######OpenITI# #META# 000.SortField :: Shamela_0009760 #META# 000.BookURI :: #0282.AbuHanifaDinawari.AkhbarTiwal #META# 010.AuthorAKA :: NODATA #META# 010.AuthorNAME :: أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (المتوفى: 282هـ) #META# 011.AuthorBORN :: NOTGIVEN #META# 011.AuthorDIED :: 282 #META# 019.AuthorDIED :: NODATA #META# 020.BookTITLE :: الأخبار الطوال #META# 020.BookTITLESUB :: NODATA #META# 021.BookSUBJ :: التاريخ #META# 022.BookVOLS :: 1 #META# 025.BookLANG :: NODATA #META# 029.BookTITLEalt :: NODATA #META# 030.LibURI :: Shamela_0009760 #META# 030.LibURIextra :: NODATA #META# 031.LibREADONLINE :: http://shamela.ws/browse.php/book-9760 #META# 031.LibURL :: http://shamela.ws/index.php/book/9760 #META# 031.LibURLFILE :: NODATA #META# 031.LibURLextra :: NODATA #META# 040.EdALL :: NODATA #META# 040.EdEDITOR :: عبد المنعم عامر #META# 041.EdNUMBER :: الأولى، 1960 م #META# 041.EdNumber :: NODATA #META# 043.EdPUBLISHER :: دار إحياء الكتب العربي - عيسى البابي الحلبي وشركاه / القاهرة #META# 044.EdPLACE :: NODATA #META# 045.EdYEAR :: NODATA #META# 049.EdISBN :: NODATA #META# 049.EdPAGES :: NODATA #META# 049.EdPHYSICAL :: NODATA #META# 049.EdVOLUME :: NODATA #META# 090.RecMISC :: NODATA #META# 999.MiscINFO :: NODATA #META#Header#End# # PageV00P000 ### | اولاد آدم # بسم الله الرحمن الرحيم فوضت امرى الى الله # قال ابو حنيفه احمد بن داود الدينورى رحمه الله، وجدت فيما كتب اهل العلم ~~بالاخبار الاولى، ان آدم عليه السلام كان مسكنه الحرم، وان ولده كثروا في ~~زمان مهليل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم، وكان سيد ولد آدم في دهره، ~~والقائم بامره، وكذلك كان آباؤه الى آدم عليهم السلام اجمعين، ووقع بينهم ~~التنازع في الأوطان، ففرقهم مهليل في مهب الرياح الأربع، وخص ولد شيث بافضل ~~الارض، فأسكنهم العراق. ### | ادريس ونوح # وكان أول نبى بعد شيث ادريس، واسمه اخنوخ بن يرد بن مهليل، وسمى ادريس، ~~لكثرة دراسته، ثم بعث الله نوحا ع الى اهل عصره، وكان مسكنه بأرض العراق، ~~وهو نوح بن لمك بن متوشلح، فكذبوه، فاغرقهم الله، ونجى نوحا ومن كان معه في ~~السفينة، وكان جنوح السفينة واستقرارها على راس الجودي، جبل بقردى وبازبدى ~~[1] . من ارض الجزيرة، فلما مات نوح استخلف ابنه ساما، فكان أول من وطد ~~السلطان، واقام منار الملك بعد سام جم بن ويرنجهان بن ايران، وهو ارفخشذ بن ~~سام بن نوح، واعقم الله جميع من نجى مع نوح في السفينة الا بنيه الثلاثة، ~~ساما وحاما ويافثا. وكان لنوح ابن رابع اسمه يام، وهو الغريق، ولم يكن له ~~عقب، واما الثلاثة فكلهم اعقب. PageV01P001 # وكان سام هو المتولى لامر نوح من بعده، وكان يشتو بأرض جوخى ويصيف ~~بالموصل، وكان طريقه في مبدئه ومنصرفه على شط دجلة من الجانب الشرقى، فسمى ~~لذلك سام راه، [1] . وهو الذى تسميه العجم ايران. وقد كان تبوأ ارض العراق، ~~واختصها لنفسه، فسمى ايران شهر، وقام بالأمر بعده ابنه شالخ، فلما حضرته ~~الوفاة اسند الأمر الى ابن أخيه جم بن ويرنجهان بن ارفخشذ فثبت اساس الملك، ~~ووطد أركانه وبنى معالمه، واتخذ يوم النيروز عيد [2] . ### | اختلاف الالسن # قالوا: وفي زمان جم تبلبلت الالسن ببابل. وذلك ان ولد نوح كثروا بها، ~~فشحنت بهم، وكان كلام الجميع السريانية، وهي لغة نوح، فأصبحوا ذات يوم، وقد ~~تبلبلت ms001 السنتهم، وتغيرت الفاظهم، وماج بعضهم في بعض، فتكلمت كل فرقه منهم ~~باللسان الذى عليه اعقابهم الى اليوم، فخرجوا من ارض بابل، وتفرقت كل فرقه ~~جهة، وكان أول من خرج منهم ولد يافث بن نوح، وكانوا سبعه اخوه: الترك، ~~والخزر، وصقلاب، وتاريس، ومنسك، وكمارى، والصين. فأخذوا ما بين المشرق ~~والشمال، ثم سار بعدهم ولد حام بن نوح، وكانوا أيضا سبعه اخوه: السند ~~والهند والزنج والقبط وحبش ونوبه وكنعان، فأخذوا ما بين الجنوب والدبور [3] ~~.، واقام ولد سام بن نوح مع ابن عمهم جم الملك بأرض بابل على تغير الفاظهم. ~~PageV01P002 ### | الساميون # وكان لسام بن نوح خمسه بنين: ارم وكان اكبرهم سنا، وارفخشذ، وعالم، ~~واليفر، والاسور، فخص ولد ارم باللسان العربي عند تبلبل الالسن، وكانوا ~~أيضا سبعه اخوه: عاد، وثمود، وصحار، وطسم، وجديس، وجاسم، ووبار. فارتحل عاد ~~مع من تبعه حتى حل بأرض اليمن. ونزل ثمود بن ارم ما بين الحجاز الى الشام. ~~ونزل طسم بن ارم عمان والبحرين، ونزل جديس بن ارم اليمامه، ونزل صحار ما ~~بين الطائف الى جبلي طيئ، ونزل جاسم ما بين الحرم الى سفوان [1] .، ونزل ~~وبار بن ارم ما وراء الرمل بالبلاد التي تعرف بوبار، وهؤلاء العرب الاولى ~~انقرضوا عن آخرهم. # قالوا: ولما خرج هؤلاء تحركت قلوب سائر ولد نوح للخروج من بابل، فخرج ~~خراسان بن عالم بن سام، فاتخذ خراسان خطه، وفارس بن الاسور بن سام، والروم ~~بن اليفر بن سام، وارمين بن نورج بن سام، وهو صاحب أرمينية، وكرمان بن تارح ~~بن سام، وهيطل بن عالم بن سام، وولده من وراء نهر بلخ [2] .، وتسمى بلاد ~~الهياطلة، ونزل كل رجل منهم مع ولده في الارض التي سميت به، ونسبت اليه، ~~فلم يبق مع الملك جم بأرض بابل الا ولد ارفخشذ بن سام. # قالوا: ولما كثرت عاد باليمن تجبروا وعتوا، وعليهم شديد بن عمليق بن عاد ~~بن ارم بن سام بن نوح، فوجه الى ولد سام ابن أخيه ### | الضحاك # بن علوان بن عمليق ابن عاد، وهو الذى تسميه العجم ms002 بيوراسف، فصار الى ارض ~~بابل، وهرب منه جم الملك، فطلبه الضحاك حتى ظفر به، فأخذه، واشره بميشار ~~[3] .، PageV01P003 # فاستولى على ملكه. وكان الذى وجه الى ولد حام بن نوح ابن عمه الوليد بن ~~الريان بن عاد بن ارم، وكان ملكهم يومئذ مصر بن القبط بن حام الذى تبوأ ارض ~~مصر، فسار اليه الوليد بن الريان حتى قتله، واستولى على ملكه. # ومن ولد الوليد بن الريان الريان بن الوليد عزيز مصر، صاحب يوسف ع، ومن ~~ولدهما الوليد بن مصعب فرعون موسى ع، وكان جالوت الجبار الذى قتله داود ~~النبي من ولد الوليد بن الريان. # وكان الذى وجه شديد بن عمليق الى ولد يافث بن نوح ابن أخيه غانم بن علوان ~~أخو الضحاك بن علوان، وكان ملك ولد يافث بن نوح يومئذ فراسياب بن توذل ابن ~~الترك بن يافث بن نوح، فغلب على ملكه أيضا، واستولى على ارضه، ومن ولد غانم ~~بن علوان فيما يقال فؤر ملك الهند الذى قتله الاسكندر مبارزه، ويقال ان ~~رستم الشديد من ولد غانم. # الضحاك # قالوا: وان الضحاك الذى تسميه العجم بيوراسف عند ما كان من غلبته جم ~~الملك وقتله اياه واطمئنانه في الملك وفراغه أخذ يجمع اليه السحره من آفاق ~~مملكته، ويتعلم السحر حتى صار فيه اماما، وبنى مدينه بابل [1] .، وجعلها ~~اربعه فراسخ في اربعه، وشحنها بجنود من الجبابرة وسماها خوب، وسام اولاد ~~ارفخشذ الخسف، ونبتت في منكبيه سلعتان كهيئة الحيتين، تؤذيانه حتى يطعمهما ~~ادمغه الناس فتسكنان. قالوا: فكان يؤتى كل يوم باربعه رجال جسام فيذبحون ~~PageV01P004 # وتؤخذ أدمغتهم فيغذى بها تانك الحيتان. وكان له وزير من قومه، فولى ~~وزارته رجلا من ولد ارفخشذ يسمى ارمياييل، فكان إذا اتى بالرجال ليذبحوا ~~استحيا منهم اثنين، وجعل مكانهما كبشين من الغنم، وامر الرجلين ان يذهبا ~~حيث لا يوجد اثرهما، فكانوا يصيرون الى الجبال، فيكونون فيها، ولا يقربون ~~القرى والأمصار، فيقال انهم اصل الأكراد. [1] . # بعثه هود # وملك بعد شديد بن عمليق اخوه شداد بن عمليق بن عاد بن ارم، فعتا، وتجبر ms003، ~~فبعث الله اليه هودا ع رسولا، وكان من صميم قومه واشرافهم، وهو هود بن خالد ~~بن الخلود بن العيص بن عمليق بن عاد، فلم يحفل به، فاهلكه، ومن كفر معه من ~~عاد، كما قد قصه الله تبارك وتعالى في كتابه، وهو اصدق الحديث [2] . # قال: ونشا في ذلك الدهر عابر بن شالخ بن ارفخشذ بن سام بن نوح، فولد له ~~فالغ بن عابر، ثم ولد له بعد ذلك قحطان بن عابر، قال: وانما سمى قحطان ~~لقحطه القحوط، وطرده بالسخاء والجود، ثم ولد له لام بن عابر، فكان اعبد اهل ~~عصره، وكانت اسفار آدم وشيث ونوح وقعت اليه، فدرسها، وعلمها. # ثم ان الضحاك البيوراسف طلبه ليفتنه عن دينه، فهرب منه باهله وولده من ~~مدينه بابل حتى حل بمفازه من ارض الروم، فقبره بها، ويقال: ان مكان قبره ~~معروف حتى الان. PageV01P005 # نمروذ بن كنعان # ولما اهلك الله عادا مع شداد ضعف ركن الضحاك، ووهى امره، واجترأ عليه ولد ~~ارفخشذ بن سام، وكان الوباء وقع في جنده، ومن كان معه من الجبابرة، فخرج ~~يريد أخاه غانم بن علوان الذى ملكه شديد على ولد يافث، ويستعين به على ~~امره، فاستغنم ولد ارفخشذ بن سام خروجه، فأرسلوا الى نمروذ بن كنعان بن جم ~~الملك، وكان مستترا هو وأبوه في طول ملك الضحاك، بجبل دنباوند [1] .، ~~فأتاهم، فملكوه عليهم، فصمد وصمد من كان بأرض بابل من اهل بيت الضحاك، ~~فقتلهم اجمعين، واستولى على ملك الضحاك، وبلغ ذلك الضحاك فاقبل نحوه، فظفر ~~به نمروذ وضربه على هامته بجرز [2] . حديد، فأثخنه، ثم شده وثاقا، واقبل به ~~الى غار في جبل دنباوند، فادخله فيه وسد عليه، واستدف [3] . الملك لنمروذ ~~واستوسق، وهو الذى يسميه العجم فريدون. # قالوا: ولما توفى هود ع اجتمع ولد ارم بن سام من اقطار الارض، فملكوا ~~مرثد بن شداد، وذلك في أول ملك نمروذ بن كنعان، فغزاهم نمروذ في آخر ملكه، ~~وقد وهى امرهم، فقدر عليهم. وقالوا: فالغ وقحطان اخوان، وهما ابنا عابر، ~~ففالغ جد ابراهيم ع، واما ms004 قحطان فابو اليمن، ويروى ان ابن المقفع كان يقول: ~~يزعم جهال العجم ومن لا علم له ان جم الملك هو سليمان بن داود، وهذا غلط، ~~فبين سليمان وبين جم اكثر من ثلاثة آلاف [4] . سنه، ويقال: ان نمروذ بن ~~كنعان فرعون ابراهيم من ولد جم. وكان ابن عم آزر بن تارح ابى ابراهيم، وهو ~~ابراهيم بن آزر بن تارح بن ناخور بن ارغوا بن شالخ بن ارفخشذ PageV01P006 # الذى سمته العجم، ايران، ومن ولد ارفخشذ جميع العرب، ومنهم أيضا ملوك ~~العجم واشرافهم من اهل العراق وغيرهم. # قحطان # قالوا: ولما انقرضت عاد من ارض اليمن وبادوا، وذلك في عصر نمروذ بن ~~كنعان، أقطعها نمروذ ابن عمه قحطان بن عابر، فسار إليها في ولده، حتى ~~نزلها، وبها بقايا قليله ممن آمن بهود ع من عاد، فجاورهم قحطان بها، فلم ~~يكن الا قليل حتى انقرضوا وبادوا، وصفت الارض لقحطان. # ويقال: ان السائر إليها يعرب بن قحطان بعد وفاه ابيه، فسار إليها في ~~اخوته وأولادهم، فقطنها، فكانت أم يعرب دون اخوته من عاد، فتكلم بلسان أمه. # وذكر عن ابن الكيس النمرى [1] . انه قال: ان قحطان تزوج امراه من ~~العماليق، فولدت يعرب، وجرهم، والمعتمر، والمتلمس، وعاصما، ومنيعا، ~~والقطامي، وعاصيا، وحمير، فتكلموا جميعا بلسان أمهم بالعربية، وكان قحطان ~~في عصر نمروذ. وذكر عن ابن الشريه [2] . انه قال: كان الذى خرج إليها يعرب ~~بن قحطان في ولده، وكان اكبرهم سنا، واعظمهم قدرا. # ثمود # قالوا: وان ثمودا قفت ما كانت عليه عاد من الكفر بالله، والعتو عليه، ~~فأرسل الله اليهم صالحا رسولا، فكان من اشرفهم منصبا، واكرمهم حسبا، فدعاهم ~~الى توحيد الله، فلم يقبلوا منه، ولم يرعووا، فاهلكهم الله عز وجل، كما نص ~~في كتابه، وهو اصدق الحديث [3] . ويقال: انه كان بين مهلك عاد ومهلك ثمود ~~خمسمائة عام، وكان ذلك في عصر ابراهيم ع. PageV01P007 ### | ابراهيم # وفي آخر ملك نمروذ، وتسميه العجم فريدون تجبر نمروذ، وعتا، ولهج بعلم ~~النجوم، واجتلب المنجمين من آفاق الارض، وحباهم بالأموال، واختار سبعه نفر ~~من اهل ms005 بيته، فسماهم الكوهبارين [1] . فولاهم أموره، ووكل كل رجل منهم بعمل ~~افرده به. # وكان آزر ابو ابراهيم احد السبعه الذين اختارهم. وقد كان دان له الشرق ~~والغرب، فكان من امر مولد ابراهيم ما قد جاءت به الآثار، وكان أول من آمن ~~بابراهيم امراته ساره، وكانت من اجمل اهل عصرها. ولوط كان ابن اخته، فأقام ~~ابراهيم مع ابيه ما شاء الله، ثم خرج مهاجرا له، وخرجت معه ساره، وكان ابو ~~لوط من اهل مدينه سدوم [2] . وكانت أمه بنت آزر، وانما كان قدم الى بابل ~~زائرا لجده آزر، فآمن بابراهيم، فأقام معه ببابل مؤازرا له على امره، فلما ~~خرج ابراهيم ع مهاجرا خرج معه لوط، فلحق بابيه واهل بيته بمدينه سدوم، وهي ~~فيما بين ارض الأردن وتخوم ارض العرب، وسار ابراهيم حتى اتى ارض مصر. ### | هجره جرهم والمعتمر # قالوا: وان ولد ### | قحطان # كثروا بأرض اليمن، فوقع بينهم التباغى والتحاسد، فاجتمع ولد يعرب بن ~~قحطان على جرهم بن قحطان وولد المعتمر بن قحطان، فنفوهم عن اليمن وارضه، ~~فسارت جرهم نحو الحرم، وسار بنو المعتمر نحو الحجاز، ورئيس جرهم مصاص بن ~~عمر بن عبد الله بن جرهم بن قحطان، وأرادوا نزول الحرم، PageV01P008 # فمنعهم العماليق من ذلك، فاقتتلوا، فغلبتهم جرهم على الحرم، ونفوهم منه، ~~ونزلت جرهم الحرم. فلما قطنوه بلغ ذلك بنى المعتمر بن قحطان، فاقبلوا من ~~ارض الحجاز حتى أتوا الحرم، وسألوا جرهم السكنى معهم، فابت عليهم جرهم، ~~ورئيس بنى المعتمر السميدع بن عمرو بن قنطور بن المعتمر بن قحطان، فتداعى ~~الفريقان للحرب، فبحر بهم هذه سميت قعيقعان والمطابخ واجياد وفاضح، لان به ~~فضحت بنو المعتمر، وقتل السميدع، وكان الظفر لجرهم. ### | نمروذ واولاده # قالوا: وكان لنمروذ ثلاثة بنين: ايرج، وسلم، وطوس، ففوض الى ايرج ملكه، ~~وجعل سلما على ولد حام، وطوسا على ولد يافث، فحسد ايرج اخواه، إذ خصه أبوه ~~بالأمر دونهما، وهو اصغر سنا منهما، فاغتالاه، فقتلاه، فصير الملك الى ابن ~~ابنه منوشهر بن ايرج، وصرفه عن ابنيه: سلم، وطوس، ثم مات. # فملك منوشهر ms006 بن ايرج، وفي عصر منوشهر كثرت قحطان باليمن، فملكوا عليهم ~~سبا بن يشجب، واسم سبا عبد شمس. ### | اولاد اسماعيل # قالوا: وفي ذلك العصر توفى اسماعيل بن ابراهيم ع، وخلف ثلاثة بنين، قيذر ~~بن اسماعيل، ونابت بن اسماعيل، وهو كان القيم بأمر مكة والحرم بعد ابراهيم، ~~ومدين بن اسماعيل، وهو الذى صار الى ارض مدين، فنزلها، ومن ولده شعيب النبي ~~ع، وقومه الذين ارسل اليهم. ### | غلبه جرهم على الحرم # قالوا: ولما توفى نابت بن اسماعيل غلبت جرهم على البيت والحرم، فخرج قيذر ~~بن اسماعيل باهله وماله يتبع مواقع القطر فيما بين كاظمه، وغمر ذي كنده، # PageV01P009 # والشعثمين، وما والى تلك الارضين حتى كثر ولده، وانتشروا في جميع ارض ~~تهامه، والحجاز، ونجد. ### | بنو قحطان # فملك سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان ارض اليمن طول ### | ملك منوشهر # مائه وعشرين سنه، ثم مات، وملك بعده ابنه حمير بن سبا، وجعل ابنه كهلان ~~وزير حمير. # [ملك منوشهر] ### | نهاية ملك منوشهر # قالوا: ولما اتى لملك منوشهر مائه سنه وعشرون سنه سار اليه فراسياب بن ~~فايش بن نوذسف بن الترك بن يافث بن نوح. وذلك حين ملك حمير ارض اليمن. وكان ~~مسيره من ناحيه المشرق في جموع من ولد يافث بن نوح، حتى انتهى الى ارض ~~بابل، وخرج اليه منوشهر الملك في جنوده، ففضت جموع منوشهر، وقفا فراسياب ~~اثر منوشهر حتى لحقه، فقتله، واستولى على ملكه، وجلس على سريره. # وسام ولد ارفخشذ الخسف، وهدم ما كان بأرض بابل من الحصون، وعور [1] . ما ~~كان فيها من العيون، وطم [2] . ما كان فيها من الانهار، وقحط الناس في ملكه ~~قحطا شديدا، وكان اهل ايران شهر في ملكه في اعظم بلاء. ### | زاب بن بودكان # فلما تم لملك فراسياب تسع سنين ظهر زاب بن بودكان بن منوشهر بن ايرج بن ~~نمروذ بأرض فارس، فخلع فراسياب، ودعا لنفسه، فمال اليه جميع ولد سام بن نوح ~~للجهد الذى نالهم في ملك فراسياب، فسار الى فراسياب حتى نفاه عن ~~PageV01P010 # مملكته، وعمد الى المدن والحصون التي ms007 هدمها فراسياب، فاعاد بناءها، وحفر ~~الانهار والقنى التي كان طمها، واصلح كل ما كان فراسياب افسده، وكرى ~~بالعراق أنهارا عظيمه سماها الزوابي، اشتق اسمها من اسمه، وهي الزابي ~~الأعلى، والزابي الأوسط، والزابي الأسفل، وابتنى المدينة العتيقة، وسماها ~~طيسفون، [1] . ثم سار في اثر فراسياب، وقد اقام بخراسان في جموعه، وعساكره، ~~فزحف اليه فراسياب فاقتتلوا، واقبل ارسناس الذى كان منوشهر امره بتعليم ~~الناس الرمى بالنشاب، وقد وتر قوسه وفوق [2] . فيها نشابه، فاقبل حتى دنا ~~من فراسياب، فلما تمكن رماه رميه خالطت فؤاده، وخر ميتا، وانصرف ولد يافث ~~حين قتل ملكهم حتى لحقوا بأرضهم، وكان زاب قد اصابته جراحات كثيره، فمات ~~منها بعد مهلك فراسياب بشهر. وفي ذلك العام مات حمير بن سبا. # قالوا: كان ملك الوليد بن مصعب فرعون موسى ع [3] . على جميع ارض ولد حام، ~~وهي المملكة التي تعرف بملك مصر بن حام. # وقالوا: ولما توفى يوسف بن يعقوب واخوته بأرض مصر بقي اعقابهم بها، ~~وكثروا فيها، وكانوا في زمان موسى ع ستمائه الف رجل، وكان ملك اليمن في زمن ~~موسى الملطاط بن عمرو بن حمير بن سبا. # كيقباذ بن زاب # وكان ملك ارض بابل كيقباذ بن زاب، وكان الملطاط يلقب بالرائش، لأنه راش ~~قومه واغناهم، وكانت ملوك الارض كلها قد دانوا لكيقباذ، واتقوه بالاتاوه، ~~[4] .، PageV01P011 # وكان له ثلاثة بنين: قابوس، وهو الذى ملك من بعده، وكيابنه، وهو جد ~~لهراسف الذى ملك بعد سليمان بن داود ع، وقيوس، وهو جد الاشغانيين الذين ~~كانوا ملوك الجبل في زمان الطوائف. # وفي عصره خرج موسى بن عمران من مصر هاربا من فرعون حتى اتى ارض مدين [1] ~~.، ونزل على شعيب، فاجره نفسه ثماني حجج، كما ذكر الله جل ثناؤه في الكتاب ~~الناطق [2] ، ثم خرج من عند شعيب لما قضى الأجل، وسار باهله، فكان من امره ~~واكرام الله اياه بتكليمه ورسالته ما قد قصه علينا في كتابه، وانصرف الى ~~شعيب، ورد اهله اليه، ومضى حتى بلغ رساله ربه، وفي هذا العصر بعث شعيب الى ~~قومه، فكان منهم ms008 ما حكاه الله في كتابه [3] . # أبرهة # قالوا: ثم ملك ارض اليمن أبرهة بن الملطاط، وهو أبرهة ذو المنار، سمى ~~بذلك، لأنه امر بعمل المنار والايقاد عليها بالليل، ليهتدى بها جنوده، ~~وتوفى موسى بن عمران ع، وتولى امر إسرائيل من بعده يوشع بن نون، فخرج ببني ~~إسرائيل من ارض مصر الى ارض الشام، فأسكنهم بفلسطين. # قالوا: وان أبرهة تجهز وسار في بشر كثير يؤم ارض المغرب، واستخلف على ~~ملكه ابنه افريقيس، فاوغل في ارض السودان، فأعطوه الطاعة، فجاز ارضهم، وسار ~~حتى انتهى الى أمه من الناس، اعينهم وأفواههم في صدورهم، ويقال انهم أمه من ~~ولد نوح ع، غضب الله عليهم، فبدل خلقهم، فأعطوه الطاعة، وانصرف راجعا، فمر ~~بامه من الناس، يقال لهم النسناس، للرجل والمرأة منهم نصف راس، ونصف وجه، ~~وعين واحده، ونصف بدن، ويد واحده، PageV01P012 # ورجل واحده، يقفزون قفزا في اسرع من حضر [1] . الفرس الجواد، وهم يهيمون ~~في الغياض التي على شاطئ البحر، خلف رمل عالج [2] .، يعنى رمل بلاد اليمن، ~~فسال عنهم، فاخبر انهم أمه من ولد وبار بن ارم بن سام بن نوح. # كيكاوس بن كيقباذ # قالوا: وكان ملك العجم في عصر أبرهة بن الملطاط كيكاوس بن كيقباذ، وكان ~~متشددا على الأقوياء [3] .، رحيما بالضعفاء، وكان منصورا محمودا الى ان ~~خطرت منه خطره ضلال، فيما كان هم به من الصعود الى السماء، فهو صاحب ~~التابوت والنسور، وكان قد وجد على ابنه سياوش، ولم يكن له ولد غيره، فاراد ~~قتله، فهرب منه، فلحق بملك الترك، فحل منه محلا لطيفا لما بلاه واختبره، ~~وراى عقله وآدابه وبأسه ونجدته، ففوض اليه امره، فلما راى ذلك اهل بيت ~~الملك حسدوه، وخافوا ان يبزهم الأمر، فدسوا اليه الغوائل [4] . عند الملك ~~حتى اقدم عليه، فقتله، وقد كان زوجه ابنته، وحملت منه، فاراد ان يبقر بطنها ~~عن جنينها، فناشده برايان الوزير فيها، وفي ولدها الا يقتلها من غير جرم، ~~فقال له: دونك، فخذها إليك، فإذا ولدت فاقتل ولدها. فكانت عنده حتى ولدت ~~غلاما، وهو كيخسرو والذى ملك ms009 بعده، فاخرجه من المصر، واسترضع له في سكان ~~الجبال من الأكراد، فنشأ عندهم، وقال للملك: انها ولدت جاريه وقد قتلتها ~~فصدقه. # ملك كيخسرو # وان اهل فارس شنئوا كيكاوس لما اظهر من الجبروت والعتو والجرأة على الله، ~~PageV01P013 # وتأمروا على خلعه، وفشا ذلك حتى بلغ أم الغلام، وقد اتى له سبع عشره سنه، ~~فدست رسولا الى اهل فارس، تعلمهم مقتل سياوش، وامر الغلام، فاختاروا رجلا ~~من افاضلهم، يسمى زو، فوجهوه الى ابريان الوزير في الاقبال بالغلام، فقدم ~~عليه، واعلمه ما اجمعت عليه اهل فارس، فسلم اليه الغلام، وحمله على فرس ~~ابيه سياوش الذى قدم عليه من العراق، فسار به زو، يكمن النهار، ويسير ~~الليل، حتى ورد يم جيحون [1] .، وهو نهر بلخ مما يلى خوارزم، فعبره سباحه ~~على فرسه، واقبل به، حتى اورده دار الملك، فخلعوا كيكاوس، وملكوا الغلام، ~~وسموه كيخسرو، ومنحوه الطاعة، فامر بجده فحبس، فلم يزل محبوسا حتى هلك. # افريقيس واليمن # قالوا: وكان ملك كيخسرو وملك افريقيس بن أبرهة في عصر واحد، وان افريقيس ~~تجهز يريد المغرب، حتى اوغل في ارض طنجه والاندلس، فراى بلادا واسعه، ~~فابتنى هناك مدينه، وسماها إفريقية اشتق اسمها من اسمه، ونقل إليها سكانا، ~~وهي المدينة التي ينزلها اليوم سلطان ذلك البلد وعظماؤها، ثم انصرف الى ~~وطنه، وفي ذلك العصر نشا معد بن عدنان، وفيه انقرض ولد ارم من جميع ارض ~~العرب الا بقايا من طسم وجديس، غبروا بعمان والبحرين واليمامه. # ملك ابن افريقيس وهلاك طسم وجديس # ولما مات افريقيس بن أبرهة ملك ابنه ذو جيشان بن افريقيس، فتجهز لغزو ~~كيخسرو ملك فارس، وجمع جنوده، وسار حتى نزل بنجران [2] .، وكان بعمان ~~PageV01P014 # والبحرين واليمامه بشر كثير من ولد طسم، وجديس، ابنى ارم بن سام، وكانوا ~~من العرب العاربة، وكان ملكهم رجلا من طسم، يسمى عمليقا، وكان جائرا ظلوما، ~~وبلغ من عتوه ان امر الا تزف امراه من جديس الى زوجها الا بدؤوه بها، ~~فمكثوا بذلك دهرا طويلا. # وان رجلا من جديس تزوج عفيره بنت غفار اخت الأسود بن ms010 غفار عظيم جديس ~~وسيدها، فلما أرادوا اهداءها ادخلت على الملك، فافترعها، ثم خلى سبيلها، ~~فخرجت الى قومها في دمائها رافعه ثوبها عن عورتها، وهي تقول: # ايصلح ما يؤتى الى فتياتكم ... وأنتم رجال ثوره عدد النمل # فلو اننا كنا رجالا وكنتم ... نساء لكنا لا نقر على الذل # فبعدا لبعل ليس فيه حميه ... ويختال يمشى مشيه الرجل الفحل # فحميت من ذلك جديس، فاغتالوا عمليقا، فقتلوه على غره، وامامهم الأسود بن ~~غفار يرتجز، ويقول: # يا ليله ما ليله ... جاءت تمشى بدم جميس [1] # يا طسم ما لاقيت من جديس ... احدى لياليك فهيس هيس [2] . # فابادوا طسما، فلم يفلت منهم الا رجل يقال له، رياح بن مره، فانه مضى على ~~وجهه حتى اتى ذا جيشان، وهو معسكر في جنوده بنجران، فمثل بين يديه، ثم قال: # انك لم تسمع بيوم ولا ترى ... كيوم اباد الحى طسما به المكر # أتيناهم في ازرنا ونعالنا ... علينا الملاء الحمر والحلل الخضر # فصرنا لحوما بالعراء وطعمة ... تنازعها ذيب الوشيمه والنمر # [3] . PageV01P015 # فدونك قوما ليس لله فيهم ... ولا لهم منه حجاب ولا ستر # فقال الملك: كم بيننا وبينهم؟، قال: ثلاث. فقال من حضره: كذب، ايها ~~الملك، بينك وبين القوم عشرون ليله، فامر جنوده بالمسير نحو اليمامه، ففي ~~مسيرهم، وقصه الزرقاء [1] . يقول الأعشى بعد ذلك بدهر طويل: # قالت ارى رجلا في كفه كتف ... او يخصف النعل، لهفي ايه صنعا # فكذبوها بما قالت، فصبحهم ... ذو آل جيشان، يزجى الموت والشرعا # فاستنزلوا اهل جو من مساكنهم ... وهدموا مشرف البنيان، فاتضعا # فام جديسا، واستاصلهم، ثم رحل نحو العراق يريد كيخسرو، وزحف اليه كيخسرو، ~~فالتقوا، فقتل ذو جيشان، وانفضت جموعه. ### | ملك الفند ذي الاذعار # فملكت اليمن ابنه الفند ذا الاذعار، وانما لقب ذا الاذعار لرعب الناس ~~منه، فلم تكن له همه الا الطلب بثار ابيه. ### | هجره ربيعه الى اليمامه والبحرين # قال: وبقيت اليمامه والبحرين بعد قتل جديس ليس بها احد الى ان كثرت ~~ربيعه، وانتشرت، وتفرقت في البلاد، فسارت عتره [2] اسد بن ربيعه، تتبع ~~مواقع الغيث، وتقدمها عبد العزى ms011 بن عمرو العنزي حتى هجم على اليمامه، فراى ~~بلادا واسعه، ونخلا وقصورا، وإذا هو بشيخ قاعد تحت نخله سحوق [3] ، يرتجز، ~~ويقول: # تقاصرى، اجن جناك قاعدا ... انى ارى حملك ينمى [4] صاعدا PageV01P016 # فقال له عبد العزى: من أنت ايها الشيخ؟ قال: انا من هزان، الضراغمه ~~الاقران، غزانا ذو جيشان، الملك القرم [1] اليمان، فاعمل فيها المران [2] ~~.، فلم يبق بهذا المكان غيرى، وانى لفان. فقال عبد العزى: ومن هزان؟ قال: ~~هزان بن طسم أخو النهى والحزم، وابن الشجاع القرم. # فأقام عبد العزى أياما، ثم تبرم بمكانه، فمضى سائرا حتى سقط الى البحرين، ~~فراى بلادا اوسع من اليمامه، وبها من وقع إليها من ولد كهلان، حين هربوا من ~~سيل العرم [3] .، فأقام معهم، وسارت بنو حنيفه على ذلك السمت، يتبعون مواقع ~~الغيث، وتقدمهم عبيد بن يربوع، وكان سيد هم، فنزل قريبا منها، فمضى غلام له ~~ذات يوم حتى هجم على اليمامه، فراى نخلا وريفا، وإذا هو بشيء من تمر قد ~~تناثر تحت النخل، فأخذه، واتى به عبيدا، فأكل منه، فقال: وابيك ان هذا ~~الطعام طيب. فارتفع حتى اتى اليمامه، فدفع فرسه، فخط على ثلاثين دارا ~~وثلاثين حديقة، فسمى ذلك المكان حجرا، فهو اليوم قصبه اليمامه، وموضع ~~ولاتها، وسوقها، وتسامعت بنو حنيفه بما أصاب عبيد بن يربوع، فاقبلوا حتى ~~أتوا اليمامه، فقطنوها، فعقبهم بها الى اليوم. قال: وكان داود النبي ع في ~~عصر ذي الاذعار، وكان ملك العجم كيخسرو بن سياوش. # داود الملك # وكان سلطان بنى إسرائيل قد وهى، فكان من حولهم من الأمم يغزونهم، ~~فيقتلون، ويأسرون، فاتوا نبيهم شعيبا، فقالوا: ابعث لنا ملكا، نقاتل في ~~سبيل الله [4] فملك عليهم طالوت، وكان من سبط يوسف صلى الله عليه وسلم [5] ~~PageV01P017 # وكان الملك في بيت يهوذا، وقد كان بقي في ذلك العصر من ولد عاد جالوت ~~الجبار، فسار غازيا لبنى إسرائيل في جنوده، فجمع طالوت بنى إسرائيل، وخرج ~~لمحاربته، فمروا بالنهر الذى نهاهم طالوت عن شربه، وشربوا منه الا ثلاثمائه ~~رجل وسبعه عشر رجلا، عدد اهل بدر مع رسول ms012 الله صلى الله عليه وآله وسلم. # وكان داود النبي حينئذ حدث السن، فلما تواقف الفريقان وضع داود ع حجرا في ~~قذافه، ثم فتلها، ورماه، فصك بين عيني جالوت، فكانت نفسه فيه، وانهزم ~~جنوده، وغنم بنو إسرائيل أموالهم، فاجتمع بنو إسرائيل عند ذلك على تمليك ~~داود صلى الله عليه وسلم، وخلع طالوت برضى منه، وداود من سبط يهوذا بن ~~يعقوب. قالوا: وكان ملك الروم في ذلك العصر دقينوس صاحب الفتيه اصحاب ~~الكهف. # وذكر عن عبد الله بن الصامت، قال: وجهني ابو بكر الصديق رضى الله عنه [1] ~~سنه استخلف الى ملك الروم، لادعوه الى الاسلام او آذنه بحرب، قال، فسرت حتى ~~اتيت القسطنطينية، فاذن لنا عظيم الروم، فدخلنا عليه، فجلسنا، ولم نسلم، ثم ~~سالنا عن أشياء من امر الاسلام، ثم صرفنا يومنا ذلك، ثم دعا بنا يوما آخر، ~~ودعا خادما له، فكلمه بشيء، فانطلق، فأتاه بعتيده [2] ، فيها بيوت كثيره، ~~وعلى كل بيت باب صغير، ففتح بابا، فاستخرج خرقه سوداء، فيها صوره بيضاء، ~~كهيئة رجل اجمل ما يكون من الناس وجها، مثل داره القمر ليله البدر، فقال: ~~اتعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا أبونا آدم ع، ثم رده. وفتح بابا آخر، ~~فاستخرج خرقه سوداء، فيها صوره بيضاء، كهيئة شيخ جميل الوجه، في وجهه ~~تقطيب، كهيئة المحزون المهموم، فقال: اتدرون من هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا ~~نوح، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج خرقه سوداء، فيها صوره بيضاء [3] على صوره ~~نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى جميع الأنبياء، PageV01P018 # فلما نظرنا اليه بكينا، فقال: ما لكم؟ فقلنا: هذه صوره نبينا محمد صلى ~~الله عليه وآله وسلم، فقال: ابدينكم، انها صورة نبيكم؟ قلنا: نعم، هي صوره ~~نبينا، كانا نراه حيا، فطواها، وردها، وقال: اما انها آخر البيوت الا انى ~~احببت ان اعلم ما عندكم، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه خرقه سوداء، فيها ~~صوره بيضاء، اجمل ما يكون من الرجال، واشبههم بنبينا محمد صلى الله عليه ~~وآله وسلم، ثم قال: وهذا ابراهيم، ثم فتح بيتا ms013 آخر، فاستخرج صوره رجل آدم ~~[1] ، كهيئة المحزون المفكر، ثم قال: هذا موسى بن عمران، ثم فتح بيتا آخر، ~~فاستخرج صوره رجل، له ضفيرتان، كان وجهه داره القمر، ثم قال: وهذا داود، ثم ~~فتح بيتا آخر، فاستخرج صوره رجل جميل على فرس، له جناحان، ثم قال: وهذا ~~سليمان [2] ، وهذه الريح تحمله، ثم فتح بيتا آخر، فاستخرج صوره شاب جميل ~~الوجه، في يده عكازه، وعليه مدرعه [3] صوف، ثم قال: وهذا عيسى، روح الله، ~~وكلمته، ثم قال: ان هذه الصورة وقعت الى الاسكندر، فتوارثها الملوك من بعده ~~حتى افضت الى. # قالوا: وان ذا الاذعار خرج في جنوده، يطلب بثار ابيه ذي جيشان الذى صار ~~الى ارض فارس، فحارب كيخسرو، فقتل في المعركة، فمات ذو الاذعار في طريقه ~~قبل ان يدرك ما اراد. # ملك بلقيس # فملكت اليمن عليهم الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو بن مالك بن الرائش، وكان ~~الهدهاد يلقب بذى شرخ، فامر بجسم ذي الاذعار، فحمل، ورجع بقومه الى ارض ~~اليمن، فامر به، فدفن بصنعاء [4] في مقبره الملوك. قالوا: وان الهدهاد ~~PageV01P019 # تزوج ابنه ملك الجن بأرض اليمن، فولدت له بلقيس، وهذا حديث منتشر، قد ~~حملته الرواه. # قالوا: فلما اتى لها ثلاثون سنه حضر الهدهاد الموت، فجمع وجوه حمير، ~~فقال: يا قوم، انى قد عجمت الناس، واختبرت اهل الرأي والعقل، فلم أر مثل ~~بلقيس، وانى قد وليتها امركم، لتقيم لكم الملك الى ان يبلغ ابن أخي ياسر ~~ينعم بن عمرو، فرضوا بذلك، فملكت بلقيس. # ملك سليمان # وفي أول ملكها توفى داود، ع، وورث سليمان ملكه، وذلك كله في عصر كيخسرو ~~بن سياوش، فلما ملك سليمان سار من ارض الشام الى ارض العراق باهله وخزائنه، ~~فلحق بخراسان، فنزل مدينه بلخ [1] ، وكان هو الذى بناها قبل ذلك، واقبل ~~سليمان حتى نزل العراق، فبلغ كيخسرو نزول سليمان بأرض العراق، وما اعطى من ~~عظيم السلطان، فدخله فزع، واسف خامره، فنهكه، فلم يلبث الا قليلا حتى مات. # وان سليمان سار من العراق الى مرو [2] ، ثم سار منها الى بلخ ms014، ثم سار من ~~بلخ الى بلاد الترك، فوغل فيها، وجاوزها الى بلاد الصين، ثم عطف متيامنا عن ~~مطلع الشمس على ساحل البحر حتى اتى القندهار [3] ، ثم سار منها الى كسكر ~~[4] ، ثم عاد الى الشام، فوافى تدمر، وكانت موطنه. # قالوا: ووجد في صخر بكسكر: # غدونا طلوع الشمس من ارض فارس ... فها نحن قد قلنا ببلده كسكر ~~PageV01P020 # ونحن ولا حول سوى حول ربنا ... نروح الى الأوطان من ارض تدمر [1] # وكان داود ع ابتدأ بناء مسجد بيت المقدس، فتوفى قبل استتمامه، فاستتمه ~~سليمان، واتم بناء مدينه إيليا [2] ، وقد كان أبوه ابتدأها قبله، فبنى ~~مسجدها بناء لم ير الناس مثله، وكان يضيء في ظلمه الليل الحندس اضاءه ~~السراج الزاهر، لكثرة ما كان جعل فيه من الجواهر والذهب، وجعل اليوم الذى ~~فرغ فيه منه عيدا في كل سنه، فلم يكن في الارض عيد ابهى ولا اعظم خطرا منه، ~~ولا احسن منظرا، فلم يزل المسجد على ما بناه سليمان حتى غزا بخت نصر بيت ~~المقدس، فأخربها، ونقض المسجد، وأخذ ما كان فيه من الذهب والفضه والجوهر، ~~فنقله الى العراق. # قالوا: وكان سليمان مطعاما للطعام، فكان يذبح في مطابخه كل غداه سته آلاف ~~ثور، وعشرون الف شاه. قالوا: ولما فرغ سليمان من بناء مسجد إيليا [3] تجهز ~~سائرا الى تهامه [4] ، يريد بيت الله الحرام، فطاف به، وكساه، وذبح عنده، ~~واقام سبعا، ثم سار الى صنعاء، وتفقد الطير، فلم ير الهدهد، فكان من حديثه ~~وحديث صاحبه سبا وهي بلقيس ما قد قصه الله تبارك وتعالى في كتابه [5] ، الى ~~ان تزوجها، وبنى بأرض اليمن ثلاثة حصون، لم ير الناس مثلها، وهي سلحين، ~~وبينون، وغمدان، وانصرف سليمان الى الشام، فكان يزورها في كل شهر، فيقيم ~~عندها ثلاثا. # وانه غزا بلاد المغرب: الاندلس، وطنجه، وفرنجه، وإفريقية، ونواحيها من ~~ارض PageV01P021 # بنى كنعان بن حام بن نوح، وعليهم ملك جبار عات، عظيم الملك، فدعاه الى ~~الايمان بالله، وخلع الأنداد، فتمرد عليه، فقتله، وأصاب ابنه له من اجمل ~~الناس، فتسراها، ووقعت منه موقعا لطيفا. # وقفل ms015 الى الشام، فامر بمقصوره، فبنيت لها، وأفردها فيها مع ظئورتها [1] ~~وخدمها، وكان سليمان لا يدخل عليها الا وجدها باكيه حزينه، فكدر ذلك عليه ~~حبه لها، وعجبه بها، وهي المرأة التي نال سليمان في امرها ما ناله من سلب ~~ملكه، وزوال سلطانه وبهائه، حين اتخذت تلك المرأة تمثال أبيها في داره، ~~وعبدته سرا من سليمان، الا ان اتخاذها التمثال كان عن علم من سليمان، واذن ~~لها، اراد بذلك ان تسكن إذا نظرت اليه، فتتسلى. # ويقال: ان سليمان بنى في أقاصي بلاد المغرب مدينه من نحاس في مفاوز ~~الاندلس، وأودعها خزائن من خزائنه، وان عبد الملك بن مروان كتب الى عامله ~~على بلاد المغرب، موسى بن نصير وكان من أبناء العجم، غير ان ولاءه كان لقيس ~~يأمره بالمسير الى هذه المدينة ليعلم له علم خبرها، ويكتب اليه، وان موسى ~~بن نصير سار إليها، وانصرف راجعا حتى سار الى القيروان، وكتب بالخبر الى ~~عبد الملك، يصف له المدينة، وما لقى في سفره إليها، وما رآه عند مصيره ~~نحوها. ### | ارخبعم بن سليمان # قالوا: ولما توفى سليمان قام بالأمر بعده ارخبعم بن سليمان، فتفرقت بنو ~~إسرائيل، ووهى امره، فمكث بذلك الى ان سار بخت نصر وهو بوخت نرسى عند العجم ~~الى بيت المقدس، فهدمه. ### | انقسام امبراطوريه سليمان # قالوا: وقام باليمن بعد بلقيس ياسر ينعم بن عمر بن شرحبيل بن عمرو، وكان ~~PageV01P022 # ابن أخي الهدهاد، وانما سمى ياسر ينعم لانعامه على قومه. قالوا: وان ياسر ~~ينعم تجهز غازيا لارض المغرب، حتى بلغ وادي الرمل، ولم يبلغه ملك قبله، ~~فاراد ان يعبره، فلم يجد مجازا، لأنه رمل فيما زعموا، يجرى كما يجرى الماء، ~~فعسكر على حافته، ونصب عليه صنما، وكتب على جبهته ليس ورائي مذهب، فانصرف، ~~وانصرف الى بلاده. ### | هدم مدينه إيليا # قالوا: وان فارس لما مات سليمان بن داود اجتمع عظماؤها واشرافها ليختاروا ~~رجلا من ولد كيقباذ الملك، فيملكوه عليهم، فوقعت خيرتهم على لهراسف بن ~~كيميس بن كيابنه بن كيقباذ الملك، فملكوه عليهم، وان لهراسف عقد ms016 لابن عمه، ~~بخت نصر بن كانجار بن كيابنه بن كيقباذ في اثنى عشر الف رجل من خيله، وامره ~~ان ياتى الشام فيحارب ارخبعم بن سليمان، فان كان الظفر له قتل من قدر عليه ~~من عظماء إسرائيل، وهدم مدينه إيليا، فسار بخت نصر حتى اتى الشام، فشن فيها ~~الغارات، وعاث، فانهزم ملوك الشام منه، وهرب ارخبعم من بيت المقدس، فنزل ~~فلسطين، فتوفى بها. # واقبل بخت نصر حتى ورد مدينه بيت المقدس، فدخلها لا يمتنع منه احد، فوضع ~~في بنى إسرائيل السيف، وسبى أبناء الملوك والعظماء، وهدم مدينه إيليا، فلم ~~يدع فيها بيتا قائما، ونقض المسجد، وحمل ما كان فيه من الذهب والفضه ~~والجوهر، وحمل كرسي سليمان، وقفل راجعا الى العراق، وكان في السبى دانيال ~~النبي ع، فسار حتى قدم على لهراسف الملك، وهو نازل بالسوس [1] ، فمات ~~دانيال عنده بالسوس. ### | ملك العجم واليمن # قالوا: ولما حضر لهراسف الموت اسند الملك الى ابنه بشتاسف، وفي ذلك ~~PageV01P023 # العصر مات ياسر ينعم صاحب اليمن، وقام بالأمر بعده شمر بن افريقيس بن ~~أبرهة بن الرائش، وهو الذى يزعمون انه اتى الصين وهدم مدينه سمرقند [1] ، ~~فيزعمون ان وزير صاحب الصين مكر به، وذلك انه امر الملك ان يجدعه ويخلى ~~سبيله، فسار الأجدع الى شمر، فاخبره انه نصح لصاحبه، يعنى ملك الصين، وامره ~~بالنجوع [2] لشمر، واعطائه الطاعة والاتاوه، فغضب عليه، وجدعه، وانه سار ~~الى شمر ليدله على عوره صاحب الصين جزاء بما فعل به، فاغتر شمر بذلك، وساله ~~عن الرأي، فقال: ان بينك وبينه مفازة، تقطع في ثلاثة ايام، ومأتاه منها ~~قريب، فاحمل الماء لثلاثة ايام، وسر حتى افاجئه بك من كثب، فتستبيح بلده، ~~وتأخذه سلما، واهله، وماله. ففعل، فسلك به مفازة لا ترام، فلما ساروا ~~ثلاثة، ونفد الماء، ولم يروا علما، ولا انتهوا الى ماء، قالوا له: اين ما ~~زعمت؟، فاعلمه انه مكر به، ووقى اهل بيته بنفسه، لأنه قد علم انه سيقتله، ~~وقال قد اهلكتك، فاصنع ما أنت صانع، فما لك ولمن تبعك في الحياه [3] مطمع ms017. # فوضع شمر درعه [4] تحت راسه، وترس [5] حديد كان معه فوق راسه، يستكن به ~~من الشمس. # قالوا: وقد كان المنجمون قالوا له، انك تموت بين جبلي حديد، فمات بين ~~درعه وترسه عطشا، فلم يبق من جنوده احد الا هلك، وقد سمعنا نحن بهذا الحديث ~~في غير قصه شمر. PageV01P024 # زرادشت ودعوته # قالوا: وكان زراذشت صاحب المجوس اتى بشتاسف الملك، فقال: انى رسول الله ~~إليك، وأتاه بالكتاب الذى في أيدي المجوس، فآمن له بشتاسف، ودان بدين ~~المجوسية، وحمل عليه اهل مملكته، فأجابوه طوعا وكرها. # وكان رستم [1] الشديد عامله على سجستان [2] وخراسان، وكان جبارا مديد ~~القامة، شديد القوه، عظيم الجسم، وكان ينتمى الى كيقباذ الملك، ولما بلغه ~~دخول بشتاسف في المجوسية، وتركه دين آبائه غضب من ذلك غضبا شديدا، وقال: ~~ترك دين آبائنا الذى توارثوه آخرا عن أول، وصبا الى دين محدث. # ثم جمع اهل سجستان، فزين لهم خلع بشتاسف، وأظهروا عصيانه، فدعا بشتاسف ~~ابنه اسفندياذ وكان أشد اهل عصره، فقال له: يا بنى، ان الملك مفض إليك ~~وشيكا، ولا تصلح امورك كلها الا بقتل رستم، وقد عرفت شدته وقوته، وأنت ~~نظيره في الشده والقوه، فانتخب من الجنود ما احببت، ثم سر اليه. # فانتخب اسفندياذ من جنود ابيه اثنى عشر الف رجل من ابطال العجم، وسار نحو ~~رستم، وزحف اليه رستم، فالتقيا ما بين بلاد سجستان وخراسان، فدعاه اسفندياذ ~~الى اعفاء الجيشين من القتال، وان يبرز كل واحد منهما لصاحبه، فأيهما قتل ~~صاحبه استولى على اصحابه، فرضى رستم بذلك، وعاهده عليه، PageV01P025 # وحالفه، فوقف العسكران، وخرج كل واحد منهما الى صاحبه، فاقتتلا بين ~~الصفين، فيقول العجم في ذلك قولا كثيرا، الا ان رستم هو الذى قتل اسفندياذ، ~~وانصرف جنوده الى ابيه بشتاسف، فاخبروه بمصاب ابنه اسفندياذ، فخامره حزن ~~انهكه، فمرض من ذلك، فمات، واسند الملك الى ابن ابنه بهمن بن اسفندياذ. # قالوا: ولما رجع رستم الى مستقره من ارض سجستان لم يلبث ان هلك. # ملك اليمن # قالوا: وان اهل اليمن لما بلغهم مهلك شمر وجنوده ms018 بأرض الصين اجتمعوا، ~~فملكوا عليهم أبا مالك بن شمر، وهو الذى ذكره الأعشى في قوله: # وخان النعيم أبا مالك ... واى امرئ صالح لم يخن # وهو الذى يزعمون انه هلك في طرف الظلمه [1] التي في ناحيه الشمال، فدفن ~~على طرفها. # قالوا: وذلك، انه بلغه مسير ذي القرنين إليها، وانه اخرج منها جوهرا ~~كثيرا، فتجهز يريد الدخول فيها، فقطع إليها ارض الروم، وجاوزها حتى انتهى ~~الى طرف الظلمه، وتهيأ لاقتحامها، فمات قبل ان يدخلها، فدفن في طرفها، ~~فانصرف من كان معه الى ارض اليمن. # ملك العجم، وخلاص بنى إسرائيل # قالوا: وملك بهمن بن اسفندياذ، فامر ببقايا ذلك السبى الذى سباهم بخت نصر ~~من بنى إسرائيل، ان يردوا الى أوطانهم من ارض الشام، وقد كان تزوج قبل ان ~~يفضى الملك اليه ابراخت بنت سامال بن ارخبعم بن سليمان بن داود، وملك روبيل ~~أخا امراته ارض الشام، وامره ان يخرج معه من بقي من ذلك السبى، وان يعيد ~~بناء إيليا، ويسكنهم فيه، كما لم يزالوا، ويرد كرسي سليمان، PageV01P026 # فينصبه مكانه، فخرج روبيل بذلك السبى، حتى ورد بهم إيليا، واعاد بناءها، ~~وبنى المسجد. وسار بهمن الى سجستان، وقتل من قدر عليه من ولد رستم واهل ~~بيته، واخرب قريته. # قالوا: وقد كان بهمن دخل في دين بنى إسرائيل، فرفضه أخيرا، ورجع الى ~~المجوسية، وتزوج ابنته خمانى وكانت اجمل اهل عصرها، فادركه الموت وهي حامل ~~منه، فامر بالتاج فوضع على بطنها، واوعز الى عظماء اهل المملكة ان ينقادوا ~~لأمرها حتى تضع ما في بطنها، فان كان غلاما أقروا الملك في يدها الى ان يشب ~~ويدرك، ويبلغ ثلاثين سنه، فيسلم له الملك. # قالوا: وكان ساسان بن بهمن يومئذ رجلا ذا رواء وعقل وادب وفضل، وهو ابو ~~ملوك الفرس من الاكاسره، ولذلك يقال لهم الساسانيه، فلم يشك الناس ان الملك ~~يفضى اليه بعد ابيه، فلما جعل أبوه الملك لابنته خمانى انف من ذلك أنفا ~~شديدا، فانطلق، فاقتنى غنما، وصار مع الأكراد في الجبل، يقوم عليها بنفسه، ~~وفارق الحاضره غيظا ms019 من تقصير ابيه. # قالوا: فمن ثم يعير ولد ساسان الى اليوم برعي الغنم، فيقال ساسان الكردى، ~~وساسان الراعى. ### | خمانى زوج بهمن # فملكت خمانى، فلما تم حملها وضعت غلاما، وهو ### | دارا بن بهمن # ، ثم انها تجهزت غازية لارض الروم، فسارت حتى اوغلت في بلاد الروم، وخرج ~~إليها ملك الروم في جنوده، فالتقوا، واقتتلوا، فكان الظفر لخمانى، فقتلت، ~~واسرت، وغنمت، فقفلت وقد حملت معها بناءين من بنائى الروم، فبنوا لها بأرض ~~فارس ثلاثة ايوانات [1] : أحدها وسط مدينه اصطخر [2] ، والثانى على المدرجة ~~PageV01P027 # التي يسلك فيها من اصطخر الى خراسان، والثالث على طريق دارابجرد على ~~فرسخين من اصطخر. ### | دارا بن بهمن # فلما اتى لابنها دارا ثلاثون سنه جمعت عظماء المملكة، ودعت بابنها دارا، ~~فأقعدته على سرير الملك، وتوجته بالتاج، وولته الأمر. ### | ملك تبع بن ابى مالك # قالوا: ولما هلك ابو مالك بطرف الظلمه اجتمع اشراف اهل اليمن، فملكوا ~~امرهم ابنه تبع الاقران وانما سمى لنجدته تبع الاقران، وقد قيل: بل هو تبع ~~الاقرن. كل ذلك يقال. # فلما ملك تجهز يريد بلاد الصين طالبا بثار ابيه وجده، فسار إليها، فمر ~~بسمرقند، وهي خراب، فامر ببنائها، فاعيد، ثم ركب المفازة حتى انتهى الى ~~بلاد التبت [1] ، فراى مكانا واسعا ظاهر المياه مكتلئا، فابتنى هناك مدينه، ~~فاسكن فيها ثلاثين الف رجل من اصحابه، فهم التبعيون، وزيهم الى اليوم زي ~~العرب، وهيئتهم هيئة العرب، ثم سار الى ارض الصين، فقتل، واخرب مدينه ~~الملك، فهى خراب الى اليوم، ثم قفل راجعا الى اليمن، وامتد ملكه، الى ان ~~ملك الاسكندر، فخرج الملك عنه، فصار في المقاول. قالوا، وفي ذلك العصر نشا ~~النضر بن كنانه. # دارا والروم # قالوا: وان دارا بن بهمن لما ملك تجهز غازيا الى ارض الروم، فسار حتى ~~اوغل في ارضهم، فخرج اليه الفيلفوس ملك الروم في جنوده، فالتقوا، ~~PageV01P028 # فاقتتلوا، فكان الظفر لدارا، فصالحه الفيلفوس على اتاوه يؤديها اليه كل ~~عام، وهي مائه الف بيضه ذهب، في كل بيضه اربعون مثقالا [1] ، وتزوج ابنته، ~~ثم انصرف الى فارس. # ملك داريوش ms020 # فلما تم لدارا اثنتا عشره سنه في الملك حضرته الوفاة، فاسند الملك الى ~~ابنه دارا بن دارا، وهو الذى يعرف بداريوش، مقارع الاسكندر، فلما افضى ~~الملك الى دارا بن دارا تجبر، واستكبر، وطغى. وكانت نسخه كتبه الى عماله: ~~من دارا بن دارا المضيء لأهل مملكته كالشمس الى فلان. وكان عظيم السلطان، ~~كثير الجنود، لم يبق في عصره ملك من ملوك الارض الا بخع له بالطاعة، واتقاه ~~بالاتاوه. # نشاه الاسكندر # ونشا الاسكندر، وقد اختلف العلماء في نسبه، فاما اهل فارس فيزعمون انه لم ~~يكن ابن الفيلفوس، ولكن كان ابن ابنته، وان أباه دارا بن بهمن. # قالوا: وذلك ان دارا بن بهمن لما غزا ارض الروم صالح الفيلفوس ملك الروم ~~على الاتاوه، فخطب اليه دارا ابنته، وحملها بعد تزويجها اياه الى وطنه، ~~فلما اراد مباشرتها وجد منها ذفرا [2] ، فعافها، وردها الى قيمه نسائه، ~~وامرها ان تحتال لذلك الذفر، فعالجتها القيمه بحشيشه، تسمى السندر، فذهب ~~عنها بعض تلك الرائحة، ودعا بها دارا، فوجد منها رائحه السندر، فقال: آل ~~سندر. # اى ما أشد رائحه السندر، وآل، كلمه في لغة فارس يراد بها الشده، وواقعها، ~~فعلقت منه، ونبا قلبه عنها لتلك الذفره التي كانت بها، فردها الى أبيها ~~PageV01P029 # الفيلفوس، فولدت الاسكندر، فاشتقت له اسما من اسم تلك العشبه التي عولجت ~~بها، على ما سمعت دارا قاله ليله واقعها، فنشأ الاسكندر غلاما لبيبا أديبا ~~ذهنا، فولاه جده الفيلفوس جميع امره لما راى من حزمه وضبطه ما راى. ولما ~~حضر الفيلفوس الوفاة اسند الملك اليه، واوعز الى عظماء المملكة بالسمع ~~والطاعة له. ### | غلبه الاسكندر # فلما ملك الاسكندر لم تكن له همه الا ملك ابيه دارا بن بهمن، فسار الى ~~أخيه دارا بن دارا، فحاربه على الملك. واما علماء الروم فيأبون هذا، ~~ويزعمون انه ابن الفيلفوس لصلبه، وانه لما مات الفيلفوس وافضى الملك الى ~~الاسكندر امتنع على دارا بن دارا بتلك الضريبه التي كان يؤديها أبوه اليه. # فكتب اليه دارا بن دارا يأمره بحمل تلك الاتاوه، ويعلمه ما ms021 كان بين ابيه ~~وبينه من الموادعة عليها، فكتب اليه الاسكندر ان الدجاجة التي كانت تبيض ~~ذلك البيض ماتت. فغضب دارا من ذلك، وآلى ليغزون ارض الروم بنفسه حتى ~~يخربها، فلم يحفل الاسكندر بذلك، ولم يعبأ به، وكان الاسكندر جبارا معجبا، ~~وقد كان عتا في بدء امره عتوا شديدا، واستكبر. # وكان بأرض الروم رجل من بقايا الصالحين في ذلك العصر، حكيم فيلسوف، يسمى ~~ارسطاطاليس، يوحد الله، ويؤمن به، ولا يشرك به شيئا، فلما بلغه عتو ~~الاسكندر وفظاظته وسوء سيرته اقبل من أقاصي ارض الروم حتى انتهى الى مدينه ~~الاسكندر، فدخل عليه، وعنده بطارقته [1] ، ورؤساء اهل مملكته، فمثل قائما ~~بين يديه غير هائب له، فقال له: ايها الجبار العاتي، الا تخاف ربك الذى ~~خلقك، فسواك وانعم عليك، ولا تعتبر بالجبابره الذين كانوا قبلك، كيف اهلكهم ~~الله حين قل شكر هم، واشتد عتوهم ... ؟!. في موعظه طويله. PageV01P030 # فلما سمع الاسكندر ذلك غضب عضبا شديدا، وهم به، ثم امر بحبسه ليجعله عظه ~~لأهل مملكته. ثم ان الاسكندر راجع نفسه، وتدبر كلامه لما اراد الله به من ~~الخير، فوقع منه في نفسه ما غير قلبه، فبعث اليه على خلاء، فاصغى اليه، ~~واستمع لموعظته وامثاله وعبره، وعلم ان ما قال هو الحق، وان ما خلا الله من ~~معبود باطل، فارعوى واستجاب للحق، وصح يقينه، فقال لذلك العابد: فانى اسالك ~~ان تلزمنى، لاقتبس من علمك، واستضيء بنور معرفتك. فقال له: ان كنت تريد ذلك ~~فاحسم اتباعك من الغشم والظلم وارتكاب المحارم. # فتقدم الاسكندر بذلك، واوعد فيه، وجمع اهل مملكته ورؤساء جنوده، فقال ~~لهم: اعلموا انا انما كنا نعبد الى هذا اليوم أصناما، لم تكن تنفعنا ولا ~~تضرنا. وانى آمركم، فلا تردوا على امرى، وارضى لكم ما ارضاه لنفسي، من ~~عباده الله وحده لا شريك له، وخلع ما كنا نعبده من دونه، فقالوا باجمعهم: ~~قد قبلنا قولك، وعلمنا ان ما قلت الحق، وآمنا بإلهك وإلهنا. # فلما صحت له نيات خاصته، واستقامت له طريقتهم، وطابقوه على الحق امر ان ~~يعلن ms022 للعامه، انا قد امرنا بالأصنام التي كنتم تعبدونها ان تكسر، فان ظننتم ~~انها تنفعكم او تضركم فلتدفع عن أنفسها ما يحل بها، واعلموا انه ليس لأحد ~~عندي هواده في مخالفه امرى، وعباده غير الهى، وهو الإله الذى خلقنا جميعا. ~~ثم امر بتفريق الكتب بذلك في شرق الارض، وغربها، ليعامل الناس على قدر ~~القبول والآباء، فمضت رسله بكتبه بذلك الى ملوك الارض. # فلما انتهى كتابه الى دارا بن دارا غضب من ذلك غضبا شديدا، وكتب اليه: من ~~دارا بن دارا المضيء لأهل مملكته كالشمس الى الاسكندر بن الفيلفوس، انه قد ~~كان بيننا وبين الفيلفوس عهد ومهادنة على ضريبه، لم يزل يؤديها إلينا ايام ~~حياته، فإذا أتاك كتابي هذا فلا اعلمن ما بطات بها، فاذيقك وبال امرك، ثم ~~لا اقبل عذرك، والسلام. # PageV01P031 ### | دارا والاسكندر # فلما ورد كتابه على الاسكندر جمع اليه جنوده، وخرج متوجها نحو ارض ~~العراق، وبلغ ذلك دارا بن دارا، فاحرز خزائنه وحرمه واولاده في حصن همذان، ~~وكان من بنائه، ثم لقى الاسكندر جادا مستنفرا، فواقعه وقائع كثيره، لم يجد ~~الاسكندر مطمعا فيه، ولا في شيء منها، ثم انه دس الى رجلين من اهل همذان، ~~كانا من بطانته وخاصه حرسه، وارغبهما، فرغبا، وغدرا بدارا: اتياه من ورائه ~~حين صاف الاسكندر في بعض ايامه، ففتكا به، وانفضت جموع دارا، واقبل ~~الاسكندر حتى وقف على دارا صريعا، فنزل، فجعل راسه في حجره، وبه رمق، فجزع ~~عليه، وقال: يا أخي، ان سلمت من مصرعك خليت بينك وبين ملكك، فاعهد الى بما ~~احببت، أف لك به. # فقال دارا: اعتبر بي [1] ، كيف كنت أمس، وكيف انا اليوم، الست الذى كان ~~يهابنى الملوك، ويذعنون لي بالطاعة، ويتقوننى بالاتاوه؟ وها انا ذا اليوم ~~صريع فريد بعد الجنود الكثيره والسلطان العظيم. # فقال الاسكندر: ان المقادير لا تهاب ملكا لثروته، ولا تحقر فقيرا لفاقته، ~~وانما الدنيا ظل يزول وشيكا، وينصرم سريعا. # قال دارا: قد علمت ان كل شيء بقضاء الله وقدره، وان كل شيء سواه فان، ~~وانا موصيك لمن ms023 خلفت من اهلى وولدى، وسائلك ان تتزوج روشنك ابنتى، فقد كانت ~~قره عيني وثمره قلبي. # فقال الاسكندر: انا فاعل ذلك، فأخبرني من فعل هذا بك، لانتقم منه. # فلم يحر في ذلك جوابا دارا، واعتقل لسانه بعد ذلك، ثم قضى، فامر الاسكندر ~~بقاتليه، فصلبا على قبر دارا، فقالا: ايها الملك، الم تزعم انك ترفعنا على ~~جنودك؟! قال: قد فعلت. PageV01P032 # ثم امر بهما، فرجما حتى ماتا. ثم كتب الى أم دارا وامراته بالتعزية، وهما ~~بمدينه همذان، وكتب الى أمه وهي بالإسكندرية ان تسير الى ارض بابل، فتجهز ~~روشنك بنت دارا باحسن جهاز، وتوجهها اليه الى ارض فارس، ففعلت. ### | فتوح الاسكندر # ثم شخص الاسكندر نحو فؤر ملك الهند، فالتقيا على تخوم [1] ارض الهند، وان ~~الاسكندر دعا فؤرا الى البراز، والا يقتل الجمعان، بعضهم بعضا بينهما، ~~فاهتبلها [2] منه فؤر، وكان رجلا مديدا عظيما ايدا قويا، فراى الاسكندر ~~قليلا قضيفا [3] ، وبرز اليه، فأجلى النقع عن فؤر قتيلا، واستسلم له جنوده، ~~فقبل سلمهم. # وسار حتى دخل ارض السودان، فراى ناسا كالغربان، عراه، حفاه، يهيمون في ~~الغياض، ويأكلون من الثمار، فان استنوا [4] واجدبوا اكل بعضهم بعضا، ~~فجاوزهم حتى انتهى الى البحر، فقطع الى ساحل عدن من ارض اليمن، فخرج اليه ~~تبع الاقرن ملك اليمن، فاذعن له بالطاعة، واقر بالاتاوه، وادخله مدينه ~~صنعاء، فانزله، والطف له [5] من الطاف اليمن، فأقام شهرا. ### | الاسكندر في مكة # ثم سار الى تهامه، وسكان مكة يومئذ خزاعة، قد غلبوا عليها، فدخل عليه ~~النضر بن كنانه، فقال له الاسكندر: ما بال هذا الحى من خزاعة نزولا بهذا ~~PageV01P033 # الحرم؟، ثم اخرج خزاعة عن مكة، واخلصه للنضر، ولبنى ابيه، وحج الاسكندر ~~بيت الله الحرام، وفرق في ولد معد بن عدنان، القاطنين بالحرم، صلات وجوائز. ~~ثم قطع البحر من جده يؤم بلاد المغرب. ### | الاسكندر في بلاد المغرب # وروى عن ابن عباس: ان نوحا ع قسم الارض بين ولده الثلاثة، فخص ساما بوسط ~~الارض التي تسقيه الانهار الخمسة: الفرات، ودجلة، وسيحان، وجيحان، [1] ، ~~وقيسون، وهو نهر بلخ، وجعل لحام ms024 ما وراء النيل الى منفح الدبور، وجعل ليافث ~~ما وراء قيسون الى منفح الصبا. # وقالوا: الارض اربعه وعشرون الف فرسخ، فبلاد الاتراك من ذلك ثلاثة آلاف ~~فرسخ، وارض الخزر [2] ثلاثة آلاف فرسخ، وارض الصين ألفا فرسخ، وارض الهند ~~والسند والحبشه وسائر السودان سته آلاف فرسخ، وارض الروم ثلاثة آلاف فرسخ، ~~وارض الصقالبه ثلاثة آلاف فرسخ، وارض كنعان، وهي مصر، وما وراءها مثل ~~إفريقية، وطنجه، وفرنجه، والاندلس ثلاثة آلاف فرسخ، وجزيرة العرب وما ~~والاها الف فرسخ. # قالوا: وبلغ الاسكندر امر قنداقه ملكه المغرب، وسعه بلادها، وخصب أرضها ~~وعظم ملكها، وان مدينتها اربعه فراسخ، وان طول الحجر الواحد من سور مدينتها ~~ستون ذراعا. واخبر عن حال قنداقه وعقلها وحزمها، فكتب إليها: من الاسكندر ~~بن الفيلفوس الملك المسلط على ملوك الارض الى قنداقه ملكه سمره، اما بعد، ~~فقد بلغك ما أفاء الله على به من البلاد، وأعطاني من العد PageV01P034 # والنصره، فان سمعت، واطعت، وآمنت بالله، وخلعت الأنداد التي تعبد من دون ~~الله، وحملت الى وظيفه الخراج، قبلت منك وكففت عنك، وتنكبت أرضك، وان أبيت ~~ذلك سرت إليك، ولا قوه الا بالله. # فكتبت اليه: ان الذى حملك على ما كتبت به فرط بغيك، وعجبك بنفسك، فإذا ~~شئت ان تسير فسر، تذق غير ما ذقت من غيرى، والسلام. # فلما رجع جواب كتابه ارسل إليها بملك مصر، وكان في طاعته، ليدعوها الى ~~الطاعة، وينذرها وبال المعصية، فسار إليها في مائه رجل من خاصته، فلم يجد ~~عندها ما يحب، فرجع الى الاسكندر، فاعلمه، فتجهز الاسكندر إليها، ومضى في ~~جنوده، حتى انتهى الى مدينه القيروان [1] وهي من مصر على شهر فافتتحها ~~بالمجانيق [2] ، ثم سار الى القنداقه، فكانت له ولها قصص وأنباء، فعاهدها ~~على الموادعة والمسالمه، والا يطور بسلطانها وشيء مما في مملكتها. ثم سار ~~من هناك قاصدا الظلمه التي في الشمال، حتى دخلها، فسار فيها ما شاء الله، ~~ثم انكفأ راجعا حتى إذا صار في تخوم ارض الروم ابتنى هناك مدينتين، يقال ~~لإحداهما، قافونية، وللأخرى سوريه. ### | الاسكندر وبلاد ms025 الشرق الأقصى # ثم هم بالاجتياز الى ارض المشرق، فقال له وزراؤه: كيف يمكنك الاجتياز الى ~~مطلع الشمس من هذه الجهة، ودون ذلك البحر الأخضر، ولا تعمل فيه السفن، لان ~~ماءه شبيه بالقيح، ولا يصبر على نتن ريحه احد؟ فقال: لا بد من المسير، ولو ~~لم اسر الا وحدي. قالوا: نحن معك حيث سرت. فسار حتى قطع ارض الروم، يؤم ~~مشرق الشمس، ثم جاوزهم PageV01P035 # الى ارض الصقالبه، فأذعنوا له بالطاعة، فجازهم الى ارض الخزر، فأذعنوا ~~له، فجازهم الى ارض الترك، فأذعنوا له، فسار في ارضهم حتى بلغ المفازة التي ~~بينهم وبين بلاد الصين، فركبها، وسار، حتى إذا قرب من ارض الصين اجلس وزيرا ~~له يقال له فيناوس في مجلسه، وامره ان يتسمى باسمه، وتسمى هو فيناوس، وقصد ~~الملك حتى وصل اليه، فلما دخل عليه قال له: من أنت؟ قال: انا رسول ~~الاسكندر، المسلط على ملوك الارض، قال: واين خلفته؟، قال: على تخوم أرضك، ~~قال: وبماذا ارسلك؟، قال: أرسلني لانطلق بك اليه، فان اجبت اقرك في أرضك، ~~واحسن حباءك [1] ، وان أبيت قتلك، واخرب أرضك، فان كنت جاهلا بما اقول، فسل ~~عن دارا بن دارا ملك ايران شهر، هل كان في الارض ملك اعظم ملكا منه، واكثر ~~جنودا، واقوى سلطانا، وكيف سار اليه، واغتصبه نفسه، وسلبه ملكه، وسل عن فؤر ~~ملك الهند الى ما آل امره. # قال ملك الصين: يا فيناوس، انه قد بلغنى امر هذا الرجل، وما اعطى من ~~النصر والظفر، وكنت على توجيه وفد اليه، اساله الموادعة، واصالحه على ~~الهدنة، فابلغه، انى له على السمع والطاعة، وأداء الاتاوه في كل عام، فليست ~~به حاجه الى دخول ارضى. # ثم بعث اليه بتاجه، وبهدايا من تحف ارضه، من السمور [2] والقاقم، والخز، ~~والحرير الصيني، والسيوف الهندية، والسروج الصينية، والمسك، والعنبر، وصحاف ~~الذهب والفضه، والدروع، والسواعد، والبيض [3] ، فقبض ذلك الاسكندر. ~~PageV01P036 ### | يأجوج وماجوج # وسار راجعا الى عسكره، وتنكب ارض الصين، وسار الى الامه التي قص الله جل ~~ثناؤه قصتها ف قالوا: يا ذا القرنين، إن يأجوج ms026 ومأجوج مفسدون في الأرض فكان ~~من قصته وبنائه الردم ما قد اخبر الله به في كتابه [1] ، فسألهم عن اجناس ~~تلك الأمم، فقالوا: نحن نسمى لك من بالقرب منا منهم، فاما ما سوى ذلك، فلا ~~نعرفه، هم يأجوج وماجوج، وتاويل وتاريس، ومنسك وكمارى. # فلما فرغ من بناء السد بينهم وبين تلك الأمم رحل عنهم، فوقع الى أمه من ~~الناس، حمر الألوان، صهب الشعور، رجالهم معتزلون عن نسائهم، لا يجتمعون الا ~~ثلاثة ايام في كل عام، فمن اراد منهم التزويج، فإنما يتزوج في تلك الثلاثة ~~الأيام، وإذا ولدت المرأة ذكرا، وفطمته دفعته الى ابيه في تلك الثلاثة ~~الأيام، وان كانت أنثى حبستها عندها، فارتحل عنهم، وسار حتى صار الى فرغانه ~~[2] فراى قوما لهم اجسام وجمال، فأعطوه الطاعة، فسار من فرغانه الى سمرقند، ~~فنزلها واقام شهرا، ثم رحل، فسلك على بخارى [3] ، حتى انتهى الى النهر ~~العظيم، فعبره في السفن الى مدينه آمويه، وهي آمل خراسان، ثم سلك المفازة ~~حتى خرج الى ارض قد غلب عليها الماء، فصارت آجاما ومروجا، فامر بتلك ~~المياه، فسدت عنها حتى جفت الارض، فابتنى هناك مدينه، واسكنها قطانا، وجعل ~~لها رساتيق، وقرى، وحصونا، وسماها مر خانوس، وهي مدينه مرو [4] ، وتسمى ~~PageV01P037 # أيضا ميلانوس، ثم اجتاز بنيسابور، وطوس حتى وافى الري [1] ، ولم تكن ~~ايامئذ، وانما بنيت بعد ذلك في ملك فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور، ثم اجتاز ~~من هناك على الجبل، وحلوان [2] ، حتى وافى العراق، فنزل المدينة العتيقة ~~التي تسمى طيسفون [3] ، فأقام حولا، ثم سار يريد الشام حتى اتى بيت المقدس. ### | ملوك الطوائف # فلما اطمان بها، قال لمؤدبه ارسطاطاليس: انى قد وترت اهل الارض جميعا ~~لقتلى ملوكهم، واحتوائى على بلدانهم وأخذي أموالهم، وقد خفت ان يتضافروا ~~على اهل ارضى من بعدي، فيقتلونهم ويبيدونهم لحنقهم على، وقد رايت ان ارسل ~~الى كل نبيه وشريف، ومن كان من اهل الرياسة في كل ارض، والى أبناء الملوك ~~فاقتلهم. # فقال له مؤدبه: ليس ذاك راى اهل الورع والدين، مع انك ان قتلت أبناء ~~الملوك ms027 واهل النباهة والرياسة كان الناس عليك، وعلى اهل أرضك أشد حنقا من ~~بعدك، ولكن لو بعثت الى أبناء الملوك واهل النباهة فتجمعهم إليك، فتتوجهم ~~بالتيجان، وتملك كل رجل منهم كوره [4] واحده، وبلدا واحدا، فإنك تشغلهم ~~بذلك، بتنافسهم في الملك، وحرص كل واحد على أخذ ما في PageV01P038 # يدي صاحبه، عن اهلاك بلادك، فتلقى بأسهم بينهم، وتجعل شغلهم بانفسهم، ~~فقبل الاسكندر ذلك منه، وفعله، وهم الذين يقال لهم ملوك الطوائف. ### | نهاية الاسكندر # ثم هلك الاسكندر ببيت المقدس، وقد ملك ثلاثين سنه، جال الارض منها أربعا ~~وعشرين سنه، واقام بالإسكندرية في مبتدإ امره ثلاث سنين، وبالشام عند ~~انصرافه ثلاث سنين، فجعل في تابوت من ذهب، وحمل الى الاسكندرية. # وبنى الاسكندر [1] اثنتى عشره مدينه، الإسكندرية بأرض مصر، ومدينه نجران ~~بأرض العرب، ومدينه مرو بأرض خراسان، ومدينه جى بأرض أصبهان، ومدينه على ~~شاطئ البحر تدعى صيدودا، ومدينه بأرض الهند تدعى جروين، ومدينه بأرض الصين ~~تدعى قرنيه، وسائر ذلك بأرض الروم. # قالوا: ولما توفى الاسكندر حمى كل رجل من أولئك الذين ملكهم حيزه [2] ، ~~ودفعوا الحرب، فلم يكن يغلب احدهم صاحبه الا بالحكمه والآداب، يتراسلون ~~بالمسائل، فان أصاب المسئول حمل اليه السائل، وان بغى احد منهم على الآخر، ~~وانتقصه شيئا من حيزه أنكروا جميعا ذلك عليه، فان تمادى اجمعوا على حربه، ~~فسموا بذلك ملوك الطوائف. ### | ملوك اليمن # وزعموا ان الملوك الأربعة [3] ، الذين لعنهم النبي ص، ولعن أختهم ابضعه، ~~لما هموا بنقل الحجر الأسود الى صنعاء ليقطعوا حج العرب عن البيت الحرام ~~الى صنعاء، وتوجهوا لذلك الى مكة، فاجتمعت كنانه الى فهر بن مالك ابن ~~النضر، فلقيهم، فقاتلهم، فقتل ابن لفهر، يسمى الحارثة، لم يعقب، ~~PageV01P039 # وقتل من الملوك الأربعة ثلاثة، واسر الرابع، فلم يزل مأسورا عند فهر بن ~~مالك حتى مات. # واما ابضعه، فهى التي يقال لها العنقفير، ملكت بعد إخوتها باخبث سيره، ~~كانت تتخير الرجال على عينها، فمن أعجبها دعته الى نفسها، فوقع بها، لا ~~يقدر احد ان ينكر عليها، وانها ابصرت فتى من قيس، فأعجبها، فدعته ms028 الى ~~نفسها، فوقع بها، فالقحها غلامين في بطن، فسمت أحدهما سهلا، والآخر عوفا، ~~وفي ذلك يقول شاعر من شعراء قيس: # وذي تومه في اذنه وضفيرة ... وسيم جميل لا يخيل مخايله # إذا ما رأته قيلة حميرية ... تجر له حبل الشموس تهازله # قالوا: وكان ذو الشنائر ملك عنس ويحاير [1] ، وكان عظيم الملك، كثير ~~الجنود، وكان ملكه على عمان، والبحرين، واليمامه، وسواحل البحر. # ملك اردوان بن اشه # قالوا: ولم يكن في ملوك الطوائف الذين كانوا بأرض العجم ملك اعظم ملكا، ~~ولا اكثر جنودا من اردوان بن اشه بن اشغان ملك الجبل، كان اليه الماهان ~~وهمذان، وماسبذان، ومهرجانقذق، وحلوان [2] ، وسائر الملوك انما كان يكون ~~الى الرجل منهم كوره واحده وبلد واحد. وكان الملك منهم إذا مات قام بالملك ~~بعده ابنه او حميمه، وكان جميع ملوك الطوائف يقرون لاردوان ملك الجبل ~~بفضله، لاختصاص الاسكندر اياه دونهم بفضل الملك، وكان مسكنه بمدينه نهاوند ~~[3] العتيقة. # قالوا: وفي ذلك العصر بعث المسيح عيسى بن مريم ع. PageV01P040 # اسعد بن عمرو # قالوا: وان اسعد بن عمرو بن ربيعه بن مالك بن صبح بن عبد الله بن زيد بن ~~ياسر ينعم الملك الذى ملك بعد سليمان بن داود، ص [1] ، لما نشا وبلغ، انف ~~من ابتزاز قبائل ولد كهلان بن سبا بن يشجب بن يعرب الملك حمير، وكان الملك ~~لهم، وفي عصرهم، فجمع اليه حمير، وذلك بعد ان ملكت المقاول بأرض اليمن، ~~فكانوا سبعه ملوك، توارثوا الملك مائتين وخمسين سنه، فسار الى ملك همذان، ~~فحاربه، فظفر به، ثم سار الى ملك عنس ويحاير، ففعل به مثل ذلك، واتى ملك ~~كنده، واعطى الظفر حتى اجتمع له ملك جميع ارض اليمن. # فلما اجتمع لاسعد الملك وجه ابن عمه القيطون بن سعد الى تهامه والحجاز، ~~وجعله ملكا عليها، فنزل يثرب، فاعتدى وتجبر، حتى امر ان لا تهدى امراه الى ~~زوجها حتى يبدءوه بها، وسلك في ذلك مسلك عمليق، ملك طسم وجديس، الى ان زوجت ~~اخت لمالك بن العجلان من الرضاعه، فلما أرادوا ان يذهبوا بها ms029 الى القيطون ~~اندس معها مالك بن العجلان متنكرا، فلما خلاله البيت عدا عليه بسيفه، ~~فقتله، وعدوا على اصحابه، فقتلوا اجمعين، وبلغ ذلك اسعد الملك، فسار اليهم، ~~فنزل بالمدينة على نهر يسمى، بئر الملك، فكان من قصته ما هو مشهور، قد ~~كتبناه في غير هذا الموضع. # بعثه عيسى الرسول # قالوا: ولما ابتعث الله عيسى بن مريم، فاقبلت اليهود لتقتله، فرفعه الله ~~اليه، أتوا يحيى بن زكرياء، فقتلوه، فسلط الله عليهم ملكا من ملوك الطوائف ~~من ولد بخت نصر الاول [2] ، فقتل بنى إسرائيل، وضربت عليهم الذلة والمسكنة. ~~PageV01P041 # أردشير بن بابك # قالوا: فلما تم لملوك الطوائف مائتا سنه، وست وستون سنه ظهر أردشير ابن ~~بابكان، وهو أردشير بن بابك بن ساسان الاصغر بن فافك بن مهريس ابن ساسان ~~الاكبر بن بهمن الملك بن اسفندياذ بن بشتاسف، فظهر بمدينه اصطخر، فدب في رد ~~ملك فارس في نصابه، واتسقت له الأمور، فلم يزل يغلب ملكا، ويقتل ملكا، ~~ويحتوى على ما تحت يده، حتى انتهى الى فرخان ملك الجبل، وكان آخر ملك من ~~ولد اردوان، فكتب اليه أردشير، بالدخول في طاعته، فلما أتاه كتابه امتلا ~~غيظا، وقال لرسله: لقد ارتقى ابن ساسان الراعى مرتقى وعرا، ولم يحفل به، ~~وكتب اليه: ان الميعاد بيني وبينك صحراء الهرمزدجان في سلخ مهر ماه [1] ، ~~فسبق أردشير الى المكان، فوافاه فرخان في سلخ مهر ماه، فاقتتلوا، فقتله ~~أردشير، وسار من فوره حتى ورد مدينه نهاوند، فنزل قصر الفرخان، فأقام شهرا، ~~ثم سار الى الري، ثم الى خراسان، لا ياتى حيزا الا أذعن له ملكه بالطاعة، ~~ثم سار الى سجستان، ثم الى كرمان [2] ، ثم سار الى فارس [3] ، فنزل مدينه ~~اصطخر، فأقام حولا، ثم سار نحو العراق، فتلقاه من كان بها من ملوك الطوائف ~~بالاهواز، فقاتلهم، فقتلهم، PageV01P042 # ثم سار حتى عسكر بموضع المدائن اليوم، فاختطها، وبناها، فلما استوثق له ~~الملك دعا بابنه أخ الفرخان، التي أخذها من قصر الفرخان بنهاوند،، وكانت ~~ذات جمال ولب، وقد كان افضى إليها، وسالها من نسبها، فاخبرته، فقال ms030 لها: قد ~~اسات حين أعلمتني، لانى اعطيت الله عهدا، ان أظهرني الله بالفرخان الا ادع ~~من اهل بيته أحدا، ثم دعا ابرسام وزيره، فقال: انطلق بهذه الجاريه فاقتلها. # فاخذ ابر سام بيد الجاريه، فأخرجها لينفذ فيها امره، فلما خرجت قالت ~~لابرسام: انى حامل لاشهر، فلما قالت له ذلك انطلق بها الى منزله، وامر ~~بالإحسان إليها، وقال لاردشير: قد قتلتها. # وزعموا انه جب نفسه [1] ، وأخذ مذاكيره، فجعلها في حق [2] وختم عليه، ~~واتى به أردشير، وساله ان يأمر بعض ثقاته باحرازه، فانه سيحتاج اليه يوما، ~~فامر أردشير بالحق، فاحرز. # ثم ان الجاريه ولدت غلاما كاجمل ما يكون من الغلمان، وهو سابور بن أردشير ~~الذى ملك بعده، وان أردشير اقام بالعراق حولا، ثم سار الى الموصل، فقتل ~~ملكها، ثم انصرف، وجعل يسير، فسار الى عمان والبحرين واليمامه، فخرج اليه ~~سنطرق ملك البحرين، فحاربه، فقتله أردشير، وامر بمدينته، فاخربت. # قالوا: وان ابرسام دخل على أردشير يوما، وهو مستخل وحده، مفكر مهموم، ~~فقال: ايها الملك، عمرك الله، ما لي أراك مهموما حزينا، وقد أعطاك الله ~~امنيتك، ورد الله إليك ملك آبائك، فأنت اليوم شاهان شاه. # قال أردشير: ذاك الذى أحزنني، انى قد استحوذت على الارض، ودان لي جميع ~~الملوك، وليس لي ولد، يرث ملكي الذى انصبت فيه نفسي. فلما سمع PageV01P043 # ذلك ابرسام قال في نفسه: هذا وقت اظهار امر تلك المرأة الاشغانيه، وقد ~~كان اتى على ابنها خمس سنين، فقال: ايها الملك، انى كنت استودعتك يوم ~~أمرتني بقتل المرأة الاشغانيه حقا مختوما، وقد احتجت اليه، فمر باخراجه، ~~فامر به أردشير، فاخرج اليه، ففتحه، وأراه أردشير، فإذا فيه مذاكيره، قد ~~يبست في جوف الحق. # فقال له أردشير: ما هذا؟ فاخبره الخبر، واعلمه حال الغلام، ففرح أردشير ~~بذلك، ثم قال لابرسام: ائتنى بالغلام، واجعله ما بين مائه غلام من اقرانه، ~~ففعل ابرسام ذلك. # فلما ادخلهم عليه تأملهم غلاما غلاما، حتى إذا بلغ الى سابور راى تشابه ~~ما بينه وبينه، فتحرك له قلبه، فامسك نفسه، ولم يكلمه، وامر ms031 بان يعطى ~~الغلمان جميعا صوالجه [1] ، ويطرح لهم كره في الرحبه ليلعبوا بين يديه ~~مقابل الإيوان، وقال لابرسام: احتل ان تقع الكره عندي في الإيوان، ففعل. # ووقعت الكره على بساطه، فوقف جميع أولئك الغلمان على باب الإيوان، ولم ~~يجترئ واحد منهم ان يدخل، فيتناول الكره من بين يديه الا الغلام، فانه ~~اقتحم من بينهم على ابيه، فتناول الكره من بين يديه. # فلما راى ذلك أردشير مد يده، فتناول الغلام، وضمه اليه، وقبله، وامر به ~~وبامه ان ترد اليه، وهو سابور الذى ملك بعده، واكرم ابرسام، واقطعه القطائع ~~الكثيره، وامر بان تصور صوره ابرسام على الدراهم والبسط حتى انقضى ملكهم. # قالوا: وفي ملك أردشير بعث الله عيسى ع، ويزعمون انه بعث بأحد حوارييه ~~الى أردشير، وانه جاء الى مدينه طيسفون، فنزل على ابرسام PageV01P044 # فكان إذا امسى استسرج له سراج، فيصلى طول ليله، ويتلو الانجيل، فسأله ~~ابرسام عن قصته ودينه، فاخبره انه رسول المسيح عيسى بن مريم، فأفضى ابرسام ~~الخبر الى أردشير، فدعا به، فنظر الى سمته وهدوئه، وأراه الشيخ آيات من ~~آيات المسيح، فلم يبعد عند أردشير، ولا هاجه بسوء. # ملك الموصل وجرجيس # قالوا: وفي زمان ملوك الطوائف كانت قصه جرجيس، واتيانه ملك الموصل، وكان ~~جبارا متمردا، يعبد الأصنام، ويحمل الناس على عبادتها، وكان جرجيس من اهل ~~الجزيرة، وكان من امره وامر ذلك الملك ما قد أتت به الاخبار. # وكان أردشير هو الذى اكمل آيين [1] الملوك ورتب المراتب، واحكم السير، ~~وتفقد صغير الأمر وكبيره، حتى وضع كل شيء من ذلك على موضعه، وعهد عهده ~~المعروف الى الملوك، فكانوا يمتثلونه، ويلزمونه، ويتبركون بحفظه والعمل به، ~~ويجعلونه درسهم ونصب اعينهم، وبنى من المدن ست مدائن، منها بأرض فارس مدينه ~~أردشير خره، ومدينه رام أردشير ومدينه هرمزدان أردشير، وهي قصده الاهواز، ~~ومدينه استاذ أردشير، وهي كرخ ميسان، ومدينه فوران أردشير، وهي التي ~~بالبحرين، ومدينه بالموصل، تسمى خرزاد أردشير. # ملكيكرب ملك اليمن # قالوا: وملك بعد اسعد ملك اليمن، الذى كسا البيت ونحر عنده وطاف به وعظمه ms032 ~~ابن عمه ملكيكرب بن عمرو بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو ذي الاذعار، فملك ~~عشرين سنه لا يبرح بيته، ولا يغزو كما كانت الملوك قبله تفعله تحرجا من ~~الدماء. PageV01P045 # ملك التبابعه # ثم ملك بعده ابنه تبع بن ملكيكرب، وهو تبع الأخير، وكانت التبابعه ثلاثة، ~~اولهم: شمر ابو كرب الذى غزا الصين، واخرب مدينه سمرقند، والثانى تبع اسعد ~~الذى ذبح للبيت الحرام الذبائح، وعلق عليه باب ذهب، والثالث تبع بن ~~ملكيكرب، ولم يسم غير هؤلاء الثلاثة من ملوك اليمن تبعا، وكان تبع هذا ~~الأخير في عصر سابور بن أردشير، وفي عصر هرمز بن سابور، وكان تبع بن ~~ملكيكرب كبير الشان عظيم السلطان، وهو الذى غزا بلاد الهند، فقتل ملكها، ~~وهو من اولاد فؤر الملك الذى قتله الاسكندر، ثم انصرف الى اليمن، ومات في ~~ملك بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشير. # ثم ملك من بعد تبع ابنه حسان بن تبع بن ملكيكرب، وهو الذى غزا ارض فارس ~~فيما يزعمون، وهو الذى ضجرت الحميرية لكثرة غزوه بها، وقله مقامه بأرض ~~اليمن، فزينوا لأخيه عمرو بن تبع قتله ليملكوه عليهم، فطابقوه جميعا على ~~ذلك الا ذارعين فانه ابى ذلك، ولم يدخل فيه مع القوم، فعدا عمرو على أخيه، ~~فقتله، وملك من بعده، وانصرف بقومه الى اليمن، فسلط الله عليهم السهر. # سابور # فلما ملك سابور بن أردشير غزا ارض الروم، فافتتح مدينه قالوقيه، ومدينه ~~قبدوقيه، واثخن في الروم، ثم انصرف الى العراق، وسار الى ارض الاهواز ~~ليرتاد مكانا يبنى فيه مدينه، يسكنها السبى الذى قدم بهم من ارض الروم، ~~فبنى مدينه جنديسابور، واسمها بالخوزيه نيلاط، وأهلها يسمونها نيلاب، فكان ~~سابور قد اسر اليريانوس خليفه صاحب الروم، فأمره ببناء قنطره على نهر تستر ~~على ان يخليه، فوجه اليه ملك الروم ناسا من ارض الروم والأموال، فبناها، ~~فلما فرغ منها اعتقه. # PageV01P046 # مانى # وفي زمان سابور ظهر مانى الزنديق [1] ، واغوى الناس، ومات سابور قبل ان ~~يظفر به، وملك سابور احدى وثلاثين سنه. # هرمز # وافضى الملك ms033 بعده الى ابنه هرمز بن سابور، فاخذ مانى، فامر به، فسلخ ~~جلده، وحشاه بالتبن، وعلقه على باب مدينه جنديسابور، فهو الى اليوم يدعى ~~باب مانى، وتتبع اصحابه ومن استجاب له، فقتلهم جميعا، فملك ثلاثين سنه. # اولاد هرمز # واسند الملك الى ابنه بهرام بن هرمز، فملك سبع عشره سنه، ثم ملك ابنه ~~بهرام بن بهرام، ثم ملك ابنه نرسى بن بهرام بن بهرام، فملك سبع سنين، ومات. ~~فملك ابنه هرمزدان بن نرسى، فملك سبع سنين، ومات، ولم يكن له ولد يرثه ~~الملك، غير ان امراته كانت حاملا لاشهر، فامر بالتاج، فوضع على بطنها، ~~وتقدم الى عظماء اهل فارس الا يملكوا عليهم أحدا حتى ينظروا ما يولد له، ~~فان كان ذكرا سموه سابور، وأقروه على الملك، ووكلوا به من يحضنه، ويقوم ~~بأمر الملك الى إدراكه، وان كان أنثى اختاروا رجلا لأنفسهم من اهل بيته، ~~فملكوه عليهم، فولدت المرأة ذكرا، وسموه سابور، وهو المنبوز [2] بذى ~~الاكتاف. PageV01P047 # سابور ذو الاكتاف # فشاع لما مات هرمزدان في اطراف الارضين انه ليس لارض فارس ملك، وانهم ~~يلوذون بصبى في مهد، فطمعوا في مملكه فارس، فورد جمع عظيم من الاعراب من ~~ناحيه البحرين وكاظمه [1] الى ابرشهر وسواحل أردشير خره، فشنوا بها الغارة، ~~واتى بعض ملوك غسان على الجزيرة في جموع عظيمه حتى اغار على السواد، فمكثت ~~مملكه فارس حينا لا يمتنعون من عدو لوهى امر الملك. # فلما ترعرع الغلام كان أول ما ظهر من حزمه انه استيقظ ليله وهو نائم في ~~قصره بمدينه طيسفون بضوضاء الناس لازدحامهم على جسر دجلة مقبلين ومدبرين، ~~فقال: ما هذه الضوضاء؟، فاخبر، فقال: ليعقد لهم جسر آخر، يكون أحدهما لمن ~~يقبل، والآخر لمن يدبر، ففعلوا، وتباشروا بما ظهر من فطنته مع طفوليته. # فلما أتت له خمس عشره سنه تجرد لضبط الملك، ونفى العدو عنه، فتأهب، وسار ~~الى ابرشهر، فطرد من كان صار إليها من الاعراب، وقتلهم اخبث قتله. # وكذلك فعل بالجزيرة، فصار الى الضيزن الغساني، فحاصره في مدينته التي على ~~شاطئ الفرات مما ms034 يلى الرقة [2] ، فزعموا ان ابنه الضيزن، واسمها مليكه، ~~وزعموا ان أمها عمه سابور دختنوس ابنه نرسى، وان الضيزن كان سباها لما اغار ~~على مدينه طيسفون، فاشرفت مليكه على عسكر سابور، وهو محاصر لأبيها، فرات ~~سابور، فعشقته، فراسلته، على ان تدله على عوره أبيها، على ان يتزوجها، ~~فوعدها سابور ذلك، ففعلت. PageV01P048 # فاسكرت بالحص [1] حرس احد الأبواب حتى ناموا، وامرت بفتح الباب، فدخل ~~سابور وجنوده، فاخذ الضيزن، فقتله، وخلع اكتاف اصحابه، وخلاهم، وكذا كان ~~يفعل بمن اسر من الأعداء، فبذلك سمى ذا الاكتاف. # ووفى لابنته بما وعدها، ثم قتلها بعد: ربطها بين فرسين، واجراهما، ~~فقطعاها، وقال لها: أنت إذا لم تصلحى لأبيك لا تصلحين لي. # وامر سابور فبنيت له مدينه الأنبار [2] ، وسماها فيروز سابور، وكورها ~~كوره، وبنى بالسوس [3] مدينه، وهي التي الى جانب الحصن، الذى يسمى سادانيال ~~الذى كان فيه جسد دانيال ع. # الروم وسابور # قالوا: وكان ملك الروم في ذلك العصر مانوس وكان يدين فيما ذكروا قبل ان ~~يملك دين النصرانية، فلما ملك اظهر مله الروم الاولى، وأحياها، وامر بتحريق ~~الانجيل، وهدم البيع، وقتل الأساقفة، فلما قتل سابور الضيزن الغساني غضب ~~لذلك، فجمع من كان بالشام من غسان، واقبل فيهم، ومعه جيوش الروم، حتى ورد ~~العراق. # ووجه سابور عيونا ليأتوه بخبرهم، فانصرف اليه عيونه، وقد اختلفوا عليه، ~~فخرج ليلا في ثلاثين فرسا، ليشرف على عسكر الروم، وقدم امامه عشره منهم، ~~فاخذتهم الروم، فاتوا بهم اليوبيانوس خليفه الملك وابن عمه، فسألهم عن ~~امرهم، وتوعدهم القتل، فقام اليه رجل منهم مسرا عن اصحابه، فقال له: ان ~~سابور منك بالقرب، فضم الى خيلا حتى آتيك به أسيرا. PageV01P049 # وكانت بين اليوبيانوس وسابور موده وخله، فأرسل الى سابور ينذره، فانصرف ~~راجعا، وسار الملك الرومي الى باب مدينه طيسفون، وخرج اليه سابور في جنوده، ~~فهزمه الرومي حتى بلغوا قنطره جازر، واحتوى الرومي على مدينه طيسفون، ولم ~~يقدروا على القصر لحصانته، ومن فيه من الحماه عنه، وثاب الناس الى سابور، ~~فزحف الى جمع الروم، فنحاهم عن المدينة، وعسكر ms035 ببابها، وراسل ملك الروم، ~~فبينما هم في ذلك إذ اتى ملك الروم سهم عائر، وهو في مضربه، وحوله بطارقته، ~~فأصاب مقتله، فسقط في أيدي الروم لمكانهم الذى هم به، واشراف عدوهم عليهم، ~~فطلبوا الى اليوبيانوس ان يتملك عليهم، فأبى، وقال: لست اتملك على قوم ~~مخالفين لي في ديني، لانى على دين النصرانية، وأنتم على دين الروم الاول، ~~فقال له البطارقه والعظماء: فانا نحن جميعا على مثل ما أنتم عليه، غير انا ~~كنا نكاتم بذلك خوفا من الملك، فتملك عليهم اليوبيانوس، ولبس التاج. # وبلغ سابور امرهم، فأرسل اليهم: اصبحتم اليوم في قبضتي وقدرتي، ولأقتلنكم ~~بمكانكم هذا جوعا وهزلا، فاجمع اليوبيانوس على اتيان سابور، لما كان بينهم ~~من المودة، فأبى عليه البطارقه والرؤساء، فخالفهم، وأتاه، فعرف له سابور ~~يده عنده في إنذاره اياه تلك الليلة وجعل له اليوبيانوس نصيبين [1] ، ~~وحيزها عوضا مما افسدت الروم من مملكته، وكتب له بذلك. # وبلغ اهل نصيبين ذلك، فانتقلوا عنها ضنا بالنصرانية، وكراهية لتمليك ~~الفرس عليهم، فنقل سابور إليها اثنى عشر الف اهل بيت من اصطخر، فأسكنهم ~~فيها، فعقبهم بها الى اليوم، وانصرفت الروم الى أرضها، فلما تم لسابور ~~اثنتان وسبعون سنه حضره الموت، فجعل الأمر من بعده لابنه سابور بن سابور. # فلما تم لملكه خمس سنين خرج يوما متصيدا، فنزل بمكان، وضربت PageV01P050 # قبته، فجلس فيها، فاقبل قوم من الفتاك ليلا، فقطعوا اطناب [1] القبه، ~~فسقطت عليه، فمات. # بهرام بن سابور # فملك بعده ابنه بهرام بن سابور، وكان على كرمان [2] ، فلما قتل أبوه قدم، ~~فقام بالملك، فلما تم لملكه ثلاث عشره سنه خرج يوما متصيدا، فرمى بنشابه ~~[3] ، فاصابته، فلما احس بالموت اوصى الى ابن أخيه يزدجرد بن سابور ابن ~~سابور، وكان اصغر سنا منه. # يزدجرد بن سابور # فقام بالملك بعده، وهو يزدجرد الذى يلقب بالاثيم، وكان غلقا سيئ الخلق، ~~لا يكافئ على حسن بلاء، وكان منانا، لا يتجاوز عن زله وان صغرت، ويعاقب على ~~الصغيره كما يعاقب على الكبيره، وما كان احد يقدر على كلامه لفظاظته ~~وغلظته، الا ms036 ان وزراءه كانوا أخيارا مترفقين متعاونين. # فولد له بهرام الذى يقال له بهرام جور، فدفعه الى المنذر ابى النعمان ~~ليحضنه، فسار المنذر ببهرام الى الحيرة [4] وكانت داره واختار له المنذر ~~المراضع، واحسن حضانته، فلما بلغ التأديب بعث اليه أبوه بمؤدبين من الفرس، ~~واحضره المنذر مؤدبين من العرب، فاحكم الادبين، وكمل فيهما، ونشا نشا ~~محمودا، وبرع في الأدب والفروسية، وخرج عاقلا لبيبا جميلا بهيا، ~~PageV01P051 # ومكنه المنذر من اللهو والقيان، فكان يركب النجائب، وتركب وراءه الصناجات ~~[1] يلهينه ويطربنه، وتجرد لطرد الوحش على تلك الحال، فضرب به المثل، فتوه ~~ورخاء بال. # مقتل عمرو بن تبع # قالوا: ولما قتل عمرو بن تبع أخاه حسان بن تبع واشراف قومه تضعضع امر ~~الحميرية، فوثب رجل منهم لم يكن من اهل بيت الملك يقال له صهبان ابن ذي خرب ~~على عمرو بن تبع، فقتله، واستولى على الملك. # صهبان والعدنانيون بتهامه # قال: وهو الذى سار الى تهامه لمحاربه ولد معد بن عدنان، وكان سبب ذلك ان ~~معدا لما انتشرت تباغت وتظالمت، فبعثوا الى صهبان يسالونه ان يملك عليهم ~~رجلا يأخذ لضعيفهم من قويهم، مخافه التعدى في الحروب، فوجه اليهم الحارث بن ~~عمرو الكندى، واختاره لهم، لان معدا أخواله، أمه امراه من بنى عامر بن ~~صعصعة، فسار الحارث اليهم باهله وولده، فلما استقر فيهم ولى ابنه حجر بن ~~عمرو، وهو ابو إمرئ القيس الشاعر، على اسد وكنانه، وولى ابنه شرحبيل على ~~قيس وتميم، وولى ابنه معدى كرب، وهو جد الاشعث بن قيس، على ربيعه. # فمكثوا كذلك الى ان مات الحارث بن عمرو، فاقر صهبان كل واحد منهم في ~~ملكه، فلبثوا بذلك ما لبثوا، ثم ان بنى اسد وثبوا على ملكهم حجر ابن عمرو، ~~فقتلوه، فلما بلغ ذلك صهبان وجه الى مضر عمرو بن نابل اللخمى والى ربيعه ~~لبيد بن النعمان الغساني، وبعث برجل من حمير يسمى اوفى بن عنق الحيه، وامره ~~ان يقتل بنى اسد ابرح القتل، فلما بلغ ذلك أسدا وكنانه PageV01P052 # استعدوا، فلما بلغه ذلك انصرف نحو صهبان ms037، واجتمعت قيس وتميم، فاخرجوا ~~ملكهم عمرو بن نابل عنهم، فلحق بصهبان، وبقي معدى كرب جد الاشعث، ملكا على ~~ربيعه، فلما بلغ صهبان ما فعلت مضر بعماله آلى ليغزون مضر بنفسه. # وبلغ ذلك مضر، فاجتمع اشرافها، فتشاوروا في امرهم، فعلموا ان لا طاقه لهم ~~بالملك الا بمطابقه ربيعه إياهم، فاوفدوا وفودهم الى ربيعه، منهم عوف بن ~~منقذ التميمى، وسويد بن عمرو الأسدي جد عبيد بن الأبرص، والأحوص بن جعفر ~~العامري، وعدس بن زيد الحنظلى، فساروا حتى قدموا على ربيعه، وسيد هم يومئذ ~~كليب بن ربيعه التغلبى، وهو كليب وائل، فاجابتهم ربيعه الى نصرهم، وولوا ~~الأمر كليبا، فدخل على ملكهم لبيد بن النعمان، فقتله، ثم اجتمعوا، وساروا ~~فلقيهم الملك بالسلان، فاقتتلوا، ففلت جموع اليمن، وفي ذلك يقول الفرزدق ~~لجرير: # لولا فوارس تغلب ابنه وائل ... نزل العدو عليك كل مكان # وانصرف الملك الى ارضه مفلولا، فمكث حولا، ثم تجهز لمعاوده الحرب، وسار، ~~فاجتمعت معد، وعليها كليب فتوافوا بخزازى [1] ، فوجه كليب السفاح بن عمرو ~~امامه، وامره إذا التقى بالقوم، ان يوقدوا نارا، علامه جعلها بينه وبينه، ~~فسار السفاح ليلا حتى وافى معسكر الملك بخزازى، فاوقد النار، فاقبل كليب في ~~الجموع نحو النار، فوافاهم صباحا، فاقتتلوا، فقتل الملك صهبان، وانفضت ~~جموعه، وفي ذلك يقول عمرو بن كلثوم: # ونحن غداه اوقد في خزازى ... رفدنا فوق رفد الرافدينا # فلما قتل صهبان زاد حمير قتله اتضاعا ووهنا. PageV01P053 # ملك ربيعه بن نصر اللخمى اليمن # فجمع ربيعه بن نصر اللخمى جد النعمان بن المنذر قومه ومن أطاعه من ولد ~~كهلان بن سبا، فاغتصب حمير الملك، فاجتمعت له ارض اليمن، فملكها زمانا، وهو ~~ربيعه بن نصر بن الحارث بن عمرو بن لخم بن عدى بن مره بن زيد ابن كهلان بن ~~سبا بن يعرب بن قحطان. فلما استجمع لربيعه بن نصر امر اليمن راى في منامه ~~رؤيا هالته، ووجل منها، فبعث الى شق وسطيح الكاهنين، فأخبرهما بما راى، ~~فأخبراه في تأويلها بما يكون من غلبه السودان على ارض اليمن، وبغلبه فارس ms038 ~~بعدهم، ثم بمخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمع ذلك اوجس في نفسه ~~خيفة، فأحب ان يخرج ولده وخاصه اهله من ارض اليمن # مسير عمرو اللخمى الى الحيرة # فوجه ابنه عمرا الى يزدجرد بن سابور، ويقال بل كان ذلك في عصر سابور ذي ~~الاكتاف، فانزله الحيرة، فيومئذ بنيت الحيرة، فضم عمرو اليه اخوته واهل ~~بيته، فمن هناك وقع آل لخم الى الحيرة، واتصلوا بالاكاسره، فجعلوا لهم على ~~العرب سلطانا. # جذيمة والحيرة # فلما مات خلفه من بعده ابنه جذيمة بن عمرو، فزوج جذيمة اخته من ابن عمه ~~عدى بن ربيعه بن نصر، فولدت له عمرو بن عدى الذى استطار به الجن، وله حديث، ~~فلم يزل جذيمة ملكا بالخورنق [1] زمانا حتى دعته نفسه الى تزويج مارية ابنه ~~الزباء الغسانية، وكانت ملكه الجزيرة، ملكت بعد عمها الضيزن PageV01P054 # الذى قتله سابور، وكان له ولها حديث مشهور [1] ، فقتلت جذيمة، ثم قتلها ~~قصير مولاه. # عمرو بن عدى # فلما هلك خلفه ابن اخته وابن ابن عمه عمرو بن عدى وهو جد النعمان بن ~~المنذر ابن عمرو بن عدى بن ربيعه، قالوا: وكان ذلك في عصر يزدجرد بن سابور ~~ابن بهرام جور. # قالوا: وفي ذلك العصر توفى عبد مناف بن قصى، وخلفه في سؤدده ابنه هاشم ~~ابن عبد مناف. قالوا: وهلك يزدجرد الأثيم، وقد ملك احدى وعشرين سنه ونصفا، ~~وبهرام جور ابنه غائب بالحيرة عند المنذر بالخورنق، فتعاهدت عظماء فارس الا ~~يملكوا أحدا من ولد يزدجرد لما نالهم من سوء سيرته، منهم بسطام اصبهبذ ~~السواد، الذى تدعى مرتبته [2] هزرافت، ويزدجشنس فاذوسفان الزوابي، وفيرك ~~الذى تدعى مرتبته مهران، وجودرز كاتب الجند، وجشنساذربيش كاتب الخراج، ~~وفناخسرو صاحب صدقات المملكة، وغير هؤلاء من اهل الشرف والبيت، فاجتمعوا، ~~واختاروا رجلا من عتره [3] أردشير بن بابكان، يقال له خسرو، فملكوه عليهم، ~~وبلغ ذلك بهرام جور، وهو عند المنذر، فامر منذر بهرام بالخروج، والطلب ~~بتراث ابيه، ووجه معه ابنه النعمان، فسار بهرام حتى قدم مدينه طيسفون، فنزل ~~قريبا منها في الابنيه PageV01P055 # والفساطيط والقباب ms039، فلم يزل النعمان يسفر بينه وبين عظماء فارس واشرافهم ~~الى ان أنابوا وتابوا الى بهرام. # ملك بهرام جور # وبسط بهرام من آمالهم، وشرط لهم المعدلة وحسن السير، فخلوا بينه وبين ~~الملك، وسمعوا وأطاعوا، وحبا [1] بهرام المنذر والنعمان، وأكرمهما، وكافاه ~~بيده عنده في تربيته ومعاضدته، ففوض اليه جميع ارض العرب، وصرفه الى مستقره ~~من الحيرة. # ولما استتب لبهرام الملك آثر اللهو على ما سواه، حتى عتب عليه رعيته، ~~وطمع فيه من كان حوله من الملوك، فكان أول من شخص صاحب الترك، فانه نهض في ~~جموعه من الاتراك حتى اوغل في خراسان، فشن فيها الغارات، وانتهى النبا الى ~~بهرام، فترك ما كان فيه من الاستهتار باللهو، وقصد عدوه، فأظهر انه يريد ~~اذربيجان ليتصيد هناك، ويلهو في مسيره إليها، فانتخب من ابطال رجاله سبعه ~~آلاف رجل، فحملهم على الإبل، وجنبوا الخيل، واستخلف على ملكه أخاه نرسى، ثم ~~سار نحو اذربيجان، وامر كل رجل من اصحابه الذين انتخبهم ان يكون معه باز ~~وكلب، فلم يشك الناس ان مسيره ذلك هزيمه من عدوه، واسلام لملكه، فاجتمع ~~العظماء والاشراف، فتامروا بينهم، فاتفق رأيهم على توجيه وفد منهم الى ~~خاقان [2] صاحب الترك باموال، يبعثون بها اليه ليصدوه عن استباحه البلاد. # وبلغ خاقان ان بهرام مضى هاربا، وان اهل المملكة مجمعون على الخضوع له، ~~فاغتر، وامن هو وجنوده، واقام بمكانه ينتظر الوفود والأموال. PageV01P056 # قالوا: وان بهرام امر بذبح سبعه آلاف ثور وحمل جلودها، وساق معه سبعه ~~آلاف مهر حولي، وجعل يسير الليل ويكمن النهار، وأخذ على طبرستان، ثم تبطن ~~ضفة البحر حتى خرج الى جرجان، ثم صار الى نسا ثم الى مرو. وكان خاقان ~~معسكرا بها بكشميهن [1] حتى إذا صار بهرام من مرو على منقله [2] ، وخاقان ~~لا يعلم شيئا من علمه امر بتلك الجلود، فنفخت، والقى فيها الحصى، وجففت، ثم ~~علقها في اعناق تلك المهارة، حتى دنا من عسكر خاقان، وكانوا نزولا على طرف ~~المفازة، على سته فراسخ من مدينه مرو، فخلوا عن تلك المهارة ليلا، وطردوها ~~من ms040 ورائها، فارتفع لتلك الجلود، والحجاره التي فيها، وعدو المهارة بها، ~~وضربها إياها بأيديها أصوات هائله أشد من هده الجبال والصواعق. # وسمعت الترك تلك الأصوات، فلما سمعوها راعتهم، ولا يدرون ما هي، وجعلت ~~تزداد منهم قربا، فاجلوا عن معسكرهم، وخرجوا هربا، وبهرام في الطلب، فتقطرت ~~[3] دابه خاقان بخاقان، وادركه بهرام، فقتله بيده، وغنم عسكره، وكل ما كان ~~فيه من الأموال، وأخذ خاتون امراه خاقان. # ومضى بهرام على آثار الترك ليلته ويومه كله، يقتل وياسر، حتى انتهى الى ~~آمويه، ثم عبر نهر بلخ، يتبع آثارهم، حتى إذا صار الى القرب فاذعن له ~~الترك، وسألوه ان يعلم حدا بينه وبينهم، لا يجاوزونه، فحد لهم مكانا واغلا ~~في ارضهم، وامر بمناره، فبنيت هناك، وجعلها حدا، ثم انصرف الى دار الملك، ~~ووضع عن الناس خراج تلك السنه، وقسم في اهل الضعف والمسكنه شطر ما غنم، ~~وقسم الشطر الآخر بين جنده الذين كانوا معه، فعم السرور اهل مملكته، فلهوا ~~جذلا وابتهاجا، فبلغ اجر اللعاب [4] في اليوم عشرين درهما، وصار اكليل ~~الريحان بدرهم. PageV01P057 # فلما اتى له في الملك ثلاث وعشرون سنه خرج متصيدا، فوقعت له عانه [1] من ~~الوحش، فدفع فرسه في طلبها، فذهبت به فرسه في جرف مفض الى غمر من الماء، ~~فارتطم فيه، فغرق. # وبلغ ذلك أمه، فجاءت الى ذلك المكان، وامرت بطلبه في ذلك الهور [2] ~~فاستخرجوا تلالا من الحصى والرمل، فلم يدركوه، ويقال ان ذلك المكان بموضع ~~من الماء يسمى داى مرج، سمى بامه، لان الام بلسان الفرس تسمى داى، وهو مرج ~~معروف، وهذا الحديث مشهور في الموضع، هو كما وصفوا في الحديث هناك، كواء ~~تنفتح في الارض الى ماء لا يدرك له غور، وذلك بقرب آجام وماء راكد. ### | يزدجرد بن بهرام # فلما هلك بهرام ملكوا ابنه يزدجرد بن بهرام، فسار بسيره ابيه سبع عشره ~~سنه، وحضره الموت وله ابنان: فيروز و ### | هرمز # د، وكان فيروز اكبر سنا. ### | النزاع بين الأخوين # فاستاثر هرمزد بالملك دون أخيه فيروز، فهرب فيروز منه حتى لحق ببلاد ~~الهياطلة [3] وهي ms041 تخارستان والصغانيان [4] وكابلستان [5] والأرضون التي خلف ~~PageV01P058 # النهر الأعظم بما يلى ارض بلخ، فدخل على ملك تلك الارض، فاخبره بظلم أخيه ~~اياه، واحتوائه على الملك دونه، وهو اصغر سنا منه، وساله ان يمده بجيش حتى ~~يسترجع الملك. فقال: لن اجيبك الى ما تسال حتى تحلف انك اكبر سنا منه، فحلف ~~فيروز، فامده بثلاثين الف رجل، على ان يجعل له حدا لترمذ [1] ، فسار فيروز ~~بالجيش، واتبعه جل اهل المملكة، ورأوا انه أحق بالملك من هرمزد لفظاظه ~~هرمزد وشرارته، فحاربه حتى استرجع الملك، وأقال أخاه عثرته، ولم يؤاخذه بما ~~كان منه. # فيروز بن يزدجرد # قالوا: وكان فيروز ملكا محدودا، وكل جل قوله وفعله فيما لا يجدي عليه ~~نفعه، وان الناس قحطوا في سلطانه سبع سنين متواليات، فغارت الانهار، وغاضت ~~المياه والعيون، وقحلت الارض، وجف الشجر، وموتت البهائم والطير، وهلكت ~~الانعام، وقل ماء دجلة والفرات وسائر الانهار. # فرفع فيروز الخراج عن الرعية، وكتب الى عماله ان يسوسوا الناس سياسه، ~~وتوعدهم انه ان هلك احد في ارض واحد منهم جوعا يقيد العامل والوالي به، ~~فساس الناس في تلك الازمنه سياسه لم يعطب فيها احد من الناس جوعا، ونادى في ~~الناس بالخروج الى فضاء من الارض، فخرج جميع الناس من الرجال والنساء ~~والصبيان، فاستسقى الله، فأغاثهم، فأرسل السماء، وعادت الارض الى حسن ~~الحال، وجرت الانهار، وجاشت العيون، ورجع الناس الى احسن عاده الله عندهم ~~في الرفاغه والرفاهة والخصب. # وبنى فيروز مدينه الري، وسماها رام فيروز، وابتنى باذربيجان مدينه ~~PageV01P059 # اردبيل، وسماها باذفيروز، ثم استعد وتاهب لغزو الترك، واخرج معه الموبذ ~~وسائر وزرائه، وحمل معه ابنته فيروزدخت، وحمل معه خزائن واموالا كثيره، ~~وخلف على ملكه رجلا من عظماء وزرائه، يسمى شوخر، وتدعى مرتبته قارن، وسار ~~حتى جاوز المناره التي كان بهرام بناها حدا بينه وبين الترك، واخربها، ووغل ~~في ارضهم. # وملك الاتراك يومئذ اخشوان خاقان، فأرسل ملك الترك الى فيروز يعلمه انه ~~قد تعدى، ويحذره عاقبه الظلم، فلم يحفل فيروز بذلك، فجعل خاقان يظهر كراهة ~~للحرب، ويدافع الى ms042 ان هيأ خندقا، عمقه في الارض عشرون ذراعا، وعرضه عشره ~~اذرع، وبعد ما بين طرفيه، ثم غماه باعواد ضعاف، والقى عليه قصبا، واخفاه ~~بالتراب، ثم خرج لمحاربه فيروز، فواقفه ساعه، ثم انهزم عنه. # وطلبه فيروز في جنوده، فسلك خاقان مسالك قد فهمها بين ظهري ذلك الخندق، ~~وعطف عليه اخشوان وطراخنته، فقتلوهم بالحجارة، واحتوى اخشوان على معسكر ~~فيروز وكل ما كان فيه من الأموال والحرم، وأخذ الموبذ أسيرا، وأخذ فيروزدخت ~~ابنه فيروز، ولحق الفل بشوخر، فاعلموه بمصاب فيروز وجنوده، فاستنهض شوخر ~~الناس للطلب بثار ملكهم، فخف له جميع الناس من الجنود واهل البلاد، فسار في ~~جموع كثيره حتى وغل في بلاد الترك، وهاب اخشوان ملك الترك الاقدام على شوخر ~~لكثرة جموعه وعدته، فأرسل اليه يسأله الموادعة على ان يرد عليه الموبذ ~~وفيروزدخت وكل اسير في يده، وجميع ما أخذ من اموال فيروز وخزائنه وآلاته، ~~فأجابه شوخر الى ذلك، وقبضه، وانصرف الى بلاده وارضه. # PageV01P060 # أبناء فيروز # فملك بعد فيروز ابنه بلاس بن فيروز، فملك اربع سنين، ثم مات، فجعل شوخر ~~الملك من بعده لأخيه قباذ بن فيروز. قالوا: وفي ملك قباذ بن فيروز مات ~~ربيعه بن نصر اللخمى، ورجع الملك الى حمير. # ذو نواس واليمن # فوليهم ذو نواس، واسمه زرعه بن زيد بن كعب كهف الظلم بن زيد بن سهل بن ~~عمرو بن قيس بن جشم بن وائل بن عبد شمس بن الغوث بن جدار بن قطن ابن عريب ~~بن الرائش بن حمير بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وانما سمى ذانواس ~~لذؤابه [1] كانت تنوس [2] على راسه. # قالوا: وكان لذى نواس بأرض اليمن نار يعبدها هو وقومه، وكان يخرج من تلك ~~النار عنق يمتد فيبلغ مقدار ثلاثة فراسخ، ثم ترجع الى مكانها، ثم ان من كان ~~باليمن من اليهود قالوا لذى نواس: ايها الملك، ان عبادتك هذه النار باطله، ~~وان أنت دنت بديننا اطفاناها باذن الله تعالى، لتعلم انك على غرر من دينك، ~~فأجابهم الى الدخول في دينهم ان هم ms043 اطفئوها، فلما خرجت تلك العنق أتوا ~~بالتوراة، ففتحوها، وجعلوا يقرءونها، والنار تتأخر حتى انتهوا الى البيت ~~الذى هي فيه، فما زالوا يتلون التوراة حتى انطفأت، فتهود ذو نواس، ودعا اهل ~~اليمن الى الدخول فيها، فمن ابى قتله. # ثم سار الى مدينه نجران [3] ليهود من فيها من النصارى، وكان بها قوم على ~~دين المسيح الذى لم يبدل، فدعاهم الى ترك دينهم والدخول في اليهودية، ~~فأبوا، فامر بملكهم، وكان اسمه عبد الله بن التامر، فضربت هامته بالسيف، ثم ~~ادخل PageV01P061 # في سور المدينة، فضم عليه، وخد للباقين اخاديد [1] ، فاحرقهم فيها، فهم ~~اصحاب الأخدود الذين ذكرهم الله عز اسمه في القرآن [2] . # الحبش واليمن # وافلت دوس ذو ثعلبان، فسار الى ملك الروم، فاعلمه ما صنع ذو نواس باهل ~~دينه من قتل الأساقفة، واحراق الانجيل، وهدمه البيع، فكتب الى النجاشى ملك ~~الحبشه، فبعث بارياط في جنود عظيمه، وركب البحر حتى خرج على ساحل عدن، وسار ~~اليه ذو نواس، فحاربه، فقتل ذو نواس، ودخل ارياط صنعاء، واسمها دمار، وانما ~~صنعاء كلمه حبشية، اى وثيق حصين، فبذلك سميت صنعاء. # فلما اطمان ارياط وقتل اليهود وضبط اليمن، درت عليه الأموال، فجعل يؤثر ~~بها من يحب، فغضب حاشيه الحبشه من ذلك، فاتوا أبا يكسوم أبرهة، وكان احد ~~قادتهم، فشكوا اليه الذى يصنع ارياط، وبايعوه. وانصرفت الحبشه فرقتين، ~~إحداهما مع ارياط، والاخرى مع أبرهة، واصطفوا للحرب، فدعاه أبرهة للبراز، ~~فبرز اليه، فدفع ارياط عليه حربته، فوقعت في وجه أبرهة، فشرمته، ولذلك سمى ~~الاشرم، وضرب أبرهة ارياط بالسيف على مفرق راسه، فقتله، وانحازت الحبشه ~~اليه، فملكهم، واقره النجاشى على سلطان اليمن، فمكث على ذلك اربعين عاما. # وبنى بصنعاء بيعه لم ير الناس مثلها، وآذن في جميع ارض اليمن ان تحجها، ~~فاستفظعت العرب ذلك، فدخل رجل من اهل تهامه ليلا، فاحدث فيها، فلما اصبح ~~القوم نظروا الى السواه السوآء في الكنيسه، فقال أبرهة: من تظنونه فعل هذا؟ ~~قالوا: لم يفعله الا بعض من غضب للبيت الذى بمكة، لما امرت بحج PageV01P062 # هذه البيعه، فغضب ms044 أبرهة عند ذلك غضبا شديدا، وتجهز للمسير الى مكة ليهدم ~~الكعبه، فأرسل الى النجاشى، فبعث اليه بفيل كالجبل الراسى، يقال له محمود، ~~فسار الى مكة، فكان من امره ما قد قصه الله في سوره الفيل. # الحبشان وهدم الكعبه # قالوا: ولما اهلك الله أبرهة خلفه في ملكه بأرض اليمن ابنه يكسوم بن ~~أبرهة، فكان شرا من ابيه واخبث سيره، فلبث على اليمن تسع عشره سنه ثم مات. ~~فملك من بعده اخوه مسروق، وكان شرا من أخيه، واخبث سيره. # سيف بن ذي يزن # فلما طال ذلك على اهل اليمن خرج سيف بن ذي يزن الحميرى من ولد ذي نواس ~~حتى اتى قيصر، وهو بأنطاكية [1] ، فشكى اليه ما هم فيه من السودان، وساله ~~ان ينصرهم وينفيهم عن ارضهم، ويكون ملك اليمن له، فقال قيصر: # أولئك هم على ديني، وأنتم عبده أوثان، فلم أكن لانصركم عليهم. # فلما يئس منه توجه الى كسرى، فقدم الحيرة على النعمان بن المنذر، فشكى ~~اليه امره، فقال له النعمان: ما كان سبب اخراج جدنا ربيعه بن نصر إيانا عن ~~ارض اليمن، واسكاننا بهذا المكان الا لهذا الشان فاقم، فان لي وفادة في كل ~~عام الى الملك كسرى بن قباذ، وقد حان ذلك، فإذا خرجت أخرجتك معى، واستأذنت ~~لك، وتشفعت لك اليه فيما قصدت له، ففعل واستاذن، وتشفع، فوجه كسرى بجيش ممن ~~كان في السجون، وامر PageV01P063 # عليهم رجلا منهم، يقال له وهرز بن الكامجار، وكان شيخا كبيرا، قد اناف ~~على المائه، وكان من فرسان العجم، وابطالها، ومن اهل البيوتات والشرف، وكان ~~اخاف السبيل، فحبسه كسرى. # فسار وهرز باصحابه الى الأبله [1] ، فركب منها البحر، ومعه سيف بن ذي ~~يزن، حتى خرجوا بساحل عدن، وبلغ الخبر مسروقا، فسار اليهم، فلما التقوا ~~وتواقفوا للحرب اسرع له وهرز بنشابه، فرماه، فلم يخطئ بين عينيه، وخرجت من ~~قفاه، وخر ميتا، وانفض جيشه، ودخل وهرز صنعاء، وضبط اليمن، وكتب الى كسرى ~~بالفتح، فكتب اليه كسرى، يأمره بقتل كل اسود باليمن، وبتمليك سيف عليها، ~~وبالاقبال اليه، ففعل ms045. وان بقايا من السودان قد كان سيف استبقاهم، وضمهم ~~الى نفسه، يجمزون [2] بين يديه إذا ركب، شدوا على سيف يوما، وهم بين يديه ~~في موكبه، فضربوه بحرابهم حتى قتلوه. # الفرس واليمن # فرد كسرى وهرز الى ارض اليمن، وامره الا يدع بها اسود ولا من ضربت فيه ~~السودان الا قتله، فأقام بها خمسه احوال، فلما ادركه الموت دعا بقوسه ~~ونشابه، ثم قال: أسندوني، ثم تناول قوسه، فرمى، وقال: انظروا حيث وقعت ~~نشابتى، فابنوا لي هناك ناووسا، واجعلوني فيه، فوقعت نشابته من وراء ~~الكنيسه، وسمى ذلك المكان الى اليوم مقبره وهرز، ثم وجه كسرى الى ارض اليمن ~~بادان، فلم يزل ملكا عليها الى ان قام الاسلام. # قالوا: وكان قباذ عند ما افضى اليه الملك حدث السن من أبناء خمس عشره ~~سنه، غير انه كان حسن المعرفة، ذكى الفؤاد، رحيب الذراع، بعيد الغور، فولى ~~شوخر امر المملكة، فاستخف الناس بقباذ، وتهاونوا به لاستيلاء شوخر ~~PageV01P064 # على الأمر دونه، فاغضى قباذ على ذلك خمس سنين من ملكه، ثم انف من ذلك، ~~فكتب الى سابور الرازى من ولد مهران الاكبر، وكان عامله على بابل وخطرنيه ~~[1] ، ان يقدم عليه فيمن معه من الجنود، فلما قدم افشى اليه ما في نفسه، ~~وامره بقتل شوخر، فغدا سابور على قباذ، فوجد شوخر عنده جالسا، فمشى نحو ~~قباذ مجاوزا لشوخر، فلم يابه له شوخر حتى اوهقه سابور، فوقع الوهق [2] في ~~عنقه، ثم اجتره حتى اخرجه من المجلس، فاثقله حديدا، واستودعه السجن، ثم امر ~~به قباذ، فقتل. # الديانه المزدكية # فلما مضى لملك قباذ عشر سنين أتاه رجل من اهل اصطخر، يقال له مزدك، فدعاه ~~الى دين المزدكية، فمال قباذ إليها، فغضبت الفرس من ذلك غضبا شديدا، وهموا ~~بقتل قباذ، فاعتذر اليهم، فلم يقبلوا عذره، وخلعوه من الملك، وحبسوه في ~~محبس، ووكلوا به، وملكوا عليهم جاماسف بن فيروز أخا قباذ. وان اخت قباذ ~~اندست لقباذ حتى اخرجته بحيله، فمكث أياما مستخفيا الى ان امن الطلب، ثم ~~خرج في خمس نفر من ثقاته، فيهم ms046 زرمهر بن شوخر نحو الهياطلة [3] ، يستنصر ~~ملكها، فاخذ طريق الاهواز، فانتهى الى ارمشير، ثم صار الى قريه في حد ~~الاهواز وأصبهان، فنزلها متنكرا، وكان نزوله عند دهقانها [4] ، فنظر قباذ ~~الى بنت لصاحب منزله، ذات جمال، فوقعت بقلبه، فقال لزرمهر بن شوخر: انى قد ~~هويت هذه الجاريه، ووقعت بقلبي، فانطلق الى أبيها، فاخطبها على، ففعل. ~~PageV01P065 # فأرسل قباذ الى الجاريه بخاتمه، وجعل ذلك مهرها، فهيئت وادخلت عليه، فخلا ~~بها قباذ، وسر بها سرورا شديدا لما الفاها ذات عقل وجمال وادب وهيئة، فأقام ~~عندها ثلاثا، ثم امرها بحفظ نفسها، وخرج سائرا حتى ورد على صاحب الهياطلة، ~~فشكا اليه صنيع رعيته به، وساله ان يمده بجيش ليسترجع ملكه، فأجابه الى ~~ذلك، وشرط عليه ان يسلم له حيز الصغانيان، ووجه معه ثلاثين الف رجل. # فاقبل بهم يريد أخاه، فاخذ على طريقه الذى شخص فيه بديئا حتى نزل القرية ~~التي تزوج فيها بتلك المرأة، فنزل على أبيها، وساله عنها، فاخبره انها ولدت ~~غلاما، فامر بإدخالها عليه مع ابنها، فدخلت ومعها الغلام، فابتهج به، ورآه ~~كاجمل ما يكون من الغلمان، فسماه كسرى، وهو كسرى انوشروان الذى تولى الملك ~~من بعده، فقال لزرمهر: اخرج، فسل لي عن هذا الرجل ابى الجاريه هل له قديم ~~شرف؟، فسال عنه، فاخبر انهم من ولد فريدون الملك، ففرح بذلك قباذ، وامر ~~بالجارية وابنها، فحملا معه. # ولما انتهى الى مدينه طيسفون تلاومت العجم فيما بينها، وقالوا: ان قباذ ~~تنصل إلينا من شان مزدك، ورجع عما كنا اتهمناه، فلم نقبل ذلك منه، وظلمناه ~~حقه، وأسأنا اليه، فخرجوا اليه جميعا، وفيهم جاماسف اخوه الذى ملكوه، ~~فاعتذروا اليه، فقبل ذلك منهم، وصفح عن أخيه جاماسف، وعنهم، واقبل فدخل قصر ~~المملكة، ووصل الجيش الذى اقبل بهم، واجازهم، واحسن اليهم، وردهم الى ~~ملكهم، وامر بالجارية، فانزلت في افضل مساكنه. # ثم ان قباذ تجهز وسار في جنوده، غازيا بلاد الروم، فافتتح مدينه آمد ~~وميافارقين، وسبى أهلها، وامر فبنيت لهم مدينه فيما بين فارس والاهواز، ~~فأسكنهم فيها، وسماها ايرقباذ، وهي ms047 استان الأعلى، وجعل لها اربعه طساسيج: # طسوج [1] الأنبار، وكان منها هيت وعانات [2] ، فضمها يزيد بن معاويه حين ~~ملك PageV01P066 # الى الجزيرة، وطسوج بادوريا، وطسوج مسكن، وكور كوره بهقباذ الأوسط، ~~وبهقباذ الأسفل، وضم إليها ثمانية طساسيج، لكل كوره اربعه طساسيج، وهي ~~الاستانات [1] ، وشق كوره [2] أصبهان كورتين، شق جى، وشق التيمره [3] . # وكان لقباذ عده من الأولاد، لم يكن فيهم آثر عنده من كسرى، لاجتماع الشرف ~~فيه، غير انه كان به ظنه، اى سيئ الظن، فلم يكن قباذ يحمده عليها، فقال له ~~ذات يوم: يا بنى قد كملت فيك الخصال التي هي جماع امور الملك، غير ان بك ~~ظنه، وان الظنه في غير موضعها داعيه الأوزار، ومحبطة للأعمال فاعتذر كسرى ~~الى ابيه مما وقع في قلبه من ذلك، واستصلح نفسه عنده. # كسرى انوشروان # فلما اتى للملك قباذ ثلاث واربعون سنه حضره الموت، ففوض الأمر الى ابنه، ~~وهو انوشروان [4] ، فملك بعد ابيه، وامر بطلب مزدك بن مازيار الذى زين ~~للناس ركوب المحارم، فحرض بذلك السفل على ارتكاب السيئات، وسهل للغصبه ~~الغصب، وللظلمه الظلم، فطلب حتى وجد، فامر بقتله وصلبه، وقتل من كان في ~~ملته. # ثم قسم كسرى انوشروان المملكة اربعه ارباع، وولى كل ربع رجلا من ثقاته، ~~فاحد الارباع: خراسان، وسجستان، وكرمان، والثانى: أصبهان، وقم، والجبل، ~~واذربيجان، وأرمينية، والثالث: فارس، والاهواز الى البحرين، والرابع: ~~العراق الى حد مملكه الروم. وبلغ كل رجل من هؤلاء الأربعة غاية الشرف ~~والكرامه. PageV01P067 # ووجه الجيوش الى بلاد الهياطلة، وافتتح تخارستان وزابلستان [1] ، ~~وكابلستان والصغانيان. # وان ملك الترك سنجبو خاقان جمع اليه اهل المملكة، واستعد، وسار نحو ارض ~~خراسان حتى غلبا على الشاش [2] ، وفرغانه، وسمرقند، وكش [3] ونسف [4] ، ~~وانتهى الى بخارى. # وبلغ ذلك كسرى، فعقد لابنه هرمز، الذى ملك من بعده، على جيش كثيف، ووجهه ~~لمحاربه خاقان التركى، فسار حتى إذا قرب منه خلى ما كان غلب عليه، ولحق ~~ببلاده، فكتب كسرى الى ابنه هرمز بالانصراف. ### | دولتا الفرس والروم في عهد كسرى # قالوا: وان خالد بن جبله الغساني غزا النعمان بن المنذر، وهو ms048 المنذر ~~الأخير، وكانا منذرين، ونعمانين، فالمنذر الاول هو الذى قام بأمر بهرام ~~جور، والمنذر الثانى الذى كان في زمان ### | كسرى انوشروان # ، وكانوا عمال كسرى على تخوم ارض العرب، فقتل من اصحاب المنذر مقتله ~~عظيمه، واستاق ابل المنذر وخيله، فكتب المنذر الى كسرى انوشروان يخبره بما ~~ارتكب منه خالد بن جبله. # فكتب كسرى الى قيصر: ان يأمر خالدا باقاده المنذر ومن [5] قتل من اصحابه، ~~ورد ما أخذ من أمواله، فلم يحفل قيصر بكتابه، فتجهز كسرى لمحاربته، فسار ~~حتى اوغل في بلاد الجزيرة، وكانت إذ ذاك في يد الروم، فاحتوى على مدينه ~~PageV01P068 # دارا [1] ومدينه الرها [2] ومدينه قنسرين [3] ومدينه منبج [4] ومدينه حلب ~~حتى انتهى الى أنطاكية، فأخذها، وكانت اعظم مدينه في الشام والجزيرة، وسبى ~~اهل أنطاكية، وحملهم الى العراق، وامر، فبنيت لهم مدينه الى جانب طيسفون، ~~على بناء مدينه أنطاكية، بازقتها، وشوارعها، ودورها، لا يغادر منها شيئا، ~~وسماها زبر خسرو وهي المدينة التي الى جانب المدائن، تسمى الرومية، ثم ~~سرحوا فيها، فانطلق كل انسان منها الى مثل داره بمدينه أنطاكية، وولى ~~القيام بامرهم رجلا من نصارى الاهواز، يقال له يزدفنا. # وان قيصر كتب الى كسرى يسأله الصلح، ورد ما احتوى عليه من هذه المدن، على ~~ان يؤدى اليه ضريبه موظفه عليه في كل عام وكره كسرى البغى، فأجابه الى ما ~~بذل، ووكل بقبضه وتوجيهه اليه في كل عام شروين الدستباى، فأقام مع ملك ~~الروم هناك ومعه خزين مملوكه المشهور الخبر، وكان نجدا فارسا بطلا. # ولما قفل كسرى منصرفا من ارض الشام اصابه مرض شديد، فمال الى مدينه حمص، ~~فأقام بها في جنوده الى ان تماثل، فكان قيصر يحمل اليه كفاية عسكره الى ان ~~شخص. # قالوا: وكان لكسرى انوشروان ابن يسمى انوش زاذ، كانت أمه نصرانية، ذات ~~جمال، وكان كسرى معجبا بها، وأرادها على ترك النصرانية والدخول PageV01P069 # في المجوسية، فابت، فورث ذلك منها ابنها انوش زاذ، وخالف أباه في ~~الديانه، فغضب عليه، وامر بحبسه في مدينه جنديسابور. # فلما غزا كسرى بلاد الشام بلغ انوش ms049 زاذ مرضه ومقامه بحمص، استغوى اهل ~~الحبس، وبث رسله في نصارى جنديسابور، وسائر كور الاهواز، وكسر السجن، وخرج، ~~واجتمع اليه أولئك النصارى، فطرد عمال ابيه من كور الاهواز، واحتوى على ~~الأموال، واشاع بموت ابيه، وتهيأ للمسير نحو العراق. وكتب خليفته بمدينه ~~طيسفون يعلمه خبر ابنه، وما خرج اليه، فكتب اليه كسرى: وجه اليه الجنود، ~~واكمش في حربه، واحتل لأخذه، فان يأت القضاء عليه، فيقتل، فأهون دم، واضيع ~~نفس، واللبيب يعلم ان الدنيا لا يخلص صفوها، ولا يدوم عفوها، ولو كان شيء ~~يسلم من شائبه اذن لكان الغيث الذى يحيى الارض الميته، ولكان النهار الذى ~~ياتى الناس رقودا فيبعهم، وعميا فيضيء لهم، فكم مع ذلك من متأذ بالغيث ~~ومتداع عليه من البنيان، وكم في سيوله وبروقه من هالك، وكم في هواجر النهار ~~من ضرر وفساد، فاستاصل الثؤلول [1] الذى نجم بحدك، ولا يهولنك كثره القوم، ~~فليست لهم شوكه تبقى، وكيف تبقى النصارى وفي دينهم: ان الرجل منهم ان لطم ~~خده الأيسر امكن من الأيمن؟!، فان استسلم انوش زاذ واصحابه فرد من كان منهم ~~في المحابس الى محابسهم، ولا تزدهم على ما كانوا فيه من ضيق ونقص المطعم ~~والملبس، ومن كان منهم من الأساورة [2] فاضرب عنقه، ولا يكن منك عليهم ~~رافه، ومن كان منهم من سفل الناس واوغادهم، فخل سبيلهم، ولا تعرض لهم، وقد ~~فهمت ما ذكرت مما كان منك في نكال القوم الذين أظهروا شتم انوش زاذ، وذكروا ~~أمه، فاعلم ان أولئك ذوو احقاد كامنه وعداوة باطنه، فجعلوا شتم PageV01P070 # انوش زاذ ذريعه لشتمنا، ومرقاه الى ذكرنا، وقد وفقت في تأديبك إياهم، فلا ~~ترخص لأحد في مثل مقالتهم، والسلام. # ثم ان كسرى عوفى من مرضه، فانصرف في جنوده الى دار ملكه، وقد أخذ ابنه ~~انوش زاذ أسيرا، وانتهى فيه الى ما امر به. ### | الخراج في عهد كسرى # قالوا: وكانت ملوك الأعاجم يضعون على غلات الارضين شيئا معروفا من ~~المقاسمات: النصف، والثلث، والربع، والخمس الى العشر، على قدر قرب الضياع ~~من المدن، وعلى حسب ms050 الزكاء والريع، فهم قباذ باسقاط ذلك، ووضع الخراج، فمات ~~قبل ان يستتم المساحة، فامر كسرى انوشروان باستتمامها. # فلما فرغ منها امر الكتاب ففصلوها، ووضعوا عليها الوضائع، ووظف الجزية ~~على اربع طبقات، وأسقطها عن اهل البيوتات والمرازبه [1] والأساورة [2] ~~والكتاب، ومن كان في خدمه الملك، ولم يلزم أحدا لم يأت له عشرون سنه، او ~~جاز الخمسين. وكتب تلك الوضائع في ثلاث نسخ، نسخه خلدها ديوانه، ونسخه بعث ~~بها الى ديوان الخراج، ونسخه دفعت الى القضاء في الكور، ليمنعوا العمال من ~~اعتداء ما في الدستور الذى عندهم، وامر ان يجبى الخراج في ثلاثة انجم [3] ، ~~وسمى الدار التي يجبى فيها ذلك سراى شمره، وتفسيره دار الثلاثة الانجم، وهي ~~التي تعرف بالشمرج اليوم، وقد قيل في تفسير ذلك غير هذا، اى انما هي دار ~~الحساب، والحساب شمره، وهذا كلام معروف في لغة فارس الى اليوم، يسمون ~~الخراج الشمره بالشين على معنى الحساب، ورفع خراج الرءوس عن الفقراء ~~والزمنى، وكذلك خراج الغلات، ورفعه عما نالته PageV01P071 # الآفة على قدر ما أصاب منها، ووكل بكل ذلك قوما ثقاتا، ذوى عدالة، ~~ينفذونه، ويحملون الناس منه على النصفه. # ولم يكن في ملوك العجم ملك كان اجمع لفنون الأدب والحكم، ولا اطلب للعلم ~~منه، وكان يقرب اهل الآداب والحكمه، ويعرف لهم فضلهم، وكان اكبر علماء عصره ~~بزرجمهر بن البختكان، وكان من حكماء العجم وعقلائهم، وكان كسرى يفضله على ~~وزرائه وعلماء دهره. # وكان كسرى ولى رجلا من الكتاب نبيها معروفا بالعقل والكفاية، يقال له ~~بابك بن النهروان، ديوان الجند، فقال لكسرى: ايها الملك، انك قد قلدتني ~~امرا، من صلاحه ان تحتمل لي بعض الغلظه في الأمور: عرض الجنود في كل اربعه ~~اشهر، وأخذ كل طبقه بكمال آلاتها، ومحاسبه المؤدبين على ما يأخذون على ~~تاديب الرجال بالفروسيه والرمى، والنظر في مبالغتهم في ذلك وتقصيرهم، فان ~~ذلك ذريعه الى اجراء السياسة مجاريها. # فقال كسرى: ما المجاب بما قال باحظى من المجيب، لاشتراكهما في فضله، ~~وانفراد المجيب بعد بالراحة، فحقق مقالتك، وامر، فبنيت له في ms051 موضع العرض ~~مصطبه [1] ، وبسط له عليها الفرش الفاخره، ثم جلس، ونادى مناديه: لا يبقين ~~احد من المقاتله الا حضر العرض، فاجتمعوا، ولم ير كسرى فيهم، فأمرهم، ~~فانصرفوا. وفعل ذلك في اليوم الثانى، ولم ير كسرى فانصرفوا، فنادى في اليوم ~~الثالث: ايها الناس، لا يتخلفن من المقاتله احد، ولا من اكرم بالتاج ~~والسرير، فانه عرض لا رخصه فيه ولا محاباه. # وبلغ كسرى ذلك، فتسلح سلاحه، ثم ركب فاعترض على بابك، وكان PageV01P072 # الذى يؤخذ به الفارس تجفافا [1] ، ودرعا وجوشنا [2] ، وبيضه، ومغفرا [3] ~~وساعدين، وساقين، ورمحا، وترسا، وجرزا [4] ، يلزمه منطقته، وطبرزينا ~~وعمودا، وجعبة فيها قوسان بوتريهما، وثلاثين نشابه، ووترين ملفوفين، ~~يعلقهما الفارس في مغفره ظهريا، فاعترض كسرى على بابك بسلاح تام، خلا ~~الوترين اللذين يستظهر بهما، فلم يجز بابك على اسمه، فذكر كسرى الوترين، ~~فعلقهما في مغفره، واعترض على بابك فأجاز على اسمه، وقال: لسيد الكماة ~~اربعه آلاف درهم ودرهم. وكان اكثر من له من الرزق، اربعه آلاف درهم، ففضل ~~كسرى بدرهم، فلما قام بابك من مجلسه دخل على كسرى، فقال: ايها الملك، لا ~~تلمني على ما كان من اغلاظى، فما اردت به الا الدربه للمعدله والإنصاف، ~~وحسم المحاباه. # قال كسرى: ما غلظ علينا احد فيما يريد به اقامه أودنا او صلاح ملكنا الا ~~احتملنا له غلظته كاحتمال الرجل شرب الدواء الكريه لما يرجو من منفعته. # قالوا: وكانت كسكر كوره صغيره، فزاد كسرى انوشروان فيها من كوره بهرسير ~~وكوره هرمزدخره، وكوره ميسان، فوسعها بذلك، وجعلها طسوجين [5] ، طسوج ~~جنديسابور، وطسوج الزندورد، وكور بجوخى كوره خسروماه، وجعل لها سته طساسيج، ~~طسوج طيسفون، وهي المدائن، وطيسفون قريه على دجلة اسفل من قباب حميد بثلاثة ~~فراسخ، يقال لها بالنبطية طيسفونج، وطسوج جازر، وطسوج كلواذى، وطسوج نهر ~~بوق، وطسوج جلولاء، وطسوج نهر الملك. PageV01P073 ### | تاريخ العجم والتاريخ النبوي # وولد رسول الله ص في آخر ملك انوشروان، فأقام بمكة الى ان بعث بعد اربعين ~~سنه، منها سبع سنين بقيت من ملك انوشروان، وتسع عشره سنه ملكها هرمز بن ~~كسرى انوشروان، وبعث ms052 وقد مضى من ملك كسرى ابرويز ست عشره سنه، فأقام بمكة ~~في نبوته صلى الله عليه وسلم وعلى عترته [1] ثلاث عشره سنه، وهاجر الى ~~المدينة، وقد مضى من ملك ابرويز تسع وعشرون سنه، فأقام بالمدينة عشر سنين، ~~وتوفى ص تسليما بعد موت كسرى ابرويز، فكان عمره ص ثلاثا وستين سنه. # وزعموا ان بنات آوى ظهرت بالعراق في آخر ملك انوشروان، وكانت سقطت إليها ~~من بلاد الاتراك، واستفظع الناس ذلك، وتعجبوا منه، وبلغ ذلك كسرى فقال ~~للموبذ [2] : قد كثر تعجبي من هذه السباع التي غزت أرضنا فقال الموبذ: ~~بلغنى ايها الملك فيما يؤثر من اخبار الأولين، ان كل ارض يغلب جورها عدلها ~~تغزوها السباع. فلما سمع ذلك ارتاب بسيره عماله، فوجه ثلاثة عشر رجلا من ~~امنائه الذين لا يكتمونه شيئا الى آفاق مملكته متنكرين، لا يعرفون، ~~فانصرفوا، فاخبروه عن سوء سيره عماله ما غمه، فأرسل الى تسعين رجلا منهم، ~~ذكروا بسوء السيرة، فضرب أعناقهم، فضبط عماله انفسهم، ولزموا عدل السيرة. ### | ملك هرمزد # وكان لكسرى انوشروان عده بنين، وكانوا جميعا اولاد سوقه وإماء الا ابنه ~~هرمزد بن كسرى الذى ملك بعده، فان أمه كانت ابنه خاقان الترك، وأم أمه ~~PageV01P074 # خاتون الملكه، فعزم أبوه على تمليكه من بعده، فوضع عليه عيونا، يأتونه ~~باخباره، فكان يأتيه عنه ما يحبه، فكتب له عهدا، واستودعه رئيس نساكهم في ~~دينهم، فلما تم لملكه ثمان واربعون سنه مات. # فلما مات انوشروان ملك ابنه هرمزد بن كسرى، فقال يوم ملك: الحلم عماد ~~الملك، والعقل عماد الدين، والرفق ملاك الأمر، والفطنة ملاك الفكره، ايها ~~الناس، ان الله خصنا بالملك، وعمكم بالعبودية، وكرم ملكتنا فاعتقكم بها، ~~وأعزنا، واعزكم بعزنا، وقلدنا الحكومة فيكم، والزمكم الانقياد لأمرنا، وقد ~~اصبحتم فرقتين: إحداهما اهل قوه، والاخرى اهل ضعه، فلا يستاكلن منكم قوى ~~ضعيفا، ولا يغشن ضعيف قويا، ولا تتوقن نفس احد من الغلبه الى ضيم احد من ~~اهل الضعة، فان في ذلك وهنا لملكنا، ولا يرومن اهل من اهل الضعة الأخذ ~~بماخذ الغلبه، فان في ms053 ذلك انتثار ما نحب نظامه وزوال ما نحاول قوامه، وفوت ~~ما نحاول دركه، واعلموا ايها الناس، ان من سوسنا العطف على الأقوياء من ~~الغلبه، ورفع مراتبهم، والرحمه على الضعفاء، والذب عنهم، وحسم الأقوياء عن ~~ظلمهم والتعدى عليهم، واعلموا ايها الناس ان حاجتكم إلينا في نفس حاجتنا ~~إليكم، وحاجتنا إليكم هي مسد لحاجتكم إلينا، وان الثقيل مما أنتم منزلوه ~~بنا من أموركم عندنا خفيف، والخفيف مما نحن مجشموكم ثقيل لعجزكم عما نحن ~~مضطلعون به، واضطلاعنا لما أنتم عنه عاجزون، وانما تحمدون حسن ملكتنا ~~إياكم، وفضل سيرتنا فيكم إذا حسمتم انفسكم عما نهيناكم عنه، ولزمتم ما ~~أمرناكم به. # ايها الناس، ميلوا بين الأمور المتشابهات، ولا تسموا النسك رياء، ولا ~~الرياء مراقبه، ولا الشراره شجاعة، ولا الظلم حزما، ولا رحمه الله نقمه، ~~ولا مخوف الفوت هوينا، ولا البر بالقربى ملقا، ولا العقوق موجده، ولا الشك ~~براء، ولا الإنصاف ضعفا، ولا الكرم معجزه، ولا التبرم عاده، ولا الأخذ # PageV01P075 # بالفضل ذلا، ولا الأدب عقلا، ولا العماية غفله، ولا الغدر ضرورة، ولا ~~النزاهة تضييعا، ولا التصنع عفافا، ولا الورع رهبه، ولا الحذر جبنا، ولا ~~الشره اجتهادا، ولا الجناية غنما، ولا القصد تقتيرا، ولا البخل اقتصادا، ~~ولا السرف توسعا، ولا السخاء سرفا، ولا الصلف بعد همه، ولا النبل صلفا، ولا ~~البذخ تجلدا، ولا الحرمان استحقاقا، ولا رفع الأنذال صنيعه، ولا المجون ~~ظرفا، ولا التخلف تثبتا، ولا التثبت بلاده، ولا النميمة وسيله، ولا السعاية ~~دركا، ولا اللين ضعفا، ولا الفحش انتصافا، ولا الهذر [1] بلاغه، ولا ~~البلاغة تفقيعا [2] ، ولا الميل في هوى الاشرار شكرا، ولا المداهنه مواتاه، ~~ولا الإعانة على الظلم حفاظا. ولا الزهو مروءة، ولا اللهو فكاهة، ولا الحيف ~~استقصاء، ولا الاستطالة عزا، ولا حسن الظن تفريطا، ولا ايطاء العشوة نصيحه، ~~ولا الغش كيسا، ولا الرياء تعطفا، ولا التوانى تؤده، ولا الحياء مهابه، ولا ~~السفه صرامه، ولا الدغل [3] استقامه، ولا البغى استعاذه، ولا الحسد شفاء، ~~ولا العجب كمالا، ولا الفتك حميه، ولا الحقد مكرمه، ولا الضيق احتياطا، ولا ms054 ~~التعسف انكماشا، ولا النزق تيقظا، ولا الأدب حرفه، ولا المعاتبه مفاسده، ~~ولا بعد القدر سموا، ولا مجاري التقادير اسباب الذنوب، ولا ما لا يكون ~~كائنا، ولا كائنا ما لا يكون. # اجتنبوا المرذولات من هذه الأمور المتشابهات، وثابروا على ما تحظون به ~~عندنا، فان وقوفكم عند امرنا منجاه لكم من سخطنا، وتنكبكم معصيتنا سلامه ~~لكم من عقابنا، فاما العدل الذى نحن عليه مقتصرون، وبه نصلح وتصلحون، فأنتم ~~فيه عندنا مستوون، ستعرفون ذلك إذا قمعنا اهل القوه عن اهل الضعف، وتولينا ~~بأنفسنا امر المضطهدين الملهوفين، واخضعنا اهل الضعة لأهل العلا بانزالنا ~~إياهم منازلهم، ورددنا من رام من اهل الضعة مرتبه لا يستوجبها الا ~~المستحقون منهم الحباء والشرف لنجده توجد عنده، او بلاء حسن يظهر منه. ~~PageV01P076 # واعلموا ايها الناس، انا فارقون بين سوطنا وسيفنا، ومستعملوهما بتثبت ~~وحسن رويه، فمن غمط نعمتنا وخالف امرنا، وحاول ما نهيناه عنه، فانا لا نكاد ~~نصلح رعايانا، ونضبط أمورنا الا بتنكيل من خالف امرنا، وتعدى سيرتنا، وسعى ~~في فساد سلطاننا، ولا يطمعن احد في رخصه منا، ولا يرجون هواده عندنا، فانا ~~غير مداهنين في حق الله الذى قلدنا، فوطنوا انفسكم على احدى خلتين: اما ~~استقامه بما تصلحون، واما مخافه على ما تتلفون، فان الصلاح حجتان معتدان ~~لكم عندنا من تدبير ملكنا، وضبطنا سلطاننا، فلا تستصغروا وعيدنا، وتهددنا، ~~ولا تحسبوا ان فعلنا يقصر عن قولنا، وانما أحببنا ان نعلمكم رأينا في ~~اجتناب الرخص والمحاباه، وحرصنا على الاعتذار قبل الإيقاع، والأخذ بقصد ~~السيرة والعدل في الرعية، واختيار طاعتكم التي بها تكون ألفتكم واستقامتكم، ~~فثقوا بما بدأنا به من وعد، وخافوا ما أظهرنا من وعيد، ونحن نسأل الله ان ~~يعصمكم من استدراج الشيطان وضلاله، وان يسددكم لما يقرب من طاعته، وبلوغ ~~مرضاته، والسلام عليكم. # فلما سمع الناس ذلك تباشر به الضعفاء واهل الضعة، وفت ذلك في اعضاد ~~العليه وساءهم، فتنكبوا ما كانوا فيه من الاستطالة على الضعفاء، والقهر ~~لأهل الضعة،. # وكان هرمزد ملكا متحريا لحسن السيرة، مثابرا على استصلاح الرعية، رحيما ms055 ~~بالضعفاء، شديدا على الأقوياء، وبلغ من عدله وتحريه الحق انه كان يسير في ~~كل عام الى ارض الماهين [1] فيصيف بها، وكان يأمر عند مسيره إليها مناديه، ~~فينادى في عسكره ان يتحاموا الاضرار بالدهاقين [2] ، ويوكل بتعهد ذلك ~~ومعاقبه من تعدى امره فيه رجلا من ثقاته. PageV01P077 # وكان ابنه كسرى الذى ملك من بعده، ويسمى ابرويز، معه في مسيره، فعار [1] ~~ذات يوم مركب من مراكبه، فوقع في زرع على طريقه، فرتع فيه، وافسد، فاخذ ~~صاحب الزرع ذلك المركب، فدفعه الى الموكل بذلك الأمر، فلم يمكنه معاقبه ~~كسرى، فرقى امره الى ابيه، فامر ان يجدع إذنا الفرس، ويحذف ذنبه، ويغرم ~~ابنه مقدار مائه ضعف مما افسد الفرس من ذلك الزرع. # فخرج الموكل بذلك من عند الملك لينفذ امر الملك، فوجه كسرى رهطا من ~~المرازبه والاشراف الى الموكل بذلك، ليسالوه التغييب عن ذلك ويدفع الف ضعف ~~مما افسد مركبه، لما في جدع اذن الفرس وتبتير ذنبه من الطيرة، فلم يجبهم ~~الموكل الى ذلك، وامر بالمركب فجدعت أذناه، وبتر ذنبه، وغرم كسرى ما أصاب ~~صاحب الزرع كنحو ما كان يغرم سائر الناس، فلم يكن للملك هرمزد بن كسرى همه ~~ولا نهمه الا استصلاح الضعفاء، وانصافهم من الأقوياء، فاستوى في ملكه القوى ~~والضعيف. # وكان هرمزد منصورا مظفرا لا يروم تناول شيء الا ناله، لم يهزم له جيش قط، ~~وكان اكثر دهره غائبا عن المدائن. اما بالسواد متشتيا، واما بالماه متصيفا. # فلما كانت سنه احدى عشره من ملكه حدق به الأعداء من كل وجه فاكتنفوه ~~اكتناف الوتر سيتى [2] القوس، اما من ناحيه الشرق فان شاهنشاه الترك اقبل ~~حتى صار الى هراة [3] ، وطرد عمال هرمزد، واما من قبل المغرب فان ملك الروم ~~اقبل حتى شارف نصيبين ليسترد آمد [4] وميافارقين [5] PageV01P078 # ودارا ونصيبين [1] ، واما من قبل أرمينية فان ملك الخزر اقبل حتى اوغل في ~~اذربيجان، فبث الغارات فيها. # فلما انتهى ذلك الى هرمزد بدا بقيصر، فرد عليه المدن التي كان أبوه ~~اغتصبه إياها، وساله الصلح والموادعة، فأجابه قيصر الى ذلك، فانصرف ms056، ثم كتب ~~الى عماله بإرمينية واذربيجان، فاجتمعوا وصمدوا صمد صاحب الخزر، حتى نفوه ~~عن ارضه. # فلما فرغ من ذلك كله صرف همه الى صاحب الترك، وكان أشد الأعداء عليه، ~~فكتب الى بهرام بن بهرام جشنش، عامله على ثغر آذربيجان وأرمينية، وهو ~~الملقب ببهرام شوبين، يأمره بالقدوم عليه، فما لبث ان قدم، فاذن له، فدخل ~~عليه، فرفع مجلسه، واظهر كرامته، وخلا به، واخبره بالأمر الذى اراده له، من ~~التوجه الى شاهنشاه الترك. # فسارع بهرام الى طاعته واتباع امره، فامر هرمزد ان يسلط بهرام على بيوت ~~الأموال والسلاح، وان يسلم اليه ديوان الجند، ليختار من أحب على عينه، ~~فاحضر بهرام الديوان، وجمع اليه المرازبه والاشراف، فانتخب اثنى عشر الف ~~رجل من الفرسان، ليس فيهم الا من اناف الأربعين. # وبلغ ذلك الملك، فقال له: لم لم تنتخب الا هذا المقدار، وانما تريد ان ~~تسير بهم الى ثلاثمائه الف رجل؟. فقال بهرام: الم تعلم ايها الملك ان قابوس ~~حين اسر فحبس في حصن ما سفرى انما سار اليه رستم في اثنى عشر ألفا، ~~فاستنقذه من أيدي مائتي الف، وان اسفندياد انما سار الى ارجاسف ليطلب منه ~~الوتر الذى كان له عنده في اثنى عشر ألفا، وان كيخسرو انما ارسل جودرز ~~ليطلب بدم ابيه سياوش في اثنى عشر ألفا، فظهر على ثلاثمائه ألف؟ فأي جيش لا ~~يفل باثنى عشر ألفا لا يفل بشيء ابدا. PageV01P079 # فلما فصل بهرام بالجنود من المدائن ودعه الملك، وقال له: إياك والبغى، ~~فان البغى مصرعه بصاحبه، وعليك بالوفاء، فان فيه نجاه لمحاوله، وإياك ان ~~تسير الا على تعبئة الحرب، فإذا نزلت فاحرس عسكرك بنفسك، وامنع جنودك من ~~العيث والفساد، وإياك ان تعزم حتى تروى، ولا تروى حتى تستشير اهل النصح ~~والأمانة، ثم انصرف الملك، ومضى بهرام، فاخذ على طريق الاهواز. # وبلغ ملك الترك قدوم الجيش لمحاربته، وقد كان الملك هرمزد وجه الى ملك ~~الترك رجلا من مرازبته يسمى هرمزد جرابزين، وكان من ادهى العجم، واشدهم ~~خلابة وكيدا، وامره ان يعلمه انه ms057 رسول الملك، ارسله لمصالحته، واعطائه ~~الرضى، فأتاه هرمزد جرابزين، فاستعمل فيها الخديعة، وكفه بها عن الفساد في ~~ارض خراسان، فلما علم هرمزد ان بهرام قد دنا من هراة خرج ليلا، فلحق ~~ببهرام. # ولما بلغ ملك الاتراك ورود الجيش قال لصاحب حرسه: انطلق فائتنى بهذا ~~الفارس الخداع، فطلبوه، فوجدوه قد هرب في جوف الليل. # وخرج خاقان من مدينه هراة للقاء بهرام، وعلى مقدمته اربعون ألفا. # فلما التقوا ارسل الى بهرام: ان انضم الى حتى املكك على ايران شهر، ~~واجعلك اخص الناس بي. # فأرسل اليه بهرام كيف تملكني على ايران شهر، وانما ملكها لأهل بيت فينا ~~لا يجوز ان يعدوهم الى غيرهم، ولكن هلم الى الحرب. # فغضب ملك الترك من ذلك، وامر، فضرب بوق الحرب، وتزاحف الفريقان، وملك ~~الترك على سرير من ذهب فوق رابيه، يشرف على الفريقين. # فلما استمرت الحرب قصد بهرام للتل في مائه فارس من ابطال جنوده، فانفض ~~عنه من حول ملك الترك، فلما راى الملك ذلك دعا بمركبه، واستبان لبهرام، # PageV01P080 # فرماه بنشابه نفذته، فخر صريعا، وانهزم الاتراك، وقد كان شاهنشاه خلف على ~~ملكه ابنه يلتكين فلما أتاه مقتل ابيه استجاش [1] الترك، واقبل في دهم داهم ~~من امم الاتراك، وانضم اليه الفل. # وبلغ بهرام الخبر، فأرسل في اقطار خراسان، فاجتمع اليه بشر كثير فسار ~~مستقبلا ليلتكين، فالتقوا على شاطئ النهر الأعظم مما يلى الترمذ، وهاب كل ~~واحد منهما صاحبه، وجرت بينهما السفراء في الصلح. # وارسل بهرام اليه انكم معاشر الخاقانيه قتلتم ملكنا فيروز، فاهدرنا دمه، ~~وقبلنا الصلح منكم، فكذلك، فافعلوا بنا. # فأجابه يلتكين الى الصلح على حكم هرمزد الملك، وأقاما بمكانهما. # فكتب بهرام الى هرمزد بذلك، فكتب اليه هرمزد: ان توجه الى يلتكين مكرما ~~في خاصه طراخنته [2] وعظماء جنوده. # فتوجه يلتكين الى العراق، فلما دنا من المدائن خرج هرمزد ملتقيا له، ~~وترجل كل واحد منهما لصاحبه، واظهر هرمزد اكرام يلتكين، وانزله معه في ~~قصره، وأخذ كل واحد منهما عهدا وكيدا على صاحبه بالمسألة ما بقيا، ثم اذن ~~له، فانصرف ms058 الى مملكته. # ولما وغل في خراسان استقبله بهرام في جنوده، وسار معه الى حد مملكته، ~~وانصرف بهرام حتى اتى مدينه بلخ، فنزلها، ووجه الى الملك هرمزد ما كان غنمه ~~من عسكر شاهنشاه، ووجه اليه بذلك السرير الذهب، فبلغ ما وجه اليه وقر [3] ~~ثلاثمائه بعير. # فلما وصلت الغنائم الى هرمزد، وعرضت عليه، وحوله وزراؤه وعظماء ~~PageV01P081 # مرازبته، قال يزدان جشنس رئيس وزرائه: ايها الملك، ما كان اعظم المائدة ~~التي منها هذه اللقمة، فوقعت هذه الكلمه في قلب هرمزد، وارتاب بامانه ~~بهرام، وظن ان الأمر كما قال يزدان جشنس، فانظر كم داهيه دهياء وحروب وبلاء ~~جرت هذه الكلمه. # ودخل هرمزد منها الغضب والغيظ على بهرام ما انساه حسن بلائه، فأرسل الى ~~بهرام بجامعه ومنطق امراه ومغزل، وكتب اليه انه قد صح عندي انك لم تبعث الى ~~من تلك الغنائم الا قليلا من كثير، والذنب لي في تشريفى إياك، وقد بعثت ~~إليك بجامعه، فضمها في عنقك، ومنطق امراه، فتنطق بها، ومغزل، فليكن في يدك، ~~فان الغدر والكفران من اخلاق النساء. # فلما وصل ذلك الى بهرام كظم غيظه، وعلم انه انما اتى من الوشاة، فوضع ~~الجامعه في عنقه، وصير المنطق في وسطه، وأخذ المغزل في يده، ثم اذن لعظماء ~~اصحابه، فدخلوا عليه، ثم اقراهم كتاب الملك اليه، فلما سمع اصحابه ذلك ~~يئسوا من خير الملك، وعملوا انه لم يشكر لهم حسن بلائهم، فقالوا: نقول كما ~~قال أولو خوارجنا لاردشير: ملك ولا يزدان. ونحن نقول: لا هرمزد ملك، ولا ~~يزدان جشنس وزير. # وكانت قصه اولى خوارجهم: ان أردشير بابكان كان صار اليه بعض الحواريين، ~~فاستجاب له، ودخل في دين المسيح ص، وكان في عصره، وشايعه على ذلك وزيره ~~يزدان، فغضب العجم لذلك، وهموا بخلع أردشير حتى اظهر لهم الرجوع عما هم به ~~من ذلك، فأقروه على الملك. # فقال اصحاب بهرام لبهرام: ان أنت تابعتنا على خلع هرمزد والخروج عليه، ~~والا خلعناك، وراسنا غيرك، فلما راى اجتماعهم على ذلك أجابهم على اسف وهم ~~وكراهية. # PageV01P082 # وخرج هرمزد جرابزين ms059 ويزدك الكاتب من معسكر بهرام ليلا حتى قدما المدائن، ~~وأخبرا هرمزد الخبر. # ثم ان بهرام سار في جنوده نحو العراق لمحاربه هرمزد الملك حتى ورد مدينه ~~الري فأقام، واتخذ سكه للدراهم بتمثال كسرى ابرويز ابن الملك، وصورته، ~~واسمه، وضرب عليه عشره آلاف درهم، وامر بالدراهم، فحملت سرا حتى القيت ~~بالمدائن، ففشت في أيدي الناس. # وبلغ ذلك الملك هرمزد، فلم يشك ان ابنه كسرى يحاول الملك، وانه الذى امر ~~بضرب تلك الدراهم، وذلك الذى اراد بهرام بما فعل، فهم الملك بقتل ابنه ~~كسرى، فهرب كسرى من المدائن ليلا نحو اذربيجان حتى أتاها، واقام بها، ودعا ~~الملك بندويه وبسطاما، وكانا خالي كسرى، فسألهما عن كسرى، فقالا لا علم لنا ~~به، فارتاب بهما، فامر بحبسهما. # ثم ان الملك جمع نصحاءه، فاستشار هم، فقالوا: ايها الملك، انك عجلت في ~~امر بهرام، وقد رأينا ان توجه الى بهرام بيزدان جشنس، فليس بهرام بقاتله، ~~إذا أتاه فاعتذر اليه، وباء بذنبه عنده، وتكون قد طيبت نفس بهرام، ورددته ~~الى الطاعة، وحقنت بذلك الدماء، فقبل الملك ذلك. # وبعث بيزدان جشنس الوزير، فلما تهيأ للمسير ارسل اليه ابن عم له كان ~~محبوسا في حبس الملك ببعض الجرائم، يسأله ان يستوهبه من الملك، ويخرجه معه، ~~فان عنده غناء ومعونه في الأمور، ففعل يزدان جشنس واخرجه معه. # فلما صار بمدينه همذان ارتاب بابن عمه ذلك، وكتب كتابا الى الملك يعلمه: ~~انه قد رده اليه، ليأمر بقتله، او يرده الى محبسه، فانه فاجر فتاك، وقال ~~له: انى قد كتبت الى الملك كتابا في بعض الأمور، فاغذ السير به حتى تدفعه ~~اليه، ولا تطلعن على ذلك أحدا. # PageV01P083 # فارتاب الرجل بذلك، فلما تغيب عن يزدان جشنس، وفك الكتاب، وقراه فإذا فيه ~~حتفه، فرجع الى يزدان جشنس، وهو مستخل، فضربه حتى قتله، وأخذ راسه، فانطلق ~~به الى بهرام، وهو بالري، فالقاه بين يديه، وقال: هذا راس عدوك يزدان جشنس ~~الذى وشى بك الى الملك، وافسد قلبه عليك، فقال له بهرام: يا فاسق، اقتلت ~~يزدان جشنس ms060 في شرفه وفضله، وقد كان خرج نحوى ليعتذر الى مما كان منه، ويصلح ~~بيني وبين الملك؟. ثم امر به، فضربت عنقه. # وبلغ من بباب الملك من العظماء والاشراف والمرازبه مقتل يزدان جشنس، وكان ~~عظيما فيهم، فمشى بعضهم الى بعض، وعزموا على خلع الملك، وتمليك ابنه كسرى، ~~وكان الذى زين لهم ذلك، وحملهم عليه بندويه وبسطام خالا كسرى. وكانا ~~محتبسين، فأرسلا الى العظماء، ان أريحوا انفسكم من ابن التركية، يعنيان ~~الملك هرمزد، وقد قتل خيارنا، واباد سراتنا، وذلك انه كان مولعا بالعلية من ~~اجل استطالتهم على اهل الضعف، فقتل منهم خلقا كثيرا، فاتفقوا على يوم ~~يجتمعون فيه لذلك، فاقبلوا جميعا حتى اخرجوا بندويه وبسطاما من الحبس، ~~وجميع من كان فيه. # توليه كسرى ابرويز # ثم أقبلوا الى الملك هرمزد فنكسوه عن سريره، وأخذوا تاجه ومنطقته وسيفه ~~وقباءه، فأرسلوا بها الى كسرى، وهو باذربيجان. # فلما انتهى ذلك اليه سار مقبلا حتى ورد المدائن، ودخل الإيوان، واجتمع ~~اليه العظماء، فقام فيهم خطيبا، فكان مما قال: المقادير ترى المرء ما لا ~~يخطر بباله، والأسباب تأتي على خلاف الهوى، والبغى مصرعه لأهله، والخائب من ~~اورطته رغبته، والحازم من قنع بما قضى له ولم تتق نفسه الى اكثر منه. ايها ~~الناس: ثابروا على ما يقربكم إلينا من طاعتنا ومناصحتنا، وإياكم # PageV01P084 # ومخالفه امرنا، والبغى علينا، فانا لكم بمنزله العرى والأركان. # فلما تفرق الناس عنه قام يمشى حتى دخل على ابيه، وهو في بيت من بيوت ~~القصر، فقبل يديه ورجليه، وقال: يا أبت، ما احببت هذا الأمر في حياتك، ولا ~~اردته، ولو لم اقبله لصرف منا، وازيل عنا الى غيرنا. # فقال له أبوه: صدقت وقد قبلت عذرك، فدونك الأمر، فقم به، وقد عرضت لي ~~إليك حاجه. # قال: يا أبت، وما عسى ان يعرض لك الى؟. # قال: تنظر الذين تولوا نكسى عن السرير، وأخذوا التاج عن راسى، واستخفوا ~~بي، وهم فلان وفلان، وسماهم، فعجل قتلهم، واطلب لأبيك بثاره منهم. # قال كسرى: هذا لا يمكن يومنا هذا حتى يقتل الله عدونا ms061 بهرام، ويستدف [1] ~~لنا الأمر، فتنظر عند ذلك كيف ابيرهم [2] وانتقم لك منهم. # فرضى أبوه بذلك منه، وخرج كسرى من عنده، فجلس مجلس الملك. # وبلغ بهرام ما جرى، وهو بالري، وما كان من الأمر، فغضب لهرمزد غضبا ~~شديدا، وأدركته له حميه ورقه، وذهب عنه الحقد، فسار في جنوده جادا مجدا ~~ليقتل كسرى ومن والاه على امره، ويرد هرمزد الى ملكه. # وبلغ كسرى فصوله من الري، وما يهم به، فكتم ذلك عن ابيه، وسار ملتقيا ~~لبهرام في جنوده، وقدم رجلا من ثقاته، وامره ان ياتى عسكر بهرام متنكرا، ~~فينظر سيرته، ويعرف له كنه امره. # فسار الرجل، فاستقبل بهرام بهمذان، فأقام في عسكره حتى عرف جميع امره، ثم ~~انصرف الى كسرى، فاخبره: ان بهرام إذا سار كان عن يمينه مردان سينه ~~الرويدشتى، وعن يساره يزدجشنس بن الحلبان، وان أحدا PageV01P085 # من جنوده لا يطمع نفسه في اغتصاب احد من الرعية مقدار حبه فما فوقها، ~~وانه إذا نزل المنزل دعا بكتاب كليله ودمنه، فلا يزال منكبا عليه طول ~~نهاره. # فقال كسرى لخاليه بندويه وبسطام: ما خفت بهرام قط كخوفى منه الساعة، حين ~~اخبرت بإدمانه النظر في كتاب كليله ودمنه، لان كتاب كليله ودمنه يفتح للمرء ~~رايا افضل من رايه، وحزما اكثر من حزمه، لما فيه من الآداب والفطن. # وان كسرى وبهرام توقفا بالنهروان، فعسكر كل منهما باصحابه في ناحيه، ~~وخندق على نفسه، ثم ان بهرام عقد جسرا، وعبر الى كسرى، فلما تواقف الجمعان ~~بدر بهرام حتى دنا من صفوف كسرى، ثم صاح باعلى صوته تبا لكم يا معشر العجم، ~~في خلعكم ملككم، ايها الناس: توبوا الى ربكم مما فعلتم، وانحازوا الى ~~بجماعتكم حتى نرد السلطان على ملككم قبل ان ينزل الله نقمته عليكم. # فلما سمع اصحاب كسرى ذلك قال بعضهم لبعض قد والله صدق بهرام، وان الأمر ~~لعلى ما قال، فهلموا بنا نتلاف امرنا، ونصلح ما كان منا بإجابة بهرام الى ~~ما راى. # وانحازوا جميعا، فانضموا الى بهرام، ولم يبق مع كسرى الا خالاه، بندويه ms062 ~~وبسطام، وهرمزد جرابزين، والنخارجان، وسابور بن ابركان، ويزدك كاتب الجند، ~~وباد بن فيروز، وشروين بن كامجار، وكردى بن بهرام جشنس أخو بهرام شوبين ~~لأبيه وأمه، وكان من ثقات كسرى واحبائه. # فقال [1] هؤلاء لكسرى: ايها الملك، ما تفعل؟ الا ترى الى جميع الناس قد ~~فارقوك، وانحازوا الى عدوك. فمضى نحو المدائن حتى إذا انتهى الى قنطره ~~جوذرز التفت وراءه، فإذا هو ببهرام وحده، قد ترك الناس خلفه حتى ~~PageV01P086 # دنا منه ومن اصحابه، فوقف له كسرى على طرف القنطرة، ووتر قوسه، وكان من ~~رماه الناس، فوضع فيها نشابه، وخاف ان يعمد برميته بهرام، فلا يعمل السهم ~~فيه لجوده درعه، فاراد ان يعمد وجهه، فلم يامن ان يتترس بدرقته [1] او يميل ~~وجهه عن سهمه، فرمى جبهه فرسه، فلم يخطئ وسط جبهته، واستدار الفرس من شده ~~الرميه، ثم سقط. # وبقي بهرام راجلا، فأمعن كسرى ركضا حتى دخل المدائن، واتى أباه، ولم ~~يعلمه ان بهرام انما يحاول رد الملك اليه غير انه قال له: ان اصحابى جميعا ~~مالوا اليه ثم قال ما الذى ترى؟ قال ارى لك ان تلحق بقيصر، فانه سينجدك، ~~وينصرك حتى يسترجع لك ملكك. # فقبل كسرى يدي ابيه ورجليه، وودعه، وسار نحو البحر في اصحابه، وكانوا ~~تسعه، هو عاشرهم، فقال بعضهم لبعض: ان بهرام يوافى المدائن اليوم او غدا، ~~فيملك هرمزد، فيكون ملكا كما لم يزل، ثم يكتب هرمزد الى قيصر، فيردنا اليه، ~~فيقتلنا جميعا، وليس كسرى بملك ما دام أبوه حيا. فقال بندويه وبسطام خالا ~~كسرى نحن نكفيكم ذلك. # فانصرفا على المقبض، ثم اقبلا حتى دخلا قصر المملكة، وولجا على هرمزد ~~البيت الذى كان فيه، وقد شغل الحشم بالبكاء والعويل، لهرب كسرى من عدوه، ~~فألقيا عمامة في عنقه، فخنقاه حتى مات. # ثم لحقا بكسرى، ولم يخبراه بذلك، وساروا بالركض الشديد يومهم، مخافه ~~الطلب، ومن الغد حتى شارفوا مدينه هيت [2] ، وانتهوا الى دير رهبان، ~~فنزلوه، فاتوهم بخبز شعير، فبلوه بالماء، واكلوه، وأتوهم بخل، فمزجوه بماء، ~~وشربوا منه، واتكأ كسرى على خاله بسطام ms063، فنام لشدة ما اصابه من التعب، ~~فبيناهم كذلك إذ ناداهم الراهب من صومعته: ايها النفر، قد أتتكم الخيل، وهم ~~بالبعد. PageV01P087 # وقد كان بهرام، حين وافى المدائن، فصادف هرمزد الملك قتيلا، ازداد غيظا ~~على كسرى وحنقا، فوجه بهرام بن سياوشان في الف فارس على الخيل العتاق. فلما ~~نظر كسرى واصحابه الى الخيل سقط في ايديهم، وايسوا من انفسهم، فقال بندويه ~~لكسرى: انا أخلصك بحيلتي، غير انى اغرر بنفسي. # قال له كسرى: يا خال، انك ان وقيتني بنفسك سلمت او قتلت، فكفاك بذلك ذكرا ~~باقيا وشرفا عاليا، فقد خاطر ارسناس بنفسه في امر منوشهر، واتى فراسياب ملك ~~الاتراك، وهو في وسط جنوده، فرماه بسهم فقتله، واراح زاب الملك منه، فأصاب ~~بثار منوشهر، فقتل، فبعد صيته في الناس، وعظم ذكره، وقد خاطر جوذرز بنفسه ~~بسبب سابور ذي الاكتاف حين قام بتدبير ملكه، وضبط سلطانه، فحسده الناس ~~لذلك، فلما ادرك سابور ملكه على جميع أموره، وفوض اليه سلطانه. # قال له بندويه قم، فالق عنك قباءك، ومنطقتك، وحل عنك سيفك، وضع تاجك، ~~واركب في سائر أصحابك، فتبطنوا هذا الوادى، فاغذوا فيه السير، ودعوني ~~والقوم. # ففعل كسرى ما امره، وتبطن الوادى، وسار في بقية اصحابه، وعمد بندويه الى ~~قباء كسرى فلبسه، وتنطق بمنطقته، ووضع التاج على راسه. ثم قال للرهبان ~~عليكم بالجبل، فألحقوا به الى ان ينصرف هذا الخيل، والا لم آمن ان يقتلوكم. ~~عن آخركم. فتركوا الصومعة جميعا، وخرجوا عن الدير. # وصعد بندويه، فصار على سطح الدير، وقد اغلق عليه الباب، وهو لابس بزه ~~كسرى، فقام على رجليه قائما، حتى علم ان القوم قد راوه جميعا، ثم نزل الى ~~الدير، فخلع بزه كسرى، ولبس بزه نفسه، ثم عاد الى سطح الدير، وقد حدقت به ~~الخيل، فقال يا قوم، من اميركم؟ فاتى بهرام بن سياوشيان وقال انا أميرهم، ~~ما تشاء يا بندويه؟ # PageV01P088 # قال: ان الملك يقرئك السلام، ويقول، انا انما نزلنا آنفا [1] ، وقد ~~كللنا، وتعبنا، وليس عليك منا فوت، فدعنا على حالنا في هذا الدير الى ms064 ~~العشاء، لنخرج إليك، وننطلق معك الى بهرام، فيحكم فينا بما يرى. # قال بهرام بن سياوشان ذلك له، وعزازه. # ثم نزل بندويه، والقوم محدقون بالدير، فلما امسوا عاد بندويه الى سطح ~~الدير، وقال لبهرام بن سياوشان: ان الملك يقول لك: هذا المساء، وليست لنا ~~اجنحه نطير بها، وقد حدقتم بالدير، فدعنا ليلتنا هذه لنستريح، وامتن علينا ~~بذلك، فإذا أصبحنا خرجنا إليك، ومضينا معك. # قال بهرام وذلك له، وحبا وكرامة. ثم امر اصحابه ان يكونوا فرقتين، فرقه ~~تنام، واخرى تحرس نوائب. # فلما اصبح بندويه فتح الباب وخرج الى القوم وقال: ان كسرى قد فارقنى لمنذ ~~أمس، هذا الوقت، ولو كنتم على نجائب كالريح ما لحقتموه، وانما كان ما سمعتم ~~منى مكيده وحيله. فلم يصدقوه، ودخلوا الدير، ففتشوه بيتا بيتا، فسقط في يد ~~بهرام بن سياوشان، ولم يدر ما يعتذر به الى بهرام شوبين. فحمل بندويه، ~~وانصرف حتى دخل على بهرام شوبين، واخبره بالحيلة التي احتالها بندويه، فدعا ~~به بهرام، وقال: لم ترض بما كان منك من قتل الملك هرمزد، حتى خلصت الفاسق ~~كسرى، فنجا مني؟ قال بندويه اما قتلى هرمزد فلست اعتذر منه، إذ طغى وبغى، ~~وقتل صناديد العجم، والقى بأسهم بينهم، وفرق كلمتهم، واما حيلتي في تخليص ~~ابن أختي كسرى فلا لوم على في ذلك، إذ كان ولدى. # قال بهرام: اما انه ليس يمنعني من تعجيل قتلك الا ما أرجو من ظفري ~~بالفاسق كسرى، فاقتله، واقتلك على اثره، ثم قال لبهرام بن سياوشان احبسه ~~عندك مقيدا الى ان ادعوك به. PageV01P089 # ثم ان بهرام جمع اليه وجوه المملكة، فقال: قد علمتم ما ارتكب كسرى من ~~الوزر العظيم بقتل ابيه، وقد مضى هاربا، فهل ترضون ان اقوم بتدبير هذا ~~الملك حتى يدرك شهريار بن هرمزد مدرك الرجال، فاسلمه اليه. فرضى بذلك فريق، ~~وأباه فريق. فممن ابى موسيل الأرمني، وكان من عظماء المرازبه، وقال لبهرام: ~~ايها الاسبهبد [1] ، ليس لك ان تقوم بشيء من ذلك، وكسرى صاحب الملك ووراثه ~~في الأحياء، فقال بهرام: من لم ms065 يرض فليرتحل عن المدائن، فانى ان صادفت بعد ~~ثالثه أحدا ممن لم يرض ثاويا بالمدائن ضربت عنقه. # فارتحل موسيل الأرمني فيمن كان على رايه، وكانوا زهاء عشرين الف رجل، ~~فساروا الى اذربيجان، فنزلوها ينتظرون قدوم كسرى من الروم، ولم يزل بندويه ~~محتبسا عند بهرام بن سياوشان، فكان بهرام بن سياوشان يحسن اليه في المطعم ~~والمشرب ليتخذ بذلك زلفه عنده، لما ظن ان كسرى سينصرف، ويرجع اليه الملك، ~~وكان إذا جن عليه الليل اخرجه من محبسه، فاجلسه معه على شرابه، فقال بندويه ~~ذات ليله لبهرام: يا بهرام، ان ما أنتم فيه سيضمحل، ويذهب لظلم بهرام شوبين ~~واعتدائه. فقال بهرام: والله لاعرف ما تقول، وانى لاهم بأمر. قال بندويه: ~~وما هو؟ قال: اقتل غدا بهرام شوبين، واريح الناس منه، ليرجع الملك الى ~~نظامه وعنصره قال بندويه: اما إذ كان رأيك، فاطلقنى من قيدي، ورد على دابتى ~~وسلاحي، ففعل. # ولما اصبح بهرام بن سياوشان تدرع تحت ثيابه درعا، واشتمل على السيف، ~~فابصرت ذلك امراته، وكانت بنت اخت بهرام شوبين، فاسترابت به، وبعثت الى ~~بهرام تعلمه ذلك. # وابتكر بهرام الى الميدان، فكان لا يمر به احد من اصحابه الا ضرب جنبه ~~بالصولجان، فلم يسمع حس [2] الدرع من احد منهم، حتى مر به بهرام ~~PageV01P090 # ابن سياوشان فضرب جنبه بالصولجان، فلما سمع حس الدرع استل سيفه وضربه حتى ~~قتله. # وتنادى الناس: قتل بهرام في الميدان، فظن بندويه ان بهرام شوبين المقتول، ~~فركب دابته، ومضى نحو الميدان، فلما علم ان المقتول صاحبه خرج متنكرا، يسير ~~الليل، ويكمن النهار، حتى اتى اذربيجان، فأقام مع موسيل واصحابه هناك. # ولما سار كسرى من الدير سار يوما وليله، وتلقاهم اعرابى، فوقفوا عليه، ~~فسأله كسرى، وكان يحسن بالعربية شيئا، من هو؟ فاخبر انه من طيئ، وان اسمه ~~اياس بن قبيصة، فقال له: اين الحى؟، فقال: قريب، قال: فهل من قرى، فقد بلغ ~~منا الجوع؟، قال: نعم، فعدلوا معه الى الحى، فنزلوا به، وسرحوا خيلهم ترتع، ~~وأقاموا عنده يومهم، فاحسن قراهم، وزودهم، وخرج ms066 بهم حين امسوا يدلهم ~~الطريق، حتى اخرجهم لثلاث بيالس [1] من شاطئ الفرات. ثم انصرف. # وسار كسرى حتى انتهى الى اليرموك، فخرج اليه خالد بن جبله الغساني، ~~فقراه، ووجه معه خيلا حتى بلغ قيصر، فدخل عليه، وابثه شانه، وما توجه له، ~~فوجده بحيث امل من نصره، ومعونته. # فقال له بطارقته: ايها الملك قد علمت ما لقى من كان قبلك من آبائك من ~~هؤلاء، منذ زمان الاسكندر، وكان آخر ما لقينا منهم اغتصاب جد هذا إيانا مدن ~~الشام التي لم تزل في أيدينا ارثا من آبائنا منذ الف عام، فردها عليك ابو ~~هذا حين اجلبت بخيلك ورجلك، فدع القوم يشتغل بعضهم ببعض، فان حرب العدو ~~بعضهم بعضا فتح عظيم. # فقال قيصر لعظيم الأساقفة: ما تقول أنت يا كبيرنا؟. # فقال: لا يحل لك خذلانه، إذ كان مبغيا عليه، والرأي ان تنصره، ليكون لك ~~سلما ما بقيت وبقي. PageV01P091 # قال قيصر: وهل يجوز للملوك ان يستجار بهم فلا يجيروا؟. # فاخذ على كسرى العهود والمواثيق بالمسالمه، وزوجه ابنته مريم، ثم عقد ~~لابنه ثيادوس في ابطال جنوده، وفيهم عشره رجال من الهزار مردين [1] ، ~~وقواهم بالأموال والعتاد، وامرهم بالمسير معه، وشيعهم ثلاثة ايام. # فسار كسرى بالجيش، فاخذ على أرمينية حتى إذا صار باذربيجان انضم اليه ~~خاله بندويه وموسيل الأرمني ومن معه من مرازبته ومرازبه فارس. # وبلغ خبره بهرام شوبين، فسار جادا بالجنود حتى وافاه باذربيجان، فعسكر ~~على فرسخ من معسكر كسرى. ثم تزاحفوا، ونصب لكسرى وثيادوس سرير من ذهب فوق ~~رابيه تشرف بهما على مجتلد القوم، ولما تواقفت الخيلان اقبل رجل من الهزار ~~مردين حتى دنا من كسرى، فقال: ارنى هذا الذى غلبك على ملكك. فدخلت كسرى ~~انفه من تعييره اياه بذلك، فكظمها، غير انه أراه بهرام شوبين، فقال: هو ~~صاحب الفرس الأبلق المعتجر [2] بالعمامة الحمراء، الواقف امام اصحابه. # فمضى الرومي نحو بهرام شوبين، فناداه: ان هلم الى المبارزه، فخرج اليه ~~بهرام، فاختلفا ضربتين، فلم يصنع سيف الرومي شيئا في بهرام، لجوده درعه، ~~وضربه بهرام على مفرق راسه ms067، وعليه البيضه، فقد البيضه، وافضى السيف الى صدر ~~الرومي، فقده حتى وقع نصفين، عن يمين وشمال. # وابصر ذلك كسرى، فاستغرب ضحكا، فغضب ثيادوس، وقال: ترى رجلا من اصحابى ~~يعد بألف رجل قد قتل فتضحك، كأنك مسرور بقتل الروم، فقال كسرى: ان ضحكى لم ~~يكن سرورا منى بقتله، غير انه عيرنى بما قد سمعت، فاحببت ان يعلم ان الذى ~~غلبني على ملكي، وهربت منه إليكم، هذه ضربته. PageV01P092 # وان القوم اقتتلوا يومين، فلما كان في اليوم الثالث دعا بهرام كسرى الى ~~المبارزه، فهم كسرى ان يفعل، فمنعه ثيادوس، وابى كسرى، فخرج الى بهرام، ~~فتطاردا ساعه. # ثم ان كسرى ولى منهزما، وعارضه بهرام فاقتطعه عن اصحابه، ومضى كسرى نحو ~~جبل، وبهرام في اثره يهتف به، وبيده السيف، وهو يقول: الى اين يا فاسق؟. ~~فجمع كسرى نفسه، فساعدته القوه على تسنم الجبل، فلما نظر بهرام الى كسرى قد ~~علا ذروه الجبل علم انه قد نصر عليه، فانصرف خاسئا، وهبط كسرى من جانب آخر ~~حتى اتى اصحابه، ثم ابتكر [1] الفريقان على مصافهم في اليوم الرابع، ~~فاقتتلوا، فكان الظفر لكسرى. # وانصرف بهرام في جنوده منهزما الى معسكره، فقال بندويه لكسرى: ايها ~~الملك، ان الجنود الذين مع بهرام لو قد امنوك على انفسهم انحازوا إليك، ~~فائذن لي ان أعطيهم الامان عنك، فاذن له. # فلما امسى بندويه اقبل حتى وقف على رابيه مشرفه على معسكر بهرام، ثم نادى ~~باعلى صوته: ايها الناس، انا بندويه بن سابور، وقد أمرني الملك كسرى ان ~~أعطيكم الامان، فمن انحاز إلينا منكم في هذه الليلة فهو آمن على نفسه واهله ~~وماله. ثم انصرف. # فلما اظلم الليل على اصحاب بهرام تحملوا حتى لحقوا بمعسكر كسرى الا مقدار ~~اربعه آلاف رجل، فإنهم أقاموا مع بهرام. # ولما اصبح بهرام نظر الى معسكره خاليا قال: الان حسن الفرار. # فارتحل في اصحابه الذين أقاموا معه، وفيهم مردان سينه ويزدجشنس، وكانا من ~~فرسان العجم. # فوجه كسرى في طلبه سابور بن ابركان في عشره آلاف فارس، فلحقه، ~~PageV01P093 # وعطف عليه بهرام ms068 في اصحابه، فاقتتلوا، فانهزم سابور، ومضى بهرام على ~~وجهه، فمر في طريقه بقرية، فنزلها، ونزل هو ومردان سينه ويزدجشنس بيت عجوز، ~~فاخرجوا طعاما لهم، فتعشوا وأطعموا فضلته العجوز، ثم اخرجوا شرابا، فقال ~~بهرام للعجوز: اما عندك شيء نشرب فيه؟