق الإلهية فهو قرب بالصفة لا بالمكان ومن لم يكن قريبا فصار قريبا ~~فقد تغير فربما يظن بهذا أن القرب لما تجدد فقد تغير وصف العبد والرب جميعا ~~إذ صار قريبا بعد أن لم يكن وهو محال في حق الله تعالى إذ التغير عليه محال ~~بل لا يزال في نعوت الكمال والجلال على ما كان عليه في أزل الآزال # ولا ينكشف هذا إلا بمثال في القرب بين الأشخاص فإن الشخصين قد يتقاربان ~~بتحركهما جميعا وقد يكون أحدهما ثابتا فيتحرك الآخر فيحصل القرب بتغير في ~~أحدهما من غير تغير في الآخر بل القرب في الصفات أيضا كذلك فإن التلميذ ~~يطلب القرب من درجة أستاذه في كمال العلم وجماله والأستاذ واقف في كمال ~~علمه غير متحرك بالنزول إلى درجة تلميذه والتلميذ متحرك مترق من حضيض الجهل ~~إلى ارتفاع العلم فلا يزال دائبا PageV04P328 في التغير والترقى إلى أن ~~يقرب من أستاذه والأستاذ ثابت غير متغير فكذلك ينبغي أن يفهم ترقى العبد في ~~درجات القرب فكلما صار أكمل صفة وأتم علما وإحاطة بحقائق الأمور وأثبت قوة ~~في قهر الشيطان وقمع الشهوات وأظهر نزاهة عن الرذائل صار أقرب من درجة ~~الكمال ومنتهى الكمال لله وقرب كل واحد من الله تعالى بقدر كماله # نعم قد يقدر التلميذ على القرب من الأستاذ وعلى مساواته وعلى مجاوزته ~~وذلك في حق الله محال فإنه لا نهاية لكماله وسلوك العبد في درجات الكمال ~~متناه ولا ينتهى إلا إلى حد محدود فلا مطمع له في المساواة ثم درجات القرب ~~تتفاوت تفاوتا لا نهاية له أيضا لأجل انتفاء النهاية عن ذلك الكمال # فإذن محبة الله للعبد تقريبه من نفسه بدفع الشواغل والمعاصى عنه وتطهير ~~باطنه عن كدورات الدنيا ورفع الحجاب عن قلبه حتى يشاهده كأنه يراه بقلبه # وأما محبة العبد لله فهو ميله إلى درك هذا الكمال الذى هو مفلس عنه فاقد ~~له فلا جرم يشتاق إلى ما فاته وإذا أدرك منه شيئا يلتذ به والشوق والمحبة ~~بهذا المعنى محال على الله تعالى # فإن قلت محبة الله للعبد أمر ملتبس فبم يعرف العبد أنه حبيب الله فأقول ~~يستدل عليه بعلاماته # وقد قال صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإذا أحبه الحب ~~البالغ اقتناه قيل وما اقتناه قال لم يترك له أهلا ولا مالا + حديث إذا أحب ~~الله عبدا ابتلاه الحديث أخرجه الطبرانى من حديث أبى عتبة الخولانى وقد ~~تقدم + فعلامة محبة الله للعبد أن يوحشه من غيره ويحول بينه وبين غيره قيل ~~لعيسى عليه السلام لم لا تشتري حمارا فتركبه فقال أنا أعز على الله تعالى ~~من أن يشغلنى عن نفسه بحمار # وفي الخبر إذاأحب الله تعالى عبدا ابتلاه فإن صبر اجتباه فإن رضى اصطفاه ~~+ حديث إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإن صبر اجتباه الحديث ذكره صاحب الفردوس ~~من حديث على من أبى طالب ولم يخرجه ولده في مسنده + وقال بعض العلماء إذا ~~رأيتك تحبه ورأيته يبتليك فاعلم أنه يريد أن يصافيك وقال بعض المريدين ~~لأستاذه قد طولعت بشيء من المحبة فقال يا بنى هل ابتلاك بمحبوب سواء فآثرت ~~عليه إياه قال لا قال فلا تطمع في المحبة فإنه لا يعطيها عبدا حتى يبلوه # وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله تعالى عبدا جعل له ~~واعظا من نفسه وزاجرا من قلبه يأمره وينهاه + حديث اذا أحب الله عبدا جعل ~~له واعظا من نفسه الحديث أخرجه أبو منصور الديلمى في مسند الفردوس من حديث ~~أم سلمة بإسناد حسن بلفظ اذا أراد الله تعالى بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه ~~حديث إذا أراد الله بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه أخرجه أبو منصور الديلمي في ~~مسند الفردوس من حديث أنس بزيادة فيه بإسناد ضعيف فأخص علاماته حبه لله ~~تعالى # وأما الفعل الدال على كونه محبوبا فهو أن يتولى الله تعالى أمره ظاهره ~~وباطنه سره وجهره فيكون هو المشير عليه والمدبر لأمره والمزين لأخلاقه ~~والمستعمل لجوارحه والمسدد لظاهره وباطنه والجاعل همومه هما واحد واحدا ~~والمبغض للدنيا في قلبه والموحش له من غيره والمؤنس له بلذة المناجاة في ~~خلواته والكاشف له عن الحجب بينه وبين معرفته # فهذا وأمثاله هو علامة حب الله للعبد # فلنذكر الآن علامة محبة العبد لله تعالى فإنها أيضا من علامات حب الله ~~تعالى للعبد # | القول في علامات محبة العبد لله تعالى # أعلم أن المحبة يدعيها كل أحد وما أسهل الدعوى وما أعز المعنى فلا ينبغى ~~أن يغتر الإنسان بتلبيس الشيطان PageV04P329 وخدع النفس مهما ادعت محبة ~~الله تعالى ما لم يمتحنها بالعلامات ولم يطالبها بالبراهين والأدلة # والمحبة شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء وثمارها تظهر في القلب ~~واللسان والجوارح # وتدل تلك الآثار الفائضة منها على القلب والجوارح على المحبة دلالة ~~الدخان على النار ودلالة الثمار على الأشجار وهى كثيرة فمنها حب لقاء ~~الحبيب بطريق الكشف والمشاهدة في دار السلام فلا يتصور أن يحب القلب محبوبا ~~إلا ويحب مشاهدته ولقاءه وإذا علم أنه لا وصول إلا بالارتحال من الدنيا ~~ومفارقتها بالموت فينبغى أن يكون محبا للموت غير فار منه فإن المحب لا يثقل ~~عليه السفر عن وطنه إلى مستقر محبوبه ليتنعم بمشاهدته والموت مفتاح اللقاء ~~وباب الدخول إلى المشاهدة # قال صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه + حديث من أحب ~~لقاء الله أحب الله لقاءه متفق عليه من حديث أبى هريرة وعائشة + وقال حذيفة ~~عند الموت حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم # وقال بعض السلف ما من خصلة أحب إلى الله أن تكون في العبد بعد حب لقاء ~~الله من كثرة السجود فقدم حب لقاء الله على السجود # وقد فرط الله سبحانه لحقيقة الصدق في الحب القتل في سبيل الله حيث قالوا ~~إنا نحب الله فجعل القتل في سبيل الله وطلب الشهادة علامته فقال تعالى إن ~~الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا وقال عز وجل يقاتلون في سبيل الله ~~فيقتلون ويقتلون وفى وصية أبى بكر لعمر رضى الله تعالى عنهما الحق ثقيل وهو ~~مع ثقله مرىء والباطل خفيف وهو مع خفته وبىء فإن حفظت وصيتى لم يكن غائب ~~أحب إليك من الموت وهو مدركك وإن ضيعت وصيتى لم يكن غائب أبغض إليك من ~~الموت ولن تعجزه # ويروى عن إسحاق بن سعد بن أبى وقاص قال حدثنى أبى أن عبد الله بن جحش قال ~~له يوم أحد ألا ندعو الله فخلوا في ناحية فدعا عبد الله بن جحش فقال يارب ~~إنى أقسمت عليك إذا لقيت العدو غدا فلقنى رجلا شديدا بأسه شديدا حرده ~~أقاتله فيك ويقاتلنى ثم يأخذنى فيجدع انفى وأذنى ويبقر بطنى فإذا لقيتك غدا ~~قلت يا عبد الله من جدع أنفك وأذنك فأقول فيك يارب وفي رسولك فتقول صدقت ~~قال سعد فلقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقتان في خيط + حديث ~~إسحاق بن سعد ابن أبى وقاص قال حدثنى أبى أن عبد الله بن جحش قال له يوم ~~أحد ألا ندعو الله فخلوا في ناحية فدعا عبد الله بن جحش فقال يارب انى أقسم ~~عليك اذا لقيت العدو غدا فلقنى رجلا شديدا بأسه شديدا حرده أقاتله فيك ~~ويقاتلنى ويجدع أنفى وأذنى الحديث أخرجه الطبرانى ومن طريقه أبو نعيم في ~~الحلية واسناده جيد + قال سعيد بن المسيب أرجو أن يبر الله آخر قسمه كما ~~أبر أوله # وقد كان الثورى وبشر الحافى يقولان لا يكره الموت إلا مريب لأن الحبيب ~~على كل حال لا يكره لقاء حبيبه # وقال البويطى لبعض الزهاد أتحب الموت فكأنه توقف فقال لو كنت صادقا ~~لأحببته وتلا قوله تعالى فتمنوا الموت إن كنتم صادقين فقال الرجل فقد قال ~~النبى صلى الله عليه وسلم لا يتمنينأحدكم الموت + حديث لا يتمنين أحدكم ~~الموت لضر نزل به الحديث متفق عليه من حديث أنس وقد تقدم + فقال إنما قاله ~~لضر نزل به لأن الرضا بقضاء الله تعالى أفضل من طلب الفرار منه # فإن قلت من لا يحب الموت فهل يتصور أن يكون محبا لله فأقول كراهة الموت ~~قد تكون لحب الدنيا والتأسف على فراق الأهل والمال والولد وهذا ينافى كمال ~~حب الله تعالى لأن الحب الكامل هو الذى يستغرق كل القلب ولكن لا يبعد أن ~~يكون له مع حب الأهل والولد شائبة من حب الله تعالى ضعيفة فإن الناس ~~متفاوتون في الحب ويدل على التفاوت ما روى أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ~~بن عبد شمس لما زوج أخته فاطمة من سالم مولاه عاتبته قريش في ذلك وقالوا ~~أنكحت عقيلة من عقائل قريش لمولى فقال والله لقد أنكحته إياها PageV04P330 # وإني لأعلم انه خير منها فكان قوله ذلك اشد عليهم من فعله فقالوا وكيف ~~وهي أختك وهو مولاك فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أراد ~~أن ينظر إلى رجل يحب الله بكل قلبه فلينظر إلى سالم + حديث أبى حذيفة بن ~~عتبة أنه لما زوج أخته فاطمة من سالم مولاه عاتبته قريش في ذلك وفيه فقال ~~سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أراد أن ينظر إلى رجل يحب الله ~~بكل قلبه فلينظر إلى سالم لم أره من حديث حذيفة وروى أبو نعيم في الحلية ~~المرفوع منه من حديث عمر أن سالما يحب الله حقا من قلبه وفي رواية له أن ~~سالما شديد الحب لله عز وجل لو لم يخف الله عز وجل ما عصاه وفيه عبد الله ~~بن لهيعة + فهذا يدل على أن من الناس من لا يحب الله بكل قلبه فيحبه ويحب ~~أيضا غيره فلا جرم يكون نعيمه بلقاء الله عند القدوم عليه على قدر حبه ~~وعذابه بفراق الدنيا عند الموت على قدر حبه لها # وأما السبب الثاني للكراهة فهو أن يكون العبد في ابتداء مقام المحبة وليس ~~يكره الموت وإنما يكره عجلته قبل أن يستعد للقاء الله فذلك لا يدل على ضعف ~~الحب وهو كالمحب الذي وصله الخبر بقدوم حبيبه عليه فأحب أن يتأخر قدومه ~~ساعة ليهيء له داره ويعد له أسبابه فيلقاه كما يهواه فارغ القلب عن الشواغل ~~خفيف الظهر عن العوائق فالكراهة بهذا السبب لا تنافي كمال الحب أصلا ~~وعلامته لدءوب في العمل واستغراق الهم في الاستعداد # ومنها أن يكون مؤثرا ما أحبه الله تعالى على ما يحبه في ظاهره وباطنه ~~فيلزم مشاق العمل ويجتنب اتباع الهوى ويعرض عن دعة الكسل ولا يزال مواظبا ~~على طاعة الله ومتقربا اليه بالنوافل وطالبا عنده مزايا الدرجات كما يطلب ~~المحب مزيد القرب في قلب محبوبه وقد وصف الله تعالى المحبين بالايثار فقال ~~يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على ~~أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن بقى مستقرا على متابعة الهوى فمحبوبه ما ~~يهواه بل يترك المحب هوى نفسه كما قيل : # أريد وصاله ويريد هجري % فأترك ما أريد لما يريد # بل الحب اذا غلب قمع الهوى فلم يبق له تنعم بغير المحبوب كما روى أن ~~زليخا لما آمنت وتزوج بها يوسف عليه السلام انفردت عنه وتخلت للعبادة ~~وانقطعت إلى الله تعالى فكان يدعوها إلى فراشه نهارا فتدافعه إلى الليل ~~فإذا دعاها ليلا سوفت به إلى النهار وقالت : يا يوسف انما كنت احبك قبل ان ~~اعرفه فأما اذ عرفته فما أبقت محبته محبة لسواه وما اريد به بدلا حتى قال ~~لها إن الله جل ذكره أمرني بذلك وأخبرني أنه مخرج منك ولدين وجاعلهما نبيين ~~فقالت : أما اذا كان الله تعالى امرك بذلك وجعلني طريقا اليه فطاعة لامر ~~الله تعالى فعندها سكنت اليه فإذن من أحب الله لا يعصيه ولذلك قال ابن ~~المبارك فيه : # تعصي الاله وأنت تظهر حبه % هذا لعمري في الفعال بديع # لو كان حبك صادقا لاطعته % إن المحب لمن يحب مطيع # وفي هذا المعني قيل أيضا : # وأترك ما أهوى % لما قد هويته % فأرضى بما ترضى وإن سخطت نفسي # وقال سهل رحمه الله تعالى : علامة الحب ايثاره على نفسك وليس كل من عمل ~~بطاعة الله عز وجل صار حبيبا وانما الحبيب من اجتنب المناهي : وهو كما قال ~~لان محبته لله تعالى سبب محبة الله له كما قال تعالى يحبهم ويحبونه واذا ~~أحبه الله تولاه ونصره على أعدائه وإنما عدوه نفسه وشهواته فلا يخذله الله ~~ولا يكله إلى هواه وشهواته PageV04P331 ولذلك قال تعالى والله اعلم ~~بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا # فإن قلت : فالعصيان هل يضاد أصل المحبة فأقول : انه يضاد كمالها ولا يضاد ~~أصلها فكم من انسان يحب نفسه وهو مريض ويحب الصحة ويأكل ما يضره مع العلم ~~بأنه يضره وذلك لا يدل على عدم حبه لنفسه ولكن المعرفة قد تضعف والشهوة قد ~~تغلب فيعجز عن القيام بحق المحبة ويدل عليه ما روى ان نعيمان كان يؤتي به ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل قليل فيحده في معصية يرتكبها إلى ان ~~اتى به يوما فحده فلعنه رجل وقال : ما أكثر ما يؤتى به رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله 1 فلم ~~يخرجه بالمعصية عن المحبة نعم تخرجه المعصية عن كمال الحب وقد قال بعض ~~العارفين : إذا كان الايمان في ظاهر القلب أحب الله تعالى حبا متوسطا فإذا ~~دخل سويداء القلب احبه الحب البالغ وترك المعاصي وبالجملة في دعوى المحبة ~~خطر ولذلك قال الفضيل : اذا قيل لك أتحب الله تعالى فاسكت فانك ان قلت لا ~~كفرت وان قلت نعم فليس وصفك وصف المحبين فاحذر المقت ولقد قال بعض العلماء ~~: ليس في الجنة نعيم أعلى من نعيم أهل المعرفة والمحبة ولا في جهنم عذاب ~~أشد من عذاب من ادعى المعرفة والمحبة ولم يتحقق بشيء من ذلك # ومنها ان يكون مستهترا بذكر الله تعالى لا يفتر عنه لسانه ولا يخلو عنه ~~قلبه فمن أحب شيئا أكثر بالضرورة من ذكره وذكر ما يتعلق به فعلامة حب الله ~~: حب ذكره وحب القرآن الذي هو كلامه وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب ~~كل من ينسب اليه فإن من يحب انسانا يحب كلب محلته فالمحبة اذا قويت تعدت من ~~المحبوب إلى كل ما يكتنف بالمحبوب ويحيط به ويتعلق بأسبابه وذلك ليس شركة ~~في الحب فإن من أحب رسول المحبوب لانه رسوله وكلامه لانه كلامه فلم يجاوز ~~حبه إلى غيره بل هو دليل على كمال حبه ومن غلب حب الله على قلبه أحب جميع ~~خلق الله لانهم خلقه فكيف لا يحب القرآن والرسول وعباد الله الصالحين وقد ~~ذكرنا تحقيق هذا في كتاب الاخوة والصحبة ولذلك قال تعالى قل إن كنتم تحبون ~~الله فاتبعوني يحببكم الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبوا الله ~~لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لله تعالى وقال سفيان + حديث أحبوا الله : ~~من أحب من يحب الله تعالى فإنما أحب الله ومن أكرم من يكرم الله تعالى ~~فإنما يكرم الله # وحكى عن بعض المريدين قال : كنت قد وجدت حلاوة المناجاة في سن الارادة ~~فأدمنت قراءة القرآن ليلا ونهارا ثم لحقتني فترة فانقطعت عن التلاوة قال : ~~فسمعت قائلا يقول في المنام ان كنت تزعم انك تحبني فلم جفوت كتابي اما ~~تدبرت ما فيه من لطيف عتابي قال : فانتبهت وقد اشرب في قلبي محبة القرآن ~~فعاودت إلى حالي # وقال ابن مسعود : لا ينبغي ان يسأل احدكم عن نفسه الا القرآن فإن كان يحب ~~القرآن فهو يحب الله عز وجل وان لم يكن يحب القرآن فليس يحب الله # وقال سهل رحمة الله تعالى عليه علامة حب الله حب القرآن وعلامة حب الله ~~وحب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلامة حب النبي صلى الله عليه ~~وسلم حب السنة وعلامة حب السنة حب الآخرة وعلامة حب الآخرة بغض الدنيا ~~وعلامة بغض الدنيا أن لا يأخذ منها الا زادا وبلغة إلى الآخرة # ومنها أن يكون أنسه بالخلوة ومناجاته لله تعالى وتلاوة كتابه فيواظب على ~~التهجد ويغتنم هدء الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق وأقل درجات الحب ~~التلذذ بالخلوة بالحبيب والتنعم بمناجاته فمن كان النوم والاشتغال بالحديث ~~الذ عنده وأطيب من مناجاة الله كيف تصح محبته قيل لابراهيم بن أدهم وقد نزل ~~من الجبل : من أين أقبلت PageV04P332 فقال من الانس بالله وفي أخبار داود ~~عليه السلام لا تستأنس إلى أحد من خلقي فإني إنما أقطع عني رجلين رجل ~~استبطأ ثوابي فانقطع ورجلا نسيني فرضي بحاله وعلامة ذلك أن أكله إلى نفسه ~~وأن أدعه في الدنيا حيران ومهما أنس بغير الله كان بقدر أنسه بغير الله ~~مستوحشا من الله تعالى ساقطا عن درجة محبته وفي قصة برخ وهو العبد الاسود ~~الذي استسقى به موسى عليه السلام أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام إن ~~برخا نعم العبد هو لي الا أن فيه عيبا قال يارب وما عيبه فقال يعجبه نسيم ~~الاسحار فيسكن اليه ومن أحبني لم يسكن إلى شيء وروى أن عابدا عبد الله ~~تعالى في غيضة دهرا طويلا فنظر إلى طائر وقد عشش في شجرة يأوى اليها ويصفر ~~عندها فقال لو حولت مسجدي إلى تلك الشجرة فكنت آنس بصوت هذا الطائر قال : ~~ففعل فأوحى الله تعالى إلى نبى ذلك الزمان قل لفلان العابد استأنست بمخلوق ~~لاحطنك درجة لا تنالها بشيء من عملك ابدا # فإذن علامة المحبة كمال الانس بمناجاة المحبوب وكمال التنعم بالخلوة به ~~وكمال الاستيحاش من كل ما ينغص عليه الخلوة ويعوق عن لذة المناجاة وعلامة ~~الانس مصير العقل والفهم كله مستغرقا بلذة المناجاة كالذي يخاطب معشوقه ~~ويناجيه وقد انتهت هذه اللذة ببعضهم حتى كان في صلاته ووقع الحريق في داره ~~فلم يشعر به وقطعت رجل بعضهم بسبب علة اصابته وهو في الصلاة فلم يشعر به ~~ومهما غلب عليه الحب والانس صارت الخلوة والمناجاة قرة عينه يدفع بها جميع ~~الهموم بل يستغرق الانس والحب قلبه حتى لا يفهم أمور الدنيا ما لم تكرر على ~~سمعه مرارا مثل العاشق الولهان فانه يكلم الناس بلسانه وأنسه في الباطن ~~بذكر حبيبه فالمحب من لا يطمئن الا بمحبوبه وقال قتادة في قوله تعالى الذين ~~آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب قال هشت اليه ~~واستأنست به وقال الصديق رضي الله تعالى عنه من ذاق من خالص محبة الله شغله ~~ذلك عن طلب الدنيا وأوحشه عن جميع البشر # وقال مطرف بن أبي بكر : الحب لا يسأم من حديث حبيبه وأوحى الله تعالى إلى ~~داود عليه السلام قد كذب من ادعى محبتي اذا جنه الليل نام عني أليس كل محب ~~يحب لقاء حبيبه فها أنا ذا موجود لمن طلبني وقال موسى عليه السلام يا رب ~~أين أنت فأقصدك فقال اذا قصدت فقد وصلت وقال يحيى بن معاذ من أحب الله أبغض ~~نفسه وقال أيضا من لم تكن فيه ثلاث خصال فليس بمحب يؤثر كلام الله تعالى ~~على كلام الخلق ولقاء الله تعالى على لقاء الخلق والعبادة على خدمة الخلق ~~ومنها أن لا يتأسف على مما يفوته ما سوى الله عز وجل ويعظم تأسفه على فوت ~~كل ساعة خلت عن ذكر الله تعالى وطاعته فيكثر رجوعه عند الغفلات بالاستعطاف ~~والاستعتاب والتوبة قال بعض العارفين إن لله عبادا احبوه واطمأنوا اليه ~~فذهب عنهم التأسف على الفائت فلم يتشاغلوا بحظ أنفسهم إذ كان ملك مليكهم ~~تاما وما شاء كان فما كان لهم فهو واصل اليهم وما فاتهم فبحسن تدبيره لهم ~~وحق المحب اذا رجع من غفلته في لحظته أن يقبل على محبوبه ويشتغل بالعتاب ~~ويسأله ويقول رب باي ذنب قطعت برك عني وأبعدتني عن حضرتك وشغلتني بنفسي ~~وبمتابعة الشيطان فيستخرج ذلك منه صفاء ذكر ورقة قلب يكفر عنه ما سبق من ~~الغفلة وتكون هفوته سببا لتجدد ذكره وصفاء قلبه ومهما لم ير المحب الا ~~المحبوب ولم ير شيئا الا منه لم يتأسف ولم يشك واستقبل الكل بالرضا وعلم أن ~~المحبوب لم يقدر له الا ما فيه خيرته ويذكر قوله وعسى أن تكرهوا شيئا وهو ~~خير لكم # ومنها أن يتنعم بالطاعة ولا يستثقلها ويسقط عنه تعبها كما قال بعضهم ~~كابدت الليل عشرين سنة ثم تنعمت به PageV04P333 عشرين سنة # وقال الجنيد علامة المحب دوام النشاط والدعوب بشهوة تفتر بدنه ولا تفتر ~~قلبه وقال بعضهم العمل على المحبة لا يدخله الفتور # وقال بعض العلماء والله ما اشتفى محب لله من طاعته ولو حل بعظيم الوسائل # فكل هذا وأمثاله موجود في المشاهدات فإن العاشق لا يستثقل السعي في هوى ~~معشوقه ويستلذ خدمته بقلبه وان كان شاقا على بدنه ومهما عجز بدنه كان احب ~~الاشياء اليه ان تعاوده القدرة وان يفارقه العجز حتى يشغل به فهكذا يكون حب ~~الله تعالى فإن كل حب صار غالبا قهر لا محالة ماهو دونه فمن كان محبوبه احب ~~اليه من الكسل ترك الكسل في خدمته وان كان احب اليه من المال ترك المال في ~~حبه # وقيل لبعض المحبين وقد كان بذل نفسه وماله حتى لم يبق له شيء ما كان سبب ~~حالك هذه في المحبة فقال سمعت يوما محبا وقد خلا بمحبوبه وهو يقول انا ~~والله احبك بقلبي كله وانت معرض عني بوجهك كله فقال له المحبوب ان كنت ~~تحبني فايش تنفق علي قال يا سيدي املكك ما املك ثم انفق عليك روحي حتى تهلك ~~فقلت هذا خلق لخلق وعبد لعبد فكيف بعبيد لمعبود فكل هذا بسببه # ومنها ان يكون مشفقا على جميع عباد الله رحيما بهم شديدا على جميع اعداء ~~الله وعلى كل من يقارف شيئا مما يكرهه كما قال الله تعالى أشداء على الكفار ~~رحماء بينهم ولا تأخذه لومة لائم ولا يصرفه عن الغضب لله صارف وبه وصف الله ~~أولياءه اذ قال الذين يكلفون بحبي كما يكلف الصبي بالشيء ويأوون إلى ذكرى ~~كما يأوى النسر الي وكره ويغضبون لمحارمه كما يغضب النمر اذا حرد فانه لا ~~يبالي قل الناس أو كثروا فانظر إلى هذا المثال فإن الصبي اذا كلف بالشيء لم ~~يفارقه اصلا وان اخذ منه لم يكن له شغل الا البكاء والصياح حتى يرد اليه ~~فان نام اخذه معه في ثيابه فاذا انتبه عاد وتمسك به ومهما فارقه بكى ومهما ~~وجده ضحك ومن نازعه فيه ابغضه ومن اعطاه احبه وأما النمر فانه لا يملك نفسه ~~عند الغضب حتى يبلغ من شدة غضبه انه يهلك نفسه فهذه علامات المحبة فمن تمت ~~فيه هذه العلامات فقد تمت محبته وخلص حبه فصفا في الآخرة شرابه وعذب مشربه ~~ومن امتزج بحبه حب غير الله تنعم في الآخرة بقدر حبه إذ يمزج شرابه بقدر من ~~شراب المقربين كما قال تعالى في الابرار إن الأبرار لفى نعيم @QB@ ثم قال ~~@QE@ يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من ~~تسنيم عينا يشرب بها المقربون فإذا طاب شراب الأبرار لشوب الشراب الصرف ~~الذى هو للمقربين # والشراب عبارة عن جملة نعيم الجنان كما أن الكتاب عبر به عن جميع الأعمال ~~فقال إن كتاب الأبرار لفى عليين @QB@ ثم قال @QE@ يشهده المقربون فكان ~~أمارة علو كتابهم أنه ارتفع إلى حيث يشهده المقربون وكما أن الأبرار يجدون ~~المزيد في حالهم ومعرفتهم بقربهم من المقربين ومشاهدتهم لهم فكذلك يكون ~~حالهم في الآخرة ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة كما بدأنا أول خلق ~~نعيده وكما قال تعالى جزاء وفاقا أى وافق الجزاء أعمالهم فقوبل الخالص ~~بالصرف من الشراب وقوبل المشوب بالمشوب # وشوب كل شراب على قدر ما سبق من الشوب في حبه وأعماله فمن يعمل مثقال ذرة ~~خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره و إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ~~ما بأنفسهم إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها وإن كان مثقال ~~حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين فمن كان حبه في الدنيا رجاءه لنعيم ~~الجنة والحور العين والقصور مكن من الجنة ليتبوأ منها حيث يشاء فيلعب مع ~~الولدان ويتمتع بالنسوان فهناك تنتهى لذته في الآخرة لأنه إنما يعطى كل ~~إنسان في المحبة ما تشتهيه نفسه وتلذ عينه # ومن كان مقصده رب الدار ومالك الملك ولم يغلب عليه إلا حبه بالإخلاص ~~والصدق أنزل في مقعد PageV04P334 صدق عند مليك مقتدر فالأبرار يرتعون فى ~~البساتين ويتنعمون فى الجنان مع الحورالعين والولدان والمقربون ملازمون ~~للحضرة عاكفون بطرفهم عليها يستحقرون نعيم الجنان بالإضافة إلى ذرة منها ~~فقوم بقضاء شهوة البطن والفرج مشغولون وللمجالسة أقوام آخرون ولذلك قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر أهل الجنة البلة وعليون لذوى الألباب + ~~حديث أكثر أهل الجنة البلة وعليون لذوى الألباب أخرجه البزار من حديث أنس ~~بسند ضعيف مقتصرا على الشطر الأول وقد تقدم والشطر الثانى من كلام أحمد بن ~~ابى الحوارى ولعله أدرج فيه ولما قصرت الأفهام عن درك معنى عليين عظم أمره ~~فقال وما أدراك ما عليون كما قال تعالى القارعة ما القارعه وما ادراك ما ~~القارعة # ومنها أن يكون فى حبه خائفا متضائلا تحت الهيبة والتعظيم وقد يظن أن ~~الخوف يضاد الحب وليس كذلك بل إدراك العظمة يوجب الهيبة كما أن إدراك ~~الجمال يوجب الحب ولخصوص المحبين مخاوف فى مقام المحبة ليست لغيرهم وبعض ~~مخاوفهم اشد من بعض فاولها خوف الإعراض وأشد منه خوف الحجاب وأشد منه خوف ~~الإبعاد وهذا المعنى فى سورة هود هو الذى شيب سيد المحبين + حديث شيبتنى ~~هود أخرجه الترمذى وقد تقدم غير مرة + إذ سمع قوله تعالى ألا بعدا الثمود ~~ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود وإنما تعظم هيبة البعد وخوفه في قلب من ألف ~~القرب وذاقه وتنعم به فحديث البعد في حق المبعدين يشيب سماعه أهل القرب في ~~القرب ولا يحن إلى القرب من ألف البعد ولا يبكى لخوف البعد من لم يمكن من ~~بساط القرب ثم خوف الوقوف وسلب المزيد فإنا قدمنا أن درجات القرب لا نهاية ~~لها وحق العبد أن يجتهد في كل نفس حتى يزداد فيه قربا ولذلك قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان يومه شرا من أمسه فهو ~~ملعون + حديث من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان يومه شرا من أمسه فهو ملعون ~~لا أعلم هذا إلا في منام لعبد العزيز بن أبى رواد قال رأيت النبي صلى الله ~~عليه وسلم في النوم فقلت يا رسول الله أوصنى فقال ذلك بزيادة في آخره رواه ~~البيهقى في الزهد + وكذلك قال عليه السلام إنه ليغان على قلبى في اليوم ~~والليلة حتى أستغفر الله سبعين مرة + حديث إنه ليغان على قلبى متفق عليه من ~~حديث الأغر وقد تقدم + وإنما كان استغفاره من القدم الأول فإنه كان بعدا ~~بالإضافة إلى القدم الثانى ويكون ذلك عقوبة لهم على الفتور في الطريق ~~والالتفات إلى غير المحبوب كما روى أن الله تعالى يقول إن أدنى ما أصنع ~~بالعالم إذا آثر شهوات الدنيا على طاعتى أن أسلبه لذيذ مناجاتى # فسلب المزيد بسبب الشهوات عقوبة للعموم فأما الخصوص فيحجبهم عن المزيد ~~مجرد الدعوى والعجب والركون إلى ما ظهر من مبادىء اللطف وذلك هو المكر ~~الخفى الذى لا يقدر على الاحتراز منه إلا ذوو الأقدام الراسخة ثم خوف فوت ~~ما لا يدرك بعد فوته سمع إبراهيم بن أدهم قائلا يقول وهو في سياحة وكان على ~~الجبل # كل شيء منك مغفو % ر سوى الإعراض عنا # قد وهبنا لك ما فا % ت فهب لنا ما فات منا # فاضطرب وغشى عليه فلم يفق يوما وليلة وطرأت عليه أحوال ثم قال سمعت ~~النداء من الجبل يا إبراهيم كن عبدا فكنت عبدا واسترحت # ثم خوف السلو عنه فإن المحب يلازمه الشوق والطلب الحثيث فلا يفتر عن طلب ~~المزيد ولا يتسلى إلا بلطف جديد فإن تسلى عن ذلك كان ذلك سبب وقوفه أو سبب ~~رجعته # والسلو يدخل عليه من حيث لا يشعر كما قد يدخل عليه الحب من حيث لا يشعر ~~فإن هذه التقلبات لها أسباب خفية سماوية ليس في قوة البشر الاطلاع عليها ~~فإذا PageV04P335 أراد الله المكر به واستدراجه اخفى عنه ما ورد عليه من ~~السلو فيقف مع الرجاء ويغتر بحسن النظر أو بغلبة الغفلة أو الهوى أو ~~النسيان فكل ذلك من جنود الشيطان التى تغلب جنود الملائكة من العلم والعقل ~~والذكر والبيان وكما أن من أوصاف الله تعالى ما يظهر فيقتضى هيجان الحب وهى ~~أوصاف اللطف والرحمة والحكمة فمن أوصافه ما يلوح فيورث السلو كأوصاف ~~الجبرية والعزة والاستغناء وذلك من مقدمات المكر والشقاء والحرمان # ثم خوف الاستبدال به بانتقال القلب من حبه إلى حب غيره وذلك هو المقت ~~والسلو عنه مقدمة هذا المقام والإعراض والحجاب مقدمة السلو وضيق الصدر ~~بالبر وانقباضه عن دوام الذكر وملاله لوظائف الأوراد أسباب هذه المعاني ~~ومقدماتها # وظهور هذه الأسباب دليل على النقل عن مقام الحب إلى مقام المقت نعوذ ~~بالله منه وملازمه الخوف لهذه الأمور وشدة الحذر منها بصفاء المراقبة دليل ~~صدق الحب فإن من أحب شيئا خاف لا محالة فقده فلا يخلو المحب عن خوف إذا كان ~~المحبوب مما يمكن فواته # وقد قال بعض العارفين من عبد الله تعالى بمحبة من غير خوف هلك بالبسط ~~والإدلال ومن عبده من طريق الخوف من غير محبة انقطع عنه بالبعد والاستيحاش ~~ومن عبده من طريق المحبة والخوف أحبه الله تعالى فقربه ومكنه وعلمه فالمحب ~~لا يخلو عن خوف والخائف لا يخلو عن محبة ولكن الذى غلبت عليه المحبة حتى ~~اتسع فيها ولم يكن له من الخوف إلا يسير يقال هو في مقام المحبة ويعد من ~~المحبين وكان شوب الخوف يسكن قليلا من سكر الحب فلو غلب الحب واستولت ~~المعرفة لم تثبت لذلك طاقة البشر فإنما الخوف يعدله ويخفف وقعه على القلب # فقد روى في بعض الأخبار أن بعض الصديقين سأله بعض الأبدال أن يسأل الله ~~تعالى أن يرزقه ذرة من معرفته ففعل ذلك فهام في الجبال وحار عقله ووله قلبه ~~وبقى شاخصا سبعة أيام لا ينتفع بشيء ولا ينتفع به شيء فسأل له الصديق ربه ~~تعالى فقال يارب أنقصه من الذرة بعضها فأوحى الله تعالى إليه إنما أعطيناه ~~جزءا من مائة ألف جزء من المعرفة وذلك أن مائة ألف عبد سألونى شيئا من ~~المحبة في الوقت الذى سألنى هذا فأخرت إجابتهم إلى أن شفعت أنت لهذا فلما ~~أجتبنك فيما سألت أعطيتهم كما أعطيته فقسمت ذرة من المعرفة بين مائة ألف ~~عبد فهذا ما أصابه من ذلك فقال سبحانك يا أحكم الحاكمين أنقصه مما أعطيته ~~فأذهب الله عنه جملة الجزء وبقى معه عشر معشاره وهو جزء من عشرة آلاف جزء ~~من مائة ألف جزء من ذرة فاعتدل خوفه وحبه ورجاؤه وسكن وصار كسائر العارفين ~~وقد قيل في وصف حال العارف # قريب الوجد ذو مرمى بعيد % عن الأحرار منهم والعبيد # غريب الوصف ذو علم غريب % كأن فؤاده زبر الحديد # لقد عزت معانيه وجلت % عن الأبصار إلا للشهيد # يرى الأعياد في الأوقات تجرى % له في كل يوم ألف عيد # وللأحباب أفراح بعيد % ولا يجد السرور له بعيد # وقد كان الجنيد رحمه الله ينشد أبياتا يشير بها إلى أسرار أحوال العارفين ~~وإن كان ذلك لا يجوز إظهاره وهى هذه الأبيات # سرت بأناس في الغيوب قلوبهم % فحلوا بقرب الماجد المتفضل # عراضا بقرب الله في ظل قدسه % تجول به أرواحهم وتنقل # مواردهم فيها على العز والنهى % ومصدرهم عنها لما هو أكمل PageV04P336 # تروح بعز مفرد من صفاته % وفى حلل التوحيد تمشى وترفل # ومن بعد هذا ما تدق صفاته % وما كتمه أولى لديه وأعدل # سأكتم من علمى به ما يصونه % وأبذل منه ما أرى الحق يبذل # وأعطى عباد الله منه حقوقهم % وأمنع منه ما أرى المنع يفضل # على أن للرحمن سرا يصونه % إلى أهله في السر والصون أجمل # وأمثال هذه المعارف التى إليها الإشارة لا يجوز أن يشترك الناس فيها ولا ~~يجوز أن يظهرها من انكشف له شيء من ذلك لمن لم ينكشف له بل لو اشترك الناس ~~فيها لخربت الدنيا فالحكمة تقتضى شمول الغفلة لعمارة الدنيا بل لو أكل ~~الناس كلهم الحلال أربعين يوما لخربت الدنيا لزهدهم فيها وبطلت الأسواق ~~والمعايش بل لو أكل العلماء الحلال لاشتغلوا بأنفسهم ولوقفت الألسنة ~~والأقلام عن كثير مما انتشر من العلوم ولكن لله تعالى فيما هو شر في الظاهر ~~أسرار وحكم كما أن له في الخير أسرارا وحكما ولا منتهى لحكمته كما لا غاية ~~لقدرته # ومنها كتمان الحب واجتناب الدعوى والتوقى من إظهار الوجد والمحبة تعظيما ~~للمحبوب وإجلالا له وهيبة منه وغيرة على سره فإن الحب سر من أسرار الحبيب ~~ولأنه قد يدخل في الدعوى ما يتجاوز حد المعنى ويزيد عليه فيكون ذلك من ~~الافتراء وتعظم العقوبة عليه في العقبى وتتعجل عليه البلوى في الدنيا # نعم قد يكون للمحب سكرة في حبه حتى يدهش فيه وتضطرب أحواله فيظهر عليه ~~حبه فإن وقع ذلك عن غير تمحل أو اكتساب فهو معذور لأنه مقهور وربما تشتعل ~~من الحب نيرانه فلا يطاق سلطانه وقد يفيض القلب به فلا يندفع فيضانه # فالقادر على الكتمان يقول # وقالوا قريب قلت # ما أنا صانع % بقرب شعاع الشمس لو كان في حجرى # فمالى منه غير ذكر بخاطر % يهيج نار الحب والشوق في صدري # والعاجز عنه يقول # يخفى فيبدى الدمع أسراره % ويظهر الوجد عليه النفس # ويقول أيضا # ومن قلبه مع غيره كيف حاله % ومن سره في جفنه كيف يكتم # وقد قال بعض العارفين أكثر الناس من الله بعدا أكثرهم إشارة به # كأنه أراد من يكثر التعريض به في كل شيء ويظهر التصنع بذكره عند كل أحد ~~فهو ممقوت عند المحبين والعلماء بالله عز وجل ودخل ذو النون المصرى على بعض ~~إخوانه ممن كان يذكر المحبة فرآه مبتلى ببلاء فقال لا يحبه من وجد ألم ضره ~~فقال الرجل لكنى أقول لا يحبه من لم يتنعم بضره فقال ذو النون ولكنى أقول ~~لا يحبه من شهر نفسه بحبه فقال الرجل أستغفر الله وأتوب إليه # فإن قلت المحبة منتهى المقامات وإظهارها إظهار للخير فلماذا يستنكر فاعلم ~~أن المحبة محمودة وظهورها محمود أيضا وإنما المذموم التظاهر بها لما يدخل ~~فيها من الدعوى والاستكبار وحق المحب أن ينم على حبه الخفى أفعاله واحواله ~~دون أقواله وأفعاله # وينبغى أن يظهر حبه من غير قصد منه إلى إظهار الحب ولا إلى إظهار الفعل ~~الدال على الحب بل ينبغى أن يكون قصد المحب اطلاع الحبيب فقط فأما إرادته ~~إطلاع غيره فشرك في الحب PageV04P337 وقادح فيه كما ورد في الإنجيل إذا ~~تصدقت فتصدق بحيث لا تعلم شمالك ما صنعت يمينك # فالذي يرى الخفيات يجزيك علانية وإذا صمت فاغسل وجهك وادهن رأسك لئلا ~~يعلم بذلك غير ربك # فإظهار القول والفعل كله مذموم إلا إذا غلب سكر الحب فانطلق اللسان ~~واضطربت الأعضاء فلا يلام فيه صاحبه # حكى أن رجلا رأى من بعض المجانين ما أستجهله فيه فأخبر بذلك معروفا ~~الكرخي رحمه الله فتبسم ثم قال يا أخي له محبون صغار وكبار وعقلاء ومجانين ~~فهذا الذى رأيته من مجانينهم # ومما يكره التظاهر بالحب بسبب أن المحب إن كان عارفا وعرف أحوال الملائكة ~~في حبهم الدائم وشوقهم اللازم الذى به يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولا ~~يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون لاستنكف من نفسه ومن إظهار حبه وعلم ~~قطعا أنه من أخس المحبين في مملكته وأن حبه أنقص من حب كل محب لله # قال بعض الكاشفين من المحبين عبدت الله تعالى ثلاثين سنة بأعمال القلوب ~~والجوارح على بذل المجهود واستفراغ الطاقة حتى ظننت أن لى عند الله شيئا ~~فذكر أشياء من مكاشفات آيات السموات في قصة طويلة قال في آخرها فبلغت صفا ~~من الملائكة بعدد جميع ما خلق الله من شيء فقلت من أنتم فقالوا نحن المحبون ~~لله عز وجل نعبده ههنا منذ ثلثمائة ألف سنة ما خطر على قلوبنا قط سواه ولا ~~ذكرنا غيره قال فاستحييت من أعمالى فوهبتها لمن حق عليه الوعيد تخفيفا عنه ~~في جهنم # فإذن من عرف نفسه وعرف ربه واستحيا منه حق الحياء خرس لسانه عن التظاهر ~~بالدعوى # نعم يشهد على حبه حركاته وسكناته وإقدامه وإحجامه وتردداته كما حكى عن ~~الجنيد أنه قال مرض أستاذنا السرى رحمه الله فلم نعرف لعلته دواء ولا عرفنا ~~لها سببا فوصف لنا طبيب حاذق فأخذ قارورة مائه فنظر إليها الطبيب وجعل ينظر ~~إليه مليا ثم قال لي أراه بول عاشق قال الجنيد فصعقت وغشى على ووقعت ~~القارورة من يدى ثم رجعت إلى السرى فأخبرته فتبسم قال قاتله الله ما أبصره ~~قلت يا أستاذ وتبين المحبة في البول قال نعم # وقد قال السرى مرة لو شئت أقول ما أيبس جلدى على عظمى ولا سل جسمى إلا ~~حبه ثم غشى عليه # وتدل الغشية على أنه أفصح في غلبة الوجد ومقدمات الغشية فهذه مجامع ~~علامات الحب وثمراته # ومنها الإنس والرضا كما سيأتي # وبالجملة جميع محاسن الدين ومكارم الأخلاق ثمرة الحب وما لا يثمره الحب ~~فهو اتباع الهوى وهو من رذائل الأخلاق # نعم قد يحب الله لإحسانه إليه وقد يحبه لجلاله وجماله وإن لم يحسن إليه # والمحبون لا يخرجون عن هذين القسمين ولذلك قال الجنيد الناس في محبة الله ~~تعالى عام وخاص فالعوام نالوا ذلك بمعرفتهم في دوام إحسانه وكثرة نعمه فلم ~~يتمالكوا أن أرضوه إلا أنهم تقل محبتهم وتكثر على قدر النعم والإحسان فأما ~~الخاصة فنالوا المحبة بعظم القدر والقدرة والعلم والحكمة والتفرد بالملك # ولما عرفوا صفاته الكاملة وأسماءه الحسنى لم يمتنعوا أن أحبوه إذ استحق ~~عندهم المحبة بذلك لأنه أهل لها ولو أزال عنهم جميع النعم نعم من الناس من ~~يحب هواه # وعدو الله إبليس وهو مع ذلك يلبس على نفسه بحكم الغرور والجهل فيظن أنه ~~محب لله عز وجل وهو الذى فقدت فيه هذه العلامات أو يلبس بها نفاقا ورياء ~~وسمعة وغرضه عاجل حظ الدنيا وهو يظهر من نفسه خلاف ذلك كعلماء السوء وقراء ~~السوء أولئك بغضاء الله في أرضه # وكان سهل إذا تكلم مع إنسان قال يا دوست أى يا حبيب فقيل له قد لا يكون ~~حبيبا فكيف تقول هذا فقال في أذن القائل سرا لا يخلو إما أن يكون مؤمنا أو ~~منافقا فإن كان مؤمنا فهو حبيب الله عز وجل وإن كان منافقا فهو حبيب إبليس ~~وقد PageV04P338 قال أبو تراب النخشبى في علامات المحبة أبياتا # لا تخدعن فللحبيب دلائل % ولديه من تحف الحبيب وسائل # منها تنعمه بمر بلائه % وسروره في كل ما هو فاعل # فالمنع منه عطية مقبولة % والفقر إكرام وبر عاجل # ومن الدلائل أى ترى من عزمه % طوع الحبيب وإن ألح العاذل # ومن الدلائل أن يرى متبسما % والقلب فيه من الحبيب بلابل # ومن الدلائل أن يرى متفهما % لكلام من يحظى لديه السائل # ومن الدلائل أن يرى متقشفا % متحفظا من كل ما هو قائل # وقال يحيى بن معاذ # ومن الدلائل أن تراه مشمرا % في خرقتين على شطوط الساحل # ومن الدلائل حزنه ونحيبه % جوف الظلام فما له من عاذل # ومن الدلائل أن تراه مسافرا % نحو الجهاد وكل فعل فاضل # ومن الدلائل زهده فيما يرى % من دار ذل والنعيم الزائل # ومن الدلائل أن تراه باكيا % أن قد رآه على قبيح فعائل # ومن االدلائل أن تراه مسلما % كل الأمور إلى المليك العادل # ومن الدلائل أن تراه راضيا % بمليكه في كل حكم نازل # ومن الدلائل ضحكه بين الورى % والقلب محزون كقلب الثاكل # | بيان معنى الأنس بالله تعالى # قد ذكرنا أن الأنس والخوف والشوق من آثار المحبة إلا أن هذه آثار تختلف ~~على المحب بحسب نظره وما يغلب عليه في وقته فإذا غلب عليه التطلع من وراء ~~حجب الغيب إلا منتهى الجمال واستشعر قصوره عن الاطلاع على كنه الجلال انبعث ~~القلب إلى الطلب وانزعج له وهاج إليه وتسمى هذه الحالة في الانزعاج شوقا ~~وهو بالإضافة إلى أمر غائب وإذا غلب عليه الفرح بالقرب ومشاهدة الحضور بما ~~هو حاصل من الكشف وكان نظره مقصورا على مطالعة الجمال الحاضر المكشوف غير ~~ملتفت إلى ما لم يدركه بعد استبشر القلب بما يلاحظه فيسمى استبشاره أنسا ~~وإن كان نظره إلى صفات العز والاستغناء وعدم المبالاة وخطر إمكان الزوال ~~والبعد تألم القلب بهذا الاستشعار فيسمى تألمه خوفا # وهذه الأحوال تابعة لهذه الملاحظات والملاحظات تابعة لأسباب تقتضيها لا ~~يمكن حصرها فالأنس معناه استبشار القلب فرحه بمطالعة الجمال حتى إنه إذا ~~غلب وتجرد عن ملاحظة ما غاب عنه وما يتطرق إليه من خطر الزوال عظم نعيمه ~~ولذته ومن هنا نظر بعضهم حيث قيل له أنت مشتاق فقال لا إنما الشوق إلى غائب ~~فإذا كان الغائب حاضرا فإلى من يشتاق وهذا كلام مستغرق بالفرح بما ناله غير ~~ملتفت إلى ما بقى في الإمكان من مزايا الألطاف # ومن غلب عليه حال الأنس لم تكن شهوته إلا في الانفراد والخلوة كما حكى أن ~~إبراهيم بن أدهم نزل من الجبل فقيل له من أين أقبلت فقال من الأنس بالله ~~وذلك لأن الأنس بالله يلازمه التوحش من غير الله بل كل PageV04P339 ما يعوق ~~عن الخلوة فيكون من أثقل الأشياء على القلب كما روى أن موسى عليه السلام ~~لما كلمه ربه مكث دهرا لا يسمع كلام أحد من الناس إلا أخذه الغثيان لأن ~~الحب يوجب عذوبه كلام المحبوب وعذوبة ذكره فيخرج من القلب عذوبة ما سواه # ولذلك قال بعض الحكماء في دعائه يا من آنسنى بذكره وأوحشنى من خلقه وقال ~~الله عز وجل لداود عليه السلام كن لى مشتاقا وبى متأنسا ومن سواى مستوحشا ~~وقيل لرابعة بم نلت هذه المنزلة قالت بتركى ما لا يعنينى وأنسى بمن لم يزل # وقال عبد الواحد بن زيد مررت براهب فقلت له يا راهب لقد أعجبتك الوحدة ~~فقال يا هذا لو ذقت حلاوة الوحدة لاستوحشت إليها من نفسك الوحدة رأس ~~العبادة فقلت يا راهب ما أقل ما تجده في الوحدة قال الراحة من مداراة الناس ~~والسلامة من شرهم قلت يا راهب متى يذوق العبد حلاوة الأنس بالله تعالى قال ~~إذا صفا الود وخلصت المعاملة قلت ومتى يصفو الود قال إذا اجتمع الهم فصار ~~هما واحد في الطاعة وقال بعض الحكماء عجبا للخلائق كيف أرادوا بك بدلا عجبا ~~للقلوب كيف استأنست بسواك عنك # فإن قلت فما علامة الأنس فاعلم أن علامته الخاصة ضيق الصدر من معاشرة ~~الخلق والتبرم بهم واستهتاره بعذوبة الذكر فإن خالط فهو كمنفرد في جماعة ~~ومجتمع في خلوة وغريب في حضر وحاضر في سفر وشاهد في غيبة وغائب في حضور ~~مخالط بالبدن منفرد بالقلب مستغرق بعذوبة الذكر كما قال على كرم الله وجهه ~~في وصفهم هم قوم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فباشروا روح اليقين ~~واستلانوا ما استوعر المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون صحبوا الدنيا ~~بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى ~~دينه # فهذا معنى الأنس بالله وهذه علامته وهذه شواهده # وقد ذهب بعض المتكلمين إلى انكار الأنس والشوق والحب لظنه أن ذلك يدل على ~~التشبيه وجهله بأن جمال المدركات بالبصائر أكمل من جمال المبصرات ولذة ~~معرفتها أغلب على ذوى القلوب ومنهم أحمد بن غالب يعرف بغلام الخليل أنكر ~~على الجنيد وعلى أبى الحسن النورى والجماعة حديث الحب والشوق والعشق حتى ~~أنكر بعضهم مقام الرضا وقال ليس إلا الصبر فأما الرضا فغير متصور # وهذا كله كلام ناقص قاصر لم يطلع من مقامات الدين إلا على القشور فظن أنه ~~لا وجود إلا للقشر فإن المحسوسات وكل ما يدخل في الخيال من طريق الدين قشر ~~مجرد ووراءه اللب المطلوب فمن لم يصل من الجوز إلا إلى قشره يظن أن الجوز ~~خشب كله ويستحيل عنده خروج الدهن منه لا محالة وهو معذور ولكن عذره غير ~~مقبول وقد قيل # الأنس بالله لا يحويه بطال % وليس يدركه بالحول محتال # والآنسون رجال كلهم نجب % وكلهم صفوة لله عمال # | بيان معنى الانبساط والإدلال الذى تثمره غلبة الأنس # أعلم أن الأنس إذا دام وغلب واستحكم ولم يشوشه قلق الشوق ولم ينغصه خوف ~~التغير والحجاب فإنه يثمر نوعا من الانبساط في الأقوال والأفعال والمناجاة ~~مع الله تعالى وقد يكون منكر الصورة لما فيه من الجراءة وقلة الهيبة ولكنه ~~محتمل ممن أقيم في مقام الأنس ومن لم يقم في ذلك المقام ويتشبه بهم في ~~الفعل والكلام هلك به وأشرف على الكفر # ومثاله مناجاة برخ الأسود الذى أمر الله تعالى كليمه موسى عليه السلام أن ~~يسأله ليستسقى لبنى إسرائيل PageV04P340 بعد أن قحطوا سبع سنين وخرج موسى ~~عليه السلام ليستسقى لهم في سبعين ألفا فأوحى الله عز وجل إليه كيف أستجيب ~~لهم وقد أظلمت عليهم ذنوبهم سرائرهم خبيثة يدعوننى على غير يقين ويأمنون ~~مكرى ارجع إلى عبد من عبادى يقال له برخ فقل له يخرج حتى أستجيب له فسأل ~~عنه موسى عليه السلام فلم يعرف فبينما موسى ذات يوم يمشى فى طريق إذا بعبد ~~أسود قد استقبله بين عينيه تراب من أثر السجود فى شملة قد عقدها على عنقه ~~فعرفه موسى عليه السلام بنور الله عز وجل فسلم عليه وقال له ما اسمك فقال ~~اسمى برخ قال فأنت طلبتنا منذ حين أخرج فاستسق لنا # فخرج فقال فى كلامه ما هذا من فعالك ولا هذا من حلمك وما الذى بدالك ~~أنقصت عليك عيونك أم عاندت الرياح عن طاعتك أم نفد ما عندك أم اشتد غضبك ~~على المذنبين ألست كنت غفارا قبل خلق الخطائين خلقت الرحمة وأمرت بالعطف أم ~~ترينا أنك ممتنع أم تخشى الفوت فتجعل بالعقوبة قال فما برح حتى اخضلت بنو ~~اسرائيل بالقطر وأنبت الله تعالى العشب فى نصف يوم حتى بلغ الركب قال فرجع ~~برخ فاستقبله موسى عليه السلام فقال كيف رأيت حين خاصمت ربى كيف أنصفنى فهم ~~موسى عليه السلام به فأوحى الله تعالى إليه إن برخا يضحكنى كل يوم ثلاث ~~مرات # وعن الحسن قال احترقت أخصاص بالبصرة فبقى فى وسطها خص لم يحترق وأبو موسى ~~يومئذ أمير البصرة فأخبر بذلك فبعث إلى صاحب الخص قال فاتى بشيخ فقال يا ~~شيخ ما بال خصك لم يحترق قال إنى أقسمت على ربى عز وجل أن لا يحرقه فقال ~~أبو موسى رضى الله عنه إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يكون فى ~~أمتى قوم شعثة رءوسهم دنسة ثيابهم لو أقسموا على الله لأبرهم + حديث الحسن ~~عن أبى موسى يكون في أمتى قوم شعثة رءوسهم دنسة ثيابهم لو أقسموا على الله ~~لأبرهم أخرجه ابن أبى الدنيا في كتاب الأولياء وفيه انقطاع وجهالة + قال ~~ووقع حريق بالبصرة فجاء أبو عبيدة الخواص فجعل يتخطى النار فقال له أمير ~~البصرة انظر لا تحترق بالنار فقال إنى أقسمت على ربى عز وجل أن لا يحرقنى ~~بالنار قال فاعزم على النار أن تطفأ قال فعزم عليها فطفئت # وكان أبو حفص يمشى ذات يوم فاستقبله رستاقى مدهوش فقال له أبو حفص ما ~~أصابك فقال ضل حمارى ولا املك غيره قال فوقف أبو حفص وقال وعزتك لا أخطو ~~خطوة ما لم ترد عليه حماره قال فظهر حماره في الوقت ومر أبو حفص رحمه الله # فهذا وأمثاله يجري لذوى الأنس وليس لغيرهم أن يتشبه بهم # قال الجنيد رحمه الله أهل الأنس يقولون في كلامهم ومناجاتهم في خلواتهم ~~أشياء هى كفر عند العامة # وقال مرة لو سمعها العموم لكفروهم وهم يجدون المزيد في أحوالهم بذلك # وذلك يحتمل منهم ويليق بهم وأليه أشار القائل # قوم تخالجهم زهو بسيدهم % والعبد يزهو على مقدار مولاه # تاهوا برؤيته عما سواه له % يا حسن رؤيتهم في عز ما تاهوا # ولا تستبعدون رضاه عن العبد بما يغضب به على غيره مهما اختلف مقامهما ففي ~~القرآن تنبيهات على هذه المعانى لو فطنت وفهمت فجميع قصص القرآن تنبيهات ~~لأولى البصائر والأبصار حتى ينظروا إليها بعين الاعتبار فإنما هى عند ذوى ~~الاعتبار من الأسماء # فأول القصص قصة آدم عليه السلام وإبليس أما تراهما كيف اشتركا في اسم ~~المعصية والمخالفة ثم تباينا في الاجتباء والعصمة # أما إبليس فأبلس عن رحمته وقيل إنه من المبعدين # وأما آدم عليه السلام فقيل فيه وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب ~~عليه وهدى PageV04P341 وقد عاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم فى الإعراض ~~عن عبد والإقبال على عبد وهما فى العبودية سيان ولكن فى الحال مختلفان فقال ~~وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى وقال فى الآخرة أما من استغنى ~~فأنت له تصدى وكذلك أمره بالقعود مع طائفة فقال عز وجل وإذا جاءك الذين ~~يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم وأمره بالإعراض عن غيرهم فقال وإذا رأيت ~~الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم حتى قال فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم ~~الظالمبن وقال تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى # فكذلك الانبساط والإدلال يحتمل من بعض العباد دون بعض فمن انبساط الأنس ~~قول موسى عليه السلام إن هى إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء وقوله ~~فى التعليل والاعتذار لما قيل له اذهب إلى فرعون @QB@ فقال @QE@ ولهم على ~~ذنب وقوله إنى اخاف أن يكذبون ويضيق صدرى ولا ينطلق لسانى وقوله إننا نخاف ~~أن يفرط علينا أو أن يطغى وهذا من غير موسى عليه السلام من سوء الأدب لأن ~~الذى أقيم مقام الأنس يلاطف ويحتمل ولم يحتمل ليونس عليه السلام ما دون هذا ~~لما أقيم مقام القبض والهيبة فعوقب بالسجن في بطن الحوت في ظلمات ثلاث ~~ونودى عليه إلى يوم القيامة لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو ~~مذموم قال الحسن العراء هو القيامة ونهى نبينا صلى الله عليه وسلم أن يقتدى ~~به # وقيل له فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم # وهذه الاختلافات بعضها لاختلاف الأحوال والمقامات وبعضها لما سبق في ~~الأزل من التفاضل والتفاوت في القسمة بين العباد وقد قال تعالى ولقد فضلنا ~~بعض النبين على بعض وقد قال منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات فكان عيسى ~~عليه السلام من المفضلين ولإدلالة سلم على نفسه فقال والسلام على يوم ولدت ~~ويوم أموت ويوم أبعث حيا وهذا انبساط منه لما شاهد من اللطف في مقام الأنس # وأما يحيى بن زكريا عليه السلام فإنه أقيم مقام الهيبة والحياء فلم ينطق ~~حتى أثنى عليه خالقه فقال وسلام عليه # وانظر كيف احتمل لإخوة يوسف ما فعلوه بيوسف وقد قال بعض العلماء قد عددت ~~من اول قوله تعالى إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا إلى رأس العشرين ~~من إخباره تعالى عن زهدهم فيه نيفا وأربعين خطيئة بعضها أكبر من بعض وقد ~~يجتمع في الكلمة الواحدة الثلاث والأربع فغفر لهم وعفا عنهم ولم يحتمل ~~العزير في مسألة واحدة سأل عنها في القدر حتى قيل محى من ديوان النبوة ~~وكذلك كان بلعام بن باعوراء من أكابر العلماء فأكل الدنيا بالدين فلم يحتمل ~~له ذلك # وكان آصف من المسرفين وكانت معصيته في الجوارح فعفا عنه # فقد روى أن الله تعالى أوحى إلى سليمان عليه السلام يا رأس العابدين ويا ~~ابن محجة الزاهدين إلى كم يعصينى ابن خالتك آصف وأنا أحلم عليه مرة بعد مرة ~~فوعزتى وجلالى لئن أخذته عصفة من عصفاتى عليه لأتركنه مثلة لمن معه ونكالا ~~لمن بعده فلما دخل آصف على سليمان عليه السلام أخبره بما أوحى الله تعالى ~~إليه فخرج حتى علا كثيبا من رمل ثم رفع رأسه ويديه نحو السماء وقال إلهى ~~وسيدى أنت أنت وأنا وأنا فكيف أتوب إن لم تتب على وكيف أستعصم إن لم تعصمنى ~~لأعودن فأوحى الله تعالى إليه صدقت يا آصف أنت أنت وأنا وأنا استقبل التوبة ~~وقد تبت عليك وأنا التواب الرحيم وهذا كلام مدل به عليه وهارب منه إليه ~~وناظر به إليه PageV04P342 وفي الخبر إن الله تعالى أوحى إلى عبد تداركه ~~بعد أن كان أشفى على الهلكة كم من ذنب واجهتنى به غفرته لك قد أهلكت في ~~دونه أمة من الأمم # فهذه سنة الله تعالى في عباده بالتفضيل والتقديم والتأخير على ما سبقت به ~~المشيئة الأزلية # وهذه القصص وردت في القرآن لتعرف بها سنة الله في عباده الذين خلوا من ~~قبل فما في القرآن شيء إلا وهو هدى ونور وتعرف من الله تعالى إلى خلقه ~~فتارة يتعرف إليهم بالتقديس فيقول قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم ~~يولد ولم يكن له كفوا أحد وتارة يتعرف إليهم بصفات جلاله فيقول الملك ~~القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر وتارة يتعرف إليهم في ~~أفعاله المخوفة والمرجوة فيتلو عليهم سنته في أعدائه وفي أنبيائه فيقول ألم ~~تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل # ولايعدو القرآن هذه الأقسام الثلاثة وهى الإرشاد إلى معرفة ذات الله ~~وتقديسه أو معرفة صفاته وأسمائه أو معرفة أفعاله وسنته مع عباده # ولما اشتملت سورة الإخلاص على أحد هذه الأقسام الثلاثة وهو التقديس ~~وازنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلث القرآن فقال من قرأ سورة الإخلاص ~~فقد قرأ ثلث القرآن + حديث من قرأ سورة الإخلاص فقد قرأ ثلث القرآن أخرجه ~~أحمد من حديث أبى بن كعب بإسناد صحيح ورواه البخارى من حديث أبى سعيد ومسلم ~~من حديث أبى الدرداء نحوه لأن منتهى التقديس أن يكون واحدا في ثلاثة أمور ~~لا يكون حاصلا منه من هو نظيره وشبهه # ودل عليه قوله لم يلد ولا يكون حاصلا ممن هو نظيره وشبهه # ودل عليه قوله ولم يولد ولا يكون في درجته وإن لم يكن أصلا له ولا فرعا ~~من هو مثله # ودل عليه قوله ولم يكن له كفوا أحد ويجمع جميع ذلك قوله تعالى قل هو الله ~~أحد وجملته تفصيل قول لا إله إلا الله فهذه أسرار القرآن ولا تتناهى أمثال ~~هذه الأسرار في القرآن ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ولذلك قال ابن ~~مسعود رضى الله عنه نوروا القرآن والتمسوا غرائبه ففيه علم الأولين ~~والآخرين وهو كما قال ولا يعرفه إلا من طال في آحاد كلماته فكره وصفا له ~~فهمه حتى تشهد له كل كلمة منه بأنه كلام جبار قاهر مليك قادر وأنه خارج عن ~~حد استطاعة البشر # وأكثر أسرار القرآن معبأة في طى القصص والأخبار فكن حريصا على استنباطها ~~ليكشف لك فيه من العجائب ما تستحقر معه العلوم المزخرفة الخارجة عنه # فهذا ما أردنا ذكره من معنى الأنس والانبساط الذى هو ثمرته وبيان تفاوت ~~عباد الله فيه والله سبحانه وتعالى أعلم # | القول في معنى الرضا بقضاء الله تعالى وحقيقته وما ورد في فضيلته # أعلم ان الرضا ثمرة من ثمار المحبة وهو من أعلى مقامات المقربين وحقيقته ~~غامضة على الأكثرين وما يدخل عليه من التشابه والإبهام غير منكشف إلا لمن ~~علمه الله تعالى التأويل وفهمه وفقهه في الدين فقد أنكر منكرون تصور الرضا ~~بما يخالف الهوى ثم قالوا إن أمكن الرضا بكل شيء لأنه فعل الله فينبغى أن ~~يرضى بالكفر والمعاصى وانخدع بذلك قوم فرأوا الرضا بالفجور والفسوق وترك ~~الاعتراض والإنكار من باب التسليم لقضاء الله تعالى # ولو انكشفت هذه الأسرار لمن اقتصر على سماع ظواهر الشرع لما دعا رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس حيث قال اللهم فقهه في الدين وعلمه ~~التأويل + حديث دعائه لابن عباس اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل متفق ~~عليه دون قوله وعلمه التأويل ورواه أحمد بهذه الزيادة وتقدم في العلم ~~فلنبدأ ببيان فضيلة الرضا ثم بحكايات أحوال الراضين PageV04P343 ثم نذكر ~~حقيقة الرضا وكيفية تصوره فيما يخالف الهوى ثم نذكر ما يظن أنه من تمام ~~الرضا وليس منه كترك الدعاء والسكوت على المعاصى # | بيان فضيلة الرضا # أما من الآيات فقوله تعالى @QB@ رضي الله عنهم ورضوا عنه @QE@ وقد قال ~~تعالى @QB@ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان @QE@ ومنتهى الإحسان رضا الله عن ~~عبده وهو ثواب رضا العبد عن الله تعالى # وقال تعالى @QB@ ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر @QE@ فقد ~~رفع الله الرضا فوق جنات عدن كما رفع ذكره فوق الصلاة حيث قال @QB@ إن ~~الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر @QE@ فكما أن مشاهدة ~~المذكور في الصلاة أكبر من الصلاة فرضوان رب الجنة أعلى من الجنة بل هو ~~غاية مطلب سكان الجنان # وفي الحديث إن الله تعالى يتجلى للمؤمنين فيقول سلونى فيقولون رضاك + ~~حديث إن الله يتجلى للمؤمنين فيقول سلونى فيقولون رضاك أخرجه البزار ~~والطبرانى في الأوسط من حديث أنس في حديث طويل بسند فيه لين وفيه فيتجلى ~~لهم يقول أنا الذى صدقتكم وعدى وأتممت عليكم نعمتى وهذا محل إكرامى فسلونى ~~فيسألونه الرضا الحديث ورواه أبو يعلى بلفظ ثم يقول ماذا تريدون فيقولون ~~رضاك الحديث ورجاله رجال الصحيح + فسؤالهم الرضا بعد النظر نهاية التفضيل # وأما رضا العبد فسنذكر حقيقته وأما رضوان الله تعالى عن العبد فهو بمعنى ~~آخر يقرب مما ذكرناه في حب الله للعبد ولا يجوز أن يكشف عن حقيقته إذ تقصر ~~أفهام الخلق عن دركه ومن يقوى عليه فيستقل بإدراكه من نفسه # وعلى الجملة فلا رتبة فوق النظر إليه فإنما سألوه الرضا لأنه سبب دوام ~~النظر فكأنهم رأوه غاية الغايات وأقصى الأمانى لما ظفروا بنعيم النظر فلما ~~امروا بالسؤال لم يسألوا إلا دوامه وعلموا أن الرضا هو سبب دوام رفع الحجاب # وقال الله تعالى @QB@ ولدينا مزيد @QE@ قال بعض المفسرين يأتى أهل الجنة ~~في وقت المزيد ثلاث تحف من عند رب العالمين إحداها هدية من عند الله تعالى ~~ليس عندهم في الجنان مثلها فذلك قوله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من ~~قرة عين والثانية السلام عليهم من ربهم فيزيد ذلك على الهدية فضلا وهو قوله ~~تعالى @QB@ سلام قولا من رب رحيم @QE@ والثالثة يقول الله تعالى إنى عنكم ~~راض فيكون ذلك أفضل من الهدية والتسليم فذلك قوله تعالى @QB@ ورضوان من ~~الله أكبر @QE@ أي من النعيم الذى هم فيه فهذا فضل رضا الله تعالى وهو ثمرة ~~رضا العبد # وأما من الأخبار فقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم سأل طائفة من ~~أصحابه ما أنتم فقالوا مؤمنون فقال ما علامة إيمانكم فقالوا نصبر على ~~البلاء ونشكر عند الرخاء ونرضى بمواقع القضاء فقال مؤمنون ورب الكعبة + ~~حديث سأل طائفة من أصحابه ما أنتم فقالوا مؤمنون فقال ما علامة إيمانكم ~~الحديث تقدم + وفي خبر آخر أنه قال حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا ~~أنبياء + حديث أنه قال في حديث آخر حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونو ~~أنبياء تقدم أيضا + وفي الخبر طوبى لمن هدى للإسلام وكان رزقه كفافا ورضى ~~به + حديث طوبى لمن هدى للإسلام وكان رزقه كفافا ورضى به أخرجه الترمذى من ~~حديث فضالهبن عبيد بلفظ وقنع وقال صحيح وقد تقدم + وقال صلى الله عليه وسلم ~~من رضى من الله تعالى بالقليل من الرزق رضي الله تعالى منه بالقليل من ~~العمل + حديث من رضى من الله بالقليل من الرزق رضى منه بالقليل من العمل ~~رويناه في أمالى المحاملى بإسناد ضعيف من حديث على بن أبى طالب ومن طريق ~~المحاملى رواه أبو منصور الديلمى في مسند الفردوس + وقال أيضا إذا أحب الله ~~تعالى عبدا ابتلاه فإن صبر اجتباه فإن رضى اصطفاه وقال أيضا إذا كان يوم ~~القيامة أنبت الله تعالى لطائفة من أمتى أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى ~~PageV04P344 الجنان يسرحون فيها ويتنعمون فيها كيف شاءوا فتقول لهم ~~الملائكة هل رأيتم الحساب فيقولون ما رأينا حسابا فتقول لهم هل جزتم الصراط ~~فيقولون ما رأينا صراطا فتقول لهم هل رأيتم جهنم فيقولون ما رأينا شيئا ~~فتقول الملائكة من أمة من أنتم فيقولون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ~~فتقول ناشدناكم الله حدثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا فيقولون خصلتان ~~كانتا فينا فبلغنا هذه المنزلة بفضل رحمة الله فيقولون وماهما فيقولون كنا ~~إذا خلونا نستحى أن نعصيه ونرضى باليسير مما قسم لنا فتقول الملائكة يحق ~~لكم هذا + حديث إذا كان يوم القيامة أنبت الله لطائفة من أمتى أجنحة ~~فيطيرون من قبورهم إلى الجنان يسرحون فيها رواه ابن حبان في الضعفاء وأبو ~~عبد الرحمن السلمى من حديث أنس مع اختلاف وفيه حميد بن على القيسى ساقطها ~~لك والحديث منكر مخالف للقرآن وللأحاديث الصحيحة في الورود وغيره + وقال ~~صلى الله عليه وسلم يا معشر الفقراء أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا ~~بثواب فقركم وإلا فلا + حديث أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب ~~فقركم وإلا فلا تقدم + # وفي أخبار موسى عليه السلام إن بنى إسرائيل قالوا له سل لنا ربك أمرا إذا ~~نحن فعلناه يرضى به عنا فقال موسى عليه السلام # إلهى قد سمعت ما قالوا فقال يا موسى قل لهم يرضون عنى حتى أرضى عنهم # ويشهد لهذا ما روى عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال من أحب أن يعلم ~~ماله عند الله عز وجل فلينظر ما لله عز وجل عنده فإن الله تبارك وتعالى ~~ينزل العبد منه حيث أنزله العبد من نفسه + حديث من أحب أن يعلم ماله عند ~~الله فلينظر ما لله عنده الحديث أخرجه الحاكم من حديث جابر وصححه بلفظ ~~منزلته ومنزلة الله # وفي أخبار داود عليه السلام ما لأوليائى والهم بالدنيا إن الهم يذهب ~~حلاوة مناجاتى من قلوبهم يا داود إن محبتى من أوليائى أن يكونوا روحانيين ~~لا يغتمون # وروى أن موسى عليه السلام قال يارب دلنى على أمر فيه رضاك حتى أعمله ~~فأوحى الله تعالى إليه إن رضاى في كرهك وأنت لا تصبر على ما تكره قال يارب ~~دلنى عليه قال فإن رضاى في رضاك بقضائى # وفى مناجاة موسى عليه السلام أى رب أي خلقك أحب إليك قال من إذا أخذت منه ~~المحبوب سالمنى قال # فبأي خلقك أنت عليه ساخط قال من يستخيرنى في الأمر فإذا قضيت له سخط ~~قضائى # وقد روى ما هو أشد من ذلك وهو أن الله تعالى قال أنا الله لا إله إلا أنا ~~من لم يصبر على بلائى ولم يشكر نعمائى ولم يرض بقضائى فليتخذ ربا سوائى + ~~حديث قال الله أنا الله لا إله إلا أنا من لم يصبر على بلائي الحديث أخرجه ~~الطبرانى في الكبير وابن حبان في الضعفاء من حديث أبى هند الدارى مقتصرا ~~على قوله من لم يرض بقضائى ويصبر على بلائى فليلتمس ربا سواى وإسناده ضعيف ~~+ ومثله في الشدة قوله تعالى فيما أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم أنه ~~قال قال الله تعالى قدرت المقادير ودبرت التدبير وأحكمت الصنع فمن رضى فله ~~الرضا منى حتى يلقانى ومن سخط فله السخط مني حتى يلقاني حديث قال الله ~~تعالى قدرت المقادير ودبرت التدبير وأحكمت الصنع فمن رضى فله الرضا الحديث ~~لم أجده بهذا اللفظ وللطبرانى في الأوسط من حديث أبى أمامة خلق الله الخلق ~~وقضى القضية وأخذ ميثاق النبيين الحديث وإسناده ضعيف + وفي الخبر المشهور ~~يقول الله تعالى خلقت الخير والشر فطوبى لمن خلقته للخير وأجريت الخير على ~~يديه وويل لمن خلقته للشر واجريت الشر على يديه وويل ثم ويل لمن قال لم ~~وكيف + حديث يقول الله خلقت الخير والشر فطوبى لمن خلقته للخير وأجريت ~~الخير على يديه الحديث أخرجه ابن شاهين في شرح السنة عن أبى أمامة بإسناد ~~ضعيف + # وفي الأخبار السالفة أن نبيا من الأنبياء شكا إلى الله عز وجل الجوع ~~والفقر والقمل عشر سنين فما أجيب إلى ما أراد ثم أوحى الله تعالى إليه كم ~~تشكو هكذا كان بدؤك عندى في أم الكتاب قبل أن أخلق السموات PageV04P345 ~~والأرض وهكذا سبق لك منى وهكذا قضيت عليك قبل أن أخلق الدنيا أفتريد أن ~~أعيد خلق الدنيا من أجلك أم تريد أن أبدل ما قدرته عليك فيكون ما تحب فوق ~~ما أحب ويكون ما تريد فوق ما أريد وعزتى وجلالى لئن تلجلج هذا في صدرك مرة ~~أخرى لأمحونك من ديوان النبوة # وروى أن آدم عليه السلام كان بعض أولاده الصغار يصعدون على بدنه وينزلون ~~يجعل أحدهم رجله على أضلاعه كهيئة الدرج فيصعد إلى رأسه من ينزل على أضلاعه ~~كذلك وهو مطرق إلى الأرض لا ينطق ولا يرفع رأسه فقال له بعض ولده يا أبت ~~أما ترى ما يصنع هذا بك لو نهيته عن هذا فقال يا بنى إنى رأيت ما لم تروا ~~وعلمت ما لم تعلموا إنى تحركت حركة واحدة فأهبطت من دار الكرامة إلى دار ~~الهوان ومن دار النعيم إلى دار الشقاء # فأخاف أن أتحرك أخرى فيصيبنى مالا أعلم # وقال أنس بن مالك رضى الله عنه خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ~~سنين فما قال لى لشيء فعلته لم فعلته ولا لشيء لم أفعله لم لا فعلته ولا ~~قال في شيء كان ليته لم يكن ولا في شيء لم يكن ليته كان وكان إذا خاصمنى ~~مخاصم من أهله يقول دعوه لو قضى شيء لكان + حديث أنس خدمت النبى صلى الله ~~عليه وسلم فما قال لى لشيء فعلته لم فعلته الحديث متفق عليه وقد تقدم + # ويروى أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام يا داود إنك تريد وأريد ~~وإنما يكون ما أريد فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد وإن لم تسلم لما أريد ~~أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد # وأما الآثار فقد قال ابن عباس رضى الله عنهما # أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله تعالى على كل حال # وقال عمر بن عبد العزيز ما بقى لى سرور إلا في مواقع القدر وقيل له ما ~~تشتهى فقال ما يقضى الله # وقال ميمون بن مهران من لم يرض بالقضاء فليس لحمقه دواء # وقال الفضيل إن لم تصبر على تقدير الله لم تصبر على تقدير نفسك وقال عبد ~~العزيز بن أبى رواد ليس الشأن في أكل خبز الشعير والخل ولا في لبس الصوف ~~والشعر ولكن الشان في الرضا عن الله عز وجل وقال عبد الله بن مسعود لأن ~~ألحس جمرة أحرقت ما أحرقت وأبقت ما أبقت أحب إلى من أن أقول لشئ كان ليته ~~لم يكن أو لشيء لم يكن ليته كان # ونظر رجل إلى قرحة في رجل محمد بن واسع فقال إنى لأرحمك من هذه القرحة ~~فقال إنى لأشكرها منذ خرجت إذ لم تخرج في عينى # وروى في الإسرائيليات أن عابدا عبد الله دهرا طويلا فأرى في المنام فلانة ~~الراعية رفيقتك في الجنة فسأل عنها إلى أن وجدها فاستضافها ثلاثا لينظر إلى ~~عملها فكان يبيت قائما وتبيت نائمة ويظل صائما وتظل مفطرة # فقال أما لك عمل غير ما رأيت فقالت ماهو والله إلا ما رأيت لا أعرف غيره ~~فلم يزل يقول تذكرى حتى قالت خصيلة واحدة هى في إن كنت في شدة لم أتمن أن ~~أكون في رخاء وإن كنت في مرض لم أتمن أن أكون في صحة وإن كنت في الشمس لم ~~أتمن أن أكون في الظل فوضع العابد يده على رأسه وقال أهذه خصيلة هذه والله ~~خصلة عظيمة يعجز عنها العباد # وعن بعض السلف إن الله تعالى إذا قضى في السماء قضاء أحب من أهل الأرض أن ~~يرضوا بقضائه # وقال أبو الدرداء ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر وقال عمر رضى ~~الله عنه # ما أبالى على أى حال أصبحت وأمسيت من شدة أو رخاء # وقال الثورى يوما عند رابعة اللهم ارض عنى فقالت أما تستحى من الله أن ~~تسأله الرضا وأنت عنه غير راض فقال أستغفر الله فقال جعفر بن سليمان الضبعى ~~فمتى يكون العبد راضيا عن الله PageV04P346 تعالى قالت إذا كان سروره ~~بالمصيبة مثل سروره بالنعمة # وكان الفضيل يقول إذا استوي عنده المنع والعطاء فقد رضى عن الله تعالى ~~وقال أحمد بن أبي الحواري قال أبو سليمان الداراني إن الله عز وجل من كرمه ~~قد رضي من عبيده بما رضي العبيد من مواليهم قلت وكيف ذاك قال أليس مراد ~~العبد من الخلق أن يرضى عنه مولاه قلت نعم قال فإن محبة الله من عبيده أن ~~يرضوا عنه # وقال سهل حظ العبيد من اليقين على قدر حظهم من الرضا وحظهم من الرضا على ~~قدر عيشهم مع الله عز وجل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل ~~بحكمته وجلاله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين وجعل الغم والحزن في الشك ~~والسخط + حديث إن الله بحكمته وجلاله جعل الروح والفرح في الرضا الحديث ~~أخرجه الطبرانى من حديث ابن مسعود إلا أنه قال بقسطه وقد تقدم + # | بيان حقيقة الرضا وتصوره فيما يخالف الهوى # اعلم أن من قال ليس فيما يخالف الهوى وأنواع البلاء إلا الصبر فأما الرضا ~~فلا يتصور فإنما أتى من ناحية إنكار المحبة فأما اذا ثبت تصور الحب لله ~~تعالى واستغراق الهم به فلا يخفى أن الحب يورث الرضا بأفعال الحبيب ويكون ~~ذلك من وجهين # @QB@ أحدهما @QE@ أن يبطل الإحساس بالألم حتى يجري عليه المؤلم ولا يحس ~~وتصيبه جراحه ولا يدرك ألمها # ومثاله الرجل المحارب فإنه في حال غضبه أو في حال خوفه قد تصيبه جراحة ~~وهو لا يحس بألم ذلك لشغل قلبه # بل الذي يحجم أو يحلق رأسه بحديدة كالة يتألم به فإن كان مشغول القلب ~~بمهم من مهماته فرغ المزين والحجام وهو لا يشعر به # وكل ذلك لأن القلب إذا صار مستغرقا بأمر من الأمور مستوفى به لم يدرك ما ~~عداه فكذلك العاشق المستغرق الهم بمشاهدة معشوقه أو بحبه قد يصيبه ما كان ~~يتألم به أو يغتم له لولا عشقه ثم لا يدرك غمه وألمه لفرط استيلاء الحب على ~~قلبه # هذا إذا أصابه من غير حبيبه فكيف إذا أصابه من حبيبه وشغل القلب بالحب ~~والعشق من أعظم الشواغل وإذا تصور هذا في ألم يسير بسبب حب خفيف تصور في ~~الألم العظيم بالحب العظيم فإن الحب أيضا يتصور تضاعفه في القوة كما يتصور ~~تضاعف الألم وكما يقوى حب الصور الجميلة المدركة بحاسة البصر فكذا يقوي حب ~~الصور الجميلة الباطنة المدركة بنور البصيرة وجمال حضرة الربوبية وجلالها ~~لا يقاس به جمال ولا جلال فمن ينكشف له شيء منه فقد يبهره بحث يدهش ويغشى ~~عليه فلا يحس مما يجري عليه # فقد روى أن امرأة فتح الموصلي عثرت فانقطع ظفرها فضحكت فقيل لها أما ~~تجدين الوجع فقالت إن لذة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه # وكان سهل رحمه الله تعالى به علة يعالج غيره منها ولا يعالج نفسه فقيل له ~~في ذلك فقال يا دوست ضرب الحبيب لا يوجع # وأما الوجه الثاني فهو أن يحس به ويدرك ألمه ولكن يكون راضيا به بل راغبا ~~فيه مريدا له أعني بعقله وإن كان كارها بطبعه كالذي يلتمس من الفصاد الفصد ~~والحجامة فإنه يدرك ألم ذلك إلا أنه راض به وراغب فيه ومتقلد من الفصاد به ~~منة بفعله فهذا حال الراضي بما يجري عليه من الألم # وكذلك كل من يسافر في طلب الربح يدرك مشقة السفر ولكن حبه لثمرة سفره طيب ~~عنده مشقة السفر وجعله راضيا بها # ومهما أصابه بلية من الله تعالى وكان له يقين بأن ثوابه الذي ادخر له فوق ~~ما فاته رضى به ورغب فيه وأحبه وشكر الله عليه هذا إن كان PageV04P347 ~~يلاحظ الثواب والإحسان الذى يجازى به عليه ويجوز أن يغلب الحب بحيث يكون حظ ~~المحب في مراد محبوبه ورضاء لا لمعنى آخر وراءه فيكون مراد حبيبه ورضاه ~~محبوبا عنده ومطلوبا وكل ذلك موجود في المشاهدات في حب الخلق وقد تواصفها ~~المتواصفون في نظمهم ونثرهم ولا معنى له الا ملاحظة جمال الصورة الظاهرة ~~بالبصر فان نظر إلى الجمال فما هو إلا جلد ولحم ودم مشحون بالأقذار ~~والأخباث بدايته من نطفة مذرة ونهايته جيفة قذرة وهو فيما بين ذلك يحمل ~~العذرة # وإن نظر إلى المدرك للجمال فهي العين الخسيسة التى تغلط فيما ترى كبيرا ~~فترى الصغير كبيرا والكبير صغيرا والبعيد قريبا والقبيح جميلا فإذا تصور ~~استيلاء هذا الحب فمن أين يستحيل ذلك في حب الجمال الأزلي الأبدي الذى لا ~~منتهى لكماله المدرك بعين البصيرة التى لا يعتريها الغلط ولا يدور بها ~~الموت بل تبقى بعد الموت حية عند الله فرحة برزق الله تعالى مستفيدة بالموت ~~مزيد تنبيه واستكشاف فهذا أمر واضح من حيث النظر بعين الاعتبار ويشهد لذلك ~~الوجود وحكايات أحوال المحبين وأقوالهم # فقد قال شقيق البلخى من يرى ثواب الشدة لا يشتهى المخرج منها وقال الجنيد ~~سألت سريا السقطي هل يجد المحب ألم البلاء قال لا قلت وإن ضرب بالسيف قال ~~نعم وإن ضرب بالسيف سبعين ضربة ضربة على ضربة # وقال بعضهم أحببت كل شيء يحبه حتى لو أحب النار أحببت دخول النار وقال ~~بشر بن الحارث مررت برجل وقد ضرب ألف سوط فى شرقية بغداد ولم يتكلم ثم حمل ~~إلى الحبس فتبعته فقلت له لم ضربت فقال لأني عاشق فقلت له ولم سكت قال لأن ~~معشوقي كان بحذائي ينظر الي فقلت فلو نظرت إلى المعشوق الأكبر قال فزعق ~~زعقة خر ميتا # وقال يحي بن معاذ الرازى رحمه الله تعالى إذا نظر أهل الجنة إلى الله ~~تعالى ذهبت عيونهم فى قلوبهم من لذة النظر إلى الله تعالى ثمانمائة سنة لا ~~ترجع اليهم فما ظنك بقلوب وقعت بين جماله وجلاله إذا لاحظت جلاله هابت وإذا ~~لاحظت جماله تاهت وقال بشر قصدت عبادان فى بدايتي فاذا برجل أعمى مجذوم ~~مجنون قد صرع والنمل يأكل لحمه فرفعت رأسه فوضعته فى حجري وأنا أردد الكلام ~~فلما أفاق قال من هذا الفضولي الذى يدخل بيني وبين ربي لو قطعني اربا اربا ~~ما ازددت له الا حبا قال بشر فما رأيت بعد ذلك نقمة بين عبد وبين ربه ~~فأنكرتها # وقال أبو عمرو محمد بن الأشعث إن أهل مصر مكثوا أربعة أشهر لم يكن لهم ~~غذاء إلا النظر إلى وجه يوسف الصديق عليه السلام كانوا اذا جاعوا نظروا إلى ~~وجهه فشغلهم جماله عن الإحساس بألم الجوع بل فى القرآن ما هو أبلغ من ذلك ~~وهو قطع النسوة أيديهن لاستهتارهن بملاحظة جماله حتى ما أحسسن بذلك # وقال سعيد بن يحيى رأيت بالبصرة فى خان عطاء بن مسلم شابا وفى يده مدية ~~وهو ينادي بأعلى صوته والناس حوله وهو يقول # يوم الفراق من القيامة أطول % والموت من ألم التفرق أجمل # قالوا الرحيل فقلت لست براحل % لكن مهجتي التى تترحل # ثم بقر بالمدية بطنه وخر ميتا فسألت عنه وعن أمره فقيل لي انه كان يهوى ~~فتى لبعض الملوك حجب عنه يوما واحدا # ويروى أن يونس عليه السلام قال لجبريل دلني على أعبد أهل الأرض فدله على ~~رجل قد قطع الجذام يديه ورجليه وذهب ببصره فسمعه وهو يقول الهي متعتني بهما ~~ما شئت أنت وسلبتني ما شئت أنت وأبقيت لي فيك الأمل يا بر يا وصول # ويروى عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه اشتكى له ابن فاشتد ~~PageV04P348 وجده عليه حتى قال بعض القوم لقد خشينا على هذا الشيخ ان حدث ~~بهذا الغلام حدث فمات الغلام فخرج ابن عمر في جنازته وما رجل أشد سرورا ~~أبدا منه فقيل له فى ذلك فقال ابن عمر إنما كان حزني رحمة له فلما وقع أمر ~~الله رضينا به # وقال مسروق كان رجل بالبادية له كلب وحمار وديك فالديك يوقظهم للصلاة ~~والحمار ينقلون عليه الماء ويحمل لهم خباءهم والكلب يحرسهم قال فجاء الثعلب ~~فأخذ الديك فحزنوا له وكان الرجل صالحا فقال عسى أن يكون خيرا ثم جاء ذئب ~~فخرق بطن الحمار فقتله فحزنوا عليه فقال الرجل عسى أن يكون خيرا ثم أصيب ~~الكلب بعد ذلك فقال عسى أن يكون خيرا ثم أصبحوا ذات يوم فنظروا فاذا قد سبي ~~من حولهم وبقوا هم قال وانما أخذوا أولئك لما كان عندهم من أصوات الكلاب ~~والحمير والديكة فكانت الخيرة لهؤلاء في هلاك هذه الحيوانات كما قدره الله ~~تعالى # فإذن من عرف خفي لطف الله تعالى رضى بفعله على كل حال # ويروى أن عيسى عليه السلام مر برجل أعمى أبرص مقعد مضروب الجنبين بفالج ~~وقد تناثر لحمه من الجذام وهو يقول الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به ~~كثيرا من خلقه فقال له عيسى يا هذا أي شيء من البلاء أراه مصروفا عنك فقال ~~يا روح الله أنا خير ممن لم يجعل الله في قلبه ما جعل في قلبي من معرفته ~~فقال له صدقت هات يدك فناوله يده فاذا هو أحسن الناس وجها وأفضلهم هيئة وقد ~~أذهب الله عنه ما كان به فصحب عيسى عليه السلام وتعبد معه # وقطع عروة بن الزبير رجله من ركبته من أكلة خرجت بها ثم قال الحمد لله ~~الذي أخذ مني واحدة وليت لئن كنت أخذت لقد أبقيت ولئن كنت ابتليت لقد عافيت ~~ثم لم يدع ورده تلك الليلة # وكان ابن مسعود يقول الفقر والغنى مطيبتان ما أبالي أيتهما ركبت ان كان ~~الفقر فإن فيه الصبر وان كان الغنى فان فيه البذل # وقال أبو سليمان الداراني قلت قد نلت من كل مقام حالا إلا الرضا فمالى ~~منه إلا مشام الريح وعلى ذلك لو أدخل الخلائق كلهم الجنة وأدخلني النار كنت ~~بذلك راضيا # وقيل لعارف آخر هل نلت غاية الرضا عنه فقال أما الغاية فلا ولكن مقام ~~الرضا قد نلته لو جعلني جسرا على جهنم يعبر الخلائق على إلى الجنة ثم ملأ ~~بي جهنم تحلة لقسمه وبدلا من خليقته لأحببت ذلك من حكمه ورضيت به من قسمه # وهذا كلام من علم أن الحب قد استغرق همه حتى منعه الإحساس بألم النار فإن ~~بقي إحساس فيغمره ما يحصل من لذته فى استشعاره حصول رضا محبوبه بإلقائه ~~إياه في النار # واستيلاء هذه الحالة غير محال في نفسه وإن كان بعيدا من أحوالنا الضعيفة ~~ولكن لا ينبغي أن يستنكر الضعيف المحروم أحوال الأقوياء ويظن أن ما هو عاجز ~~عنه يعجز عنه الأولياء # وقال الروذباري قلت لأبي عبد الله بن الجلاء الدمشقي قول فلان وددت أن ~~جسدي قرض بالمقاريض وأن هذا الخلق أطاعوه ما معناه فقال يا هذا ان كان هذا ~~من طريق التعظيم والاجلال فلا أعرف وان كان هذا من طريق الاشفاق والنصح ~~للخلق فأعرف قال ثم غشي عليه # وقد كان عمران بن الحصين قد استسقى بطنه فبقي ملقى على ظهره ثلاثين سنة ~~لا يقوم ولا يقعد قد نقب له في سرير من جريد كان عليه موضع لقضاء حاجته ~~فدخل عليه مطرف وأخوه العلاء فجعل يبكي لما يراه من حاله فقال لم تبكي قال ~~لاني أراك على هذه الحالة العظيمة قال لا تبك فان أحبه الي الله تعالى أحبه ~~إلى ثم قال أحدثك شيئا لعل الله أن ينفعك به وأكتم على حتى أموت إن ~~الملائكة تزورني فآنس بها وتسلم علي فأسمع تسليمها فأعلم بذلك أن هذا ~~البلاء ليس بعقوبة اذ هو سبب هذه النعمة الجسيمة فمن يشاهد هذا في بلائه ~~كيف لا يكون راضيا به قال ودخلنا على سوبد بن متعبه نعوده فرأيناه ثوبا ~~ملقى فما ظننا أن تحته شيئا حتى كشف فقالت له امرأته أهلي PageV04P349 ~~فداؤك ما نطعمك # ما نسقيك فقال طالت الضجعة ودبرت الحراقيف وأصبحت نضوا لا أطعم طعاما ولا ~~أسيغ شرابا منذ كذا فذكر أياما وما يسرنى أنى نقصت من هذا قلامة ظفر ولما ~~قدم سعد بن أبى وقاص إلى مكة وقد كان كف بصره جاءه الناس يهرعون إليه كل ~~واحد يسأله أن يدعو له فيدعو لهذا ولهذا وكان مجاب الدعوة قاله عبد الله بن ~~السائب فأتيته وأنا غلام فتعرفت إليه فعرفنى وقال أنت قارئ أهل مكة قلت نعم ~~فذكر قصة قال في آخرها فقلت له يا عم أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك فرد ~~الله عليك بصرك فتبسم وقال يا بنى قضاء الله سبحانه عندى أحسن من بصرى وضاع ~~لبعض الصوفية ولد صغير ثلاثة أيام لم يعرف له خبر فقيل له لو سألت الله ~~تعالى أن يرده عليك فقال اعتراضي عليه فيما قضى أشد على من ذهاب ولدى # وعن بعض العباد أنه قال إني أذنبت ذنبا عظيما فأنا أبكى عليه منذ ستين ~~سنة وكان قد اجتهد في العبادة لأجل التوبة من الذنب فقيل له وما هو قال قلت ~~مرة لشيء كان ليته لم يكن # وقال بعض السلف لو قرض جسمى بالمقاريض لكان أحب إلى من أن أقول لشيءقضاه ~~الله تعالى سبحانه ليته لم يقضه # وقيل لعبد الواحد بن زيد ههنا رجل قد تعبد خمسين سنة فقصده فقال له يا ~~حبيبى أخبرنى عنك هل قنعت به قال لا قال أنست به قال لا قال فهل رضيت عنه ~~قال لا قال فإنما مزيدك منه الصوم والصلاة قال نعم قال لولا أنى أستحيى منك ~~لأخبرتك بأن معاملتك خمسين سنة مدخولة ومعناه أنك لم يفتح لك باب القلب ~~فتترقى إلى درجات القرب بأعمال القلب وإنما أنت تعد في طبقات أصحاب اليمين ~~لأن مزيدك منه في أعمال الجوارح التى هى مزيد أهل العموم # ودخل جماعة من الناس على الشبلى رحمه الله تعالى في مارستان قد حبس فيه ~~وقد جمع بين يديه حجارة فقال من أنتم فقالوا محبوك فأقبل عليهم يرميهم ~~بالحجارة فتهاربوا فقال ما بالكم ادعيتم محبتى إن صدقتم فاصبروا على بلائى # وللشبلى رحمه الله تعالى # إن المحبة للرحمن أسكرنى % وهل رأيت محبا غير سكران # وقال بعض عباد أهل الشام كلكم يلقى الله عز وجل مصدقا ولعله قد كذبه وذلك ~~أن أحدكم لو كان له أصبع من ذهب ظل يشير بها ولو كان بها شلل ظل يواريها ~~يعنى بذلك أن الذهب مذموم عند الله والناس يتفاخرون به والبلاء زينة أهل ~~الآخرة وهم يستنكفون منه # وقيل إنه وقع الحريق في السوق فقيل للسري احترق السوق وما احترق دكانك ~~فقال الحمد لله ثم قال كيف قلت الحمد لله على سلامتى دون المسلمين فتاب من ~~التجارة وترك الحانوت بقية عمره توبة واستغفارا من قوله الحمد لله # فإذا تأملت هذه الحكايات عرفت قطعا أن الرضا بما يخالف الهوى ليس مستحيلا ~~بل هو مقام عظيم من مقامات أهل الدين # ومهما كان ذلك ممكنا في حب الخلق وحظوظهم كان ممكنا في حق حب الله تعالى ~~وحظوظ الآخرة قطعا # وإمكانه من وجهين @QB@ أحدهما @QE@ الرضا بالألم لما يتوقع من الثواب ~~الموجود كالرضا بالفصد والحجامة وشرب الدواء انتظارا للشفاء # والثاني الرضا به لا لحظ وراءه بل لكونه مراد المحبوب ورضا له فقد يغلب ~~الحب بحيث ينغمر مراد المحب في مراد المحبوب فيكون ألذ الأشياء عنده سرور ~~قلب محبوبه ورضاه ونفوذ إرادته ولو في هلاك روحه كما قيل # فما لجرح إذا أرضاكم ألم % # وهذا ممكن مع الإحساس بالألم وقد يستولى الحب بحيث يدهش عن إدراك الألم ~~فالقياس والتجربة والمشاهدة PageV04P350 دالة على وجوده فلا ينبغى أن ينكره ~~من فقده من نفسه لأنه إنما فقده لفقد سببه وهو فرط حبه ومن لم يذق طعم الحب ~~لم يعرف عجائبه فللمحبين عجائب أعظم مما وصفناه # وقد روى عن عمرو بن الحارث الرافعي قال كنت في مجلس بالرقة عند صديق لي ~~وكان معنا فتى يتعشق جارية مغنية وكانت معنا في المجلس فضربت بالقضيب وغنت # علامة ذل الهوي % على العاشقين البكا # ولا سيما عاشق % إذا لم يجد مشتكي # فقال لها الفتى أحسنت والله يا سيدتي أفتأذنين لي أن أموت فقالت مت راشدا ~~قال فوضع رأسه على الوسادة وأطبق فمه وغمض عينيه فحركناه فإذا هو ميت # وقال الجنيد رأيت رجلا متعلقا بكم صبي وهو يتضرع إليه ويظهر له المحبة ~~فالتفت إليه الصبي وقال له إلى متى ذا النفاق ألذي تظهر لي فقال قد علم ~~الله أني صادق فيما أورده حتى لو قلت لي مت لمت فقال إن كنت صادقا فمت قال ~~فتنحى الرجل وغمض عينيه فوجد ميتا وقال سمنون المحب كان في جيراننا رجل وله ~~جارية يحبها غاية الحب فاعتلت الجارية فجلس الرجل ليصلح لها حيسا فبينا هو ~~يحرك القدر إذ قالت الجارية آه قال فدهش الرجل وسقطت الملعقة من يده وجعل ~~يحرك ما في القدر بيده حتى سقطت أصابعه فقالت الجارية ما هذا قال هذا مكان ~~قولك آه # وحكى عن محمد ابن عبدالله البغدادي قال رأيت بالبصرة شابا على سطح مرتفع ~~وقد أشرف على الناس وهو يقول # من مات عشقا فليمت هكذا % لا خير في عشق بلا موت # ثم رمى بنفسه إلى الأرض فحملوه ميتا # فهذا وأمثاله قد يصدق به في حب المخلوق والتصديق به في حب الخالق أولى ~~لأن البصيرة الباطنة أصدق من البصر الظاهر وجمال الحضرة الربانية أو في من ~~كل جمال بل كل جمال في العالم فهو حسنة من حسنات ذلك الجمال # نعم الذي فقد البصر ينكر جمال الصور والذي فقد السمع ينكر لذة الألحان ~~والنغمات الموزونة فالذي فقد القلب لا بد وأن ينكر أيضا هذه اللذات التي ~~لامظنة لها سوى القلب # | بيان أن الدعاء غير مناقض للرضا # ولا يخرج صاحبه عن مقام الرضا وكذلك كراهة المعاصي ومقت أهلها ومقت ~~أسبابها والسعي في إزالتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يناقضه ~~أيضا # وقد غلط في ذلك بعض البطالين المغترين وزعم أن المعاصي والفجور والكفر من ~~قضاء الله وقدره عز وجل فيجب الرضا به وهذا جهل بالتأويل وغفلة عن أسرار ~~الشرع فأما الدعاء فقد تعبدنا به وكثرة دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وسائر الأنبياء عليهم السلام على ما نقلناه في كتاب الدعوات تدل عليه ولقد ~~كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعلى المقامات من الرضا # وقد أثنى الله تعالى على بعض عباده بقوله @QB@ ويدعوننا رغبا ورهبا @QE@ ~~وأما إنكار المعاصي وكراهتها وعدم الرضا بها فقد تعبد الله به عباده وذمهم ~~على الرضا به فقال @QB@ ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها @QE@ وقال تعالى ~~@QB@ رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم @QE@ وفي الخبر المشهور ~~من شهد منكرا فرضي به فكأنه قد فعله وفي الحديث الدال على الشر كفاعله + ~~حديث الدال على الشر كفاعله أخرجه أبو منصور الديلمى في مسند الفردوس من ~~حديث أنس بإسناد ضعيف جدا + وعن ابن مسعود إن العبد ليغيب عن المنكر ويكون ~~عليه مثل وزر صاحبه وقيل وكيف ذلك قال يبلغه فيرضى به وفي الخبر لو أن عبدا ~~قتل بالمشرق ورضي بقتله آخر بالمغرب كان PageV04P351 شريكا في قتله + حديث ~~لو أن رجلا قتل بالمشرق ورضى بقتله آخر في المغرب كان شريكا في قتله لم أجد ~~له أصلا بهذا اللفظ ولابن عدى من حديث أبى هريرة من حضر معصية فكرهها ~~فكأنما غاب عنها ومن غاب عنها فأحبها فكأنما حضرها وتقدم في كتاب الأمر ~~بالمعروف + وقد أمر الله تعالى بالحسد والمنافسة في الخيرات وتوقى الشرور ~~فقال تعالى @QB@ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون @QE@ وقال النبى صلى الله ~~عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله حكمة فهو يبثها في الناس ~~ويعلمها ورجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق + حديث لا حسد إلا في ~~اثنتين الحديث أخرجه البخارى من حديث أبى هريرة ومسلم من حديث ابن مسعود ~~وقد تقدم في العلم + وفي لفظ آخر ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء ~~الليل والنهار فيقول الرجل لو آتانى الله مثل ما آتى هذا لفعلت مثل ما يفعل # وأما بغض الكفار والفجار والإنكار عليهم ومقتهم فما ورد فيه من شواهد ~~القرآن والأخبار لا يحصى مثل قوله تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء ~~من دون المؤمنين وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى ~~أولياء وقال تعالى وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا وفي الخبر إن الله تعالى ~~أخذ الميثاق على كل مؤمن أن يبغض كل منافق وعلى كل منافق أن يبغض كل مؤمن + ~~حديث إن الله أخذ الميثاق على كل مؤمن أن يبغض كل منافق الحديث لم أجد له ~~أصلا + وقال عليه السلام المرء مع من أحب + حديث المرء مع من أحب تقدم + ~~وقال من أحب قوما ووالاهم حشر معهم يوم القيامة + حديث من أحب قوما ووالاهم ~~حشر معهم أخرجه الطبرانى من حديث أبى قرصافة وابن عدى من حديث جابر من أحب ~~قوما على أعمالهم حشر في زمرتهم زاد ابن عدى يوم القيامة وفي طريقه إسماعيل ~~بن محيى التيمى ضعيف + وقال عليه السلام أوثق عرى الإيمان الحب في الله ~~والبغض في الله + حديث أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله رواه ~~أحمد وتقدم في آداب الصحبة + وشواهد هذا قد ذكرناها في بيان الحب والبغض في ~~الله تعالى من كتاب آداب الصحبة وفي كتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ~~فلا نعيده # فإن قلت فقد وردت الآيات والأخبار بالرضا بقضاء الله تعالى + الأخبار ~~الواردة في الرضا بقضاء الله رواها الترمذى من حديث سعد بن أبى وقاص من ~~سعادة ابن آدم وضاه بما قسم الله عز وجل الحديث وقال غريب وتقدم حديث ارض ~~بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وحديث إن الله بقسطه جعل الروح والفرح في ~~الرضا وتقدم في حديث الاستخارة واقدر لى الخير حيث كان ثم رضنى به وحديث من ~~رضى من الله بالقليل من الرزق رضى منه بالقليل من العمل وحديث أسألك الرضا ~~بالقضاء الحديث وغير ذلك + فإن كانت المعاصى بغير قضاء الله تعالى فهو محال ~~وهو قادح في التوحيد وإن كانت بقضاء الله تعالى فكراهتها ومقتها كراهة ~~لقضاء الله تعالى وكيف السبيل إلى الجمع وهو متناقض على هذا الوجه وكيف ~~يمكن الجمع بين الرضا والكراهة في شيء واحد فاعلم أن هذا مما يلتبس على ~~الضعفاء القاصرين عن الوقوف على أسرار العلوم وقد التبس على قوم حتى رأوا ~~السكوت عن المنكر مقاما من مقامات الرضا وسموه حسن الخلق وهو جهل محض بل ~~نقول الرضا والكراهة يتضادان إذا تواردا على شيء واحد من جهة واحدة على وجه ~~واحد فليس من التضاد في شيء واحد أن يكرهه من وجه ويرضى به من وجه إذ قد ~~يموت عدوك الذى هو أيضا عدو بعض أعدائك وساع في إهلاكه فتكره موته من حيث ~~إنه مات عدو عدوك وترضاه من حيث إنه مات عدوك # وكذلك المعصية لها وجهان وجه إلى الله تعالى من حيث إنه فعله واختياره ~~وإرادته فيرضى به من هذا الوجه تسليما للملك إلى مالك الملك ورضا بما يفعله ~~فيه ووجه إلى العبد من حيث إنه كسبه ووصفه وعلامة كونه ممقوتا عند الله ~~وبغيضا عنده حيث سلط عليه أسباب البعد والمقت فهو من هذا الوجه منكر ومذموم # ولا ينكشف هذا لك إلا بمثال PageV04P352 فلنفرض محبوبا من الخلق قال بين ~~يدى محبيه # إنى أريد ان أميز بين من يحبنى ويبغضنى وأنصب فيه معيارا صادقا وميزانا ~~ناطقا وهو أنى اقصد إلى فلان فأوذيه وأضربه ضربا يضطره ذلك إلى الشتم لى # حتى إذا شتمنى أبغضته واتخذته عدوا لى فكل من أحبه أعلم أيضا أنه عدوى ~~وكل من أبغضه أعلم أنه صديقى ومحبى # ثم فعل ذلك وحصل مراده من الشتم الذى هو سبب البغض وحصل البغض الذى هو ~~سبب العداوة # فحق على كل من هو صادق في محبته وعالم بشروط المحبة أن يقول أما تدبيرك ~~في إيذاء هذا الشخص وضربه وإبعاده وتعريضك إياه للبغض والعداوة فأنا محب له ~~وراض به فإنه رأيك وتدبيرك وفعلك وإرادتك وأما شتمه إياك فإنه عدوان من ~~جهته إذ كان حقه أن يصبر ولا يشتم ولكنه كان مرادك منه فإنك قصدت بضربه ~~استنطاقه بالشتم الموجب للمقت فهو من حيث إنه حصل على وفق مرادك وتدبيرك ~~الذى دبرته فأنا راض به ولو لم يحصل لكان ذلك نقصانا في تدبيرك وتعويقا في ~~مرادك وأنا كاره لفوات مرادك ولكنه من حيث إنه وصف لهذا الشخص وكسب له ~~وعدوان وتهجم منه عليك على خلاف ما يقتضيه جمالك إذ كان ذلك يقتضى أن يحتمل ~~منك الضرب ولا يقابل بالشتم فأنا كاره له من حيث نسبته إليه ومن حيث هو وصف ~~له لا من حيث هو مرادك ومقتضى تدبيرك وأما بغضك له بسبب شتمك فأنا راض به ~~ومحب له لأنه مرادك وأنا على موافقتك أيضا مبغض له لأن شرط المحب أن يكون ~~لحبيب المحبوب حبيبا ولعدوه عدوا # وأما بغضه لك فإنى أرضاه من حيث إنك أردت أن يبغضك إذ أبعدته عن نفسك ~~وسلطت عليه دواعى البغض ولكنى أبغضه من حيث إنه وصف ذلك المبغض وكسبه وفعله ~~وأمقته لذلك فهو ممقوت عندى لمقته إياك وبغضه ومقته لك أيضا عندى مكروه من ~~حيث أنه وصفه وكل ذلك من حيث إنه مرادك فهو مرضى # وإنما التناقض أن يقول هو من حيث إنه مرادك مرضى ومن حيث إنه مرادك مكروه ~~وأما إذا كان مكروها لا من حيث إنه فعله ومراده بل من حيث إنه وصف غيره ~~وكسبه فهذا لا تناقض فيه ويشهد لذلك كل ما يكره من وجه ويرضى به من وجه ~~ونظائر ذلك لا تحصى # فإذن تسليط الله دواعى الشهوة والمعصية عليه حتى يجره ذلك إلى حب المعصية ~~ويجره الحب إلى فعل المعصية يضاهى ضرب المحبوب للشخص الذى ضربناه مثلا ~~ليجره الضرب إلى الغضب والغضب إلى الشتم # ومقت الله تعالى لمن عصاه وإن كانت معصيته بتدبيره يشبه بغض المشتوم لمن ~~شتمه وإن كان شتمه إنما يحصل بتدبيره واختياره لأسبابه وفعل الله تعالى ذلك ~~بكل عبد من عبيده أعنى تسليط دواعى المعصية عليه يدل على أنه سبقت مشيئته ~~بإبعاده ومقته # فواجب على كل عبد محب لله أن يبغض من أبغضه الله ويمقت من مقته الله ~~ويعادى من أبعده الله عن حضرته وإن اضطره بقهره وقدرته إلى معاداته ~~ومخالفته فإنه بعيد مطرود ملعون عن الحضرة وإن كان بعيدا بإبعاده قهرا ~~ومطرودا بطرده واضطراره # والمبعد عن درجات القرب ينبغى أن يكون مقيتا بغيضا إلى جميع المحبين ~~موافقه للمحبوب بإظهار الغضب على من أظهر المحبوب الغضب عليه بإبعاده # بهذا يتقرر جميع ما وردت به الأخبار من البغض فى الله والحب فى الله ~~والتشديد على الكفار والتغليظ عليهم والمبالغه فى مقتهم مع الرضا بقضاء ~~الله تعالى من حيث إنه قضاء الله عز وجل # وهذا كله يستمد من سر القدر الذى لا رخصه فى إفشائه وهو أن الشر والخير ~~كلاهما داخلان فى المشيئه والإراده ولكن الشر مراد مكروه والخير مراد مرضى ~~به # قمن قال ليس الشر من الله فهو جاهل وكذا من قال إنهما جميعا منه من غير ~~افتراق فى الرضا والكراهة فهو أيضا مقصر # وكشف الغطاء عنه غير مأذون فيه فالأولى السكوت والتأدب بأدب PageV04P353 ~~الشرع فقد قال صلى الله عليه وسلم القدر سر الله فلا تفشوه + حديث القدر سر ~~الله فلا تفشوه أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر وابن عدى في ~~الكامل من حديث عائشة وكلاهما ضعيف + وذلك يتعلق بعلم المكاشفة # وغرضنا الآن بيان الإمكان فيما تعبد به الخلق من الجمع بين الرضا بقضاء ~~الله تعالى ومقت المعاصى مع أنها من قضاء الله تعالى وقد ظهر الغرض من غير ~~حاجه إلى كشف السر فيه # وبهذا يعرف أيضا أن الدعاء بالمغفرة والعصمة من المعاصى وسائر الأسباب ~~المعينة على الدين غير مناقض للرضا بقضاء الله تعالى فإن الله تعبد العباد ~~بالدعاء ليستخرج الدعاء منهم صفاء الذكر وخشوع القلب ورقة التضرع ويكون ذلك ~~جلاء للقلب ومفتاحا للكشف وسببا لتواتر مزايا اللطف # كما أن حمل الكوز وشرب الماء ليس مناقضا للرضا بقضاء الله تعالى في العطش ~~وشرب الماء طلبا لإزالة العطش مباشرة سبب رتبه مسبب الأسباب فكذلك الدعاء ~~سبب رتبه الله تعالى وأمر به # وقد ذكرنا أن التمسك بالأسباب جريا على سنة الله تعالى لا يناقض التوكل ~~واستقصيناه في كتاب التوكل فهو أيضا لا يناقض الرضا لأن الرضا مقام ملاصق ~~للتوكل ويتصل به نعم إظهار البلاء في معرض الشكوى وإنكاره بالقلب على الله ~~تعالى مناقض للرضا وإظهار البلاء على سبيل الشكر والكشف عن قدرة الله تعالى ~~لايناقض # وقد قال بعض السلف من حسن الرضا بقضاء الله تعالى أن لا يقول هذا يوم حار ~~أى في معرض الشكاية وذلك في الصيف فأما الشتاء فهو شكر والشكوى تناقض الرضا ~~بكل حال وذم الأطعمة وعيبها يناقض الرضا بقضاء الله تعالى لأن مذمة الصنعة ~~مذمة للصانع والكل من صنع الله تعالى # وقول القائل الفقر بلاء ومحنة والعيال هم وتعب والاحتراف كد ومشقة كل ذلك ~~قادح في الرضا بل ينبغى أن يسلم التدبير لمدبره والمملكة لمالكها ويقول ما ~~قاله عمر رضى الله عنه لا أبالى أصبحت غنيا أو فقيرا فإنى لا أدري أيهما ~~خير لي # | بيان أن الفرار من البلاد التى هى مظان المعاصى ومذمتها لا يقدح في # الرضا # أعلم أن الضعيف قد يظن أن نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخروج من ~~بلد ظهر به الطاعون + حديث النهى عن الخروج من بلد الطاعون تقدم في آداب ~~السفر + يدل على النهى عن الخروج من بلد ظهرت فيه المعاصى لأن كل واحد ~~منهما فرار من قضاء الله تعالى وذلك محال بل العلة في النهى عن مفارقة ~~البلد بعد ظهور الطاعون أنه لو فتح هذا الباب لارتحل عنه الأصحاء وبقى فيه ~~المرضى مهملين لا متعهد لهم فيهلكون هزالا وضرا ولذلك شبهه رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم في بعض الأخبار بالفرار من الزحف + حديث إنه شبه الخروج من ~~بلد الطاعون بالفرار من الزحف تقدم فيه + ولو كان ذلك للفرار من القضاء لما ~~أذن لمن قارب البلدة في الانصراف وقد ذكرنا حكم ذلك في كتاب التوكل وإذا ~~عرف المعنى ظهر أن الفرار من البلاد التى هى مظان المعاصى ليس فرارا من ~~القضاء بل من القضاء الفرار مما لا بد من الفرار منه # وكذلك مذمة المواضع التى تدعو إلى المعاصي والأسباب التى تدعو إليها لأجل ~~التنفير عن المعصية ليست مذمومة # فما زال السلف الصالح يعتادون ذلك حتى اتفق جماعة على ذم بغداد وإظهارهم ~~ذلك وطلب الفرار منها فقال ابن المبارك قد طفت الشرق والغرب فما رأيت بلدا ~~شرا من بغداد قيل وكيف قال هو بلد تزدرى فيه نعمة الله وتستصغر فيه معصية ~~الله # ولما قدم خراسان قيل له كيف رأيت بغداد قال ما رأيت بها إلا شرطيا غضبان ~~أو تاجرا لهفان أو قارئا حيران ولا ينبغى أن تظن أن ذلك PageV04P354 من ~~الغيبة لأنه لم يتعرض لشخص بعينه حتى يستضر ذلك الشخص به وإنما قصد بذلك ~~تحذير الناس وكان يخرج إلى مكة وقد كان مقامه ببغداد يرقب استعداد القافلة ~~ستة عشر يوما فكان يتصدق بستة عشر دينار لكل يوم دينار كفارة لمقامه # وقد ذم العراق جماعة كعمر بن عبد العزيز وكعب الأحبار # وقال ابن عمر رضى الله عنهما لمولى له أين تسكن فقال العراق قال فما تصنع ~~به بلغنى أن ما من أحد يسكن العراق إلا قيض الله قرينا من البلاء # وذكر كعب الأحبار يوما العراق فقال فيه تسعة أعشار الشر وفيه الداء ~~العضال # وقد قيل قسم الخير عشرة أجزاء فتسعة أعشاره بالشام وعشره بالعراق وقسم ~~الشر عشرة أجزاء على العكس من ذلك # وقال بعض أصحاب الحديث كنا يوما عند الفضيل بن عياض فجاءه صوفى متدرع ~~بعباءة فأجلسه إلى جانبه وأقبل عليه ثم قال أين تسكن فقال بغداد فأعرض عنه ~~وقال يأتينا أحدهم في زي الرهبان فإذا سألناه أين تسكن قال في عش الظلمة ~~وكان بشر بن الحارث يقول مثال المتعبد ببغداد مثال المتعبد في الحش # وكان يقول لا تقتدوا بي في المقام بها من أراد أن يخرج فليخرج # وكان أحمد بن حنبل يقول لولا تعلق هؤلاء الصبيان بنا كان الخروج من هذا ~~البلد آثر في نفسى قيل وأين تختار السكنى قال بالثغور # وقال بعضهم وقد سئل عن أهل بغداد زاهدهم زاهد وشريرهم شرير # فهذا يدل على أن من بلى ببلدة تكثر فيها المعاصى ويقل فيها الخير فلا عذر ~~له في المقام بها بل ينبغى أن يهاجر قال الله تعالى ألم تكن أرض الله واسعة ~~فتهاجروا فيها فإن منعه عن ذلك عيال أو علاقة فلا ينبغى أن يكون راضيا ~~بحاله مطمئن النفس إليه بل ينبغى أن يكون منزعج القلب منها قائلا على ~~الدوام ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وذلك لأن الظلم إذا عم نزل ~~البلاء ودمر الجميع وشمل المطيعين قال الله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن ~~الذين ظلموا منكم خاصة فإذن ليس في شىء من أسباب نقص الدين ألبتة رضا مطلق ~~إلا من حيث إضافتها إلى فعل الله تعالى فأما هى في نفسها فلا وجه للرضا بها ~~بحال # وقد اختلف العلماء في الأفضل من أهل المقامات الثلاث رجل يحب الموت شوقا ~~إلى لقاء الله تعالى ورجل يحب البقاء لخدمة المولى ورجل قال لا أختار شيئا ~~بل أرضى بما اختاره الله تعالى ورفعت هذه المسألة إلى بعض العارفين فقال ~~صاحب الرضا أفضلهم لأنه أقلهم فضولا # واجتمع ذات يوم وهيب بن الورد وسفيان الثورى ويوسف بن أسباط فقال الثورى ~~كنت أكره موت الفجأة قبل اليوم واليوم وددت أنى مت فقال له يوسف لم قال لما ~~أتخوف من الفتنة فقال يوسف لكنى لا أكره طول البقاء فقال سفيان لم قال لعلى ~~أصادف يوما أتوب فيه وأعمل صالحا فقيل لوهيب إيش تقول أنت فقال أنا لا ~~أختار شيئا أحب ذلك إلى أحبه إلى الله سبحانه وتعالى فقبله الثورى بين ~~عينيه وقال روحانية ورب الكعبة # | بيان جملة من حكايات المحبين وأقوالهم ومكاشفاتهم # قيل لبعض العارفين إنك محب فقال لست محبا إنما أنا محبوب والمحب متعوب # وقيل له أيضا الناس يقولون إنك واحد من السبعة فقال أنا كل السبعة وكان ~~يقول إذا رأيتمونى فقد رأيتم أربعين بدلا قيل وكيف وأنت شخص واحد قال لأنى ~~رأيت أربعين بدلا وأخذت من كل بدل خلقا من أخلاقه # وقيل له بلغنا أنك ترى الخضر عليه السلام فتبسم وقال ليس العجب ممن يرى ~~الخضر ولكن العجب ممن يريد الخضر أن يراه فيحتجب عنه وحكى عن الخضر عليه ~~السلام أنه قال ما حدثت نفسى يوما قط أنه لم يبق ولى لله تعالى إلا عرفته ~~PageV04P355 إلا ورأيت في ذلك اليوم وليا لم أعرفه # وقيل لأبى يزيد البسطامى مرة حدثنا عن مشاهدتك من الله تعالى فصاح ثم قال ~~ويلكم لا يصلح لكم أن تعلموا ذلك قيل فحدثنا بأشد مجاهدتك لنفسك في الله ~~تعالى فقال وهذا أيضا لا يجوز أن أطلعكم عليه # قيل فحدثنا عن رياضة نفسك في بدايتك فقال نعم دعوت نفسى إلى الله فجمحت ~~على فعزمت عليها أن لا أشرب الماء سنة ولا أذوق النوم سنة فوفت لى بذلك # ويحكى عن يحيى بن معاذ أنه رأى أبا يزيد في بعض مشاهداته من بعد صلاة ~~العشاء إلى طلوع الفجر مستوفزا على صدور قدميه رافعا أخمصيه مع عقبيه عن ~~الأرض ضاربا بذقنه على صدره شاخصا بعينيه لايطرف قال ثم سجد عند السحر ~~فأطاله ثم قعد فقال اللهم إن قوما طلبوك فأعطيتهم الشىء على الماء والمشى ~~في الهواء فرضوا بذلك وإنى أعوذ بك من ذلك وإن قوما طلبوك فأعطيتهم طى ~~الأرض فرضوا بذل وإنى أعوذ بك من ذلك وإن قوما طلبوك فأعطيتهم كنوز الأرض ~~فرضوا بذلك وإنى أعوذ بك من ذلك حتى عد نيفا وعشرين مقاما من كرامات ~~الأولياء ثم التفت فرآنى فقال يحيى قلت نعم يا سيدى فقال منذ متى أنت ههنا ~~قلت منذ حين فسكت فقلت يا سيدى حدثنى بشىء فقال أحدثك بما يصلح لك أدخلنى ~~في الفلك الأسفل فدورنى في الملكوت السفلى وأرانى الأرضين وما تحتها إلى ~~الثرى ثم أدخلنى في الفلك العلوى فطوف بي في السموات وأرانى ما فيها من ~~الجنان إلى العرش أوقفنى بين يديه فقال سلنى أى شىء رأيت حتى أهبه لك فقلت ~~يا سيدى ما رأيت شيئا استحسنته فأسألك إياه فقالأنت عبدى حقا تعبدنى لأجلى ~~صدقا لأفعلن بك ولأفعلن فذكر أشياء # قال يحيى فهالنى ذلك وامتلات به وعجبت منه فقلت ياسيدى لم لا سألته ~~المعرفة به وقد قال لك ملك الملوك سلنى ما شئت قال فصاح بى صيحة وقال اسكت ~~ويلك عرت عليه منى حتى لا أحب أن يعرفه سواه # وحكى أن أبا تراب التخشبى كان معجبا ببعض المريدين فكان يدنيه ويقوم ~~بمصالحة والمريد مشغول بعبادته ومواجدته فقال له أبو تراب يوما لو رأيت أبا ~~يزيد فقال إنى عنه مشغول فلما أكثر عليه أبو تراب من قوله لو رأيت أبا يزيد ~~هاج وجد المريد فقال ويحك ما أصنع بأبى يزيد قد رأيت الله تعالى فأغنانى عن ~~أبى يزيد قال أبو تراب فهاج طبعى ولم أملك نفسى فقلت ويلك تغتر بالله عز ~~وجل لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من ان ترى الله سبعين مرة قال ~~فبهت الفتى من قوله وأنكره فقال وكيف ذلك قال له ويلك أما ترى الله تعالى ~~عندك فيظهر لك على مقدارك وترى أبا يزيد عند الله قد ظهر له على مقداره ~~فعرف ما قلت فقال احملنى إليه فذكر قصة قال في آخرها فوقفنا على تل تنتظره ~~ليخرج إلينا من الغيضة وكان يأوى إلى غيضة فيها سباع قال فمر بنا وقد قلب ~~فروة على ظهره فقلت للفتى هذا أبو يزيد فانظر إليه فنظر إليه الفتى فصعق ~~فحركناه فإذا هو ميت فتعاونا على دفنه فقلت لأبى يزيد يا سيدى نظره إليك ~~قتله قال لا ولكن كان صاحبكم صادقا واستكن في قلبه سر لم ينكشف له بوصفه ~~فلما رآنا انكشف له سر قلبه فضاق عن حمله لأنه في مقام الضعفاء المريدين ~~فقتله ذلك # ولما دخل الزنج البصرة فقتلوا الأنفس ونهبوا الأموال اجتمع إلى سهل ~~إخوانه فقالوا لو سألت الله تعالى دفعهم فسكت ثم قال إن لله عبادا في هذه ~~البلدة لو دعوا على الظالمين لم يصبح على وجه الأرض ظالم إلا مات في ليلة ~~واحدة ولكن لا يفعلون قيل لم قال لأنهم لا يحبون ما لا يحب ثم ذكر من إجابة ~~الله تعالى أشياء لا يستطاع ذكرها حتى قال ولو سألوه أن لا يقيم الساعة لم ~~يقمها # وهذه امور ممكنة في أنفسها فمن لم يحظ بشىء منها فلا ينبغى أن يخلو عن ~~التصديق والإيمان بإمكانها فإن القدرة واسعة والفضل عميم وعجائب الملك ~~والملكوت PageV04P356 كثيرة ومقدورات الله تعالى لا نهاية لها وفضله على ~~عباده الذين اصطفى لا غاية له # ولذلك كان أبو يزيد يقول إن أعطاك مناجاة موسى وروحانية عيسى وخلة ~~إبراهيم فاطلب ما وراء ذلك فإن عنده فوق ذلك أضعافا مضاعفة فإن سكنت إلى ~~ذلك حجبك به وهذا بلاء مثلهم ومن هو في مثل حالهم لأنهم الأمثل فالأمثل # وقد قال بعض العارفين كوشفت بأربعين حوراء رأيتهن يتساعين في الهواء ~~عليهن ثياب من ذهب وفضة وجوهر يتخشخش ويتثنى معهن فنظرت إليهن نظرة فعوقبت ~~أربعين يوما ثم كوشفت بعد ذلك بثمانين حوراء فوقهن في الحسن والجمال وقيل ~~لى انظر إليهن قال فسجدت وغمضت عينى في سجودى لئلا أنظر إليهن وقلت أعوذ بك ~~مما سواك لا حاجة لى بهذا فلم أزل أتضرع حتى صرفهن الله عنى # فأمثال هذه المكاشفات لا ينبغى أن ينكرها المؤمن لإفلاسه عن مثلها فلو لم ~~يؤمن كل واحد إلا بما يشاهده من نفسه المظلمة وقلبه القاسى لضاق مجال ~~الإيمان عليه بل هذه أحوال تظهر بعد مجاوزة عقبات ونيل مقامات كثيرة أدناها ~~الإخلاص وإخراج حظوظ النفس وملاحظة الخلق عن جميع الأعمال ظاهرا وباطنا ثم ~~مكاتمة ذلك عن الخلق بستر الحال حتى يبقى متحصنا بحصن الخمول فهذه أوائل ~~سلوكهم وأقل مقاماتهم وهى أعز موجود في الأتقياء من الناس # وبعد تصفية القلب عن كورة الالتفات إلى الخلق يفيض عليه نور اليقين ~~وينكشف له مبادى الحق وإنكار ذلك دون التجربة وسلوك الطريق يجري مجرى إنكار ~~من انكر إمكان انكشاف الصورة في الحديدة إذا شكلت ونقيت وصقلت وصورت بصورة ~~المرآة فنظر المنكر إلى ما في يده من زبرة حديد مظلم قد استولى عليه الصدأ ~~والخبث وهو لا يحكى صورة من الصور فأنكر إمكان انكشاف المرئى فيها عند ظهور ~~جوهرها وإنكار ذلك غاية الجهل والضلال # فهذا حكم كل من أنكر كرامات الأولياء إذ لا مستند له إلا قصوره عن ذلك ~~وقصور من رآه وبئس المستند ذلك في إنكار قدرة الله تعالى بل إنما يشم روائح ~~المكاشفة من سلك شيئا ولو من مبادي الطريق كما قيل لبشر بأى شىء بلغت هذه ~~المنزلة قال كنت أكاتم الله تعالى حالى # معناه أسأله أن يكتم على ويخفى أمرى # وروى أنه رأى الخضر عليه السلام فقال له ادع الله تعالى لى فقال يسر الله ~~عليك طاعته قلت زدنى قال وسترها عليك # فقيل معناه سترها عن الخلق وقيل معناه سترها عنك حتى لا تلتفت أنت إليها # وعن بعضهم أنه قال أقلقنى الشوق إلى الخضر عليه السلام فسألت الله تعالى ~~مره أن يرينى إياه ليعلمنى شيئا كان أهم الأشياء على قال فرأيته فما غلب ~~على همى ولا همتى إلا أن قلت له يا أبا العباس علمنى شيئا إذا قلته حجبت عن ~~قلوب الخليقة فلم يكن لى فيها قدر ولا يعرفنى أحد بصلاح ولا ديانة فقال قل ~~اللهم أسبل على كثيف سترك وحط على سرادقات حجبك واجعلني فى مكنون غيبك ~~واحجبنى عن قلوب خلقك قال ثم غاب فلم أره ولم أشتق إليه بعد ذلك فما زلت ~~أقول هذه الكلمات فى كل يوم فحكى أنه صار بحيث كان يستذل ويمتهن حتى كان ~~أهل الذمة يسخرون منه ويستسخرونه فى الطرق يحمل الأشياء لهم لسقوطه عندهم ~~وكان الصبيان يلعبون به فكانت راحته ركود قلبه واستقامة حاله فى ذله وخموله # فهكذا حال أولياء الله تعالى ففى أمثال هؤلاء ينبغى أن يطلبوا والمغرورون ~~إنما يطلبونهم تحت المرقعات والطيالسة وفي المشهورين بين الخلق بالعلم ~~والورع والرياسة وغيرة الله تعالى على أوليائه تأبى إلا إخفاءهم كما قال ~~تعالى أوليائى تحت قبابى لا يعرفهم غيرى # وقال صلى الله عليه وسلم رب أشعث أغبر ذى طمرين لايؤبه له لو أقسم على ~~الله لأبره + حديث رب أشعث أغبر ذى طمرين أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة وقد ~~تقدم + PageV04P357 وبالجملة فأبعد القلوب عن مشام هذه المعانى القلوب ~~المتكبرة المعجبة بأنفسها المستبشرة بعملها وعلمها وأقرب القلوب إليها ~~القلوب المنكسرة المستشعرة ذل نفسها استشعارا اذا ذل واهتضم لم يحس بالذل ~~كما لا يحس العبد بالذل مهما ترفع عليه مولاه فإذا لم يحس بالذل ولم يشعر ~~أيضا بعدم التفاته إلى الذل بل كان عند نفسه أخس منزلة من أن يرى جميع ~~أنواع الذل ذلا في حقه بل يرى نفسه دون ذلك حتى صار التواضع بالطبع صفة ~~ذاته فمثل هذا القلب يرجى له أن يستنشق مبادئ هذه الروائح فإن فقدنا مثل ~~هذا القلب وحرمنا مثل هذا الروح فلا ينبغي أن يطرح الإيمان بإمكان ذلك ~~لأهله فمن لا يقدر أن يكون من أولياء الله فليكن محبا لأولياء الله مؤمنا ~~بهم فعسى أن يحشر مع من أحب # ويشهد لهذا ما روي أن عيسى عليه السلام قال لبني اسرائيل أين ينبت الزرع ~~قالوا في التراب فقال بحق أقول لكم لا تنبت الحكمة إلا في قلب مثل التراب # ولقد انتهى المريدون لولاية الله تعالى في طلب شروطها بإذلال النفس الي ~~منتهى الضعة والخسة حتى روى أن ابن الكريبي وهو أستاذ الجنيد دعاه رجل إلى ~~طعام ثلاث مرات ثم كان يرده ثم يستدعيه فيرجع إليه بعد ذلك حتى أدخله في ~~المرة الرابعة فسأله عن ذلك فقال قد رضت نفسي على الذل عشرين سنة حتى صارت ~~بمنزلة الكلب يطرد فينطرد ثم يدعى فيرمى له عظم فيعود ولو رددتني خمسين مرة ~~ثم دعوتني بعد ذلك لأجبت # وعنه ايضا أنه قال نزلت في محلة فعرفت فيها بالصلاح فتشتت على قلبي فدخلت ~~الحمام وعدلت إلى ثياب فاخرة فسرقتها ولبستها ثم لبست مرقعتي فوقها وخرجت ~~وجعلت أمشي قليلا قليلا فلحقوني فنزعوا مرقعتي وأخذوا الثياب وصفعوني ~~وأوجعوني ضربا فصرت بعد ذلك أعرف بلص الحمام فسكنت نفسى # فهكذا كانوا يروضون أنفسهم حتى يخلصهم الله من النظر إلى الخلق ثم من ~~النظر إلى النفس فإن الملتفت إلى نفسه محجوب عن الله تعالى وشغله بنفسه ~~حجاب له فليس بين القلب وبين الله حجاب بعد وتخلل حائل وإنما بعد القلوب ~~شغلها بغيره أو بنفسه وأعظم الحجب شغل النفس # ولذلك حكى أن شاهدا عظيم القدر من أعيان أهل بسطام كان لا يفارق مجلس أبى ~~يزيد فقال له يوما أنا منذ ثلاثين سنة أصوم الدهر لاأفطر وأقوم الليل لا ~~أنام ولا أجد فى قلبى من هذا العلم الذى تذكر شيئا وأنا أصدق به وأحبه فقال ~~أبو يزيد ولو صمت ثلثمائة سنة وقمت ليلها ما وجدت من هذا ذرة قال ولم قال ~~لأنك محجوب بنفسك قال فلهذا دواء قال نعم قال قل لى حتى أعمله قال لا تقبله ~~قال فاذكره لى حتى أعمل قال اذهب الساعة إلى المزين فاحلق رأسك ولحيتك ~~وانزع هذا اللباس واتزر بعباءة وعلق فى عنقك مخلاة مملوءة جوزا واجمع ~~الصبيان حولك وقل كل من صفعنى صفعة أعطيته جوزة وادخل السوق وطف الأسواق ~~كلها عند الشهود وعند من يعرفك وأنت على ذلك فقال الرجل سبحان الله تقول لى ~~مثل هذا فقال أبو يزيد قولك سبحان الله شرك قال وكيف قال لأنك عظمت نفسك ~~فسبحتها وما سبحت ربك فقال هذا لا أفعله ولكن دلنى على غيره فقال ابتدئ ~~بهذا قبل كل شىء فقال لا أطيقه قال قد قلت لك أنك لا تقبل فهذا الذى ذكره ~~أبو يزيد هو دواء من اعتل بنظره إلى نفسه ومرض بنظر الناس إليه ولا ينجى من ~~هذا المرض دواء سوى هذا وأمثاله فمن لا يطيق الدواء فلا ينبغى أن ينكر ~~إمكان الشفاء في حق من داوى نفسه بعد المرض أو لم يمرض بمثل هذا المرض أصلا # فأقل درجات الصحة الإيمان بإمكانها فويل لمن حرم هذا القدر القليل أيضا # وهذه أمور جلية في الشرع واضحة وهى مع ذلك مستبعدة عند من يعد نفسه من ~~علماء الشرع فقد قال صلى الله عليه وسلم PageV04P358 لا يستكمل العبد ~~الإيمان حتى تكون قلة الشىء أحب إليه من كثرته وحتى يكون أن لا يعرف أحب من ~~أن يعرف + حديث لا يستكمل عبد الإيمان حتى يكون قلة الشىء أحب إليه من ~~كثرته وحتى يكون أن لا يعرف أحب إليه من أن يعرف ذكره صاحب الفردوس من حديث ~~على بن أبى طلحة وعلى هذا فهو معضل فعلى بن أبى طلحة إنما سمع من التابعين ~~ولم أجد له أصلا + وقد قال عليه السلام ثلاث من كن فيه استكمل إيمانه لا ~~يخاف في الله لومة لائم ولا يرائى بشىء من عمله وإذا عرض عليه أمران أحدهما ~~للدنيا والآخر للآخرة آثر أمر الآخرة على الدنيا + حديث ثلاث من كن فيه ~~استكمل إيمانه لا يخاف في الله لومة لائم الحديث أخرجه أبو منصور الديلمى ~~في مسند الفردوس من حديث أبى هريرة وفيه سالم المرادى ضعفه ابن معين ~~والنسائى ووثقه ابن حبان واسم أبيه عبد الواحد + وقال عليه السلام لا يكمل ~~إيمان عبد حتى يكون فيه ثلاث خصال إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق وإذا رضاه ~~لم يدخله رضاء في باطل وإذا قدر لم يتناول ما ليس له + حديث لا يكمل إيمان ~~العبد حتى يكون فيه ثلاث خصال إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق الحديث أخرجه ~~الطبرانى في الصغير بلفظ ثلاث من أخلاق الإيمان وإسناده ضعيف + وفي حديث ~~آخر ثلاث من أوتيهن فقد أوتى مثل ما أوتى آل داود العدل في الرضا والغضب ~~والقصد في الغنى والفقر وخشية الله في السر والعلانية + حديث ثلاث من ~~أوتيهن فقد أوتى ما أوتى آل داود العدل في الرضا والغضب غريب بهذا اللفظ ~~والمعروف ثلاث منجيات فذكرهن بنحوه وقد تقدم + فهذه شروط ذكرها رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم لأولى الإيمان فالعجب ممن يدعى علم الدين ولا يصادف في ~~نفسه ذرة من هذه الشروط ثم يكون نصيبه من علمه وعقله أن يجحد مالا يكون إلا ~~بعد مجاوزة مقامات عظيمة علية وراء الإيمان وفي الأخبار أن الله تعالى أوحى ~~إلى بعض انبيائه إنما اتخذ لخلتى من لا يفتر عن ذكرى ولا يكون له هم غيرى ~~ولا يؤثر على شيئا من خلقى وإن حرق بالنار لم يجد لحرق النار وجعا وإن قطع ~~بالمناشير لم يجد لمس الحديد ألما # فمن لم يبلغ إلى أن يغلبه الحب إلى هذا الحد فمن أين يعرف ما وراء الحب ~~من الكرامات والمكاشفات وكل ذلك وراء الحب والحب وراء كمال الإيمان ومقامات ~~الإيمان وتفاوته في الزيادة والنقصان لا حصر له # ولذلك قال عليه السلام للصديق رضى الله تعالى عنه إن الله تعالى قد أعطاك ~~مثل إيمان كل من آمن بى من أمتى وأعطانى مثل إيمان كل من آمن به من ولد آدم ~~+ حديث إنه قال للصديق إن الله قد أعطاك مثل إيمان كل من آمن بى من أمتى ~~الحديث أخرجه أبو منصور الديلمى في مسند الفردوس من رواية الحارث الأعور عن ~~على مع تقديم وتأخير والحارث ضعيف + وفي حديث آخر إن لله تعالى ثلثمائة خلق ~~من لقيه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة فقال أبو بكر يا رسول الله هل في ~~منها خلق فقال كلها فيك يا أبا بكر وحبها إلى الله تعالى السخاء + حديث إن ~~لله تعالى ثلثمائة خلق من لقيه مخلق منها مع التوحيد دخل الجنة الحديث ~~أخرجه الطبرانى في الأوسط من حديث أنس مرفوعا عن الله خلقت بضعة عشر ~~وثلثمائة خلق من جاء بخلق منها مع شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة ومن ~~حديث ابن عباس الإسلام ثلثمائة شريعة وثلاثة عشر شريعة وفيه وفي الكبير من ~~رواية المغيرة بن عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه عن جده نحوه بلفظ الإيمان ~~وللبزار من حديث عثمان بن عفان إن الله تعالى مائة وسبعة عشر شريعة الحديث ~~وليس فيها كلها تعرض لسؤال أبى بكر وجوابه وكلها ضعيفة + وقال عليه السلام ~~رأيت ميزانا دلى من السماء فوضعت في كفة ووضعت أمتى في كفة فرجحت بهم ووضع ~~أبو بكر في كفة وجىء بأمتى فوضعت في كفة فرجح بهم + حديث رأيت ميزانا دلى ~~من السماء فوضعت في كفة ووضعت أمتى في كفة فرجحت بهم الحديث أخرجه أحمد من ~~حديث أبى أمامة بسند ضعيف + ومع هذا كله فقد كان استغراق رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم بالله تعالى بحيث لم يتسع قلبه للخلة مع غيره فقال لو كنت ~~متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله تعالى + ~~حديث لو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا الحديث متفق عليه ~~وقد تقدم + يعنى نفسه PageV04P359 خاتمة الكتاب بكلمات متفرقة تتعلق ~~بالمحبة ينتفع بها # قال سفيان المحبة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال غيره دوام ~~الذكر وقال غيره إيثار المحبوب وقال بعضهم كراهية البقاء في الدنيا # وهذا كله إشارة إلى ثمرات المحبة فإما نفس المحبة فلم يتعرضوا لها # وقال بعضهم المحبة معنى من المحبوب قاهر للقلوب عن إدراكه وتمتنع الألسن ~~عن عبارته # وقال الجنيد حرم الله تعالى المحبة على صاحب العلاقة # وقال كل محبة تكون بعوض فإذا زال العوض زالت المحبة # وقال ذو النون قل لمن أظهر حب الله احذر أن تذل لغير الله # وقيل للشبلى رحمه الله صف لنا العارف والمحب فقال العارف إن تكلم هلك ~~والمحب إن سكت هلك وقال الشبلى رحمه الله # يا أيها السيد الكريم % حبك بين الحشا مقيم # يا رافع النوم عن جفونى % أنت بما مر بى عليم # عجبت لمن يقول ذكرت إلفى % وهل أنسى فأذكر ما نسيت # أموت إذا ذكرتك ثم أحيا % ولولا حسن ظنى ما حييت # فأحيا بالمنى وأموت شوقا % فكم أحيا عليك وكم أموت # شربت الحب كأسا بعد كأس % فما نفد الشرب وما رويت # فليت خياله نصب لعينى % فإن قصرت في نظري عميت # وقالت رابعة العدوية يوما من يدلنا على حبيبنا فقالت خادمة لها حبيبنا ~~معنا ولكن الدنيا قطعتنا عنه # وقال ابن الجلاء رحمه الله تعالى أوحى الله إلى عيسى عليه السلام إنى إذا ~~اطلعت على سر عبد فلم أجد فيه حب الدنيا والآخرة ملأته من حبى وتوليته ~~بحفظى وقيل تكلم سمنون يوما فى المحبة فإذا بطائر نزل بين يديه فلم يزل ~~ينقر بمنقاره الأرض حتى سال الدم منه فمات # وقال إبراهيم بن أدهم إلهى إنك تعلم أن الجنة لا تزن عندى جناح بعوضة في ~~جنب ما أكرمتنى من محبتك وآنستنى بذكرك وفرغتنى للتفكر في عظمتك وقال السرى ~~رحمه الله من أحب الله عاش ومن مال إلى الدنيا طاش والأحمق يغدو ويروح في ~~لاش والعاقل عن عيوبه فتاش # وقيل لرابعة كيف حبك للرسول صلى الله عليه وسلم فقالت والله إنى لأحبه ~~حبا شديدا ولكن حب الخالق شغلنى عن حب المخلوقين # وسئل عليه السلام عن أفضل الأعمال فقال الرضا عن الله تعالى والحب له # وقال أبو يزيد المحب لايحب الدنيا ولا الآخرة إنما يحب من مولاه مولاه # وقال الشبلى الحب دهش في لذة وحيرة في تعظيم # وقيل المحبة أن تمحو أثرك عنك حتى لا يبقى فيك شىء راجع منك إليك وقيل ~~المحبة قرب القلب من المحبوب بالإستبشار والفرح # وقال الحواص المحبة محو الإرادات واحتراق الصفات والحاجات وسئل سهل عن ~~المحبة فقال عطف الله بقلب عبده لمشاهدته بعد الفهم للمراد منه # وقيل معاملة المحب على أربع منازل على المحبة والهيبة والحياء والتعظيم ~~وأفضلها التعظيم والمحبة لأنهاتين المنزلتين تبقيان مع أهل الجنة فى الجنة ~~ويرفع عنهم غيرهما وقال هرم بن حبان المؤمن اذا عرف ربه عز وجل احبه واذا ~~احبه اقبل عليه واذا وجد حلاوة الاقبال عليه لم ينظر إلى الدنيا بعين ~~الشهوه ولم ينظر إلى الآخره بعين الفتره وهي تحسره في الدنيا وتروحه فى ~~الآخرة وقال عبد الله بن محمد سمعت امرأة من المتعبدات تقول وهى باكيه ~~والدموع على خدها جاريه والله لقد سئمت من الحياة حتى لو وجدت الموت يباع ~~لاشتريته شوقا إلى الله تعالى وحبا للقائه قال PageV04P360 فقلت لها فعلى ~~ثقة أنت من عملك قالت لا ولكن لحبى إياه وحسن ظنى به أفتراه يعذبنى وأنا ~~أحبه وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام لو يعلم المدبرون عنى كيف ~~انتظارى لهم ورفقى بهم وشوقى إلى ترك معاصيهم لماتوا شوقا إلى وتقطعت ~~أوصالهم من محبتى يا داود هذه إرادتى في المدبرين على فكيف إرادتى في ~~المقبلين على يا داود احوج ما يكون العبد إلى إذا استغنى عنى وأرحم ما اكون ~~بعبدى إذا أدبر عنى وأجل ما يكون عبدى إذا رجع إلى وقال أبو خالد الصفار ~~لقى نبى من الأنبياء عابدا فقال له إنكم معاشر العباد تعملون على أمر لسنا ~~معشر الأنبياء نعمل عليه أنتم تعملون على الخوف والرجاء ونحن نعمل على ~~المحبة والشوق # وقال الشبلى رحمه الله أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام يا داود ~~ذكرى للذاكرين وجنتى للمطيعين وزيارتى للمشتاقين وأنا خاصة للمحبين وأوحى ~~الله تعالى إلى آدم عليه السلام يا آدم من احب حبيبا صدق قوله من أنس ~~بحبيبه رضى فعله ومن اشتاق إليه جد في مسيره # وكان الخواص رحمه الله يضرب على صدره ويقول واشوقاه لمن يرانى ولا أراه # وقال الجنيد رحمه الله بكى يونس عليه السلام حتى عمى وقام حتى انحنى وصلى ~~حتى أقعد وقال وعزتك وجلالك لو كان بينى وبينك بحر من نار لخضته إليك شوقا ~~منى إليك # وعن على بن أبى طالب كرم الله وجهه قال سألت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم عن سنته فقال المعرفة رأس مالى والعقل أصل دينى والحب أساسى والشوق ~~مركبى وذكر الله أنيسي والثقة كنزى والحزن رفيقى والعلم سلاحى والصبر ردائى ~~والرضا غنيمتى والعجز فخرى والزهد حرفتى واليقين قوتى والصدق شفيعى والطاعة ~~حبي والجهاد خلقى وقرة عينى في الصلاة + حديث على سألت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم عن سنته فقال المعرفة رأس مالى والعقل أصل دينى الحديث ذكره ~~القاضى عياض من حديث على بن أبى طالب ولم أجد له إسنادا + وقال ذو النون ~~سبحان من جعل الأرواح جنود مجندة فأرواح العارفين جلالية قدسية فلذلك ~~اشتاقوا إلى الله تعالى وأرواح المؤمنين روحانية فلذلك حنوا إلى الجنة # وأرواح الغافلين هوائية فلذلك مالوا إلى الدنيا وقال بعض المشايخ رأيت في ~~جبل اللكام رجلا أسمر اللون ضعيف البدن وهو يقفز من حجر إلى حجر ويقول # الشوق والهوى % صيرانى كما ترى # ويقال الشوق نار الله أشعلها في قلوب أوليائه حتى يحرق بها ما في قلوبهم ~~من الخواطر والإرادات والعوارض والحاجات فهذا القدر كاف في شرح المحبة ~~والأنس والشوق والرضا فلنقتصر عليه والله الموفق للصواب # تم كتاب المحبة والشوق والأنس يتلوه كتاب النية والإخلاص والصدق كتاب ~~النية والإخلاص والصدق وهو الكتاب السابع من ربع المنجيات من كتاب إحياء ~~علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم # نحمد الله حمد الشاكرين ونؤمن به إيمان الموقنين ونقر بوحدانيته إقرار ~~الصادقين ونشهد أن لا إله PageV04P361 إلا الله رب العالمين وخالق السموات ~~والأرضين ومكلف الجن والإنس والملائكة المقربين أن يعبدوه عبادة المخلصين ~~فقال تعالى @QB@ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين @QE@ فما لله ~~إلا الدين الخالص المتين فإنه أغنى الأغنياء عن شركة المشاركين والصلاة على ~~نبيه محمد سيد المرسلين وعلى جميع النبيين وعلى آله وأصحابه الطيبين ~~الطاهرين # أما بعد فقد انكشف لأرباب القلوب ببصيرة الإيمان وأنوار القرآن أن لا ~~وصول إلى السعادة إلا بالعلم والعبادة فالناس كلهم هلكى إلا العالمون ~~والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون ~~والمخلصون على خطر عظيم # فالعمل بغير نية عناء والنية بغير إخلاص رياء وهو للنفاق كفاء ومع ~~العصيان سواء والإخلاص من غير صدق وتحقيق هباء وقد قال الله تعالى في كل ~~عمل كان بإرادة غير الله مشوبا مغمورا @QB@ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل ~~فجعلناه هباء منثورا @QE@ وليت شعرى كيف يصحح نيته من لا يعرف حقيقة النية ~~أو كيف يخلص من صحح النية إذا لم يعرف حقيقة الإخلاص أو كيف تطالب المخلص ~~نفسه بالصدق إذا لم يتحقق معناه فالوظيفة الأولى على كل عبد أراد طاعة الله ~~تعالى أن يتعلم النية أولا لتحصل المعرفة ثم يصححها بالعمل بعد فهم حقيقة ~~الصدق والإخلاص اللذين هما وسيلتنا العبد إلى النجاة والخلاص # ونحن نذكر معانى الصدق والإخلاص في ثلاثة أبواب # | الباب الأول في حقيقة النية ومعناها # الباب الثاني في الإخلاص وحقائقه # والباب الثالث في الصدق وحقيقته الباب الأول في حقيقة النية ومعناها # وفيه # | بيان فضيلة النية # وبيان حقيقة النية وبيان كون النية خيرا من العمل وبيان تفضيل الأعمال ~~المتعلقة بالنفس وبيان خروج النية عن الاختيار بيان فضيلة النية # قال الله تعالى @QB@ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون ~~وجهه @QE@ والمراد بتلك الإرادة هى النية # وقال صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى فمن كانت ~~هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا ~~يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه + حديث إنما الأعمال ~~بالنيات الحديث متفق عليه من حديث عمر وقد تقدم + وقال صلى الله عليه وسلم ~~أكثر شهداء أمتى أصحاب الفرش ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته + حديث ~~أكثر شهداء أمتى أصحاب الفرش ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته أخرجه ~~أحمد من حديث ابن مسعود وفيه عبد الله بن لهيعة + وقال تعالى @QB@ إن يريدا ~~إصلاحا يوفق الله بينهما @QE@ فجعل النية سبب التوفيق # وقال صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ~~ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم + حديث إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ~~الحديث أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة وقد تقدم + وإنما نظر إلى القلوب ~~لأنها مظنة النية وقال صلى الله عليه وسلم إن العبد ليعمل أعمالا حسنة ~~فتصعد الملائكة في صحف مختمة فتلقى بين يدى الله تعالى فيقول ألقوا هذه ~~الصحيفة PageV04P362 فإنه لم يرد بما فيها وجهى ثم ينادى الملائكة اكتبوا ~~له كذا وكذا اكتبوا له كذا وكذا فيقولون يا ربنا إنه لم يعمل شيئا من ذلك ~~فيقول الله تعالى إنه نواه + حديث إن العبد ليعمل أعمالا حسنة فتصعد بها ~~الملائكة الحديث أخرجه الدارقطنى من حديث أنس بإسناد حسن + وقال صلى الله ~~عليه وسلم الناس أربعة رجل أتاه الله عز وجل علما ومالا فهو يعمل بعلمه في ~~ماله فيقول رجل لو آتانى الله تعالى مثل ما آتاه لعملت كما يعمل فهما في ~~الأجر سواء ورجل آتاه الله تعالى مالا ولم يؤته علما فهو يتخبط بجهله في ~~ماله فيقول رجل لو آتانى الله مثل ما آتاه عملت كما يعمل فهما في الوزر ~~سواء + حديث الناس أربعة رجل آتاه الله علما ومالا الحديث أخرجه ابن ماجه ~~من حديث أبى كبشة الأنمارى بسند جيد بلفظ مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر ~~الحديث وقد تقدم ورواه الترمذى بزيادة وفيه وإنما الدنيا لأربعة نفر الحديث ~~وقال حسن صحيح + ألا ترى كيف شركه بالنية في محاسن عمله ومساويه # وكذلك في حديث أنس بن مالك لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ~~تبوك قال إن بالمدينة أقواما ما قطعنا واديا ولا وطئنا موطئا يغيظ الكفار ~~ولا أنفقنا نفقة ولا أصابتنا مخمصة إلا شركونا في ذلك وهم بالمدينة قالوا ~~وكيف ذلك يا رسول الله وليسوا معنا قال حبسهم العذر فشركوا بحسن النية + ~~حديث أنس إن بالمدينة أقواما ما قطعنا واديا الحديث أخرجه البخارى مختصرا ~~وأبو داود + وفي حديث ابن مسعود من هاجر يبتغى شيئا فهو له فهاجر رجل فتزوج ~~امرأة منا فكان يسمى مهاجر أم قيس + حديث ابن مسعود من هاجر يبتغى شيئا فهو ~~له هاجر رجل فتزوج امرأة منا وكان يسمى مهاجر أم قيس أخرجه الطبرانى بإسناد ~~جيد + وكذلك جاء في الخبر إن رجلا قتل في سبيل الله وكان يدعى قتيل الحمار ~~+ حديث إن رجلا قتل في سبيل الله فكان يدعى قتيل الحمار لم أجد له أصلا في ~~الموصولات وإنما رواه أبو إسحق الفراوى في السنن من وجه مرسل + لأنه قاتل ~~رجلا ليأخذ سلبه وحماره فقتل على ذلك فأضيف إلى نيته # وفي حديث عبادة عن النبى صلى الله عليه وسلم من غزا وهو لا ينوى إلا ~~عقالا فله ما نوى + حديث من غزا وهو لا ينوى إلا عقالا فله ما نوى أخرجه ~~النسائي من حديث عبادة بن الصامت وتقدم غير مرة + وقال أبى استعنت رجلا ~~يغزو معى فقال لا حتى تجعل لي جعلا فجعلت له فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه ~~وسلم فقال ليس له من دنياه وآخرته إلا ما جعلت له + حديث أبى استعنترجلا ~~يغزو معى فقال لا حتى تجعل لى جعلا فجعلت له فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه ~~وسلم فقال ليس له من دنياه وآخرته إلا ما جعلت له أخرجه الطبرانى في مسند ~~الشاميين ولأبى داود من حديث يعلى بن أمية أنه استأجر أجيرا للغزو وسمى له ~~ثلاثة دنانير فقال النبى صلى الله عليه وسلم ما أجد له في غزوته هذه في ~~الدنيا والآخرة إلا دنانيره التى سمى + وروى في الإسرائيليات أن رجلا مر ~~بكثبان من رمل في مجاعة فقال في نفسه لو كان هذا الرمل طعاما لقسمته بين ~~الناس فأوحى الله تعالى إلى نبيهم أن قل له إن الله تعالى قبل صدقتك وقد ~~شكر حسن نيتك وأعطاك ثواب مالو كان طعاما فتصدقت به وقد ورد في أخبار كثيرة ~~من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة + حديث من هم بحسنة فلم يعملها كتبت ~~له حسنة متفق عليه وقد تقدم + وفي حديث عبد الله بن عمرو من كانت الدنيا ~~نيته جعل الله فقره بين عينيه وفارقها أرغب ما يكون فيها ومن تكن الآخرة ~~نيته جعل الله تعالى غناه في قلبه وجمع عليه ضيعته وفارقها أزهد ما يكون ~~فيها + حديث عبد الله بن عمرو من كانت الدنيا نيته جعل الله فقره بين عينيه ~~الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث زيد بن ثابت بإسناد جيد دون قوله وفارقها ~~أرغب ما يكون فيها ودون قوله وفارقها أزهد ما يكون فيها وفيه زيادة ولم ~~أجده من حديث عبد الله بن عمرو + وفي حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه ~~وسلم ذكر جيشا يخسف بهم البيداء فقلت يا رسول الله يكون فيهم المكره ~~والأجير فقال يحشرون على نياتهم + حديث أم سلمة في الجيش الذى يخسف بهم ~~يحشرون على نياتهم أخرجه مسلم وأبو داود وقد تقدم + وقال عمر رضى الله ~~PageV04P363 عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما يقتتل ~~المقتتلون على النيات أخرجه ابن أبى الدنيا في كتاب الإخلاص والنية من حديث ~~عمر بإسناد ضعيف بلفظ إنما يبعث ورويناه في فوائد تمام بلفظ إنما يبعث ~~المسلمون على النيات ولابن ماجه من حديث أبى هريرة إنما يبعث الناس على ~~نياتهم وفيه ليث بن أبى سليم مختلف فيه وقال عليه السلام إذا التقى الصفان ~~نزلت الملائكة تكتب الخلق على مراتبهم فلان يقاتل للدنيا فلان يقاتل حمية ~~فلان يقاتل عصيبة ألا فلا تقولوا فلان قتل في سبيل الله فمن قاتل لتكون ~~كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله + حديث إذا التقى الصفان نزلت ~~الملائكة تكتب الخلق على مراتبهم فلان يقاتل للدنيا الحديث أخرجه ابن ~~المبارك في الزهد موقوفا على ابن مسعود وآخر الحديث مرفوع ففي الصحيحين من ~~حديث أبى موسى من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو في سبيل الله + هي ~~العليا فهو في سبيل الله وعن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ~~يبعث كل عبد على ما مات عليه + حديث جابر يبعث كل عبد على ما مات عليه رواه ~~مسلم + وفي حديث الاحنف عن أبي بكرة إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل ~~والمقتول في النار قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال لأنه ~~أراد قتل صاحبه + حديث الأحنف عن أبى بكرة إذا إلتقى المسلمان بسيفهما ~~فالقاتل والمقتول في النار متفق عليه + وفي حديث أبي هريرة من تزوج امرأة ~~على صداق وهو لا ينوي أداءه فهو زان ومن ادان دينا وهو لا ينوي قضاءه فهو ~~سارق + حديث أبى هريرة من تزوج امراة على صداق وهو لا ينوي أداءه فهو زان ~~أخرجه أحمد من حديث صهيب ورواه ابن ماجه مقتصرا على قصة الدين دون ذكر ~~الصداق + وقال صلى الله عليه وسلم من تطيب لله تعالى جاء يوم القيامة وريحه ~~أطيب من المسك ومن تطيب لغير الله جاء يوم القيامة وريحه أنتن من الجيفة + ~~حديث من تطيب لله جاء يوم القيامة وريحه أطيب من المسك الحديث أخرجه أبو ~~الوليد الصفار في كتاب الصلاة من حديث إسحاق بن أبى طلحة مرسلا + # وأما الآثار فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أفضل الأعمال أداء ما ~~افترض الله تعالى والورع عما حرم الله تعالى وصدق النية فيما عند الله ~~تعالى وكتب سالم بن عبدالله إلى عمر بن عبد العزيز اعلم أن عون الله تعالى ~~للعبد على قدر النية فمن تمت نيته تم عون الله له وإن نقصت نقص بقدره # وقال بعض السلف رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية # وقال داود الطائي البر همته التقوى فلو تعلقت جميع جوارحه بالدنيا لردته ~~نيته يوما إلى نية صالحة وكذلك الجاهل بعكس ذلك # وقال الثوري كانوا يتعلمون النية للعمل كما تتعلمون العمل # وقال بعض العلماء أطلب النية للعمل قبل العمل وما دمت تنوي الخير فأنت ~~بخير # وكان بعض المريدين يطوف على العلماء يقول من يدلني على عمل لا أزال فيه ~~عاملا لله تعالى فإني لا أحب أن يأتي على ساعة من ليل أو نهار إلا وأنا ~~عامل من عمال الله فقيل له قد وجدت حاجتك فاعمل الخير ما استطعت فإذا فترت ~~أو تركته فهم بعمله فإن الهام بعمل الخير كعامله # وكذلك قال بعض السلف وإن نعمة الله عليكم أكثر من أن تحصوها وإن ذنوبكم ~~أخفى من أن تعلموها ولكن أصبحوا توابين وأمسوا توابين يغفر لكم ما بين ذلك # وقال عيسى عليه السلام طوبي لعين نامت ولا تهم بمعصية وانتبهت إلى غير ~~إثم # وقال أبو هريرة يبعثون يوم القيامة على قدر نياتهم وكان الفضيل بن عياض ~~إذا قرأ @QB@ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ~~@QE@ يبكي ويرددها ويقول إنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا # وقال الحسن إنما خلد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار بالنيات ~~وقال أبو هريرة مكتوب في التوراة ما أريد به وجهي فقليله كثير وما أريد به ~~غيري فكثيره قليل # وقال بلال بن سعد إن العبد ليقول قول مؤمن فلا يدعه الله عز وجل وقوله ~~حتى ينظر في عمله فإذا عمل لم يدعه الله حتى ينظر في ورعه فإن تورع لم يدعه ~~حتى ينظر ماذا نوى فإن صلحت نيته فبالحرى أن يصلح ما دون ذلك PageV04P364 ~~فإذن عماد الأعمال بالنيات فالعمل مفتقر إلى النية ليصير بها خيرا والنية ~~في نفسها خير وإن تعذر العمل بعائق # | بيان حقيقة النية # أعلم أن النية والإرادة والقصد عبارات على متوارده معنى واحد وهو حالة ~~وصفة للقلب يكتنفها أمران علم وعمل @QB@ العلم @QE@ يقدمه لأنه أصله وشرطه ~~@QB@ والعمل @QE@ يتبعه لأنه ثمرته وفرعه وذلك لأن كل عمل أعنى كل حركة ~~وسكون اختيارى فإنه لا يتم إلا بثلاثة أمور علم وإرادة وقدرة لأنه لا يريد ~~الإنسان مالا يعلمه فلابد وأن يعلم ولا يعمل ما لم يرد فلا بد من إرادة # ومعنى الإرادة انبعاث القلب إلى ما يراه موافقا للغرض إما في الحال أو فى ~~المآل فقد خلق الإنسان بحيث يوافقه بعض الأمور ويلائم غرضه ويخالفه بعض ~~الأمور فيحتاج إلى جلب الملائم الموافق إلى نفسه ودفع الضار المنافى عن ~~نفسه فافتقر بالضرورة إلى معرفة وإدراك للشىء المضر والنافع حتى يجلب هذا ~~ويهرب من هذا فإن من لا يبصر الغذاء ولا يعرفه لا يمكنه أن بتناول ومن لا ~~يبصر النار لا يمكنه الهرب منها فخلق الله الهداية والمعرفة وجعل لها ~~أسبابا وهى الحواس الظاهرة والباطنة وليس ذلك من غرضنا ثم لو أبصر الغذاء ~~وعرف انه موافق له فلا يكفيه ذلك للتناول ما لم يكن فيه ميل إليه ورغبة فيه ~~وشهوة له باعثة عليه إذا المريض يرى الغذاء ويعلم أنه موافق ولا يمكنه ~~التناول لعدم الرغبة والميل ولفقد الداعية المحركة إليه فخلق الله تعالى له ~~الميل والرغبة والإرادة وأعنى به نزوعا في نفسه إليه وتوجها في قلبه إليه ~~ثم ذلك لايكفيه فكم من مشاهد طعاما راغب فيه مريد تناوله عاجز عنه لكونه ~~زمنا فخلقت له القدرة والأعضاء المتحركة حتى يتم به التناول والعضو لا ~~يتحرك إلا بالقدرة والقدرة تنتظر الداعية الباعثة والداعية تنتظر العلم ~~والمعرفة أو الظن والاعتقاد وهو أن يقوى في نفسه كون الشىء موافقا له فإذا ~~جزمت المعرفة بأن الشىء موافق ولا بد وأن يفعل وسمت عن معارضة باعث آخر ~~صارف عنه انبعثت الإرادة وتحقق الميل فإذا انبعثت الإرادة انتهضت القدرة ~~لتحريك الأعضاء لأن القدرة خادمة للإردة والإرادة تابعة لحكم الإعتقاد ~~والمعرفة # فالنية عبارة عن الصفة المتوسطة وهى الإرادة وانبعاث النفس بحكم الرغبة ~~والميل إلى ما هو موافق للغرض إما في الحال وإما في المآل # فالمحرك الأول هو الغرض المطلوب وهو الباعث والغرض الباعث هو المقصد ~~المنوى والانبعاث هو القصد والنية وانتهاض القدرة لخدمة الإرادة بتحريك ~~الأعضاء هو العمل إلا أن انتهاض القدرة للعمل قد يكون بباعث واحد وقد يكون ~~بباعثين اجتمعا في فعل واحد وإذا كان بباعثين فقد يكون كل واحد بحيث لو ~~انفرد لكان مليا بإنهاض القدرة وقد يكون كل واحد قاصرا عنه إلا بالاجتماع ~~وقد يكون أحدهما كافيا لولا الآخر لكن الآخر انتهض عاضدا له ومعاونا # فيخرج من هذا القسم أربعة أقسام فلنذكر لكل واحد مثالا واسما # أما الأول فهو أن ينفرد الباعث الواحد يتجرد كما إذا هجم على الإنسان سبع ~~فكلما رآه قام من موضعه فلا مزعج له إلا غرض الهرب من السبع فإنه رأى السبع ~~وعرفه ضارا فانبعثت نفسه إلى الهرب ورغبت فيه فانتهضت القدرة عاملة بمقتضى ~~الانبعاث فيقال نيته للفرار من السبع لا نية له في القيام لغيره وهذه النية ~~تسمى خالصة ويسمى العمل بموجبها إخلاصا بالإضافة إلى الغرض الباعث ومعناه ~~أنه خلص عن مشاركة غيره وممازجته # وأما الثانى فهو أن يجتمع باعثان كل واحد مستقل بالإنهاض لو انفرد # ومثاله من المحسوس أن يتعاون رجلان على حمل شىء بمقدار من القوة كان ~~كافيا في الحمل لو انفرد ومثاله في غرضنا أن يسأله قريبه الفقير حاجة ~~PageV04P365 فيقضيها لفقره وقرابته وعلم أنه لولا فقره لكان يقضيها بمجرد ~~القرابة وأنه لولا قرابته لكان يقضيها بمجرد القرابة وأنه لولا قرابته لكان ~~يقضيها بمجرد الفقر وعلم ذلك من نفسه بأنه يحضره قريب غنى فيرغب فى قضاء ~~حاجته وفقير أجنبى فيرغب أيضا فيه # وكذلك من أمره الطبيب بترك الطعام ودخل عليه يوم عرفه فصام وهو يعلم أنه ~~لو لم يكن يوم عرفة لكان يترك الطعام حمية ولولا الحمية لكان يتركه لأجل ~~أنه يوم عرفه وقد اجتمعا جميعا فأقدم على الفعل وكان الباعث الثانى رفيق ~~الأول # فلنسم هذا مرافقة للبواعث والثالث أن لا يستقل كل واحد لو انفرد ولكل قوى ~~مجموعهما على إنهاض القدرة # ومثاله في المحسوس أن يتعاون ضعيفان على حمل مالا ينفرد أحدهما به # ومثاله في غرضنا أن يقصده قريبه الغنى فيطلب درهما فلا يعطيه ويقصده ~~الأجنبى الفقير فيطلب درهما فلا يعطيه ثم يقصده القريب الفقير فيعطيه فيكون ~~انبعاث داعيته المجموع الباعثين وهو القرابة والفقر # وكذلك الرجل يتصدق بين يدى الناس لغرض الثواب ولغرض الثناء ويكون بحيث لو ~~كان منفردا لكان لا يبعثه مجرد قصد الثواب على العطاء ولو كان الطالب فاسقا ~~لا ثواب في التصدق عليه لكان لا يبعثه مجرد الرياء على العطاء ولو اجتمعا ~~أورثا بمجموعهما تحريك القلب # ولنسم هذا الجنس مشاركة والرابع أن يكون أحد الباعثين مستقلا لو انفرد ~~بنفسه والثانى لا يستقل # ولكن لما انضاف إليه لم ينفك عن تأثير بالإعانة والتسهيل # ومثاله في المحسوس أن يعاون الضعيف الرجل القوى على الحمل ولو انفرد ~~القوى لاستقل ولو انفرد الضعيف لم يستقل فإن ذلك بالجملة يسهل العمل ويؤثر ~~في تخفيفه # ومثاله في غرضنا أن يكون للإنسان ورد في الصلاة وعادة في الصدقات فاتفق ~~أن حضر في وقتها جماعة من الناس فصار الفعل أخف علة بسبب مشاهدتهم وعلم من ~~نفسه أنه لو كان منفردا خاليا لم يفتر عن عمله وعلم أن عمله لو لم يكن طاعة ~~لم يكن مجرد الرياء يحمله عليه فهو شوب تطرق إلى النية # ولنسم هذا الجنس المعاونة # فالباعث الثانى إما أن يكون رفيقا أو شريكا أو معينا # وسنذكر حكمها في باب الإخلاص # والغرض الآن بيان أقسام النيات فإن العمل تابع للباعث عليه فيكتسب الحكم ~~منه # ولذلك قيل إنما الاعمال بالنيات لأنها تابعة لا حكم لها في نفسها وإنما ~~الحكم للمتبوع # | بيان سر قوله صلى الله عليه وسلم نية المؤمن خير من عمله # + حديث نية المؤمن خير من عمله أخرجه الطبرانى من حديث سهل بن سعد ومن ~~حديث النواس بن سمعان وكلاهما ضعيف + # أعلم أنه قد يظن أن سبب هذا الترجيح ان النية سر لا يطلع عليه إلا الله ~~تعالى والعمل ظاهر ولعمل السر فضل # وهذا صحيح ولكن ليس هو المراد لانه لو نوى ان يذكر الله بقلبه أو يتفكر ~~في مصالح المسلمين فيقتضي عموم الحديث أن تكون نية التفكر خيرا من التفكر ~~وقد يظن أن سبب الترجيح أن النية تدوم إلى آخر العمل والأعمال لا تدوم وهو ~~ضعيف لأن ذلك يرجع معناه إلى أن العمل الكثير خير من القليل بل ليس كذلك ~~فإن نية أعمال الصلاة قد لا تدوم إلا في لحظات معدودة والأعمال تدوم ~~والعموم يقتضى أن تكون نيته خيرا من عمله # وقد يقال إن معناه أن النية بمجردها خير من العمل بمجرده دون النية وهو ~~كذلك ولكنه بعيد ان يكون هو المراد إذ العمل بلا نية أو على الغفلة لا خير ~~فيه أصلا والنية بمجردها خير وظاهر الترجيح للمشتركين في اصل الخير بل ~~المعنى أن كل طاعة تنتظم بنية وعمل وكانت النية من جملة الخيرات وكان العمل ~~من جملة الخيرات ولكن النية من جملة الطاعة خير من العمل أى لكل واحد منهما ~~أثر في المقصود وأثر النية أكثر من أثر العمل PageV04P366 فمعناه نية ~~المؤمن من جملة طاعته خير من عمله الذى هو من جملة طاعته والغرض أن للعبد ~~اختيارا في النية وفى العمل فمهما عملان والنية من الجملة خيرهما فهذا ~~معناه # وأما سبب كونها خيرا ومترجحة على العمل فلا يفهمه إلا من فهم مقصد الدين ~~وطريقه ومبلغ أثر الطريق في الاتصال إلى المقصد وقاس بعض الآثار بالبعض حتى ~~يظهر له بعد ذلك الأرجح بالإضافة إلى المقصود # فمن قال الخبز خير من الفاكهة فإنما يعنى به أنه خير بالإضافة إلى مقصود ~~القوت والاغتذاء ولا يفهم ذلك إلا من فهم أن للغذاء مقصدا وهو الصحة ~~والبقاء وأن الأغذية مختلفة الآثار فيها وفهم أثر كل واحد وقاس بعضها ~~بالبعض فالطاعات غذاء للقلوب والمقصود شفاؤها وبقاؤها وسلامتها في الآخرة ~~وسعادتها وتنعمها بلقاء الله تعالى فالمقصد لذة السعادة بلقاء الله فقط ولن ~~يتنعم بلقاء الله إلا من مات محبا لله تعالى عارفا بالله ولن يحبه إلا من ~~عرفه ولن يأنس بربه إلا من طال ذكره له # فالآنس يحصل بدوام الذكر والمعرفة تحصل بدوام الفكر والمحبة تتبع المعرفة ~~بالضرورة ولن يتفرغ القلب لدوام الذكر والفكر إلا إذا فرغ من شواغل الدنيا ~~ولن يتفرغ من شواغلها إلا إذا انقطع عنه شهواتها حتى يصير مائلا إلى الخير ~~مريدا له نافرا عن الشر مبغضا له وإنما يميل إلى الخيرات والطاعات إذا علم ~~أن سعادته في الآخرة منوطة بها كما يميل العاقل إلى القصد والحجامة لعلمه ~~بأن سلامته فيهما # وإذا حصل أصل الميل بالمعرفة فإنما يقوى بالعمل بمقتضى الميل والمواظبة ~~عليه فإن المواظبة على مقتضى صفات القلب وإرادتها بالعمل تجرى مجرى الغذاء ~~والقوت لتلك الصفة حتى تترشح الصفة وتقوى بسببها # فالمائل إلى طلب العلم أو طلب الرياسة لا يكون ميله في الابتداء إلا ~~ضعيفا فإن اتبع بمقتضى الميل واشتغل بالعلم وتربية الرياسة والأعمال ~~المطلوبة لذلك تأكيد ميله ورسخ وعسر عليه النزوع وإن خالف مقتضى ميله ضعف ~~ميله وانكسر وربما زال والمحق # بل الذى ينظر إلى وجه حسن مثلا فيميل إليه طبعا لا ضعفا لو تبعه وعمل ~~بمقتضاه فداوم على النظر والمجالسة والمخالطة والمحاورة تأكد ميله حتى يخرج ~~أمره عن اختياره فلا يقدر على النزوع عنه ولو فطم نفسه ابتداء وخالف مقتضى ~~ميله لكان ذلك كقطع القوت والغذاء عن صفة الميل ويكون ذلك زبرا ودفعا في ~~وجهه حتى يضعف وينكسر بسببه وينقمع وينمحى # وهكذا جميع الصفات والخيرات والطاعات كلها هى التى تراد بها الآخرة ~~والشرور كلها هى التى تراد بها الدنيا لا الآخرة # وميل النفس إلى الخيرات الأخروية وانصرافها عن الدنيوية هو الذى يفرغها ~~للذكر والفكر ولن يتأكد ذلك إلا بالمواظبة على أعمال الطاعة وترك المعاصى ~~بالجوارح لأن بين الجوارح وبين القلب علاقة حتى إنه يتأثر كل واحد منهما ~~بالآخر فترى العضو إذا أصابته جراحة تألم بها القلب وترى القلب إذا تألم ~~بعلمه بموت عزيز من أعزته أو بهجوم أمر مخوف تأثرت به الأعضاء وارتعدت ~~الفرائض وتغير اللون إلا أن القلب هو الأصل المتبوع فكأنه الأمير والراعى ~~والجوارح كالخدم والرعايا والأتباع # فالجوارح خادمة للقلب بتأكيد صفاتها فيه فالقلب هو المقصود والأعضاء آلات ~~موصلة إلى المقصود ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم إن في الجسد مضغة ~~إذا صلحت صلح لها سائر الجسد + حديث إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر ~~الجسد متفق عليه من حديث النعمان بن بشير وقد تقدم + وقال عليه الصلاة ~~والسلام اللهم أصلح الراعى والرعية + حديث اللهم أصلح الراعى والرعية تقدم ~~ولم أجده + وأراد بالراعى القلب وقال الله تعالى لن ينال لحومها ولا دماؤها ~~ولكن يناله التقوى PageV04P367 @QB@ منكم @QE@ وهى صفة القلب # فمن هذا الوجه يجب لا محالة أن تكون أعمال القلب على الجملة أفضل من ~~حركات الجوارح # ثم يجب أن تكون النية من جملتها أفضل لأنها عبارة عن ميل القلب إلى الخير ~~وإرادته له # وغرضنا من الأعمال بالجوارح أن يعود القلب إرادة الخير ويؤكد فيه الميل ~~إليه ليفرغ من شهوات الدنيا ويكب على الذكر والفكر فبالضرورة يكون خيرا ~~بالإضافة إلى الغرض لأنه متمكن من نفس المقصود وهذا كما أن المعدة إذا ~~تألمت فقد تداوى بأن يوضع الطلاء على الصدر وتداوى بالشرب والدواء الواصل ~~إلى المعدة فالشرب خير من طلاء الصدر لأن طلاء الصدر أيضا إنما أريد به أن ~~يسرى منه الأثر إلى المعدة فما بلاقى عين المعدة فهو خير وأنفع # فهكذا ينبغى أن تفهم تأثير الطاعات كلها إذ المطلوب منها تغيير القلوب ~~وتبديل صفاتها فقط دون الجوارح فلا تظنن أن فى وضع الجبهة على الأرض غرضا ~~من حيث إنه جمع بين الجبهة والأرض بل من حيث إنه بحكم العادة يؤكد صفة ~~التواضع في القلب فإن من يجد في نفسه تواضعا فإذا استكان بأعضائه وصورها ~~بصورة التواضع تأكد تواضعه ومن وجد في قلبه رقة على يتيم فإذا مسح رأسه ~~وقبله تأكد الرقة في قلبه ولهذا لم يكن العمل بغير نية مفيدا أصلا لأن من ~~يمسح رأس يتيم وهو غافل بقلبه أو ظان أنه يمسح ثوبا لم ينتشر من أعضائه أثر ~~إلى قلبه لتأكيد الرقة وكذلك من يسجد غافلا وهو مشغول الهم بأعراض الدنيا ~~لم ينتشر من جبهته ووضعها على الأرض أثر إلى قلبه يتأكد به التواضع فكان ~~وجود ذلك كعدمه وما ساوى وجوده عدمه بالإضافة إلى الغرض المطلوب منه يسمى ~~باطلا فيقال العبادة بغير نية باطلة وهذا معناه إذا فعل عن غفلة فإذا قصد ~~به رياء أو تعظيم شخص آخر لم يكن وجوده كعدمه بل زاده شرا فإنه لم يؤكد ~~الصفة المطلوبة تأكيدها حتى أكد الصفة المطلوب قمعها وهي صفة الرياء التي ~~هي من الميل إلى الدنيا فهذا وجه كون النية خير من العمل # وبهذا أيضا يعرف معنى قوله صلى الله عليه وسلم من هم بحسنة فلم يعملها ~~كتبت له حسنة لأن هم القلب هو ميله إلى الخير وانصرافه عن الهوى وحب الدنيا ~~وهى غاية الحسنات وإنما الإتمام بالعمل يزيدها تأكيدا فليس المقصود من ~~إراقة دم القربان الدم واللحم بل ميل القلب عن حب الدنيا وبذلها إيثارا ~~لوجه الله تعالى وهذه الصفة قد حصلت عند جزم النية والهمة وإن عاق عن العمل ~~عائق ف لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم والتقوى ~~ههنا صفة القلب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن قوما بالمدينة قد شركونا ~~في جهادنا كما تقدم ذكره لأن قلوبهم في صدق إرادة الخير وبذل المال والنفس ~~والرغبة في طلب الشهادة وإعلاء كلمة الله تعالى كقلوب الخارجين فى الجهاد ~~وإنما فارقوهم بالأبدان لعوائق تخص الأسباب الخارجة عن القلب وذلك غير ~~مطلوب إلا لتأكيد هذه الصفات # وبهذه المعاني تفهم جميع الأحاديث التى أوردناها في فضيلة النية فاعرضها ~~عليها لينكشف لك أسرارها فلا نطول بالإعادة # | بيان تفصيل الأعمال المتعلقة بالنية # اعلم أن الأعمال وإن انقسمت أقساما كثيرة من فعل وقول وحركة وسكون وجلب ~~ودفع وفكر وذكر وغير ذلك مما لا يتصور إحصاؤه واستقصاؤه فهي ثلاثة أقسام ~~معاص وطاعات ومباحات القسم الأول المعاصي وهي لا تتغير عن موضعها بالنية ~~فلا ينبغي أن يفهم الجاهل ذلك من عموم قوله عليه السلام إنما الأعمال ~~بالنيات فيظن أن المعصية تنقلب طاعة بالنية كالذي يغتاب إنسانا مراعاة لقلب ~~PageV04P368 غيره أو يطعم فقيرا من مال غيره أو يبني مدرسة أو مسجدا أو ~~رباطا بمال حرام وقصده الخير فهذا كله جهل والنية لا تؤثر في إخراجه عن ~~كونه ظلما وعدوانا ومعصية بل قصده الخير بالشر على خلاف مقتضى الشرع شر آخر ~~فإن عرفه فهو معاند للشرع وإن جهله فهو عاص بجهله إذ طلب العلم فريضة على ~~كل مسلم والخيرات إنما يعرف كونها خيرات للشرع فكيف يمكن أن يكون الشر خير ~~هيهات بل المروج لذلك على القلب خفى الشهوة وباطن الهوى فإن القلب إذا كان ~~مائلا إلى طلب الجاه واستمالة قلوب الناس وسائر حظوظ النفس توسل الشيطان به ~~إلى التلبيس على الجاهل ولذلك قال سهل رحمه الله تعالى ما عصى الله تعالى ~~بمعصية أعظم من الجهل قيل يا أبا محمد هل تعرف شيئا أشد من الجهل قال نعم ~~الجهل بالجهل # وهو كما قال لأن الجهل بالجهل يسد بالكلية باب التعلم فمن يظن بالكلية ~~بنفسه أنه عالم فكيف يتعلم وكذلك أفضل ما أطيع الله تعالى به العلم ورأس ~~العلم العلم بالعلم كما أن رأس الجهل الجهل بالجهل # فإن من لا يعلم العلم النافع من العلم الضار اشتغل بما أكب الناس عليه من ~~العلوم المزخرفة التى هى وسائلهم إلى الدنيا وذلك هو مادة الجهل ومنبع فساد ~~العالم والمقصود أن من قصد الخير بمعصية عن جهل فهو غير معذور إلا إذا كان ~~قريب العهد بالإسلام ولم يجد بعد مهلة للتعلم # وقد قال الله سبحانه فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وقال النبي صلى ~~الله عليه وسلم لا يعذر الجاهل على الجهل ولا يحل للجاهل أن يسكت على جهله ~~ولا للعالم أن يسكت على علمه + حديث لا يعذر الجاهل على الجهل ولا يحل ~~للجاهل أن يسكت على جهله الحديث أخرجه الطبرانى في الأوسط وابن السنى وأبو ~~نعيم في رياضة المتعلمين من حديث جابر بسند ضعيف دون قوله لا يعذر الجاهل ~~على الجهل وقال لا ينبغى بدل ولا يحل وقد تقدم في العلم + # ويقرب من تقرب السلاطين ببناء المساجد والمدارس بالمال الحرام تقرب ~~العلماء السوء بتعليم العلم للسفهاء والأشرار المشغولين بالفسق والفجور ~~القاصرين هممهم على مماراة العلماء ومباراة السفهاء واستمالة وجوه الناس ~~وجمع حطام الدنيا وأخذ أموال السلاطين واليتامى والمساكين فإن هؤلاء إذا ~~تعلموا كانوا قطاع طريق الله تعالى وانتهض كل واحد منهم في بلدته نائبا عن ~~الدجال يتكالب على الدنيا ويتبع الهوى ويتباعد عن التقوى ويستجرى الناس ~~بسبب مشاهدته على معاصى الله تعالى ثم قد ينتشر ذلك العلم إلى مثله وأمثاله ~~ويتخذونه أيضا آلة ووسيلة في الشر واتباع الهوى ويتسلسل ذلك ووبال جميعه ~~يرجع إلى المعلم الذى علمه العلم مع علمه بفساد نيته وقصده ومشاهدته أنواع ~~المعاصى من أقواله وأفعاله وفي مطعمه وملبسه ومسكنه فيموت هذا العالم وتبقى ~~آثار شره منتشرة في العالم ألف سنة مثلا وألفى سنة وطوبى لمن إذا مات ماتت ~~معه ذنوبه ثم العجب من جهله حيث يقول إنما الأعمال بالنيات وقد قصدت بذلك ~~نشر علم الدين فإن استعمله هو في الفساد فالمعصية منه لا منى وما قصدت به ~~إلا أن يستعين به على الخير # وإنما حب الرياسة والاستتباع والتفاخر بعلو العلم يحسن ذلك في قلبه ~~والشيطان بواسطة حب الرياسة يلبس عليه وليت شعرى ما جوابه عمن وهب سيفا من ~~قاطع طريق وأعد له خيلا وأسبابا يستعين بها على مقصوده ويقول إنما أردت ~~البذل والسخاء والتخلق بأخلاق الله الجميلة وقصدت به أن يغزو بهذا السيف ~~والفرس في سبيل الله تعالى فإن إعداد الخيل والرباط والقوة للغزاة من أفضل ~~القربات فإن هو صرفه إلى قطع الطريق فهو العاصى # وقد أجمع الفقهاء على أن ذلك حرام مع أن السخاء هو أحب الأخلاق إلى الله ~~تعالى حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله تعالى ثلثمائة خلق من ~~تقرب إليه PageV04P369 بواحد منها دخل الجنة وأحبها إليه السخاء + حديث إن ~~لله ثلثمائة خلق من تقرب إليه بواحد منها دخل الجنة وأحبها إليه السخاء ~~تقدم فى كتاب المحبة والشوق + فليت شعرى لم حرم هذا السخاء ولم وجب عليه أن ~~ينظر إلى قرينه الحال من هذا الظالم فإذا لاح له من عادته أنه يستعين ~~بالسلاح على الشر فينبغى أن يسعى فى سلب سلاحه لا أن يمده بغيره والعلم ~~سلاح يقاتل به الشيطان وأعداء الله تعالى وقد يعاون به أعداء الله عز وجل ~~وهو الهوى فمن لا يزال مؤثرا لدنياه على دينه ولهواه على اخرته وهو عاجز ~~عنها لقلة فضله فكيف يجوز إمداده بنوع علم يتمكن به من الوصول إلى شهواته ~~بل لم يزل علماء السلف رحمهم الله تعالى يتفقدون أحوال من يتردد إليهم فلو ~~رأوا منه تقصيرا فى نفل من النوافل أنكروه وتركوا إكرامه وإذا رأوا منه ~~فجورا واستحلال حرام هجروه ونفوه عن مجالسهم وتركوا تكليمه فضلا عن تعليمه ~~لعلمهم بأن من تعلم مسألة ولم يعمل بها وجاوزها إلى غيرها فليس يطلب إلا ~~آلة الشر وقد تعوذ جميع السلف بالله تعالى من الفاجر العالم بالسنة وما ~~تعوذوا من الفاجر الجاهل حكى عن بعض أصحاب أحمد بن حنبل رحمه الله أنه كان ~~يتردد إليه سنين ثم اتفق أن أعرض عنه أحمد وهجره وصار لا يكلمه فلم يزل ~~يسأله عن تغيره عليه وهو لا يذكره حتى قال بلغني أنك طينت حائط دارك من ~~جانب الشارع وقد أخذت قدر سمك الطين وهو أنملة من شارع المسلمين فلا تصلح ~~لنقل العلم فهكذا كانت مراقبة السلف لأحوال طلاب العلم وهذا وأمثاله مما ~~يلتبس على الأغبياء وأتباع الشيطان وإن كانوا أرباب الطيالسة والأكمام ~~الواسعة وأصحاب الألسنة الطويلة والفضل الكثير أعني الفضل من العلوم التى ~~لا تشتمل على التحذير من الدنيا والزجر عنها والترغيب في الآخرة والدعاء ~~إليها بل هي العلوم التى تتعلق بالخلق ويتوصل بها إلى جمع الحطام واستتباع ~~الناس والتقدم على الأقران # فإذن قوله عليه السلام إنما الأعمال بالنيات يختص من الأقسام الثلاثة ~~بالطاعات والمباحات دون المعاصي اذ الطاعة تنقلب معصية بالقصد والمباح ~~ينقلب معصية وطاعة بالقصد فأما المعصية فلا تنقلب طاعة بالقصد أصلا نعم ~~للنية دخل فيها وهو أنه إذا انضاف إليها قصود خبيثة تضاعف وزرها وعظم ~~وبالها كما ذكرنا ذلك في كتاب التوبة # القسم ا لثاني الطاعات وهي مرتبطة بالنيات في أصل صحتها وفي تضاعف فضلها ~~أما الأصل فهو أن ينوى بها عبادة الله تعالى لا غير فإن نوى الرياء صارت ~~معصية وأما تضاعف الفضل فبكثرة النيات الحسنة فإن الطاعة الواحدة يمكن أن ~~ينوى بها خيرات كثيرة فيكون له بكل نية ثواب إذ كل واحدة منها حسنة ثم ~~تضاعف كل حسنة عشر أمثالها + حديث تضعيف الحسنة بعشر أمثالها تقدم + كما ~~ورد به الخبر # ومثاله القعود فى المسجد فإنه طاعة ويمكن أن ينوى فيه نيات كثيرة حتى ~~يصير من فضائل أعمال المتقين ويبلغ به درجات المقربين أولها أن يعتقد أنه ~~بيت الله وأن داخله زائر الله فيقصد به زيارة مولاه رجاء لما وعده به رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم حيث قال من قعد فى المسجد فقد زار الله تعالى وحق ~~على المزور أن يكرم زائره + حديث من قعد في المسجد فقد زار الله تعالى وحق ~~على المزور إكرام زائره أخرجه ابن حبان في الضعفاء من حديث سلمان وللبيهقي ~~فى الشعب نحوه من رواية جماعة من الصحابة لم يسموا بإسناد صحيح وقد تقدما ~~في الصلاة + وثانيها أن ينتظر الصلاة بعد الصلاة فيكون في جملة انتظاره في ~~الصلاة وهو معنى قوله تعالى @QB@ ورابطوا @QE@ وثالثها الترهب بكف السمع ~~والبصر والأعضاء عن الحركات والترددات فإن الاعتكاف كف وهو في معنى ~~PageV04P370 الصوم وهو نوع ترهب ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~رهبانية أمتي القعود في المساجد + حديث رهبانية أمتي القعود في المساجد لم ~~أجد له أصلا + ورابعها عكوف الهم على الله ولزوم السر للفكر في الآخرة ودفع ~~الشواغل الصارفة عنه بالاعتزال إلى المسجد وخامسها التجرد لذكر الله أو ~~لاستماع ذكره وللتذكر به كما روي في الخبر من غدا إلى المسجد ليذكر الله ~~تعالى أو يذكر به كان كالمجاهد في سبيل الله تعالى + حديث من غدا إلى ~~المسجد يذكر الله أو يذكر به كان كالمجاهد في سبيل الله تعالى هو معروف من ~~قول كعب الأحبار رويناه في جزء ابن طوق وللطبراني في الكبير من حديث أبي ~~أمامة من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه كان له كأجر ~~حاج تاما حجه وإسناده جيد وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة من غدا إلى ~~المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح + وسادسها أن ~~يقصد إفادة العلم بأمر بمعروف ونهي عن منكر إذ المسجد لا يخلو عمن يسئ في ~~صلاته أو يتعاطى مالا يحل له فيأمره بالمعروف ويرشده إلى الدين فيكون شريكا ~~معه في خيره الذي يعلم منه فتتضاعف خيراته وسابعها أن يستفيد أخا في الله ~~فإن ذلك غنيمة وذخيرة للدار الآخرة والمسجد معشش أهل الدين المحبين لله وفي ~~الله وثامنها أن يترك الذنوب حياء من الله تعالى وحياء من أن يتعاطى في بيت ~~الله ما يقتضي هتك الحرمة وقد قال الحسن بن علي رضي الله عنهما من أدمن ~~الاختلاف إلى المسجد رزقه الله إحدى سبع خصال أخا مستفادا في الله أو رحمة ~~مستنزلة أو علما مستظرفا أو كلمة تدل على هدى أو تصرفه عن ردى أو يترك ~~الذنوب خشية أو حياء فهذا طريق تكثير النيات وقس به سائر الطاعات والمباحات ~~إذ ما من طاعة إلا وتحتمل نيات كثيرة وإنما تحضر في قلب العبد المؤمن بقدر ~~جده في طلب الخير وتشمره له وتفكر فيه فبهذا تزكوا الأعمال وتتضاعف الحسنات ~~القسم الثالث المباحات وما من شىء من المبحاثات إلا ويحتمل نية أو نيات ~~يصير بها من محاسن القربات وينال بها معالي الدرجات فما أعظم خسران من يغفل ~~عنها ويتعاطاها تعاطي البهائم المهملة عن سهو وغفلة ولا ينبغي أن يستحقر ~~العبد شيئا من الخطرات والخطوات واللحظات فكل ذلك يسئل عنه يوم القيامة أنه ~~لم فعله وما الذي قصد به هذا في مباح محض لا يشوبه كراهة ولذلك قال صلى ~~الله عليه وسلم حلالها حساب وحرامها عقاب + حديث حلالها حساب وحرامها عذاب ~~تقدم + وفي حديث معاذ بن حبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن العبد ~~ليسأل يوم القيامة عن كل شىء حتى عن كحل عينيه وعن فتات الطينة بأصبعيه وعن ~~لمسه ثوب أخيه + حديث معاذ إن العبد ليسأل يوم القيامة عن كل شىء حتى عن ~~كحل عينيه وعن فتات الطين بأصبعيه وعن لمسه ثوب أخيه لم أجد له إسنادا + ~~وفي خبر آخر من تطيب لله تعالى جاء يوم القيامة وريحه أطيب من المسك ومن ~~تطيب لغير الله تعالى جاء يوم القيامة وريحه أنتن من الجيفة فاستعمال الطيب ~~مباح ولكن لا بد فيه من نية فإن قلت فما الذي يمكن أن ينوي بالطيب وهو حظ ~~من حظوظ النفس وكيف يتطيب لله فاعلم أن من يتطيب مثلا يوم الجمعة وفي سائر ~~الأوقات يتصور أن يقصد التنعم بلذات الدنيا أو يقصد به إظهار التفاخر بكثرة ~~المال ليحسده الأقران أو يقصد به رياء الخلق ليقوم له الجاه فى قلوبهم ~~ويذكر بطيب الرائحة أو ليتودد به إلى قلوب النساء الأجنبيات إذا كان مستحلا ~~للنظر إليهن ولأمور أخرى لا تحصى وكل هذا يجعل التطيب معصية فبذلك يكون ~~أنتن من الجيفة في القيامة إلا القصد الأول وهو التلذذ والتنعم فإن ذلك ليس ~~بمعصية إلا أنه يسئل عنه ومن PageV04P371 # نوقش الحساب عذب ومن أتى شيئا من مباح الدنيا لم يعذب عليه في الآخرة ~~ولكن ينقص من نعيم الآخرة له بقدره وناهيك خسرانا بأن يستعجل ما يفنى ويخسر ~~زيادة نعيم لا يفنى # وأما النية الحسنة فإنه ينوى به اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يوم الجمعة + حديث إن لبس الثياب الحسنة يوم الجمعة سنة أخرجه أبو داود ~~والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب ~~إن كان عنده ولبس أحسن ثيابه الحديث ولأبي داود وابن ماجه من حديث عبد الله ~~ابن سلام ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته وفي ~~إسناده اختلاف وفي الصحيحين أن عمر رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال يا ~~رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة الحديث + وينوي بذلك أيضا ~~تعظيم المسجد واحترام بيت الله فلا يرى أن يدخله زائرا لله إلا طيب الرائحة ~~وأن يقصد به ترويح جيرانه ليستريحوا فى المسجد عند مجاورته بروائحه وأن ~~يقصد به دفع الروائح الكريهة عن نفسه التى تؤدي إلى إيذاء مخالطيه وأن يقصد ~~حسم باب الغيبة عن المغتابين إذا اغتابوه بالروائح الكريهة فيعصون الله ~~بسببه فمن تعرض للغيبة وهو قادر على الاحتراز منها فهو شريك في تلك المعصية ~~كما قيل # إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا % ان لا تفارقهم فالراحلون هم # وقال الله تعالى @QB@ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله ~~عدوا بغير علم @QE@ أشار به إلى أن التسبب إلى الشر شر وأن يقصد به معالجة ~~دماغه لتزيد به فطنته وذكاؤه ويسهل عليه درك مهمات دينه بالفكر فقد قال ~~الشافعي رحمه الله من طاب ريحه زاد عقله # فهذا وأمثاله من النيات لا يعجز الفقيه عنها إذا كانت تجارة الآخرة وطلب ~~الخير غالبة على قلبه وإذا لم يغلب على قلبه إلا نعيم الدنيا لم تحضره هذه ~~النيات وإن ذكرت له لم ينبعث لها قلبه فلا يكون معه منها إلا حديث النفس ~~وليس ذلك من النية في شىء # والمباحات كثيرة ولا يمكن إحصاء النيات فيها فقس بهذا الواحد ما عداه ~~ولهذا قال بعض العارفين من السلف إني أستحب أن يكون لي في كل شىء نية حتى ~~فى أكلي وشربي ونومي ودخولي إلى الخلاء وكل ذلك مما يمكن أن يقصد به التقرب ~~إلى الله تعالى لأن كل ما هو سبب لبقاء البدن وفراغ القلب من مهمات البدن ~~فهو معين على الدين فمن قصده من الأكل التقوي على العبادة ومن الوقاع تحصين ~~دينه وتطييب قلب أهله والتوصل به إلى نسل صالح يعبد الله تعالى بعده فتكثر ~~به أمة محمد صلى الله عليه وسلم كان مطيعا بأكله ونكاحه وأغلب حظوظ النفس ~~الأكل والوقاع وقصد الخير بهما غير ممتنع لمن غلب على قلبه هم الآخرة ولذلك ~~ينبغي أن يحسن نيته مهما ضاع له مال ويقول هو في سبيل الله وإذا بلغه ~~اغتياب غيره له فليطيب قلبه بأنه سيحمل سيآته وستنقل إلى ديوانه حسناته ~~ولينوي ذلك بسكوته عن الجواب # ففي الخبر إن العبد ليحاسب فتبطل أعماله لدخول الآفة فيها حتى يستوجب ~~النار ثم ينشر له من الأعمال الصالحة ما يستوجب به الجنة فيتعجب ويقول يا ~~رب هذه أعمال ما عملتها قط فيقال هذه أعمال الذين اغتابوك وآذوك وظلموك + ~~حديث ان العبد ليحاسب فتبطل أعماله لدخول الآفة فيها حتى يستوجب النار ثم ~~ينشر له من الأعمال الحسنة ما يستوجب به الجنة الحديث وفيه هذه أعمال الذين ~~اغتابوك الحديث أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي نعيم ~~من حديث شيث بن سعد البلوي مختصرا ان العبد ليلقي كتابه يوم القيامة منتشرا ~~فينظر فيه فيرى حسنات لم يعملها فيقول هذا لي ولم أعملها فيقال بما اغتابك ~~الناس وأنت لا تشعر وفيه ابن لهيعة + وفي الخبر إن العبد ليوافي القيامة ~~بحسنات أمثال الجبال لو خلصت له لدخل الجنة فيأتي وقد ظلم هذا وشتم هذا ~~وضرب هذا فيقتص لهذا من حسناته ولهذا من حسناته حتى لا يبقي له حسنة فتقول ~~الملائكة قد فنيت حسناته وبقي طالبون فيقول الله تعالى ألقوا عليه من ~~PageV04P372 سيآتهم ثم صكوا له صكا إلى النار + حديث ان العبد ليوافى ~~القيامة بحسنات أمثال الجبال وفيه ويأتى قد ظلم هذا وشتم هذا الحديث تقدم ~~مع اختلاف + وبالجملة فإياك ثم إياك أن تستحقر شيئا من حركاتك فلا تحترز من ~~غرورها وشرورها ولا تعد جوابها يوم السؤال والحساب فإن الله تعالى مطلع ~~عليك وشهيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وقال بعض السلف كتبت كتابا ~~وأردت أن أتربه من حائط جار لى فتحرجت ثم قلت تراب وما تراب فتربته فهتف بي ~~هاتف سيعلم من استخف بتراب جاره ما يلقى غدا من سوء الحساب # وصلى رجل مع الثورى فرآه مقلوب الثوب فعرفه فمد يده ليصلحه ثم قبضها فلم ~~يسوه فسأله عن ذلك فقال إنى لبسته لله تعالى ولا أريد أن أسويه لغير الله # وقد قال الحسن إن الرجل ليتعلق بالرجل يوم القيامة فيقول بينى وبينك الله ~~فيقول والله ما أعرفك فيقول بلى أنت أخذت لبنة من حائطى وأخذت خيطا من ثوبى # فهذا وأمثاله من الأخبار قطع قلوب الخائفين فإن كنت من اولى العزم والنهى ~~ولم تكن من المغترين فانظر لنفسك الآن ودقق الحساب على نفسك قبل أن يدقق ~~عليك وراقب أحوالك ولا تسكن ولا تتحرك ما لم تتأمل أولا أنك لم تتحرك وماذا ~~تقصد وما الذى تنال به من الدنيا وما الذى يفوتك من الآخرة وبماذا ترجح ~~الدنيا على الآخرة فإذا علمت أنه لا باعث إلا الدين فأمض عزمك وما خطر ~~ببالك وإلا فأمسك ثم راقب أيضا قلبك في إمساكك وإمتناعك فإن ترك الفعل فعل ~~ولا بد له من نيه صحيحه فلا ينبغي أن يكون الداعي هوى خفي لا يطلع عليه ولا ~~يغرنك ظواهر الأمور ومشهورات الخيرات وافطن للأغوار والأسرار تخرج من حيز ~~أهل الإغترار # فقد روى عن زكريا عليه السلام أنه كان يعمل في حائط بالطين وكان أجيرا ~~لقوم فقدموا له رغيفا إذ كان لا يأكل إلا من كسب يده فدخل عليه قوم فلم ~~يدعهم إلى الطعام حتى فرغ فتعجبوا منه لما علموا من سخائه وزهده وظنوا أن ~~الخير في طلب المساعدة في الطعام فقال إنى أعمل لقوم بالأجرة وقدموا إلى ~~الرغيف لأتقوى به على عملهم فلو أكلتم معى لم يكفكم ولم يكفنى وضعفت عن ~~عملهم فالبصير هكذا ينظر في البواطن بنور الله فإن ضعفه عن العمل نقص في ~~فرض وترك الدعوة إلى الطعام نقص في فضل ولا حكم للفضائل مع الفرائض وقال ~~بعضهم دخلت على سفيان وهو يأكل فما كلمنى حتى لعق أصابعه ثم قال لولا أنى ~~أخذته بدين لأحببت أن تأكل منه # وقال سفيان من دعا رجلا إلى طعامه وليس له رغبة أن يأكل منه فإن أجابه ~~فأكل فعليه وزران وإن لم يأكل فعليه وزر واحد وأراد بأحد الوزرين النفاق ~~وبالثانى تعريضه أخاه لما يكره لو علمه # فهكذا ينبغى أن يتفقد العبد نيته في سائر الأعمال فلا يقدم ولا يحجم إلا ~~بنية فإن لم تحضره النية توقف فإن النية لا تدخل تحت الاختيار # | بيان أن النية غير داخلة تحت الاختيار # أعلم أن الجاهل يسمع ما ذكرناه من الوصية بتحسين النية وتكثيرها مع قوله ~~صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات فيقول في نفسه عند تدريسه أو ~~تجارته أو أكله نويت أن أدرس لله أو آكل لله # ويظن ذلك نية وهيهات فذلك حديث نفس وحديث لسان وفكر أو انتقال من خاطر ~~إلى خاطر والنية بمعزل من جميع ذلك وإنما النية انبعاث النفس وتوجهها ~~وميلها إلى ما ظهر لها أن فيه غرضها إما عاجلا وإما آجلا # والميل إذا لم يكن لا يمكن اختراعه واكتسابه بمجرد الإرادة بل ذلك كقول ~~الشبعان نويت أن أشتهى الطعام وأميل إليه أو قول الفارغ نويت أن أعشق فلانا ~~وأحبه وأعظمه بقلبى فذلك محال # بل لا طريق إلى اكتساب PageV04P373 صرف القلب إلى الشىء وميله إليه ~~وتوجهه نحوه إلا باكتساب أسبابه وذلك مما قدم يقدر عليه وقد لايقدر عليه # وإنما تنبعث النفس إلى الفعل إجابة للغرض الباعث الموافق للنفس الملائم ~~لها وما لم يعتقد الإنسان أن غرضه منوط بفعل من الأفعال فلا يتوجه نحوه ~~قصده # وذلك مما لا يقدر على اعتقاده في كل حين وإذا اعتقد فإنما يتوجه القلب ~~إذا كان فارغا غير مصروف عنه بغرض شاغل أقوى منه وذلك لا يمكن في كل وقت ~~والدواعى والصوارف لها أسباب كثيرة بها تجتمع ويختلف ذلك بالأشخاص ~~وبالأحوال وبالأعمال # فإذا غلبت شهوة النكاح مثلا ولم يعتقد غرضا صحيحا في الولد دينا ولا دنيا ~~لا يمكنه أن يواقع على نية الولد بل لا يمكن إلا على نية قضاء الشهوة إذ ~~النية هى إجابة الباعث ولا باعث إلا الشهوة فكيف ينوى الولد وإذا لم يغلب ~~على قلبه أن إقامة سنة النكاح + حديث ان النكاح سنة رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم تقدم في آداب النكاح + اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يعظم فضلها لا يمكن أن ينوى بالنكاح اتباع السنة إلا أن يقول ذلك بلسانه ~~وقلبه وهو حديث محض ليس بنية نعم طريق اكتساب هذه النية مثلا أن يقوى أولا ~~إيمانه بالشرع ويقوى إيمانه بعظم ثواب من سعى في تكثير أمة محمد صلى الله ~~عليه وسلم ويدفع عن نفسه جميع المنفرات عن الولد من ثقل المؤنة وطول التعب ~~وغيره فإذا فعل ذلك ربما انبعث من قلبه رغبة إلى تحصيل الولد للثواب فتحركه ~~تلك الرغبة وتتحرك أعضاؤه لمباشرة العقد فإذا انتهضت القدرة المحركة للسان ~~بقبول العقد طاعة لهذا الباعث الغالب على القلب كان ناويا فإن لم يكن كذلك ~~فما يقدره في نفسه ويردده في قلبه من قصد الولد وسواس وهذيان # ولهذا امتنع جماعة من السلف من جملة من الطاعات إذ لم تحضرهم النية ~~وكانوا يقولون ليس تحضرنا فيه نية حتى إن ابن سيرين لم يصل على جنازة الحسن ~~البصرى وقال ليس تحضرنى نية # ونادى بعضهم امرأته وكان يسرح شعره أن هات المدرى فقالت أجىء بالمرآة ~~فسكت ساعة ثم قال نعم فقيل له في ذلك فقال كان لي في المدرى نية ولم تحضرنى ~~في المرآة نية فتوقفت حتى هيأها الله تعالى # ومات حماد بن سليمان وكان أحد علماء أهل الكوفة فقيل للثورى ألا تشهد ~~جنازته فقال لو كان لى نية لفعلت وكان أحدهم إذا سئل عملا من أعمال البر ~~يقول إن رزقنى الله تعالى نية فعلت # وكان طاوس لا يحدث إلا بنية وكان يسئل أن يحدث فلا يحدث ولا يسئل فيبتدئ ~~فقيل له في ذلك قال # أفتحبون أن أحدث بغير نية إذا حضرتنى نية فعلت # وحكى أن داود بن المحبر لما صنف كتاب العقل جاءه أحمد بن حنبل فطلبه منه ~~فنظر فيه أحمد صفحا ورده فقال مالك قال فيه أسانيد ضعاف فقال له داود أنا ~~لم أخرجه على الأسانيد فانظر فيه بعين الخبر إنما نظرت فيه بعين العمل ~~فانتفعت قال أحمد فرده على حتى أنظر فيه بالعين التى نظرت فأخذه ومكث عنده ~~طويلا ثم قال جزاك الله خيرا فقد انتفعت به # وقيل لطاوس ادع لنا فقال حتى أجد له نية # وقال بعضهم أنا في طلب نية لعيادة رجل منذ شهر فما صحت لي بعد # وقال عيسى بن كثير مشيت مع ميمون بن مهران فلما انتهى إلى باب داره ~~انصرفت فقال ابنه ألا تعرض عليه العشاء قال ليس من نيتي # وهذا لأن النية تتبع النظر فإذا تغير النظر تغيرت النية وكانوا لا يرون ~~أن يعملوا عملا إلا بنية لعلمهم بأن النية روح العمل وأن العمل بغير نية ~~صادقة رياء وتكلف وهو سبب مقت لا سبب قرب وعلموا أن النية ليست هي قول ~~القائل بلسانه نويت بل هو انبعاث القلب يجري مجرى الفتوح من الله تعالى فقد ~~تتيسر في بعض PageV04P374 الأوقات وقد تتعذر في بعضها نعم من كان الغالب ~~على قلبه أمر الدين تيسر عليه في أكثر الاحوال إحضار النية للخيرات فإن ~~قلبه مائل بالجملة إلى أصل الخير فينبعث إلى التفاصيل غالبا # ومن مال قلبه إلى الدنيا وغلبت عليه لم يتيسر له ذلك بل لا يتيسر له في ~~الفرائض إلا بجهد جهيد وغايته أن يتذكر النار ويحذر نفسه عقابها أو نعيم ~~الجنة ويرغب نفسه فيها فربما تنبعث له داعية ضعيفة فيكون ثوابه بقدر رغبته ~~ونيته # وأما الطاعة على نية إجلال الله تعالى لاستحقاقه الطاعة والعبودية فلا ~~تتيسر للراغب في الدنيا وهذه أعز النيات وأعلاها ويعز على بسيط الأرض من ~~يفهمها فضلا عمن يتعاطاها # ونيات الناس في الطاعات أقسام إذ منهم من يكون عمله إجابة لباعث الخوف ~~فإنه يتقي النار # ومنهم من يعمل إجابة لباعث الرجاء وهو الرغبة في الجنة وهذا وإن كان ~~نازلا بالإضافة إلى قصد طاعة الله وتعظيمه لذاته ولجلاله لا لأمر سواه فهو ~~من جملة النيات الصحيحة لأنه ميل إلى الموعود في الآخرة وإن كان من جنس ~~المألوفات في الدنيا وأغلب البواعث باعث الفرج والبطن وموضع قضاء وطرهما ~~الجنة فالعامل لأجل الجنة عامل لبطنه وفرجه كالأجير السوء ودرجته درجة ~~البله # وإنه لينالها بعمله إذ أكثر أهل الجنة البله وأما عبادة ذوي الألباب ~~فإنها لا تجاوز ذكر الله تعالى والفكر فيه لجماله لماله وجلاله وسائر ~~الأعمال تكون مؤكدات وروادف وهؤلاء ارفع درجة من الالتفات إلى المنكوح ~~والمطعوم في الجنة فإنهم لم يقصدوها بل هم الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ~~يريدون وجهه فقط وثواب الناس بقدر نياتهم فلا جرم يتنعمون بالنظر إلى وجهه ~~الكريم ويسخرون ممن يلتفت إلى وجه الحور العين كما يسخر المتنعم بالنظر إلى ~~الحور العين ممن يتنعم بالنظر إلى وجه الصور المصنوعة من الطين بل أشد فإن ~~التفاوت بين جمال حضرة الربوبية وجمال الحور العين أشد وأعظم كثيرا من ~~التفاوت بين جمال الحور العين والصور المصنوعة من الطين بل استعظام النفوس ~~البهيمية الشهوانية لقضاء الوطر من مخالطة الحسان وإعراضهم عن جمال وجه ~~الله الكريم يضاهي استعظام الخنفساء لصاحبتها وإلفها لها وإعراضها عن النظر ~~إلى جمال وجوه النساء فعمى أكثر القلوب عن ابصار جمال الله وجلاله يضاهي ~~عمى الخنفساء عن ادراك جمال النساء بأنها لا تشعر به أصلا ولا تلتفت اليه ~~ولو كان لها عقل وذكرن لها لاستحسنت عقل من يلتفت اليهن ولا يزالون مختلفين ~~كل حزب بما لديهم فرحون ولذلك خلقهم # حكى أن أحمد بن خضرويه رأى ربه عز وجل في المنام فقال له كل الناس يطلبون ~~مني الجنة إلا أبا يزيد فإنه يطلبني ورأى أبو يزيد ربه في المنام فقال يا ~~رب كيف الطريق اليك فقال اترك نفسك وتعال إلي # ورؤى الشبلي بعد موته في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال لم يطالبني ~~على الدعاوي بالبرهان إلا على قول واحد قلت يوما أي خسارة أعظم من خسران ~~الجنة فقال أي خسارة أعظم من خسران لقائي # والغرض أن هذه النيات متفاوتة الدرجات ومن غلب على قلبه واحدة منها ربما ~~لا يتيسر له العدول ألى غيرها # ومعرفة هذه الحقائق تورث أعمالا وأفعالا لا يستنكرها الظاهريون من ~~الفقهاء فإنا نقول من حضرت له نية في مباح ولم تحضر في فضيلة فالمباح أولى ~~وانتقلت الفضيلة أليه وصارت الفضيلة في حقه نقيصة لأن الأعمال بالنيات # وذلك مثل العفو فإنه أفضل من الانتصار في الظلم وربما تحضره نية في ~~الانتصار دون العفو فيكون ذلك أفضل # ومثل أن يكون له نية في الأكل والشرب والنوم ليريح نفسه ويتقوى على ~~العبادات في المستقبل وليس تنبعث نيته في الحالين للصوم والصلاة فالأكل ~~والشرب والنوم هو الأفضل له # بل لو مل العبادة PageV04P375 # لمواظبته عليها وسكن نشاطه وضعفت رغبته وعلم أنه لو ترفه ساعة بلهو وحديث ~~عاد نشاطه فاللهو أفضل له من الصلاة # قال أبو الدرداء إني لأستجم نفسي بشىء من اللهو فيكون ذلك عونا لي على ~~الحق وقال علي كرم الله وجهه روحوا القلوب فإنها إذا أكرهت عميت # وهذه دقائق لا يدركها إلا سماسرة العلماء دون الحشوية منهم بل الحاذق ~~بالطب قد يعالج المحرور باللحم مع حرارته ويستبعده القاصر في الطب وإنما ~~يبتغي به أن يعيد أولا قوته ليحتمل المعالجة بالضد والحاذق في لعب الشطرنج ~~مثلا قد ينزل عن الرخ والفرس مجانا ليتوصل بذلك إلى الغلبة والضعيف البصيرة ~~قد يضحك به ويتعجب منه # وكذلك الخبير بالقتال قد يفر بين يدي قرينه ويوليه دبره حيلة منه ليستجره ~~إلى مضيق فيكر عليه فيقهره # فكذلك سلوك طريق الله تعالى كله قتال مع الشيطان ومعالجة للقلب والبصير ~~الموفق يقف فيها على لطائف من الحيل يستبعدها الضعفاء فلا ينبغي للمريد أن ~~يضمر إنكارا على ما يراه من شيخه ولا للمتعلم أن يعترض على أستاذه بل ينبغي ~~أن يقف عند حد بصيرته ومالا يفهمه من أحوالهما يسلمه لهما إلى أن ينكشف له ~~أسرار ذلك بأن يبلغ رتبتهما وينال درجتهما ومن الله حسن التوفيق # | الباب الثاني فى الاخلاص وفضيلته وحقيقته ودرجاته # فضيلة الإخلاص # قال الله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين @QB@ وقال ~~@QE@ ألا لله الدين الخالص وقال تعالى إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا ~~بالله وأخلصوا دينهم لله وقال تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا ~~صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا نزلت فيمن يعمل لله ويحب أن يحمد عليه وقال ~~النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث لا يغل عليهن قلب رجل مسلم إخلاص العمل لله ~~+ حديث ثلاث لا يغل عليهن قلب رجل مسلم اخلاص العمل لله أخرجه الترمذى ~~وصححه من حديث النعمان بن بشير + وعن مصعب بن سعد عن أبيه قال ظن أبى أن له ~~فضلا على من هو دونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبى صلى ~~الله عليه وسلم إنما نصر الله عز وجل هذه الأمة بضعفائها ودعوتهم وإخلاصهم ~~+ حديث مصعب بن سعد عن أبيه أنه ظن أن له فضلا على من دونه من أصحاب النبي ~~صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما نصر الله هذه الأمة ~~بضعفائها ودعوتهم وإخلاصهم رواه النسائى وهو عند البخارى بلفظ هل تنصرون ~~وترزقون الا بضعفائكم + وعن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول الله تعالى الإخلاص سر من سرى استودعته قلب من أحببت من عبادى + حديث ~~الحسن مرسلا يقول الله تعالى الإخلاص سر من سرى استودعته قلب من أحببت من ~~عبادى رويناه في جزء من مسلسلات القزوينى مسلسلا يقول كل واحد من رواته ~~سألت فلانا عن الإخلاص فقال وهو من رواية أحمد بن عطاء الهجيمى عن عبد ~~الواحد بن زيد عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله ~~تعالى وأحمد بن عطاء وعبد الواحد كلاهما متروك وهما من الزهاد ورواه أبو ~~القاسم القشيري في الرسالة من حديث على بن أبى طالب بسند ضعيف + وقال على ~~بن أبى طالب كرم الله وجهه لاتهتموا لقلة العمل واهتموا للقبول فإن النبي ~~صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل أخلص العمل يجزك منه القليل + حديث ~~أنه قال لمعاذ اخلص العمل يجزك منه القليل أخرجه أبو منصور الديلمى في مسند ~~الفردوس من حديث معاذ واسناده منقطع + وقال عليه السلام ما من عبد يخلص لله ~~العمل أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه + حديث ما من ~~عبد يخلص لله أربعين يوما أخرجه ابن عدى ومن طريقه ابن الجوزى في الموضوعات ~~عن أبى موسى وقد تقدم + PageV04P376 وقال عليه الصلاة والسلام أول من يسئل ~~يوم القيامة ثلاثة رجل آتاه الله العلم فيقول الله تعالى ما صنعت فيما علمت ~~فيقول يارب كنت أقوم آناء الليل وأطراف النهار فيقول الله تعالى كذبت وتقول ~~الملائكة كذبت بل أردت أن يقال فلان عالم ألا فقد قيل ذلك # ورجل آتاه الله مالا فيقول الله تعالى لقد أنعمت عليك فماذا صنعت فيقول ~~يارب كنت أتصدق به آناء الليل وأطراف النهار فيقول الله تعالى كذبت وتقول ~~الملائكة كذبت بل أردت أن يقال فلان جواد ألا فقد قيل ذلك # ورجل قتل في سبيل الله تعالى فيقول الله تعالى ماذا صنعت فيقول يارب أمرت ~~بالجهاد فقاتلت حتى قتلت فيقول الله كذبت وتقول الملائكة كذبت بل أردت أن ~~يقال فلان شجاع ألا فقد قيل ذلك قال أبو هريرة ثم خبط رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فخذى وقال يا أبا هريرة أولئك أول خلق تسعر نار جهنم بهم يوم ~~القيامة + حديث أول من يسئل يوم القيامة ثلاثة رجل آتاه الله العلم الحديث ~~قد تقدم + فدخل راوى هذا الحديث على معاوية وروى له ذلك فبكى حتى كادت نفسه ~~تزهق ثم قال صدق الله إذ قال من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها الآية # وفي الإسرائيليات أن عابدا كان يعبد الله دهرا طويلا فجاءه قوم فقالوا إن ~~ههنا قوما يعبدون شجرة من دون الله تعالى فغضب لذلك وأخذ فأسه على عاتقه ~~وقصد الشجرة ليقطعها فاستقبله إبليس في صورة شيخ فقال أين تريد رحمك الله ~~قال أريد أن أقطع هذه الشجرة قال وما أنت وذاك تركت عبادتك واشتغالك بنفسك ~~وتفرغت لغير ذلك فقال إن هذا من عبادتى قال فإنى لا أتركك أن تقطعها فقاتله ~~فأخذه العابد فطرحه إلى الأرض وقعد على صدره فقال له إبليس أطلقنى حتى ~~أكلمك فقام عنه فقال إبليس يا هذا إن الله تعالى قد أسقط عنك هذا ولم يفرضه ~~عليك وما تعبدها أنت وما عليك من غيرك ولله تعالى أنبياء في أقاليم الأرض ~~ولو شاء لبعثهم إلى أهلها وأمرهم بقطعها فقال العابد لا بد لى من قطعها ~~فنابذه للقتال فغلبه العابد وصرعه وقعد على صدره فعجز إبليس فقال له هل لك ~~في أمر فصل بينى وبينك وهو خير لك وأنفع قال وما هو قال أطلقنى حتى أقول لك ~~فأطلقه فقال إبليس أنت رجل فقير لا شىء لك إنما أنت كل على الناس يعولونك ~~ولعلك تحب أن تتفضل على إخوانك وتواسى جيرانك وتشبع وتستغنى عن الناس قال ~~نعم قال فارجع عن هذا الأمر ولك على أن أجعل عند رأسك في كل ليلة دينارين ~~إذا أصبحت أخذتهما فأنفقت على نفسك وعيالك وتصدقت على إخوانك فيكون ذلك ~~أنفع لك وللمسلمين من قطع هذه الشجرة التى يغرس مكانها ولا يضرهم قطعها ~~شيئا ولا ينفع إخوانك المؤمنين قطعك إياها فتفكر العابد فيما قال وقال صدق ~~الشيخ لست بنبى فيلزمنى قطع هذه الشجرة ولا أمرنى الله أن أقطعها فأكون ~~عاصيا بتركها وما ذكره أكثر منفعة فعاهده على الوفاء بذلك وحلف له فرجع ~~العابد إلى متعبده فبات فلما أصبح رأى دينارين عند رأسه فأخذهما وكذلك الغد ~~ثم اصبح اليوم الثالث وما بعده فلم ير شيئا # فغضب وأخذ فأسه على عاتقه فاستقبله إبليس في صورة شيخ فقال له إلى أين ~~قال أقطع تلك الشجرة فقال كذبت والله ما أنت بقادر على ذلك ولا سبيل لك ~~إليها قال فتناوله العابد ليفعل به كما فعل أول مرة فقال هيهات فأخذه إبليس ~~وصرعه فإذا هو كالعصفور بين رجليه وقعد إبليس على صدره وقال لتنتهين عن هذا ~~الأمر أو لأذبحنك فنظر العابد فإذا لا طاقة له به قال يا هذا غلبتنى فخل ~~عنى وأخبرنى كيف غلبتك أولا وغلبتنى الآن فقال لأنك غضبت أول مرة لله وكانت ~~نيتك الآخرة فسخرنى الله لك وهذه المرة غضبت لنفسك وللدنيا فصرعتك ~~PageV04P377 هذه الحكايات تصديق قوله تعالى إلا عبادك منهم المخلصين إذ لا ~~يتخلص العبد من الشيطان إلا بالإخلاص ولذلك كان معروف الكرخى رحمه الله ~~تعالى يضرب نفسه ويقول يا نفس أخلصى تتخلصى # وقال يعقوب المكفوف المخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته # وقال سليمان طوبى لمن صحت له خطوة واحدة لا يريد بها إلا الله تعالى # وكتب عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه إلى أبى موسى الأشعرى من خلصت ~~نيته كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس وكتب بعض الأولياء إلى أخ له أخلص ~~النية في أعمالك يكفك القليل من العمل وقال أيوب السختيانى تخليص النيات ~~على العمال أشد عليهم من جميع الأعمال # وكان مطرف يقول من صفا صفى له ومن خلط خلط عليه # ورؤى بعضهم في المنام فقيل له كيف وجدت أعمالك فقال كل شىء عملته لله ~~وجدته حتى حبة رمان لقطتها من طريق وحتى هرة ماتت لنا رأيتها في كفة ~~الحسنات وكان في قلنسوتى خيط من حرير فرأيته في كفة السيئات وكان قد نفق ~~حمار لى قيمته مائة دينار فما رأيت له ثوابا فقلت موت سنور في كفة الحسنات ~~وموت حمار ليس فيها فقيل لى إنه قد وجهحيث بعثت به فإنه لما قيل لك قد مات ~~قلت في لعنه الله فبطل أجرك فيه ولو قلت في سبيل الله لوجدته في حسناتك # وفي رواية قال وكنت قد تصدقت بصدقة بين الناس فأعجبني نظرهم إلي فوجدت ~~ذلك لا علي ولا لي قال سفيان لما سمع هذا ما أحسن حاله إذ لم يكن عليه فقد ~~أحسن إليه وقال يحيى بن معاذ الإخلاص يميز العمل من العيوب كتمييز اللبن من ~~الفرث والدم # وقيل كان رجل يخرج في زي النساء ويحضر كل موضع يجتمع فيه النساء من عرس ~~أو مأتم فاتفق أن حضر يوما موضعا فيه مجمع للنساء فسرقت درة فصاحوا أن ~~أغلقوا الباب حتى نفتش فكانوا يفتشون واحدة واحدة حتى بلغت النوبة إلى ~~الرجل وإلى امرأة معه فدعا الله تعالى بالإخلاص وقال إن نجوت من هذه ~~الفضيحة لا أعود إلى مثل هذا فوجدت الدرة مع تلك المرأة فصاحواأن أطلقوا ~~الحرة فقد وجدنا الدرة وقال بعض الصوفية كنت قائما مع أبي عبيد التستري وهو ~~يحرث أرضه بعد العصر من يوم عرفة فمر به بعض إخوانه من الأبدال فساره بشىء ~~فقال أبو عبيد لا فمر كالسحاب يمسح الأرض حتى غاب عن عيني فقلت لأبي عبيد ~~ما قال لك فقال سألني أن أحج معه قلت لا قلت فهلا فعلت قال ليس لي في الحج ~~نية وقد نويت أن أتمم هذه الأرض العشية فأخاف إن حججت معه لأجله تعرضت لمقت ~~الله تعالى لأني أدخل في عمل الله شيئا غيره فيكون ما أنا فيه أعظم عندي من ~~سبعين حجة # ويروى عن بعضهم قال غزوت في البحر فعرض بعضنا مخلاة فقلت أشتريها فأنتفع ~~بها في غزوي فإذا دخلت مدينة كذا بعتها فربحت فيها فاشتريتها فرأيت تلك ~~الليلة في النوم كأن شخصين قد نزلا من السماء فقال أحدهما لصاحبه اكتب ~~الغزاة فأملي عليه خرج فلان متنزها وفلان مرائيا وفلان تاجرا وفلان في سبيل ~~الله ثم نظر إلي وقال اكتب فلان خرج تاجرا فقلت الله الله في أمري ما خرجت ~~أتجر وما معي تجارة أتجر فيها ما خرجت إلا للغزو فقال يا شيخ قد أشتريت أمس ~~مخلاة تريد أن تربح فيها فبكيت وقلت لا تكتبوني تاجرا فنظر إلى صاحبه وقال ~~ما ترى فقال اكتب خرج فلان غازيا إلا أنه اشترى في طريقه مخلاة ليربح فيها ~~حتى يحكم الله عز وجل فيه بما يرى # وقال سرى السقطي رحمه الله تعالى لأن تصلي ركعتين في خلوة تخلصهما خير لك ~~من أن تكتب سبعين حديثا أو سبعمائة بعلو وقال بعضهم في إخلاص ساعة نجاة ~~الأبد ولكن الإخلاص عزيز ويقال العلم بذر والعمل زرع وماؤه الإخلاص وقال ~~بعضهم إذا أبغض الله عبدا أعطاه ثلاثا ومنعه ثلاثا أعطاه صحبة الصالحين ~~ومنعه القبول منهم وأعطاه الأعمال الصالحة ومنعه PageV04P378 # الإخلاص فيها وأعطاه الحكمة ومنعه الصدق فيها وقال السوسي مراد الله من ~~عمل الخلائق الإخلاص فقط وقال الجنيد إن لله عبادا عقلوا فلما عقلوا عملوا ~~فلما عملوا أخلصوا فاستدعاهم الإخلاص إلى أبواب البر أجمع وقال محمد بن ~~سعيد المروزي الأمر كله يرجع إلى أصلين فعل منه بك وفعل منك له فترضى ما ~~فعل وتخلص فيما تعمل فإذن أنت سعدت بهذين وفزت في الدارين # | بيان حقيقة الإخلاص # اعلم أن كل شىء يتصور أن يشوبه غيره فإذا صفا عن شوبه وخلص عنه سمى خالصا ~~ويسمى الفعل المصفى المخلص إخلاصا قال الله تعالى من بين فرث ودم لبنا ~~خالصا سائغا للشاربين فإنما خلوص اللبن أن لا يكون فيه شوب من الدم والفرث ~~ومن كل ما يمكن أن يمتزج به والإخلاص يضاده الإشراك فمن ليس مخلصا فهو مشرك ~~إلا أن الشرك درجات فالإخلاص في التوحيد يضاده التشريك في الإلهية والشرك ~~منه خفي ومنه جلي وكذا الإخلاص والإخلاص وضده يتواردان على القلب فمحله ~~القلب وإنما يكون ذلك في القصود والنيات # وقد ذكر حقيقة النية وأنها ترجع إلى إجابة البواعث فمهما كان الباعث واحد ~~على التجرد سمي الفعل الصادر عنه إخلاصا بالإضافة إلى المنوى فمن تصدق ~~وغرضه محض الرياء فهو مخلص ومن كان غرضه محض التقرب إلى الله تعالى فهو ~~مخلص ولكن العادة جارية بتخصيص اسم الإخلاص بتجريد قصد التقرب إلى الله ~~تعالى عن جميع الشوائب كما أن الإلحاد عبارة عن الميل ولكن خصصته العادة ~~بالميل عن الحق ومن كان باعثه مجرد الرياء فهو معرض للهلاك ولسنا نتكلم فيه ~~إذ قد ذكرنا ما يتعلق به في كتاب الرياء من ربع المهلكات وأقل أموره ما ورد ~~في الخبر من إن المرائي يدعى يوم القيامة بأربع أسام يا مرائي يا مخادع يا ~~مشرك يا كافر + حديث ان المرائي يدعى يوم القيامة يا مرائي يا مخادع الحديث ~~أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب السنة والإخلاص وقد تقدم + # وإنما نتكلم الآن فيمن انبعث لقصد التقرب ولكن امتزج بهذا الباعث باعث ~~آخر إما من الرياء أو من غيره من حظوظ النفس ومثال ذلك أن يصوم لينتفع ~~بالحمية الحاصلة بالصوم مع قصد التقرب أو يعتق عبدا ليتخلص من مؤنته وسوء ~~خلقه أو يحج ليصح مزاجه بحركة السفر أو يتخلص من شر يعرض له في بلده أو ~~ليهرب عن عدو له في منزله أو يتبرم بأهله وولده أو بشغل هو فيه فأراد أن ~~يستريح منه أياما أو ليغزو وليمارس الحرب ويتعلم أسبابه ويقدر به على تهيئة ~~العساكر وجرها أو يصلي بالليل وله غرض في دفع النعاس عن نفسه به ليراقب ~~أهله أو رحله أو يتعلم العلم ليسهل عليه طلب ما يكفيه من المال أو ليكون ~~عزيزا بين العشيرة أو ليكون عقاره أو ماله محروسا بعز العلم عن الأطماع أو ~~اشتغل بالدرس والوعظ ليتخلص عن كرب الصمت ويتفرج بلذة الحديث # أو تكفل بخدمة العلماء الصوفية لتكون حرمته وافرة عندهم وعند الناس أو ~~لينال به رفقا في الدنيا أو كتب مصحفا ليجود بالمواظبة على الكتابة خطه أو ~~حج ماشيا ليخفف عن نفسه الكراء أو توضأ ليتنظف أو يتبرد # أو اغتسل لتطيب رائحته أو روى الحديث ليعرف بعلو الإسناد أو اعتكف في ~~المسجد ليخف كراء المسكن # أو صام ليخفف عن نفسه التردد في طبخ الطعام أو ليتفرغ لأشغاله فلا يشغله ~~الأكل عنها أو تصدق على السائل ليقطع إبرامه في السؤال عن نفسه أو يعود ~~مريضا ليعاد إذا مرض أو يشيع جنازة ليشيع جنائز أهله أو يفعل شيئا من ذلك ~~ليعرف بالخير ويذكر به وينظر إليه بعين الصلاح والوقار فمهما كان باعثه هو ~~التقرب إلى الله تعالى PageV04P379 # ولكن انضاف إليه خطرة من هذه الخطرات حتى صار العمل أخف عليه بسبب هذه ~~الأمور فقد خرج عمله عن حد الإخلاص وخرج عن أن يكون خالصا لوجه الله تعالى ~~وتطرق إليه الشرك # وقد قال تعالى أنا أغني الشركاء عن الشركة وبالجملة كل حظ من حظوظ الدنيا ~~تستريح إليه النفس ويميل إليه القلب قل أم كثر إذا تطرق إلى العمل تكدر به ~~صفوه وزال به إخلاصه # والإنسان مرتبط في حظوظه منغمس في شهواته قلما ينفك فعل من أفعاله وعبادة ~~من عباداته عن حظوظ وأغراض عاجلة من هذه الأجناس # فلذلك قيل من سلم له من عمره لحظة واحده خالصه لوجه الله نجا وذلك لعزة ~~الإخلاص وعسر تنقية القلب عن هذه الشوائب بل الخالص هو الذي لا باعث عليه ~~إلا طلب القرب من الله تعالى # وهذه الحظوظ إن كانت هي الباعثة وحدها فلا يخفي شدة الأمر على صاحبه فيها ~~وإنما نظرنا فيما إذا كان القصد الأصلي هو التقرب وانضافت إليه هذه الأمور ~~ثم هذه الشوائب إما أن تكون في رتبة الموافقة أو في رتبة المشاركة أو في ~~رتبة المعاونة كما سبق في النية وبالجملة فإما أن يكون الباعث النفسى مثل ~~الباعث الدينى أو أقوى منه أو أضعف ولكل واحد حكم آخر كما سنذكره وإنما ~~الإخلاص تخليص العمل عن هذه الشوائب كلها قليلها وكثيرها حتى يتجرد فيه قصد ~~التقرب فلا يكون في باعث سواه # وهذا لا يتصور إلا من محب لله مستهتر بالله مستغرق الهم بالآخرة بحيث لم ~~يبق لحب الدنيا في قلبه قرار حتى لا يحب الأكل والشرب أيضا بل تكون رغبته ~~فيه كرغبته في قضاء الحاجة من حيث إنه ضرورة الجبلة فلا يشتهى الطعام لأنه ~~طعام بل لأنه يقويه على عبادة الله تعالى ويتمنى أن لو كفى شر الجوع حتى لا ~~يحتاج إلى الأكل فلا يبقى في قلبه حظ من الفضول الزائدة على الضرورة ويكون ~~قدر الضرورة مطلوبا عنده لأنه ضرورة دينه فلا يكون له هم إلا الله تعالى # فمثل هذا الشخص لو أكل أو شرب أو قضى حاجته كان خالص العمل صحيح النية في ~~جميع حركاته وسكناته فلو نام مثلا حتى يريح نفسه ليتقوى على العبادة بعده ~~كان نومه عبادة وكان له درجة المخلصين فيه ومن ليس كذلك فباب الإخلاص في ~~الأعمال مسدود عليه إلا على الندور وكما أن من غلب عليه حب الله وحب الآخرة ~~فاكتسبت حركاته الاعتيادية صفة همه وصارت إخلاصا فالذى يغلب على نفسه ~~الدنيا والعلو والرياسة وبالجملة غير الله فقد اكتسبت جميع حركاته تلك ~~الصفة فلا تسلم له عباداته من صوم وصلاة وغير ذلك إلا نادرا فإذن علاج ~~الإخلاص كسر حظوظ النفس وقطع الطمع عن الدنيا والتجرد للآخرة بحيث يغلب ذلك ~~على القلب فإذا ذاك يتيسر الإخلاص # وكم من أعمال يتعب الإنسان فيها ويظن أنها خالصة لوجه الله ويكون فيها ~~مغرور لأنه لا يرى وجه الآفة فيها كما حكى عن بعضهم أنه قال قضيت صلاة ~~ثلاثين سنة كنت صليتها في المسجد في الصف الأول لأنى تأخرت يوما لعذر فصليت ~~في الصف الثانى فاعترتني خجلة من الناس حيث رأونى في الصف الثانى فعرفت أن ~~نظر الناس إلى في الصف الأول كان مسرتى وسبب استراحة قلبى من حيث لا أشعر # وهذا دقيق غامض قلما تسلم الأعمال من أمثاله وقل من يتنبه له إلا من وفقه ~~الله تعالى والغافلون يرون حسناتهم كلها في الآخرة سيئات وهم المرادون ~~بقوله تعالى وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون وبدا لهم سيئات ما كسبوا ~~وبقوله تعالى قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة ~~الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وأشد الخلق تعرضا لهذه الفتنة العلماء ~~فإن الباعث للأكثرين على نشر العلم لذة الاستيلاء والفرح بالاستتباع ~~والاستبشار بالحمد والثناء والشيطان يلبس عليهم ذلك ويقول غرضكم نشر دين ~~الله والنضال عن الشرع الذى شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم # وترى الواعظ يمن على الله تعالى بنصيحة الخلق ووعظه للسلاطين ويفرح بقبول ~~الناس قوله وإقبالهم عليه PageV04P380 وهو يدعى أنه يفرح بما يسر له من ~~نصرة الدين ولو ظهر من أقرانه من هو أحسن منه وعظا وانصرف الناس عنه ~~وأقبلوا عليه ساءه ذلك وغمه ولو كان باعثه الدين لشكر الله تعالى إذ كفاه ~~الله تعالى هذا المهم بغيره # ثم الشيطان مع ذلك لا يخليه ويقول إنما غمك لانقطاع الثواب عنك لا ~~لانصراف وجوه الناس عنك إلى غيرك إذ لو اتعظوا بقولك لكنت أنت المثاب ~~واغتمامك لفوات الثواب محمود ولا يدرى المسكين أن انقياده للحق وتسليمه ~~الأمر أفضل وأجزل ثوابا وأعوذ عليه في الآخرة من انفراده # وليت شعرى لو اغتم عمر رضى الله عنه بتصدى أبى بكر رضى الله تعالى عنه ~~للإمامة أكان غمه محمودا أو مذموما ولا يستريب ذو دين أن لو كان ذلك لكان ~~مذموما لأن انقياده للحق وتسليمه الأمر إلى من هو أصلح منه أعود عليه في ~~الدين من تكفله بمصالح الخلق مع ما فيه من الثواب الجزيل بل فرح عمر رضى ~~الله تعالى عنه باستقلال من هو أولى منه بالأمر # فما بال العلماء لا يفرحون بمثل ذلك وقد ينخدع بعض أهل العلم بغرور ~~الشيطان فيحدث نفسه بأنه لو ظهر من هو أولى منه بالأمر لفرح به وإخباره ~~بذلك عن نفسه قبل التجربة والامتحان محض الجهل والغرور فإن النفس سهلة ~~القياد في الوعد بأمثال ذلك قبل نزول الأمر ثم إذا دهاه الأمر تغير ورجع ~~ولم يف بالوعد # وذلك لا يعرفه إلا من عرف مكايد الشيطان والنفس وطال اشتغاله بامتحانها ~~فمعرفة حقيقة الإخلاص والعمل به بحر عميق يغرق فيه الجميع إلا الشاذ النادر ~~والفرد الفذوهو المستثنى في قوله تعالى إلا عبادك منهم المخلصين فليكن ~~العبد شديد التفقد والمراقبة لهذه الدقائق وإلا التحق بأتباع الشياطين وهو ~~لا يشعر # | بيان أقاويل الشيوخ في الإخلاص # قال السوسى الإخلاص فقد رؤية الإخلاص فإن من شاهد في إخلاصه الإخلاص فقد ~~احتاج إخلاصه إلى إخلاص # وما ذكره إشارة إلى تصفية العمل عن العجب بالفعل فإن الالتفات إلى ~~الإخلاص والنظر إليه عجب وهو من جملة الآفات # والخالص ما صفا عن جميع الآفات فهذا تعرض لآفة واحد وقال سهل رحمه الله ~~تعالى الإخلاص أن يكون سكون العبد وحركاته لله تعالى خاصة وهذه كلمة جامعة ~~محيطة بالغرض وفي معناه قول إبراهيم بن أدهم الإخلاص صدق النية مع الله ~~تعالى # وقيل لسهل أى شىء أشد على النفس فقال الإخلاص إذ ليس لها فيه نصيب وقال ~~رويم الإخلاص في العمل هو أن لا يريد صاحبه عليه عوضا في الدارين # وهذا إشارة إلى أن حظوظ النفس آفة آجلا وعاجلا # والعابد لأجل التنعم بالشهوات في الجنة معلول بل الحقيقة أن لا يراد ~~بالعمل إلا وجه الله تعالى وهو إشارة إلى إخلاص الصديقين وهو الإخلاص ~~المطلق # فأما من يعمل لرجاء الجنة وخوف النار فهو مخلص بالإضافة إلى الحظوظ ~~العاجلة وإلا فهو في طلب حظ البطن والفرج وإنما المطلوب الحق لذوى الألباب ~~وجه الله تعالى فقط وهو القائل لا يتحرك الإنسان إلا لحظ والبراءة من ~~الحظوظ صفة الإلهية ومن ادعى ذلك فهو كافر # وقد قضى القاضى أبو بكر الباقلانى بتكفير من يدعى البراءة من الحظوظ وقال ~~هذا من صفات الإلهية وما ذكره حق ولكن القوم إنما أرادوا به البراءة عما ~~يسميه الناس حظوظا وهو الشهوات الموصوفة في الجنة فقط فأما التلذذ بمجرد ~~المعرفة والمناجاة والنظر إلى وجه الله تعالى فهذا حظ هؤلاء وهذا لا يعده ~~الناس حظا بل يتعجبون منه # وهؤلاء لو عوضوا عما هم فيه من لذة الطاعة والمناجاة وملازمة السجود ~~للحضرة الإلهية سرا وجهرا جميع نعيم الجنة لاستحقروه ولم يلتفتوا إليه ~~فحركتهم لحظ وطاعتهم لحظ ولكن حظهم معبودهم فقط دون غيره # وقال أبو عثمان الإخلاص نسيان روية PageV04P381 الخلق بدوام النظر إلى ~~الخالق فقط # وهذا إشارة إلى آفة الرياء فقط ولذلك قال بعضهم الإخلاص في العمل أن لا ~~يطلع عليه شيطان فيفسده ولا ملك فيكتبه فإنه إشارة إلى مجرد الإخفاء # وقد قيل الإخلاص ما استتر عن الخلق وصفا عن العلائق # وهذا أجمع للمقاصد # وقال المحاسبى الإخلاص هو إخراج الخلق عن معاملة الرب # وهذا إشارة إلى مجرد نفى الرياء # وكذلك قول الخواص من شرب من كأس الرياسة فقد خرج عن إخلاص العبودية # وقال الحواريون لعيسى عليه السلام ما الخالص من الأعمال فقال الذى يعمل ~~لله تعالى لا يحب أن يحمده عليه أحد # وهذا أيضا تعرض لترك الرياء وإنما خصه بالذكر لأنه أقوى الأسباب المشوشة ~~للإخلاص # وقال الجنيد الإخلاص تصفية العمل من الكدورات # وقال الفضيل ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك ~~والإخلاص أن يعافيك الله منهما # وقيل الإخلاص دوام المراقبة ونسيان الحظوظ كلها # وهذا هو البيان الكامل والأقاويل في هذا كثيرة ولا فائدة في تكثير النقل ~~بعد انكشاف الحقيقة # وإنما البيان الشافى بيان سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم إذ ~~سئل عن الإخلاص فقال أن تقول ربى الله ثم تستقيم كما أمرت + حديث سئل عن ~~الإخلاص فقال أن تقول ربى الله ثم تستقيم كما أمرت لم أره بهذا اللفظ ~~وللترمذى وصححه وابن ماجه من حديث سفيان بن عبد الله الثقفى قلت يا رسول ~~الله حدثنى بأمر أعتصم به قال قل ربى الله ثم استقم وهو عند مسلم بلفظ قل ~~لى في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك قال قل آمنت بالله ثم استقم + أى ~~لا تعبد هواك ونفسك ولا تعبد إلا ربك وتستقيم في عبادته كما أمرت وهذا ~~إشارة إلى قطع ما سوى الله عن مجرى النظر وهو الإخلاص حقا # | بيان درجات الشوائب والآفات المكدرة للإخلاص # اعلم أن الآفات المشوشة للإخلاص بعضها جلى وبعضها خفى وبعضها ضعيف مع ~~الجلاء وبعضها قوى مع الخفاء ولا يفهم اختلاف درجاتها في الخفاء والجلاء ~~إلا بمثال # وأظهر مشوشات الإخلاص الرياء فلنذكر منه مثالا # فنقول الشيطان يدخل الآفة على المصلى مهما كان مخلصا في صلاته ثم نظر ~~إليه جماعة أو دخل عليه داخل فيقول له حسن صلاتك حتى ينظر إليك هذا الحاضر ~~بعين الوقار والصلاح ولا يزدريك ولا يغتابك فتخشع جوارحه وتسكن أطرافه ~~وتحسن صلاته وهذا هو الرياء الظاهر ولا يخفى ذلك على المبتدئين من المريدين # الدرجة الثانية يكون المريد قد فهم هذه الآفة وأخذ منها حذره فصار لا ~~يطيع الشيطان فيها ولا يلتفت إليه ويستمر في صلاته كما كان # فيأتيه في معرض الخير ويقول أنت متبوع ومقتدى بك ومنظور إليك وما تفعله ~~يؤثر عنك ويتأسى بك غيرك فيكون لك ثواب أعمالهم إن أحسنت وعليك الوزر إن ~~أسأت فأحسن عملك بين يديه فعساه يقتدى بك في الخشوع وتحسين العبادة وهذا ~~أغمض من الأول وقد ينخدع به من لا ينخدع بالأول وهو أيضا عين الرياء ومبطل ~~للإخلاص فإنه إن كان يرى الخشوع وحسن العبادة خيرا لا يرضى لغيره تركه فلم ~~لم يرتض لنفسه ذلك في الخلوة ولا يمكن أن تكون نفس غيره أعز عليه من نفسه ~~فهذا محض التلبيس بل المقتدى به هو الذى استقام في نفسه واستنار قلبه ~~فانتشر نوره إلى غيره فيكون له ثواب عليه PageV04P382 فأما هذا فمحض النفاق ~~والتلبيس فمن اقتدى به أثيب عليه وأما هو فيطالب بتلبيسه ويعاقب على إظهاره ~~من نفسه ما ليس متصفا به # الدرجة الثالثه وهى أدق مما قبلها أن يجرب العبد نفسه في ذلك ويتنبه لكيد ~~الشيطان ويعلم أن مخالفته بين الخلوة والمشاهدة للغير محض الرياء ويعلم أن ~~الإخلاص في أن تكون صلاته في الخلوة مثل صلاته في الملأ ويستحيى من نفسه ~~ومن ربه أن يتخشع لمشاهدة خلقه تخشعا زائدا على عادته فيقبل على نفسه في ~~الخلوة ويحسن صلاته على الوجه الذى يرتضيه في الملأ ويصلى في الملأ أيضا ~~كذلك # فهذا أيضا من الرياء الغامض لأنه حسن صلاته في الخلوة لتحسن في الملأ فلا ~~يكون قد فرق بينهما فالتفاته في الخلوة والملأ إلى الخلق # بل الإخلاص أن تكون مشاهدة البهائم لصلاته ومشاهدة الخلق على وتيرة واحدة ~~فكأن نفس هذا ليست تسمح بإساءة الصلاة بين أظهر الناس ثم يستحيى من نفسه أن ~~يكون في صورة المرائين ويظن أن ذلك يزول بأن تستوى صلاته في الخلا والملا ~~وهيهات بل زوال ذلك بأن لا يلتفت إلى الخلق كما لا يلتفت إلى الجمادات في ~~الخلا والملأ جميعا وهذا من شخص مشغول الهم بالخلق في الملا والخلا جميعا ~~وهذا من المكايد الخفية للشيطان # الدرجة الرابعة وهى أدق وأخفى أن ينظر إليه الناس وهو في صلاته فيعجز ~~الشيطان عن أن يقول له اخشع لأجلهم فإنه قد عرف أنه قد تفطن لذلك فيقول له ~~الشيطان تفكر في عظمة الله تعالى وجلاله ومن أنت واقف بين يديه واستحى من ~~أن ينظر الله إلى قلبك وهو غافل عنه فيحضر بذلك قلبه وتخشع جوارحه ويظن أن ~~ذلك عين الإخلاص وهو عين المكر والخداع فإن خشوعه لو كان لنظره إلى جلاله ~~لكانت هذه الخطرة تلازمه في الخلوه ولكان لا يختص حضورها بحالة حضور غيره ~~وعلامة الأمن من هذه الآفة أن يكون هذا الخاطر مما يألفه في الخلوة كما ~~يألفه في الملأ ولا يكون حضور الغير هو السبب في حضور الخاطر كما لا يكون ~~حضور البهيمة سببا فما دام يفرق في أحواله بين مشاهدة إنسان ومشاهدة بهيمة ~~فهو بعد خارج عن صفو الإخلاص مدنس الباطن بالشرك الخفى من الرياء وهذا ~~الشرك أخفى في قلب ابن آدم من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على ~~الصخرة الصماء + حديث الشرك أخفى في قلب ابن آدم من دبيب النملة السوداء في ~~الليلة الظلماء على الصخرة تقدم في العلم وفى ذم الجاه والرياء + كما ورد ~~في الخبر ولا يسلم من الشيطان إلا من دق نظره وسعد بعصمة الله تعالى ~~وتوفيقه وهدايته وإلا فالشيطان ملازم للمتشعرين لعبادة الله تعالى لا يغفل ~~عنهم لحظة حتى يحملهم على الرياء في كل حركة من الحركات حتى في كحل العين ~~وقص الشارب وطيب يوم الجمعة ولبس الثياب فإن هذه سنن في أوقات مخصوصه ~~وللنفس فيها حظ خفي لإرتباط نظر الخلق بها ولاستئناس الطبع بها فيدعوه ~~الشيطان إلى فعل ذلك ويقول هذه سنة لا ينبغي أن تتركها ويكون انبعاث القلب ~~باطنا لها لأجل تلك الشهوة الخفية أو مشوبة بها شوبا يخرج عن حد الإخلاص ~~بسببه ومالا يسلم عن هذه الآفات كلها فليس بخالص بل من يعتكف في مسجد معمور ~~نظيف حسن العماره يأنس إليه الطبع فالشيطان يرغبه فيه ويكثر عليه من فضائل ~~الاعتكاف وقد يكون المحرك الخفي في سره هو الأنس بحسن صورة المسجد واستراحة ~~الطبع إليه ويتبين ذلك في ميله إلى أحد المسجدين أو أحد الموضعين إذا كان ~~أحسن من الآخر وكل ذلك امتزاج بشوائب الطبع وكدورات النفس ومبطل حقيقة ~~الإخلاص لعمري الغش الذي يمزج بخالص الذهب له درجات متفاوته فمنها ما يغلب ~~ومنها ما يقل لكن يسهل دركه # ومنها ما يدق بحيث لا يدركه إلا الناقد البصير # وغش القلب ودغل الشيطان وخبث النفس أغمض من ذلك وأدق كثيرا PageV04P383 # ولهذا قيل ركعتان من عالم أفضل من عبادة سنة من جاهل وأريد به العالم ~~البصير بدقائق آفات الأعمال حتى يخلص عنها فإن الجاهل نظره إلى ظاهر ~~العبادة واغتراره بها كالنظر السوادى إلى حمرة الدينار المموه واستدارته ~~وهو مغشوش زائف في نفسه وقيراط من الخالص الذي يرتضيه الناقد البصير خير من ~~دينار يرتضيه الغر الغبي # فهكذا يتفاوت أمر العبادات بل أشد وأعظم ومداخل الآفات المتطرقة إلى فنون ~~الأعمال لا يمكن حصرها وإحصاؤها فلينتفع بما ذكرناه مثالا والفطن يغنيه ~~القليل عن الكثير والبليد لا يغنيه التطويل أيضا فلا فائدة في التفصيل # | بيان حكم العمل المشوب واستحقاق الثواب به # اعلم أن العمل إذا لم يكن خالصا لوجه الله تعالى بل امتزج به شوب من ~~الرياء أو حظوظ النفس فقد اختلف الناس في أن ذلك هل يقتضي ثوابا أم يقتضي ~~عقابا أم لا يقتضي شيئا أصلا فلا يكون له ولا عليه أما الذي لم يرد به إلا ~~الرياء فهو عليه قطعا وهو سبب المقت والعقاب # وأما الخالص لوجه الله تعالى فهو سبب الثواب وإنما النظر في المشوب وظاهر ~~الأخبار تدل على أنه لا ثواب له + الأخبار التى يدل ظاهرها على أن العمل ~~المشوب لا ثواب له قال وليس تخلو الأخبار عن تعارض رواه أبو داود من حديث ~~أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله رجل يبتغي الجهاد في سبيل الله وهو ~~يبتغي عرضا من عرض الدنيا فقال رسول الله لا أجر له الحديث وللنسائي من ~~حديث أبي أمامة بإسناد حسن أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله فقال لا ~~شيء له فأعادها ثلاث مرات يقول لا شيء له @QB@ ثم قال @QE@ إن الله لا يقبل ~~من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه وللترمذي وقال غريب وابن حبان من ~~حديث أبي هريرة الرجل يعمل العمل فيسره فإذا اطلع عليه أعجبه قال له أجران ~~أجر السر وأجر العلانية وقد تقدم في ذم الجاه والرياء + وليس تخلو الأخبار ~~عن تعارض فيه والذي ينقدح لما فيه والعلم عند الله أن ينظر إلى قدر قوة ~~الباعث فإن كان الباعث الديني مساويا للباعث النفسي تقاوما وتساقطا وصار ~~العمل لا له ولا عليه وإن كان باعث الرياء أغلب وأقوى فهو ليس بنافع وهو مع ~~ذلك مضر ومفض للعقاب # نعم العقاب الذي فيه أخف من عقاب العمل الذي تجرد للرياء ولم يمتزج به ~~شائبه التقرب # وإن كان قصد التقرب أغلب بالإضافة إلى الباعث الآخر فله ثواب بقدر ما فضل ~~من قوة الباعث الديني وهذا لقوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن ~~يعمل مثقال ذرة شرا يره ولقوله تعالى إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك ~~حسنة يضاعفها فلا ينبغي أن يضيع قصد الخير بل إن كان غالبا على قصد الرياء ~~حبط منه القدر الذي يساويه وبقيت زيادة وإن كان مغلوبا سقط بسببه شيء من ~~عقوبة القصد الفاسد # وكشف الغطاء عن هذا أن الأعمال تأثيرها في القلوب بتأكيد صفاتها فداعية ~~الرياء من المهلكات وإنما غذاء هذا المهلك وقوته العمل على وفقه وداعية ~~الخير من المنجيات وإنما قوتها بالعمل على وفقها # فإذا اجتمعت الصفتان في القلب فهما متضادتان فإذا عمل على وفق مقتضى ~~الرياء فقد قوى تلك الصفة وإذا كان العمل على وفق مقتضى التقرب فقد قوى ~~أيضا تلك الصفة وأحدهما مهلك والآخر منج فإن كان تقوية هذا بقدر تقوية ~~الآخر فقد تقاوما فكان كالمستضر بالحرارة إذا تناول ما يضره ثم تناول من ~~المبردات ما يقاوم قدر قوته فيكون بعد تناولهما كأنه لم يتناولهما وإن كان ~~أحدهما غالبا لم يخل الغالب عن أثر فكما لا يضيع مثقال ذرة من الطعام ~~والشراب والأدوية ولا ينفك عن أثر في الجسد بحكم سنة الله تعالى فكذلك لا ~~يضيع مثقال ذرة من الخير والشر ولا ينفك عن تأثيره في إنارة القلب أو ~~تسويده وفي تقريبه من الله أو إبعاده فإذا جاء بما يقربه شبرا مع ما يبعده ~~شبرا فقد عاد إلى ما كان PageV04P384 # فلم يكن له ولا عليه وإن كان الفعل مما يقربه شبرين والآخر يبعده شبرا ~~واحدا فضل له لا محالة شبر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أتبع السيئة ~~الحسنة تمحها + حديث أتبع السيئة الحسنة تمحها تقدم في رياضة النفس وفي ~~التوبة + فإذا كان الرياء المحض يمحوه الإخلاص المحض عقيبه فإذا اجتمعا ~~جميعا فلا بد وأن يتدافعا بالضرورة # ويشهد لهذا إجماع الأمة على أن من خرج حاجا ومعه تجارة صح حجه وأثيب عليه ~~وقد امتزج به حظ من حظوظ النفس # نعم يمكن أن يقال إنما يثاب على أعمال الحج عند انتهائه إلى مكة وتجارته ~~غير موقوفة عليه فهو خالص وإنما المشترك طول المسافة ولا ثواب فيه مهما قصد ~~التجارة # ولكن الصواب أن يقال مهما كان الحج هو المحرك الأصلي وكان غرض التجارة ~~كالمعين والتابع فلا ينفك نفس السفر عن ثواب ما # وعندي أن الغزاة لا يدركون في أنفسهم تفرقة بين غزو الكفار في جهة تكثر ~~فيها الغنائم وبين جهة لا غنيمة فيها ويبعد أن يقال إدراك هذه التفرقة يحبط ~~بالكلية ثواب جهادهم بل العدل أن يقال إذا كان الباعث الأصلي والمزعج القوي ~~هو إعلاء كلمة الله تعالى وإنما الرغبة في الغنيمة على سبيل التبعية فلا ~~يحبط به الثواب # نعم لا يساوي ثوابه ثواب من لا يلتفت قلبه إلى الغنيمة أصلا فإن هذا ~~الالتفات نقصان لا محالة # فإن قلت فالآيات والأخبار تدل على أن شوب الرياء محبط للثواب وفي معناه ~~شوب طلب الغنيمة والتجارة وسائر الحظوظ فقد روى طاوس وغيره من التابعين أن ~~رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عمن يصطنع المعروف أو قال يتصدق فيحب أن ~~يحمد ويؤجر فلم يدر ما يقول له حتى نزلت @QB@ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل ~~عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا @QE@ + حديث طاوس وعدة من التابعين أن ~~رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عمن يصطنع المعروف أو قال يتصدق فيحب أن ~~يحمد ويؤجر فنزلت @QB@ فمن كان يرجو لقاء ربه @QE@ أخرجه ابن أبي الدنيا في ~~كتاب السنة والحاكم نحوه من رواية طاوس مرسلا وقد تقدم في ذم الجاه والرياء ~~+ وقد قصد الأجر والحمد جميعا وروى معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ~~قال أدنى الرياء شرك + حديث معاذ أدنى الرياء شرك أخرجه الطبراني والحاكم ~~وتقدم + وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم يقال لمن أشرك في ~~عمله خذ أجرك ممن عملت له + حديث أبي هريرة يقال لمن أشرك في عمله خذ أجرك ~~ممن عملت له تقدم فيه من حديث محمود بن لبيد بنحوه وتقدم فيه حديث أبي ~~هريرة من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشريكه وفي رواية مالك في ~~الموطأ فهو له كله + وروى عن عبادة أن الله عز وجل يقول أنا أغنى الأغنياء ~~عن الشركة من عمل لي عملا فأشرك معي غيري ودعت نصيبي لشريكي وروى أبو موسى ~~أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله الرجل ~~يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل ليرى مكانه فأيهم في سبيل الله ~~فقال صلى الله عليه وسلم من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل ~~الله + حديث أبي موسى من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ~~تقدم فيه + وقال عمر رضي الله عنه تقولون فلان شهيد ولعله أن يكون قد ملأ ~~دفتي راحلته ورقا وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم من هاجر يبتغي شيئا من الدنيا فهو له + حديث ابن مسعود من ~~هاجر يبتغى شيئا من الدنيا فهو له تقدم في الباب الذي قبله + فنقول هذه ~~الأحاديث لا تناقض ما ذكرناه بل المراد بها من لم يرد بذلك إلا الدنيا ~~كقوله من هاجر يبتغي شيئا من الدنيا وكان ذلك هو الأغلب على همه وقد ذكرنا ~~أن ذلك عصيان وعدوان لا لأن طلب الدنيا حرام ولكن طلبها بأعمال الدين حرام ~~لما فيه من الرياء وتغيير العبادة عن موضعها وأما لفظ الشركة حيث ورد فمطلق ~~للتساوي وقد بينا أنه إذا تساوى القصدان تقاوما ولم يكن له PageV04P385 # ولا عليه فلا ينبغي أن يرجي عليه ثواب ثم إن الإنسان عند الشركة أبدا في ~~خطر فإنه لا يدري أي الأمرين أغلب على قصده فربما يكون عليه وبالا ولذلك ~~قال تعالى @QB@ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ~~ربه أحدا @QE@ أي لا يرجي اللقاء مع الشركة التى أحسن أحوالها التساقط ~~ويجوز أن يقال أيضا منصب الشهادة لا ينال إلا بالإخلاص في الغزو # وبعيد أن يقال من كانت له داعيته الدينية بحيث تزعجه إلى مجرد الغزو وإن ~~لم يكن غنيمة وقدر على غزو طائفتين من الكفار إحداهما غنية والأخرى فقيرة ~~فمال إلى جهة الأغنياء لإعلاء كلمة الله وللغنيمة لاثواب له على غزوه البتة ~~ونعوذ بالله أن يكون الأمر كذلك فإن هذا حرج في الدين ومدخل لليأس على ~~المسلمين لأن أمثال هذه الشوائب التابعة قط لا ينفك الإنسان عنها إلا على ~~الندور فيكون تأثير هذا في نقصان الثواب فأما أن يكون في إحباطه فلا نعم ~~الإنسان فيه على خطر عظيم لأنه ربما يظن أن الباعث الأقوى هو قصد التقرب ~~إلى الله ويكون الأغلب على سره الحظ النفسي وذلك مما يخفى غاية الخفاء # فلا يحصل الأجر إلا بالإخلاص والإخلاص قلما يستيقنه العبد من نفسه وإن ~~بالغ في الاحتياط فلذلك ينبغى أن يكون أبدا بعد كمال الاجتهاد مترددا بين ~~الرد والقبول خائفا أن تكون في عبادته آفة يكون وبالها أكثر من ثوابها # وهكذا كان الخائفون من ذوى البصائر وهكذا ينبغى أن يكون كل ذي بصيرة ~~ولذلك قال سفيان رحمه الله لا أعتد بما ظهر من عملى # وقال عبد العزيز بن أبي رواد جاورت هذا البيت ستين سنة وحججت ستين حجة ~~فما دخلت في شىء من أعمال الله تعالى إلا وحاسبت نفسي فوجدت نصيب الشيطان ~~أوفى من نصيب الله ليته لا لي ولا علي # ومع هذا فلا ينبغي أن يترك العمل عند خوف الآفة والرياء فإن ذلك منتهى ~~بغية الشيطان منه إذ المقصود أن لا يفوت الإخلاص # ومهما ترك العمل فقد ضيع العمل والإخلاص جميعا # وقد حكى أن بعض الفقراء كان يخدم أبا سعيد الخراز وكيف في أعماله فتكلم ~~أبو سعيد في الإخلاص يوما يريد إخلاص الحركات فأخذ الفقير يتفقد قلبه عند ~~كل حركة ويطالبه بالإخلاص فتعذر عليه قضاء الحوائج واستضر الشيخ بذلك فسأله ~~عن أمره فأخبره بمطالبته نفسه بحقيقة الإخلاص وأنه يعجز عنها في أكثر ~~أعماله فيتركها فقال أبو سعيد لا تفعل إذ الإخلاص لا يقطع المعاملة فواظب ~~على العمل واجتهد في تحصيل الإخلاص فما قلت لك اترك العمل وإنما قلت لك ~~أخلص العمل وقد قال الفضيل ترك العمل بسبب الخلق رياء وفعله لأجل الخلق شرك # | الباب الثالث في الصدق وفضيلته وحقيقته # فضيلة الصدق # قال الله تعالى @QB@ رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه @QE@ وقال النبي صلى ~~الله عليه وسلم إن الصدق يهدى إلى البر والبر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ~~ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى ~~النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا + حديث ان الصدق يهدي إلى ~~البر الحديث متفق عليه من حديث ابن مسعود وقد تقدم + ويكفي في فضيلة الصدق ~~أن الصديق مشتق منه والله تعالى وصف الأنبياء به في معرض المدح والثناء ~~فقال @QB@ واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا @QE@ وقال ~~PageV04P386 # واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وقال تعالى ~~@QB@ واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا @QE@ وقال ابن عباس أربع من ~~كن فيه فقد ربح الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر # وقال بشر ابن الحارث من عامل الله بالصدق استوحش من الناس # وقال أبو عبد الله الرملي رأيت منصور الدينوري في المنام فقلت له ما فعل ~~الله بك قال غفر لي ورحمني وأعطاني ما لم أؤمل فقلت له أحسن ما توجه العبد ~~به إلى الله ماذا قال الصدق وأقبح ما توجه به الكذب # وقال أبو سليمان اجعل الصدق مطيتك والحق سيفك والله تعالى غاية طلبتك ~~وقال رجل لحكيم ما رأيت صادقا فقال له لو كنت صادقا لعرفت الصادقين # وعن محمد بن علي الكناني قال وجدنا دين الله تعالى مبنيا على ثلاثة أركان ~~على الحق والصدق والعدل فالحق على الجوارح والعدل على القلوب والصدق على ~~العقول # وقال الثوري في قوله تعالى @QB@ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله ~~وجوههم مسودة @QE@ قال هم الذين ادعوا محبة الله تعالى ولم يكونوا بها ~~صادقين # وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام يا داود من صدقني في سريرته صدقته ~~عند المخلوقين في علانيته # وصاح رجل في مجلس الشبلي ورمى نفسه في دجلة فقال الشبلي إن كان صادقا ~~فالله تعالى ينجيه كما نجى موسى عليه السلام وإن كان كاذبا فالله تعالى ~~يغرقه كما أغرق فرعون # وقال بعضهم أجمع الفقهاء والعلماء على ثلاث خصال أنها إذا صحت ففيها ~~النجاة ولا يتم بعضها إلا ببعض الإسلام الخالص عن البدعة والهوى والصدق لله ~~تعالى في الأعمال وطيب المطعم # وقال وهب بن منبه وجدت على حاشية التوراة اثنين وعشرين حرفا كان صلحاء ~~بني إسرائيل يجتمعون فيقرءونها ويتدارسونها لا كنز أنفع من العلم ولا مال ~~أربح من الحلم ولا حسب أوضع من الغضب ولا قرين أزين من العمل ولا رفيق أشين ~~من الجهل ولا شرف أعز من التقوى ولا كرم أوفى من ترك الهوى ولا عمل أفضل من ~~الفكر ولا حسنة أعلى من الصبر ولا سيئة أخزى من الكبر ولا دواء ألين من ~~الرفق ولا داء أوجع من الخرق ولا رسول أعدل من الحق ولا دليل أنصح من الصدق ~~ولا فقر أذل من الطمع ولا غنى أشقى من الجمع ولا حياة أطيب من الصحة ولا ~~معيشة أهنأ من العفة ولا عبادة أحسن من الخشوع ولا زهد خير من القنوع ولا ~~حارس أحفظ من الصمت ولا غائب أقرب من الموت # وقال محمد بن سعيد المروزي إذا طلبت الله بالصدق آتاك الله تعالى مرآة ~~بيدك حتى تبصر كل شىء من عجائب الدنيا والآخرة # وقال أبو بكر الوراق احفظ الصدق فيما بينك وبين الله تعالى والرفق فيما ~~بينك وبين الخلق وقيل لذي النون هل للعبد إلى صلاح أموره سبيل فقال # قد بقينا من الذنوب حيارى % نطلب الصدق ما إليه سبيل # فدعاوى الهوى تخف علينا % وخلاف الهوى علينا ثقيل # وقيل لسهل ما أصل هذا الأمر الذي نحن عليه فقال الصدق والسخاء والشجاعة # فقيل زدنا فقال التقى والحياء وطيب الغذاء # وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكمال ~~فقال قول الحق والعمل بالصدق + حديث ابن عباس سئل عن الكمال فقال قول الحق ~~والعمل بالصدق لم أجده بهذا اللفظ + وعن الجنيد في قوله تعالى @QB@ ليسأل ~~الصادقين عن صدقهم @QE@ قال يسأل الصادقين عند أنفسهم عن صدقهم عند ربهم ~~وهذا أمر على خطر يان حقيقة الصدق ومعناه ومراتبه # اعلم أن لفظ الصدق يستعمل في ستة معان صدق في القول وصدق في النية ~~والإرادة وصدق في العزم PageV04P387 # وصدق في الوفاء بالعزم وصدق في العمل وصدق في تحقيق مقامات الدين كلها ~~فمن اتصف بالصدق في جميع ذلك فهو صديق لأنه مبالغة في الصدق # ثم هم أيضا على درجات فمن كان له حظ في الصدق في شىء من الجملة فهو صادق ~~بالإضافة إلى ما فيه صدقه الصدق الأول صدق اللسان وذلك لا يكون إلا في ~~الإخبار أو فيما يتضمن الإخبار وينبه عليه والخبر إما أن يتعلق بالماضي أو ~~بالمستقبل وفيه يدخل الوفاء بالوعد والخلف فيه # وحق على كل عبد أن يحفظ ألفاظه فلا يتكلم إلا بالصدق وهذا هو أشهر أنواع ~~الصدق وأظهرها # فمن حفظ لسانه عن الإخبار عن الأشياء على خلاف ما هي عليه فهو صادق ولكن ~~لهذا الصدق كمالان # @QB@ أحدهما @QE@ الاحتراز عن المعاريض فقد قيل في المعاريض مندوحة عن ~~الكذب وذلك لأنها تقوم مقام الكذب إذ المحذور من الكذب تفهيم الشىء على ~~خلاف ما هو عليه في نفسه إلا أن ذلك مما تمس إليه الحاجة وتقتضيه المصلحة ~~في بعض الأحوال وفي تأديب الصبيان والنسوان ومن يجري مجراهم وفي الحذر عن ~~الظلمة وفي قتال الأعداء والاحتراز عن اطلاعهم على أسرار الملك فمن اضطر ~~إلى شىء من ذلك فصدقه فيه أن يكون نطقه فيه لله فيما يأمره الحق به ويقتضيه ~~الدين فإذا نطق به فهو صادق وإن كان كلامه مفهما غير ما هو عليه لأن الصدق ~~ما أريد لذاته بل للدلالة على الحق والدعاء إليه فلا ينظر إلى صورته بل إلى ~~معناه نعم في مثل هذا الموضع ينبغي أن يعدل إلى المعاريض ما وحد إليه سبيلا ~~كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توجه إلى سفر ورى بغيره + حديث كان ~~إذا أراد سفرا ورى بغيره متفق عليه من حديث كعب بن مالك + وذلك كي لا ينتهي ~~الخبر إلى الأعداء فيقصد وليس هذا من الكذب في شىء قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيرا أو أنمى خيرا + حديث ليس ~~بكاذب من أصلح بين الناس الحديث متفق عليه من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن ~~أبي معيط وقد تقدم + ورخص في النطق على وفق المصلحة في ثلاثة مواضع من أصلح ~~بين اثنين ومن كان له زوجتان ومن كان في مصالح الحرب # والصدق ههنا يتحول إلى النية فلا يراعى فيه إلا صدق النية وإرادة الخير ~~فمهما وصح قصده وصدقت نيته وتجردت للخير إرادته صار صادقا وصديقا كيفما كان ~~لفظه ثم التعريض فيه أولى وطريقه ما حكى عن بعضهم أنه كان يطلبه بعض الظلمة ~~وهو في داره فقال لزوجته خطي بأصبعك دائرة وضعي الأصبع على الدائرة وقولي ~~ليس هو ههنا واحترز بذلك عن الكذب ودفع الظالم عن نفسه فكان قوله صدق وأفهم ~~الظالم أنه ليس في الدار # فالكمال الأول في اللفظ أن يحترز عن صريح اللفظ وعن المعاريض أيضا إلا ~~عند الضرورة والكمال الثاني أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التى يناجي بها ~~ربه كقوله وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض فإن قلبه إن كان منصرفا عن ~~الله تعالى مشغولا بأماني الدنيا وشهواته فهو كذب # وكقوله إياك نعبد وقوله أنا عبد الله فإنه إذا لم يتصف بحقيقة العبودية ~~وكان له مطلب سوى الله لم يكن كلامه صدقا ولو طولب يوم القيامة بالصدق في ~~قوله أنا عبد الله لعجز تحقيقه فإنه إن كان عبدا لنفسه أو عبدا لدنيا أو ~~عبدا لشهواته لم يكن صادقا في قوله # وكل ما تقيد العبد به فهو عبد له كما قال عيسى عليه السلام يا عبيد ~~الدنيا وقال نبينا صلى الله عليه وسلم تعس عبد الدنيا وتعس عبد الدرهم وعبد ~~الحلة وعبد الخميصة + حديث تعس عبد الدينار الحديث أخرجه البخاري من حديث ~~أبي هريرة وقد تقدم + فسمى كل من تقيد قلبه بشىء عبدا له # وإنما العبد الحق لله عز وجل من أعتق أولا من غير الله تعالى فصار حرا ~~مطلقا فإذا تقدمت هذه الحرية صار القلب فارغا فحلت فيه العبودية لله فتشغله ~~بالله وبمحبته وتقيد باطنه وظاهره بطاعته فلا يكون له مراد PageV04P388 إلا ~~الله تعالى ثم تجاوز هذا إلى مقام آخر أسنى منه يسمى الحرية وهو أن يعتق ~~أيضا عن إرادته لله من حيث هو بل يقنع بما يريد الله له من تقريب أو إبعاد ~~فتفنى إرادته في إرادة الله تعالى # وهذا عبد عتق عن غير الله فصار حرا ثم عاد وعتق عن نفسه فصار حرا # وصار مفقودا لنفسه موجودا لسيده ومولاه إن حركة تحرك وإن سكنه سكن وإن ~~ابتلاه رضي لم يبق فيه متسع لطلب والتماس واعتراض بل هو بين يدي الله ~~كالميت بين يدي الغاسل وهذا منتهى الصدق في العبودية لله تعالى # فالعبد الحق هو الذي وجوده لمولاه لا لنفسه وهذه درجة الصديقين # وأما الحرية عن غير الله فدرجات الصادقين وبعدها تتحقق العبودية لله ~~تعالى وما قبل هذا فلا يستحق صاحبه أن يسمى صادقا ولا صديقا فهذا هو معنى ~~الصدق في القول # الصدق الثانى في النية والإرادة ويرجع ذلك إلى الإخلاص وهو أن لا يكون له ~~باعث في الحركات والسكنات إلا الله تعالى فإن مازجه شوب من حظوظ النفس بطل ~~صدق النية وصاحبه يجوز أن يسمى كاذبا كما روينا في فضيلة الإخلاص من حديث ~~الثلاثة حين يسئل العالم ما عملت فيما علمت فقال فعلت كذا وكذا فقال الله ~~تعالى كذبت بل أردت أن يقال فلان عالم + حديث الثلاثة حين سأل العالم ماذا ~~عملت فيما علمت الحديث تقدم + فإنه لم يكذبه ولم يقل له لم تعمل ولكنه كذبه ~~في إرادته ونيته # وقد قال بعضهم الصدق صحة التوحيد في القصد # وكذلك قول الله تعالى والله يشهد إن المنافقين لكاذبون وقد قالوا إنك ~~لرسول الله وهذا صدق ولكن كذبهم لا من حيث نطق اللسان بل من حيث ضمير القلب ~~وكان التكذيب يتطرق إلى الخبر # وهذا القول يتضمن إخبارا بقرينة الحال إذ صاحبه يظهر من نفسه أن يعتقد ما ~~يقول فكذب في دلالته بقرينة الحال على ما في قلبه فإنه كذب في ذلك ولم يكذب ~~فيما يلفظ به فيرجع أحد معانى الصدق إلى خلوص النية وهو الإخلاص فكل صادق ~~فلا بد وأن يكون مخلصا # الصدق الثالث صدق العزم فإن الإنسان قد يقدم العزم على العمل فيقول في ~~نفسه # إن رزقنى الله مالا تصدقت بجميعه أو بشطره أو إن لقيت عدوا في سبيل الله ~~تعالى قاتلت ولم أبال وإن قتلت وإن أعطانى الله تعالى ولاية عدلت فيها ولم ~~أعص الله تعالى بظلم وميل إلى خلق # فهذه العزيمة قد يصادفها من نفسه وهى عزيمة جازمة صادقة وقد يكون في عزمه ~~نوع ميل وتردد وضعف يضاد الصدق في العزيمة فكان الصدق ههنا عبارة عن التمام ~~والقوة كما يقال لفلان شهوة صادقة # ويقال هذا المريض شهوته كاذبة مهما لم تكن شهوته عن سبب ثابت قوى أو كانت ~~ضعيفة فقد يطلق الصدق ويراد به هذا المعنى # والصادق والصديق هو الذى تصادف عزيمته في الخيرات كلها قوة تامة ليس فيها ~~ميل ولا ضعف ولا تردد بل تسخو نفسه أبدا بالعزم المصمم الجازم على الخيرات ~~وهو كما قال عمر رضى الله عنه لأن أقدم فتضرب عنقى أحب إلى من أن أتأمر على ~~قوم فيهم أبو بكر رضى الله عنه فإنه قد وجد من نفسه العزم الجازم والمحبة ~~الصادقة بأنه لا يتأمر مع وجود أبى بكر رضى الله عنه وأكد ذلك بما ذكره من ~~القتل # ومراتب الصديقين في العزائم تختلف فقد يصادف العزم ولا ينتهى به إلى أن ~~يرضى بالقتل فيه ولكن إذا خلى ورأيه لم يقدم ولو ذكر له حديث القتل لم ينقض ~~عزمه بل في الصادقين والمؤمنين من لو خير بين أن يقتل هو أو أبو بكر كانت ~~حياته أحب من حياة أبى بكر الصديق # الصدق الرابع في الوفاء بالعزم فإن النفس قد تسخو بالعزم في الحال إذ لا ~~مشقة في الوعد والعزم PageV04P389 والمؤنة فيه خفيفة فإذا حقت الحقائق وحصل ~~التمكن وهاجت الشهوات انحلت العزيمة وغلبت الشهوات ولم يتفق الوفاء بالعزم ~~وهذا يضاد الصدق فيه ولذلك قال الله تعالى رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ~~فقد روى عن أنس أن عمه أنس بن النضر لم يشهد بدرا مع رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فشق ذلك على قلبه وقال أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم غبت عنه أما والله لئن أرانى الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم ليرين الله ما أصنع قال فشهد أحدا في العام القابل فاستقبله سعد بن ~~معاذ فقال يا أبا عمرو إلى أين فقال واها لريح الجنة إنى أجد ريحها دون أحد # فقاتل حتى قتل فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين رمية وضربة وطعنة فقالت ~~أخته بنت النضر ما عرفت أخى إلا بثيابه فنزلت هذه الآية رجال صدقوا ما ~~عاهدوا الله عليه + حديث أنس أن عمه أنس بن النضر لم يشهد بدرا مع رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم الحديث في قتاله بأحد حتى قتل فوجد في جسده بضع ~~وثمانون من بين رمية وضربة وطعنة ونزول رجال صدقوا الآية أخرجه الترمذى ~~وقال حسن صحيح والنسائى في الكبرى وهو عند البخارى مختصرا ان هذه الآية ~~نزلت في أنس بن النضر + ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب بن ~~عمير وقد سقط على وجهه يوم أحد شهيدا وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم ~~من قضى نحبه ومنهم من ينتظر + حديث وقف على مصعببن عمير وقد سقط على وجهه ~~يوم أحد وقرأ هذه الآية أخرجه أبو نعيم في الحلية من رواية عبيد بن عمير ~~مرسلا + وقال فضالة بن عبيد سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول سمعت ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الشهداء أربعة رجل مؤمن جيد الإيمان لقى ~~العدو فصدق الله حتى قتل فذلك الذى يرفع الناس إليه أعينهم يوم القيامة ~~هكذا ورفع رأسه حتى وقعت قلنسوته قال الراوى فلا أدرى قلنسوة عمر أو قلنسوة ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل جيد الإيمان إذا لقى العدو فكأنما يضرب ~~وجهه بشوك الطلح أتاه سهم عاثر فقتله فهو في الدرجة الثانية ورجل مؤمن خلط ~~عملا صالحا وآخر سيئا لقى العدو فصدق الله حتى قتل فذاك في الدرجة الثالثة ~~ورجل أسرف على نفسه لقى العدو فصدق الله حتى قتل فذلك في الدرجة الرابعة + ~~حديث فضالة بن عبيد عن عمر بن الخطاب الشهداء أربعة رجل مؤمن جيد الإيمان ~~الحديث أخرجه الترمذى وقال حسن + وقال مجاهد رجلان خرجا على ملأ من الناس ~~قعود فقالا إن رزقنا الله تعالى مالا لنتصدقن فبخلوا به فنزلت ومنهم من ~~عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين وقال بعضهم إنما ~~هو شىء نووه في أنفسهم لم يتكلموا به فقال ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من ~~فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم ~~معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه ~~وبما كانوا يكذبون فجعل العزم عهدا وجعل الخلف فيه كذبا والوفاء به صدقا # وهذا الصدق أشد من الصدق الثالث فإن الناس قد تسخو بالعزم ثم تكيع عند ~~الوفاء لشدته عليها ولهيجان الشهوة عند التمكن وحصول الأسباب # ولذلك استثنى عمر رضى الله عنه فقال لأن أقدم فتضرب عنقى أحب إلى من أن ~~أتأمر على قوم فيهم أبو بكر اللهم إلا أن تسول لى نفسى عند القتل شيئا لا ~~أجده الآن لأنى لا آمن أن يثقل عليها ذلك فتتغير عن عزمها # وأشار بذلك إلى شدة الوفاء بالعزم # وقال أبو سعيد الخراز رأيت في المنام كأن ملكين نزلا من السماء فقالا لى ~~ما الصدق قلت الوفاء بالعهد فقالا لى صدقت وعرجا إلى السماء # الصدق الخامس في الأعمال وهو أن يجتهد حتى لا تدل أعماله الظاهرة على أمر ~~في باطنه لا يتصف هو به لا بأن يترك الأعمال ولكن بأن يستجر الباطن إلى ~~تصديق الظاهر وهذا مخالف ما ذكرناه من ترك الرياء لأن PageV04P390 المرائى ~~هو الذي يقصد ذلك ورب واقف على هيئة الخشوع في صلاته ليس يقصد به مشاهدة ~~غيره ولكن قلبه غافل عن الصلاة فمن ينظر إليه يراه قائمابين يدى الله تعالى ~~وهو بالباطن قائم في السوق بين يدي شهوة من شهواته فهذه أعمال تعرب بلسان ~~الحال عن الباطن إعراباهو فيه كاذب وهو مطالب بالصدق في الأعمال وكذلك قد ~~يمشى الرجل على هيئة السكون والوقار وليس باطنه موصوفا بذلك الوقار فهذا ~~غير صادق في عمله وإن لم يكن ملتفتا إلى الخلق ولا مرائيا إياهم ولا ينجو ~~من هذا إلا باستواء السريرة والعلانية بأن يكون باطنه مثل ظاهرة أو خيرا من ~~ظاهره # ومن خيفة ذلك اختار بعضهم تشويش الظاهر ولبس ثياب الأشرار كيلا يظن به ~~الخير بسبب ظاهره فيكون كاذبا في دلالة الظاهر على الباطن # إذن مخالفة الظاهر للباطن إن كانت عن قصد سميت رياء ويفوت بها الإخلاص ~~وإن كانت عن غير قصد فيفوت بها الصدق # ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أجعل سريرتي خيرا من ~~علانيتي وأجعل علانيتي صالحة + حديث اللهم أجعل سريرتي خيرامن علانيتي ~~الحديث تقدم ولم أجده + وقال يزيد بن الحارث إذا استوت سريره العبد ~~وعلانيته فذلك النصف وإن كانت سريرته أفضل من علانيته فذلك الفضل وإن كانت ~~علانيته أفضل من سريرته فذلك الجور وأنشدوا # إذا السر والإعلان في المؤمن استوى % فقد عز في الدارين واستوجب الثنا # فإن خالف الإعلان سرا فما له % على سعيه فضل سوى الكد والعنا # فما خالص الدينار في السوق نافق % ومغشوشه المردود لا يقتضى المنا # وقال عطية بن عبد الغافر إذا وافقت سريره المؤمن علانيته باهى الله به ~~الملائكة يقول هذا عبدي حقا # وقال معاوية بن قرة من يدلني على بكاء بالليل بسام بالنهار # وقال عبد الواحد بن زيد كان الحسن إذا أمر بشيء كان من أعمل الناس به ~~وإذا نهى عن شيء كان من أترك الناس له # ولم أر أحدا قط أشبه سريره بعلانية منه # وكان أبو عبد الرحمن الزاهد يقول إلهى عاملت الناس فيما بيني وبينهم ~~بالأمانة وعاملتك فيما بيني وبينك بالخيانة ويبكى # وقال أبو يعقوب النهر جوري الصدق موافقة الحق في السر والعلانية # فإذن مساواة السريرة للعلانية أحد أنواع الصدق # الصدق السادس وهو أعلى الدرجات وأعزها الصدق في مقامات الدين كالصدق في ~~الخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا والتوكل والحب وسائر هذه الأمور # فإن هذه الأمور لها مباد ينطلق الاسم بظهورها ثم لها غايات وحقائق ~~والصادق المحقق من نال حقيقتها وإذا غلب الشيء وتمت حقيقته سمى صاحبه صادقا ~~فيه كما يقال فلان صدق القتال # ويقال هذا هو الخوف الصادق وهذه هي الشهوة الصادقة # وقال الله تعالى إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ~~إلى قوله أولئك هم الصادقون وقال تعالى ولكن البر من آمن بالله واليوم ~~الآخر إلى قوله أولئك الذين صدقوا وسئل أبو ذر عن الإيمان فقرأ هذه الآية ~~فقيل له سألناك عن الإيمان فقال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ~~الإيمان فقرأ هذه الآية + حديث أبى ذر سألته عن الإيمان فقرأ قوله تعالى ~~@QB@ ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر @QE@ إلى قوله @QB@ أولئك الذين ~~صدقوا @QE@ رواه محمد بن نصر المروزى في تعظيم قدر الصلاة بأسانيد منقطعة ~~لم أجد له اسنادا # ولنضرب للخوف مثلا فما من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر إلا وهو خائف من ~~الله خوفا ينطلق عليه الاسم PageV04P391 ولكنه خوف غير صادق أى غير بالغ ~~درجة الحقيقة أما تراه إذا خاف سلطانا أو قاطع طريق فى سفره كيف يصفر لونه ~~وترتعد فرائصه ويتنغص عليه عيشه ويتعذر عليه أكله ونومه وينقسم عليه فكره ~~حتى لا ينتفع به أهله وولده وقد ينزعج عن الوطن فيستبدل بالأنس الوحشة ~~وبالراحة التعب والمشقة والتعرض للأخطار كل ذلك خوفا من درك المحذور # ثم إنه يخاف النار ولا يظهر عليه شىء من ذلك عند جريان معصية عليه ولذلك ~~قال صلى الله عليه وسلم لم أر مثل النار نام هاربها ولا مثل الجنة نام ~~طالبها + حديث لم أر مثل النار نام هاربها الحديث + تقدم فالتحقيق في هذه ~~الأمور عزيز جدا ولا غاية لهذه المقامات حتى ينال تمامها ولكن لكل عبد منه ~~حظ بحسب حاله إما ضعيف وإما قوى فإذا قوى سمى صادقا فيه # فمعرفة الله تعالى وتعظيمه والخوف منه لا نهاية لها ولذلك قال النبي صلى ~~الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام أحب أن أراك في صورتك التي هى صورتك ~~فقال لا تطيق ذلك قال بلى بل أرني فواعده البقيع في ليلة مقمرة فأتاه فنظر ~~النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو به قد سد الأفق يعنى جوانب السماء فوقع ~~النبى صلى الله عليه وسلم مغشيا عليه فأفاق وقد عاد جبريل لصورته الأولى ~~فقال النبى صلى الله عليه وسلم ما ظننت أن أحدا من خلق الله هكذا قال وكيف ~~لو رأيت إسرافيل إن العرش لعلى كاهله وإن رجليه قد مرقتا تحت تخوم الأرض ~~السفلى وانه ليتصاغر من عظمة الله حتى يصير كالوصع + حديث قال لجبريل أحب ~~أن أراك في صورتك التي هي صورتك فقال لا تطيق ذلك الحديث تقدم في كتاب ~~الرجاء والخوف أخصر من هذا والذى ثبت في الصحيح أنه رأى جبريل في صورته ~~مرتين + يعنى كالعصفور الصغير فانظر ما الذى يغشاه من العظمة والهيبة حتى ~~يرجع إلى ذلك الحد وسائر الملائكة ليسوا كذلك لتفاوتهم في المعرفة فهذا هو ~~الصدق في التعظيم # وقال جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مررت ليلة أسرى بى وجبريل ~~بالملأ الأعلى كالحلس البالى من خشية الله تعالى + حديث مررت ليلة أسرى بي ~~وجبريل بالملأ الأعلى كالحلس البالي من خشية الله الحديث أخرجه محمد بن نصر ~~في كتاب تعظيم قدر الصلاة والبيهقى في دلائل النبوة من حديث أنس وفيه ~~الحارث بن عبيد الإيادى ضعفه الجمهور وقال البيهقى ورواه حماد بن سلمة عن ~~أبي عمران الجوني عن محمد بن عمير بن عطارد وهذا مرسل + يعنى الكساء الذى ~~يلقى على ظهر البعير وكذلك الصحابة كانوا خائفين وما كانوا بلغوا خوف رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم ولذلك قال ابن عمر رضى الله عنهما لن تبلغ حقيقة ~~الإيمان حتى تنظر الناس كلهم حمقى في دين الله # وقال مطرف ما من الناس أحد إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه إلا أن بعض ~~الحمق أهون من بعض وقال النبى صلى الله عليه وسلم لا يبلغ عبد حقيقة ~~الإيمان حتى ينظر إلى الناس كالأباعر في جنب الله ثم يرجع إلى نفسه فيجدها ~~أحقر حقير + حديث لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى ينظر إلى الناس كالأباعر ~~في جنب الله ثم يرجع إلى نفسه فيجدها أحقر حقير لم أجد له أصلا في حديث ~~مرفوع + فالصادق إذن في جميع هذه المقامات عزيز # ثم درجات الصدق لا نهاية لها وقد يكون للعبد صدق في بعض الأمور دون بعض ~~فان كان صادقا في الجميع فهو الصديق حقا # قال سعد بن معاذ ثلاثة أنا فيهن قوى وفيما سواهن ضعيف ما صليت صلاة منذ ~~أسلمت فحدثت نفسى حتى أفرغ منها ولا شيعت جنازة فحدثت نفسى بغير ما هى ~~قائلة وما هو مقول لها حتى يفرغ من دفنها وما سمعت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يقول قولا إلا علمت أنه حق فقال ابن المسيب ما ظننت أن هذه الخصال ~~تجتمع إلا في النبى # صلى الله عليه وسلم فهذا صدق في هذه الأمور وكم قوم من جلة الصحابة قد ~~أدوا الصلاة واتبعوا الجنائز ولم يبلغوا هذا المبلغ فهذه هي درجات الصدق ~~ومعانيه # والكلمات المأثورة عن المشايخ في حقيقة الصدق في الأغلب لا تتعرض إلا ~~لآحاد هذه المعاني نعم قد قال أبو بكر الوراق الصدق ثلاثة صدق التوحيد وصدق ~~الطاعة وصدق المعرفة # فصدق التوحيد لعامة المؤمنين قال الله تعالى @QB@ والذين آمنوا بالله ~~ورسله أولئك هم الصديقون @QE@ وصدق الطاعة لأهل العلم PageV04P392 والورع ~~وصدق المعرفة لأهل الولاية الذين هم أوتاد الأرض وكل هذا يدور على ما ~~ذكرناه في الصدق السادس ولكنه ذكر أقسام ما فيه الصدق وهو أيضا غير محيط ~~بجميع الأقسام وقال جعفر الصادق الصدق هو المجاهدة وان لا تختار على الله ~~غيره كما لم يختر عليك غيرك فقال تعالى @QB@ هو اجتباكم @QE@ وقيل أوحى ~~الله تعالى إلى موسى عليه السلام إني إذا أحببت عبدا ابتليته ببلايا لا ~~تقوم لها الجبال لأنظر كيف صدقه فإن وجدته صابرا اتخذته وليا وحبيبا وإن ~~وجدته جزوعا يشكونى إلى خلقى خذلته ولا أبالى # فإذن من علامات الصدق كتمان المصائب والطاعات جميعا وكراهة اطلاع الخلق ~~عليها # تم كتاب الصدق والإخلاص يتلوه كتاب المراقبة والمحاسبة والحمد لله # | كتاب المراقبة والمحاسبة وهو الكتاب الثامن من ربع المنجيات من كتاب # إحياء علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله القائم على كل نفس بما كسبت الرقيب على كل جارحة بما اجترحت ~~المطلع على ضمائر القلوب إذا هجست الحسيب على خواطر عباده إذا اختلجت الذى ~~لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات والأرض تحركت أو سكنت المحاسب على ~~النقير والقطمير والقليل والكثير من الأعمال وإن خفيت المتفضل بقبول طاعات ~~العباد وان صغرت المتطول بالعفو عن من معاصيهم وإن كثرت وإنما يحاسبهم ~~لتعلم كل نفس ما أحضرت وتنظر فيما قدمت وأخرت فتعلم انه لولا لزومها ~~للمراقبة والمحاسبة في الدنيا لشفيت في صعيد القيامة وهلكت وبعد المجاهدة ~~والمحاسبة والمراقبة لولا فضله بقبول بضاعتها المزجاة لخابت وخسرت فسبحان ~~من عمت نعمته كافة العباد وشملت واستغرقت رحمته الخلائق في الدنيا والآخرة ~~وغمرت فبنفحات فضله اتسعت القلوب للإيمان وانشرحت وبيمن توفيقه تقيدت ~~الجوارح بالعبادات وتأدبت وبحسن هدايته انجلت عن القلوب ظلمات الجهل ~~وانقشعت وبتأييده ونصرته انقطعت مكايد الشيطان واندفعت وبلطف عنايته تترجح ~~كفة الحسنات إذا ثقلت وبتيسيره تيسرت من الطاعات ما تيسرت فمنه العطاء ~~والجزاء والإبعاد والإدناء والإسعاد والإشقاء والصلاة والسلام علي محمد سيد ~~الأنبياء وعلى اله سادة الأصفياء وعلى أصحابه قادة الأتقياء # أما بعد فقد قال الله تعالى @QB@ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا ~~تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين @QE@ ~~وقال تعالى @QB@ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ~~ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما ~~عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا @QE@ وقال تعالى @QB@ يوم يبعثهم الله جميعا ~~فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد @QE@ وقال تعالى ~~@QB@ يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ~~ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره @QE@ وقال تعالى @QB@ ثم توفى كل نفس ما كسبت ~~وهم لا يظلمون @QE@ وقال تعالى @QB@ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ~~وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه @QE@ ~~وقال تعالى @QB@ واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه @QE@ فعرف ~~أرباب البصائر من جملة العباد أن الله تعالى لهم بالمرصاد وأنهم سيناقشون ~~PageV04P393 في الحساب ويطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات وتحققوا ~~أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة وصدق المراقبة ومطالبة ~~النفس في الأنفاس والحركات ومحاسبتها في الخطرات واللحظات فمن حاسب نفسه ~~قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه وحضر عند السؤال جوابه وحسن منقلبه ومآبه ~~ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته وطالت في عرصات القيامة وقفاته وقادته إلى ~~الخزى والمقت سيئاته فلما انكشف لهم ذلك علموا أنه لا ينجيهم منه إلا طاعة ~~الله وقد أمرهم بالصبر والمرابطة فقال عز من قائل يا أيها الذين آمنو ~~اصبروا وصابروا ورابطوا فرابطوا أنفسهم أولا بالمشارطة ثم بالمراقبة ثم ~~بالمحاسبة ثم بالمعاقبة ثم بالمجاهدة ثم بالمعاتبة # فكانت لهم في المرابطة ست مقامات ولا بد من شرحها وبيان حقيقتها وفضيلتها ~~وتفصيل الأعمال فيها وأصل ذلك المحاسبة ولكن كل حساب فبعد مشارطة ومراقبة ~~ويتبعه عند الخسران المعاتبة والمعاقبة # فلنذكر شرح هذه المقامات وبالله التوفيق # | المقام الاول من المرابطة : المشارطة # اعلم أن مطالب المتعاملين في التجارات المشتركين في البضائع عند المحاسبة ~~سلامة الربح وكما أن التاجر يستعين بشريكه فيسلم إليه المال حتى يتجر ثم ~~يحاسبه فكذلك العقل هو التاجر في طريق الآخرة وإنما مطالبة وربحه تزكية ~~النفس لأن بذلك فلاحها قال الله تعالى @QB@ قد أفلح من زكاها وقد خاب من ~~دساها @QE@ وإنما فلاحها بالأعمال الصالحة # والعقل يستعين بالنفس في هذه التجارة إذ يستعملها ويستسخرها فيما يزكيها ~~كما يستعين التاجر بشريكه وغلامه الذي يتجر في ماله وكما أن الشريك يصير ~~خصما منازعا يجاذبه في الربح فيحتاج إلى أن يشارطه أولا ويراقبه ثانيا ~~ويحاسبه ثالثا ويعاقبه أو يعاتبه رابعا فكذلك العقل يحتاج إلى مشارطة النفس ~~أولا فيوظف عليها الوظائف ويشرط عليها الشروط ويرشدها إلى طريق الفلاح ~~ويحزم عليها الأمر بسلوك تلك الطرق ثم لا يغفل عن مراقبتها لحظة فإنه لو ~~أهملها لم ير منها إلا الخيانة وتضييع رأس المال كالعبد الخائن إذا خلا له ~~الجو وانفرد بالمال # ثم بعد الفراغ ينبغي أن يحاسبها ويطالبها بالوفاء بما شرط عليها فإن هذه ~~تجارة ربحها الفردوس الأعلى وبلوغ سدرة المنتهى مع الأنبياء والشهداء ~~فتدقيق الحساب في هذا مع النفس أهم كثيرا من تدقيقه في أرباح الدنيا مع ~~أنها محتقرة بالإضافة إلى نعيم العقبى ثم كيفما كانت فمصيرها إلى التصرم ~~والانقضاء ولا خير في خير لا يدوم بل شر لا يدوم خير من خير لا يدوم لأن ~~الشر الذي لا يدوم إذا انقطع بقى الفرح بانقطاعه دائما وقد انقضى الشر ~~والخير الذي لا يدوم يبقى الأسف على انقطاعه دائما وقد انقضى الخير # ولذلك قيل # أشد الغم عندي في سرور % تيقن عنه صاحبه انتقالا فختم على كل ذى حزم آمن ~~بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها ~~وسكناتها وخطراتها وخطواتها فإن كل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا عوض ~~لها يمكن أن يشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد فانقباض ~~هذه الأنفاس ضائعة أو مصروفة إلى ما يجلب الهلاك خسران عظيم هائل لا تسمح ~~به نفس عاقل # فإذا أصبح العبد وفرغ من فريضة الصبح ينبغى أن يفرغ قلبه ساعة لمشارطه ~~النفس كما أن التاجر عند تسليم البضاعة إلى الشريك العامل يفرغ المجلس ~~لمشارطته # فيقول للنفس ما لي بضاعة إلا العمر ومهما فني فقد فنى رأس المال ووقع ~~اليأس عن التجارة وطلب الربح وهذا اليوم الجديد قد أمهلني الله فيه وأنسأ ~~في أجلى وأنعم على به ولو توفانى لكنت أتمنى أن يرجعنى إلى الدنيا يوما ~~واحدا حتى أعمل فيه صالحا فاحسبي PageV04P394 أنك قد توفيت ثم قد رددت ~~فإياك ثم إياك أن تضيعي هذا اليوم فإن كل نفس من الأنفاس جوهرة لا قيمة لها ~~وأعلمي يا نفس أن اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة وقد ورد في الخبر أنه ~~ينشر للعبد بكل يوم وليلة أربع وعشرون خزانة مصفوفة فيفتح له منها خزانة ~~فيراها مملوءة نورا من حسناته التي عملها في تلك الساعة فيناله من الفرح ~~والسرور والاستبشار بمشاهدة تلك الأنوار التي هي وسيلته عند الملك الجبار ~~ما لو وزع على أهل النار لأدهشهم ذلك الفرح عن الإحساس بألم النار ويفتح له ~~خزانة أخرى سوداء مظلمة يفوح منها نتنها ويغشاه ظلامها وهي الساعة التي عصى ~~فيها فيناله من الهول والفزع ما لو قسم على أهل الجنة لتنغص عليهم نعيمها ~~ويفتح له خزانة أخرى فارغة ليس فيها ما يسره ولا ما يسؤه + حديث ينشر للعبد ~~كل يوم وليلة أربع وعشرون خزانه مصفوفة فيفتح له منها خزانة فيراها مملوءة ~~من حسناته الحديث بطوله لم أجد له أصلا + وهي الساعة التي نام فيها أو غفل ~~أو اشتغل بشيء من مباحات الدنيا فيتحسر على خلوها ويناله من غبن ذلك ما ~~ينال القادر على الربح الكثير والملك الكبير إذا أهمله وتساهل فيه حتى فاته ~~وناهيك به حسرة وغبنا وهكذا تعرض عليه خزائن أوقاته طول عمره فيقول لنفسه ~~اجتهدى اليوم في أن تعمرى خزانتك ولا تدعيها فارغة عن كنوزك التي هي أسباب ~~ملكك ولا تميلى إلى الكسل والدعه والاستراحة فيفوتك من درجات عليين ما ~~يدركه غيرك وتبقى عندك حسرة لا تفارقك وإن دخلت الجنة فألم الغبن وحسرته لا ~~يطاق وإن كان دون ألم النار # وقد قال بعضهم هب أن المسىء قد عفى عنه أليس قد فاته ثواب المحسنين أشار ~~به إلى الغبن والحسرة وقال الله تعالى @QB@ يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم ~~التغابن @QE@ فهذه وصيته لنفسه في أوقاته # ثم ليستأنف لها وصية في أعضائه السبعة وهي العين والأذن واللسان والبطن ~~والفرج واليد والرجل وتسليمها إليها فإنها رعايا خادمة لنفسه في هذه ~~التجارة وبها تتم أعمال هذه التجارة وإن لجهنم سبعة أبواب لكل باب منهم جزء ~~مقسوم وإنما تتعين تلك الأبواب لمن عصى الله تعالى بهذه الأعضاء فيوصيها ~~بحفظها عن معاصيها أما العين فيحفظها عن النظر إلى وجه من ليس له بمحرم أو ~~إلى عورة مسلم أو النظر إلى مسلم بعين الاحتقار بل عن كل فضول مستغنى عنه ~~فإن الله تعالى يسأل عبده عن فضول النظر كما يسأله عن فضول الكلام ثم إذا ~~صرفها عن هذا لم تقنع به حتى يشغلها بما فيه تجارتها وربحها وهو ما خلقت له ~~من النظر إلى عجائب صنع الله بعين الاعتبار والنظر إلى أعمال الخير ~~للاقتداء والنظر في كتاب الله وسنة رسوله ومطالعة كتب الحكمة للاتعاظ ~~والاستفادة # وهكذا ينبغى أن يفصل الأمر عليها في عضو عضو لا سيما اللسان والبطن أما ~~اللسان فلأنه منطلق بالطبع ولا مؤنة عليه في الحركة وجنايته عظيمة بالغيبة ~~والكذب والنميمة وتزكية النفس ومذمة الخلق والأطعمة واللعن والدعاء على ~~الأعداء والمماراة في الكلام وغير ذلك مما ذكرناه في كتاب آفات اللسان فهو ~~بصدد ذلك كله مع أنه خلق للذكر والتذكير وتكرار العلم والتعليم وإرشاد عباد ~~الله إلى طريق الله وإصلاح ذات البين وسائر خيراته فليشترط على نفسه أن لا ~~يحرك اللسان طول النهار إلا في الذكر فنطق المؤمن ذكر ونظره وعبرة وصمته ~~فكرة و @QB@ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد @QE@ وأما البطن فيكلفه ترك ~~الشره وتقليل الأكل من الحلال PageV04P395 واجتناب الشبهات ويمنعه من ~~الشهوات ويقتصر على قدر الضرورة # ويشرط على نفسه أنها إن خالفت شيئا من ذلك عاقبها بالمنع عن شهوات البطن ~~ليفوتها أكثر مما نالته بشهواتها # هكذا يشرط عليها في جميع الأعضاء واستقصاء ذلك يطول ولا تخفى معاصى ~~الأعضاء وطاعاتها # ثم يستأنف وصيتها في وظائف الطاعات التي تتكرر عليه في اليوم والليلة ثم ~~النوافل التي يقدر عليها ويقدر على الاستكثار منها ويرتب لها تفصيلها ~~وكيفيتها وكيفية الاستعداد لها بأسبابها # وهذه شروط يفتقر إليها في كل يوم ولكن إذا تعود الإنسان شرط ذلك على نفسه ~~أياما وطاوعته نفسه في الوفاء بجميعها استغنى عن المشارطة فيها وإن أطاعت ~~في بعضها بقيت الحاجة إلى تجديد المشارطة فيما بقى ولكن لا يخلو كل يوم عن ~~مهم جديد وواقعة حادثة لها حكم جديد ولله عليه في ذلك حق ويكثر هذا على من ~~يشتغل بشيء من أعمال الدنيا من ولاية أو تجارة أو تدريس إذ قلما يخلو يوم ~~عن واقعة جديدة يحتاج إلى أن يقضى حق الله فيها فعليه أن يشترط على نفسه ~~الاستقامة فيها والانقياد للحق في مجاريها ويحذرها مغبة الإهمال ويعظها كما ~~يوعظ العبد الآبق المتمرد فإن النفس بالطبع متمردة عن الطاعات مستعصية عن ~~العبودية ولكن الوعظ والتأديب يؤثر فيها @QB@ وذكر فإن الذكرى تنفع ~~المؤمنين @QE@ # فهذا وما يجرى مجراه هو أول مقام المرابطة مع النفس وهي محاسبة قبل العمل # والمحاسبة تارة تكون بعد العمل وتارة قبله للتحذير قال الله تعالى @QB@ ~~واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه @QE@ وهذا للمستقبل # وكل نظر في كثرة ومقدار لمعرفة زيادة ونقصان فإنه يسمى محاسبة # فالنظر فيما بين يدي العبد في نهاره ليعرف زيادته من نقصانه من المحاسبة ~~وقد قال الله تعالى @QB@ يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله ~~فتبينوا @QE@ وقال تعالى @QB@ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ ~~فتبينوا @QE@ وقال تعالى ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ماتوسوس به نفسه ذكر ذلك ~~تحذيرا وتنبيها للاحتراز منه في المستقبل # وروى عبادة بن الصامت أنه عليه السلام قال لرجل سأله أن يوصيه ويعظه إذا ~~أردت أمرا فتدبر عاقبته فإن كان رشدا فامضه وإن كان غيا فانته عنه + حديث ~~عبادة بن الصامت إذا أردت أمرا فتدبر عاقبته الحديث تقدم + # وقال بعض الحكماء إذا أردت أن يكون العقل غالبا للهوى فلا تعمل ~~بقضاءالشهوة حتى تنظر العاقبة فإن مكث الندامة في القلب أكثر من مكث خفة ~~الشهوة وقال لقمان إن المؤمن إذا أبصر العاقبة أمن الندامة وروى شداد بن ~~أوس عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ~~والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله + حديث الكيس من دان نفسه وعمل ~~لما بعد الموت الحديث تقدم + دان نفسه أي حاسبها ويوم الدين يوم الحساب ~~وقوله @QB@ أئنا لمدينون @QE@ أي لمحاسبون # وقال عمر رضى الله عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن ~~توزنوا وتهيئوا للعرض الأكبر وكتب إلى أبى موسى الأشعري حاسب نفسك في ~~الرخاء قبل حساب الشدة # وقال لكعب كيف تجدها في كتاب الله قال ويل لديان الأرض من ديان السماء ~~فعلاه بالدرة وقال إلا من حاسب نفسه فقال كعب ياأمير المؤمنين إنها إلى ~~جنبها في التوراة ما بينهما حرف إلا من حاسب نفسه # وهذا كله إشارة إلى المحاسبة للمستقبل إذ قال من دان نفسه يعمل لما بعد ~~الموت # ومعناه وزن الأمور أولا وقدرها ونظر فيها وتدبرها ثم أقدم عليها فباشرها ~~المرابطة الثانية : المراقبة # إذا أوصى الإنسان نفسه وشرط عليها ما ذكرناه فلا يبقى إلا المراقبة لها ~~عند الخوض في الأعمال وملاحظاتها PageV04P396 بالعين الكالئة فإنها إن تركت ~~طغت وفسدت # ولنذكر فضيلة المراقبة ثم درجاتها # أما الفضيلة فقد سأل جبريل عليه السلام عن الإحسان فقال أن تعبد الله ~~كأنك تراه + حديث متفق عليه من حديث أبى هريرة ورواه مسلم من حديث عمر وقد ~~تقدم + وقال عليه السلام أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك + ~~حديث اعبد الله كأنك تراه الحديث تقدم + وقد قال تعالى أفمن هو قائم على كل ~~نفس بما كسبت وقال تعالى ألم يعلم بأن الله يرى وقال الله تعالى إن الله ~~كان عليكم رقيبا وقال تعالى والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم ~~بشهاداتهم قائمون وقال ابن المبارك لرجل راقب الله تعالى فسأله عن تفسيره ~~فقال كن أبدا كأنك ترى الله عز وجل # وقال عبد الواحد بن زيد إذا كان سيدي رقيبا على فلا أبالى بغيره # وقال أبو عثمان المغربي أفضل ما يلزم الإنسان نفسه في هذه الطريقة ~~المحاسبة والمراقبة وسياسة عمله بالعلم وقال ابن عطاء أفضل الطاعات مراقبة ~~الحق على دوام الأوقات وقال الجريري أمرنا هذا مبنى على أصلين أن تلزم نفسك ~~المراقبة لله عز وجل ويكون العلم على ظاهرك قائما وقال أبو عثمان قال لي ~~أبو حفص إذا جلست للناس فكن واعظا لنفسك وقلبك ولا يغرنك اجتماعهم عليك ~~فإنهم يراقبون ظاهرك والله رقيب على باطنك # وحكى أنه كان لبعض المشايخ من هذه الطائفة تلميذ شاب وكان يكرمه ويقدمه ~~فقال له بعض أصحابه كيف تكرم هذا وهو شاب ونحن شيوخ فدعا بعدة طيور وناول ~~كل واحد منهم طائرا وسكينا وقال ليذبح كل واحد منكم طائره في موضع لا يراه ~~أحد ودفع إلى الشاب مثل ذلك وقال له كما قال لهم فرجع كل واحد بطائره ~~مذبوحا ورجع الشاب والطائر حي في يده فقال ما لك لم تذبح كما ذبح أصحابك ~~فقال لم أجد موضعا لا يرانى فيه أحد إذ الله مطلع على فى كل مكان فاستحسنوا ~~منه هذه المراقبة وقالوا حق لك أن تكرم # وحكى أن زليخا لما همت بيوسف عليه السلام قامت فغطت وجه صنم كان لها فقال ~~يوسف مالك أتستحيين من مراقبة جماد ولا أستحيى من مراقبة الملك الجبار وحكى ~~عن بعض الأحداث أنه راود جارية عن نفسها فقالت له ألا تستحيى فقال ممن ~~أستحيى وما يرانا إلا الكواكب قالت فأين مكوكبها وقال رجل للجنيد بم أستعين ~~على غض البصر فقال بعلمك أن نظر الناظر إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه # وقال الجنيد إنما يتحقق بالمراقبة من يخاف على فوت حظه من ربه عز وجل وعن ~~مالك بن دينار قال جنات عدن من جنات الفردوس وفيها حور خلقن من ورد الجنة ~~قيل له ومن يسكنها قال يقول الله عز وجل وإنما يسكن جنات عدن الذين إذا ~~هموا بالمعاصي ذكروا عظمتي فراقبوني والذين انثنت أصلابهم من خشيتي وعزتي ~~وجلالى إنى لأهم بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلى أهل الجوع والعطش من مخافتي ~~صرفت عنهم العذاب # وسئل المحاسبي عن المراقبة فقال أولها علم القلب بقرب الله تعالى وقال ~~المرتعش المراقبة مراعاة السر بملاحظة الغيب مع كل لحظة ولفظة # ويروى أن الله تعالى قال لملائكته أنتم موكلون بالظاهر وأنا الرقيب على ~~الباطن # وقال محمد بن علي الترمذي اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره إليك وأجعل ~~شكرك لمن لا تنقطع نعمة عنك وأجعل طاعتك لمن لا تستغنى عنه وأجعل خضوعك لمن ~~لا تخرج عن ملكه وسلطانه # وقال سهل لم يتزين القلب بشىء أفضل ولا أشرف من علم العبد بأن الله شاهدة ~~حيث كان وسئل بعضهم عن قوله تعالى رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشى ربه ~~فقال معناه ذلك لمن راقب ربه عز وجل وحاسب نفسه وتزود لمعاده وسئل ذو النون ~~بم ينال العبد الجنة فقال بخمس استقامة ليس فيها روغان واجتهاد ليس معه ~~سهوومراقبة الله تعالى في السر والعلانية وانتظار الموت بالتأهب ~~PageV04P397 له ومحاسبة نفسك قبل أن تحاسب وقد قيل # إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل % خلوت ولكن قل على رقيب # ولا تحسبن الله يغفل ساعة % ولا أن ما تخفيه عنه يغيب # ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب % وأن غدا إذا للناظرين قريب # وقال حميد الطويل لسليمان بن علي عظنى فقال لئن كنت إذا عصيت الله خاليا ~~ظننت أنه يراك لقد اجترأت على أمر عظيم ولئن كنت تظن أنه لا يراك فلقد كفرت ~~وقال سفيان الثورى عليك بالمراقبة ممن لا تخفى عليه خافية وعليك بالرجاء ~~ممن يملك الوفاء وعليك بالحذر ممن يملك العقوبة # وقال فرقد السنجى إن المنافق ينظر فإذا لم ير أحدا دخل مدخل السوء وإنما ~~يراقب الناس ولا يراقب الله تعالى # وقال عبد الله بن دينار خرجت مع عمر ابن الخطاب رضى الله عنه إلى مكة ~~فعرسنا في بعض الطريق فانحدر عليه راع من الجبل فقال له يا راعى بعنى شاة ~~من هذه الغنم فقال إنى مملوك فقال قل لسيدك أكلها الذئب قال فأين الله قال ~~فبكى عمر رضى الله عنه ثم غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه وأعتقه وقال ~~أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة وأرجو أن تعتقك في الآخرة # | بيان حقيقة المراقبة ودرجاتها # أعلم أن حقيقة المراقبة هي ملاحظة الرقيب والصراف الهم إليه فمن احترز من ~~أمر من الأمور بسبب غيره يقال أنه يراقب فلانا ويراعى جانبه ويعنى بهذه ~~المراقبة حالة للقلب يثمرها نوع من المعرفة وتثمر تلك الحالة أعمالا في ~~الجوارح وفي القلب # أما الحالة فهي مراعاة القلب للرقيب واشتغاله به والتفاته إليه ~~وملاحظتهإياه وانصرافه إليه # وأما المعرفة التي تثمر هذه الحالة فهو العلم بأن الله مطلع على الضمائر ~~عالم بالسرائر رقيب على أعمال العباد قائم على كل نفس بما كسبت وأن سر ~~القلب في حقه مكشوف كما أن ظاهر البشرة للخلق مكشوف بل اشد من ذلك # فهذه المعرفة إذا صارت يقينا أعنى أنها خلت عن الشك ثم استولت بعد ذلك ~~على القلب قهرته فرب علم لا شك فيه لا يغلب على القلب كالعلم بالموت فإذا ~~استولت على القلب استجرت القلب إلى مراعاة جانب الرقيب وصرفت همه إليه ~~والموقنون بهذه المعرفة هم المقربون وهم ينقسمون إلى الصديقين وإلى أصحاب ~~اليمين فمراقبتهم على درجتين # الدرجة الأولى مراقبة المقربين من الصديقين وهي مراقبة التعظيم والإجلال ~~وهو أن يصير القلب مستغرقا بملاحظة ذلك الجلال ومنكسرا تحت الهيبة فلا يبقى ~~فيه متسع للالتفات إلى الغير أصلا وهذه مراقبة لا نطول النظر في تفصيل ~~أعمالها فإنها مقصورة على القلب # أما الجوارح فإنها تتعطل عن التلفت إلى المباحات فضلا عن المحظورات وإذا ~~تحركت بالطاعات كانت كالمستعملة بها فلا تحتاج إلى تدبير وتثبيت في حفظها ~~على سنن السداد # بل يسدد الرعية من ملك كلبة الراعى والقلب هو الراعى فإذا صار مستغرقا ~~بالمعبود صارت الجوارح مستعملة جارية على السداد والاستقامة من غير تكلف ~~وهذا هو الذي صار همه هما واحدا فكفاه الله سائر الهموم # ومن نال هذه الدرجة فقد يغفل عن الخلق حتى لا يبصر من يحضر عنده وهو فاتح ~~عينيه ولا يسمع ما يقال له مع أنه لا صمم به وقد يمر على ابنه مثلا فلا ~~يكلمه حتى كان بعضهم يجري عليه ذلك فقال لمن عاتبه إذا مررت بي فحركنى # ولا تستبعد هذا فإنك تجد نظير هذا في القلوب المعظمة لملوك الأرض حتى إن ~~خدم الملك قد لا يحسون بما يجري عليهم في مجالس الملوك لشدة استغراقهم بهم ~~بل قد يشتغل القلب بمهم حقير من مهمات الدنيا فيغوص PageV04P398 الرجل في ~~الفكر فيه ويمشى فربما يجاوز الموضع الذي قصده وينسى الشغل الذي نهض له # وقد قيل لعبد الواحد ابن زيد هل تعرف في زمانك هذا رجلا قد اشتغل بحاله ~~عن الخلق فقال ما أعرف إلا رجلا سيدخل عليكم الساعة فما كان إلا سريعا حتى ~~دخل عتبه الغلام فقال له عبد الواحد بن زيد من أين جئت يا عتبه فقال من ~~موضع كذا وكان طريقه على السوق فقال من لقيت في الطريق فقال ما رأيت أحدا # ويروى عن يحيى بن زكريا عليهما السلام أنه مر بامرأة فدفعها فسقطت على ~~وجهها فقيل له لم فعلت هذا فقال ما ظننتها إلا جدارا # وحكى عن بعضهم أنه قال مررت بجماعة يترامون وواحد جالس بعيدا منهم فتقدمت ~~إليه فأردت أن أكلمه فقال ذكر الله تعالى أشهى فقلت وحدك فقال معي ربي ~~وملكاي فقلت من سبق من هؤلاء فقال من غفر الله له فقلت أين الطريق فأشار ~~نحو السماء وقام ومشى وقال أكثر خلقك شاغل عنك فهذا كلام مستغرق بمشاهدة ~~الله تعالى لا يتكلم إلا منه ولا يسمع إلا فيه # فهذا لا يحتاج إلى مراقبة لسانة وجوارحه فإنها لا تتحرك إلا بما هو فيه # ودخل الشبلى على أبي الحسين النووي وهو معتكف فوجده ساكنا حسن الاجتماع ~~لا يتحرك من ظاهرة شيء فقال له من أين أخذت هذه المراقبة والسكون فقال من ~~سنور كانت لنا فكانت إذا أرادت الصيد رابطت رأس الحجر لا تتحرك لها شعرة # وقال أبو عبد الله بن خفيف خرجت من مصر أريد الرملة للقاء أبي على ~~الروذبارى فقال لي عيسى بن يونس المصري المعروف بالزاهد وأن في صور شابا ~~وكهلا قد اجتمعا على حال المراقبة فلو نظرت إليهما نظرة لعلك تستفيد منهما ~~فدخلت صورا وأنا جائع عطشان وفي وسطى خرقة وليس على كتفي شيء فدخلت المسجد ~~فإذا بشخصين قاعدين مستقبلى القبلة فسلمت عليهما فما أجابانى فسلمت ثانية ~~وثالثة فلم أسمع الجواب فقلت نشدتكما بالله إلا رددتما على السلام فرفع ~~الشاب رأسه من مرقعته فنظر إلى وقال يا ابن خفيف الدنيا قليل ومابقى من ~~القليل إلا القليل فخذ من القليل الكثير يا ابن خفيف ما أقل شغلك حتى تتفرغ ~~إلى لقائنا قال فأخذ بكليتي ثم طأطأ رأسه في المكان فبقيت عندهما حتى صلينا ~~الظهر والعصر فذهب جوعي وعطشي وعنائي فلما كان وقت العصر قلت عظنى فرفع ~~رأسه إلى وقال يا ابن خفيف نحن أصحاب المصائب ليس لنا لسان العظة فبقيت ~~عندهما ثلاثة أيام لا آكل ولا أشرب ولا أنام ولا رأيتهما أكلا شيئا ولا ~~شربا فلما كان اليوم الثالث قلت في سري أحلفهما أن يعظاني لعلى أن أنتفع ~~اضطرها فرفع الشاب رأسه وقال لي يا ابن خفيف عليك بصحبة من يذكرك الله ~~رؤيته وتقع هيبته على قلبك يعظك بلسان فعله ولا يعظك بلسان قوله والسلام قم ~~عنا فهذه درجة المراقبين الذين غلب على قلوبهم الإجلال والتعظيم فلم يبق ~~فيهم متسع لغير ذلك # الدرجة الثانية مراقبة الورعين من أصحاب اليمين وهم قوم غلب يقين اطلاع ~~الله على ظاهرهم وباطنهم وعلى قلوبهم ولكن لم تدهشهم ملاحظة الجلال بل بقيت ~~قلوبهم على حد الاعتدال متسعة للتلفت إلى الأحوال والأعمال إنها مع ممارسة ~~الأعمال لا تخلو عن المراقبة # نعم غلب عليهم الحياء من الله فلا يقدمون ولا يحجمون إلا بعد التثبت فيه ~~ويمتنعون عن كل ما يفتضحون به في القيامة فإنهم يرون الله في الدنيا مطلعا ~~عليهم فلا يحتاجون إلى انتظار القيامة # وتعرف اختلاف الدرجتين بالمشاهدات فإنك في خلوتك قد تتعاطى أعمالا فيحضرك ~~صبي أو امرأة فتعلم أنه مطلع عليك فتستحيى منه فتحسن جلوسك وتراعى أحوالك ~~لا عن إجلال وتعظيم بل عن حياء فإن PageV04P399 مشاهدته وإن كانت لا تدهشك ~~ولا تستغرقك فإنها تهيج الحياء منك # وقد يدخل عليك ملك من الملوك أو كبير من الأكابر فيستغرقك التعظيم حتى ~~تترك كل ما أنت فيه شغلا به لا حياء منه فهكذا تختلف مراتب العباد في ~~مراقبة الله تعالى # ومن كان في هذه الدرجة فيحتاج أن يراقب جميع حركاته وسكناته وخطراته ~~ولحظاته وبالجملة جميع اختياراته وله فيها نظران نظر قبل العمل ونظر في ~~العمل أما قبل العمل فلينظر أن ما ظهر له وتحرك بفعله خاطره أهو لله خاصة ~~أو هو في هوى النفس ومتابعة الشيطان فيتوقف فيه ويتثبت حتى ينكشف له ذلك ~~بنور الحق فإن كان لله تعالى أمضاه وإن كان لغير الله استحيا من الله وانكف ~~عنه ثم لام نفسه على رغبته فيه وهمه به وميله إليه وعرفها سوء فعلها وسعيها ~~في فضيحتها وأنها عدوة نفسها إن لم يتداركها الله بعصمته # وهذا التوقف في بداية الأمور إلى حد البيان واجب محتوم لا محيص لأحد عنه ~~فإن في الخبر إنه ينشر للعبد في كل حركة من حركاته وإن صغرت ثلاثة دواوين ~~الديوان الأول لم والثاني كيف والثالث لمن + حديث ينشر للعبد في كل حركة من ~~حركاته وان صغرت ثلاثة دواوين الأول لم والثاني كيف والثالث لمن لم أقف له ~~على أصل + ومعنى لم أي لم فعلت هذا أكان عليك أن تفعله لمولاك أو ملت إليه ~~بشهوتك وهواك فإن سلم منه بأن كان عليه أن يعمل ذلك لمولاه سئل عن الديوان ~~الثاني فقيل له كيف فعلت هذا فإن لله في كل عمل شرطا وحكما لا يدرك قدره ~~ووقته وصفته إلا بعلم فيقال له كيف فعلت أبعلم محقق أم بجهل وظن فإن سلم من ~~هذا نشر الديوان الثالث وهو المطالبة بالإخلاص فيقال له لمن عملت ألوجه ~~الله خالصا وفاء بقولك لا إله إلا الله فيكون أجرك على الله أو لمراءاة خلق ~~مثلك فخذ أجرك منه أم عملته لتنال عاجل دنياك فقد وفيناك نصيبك من الدنيا ~~أم عملته بسهو وغفلة فقد سقط أجرك وحبط عملك وخاب سعيك وإن عملت لغيري فقد ~~استوجبت مقتى وعقابي إذ كنت عبدا لي تأكل رزقي وتترفه بنعمتي ثم تعمل لغيري ~~أما سمعتني أقول إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم إن الذين تعبدون ~~من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه ويحك أما ~~سمعتني أقول ألا لله الدين الخالص فإذا عرف العبد أنه بصدد هذه المطالبات ~~والتوبيخات طالب نفسه قبل أن تطالب وأعد للسؤال جوابا وليكن الجواب صوابا ~~فلا يبدئ ولا يعيد إلا بعد التثبت ولايحرك جفنا ولا أنمله إلا بعد التأمل # وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ إن الرجل ليسئل عن كحل عينيه وعن ~~فته الطين بأصبعيه وعن لمسه ثوب أخيه + حديث قال لمعاذ إن الرجل ليسأل عن ~~كحل عينيه وقال الحسن كان أحدهم إذا أراد أن يتصدق بصدقة نظر وتثبت فإن كان ~~لله أمضاه # وقال الحسن رحم الله تعالى عبدا وقف عند همه فإن كان لله مضى وإن كان ~~لغيره تأخر # وقال في حديث سعد حين أوصاه سلمان اتق الله عند همك إذا هممت + حديث سعد ~~حين أوصاه سلمان أن اتق الله عند همك إذا هممت أخرجه أحمد والحاكم وصححه ~~وهذا القدر منه موقوف وأوله مرفوع تقدم + وقال محمد بن علي إن المؤمن وقاف ~~متأن يقف عند همه ليس كحاطب ليل # فهذا هو النظر الأول في هذه المراقبة ولا يخلص من هذا إلا العلم المتين ~~والمعرفة الحقيقة بأسرار الأعمال وأغوار النفس ومكايد الشيطان فمتى لم يعرف ~~نفسه وربه وعدوة إبليس ولم يعرف ما يوافق هواه ولم يميز بينه وبين ما يحبه ~~الله ويرضاه في نيته وهمته وفكرته وسكونه وحركته فلا يسلم في هذه المراقبة ~~بل الأكثرون يرتكبون الجهل فيما يكرهه الله تعالى وهم يحسبون أنهم يحسنون ~~صنعا ولا تظنن أن الجاهل بما يقدر على التعلم فيه يعذر هيهات بل طلب العلم ~~فريضة على كل مسلم ولهذا كانت ركعتان من عالم PageV04P400 أفضل من ألف ركعة ~~من غير عالم لأنه يعلم آفات النفوس ومكايد الشيطان ومواضع الغرور فيتقى ذلك ~~و الجاهل لا يعرفه فكيف يحترز منه فلا يزال الجاهل في تعب والشيطان منه في ~~فرح وشماته فنعوذ بالله من الجهل والغفلة فهو رأس كل شقاوة وأساس كل خسران # فحكم الله تعالى على كل عبد أن يراقب نفسه عند همه بالفعل وسعيه بالجارحة ~~فيتوقف عن الهم وعن السعي حتى ينكشف له بنور العلم أنه لله تعالى فيمضيه أو ~~هو لهوى النفس فيتقيه ويزجر القلب عن الفكر فيه وعن الهم به فإن الخطوة ~~الأولى في الباطل إذا لم تدفع أورثت الرغبة والرغبة تورث الهم والهم يورث ~~جزم القصد والقصد يورث الفعل والفعل يورث البوار والمقت فينبغى أن تحسم ~~مادة الشر من منبعه الأول وهو الخاطر فإن جميع ما وراءه يتبعه # ومهما أشكل على العبد ذلك وأظلمت الواقعة فلم ينكشف له فيتفكر في ذلك ~~بنور العلم ويستعيذ بالله من مكر الشيطان بواسطة الهوى فإن عجز عن الاجتهاد ~~والفكر بنفسه فيستضىء بنور علماء الدين وليفر من العلماء المضلين المقبلين ~~على الدنيا فراره من الشيطان بل أشد فقد أوحى الله تعالى إلى داود عليه ~~السلام لاتسأل عنى عالما أسكره حب الدنيا فيقطعك عن محبتي أولئك قطاع ~~الطريق على عبادي فالقلوب المظلمة بحب الدنيا وشدة الشرة والتكآلب عليها ~~محجوبة عن نور الله تعالى فإن مستضاء أنوار القلوب حضرة الربوبية فكيف ~~يستضئ بها من أستدبرها وأقبل على عدوها وعشق بغيضها ومقيتها وهي شهوات ~~الدنيا فلتكن همه المريد أولا في أحكام العلم أو في طلب عالم معرض عن ~~الدنيا أو ضعيف الرغبة فيها إن لم يجد من هو عديم الرغبة فيها وقد قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم إن الله يحب البصر الناقد عند ورود الشبهات والعقل ~~الكامل عند هجوم الشهوات + أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث عمران بن حصين ~~وفيه حفص بن عمر العدنى ضعفه الجمهور + جمع بين الأمرين وهما متلازمان حقا ~~فمن ليس له عقل وازع عن الشهوات فليس له بصر ناقد في الشبهات # ولذلك قال عليه السلام من قارف ذنبا فارقه عقل لا يعود إليه أبدا + حديث ~~من قارف ذنبا فارقه عقل لا يعود إليه أبدا تقدم ولم أجده + فما قدر العقل ~~الضعيف الذي سعد الآدمي به حتى يعمد إلى محوه ومحقه بمقارنة الذنوب ومعرفة ~~آفات الأعمال قد اندرست في هذه الأعصار فإن الناس كلهم قد هجروا هذه العلوم ~~واشتغلوا بالتوسط بين الخلق في الخصومات الثائرة في اتباع الشهوات وقالوا ~~هذا هو الفقة وأخرجوا هذا العلم الذي هو فقه الدين عن جملة العلوم وتجردوا ~~لفقه الدنيا الذى ما قصد به الا دفع الشواغل عن القلوب ليتفرغ لفقه الدين ~~فكان فقه الدنيا من الدين بواسطة هذا الفقه # وفي الخبر أنتم اليوم في زمان خيركم فيه المسارع وسيأتى عليكم زمان خيركم ~~فيه المتثبت + حديث أنتم اليوم في زمان خيركم فيه المسارع وسيأتي عليكم ~~زمان خيركم فيه المتثبت لم أجده + ولهذا توقف طائفة من الصحابة في القتال ~~مع أهل العراق وأهل الشام لما أشكل عليهم الأمر كسعد بن أبي وقاص وعبد الله ~~بن عمر وأسامة ومحمد بن مسلمة وغيرهم # فمن لم يتوقف عند الاشتباه كان متبعا لهواه معجبا برأيه وكان ممن وصفه ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ~~وإعجاب كل ذى رأى برأيه فعليك بخاصة نفسك وكل من خاض في شبهه بغير تحقيق ~~فقد خالف قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم + حديث فإذا رأيت شحا مطاعا ~~وهوى متبعا الحديث تقدم + وقوله عليه السلام إياكم والظن فإن الظن أكذب ~~الحديث + حديث إياكم والظن الحديث تقدم + وأراد به ظنا بغير دليل كما ~~يستفتى بعض العوام قلبه فيما أشكل عليه ويتبع ظنه ولصعوبة هذا الأمر وعظمة ~~كان دعاء الصديق رضى الله تعالى عنه اللهم أرني الحق حقا وارزقنى اتباعه ~~وأرني الباطل باطلا وارزقنى اجتنابه ولا تجعله متشابها على فأتبع الهوى ~~وقال عيسى عليه PageV04P401 السلام الأمور ثلاثة أمر استبان رشده فاتبعه ~~وأمر استبان غيه فاجتنبه وأمر أشكل عليك فكله إلى عالمه + حديث قال عيسى ~~الأمور ثلاثة الحديث أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف + وقد ~~كان من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعوذ بك أن أقول في الدين ~~بغير علم + حديث اللهم إني أعوذ بك أن أقول في الدين بغير علم لم أجده + ~~فأعظم نعمة الله على عباده هو العلم وكشف الحق والإيمان عبارة عن نوع كشف ~~وعلم ولذلك قال تعالى امتنانا على عبده @QB@ وكان فضل الله عليك عظيما @QE@ ~~وأراد به العلم وقال تعالى @QB@ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون @QE@ ~~وقال تعالى @QB@ إن علينا للهدى @QE@ وقال @QB@ ثم إن علينا بيانه @QE@ ~~وقال @QB@ وعلى الله قصد السبيل @QE@ # وقال على كرم الله وجهه الهوى شريك العمى ومن التوفيق التوقف عند الحيرة ~~ونعم طارد الهم اليقين وعاقبة الكذب الندم وفي الصدق السلامة رب بعيد أقرب ~~من قريب وغريب من لم يكن له حبيب والصديق من صدق غيبه ولا يعدمك من حبيب ~~سوء ظن نعم الخلق التكرم والحياء سبب إلى كل جميل وأوثق العرا التقوى واوثق ~~سبب أخذت به سبب بينك وبين الله تعالى إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك ~~والرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك فان لم تأته أتاك وإن كنت جازعا على ما ~~أصيب مما في يديك فلا تجزع على ما لم يصل إليك واستدل على ما لم يكن بما ~~كان فإنما الأمور أشباه والمرء يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوءه فوت ما لم ~~يكن ليدركه فما نالك من دنياك فلا تكثرن به فرحا وما فاتك منها فلا تتبعه ~~نفسك أسفا وليكن سرورك بما قدمت وأسفك على ما خلفت وشغلك لآخرتك وهمك فيما ~~بعد الموت # وغرضنا من نقل هذه الكلمات قوله ومن التوفيق التوقف عند الحيرة فإذن ~~النظر الأول للمراقب نظره في الهم والحركة أهي لله أم للهوى وقد قال صلى ~~الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه استكمل إيمانه لا يخاف في الله لومة لائم ~~ولا يرائى بشىء من عمله وإذا عرض له أمران أحدهما للدنيا والآخر للآخرة آثر ~~الآخرة على الدنيا + حديث ثلاث من كن فيه استكمل إيمانه لا يخاف في الله ~~لومة لائم الحديث أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبى ~~هريرة وقد تقدم + وأكثر ما ينكشف له في حركاته أن يكون مباحا ولكن لا يعنيه ~~فيتركه لقوله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه + ~~حديث من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه تقدم + # النظر الثاني للمرقبة عند الشروع في العمل وذلك بتفقد كيفية العمل ليقضى ~~حق الله فيه ويحسن النية في إتمامه ويكمل صورته ويتعاطاه على اكمل ما يمكنه ~~وهذا ملازم له في جميع أحواله فإنه لا يخلو في جميع أحواله عن حركة وسكون ~~فإذا راقب الله تعالى في جميع ذلك قدر على عبادة الله تعالى فيها بالنية ~~وحسن الفعل ومراعاة الأدب فإن كان قاعدا مثلا فينبغى أن يقعد مستقبل القبلة ~~لقوله صلى الله عليه وسلم خير المجالس ما استقبل به القبلة + حديث خير ~~المجالس ما استقبل به القبلة أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس وقد تقدم + ولا ~~يجلس متربعا إذ لا يجالس الملوك كذلك وملك الملوك مطلع عليه قال إبراهيم بن ~~أدهم رحمه الله جلست مرة متربعا فسمعت هاتفا يقول هكذا تجالس الملوك فلم ~~أجلس بعد ذلك متربعا وإن كان ينام # فينام على اليد اليمنى مستقبل القبلة مع سائر الآداب التي ذكرناها في ~~موضعها فكل ذلك داخل في المراقبة بل لو كان في قضاء الحاجة فمراعاته ~~لآدابها وفاء بالمراقبة # فإذن لا يخلو العبد أما أن يكون في طاعة أو في معصية أو في مباح # فمراقبته في الطاعة بالإخلاص والإكمال ومراعاة الأدب وحراستها عن الآفات ~~PageV04P402 # وإن كان في معصية فمراقبته بالتوبة والندم والإقلاع والحياء والاشتغال ~~بالتفكر # وإن كان في مباح فمراقبته بمراعاة الأدب ثم بشهود المنعم في النعمة ~~وبالشكر عليها # ولا يخلو العبد في جملة أحواله عن بلية لا بد له من الصبر عليها ونعمة لا ~~بد له من الشكر عليها وكل ذلك من المراقبة # بل لا ينفك العبد في كل حال من فرض لله تعالى عليه أما فعل يلزمه مباشرته ~~أو محظور يلزمه تركه أو ندب حث عليه ليسارع به إلى مغفرة الله تعالى ويسابق ~~به عباد الله أو مباح فيه صلاح جسمه وقلبه وفيه عون له على طاعته ولكل واحد ~~من ذلك حدود لابد من مراعاتها بدوام المراقبة @QB@ ومن يتعد حدود الله فقد ~~ظلم نفسه @QE@ فينبغي أن يتفقد العبد نفسه في جميع أوقاته في هذه الأقسام ~~الثلاثة فإذا كان فارغا من الفرائض وقدر على الفضائل فينبغي أن يلتمس أفضل ~~الأعمال ليشتغل بها فإن من فاته مزيد ربح وهو قادر على دركه فهو مغبون ~~والأرباح تنال بمزايا الفضائل فبذلك يأخذ العبد من دنياه لآخرته كما قال ~~تعالى @QB@ ولا تنس نصيبك من الدنيا @QE@ # وكل ذلك إنما يمكن بصبر ساعة واحدة فإن الساعات ثلاث ساعة مضت لا تعب ~~فيها على العبد كيفما انقضت في مشقة أو رفاهية # وساعة مستقبلة لم تأت بعد لا يدري العبد أيعيش إليها أم لا ولا يدرى ما ~~يقضى الله فيها وساعة راهنة ينبغي أن يجاهد فيها نفسه ويراقب فيها ربه فإن ~~لم تأته الساعة الثانية لم يتحسر على فوات هذه الساعة وإن أتته الساعة ~~الثانية استوفى حقه منها كما استوفى من الاولى # ولا يطول أمله خمسين سنة فيطول عليه العزم على المراقبة فيها بل يكون ابن ~~وقته كأنه في آخر أنفاسه فلعله آخر أنفاسه وهو لا يدرى وإذا أمكن أن يكون ~~آخر أنفاسه فينبغى أن يكون على وجه لا يكره أن يدركه الموت وهو على تلك ~~الحالة وتكون جميع أحواله مقصورة على ما رواه أبو ذر رضى الله تعالى عنه من ~~قوله عليه السلام لا يكون المؤمن ظاعنا إلا في ثلاث تزود لمعاد أو مرمة ~~لمعاش أو لذة في غير محرم + حديث أبى ذر لا يكون المؤمن ظاعنا إلا في ثلاث ~~تزود لمعاد الحديث أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه أنه صلى الله عليه ~~وسلم قال انه في صحف موسى وقد تقدم + # وما روى عنه أيضا في معناه وعلى العاقل أن تكون له أربعة ساعات ساعة ~~يناجى فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يتفكر فيها في صنع الله تعالى ~~وساعة يخلو فيها للمطعم والمشرب + حديث وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات ~~ساعة يناجى بها ربه الحديث وهي بقية حديث أبى ذر الذى قبله + فإن في هذه ~~الساعة عونا له على بقية الساعات # ثم هذه الساعات التي هو فيها مشغول الجوارح بالمطعم والمشرب لا ينبغى أن ~~يخلو عن عمل هو أفضل الأعمال وهو الذكر والفكر فإن الطعام الذى يتناوله ~~مثلا فيه من العجائب ما لو تفكر فيه وفطن له كان ذلك أفضل من كثير من أعمال ~~الجوارح # والناس فيه أقسام قسم ينظرون إليه بعين التبصر والاعتبار فينظرون في ~~عجائب صنعته وكيفية ارتباط قوام الحيوانات به وكيفية تقدير الله لأسبابه ~~وخلق الشهوات الباعثة عليه وخلق الآلات المسخرة للشهوة فيه كما فصلنا بعضه ~~في كتاب الشكر وهذا مقام ذوى الألباب # وقسم ينظرون فيه بعين المقت والكراهة ويلاحظون وجه الاضطرار إليه وبودهم ~~لو استغنوا عنه ولكن يرون أنفسهم مقهورين فيه مسخرين لشهواته وهذا مقام ~~الزاهدين # وقوم يرون في الصنعة الصانع ويترقون منها إلى صفات الخالق فتكون مشاهدة ~~ذلك سببا لتذكر أبواب من الفكر تنفتح عليهم بسببه وهو أعلى المقامات وهو من ~~مقامات العارفين وعلامات المحبين إذ المحب إذا رأي صنعة حبيبه وكتابه ~~وتصنيفه نسى الصنعة واشتغل قلبه بالصانع وكل ما يتردد العبد فيه صنع الله ~~تعالى فله في النظر منه إلى PageV04P403 الصانع مجال رحب إن فتحت له أبواب ~~الملكوت وذلك عزيز جدا # وقسم رابع ينظرون إليه بعين الرغبة والحرص فيتأسفون على ما فاتهم منه ~~ويفرحون بما حضرهم من جملته ويذمون منه مالا يوافق هواهم ويعيبونه ويذمون ~~فاعله فيذمون الطبيخ والطباخ ولا يعلمون أن الفاعل للطبيخ والطباخ ولقدرته ~~ولعلمه هو الله تعالى وأن من ذم شيئا من خلق الله بغير إذن فقد ذم الله ~~ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر + ~~حديث لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة + ~~فهذه المرابطة الثانية بمراقبة الأعمال على الدوام والاتصال وشرح ذلك يطول ~~وفيما ذكرناه تنبيه على المنهاج لمن أحكم الأصول المرابطة الثالثة محاسبة ~~النفس بعد العمل ولنذكر فضيلة المحاسبة ثم حقيقتها # أما الفضيلة فقد قال الله تعالى @QB@ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ~~ولتنظر نفس ما قدمت لغد @QE@ وهذه إشارة إلى المحاسبة على ما مضى من ~~الأعمال ولذلك قال عمر رضى الله تعالى عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ~~وزنوها قبل أن توزنوا وفي الخبر انه عليه السلام جاءه رجل فقال يا رسول ~~الله أوصنى فقال أمستوص أنت فقال نعم قال إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن ~~كان رشدا فامضه وإن كان غيا فانته عنه وفي الخبر وينبغى للعاقل أن يكون له ~~أربع ساعات ساعة يحاسب فيها نفسه وقال تعالى @QB@ وتوبوا إلى الله جميعا ~~أيها المؤمنون لعلكم تفلحون @QE@ والتوبة نظر في الفعل بعد الفراغ منه ~~بالندم عليه وقد قال صلى الله عليه وسلم إنى لاستغفر الله تعالى وأتوب إليه ~~في اليوم مائة مرة + حديث اني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مره ~~تقدم غير مرة + وقال تعالى @QB@ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان ~~تذكروا فإذا هم مبصرون @QE@ وعن عمر رضى الله عنه انه كان يضرب قدميه ~~بالدره إذا جنه الليل ويقول لنفسه ماذا عملت اليوم وعن ميمون ابن مهران انه ~~قال لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه ~~والشريكان يتحاسبان بعد العمل وروى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن أبا ~~بكر رضوان الله عليه قال لها عند الموت ما أحد من الناس أحب إلي من عمر ثم ~~قال لها كيف قلت فأعادت عليه ما قال فقال لا أحد أعز على من عمر # فانظر كيف نظر بعد الفراغ من الكلمة فتدبرها وأبدلها بكلمة غيرها وحديث ~~أبى طلحة حين شغله الطائر في صلاته فتدبر ذلك فجعل حائطه صدقة لله تعالى ~~ندما ورجاء للعوض مما فاته + حديث ابى طلحة : حين شغله الطائر عن صلاته ~~فجعل حديقته صدقه تقدم غير مرة + # وفي حديث ابن سلام أنه حمل حزمة من حطب فقيل له يا أبا يوسف قد كان في ~~بنيك وغلمانك ما يكفونك هذا فقال أردت أن أجرب نفسي هل تنكره وقال الحسن ~~المؤمن قوام على نفسه يحاسبها لله وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم ~~في الدنيا وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير ~~محاسبه ثم فسر المحاسبة فقال إن المؤمن يفجؤه الشيء يعجبه فيقول والله إنك ~~لتعجبني وإنك من حاجتي ولكن هيهات حيل بيني وبينك وهذا حساب قبل العمل ثم ~~قال ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول ماذا أردت بهذا والله لا أعذر ~~بهذا والله لا أعود لهذا أبدا إن شاء الله وقال أنس بن مالك سمعت عمر بن ~~الخطاب رضى الله تعالى عنه يوما وقد خرج وخرجت معه حتى دخل حائطا فسمعته ~~يقول وبيني وبينه جدار وهو في الحائط عمر PageV04P404 ابن الخطاب أمير ~~المؤمنين بخ بخ والله لتتقين الله أو ليعذبنك وقال الحسن في قوله تعالى ~~@QB@ ولا أقسم بالنفس اللوامة @QE@ قال لا يلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه ماذا ~~أردت بكلمتي ماذا أردت بأكلتي ماذا أردت بشربتي والفاجر يمضى قدما لا يعاتب ~~نفسه وقال مالك بن دينار رحمه الله تعالى رحم الله عبدا قال لنفسه ألست ~~صاحبة كذا ألست صاحبة كذا ثم ذمها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله تعالى فكان ~~له قائدا وهذا من معاتبة النفس كما سيأتي في موضعه وقال ميمون بن مهران ~~التقى أشد محاسبة لنفسه من سلطان غاشم ومن شريك شحيح وقال إبراهيم التيمي ~~مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها ثم مثلت ~~نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها فقلت ~~لنفسي يا نفس أي شيء تريدين فقالت أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاقلت ~~فأنت في الأمنية فاعملي وقال مالك بن دينار سمعت الحجاج يخطب وهو يقول رحم ~~الله امرأ حاسب نفسه قبل أن يصير الحساب إلى غيره رحم الله امرأ أخذ بعنان ~~عمله فنظر ماذا يريد به رحم الله امرأ نظر في مكياله رحم الله امرأ نظر في ~~ميزانه فما زال يقول حتى أبكانى وحكى صاحب للأحنف ابن قيس قال كنت أصحبه ~~فكان عامة صلاته بالليل الدعاء وكان يجئ إلى المصباح فيضع أصبعه فيه حتى ~~يحس بالنار ثم يقول لنفسه ياحنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا ما حملك على ~~ما صنعت يوم كذا # | بيان حقيقة المحاسبة بعد العمل # أعلم أن العبد كما يكون له وقت في أول النهار يشارط فيه نفسه على سبيل ~~التوصية بالحق فينبغى أن يكون له في آخر النهار ساعة يطالب فيها النفس ~~ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء ~~في آخر كل سنة أو شهر أو يوم حرصا منهم على الدنيا وخوفا من أن يفوتهم منها ~~ما لو فاتهم لكانت الخيرة لهم في فواته ولو حصل ذلك لهم فلا يبقى إلا أياما ~~قلائل فكيف لا يحاسب العاقل نفسه فيما يتعلق به خطر الشقاوة والسعادة أبد ~~الآباد ما هذه المساهلة إلا عن الغفلة والخذلان وقلة التوفيق نعوذ بالله من ~~ذلك ومعنى المحاسبة مع الشريك أن ينظر في رأس المال وفي الربح والخسران ~~ليتبين له الزيادة من النقصان فإن كان من فضل حاصل استوفاه وشكره وإن كان ~~من خسران طالبه بضمانه وكلفه تداركه في المستقبل فكذلك رأس مال العبد في ~~دينه الفرائض وربحه النوافل والفضائل وخسرانه المعاصي وموسم هذه التجارة ~~جملة النهار ومعامله نفسه الأمارة بالسوء فيحاسبها على الفرائض أولا فإن ~~أداها على وجهها شكر الله تعالى عليه ورغبها في مثلها وإن فوتها من أصلها ~~طالبها بالقضاء وإن أداها ناقصة كلفها الجبران بالنوافل وإن ارتكب معصية ~~اشتغل بعقوبتها وتعذيبها ومعاتبتها ليستوفى منها ما يتدارك به ما فرط كما ~~يصنع التاجر بشريكه وكما أنه يفتش في حساب الدنيا عن الحبة والقيراط فيحفظ ~~مداخل الزيادة والنقصان حتى لا يغبن في شيء منها فينبغى أن يتقى غبينة ~~النفس ومكرها فإنها خداعة ملبسة مكارة فليطالبها أولا بتصحيح الجواب عن ~~جميع ماتكلم به طول نهاره وليتكفل بنفسه من الحساب ما سيتولاه غيره في صعيد ~~القيامة وهكذا عن نظره بل عن خواطره وأفكاره وقيامه وقعوده وأكله وشربه ~~ونومه حتى عن سكوته أنه لم سكت وعن سكونه لم سكن فإذا عرف مجموع الواجب على ~~النفس وصح عنده قدر أدى الواجب فيه كان ذلك القدر محسوبا له فيظهر له ~~الباقي على نفسه فليثبته عليها وليكتبه على صحيفة قلبه كما يكتب الباقي ~~الذي على شريكه على قلبه وفي جريدة حسابه # ثم النفس غريم يمكن أن يستوفى منه الديون أما بعضها فبالغرامة والضمان ~~وبعضها برد عينه وبعضها PageV04P405 بالعقوبة لها على ذلك ولا يمكن شيء من ~~ذلك إلى بعد تحقيق الحساب وتمييز الباقي من الحق الواجب عليه فإذا حصل ذلك ~~اشتغل بعده بالمطالبة والاستيفاء # ثم ينبغي أن يحاسب النفس على جميع العمر يوما يوما وساعة ساعة في جميع ~~الأعضاء الظاهرة والباطنة كما نقل عن توبه ابن الصمة وكان بالرقة وكان ~~محاسبا لنفسه فحسب يوما فإذا هو ابن ستين سنة فحسب أيامها فإذا هي أحد ~~وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم فصرخ وقال يا ويلتي ألقى الملك بأحد وعشرين ~~ألف ذنب فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت ~~فسمعوا قائلا يقول يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى فهكذا ينبغى أن يحاسب ~~نفسه على الأنفاس وعلى معصيته بالقلب والجوارح في كل ساعة ولو رمى العبد ~~بكل معصية حجرا في داره لامتلأت داره في مدة يسيرة قريبة من عمره ولكنه ~~يتساهل في حفظ المعاصى والملكان يحفظان عليه ذلك @QB@ أحصاه الله ونسوه ~~@QE@ المرابطة الرابعة في معاقبة النفس على تقصيرها # مهما حاسب نفسه فلم تسلم عن مقارفه معصية وارتكاب تقصير في حق الله تعالى ~~فلا ينبغى أن يهملها فإنه أن أهملها سهل عليه مقارفة المعاصي وأنست بها ~~نفسه وعسر عليه فطامها وكان ذلك بسبب هلاكها بل ينبغي أن يعاقبها فإذا أكل ~~لقمة شبهة بشهوة نفس ينبغى أن يعاقب البطن بالجوع وإذا نظر إلى غير محرم ~~ينبغي أن يعاقب العين بمنع النظر وكذلك يعاقب كل طرف من أطراف بدنه بمنعه ~~عن شهواته # هكذا كانت عادة سالكي طريق الآخرة فقد روى عن منصور بن إبراهيم أن رجلا ~~من العباد كلم امرأة فلم يزل حتى وضع يده على فخذها ثم ندم فوضع يده على ~~النار حتى يبست وروى أنه كان في بني إسرائيل رجل يتعبد في صومعته فمكث كذلك ~~زمانا طويلا فأشرف ذات يوم فإذا هو بامرأة فافتتن بها وهم بها فأخرج رجله ~~لينزل إليها فأدركه الله بسابقه فقال ما هذا الذي أريد أن أصنع فرجعت إليه ~~نفسه وعصمه الله تعالى فندم فلما أراد أن يعيد رجله إلى الصومعة قال هيهات ~~هيهات رجل خرجت تريد أن تعصى الله تعود في صومعتي لا يكون والله له ذلك ~~أبدا فتركها معلقة في الصومعة تصيبها الأمطار والرياح والثلج والشمس حتى ~~تقطعت فسقطت فشكر الله له ذلك وأنزل في بعض كتبه ذكره ويحكى عن الجنيد قال ~~سمعت ابن الكريبي يقول أصابتني ليلة جنابة فاحتجت أن أغتسل وكانت ليلة ~~باردة فوجدت في نفسي تأخرا وتقصيرا فحدثتني نفسي بالتأخير حتى أصبح وأسخن ~~الماء أو أدخل الحمام ولا أعنى على نفسي فقلت واعجبا أنا أعامل الله في طول ~~عمري فيجب له على حق فلا أجد في المسارعة وأجد الوقوف والتأخر آليت أن لا ~~أغتسل إلا في مرقعتي هذه وآليت أن لا أنزعها ولا أعصرها ولا أجففها في ~~الشمس ويحكى أن غزوان وأبا موسى كانا في بعض مغازيهما فتكشفت جارية فنظر ~~إليها غزوان فرفع يده فلطم عينه حتى بقرت وقال إنك للحاظة إلى ما يضرك # ونظر بعضهم نظرة واحدة امرأة فجعل على نفسه أن لا يشرب الماء البارد طول ~~حياته فكان يشرب الماء الحار لينغص على نفسه العيش # ويحكى أن حسان بن أبي سنان مر بغرفة فقال متى بنيت هذه ثم أقبل على نفسه ~~فقال تسألين عما لا يعنيك لأعاقبنك بصوم سنة فصامها # وقال مالك بن ضيغم جاء رباح القيسي يسأل عن أبي بعد العصر فقلنا إنه نائم ~~فقال أنوم هذه الساعة هذا وقت نوم ثم ولى منصرفا فأتبعناه رسولا وقلنا له ~~ألا نوقظه لك فجاء الرسول وقال هو أشغل من أن يفهم عني شيئا أدركته وهو ~~يدخل المقابر وهو يعاتب نفسه ويقول أقلت وقت نوم هذه الساعة أفكان هذا عليك ~~ينام الرجل متى شاء وما يدريك أن هذا ليس وقت PageV04P406 نوم تتكلمين بما ~~لا تعلمين أما إن لله على عهدا لا أنقضه أبدا لا أوسدك الأرض لنوم حولا إلا ~~لمرض حائل أو لعقل زائل سوأة لك أما تستحين كم توبخين وعن غيك لا تنتهين ~~قال وجعل يبكى وهو لا يشعر بمكاني فلما رأيت ذلك انصرفت وتركته # ويحكى عن تميم الداري أنه نام ليلة لم يقم فيها يتهجد فقام سنة لم ينم ~~فيها عقوبة للذي صنع # وعن طلحة رضى الله تعالى عنه قال انطلق رجل ذات يوم فنزع ثيابه وتمرغ في ~~الرمضاء فكان يقول لنفسه ذوقى ونار جهنم أشد حرا أجيفة بالليل بطالة ~~بالنهار فبينما هو كذلك إذ أبصر النبي صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة فأتاه ~~فقال غلبتني نفسي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ألم يكن لك بد من الذي ~~صنعت أما لقد فتحت لك أبواب السماء ولقد باهى الله بك الملائكة ثم قال ~~لأصحابه تزودوا من أخيكم فجعل الرجل يقول له يا فلان أدع لي يا فلان ادع لى ~~فقال النبي صلى الله عليه وسلم عمهم فقال اللهم أجعل التقوى زادهم واجمع ~~على الهدى أمرهم # فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم سدده فقال الرجل اللهم أجعل ~~الجنة مآبهم + حديث طلحة : انطلق رجل ذات يوم فنزع ثيابه وتمرغ في الرمضاء ~~وكان يقول لنفسه : ونار جهنم أشد حراالحديث بطوله أخرجه ابن أبي الدنيا في ~~محاسبة النفس من رواية ليث بن أبي سليم عنه وهذا منقطع أو مرسل ولا أدري من ~~طلحة هذا وقال حذيفة بن قتاده قيل لرجل كيف تصنع بنفسك في شهواتها فقال ما ~~على وجه الأرض نفس أبغض إلى منها فكيف أعطيها شهواتها ودخل ابن السماك على ~~داود الطائي حين مات وهو في بيته على التراب فقال : يا داود سجنت نفسك قبل ~~أن تسجن وعذبت نفسك قبل أن تعذب فاليوم ترى ثواب من كنت تعمل له # وعن وهب بن منبه : أن رجلا تعبد زمانا ثم بدت له إلى الله تعالى حاجة ~~فقام سبعين سبتا يأكل في كل سبت إحدى عشرة تمرة ثم سأل حاجته فلم يعطها ~~فرجع إلى نفسه وقال منك أتيت لو كان فيك خير لأعطيت حاجتك فنزل إليه ملك ~~وقال يا ابن آدم ساعتك هذه خير من عبادتك التي مضت وقد قضى الله حاجتك # وقال عبد الله بن قيس كنا في غزاة لنا فحضر العدو فصيح في الناس فقاموا ~~إلى المصاف في يوم شديد الريح وإذا رجل أمامي وهو يخاطب نفسه ويقول أي نفسي ~~ألم أشهد مشهد كذا فقلت لي أهلك وعيالك فأطعتك ورجعت ألم أشهد مشهد كذا ~~وكذا فقلت لي أهلك وعيالك فأطعتك ورجعت والله لأعرضنك اليوم على الله أخذك ~~أو تركك فقلت لأرمقنه اليوم فرمقته فحمل الناس على عدوهم فكان في أوائلهم ~~ثم أن العدو حمل على الناس فانكشفوا فكان في موضعه حتى انكشفوا مرات وهو ~~ثابت يقاتل فوالله ما زال ذاك دأبه حتى رأيته صريعا فعددت به وبدابته ستين ~~أو أكثر من ستين طعنة # وقد ذكرنا حديث أبى طلحة لما اشتغل قلبه في الصلاة بطائر في حائطه فتصدق ~~بالحائط كفارة لذلك # وإن عمر كان يضرب قدميه بالدره كل ليلة ويقول ماذا عملت اليوم وعن مجمع ~~أنه رفع رأسه إلى السطح فوقع بصره على امرأة فجعل على نفسه أن لا يرفع رأسه ~~إلى السماء ما دام في الدنيا # وكان الأحنف بن قيس لا يفارقه المصباح بالليل فكان يضع أصبعه عليه ويقول ~~لنفسه ما حملك على أن صنعت يوم كذا كذا وأنكر وهيب بن الورد شيئا على نفسه ~~فنتف شعرات على صدره حتى عظم ألمه ثم جعل يقول لنفسه ويحك إنما أريد بك ~~الخير # ورأى محمد بن بشر داود الطائى وهو يأكل عند إفطاره خبزا بغير ملح فقال له ~~لو اكلته بملح فقال أن نفسى لتدعوني إلى الملح منذ سنة ولا ذاق دواد ملحا ~~ما دام في الدنيا # فكذا كانت عقوبة أولى الحزم لأنفسهم والعجب انك تعاقب عبدك وأمتك واهلك ~~وولدك على ما يصدر منهم من سوء خلق وتقصير في أمر وتخاف انك لو تجاوزت عنهم ~~لخرج أمرهم عن الاختيار وبغوا عليك ثم تهمل PageV04P407 نفسك وهى أعظم عدو ~~لك واشد طغيانا عليك وضررك من طغيانها أعظم من ضررك من طغيان أهلك فان ~~غايتهم أن يشوشوا عليك معيشة الدنيا ولو عقلت لعلمت ان العيش عيش الآخرة ~~وان فيه النعيم المقيم الذى لا آخر له ونفسك هى التي تنغص عليك عيش الآخرى ~~فهى بالمعاقبة أولى من غيرها المرابطة الخامسة : المجاهدة # وهو انه إذا حاسب نفسه فرآها قد قارفت معصية فينبغى ان يعاقبها بالعقوبات ~~التي مضت وان رآها تتوانى بحكم الكسل في شىء من الفضائل أو ورد من الأوراد ~~فينبغى أن يؤدبها بتثقيل الأوراد عليها ويلزمها فنونا من الوظائف جبرا لما ~~فات منه وتداركالما فرط فهكذا كان يعمل عمال الله تعالى فقد عاقب عمر بن ~~الخطاب نفسه حين فاتته صلاة العصر في جماعة بأن تصدق بأرض كانت له قيمتها ~~مائتا ألف درهم وكان ابن عمر اذا فاتته صلاة في جماعة أحيا تلك الليلة وأخر ~~ليلة صلاة المغرب حتى طلع كوكبان فأعتق رقبتين # وفات ابن أبى ربيعة ركعتا الفجر فاعتق رقبة # وكان بعضهم يجعل على نفسه صوم سنة أو الحج ما شيا أو التصدق بجميع ماله # كل ذلك مرابطه للنفس ومؤاخذة لها بما فيه نجاتها # فإن قلت إن كانت نفسى لا تطاوعنى على المجاهدة والمواظبة على الأوراد فما ~~سبيل معالجتها فأقول سبيلك في ذلك ان تسمعها ما ورد في الأخبار من فضل ~~المجتهدين + الأخبار الواردة في حق المجتهدين أخرجها أبو داود من حديث عبد ~~الله بن عمرو بن العاص من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة ~~آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين وله وللنسائي وابن ~~ماجه من حديث أبى هريرة بإسناد صحيح رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وايقظ ~~امرأته وللترمذى من حديث بلال عليكم بقيام الليل فانه دأب الصالحين قبلكم ~~الحديث وقال غريب ولا يصح وقد تقدم في الأوراد مع غيره من الأخبار في ذلك + ~~ومن أنفع أسباب العلاج أن تطلب صحبة عبد من عباد الله مجتهد في العبادة ~~فتلاحظ أقواله وتقتدى به وكان بعضهم يقول كنت إذا اعترتنى فترة في العبادة ~~نظرت إلى أحوال محمد بن واسع والى اجتهاده فعملت على ذلك أسبوعا إلا أن هذا ~~العلاج قد تعذر اذ قد فقد في هذا الزمان من يجتهد في العبادة اجتهاد ~~الاولين فينبغى ان يعدل من المشاهدة إلى السماع فلا شىء انفع من سماع ~~أحوالهم ومطالعة اخبارهم وما كانوا فيه من الجهد الجهيد وقد انقضى تعبهم ~~وبقى ثوابهم ونعيمهم ابد الاباد لا ينقطع فما اعظم ملكهم وما أشد حسرة من ~~لا يقتدى بهم فيمتع نفسه أياما قلائل بشهوات مكدرة ثم يأتيه الموت ويحال ~~بينه وبين كل ما يشتهيه أبد الآباد نعوذ بالله تعالى من ذلك # ونحن نورد من اوصاف المجتهدين وفضائلهم ما يحرك رغبة المريد في الاجتهاد ~~اقتداء بهم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله اقواما يحسبهم ~~الناس مرضى وما هم بمرضى + حديث رحم الله أقواما تحسبهم مرضى وما بمرضى لم ~~أجد له أصلا في حديث مرفوع لا لكن رواه أحمد في الزهد موقوفا على في كلام ~~له قال فيه ينظر اليهم الناظر فيقول مرضى وما بالقوم من مرض قال الحسن ~~أجهدتهم العبادة قال الله تعالى @QB@ والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ~~@QE@ قال الحسن يعملون ما عملوا من أعمال البر ويخافون أن لا ينجيهم ذلك من ~~عذاب الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبي لمن طال عمره وحسن عمله ~~+ حديث طوبي لمن طال عمره وحسن عمله أخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن ~~بشر وفيه بقية رواه بصيغة عن وهو مدلس وللترمذى من حديث أبى بكرة خير الناس ~~من طال عمره وحسن عمله وقال حسن صحيح وقد تقدم + # ويروى ان الله تعالى يقول لملائكته ما بال عبادي مجتهدين فيقولون الهنا ~~خوفتهم شيئا فخافوه وشوقتهم إلى شىء فاشتاقوا إليه فيقول الله تبارك وتعالى ~~فكيف لو رآنى عبادى لكانوا اشد اجتهادا وقال الحسن أدركت أقواما وصحبت ~~PageV04P408 طوائف منهم ما كانوا يفرحون بشىء من الدنيا أقبل ولا يتأسفون ~~على شىء منها أدبر ولهى كانت أهون في أعينهم من هذا التراب الذى تطئونه ~~بارجلكم أن كان احدهم ليعيش عمره كله ما طوى له ثوب ولا أمر أهله بصنعة ~~طعام قط ولا جعل بينه وبين الأرض شيئا قط وأدركتهم عاملين بكتاب ربهم وسنة ~~نبيهم إذا جنهم الليل فقيام على أطرافهم يفترشون وجوههم تجرى دموعهم على ~~خدودهم يناجون ربهم في فكاك رقابهم إذا عملوا الحسنة فرحوا بها ودأبوا في ~~شكرها وسألوا الله ان يتقبلها وإذا عملوا السيئة أحزنتهم وسألوا الله تعالى ~~أن يغفرها لهم والله ما زالوا كذلك وعلى ذلك ووالله ما سلموا من الذنوب ولا ~~نجوا الا بالمغفرة ويحكى أن قوما دخلوا على عمر بن عبد العزيز يعودونه في ~~مرضه واذا فيهم شاب ناحل الجسم فقال عمر له يا فتى ما الذى بلغ بك ما أرى ~~فقال يا أمير المؤمنين اسقام وأمراض فقال سألتك بالله الا صدقتنى فقال يا ~~أمير المؤمنين ذقت حلاوة الدنيا فوجدتها مرة وصغر عندى زهرتها وحلاوتها ~~واستوى عند ذهبها وحجرها وكأنى أنظر إلى عرش ربى والناس يساقون إلى الجنة ~~والنار فأظمأت لذلك نهارى وأسهرت ليلى وقليل حقير كل ما إنا فيه في جنب ~~ثواب الله وعقابه وقال أبو نعيم كان داود الطائى يشرب الفتيت ولا يأكل ~~الخبز فقيل له في ذلك فقال بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية # ودخل رجل عليه يوما فقال ان في سقف بيتك جذعا مكسورا فقال يا ابن أخى ان ~~لى في البيت منذ عشرين سنة ما نظرت إلى السقف # وكانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام # وقال محمد بن عبد العزيز جلسنا إلى أحمد بن رزين من غدوة إلى العصر فما ~~التفت يمنه ولا يسرة فقيل له في ذلك فقال ان الله عز وجل خلق العينين لينظر ~~بهما العبد إلى عظمة الله تعالى فكل من نظر بغير اعتبار كتبت عليه خطيئة ~~وقالت امرأة مسروق ما كان يوجد مسروق إلا وساقاه منتفختان من طول الصلاة # وقالت والله ان كنت لاجلس خلفه فابكى رحمة له # وقال أبو الدرداء لولا ثلاث ما أحببت العيش يوما واحدا الظمأ لله ~~بالهواجر والسجود لله في جوف الليل ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ~~ينتقى أطايب الثمر وكان الأسود بن يزيد يجتهد في العبادة ويصوم فى الحر حتى ~~يخضر جسده ويصفر فكان علقمة بن قيس يقول له لم تعذب نفسك فيقول كرامتها ~~أريد # وكان يصوم حتى يخضر جسده ويصلى حتى يسقط فدخل عليه أنس بن مالك والحسن ~~فقالا له إن الله عز وجل لم يأمرك بكل هذا فقال إنما أنا عبد مملوك لا أدع ~~من الاستكانة شيئا الا جئت به # وكان بعض المجتهدين يصلى كل يوم الف ركعة حتى أقعد من رجليه فكان يصلى ~~جالسا ألف ركعة فإذا صلى العصر احتبى ثم قال عجبت للخليقة كيف أرادت بك ~~بدلا منك عجبت للخليقة كيف أنست بسواك بل عجبت للخليقة كيف استنارت قلوبها ~~بذكر سواك وكان ثابت البنانى قد حببت إليه الصلاة فكان يقول اللهم ان كنت ~~أذنت لأحد أن يصلى لك في قبره فائذن لي أن أصلى في قبرى # وقال الجنيد ما رأيت أعبد من السرى اتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤى ~~مضطجعا إلا في علة الموت # وقال الحارث بن سعد مر قوم براهب فرأوا ما يصنع بنفسه من شدة اجتهاده ~~فكلموه في ذلك فقال وما هذا عند ما يراد بالخلق من ملاقاة الأهوال وهم ~~غافلون قد اعتكفوا على حظوظ أنفسهم ونسوا حظهم الأكبر من ربهم فبكى القوم ~~عن آخرهم # وعن أبى محمد المغازلى قال جاور أبو محمد الجريرى بمكة سنة فلم ينم ولم ~~يتكلم ولم يستند إلى عمود ولا إلى حائط ولم يمد رجليه فعبر عليه أبو بكر ~~الكتانى فسلم عليه وقال له يا أبا محمد بم قدرت على اعتكافك هذا فقال علم ~~صدق باطنى فأعاننى على ظاهرى فاطرق الكتاني ومشى مفكرا وعن بعضهم قال دخلت ~~على فتح الموصلى فرأيته قد مد كفيه PageV04P409 يبكى حتى رأيت الدموع تنحدر ~~من بين أصابعه فدنوت منه فإذا دموعه قد خالطها صفرة فقلت ولم بالله يا فتح ~~بكيت الدم فقال لولا أنك أحلفتنى بالله ما أخبرتك نعم بكيت دما فقلت له على ~~ماذا بكيت الدموع فقال على تخلفى عن واجب حق الله تعالى وبكيت الدم على ~~الدموع لئلا يكون ما صحت لى الدموع قال فرأيته بعد موته في المنام فقلت ما ~~صنع الله بك قال غفر لى فقلت له فماذا صنع في دموعك فقال قربنى ربى عز وجل ~~وقال لى يا فتح الدمع على ماذا قلت يارب على تخلفى عن واجب حقك فقال والدم ~~على ماذا فقلت على دموعى أن لا تصح لى فقال لى يا فتح ما أردت بهذا كله ~~وعزتى وجلالى لقد صعد حافظاك أربعين سنة بصحيفتك ما فيها خطيئة # وقيل إن قوما أرادوا سفرا فحادوا عن الطريق فانتهوا إلى راهب منفرد عن ~~الناس فنادوه فأشرف عليهم من صومعته فقالوا يا راهب إنا قد أخطأنا الطريق ~~فكيف الطريق فأومأ برأسه إلى السماء فعلم القوم ما أراد فقالوا يا راهب إنا ~~سائلوك فهل أنت مجيبنا فقال سلوا ولا تكثروا فإن النهار لن يرجع والعمر لا ~~يعود والطالب حثيث فعجب القوم من كلامه فقالوا يا راهب علام الخلق غدا عند ~~مليكهم فقال على نياتهم فقالوا أوصنا فقال تزودوا على قدر سفركم فإن خير ~~الزاد ما بلغ البغية # ثم أرشدهم إلى الطريق وأدخل رأسه في صومعته # وقال عبد الواحد بن زيد مررت بصومعة راهب من رهبان الصين فناديته يا راهب ~~فلم يجبنى فناديته الثانية فلم يجبنى فناديته الثالثة فأشرف على وقال يا ~~هذا ما أنا براهب إنما الراهب من رهب الله في سمائه وعظمه في كبريائه وصبر ~~على بلائه ورضى بقضائه وحمده على آلائه وشكره على نعمائه وتواضع لعظمته وذل ~~لعزته واستسلم لقدرته وخضع لمهابته وفكر في حسابه وعقابه فنهاره صائم وليله ~~قائم قد أسهره ذكر النار ومسألة الجبار فذلك هو الراهب وأما أنا فكلب عقور ~~حسبت نفسى فى هذه الصومعة عن الناس لئلا أعقرهم فقلت يا راهب فما الذى قطع ~~الخلق عن الله تعالى بعد أن عرفوه فقال يا أخى لم يقطع الخلق عن الله تعالى ~~إلا حب الدنيا وزينتها لأنها محل المعاصى والذنوب والعاقل من رمى بها عن ~~قلبه وتاب إلى الله تعالى من ذنبه وأقبل على ما يقربه من ربه # وقيل لداود الطائى لو سرحت لحيتك فقال إنى إذن لفارغ # وكان أويس القرنى يقول هذه ليلة الركوع فيحيى الليل كله في ركعة وإذا ~~كانت الليلة الآتية قال هذه ليلة السجود فيحيى الليل كله في سجدة # وقيل لما تاب عتبة الغلام كان لا يتهنأ بالطعام والشراب فقالت له أمه لو ~~رفقت بنفسك قال الرفق أطلب دعينى أتعب قليلا وأتنعم طويلا وحج مسروق فما ~~نام قط إلا ساجدا وكان سفيان الثورى يقول عند الصباح يحمد القوم السرى وعند ~~الممات يحمد القوم التقى # وقال عبد الله بن داود كان أحدهم إذا بلغ أربعين سنة طوى فراشه أى كان لا ~~ينام طول الليل # وكان كهمس بن الحسن يصلى كل يوم ألف ركعة ثم يقول لنفسه قومى يا مأوى كل ~~شر فلما ضعف اقتصر على خمسمائة ثم كان يبكى ويقول ذهب نصف عملى # وكانت ابنة الربيع بن خثيم تقول له يا أبت مالى أرى الناس ينامون وأنت لا ~~تنام فيقول يا ابنتاه إن أباك يخاف البيات # ولما رأت أم الربيع ما يلقى الربيع من البكاء والسهر نادته يا بنى لعلك ~~قتلت قتيلا قال نعم يا أماه قالت فمن هو حتى نطلب أهله فيعفو عنك فوالله لو ~~يعلمون ما أنت فيه لرحموك وعفوا عنك فيقول يا أماه هى نفسى # وعن عمر ابن أخت بشر بن الحارث قال سمعت خالى بشر بن الحارث يقول لأمى يا ~~أختى جوفي وخواصرى تضرب على فقالت له أمى يا أخى أتأذن لى حتى أصلح لك قليل ~~حساء بكف دقيق عندى تتحساه يرم جوفك فقال لها ويحك أخاف أن يقول أين لك هذا ~~الدقيق فلا أدرى إيش PageV04P410 أقول له # فبكت أمى وبكى معهما وبكيت معهم # قال عمر ورأت أمى ما ببشر من شدة الجوع وجعل يتنفس نفسا ضعيفا فقالت له ~~أمى يا أخى ليت أمك لم تلدنى فقد والله تقطعت كبدى مما أرى بك فسمعته يقول ~~لها وأنا فليت أمى لم تلدنى وإذ ولدتنى لم يدر ثديها على # قال عمر وكانت أمى تبكى عليه الليل والنهار # وقال الربيع أتيت أويسا فوجدته جالسا حتى صلى الفجر ثم جلس فجلست فقلت لا ~~أشغله عن التسبيح فمكث مكانه حتى صلى الظهر ثم قام إلى الصلاة حتى صلى ~~العصر ثم جلس موضعه حتى صلى المغرب ثم ثبت مكانه حتى صلى العشاء ثم ثبت ~~مكانه حتى صلى الصبح ثم جلس فغلبته عيناه فقال اللهم إنى أعوذ بك من عين ~~نوامة ومن بطن لا تشبع فقلت حسبى هذا منه ثم رجعت # ونظر رجل إلى أويس فقال يا أبا عبد الله ما لى أراك كأنك مريض فقال وما ~~لأويس أن لا يكون مريضا يطعم المريض وأويس غير طاعم وينام المريض وأويس غير ~~نائم # وقال أحمد بن حرب يا عجبا لمن يعرف أن الجنة تزين فوقه وأن النار تسعر ~~تحته كيف ينام بينهما وقال رجل من النساك أتيت إبراهيم ابن أدهم فوجدته قد ~~صلى العشاء فقعدت أرقبه فلف نفسه بعباءة ثم رمى بنفسه فلم ينقلب من جنب إلى ~~جنب الليل كله حتى طلع الفجر وأذن المؤذن فوثب إلى الصلاة ولم يحدث وضوءا ~~فحاك ذلك في صدرى فقلت له رحمك الله قد نمت الليل كله مضطجعا ثم لم تجدد ~~الوضوء فقال كنت الليل كله جائلا في رياض الجنة أحيانا وفي أودية النار ~~أحيانا فهل في ذلك نوم # وقال ثابت البنانى أدركت رجالا كان أحدهم يصلى فيعجز عن أن يأتى فراشه ~~إلا حبوا وقيل مكث أبو بكر بن عياش أربعين سنة لا يضع جنبه على فراش ونزل ~~الماء في إحدى عينيه فمكث عشرين سنة لا يعلم به أهله وقيل كان ورد سمنون في ~~كل يوم خمسمائة ركعة # وعن أبى بكر المطوعى قال كان وردى في شبيبتى كل يوم وليلة أقرأ فيه قل هو ~~الله أحد إحدى وثلاثين ألف مرة أو أربعين ألف مرة شك الراوى وكان منصور بن ~~المعتمر إذا رأيته قلت رجل أصيب بمصيبة منكسر الطرف منخفض الصوت رطب ~~العينين إن حركته جاءت عيناه بأربع ولقد قالت له أمه ما هذا الذى تصنع ~~بنفسك تبكى الليل عامته لا تسكت لعلك يا بنى أصبت نفسا لعلك قتلت قتيلا ~~فيقول يا أمه أنا أعلم بما صنعت بنفسى وقيل لعامر ابن عبد الله كيف صبرك ~~على سهر الليل وظمأ الهواجر فقال هل هو إلا أنى صرفت طعام النهار إلى الليل ~~ونوم الليل إلى النهار وليس في ذلك خطير أمر وكان يقول ما رأيت مثل الجنة ~~نام طالبها ولا مثل النار نام هاربها وكان إذا جاء الليل قال أذهب حر النار ~~النوم فما ينام حتى يصبح فإذا جاء النهار قال أذهب حر النار النوم فما ينام ~~حتى يمسى فإذا جاء الليل قال من خاف أدلج وعند الصباح يحمد القوم السرى # وقال بعضهم صحبت عامر بن عبد القيس أربعة أشهر فما رأيته نام بليل ولا ~~نهار # ويروى عن رجل من أصحاب على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أنه قال صليت ~~خلف على رضى الله تعالى عنه الفجر فلما سلم انفتل عن يمينه وعليه كآبة فمكث ~~حتى طلعت الشمس ثم قلب يده وقال والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه ~~وسلم وما أرى اليوم شيئا يشبههم كانوا يصبحون شعثا غبرا صفرا قد باتوا لله ~~سجدا وقياما يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم وكانوا إذا ذكروا ~~الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم وكأن ~~القوم باتوا غافلين يعنى من كان حوله وكان أبو مسلم الخولانى قد علق سوطا ~~في مسجد بيته يخوف به نفسه وكان يقول لنفسه قومى فوالله لأزحفن بك زحفا حتى ~~يكون الكلل منك لا منى فإذا دخلت الفترة تناول سوطه وضرب به ساقه ويقول أنت ~~أولى بالضرب من دابتى وكان يقول أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن ~~يستأثروا به دوننا كلا والله لنزاحمهم عليه زحاما PageV04P411 حتى يعلموا ~~أنهم قد خلفوا وراءهم رجالا # وكان صفوان بن سليم قد تعقدت ساقاه من طول القيام وبلغ من الاجتهاد ما لو ~~قيل له القيامة غدا ما وجد متزايدا # وكان إذا جاء الشتاء اضطجع على السطح ليضر به البرد وإذا كان في الصيف ~~اضطجع داخل البيوت ليجد الحر فلا ينام وانه مات وهو ساجد وانه كان يقول ~~اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي # وقال القاسم بن محمد غدوت يوما وكنت إذا غدوت بدأت بعائشة رضي الله عنها ~~أسلم عليها فغدوت يوما إليها فإذا هى تصلى صلاة الضحى وهى تقرأ فمن الله ~~علينا ووقانا عذاب السموم وتبكى وتدعو وتردد الآية فقمت حتى مللت وهى كما ~~هى فلما رأيت ذلك ذهبت إلى السوق فقلت أفرغ من حاجتى ثم أرجع ففرغت من ~~حاجتى ثم رجعت وهى كما هى تردد الآية وتبكى وتدعو # وقال محمد بن إسحاق لما ورد علينا عبد الرحمن ابن الأسود حاجا اعتلت إحدى ~~قدميه فقام يصلى على قدم واحدة حتى صلى الصبح بوضوء العشاء # وقال بعضهم ما أخاف من الموت إلا من حيث يحول بينى وبين قيام الليل # وقال على بن أبى طالب كرم الله وجهه سيما الصالحين صفرة الألوان من السهر ~~وعمش العيون من البكاء وذبول الشفاه من الصوم عليهم غبرة الخاشعين وقيل ~~للحسن ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوها فقال لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم ~~نورا من نوره وكان عامر بن عبد القيس يقول إلهى خلقتنى ولم تؤامرنى وتميتنى ~~ولا تعلمنى وخلقت معى عدوا وجعلته يجرى منى مجرى الدم وجعلته يرانى ولا ~~أراه ثم قلت لى استمسك إلهى كيف أستمسك إن لم تمسكنى إلهى في الدنيا الهموم ~~والأحزان وفي الآخرة العقاب والحساب فأين الراحة والفرح وقال جعفر بن محمد ~~كان عتبة الغلام يقطع الليل بثلاث صيحات كان إذا صلى العتمة وضع رأسه بين ~~ركبتيه يتفكر فإذا مضى ثلث الليل صاح صيحة ثم وضع رأسه بين ركبتيه يتفكر ~~فإذا مضى الثلث الثانى صاح صيحة ثم وضع رأسه بين ركبتيه يتفكر فإذا كان ~~السحر صاح صيحة قال جعفر بن محمد فحدثت به بعض البصريين فقال # لا تنظر إلى صياحه ولكن انظر إلى ما كان فيه بين الصيحتين حتى صاح وعن ~~القاسم بن راشد الشيبانى قال كان زمعة نازلا عندنا بالمحصب وكان له أهل ~~وبنات وكان يقوم فيصلى ليلا طويلا فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته أيها ~~الركب المعرسون أكل هذا الليل ترقدون أفلا تقومون فترحلون فيتواثبون فيسمع ~~من ههنا باك ومن ههنا داع من ههنا قارئ ومن ههنا متوضئ فإذا طلع الفجر نادى ~~بأعلى صوته عند الصباح يحمد القوم السرى # وقال بعض الحكماء إن لله عبادا أنعم عليهم فعرفوه وشرح صدورهم فأطاعوه ~~وتوكلوا عليه فسلموا الخلق والأمر إليه فصارت قلوبهم معادن لصفاء اليقين ~~وبيوتا للحكمة وتوابيت للعظمة وخزائن للقدرة فهم بين الخلق مقبلون ومدبرون ~~وقلوبهم تجول في الملكوت وتلوذ بمحجوب الغيوم ثم ترجع ومعها طوائف من لطائف ~~الفوائد وما لا يمكن واصفا أن يصفه فهم في باطن أمورهم كالديباج حسنا وهم ~~الظاهر مناديل مبذولون لمن أرادهم تواضعا # وهذه طريقة لا يبلغ إليها بالتكلف وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء # وقال بعض الصالحين بينما أنا أسير في بعض جبال بيت المقدس إذ هبطت إلى ~~واد هناك فإذا أنا بصوت قد علا وإذا تلك الجبال تجيبه لها دوى عال فاتبعت ~~الصوت فإذا أنا بروضة عليها شجر ملتف وإذا أنا برجل قائم فيها يردد هذه ~~الآية يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا إلى قوله ويحذركم الله نفسه قال ~~فجلست خلفه أسمع كلامه وهو يردد هذه الآية إذ صاح صيحة خر مغشيا عليه فقلت ~~وا أسفاه هذا لشقائى # ثم انتظرت إفاقته فأفاق بعد ساعة فسمعته وهو يقول أعوذ بك من مقام ~~الكذابين أعوذ بك من أعمال البطالين أعوذ بك من إعراض الغافلين # ثم قال لك خشعت قلوب الخائفين وإليك PageV04P412 فزعت آمال المقصرين ~~ولعظمتك ذلت قلوب العارفين ثم نفض يده فقال مالى وللدنيا وما للدنيا وما لى ~~عليك يا دنيا بأبناء جنسك وألاف نعيمك إلى محبيك فاذهبى وإياهم فاخدعى ثم ~~قال أين القرون الماضية وأهل الدهور السالفة في التراب يبلون وعلى الزمان ~~يفنون فناديته يا عبد الله أنا منذ اليوم خلفك أنتظر فراغك فقال وكيف يفرغ ~~من يبادر الأوقات وتبادره يخاف سبقها بالموت إلى نفسه أم كيف يفرغ من ذهبت ~~أيامه وبقيت آثامه ثم قال أنت لها ولكل شدة أتوقع نزولها ثم لها عنى ساعة ~~وقرأ وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ثم صاح صيحة أخرى أشد من ~~الأولى وخر مغشيا عليه فقلت قد خرجت روحه فدنوت منه فإذا هو يضطرب ثم أفاق ~~وهو يقول من أنا ما خطرى هب لى إساءتى من فضلك وجللنى بسترك واعف عن ذنوبى ~~بكرم وجهك إذا وقفت بين يديك فقلت له بالذى ترجوه لنفسك وتثق به إلا كلمتنى ~~فقال عليك بكلام من ينفعك كلامه ودع كلام من أو بقته ذنوبه إنى لفى هذا ~~الموضع مذ شاء الله أجاهد إبليس ويجاهدنى فلم يجد عونا على ليخرجنى مما أنا ~~فيه غيرك فإليك عنى يا مخدوع فقد عطلت على لسانى وميلت إلى حديثك شعبة من ~~قلبى وأنا أعوذ بالله من شرك ثم أرجو أن يعيذنى من سخطه ويتفضل على برحمته ~~قال فقلت هذا ولى الله أخاف أن أشغله فأعاقب فى موضعى هذا فانصرفت وتركته # وقال بعض الصالحين بينما أنا أسير في مسير لى إذ ملت إلى شجرة لأستريح ~~تحتها فإذا أنا بشيخ قد أشرف على فقال لى يا هذا قم فإن الموت لم يمت ثم ~~هام على وجه فاتبعته فسمعته وهو يقول كل نفس ذائقة الموت اللهم بارك