، قالت: عندي قرعه صغيره، فاتتهم بها، ~~فجبوا راسها، وجعلوا يشربون فيها، ثم اخرجوا نقلا [1] ، وقالوا للعجوز: اما ~~عندك شيء يجعل عليه النقل؟ فاتتهم بمنسف [2] ، فألقوا فيه ذلك النقل، فامر ~~بهرام، فسقيت العجوز، ثم قال لها: ما عندك من الخبر أيتها العجوز؟، قالت: ~~الخبر عندنا ان كسرى اقبل بجيش من الروم، فحارب بهرام، فغلبه، واسترد منه ~~ملكه، قال بهرام: فما قولك في بهرام؟، قالت: جاهل، احمق، يدعى الملك، وليس ~~من اهل بيت المملكة. # قال بهرام: فمن اجل ذلك يشرب في القرع، ويتنقل من المنسف. # فجرى مثلا في العجم يتمثلون به. # وسار بهرام حتى انتهى الى ارض قومس [3] ، وبها قارن الجبلي النهاوندي ~~وكان والى خراسان على حربها وخراجها، وعلى قومس وجرجان، وكان شيخا كبيرا قد ~~اناف على المائه، وكان على تلك الناحية من قبل كسرى انوشروان. ثم اقره ~~هرمزد بن كسرى، فلما افضى الأمر الى بهرام عرف له قدره في العجم، وفضله، ~~فاقره مكانه. # فلما انتهى بهرام اليه وجه قارن ابنه في عشره آلاف فارس، فحالوا بين ~~بهرام وبين النفوذ، فأرسل اليه بهرام ما هذا جزائي منك، إذ اقررتك على ~~عملك؟ فأرسل اليه قارن: ان ما على من حق الملك كسرى وحق PageV01P094 # آبائه اعظم مما على من حقك، وكذلك عليك، لو عرفت، إذ شرفك، فكافاته، ان ~~خلعت طاعته، وسعرت مملكه العجم نارا وحربا، فكان قصاراك ان رجعت خائبا ~~حسيرا، وصرت احدوثه لجميع الأمم. # فأرسل اليه بهرام: ان العنز يساوى درهمين مرتين: إذا كان عناقا صغيرا، ~~وإذا هرم وسقطت اسنانه لم يساو أيضا الا درهمين، وكذلك أنت في هرمك ونقصان ~~عقلك. # فلما أتت قارن هذه الرسالة، غضب وخرج في ثلاثين الف فارس ورجل من جنوده، ~~وتهيأ الفريقان للحرب. فلما التقوا قتل ابن قارن، فانهزم ms069 اصحابه، حتى لحقوا ~~بمدينه قومس. ومضى بهرام على خوارزم، فعبر النهر، ووغل في بلاد الترك من ~~ذلك الوجه يؤم خاقان ليستجير به فيجيره، ويمنع عنه. # وبلغ خاقان قدوم بهرام عليه، فامر طراخنته، فاستقبلوه، واقبل حتى دخل على ~~خاقان، فحياه بتحية الملك، وقال: انى اتيتك ايها الملك مستجيرا بك من كسرى ~~واهل مملكته لتمنعنى واصحابى، فقال له خاقان: لك ولأصحابك عندي الحماية ~~والجوار والمواساه. # ثم ابتنى له مدينه، وبنى في وسطها قصرا، فانزله واصحابه فيها، ودون لهم، ~~وفرض الاعطيات، فكان بهرام يدخل على خاقان كل يوم، فيجلس منه مجلس اخوته، ~~وخاص اقاربه. # وكان لخاقان أخ يسمى بغاوير وكانت له نجده وفروسيه، فرآه بهرام يتذرع في ~~منطقته غير هائب من الملك، ولا موقرا لمجلسه، فقال ذات يوم لخاقان: ايها ~~الملك، انى ارى اخاك بغاوير يتذرع في الكلام، ولا يرعى لمجلسك ما يجب ان ~~يرعى لمجلس الملوك، وعهدنا بالملوك لا يتكلم اخوتهم وأولادهم عندهم الا بما ~~يسألون عنه. فقال خاقان: ان بغاوير قد اعطى نجده في الحروب وفروسيه، فهو ~~يدل بذلك، على انه يتربص بي الدوائر، ويضمر لي الحسد والعداوة. قال له ~~بهرام: افتحب ايها الملك ان اريحك منه. # PageV01P095 # قال: بماذا؟. قال: بقتله. قال: نعم، ان امكنك ذلك من وجه لا يكون على فيه ~~مسبه. قال بهرام: سآتي من ذلك ما لا يلزمك فيه عار ولا عيب. # فلما أصبحوا من غد اقبل بهرام، فجلس عند خاقان مجلسه الذى كان يجلس فيه، ~~فاقبل بغاوير، فجلس وجعل يتذرع في كلامه. # فقال له بهرام: يا أخي، لم لا توفى الملك حقه، وتظهر للناس هيبته ~~واجلاله. # فقال له بغاوير: وما أنت وذلك ايها الفارس الطريد الشريد؟! قال له بهرام: ~~كأنك تصول بفروسيه لست فيها باكثر منى. # قال له بغاوير: فهل لك الى مبارزتي، فاعرفك نفسك. # قال له بهرام: اما انا فلا أحب ذلك، فانى متى غلبتك لم اقتلك لمكانك من ~~الملك. # قال بغاوير: لكنى ان غلبتك قتلتك، فاخرج بنا الى الصحراء. # قال بهرام: على النصفه إذا قال ms070 الملك ذلك، وعلى ان لا قود على ان قتلتك، ~~ولا لائمه من الملك وطراخنته. # قال: نعم. # فقال خاقان: ما لك ولهذا الرجل المستجير بنا، العائذ بجوارنا؟ # قال بغاوير: ادعوه الى النصفه. # قال: واى نصفة؟ # قال: يقف لي واقف له على مائتي ذراع، فارميه، ويرميني، فأينا قتل صاحبه ~~لم يكن عليه لوم ولا عقل [1] . # قال له خاقان: اربع [2] على نفسك، لا أم لك. PageV01P096 # قال: والله ليفعلن او لافتكن به بين يديك. # قال: فدونك اذن. # فخرج بغاوير وبهرام في نفر من الطراخنه ينظرون، ووقف بغاوير من بهرام على ~~مائتي ذراع، فقال بهرام للطراخنه: لا تلوموني ان انا قتلته، فقد بغى على ~~كما ترون. # فقالوا: ليس عليك لوم. # فصاح بغاوير ببهرام، اتبدا أنت، أم ابدا انا؟ # فناداه بهرام: بل ابدا أنت، فارم، فأنت الباغى الظالم. # فوتر بغاوير قوسه، ووضع فيها نشابه، ثم نزع حتى اغرقها، ثم أرسلها، فصكت ~~بهرام اسفل من سرته في وسط منطقته، فنفذت المنطقه والدرع وسائر اللباس حتى ~~انتهت الى صفاق [1] بطنه الظاهر، واثرت فيه. # وبادر بهرام فنزعها، ووقف هنيهة لا يضرب بيده الى قوسه من شده ما اصابه ~~من الم الرميه، وظن بغاوير بان قد قتله، فركض نحوه، فصاح بهرام: ان ارجع ~~الى مكانك، فقف لي كما وقفت لك، فانصرف الى مكانه، فوقف، واخرج بهرام قوسه، ~~فوترها [2] ، وكان لا يوترها سواه، ثم وضع فيها نشابه، ونزع حتى اغرقها، ثم ~~أرسلها، فوقعت من بغاوير في مثل الموضع الذى وقعت نشابته من بهرام، في وسط ~~المنطقه والدرع وسائر اللباس، ومرقت من الجانب الآخر، لم يذهب شيء من ريشها ~~ولا عقبها، وسقط بغاوير ميتا. # وبلغ ذلك خاقان، فقال: لا يبعد الله غيره، قد نهيته عن البغى، فأبى، ثم ~~تقدم الى طراخنته واهل بيته، فقال: لا اعلمن أحدا منكم نوى لبهرام سوءا ولا ~~مكروها. PageV01P097 # فلما خلا بهرام بخاقان شكر له ما كان منه، وقال: لقد ارحتنى ممن كان ~~يتمنى موتى، ليستبد بالملك دون ولدى، ثم زاده إكراما ومنزله وبرا، وعظم قدر ~~بهرام بأرض ms071 الترك، واتخذ ميدانا على باب قصره، واتخذ الجوارى والقيان [1] ~~والجوارح [2] .، وكان من اكرم الناس على خاقان. # وان كسرى عند انهزام بهرام وهربه اكرم ثيادوس، ومن معه، فاحسن جوائزهم ~~وصلاتهم، وسرحهم الى بلادهم، وولى خاله بندويه دواوينه وبيوت أمواله، ونفذ ~~امره في جميع المملكة، وولى خاله بسطام ارض خراسان وقومس وجرجان وطبرستان، ~~ووجه عماله في الافاق، ووضع عن الناس نصف الخراج. # ولما بلغ كسرى عظيم قدر بهرام عند خاقان وجسيم منزلته ببلاد الترك خافه ~~ان يستجيش ويعود الى محاربته، فوجه هرمزد جرابزين الى خاقان وافدا في تجديد ~~العهد، ووجه معه بالطاف وطرف، وامره ان يتلطف بخاقان حتى يفسد قلبه على ~~بهرام. # فسار هرمزد جرابزين حتى دخل على خاقان، ومعه كتاب كسرى، واوصل اليه هدايا ~~كسرى والطافه، فقبلها خاقان، وامره بالمقام ليقضى حوائجه، فكان هرمزد يدخل ~~على خاقان مع وفود الملوك، فيحييه بتحية الملك. # ثم انه دخل ذات يوم، فرآه جالسا، فقال: ايها الملك، انى أراك قد استصفيت ~~بهرام واسنيت منزلته، ولم تفعل به من ذلك شيئا الا وما كان فعل به ملكنا ~~اكثر منه، فكان جزاؤه منه ان خلعه، واراد سفك دمه PageV01P098 # وخرج على ابنه كسرى حتى نفاه من مملكته، وما احسب قصارى امرك منه الا ~~الغدر ونكث العهد، فاحذره ايها الملك، لا يفسد عليك ملكك. # فلما سمع خاقان منه ذلك غضب غضبا شديدا، وقال: لولا انك وافد ورسول ~~لمنعتك من الدخول الى لما استبان لي من خرقك وعيبك بحضرتى أخي وصفى، فلا ~~تعودن لمثل هذا. # فقال هرمزد جرابزين: اما إذ كان ايها الملك هذا رأيك فيه، فاسالك ان تكتم ~~على، لا يبلغه ذلك، فيقتلني، فقال: هذا لك. # فخرج هرمزد آيسا منه، فاندس الى امراته خاتون ومن النساء السخافة وكفران ~~النعم فدخل عليها ذات يوم، فلم يصادف عندها أحدا يخافه، فقال لها: أيتها ~~الملكه، انكم قد اصطفيتم بهرام، ورفعتموه فوق قدره، وليس بمأمون ان يفسد ~~عليكم ملككم كما افسده على هرمزد ملكنا، ثم قص عليها ما كان منه، وقال: ~~أيتها الملكه ms072، اقد نسيت قتله عمك شاهان شاه واحتواءه على سريره وخزائنه؟ ~~فلم يزل يذكرها هذا، وأشباهه حتى اوقع في قلبها بغض بهرام والخوف منه على ~~زوجها وولدها. # قالت: ويحك، وما الذى يمكنني في امره، ومنزلته من الملك منزلته؟. # قال: الرأي ان تدسى اليه من يقتله، فتامنى على زوجك وولدك. # فأمرت غلاما لها قد عرفته بالفتك والاقدام، فقالت له: انطلق الساعة حتى ~~تدخل على بهرام وتتلطف لتقتله، ولا تأتني الا بعد الفراغ منه. # فانطلق الغلام حتى استاذن على بهرام، وفي حجزته خنجر، قد ستره، وكان ذلك ~~اليوم يوم ورهام روز. # قالوا: وقد كان المنجمون قالوا في مولده، ان منيته في ورهام روز [1] ، ~~PageV01P099 # فكان لا يخرج ذلك اليوم من منزله، ولا يأذن لأحد الا لثقاته وخاصته، فدخل ~~الاذن، فاعلمه ان رسول الملكه يطلب الاذن، فاذن له، فدخل، فحيا بهرام وقال: ~~ان الملكه قد وجهتني إليك برسالة، فأخلني. # فقام من عند بهرام، فخرجوا. ودنا التركى منه، كأنه يريد ان يساره، ثم ~~استل الخنجر فبعجه [1] به، وخرج، فركب دابته، ومضى. # ودخل اصحاب بهرام عليه، فصادفوه يستدمى، وبيده ثوب ينشف به الدم، فلما ~~راوه بتلك الحال بهتوا، وقالوا: كيف لم تهتف بنا، فنأخذه؟، فقال: انما كان ~~كلبا امر بشيء فنفذ له، وقال لهم: إذا جاء القدر لم يغن الحذر، وقد خلفت ~~عليكم أخي مردان سينه، فأطيعوا امره. # وارسل الى خاقان يعلمه امره، فاقبل خاقان نحوه والها [2] فواراه في ناووس ~~[3] ، وهم بقتل خاتون، فحجز عن ذلك لمكان ولده منها. # وان اصحاب بهرام تناظروا فيما بينهم، فقالوا: ما لنا عند هؤلاء خير، وما ~~الرأي الا الخروج عن ارضهم، فإنهم غدره بالعهد، كفره للإحسان، والانتقال ~~الى بلاد الديلم، فإنها اقرب الى بلادنا، وامكن للطلب بثارنا من ملوكنا ~~الذين شردونا، فسألوا خاقان الاذن لهم في الانصراف، فاذن لهم، واحسن اليهم، ~~وقواهم، وبذرقهم [4] الى حدود ارضه. # وكان مع بهرام اخته كرديه، وكانت من اجمل نساء العجم، وابرعهن براعه، ~~وأكملهن خلقا، وافرسهن فروسيه، فخرج اصحاب بهرام وكرديه امامهم على دابه ~~بهرام متسلحه ms073 بسلاحه، حتى انتهوا الى نهر جيحون مما يلى خوارزم، فعبروا ~~هناك، وانصرف عنهم الطراخنه، وأخذ اصحاب بهرام PageV01P100 # على شاطئ النهر، ثم انحطوا الى جرجان، وسلكوا طبرستان، ثم لزموا ساحل ~~البحر حتى انتهوا الى بلاد الديلم، فسألوهم السكنى معهم في بلادهم، ~~فاجابوهم اليه، وكتبوا بينهم كتابا: الا يتأذى احد بأحد، فأقاموا آمنين، ~~واتخذوا المعايش والقرى والمزارع، وايديهم مع أيدي الديلم في كل امر. # فلما قتل بهرام راى كسرى ان قد صفا له الملك، فلم يكن له همه الا الطلب ~~بثار ابيه هرمزد، وأحب ان يبدأ بخاليه بندويه وبسطام، ونسى ايادى بندويه ~~عنده، فمكث كسرى يكاشرهما [1] عشر سنين، وانه خرج في ايام الربيع كعادته، ~~يريد الجبل ليصيف فيه، فنزل حلوان [2] وبندويه معه، فامر ان يضرب له قبة ~~على الميدان، لينظر الى المرازبه إذا لعبوا الكره. # فجلس على تلك القبه، فراى شيرزاد بن البهبوذان يضرب بالكره ويجيد، فكان ~~كلما ضرب، فأجاد، قال له كسرى زه سوار [3] ، فاحصى الموكل ذلك مائه مره ~~قالها. # فكتب له الى بندويه بأربعمائة الف درهم، لكل مره اربعه آلاف درهم، فلما ~~وصل الصك الى بندويه قذفه من يده، وقال: ان بيوت الأموال لا تقوم لهذا ~~التبذير. # وبلغ كسرى قوله، فجعل ذلك ذريعه الى الوثوب به، فامر صاحب حرسه ان يأتيه، ~~فيقطع يديه ورجليه، فاقبل صاحب الحرس لينفذ فيه امر كسرى، فاستقبله بندويه ~~يريد الميدان، فامر به، فنكس عن دابته، وقطع يديه ورجليه، وتركه متشحطا في ~~دمه بمكانه. PageV01P101 # فجعل بندويه يشتم كسرى، ويشتم أباه، ويذكر غدر آل ساسان، ونكثهم، ويقال ~~كل ذلك لكسرى، فقال لمن حوله من وزرائه: يزعم بندويه ان آل ساسان غدره ~~نكثه، وينسى نفسه في غدره بالملك، أبينا، حين دخل عليه مع أخيه بسطام، ~~فألقيا العمامه في عنقه، ثم خنقاه بها ظلما وعدوا، ليتقربا بذلك الى، كأنه ~~ليس لي بوالد. # ثم ركب الى الميدان، فمر ببندويه، وهو ملقى على قارعه الطريق، فامر الناس ~~ان يرجموه بالحجارة، فرجموه حتى مات. وقال: هذه، حتى تأتي أختها. # يعنى ما اراد ms074 من الحاق بسطام بأخيه بندويه، ثم امر كاتب السر ان يكتب الى ~~بسطام ليخلف على عمله ثقه، ويقدم مستخفيا ليناظره في بعض الأمر، ففعل بسطام ~~ذلك، واقبل على البريد، فلما انتهى الى حد قومس استقبله مردان به قهرمان ~~أخيه بندويه، فلما نظر اليه من بعيد رفع صوته بالبكاء والعويل، فقال له ~~بسطام: ما وراءك؟ فاخبره بمقتل أخيه، فلم يجد مذهبا في الارض، فعدل الى من ~~بالديلم من اصحاب بهرام. # وبلغ مردان سينه رئيس اصحاب بهرام قدوم بسطام عليه، ففرح بذلك، وخرج ~~متلقيا له في جميع اصحابه، لشرف بسطام في العجم، وفضله، ثم أقبلوا به حتى ~~انزلوه منزلا بهيا، وركب اليه اشراف تلك البلاد، فأقام عندهم آمنا، ثم ان ~~مردان سينه ويزد جشنس والعظماء قالوا لبسطام: ما بال كسرى أحق بالملك منك، ~~وأنت ابن سابور بن خربنداد من صميم ولد بهمن بن اسفندياذ، وانكم لاخوه بنى ~~ساسان وشركاؤهم، فهلم نبايعك ونزوجك كرديه اخت بهرام، ومعنا سرير ذهب قد ~~كان حمله بهرام من المدائن، فاجلس عليه، وادع لنفسك، فان اهل بيتك من ولد ~~دار ابن بهمن سينحلبون إليك، وإذا قويت شوكتك، وكثر جندك، سرت الى الغادر ~~كسرى، فحاربته، وحاولت ملكه، فان نلت ما تريد فذاك الذى نحب وتحب، وان قتلت ~~قتلت وأنت تحاول ملكا، وان ذلك ابعد لصوتك، وانبه لذكرك. # PageV01P102 # فلما سمع بسطام ذلك الكلام اصغى اليه، وأجابهم الى ما عرضوا عليه، فزوجوه ~~كرديه، وأجلسوه على سرير الذهب، وعقدوا على راسه التاج، وبايعوه عن آخرهم، ~~ودعوه ملكا، وتابعه اشراف البلاد، وانحلب اليه جيلان والبير والطيلسان [1] ~~، وقوم كثير من اهل بيته من ناحيه العراق ممن كان يهواه ويهوى أخاه، حتى ~~صار في مائه الف رجل. # فخرج الى الدستبى [2] واقام بها، وبث السرايا في ارض الجبل، حتى بلغوا ~~حلوان والصيمرة [3] وماسبذان، وهرب عمال كسرى، وتحصن الدهاقين في الحصون ~~ورءوس الجبال. # وبلغ ذلك كسرى، فسقط في يده، وعلم انه لم يأخذ وجه الأمر في قتله بندويه، ~~فاخذ الأمر من قبل الخديعة، فكتب الى بسطام: انه ms075 قد بلغنى مصيرك الى الغدره ~~الفسقه، اصحاب الفاسق بهرام، وتزيينهم لك ما لا يليق بك، ثم حملوك على ~~الخروج على المملكة والعيث فيها والفساد من غير ان تعلم ما انوى لك، وما ~~انطوى عليه في بابك، فدع التمادي في الغى واقبل الى آمنا، ولا يوحشنك قتل ~~أخيك بندويه. # فأجابه بسطام: ان قد أتاني كتابك بما خبرت به من خديعتك، وسطرت من ~~مكيدتك، فمت بغيظك، وذق وبال امرك، واعلم انك لست بأحق بهذا الأمر منى، بل ~~انا أحق به منك، لانى ابن دارا مقارع الاسكندر، غير انكم يا بنى ساسان ~~غلبتمونا على حقنا وظلمتمونا، وانما كان أبوكم ساسان راعى غنم، ولو علم ~~أبوه بهمن فيه خيرا ما زوى [4] عنه الملك الى اخته خمانى. # فلما ورد كتابه على كسرى علم الا طمع فيه، فوجه اليه ثلاثة قواد في ثلاثة ~~عساكر، كل عسكر اثنا عشر الف رجل، فنفذ العسكر الاول، وعليه سابور ~~PageV01P103 # ابن ابركان، ثم اردفه بالعسكر الثانى، وعليه النخارجان، ثم اردفهما ~~بالثالث، وعليه هرمزد جرابزين، فلما اتصل ببسطام فصول العساكر نحوه سار حتى ~~اتى همذان، فأقام بها، ووجه الرجاله الى رءوس العقاب [1] ، ليمنعوا الناس ~~من الصعود والنفوذ. # قال: فاقامت العساكر دون الجبل بمكان يدعى قلوص، وكتبوا الى كسرى يعلمونه ~~ذلك، فخرج كسرى بنفسه في خمسين الف فارس، حتى وافى جنوده وهم معسكرون ~~بقلوص، فأقام عندهم ريثما اراح، ثم سار على رستاق [2] يسمى شراه [3] ، فنفذ ~~منه الى همذان في طريق لا جبل فيه ولا عقبه، حتى افضى الى بطن همذان، فعسكر ~~هناك، وخندق على نفسه. # وسار اليه بسطام في جنوده، فاقتتلوا قتالا شديدا ثلاثة ايام، لا ينهزم ~~احد من الفريقين عن صاحبه، فلما راى كسرى ذلك، قال لكردى بن بهرام جشنس أخي ~~بهرام شوبين لأبيه وأمه، وكان من انصح المرازبه لكسرى، واشدهم له ودا، ~~وأسرعهم في طاعته نهوضا، فقال: قد ترى ما نحن فيه من شده هذه الحروب، وانى ~~قد رجوت الراحة مما نحن فيه بباب لطيف. قال: وما هو ايها الملك؟ قال ms076: ان ~~أختك كرديه امراه بسطام متشوقه [4] لا محاله الى الرجوع الى أهلها ووطنها، ~~وانا اعرف انها ان آثرت قتل بسطام قدرت لطمانينته إليها، ولما بلغنى من ~~صرامتها وأقدامها، وان هي قتلته فلها على ذمه الله: ان أتزوجها واجعلها ~~سيده نسائي، واجعل الملك من بعدي لولد، ان كان لي منها، وانا كاتب على ذلك ~~بخطى، فأرسل إليها حتى تعرض ذلك عليها، وتنظر ما عندها فيه. # قال له كردى: ايها الملك، فاكتب لها بخطك ما تطمئن اليه، وتعرف صدق ~~PageV01P104 # قولك فيه، لأوجه إليها بالكتاب مع امراتى، فاننى لا أثق بسواها في كتمان ~~السر. # فكتب لها كسرى بذلك، وأكد، فاخذ كردى الكتاب، ووجهه مع امراته الى كرديه. ~~وقد كان بسطام خرج بها معه لشدة وجده بها. # فلما قرات كرديه كتاب كسرى عرفت وثاقته، فافضت بسرها الى ظئورتها ~~وثقاتها، فزين لها ذلك لتشوقهن الى اوطانهن. ولم ينكر بسطام مجيء المرأة ~~الى كرديه لما عرف من الف النساء وتزاورهن. # وان بسطام انصرف ذات عشاء الى مضربه الذى فيه كرديه تعبا قد مسه الكلال ~~لشدة الحرب، فدعا بطعام، فنال منه، ثم دعا بشرابه، فجعلت كرديه تسقيه صرفا ~~حتى غلبه السكر، فنام، فقامت الى سيفه، فوضعت ظبته [2] في ثندوته [3] ، ~~وتحاملت عليه حتى خرج من ظهره، ثم خرجت من ساعتها، فتحملت في حشمها ~~وظئورتها، وقد كان أخوها كردى وقف لها على الطريق في خيل، فلما انتهت اليه ~~انطلق بها، فانزلها في رحله. # ولما اصبح اصحاب بسطام ووجدوه قتيلا ارتحلوا هاربين نحو بلاد الديلم، ~~فوجه كسرى سابور بن ابركان في عشره آلاف فارس، وامره ان يقيم بقزوين، فتكون ~~مسلحه هناك، وتمنع من اراد النفوذ من ارض الديلم الى مملكته، ثم تزوج ~~كرديه، وضمها اليه، وانصرف الى المدائن، ونزلت كرديه من قلبه بموضع محبه ~~شديده، وشكر لها ما كان منها، وزاح عن كسرى ما يجد في نفسه من الغضاضة ~~بانتقامه من قتله ابيه، واطمان له ملكه وهدأ واستقر. PageV01P105 ### | حرب ابرويز مع الروم # قالوا: ثم ان ابن قيصر ملك الروم قدم ms077 على كسرى ابرويز، فاخبره بان بطارقه ~~الروم وعظماءها وثبوا على ابيه قيصر وأخيه ثيادوس بن قيصر، فقتلوهما جميعا، ~~وملكوا عليهم رجلا من قومهم، يسمى كوكسان، وذكره بلاء ابيه وأخيه عنده، ~~فغضب ابرويز له، ووجه معه ثلاثة قواد: احدهم شاهين في اربعه وعشرين الف ~~رجل، فوغل في ارض الروم، وبث فيها الغارات حتى انتهى الى خليج القسطنطينية، ~~فعسكر هناك، والقائد الآخر بوذ [1] فسار نحو ارض مصر، فاغار، وعاث، وافسد ~~حتى انتهى الى الإسكندرية، فافتتحها عنوه، وسار الى البيعه العظمى التي ~~بالإسكندرية، فاخذ اسقفها، فعذبه، حتى دله على الخشبة التي تزعم النصارى ان ~~المسيح صلب عليها، وكانت مدفونة في موضع قد زرع فوقها الرياحين، والقائد ~~الثالث شهريار فسار حتى اتى الشام، فقتل أهلها قتلا ذريعا، حتى أخذها كلها ~~عنوه. # فلما راى عظماء الروم ما حل بهم من كسرى اجتمعوا، فقتلوا الرجل الذى ~~كانوا ملكوه، وقالوا ان مثل هذا لا يصلح للملك وملكوا عليهم ابن عم لقيصر ~~المقتول يسمى هرقل، وهو الذى بنى مدينه هرقله [2] ، فكانت هذه الغلبه التي ~~ذكرها الله تعالى في كتابه [3] : # وان هرقل الذى ملكته الروم استجاش اهل مملكته، وسار الى القائد الذى كان ~~معسكرا على الخليج، فحاربه حتى اخرجه من ارض الروم، ثم صمد للذي كان بأرض ~~مصر، فطرده عنها، ثم عطف على شهريار، فاخرجه عن الشام، فوافت PageV01P106 # العساكر كلها الجزيرة، وسار هرقل نحوهم، فواقعهم، فهزمهم حتى بلغ بهم ~~الموصل. # وذلك بلغ كسرى، فخرج في جنوده نحو الموصل، وانضم اليه قواده الثلاثة، ~~وسار نحو هرقل، فاقتتلوا، فانهزم الفرس، فلما راى ذلك كسرى غضب على عظماء ~~جنوده ومرازبته [1] ، فامر بهم، فحبسوا ليقتلهم. ### | توليه شيرويه بن ابرويز # ولما راى اهل المملكة ذلك تراسلوا، وعزموا على خلع كسرى، وتمليك ابنه ~~شيرويه بن كسرى، فخلعوه وملكوا شيرويه، وحبسوا كسرى في بيت من بيوت القصر، ~~ووكلوا به حيلوس رئيس المستميته، وكان ذلك سنه تسع [2] من هجره النبي، صلى ~~الله عليه وعلى آله وسلم. # وان شيرويه امر ان ينقل بابيه من دار المملكة، فيحبس في ms078 دار رجل من ~~المرازبه، يسمى هرسفته [3] ، فقنع راسه، وحمل على برذون [4] ، فانطلق به ~~الى تلك الدار، فحبس فيها، ووكل امره حيلوس في خمسمائة من الجند المستميته. # ثم ان عظماء اهل المملكة دخلوا على شيرويه، وقالوا: انه لا يصلح ان يكون ~~علينا ملكان اثنان، فاما ان تامر بقتل ابيك وتنفرد بالأمر، او نخلعك ونرد ~~الأمر اليه كما كان. # فهدت شيرويه هذه المقاله، فقال: اجلونى يومى هذا. ### | بين الأب والابن # ثم امر يزدان جشنس رئيس كتاب الرسائل، فقال له: انطلق عن رسالتنا ~~PageV01P107 # لأبينا، وقل له: ان الذى حل بك عقوبة من الله للذي سلف من سوء اعمالك، ~~وأول ذلك ما كان منك الى ابيك هرمزد، ومنها حظرك علينا معاشر اولادك، ومنعك ~~إيانا البراح، وحبسك إيانا في دار كهيئة المجلس بلا رقه ولا رحمه، ومنها ~~كفرانك انعام قيصر عليك وأياديه عندك، فلم تحفظ فيه ابنه واقاربه حين أتوك ~~يسالونك ان ترد عليهم خشبة الصليب التي بعث بها إليك شاهين من الإسكندرية، ~~فرددتهم عنها بلا حاجه منك إليها ولا درك لك في حبسها، ومنها ما امرت به من ~~قتل الثلاثين الالف رجل من مرازبتك وعظماء اساورتك بزعمك انهم أول من انهزم ~~عن الروم، ومنها كثره ما جمعت من الأموال، وكثرتها في خزائنك من جبايتكها ~~عن الخراج باعنف العنف، وانما ينبغى للملوك ان يملاوا خزائنهم مما يغنمون ~~من بلاد اعدائهم بنحور الخيل وصدور الرماح، لا مما يسالونه من رعيتهم، ~~ومنها قتلك النعمان بن المنذر، وصرفك ملك ارضه عن ولده واهل بيته الى ~~غيرهم، يعنى اياس بن قبيصة الطائي، فلم تحفظ فيهم ما كان يحفظه آباؤك، من ~~حضانته بهرام جور جدك، ومعونته بعد ان خرج الملك عنه، حتى رده عليه، فكل ~~هذه ذنوب ارتكبتها، وآثام اقترفتها، لم يكن الله ليرضى منك فاخذك بها. # فانطلق يزدان جشنس فابلغ كسرى رساله شيرويه لم يخرم منها حرفا، فقال له ~~كسرى: قد ابلغت، فاد الجواب كما أديت الرسالة: قل لشرويه القصير العمر، ~~القليل الغمر، الناقص العقل، نحن مجيبوك عن جميع ms079 ما أرسلت به إلينا من غير ~~اعتذار لتزداد علما بجهلك، اما رضانا بما ارتكب من أبينا فانى ما اطلعت على ~~ما دبر القوم من الوثوب به، وقد علمت لما استوطد لي السلطان انى لم ادع ~~أحدا مالا على خلعه واجلب عليه بارتكاب حقه الا قتلته، وختمت ذلك بخالي ~~بندويه وبسطام مع ما كان من قيامهما بأمري، واما حظرى عليكم معاشر أبنائنا ~~فانى فرغتكم لتعلم الأدب، ومنعتكم من الانتشار فيما لا يعينكم، ولم اقصر في ~~مطاعمكم مع ذلك ومصارفكم وملابسكم وطيبكم ومراكبكم، واما أنت خاصه فان ~~المنجمين قضوا في مولدك بتثريب ملكنا، وفسخ سلطاننا على يدك، فلم نأمر # PageV01P108 # بقتلك، ومع ذلك كتاب قرميسيا ملك الهند إلينا يعلمنا ان في انقضاء سنه ~~ثمان وثلاثين من ملكنا يفضى إليك هذا الأمر، فكتمنا ذلك الكتاب عنك، مع ~~علمنا انه لا يفضى إليك الا بهلاكنا، وذلك الكتاب مع قضية مولدك عند شيرين ~~صاحبتنا، فان اردت فدونك، فاقراهما لتزداد حسره وثبورا، واما ما ذكرت من ~~كفرانى نعمه قيصر بمنعي ولده واهل بيته خشبة الصليب، فأيها المائق، ان اكثر ~~من ذلك الخشب ثلاثون الف الف درهم فرقتها في رجال الروم الذين قدموا معى، ~~والف الف درهم هدايا وجهتها الى قيصر، ومثل ذلك وصلت ابنه ثيادوس عند رجوعه ~~الى مملكته، افكنت اجود لهم بخمسين الف الف درهم وابخل بخشبه لا تساوى ~~شيئا؟ انما احتبستها لارتهن بها طاعتهم، ولينقادوا لي في جميع ما أريده ~~منهم لعظيم قدر الخشبة عندهم، واما غضبى لقيصر وطلبى بثاره، فقد قتلت به من ~~الروم ما لم يحص عدده، واما قولك في أولئك المرازبه ورؤساء الأساورة الذين ~~هممت بقتلهم فان أولئك اصطنعتهم ثلاثين سنه، واسنيت اعطياتهم واعظمت حبوتهم ~~[1] فلم احتج اليهم في طول دهري الا ذلك اليوم الذى فشلوا فيه وخاموا [2] ، ~~فسل ايها الأخرق فقهاء هذه الملة عمن قصر في نصره ملكه، وخام عن محاربه ~~عدوه، فسيخبرونك انهم لا يستوجبون العفو ولا الرحمه، فاما ما عنفتنى به من ~~جمع الأموال فان هذا الخراج لم يكن ms080 منى بدعه، ولم يزل الملوك يجبونه قبلي ~~ليكون قوه للملك وظهرا للسلطان، فان ملكا من ملوك الهند كتب الى جدي ~~انوشروان: ان مملكتك شبيهه بباغ عامر عليه حائط وثيق، وباب منيع، فإذا ~~انهدم ذلك الحائط او تكسرت الأبواب لم يؤمن ان ترعى فيه الحمير والبقر. ~~وانما عنى بالحائط الجنود، وبأبوابه الأموال. فاحتفظ ايها السخيف العقل ~~بتلك الأموال، فإنها حصن للملك، وقوام للسلطان، وظهير على الأعداء، ومفخره ~~عند الملوك، واما ما زعمت من قتلى النعمان بن المنذر، وازالتى الملك عن آل ~~عمرو بن عدى الى اياس PageV01P109 # ابن قبيصة، فان النعمان واهل بيته واطئوا العرب، واعلموهم توكفهم [1] ~~خروج الملك عنا اليهم، وقد كانت وقعت اليهم في ذلك كتب، فقتلته، ووليت ~~الأمر أعرابيا لا يعقل من ذلك شيئا. انطلق الى شيرويه، فاخبره بذلك كله، ~~فابلغه يزدان جشنس، لم يخرم منه شيئا، فعلت شيرويه كآبه. # ولما كان من الغد اجتمع عظماء اهل المملكة، فدخلوا على شيرويه كما فعلوا ~~بالأمس، فخاف على نفسه، فجعل يرسل الرجل بعد الرجل من مرازبته لقتل ابيه، ~~فلا يقدم عليه احد، حتى بعث بشاب منهم يسمى يزدك بن مردان شاه مرزبان بابل ~~وخطرنيه، فلما دخل عليه، قال: من أنت؟ قال: انا ابن مردان شاه مرزبان بابل ~~وخطرنيه، قال له كسرى: أنت لعمري صاحبي، وذلك انى قتلت اباك ظلما، فضربه ~~الغلام حتى قتله، وانصرف الى شيرويه فاخبره، فلطم شيرويه وجهه، ونتف شعره، ~~وحبسه، وانطلق في عظماء اهل المملكة حتى استودعه الناووس، ثم انصرف، وامر، ~~فقتل الغلام الذى قتل أباه. وفي ذلك العام الذى ملك فيه شيرويه توفى [2] ~~رسول الله ص، واستخلف ابو بكر رضى الله عنه. # ثم ان شيرويه لما ملك عمد الى اخوته، وكانوا خمسه عشر رجلا، فضرب ~~أعناقهم، مخافه ان يفسدوا عليه ملكه، فسلطت عليه الامراض والاسقام حتى مات، ~~وكان ملكه ثمانية اشهر. # بعد موت شيرويه # فملكت فارس عليها بعده ابنه شيرزاد بن شيرويه، وكان طفلا، ووكلوا به رجلا ~~يحضنه، ويقوم بتدبير الملك الى ان ادرك. PageV01P110 # ولما بلغ شهريار ms081 وهو مقيم في وجه الروم مقتل كسرى اقبل في جنوده حتى ورد ~~المدائن، وقد مات شيرويه وملك ابنه شيرزاد، فاغتصب الأمر، ودخل المدائن، ~~فقتل كل من مالا على قتل كسرى وخلعه، وقتل شيرزاد وحاضنه، وتولى امر الملك، ~~ودعا نفسه ملكا، وذلك في العام الثانى عشر من التاريخ الهجرى. # فلما تم لملك شهريار حول انف عظماء اهل المملكة من ان يلى ملكهم من ليس ~~من اهل بيت المملكة، فوثبوا عليه فقتلوه، وملكوا عليهم جوان شير بن كسرى، ~~وكان طفلا، وأمه كرديه اخت بهرام شوبين، فملك حولا، ثم مات. # فملكوا عليهم بوران بنت كسرى، وذلك ان شيرويه لم يدع من اخوته أحدا الا ~~قتله، خلا جوان شير فانه كان طفلا، فعند ذلك وهى سلطان فارس وضعف امرهم، ~~وفلت شوكتهم. ### | الفتوحات الإسلامية في عهد أبي بكر ### | حروب العرب مع العجم # قالوا: فلما افضى الملك الى بوران بنت كسرى بن هرمز شاع في اطراف الارضين ~~انه لا ملك لارض فارس، وانما يلوذون بباب امراه، فخرج رجلان من بكر بن ~~وائل، يقال لأحدهما المثنى بن حارثة الشيبانى، والآخر سويد بن قطبه العجلى، ~~فاقبلا حتى نزلا فيمن جمعا بتخوم ارض العجم، فكانا يغيران على الدهاقين، ~~فيأخذان ما قدرا عليه، فإذا طلبا امعنا في البر فلا يتبعهما احد، وكان ~~المثنى يغير من ناحيه الحيرة، وسويد من ناحيه الأبله [1] وذلك في خلافه ابى ~~بكر، فكتب المثنى بن حارثة الى ابى بكر رضى الله عنه يعلمه ضراوته بفارس، ~~ويعرفه وهنهم، ويسأله ان يمده بجيش. # فلما انتهى كتابه الى ابى بكر رضى الله عنه كتب ابو بكر الى خالد بن ~~الوليد، PageV01P111 # وقد كان فرغ من اهل الرده، ان يسير الى الحيرة فيحارب فارس، ويضم اليه ~~المثنى ومن معه، وكره المثنى ورود خالد عليه، وكان ظن ان أبا بكر سيوليه ~~الأمر، فسار خالد والمثنى بأصحابهما، حتى أناخا على الحيرة، وتحصن أهلها في ~~القصور الثلاثة. # ثم نزل عمرو بن بقيله، وحديثه مع خالد، وانه وجد معه شيئا من البيش [1] ~~فاستفه [2] على اسم ms082 الله ولم يضره ذلك معروف، ثم صالحوه من القصور الثلاثة ~~على مائه الف درهم يؤدونها في كل عام الى المسلمين ثم ورد كتاب ابى بكر على ~~خالد مع عبد الرحمن جميل الجمحى، يأمره بالشخوص الى الشام ليمد أبا عبيده ~~بن الجراح بمن معه من المسلمين، فمضى، وخلف بالحيرة عمرو بن حزم الأنصاري ~~مع المثنى، وسار على الأنبار، وانحط على عين التمر [3] ، وكان بها مسلحه ~~لأهل فارس، فرمى رجل منهم عمرو بن زياد بن حذيفة بن هشام بن المغيره ~~بنشابه، فقتله، ودفن هناك. # وحاصر خالد اهل عين التمر حتى استنزلهم بغير أمان، فضرب أعناقهم، وسبى ~~ذراريهم، ومن ذلك السبى ابو محمد بن سيرين وحمران بن ابان مولى عثمان بن ~~عفان، وقتل فيها خالد خفيرا كان بها من العرب يسمى هلال بن عقبه، وصلبه، ~~وكان من النمر بن قاسط، ومر بحى من بنى تغلب والنمر، فاغار عليهم، فقتل ~~وغنم حتى انتهى الى الشام. ولم يزل عمرو بن حزم والمثنى بن حارثة يتطرفان ~~ارض السواد ويغيران فيها حتى توفى ابو بكر [4] رضى الله عنه. PageV01P112 # الفتوحات الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب # وولى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وكانت ولايه عمر سنه ثلاث عشره، ثم ان ~~عمر رضى الله عنه عزم على توجيه خيل الى العراق، فدعا أبا عبيد بن مسعود، ~~وهو ابو المختار بن ابى عبيد الثقفى فعقد له على خمسه آلاف رجل، وامره ~~بالمسير الى العراق، وكتب الى المثنى بن حارثة، ان ينضم بمن معه اليه، ووجه ~~مع ابى عبيد سليط بن قيس، من بنى النجار رى، وقال لأبي عبيد: قد بعثت معك ~~رجلا هو افضل منك إسلاما، فاقبل مشورته وقال لسليط: لولا انك رجل عجل في ~~الحرب لوليتك هذا الجيش، والحرب لا يصلح لها الا الرجل المكيث فسار ابو ~~عبيد نحو الحيرة، لا يمر بحى من احياء العرب الا استنفرهم، فتبعه منهم ~~طوائف، حتى انتهى الى قس الناطف [1] فاستقبله المثنى فيمن معه. # وبلغ العجم اقبال ابى عبيد، فوجهوا مردان شاه ms083 الحاجب في اربعه آلاف فارس، ~~فامر ابو عبيد بالجسر، فعقد ليعبر اليهم. فقال له المثنى: ايها الأمير لا ~~تقطع هذه اللجة، فتجعل نفسك ومن معك غرضا لأهل فارس. فقال له ابو عبيد جبنت ~~يا أخا بكر. وعبر اليهم بمن معه من الناس، وولى أبا محجن الثقفى الخيل، ~~وكان ابن عمه، ووقف هو في القلب، وزحف اليهم الفرس، فاقتتلوا، فكان ابو ~~عبيد أول قتيل، فاخذ الراية اخوه الحكم، فقتل، ثم أخذها قيس بن حبيب أخو ~~ابى محجن، فقتل، وقتل سليط بن قيس الأنصاري في نفر من الانصار كانوا معه، ~~فاخذ المثنى الراية، وانهزم المسلمون. # فقال المثنى لعروه بن زيد الخيل الطائي انطلق الى الجسر، فقف عليه، وحل ~~بين العجم وبينه. وجعل المثنى يقاتل من وراء الناس، ويحميهم حتى عبروا، ~~ويوم جسر ابى عبيد معروف، وسار المثنى بالمسلمين حتى بلغ الثعلبية [2] ، ~~فنزل، PageV01P113 # وكتب الى عمر بن الخطاب رضى الله عنه مع عروه بن زيد الخيل، فبكى عمر، ~~وقال لعروه: ارجع الى أصحابك، فمرهم ان يقيموا بمكانهم الذى هم فيه، فان ~~المدد وارد عليهم سريعا، وكانت هذه الوقعه في شهر رمضان يوم السبت سنه ثلاث ~~عشره من التاريخ. # ثم ان عمر بن الخطاب استنفر الناس الى العراق، فخفوا في الخروج، ووجه في ~~القبائل يستجيش، فقدم عليه مخنف بن سليم الأزدي في سبعمائة رجل من قومه، ~~وقدم عليه الحصين بن معبد بن زراره في جمع من بنى تميم زهاء الف رجل، وقدم ~~عليه عدى بن حاتم في جمع من طيئ، وقدم عليه انس بن هلال في جمع من النمر بن ~~قاسط، فلما كثر عند عمر الناس عقد لجرير بن عبد الله البجلي عليهم، فسار ~~جرير بالناس حتى وافى الثعلبية، فضم اليه المثنى فيمن كان معه، وسار نحو ~~الحيرة، فعسكر بدير هند [1] ، ثم بث الخيل في ارض السواد، تغير. # وتحصن منه الدهاقين، واجتمع عظماء فارس الى بوران، فأمرت ان يتخير اثنا ~~عشر الف رجل من ابطال الأساورة [2] ، وولت عليهم مهران بن مهرويه الهمدانى ~~فسار بالجيش ms084 حتى وافى الحيرة، وزحف الفريقان، بعضهم لبعض، ولهم زجل [3] ~~كزجل الرعد، وحمل المثنى في أول الناس، وكان في ميمنه جرير، وحملوا معه. ~~وثار العجاج، وحمل جرير بسائر الناس من الميسره والقلب، وصدقتهم العجم ~~القتال، فجال المسلمون جولة، فقبض المثنى على لحيته، وجعل ينتف ما تبعه ~~منها من الأسف، ونادى ايها الناس، الى، الى، انا المثنى فثاب المسلمون، ~~فحمل بالناس ثانيه، والى جانبه مسعود بن حارثة اخوه، وكان من فرسان العرب، ~~فقتل مسعود، فنادى المثنى: يا معشر المسلمين، هكذا مصرع خياركم، ارفعوا ~~راياتكم. وحض عدى بن حاتم اهل الميسره، PageV01P114 # وحرض جرير اهل القلب، وذمرهم [1] ، وقال لهم: يا معشر بجيله، لا يكونن ~~احد اسرع الى هذا العدو منكم، فان لكم في هذه البلاد ان فتحها الله عليكم ~~حظوة ليست لأحد من العرب، فقاتلوهم التماس إحدى الحسنيين. # فتداعى المسلمون، وتحاضوا، وثاب من كان انهزم، ووقف الناس تحت راياتهم، ~~ثم زحفوا، فحمل المسلمون على العجم حمله صدقوا الله فيها، وباشر مهران ~~الحرب بنفسه، وقاتل قتالا شديدا، وكان من ابطال العجم، فقتل مهران، وذكروا ~~ان المثنى قتله، فانهزمت العجم لما رأوا مهران صريعا، واتبعهم المسلمون، ~~وعبد الله بن سليم الأزدي يقدمهم، واتبعه عروه بن زيد الخيل، فصار المسلمون ~~الى الجسر، وقد جازه بعض العجم، وبقي بعض، فصار من بقي منهم في أيدي ~~المسلمين، ومضت العجم، حتى لحقوا بالمدائن، وانصرف المسلمون الى معسكرهم، ~~فقال عروه بن زيد الخيل في ذلك: # هاجت لعروه دار الحى أحزانا ... واستبدلت بعد عبد القيس همذانا # وقد أرانا بها، والشمل مجتمع ... إذ بالنخيلة قتلى جند مهرانا # ايام سار المثنى بالجنود لهم ... فقتل القوم من رجل وركبانا # سما لاجناد مهران وشيعته ... حتى أبادهم مثنى ووحدانا # ما ان رأينا أميرا بالعراق مضى ... مثل المثنى الذى من آل شيبانا # ان المثنى الأمير القرم لا كذب ... في الحرب اشجع من ليث بخفانا [2] # قالوا: ولما اهلك الله مهران ومن كان معه من عظماء العجم استمكن المسلمون ~~من الغارة في السواد، وانتقضت مسالح [3] الفرس، وتشتت امرهم، واجترأ ~~المسلمون ms085 عليهم، وشنوا الغارات ما بين سورا [4] وكسكر [5] والصراة [6] ~~PageV01P115 # الى الفلاليج [1] والاستانات، فقال اهل الحيرة للمثنى: ان بالقرب منا ~~قريه فيها سوق عظيم، تقوم في كل شهر مره، فتأتيها تجار فارس والاهواز وسائر ~~البلاد، فان قدرت على الغارة على تلك السوق اصبت اموالا رغيبه يعنون سوق ~~بغداد، وكانت قريه تقوم بها سوق في كل شهر. # فاخذ المثنى على البر حتى اتى الأنبار [2] ، فتحصن منه أهلها، فأرسل الى ~~بسفروخ مرزبانها ليسير اليه، فيكلمه بما يريد، وجعل له الامان، فاقبل ~~المرزبان حتى عبر اليه، فخلا به المثنى، وقال: انى اريد ان اغير على سوق ~~بغداد، فأريد ان تبعث معى ادلاء، فيدلونى على الطريق، وتسوى لي الجسر، ~~لاعبر الفرات، ففعل المرزبان ذلك، وقد كان قطع الجسر لئلا تعبر العرب اليه، ~~فعبر المثنى مع اصحابه، وبعث المرزبان معه الأدلاء، فسار حتى وافى السوق ~~ضحوه، فهرب الناس، وتركوا أموالهم، فملئوا ايديهم من الذهب والفضه، وسائر ~~الأمتعة، ثم رجع الى الأنبار، ووافى معسكره. # ولما بلغ سويد بن قطبه العجلى امر المثنى بن حارثة، وما نال من الظفر يوم ~~مهران كتب الى عمر بن الخطاب، يعلمه وهن الناحية التي هو بها، ويسأله ان ~~يمده بجيش. فندب عمر بن الخطاب لذلك الوجه عتبة بن غزوان المازنى، وكان ~~حليفا لبنى نوفل بن عبد مناف، وكانت له صحبه من رسول الله ص، وضم اليه الفى ~~رجل من المسلمين، وكتب الى سويد بن قطبه يأمره بالانضمام اليه. # فلما سار عتبة شيعه عمر رضى الله عنه، فقال: يا عتبة، ان اخوانك من ~~المسلمين قد غلبوا على الحيرة، وما يليها، وعبرت خيلهم الفرات حتى وطئت ~~بابل، مدينه هاروت وماروت ومنازل الجبارين، وان خيلهم اليوم لتغير حتى ~~تشارف المدائن، وقد بعثتك في هذا الجيش، فاقصد قصد اهل الاهواز، فاشغل اهل ~~تلك الناحية، ان يمدوا اصحابهم بناحيه السواد على إخوانكم الذين هناك، ~~وقاتلهم مما يلى الأبله. PageV01P116 # فسار عتبة بن غزوان حتى اتى مكان البصره اليوم، ولم تكن هناك يومئذ الا ~~الخريبة، وكانت منازل خربه، وبها مسالح ms086 لكسرى تمنع العرب من العبث في تلك ~~الناحية، فنزلها عتبة بن غزوان باصحابه في الاخبيه والقباب، ثم سار حتى نزل ~~موضع البصره، وهي إذ ذاك حجارة سود وحصى، وبذلك سميت البصره، ثم سار حتى ~~اتى الأبله، فافتتحها عنوه، وكتب الى عمر رضى الله عنه: اما بعد، فان الله، ~~وله الحمد، فتح علينا الأبله، وهي مرقى سفن البحر من عمان، والبحرين، ~~وفارس، والهند، والصين، واغنمنا ذهبهم وفضتهم وذراريهم، وانا كاتب إليك ~~ببيان ذلك ان شاء الله. # وبعث بالكتاب مع نافع بن الحارث بن كلده الثقفى، فلما قدم على عمر رضى ~~الله عنه تباشر المسلمون بذلك، فلما اراد نافع الانصراف، قال لعمر: يا امير ~~المؤمنين. انى قد افتليت [1] فلاء بالبصرة، واتخذت بها تجاره. فاكتب الى ~~عتبة ابن غزوان ان يحسن جواري. # فكتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه الى عتبة: اما بعد، فان نافع بن الحارث ~~ذكر انه قد افتلى فلاء، وأحب ان يتخذ بالبصرة دارا، فاحسن جواره، واعرف له ~~حقه، والسلام. # فخط له عتبة بالبصرة خطه، فكان نافع أول من خط خطه بالبصرة، وأول من ~~افتلى بها الافلاء، وارتبط بها رباطا، ثم ان عتبة سار الى المذار [2] ، ~~واظهره الله عليهم، ووقع مرزبانها في يده، فضرب عنقه، وأخذ بزته، وفي ~~منطقته الزمرد والياقوت، وارسل بذلك الى عمر رضى الله عنه، وكتب اليه ~~بالفتح، فتباشر الناس بذلك، وأكبوا على الرسول، يسالونه عن امر البصره، ~~فقال ان المسلمين يهيلون بها الذهب والفضه هيلا، فرغب الناس في الخروج، حتى ~~كثروا بها، وقوى امرهم، فخرج عتبة بهم الى فرات البصره [3] ، فافتتحها، ثم ~~سار الى PageV01P117 # دست ميسان [1] فافتحها بعد ان خرج اليه مرزبانها بجنوده، فالتقوا، فقتل ~~المرزبان، وانهزمت العجم، فدخل مدينتها لا يمنعه شيء، فخلف بها رجلا، وسار ~~الى ابرقباذ فافتتحها، ثم انصرف الى مكانه من البصره، وكتب الى عمر رضى ~~الله عنه بما فتح الله عليه من هذه المدن والبلدان، وبعث بالكتاب مع انس بن ~~الشيخ بن النعمان، فاختلفت القبائل إليها حتى كثروا بها. # ثم ان ms087 عتبة استاذن عمر في القدوم عليه، فاذن له، فاستخلف المغيره بن ~~شعبه، ثم خطب الناس حين اراد الخروج خطبه طويله، قال فيها: اعوذ بالله ان ~~أكون في نفسي عظيما، وفي اعين الناس صغيرا، وانا سائر، ولا حول ولا قوه الا ~~بالله، وستجربون الأمراء بعدي، فتعرفون. وكان الحسن البصرى يقول، إذا تحدث ~~بهذا الحديث: قد جربنا الأمراء بعده، فوجدنا له الفضل عليهم. # وان عمر رضى الله عنه اقر المغيره على ثغر البصره، فسار بالناس نحو ~~ميسان، فخرج اليه مرزبانها، فحاربه، فأظهر الله المسلمين، وافتتح البلاد ~~عنوه، وكتب الى عمر بالفتح، ثم كان من امر المغيره والنفر الذين رموه ما ~~كان. # وبلغ ذلك عمر رضى الله عنه، فامر أبا موسى الأشعري بالخروج إليها، وان ~~يصرف الخطط لمن هناك من العرب، ويجعل كل قبيله في محله، وان يأمر الناس ~~بالبناء، وان يبنى لهم مسجدا جامعا، وان يشخص اليه المغيره بن شعبه، فقال ~~ابو موسى: يا امير المؤمنين، فوجه معى نفرا من الانصار، فان مثل الانصار في ~~الناس كمثل الملح في الطعام، فوجه معه عشره من الانصار، فيهم انس بن مالك، ~~والبراء بن مالك، فقدم ابو موسى البصره، وبعث اليه بالمغيره بن شعبه، ~~والنفر الذين شهدوا عليه، فسألهم عمر رضى الله عنه، فلم يصرحوا، فجلدهم، ~~وامر المغيره ان يلحق بالبصرة، فيعاون أبا موسى على امره، ونظر ابو موسى ~~الى زياد بن عبيد، وكان عبدا مملوكا لثقيف، فاعجبه عقله وأدبه، فاتخذه ~~كاتبا، واقام معه، وقد كان قبل ذلك مع المغيره بن شعبه. PageV01P118 # قالوا: فلما نظرت الفرس الى العرب قد حدقوا بهم، وبثوا الغارات في ارضهم ~~قالوا فيما بينهما: انما أتينا من تملك النساء علينا، فاجتمعوا على يزدجرد ~~بن شهريار بن كسرى ابرويز، فملكوه عليهم، وهو يومئذ غلام ابن ست عشره سنه، ~~وثبتت طائفه على آزرميدخت، فتحارب الفريقان، فكان الظفر ليزدجرد، فخلعت ~~آزرميدخت، وتملك يزدجرد، فجمع اليه اطرافه، واستجاش اقطار ارضه، وولى عليهم ~~رستم بن هرمز، وكان محنكا، قد جربته الدهور، فسار رستم نحو القادسية. ### | موقعه ms088 القادسية # وبلغ ذلك جرير بن عبد الله والمثنى بن حارثة، فكتبا الى عمر رضى الله ~~عنه، يخبرانه، فندب عمر الناس، فاجتمع له نحو من عشرين الف رجل، فولى امرهم ~~سعد بن ابى وقاص، فسار سعد بالجيوش حتى وافى القادسية، فضم اليه من كان ~~هناك، وتوفى المثنى بن حارثة رحمه الله، فلما انقضت عده امراه المثنى ~~تزوجها سعد بن ابى وقاص، واقبل رستم بجنوده حتى نزل دير الأعور [1] . # وان سعدا بعث طليحة بن خويلد الأسدي، وكان من فرسان العرب في جمع ليأتيه ~~بخبر القوم، فلما عاينوا سوادهم، ورأوا كثرتهم قالوا لطليحه: انصرف بنا، ~~فقال: لا، ولكنى ماض حتى ادخل عسكرهم، واعلم علمهم. فاتهموه، وقالوا له: ما ~~نحسبك تريد الا اللحاق بهم، وما كان الله ليهديك بعد قتلك عكاشة بن محصن ~~وثابت بن اقرم، فقال لهم طليحة: ملا الرعب قلوبكم، واقبل طليحة حتى دخل ~~عسكر الفرس ليلا، فلم يزل يجوسه ليلته كلها، حتى إذا كان وجه السحر مر ~~بفارس منهم يعد بألف فارس، وهو نائم، وفرسه مقيد، فنزل، ففك قيده، ثم شد ~~مقوده بثغر [2] فرسه، PageV01P119 # وخرج من المعسكر، واستيقظ صاحب الفرس، فنادى في اصحابه، وركب في اثره، ~~فلحقوه، وقد أضاء الصبح، فبدر صاحب الفرس اليه، ووقف له طليحة، فأطعنا، ~~فقتله طليحة، ولحقه فارس آخر، فقتله طليحة، ولحقه ثالث، فاسره طليحة، وحمله ~~على دابته، واقبل به نحو عسكر المسلمين، فكبر الناس، ودخل على سعد، واخبره ~~الخبر. # واقام رستم بدير الأعور معسكرا اربعه اشهر، وأرادوا [1] مطاوله العرب ~~ليضجروا، وكان المسلمون إذا فنيت ازوادهم واعلافهم جردوا الخيل، فأخذت على ~~البر حتى تهبط على المكان الذى يريدون، ويغيرون، فينصرفون بالطعام والعلف ~~والمواشى. # ثم ان عمر رضى الله عنه كتب الى ابى موسى يأمره ان يمد سعدا بالخيل، فوجه ~~اليه ابو موسى المغيره بن شعبه في الف فارس، وكتب الى ابى عبيده بن الجراح، ~~وهو بالشام يحارب الروم ان يمد سعدا بخيل، فامده بقيس بن هبيرة المرادى في ~~الف فارس، وكان في القوم هاشم بن عتبة بن ms089 ابى وقاص، وكانت عينه فقئت يوم ~~اليرموك، وفيهم الاشعث بن قيس، والاشتر النخعى، فساروا حتى قدموا على سعد ~~بالقادسية. # وان يزدجرد الملك كتب الى رستم يأمره بمناجزه العرب، فزحف رستم بجنوده ~~وعساكره حتى وافى القادسية، فعسكر على ميل من معسكر المسلمين، وجرت الرسل ~~فيما بينه وبين سعد شهرا، ثم ارسل الى سعد: ان ابعث إلي من أصحابك رجلا، له ~~فهم وعقل وعلم، لأكلمه، فبعث اليه بالمغيره بن شعبه، فلما دخل عليه قال له ~~رستم: ان الله قد اعظم لنا السلطان، وأظهرنا على الأمم، واخضع لنا ~~الأقاليم، وذلل لنا اهل الارضين، ولم يكن في الارض أمه اصغر قدرا عندنا ~~منكم، لأنكم اهل قله وذله وارض جدبه، ومعيشة ضنك، فما حملكم على تخطيكم الى ~~PageV01P120 # بلادنا؟ فان كان ذلك من قحط نزل بكم، فانا نوسعكم ونفضل عليكم، فارجعوا ~~الى بلادكم. # فقال له المغيره: اما ما ذكرت من عظيم سلطانكم، ورفاهه عيشكم، وظهوركم ~~على الأمم، وما أوتيتم من رفيع الشان، فنحن كل ذلك عارفون، وساخبرك عن ~~حالنا: ان الله وله الحمد، أنزلنا بقفار من الارض، مع الماء النزر، والعيش ~~القشف يأكل قوينا ضعيفنا، ونقطع أرحامنا، ونقتل أولادنا خشيه الاملاق، ~~ونعبد الأوثان، فبينا نحن كذلك بعث الله فينا نبيا، من صميمنا واكرم ارومه ~~[1] فينا، وامره ان يدعو الناس الى شهاده ان لا اله الا الله، وان نعمل ~~بكتاب انزله إلينا، فآمنا به، وصدقناه، فأمرنا ان ندعو الناس الى ما امره ~~الله به، فمن أجابنا كان له ما لنا، وعليه ما علينا، ومن ابى ذلك سالناه ~~الجزية [2] عن يد، فمن ابى جاهدناه، وانا ادعوك الى مثل ذلك، فان أبيت ~~فالسيف. وضرب يده مشيرا بها الى قائم سيفه. # فلما سمع ذلك رستم تعاظمه ما استقبله به، واغتاظ منه، فقال: والشمس، لا ~~يرتفع الضحى غدا حتى اقتلكم اجمعين فانصرف المغيره الى سعد، فاخبره بما جرى ~~بينهما، وقال لسعد استعد للحرب، فامر الناس بالتهيؤ والاستعداد، فبات ~~الفريقان يكتبون الكتائب، ويعبون الجنود، وأصبحوا وقد صفوا الصفوف، ووقفوا ~~تحت الرايات، وكانت ms090 بسعد عله من خراج [3] في فخذه قد منعه الركوب، فولى امر ~~الناس خالد بن عرفطه، وولى القلب قيس بن هبيرة، وولى الميمنه شرحبيل ابن ~~السمط، وولى الميسره هاشم بن عتبة بن ابى وقاص، وولى الرجاله قيس بن خريم، ~~واقام هو في قصر القادسية، مع الحرم والذرية، ومعه في القصر ابو محجن ~~الثقفى محبوسا في شراب شربه. PageV01P121 # ثم ان سعدا تقدم الى عمرو بن معدى كرب، وقيس بن هبيرة، وشرحبيل بن السمط، ~~وقال: انكم شعراء وخطباء وفرسان العرب، فدوروا في القبائل والرايات، وحرضوا ~~الناس على القتال. # قال: ثم زحف الفريقان بعضهم الى بعض، وقد صف العجم ثلاثة عشر صفا، بعضها ~~خلف بعض، وصفت العرب ثلاثة صفوف، فرشقتهم العجم بالنشاب حتى فشت فيهم [1] ~~الجراحات، فلما راى قيس بن هبيرة ذلك، قال لخالد ابن عرفطه، وكان امير ~~الأمراء: ايها الأمير، انا قد صرنا لهؤلاء القوم غرضا، فاحمل عليهم بالناس ~~حمله واحده، فتطاعن الناس بالرماح مليا، ثم أفيضوا الى السيوف. # وكان زيد بن عبد الله النخعى صاحب الحمله الاولى، فكان أول قتيل، فاخذ ~~الراية اخوه ارطاه، فقتل، ثم حملت بجيله، وعليها جرير بن عبد الله، وحملت ~~الأزد، وثار القتام، واشتد القتال، فانهزمت العجم حتى لحقوا برستم، وترجل ~~رستم، وترجل معه الأساورة والمرازبه وعظماء الفرس، وحملوا، فجال المسلمون ~~جولة. # وكلم ابو محجن أم ولد سعد، فقال: اطلقينى من قيدي، ولك على عهد الله ان ~~لم اقتل ان ارجع الى محبسى هذا، وقيدي. ففعلت، وحملته على فرس لسعد ابلق ~~[2] ، فانتهى الى القوم مما يلى الأزد، وبجيله، مما يلى الميمنه، فجعل ~~يحمل، ويكشف العجم، وقد كانوا كثروا على بجيله، فجعل سعد يعجب، ولا يدرى من ~~هو، ويعرف الفرس. # وبعث سعد الى جرير بن عبد الله، وكان معه لواء بجيله، والى الاشعث بن ~~قيس، ومعه لواء كنده، والى رؤساء القبائل: ان احملوا على القوم من ناحيه ~~الميمنه على القلب، فحمل الناس عليهم من كل وجه، وانتقضت تعبئة الفرس، وقتل ~~رستم، وولت العجم هاربه، وانصرف الى محبسه ابو محجن ms091، وطلب رستم في المعركة، ~~PageV01P122 # فاصيب بين القتلى، وبه مائه جراحه، ما بين طعنه وضربه، ولم يدر من قتله، ~~ويقال: بل ارتطم في نهر القادسية، فغرق، وانتهت هزيمه العجم الى دير كعب، ~~فنزلوا هناك، فاستقبلهم النخارجان، وقد وجهه يزدجرد مددا، فوقف بدير كعب، ~~فكان لا يمر به احد من الفل الا حبسه قبله. # ثم عبى القوم، وكتبوا كتائبهم واوقفوهم مواقفهم حتى وافتهم العرب، وتواقف ~~الفريقان، وبرز النخارجان، فنادى، مرد ومرد، اى رجل ورجل، فخرج اليه زهير ~~بن سليم أخو مخنف بن سليم الأزدي، وكان النخارجان سمينا بدينا جسيما، وزهير ~~رجلا مربوعا [1] شديد العضدين والساعدين، فرمى النخارجان نفسه عن دابته ~~عليه، فاعتركا، فصرعه النخارجان، وجلس على صدره، واستل خنجره ليذبحه، فوقعت ~~ابهام النخارجان في فم زهير، فمضغها، واسترخى النخارجان، وانقلب عليه زهير، ~~وأخذ خنجره وادخل يده تحت ثيابه، فبعجه [2] ، وقتله. # وكان برذون النخارجان مدربا، فلم يبرح، فركبه زهير وقد سلبه سواريه ودرعه ~~وقباءه ومنطقته، فاتى به سعدا، فاغنمه اياه، وامره سعد ان يتزيى بزيه، ودخل ~~على سعد، فكان زهير بن سليم أول من لبس من العرب السوارين، وحمل قيس بن ~~هبيرة على جيلوس راس المستميته، فقتله، وحمل المسلمون من كل جانب، فانهزمت ~~العجم، وبادر جرير بن عبد الله الى القنطرة، فعطفوا عليه، فاحتملوه ~~برماحهم، فسقط الى الارض، ولحقه اصحابه، وهربت عنه العجم، ولم يصبه شيء، ~~وعار فرسه [3] ، فلم يلحق، فاتى ببرذون من مراكب الفرس في عنقه قلاده زمرد، ~~فركبه، وذهبت العجم على وجوهها حتى لحقت بالمدائن. # وكتب سعد الى عمر رضى الله عنه بالفتح. وكان عمر يخرج في كل يوم ماشيا ~~وحده، لا يدع أحدا يخرج معه، فيمشى على طريق العراق ميلين او ثلاثة، ~~PageV01P123 # فلا يطلع عليه راكب من جهة العراق الا ساله عن الخبر، فبينا هو كذلك يوما ~~طلع عليه البشير بالفتح، فلما رآه عمر رضى الله عنه ناداه من بعيد: ما ~~الخبر؟، قال: فتح الله على المسلمين، وانهزمت العجم. وجعل الرسول يخب ~~ناقته، وعمر يعدو معه، ويسأله، ويستخبره، والرسول لا ms092 يعرفه، حتى دخل ~~المدينة كذلك، فاستقبل الناس عمر رضى الله عنه، يسلمون عليه بالخلافة وامره ~~المؤمنين، فقال الرسول، وقد تحير: سبحان الله يا امير المؤمنين! الا ~~أعلمتني؟ فقال عمر: لا عليك. ثم أخذ الكتاب، فقراه على الناس. # واقام سعد في عسكره بالقادسية الى ان أتاه كتاب عمر، يأمره ان يضع لمن ~~معه من العرب دار هجره، وان يجعل ذلك بمكان لا يكون بين عمر وبينهم بحر، ~~فسار الى الأنبار [1] ليجعلها دار هجره، فكرهها لكثرة الذباب بها، ثم ارتحل ~~الى كويفه ابن عمر [2] ، فلم يعجبه موضعها، فاقبل حتى نزل موضع الكوفه ~~اليوم، فخطها خططا بين من كان معه، وبنى لنفسه القصر والمسجد. # وبلغ عمر ان سعدا علق بابا على مدخل القصر، فامر محمد بن مسلمه ان يسير ~~الى الكوفه، فيدعو بنار، فيحرق ذلك الباب، وينصرف من ساعته، واقبل محمد، ~~فسار حتى دخل الكوفه، وفعل ما امر به، وانصرف من ساعته، واخبر سعد، فلم يحر ~~جوابا، وعلم ان ذلك من امر عمر، فقال بشر بن ابى ربيعه: # الم خيال من اميمه موهنا ... وقد جعلت احدى النجوم تغور # ونحن بصحراء العذيب ودونها ... حجازيه ان المحل شطير # فزارت غريبا نازحا، جل ماله ... جواد، ومفتوق الغرار طرير # وحلت بباب القادسية ناقتي ... وسعد بن وقاص على امير # تذكر، هداك الله، وقع سيوفنا ... بباب قديس والمكر غرير PageV01P124 # عشيه ود القوم لو ان بعضهم ... يعار جناحي طائر فيطير # إذا برزت منهم إلينا كتيبه ... أتونا بأخرى كالجبال تمور # فضاربتهم حتى تفرق جمعهم ... وطاعنت، انى بالطعان بصير # وعمرو ابو ثور شهيد، وهاشم ... وقيس، ونعمان الفتى، وجرير # وقال عروه بن الورد: # لقد علمت عمرو ونبهان اننى ... انا الفارس الحامى إذا القوم أدبروا # وانى إذا كروا شددت أمامهم ... كأني أخو قصباء جهم غضنفر # صبرت لأهل القادسية معلما ... ومثلي إذا لم يصبر القرن يصبر # فطاعنتهم بالرمح حتى تبددوا ... وضاربتهم بالسيف حتى تكركروا # بذلك أوصاني ابى، وابو ابى ... بذلك اوصاه، فلست اقصر # حمدت الهى إذ هداني لدينه ... فلله اسعى ما حييت واشكر # وقال قيس ms093 بن هبيرة: # جلبت الخيل من صنعاء تردى ... بكل مدجج كالليث حامى # الى وادي القرى فديار كلب ... الى اليرموك والبلد الشامي # فلما ان زوينا الروم عنها ... عطفناها ضوامر كالجلام # فابنا القادسية بعد شهر ... مسومة دوابرها دوامي [1] # فناهضنا هناك جموع كسرى ... وأبناء المرازبه العظام # فلما ان رايت الخيل جالت ... قصدت لموقف الملك الهمام # فاضرب راسه فهوى صريعا ... بسيف لا افل ولا كهام # وقد ابلى الإله هناك خيرا ... وفعل الخير عند الله نامى # نفلق هامهم بمهندات ... كان فراشها قيض النعام [2] PageV01P125 # قالوا: ولما انهزمت العجم من القادسية وقتل صناديدهم مروا على وجوههم حتى ~~لحقوا بالمدائن، واقبل المسلمون حتى نزلوا على شط دجلة بإزاء المدائن، ~~فعسكروا هناك، وأقاموا فيه ثمانية وعشرين شهرا، حتى أكلوا الرطب مرتين، ~~وضحوا اضحيتين، فلما طال ذلك على اهل السواد صالحه عامه الدهاقين بتلك ~~الناحية. # ولما راى يزدجرد ذلك جمع اليه عظماء مرازبته، فقسم عليهم بيوت أمواله ~~وخزائنه، وكتب عليهم بها القبالات [1] ، وقال: ان ذهب ملكنا، فأنتم أحق به، ~~وان رجع رددتموه علينا، ثم تحمل في حرمه وحشمه، وخاصه اهل بيته، حتى اتى ~~حلوان [2] ، فنزلها، وولى خرزاد بن هرمز أخا رستم المقتول بالقادسية الحرب، ~~وخلفه بالمدائن. # وبلغ ذلك سعدا، فتأهب، وامر اصحابه ان يقتحموا دجلة، وابتدأ، فقال باسم ~~الله، ودفع فرسه فيها، ودفع الناس، فسلموا عن آخرهم الا رجلا غرق، وكان على ~~فرس شقراء [3] ، فخرجت الفرس تنفض عرفها، وغرق راكبها، وكان من طيئ، يسمى ~~سليك بن عبد الله، فقال سلمان، وكان حاضرا يومئذ: يا معشر المسلمين، ان ~~الله ذلل لكم البحر، كما ذلل لكم البر، اما والذى نفس سلمان بيده، ليغيرن ~~فيه، وليبدلن. # قالوا: ولما نظرت الفرس الى العرب قد اقحموا دوابهم الماء وهم يعبرون، ~~تنادوا ديوان آمدند، ديوان آمدند [4] ، فخرج خرزاد في الخيل حتى وقف على ~~الشريعه، ونادى: يا معشر العرب، البحر بحرنا، فليس لكم ان تقتحموه علينا. ~~وأقبلوا يرمون العرب بالنشاب، واقتحم منهم ناس كثير الماء، فقاتلوا ساعه، ~~PageV01P126 # وكاثرتهم العرب، فخرجت الفرس من الشريعه، وخرج المسلمون، وقاتلوهم مليا، ~~وانهزمت ms094 العجم حتى دخلت المدائن، فتحصنوا فيها، واناخ المسلمون عليهم مما ~~يلى دجلة، فلما نظر خرزاد الى ذلك خرج من الباب الشرقى ليلا في جنوده نحو ~~جلولاء، واخلى المدائن، فدخلها المسلمون، فأصابوا فيها غنائم كثيره، ووقعوا ~~على كافور [1] كثير، فظنوه ملحا، فجعلوه في خبزهم، فامر عليهم. # وقال مخنف بن سليم: لقد سمعت في ذلك اليوم رجلا ينادى: من يأخذ صحفه ~~حمراء بصحفه بيضاء. لصحفه من ذهب لا يعلم ما هي. # وكتب سعد الى عمر رضى الله عنه بالفتح، واقبل علج [2] من اهل المدائن الى ~~سعد، فقال: انا ادلكم على طريق، تدركون فيه القوم قبل ان يمعنوا في السير. ~~فقدمه سعد امامه، واتبعته الخيل، فقطع بهم مخائض وصحارى. ### | موقعه جلولاء # ثم ان خرزاد لما انتهى الى جلولاء [3] اقام بها، وكتب الى يزدجرد، وهو ~~بحلوان، يسأله المدد، فامده، فخندق على نفسه، ووجهوا بالذراري والاثقال الى ~~خانقين [4] ، ووجه سعد اليهم بخيل، وولى عليها عمرو بن مالك بن نجبه بن ~~نوفل بن وهب بن عبد مناف بن زهره، فسار حتى وافى جلولاء، والعجم مجتمعون قد ~~خندقوا على انفسهم. فنزل المسلمون قريبا من معسكرهم، وجعلت الامداد تقدم ~~على العجم من الجبل، وأصبهان. # فلما راى المسلمون ذلك قالوا لاميرهم عمرو بن مالك: ما تنتظر بمناهضه ~~القوم، PageV01P127 # وهم كل يوم في زياده؟. فكتب الى سعد بن وقاص يعلمه ذلك، ويستاذنه في ~~مناجزه القوم، فاذن له سعد، ووجه اليه قيس بن هبيرة مددا في الف رجل، ~~أربعمائة فارس، وستمائه راجل. # وبلغ العجم ان العرب قد أتاهم المدد، فتأهبوا للحرب، وخرجوا، ونهض اليهم ~~عمرو بن مالك في المسلمين، وعلى ميمنته حجر بن عدى، وعلى ميسرته زهير ابن ~~جويه، وعلى الخيل عمرو بن معدى كرب، وعلى الرجاله طليحة ابن خويلد، فتزاحف ~~الفريقان، وصبر بعضهم لبعض، فتراموا بالسهام حتى انفدوها، وتطاعنوا بالرماح ~~حتى كسروها، ثم أفضوا الى السيوف وعمد الحديد، فاقتتلوا يومهم ذلك كله الى ~~الليل، ولم يكن للمسلمين فيه صلاه الا إيماء والتكبير، حتى إذا اصفرت الشمس ~~انزل الله على المسلمين ms095 نصره، وهزم عدوهم، فقتلوهم الى الليل، واغنمهم الله ~~عسكرهم بما فيه. # فقال محقن بن ثعلبه، فدخلت في معسكرهم الى فسطاط، فإذا انا بجاريه على ~~سرير في جوف الفسطاط، كان وجهها دارة القمر، فلما نظرت الى فزعت وبكت، ~~فأخذتها، واتيت الأمير عمرو بن مالك، فاستوهبته إياها، فوهبها لي، فاتخذتها ~~أم ولد. # وأصاب خارجه بن الصلت في فسطاط من فساطيطهم ناقه من ذهب موشحه باللؤلؤ ~~والدر الفارد [1] ، والياقوت، عليها تمثال رجل من ذهب، وكانت على كبر ~~الظبية، فدفعها الى المتولى لقبض الغنائم. # قال: ومرت الفرس على وجوهها، لا تلوى على شيء حتى انتهت الى يزدجرد، وهو ~~بحلوان، فسقط في يديه، فتحمل بحرمه وحشمه وما كان معه من أمواله وخزائنه ~~حتى نزل قم [2] وقاشان. PageV01P128 # وأصاب المسلمون يوم جلولاء غنيمه لم يغنموا مثلها قط، وسبوا سبيا كثيرا ~~من بنات احرار فارس، فذكروا ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يقول: اللهم ~~انى اعوذ بك من اولاد سبايا الجلوليات. فأدرك ابناؤهن قتال صفين، فخلف عمرو ~~بن مالك بجلولاء جرير بن عبد الله البجلي في اربعه آلاف فارس مسلحه بها، ~~ليردوا العجم عن نفوذها الى ما يلى العراق، وسار ببقية المسلمين حتى وافى ~~سعد بن ابى وقاص، وهو مقيم بالمدائن، فارتحل سعد بالناس حتى ورد الكوفه، ~~وكتب الى عمر رضى الله عنه بالفتح، واقام سعدا أميرا على الكوفه وجميع ~~السواد ثلاث سنين ونصفا، ثم عزله عمر، وولى مكانه عمار بن ياسر على الحرب، ~~وعبد الله بن مسعود على القضاء، وعمرو بن حنيف على الخراج. # قالوا: ولما انتهت هزيمه العجم الى حلوان، وخرج يزدجرد هاربا حتى نزل قم ~~وقاشان ومعه عظماء اهل بيته واشرافهم، قال له رجل من خاصته واهل بيته، يسمى ~~هرمزان، وكان خال شيرويه بن كسرى ابرويز: ايها الملك ان العرب قد اقتحمت ~~عليك من هذه الناحية، يعنى حلوان، ولهم جمع بناحيه الاهواز، ليس في وجوههم ~~احد يردهم، ولا يمنعهم من العيث والفساد، يعنى خيل ابى موسى الأشعري ومن ~~كان معه. قال يزدجرد: فما ms096 الرأي؟ قال الهرمزان: الرأي ان توجهني الى تلك ~~الناحية، فاجمع الى العجم، وأكون ردءا في ذلك الوجه، واجمع لك الأموال من ~~فارس والاهواز، واحملها إليك، لتتقوى بها على حرب اعدائك، فاعجبه ذلك من ~~قوله، وعقد له على الاهواز وفارس، ووجه معه جيشا كثيفا. # PageV01P129 ### | يوم مدينه تستر # فاقبل الهرمزان حتى وافى مدينه تستر [1] ، فنزلها، ورم حصنها، وجمع ~~الميرة فيها لحصار، ان رهقه [2] ، وارسل فيما يليه يستنجدهم، فوافاه بشر ~~عظيم، فكتب ابو موسى الى عمر، يخبره الخبر، فكتب عمر رضى الله عنه الى عمار ~~بن ياسر، يأمره ان يوجه النعمان بن مقرن في الف رجل من المسلمين الى ابى ~~موسى، فكتب عمار الى جرير، وكان مقيما بجلولاء، يأمره باللحاق بابى موسى، ~~فخلف جرير بجلولاء عروه ابن قيس البجلي في الفى رجل من العرب، وسار ببقية ~~الناس حتى لحق بابى موسى، فكتب ابو موسى الى عمر يستزيده من المدد، فكتب ~~عمر الى عمار يأمره ان يستخلف عبد الله بن مسعود على الكوفه في نصف الناس، ~~ويسير بالنصف الآخر حتى يلحق بابى موسى، فسار عمار حتى ورد على ابى موسى، ~~وقد وافاه جرير من ناحيه جلولاء. # فلما توافت العساكر عند ابى موسى ارتحل بالناس، وسار حتى اناخ على تستر، ~~وتحصن الهرمزان منه في المدينة، ثم تاهب للحرب، وخرج الى ابى موسى، وعبى ~~ابو موسى المسلمين، فجعل على ميمنته البراء بن مالك أخا انس بن مالك، وعلى ~~ميسرته مجزاه بن ثور البكرى، وعلى جميع الناس انس بن مالك، وعلى الرجاله ~~سلمه بن رجاء. # وتزاحف الفريقان فاقتتلوا قتالا شديدا، حتى كثرت القتلى بين الفريقين، ثم ~~انزل الله نصره، فانهزمت الأعاجم حتى دخلوا مدينه تستر، فتحصنوا بها، وقتل ~~البراء بن مالك ومجزاه بن ثور، وقتل من الأعاجم في المعركة الف رجل، واسر ~~منهم ستمائه اسير، فقدمهم ابو موسى، فضرب أعناقهم. PageV01P130 # واقام المسلمون على باب مدينه تستر أياما كثيره، وحاصروا العجم بها، فخرج ~~ذات ليله رجل من اشراف اهل المدينة، فاتى أبا موسى مستسرا، فقال تؤمننى على ~~نفسي ms097 واهلى وولدى ومالي وضياعي حتى اعمل في أخذك المدينة عنوة؟ قال ابو ~~موسى: ان فعلت فلك ذلك. قال الرجل، وكان اسمه سينه: ابعث معى رجلا من ~~أصحابك. فقال ابو موسى: من رجل يشرى نفسه، ويدخل مع هذا العجمي مدخلا لا ~~آمن عليه فيه الهلاك، ولعل الله ان يسلمه، فان يهلك فالى الجنه، وان يسلم ~~عمت منفعته جميع الناس؟. # فقام رجل من بنى شيبان، يقال له الاشرس بن عوف، فقال: انا. فقال ابو موسى ~~امض، كلأك الله. فمضى حتى خاض به دجيل [1] ، ثم اخرجه من سرب [2] حتى انتهى ~~به الى داره، ثم اخرجه من داره، والقى عليه طيلسانا [3] ، وقال: امش ورائي ~~كأنك من خدمي. ففعل، فجعل سينه يمر به في اقطار المدينة طولا وعرضا، حتى ~~انتهى به الى الاحراس الذين يحرسون أبواب المدينة، ثم انطلق حتى مر به على ~~الهرمزان، وهو على باب قصره، ومعه ناس من مرازبته، وشمع امامه، حتى نظر ~~الرجل الى جميع ذلك، ثم انصرف الى داره، واخرجه من ذلك السرب، حتى اتى به ~~أبا موسى، فاخبره الاشرس بجميع ما راى، وقال: وجه معى مائتي رجل حتى اقصد ~~بهم الحرس، فاقتلهم، وافتح لك الباب، ووافنا أنت بجميع الناس. # فقال ابو موسى: من يشترى نفسه لله، فيمضى مع الاشرس؟. فانتدب مائتا رجل، ~~فمضوا مع الاشرس وسينه حتى دخلوا من ذلك النقب، وخرجوا في دار سينه، ~~وتأهبوا للحرب، ثم خرجوا والاشرس امامهم، حتى انتهوا الى باب المدينة، ~~واقبل ابو موسى في جميع الناس حتى وافوا الباب من خارج، واقبل PageV01P131 # الاشرس واصحابه حتى أتوا الاحراس، فوضعوا فيهم السيف، وتداعى الناس، ~~واسندوا ظهورهم الى حائط السور، وابو موسى واصحابه يكبرون لتشتد بذلك ~~ظهورهم، وافضى اصحاب الاشرس الى الباب، فضربوا القفل حتى كسروه، وفتحوا ~~الباب، ودخل ابو موسى والمسلمون، فوضعوا فيهم السيوف، وهرب الهرمزان في ~~عظماء مرازبته حتى دخلوا الحصن الذى في جوف المدينة، وأخذ ابو موسى المدينة ~~بما فيها وحاصروا الهرمزان حتى فنى ما كان اعد في الحصن من الميرة، ثم سال ms098 ~~الامان، فقال ابو موسى: أومنك على حكم امير المؤمنين. فرضى بذلك، وخرج فيمن ~~كان معه من اهل بيته ومرازبته الى ابى موسى، فوجه به وبهم ابو موسى الى عمر ~~رضى الله عنه، ووجه معه ثلاثمائه رجل، وامر عليهم انس بن مالك، فساروا حتى ~~انتهوا الى ماء يقال له السمينة [1] ، فاقبل اهل الماء يمنعونهم من النزول ~~خوفا من ان يفنوا ماءهم، فلما علموا ان أنسا صاحب القوم جاؤوهم، فنزلوا، ~~فقال رجل من اصحاب انس لانس: اخبر امير المؤمنين بما صنع هؤلاء بنا، ~~ليخرجوهم من هذا الماء. قال الهرمزان: وان اراد مريد ان يحولهم الى مكان شر ~~منه، هل كان يجده؟. # ثم ساروا حتى وافوا المدينة، فاتوا دار عمر، وقد زينوا الهرمزان بقبائه ~~[2] ومنطقته وسيفه وسواريه وتوامتيه [3] ، وكذلك من كان معه، لينظر عمر رضى ~~الله عنه الى زي الملوك والمرازبه وهيئتهم، فكان من خبره ما هو مشهور. # وانصرف عمار بن ياسر فيمن كان معه من اصحابه الى أوطانهم بالكوفه، وسار ~~ابو موسى من تستر، حتى أتوا السوس [4] ، فحاصرها، فسأله مرزبانها ان يؤمنه ~~في ثمانين رجلا من اهل بيته وخاصه اصحابه، فأجابه الى ذلك، فخرج اليه، فعد ~~ثمانين رجلا، ولم يعد نفسه فيهم فامر ابو موسى به، فضربت عنقه، واطلق ~~الثمانين الذين عدهم، ثم دخل المدينة، فغنم ما فيها، ثم بعث منجوف بن ثور ~~الى PageV01P132 # مهرجان قذق [1] ، فافتتحها، ومعه السائب بن الأقرع، فانتهى السائب الى ~~قصر الهرمزان صاحب تستر، وكان موطنه الصيمرة، فدخل القصر، وكان من المدينة ~~على ميل، فنظر في بعض البيوت الى تمثال في الحائط ماد اصبعه مصوبها الى ~~الارض، فقال السائب ما صوبت اصبع هذا التمثال الى هذا المكان الا لامر، ~~احفروا هاهنا فحفروا، فأصابوا سفطا [2] ، كان للهرمزان مملوءا جوهرا، ~~فاحتبس منه السائب فص خاتم، وسرح بالباقي الى ابى موسى، واعلمه انه أخذ منه ~~فصا، فسأله ان يهبه له، ففعل ابو موسى، ووجه بالسفط الى عمر رضى الله عنه، ~~فأرسل عمر الى الهرمزان، وقال: هل تعرف هذا السفط؟ فقال: نعم ms099، افقد منه فصا ~~قال عمر: ان صاحب المقسم استوهبه، فوهبه له ابو موسى، فقال: ان صاحبكم ~~لبصير بالجوهر. # ثم ان عمر ولى عثمان بن ابى العاص ارض البحرين، فلما بلغه فتح الاهواز ~~سار بمن كان معه حتى اوغل في ارض فارس، فنزل مكانا يسمى توج [3] فصيره دار ~~هجره، وبنى مسجدا جامعا، فكان يحارب اهل أردشير، حتى غلب على طائفه من ~~ارضهم، وغلب على ناحيه من بلاد سابور، وبلاد اصطخر، وارجان، فمكث بذلك ~~حولا، ثم خلف أخاه الحكم بن ابى العاص على اصحابه ولحق بالمدينة. # وان مرزبان فارس جمع جموعا عظيمه، وزحف الى الحكم، فظفر به الحكم، فقتله، ~~وكان اسمه سهرك. ### | وقعه نهاوند # ثم كانت وقعه نهاوند [4] سنه احدى وعشرين 641 م، وذلك ان العجم لما قتلوا ~~بجلولاء، وهرب يزدجرد، فصار بقم، ووجه رسله في البلدان يستجيش، فغضب له اهل ~~مملكته، فتحلبت [5] اليه الأعاجم من اقطار البلاد، PageV01P133 # فأتاه اهل قومس، وطبرستان، وجرجان، ودنباوند، والري، وأصبهان، وهمذان، ~~والماهين، واجتمعت عنده جموع عظيمه، فولى امرهم مردان شاه بن هرمز، ووجههم ~~الى نهاوند. # وكتب عمار بن ياسر الى عمر بن الخطاب بذلك، فخرج عمر بن الخطاب رضى الله ~~عنه، وبيده الكتاب حتى صعد المنبر، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: يا معشر ~~العرب، ان الله ايدكم بالإسلام، والف بينكم بعد الفرقة، واغناكم بعد ~~الفاقة، واظفركم في كل موطن لقيتم فيه عدوكم، فلم تفلوا، ولم تغلبوا، وان ~~الشيطان قد جمع جموعا ليطفئ نور الله، وهذا كتاب عمار ابن ياسر، يذكر ان ~~اهل قومس وطبرستان ودنباوند وجرجان والري وأصبهان وقم وهمذان والماهين ~~وماسبذان قد اجفلوا [1] الى ملكهم، ليسيروا الى إخوانكم بالكوفه والبصره ~~حتى يطردوهم من ارضهم، ويغزوكم في بلادكم، فأشيروا على. # فتكلم طلحه بن عبيد الله، فقال: يا امير المؤمنين، ان الأمور قد حنكتك، ~~وان الدهور قد جربتك، وأنت الوالي، فمرنا نطع، واستنهضنا ننهض. ثم تكلم ~~عثمان بن عفان، فقال: يا امير المؤمنين، اكتب الى اهل الشام، فيسيروا من ~~شامهم، والى اهل اليمن، فيسيروا من يمنهم، والى ms100 اهل البصره، فيسيروا من ~~بصرتهم، وسر أنت باهل هذا الحرم حتى توافى الكوفه، وقد وافاك المسلمون من ~~اقطار ارضهم وآفاق بلادهم، فإنك إذا فعلت ذلك كنت اكثر منهم جمعا وأعز ~~نفرا. # فقال المسلمون من كل ناحيه صدق عثمان، فقال عمر لعلى رضى الله عنهما: ما ~~تقول أنت يا أبا الحسن؟، فقال على رضى الله عنه: انك ان اشخصت اهل الشام من ~~شامهم سارت الروم الى ذراريهم، وان سيرت اهل اليمن من يمنهم خلفت الحبشه ~~على ارضهم، وان شخصت أنت من هذا الحرم انتقضت عليك PageV01P134 # الارض من أقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العيالات أهم إليك مما ~~قدامك، وان العجم إذا رأوك عيانا قالوا، هذا ملك العرب كلها، فكان أشد ~~لقتالهم، وانا لم نقاتل الناس على عهد نبينا ص ولا بعده بالكثرة، بل اكتب ~~الى اهل الشام ان يقيم منهم بشامهم الثلثان، ويشخص الثلث، وكذلك الى عمان، ~~وكذلك سائر الأمصار والكور. # فقال عمر: هو الرأي الذى كنت رايته، ولكنى احببت ان تتابعونى عليه، فكتب ~~بذلك الى الأمصار، ثم قال: لاولين الحرب رجلا يكون غدا لاسنه القوم جزرا ~~[1] . فولى الأمر النعمان بن مقرن المزنى، وكان من خيار اصحاب رسول الله ص، ~~وكان على خراج كسكر، فدعا عمر السائب بن الأقرع، فدفع اليه عهد النعمان بن ~~مقرن، وقال له: ان قتل النعمان فولى الأمر حذيفة بن اليمان، وان قتل حذيفة ~~فولى الأمر جرير بن عبد الله البجلي، وان قتل جرير فالأمير المغيره ابن ~~شعبه، وان قتل المغيره فالأمير الاشعث بن قيس. # وكتب الى النعمان بن مقرن ان قبلك رجلين هما فارسا العرب: عمرو بن معدى ~~كرب، وطليحة بن خويلد فشاورهما في الحرب، ولا تولهما شيئا من الأمر، ثم قال ~~للسائب: ان اظفر الله المسلمين فتول امر المغنم ولا ترفع الى باطلا، وان ~~يهلك ذلك الجيش فاذهب، فلا ارينك. # فسار السائب حتى ورد الكوفه ودفع الى النعمان عهده، ووافت الامداد، وخلف ~~ابو موسى بالبصرة ثلثى الناس، وسار بالثلث الآخر حتى وافى الكوفه، فتجهز ms101 ~~الناس، وساروا الى نهاوند، فنزلوا بمكان يسمى الاسفيذهان [2] من مدينه ~~نهاوند على ثلاثة فراسخ، قرب قريه يقال لها قديسجان، واقبلت الأعاجم يقودها ~~مردان شاه بن هرمزد، حتى عسكروا قريبا من عسكر المسلمين، وخندقوا على ~~انفسهم، واقام الفريقان بمكانهما، فقال النعمان لعمرو وطلحه: ما تريان؟ ~~PageV01P135 # فان هؤلاء القوم قد أقاموا بمكانهم لا يخرجون منه، وامدادهم تترى عليهم ~~كل يوم فقال عمرو: الرأي ان تشيع ان امير المؤمنين توفى، ثم ترتحل بجميع من ~~معك، فان القوم إذا بلغهم ذلك طلبونا فنقف لهم عند ذلك، ففعل النعمان ذلك، ~~وتباشرت الأعاجم، وخرجوا في آثار المسلمين، حتى إذا قاربوهم وقفوا لهم، ثم ~~تزاحفوا، فاقتتلوا، فلم يسمع الا وقع الحديد على الحديد، وكثرت القتلى من ~~الفريقين، وحال بينهما الليل، فانصرف كل فريق الى معسكرهم، وبات المسلمون ~~لهم أنين من الجراح، ثم أصبحوا، وذلك يوم الأربعاء، فتزاحفوا، واقتتلوا ~~يومهم كله، وصبر الفريقان، ثم كان ذلك دأبهم يوم الخميس، وتزاحفوا يوم ~~الجمعه، وتواقفوا، وركب النعمان بن مقرن برذونا اشهب، ولبس ثيابا بيضاء، ~~وسار بين الصفوف، يذمر المسلمين، ويحضهم، وجعل ينتظر الساعة التي كان ~~الرسول ص يقاتل فيها، ويستنزل النصر، وهي زوال النهار، ومهب الرياح، وسار ~~في الرايات يقول لهم: انى هاز لكم الراية ثلاثا، فان هززتها أول مره فليشد ~~كل رجل منكم حزام فرسه، وليستلم شكته، فإذا هززتها الثانيه فصوبوا رماحكم، ~~وهزوا سيوفكم، فإذا هززتها الثالثه، فكبروا، واحملوا، فانى حامل. # فلما زالت الشمس بأدنى صلوا ركعتين ركعتين، ووقف، ونظر الناس الى الراية، ~~فلما هزها الثالثه كبروا، وحملوا، فانتقضت صفوف الأعاجم، وكان النعمان أول ~~قتيل، فحمله اخوه سويد بن مقرن الى فسطاطه، فخلع ثيابه، فلبسها، وتقلد ~~سيفه، وركب فرسه، فلم يشك اكثر الناس انه النعمان، وثبتوا، يقاتلون عدوهم، ~~ثم انزل الله نصره، وانهزمت الأعاجم، فذهبت على وجوهها، حتى صاروا الى قريه ~~من نهاوند على فرسخين، تسمى دزيزيد فنزلوها لان حصن نهاوند لم يسعهم، واقبل ~~حذيفة بن اليمان، وقد كان تولى الأمر بعد النعمان، حتى اناخ عليهم، فحاصرهم ~~بها. # PageV01P136 # قال ms102: وانهم خرجوا ذات يوم مستعدين للحرب، فقاتلهم المسلمون، فانهزمت ~~الأعاجم، وانقطع عظيم من عظمائهم يسمى دينار فحال المسلمون بينه وبين ~~الدخول الى الحصن، واتبعه رجل من عبس، يسمى سماك بن عبيد فقتل قوما كانوا ~~معه، واستسلم له الفارس، فاستاسره سماك، فقال لسماك: انطلق بي الى اميركم، ~~فانى صاحب هذه الكورة، لاصالحه على هذه الارض، وافتح له باب الحصن، فانطلق ~~به الى حذيفة، فصالحه حذيفة عليها، وكتب له بذلك كتابا. # فاقبل دينار حتى وقف على باب حصن نهاوند، ونادى من فيه افتحوا باب الحصن، ~~وانزلوا، فقد آمنكم الأمير، وصالحني على أرضكم. فنزلوا اليه، فبذلك سميت ~~ماه دينار. واقبل رجل من اشراف تلك البلاد الى السائب بن الأقرع، وكان على ~~المغانم، فقال له اتصالحنى على ضياعي، وتؤمننى على أموالي، حتى ادلك على ~~كنز لا يدرى ما قدره، فيكون خالصا لاميركم الأعظم، لأنه شيء لم يؤخذ في ~~الغنيمه. # وكان سبب هذا الكنز ان النخارجان الذى كان يوم القادسية اقبل بالمدد، ~~فالفى العجم قد انهزموا، فوقف، فقاتل حتى قتل، وكان من أعاظم الأعاجم، وكان ~~كريما على كسرى ابرويز، وكانت له امراه من اكمل [1] النساء جمالا، وكانت ~~تختلف الى كسرى، فبلغ النخارجان ذلك، فرفضها، فلم يقربها، وبلغ ذلك كسرى، ~~فقال يوما للنخارجان وقد دخل عليه مع العظماء والاشراف: بلغنى ان لك عينا ~~عذبه الماء، وانك لا تشرب منها. فقال النخارجان ايها الملك، بلغنى ان الأسد ~~ينتاب تلك العين، فاجتنبتها مخافه الأسد فاستحلى كسرى جواب النخارجان، وعجب ~~من فطنته، فدخل دار نسائه، وكانت له ثلاثة آلاف امراه لفراشه، فجمعهن وأخذ ~~ما كان عليهن من حلى، فجمعه، ودفعه الى امراه النخارجان، PageV01P137 # ودعا بالصاغه، فاتخذوا للنخارجان تاجا من ذهب مكللا بالجوهر الثمين، ~~فتوجه به، فبقى ذلك التاج وتلك الحلى عند ولد بنى المرأة، فلما وقعت الحرب ~~بناحيتهم ساروا به الى قريه لأبيهم، سميت باسمه، يقال لها الخوارجان وفيها ~~بيت نار، فاقتلعوا الكانون [1] . ودفنوا الحلى تحته، وأعادوا الكانون ~~كهيئته. # فقال له السائب: ان كنت صادقا فأنت آمن على اولادك ms103 وضياعك واهلك وولدك، ~~فانطلق به حتى استخرجه في سفطين: أحدهما التاج، والآخر الحلى. # فلما قسم السائب الغنائم بين من حضر القتال، وفرغ حمل السفطين في خرجين ~~على ناقته، وقدم بهما على عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فكان من امرهما ~~الخبر المشهور، اشتراهما عمرو بن الحارث بعطاء المقاتله والذرية جميعا، ثم ~~حملهما الى الحيرة فباع بفضل كثير، واعتقد بذلك اموالا بالعراق، وكان أول ~~قرشي اعتقد بالعراق، فقال عروه بن زيد الخيل يذكر ايامهم: # الا طرقت رحلي وقد نام صحبتي ... بايوان سيرين المزخرف خلتي # ولو شهدت يومى جلولاء حربنا ... ويوم نهاوند المهول استهلت # إذا لرأت ضرب امرى غير خامل ... مجيد بطعن الرمح اروع مصلت # ولما دعوا يا عروه بن مهلهل ... ضربت جموع الفرس حتى تولت # دفعت عليهم رحلتي وفوارسى ... وجردت سيفي فيهم ثم التي # وكم من عدو اشوس متمرد ... عليه بخيلى في الهياج اظلت # وكم كربه فرجتها وكريهة ... شددت لها ازرى الى ان تجلت # وقد اضحت الدنيا لدى ذميمة ... وسليت عنها النفس حتى تسلت # واصبح همى في الجهاد ونيتى ... فلله نفس ادبرت وتولت # فلا ثروه الدنيا نريد اكتسابها ... الا انها عن وفرها قد تحلت # وماذا ارجى من كنوز جمعتها ... وهذى المنايا شرعا قد اظلت PageV01P138 ### | ولايه عثمان بن عفان # وتوفى عمر بن الخطاب رضى الله عنه يوم الجمعه لاربع ليال بقين من ذي ~~الحجه سنه ثلاث وعشرين، وكانت خلافته عشر سنين وسته اشهر، واستخلف عثمان ~~ابن عفان، فعزل عمار بن ياسر عن الكوفه، وولى الوليد بن عقبه بن ابى معيط، ~~وكان أخا عثمان لامه، أمهما اروى بنت أم حكيم بن عبد المطلب بن هاشم، وعزل ~~أبا موسى الأشعري عن البصره، وولاها عبد الله بن عامر بن كريز، وكان ابن ~~خال عثمان، وكان حدث السن، واستعمل عمرو بن العاص على حرب مصر، واستعمل عبد ~~الله بن ابى سرح على خراجها، وكان أخاه من الرضاعه، ثم عزل عمرو بن العاص، ~~وجمع الحرب والخراج لعبد الله بن ابى سرح. ### | الفتوحات في عهد عثمان # ثم كانت ms104 غزوه سابور من ارض فارس، وافتتاحها. وأميرها عثمان بن ابى العاص، ~~ثم كان فتح إفريقية سنه تسع وعشرين، وأميرها عبد الله بن ابى سرح، ثم كان ~~فتح قبرس، وأميرها معاويه بن ابى سفيان. # ثم ان اهل اصطخر نزعوا يدا من الطاعة، وقدمها يزدجرد الملك في جمع من ~~الأعاجم، فسار اليهم عثمان بن ابى العاص وعبد الله بن عامر، فكان الظفر ~~للمسلمين، وهرب يزدجرد نحو خراسان، فاتى مرو. فاخذ عامله بها، وكان اسمه ~~ماهويه بالأموال، وقد كان ماهويه صاهر خاقان ملك الاتراك، فلما تشدد عليه ~~ارسل الى خاقان يعلمه ذلك، فاقبل خاقان في جنوده حتى عبر النهر مما يلى ~~آمويه، ثم ركب المفازة حتى اتى مرو، ففتح له ماهويه أبوابها، وهرب يزدجرد ~~على رجليه وحده، فمشى مقدار فرسخين حتى انتهى في السحر الى رحى فيها سراج ~~يتقد، فدخلها، وقال للطحان: آونى عندك الليلة قال الطحان: أعطني اربعه ~~دراهم، فانى اريد ان ادفعها الى صاحب الرحا [1] ، فناوله سيفه PageV01P139 # ومنطقته، وقال: هذا لك، ففرش له الطحان كساءه، فنام يزدجرد لما ناله من ~~شده التعب، فلما استثقل نوما قام اليه الطحان بمنقار الرحا، فقتله، وأخذ ~~سلبه [1] ، والقاه في النهر. # ولما اصبح الناس تداعوا، فاجلبوا على الاتراك من كل وجه، فخرج خاقان ~~منهزما حتى اوغل في المفازة، فطلبوا الملك فلم يجدوه، فخرجوا يقفون اثره ~~حتى انتهوا اليه، فوجدوه قتيلا مطروحا في الماء، وأصابوا بزته عند الطحان. # وذلك في السنه السادسه من خلافه عثمان، وهي سنه ثلاثين من التاريخ [2] ، ~~فعند ذلك انقضى ملك فارس، وارخوا عليه تاريخهم الذى يكتبون به اليوم. # وهرب ماهويه حتى نزل ابرشهر مخافه ان يقتله اهل مرو، فمات بها. # وسار عبد الله بن خازم السلمى الى سرخس [3] ، فافتتحها أيضا، وسار عبد ~~الله ابن عامر الى كرمان وسجستان، فافتتحهما. ### | ولاية على بن ابى طالب ع ### | بيعه على بن ابى طالب # ثم قتل [4] عثمان رضى الله عنه، فلما قتل بقي الناس ثلاثة ايام بلا امام، ~~وكان الذى يصلى بالناس الغافقي، ثم بايع الناس عليا ms105 رضى الله عنه، فقال: ~~ايها الناس، بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، وانما الخيار قبل ان ~~تقع البيعه، فإذا وقعت فلا خيار، وانما على الامام الاستقامة، وعلى الرعية ~~التسليم، وان هذه بيعه عامه، من ردها رغب عن دين الاسلام، وانها لم تكن ~~فلته. # ثم ان عليا رضى الله عنه اظهر انه يريد السير الى العراق، وكان على الشام ~~يومئذ معاويه بن ابى سفيان، وليها لعمر بن الخطاب سبعا، ووليها جميع ولايه ~~عثمان PageV01P140 # رضى الله عنه اثنتى عشره سنه، فواتاه الناس على السير الا ثلاثة نفر: سعد ~~بن ابى وقاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن مسلمه الأنصاري. # وبعث على رضى الله عنه عماله الى الأمصار، فاستعمل عثمان بن حنيف على ~~البصره، وعماره بن حسان على الكوفه، وكانت له هجره، واستعمل عبد الله بن ~~عباس على جميع ارض اليمن، واستعمل قيس بن سعد بن عباده على مصر، واستعمل ~~سهل بن حنيف على الشام. # فاما سهل فانه لما انتهى الى تبوك، وهي تخوم ارض الشام استقبله خيل ~~لمعاوية، فردوه، فانصرف الى على، فعلم على رضى الله عنه عند ذلك ان معاويه ~~قد خالف، وان اهل الشام بايعوه. # وحضر الموسم، فاستأذن الزبير وطلحه عليا في الحج، فاذن لهما، وقد كانت ~~عائشة أم المؤمنين خرجت قبل ذلك معتمره، وعثمان محصور، وذلك قبل مقتله ~~بعشرين يوما، فلما قضت عمرتها اقامت، فوافاها الزبير وطلحه. # وكتب على بن ابى طالب الى معاويه اما بعد، فقد بلغك الذى كان من مصاب ~~عثمان رضى الله عنه، واجتماع الناس على ومبايعتهم لي، فادخل في السلم او ~~ائذن بحرب. وبعث الكتاب مع الحجاج بن غزيه الأنصاري، فلما قدم على معاويه، ~~واوصل كتاب على اليه، فقراه، فقال: انصرف الى صاحبك، فان كتابي مع رسولي ~~على اثرك، فانصرف الحجاج، وامر معاويه بطومارين [1] ، فوصل أحدهما بالآخر، ~~ولفا، ولم يكتب فيهما شيئا الا بسم الله الرحمن الرحيم، وكتب على العنوان ~~من معاويه بن ابى سفيان الى على بن ابى طالب. # ثم ms106 بعث به مع رجل من عبس، له لسان وجسارة، فقدم العبسى على على، فناوله ~~الكتاب، ففتحه، فلم ير فيه شيئا، الا بسم الله الرحمن الرحيم، وعند على ~~وجوه الناس. PageV01P141 # فقام العبسى، فقال: ايها الناس، هل فيكم احد من عبس؟ قالوا: نعم. قال: ~~فاسمعوا منى، وافهموا عنى، انى قد خلفت بالشام خمسين الف شيخ خاضبى لحاهم ~~بدموع اعينهم تحت قميص عثمان، رافعيه على اطراف الرماح، قد عاهدوا الله الا ~~يشيموا [1] سيوفهم حتى يقتلوا قتلته، او تلحق ارواحهم بالله. # فقام اليه خالد بن زفر العبسى، فقال: بئس لعمر الله وافد الشام أنت، ~~اتخوف المهاجرين والانصار بجنود اهل الشام وبكائهم على قميص عثمان، فو الله ~~ما هو بقميص يوسف ولا بحزن يعقوب، ولئن بكوا عليه بالشام، فقد خذلوه ~~بالعراق. # ثم ان المغيره بن شعبه دخل على على رضى الله عنه، فقال: يا امير ~~المؤمنين، ان لك حق الصحبه، فاقر معاويه على ما هو عليه من امره الشام، ~~وكذلك جميع عمال عثمان، حتى إذا اتتك طاعتهم وبيعتهم استبدلت حينئذ او ~~تركت، فقال على رضى الله: انا ناظر في ذلك. # وخرج عنه المغيره ثم عاد اليه من غد، فقال: يا امير المؤمنين، انى اشرت ~~أمس عليك براى، فلما تدبرته عرفت خطاه، والرأي ان تعاجل معاويه وسائر عمال ~~عثمان بالعزل، لتعرف السامع المطيع من العاصي، فتكافئ كلا بجزائه ثم قام، ~~فتلقاه ابن عباس داخلا، فقال لعلى رضى الله عنه: فيم أتاك المغيره؟ # فاخبره على بما كان من مشورته بالأمس، وما اشار عليه بعد، فقال ابن عباس: ~~اما أمس فانه نصح لك، واما اليوم فغشك. # وبلغ المغيره ذلك، فقال: صدق ابن عباس، نصحت له، فلما رد نصحى بدلت قولي، ~~ولما خاض الناس في ذلك سار المغيره الى مكة، فأقام بها ثلاثة اشهر، ثم ~~انصرف الى المدينة. # ثم ان عليا رضى الله عنه نادى في الناس بالتأهب للمسير الى العراق، فدخل ~~عليه سعد بن ابى وقاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن مسلمه، ~~PageV01P142 # فقال لهم: قد ms107 بلغنى عنكم هناه كرهتها لكم، فقال سعد: قد كان ما بلغك، ~~فأعطني سيفا يعرف المسلم من الكافر حتى اقاتل به معك. # وقال عبد الله بن عمر: أنشدك الله ان تحملني على ما لا اعرف. # وقال محمد بن مسلمه: ان رسول الله ص أمرني ان اقاتل بسيفي ما قوتل به ~~المشركون، فإذا قوتل اهل الصلاة ضربت به صخر احد حتى ينكسر، وقد كسرته ~~بالأمس. ثم خرجوا من عنده. # ثم ان اسامه بن زيد دخل، فقال: اعفنى من الخروج معك في هذا الوجه، فانى ~~عاهدت الله الا اقاتل من يشهد ان لا اله الا الله. # وبلغ ذلك الاشتر، فدخل على على، فقال: يا امير المؤمنين، انا وان لم نكن ~~من المهاجرين والانصار، فانا من «التابعين باحسان،» وان القوم وان كانوا ~~اولى بما سبقونا اليه فليسوا باولى مما شركناهم فيه، وهذه بيعه عامه، ~~الخارج منها طاعن مستعتب، فحض هؤلاء الذين يريدون التخلف عنك باللسان، فان ~~أبوا فادبهم بالحبس فقال على: بل ادعهم ورأيهم الذى هم عليه. # ولما هم على رضى الله عنه بالمسير الى العراق، اجتمع اشراف الانصار، ~~فاقبلوا حتى دخلوا على على، فتكلم عقبه بن عامر، وكان بدريا [1] فقال: يا ~~امير المؤمنين ان الذى يفوتك من الصلاة في مسجد رسول الله ص، والسعى بين ~~قبره ومنبره اعظم مما ترجو من العراق، فان كنت انما تسير لحرب الشام، فقد ~~اقام عمر فينا، وكفاه سعد زحف القادسية، وابو موسى زحف الاهواز، وليس من ~~هؤلاء رجل الا ومثله معك، والرجال اشباه، والأيام دول، فقال على ان الأموال ~~والرجال بالعراق، ولأهل الشام وثبه أحب ان أكون قريبا منها. ونادى في الناس ~~بالمسير، فخرج وخرج معه الناس. PageV01P143 ### | وقعه الجمل # [1] قالوا: ولما قضى الزبير وطلحه وعائشة حجهم تأمروا في مقتل عثمان، ~~فقال الزبير وطلحه لعائشة: ان اطعتنا طلبنا بدم عثمان. قالت: وممن تطلبون ~~دمه؟، قالا: انهم قوم معروفون، وانهم بطانه على ورؤساء اصحابه، فاخرجى معنا ~~حتى ناتى البصره فيمن تبعنا من اهل الحجاز، وان اهل البصره لو قد ms108 رأوك ~~لكانوا جميعا يدا واحده معك. فاجابتهم الى الخروج، فسارت والناس حولها ~~يمينا وشمالا. # ولما فصل على من المدينة نحو الكوفه بلغه خبر الزبير وطلحه وعائشة، فقال ~~لأصحابه: ان هؤلاء القوم قد خرجوا يؤمون البصره، لما دبروه بينهم، فسيروا ~~بنا على أثرهم، لعلنا نلحقهم قبل موافاتهم، فإنهم لو قد وافوها لمال معهم ~~جميع أهلها، قالوا: سر بنا يا امير المؤمنين. فسار حتى وافى ذا قار [2] ، ~~فأتاه الخبر بموافاه القوم البصره، ومبايعه اهل البصره لهم الا بنى سعد، ~~فإنهم لم يدخلوا فيما دخل فيه الناس، وقالوا لأهل البصره: لا نكون معكم ولا ~~عليكم، وقعد عنهم أيضا كعب بن سور في اهل بيته، حتى اتته عائشة في منزله، ~~فأجابها، وقال: اكره الا اجيب أمي، وكان كعب على قضاء البصره. # ولما انتهى الخبر الى على وجه هاشم بن عتبة بن ابى وقاص ليستنهض اهل ~~الكوفه، ثم اردفه بابنه الحسن وبعمار بن ياسر، فساروا حتى دخلوا الكوفه، ~~وابو موسى يومئذ بالكوفه، وهو جالس في المسجد، والناس محتوشوه [3] ~~PageV01P144 # وهو يقول: يا اهل الكوفه، أطيعوني تكونوا جرثومة [1] من جراثيم العرب، ~~يأوي إليكم المظلوم، ويامن فيكم الخائف، ايها الناس، ان الفتنة إذا اقبلت ~~شبهت، وإذا ادبرت تبينت، وان هذه الفتنة الباقره [2] لا يدرى من اين تأتي، ~~ولا من اين تؤتى، شيموا سيوفكم، وانزعوا اسنه رماحكم، واقطعوا اوتار قسيكم، ~~والزموا قعور البيوت، ايها الناس، ان النائم في الفتنة خير من القائم، ~~والقائم خير من الساعى. # فانتهى الحسن بن على وعمار رضى الله عنهما الى المسجد الأعظم وقد اجتمع ~~عالم من الناس على ابى موسى، وهو يقول لهم هذا وأشباهه، فقال له الحسن: ~~اخرج عن مسجدنا، وامض حيث شئت. ثم صعد الحسن المنبر، وعمار صعد معه، ~~فاستنفرا الناس، فقام حجر بن عدى الكندى، وكان من افاضل اهل الكوفه فقال: ~~انفروا خفافا وثقالا، رحمكم الله فأجابه الناس من كل وجه: سمعا وطاعه لأمير ~~المؤمنين، نحن خارجون على اليسر والعسر والشده والرخاء. # فلما أصبحوا من الغد خرجوا مستعدين، فاحصاهم الحسن، فكانوا ms109 تسعه آلاف ~~وستمائه وخمسين رجلا، فوافوا عليا بذى قار قبل ان يرتحل. فلما هم بالمسير ~~غلس الصبح، ثم امر مناديا، فنادى في الناس بالرحيل، فدنا منه الحسن، فقال: ~~يا أبت اشرت عليك حين قتل عثمان وراح الناس إليك وغدوا، وسالوك ان تقوم ~~بهذا الأمر الا تقبله حتى تأتيك طاعه جميع الناس في الافاق، واشرت عليك حين ~~بلغك خروج الزبير وطلحه بعائشة الى البصره ان ترجع الى المدينة، فتقيم في ~~بيتك، واشرت عليك حين حوصر عثمان ان تخرج من المدينة، فان قتل قتل وأنت ~~غائب، فلم تقبل رأيي في شيء من ذلك. PageV01P145 # [فقال له على: اما انتظاري طاعه جميع الناس من جميع الافاق، فان البيعه ~~لا تكون الا لمن حضر الحرمين من المهاجرين والانصار، فإذا رضوا وسلموا وجب ~~على جميع الناس الرضا والتسليم، واما رجوعى الى بيتى والجلوس فيه، فان ~~رجوعى لو رجعت كان غدرا بالأمة، ولم آمن ان تقع الفرقة، وتتصدع عصا هذه ~~الامه، واما خروجى حين حوصر عثمان فكيف أمكنني ذلك؟! وقد كان الناس أحاطوا ~~بي كما أحاطوا بعثمان، فاكفف يا بنى عما انا اعلم به منك.] # ثم سار بالناس، فلما دنا من البصره كتب الكتائب، وعقد الالويه والرايات، ~~وجعلها سبع رايات، عقد لحمير وهمدان رايه، وولى عليهم سعيد بن قيس ~~الهمدانى، وعقد لمذحج والأشعريين رايه، وولى عليهم زياد ابن النضر الحارثى، ~~ثم عقد لطيئ رايه، وولى عليهم عدى بن حاتم، وعقد لقيس وعبس وذبيان رايه، ~~وولى عليهم سعد بن مسعود الثقفى عم المختار بن ابى عبيد، وعقد لكنده ~~وحضرموت وقضاعه ومهره رايه، وولى عليهم حجر ابن عدى الكندى، وعقد للازد ~~وبجيله وخثعم وخزاعة رايه، وولى عليهم مخنف بن سليم الأزدي، وعقد لبكر ~~وتغلب وافناء ربيعه رايه، وولى عليهم محدوج الذهلي، وعقد لسائر قريش ~~والانصار وغيرهم من اهل الحجاز رايه، وولى عليهم عبد الله بن عباس، فشهد ~~هؤلاء الجمل وصفين والنهر، وهم اسباع كذلك، وكان على الرجاله جندب بن زهير ~~الأزدي. # ولما بلغ طلحه والزبير ورود على رضى الله ms110 عنه بالجيوش، وقد اقبل حتى نزل ~~الخريبة [1] فعباهم طلحه والزبير، وكتباهم كتائب، وعقدا الالويه، فجعلا على ~~الخيل محمد بن طلحه، وعلى الرجاله عبد الله بن الزبير، ودفعا اللواء الأعظم ~~الى عبد الله بن حرام بن خويلد، ودفعا لواء الأزد الى كعب بن سور، وولياه ~~الميمنه، ووليا قريشا وكنانه عبد الرحمن بن عتاب بن اسيد، ووليا امر ~~PageV01P146 # الميسره عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو الذى قالت عائشة فيه: وددت لو ~~قعدت في بيتى ولم اخرج في هذا الوجه لكان ذلك أحب الى من عشره اولاد، لو ~~رزقتهن من رسول الله ص على فضل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعقله وزهده. ~~ووليا على قيس مجاشع بن مسعود، وعلى تيم الرباب عمرو بن يثربى، وعلى قيس ~~والانصار وثقيف عبد الله بن عامر بن كريز، وعلى خزاعة عبد الله بن خلف ~~الخزاعي، وعلى قضاعه عبد الرحمن بن جابر الراسبى، وعلى مذحج الربيع بن زياد ~~الحارثى، وعلى ربيعه عبد الله بن مالك. # قالوا: واقام على رضى الله عنه ثلاثة ايام يبعث رسله الى اهل البصره، ~~فيدعوهم الى الرجوع الى الطاعة والدخول في الجماعه، فلم يجد عند القوم ~~اجابه، فزحف نحوهم يوم الخميس لعشر مضين من جمادى الآخرة، وعلى ميمنته ~~الاشتر، وعلى ميسرته عمار بن ياسر، والراية العظمى في يد ابنه محمد بن ~~الحنفيه، ثم سار نحو القوم حتى دنا بصفوفه من صفوفهم، فواقفهم من صلاه ~~الغداة الى صلاه الظهر، يدعوهم ويناشدهم، واهل البصره وقوف تحت رايتهم، ~~وعائشة في هودجها امام القوم. # قالوا: وان الزبير لما علم ان عمارا مع على رضى الله عنه ارتاب بما كان ~~فيه، [لقول رسول الله ص: الحق مع عمار، وتقتلك الفئة الباغيه. # ] قالوا: ثم ان عليا دنا من صفوف اهل البصره، وارسل الى الزبير يسأله، ~~ليدنو، فيكلمه بما يريد، واقبل الزبير حتى دنا من على رضى الله عنه، فوقفا ~~جميعا بين الصفين حتى اختلفت اعناق فرسيهما، فقال له على: ناشدتك الله يا ~~أبا عبد الله، هل تذكر يوما ms111 مررنا انا وأنت برسول الله ص ويدي في يدك، ~~[فقال لك رسول الله ص: اتحبه؟، قلت: نعم، يا رسول الله، فقال لك: اما انك ~~تقاتله، وأنت له ظالم.] ..؟، فقال الزبير: نعم، انا ذاكر له. # PageV01P147 # ثم انصرف على الى قومه، وقال لأصحابه: احملوا على القوم، فقد أعذرنا ~~اليهم، فحمل بعضهم على بعض، فاقتتلوا. بالقنا والسيوف. واقبل الزبير حتى ~~دنا من ابنه عبد الله وبيده الراية العظمى، فقال: يا بنى، انا منصرف، قال: ~~وكيف يا أبت؟، قال: ما لي في هذا الأمر من بصيره، وقد اذكرني على امرا، قد ~~كنت غفلت عنه، فانصرف يا بنى معى، فقال عبد الله: والله لا ارجع او يحكم ~~الله بيننا. فتركه الزبير، ومضى نحو البصره ليتحمل منها، ويمضى نحو الحجاز. ~~ويقال: ان طلحه لما علم بانصراف الزبير هم ان ينصرف، فعلم مروان بن الحكم ~~ما يريده، فرماه بسهم، فوقع في ركبته، فنزف حتى مات. # واقبل الزبير حتى دخل البصره، وامر غلمانه ان يتحملوا، فيلحقوا به، وخرج ~~من ناحيه الخريبة، فمر بالأحنف بن قيس، وهو جالس بفناء داره، وحوله قومه، ~~وقد كانوا اعتزلوا الحرب، فقال الأحنف: هذا الزبير، ولقد انصرف لامر، فهل ~~فيكم من يأتينا بخبره؟، فقال له عمرو بن جرموز: انا آتيك بخبره. فركب فرسه، ~~وتقلد سيفه، ومضى في اثره، وذلك قبل صلاه الظهر، فلحقه، وقد خرج من دور ~~البصره، فقال له: أبا عبد الله ما الذى تركت عليه القوم؟، قال الزبير: ~~تركتهم، وبعضهم يضرب وجوه بعض بالسيف، قال: فأين تريد؟