لى في ~~الموت فقلت وفيما بعد الموت فقال من أيقن بما بعد الموت شمر مئزر الحذر ولم ~~يكن له في الدنيا مستقر ثم قال يا من لوجهه عنت الوجوه بيض وجهى بالنظر ~~إليك واملأ قلبى من المحبة لك وأجرنى من ذلك التوبيخ غدا عندك فقد آن لى ~~الحياء منك وحان لى الرجوع عن الإعراض عنك قم قال لولا حلمك لم يسعنى أجلى ~~ولولا عفوك لم ينبسط فيما عندك أملى ثم مضى وتركنى # وقد أنشدوا في هذا المعنى # نحيل الجسم مكتئب الفؤاد % تراه بقمة أو بطن وادى # ينوح على معاص فاضحات % يكدر ثقلها صفو الرقاد # فإن هاجت مخاوفه وزادت % فدعوته أغثنى يا عمادى # فأنت بما ألاقيه عليم # كثير الصفح عن زلل العباد وقيل أيضا # ألذ من التلذذ بالغوانى % إذا أقبلن في حلل حسان # منيب فر من أهل ومال % يسيح إلى مكان من مكان # ليخمل ذكره ويعيش فردا % ويظهر في العبادة بالأمانى # تلذذه التلاوة أين ولى % وذكر بالفؤاد وباللسان # وعند الموت يأتيه بشير % يبشر بالنجاة من الهوان # فيدرك ما أراد وما تمنى % من الراحات في غرف الجنان # وكان كرز بن وبرة يختم القرآن في كل يوم ثلاث مرات ويجاهد نفسه في ~~العبادات غاية المجاهدة فقيل له قد أجهدت نفسك فقال كم عمر الدنيا فقيل ~~سبعة آلاف سنة فقال كم مقدار يوم القيامة فقيل خمسون ألف سنة فقال كيف يعجز ~~أحدكم أن يعمل سبع يوم حتى يأمن ذلك اليوم يعنى أنك لو عشت عمر الدنيا ~~واجتهدت PageV04P413 سبعة آلاف سنة وتخلصت من يوم واحد كان مقداره خمسين ~~ألف سنة لكان ربحك كثيرا وكنت بالرغبة فيه جديرا فكيف وعمرك قصير والآخرة ~~لا غاية لها فهكذا كانت سيرة السلف الصالحين في مرابطة النفس ومراقبتها # فمهما تمردت نفسك عليك وامتنعت من المواظبة على العبادة فطالع أحوال ~~هؤلاء فإنه قد عز الآن وجود مثلهم ولو قدرت على مشاهدة من اقتدى بهم فهو ~~أنجع في القلب وأبعث على الاقتداء فليس الخبر كالمعاينة وإذا عجزت عن هذا ~~فلا تغفل عن سماع أحوال هؤلاء فإن لم تكن إبل فمعزى وخير نفسك بين الاقتداء ~~بهم والكون في زمرتهم وغمارهم وهم العقلاء والحكماء وذوو البصائر في الدين ~~وبين الاقتداء بالجهلة الغافلين من أهل عصرك ولا ترض لها أن تنخرط في سلك ~~الحمقى وتقنع بالتشبه بالأغبياء وتؤثر مخالفة العقلاء # فإن حدثتك نفسك بأن هؤلاء رجال أقوياء لا يطاق الاقتداء بهم فطالع أحوال ~~النساء المجتهدات وقل لها يا نفس لا تستنكفى أن تكونى أقل من امرأة فأخسس ~~برجل يقصر عن امرأة في أمر دينها ودنياها ولنذكر الآن نبذة من أحوال ~~المجتهدات فقد روى عن حبيبة العدوية أنها كانت إذا صلت العتمة قامت على سطح ~~لها وشدت عليها درعها وخمارها ثم قالت إلهى قد غارت النجوم ونامت العيون ~~وغلقت الملوك أبوابها وخلا كل حبيب بحبيبه وهذا مقامى بين يديك ثم تقبل على ~~صلاتها فإذا طلع الفجر قالت إلهى هذا الليل قد أدبر وهذا النهار قد أسفر ~~فليت شعرى أقبلت منى ليلتى فأهنا أم رددتها على فأعزى وعزتك لهذا دأبى ~~ودأبك ما أبقيتنى وعزتك لو انتهرتنى عن بابك ما برحت لما وقع في نفسى من ~~جودك وكرمك # ويروى عن عجزة أنها كانت تحيى الليل وكانت مكفوفة البصر فإذا كان في ~~السحر نادت بصوت لها محزون إليك قطع العابدون دجى الليالى يستبقون إلى ~~رحمتك وفضل مغفرتك فبك يا إلهى أسألك لا بغيرك أن تجعلنى في أول زمرة ~~السابقين وأن ترفعنى لديك في عليين في درجة المقربين وان تلحقنى بعبادك ~~الصالحين فأنت أرحم الرحماء وأعظم العظماء وأكرم الكرماء يا كريم ثم تخر ~~ساجدة فيسمع لها وجبة ثم لا تزال تدعو وتبكى إلى الفجر # وقال يحيى بن بسطام كنت أشهد مجلس شعوانة فكنت أرى ما تصنع من النياحة ~~والبكاء فقلت لصاحب لى لو أتيناها إذا خلت فأمرناها بالرفق بنفسها فقال أنت ~~وذاك قال فأتينا فقلت لها لو رفقت بنفسك وأقصرت عن هذا البكاء شيئا فكان لك ~~أقوى على ما تريدين قال فبكت ثم قالت والله لوددت أنى أبكى حتى تنفد دموعى ~~ثم أبكى دما حتى لا تبقى قطرة من دم في جارحة من جوارحى وأنى لى بالبكاء ~~وأنى لى بالبكاء # فلم تزل تردد وأنى لى بالبكاء حتى غشى عليها # وقال محمد بن معاذ حدثتنى امرأة من المتعبدات قالت رأيت في منامى كأنى ~~أدخلت الجنة فإذا أهل الجنة قيام على أبوابهم فقلت ما شأن أهل الجنة قيام ~~فقال لى قائل خرجوا ينظرون إلى هذه المرأة التى زخرفت الجنان لقدومها فقلت ~~ومن هذه المرأة فقيل أمة سوداء من أهل الأيكة يقال لها شعوانة # قالت فقلت أختى والله قالت فبينما أنا كذلك إذ أقبل بها على نجيبة تطير ~~بها في الهواء فلما رأيتها ناديت يا أختى أما ترين مكانى من مكانك فلو دعوت ~~لى مولاك فألحقنى بك قالت فتبسمت إلى وقالت لم يأن لقدومك ولكن احفظى عنى ~~اثنتين ألزمى الحزن قلبك وقدمى محبة الله على هواك ولا يضرك متى مت وقال ~~عبد الله بن الحسن كانت لى جارية رومية وكنت بها معجبا فكانت في بعض ~~الليالى نائمة إلى جنبى فانتبهت فالتمستها فلم أجدها فقمت أطلبها فإذا هى ~~ساجدة وهي تقول بحبك لي الا ما غفرت لي ذنوبي فقلت لها لا تقولي بحبك لي ~~ولكن قولي بحبى لك فقالت يا مولاي بحبه لي أخرجني من الشرك إلى الاسلام ~~وبحبه لي أيقظ عيني وكثير من خلقه نيام وقال أبو هاشم القرشي قدمت علينا ~~امرأة من أهل اليمن يقال لها سرية فنزلت في بعض PageV04P414 ديارنا قال ~~فكنت أسمع لها من الليل أنينا وشهيقا فقلت يوما لخادم لي أشرف على هذه ~~المرأة ماذا تصنع قال فأشرف عليها فما رآها تصنع شيئيا غير أنها لا ترد ~~طرفها عن السماء وهي مستقبلة القبلة تقول خلقت سرية ثم غذيتها بنعمتك من ~~حال إلى حال وكل أحوالك لها حسنة وكل بلائك عندها جميل وهي مع ذلك متعرضة ~~لسخطك بالتوثب على معاصيك فلتة بعد فلتة أتراها تظن أنك لا ترى فعالها وأنت ~~عليم خبير وأنت على كل شيء قدير وقال ذو النون المصري خرجت ليلة من وادي ~~كنعان فلما علوت الوادي إذا سواد مقبل على وهو يقول وبدا لهم من الله ما لم ~~يكونوا يحتسبون ويبكي فلما قرب مني السواد اذا هي امرأة عليها جبة صوف ~~وبيدها ركوة فقالت لي من أنت غير فزعة مني فقلت رجل غريب فقالت يا هذا وهل ~~يوجد مع الله غربة قال فبكيت لقولها فقالت ما الذي أبكاك فقلت قد وقع ~~الدواء على داء قد قرح فأسرع في نجاحه قالت فإن كنت صادقا فلم بكيت قلت ~~يرحمك الله والصادق لا يبكي قالت لا قلت ولم ذاك قالت لأن البكاء راحة ~~القلب فسكت متعجبا من قولها # وقال أحمد بن علي استأذنا على عفيرة فحجبتنا فلازمنا الباب فلما علمت ذلك ~~قامت لتفتح الباب لنا فسمعتها وهي تقول اللهم إني أعوذ بك ممن جاء يشغلني ~~عن ذكرك ثم فتحت الباب ودخلنا عليها فقلنا لها يا أمة الله ادعي لنا فقالت ~~جعل الله قراءكم في بيتى المغفرة ثم قالت لنا مكث عطاء السلمى أربعين سنة ~~فكان لا ينظر إلى السماء فحانت منه نظرة فخر مغشيا عليه فأصابه فتق في بطنه ~~فيا ليت عفيرة إذا رفعت رأسها لم تعص وياليتها إذا عصت لم تعد وقال بعض ~~الصالحين خرجت يوما إلى السوق ومعى جارية حبشية فاحتبستها في موضع بناحية ~~السوق وذهبت في بعض حوائجى وقلت لا تبرحى حتى أنصرف إليك قال فانصرفت فلم ~~أجدها في الموضع فانصرفت إلى منزلى وأنا شديد الغضب عليها فلما رأتنى عرفت ~~الغضب في وجهى فقالت يا مولاى لا تعجل على إنك أجلستنى في موضع لم أر فيه ~~ذاكرا لله تعالى فخفت أن يخسف بذلك الموضع فعجبت لقولها وقلت لها أنت حرة # فقالت ما صنعت كنت أخدمك فيكون لى أجران وأما الآن فقد ذهب عنى أحدهما # وقال ابن العلاء السعدى كانت لى ابنة عم يقال لها بريرة تعبدت وكانت ~~كثيرة القراءة في المصحف فكلما أتت على آية فيها ذكر النار بكت فلم تزل ~~تبكى حتى ذهبت عيناها من البكاء فقال بنو عمها انطلقوا بنا إلى هذه المرأة ~~حتى نعدلها في كثرة البكاء قال فدخلنا عليها فقلنا يا بريرة كيف أصبحت قالت ~~أصبحنا أضيافا منيخين بأرض غربة ننتظر متى ندعى فنجيب فقلنا لها ما هذا ~~البكاء قد ذهبت عيناك منه فقالت إن يكن لعينى عند الله خير فما يضرهما ما ~~ذهب منهما في الدنيا وإن كان لهما عند الله شر فسيزيدهما بكاء أطول من هذا ~~ثم أعرضت # قال فقال القوم قوموا بنا فهى والله في شىء غير ما نحن فيه وكانت معاذة ~~العدوية إذا جاء النهار تقول هذا يومى الذى أموت فيه فما تطعم حتى تمسى ~~فإذا جاء الليل تقول هذه الليلة التى أموت فيها فتصلى حتى تصبح وقال أبو ~~سليمان الدارانى بت ليلة عند رابعة فقامت إلى محراب لها وقمت أنا إلى ناحية ~~من البيت فلم تزل قائمة إلى السحر فلما كان السحر قلت ما جزاء من قوانا على ~~قيام هذه الليلة قالت جزاؤه أن تصوم له غدا وكانت شعوانة تقول في دعائها ~~إلهى ما أشوقنى إلى لقائك وأعظم رجائى لجزائك وأنت الكريم الذى لا يخيب ~~لديك أمل الآملين ولا يبطل عندك شوق المشتاقين إلهى إن كان دنا أجلى ولم ~~يقربنى منك عمل فقد جعلت الاعتراف بالذنب وسائل عللى فإن عفوت فمن أولى منك ~~بذلك وإن عذبت فمن أعدل منك هنالك إلهى قد جرت على نفسى في النظر لها وبقى ~~لها حسن نظرك فالويل لها إن لم تسعدها إلهى إنك لم تزل بى برا أيام حياتى ~~فلا تقطع عنى برك بعد مماتى PageV04P415 ولقد رجوت ممن تولانى في حياتى ~~بإحسانه أن يسعفنى عند مماتى بغفرانه إلهى كيف أيأس من حسن نظرك بعد مماتى ~~ولم تولنى إلا الجميل في حياتى إلهى إن كانت ذنوبى قد أخافتنى فإن محبتى لك ~~قد أجارتنى فتول من أمرى ما أنت أهله وعد بفضلك على من غره جهله إلهى لو ~~أردت إهانتى لما هديتنى ولو أردت فضيحتى لم تسترنى فمتعنى بما له هديتنى ~~وأدم لى ما به سترتنى إلهى ما أظنك تردنى في حاجة أفنيت فيها عمرى إلهى ~~لولا ما قارفت من الذنوب ما خفت عقابك ولولا ما عرفت من كرمك ما رجوت ثوابك ~~وقال الخواص دخلنا على رحلة العابدة وكانت قد صامت حتى اسودت وبكت حتى عميت ~~وصلت حتى أقعدت وكانت تصلى قاعدة فسلمنا عليها ثم ذكرناها شيئا من العفو ~~ليهون عليها الأمر قال فشهقت ثم قالت علمى بنفسى قرح فؤادى وكلم كبدى والله ~~لوددت أن الله لم يخلقنى ولم أك شيئا مذكورا ثم أقبلت على صلاتها # فعليك إن كنت من المرابطين المراقبين لنفسك أن تطالع أحوال الرجال ~~والنساء من المجتهدين لينبعث نشاطك ويزيد حرصك وإياك أن تنظر إلى أهل عصرك ~~فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك على سبيل الله # وحكايات المجتهدين غير محصورة وفيما ذكرناه كفاية للمعتبر # وإن أردت مزيدا فعليك بالمواظبة على مطالعة كتاب حلية الأولياء فهو مشتمل ~~على شرح أحوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم وبالوقوف عليه يستبين لك بعدك ~~وبعد أهل عصرك من أهل الدين # فإن حدثتك نفسك بالنظر إلى أهل زمانك وقالت إنما تيسر الخير في ذلك ~~الزمانلكثرة الأعوان والآن فإن خالفت أهل زمانك رأوك مجنونا وسخروا بك ~~فوافقهم فيما هم فيه وعليه فلا يجرى عليك إلا ما يجرى عليهم والمصيبة إذا ~~عمت طابت فإياك أن تتدلى بحبل غرورها وتنخدع بتزويرها وقل لها أرأيت لو هجم ~~سيل جارف يغرق أهل البلد وثبتوا على مواضعهم ولم يأخذوا حذرهم لجهلهم ~~بحقيقة الحال وقدرت أنت على أن تفارقيهم وتركبى في سفينة تتخلصين بها من ~~الغرق فهل يختلج في نفسك أن المصيبة إذا عمت طابت أم تتركين موافقتهم ~~وتستجهلينهم في صنيعهم وتأخذين حذرك مما دهاك فإذا كنت تتركين موافقتهم ~~خوفا من الغرق وعذاب الغرق لا يتمادى إلا ساعة فكيف لا تهربين من عذاب ~~الأبد وأنت متعرضة له في كل حال ومن أين تطيب المصيبة إذا عمت ولأهل النار ~~شغل شاغل عن الالتفات إلى العموم والخصوص ولم يهلك الكفار إلا بموافقة أهل ~~زمانهم حيث قالو إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون فعليك ~~إذا اشتغلت بمعاتبة نفسك وحملها على الاجتهاد فاستعصت أن لا تترك معاتبتها ~~وتوبيخها وتعريفها سوء نظرها لنفسها فعساها تنزجر عن طغيانها المرابطة ~~السادسة في توبيخ النفس ومعاتبتها # أعلم أن أعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك وقد خلقت أمارة بالسوء ميالة إلى ~~الشر فرارة من الخير وأمرت بتزكيتها وتقويمها وقودها بسلاسل القهر إلى ~~عبادة ربها وخالقها ومنعها عن شهواتها وفطامها عن لذاتها فإن أهملتها جمحت ~~وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك وإن لازمتها بالتوبيخ والمعاتبة والعذل ~~والملامة كانت نفسك هى النفس اللوامة التى أقسم الله بها ورجوت أن تصير ~~النفس المطمئنة المدعوة إلى أن تدخل فى زمرة عباد الله راضية مرضية قال ~~تغفلن ساعة عن تذكيرها ومعاتبتها ولا تشتغلن بوعظ غيرك ما لم تشتغل أولا ~~بوعظ نفسك أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام يا ابن مريم عظ نفسك فإن ~~اتعظت فعظ الناس إلا فاستحى منى وقال تعالى وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ~~وسبيلك أن تقبل عليها فتقرر عندها جهلها وغباوتها وأنها أبدا تتعزر بفطنتها ~~وهدايتها ويشتد أنفها واستنكافها إذا نسبت إلى الحمق فتقول لها يا نفس ما ~~أعظم جهلك تدعين الحكمة PageV04P416 والذكاء والفطنة وأنت أشد الناس غباوة ~~وحمقا أما تعرفين ما بين يديك من الجنة والنار وأنك صائرة إلى إحداهما على ~~القرب فما لك تفرحين وتضحكين وتشتغلين باللهو وأنت مطلوبة لهذا الخطب ~~الجسيم وعساك اليوم تختطفين أو غدا فأراك ترين الموت بعيدا ويراه الله ~~قريبا أما تعلمين أن كل ما هو آت قريب وأن البعيد ما ليس بآت أما تعلمين أن ~~الموت يأتى بغتة من غير تقديم رسول ومن غير مواعدة ومواطأة وأنه لا يأتى في ~~شىء دون شىء ولا في شتاء دون صيف ولا في صيف دون شتاء ولا في نهار دون ليل ~~ولا في ليل دون نهار ولا يأتى في الصبا دون الشباب ولا في الشباب دون الصبا ~~بل كل نفس من الأنفاس يمكن أن يكون فيه الموت فجأة فإن لم يكن الموت فجأة ~~فيكون المرض فجأة ثم يفضى إلى الموت فما لك لا تستعدين للموت وهو أقرب إليك ~~من كل قريب أما تتدبرين قوله تعالى اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ~~ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم ويحك ~~يا نفس إن كانت جراءتك على معصية الله لاعتقادك أن الله لا يراك فما أعظم ~~كفرك وإن كان مع علمك باطلاعه عليك فما أشد وقاحتك وأقل حياءك ويحك يا نفس ~~لو واجهك عبد من عبيدك بل أخ من إخوانك بما تكرهينه كيف كان غضبك عليه ~~ومقتك له فبأى جسارة تتعرضين لمقت الله وغضبه وشديد عقابه أفتظنين أنك ~~تطيقين عذابه هيهات هيهات جربى نفسك إن ألهاك البطر عن أليم عذابه فاحتبسى ~~ساعة في الشمس أو فى بيت الحمام أو قربى أصبعك من النار ليتبين قدر طاقتك ~~أمتغترين بكرم الله وفضله واستغنائه عن طاعتك وعبادتك فما لك لا تعولين على ~~كرم الله تعالى في مهمات دنياك فإذا قصدك عدو فلم تستنبطين الحيل في دفعه ~~ولا تكلينه إلى كرم الله تعالى وإذا أرهقتك حاجة إلى شهوة من شهوات الدنيا ~~مما لا ينقضى إلا بالدينار والدرهم فما لك تنزعين الروح في طلبها وتحصيلها ~~من وجوه الحيل فلا تعولين على كرم الله تعالى حتى يعثر بك على كنز أو يسخر ~~عبدا من عبيده فيحمل إليك حاجتك من غير سعى منك ولا طلب أفتحسبين أن الله ~~كريم في الآخرة دون الدنيا وقد عرفت أن سنة الله لا تبديل لها وأن رب ~~الآخرة والدنيا واحد وأن ليس للإنسان إلا ما سعى # ويحك يا نفس ما أعجب نفاقك ودواعيك الباطلة فإنك تدعين الإيمان بلسانك ~~وأثر النفاق ظاهر عليك ألم يقل لك سيدك ومولاك وما من دابة في الأرض إلا ~~على الله رزقها وقال في أمر الآخرة وأن ليس للإنسان إلا ما سعى فقد تكفل لك ~~بأمر الدنيا خاصة وصرفك عن السعى فيها فكذبته بأفعالك وأصبحت تتكالبين على ~~طلبها تكالب المدهوش المستهتر ووكل أمر الآخرة إلى سعيك فأعرضت عنها إعراض ~~المغرور المستحقر ما هذا من علامات الإيمان لو كان الإيمان باللسان فلم كان ~~المنافقون في الدرك الأسفل من النار ويحك يا نفس كأنك لا تؤمنين بيوم ~~الحساب وتظنين أنك إذا مت انفلت وتخلصت وهيهات أتحسبين أنك تتركين سدى ألم ~~تكونى نطفة من منى يمنى ثم كنت علقة فخلق فسوى أليس ذلك بقادر على أن يحيى ~~الموتى فإن كان هذا من إضمارك فما أكفرك وأجهلك أما تتفكرين أنه مماذا خلقك ~~من نطفة خلقك فقدرك ثم السبيل يسرك ثم أماتك فأقبرك أفتكذبينه في قوله # ثم إذا شاء أنشرك فإن لم تكونى مكذبة فما لك لا تأخذين حذرك ولو أن ~~يهوديا أخبرك في ألذ أطعمتك بأنه يضرك في مرضك لصبرت عنه وتركته وجاهدت ~~نفسك فيه أفكان قول الأنبياء المؤيدين بالمعجزات وقول الله تعالى في كتبه ~~المنزلة أقل عندك تأثيرا من قول يهودى يخبرك عن حدس وتخمين وظن مع نقصان ~~عقل وقصور علم والعجب أنه لو أخبرك طفل بأن في ثوبك عقربا لرميت ثوبك في ~~الحال من غير مطالبة له بدليل وبرهان أفكان قول الأنبياء والعلماء والحكماء ~~وكافة PageV04P417 الأولياء أقل عندك من قول صبى من جملة الأغبياء أم صار ~~حر جهنم وأغلالها وأنكالها وزقومها ومقامعها وصديدها وسمومها وأفاعيها ~~وعقاربها أحقر عندك من عقرب لا تحسين بألمها إلا يوما أو أقل منه ما هذه ~~أفعال العقلاء بل لو انكشف للبهائم حالك لضحكوا منك وسخروا من عقلك فإن كنت ~~يا نفس قد عرفت جميع ذلك وآمنت به فما لك تسوفين العمل والموت لك بالمرصاد ~~ولعله يختطفك من غير مهلة فبماذا أمنت استعجال الأجل وهبك أنك وعدت ~~بالإمهال مائة سنة أفتظنين أن من يطعم الدابة في حضيض العقبة يفلح ويقدر ~~على قطع العقبة بها إن ظننت ذلك فما أعظم جهلك أرأيت لو سافر رجل ليتفقه في ~~الغربة فأقام فيها سنين متعطلا بطالا يعد نفسه بالتفقه فى السنة الأخيرة ~~عند رجوعه إلى وطنه هل كنت تضحكين من عقله وظنه أن تفقيه النفس مما يطمع ~~فيه بمدة قريبة أو حسبانه أن مناصب الفقهاء تنال من غير تفقه اعتمادا على ~~كرم الله سبحانه وتعالى ثم هبى أن الجهد في آخر العمر نافع وأنه موصل إلى ~~الدرجات العلا فلعل اليوم آخر عمرك فلم تشتغلين فيه بذلك فإن أوحى إليك ~~بالإمهال فما المانع من المبادرة وما الباعث لك على التسويف هل له سبب إلا ~~عجزك عن مخالفة شهواتك لما فيها من التعب والمشقة أفتنتظرين يوما يأتيك لا ~~تعسر فيه مخالفة الشهوات هذا يوم لم يخلقه الله قط ولا يخلقه فلا تكون ~~الجنة قط إلا محفوفة بالمكاره ولا تكون المكاره قط خفيفة على النفوس وهذا ~~محال وجوده أما تتأملين مذ كم تعدين نفسك وتقولين غدا غدا فقد جاء الغد ~~وصار يوما فكيف وجدته أما علمت أن الغد الذى جاء وصار يوما كان له حكم ~~الأمس لا بل الذى تعجزين عنه اليوم فأنت غدا عنه أعجز وأعجز لأن الشهوة ~~كالشجرة الراسخة التى تعبد العبد بقلعها فإذا عجز العبد عن قلعها للضعف ~~وأخرها كان كمن عجز عن قلع شجرة وهو شاب قوى فأخرها إلى سنة أخرى مع العلم ~~بأن طول المدة يزيد الشجرة قوة ورسوخا ويزيد القالع ضعفا ووهنا فما لا يقدر ~~عليه في الشباب لا يقدر عليه قط فى المشيب بل من العناء رياضة الهرم ومن ~~التعذيب تهذيب الذيب # والقضيب الرطب يقبل الانحناء فإذا جف وطال عليه الزمان لم يقبل ذلك فإذا ~~كنت أيتها النفس لا تفهمين هذه الأمور الجلية وتركنين إلى التسويف فما بالك ~~تدعين الحكمة وأية حماقة تزيد على هذه الحماقة # ولعلك تقولين ما يمنعنى عن الاستقامة إلا حرصى على لذة الشهوات وقلة صبرى ~~على الآلام والمشقات فما أشد غباوتك وأقبح اعتذارك إن كنت صادقة في ذلك ~~فاطلبى التنعم بالشهوات الصافية عن الكدورات الدائمة أبد الآباد ولا مطمع ~~في ذلك إلا في الجنة فإن كنت ناظرة لشهوتك فالنظر لها في مخالفتها قرب أكلة ~~تمنع أكلات # وما قولك في عقل مريض أشار عليه الطبيب بترك الماء البارد ثلاثة أيام ~~ليصح ويهنأ بشربة طول عمره وأخبره أنه إن شرب ذلك مرض مرضا مزمنا وامتنع ~~عليه شربه طول العمر فما مقتضى العقل في قضاء حق الشهوة أيصبر ثلاثة أيام ~~ليتنعم طول العمر أم يقضى شهوته في الحال خوفا من ألم المخالفة ثلاثة أيام ~~حتى يلزمه ألم المخالفة ثلثمائة يوم وثلاثة آلاف يوم وجميع عمرك بالإضافة ~~إلى الأبد الذى هو مدة نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار أقل من ثلاثة أيام ~~بالإضافة إلى جميع العمر وإن طالت مدته # وليت شعرى ألم الصبر عن الشهوات أعظم شدة وأطول مدة أو ألم النار في ~~دركات جهنم فمن لا يطيق الصبر على ألم المجاهدة كيف يطيق ألم عذاب الله ما ~~أراك تتوانين عن النظر لنفسك إلا لكفر خفى أو لحمق جلى # أما الكفر الخفى فهو ضعف إيمانك بيوم الحساب وقلة معرفتك بعظم قدر الثواب ~~والعقاب # وأما الحمق الجلى فاعتمادك على كرم الله تعالى وعفوه من غير التفات إلى ~~مكره واستدراجه واستغنائه عن عبادتك مع أنك لا تعتمدين على كرمه في لقمة من ~~الخبز أو حبة من المال أو كلمة واحدة تسمعينها PageV04P418 من الخلق بل ~~تتوصلين إلى غرضك في ذلك بجميع الحيل وبهذا الجهل تستحقين لقب الحماقة من ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد ~~الموت والأحمق من أتبع نفسههواها وتمنى على الله الأمانى # ويحك يا نفس لا ينبغى أن تغرك الحياة الدنيا ولا يغرنك بالله الغرور ~~فانظرى لنفسك فما أمرك بمهم لغيرك ولا تضيعى أوقاتك فالأنفاس معدودة فإذا ~~مضى منك نفس فقد ذهب بعضك فاغتنمى الصحة قبل السقم والفراغ قبل الشغل ~~والغنى قبل الفقر والشباب قبل الهرم والحياة قبل الموت واستعدي للآخرة على ~~قدر بقائك فيها يا نفس أما تستعدين للشتاء بقدر طول مدته فتجمعين له القوت ~~والكسوة والحطب وجميع الأسباب ولا تتكلين في ذلك على فضل الله وكرمه حتى ~~يدفع عنك البرد من غير جبة ولبد وحطب وغير ذلك فإنه قادر على ذلك أفتظنين ~~أيتها النفس أن زمهرير جهنم أخف بردا وأقصر مدة من زمهرير الشتاء أم تظنين ~~أن ذلك دون هذا كلا أن يكون هذا كذلك أو أن يكون بينهما مناسبة في الشدة ~~والبرودة أفتظنين أن العبد ينجو منها يغير سعى هيهات كما لا يندفع برد ~~الشتاء إلا بالجبة والنار وسائر الأسباب فلا يندفع حر النار وبردها إلا ~~بحصن التوحيد وخندق الطاعات وإنما كرم الله تعالى فى أن عرفك طريق التحصن ~~ويسر لك أسبابه لا فى أن يندفع عنك العذاب دون حصنه كما أن كرم الله تعالى ~~فى دفع برد الشتاء أن خلق النار وهداك لطريق استخراجها من بين حديدة وحجر ~~حتى تدفعى بها برد الشتاء عن نفسك وكما ان شراه الحطب والجبة مما يستغنى ~~عنه خالقك ومولاك وإنما تشترينه لنفسك إذ خلقه سببا لاستراحتك فطاعاتك ~~ومجاهداتك أيضا هو مستغن عنها وإنما هى طريقك إلى نجاتك فمن أحسن فلنفسه ~~ومن أساء فعليها والله غنى عن العالمين # ويحك يا نفس انزعى عن جهلك وقيسى آخرتك بدنياك فما خلقكم ولا بعثكم إلا ~~كنفس واحدة و كما بدأنا أول خلق نعيده و كما بدأكم تعودون وسنة الله تعالى ~~لا تجدين لها تبديلا ولا تحويلا ويحك يا نفس ما أراك إلا ألفت الدنيا وأنست ~~بها فعسر عليك مفارقتها وأنت مقبلة على مقاربتها وتؤكدين في نفسك مودتها ~~فاحسن أنك غافلة عن عقاب الله وثوابه وعن أهوال القيامة وأحوالها فما أنت ~~مؤمنة بالموت المفرق بينك وبين محابك أفترين أن من يدخل دار ملك ليخرج من ~~الجانب الآخر فمد بصره إلى وجه مليح يعلم أنه يستغرق ذلك قلبه ثم يضطر لا ~~محالة إلى مفارقته أهو معدود من العقلاء أم من الحمقى أما تعلمين أن الدنيا ~~دار لملك الملوك ومالك فيها إلا مجاز وكل ما فيها لا يصحب المجتازين بها ~~بعد الموت ولذلك قال سيد البشر صلى الله عليه وسلم إن روح القدس نفث في ~~روعى أحبب من أحببت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزى به وعش ما شئت فإنك ~~ميت + حديث إن روح القدس نفث في روعى أحبب من أحببت فإنك مفارقه الحديث ~~تقدم في العلم وغيره + ويحك يا نفس أتعلمين أن كل من يلتفت إلى ملاذ الدنيا ~~ويأنس بها مع أن الموت من ورائه فإنما يستكثر من الحسرة عند المفارقة وإنما ~~يتزود من السم المهلك وهو لا يدرى أو ما تنظرين إلى الذين مضوا كيف بنوا ~~وعلوا ثم ذهبوا وخلوا وكيف أورث الله أرضهم وديارهم أعداءهم أما ترينهم كيف ~~يجمعون ما لا يأكلون ويبنون ما لا يسكنون ويؤملون ما لا يدركون يبنى كل ~~واحد قصرا مرفوعا إلى جهة السماء ومقره قبر محفور تحت الأرض فهل في الدنيا ~~حمق وانتكاس أعظم من هذا يعمر الواحد دنياه وهو مرتحل عنها يقينا ويخرب ~~آخرته وهو صائر إليها قطعا # أما تستحيين يا نفس من مساعدة هؤلاء الحمقى على حماقتهم واحسبى أنك لست ~~ذات بصيرة تهتدى إلى هذه الأمور وإنما تميلين بالطبع إلى التشبه والاقتداء ~~فقيسى عقل الأنبياء والعلماء PageV04P419 والحكماء بعقل هؤلاء المنكبين على ~~الدنيا واقتدى من الفريقين بمن هو أعقل عندك إن كنت تعتقدين في نفسك العقل ~~والذكاء # يا نفس ما أعجب أمرك وأشد جهلك وأظهر طغيانك عجبا لك كيف تعمين عن هذه ~~الأمور الواضحة الجليلة ولعلك يا نفس أسكرك حب الجاه وأدهشك عن فهمها أو ما ~~تتفكرين أن الجاه لا معنى له إلا ميل القلوب من بعض الناس إليك فاحسبى أن ~~كل من على وجه الأرض سجد لك وأطاعك أفما تعرفين أنه بعد خمسين سنة لا تبقين ~~انت ولا أحد ممن على وجه الأرض ممن عبدك وسجد لك وسيأتى زمان لا يبقى ذكرك ~~ولا ذكر من ذكرك كما أتى على الملوك الذين كانوا من قبلك فهل تحس منهم من ~~أحد أو تسمع لهم ركزا فكيف تبيعين يا نفس ما يبقى أبد الآباد بما لا يبقى ~~أكثر من خمسين سنة إن بقى هذا إن كنت ملكا من ملوك الأرض سلم لك الشرق ~~والغرب حتى أذعنت لك الرقاب وانتظمت لك الأسباب كيف ويأبى إدبارك وشقاوتك ~~أن يسلم لك أمر محلتك بل أمر دارك فضلا عن محلتك فإن كنت يا نفس لا تتركين ~~الدنيا رغبة في الآخرة لجهلك وعمى بصيرتك فما لك لا تتركينها ترفعا عن خسة ~~شركائها وتنزها عن كثرة عنائها وتوقيا من سرعة فنائها أم ما لك لا تزهدين ~~في قليلها بعد أن زهد فيك كثيرها وما لك تفرحين بدنيا إن ساعدتك فلا تخلو ~~بلدك من جماعة من اليهود والمجوس يسبقونك بها ويزيدون عليك في نعيمها ~~وزينتها فأف لدنيا يسبقك بها هؤلاء الأخساء فما أجهلك وأخس همتك وأسقط رأيك ~~إذ رغبت عن ان تكونى في زمرة المقربين من النبيين والصديقين في جوار رب ~~العالمين أبد الآبدين لتكونى في صف النعال من جملة الحمقى الجاهلين أياما ~~قلائل فيا حسرة عليك إن خسرت الدنيا والدين فبادرى ويحك يا نفس فقد أشرفت ~~على الهلاك واقترب الموت وورد النذير فمن ذا يصلى عنك بعد الموت ومن ذا ~~يصوم عنك بعد الموت ومن ذا يترضى عنك ربك بعد الموت # ويحك يا نفس مالك إلا أيام معدودة هى بضاعتك إن اتجرت فيها وقد ضيعت ~~أكثرها فلو بكيت بقية عمرك على ما ضيعت منها لكنت مقصرة في حق نفسك فكيف ~~إذا ضيعت البقية وأصررت على عادتك أما تعلمين يا نفس أن الموت موعدك والقبر ~~بيتك والتراب فراشك والدود أنيسك والفزع الأكبر بين يديك أما علمت يا نفس ~~أن عسكر الموتى عندك على باب البلد ينتظرونك وقد آلوا على أنفسهم كلهم ~~بالأيمان المغلظة أنهم لا يبرحون من مكانهم ما لم يأخذوك معهم أما تعلمين ~~يا نفس أنهم يتمنون الرجعة إلى الدنيا يوما ليشتغلوا بتدارك ما فرط منهم ~~وأنت في أمنيتهم ويوم من عمرك لو بيع منهم بالدنيا بحذافيرها لا شتروه لو ~~قدروا عليه وأنت تضيعين أيامك في الغفلة والبطالة ويحك يا نفس أما تستحيين ~~تزينين ظاهرك للخلق وتبارزين الله في السر بالعظائم أفتستحيين من الخلق ولا ~~تستحيين من الخالق ويحك أهو أهون الناظرين عليك أتأمرين الناس بالخير وأنت ~~متلطخة بالرذائل تدعين إلى الله وأنت عنه فارة وتذكرين بالله وأنت له ناسية ~~أما تعلمين يا نفس أن المذنب أنتن من العذرة وأن العذرة لا تطهر غيرها فلم ~~تطمعين في تطهير غيرك وأنت غير طيبة في نفسك ويحك يا نفس لو عرفت نفسك حق ~~المعرفة لظننت أن الناس ما يصيبهم بلاء إلا بشؤمك ويحك يا نفس قد جعلت نفسك ~~حمارا لإبليس يقودك إلى حيث يريد ويسخر بك ومع هذا فتعجبين بعملك وفيه من ~~الآفات ما لو نجوت منه رأسا برأس لكان الربح في يديك وكيف تعجبين بعملك مع ~~كثرة خطاياك وزللك وقد لعن الله إبليس بخطيئة واحدة بعد أن عبده مائتى ألف ~~سنة وأخرج آدم من الجنة بخطيئة واحدة مع كونه نبيه وصفيه ويحك يا نفس ما ~~أغدرك ويحك يا نفس ما أوقحك ويحك يا نفس ما أجهلك وما أجرأك على المعاصى ~~ويحك كم تعقدين فتنقضين ويحك كم تعهدين فتغدرين ويحك يا نفس أتشتغلين مع ~~هذه الخطايا بعمارة دنياك كأنك غير PageV04P420 مرتحلة عنها أما تنظرين إلى ~~أهل القبور كيف كانوا جمعوا كثيرا وبنوا مشيدا وأملوا بعيدا فأصبح جمعهم ~~بورا وبنيانهم قبورا وأملهم غرورا ويحك يا نفس أما لك بهم عبرة أما لك ~~إليهم نظرة أتظنين أنهم دعوا إلى الآخرة وأنت من المخلدين هيهات هيهات ساء ~~ما تتوهمين ما أنت إلا فى هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك فابنى على وجه ~~الأرض قصرك فإن بطنها عن قليل يكون قبرك أما تخافين إذا بلغت النفس منك ~~التراقى أن تبدو رسل ربك منحدرة إليك بسواد الألوان وكلح الوجوه وبشرى ~~بالعذاب فهل ينفعك حينئذ الندم أو يقبل منك الحزن أو يرحم منك البكاء ~~والعجب كل العجب منك يا نفس أنك مع هذا تدعين البصيرة والفطنة ومن فطنتك ~~أنك تفرحين كل يوم بزيادة مالك ولا تحزنين بنقصان عمرك وما نفع مال يزيد ~~وعمر ينقص ويحك يا نفس تعرضين عن الآخرة وهى مقبلة عليك وتقبلين على الدنيا ~~وهى معرضة عنك فكم من مستقبل يوما لا يستكمله وكم من مؤمل لغد لا يبلغه ~~فأنت تشاهدين ذلك في إخوانك وأقاربك وجيرانك فترين تحسرهم عند الموت ثم لا ~~ترجعين عن جهالتك فاحذرى أيتها النفس المسكينة يوما آلى الله فيه على نفسه ~~أن لا يترك عبد أمره في الدنيا ونهاه حتى يسأله عن عمله دقيقه وجليله سره ~~وعلانيته فانظرى يا نفس بأى بدن تقفين بين يدى الله وبأى لسان تجيبين وأعدى ~~للسؤال جوابا وللجواب صوابا واعملى بقية عمرك في أيام قصار لأيام طوال وفي ~~دار زوال لدار مقامة وفي دار حزن ونصب لدار نعيم وخلود اعملى قبل أن لا ~~تعملى اخرجى من الدنيا اختيارا خروج الأحرار قبل أن تخرجى منها على ~~الاضطرار ولا تفرحى بما يساعدك من زهرات الدنيا فرب مسرور مغبون ورب مغبون ~~لا يشعر فويل لمن له الويل ثم لا يشعر يضحك ويفرح ويلهو ويمرح ويأكل ويشرب ~~وقد حق له في كتاب الله انه من وقود النار فليكن نظرك يا نفس إلى الدنيا ~~اعتبارا وسعيك لها اضطرارا ورفضك لها اختيارا وطلبك للآخرة ابتدارا ولا ~~تكونى ممن يعجز عن شكر ما أوتى ويبتغى الزيادة فيما بقى وينهى الناس ولا ~~ينتهى واعلمى يا نفس أنه ليس للدين عوض ولا للإيمان بدل ولا للجسد خلف ومن ~~كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وإن لم يسر # فاتعظى يا نفس بهذه الموعظة واقبلى هذه النصيحة فإن من أعرض عن الموعظة ~~فقد رضى بالنار وما أراك بها راضية ولا لهذه الموعظة واعية فإن كانت ~~القساوة تمنعك عن قبول الموعظة فاستعينى عليها بدوام التهجد والقيام فإن لم ~~تزل فالمواظبة على الصيام فإن لم يزل فبقلة المخالطة والكلام فإن لم تزل ~~فبصلة الأرحام واللطف بالأيتام فإن لم تزل فاعلمى أن الله قد طبع على قلبك ~~وأقفل عليه وأنه قد تراكمت ظلمة الذنوب على ظاهره وباطنه فوطنى نفسك على ~~النار فقد خلق الله الجنة وخلق لها أهلا وخلق النار وخلق لها أهلا فكل ميسر ~~لما خلق له فإن لم يبق فيك مجال للوعظ فاقنطى من نفسك والقنوط كبيرة من ~~الكبائر نعوذ بالله من ذلك فلا سبيل لك إلى القنوط ولا سبيل لك إلى الرجاء ~~مع انسداد طرق الخير عليك فإن ذلك اغترار وليس برجاء فانظرى الآن هل يأخذك ~~حزن على هذه المصيبة التى ابتليت بها وهل تسمح عينك بدمعة رحمة منك على ~~نفسك فإن سمحت فمستقى الدمع من بحر الرحمة فقد بقى فيك موضع للرجاء فواظبي ~~على النياحة والبكاء واستعينى بأرحم الراحمين واشتكى إلى أكرم الأكرمين ~~وأدمنى الاستغاثة ولا تملى طول الشكاية لعله أن يرحم ضعفك ويغيثك فإن ~~مصيبتك قد عظمت وبليتك قد تفاقمت وتماديك قد طال وقد انقطعت منك الحيل ~~وراحت عنك العلل فلا مذهب ولا مطلب ولا مستغاث ولا مهرب ولا ملجأ ولا منجا ~~إلا إلى مولاك فافزعى إليه بالتضرع واخشعى في تضرعك على قدر عظم جهلك وكثرة ~~ذنوبك لأنه يرحم المتضرع الذليل ويغيث الطالب المتلهف ويجيب دعوة ~~PageV04P421 المضطر وقد أصبحت إليه اليوم مضطرة وإلى رحمته محتاجة وقد ضاقت ~~بك السبل وانسدت عليك الطرق وانقطعت منك الحيل ولم تنجح فيك العظات ولم ~~يكسرك التوبيخ فالمطلوب منه كريم والمسئول جواد والمستغاث به بر رءوف ~~والرحمة واسعة والكرم فائض والعفو شامل وقولى يا أرحم الراحمين يا رحمن يا ~~رحيم يا حليم يا عظيم يا كريم أنا المذنب المصر أنا الجرىء الذى لا أقلع ~~أنا المتمادى الذى لا أستحى هذا مقام المتضرع المسكين والبائس الفقير ~~والضعيف الحقير والهالك الغريق فعجل إغاثتى وفرجى وأرنى آثار رحمتك وأذقنى ~~برد عفوك ومغفرتك وارزقنى قوة عظمتك يا أرحم الراحمين # اقتداء بأبيك آدم عليه السلام فقد قال وهب بن منبه لما أهبط الله آدم من ~~الجنة إلى الأرض مكث لا ترقأ له دمعة فاطلع الله عز وجل عليه في اليوم ~~السابع وهو محزون كئيب كظيم منكس رأسه فأوحى الله تعالى إليه يا آدم ما هذا ~~الجهد الذى أرى بك قال يا رب عظمت مصيبتى وأحاطت بى خطيئتى وأخرجت من ملكوت ~~ربى فصرت في دار الهوان بعد الكرامة وفي دار الشقاء بعد السعادة وفي دار ~~النصب بعد الراحة وفي دار البلاء بعد العافية وفي دار الزوال بعد القرار ~~وفي دار الموت والفناء بعد الخلود والبقاء فكيف لا أبكى على خطيئتى فأوحى ~~الله تعالى إليه يا آدم ألم أصطفك لنفسى وأحللتك دارى وخصصتك بكرامتى ~~وحذرتك سخطى ألم أخلقك بيدى ونفخت فيك من روحى وأسجدت لك ملائكتى فعصيت ~~أمرى ونسيت عهدى وتعرضت لسخطى فو عزتى وجلالى لو ملأت الأرض رجالا كلهم ~~مثلك يعبدونني ويسبحونني ثم عصونى لأنزلتهم منازل العاصين فبكى آدم عليه ~~السلام عند ذلك ثلثمائة عام # وكان عبيد الله البجلى كثير البكاء يقول في بكائه طول ليله إلهى أنا الذى ~~كلما طال عمرى زادت ذنوبى أنا الذى كلما هممت بترك خطيئة عرضت لى شهوة أخرى ~~واعبيداه خطيئة لم تبل وصاحبها في طلب أخرى واعبيداه إن كانت النار لك ~~مقيلا ومأوى واعبيداه إن كانت المقامع برأسك تهيأ واعبيداه قضيت حوائج ~~الطالبين ولعل حاجتك لا تقضى # وقال منصور بن عمار سمعت في بعض الليالى بالكوفة عابدا يناجى ربه وهو ~~يقول يا رب وعزتك ما أرد بمعصيتك مخالفتك ولا عصيتك إذ عصيتك وأنا بمكانك ~~جاهل ولا لعقوبتك متعرض ولا لنظرك مستخف ولكن سولت لى نفسى وأعاننى على ذلك ~~شقوتى وغرنى سترك المرخى على فعصيتك بجهلى وخالفتك بفعلى فمن عذابك الآن من ~~يستنقذنى أو بحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عنى واسوأتاه من الوقوف بين يديك ~~غدا إذا قيل للمخفين جوزوا وقيل للمثقلين حطوا أمع المخفين أجوز أم مع ~~المثقلين أحط ويلى كلما كبرت سنى كثرت ذنوبى ويلى كلما طال عمرى كثرت معاصى ~~فإلى متى أتوب وإلى متى أعود أما آن لى أن أستحيى من ربي # فهذه طرق القوم في مناجاة مولاهم وفي معاتبة نفوسهم وإنما مطلبهم من ~~المناجاة الاسترضاء ومقصدهم من المعاتبة التنبيه والاسترعاء فمن أهمل ~~المعاتبة والمناجاة لم يكن لنفسه مراعيا ويوشك أن لا يكون الله تعالى عنه ~~راضيا والسلام ثم كتاب المحاسبة والمراقبة # يتلوه كتاب التفكر إن شاء الله تعالى والحمد لله وحده وصلاته على سيدنا ~~محمد وآله وصحبه وسلامه PageV04P422 # | كتاب التفكر وهو الكتاب التاسع من ربع المنجيات من كتاب إحياء علوم # الدين # | بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذى لم يقدر لانتهاء عزته نحوا ولا قطرا ولم يجعل لمراقى ~~أقدام الأوهام ومرمى سهام الأفهام إلى حمى عظمته مجرى بل ترك قلوب الطالبين ~~في بيداء كبريائه والهة حيرى كلما اهتزت لنيل مطلوبها ردتها سبحات الجلال ~~قسرا وإذا همت بالانصراف آيسة نوديت من سرادقات الجمال صبرا صبرا ثم قيل ~~لها أجيلى فى ذل العبودية منك فكرا لأنك لو تفكرت في جلال الربوبية لم ~~تقدرى له قدرا وإن طلبت وراء الفكر في صفاتك أمرا فانظرى في نعم الله تعالى ~~وأياديه كيف توالت عليك تترى وجددى لكل نعمة منها ذكرا وشكرا وتأملى في ~~بحار المقادير كيف فاضت على العالمين خيرا وشرا ونفعا وضرا وعسرا ويسرا ~~وفوزا وخسرا وجبرا وكسرا وطيا ونشرا وإيمانا وكفرا وعرفانا ونكرا فإن جاوزت ~~النظر في الأفعال إلى النظر في الذات فقد حاولت أمرا إمرا وخاطرت بنفسك ~~مجاوزة حد طاقة البشر ظلما وجورا فقد انبهرت العقول دون مبادى ~~إشراقهوانتكصت على أعقابها اضطرارا وقهرا والصلاة على محمد سيد ولد آدم وإن ~~كان لم يعد سيادته فخرا صلاة تبقى لنا في عرصات القيامة عدة وذخرا وعلى آله ~~وأصحابه الذين أصبح كل واحد منهم في سماء الدين بدرا ولطوائف المسلمين صدرا ~~وسلم تسليما كثيرا # أما بعد فقد وردت السنة بأن تفكر ساعة خير من عبادة سنة + حديث تفكر ساعة ~~خير من عبادة سنة أخرجه ابن حبان في كتاب العظمة من حديث أبى هريرة بلفظ ~~ستين سنة بإسناد ضعيف ومن طريقه ابن الجوزى في الموضوعات ورواه أبو منصور ~~الديلمى في مسند الفردوس من حديث أنس بلفظ ثمانين سنة وإسناده ضعيف جدا ~~ورواه أبو الشيخ من قول ابن عباس بلفظ خير من قيام ليلة + وكثر الحث في ~~كتاب الله تعالى على التدبر والاعتبار والنظر والافتكار ولا يخفى أن الفكر ~~هو مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم ~~وأكثر الناس قد عرفوا فضله ورتبته لكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره ومورده ~~ومجراه ومسرحه وطريقه وكيفيته ولم يعلم أنه كيف يتفكر وفيماذا يتفكر ولماذا ~~يتفكر وما الذى يطلب به أهو مراد لعينه أم لثمرة تستفاد منه فإن كان لثمرة ~~فما تلك الثمرة أهى من العلوم أو من الأحوال أو منهما جميعا وكشف جميع ذلك ~~مهم ونحن نذكر أولا فضيلة التفكر # ثم حقيقة التفكر وثمرته # ثم مجارى الفكر ومسارحه إن شاء الله تعالى فضيلة التفكر # قد أمر الله تعالى بالتفكر والتدبر في كتابه العزيز في مواضع لا تحصى ~~وأثنى على المتفكرين فقال تعالى الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى ~~جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا وقد قال ابن ~~عباس رضى الله عنهما إن قوما تفكروا في الله عز وجل فقال صلى الله عليه ~~وسلم تفكروا في PageV04P423 خلق الله ولا تتفكروا في الله فإنكم لن تقدروا ~~قدره + حديث ابن عباس إن قوما تفكروا في الله عز وجل فقال النبى صلى الله ~~عليه وسلم تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله فإنكم لن تقدروا قدره ~~أخرجه أبو نعيم في الحلية بالمرفوع منه بإسناد ضعيف ورواه الأصبهانى في ~~الترغيب والترهيب من وجه آخر أصح منه ورواه الطبراني في الأوسط والبيهقى في ~~الشعب من حديث ابن عمر وقال هذا إسناد فيه نظر قلت فيه الوازع بن نافع ~~متروك + وعن النبى صلى الله عليه وسلم أنه خرج على قوم ذات يوم وهم يتفكرون ~~فقال ما لكم لا تتكلمون فقالوا نتفكر في خلق الله عز وجل قال فكذلك فافعلوا ~~تفكروا في خلقه ولا تتفكروا فيه فإن بهذا المغرب أرضا بيضاء نورها بياضها ~~وبياضها نورها مسيرة الشمس أربعين يوما بها خلق من خلق الله عز وجل لم ~~يعصوا الله طرفة عين قالوا يا رسول الله فأين الشيطان منهم قال ما يدرون ~~خلق الشيطان أم لا قالوا من ولد آدم قال لا يدرون خلق آدم أم لا + حديث خرج ~~على قوم ذات يوم وهم يتفكرون فقال ما لكم لا تتكلمون فقالوا نتفكر في خلق ~~الله الحديث رويناه في جزء من حديث عبد الله بن سلام + وعن عطاء قال انطلقت ~~يوما أنا وعبيد بن عمير إلى عائشة رضى الله عنها فكلمتنا وبيننا وبينها ~~حجاب فقالت يا عبيد ما يمنعك من زيارتنا قال قول رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم زر غبا تزدد حبا قال ابن عمير فأخبرينا بأعجب شئ رأيته من رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم قال فبكت وقالت كل أمره كان عجبا أتانى في ليلتى حتى مس ~~جلده جلدى ثم قال ذرينى أتعبد لربى عز وجل فقام إلى القربة فتوضأ منها ثم ~~قام يصلى فبكى حتى بل لحيته ثم سجد حتى بل الأرض ثم اضطجع على جنبه حتى أتى ~~بلال يؤذنه بصلاة الصبح فقال يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما ~~تقدم من ذنبك وما تأخر فقال ويحك يا بلال وما يمنعنى أن أبكى وقد أنزل الله ~~تعالى على في هذه الليلة إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ~~لآيات لأولى الألباب ثم قال ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها + حديث عطاء ~~انطلقت أنا وعبيد بن عمير إلى عائشة الحديث قال ابن عمير فأخبرينا بأعجب ~~شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث في نزول إن في خلق ~~السموات والأرض وقال ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها تقدم في الصبر والشكر ~~أنه في صحيح ابن حبان من رواية عبد الملك بن أبى سليمان عن عطاء + فقيل ~~للأوزاعى ما غاية التفكير فيهن قال يقرؤهن ويعقلهن # وعن محمد بن واسع أن رجلا من أهل البصرة ركب إلى أم ذر بعد موت أبى ذر ~~فسألها عن عبادة أبى ذر فقالت كان نهاره أجمع في ناحية البيت يتفكر # وعن الحسن قال تفكر ساعة خير من قيام ليلة # وعن الفضيل قال الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك # وقيل لإبراهيم إنك تطيل الفكرة فقال الفكرة مخ العقل وكان سفيان بن عيينة ~~كثيرا ما يتمثل بقول القائل # إذا المرء كانت له فكرة % ففى كل شئ له عبرة # وعن طاوس قال قال الحواريون لعيسى بن مريم يا روح الله هل على الأرض ~~اليوم مثلك فقال نعم من كان منطقه ذكرا وصمته فكرا ونظره عبرة فإنه مثلى # وقال الحسن من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو ومن لم يكن سكوته تفكرا فهو سهو ~~ومن لم يكن نظره اعتبارا فهو لهو وفي قوله تعالى سأصرف عن آياتى الذين ~~يتكبرون في الأرض يغير الحق قال أمنع قلوبهم التفكر في أمرى # وعن أبى سعيدى الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطوا أعينكم ~~حظها من العبادة فقالوا يا رسول الله وما حظها من العبادة قال النظر في ~~المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه + حديث أبى سعيد الخدرى أعطوا ~~أعينكم حظها من العبادة الحديث أخرجه ابن أبى الدنيا ومن طريقه أبو الشيخ ~~ابن حبان في كتاب العظمة بإسناد ضعيف + وعن امرأة كانت تسكن البادية قريبا ~~من مكة أنها قالت لو تطالعت قلوب المتقين بفكرها إلى ما قد ادخر لها في حجب ~~الغيب من خير الآخرة لم يصف لهم في الدنيا عيش ولم تقر لهم في الدنيا عين # وكان لقمان يطيل الجلوس وحده فكان يمر به مولاه فيقول يا لقمان إنك تديم ~~الجلوس وحدك فلو PageV04P424 جلست مع الناس كان آنس لك فيقول لقمان إن طول ~~الوحدة أفهم للفكر وطول الفكر دليل على طريق الجنة وقال وهب بن منبه ما ~~طالت فكرة امرئ قط إلا علم وما علم امرؤ قط إلا عمل # وقال عمر بن عبد العزيز الفكرة في نعم الله عز وجل من أفضل العبادة # وقال عبد الله بن المبارك يوما لسهل بن على ورآه ساكتا متفكرا أين بلغت ~~قال الصراط # وقال بشر لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل وعن ابن عباس ~~ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب # وبينا أبو شريح يمشى إذ جلس فتقنع بكسائه فجعل يبكى فقيل له ما يبكيك قال ~~تفكرت في ذهاب عمرى وقلة عملى واقتراب أجلى # وقال أبو سليمان عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر وقال أبو سليمان ~~الفكر في الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لأهل الولاية والفكر في الآخرة يورث ~~الحكمة ويحيى القلوب وقال حاتم من العبرة يزيد العلم ومن الذكر يزيد يزيد ~~الحب ومن التفكر يزيد الخوف # وقال ابن عباس التفكر في الخير يدعو إلى العمل به والندم على الشر يدعو ~~إلى تركه # ويروى أن الله تعالى قال في بعض كتبه إنى لست أقبل كلام كل حكيم ولكن ~~انظر إلى همه وهواه فإذا كان همه وهواه لى جعلت صمته تفكرا وكلامه حمدا وإن ~~لم يتكلم # وقال الحسن إن أهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر وبالفكر على ~~الذكر حتى استنطقوا قلوبهم فنطقت بالحكمة # وقال إسحاق بن خلف كان داود الطائى رحمه الله تعالى على سطح في ليلة ~~قمراء فتفكر في ملكوت السموات والأرض وهو ينظر إلى السماء ويبكى حتى وقع في ~~دار جار له قال فوثب صاحب الدار من فراشه عريانا وبيده سيف وظن أنه لص فلما ~~نظر إلى داود رجع ووضع السيف وقال من ذا الذى طرحك من السطح قال ما شعرت ~~بذلك # وقال الجنيد اشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد ~~والتنسم بنسيم المعرفة والشرب بكأس المحبة من بحر الوداد والنظر بحسن الظن ~~لله عز وجل ثم قال يا لها من مجالس ما أجلها ومن شراب ما ألذه طوبى لمن ~~رزقه # وقال الشافعى رحمه الله تعالى استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط ~~بالفكر # وقال أيضا صحة النظر في الأمور نجاة من الغرور والعزم في الرأي سلامة من ~~التفريط والندم والروية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة ومشاورة الحكماء ~~ثبات في النفس وقوة في البصيرة ففكر قبل أن تعزم وتدبر قبل أن تهجم وشاور ~~قبل أن تقدم # وقال أيضا الفضائل أربع إحداها الحكمة وقوامها الفكرة # والثانية العفة وقوامها في الشهوة # والثالثة القوة وقوامها في الغضب والرابعة العدل وقوامه في اعتدال قوى ~~النفس # فهذه أقاويل العلماء في الفكرة وما شرع أحد منهم في ذكر حقيقتها وبيان ~~مجاريها # | بيان حقيقة الفكر وثمرته # أعلم أن معنى الفكر هو إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منهما معرفة ثالثة # ومثاله أن من مال إلى العاجلة وآثر الحياة الدنيا وإراد أن يعرف أن ~~الآخرة أولى بالإيثار من العاجلة فله طريقان @QB@ أحدهما @QE@ أن يسمع من ~~غيره أن الآخرة أولى بالإيثار من الدنيا فيقلده ويصدقه من غير بصيرة بحقيقة ~~الأمر فيميل بعمله إلى إيثار الآخرة اعتمادا على مجرد قوله وهذا يسمى ~~تقليدا ولا يسمى معرفة # والطريق الثاني أن يعرف أن الأبقى أولى بالإيثار ثم يعرف أن الآخرة أبقى # فيحصل له من هاتين المعرفتين معرفة ثالثة وهو أن الآخرة أولى بالإيثار ~~ولا يمكن تحقق المعرفة بأن الآخرة أولى بالإيثار إلا بالمعرفتين السابقتين # فإحضار المعرفتين السابقتين في القلب للتوصل به إلى المعرفة الثالثة يسمى ~~تفكرا واعتبارا وتذكرا ونظرا PageV04P425 وتأملا وتدبرا # أما التدبر والتأمل والتفكر فعبارات مترادفة على معنى واحد ليس تحتها ~~معان مختلفة # وأما اسم التذكر والاعتبار والنظر فهى مختلفة المعانى وإن كان أصل المسمى ~~واحد كما أن اسم الصارم والمهند والسيف يتوارد على شيء واحد ولكن باعتبارات ~~مختلفة # فالصارم يدل على السيف من حيث هو قاطع والمهند يدل عليه من حيث نسبته إلى ~~موضعه والسيف يدل دلالة مطلقة من غير إشعار بهذه الزوائد # فكذلك الاعتبار ينطلق على إحضار المعرفتين من حيث إنه يعبر منهما إلى ~~معرفة ثالثة وإن لم يقع العبور ولم يمكن إلا الوقوف على المعرفتين فينطلق ~~عليه اسم التذكر لا اسم الاعتبار وأما النظر والتفكر فيقع عليه من حيث إن ~~فيه طلب معرفة ثالثة فمن ليس يطلب المعرفة الثالثة لا يسمى ناظرا فكل متفكر ~~فهو متذكر وليس كل متذكر متفكرا # وفائدة التذكار تكرار المعارف على القلب لترسخ ولا تنمحى عن القلب # وفائدة التفكر تكثير العلم واستجلاب معرفة ليست حاصلة # فهذا هو الفرق بين التذكر والتفكر # والمعارف إذا اجتمعت في القلب وازدوجت في القلب على ترتيب مخصوص أثمرت ~~معرفة أخرى فالمعرفة نتاج المعرفة # فإذا حصلت معرفة أخرى وازدوجت مع معرفة أخرى حصل من ذلك نتاج آخر # وهكذا يتمادى النتاج وتتمادى العلوم ويتمادى الفكر إلى غير نهاية وإنما ~~تنسد طريق زيادة المعارف بالموت # أو بالعوائق وهذا لمن يقدر على استثمار العلوم ويهتدى إلى طريق التفكير # وأما أكثر الناس فإنما منعوا الزيادة في العلوم لفقدهم رأس المال وهو ~~المعارف التى بها تستثمر العلوم كالذى لا بضاعة له فإنه لا يقدر على الربح ~~وقد يملك البضاعة ولكن لا يحسن صناعة التجارة فلا يربح شيئا فكذلك قد يكون ~~معه من المعارف ما هو رأس مال العلوم ولكن ليس يحسن استعمالها وتأليفها ~~وإيقاع الازدواج المفضى إلى النتاج فيها # ومعرفة طريق الاستعمال والاستثمار تارة تكون بنور إلهى في القلب يحصل ~~بالفطرة كما كان للأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وذلك عزيز جدا وقد تكون ~~بالتعلم والممارسة وهو الأكثر # ثم المتفكر قد تحضره هذه المعارف وتحصل له الثمرة وهو لا يشعر بكيفية ~~حصولها ولا يقدر على التعبير عنها لقلة ممارسته لصناعة التعبير في الإيراد # فكم من إنسان يعلم أن الآخرة أولى بالإيثار علما حقيقيا ولو سئل عن سبب ~~معرفته لم يقدر على إيراده والتعبير عنه مع أنه لم تحصل معرفته إلا عن ~~المعرفتين السابقتين وهو أن الأبقى أولى بالإيثار وأن الآخرة أبقى من ~~الدنيا فتحصل له معرفة ثالثة وهو أن الآخرة أولى بالإيثار فرجع حاصل حقيقة ~~التفكر إلى إحضار معرفتين للتوصل بهما إلى معرفة ثالثة # وأما ثمرة الفكر فهى العلوم والأحوال والأعمال ولكن ثمرته الخاصة # العلم لا غير # نعم إذا حصل العلم في القلب تغير حال القلب وإذا تغير حال القلب تغيرت ~~أعمال الجوارح # فالعمل تابع الحال والحال تابع العلم والعلم تابع الفكر # فالفكر إذن هو المبدأ والمفتاح للخيرات كلها وهذا هو الذى يكشف لك فضيلة ~~التفكر وأنه خير من الذكر والتذكر لأن الفكر ذكر وزيادة # وذكر القلب خير من عمل الجوارح بل شرف العمل لما فيه من الذكر # فإذن التفكر أفضل من جملة الأعمال ولذلك قيل تفكر ساعة خير من عبادة سنة ~~فقيل هو الذى ينقل من المكاره إلى المحاب ومن الرغبة والحرص إلى الزهد ~~والقناعة وقيل هو الذى يحدث مشاهدة وتقوى ولذلك قال تعالى @QB@ لعلهم يتقون ~~أو يحدث لهم ذكرا @QE@ وإن أردت أن تفهم كيفية تغير الحال بالفكر فمثاله ما ~~ذكرناه من أمر الآخرة فإن الفكر يعرفنا أن الآخرة أولى بالإيثار فإذا رسخت ~~هذه المعرفة يقينا PageV04P426 في قلوبنا تغيرت القلوب إلى الرغبة في ~~الآخرة والزهد في الدنيا # وهذا ما عنيناه بالحال إذ كان حال القلب قبل هذه المعرفة حب العاجلة ~~والميل إليها والنفرة عن الآخرة وقلة الرغبة فيها # وبهذه المعرفة تغير حال القلب وتبدلت إرادته ورغبته ثم أثمر تغير الإرادة ~~أعمال الجوارح في إطراح الدنيا والإقبال على أعمال الآخرة # فههنا خمس درجات أولاها التذكر وهو إحضار المعرفتين في القلب وثانيتها ~~التفكر وهو طلب المعرفة المقصودة منهما والثالثة حصول المعرفة المطلوبة ~~واستنارة القلب بها # والرابعة تغير حال القلب عما كان بسبب حصول نور المعرفة # @QB@ والخامسة @QE@ خدمة الجوارح للقلب بحسب ما يتجدد له من الحال # فكما يضرب الحجر على الحديد فيخرج منه نار يستضىء بها الموضع فتصير العين ~~مبصرة بعد أن لم تكن مبصرة وتنتهض الأعضاء للعمل فكذلك زناد نور المعرفة هو ~~الفكر فيجمع بين المعرفتين كما يجمع بين الحجر والحديد ويؤلف بينهما تأليفا ~~مخصوصا كما يضرب الحجر على الحديد ضربا مخصوصا فينبعث نور المعرفة كما ~~تنبعث النار من الحديد ويتغير القلب بسبب هذا النور حتى يميل إلى ما لم يكن ~~يميل إليه كما يتغير البصر بنور النار فيرى ما لم يكن يراه # ثم تنتهض الأعضاء للعمل بمقتضى حال القلب كما ينتهض العاجز عن العمل بسبب ~~الظلمة للعمل عند إدراك البصر ما لم يكن يبصره # فإذن ثمرة الفكر العلوم والأحوال والعلوم لا نهاية لها والأحوال التى ~~تتصور أن تتقلب على القلب لا يمكن حصرها # ولهذا لو أراد مريد أن يحصر فنون الفكر ومجاريه وأنه فيماذا يتفكر لم ~~يقدر عليه لأن مجارى الفكر غير محصورة وثمراته غير متناهية نعم نحن نجتهد ~~في ضبط مجاريه بالإضافة إلى مهمات العلوم الدينية وبالإضافة إلى الأحوال ~~التى هى مقامات السالكين ويكون ذلك ضبطا جمليا فإن تفصيل ذلك يستدعى شرح ~~العلوم كلها وجملة هذه الكتب كالشرح لبعضها فإنها مشتملة على علوم تلك ~~العلوم تستفاد من أفكار مخصوصة # فلنشر إلى ضبط الجامع فيها ليحصل الوقوف على مجارى الفكر # | بيان مجارى الفكر # أعلم أن الفكر قد يجرى في أمر يتعلق بالدين وقد يجرى فيما يتعلق بغير ~~الدين وإنما غرضنا ما يتعلق بالدين فلنترك القسم الآخر # ونعنى بالدين المعاملة التى بين العبد وبين الرب تعالى فجميع أفكار العبد ~~إما أن تتعلق بالعبد وصفاته وأحواله وإما أن تتعلق بالمعبود وصفاته وأفعاله ~~لا يمكن أن يخرج عن هذين القسمين # وما يتعلق بالعبد إما أن يكون نظرا فيما هو محبوب عند الرب تعالى أو فيما ~~هو مكروه ولا حاجة إلى الفكر في غير هذين القسمين # وما يتعلق بالرب تعالى إما ان يكون نظرا في ذاته وصفاته وأسمائه الحسنى ~~وإما أن يكون في أفعاله وملكه وملكوته وجميع ما في السموات والأرض وما ~~بينهما # وينكشف لك انحصار الفكر في هذه الأقسام بمثال وهو أن حال السائرين إلى ~~الله تعالى والمشتاقين إلى لقائه يتعلق بمعشوقه أو يتعلق بنفسه # فإن تفكر في معشوقه فإما أن يتفكر في جماله وحسن صورته في ذاته ليتنعم ~~بالفكر فيه وبمشاهدته وإما ان يتفكر في أفعاله اللطيفة الحسنة الدالة على ~~أخلاقه وصفاته ليكون ذلك مضعفا للذة ومقويا لمحبته PageV04P427 # وإن تفكر في نفسه فيكون فكره في صفاته التى تسقطه من عين محبوبه حتى ~~يتنزه عنها أو في الصفات التى تقربه منه وتحببه إليه حتى يتصف بها # فإن تفكر في شيء خارج عن هذه الأقسام فذلك خارج عن حد العشق وهو نقصان ~~فيه لأن العشق التام الكامل ما يستغرق العاشق ويستوفي القلب حتى لا يترك ~~فيه متسعا لغيره # فمحب الله تعالى ينبغى أن يكون كذلك فلا يعدو نظره وتفكره محبوبه # ومهما كان تفكره محصورا في هذه الأقسام الأربعة لم يكن خارجا عن مقتضى ~~المحبة أصلا فلنبدأ بالقسم الأول وهو تفكره في صفات نفسه وأفعال نفسه ليميز ~~المحبوب منها عن المكروه فإن هذا الفكر هو الذى يتعلق بعلم المعاملة الذى ~~هو المقصود بهذا الكتاب وأما القسم الآخر فيتعلق بعلم المكاشفة # ثم كل واحد مما هو مكروه عند الله أو محبوب ينقسم إلى ظاهر كالطاعات ~~والمعاصى وإلى باطن كالصفات المنجيات والمهلكات التى محلها القلب وذكرنا ~~تفصيلها في ربع المهلكات والمنجيات # والمعاصى تنقسم إلى ما يتعلق بالأعضاء السبعة وإلى ما ينسب إلى جميع ~~البدن كالفرار من الزحف وعقوق الوالدين والسكون في المسكن الحرام # ويجب في كل واحد من المكاره التفكر في ثلاثة أمور @QB@ الأول @QE@ التفكر ~~في أنه هل هو مكروه عند الله أم لا فرب شيء لا يظهر كونه مكروها بل يدرك ~~بدقيق النظر والثاني التفكر في أنه إن كان مكروها فما طريق الاحتراز عنه ~~والثالث أن هذا المكروه هل هو متصف به في الحال فيتركه أو هو متعرض له في ~~الاستقبال فيحترز عنه أو قارفه فيما مضى من الأحوال فيحتاج إلى تداركه ~~وكذلك كل واحد من المحبوبات ينقسم إلى هذه الانقسامات فإذا جمعت هذه ~~الاقسام زادت مجارى الفكر في الأقسام على مائة والعبد مدفوع إلى الفكر إما ~~في جميعها أو في أكثرها # وشرح آحاد هذه الانقسامات يطول ولكن انحصر هذا القسم في أربعة أنواع ~~الطاعات والمعاصى والصفات المهلكات والصفات المنجيات # فلنذكر في كل نوع مثالا ليقيس به المريد سائرها وينفتح له باب الفكر ~~ويتسع عليه طريقه # النوع الأول المعاصى ينبغى أن يفتش الإنسان صبيحة كل يوم جميع أعضائه ~~السبعة تفصيلا ثم بدنه على الجملة هل هو في الحال ملابس لمعصية بها فيتركها ~~أو لابسها بالأمس فيتداركها بالترك والندم أو هو متعرض لها في نهاره فيستعد ~~للاحتراز والتباعد عنها # فينظر في اللسان ويقول إنه متعرض للغيبة والكذب وتزكية النفس والاستهزاء ~~بالغير والمماراة والممازحة والخوض فيما لا يعنى إلى غير ذلك من المكاره ~~فيقرر أولا في نفسه أنها مكروهة عند الله تعالى ويتفكر في شواهد القرآن ~~والسنة على شدة العذاب فيها ثم يتفكر في أحواله أنه كيف يتعرض لها من حيث ~~لا يشعر ثم يتفكر أنه كيف يحترز منه ويعلم أنه لا يتم له ذلك إلا بالعزلة ~~والانفراد أو بأن لا يجالس إلا صالحا تقيا ينكر عليه مهما تكلم بما يكرهه ~~الله وإلا فيضع حجرا في فيه إذا جالس غيره حتى يكون ذلك مذكرا له فهكذا ~~يكون الفكر في حيلة الاحتراز # ويتفكر في سمعه يصغى به إلى الغيبة والكذب وفضول الكلام وإلى اللهو ~~والبدعة وأن ذلك إنما يسمعه من زيد وعمرو وأنه ينبغى أن يحترز عنه ~~بالاعتزال أو بالنهى عن المنكر فمهما كان ذلك فيتفكر في بطنه أنه إنما يعصى ~~الله تعالى فيه بالأكل والشرب إما بكثرة الأكل من الحلال PageV04P428 فإن ~~ذلك مكروه عند الله ومقوى للشهوة التى هى سلاح الشيطان عدو الله وإما بأكل ~~الحرام أو الشبهة فينظر من أين مطعمه وملبسه ومسكنه ومكسبه وما مكسبه ~~ويتفكر في طريق الحلال ومداخله # ثم يتفكر في طريق الحيلة في الاكتساب منه والاحتراز من الحرام ويقرر على ~~نفسه أن العبادات كلها ضائعة مع أكل الحرام وأن أكل الحلال هو أساس ~~العبادات كلها وأن الله تعالى لا يقبل صلاة عبد في ثمن ثوبه درهم حرام + ~~حديث إن الله لا يقبل صلاة عبد في ثوبه درهم حرام أخرجه أحمد من حديث ابن ~~عمر بسند فيه مجهول وقد تقدم + كما ورد الخبر به # فهكذا يتفكر في أعضائه ففى هذا القدر كفاية عن الاستقصاء # فمهما حصل بالتفكر حقيقة المعرفة بهذه الأحوال اشتغل بالمراقبة طول ~~النهار حتى يحفظ الأعضاء عنها # وأما النوع الثاني وهو الطاعات فينظر أولا في الفرائض المكتوبة عليه أنه ~~كيف يؤديها وكيف يحرسها عن النقصان والتقصير أو كيف يجبر نقصانها بكثرة ~~النوافل ثم يرجع إلى عضو عضو فيتفكر في الأفعال التى تتعلق بها مما يحبه ~~الله تعالى فيقول مثلا # إن العين خلقت للنظر في ملكوت السموات والأرض عبرة ولتستعمل في طاعة الله ~~تعالى وتنظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأنا قادر على أن ~~أشغل العين بمطالعة القرآن والسنة فلم لا أفعله وأنا قادر على أن أنظر إلى ~~فلان المطيع بعين التعظيم فأدخل السرور على قلبه وأنظر إلى فلان الفاسق ~~بعين الازدراء فأزجره بذلك عن معصيته فلم لا أفعله # وكذلك يقول في سمعه إلى قادر على استماع كلام ملهوف أو استماع حكمة ~~وعلمالسرور على قلبه وأنظر إلى فلان الفاسق بعين الازدراء فأزجره بذلك عن ~~معصيته فلم لا أفعله وكذلك يقول في سمعه إلى قادر على استماع كلام ملهوف أو ~~استماع حكمة وعلم أو استماع قراءة وذكر فمالى أعطله وقد أنعم الله على به ~~وأودعنيه لأشكره فمالى أكفر نعمة الله فيه بتضييعه أو تعطيله # وكذلك يتفكر في اللسان ويقول إنى قادر على أن أتقرب إلى الله تعالى ~~بالتعليم والوعظ والتودد إلى قلوب أهل الصلاح وبالسؤال عن أحوال الفقراء ~~وإدخال السرور على قلب زيد الصالح وعمرو العالم بكلمة طيبة وكل كلمة طيبة ~~فإنها صدقة # وكذلك يتفكر في ماله فيقول أنا قادر على أن أتصدق بالمال الفلاني فإنا ~~مستغن عنه ومهما احتجت إليه رزقنى الله تعالى مثله وإن كنت محتاجا الآن ~~فأبا إلى ثواب الإيثار أحوج منى إلى ذلك المال # وهكذا يفتش عن جميع أعضائه وجملة بدنه وأمواله بل عن دوابه وغلمانه ~~وأولاده فإن كل ذلك أدواته وأسبابه ويقدر على أن يطيع الله تعالى بها ~~فيستنبط بدقيق الفكر وجوه الطاعات الممكنة بها ويتفكر فيما يرغبه في البدار ~~إلى تلك الطاعات ويتفكر في إخلاص النية فيها ويطلب لها مظان الاستحقاق حتى ~~يزكو بها عمله وقس على هذا سائر الطاعات # وأما النوع الثالث فهى الصفات المهلكة التى محلها القلب فيعرفها مما ~~ذكرناه في ربع المهلكات وهى استيلاء الشهوة والغضب والبخل والكبر والعجب ~~والرياء والحسد وسوء الظن والغفلة والغرور وغير ذلك ويتفقد من قلبه هذه ~~الصفات فإن ظن أن قلبه منزه عنها فيتفكر في كيفية امتحانه والاستشهاد ~~بالعلامات عليه فإن النفس أبدا تعد بالخير من نفسها وتخلف فإذا ادعت ~~التواضع والبراءة من الكبر فينبغى أن تجرب بحمل حزمة حطب في السوق كما كان ~~الأولون يجربون به أنفسهم # وإذا ادعت الحلم تعرض لغضب يناله من غيره ثم يجربها في كظم الغيظ وكذلك ~~في سائر الصفات # وهذا تفكر في أنه هل هو موصوف بالصفة المكروهة أم لا ولذلك علامات ~~ذكرناها PageV04P429 في ربع المهلكات فإذا دلت العلامة على وجودها فكر في ~~الأسباب التى تقبح تلك الصفات عنده وتبين أن منشأها من الجهل والغفلة وخبث ~~الدخلة # كما لو رأى من نفسه عجبا بالعمل فيتفكر ويقول إنما عمل ببدني وجارحتى ~~وبقدرتى وإرادتى وكل ذلك ليس مني ولا إلى وإنما هو من خلق الله وفضله علي ~~فهو الذي خلقني وخلق جارحتي وخلق قدرتي وإرادتي وهو الذي حرك أعضائي بقدرته ~~وكذلك قدرتي وإرادتي فكيف أعجب بعملي أو بنفسي ولا أقوم لنفسي بنفسي # فإذا أحس في نفسه بالكبر قرر على نفسه ما فيه من الحماقة ويقول لها لم ~~ترين نفسك أكبر والكبير من هو عند الله كبير وذلك ينكشف بعد الموت وكم من ~~كافر في الحال يموت مقربا إلى الله تعالى بنزوعه عن الكفر وكم من مسلم يموت ~~شقيا بتغير حاله عند الموت بسوء الخاتمة # فإذا عرف أن الكبر مهلك وأن أصله الحماقة فيتفكر في علاج إزالة ذلك بأن ~~يتعاطى أفعال المتواضعين # وإذا وجد في نفسه شهوة الطعام وشرهه تفكر في أن هذه صفة البهائم ولو كان ~~في شهوة الطعام والوقاع كمال لكان ذلك من صفات الله وصفات الملائكة كالعلم ~~والقدرة ولما اتصف به البهائم ومهما كان الشره عليه أغلب كان بالبهائم أشبه ~~وعن الملائكة المقربين أبعد # وكذلك يقرر على نفسه في الغضب ثم يتفكر في طريق العلاج وكل ذلك ذكرناه في ~~هذه الكتب # فمن يريد أن يتسع له طريق الفكر فلا بد له من تحصيل ما في هذه الكتب # وأما النوع الرابع وهو المنجيات فهو التوبة والندم على الذنوب والصبر على ~~البلاء والشكر على النعماء والخوف والرجاء والزهد في الدنيا والإخلاص ~~والصدق في الطاعات ومحبة الله وتعظيمه والرضا بأفعاله والشوق إليه والخشوع ~~والتواضع له # وكل ذلك ذكرناه في هذا الربع وذكرنا أسبابه وعلاماته # فليتفكر العبد كل يوم في قلبه ما الذي يعوزه من هذه الصفات التى هي ~~المقربة إلى الله تعالى فإذا افتقر إلى شيء منها فليعلم أنها أحوال لا ~~يثمرها إلا علوم وأن العلوم لا يثمرها إلا أفكار # فإذا أراد أن يكتسب لنفسه أحوال التوبة والندم فليفتش ذنوبه أولا وليتفكر ~~فيها وليجمعها على نفسه وليعظمها في قلبه # ثم لينظر في الوعيد والتشديد الذي ورد في الشرع فيها وليتحقق عند نفسه ~~أنه متعرض لمقت الله تعالى حتى ينبعث له حال الندم # وإذا أراد أن يستثير من قلبه حال الشكر فلينظر في إحسان الله إليه ~~وأياديه عليه وفي إرساله جميل ستره عليه على ما شرحنا بعضه في كتاب الشكر ~~فليطالع ذلك # وإذا أراد حال المحبة والشوق فليتفكر في جلال الله وجماله وعظمته ~~وكبريائه وذلك بالنظر في عجائب حكمته وبدائع صنعه كما سنشير إلى طرف منه في ~~القسم الثاني من الفكر وإذا أراد حال الخوف فلينظر أولا في ذنوبه الظاهرة ~~والباطنة ثم لينظر في الموت وسكراته ثم فيما بعده من سؤال منكر ونكير وعذاب ~~القبر وحياته وعقاربه وديدانه ثم في هول النداء عند نفخة الصور ثم في هول ~~المحشر عند جمع الخلائق على صعيد واحد ثم في المناقشة في الحساب في النقير ~~والقطمير ثم في الصراط ودقته وحدته ثم في خطر الأمر عنده أنه يصرف إلى ~~الشمال فيكون من أصحاب النار أو يصرف إلى اليمين فينزل دار القرار ثم ليحضر ~~بعد أهوال القيامة في قلبه صورة جهنم ودركاتها ومقامعها وأهوالها وسلاسلها ~~وأغلالها وزقومها وصديدها وأنواع العذاب فيها وقبح صور الزبانية الموكلين ~~بها وأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا جلودا غيرها # وأنهم كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وأنهم إذا رأوها من مكان ~~بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وهلم جرا إلى جميع ما ورد في القرآن من شرحها # وإذا أراد أن يستجلب حال الرجاء فلينظر إلى الجنة ونعيمها وأشجارها ~~وأنهارها وحورها وولدانها ونعيمها المقيم وملكها الدائم PageV04P430 # فهكذا طريق الفكر الذي يطلب به العلوم التى تثمر اجتلاب أحوال محبوبة أو ~~التنزه عن صفات مذمومة # وقد ذكرنا في كل واحد من هذه الأحوال كتابا مفردا يستعان به على تفصيل ~~الفكر أما بذكر مجامعه فلا يوجد فيه أنفع من قراءة القرآن بالتفكر فإنه ~~جامع لجميع المقامات والأحوال وفيه شفاء للعالمين وفيه ما يورث الخوف ~~والرجاء والصبر والشكر والمحبة والشوق وسائر الأحوال وفيه ما يزجر عن سائر ~~الصفات المذمومة فينبغي أن يقرأه العبد ويردد الآية التى هو محتاج إلى ~~التفكر فيها مرة بعد أخرى ولو مائة مرة فقراءة آية بتفكر وفهم خير من ختمة ~~بغير تدبر وفهم فليتوقف في التأمل فيها ولو ليلة واحدة فإن تحت كل كلمة ~~منها أسرارا لا تنحصر ولا يوقف عليها إلا بدقيق الفكر عن صفاء القلب بعد ~~صدق المعاملة # وكذلك مطالعة أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد أوتي جوامع ~~الكلم + حديث أنه صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم تقدم + وكل كلمة من ~~كلماته بحر من بحور الحكمة ولو تأملها العالم حق التأمل لم ينقطع فيها نظره ~~طول عمره # وشرح آحاد الآيات والأخبار يطول فانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم إن ~~روح القدس نفث في روعي أحبب من أحببت فإنك مفارقه وعش ما شئت فإنك ميت ~~واعمل ما شئت فإنك مجزى به + حديث إن روح القدس نفث في روعي أحبب من أحببت ~~فإنك مفارقه الحديث تقدم غير مرة + فإن هذه الكلمات جامعة حكم الأولين ~~والآخرين وهي كافية للمتأملين فيها طول العمر إذ لو وقفوا على معانيها ~~وغلبت على قلوبهم غلبة يقين لاستغرقتهم ولحال ذلك بينهم وبين التلفت إلى ~~الدنيا بالكلية # فهذا هو طريق الفكر في علوم المعاملة وصفات العبد من حيث هي محبوبة عند ~~الله تعالى أو مكروهة # والمبتدئ ينبغي أن يكون مستغرق الوقت في هذه الأفكار حتى يعمر قلبه ~~بالأخلاق المحمودة والمقامات الشريفة وينزه باطنه وظاهره عن المكاره وليعلم ~~أن هذا مع أنه أفضل من سائر العبادات فليس هو له غاية المطلب بل المشغول به ~~محجوب عن مطلب الصديقين وهوالتنعم بالفكر في جلال الله تعالى وجماله ~~واستغراق القلب بحيث يفنى عن نفسه أي ينسى نفسه وأحواله ومقاماته وصفاته ~~فيكون مستغرق الهم بالمحبوب كالعاشق المستهتر عند لقاء الحبيب فإنه لا ~~يتفرغ للنظر في أحوال نفسه وأوصافها بل كالمبهوت الغافل عن نفسه وهو منتهى ~~لذة العشاق # فأما ما ذكرناه فهو تفكر في عمارة الباطن ليصلح للقرب والوصال فإذا ضيع ~~جميع عمره في إصلاح نفسه فمتى يتنعم بالقرب ولذلك كان الخواص يدور في ~~البوادي فلقيه الحسين بن منصور وقال فيم أنت قال أدور في البوادي أصلح حالي ~~في التوكل فقال الحسين أفنيت عمرك في عمران باطنك فأين الفناء في التوحيد ~~فالفناء في الواحد الحق هو غاية مقصد الطالبين ومنتهى نعيم الصديقين # وأما التنزه عن الصفات المهلكات فيجري مجرى الخروج عن العدة في النكاح # وأما الاتصاف بالصفات المنجيات وسائر الطاعات فيجري مجرى تهيئة المرأة ~~وجهازها وتنظيفها ووجهها ومشطها شعرها لتصلح بذلك للقاء زوجها فإن استغرقت ~~جميع عمرها في تبرئة الرحم وتزيين الوجه كان ذلك حجابا لها عن لقاء المحبوب # فهكذا ينبغي أن تفهم طريق الدين إن كنت من أهل المجالسة وإن كنت كالعبد ~~السوء لا يتحرك إلا خوفا من الضرب وطمعا في الأجرة فدونك وإلعاب البدن ~~بالأعمال الظاهرة فإن بينك وبين القلب حجابا كثيفا فإذا قضيت حق الأعمال ~~كنت من أهل الجنة ولكن للمجالسة أقوم آخرون # وإذا عرفت مجال الفكر في علوم المعاملة التى بين العبد وبين ربه فينبغي ~~أن تتخذ ذلك عادتك وديدنك صباحا ومساء فلا تغفل عن نفسك وعن صفاتك المبعدة ~~من الله تعالى وأحوالك المقربة إليه سبحانه وتعالى # بل كل مريد فينبغي أن يكون له جريدة يثبت فيها PageV04P431 # جملة الصفات المهلكات وجملة الصفات المنجيات وجملة المعاصي والطاعات ~~ويعرض نفسه عليها كل يوم # ويكفيه من المهلكات النظر في عشرة فإنه إن سلم منها سلم من غيرها وهي ~~البخل والكبر والعجب والرياء والحسد وشدة الغضب وشره الطعام وشره الوقاع ~~وحب المال وحب الجاه # ومن المنجيات عشرة الندم على الذنوب والصبر على البلاء والرضا بالقضاء ~~والشكر على النعماء واعتدال الخوف والرجاء والزهد في الدنيا والإخلاص في ~~الأعمال وحسن الخلق مع الخلق وحب الله تعالى والخشوع له # فهذه عشرون خصلة عشرة مذمومة وعشرة محمودة فمهما كفى من المذمومات واحدة ~~فيخط عليها في جريدته ويدع الفكر فيها ويشكر الله تعالى على كفايته إياها ~~وتنزيه قلبه عنها ويعلم أن ذلك لم يتم إلا بتوفيق الله تعالى وعونه ولو ~~وكله إلى نفسه لم يقدر على محو أقل الرذائل عن نفسه فيقبل على التسعة ~~الباقية وهكذا يفعل حتى يخط على الجميع وكذا يطالب نفسه بالاتصاف بالمنجيات ~~فإذا اتصف بواحدة منها كالتوبة والندم مثلا خطعليها واشتغل بالباقي وهذا ~~يحتاج إليه المريد المشمر # وأما أكثر الناس من المعدودين من الصالحين فينبغي أن يثبتوا في جرائدهم ~~المعاصي الظاهرة كأكل الشبهة وإطلاق اللسان بالغيبة والنميمة والمراء ~~والثناء على النفس والإفراط في معاداة الأعداء وموالاة الأولياء والمداهنة ~~مع الخلق في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن أكثر من يعد نفسه من ~~وجوه الصالحين لا ينفك عن جملة من هذه المعاصي في جوارحه وما لم يظهر ~~الجوارح عن الآثام لا يمكن الاشتغال بعمارة القلب وتطهيره # بل كل فريق من الناس يغلب عليهم نوع من المعصية فينبغي أن يكون تفقدهم ~~لها وتفكرهم فيها لا في معاص هم بمعزل عنها # مثاله العالم الورع فإنه لا يخلو في غالب الأمر عن إظهار نفسه بالعلم ~~وطلب الشهرة وانتشار الصيت إما بالتدريس أو بالوعظ ومن فعل ذلك تصدى لفتنة ~~عظيمة لا ينجو منها إلا الصديقون فإنه إن كان كلامه مقبولا حسن الوقع في ~~القلوب لم ينفك عن الإعجاب والخيلاء والتزين والتصنع وذلك من المهلكات وإن ~~رد كلامه لم يخل عن غيظ وأنفة وحقد على من يرده وهو أكثر من غيظه على من ~~يرد كلام غيره وقد يلبس الشيطان عليه ويقول إن غيظك من حيث إنه رد الحق ~~وأنكره فإن وجد تفرقة بين أن يرد عليه كلامه أو يرد على عالم آخر فهو مغرور ~~وضحكة للشيطان ثم مهما كان له ارتياح بالقبول وفرح بالثناء واستنكاف من ~~الرد أو الإعراض لم يخل عن تكلف وتصنع لتحسين اللفظ والإيراد حرصا على ~~استجلاب الثناء والله لا يحب المتكلفين والشيطان قد يلبس عليه ويقول إنما ~~حرصك على تحسين الألفاظ والتكلف فيها لينتشر الحق ويحسن موقعه في القلب ~~إعلاء لدين الله # فإن كان فرحه بحسن ألفاظه وثناء الناس عليه أكثر من فرحه بثناء الناس على ~~واحد من أقرانه فهو مخدوع وإنما يدور حول طلب الجاه وهو يظن أن مطلبه الدين ~~ومهما اختلج ضميره بهذه الصفات ظهر على ظاهره ذلك حتى يكون للموقر له ~~المعتقد لفضله أكثر احتراما ويكون بلقائه أشد فرحا واستبشارا ممن يغلو في ~~موالاة غيره وإن كان ذلك الغير مستحقا للموالاة وربما ينتهي الأمر بأهل ~~العلم إلى أن يتغايروا تغاير النساء فيشق على أحدهم أن يختلف بعض تلامذته ~~إلى غيره وإن كان يعلم أنه منتفع بغيره ومستفيد منه في دينه # وكل ذلك رشح الصفات المهلكات المستكنة في سر القلب التى قد يظن العالم ~~النجاة منها وهو مغرور فيها وإنما ينكشف ذلك بهذه العلامات ففتنة العالم ~~عظيمة وهو إما مالك وإماهالك ولا مطمع له في سلامة العوام # فمن أحس في نفسه بهذه الصفات فالواجب عليه العزلة والانفراد وطلب الخمول ~~والمدافعة للفتاوي مهما سئل PageV04P432 # فقد كان المسجد يحوى في زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم جميعا من أصحاب ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم مفتون وكانوا يتدافعون الفتوى # وكل من كان يفتى كان يود أن يكفيه غيره # وعند هذا ينبغي أن يتقى شياطين الإنس إذا قالوا لا تفعل هذا فإن هذا ~~الباب لو فتح لاندرست العلوم من بين الخلق وليقل لهم إن دين الإسلام مستغن ~~عني فإنه قد كان معمورا قبلي وكذلك يكون بعدي ولو مت لا تنهدم أركان ~~الإسلام فإن الدين مستغن عني وأما أنا فلست مستغنيا عن إصلاح قلبي # وأما أداء ذلك إلى اندارس العلم فخيال يدل على غاية الجهل فإن الناس لو ~~حبسوا في السجن وقيدوا بالقيود وتوعدوا بالنار على طلب العلم لكان حب ~~الرياسة والعلو يحملهم على كسر القيود وهدم حيطان الحصون والخروج منها ~~والاشتغال بطلب العلم # فالعلم لا يندرس ما دام الشيطان يحبب إلى الخلق الرياسة والشيطان لا يفتر ~~عن عمله إلى يوم القيامة # بل ينتهض لنشر العلم أقوام لا نصيب لهم في الآخرة كما قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم + حديث ان الله ~~يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم تقدم + و إن الله ليؤيد هذا الدين ~~بالرجل الفاجر + حديث ان الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر تقدم أيضا في ~~العلم + فلا ينبغي أن يغتر العالم بهذه التلبيسات فيشتغل بمخالطة الخلق حتى ~~يتربي في قلبه حب الجاه والثناء والتعظيم فإن ذلك بذر النفاق # قال صلى الله عليه وسلم حب الجاه والمال ينبت النفاق في القلب كما ينبت ~~الماء البقل + حديث حب المال والجاه ينبت النفاق في القلب الحديث تقدم + ~~وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذئبان ضاريان أرسلا في زريبة غنم ~~بأكثر إفساد فيها من حب الجاه والمال في دين المرء المسلم + حديث ما ذئبان ~~جائعان أرسلا في زريبة غنم الحديث تقدم + ولا ينقلع حب الجاه من القلب إلا ~~بالاعتزال عن الناس والهرب من مخالطتهم وترك كل ما يزيد جاهه في قلوبهم # فليكن فكر العالم في التفطن لخفايا هذه الصفات من قلبه وفي استنباط طريق ~~الخلاص منها وهذه وظيفة العالم المتقي # فأما أمثالنا فينبغي أن يكون تفكرنا فيما يقوي إيماننا بيوم الحساب إذ لو ~~رآنا السلف الصالحون لقالوا قطعا إن هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب فما ~~أعمالنا أعمال من يؤمن بالجنة والنار فإن من خاف شيئا هرب منه ومن رجا شيئا ~~طلبه وقد علمنا أن الهرب من النار بترك الشبهات والحرام وبترك المعاصي ونحن ~~منهمكون فيها وأن طلب الجنة بتكثير نوافل الطاعات ونحن مقصرون في الفرائض ~~منها # فلم يحصل لنا من ثمرة العلم إلا أنه يقتدى بنا في الحرص على الدنيا ~~والتكالب عليها ويقال لو كان هذا مذموما لكان العلماء أحق وأولى باجتنابه ~~منا # فليتنا كنا كالعوام إذا متنا ماتت معنا ذنوبنا # فما أعظم الفتنة التى تعرضنا لها لو تفكرنا فنسأل الله تعالى أن يصلحنا ~~ويصلح بنا ويوفقنا للتوبة قبل أن يتوفانا إنه الكريم اللطيف بنا المنعم ~~علينا # فهذه مجاري أفكار العلماء والصالحين في علم المعاملة فإن فرغوا منها ~~انقطع التفاتهم عن أنفسهم وارتقوا منها إلى التفكر في جلال الله وعظمته ~~والتنعم بمشاهدته بعين القلب ولا يتم ذلك إلا بعد الانفكاك من جميع ~~المهلكات والاتصاف بجميع المنجيات وإن ظهر شيء منه قبل ذلك كان مدخولا ~~معلولا مكدرا مقطوعا وكان ضعيفا كالبرق الخاطف لا يثبت ولا يدوم ويكون ~~كالعاشق الذي خلا بمعشوقه ولكن تحت ثيابه حيات وعقارب تلدغه مرة بعد أخرى ~~فتنغص عليه لذة المشاهدة ولا طريق له في كمال التنعم إلا بإخراج العقارب ~~والحيات من ثيابه # وهذه الصفات المذمومة عقارب وحيات وهي مؤذيات ومشوشات وفي القبر يزيد ألم ~~لدغها على PageV04P433 # لدغ العقارب والحيات # فهذا القدر كاف في التنبيه على مجارى فكر العبد في صفات نفسه المحبوبة ~~والمكروهة عنه ربه تعالى # القسم الثاني الفكر في جلال الله وعظمته وكبريائه # وفيه مقامان المقام الأعلى الفكر في ذاته وصفاته ومعاني أسمائه وهذا مما ~~منع منه حيث قيل تفكروا في خلق الله تعالى ولا تفكروا في ذات الله وذلك لأن ~~العقول تتحير فيه فلا يطيق مد البصر إليه إلا الصديقون ثم لا يطيقون دوام ~~النظر # بل سائر الخلق أحوال أبصارهم بالإضافة إلى جلال الله تعالى كحال بصر ~~الخفاش بالإضافة إلى نور الشمس فإنه لا يطيقه البتة بل يختفي نهارا وانما ~~يتردد ليلا ينظر في بقية نور الشمس إذا وقع على الأرض # وأحوال الصديقين كحال الإنسان في النظر إلى الشمس فإنه يقدر على النظر ~~إليها ولا يطيق دوامه ويخشى على بصره لو أدام النظر ونظره المختطف إليها ~~يورث العمش ويفرق البصر # وكذلك النظر إلى ذات الله تعالى يورث الحيرة والدهش واضطراب العقل ~~فالصواب إذن أن لا يتعرض لمجاري الفكر في ذات الله سبحانه وصفاته فإن أكثر ~~العقول لا تحتمله بل القدر اليسير الذي صرح به بعض العلماء وهو أن الله ~~تعالى مقدس عن المكان ومنزه عن الأقطار والجهات وأنه ليس داخل العالم ولا ~~خارجه ولا هو متصل بالعالم ولا هو منفصل عنه قد حير عقول أقوام حتى أنكروه ~~إذ لم يطيقوا سماعه ومعرفته # بل ضعفت طائفة عن احتمال أقل من هذا إذ قيل لهم إنه يتعاظم ويتعالى عن أن ~~يكون له رأس ورجل ويد وعين وعضو وأن يكون جسما مشخصا له مقدار وحجم # فأنكروا هذا وظنوا أن ذلك قدح في عظمة الله وجلاله حتى قال بعض الحمقى من ~~العوام إن هذا وصف بطيخ هندي لا وصف الإله لظن المسكين أن الجلالة والعظمة ~~في هذه الأعضاء # وهذا لأن الإنسان لا يعرف إلا نفسه فلا يستعظم إلا نفسه فكل ما لا يساويه ~~في صفاته فلا يفهم العظمة فيه نعم غايته أن يقدر نفسه جميل الصورة جالسا ~~على سريره وبين يديه غلمان يمتثلون أمره فلا جرم غايته أن يقدر ذلك في حق ~~الله تعالى وتقدس حتى يفهم العظمة # بل لو كان للذباب عقل وقيل له ليس لخالقك جناحان ولا يد ولا رجل ولا له ~~طيران لأنكر ذلك وقال كيف يكون خالقي أنقص مني أفيكون مقصوص الجناح أو يكون ~~زمنا لا يقدر على الطيران أو يكون لي آلة وقدرة لا يكون له مثلها وهو خالقي ~~ومصوري وعقول أكثر الخلق قريب من هذا العقل وإن الإنسان لجهول ظلوم كفار ~~ولذلك أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه لا تخبر عبادي بصفاتى فينكروني ولكن ~~أخبرهم عني بما يفهمون # ولما كان النظر في ذات الله تعالى وصفاته خطرا من هذا الوجه اقتضى أدب ~~الشرع وصلاح الخلق أن لا يتعرض لمجاري الفكر فيه لكنا نعدل إلى المقام ~~الثاني وهو النظر في أفعاله ومجاري قدره وعجائب صنعه وبدائع أمره في خلقه ~~فإنها تدل على جلاله وكبريائه وتقدسه وتعاليه وتدل على كمال علمه وحكمته ~~وعلى نفاذ مشيئته وقدرته # فينظر إلى صفاته من آثار صفاته فإنا لا نطيق النظر إلى صفاته كما أنا ~~نطيق النظر إلى الأرض مهما استنارت بنور الشمس # ونستدل بذلك على عظم نور الشمس بالإضافة إلى نور القمر وسائر الكواكب لأن ~~الأرض من آثار نور الشمس والنظر في الآثار يدل على المؤثر دلالة ما وإن كان ~~لا يقوم مقام النظر في نفس المؤثر # وجميع موجودات الدنيا أثر من آثار قدرة الله تعالى ونور من أنوار ذاته بل ~~لا ظلمة أشد من العدم ولا نور أظهر من الوجود # ووجود الأشياء كلها نور من أنوار ذاته تعالى وتقدس إذ قوام وجود الأشياء ~~بذاته القيوم بنفسه كما أن قوام PageV04P434 # نور الأجسام بنور الشمس المضيئة بنفسها ومهما انكشف بعض الشمس فقد جرت ~~العادة بأن يوضع طشت ماء حتى ترى الشمس فيه ويمكن النظر إليها فيكون الماء ~~واسطة يغض قليلا من نور الشمس حتى يطاق النظر إليها فكذلك الأفعال واسطة ~~نشاهد فيها صفات الفاعل ولا نبهر بأنوار الذات بعد أن تباعدنا عنها بواسطة ~~الأفعال # فهذا سر قوله صلى الله عليه وسلم تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في ذات ~~الله تعالى # | بيان كيفية التفكر في خلق الله تعالى # اعلم أن كل ما في الوجود مما سوى الله تعالى فهو فعل الله وخلقه وكل ذرة ~~من الذرات من جوهر وعرض وصفة وموصوف ففيها عجائب وغرائب تظهر بها حكمة الله ~~وقدرته وجلاله وعظمته وإحصاء ذلك غير ممكن لأنه لو كان البحر مدادا لذلك ~~لنفد البحر قبل أن ينفد عشر عشيره # ولكنا نشير إلى جمل منه ليكون ذلك كالمثال لماعداه # فنقول الموجودات المخلوقة منقسمة إلى مالا يعرف أصلها فلا يمكننا التفكر ~~فيها وكم من الموجودات التى لا نعلمها كما قال الله تعالى ويخلق ما لا ~~تعلمون سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا ~~يعلمون @QB@ وقال @QE@ وننشئكم فيما لا تعلمون @QB@ وإلى @QE@ ما يعرف ~~أصلها وجملتها ولا يعرف تفصيلها فيمكننا أن نتفكر في تفصيلها # وهي منقسمة إلى ما أدركناه بحس البصر وإلى ما لا ندركه بالبصر أما الذي ~~لا ندركه بالبصر فكالملائكة والجن والشياطين والعرش والكرسي وغير ذلك # ومجال الفكر في هذه الأشياء مما يضيق ويغمض # فلنعدل إلى الأقرب إلى الأفهام وهي المدركات بحس البصر وذلك هو السموات ~~السبع والأرض وما بينهما فالسموات مشاهدة بكواكبها وشمسها وقمرها وحركتها ~~ودورانها في طلوعها وغروبها والأرض مشاهدة بما فيها من جبالها ومعادنها ~~وأنهارها وبحارها وحيوانها ونباتها وما بين السماء والأرض وهو الجو مدرك ~~بغيومها وأمطارها وثلوجها ورعدها وبرقها وصواعقها وشهبها وعواصف رياحها # فهذه هي الأجناس المشاهدة من السموات والأرض وما بينهما وكل جنس منها ~~ينقسم إلى أنواع وكل نوع ينقسم إلى أقسام ويتشعب كل قسم إلى أصناف # ولا نهاية لانشعاب ذلك وانقسامه في اختلاف صفاته وهيآته ومعانيه الظاهرة ~~والباطنة وجميع ذلك مجال الفكر # فلا تتحرك ذرة في السموات والأرض من جماد ولا نبات ولا حيوان ولا فلك ولا ~~كوكب إلا والله تعالى هو محركها وفي حركتها حكمة أو حكمتان أو عشر أو ألف ~~حكمة كل ذلك شاهد لله تعالى بالوحدانية ودال على جلاله وكبريائه وهي الآيات ~~الدالة عليه # وقد ورد القرآن بالحث على التفكر في هذه الايات كما قال الله تعالى إن في ~~خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب وكما قال ~~تعالى ومن آياته من أول القرآن إلى آخره فلنذكر كيفية الفكر في بعض الآيات # فمن آياته الانسان المخلوق من النطفة وأقرب شيء إليك نفسك وفيك من ~~العجائب الدالة على عظمة الله تعالى ما تنقضي الأعمار في الوقوف على عشر ~~عشيره وأنت غافل عنه # فيامن هو غافل عن نفسه وجاهل بها كيف تطمع في معرفة غيرك وقد أمرك الله ~~تعالى بالتدبر في نفسك في كتابه العزيز فقال وفي أنفسكم أفلا تبصرون وذكر ~~أنك مخلوق من نطفة قذرة فقال قتل الإنسان ما أكفره من أي شئ خلقه من نطفة ~~خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره وقال تعالى ~~ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون وقال تعالى ~~PageV04P435 # ألم يك نطفة من منى يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى وقال تعالى ألم نخلقكم من ~~ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم @QB@ وقال @QE@ أولم ير ~~الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين @QB@ وقال @QE@ إنا خلقنا ~~الإنسان من نطفة أمشاج ثم ذكر كيف جعل النطفة علقة والعلقة مضغة والمضغة ~~عظاما فقال تعالى ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في ~~قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة الآية # فتكرير ذكر النطفة في الكتاب العزيز ليس ليسمع لفظه ويترك التفكر في ~~معناه فانظر الآن إلى النطفة وهي قطرة من الماء قذرة لو تركت ساعة ليضربها ~~الهواء فسدت وانتنت كيف أخرجها رب الأرباب من الصلب والترائب وكيف جمع بين ~~الذكر والأنثى وألقى الألفة والمحبة في قلوبهم وكيف قادهم بسلسلة المحبة ~~والشهوة إلى الاجتماع وكيف استخرج النطفة من الرجل بحركة الوقاع وكيف ~~استجلب دم الحيض من أعماق العروق وجمعه في الرحم # ثم كيف خلق المولود من النطفة وسقاه بماء الحيض وغذاه حتى نما وربا وكبر ~~وكيف جعل النطفة وهي بيضاء مشرقة علقة حمراء ثم كيف جعلها مضغة ثم كيف قسم ~~أجزاء النطفة وهي متساوية متشابهة إلى العظام والأعصاب والعروق والأوتار ~~واللحم ثم كيف ركب من اللحوم والأعصاب والعروق الأعضاء الظاهرة فدور الرأس ~~وشق السمع والبصر والأنف والفم وسائر المنافذ ثم مد اليد والرجل وقسم ~~رءوسها بالأصابع وقسم الأصابع بالأنامل ثم كيف ركب الأعضاء الباطنة من ~~القلب والمعدة والكبد والطحال والرئة والرحم والمثانة والأمعاء كل واحد على ~~شكل مخصوص ومقدار مخصوص لعمل مخصوص ثم كيف قسم كل عضو من هذه الأعضاء ~~بأقسام أخر فركب العين من سبع طبقات لكل طبقة وصف مخصوص وهيئة مخصوصة لو ~~فقدت طبقة منها أو زالت صفة من صفاتها تعطلت العين عن الإبصار فلو ذهبنا ~~إلى أن نصف ما في آحاد هذه الأعضاء من العجائب والآيات لانقضي فيه الأعمار # فانظر الآن إلى العظام وهي أجسام صلبة قوية كيف خلقها من نطفة سخيفة ~~رقيقة ثم جعلها قواما للبدن وعمادا له ثم قدرها بمقادير مختلفة وأشكال ~~مختلفة فمنه صغير وكبير وطويل ومستدير ومجوف ومصمت وعريض ودقيق # ولما كان الإنسان محتاجا إلى الحركة بجملة بدنه وببعض أعضائه مفتقرا ~~للتردد في حاجاته لم يجعل عظمه عظما واحدا بل عظاما كثيرة بينها مفاصل حتى ~~تتيسر بها الحركة وقدر شكل كل واحدة منها على وفق الحركة المطلوبة بها ثم ~~وصل مفاصلها وربط بعضها ببعض بأوتار أنبتها من أحد طرفي العظم وألصقه ~~بالعطم الآخر كالرباط له ثم خلق في أحد طرفي العظم زوائد خارجة منه وفي ~~الآخر حفرا غائصة فيه موافقة لشكل الزوائد لتدخل فيها وتنطبق عليها فصار ~~العبد إن أراد تحريك جزء من بدنه لم يمتنع عليه ولولا المفاصل لتعذر عليه ~~ذلك # ثم انظر كيف خلق عظام الرأس وكيف جمعها وركبها وقد ركبها من خمسة وخمسين ~~عظما مختلفة الأشكال والصور فألف بعضها إلى بعض بحيث استوى به كرة الرأس ~~كما تراه فمنها ستة تخص القحف وأربعة عشر للحي الأعلى واثنان للحي الأسفل ~~والبقية هي الأسنان بعضها عريضة تصلح للطحن وبعضها حادة تصلح للقطع وهي ~~الأنياب والأضراس والثنايا ثم جعل الرقبة مركبا للرأس وركبها من سبع خرزات ~~مجوفات مستديرات فيها تحريفات PageV04P436 وزيادات ونقصانات لينطبق بعضها ~~على بعض ويطول ذكر وجه الحكمة فيها # ثم ركب الرقبة على الظهر وركب الظهر من أسفل الرقبة إلى منتهى عظم العجز ~~من أربع وعشرين خرزة وركب عظم العجز من ثلاثة أجزاء مختلفة فيتصل به من ~~أسفله عظم العصعص وهو أيضا مؤلف من ثلاثة أجزاء # ثم وصل عظام الظهر بعظام الصدر وعظام الكتف وعظام اليدين وعظام العانة ~~وعظام العجز وعظام الفخذين والساقين وأصابع الرجلين فلا نطول بذكر عدد ذلك ~~ومجموع عدد العظام فى بدن الإنسان مائتا عظم وثمانية وأربعون عظما سوى ~~العظام الصغيرة التى حشى بها خلل المفاصل فانظر كيف خلق جميع ذلك من نطفة ~~سخيفة رقيقة # وليس المقصود من ذكر أعداد العظام أن يعرف عددها فإن هذا علم قريب يعرفه ~~الأطباء والمشرحون إنما الغرض أن ينظر منها فى مدبرها وخالقها أنه كيف ~~قدرها ودبرها وخالف بين أشكالها وأقدارها وخصصها بهذا العدد المخصوص لأنه ~~لو زاد عليها واحدا لكان وبالا على الإنسان يحتاج إلى قلعه ولو نقص منها ~~واحدا لكان نقصانا يحتاج إلى جبره فالطبيب ينظر فيها ليعرف وجه العلاج فى ~~جبرها وأهل البصائر ينظرون فيها ليستدلوا بها على جلالة خالقها ومصورها ~~فشتان بين النظرين # ثم انظر كيف خلق الله تعالى آلات لتحريك العظام وهو العضلات فخلق فى بدن ~~الإنسان خمسمائة عضلة وتسعا وعشرين عضلة والعضلة مركبة من لحم وعصب ورباط ~~وأغشية وهى مختلفة المقادير والأشكال بحسب اختلاف مواضعها وقدر حاجاتها ~~فأربع وعشرون عضلة منها هى لتحريك حدقة العين وأجفانها لو نقصت واحدة من ~~جملتها اختل أمر العين وهكذا لكل عضو عضلات بعدد مخصوص وقدر مخصوص وأمر ~~الاعصاب والعروق والأوردة والشرايين وعددها ومنابتها وانشعاباتها أعجب من ~~هذا كله وشرحه يطول فللفكر مجال فى آحاد هذه الأجزاء ثم فى جملة البدن فكل ~~ذلك نظر إلى عجائب أجسام البدن وعجائب المعانى والصفات التى لا تدرك ~~بالحواس أعظم فانظر الآن إلى ظاهر الإنسان وباطنه وإلى بدنه وصفاته فترى به ~~من العجائب والصنعة ما يقضى به العجب وكل ذلك صنع الله فى قطرة ماء قذرة ~~فترى من هذا صنعه فى قطرة ماء فما صنعه فى ملكوت السموات وكواكبها وما ~~حكمته فى أوضاعها وأشكالها ومقاديرها وأعدادها واجتماع بعضها وتفرق بعضها ~~واختلاف صورها وتفاوت مشارقها ومغاربها فلا تظنن أن ذرة من ملكوت السموات ~~تنفك عن حكمة وحكم بل هى أحكم حلقا وأتقن صنعا وأجمع للعجائب من بدن ~~الإنسان بل لا نسبة لجميع ما فى الأرض إلى عجائب السموات ولذلك قال تعالى ~~أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها # فارجع الآن إلى النطفة وتأمل حالها أولا وما صارت إليه ثانيا وتأمل أنه ~~لو اجتمع الجن والإنس على أن يخلقوا للنطفة سمعا أو بصرا أو عقلا أو قدرة ~~أو علما أو روحا أو يخلقوا فيها عظما أو عرقا أو عصبا أو جلدا أو شعرا هل ~~يقدرون على ذلك بل لو أرادوا أن يعرفوا كنه حقيقته وكيفية خلقته بعد أن خلق ~~الله تعالى ذلك لعجزوا عنه فالعجب منك لو نظرت إلى صورة إنسان مصور على ~~حائط تأنق النقاش فى تصويرها حتى قرب ذلك من صورة الإنسان وقال الناظر ~~إليها كأنه إنسان عظم تعجبك من صنعة النقاش وحذقه وخفة يده وتمام فطنته ~~وعظم فى قلبك محله مع أنك تعلم أن تلك الصورة إنما تمت بالصبغ والقلم واليد ~~وبالقدرة وبالعلم وبالإرادة وشىء من ذلك ليس من PageV04P437 فعل النقاش ولا ~~خلقه بل هو من خلق غيره وإنما منتهى فعله الجمع بين الصبغ والحائط على ~~ترتيب مخصوص فيكثر تعجبك منه وتستعظمه # وأنت ترى النطفة القذرة كانت معدومة فخلقها خالقها فى الأصلاب والترائب ~~ثم أخرجها منها وشكلها فأحسن تشكيلها وقدرها فإحسن تقديرها وتصويرها وقسم ~~أجزاءها المتشابهة إلى أجزاء مختلفة فأحكم العظام فى أرجائها وحسن أشكال ~~أعضائها وزين ظاهرها وباطنها ورتب عروقها وأعصابها وجعلها مجرى لغذائها ~~ليكون ذلك سبب بقائها وجعلها سميعة بصيرة عالمة ناطفة وخلق لها الظهر أساسا ~~لبدنها والبطن حاويا لآلات غذائها والرأس جامعا لحواسها ففتح العينين ورتب ~~طبقاتها وأحسن شكلها ولونها وهيئاتها ثم حماها بالأجفان لتسترها وتحفظها ~~وتصقلها وتدفع الأقذاء عنها ثم أظهر فى مقدار عدسة منها صورة السموات مع ~~اتساع أكنافها وتباعد أقطارها فهو ينظر إليها ثم شق أذنيه وأودعهما ماء مرا ~~ليحفظ سمعها ويدفع الهوام عنها وحوطها بصدقة الأذن لتجمع الصوت فترده إلى ~~صماخها ولتحس بدبيب الهوام إليها وجعل فيها تحريفات واعوجاجات لتكثر حركة ~~ما يدب فيها ويطول طريقه فيتنبه من النوم صاحبها إذا قصدها دابة فى حال ~~النوم ثم رفع الأنف من وسط الوجه وأحسن شكله وفتح منخريه وأودع فيه حاسه ~~الشم ليستدل باستنشاق الروايح على مطاعمه وأغذيته وليستنشقة بمنفذ المنخرين ~~روح الهواء غذاء لقلبه وترويحا لحرارة باطنه وفتح الفم وأودعه اللسان ناطقا ~~وترجما ومعربا عما فى القلب وزين الفم بالأسنان لتكون آلة الطحن والكسر ~~والقطع فإحكم أصولها وحدد رءوسها وبيض لونها ورتب صفوفها متساوية الرءوس ~~متناسقة الترتيب كأنها الدر المنظوم وخلق الشفتين وحسن لونها وشكلها لتنطبق ~~على الفم فتسد منفذه وليتم بها حروف الكلام وخلق الحنجرة وهيأها لخروج ~~الصوت وخلق للسان قدرة للحركات والتقطيعات لتتقطع الصوت فى مخارج مختلفة ~~تختلف بها الحروف ليتسع بها طريق النطق بكثرتها ثم خلق الحناجر مختلفة ~~الأشكال فى الضيق والسعة والخشونة والملاسة وصلابة الجوهر ورخاوته والطول ~~والقصر حتى اختلفت بسببها الأصوات فلا يتشابه صوتان بل يظهر بين كل صوتين ~~فرقا حتى يميز السامع بعض الناس عن بعض بمجرد الصوت فى الظلمة ثم زين الرأس ~~بالشعر والأصداغ وزين الوجه باللحية والحاجبين وزين الحاجب برقة الشعر ~~واستقواس الشكل وزين العينين بالأهداب # ثم خلق الأعضاء الباطنة وسخر كل واحد لفعل مخصوص فسخر المعدة لنضج الغذاء ~~والكبد لإحالة الغذاء إلى الدم والطحال والمرارة والكلية لخدمة الكبد ~~فالطحال يخدمها بجذب السوداء عنها والمرارة تخدمها بجذب الصفراء عنها ~~والكلية تخدمها بجذب المائية عنها والمثانة تخدم الكلية بقبول الماء عنها ~~ثم تخرجه فى طريق الإحليل والعروق تخدم الكبد فى إيصال الدم إلى سائر أطراف ~~البدن ثم خلق اليدين وطولهما لتمتد إلى المقاصد وعرض الكف وقسم الأصابع ~~الخمس وقسم كل أصبع بثلاث أنامل ووضع الأربعة فى جانب والإبهام فى جانب ~~لتدور الإبهام على الجميع ولو اجتمع الأولون والآخرون على أن يستنبطوا ~~بدقيق الفكر وجها آخر فى وضع الأصابع سوى ما وضعت عليه من بعد الإبهام عن ~~الأربع وتفاوت الأربع فى الطول وترتيبها فى صف واحد لم يقدروا عليه إذ بهذا ~~الترتيب صلحت اليد للقبض والإعطاء فإن بسطها كانت له طبقا يضع عليها ما ~~يريد وإن جمعها كانت له آلة للضرب وإن ضمها ضما غير تام كانت مغرفة له وإن ~~بسطها وضم أصابعها كانت مجرفة له ثم خلق الأظفار على رءوسها زينة للأنامل ~~وعمادا لها من ورائها حتى لا تنقطع وليلتقط بها الأشياء الدقيقة التى ~~PageV04P438 لا تتناولها الأنامل وليحك بها بدنه عند الحاجة فالظفر الذى هو ~~أخس الأعضاء لو عدمه الإنسان وظهر به حكة لكان أعجز الخلق وأضعفهم ولم يقم ~~أحد مقامه فى حك بدنه ثم هدى اليد إلى موضع الحك حتى تمتد إليه ولو فى ~~النوم والغفلة من غير حاجة إلى طلب ولو استعان بغيره لم يعثر على موضع الحك ~~إلا بعد تعب طويل ثم خلق هذا كله من النطفة وهى فى داخل الرحم فى ظلمات ~~ثلاث ولو كشف الغطاء والغشاء وامتد إليه البصر لكان يرى التخطيط والتصوير ~~يظهر عليها شيئا فشيئا ولا يرى المصور ولا آلته فهل رأيت مصورا أو فاعلا لا ~~يمس آلته ومصنوعه ولا يلاقيه وهو يتصوف فيه فسبحانه ما أعظم شأنه وأظهر ~~برهانه # ثم أنظر مع كمال قدرته إلى تمام رحمته فإنه لما ضاق الرحم عن الصبى لما ~~كبر كيف هداه السبيل حتى تنكس وتحرك وخرج من ذلك المضيق وطلب المنفذ كأنه ~~عاقل بصير بما يحتاج إليه # ثم لما خرج واحتاج إلى الغذاء كيف هداه إلى التقام الثدى ثم لما كان بدنه ~~سخيفا لا يحتمل الأغذية الكثيفة كيف دبر له فى خلق اللبن اللطيف واستخرجه ~~من بين الفرث والدم سائغا خالصا وكيف خلق الثديين وجمع فيهما اللبن وأنبت ~~منهما حلمتين على قدر ما ينطبق عليهما فم الصبى ثم فتح فى حلمة الثدى ثقبا ~~ضيقا جدا حتى لا يخرج اللبن منه إلا بعد المص تدريجا فإن الطفل لايطيق منه ~~إلا القليل ثم كيف هداه للامتصاص حتى يستخرج من ذلك المضيق اللبن الكثير ~~عند شدة الجوع # ثم انظر إلى عطفه ورحمته ورأفته كيف أخر خلق الأسنان إلى تمام الحولين ~~لأنه فى الحولين لا يتغذى إلا باللبن فيستغنى عن السن وإذا كبر لم يوافقه ~~اللبن السخيف ويحتاج إلى طعام غليظ ويحتاج الطعام إلى المضغ والطحن فأنبت ~~له الأسنان عند الحاجة لا قبلها ولا بعدها فسبحانه كيف أخرج تلك العظام ~~الصلبة فى تلك اللثات اللينة ثم حنن قلوب الوالدين عليه للقيام بتدبيره فى ~~الوقت الذى كان عاجزا عن تدبير نفسه فلو لم يسلط الله الرحمة على قلوبهما ~~لكان الطفل أعجز الخلق عن تدبير نفسه # ثم انظر كيف رزقه القدرة والتمييز والعقل والهداية تدريجا حتى بلغ وتكامل ~~فصار مراهقا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا إما كفورا أو شكورا مطيعا أو عاصيا ~~مؤمنا أو كافرا تصديقا لقوله تعالى هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن ~~شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ~~إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا فانظر إلى اللطف والكرم ثم إلى ~~القدرة والحكمة تبهرك عجائب الحضرة الربانية # والعجب كل العجب ممن يرى خطا حسنا أو نقشا حسنا على حائط فيستحسنه فيصرف ~~جميع همه إلى التفكر فى النقاش والخطاط وأنه كيف نقشه وخطه وكيف اقتدر عليه ~~ولا يزال يستعظمه فى نفسه ويقول ما أحذقه وما أكمل صنعته وأحسن قدرته ثم ~~ينظر إلى هذه العجائب فى نفسه وفى غيره ثم يغفل عن صانعه ومصوره فلا تدهشه ~~عظمته ولا يحيره جلاله وحكمته فهذه نبذة من عجائب بدنك التى لا يمكن ~~استقصاؤها فهو أقرب مجال لفكرك وأجلى شاهد على عظمة خالقك وأنت غافل عن ذلك ~~مشغول ببطنك وفرجك ولا تعرف من نفسك إلا أن تجوع فتأكل وتشبع فينام وتشتهى ~~فتجامع وتغضب فتقاتل والبهائم كلها تشاركك فى معرفة ذلك وإنما خاصية ~~الإنسان التى حجبت البهائم عنها معرفة الله تعالى بالنظر فى ملكوت السموات ~~والأرض وعجائب الافاق والأنفس إذ بها يدخل العبد فى زمرة الملائكة المقربين ~~ويحشر فى زمرة النبيين والصديقين مقربا من حضرة رب العالمين وليست هذه ~~المنزلة للبهائم ولا لإنسان رضى من الدنيا بشهوات البهائم فإنه شر من ~~البهائم بكثير PageV04P439 إذ لا قدرة للبهيمة على ذلك وأما هو فقد خلق ~~الله له القدرة ثم عطلها وكفر نعمة الله فيها فأولئك كالأنعام بل هم أضل ~~سبيلا # وإذا عرفت طريق الفكر فى نفسك فتفكر فى الأرض التى هى مقرك ثم فى أنهارها ~~وجبالها ومعادتها ثم ارتفع منها إلى ملكوت السموات أما الأرض فمن آياته أن ~~خلق الأرض فراشا ومهادا وسلك فيها سبلا فجاجا وجعلها ذلولا لتمشوا فى ~~مناكبها وجعلها قارة لا تتحرك وأرسى فيها الجبال أوتادا لها تمنعها من أن ~~تميد ثم وسع أكنافها حتى عجز الآدميون عن بلوغ جميع جوانبها وإن طالت ~~إعمارهم وكثر تطوافهم فقال تعالى والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون والأرض ~~فرشناها فنعم الماهدون وقال تعالى هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى ~~مناكبها وقال تعالى الذى جعل لكم الأرض فراشا وقد أكثر فى كتابه العزيز ممن ~~ذكر الأرض ليتفكر فى عجائبها فظهرها مقر للأحياء وبطنها مرقد للأموات قال ~~تعالى ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا # فانظر إلى الأرض وهى ميتة فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت واخضرت ~~وأنبتت عجائب النبات وخرجت منها أصناف الحيوانات ثم انظر كيف أحكم جوانب ~~الأرض بالجبال الراسيات الشوامخ الصم الصلاب وكيف أودع المياه تحتها ففجر ~~العيون وأسأل الأنهار تجرى على وجهها وأخرج من الحجارة اليابسة ومن التراب ~~الكدر ماء رقيقا عذبا صافيا زلالا وجعل به كل شىء حى فأخرج به فنون الأشجار ~~والنبات من حب وعنب وقضب وزيتون ونخل ورمان وفواكه كثيرة لا تحصى مختلفة ~~الأشكال والألوان والطعوم والصفات والأرابيح يفضل بعضها على بعض فى الأكل ~~تسقى بماء واحد وتخرج من أرض واحدة # فإن قلت إن اختلافها باختلاف بذورها وأصولها فمتى كان فى النواة نخلة ~~مطوقة لعناقيد الرطب ومتى كان فى حبة واحدة سمع سنابل فى كل سنبلة مائة ثم ~~أنظر إلى أرض البوادى وفتش ظاهرها وباطنها فتراها ترابا متشابها فإذا أنزل ~~عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج الوانا مختلفة ونباتا ~~متشابها وغير متشابه لكل واحد طعم وريح ولون وشكل يخالف الآخر فانظر إلى ~~كثرتها واختلاف أصنافها وكثرة أشكالها ثم اختلاف طبائع النبات وكثرة منافعه ~~وكيف أودع الله تعالى العقاقير المنافع الغريبة فهذا النبات يغذى وهذا يقوى ~~وهذا يحيى وهذا يقتل وهذا يبرد وهذا يسخن وهذا إذا حصل فى المعدة قمع ~~الصفراء من أعماق العروق وهذا يستحيل إلى الصفراء وهذا يقمع البلغم ~~والسوداء وهذا يستحيل إليهما وهذا يصفى الدم وهذا يستحل دما وهذا يفرح وهذا ~~ينوم وهذا يقوى وهذا يضعف فلم تنبت من الأرض ورقة ولا تبنة إلا وفيها منافع ~~لا يقوى البشر على الوقوف على كنهها وكل واحد من هذا النبات يحتاج الفلاح ~~فى تربيته إلى عمل مخصوص فالنخل تؤثر الكرم يكسح والزرع ينقى عنه الحشيش ~~والدغل وبعض ذلك يستنبت ببث البذر فى الأرض وبعضه بغرس الأغصان وبعضه يركب ~~فى الشجر ولو أردنا أن نذكر اختلاف أجناس النبات وأنواعة ومنافعه وأحواله ~~وعجائبه لا نقضت الأيام فى وصف ذلك فيكفيك من كل جنس نبذة يسيرة تدلك على ~~طريق الفكر فهذه عجائب النبات # ومن أياته الجواهر المودعة تحت الجبال والمعادن الحاصلة من الأرض ففى ~~الأرض قطع متجاورات مختلفة فانظر إلى الجبال كيف يخرج منها الجواهر النفيسة ~~من الذهب والفضة والفيروزج واللعل وغيرها بعضها منطبعة تحت المطارق كالذهب ~~والفضة والنحاس والرصاص والحديد وبعضها لا ينطبع كالفيروزوج واللعل ~~PageV04P440 وكيف هدى الله الناس إلى استخراجها وتنقيتها واتخاذ الأوانى ~~والآلات والنقود والحلى منها ثم انظر إلى معادن الأرض من النفط والكبريت ~~والقار وغيرها وأقلها الملح ولا يحتاج إليه إلا لتطييب الطعام ولو خلت عنه ~~بلدة لتسارع الهلاك إليها فانظر إلى رحمة الله تعالى كيف خلق بعض الأراضى ~~سبخة بجوهرها بحيث يجتمع فيها الماء الصافى من المطر فيستحيل ملحا مالحا ~~محرقا لا يمكن تناول مثقال منه ليكون ذلك تطييبا لطعامك إذا أكلته فيتهنأ ~~عيشك وما من جماد ولا حيوان ولا نبات إلا وفيه حكمة وحكم من هذا الجنس ما ~~خلق شىء منها عبثا ولا لعبا ولا هزلا بل خلق الكل بالحق كما ينبغى وعلى ~~الوجه الذى ينبغى وكما يليق بجلاله وكرمه ولطفه ولذلك قال تعالى وما خلقنا ~~السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقنهما إلا بالحق # ومن آياته أصناف الحيوانات وانقسمها إلى ما يطير وإلى ما يمشى وانقسام ما ~~يمشى إلى ما يمشى على رجلين وإلى ما يمشى على أربع وعلى عشر وعلى مائة كما ~~يشاهد فى بعض الحشرات ثم انقسامها فى المنافع والصور والأشكال والأخلاق ~~والطباع فانظر إلى طيور الجو وإلى وحوش البر والبهائم الأهلية ترى فيها من ~~العجائب ولا تشك معه فى عظمة خالقها وقدرة مقدرها وحكمة مصورها وكيف يمكن ~~أن يستقصى ذلك بل لو أردنا أن نذكر عجائب البقة أو النملة أو النخلة أو ~~العنكبوت وهى من صغار الحيوانات بنائها بيتها وفى جمعها غذاءها وفى إلفها ~~لزوجها وفى ادخارها لنفسا وفى حذقها فى هندسة بيتها وفى هدايتها إلى ~~حاجاتها لم نقدر على ذلك فترى العنكبوت يبنى بيته على طرف نهر فيطلب أولا ~~موضعين متقاربين بينهما فرجة بمقدار ذراع فما دونه حتى يمكنه أن يصل بالخيط ~~بين طرفيه ثم يبتدىء ويلقى اللعاب الذى هو خيطه على جانب ليلتصق به ثم يغدو ~~إلى الجانب الآخر فيحكم الطرف الآخر من الخيط ثم كذلك يتردد ثانيا وثالثا ~~ويجعل بعد ما بينهما متناسبا تناسبا هندسيا حتى إذا أحكم معاقد القمط ورتب ~~الخيوط كالسدى اشتغل باللحمة فيضع اللحمة على السدى ويضيف بعضه إلى بعض ~~ويحكم العقد على موضع التقاء اللحمة بالسدى ويراعى فى جميع ذلك تناسب ~~الهندسة ويجعل ذلك شبكة يقع فيها البق والذباب ويقعد فى زاوية مترصدا لوقوع ~~الصيد فى الشبكة فإذا وقع الصيد بادر إلى أخذه وأكله فإن عجز عن الصيد كذلك ~~طلب لنفسه زاوية من حائط ووصل بين طرفى الزاوية بخيط ثم علق نفسه فيها بخيط ~~آخر وبقى منكسا فى الهواء ينتظر ذبابة تطير فإذا طارت رمى بنفسه إليه فإخذه ~~ولف خيطه على رجليه وأحكمه ثم أكله وما من حيوان صغير ولا كبير إلا وفيه من ~~العجائب ما لا يحصى أفترى أنه تعلم هذه الصنعة من نفسه أو تكون بنفسه أو ~~كونه آدمى أو علمه أو لا هادى له ولا معلم أفيشك ذو بصيرة فى أنه مسكين ~~ضعيف عاجز بل الفيل العظيم شخصه الظاهرة قوته عاجز عن أمر نفسه فكيف هذا ~~الحيوان الضعيف أفلا يشهد هو بشكله وصورته وحركته وهدايته وعجائب صنعته ~~لفاطره الحكيم وخالقه القادر العليم فالبصير يرى فى هذا الحيوان الصغير من ~~عظمة الخالق المدبر وجلاله وكمال قدرته وحكمته ما تتحير فيه الألباب ~~والعقول فضلا عن سائر الحيوانات وهذا الباب أيضا لا حصر له فإن الحيوانات ~~وأشكالها وأخلاقها وطباعها غير محصورة وإنما سقط تعجب القلوب منها لأنسها ~~بكثرة المشاهدة نعم إذا رأى حيوانا غريبا ولو دودا تجدد تعجبه وقال سبحان ~~الله ما أعجبه والإنسان أعجب الحيوانات وليس يتعجب من نفسه بل لو نظر إلى ~~الأنعام التى ألفها تعجبه وقال سبحان الله ما أعجبه والإنسان أعجب ~~الحيوانات وليس يتعجب من نفسه بل لو نظر إلى الأنعام التى ألفها ونظر إلى ~~أشكالها وصورها ثم إلى منافعها وفوائدها من جلودها وأصوافها وأوبارها ~~وأشعارها التى جعلها الله لباسا لخلقه وأكانا لهم فى ظعنهم وإقامتهم وآنية ~~لأشربتهم وأوعية لأغذيتهم وصوانا لأقدامهم وجعل PageV04P441 ألبانها ~~ولحومها أغذية لهم ثم جعل بعضها زينة للركوب وبعضها حاملة للأثقال قاطعة ~~للبوادى والمفازات البعيدة لأكثر الناظر التعجب من حكمة خالقها ومصورها ~~فإنه ما خلقها إلا بعلم محيط بجميع منافعها سابق على خلقه إياها فسبحان من ~~الأمور مكشوفة فى علمه من غير تفكر ومن غير تأمل وتدبر ومن غير استعانة ~~بوزير أو مشير فهو العليم الخبير القدير فلقد استخرج بأقل القليل مما خلقه ~~صدق الشهادة من قلوب العارفين بتوحيده فما للخلق إلا الإذعان لقهره وقدرته ~~والاعتراف بربوبيته والإقرار بالعجز عن معرفة جلاله وعظمته فمن ذا الذى ~~يحصى ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه وإنما غاية معرفتنا الاعتراف ~~بالعجز عن معرفته فنسأل الله تعالى أن يكرمنا بهدايته بمنه ورأفته ومن ~~آياته البحار العميقة المكتنفة لأقطار الأرض التى هى قطع من البحر الأعظم ~~المحيط بجميع الأرض حتى إن جميع المكشوف من البوادى والجبال والأرض ~~بالإضافة إلى الماء كجزيرة صغيرة فى بحر عظيم وبقية الأرض مستورة بالماء ~~قال النبى صلى الله عليه وسلم الأرض فى البحر كالاصطبل فى الأرض فانسب ~~اصطبلا إلى جميع الأرض واعلم أن الأرض بالإضافة إلى البحر مثله # وقد شاهدت عجائب الأرض وما فيها فتأمل الآن عجائب البحر فإن عجائب ما فيه ~~من الحيوان والجواهر أضعاف عجائب ما تشاهده على وجه الأرض كما أن سعته ~~أضعاف سعة الأرض ولعظم البحر كان فيه من الحيوانات العظام ما ترى ظهورها فى ~~البحر فتظن أنها جزيرة فينزل أنها جزيرة فينزل الركاب عليها فربما تحس ~~بالنيران إذا اشتغلت فتتحرك ويعلم أنها حيوان وما من صنف من أصناف حيوان ~~البر من فرس أو طير أو بقر أو إنسان إلا وفى البحر أمثاله وأضعافه وفيه ~~أجناس لا يعهد لها نظير فى البر وقد ذكرت أوصافها فى مجلدات وجمعها أقوام ~~عنوا بركوب البحر وجمع عجائبه # ثم انظر كيف خلق الله اللؤلؤ ودوره فى صدفه تحت الماء وانظر كيف أنبت ~~المرجان من صم الصخور تحت الماء وإنما هو نبات على هيئة شجر ينبت من الحجر ~~ثم تأمل ما عداه من العنبر وأصناف النفائس التى يقذفها البحر وتستخرج منه ~~ثم انظر إلى عجائب السفن كيف أمسكها الله تعالى على وجه الماء وسير فيها ~~التجار وطلاب الأموال وغيرهم وسخر لهم الفلك لتحمل أثقالهم ثم أرسل الرياح ~~لتسوق السفن ثم عرف الملاحين موارد الرياح ومهابها ومواقيتها ولا يستقصى ~~على الجملة عجائب صنع الله فى البحر فى مجلدات وأعجب من ذلك كله ما هو أظهر ~~من كل ظاهر وهو كيفية قطره الماء وهو جسم رقيق لطيف سيال مشف متصل الاجزاء ~~كأنه شىء واحد لطيف التركيب سريع القبول للتقطيع كأنه منفصل مسخر للتصرف ~~قابل للانفصال والاتصال به حياة كل ما على وجه الأرض من حيوان ونبات فلو ~~احتاج العبد إلى شربة ماء ومنع منها لبذل جميع خزائن الأرض وملك الدنيا فى ~~تحصيلها لو ملك ذلك ثم لو شربها ومنع من إخراجها لبذل جميع خزائن الأرض ~~وملك الدنيا فى إخراجها فالعجب من الآدمى كيف يستعظم الدينار والدرهم ~~ونفائس الجواهر ويغفل عن نعمة الله فى شربة ماء إذا احتاج إلى شربها أو ~~الاستفراغ عنها بذل جميع الدنيا فيها فتأمل فى عجائب المياه والأنهار ~~والآبار والبحار ففيها متسع للفكر ومجال # وكل ذلك شواهد متظاهرة وآيات متناصرة ناطقة بلسان حالها مفصحة عن جلال ~~بارئها معربة عن كمال حكمته فيها منادية أرباب القلوب بنغماتها قائلة لكل ~~ذى لب أما ترانى وترى صورتى وتركيبى PageV04P442 وصفات ومنافعى واختلاف ~~حالاتى وكثرة فوائدى أتظن أنى كونت نفسى أو خلقنى أحد من جنسى أو ما تستحيى ~~أن تنظر فى كلمة مرقومة من ثلاثة أحرف فتقطع بأنها من صنعة آدمى عالم قادر ~~مريد متكلم ثم تنظر إلى عجائب الخطوط الإلهية المرقومة على صفحات وجهى ~~بالقلم الإلهى الذى لا تدرك الأبصار ذاته ولا حركته ولا اتصاله بمحل الخط ~~ثم ينفك قلبك عن جلالة صانعه # وتقول النطفة لأرباب السمع والقلب لا للذين هم عن السمع معزولون توهمنى ~~فى ظلمة الأحشاء مغموسة فى دم الحيض فى الوقت الذى يظهر التخطيط والتصوير ~~على وجهى فينفش النقاش حدقتى وأجفانى وجبهتى وخدى وشفتى فترى التقويس يظهر ~~شيئا فشيئا على التدريج ولا ترى داخل النطفة نقاشا ولا خارجها ولا داخل ~~الرحم ولا خارجه ولا خبر منها للأم ولا للأب ولا للنطفة ولا للرحم فما هذا ~~النقاش بأعجب مما نشاهده ينقش بالقلم صورة عجيبة لو نظرت إليها مرة أو ~~مرتين لتعلمته فهل تقدر على أن تتعلم هذا الجنس من النقش والتصوير الذى يعم ~~ظاهر النطفة وباطنها وجميع أجزائها من غير ملامسة للنطفة ومن غير اتصال بها ~~لا من داخل ولا من خارج فإن كنت لا تتعجب من هذه العجائب ولا تفهم بها أن ~~الذى صور ونقش وقدر لا نظير له ولا يساويه نقاش ولا مصور كما أن نقشه وصنعه ~~لا يساويه نقش وصنع فبين الفاعلين من المباينة والتباعد ما بين الفعلين فإن ~~كنت لا تتعجب من هذا فتعجب من عدم تعجبك فإنه أعجب من كل عجب فإن الذى أعمى ~~بصيرتك مع هذا الوضوح ومنعك من التبيين مع هذا البيان جدير بأن تتعجب منه ~~فسبحان من هدى وأضل وأغوى وأرشد وأشقى وأسعد وفتح بصائر أحبابه فشاهدوه فى ~~جميع ذرات العالم وأجزائه وأعمى قلوب أعدائه واحتجب عنهم بعزه وعلائه فله ~~الخلق والأمر والامتنان والفضل واللطف والقهر لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه # ومن آياته الهواء اللطيف المحبوس بين مقعر السماء ومحدب الأرض يدرك بحس ~~اللمس عند هبوب الرياح جسمه ولا يرى بالمين شخصه وجملته مثل البحر الواحد ~~والطيور محلقة فى جو السماء ومستبقة سباحة فيه بأجنحتها كما تسبح حيوانات ~~البحر فى الماء وتضطرب جوانبه وأمواجه عند هبوب الرياح كما تضطرب أمواج ~~البحر فإذا حرك الله الهواء وجعله ريحا هابة فإن شاء جعله نشرابين يدى ~~رحمته كما قال سبحانه وأرسلنا الرياح لواقح فيصل بحركته روح الهواء إلى ~~الحيوانات والنباتات فتستعد للنماء وإن شاء جعله عذابا على العصاة من ~~خليقته كما قال تعالى إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحس مستمر تنزع ~~الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ثم انظر إلى لطف الهواء ثم شدته وقوته مهما ~~ضغط فى الماء فالزق المنفوخ يتحامل عليه الرجل القوى ليغمسه فى الماء فيعجز ~~عنه والحديد الصلب تضعه على وجه الماء فيرسب فيه # فانظر كيف ينقبض الهواء من الماء بقوته مع لطافته وبهذه الحكمة أمسك الله ~~تعالى السفن على وجه الماء وكذلك كل مجوف فيه هواء لا يغوص فى الماء لأن ~~الهواء ينقبض عن الغوص فى الماء فلا ينفصل عن السطح الداخل من السفينة ~~فتبقى السفينة الثقيلة مع قوتها وصلابتها معلقة فى الهواء اللطيف كالذى يقع ~~فى بئر فيتعلق بذيل رجل قوى ممتنع عن الهوى فى البئر # فالسفينة بمقعرها تتشبث بأذيال الهواء القوى حتى تمتنع من الهوى والغوص ~~فى الماء فسبحان من علق المركب الثقيل فى الهواء اللطيف من غير علاقة تشاهد ~~وعقدة تشد # ثم انظر إلى عجائب الجو وما يظهر فيه من الغيوم والرعود والبروق والأمطار ~~والثلوج والشهب والصواعق فهى عجائب ما بين السماء والأرض وقد أشار القرآن ~~إلى جملة ذلك فى قوله تعالى وما خلقنا السموات والأرض PageV04P443 وما ~~بينهما لاعبين وهذا هو الذى بينهما # وأشار إلى تفصيله فى مواضع شتى حيث قال تعالى والسحاب المسخر بين السماء ~~والأرض وحيث تعرض للرعد والبرق والسحاب والمطر فإذا لم يكن لك حظ من هذه ~~الجملة إلا أن ترى المطر بعينك وتسمع الرعد بأذنك فالبهيمة تشاركك فى هذه ~~المعرفة فارتفع من حضيض عالم البهائم إلى عالم الملأ الأعلى فقد فتحت عينيك ~~فأدركت ظاهرها فغمض عينك الظاهرة وانظر ببصيرتك الباطنة لترى عجائب باطنها ~~وغرائب أسرارها وهذا أيضا باب يطول الفكر فيه إذ لا مطمع فى استقصائه # فتأمل السحاب الكثيف المظلم كيف تراه يجتمع فى جو صاف لا كدورة فيه وكيف ~~يخلقه الله تعالى إذا شاء ومتى شاء وهو مع رخاوته حامل للماء الثقيل وممسك ~~له فى جو السماء إلى أن يأذن الله فى إرسال الماء وتقطيع القشرات كل قطرة ~~بالقدر الذى أراده الله تعالى وعلى الشكل الذى شاءه فترى السحاب يرش الماء ~~على الأرض ويرسله قطرات متفاصلة لا تدرك قطرة منها قطرة ولا تتصل واحدة ~~بأخرى بل تنزل كل واحدة فى الطريق الذى رسم لها لا تعدل عنه فلا يتقدم ~~المتأخر ولا يتأخر المتقدم حتى يصيب الأرض قطرة قطرة فلو اجتمع الأولون ~~والآخرون على أن يخلقوا منها قطرة أو يعرفوا عدد ما ينزل منها فى بلدة ~~واحدة أو قرية واحدة لعجز حساب الجن والإنس عن ذلك فلا يعلم عددها الا الذى ~~أوجدها # ثم كل قطرة منها عينت لكل جزء من الأرض ولكل حيوان فيها من طير ووحش ~~وجميع الحشرات والدواب ومكتوب على تلك القطرة بخط إلهى لا يدرك بالبصر ~~الظاهر أنها رزق الدودة الفلانية التى فى ناحية الجبل الفلانى تصل إليها ~~عند عطشها فى الوقف الفلانى هذا مع ما فى انعقاد البرد الصلب من الماء ~~اللطيف وفى تناثر الثلوج كالقطن المندوف من العجائب التى لا تحصى # كل ذلك فضل من الجبار القادر وقهر من الخلاق القاهر ما لأحد من الخلق فيه ~~شرك ولا مدخل بل ليس للمؤمنين من خلقه إلا الاستكانة والخضوع تحت جلاله ~~وعظمته ولا للعميان الجاحدين إلا الجهل بكيفيته ورجم الظنون بذكر سببه ~~وعلته فيقول الجاهل المغرور إنما ينزل الماء لأنه ثقيل بطبعه وإنما هذا سبب ~~نزوله ويظن أن هذه معرفة انكشفت له ويفرح بها ولو قيل له ما معنى الطبع وما ~~الذى خلقه ومن الذى خلق الماء الذي طبعه الثقل وما الذى رقى الماء المصبوب ~~فى أسافل الشجر إلى أعالى الأغصان وهو ثقيل بطبعه فكيف هوى إلى أسفل ثم ~~ارتفع إلى فوق فى داخل تجاويف الأشجار شيئا فشيئا بحيث لا يرى ولا يشاهد ~~حتى ينتشر فى جميع أطراف الأوراق فيغذى كل جزء من كل ورقة ويجرى إليها فى ~~تجاويف عروق شعرية صغار يروى منه العرق الذى هو أصل الورقة ثم ينتشر من ذلك ~~العرق الكبير الممدود فى طول الورقة عروق صغار فكأن الكبير نهر وما انشعب ~~عنه جداول ثم ينشعب من الجداول سوق أصغر منها ثم ينتشر منها خيوط عنكبوتية ~~دقيقة تخرج عن إدراك البصر حتى تنبسط فى جميع عرض الورقة فيصل الماء فى ~~أجوافها إلى سائر أجزاء الورقة ليغذيها وينميها ويزينها وتبقى طراوتها ~~ونضارتها وكذلك إلى سائر أجزاء الفواكه فإن كان الماء يتحرك بطبعه إلى أسفل ~~فكيف تحرك إلى فوق فإن كان ذلك يجذب جاذب فما الذى سخر ذلك الجاذب وإن كان ~~ينتهى بالآخرة إلى خالق السموات والأرض وجبار الملك والملكوت فلم لا يحال ~~عليه من أول الأمر فنهاية الجاهل بداية العاقل # ومن آياته ملكوت السموات والأرض وما فيها من الكواكب وهو الأمر كله ومن ~~أدرك الكل وفاته عجائب السموات فقد فاته الكل تحقيقا # فالأرض والبحار والهواء وكل جسم سوى السموات بالإضافة إلى السموات قطرة ~~فى بحر وأصغر # ثم انظر كيف عظم الله أمر السموات والنجوم فى كتابه فما من سورة إلا ~~وتشتمل على تفخيمها فى مواضع وكم من قسم فى القرآن بها كقوله تعالى والسماء ~~ذات البروج والسماء والطارق والسماء PageV04P444 ذات الحبك والسماء وما ~~بناها وكقوله تعالى والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها وكقوله تعالى فلا أقسم ~~بالخنس الجوار الكنس وقوله تعالى والنجم إذا هوى فلا أقسم بمواقع النجوم ~~وإنه لقسم لو تعلمون عظيم فقد علمت أن عجائب النطفة القذرة عجز عن معرفتها ~~الأولون والآخرون وما أقسم الله بها فما ظنك بما اقسم الله تعالى به وأحال ~~الأرزاق عليه وأضافها إليه فقال تعالى وفى السماء رزقكم وما توعدون وأثنى ~~على المفكرين فيه فقال ويتفكرون فى خلق السموات والأرض وقال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ويل لمن قرأ هذه الآية ثم مسح بها سبلته + حديث ويل لمن قرأ ~~هذه الآية ثم مسح بها سبلته أى قوله تعالى ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ~~تقدم + أى تجاوزها من غير فكر وذم المعرضين عنها فقال وجعلنا السماء سقفا ~~محفوظا وهم عن آياتها معرضون فأى نسبة لجميع البحار والأرض إلى السماء وهى ~~متغيرات على القرب والسموات صلاب شداد محفوظات عن التغير إلى أن يبلغ ~~الكتاب أجله ولذلك سماه الله تعالى محفوظا فقال وجعلنا السماء سقفا محفوظا ~~وقال سبحانه وبنينا فوقكم سبعا شدادا @QB@ وقال @QE@ أأنتم أشد خلقا أم ~~السماء بناها رفع سمكها فسواها فانظر إلى الملكوت لترى عجائب العز والجبروت # ولا تظنن أن معنى النظر إلى الملكوت بأن تمد البصر إليه فترى زرقة السماء ~~وضوء الكواكب وتفرقها فإن البهائم تشاركك فى هذا النظر # فإن كان هذا هو المراد فلم مدح الله تعالى إبراهيم بقوله وكذلك نرى ~~إبراهيم ملكوت السموات والأرض لا بل كل ما يدرك بحاسة البصر فالقرآن يعبر ~~عنه بالملك والشهادة وما غاب عن الأبصار فيعبر عنه بالغيب والملكوت والله ~~تعالى عالم الغيب والشهادة وجبار الملك والملكوت ولا يحيط أحد بشىء من علمه ~~إلا بما شاء وهو عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول # فأجل أيها العاقل فكر فى الملكوت فعسى يفتح لك ابواب السماء فتجول بقلبك ~~فى أقطارها إلى أن يقوم قلبك بين يدي عرش الرحمن فعند ذلك ربما يرجى لك أن ~~تبلغ رتبة عمر بن الخطاب رضى الله عنه حيث قال رأى قلبى ربى وهذا لأن بلوغ ~~الأقصى لا يكون إلا بعد مجاوزة الأدنى وأدنى شىء إليك نفسك ثم الأرض التى ~~هى مقرك ثم الهواء المكتنف لك ثم النبات والحيوان وما على وجه الأرض ثم ~~عجائب الجو وهو ما بين السماء والأرض ثم السموات السبع بكواكبها ثم الكرسى ~~ثم العرش ثم الملائكة الذين هم حملة العرش وخزان السموات ثم منه تجاوز إلى ~~النظر إلى رب العرش والكرسى والسموات والأرض وما بينهما فبينك وبين هذه ~~المفاوز العظيمة والمسافات الشاسعة والعقبات الشاهقة وأنت بعد لم تفرغ من ~~العقبة القريبة النازلة وهى معرفة ظاهر نفسك ثم صرت تطلق اللسان بوقاحتك ~~وتدعى معرفة ربك وتقول قد عرفته وعرفت خلقه ففي ماذا أتفكر إلى ماذا أتطلع # فارفع الآن رأسك إلى السماء وانظر فيها وفى كواكبها وفى دورانها وطلوعها ~~وغروبها وشمسها وقمرها واختلاف مشارقها ومغاربها ودؤوبها فى الحركة على ~~الدوام من غير فتور فى حركتها ومن غير تغير فى سيرها بل تجرى جميعا فى ~~منازل مرتبة بحساب مقدر لا يزيد ولا ينقص إلى أن يطويها الله تعالى طى ~~السجل للكتاب وتدبر عدد كواكبها وكثرتها واختلاف ألوانها فبعضها يميل إلى ~~الحمرة وبعضها إلى البياض وبعضها إلى اللون الرصاصى ثم انظر كيفية أشكالها ~~فبعضها على صورة العقرب وبعضها على صورة الحمل والثور والأسد والإنسان وما ~~من صورة فى الأرض إلا ولها مثال فى السماء # ثم انظر إلى مسير الشمس فى فلكها فى مدة سنة ثم هى تطلع فى كل يوم وتغرب ~~PageV04P445 بسير آخر سخرها له خالقها ولولا طلوعها وغروبها لما اختلف ~~الليل والنهار ولم تعرف المواقيت ولأطبق الظلام على الدوام أو الضياء على ~~الدوام فكان لا يتميز وقت المعاش عن وقت الاستراحة فانظر كيف جعل الله ~~تعالى الليل لباسا والنوم سباتا والنهار معاشا وانظر إلى إيلاجه الليل في ~~النهار والنهار فى الليل وإدخاله الزيادة والنقصان عليهما على ترتيب مخصوص # وانظر إلى إمالته مسير الشمس عن وسط السماء حتى اختلف بسببه الصيف ~~والشتاء والربيع والخريف فإذا انخفضت الشمس من وسط السماء فى مسيرها برد ~~الهواء وظهر الشتاء وإذا استوت فى وسط السماء اشتد القيظ وإذا كانت فيما ~~بينهما اعتدل الزمان # وعجائب السموات لا مطمع فى إحصاء عشر عشير جزء من أجزائها وإنما هذا ~~تنبيه على طريق الفكر واعتقد على طريق الجملة أنه ما من كوكب من الكواكب ~~إلا ولله تعالى حكم كثيرة فى خلقه ثم فى مقداره ثم فى شكله ثم فى لونه ثم ~~فى وضعه من السماء وقربه من الكواكب التى بجنبه وبعده وقس على ذلك ما ~~ذكرناه من أعضاء بدنك إذ ما من جزء إلا وفيه حكمة بل حكم كثيرة وأمر السماء ~~أعظم بل لا نسبة لعالم الأرض إلى عالم السماء لا فى كبر جسم ولا فى كثرة ~~معانيه # وقس التفاوت الذى بينهما فى كثرة المعانى بما بينهما من التفاوت فى كبر ~~الأرض فأنت تعرف من كبر الأرض واتساع أطرافها أنه لا يقدر آدمى على أن ~~يدركها ويدور بجوانبها وقد اتفق الناظرون على أن الشمس مثل الأرض مائة ~~ونيفا وستين مرة وفى الأخبار ما يدل على عظمتها + الحديث الدال على عظم ~~الشمس رواه أحمد من حديث عبد الله بن عمر رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~الشمس حين غربت فقال فى نار الله الحامية لولا ما نزعها من أمر الله لأهلكت ~~ما على الأرض وللطبرانى فى الكبير من حديث أبى أمامة وكل بالشمس تسعة أملاك ~~يرمونها بالثلج كل يوم لولا ذلك ما أنت على شىء إلا أحرقته + ثم الكواكب ~~التى تراها أصغرها مثل الأرض ثمانى مرات وأكبرها ينتهى إلى قريب من مائة ~~وعشرين مرة مثل الأرض # وبهذا تعرف ارتفاعها وبعدها إذ للعبد صارت ترى صغارا ولذلك أشار الله ~~تعالى إلى بعدها فقال رفع سمكها فسواها # وفى الأخبار أن ما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام + حديث بين ~~كل سماء إلى سماء خمسمائة عام أخرجه الترمذى من رواية الحسن عن أبى هريرة ~~وقال غريب قال ويروى عن أيوب ويونس بن عبيد وعلى بن زيد قالوا ولم يسمع ~~الحسن من أبى هريرة ورواه أبو الشيخ فى العظمة من رواية أبى نصرة عن أبى ذر ~~ورجاله ثقات إلا أنه لا يعرف لأبى نصرة سماع من أبى ذر + فإذا كان مقدرا ~~كوكب واحد مثل الأرض أضعافا فانظر إلى كثرة الكواكب # ثم أنظر إلى السماء التى الكواكب مركوزة فيها وإلى عظمها # ثم انظر إلى سرعة حركتها وأنت لا تحس بحركتها فضلا عن أن تدرك سرعتها لكن ~~لا تشك أنها فى لحظة تسير مقدار عرض كوكب لأن الزمان من طلوع أول جزء من ~~كوكب إلى تمامه يسير وذلك الكوكب هو مثل الأرض مائة مرة وزيادة فقد دار ~~الفلك فى هذه اللحظة مثل الأرض مائة مرة وهكذا يدور على الدوام وأنت غافل ~~عنه # وانظر كيف عبر جبريل عليه السلام عن سرعة حركته إذ قال له النبي صلى الله ~~عليه وسلم هل زالت الشمس فقال لا نعم فقال كيف تقول لا نعم فقال من حين قلت ~~لا إلى أن قلت نعم سارت الشمس خمسمائة عام + حديث أنه قال لجبريلل هل زالت ~~الشمس فقال لا نعم فقال كيف تقول لا نعم فقال من حين قلت لا إلى أن قلت نعم ~~سارت الشمس مسيرة خمسمائة عام لم اجد له أصلا + فانظر إلى عظم شخصها ثم إلى ~~خفة حركتها ثم انظر إلى قدرة الفاطر الحكيم كيف أثبت صورتها مع اتسع ~~أكنافها فى حدقة العين مع صغرها حتى تجلس على الأرض وتفتح عينيك نحوها فترى ~~جميعها # فهذه السماء بعظمها وكثرة كواكبها لا تنظر إليها بل انظر إلى بارئها كيف ~~خلقها ثم أمسكها من غير عمد ترونها ومن غير علاقة من فوقها وكل العالم ~~PageV04P446 كبيت واحد والسماء سقفه فالعجب منك أنك تدخل بيت غنى فتراه ~~مزوقا بالصبغ مموها بالذهب فلا ينقطع تعجبك منه ولا تزال تذكره وتصف حسنه ~~طول عمرك وأنت أبدا تنظر إلى هذا البيت العظيم وإلى أرضه وإلى سقفه وإلى ~~هوائه وإلى عجائب أمتعته وغرائب حيواناته وبدائع نقوشه ثم لا تتحدث فيه ولا ~~تلتفت بقلبك إليه فما هذا البيت دون ذلك البيت الذى تصفه بل ذلك البيت هو ~~ايضا جزء من الأرض التى هى أخس أجزاء هذا البيت ومع هذا فلا تنظر إليه ليس ~~له سبب إلا أنه بيت ربك هو الذى انفرد ببنائه وترتيبه وأنت قد نسيت نفسك ~~وربك وبيت ربك واشتغلت ببطنك وفرجك ليس لك هم إلا شهوتك أو حشمتك وغاية # شهوتك أن تملأ بطنك ولا تقدر على أن تأكل عشر ما تأكله بهيمة فتكون ~~البهيمة فوقك بعشر درجات # وغاية حشمتك أن تقبل عليك عشرة أو مائة من معارفك فينافقون بألسنتهم بين ~~يديك ويضمرون خبائث الاعتقادات عليك وإن صدقوك فى مودتهم إياك فلا يملكون ~~لك ولا لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وقد يكون فى بلدك ~~من أغنياء اليهود والنصارى من يزيد جاهه على جاهك وقد اشتغلت بهذا الغرور ~~وغفلت عن النظر فى جمال ملكوت السموات والأرض ثم غفلت عن التنعم بالنظر إلى ~~جلال مالك الملكوت والملك # وما مثلك ومثل عقلك إلا مثل النملة تخرج من جحرها الذى حفرته فى قصر مشيد ~~من قصور الملك رفيع البنيان حصين الأركان مزين بالجوارى والغلمان وأنواع ~~الذخائر والنفائس فإنها إذا خرجت من جحرها ولقيت صاحبتها لم تتحدث لو قدرت ~~على النطق إلا عن بيتها وغذائها وكيفية ادخارها فأما حال القصر والملك الذى ~~فى القصر فهى بمعزل عنه وعن التفكر فيه بل لا قدرة لها على المجاوزة بالنظر ~~عن نفسها وغذائها وبيتها إلى غيره # وكما غفلت النملة عن القصر وعن أرضه وسقفه وحيطانه وسائر بنيانه وغفلت ~~أيضا عن سكانه فأنت أيضا غافل عن بيت الله تعالى وعن ملائكته الذين هم سكان ~~عوانه فلا تعرف من السماء إلا ما تعرفه النملة من سقف بيتك ولا تعرف من ~~ملائكة السموات إلا ما تعرف النملة منك ومن سكان بيتك # نعم ليس للنملة طريق إلى أن تعرفك وتعرف عجائب قصرك وبدائع صنعة الصانع ~~فيه وأما أنت فلك قدرة على أن تجول فى الملكوت وتعرف من عجائبه ما الخلق ~~غافلون عنه # ولنقبض عنان الكلام عن هذا النمط فإنه مجال لا آخر له ولو استقصينا ~~أعمارا طويلة لم نقدر على شرح ما تفضل الله تعالى علينا بمعرفته وكل ما ~~عرفناه قليل نزر حقير بالإضافة إلى ما عرفه جملة العلماء والأولياء وما ~~عرفوه قليل نزر حقير بالإضافة إلى ما عرفه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ~~وجملة ما عرفوه قليل بالإضافة إلى ما عرفه محمد نبينا صلى الله عليه وسلم ~~وما عرفه الأنبياء كلهم قليل بالإضافة إلى ما عرفته الملائكة المقربون ~~كإسرافيل وجبريل وغيرهما ثم جميع علوم الملائكة والجن والإنس إذا أضيف إلى ~~علم الله سبحانه وتعالى لم يستحق أن يسمى علما بل هو إلى أن يسمى دهشا ~~وحيرة وقصورا وعجزا أقرب # فسبحان من عرف عباده ما عرف ثم خاطب جميعهم فقال وما أوتيتم من العلم إلا ~~قليلا # فهذا بيان معاقد الجمل التى تجول فيها فكر المتفكرين فى خلق الله تعالى ~~وليس فيها فكر فى ذات الله تعالى ولكن يستفاد من الفكر فى الخلق لا محالة ~~معرفة الخالق وعظمته وجلاله وقدرته وكلما استكثرت من معرفة عجيب صنع الله ~~تعالى كانت معرفتك بجلاله وعظمته أتم # وهذا كما أنك تعظم عالما بسبب معرفتك بعلمه فلا تزال تطلع على غريبه من ~~تصنيفه أو شعره فتزداد به معرفة وتزداد بحسنه له توقيرا وتعظيما واحتراما ~~حتى إن كل كلمة من كلماته وكل بيت عجيب من أبيات شعره يزيده محلا من قلبك ~~يستدعى التعظيم له فى نفسك # فهكذا تأمل فى خلق الله تعالى وتصنيفه وتأليفه وكل ما فى الوجود من خلق ~~الله وتصنيفه والنظر والفكر فيه لا يتناهى أبدا وإنما لكل عبد PageV04P447 ~~منها بقدر ما رزق فلنقتصر على ما ذكرناه ولنضف إلى هذا ما فصلناه فى كتاب ~~الشكر فإنا نظرنا فى ذلك الكتاب فى فعل الله تعالى من حيث هو إحسان إلينا ~~وإنعام علينا # وفى هذا الكتاب نظرنا فيه من حيث إنه فعل الله فقط وكل ما نظرنا فيه فإن ~~الطبيعي ينظر فيه ويكون نظره سبب ضلاله وشقاوته والموفق ينظر فيه فيكون سبب ~~هدايته وسعادته # وما من ذرة فى السماء والأرض إلا والله سبحانه وتعالى يضل بها من يشاء ~~ويهدي بها من يشاء فمن نظر فى هذه الأمور من حيث إنها فعل الله تعالى وصنعه ~~استفاد منه المعرفة بجلال الله تعالى وعظمته واهتدى به ومن نظر فيها قاصرا ~~للنظر عليها من حيث تأثير بعضها فى بعض لا من حيث ارتباطها بمسبب الأسباب ~~فقد شقى وارتدى فنعوذ بالله من الضلال ونسأله أن يجنبنا مزلة أقدام الجهال ~~بمنه وكرمه وفضله وجوده ورحمته # تم الكتاب التاسع من ربع المنجيات والحمد لله وحده وصلواته على محمد وآله ~~وسلامه يتلوه كتاب ذكر الموت وما بعده وبه كمل جميع الديوان بحمد الله ~~تعالى وكرمه # | كتاب ذكر الموت وما بعده وهو الكتاب العاشر من ربع المنجيات وبه اختتام # كتاب إحياء علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذى قصم بالموت رقاب الجبابرة وكسر به ظهور الأكاسرة وقصر به ~~آمال القياصرة الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة حتى جاءهم الوعد ~~الحق فأرداهم فى الحافرة فنقلوا من القصور إلى القبور ومن ضياء المهود إلى ~~ظلمة اللحود ومن ملاعبة الجوارى والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان ومن ~~التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ فى التراب ومن أنس العشرة إلى وحشة ~~الوحدة ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل فانظر هل وجدوا من الموت حصنا ~~وعزا واتخذوا من دونه حجابا وحرزا وانظر هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ~~ركزا فسبحان من انفرد بالقهر والاستيلاء واستأثر باستحقاق البقاء وأذل ~~أصناف الخلق بما كتب عليهم من الفناء ثم جعل الموت مخلصا للأتقياء وموعدا ~~فى حقهم للقاء وجعل القبر سجنا للأشقياء وحبسا ضيقا عليهم إلى يوم الفصل ~~والقضاء فله الإنعام بالنعم المتظاهرة وله الانتقام بالنقم القاهرة وله ~~الشكر فى السموات والأرض وله الحمد فى الأولى والآخرة والصلاة على محمد ذى ~~المعجزات الظاهرة والآيات الباهرة وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا # أما بعد فجدير بمن الموت مصرعه والتراب مضجعه والدود أنيسه ومنكر ونكير ~~جليسه والقبر مقره وبطن الأرض مستقره والقيامة موعده والجنة أو النار مورده ~~أن لا يكون له فكر إلا فى الموت ولا ذكر إلا له ولا استعداد إلا لأجله ولا ~~تدبير إلا فيه ولا تطلع إلا إليه ولا تعريج إلا عليه ولا اهتمام إلا به ولا ~~حول إلا حوله ولا انتظار وتربص إلا له وحقيق بأن يعد نفسه من الموتى ويراها ~~فى أصحاب القبور فإن كل ما هو آت قريب والبعيد ما ليس بآت وقد قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم الكيس من دان نفسه وعمل PageV04P448 لما بعد الموت ~~+ حديث الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت تقدم غير مرة + ولن يتيسر ~~الاستعداد للشيء إلا عند تجدد ذكره على القلب ولا يتجدد ذكره إلا عند ~~التذكر بالإصغاء إلى المذكرات له والنظر في المنبهات عليه # ونحن نذكر من أمر الموت ومقدماته ولواحقه وأحوال الآخرة والقيامة والجنة ~~والنار ما لا بد للعبد من تذكاره على التكرار وملازمته بالافتكار ~~والاستبصار ليكون ذلك مستحثا على الاستعداد فقد قرب لما بعد الموت الرحيل ~~فما بقي من العمر إلا القليل والخلق عنه غافلون اقترب للناس حسابهم وهم في ~~غفلة معرضون ونحن نذكر ما يتعلق بالموت في شطرين الشطر الأول في مقدماته ~~وتوابعه إلى نفخة الصور وفيه ثمانية أبواب # الباب الأول في فضل ذكر الموت والترغيب فيه # الباب الثاني في ذكر طول الأمل وقصره # الباب الثالث في سكرات الموت وشدته وما يستحب من الأحوال عند الموت # الباب الرابع في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من ~~بعده # الباب الخامس في كلام المحتضرين من الخلفاء والأمراء والصالحين # الباب السادس في أقاويل العارفين على الجنائز والمقابر وحكم زيارة القبور # الباب السابع في حقيقة الموت وما يلقاه الميت في القبر إلى نفخة الصور # الباب الثامن فيما عرف من أحوال الموتى بالمكاشفة في المنام # | الباب الأول في ذكر الموت والترغيب في الإكثار من ذكره # أعلم أن المنهمك في الدنيا المكب على غرورها المحب لشهواتها يغفل قلبه لا ~~محالة عن ذكر الموت فلا يذكره وإذا ذكر به كرهه ونفر منه أولئك هم الذين ~~قال الله فيهم قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم ~~الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ثم الناس إما منهمك وإما تائب ~~مبتدئ أو عارف منته أما المنهمك فلا يذكر الموت وإن ذكره فيذكره للتأسف على ~~دنياه ويشتغل بمذمته وهذا يزيده ذكر الموت من الله بعدا # وأما التائب فإنه يكثر من ذكر الموت لينبعث به من قلبه الخوف والخشية ~~فيفي بتمام التوبة وربما يكره الموت خيفة من أن يختطفه قبل تمام التوبة ~~وقبل إصلاح الزاد وهو معذور في كراهة الموت ولا يدخل هذا تحت قوله صلى الله ~~عليه وسلم من كره لقاء الله كره الله لقاءه + حديث من كره لقاء الله كره ~~الله لقاءه متفق عليه من حديث أبي هريرة + فإن هذا ليس يكره الموت ولقاء ~~الله وإنما يخاف فوت لقاء الله لقصوره وتقصيره وهو كالذي يتأخر عن لقاء ~~الحبيب مشتغلا بالاستعداد للقائه على وجه يرضاه فلا يعد كارها للقائه # وعلامة هذا أن يكون دائم الاستعداد له لا شغل له سواه وإلا التحق ~~بالمنهمك في الدنيا وأما العارف فإنه يذكر الموت دائما لأنه موعد لقائه ~~لحبيبه والمحب لا ينسى قط موعد لقاء الحبيب وهذا في غالب الأمر يستبطئ مجيء ~~الموت ويحب مجيئه ليتخلص من دار العاصين وينتقل إلى جوار رب العالمين # كما روى عن حذيفة أنه لما حضرته الوفاة قال حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ~~ندم اللهم إن كنت تعلم PageV04P449 أن الفقر أحب إلي من الغنى والسقم أحب ~~إلى من الصحة والموت احب إلى من العيش فسهل على الموت حتى ألقاك فإذن ~~التائب معذور في كراهة الموت وهذا معذور في حب الموت وتمنيه وأعلى منهما ~~رتبة من فوض أمره إلى الله تعالى فصار لا يختار لنفسه موتا ولا حياة بل ~~يكون أحب الأشياء إليه احبها إلى مولاه # فهذا قد انتهى بفرط الحب والولاء إلى مقام التسليم والرضا وهو الغاية ~~والمنتهى # وعلى كل حال ففي ذكر الموت ثواب وفضل فإن المنهمك أيضا يستفيد بذكر الموت ~~التجافي عن الدنيا إذ ينغص عليه نعيمه ويكدر عليه صفو لذته # وكل ما يكدر على الإنسان اللذات والشهوات فهو من أسباب النجاة # | بيان فضل ذكر الموت كيفما كان # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثروا من ذكر هاذم اللذات + حديث ~~أكثروا من ذكر هاذم اللذات أخرجه الترمذي وقال حسن والنسائي وابن ماجه من ~~حديث أبي هريرة وقد تقدم + ومعناه نغصوا بذكره اللذات حتى ينقطع ركونهم ~~إليها فتقبلوا على الله تعالى وقال صلى الله عليه وسلم لو تعلم البهائم من ~~الموت ما يعلم ابن آدم ما أكلتم منها سمينا + حديث لو تعلم البهائم من ~~الموت ما يعلم ابن آدم ما أكلتم منها سمينا أخرجه البيهقي في الشعب من حديث ~~أم حبيبة الجهنية وقد تقدم + وقالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله هل ~~يحشر مع الشهداء أحد قال نعم من يذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرة + ~~حديث قالت عائشة هل يحشر مع الشهداء أحد قال نعم من ذكر الموت في اليوم ~~والليلة عشرين مرة تقدم + وإنما سبب هذه الفضيلة كلها أن ذكر الموت يوجب ~~التجافي عن دار الغرور ويتقاضى الاستعداد للآخرة والغفلة عن الموت تدعو إلى ~~الانهماك في شهوات الدنيا # وقال صلى الله عليه وسلم تحفة المؤمن الموت + حديث تحفة المؤمن الموت ~~أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت والطبراني والحاكم من حديث عبد الله بن ~~عمر مرسلا بسند حسن + وإنما قال هذا لأن الدنيا سجن المؤمن إذ لا يزال فيها ~~في عناء من مقاساة نفسه ورياضة شهواته ومدافعه شيطانه فالموت إطلاق له من ~~هذا العذاب والإطلاق تحفة في حقه وقال صلى الله عليه وسلم الموت كفارة لكل ~~مسلم + حديث الموت كفارة لكل مسلم أخرجه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في ~~الشعب والخطيب في التاريخ من حديث انس قال ابن العربي في سراج المريدين أنه ~~حسن صحيح وضعفه ابن الجوزي وقد جمعت طرقه في جزء + واراد بهذا المسلم حقا ~~المؤمن صدقا الذي يسلم المسلمون من لسانه ويده ويتحقق فيه أخلاق المؤمنين ~~ولم يتدنس من المعاصي إلا باللمم والصغائر فالموت يطهره منها ويكفرها بعد ~~اجتنابه الكبائر وإقامته الفرائض قال عطاء الخراساني مر رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم بمجلس قد استعلى فيه الضحك فقال شوبوا مجلسكم بذكر مكدر اللذات ~~قالوا وما مكدر اللذات قال الموت + حديث عطاء الخراساني مر النبي صلى الله ~~عليه وسلم بمجلس قد استعلاه الضحك فقال شوبوا مجلسكم بذكر مكدر اللذات ~~الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في الموت هكذا مرسلا ورويناه في أمالى الجلال ~~من حديث أنس ولا يصح + وقال أنس رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم اكثروا من ذكر الموت فإنه يمحص الذنوب ويزهد في الدنيا + حديث ~~أنس أكثروا من ذكر الموت فإنه يمحص الذنوب ويزهد في الدنيا أخرجه ابن أبي ~~الدنيا في الموت بإسناد ضعيف جدا + وقال صلى الله عليه وسلم كفى بالموت ~~مفرقا + حديث كفى بالموت مفرقا أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث ~~أنس وعراك بن مالك بسند ضعيف ورواه ابن أبي الدنيا في البر والصلة من رواية ~~أبي عبد الرحمن الحبلى مرسلا + وقال عليه السلام كفى بالموت واعظا + حديث ~~كفى بالموت واعظا أخرجه الطبراني والبيهقي في الشعب من حديث عمار ابن ياسر ~~بسند ضعيف وهو مشهور من قول الفضيل بن عياض رواه البيهقي في الزهد + وخرج ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فإذا قوم يتحدثون ويضحكون فقال ~~اذكروا الموت أما والذي نفسي بيده لو تعلمون PageV04P450 ما اعلم لضحكتم ~~قليلا ولبكيتم كثيرا + حديث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ~~فإذا قوم يتحدثون ويضحكون فقال أذكروا الموت الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا ~~في الموت من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف + وذكر عند رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم رجل فأحسنوا الثناء عليه فقال كيف ذكر صاحبكم للموت قالوا ما كنا نكاد ~~نسمعه يذكر الموت قال فإن صاحبكم ليس هنالك + حديث ذكر عند رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم رجل فأحسنوا الثناء عليه فقال كيف كان ذكر صاحبكم للموت ~~الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في الموت من حديث أنس بسند ضعيف وابن المبارك ~~في الزهد قال أخبرنا مالك بن مغول فذكره بلاغا بزيادة فيه + وقال ابن عمر ~~رضي الله عنهما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة فقال رجل من ~~الأنصار من أكيس الناس وأكرم الناس يا رسول الله فقال أكثرهم ذكرا للموت ~~وأشدهم استعدادا له أولئك هم الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة + ~~حديث ابن عمر أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة فقال رجل من الأنصار ~~من أكيس الناس الحديث أخرجه ابن ماجه مختصرا وابن أبي الدنيا بكماله بإسناد ~~جيد + # أما الآثار فقد قال الحسن رحمه الله تعالى فضح الموت الدنيا فلم يترك لذى ~~لب فرحا # وقال الربيع بن خثيم # ما غائب ينتظره المؤمن خيرا له من الموت وكان يقول لا تشعروا بي أحدا ~~وسلوني إلى ربي سلا # وكتب بعض الحكماء إلى رجل من إخوانه يا أخي أحذر الموت في هذه الدار قبل ~~أن تصير إلى دار تتمنى فيها الموت فلا تجده # وكان ابن سيرين إذا ذكر عنده الموت مات كل عضو منه # وكان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء فيتذا كرون الموت والقيامة ~~والآخرة ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة # وقال إبراهيم التيمى شيئان قطعا عني لذة الدنيا ذكر الموت والوقوف بين ~~يدي الله عز وجل # وقال كعب من عرف الموت هانت عليه مصائب الدنيا وهمومها # وقال مطرف رأيت فيما يرى النائم كأن قائلا يقول في وسط مسجد البصرة قطع ~~ذكر الموت قلوب الخائفين فوالله ما تراهم إلا والهين # وقال أشعث كنا ندخل على الحسن فإنما هو النار وأمر الآخرة وذكر الموت # وقالت صفية رضي الله تعالى عنها أن امرأة اشتكت إلى عائشة رضي الله عنها ~~قساوة قلبها فقالت اكثري ذكر الموت يرق قلبك ففعلت فرق قلبها فجاءت تشكر ~~عائشة رضي الله عنها وكان عيسى عليه السلام إذا ذكر الموت عنده يقطر جلده ~~دما # وكان داود عليه السلام إذا ذكر الموت والقيامة يبكي حتى تنخلع أوصاله ~~فإذا ذكر الرحمة رجعت إليه نفسه # وقال الحسن ما رأيت عاقلا قط إلا أصبته من الموت حذرا وعليه حزينا # وقال عمر بن عبد العزيز لبعض العلماء عظني فقال لست أول خليفة تموت قال ~~زدني قال ليس من آبائك أحد إلى آدم إلا ذاق الموت وقد جاءت نويتك فبكى عمر ~~لذلك وكان الربيع بن خثيم قد حفر قبرا في داره فكان ينام فيه كل يوم مرات ~~يستديم بذلك ذكر الموت وكان يقول لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة واحدة لفسد # وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير أن هذا الموت قد نغص على أهل النعيم ~~نعيمهم فاطلبوا نعيما لا موت فيه وقال عمر بن عبد العزيز لعنبسة اكثر ذكر ~~الموت فإن كنت واسع العيش ضيقه عليك وإن كنت ضيق العيش وسعه عليك وقال أبو ~~سليمان الداراني قلت لأم هرون أتحبين الموت قالت لا قلت لم قالت لو عصيت ~~آدميا ما اشتهيت لقاءه فكيف أحب لقاءه وقد عصيته # | بيان الطريق في تحقيق ذكر الموت # اعلم أن الموت هائل وخطره عظيم وغفلة الناس عنه لقلة فكرهم فيه وذكرهم له ~~ومن يذكره ليس يذكره بقلب فارغ بل بقلب مشغول بشهوة الدنيا فلا ينجع ذكر ~~الموت في قلبه # فالطريق فيه أن يفرغ العبد قلبه عن كل PageV04P451 شيء إلا عن ذكر الموت ~~الذي هو بين يديه كالذي يريد أن يسافر إلى مفازة مخطرة أو يركب البحر فإنه ~~لا يتفكر إلا فيه فإذا باشر ذكر الموت قلبه فيوشك أن يؤثر فيه وعند ذلك يقل ~~فرحه وسروره بالدنيا وينكسر قلبه # وأنجع طريق فيه أن يكثر ذكر أشكاله وأقرانه الذين مضوا قبله فيتذكر موتهم ~~ومصارعهم تحت التراب ويتذكر صورهم في مناصبهم وأحوالهم ويتأمل كيف محا ~~التراب الآن حسن صورهم # وكيف تبددت أجزاؤهم في قبورهم وكيف أرملوا نساءهم وأيتموا أولادهم وضيعوا ~~أموالهم وخلت منهم مساجدهم ومجالسهم وانقطعت آثارهم فمهما تذكر رجل رجلا ~~وفصل في قلبه حاله وكيفية موته وتوهم صورته وتذكر نشاطه وتردده وتأمله ~~للعيش والبقاء ونسيانه للموت وانخداعه بمواتاة الأسباب وركونه إلى القوة ~~والشباب وميله إلى الضحك واللهو وغفلته عما بين يديه من الموت الذريع ~~والهلاك السريع # وأنه كيف كان يتردد والآن قد تهدمت رجلاه ومفاصله # وأنه كيف كان ينطق وقد أكل الدود لسانه # وكيف كان يضحك وقد أكل التراب أسنانه # وكيف كان يدبر لنفسه ما لا يحتاج إليه إلى عشر سنين في وقت لم يكن بينه ~~وبين الموت إلا شهر وهو غافل عما يراد به حتى جاءه الموت في وقت لم يحتسبه ~~فانكشف له صورة الملك وقرع سمعه النداء إما بالجنة أو بالنار فعند ذلك ينظر ~~في نفسه أنه مثلهم وغفلته كغفلتهم وستكون عاقبته كعاقبتهم # قال أبو الدرداء رضي الله عنه إذا ذكرت الموتى فعد نفسك كأحدهم # وقال ابن مسعود رضي الله عنه السعيد من وعظ بغيره # وقال عمر بن عبد العزيز ألا ترون أنكم تجهزون كل يوم غاديا أو رائحا إلى ~~الله عز وجل تضعونه في صدع من الأرض قد توسد التراب وخلف الأحباب وقطع ~~الأسباب # فملازمة هذه الأفكار وأمثالها مع دخول المقابر ومشاهدة المرضى هو الذي ~~يجدد ذكر الموت في القلب حتى يغلب عليه بحيث يصير نصب عينيه فعند ذلك يوشك ~~أن يسند له ويتجافى عن دار الغرور وإلا فالذكر بظاهر القلب وعذبة اللسان ~~قليل الجدوى في التحذير والتنبيه ومهما طاب قلبه بشيء من الدنيا ينبغي أن ~~يتذكر في الحال أنه لا بد له من مفارقته نظر ابن مطيع ذات يوم إلى داره ~~فأعجبه حسنها ثم بكى فقال والله لولا الموت لكنت بك مسرورا ولولا ما نصير ~~إليه من ضيق القبور لقرت بالدنيا أعيننا ثم بكى بكاء شديدا حتى ارتفع صوته # | الباب الثاني في طول الأمل وفضيلة قصر الأمل وسبب طوله وكيفية # معالجته فضيلة قصر الأمل # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر إذا أصبحت فلا تحدث ~~نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من حياتك لموتك ومن ~~صحتك لسقمك فإنك يا عبد الله لا تدري ما اسمك غدا + حديث قال لعبد الله بن ~~عمر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء الحديث أخرجه ابن حبان ورواه البخاري ~~من قول ابن عمر في آخر حديث كن في الدنيا كأنك غريب + وروى علي كرم الله ~~وجهه أنه صلى الله عليه وسلم قال إن أشد ما أخاف عليكم خصلتان اتباع الهوى ~~وطول الأمل فأما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الأمل فإنه الحب ~~للدنيا ثم قال ألا إن الله تعالى يعطى الدنيا من يحب ويبغض وإذا أحب عبدا ~~أعطاه الإيمان ألا إن للدين أبناء وللدنيا أبناء فكونوا من أبناء الدين ولا ~~تكونوا PageV04P452 من أبناء الدنيا ألا إن الدنيا قد ارتحلت مولية ألا إن ~~الآخرة قد ارتحلت مقبلة ألا وإنكم في يوم عمل ليس فيه حساب ألا وإنكم ~~توشكون في يوم حساب ليس فيه عمل + حديث علي إن أشد ما أخاف عليكم خصلتان ~~اتباع الهوى وطول الأمل الحديث بطوله أخرجه ابن أبي الدنيا + وقالت أم ~~المنذر اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عشية إلى الناس فقال أيها ~~الناس إما تستحون من الله قالوا وما ذاك يا رسول الله قال تجمعون مالا ~~تأكلون وتأملون ما لا تدركون وتبنون ما لا تسكنون + حديث أم المنذر أيها ~~الناس أما تستحيون من الله تعالى قالوا وما ذاك يا رسول الله قال تجمعون ~~مالا تأكلون الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا + وقال أبو سعيد الخدري اشترى ~~أسامة بن زيد من زيد ابن ثابت وليدة بمائة دينار إلى شهر فسمعت رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم يقول ألا تعجبون من أسامة المشترى إلى شهر إن أسامة ~~لطويل الأمل والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفري لا يلتقيان ~~حتى يقبض الله روحي ولا رفعت طرفي فظننت أنى واضعه حتى أفيض ولا لقمت لقمة ~~إلا ظننت أني لا أسيغها حتى أغص بها من الموت ثم قال يا بني آدم إن كنتم ~~تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى والذي نفسي بيده إن ما توعدون لآت وما أنتم ~~بمعجزين + حديث أبي سعيد اشتري أسامة بن زيد من زيد بن ثابت وليدة بمائة ~~دينار إلى شهر فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ألا تعجبون من ~~أسامة الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل + وعن ابن عباس رضى الله ~~عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يهريق الماء فيتمسح ~~بالتراب فأقول له يا رسول الله إن الماء منك قريب فيقول ما يدريني لعلي لا ~~أبلغه + حديث ابن عباس كان يخرج يهريق الماء فيمسح بالتراب فأقول الماء منك ~~قريب فيقول ما يدريني لعلي لا أبلغه أخرجه ابن المبارك في الزهد وابن أبي ~~الدنيا في قصر الأمل + والبزاز بسند ضعيف وروى أنه صلى الله عليه وسلم أخذ ~~ثلاثة أعواد فغرز عودا بين يديه والآخر إلى جنبه وأما الثالث فأبعده فقال ~~هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا الإنسان وهذا الأجل وذاك ~~الأمل يتعاطاه ابن آدم ويختلجه الأجل دون الأمل + حديث أنه أخذ ثلاثة أعواد ~~فغرز عودا بين يديه الحديث أخرجه أحمد وابن أبي الدنيا في قصر الأمل واللفظ ~~له + وقال عليه السلام مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منية إن اخطأته ~~المنايا وقع في الهرم + حديث مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منيه الحديث ~~أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن الشخير وقال حسن + قال ابن مسعود هذا ~~المرء وهذه الحتوف حوله شوارع إليه والهرم وراء الحتوف والأمل وراء الهرم ~~فهو يؤمل وهذه الحتوف شوارع إليه فأيها أمر به أخذه فإن اخطأته الحتوف قتله ~~الهرم وهو ينتظر الأمل # قال عبد الله خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا مربعا وخط وسطه ~~خطا وخط خطوطا إلى جنب الخط وخط خطا خارجا وقال أتدرون ما هذا قلنا الله ~~ورسوله أعلم قال هذا الإنسان للخط الذي في الوسط وهذا الأجل محيط به وهذه ~~الأعراض للخطوط التي حوله تنهشه إن اخطأه هذا نهشه هذا وذاك الأمل يعني ~~الخط الخط الخارج + حديث ابن مسعود خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~خطا مربعا وخط وسطه خطا الحديث رواه البخاري + وقال أنس قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يهرم ابن آدم ويبقى معه اثنتان الحرص والأمل + حديث أنس ~~يهرم ابن آدم ويبقى معه اثنان الحرص والأمل وفي رواية ويشب معه اثنان الحرص ~~على المال والحرص على العمر ورواه مسلم + وفي رواية وتشب معه اثنتان الحرص ~~على المال والحرص على العمر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم PageV04P453 ~~نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد ويهلك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل + ~~حديث نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد وهلك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل ~~أخرجه ابن أبي الدنيا فيه من رواية ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن ~~جده + وقيل بينما عيسى عليه السلام جالس وشيخ يعمل بمسحاة يثير بها الأرض ~~فقال عيسى اللهم أنزع منه الأمل فوضع الشيخ المسحاة واضطجع فلبث ساعة فقال ~~عيسى اللهم اردد إليه الأمل فقام فجعل يعمل فسأله عيسى عن ذلك فقال بينما ~~أنا أعمل إذ قالت لي نفسي إلى متى تعمل وأنت شيخ كبير فألقيت المسحاة ~~واضطجعت ثم قالت لي نفسي والله لا بد لك من عيش ما بقيت فقمت إلى مسحاتي # وقال الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلكم يحب أن يدخل الجنة ~~قالوا نعم يا رسول الله قال قصروا من الأمل وثبتوا آجالكم بين أبصاركم ~~واستحيوا من الله حق الحياء + حديث الحسن أكلكم يحب أن يدخل الجنة قالوا ~~نعم يا رسول الله قال قصروا من الأمل الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا + وكان ~~صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم إني أعوذ بك من دنيا تمنع خير ~~الآخرة وأعوذ بك من حياة تمنع خير الممات وأعوذ بك من أمل يمنع خير العمل + ~~حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم إني أعوذ بك من ~~أمل يمنع خير الآخرة وأعوذ بك من حياة تمنع خير الممات وأعوذ بك من أمل ~~يمنع خير العمل أخرجه ابن أبي الدنيا فيه من رواية حوشب عن النبي صلى الله ~~عليه وسلم وفي إسناده ضعف وجهالة ولا أدري من حوشب + # الآثار قال مطرف بن عبد الله لو علمت متى أجلي لخشيت على ذهاب عقلي ولكن ~~الله تعالى من على عباده بالغفلة عن الموت ولولا الغفلة ما تهنأوا بعيش ولا ~~قامت بينهم الأسواق # وقال الحسن السهو والأمل نعمتان عظيمتان على بني آدم ولولاهما ما مشى ~~المسلمون في الطرق وقال الثوري بلغني أن الإنسان خلق احمق ولولا ذلك لم ~~يهنأه العيش وقال أبو سعيد بن عبد الرحمن إنما عمرت الدنيا بقلة عقول أهلها ~~وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني مؤمل الدنيا ~~والموت يطلبه وغافل وليس يغفل عنه وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط رب ~~العالمين عليه أم راض وثلاث أحزنتني حتى أبكتني فراق الأحبة محمد وحزبه ~~وهول المطلع والوقوف بين يدي الله ولا أدري إلى الجنة يؤمر بي أو إلى النار # وقال بعضهم رأيت زرارة بن أبي أوفى بعد موته في المنام فقلت أي الأعمال ~~أبلغ عندكم قال التوكل وقصر الأمل # وقال الثوري الزهد في الدنيا قصر الأمل ليس بأكل الغليظ ولا لبس العباءة # وسأل المفضل بن فضالة ربه أن يرفع عنه الأمل فذهبت عن شهوة الطعام ~~والشراب ثم دعا ربه فرد عليه الأمل فرجع إلى الطعام والشراب وقيل للحسن يا ~~أبا سعيد ألا تغسل قميصك فقال الأمر أعجل من ذلك # وقال الحسن الموت معقود بنواصيكم والدنيا تطوى من ورائكم # وقال بعضهم أنا كرجل ماد عنقه والسيف عليه ينتظر متى تضرب عنقه # وقال داود الطائي لو أملت أن أعيش شهرا لرأيتني قد أتيت عظيما وكيف أؤمل ~~ذلك وأرى الفجائع تغشى الخلائق في ساعات الليل والنهار وحكى أنه جاء شقيق ~~البلخى إلى أستاذ له يقال له أبو هاشم الرمانى وفي طرف كسائه شيء مصرور ~~فقال له استاذه إيش هذا معك فقال لوزات دفعها إلى أخ لي وقال أحب أن تفطر ~~عليها فقال يا شقيق وأنت تحدث نفسك أنك تبقى إلى الليل لا كلمتك أبدا قال ~~فأغلق في وجهي الباب ودخل وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته إن لكل سفر زادا ~~لا محالة فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة التقوى وكونوا كمن عاين ما ~~أعد الله من ثوابه وعقابه ترغبوا وترهبوا ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو ~~قلوبكم وتنقادوا لعدوكم فإنه والله ما بسط أمل من لا يدرى لعله لا يصبح بعد ~~مسائه ولا يمسى بعد صباحه وربما كانت بين ذلك خطفات المنايا وكم رأيت ~~ورأيتم من كان بالدنيا مغترا وإنما تقر عين من PageV04P454 وثق بالنجاة من ~~عذاب الله تعالى وإنما يفرح من أمن أهوال القيامة فأما من لا يداوى كلما ~~إلا أصابه جرح من ناحية أخرى فكيف يفرح أعوذ بالله من أن آمركم بما لا أنهى ~~عنه نفسي فتخسر صفقتي وتظهر عيبتي وتبدو مسكنتي في يوم يبدو فيه الغنى ~~والفقر والموازين فيه منصوبة لقد عنيتم بأمر لو عنيت به النجوم لانكدرت ولو ~~عنيت به الجبال لذابت ولو عنيت به الأرض لتشققت أما تعلمون أنه ليس بين ~~الجنة والنار منزلة وإنكم صائرون إلى إحداهما # وكتب رجل إلى أخ له أما بعد فإن الدنيا حلم والآخرة يقظة والمتوسط بينهما ~~الموت ونحن في أضغات أحلام والسلام # وكتب آخر إلى أخ له إن الحزن على الدنيا طويل والموت من الإنسان قريب ~~وللنقص في كل يوم منه نصيب وللبلاء في جسمه دبيب فبادر قبل أن تنادى ~~بالرحيل والسلام # وقال الحسن كان آدم عليه السلام قبل أن يخطئ أمله خلف ظهره وأجله بين ~~عينيه فلما أصاب الخطيئة حول فجعل أمله بين عينيه وأجله خلف ظهره # وقال عبد الله بن سميط سمعت أبي يقول أيها المغتر بطول صحته أما رأيت ~~ميتا قط من غير سقم أيها المغتر بطول المهلة أما رأيت مأخوذا قط من غير عدة ~~إنك لو فكرت في طول عمرك لنسيت ما قد تقدم من لذاتك أبالصحة تغترون أم بطول ~~العافية تمرحون أم الموت تأمنون أم على ملك الموت تجترئون إن ملك الموت إذا ~~جاء لا يمنعه منك ثروة مالك ولا كثرة احتشادك أما علمت أن ساعة الموت ذات ~~كرب وغصص وندامة على التفريط ثم يقال رحم الله عبدا عمل لما بعد الموت رحم ~~الله عبدا نظر لنفسه قبل نزول الموت وقال أبو زكريا التيمي بينما سليمان بن ~~عبد الملك في المسجد الحرام إذ أتى بحجر منقور فطلب من يقرؤه فأتى بوهب بن ~~منبه فإذا فيه ابن آدم إنك لو رأيت قرب ما بقى من أجلك لزهدت في طول أملك ~~ولرغبت في الزيادة من عملك ولقصرت من حرصك وحيلك وإنما يلقاك غدا ندمك لو ~~قد زلت بك قدمك وأسلمك أهلك وحشمك وفارقك الوالد والقريب ورفضك الولد ~~والنسيب فلا أنت إلى دنياك عائد ولا في حسناتك زائد فاعمل ليوم القيامة قبل ~~الحسرة والندامة فبكى سليمان بكاء شديدا وقال بعضهم رأيت كتابا من محمد بن ~~يوسف إلى عبد الرحمن بن يوسف سلام عليك فإني أحمد الله إليك الذي لا إله ~~إلا هو أما بعد فإني أحذرك متحولك من دار مهلتك إلى دار إقامتك وجزاء ~~أعمالك فتصير في قرار باطن الأرض بعد ظاهرها فيأتيك منكر ونكير فيقعدانك ~~وينتهرانك فإن يكن الله معك فلا يأس ولا وحشة ولا فاقة وإن يكن غير ذلك ~~فأعاذني الله وإياك من سوء مصرع وضيق مضجع ثم تبلغك صيحة الحشر ونفخ الصور ~~وقيام الجبار لفصل قضاء الخلائق وخلاء الأرض من أهلها والسماوات من سكانها ~~فباحت الأسرار وأسعرت النار ووضعت الموازين وجىء بالنبيين والشهداء وقضى ~~بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين فكم من مفتضح ومستور وكم من هالك ~~وناج وكم من معذب ومرحوم فيا ليت شعري مالى وحالك يومئذ ففي هذا ما هدم ~~اللذات وأسلى عن الشهوات وقصر عن الأمل وأيقظ النائمين وحذر الغافلين ~~أعاننا الله وإياكم على هذا الخطر العظيم وأوقع الدنيا والآخرة من قلبي ~~وقلبك موقعهما من قلوب المتقين فإنما نحن به وله والسلام وخطب عمر بن عبد ~~العزيز فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثا ولن ~~تتركوا سدى وإن لكم معادا يجمعكم الله فيه للحكم والفضل فيما بينكم فخاب ~~وشقى غدا عبد أخرجه الله من رحمته التي وسعت كل شيء وجنته التي عرضها ~~السموات والأرض وإنما يكون الأمان غدا لمن خاف واتقى وباع قليلا بكثير ~~وفانيا بباق وشقوة بسعادة ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلف بعدكم ~~الباقون ألا ترون أنكم في كل يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله عز وجل قد ~~قضى نحبه وانقطع أمله فتضعونه في بطن صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد ~~PageV04P455 قد خلع الأسباب وفارق الأحباب وواجه الحساب وايم الله إني ~~لأقول مقالتي هذه ولا أعلم عند أحدكم من الذنوب أكثر مما أعلم من نفسي ~~ولكنها سنن من الله عادلة آمر فيها بطاعته وأنهى فيها عن معصيته واستغفر ~~الله ووضع كمه على وجهه وجعل يبكي حتى بلت دموعه لحيته وما عاد إلى مجلسه ~~حتى مات # وقال القعقاع بن حكيم قد استعددت للموت منذ ثلاثين سنة فلو أتاني ما ~~أحببت تأخير شيء عن شيء # وقال الثوري رأيت شيخا في مسجد الكوفة يقول أنا في هذا المسجد منذ ثلاثين ~~سنة لو أنتظر الموت أن ينزل بي ولو أتاني ما أمرته بشيء ولا نهيته عن شيء ~~ولا لى على أحد شيء ولا لأحد عندي شيء # وقال عبد الله بن ثعلبة تضحك ولعل أكفانك قد خرجت من عند القصار # وقال أبو محمد بن علي الزاهد خرجنا في جنازة بالكوفة وخرج فيها داود ~~الطائي فانتبذ فقعد ناحية وهي تدفن فجئت فقعدت قريبا منه فتكلم فقال من خاف ~~الوعيد قصر عليه البعيد ومن طال أمله ضعف عمله وكل ما هو آت قريب واعلم يا ~~أخي أن كل شيء يشغلك عن ربك فهو عليك مشؤم واعلم أن أهل الدنيا جميعا من ~~أهل القبور إنما يندمون على ما يخلفون ويفرحون بما يقدمون فما ندم عليه أهل ~~القبور أهل الدنيا عليه يقتتلون وفيه يتنافسون وعليه عند القضاة يختصمون ~~وروى أن معروفا الكرخى رحمه الله تعالى أقام الصلاة قال محمد بن أبي توبة ~~فقال لي تقدم فقلت إني إن صليت بكم هذه الصلاة لم أصل بكم غيرها فقال معروف ~~وأنت تحدث نفسك أن تصلي صلاة أخرى نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع من ~~خير العمل # وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته إن الدنيا ليست بدار قراركم دار كتب ~~الله عليها الفناء وكتب على أهلها الظعن عنها فكم من عامر موثق عما قليل ~~يخرب وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة ~~بأحسن ما بحضرتكم من النقلة وتزودوا فإن خير الزاد التقوى إنما الدنيا كفىء ~~ظلال قلص فذهب بينا ابن آدم في الدنيا ينافس وهو قدير العين إذ دعاه الله ~~بقدره ورماه بيوم حتفه فسلبه آثاره ودنياه وصير لقوم آخرين مصانعه ومغناه ~~إن الدنيا لا تسر بقدر ما تضر إنها تسر قليلا وتحزن طويلا # وعن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول في خطبته أين الوضاء ~~الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصنوها ~~بالحيطان أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب قد تضعضع بهم الدهر ~~فأصبحوا في ظلمات القبور الوحا الوحا ثم النجا النجا # | بيان السبب في طول الأمل وعلاجه # اعلم أن طول الأمل له سببان أحدهما الجهل والآخر حب الدنيا # أما حب الدنيا فهو أنه إذا أنس بها وبشهواتها ولذاتها وعلائقها ثقل على ~~قلبه مفارقتها فامتنع قلبه من الفكر في الموت الذي هو سبب مفارقتها وكل من ~~كره شيئا دفعه عن نفسه والإنسان مشغوف بالأماني الباطلة فيمنى نفسه أبدا ~~بما يوافق مراده وإنما يوافق مراده البقاء في الدنيا فلا يزال يتوهمه ~~ويقدره في نفسه ويقدر توابع البقاء وما يحتاج إليه من مال وأهل ودار ~~وأصدقاء ودواب وسائر أسباب الدنيا فيصير قلبه عاكفا على هذا الفكر موقوفا ~~عليه فيلهو عن ذكر الموت فلا يقدر قربه فإن خطر له في بعض الأحوال أمر ~~الموت والحاجة إلى الإستعداد له سوف ووعد نفسه وقال الأيام بين يديك إلى أن ~~تكبر ثم تتوب وإذا كبر فيقول إلى أن تصير شيخا فإذا صار شيخا قال إلى أن ~~تفرغ من بناء هذه الدار وعمارة هذه الضيعة أو ترجع من هذه السفرة أو تفرغ ~~من تدبير هذا الولد وجهازه وتدبير مسكن له أو تفرغ من قهر هذا العدو الذي ~~يشمت بك # فلا يزال يسوف ويؤخر ولا يخوض في شغل إلا ويتعلق بإتمام ذلك الشغل عشرة ~~أشغال أخر وهكذا على التدريج PageV04P456 يؤخر يوما بعد يوم ويفضى به شغل ~~إلى شغل بل إلى أشغال إلى أن تختطفه المنية في وقت لا يحتسبه فتطول عند ذلك ~~حسرته وأكثر أهل النار وصياحهم من سوف يقولون وإحزناه من سوف # والمسوف المسكين لا يدرى أن الذي يدعوه إلى التسويف اليوم هو معه غدا ~~وإنما يزداد بطول المدة قوة ورسوخا ويظن أنه يتصور أن يكون للخائض في ~~الدنيا والحافظ لها فراغ قط وهيهات فما يفرغ منها إلا من طرحها فما قضى أحد ~~منها لبانته % وما انتهى أرب إلا إلى أرب # وأصل هذه الأماني كلها حب الدنيا والأنس بها والغفلة عن معنى قوله صلى ~~الله عليه وسلم أحبب من أحببت فإنك مفارقه + حديث أحبب من أحببت فإنك ~~مفارقه الحديث تقدم غير مرة + # وأما الجهل فهو أن الإنسان قد يعول على شبابه فيستبعد قرب الموت مع ~~الشباب وليس يتفكر المسكين أن مشايخ بلده لو عدوا لكانوا أقل من عشر رجال ~~البلد وإنما قلوا لأن الموت في الشباب أكثر فإلى أن يموت شيخ يموت ألف صبي ~~وشاب # وقد يستبعد الموت لصحته ويستبعد الموت فجأة ولا يدري أن ذلك غير بعيد وإن ~~كان ذلك بعيدا فالمرض فجأة غير بعيد وكل مرض فإنما يقع فجأة وإذا مرض لم ~~يكن الموت بعيد ولو تفكر هذا الغافل وعلم أن الموت ليس له وقت مخصوص من ~~شباب وشيب وكهولة ومن صيف وشتاء وخريف وربيع من ليل ونهار لعظم استشعاره ~~واشتغل بالاستعداد له ولكن الجهل بهذه الأمور وحب الدنيا دعواه إلى طول ~~الأمل وإلى الغفلة عن تقدير الموت القريب فهو أبدا يظن أن الموت يكون بين ~~يديه ولا يقدر نزوله به ووقوعه فيه وهو أبدا يظن أنه يشيع الجنائز ولا يقدر ~~أن تشيع جنازته لأن هذا قد تكرر عليه وألفه وهو مشاهدة موت غيره فأما موت ~~نفسه فلم يألفه ولم يتصور أن يألفه فإنه لم يقع وإذا وقع في دفعه أخرى بعد ~~هذه فهو الأول وهو الآخر # وسبيله أن يقيس نفسه بغيره ويعلم أنه لا بد وأن تحمل جنازته ويدفن في ~~قبره ولعل اللبن الذي يغطي به لحده قد ضرب وفرغ منه وهو لا يدري فتسويفه ~~جهل محض # وإذا عرفت أن سببه الجهل وحب الدنيا فعلاجه دفع سببه # أما الجهل فيدفع بالفكر الصافي من القلب الحاضر وبسماع الحكمة البالغة من ~~القلوب الطاهرة # وأما حب الدنيا فالعلاج في إخراجه من القلب شديد وهو الداء العضال الذي ~~أعيا الأولين والآخرين علاجه ولا علاج له إلا الإيمان باليوم الآخر وبما ~~فيه من عظيم العقاب وجزيل الثواب ومهما حصل له اليقين بذلك ارتحل عن قلبه ~~حب الدنيا فإن حب الخطير هو الذي يمحو عن القلب حب الحقير فإذا رأى حقارة ~~الدنيا ونفاسة الآخرة استنكف أن يلتفت إلى الدنيا كلها وإن أعطى ملك الأرض ~~من المشرق إلى المغرب وكيف وليس عنده من الدنيا إلا قدر يسير مكدر منغص ~~فكيف يفرح بها أو يترسخ في القلب حبها مع الإيمان بالآخرة فنسأل الله تعالى ~~أن يرينا الدنيا كما أراها الصالحين من عباده # ولا علاج في تقدير الموت في القلب مثل النظر إلى من مات من الأقران ~~والأشكال وأنهم كيف جاءهم الموت في وقت لم يحتسبوا # أما من كان مستعدا فقد فاز فوزا عظيما وأما من كان مغرورا بطول الأمل فقد ~~خسر خسرانا مبينا # فلينظر الإنسان كل ساعة في أطرافه وأعضائه وليتدبر أنها كيف تأكلها ~~الديدان لا محالة وكيف تتفتت عظامها وليتفكر أن الدود يبدأ بحدقته اليمنى ~~أولا أو اليسرى فما على بدنه شيء إلا وهو طعمة الدود وما له من نفسه إلا ~~العلم والعمل الخالص لوجه الله تعالى PageV04P457 وكذلك يتفكر فيما سنورده ~~من عذاب القبر وسؤال منكر ونكير ومن الحشر والنشر وأهوال القيامة وقرع ~~النداء يوم العرض الأكبر # فأمثال هذه الأفكار هي التي تجدد ذكر الموت على قلبه وتدعوه إلى ~~الاستعداد له # | بيان مراتب الناس في طول الأمل وقصره # أعلم أن الناس في ذلك يتفاوتون فمنهم من يأمل البقاء ويشتهى ذلك أبدا قال ~~الله تعالى يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ومنهم من يأمل البقاء إلى الهرم وهو ~~أقصى العمر الذي شاهده ورآه وهو الذي يحب الدنيا حبا شديدا قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم الشيخ شاب في حب طلب الدنيا وإن التفت ترقوتاه من الكبر ~~إلا الذين اتقوا وقليل ما هم + حديث الشيخ شاب في حب الدنيا وإن التفت ~~ترقوتاه من الكبر إلا الذين اتقوا وقليل ما هم لم أجده بهذا اللفظ وفي ~~الصحيحين من حديث أبي هريرة قلب الشيخ شاب على حب اثنتين طول الحياة وحب ~~المال + ومنهم من يأمل إلى سنة فلا يشتغل بتدبير ما وراءها فلا يقدر لنفسه ~~وجودا في عام قابل ولكن هذا يستعد في الصيف للشتاء وفي الشتاء للصيف فإذا ~~جمع ما يكفيه لسنته اشتغل بالعبادة ومنهم من يأمل مدة الصيف أو الشتاء فلا ~~يدخر في الصيف ثياب الشتاء ولا في الشتاء ثياب الصيف # ومنهم من يرجع أمله إلى يوم وليلة فلا يستعد إلا لنهاره وأما للغد فلا # قال عيسى عليه السلام لا تهتموا برزق غد فإن يكن غد من آجالكم فستأتى فيه ~~أرزاقكم مع آجالكم وإن لم يكن من آجالكم فلا تهتموا لآجال غيركم # ومنهم من لا يجاوز أمله ساعة كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم يا عبد ~~الله إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح ~~ومنهم من لا يقدر البقاء أيضا ساعة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيمم ~~مع القدرة على الماء قبل مضي ساعة ويقول لعلى لا أبلغه ومنهم من يكون الموت ~~نصب عينيه كأنه واقع به فهو ينتظره وهذا الإنسان هو الذي يصلي صلاة مودع ~~وفيه ورد ما نقل عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه لما سأله رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم عن حقيقة إيمانه فقال ما خطوت خطوة إلا ظننت أنى لا أتبعها ~~أخرى + حديث سؤاله لمعاذ عن حقيقة إيمانه فقال ما خطوت خطوة إلا طننت أني ~~لا أتبعها أخرى أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث أنس وهو ضعيف + وكما نقل ~~عن الأسود وهو حبشي أنه كان يصلي ليلا ويلتفت يمينا وشمالا فقال له قائل ما ~~هذا قال أنظر ملك الموت من أي جهة يأتينى # فهذه مراتب الناس ولكل درجات عند الله وليس من أمله مقصور على شهر كمن ~~أمله شهر ويوم بل بينهما تفاوت في الدرجة عند الله ف إن الله لا يظلم مثقال ~~ذرة ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ثم يظهر أثر قصر الأمل في المبادرة إلى ~~العمل وكل إنسان يدعى أنه قصير الأمل وهو كاذب إنما يظهر ذلك بأعماله فإنه ~~يعتنى بأسباب ربما لا يحتاج إليها في سنة فيدل ذلك على طول أمله # وإنما علامة التوفيق أن يكون الموت نصب العين لا يغفل عنه ساعة فليستعد ~~للموت الذي يرد عليه في الوقت فإن عاش إلى المساء شكر الله تعالى على طاعته ~~وفرح بأنه لم يضيع نهاره بل استوفى منه حظه وادخره لنفسه ثم يستأنف مثله ~~إلى الصباح وهكذا إذا أصبح # ولا يتيسر هذا إلا لمن فرغ القلب عن الغد وما يكون فيه # فمثل هذا إذا مات سعد وغنم وإن عاش سر بحسن الاستعداد ولذة المناجاة ~~فالموت له سعادة والحياة له مزيد فليكن الموت على بالك يا مسكين فإن السير ~~حاث بك وأنت غافل عن نفسك ولعلك قد قاربت المنزل وقطعت المسافة ولا تكون ~~كذلك إلا بمبادرة العمل اغتناما لكل نفس أمهلت فيه PageV04P458 # | بيان المبادرة إلى العمل وحذر آفة التأخير # اعلم أن من له أخوان غائبان وينتظر قدوم أحدهما في غد وينتظر قدوم الآخر ~~بعد شهر أو سنة فلا يستعد للذي يقدم إلى شهر أو سنة وإنما يستعد للذي ينتظر ~~قدومه غد # فالاستعداد نتيجة قرب الإنتظار فمن انتظر مجيء الموت بعد سنة اشتغل قلبه ~~بالمدة ونسى ما وراء المدة ثم يصبح كل يوم وهو منتظر للسنة بكمالها لا ينقص ~~منها اليوم الذي مضى وذلك يمنعه من مبادرة العمل أبدا يرى لنفسه متسعا في ~~تلك السنة فيؤخر العمل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينتظر ~~أحدكم من الدنيا إلا غنى مطغبا أو فقرا منسيا أو مرضا مفسدا أو هرما مقيدا ~~أو موتا مجهزا أو الدجال فالدجال شر غائب ينتظر أو الساعة والساعة أدهى ~~وأمر + حديث ما ينتظر أحدكم من الدنيا إلا غني مطغيا أو فقرا منسيا الحديث ~~أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ هل ينتظرون إلا غناء الحديث وقال حسن ~~ورواه ابن المبارك في الزهد ومن طريقه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل بلفظ ~~المصنف وفيه من لم يسم + وقال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل ~~وهو يعظه اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك ~~وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك + حديث ابن عباس اغتنم خمسا قبل خمس شبابك ~~قبل هرمك الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا فيه بإسناد حسن ورواه ابن المبارك في ~~الزهد من رواية عمرو بن ميمون الأزدي مرسلا + وقال صلى الله عليه وسلم ~~نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ + حديث نعمتان مغبون فيها ~~كثير من الناس الصحة والفراغ أخرجه البخاري من حديث ابن ابن عباس وقد تقدم ~~أي أنه لا يغتنمهما ثم يعرف قدرهما عند زوالهما وقال صلى الله عليه وسلم من ~~خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل إلا إن سلعة الله غالية ألا أن سلعة الله ~~الجنة + حديث من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل أخرجه الترمذي من حديث ابن ~~عباس وقد تقدم + وقال حديث من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل أخرجه الترمذي ~~من حديث أبي هريرة وقال حسن صلى الله عليه وسلم جاءت الراجفة تتبعها وجاء ~~الموت بما فيه + حديث جاءت الرجفه تتبعها الرادفة الحديث أخرجه الترمذي ~~وحسنه من حديث أبي بن كعب + وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنس من ~~أصحابه غفلة أو غرة نادى فيهم بصوت رفيع أتتكم المنية راتبة لازمة إما ~~بشقاوة وإما بسعادة + حديث كان إذا أنس من أصحابه غفلة أو غرة نادى فيهم ~~بصوت رفيع أتتكم المنية الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل من حديث ~~زيد السليمي مرسلا + وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ~~النذير والموت المغير والساعة الموعد + حديث أبي هريرة أنا النذير والموت ~~المغير والساعة الموعد أخرجه أبن أبي الدنيا في قصر الأمل وأبو القاسم ~~البغوي بإسناد فيه لين + وقال ابن عمر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~والشمس على أطراف السعف فقال ما بقي من الدنيا إلا كما بقي من يومنا هذا في ~~مثل ما مضى منه + حديث ابن عمر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس ~~على أطراف السعف فقال ما بقى من الدنيا إلا مثل ما بقى من يومنا هذا في مثل ~~ما مضى منه أخرجه ابن أبي الدنيا فيه بإسناد حسن والترمذي نحوه من حديث أبي ~~سعيد وحسنه + وقال صلى الله عليه وسلم مثل الدنيا كمثلثوب شق من أوله إلى ~~آخره فبقي متعلقا بخيط في آخره فيوشك ذلك الخيط أن ينقطع + حديث مثل الدنيا ~~مثل ثوب شق من أوله إلى آخره الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا فيه من حديث أنس ~~ولا يصح + وقال جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب فذكر الساعة ~~رفع صوته واحمرت وجنتاه كأنه منذر جيش يقول صبحتكم ومسيتكم بعثت أنا ~~والساعة كهاتين وقرن بين أصبعيه حديث جابر كان إذا خطب فذكر الساعة رفع ~~صوته واحمرت وجنتاه الحديث أخرجه مسلم وابن أبي الدنيا في قصر الأمل واللفظ ~~له + وقال ابن مسعود رضي الله عنه تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ~~يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام @QB@ فقال @QE@ إن النور إذا دخل ~~الصدر انفسح فقيل يا رسول الله هل لذلك من علامة تعرف PageV04P459 @QB@ قال ~~@QE@ نعم التجافي عن دار الغرور وإلانابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت ~~قبل نزوله وقال السدي الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم احسن عملا أي ~~أيكم أكثرللموت ذكرا وأحسن له استعدادا وأشد منه خوفا وحذرا # وقال حذيفة ما من صباح ولا مساء إلا ومنادى ينادى أيها الناس الرحيل ~~الرحيل # وتصديق ذلك قوله تعالى إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن ~~يتقدم أو يتأخر في الموت # وقال سحيم مولى بني تميم جلست إلى عامر بن عبد الله وهو يصلي فأوجز في ~~صلاته ثم أقبل على فقال أرحني بحاجتك فإني أبادر قلت وما تبادر قال ملك ~~الموت رحمك الله قال فقمت عنه وقام إلى صلاته # ومر داود الطائي فسأله رجل عن حديث فقال دعنى إنما أبادر خروج نفسي قال ~~عمر رضي الله عنه التؤدة في كل شيء خير إلا في أعمال الخير للآخرة # وقال المنذر سمعت مالك بن دينار يقول لنفسه ويحك بادرى قبل أن يأتيك ~~الأمر ويحك بادرى قبل أن يأتيك الأمر حتى كرر ذلك ستين مرة أسمعه ولا يراني # وكان الحسن يقول في موعظته المبادرة المبادرة فإنما هي الأنفاس لو حبست ~~انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عز وجل رحم الله امرأ نظر ~~إلى نفسه وبكى على عدد ذنوبه ثم قرأ هذه الآية إنما نعد لهم عدا يعني ~~الأنفاس آخر العدد خروج نفسك آخر العدد فراق أهلك آخر العدد دخولك في قبرك # واجتهد أبو موسى الأشعري قبل موته اجتهادا شديدا فقيل له لو أمسكت أو ~~رفقت بنفسك بعض الرفق فقال إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت ~~جميع ما عندها والذي بقي من أجلى أقل من ذلك قال فلم يزل على ذلك حتى مات # وكان يقول لامرأته شدي رحلك فليس على جهنم معبرة # وقال بعض الخلفاء على منبره عباد الله اتقوا الله ما استطعتم وكونوا قوما ~~صيح بهم فانتبهوا وعلموا أن الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا واستعدوا للموت ~~فقد أظلكم وترحلوا فقد جد بكم وإن غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة ~~لجديرة بقصر المدة وإن غائبا يجد به الجديدان الليل والنهار لحرى بسرعة ~~الأوبة وإن قادما يحل بالفوز أو الشقوة لمستحق لأفضل العدة فالتقى عند ربه ~~من ناصح نفسه وقدم توبته وغلب شهوته فإن أجله مستور عنه وأمله خادع له ~~والشيطان موكل به يمنيه التوبة ليسوقها ويزين إليه المعصية ليرتكبها حتى ~~تهجم منيته عليه أغفل ما يكون عنها وإنه ما بين أحدكم وبين الجنة أو النار ~~إلا الموت أن ينزل به فيا لها حسرة على ذي غفلة أو يكون عمره عليه حجة وان ~~ترديه أيامه إلى شقوة جعلنا الله وإياكم ممن لا تبطره نعمة ولا تقصر به عن ~~طاعة الله معصية ولا يحل به بعد الموت حسرة إنه سميع الدعاء وإنه بيده ~~الخير دائما فعال لما يشاء # وقال بعض المفسرين في قوله تعالى فتنتم أنفسكم قال بالشهوات واللذات ~~وتربصتم قال بالتوبة وارتبتم قال شككتم حتى جاء أمر الله قال الموت وغركم ~~بالله الغرور قال الشيطان وقال الحسن تصبروا وتشددوا فإنما هي أيام قلائل ~~وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى الرجل منكم فيجيب ولا يلتفت فانتقلوا ~~بصالح ما بحضرتكم # وقال ابن مسعود ما منكم من أحد أصبح إلا وهو ضيف وما له عارية والضيف ~~مرتحل والعارية مؤداة # وقال أبو عبيدة الباجي دخلنا على الحسن في مرضه الذي مات فيه فقال مرحبا ~~بكم وأهلا حياكم الله بالسلام وأحلنا وإياكم دار المقام هذه علانية حسنة إن ~~صبرتم وصدقتم واتقيتم فلا يكن حظكم من هذا الخبر رحمكم الله أن تسمعوه بهذه ~~الأذن وتخرجوه من هذه الأذن فإن من رأى محمدا صلى الله عليه وسلم فقد رآه ~~غاديا PageV04P460 ورائحا لم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة ولكن رفع ~~له علم فشمر إليه الوحا الوحا النجا النجا علام تعرجون أتيتم ورب الكعبة ~~كأنكم والأمر معا رحم الله عبدا جعل العيش عيشا واحدا فأكل كسرة ولبس خلقا ~~ولزق بالأرض واجتهد في العبادة وبكى على الخطيئة وهرب من العقوبة وابتغى ~~الرحمة حتى يأتيه أجله وهو على ذلك وقال عاصم الأحول قال لي فضيل الرقاشي ~~وأنا سائلة يا هذا لا يشغلنك كثرة الناس عن نفسك فإن الأمر يخلص إليك دونهم ~~ولا تقل أذهب ههنا وههنا فينقطع عنك النهار في لا شيء فإن الأمر محفوظ عليك ~~ولم تر شيئا قط أحسن طلبا ولا أسرع إدراكا من حسنة حديثة لذنب قديم # | الباب الثالث في سكرات الموت وشدته وما يستحب من الأحوال عنده # اعلم أنه لو لم يكن بين يدي العبد المسكين كرب ولا هول ولا عذاب سوى ~~سكرات الموت بمجردها لكان جديرا بأن يتنغص عليه عيشه ويتكدر عليه سروره ~~ويفارقه سهوة وغفلته وحقيقا بأن يطول فيه فكره ويعظم له استعداده لا سيما ~~وهو في كل نفس بصدده كما قال بعض الحكماء كرب بيد سواك لا تدري متى يغشاك # وقال لقمان لابنه # يا بني أمر لا تدري متى يلقاك استعد له قبل أن يفجأك # والعجب أن الإنسان لو كان في أعظم اللذات وأطيب مجالس اللهو فانتظر أن ~~يدخل عليه جندي فيضربه خمس خشبات لتكدرت عليه لذته وفسد عليه عيشه وهو في ~~كل نفس بصدد أن يدخل عليه ملك الموت بسكرات النزع وهو عنه غافل فما لهذا ~~سبب إلا الجهل والغرور واعلم أن شدة الألم في سكرات الموت لا يعرفها ~~بالحقيقة إلا من ذاقها ومن لم يذقها فإنما يعرفها إلا بالقياس إلى الآلام ~~التي أدركها وإما الاستدلال بأحوال الناس في النزع على شدة ما هم فيه # فأما القياس الذي يشهد له فهو أن كل عضو لا روح فيه فلا يحس بالألم فإذا ~~كان فيه الروح فالمدرك للألم هو الروح فمهما أصاب العضو جرح أو حريق سرى ~~الأثر إلى الروح فيقدر ما يسري إلى الروح يتألم والمؤلم يتفرق على اللحم ~~والدم وسائر الأجزاء فلا يصيب الروح إلا بعض الألم فإن كان في الآلام ما ~~يباشر نفس الروح ولا يلاقي غيره فما أعظم ذلك الألم وما أشده # والنزع عبارة عن مؤلم نزل بنفس الروح فاستغرق جميع أجزائه حتى لم يبق جزء ~~من أجزاء الروح المنتشر في أعماق البدن إلا وقد حل به الألم فلو أصابته ~~شوكة فالألم الذي يجده إنما يجري في جزء من الروح يلاقي ذلك الموضع الذي ~~أصابته الشوكة وإنما يعظم أثر الاحتراق لأن أجزاء النار تغوص في سائر أجزاء ~~البدن فلا يبقى جزء من العضو المحترق ظاهرا وباطنا إلا وتصيبه النار فتحسه ~~الأجزاء الروحانية المنتشرة في سائر أجزاء اللحم # وأما الجراحة فإنما تصيب الموضع الذي مسه الحديد فقط فكان لذلك ألم الجرح ~~دون ألم النار فألم النزع يهجم على نفس الروح ويستغرق جميع أجزائه فإنه ~~المنزوع المجذوب من كل عرق من العروق وعصب من الأعصاب وجزء من الأجزاء ~~ومفصل من المفاصل ومن أصل كل شعرة وبشرة من الفرق إلى القدم فلا تسأل عن ~~كربة وألمه حتى قالوا إن الموت لا شد من ضرب بالسيف ونشر بالمناشير وقرض ~~بالمقاريض لأن قطع البدن بالسيف إنما يؤلم لتعلقه بالروح فكيف إذا كان ~~المقاول المباشر نفس الروح وإنما يستغيث المضروب ويصيح لبقاء قوته في قلبه ~~وفي لسانه وإنما انقطع صوت الميت وصياحه من شدة ألمه لأن الكرب قد بالغ فيه ~~وتصاعد على قلبه وبلغ كل PageV04P461 موضع منه فهد كل قوة وضعف كل جارحة ~~فلم يترك له قوة الاستغاثة # أما العقل فقد غشيه وشوشه # وأما اللسان فقد أبكمه وأما الأطراف فقد ضعفها # ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين والصياح والاستغاثة ولكنه لا يقدر على ~~ذلك فإن بقيت فيه قوة سمعت له عند نزع الروح وجذبها خوارا وغرغرة من حلقه ~~وصدره وقد تغير لونه واربد حتى كأنه ظهر منه التراب الذي هو أصل فطرته وقد ~~جذب منه كل عرق على حياله فالألم منتشر في داخله وخارجه حتى ترتفع الحدقتان ~~إلى أعالي أجفانه وتتقلص الشفتان ويتقلص اللسان إلى أصله وترتفع الأنثيان ~~إلى أعالي موضعهما وتخضر أنامله # فلا تسل عن بدن يجذب منه كل عرق من عروقه ولو كان المجذوب عرقا واحدا ~~لكان ألمه عظيما فكيف والمجذوب نفس الروح المتألم لا من عرق واحد بل من ~~جميع العروق # ثم يموت كل عضو من أعضائه تدريجا فتبرد أولا قدماه ثم ساقاه ثم فخذاه ~~ولكل عضو سكرة بعد سكرة وكربة بعد كربة حتى يبلغ بها إلى الحلقوم فعند ذلك ~~ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها ويغلق دونه باب التوبة وتحيط به الحسرة ~~والندامة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقبل توبة العبد ما لم يغرغر + ~~حديث أن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر أخرجه الترمذي وحسنه ابن ماجة من ~~حديث ابن عمر + وقال مجاهد في قوله تعالى وليست التوبة للذين يعلمون ~~السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن قال إذا عاين الرسل فعند ~~ذلك تبدو له صفحة وجه ملك الموت فلا تسأل عن طعم مرارة الموت وكربه عند ~~ترادف سكراته ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم هون على ~~محمد سكرات الموت + حديث كان يقول اللهم هون على محمد سكرات الموت تقدم + ~~والناس إنما لا يستعيذون منه ولا يستعظمونه لجهلهم به فإن الأشياء قبل ~~وقوعها إنما تدرك بنور النبوة والولاية ولذلك عظم خوف الأنبياء عليهم ~~السلام والأولياء من الموت حتى قال عيسى عليه السلام يا معشر الحواريين ~~ادعوا الله تعالى أن يهون على هذه السكرة يعني الموت فقد خفت الموت مخافة ~~أوقفني خوفي من الموت على الموت وروى أن نفرا من إسرائيل مروا بمقبرة فقال ~~بعضهم لبعض لو دعوتم الله تعالى أن يخرج لكم من هذه المقبرة ميتا تسألونه ~~فدعوا الله تعالى فإذا هم برجل قد قام وبين عينيه أثر السجود قد خرج من قبر ~~من القبور فقال يا قوم ما أردتم مني لقد ذقت الموت منذ خمسين سنة ما سكنت ~~مرارة الموت من قلبي # وقالت عائشة رضي الله عنها لا أغبط أحد يهون عليه الموت بعد الذي رأيت من ~~شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أنه عليه السلام كان يقول اللهم ~~إنك تأخذ الروح من بين العصب والقصب والأنامل اللهم فأعني على الموت وهونه ~~علي + حديث كان يقول اللهم تأخذ الروح من بين العصب والقصب والأنامل الحديث ~~أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت من حديث صعمة بن غيلان الجعفي وهو معضل ~~سقط منه الصحابي وللتابعي + وعن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ~~الموت وغصته وألمه فقال هو قدر ثلثمائة ضربة بالسيف + حديث الحسن أن رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم ذكر الموت وغصته وألمة فقال هو قدر ثلثمائة ضربة ~~بالسيف أخرجه ابن أبي الدنيا فيه هكذا مرسلا ورجالة ثقات + وسئل صلى الله ~~عليه وسلم عن الموت وشدته فقال إن أهون الموت بمنزلة حسكة في صوف فهل تخرج ~~الحسكة من الصوف إلا ومعها صوف + حديث سأل عن الموت وشدته فقال أنن أهون ~~الموت بمنزلة حسكة الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا فيه من رواية شهر بن حوشب ~~مرسلا + ودخل صلى الله عليه وسلم على مريض ثم قال إني أعلم ما يلقى ما منه ~~عرق إلا ويألم للموت على حدته + حديث دخل على مريض فقال أني لايعلم ما يلقى ~~ما منه عرق إلا ويألم للموت على جدته أخرجه ابن أبي الدنيا فيه من حديث ~~سلمان بسند ضعيف ورواه في المرض والكفارات من رواية عبيد بن عمير مرسلا مع ~~إختلاف ورجاله ثقات وكان علي كرم الله وجهه يحض على القتال ويقول ~~PageV04P462 إن لم تقتلوا تموتوا والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون ~~علي من موت على فراش # وقال الأوزاعي بلغنا أن الميت يجد ألم الموت ما لم يبعث من قبره # وقال شداد بن أوس الموت افظع هول في الدنيا والآخرة على المؤمن وهو أشد ~~من نشر بالمناشير وقرض بالمقاريض وإلى في القدور ولو أن الميت نشر فأخبر ~~أهل الدنيا بالموت ما انتفعوا بعيش ولا لذوا بنوم # وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال إذا بقي على المؤمن من درجاته شيء لم يبلغها ~~بعمله شدد عليه الموت ليبلغ بسكرات الموت وكربه درجته في الجنة وإذا كان ~~للكافر معروف لم يجز به هون عليه في الموت ليستكمل ثواب معروفه فيصير إلى ~~النار # وعن بعضهم أنه كان يسأل كثيرا من المرضى كيف تجدون الموت فلما مرض قيل له ~~فأنت كيف تجده فقال كأن السموات مطبقة على الأرض وكأن نفسي يخرج من ثقب ~~إبرة # وقال صلى الله عليه وسلم موت الفجأة راحة للمؤمن وأسف على الفاجر + حديث ~~موت الفجأه راحة للمؤمن وأسف على الفاجر أخرجه أحمد من حديث عائشة بإسناد ~~صحيح قال وأخذة أسف ولأبي داود من حديث خالد السلمي موت الفجأة أخذة أسف + ~~وروى عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لو أن شعرة من شعر ~~الميت وضعت على أهل السموات والأرض لماتوا بإذن الله تعالى لأن في كل شعرة ~~الموت ولا يقع الموت بشيء إلا مات + حديث مكحول لو أن شعرة من شعر الميت ~~وصمت على أهل السموات والأرض لماتوا الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في الموت ~~من رواية أبي ميسرة رفعه وفيه لو أن ألم شعرة وزاد وإن في يوم القيامة ~~لتسعين هولا أدناه هولا يضاعف على الموت سبعين ألف ضعف وأبو ميسرة هو عمرو ~~بن شرحبيل والحديث مرسل حسن الإسناد + ويروى لو أن قطرة من ألم الموت وضعت ~~على جبال الدنيا كلها لذابت + حديث لو أن قطرة من الموت وضعت على جبال ~~الدنيا كلها لذابت لم أجد له أصلا ولعل المصنف لم يورده حديثا فإنه قال ~~ويروى + وروى أن إبراهيم عليه السلام لما مات قال الله تعالى له كيف وجدت ~~الموت يا خليلي قال كسفود جعل في صوف رطب ثم جذب فقال أما إنا قد هونا عليك ~~وروى عن موسى عليه السلام أنه لما صارت روحه إلى الله تعالى قال له ربه يا ~~موسى كيف وجدت الموت قال وجدت نفسي كالعصفور حين يقلى على المقلى لا يموت ~~فيستريح ولا ينجو فيطير وروى عنه أنه قال وجدت نفسي كشاة حية تسلخ بيد ~~القصاب وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان عنده قدح من ماء عند ~~الموت فجعل يدخل يده في الماء ثم يمسح بها وجهه ويقول اللهم هون علي سكرات ~~الموت + حديث أنه كان عنده قدح من ماء عند الموت فجعل يدخل يده في الماء ثم ~~يمسح بها وجهه ويقول اللهم هون على سكرات الموت متفق عليه من حديث عائشة + ~~وفاطمة رضي الله عنها تقول واكرباه لكربك يا أبتاه وهو يقول لا كرب على ~~أبيك بعد اليوم + حديث أن فاطمة قالت واكرباء لكربك يأبت الحديث أخرجه ~~البخاري من حديث أنس بلفظ واكرب ابتاء وفي رواية لابن خزيمة واكرباء + وقال ~~عمر رضي الله عنه لكعب الأحبار يا كعب حدثنا عن الموت فقال نعم يا أمير ~~المؤمنين إن الموت كغصن كثير الشوك أدخل في جوف رجل وأخذت كل شوكة بعرق ثم ~~جذبه رجل شديد الجذب فأخذ ما أخذ وأبقى ما أبقى وقال النبي صلى الله عليه ~~وسلم إن العبد ليعالج كرب الموت وسكرات الموت وإن مفاصله ليسلم بعضها على ~~بعض تقول عليك السلام تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة + حديث إن العبد ~~ليعالج كرب الموت وسكرات الموت ولمن مفاسلة ليسلم بعضها على بعض الحديث ~~رويناه في الأربعين لأبي هدبة إبراهيم بن هدبة عن أنس وأبو هدبة مالك + # فهذه سكرات الموت على أولياء الله وأحبابه في حالنا ونحن المنهمكون في ~~المعاصي وتتوالى علينا مع سكرات الموت بقية الدواهي فإن دواهي الموت ثلاث # الأولى شدة النزع كما ذكرناه PageV04P463 # الدهية الثانية مشاهدة صورة ملك الموت ودخول الروع والخوف منه على القلب ~~فلو رأى صورته التي يقبض عليها روح العبد المذنب أعظم الرجال قوة لم يطق ~~رؤيته # فقد روى عن إبراهيم الخليل عليه السلام أنه قال لملك الموت هل تستطيع أن ~~تريني صورتك التي تقبض عليها روح الفاجر قال لا تطيق ذلك قال بلى قال فأعرض ~~عنى فأعرض عنه # ثم التفت فإذا هو برجل أسود قائم الشعر منتن الريح أسود الثياب يخرج من ~~فيه ومناخيره لهيب النار والدخان فغشى على إبراهيم عليه السلام # ثم أفاق وقد عاد ملك الموت إلى صورته الأولى فقال ملك الموت لو لم يلق ~~الفاجر عند الموت إلا صورة وجهك لكان حسبه وروى أبو هريرة عن النبي صلى ~~الله عليه وسلم أن داود عليه السلام كان رجلا غيورا وكان إذا خرج أغلق ~~الأبواب فأغلق ذات يوم وخرج فأشرفت امرأته فإذا هي برجل في الدار فقالت من ~~أدخل هذا الرجل لئن جاء داود ليلقين منه عناء فجاء داود فرآه فقال من أنت ~~فقال أنا الذي لا أهاب الملوك ولا يمنع مني الحجاب فقال فأنت والله إذن ملك ~~الموت وزمل داود عليه السلام مكانه + حديث أبي هريرة أن داود كان رجلا ~~غيورا الحديث أخرج أحمد باسناد جيد نحوه وابن أبي الدنيا في كتاب الموت ~~بلفظ + وروى أن عيسى عليه السلام مر بجمجمة فضربها برجله فقال تكلمي بإذن ~~الله فقالت يا روح الله أنا ملك زمان كذا وكذا بينا أنا جالس في ملكي على ~~تاجي وحولي جنودي وحشمي على سرير ملكي إذ بدا لي ملك الموت فزال مني كل عضو ~~على حياله ثم خرجت نفسي إليه فيا ليت ما كان من تلك الجموع كان فرقة وياليت ~~ما كان من ذلك الأنس كان وحشة فهذه يلقاها العصاة ويكفاها المطيعون فقد حكى ~~الأنبياء مجرد سكرة النزع دون الروعة التي يدركها من يشاهد صورة ملك الموت ~~كذلك ولو رآها في منامه ليلة لتنغص عليه بقية عمره فكيف برؤيته في مثل تلك ~~الحال # وأما المطيع فإنه يراه في أحسن صورة وأجملها فقد روى عكرمة عن ابن عباس ~~أن إبراهيم عليه السلام كان رجلا غيورا وكان له بيت يتعبد فيه فإذا خرج ~~أغلقه فرجع ذات يوم فإذا برجل في جوف البيت فقال من أدخلك داري فقال ~~أدخلنيها ربها فقال أنا ربها فقال أدخلنيها من هو أملك بها مني ومنك فقال ~~من أنت من الملائكة قال أنا ملك الموت قال هل تستطيع أن تريني الصورة التي ~~تقبض فيها روح المؤمن قال نعم فأعرض عني فأعرض ثم التفت فإذا هو بشاب فذكر ~~من حسن وجهه وحسن ثيابه وطيب ريحه فقال يا ملك الموت لو لم يلق المؤمن عند ~~الموت إلا صورتك كان حسبه # ومنها مشاهدة الملكين الحافظين قال وهيب بلغنا أنه ما من ميت يموت حتى ~~يتراءى له ملكاه الكاتبان عمله فإن كان مطيعا قالا له جزاك الله عنا خيرا ~~فرب مجلس صدق أجلستنا وعمل صالح أحضرتنا وإن كان فاجرا قالا له لا جزاك ~~الله عنا خيرا فرب مجلس سوء أجلستنا وعمل غير صالح أحضرتنا وكلام قبيح ~~أسمعنا فلا جزاك الله عنا خيرا # فذلك شخوص بصر الميت إليهما ولا يرجع إلى الدنيا أبدا # الداهية الثالثة مشاهدة العصاة مواضعهم من النار وخوفهم قبل المشاهدة ~~فإنهم في حال السكرات قد تخاذلت قواهم واستسلمت للخروج أرواحهم ولن تخرج ~~أرواحهم ما لم يسمعوا نغمة ملك الموت بأحد البشريين إما أبشر يا عدو الله ~~بالنار أو أبشر يا ولي الله بالجنة # ومن هذا كان خوف أرباب الألباب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لن يخرج ~~أحدكم من الدنيا حتى يعلم أين مصيره وحتى يرى مقعده من الجنة أو النار + ~~حديث لن يخرج أحدكم من الدنيا حتى يعلم أين مصيرة وحتى يرى مقعده من الجنة ~~أو النار أخرجه ابن أبي الدنيا الموت من رواية رجل لم يسم عن علي موقوفا لا ~~تخر نفسا ابن آدم من الدنيا حتى يعلم أين مصيرة إلى الجنة أم إلى النار وفي ~~رواية حرام على نفس ان تخرج من الدنيا حتى تعلم من أهل الجنة هى أم من أهل ~~النار وفي الصحيحين من حيث عبادة بن بن الصامت ما يشهد لذلك أن المؤمن إذا ~~حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله ~~وعقوبته الحديث + وقال صلى الله عليه وسلم PageV04P464 من أحب لقاء الله ~~أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه وفقالوا كلنا نكره الموت ~~قال ليس ذاك بذاك إن المؤمن إذا فرج له عما هو قادم عليه أحب لقاء الله ~~وأحب الله لقاءه + حديث من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله ~~كره الله لقاءه الحديث متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت + وروى أن حذيفة ~~بن اليمان قال لابن مسعود وهو لما به من آخر الليل قم فأنظر أي ساعة هي ~~فقام ابن مسعود ثم جاءه فقال قد طلعت الحمراء فقال حذيفة أعوذ بالله من ~~صباح إلى النار ودخل مروان على أبي هريرة فقال مروان اللهم خفف عنه فقال ~~أبو هريرة اللهم اشدد ثم بكى أبو هريرة وقال والله ما أبكى حزنا على الدنيا ~~ولا جزعا من فراقكم ولكن انتظر إحدى البشريين من ربى بجنة أم بنار # وروى في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال إن الله إذا رضى عن ~~عبد قال يا ملك الموت أذهب إلى فلان فأتني بروحه لأريحه حسبي من عمله قد ~~بلوته فوجدته حيث أحب فينزل ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة ومعهم ~~قضبان الريحان وأصول الزعفران كل واحد منهم يبشره ببشارة سوى بشارة صاحبه ~~وتقوم الملائكة صفين لخروج روحه معهم الريحان فإذا نظر إليهم إبليس وضع يده ~~على رأسه ثم صرخ قال فيقول له جنوده مالك يا سيدنا فيقول أما ترون ما أعطى ~~هذا العبد من الكرامة أين كنتم من هذا قالوا قد جهدنا به فكان معصوما + ~~حديث أن الله إذا رضى على عبده قال يا ملك الموت اذهب إلى فلان فأتني بروحه ~~لأريحة الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت من حديث تميم الدالي ~~باسناد ضعيف بزيادة كثيرة ولم يصرح في أول الحديث برفعه وفي آخره ما دل على ~~انه مرفوع وللنسائي من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح إذا حضر الميت أتته ~~ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون أخرجي راضية عنك إلى روح الله وريحان ~~ورب راض راض غير غضبان الحديث + وقال الحسن لا راحة للمؤمن إلا في لقاء ~~الله ومن كانت راحته في لقاء الله تعالى فيوم الموت يوم سروره وفرحه وأمنه ~~وعزه وشرفه # وقيل لجابر بن زيد عند الموت ما تشتهي قال نظرة إلى الحسن فلما دخل عليه ~~الحسن قيل له هذا الحسن فرفع طرفه إليه ثم قال يا إخواناه الساعة والله ~~افارقكم إلى النار أو إلى الجنة # وقال محمد بن واسع عند الموت يا إخواناه عليكم السلام إلى النار أو يعفو ~~الله وتمنى بعضهم أن يبقى في النزع أبدا ولا يبعث لثواب ولا عقاب فخوف سوء ~~الخاتمة قطع قلوب العارفين وهو من الدواهي العظيمة عند الموت # وقد ذكرنا معنى سوء الخاتمة وشدة خوف العارفين منه في كتاب الخوف والرجاء ~~وهو لائق بهذا الموضع # ولكننا لا نطول بذكره وإعادته # | بيان ما يستحب من أحوال المحتضر عند الموت # أعلم أن المحبوب عند الموت من صورة المحتضر هو الهدوء والسكون ومن لسانه ~~أن يكون ناطقا بالشهادة ومن قلبه أن يكون حسن الظن بالله تعالى # أما الصورة فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ارقبوا الميت ~~عند ثلاث إذا رشح جبينة ودمعت عيناه ويبست شفتاه فهي من رحمة الله قد نزلت ~~به وإذا غط غطيط المخنوق وأحمر لونه واربدت شفتاه فهو من عذاب الله قد نزل ~~به + حديث ارقبوا الميت عند ثلاث إذا رشح جبينه وذرفت عيناه الحديث أخرجه ~~الترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث سلمان ولا يصح # وأما انطلاق لسانه بكلمة الشهادة فهي علامة الخير قال أبو سعيد الخدري ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم PageV04P465 لقنوا موتاكم لا إله إلا ~~الله + حديث لقنوا موتاكم لا إله إلا الله تقدم + وفي رواية حذيفة فإنها ~~تهدم ما قبلها من الخطايا + حديث حذيفه فانها تهدم ما قبلها تقدم + وقال ~~عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات وهو يعلم أن لا إله إلا ~~الله دخل الجنة + من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة تقدم + ~~وقال عبيد الله وهو يشهد وقال عثمان إذا احتضر الميت فلقنوه لا إله إلا ~~الله فإنه ما من عبد يختم له بها عند موته إلا كانت زاده إلى الجنة # وقال عمر رضي الله عنه احضروا موتاكم وذكروهم فإنهم يرون ما لا ترون ~~ولقنوهم لا إله إلا الله # وقال أبو هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حضر ملك الموت ~~رجلا يموت فنظر في قلبه فلم يجد فيه شيئا ففك لحييه فوجد طرف لسانه لاصقا ~~بحنكه يقول لا إله إلا الله فغفر له بكلمة الإخلاص + حديث أبي هريرة حضر ~~ملك الموت رجلا يموت فنظر في قلبه فلم يجد فيه شيئا الحديث أخرجه ابن أبي ~~الدنيا في كتاب المحتضرين والطبراني والبيهقي في الشعب وإسناده جيد إلا أن ~~في رواية البيهقي رجلا لم يسم وسمى في رواية الطبراني إسحاق بن يحيى بن ~~طلحة وهو ضعيف + # وينبغي للملقن أن لا يلح في التلقين ولكن يتلطف فربما لا ينطق لسان ~~المريض فيشق عليه ذلك ويؤدى إلى استثقاله التلقين وكراهيته للكلمة ويخشى أن ~~يكون ذلك سبب سوء الخاتمة # وإنما معنى هذه الكلمة أن يموت الرجل وليس في قلبه شيء غير الله فإذا لم ~~يبق له مطلوب سوى الواحد الحق كان قدومه بالموت على محبوبه غاية النعيم في ~~حقه وإن كان القلب مشغوفا بالدنيا ملتفتا إليها متأسفا على لذاتها وكانت ~~الكلمة على رأس اللسان ولم ينطبق القلب على تحقيقها وقع الأمر في خطر ~~المشيئة فإن مجرد حركة اللسان قليل الجدوى إلا أن يتفضل الله تعالى بالقبول # وأما حسن الظن فهو مستحب في هذا الوقت وقد ذكرنا ذلك في كتاب الرجاء وقد ~~وردت الأخبار بفضل حسن الظن بالله # دخل وائلة بن الأسقع على مريض فقال أخبرني كيف ظنك بالله قال أغرقتني ~~ذنوب لي وأشرفت على هلكة ولكني أرجو رحمة ربي فكبر واثلة وكبر أهل البيت ~~بتكبيره وقال الله أكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يقول الله ~~تعالى أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ودخل النبي صلى الله عليه وسلم ~~على شاب وهو يموت فقال كيف تجدك قال أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال صلى الله ~~عليه وسلم ما اجتمعا في قلب عبد في مثل هذا المظن إلا أعطاه الله الذي يرجو ~~وآمنه من الذي يخاف + حديث دخل واثلة بن الأسقع على مريض فقال أخبرني كيف ~~ظنك بالله وفيه يقول الله أنا عند ظن عبدي فليظن بي ما يشاء أخرجه ابن حبان ~~بالمرفوع منه وقد تقدم وأحمد والبيهقي في الشعب به جميعا + + حديث دخل على ~~شاب وهو يموت فقال كيف تجدك فقال أرجو الله وأخاف ذنوبي الحديث تقدم + وقال ~~ثابت البناني كان شاب به حدة وكان له أم تعظه كثيرا وتقول له يا بني إن لك ~~يوما فاذكر يومك فلما نزل به أمر الله تعالى أكبت عليه أمه وجعلت تقول له ~~يا بني قد كنت أحذرك مصرعك هذا وأقول إن لك يوما فقال يا أمه إن لي ربا ~~كثير المعروف وإني لأرجو أن لا يعدمني اليوم بعض معروفه قال ثابت فرحمه ~~الله بحسن ظنه بربه # وقال جابر بن وداعة كان شاب به رهق فاحتضر فقالت له أمه يا بني توصي بشيء ~~قال نعم خاتمى لا تسلبينيه فإن فيه ذكر الله تعالى فلعل الله يرحمني فلما ~~دفن رؤى في المنام فقال أخبروا أمي أن الكلمة قد نفعتني وأن الله قد غفر لي # ومرض اعرابي فقيل له إنك تموت فقال أين يذهب بي قالوا إلى الله قال فما ~~كراهتي أن أذهب إلى من لا يرى الخير إلا منه # وقال أبو المعتمر بن سليمان قال أبي لما حضرته الوفاة يا معتمر حدثني ~~بالرخص لعلى ألقى الله عز وجل وأنا حسن الظن به وكانوا يستحبون أن يذكر ~~للعبد محاسن عمله عند موته لكى يحسن ظنه بربه PageV04P466 # | بيان الحسرة عند لقاء ملك الموت بحكايات يعرب لسان الحال عنها # قال أشعث بن أسلم سأل إبراهيم عليه السلام ملك الموت وأسمه عزرائيل وله ~~عينان عين في وجهه وعين في قفاه فقال يا ملك الموت ما تصنع # إذا كان نفس بالمشرق ونفس بالمغرب ووقع الوباء بأرض والتقى الزحفان كيف ~~تصنع قال أدعوا الأرواح بإذن الله فتكون بين اصبعي هاتين وقال قد دحيت له ~~الأرض فتركت مثل الطشت بين يديه يتناول منها ما يشاء قال وهو يبشره بأنه ~~خليل الله عز وجل # وقال سليمان بن داود عليهما السلام لملك الموت عليه السلام مالى لا أراك ~~تعدل بين الناس تأخذ هذا وتدع هذا قال ما أنا بذلك بأعلم منك إنما هي صحف ~~أو كتب تلقى إلي فيها أسماء وقال وهب بن منبه كان ملك من الملوك أراد أن ~~يركب إلى أرض فدعا بثياب ليلبسها فلم تعجبه فطلب غيرها حتى لبس ما أعجبه ~~بعد مرات وكذلك طلب دابة فأتى بها فلم تعجبه حتى أتى بدواب فركب أحسنها ~~فجاء إبليس فنفخ في منخره نفخة فملأه كبرا # ثم سار وسارت معه الخيول وهو لا ينظر إلى الناس كبرا فجاءه رجل رث الهيئة ~~فسلم فلم يرد عليه السلام فأخذ بلجام دابته فقال أرسل اللجام فقد تعاطيت ~~أمر عظيما قال إن لي إليك حاجة قال اصبر حتى أنزل قال لا الآن فقهره على ~~لجام دابته فقال أذكرها قال هو سر فأدنى له رأسه فساره وقال أنا ملك الموت ~~فتغير لون الملك واضطرب لسانه ثم قال دعني حتى أرجع إلى أهلي وأقضي حاجتي ~~وأودعهم قال لا والله لا ترى أهلك وثقلك أبدا فقبض روحه فخر كأنه خشبة ثم ~~مضى فلقي عبدا مؤمنا في تلك الحال فسلم عليه فرد السلام فقال إن لي إليك ~~حاجة أذكرها في أذنك فقال هات فساره وقال أنا ملك الموت فقال أهلا ومرحبا ~~بمن طالت غيبته على فوالله ما كان في الأرض غائب أحب إلى أن ألقاه منك فقال ~~ملك الموت اقض حاجتك التي خرجت لها فقال مالي حاجة أكبر عندي ولا أحب من ~~لقاء الله تعالى قال فاختر على أي حال شئت أن أقبض روحك فقال تقدر على ذلك ~~قال نعم إني أمرت بذلك قال فدعني حتى اتوضأ وأصلي ثم اقبض روحي وأنا ساجد ~~فقبض روحه وهو ساجد وقال أبو بكر بن عبد الله المزني جمع رجل من بني ~~إسرائيل مالا فلما أشرف على الموت قال لبنيه أروني أصناف أموالي فأتى بشيء ~~كثير من الخيل والإبل والرقيق وغيره فلما نظر إليه بكي تحسرا عليه فرآه ملك ~~الموت وهو يبكى فقال له ما يبكيك فوالذي خولك ما أنا بخارج من منزلك حتى ~~أفرق بين روحك وبدنك قال فالمهلة حتى أفرقه قال هيهات انقطعت عنك المهلة ~~فهلا كان ذلك قبل حضور أجلك فقبض روحه # وروى أن رجلا جمع مالا فأوعى ولم يدع صنفا من المال إلا اتخذه وابتنى ~~قصرا وجعل عليه بابين وثيقين وجمع عليه حرسا من غلمانه ثم جمع أهله وصنع ~~لهم طعاما وقعد على سريره ورفع إحدى رجليه على الأخرى وهم يأكلون فلما ~~فرغوا قال يا نفس أنعمي لسنين فقد جمعت لك ما يكفيك فلم يفرغ من كلامه حتى ~~أقبل إليه ملك الموت في هيئة رجل عليه خلقان من الثياب وفي عنقه مخلاة ~~يتشبه بالمساكين فقرع الباب بشدة عظيمة قرعا أفزعه وهو على فراشه فوثب إليه ~~الغلمان وقالوا ما شأنك فقال أدعوا إلى مولاكم فقالوا وإلى مثلك يخرج ~~مولانا قال نعم فأخبروه بذلك فقال هلا فعلتم به وفعلتم فقرع الباب قرعة أشد ~~من الأولى فوثب إليه الحرس فقال أخبروه أني ملك الموت فلما سمعوه ألقى ~~عليهم الرعب ووقع على مولاهم الذل والتخشع فقال قولوا له قولا لينا وقولوا ~~هل تأخذ به أحدا فدخل عليه وقال اصنع في مالك ما أنت صانع فإني لست بخارج ~~منها حتى أخرج روحك فأمر بماله حتى وضع بين يديه فقال حين رآه لعنك الله من ~~مال أنت شغلتني عن عبادة ربي ومنعتني أن أتخلى لربي فأنطق PageV04P467 الله ~~المال فقال لم تسبني وقد كنت تدخل على السلاطين بي ويرد المتقي عن بابهم ~~وكنت تنكح المتنعمات بي وتجلس مجالس الملوك بي وتنفقني في سبيل الشر فلا ~~امتنع منك ولو أنفقتني في سبيل الخير نفعتك خلقت يا بن آدم من تراب فمنطلق ~~ببر ومنطلق بإثم ثم قبض ملك الموت روحه فسقط # وقال وهب بن منبه قبض ملك الموت روح جبار من الجبابرة ما في الأرض مثله ~~ثم عرج إلى السماء فقالت الملائكة لمن كنت أشد رحمة ممن قبضت روحه قال أمرت ~~بقبض نفس امرأة في فلاة من الأرض فأتيتها وقد ولدت مولودا فرحمتها لغربتها ~~ورحمت ولدها لصغره وكونه في فلاة لا متعهد له بها # فقالت الملائكة الجبار الذي قبضت الآن روحه هو ذلك المولود الذي رحمته ~~فقال ملك الموت سبحان اللطيف لما يشاء قال عطاء بن يسار إذا كانت ليلة ~~النصف من شعبان دفع إلى ملك الموت صحيفة فيقال اقبض في هذه السنة من في هذه ~~الصحيفة قال فإن العبد ليغرس الغراس وينكح الأزواج ويبني البنيان وإن اسمه ~~في تلك الصحيفة وهو لا يدري # وقال الحسن ما من يوم إلا وملك اليوم يتصفح كل بيت ثلاث مرات فمن وجده ~~منهم قد استوفى رزقه وانقضى أجله قبض روحه فإذا قبض روحه أقبل أهله برنة ~~وبكاء فيأخذ ملك الموت بعضادتي الباب فيقول والله ما أكلت له رزقا ولا ~~أفنيت له عمرا ولا انتقصت له أجلا وإن لي فيكم لعودة بعد عودة حتى لا ابقي ~~منكم أحدا # قال الحسن فوالله لو يرون مقامه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم ولبكوا ~~على أنفسهم وقال يزيد الرقاشى بينما جبار من الجبابرة من بني إسرائيل جالس ~~في منزله قد خلا ببعض أهله إذ نظر إلى شخص قد دخل من باب بيته فثار إليه ~~فزعا مغضبا فقال له من أنت ومن أدخلك على داري فقال أما الذي أدخلني الدار ~~فربها وأما أنا فالذي لا يمنع من الحجاب ولا استأذن على الملوك ولا أخاف ~~صولة المتسلطين ولا يمتنع مني كل جبار عنيد ولا شيطان مريد قال فسقط في يد ~~الجبار وارتعد حتى سقط منكبا على وجهه ثم رفع رأسه إليه مستجديا متذللا له ~~فقال له أنت إذن ملك الموت قال أنا هو قال فهل أنت ممهل حتى أحدث عهدا قال ~~هيهات انقطعت مدتك وانقضت أنفاسك ونفدت ساعاتك فليس إلى تأخيرك سبيل قال ~~فإلى أين تذهب بي قال إلى عملك الذي قدمته وإلى بيتك الذي مهدته قال فإني ~~لم اقدم عملا صالحا ولم أمهد بيتا حسنا قال فإلى لظى نزاعة للشوى ثم قبض ~~روحه فسقط ميتا بين أهله فمن بين صارخ وباك # قال يزيد الرقاشى لو يعلمون سوء المنقلب كان العويل على ذلك اكثر # وعن الأعمش عن خيثمة قال دخل ملك الموت على سليمان بن داود عليه السلام ~~فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظر إليه فلما خرج قال الرجل من هذا ~~قال هذا ملك الموت قال لقد رايته ينظر إلى كأنه يريدني قال فماذا تريد قال ~~أريد أن تخلصني منه فتأمر الريح حتى تحملني إلى أقصى الهند ففعلت الريح ذلك ~~ثم قال سليمان لملك الموت بعد أن أتاه ثانيا رأيتك تديم النظر إلى واحد من ~~جلسائي قال نعم كنت أتعجب منه لأني كنت أمرت أن أقبضه بأقصى الهند في ساعة ~~قريبة وكان عندك فعجبت من ذلك # | الباب الرابع في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ~~من بعده # وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم # أعلم أن في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حيا وميتا وفعلا ~~وقولا وجميع أحواله عبرة للناظرين PageV04P468 وتبصرة للمستبصرين إذ لم يكن ~~أحد أكرم على الله منه إذ كان خليل الله وحبيبه ونجيه وكان صفيه ورسوله ~~ونبيه فأنظر هل أمهله ساعة عند انقضاء مدته وهل أخره لحظة بعد حضور منيته ~~لا بل أرسل إليه الملائكة الكرام الموكلين بقبض أرواح الأنام فجدوا بروحه ~~الزكية الكريمة لينقلوها وعالجوها ليرحلوها عن جسده الطاهر إلى رحمة ورضوان ~~وخيرات حسان بل إلى مقعد صدق في جوار الرحمن فاشتد مع ذلك في النزع كربه ~~وظهر أنينه وترادف قلقه وارتفع حنينه وتغير لونه وعرق جبينه واضطربت في ~~الإنقباض والإنبساط شماله ويمينه حتى بكى لمصرعه من حضره وانتحب لشدة حاله ~~من شهد منظره فهل رأيت منصب النبوة دافعا عنه مقدورا وهل راقب الملك فيه ~~أهلا وعشيرا وهل سامحه إذ كان للحق نصيرا وللخلق بشيرا ونذيرا هيهات بل ~~امتثل ما كان به مأمورا واتبع ما وجده في اللوح مسطورا فهذا كان حاله وهو ~~عند الله ذو المقام المحمود والحوض المورود وهو أول من تنشق عنه الأرض وهو ~~صاحب الشفاعة يوم العرض فالعجب أنا لا نعتبر به ولسنا على ثقة فيما نلقاه ~~بل نحن أسراء الشهوات وقرناء المعاصي والسيئات فما بالنا لا نتعظ بمصرع ~~محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وحبيب رب العالمين لعلنا نظن أننا مخلدون ~~أو نتوهم أنا مع سوء أفعالنا عند الله مكرمون هيهات هيهات بل نتيقن أنا ~~جميعا على النار واردون ثم لا ينجو منها إلا المتقون فنحن للورود مستيقنون ~~وللصدور عنها متوهمون لا بل ظلمنا أنفسنا إن كنا كذلك لغالب الظن منتظرين ~~فما نحن والله من المتقين وقد قال الله رب العالمين @QB@ وإن منكم إلا ~~واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها ~~جثيا @QE@ فلينظر كل عبد إلى نفسه أنه إلى الظالمين أقرب أم إلى المتقين ~~فانظر إلى نفسك بعد أن تنظر إلى سيرة السلف الصالحين فلقد كانوا مع ما ~~وفقوا له من الخائفين # ثم انظر إلى سيد المرسلين فإنه كان من أمره على يقين إذ كان سيد النبيين ~~وقائد المتقين واعتبر كيف كان كربه عند فراق الدنيا وكيف اشتد أمره عند ~~الانقلاب إلى جنة المأوى قال ابن مسعود رضي الله عنه دخلنا على رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم في بيت أمنا عائشة رضي الله عنها حين دنا الفراق فنظر ~~إلينا فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم ثم قال مرحبا بكم حياكم الله آواكم ~~الله نصركم الله وأوصيكم بتقوى الله وأوصى بكم الله إني لكم منه نذير مبين ~~ألا تعلوا على الله في بلاده وعباده وقد دنا الأجل والمنقلب إلى الله وإلى ~~سدرة المنتهى وإلى جنة المأوى وإلى الكأس الأوفى فاقرءوا على أنفسكم وعلى ~~من دخل في دينكم بعدى مني السلام ورحمة الله حديث ابن مسعود دخلنا على رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم في بيت أمنا عائشة حين دنا الفراق الحديث رواه ~~البزار وقال هذا الكلام قد روى عن مرة عن عبد الله من غير وجه وأسانيدها ~~متقاربة قال وعبد الرحمن الأصبهاني لم يسمع هذا من مرة وإنما هو عمن أخبره ~~عن مرة قال ولا أعلم أحد رواه عن عبد الله غير مرة قلت وقد روى من غير وجه ~~رواه ابن سعد في الطبقات من رواية ابن عوف عن ابن مسعود وروينا في مشيخة ~~القاضي أبي بكر الأنصاري من رواية الحسن العربي عن ابن مسعود ولكنهما ~~منقطعان وضعيفان والحسن العربي إنما يرويه عن مرة كما رواه ابن أبي الدنيا ~~والطبراني في الأوسط + وروى انه صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام ~~عند موته من لأمتي بعدي فأوحى الله تعالى إلى جبريل أن بشر حبيبي أني لا ~~أخذله في أمته وبشره بأنه أسرع الناس خروجا من الأرض إذا بعثوا وسيدهم إذا ~~جمعوا وأن الجنة محرمة على الأمم حتى تدخلها أمته # فقال الآن قرت عيني + حديث انه صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عند موته ~~من لأمتي بعدي فأوحى الله تعالى إلى جبريل أن بشر حبيبي ان لا أخذله في ~~أمته الحديث أخرجه الطبراني من حديث جابر وابن عباس في حديث طويل فيه من ~~لأمتي المصطفاة من بعدي قال أبشر ياحبيب الله فان الله عز وجل يقول قد حرمت ~~الجنة على جميع الأنبياء والأمم حتى تدخلها أنت وأمتك قال الآن طابت نفسي ~~وإسناده ضعيف وقالت عائشة رضي الله عنها أمرنا PageV04P469 رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم أن نغسله بسبع قرب من سبعة آبار ففعلنا ذلك فوجد راحة فخرج ~~فصلى بالناس واستغفر لأهل أحد ودعا لهم وأوصى بالأنصار فقال أما بعد يا ~~معشر المهاجرين فإنكم تزيدون وأصبحت الأنصار لا تزيد على التى هي عليها ~~اليوم وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها فأكرموا كريمهم يعنى محسنهم ~~وتجاوزوا عن مسيئهم ثم قال إن عبدا خير بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ~~ما عند الله فبكى أبو بكر رضي الله عنه وظن أنه يريد نفسه فقال النبي صلى ~~الله عليه وسلم على رسلك يا أبا بكر سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد ~~إلا باب أبي بكر فإني لا أعلم أمرا أفضل عندي في الصحبة من أبي بكر + حديث ~~عائشة أمرنا أن نغسله بسبع قرب من سبعة آبار فنعلنا ذلك فوجد راحة فخرج ~~فصلى في الناس واستغفر لأهل أحد الحديث أخرجه الدارمي في مسنده وفيه ~~إبراهيم بن المختار مختلف فيه عن محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد رواه بالعنعنة ~~+ قالت عائشة رضي الله عنها فقبض صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي وبين ~~سحري ونحري وجمع الله بين ريقي وريقه عند الموت فدخل على أخي عبد الرحمن ~~وبيده سواك فجعل ينظر إليه فعرفت انه يعجبه ذلك فقلت له آخذه لك فأومأ ~~برأسه أن نعم فناولته إياه فأدخله في فيه فاشتد عليه فقلت إلينه لك فأومأ ~~برأسه أن نعم فلينته وكان بين يديه ركوة ماء فجعل يدخل فيها يده ويقول لا ~~إله إلا الله إن للموت لسكرات ثم نصب يده يقول الرفيق الأعلى الرفيق الأعلى ~~فقلت إذن والله لا يختارنا + حديث عائشة قبض في بيتي وفي يومي وبين سحري ~~ونحري وجمع الله بين ربقي صوريقه عند الموت الحديث متفق عليه + وروى سعيد ~~بن عبد الله عن أبيه قال لما رأت الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم ~~يزداد ثقلا أطافوا بالمسجد فدخل العباس رضي الله عنه على النبي صلى الله ~~عليه وسلم فأعلمه بمكانهم وإشفاقهم ثم دخل عليه الفضل فأعلمه بمثل ذلك ثم ~~دخل عليه علي رضي الله عنه فأعلمه بمثله فمد يده وقال ها فتناولوه فقال ~~@QB@ ما تقولون @QE@ قالوا نقول نخشى أن تموت وتصايح نساؤهم لاجتماع رجالهم ~~إلى النبي صلى الله عليه وسلم فثار رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج ~~متوكئا على علي والفضل والعباس أمامه ورسول الله صلى الله عليه وسلم معصوب ~~الرأس يخط برجليه حتى جلس على أسفل مرقاة من المنبر وثاب الناس إليه فحمد ~~الله وأثنى عليه وقال أيها الناس إنه بلغني أنكم تخافون على الموت كأنه ~~استنكار منكم للموت وما تنكرون من موت نبيكم ألم أنع إليكم وتنعى إليكم ~~أنفسكم هل خلد نبي قبلي فيمن بعث فأخلد فيكم ألا إني لاحق بربي وإنكم ~~لاحقون به وإني أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا وأوصي المهاجرين فيما بينهم ~~فإن الله عز وجل قال والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا إلى آخرها ~~وإن الأمور تجري بإذن الله فلا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله فإن الله ~~عز وجل لا يعجل لعجلة أحد ومن غالب الله غلبه ومن خادع الله خدعه فهل عسيتم ~~إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم وأوصيكم بالأنصار خيرا فإنهم ~~الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلكم أن تحسنوا إليهم ألم يشاطروكم الثمار ~~ألم يوسعوا عليكم في الديار ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة ألا فمن ~~ولي أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم ألا ولا ~~تستأثروا عليهم ألا وإني فرط لكم وأنتم لاحقون بي ألا وإن موعدكم الحوض ~~حوضي أعرض مما بين بصرى الشام وصنعاء اليمن يصب فيه ميزاب الكوثر ماؤه أشد ~~بياضا من اللبن وألين من الزبد وأحلى من الشهد من شرب منه لم يظمأ أبدا ~~حصباؤه اللؤلؤ وبطحاؤه المسك من حرمه في الموقف غدا حرم الخير كله ألا فمن ~~أحب أن يرده علي غدا فليكفف لسانه ويده إلا مما ينبغي فقال العباس يا نبي ~~الله أوص بقريش فقال إنما أوصي بهذا الأمر قريشا والناس تبع لقريش برهم ~~لبرهم وفاجرهم لفاجرهم فاستوصوا آل قريش بالناس خيرا يا أيها الناس إن ~~الذنوب تغير النعم وتبدل القسم فإذا بر الناس برهم أئمتهم وإذا فجر الناس ~~عقولهم قال الله تعالى وكذلك نولى PageV04P470 بعض الظالمين بعضا بما كانوا ~~يكسبون + حديث سعيد بن عبدالله عن أبيه قال لما رأت الأنصار رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يزداد ثقلا أطافوا بالمسجد فدخل العباس فأعلمه بمكانهم ~~وإشفاقهم فذكر الحديث في خروجه متوكئا معصوب الرأس يخط رجليه حتى جلس على ~~أسفل مرقاة من المنبر فذكر خطبته بطولها هو حديث مرسل ضعيف وفيه نكارة ولم ~~أجد له أصلا وأبوه عبدالله بن ضرار بن الأزور تابعى روى عن ابن مسعود قال ~~أبو حاتم فيه وفي أبيه سعيد ليس بالقوى وروى ابن مسعود رضي الله عنه أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه سل أبا بكر فقال يا ~~رسول الله دنا الأجل فقال قد دنا الأجل وتدلى فقال ليهنك يا نبي الله ما ~~عند الله فليت شعري عن منقلبنا فقال إلى الله وإلى سدرة المنتهى ثم إلى جنة ~~المأوى والفردوس الأعلى والكأس الأوفى والرفيق الأعلى والحظ والعيش المهن ~~فقال يا نبي الله من يلي غسلك قال رجال من أهل بيتي الأدنى فالأدنى قال ~~ففيم نكفنك فقال في ثيابي هذه وفي حلة يمانية وفي بياض مصر فقال كيف الصلاة ~~عليك منا وبكينا وبكى ثم قال مهلا غفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا إذا ~~غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفيرى قبري ثم أخرجوا ~~عني ساعة فإن أول من يصلي علي الله عز وجل @QB@ هو الذي يصلي عليكم ~~وملائكته @QE@ ثم يأذن للملائكة في الصلاة علي فأول من يدخل علي من خلق ~~الله ويصلي علي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود كثيرة ثم ~~الملائكة بأجمعها صلى الله عليهم أجمعين ثم أنتم فادخلوا علي أفواجا فصلوا ~~علي أفواجا زمرة زمرة وسلموا تسليما ولا تؤذوني بتزكية ولا صيحة ولا رنة ~~وليبدأ منكم الإمام وأهل بيتي الأدنى فالأدنى ثم زمر النساء ثم زمر الصبيان ~~قال فمن يدخلك القبر قال زمر من أهل بيتي الأدنى فالأدنى مع ملائكة كثيرة ~~لا ترونهم وهم يرونكم قوموا فأدوا عني إلى من بعدي + حديث ابن مسعود ان ~~النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر سل يا أبا بكر فقال يا رسول الله ~~دنا الأجل فقال قد دنا الأجل الحديث في سؤالهم له من يلي غسلك وفيم نكفنك ~~وكيفية الصلاة عليه رواه ابن سعد في الطبقات عن محمد بن عمر وهو الواقدي ~~باسناد ضعيف إلى ابن عوف عن ابن مسعود وهو مرسل ضعيف كما تقدم + وقال عبد ~~الله بن زمعة جاء بلال في أول شهر ربيع الأول فأذن بالصلاة فقال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم مروا أبا بكر يصلي بالناس فخرجت فلم أر بحضرة الباب إلا ~~عمر في رجال ليس فيهم أبو بكر فقلت قم يا عمر فصل بالناس + فقام عمر فلما ~~كبر وكان رجلا صيتا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته بالتكبير فقال ~~أين أبو بكر يأبى الله ذلك والمسلمون قالها ثلاث مرات مروا أبا بكر فليصل ~~بالناس فقالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق القلب ~~إذا قام في مقامك غلبه البكاء فقال إنكن صويحبات يوسف مروا أبا بكر فليصل ~~بالناس قال فصلى أبو بكر بعد الصلاة التي صلى عمر فكان عمر يقول لعبد الله ~~بن زمعة بعد ذلك ويحك ماذا صنعت بي والله لولا أني ظننت أن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم أمرك ما فعلت # فيقول عبد الله إني لم أر أحدا أولى بذلك منك قالت عائشة رضي الله عنها ~~وما قلت ذاك ولا صرفته عن أبي بكر إلا رغبة به عن الدنيا ولما في الولاية ~~من المخاطرة والهلكة إلا من سلم الله وخشيت أيضا أن لا يكون الناس يحبون ~~رجلا صلى في مقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي أبدا إلا أن يشاء الله ~~فيحسدونه ويبغون عليه ويتشاءمون به فإذن الأمر أمر الله والقضاء قضاؤه ~~وعصمه الله من كل ما تخوفت عليه من أمر الدنيا والدين + حديث عبدالله بن ~~زمعة جاء بلال في أول الربيع الأول فأذن بالصلاة فقال النبيي صلى الله عليه ~~وسلم مروا أبا بكر فليصل بالناس فخرجت فلم أر بحضرة الباب إلا عمر في رجال ~~ليس فيهم أبو بكر الحديث أخرجه أبو داود باسناد جيد نحوه مختصرا دون قوله ~~فقالت عائشة أن أبا بكر رجل رقيق إلى آخره ولم يقل في أول ربيع الأول وقال ~~مروا من يصلى بالناس وقال يأبى الله ذلك والمؤمنون مرتين وفي رواية له فقال ~~لا لا لا ليصل للناس ابن أبي قحافة يقول ذلك مغضبا وأما ما في آخره من قول ~~عائشة ففي الصحيحين من حديثها فقالت عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل ~~رقيك إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء فقال إنكن صواحبات يوسف مروا ~~أبا بكر فليصل بالناس + وقالت عائشة رضي الله عنها فلما PageV04P471 كان ~~اليوم الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا منه خفة في أول ~~النهار فتفرق عنه الرجال إلى منازلهم وحوائجهم مستبشرين وأخلوا رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم بالنساء فبينا نحن على ذلك لم نكن على مثل حالنا في ~~الرجاء والفرح قبل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرجن عني هذا ~~الملك يستأذن علي فخرج من في البيت غيري ورأسه في حجري فجلس وتنحيت في جانب ~~البيت فناجى الملك طويلا ثم إنه دعاني فأعاد رأسه في حجري وقال للنسوة ~~ادخلن فقلت ما هذا بحس جبريل عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أجل يا عائشة هذا ملك الموت جاءني فقال إن الله عز وجل أرسلني وأمرني ~~أن لا أدخل عليك إلا بإذن فإن لم تأذن لي أرجع وإن أذنت لي دخلت وأمرني أن ~~لا أقبضك حتى تأمرني فماذا أمرك فقلت أكفف عني حتى يأتيني جبريل عليه ~~السلام فهذه ساعة جبريل فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها فاستقبلنا بأمر لم ~~يكن له عندنا جواب ولا رأى فوجمنا وكأنما ضربنا بصاخة ما نحير إليه شيئا ~~وما يتكلم أحد من أهل البيت إعظاما لذلك الأمر وهيبة ملأت أجوافنا قالت ~~وجاء جبريل في ساعته فسلم فعرفت حسه وخرج أهل البيت فدخل فقال إن الله عز ~~وجل يقرأ عليك السلام ويقول كيف تجدك وهو أعلم بالذي تجد منك ولكن أراد أن ~~يزيدك كرامة وشرفا وأن يتم كرامتك وشرفك على الخلق وأن تكون سنة في أمتك ~~فقال أجدني وجعا فقال أبشر فإن الله تعالى أراد أن يبلغك ما أعد لك فقال يا ~~جبريل إن ملك الموت استأذن علي وأخبره الخبر فقال جبريل يا محمد إن ربك ~~إليك مشتاق ألم يعلمك الذي يريد بك لا والله تعالى ما استأذن ملك الموت على ~~أحد قط ولا يستأذن عليه أبدا إلا أن ربك متم شرفك وهو إليك مشتاق قال فلا ~~تبرح إذن حتى يجىء وأذن للنساء فقال يا فاطمة ادنى فأكبت عليه فناجاها ~~فرفعت رأسها وعيناها تدمع وما تطيق الكلام ثم قال أدني مني رأسك فأكبت عليه ~~فناجاها فرفعت رأسها وهي تضحك وما تطيق الكلام فكان الذي رأينا منها عجبا ~~فسألتها بعد ذلك فقالت أخبرني وقال إني ميت اليوم فبكيت ثم قال إني دعوت ~~الله أن يلحقك بي في أول أهلي وأن يجعلك معي فضحكت وأدنت ابنيها منه فشمهما ~~قالت وجاء ملك الموت واستأذن فأذن له فقال الملك # ما تأمرنا يا محمد قال الحقني بربي الآن فقال بلى من يومك هذا أما إن ربك ~~إليك مشتاق ولم يتردد عن أحد تردده عنك ولم ينهنى عن الدخول على أحد إلا ~~بإذن غيرك ولكن ساعتك أمامك وخرج قالت وجاء جبريل فقال السلام عليك يا رسول ~~الله هذا آخر ما أنزل فيه إلى الأرض أبدا طوى الوحي وطويت الدنيا وما كان ~~لي في الأرض حاجة غيرك ومالي فيها حاجة إلا حضورك ثم لزوم موقفي لا والذي ~~بعث محمدا بالحق ما في البيت أحد يستطيع أن يحير إليه في ذلك كلمة ولا يبعث ~~إلى أحد من رجاله لعظم ما يسمع من حديثه ووجدنا وإشفاقنا قالت فقمت إلى ~~النبي صلى الله عليه وسلم حتى أضع رأسه بين ثديي وأمسكت بصدره وجعل يغمى ~~عليه حتى يغلب وجبهته ترشح رشحا ما رأيته من إنسان قط فجعلت أسلت ذلك العرق ~~وما وجدت رائحة شيء أطيب منه فكنت أقول له إذا أفاق بأبي أنت وأمي ونفسي ~~وأهلي ما تلقى جبهتك من الرشح فقال يا عائشة إن نفس المؤمن تخرج بالرشح ~~ونفس الكافر تخرج من شدقيه كنفس الحمار فعند ذلك ارتعنا وبعثنا إلى أهلنا ~~فكان أول رجل جاءنا ولم يشهده أخي بعثه إلى أبي فمات رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم قبل أن يجيء أحد وإنما صدهم الله عنه لأنه ولاه جبريل وميكائيل ~~وجعل إذا أغمى عليه قال بل الرفيق الأعلى كأن الخيرة تعاد عليه فإذا أطاق ~~الكلام قال الصلاة الصلاة إنكم لا تزالون متماسكين ما صليتم جميعا الصلاة ~~الصلاة كان يوصي بها حتى مات وهو PageV04P472 يقول الصلاة الصلاة + حديث ~~عائشه لما كان اليوم الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا منه ~~خفة في أول النهار فتفرق عنه الرجال إلى منازلهم وحوائجهم مستبشرين وأخلوا ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء فبينما نحن على ذلك لم يكن على مثل ~~حالنا في الرجاء والفرح قبل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرجن ~~عني هذا ملك يستأذن على الحديث بطوله في مجيء ملك الموت ثم ذهابه ثم مجيء ~~جبريل ثم مجيء ملك المووت ووفاته صلى الله عليه وسلم أخرجه الطبراني في ~~الكبير من حديث جابر وابن عباس مع اختلاف في حديث طويل فيه فلما كان يوم ~~الأثنين اشتد الأمر وأوحى الله إلى ملك الموت ان اهبط إلى حبيبي وصفيى محمد ~~صلى الله عليه وسلم في أحسن صورة وارفق به في قبض روحه وفيه دخول ملك الموت ~~واستئذانه في قبضه فقال يا ملك الموت أين خلفت حبيبي جبريل قال خلفته في ~~سماء الدنيا والملائكة يعزونه فيك فما كان بأسرع أن أتاه جبريل فقعد عند ~~رأسه وذكر بشارة جبريل له بما أعد الله له وفيه ادن ياملك الموت فانته إلى ~~ما أمرت به الحديث فيه فدنا ملك الموت يعالج قبض روح النبي صلى الله عليه ~~وسلم وذكر كربة لذلك إلى أن قال فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ~~حديث طويل في ورقتين كبار وهو منكر وفيه عبد المنعم بن إدريس بن سنان عن ~~أبيه عن وهب بن منبه قال أحمد كان يكذب على وهب بن منبه وأبو إدريس أيضا ~~متروك قاله الدارقطني ورواه الطبراني أيضا من حديث الحسين بن علي أن جبريل ~~جاءه أولا فقال له عن ربه كيف تجدك ثم جاءه جبريل اليوم الثالث ومعه ملك ~~الموت وملك الهواء إسماعيل وأن جبريل دخل أولا فسأله ثم استأذن ملك الموت ~~وقوله إمض لما أمرت به وهو منكر أيضا فيه عبدالله بن ميمون القداح قال ~~البخاري ذاهب الحديث ورواه أيضا من حديث ابن عباس في مجيء ملك الموت أولا ~~واستأذانه وقووله ان ربك يقرأك السلام فقال أين جبريل فقال هو قريب مني ~~الآن يأتي فخرج ملك الموت حتى نزل عليه جبريل الحديث وفيه المختار بن نافع ~~منكر الحديث + قالت عائشة رضي الله عنها مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بين ارتفاع الضحى وانتصاف النهار يوم الاثنين + حديث عائشة مات رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم بين ارتفاع الضحى وانتصاف النهار يوم الاثنين رواه بن ~~عبد البر + قالت فاطمة رضي الله عنها ما لقيت من يوم الاثنين والله لا تزال ~~الأمة تصاب فيه بعظيمة وقالت أم كلثوم يوم أصيب علي كرم الله وجهه بالكوفة ~~مثلها ما لقيت من يوم الاثنين مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه ~~قتل علي كرم وفيه قتل أبي فما لقيت من يوم الاثنين وقالت عائشة رضي الله ~~عنها لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتحم الناس حين ارتفعت الرنة ~~وسجى رسول الله صلى الله عليه وسلم الملائكة بثوبة فاختلفوا فكذب بعضهم ~~بموته وأخرس بعضهم فما تكلم إلا بعد البعد وخلط آخرون فلاثوا الكلام بغير ~~بيان وبقي آخرون معهم عقولهم وأقعد آخرون فكان عمر بن الخطاب فيمن كذب ~~بموته وعلي فيمن أقعد وعثمان فيمن أخرس # فخرج عمر على الناس وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت ~~وليرجعنه الله عز وجل وليقطعن أيدي وأرجل رجال من المنافقين يتمنون لرسول ~~الله صلى الله عليه وسلم الموت إنما واعده الله عز وجل كما واعد موسى وهو ~~آتيكم + حديث عائشة لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتحم الناس حين ~~ارتفعت الرنة وسجي رسول الله صلى الله عليه وسلم الملائكة بثوبه فاختلفوا ~~فكذب بعضهم بموته وأخرس بعضهم فما تكلم لا بعد البعد وخلط آخرون ومعهم ~~عقولهم وأقعد آخرين وكان عمر بن الخطاب ممن كذب بموته وعلي فيمن أقعد ~~وعثمان فيمن أخرس فخرج عمر على الناس وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~لم يمت الحديث إلى قوله عند ربكم تختصرون لم أجد له أصلا وهو منكر + وفي ~~رواية أنه قال يا أيها الناس كفوا ألسنتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فإنه لم يمت والله لا أسمع أحدا يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ~~مات إلا علوته بسيفي هذا # وأما علي فإنه أقعد فلا يبرح البيت # وأما عثمان فجعل لا يكلم أحدا يؤخذ بيده فيجاء به ويذهب به ولم يكن أحد ~~من المسلمين في مثل حال أبي بكر والعباس فإن الله عز وجل أيدهما بالتوفيق ~~والسداد وإن كان الناس لم يرعووا إلا بقول أبي بكر حتى جاء العباس فقال ~~والله الذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت ولقد ~~قال وهو بين أظهركم @QB@ إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم ~~تختصمون @QE@ # وبلغ أبا بكر الخبر وهو في بني الحرث بن الخزرج فجاء ودخل على رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فنظر إليه PageV04P473 ثم أكب عليه فقبله ثم قال بأبي ~~أنت وأمي يا رسول الله ما كان الله تعالى ليذيقك الموت مرتين فقد والله ~~توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلى الناس فقال أيها الناس من ~~كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد رب محمد فإنه حى لا يموت قال ~~الله تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل ~~أنقلبتم على أعقابكم الآية + حديث بلغ أبا بكر الخبر وهو في بنى الحارث بن ~~الخزرج فجاء فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليه ثم أكب عليه ~~فقبله وبكى ثم قال بأبي أنت وأمي ما كان الله ليذيقك الموت مرتين الحديث ~~إلى آخر قوله وكأن الناس لم يسمعوا هذه الآية إلا يومئذ أخرجه البخاري ~~ومسلم من حديث عائشة أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسمح حتى نزل ودخل ~~المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فيمم رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وهو مغشى بثوب حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله وبكى ثم قال بأبي ~~وأمي أنت والله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموته التي كتبت عليك فقد ~~متها ولهما من حديث ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس الحديث وفيه ~~ولله ولكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر لفظ ~~البخاري فيهما + فكأن الناس لم يسمعوا هذه الآية إلا يومئذ وفي رواية أن ~~أبا بكر رضي الله تعالى عنه لما بلغه الخبر دخل بيت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وهو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تهملان وغصصه ~~ترتفع كقصع الجرة وهو في ذلك جلد الفعل والمقال فأكب عليه فكشف عن وجهه ~~وقبل جبينه وخديه ومسح وجهه وجعل يبكي ويقول بأبي أنت وأمي ونفسي وأهلي طبت ~~حيا وميتا انقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء والنبوة فعظمت عن ~~الصفة وجللت عن البكاء وخصصت حتى صرت مسلاة وعممت حتى صرنا فيك سواء ولولا ~~أن موتك كان اختيارا منك لجدنا لحزنك بالنفوس ولولا أنك نهيت عن البكاء ~~لأنفذنا عليك ماء العيون فأما مالا نستطيع نفيه عنا فكمد وأدكار محالفان لا ~~يبرحان اللهم فأبلغه عنا اذكرنا يا محمد صلى الله عليك عند ربك ولنكن من ~~بالك فلولا ما خلفت من السكينة لم يقم أحد لما خلفت من الوحشة اللهم أبلغ ~~نبيك عنا وأحفظه فينا + حديث أن أبا بكر لما بلغه الخبر دخل بيت رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم وهو يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تهملان ~~وغصصه ترتفع كقسع الحرة وهو في ذلك جلد الفعل والمقال فأكب عليه فكشف الثوب ~~عن وجهه الحديث إلى قوله واحفظه فينا أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العزاء ~~من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف جاء أبو بكر ورسوله الله صلى الله عليه وسلم ~~مسجى فكشف الثوب عن وجهه الحديث إلى آخره + # وعن ابن عمر أنه لما دخل أبو بكر البيت وصلى وأثنى عج أهل البيت عجيجا ~~سمعه أهل المصلى كلما ذكر شيئا ازدادوا فما سكن عجيجهم إلا تسليم رجل على ~~الباب صيت جلد قال السلام عليكم يا أهل البيت @QB@ كل نفس ذائقة الموت @QE@ ~~الآية إن في الله خلفا من كل أحد ودركا لكل رغبة ونجاة من كل مخافة فالله ~~تعالى فارجوا وبه فثقوا # فاستمعوا له وأنكروه وقطعوا البكاء فلما انقطع البكاء فقد صوته فاطلع ~~أحدهم فلم ير أحدا ثم عادوا فبكوا فناداهم مناد آخر لا يعرفون صوته يا اهل ~~البيت اذكروا الله تعالى واحمدوه على كل حال تكونوا من المخلصين إن في الله ~~عزاء من كل مصيبة وعوضا من كل رغيبة فالله فأطيعوا وبأمره فاعملوا # فقال أبو بكر هذا الخضر واليسع عليهما السلام حضرا النبي صلى الله عليه ~~وسلم + حديث ابن عمر في سماع التعزية به صلى الله عليه وسلم إن في الله ~~خلفا من كل أحد ودركا لكل رغبة ونجاة من كل مخافة فالله فارجوا وبه فثقوا ~~ثم سمعوا آخر بعده أن في الله عزاء من كل مصيبة وعوضا من كل مصيبة فالله ~~فاطيعوا وبأمره فاعملوا فقال أبو بكر هذا الخضر واليسع لم أجد فيه ذكر ~~اليسىء وأما ذكر الخضر في التعزية فأنكر النووي في كتب الحديث وقال إنما ~~ذكره الأصحاب قلت بلى قد رواه الحاكم في المستدرك في حديث أنس ولم يصححه ~~ولا يصح رواه ابن أبي الدنيا في كتاب العزاء من حديث أنس أيضا قال لما قبض ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم أجتمع أصحابه حوله يبكون فدخل عليهم رجلا ~~طويل شعر المنكبين في إزار ورداء يتخطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~حتى أخذ بعضاضتي باب البيت فبكى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل ~~على أصحاب فقال إن إن في الله عزاء من كل مصيبه وعوض من كل فائت وخلفا من ~~كل هالك فإلى الله تعالى فأنيبوا ونظره إليكم في البلاء فإنظروا فإن المصاب ~~من لم يجبره الثواب ثم ذهب الرجل فقال أبو بكر على الرجل فنظروا يمينا ~~وشمالا فلم يروا أحد فقال أبو بكر لعل هذا الخضر أخو نبينا عليه السلام جاء ~~يعزينا ورواه الطبراني في الأوسط وإسناده ضعيف جدا ورواه ابن أبي الدنيا ~~أيضا من حديث علي ابن أبي طالب لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ~~آت نسمع حسه ولا نرى شخصه قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أن في الله ~~عوضا من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه ~~فأرجوا فأن المحروم من حرم الثواب والسلام عليكم فقال على تدرون من هذا هو ~~الخضر وفيه محمد بن جعفر الصادق تكلم فيه وفيه أنقطاع بين علي بن الحسين ~~وبين جدة علي والمعروف عن علي بن الحسين مرسلا من غير ذكر على كما رواه ~~الشافعي في الأم وليس فيه ذكر الخضر + واستوفى القعقاع بن عمرو حكاية خطبة ~~أبي بكر رضي الله عنه فقال قام أبو بكر في الناس PageV04P474 خطيبا حيث قضى ~~الناس عبراتهم بخطبة جلها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله ~~وأثني عليه على كل حال وقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر ~~عبده وغلب الأحزاب وحده فلله الحمد وحده وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخاتم ~~أنبيائه وأشهد أن الكتاب كما شرع وأن الدين كما شرع وأن الحديث كما حدث وأن ~~القول كما قال وأن الله هو الحق المبين اللهم فصل على محمد عبدك ورسولك ~~ونبيك وحبيبك وأمينك وخيرتك وصفوتك بأفضل ما صليت به على أحد من خلقك اللهم ~~واجعل صلواتك ومعافاتك ورحمتك على سيد المرسلين وخاتم النبيين وإمام ~~المتقين محمد قائد الخير وإمام الخير ورسول الرحمة اللهم قرب زلفته وعظم ~~برهانه وكرم مقامه وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون وانفعنا ~~بمقامه المحمود يوم القيامة واخلفه فينا في الدنيا والآخرة وبلغه الدرجة ~~والوسيلة في الجنة اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل ~~محمد كما صليت وباركت على إبراهيم إنك حميد مجيد أيها الناس إنه من كان ~~يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت وإن ~~الله قد قدم إليكم في أمره فلا تدعوه جزعا فإن الله عز وجل قد اختار لنبيه ~~صلى الله عليه وسلم ما عنده على ما عندكم وقبضه إلى ثوابه وخلف فيكم كتابه ~~وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فمن أخذ بهما عرف ومن فرق بينهما أنكر @QB@ ~~يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط @QE@ ولا يشغلنكم الشيطان بموت ~~نبيكم ولا يفتننكم عن دينكم وعالجوا الشيطان بالخير تعجزوه ولا تستنظروه ~~فيلحق بكم ويفتنكم # وقال ابن عباس لما فرغ أبو بكر من خطبته قال يا عمر أنت الذي بلغني انك ~~تقول ما مات نبي الله صلى الله عليه وسلم أما ترى أن نبي الله صلى الله ~~عليه وسلم قال يوم كذا كذا وكذا ويوم كذا كذا وكذا وقال تعالى في كتابه ~~@QB@ إنك ميت وإنهم ميتون @QE@ فقال والله لكأني لم أسمع بها في كتاب الله ~~قبل الآن لما نزل بنا أشهد أن الكتاب كما أنزل وأن الحديث كما حدث وأن الله ~~حي لا يموت @QB@ إنا لله وإنا إليه راجعون @QE@ وصلوات الله على رسوله وعند ~~الله نحتسب رسوله صلى الله عليه وسلم ثم جلس إلى أبي بكر # وقالت عائشة رضي الله عنها لما اجتمعوا لغسله قالوا والله ما ندري كيف ~~نغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنجرده عن ثيابه كما نصنع بموتانا أو ~~نغسله في ثيابه قالت فأرسل الله عليهم النوم حتى ما بقي منهم رجل إلا واضع ~~لحيته على صدره نائما ثم قال قائل لا يدري من هو غسلوا رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم في ثيابه فانتبهوا ففعلوا ذلك فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~في قميصه حتى إذا فرغوا من غسله كفن # وقال علي كرم الله وجهه أردنا خلع قميصه فنودينا لا تخلعوا عن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ثيابه # فأقررناه فغسلناه في قميصه كما نغسل موتانا مستلقيا ما نشاء أن يقلب لنا ~~منه عضو لم يبالغ فيه إلا قلب لنا حتى نفرغ منه وإن معنا لحفيفا في البيت ~~كالريح الرخاء ويصوت بنا ارفقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنكم ~~ستكفون فهكذا كانت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يترك PageV04P475 ~~سبدا ولا لبدا إلا دفن معه # قال أبو جعفر فرش لحده بمفرشه وقطيفته وفرشت ثيابه عليها التي كان يلبس ~~يقظان على القطيفة والمفرش ثم وضع عليها في أكفانه فلم يترك بعد وفاته مالا ~~ولا نبي في حياته لبنة على لبنة ولا وضع قصبة على قصبة + حديث أبي جعفر فرش ~~لحده بمفرشه وقطيفته وفيه فلم يترك بعد وفاته مالا ولا بنى في حياته لبنة ~~على لبنة ولا وضع قصبة على قصبة أما وضع المفرشة والقطيفته فالذي وضع ~~القطيفة شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس ذكر ذلك من شرط ~~كتابنا وأما كونه لم يترك مالا فقد تقدم من حديث عائشة وغيرها وأما كونه ما ~~بنا في حياته فتقدم أيضا + ففي وفاته عبرة تامة وللمسلمين به أسوة حسنة ~~وفاة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه # لما احتضر أبو بكر رضي الله تعالى عنه جاءت عائشة رضي الله عنها فتمثلت ~~بهذا البيت لعمرك ما يغنى الثراء عن الفتى % إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر # فكشف عن وجهه وقال ليس كذا ولكن قولي @QB@ وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما ~~كنت منه تحيد @QE@ انظروا ثوبي هذين فاغسلوهما وكفنوني فيهما فإن الحي إلى ~~الجديد أحوج من الميت # وقالت عائشة رضي الله عنها عند موته # وأبيض يستسقى الغمام بوجهه % ربيع اليتامى عصمة للأرامل # فقال أبو بكر ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا عليه فقالوا ألا ~~ندعوا لك طبيبا ينظر إليك قال قد نظر إلى طبيبي وقال إني فعال لما أريد # ودخل عليه سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه يعوده فقال يا أبا بكر أوصنا ~~فقال إن الله فاتح عليكم الدنيا فلا تأخذن منها إلا بلاغك واعلم أن من صلى ~~صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا تخفرن الله في ذمته فيكبك في النار على ~~وجهك # ولما ثقل أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأراد الناس منه أن يستخلف فاستخلف ~~عمر رضي الله عنه فقال الناس له استخلفت علينا فظا غليظا فماذا تقول لربك ~~فقال أقول استخلفت على خلقك خير خلقك # ثم أرسل إلى عمر رضي الله عنه فجاء فقال إني موصيك بوصية اعلم إن لله حقا ~~في النهار لا يقبله في الليل وأن لله حقا في الليل لا يقبله في النهار وأنه ~~لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم يوم ~~القيامة باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا ~~الحق أن يثقل وإنما خفت موازين من خفت موزاينهم يوم القيامة باتباع الباطل ~~وخفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلاالباطل أن يخف وإن الله ذكر أهل ~~الجنة بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئاتهم فيقول القائل أنا دون هؤلاء ولا ~~أبلغ مبلغ صالح الذي عملوا فيقول القائل أنا أفضل من هؤلاء وإن الله ذكر ~~آية الرحمة وآية العذاب ليكون المؤمن راغبا راهبا ولا يلقى بيديه إلى ~~التهلكة ولا يتمنى على الله غير الحق # فإن حفظت وصيتي هذه فلا يكون غائب أحب إليك من الموت ولا بد لك منه وإن ~~ضيعت وصيتي فلا يكون غائب أبغض إليك من الموت ولا بد لك منه ولست بمعجزه # وقال سعيد بن المسيب لما احتضر أبو بكر رضي الله عنه أتاه ناس من الصحابة ~~فقالوا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم زودنا فإنا نراك لما بك # فقالوا أبو بكر من قال هؤلاء الكلمات ثم مات جعل الله روحه في الأفق ~~المبين قالوا وما الأفق المبين قال قاع بين يديالعرش فيه رياض الله وأنهار ~~وأشجار يغشاه كل يوم مائة PageV04P476 رحمة فمن قال هذا القول جعل الله ~~روحه في هذا المكان اللهم إنك ابتدأت الخلق من غير حاجة بك إليهم ثم جعلتهم ~~فريقين فريقا للنعيم وفريقا للسعير فاجعلني للنعيم ولا تجعلني للسعير اللهم ~~إنك خلقت الخلق فرقا وميزتهم قبل أن تخلقهم فجعلت منهم شقيا وسعيدا وغويا ~~ورشيدا فلا تشقني بمعاصيك # اللهم إنك علمت ما تكسب كل نفس قبل أن تخلقها فلا محيص لها مما علمت ~~فاجعلني ممن تستعمله بطاعتك اللهم إن أحدا لا يشاء حتى تشاء فاجعل مشيئتك ~~أن أشاء ما يقربني إليك # اللهم إنك قد قدرت حركات العباد فلا يتحرك شيء إلا بإذنك فاجعل حركاتي في ~~تقواك اللهم إنك خلقت الخير والشر وجعلت لكل واحد منهما عاملا يعمل به ~~فاجعلني من خير القسمين اللهم إنك خلقت الجنة والنار وجعلت لكل واحدة منهما ~~أهلا فاجعلني من سكان جنتك # اللهم إنك أردت بقوم الضلال وضيقت به صدورهم فاشرح صدري للإيمان وزينه في ~~قلبي اللهم إنك دبرت الأمور وجعلت مصيرها إليك فأحيني بعد الموت حياة طيبة ~~وقربني إليك زلفى اللهم من أصبح وأمسى ثقته ورجاؤه غيرك فأنت ثقتي ورجائي ~~ولا حول ولا قوة إلا بالله قال أبو بكر هذا كله في كتاب الله عز وجل وفاة ~~عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه # قال عم بن ميمون كنت قائما غداة أصيب عمر ما بيني وبينه إلا عبد الله بن ~~عباس وكان إذا مر بين الصفين قام بينهما فإذا رأى خللا قال استووا حتى إذا ~~لم ير فيهم خللا لا تقدم فكبر قال وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك ~~في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن أكبر فسمعته يقول قتلني أو ~~أكلني الكلب حين طعنه أبو لؤلؤة وطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد ~~يمينا أو شمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا فمات منهم تسعة وفي رواية ~~سبعة # فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا فلما ظن العلج أنه مأخوذ ~~نحر نفسه # وتناول عمر رضي الله تعالى عنه عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأما من كان يلي ~~عمر فقد رأى ما رأيت وأما نواحي المسجد ما يدرون ما الأمر غير أنهم فقدوا ~~صوت عمر وهم يقولون سبحان الله سبحان الله فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة ~~فلما انصرفوا قال يا ابن العباس انظر من قتلني قال فغاب ساعة ثم جاء فقال ~~غلام المغيرة بن شعبة فقال عمر رضي الله عنه قاتله الله لقد كنت أمرت به ~~معروفا # ثم قال الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل مسلم قد كنت أنت وأبوك ~~تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة وكان العباس أكثرهم رقيقا فقال ابن عباس إن ~~شئت فعلت أي إن شئت قتلناهم قال بعدما تكلموا بلسانكم وصلوا إلى قبلتكم ~~وحجوا حجكم فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه قال وكأن الناس لم تصبهم مصيبة ~~قبل يومئذ قال فقائل يقول أخاف عليه وقائل يقول لا بأس # فأتى بنبيذ فشرب منه فخرج من جوفه ثم أتى بلبن فشرب منه فخرج من جوفه ~~فعرفوا أنه ميت # قال فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه وجاء رجل شاب فقال أبشر يا أمير ~~المؤمنين ببشرى من الله عز وجل قد كان لك صحبة من رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وقدم في الإسلام ما قد علمت ثم وليت فعدلت ثم شهادة فقال وددت أن ذلك ~~كان كفافا لا على ولا لي # فلما أدبر الرجل إذا إزاره يمس الأرض فقال ردوا على الغلام فقال يا ابن ~~أخي أرفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك # ثم قال يا عبد الله انظر ما على من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا ~~أو نحوه فقال إن وفي به مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فسل في بني عدي بن ~~كعب فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم وأد عني هذا المال ~~وانطلق إلى أم المؤمنين عائشة فقل PageV04P477 عمر يقرأ عليك السلام ولا ~~تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل يستأذن عمر بن الخطاب ~~أن يدفن مع صاحبيه # فذهب عبد الله فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ ~~عليك عمر ابن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أريده ~~لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي فلما اقبل قيل هذا عبد الله بن عمر قد جاء ~~فقال ارفعوني فأسنده رجل إليه فقال ما لديك قال الذي تحب يا أمير المؤمنين ~~قد أذنت قال الحمد لله ما كان شيء أهم إلى من ذلك فإذا أنا قبضت فاحملوني ~~ثم سلم وقل يستأذن عمر فإن أذنت لي فأدخلوني وإن ردتني ردوني إلى مقابر ~~المسلمين # وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء يسترنها فلما رأيناها قمنا فولجت عليه ~~فكبت عنده ساعة واستأذن الرجال فولجت داخلا فسمعنا بكاءها من داخل فقالوا ~~أوص يا أمير المؤمنين واستخلف فقال ما أرى أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر ~~الذين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فسمى عليا وعثمان ~~والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن وقال يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من ~~الأمر شيء كهيئة التعزية له فإن أصابت الإمارة سعدا فذاك وإلا فليستعن به ~~أيكم أمر فإني لم اعز له من عجز ولا خيانة # وقال أوصى الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم فضلهم وبحفظ ~~لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم أن ~~يقبل من محسنهم وأن يعفو عن مسيئهم وأوصيه بأهل الأمصار خيرا فإنهم ردء ~~الإسلام وجباة الأموال وغيظ العدو وأن لا يأخذ منهم إلا فضلهم عن رضا منهم ~~وأوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام وأن يأخذ من حواشي ~~أموالهم ويرد على فقرائهم وأوصيه بذمة الله عز وجل وذمة رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل لهم من وراءهم ولا يكلفهم إلا ~~طاقتهم قال فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي فسلم عبد الله بن عمر وقال ~~يستأذن عمر بن الخطاب فقالت أدخلوه فأدخلوه في موضع هنالك مع صاحبيه الحديث # وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال لي جبريل عليه السلام ليبك الإسلام ~~على موت عمر + حديث قال لي جبريل عليه السلام لبيك الإسلام على موت عمر ~~أخرجه أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة من حديث أبي بن كعب بسند ضعيف جدا ~~وذكره ابن الجوزي في الموضوعات + وعن ابن عباس قال وضع عمر على سريره ~~فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم فلم يرعني إلا رجل قد أخذ ~~بمنكبي فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه فترحم على عمر وقال ما ~~خلفت أحد أحب إلى أن ألقى الله بمثل عمله منك وأيم الله إن كنت لأظن ~~ليجعلنك الله مع صاحبيك وذلك أني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم ~~يقول ذهبت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر ~~وعمر + حديث ابن عباس قال وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون ~~فذكر قول علي بن أبي طالب كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ~~ذهبت أنا وأبو بكر وعمر الحديث متفق عليه فإني كنت لأرجو أن لأظن أن يجعلك ~~الله معهما وفاة عثمان رضي الله عنه # الحديث في قتله مشهور # وقد قال عبد الله بن سلام أتيت أخي عثمان لأسلم عليه وهو محصور فدخلت ~~عليه فقال مرحبا يا أخي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في هذه ~~الخوخة وهي خوخة في البيت فقال يا عثمان حصروك قلت نعم قال عطشوك قلت نعم ~~فأدلى إلى دلوا فيه ماء فشربت حتى رويت حتى PageV04P478 إني لأجد برده بين ~~ثديي وبين كتفي وقال لي إن شئت نصرت عليهم وإن شئت أفطرت عندنا فاخترت أن ~~أفطر عنده فقتل ذلك اليوم رضي الله عنه وقال عبد الله بن سلام لمن حضر تشحط ~~عثمان في الموت حين جرح ماذا قال عثمان وهو يتشحط قالوا سمعناه يقول اللهم ~~اجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثا قال والذي نفسي بيده لو دعا الله ~~أن لا يجتمعوا أبدا ما اجتمعوا إلى يوم القيامة # وعن ثمامة بن حزن القشيري قال شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان رضي الله ~~عنه فقال ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم على قال فجيء بهما كأنما هما حملان ~~أو حماران فأشرف عليهم عثمان رضي الله عنه فقال أنشدكم بالله والإسلام هل ~~تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب ~~غير بئر رومة فقال من يشترى رومة يجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها ~~في الجنة فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني ان أشرب منها ومن ماء ~~البحر قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله والإسلام هل تعلمون أنى جهزت جيش ~~العسرة من مالي قالوا نعم أنشدكم الله والإسلام هل تعلمون أن المسجد كان ~~ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشترى بقعة آل فلان ~~فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالى فأنتم اليوم ~~تمنعونى أن أصلى فيها ركعتين قالوا اللهم نعم قالوا أنشدكم الله والإسلام ~~هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير بمكة ومعه أبو بكر ~~وعمر وأنا فتحرك الجبل حتى تساقط حجارته بالحضيض قال فركضه برجله وقال أسكن ~~ثبير فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان قالوا اللهم نعم قال الله أكبر شهدوا ~~لي ورب الكعبة أني شهيد + حديث ثمامه بن حزن الفشيري شهدت الدارحين أشرف ~~عليهم عثمان الحديث أخرجه الترمذي وقال حسن والنسائي + وروى عن شيخ من ضبة ~~أن عثمان حين ضرب والدماء تسيل على لحيته جعل يقول @QB@ لا إله إلا أنت ~~سبحانك إني كنت من الظالمين @QE@ اللهم إني أستعديك عليهم وأستعينك على ~~جميع أموري وأسألك الصبر على ما ابتليتني وفاة على كرم الله وجهه # قال الأصبغ الحنظلي لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي كرم الله وجهه ~~اتاه ابن التياح حين طلع الفجر يؤذنه بالصلاة وهو مضطجع متثاقل فعاد ~~الثانية وهو كذلك ثم عاد الثالثة فقام علي يمشي وهو يقول # اشدد حيازيمك للموت % فإن الموت لافيكا # ولا تجزع من الموت % إذا حل بواديكا # فلما بلغ الباب الصغير شد عليه ابن ملجم فضربه # فخرجت أم كلثوم أبنة علي رضى الله وعنه فجعلت تقول مالي ولصلاة الغداة ~~قتل زوجي أمير المؤمنين صلاة الغداة وقتل أبي صلاة # الغداة وعن شيخ من قريش أن عليا كرم الله وجهه لما ضربه ابن ملجم قال فزت ~~ورب الكعبة # وعن محمد بن على أنه لما ضرب أوصى بنيه ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله ~~حتى قبض # ولما ثقل الحسن بن علي رضي الله عنهما دخل عليه الحسين رضي الله عنه فقال ~~يا أخي لأي شيء تجزع تقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى علي بن ~~أبي طالب وهما أبواك وعلى خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وهما أماك وعلى ~~حمزة وجعفر وهما عماك قال يا أخي أقدم على أمر لم أقدم على مثله # وعن محمد بن الحسن رضي الله عنهما قال لما نزل القوم بالحسين رضي الله ~~عنه وأيقن أنهم قاتلوه قام في أصحابه خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال قد ~~نزل من الأمر ما ترون وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر PageV04P479 ~~معروفها وانشمرت حتى لم يبق منها إلا كصبابة الإناء ألا حسبي من عيش ~~كالمرعي الوبيل ألا ترون الحق لا يعمل به والباطل لا ينتاهي عنه ليرغب ~~الؤمن في لقاء الله تعالى وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين ~~إلا جرما # | الباب الخامس في كلام المحتضرين من الخلفاء والأمراء والصالحين # لما حضرت معاوية بن أبي سفيان الوفاة قال أقعدوني فأقعد فجعل يسبح الله ~~تعالى ويذكره ثم بكى وقال تذكر ربك يا معاوية بعد الهرم والانحطاط إلا كان ~~هذا وغصن الشباب نضر ريان وبكى حتى علا بكاؤه وقال يا رب أرحم الشيخ العاصي ~~ذا القلب القاسي اللهم أقل العثرة واغفر الزلة وعد بحلمك على من لا يرجو ~~غيرك ولم يثق بأحد سواك # وروى عن شيخ من قريش انه دخل مع جماعة عليه في مرضه فرأوا في جلده غضونا ~~فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فهل الدنيا أجمع إلا ما جربنا ورأينا ~~أما والله لقد استقبلنا زهرتها بجدتنا وباستلذاذنا بعيشنا فما لبثتنا ~~الدنيا أن نقضت ذلك منا حالا بعد حال وعروة بعد عروة فأصبحت الدنيا وقد ~~وترتنا وأخلفتنا واستلأمت إلينا أف للدنيا من دار ثم أف لها من دار # ويروى أن آخر خطبة خطبها معاوية أن قال أيها الناس إني من زرع قد استحصد ~~وإني وليتكم ولن يليكم أحد من بعدي إلا وهو شر مني كما كان من قبلي خيرا ~~مني ويا يزيد إذا وفى أجلي فول غسلي رجلا لبيبا فإن اللبيب من الله بمكان ~~فلينعم الغسل وليجهر بالتكبير ثم اعمد إلى منديل في الخزانة فيه ثوب من ~~ثياب النبي صلى الله عليه وسلم وقراضة من شعره وأظفاره فاستودع القراضة ~~أنفي وفمي وأذني وعيني واجعل الثوب على جلدي دون أكفاني ويا يزيد احفظ وصية ~~الله في الوالدين فإذا أدرجتموني في جديدي ووضعتموني في حفرتي فخلوا معاوية ~~وأرحم الراحمين وقال محمد بن عقبة لما نزل بمعاوية الموت قال يا ليتني كنت ~~رجلا من قريش بذي طوى وإني لم أل من هذا الأمر شيئا # ولما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة نظر إلى غسال بجانب دمشق يلوي ثوبا ~~بيده ثم يضرب به المغسلة فقال عبد الملك ليتني كنت غسالا آكل من كسب يدي ~~يوما بيوم ولم أل من أمر الدنيا شيئا فبلغ ذلك أبا حازم فقال الحمد لله ~~الذي جعلهم إذا حضرهم الموت يتمنون ما نحن فيه وإذا حضرنا الموت لم نتمن ما ~~هم فيه # وقيل لعبد الملك بن مروان في مرضه الذي مات فيه كيف تجدك يا أمير ~~المؤمنين قال أجدني كما قال الله تعالى @QB@ ولقد جئتمونا فرادى كما ~~خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم @QE@ الآية ومات # وقالت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان امرأة عمر بن عبد العزيز كنت أسمع ~~عمر في مرضه الذي مات فيه يقول اللهم أخف عليهم موتي ولو ساعة من نهار فلما ~~كان اليوم الذي قبض فيه خرجت من عنده فجلست في بيت آخر بيني وبينه باب وهو ~~في قبة له فسمعته يقول @QB@ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا ~~في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين @QE@ ثم هدا فجعلت لا أسمع حركة ولا ~~كلاما فقلت لوصيف له انظر أنائم هو فلما دخل صاح فوثبت فإذا هو ميت # وقيل له لما حضره الموت أعهد يا أمير المؤمنين قال احذركم مثل مصرعي هذا ~~فإنه لا بد لكم منه وروى أنه لما ثقل عمر بن عبد العزيز دعى له طبيب فلما ~~نظر إليه قال أرى الرجل قد سقى السم ولا آمن عليه الموت فرفع عمر بصره وقال ~~ولا تأمن الموت أيضا على من لم يسق السم قال الطبيب هل أحسست بذلك يا أمير ~~المؤمنين قال نعم قد عرفت ذلك حين وقع في بطني قال فتعالج يا أمير المؤمنين ~~فإني أخاف أن تذهب نفسك قال ربي خير مذهوب إليه والله لو علمت أن شفائي عند ~~شحمة أذنى PageV04P480 ما رفعت يدي إلى أذنى فتناولته # اللهم خر لعمر في لقائك فلم يلبث إلا أياما حتى مات وقيل لما حضرته ~~الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك يا أمير المؤمنين أبشر فقد أحيا الله بك سننا ~~وأظهر بك عدلا فبكى ثم قال أليس أوقف فأسئل عن أمر هذا الخلق فوالله لو ~~عدلت فيهم لخفت على نفسي أن لا تقوم بحجتها بين يدي الله إلا أن يلقنها ~~الله حجتها فكيف بكثير مما ضيعنا وفاضت عيناه فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات ~~ولما قرب وقت موته قال أجلسوني فأجلسوه فقال أنا الذي امرتني فقصرت ونهيتني ~~فعصيت ثلاث مرات ولكن لا إله إلا الله ثم رفع رأسه فأحد النظر فقيل له في ~~ذلك فقال إني لأرى خضرة ما هم بإنس ولا جن ثم قبض رحمه الله # وحكى عن هرون الرشيد أنه انتقى أكفانه بيده عند الموت وكان ينظر إليها ~~ويقول @QB@ ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه @QE@ # وفرش المأمون رمادا واضطجع عليه وكان يقول يا من لا يزول ملكه ارحم من قد ~~زال ملكه وكان المعتصم يقول عند موته لو علمت ان عمري هكذا قصير ما فعلت # وكان المنتصر يضطرب على نفسه عند موته فقيل له لا بأس عليك يا أمير ~~المؤمنين فقال ليس إلا هذا لقد ذهبت الدنيا واقبلت الآخرة # وقال عمرو بن العاص عند الوفاة وقد نظر إلى صناديق لبنيه من يأخذها بما ~~فيها ليته كان بعرا # وقال الحجاج عند موته اللهم أغفر لي فإن الناس يقولون إنك لا تغفر لي # فكان عمر بن عبد العزيز تعجبه هذه الكلمة منه ويغبطه عليها ولما حكى ذلك ~~للحسن قال أقالها قيل نعم قال عسى # | بيان أقاويل جماعة من خصوص الصالحين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من # أهل التصوف رضي الله عنهمم أجمعين # لما حضرت معاذا رضي الله عنه الوفاة قال اللهم إني قد كنت أخافك وأنا ~~اليوم ارجوك اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجرى ~~الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة ~~العلماء بالركب عند حلق الذكر ولما اشتد به النزع ونزع نزعا لم ينزعه أحد ~~كان كلما أفاق من غمرة فتح طرفه ثم قال رب ما أخنقني خنقك فوعزتك إنك تعلم ~~أن قلبي يحبك # ولما حضرت سلمان الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك قال ما أبكى جزعا على ~~الدنيا ولكن عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون بلغة أحدنا من ~~الدنيا كزاد الراكب + حديث لما حضرت سلمان الوفاة بكى وفيه عهد إلينا رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بلغة أحدنا من الدنيا كزاد الراكب أخرجه ~~أحمد والحاكم وصححه وقد تقدم + فلما مات سلمان نظر في جميع ما ترك فإذا ~~قيمته بضعة عشر درهما # ولما حضرت بلالا الوفاة قالت امرأته واحزناه فقال بل واطرباه غدا نلقى ~~الأحبة محمدا وحزبه # وقيل فتح عبد الله بن المبارك عينه عند الوفاة وضحك وقال @QB@ لمثل هذا ~~فليعمل العاملون @QE@ # ولما حضرت إبراهيم النخعي الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك قال انتظر من الله ~~رسولا يبشرني بالجنة أو بالنار ولما حضرت ابن المنكدر الوفاة بكى فقيل له ~~ما يبكيك فقال والله ما أبكى لذنب أعلم أني أتيته ولكن PageV04P481 أخاف ~~أني أتيت شيئا حسبته هينا وهو عند الله عظيم # ولما حضرت عامر بن عبد القيس الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك قال ما أبكى ~~جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ولكن ابكي على ما يفوتني من ظمأ الهواجر ~~وعلى قيام الليل في الشتاء ولما حضرت فضيلا الوفاة غشي عليه ثم فتح عينيه ~~وقال وابعد سفراه واقلة زاده # ولما حضرت ابن المبارك الوفاة قال لنصر مولاه # اجعل رأسي على التراب فبكى نصر فقال له ما يبكيك قال ذكرت ما كنت فيه من ~~النعيم وأنت هو ذا تموت فقيرا غريبا قال اسكت فإني سألت الله تعالى أن ~~يحييني حياة الأغنياء وأن يميتني موت الفقراء ثم قال له لقنى ولا تعد علي ~~ما لم أتكلم بكلام ثان # وقال عطاء بن يسار تبدى إبليس لرجل عند الموت فقال له نجوت فقال ما آمنك ~~بعد # وبكى بعضهم عند الموت فقيل له ما يبكيك آية في كتاب الله تعالى قوله عز ~~وجل @QB@ إنما يتقبل الله من المتقين @QE@ ودخل الحسن رضي الله عنه على رجل ~~يجود بنفسه فقال إن أمرا هذا أوله لجدير أن يتقي آخره وإن أمرا هذا آخره ~~لجدير أن يزهد في أوله وقال الجريري كنت عند الجنيد في حال نزعه وكان يوم ~~الجمعة ويوم النيروز وهو يقرأ القرآن فختم فقلت له في الحالة يا أبا القاسم ~~فقال ومن أولى بذلك مني وهو ذا تطوى صحيفتى وقال رويم حضرت وفاة أبي سعيد ~~الخراز وهو يقول حنين قلوب العارفين إلى الذكر % وتذكارهم وقت المناجاة ~~للسر # أديرت كؤوس للمنايا عليهم % فأغفوا عن الدنيا كإغفاء ذي الشكر # همومهم جوالة بمعسكر % به أهل ود الله كالأنجم الزهر # فأجسامهم في الأرض قتلى بحبه % وأرواحهم في الحجب نحو العلا تسري # فما عرسوا إلا بقرب حبيبهم % وما عرجوا من مس بؤس ولا ضر # وقيل للجنيد إن أبا سعيد الخزاز كان كثير التواجد عند الموت فقال لم يكن ~~بعجب أن تطير روحه اشتياقا # وقيل لذي النون عند موته ما تشتهي قال أن أعرفه قبل موتي بلحظة # وقيل لبعضهم وهو في النزع قل الله فقال إلى متى تقولون الله وأنا محترق ~~بالله # وقال بعضهم كنت عند ممشاد الدينوري فقدم فقيرا وقال السلام عليكم هل هنا ~~موضع نظيف يمكن الإنسان أن يموت فيه قال فأشاروا إليه بمكان وكان ثم عين ~~ماء فجدد الفقير الوضوء وركع ما شاء الله ومضى إلى ذلك المكان ومد رجليه ~~ومات وكان أبو عباس الدينوري يتكلم في مجلسه فصاحت امرأة تواجدا فقال لها ~~موتى فقامت المرأة فلما بلغت الدار التفتت إليه وقالت قد مت ووقعت ميتة # ويحكى عن فاطمة أخت أبي علي الروذباري قالت لما قرب أجل أبي علي ~~الروذباري وكان رأسه في حجري فتح عينيه وقال هذه أبواب السماء قد فتحت وهذه ~~الجنان قد زينت وهذا قائل يقول يا أبا علي قد بلغناك الرتبة القصوى وإن لم ~~تردها ثم أنشا يقول # وحقك لا نظرت إلى سواكا % بعين مودة حتى أراكا # أراك معذبي بفتور لحظ % وبالخد المورد من حياكا # وقيل للجنيد قل لا إله إلا الله فقال ما نسيته فأذكره وسأل جعفر بن نصير ~~بكران أن الدينوري خادم الشبلي ما الذي رأيت منه فقال قال على درهم مظلمة ~~وتصدقت عن صاحبه بألوف فما على قلبي شغل أعظم منه ثم PageV04P482 قال وضئني ~~للصلاة ففعلت فنسيت تخليل لحيته وقد أمسك على لسانه فقبض على يدي وأدخلها ~~في لحيته ثم مات فبكى جعفر وقال ما تقولون في رجل لم يفته في آخر عمره أدب ~~من آداب الشريعة وقيل لبشر بن الحارث لما احتضر وكان يشق عليه كأنك تحب ~~الحياة فقال القدوم على الله شديد # وقيل لصالح بن مسمار ألا توصي بابنك وعيالك فقال إني لأستحي من الله أن ~~أوصي بهم إلى غيره ولما احتضر أبو سليمان الداراني أتاه أصحابه فقالوا أبشر ~~فإنك تقدم على رب غفور رحيم فقال لهم ألا تقولون احذر فإنك تقدم على رب ~~يحاسبك بالصغير ويعاقبك بالكبير ولما احتضر أبو بكر الواسطي قيل له أوصنا ~~فقال احفظوا مراد الحق فيكم واحتضر بعضهم فبكت امرأته فقال لها ما يبكيك ~~فقالت عليك أبكي فقال إن كنت باكية فابكي على نفسك فلقد بكيت لهذا اليوم ~~أربعين سنة # وقال الجنيد دخلت على سري السقطي أعوده في مرض موته فقلت كيف تجدك فأنشأ ~~يقول # كيف أشكو إلى طبيبي ما بي % والذي بي أصابني من طبيبي # فأخذت المروحة لأروحه فقال كيف ريح المروحة يجد من جوفه يحترق ثم أنشأ ~~يقول # القلب محترق والدمع مستبق % والكرب مجتمع والصبر مفترق # كيف القرار على من لا قرار له % مما جناه الهوى والشوق والقلق # يا رب إن يك شيء فيه لي فرج % فامنن على به ما دام بي رمق # وحكى أن قوما من أصحاب الشبلي دخلوا عليه وهو في الموت فقالوا له قل لا ~~إله إلا الله فأنشأ يقول # إن بيتا أنت ساكنه % غير محتاج إلى السرج # وجهك المأمول حجتنا % يوم يأتي الناس بالحجج # لا أتاح الله لي فرجا % يوم أدعو منك بالفرج # وحكى أن أبا العباس بن عطاء دخل على الجنيد في وقت نزعه فسلم عليه فلم ~~يجبه ثم أجاب بعد ساعة وقال أعذرني فإني كنت في وردى ثم ولى وجهه إلى ~~القبلة وكبر ومات # وقيل للكناني لما حضرته الوفاة ما كان عملك فقال لو لم يقرب أجلي ما ~~أخبرتكم به وقفت على باب قلبي أربعين سنة فكلما مر فيه غير الله حجبته عنه # وحكى عن المعتمر قال كنت فيمن حضر الحكم بن عبد الملك حين جاءه الحق فقلت ~~اللهم هون عليه سكرات الموت فإنه كان وكان فذكرت محاسنه فأفاق فقال من ~~المتكلم فقلت أنا فقال إن ملك الموت عليه السلام يقول لي إني بكل سخي رفيق ~~ثم طفئ # ولما حضرت يوسف بن أسباط الوفاة شهده حذيفة فوجده قلقا فقال يا أبا محمد ~~هذا أوان القلق والجزع فقال يا أبا عبد الله وكيف لا أقلق ولا أجزع وإني لا ~~أعلم أني صدقت الله في شيء من عملي فقال حذيفة واعجباه لهذا الرجل الصالح ~~يخلف عند موته أنه لا يعلم أنه صدق الله في شيء من عمله # وعن المغازلي قال دخلت على شيخ لي من أصحاب هذه الصفة وهو عليل وهو يقول ~~يمكنك أن تعمل ما تريد فارفق بي ودخل بعض المشايخ على ممشاد الدينوري في ~~وقت وفاته فقال له فعل الله تعالى وصنع من باب الدعاء فضحك ثم قال منذ ~~ثلاثين سنة تعرض على الجنة بما فيها فما أعرتها طرفي # وقيل لرويم عند الموت قل لا إله إلا الله فقال لا أحسن غيره # ولما حضرت الثوري الوفاة قيل له قل لا إله إلا الله فقال أليس ثم أمر ~~ودخل المزني على الشافعي رحمة الله عليهما في مرضه الذي توفي فيه فقال له ~~كيف أصبحت PageV04P483 يا أبا عبد الله فقال أصبحت من الدنيا راحلا ~~وللإخوان مفارقا ولسوء عملي ملاقيا ولكأس المنية شاربا وعلى الله تعالى ~~واردا ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها ثم أنشأ ~~يقول # ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي % جعلت رجائي نحو عفوك سلما # تعاظمني ذنبي فلما قرنته % بعفوك ربي كان عفوك أعظما # فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل % تجود وتعفو منة وتكرما # ولولاك لم يغوي بإبليس عابد % فكيف وقد أغوى صفيك آدما # ولما حضرت أحمد بن خضروية الوفاة سئل عن مسئلة فدمعت عيناه وقال يا بني ~~باب كنت أدقه خمسا وتسعين سنة هو ذا يفتح الساعة لي لا أدري أيفتح بالسعادة ~~أو الشقاوة فآن لي أوان الجواب # فهذه أقاويلهم وإنما اختلفت بحسب اختلاف أحوالهم فغلب على بعضهم الخوف ~~وعلى بعضهم الرجاء وعلى بعضهم الشوق والحب فتكلم كل واحد منهم على مقتضى ~~حاله والكل صحيح بالإضافة إلى أحوالهم # | الباب السادس في أقاويل العارفين على الجنائز والمقابر وحكم زيارة # القبور # أعلم أن الجنائز عبرة للبصير وفيها تنبيه وتذكير لأهل الغفلة فإنها لا ~~تزيدهم مشاهدتها إلا قساوة لأنهم يظنون أنهم أبدا إلى جنازة غيرهم ينظرون ~~ولا يحسبون أنهم لا محالة على الجنائز يحملون أو يحسبون ذلك ولكنهم على ~~القرب لا يقدرون ولا يتفكرون أن المحمولين على الجنائز هكذا كانوا يحسبون ~~فبطل حسبانهم وأنقرض على القرب زمانهم فلا ينظر عبد إلى جنازة إلا ويقدر ~~نفسه محمولا عليها فإنه محمول عليها على القرب وكأن قد ولعله في غد أو بعد ~~غد # ويروى عن أبي هريرة أنه كان إذا رأى جنازة قال امضوا فإنا على الأثر # وكان مكحول الدمشقي إذا رأى جنازة قال أغدوا فإنا رائحون # موعظة بليغة وغفلة سريعة يذهب الأول والآخر لا عقل له # وقال أسيد بن حضير ما شهدت جنازة فحدثتني نفسي بشيء سوى ما هو مفعول به ~~وما هو صائر إليه # ولما مات اخو مالك بن دينار خرج مالك في جنازته يبكي ويقول والله لا تقر ~~عيني حتى أعلم إلى ماذا صرت إليه ولا أعلم ما دمت حيا # وقال الأعمش كنا نشهد الجنائز فلا ندري من نعزى لحزن الجميع # وقال ثابت البناني كنا نشهد الجنائز فلا نرى إلا متقنعا باكيا # فهكذا كان خوفهم من الموت # والآن لا ننظر إلى جماعة يحضرون جنازة إلا وأكثرهم يضحكون ويلهون ولا ~~يتكلمون إلا في ميراثه وما خلفه لورثته ولا يتفكر أقرانه وأقاربه إلا في ~~الحيلة التي بها يتناول بعض ما خلفه ولا يتفكر واحد منهم إلا ما شاء الله ~~في جنازة نفسه وفي حاله إذا حمل عليها ولا سبب لهذه الغفلة إلا قسوة القلوب ~~بكثرة المعاصي والذنوب حتى نسينا الله تعالى واليوم الآخر والأهوال التي ~~بين أيدينا فصرنا نلهو ونغفل ونشتغل بما لا يعنينا # فنسأل الله تعالى اليقظة من هذه الغفلة فإن أحسن أحوال الحاضرين على ~~الجنائز بكاؤهم على الميت ولو عقلوا لبكوا على أنفسهم لا على الميت # نظر إبراهيم الزيات إلى إناس يترحمون على الميت فقال لو ترحمون على ~~أنفسكم لكان خيرا لكم إنه نجا من أهوال ثلاثة وجه ملك الموت وقد رأى ومرارة ~~الموت وقد ذاق وخوف الخاتمة وقد أمن # وقال أبو عمرو بن العلاء جلست إلى جرير وهو يملي على كاتبه شعرا فأطلعت ~~جنازة فأمسك وقال شيبتي والله هذه الجنائز # وأنشأ يقول # تروعنا الجنائز مقبلات % ونلهو حين تذهب مدبرات PageV04P484 # كروعة ثلة لمغار ذئب % فلما غاب عادت راتعات # فمن آداب حضور الجنائز التفكر والتنبه والاستعداد والمشي أمامها على هيئة ~~التواضع كما ذكرنا آدابه وسننه في فن الفقه ومن آدابه حسن الظن بالميت وإن ~~كان فاسقا وإساءة الظن بالنفس وإن كان ظاهرها الصلاح فإن الخاتمة مخطرة لا ~~تدري حقيقتها # ولذلك روى عن عمر بن ذر أنه مات واحد من جيرانه وكان مسرفا على نفسه ~~فتجافى كثير من الناس عن جنازته فحضرها هو وصلى عليها فلما دلى في قبره وقف ~~على قبره وقال يرحمك الله يا أبا فلان فلقد صحبت عمرك بالتوحيد وعفرت وجهك ~~بالسجود وإن قالوا مذنب وذو خطايا فمن منا غير مذنب وغير ذي خطايا ويحكى أن ~~رجلا من المنهمكين في الفساد مات في بعض نواحي البصرة فلم تجد امرأته من ~~يعينها على مل جنازته إذ لم يدر بها أحد من جيرانه لكثرة فسقه فاستأجرت ~~حمالين وحملتها إلى المصلى فما صلى عليه أحد فحملتها إلى الصحراء للدفن ~~فكان على جبل قريب من الموضع زاهد من الزهاد الكبار فرأته كالمنتظر للجنازة ~~ثم قصد أن يصلي عليها فانتشر الخبر في البلد بأن الزاهد نزل ليصلي على فلان ~~فخرج أهل البلد فصلى الزاهد وصلوا عليه وتعجب الناس من صلاة الزاهد عليه ~~فقال قيل لي في المنام انزل إلى موضع فلان ترى فيه جنازة ليس معها أحد إلا ~~امرأة فصل عليه فإنه مغفور له فزاد تعجب الناس فاستدعى الزاهد امرأته ~~وسألها عن حاله وأنه كيف كانت سيرته قالت كما عرف كان طول نهاره في الماخور ~~مشغولا بشرب الخمر فقال انظري هل تعرفين منه شيئا من أعمال الخير قالت نعم ~~ثلاثة أشياء كان كل يوم يفيق من سكره وقت الصبح يبدل ثيابه ويتوضأ ويصلي ~~الصبح في جماعة ثم يعود إلى الماخور ويشتغل بالفسق والثاني أنه كان أبدا لا ~~يخلو بيته من يتيم أو يتيمين وكان إحسانه إليهم أكثر من إحسانه إلى أولاده ~~وكان شديد التفقد لهم # والثالث أنه كان يفيق في أثناء سكره في ظلام الليل فيبكي ويقول يا رب أي ~~زاوية من زوايا جهنم تريد أن تملأها بهذا الخبيث يعني نفسه # فانصرف الزاهد وقد ارتفع إشكاله من أمره # وعن صلة بن أشيم وقد دفن أخ له فقال على قبره # فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة % وإلا فإني لا أخالك ناجيا # | بيان حال القبر وأقاويلهم عند القبور # قال الضحاك قال رجل يا رسول الله من أزهد الناس قال من لم ينس القبر ~~والبلى وترك فضل زينة الدنيا وآثر ما يبقى على ما يفنى ولم يعد غدا من ~~أيامه وعد نفسه من أهل القبور + حديث الضحاك قال رجل يارسول الله من أزهد ~~الناس قال من لم ينس القبور واللى الحديث تقدم + وقيل لعلي كرم الله وجهه ~~ما شأنك جاورت المقبرة قال إني أجدهم خير جيران أجدهم جيران صدق يكفون ~~الألسنة ويذكرون الآخرة # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه + ~~حديث ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه تقدم في الباب الثالث من آداب ~~الصحبة + وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرجنا مع رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إلى المقابر فجلس إلى قبر وكنت أدنى القوم منه # فبكى وبكيت وبكوا فقال ما يبكيكم قلنا بكينا لبكائك قال هذا قبر أمي آمنة ~~بنت وهب استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي فاستأذنته أن استغفر لها فأبى علي ~~فادركني ما يدرك الولد من الرقة + حديث عمر خرجنا مع رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إلى المقابر فجلس على قبر وكنت أدنى القوم الحديث وفيه هذا قبر ~~آمنة بنت وهب أستأذنت ربي في زيارتها فأذن لى وتقدم في آداب الصحبة أيضا ~~ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور من حديث ابن مسعود وفيه ذكر لعمر بن ~~الخطاب وآخره عند بن ماجة مختصرا وفيه أيوب بن هانىء ضعفه ابن معين وقال ~~أبو حاتم صالح + وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى ~~يبل لحيته PageV04P485 فسئل عن ذلك وقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي ~~وتبكى إذا وقفت على قبر فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن ~~القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج ~~منه فما بعده أشد + حديث عثمان كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته وفيه ~~أن القبر أول منازل الآخرة أخرجه الترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم وصححه ~~وتقدم في أداب الصحبة + وقيل إن عمرو بن العاص نظر إلى المقبرة فنزل وصلى ~~ركعتين فقيل له هذا شيء لم تكن تصنعه فقال ذكرت أهل القبور وما حيل بينهم ~~وبينه فأحببت أن أتقرب إلى الله بهما # وقال مجاهد أول ما يكلم ابن آدم حفرته فتقول أنا بيت الدود وبيت الوحدة ~~وبيت الغربة وبيت الظلمة هذا ما أعددت لك فما اعددت لي وقال أبو ذر ألا ~~أخبركم بيوم فقري يوم أوضع في قبري # وكان أبو الدرداء يقعد إلى القبور فقيل له في ذلك فقال أجلس إلى قوم ~~يذكروني معادي وإذا قمت لم يغتابوني # وكان جعفر بن محمد يأتي القبور ليلا ويقول يا أهل القبور مالي إذا دعوتكم ~~لا تجيبوني ثم يقول حيل والله بينهم وبين جوابي وكأن بي أكون مثلهم ثم ~~يستقبل الصلاة إلى طلوع الفجر # وقال عمر بن عبد العزيز لبعض جلسائه يا فلان لقد أرقت الليلة أتفكر في ~~القبر وساكنه وإنك لو رأيت الميت بعد ثلاثة في قبره لاستوحشت من قربه بعد ~~طول الأنس منك به ولرأيت بيتا تجول فيه الهوام ويجري فيه الصديد وتخترقه ~~الديدان مع تغير الريح وبلى الأكفان بعد حسن الهيئة وطيب الريح ونقاء الثوب ~~قال ثم شهق شهقة خر مغشيا عليه # وكان يزيد الرقاشي يقول أيها المقبور في حفرته والمتخلي في القبر بوحدته ~~المستأنس في بطن الأرض بأعماله ليت شعري بأي أعمالك استبشرت وبأي إخوانك ~~اغتبطت ثم يبكي حتى يبل عمامته ثم يقول استبشر والله بأعماله الصالحة ~~واغتبط والله بإخوانه المتعاونين على طاعة الله تعالى وكان إذا نظر إلى ~~القبور خار كما يخور الثور # وقال حاتم الأصم من مر بالمقابر فلم يتفكر لنفسه ولم يدع لهم فقد خان ~~نفسه وخانهم # وكان بكر العابد يقول يا أماه ليتك كنت بي عقيما إن لابنك في القبر حبسا ~~طويلا ومن بعد ذلك منه رحيلا # وقال يحيى بن من معاذ يا ابن آدم دعاك ربك إلى دار السلام فانظر من أين ~~تجيبه إن أجبته من دنياك واشتغلت بالرحلة إليه دخلتها وإن أجبته من قبرك ~~منعتها # وكان الحسن بن صالح إذا أشرف على المقابر يقول ما أحسن ظواهرك إنما ~~الدواهي في بواطنك وكان عطاء السلمي إذا جن عليه الليل خرج إلى المقبرة ثم ~~يقول يا أهل القبور متم فواموتاه وعاينتم أعمالكم فواعملاه ثم يقول غدا ~~عطاء في القبور فلا يزال ذلك دأبه حتى يصبح وقال سفيان من أكثر من ذكر ~~القبر وجده روضة من رياض الجنة ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار # وكان الربيع بن خيثم قد حفر في داره قبرا فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل ~~فيه فاضطجع ومكث ما شاء الله ثم يقول رب إرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ~~يرددها ثم يرد على نفسه يا ربيع قد رجعتك فاعمل # وقال أحمد بن حرب تتعجب الأرض من رجل يمهد مضجعه ويسوى فراشه للنوم فتقول ~~يا ابن آدم لم لا تذكر طول بلاك وما بيني وبينك شيء وقال ميمون بن مهران ~~خرجت مع عمر بن عبد العزيز إلى المقبرة فلما نظر إلى القبور بكى ثم أقبل ~~على فقال يا ميمون هذه قبور آبائي بني أمية كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في ~~لذاتهم وعيشهم أما تراهم صرعى قد حلت بهم المثلات واستحكم فيهم البلى ~~وأصابت الهوام مقيلا في أبدانهم ثم بكى وقال والله ما أعلم أحدا أنعم ممن ~~صار إلى هذه القبور وقد أمن من عذاب الله # وقال ثابت البناني دخلت المقابر فلما قصدت الخروج منها فإذا بصوت قائل ~~يقول يا ثابت لا يغرنك صموت أهلها فكم من نفس مغمومة فيها # ويروى أن فاطمة بنت الحسين نظرت إلى جنازة زوجها الحسن بن الحسن فغطت ~~وجهها وقالت PageV04P486 # وكانوا رجاء ثم أمسوا رزية % لقد عظمت تلك الرزايا وجلت # وقيل إنها ضربت على قبره فسطاطا واعتكفت عليه سنة # فلما مضت السنة قلعوا الفسطاط ودخلت المدينة فسمعوا صوتا من جانب البقيع ~~هل وجدوا ما فقدوا فسمعوا من الجانب الآخر بل يئسوا فانقلبوا # وقال أبو موسى التميمي توفيت امرأة الفرزدق فخرج في جنازتها وجوه البصرة ~~وفيهم الحسن فقال له الحسن يا أبا فراس ماذا أعددت لهذا اليوم فقال شهادة ~~أن لا إله إلا الله منذ ستين سنة فلما دفنت أقام الفرزدق على قبرها فقال # أخاف وراء القبر إن لم تعافني % أشد من القبر التهابا وأضيقا # إذا جاءني يوم القيامة قائد % عنيف وسواق يسوق الفرزدقا # لقد خاب من أولاد آدم من مشى % إلى النار مغلول القلادة أزرقا # وقد أنشدوا في أهل القبور قف بالقبور وقل على ساحاتها % من منكم المغمور ~~في ظلماتها ومن المكرم منكم في قعرها % قد ذاق برد الأمن من روعاتها # أما السكون لذي العيون فواحد % لا يستبين الفضل في درجاتها # لو جاوبوك لأخبروك بألسن % تصف الحقائق بعد من حالاتها # أما المطيع فنازل في روضة % يفضي إلى ما شاء من دوحاتها # والمجرم الطاغي بها متقلب % في حفرة يأوى إلى حياتها وعقارب تسعى إليه ~~فروحه % في شدة التعذيب من لدغاتها # ومر داود الطائي على امرأة تبكي على قبر وهي تقول # عدمت الحياة ولا نلتها % إذا كنت في القبر قد ألحدوكا # فكيف وأين أذوق لطعم الكرى % وأنت بيمناك قد وسدوكا # ثم قالت يا ابناه بأي خديك بدأ الدود فصعق داود مكانه وخر مغشيا عليه # وقال مالك بن دينار مررت بالمقبرة فأنشأت أقول # أتيت القبور فناديتها % فأين المعظم والمحتقر # وأين المدل بسلطانه % وأين المزكى إذا ما أفتخر # قال فنوديت من بينها أسمع صوتا ولا أرى شخصا وهو يقول # تفانوا جميعا فما مخبر % وماتوا جميعا ومات الخبر # تروح وتغدو بنات الثرى % فتمحو محاسن تلك الصور # فيا سائلي عن أناس مضوا % أما لك فيما ترى معتبر # قال فرجعت وأنا باك أبيات وجدت مكتوبة على القبور # وجد مكتوبا على قبر # تناجيك أجداث وهن صموت % وسكانها تحت التراب خفوت PageV04P487 # أيا جامع الدنيا لغير بلاغة % لمن تجمع الدنيا وأنت تموت ووجد على قبر ~~آخر مكتوبا # أيا غانم أما ذراك فواسع % وقبرك معمور الجوانب محكم # وما ينفع المقبور عمران قبره % إذا كان فيه جسمه يتهدم # وقال ابن السماك مررت على المقابر فإذا على قبر مكتوب # يمر أقاربي جنبات قبرى % كأن أقاربي لم يعرفوني # ذوو الميراث يقتسمون مالي % وما يألون أن جححدوا ديوني # وقد أخذوا سهامهم وعاشوا % فيالله أسرع ما نسوني # ووجد على قبر مكتوبا # إن الحبيب من الأحباب مختلس % لا يمنع الموت بواب ولا حرس # فكيف تفرح بالدنيا ولذتها % يا من يعد عليه اللفظ والنفس # أصبحت يا غافلا في النقص منغمسا % وأنت دهرك في اللذات منغمس لا يرحم ~~الموت ذا جهل لغرته % ولا الذي كان منه العلم يقتبس # كم أخرس الموت في قبر وقفت به % عن الجواب لسنا ما به خرس قد كان قصرك ~~معمورا له شرف % فقبرك اليوم في الأجداث مندرس # ووجد على قبر آخر مكتوبا # وقفت على الأحبة حين صفت % قبورهم كأفراس الرهان # فلما أن بكيت وفاض دمعي % رأت عيناي بينهم مكاني # ووجد على قبر طبيب مكتوبا # قد قلت لما قال لي قائل % صار لقمان إلى رمسه # فأين ما يوصف من طبه % وحذقه في الماء مع جسه # هيهات لا يدفع عن غيره % من كان لا يدفع عن نفسه # ووجد على قبر آخر مكتوبا # يا أيها الناس كان لي أمل % قصر بي عن بلوغه الأجل # فليتق الله ربه رجل % أمكنه في حياته العمل # ما أنا وحدي نقلت حيث ترى % كل إلى مثقله سينتقل # فهذه أبيات كتبت على قبور لتقصير سكانها عن الأعتبار قبل الموت # والبصير هو الذي ينظر إلى غيره فيرى مكانه بين أظهرهم فيستعد للحوق بهم ~~ويعلم أنهم لا يبرحون من مكانهم ما لم يلحق بهم وليتحقق أنه لو عرض عليهم ~~يوم من أيام عمره الذي هو مضيع له لكان ذلك أحب إليهم من الدنيا بحذافيرها ~~لأنهم عرفوا قدر الأعمار وانكشفت لهم حقائق الأمور فإنما حسرتهم على يوم من ~~العمر ليتدارك المقصر به تقصيره فيتخلص من العقاب وليستزيد الموفق به رتبته ~~فيتضاعف له الثواب فإنهم إنما عرفوا قدر العمر بعد انقطاعه فحسرتهم على ~~ساعة من الحياة وأنت PageV04P488 قادر على تلك الساعة ولعلك تقدر على ~~أمثالها ثم أنت مضيع لها فوطن نفسك على التحسر على تضييعهما عند خروج الأمر ~~من الاختيار إذا لم تأخذ نصيبك من ساعتك على سبيل الإبتدار فقد قال بعض ~~الصالحين رأيت أخا لي في الله فيما يرى النائم فقلت يا فلان عشت الحمد لله ~~رب العالمين قال لأن أقدر على أن أقولها يعني الحمد لله رب العالمين أحب ~~إلى من الدنيا وما فيها ثم قال ألم تر حيث كانوا يدفنونني فإن فلانا قد قام ~~فصلى ركعتين لأن أكون أقدر على أن أصليهما أحب إلي من الدنيا وما فيها # | بيان أقاويلهم عند موت الولد # حق على من مات ولده أو قريب من أقاربه أن ينزله في تقدمه عليه في الموت ~~منزلة ما لو كانا في سفر فسبقه الولد إلى البلد الذي هو مستقره ووطنه فإنه ~~لا يعظم عليه تأسفه لعلمه أنه لاحق به على القرب وليس بينهما إلا تقدم ~~وتأخر # وهكذا الموت فإن معناه السبق إلى الوطن إلى أن يلحق المتأخر وإذا اعتقد ~~هذا قل جزعه وحزنه لا سيما وقد ورد في موت الولد من الثواب ما يعزى به كل ~~مصاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أقدم سقطا أحب إلى من أن أخلف ~~مائة فارس كلهم يقاتل في سبيل الله + حديث لأن أقدم سقطا أحب إلى من أخلف ~~مائة فارس كلهم يقاتل في سبيل الله لم أجد فيه ذكر مائة فارس وروى بن ماجة ~~من حديث أبي هريرة لسقط أقدمه بين يدي أحب إلى من فارس أخافه خلفي + وإنما ~~ذكر السقط تنبيها بالأدنى على الأعلى وإلا فالثواب على قدر محل الولد من ~~القلب # وقال زيد بن أسلم توفي ابن لداود عليك السلام فحزن عليه حزنا شديدا فقيل ~~له ما كان عدله عندك قال ملء الأرض ذهبا قيل له فإن لك من الأجر في الآخرة ~~مثل ذلك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة ~~من الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جنة من النار فقالت امرأة عند رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم أو اثنان قال أو اثنان + حديث لا يموت لأحد من المسلمين ~~ثلاثة من الولد فيحتبسهم الحديث تقدم في النكاح + وليخلص الوالد الدعاء ~~لولده عند الموت فإنه أرجى دعاء وأقربه إلى الإجابة # وقف محمد بن سليمان على قبر ولده فقال اللهم إني أصبحت أرجوك له وأخافك ~~عليه فحقق رجائي وآمن خوفي # ووقف أبو سنان على قبر ولده فقال اللهم إني قد غفرت له ما وجب لي عليه ~~فاغفر له ما وجب لك عليه فإنك أجود وأكرم # ووقف أعرابي على قبر ابنه فقال اللهم إني قد وهبت له ما قصر فيه من بري ~~فهب له ما قصر فيه من طاعتك # ولما مات ذر بن عمر بن ذر قام أبوه عمر بن ذر بعد وضعه في لحده فقال يا ~~ذر لقد شغلنا الحزن لك عن الحزن عليك فليت شعري ماذا قلت وماذا قيل لك ثم ~~قال اللهم أن هذا ذر متعتني به ما متعتني ووفيته أجله ورزقه ولم تظلمه ~~اللهم وقد كنت ألزمته طاعتك وطاعتي اللهم ما وعدتني عليه من الأجر في ~~مصيبتي فقد وهبت له ذلك فهب لي عذابه ولا تعذبه # فأبكى الناس ثم قال عند انصرافه ما علينا بعدك من خصاصة يا ذر وما بنا ~~إلى إنسان مع الله حاجة فلقد مضينا وتركناك ولو أقمنا ما نفعناك ونظر رجل ~~إلى امرأة في البصرة فقال ما رأيت مثل هذه النضارة وما ذاك إلا من قلة ~~الحزن فقالت يا عبد الله أني لفي حزن ما يشركني فيه أحد قال فكيف قالت أن ~~زوجي ذبح شاة في يوم عيد الأضحى وكان لي صبيان مليحان يلعبان فقال أكبرهما ~~للآخر أتريد أن أريك كيف ذبح أبي الشاة قال نعم فأخذه وذبحه وما شعرنا به ~~إلا متشطحا في دمه فلما ارتفع الصراخ هرب الغلام فلجأ إلى جبل فرهقه ذئب ~~فأكله فخرج أبوه يطلبه فمات عطشا من شدة الحر قالت فأرداني الدهر كما ترى # فأمثال هذه المصائب ينبغي أن تتذكر عند موت الأولاد ليتسلى بها عن شدة ~~الجزع فما من مصيبة إلا ويتصور ما هو أعظم منها وما يدفعه الله في كل حال ~~فهو الأكثر PageV04P489 # | بيان زيارة القبور والدعاء للميت وما يتعلق به # زيارة القبور مستحبة على الجملة للتذكر والاعتبار وزيارة قبور الصالحين ~~لأجل التبرك مع الاعتبار وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ~~زيارة القبور ثم أذن في ذلك بعد + حديث نهيه عن زيارة القبور ثم أذنه في ~~ذلك أخرجه مسلم + روى عن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~أنه قال كنت نهيتكم عم زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة غير أن لا ~~تقولوا هجرا + حديث علي كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم ~~الآخرة غير أن لا تقولوا هجرا رواه أحمد + # وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه في ألف مقنع فلم ير باكيا ~~أكثر من يومئذ + حديث زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه في ألف ~~مقمع فلم ير باكيا أكثر من يومئذ أخرجه ابن أبي الدنيا + وفي هذا اليوم قال ~~أذن لي في الزيارة دون الاستغفار + حديث وقال في هذا اليوم أذن لي في ~~الزيارة دون الاستغفار + كما أوردنا من قبل # وقال ابن أبي مليكة أقبلت عائشة رضي الله عنها يوما من المقابر فقلت يا ~~أم المؤمنين من أين أقبلت قالت من قبر أخي عبد الرحمن فقلت أليس كان رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها قالت نعم ثم أمر بها + حديث ابن أبي ~~مليكة أقبلت عائشة يوما من المقابر فقلت يا أم المؤمنين من أين أقبلت قالت ~~من قبر أخي عبد الرحمن قلت أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها ~~قالت نعم ثم أمر بها أخرجه ابن أبي الدنيا في القبور بإسناد جيد + ولا ~~ينبغي أن يتمسك بهذا فيؤذن للنساء في الخروج إلى المقابر فإنهن يكثرن الهجر ~~على رءوس المقابر فلا يفي خير زيارتهن بشرها ولا يخلون في الطريق عن تكشف ~~وتبرج وهذه عظائم والزيارة سنة فكيف يحتمل ذلك لأجلها # نعم لا بأس بخروج المرأة في ثياب بذلة ترد أعين الرجال عنها وذلك بشرط ~~الاقتصار على الدعاء وترك الحديث على رأس القبر # وقال أبو ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم زر القبور تذكر بها الآخرة ~~واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو موعظة بليغة وصل على الجنائز لعل ذلك أن ~~يحزنك فإن الحزين في ظل الله + حديث أبي ذر زر القبور تذكر الآخرة واغسل ~~الموتى فإن معالجة جسد خاو موعظة بليغة + وقال ابن أبي مليكة قال رسول الله ~~زروا موتاكم وسلموا عليهم فإن لكم فيهم عبرة + حديث ابن أبي مليكة زورا ~~موتاكم وسلموا عليهم وصلوا عليهم الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا + وعن نافع ~~أن ابن عمر كان لا يمر بقبر أحد إلا وقف عليه وسلم عليه وعن جعفر بن محمد ~~عن أبيه أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة في ~~الأيام فتصلي وتبكي عنده وقال النبي صلى الله عليه وسلم من زار قبر والديه ~~أو أحدهما في كل جمعة غفر له وكتب برا + حديث من زار قبر ابويه أو أحدهما ~~في كل جمعه غفر له وكتب برا أخرجه الطبراني في الصغير والأوسطمن حديث أبي ~~هريرة وابن أبي الدنيا في القبور من رواية محمد بن النعمان يرفعه وهو معضل ~~ومحمد بن النعمان مجهول وشيخه عند الطبراني يحيى بن العلاء البجلى متروك + ~~وعن ابن سيرين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليموت والداه ~~وهو عاق لهما فيدعو الله لهما من بعدهما فيكتبه الله من البارين + حديث ابن ~~سيرين إن الرجل ليموت والداه وهو عاق لهما فيدعو الله لهما من بعدهما ~~فيكتبه الله من البارين أخرجه ابن أبي الدنيا فيه وهو مرسل صحيح الإسناد ~~ورواه ابن عدي من رواية يحيى بن عقبة أبي الغيزران عن محمد بن جحادة عن أنس ~~قال ورواه الصلت بن الحجاج عن ابن جحادة عن قتادة عن أنس ويحيى بن عقبة ~~والصلت بن الحجاج كلاهما ضعيف + وقال النبي صلى الله عليه وسلم من زار قبري ~~فقد PageV04P490 وجبت له شفاعتي + حديث من زار قبري فقد وجبت له شفاعتي ~~تقدم في أسرار الحج + وقال صلى الله عليه وسلم من زارني بالمدينة محتسبا ~~كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة + حديث من زارني بالمدينة محتسبا كنت له ~~شفيعا وشهيدا يوم القيامة + وقال كعب الأحبار ما من فجر يطلع إلا نزل سبعون ~~ألفا من الملائكة حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى ~~الله عليه وسلم حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك حتى إذا ~~انشقت الأرض خرج في سبعين ألفا من الملائكة يوقرونه # والمستحب في زيارة القبور أن يقف مستدبر القبلة مستقبلا بوجهه الميت وأن ~~يسلم ولا يمسح القبر ولا يمسه ولا يقبله فإن ذلك من عادة النصارى قال نافع ~~كان ابن عمر رأيته مائة مرة أو أكثر يجيء إلى القبر فيقول السلام على النبي ~~السلام على أبي بكر السلام على أبي وينصرف وعن أبي أمامة قال رأيت أنس بن ~~مالك أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح ~~الصلاة فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرف وقالت عائشة رضي الله ~~عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده ~~إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم + حديث عائشة ما من رجل يزور قبر أخيه ~~ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم أخرجه ابن أبي الدنيا في ~~القبور وفيه عبد الله بن سمعان ولم أقف على حاله ورواه ابن عبد البر في ~~التمهيد من حديث ابن عباس نحوه وصححه عبد الحق الأشبيلي + وقال سليمان بن ~~سحيم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت يا رسول الله هؤلاء ~~الذين يأتونك ويسلمون عليك أتفقه سلامهم قال نعم وأرد عليهم وقال أبو هريرة ~~إذا مر الرجل بقبر لرجل يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام وعرفه وإذا مر بقبر ~~لا يعرفه وسلم عليه رد عليه السلام وقال رجل من آل عاصم الجحدري رأيت عاصما ~~في منامي بعد موته بسنتين فقلت أليس قد مت قال بلى فقلت أين أنت قال أنا ~~والله فى روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة ~~وصبيحتها إلى أبى بكر ابن عبد الله المزني فنتلاقى أخباركم قلت أجسامكم أم ~~أرواحكم قال هيهات بليت الأجسام وإنما تتلاقى الأرواح قال قلت فهل تعلمون ~~بزيارتنا إياكم قال نعم تعلم بها عشية الجمعة ويوم الجمعة كله ويوم السبت ~~إلى طلوع الشمس قلت وكيف ذاك دون الأيام كلها قال لفضل يوم الجمعة وعظمه ~~وكان محمد بن واسع يزور يوم الجمعه فقيل له لو أخرت إلى يوم الأثنين قال ~~بلغنى أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده وقال ~~الضحاك من زار قبرا قبل طلوع الشمس يوم السبت علم الميت بزيارته قيل وكيف ~~ذاك قال لمكان يوم الجمعة وقال بشر ابن منصور لما كان زمن الطاعون كان رجل ~~يختلف إلى الجبانة فيشهد الصلاة على الجنائز فإذا أمسى وقف على باب المقابر ~~فقال آنس الله وحشتكم ورحم غربتكم وتجاوز عن سيئاتكم وقبل الله حسناتكم لا ~~يزيد على هذه الكلمات قال الرجل فأمسيت ذات ليلة فانصرفت إلى أهلى ولم آت ~~إلى المقابر فأدعو كما كنت أدعو فبينما أنا نائم إذا بخلق كثير قد جاءونى ~~فقلت ما أنتم وما حاجتكم قالوا نحن أهل المقابر قلت ما جاء بكم قالوا إنك ~~قد عودتنا منك هدية عند انصرافك إلى أهلك قلت وما هي قالوا الدعوات التي ~~كنت تدعو لنا بها قلت فإني أعود لذلك فما تركتها بعد ذلك وقال بشار بن غالب ~~النجراني رأيت رابعة العدوية العابدة فى منامي وكنت كثير الدعاء لها فقالت ~~لي يا بشار بن غالب هداياك تأتينا على طبق من نور مخمرة بمناديل الحرير قلت ~~وكيف ذاك قالت وهكذا دعاء المؤمنين الأحياء إذا دعوا للموتى فاستجيب لهم ~~جعل ذلك الدعاء على أطباق من نور وخمر مناديل الحرير ثم أتى به الميت فقيل ~~له هذه هدية فلان إليك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الميت فى قبره ~~إلا كالغريق المتغوث ينتظر دعوة تلحقه PageV04P491 من أبيه أو أخيه أو صديق ~~له فإذا لحقته كان أحب إليه من الدنيا وما فيها وإن هدايا الأحياء للأموات ~~الدعاء والاستغفار + حديث ما الميت في قبره إلا كالغريق المتغوث ينتظر دعوة ~~تلحقه من أبيه أو من أخيه أو من صديق له الحديث أخرجه أبو منصور الديلمي في ~~مسند الفردوس من حديث ابن عباس وفيه الحسن بن علي بن عبد الواحد قال الذهبي ~~حدث عن هشام بن عمار بحديث باطل وقال بعضهم مات أخ لي فرأيته في المنام ~~فقلت ما كان حالك حيث وضعت في قبرك قال أتاني آت بشهاب من نار فلولا أن ~~داعيا دعا لي لرأيت أنه سيضربني به # ومن هذا يستحب تلقين الميت بعد الدفن والدعاء له قال سعيد بن عبد الله ~~الأزدى شهدت أبا أمامة الباهلى وهو في النزع فقال يا سعيد إذا مت فاصنعوا ~~بى كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إذا مات أحدكم فسويتم عليه ~~التراب فليقم أحدكم على رأس قبره ثم يقول يا فلان ابن فلانة فإنه يسمع ولا ~~يجيب ثم ليقل يا فلان ابن فلانة الثانية فإنه يستوى قاعدا ثم ليقل يا فلان ~~ابن فلانة الثالثة فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله ولكن لا تسمعون فيقول له ~~اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ~~وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ~~وبالقرآن إماما فإن منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما فيقول انطلق بنا ما ~~يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته ويكون الله عز وجل حجيجه دونهما فقال رجل يا ~~رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه قال فلينسبه إلى حواء + حديث سعيد بن عبد ~~الله الأزدي قال شهدت أبا أمامة الباهلي وهو في النزع فقال يا سعيد إذا مت ~~فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إذا مات أحدكم ~~فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره ثم يقول يا فلان ابن فلانة ~~الحديث في تلقين الميت في قبره أخرجه الطبراني + # ولا بأس بقراءة القرآن على القبور روى عن على بن موسى الحداد قال كنت مع ~~أحمد بن حنبل في جنازة ومحمد بن قدامة الجوهرى معنا فلما دفن الميت جاء رجل ~~ضرير يقرأ عند القبر فقال له أحمد يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة فلما ~~خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر ~~بن إسماعيل الحلبي قال ثقه قال هل كتبت عنه شيئا قال نعم قال أخبرني مبشر ~~بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه أوصى إذا دفن ~~أن يقرأ عند رأسه فاتحة البقرة وخاتمتها وقال سمعت ابن عمر يوصى بذلك فقال ~~له أحمد فارجع إلى الرجل فقل له يقرأ وقال محمد بن أحمد المروزى سمعت أحمد ~~بن حنبل يقول إذا دخلتم المقابر فاقرءوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو ~~الله أحد واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم وقال أبو قلابة ~~أقبلت من الشام إلى البصرة فنزلت الخندق فتطهرت وصليت ركعتين بليل ثم وضعت ~~رأسي على قبر فنمت ثم تنبهت فإذا صاحب القبر يشتكيني يقول لقد آذيتني منذ ~~الليلة ثم قال إنكم لا تعلمون ونحن نعلم ولا نقدر على العمل ثم قال ~~للركعتان اللتان ركعتهما خير من الدنيا وما فيها ثم قال جزى الله عنا أهل ~~الدنيا خيرا أقرئهم السلام فإنه قد يدخل علينا من دعائهم نورا مثل الجبال ~~فالمقصود من زيارة القبور للزائر الاعتبار بها وللمزور الانتفاع بدعائه فلا ~~ينبغي أن يغفل الزائر عن الدعاء لنفسه وللميت ولا عن الاعتبار به وإنما ~~يحصل له الاعتبار بأن يصور في قلبه الميت كيف تفرقت أجزاءه وكيف يبعث من ~~قبره وأنه على القرب سيلحق به كما روى عن مطرف بن أبي بكر الهذلي قال كانت ~~عجوز في عبد القيس متعبدة فكان إذا جاء الليل تحزمت ثم قامت إلى المحراب ~~وإذا جاء النهار خرجت إلى القبور فبلغني أنها عوتبت في كثرة إتيانها ~~المقابر فقالت إن القلب القاسي إذا جفا لم يلينه إلا رسوم البلى وإني لآتي ~~القبور فكأني PageV04P492 انظر وقد خرجوا من بين أطباقها وكأني انظر إلى ~~تلك الوجوه المتعفرة وإلى تلك الأجسام المتغيرة وإلى تلك الأجفان الدسمة ~~فيا لها من نظرة لو أشربها العباد قلوبهم ما أنكل مرارتها للأنفس وأشد ~~تلفها للأبدان بل ينبغي أن يحضر من صورة الميت ما ذكره عمر بن عبد العزيز ~~حيث دخل عليه فقيه فتعجب من تغير صورته لكثرة الجهاد والعبادة فقال له يا ~~فلان لو رأيتني بعد ثلاث وقد أدخلت قبريى وقد خرجت الحدقتان فسالتا على ~~الخدين وتقلصت الشفتان عن الأسنان وخرج الصديد من الفم وانفتح الفم ونتأ ~~البطن فعلا الصدر وخرج الصلب من الدبر وخرج الدود والصديد من المناخر لرأيت ~~أعجب مما تراه الآن # ويستحب الثناء على الميت وألا يذكر إلا بالجميل قالت عائشة رضي الله عنها ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات صاحبكم فدعوه ولا تقعوا فيه + ~~حديث إذا مات صاحبكم فدعوه ولا تفعوا فيه أخرجه أبو داود من حديث عائشه + ~~وقال صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الأموات فإنهم قد أمضوا إلى ما قدموا + ~~حديث لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا أخرجه البخاري من حديث ~~عائشة أيضا + وقال صلى الله عليه وسلم لا تذكروا موتاكم إلا بخير فإنهم إن ~~يكونوا من أهل الجنة تأثموا وإن يكونوا من أهل النار فحسبهم ما هم فيه + ~~حديث لا تذكروا موتاكم إلا بخير الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في الموت هكذا ~~بإسناد ضعيف من حديث عائشة وهو عند النسائي من حديث عائشة باسناد جيد ~~منتصرا هل ما ذكر منه هنا بلفظ هلكاكم وذكر الزيادة صاحب مسند الفردوس وعلم ~~عليه علامة النسائي والطبراني + وقال أنس بن مالك مرت جنازة على رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليها شرا فقال عليه السلام وجبت ومروا بأخرى ~~فأثنوا عليها خيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت فسأله عمر عن ~~ذلك فقال إن هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة وهذا أثنيتم عليه شرا ~~فوجبت له النار وأنتم شهداء الله في الأرض + حديث أنس مرت جنازة على رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليها شرا فقال وجبت الحديث متفق عليه + ~~وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن العبد ليموت فيثني ~~عليه القوم الثناء يعلم الله منه غيره ليقول الله تعالى لملائكته أشهدكم ~~أني قد قبلت شهادة عبيدي على عبدي وتجاوزت عن علمي في عبدي + حديث أبي ~~هريرة إن العبد ليموت فيثني عليه القوم الثناء يعلم الله منه غير ذلك ~~الحديث أخرجه أحمد من رواية شيخ من أهل البصرة عن أبي هريرة عن النبي صلى ~~الله عليه وسلم يرويه على ربه عز وجل ما من عبد مسلم يموت فيشهد له ثلاث ~~أبيات من جيرانه الأدنين بخير إلا قال الله عز وجل قد قبلت شهادة عبادي على ~~ما علموا وغفرت له ما أعلم + # | الباب السابع في حقيقة الموت وما يلقاه الميت في القبر إلى نفخة # الصور بيان حقيقة الموت # أعلم أن للناس في حقيقة الموت ظنونا كاذبة قد اخطأوا فيها فظن بعضهم أن ~~الموت هو العدم وأنه لا حشر ولا نشر ولا عاقبة للخير والشر وأن موت الإنسان ~~كموت الحيوانات وجفاف النبات وهذا رأى الملحدين وكل من لا يؤمن بالله ~~واليوم الآخر وظن قوم أنه ينعدم بالموت ولا يتأم بضار ولا يتنعم بثواب ما ~~دام في القبر إلى أن يعاد في وقت الحشر وقال آخرون إن الروح باقية لا تنعدم ~~بالموت وإنما المثاب والمعاقب هي الأرواح دون الأجساد وإن الأجساد لا تبعث ~~ولا تحشر أصلا وكل هذه ظنون فاسدة ومائلة عن الحق بل الذي تشهد له طرق ~~الاعتبار وتنطق به الآيات والأخبار أن الموت معناه تغير حال فقط وأن الروح ~~باقية بعد مفارقة الجسد إما معذبة وإما منعمة ومعنى مفارقتها للجسد ~~PageV04P493 انقطاع تصرفها عن الجسد بخروج الجسد عن طاعتها فإن الأعضاء ~~آلات الروح تستعملها حتى أنها لتبطش باليد وتسمع بالأذن وتبصر بالعين وتعلم ~~حقيقة الأشياء بالقلب والقلب ههنا عبارة عن الروح والروح تعلم الأشياء ~~بنفسها من غير آلة ولذلك قد يتألم بنفسه بأنواع الحزن والغم والكمد ويتنعم ~~بأنواع الفرح والسرور وكل ذلك لا يتعلق بالأعضاء فكل ما هو وصف للروح ~~بنفسها فيبقى معها بعد مفارقة الجسد وما هو لها بواسطة الأعضاء فيتعطل بموت ~~الجسد إلى أن تعاد الروح إلى الجسد ولا يبعد أن تعاد الروح إلى الجسد في ~~القبر ولا يبعد أن تؤخر إلى يوم البعث والله أعلم بما حكم به على كل عبد من ~~عباده وإنما تعطل الجسد بالموت يضاهي تعطل أعضاء الزمن بفساد مزاج يقع فيه ~~وبشدة تقع في الأعصاب تمنع نفوذ الروح فيها فتكون الروح العالمة العاقلة ~~المدركة باقية مستعملة لبعض الأعضاء وقد استعصى عليها بعضها والموت عبارة ~~عن استعصاء الأعضاء كلها وكل الأعضاء آلات والروح هي المستعملة لها وأعنى ~~بالروح المعنى الذي يدرك من الإنسان العلوم وآلام الغموم ولذات الأفراح ~~ومهما بطل تصرفها في الأعضاء لم تبطل منها العلوم والإدراكات ولا بطل منها ~~الأفراح والغموم ولا بطل منها قبولها للآلآم واللذات والإنسان بالحقيقة هو ~~المعنى المدرك للعلوم وللآلام واللذات وذلك لا يموت أي لا ينعدم ومعنى ~~الموت انقطاع تصرفه عن البدن وخروج البدن عن أن يكون آلة له كما أن معنى ~~الزمانة خروج اليد عن أن تكون آلة مستعملة فالموت زمانة مطلقة في الأعضاء ~~كلها وحقيقة الإنسان نفسه وروحه وهي باقية نعم تغير حاله من جهتين إحداهما ~~أنه سلب منه عينه وأذنه ولسانه ويده ورجله وجميع أعضائه وسلب منه أهله ~~وولده وأقاربه وسائر معارفه وسلب منه خيله ودوابه وغلمانه ودوره وعقاره ~~وسائر أملاكه ولا فرق بين أن تسلب هذه الأشياء من الإنسان وبين أن يسلب ~~الإنسان من هذه الأشياء فإن المؤلم هو الفراق والفراق يحصل تارة بأن ينهب ~~مال الرجل وتارة بأن يسبى الرجل عن الملك والمال والألم واحد في الحالتين ~~وإنما معنى الموت سلب الإنسان عن أمواله بإزعاجه إلى عالم آخر لا يناسب هذا ~~العالم فإن كان له في الدنيا شيء يأنس به ويستريح إليه ويعتد بوجوده فيعظم ~~تحسره عليه بعد الموت ويصعب شقاؤه في مفارقته بل يلتفت قلبه إلى واحد واحد ~~من ماله وجاهه وعقاره حتى إلى قميص كان يلبسه مثلا ويفرح به وإن لم يكن ~~يفرح إلا بذكر الله ولم يأنس إلا به عظم نعيمه وتمت سعادته إذا خلى بينه ~~وبين محبوبه وقطعت عنه العوائق والشواغل إذ جميع أسباب الدنيا شاغلة عن ذكر ~~الله فهذا أحد وجهى المخالفة بين حال الموت وحال الحياة # والثاني أنه ينكشف له بالموت ما لم يكن مكشوفا له في الحياة كما قد ينكشف ~~للمتيقظ ما لم يكن مكشوفا له في النوم والناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وأول ~~ما ينكشف له ما يضره وينفعه من حسناته وسيئاته وقد كان ذلك مسطورا في كتاب ~~مطوي في سر قلبه وكان يشغله عن الاطلاع عليه شواغل الدنيا فإذا انقطعت ~~الشواغل انكشف له جميع أعماله فلا ينظر إلى سيئه إلا ويتحسر عليها تحسرا ~~يؤثر أن يخوض غمرة النار للخلاص من تلك الحسرة وعبد ذلك يقال له @QB@ كفى ~~بنفسك اليوم عليك حسيبا @QE@ وينكشف كل ذلك عند انقطاع النفس وقبل الدفن ~~وتشتعل فيه نيران الفراق أعنى فراق ما كان يطمئن إليمن هذه الدنيا الفانية ~~دون ما أراد منها لأجل الزاد والبلغة فإن من طلب الزاد للبلغة فإذا بلغ ~~المقصد فرح بمفارقته بقية الزاد إذ لم يكن يريد الزاد لعينه وهذا حال من لم ~~يأخذ من الدنيا إلا بقدر الضرورة وكان يود أن تنقطع ضرورته ليستغنى عنه فقد ~~حصل ما كان يوده PageV04P494 واستغنى عنه وهذه أنواع من العذاب والآلام ~~عظيمة تهجم عليه قبل الدفن ثم عند الدفن قد ترد روحه إلى الجسد لنوع آخر من ~~العذاب وقد يعفى عنه ويكون حال المتنعم بالدنيا المطمئن إليها كحال من تنعم ~~عند غيبة ملك من الملوك في داره وملكه وحريمه اعتمادا على أن الملك يتساهل ~~في أمره أو على أن الملك ليس يدري ما يتعاطاه من قبيح أفعاله فأخذه الملك ~~بغتة وعرض عليه جريدة قد دونت فيها جميع فواحشه وجناياته ذرة ذرهوخطوة خطوة ~~والملك قاهر متسلط وغيور على حرمه ومنتقم من الجناة على ملكه وغير ملتفت ~~إلى من يتشفع إليه في العصاة عليه فانظر إلى هذا المأخوذ كيف يكون حاله قبل ~~نزول عذاب الملك به من الخوف والخجلة والحياء والتحسر والندم فهذا حال ~~الميت الفاجر المغتر بالدنيا المطمئن إليها قبل نزول عذاب القبر به بل عند ~~موته نعوذ بالله منه فإن الخزى والافتضاح وهتك الستر أعظم من كل عذاب يحل ~~بالجسد من الضرب والقطع وغيرهما فهذه إشارة إلى حال الميت عند الموت شاهدها ~~أولو البصائر بمشاهدة باطنة أقوى من مشاهدة العين وشهد لذلك شواهد الكتاب ~~والسنة # نعم لا يمكن كشف الغطاء عن كنه حقيقة الموت إذ لا يعرف الموت من لا يعرف ~~الحياة ومعرفة الحياة بمعرفة حقيقة الروح في نفسها وإدراك ماهية ذاتها ولم ~~يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكلم فيها ولا أن يزيد على أن يقول ~~@QB@ الروح من أمر ربي @QE@ + حديث إنه لم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أن يتكلم في الروح متفق عليه من حديث ابن مسعود في سؤال اليهود عن ~~الروح ونزول قوله تعالى @QB@ ويسألونك عن الروح @QE@ وقد تقدم + فليس لأحد ~~من علماء الدين أن يكشف عن سر الروح وإن اطلع عليه وإنما المأذون فيه ذكر ~~حال الروح بعد الموت # ويدل على أن الموت ليس عبارة عن انعدام الروح وانعدام إدراكها آيات ~~وأخبار كثيرة أما الآيات فما ورد في الشهداء إذ قال تعالى @QB@ ولا تحسبن ~~الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين @QE@ ولما ~~قتل صناديد قريش يوم بدر ناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا فلان ~~يا فلان يا فلان قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ~~فقيل يا رسول الله أتناديهم وهم أموات فقال صلى الله عليه وسلم والذي نفسي ~~بيده إنهم لأسمع لهذا الكلام منكم إلا أنهم لا يقدرون على الجواب + حديث ~~ندائه من قتل من صناديد قريش يوم بدر يا فلان قد وجدت ما وعدني ربي حقا ~~أخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب + فهذا نص في روح الشقي وبقاء إدراكها ~~ومعرفتها والآية نص أرواح في الشهداء ولا يخلو الميت عن سعادة أو شقاوة ~~وقال صلى الله عليه وسلم القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض ~~الجنة + حديث القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة أخرجه ~~الترمذي من حديث أبي سعيد وتقدم في الرجاء والخوف + وهذا نص صريح على أن ~~الموت معناه تغير حال فقط وأن ما سيكون من شقاوة الميت وسعادته يتعجل عند ~~الموت من غير تأخير وإنما يتأخر بعض أنواع العذاب والثواب دون أصله # وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الموت القيامة فمن مات فقد ~~قامت قيامته + حديث أنس الموت القيامة من مات فقد قامت قيامته أخرجه ابن ~~أبي الدنيا في الموت بإسناد ضعيف وقد تقدم + وقال صلى الله عليه وسلم إذا ~~مات أحدكم عرض عليه مقعده غدوة وعشية إن كان من أهل الجنة فمن الجنة وإن ~~كان من أهل النار فمن النار ويقال هذا مقعدك حتى تبعث إليه يوم القيامة + ~~حديث إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي الحديث متفق عليه من ~~حديث ابن عمر + وليس يخفى ما في مشاهدة المقعدين من عذاب ونعيم في الحال ~~وعن أبي قيس قال كنا مع علقمة في جنازة فقال أما هذا فقد قامت قيامته وقال ~~علي كرم الله وجهه PageV04P495 حرام على نفس أن تخرج من الدنيا حتى تعلم من ~~أهل الجنة هى أم من أهل النار وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم من مات غريبا مات شهيدا ووقى فتانات القبر وغدى وريح عليه برزقه من ~~الجنة + حديث أبي هريرة من مات غريبا مات شهيدا ووقى فتاني القبر أخرجه ابن ~~ماجه بسند ضعيف وقال فتنة القبر وقال ابن أبي الدنيا فتان + وقال مسروق ما ~~غبطت مؤمنا في اللحد قد استراح من نصب الدنيا وأمن عذاب الله تعالى وقال ~~يعلى بن الوليد كنت أمشي يوما مع أبي الدرداء فقلت له ما تحب لمن تحب قال ~~الموت قلت فإن لم يمت قال يقل ماله وولده وإنما أحب الموت لأنه لا يحبه إلا ~~المؤمن والموت إطلاق المؤمن من السجن وإنما أحب قلة المال والولد لأنه فتنة ~~وسبب للأنس بالدنيا والأنس بمن لا بد من فراقه غاية الشقاء فكل ما سوى الله ~~وذكره والأنس به فلا بد من فراقه عند الموت لا محالة ولهذا قال عبد الله بن ~~عمرو إنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه أو روحه مثل رجل بات في سجن فأخرج منه ~~فهو يتفسح في الأرض ويتقلب فيها وهذا الذي ذكره حال من تجافى عن الدنيا ~~وتبرم بها ولم يكن له أنس إلا بذكر الله تعالى وكانت شواغل الدنيا تحبسه عن ~~محبوبه ومقاساة الشهوات تؤذيه فكان في الموت خلاصه من جميع المؤذيات ~~وانفراده بمحبوبه الذي كان به أنسه من غير عائق ولا دافع وما أجدر ذلك بأن ~~يكون منتهى النعيم واللذات وأكل اللذات للشهداء الذين قتلوا في سبيل الله ~~لأنهم ما أقدموا على القتال إلا قاطعين التفاتهم عن علائق الدنيا مشتاقين ~~إلى لقاء الله راضين بالقتل في طلب مرضاته فإن نظر إلى الدنيا فقد باعها ~~طوعا بالآخرة والبائع لا يلتفت قلبه إلى المبيع وإن نظر إلى الآخرة فقد ~~اشتراها وتشوق إليها فما أعظم فرحه بما اشتراه إذا رآه وما أقل التفاته إلى ~~ما باعه إذا فارقه وتجرد القلب لحب الله تعالى قد يتفق في بعض الأحوال ولكن ~~لا يدركه الموت عليه فيتغير والقتال سبب للموت فكان سببا لإدراك الموت على ~~مثل هذه الحالة فلهذا عظيم النعيم إذ معنى النعيم أن ينال الإنسان ما يريده ~~قال الله تعالى @QB@ ولهم ما يشتهون @QE@ فكان هذا أجمع عبارة لمعاني لذات ~~الجنة وأعظم العذاب أن يمنع الإنسان عن مراده كما قال الله تعالى @QB@ وحيل ~~بينهم وبين ما يشتهون @QE@ فكان هذا أجمع عبارة لعقوبات أهل جهنم وهذا ~~النعيم يدركه الشهيد كما انقطع نفسه من غير تأخير وهذا أمر انكشف لأرباب ~~القلوب بنور اليقين وأن أردت عليه شهادة من جهة السمع فجميع أحاديث الشهداء ~~تدل عليه وكل حديث يشتمل على التعبير عن منتهى نعيمهم بعبارة أخرى فقد روى ~~عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر ~~ألا أبشرك يا جابر وكان قد استشهد أبوه يوم أحد فقال بلى بشرك الله بالخير ~~فقال إن الله عز وجل قد أحيا أباك وأقعده بين يديه وقال تمن على يا عبدي ما ~~شئت أعطيكه فقال يا رب ما عبدتك حق عبادتك أتمنى عليك أن تردني إلى الدنيا ~~فأقاتل مع نبيك فأقتل فيك مرة أخرى قال له أنه قد سبق منى أنك إليها لا ~~ترجع + حديث عائشة ألا أبشرك يا جابر الحديث وفيه إن الله أحيا أباك فأقعده ~~بين يديه الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في الموت بإسناد فيه ضعيف وللترمذي ~~وحسنه وابن ماجه من حديث جابر ألا أبشرك بما لقى الله به أباك قال بلى يا ~~رسول الله الحديث وفيه فقال ياعبدي تمن علي أعطك قال بارب تحيني فأقتل فيك ~~ثانية قال الرب سبحانه إنه سبق مني أنهم لا يرجعون + وقال كعب يوجد رجل في ~~الجنة يبكي فيقال له لم تبكي وأنت في الجنة قال أبكي لأني لم أقتل في الله ~~إلا قتلة واحدة فكنت أشتهى أن أرد فأقتل فيه قتلات # واعلم أن المؤمن ينكشف له عقيب الموت من سعة جلال الله ما تكون الدنيا ~~بالإضافة إليه كالسجن والمضيق PageV04P496 ويكون مثاله كالمحبوس في بيت ~~مظلم فتح له باب إلى بستان واسع الأكناف لا يبلغ طرفه أقصاه فيه أنواع ~~الأشجار والأزهار والثمار والطيور فلا يشتهى العود إلى السجن المظلم وقد ~~ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا فقال لرجل مات أصبح هذا مرتحلا ~~عن الدنيا وتركها لأهلها فإن كان قد رضي فلا يسره أن يرجع إلى الدنيا كما ~~لا يسر أحدكم أن يرجع إلى بطن أمه + حديث قال لرجل مات أصبح هذا قد خلا من ~~الدنيا وتركها لأهلها فإن كان قد رضي فلا يسره أن يرجع إلى الدنيا كما لا ~~يسر أحدكم أن يرجع إلى بطن أمه أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث عمرو بن دينار ~~مرسلا ورجاله ثقات + فعرفك بهذا أن نسبة سبعة الآخرة إلى الدنيا كنسبة سعة ~~الدنيا إلى ظلمة الرحم وقال صلى الله عليه وسلم أن مثل المؤمن في الدنيا ~~كمثل الجنين في بطن أمه إذا خرج من بطنها بكى على مخرجه حتى إذا رأى الضوء ~~ووضع لم يحب أن يرجع إلى مكانه + حديث إن مثل المؤمن في الدنيا كمثل الجنين ~~في بطن أمه إذا خرج من بطنها بكى على مخرجه حتى إذا رأى الضوء ووضع لم يحب ~~أن يرجع إلى مكانه أخرجه ابن أبي الدنيا فيه من رواية بقية عن جابر بن غانم ~~السلفي عن سليم بن عامر الجنائزي مرسلا هكذا + وكذلك المؤمن يجزع من الموت ~~فإذا أفضى إلى ربه لم يحب أن يرجع إلى الدنيا كما لا يحب الجنين أن يرجع ~~إلى بطن أمه وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانا قد مات فقال ~~مستريح أو مستراح منه + حديث قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانا ~~قد مات فقال مستريح أو مستراح منه متفق عليه من حديث أبي قتادة بلفظ مر ~~عليه جنازة فقال ذلك وهو عند ابن أبي الدنيا في الموت باللفظ الذي أورده ~~المصنف + أشار بالمستريح إلى المؤمن وبالمستراح منه إلى الفاجر إذ يستريح ~~أهل الدنيا منه وقال أبو عمر صاحب السقيا مر بنا ابن عمر ونحن صبيان فنظر ~~إلى قبر فإذا جمجمة بادية فأمر رجلا فواراها ثم قال إن هذه الأبدان ليس ~~يضرها هذا الثرى شيئا وإنما الأرواح التي تعاقب وتثاب إلى يوم القيامة وعن ~~عمرو بن دينار قال ما من ميت يموت إلا وهو يعلم ما يكون في أهله بعده وإنهم ~~ليغسلونه ويكفنونه وإنه لينظر إليهم وقال مالك بن أنس بلغني أن أرواح ~~المؤمنين مرسلة تذهب حيث شاءت وقال النعمان ابن بشير سمعت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم على المنبر يقول ألا إنه لم يبق من الدنيا إلا مثل الذباب ~~يمور في جوها فالله الله في إخوانكم من أهل القبور فإن أعمالكم تعرض عليهم ~~+ حديث النعمان بن بشير ألا إنه لم يبق من الدنيا إلا مثل الذباب يمور في ~~جوفها فالله الله في إخوانكم من أهل القبور فإن أعمالكم تعرض عليهم أخرجه ~~ابن أبي الدنيا أبو بكر بن لال من رواية مالك بن أدى عن النعمان من قوله ~~الله الله ورواه بكماله الأزدي في الضعفاء وقال لا يصح إسناده وذكره ابن ~~أبي حاتم في الجرح والتعديل بكماله في ترجمة أبي إسماعيل السكوني رواية عن ~~مالك بن أدي ونقل عن أبيه أن كلا منهما مجهول قال الأزدي لا يصح إسناده ~~وذكر ابن حبان في الثقات مالك بن أدى + وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله ~~عليه وسلم لا تفضحوا موتاكم بسيئات أعمالكم فإنها تعرض على أوليائكم من أهل ~~القبور + حديث أبي هريرة لا تفضحوا موتاكم بسيئات أعمالكم فإنها تعرض على ~~أوليائكم من أهل القبور أخرجه ابن أبي الدنيا والمحاملي بإسناد ضعيف ولأحمد ~~من رواية من سمع انسانا عن أنس إن أعمالكم فإنها تعرض على أقاربكم وعشائركم ~~من الأموات الحديث + ولذلك قال أبو الدرداء اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملا ~~أخزى به عند عبد الله بن رواحة وكان قد مات وهو خاله وسئل عبد الله بن عمرو ~~بن العاص عن أرواح المؤمنين إذا ماتوا أين هي قال في حواصل طير بيض في ظل ~~العرش وأرواح الكافرين في الأرض السابعة وقال أبو سعيد الخدري سمعت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الميت يعرف من يغسله ومن يحمله ومن يدليه ~~في قبره + حديث أبي سعيد الخدري إن الميت يعرف من يغسله ومن يحمله ومن ~~يدليه في قبره رواه أحمد من رواية رجل عنه اسمه معاوية أو ابن معاوية + ~~وقال صالح المري بلغني أن الأرواح تتلاقى عند الموت فتقول أرواح الموتى ~~للروح التي تخرج إليهم كيف كان مأواك وفي أي الجسدين كنت في طيب أو خبيث ~~وقال عبيد بن عمير أهل القبور يترقبون الأخبار فإذا أتاهم الميت قالوا ما ~~فعل فلان فيقول ألم يأتكم أو PageV04P497 ما قدم عليكم فيقولون @QB@ إنا ~~لله وإنا إليه راجعون @QE@ سلك به غير سبيلنا وعن جعفر بن سعيد قال إذا مات ~~الرجل استقبله ولده كما يستقبل الغائب وقال مجاهد إن الرجل ليبشر بصلاح ~~ولده في قبره وروى أبو أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ~~إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عند الله كما يتلقى البشير في ~~الدنيا يقولون انظروا أخاكم حتى يستريح فإنه كان في كرب شديد فيسألونه ماذا ~~فعل فلان وماذا فعلت فلانه وهل تزوجت فلانة فإذا سألوه عن رجل ميت قبله ~~وقال مات قبلي قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية + ~~حديث أبي أيوب أن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاهاتلقاها أهل الرحمة من عند الله ~~كما يتلقى البشير يقولون انظروا أخاكم حتى يستريح أخرجه ابن أبي الدنيا في ~~كتاب الموت والطبراني في مسند الشامين بإسناد ضعيف ورواه ابن المبارك في ~~الزهد موقوفا على أبي أيوب بإسناد جيد ورفعه ابن صاعد في زوائده على الزهد ~~وفيه سلام الطويل ضعيف وهو عند النسائي وابن حبان نحوه من حديث بيان كلام ~~القبر للميتوكلام الموتى إما بلسان المقال أو بلسان الحال التي هي أفصح في ~~تفهيم الموتى من لسان المقال في تفهيم الأحياء قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يقول القبر للميت حين يوضع فيه ويحك يا ابن آدم ما غرك بي ألم تعلم ~~أني بيت الفتنة وبيت الظلمة وبيت الوحدة وبيت الدود ما غرك بي إذ كنت تمر ~~بي فذاذا فإن كان مصلحا أجاب عنه مجيب القبر فيقول أرأيت إن كان يأمر ~~بالمعروف وينهى عن المنكر فيقول القبر إني إذا أتحول عليه خضرا ويعود جسده ~~نورا وتصعد روحه إلى الله تعالى + حديث يقول القبر للميت حين يوضع فيه ويحك ~~يا ابن آدم ما غرك بي ألم تعلم أني بيت الفتنه الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا ~~في كتاب القبور والطبراني في مسند الشامين وأبو أحمد الحاكم في السكني من ~~حديث أبي الحجاج التمالي بإسناد ضعيف + والفذاذ هو الذي يقدم رجلا ويؤخر ~~أخرى هكذا فسره الراوي وقال عبيد بن عمير الليثي ليس من ميت يموت إلا نادته ~~حفرته التي يدفن فيها أنا بيت الظلمة والوحدة والإنفراد فإن كنت في حياتك ~~لله مطيعا كنت عليك اليوم رحمة وإن كنت عاصيا فأنا اليوم عليك نقمة أنا ~~الذي من دخلني مطيعا خرج مسرورا ومن دخلني عاصيا خرج مثبورا وقال محمد بن ~~صبيح بلغنا أن الرجل إذا وضع في قبره عذب أو أصابه بعض ما يكره ناداه ~~جيرانه من الموتى أيها المتخلف في الدنيا بعد إخوانه وجيرانه أما كان لك ~~فينا معتبر أما كان لك في متقدمنا إياك فكرة أما رأيت انقطاع أعمالنا عنا ~~وأنت في المهلة فهلا استدركت ما فات إخوانك وتناديه بقاع الأرض أيها المغتر ~~بظاهر الدنيا هلا اعتبرت بمن غيب من أهلك في بطن الأرض ممن غرته الدنيا ~~قبلك ثم سبق به أجله إلى القبور وأنت تراه محمولا تهاداه أحبته إلى المنزل ~~الذي لا بد له منه وقال يزيد الرقاشي بلغني أن الميت إذا وضع في قبره ~~احتوشته أعماله ثم أنطقها الله فقالت أيها العبد المنفرد في حفرته انقطع ~~عنك الأخلاء والأهلون فلا أنيس لك اليوم عندنا وقال كعب إذا وضع العبد ~~الصالح في القبر احتوشته أعماله الصالحة الصلاة والصيام والحج والجهاد ~~والصدقة قال فتجيء ملائكة العذاب من قبل رجليه فتقول الصلاة إليكم عنه فلا ~~سبيل لكم عليه فقد أطال بي القيام لله عليهما فيأتونه من قبل رأسه فيقول ~~الصيام لا سبيل لكم عليه فقد أطال ظمأه لله في الدار الدنيا فلا سبيل لكم ~~عليه فيأتونه من قبل جسده فيقول الحج والجهاد إليكم عنه فقد أنصب نفسه ~~وأتعب بدنه وحج وجاهد لله فلا سبيل لكم عليه قال فيأتونه من قبل يديه فتقول ~~الصدقة كفوا عن صاحبي فكم من صدقه خرجت من هاتين اليدين حتى وقعت في يد ~~الله تعالى ابتغاء وجهه فلا سبيل لكم عليه قال فيقال له هنيئا طبت حيا وطبت ~~ميتا قال وتأتيه ملائكة الرحمة فتفرش له فراشا من الجنة ودثارا من الجنة ~~ويفسح له في قبره مد بصره ويؤتى بقنديل من الجنة PageV04P498 فيستضيء بنوره ~~إلى يوم يبعثه الله من قبره وقال عبد الله بن عبيد بن عمير في جنازة بلغني ~~أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت يقعد وهو يسمع خطو مشيعيه ~~فلا يكلمه شيء إلا قبره ويقول ويحك ابن آدم أليس قد حذرتني وحذرت ضيقي ~~ونتني وهولي ودودي فماذا أعددت لي + حديث عبد الله بن عبيد بن عمير بلغني ~~أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت يقعد وهو يسمع خطو مشيعيه ~~فلا يكلمه إلا قبره يقول ويحك يا ابن آدم الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في ~~القبور هكذا مرسلا ورجاله ثقات ورواه ابن المبارك في الزهد إلا أنه قال ~~بلغني ولم يرفعه + # | بيان عذاب القبر وسؤال منكر ونكير # قال البراء بن عازب خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل ~~من الأنصار فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبره منكسا رأسه ثم قال ~~اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ثلاثا ثم قال إن المؤمن إذا كان في قبل من ~~الآخرة بعث الله ملائكة كأن وجوههم الشمس معهم حنوطه وكفنه فيجلسون مد بصره ~~فإذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء وفتحت ~~أبواب السماء فليس منها باب إلا يحب أن يدخل بروحه منه فإذا صعد بروحه قيل ~~أي رب عبدك فلان فيقول ارجعوه فأروه ما أعددت له من الكرامة فإني وعدته ~~منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى وإنه ليسمع خفق نعالهم ~~إذا ولوا مدبرين حتى يقال يا هذا من ربك وما دينك وما نبيك فيقول ربي الله ~~وديني الإسلام ونبي محمد صلى الله عليه وسلم قال فينتهرأنه انتهارا شديدا ~~وهي آخر فرصة تعرض على الميت فإذا قال ذلك نادى مناد أن قد صدقت وهي معنى ~~قوله تعالى @QB@ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت @QE@ ثم يأتيه آت حسن ~~الوجه طيب الريح حسن الثياب فيقول أبشر برحمة ربك وجنات فيها نعيم مقيم ~~فيقول وأنت فبشرك الله بخير من أنت فيقول أنا عملك الصالح والله ما علمت أن ~~كنت لسريعا إلى طاعة الله بطيئا عن معصية الله فجزاك الله خيرا @QB@ قال ~~@QE@ ثم يناد مناد أن افرشوا له من فرش الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة ~~فيفرش له من فرش الجنة ويفتح له باب إلى الجنة فيقول اللهم عجل قيام الساعة ~~حتى أرجع إلى أهلي ومالي @QB@ قال @QE@ وأما الكافر فإنه إذا كان في قبل من ~~الآخرة وانقطاع من الدنيا نزلت إليه ملائكة غلاظ شداد معهم ثياب من نار ~~وسرابيل من قطران فيحتوشونه فإذا خرجت نفسه لعنه كل ملك بين السماء والأرض ~~وكل ملك في السماء وغلقت أبواب السماء فليس بها باب إلا يكره أن يدخل بروحه ~~منه فإذا صعد بروحه نبذ وقيل أي ربعبدك فلان لم تقبله سماء ولا ارض فيقول ~~الله عز وجل ارجعوه فأروه ما أعددت له من الشر إني وعدته @QB@ منها خلقناكم ~~وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى @QE@ وأنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا ~~مدبرين حتى يقال له يا هذا من ربك ومن نبيك وما دينك فيقول لا أدرى فيقال ~~لا دريت ثم يأتيه آت قبيح الوجه منتن الريح قبيح الثياب فيقول أبشر بسخط من ~~الله وبعذاب أليم مقيم فيقول بشرك الله شرا من أنت فيقول أنا عملك الخبيث ~~والله إن كنت لسريعا في معصية الله بطيئا عن طاعة الله فجزاك الله شرا ~~فيقول وأنت فجزاك الله شرا ثم يقيض له أعمى أصم أبكم معه مرزبة من حديد لو ~~اجتمع عليها الثقلان على أن يقلوها لم يستطيعوا لو ضرب بها جبل صار ترابا ~~فيضربه بها ضربة فيصير ترابا ثم تعود فيه الروح فيضربه بها بين عينيه ضربة ~~يسمعها من على الأرضين ليس الثقلين @QB@ قال @QE@ ثم ينادي مناد أن افرشوا ~~له لوحين من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيفرش له لوحان من نار ويفتح ~~له باب إلى النار + حديث البراء خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ~~جنازة رجل من الأنصار فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبره منكسا ~~رأسه ثم قال اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر الحديث بطوله أخرجه أبو داود ~~والحاكم بكماله قال صحيح على شرط الشيخين وضعفه ابن حبان ورواه النسائي ~~وابن ماجه مختصرا + وقال محمد بن علي ما من ميت يموت إلا مثل له ~~PageV04P499 عند الموت أعماله الحسنة وأعماله السيئة قال فيشخص إلى حسناته ~~ويطرق عن سيئاته وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ~~المؤمن إذا احتضر أتته الملائكة بحريرة فيها مسك وضبائر الريحان فتسل روحه ~~كما تسل الشعرة من العجين ويقال أيتها النفس المطمئنة اخرجي راضية ومرضيا ~~عنك إلى روح الله وكرامته فإذا أخرجت روحه وضعت على ذلك المسك والريحان ~~وطويت عليها الحريرة وبعث بها إلى عليين وإن الكافر إذا احتضر أتته ~~الملائكة بمسح فيه جمرة فتنزع روحه انتزاعا شديدا ويقال أيتها النفس ~~الخبيثة أخرجي ساخطة ومسخوط عليك إلى هوان الله وعذابه فإذا أخرجت روحه ~~وضعت على تلك الجمرة وأن لها نشيشا ويطوى عليها المسح ويذهب بها إلى سجين + ~~حديث أبي هريرة إن المؤمن إذا حضر أتته الملائكة بحريرة فيها مسك وضبائر ~~الريحان الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا وابن حبان مع اختلاف والبزار بلفظ ~~المصنف + وعن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقرأ قوله تعالى حتى إذا جاء ~~أحدهم الموت قال ربي ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت قال أي شيء تريد في ~~أي شيء ترغب أتريد أن ترجع لتجمع المال وتغرس الغراس وتبني البنيان وتشق ~~الأنهار قال لا لعلي أعمل صالحا فيما تركت قال فيقول الجبار @QB@ كلا إنها ~~كلمة هو قائلها @QE@ أي ليقولنها عند الموت وقال أبو هريرة قال النبي صلى ~~الله عليه وسلم المؤمن في قبره في روضة خضراء ويرحب له في قبره سبعون ذراعا ~~ويضىء حتى يكون كالقمر ليلة البدر هل تدرون فيماذا أنزلت فإن له معيشة ضنكا ~~قالوا الله ورسوله أعلم قال عذاب الكافر في قبره يسلط عليه تسعة وتسعون ~~تنينا هل تدرون ما التنين تسعة وتسعون حية لكل حية تسعة رؤوس يخدشونه ~~ويلحسونه وينفخون في جسمه إلى يوم يبعثون + حديث أبي هريرة المؤمن في قبره ~~في روضة خضراء ويرحب له في قبره سبعون ذراعا الحديث ورواه ابن حبان + ولا ~~ينبغي أن يتعجب من هذا العدد على الخصوص فإن أعداد هذه الحيات والعقارب ~~بعدد الأخلاق المذمومة من الكبر والرياء والحسد والغل والحقد وسائر الصفات ~~فإن لها أصولا معدودة ثم تتشعب منها فروع معدودة ثم تنقسم فروعها إلى أقسام ~~وتلك الصفات بأعيانها هي المهلكات وهي بأعيانها تنقلب عقارب وحيات فالقوي ~~منها يلدغ لدغ التنين والضعيف يلدغ لدغ العقرب وما بينهما يؤذي إيذاء الحية ~~وأرباب القلوب والبصائر يشاهدون بنور البصيرة هذه المهلكات والشعاب فروعها ~~إلا أن مقدار عددها لا يوقف عليه إلا بنور النبوة فأمثال هذه الأخبار لها ~~ظواهر صحيحة وأسرار خفية ولكنها عند أرباب البصائر واضحة فمن لم تنكشف له ~~حقائقها فلا ينبغي أن ينكر ظواهرها بل أقل درجات الإيمان التصديق والتسليم ~~فإن قلت فنحن نشاهد الكافر في قبره مدة ونراقبه ولا نشاهد شيئا من ذلك فما ~~وجه التصديق على خلاف المشاهدة فأعلم أن لك ثلاث مقامات في التصديق بأمثال ~~هذا # إحداهما وهو الأظهر والأصح والأسلم أن تصدق بأنها موجودة وهي تلدغ الميت ~~ولكنك لا تشاهد ذلك فإن هذه العين لا تصلح لمشاهدة الأمور الملكوتية وكل ما ~~يتعلق بالآخرة فهو من علم الملكوت أما ترى الصحابة رضي الله عنهم كيف كانوا ~~يؤمنون بنزول جبريل وما كانوا يشاهدونه ويؤمنون بأنه عليه السلام يشاهده ~~فإن كنت لا تؤمن بهذا فتصحيح أصل الإيمان بالملائكة والوحي أهم عليك وإن ~~كنت آمنت به وجوزت أن يشاهد النبي مالا تشاهده الأمة فكيف لا تجوز هذا في ~~الميت وكما أن الملك لا يشبه الآدميين والحيوانات فالحيات والعقارب التي ~~تلدغ في القبر ليست من جنس حيات عالمنا بل هي جنس آخر وتدرك بحاسة أخرى ~~PageV04P500 المقام الثاني أن تتذكر أمر النائم وأنه قد يرى في نومه حية ~~تلدغه وهو يتألم بذلك حتى تراه يصبح في نومه ويعرق جبينه وقد ينزعج من ~~مكانه كل ذلك يدركه من نفسه ويتأذى به كما يتأذى اليقظان وهو يشاهده وأنت ~~ترى ظاهره ساكنا ولا ترى حواليه حية والحية موجودة في حقه والعذاب حاصل ~~ولكنه في حقك غير مشاهد وإذا كان العذاب في ألم اللدغ فلا فرق بين حية ~~تتخيل أو تشاهد # المقام الثالث أنك تعلم أن الحية بنفسها لا تؤلم بل الذي يلقاك منها وهو ~~السم ثم السم ليس هو الألم بل عذابك في الأثر الذي يحصل فيك من السم فلو ~~حصل مثل ذلك الأثر من غير سم لكان العذاب قد توفر وكان لا يمكن تعريف ذلك ~~النوع من العذاب إلا بأن يضاف إلى السبب الذي يفضى إليه في العادة فإنه لو ~~خلق في الإنسان لذة الوقاع مثلا من غير مباشرة صورة الوقاع لم يمكن تعريفها ~~إلا بالإضافة إليه لتكون الإضافة للتعريف بالسبب وتكون ثمرة السبب حاصلة ~~وإن لم تحصل صورة السبب السبب يراد لثمرته لا لذاته # وهذه الصفات المهلكات تنقلب مؤذيات ومؤلمات في النفس عند الموت فتكون ~~آلامها كآلام لدغ الحيات من غير وجود حيات وانقلاب الصفة مؤذية يضاهي ~~انقلاب العشق مؤذيا عند موت المعشوق فإن كان لذيذا فطرأت حالة صار اللذيذ ~~بنفسه مؤلما حتى يرد بالقلب وأنواع العذاب ما يتمنى معه أن لم يكن قد تنعم ~~من العشق والوصال بل هذا بعينه أحد أنواع عذاب الميت فإنه قد سلط العشق في ~~الدنيا على نفسه فصار يعشق ماله وعقاره وجاهه وولده وأقاربه ومعارفه ولو ~~أخذ جميع ذلك في حياته من لا يرجو استرجاعه منه فماذا ترى يكون حاله أليس ~~يعظم شقاؤه ويشتد عذابه ويتمنى ويقول ليته لم يكن لي مال قط ولا جاه قط ~~فكنت لا أتاذى بفراقه فالموت عبارة عن مفارقة المحبوبات الدنيوية كلها دفعة ~~واحدة ما حال من كان له واحد % غيب عنه ذلك الواحد فما حال من لا يفرح إلا ~~بالدنيا فتؤخذ منه الدنيا وتسلم إلى أعدائه ثم ينضاف إلى هذا العذاب تحسره ~~على ما فاته من نعيم الآخرة والحجاب عن الله عز وجل فإن حب غير الله يحجبه ~~عن لقاء الله والتنعم به فيتوالى عليه ألم فراق جميع محبوباته وحسرته ما ~~فاته من نعيم الآخرة أبد الآباد وذل الرد والحجاب عن الله تعالى وذلك هو ~~العذاب الذي يعذب به إذ لا يتبع نار الفراق إلا نار جهنم كما قال تعالى ~~@QB@ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم @QE@ وأما من ~~لم يأنس بالدنيا ولم يحب إلا الله وكان مشتاقا إلى لقاء الله فقد تخلص من ~~سجن الدنيا ومقاساة الشهوات فيها وقدم على محبوبه وانقطعت عنه العوائق ~~والصوارف وتوفر عليه النعيم مع الأمن من الزوال أبد الآباد ولمثل ذلك ~~فليعمل العاملون # والمقصود أن الرجل قد يحب فرسه بحيث لو خير بين أن يؤخذ منه وبين أن ~~تلدغه عقرب آثر الصبر على لدغ العقرب فإذن ألم فراق الفرس عنده أعظم من ~~العقرب وحبه الفرس هو الذي يلدغه إذا أخذ منه فرسه فليستعد لهذه اللدغات ~~فإن الموت يأخذ منه فرسه ومركبه وداره وعقاره وأهله وولده وأحبائه ومعارفه ~~ويأخذ منه جاهه وقبوله بل يأخذ منه سمعه وبصره وأعضاءه وييأس من رجوع جميع ~~ذلك إليه فإذا لم يحب سواه وقد أخذ جميع ذلك منه فذلك أعظم عليه من العقارب ~~والحيات وكما لو أخذ ذلك منه وهو حي فيعظم عقابه فكذلك إذا مات لأنا قد ~~بينا أن المعنى الذي هو المدرك للآلام واللذات لم يمت بل عذابه بعد الموت ~~أشد لأنه في الحياة يتسلى بأسباب يشغل بها حواسه من مجالسة ومحادثة ويتسلى ~~برجاء العود إليه ويتسلى برجاء العوض منه ولا سلوة PageV04P501 بعد الموت ~~إذ قد انسد عليه طرق التسلي وحصل اليأس فإذن كل قميص له ومنديل قد أحبه ~~بحيث كان يشق عليه لو أخذ منه فإنه يبقى متأسفا عليه ومعذبا به فإن كان ~~مخفا في الدنيا سلم وهو المعني بقولهم نجا المخفون وإن كان مثقلا عظم عذابه ~~وكما أن الحال من يسرق منه دينار أخف من حال من يسرق منه عشرة دنانير فكذلك ~~حال صاحب الدرهم أخف من حال صاحب الدرهمين وهو المعني بقوله صلى الله عليه ~~وسلم صاحب الدرهم أخف حسابا من صاحب الدرهمين + حديث صاحب الدرهم أخف حسابا ~~من صاحب الدرهمين + وما من شيء من الدنيا يتخلف عنك عند الموت إلا وهو حسرة ~~عليك بعد الموت فإن شئت فاستكثر وإن شئت فاستقلل فإن استكثرت فلست بمستكثر ~~إلا من الحسرة وإن استقللت فلست تخفف إلا من ظهرك وإنما تكثر الحيات ~~والعقارب في قبور الأغنياء الذين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وفرحوا ~~بها واطمأنوا إليها فهذه مقامات الإيمان في حيات القبر وعقاربه وفي سائر ~~أنواع عذابه رأى أبو سعيد الخدري ابنا له قد مات في المنام فقال له يا بني ~~عظني قال لا تخالف الله تعالى فيما يريد قال يا بني زدني قال يا أبت لا ~~تطيق قال قل قال لا تجعل بينك وبين الله قميصا فما لبس قميصا ثلاثين سنة ~~فإن قلت فما الصحيح من هذه المقامات الثلاث فأعلم أن في الناس من لم يثبت ~~إلا الأول وأنكر ما بعده ومنهم من أنكر الأول وأثبت الثاني ومنهم من لم ~~يثبت إلا الثالث وإنما الحق الذي انكشف لنا بطريق الاستبصار أن كل ذلك في ~~حيز الإمكان وأن من ينكر بعض ذلك فهو لضيق حوصلته وجهله باتساع قدرة الله ~~سبحانه وعجائب تدبيره فينكر من أفعال الله تعالى ما لم يأنس به ويألفه وذلك ~~جهل وقصور بل هذه الطرق الثلاثة في التعذيب ممكنة والتصديق بها واجب ورب ~~عبد يعاقب بنوع واحد من هذه الأنواع ورب عبد تجمع عليه هذه الأنواع الثلاثة ~~نعوذ بالله من عذاب الله قليله وكثيره # هذا هو الحق فصدق به تقليدا فيعز على بسيط الأرض من يعرف ذلك تحقيقا ~~والذي أوصيك به أن لا تكثر نظرك في تفصيل ذلك ولا تشتغل بمعرفته بل اشتغل ~~بالتدبير في دفع العذاب كيفما كان فإن أهملت العمل والعبادة واشتغلت بالبحث ~~عن ذلك كنت كمن أخذه سلطان وحبسه ليقطع يده ويجدع أنفه فأخذ طول الليل ~~يتفكر في أنه هل يقطعه بسكين أو بسيف أو بموسى وأهمل طريق الحيلة في دفع ~~أصل العذاب عن نفسه وهذا غاية الجهل فقد علم على القطع أن العبد لا يخلو ~~بعد الموت من عذاب عظيم أو نعيم مقيم فينبغي أن يكون الاستعداد له فأما ~~البحث عن تفصيل العقاب والثواب ففضول وتضييع زمان # | بيان سؤال منكر ونكير وصورتهما وضغطة القبر وبقية القول في عذاب # القبر قال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا مات العبد أتاه ~~ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر وللآخر نكير فيقولان ما كنت تقول في ~~النبي فإن كان مؤمنا قال هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن ~~محمدا رسول الله فيقولان إن كنا لنعلم أنك تقول ذلك ثم يفسح له في قبره ~~سبعون ذراعا في سبعين ذراعا وينور له في قبره ثم يقال له نم فيقول دعوني ~~أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقال له نم فينام كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا ~~أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك وإن كان منافقا قال لا أدري ~~PageV04P502 كنت أسمع الناس يقولون شيئا وكنت أقوله فيقولان إن كنا لنعلم ~~أنك تقول ذلك ثم يقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه حتى تختلف فيها أضلاعه ~~فلا يزال معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك + حديث أبي هريرة إذا مات ~~العبد أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر وللآخر نكير الحديث ~~أخرجه الترمذي وحسنه وابن حبان مع اختلاف + وعن عطاء بن يسار قال قال رسول ~~الله لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يا عمر كيف بك إذا انت مت فانطلق بك قومك ~~فقاسوا لك ثلاثة أذرع في ذراع وشبر ثم رجعوا إليك فغسلوك وكفنوك وحنطوك ثم ~~احتملوك حتى يضعوك فيه ثم يهيلوا عليك التراب ويدفنوك فإذا انصرفوا عنك ~~أتاك فتانا القبر منكر ونكير أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق ~~الخاطف يجران أشعارهما ويبحثان القبر بأنيابهما فتلتلاك وترتراك كيف بك عند ~~ذلك يا عمر فقال عمر ويكون معى مثل عقلي الآن قال @QB@ نعم @QE@ قال إذن ~~أكفيكهما + حديث عطاء بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر ~~ابن الخطاب يا عمر كيف بك إذا أنت مت فانطلق بك قومكفقاسوا لك ثلاثة أذرع ~~في ذراع وشبر الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور هكذا مرسلا ~~ورجاله ثقات قال البيهقي في الإعتقاد رويناه من وجه صحيح عن عطاء بن يسار ~~مرسلا قلت ووصله ابن بطة في الأبانة من حديث ابن عباس ورواه البيهقي في ~~الإعتقاد من حديث عمر وقال غريب بهذا الأسناد تفرد به مفضل ولأحمد وابن ~~حبان من حديث عبد الله بن عمر فقال عمر أيرد إلينا عقولنا فقال نعم كهيئتكم ~~اليوم فقال عمر بغية الحجر + وهذا نص صريح في أن العقل لا يتغير بالموت ~~إنما يتغير البدن والأعضاء فيكون الميت عاقلا مدركا عالما بالآلام واللذات ~~كما كان لا يتغيرمن عقله شيء وليس العقل المدرك هذه الأعضاء بل هو شيء باطن ~~ليس له طول ولا عرض بل الذي لا ينقسم في نفسه هو المدرك للأشياء ولو تناثرت ~~أعضاء الإنسان كلها ولم يبق إلا الجزء المدرك الذى لا يتجزأ ولا ينقسم لكان ~~الإنسان العاقل بكماله قائما باقيا وهو كذلك بعد الموت فإن ذلك الجزء لا ~~يحله الموت ولا يطرأ عليه العدم وقال محمد بن المنكدر بلغنى أن الكافر يسلط ~~عليه في قبره دابة عمياء صماء في يدها سوط من حديد في رأسه مثل غرب الجمل ~~تضربه به إلى يوم القيامة لا تراه فتتقيه ولا تسمع صوته فترحمه وقال أبو ~~هريرة إذا وضع الميت في قبره جاءت أعماله الصالحة فاحتوشته فإن أتاه من قبل ~~رأسه جاء قراءته للقرآن وإن أتاه من قبل رجليه جاء قيامه وإن أتاه من قبل ~~يده قالت اليدان والله لقد كان يبسطني للصدقة والدعاء لا سبيل لكم عليه وإن ~~جاء من قيل فيه جاء ذكره وصيامه وكذلك تقف الصلاة والصبر ناحية فيقول أما ~~إني لو رأيت خللا لكنت أنا صاحبه قال سفيان تجاحش عنه أعماله الصالحة كما ~~يجاحش الرجل عن أخيه وأهله وولده ثم يقال له عند ذلك بارك الله لك في مضجعك ~~فنعم الأخلاء أخلاؤك ونعم الأصحاب أصحابك وعن حذيفة قال كنا مع رسول صلى ~~الله عليه وسلم في جنازة فجلس على رأس القبر ثم جعل ينظر فيه ثم قال يضغط ~~المؤمن في هذا ضغطة ترد منه حمائله + حديث حذيفة كنت مع رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم في جنازة فجلس على رأس القبر ثم جعل ينظر فيه الحديث رواه أحمد + ~~وقالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للقبر ضغطة ~~ولو سلم أو نجا منها أحد لنجا سعد بن معاذ + حديث عائشة إن للقبر ضغطة لو ~~سلم أو نجا منها أحد لنجا سعد بن معاذ رواه + أحمد وعن أنس قال توفيت زينب ~~بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت امرأة مسقامة فتبعها رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فساءنا حاله فلما انتهينا إلى القبر فدخله انتقع وجهه صفرة ~~فلما خرج أسفر وجهه فقلنا يا رسول الله رأينا منك شأنا فمم ذلك قال ذكرت ~~ضغطة ابنتي وشدة عذاب القبر فأتيت فأخبرت أن الله قد خفف عنها وقد ضغطت ~~ضغطة سمع صوتها ما بين الخافقين + حديث أنس توفيت زينب بنت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وكانت امرأة مسقامة الحديث وفيه لقد ضغطت ضغطة سمع صوتها ما ~~بين الخافقين أخرجه ابن أبي الدنيا في الموت + PageV04P503 # | الباب الثامن فيما عرف من أحوال الموتى بالمكاشفة في المنام # اعلم أن أنوار البصائر المستفادة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله ~~عليه وسلم ومن مناهج الاعتبار تعرفنا أحوال الموتى على الجملة وانقسامهم ~~إلى سعداء وأشقياء ولكن حال زيد وعمرو بعينه فلا ينكشف أصلا فإنا إن عولنا ~~على إيمان زيد وعمرو فلا ندري على ماذا مات وكيف ختم له وإن عولنا على ~~صلاحه الظاهر فالتقوى محله القلب وهو غامض يخفي على صاحب التقوى فكيف على ~~غيره فلا حكم لظاهر الصلاح دون التقوى الباطن قال الله تعالى إنما يتقبل ~~الله من المتقين فلا يمكن معرفة حكم زيد وعمرو إلا بمشاهدته ومشاهدة ما ~~يجري عليه وإذا مات فقد تحول من عالم الملك والشهادة إلى عالم الغيب ~~والملكوت فلا يرى بالعين الظاهرة وإنما يرى بعين أخرى خلقت تلك العين في ~~قلب كل إنسان ولكن جعل عليها غشاوة كثيفة من شهواته وأشغاله الدنيوية فصار ~~لا يبصر بها ولا يتصور أن يبصر بها شيئا من عالم الملكوت ما لم تنقشع تلك ~~الغشاوة عن عين قلبه # ولما كانت الغشاوة منقشعة عن أعين الأنبياء عليهم السلام فلا جرم نظروا ~~إلى الملكوت وشاهدوا عجائبه والموتى في عالم الملكوت فشاهدوهم وأخبروا ~~ولذلك رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضغطة القبر في حق سعد ابن معاذ وفي ~~حق زينب ابنته + حديث رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضغطة القبر في حق ~~سعد بن معاذ وفي حق زينب ابنته وكذلك حال أبي جابر لما استشهد تقدمت ~~الثلاثة أحاديث في الباب الذي قبله + وكذلك حال أبي جابر لما استشهد إذ ~~أخبره أن الله أقعده بين يديه ليس بينهما ستر ومثل هذه المشاهدة لا مطمع ~~فيها لغير الأنبياء والأولياء الذين تقرب درجتهم منهم # إنما الممكن من أمثالنا مشاهدة أخرى ضعيفة إلا أنها أيضا مشاهدة نبوية ~~وأعني بها المشاهدة في المنام وهي من أنوار النبوة قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة + حديث الرؤيا ~~الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة تقدم + وهو أيضا انكشاف لا يحصل ~~إلا بانقشاع الغشاوة عن القلب فلذلك لا يوثق إلا برؤيا الرجل الصالح الصادق ~~ومن كثر كذبه لم تصدق رؤياه ومن كثر فساده ومعاصيه أظلم قلبه فكان ما يراه ~~أضغات أحلام ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطهارة عند النوم ~~لينام طاهرا + حديث أمره بالطهارة عند النوم متفق عليه من حديث البراء إذا ~~أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة الحديث + وهو إشارة إلى طهارة الباطن أيضا ~~فهو الأصل وطهارة الظاهر بمنزلة التتمة والتكملة لها ومهما صفا الباطن ~~انكشف في حدقة القلب ما سيكون في المستقبل كما انكشف دخول مكة لرسول الله ~~صلى الله عليه وسلم في النوم حتى نزل قوله تعالى لقد صدق الله ورسوله ~~الرؤيا بالحق + حديث انكشف دخول مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ~~النوم أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره من رواية مجاهد مرسلا + وقلما يخلوا ~~الإنسان عن منامات دلت على أمور فوجدها صحيحة والرؤيا ومعرفة الغيب في ~~النوم من عجائب صنع الله تعالى وبدائع فطرة الآدمي وهو من أوضح الأدلة على ~~عالم الملكوت والخلق غافلون عنه كغفلتهم عن سائر عجائب القلب وعجائب العالم ~~والقول في حقيقة الرؤيا من دقائق علوم المكاشفة فلا يمكن ذكره علاوة على ~~علم المعاملة ولكن القدر الذي يمكن ذكره ههنا مثال يفهمك المقصود وهو أن ~~تعلم أن القلب مثاله مثال مرآة تتراءى فيها الصور وحقائق الأمور وأن كل ما ~~قدره الله تعالى من ابتداء خلق العالم إلى آخره مسطور ومثبت في خلق خلقة ~~الله تعالى يعبر عنه تارة باللوح وتارة بالكتاب المبين وتارة بإمام مبين ~~كما ورد في القرآن فجميع PageV04P504 ما جرى في العالم وما سيجرى مكتوب فيه ~~ومنقوش عليه نقشا لا يشاهد بهذه العين ولا تظنن أن ذلك اللوح من خشب أو ~~حديد أو عظم وأن الكتاب من كاغد أو رق بل ينبغي أن تفهم قطعا أن لوح الله ~~لا يشبه لوح الخلق وكتاب الله لا يشبه كتاب الخلق كما أن ذاته وصفاته لا ~~تشبه ذات الخلق وصفاتهم بل إن كنت تطلب له مثالا يقربه إلى فهمك فأعلم أن ~~ثبوت المقادير في اللوح يضاهي ثبوت كلمات القرآن وحروفه في دماغ حافظ ~~القرآن وقلبه فإنه مسطور فيه حتى كأنه حين يقرؤه ينظر إليه ولو فتشت دماغه ~~جزءا جزءا لم تشاهد من ذلك الخط حرفا وإن كان ليس هناك خط يشاهد ولا حرف ~~ينظر فمن هذا النمط ينبغي أن تفهم كون اللوح منقوشا بجميع ما قدره الله ~~تعالى وقضاه واللوح في المثال كمرآة ظهر فيها الصور فلو وضع في مقابلة ~~المرآة مرآة أخرى لكانت صورة تلك المرآة تتراءى في هذه إلا أن يكون بينهما ~~حجاب فالقلب مرآة تقبل رسوم العلم واللوح مرآة رسوم العلم كلها موجودة فيها ~~واشتغال القلب بشهواته ومقتضى حواسه حجاب مرسل بينه وبين مطالعة اللوح ~~اللوح الذي هو من عالم الملكوت فإن هبت ريح حركت هذا الحجاب ورفعته تلألأ ~~في مرآة القلب شيء من عالم الملكوت كالبرق الخاطف وقد يثبت ويدوم وقد لا ~~يدوم وهو الغالب وما دام متيقظا فهو مشغول بما تورده الحواس عليه من عالم ~~الملك والشهادة وهو حجاب عن عالم الملكوت # ومعنى النوم أن توكد الحواس عليه فلا تورده على القلب فإذا تخلص منه ومن ~~الخيال وكان صافيا في جوهره ارتفع الحجاب بينه وبين اللوح المحفوظ فوقع في ~~قلبه شيء مما في اللوح كما تقع الصورة من مرآة في مرآة أخرى إذا ارتفع ~~الحجاب بينهما إلا أن النوم مانع سائر الحواس عن العمل وليس مانعا للخيال ~~عن عمله وعن تحركه فما ويقع في القلب يبتدره الخيال فيحاكيه بمثال يقاربه ~~وتكون المتخيلات أثبت في الحفظ من غيرها فيبقى الخيال في الحفظ فإذا انتبه ~~لم يتذكر إلا الخيال فيحتاج المعبر أن ينظر إلى هذا الخيال حكاية أي معنى ~~من المعانى فيرجع إلى المعاني بالمناسبة التي بين المتخيل والمعاني وأمثلة ~~ذلك ظاهرة عند من نظر في علم التعبير ويكفيك مثال واحد وهو أن رجلا قال ~~لابن سيرين رأيت كأن بيدي خاتما أختم به أفواه الرجال وفروج النساء فقال ~~أنت مؤذن تؤذن قبل الصبح في رمضان قال صدقت فانظر أن روح الختم هو المنع ~~ولأجله يراد الختم وإنما ينكشف للقلب حال الشخص من اللوح المحفوظ كما هو ~~عليه وهو كونه مانعا للناس من الأكل والشرب ولكن الخيال ألف المنع عند ~~الختم بالخاتم فثمتله بالصورة الخيالية التي تتضمن روح المعنى ولا يبقى في ~~الحفظ إلا الصورة الخيالية # فهذه نبذة يسيرة من بحر علم الرؤيا الذي لا تنحصر عجائبه وكيف لا وهو أخو ~~الميت وإنما الموت هو عجب من العجائب وهذا لأنه يشبهه من وجه ضعيف أثر في ~~كشف الغطاء عن عالم الغيب حتى صار النائم يعرف ما سيكون في المستقبل فماذا ~~نرى في الموت الذي يخرق الحجاب ويكشف الغطاء بالكلية حتى يرى الإنسان عند ~~انقطاع النفس من غير تأخير نفسه إما محفوفة بالأنكال والمخازي والفضائح ~~نعوذ بالله من ذلك وإما مكنوفا بنعيم مقيم وملك كبير لا آخر له وعند هذا ~~يقال للأشقياء وقد انكشف الغطاء @QB@ لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك ~~غطاءك فبصرك اليوم حديد @QE@ ويقال أفسخر هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها ~~فاصبروا أو لا تبصروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون وإليهم الإشارة ~~بقوله تعالى @QB@ وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون @QE@ فأعلم ~~العلماء وأحكم الحكماء ينكشف له عقيب الموت من العجائب والآيات ما لم يخطر ~~قط بباله ولا اختلج به ضميره فلو لم يكن للعاقل هم وغم إلا الفكرة في خطر ~~تلك الحال أن الحجاب عماذا يرتفع وما الذي ينكشف عنه الغطاء من PageV04P505 ~~شقاوة لازمة أم سعادة دائمة لكان ذلك كافيا في استغراق جميع العمر # والعجب من غفلتنا وهذه العظائم بين أيدينا وأعجب من ذلك فرحنا بأموالنا ~~وأهلينا وبأسبابنا وذريتنا بل بأعضائنا وسمعنا وبصرنا مع أنا نعلم مفارقة ~~جميع ذلك يقينا ولكن أين من ينفث روح القدس في روعة فيقول ما قال لسيد ~~النبيين أحبب من أحببت فإنك مفارقه وعش ما شئت فإنك ميت واعمل ما شئت فإنك ~~مجزى به + حديث إن روح القدس نفث في روعي أحبب من أحببت فإنك مفارقه الحديث ~~تقدم + فلا جرم لما كان ذلك مكشوفا له بعين اليقين كان في الدنيا كعابر ~~سبيل لم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة + حديث لم يضع لبنة على لبنة ~~ولا قصبة على قصبة + ولم يخلف دينارا ولا درهما + حديث لم يخلف دينارا ولا ~~درهما + ولم يتخذ حبيبا ولا خليلا نعم قال لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا ~~بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الرحمن + حديث لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا ~~بكر ولكن صاحبكم خليل الرحمن تقدم أيضا + فبين أن خلة الرحمن تخللت باطن ~~قلبه وأن حبه تمكن من حبة قلبه فلم يترك فيه متسعا لخليل ولا لحبيب وقد قال ~~لأمته @QB@ إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله @QE@ فإنما أمته من ~~اتبعه وما اتبعه إلا من أعرض عن الدنيا وأقبل على الآخرة فإنه ما دعا إلا ~~إلى الله واليوم الآخر وما صرف إلا عن الدنيا والحظوظ العاجلة فبقدر ما ~~أعرضت عن الدنيا وأقبلت على الآخرة فقد سلكت سبيله الذي سلكه وبقدر ما سلكت ~~سبيله فقد أتبعته وبقدر ما اتبعته فقد صرت من أمته وبقدر ما أقبلت على ~~الدنيا عدلت عن سبيله ورغبت عن متابعته والتحقت بالذين قال الله تعالى فيهم ~~@QB@ فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى @QE@ فلو خرجت ~~من مكمن الغرور وأنصفت نفسك يا رجل وكلنا ذلك الرجل لعلمت أنك من حين تصبح ~~إلى حين تمسي لا تسعى إلا في الحظوظ العاجلة ولا تتحرك ولا تسكن إلا لعاجل ~~الدنيا ثم تطمع أن تكون غدا من أمته وأتباعه وما أبعد ظنك وما أبرد طمعك ~~@QB@ أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون @QE@ ولنرجع إلى ما كنا ~~فيه وبصدده فقد امتد عنان الكلام إلى غير مقصده ولنذكر الآن من المنامات ~~الكاشفة لأحوال الموتى ما يعظم الانتفاع به إذ ذهبت النبوة وبقيت المبشرات ~~وليس ذلك إلا المنامات # | بيان منامات تكشف عن أحوال الموتى والأعمال النافعة في الآخرة # فمن ذلك رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال عليه السلام من رآني ~~في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي + حديث من رآني في المنام ~~فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي متفق عليه من حديث أبي هريرة + وقال عمر ~~بن الخطاب رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ~~فرأيته لا ينظر إلى فقلت يا رسول الله ما شأني فالتفت إلي وقال ألست المقبل ~~وأنت صائم قال والذي نفسي بيده لا أقبل امرأة وأنا صائم أبدا وقال العباس ~~رضي الله عنه كنت ودا لعمر فاشتهيت أن أراه في المنام فما رأيته إلا عند ~~رأس الحول فرأيته يمسح العرق عن جبينه وهو يقول هذا أوان فراغي إن كان عرشي ~~ليهد لولا أني لقيته رءوفا رحيما وقال الحسن بن علي قال لي علي رضي الله ~~عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنح لي الليلة في منامي فقلت يا رسول ~~الله ما لقيت من أمتك قال أدع عليهم فقلت اللهم أبدلني بهم من هو خير لي ~~منهم وأبدلهم بي من هو شر لهم مني فخرج فضربه ابن ملجم وقال بعض الشيوخ ~~رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله استغفر لي فأعرض عني ~~فقلت يا رسول الله إن سفيان بن عيينة حدثنا عن محمد بن المنكدر PageV04P506 ~~عن جابر بن عبد الله أنك لم تسأل شيئا قط فقلت لا فأقبل علي فقال غفر الله ~~لك + حديث ابن عيينة عن محمد بن المنكدر عن جابر ما سئل النبي صلى الله ~~عليه وسلم شيئا قط فقال لا 2 رواه مسلم وقد تقدم + وروى عن العباس بن عبد ~~المطلب قال كنت مواخيا لأبي لهب مصاحبا له فلما مات وأخبر الله عنه بما ~~أخبر حزنت عليه وأهمني أمره فسألت الله تعالى حولا أن يريني إياه في المنام ~~قال فرأيته يلتهب نارا فسألته عن حاله فقال صرت إلى النار في العذاب لا ~~يخفف عني ولا يروح إلا ليلة الاثنين في كل الأيام والليالي قلت وكيف ذلك ~~قال ولد في تلك الليلة محمد صلى الله عليه وسلم فجاءتني أميمة فبشرتني ~~بولادته آمنة إياه ففرحت به وأعتقت وليدة لي فرحا به فأثابني الله بذلك أن ~~رفع عني العذاب في كل ليلة اثنين وقال عبد الواحد بن زيد خرجت حاجا فصحبني ~~رجل كان لا يقوم ولا يقعد ولا يتحرك ولا يسكن إلا صلى على النبي صلى الله ~~عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال أخبرك عن ذلك خرجت أول مرة إلى مكة ومعي أبي ~~فلما انصرفنا نمت في بعض المنازل فبينما أنا نائم إذ أتاني آت فقال لي قم ~~فقد أمات الله أباك وسود وجهه قال فقمت مذعورا فكشفت الثوب عن وجهه فإذا هو ~~ميت أسود الوجه فداخلني من ذلك رعب فبينما أنا في ذلك الغم إذ غلبتني عيني ~~فنمت فإذا على رأس أبي أربعة سودان معهم أعمدة حديد إذ أقبل رجل حسن الوجه ~~بين ثوبين أخضرين فقال لهم تنحوا فمسح وجهه بيده ثم أتاني فقال قم فقد بيض ~~الله وجه أبيك فقلت له من أنت بأبي أنت وأمي فقال أنا محمد قال فقمت فكشفت ~~الثوب عن وجه أبي فإذا هو أبيض فما تركت الصلاة بعد ذلك على رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وعن عمر بن عبد العزيز قال رأيت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما جالسان عنده فسلمت وجلست فبينما أنا ~~جالس إذ أتى بعلي ومعاوية فأدخلا بيتا وأجيف عليهما الباب وأنا أنظر فما ~~كان بأسرع من أن خرج علي رضي الله عنه وهو يقول قضى لي ورب الكعبة وما كان ~~بأسرع من أن خرج معاوية على أثره وهو يقول غفر لي ورب الكعبة واستيقظ ابن ~~عباس رضي الله عنهما مرة من نومه فاسترجع وقال قتل الحسين والله وكان ذلك ~~قبل قتله فأنكره أصحابه فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زجاجة ~~من دم فقال ألا تعلم ما صنعت أمتي بعدي قتلوا بني الحسين وهذا دمه ودم ~~أصحابه أرفعهما إلى الله تعالى فجاء الخبر بعد أربعة وعشرين يوما بقتله في ~~اليوم الذي رآه ورؤى الصديق رضي الله عنه فقيل له إنك كنت تقول أبدا في ~~لسانك هذا أوردني الموارد فماذا فعل الله بك قال قلت به لا إله إلا الله ~~فأوردني الجنة # | بيان منامات المشايخ رحمة الله عليهم أجمعين # قال بعض المشايخ رأيت متمما الدورقي في المنام فقلت يا سيدي ما فعل الله ~~بك فقال دير بي في الجنان فقيل لي يا متمم هل استحسنت فيها شيئا قلت لا يا ~~سيدي فقال لو استحسنت منها شيئا لوكلتك إليه ولم أوصلك إلى ورؤى يوسف بن ~~الحسين في المنام فقيل له ما فعل الله بك قال غفر لي قيل بماذا قال ما خلطت ~~جدا بهزل وعن منصور بن إسماعيل قال رأيت عبد الله بن البزار في النوم فقلت ~~ما فعل الله بك قال أوقفني بين يديه فغفر لي كل ذنب أقررت به إلا ذنبا ~~واحدا فإني استحييت أن أقر به فاوقفني في العرق حتى سقط لحم وجهي فقلت ~~PageV04P507 ما كان ذلك لذنب قال نظرت إلى غلام جميل فاستحسنته فاستحييت من ~~الله أن أذكره وقال أبو جعفر الصيدلاني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~في النوم وحوله جماعة من الفقراء فبينما نحن كذلك إذ انشقت السماء فنزل ~~ملكان أحدهما بيده طشت وبيد الآخر إبريق فوضع الطشت بين يدي رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فغسل يده ثم أمر حتى غسلوا ثم وضع الطشت بين يدي فقال ~~أحدهما للآخر لا تصب على يده فإنه ليس منهم فقلت يا رسول الله أليس قد روى ~~عنك أنك قلت المرء مع من أحب قال بلى قلت يا رسول الله فإني أحبك وأحب ~~هؤلاء الفقراء فقال صلى الله عليه وسلم صب على يده فإنه منهم وقال الجنيد ~~رأيت في المنام كأني أتكلم على الناس فوقف على ملك فقال أقرب ما تقرب به ~~المتقربون إلى الله تعالى ماذا فقلت عمل خفي بميزان وفي قولي الملك وهو ~~يقول كلام موفق والله ورؤى مجمع في النوم فقيل له كيف رأيت الأمر فقال رأيت ~~الزاهدين في الدنيا ذهبوا بخير الدنيا والآخرة وقال رجل من أهل الشام ~~للعلاء بن زياد رأيتك في النوم كأنك في الجنة فنزل عن مجلسه وأقبل عليه ثم ~~قال لعل الشيطان أراد أمرا فعصمت منه فأشخص رجلا يقتلني وقال محمد بن واسع ~~الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره وقال صالح بن بشير رأيت عطاء السلمي في النوم ~~فقلت له رحمك الله لقد كنت طويل الحزن في الدنيا قال أما والله لقد أعقبني ~~ذلك راحة طويلة وفرحا دائما فقلت في أي الدرجات أنت فقال مع النبيين ~~والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وسئل زرارة بن أبي أوفى في ~~المنام أي الأعمال أفضل عندكم فقال الرضا وقصر الأمل وقال يزيد بن مذعور ~~رأيت الأوزاعي في المنام فقلت يا أبا عمرو دلني على عمل أتقرب به إلى الله ~~تعالى قال ما رأيت هناك درجة أرفع من درجة العلماء ثم درجة المحزونين قال ~~وكان يزيد شيخا كبيرا فلم يزل يبكي حتى أظلمت عيناه وقال ابن عيينة رأيت ~~أخي في المنام فقلت يا أخي ما فعل الله بك فقال كل ذنب استغفرت منه غفر لي ~~وما لم استغفر منه لم يغفر لي وقال على الطلحي رأيت في المنام امرأة لا ~~تشبه نساء الدنيا فقلت من أنت فقالت حوراء فقلت زوجيني نفسك قالت اخطبني ~~إلى سيدي وأمهرني قلت وما مهرك قالت حبس نفسك عن آفاتها وقال إبراهيم بن ~~إسحاق الحربي رأيت زبيدة في المنام فقلت ما فعل الله بك قالت غفر لي فقلت ~~لها بما أنفقت في طريق مكة قالت أما النفقات التي أنفقتها رجعت أجورها إلى ~~أربابها وغفر لي ببنتي ولما مات سفيان الثوري رؤى في المنام فقيل له ما فعل ~~بك قال وضعت أول قدمي على الصراط والثاني في الجنة وقال أحمد بن أبي ~~الحواري رأيت فيما يرى النائم جارية ما رأيت أحسن منها وكان يتلألأ وجهها ~~نورا فقلت لها مماذا ضوء وجهك قالت تذكر تلك الليلة التي بكيت فيها قلت نعم ~~قالت أخذت دمعك فمسحت به وجهي فمن ثم ضوء وجهي كما ترى وقال الكتاني رأيت ~~الجنيد في المنام فقلت له ما فعل الله بك قال طاحت تلك الإشارات وذهبت تلك ~~العبارات وما حصلنا إلا على ركعتين كنا نصليهما في الليل ورؤيت زبيدة في ~~المنام فقيل لها ما فعل الله بك قالت غفر لي بهذه الكلمات الأربع لا إله ~~إلا الله أفني بها عمري لا إله إلا الله أدخل بها قبري لا إله إلا الله ~~أخلو بها وحدي لا إله إلا الله ألقى بها ربي عز وجل وقال يا بشر أما ~~استحييب منى كنت تخافنى كل ذلك الخوف ورؤى أبو سليمان في النوم فقيل له ما ~~فعل الله بك قال رحمنى ورؤى بشر في المنام فقيل له ما فعل الله بك قال ~~رحمني وما كان شيء أضر على من إشارات القوم إلى وقال أبو بكر الكتاني رأيت ~~في النوم شابا لم أر أحسن منه فقلت له من أنت قال التقوى قلت فأين تسكن قال ~~كل قلب حزين ثم التفت فإذا امرأة سوداء فقلت من أنت قالت أنا السقم قلت ~~فأين PageV04P508 تسكنين قالت كل قلب فرح مرح قال فانتبهت وتعاهدت أن لا ~~أضحك إلا غلبة وقال أبو سعيد الخراز رأيت في المنام كأن إبليس وثب على ~~فأخذت العصا لأضربه فلم يفزع منها فهتف بي هاتف إن هذا لا يخاف من هذه ~~وإنما يخاف من نور يكون في القلب وقال المسوحى رأيت إبليس في النوم يمشى ~~عريانا فقلت ألا تستحي من الناس فقال بالله هؤلاء ناس لو كانوا من الناس ما ~~كنت ألعب بهم طرفي النهار كما يتلاعب الصبيان بالكرة بل الناس قوم غير ~~هؤلاء قد أسقموا جسمي وأشار بيده إلى أصحابنا الصوفية وقال أبو سعيد الخراز ~~كنت في دمشق فرأيت في المنام كأن النبي صلى الله عليه وسلم جاءني متكئا على ~~أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فجاء فوقف على وأنا أقول شيئا من الأصوات وأدق ~~في صدري فقال شر هذا أكثر من 2 خيره وعن ابن عيينة قال رأيت سفيان الثوري ~~في النوم كأنه في الجنة يطير من شجرة إلى شجرة يقول لمثل هذا فليعمل ~~العاملون فقلت له أوصني قال أقلل من معرفة الناس وروى أبو حاتم الرازي عن ~~قبيصة بن عقبة قال رأيت سفيان الثوري فقلت ما فعل الله بك فقال نظرت إلى ~~ربي كفاحا فقال لي % هنيئا رضائي عنك يا ابن سعيد فقد كنت قواما إذا أظلم ~~الدجى % بعبرة مشتاق وقلب عميد فدونك فاختر أي قصر أردته % وزرني فإني منك ~~غير بعيد # ورؤى الشبلي بعد موته بثلاثة أيام فقيل له ما فعل الله بك قال ناقشني حتى ~~أيست فلما رأى يأسي تغمدني برحمته ورؤى بني عامر بعد موته في المنام فقيل ~~له ما فعل الله بك قال غفر لي وجعلني حجة على المحبين ورؤى الثوري في ~~المنام فقيل له ما فعل الله بك قال رحمني فقيل له ما حال عبد الله بن ~~المبارك فقال هو ممن يلج على ربه في كل يوم مرتين ورؤى بعضهم فسئل عن حاله ~~فقال حاسبونا فدققوا ثم منوا فأعتقوا ورؤى مالك بن أنس فقيل ما فعل الله بك ~~قال غفر لي بكلمة كان يقولها عثمان بن عفان رضي الله عنه عند رؤية الجنازة ~~سبحان الحي الذي لا يموت ورؤى في الليلة التي مات فيها الحسن البصري كأن ~~أبواب السماء مفتحة وكأن مناديا ينادي ألا إن الحسن البصري قدم على الله ~~وهو عنه راض ورؤى الجاحظ فقيل له ما فعل الله بك فقال ولا تكتب بخطك غير ~~شيء % يسرك في القيامة أن تراه # ورأى الجنيد إبليس في المنام عريانا فقال ألا تستحي من الناس فقال وهؤلاء ~~ناس الناس أقوام في مسجد الشونيزيه قد أضنوا جسدي وأحرقوا كبدي قال الجنيد ~~فلما انتبهت غدوت إلى المسجد فرأيت جماعة قد وضعوا رءوسهم على ركبهم ~~يتفكرون فلما رأوني قالوا لا يغرنك حديث الخبيث ورؤى النصر أباذي بمكة بعد ~~وفاته في النوم فقيل له ما فعل الله بك قال عوتبت عتاب الأشراف ثم نوديت يا ~~أبا القاسم بعد الاتصال انفصال فقلت لا يا ذا الجلال فما وضعت في اللحد حتى ~~لحقت بربي ورأى عتبة الغلام حوراء في المنام على صورة حسنة فقالت يا عتبة ~~أنا لك عاشقة فانظر لا تعمل من الأعمال شيئا فيحال بيني وبينك فقال عتبة ~~طلقت الدنيا ثلاثا لا رجعة لي عليها حتى ألقاك وقيل رأى أيوب السختياني ~~جنازة عاص فدخل الدهليز كيلا يصلي عليها فرأى الميت بعضهم في المنام فقيل ~~له ما فعل الله بك قال غفر لي وقال قل لأيوب قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ~~ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وقال بعضهم رأيت في الليلة التي مات فيها ~~PageV04P509 داود الطائي نورا وملائكة نزولا وملائكة صعودا فقلت أي ليلة ~~هذه فقالوا ليلة مات فيها داود الطائي وقد زخرفت الجنة لقدوم روحه # وقال أبو سعيد الشحام رأيت سهلا الصعلوكي في المنام فقلت أيها الشيخ قال ~~دع التشييخ قلت تلك الأحوال التي شاهدتها فقال لم تغن عنا فقلت ما فعل الله ~~بك قال غفر لي بمسائل كان يسأل عنها العجز # وقال أبو بكر الرشيدي رأيت محمدا الطوسي المعلم في النوم فقال لي قل لأبي ~~سعيد الصفار المؤدب # وكنا على أن لا نحول عن الهوى % فقد وحياة الحب حلتم وما حلنا # قال فانتبهت فذكرت ذلك له فقال كنت أزور قبره كل جمعة فلم أزره هذه ~~الجمعة # وقال ابن راشد رأيت ابن المبارك في النوم بعد موته فقلت أليس قد مت قال ~~بلى قلت فما صنع الله بك قال غفر لي مغفرة أحاطت بكل ذنب قلت فسفيان الثوري ~~قال بخ بخ ذاك من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين الآية وقال ~~الربيع بن سليمان رأيت الشافعي رحمة الله عليه بعد وفاته في المنام فقلت يا ~~أبا عبد الله ما صنع الله بك قال أجلسني على كرسي من ذهب ونثر على اللؤلؤ ~~الرطب # ورأى رجل من أصحاب الحسن البصري ليلة مات الحسن كأن مناديا ينادي إن الله ~~اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين واصطفى الحسن البصري ~~على أهل زمانه # وقال أبو يعقوب القاري الدقيقي رأيت في منامي رجلا آدم طوالا والناس ~~يتبعونه فقلت من هذا قالوا أويس القرني فأتيته فقلت أوصني رحمك الله فكلح ~~في وجهي فقلت مسترشدا فأرشدني أرشدك الله فأقبل على وقال اتبع رحمة ربك عند ~~محبته واحذر نقمته عند معصيته ولا تقطع رجاءك منه في خلال ذلك ثم ولى ~~وتركني # وقال أبو بكر بن أبي مريم رأيت ورقاء بن بشر الحضرمي فقلت ما فعلت يا ~~ورقاء قال البكاء من خشية الله # وقال يزيد بن نعامة هلكت جارية في الطاعون الجارف فرآها أبوها في المنام ~~فقال لها يا بنية أخبريني عن الآخرة قالت يا أبت قدمنا على أمر عظيم نعلم ~~ولا نعمل وتعملون ولا تعلمون والله لتسبيحه أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان ~~في فسحة عمل أحب إلى من الدنيا وما فيها وقال بعض أصحاب عتبة الغلام رأيت ~~عتبة في المنام فقلت ما صنع الله بك قال دخلت الجنة بتلك الدعوة المكتوبة ~~في بيتك قال فلما أصبحت جئت إلى بيتي فإذا خط عتبة الغلام في حائط البيت يا ~~هادي المضلين ويا راحم المذنبين ويا مقيل عثرات العاثرين ارحم عبدك ذا ~~الخطر العظيم والمسلمين كلهم أجمعين واجعلنا مع الأحياء المرزوقين الذين ~~أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين يا رب العالمين ~~وقال موسى بن حماد رأيت سفيان الثوري في الجنة يطير من نخلة إلى نخلة ومن ~~شجرة إلى شجرة فقلت يا أبا عبد الله بم نلت هذا فقال بالورع قلت فما بال ~~على بن عاصم قال ذاك لا يكاد يرى إلا كما يرى الكوكب # ورأى رجل من التابعين النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال يا رسول ~~الله عظني قال نعم من لم يتفقد النقصان فهو في نقصان ومن كان في نقصان ~~فالموت خير له # وقال الشافعي رحمة الله عليه دهمني في هذه الأيام أمر أمضني وآلمني ولم ~~يطلع عليه غير الله عز وجل فلما كان البارحة أتاني آت في منامي فقال لي يا ~~محمد بن إدريس قل اللهم إني لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ~~ولا نشورا ولا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني ولا أتقي إلا ما وقيتني اللهم ~~فوفقني لما تحب وترضى من القول والعمل في عافية فلما أصبحت أعدت ذلك فلما ~~ترحل النهار أعطاني الله عز وجل طلبتي وسهل لي الخلاص مما كنت فيه فعليكم ~~بهذه الدعوات لا تغفلوا عنها # فهذه جملة من المكاشفات تدل على أحوال الموتى وعلى الأعمال المقربة إلى ~~PageV04P510 الله زلفى فلنذكر بعدها ما بين يدى الموتى من ابتداء نفخة ~~الصور إلى آخر القرار إما فى الجنة أو فى النار والحمد لله حمد الشاكرين ~~الشطر الثانى # من كتاب ذكر الموت فى أحوال الميت من وقت نفخة الصور إلى آخر الاستقرار ~~فى الجنة أو فى النار وتفصيل ما بين يديه من الأهوال والأخطار # وفيه بيان نفخة الصور # وصفة أرض المحشر وأهله # وصفة طول يوم القيامة # وصفة يوم القيامة ودواهيها وأساميها # وصفة المساءلة عن الذنوب # وصفة الميزان وصفة الخصماء ورد المظالم # وصفة الصراط # وصفة الشفاعة # وصفة الحوض # وصفة جهنم وأهوالها وأنكالها وحياتها وعقاربها # وصفة الجنة وأصناف نعيمها وعدد الجنان وأبوابها وغرفها وحيطانها وأنهارها ~~وأشجارها ولباس أهلها وفرشهم وسررهم وصفة طعامهم وصفة الحور العين والولدان # وصفة النظر إلى وجه الله تعالى # وباب فى سعة رحمه الله تعالى وبه ختم الكتاب إن شاء الله تعالى صفة نفخة ~~الصور # قد عرفت فيما سبق أحوال الميت فى سكرات الموت وخطره فى خوف العاقبة ثم ~~مقاساته لظلمة القبر وديدانه ثم لمنكر ونكير وسؤالهما ثم لعذاب القبر وخطره ~~إن كان مغضوبا عليه # وأعظم من ذلك كله الأخطار التى بين يديه من نفخ الصور وبعث يوم النشور ~~والعرض على الجبار والسؤال عن القليل والكثير ونصب الميزان لمعرفة المقادير ~~ثم جواز الصراط مع دقته وحدته ثم انتظار النداء عند فصل القضاء إما ~~بالإسعاد وإما بالإشقاء فهذه أحوال وأهوال لا بد لك من معرفتها ثم الإيمان ~~بها على سبيل الجزم والتصديق ثم تطويل الفكر فى ذلك لينبعث من قلبك دواعى ~~الاستعداد لها وأكثر الناس لم يدخل الإيمان باليوم الآخر صميم قلوبهم ولم ~~يتمكن من سويداء أفئدتهم ويدل على ذلك شدة تشمرهم واستعدادهم لحر الصيف ~~وبرد الشتاء وتهاونهم بحر جهنم وزمهريرها مع ما تكتنفه من المصاعب والأهوال ~~بل إذا سئلوا عن اليوم الآخر نطقت به ألسنتهم ثم غفلت عنه قلوبهم ومن أخبر ~~بأن ما بين يديه من الطعام مسموم فقال لصاحبه الذى أبصر صدقت ثم مد يديه ~~لتناوله كان مصدقا بلسانه ومكذبا بعمله وتكذيب العمل أبلغ من تكذيب اللسان # وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى شتمنى ابن آدم وما ~~ينبغى له أن يشتمنى وكذبنى وما ينبغى له أن يكذبنى أما شتمه إياى فيقول إن ~~لى ولدا وأما تكذيبه فقوله لن يعيدنى كما بدأنى + حديث قال الله تعالى ~~شمتنى ابن آدم وما ينبغى له أن يشتمنى وكذبنى ما ينبغى له أن يكذبنى الحديث ~~أخرجه البخارى من حديث أبى هريرة + وإنما فتور البواطن عن قوة اليقين ~~والتصديق بالبعث والنشور لقلة الفهم فى هذا العالم لأمثال تلك الأمور ولو ~~لم يشاهد الانسان توالد الحيوانات وقيل له إن صانعا يصنع من النطفة القدرة ~~مثل هذا الآدمى المصور العاقل المتكلم المتصرف لاشتد نفور باطنه عن التصديق ~~به ولذلك قال الله تعالى @QB@ أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو ~~خصيم مبين @QE@ وقال تعالى @QB@ أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من ~~مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى @QE@ ففى ~~خلق الآدمى مع كثرة عجائبه واختلاف تركيب أعضائه أعاجيب تزيد على الأعاجيب ~~فى بعثه وإعادته فكيف ينكر ذلك من قدرة الله تعالى وحكمته من يشاهد ~~PageV04P511 ذلك فى صنعته وقدرته فإن كان فى إيمانك ضعف فقو الإيمان بالنظر ~~فى النشأة الأولى فإن الثانية مثلها وأسهل منها وإن كنت قوى الإيمان بها ~~فأشعر قلبك تلك المخاوف والأخطار وأكثر فيها التفكر والاعتبار لتسلب عن ~~قلبك الراحة والقرار فتشتغل بالتشمر للعرض على الجبار وتفكر أولا فيما يقرع ~~سمع سكان القبور من شدة نفخ الصور فإنها صيحة واحدة تنفرج بها القبور عن ~~رءوس الموتى فيثورون دفعة واحدة # فتوهم نفسك وقد وثبت متغيرا وجهك مغبرا بدنك من فرقك إلى قدمك من تراب ~~قبرك مبهوتا من شدة الصعقة شاخص العين نحو النداء وقد ثار الخلق ثورة واحدة ~~من القبور التى طال فيها بلاؤهم وقد أزعجهم الفزع والرعب مضافا إلى ما كان ~~عندهم من الهموم والغموم وشدة الانتظار لعاقبة الأمر كما قال تعالى ونفخ فى ~~الصور فصعق من فى السموات ومن فى الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى ~~فإذا هم قيام ينظرون وقال تعالى @QB@ فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم ~~عسير على الكافرين غير يسير @QE@ وقال تعالى @QB@ ويقولون متى هذا الوعد إن ~~كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون ~~توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ~~ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ~~@QE@ فلو لم يكن بين يدي الموتى إلا هول تلك النفخة لكان ذلك جديرا بأن ~~يتقى فإنها نفخة وصيحة يصعق بها من فى السموات والأرض يعنى يموتون بها إلا ~~من شاء الله وهو بعض الملائكة # ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم ~~القرن وحنى الجبهة وأصغى بالأذن متى يؤمر فينفخ + حديث كيف أنعم وصاحب ~~الصور قد التقم القرن وحنى الجبهة الحديث أخرجه الترمذى من حديث أبى سعيد ~~وقال حسن ورواه ابن ماجه بلفظ إن صاحبى القرن بأيديهما أو فى أيديهما قرنان ~~يلاحظان النظر متى يؤمران وفى رواية ابن ماجة الحجاج بن أرطاة مختلف فيه + # قال مقاتل الصور هو القرن وذلك أن إسرافيل عليه السلام واضع فاه على ~~القرن كهيئة البوق ودائرة رأس القرن كعرض السموات والأرض وهو شاخص بصره نحو ~~العرش ينتظر متى يؤمر فينفخ النفخة الأولى فإذا نفخ صعق من فى السموات ~~والأرض أى مات كل حيوان من شدة الفزع إلا من شاء الله وهو جبريل وميكائيل ~~وإسرافيل وملك الموت # ثم يأمر ملك الموت أن يقبض روح جبريل ثم روح ميكائيل ثم روح إسرافيل ثم ~~يأمر ملك الموت فيموت # ثم يلبث الخلق بعد النفخة الأولى فى البرزخ أربعين سنة ثم يحيى الله ~~تعالى إسرافيل فيأمره أن ينفخ الثانية فذلك قوله تعالى ثم نفخ فيه أخرى ~~فإذا هم قيام ينظرون على أرجلهم ينظرون إلى البعث وقال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم حين بعث إلى بعث إلى صاحب الصور فأهوى به إلى فيه وقدم رجلا وأخر ~~أخرى ينتظر متى يؤمر بالنفخ ألا فاتقوا النفخة + حديث حين بعث إلى بعث إلى ~~صاحب الصور فأهوى به إلى فيه وقدم رجلا وأخر أخرى الحديث لم أجده هكذا بل ~~قد ورد أن إسرافيل من حين ابتداء الخلق وهو كذلك كما رواه البخارى فى ~~التاريخ وأبو الشيخ فى كتاب العظمة من حديث أبى هريرة إن الله تبارك وتعالى ~~لما فرغ من خلق السموات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه ~~شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر قال البخارى ولم يصح وفى رواية لأبى ~~الشيخ ما طرف صاحب الصور مذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل ~~أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان وإسنادها جيد + فتفكر فى الخلائق ~~وذلهم وانكسارهم واستكانتهم عند الانبعاث خوفا من هذه الصعقة وانتظارا لما ~~يقضى عليهم من سعادة أو شقاوة وأنت فيما بينهم منكسر كانكسارهم متحير ~~كتحيرهم # بل إن كنت فى الدنيا من المترفهين والأغنياء المتنعمين فملوك الأرض فى ~~ذلك اليوم أذل أهل أرض الجمع وأصغرهم وأحقرهم يوطئون بالأقدام مثل الذرة ~~وعند ذلك تقبل الوحوش من البرارى والجبال منكسة رءوسها مختلطة بالخلائق بعد ~~توحشها ذليلة ليوم PageV04P512 النشور من غير خطيئة تدنست بها ولكن حشرتهم ~~شدة الصعقة وهول النفخة وشغلهم ذلك عن الهرب من الخلق والتوحش منهم وذلك ~~قوله تعالى @QB@ وإذا الوحوش حشرت @QE@ ثم أقبلت الشياطين المردة بعد ~~تمردها وعتوها وأذعنت خاشعة من هيبة العرض على الله تعالى تصديقا لقوله ~~تعالى @QB@ فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا @QE@ فتفكر ~~فى حالك وحال قلبك هنالك صفة أرض المحشر وأهله # ثم انظر كيف يساقون بعد البعث والنشور حفاة عراة غرلا إلى أرض المحشر أرض ~~بيضاء قاع صفصف لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ولا ترى عليها ربوة يختفى ~~الإنسان وراءها ولا وهدة ينخفض عن الأعين فيها بل هو صعيد واحد بسيط لا ~~تفاوت فيه يساقون إليه زمرا فسبحان من جمع الخلائق على اختلاف أصنافهم من ~~أقطار الأرض إذ ساقهم بالراجفة تتبعها الرادفة والراجفة هى النفخة الأولى ~~والرادفة هى النفخة الثانية وحقيق لتلك القلوب أن تكون يومئذ واجفة ولتلك ~~الأبصار أن تكون خاشعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحشر الناس يوم ~~القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرص النقي ليس فيها معلم لأحد + حديث يحشر ~~الناس يوم القايمة على أرض بيضاء عفراء كقرص النقي ليس فيها معلم لأحد متفق ~~عليه من حديث سهل ابن سعد وفصل البخارى قوله ليس فيها معلم لأحد فجعلها من ~~قول سهل أو غيره وأدرجها مسلم فيه + # قال الراوى والعفرة بياض ليس بالناصع والنقى هو النقى عن القشر والنخالة ~~ومعلم أى لا بناء يستر ولا تفاوت يرد البصر # ولا تظنن أن تلك الأرض مثل أرض الدنيا بل لا تساويها إلا فى الاسم قال ~~تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات # قال ابن عباس يزداد فيها وينقص وتذهب أشجارها وجبالها وأوديتها وما فيها ~~وتمد مد الأديم العكاظى أرض بيضاء مثل الفضة لم يسفك عليها دم ولم يعمل ~~عليها خطيئة والسموات تذهب شمسها وقمرها ونجومها فانظر يا مسكين فى هول ذلك ~~اليوم وشدته فإنه إذا اجتمع الخلائق على هذا الصعيد تناثرت من فوقهم نجوم ~~السماء وطمس الشمس والقمر وأظلمت الأرض لخمود سراجها فبينا هم كذلك إذ دارت ~~السماء من فوق رءوسهم وانشقت مع غلظها وشدتها خمسمائة عام والملائكة قيام ~~على حافاتها وأرجائها فيا هول صوت انشقاقها فى سمعك ويا هيبة ليوم تنشق فيه ~~السماء مع صلابتها وشدتها ثم تنهار وتسيل كالفضة المذابة تخالطها صفرة ~~فصارت وردة كالدهان وصارت السماء كالمهل وصارت الجبال كالعهن واشتبك الناس ~~كالفراش المبثوث وهم حفاة عراة مشاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث ~~الناس حفاة عراة غرلا قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان قالت سودة زوج ~~النبي صلى الله عليه وسلم راوية الحديث قلت يا رسول الله واسوأتاه ينظر ~~بعضنا إلى بعض فقال شغل الناس عن ذلك بهم لكل امرىء يومئذ شأن يغنيه + حديث ~~يبعث الناس حفاة عراة غرلا قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان قالت سودة ~~راوية الحديث واسوأتاه الحديث أخرجه الثعلبى والبغوى وهو فى الصحيحين من ~~حديث عائشة وهى القائلة واسوأتاه ورواه الطبرانى فى الأوسط من حديث أم سلمة ~~وهى القائلة واسوأتاه + فأعظم بيوم تنكشف فيه العورات ويؤمن فيه مع ذلك ~~النظر والالتفات كيف وبعضهم يمشون على بطونهم ووجوههم فلا قدرة لهم على ~~الالتفات إلى غيرهم قال أبو هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف ركبانا ومشاة وعلى وجوههم ~~فقال رجل يا رسول الله وكيف يمشون على PageV04P513 وجوههم قال الذى أمشاهم ~~على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم + حديث أبى هريرة يحشر الناس ~~يوم القيامة ركبانا ومشاة وعلى وجوههم الحديث رواه الترمذى وحسنة وفى ~~الصحيحين من حديث أنس أن رجلا قال يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه ~~قال أليس الذى أمشاه على الرجلين فى الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه ~~يوم القيامة + فى طبع الآدمى إنكار كل ما لم يأنس به ولو لم يشاهد الإنسان ~~الحية وهى تمشى على بطنها كالبرق الخاطف لأنكر تصور المشى على غير رجل ~~والمشى بالرجل أيضا مستبعد عند من لم يشاهد ذلك فإياك أن تنكر شيئا من ~~عجائب يوم القيامة لمخالفته قياس ما فى الدنيا فإنك لو لم تكن قد شاهدت ~~عجائب الدنيا ثم عرضت عليك قبل المشاهدة لكنت أشد إنكارا لها فأحضر فى قلبك ~~صورتك وأنت واقف عاريا مكشوفا ذليلا مدحورا متحيرا مبهوتا منتظرا لما يجرى ~~عليك من القضاء بالسعادة أو بالشقاوة وأعظم هذه الحال فإنها عظيمة صفة ~~العرق # ثم تفكر فى ازدحام الخلائق واجتماعهم حتى ازدحم على الموقف أهل السموات ~~السبع والأرضين السبع من ملك وجن وإنس وشيطان ووحش وسبع وطير فأشرقت عليهم ~~الشمس وقد تضاعف حرها وتبدلت عما كانت عليه من خفة أمرها ثم أدنيت من رءوس ~~العالمين كقاب قوسين فلم يبق على الأرض ظل إلا ظل رب العالمين # ولم يمكن من الاستظلال به إلا المقربون فمن بين مستظل بالعرش وبين مضح ~~لحر الشمس قد صهرته بحرها واشتد كربه وغمه من وهجها ثم تدافعت الخلائق ودفع ~~بعضهم بعضا لشدة الزحام واختلاف الأقدام وانضاف إليه شدة الخجلة والحياء من ~~الافتضاح والاختزاء عند العرض على جبار السماء فاجتمع وهج الشمس وحر ~~الأنفاس واحتراق القلوب بنار الحياء والخوف ففاض العرق من أصل كل شعرة حتى ~~سال على صعيد القيامة ثم ارتفع على أبدانهم على قدر منازلهم عند الله ~~فبعضهم بلغ العرق ركبتيه وبعضهم حقوية وبعضهم إلى شحمة أذنيه وبعضهم كاد ~~يغيب فيه قال ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم يقوم الناس لرب ~~العالمين حتى يغيب أحدهم فى رشحه إلى أنصاف أذنيه + حديث ابن عمر يوم يقوم ~~الناس لرب العالمين حتى يغيب أحدهم فى رشحه إلى أنصاف أذنيه متفق عليه + ~~وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرق الناس يوم القيامة ~~حتى يذهب عرقهم فى الأرض سبعين باعا ويلجمهم ويبلغ أذقنهم + حديث أبى هريرة ~~يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم فى الأرض سبعين ذراعا الحديث أخرجاه ~~فى الصحيحين كما ذكره المصنف + كذا رواه البخارى ومسلم فى الصحيح وفى حديث ~~آخر قياما شاخصة أبصارهم أربعين سنة إلى السماء فيلجمهم العرق من شدة الكرب ~~+ حديث قياما شاخصة أبصارهم أربعين سنة إلى السماء يلجمهم العرق من شدة ~~الكرب أخرجه ابن عدي من حديث ابن مسعود وفيه أبو طيبة عيسى بن سليمان ~~الجرجاني ضعفه ابن معين وقال ابن عدي لا أظن أنه كان يتعمد الكذب لكن لعله ~~تشبه عليه + وقال عقبة بن عامر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تدنو ~~الشمس من الأرض يوم القيامة فيعرق الناس فمن الناس من يبلغ عرقه عقبه ومنهم ~~من يبلغ نصف ساقه ومنهم من يبلغ ركبته ومنهم من يبلغ فخذه ومنهم من يبلغ ~~خاصرته ومنهم من يبلغ فاه وأشار بيده فألجمها فاه ومنهم من يغطيه العرق ~~وضرب بيده على رأسه هكذا + حديث عقبة بن عامر تدنو الشمس من الأرض يوم ~~القيامة فيعرق الناس فمنهم من يبلغ عرقه عقبه الحديث رواه أحمد وفيه ابن ~~لهيعة + فتأمل يا مسكين فى عرق أهل المحشر وشدة كربهم وفيهم من ينادى فيقول ~~رب أرحنى من هذا الكرب والانتظار ولو إلى النار وكل ذلك ولم يلقوا بعد ~~حسابا ولا عقابا فإنك واحد منهم ولا تدرى إلى أين يبلغ بك العرق ~~PageV04P514 # واعلم أن كل عرق لم يخرجه التعب فى سبيل الله من حج وجهاد وصيام وقيام ~~وتردد فى قضاء حاجة مسلم وتحمل مشقة فى أمر بمعروف ونهى عن منكر فسيخرجه ~~الحياء والخوف فى صعيد القيامة ويطول فيه الكرب ولو سلم ابن آدم من الجهل ~~والغرور لعلم أن تعب العرق فى تحمل مصاعب الطاعات أهون أمرا وأقصر زمانا من ~~عرق الكرب والانتظار فى القيامة فإنه يوم عظيمة شدته طويلة مدته صفة طول ~~يوم القيامة # يوم تقف فيه الخلائق شاخصة أبصارهم منفطرة قلوبهم لا يكلمون ولا ينظر فى ~~أمورهم يقفون ثلمائة عام لا يأكلون فيه أكله ولا يشربون فيه شربة ولا يجدون ~~فيه روح نسيم قال كعب وقتادة يوم يقوم الناس لرب العلمين قال يقومون مقدار ~~ثلثمائة عام بل قال عبد الله بن عمرو تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه ~~الآية ثم قال كيف بكم إنه جمعكم الله كما تجمع النبل فى الكنانة خمسين ألف ~~سنة ولا ينظر إليكم + حديث ابن عمر تلا هذه الآية يوم يقوم الناس لرب ~~العالمين @QB@ ثم قال @QE@ كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل فى ~~الكنانة خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم قلت إنما هو عبد الله بن عمر ورواه ~~الطبرانى فى الكبير وفيه عبد الرحمن بن ميسرة ولم يذكر له ابن أبى حاتم ~~راويا غير ابن وهب ولهم غير عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمى أربعة هذا أحدهم ~~مصرى والثلاثة الآخرون شاميون + وقال الحسن ما ظنك بيوم قاموا فيه على ~~أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة لا يأكلون فيها أكلة ولا يشربون فيها شربة حتى ~~إذا انقطعت أعناقهم عطشا واحترقت أجوافهم جوعا انصرف بهم إلى النار فسقوا ~~من عين آنية قد آن حرها واشتد لفحها فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاقة لهم ~~به كلم بعضهم بعضا فى طلب من يكرم على مولاه ليشفع فى حقهم فلم يتعلقوا ~~بنبي إلا دفعهم وقال دعونى نفسى نفسى شغلنى أمرى عن أمر غيرى واعتذر كل ~~واحد بشدة غضب الله تعالى وقال قد غضب اليوم ربنا غضبا لم يغضب قبله مثله ~~ولا يغضب بعده مثله حتى يشفع نبينا صلى الله عليه وسلم لمن يؤذن له فيه لا ~~يملكون الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا فتأمل فى طول هذا اليوم ~~وشدة الانتظار فيه حتى يخف عليك انتظار الصبر عن المعاصى فى عمرك المختصر # واعلم أن من طال انتظاره فى الدنيا للموت لشدة مقاساته للصبر عن الشهوات ~~فإنه يقصر انتظاره فى ذلك اليوم خاصة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ~~سئل عن طول ذلك اليوم فقال والذى نفسى بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون ~~أهون عليه من الصلاة المكتوبة يصليها فى الدنيا + حديث سئل عن طول ذلك ~~اليوم فقال والذى نفسى بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من ~~الصلاة المكتوبة يصليها فى الدنيا أخرجه أبويعلى والبيهقى فى الشعب من حديث ~~أبى سعيد الخدرى وفيه ابن لهيعة وقد رواه ابن وهب عنعمرو بن الحارث بدل ابن ~~لهيعة وهو حسن ولأبى يعلى من حديث أبى هريرة بإسناد جيد يهون ذلك على ~~المؤمن كتدلى الشمس للغروب إلى أن تغرب ورواه البيهقى فى الشعب إلى أن قال ~~أظنه رفعه بلفظ إن الله ليخفف على من يشاء من عباده طوله كوقت صلاة مفروضة ~~+ فاجتهد أن تكون من أولئك المؤمنين فما دام يبقى لك نفس من عمرك فالأمر ~~إليك والاستعداد بيديك فاعمل فى أيام قصار لأيام طوال تربح ربحا لا منتهى ~~لسروره واستحقر عمرك بل عمر الدنيا وهو سبعة الآف سنة فإنك لو صبرت سبعة ~~الآف سنة مثلا لتخلص من يوم مقداره خمسون ألفا لكان ربحك كثيرا وتعبك يسيرا ~~صفة يوم القيامة ودواهيه وأساميه # فاستعد يا مسكين لهذا اليوم العظيم شأنه المديد زمانه القاهر سلطانه ~~القريب أوانه يوم ترى السماء فيه قد انفطرت والكواكب من هوله قد انتثرت ~~والنجوم الزواهر قد انكدرت والشمس قد كورت والجبال قد PageV04P515 سيرت ~~والعشار قد عطلت والوحوش قد حشرت والبحار قد سجرت والنفوس إلى الأبدان قد ~~زوجت والجحيم قد سعرت والجنة قد أزلفت والجبال قد نسفت والأرض قد مدت يوم ~~ترى الأرض قد زلزلت فيه زالزالها وأخرجت الأرض أثقالها يومئذ يصدر الناس ~~أشتاتا ليروا أعمالهم يوم تحمل الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت ~~الواقعة وانشقت السماء فهى يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك ~~فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية يوم تسير الجبال وترى ~~الأرض بارزة يوم ترج الأرض فيه رجا وتبس الجبال بسا فكانت هباء منبثا يوم ~~يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش يوم تذهل فيه كل ~~مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ~~ولكن عذاب الله شديد يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد ~~القهار يوم تنسف فيه الجبال نسفا فتترك قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا ~~أمتا يوم ترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب يوم تنشق فيه السماء ~~فتكون وردة كالدهان فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان يوم يمنع فيه ~~العاصى من الكلام ولا يسئل فيه عن الأجرام بل يؤخذ بالنواصى والأقدام يوم ~~تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه ~~أمدا بعيدا يوم تعلم فيه كل نفس ما أحضرت وتشهد ما قدمت وأخرت يوم تخرس فيه ~~الألسن وتنطق الجوارح يوم شيب ذكره سيد المرسلين إذ قال له الصديق رضى الله ~~عنه أراك قد شبت يا رسول الله قال شيبتنى هود وأخواتها + حديث شيبتنى هود ~~والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت أخرجه الترمذى وحسنه ~~والحاكم وصححه وقد تقدم + وهى الواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس ~~كورت فيا أيها القارىء العاجز إنما حظك من قراءتك أن تمجمج القرآن وتحرك به ~~اللسان ولو كنت متفكرا فيما تقرؤه لكنت جديرا بأن تنشق مرارتك مما شاب منه ~~شعر سيد المرسلين وإذا قنعت بحركة اللسان فقد حرمت ثمرة القرآن فالقيامة ~~أحد ما ذكر فيه وقد وصف الله بعض دواهيها وأكثر من أساميها لنقف بكثرة ~~أساميها على كثرة معانيها فليس المقصود بكثرة الأسامى تكرير الأسامى ~~والألقاب بل الغرض تنبيه أولى الألباب فتحت كل اسم من أسماء القيامة سر وفى ~~كل نعت من نعوتها معنى فاحرص على معرفة معانيها # ونحن الآن نجمع لك أساميها وهى يوم القيامة ويوم الحسرة ويوم الندامة ~~ويوم المحاسبة ويوم المساءلة ويوم المسابقة ويوم المناقشة ويوم المنافسة ~~ويوم الزلزلة ويوم الدمدمة ويوم الصاعقة ويوم الواقعة ويوم القارعة ويوم ~~الراجفة ويوم الرادفة ويوم الغاشية ويوم الداهية ويوم الآزفة ويوم الحاقة ~~ويوم الطامة ويوم الصاخة ويوم التلاق ويوم الفراق ويوم المساق ويوم القصاص ~~ويوم التناد ويوم الحساب ويوم المآب ويوم العذاب ويوم الفرار ويوم القرار ~~ويوم اللقاء ويوم البقاء ويوم القضاء ويوم الجزاء ويوم البلاء ويوم البكاء ~~ويوم الحشر ويوم الوعيد ويوم العرض ويوم الوزن ويوم الحق ويوم الحكم ويوم ~~الفصل ويوم الجمع ويوم البعث ويوم الفتح ويوم الخزى ويوم عظيم ويوم عقيم ~~ويوم عسير ويوم الدين ويوم اليقين ويوم النشور ويوم المصير ويوم النفخة ~~ويوم الصيحة ويوم الرجفة ويوم الرجة ويوم الزجرة ويوم السكرة ويوم الفزع ~~ويوم المنتهى ويوم الجزع ويوم المأوى ويوم الميقات ويوم الميعاذ ويوم ~~المرصاد ويوم القلق ويوم العرق ويوم الافتقار ويوم الانكار ويوم الانتشار ~~ويوم الانشقاق ويوم الوقوف ويوم الخروج ويوم الخلود ويوم التغابن ويوم عبوس ~~ويوم معلوم ويوم الساعة ويوم مشهود ويوم لا ريب فيه ويوم تبلى فيه السرائر ~~ويوم لا تجزى نفس عن نفس شيئا ويوم تشخص فيه الأبصار ويوم PageV04P516 لا ~~يغنى مولى عن مولى شيئا ويوم لا تملك نفس لنفس شيئا ويوم يدعون إلى نار ~~جهنم دعا ويوم يسحبون فى النار على وجوههم ويوم تقلب وجوههم فى النار ويوم ~~لا يجزى والد عن ولده ويوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه ويوم لا ينطقون ~~ولا يؤذن لهم فيعتذرون يوم لا مرد له من الله يوم هم بارزون ويوم هم على ~~النار يفتنون يوم لا ينفع مال ولا بنون يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم ~~اللعنة ولهم سوء الدار # يوم ترد فيه المعاذير وتبلى السرائر وتظهر الضمائر وتكشف الأستار # يوم تخشع فيه الأبصار وتسكن الأصوات ويقل فيه الالتفات وتبرز الخفيات ~~وتظهر الخطيئات يوم يساق العباد ومعهم الأشهاد ويشيب الصغير ويسكر الكبير ~~فيومئذ وضعت الموازين ونشرت الدواوين وبرزت الجحيم وأغلى الحميم وزفرت ~~النار ويئس الكفار وسعرت النيران وتغيرت الألوان وخرس اللسان ونطقت جوارح ~~الإنسان # فيا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم حيث أغلقت الأبواب وأرخيت الستور ~~واستترت عن الخلائق فقارفت الفجور فماذا تفعل وقد شهدت عليك جوارحك فالويل ~~كل الويل لنا معشر الغافلين يرسل الله لنا سيد المرسلين وينزل عليه الكتاب ~~المبين ويخبرنا بهذه الصفات من نعوت يوم الدين ثم يعرفنا غفلتنا ويقول ~~اقترب الناس حسابهم وهم فى غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا ~~استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم ثم يعرفنا قرب القيامة فيقول اقتربت ~~الساعة وانشق القمر إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا وما يدريك لعل الساعة ~~تكون قريبا ثم يكون أحسن أحوالنا أن نتخذ دراسة هذا القرآن عملا فلا نتدبر ~~معانيه ولا ننظر فى كثرة أوصاف هذا اليوم وأساميه ولا نستعد للتخلص من ~~دواهيه # فنعوذ بالله من هذه الغفلة إن لم يداركنا الله بواسع رحمته صفة المساءلة # ثم تفكر يا مسكين بعد هذه الأحوال فيما يتوجه عليك من السؤال شفاها من ~~غير ترجمان فتسئل عن القليل والكثير والنقير والقطمير فبينا أنت فى كرب ~~القيامة وعرقها وشدة عظائمها إذ نزلت ملائكة من رجاء السماء بأجسام عظام ~~وأشخاص ضخام غلاظ شداد أمروا أن يأخذوا بنواصى المجرمين إلى موقف العرض على ~~الجبار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله عز وجل ملكا ما بين شفرى ~~عينيه مسيرة مائة عام + حديث إن لله عز وجل ملكا ما بين شفرى عينيه مسيرة ~~مائة عام لم أره بهذا اللفظ + فما ظنك بنفسك إذا شاهدت مثلا هؤلاء الملائكة ~~أرسلوا إليك ليأخذوك إلى مقام العرض وتراهم على عظم أشخاصهم منكسرين لشدة ~~اليوم مستشعرين مما بدا من غضب الجبار على عباده وعند نزولهم لا يبقى نبى ~~ولا صديق ولا صالح إلا ويخرون لأذقانهم خوفا من أن يكونوا هم المأخوذين ~~فهذا حال المقربين فما ظنك بالعصاة المجرمين وعند ذلك يبادر اقوام من شدة ~~الفزع فيقولون للملائكة أفيكم ربنا وذلك لعظم موكبهم وشدة هيبتهم فتفزع ~~الملائكة من سؤالهم إجلالا لخالقهم عن أن يكون فيهم فنادوا بأصواتهم منزهين ~~لمليكهم عما توهمه أهل الأرض وقالوا سبحان ربنا ما هو فينا ولكنه آت من بعد ~~وعند ذلك تقوم الملائكة صفا محدقين بالخلائق من الجوانب وعلى جميعهم شعار ~~الذل والخضوع وهيئة الخوف والمهابة لشدة اليوم # وعند ذلك يصدق الله تعالى قوله @QB@ فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن ~~المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين @QE@ وقوله @QB@ فوربك لنسألنهم ~~أجمعين عما كانوا يعملون @QE@ فيبدأ سبحانه بالأنبياء @QB@ يوم يجمع الله ~~الرسل فيقول @QE@ PageV04P517 @QB@ ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت ~~علام الغيوب @QE@ فيا لشدة يوم تذهل فيه عقول الأنبياء وتنمحى علومهم من ~~شدة الهيبة إذ يقال لهم ما أجبتم وقد أرسلتم إلى الخلائق وكانوا قد علموا ~~فتدهش عقولهم فلا يدرون بماذا يجيبون فيقولون من شدة الهيبة لا علم لنا إنك ~~أنت علام الغيوب # وهم فى ذلك الوقت صادقون إذ طارت منهم العقول وانمحت العلوم إلى أن ~~يقويهم الله تعالى فيدعى نوح عليه السلام فيقال له هل بلغت فيقول نعم فيقال ~~لأمته هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير # ويؤتى بعيسى عليه السلام فيقول الله تعالى له @QB@ أأنت قلت للناس ~~اتخذوني وأمي إلهين من دون الله @QE@ فيبقى متشحطا تحت هيبة هذا السؤال ~~سنين فيالعظم يوم تقام فيه السياسة على الأنبياء بمثل هذا السؤال ثم تقبل ~~الملائكة فينادون واحدا واحدا يا فلان بن فلانة هلم إلى موقف العرض وعند ~~ذلك ترتعد الفرائص وتضطرب الجوارح وتبهت العقول ويتمنى أقوام أن يذهب بهم ~~إلى النار ولا تعرض قبائح أعمالهم على الجبار ولا يكشف سترهم على ملأ ~~الخلائق # وقبل الابتداء بالسؤال يظهر نور العرش @QB@ وأشرقت الأرض بنور ربها @QE@ ~~وايقن كل عبد بإقبال الجبار لمساءلة العباد وظن كل واحد أنه ما يراه أحد ~~سواه وأنه المأخوذ بالأخذ والسؤال دون من عداه فيقول الجبار سبحانه وتعالى ~~عند ذلك يا جبريل ائتى بالنار فيجىء لها جبريل ويقول يا جهنم أجيبي خالقك ~~ومليكك فيصادفها جبريل على غيظها وغضبها فلم يلبث بعد ندائها أن ثارت وفارت ~~وزفرت إلى الخلائق وشهقت وسمع الخلائق تغيظها وزفيرها وانتهضت خزنتها ~~متوثبة إلى الخلائق غضبا على من عصى الله تعالى وخالف أمره فأخطر ببالك ~~وأحضر فى قلبك حالة قلوب العباد وقد امتلأت فزعا ورعبا فتساقطوا جثيا على ~~الركب وولوا مدبرين يوم ترى كل أمة جاثية وسقط بعضهم على الوجوه منكبين ~~وينادى العصاة والظالمون بالويل والثبور وينادى الصديقون نفسى نفسى فبينما ~~هم كذلك إذ زفرت الناس زفرتها الثانية فتضاعف خوفهم وتخاذلت قواهم وظنوا ~~أنهم مأخوذون ثم زفرت الثالثة فتساقط الخلائق على وجوههم وشخصوا بأبصارهم ~~ينظرون من طرف خفى خاشع وانهضمت عند ذلك قلوب الظالمين فبلغت الحناجر ~~كاظمين وذهلت العقول من السعداء والأشقياء أجمعين # وبعد ذلك اقبل الله تعالى على الرسل وقال ماذا أجبتم فإذا رأوا ما قد ~~أقيم من السياسة على الأنبياء اشتد الفزع على العصاة ففر الوالد من ولده ~~والأخ من أخيه والزوج من زوجته وبقى كل واحد منتظرا لأمره ثم يؤخذ واحد ~~واحد فيسأله الله تعالى شفاها عن قليل عمله وكثيره وعن سره وعلانيته وعن ~~جميع جوارحه وأعضائه قال أبو هريرة قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم ~~القيامة فقال هل تضارون فى رؤية الشمس فى الظهيرة ليس دونها سحاب قالوا لا ~~قال فهل تضارون فى رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا لا قال ~~فوالذى نفسى بيده لا تضارون فى رؤية ربكم فيلقى العبد فيقول له ألم أكرمك ~~وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول العبد بلى ~~فيقول أظننت أنك ملاقى فيقول لا فيقول فأنا أنساك كما نسيتنى + حديث أبى ~~هريرة هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تضارون فى رؤية الشمس فى الظهيرة ليس ~~دونها سحاب الحديث متفق عليه دون قوله فيلقى العبد الخ فانفرد بها مسلم + ~~فتوهم نفسك يا مسكين وقد أخذت الملائكة بعضديك وأنت واقف بين يدى الله ~~تعالى يسألك شفاها فيقول لك ألم أنعم عليك بالشباب ففيماذا أبليته ألم أمهل ~~لك فى العمر ففيماذا أفنيته الم أرزقك المال فمن أين اكتسبته وفيماذا ~~أنفقته ألم أكرمك بالعلم فماذا عملت فيما علمت فكيف ترى حياءك وخجلتك وهو ~~يعد عليك إنعامه ومعاصيك وأياديه ومساويك فإن أنكرت شهدت عليك جوارحك قال ~~أنس رضى الله عنه كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم PageV04P518 فضحك ثم ~~قال أتدرون مم أضحك قلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطبة العبد ربه يقول يا ~~رب الم تجرنى من الظلم قال يقول بلى قال فيقول فإنى لا أجيز على نفسى إلا ~~شاهدا منى فيقول كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا قال ~~فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقى قال فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين ~~الكلام فيقول لأعضائه بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل + حديث أنس أتدرون مم ~~أضحك قلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطبة العبد ربه الحديث رواه مسلم + ~~فنعوذ بالله من الافتضاح على ملأ الخلق بشهادة الأعضاء إلا أن الله تعالى ~~وعد المؤمن بأن يستر عليه ولا يطلع عليه غيره # سأل ابن عمر رجل فقال له كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى ~~النجوى فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنو أحدكم من ربه حتى يضع ~~كنفه عليه فيقول عملت كذا وكذا فيقول نعم فيقول عملت كذا وكذا فيقول نعم ثم ~~يقول إنى سترتها عليك فى الدنيا وإنى أغفرها لك اليوم + حديث سأل ابن عمر ~~رجل فقال كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى النجوى الحديث ~~رواه مسلم + وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ستر على مؤمن عورته ~~ستر الله عورته يوم القيامة + حديث من ستر على مؤمن عورته ستر الله عورته ~~يوم القيامة تقدم + فهذا إنما يرجى لعبد مؤمن ستر على الناس عيوبهم واحتمل ~~فى حق نفسه تقصيرهم ولم يحرك لسانه بذكر مساويهم ولم يذكرهم فى غيبتهم بما ~~يكرهون لو سمعوه فهذا جدير بأن يجازى بمثله فى القيامة وهب أنه قد ستره عن ~~غيرك أليس قد قرع سمعك النداء إلى العرض فيكفيك تلك الروعة جزاء عن ذنوبك ~~إذ يؤخذ بناصيتك فتقاد وفؤادك مضطرب ولبك طائر وفرائصك مرتعدة وجوارحك ~~مضطربة ولونك متغير والعالم عليك من شدة الهول مظلم فقدر نفسك وأنت بهذه ~~الصفة تتخطى الرقاب وتخرق الصفوف وتقاد كما تقاد الفرس المجنوب وقد رفع ~~الخلائق إليك أبصارهم فتوهم نفسك أنك فى أيدى الموكلين بك على هذه الصفة ~~حتى انتهى بك إلى عرش الرحمن فرموك من أيديهم وناداك الله سبحانه وتعالى ~~بعظيم كلامه يا ابن آدم ادن منى فدنوت منه بقلب خافق محزون وجل وطرف خاشع ~~ذليل وفؤاد منكسر وأعطيت كتابك الذى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ~~فكم من فاحشة نسيتها فتذكرتها وكم من طاعة غفلت عن آفاتها فانكشف لك عن ~~مساويها فكم لك من خجل وجبن وكم لك من حصر وعجز فليت شعرى بأى قدم تقف بين ~~يديه وبأى لسان تجيب وبأى قلب تعقل ما تقول ثم تفكر فى عظم حياتك إذا ذكرك ~~ذنوبك شفاها إذ يقول يا عبدى أما استحييت منى فبارزتنى بالقبيح واستحييت من ~~خلقى فأظهرت لهم الجميل أكنت أهون عليك من سائر عبادي استخففت بنظرى إليك ~~فلم تكترت واستعظمت نظر غيرى ألم أنعم عليك فماذا غرك بى اظننت أنى لا أراك ~~وأنك لا تلقانى # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا ويسأله الله رب ~~العالمين ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان + حديث ما منكم من أحد إلا ويسأله ~~رب العالمين الحديث متفق عليه من حديث ابن عدي عن أبى حاتم بلفظ إلا سيكلمه ~~الحديث + وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقفن أحدكم بين يدي الله عز ~~وجل ليس بينه وبينه حجاب فيقول له ألم أنعم عليك ألم أوتك ما لا فيقول بلى ~~فيقول ألم أرسل إليك رسولا فيقول بلى ثم ينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ~~ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار فليتق أحدكم النار ولو بشق تمرة فإن لم ~~يجد فبكلمة طيبة + حديث ليقفن أحدكم بين يدي الله تعالى ليس بينه وبينه ~~ترجمان الحديث أخرجه البخارى من حديث عدي بن حاتم + وقاله ابن مسعود ما ~~منكم من أحد إلا سيخلو الله عز وجل به كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ثم ~~يقول يا ابن آدم ما غرك بى يا ابن آدم ما عملت فيما علمت يا ابن آدم ماذا ~~أجبت المرسلين يا ابن آدم ألم أكن رقيبا على عينك وأنت تنظر بها إلى ما لا ~~يحل PageV04P519 لك ألم أكن رقيبا على أذنيك وهكذا حتى عد سائر أعضائه وقال ~~مجاهد لا تزول قدما عبد يوم القيامة من بين يدي الله عز وجل حتى يسأله عن ~~أربع خصال عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل فيه وعن جسده فيما أبلاه وعن ~~ماله من أين اكتسبه وفيماذا أنفقه فأعظم يا مسكين بحيائك عند ذلك بخطرك ~~فإنك بين أن يقال لك سترتها عليك فى الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فعند ذلك ~~يعظم سرورك وفرحك ويغبطك الأولون والآخرون وإما أن يقال للملائكة خذوا هذا ~~العبد السوء فغلوه ثم الجحيم صلوه وعند ذلك لو بكت السموات والأرض عليك ~~لكان ذلك جديرا بعظم مصيبتك وشدة حسرتك على ما فرطت فيه من طاعة الله وعلى ~~ما بعت آخرتك من دنيا دنيئة لم تبق معك صفة الميزان # ثم لا تغفل عن الفكر فى الميزان وتطاير الكتب إلى الأيمان والشمائل فإن ~~الناس بعد السؤال ثلاث فرق @QB@ فرقة @QE@ ليس لهم حسنة فيخرج من النار عنق ~~أسود فيلقطهم لقط الطير الحب وينطوى عليهم ويلقيهم فى النار فتبتلعهم النار ~~وينادى عليهم شقاوة لا سعادة بعدها وقسم آخر لا سيئة لهم فينادى مناد ليقم ~~الحمادون لله على كل حال فيقومون ويسرحون إلى الجنة ثم يفعل ذلك بأهل قيام ~~الليل ثم بمن لم تشغله تجارة الدنيا ولا بيعها عن ذكر الله تعالى # وينادى عليهم سعادة لا شقاوة بعدها ويبقى قسم ثالث وهم الأكثرون خلطوا ~~عملا صالحا وآخر سيئا وقد يخفى عليهم ولا يخفى على الله تعالى ان الغالب ~~حسناتهم أو سيئاتهم ولكن يأبى الله إلا أن يعرفهم ذلك ليبين فضله عند العفو ~~وعدله عند العقاب فتتطاير الصحف والكتب منطوية على الحسنات والسيئات وينصب ~~الميزان وتشخص الأبصار إلى الكتب أتقع فى اليمين أو فى الشمال ثم إلى لسان ~~الميزان أيميل إلى جانب السيئات أو إلى جانب الحسنات وهذه حالة هائلة تطيش ~~فيها عقول الخلائق وروى الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رأسه فى ~~حجر عائشة رضي الله عنها فنعس فذكرت الآخرة فبكت حتى سال دمعها فنقط على خد ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتبه فقال ما يبكيك يا عائشة قالت ذكرت ~~الآخرة هل تذكرون أهليكم يوم القيامة قال والذى نفسى بيده فى ثلاث مواطن ~~فإن أحدا لا يذكر إلا نفسه إذا وضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر ابن ~~آدم أيخف ميزانه أم يثقل # وعند الصحف حتى ينظر أبيمينه يأخذ كتابه أو شماله وعند الصراط + حديث ~~الحسن أن عائشة ذكرت الآخرة فبكت الحديث وفيه فقال ما يبكيك يا عائشة قالت ~~ذكرت الآخرة هل تذكرون أهليكم يوم القيامة الحديث أخرجه أبو داود من رواية ~~الحسن أنها ذكرت النار فبكت فقال ما يبكيك دون كون رأسه صلى الله عليه وسلم ~~فى حجرها وأنه نعس وإسناده جيد + وعن أنس يؤتى بابن آدم يوم القيامة حتى ~~يوقف بين كفتى الميزان ويوكل به ملك فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع ~~الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا وإن خف ميزانه نادى بصوت يسمع ~~الخلائق شقى فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا # وعند خفه كفة الحسنات تقبل الزبانية وبأيديهم مقامع من حديد عليهم ثياب ~~من نار فيأخذون نصيب النار إلى النار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ~~يوم القيامة إنه يوم ينادى الله تعالى فيه آدم عليه السلام فيقول له قم يا ~~آدم فابعث بعث النار فيقول وكم بعث النار فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة ~~وتسعون فلما سمع الصحابة ذلك أبلسوا حتى ما أوضحوا بضاحكة فلما رأى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم ما عند أصحابه قال اعملوا وأبشروا فوالذى نفس محمد ~~بيده إن معكم لخليقتين ما كانتا مع أحد قط إلا كثرتاه مع من هلك من بنى آدم ~~وبنى إبليس قالوا وما هما يا رسول الله قال يأجوج ومأجوج قال فسرى عن القوم ~~فقال اعملوا وأبشروا فوالذى نفس PageV04P520 محمد بيده ما أنتم فى الناس ~~يوم القيامة إلا كالشامة فى جنب البعير أو كالرقمة فى ذراع الدابة + حديث ~~يقول الله يا آدم قم فابعث بعث النار فيقول وكم بعث النار فيقول من كل ألف ~~تسعمائة وتسع وتسعون الحديث متفق عليه من حديث أبى سعيد الخدرى ورواه ~~البخارى من حديث أبي هريرة نحوه وقد تقدم + صفة الخصماء ورد المظالم # قد عرفت هول الميزان وخطره وأن الأعين شاخصة إلى لسان الميزان فأما من ~~ثقلت موازينه فهو فى عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ~~ماهيه نار حامية واعلم أنه لا ينجو من خطر الميزان إلا من حاسب فى الدنيا ~~نفسه ووزن فيها بميزان الشرع أعماله وأقواله وخطراته ولحظاته كما قال عمر ~~رضى الله عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وإنما ~~حسابه لنفسه أن يتوب عن كل معصية قبل الموت توبة نصوحا ويتدارك ما فرط من ~~تقصيره فى فرائض الله تعالى ويرد المظالم حبة بعد حبة ويستحل كل من تعرض له ~~بلسانه ويده وسوء ظنه بقلبه وبطيب قلوبهم حتى يموت ولم يبق عليه مظلمة ولا ~~فريضة # فهذا يدخل الجنة بغير حساب وإن مات قبل رد المظالم أحاط به خصماؤه فهذا ~~يأخذ بيده وهذا يقبض على ناصيته وهذا يتعلق بلببه هذا يقول ظلمتنى وهذا ~~يقول شتمتنى وهذا يقول استهزأت بى وهذا يقول ذكرتنى فى الغيبة بما يسوءنى ~~وهذا يقول جاورتنى فأسأت جوارى وهذا يقول عاملتنى فغششتنى وهذا يقول ~~بايعتنى فغبنتنى وأخفيت عنى عيب سلعتك وهذا يقول كذبت فى سعر متاعك وهذا ~~يقول رأيتنى محتاجا وكنت غنيا فما أطعمتنى وهذا يقول وجدتنى مظلوما وكنت ~~قادرا على دفع الظلم عنى فداهنت الظالم وما راعيتنى فبينا أنت كذلك وقد ~~انشب الخصماء فيك مخالبهم وأحكموا فى تلابيبك أيديهم وأنت مبهوت متحير من ~~كثرتهم حتى لم يبق فى عمرك أحد عاملته على درهم أو جالسته فى مجلس إلا وقد ~~استحق عليك مظلمة بغيبة أو خيانة أو نظر بعين استحقار وقد ضعفت عن مقاومتهم ~~ومددت عنق الرجاء إلى سيدك ومولاك لعله يخلصك من أيديهم إذ قرع سمعك نداء ~~الجبار جل جلاله اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم فعند ذلك ينخلع ~~قلبك من الهيبة وتوقن نفسك بالبوار وتتذكر ما أنذرك الله تعالى على لسان ~~رسوله حيث قال ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم ~~تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعى رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ~~وأنذر الناس الآية # فما أشد فرحك اليوم بتمضمضك باعراض الناس ويناولك أموالهم وما أشد حسراتك ~~فى ذلك اليوم إذا وقف ربك على بساط العدل وشوفهت بخطاب السياسة وأنت مفلس ~~فقير عاجز مهين لا تقدر على أن ترد حقا أو تظهر عذرا فعند ذلك تؤخذ حسناتك ~~التى تعبت فيها عمرك وتنقل إلى خصمائك عوضا عن حقوقهم # قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تدرون من المفلس قلنا ~~المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا دينار ولا متاع قال المفلس من ~~أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتى وقد شتم هذا وقذف هذا ~~وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن ~~فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح فى ~~النار + حديث أبي هريرة هل تدرون من المفلس قالوا المفلس يا رسول الله من ~~لا درهم له ولا متاع الحديث تقدم + فانظر إلى مصيبتك فى مثل هذا اليوم إذ ~~ليس يسلم لك حسنة من آفات الرياء ومكايد الشيطان فإن سلمت حسنة واحدة فى كل ~~مدة طويلة ابتدرها خصماؤك وأخذوها ولعلك لو حاسبت نفسك وأنت مواظب على صيام ~~النهار وقيام الليل لعلمت أنه لا ينقضى عنك يوم إلا ويجرى PageV04P521 على ~~لسانك من غيبة المسلمين ما يستوفى جميع حسناتك فكيف ببقية السيئات من أكل ~~الحرام والشبهات والتقصير فى الطاعات وكيف ترجو الخلاص من المظالم في يوم ~~يقتص فيه للجماء من القرناء فقد روى أبو ذر أن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم رأى شاتين ينتطحان فقال يا أبا ذر أتدرى فيم ينتطحان قلت لا قال ولكن ~~الله يدرى وسيقضى بينهما يوم القيامة + حديث يا أبا ذر أتدرى فيم ينتطحان ~~قلت لا قال ولكن ربك يدرى وسيقضى بينهما أخرجه أحمد من رواية أشياخ لم ~~يسموا عن أبى ذر + # وقال أبو هريرة فى قوله عز وجل @QB@ وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير ~~بجناحيه إلا أمم أمثالكم @QE@ أنه يحشر الخلق كلهم يوم القيامة البهائم ~~والدواب والطير وكل شىء فيبلغ من عدل الله تعالى أن يأخذ للجماء من القرناء ~~ثم يقول كونى ترابا فذلك حين يقول الكافر يا ليتنى كنت ترابا فكنت أنت يا ~~مسكين فى يوم ترى صحيفتك خالية عن حسنات طال فيها تعبك فتقول أين حسناتى ~~فيقال نقلت إلى صحيفة خصمائك وترى صحيفتك مشحونة بسيئات طال فى الصبر عنها ~~نصبك واشتد بسبب الكف عنها عناؤك فتقول يا رب هذه سيئات ما قارفتها قط ~~فيقال هذه سيئات القوم الذين اغتبتهم وشتمتهم وقصدتهم بالسوء وظلمتهم فى ~~المبايعة والمجاورة والمخاطبة والمناظرة والمذاكرة والمدارسة وسائر أصناف ~~المعاملة # قال ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان قد يئس أن ~~تعبد الأصنام بأرض العرب ولكن سيرضى منكم بما هو دون ذلك بالمحقرات وهى ~~الموبقات فاتقوا الظلم ما استطعتم فإن العبد ليجىء يوم القيامة بأمثال ~~الجبال من الطاعات فيرى أنهن سينجينه فما يزال عبد يجىء فيقول رب إن فلانا ~~ظلمنى بمظلمة فيقول امح من حسناته فما يزال كذلك حتى لا يبقى من حسناته شىء ~~وإن مثل ذلك مثل سفر نزلوا بفلاة من الأرض ليس معهم حطب فتفرق القوم فحطبوا ~~فلم يلبثوا أن أعظموا نارهم وصنعوا ما أرادوا + حديث ابن مسعود إن الشيطان ~~قد أيس أن تعبد الأصنام بأرض العرب ولكن سيرضى منكم بما دون ذلك المحقرات ~~وهى الموبقات الحديث وفى آخره وإن مثل ذلك مثل سفر نزلوا بفلاة الحديث رواه ~~أحمد والبيهقى فى الشعب مقتصرا على آخره إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن ~~على الرجل حتى يهلكنه وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا ~~الحديث واسناده جيد فأما أول الحديث فرواه مسلم مختصرا من حديث جابر إن ~~الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون فى جزيرة العرب ولكن فى التحريش بينهم + ~~وكذلك الذنوب ولما نزل قوله تعالى @QB@ إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم ~~القيامة عند ربكم تختصمون @QE@ قال الزبير يا رسول الله أيكرر علينا ما كان ~~بيننا فى الدنيا مع خواص الذنوب قال نعم ليكررن عليكم حتى تؤدوا إلى كل ذى ~~حق حقه + حديث لما نزل قوله تعالى @QB@ إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم ~~القيامة عند ربكم تختصمون @QE@ قال الزبير يا رسول الله أيكرر علينا ما كان ~~بيننا الحديث أخرجه أحمد واللفظ له والترمذى من حديث الزبير وقال حسن صحيح ~~+ قال الزبير والله إن الأمر لشديد فأعظم بشدة يوم لا يسامح فيه بخطوة ولا ~~يتجاوز فيه عن لطمة ولا عن كلمة حتى ينتقم للمظلوم من الظالم قال أنس سمعت ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الله العباد عراة غبرا بهما قال ~~قلنا ما بهما قال ليس معهم شىء ثم يناديهم ربهم تعالى بصوت يسمعه من بعد ~~كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغى لأحد من أهل الجنة أن يدخل ~~الجنة ولأحد من أهل النار عليه مظلمة حتى أقتصه منه ولا لأحد من أهل النار ~~أن يدخل النار ولأحد من أهل الجنة عنده مظلمة حتى أقتصه منه حتى اللطمة ~~قلنا وكيف وإنما نأتي الله عز وجل عراة غبرا بهما فقال بالحسنات والسيئات + ~~حديث أنس يحشر العباد عراة غبرا بهما قلنا ما بهما قال ليس معهم شىء الحديث ~~قلت ليس من حديث أنس وإنما هو عبيد الله بن أنيس رواه أحمد بإسناد حسن وقال ~~غرلا مكان غبرا + فاتقوا الله عباد الله ومظالم العباد بأخذ أموالهم ~~PageV04P522 والتعرض لأعراضهم وتضييق قلوبهم وإساءة الخلق فى معاشرتهم فإن ~~ما بين العبد وبين الله خاصة فالمغفرة إليه أسرع ومن اجتمعت عليه مظالم وقد ~~تاب عنها وعسر عليه استحلال أرباب المظالم فليكثر من حسناته ليوم القصاص ~~ويسر ببعض الحسنات بينه وبين الله بكمال الإخلاص بحيث لا يطلع عليه إلا ~~الله فعساه يقربه ذلك إلى الله تعالى فينال به لطفه الذى ادخره لأحبابه ~~المؤمنين فى دفع مظالم العباد عنهم كما روى عن أنس عن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أنه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه يضحك ~~حتى بدت ثناياه فقال عمرا ما يضحكك يا رسول الله بأبى أنت وأمى قال رجلان ~~من أمتى جثيا بين يدى رب العزة فقال أحدهما يا رب خذلى مظلمتى من أخى فقال ~~الله تعالى أعط أخاك مظلمته قال يا رب لم يبق من حسناته شىء فقال الله ~~تعالى للطالب كيف تصنع ولم يبق من حسناته شىء قال يا رب يتحمل عنى من ~~أوزارى قال وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال إن ذلك ~~ليوم عظيم يوم يحتاج الناس إلى أن يحمل عنهم من أوزارهم قال فقال الله ~~للطالب ارفع رأسك فانظر فى الجنان فرفع رأسه فقال يا رب أرى مدائن من فضة ~~مرتفعة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأى نبى هذا أو لأى صديق هذا أو لأى ~~شهيد هذا قال لمن أعطانى الثمن قال يا رب ومن يملك ثمنه قال أنت تملكه قال ~~وما هو قال عفوك عن أخيك قال يا رب إنى قد عفوت عنه قال الله تعالى خذ بيد ~~أخيك فأدخله الجنة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك اتقوا الله ~~وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المؤمنين + حديث أنس بينما رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر ما أضحكك ~~يا رسول الله بأبى أنت وأمى قال رجلان من أمتى جثيا بين يدى رب العالمين ~~الحديث بطوله أخرجه ابن أبى الدنيا فى حسن الظن بالله والحاكم فى المستدرك ~~وقد تقدم + وهذا تنبيه على أن ذلك إنما ينال بالتخلق بأخلاق الله وهو إصلاح ~~ذات البين وسائر الأخلاق # فتفكر الآن فى نفسك إن خلت صحيفتك عن المظالم أو تلطف لك حتى عفا عنك ~~وأيقنت بسعادة الأبد كيف يكون سرورك فى منصرفك من مفصل الفضاء وقد خلع عليك ~~خلعة الرضا وعدت بسعادة ليس بعدها شقاء وبنعيم لا يدور بحواشيه الفناء وعند ~~ذلك طار قلبك سرورا وفرحا وابيض وجهك واستنار وأشرق كما يشرق القمر ليلة ~~البدر فتوهم تبخترك بين الخلائق رافعا رأسك خاليا عن الأوزار ظهرك ونضرة ~~نسيم النعيم وبرد الرضا يتلألأ من جبينك وخلق الأولين والآخرين ينظرون إليك ~~وإلى حالك ويغبطونك فى حسنك وجمالك والملائكة يمشون بين يديك ومن خلفك ~~وينادون على رءوس الأشهاد هذا فلان بن فلان رضى الله عنه وأرضاه وقد سعد ~~سعادة لا يشقى بعدها أبدا أفترى أن هذا المنصب ليس بأعظم من المكانة التى ~~تنالها فى قلوب الخلق فى الدنيا بريائك ومداهنتك وتصنعك وتزينك فإن كنت ~~تعلم أنه خير منه بل لانسبة له إليه فتوسل إلى إدراك هذه الرتبة بالإخلاص ~~الصافى والنية الصادقة فى معاملتك مع الله فلن تدرك ذلك إلا به # وإن تكن الأخرى والعياذ بالله بأن خرج من صحيفتك جريمة كنت تحسبها هينة ~~وهى عند الله عظيمة فمقتك لأجلها فقال عليك لعنتى يا عبد السوء لا أتقبل ~~منك عبادتك فلا تسمع هذا النداء إلا ويسود وجهك ثم تغضب الملائكة لغضب الله ~~تعالى فيقولون وعليك لعنتنا ولعنة الخلائق أجمعين وعند ذلك تنثال إليك ~~الزبانية وقد غضبت لغضب خالقها فأقدمت عليك بفظاظتها وزعارتها وصورها ~~المنكرة فأخذوا بناصيتك يسحبونك على وجهك على ملأ الخلق وهم ينظرون إلى ~~اسوداد وجهك وإلى ظهور خزيك وأنت تنادى بالويل والثبور وهم يقولون لك لا ~~تدع اليوم ثبورا واحدا وادع ثبورا كثيرا وتنادى الملائكة ويقولون هذا فلان ~~بن فلان PageV04P523 كشف الله عن فضائحه ومخازيه ولعنه بقبائح مساويه فشقى ~~شقاوة لا يسعد بعدها أبدا وربما يكون ذلك بذنب أذنبته خفية من عباد الله أو ~~طلبا للمكانة فى قلوبهم أو خوفا من الافتضاح عندهم فما أعظم جهلك إذ تحترز ~~عن الافتضاح عند طائفة يسيرة من عباد الله في الدنيا المنقرضة ثم لا تخشى ~~من الافتضاح العظيم فى ذلك الملأ العظيم مع التعرض لسخط الله وعقابه الأليم ~~والسياق بأيدى الزبانية إلى سواء الجحيم فهذه أحوالك وأنت لم تشعر بالخطر ~~الأعظم وهو خطر الصراط صفة الصراط # ثم تفكر بعد هذه الأهوال فى قول الله تعالى @QB@ يوم نحشر المتقين إلى ~~الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا @QE@ وفى قوله تعالى @QB@ ~~فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسؤولون @QE@ فالناس من بعد هذه ~~الأهوال يساقون إلى الصراط وهو جسر ممدود على متن النار أحد من السيف وأدق ~~من الشعر فمن استقام فى هذا العالم على الصراط المستقيم خف على صراط الآخرة ~~ونجا ومن عدل عن الاستقامة فى الدنيا وأثقل ظهره بالأوزار وعصى تعثر فى أول ~~قدم من الصراط وتردى فتفكر الآن فيما يحل من الفزع بفؤادك إذا رأيت الصراط ~~ودقته ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيظها ~~وقد كلفت أن تمشى على الصراط مع ضعف حالك واضطراب قلبك وتزلزل قدمك وثقل ~~ظهرك بالأوزار المانعة لك عن المشى على بساط الأرض فضلا عن حدة الصراط فكيف ~~بك إذا وضعت عليه إحدى رجليك فأحسست بحدته واضطررت إلى أن ترفع القدم ~~الثانية والخلائق بين يديك يزلون ويتعثرون وتتنازلهم زبانية النار ~~بالخطاطيف والكلاليب وانت تنظر إليهم كيف يتنكسون فتتسفل إلى جهة النار ~~رءوسهم وتعلوا أرجلهم فياله من منظر ما أفظعه ومرتقى ما أصعبه ومجاز ما ~~أضيقه فانظر إلى حالك وأنت تزحف عليه وتصعد إليه وأنت مثقل الظهر بأوزارك ~~تلتفت يمينا وشمالا إلى الخلق وهم يتهافتون فى النار والرسول عليه السلام ~~يقول يا رب سلم سلم والزعقات بالويل والثبور قد ارتفعت إليك من قعر جهنم ~~للكثرة من زل عن الصراط من الخلائق فكيف بك لو زلت قدمك ولم ينفعك ندمك ~~فناديت بالويل والثبور وقلت هذا ما كنت أخافه فياليتنى قدمت لحياتى يا ~~ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتا ليتنى لم اتخذ فلانا خليلا يا ليتنى ~~كنت ترابا يا ليتنى كنت نسيا منسيا يا ليت أمى لم تلدنى وعند ذلك تختطفك ~~النيران والعياذ بالله وينادى المنادى @QB@ اخسؤوا فيها ولا تكلمون @QE@ ~~فلا يبقى سبيل إلا الصياح والأنين والتنفس والاستغاثة فكيف ترى الآن عقلك ~~وهذه الأخطار بين يديك فإن كنت غير مؤمن بذلك فما أطول مقامك مع الكفار فى ~~دركات جهنم وإن كنت به مؤمنا وعنه غافلا وبالاستعداد له متهاونا فما أعظم ~~خسرانك وطغيانك وماذا ينفعك إيمانك إذا لم يبعثك على السعى فى طلب رضا الله ~~تعالى بطاعته وترك معاصيه فلو لم يكن بين يديك إلا هول الصراط وارتياع قلبك ~~من خطر الجواز عليه وإن سلمت فناهيك به هولا وفزعا ورعبا قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يضرب الصراط بين ظهرانى جهنم فأكون أول من يجيز بأمته من ~~الرسل ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم اللهم سلم ~~وفى جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان قالوا نعم يا رسول ~~الله قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله تعالى ~~تختطف الناس بأعمالهم فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يخردل ثم ينجو + حديث ~~ينصب الصراط بين ظهرى جهنم فأكون أول من يجيز متفق عليه من حديث أبى هريرة ~~فى أثناء حديث طويل + وقال أبو سعيد الخدري قال رسول الله PageV04P524 صلى ~~الله عليه وسلم يمر الناس على جسر جهنم وعليه حسك وكلاليب وخطاطيف تختطف ~~الناس يمينا وشمالا وعلى جنبتيه ملائكة يقولون اللهم سلم اللهم سلم فمن ~~الناس من يمر مثل البرق ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كالفرس المجرى ~~ومنهم من يسعى سعيا ومنهم من يمشى مشيا ومنهم من يحبو حبوا ومنهم من يزحف ~~زحفا فأما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون ولا يحيون وأما ناس فيؤخذون ~~بذنوب وخطايا فيحترقون فحما ثم يؤذن فى الشفاعة + حديث أبى سعيد يحشر الناس ~~على جسر جهنم وعليه حسك وكلاليب وخطاطيف الحديث متفق عليه مع اختلاف ألفاظ ~~+ وذكر إلى آخر الحديث وعن ابن مسعود رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم ~~قال يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة ~~أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء وذكر الحديث إلى أن ذكر وقت سجود ~~المؤمنين قال ثم يقول للمؤمنين ارفعوا رءوسكم فيرفعون رءوسهم فيعطيهم نورهم ~~على قدر أعمالهم فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه ومنهم ~~من يعطى نوره أصغر من ذلك ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة ومنهم من يعطى ~~نوره أصغر من ذلك حتى يكون آخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدمه فيضىء مرة ~~ويخبو مرة فإذا أضاء قدم قدمه فمشى وإذا أظلم قام ثم ذكر مرورهم على الصراط ~~على قدر نورهم فمنهم من يمر كطرف العين ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر ~~كالسحاب ومنهم من يمر كانقضاض الكواكب ومنهم من يمر كشد الفرس ومنهم من يمر ~~كشد الرجل حتى يمر الذى أعطى نوره على إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ~~ورجليه تجر منه يد وتعلق أخرى وتعلق رجل وتجر أخرى وتصيب جوانبه النار قال ~~فلا يزال كذلك حتى يخلص فإذا خلص وقف عليها ثم قال الحمد لله لقد أعطانى ~~الله ما لم يعط أحدا إذ نجانى منها بعد إذ رأيتها فينطلق به إلى غدير عند ~~باب الجنة فيغتسل + حديث ابن مسعود يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم ~~معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء قال ~~وذكر الحديث إلى ذكر سجود المؤمنين الحديث بطوله رواه ابن عدي والحاكم وقد ~~تقدم بعضه مختصرا + وقال أنس بن مالك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول الصراط كحد السيف أو كحد الشعرة وإن الملائكة ينجون المؤمنين ~~والمؤمنات وإن جبريل عليه السلام لآخذ بحجزتى وإنى لأقول يا رب سلم سلم ~~فالزالون والزالات يومئذ كثير + حديث أنس الصراط كحد السيف أو كحد الشعرة ~~الحديث أخرجه البيهقى فى الشعب وقال هذا إسناد وضعيف قال وروى عن زياد ~~النميرى عن أنس مرفوعا الصراط كحد الشعرة أو كحد السيف قال وهى رواية صحيحة ~~انتهى ورواه أحمد + # فهذه أهوال الصراط وعظائمه فطول فيه فكرك فإن أسلم الناس من أهوال يوم ~~القيامة من طال فيها فكره فى الدنيا فإن الله لا يجمع بين خوفين على عبد ~~فمن خاف هذه الأهوال فى الدنيا أمنها فى الآخرة ولست أعنى بالخوف رقة كرقة ~~النساء تدمع عينك ويرق قلبك حال السماع ثم تنساه على القرب وتعود إلى لهوك ~~ولعبك فماذا من الخوف فى شىء بل من خاف شيئا هرب منه ومن رجا شيئا طلبه فلا ~~ينجيك إلا خوف يمنعك عن معاصى الله تعالى ويحثك على طاعته وابعد من رقة ~~النساء خوف الحمقى إذا سمعوا الأهوال سبق إلى ألسنتهم الاستعاذة فقال أحدهم ~~استعنت بالله نعوذ بالله اللهم سلم سلم وهم مع ذلك مصرون على المعاصى التى ~~هى سبب هلاكهم فالشيطان يضحك من استعاذتهم كما يضحك على من يقصده سبع ضار ~~فى صحراء ووراءه حصن فإذا رأى أنياب السبع وصولته من بعد قال بلسانه أعوذ ~~بهذا الحصن الحصين وأستعين بشدة بنيانه وإحكام أركانه فيقول ذلك بلسانه وهو ~~قاعد فى مكانه فأنى يغنى عنه ذلك من السبع وكذلك أهوال الآخرة ليس لها حصن ~~إلا قول لا إله إلا الله صادقا ومعنى صدقه أن لا يكون له مقصود سوى الله ~~تعالى ولا معبود غيره ومن اتخذ إلهه هواه فهو PageV04P525 بعيد من الصدق فى ~~توحيده وأمره مخطر فى نفسه فإن عجزت عن ذلك كله فكن محبا لرسول الله صلى ~~الله عليه وسلم حريصا على تعظيم سننه ومتشوقا إلى مراعاة قلوب الصالحين من ~~أمته ومتبركا بأدعيتهم فعساك أن تنال من شفاعته أو شفاعتهم فتنجو بالشفاعة ~~إن كنت قليل البضاعة صفة الشفاعة # اعلم أن إذا حق دخول النار على طوائف من المؤمنين فإن الله تعالى بفضله ~~يقبل فيهم شفاعة الأنبياء والصديقين بل شفاعة العلماء والصالحين وكل من له ~~عند الله تعالى جاه وحسن معاملة فإن له شفاعة فى أهله وقرابته وأصدقائه ~~ومعارفه فكن حريصا على أن تكتسب لنفسك عندهم رتبة الشفاعة وذلك بأن لا تحقر ~~آدميا أصلا فإن الله تعالى خبأ ولايته فى عباده فلعل الذى تزدريه عينك هو ~~ولى الله ولا تستصغر معصية أصلا فإن الله تعالى خبأ غضبه فى معاصيه فلعل ~~مقت الله فيه ولا تستحقر أصلا طاعة فإن الله تعالى خبأ رضاه فى طاعته فلعل ~~رضاه فيه ولو الكلمة الطيبة أو النية الحسنة أو ما يجرى مجراه # وشواهد الشفاعة فى القرآن والأخبار كثيرة قال الله تعالى @QB@ ولسوف ~~يعطيك ربك فترضى @QE@ روى عمرو ابن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~تلا قول إبراهيم عليه السلام @QB@ رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني ~~فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم @QE@ وقول عيسى عليه السلام @QB@ إن ~~تعذبهم فإنهم عبادك @QE@ ثم رفع يديه وقال أمتى أمتى ثم بكى فقال الله عز ~~وجل يا جبريل اذهب إلى محمد فسله ما يبكيك فأتاه جبريل فسأله فأخبره والله ~~أعلم به فقال يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك فى أمتك ولا نسوءك ~~+ حديث عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيم صلى ~~الله عليه وسلم @QB@ رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن ~~عصاني فإنك غفور رحيم @QE@ وقول عيسى صلى الله عليه وسلم @QB@ إن تعذبهم ~~فإنهم عبادك @QE@ ثم رفع يديه ثم قال أمتى أمتى ثم بكى الحديث وفيه يا ~~جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك ولا نسوءك فى أمتك قلت ليس هو من حديث ~~عمرو بن العاص وإنما هو من حديث ابنه عبد الله بن عمرو بن العاص كما رواه ~~مسلم ولعله سقط من الإحياء ذكر عبد الله من بعض النساخ + وقال صلى الله ~~عليه وسلم أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبل نصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لى ~~الغنائم ولم تحل لأحد قبلى وجعلت لى الأرض مسجدا وترابها طهورا فأيما رجل ~~من أمتى أدركته الصلاة فليصل وأعطيت الشفاعة وكل نبى بعث إلى قومه خاصة ~~وبعثت إلى الناس عامة + حديث أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي الحديث وفيه ~~وأعطيت الشفاعة متفق عليه من حديث جابر إذا كان يوم القيامة كنت إمام ~~النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم من غير فخر أخرجه الترمذى وابن ماجه من حديث ~~أبى بن كعب قال الترمذى حسن صحيح + وقال صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم ~~القيامة كنت إمام النبين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم من غير فخر وقال صلى الله ~~عليه وسلم أنا سيد ولد آدم ولا فخر وأنا أول من تنشق الأرض عنه وأنا أول ~~شافع وأول مشفع بيدى لواء الحمد تحته آدم فمن دونه + حديث أنا سيد ولد آدم ~~ولا فخر الحديث أخرجه الترمذى وقال حسن وابن ماجه من حديث أبى سعيد الخدري ~~+ وقال صلى الله عليه وسلم لكل نبى دعوة مستجابة فأريد أن أختبىء دعوتى ~~شفاعة لأمتى يوم القيامة + حديث لكل نبى دعوة مستجابة فأريد أن أختبىء ~~دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة متفق عليه من حديث أنس ورواه مسلم من حديث ~~أبى هريرة + وقال ابن عباس رضى الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم ينصب للأنبياء منابر من ذهب فيجلسون عليها ويبقى منبرى لا أجلس عليه ~~قائما بين يدى ربى منتصبا مخافة أن يبعث بى إلى الجنة وتبقى أمتى بعدي ~~فأقول يا رب أمتى فيقول الله عز وجل يا محمد وما تريد أن أصنع بأمتك فاقول ~~يا رب عجل حسابهم فما أزال أشفع حتى أعطى صكاكا برجال قد بعث بهم ~~PageV04P526 إلى النار وحتى إن مالكا خازن النار يقول يا محمد ما تركت ~~للنار لغضب ربك فى أمتك من بقية + حديث ابن عباس ينصب للأنبياء منابر من ~~ذهب يجلسون عليها ويبقى منبرى لا أجلس عليه قائما بين يدي ربى منتصبا ~~الحديث أخرجه الطبراني فى الأوسط وفى إسناده محمد بن ثابت والبنانى ضعيف + ~~وقال صلى الله عليه وسلم إنى لأشفع يوم القيامة لأكثر مما على وجه الأرض من ~~حجر ومدر + حديث إنى لأشفع يوم القيامة لأكثر مما على وجه الأرض من حجر ~~ومدر أخرجه أحمد والطبرانى من حديث بريدة بسند حسن + وقال أبو هريرة أتى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهش منها ~~نهشة ثم قال أنا سيد المرسلين يوم القيامة وهل تدرون مم ذلك يجمع الله ~~الأولين والآخرين فى صعيد واحد يسمعهم الداعى وينفذهم البصر وتدنو الشمس ~~فبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس بعضهم ~~لبعض ألا ترون ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض ~~الناس لبعض عليكم بآدم عليه السلام فيأتون آدم فيقولون له أنت أبو البشر ~~خلقك الله تعالى بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا ~~إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول لهم آدم عليه السلام ~~إن ربى قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وإنه قد ~~نهانى عن الشجرة فعصيته نفسى نفسى اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى نوح فيأتون ~~نوحا عليه السلام فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك ~~الله عبدا شكورا اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه فيقول إن ربى قد غضب ~~اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وإنه قد كانت لى دعوة ~~دعوتها على قومى نفسى نفسى اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى إبراهيم خليل الله ~~فيأتون إبراهيم خليل الله عليه السلام فيقولون أنت نبى الله وخليله من أهل ~~الأرض أشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه فيقول لهم إن ربى قد غضب اليوم ~~غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وإنى كنت كذبت ثلاث كذبات ~~ويذكرها نفسى نفسى اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى عليه ~~السلام فيقولون يا 4 موسى أنت رسول الله فضلك برسالته وبكلامه على الناس ~~اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه فيقول إن ربى قد غضب اليوم غضبا لم ~~يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنى قتلت نفسا لم أومر بقتلها نفسى ~~نفسى اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى عيسى عليه السلام فيأتون عيسى فيقولون يا ~~عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس فى المهد ~~اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه فيقول عيسى عليه السلام إن ربى غضب ~~اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبا نفسى نفسى ~~اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيأتون فيقولون يا ~~محمد أنت رسول الله وخاتم النبيين وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ~~اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه فأنطلق فآتى تحت العرش فأقع ساجدا ~~لربى ثم يفتح الله لى من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد ~~قبلى ثم يقال يا محمد ارفع رأسك سل تعط واشفع تشفع فأرفع رأسى فأقول أمتى ~~أمتى يا رب فقال يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من ~~أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ثم قال والذى نفسى ~~بيده إن بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير أو كما بين مكة ~~وبصرى + حديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بلحم فرفع إليه ~~الذراع وكان يعجبه فنهش منها نهشه ثم قال أنا سيد الناس الحديث بطوله فى ~~الشفاعة قال وفى حديث آخر هذا السياق مهع ذكر خطايا إبراهيم متفق عليه وهذه ~~الرواية الثانية أخرجها مسلم + وفى حديث آخر # هذا السياق بعينه مع ذكر خطايا إبراهيم وهو قوله فى الكواكب هذا ربى ~~وقوله لآلهتهم بل فعله كبيرهم هذا وقوله PageV04P527 إنى سقيم # فهذه شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولآحاد أمته من العلماء ~~والصالحين شفاعة أيضا حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الجنة ~~بشفاعة رجل من أمتى أكثر من ربيعة ومضر + حديث يدخل الجنة بشفاعة رجل من ~~أمتى أكثر من ربيعة ومضر رويناه فى جزء أبى عمر بن السماك من حديث أبى ~~أمامة إلا أنه قال مثل أحد الحيين ربيعة ومضر وفيه فكأن المشيخة يرون أن ~~ذلك الرجل عثمان بن عفان واسناده حسن وللترمذى وابن ماجة والحاكم من حديث ~~عبد الله بن أبى الجدعا يدخل الجنة بشفاعة الرجل من أمتى أكثر من بنى تميم ~~قالوا سواك قال سواى قال الترمذى حسن صحيح وقال الحاكم صحيح قيل أراد ~~بالرجل أويسا + وقال صلى الله عليه وسلم يقال للرجل قم يا فلان فاشفع فيقوم ~~الرجل فيشفع للقبيلة ولأهل البيت وللرجل والرجلين على قدر عمله + حديث يقال ~~للرجل قم يا فلان فاشفع فيقوم يشفع للقبيلة ولأهل البيت وللرجل والرجلين ~~على قدر عمله أخرجه الترمذى من حديث أبى سعيد أن من أمتى من يشفع للفئام ~~ومنهم من يشفع للقبيلة الحديث وقال حسن وللبزار من حديث أنس أن الرجل ليشفع ~~للرجلين والثلاثة + وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رجلا من ~~أهل الجنة يشرف يوم القيامة على أهل النار فيناديه رجل من أهل النار ويقول ~~يا فلان هل تعرفنى فيقول لا والله ما أعرفك من أنت فيقول أنا الذى مررت بى ~~فى الدنيا فاستسقيتنى شربة ماء فسقيتك قال قد عرفت قال فاشفع لى بها عند ~~ربك فيسأل الله تعالى ذكره ويقول إنى أشرفت على أهل النار فنادانى رجل من ~~أهلها فقال هل تعرفنى فقلت لا من أنت فقال أنا الذى استسقيتنى فى الدنيا ~~فسقيتك فاشفع لى عند ربك فشفعنى فيه فيشفعه الله فيه فيؤمر به فيخرج من ~~النار + حديث أنس أن رجلا من أهل الجنة يشرف يوم القيامة على أهل النار ~~فيناديه رجل من أهل النار ويقول يا فلان هل تعرفنى فيقول لا والله ما أعرفك ~~من أنت فيقول أنا الذى مررت بى فى الدنيا يوما فاستسقيتنى شربة فسقيتك ~~الحديث فى شفاعته فيه واخراجه من النار أخرجه أبو منصور الديلمي فى مسند ~~الفردوس بسند ضعيف + وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أول ~~الناس خروجا إذا بعثوا وأنا خطيبهم إذا وفدوا وأنا مبشرهم إذا يئسوا لواء ~~الحمد يومئذ بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربى ولا فخر + حديث أنس أنا أول ~~الناس خروجا إذا بعثوا الحديث أخرجه الترمذى وقال حسن غريب + وقال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم إنى أقوم بين يدى ربى عز وجل فأكسى حلة من حلل ~~الجنة ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيرى + ~~حديث فأكسى حلة من حلل الجنة ثم أقوم عن يمين العرش الحديث أخرجه الترمذى ~~من حديث أبى هريرة وقال حسن غريب صحيح + وقال ابن عباس رضى الله عنهما جلس ~~ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه فخرج حتى إذا دنا منهم ~~سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم عجبا إن الله عز وجل اتخذ من خلقه ~~خليلا اتخذ إبراهيم خليلا وقال آخر ماذا بأعجب من كلام موسى كلمه تكليما ~~وقال آخر فعيسى كلمه الله وروحه وقال آخر آدم اصطفاه الله فخرج عليهم صلى ~~الله عليه وسلم فسلم وقال قد سمعت كلامكم وتعجبكم إن إبراهيم خليل الله وهو ~~كذلك وموسى نجى الله وهو كذلك وعيسى روح الله وكلمته وهو كذلك وآدم اصطفاه ~~الله تعالى وهو كذلك ألا وأنا حبيب الله ولا فخر وأنا حامل لواء الحمد يوم ~~القيامة ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من ~~يحرك حلق الجنة فيفتح الله لى فأدخلها ومعى فقراء المؤمنين ولا فخر وأنا ~~أكرم الأولين والآخرين ولا فخر + حديث ابن عباس جلس ناس من أصحاب رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ينتظرونه فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع ~~حديثهم فقال بعضهم عجبا إن الله اتخذ من خلقه خليلا اتخذ إبراهيم خليلا ~~الحديث رواه الترمذى وقال غريب + صفة الحوض # اعلم أن الحوض مكرمة عظيمة خص الله بها نبينا صلى الله عليه وسلم وقد ~~اشتملت الأخبار على وصفه ونحن PageV04P528 نرجو أن يرزقنا الله تعالى فى ~~الدنيا علمه وفى الآخرة ذوقه فإن من صفاته أن من شرب منه لم يظمأ أبدا قال ~~أنس أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة فرفع رأسه متبسما فقالوا له ~~يا رسول الله لم ضحكت فقال آية أنزلت على آنفا وقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ~~إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها ثم قال هل تدرون ما الكوثر قالوا الله ورسوله ~~أعلم قال إنه نهر وعدنيه ربى عز وجل فى الجنة عليه خير كثير عليه حوض ترد ~~عليه أمتى يوم القيامة آنيته عدد نجوم السماء + حديث أنس أغفى رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إغفاءة فرفع رأسه متبسما فقالوا له يا رسول الله لم ~~ضحكت فقال آية نزلت على آنفا وقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك ~~الكوثر رواه مسلم + وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما أنا ~~أسير فى الجنة إذا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف قلت ما هذا يا جبريل قال ~~هذا الكوثر الذى أعطاك ربك فضرب الملك بيده فإذا طينه مسك أذفر + حديث أنس ~~بينما أنا أسير فى الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف الحديث ~~أخرجه الترمذى وقال حسن صحيح ورواه البخارى من قول أنس لما عرج بالنبي صلى ~~الله عليه وسلم إلى السماء الحديث وهو مرفوع وإن لم يكن صرح به عن النبي ~~صلى الله عليه وسلم + وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين ~~لابتى حوضى مثل ما بين المدينة وصنعاء أو مثل ما بين المدينة وعمان + حديث ~~أنس ما بين لابنى حوضى مثل ما بين المدينة وصنعاء أو مثل ما بين المدينة ما ~~بين المدينة وعمان رواه مسلم + وروى ابن عمر أنه لما نزل قوله تعالى @QB@ ~~إنا أعطيناك الكوثر @QE@ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نهر فى الجنة ~~حافتاه من ذهب شرابه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأطيب ريحا من ~~المسك يجرى على جنادل اللؤلؤ والمرجان + حديث ابن عمر لما نزل قوله تعالى ~~@QB@ إنا أعطيناك الكوثر @QE@ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نهر فى ~~الجنة حافتاه من ذهب الحديث أخرجه الترمذى مع اختلاف لفظ وقال حسن صحيح ~~ورواه الدارمى فى مسنده وهو أقرب إلى لفظ المصنف + وقال ثوبان مولى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حوضى ما بين ~~عدن إلى عمان البلقان ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأكوابه عدد ~~نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا أول الناس ورودا عليه ~~فقراء المهاجرين فقال عمر بن الخطاب ومن هم يا رسول الله قال هم الشعث ~~رءوسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد + ~~حديث ثوبان إن حوضى ما بين عدن إلى عمان البلقاء الحديث أخرجه الترمذى وقال ~~غريب وابن ماجه + فقال عمر بن عبد العزيز والله لقد نكحت المتنعمات فاطمة ~~بنت عبد الملك وفتحت لى أبواب السدد إلا أن يرحمنى الله لا جرم لا أدهن ~~رأسى حتى يشعث ولا أغسل ثوبى الذى على جسدى حتى يتسخ وعن أبى ذر قال قلت يا ~~رسول الله ما آنية الحوض قال والذى نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم ~~السماء وكواكبها فى الليلة المظلمة المضحية من شرب منه لم يظمأ آخر ما عليه ~~يشخب فيه ميزابان من الجنة عرضه مثل طوله ما بين عمان وأيلة ماؤه أشد بياضا ~~من اللبن وأحلى من العسل + حديث أبى ذر قلت يا رسول الله ما آنية الحوض قال ~~والذى نفسى بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء الحديث رواه مسلم + وعن ~~سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لكل نبى حوضا وإنهم يتباهون ~~أيهم أكثر واردة وإنى لأرجو أن أكون أكثرهم واردة + حديث سمرة إن لكل نبى ~~حوضا وإنهم ليتباهون أيهم أكثر واردة الحديث أخرجه الترمذى وقال غريب قال ~~روى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ~~مرسلا ولم يذكر فيه عن سمرة وهو أصح + فهذا رجاء رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فليرج كل عبد أن يكون فى جملة الواردين وليحذر أن يكون متمنيا ومغترا ~~وهو يظن أنه راج فإن الراجى للحصاد من بث البذر ونقى الأرض وسقاها الماء ثم ~~جلس يرجو فضل الله بالإنبات ودفع الصواعق إلى أوان الحصاد فأما من ترك ~~الحراثة أو الزراعة وتنقية الأرض وسقيها وأخذ يرجو من فضل الله أن ينبت له ~~الحب والفاكهة فهذ مغتر ومتمن PageV04P529 وليس من الراجين فى شىء وهكذا ~~رجاء أكثر الخلق وهو غرور الحمقى نعوذ بالله من الغرور والغفلة فإن ~~الاغترار بالله أعظم من الاغترار بالدنيا قال الله تعالى @QB@ فلا تغرنكم ~~الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور @QE@ # | القول فى صفة جهنم وأهوالها وأنكالها # يا أيها الغافل عن نفسه المغرور بما هو فيه من شواغل هذه الدنيا المشرفة ~~على الانقضاء والزوال دع التفكر فيما أنت مرتحل عنه واصرف الفكر إلى موردك ~~فإنك أخبرت بأن النار مورد للجميع إذ قيل @QB@ وإن منكم إلا واردها كان على ~~ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا @QE@ فأنت من ~~الورود على يقين ومن النجاة فى شك فاستشعر فى قلبك هول ذلك المورد فعساك ~~تستعد للنجاة منه وتأمل فى حال الخلائق وقد قاسوا من دواهى القيامة ما ~~قاسوا فبينما هم فى كربها وأهوالها وقوفا ينتظرون حقيقة أنبائها وتشفيع ~~شفعائها إذ أحاطت بالمجرمين ظلمات ذات شعب وأظلت عليهم نار ذات لهب وسمعوا ~~لها زفيرا وجرجرة تفصح عن شدة الغيظ والغضب فعند ذلك أيقن المجرمون بالعطب ~~وجثت الأمم على الركب حتى أشفق البرءاء من سوء المنقلب وخرج المنادى من ~~الزبانية قائلا أين فلان بن فلان المسوف نفسه فى الدنيا بطول الأمل المضيع ~~عمره فى سوء العمل فيبادرونه بمقامع حديد ويستقبلونه بعظائم التهديد ~~ويسوقونه إلى العذاب الشديد وينكسونه فى قعر الجحيم ويقولون له @QB@ ذق إنك ~~أنت العزيز الكريم @QE@ فأسكنوا دارا ضيقة الأرجاء مظلمة المسالك مبهمة ~~المهالك يخلد فيها الأسير ويوقد فيها السعير شرابهم فيها الحميم ومستقرهم ~~الجحيم الزبانية تقمعهم والهاوية تجمعهم أمانيهم فيها الهلاك وما لهم منها ~~فكاك قد شدت أقدامهم إلى النواصى واسودت وجوههم من ظلمة المعاصى ينادون من ~~أكنافها ويصيحون فى نواحيها وأطرافها يا مالك قد حق علينا الوعيد يا مالك ~~قد أثقلنا الحديد يا مالك قد نضجت منا الجلود يا مالك أخرجنا منها فإنا لا ~~نعود فتقول الزبانية هيهات لات حين أمان ولا خروج لكم من دار الهوان ~~فاخسئوا فيها ولا تكلمون ولو أخرجتم منها لكنتم إلى ما نهيتم عنه تعودون ~~فعند ذلك يقنطون وعلى ما فرطوا فى جنب الله يتأسفون ولا ينجيهم الندم ولا ~~يغنيهم الأسف بل يكبون على وجوههم مغلولين النار من فوقهم والنار من تحتهم ~~والنار عن أيمانهم والنار عن شمائلهم فهم غرقى فى النار طعامهم نار وشرابهم ~~نار ولباسهم نار ومهادهم نار فهم بين مقطعات النيران وسرابيل القطران وضرب ~~المقامع وثقل السلاسل فهم يتجلجلون فى مضايقها ويتحطمون فى دركاتها ~~ويضطربون بين غواشيها تغلى بهم النار كغلى القدور ويهتفون بالويل والعويل # ومهما دعوا بالثبور صب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم ~~والجلود ولهم مقامع من حديد تهشم بها جباههم فيتفجر الصديد من أفواههم ~~وننقطع من العطش أكبادهم وتسيل على الخدود أحداقهم ويسقط من الوجنات لحومها ~~ويتمعط من الأطراف شعورها بل جلودها وكلما نضجت جلودهم بدلوا جلودا غيرها ~~قد عريت من اللحم عظامهم فبقيت الأرواح منوطة بالعروق وعلائق العصب وهى تنش ~~فى لفح تلك النيران وهم مع ذلك يتمنون الموت فلا يموتون فكيف بك لو نظرت ~~إليهم وقد سودت وجوههم أشد سوادا من الحميم وأعميت أبصارهم وأبكمت ألسنتهم ~~وقصمت ظهورهم وكسرت عظامهم وجدعت آذانهم ومزقت جلودهم وغلت أيديهم إلى ~~أعناقهم وجمع بين نواصيهم وأقدامهم وهم يمشون على النار بوجوههم ويطأون حسك ~~الحديد بأحداقهم فلهيب النار سار فى بواطن أجزائها وحيات الهاوية وعقاربها ~~متشبثة بظواهر أعضائهم هذا بعض جملة أحوالهم وانظر الآن فى تفصيل أهوالهم ~~وتفكر أيضا فى أودية جهنم وشعابها فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ~~PageV04P530 إن فى جهنم سبعين ألف واد فى كل واد سبعين ألف شعب فى كل شعب ~~سبعون ألف ثعبان وسعون ألف عقرب لا ينتهى الكافر والمنافق حتى يوقع ذلك كله ~~+ حديث إن فى جهنم سبعين ألف واد فى كل واد سبعون ألف شعب فى كل شعب سبعون ~~ألف ثعبان وسبعون ألف عقرب لا ينتهى الكافر والمنافق حتى يوقع ذلك كله لم ~~أجده هكذا بجملته وسيأتى بعده ما ورد فى ذكر الحيات والعقارب + وقال على ~~كرم الله وجهه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعوذوا بالله من جب الحزن ~~أو وادى الحزن قيل يا رسول الله وما وادى أو جب الحزن قال واد فى جهنم ~~تتعوذ منه جهنم كل يوم سبعين مرة أعده الله تعالى للقراء المرائين + حديث ~~على تعوذوا بالله من جب الحزن أو وادى الحزن الحديث رواه ابن عدى بلفظ وادى ~~الحزن وقال باطل وأبو نعيم والأصبهانى بسند ضعيف ورواه الترمذى وقال غريب ~~وابن ماجه من حديث أبى هريرة بلفظ جب الحزن وضعفه ابن عدى وتقدم فى ذم ~~الجاه والرياء + فهذه سعة جهنم وانشعاب أوديتها وهى بحسب عدد أودية الدنيا ~~وشهوتها وعدد أبوابها بعدد الأعضاء السبعة التى بها يعصى العبد بعضها فوق ~~بعض الأعلى جهنم ثم سقر ثم لظى ثم الحطمة ثم السير ثم الجحيم ثم الهاوية ~~فانظر الآن فى عمق الهاوية فإنه لا حد لعمقها كما لا حد لعمق شهوات الدنيا ~~فكما لا ينتهى أرب من الدنيا إلا إلى أرب أعظم منه فلا تنتهى هاوية من جهنم ~~إلا إلى هاوية أعمق منها قال أبو هريرة كنا مع رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فسمعنا وجبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون ما هذا قلنا ~~الله ورسوله أعلم قال هذا حجر أرسل فى جهنم منذ سبعين عاما الآن انتهى إلى ~~قعرها + حديث أبى هريرة كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعنا وجبة ~~الحديث وفيه هذا حجر أرسل فى جهنم الحديث رواه مسلم + # ثم انظر إلى تفاوت الدركات فإن الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا فكما أن ~~إكباب الناس على الدنيا يتفاوت فمن منهمك مستكثر كالغريق فيها ومن خائض ~~فيها إلى حد محدود فكذلك تناول النار لهم متفاوت فإن الله لا يظلم مثقال ~~ذرة فلا تترادف أنواع العذاب على كل من فى النار كيفما كان بل لكل واحد حد ~~معلوم على قدر عصيانه وذنبه إلا أن أقلهم عذابا لو عرضت عليه الدنيا ~~بحذافير لافتدى بها من شدة ما هو فيه ما هو قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم إن أدنى أهل النار عذابا يوم القيامة ينتعل بنعلين من نار يغلى دماغه ~~من حرارة نعليه + حديث إن أدنى أهل النار عذابا يوم القيامة من ينتعل ~~بنعلين من نار الحديث متفق عليه من حديث النعمان بن بشير + فانظر الآن إلى ~~من خفف عليه واعتبر بمن شدد عليه # ومهما تشككت فى شدة عذاب النار فقرب أصبعك من النار وقس ذلك به ثم اعلم ~~أنك أخطأت فى القياس فإن نار الدنيا لا تناسب نار جهنم ولكن لما كان أشد ~~عذاب فى الدنيا عذاب هذه النار عرف عذاب جهنم بها وهيهات لو وجد أهل الجحيم ~~مثل هذه النار لخاضوها طائعين هربا مما هم فيه وعن هذا عبر فى بعض الأخبار ~~حيث قيل إن نار الدنيا غسلت بسبعين ماء من مياه الرحمة حتى أطاقها أهل ~~الدنيا + حديث إن نار الدنيا غسلت بسبعين ماء من مياه الرحمة حتى أطاقها ~~أهل الدنيا ذكر ابن عبد البر من حديث ابن عباس وهذه ال 4 نار قد ضربت بماء ~~البحر سبع مرات ولولا ذلك ما انتفع بها أحد وللبزار من حديث أنس وهو ضعيف ~~وما وصلت إليكم حتى أحسبه قال نضحت بالماء فتضىء عليكم + بل صرح رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم بصفة نار جهنم فقال أمر الله تعالى أن يوقد على النار ~~ألف عام حتى احمرت ثم أوقد عليه ألف عام حتى ابيضت ثم أوقد عليه ألف عام ~~حتى اسودت فهى سوداء مظلمة + حديث أمر الله أن يوقد على النار ألف عام حتى ~~احمرت الحديث تقدم + وقال صلى الله عليه وسلم اشتكت النار إلى ربها فقالت ~~يا رب أكل بعضى بعضا فأذن لها فى نفسين نفس فى الشتاء ونفس فى الصيف فأشد ~~ما تجدونه فى الصيف من حرها وأشد ما تجدونه فى الشتاء من زمهريرها + حديث ~~اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضى بعضا فأذن لها بنفسين الحديث ~~متفق عليه من حديث أبى هريرة + PageV04P531 وقال أنس بن مالك يؤتى بأنعم ~~الناس فى الدنيا من الكفار فيقال اغمسوه فى النار غمسة ثم يقال له هل رأيت ~~نعيما قط فيقال لا ويؤتى بأشد الناس ضرا فى الدنيا فيقال اغمسوه فى الجنة ~~غمسة ثم يقال له هل رأيت ضرا قط فيقول لا وقال أبو هريرة لو كان فى المسجد ~~مائة ألف أو يزيدون ثم تنفس رجل من أهل النار لماتوا وقد قال بعض العلماء ~~فى قوله @QB@ تلفح وجوههم النار @QE@ إنها لفحتهم لفحة واحدة فما أبقت لحما ~~على عظم إلا ألقته عند أعقابهم # ثم انظر بعد هذا فى نتن الصديد الذى يسيل من أبدانهم حتى يغرقون فيه وهو ~~الغساق قال أبو سعيد الخدرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن دلوا ~~من غساق جهنم ألقى فى الدنيا لأنتن أهل الأرض + حديث أبى سعيد الخدرى لو أن ~~دلو من غساق ألقى فى الدنيا لأنتن أهل الأرض أخرجه الترمذى وقال إنما نعرفه ~~من حديث رشد بن سعد وفيه ضعف + فهذا شرابهم إذا استغاثوا من العطش فيسقى ~~أحرهم من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو ~~يميت وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا # ثم انظر إلى طعامهم وهو الزقوم كما قال الله تعالى @QB@ ثم إنكم أيها ~~الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه ~~من الحميم فشاربون شرب الهيم @QE@ وقال تعالى @QB@ إنها شجرة تخرج في أصل ~~الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم ~~إن لهم عليها لشوبا من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم @QE@ وقال تعالى @QB@ ~~تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية @QE@ وقال تعالى @QB@ إن لدينا أنكالا ~~وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما @QE@ وقال ابن عباس قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم لو أن قطرة من الزقوم قطرت فى بحار الدنيا أفسدت على أهل ~~الدنيا معايشهم + حديث ابن عباس لو أن قطرة من الزقوم قطرت فى دار الدنيا ~~أفسدت على أهل الأرض معاشهم الحديث أخرجه الترمذى وقال حسن صحيح وابن ماجه ~~+ فكيف من يكون طعامه ذلك وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ارغبوا فيما رغبكم الله واحذروا وخافوا ما خوفكم اللهبه من عذابه وعقابه ~~ومن جهنم فإنه لو كانت قطرة من الجنة معكم فى دنياكم التى أنتم فيها طيبها ~~لكم ولو كانت قطرة من النار معكم فى دنياكم التى أنتم فيها خبثتها عليكم + ~~حديث أنس ارغبوا فيما رغبكم فيه واحذروا وخافوا مما خوفكم به من عذاب الله ~~وعقابه من جهنم الحديث لم أجد له إسنادا + وقال أبو الدرداء قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب ~~فيستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغنى من جوع ~~ويستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام ذى غصة فيذكرون كما كانوا يجيزون الغصص فى ~~الدنيا بشراب فيستغيثون بشراب فيرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فإذا دنت ~~من وجوههم شوت وجوههم فإذا دخل الشراب بطونهم قطع ما فى بطونهم فيقولون ~~ادعوا خزنة جهنم قال فيدعون خزنة جهنم أن ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من ~~العذاب فيقولون أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما ~~دعاء الكافرين إلا فى ضلال قال فيقولون ادعوا مالكا فيدعون فيقولون يا مالك ~~ليقض علينا ربك قال فيجيبهم إنكم ماكثون + حديث أبى الدرداء يلقى على أهل ~~النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون بالطعام الحديث أخرجه ~~الترمذى من رواية سمرة بن عطية عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبى ~~الدرداء قال الدارمى والناس لا يعرفون هذا الحديث وإنما روى عن الأعمش عن ~~سمرة بن عطية عن شهر عن أم الدرداء عن أبى الدرداء قوله + قال الأعمش أنبئت ~~أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام قال فيقولون ادعوا ربكم فلا ~~أحد خير من ربكم فيقولون ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا ~~أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال فيجيبهم اخسئوا فيها ولا تكلمون @QB@ ~~قال @QE@ PageV04P532 فعند ذلك يئسوا من كل خير وعند ذلك أخذوا فى الزفير ~~والحسرة والويل وقال أبو أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله ~~تعالى ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه @QB@ قال @QE@ يقرب إليه ~~فيتكرهه فإذا أدنى منه شوى وجهه فوقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى ~~يخرج من دبره يقول الله تعالى @QB@ وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم @QE@ وقال ~~تعالى @QB@ وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه @QE@ فهذه طعامهم ~~وشرابهم عند جوعهم وعطشهم + حديث أبى أمامة فى قوله تعالى @QB@ ويسقى من ~~ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه @QE@ قال يقرب إليه الحديث أخرجه الترمذى ~~وقال غريب + # فانظر الآن إلى حيات جهنم وعقاربها وإلى شدة سمومها وعظم أشخاصها وفظاظة ~~منظرها وقد سلطت على أهلها وأغريت بهم فهى لا تفتر عن النهش واللدغ ساعة ~~واحدة قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من آتاه الله مالا ~~فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا له زييبتان يطوقه يوم القيامة ثم ~~يأخذ بلهازمة يعنى أشدافه فيقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا قوله تعالى ولا ~~يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الآية + حديث أبى هريرة من آتاه ~~الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع الحديث أخرجه ~~البخارى من حديث أبى هريرة ومسلم من حديث جابر نحوه + وقال الرسول صلى الله ~~عليه وسلم إن فى النار لحيات مثل أعناق البخت يلسعن اللسعة فيجد حموتها ~~أربعين خريفا وإن فيها لعقارب كالبغال الموكفة يلعسن اللسعة فيجد حموتها ~~أربعين خريفا وهذه الحيات والعقارب إنما تسلط على من سلط عليه فى الدنيا ~~البخل وسوء الخلق وإيذاء الناس ومن وقى ذلك وقى هذه الحيات فلم تمثل له + ~~حديث إن فى النار لحيات مثل أعناق البخت يلسعن اللسعة الحديث أخرجه أحمد من ~~رواية ابن لهيعة عن دراج عن عبد الله بن الحارث بن جزه + ثم تفكر بعد هذا ~~كله فى تعظيم أجسام أهل النار فإن الله تعالى يزيد فى أجسامهم طولا وعرضا ~~حتى يتزايد عذابهم بسببه فيحسون بلفح النار ولدغ العقارب والحيات من جميع ~~أجزائها دفعة واحدة على التوالى قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم ضرس الكافر فى النار مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث + حديث أبى هريرة ~~ضرس الكافر فى النار مثل أحد الحديث رواه مسلم + وقال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم شفته السفلى ساقطة على صدره والعليا قالصة قد غطت وجه + حديث ~~شفته السفلى ساقطة على صدره والعليا قالصة قد غطت وجهه أخرجه الترمذى من ~~حديث أبى سعيد وقال حسن صحيح غريب + وقال عليه السلام إن الكافر ليجر لسانه ~~فى سجين يوم القيامة يتواطؤه الناس + حديث إن الكافر ليجر لسانه فرسخين يوم ~~القيامة يتواطؤه الناس أخرجه الترمذى من رواية أبى المخارق عن ابن عمر وقال ~~غريب وأبو المخارق لا يعرف + ومع عظم الأجسام كذلك تحرقهم النار مرات فتجدد ~~جلودههم ولحومهم قال الحسن فى قوله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا ~~غيرها قال تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة كلما أكلتهم قيل لهم عودوا ~~فيعودون كما كانوا # ثم تفكر الآن فى بكاء أهل النار وشهيقهم ودعاتهم بالويل والثبور فإن ذلك ~~يسلط عليهم فى أول إلقائهم فى النار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى ~~بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك + حديث يؤتى ~~بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام الحديث أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن ~~مسعود + وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل على أهل النار ~~البكاء فيبكون حتى تنقطع الدموع ثم يبكون الدم حتى يرى فى وجوههم كهيئة ~~الأخدود لو أرسلت فيها السفن لجرت وما دام يؤذن لهم فى البكاء والشهيق ~~والزفير والدعوة بالويل والثبور فلهم فيه مستروح ولكنهم يمنعون أيضا من ذلك ~~+ حديث أنس يرسل على أهل النار البكاء فيبكون حتى تنقطع الدموع الحديث ~~أخرجه ابن ماجه من رواية يزيد الرقاشى عن أنس والرقاشى ضعيف + قال محمد بن ~~PageV04P533 كعب لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله عز وجل فى أربعة فإذا ~~كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها أبدا يقولون @QB@ ربنا أمتنا اثنتين ~~وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل @QE@ فيقول الله ~~تعالى مجيبا لهم @QB@ ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به ~~تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير @QE@ ثم يقولون @QB@ ربنا أخرنا إلى أجل ~~قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل @QE@ فيجيبهم الله تعالى أو لم تكونوا أقسمتم ~~من قبل ما لكم من زوال فيقولون ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذى كنا نعمل ~~به فيجيبهم الله تعالى أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ~~فذوقوا فما للظالمين من نصير ثم يقولون @QB@ ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا ~~قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون @QE@ فيجيبهم الله تعالى ~~@QB@ اخسؤوا فيها ولا تكلمون @QE@ فلا يتكلمون بعدها أبدا وذلك غاية شدة ~~العذاب قال مالك بن أنس رضى الله عنه قال زيد بن أسلم فى قوله تعالى @QB@ ~~سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص @QE@ قال صبروا مائة سنة ثم ~~جزعوا مائة سنة ثم صبروا مائة سنة ثم قالوا @QB@ سواء علينا أجزعنا أم ~~صبرنا @QE@ وقال صلى الله عليه وسلم يؤتى بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح ~~فيذبح بين الجنة والنار ويقال يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار ~~خلود بلا موت + حديث يؤتى بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيذبح أخرجه ~~البخارى من حديث ابن عمر ومسلم من حديث أبى سعيد وقد تقدم + وعن الحسن قال ~~يخرج من النار رجل بعد ألف عام وليتنى كنت ذلك الرجل ورؤى الحسن رضى الله ~~عنه جالسا فى زاوية وهو يبكى فقيل له لم تبكى فقال أخشى أن يطرحنى فى النار ~~ولا يبالى فهذه أصناف عذاب جهنم على الجملة وتفصيل عمومها وأجزائها ومحنها ~~وحسرتها لا نهاية له فأعظم الأمور عليهم مع ما يلاقونه من شدة العذاب حسرة ~~فوت نعيم الجنة وفوت لقاء الله تعالى وفوت رضاه مع علمهم بأنهم باعوا كل ~~ذلك بثمن بخس دراهم معدودة إذ لم يبيعوا ذلك إلا بشهوات حقيرة فى الدنيا ~~أياما قصيرة وكانت غير صافية بل كانت مكدرة منغصة فيقولون فى أنفسهم ~~واحسرتاه كيف أهلكنا أنفسنا بعصيان ربنا وكيف لم نكلف أنفسنا الصبر أياما ~~قلائل ولو صبرنا لكانت قد انقضت عنا أيامه وبقينا الآن فى جوار رب العالمين ~~متنعمين بالرضا والرضوان فيالحسرة هؤلاء وقد فاتهم وبلوا بما بلوا به ولم ~~يبق معهم شىء من نعيم الدنيا ولذاتها ثم إنهم لو لم يشاهدوا نعيم الجنة لم ~~تعظم حسرتها لكنها تعرض عليهم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى ~~يوم القيامة بناس من النار إلى الجنة حتى إذا دنوا منها واستنشقوا رائحتها ~~ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها نودوا أن اصرفوهم عنها لا ~~نصيب لهم فيها فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون والآخرون بمثلها فيقولون يا ~~ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك وما أعددت فيها ~~لأوليائك كان أهون علينا فيقول الله تعالى ذاك أردت بكم كنتم إذا خلوتم ~~بارزتمونى بالعظائم وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين تراءون الناس بخلاف ~~ما تعطونى من قلوبكم هبتم الناس ولم تهابونى وأجللتم الناس ولم تجلونى ~~وتركتم للناس ولم تتركوا لى فاليوم أذيقكم العذاب الأليم مع ما حرمتكم من ~~الثواب المقيم + حديث يؤمر يوم القيامة بناس من النار إلى الجنة حتى إذا ~~دنوا منها واستنشقوا روائحها الحديث رويناه فى الأربعين لأبى هدية عن أنس ~~وأبو هدية إبراهيم بن هدية هالك + وقال أحمد بن حرب إن أحدنا يؤثر الظطل ~~على الشمس ثم لا يؤثر الجنة على النار # وقال عيسى عليه السلام كم من جسد صحيح ووجه صبيح ولسان فصيح غدا بين ~~أطباق النار يصيح # وقال داود إلهى لا صبر لى على حر شمسك فكيف صبرى على حر نارك ولا صبر لى ~~على صوت رحمتك فكيف على صوت عذابك # فانظر يا مسكين فى هذه الأهوال واعلم أن الله تعالى خلق النار بأهوالها ~~وخلق أهلا لا يزيدون ولا ينقصون وأن هذا أمر قد قضى وفرغ منه قال الله ~~تعالى وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم فى غفلة وهم لا يؤمنون ~~PageV04P534 ولعمرى الإشارة به يوم القيامة بل فى أزل ولكن أظهر يوم ~~القيامة ما سبق به القضاء فالعجب منك حيث تضحك وتلهو وتشتغل بمحقرات الدنيا ~~ولست تدرى أن القضاء بماذا سبق فى حقك # فإن قلت فليت شعرى ماذا موردى وإلى ماذا مآلى ومرجعى وما الذى سبق به ~~القضاء فى حقى فلك علامة تستأنس بها وتصدق رجاءك بسببها وهى أن تنظر إلى ~~أحوالك وأعمالك فإن كلا ميسر لما خلق له فإن كان قد يسر لك سبيل الخير ~~فأبشر فإنك مبعد عن النار وإن كنت لا تقصد خيرا إلا وتحيط بك العوائق ~~فتدفعه ولا تقصد شرا إلا ويتيسر لك أسبابه فاعلم أنك مقضى عليك فإن دلالة ~~هذا على العاقبة كدلالة المطر على النبات ودلالة الدخان على النار # فقد قال الله تعالى إن الأبرار لفى نعيم وإن الفجار لفى جحيم فاعرض نفسك ~~على الآيتين وقد عرفت مستقرك من الدارين والله أعلم # | القول فى صفة الجنة وأصناف نعيمها # اعلم أن تلك الدار التى عرفت همومها وغمومها تقابلها دار أخرى فتأمل ~~نعيمها وسرورها فإن من بعد من أحدهما استقر لا محالة فى الأخرى فاستثر ~~الخوف من قلبك بطول الفكر فى أهوال الجحيم واستثر الرجاء بطول الفكر فى ~~النعيم المقيم الموعود لأهل الجنان وسق نفسك بسوط الخوف وقدها بزمام الرجاء ~~إلى الصراط المستقيم فبذلك تنال الملك العظيم وتسلم من العذاب الأليم فتفكر ~~فى أهل الجنة وفى وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم جالسين على منابر ~~الياقوت الأحمر فى خيام من اللؤلؤ الرطب الأبيض فيها بسط من العبقرى الأخضر ~~متكئين على أرائك منصوبة على أطراف أنهار مطردة بالخمر والعسل محفوفة ~~بالغلمان والولدان مزينة بالحور العين من الخيرات الحسان كأنهن الياقوت ~~والمرجان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان يمشين فى درجات الجنان إذا اختالت ~~إحداهن فى مشيها حمل أعطافها سبعون ألفا من الولدان عليها من طرائف الحرير ~~الأبيض ما تتحير فيه الأبصار مكللات بالتيجان المرصعة باللؤلؤ والمرجان ~~شكلات غنجات عطرات آمنات من الهرم والبؤس مقصورات فى الخيام فى قصور من ~~الياقوت بنيت وسط روضات الجنان قاصرات الطرف عين ثم يطاف عليهم وعليهن ~~بأكواب وأباريق وكأس من معين بيضاء لذة للشاربين ويطوف عليهم خدام وولدان ~~كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون فى مقام أمين فى جنات وعيون ~~فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر ينظرون فيها إلى وجه الملك الكريم ~~وقد أشرقت فى وجوههم نضرة النعيم لا يرهقهم فتر ولا ذلة بل عباد مكرمون ~~وبأنواع التحف من ربهم يتعاهدون فهم فيما اشتهيت أنفسهم خالدون لا يخافون ~~فيها ولا يحزنون وهم من ريب المنون آمنون فهم فيها يتنعمون ويأكلون من ~~أطعمتها ويشربون من أنهارها لبنا وخمرا وعسلا فى أنهار أراضيها من فضة ~~وحصباؤها مرجان وعلى أرض ترابها مسك أذفر ونباتها زعفران ويمطرون من سحاب ~~فيها من ماء النسرين على كثبان الكافور ويؤتون بأكواب وأى أكواب بأكواب من ~~فضة مرصعة بالدر والياقوت والمرجان كوب فيه من الرحيق المختوم ممزوج به ~~السلسبيل العذب كوب يشرق نوره من صفاء جوهره يبدو الشراب من ورائه برقته ~~وحمرته لم يصنعه آدمى فيقصر فى تسوية صنعته وتحسين صناعته فى كف خادم يحكى ~~ضياء وجهه الشمس فى إشراقها ولكن من أين للشمس حلاوة مثل حلاوة صورته وحسن ~~أصداغه وملاحة أحداقه # فيا عجبا لمن يؤمن بدار هذه صفتها ويوقن بأنه لا يموت أهلها ولا تحل ~~الفجائع بمن نزل بفنائها ولا تنظر الأحداث بعين التغيير إلى أهلها كيف يأنس ~~بدار قد أذن الله فى خرابها ويتهنأ بعيش دونها والله لو لم يكن فيها إلا ~~سلامة الأبدان مع الأمن PageV04P535 من الموت والجوع والعطش وسائر أصناف ~~الحدثان لكان جديرا بأن يهجر الدنيا بسببها وأن لا يؤثر عليها ما التصرم ~~والتنغص من ضرورته كيف وأهلها ملوك آمنون وفى أنواع السرير ممتعون لهم فيها ~~كل ما يشتهون وهم فى كل يوم بفناء العرش يحضرون وإلى وجه الله الكريم ~~ينظرون وينالون بالنظر من الله ما لا ينظرون معه إلى سائر نعيم الجنان ولا ~~يلتفتون وهم على الدوام بين أصناف هذه النعم يترددون وهم من زوالها آمنون ~~قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادى مناد يا أهل الجنة ~~إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم ~~أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا فذلك قوله عز ~~وجل ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعلمون + حديث أبى هريرة ~~ينادى مناد إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا الحديث أخرجه مسلم من حديث أبى ~~هريرة وأبى سعيد + # ومهما أردت أن تعرف صفة الجنة فاقرأ القرآن فليس وراء بيان الله تعالى ~~بيان واقرأ من قوله تعالى لمن خاف مقام ربه جنتان إلى آخر سورة الرحمن ~~واقرأ سورة الواقعة وغيرها من السور # وإن أردت أن تعرف تفصيل صفاتها من الأخبار فتأمل الآن تفصليها بعد أن ~~اطلعت على جملتها وتأمل أولا عدد الجنان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فى قوله تعالى @QB@ ولمن خاف مقام ربه جنتان @QE@ قال جنتان من فضة آنيتهما ~~وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا ~~إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن + حديث جنتان من فضة ~~آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما الحديث متفق عليه من ~~حديث أبى موسى + ثم انظر إلى أبواب الجنة فإنها كثيرة بحسب أصول الطاعات ~~كما أن أبواب النار بحسب أصول المعاصى قال أبو هريرة قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم من أنفق زوجين من ماله فى سبيل الله دعى من أبواب الجنة ~~كلها وللجنة ثمانية أبواب فمن كان من أهل الصلاة دعى من باب الصلاة ومن كان ~~من أهل الصيام دعى من باب الصيام ومن كان من أهل الصدقة دعى من باب الصدقة ~~ومن كان من أهل الجهاد دعى من باب الجهاد فقال أبو بكر رضى الله عنه والله ~~ما على أحد من ضرورة من أيها دعى فهل يدعى أحد منها كلها قال نعم وأرجو أن ~~تكون منهم + حديث أبى هريرة من أنفق زوجين من ماله فى سبيل الله دعى من ~~أبواب الجنة الحديث متفق عليه + وعن عاصم بن ضمرة عن على كرم الله وجهه أنه ~~ذكر النار فعظم أمرها ذكرا لا أحفظه ثم قال وسيق الذين اتقوا ربهم إلى ~~الجنة زمرا حتى إذا انتهوا إلى باب من أبوابها وجدوا عنده شجرة يخرج من تحت ~~ساقها عينان تجريان فعمدوا إلى إحداهما كما أمروا به فشربوا منها فأذهبت ما ~~فى بطونهم من أذى أو بأس ثم عمدوا إلى الأخرى فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة ~~النعيم فلم تتغير أشعارهم بعدها أبدا ولا تشعث رءوسهم كأنما دهنوا بالدهان ~~ثم انتهوا إلى الجنة فقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ثم ~~تلقاهم الولدان يطيفون بهم كما تطيف ولدان أهل الدنيا بالحبيب يقدم عليهم ~~من غيبة يقولون له أبشر أعد الله لك من الكرامة كذا قال فينطق غلام من ~~أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين فيقول قد جاء فلان باسمه الذى ~~كان يدعى به فى الدنيا فتقول أنت رأيته فيقول أنا رأيته وهو بأثرى فيستخفها ~~الفرح حتى تقوم إلى أسكفه بابها فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أساس بنيانه ~~فإذا جندل اللؤلؤ فوقه صرح أحمر وأخضر وأصفر من كل لون ثم يرفع رأسه فينظر ~~إلى سقفه فإذا مثل البرق ولولا أن الله تعالى قدره لألم أن يذهب بصره ثم ~~يطأطىء رأسه فإذا أزواجه وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابى مبثوثة ثم ~~اتكأ فقال الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى PageV04P536 لو لا أن ~~هدانا الله ثم ينادى مناد تحيون فلا تموتون أبدا وتقيمون فلا تظعنون أبدا ~~وتصحون فلا تمرضون أبدا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آتى يوم القيامة ~~باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن من أنت فأقول محمد فيقول بك أمرت أن لا ~~أفتح لأحد قبلك + حديث آتى يوم القيامة باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن من ~~أنت فأقول محمد الحديث أخرجه مسلم من حديث أنس + # ثم تأمل الآن فى غرف الجنة واختلاف درجات العلو فيها فإن الآخرة أكبر ~~درجات وأكبر تفضيلا وكما أن بين الناس فى الطاعات الظاهرة والأخلاق الباطنة ~~المحمودة تفاوتا ظاهرا فكذلك فيما يجازون به تفاوت ظاهر فإن كنت تطلب أعلى ~~الدرجات فاجتهد أن لا يسبقك أحد بطاعة الله تعالى فقد أمرك الله بالمسابقة ~~والمنافسة فيها فقال تعالى @QB@ سابقوا إلى مغفرة من ربكم @QE@ وقال تعالى ~~@QB@ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون @QE@ والعجب أنه لو تقدم عليك أقرانك أو ~~جيرانك بزيادة درهم أو بعلو بناء ثقل عليك ذلك وضاق به صدرك وتنغص بسبب ~~الحسد عيشك وأحسن أحوالك أن تستقر فى الجنة وأنت لا تسلم فيها من أقوام ~~يسبقونك بلطائف لا توازيها الدنيا بحذافيرها فقد قال أبو سعيد الخدرى قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف فوقهم كما ~~تتراءون الكوكب الغائر فى الأفق من المشرق إلى المغرب لتفاضل ما بينهم ~~قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذى نفسى ~~بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين + حديث أبى سعيد إن أهل الجنة ~~ليتراءون أهل الغرف فوقهم كما تراءون الكوكب الحديث متفق عليه وقد تقدم + ~~وقال أيضا إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع فى ~~أفق من آفاق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما + حديث إن أهل الدرجات ~~العلى ليراهم من تحتهم كما يرون النجم الطالع رواه الترمذى وحسنة وابن ماجه ~~من حديث أبى سعيد + وقال جابر قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ~~أحدثكم بغرف الجنة قال قلت بلى يا رسول الله صلى الله عليك بأبينا أنت ~~وأمنا قال إن فى الجنة غرفا من أصناف الجوهر كله يرى ظاهرها من باطنها ~~وباطنها من ظاهرها وفيها من النعيم واللذات والسرور ما لا عين رأت ولا أذن ~~سمعت ولا خطر على قلب بشر قال يا رسول الله ولمن هذه الغرف قال لمن أفشى ~~السلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام قال قلنا يا ~~رسول الله ومن يطيق ذلك قال أمتى تطيق ذلك وسأخبركم عن ذلك من لقى أخاه ~~فسلم عليه أو رد عليه فقد أفشى السلام ومن أطعم أهله وعياله من الطعام حتى ~~يشبعهم فقد أطعم الطعام ومن صام شهر رمضان ومن كل شهر ثلاثة أيام فقد أدام ~~الصيام ومن صلى العشاء الآخرة وصلى الغداة فى جماعة فقد صلى بالليل والناس ~~نيام + حديث جابر ألا أحدثكم بغرف الجنة قلت بلى يا رسول الله بأبينا أنت ~~وأمنا قال إن فى الجنة غرفا من أصناف الجوهر الحديث أخرجه أبو نعيم من ~~رواية الحسن عن جابر + يعنى اليهود والنصارى والمجوس # وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله @QB@ ومساكن طيبة في جنات عدن ~~@QE@ قال قصور من لؤلؤ فى كل قصر سبعون دارا من ياقوت أحمر فى كل دارسبعون ~~بيتا من زمرد أخضر فى كل بيت سرير على كل سرير سبعون فراشا من كل لون على ~~كل فراش زوجة من الحور العين فى كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون ~~لونا من الطعام فى كل بيت سبعون وصيفة ويعطى المؤمن فى كل غداة يعنى من ~~القوة ما يأتى على ذلك أجمع + حديث سئل عن قوله تعالى @QB@ ومساكن طيبة في ~~جنات عدن @QE@ قال قصور من لؤلؤ الحديث أخرجه أبو الشيخ ابن حبان فى كتاب ~~العظمة والآجرى فى كتاب النصيحة من رواية الحسن بن خليفة عن الحسن قال سألت ~~أبا هريرة وعمران بن حصين فى هذه الآية ولا يصح والحسن ابن خليفة لم يعرفه ~~ابن أبى حاتم والحسن البصرى لم يسمع من أبى هريرة على قول الجمهور + ~~PageV04P537 صفة حائط الجنة وأراضيها وأشجارها وأنهارها # تأمل فى صورة الجنة وتفكر فى غبطة سكانها وفى حسرة من حرمها لقناعته ~~بالدنيا عوضا عنها فقد قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ~~حائط الجنة لبنة من فضة ولبنة من ذهب ترابها زعفران وطينها مسك + حديث أبى ~~هريرة إن حائط الجنة لبنة من فضة ولبنة من ذهب ترابها زعفران وطينها مسك ~~أخرجه الترمذى بلفظ وملاطها المسك وقال ليس اسناده بذلك القوى وليس عندى ~~بمتصل ورواه البزار من حديث أبى سعيد بإسناد فيه مقال ورواه موقوفا عليه ~~بإسناد صحيح + وسئل صلى الله عليه وسلم عن تربه الجنة فقال درمكة بيضاء مسك ~~خالص + حديث سئل عن تربة الجنة فقال درمكة بيضاء مسك خالص أخرجه مسلم من ~~حديث أبى سعيد أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فذكره + ~~وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن يسقيه الله عز ~~وجل الخمر فى الآخرة فليتركها فى الدنيا ومن سره أن يكسوه الله الحرير فى ~~الآخرة فليتركه فى الدنيا + حديث أبى هريرة من سره أن يسقيه الله الخمر فى ~~الآخرة فليتركها فى الدنيا ومن سره أن يكسوه الله الحرير فى الآخرة فليتركه ~~فى الدنيا أخرجه الطبرانى فى الأوسط بإسناد حسن وللنسائى بإسناد صحيح من ~~لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة ومن شرب الخمر فى الدنيا لم ~~يشربها فى الآخرة + وقال أنهار الجنة تتفجر من تحت تلال أو تحت جبال المسك ~~+ حديث أنهار الجنة تتفجر من تحت تلال أو تحت جبال المسك أخرجه العقيلى فى ~~الضعفاء من حديث أبى هريرة + ولو كان أدنى أهل الجنة حلية عدلت بحلية أهل ~~الدنيا جميعها لكان ما يحليه الله عز وجل به فى الآخرة أفضل من حلية الدنيا ~~جميعها + حديث لو كان أدنى أهل الجنة حلية عدلت بحلية اهل الدنيا جميعها ~~لكان ما يحليه الله به فى الآخرة أفضل من حليه أهل الدنيا جميعها أخرجه ~~الطبرانى فى الأوسط من حديث أبى هريرة بإسناد حسن + وقال أبو هريرة قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة ~~عام لا يقطعها اقرءوا إن شئتم @QB@ وظل ممدود @QE@ + حديث إن فى الجنة شجرة ~~يسير الراكب فى ظلها مائة عام لا يقطعها الحديث متفق عليه من حديث أبى ~~هريرة + وقال أبو أمامة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون إن ~~الله عز وجل ينفعنا بالأعراب ومسائلهم أقبل أعرابى فقال يا رسول الله قد ~~ذكر الله فى القرآن شجرة مؤذية وما كنت أدرى أن فى الجنة شجرة تؤذى صاحبها ~~فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم @QB@ ما هي @QE@ قال السدر فإن لها شوكا ~~فقال قد قال الله تعالى فى سدر مخضود يخضد الله شوكه فيجعل مكان كل شوكة ~~ثمرة ثم تنفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لونا من الطعام ما منها لون ~~يشبه الآخر + حديث أبى أمامة أقبل أعرابى فقال يا رسول الله قد ذكر الله فى ~~القرآن شجرة مؤذية قال ما هى قال السدر الحديث أخرجه ابن المبارك فى الزهد ~~عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر مرسلا من غير ذكر لأبى أمامة + وقال جرير ~~بن عبد الله نزلنا الصفاح فإذا رجل نائم تحت شجرة قد كادت الشمس أن تبلغه ~~فقلت للغلام انطلق بهذا النطع فاظله فانطلق فأظله فلما استيقظ فإذا هو ~~سلمان فأتيته أسلم عليه فقال يا جرير تواضع لله فإن من تواضع لله فى الدنيا ~~رفعه الله يوم القيامة هل تدرى ما الظلمات يوم القيامة قلت لا أدرى قال ظلم ~~الناس بعضهم بعضا ثم أخذ عويدا لا أكاد اراه من صغره فقال يا جرير لو طلبت ~~مثل هذا فى الجنة لم تجده قلت يا أبا عبد الله فأين النخل والشجر قال ~~أصولها اللؤلؤ والذهب وأعلاها الثمر صفة لباس أهل الجنة وفرشهم وسررهم ~~وأرائكهم وخيامهم # قال الله يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير والآيات ~~فى ذلك كثيرة وإنما تفصيله فى الأخبار فقد روى أبو هريرة أن النبي صلى الله ~~عليه وسلم قال من يدخل الجنة ينعم لا يبأس لا تبلى PageV04P538 ثيابه ولا ~~يفنى شبابه فى الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر عن قلب بشر + حديث ~~أبى هريرة من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس لا تبلى ثيابه الحديث رواه مسلم دون ~~قوله فى الجنة مالا عين رأت الخ فاتفق عليه الشيخان من حديث آخر لأبى هريرة ~~قال الله تعالى أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت الحديث + وقال رجل يا ~~رسول الله أخبرنا عن ثياب أهل الجنة أخلق تخلق أم نسج تنسج فسكت رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم وضحك بعض القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مم ~~تضحكون من جاهل سأل عالما ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ينشق ~~عنها ثمر الجنة مرتين + حديث قال رجل يا رسول الله أخبرنا عن ثياب أهل ~~الجنة أتخلق خلقا أم تنسج نسجا الحديث أخرجه النسائى من حديث عبد الله بن ~~عمرو + وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول زمرة تلج ~~الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا ~~يتغوطون آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة ورشحهم المسك لكل واحد منهم ~~زوجتان يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض ~~قلوبهم على قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشية وفى رواية على كل زوجة سبعون ~~حلة + حديث أبى هريرة أول زمرة تدخل الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة ~~البدر الحديث متفق عليه + وقال صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى يحلون ~~فيها من أساور من ذهب قال إن عليهم التيجان إن أدنى لؤلؤة فيها تضىء ما بين ~~المشرق والمغرب + حديث في قوله تعالى يحلون فيها من أساور من ذهب قال إن ~~عليهم التيجان أدنى لؤلؤة فيها تضىء ما بين المشرق والمغرب أخرجه الترمذى ~~من حديث أبى سعيد دون ذكر الآية وقال لا نعرفه إلا من حديث رشد بن سعد + ~~وقال صلى الله عليه وسلم الخيمة درة مجوفة طولها فى السماء ستون ميلا فى كل ~~زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون + حديث الخيمة درة مجوفة طولها فى ~~السماء ستون ميلا الحديث عزاه المصنف للبخارى وهو متفق عليه من حديث أبى ~~موسى الأشعرى + رواه البخارى فى الصحيح قال ابن عباس الخيمة درة مجوفة فرسخ ~~في فرسخ لها أربعة آلآف مصراع من ذهب وقال أبو سعيد الخدرى قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى @QB@ وفرش مرفوعة @QE@ قال ما بين ~~الفراشين كما بين السماء والأرض + حديث أبى سعيد فى قوله تعالى @QB@ وفرش ~~مرفوعة @QE@ قال ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض أخرجه الترمذى بلفظ ~~ارتفاعها لكما بين السماء والأرض وقال غريب لا نعرفه إلا من حديث رشد بن ~~سعد + صفة طعام أهل الجنة # بيان طعام أهل الجنة مذكور فى القرآن من الفواكه والطيور السمان والمن ~~والسلوى والعسل واللبن وأصناف كثيرة لا تحصى قال الله تعالى كلما رزقوا ~~فيها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا من قبل وأتوا به متشابها وذكر الله ~~تعالى شراب أهل الجنة فى مواضع كثيرة وقد قال ثوبان مولى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه حبر من ~~أحبار اليهود فذكر أسئلة إلى أن قال فمن أول إجازه يعنى على الصراط فقال ~~فقراء المهاجرين قال اليهودى فما تحفتهم حين يدخلون الجنة قال زيادة كبد ~~الحوت قال فما غداؤهم على أثرها قال ينحر لهم ثور الجنة الذى كان يأكل فى ~~أطرافها قال فما شرابهم عليه قال من عين فيها تسمى سلسبيلا فقال صدقت + ~~حديث ثوبان جاء حبر من أحبار اليهود فذكر سؤاله إلى أن قال فمن أول الناس ~~إجازة يعنى على الصراط فقال فقراء المهاجرين قال اليهودي فما تحفتهم حين ~~يدخلون الجنة قال زيادة كبد النون الحديث رواه مسلم بزيادة فى أوله وآخره + ~~وقال زيد بن أرقم جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ~~يا أباالقاسم ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون وقال لأصحابه إن ~~أقرلى بها خصمته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى والذى نفسى بيده إن ~~أحدهم ليعطى قوة مائة رجل فى المطعم PageV04P539 والمشرب والجماع فقال ~~اليهودى فإن الذى يأكل ويشرب يكون له الحاجة فقال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم حاجتهم عرق يفيض من جلودهم مثل المسك فإذا البطن قد ضمر + حديث زيد بن ~~أرقم جاء رجل من اليهود فقال يا أبا القاسم ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون ~~فيها ويشربون الحديث وفيه حاجتهم عرق يفيض من جلودهم مثل المسك أخرجه ~~النسائى فى الكبرى بإسناد صحيح + وقال ابن مسعود قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إنك لتنظر إلى الطير فى الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا + ~~حديث ابن مسعود إنك لتنظر إلى الطير فى الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا ~~أخرجه البزار بإسناد صحيح + وقال حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~إن فى الجنة طيرا مثل البخاتى قال أبو بكر رضى الله عنه إنها لناعمة يا ~~رسول الله قال أنعم منها من يأكلها وأنت ممن يأكلها يا أبا بكر + حديث ~~حذيفة إن فى الجنة طيرا أمثال البخاتى الحديث غريب من حديث حذيفة ولأحمد من ~~حديث أنس بإسناد صحيح إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى فى شجر الجنة قال أبو ~~بكر يا رسول الله إن هذه الطير ناعمة قال أكلتها أنعم منها قالها ثلاثا ~~وإنى أرجو أن تكون ممن يأكل منها وهو عند الترمذى من وجه آخر ذكر فيه نهر ~~الكوثر وقال فيه طير أعناقها كأعناق الجزر قال عمر إن هذه لناعمة الحديث ~~وليس فيه ذكر لأبى بكر وقال حسن + وقال عبد الله بن عمر فى قوله تعالى يطاف ~~عليهم بصحاف قال يطاف عليهم بسبعين صحفة من ذهب كل صحفة فيها لون ليس فى ~~الأخرى مثله وقال عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه ومزاجه من تسنيم قال ~~يمزج لأصحاب اليمين ويشربه المقربون صرفا وقال لو أن رجلا من أهل الدنيا ~~أدخل يده فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها صفة الحور العين ~~والولدان # قد تكرر فى القرآن وصفهم ووردت الأخبار بزيادة شرح فيه # روى أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال غدوة فى سبيل ~~الله أو روحه خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم أو موضع قدمه من ~~الجنة خير من الدنيا وما فيها ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى ~~الأرض لأضاءت ولملأت ما بينهما رائحة ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا بما ~~فيها + حديث غدوة فى سبيل الله أو روحه خير من الدنيا وما فيها الحديث ~~أخرجه البخارى من حديث أنس + يعنى الخمار وقال أبو سعيد الخدرى قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى @QB@ كأنهن الياقوت والمرجان @QE@ ~~قال تنظر إلى وجهها فى خدرها أصفى من المرآة وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضىء ما ~~بين المشرق والمغرب وإنه يكون عليها سبعون ثوبا ينفذها بصره حتى يرى مخ ~~ساقها من وراء ذلك + حديث أبى سعيد الخدرى فى قوله تعالى @QB@ كأنهن ~~الياقوت والمرجان @QE@ قال تنظر إلى وجهها فى خمرها أصفى من المرآة الحديث ~~أخرجه أبو يعلى من رواية أبى الهيثم عن أبى سعيد بإسناد حسن ورواه أحمد ~~وفيه ابن لهيعة ورواه ابن المبارك فى الزهد والرقائق من رواية أبى الهيثم ~~عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا دون ذكر أبى سعيد وللترمذى من حديث ابن ~~مسعود إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض مخ ساقها من وراء سبعين حلة ~~الحديث ورواه عنه موقوفا قال وهذا أصح وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة لكل ~~امرىء منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم + وقال أنس قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم لما أسرى بى دخلت فى الجنة موضعا يسمى البيدخ عليه ~~خيام اللؤلؤ والزبرجد الأخضر والياقوت الأحمر فقلن السلام عليك يا رسول ~~الله فقلت يا جبريل ما هذا النداء قال هؤلاء المقصورات فى الخيام استأذن ~~ربهن فى السلام عليك فأذن لهن فطفقن يقلن نحن الراضيات فلا نسخط أبدا ونحن ~~الخالدات فلا نظعن أبدا وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى حور ~~مقصورات فى الخيام + حديث أنس لما أسرى بى دخلت في الجنة موضعا يسمى الصرح ~~عليه خيام اللؤلؤ والزبرجد الأخضر والياقوت الأحمر الحديث وفيه أن جبريل ~~قال هؤلاء المقصورات فى الخيام وفيه فطفقن يقلن نحن الراضيات فلا نسخط لم ~~أجده هكذا PageV04P540 بتمامه وللترمذى من حديث على أن فى الجنة لمجتمعا ~~للحور العين يرفعن أصواتا لم تسمع الخلائق مثلها يقلن نحن الخالدات فلا ~~نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن كان لنا وكنا ~~له وقال غريب ولأبى الشيخ فى كتاب العظمة حديث ابن أبى أوفى بسند ضعيف ~~فيجتمعن فى كل سبعة أيام فيقلن بأصوات الحديث # وقال مجاهد فى قوله تعالى @QB@ وأزواج مطهرة @QE@ قال من الحيض والغائط ~~والبول والبصاق والنخامة والمنى والولد # وقال الأوزاعى @QB@ في شغل فاكهون @QE@ قال شغلهم افتضاض الأبكار وقال ~~رجل يا رسول الله أيباضع أهل الجنة قال يعطى الرجل منهم من القوة فى اليوم ~~الواحد أفضل من سبعين منكم + حديث قال رجل يا رسول الله أيباضع أهل الجنة ~~قال يعطى الرجل منهم من القوة فى اليوم الواحد أفضل من سبعين منكم أخرجه ~~الترمذى وصححه وابن حبان من حديث أنس يعطى المؤمن فى الجنة قوة كذا وكذا من ~~الجماع فقيل أو يطيق ذلك قال يعطى قوة مائة + وقال عبد الله بن عمر إن أدنى ~~أهل الجنة منزلة من يسعى له ألف خادم كل خادم على عمل ليس عليه صاحبه وقال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل من أهل الجنة ليتزوج خمسمائة حوراء ~~وآربعة آلاف بكر وثمانية آلاف ثيب يعانق كل واحدة منهن مقدار عمره فى ~~الدنيا + حديث إن الرجل من أهل الجنة ليتزوج خمسمائة حوراء وأربعة آلاف بكر ~~وثمانية آلالف ثيب يعانق كل واحدة منهن مقدار عمره فى الدنيا أخرجه أبو ~~الشيخ فى طبقات المحدثين وفى كتاب العظمة من حديث ابن أبى أوفى إلا أنه قال ~~مائة حوراء ولم يذكر فيه عناقه لهن وإسناده ضعيف وتقدم قبله بحديث + وقال ~~النبي صلى الله عليه وسلم إن فى الجنة سوقا ما فيها بيع ولا شراء إلا الصور ~~من الرجال والنساء فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها وإن فيها لمجتمع الحور ~~العين يرفعن بأصوات لم تسمع الخلائق مثلها يقلن نحن الخالدات فلا نبيد ونحن ~~الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط فطوبى لمن كان لنا وكنا له + ~~حديث إن فى الجنة سوقا ما فيها بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء ~~الحديث أخرجه الترمذى فرقة فى موضعين من حديث على وقد تقدم بعضه قبل هذا ~~بحديثين + وقال أنس رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ~~الحور العين فى الجنة يتغنين نحن الحور الحسان خبئنا لأزواج كرام + حديث ~~أنس إن الحور فى الجنة يتغنين فيقلن نحن الحور الحسان خبئنا لأزواج كرام ~~أخرجه الطبرانى فى الأوسط وفيه الحسن بن داود بن المنكدر قال البخارى ~~يتكلمون فيه وقال ابن عدى أرجو أنه لا بأس به + وقال يحيى بن كثير فى قوله ~~تعالى @QB@ في روضة يحبرون @QE@ قال السماع فى الجنة وقال أبو أمامة ~~الباهلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد يدخل الجنة إلا ويجلس ~~عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين يغنيانه بأحسن صوت سمعه الإنس ~~والجن وليس بمزمار الشيطان ولكن بتحميد الله وتقديسه + حديث أبى أمامة ما ~~من عبد يدخل الجنة إلا ويجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين ~~يغنيانه بأحسن صوت سمعه الإنس والجن وليس بمزمار الشيطان ولكن بتحميد الله ~~وتقديسه أخرجه الطبرانى بإسناد حسن + # | بيان جمل مفرقة من أوصاف أهل الجنة وردت بها الأخبار # روى أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ألا هل من ~~مشمر للجنة إن الجنة لا خطر 1 لها هى ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز ~~وقصر مشيد ونهر مطرد وفاكهة كثيرة نضيجة وزوجة وزوجة حسناء جميلة فى حبرة ~~ونعمة فى مقام أبدا ونضرة فى دار عالية بهية سليمة قالوا نحن المشمرون لها ~~يا رسول الله قال قولوا إن شاء الله تعالى ثم ذكر الجهاد وحقه عليه + حديث ~~أسامة بن زيد ألا هل من مشمر للجنة إن الجنة لا خطر لها الحديث أخرجه ابن ~~ماجه وابن حبان + وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هل فى ~~الجنة خيل فإنها تعجبنى قال إن أحببت ذلك أتيت بفرس من ياقوتة حمراء فتطير ~~بك فى الجنة حيث شئت وقال له رجل إن الإبل تعجبنى فهل فى الجنة من إبل فقال ~~يا عبد الله إن أدخلت الجنة فلك فيها ما اشتهت نفسك ولذت PageV04P541 عيناك ~~+ حديث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له هل فى الجنة خيل ~~فإنها تعجبنى الحديث أخرجه الترمذى من حديث بريدة مع اختلاف لفظ وفيه ~~المسعودى مختلف فيه ورواه ابن المبارك فى الزهد بلفظ المصنف من رواية عبد ~~الرحمن بن سابط مرسلا قال الترمذى وهذا أصح وقد ذكر أبو موسى المدينى عبد ~~الرحمن بن سابط فى ذيله على ابن منده فى الصحابة ولا يصح له صحبة + وعن أبى ~~سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل من أهل الجنة ~~ليولد له الولد كما يشتهى يكون حمله وفصاله وشبابه فى ساعة واحدة + حديث ~~أبى سعيد إن الرجل من أهل الجنة ليولد له الولد كما يشتهى ويكون حمله ~~وفصاله ونشأته فى ساعة واحدة أخرجه ابن ماجة والترمذى وقال حسن غريب قال ~~وقد اختلف أهل العلم فى هذا فقال بعضهم فى الجنة جماع ولا يكون ولد انتهى ~~ولأحمد من حديث لأبى رزين يلذ ويلم مثل لذاتكم فى الدنيا ويتلذذن بكم غير ~~أن لا توالد + وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استقر أهل الجنة فى ~~الجنة اشتاق الإخوان إلى الإخوان فيسير سرير هذا إلى سرير هذا فيلتقيان ~~ويتحدثان ما كان بينهما فى دار الدنيا فيقول يا أخى تذكر يوم كذا فى مجلس ~~كذا فدعونا الله عز وجل فغفر لنا + حديث إذا استقر أهل الجنة اشتاق الإخوان ~~إلى الإخوان فيسير سرير هذا إلى سرير هذا أخرجه البزار من رواية الربيع بن ~~صبيح عن الحسن عن أنس وقال لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ~~بهذا الإسناد تفرد به أنس انتهى والربيع بن صبيح ضعيف جدا ورواه الأصفهانى ~~فى الترغيب والترهيب مرسلا دون ذكر أنس + وقال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم إن أهل الجنة جرد مرد جعاد مكحولون أبناء ثلاث وثلاثين على خلق آدم ~~طولهم ستون ذراعا فى عرض سبعة أذرع + حديث أهل الجنة جرد مرد بيض جعاد ~~مكحلون أبناء ثلاث وثلاثين الحديث أخرجه الترمذى من حديث معاذ وحسنه دون ~~قوله بيض جعاد ودون قوله على خلق آدم إلى آخره ورواه أيضا من حديث أبى ~~هريرة مختصرا أهل الجنة جرد مرد كحل وقال غريب وفى الصحيحين من حديث أبى ~~هريرة على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا + وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~أدنى أهل الجنة الذى له ثمانون ألف خادم وثنتان وسبعون زوجة وينصب له قبة ~~من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية إلى صنعاء وإن عليهم التيجان وإن ~~أدنى لؤلؤة منها لتضىء ما بين المشرق والمغرب + حديث أدنى أهل الجنة منزلة ~~الذى له ثمانون ألف خادم الحديث أخرجه الترمذى من حديث أبى سعيد منقطعا من ~~أوله إلى قوله وإن عليهم التيجان ومن هنا بإسناده أيضا وقال لا نعرفه إلا ~~من حديث رشد بن سعد + وقال صلى الله عليه وسلم نظرت إلى الجنة فإذا الرمانة ~~من رمانها كجلد البعير المقتب وإذا طيرها كالبخت وإذا فيها جارية فقلت يا ~~جارية لمن أنت فقالت لزيد بن حارثة وإذا فى الجنة ما لا عين رأت ولا أذن ~~سمعت ولا خطر على قلب بشر + حديث نظرت إلى الجنة فإذا الرمانة من رمانها ~~كجلد البعير المقتب واذا طيرها كالبخت الحديث رواه الثعلبى فى تفسيره من ~~رواية أبى هرون العبدى عن أبى سعيد وأبو هرون اسمه عمارة بن حريث ضعيف جدا ~~وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة يقول الله أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين ~~رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر + وقال كعب خلق الله تعالى آدم عليه ~~السلام بيده وكتب التوراة بيده وغرس الجنة بيده ثم قال لها تكلمى فقالت قد ~~أفلح المؤمنون فهذه صفات الجنة ذكرناها جملة ثم نقلناها تفصيلا # وقد ذكر الحسن البصري رحمه الله جملتها فقال إن رمانها مثل الدلاء وإن ~~أنهارها لمن ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من عسل مصفى ~~لم يصفه الرجال وأنها من خمر لذة للشاربين لا تسفه الأحلام ولا تصدع منها ~~الرءوس وإن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ملوك ~~ناعمون أبناء ثلاث وثلاثون فى سن واحد طولهم ستون ذراعا فى السماء كحل جرد ~~مرد قد أمنوا العذاب واطمأنت بهم الدار وإن أنهارها لتجرى على رضراض من ~~ياقوت وزبرجد وإن عروقها ونخلها وكرمها اللؤلؤ وثمارها لا يعلم علمها إلا ~~الله تعالى وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة سنة وإن لهم فيها خيلا وإبلا ~~هفافة رحالها وأزمتها وسروجها من ياقوت يتزاورون فيها وأزواجهم الحور العين ~~كأنهن بيض مكنون وإن المرأة لتأخذ بين أصبعيها سبعين حلة فتلبسها فيرى ~~PageV04P542 مخ ساقها من وراء تلك السبعين حلة قد طهر الله الأخلاق من ~~السوء والأجساد من الموت لا يمتخطون فيها ولا يبولون ولا يتغوطون وإنما هو ~~حبشاء ورشح مسك لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا أما إنه ليس ليل يكر الغدو على ~~الرواح والرواح على الغدو وإن آخر من يدخل الجنة وأدناهم منزلة ليمد له فى ~~بصره وملكه مسيرة مائة عام فى قصور من الذهب والفضة وخيام اللؤلؤ ويفسح له ~~فى بصره حتى ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه يغدى عليهم بسبعين ألف صحفة ~~من ذهب ويراح عليهم بمثلها فى كل صحفة لون ليس فى الأخرى مثله ويجد طعم ~~آخره كما يجد طعم أوله وإن فى الجنة لياقوتة فيها سبعون ألف دار فى كل دار ~~سبعون ألف بيت ليس فيها صدع ولا ثقب # وقال مجاهد إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن يسير فى ملكه ألف سنة يرى أقصاه ~~كما يرى أدناه وأرفعهم الذى ينظر إلى ربه بالغداة والعشى وقال سعيد ابن ~~المسيب ليس أحد من أهل الجنة إلا وفى يده ثلاثة أسورة سوار من ذهب وسوار من ~~لؤلؤ وسوار من فضة # وقال أبو هريرة رضى الله عنه إن فى الجنة حوراء يقال لها العيناء إذا مشت ~~مشى عن يمينها ويسارها سبعون ألف وصيفة وهى تقول أين الآمرون بالمعروف ~~والناهون عن المنكر وقال يحيى بن معاذ ترك الدنيا شديد وفوت الجنة أشد وترك ~~الدنيا مهر الآخرة وقال أيضا فى طلب الدنيا ذل النفوس وفى طلب الآخرة عز ~~النفوس فيا عجبا لمن يختار المذلة فى طلب ما يفنى ويترك العز فى طلب ما ~~يبقى صفة الرؤية والنظر إلى وجه الله تبارك تعالى # قال الله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وهذه الزيادة هى النظر إلى ~~وجه الله تعالى وهى اللذة الكبرى التى ينسى فيها نعيم أهل الجنة وقد ذكرناه ~~حقيقتها فى كتاب المحبة وقد شهد لها الكتاب والسنة على خلاف ما يعتقده أهل ~~البدعة قال جرير بن عبد الله البجلى كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فرأى القمر ليلة البدر فقال إنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون ~~فى رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ~~فافعلوا ثم قرأ @QB@ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها @QE@ + حديث ~~جرير كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى القمر ليلة البدر ~~فقال إنكم ترون ربكم الحديث هو فى الصحيحين كما ذكر المصنف + وهو مخرج فى ~~الصحيحين وروى مسلم فى الصحيح عن صهيب قال قرأ رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم قوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة @QB@ قال @QE@ إذا دخل أهل ~~الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله ~~موعدا يريد أن ينجزكموه قالوا ما هذا الموعد ألم يثقل موازيننا ويبيض ~~وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار قال فيرفع الحجاب وينظرون إلى وجه ~~الله عز وجل فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إليه + حديث صهيب فى قوله ~~تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة رواه مسلم كما ذكره المصنف + وقد روى ~~حديث الرؤيا جماعة من الصحابة وهذه هى غاية الحسنى ونهاية النعمى وكل ما ~~فصلناه من التنعم عند هذه النعمة ينسى وليس لسرور أهل الجنة عند سعادة ~~اللقاء منتهى بل لا نسبة لشىء من لذات الجنة إلى لذة اللقاء وقد أوجزنا فى ~~الكلام هنا لما فصلناه فى كتاب المحبة والشوق والرضا فلا ينبغى أن تكون همة ~~العبد من الجنة بشىء سوى لقاء المولى وأما سائر نعيم الجنة فإنه يشارك فيه ~~البهيمة المسرحة فى المرعى PageV04P543 نختم الكتاب بباب فى سعة رحمة الله ~~تعالى على سبيل التفاؤل بذلك # فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم يحب الفأل + حديث كان ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التفاؤل متفق عليه من حديث أنس فى أثناء ~~حديث ويعجبنى الفأل الصالح والكلمة الحسنة ولهما من حديث أبى هريرة وخيرهما ~~الفأل قال الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم + وليس لنا من الأعمال ما نرجو به ~~المغفرة فنقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم فى التفاؤل ونرجو أن يختم ~~عاقبتنا بالخير فى الدنيا والآخرة كما ختمنا الكتاب بذكر رحمه الله تعالى # فقد قال الله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن ~~يشاء وقال تعالى قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة ~~الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وقال تعالى ومن يعمل ~~سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما # ونحن نستغفر الله تعالى من كل ما زلت به القدم أو طغى به القلم فى كتابنا ~~هذا وفى سائر كتبنا ونستغفره من أقوالنا التى لا توافقها أعمالنا ونستغفره ~~مما ادعيناه وأظهرناه من العلم والبصيرة بدين الله تعالى مع التقصير فيه ~~ونستغفره من كل علم وعمل قصدنا به وجهه الكريم ثم خالطه غيره ونستغفره من ~~كل وعد وعدناه به من أنفسنا ثم قصرنا فى الوفاء به ونستغفره من كل نعمة ~~أنعم بها علينا فاستعملناها فى معصيته ونستغفره من كل تصريح وتعريض بنقصان ~~ناقص وتقصير مقصر كنا متصفين به ونستغفره من كل خطرة دعتنا إلى تصنع وتكلف ~~تزينا للناس فى كتاب سطرناه أو كلام نظمناه أو علم أفدناه أو استفدناه ~~ونرجو بعد الاستغفار من جميع ذلك كله لنا ولمن طالع كتابنا هذا أو كتبه أو ~~سمعه أن نكرم بالمغفرة والرحمة والتجاوز عن جميع السيئات ظاهرا وباطنا فإن ~~الكرم عميم والرحمة واسعة والجود على أصناف الخلائق فائض # ونحن خلق من خلق الله عز وجل لا وسيلة لنا إليه إلا فضله وكرمه فقد قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله تعالى مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة ~~بين الجن والإنس والطير والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وأخر ~~تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة + حديث إن لله تعالى مائة ~~رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس الحديث أخرجه مسلم من حديث أبى ~~هريرة وسلمان + ويروى أنه كان يوم القيامة أخرج الله تعالى كتابا من تحت ~~العرش فيه إن رحمتى سبقت غضبى وأنا أرحم الراحمين فيخرج من النار مثلا أهل ~~الجنة + حديث إذا كان يوم القيامة أخرج الله كتابا من تحت العرش فيه ان ~~رحمتى سبقت غضبى الحديث متفق عليه من حديث أبى هريرة لما قضى الله الخلق ~~كتب عنده فوق العرش إن رحمتى سبقت غضبى لفظ البخارى وقال مسلم كتب فى كتابه ~~على نفسه ان رحمتى تغلب غضبى + وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجلى ~~الله عز وجل لنا يوم القيامة ضاحكا فيقول أبشروا معشر المسلمين فإنه ليس ~~منكم أحد إلا وقد جعلت مكانه فى النار يهوديا أو نصرانيا + حديث يتجلى الله ~~لنا يوم القيامة ضاحكا فيقول أبشروا معشر المسلمين فإنه ليس منكم أحد إلا ~~وقد جعلت مكانه فى النار يهوديا أو نصرانيا أخرجه مسلم من حديث أبى موسى ~~إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا ~~فداؤك من النار ولأبى داود أمتى أمة مرحومة لاعذاب عليها فى الآخرة الحديث ~~وأما أول الحديث فرواه الطبرانى من حديث أبى موسى أيضا يتجلى الله ربنا لنا ~~ضاحكا يوم القيامة حتى ينظروا إلى وجهه فيخرون له سجدا فيقول ارفعوا رءوسكم ~~فليس هذا يوم عبادة وفيه على بن زيد بن جدعان + وقال النبي صلى الله عليه ~~وسلم يشفع الله تعالى آدم يوم القيامة من جميع ذريته فى مائة ألف ألف وعشرة ~~آلاف ألف + حديث يشفع الله آدم يوم القيامة من ذريته فى مائة ألف ألف وعشرة ~~آلاف ألف أخرجه الطبرانى من حديث أنس بإسناد ضعيف + وقال صلى الله عليه ~~وسلم إن الله عز وجل يقول يوم القيامة للمؤمنين هل أحببتم لقائى فيقولون ~~نعم يا ربنا فيقول لم فيقولون رجونا عفوك ومغفرتك فيقول قد أوجبت لكم ~~مغفرتى + حديث إن الله تعالى يقول يوم القيامة للمؤمنين هل أحببتم لقائى ~~فيقولون نعم الحديث أخرجه أحمد والطبرانى من حديث معاذ بسند ضعيف + وقال ~~PageV04P544 صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل يوم القيامة أخرجوا من ~~النار من ذكرنى يوما أو خافنى فى مقام + حديث يقول الله عز وجل يوم القيامة ~~أخرجوا من النار من ذكرنى يوما أو خافنى فى مقام أخرجه الترمذى من حديث أنس ~~وقال حسن غريب + وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمع أهل النار فى ~~النار ومن شاء الله معهم من أهل القبلة قال الكفار للمسلمين ألم تكونوا ~~مسلمين قالوا بلى فيقولون ما أغنى عنكم إسلامكم إذ أنتم معنا فى النار ~~فيقولون كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فيسمع الله عز وجل ما قالوا فيأمر بإخراج ~~من كان فى النار من أهل القبلة فيخرجون فإذا رأى ذلك الكفار قالوا يا ليتنا ~~كنا مسلمين فنخرج كما أخرجوا ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم @QB@ ~~ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين @QE@ + حديث إذا اجتمع أهل النار فى ~~النار ومن شاء الله معهم من أهل القبلة قال الكفار للمسلمين ألم تكونوا ~~مسلمين قالوا بلى فيقولون ما أغنى عنكم إسلامكم إذ أنتم معنا فى النار ~~الحديث فى إخراج أهل القبلة من النار ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~@QB@ ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين @QE@ أخرجه النسائى فى الكبرى ~~من حديث جابر نحوه بإسناد صحيح + وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله ~~أرحم بعبده المؤمن من الوالدة الشفيقة بولدها + حديث لله أرحم بعبده المؤمن ~~من الوالدة الشقيقة بولدها متفق متفق عليه من حديث عمرو بن الخطاب وفي أوله ~~قصة المرأة من السبي إذ وجدت صبيا في السبى فأخذته ببطنها فأرضعته فى ~~سباعيات أبى الأسعد القشيرى من + وقال جابر بن عبد الله من زادت حسناته على ~~سيآته يوم القيامة فذلك الذى يدخل الجنة بغير حساب ومن استوت حسناته وسيآته ~~فذلك الذى يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة وإنما شفاعة رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم لمن أوبق نفسه وأثقل ظهره # ويروى أن الله عز وجل قال لموسى عليه السلام يا موسى استغاث بك قارون فلم ~~تغثه وعزتى وجلالى لو استغاث بى لأغثته وعفوت عنه وقال سعد بن بلال يؤمر ~~يوم القيامة بإخراج رجلين من النار فيقول الله تبارك وتعالى ذلك بما قدمت ~~أيديكما وما أنا بظلام للعبيد ويأمر بردهما إلى النار فيعدو أحدهما فى ~~سلاسله حتى يقتحمها ويتلكا الآخر ويأمر بردهما ويسألهما عن فعلهما فيقول ~~الذى عدا إلى النار قد حذرت من وبال المعصية فلم أكن لأتعرض لسخطك ثانية ~~ويقول الذى تلكا حسن ظنى بك كان يشعرنى أن لا تردنى إليها بعد ما أخرجتنى ~~منها فيأمر بهما إلى الجنة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادى مناد ~~من تحت العرش يوم القيامة يا أمة محمد أما ما كان لى قبلكم فقد وهبته لكم ~~وبقيت التبعات فتواهبوها وادخلوا الجنة برحمتى + حديث ينادى مناد من تحت ~~العرش يوم القيامه يا أمة محمد أما ما كان لي قبلكم فقد غفرته لكم وبقيت ~~التبعات فتواهبوها بينكم وادخلوا الجنة برحمتي رويناه في سباعيات أبي ~~الأسعد القشيري من حديث أنس وفيه الحسين بن داود البلخي قال الخطيب ليس ~~بثقة + ويروى أن أعرابيا سمع ابن عباس يقرأ @QB@ وكنتم على شفا حفرة من ~~النار فأنقذكم منها @QE@ فقال الأعرابي فوالله ما انقذكم منها وهو يريد أن ~~يوقعكم فيها فقال ابن عباس خذوها من غير فقيه وقال الصنابحى دخلت على عبادة ~~بن الصامت وهو فى مرض الموت فبكيت فقال مهلا لم تبكى فوالله ما من حديث ~~سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه إلا حديثا ~~واحدا وسوف أحدثكموه اليوم وقد أحيط بنفسى سمعت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يقول من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله النار ~~عليه + حديث الصنابحى عن عبادة بن الصامت من شهد أن لا إله إلا الله وأن ~~محمدا رسول الله حرمه الله على النار أخرجه مسلم من هذا الوجه واتفقا عليه ~~من غير رواية الصنابحى بلفظ آخر + وقال عبد الله ابن عمرو بن العاص قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يستخلص رجلا من أمتى على رءوس ~~الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل منها مثل مد البصر ~~ثم يقول أتنكر من هذا شيئا أظلمتك كتبتى الحافظون فيقول لا يا رب فيقول ~~أفلك عذر فيقول لا يا رب فيقول بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك ~~PageV04P545 اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن ~~محمدا رسول الله فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقول إنك لا ~~تظلم قال فتوضع السجلات فى كفه والبطاقة فى كفه قال فطاشت السجلات وثقلت ~~البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شىء + حديث عبد الله بن عمرو إن الله يستخلص ~~رجلا من أمتى على رءوس الخلائق يوم القيامة فينتشر له تسعة وتسعون سجلا ~~فذكر حديث البطاقة ابن ماجه والترمذى وقال حسن غريب + وقال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فى آخر حديث طويل يصف فيه القيامة والصراط إن الله يقول ~~للملائكة من وجدتم فى قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه من النار فيخرجون ~~خلقا كثيرا ثم يقولون يا ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به ثم يقول ~~ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا ~~كثيرا ثم يقولون يا ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به يقول ارجعوا فمن ~~وجدتم فى قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون يا ~~ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به فكان أبو سعيد يقول إن لم تصدقونى ~~بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة ~~يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما قال فيقول الله تعالى شفعت الملائكة وشفع ~~النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة فيخرج منها ~~قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم فى نهر فى أفواه الجنة يقال ~~له نهر الحياة فيخرجون منها كما تخرج الحبة فى حميل السيل ألا ترونها تكون ~~مما يلى الحجر والشجر ما يكون إلى الشمس أصفر وأخضر وما يكون منها إلى الظل ~~أبيض قالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ فى ~~رقابهم الخواتيم يعرفهم أهل الجنة يقولون هؤلاء عتقاء الرحمن الذين أدخلهم ~~الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتم فهو ~~لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول الله تعالى إن ~~لكم عندى ما هو أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أى شىء أفضل من هذا فيقول ~~رضائى عنكم فلا اسخط عليكم بعده أبدا + حديث إن الله يقول للملائكة من ~~وجدتم فى قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه من النار فيخرجون خلقا كثيرا ~~الحديث فى إخراج الموحدين وقوله تعالى لأهل الجنة فلا أسخط عليكم بعده أبدا ~~أخرجاه فى الصحيحين كما ذكر المصنف من حديث أبى سعيد + رواه البخارى ومسلم ~~فى صحيحيهما وروى البخارى أيضا عن ابن عباس رضى الله عنهما قال خرج علينا ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال عرضت على الأمم يمر النبي ومعه ~~الرجل والنبى ومعه الرجلان والنبى ليس معه أحد والنبى معه الرهط فرأيت ~~سوادا كثيرا فرجوت أن تكون أمتى فقيل لى هذا موسى وقومه ثم قيل لى انظر ~~فرأيت سوادا كثيرا قد سد الأفق فقيل لى انظر هكذا وهكذا فرأيت سواد كثيرا ~~فقيل لى هؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب فتفرق ~~الناس ولم يبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكر ذلك الصحابة ~~فقالوا أما نحن فولدنا فى الشرك ولكن قد آمنا بالله ورسوله هؤلاء هم ~~أبناؤنا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هم الذين لا يكتوون ~~ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة فقال ادع الله أن ~~يجعلنى منهم يا رسول الله فقال أنت منهم ثم قام آخر فقال مثل قول عكاشة ~~فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبقك بها عكاشة + حديث ابن عباس عرضت على ~~الأمم يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي ليس معه أحد الحديث ~~إلى قوله سبقك بها عكاشة رواه البخارى + عن عمر بن حزم الأنصارى قال تغيب ~~عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا لا يخرج إلا لصلاة مكتوبة ثم يرجع ~~فلما كان اليوم الرابع خرج إلينا فقلنا يا رسول الله احتبست عنا حتى ظننا ~~أنه قد حدث حدث قال لم يحدث إلا خير إن ربى عز وجل وعدنى أن يدخل الجنة من ~~أمتى سبعين ألفا لا حساب عليهم وإنى سألت ربى فى هذه الثلاثة أيام المزيد ~~فوجدت ربى ماجدا واجدا كريما فأعطانى مع كل واحد من PageV04P546 السبعين ~~ألفا سبعين ألفا قال قلت يا رب وتبلغ أمتى هذا قال أكمل لك العدد من ~~الأعراب + حديث عمرو بن حزم الأنصارى تغيب عنا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم ثلاثا لا يخرج إلا لصلاة مكتوبة ثم يرجع وفيه إن ربى وعدنى أن يدخل من ~~أمتى الجنة سبعين ألفا لا حساب عليهم @QB@ وفيه @QE@ أعطانى مع كل واحد من ~~السبعين ألفا سبعين ألفا أخرجه البيهقى فى البعث والنشور ولأحمد وأبى يعلى ~~من حديث أبى بكر فزادنى مع كل واحد سبعين ألفا وفيه رجل لم يسم ولأحمد ~~والطبرانى فى الأوسط من حديث عبد الرحمن بن أبى بكر فقال عمر فهلا استزدته ~~فقال قد استزدته فأعطانى مع كل رجل سبعين ألفا قال عمر فهلا استزدته قال قد ~~استزدته فأعطانى هكذا وفرج عبد الله بن أبى بكر بين يديه قال عبد الله وبسط ~~باعيه وحثى عليه وفيه موسى بن عبيدة الرندى ضعيف + وقال أبو ذر قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم عرض لى جبريل فى جانب الحرة فقال بشر أمتك أنه من ~~مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة فقلت يا جبريل وإن سرق وإن زنى قال نعم ~~وإن سرق وإن زنى قلت وإن سرق وإن زنى قال وإن سرق وإن زنى قلت وإن سرق وإن ~~زنى قال وإن سرق وإن زنى وإن شرب الخمر + حديث أبى ذر عرض لى جبريل فى جانب ~~الحرة فقال بشر أمتك بأنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة الحديث متفق ~~عليه بلفظ أتانى جبريل فبشرنى وفى رواية لهما أتانى آت من ربى + وقال أبو ~~الدرداء قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت ~~وإن سرق وإن زنى يا رسول الله فقال ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت وإن سرق ~~وإن زنى فقال ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت وإنى سرق وإن زنى يا رسول الله ~~قال وإن رغم أنف أبى الدرداء + حديث أبى الدرداء قرأ رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت وإن زنى وإن سرق الحديث رواه أحمد ~~بإسناد صحيح + وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة دفع ~~إلى كل مؤمن رجل من أهل الملل فقيل له هذا فداؤك من النار + حديث إذا كان ~~يوم القيامة دفع إلى كل مؤمن رجل من أهل الملل فقيل له هذا فداؤك من النار ~~رواه مسلم من حديث أبى موسى نحوه وقد تقدم + وروى مسلم فى الصحيح عن أبى ~~بردة أنه حدث عمر بن عبد العزيز عن أبيه أبى موسى عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم قال لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله تعالى مكانه النار يهوديا أو ~~نصرانيا فاستحلفه عمر بن عبد العزيز بالله الذى لا إله إلا هو ثلاث مرات أن ~~أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلف له + حديث أبى بردة أنه ~~حدث عمر بن عبد العزيز عن أبيه أبى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ~~لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا عزاه المصنف ~~لرواية مسلم وهو كذلك + وروى أنه وقف صبى فى بعض المغازى ينادى عليه فيمن ~~يزيد فى يوم صائف شديد الحر فبصرت به امرأة فى خباء القوم فأقبلت تشتد ~~وأقبل أصحابها خلفها حتى أخذت الصبى وألصقته إلى صدرها ثم القت ظهرها على ~~البطحاء وجعلته على بطنها تقيه الحر وقالت ابنى ابنى فبكى الناس وتركوا ما ~~هم فيه فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف عليهم فأخبروه الخبر ~~فسر برحمتهم ثم بشرهم فقال أعجبتم من رحمة هذه لابنها قالوا نعم قال صلى ~~الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى أرحم بكم جميعا من هذه بابنها + حديث ~~وقف صبى فى بعض المغازى ينادى عليه فيمن يزيد فى يوم صائف شديد الحر فبصرت ~~به امرأة الحديث وفيه الله أرحم بكم جميعا من هذه بابنها متفق عليه مختصرا ~~مع اختلاف من حديث عمر بن الخطاب قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بسبى فإذا امرأة من السبى تسعى إذ وجدت صبيا فى السبى أخذته فألصقته ببطنها ~~وأرضعته فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أترون هذه المرأة طارحة ~~ولدها فى النار قلنا لا والله وهى تقدر على أن لا تطرحه فقال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم الله أرحم بعباده من هذه بولدها لفظ مسلم وقال البخارى فإذا ~~امرأة من السبى قد تحلب ثديها تسعى إذ وجدت صبيا الحديث + والحمد لله تعالى ~~عودا على بدء والصلاة والتسليم على سيدنا محمد فى كل حركة وهده يقول مؤلفه ~~عبد الرحيم بن الحسين العراقى اننى أكملت مسودة هذا التأليف فى سنة 761 ~~وأكملت تبييض هذا المختصر منها فى يوم الأثنين 12 من شهر ربيع الأول سنة ~~790 انتهى فتفرق المسلمون على أفضل السرور وأعظم البشارة # فهذه الأحاديث وما أوردنا فى كتاب الرجاء يبشرنا بسعة رحمة الله تعالى ~~فنرجو من الله تعالى أن لا يعاملنا بما نستحقه ويتفضل علينا بما هو أهله ~~بمنه وسعة جوده ورحمته PageV04P547