، قال: انصرف لحال ~~بالي، فما لي في هذا الأمر من بصيره. قال عمرو بن جرموز: وانا أيضا اريد ~~الخريبة، فسر بنا. فسارا حتى دنا وقت الصلاة، فقال الزبير: ان هذا وقت ~~الصلاة، وانا اريد ان أقضيها، قال عمرو: وانا اريد ان أقضيها، قال الزبير: ~~أنت منى في الامان، فهل انا منك كذلك، قال: نعم. فنزلا جميعا، وقام الزبير ~~في الصلاة، فلما سجد حمل عليه عمرو بالسيف، فضربه حتى قتله، وأخذ درعه ~~وسيفه وفرسه، واقبل حتى ms112 اتى عليا، وهو واقف، والناس # PageV01P148 # يجتلدون بالسيوف، فالقى السلاح بين يديه، فلما نظر على رضى الله عنه الى ~~السيف، [قال: ان هذا السيف طالما فرج به صاحبه الكرب عن وجه رسول الله ص، ~~ابشر يا قاتل ابن صفيه بالنار،] فقال عمرو: نقتل أعداءكم، وتبشروننا ~~بالنار؟!. # قالوا: ثم ان عليا امر ابنه محمد بن الحنفيه، فقال: تقدم برايتك. وكان ~~معه الراية العظمى، فتقدم بها وقد لاث [1] اهل البصره بعبد الله بن الزبير، ~~وقلدوه الأمر، فتقدم محمد بالراية، فاستقبله اهل البصره بالقنا والسيوف، ~~فوقف بالراية، فتناولها منه على رضى الله عنه، وحمل وحمل معه الناس، ثم ~~ناولها ابنه محمدا، واشتد القتال وحميت الحرب، وانكشف الناس عن الجمل، وقتل ~~كعب بن سور، وثبتت الأزد وضبة، فقاتلوا قتالا شديدا. # فلما راى على شده صبر اهل البصره جمع اليه حماه اصحابه، فقال: ان هؤلاء ~~القوم قد محكوا [2] ، فاصدقوهم القتال، فخرج الاشتر وعدى بن حاتم وعمرو بن ~~الحمق وعمار بن ياسر في عددهم من اصحابهم، فقال عمرو بن يثربى لقومه، ~~وكانوا في ميمنه اهل البصره ان هؤلاء القوم الذين قد برزوا إليكم من اهل ~~العراق هم قتله عثمان، فعليكم بهم، وتقدم امام قومه بنى ضبة، فقاتل قتالا ~~شديدا، وكثرت النبل في الهودج، حتى صار كالقنفذ، وكان الجمل مجففا [3] ، ~~والهودج مطبق بصفائح الحديد. # وصبر الفريقان بعضهم لبعض حتى كثرت القتلى وثار القتام، وطلت الالويه ~~والرايات، وحمل على بنفسه، وقاتل حتى انثنى سيفه، وخرج فارس اهل البصره ~~عمرو بن الأشرف، لا يخرج اليه احد من اصحاب على الا قتله، وهو يرتجز، ~~ويقول: PageV01P149 # يا أمنا يا خير أم ... والام تغذو ولدها وترحم # الا ترين كم جواد ... وتختلى هامته والمعصم # فخرج اليه من اهل الكوفه الحارث بن زهير الأزدي، وكان من فرسان على، ~~فاختلفا ضربتين، فاوهط [1] كل منهما صاحبه، فخرا جميعا صريعين، يفحصان [2] ~~بأرجلهما حتى ماتا. # قالوا: وانكشف اهل البصره انكشافه، وانتهى الاشتر الى الجمل، وعبد الله ~~بن الزبير آخذ بخطامه، فرمى الاشتر بنفسه على عبد الله بن الزبير، فصار ms113 ~~تحته، فصاح عبد الله بن الزبير: اقتلوني ومالكا، فثاب الى ابن الزبير ~~اصحابه. # فلما خاف الاشتر على نفسه قام عن عبد الله بن الزبير، وقاتل حتى خلص الى ~~اصحابه، وقد عار فرسه، فقال لهم: ما أنجاني الا قول ابن الزبير: اقتلوني ~~ومالكا، فلم يدر القوم من مالك، ولو قال اقتلوني والاشتر لقتلوني. # وقاتل عدى بن حاتم حتى فقئت احدى عينيه، وقاتل عمرو بن الحمق، وكان من ~~عباد اهل الكوفه، ومعه النساك قتالا شديدا، فضرب بسيفه حتى انثنى، ثم انصرف ~~الى أخيه رياح، فقال له رياح: يا أخي، ما احسن ما نصنع اليوم، ان كانت ~~الغلبه لنا. # قالوا: ولما راى على لوث اهل البصره بالجمل، وانهم كلما كشفوا عنه عادوا، ~~فلاثوا به، قال لعمار وسعيد بن قيس وقيس بن سعد بن عباده والاشتر وابن بديل ~~ومحمد بن ابى بكر وأشباههم من حماه اصحابه: ان هؤلاء لا يزالون يقاتلون ما ~~دام هذا الجمل نصب اعينهم، ولو قد عقر فسقط لم تثبت له ثابته، فقصدوا بذوي ~~الجد من اصحابه قصد الجمل حتى كشفوا اهل البصره عنه، وافضى PageV01P150 # اليه رجل من مراد الكوفه، يقال له اعين بن ضبيعه، فكشف عرقوبه بالسيف، ~~فسقط وله رغاء، فغرق في القتلى، ومال الهودج بعائشة، فقال على لمحمد بن ابى ~~بكر: تقدم الى أختك، فدنا محمد، فادخل يده في الهودج، فنالت يده ثياب ~~عائشة، فقالت: انا لله، من أنت، ثكلتك أمك، فقال انا اخوك محمد. # ونادى على رضى الله عنه في اصحابه: [لا تتبعوا موليا، ولا تجهزوا على ~~جريح، ولا تنتهبوا مالا، ومن القى سلاحه فهو آمن، ومن اغلق بابه فهو آمن. # ] قال: فجعلوا يمرون بالذهب والفضه في معسكرهم والمتاع، فلا يعرض له احد ~~الا ما كان من السلاح الذى قاتلوا به، والدواب التي حاربوا عليها، فقال له ~~بعض اصحابه: يا امير المؤمنين، كيف حل لنا قتالهم، ولم يحل لنا سبيهم ~~وأموالهم [فقال على رضى الله عنه: ليس على الموحدين سبى، ولا يغنم من ~~أموالهم الا ما قاتلوا به ms114 وعليه، فدعوا ما لا تعرفون، والزموا ما تؤمرون. # ] قال: وامر على محمد بن ابى بكر ان ينزل عائشة فانزلها دار عبد الله بن ~~خلف الخزاعي، وكان عبد الله فيمن قتل ذلك اليوم، فنزلت عند امراته صفيه. # وقال على رضى الله عنه لمحمد: انظر هل وصل الى أختك شيء؟ قال: أصاب ~~ساعدها خدش سهم، دخل بين صفائح الحديد. # ودخل على رضى الله عنه البصره، فاتى مسجدها الأعظم، واجتمع الناس اليه، ~~فصعد المنبر، فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي ص، ثم قال: اما بعد، فان ~~الله ذو رحمه واسعه وعقاب اليم، فما ظنكم بي يا اهل البصره جند المرأة ~~واتباع البهيمة؟ رغا، فقاتلتم، وعقر، فانهزمتم، اخلاقكم دقاق، وعهدكم شقاق، ~~وماؤكم زعاق [1] ، أرضكم قريبه من الماء، بعيده من السماء، PageV01P151 # وايم الله ليأتين عليها زمان لا يرى منها الا شرفات مسجدها في البحر، مثل ~~جؤجؤ [1] السفينة، انصرفوا الى منازلكم. ثم نزل، وانصرف الى معسكره، وقال ~~لمحمد بن ابى بكر: سر مع أختك حتى توصلها الى المدينة، وعجل اللحوق بي ~~بالكوفه، فقال: اعفنى من ذلك يا امير المؤمنين، فقال على: لا اعفيك منه، ~~ومالك بد. فسار بها حتى أوردها المدينة. # وشخص على عن البصره، واستعمل عليها عبد الله بن عباس، فلما انتهى الى ~~المربد [2] التفت الى البصره، [ثم قال: الحمد لله الذى أخرجني من شر البقاع ~~ترابا، وأسرعها خرابا، وأقربها من الماء، وأبعدها من السماء.] ثم سار، فلما ~~اشرف على الكوفه، [قال: ويحك يا كوفان، ما اطيب هواءك، واغذى تربتك، الخارج ~~منك بذنب، والداخل إليك برحمه، لا تذهب الأيام والليالى، حتى يجيء إليك كل ~~مؤمن، ويبغض المقام بك كل فاجر، وتعمرين، حتى ان الرجل من اهلك ليبكر الى ~~الجمعه فلا يلحقها من بعد المسافه. # ] قالوا: وكان مقدمه الكوفه يوم الاثنين لاثنتى عشره ليله خلت من رجب سنه ~~ست وثلاثين، فقيل له: يا امير المؤمنين، اتنزل القصر؟، قال: لا حاجه لي في ~~نزوله، لان عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يبغضه، ولكنى نازل الرحبه ms115، ثم ~~اقبل حتى دخل المسجد الأعظم، فصلى ركعتين، ثم نزل الرحبه، فقال الشنى يحرض ~~عليا على المسير الى الشام: # قل لهذا الامام قد خبت الحرب ... وتمت بذلك النعماء # وفرغنا من حرب من نكث العهد ... وبالشام حيه صماء # تنفث السم، ما لمن نهشته ... فارمها قبل ان تعض شفاء # قالوا: وان أول جمعه صلى بالكوفه خطب، فقال: الحمد لله احمده، ~~PageV01P152 # واستعينه واستهديه، وأومن به واتوكل عليه، واعوذ بالله من الضلالة ~~والردى، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد ان لا اله ~~الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمدا عبده ورسوله، انتخبه لرسالته، ~~واختصه لتبليغ امره، اكرم خلقه عليه، واحبهم اليه، فبلغ رساله ربه، ونصح ~~لامته، وادى الذى عليه ص، اوصيكم عباد الله بتقوى الله، فان تقوى الله خير ~~ما تواصى به عباد الله، واقربه لرضوان الله، وافضله في عواقب الأمور عند ~~الله، وبتقوى الله أمرتم، وللإحسان خلقتم، فاحذروا من الله ما حذركم من ~~نفسه، فانه حذر بأسا شديدا، واخشوا الله خشيه ليست بتعذير، واعملوا من غير ~~رياء ولا سمعه، فانه من عمل لغير الله وكله الله الى ما عمل، ومن عمل مخلصا ~~له تولاه الله، واعطاه افضل نيته، وأشفقوا من عذاب الله، فانه لم يخلقكم ~~عبثا، ولم يترك شيئا من امركم سدى، قد سمى آثاركم، وعلم اسراركم، واحصى ~~اعمالكم، وكتب آجالكم، فلا تغرنكم الدنيا، فإنها غراره لأهلها، والمغرور من ~~اغتر بها، والى فناء ما هي، وان الآخرة هي دار القرار، نسأل الله منازل ~~الشهداء، ومرافقه الأنبياء، ومعيشة السعداء، فإنما نحن به وله. # ثم وجه عماله الى البلدان، فاستعمل على المدائن وجوخى [1] كلها يزيد بن ~~قيس الارحبى، وعلى الجبل وأصبهان محمد بن سليم، وعلى البهقباذات قرط بن ~~كعب، وعلى كسكر وحيزها قدامه بن عجلان الأزدي، وعلى بهرسير واستانها عدى ~~ابن الحارث، وعلى استان العالي حسان بن عبد الله البكرى، وعلى استان ~~الزوابي سعد [2] بن مسعود الثقفى، وعلى سجستان وحيزها ربعي بن كاس، وعلى ~~خراسان كلها خليد ms116 بن كاس. PageV01P153 # فاما خليد بن كاس فانه لما دنا من خراسان بلغه ان اهل نيسابور خلعوا يدا ~~من طاعه، وانه قدمت عليهم بنت لكسرى من كابل، فمالوا معها، فقاتلهم خليد، ~~فهزمهم، وأخذ ابنه كسرى بأمان، وبعث بها الى على. فلما ادخلت عليه، قال ~~لها: اتحبين ان ازوجك من ابنى هذا؟ يعنى الحسن، قالت: لا اتزوج أحدا على ~~راسه احد، فان أنت احببت رضيت بك، قال: انى شيخ، وابنى هذا من فضله كذا ~~وكذا، قالت: قد اعطيتك الجمله. فقام رجل من عظماء دهاقين العراق، يسمى ~~نرسى، فقال: يا امير المؤمنين، قد بلغك انى من سنخ [1] المملكة، وانا ~~قرابتها، فزوجنيها فقال: هي املك بنفسها، ثم قال لها: انطلقي حيث شئت، ~~وانكحى من احببت، لا باس عليك. # واستعمل على الموصل، ونصيبين، ودارا، وسنجار، وآمد، وميافارقين، وهيت، ~~وعانات، وما غلب عليها من ارض الشام الاشتر، فسار إليها، فلقيه الضحاك بن ~~قيس الفهري، وكان عليها من قبل معاويه بن ابى سفيان، فاقتتلوا بين حران [2] ~~والرقة [3] بموضع يقال له المرج الى وقت المساء. وبلغ ذلك معاويه، فامد ~~الضحاك بعبد الرحمن بن خالد بن الوليد في خيل عظيمه، وبلغ ذلك الاشتر، ~~فانصرف الى الموصل، فأقام بها يقاتل من أتاه من اجناد معاويه، ثم كانت وقعه ~~صفين. PageV01P154 ### | وقعه صفين # [1] قالوا: وضربت الركبان الى الشام بنعي عثمان، وتحريض معاويه على الطلب ~~بدمه، فبينا معاويه ذات يوم جالس إذ دخل عليه رجل، فقال: السلام عليك يا ~~امير المؤمنين، فقال معاويه: وعليك، من أنت، لله أبوك؟ فقد روعتني بتسليمك ~~على بالخلافة قبل ان انا لها، فقال: انا الحجاج بن خزيمة بن الصمة، قال: ~~ففيم قدمت؟، قال: قدمت قاصدا إليك بنعي عثمان، ثم أنشأ يقول: # ان بنى عمك عبد المطلب ... هم قتلوا شيخكم غير الكذب # وأنت اولى الناس بالوثب فثب ... وسر مسير المحزئل [2] المتلئب # قال: ثم انى كنت فيمن خرج مع يزيد بن اسد لنصر عثمان، فلم نلحقه، فلقيت ~~رجلا، ومعى الحارث بن زفر، فسألناه عن الخبر، فأخبرنا بقتل عثمان، وزعم انه ms117 ~~ممن شايع على قتله، فقتلناه، وانى اخبرك، انك تقوى بدون ما يقوى به على، ~~لان معك قوما لا يقولون إذا سكت، ويسكتون إذا نطقت، ولا يسألون إذا امرت، ~~ومع على قوم يقولون إذا قال، ويسألون إذا سكت، فقليلك خير من كثيره، وعلى ~~لا يرضيه الا سخطك، ولا يرضى بالعراق دون الشام، وأنت ترضى بالشام دون ~~العراق، فضاق معاويه بما أتاه به الحجاج بن خزيمة ذرعا، وقال: # أتاني امر فيه للناس غمة ... وفيه بكاء للعيون طويل # مصاب امير المؤمنين، وهذه ... تكاد لها صم الجبال تزول # فلله عينا من راى مثل هالك ... اصيب بلا ذحل وذاك جليل [3] PageV01P155 # تداعت عليه بالمدينة عصبة ... فريقان، منهم قاتل وخذول # دعاهم، فصموا عنه عند دعائه ... وذاك على ما في النفوس دليل # سانعى أبا عمرو بكل مثقف ... وبيض لها في الدارعين صليل # تركتك للقوم الذين تظافروا ... عليك، فماذا بعد ذاك اقول # فلست مقيما ما حييت ببلدة ... اجر بها ذيلي وأنت قتيل # واما التي فيها مودة بيننا ... فليس إليها ما حييت سبيل # سالقحها حربا عوانا ملحة ... وانى بها من عامنا لكفيل # وكتب على الى جرير بن عبد الله البجلي، وكان عامل عثمان بأرض الجبل مع ~~زحر بن قيس الجعفى، يدعوه الى البيعه له، فبايع وأخذ بيعه من قبله، وسار ~~حتى قدم الكوفه. # وكتب الى الاشعث بن قيس بمثل ذلك، وكان مقيما باذربيجان طول ولايه عثمان ~~بن عفان، وكانت ولايته مما عتب الناس فيه على عثمان، لأنه ولاه عند مصاهرته ~~اياه، وتزويج ابنه الاشعث من ابنه، ويقال ان الاشعث هو الذى افتتح عامه ~~اذربيجان، وكان له بها اثر ونصح واجتهاد، وكان كتابه اليه مع زياد بن مرحب، ~~فبايع لعلى، وسار حتى قدم عليه الكوفه. # وان عليا ارسل جرير بن عبد الله الى معاويه يدعوه الى الدخول في طاعته، ~~والبيعه له، او الإيذان بالحرب، فقال الاشتر: ابعث غيره فانى لا آمن ~~مراهنته فلم يلتفت الى قول الاشتر. فسار جرير الى معاويه بكتاب على، فقدم ~~على معاويه، فالفاه وعنده وجوه اهل الشام ms118، فناوله كتاب على، وقال: هذا كتاب ~~على إليك، والى اهل الشام يدعوكم الى الدخول في طاعته، فقد اجتمع له ~~الحرمان، والمصران، والحجازان، واليمن، والبحران، وعمان، واليمامه، ومصر، ~~وفارس، والجبل، وخراسان، ولم يبق الا بلادكم هذه، وان سال عليها واد من ~~اوديته غرقها. # PageV01P156 # وفتح معاويه الكتاب فقراه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله على امير ~~المؤمنين الى معاويه بن ابى سفيان، اما بعد فقد لزمك ومن قبلك من المسلمين ~~بيعتي، وانا بالمدينة، وأنتم بالشام، لأنه بايعنى الذين بايعوا أبا بكر ~~وعمر وعثمان رضى الله عنهم. فليس للشاهد ان يختار، ولا للغائب ان يرد، ~~وانما الأمر في ذلك للمهاجرين والانصار، فإذا اجتمعوا على رجل مسلم، فسموه ~~اماما، كان ذلك لله رضى، فان خرج من امرهم احد بطعن فيه او رغبه عنه رد الى ~~ما خرج منه، فان ابى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما ~~تولى، و «يصله جهنم وساءت مصيرا،» فادخل فيما دخل فيه المهاجرون والانصار، ~~فان أحب الأمور فيك وفيمن قبلك العافيه، فان قبلتها والا فائذن بحرب، وقد ~~اكثرت في قتله عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس، ثم حاكم القوم الى، احملك ~~وإياهم على ما في كتاب الله وسنه نبيه، فاما تلك التي تريدها، فإنما هي ~~خدعه الصبى عن الرضاع. # فجمع معاويه اليه اشراف اهل بيته، فاستشارهم في امره، فقال اخوه عتبة بن ~~ابى سفيان: استعن على امرك بعمرو بن العاص وكان مقيما في ضيعه له من حيز ~~فلسطين، قد اعتزل الفتنة. فكتب اليه معاويه انه قد كان من امر على في طلحه ~~والزبير وعائشة أم المؤمنين ما بلغك، وقد قدم علينا جرير بن عبد الله في ~~أخذنا ببيعه على، فحبست نفسي عليك، فاقبل، اناظرك في ذلك، والسلام. # فسار ومعه ابناه عبد الله ومحمد حتى قدم على معاويه، وقد عرف حاجه معاويه ~~اليه، فقال له معاويه: أبا عبد الله، طرقتنا في هذه الأيام ثلاثة امور، ليس ~~فيها ورد ولا صدر، قال: وما هن؟ قال: اما أولهن، فان ms119 محمد بن ابى حذيفة كسر ~~السجن وهرب نحو مصر فيمن كان معه من اصحابه، وهو من اعدى الناس لنا، واما ~~الثانيه فان قيصر الروم قد جمع الجنود ليخرج إلينا فيحاربنا على الشام، ~~واما الثالثه فان جريرا قدم رسولا لعلى بن ابى طالب يدعونا الى البيعه له ~~او إيذان بحرب. # PageV01P157 # قال عمرو: اما ابن ابى حذيفة فما يغمك من خروجه من سجنه في اصحابه، فأرسل ~~في طلبه الخيل، فان قدرت عليه قدرت، وان لم تقدر عليه لم يضرك، واما قيصر، ~~فاكتب اليه تعلمه، انك ترد عليه جميع من في يديك من أسارى الروم، وتسأله ~~الموادعة والمصالحه تجده سريعا الى ذلك، راضيا بالعفو منك، واما على بن ابى ~~طالب فان المسلمين لا يساوون بينك وبينه. # قال معاويه: انه مالا على قتل عثمان، واظهر الفتنة، وفرق الجماعه. # قال عمرو: انه وان كان كذلك، فليست لك مثل سابقته وقرابته، ولكن ما لي ان ~~شايعتك على امرك حتى تنال ما تريد؟. # قال: حكمك. # قال عمرو: اجعل لي مصر طعمه ما دامت لك ولايه. # فتلكا معاويه، وقال: يا عبد الله، لو شئت ان اخدعك خدعتك. # قال عمرو: ما مثلي يخدع. # قال له معاويه: ادن منى اسارك. # فدنا عمرو منه، فقال: هذه خدعه، هل ترى في البيت غيرى وغيرك ثم قال: يا ~~عبد الله، اما تعلم ان مصر مثل العراق؟. # قال عمرو: غير انها انما تكون لي إذا كانت لك الدنيا، وانما تكون لك إذا ~~غلبت عليا. # فتلكا عليه، وانصرف عمرو الى رحله، فقال عتبة لمعاوية: اما ترضى ان تشترى ~~عمرا بمصر ان صفت لك قليتك [1] لا تغلب على الشام. # وقال معاويه: بت عندنا ليلتك هذه، فبات عتبة عنده، فلما أخذ معاويه مضجعه ~~أنشأ عتبة: PageV01P158 # ايها المانع سيفا لم يهز ... انما ملت على خز وقز # انما أنت خروف ناعم ... بين ضرعين وصوف لم يجز # نالك الخير، فخذ من درة ... شخبه الاول، واترك ما عزز # واترك الحرص عليها ضنة ... واشبب النار لمقرور يكز # ان مصرا لعلى او لنا ms120 ... يغلب اليوم عليها من عجز # وسمع معاويه ذلك، فلما اصبح بعث الى عمرو، فاعطاه ما سال، وكتبا بينهما ~~في ذلك كتابا، ثم ان معاويه استشار عمرا في امره، وقال ما ترى؟ # قال عمرو: انه قد أتاك في هذه البيعه خبر اهل العراق من عند خير الناس، ~~ولست ارى لك ان تدعو اهل الشام الى الخلافه، فان ذلك خطر عظيم حتى تتقدم ~~قبل ذلك بالتوطين للاشراف منهم، واشراب قلوبهم اليقين، بان عليا مالا على ~~قتل عثمان، واعلم ان راس اهل الشام شرحبيل بن السمط الكندى، فأرسل اليه ~~ليأتيك، ثم وطن له الرجال على طريقه كله، يخبرونه بان عليا قتل عثمان، ~~وليكونوا من اهل الرضى عنده، فإنها كلمه جامعه لك اهل الشام، وان تعلق هذه ~~الكلمه بقلبه لم يخرجها شيء ابدا. # فدعا يزيد بن اسد، وبسر بن ابى ارطاه، وسفيان بن عمرو، ومخارق بن الحارث، ~~وحمزه بن مالك، وحابس بن سعد، وغير هؤلاء من اهل الرضا عند شرحبيل بن ~~السمط، فوطنهم له على طريقه، ثم كتب اليه يأمره بالقدوم عليه، فكان يلقى ~~الرجل بعد الرجل من هؤلاء في طريقه، فيخبرونه ان عليا مالا على قتل عثمان، ~~ثم اشربوا قلبه ذلك. # فلما دنا من دمشق امر معاويه اشراف الشام باستقباله، فاستقبلوه، وأظهروا ~~تعظيمه، فكان كلما خلا برجل منهم القى اليه هذه الكلمه، فاقبل حتى دخل على ~~معاويه مغضبا، فقال: ابى الناس الا ان ابن ابى طالب قتل عثمان، والله لئن ~~بايعته لنخرجنك من الشام، فقال معاويه: ما كنت لاخالف امركم، وانما انا # PageV01P159 # واحد منكم. قال: فاردد هذا الرجل الى صاحبه يعنى جريرا فعلم عند ذلك ~~معاويه ان اهل الشام مع شرحبيل، فقال لشرحبيل: ان هذا الذى تهم به لا يصلح ~~الا يرضى العامه، فسر في مدائن الشام، فاعلمهم ما نحن عليه من الطلب بثار ~~خليفتنا وبايعهم على النصره والمعونة. # فسار شرحبيل يستقرى مدن الشام، مدينه بعد مدينه، ويقول: ايها الناس، ان ~~عليا قتل عثمان، وانه غضب له قوم فلقيهم، فقتلهم، وغلب على ارضهم ms121، ولم يبق ~~الا هذه البلاد، وهو واضع سيفه على عاتقه، وخائض به غمرات الموت حتى ~~ياتيكم، ولا يجد أحدا اقوى على قتله من معاويه، فانهضوا ايها الناس بثار ~~خليفتكم المظلوم. فأجابه الناس كلهم الا نفرا من اهل حمص نساكا، فإنهم ~~قالوا نلزم بيوتنا ومساجدنا، وأنتم اعلم. # فلما ذاق معاويه اهل الشام، وعرف مبايعتهم له قال لجرير الحق بصاحبك، ~~واعلمه انى واهل الشام لا نجيبه الى البيعه، ثم كتب اليه بابيات كعب بن ~~جعيل: # ارى الشام تكره ملك العراق ... واهل العراق لهم كارهونا # وكل لصاحبه مبغض ... يرى كل ما كان من ذاك دينا # وقالوا على امام لنا ... فقلنا رضينا ابن هند رضينا # وقالوا نرى ان تدينوا لنا ... فقلنا لهم لا نرى ان ندينا # وكل يسر بما عنده ... يرى غث ما في يديه سمينا # وما في على لمستعتب ... مقال سوى ضمه المحدثينا # وليس براض ولا ساخط ... ولا في النهاة ولا الامرينا # ولا هو ساء ولا سره ... ولا بد من بعد ذا ان يكونا # فلما قرأ على رضى الله عنه قال للنجاشي أجب، فقال: # دعن معاوي ما لن يكونا ... فقد حقق الله ما تحذرونا # أتاكم على باهل العراق ... واهل الحجاز فما تصنعونا # PageV01P160 # يرون الطعان خلال العجاج ... وضرب القوانس في النقع دينا # هم هزموا الجمع جمع الزبير ... وطلحه والمعشر الناكثينا # فان يكره القوم ملك العراق ... فقدما رضينا الذى تكرهونا # فقولوا لكعب أخي وائل ... ومن جعل الغث يوما سمينا # جعلتم عليا واشياعه ... نظير ابن هند اما تستحونا # ولما رجع جرير الى على كثر قول الناس في التهمه له، واجتمع هو والاشتر ~~عند على، فقال الاشتر: اما والله يا امير المؤمنين، لو أرسلتني فيما أرسلت ~~فيه هذا لما ارخيت من خناق معاويه، ولم ادع له بابا يرجو فتحه الا سددته، ~~ولا عجلته عن الفكره، قال جرير: فما يمنعك من إتيانهم؟!، قال الاشتر: الان ~~وقد افسدتهم، والله ما احسبك أتيتهم الا لتتخذ عندهم موده، والدليل على ذلك ~~كثره ذكرك مساعدتهم وتخويفنا بكثرة جموعهم، ولو أطاعني امير المؤمنين ms122 لحبسك ~~واشباهك من اهل الظنه محبسا لا يخرجون منه حتى يستتب هذا الأمر. فغضب جرير ~~مما استقبله به الاشتر، فخرج من الكوفه ليلا في اناس من اهل بيته، فلحق ~~بقرقيسيا، وهي كوره من كور الجزيرة، فأقام بها. # وغضب على لخروجه عنه، فركب الى داره، فامر بمجلس له فاحرق، فخرج ابو زرعه ~~بن عمرو ابن عم جرير، فقال: ان كان انسان قد اجرم فان في هذه الدار أناسا ~~كثيرا لم يجرموا إليك جرما، وقد روعتهم، فقال على: استغفر الله. ثم خرج ~~منها الى دار لابن عم جرير، يقال له ثوير بن عامر، وقد كان خرج معه، فشعث ~~فيها شيئا، ثم انصرف. # قالوا: ولما فرغ على رضى الله عنه من اصحاب الجمل خافه عبيد الله بن عمر ~~ان يقتله بالهرمزان، فخرج حتى لحق بمعاويه، فقال معاويه لعمرو: قد أحيا ~~الله لنا ذكر عمر بن الخطاب رضى الله عنه بقدوم عبيد الله ابنه علينا. قال: # PageV01P161 # فاراده معاويه على ان يقوم في الناس فيلزم عليا دم عثمان، فأبى، فاستخف ~~به معاويه، ثم ادناه بعد وقربه. # قالوا: ولما عزم اهل الشام على نصر معاويه، والقيام معه اقبل ابو مسلم ~~الخولاني، وكان من عباد اهل الشام، حتى قدم على معاويه، فدخل عليه في اناس ~~من العباد، فقال له: يا معاويه قد بلغنا انك تهم بمحاربه على بن ابى طالب، ~~فكيف تناوئه [1] وليست لك سابقته؟، فقال لهم معاويه: لست ادعى انى مثله في ~~الفضل، ولكن هل تعلمون ان عثمان قتل مظلوما؟، قالوا: نعم [2] ، قال: فليدفع ~~لنا قتلته حتى نسلم اليه هذا الأمر. # قال ابو مسلم: فاكتب اليه هذا الأمر، حتى انطلق انا بكتابك، فكتب: بسم ~~الله الرحمن الرحيم، من معاويه بن ابى سفيان الى على بن ابى طالب، سلام ~~عليك، فانى احمد إليك الله الذى لا اله الا هو، اما بعد، فان الخليفة عثمان ~~قتل معك في المحله، وأنت تسمع من داره الهيعة [3] ، فلا تدفع عنه بقول ولا ~~بفعل، واقسم بالله لو قمت في امره مقاما صادقا ms123، فنهنهت [4] عنه ما عدل بك ~~من قبلنا من الناس أحدا، واخرى أنت بها ظنين، ايواؤك قتلته، فهم عضدك ويدك ~~وأنصارك وبطانتك، وبلغنا انك تبتهل [5] من دمه، فان كنت صادقا فأمكنا من ~~قتلته، نقتلهم به، ونحن اسرع الناس إليك، والا فليس لك ولا لأصحابك عندنا ~~الا السيف، فو الله الذى لا اله غيره لنطلبن قتله عثمان في البر والبحر حتى ~~نقتلهم او تلحق أرواحنا بالله والسلام. # فسار ابو مسلم بكتابه حتى ورد الكوفه، فدخل على على، فناوله الكتاب، فلما ~~قراه تكلم ابو مسلم، فقال يا أبا الحسن، انك قد قمت بأمر، ووليته، ~~PageV01P162 # وو الله ما نحب انه لغيرك ان اعطيت الحق من نفسك، ان عثمان رضى الله عنه ~~قتل مظلوما، فادفع إلينا قتلته، وأنت أميرنا، فان خالفك احد من الناس كانت ~~أيدينا لك ناصره، وألسنتنا لك شاهده، وكنت ذا عذر ومحجه، فقال له على: اغد ~~على بالغداة. وامر به، فانزل، واكرم. # فلما كان من الغد دخل الى على وهو في المسجد، فإذا هو بزهاء عشره آلاف ~~رجل، قد لبسوا السلاح، وهم ينادون: كلنا قتله عثمان، فقال ابو مسلم لعلى: ~~انى لأرى قوما ما لك معهم امر، واحسب انه بلغهم الذى قدمت له، ففعلوا ذلك ~~خوفا من ان تدفعهم الى. # قال على: انى ضربت انف هذا الأمر وعينه، فلم أر يستقيم دفعهم إليك ولا ~~الى غيرك، فاجلس حتى اكتب جواب كتابك. ثم كتب: # بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله على امير المؤمنين الى معاويه بن ~~ابى سفيان، اما بعد، فان أخا خولان قدم على بكتاب منك، تذكر فيه قطعى رحم ~~عثمان، وتاليبى الناس عليه، وما فعلت ذلك، غير انه رحمه الله عتب الناس ~~عليه، فمن بين قاتل وخاذل، فجلست في بيتى، واعتزلت امره، الا ان تتجنى فتجن ~~ما بدا لك، فاما ما سالت من دفعى إليك قتلته، فانى لا ارى ذلك، لعلمي انك ~~انما تطلب ذلك ذريعه الى ما تامل، ومرقاه الى ما ترجو، وما الطلب بدمه ~~تريد، ولعمري لئن لم ms124 تنزع عن غيك وشقاقك لينزل بك ما ينزل بالشاق العاصي ~~الباغى، والسلام. # وكتب الى عمرو بن العاص: # بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله على امير المؤمنين الى عمرو بن ~~العاص، اما بعد، [فان الدنيا مشغله عن غيرها، صاحبها منهوم فيها، لا يصيب ~~منها شيئا الا ازداد عليها حرصا، ولم يستغن بما نال عما لا يبلغ، ومن وراء ~~ذلك فراق ما جمع،] [والسعيد من اتعظ بغيره،] فلا تحبط عملك بمجاراه معاويه ~~في باطله، فانه سفه الحق واختار الباطل والسلام. # PageV01P163 # فكتب اليه عمرو بن العاص: # من عمرو بن العاص الى على بن ابى طالب، اما بعد، فان الذى فيه صلاحنا ~~والفه ذات بيننا ان تجيب الى ما ندعوك اليه، من شورى تحملنا وإياك على ~~الحق، ويعذرنا الناس لها بالصدق والسلام. # قالوا: ولما اجمع على على المسير الى اهل الشام، وحضرت الجمعه صعد ~~المنبر، فحمد الله واثنى عليه، وصلى على النبي ص، ثم قال: ايها الناس، ~~سيروا الى أعداء السنن والقرآن، سيروا الى قتله المهاجرين والانصار، سيروا ~~الى الجفاة الطغام الذين كان اسلامهم خوفا وكرها، سيروا الى المؤلفه قلوبهم ~~ليكفوا عن المسلمين بأسهم. # فقام اليه رجل من فزاره، يسمى اربد، فقال: اتريد ان تسير بنا الى إخواننا ~~من اهل الشام فنقتلهم كما سرت بنا الى إخواننا من اهل البصره فقتلناهم؟ # كلا، ها الله، إذا لا نفعل ذلك. # فقام الاشتر، فقال: ايها الناس، من لهذا؟ فهرب الفزارى وسعى شؤبوب [1] من ~~الناس في اثره، فلحقوه بالكناسة [2] فضربوه بنعالهم حتى سقط، ثم وطئوه ~~بارجلهم حتى مات، فاخبر بذلك على رضى الله عنه فقال: قتيل عميه، لا يدرى من ~~قتله فدفع ديته الى اهله من بيت المال، وقال بعض شعراء بنى تميم: # اعوذ بربي ان منيتي ... كما مات في سوق البراذين اربد # تعاوره همدان خصف نعالهم ... إذا رفعت عنه يد وقعت يد # وقام الاشتر، فقال: يا امير المؤمنين، لا يؤيسنك من نصرتنا ما سمعت من ~~هذا الخائن، ان جميع من ترى من الناس شيعتك، لا يرغبون ms125 بانفسهم عنك، ~~PageV01P164 # ولا يحبون البقاء بعدك، فسر بنا الى اعدائك، فو الله ما ينجو من الموت من ~~خافه، ولا يعطى البقاء من احبه، ولا يعيش بالأمل الا المغرور. # فأجابه جل الناس الى المسير، الا اصحاب عبد الله بن مسعود، وعبيده ~~السلماني، والربيع بن خثيم في نحو من أربعمائة رجل من القراء، فقالوا: يا ~~امير المؤمنين، قد شككنا في هذا القتال، مع معرفتنا فضلك، ولا غنى بك ولا ~~بالمسلمين عمن يقاتل المشركين، فولنا بعض هذه الثغور لنقاتل عن اهله. # فولاهم ثغر قزوين والري، وولى عليهم الربيع بن خثيم، وعقد له لواء، وكان ~~أول لواء عقد في الكوفه. # قالوا: وبلغ عليا ان حجر بن عدى وعمرو بن الحمق يظهران شتم معاويه، ولعن ~~اهل الشام، فأرسل إليهما ان كفا عما يبلغني عنكما. فاتياه، فقالا: يا امير ~~المؤمنين، السنا على الحق، وهم على الباطل؟، قال: بلى، ورب الكعبه المسدنه، ~~قالوا: فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم؟، قال: [كرهت لكم ان تكونوا شتامين ~~لعانين، ولكن قولوا: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، واصلح ذات بيننا وبينهم، ~~واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوى عن الغى من لجج به. # ] قالوا: ولما عزم على رضى الله عنه على الشخوص امر مناديا، فنادى ~~بالخروج الى المعسكر بالنخيلة [1] ، فخرج الناس مستعدين، واستخلف على على ~~الكوفه أبا مسعود الأنصاري، وهو من السبعين الذين بايعوا رسول الله ص ليله ~~العقبه. وخرج على رضى الله عنه الى النخيله، وامامه عمار بن ياسر، فأقام ~~بالنخيلة معسكرا، وكتب الى عماله بالقدوم عليه. # ولما انتهى كتابه الى ابن عباس ندب الناس، وخطبهم، وكان أول من تكلم ~~الأحنف بن قيس، ثم قام خالد بن العمر السدوسي، ثم قام عمرو بن مرحوم ~~PageV01P165 # العبدى، وكلهم أجاب، فخلف على البصره أبا الأسود الديلى، وسار بالناس حتى ~~قدم على على بالنخيلة. # فلما اجتمع الى على قواصيه، وانضمت اليه اطرافه تهيأ للمسير من النخيله، ~~ودعا زياد بن النضر وشريح بن هانئ، فعقد لكل واحد منهما على سته آلاف فارس، ~~وقال: ليسر كل ms126 واحد منكما منفردا عن صاحبه، فان جمعتكما حرب، فأنت يا زياد ~~الأمير، واعلما ان مقدمه القوم عيونهم، وعيون المقدمه طلائعهم، فاياكما ان ~~تسأما عن توجيه الطلائع، ولا تسيرا بالكتائب والقبائل من لدن مسير كما الى ~~نزولكما الا بتعبيه وحذر، وإذا نزلتم بعدو او نزل بكم، فليكن معسكركم في ~~اشرف المواضع ليكون ذلك لكم حصنا حصينا، وإذا غشيكم الليل فحفوا عسكركم ~~بالرماح والترسه، وليليهم الرماه، وما اقمتم فكذلك فكونوا، لئلا يصاب منكم ~~غره، واحرسا عسكركما بأنفسكما، ولا تذوقا نوما الا غرارا ومضمضة، وليكن ~~عندي خبركما، فانى ولا شيء الا ما شاء الله حثيث السير في اثركما، ولا ~~تقاتلا حتى تبدا او يأتيكما امرى ان شاء الله. # فلما كان اليوم الثالث من مخرجهما قام في اصحابه خطيبا، فقال: يا ايها ~~الناس، نحن سائرون غدا في آثار مقدمتنا، فإياكم والتخلف، فقد خلفت مالك بن ~~حبيب اليربوعى، وجعلته على الساقه، وامرته الا يدع أحدا الا الحقه بنا فلما ~~اصبح نادى في الناس بالرحيل، وسار، فلما انتهى الى رسوم مدينه بابل، قال ~~لمن كان يسايره من اصحابه: ان هذه مدينه قد خسف بها مرارا، فحركوا خيلكم، ~~وارخوا أعنتها، حتى تجوزوا موضع المدينة، لعلنا ندرك العصر خارجا منها. ~~فحرك، وحركوا دوابهم، فخرج من حد المدينة وقد حضرت الصلاة، فنزل، فصلى ~~بالناس، ثم ركب، وسار حتى انتهى الى دير كعب فجاوزه، واتى ساباط المدائن، ~~فنزل فيه بالناس، وقد هيئت له فيه الأنزال. # فلما اصبح ركب وركب الناس معه، وانهم لثمانون الف رجل، او يزيدون، # PageV01P166 # سوى الاتباع والخدم، ثم سار حتى اتى مدينه الأنبار، فلما وافى المدائن ~~عقد لمعقل بن قيس في ثلاثة آلاف رجل، وامره ان يسير على الموصل ونصيبين حتى ~~يوافيه بالرقة [1] ، فسار حتى وافى حديثه الموصل، وهي إذ ذاك المصر، وانما ~~بنى الموصل بعد ذلك مروان بن محمد. # فلما انتهى معقل إليها إذا هو بكبشين يتناطحان، ومع معقل رجل من خثعم ~~يزجر، فجعل الخثعمى يقول: ايه، ايه، فاقبل رجلان، فاخذ كل منهما كبشا، ~~فقاده وانطلق ms127 به. فقال الخثعمى لمعقل لا تغلبون ولا تغلبون فقال معقل: يكون ~~خيرا، ان شاء الله. # ثم مضى حتى وافى عليا وقد نزل البليخ [2] فأقام ثلاثا، ثم امر بجسر، ~~فعقد، وعبر الناس، ولما قطع على رضى الله عنه الفرات امر زياد بن النضر ~~وشريح بن هانئ ان يسيرا امامه، فسارا حتى انتهيا الى مكان يدعى سور الروم ~~لقيهما ابو الأعور السلمى في خيل عظيمه من اهل الشام، فأرسلا الى على ~~يعلمانه ذلك. # فامر على الاشتر ان يسير إليهما، وجعله أميرا عليهما، فسار حتى وافى ~~القوم، فاقتتلوا، وصبر بعضهم لبعض حتى جن عليهم الليل، وانسل ابو الأعور في ~~جوف الليل حتى اتى معاويه. # واقبل معاويه بالخيل نحو صفين، وعلى مقدمته سفيان بن عمرو، وعلى ساقته ~~بسر [3] بن ابى ارطاه العامري، فاقبل سفيان بن عمرو، ومعه ابو الأعور، حتى ~~وافيا صفين، وهي قريه خراب من بناء الروم، منها الى الفرات غلوه [4] ، وعلى ~~شط الفرات مما يليها غيضه [5] ملتفه، فيها نزور طولها نحو من فرسخين، وليس ~~في ذينك الفرسخين طريق الى الفرات الا طريق واحد مفروش بالحجارة، ~~PageV01P167 # وسائر ذلك خلاف وغرب ملتف لا يسلك، وجميع الغيضة نزور ووحل الا ذلك ~~الطريق الذى يأخذ من القرية الى الفرات. # فاقبل سفيان بن عمرو وابو الأعور حتى سبقا الى موضع القرية، فنزلا هناك ~~مع ذلك الطريق، ووافاهما معاويه بجميع الفيلق، حتى نزل معهما، وعسكر مع ~~القرية، وامر معاويه أبا الأعور ان يقف في عشره آلاف من اهل الشام على طريق ~~الشريعه، فيمنع من اراد السلوك الى الماء من اهل العراق. # واقبل على رضى الله عنه حتى وافى المكان، فصادف اهل الشام قد احتووا على ~~القرية والطريق، فامر الناس، فنزلوا بالقرب من عسكر معاويه، وانطلق ~~السقاءون والغلمان الى طريق الماء، فحال ابو الأعور بينهم وبينه. # واخبر على رضى الله عنه بذلك، فقال لصعصعة بن صوحان ايت معاويه، فقل له، ~~انا سرنا إليكم لنعذر قبل القتال، فان قبلتم كانت العافيه أحب إلينا، وأراك ~~قد حلت بيننا وبين الماء، فان ms128 كان اعجب إليك ان ندع ما جئنا له، ونذر الناس ~~يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا. # فقال الوليد: امنعهم الماء كما منعوه امير المؤمنين عثمان، اقتلهم عطشا، ~~قتلهم الله. # فقال معاويه لعمرو بن العاص: ما ترى؟. # قال: ارى ان تخلى عن الماء، فان القوم لن يعطشوا وأنت ريان. # فقال عبد الله بن ابى سرح، وكان أخا عثمان لامه: امنعهم الماء الى الليل، ~~لعلهم ان ينصرفوا الى طرف الغيضة، فيكون انصرافهم هزيمه. # فقال صعصعة لمعاوية: ما الذى ترى؟. # قال معاويه: ارجع، فسيأتيكم رأيي. فانصرف صعصعة الى على، فاخبره بذلك. # وظل اهل العراق يومهم ذلك وليلتهم بلا ماء الا من كان ينصرف من الغلمان ~~الى طرف الغيضة، فيمشى مقدار فرسخين، فيستقى، فغم عليا رضى الله عنه # PageV01P168 # امر الناس غما شديدا، وضاق بما أصابهم من العطش ذرعا، فأتاه الاشعث بن ~~قيس فقال: يا امير المؤمنين، ايمنعنا القوم الماء وأنت فينا ومعنا سيوفنا؟ ~~ولنى الزحف اليه، فو الله لا ارجع او اموت، ومر الاشتر فلينضم الى في خيله، ~~فقال له على: ايت في ذلك ما رايت. # فلما اصبح زاحف أبا الأعور، فاقتتلوا، وصدقهم الاشتر والاشعث حتى نفيا ~~أبا الأعور واصحابه عن الشريعه، وصارت في أيديهما، فقال عمرو بن العاص ~~لمعاوية: ما ظنك بالقوم اليوم ان منعوك الماء كما منعتهم أمس؟، فقال ~~معاويه: دع ما مضى، ما ظنك بعلى؟، قال: ظني انه لا يستحل منك ما استحللت ~~منه، لأنه أتاك في غير امر الماء. # ثم توادع الناس، وكف بعضهم عن بعض، وامر على الا يمنع اهل الشام من ~~الماء، فكانوا يسقون جميعا، ويختلط بعضهم ببعض، ويدخل بعضهم في معسكر بعض، ~~فلا يعرض احد من الفريقين لصاحبه الا بخير، ورجوا ان يقع الصلح. # واقبل عبيد الله بن عمر بن الخطاب حتى استاذن على على، فاذن له، فدخل ~~عليه، فقال له على: اقتلت الهرمزان ظلما، وقد كان اسلم على يدي عمى العباس، ~~وفرض له ابوك في الفين، وترجو ان تسلم مني؟. # فقال له عبيد ms129 الله: الحمد لله الذى جعلك تطلبنى بدم الهرمزان، وانا اطلبك ~~بدم امير المؤمنين عثمان. # فقال له على: ستجمعنا وإياك الحرب، فتعلم. # قال: فلم يزالوا يتراسلون شهرى ربيع [1] وجمادى الاولى، ويفزعون فيما بين ~~ذلك، يزحف بعضهم الى بعض، فيحجز بينهم القراء والصالحون، فيفترقون من غير ~~PageV01P169 # حرب حتى فزعوا في هذه الثلاثة الأشهر خمسا وثمانين فزعه، كل ذلك يحجز ~~بينهم القراء. # فلما انقضت جمادى الاولى بات على رضى الله عنه يعبى اصحابه، ويكتب ~~كتائبه، وبعث الى معاويه يؤذنه بحرب، فعبى معاويه أيضا اصحابه، وكتب ~~كتائبه. # فلما أصبحوا تزاحفوا وتواقفوا تحت راياتهم في صفوفهم، ثم تحاجزوا، فلم ~~تكن حرب، وكانوا يكرهون ان يلتقوا بجميع الفيلقين مخافه الاستئصال، غير انه ~~يخرج الجماعه من هؤلاء الى الجماعه من أولئك، فيقتتلون بين العسكرين، ~~فكانوا كذلك حتى اهل هلال رجب، فامسك الفريقان. # قالوا: واقبل ابو الدرداء وابو امامه الباهلى حتى دخلا على معاويه، ~~فقالا: علام تقاتل عليا، وهو أحق بهذا الأمر منك؟. # قال: اقاتله على دم عثمان. # قالا: او هو قتله؟. # قال: آوى قتلته، فسلوه ان يسلم إلينا قتلته، وانا أول من يبايعه من اهل ~~الشام. # فاقبلا الى على رضى الله عنه، فأخبراه بذلك. فاعتزل من عسكر على زهاء ~~عشرين الف رجل، فصاحوا: نحن جميعا قتلنا عثمان. # فخرج ابو الدرداء وابو امامه فلحقا ببعض السواحل، ولم يشهدا شيئا من تلك ~~الحروب. # وان معاويه بعث الى شرحبيل بن السمط، وحبيب بن مسلمه، ومعن بن يزيد ابن ~~الاخنس، وقال: انطلقوا اليه، وسلوه ان يسلم إلينا قتله عثمان، ويتخلى مما ~~هو فيه حتى نجعلها شورى بين المسلمين، يختارون لأنفسهم من رضوا وأحبوا. # فاقبلوا حتى دخلوا على على رضى الله عنه، فبدا حبيب بن مسلمه، فتكلم # PageV01P170 # بما حمله معاويه، فقال له على: وما أنت وذاك، لا أم لك، فلست هناك؟! فقام ~~حبيب مغضبا، فقال: والله لتريني بحيث تكره، فقال شرحبيل: افلا تسلم إلينا ~~قتله عثمان؟، قال على: انى لا استطيع ذلك، وهم زهاء عشرين الف رجل، فقاما ~~عنه، فخرجا، قالوا: فمكث ms130 الناس كذلك الى ان انسلخ المحرم [1] . # وفي ذلك يقول حابس بن سعد الطائي، وكان صاحب لواء طيئ مع معاويه: # فما بين المنايا غير سبع ... بقين من المحرم او ثمان # الم يعجبك انا قد هجمنا ... وإياهم على الموت العيان # اينهانا كتاب الله عنهم ... ولا ينهاهم آي القرآن # فلما انسلخ المحرم بعث على مناديا، فنادى في عسكر معاويه عند غروب الشمس: ~~انا أمسكنا لتنصرم الأشهر الحرم، وقد تصرمت، وانا ننبذ إليكم على سواء، إن ~~الله لا يحب الخائنين. # فبات الفريقان يكتبون الكتائب، وقد أوقدوا النيران في العسكرين، فلما ~~أصبحوا تزاحفوا، وقد استعمل على على الخيل عمار بن ياسر، وعلى الرجاله عبد ~~الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، ودفع الراية العظمى الى هاشم بن عتبة ~~المرقال، وجعل على الميمنه الاشعث بن قيس وعلى الميسره عبد الله بن عباس، ~~وعلى رجال الميمنه سليمان بن صرد، وعلى رجاله الميسره الحارث بن مره ~~العبدى، وجعل في القلب مضر، وفي الميمنه ربيعه، وفي الميسره اهل اليمن، وضم ~~قريشا وأسدا وكنانه الى عبد الله بن عباس، وضم كنده الى الاشعث، وضم بكر ~~البصره الى الحضين [2] ابن المنذر، وضم تميم البصره الى الأحنف بن قيس، ~~وولى امر خزاعة عمرو بن الحمق، وولى بكر الكوفه نعيم بن هبيرة، وولى سعد ~~رباب البصره خارجه PageV01P171 # ابن قدامه، وولى بجيله رفاعة بن شداد، وولى ذهل الكوفه رويما الشيبانى، ~~وولى حنظله البصره اعين بن ضبيعه، وجعل على قضاعه كلها عدى بن حاتم، وجعل ~~على لهازم الكوفه عبد الله بن بديل، وعلى تميم الكوفه عمير بن عطارد، وعلى ~~الأزد جندب بن زهير، وعلى ذهل البصره خالد بن المعمر، وعلى حنظله الكوفه ~~شبث ابن ربعي، وعلى همدان سعد بن قيس، وعلى لهازم البصره خزيمة بن خازم، ~~وعلى سعد رباب الكوفه أبا صرمه، واسمه الطفيل، وعلى مذحج الاشتر، وعلى عبد ~~قيس الكوفه عبد الله بن الطفيل، وعلى عبد قيس البصره عمرو بن حنظله، وعلى ~~قيس البصره شدادا الهلالي، وعلى اللفيف من القواصى القاسم بن حنظله الجهنى. # واستعمل ms131 معاويه على الخيل عبد الله بن عمرو بن العاص، وعلى الرجاله مسلم ~~ابن عقبه، لعنه الله، وعلى الميمنه عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وعلى ~~الميسره حبيب ابن مسلمه، ودفع اللواء الأعظم الى عبد الرحمن بن خالد بن ~~الوليد، واستعمل على اهل دمشق الضحاك بن قيس، وعلى اهل حمص ذا الكلاع، وعلى ~~اهل قنسرين زفر بن الحارث، وعلى اهل الأردن سفيان بن عمرو، وعلى اهل فلسطين ~~مسلمه ابن خالد، وعلى رجاله دمشق بسر بن ابى ارطاه، وعلى رجاله حمص حوشبا ~~ذا ظليم، وعلى رجاله قنسرين طريف بن حابس، وعلى رجاله الأردن عبد الرحمن ~~القينى، وعلى رجاله فلسطين الحارث بن خالد الأزدي، وعلى قيس دمشق همام ابن ~~قبيصة، وعلى قيس حمص هلال بن ابى هبيرة، وعلى رجاله الميمنه حابس ابن ~~ربيعه، وعلى قضاعه دمشق حسان بن بجدل، وعلى قضاعه حمص عباد ابن يزيد، وعلى ~~كنده دمشق عبد الله بن جون السكسكى، وعلى كنده حمص يزيد بن هبيرة، وعلى ~~النمر بن قاسط يزيد بن اسد العجلى، وعلى حمير هانئ بن عمير، وعلى قضاعه ~~الأردن مخارق بن الحارث، وعلى لخم فلسطين نابل ابن قيس، وعلى همدان الأردن ~~حمزه بن مالك، وعلى غسان الأردن زيد بن الحارث، # PageV01P172 # وعلى اهل القواصى القعقاع بن أبرهة، وعلى الخيل كلها عمرو بن العاص، وعلى ~~الرجاله كلها الضحاك بن قيس. # واصطف كل فريق منهم سبعه صفوف، صفين في الميمنه وصفين في الميسره، وثلاثة ~~صفوف في القلب، فكان الفريقان اربعه عشر صفا، فوقفوا تحت راياتهم، لا ينطق ~~احد منهم بكلمة، فخرج رجل من اهل العراق يسمى جحل بن اثال، وكان من فرسان ~~العرب، فوقف بين صفوف اهل العراق واهل الشام، ثم نادى هل من مبارز؟ وهو ~~متقنع بالحديد، فخرج اليه أبوه اثال، وكان من معدودى فرسان اهل الشام ~~متقنعا بالحديد، ولم يعلم واحد منهما من صاحبه، فتطاردا، والناس قد شخصت ~~أبصارهم، ينظرون، فطعن كل واحد منهما صاحبه، فلم يصنعا شيئا، لكمال ~~لامتيهما [1] ، فحمل الأب على الابن، فاحتضنه حتى اشاله [2] عن ms132 سرجه، فسقط ~~وسقط الأب عليه، فانكشفت وجوههما، فعرف كل واحد منهما صاحبه، فانصرفا الى ~~عسكريهما، ثم تفرق الناس يومئذ، ولم يكن بينهما غير هذا. # فلما أصبحوا عادوا الى مواقفهم، كما كانوا بالأمس، فخرج عتبة بن ابى ~~سفيان حتى وقف على فرسه بين الصفين، فدعا جعدة بن هبيرة بن ابى وهب القرشي، ~~ليخرج اليه، فاقبل جعدة حتى دنا من عتبة، فتجاريا ما هم فيه، وتقاولا حتى ~~اغضب جعدة عتبة، فتناوله عتبة بلسانه، فانصرفا مغضبين، وعبى كل منهما ~~لصاحبه كتيبه، فاقتتلوا بين الصفين، واعين الناس اليهم، وباشر جعدة القتال، ~~فانهزم عتبة، وانصرف الفريقان لم يكن بينهم يومئذ الا ذاك، فقال النجاشى ~~يذكر ما كان بينهما: # ان شتم الكريم يا عتب خطب ... فاعلمنه من الخطوب عظيم # أمه أم هانئ، وأبوه ... من لؤي بن غالب لصميم # انه للهبيره بن ابى وهب ... ، اقرت بفضله مخزوم PageV01P173 # وقال أيضا: # ما زلت تنظر في عطفيك أبهة ... لا يرفع الطرف منك التيه والصلف # لما رايتهم صبحا حسبتهم ... اسد العرين حمى اشبالها الغرف [1] # ناديت خيلك إذ عض السيوف بها ... عوجى الى، فما عاجوا وما وقفوا # هلا عطفت الى قتلى مصرعة ... منها السكون ومنها الأزد والصدف # قد كنت في منظر عن ذا ومستمع ... يا عتب لولا سفاه الرأي والترف # قالوا وخرج الاشعث في يوم من الأيام في خيل من ابطال اهل العراق، فخرج ~~اليه حبيب بن مسلمه في مثل ذلك من اهل الشام، فاقتتلوا بين الصفين مليا حتى ~~مضى جل النهار، ثم انصرفوا وقد انتصف بعضهم من بعض. # وخرج يوما آخر المرقال هاشم بن عتبة بن ابى وقاص في خيل، فخرج اليه ابو ~~الأعور السلمى في مثل ذلك، فاقتتلوا بين الصفين جل النهار. فلم يفر احد عن ~~احد. # وخرج يوما آخر عمار بن ياسر في خيل من اهل العراق، فخرج اليه عمرو بن ~~العاص في ذلك، ومعه شقه سوداء على قناه، فقال الناس: هذا لواء عقده رسول ~~الله ص، فقال على رضى الله عنه: انا مخبركم بقصة هذا اللواء: هذا لواء ms133 عقده ~~رسول الله ص، وقال: من يأخذه بحقه؟، فقال عمرو: وما حقه يا رسول الله؟ ~~فقال: لا تفر به من كافر، ولا تقاتل به مسلما. فقد فر به من الكافرين في ~~حياه رسول الله ص، وقد قاتل به المسلمين اليوم. فاقتتل عمرو وعمار ذلك ~~اليوم كله، لم يول واحد منهما صاحبه الدبر. # وخرج في يوم آخر محمد بن الحنفيه، فخرج اليه عبيد الله بن عمر في مثل ~~عدده من اهل الشام، فقال عبيد الله لابن الحنفيه: ابرز لي فقال محمد: ~~PageV01P174 # نزال قال: وذاك. فنزلا جميعا عن فرسيهما، ونظر على إليهما، فحرك فرسه حتى ~~دنا من محمد، ثم نزل، وقال لمحمد: امسك على فرسي ففعل. ومشى الى عبيد الله، ~~فولى عنه عبيد الله، وقال: ما لي في مبارزتك من حاجه، انما اردت ابنك فقال ~~محمد: يا أبت [1] ، لو تركتني ابارزه لرجوت ان اقتله قال: لو بارزته لرجوت ~~ذلك، وما كنت آمنا ان يقتلك. واقتتلت خيلاهما الى انصاف النهار، ثم انصرفت، ~~وكل غير غالب. # وخرج في يوم آخر عبد الله بن عباس في خيل من اهل العراق، فخرج اليه ~~الوليد بن عتبة في مثلها من اهل الشام، فقال الوليد: يا ابن عباس، قطعتم ~~أرحامكم، وقتلتم امامكم، ولم تدركوا ما املتم، فقال له ابن عباس: دع عنك ~~الأساطير، وابرز الى، فأبى الوليد، وقاتل ابن عباس يومئذ بنفسه قتالا شديد، ~~ثم انصرفا منتصفين. # وخرج في يوم آخر عمرو بن العاص في خيل من اهل الشام، فخرج اليه سعد بن ~~قيس الهمدانى في مثل ذلك من اهل العراق، وعمرو يرتجز: # لا تامنن بعدها أبا حسن ... طاحنه تدقكم دق الطحن # انا نمر الحرب امرار الرسن [2] # فبدر ممن كان مع عمرو فتى من اهل الشام، يسمى حجر الشر، فدعا للبراز، ~~فبرز اليه حجر بن عدى، فأطعنا، فطعنه حجر الشر طعنه اذراه عن فرسه، وحماه ~~اصحابه، فانصرفا وقد جرحه السنان، فخرج اليه الحكم بن ازهر، وكان من اشراف ~~الكوفه، فاختلفا ضربتين، فضربه حجر الشر فقتله، ثم نادى هل ms134 من مبارز؟، فبرز ~~اليه ابن عم للحكم يسمى رفاعة بن طليق، فضربه حجر الشر فقتله، فقال على: ~~الحمد لله الذى قتل هذا مقتل عبد الله بن بديل. # وخرج في يوم آخر عبد الله بن بديل الخزاعي، وكان من افاضل اصحاب على ~~PageV01P175 # في خيل من اهل العراق، فخرج اليه ابو الأعور السلمى في مثل ذلك من اهل ~~الشام فاقتتلوا هويا [1] من النهار، فترك عبد الله اصحابه يعتركون في ~~مجالهم، وضرب فرسه حتى احماه، ثم ارسله على اهل الشام، فشق جموعهم، لا يدنو ~~منه احد الا ضربه بالسيف حتى انتهى الى الرابية التي كان معاويه عليها، ~~فقام اصحاب معاويه دونه، فقال معاويه: ويحكم، ان الحديد لم يؤذن له في هذا، ~~فعليكم بالحجارة فرث بالصخر حتى مات، فاقبل معاويه حتى وقف عليه، فقال: هذا ~~كبش القوم هذا كما قال الشاعر: # أخو الحرب ان عضت به الحرب عضها ... وان شمرت عن ساقها الحرب شمرا # كليث عرين بات يحمى عرينه ... رمته المنايا قصدها فتقطرا # قالوا: وكان فارس معاويه الذى يبتهى به حريث مولاه، وكان يلبس بزه ~~معاويه، ويستلئم سلاحه، ويركب فرسه، ويحمل متشبها بمعاويه، فإذا حمل قال ~~الناس: هذا معاويه وقد كان معاويه نهاه عن على، وقال اجتنبه، وضع رمحك حيث ~~شئت. فخلا به عمرو، وقال: ما يمنعك من مبارزه على، وأنت له كفء؟، قال: ~~نهاني مولاى عنه، قال: وانى والله لأرجو ان بارزته ان تقتله، فتذهب بشرف ~~ذلك. فلم يزل يزين له ذلك حتى وقع في قلب حريث. # فلما أصبحوا خرج حريث حتى قام بين الصفين، وقال: يا أبا الحسن، ابرز الى، ~~انا حريث، فخرج اليه على، فضربه، فقتله. # وبعث على يوما من تلك الأيام الى معاويه: لم نقتل الناس بيني وبينك؟ ابرز ~~الى، فأينا قتل صاحبه تولى الأمر. فقال معاويه لعمرو: ما ترى؟ # قال: قد انصفك الرجل، فابرز اليه، فقال معاويه: اتخدعني عن نفسي، ولم ~~ابرز اليه، ودوني عك والأشعرون. ثم قال: PageV01P176 # ما للملوك وللبراز وإنما ... حظ المبارز خطفه من باز # ووجد من ms135 ذلك على عمرو، فهجره أياما، فقال عمرو لمعاوية: انا خارج الى على ~~غدا. # فلما أصبحوا بدر عمرو حتى وقف بين الصفين، وهو يرتجز: # شدا على شكتى لا تنكشف ... يوم لهمدان ويوم للصدف # ولتميم مثله او تنحرف ... والربعيون لهم يوم عصف # إذا مشيت مشيه العود النطف ... اطعنهم بكل خطى ثقف [1] # ثم نادى: يا أبا الحسن، اخرج الى، انا عمرو بن العاص. فخرج اليه على، ~~فتطاعنا، فلم يصنعا شيئا، فانتضى على سيفه، فحمل عليه، فلما اراد ان يجلله ~~رمى بنفسه عن فرسه، ورفع احدى رجليه، فبدت عورته، فصرف على وجهه، وتركه. ~~وانصرف عمرو الى معاويه، فقال له معاويه: احمد الله وسوداء استك يا عمرو. # قالوا: وخرج عبيد الله بن عمر بن الخطاب يوما من تلك الأيام، وكان من ~~فرسان العرب وابطالها في خيل من اهل الشام، وخرج الاشتر في مثلها، فاشتدت ~~بينهما الحرب، فالتقى عبيد الله والاشتر، فحمل عبيد الله على الاشتر، وبدره ~~الاشتر يطعنه، فاخطاه، واسرع الاشتر في اصحاب عبيد الله، فانصرف الفريقان، ~~وللأشتر الفضل. # وخرج يوما آخر عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وكان من معدودى رجال ~~معاويه، فخرج اليه عدى بن حاتم في مثلها، فاقتتلوا يومهم كله، ثم انصرفوا، ~~وكل غير غالب. PageV01P177 # وخرج يوما ذو الكلاع في اربعه آلاف فارس من اهل الشام قد تبايعوا على ~~الموت، فحملوا على ربيعه، وكانوا في ميسره على، وعليهم عبد الله بن عباس، ~~فتصدعت جموع ربيعه، فناداهم خالد بن المعمر: يا معشر ربيعه اسخطتم الله ~~فثابوا اليه، فاشتد القتال حتى كثرت القتلى، ونادى عبيد الله بن عمر: انا ~~الطيب ابن الطيب، فسمعه عمار، فناداه: بل أنت الخبيث ابن الطيب. # ثم حمل عبيد الله، وهو يرتجز: # انا عبيد الله ينمينى عمر ... خير قريش من مضى ومن غبر # غير رسول الله والشيخ الأغر ... أبطأ عن نصر ابن عفان مضر # والربعيون، فلا اسقوا المطر # فضرب شمر بن الريان العجلى، فقتله، وكان من فرسان ربيعه. ### | مقتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب # فلما أصبحوا خرج عبيد الله ms136 فيمن كان معه بالأمس، وخرجت اليهم ربيعه، ~~فاقتتلوا بين الصفين، وعبيد الله امامهم يضرب بسيفه، فحمل عليه حريث بن ~~جابر الحنفي، فطعنه في لبته [1] ، فقتله، وقد اختلفوا في قتله، فقالت [2] ~~همدان: قتله هانئ بن الخطاب، وقالت حضرموت: قتله مالك بن عمرو الحضرمى، ~~وقالت ربيعه: حريث بن جابر الحنفي، وهو المجمع عليه، فقال كعب بن جعيل ~~يرثيه: # الا انما تبكى العيون لفارس ... بصفين اجلت خيله وهو واقف # فاضحى عبيد الله بالقاع مسلما ... تمج دما منه والعروق النوازف # ينوء وتعلوه سبائب من دم ... كما لاح في جيب القميص الكفائف [3] # وقد ضربت حول ابن عم نبينا ... من الموت شهباء المناكب شارف [4] ~~PageV01P178 # تموج ترى الرايات حمرا كأنها ... إذا صوبت للطعن طير عواكف # جزى الله قتلانا بصفين خير ما ... جزى عبادا غادرتها المواقف ### | مقتل ذي الكلاع # قالوا: وخرج ذو الكلاع في يوم من تلك الأيام في كتيبه من اهل الشام من عك ~~ولخم، فخرج اليه عبد الله بن عباس في ربيعه، فالتقوا، ونادى رجل من مذحج ~~العراق يا آل مذحج، خذموا [1] فاعترضت مذحج عكا يضربون سوقهم بالسيوف، ~~فيبركون. فنادى ذو الكلاع.. يا آل عك، بروكا كبروك الإبل. # وحمل رجل من بكر بن وائل يسمى خندفا على ذي الكلاع، فضربه بالسيف على ~~عاتقه، فقد الدرع، وفرى عاتقه، فخر ميتا، فلما قتل ذو الكلاع تمحكت عك، ~~وصبروا لعض السيوف، فلم يزالوا كذلك حتى امسوا. # وكان اهل العراق واهل الشام ايام صفين إذا انصرفوا من الحرب يدخل كل فريق ~~منهم في الفريق الآخر، فلا يعرض احد لصاحبه، وكانوا يطلبون قتلاهم، ~~فيخرجونهم من المعركة، ويدفنونهم. # قالوا: وان عليا رضى الله عنه اشاع انه يخرج الى اهل الشام بجميع الناس، ~~فيقاتلهم حتى يحكم الله بينه وبينهم، ففزع الناس لذلك فزعا شديدا، وقالوا: ~~انما كنا الى اليوم تخرج الكتيبة الى مثلها، فيقتتلون بين الجمعين، فان ~~التقينا بجميع الفيلقين فهو فناء العرب. # وقام على في الناس خطيبا، فقال: الا انكم ملاقو القوم غدا بجميع الناس، ~~فأطيلوا الليلة القيام، وأكثروا تلاوة القرآن، وسلوا ms137 الله الصبر والعفو، ~~والقوهم بالجد. PageV01P179 # فقال كعب بن جعيل: # اصبحت الامه في امر عجب ... والملك مجموع غدا لمن غلب # اقول قولا صادقا غير الكذب ... ان غدا تهلك اعلام العرب # واجتمع اهل الشام الى معاويه، فعرضهم، فنادى مناديه: اين الجند المقدم؟ ~~فخرج اهل حمص تحت راياتهم، وعليهم ابو الأعور السلمى، ثم نادى: اين اهل ~~الأردن؟، فخرجوا تحت راياتهم، وعليهم زفر بن الحارث الكلابى، ثم نادى: اين ~~جند الأمير؟ فجاء اهل دمشق تحت راياتهم، وعليهم الضحاك ابن قيس، فأطافوا ~~بمعاويه، فعقد لعمرو بن العاص على جميع الناس، وساروا حتى وقفوا بإزاء اهل ~~العراق. # وقعد معاويه على منبر ينظر منه فوق رابيه الى الفريقين إذا اقتتلوا، ~~واقبلت عك الشام، وقد عصبوا انفسهم بالعمائم، وطرحوا بين ايديهم حجرا، ~~وقالوا: لا نولي الدبر او يولى معنا هذا الحجر، فصفهم عمرو خمسه صفوف، ووقف ~~امامهم يرتجز: # يا ايها الجيش الصليب الأيمان ... قوموا قياما، فاستعينوا الرحمن [1] # انى أتاني خبر فأبكان ... ان عليا قتل ابن عفان # ردوا علينا شيخنا كما كان # وأنشأ رجل من اهل الشام يقول: # تبكى الكتيبة يوم جر حديدها ... يوم الوغى جزعا على عثمانا # يسلون حق الله لا يعدونه ... وسألتم لعلى السلطانا # فاتوا ببينه بما تسلونه ... هذا البيان، فاحضروا البرهانا # ولما اصبح على رضى الله عنه غلس [2] . بصلاة الفجر، ثم امر اصحابه، ~~فخرجوا PageV01P180 # تحت راياتهم، ثم جعل يدور على رايات اهل الشام، فيقول: من هؤلاء؟ فيسمون ~~له، حتى إذا عرفهم، وعرف مراكزهم، قال لازد الكوفه: اكفوني ازد الشام، وقال ~~لخثعم: اكفوني خثعم، فامر كل قبيله من اهل العراق ان تكفيه أختها من اهل ~~الشام، ثم امرهم ان يحملوا من كل ناحيه حمله رجل واحد، فحملوا، وحمل على ~~رضى الله عنه على الجمع الذى كان فيه معاويه في اهل الحجاز من قريش ~~والانصار وغيرهم، وكانوا زهاء اثنى عشر الف فارس، وعلى امامهم، وكبروا وكبر ~~الناس تكبيره ارتجت لها الارض، فانتقضت صفوف اهل الشام، واختلفت راياتهم، ~~وانتهوا الى معاويه، وهو جالس على منبره، معه عمرو بن العاص ms138، ينظران الى ~~الناس، فدعا بفرس ليركبه. # ثم ان اهل الشام تداعوا بعد جولتهم، وثابوا، ورجعوا على اهل العراق، وصبر ~~القوم بعضهم لبعض الى ان حجز بينهم الليل، فقتل في ذلك اليوم اناس كثير من ~~اعلام العرب واشرافهم، فلما أصبحوا دخل الناس بعضهم في بعض، يستخرجون ~~قتلاهم، فيدفنونهم يومهم ذلك كله. # ثم ان عليا قام في عشيه ذلك اليوم في اصحابه، فقال: ايها الناس، اغدوا ~~على مصافكم، وازحفوا الى عدوكم، وغضوا الابصار، واخفضوا الأصوات، وأقلوا ~~الكلام، واثبتوا، واذكروا الله كثيرا، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، ~~واصبروا، إن الله مع الصابرين. # وقام معاويه في اهل الشام، فقال: ايها الناس، اصبروا وصابروا، ولا ~~تتخاذلوا ولا تتواكلوا، فإنكم على حق، ولكم حجه، وانما تقاتلون من سفك الدم ~~الحرام، فليس له في السماء عاذر. # وقام عمرو، فقال: ايها الناس، قدموا المستلئمة وأخروا الحسر [1] ، ~~وأعيرونا جماجمكم اليوم، فقد بلغ الحق مقطعه، وانما هو ظالم او مظلوم. ~~PageV01P181 # فبات الفريقان طول تلك الليلة يتعبون للحرب، ثم غدوا على مصافهم، وحمل ~~الفريقان بعضهم على بعض، وحمل حبيب بن مسلمه، وكان على ميسره معاويه، على ~~ميمنه على رضى الله عنه، فانكشفوا وجالوا جولة، ونظر على الى ذلك، فقال ~~لسهل بن حنيف: انهض فيمن معك من اهل الحجاز حتى تعين اهل الميمنه، فمضى سهل ~~فيمن كان معه من اهل الحجاز نحو الميمنه، فاستقبلهم جموع اهل الشام، فكشفوه ~~ومن معه حتى انتهوا الى على، وهو في القلب، فجال القلب وفيه على جولة، فلم ~~يبق مع على الا اهل الحفاظ والنجده، فحث على فرسه نحو ميسرته، وهم وقوف ~~يقاتلون من بازائهم من اهل الشام، وكانوا ربيعه. # قال زيد بن وهب: فانى لانظر الى على، وهو يمر نحو ربيعه، ومعه بنوه: ~~الحسن والحسين ومحمد، وان النبل ليمر بين أذنيه وعاتقه، وبنوه يقونه ~~بانفسهم، فلما دنا على من الميسره، وفيها الاشتر، وقد وقفوا في وجوه اهل ~~الشام يجالدونهم، فناداه على، وقال: ايت هؤلاء المنهزمين، فقل: اين فراركم ~~من الموت الذى لم تعجزوه الى الحياه التي ms139 لا تبقى لكم. # فدفع الاشتر فرسه، فعارض المنهزمين، فناداهم: ايها الناس، الى الى، انا ~~مالك بن الحارث فلم يلتفتوا اليه، فظن انه بالاستعراف، فقال: ايها الناس ~~انا الاشتر فثابوا اليه، فزحف بهم نحو ميسره اهل الشام. فقاتل بهم قتالا ~~شديدا حتى انكشف اهل الشام، وعادوا الى مواقفهم الاولى. # ورتب الاشتر ميمنه على رضى الله عنه والقلب مراتبهما قبل الجولة، فلما ~~عادوا الى مواقفهم جعل على يسير في الصفوف ويؤنبهم على ما كان من جولتهم، ~~وذلك ما بين صلاه العصر والمغرب. # قال: ثم ان اهل الشام حملوا على تميم، وكانوا في الميمنه، فكشفوهم، ~~فناداهم زحر 1 في الأصل: زجر. بن نهشل: يا بنى تميم، الى أين؟ قالوا: الا ~~ترى الى ما قد غشينا؟! # PageV01P182 # فقال: ويحكم، افرارا واعتذارا؟! ان لم تقاتلوا على الدين، فقاتلوا على ~~الاحساب، احملوا معى. فحمل وحملوا، فقاتل حتى قتل، وهو امامهم، وحمل الناس ~~جميعا بعضهم على بعض، واقتتلوا حتى تكسرت الرماح وتقطعت السيوف، ثم تكادموا ~~[1] . بالأفواه، وتحاثوا بالتراب، ثم تنادوا من كل جانب: يا معشر العرب، من ~~للنساء والأولاد، الله الله في الحرمات. # وان عليا رضى الله عنه لينغمس في القوم، فيضرب بسيفه حتى ينثني، ثم يخرج ~~متخضبا بالدم حتى يسوى له سيفه، ثم يرجع، فينغمس فيهم، وربيعه لا تترك جهدا ~~في القتال معه والصبر، وغابت الشمس، وقربوا من معاويه، فقال لعمرو: ما ترى؟ ~~قال: ان تخلى سرادقك. # فنزل معاويه عن المنبر الذى كان يكون عليه، واخلى السرادق، واقبلت ربيعه، ~~وامامها على رضى الله عنه حتى غشوا السرادق، فقطعوه، ثم انصرفوا، وبات على ~~تلك الليلة في ربيعه. ### | مقتل هاشم بن عتبة بن ابى وقاص المرقال # فلما اصبح على غادى [2] اهل الشام القتال، ودفع رايته العظمى الى هاشم بن ~~عتبة، فقاتل بها نهاره كله، فلما كان العشى انكشف اصحابه انكشافه، وثبت ~~هاشم في اهل الحفاظ منهم والنجده، فحمل عليهم الحارث بن المنذر التنوخي، ~~فطعنه طعنه جائفة [3] ، فلم ينته عن القتال، ووافاه رسول على يأمره ان يقدم ~~رايته، فقال للرسول: انظر ms140 الى ما بي فنظر الى بطنه، فرآه منشقا، فرجع الى ~~على، فاخبره، ولم يلبث هاشم ان سقط، وجال اصحابه عنه، وتركوه بين القتلى، ~~فلم يلبث ان مات. وحال الليل بين الناس وبين القتال. PageV01P183 # فلما اصبح على غلس [1] بالصلاة، وزحف بجموعه نحو القوم على التعبئة ~~الاولى، ودفع الراية الى ابنه عبد الله بن هاشم بن عتبة، وتزاحف الفريقان ~~فاقتتلوا. فروى عن القعقاع الظفري انه قال: لقد سمعت في ذلك اليوم من أصوات ~~السيوف ما الرعد القاصف دونه وعلى رضى الله عنه واقف ينظر الى ذلك، ويقول: ~~لا حول ولا قوه الا بالله، والله المستعان، ربنا افتح بيننا وبين قومنا ~~بالحق، وأنت خير الفاتحين. # ثم حمل على بنفسه على اهل الشام حتى غاب فيهم، فانصرف مخضبا بالدماء، فلم ~~يزالوا كذلك يومهم كله والليل حتى مضى ثلثه، وجرح على خمس جراحات، ثلاث في ~~راسه واثنتان في وجهه، ثم تفرقوا وغدوا على مصافهم، وعمرو بن العاص يقدم ~~اهل الشام، فحمل عبد الله بن جعفر ذو الجناحين في قريش والانصار في وجه ~~عمرو فاقتتلوا، وحمل غلامان اخوان من الانصار على جموع اهل الشام حتى ~~انتهيا الى سرادق معاويه، فقتلا على باب السرادق، ودارت رحى الحرب الى ان ~~ذهب ثلث الليل، ثم تحاجزوا، ولما اصبح الناس اختلط بعضهم ببعض، يستخرجون ~~قتلاهم، فيدفنونهم. # وكتب معاويه الى على: اما بعد، فانى انما اقاتلك على دم عثمان، ولم أر ~~المداهنه في امره واسلام حقه، فان ادرك بثارى فيه فذاك، والا فالموت على ~~الحق اجمل من الحياه على الضيم، وانما مثلي ومثل عثمان، كما قال المخارق: # فمهما تسل عن نصرتي السيد لا تجد ... لدى الحرب بيت السيد عندي مذمما # فكتب اليه على: اما بعد، فانى عارض عليك ما عرض مخارق على بنى فالج، حيث ~~قال: PageV01P184 # يا راكبا اما عرضت فبلغا ... بنى فالج حيث استقر قرارها # هلموا إلينا لا تكونوا كأنكم ... بلاقع ارض طار عنها غبارها # سليم بن منصور اناس أعزة ... وارضهم ارض كثير وبارها [1] # فكتب اليه معاويه: انا لم نزل ms141 للحرب قاده، وانما مثلي ومثلك ما قال أوس ~~بن حجر: # إذا الحرب حلت ساحه الحى أظهرت ... عيوب رجال يعجبونك في الأمن # وللحرب اقوام يحامون دونها ... وكم قد ترى من ذي رواء ولا يغنى # ثم غدوا على الحرب، ورايه اهل الشام العظمى مع عبد الرحمن بن خالد ابن ~~الوليد، وكان يحمل بها فلا يلقاه شيء الا هده، وكان من فرسان العرب، وكانت ~~من اهل العراق جولة شديده، فنادى الناس الاشتر، وقالوا: اما ترى اللواء اين ~~قد بلغ؟، فتناول الاشتر لواء اهل العراق، فتقدم به، وهو يرتجز: # انى انا الاشتر الشتر ... انى انا الأفعى العراقي الذكر [2] # فقاتل اهل الشام حتى رد اللواء، وردهم على اعقابهم، ففي ذلك يقول ~~النجاشى: # رايت اللواء كظل العقاب ... يقحمه الشامي الاخزر [3] # دعونا له الكبش كبش العراق ... وقد خالط العسكر العسكر # فرد اللواء على عقبه ... وفاز بحظوتها الاشتر ### | مقتل حوشب ذي ظليم # قالوا: وأخذ الراية جندب بن زهير، فخرج اليه حوشب ذو ظليم، وكان من عظماء ~~اهل الشام، وفرسانهم، فاخذ الراية وجعل يمضى بها قدما، وينكا PageV01P185 # في اهل العراق، فخرج اليه سليمان بن صرد، وكان من فرسان على، فاقتتلوا، ~~فقتل حوشب، وجال اهل العراق جولة انتقضت صفوفهم، وانحاز اهل الحفاظ منهم مع ~~على رضى الله عنه الى ناحيه اخرى يقاتلون، واقبل عدى بن حاتم يطلب عليا في ~~موضعه الذى خلفه فيه، فلم يجده، فسال عنه، فدل عليه، فاقبل اليه، فقال: # يا امير المؤمنين، اما إذ كنت حيا فالأمر امم [1] ، واعلم انى ما مشيت ~~إليك الا على أشلاء القتلى، وما ابقى هذا اليوم لنا ولا لهم عميدا. # وكان اكثر من صبر في تلك الساعة مع على وقاتل ربيعه، فقال على رضى الله ~~عنه: يا معشر ربيعه، أنتم درعي وسيفي ثم ركب الفرس [2] الذى كان لرسول الله ~~ص يسمى الريح وجنب بين يديه بغله رسول الله ص الشهباء، وتعمم بعمامته ص ~~السوداء، ثم امر مناديه، فنادى: ايها الناس، من يشرى نفسه لله؟ فانتدب له ~~الناس، وانضموا اليه، فاقبل بهم على ms142 اهل الشام حتى أزال راياتهم، وجالوا ~~جولة قبيحه حتى دعا معاويه بفرسه ليركبها، ثم نادى مناديه في اهل الشام: ~~الى اين ايها الناس؟ أثيبوا، فان الحرب سجال فثاب اليه الناس، وكروا على ~~اهل العراق. # وقال معاويه لعمرو: قدم عك والاشعرين، فإنهم كانوا أول من انهزم في هذه ~~الجولة. فأتاهم عمرو، فبلغهم قول معاويه، فقال رئيسهم مسروق العكي: ~~انتظروني حتى آتى معاويه فأتاه، فقال: افرض لقومى في الفين الفين، ومن هلك ~~منهم، فابن عمه مكانه، قال: ذلك لك، فانصرف الى قومه، فاعلمهم ذلك، ~~فتقدموا، فاضطربوا هم وهمدان بالسيوف اضطرابا شديدا، فاقسمت عك لا ترجع حتى ~~ترجع همدان، واقسمت همدان على مثل ذلك. # فقال عمرو لمعاوية: لقيت اسد أسدا، لم أر كاليوم قط. # فقال معاويه: لو ان معك حيا آخر كعك، ومع على كهمدان لكان الفناء. ~~PageV01P186 # وكتب معاويه الى على: # بسم الله الرحمن الرحيم، من معاويه بن ابى سفيان الى على بن ابى طالب، ~~اما بعد، فانى احسبك ان لو علمت وعلمنا، ان الحرب تبلغ بك وبنا ما بلغت لم ~~نجنها على أنفسنا، فانا وان كنا قد غلبنا على عقولنا، فقد بقي لنا منها ما ~~ينبغى ان نندم على ما مضى ونصلح ما بقي، فإنك لا ترجو من البقاء الا ما ~~أرجو، ولا اخاف من القتل الا ما تخاف، وقد والله رقت الأجناد، وتفانى ~~الرجال، ونحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل الا ما يستذل به العزيز، ~~ولا يسترق به الحر، والسلام. # فكتب اليه على رضى الله عنه: # بسم الله الرحمن الرحيم، اما بعد، فقد أتاني كتابك، تذكر انك لو علمت ~~وعلمنا ان الحرب تبلغ بك وبنا ما بلغت لم نجنها على أنفسنا، فاعلم انك ~~وإيانا منها الى غاية لم نبلغها بعد، واما استواؤنا في الخوف والرجاء، فإنك ~~لست امضى على الشك منى على اليقين، وليس اهل الشام باحرص على الدنيا من اهل ~~العراق على الآخرة، واما قولك انا بنو عبد مناف، وليس لبعضنا على بعض فضل، ~~فليس كذلك، لان ms143 اميه ليس كهاشم، ولا حربا كعبد المطلب، ولا أبا سفيان كابى ~~طالب، ولا المهاجر كالطليق، وفي أيدينا فضل النبوه التي بها قتلنا العزيز، ~~ودان لنا بها الذليل. # ثم ان عليا رضى الله عنه غلس بالصلاة صلاه الفجر، وزحف بجموعه نحو اهل ~~الشام، فوقف الفريقان تحت راياتهم، وخرج الاشتر على فرس كميت ذنوب [1] . ~~مقنعا بالحديد، وبيده الرمح، فحمل على اهل الشام، فاتبعه الناس، وكسر فيهم ~~ثلاثة ارماح، واضطرب الناس بالسيوف وعمد الحديد، وبرز رجل من اهل الشام ~~مقنعا بالحديد، ونادى: يا أبا الحسن، ادن منى، اكلمك فدنا منه على ~~PageV01P187 # حتى اختلفت اعناق فرسيهما بين الصفين، فقال: ان لك قدما في الاسلام ليس ~~لأحد، وهجره مع رسول الله ص، وجهادا، فهل لك ان تحقن هذه الدماء، وتؤخر هذه ~~الحرب برجوعك الى عراقك، ونرجع الى شامنا الى ان تنظر وننظر في امرنا؟. # [فقال على: يا هذا، انى قد ضربت انف هذا الأمر وعينيه، فلم اجده يسعني ~~الا القتال او الكفر بما انزل الله على محمد، ان الله لا يرضى من اوليائه ~~ان يعصى في الارض، وهم سكوت، لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، فوجدت ~~القتال اهون من معالجة الأغلال في جهنم. # ] قال: فانصرف الشامي، وهو يسترجع، ثم اقتتلوا حتى تكسرت الرماح، وتقطعت ~~السيوف، واظلمت الارض من القتام، [1] ، وأصابهم البهر، [2] وبقي بعضهم ينظر ~~الى بعض بهيرا. فتحاجزوا بالليل، وهو ليله الهرير. ثم أصبحوا غداه هذه ~~الليلة، واختلط بعضهم ببعض يستخرجون قتلاهم ويدفنونهم. # ثم ان عليا قام من صبيحة ليله الهرير في الناس خطيبا، فحمد الله واثنى ~~عليه، ثم قال: ايها الناس، انه قد بلغ بكم وبعدوكم الأمر الى ما ترون، ولم ~~يبق من القوم الا آخر نفس، فتأهبوا رحمكم الله لمناجزه عدوكم غدا، حتى يحكم ~~الله بيننا وبينهم، وهو خير الحاكمين. # وبلغ ذلك معاويه، فقال لعمرو: ما ترى، فإنما هو يومنا هذا وليلتنا هذه؟، ~~فقال عمرو: انى قد اعددت بحيلتي امرا اخرته الى هذا اليوم، فان قبلوه ~~اختلفوا، وان ردوه تفرقوا، قال معاويه ms144: وما هو؟ قال عمرو: تدعوهم الى كتاب ~~الله حكما بينك وبينهم، فإنك بالغ به حاجتك. فعلم معاويه ان الأمر كما قال. # قالوا: وان الاشعث بن قيس قال لقومه، وقد اجتمعوا اليه: قد رايتم ما كان ~~في اليوم الماضى من الحرب المبيره [3] . وانا والله ان التقينا غدا، انه ~~لبوار العرب وضيعه الحرمات. PageV01P188 # قالوا: فانطلقت العيون الى معاويه بكلام الاشعث، فقال: صدق الاشعث، لئن ~~التقينا غدا ليميلن الروم على ذراري اهل الشام، وليميلن دهاقين فارس على ~~ذراري اهل العراق، وما يبصر هذا الأمر الا ذوو الأحلام، اربطوا المصاحف على ~~اطراف القنا. # [1] قالوا: فربطت المصاحف، فأول ما ربط مصحف دمشق الأعظم، ربط على خمسه ~~ارماح، يحملها خمسه رجال، ثم ربطوا سائر المصاحف، جميع ما كان معهم، ~~وأقبلوا في الغلس، ونظر اهل العراق الى اهل الشام قد أقبلوا، وامامهم شبيه ~~بالرايات، فلم يدروا ما هو، حتى أضاء الصبح، فنظروا، فإذا هي المصاحف. # ثم قام الفضل بن ادهم امام القلب، وشريح الجذامى امام الميمنه، وورقاء ~~ابن المعمر امام الميسره، فنادوا: يا معشر العرب، الله. الله في نسائكم ~~وأولادكم من فارس والروم غدا، فقد فنيتم، هذا كتاب الله بيننا وبينكم. فقال ~~على رضى الله عنه: ما الكتاب تريدون، ولكن المكر تحاولون. # ثم اقبل ابو الأعور السلمى على برذون اشهب، وعلى راسه مصحف، وهو ينادى: ~~يا اهل العراق، هذا كتاب الله حكما فيما بيننا وبينكم. # فلما سمع اهل العراق ذلك قام كردوس بن هانئ البكرى، فقال: يا اهل العراق، ~~لا يهدئكم ما ترون من رفع هذه المصاحف، فإنها مكيده. ثم تكلم سفيان بن ثور ~~النكرى، [2] ، فقال: ايها الناس، انا قد كنا بدأنا بدعاء اهل الشام الى ~~كتاب الله، فردوا علينا، فاستحللنا قتالهم، فان رددناه عليهم حل لهم ~~قتالنا، «ولسنا نخاف ان يحيف الله علينا ولا رسوله» . # ثم قام خالد بن المعمر، فقال لعلى: يا امير المؤمنين، ما البقاء الا فيما ~~دعا القوم اليه ان رايته، وان لم تره فرأيك افضل. ثم تكلم الحضين بن ~~المنذر، فقال: ايها ms145 الناس، ان لنا داعيا قد حمدنا ورده وصدره، وهو المأمون ~~على ما فعل، فان قال: لا، قلنا: لا، وان قال: نعم، قلنا: نعم. PageV01P189 # فتكلم على، وقال: عباد الله، انا احرى من أجاب الى كتاب الله، وكذلك ~~أنتم، غير ان القوم ليس يريدون بذلك الا المكر، وقد عضتهم الحرب، والله، ~~لقد رفعوها وما رأيهم العمل بها، وليس يسعني مع ذلك ان ادعى الى كتاب الله ~~فأبى، وكيف وانما قاتلناهم ليدينوا بحكمه. # فقال الاشعث: يا امير المؤمنين نحن لك اليوم على ما كنا عليه لك أمس، غير ~~ان الرأي ما رايت من اجابه القوم الى كتاب الله حكما. فاما عدى بن حاتم ~~وعمرو بن الحمق فلم يهويا ذلك، ولم يشيروا على على به. # ولما أجاب على رضى الله عنه، قالوا له: فابعث الى الاشتر ليمسك عن الحرب ~~ويأتيك. وكان يقاتل في ناحيه الميمنه، فقال على ليزيد بن هانئ: انطلق الى ~~الاشتر، فمره ان يدع ما هو فيه، ويقبل، فأتاه، فابلغه، فقال: ارجع الى امير ~~المؤمنين، فقل له ان الحرب قد اشتجرت بيني وبين اهل الناحية، فليس يجوز ان ~~انصرف. # فانصرف يزيد الى على، فاخبره بذلك، وعلت الأصوات من ناحيه الاشتر، وثار ~~النقع، [1] فقال القوم لعلى، والله ما نحسبك امرته الا بالقتال. # فقال: كيف امرته بذلك، ولم اساره سرا؟! ثم قال ليزيد: عد الى الاشتر، فقل ~~له. اقبل، فان الفتنة قد وقعت. فأتاه، فاخبره بذلك. # فقال الاشتر: الرفع هذه المصاحف؟، قال: نعم. قال: اما والله لقد ظننت بها ~~حين رفعت، انها ستوقع اختلافا وفرقه. # فاقبل الاشتر حتى انتهى اليهم، فقال: يا اهل الوهن والذل، احين علوتم ~~القوم تنكلون لرفع هذه المصاحف؟ أمهلوني فواقا، [2] قالوا: لا ندخل معك في ~~خطيئتك، قال: ويحكم، كيف بكم وقد قتل خياركم وبقي اراذلكم، فمتى كنتم ~~محقين؟ احين كنتم تقاتلون أم الان حين أمسكتم؟ فما حال قتلاكم الذين ~~PageV01P190 # لا ننكرون فضلهم، افي الجنه أم في النار؟. قالوا: قاتلناهم في الله، وندع ~~قتالهم في الله. فقال: يا اصحاب الجباه السود ms146، كنا نظن ان صلاتكم عباده ~~وشوق الى الجنه، فنراكم قد فررتم الى الدنيا، فقبحا لكم. فسبوه، وسبهم، ~~وضربوا وجه دابته بسياطهم، وضرب هو وجوه دوابهم بسوطه. وكان مسعر بن فدكي ~~وابن الكواء وطبقتهم من القراء الذين صاروا بعد خوارج كانوا من أشد الناس ~~في الإجابة الى حكم المصحف. # وان معاويه قام في اهل الشام، فقال: ايها الناس، ان الحرب قد طالت بيننا ~~وبين هؤلاء القوم، وان كل واحد منا يظن انه على الحق وصاحبه على الباطل، ~~وانا قد دعوناهم الى كتاب الله والحكم به، فان قبلوه، والا كنا قد أعذرنا ~~اليهم. # ثم كتب الى على: ان أول من يحاسب على هذا القتال انا وأنت، وانا ادعوك ~~الى حقن هذه الدماء والفة الدين واطراح الضغائن، وان يحكم بيني وبينك ~~حكمان، أحدهما من قبلي والآخر من قبلك، ما يجدانه مكتوبا مبينا في القرآن ~~يحكمان به، فارض بحكم القرآن ان كنت من اهله. # فكتب اليه على: دعوت الى حكم القرآن، وانى لأعلم انك ليس حكمه تحاول، وقد ~~أجبنا القرآن الى حكمه لا إياك، ومن لم يرض بحكم القرآن فقد ضل ضلالا ~~بعيدا. # وكتب الى عمرو بن العاص: [اما بعد، فان الدنيا مشغله عن غيرها، ولم يصب ~~صاحبها منها شيئا الا انفتح له بذلك حرص يزيده فيها رغبه، ولن يستغنى ~~صاحبها بما نال منها عما لم ينله،] ومن وراء ذلك فراق ما جمع، فلا تحبط ~~عملك بمجاراه معاويه على باطله، وان لم تنته لم تضر بذلك الا نفسك، ~~والسلام. # فأجابه عمرو: اما بعد، فان الذى فيه صلاحنا والفه ما بيننا الإنابة الى ~~الحق، وقد جعلنا القرآن حكما بيننا وبينك لنرضى بحكمه، ويعذرنا الناس عند ~~المناجزة، والسلام. # PageV01P191 # فكتب اليه على: اما بعد، فان الذى اعجبك مما نازعتك نفسك اليه من طلب ~~الدنيا منقلب عنك، فلا تطمئن إليها، فإنها غراره، ولو اعتبرت بما مضى ~~انتفعت بما بقي، والسلام. # فكتب اليه عمرو: اما بعد، فقد انصف من جعل القرآن حكما، فاصبر يا أبا ~~الحسن، فانا غير منيليك ms147 الا ما انا لك القرآن، والسلام. # فاجتمع قراء اهل العراق وقراء اهل الشام، فقعدوا بين الصفين، ومعهم ~~المصحف يتدارسونه، فاجتمعوا على ان يحكموا حكمين، وانصرفوا. # فقال اهل الشام: قد رضينا بعمرو. # وقال الاشعث ومن كان معه من قراء اهل العراق: قد رضينا نحن بابى موسى. # فقال لهم على: لست أثق براى ابى موسى، ولا بحزمه، ولكن اجعل ذلك لعبد ~~الله بن عباس. # قالوا: والله ما نفرق بينك وبين ابن عباس، وكأنك تريد ان تكون أنت ~~الحاكم، بل اجعله رجلا هو منك ومن معاويه سواء، ليس الى احد منكما بأدنى ~~منه الى الآخر. # قال على رضى الله عنه: فلم ترضون لأهل الشام بابن العاص، وليس كذلك؟. # قالوا: أولئك اعلم، انما علينا أنفسنا. # قال: فانى اجعل ذلك الى الاشتر. # قال الاشعث: وهل سعر هذه الحرب الا الاشتر، وهل نحن الا في حكم الاشتر؟. # قال على: وما حكمه؟. # قال: يضرب بعض وجوه بعض حتى يكون ما يريد الله. # PageV01P192 # قال: فقد ابيتم الا ان تجعلوا أبا موسى. # قالوا: نعم. # قال: فاصنعوا ما احببتم. # قالوا: فأرسلوا رسولا الى ابى موسى، وقد كان اعتزل الحرب، واقام بعرض [1] ~~. من اعراض الشام، فدخل عليه مولى له، فقال: قد اصطلح الناس، قال: الحمد ~~لله رب العالمين. قال: وقد جعلوك حكما. # قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. # فاقبل ابو موسى حتى دخل عسكر على، فولوه الأمر، ورضوا به، فقبله. # فقال الأحنف بن قيس لعلى: انك قد منيت بحجر الارض، وداهيه العرب، وقد ~~عجمت أبا موسى، فوجدته كليل الشفرة، قريب العقر، وانه لا يصلح لهذا الأمر ~~الا رجل يدنو من صاحبه حتى يكون في كفه، ويبعد منه حتى يكون مكان النجم، ~~فان شئت ان تجعلني حكما فافعل، والا فثانيا او ثالثا، فان قلت: انى لست من ~~اصحاب رسول الله ص، فابعث رجلا من صحابته، واجعلنى وزيرا له ومشيرا. # فقال على: ان القوم قد أبوا ان يرضوا بغير ابى موسى، «والله بالغ أمره» . # قالوا: فقال ايمن بن خريم الأسدي من اهل الشام ms148، وكان معتزلا للقوم: # لو كان للقوم راى يهتدون به ... بعد القضاء رموكم بابن عباس # لكن رموكم بشيخ من ذوى يمن ... لم يدر ما ضرب اخماس لأسداس # [2] PageV01P193 # قالوا: وقد كان معاويه جعل لايمن بن خريم ناحيه من فلسطين على ان يبايعه، ~~فأبى، وقال: # لست بقاتل رجلا يصلى ... على سلطان آخر من قريش # له سلطانه وعلى إثمي ... معاذ الله من سفه وطيش # ااقتل مسلما في غير حق ... فليس بنافعى ما عشت عيشي ### | وثيقة التحكيم # قالوا: فاجتمع اهل العراق واهل الشام وأتوا بكاتب، وقالوا: اكتب بسم الله ~~الرحمن الرحيم، هذا ما تقاضى عليه امير المؤمنين. فقال معاويه بئس الرجل ~~انا ان اقررت بانه امير المؤمنين ثم اقاتله. قال عمرو بل اكتب اسمه واسم ~~ابيه. فقال الأحنف بن قيس: يا امير المؤمنين، لا تمح اسم امره المؤمنين، ~~فانى اخاف ان محوتها لم ترجع إليك ابدا، ولا تجبهم الى ذلك. # [فقال على: الله اكبر، سنه بسنه، اما والله لقد جرى على يدي نظير هذا ~~يعنى القضية يوم الحديبية، [1] وامتناع قريش ان يكتب محمد رسول الله، فقال ~~النبي ص للكاتب، اكتب محمد بن عبد الله،] فكتبوا. # هذا ما تقاضى عليه على بن ابى طالب ومعاويه بن ابى سفيان وشيعتهما فيما ~~تراضيا به من الحكم بكتاب الله وسنه نبيه ص، قضية على على اهل العراق ~~شاهدهم وغائبهم، وقضية معاويه على اهل الشام شاهدهم وغائبهم، انا تراضينا ~~ان نقف عند حكم القرآن فيما يحكم من فاتحته الى خاتمته، نحيى ما أحيا، ~~ونميت ما أمات، على ذلك تقاضيا وبه تراضيا، وان عليا وشيعته رضوا بعبد الله ~~بن قيس ناظرا وحاكما، ورضى معاويه وشيعته بعمرو بن العاص ناظرا وحاكما، على ~~ان عليا ومعاويه أخذا على عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله ~~وميثاقه، وذمته وذمة PageV01P194 # رسوله ان يتخذا القرآن اماما، ولا يعدوا به الى غيره في الحكم بما وجداه ~~فيه مسطورا، وما لم يجدا في الكتاب رداه الى سنه رسول الله الجامعه، لا ~~يتعمدان لها خلافا، ولا يبغيان ms149 فيها بشبهه. # وأخذ عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص على على ومعاويه عهد الله وميثاقه ~~بالرضى بما حكما به مما في كتاب الله وسنه نبيه، وليس لهما ان ينقضا ذلك، ~~ولا يخالفاه الى غيره، وهما آمنان في حكومتهما على دمائهما وأموالهما ~~واشعارهما وابشارهما واهاليهما وأولادهما ما لم يعدوا الحق، رضى به راض او ~~سخطه ساخط، وان الامه انصارهما على ما قضيا به من الحق مما هو في كتاب ~~الله، فان توفى احد الحكمين قبل انقضاء الحكومة، فلشيعته واصحابه ان ~~يختاروا مكانه رجلا من اهل المعدلة والصلاح على ما كان عليه صاحبه من العهد ~~والميثاق، وان مات احد الأميرين قبل انقضاء الأجل المحدد في هذه القضية ~~فلشيعته ان يولوا مكانه رجلا يرضون عدله، وقد وقعت القضية بين الفريقين ~~والمفاوضه، ورفع السلاح، وقد وجبت القضية على ما سمينا في هذا الكتاب من ~~موقع الشرط على الأميرين والحكمين والفريقين، والله اقرب شهيد، وكفى * به ~~شهيدا، * فان خالفا وتعديا فالأمة بريئة من حكمهما ولا عهد لهما ولا ذمه، ~~والناس آمنون على انفسهم وأهاليهم وأولادهم الى انقضاء الأجل، والسلاح ~~موضوعه والسبل آمنة، والغائب من الفريقين مثل الشاهد في الأمر، وللحكمين ان ~~ينزلا منزلا متوسطا عدلا بين اهل العراق واهل الشام، ولا يحضرهما فيه الا ~~من احبا عن تراض منهما، والأجل الى انقضاء شهر رمضان، فان راى الحكمان ~~تعجيل الحكومة عجلاها، وان رايا تأخيرها الى آخر الأجل اخراها، فان هما لم ~~يحكما بما في كتاب الله وسنه نبيه الى انقضاء الأجل، فالفريقان على امرهم ~~الاول في الحرب، وعلى الامه عهد الله وميثاقه في هذا الأمر، وهم جميعا يد ~~واحده على من اراد في هذا الأمر إلحادا او ظلما او خلافا. # شهد على ما في هذا الكتاب الحسن والحسين ابنا على بن ابى طالب، وعبد الله ~~ابن عباس، وعبد الله بن جعفر بن ابى طالب، والاشعث بن قيس، والاشتر # PageV01P195 # ابن الحارث، وسعيد بن قيس، والحصين والطفيل ابنا الحارث بن عبد المطلب، ~~وابو سعيد بن ربيعة الأنصاري ms150، وعبد الله بن خباب بن الأرت، وسهل بن حنيف، ~~وابو بشر بن عمر الأنصاري، وعوف بن الحارث بن عبد المطلب، ويزيد بن عبد ~~الله الأسلمي، وعقبه بن عامر الجهنى، ورافع بن خديج الأنصاري، وعمرو بن ~~الحمق الخزاعي، والنعمان بن العجلان الأنصاري، وحجر بن عدى الكندى، ويزيد ~~بن حجيه النكرى، ومالك بن كعب الهمدانى، وربيعه بن شرحبيل، والحارث بن ~~مالك، وحجر بن يزيد، وعلبة بن حجيه. # ومن اهل الشام: حبيب بن مسلمه الفهري، وابو الأعور السلمى، وبسر ابن ~~ارطاه القرشي، ومعاويه بن خديج الكندى، والمخارق بن الحارث، ومسلم ابن عمرو ~~السكسكى، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وحمزه بن مالك، وسبيع ابن يزيد ~~الحضرمى، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعلقمه بن يزيد الكلبى، وخالد بن ~~الحصين السكسكى، وعلقمه بن يزيد الحضرمى، ويزيد بن ابجر العبسى، ومسروق بن ~~جبله العكي، وبسر بن يزيد الحميرى، وعبد الله بن عامر القرشي، وعتبة بن ابى ~~سفيان، ومحمد بن ابى سفيان، ومحمد بن عمرو بن العاص، وعمار بن الأحوص ~~الكلبى، ومسعده بن عمرو العتبى، والصباح بن جلهمة الحميرى، وعبد الرحمن بن ~~ذي الكلاع، وثمامة بن حوشب، وعلقمه بن حكم. # وكتب يوم الأربعاء لثلاث عشره ليله بقيت من صفر سنه سبع وثلاثين. ### | الخلاف بعد التحكيم # وان الاشعث أخذ الكتاب فقراه على الفريقين، يمر به على كل، رايه رايه، ~~وقبيله قبيله، فيقرؤه عليهم، فمر برايات عنزه، وكان مع على منهم اربعه آلاف ~~رجل، فلما قراه عليهم قال اخوان منهم، اسمهما جعد ومعدان: «لا حكم إلا ~~لله*» ثم شدا على اهل الشام، فقاتلا حتى قتلا، وهما أول من حكم. # PageV01P196 # ثم مر على رايات مراد، فقراه عليهم، فقال صالح بن شقيق، وكان من افاضلهم ~~لا حكم الا لله، وان كره المشركون، ثم مر به على رايات بنى راسب، فتنادوا ~~لا يحكم الرجال في دين الله، ثم مر به على رايات بنى تميم، فقالوا مثل ذلك، ~~فقال عروه بن اديه: اتحكمون في دين الله الرجال، فأين قتلانا يا اشعث؟ ثم ms151 ~~حمل بسيفه على الاشعث، فاخطاه، وأصاب السيف عجز دابته، فانصرف الاشعث الى ~~قومه، فمشى اليه سادات تميم، فاعتذروا اليه، فقبل وصفح. # واقبل سليمان بن صرد الى على مضروبا في وجهه بالسيف، فقال: يا امير ~~المؤمنين، اما لو وجدت أعوانا ما كتبت هذه الصحيفة. وقام محرز بن خنيس بن ~~ضليع الى على، فقال: يا امير المؤمنين، اما الى الرجوع عن هذا الكتاب سبيل، ~~فو الله انى لخائف ان يورثك ذلا؟. قال على: ابعد ان كتبناه ننقضه؟ هذا لا ~~يجوز. # ثم ان عليا ومعاويه اتفقا على ان يكون مجتمع الحكمين بدومه الجندل، وهو ~~المنصف بين العراق والشام. ووجه على مع ابى موسى شريح بن هانئ في اربعه ~~آلاف من خاصته، وصير عبد الله بن عباس على صلاتهم، وبعث معاويه مع عمرو بن ~~العاص أبا الأعور السلمى في مثل ذلك من اهل الشام. # فساروا من صفين حتى وافوا دومه الجندل، وانصرف على باصحابه حتى وافى ~~الكوفه، وانصرف معاويه باصحابه حتى وافى دمشق، ينتظر ان ما يكون من امر ~~الحكمين. # وكان على إذا كتب الى ابن عباس في امر اجتمع اليه اصحابه، فقالوا: ما كتب ~~إليك امير المؤمنين؟ فيكتمهم، فيقولون: لم كتمتنا؟ وانما كتب إليك في كذا ~~وكذا، فلا يزالون يزكنون [1] حتى يقفوا على ما كتب. PageV01P197 # وتأتي كتب معاويه الى عمرو بن العاص، فلا يأتيه احد من اصحابه، يسأله عن ~~شيء من امره. # قالوا: وكتب معاويه الى عبد الله بن عمر بن الخطاب، والى عبد الله بن ~~الزبير، والى ابى الجهم بن حذيفة، والى عبد الرحمن بن عبد يغوث: اما بعد، ~~فان الحرب قد وضعت أوزارها، وصار هذان الرجلان الى دومه الجندل، فاقدموا ~~عليهما ان كنتم قد اعتزلتم الحرب، فلم تدخلوا فيما دخل فيه الناس، لتشهدوا ~~ما يكون منهما، والسلام. # فلما أتاهم كتابه ساروا جميعا الى دومه الجندل، فأقاموا ينتظرون ما يكون ~~من الرجلين، وحضر معهم سعد بن ابى وقاص، وسار المغيره بن شعبه، وكان مقيما ~~بالطائف لم يشهد شيئا من تلك الحروب حتى ms152 اتى دومه الجندل، فأقام ينتظر ما ~~يكون منهما، فلما طال مقامه سار من هناك حتى اتى معاويه بدمشق، فقال له ~~معاويه: اشر على بما ترى، فقال له المغيره: لو اشرت عليك لقاتلت معك، ولكنى ~~قد اتيتك بخبر الرجلين. # قال: وما خبرهما؟. # قال: انى خلوت بابى موسى لأبلو ما عنده، فقلت: ما تقول فيمن اعتزل عن هذا ~~الأمر، وجلس في بيته كراهية للدماء؟، فقال: أولئك خيار الناس، خفت ظهورهم ~~من دماء إخوانهم، وبطونهم من أموالهم. # قال: فخرجت من عنده، واتيت عمرو بن العاص، فقلت: يا أبا عبد الله، ما ~~تقول فيمن اعتزل هذه الحروب؟، فقال: أولئك شرار الناس، لم يعرفوا حقا، ولم ~~ينكروا باطلا. وانا احسب أبا موسى خالعا صاحبه، وجاعلها لرجل لم يشهد، ~~واحسب هواه في عبد الله بن عمر بن الخطاب. واما عمرو بن العاص فهو صاحبك ~~الذى عرفته، واحسب سيطلبها لنفسه او لابنه عبد الله، ولا أراه يظن انك أحق ~~بهذا الأمر منه. فاقلق ذلك معاويه. # PageV01P198 ### | مداوله الحكمين # قالوا: ثم ان عمرو بن العاص جعل يظهر تبجيل ابى موسى واجلاله، وتقديمه في ~~الكلام وتوقيره، ويقول: صحبت رسول الله ص قبلي، وأنت اكبر سنا منى. ثم ~~اجتمعا ليتناظرا في الحكومة، فقال ابو موسى: يا عمرو، هل لك فيما فيه صلاح ~~الامه ورضى الله؟. # قال: وما هو؟. # قال: نولي عبد الله بن عمر، فانه لم يدخل نفسه في شيء من هذه الحروب. # قال له عمرو: اين أنت من معاويه؟. # قال ابو موسى: ما معاويه موضعا لها، ولا يستحقها بشيء من الأمور. # قال عمرو: الست تعلم ان عثمان قتل مظلوما؟. # قال: بلى. # قال: فان معاويه ولى عثمان، وبيته بعد في قريش ما قد علمت، فان قال ~~الناس: لم ولى الأمر وليست له سابقه؟ فان لك في ذلك عذرا، تقول: انى وجدته ~~ولى عثمان، والله تعالى يقول: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وهو ~~مع هذا أخو أم حبيبه زوج النبي ص، وهو احد اصحابه. # قال ابو موسى: اتق الله يا ms153 عمرو، اما ما ذكرت من شرف معاويه، فلو كان ~~يستوجب بالشرف الخلافه، لكان أحق الناس بها أبرهة بن الصباح، فانه من أبناء ~~ملوك اليمن التبابعه الذين ملكوا شرق الارض وغربها، ثم اى شرف لمعاوية مع ~~على بن ابى طالب؟، واما قولك ان معاويه ولى عثمان، فاولى منه ابنه عمرو بن ~~عثمان، ولكن ان طاوعتنى أحيينا سنه عمر بن الخطاب وذكره بتوليتنا ابنه عبد ~~الله الحبر [1] PageV01P199 # قال عمرو: فما يمنعك من ابنى عبد الله مع فضله وصلاحه وقديم هجرته ~~وصحبته؟. # فقال ابو موسى: ان ابنك رجل صدق، ولكنك قد غمسته في هذه الحروب غمسا، ~~ولكن هلم نجعلها للطيب ابن الطيب عبد الله بن عمر. # قال عمرو: يا أبا موسى، انه لا يصلح لهذا الأمر الا رجل له ضرسان، يأكل ~~بأحدهما، ويطعم بالآخر. # قال ابو موسى: ويحك يا عمرو، ان المسلمين قد اسندوا إلينا امرا بعد ان ~~تقارعوا بالسيوف وتشاكوا بالرماح، فلا نردهم في فتنه. # قال: فما ترى؟. # قال: ارى ان نخلع هذين الرجلين، عليا ومعاويه، ثم نجعلها شورى بين ~~المسلمين، يختارون لأنفسهم من أحبوا. # قال عمرو: فقد رضيت بذلك، وهو الرأي الذى فيه صلاح الناس. # قال: فافترقا على ذلك، واقبل ابن عباس الى ابى موسى، فخلا به، وقال: ويحك ~~يا أبا موسى، احسب والله عمرا قد اختدعك، فان كنتما قد اتفقتما على شيء ~~فقدمه قبلك ليتكلم، ثم تكلم بعده، فان عمرا رجل غدار، ولست آمن ان يكون قد ~~أعطاك الرضى فيما بينك وبينه، فإذا قمت به في الناس خالفك، قال ابو موسى: ~~قد اتفقنا على امر لا يكون لأحدنا على صاحبه فيه خلاف ان شاء الله ### | اعلان الحكم # فلما أصبحوا من غد خرجوا الى الناس، وهم مجتمعون في المسجد الجامع، فقال ~~ابو موسى لعمرو: # اصعد المنبر، فتكلم. # PageV01P200 # فقال عمرو: ما كنت اتقدمك وأنت افضل منى فضلا، واقدم هجره وسنا. # فبدا ابو موسى، فصعد المنبر، فحمد الله واثنى عليه ثم قال: # ايها الناس، انا قد نظرنا فيما يجمع الله به الفه هذه ms154 الامه ويصلح امرها، ~~فلم نر شيئا هو ابلغ في ذلك من خلع هذين الرجلين، على ومعاويه، وتصييرها ~~شورى ليختار الناس لأنفسهم من راوه لها أهلا، وانى قد خلعت عليا ومعاويه، ~~فاستقبلوا امركم، وولوا عليكم من احببتم ثم نزل. # وصعد عمرو، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: # ان هذا قد قال ما سمعتم، وخلع صاحبه، الا وانى قد خلعت صاحبه كما خلعه، ~~واثبت صاحبي معاويه، فانه ولى امير المؤمنين عثمان، والطالب بدمه، وأحق ~~الناس بمقامه. # فقال له ابو موسى: مالك، لا وفقك الله، غدرت وفجرت، وانما مثلك مثل ~~الكلب، ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث. فقال له عمرو: ومثلك كمثل الحمار ~~يحمل أسفارا. # وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه [1] بالسوط، وحجز الناس بينهما، وكان ~~شريح يقول: ما ندمت على شيء قط كندامتى الا أكون ضربته مكان السوط بالسيف، ~~اتى الدهر في ذلك بما اتى. # وانسل ابو موسى، فركب راحلته، وهرب، حتى لحق بمكة، فكان ابن عباس يقول: ~~لحى الله أبا موسى، لقد نبهته فما انتبه، وحذرته بما صار اليه فما انحاش ~~[2] . وكان ابو موسى يقول: لقد حذرني ابن عباس غدر عمرو، فاطمأننت اليه، ~~ولم أظن انه يؤثر شيئا على نصيحه المسلمين. 2201 PageV01P201 # مبايعه معاويه # ثم انصرف عمرو واهل الشام الى معاويه، فسلموا عليه بالخلافة. # واقبل ابن عباس وشريح بن هانئ ومن كان معهما من اهل العراق الى على، ~~فاخبروه الخبر، فقام سعيد بن قيس الهمدانى، فقال: والله لو اجتمعنا على ~~الهدى ما زادنا على ما نحن عليه بصيره. ثم تكلم عامه الناس بنحو من هذا. # فتنه الخوارج # قالوا: ولما بلغ اهل العراق ما كان من امر الحكمين لقيت الخوارج بعضها ~~بعضا، واتعدوا ان يجتمعوا عند عبد الله بن وهب الراسبى، فاجتمع عنده ~~عظماؤهم وعبادهم، فكان أول من تكلم منهم عبد الله بن وهب، فحمد الله واثنى ~~عليه، ثم قال: معاشر إخواني، ان متاع الدنيا قليل، وان فراقها وشيك، ~~فاخرجوا بنا منكرين لهذه الحكومة، فانه لا حكم الا لله، وإن الله ms155 مع الذين ~~اتقوا والذين هم محسنون. # ثم تكلم حمزه بن سيار، فقال: الرأي ما رايتم، ومنهج الحق فيما قلتم، ~~فولوا امركم رجلا منكم، فانه لا بد لكم من قائد وسائس ورايه تحفون بها، ~~وترجعون إليها. # فعرضوا الأمر على يزيد بن الحصين، وكان من عبادهم، فأبى ان يقبلها، ثم ~~عرضوها على ابن ابى اوفى العبسى، فأبى ان يقبلها، ثم عرضوها على عبد الله ~~ابن وهب الراسبى، فقال: هاتوها، فو الله ما اقبلها رغبه في الدنيا، ولا ~~فرارا من الموت، ولكن اقبلها لما أرجو فيها من عظيم الاجر. ثم مد يده، ~~فقاموا اليه، فبايعوه، فقام فيهم خطيبا، فحمد الله واثنى عليه، وصلى على ~~النبي ص، ثم قال: اما بعد، فان الله أخذ عهودنا ومواثيقنا على الأمر ~~بالمعروف والنهى عن المنكر والقول بالحق والجهاد في سبيله إن الذين # PageV01P202 # يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد، وقال الله عز وجل: ومن لم يحكم بما ~~أنزل الله فأولئك هم الفاسقون، واشهد على ان اهل دعوتنا من اهل ديننا ان قد ~~اتبعوا الهوى ونبذوا حكم الكتاب وجاروا في الحكم، وان جهادهم لحق، فاقسم ~~بمن تعنو له الوجوه وتخشع له الابصار، لو لم أجد على قتالهم مساعدا ~~لقاتلتهم وحدي حتى القى ربى شهيدا. # فلما سمع ذلك عبد الله بن السخبر، وكان من اصحاب البرانس [1] استعبر ~~باكيا، ثم قال: لحى الله امرأ لا يكون تشريح ما بين عظمه ولحمه وعصبه ايسر ~~عنده من سخط الله عليه في لحظه يسعى بها على مقته، فكيف وانما تريدون بذلك ~~وجه الله، يا اخوتى، تقربوا الى الله ببغض من عصاه، واخرجوا اليهم، فاضربوا ~~وجوههم بالسيوف حتى يطاع الله يثبكم ثواب المطيعين العاملين بمرضاته، ~~القائمين بحقوقه، فان تظفروا فالغنيمة والفتح، وان تغلبوا فأي شيء افضل من ~~المصير الى رضوان الله وجنته ثم افترقوا يومهم ذلك. # فلما كان من الغد اقبل عبد الله بن وهب الراسبى في نفر من اصحابه حتى دخل ~~على شريح بن ابى اوفى العبسى، وكان من عظمائهم، فحمد الله واثنى ms156 عليه، ثم ~~قال: اما بعد، فان هذين الحكمين قد حكما بغير ما انزل الله، وقد كفر ~~إخواننا حين رضوا بهما، وحكموا الرجال في دينهم، ونحن على الشخوص من بين ~~اظهرهم، وقد أصبحنا والحمد لله ونحن على الحق من بين هذا الخلق. # فقال شريح: انذر أصحابك. واعلمهم خروجك، ثم اخرج بنا على بركة الله حتى ~~ناتى المدائن، فننزلها، ونرسل الى إخواننا الذين بالبصرة، فيقدموا علينا، ~~فتكون ايديهم مع أيدينا. PageV01P203 # فقال يزيد بن حصين الطائي: انكم ان خرجتم بجماعتكم طلبتم، ولكن اخرجوا ~~فرادى مستخفين، فاما المدائن فان بها من يمنع منها، ولكن توعدوا ان توافوا ~~جسر النهروان، فتقيموا هناك، وتكتبوا الى إخوانكم من اهل البصره ان يوافوكم ~~بها. قالوا: هذا الرأي. فاتفقوا على ذلك، وانذروا جميعا اصحابهم، فاستعدوا ~~للخروج فرادى، وكتبوا الى من كان منهم بالبصرة: بسم الله الرحمن الرحيم، من ~~عبد الله بن وهب، ويزيد بن الحصين، وحرقوص بن زهير، وشريح ابن ابى اوفى الى ~~من بلغه كتابنا بالبصرة من المؤمنين المسلمين، سلام عليكم، فانا نحمد الله ~~إليكم الذى لا اله الا هو، الذى جعل أحب عباده اليه اعملهم بكتابه، واقومهم ~~بالحق في طاعته، واشدهم اجتهادا في مرضاته، وان اهل دعوتنا حكموا الرجال في ~~امر الله، فحكموا بغير ما في كتاب الله ولا في سنه نبى الله، فكفروا لذلك، ~~وصدوا عن سواء السبيل، وقد نابذناهم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين، ~~اما بعد، فقد اجتمعنا بجسر النهروان، فسيروا إلينا رحمكم الله لتاخذوا ~~نصيبكم من الاجر والثواب، وتأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر، وكتابنا هذا ~~إليكم مع رجل من إخوانكم ذي امانه ودين، فسلوه عما احببتم، واكتبوا إلينا ~~بما رايتم، والسلام. ثم وجهوا كتابهم مع عبد الله بن سعد العبسى، فسار حتى ~~البصره، واوصل الكتاب الى اصحابه، فاجتمعوا فقرؤوه، ثم كتبوا اليهم بوشك ~~موافاتهم. # ثم ان القوم خرجوا من الكوفه عباديد، الرجل والرجلين والثلاثة، وخرج يزيد ~~بن الحصين على بغله يقود فرسا، وهو يتلو هذه الآية [1] : فخرج منها خائفا ~~يترقب، قال رب ms157 نجني من القوم الظالمين، ولما توجه تلقاء مدين، قال عسى ربي ~~أن يهديني سواء السبيل. وسار حتى انتهى الى السيب [2] ، فاجتمع PageV01P204 # اليه جمع كثير من اصحابه، وفيهم زيد بن عدى بن حاتم، فخرج عدى في طلب ~~ابنه حتى انتهى الى المدائن، فلم يلحقه، فاتى سعد بن مسعود الثقفى، وكان ~~سعد عامل على على المدائن، فاخذ حذره، وتحاماه القوم. # وخرج عبد الله بن وهب الراسبى في جوف الليل، والتام اليه جميع اصحابه، ~~فصاروا جمعا كبيرا منهم، فأخذوا على الأنبار، وتبطنوا شط الفرات حتى عبروا ~~من قبل دير العاقول فاستقبله عدى بن حاتم، وهو منصرف الى الكوفه، فاردا عبد ~~الله اخذه، فمنعه منه عمرو بن مالك النبهاني وبشير بن يزيد البولانى، وكانا ~~من رؤساء الخوارج، فاستخلف سعد بن مسعود على المدائن ابن أخيه، المختار ابن ~~ابى عبيد، وخرج في طلب عبد الله بن وهب واصحابه، فلقيهم بكرخ بغداد مع مغيب ~~الشمس، وسعد في خمسمائة فارس، والخوارج ثلاثون رجلا، فتناوشوا ساعه، فقال ~~اصحاب سعد لسعد: ايها الأمير، ما تريد الى قتال هؤلاء، ولم يأتك فيهم أمر؟ ~~خل سبيلهم، واكتب الى امير المؤمنين تعلمه امرهم، فمضى وتركهم. # وسار عبد الله بن وهب، فمر ببغداد، وأخذ دهاقينها بالمعابر، وذلك قبل ان ~~تبنى بغداد، فأتاه الدهقان بها، فعبر الى ارض جوخى ثم مضى من هناك حتى انضم ~~الى اصحابه، وهم بنهروان [1] ، ووافاهم من كان على رأيهم من اهل البصره، ~~وكانوا خمسمائة رجل. ### | قتال الخوارج # [2] وكان على البصره يومئذ عبد الله بن العباس، فلما بلغه خروجهم وجه في ~~طلبهم أبا الأسود الديلى في الف فارس، فلحقهم بجسر تستر، وحال بينهم الليل، ~~ففاتوه PageV01P205 # وكانوا في جميع مسيرهم لا يلقون أحدا الا قالوا له: ما تقول في الحكمين؟ ~~فان تبرا منهما تركوه، وان ابى قتلوه. # ثم أقبلوا حتى انتهوا الى دجلة، فعبروها من ناحيه صريفين [1] حتى وافوا ~~نهروان، فكتب اليهم على رضى الله عنه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله ~~على امير المؤمنين الى عبد الله بن وهب ms158 الراسبى ويزيد بن الحصين ومن ~~قبلهما، سلام عليكم، فان الرجلين اللذين ارتضيناهما للحكومة خالفا كتاب ~~الله، واتبعا هواهما بغير هدى من الله، فلما لم يعملا بالسنه ولم يحكما ~~بالقرآن تبرأنا من حكمهما، ونحن على امرنا الاول، فاقبلوا الى رحمكم الله، ~~فانا سائرون الى عدونا وعدوكم، لنعود لمحاربتهم حتى يحكم الله بيننا ~~وبينهم، وهو خير الحاكمين. # فلما وصل اليهم كتابه، كتبوا اليه: اما بعد، فإنك لم تغضب لربك، ولكن ~~غضبت لنفسك، فان شهدت على نفسك انك كفرت فيما كان من تحكيمك الحكمين، ~~واستانفت التوبة والايمان نظرنا فيما سالتنا من الرجوع إليك، وان تكن ~~الاخرى، فاننا ننابذك على سواء، أن الله لا يهدي كيد الخائنين. # فلما قرأ على كتابهم، يئس منهم، وراى ان يدعهم على حالهم، ويسير الى ~~الشام، ليعاود معاويه الحرب، فسار بالناس حتى عسكر بالنخيلة، وقال لأصحابه: ~~تأهبوا للمسير الى اهل الشام، فانى كاتب الى جميع إخوانكم ليقدموا عليكم، ~~فإذا وافوا شخصنا ان شاء الله. # ثم كتب كتابه الى جميع عماله ان يخلفوا خلفاءهم على اعمالهم، ويقدموا ~~عليه، وكتب الى عبد الله بن عباس، وكان على البصره: اما بعد، فانا قد ~~عسكرنا بالنخيلة، وقد أزمعنا على المسير الى عدونا، الى اهل الشام، فاشخص ~~الى فيمن قبلك حين يأتيك كتابي والسلام. # فقدم عليه عبد الله بن عباس في فرسان البصره، وكانوا زهاء سبعه آلاف رجل ~~PageV01P206 # فلما تهيأ للمسير أتاه عن الخوارج اخبار فظيعه، من قتلهم عبد الله بن ~~خباب وامراته. # وذلك انهم لقوهما، فقالوا لهما: ارضيتما بالحكمين؟ قالا: نعم. فقتلوهما، ~~وقتلوا أم سنان الصيداويه، واعتراضهم الناس يقتلونهم. فلما بلغه ذلك بعث ~~اليهم الحارث بن مره الفقعسي ليأتيه بخبرهم، فاخذوه، فقتلوه. # فلما بلغ الناس ذلك اجتمعوا الى على، فقالوا: يا امير المؤمنين، اتدع ~~هؤلاء على ضلالتهم وتسير، فيفسدوا في الارض، ويعترضوا الناس بالسيف؟ سر ~~اليهم بالناس، وادعهم الى الرجوع الى الطاعة والجماعه، فان تابوا وقبلوا ~~فان الله يحب التوابين، وان أبوا فاذنهم بالحرب، فإذا ارحت الامه منهم سرت ~~الى الشام. # فنادى في ms159 الناس بالرحيل، وسار حتى ورد عليهم نهروان، فعسكر على فرسخ ~~منهم، وارسل اليهم قيس بن سعد بن عباده، وأبا أيوب الأنصاري، فاتياهم، ~~فقالا: عباد الله، انكم قد ارتكبتم امرا عظيما باستعراضكم الناس تقتلونهم، ~~وشهادتكم علينا «بالشرك، والشرك ظلم عظيم» . # فأجابهما عبد الله بن السخبر، فقال: إليكما عنا، فان الحق قد أضاء لنا ~~كالصبح، ولسنا بمتابعيكم ولا راجعين إليكم، او تأتوا بمثل عمر بن الخطاب. ~~فقال قيس بن سعد ما نعرفه فينا الا على بن ابى طالب فهل تعرفونه فيكم؟. ~~قالا: لا. قال: فأنشدكم الله في انفسكم ان تهلكوها، فانى ارى الفتنة قد ~~دخلت قلوبكم. # ثم تكلم ابو أيوب بنحو هذا، فقالوا: يا أبا أيوب، انا ان بايعناكم اليوم ~~حكمتم غدا آخر. # قال: فانا ننشدكم الله ان تعجلوا فتنه العام مخافه ما ناتى به في قابل. # قالوا: إليكما عنا، فقد نابذناكم على سواء. # فانصرفا الى على، فأخبراه حتى وقف عليهم بحيث يسمعون كلامه، فنادى: ~~[أيتها العصابة التي أخرجتها اللجاجه، وصدها عن الحق الهوى، فأصبحت # PageV01P207 # في لبس وخطا، انى نذير لكم ان تتمادوا في ضلالتكم فتلفوا مصرعين من غير ~~بينه من ربكم ولا برهان، الم تعلموا انى شرطت على الحكمين ان يحكما بما في ~~كتاب الله؟ وأخبرتكم ان طلب القوم الحكومة مكيده، فلما ابيتم الا الحكومة ~~شرطت عليهم ان يحييا ما أحيا القرآن، ويميتا ما أمات القرآن، فخالفا الكتاب ~~والسنه، وعملا بالهوى، فنبذنا امرهما، ونحن على امرنا الاول، فأين يتاه ~~بكم، ومن اين اتيتم؟] . # فقالوا: انا كفرنا حين رضينا بالحكمين، وقد تبنا الى الله من ذلك، فان ~~تبت كما تبنا فنحن معك، والا فائذن بحرب، فانا منابذوك على سواء. # فقال لهم على: اشهد على نفسي بالكفر..؟! لقد ضللت اذن وما أنا من ~~المهتدين. ثم قال: ليخرج الى رجل منكم ترضون به حتى اقول ويقول، فان وجبت ~~على الحجه اقررت لكم وتبت الى الله، وان وجبت عليكم فاتقوا الذى مردكم ~~اليه. # فقالوا لعبد الله بن الكواء، وكان من كبرائهم: اخرج اليه حتى تحاجه ms160، فخرج ~~اليه. # فقال على: هل رضيتم؟. # قالوا: نعم. # قال: اللهم اشهد، «فكفى بك شهيدا» *. # فقال على رضى الله عنه: يا ابن الكواء، ما الذى نقمتم على بعد رضاكم ~~بولايتي وجهادكم معى وطاعتكم لي؟ فهلا برئتم منى يوم الجمل؟. # قال ابن الكواء: لم يكن هناك تحكيم. # فقال على: يا ابن الكواء، انا اهدى أم رسول الله ص؟. # قال ابن الكواء: بل رسول الله ص. # قال: فما سمعت قول الله عز وجل:: فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ~~ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم. كان الله يشك انهم هم الكاذبون؟. # PageV01P208 # قال: ان ذلك احتجاج عليهم، وأنت شككت في نفسك حين رضيت بالحكمين، فنحن ~~احرى ان نشك فيك. # قال: وان الله تعالى يقول: فأتوا بكتاب من عند الله، هو أهدى منهما، ~~أتبعه. # قال ابن الكواء: ذلك أيضا احتجاج منه عليهم. # فلم يزل على ع يحاج ابن الكواء بهذا وشبهه، فقال ابن الكواء: أنت صادق في ~~جميع ما تقول، غير انك كفرت حين حكمت الحكمين. # قال على: ويحك يا ابن الكواء، انى انما حكمت أبا موسى وحده وحكم معاويه ~~عمرا. # قال ابن الكواء: فان أبا موسى كان كافرا. # فقال على: ويحك، متى كفر، احين بعثته أم حين حكم؟. # قال: لا، بل حين حكم. # قال: افلا ترى انى انما بعثته مسلما، فكفر في قولك بعد ان بعثته؟ # ارايت لو ان رسول الله ص بعث رجلا من المسلمين الى اناس من # الكافرين، # ليدعوهم الى الله، فدعاهم الى غيره، هل كان على رسول الله ص من ذلك شيء؟. # قال: لا. # قال: ويحك، فما كان على ان ضل ابو موسى؟ افيحل لكم بضلاله ابى موسى ان ~~تضعوا سيوفكم على عواتقكم فتعترضوا بها الناس؟. # فلما سمع عظماء الخوارج ذلك قالوا لابن الكواء: انصرف ودع مخاطبه الرجل. # فانصرف الى اصحابه، وابى القوم الا التمادي في الغى. # PageV01P209 # وامر على بالنداء في الناس ان يأخذوا اهبه الحرب، ثم عبى جنوده، فولى ~~الميمنه حجر بن عدى، وولى الميسره شبث بن ربعي، وولى الخيل أبا أيوب ~~الأنصاري ms161، وولى الرجاله أبا قتادة. # واستعد الخوارج فجعلوا على ميمنتهم يزيد بن حصين، وعلى ميسرتهم شريح ابن ~~ابى اوفى العبسى وكان من نساكهم وعلى الرجاله حرقوص بن زهير، وعلى الخيل ~~كلها عبد الله بن وهب. # ورفع على رايه، وضم إليها الفى رجل، ونادى: من التجأ الى هذه الراية فهو ~~آمن. # ثم تواقف الفريقان، فقال فروه بن نوفل الاشجعى وكان من رؤساء الخوارج ~~لأصحابه: يا قوم، والله ما ندري، علام نقاتل عليا، وليست لنا في قتله حجه ~~ولا بيان، يا قوم، انصرفوا بنا حتى تنفذ لنا البصيره في قتاله او اتباعه. # فترك اصحابه في مواقفهم، ومضى في خمسمائة رجل حتى اتى الى البندنيجين [1] ~~، وخرجت طائفه اخرى حتى لحقوا بالكوفه، واستامن الى الراية منهم الف رجل، ~~فلم يبق مع عبد الله بن وهب الا اقل من اربعه آلاف رجل. # فقال على لأصحابه: لا تبدءوهم بالقتال حتى يبدءوكم، فتنادت الخوارج: لا ~~حكم الا لله، «وان كره المشركون» . * ثم شدوا على اصحاب على شده رجل واحد، ~~فلم تثبت خيل على لشدتهم، وافترقت الخوارج فرقتين، فرقه أخذت نحو الميمنه، ~~وفرقه اخرى نحو الميسره. # وعطف عليهم اصحاب على، وحمل قيس بن معاويه البرجمى من اصحاب على على شريح ~~بن ابى اوفى، فضربه بالسيف على ساقه، فأبانها، فجعل يقاتل برجل واحده وهو ~~يقول: الفحل يحمى شوله معقولا [2] ، فحمل عليه قيس ابن سعد فقتله، وقتلت ~~الخوارج كلها ربضه [3] واحده. PageV01P210 # قال: وامر على بمن كان منهم ذا رمق ان يدفعوا الى عشائرهم، وامر بأخذ ما ~~كان في معسكرهم من سلاح ودواب، فقسمه في اصحابه، وامر بما سوى ذلك، فدفع ~~الى وراثهم. # فلما اراد على الانصراف من النهروان قام في اصحابه، فقال: ايها الناس، ان ~~الله قد نصركم على المارقين، فتوجهوا من فوركم هذا الى القاسطين يعنى اهل ~~الشام، فقام اليه رجال من اصحابه، فيهم الاشعث بن قيس، فقالوا: يا امير ~~المؤمنين، نفدت نبالنا، وكلت سيوفنا، ونصلت اسنه رماحنا، فارجع بنا الى ~~مصرنا، لنستعد باحسن عدتنا. # فرحل بالناس حتى نزل النخيله ms162، فعسكر بها، فأقاموا أياما، فجعلوا يتسللون ~~الى الكوفه، فلم يبق معه في المعسكر الا زهاء الف رجل من الوجوه. # فلما راى ذلك دخل الكوفه، فأقام بها، وسار فروه بن نوفل بمن كان معه الى ~~حلوان، فجعل يجبى خراجها ويقسمه في اصحابه. # نهاية على بن ابى طالب # قالوا ولما راى على رضى الله عنه تثاقل اصحابه اهل الكوفه عن المسير معه ~~الى قتال اهل الشام، وانتهى اليه ورود خيل معاويه الأنبار، وقتلهم مسلحه ~~على بها والغارة عليها، كتب كتابا، ودفعه الى رجل، وامره ان يقرأه على ~~الناس يوم الجمعه إذا فرغوا من الصلاة، وكانت نسخته: # بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على امير المؤمنين الى شيعته من اهل ~~الكوفه، سلام عليكم، اما بعد، [فان الجهاد باب من أبواب الجنه، من تركه ~~البسه الله الذلة وشمله بالصغار، وسيم الخسف وسيل [1] الضيم،] وانى قد ~~دعوتكم الى جهاد هؤلاء القوم ليلا ونهارا وسرا وجهارا، وقلت لكم، [اغزوهم ~~قبل ان يغزوكم، فما غزى قوم في عقر دارهم الا ذلوا واجترأ عليهم عدوهم،] ~~هذا أخو بنى عامر قد ورد الأنبار، وقتل PageV01P211 # ابن حسان البكرى، وأزال مسالحكم عن مواضعها، وقتل منكم رجالا صالحين، وقد ~~بلغنى انهم كانوا يدخلون بيت المرأة المسلمه والاخرى المعاهده [1] فينزع ~~حجلها [2] من رجلها، وقلائدها من عنقها، وقد انصرفوا موفورين، ما كلم رجل ~~منهم كلما، فلو ان أحدا مات من هذا أسفا ما كان عندي ملوما، بل كان جديرا، ~~يا عجبا من امر يميت القلوب، ويجتلب الهم ويسعر الأحزان من اجتماع القوم ~~على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، فبعدا لكم وسحقا، قد صرتم غرضا، ترمون ولا ~~ترمون، ويغار عليكم ولا تغيرون، ويعصى الله فترضون، إذا قلت لكم سيروا في ~~الشتاء قلتم كيف نغزو في هذا القر والصر [3] وان قلت لكم سيروا في الصيف ~~قلتم حتى ينصرم عنا حماره القيظ، وكل هذا فرار من الموت، فإذا كنتم من الحر ~~والقر تفرون فأنتم والله من السيف افر، والذى نفسي بيده، ما من ذلك تهربون، ~~ولكن من ms163 السيف تحيدون، يا اشباه الرجال ولا رجال، ويا أحلام الأطفال وعقول ~~ربات الحجال، اما والله لوددت ان الله أخرجني من بين أظهركم وقبضنى الى ~~رحمته من بينكم، ووددت ان لم أركم ولم اعرفكم، فقد والله ملأتم صدري غيظا، ~~وجرعتموني الأمرين أنفاسا، وافسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان، حتى قالت ~~قريش: ان ابن ابى طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب. لله ابوهم، هل كان ~~فيهم رجل أشد لها مراسا واطول مقاساه مني؟ ولقد نهضت فيها وما بلغت ~~العشرين، وها انا ذا اليوم قد جنفت الستين. لا، ولكن [لا راى لمن لا يطاع. # ] فقام اليه الناس من كل ناحيه، فقالوا: سر بنا، فو الله لا يتخلف عنك ~~الا ظنين. فامر الحارث الهمدانى بالنداء في الناس ان يصبحوا غدا في الرحبه ~~[4] ، ولا يأتينا الا صادق النيه. # فلما اصبح صلى الغداة، واقبل الى الرحبه، فلم ير فيها الا نحو من ~~ثلاثمائه PageV01P212 # رجل، فقال: لو كانوا ألوفا لكان لي فيهم راى. # فمكث بعد ذلك يومين، باد حزنه، شديد كآبته. # فقام اليه حجر بن عدى، وسعيد بن قيس الهمدانى، فقالا: اجبر الناس على ~~المسير، وناد فيهم، فمن تخلف، فمر بمعاقبته. فامر مناديا، فنادى في الناس: ~~لا يتخلفن احد، وامر معقل بن قيس ان يسير في الرساتيق [4] فلا يدع أحدا من ~~جنوده فيها الا حشره. فلم ينصرف معقل بن قيس الا بعد ما قتل على رضي الله ~~عنه. # مقتل على بن ابى طالب # قالوا: واجتمع في العام [2] قتل فيه على رضي الله عنه بالموسم عبد الرحمن ~~ابن ملجم المرادى، والنزال بن عامر، وعبد الله بن مالك الصيداوى، وذلك بعد ~~وقعه النهر باشهر، فتذكروا ما فيه الناس من تلك الحروب، فقال بعضهم لبعض: ~~ما الراحة الا في قتل هؤلاء النفر الثلاثة: على بن ابى طالب، ومعاويه ابن ~~ابى سفيان، وعمرو بن العاص. # فقال ابن ملجم: على قتل على. # وقال النزال: وعلى قتل معاويه. # وقال عبد الله: وعلى قتل عمرو. # فاتعدوا لليلة واحده، يقتلونهم فيها. # واقبل عبد الرحمن ms164 حتى قدم الكوفه، فخطب الى قطام ابنتها الرباب، وكانت ~~قطام ترى راى الخوارج، وقد كان على قتل أباها وأخاها وعمها يوم النهر، ~~فقالت لابن ملجم: # لا ازوجك الا على ثلاثة آلاف درهم، وعبد، وقينة، وقتل على ابن ابى طالب. # فأعطاها ذلك وأملكها. PageV01P213 # وكان ابن ملجم يجلس في مجلس تيم الرباب من صلاه الغداة الى ارتفاع ~~النهار، والقوم يفيضون في الكلام، وهو ساكت، لا يتكلم بكلمة، للذي اجمع ~~عليه من قتل على. # فخرج ذات يوم الى السوق متقلدا سيفه، فمرت به جنازة يشيعها اشراف العرب، ~~ومعها القسيسون يقرءون الانجيل، فقال: ويحكم، ما هذا؟ فقالوا: هذا ابجر بن ~~جابر العجلى مات نصرانيا، وابنه حجار بن ابجر سيد بكر ابن وائل، فاتبعها ~~اشراف الناس لسؤدد ابنه، واتبعها النصارى لدينه. # فقال: والله لولا انى ابقى نفسي لامر هو اعظم عند الله من هذا لاستعرضتهم ~~بسيفي فلما كانت تلك الليلة تقلد سيفه، وقد كان سمه، وقعد مغلسا ينتظر ان ~~يمر به على رضى الله عنه مقبلا الى المسجد لصلاة الغداة. # فبينا هو في ذلك إذ اقبل على، وهو ينادى: الصلاة ايها الناس فقام اليه ~~ابن ملجم، فضربه بالسيف على راسه، وأصاب طرف السيف الحائط، فثلم فيه، ودهش ~~ابن ملجم، فانكب لوجهه، وبدر السيف من يده، فاجتمع الناس، فاخذوه، فقال ~~الشاعر في ذلك: # ولم أر مهرا ساقه ذو سماحه ... كمهر قطام من فصيح واعجم # ثلاثة آلاف وعبدا وقينة ... وضرب على بالحسام المصمم # فلا مهر اغلى من على وان غلا ... ولا فتك الا دون فتك ابن ملجم # وحمل على رضى الله عنه الى منزله، وادخل عليه ابن ملجم. # فقالت له أم كلثوم ابنه على: يا عدو الله، اقتلت امير المؤمنين؟. # قال: لم اقتل امير المؤمنين، ولكنى قتلت اباك. # قالت: اما والله انى لأرجو الا يكون عليه باس. # قال: فعلا م تبكين إذن؟ اما والله لقد سممت السيف شهرا، فان اخلفنى ابعده ~~الله. # فلم يمس على رضى الله عنه يومه ذلك حتى مات رحمه الله ورضى عنه. # PageV01P214 ### | القصاص ms165 # فدعا عبد الله بن جعفر بابن ملجم، فقطع يديه ورجليه وسمل عينيه، فجعل ~~يقول: # انك يا ابن جعفر لتكحل عيني بملمول مض [1] . # ثم امر بلسانه ان يخرج ليقطع، فجزع من ذلك. # فقال له ابن جعفر: # قطعنا يديك ورجليك، وسملنا عينيك، فلم تجزع، فكيف تجزع من قطع لسانك؟. # قال: انى ما جزعت من ذلك خوفا من الموت، ولكنى جزعت ان أكون حيا في ~~الدنيا ساعه لا اذكر الله فيها، ثم قطع لسانه، فمات. ### | محاوله قتل معاويه # واقبل النزال بن عامر في تلك الليلة حتى قام خلف معاويه وهو يصلى بالناس ~~الغداة، ومعه خنجر، فوجاه [3] به في اليته، وكان معاويه عظيم الأليتين، ~~فاخذ، فقال لمعاوية: أهل قتلتك يا عدو الله؟. # فقال معاويه: كلا، يا ابن أخي. # فامر به معاويه، فقطعت يداه ورجلاه، ونزع لسانه، فمات. # ودعا بطبيب فأمره ان يقطع ما حول الوجاه من اللحم، خوفا من ان يكون ~~الخنجر مسموما. # فمن يومئذ اتخذت المقاصير في الجوامع، فكان لا يدخلها الا ثقاته واحراسه، ~~واتخذ أيضا من يومئذ حراس الليل، وكان إذا سجد بالناس جعل على راسه عشره من ~~ثقات احراسه، يقومون من خلفه بالسيوف والعمد. # محاوله قتل عمرو بن العاص # واما عبد الله بن مالك الصيداوى فانه اتى مصر، فلما كان في تلك الليلة ~~قام PageV01P215 # حيال المحراب، ومعه مشمل [1] قد اشتمل عليه بثيابه، فأصاب عمرا في تلك ~~الليلة مغس [2] في بطنه، فأمر رجلا من بني عامر بن لؤي أن يخرج فيصلي ~~بالناس. # فتقدم مغلسا، فلم يشك عبد الله انه عمرو، فلما سجد ضربه بالسيف من ورائه ~~فقتله، فقيل له: انك لم تقتل الأمير، قال: فما ذنبي، والله ما اردت غيره. ~~فامر به عمرو فقتل. ### | مبايعه الحسن بن على # قال: ودفن على رضى الله عنه، وصلى عليه الحسن، وكبر خمسا، فلا يعلم احد ~~اين دفن. # قالوا: ولما توفى على رضى الله عنه خرج الحسن الى المسجد الأعظم، فاجتمع ~~الناس اليه، فبايعوه، ثم خطب الناس، فقال: افعلتموها؟ قتلتم امير المؤمنين، ~~اما والله لقد قتل ms166 في الليلة التي نزل فيها القرآن، ورفع فيها الكتاب، وجف ~~القلم، وفي الليلة التي قبض فيها موسى بن عمران، وعرج فيها بعيسى. ### | زحف جيوش معاويه # قالوا: ولما بلغ معاويه قتل على تجهز، وقدم امامه عبد الله بن عامر بن ~~كريز، فاخذ على عين التمر [3] ، ونزل الأنبار يريد المدائن، وبلغ ذلك الحسن ~~بن على، وهو بالكوفه، فسار نحو المدائن لمحاربه عبد الله بن عامر بن كريز، ~~فلما انتهى الى ساباط راى من اصحابه فشلا وتواكلا عن الحرب، فنزل ساباط، ~~وقام فيهم خطيبا، ثم قال: ايها الناس، انى قد اصبحت غير محتمل على مسلم ~~ضغينه، PageV01P216 # وانى ناظر لكم كنظرى لنفسي، وارى رايا فلا تردوا على رأيي، ان الذى ~~تكرهون من الجماعه افضل مما تحبون من الفرقة، وارى اكثركم قد نكل عن الحرب، ~~وفشل عن القتال، ولست ارى ان احملكم على ما تكرهون. # فلما سمع اصحابه ذلك نظر بعضهم الى بعض، فقال من كان معه ممن يرى راى ~~الخوارج: كفر الحسن كما كفر أبوه من قبله، فشد عليه نفر منهم، فانتزعوا ~~مصلاه من تحته، وانتهبوا ثيابه حتى انتزعوا مطرفه [1] عن عاتقه، فدعا ~~بفرسه، فركبها، ونادى: اين ربيعه وهمدان؟ فتبادروا اليه، ودفعوا عنه القوم. # ثم ارتحل يريد المدائن، فكمن له رجل ممن يرى راى الخوارج، يسمى الجراح بن ~~قبيصة من بنى اسد بمظلم ساباط، فلما حاذاه الحسن قام اليه بمغول [2] فطعنه ~~في فخذه. وحمل على الأسدي عبد الله بن خطل وعبد الله بن ظبيان، فقتلاه. # ومضى الحسن رضى الله عنه مثخنا حتى دخل المدائن، ونزل القصر الأبيض، ~~وعولج حتى برا، واستعد للقاء ابن عامر. # واقبل معاويه حتى وافى الأنبار، وبها قيس بن سعد بن عباده من قبل الحسن ~~فحاصره معاويه، وخرج الحسن فواقف عبد الله بن عامر، فنادى عبد الله بن ~~عامر: يا اهل العراق، انى لم أر القتال، وانما انا مقدمه معاويه، وقد وافى ~~الأنبار في جموع اهل الشام فاقرؤوا أبا محمد يعنى الحسن منى السلام، وقولوا ~~له: أنشدك الله في نفسك وانفس ms167 هذه الجماعه التي معك. # فلما سمع ذلك الناس انخذلوا وكرهوا القتال، وترك الحسن الحرب، وانصرف الى ~~المدائن، وحاصره عبد الله بن عامر بها. PageV01P217 ### | خلافة بني أمية ### | مبايعه معاويه بالخلافة # ولما راى الحسن من اصحابه الفشل ارسل الى عبد الله بن عامر بشرائط ~~اشترطها على معاويه على ان يسلم له الخلافه، وكانت الشرائط: الا يأخذ أحدا ~~من اهل العراق بإحنة، وان يؤمن الأسود والأحمر، ويحتمل ما يكون من هفواتهم، ~~ويجعل له خراج الاهواز مسلما في كل عام، ويحمل الى أخيه الحسين بن على في ~~كل عام الفى الف، ويفضل بنى هاشم في العطاء والصلات على بنى عبد شمس. # فكتب عبد الله بن عامر بذلك الى معاويه، فكتب معاويه جميع ذلك بخطه، ~~وختمه بخاتمه، وبذل عليه له العهود المركبه والايمان المغلظة، واشهد على ~~ذلك جميع رؤساء الشام، ووجه به الى عبد الله بن عامر، فاوصله الى الحسن رضى ~~الله عنه، فرضى به، وكتب الى قيس بن سعد بالصلح، ويأمره بتسليم الأمر الى ~~معاويه، والانصراف الى المدائن. # فلما وصل الكتاب بذلك الى قيس بن سعد قام في الناس، فقال: ايها الناس، ~~اختاروا احد الأمرين، القتال بلا امام، او الدخول في طاعه معاويه. # فاختاروا الدخول في طاعته معاويه. # فسار حتى وافى المدائن، وسار الحسن بالناس من المدائن حتى وافى الكوفه، ~~ووافاه معاويه بها، فالتقيا، فوكد عليه الحسن رضى الله عنه تلك الشروط ~~والايمان. ثم سار الحسن باهل بيته حتى وافى مدينه الرسول ص. # وأخذ معاويه اهل الكوفه بالبيعه، فبايعوا، واستعمل عليهم المغيره بن ~~شعبه، وسار منصرفا في جموعه الى الشام، فمكث المغيره بن شعبه على الكوفه من ~~قبل معاويه تسع سنين حتى مات بها. # PageV01P218 ### | زياد بن ابيه # وكان زياد بن ابيه انما يعرف بزياد بن عبيد، وكان عبيد مملوكا لرجل من ~~ثقيف، فتزوج سميه، وكانت أمه للحارث بن كلده، فأعتقها، فولدت له زيادا، ~~فصار حرا، ونشا غلاما لقنا ذهنا، عاقلا أديبا، فاخرجه المغيره بن شعبه معه ~~الى البصره حين وليها من قبل عمر بن ms168 الخطاب، فاستكتبه المغيره. # فلما ولى على بن ابى طالب ولى زيادا ارض فارس، فلما توجه الى صفين كتب ~~معاويه الى زياد يتوعده، فقام زياد في الناس، فقال: ان ابن آكله الأكباد ~~وراس النفاق كتب الى يتوعدنى، وبيني وبينه ابن عم رسول الله ص وسلم في ~~تسعين الف مدجج من شيعته، اما والله لئن رامنى ليجدني ضرابا بالسيف. # فلما قتل على، واستدف الأمر لمعاوية تحصن زياد بقلعه مدينه اصطخر، وكتب ~~معاويه له أمانا على ان يأتيه، فان رضى ما يعطيه، والا رده الى متحصنه بتلك ~~القلعة. # فسار الى معاويه، وترقت به الأمور الى ان ادعاه معاويه، وزعم للناس انه ~~ابن ابى سفيان، وشهد له ابو مريم السلولي وكان في الجاهلية خمارا بالطائف ~~ان أبا سفيان وقع على سميه بعد ما كان الحارث أعتقها، وشهد رجل من بنى ~~المصطلق، اسمه يزيد، انه سمع أبا سفيان يقول: ان زيادا من نطفة أقرها في ~~رحم أمه سميه، فتم ادعاؤه اياه. وكان في ذلك ما كان. # وامر معاويه زيادا ان يسير الى الكوفه الى ان يرد عليه امره، فسار زياد ~~حتى قدم الكوفه، وعليها المغيره بن شعبه، فنزل دار سلمان بن ربيعه الباهلى، ~~ووافاه كتاب معاويه بولاية البصره، فسار إليها. # فلما وافاها قصد المسجد الجامع، فصعد المنبر، فحمد الله واثنى عليه، ثم ~~قال: انه قد كانت بيني وبين قوم احقاد، وقد جعلتها تحت قدمي، ولست أؤاخذ ~~أحدا # PageV01P219 # بعداوة، ولا اهتك له قناعا حتى يبدى لي صفحته، فإذا ابداها لم انظره، فمن ~~كان منكم محسنا فليزدد احسانا، ومن كان منكم مسيئا فليقلع عن اساءته، ~~وأعينونا رحمكم الله بالسمع والطاعة. ثم نزل. # فلبث على البصره حولين حتى مات المغيره، فكتب اليه معاويه بولاية الكوفه ~~مع البصره، فسار إليها. # قالوا: وكان أول من لقى الحسن بن على رضى الله عنه، فندمه على ما صنع، ~~ودعاه الى رد الحرب حجر بن عدى، فقال له يا بن رسول الله، لوددت انى مت قبل ~~ما رايت، أخرجتنا من العدل الى الجور ms169، فتركنا الحق الذى كنا عليه، ودخلنا ~~في الباطل الذى كنا نهرب منه، وأعطينا الدنية من أنفسنا، وقبلنا الخسيسة ~~التي لم تلق بنا. # فاشتد على الحسن رضى الله عنه كلام حجر، فقال له [انى رايت هوى عظم الناس ~~في الصلح، وكرهوا الحرب، فلم أحب ان احملهم على ما يكرهون، فصالحت بقيا على ~~شيعتنا خاصه من القتل، فرايت دفع هذه الحروب الى يوم ما، «فان الله كل يوم ~~هو في شأن» . # ] قال: فخرج من عنده، ودخل على الحسين رضى الله عنه مع عبيده بن عمرو، ~~فقالا: أبا عبد الله، شريتم الذل بالعز، وقبلتم القليل، وتركتم الكثير، ~~أطعنا اليوم، واعصنا الدهر، دع الحسن وما راى من هذا الصلح، واجمع إليك ~~شيعتك من اهل الكوفه وغيرها، وولنى وصاحبي هذه المقدمه، فلا يشعر ابن هند ~~الا ونحن نقارعه بالسيوف. # [فقال الحسين: انا قد بايعنا وعاهدنا، ولا سبيل الى نقض بيعتنا. # ] وروى عن على بن محمد بن بشير الهمدانى، قال: خرجت انا وسفيان ابن ليلى ~~حتى قدمنا على الحسن المدينة، فدخلنا عليه، وعنده المسيب بن نجبه # PageV01P220 # وعبد الله بن الوداك التميمى، وسراج بن مالك الخثعمى، فقلت: السلام عليك ~~يا مذل المؤمنين، قال: وعليك السلام، اجلس، [لست مذل المؤمنين، ولكنى ~~معزهم، ما اردت بمصالحتى معاويه الا ان ادفع عنكم القتل عند ما رايت من ~~تباطؤ اصحابى عن الحرب، ونكولهم عن القتال، وو الله لئن سرنا اليه بالجبال ~~والشجر ما كان بد من إفضاء هذا الأمر اليه. # ] قال: ثم خرجنا من عنده، ودخلنا على الحسين، فأخبرناه بما رد علينا، ~~فقال: صدق ابو محمد، فليكن كل رجل منكم حلسا [1] من احلاس بيته، ما دام هذا ~~الإنسان حيا. ### | موت الحسن بن على # ثم ان الحسن رضى الله عنه اشتكى بالمدينة، فثقل، وكان اخوه محمد بن ~~الحنفيه في ضيعه له، فأرسل اليه، فوافى، فدخل عليه، فجلس عن يساره، والحسين ~~عن يمينه، ففتح الحسن عينه، فرآهما، فقال للحسين: يا أخي، اوصيك بمحمد أخيك ~~خيرا، فانه جلده ما بين العينين ثم قال: يا ms170 محمد، وانا اوصيك بالحسين، ~~كانفه ووازره. # ثم قال ادفنوني مع جدي ص، فان منعتم فالبقيع [2] ثم توفى، فمنع مروان ان ~~يدفن مع النبي ص، فدفن في البقيع. # وبلغ اهل الكوفه وفاه الحسن، فاجتمع عظماؤهم فكتبوا الى الحسين رضى الله ~~عنه يعزونه. # وكتب اليه جعدة بن هبيرة بن ابى وهب، وكان امحضهم [3] حبا وموده: اما ~~بعد، فان من قبلنا من # شيعتك # متطلعه انفسهم إليك، لا يعدلون بك أحدا، وقد كانوا عرفوا راى الحسن أخيك ~~في دفع الحرب، وعرفوك باللين لأوليائك، والغلظه على اعدائك، والشده في امر ~~الله، فان كنت تحب ان تطلب هذا الأمر فاقدم علينا، فقد وطنا أنفسنا على ~~الموت معك PageV01P221 # فكتب اليهم: اما أخي فأرجو ان يكون الله قد وفقه، وسدده فيما ياتى، واما ~~انا فليس رأيي اليوم ذلك، فالصقوا رحمكم الله بالأرض، واكمنوا في البيوت، ~~واحترسوا من الظنه ما دام معاويه حيا، فلن يحدث الله به حدثا وانا حي، كتبت ~~إليكم برأيي والسلام. # وانتهى خبر وفاه الحسن الى معاويه كتب به اليه عامله على المدينة مروان ~~فأرسل الى ابن عباس، وكان عنده بالشام قدم عليه وافدا فدخل عليه، فعزاه، ~~واظهر الشماتة بموته، فقال له ابن عباس: لا تشمتن بموته، فو الله لا تلبث ~~بعده الا قليلا. ### | بين معاويه وعمرو بن العاص # قالوا: وكتب معاويه الى عمرو بن العاص، وهو على مصر، قد قبضها بالشرط ~~الذى اشترطه على معاويه: اما بعد، فان سؤال اهل الحجاز، وزوار اهل العراق ~~قد كثروا على، وليس عندي فضل من اعطيات الجنود، فاعنى بخراج مصر هذه السنه. # فكتب اليه عمرو: # معاوي ان تدركك نفس شحيحه ... فما ورثتنى مصر أمي ولا ابى # وما نلتها عفوا ولكن شرطتها ... وقد دارت الحرب العوان على قطب # ولولا دفاعى الأشعري وصحبه ... لالفيتها ترغو كراغيه السقب [1] # فلما رجع الجواب الى معاويه تذمم، فلم يعاوده في شيء من امرها. ~~PageV01P222 # قالوا: وقد كان معاويه خلف على الكوفه حين شخص منها المغيره بن شعبه، ~~فصعد المنبر يوم الجمعه ليخطب فحصبه حجر بن عدى ms171، وكان من شيعه على، في نفر ~~من اصحابه، فنزل مسرعا من المنبر، ودخل قصر الإمارة، وبعث الى حجر بخمسه ~~آلاف درهم ترضاه بها. فقيل للمغيرة: لم فعلت هذا، وفيه عليك وهن وغضاضه؟ ~~فقال: قد قتلته بها. # فلما مات المغيره وجمع معاويه لزياد الكوفه الى البصره، كان يقيم بالبصرة ~~سته اشهر، وبالكوفه مثل ذلك، فخرج في بعض خرجاته الى البصره، وخلف على ~~الكوفه عمرو بن حريث العدوى، فصعد عمرو بن حريث ذات جمعه المنبر ليخطب، ~~وقعد له حجر بن عدى واصحابه فحصبوه [1] ، فنزل من المنبر، فدخل القصر، ~~واغلق بابه. # وكتب الى زياد يخبره بما صنع حجر واصحابه، فركب زياد البريد حتى وافى ~~الكوفه، ودخل المسجد، واخرج له سريره من القصر، فجلس عليه، فكان أول من دخل ~~عليه من اشراف الكوفه محمد بن الاشعث بن قيس، فسلم عليه بالإمرة. # فقال زياد: لا سلم الله عليك، انطلق فاتنى بابن عمك الساعة. # قال محمد بن الاشعث: ما لي ولحجر، انك لتعلم التباعد بيننا. # فقال له جرير بن عبد الله: انا آتيك بحجر ايها الأمير، على ان تجعل له ~~الامان، والا تعرض له حتى يلقى معاويه، فيرى فيه رايه. قال: قد فعلت. # فاقبل به الى زياد، فامر بحبسه، وامر بطلب اصحابه الذين كانوا معه، فاتى ~~بهم، فوجههم جميعا الى معاويه مع مائه رجل من الجند، فأنشأت أم [2] حجر ~~تقول: # ترفع ايها القمر المنير ... ترفع هل ترى حجرا يسير # الا يا حجر حجر بنى عدى ... تلقتك البشارة والسرور # وان تهلك فكل عميد قوم ... من الدنيا الى هلك يصير PageV01P223 # وبعث زياد بثلاثة نفر من الشهود، ليشهدوا عنده بما فعل حجر واصحابه، منهم ~~ابو برده بن ابى موسى، وشريح بن هاني الحارثى، وابو هنيده [1] القينى. # فاتوا معاويه، وشهدوا عليهم بحصبهم عمرو بن حريث، فامر معاويه بهم، ~~فقتلوا، فدخل مالك بن هبيرة على معاويه فقال: يا امير المؤمنين، اسات في ~~قتلك هؤلاء النفر، ولم يكونوا أحدثوا ما استوجبوا به القتل. فقال معاويه: ~~قد كنت هممت بالعفو عنهم الا ان ms172 كتاب زياد ورد على يعلمني انهم رؤساء ~~الفتنة، وانى متى قتلتهم اجتثثت الفتنة من أصلها. # ولما قتل حجر بن عدى واصحابه استفظع اهل الكوفه ذلك استفظاعا شديدا، وكان ~~حجر من عظماء اصحاب على، وقد كان على اراد ان يوليه رياسه كنده، ويعزل ~~الاشعث بن قيس، وكلاهما من ولد الحارث بن عمروا آكل المرار [2] ، فأبى حجر ~~بن عدى ان يتولى الأمر والاشعث حي. # فخرج نفر من اشراف اهل الكوفه الى الحسين بن على، فاخبروه الخبر، فاسترجع ~~وشق عليه، فأقام أولئك النفر يختلفون الى الحسين بن على، وعلى المدينة ~~يومئذ مروان بن الحكم، فترقى الخبر اليه، فكتب الى معاويه يعلمه ان رجالا ~~من اهل العراق قدموا على الحسين بن على رضى الله عنهما، وهم مقيمون عنده ~~يختلفون اليه، فاكتب الى بالذي ترى. # فكتب اليه معاويه: لا تعرض للحسين في شيء، فقد بايعنا، وليس بناقض بيعتنا ~~ولا مخفر ذمتنا. # وكتب الى الحسين: اما بعد، فقد انتهت الى امور عنك لست بها حريا، ~~PageV01P224 # لان من اعطى صفقه يمينه جدير بالوفاء، فاعلم رحمك الله انى متى أنكرك ~~تستنكرنى، ومتى تكدني اكدك، فلا يستفزنك السفهاء الذين يحبون الفتنة ~~والسلام. # فكتب اليه الحسين رضى الله عنه: ما اريد حربك، ولا الخلاف عليك. # قالوا: ولم ير الحسن ولا الحسين طول حياه معاويه منه سوءا في أنفسهما ولا ~~مكروها، ولا قطع عنهما شيئا مما كان شرط لهما، ولا تغير لهما عن بر. # قالوا: ومكث زياد على المصرين اربع سنين، فحضرته الوفاة عند ما مضى من ~~خلافه معاويه ثلاث عشره سنه، وذلك سنه ثلاث وخمسين. # فكتب الى معاويه: اما بعد، فانى كتبت إليك وانا في آخر يوم من الدنيا ~~وأول يوم من الآخرة، وقد وليت الكوفه عبد الله بن خالد بن اسيد، ووليت ~~البصره سمره بن جندب الفزارى، والسلام. # فقيل له: لم تولى ابنك عبيد الله احد المصرين؟ وليس بدون واحد من هذين. # فقال: ان يك فيه خير فسيسبق الى ذلك عمه معاويه، ثم مات، وصلى عليه ابنه ~~عبيد الله ms173 بن زياد، ودفن في مقابر قريش. # فتولى عبد الله بن خالد بن اسيد الكوفه ثمانية اشهر، وكتب معاويه الى ~~عبيد الله بن زياد بولاية البصره، وعزل عبد الله بن خالد عن الكوفه، ~~واستعمل عليها النعمان بن بشير الأنصاري. ### | موت معاويه # قالوا: ولما دخلت سنه ستين مرض معاويه مرضه الذى مات فيه، فأرسل الى ابنه ~~يزيد، وكان غائبا عن مدينه دمشق، فلما أبطأ عليه دعا الضحاك بن قيس # PageV01P225 # الفهري، وكان على شرطه، ومسلم بن عقبه، وكان على حرسه، فقال لهما: أبلغا ~~يزيد وصيتي، واعلماه انى آمره في اهل الحجاز ان يكرم من قدم عليه منهم، ~~ويتعهد من غاب عنه من اشرافهم، فإنهم اصله، وانى آمره في اهل العراق ان ~~يرفق بهم ويداريهم ويتجاوز عن زلاتهم، وانى آمره في اهل الشام ان يجعلهم ~~عينيه وبطانته، والا يطيل حبسهم في غير شامهم، لئلا يجروا [1] على اخلاق ~~غيرهم. واعلماه انى لست اخاف عليه الا اربعه رجال: الحسين بن على، وعبد ~~الله بن عمر، وعبد الرحمن بن ابى بكر، وعبد الله بن الزبير. فاما الحسين ~~ابن على فاحسب اهل العراق غير تاركيه حتى يخرجوه، فان فعل، فظفرت به، فاصفح ~~عنه، واما عبد الله بن عمر فانه رجل قد وقذته العباده، وليس بطالب للخلافة ~~الا ان تأتيه عفوا، واما عبد الرحمن بن ابى بكر فانه ليس له في نفسه من ~~النباهة والذكر عند الناس ما يمكنه طلبها، ويحاول التماسها الا ان تأتيه ~~عفوا، واما الذى يجثم لك جثوم الأسد، ويراوغك روغان الثعلب، فان امكنته ~~فرصه وثب فذاك عبد الله بن الزبير، فان فعل وظفرت به، فقطعه اربا اربا الا ~~ان يلتمس منك صلحا، فان فعل فاقبل منه، واحقن دماء قومك بجهدك، وكف عاديتهم ~~بنوالك، وتغمدهم بحلمك. # ثم قدم عليه يزيد، فاعاد عليه هذه الوصية، ثم قضى. # فاقبل الضحاك بن قيس حتى اتى المسجد الأعظم، فصعد المنبر، ومعه اكفان ~~معاويه، فقال: ايها الناس، ان معاويه بن ابى سفيان كان عبدا من عباد الله، ~~ملكه على عباده، فعاش ms174 بقدر ومات باجل، وهذه أكفانه كما ترون، نحن مدرجوه ~~فيها ومدخلوه قبره، ومخلون بينه وبين ربه، فمن أحب منكم ان يشهد جنازته ~~فليحضر بعد صلاه الظهر. ثم نزل. # وتفرق الناس حتى إذا صلوا الظهر اجتمعوا وأصلحوا جهازه، وحملوه حتى ~~واروه. PageV01P226 ### | مبايعه يزيد # وانصرف يزيد فدخل الجامع، ودعا الناس الى البيعه، فبايعوه، ثم انصرف الى ~~منزله. # ومات معاويه وعلى المدينة الوليد بن عتبة بن ابى سفيان، وعلى مكة يحيى بن ~~حكيم بن صفوان بن اميه، وعلى الكوفه النعمان بن بشير الأنصاري، وعلى البصره ~~عبيد الله بن زياد. # فلم تكن ليزيد همه الا بيعه هؤلاء الأربعة نفر، فكتب الى الوليد بن عتبة ~~يأمره ان يأخذهم بالبيعه أخذا شديدا لا رخصه فيه، فلما ورد ذلك على الوليد ~~قطع به وخاف الفتنة، فبعث الى مروان، وكان الذى بينهما متباعدا، فأتاه، ~~فاقراه الوليد الكتاب واستشاره. # فقال له مروان: اما عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن ابى بكر فلا تخافن ~~ناحيتهما، فليسا بطالبين شيئا من هذا الأمر، ولكن عليك بالحسين بن على وعبد ~~الله بن الزبير، فابعث إليهما الساعة، فان بايعا والا فاضرب أعناقهما قبل ~~ان يعلن الخبر، فيثب كل واحد منهما ناحيه، ويظهر الخلاف. # فقال الوليد لعبد الله بن عمرو بن عثمان، وكان حاضرا وهو حينئذ غلام حين ~~راهق: انطلق يا بنى الى الحسين بن على وعبد الله بن الزبير، فادعهما. # فانطلق الغلام حتى اتى المسجد، فإذا هو بهما جالسين، فقال: أجيبا الأمير. # فقالا للغلام: انطلق، فانا صائران اليه على اثرك. فانطلق الغلام. # فقال ابن الزبير للحسين رضى الله عنه: فيم تراه بعث إلينا في هذه ~~الساعة؟. # فقال الحسين: احسب معاويه قد مات، فبعث إلينا للبيعه. قال ابن الزبير: ما ~~أظن غيره. وانصرفا الى منازلهما. # فاما الحسين فجمع نفرا من مواليه وغلمانه، ثم مشى نحو دار الإمارة، وامر ~~فتيانه ان يجلسوا بالباب، فان سمعوا صوته اقتحموا الدار. # PageV01P227 # ودخل الحسين على الوليد، وعنده مروان، فجلس الى جانب الوليد، فاقراه ~~الوليد الكتاب، فقال الحسين: ان مثلي ms175 لا يعطى بيعته سرا، وانا طوع يديك، ~~فإذا جمعت الناس لذلك حضرت، وكنت واحدا منهم. # وكان الوليد رجلا يحب العافيه، فقال للحسين: فانصرف اذن حتى تأتينا مع ~~الناس، فانصرف. # فقال مروان للوليد: عصيتني، وو الله لا يمكنك من مثله ابدا. # قال الوليد: ويحك، اتشير على بقتل الحسين بن فاطمه بنت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وعليهما السلام؟ والله ان الذى يحاسب بدم الحسين يوم ~~القيامه لخفيف الميزان عند الله. # وتحرز ابن الزبير في منزله، وراوغ الوليد حتى إذا جن عليه الليل سار نحو ~~مكة، وتنكب الطريق الأعظم فاخذ على طريق الفرع. # ولما اصبح الوليد بلغه خبره، فوجه في اثره حبيب بن كدين في ثلاثين فارسا، ~~فلم يقعوا له على اثر، وشغلوا يومهم ذلك كله بطلب ابن الزبير. # فلما امسوا، واظلم الليل مضى الحسين رضى الله عنه أيضا نحو مكة، ومعه ~~أختاه: أم كلثوم، وزينب وولد أخيه، واخوته ابو بكر، وجعفر، والعباس، وعامه ~~من كان بالمدينة من اهل بيته الا أخاه محمد بن الحنفيه، فانه اقام. # واما عبد الله بن عباس فقد كان خرج قبل ذلك بايام الى مكة. # وجعل الحسين رضى الله عنه يطوى المنازل، فاستقبله عبد الله بن مطيع، وهو ~~منصرف من مكة يريد المدينة، فقال له: اين تريد؟. # قال الحسين: اما الان فمكه. # قال خار [1] الله لك، غير انى أحب ان أشير عليك براى. # قال الحسين وما هو؟. # قال: إذا اتيت مكة فاردت الخروج منها الى بلد من البلدان، فإياك والكوفه، ~~فإنها بلده مشئومه، بها قتل ابوك، وبها خذل اخوك، واغتيل بطعنه كادت ~~PageV01P228 # تأتي على نفسه، بل الزم الحرم، فان اهل الحجاز لا يعدلون بك أحدا، ثم ادع ~~إليك شيعتك من كل ارض، فسيأتونك جميعا. # قال له الحسين: يقضى الله ما أحب. # ثم اطلق عنانه، ومضى حتى وافى مكة، فنزل شعب على، واختلف الناس اليه، ~~فكانوا يجتمعون عنده حلقا حلقا، وتركوا عبد الله بن الزبير، وكانوا قبل ذلك ~~يتحفلون اليه، فساء ذلك ابن الزبير، وعلم ان الناس ms176 لا يحفلون به والحسين ~~مقيم بالبلد، فكان يختلف الى الحسين رضى الله عنه صباحا ومساء. # ثم ان يزيد عزل يحيى بن حكيم بن صفوان بن اميه. ### | مقتل الحسين عليه السلام ### | اهل الكوفه والحسين # قالوا: ولما بلغ اهل الكوفه وفاه معاويه وخروج الحسين بن على الى مكة ~~اجتمع جماعه من الشيعة في منزل سليمان بن صرد، واتفقوا على ان يكتبوا الى ~~الحسين يسالونه القدوم عليهم، ليسلموا الأمر اليه، ويطردوا النعمان بن ~~بشير، فكتبوا اليه بذلك، ثم وجهوا بالكتاب مع عبيد الله بن سبيع الهمدانى ~~وعبد الله بن وداك السلمى، فوافوا الحسين رضى الله عنه بمكة لعشر خلون من ~~شهر رمضان، فأوصلوا الكتاب اليه. # ثم لم يمس الحسين يومه ذلك حتى ورد عليه بشر بن مسهر الصيداوى، وعبد ~~الرحمن بن عبيد الارحبى، ومعهما خمسون كتابا من اشراف اهل الكوفه ورؤسائها ~~كل كتاب منها من الرجلين والثلاثة والأربعة بمثل ذلك. # فلما اصبح وافاه هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الخثعمى، ومعهما ~~أيضا نحو من خمسين كتابا. # فلما امسى أيضا ذلك اليوم ورد عليه سعيد بن عبد الله الثقفى ومعه كتاب ~~واحد من شبث بن ربعي، وحجار بن ابجر، ويزيد بن الحارث، وعروه بن قيس، وعمرو ~~ابن الحجاج، ومحمد بن عمير بن عطارد وكان [1] هؤلاء الرؤساء من اهل الكوفه ~~فتتابعت عليه في ايام رسل اهل الكوفه ومن الكتب ما ملا منه خرجين [2] ~~PageV01P229 # فكتب الحسين اليهم جميعا كتابا واحدا، ودفعه الى هانئ بن هانئ، وسعيد ابن ~~عبد الله، نسخته: # بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن على الى من بلغه كتابي هذا، من ~~اوليائه وشيعته بالكوفه، سلام عليكم، اما بعد، فقد أتتني كتبكم، وفهمت ما ~~ذكرتم من محبتكم لقدومى عليكم، وانى باعث إليكم بأخي وابن عمى وثقتي من ~~اهلى مسلم بن عقيل ليعلم لي كنه امركم، ويكتب الى بما يتبين له من ~~اجتماعكم، فان كان امركم على ما أتتني به كتبكم، وأخبرتني به رسلكم اسرعت ~~القدوم عليكم ان شاء الله، والسلام. # وقد كان ms177 مسلم بن عقيل خرج معه من المدينة الى مكة، فقال له الحسين ع: يا ~~ابن عم، قد رايت ان تسير الى الكوفه، فتنظر ما اجتمع عليه راى أهلها، فان ~~كانوا على ما أتتني به كتبهم، فعجل على بكتابك لاسرع القدوم عليك، وان تكن ~~الاخرى، فعجل الانصراف. # فخرج مسلم على طريق المدينة ليلم باهله، ثم استاجر دليلين من قيس، وسار، ~~فضلا ذات ليله، فأصبحا، وقد تاها، واشتد عليهما العطش والحر، فانقطعا، فلم ~~يستطيعا المشى، فقالا لمسلم: عليك بهذا السمت، فالزمه لعلك ان تنجو. # فتركهما مسلم ومن معه من خدمه بحشاشة الأنفس حتى أفضوا الى طريق فلزموه، ~~حتى وردوا الماء، فأقام مسلم بذلك الماء. # وكتب الى الحسين مع رسول استاجره من اهل ذلك الماء، يخبره خبره، وخبر ~~الدليلين، وما ناله من الجهد، ويعلمه انه قد تطير من الوجه الذى توجه له، ~~ويسأله ان يعفيه ويوجه غيره، ويخبره انه مقيم بمنزله ذلك من بطن الحربث [1] ~~. # فسار الرسول حتى وافى مكة، واوصل الكتاب الى الحسين، فقراه وكتب في ~~جوابه: اما بعد، فقد ظننت ان الجبن قد قصر بك عما وجهتك به، فامض لما امرتك ~~فانى غير معفيك، والسلام. PageV01P230 ### | مسلم في الكوفه # فسار مسلم حتى وافى الكوفه، ونزل في الدار التي تعرف بدار المختار بن ابى ~~عبيده، ثم عرفت اليوم بدار المسيب. # فكانت الشيعة تختلف اليه، فيقرأ عليهم كتاب الحسين، ففشا امره بالكوفه ~~حتى بلغ ذلك النعمان بن بشير أميرها، فقال: لا اقاتل الا من قاتلني، ولا ~~اثب الا على من وثب على، ولا آخذ بالقرفه [1] والظنه، فمن ابدى صفحته ونكث ~~بيعته ضربته بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم أكن الا وحدي. وكان يحب ~~العافيه ويغتنم السلامة. # فكتب مسلم بن سعيد الحضرمى وعماره بن عقبه وكانا عيني يزيد بن معاويه الى ~~يزيد يعلمانه قدوم مسلم بن عقيل الكوفه داعيا للحسين بن على، وانه قد افسد ~~قلوب أهلها عليه، فان يكن لك في سلطانك حاجه فبادر اليه من يقوم بأمرك، ~~ويعمل مثل عملك في ms178 عدوك، فان النعمان رجل ضعيف او متضاعف، والسلام. # فلما ورد الكتاب على يزيد امر بعهد، فكتب لعبيد الله بن زياد على الكوفه، ~~وامره ان يبادر الى الكوفه، فيطلب مسلم بن عقيل طلب الحرزه حتى يظفر به، ~~فيقتله، او ينفيه عنهما، ودفع الكتاب الى مسلم بن عمرو الباهلى ابى قتيبة ~~بن مسلم، وامره باغذاذ السير. فسار مسلم حتى وافى البصره، واوصل الكتاب الى ~~عبيد الله بن زياد. # وقد كان الحسين بن على رضى الله عنه كتب كتابا الى شيعته من اهل البصره ~~مع مولى له يسمى سلمان نسخته: # بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن على الى مالك بن مسمع، والأحنف ابن ~~قيس، والمنذر بن الجارود، ومسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم، سلام عليكم، اما ~~بعد، فانى ادعوكم الى احياء معالم الحق وأماته البدع، فان تجيبوا تهتدوا ~~سبل الرشاد، والسلام. # فلما أتاهم هذا الكتاب كتموه جميعا الا المنذر بن الجارود، فانه أفشاه، ~~لتزويجه ابنته هندا من عبيد الله بن زياد، فاقبل حتى دخل عليه، فاخبره ~~PageV01P231 # بالكتاب، وحكى له ما فيه، فامر عبيد الله بن زياد بطلب الرسول، فطلبوه، ~~فاتوه به، فضربت عنقه. # ثم اقبل حتى دخل المسجد الأعظم، فاجتمع له الناس، فقام، فقال: # انصف القاره [1] من راماها، # يا اهل البصره ان امير المؤمنين قد ولانى مع البصره الكوفه، وانا سائر ~~إليها، وقد خلفت عليكم أخي عثمان بن زياد، فإياكم والخلاف والارجاف، فو ~~الله الذى لا اله غيره، لئن بلغنى عن رجل منكم خالف او ارجف لاقتلنه ووليه، ~~ولاخذن الأدنى بالأقصى، والبريء بالسقيم حتى تستقيموا، وقد اعذر من انذر. ~~ثم نزل، وسار. # وخرج معه من اشراف اهل البصره شريك بن الأعور والمنذر بن الجارود، فسار ~~حتى وافى الكوفه، فدخلها، وهو متلثم. # وقد كان الناس بالكوفه يتوقعون الحسين بن على ع، وقدومه، فكان لا يمر ابن ~~زياد بجماعه الا ظنوا انه الحسين فيقومون له، ويدعون ويقولون: مرحبا بابن ~~رسول الله، قدمت خير مقدم. # فنظر ابن زياد من تباشيرهم بالحسين الى ما ساءه، واقبل ms179 حتى دخل المسجد ~~الأعظم، ونودى في الناس، فاجتمعوا، وصعد المنبر، فحمد الله واثنى عليه، ثم ~~قال: # يا اهل الكوفه، ان امير المؤمنين قد ولانى مصركم، وقسم فيئكم فيكم، ~~وأمرني بانصاف مظلومكم، والاحسان الى سامعكم ومطيعكم، والشده على ~~PageV01P232 # عاصيكم ومريبكم، وانا منته في ذلك الى امره، وانا لمطيعكم كالوالد ~~الشفيق، ولمخالفكم كالسم النقيع، فلا يبقين احد منكم الا على نفسه. # ثم نزل، فاتى القصر، فنزله، وارتحل النعمان بن بشير نحو وطنه بالشام. # وبلغ مسلم بن عقيل قدوم عبيد الله بن زياد وانصراف النعمان، وما كان من ~~خطبه ابن زياد ووعيده، فخاف على نفسه. # فخرج من الدار التي كان فيها بعد عتمه حتى اتى دار هانئ بن عروه المذحجى، ~~وكان من اشراف اهل الكوفه، فدخل داره الخارجه، فأرسل اليه وكان في دار ~~نسائه، يسأله الخروج اليه، فخرج اليه. # وقام مسلم، فسلم عليه، وقال: # انى اتيتك لتجيرني وتضيفنى. # فقال له هانئ: # لقد كلفتني شططا بهذا الأمر، ولولا دخولك منزلي لأحببت ان تنصرف عنى، غير ~~انه قد لزمنى ذمام لذلك. # فادخله دار نسائه، وافرد له ناحيه منها. # وجعلت الشيعة تختلف اليه في دار هانئ. # وكان هانئ بن عروه مواصلا لشريك بن الأعور البصرى الذى قام مع ابن زياد، ~~وكان ذا شرف بالبصرة وخطر، فانطلق هانئ اليه حتى اتى به منزله، وانزله مع ~~مسلم بن عقيل في الحجرة التي كان فيها. # وكان شريك من كبار الشيعة بالبصرة، فكان يحث هانئا على القيام بأمر مسلم، ~~وجعل مسلم يبايع من أتاه من اهل الكوفه، ويأخذ عليهم العهود والمواثيق ~~المؤكدة بالوفاء. # PageV01P233 # ومرض شريك بن الأعور في منزل هانئ بن عروه مرضا شديدا، وبلغ ذلك عبيد ~~الله بن زياد، فأرسل اليه يعلمه انه يأتيه عائدا. # فقال شريك لمسلم بن عقيل: انما غايتك وغاية شيعتك هلاك هذا الطاغيه، وقد ~~امكنك الله منه، هو صائر الى ليعودنى، فقم، فادخل الخزانه حتى إذا اطمان ~~عندي، فاخرج اليه، فقاتله، ثم صر الى قصر الإمارة، فاجلس فيه، فانه لا ~~ينازعك فيه احد من الناس ms180، وان رزقني الله العافيه صرت الى البصره، فكفيتك ~~امرها، أبايع لك أهلها. # فقال هانئ بن عروه: ما أحب ان يقتل في دارى ابن زياد. # فقال له شريك: ولم؟ فو الله ان قتله لقربان الى الله. # ثم قال شريك لمسلم: لا تقصر في ذلك. # فبينما هم على ذلك إذ قيل لهم: الأمير بالباب. # فدخل مسلم بن عقيل الخزانه، ودخل عبيد الله بن زياد على شريك، فسلم عليه، ~~وقال: # ما الذى تجد وتشكو؟. # فلما طال سؤاله اياه استبطأ شريك خروج مسلم، وجعل يقول، ويسمع مسلما: # ما تنظرون بسلمى عند فرصتها ... فقد وفى ودها، واستوسق الصرم [1] # وجعل يردد ذلك. # فقال ابن زياد لهانئ: ايهجر؟ يعنى يهذى. # قال هانئ: نعم، اصلح الله الأمير، لم يزل هكذا منذ اصبح. # ثم قام عبيد الله وخرج، فخرج مسلم بن عقيل من الخزانه، فقال شريك: # ما الذى منعك منه الا الجبن والفشل؟. PageV01P234 # قال مسلم: منعني منه خلتان: إحداهما كراهية هانئ لقتله في منزله، والاخرى ~~قول رسول الله ص [ان الايمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن. # ] فقال شريك: اما والله لو قتلته لاستقام لك امرك، واستوسق لك [سلطانك. # ] ولم يعش شريك بعد ذلك الا أياما، حتى توفى، وشيع ابن زياد جنازته، ~~وتقدم فصلى عليه. # ولم يزل مسلم بن عقيل يأخذ البيعه من اهل الكوفه حتى بايعه منهم ثمانية ~~عشر الف رجل في ستر ورفق. # وخفى على عبيد الله بن زياد موضع مسلم بن عقيل، فقال لمولى له من اهل ~~الشام يسمى معقلا، وناوله ثلاثة آلاف درهم في كيس، وقال: خذ هذا المال، ~~وانطلق، فالتمس مسلم بن عقيل، وتات له بغاية التاتى. # فانطلق الرجل حتى دخل المسجد الأعظم، وجعل لا يدرى كيف يتأتى الأمر. # ثم انه نظر الى رجل يكثر الصلاة الى ساريه من سوارى المسجد، فقال في ~~نفسه: ان هؤلاء الشيعة يكثرون الصلاة، واحسب هذا منهم. # فجلس الرجل حتى إذا انفتل من صلاته قام، فدنا منه، وجلس، فقال: # جعلت فداك، انى رجل من اهل الشام، مولى لذى الكلاع، وقد ms181 انعم الله على ~~بحب اهل بيت رسول الله ص، وحب من احبهم، ومعى هذه الثلاثة الآلاف [1] درهم، ~~أحب إيصالها الى رجل منهم، بلغنى انه قدم هذا المصر داعيه للحسين بن على ع، ~~فهل تدلني عليه لاوصل هذا المال إليه؟ # ليستعين به على بعض أموره، ويضعه حيث أحب من شيعته. # قال له الرجل: وكيف قصدتني بالسؤال عن ذلك دون غيرى ممن هو في المسجد؟. ~~PageV01P235 # قال: لانى رايت عليك سيما الخير، فرجوت ان تكون ممن يتولى اهل بيت رسول ~~الله ص. # قال له الرجل: ويحك، قد وقعت على بعينك، انا رجل من اخوانك، واسمى مسلم ~~بن عوسجة، وقد سررت بك، وساءني ما كان من حسى قبلك، فانى رجل من شيعه اهل ~~هذا البيت، خوفا من هذا الطاغيه ابن زياد، فأعطني ذمه الله وعهده ان تكتم ~~هذا عن جميع الناس. # فاعطاه من ذلك ما اراد. # فقال له مسلم بن عوسجة: انصرف يومك هذا، فان كان غد فائتنى في منزلي حتى ~~انطلق معك الى صاحبنا يعنى مسلم بن عقيل فاوصلك اليه. # فمضى الشامي، فبات ليلته، فلما اصبح غدا الى مسلم بن عوسجة في منزله، ~~فانطلق به حتى ادخله الى مسلم بن عقيل، فاخبره بامره، ودفع اليه الشامي ذلك ~~المال، وبايعه. # فكان الشامي يغدو الى مسلم بن عقيل، فلا يحجب عنه، فيكون نهاره كله عند، ~~فيتعرف جميع اخبارهم، فإذا امسى واظلم عليه الليل دخل على عبيد الله ابن ~~زياد، فاخبره بجميع قصصهم، وما قالوا وفعلوا في ذلك، واعلمه نزول مسلم في ~~دار هانئ بن عروه. # ثم ان محمد بن الاشعث وأسماء بن خارجه دخلا على ابن زياد مسلمين، فقال ~~لهما: # ما فعل هانئ بن عروه؟. # فقالا: ايها الأمير، انه عليل منذ ايام. # فقال ابن زياد: وكيف؟ وقد بلغنى انه يجلس على باب داره عامه نهاره، فما ~~يمنعه من إتياننا، وما يجب عليه من حق التسليم؟. # قالا: سنعلمه ذلك، ونخبره باستبطائك اياه. # PageV01P236 # فخرجا من عنده، واقبلا حتى دخلا على هانئ بن عروه، فأخبراه بما قال لهما ms182 ~~ابن زياد، وما قالا له، ثم قالا له: # اقسمنا عليك الا قمت معنا اليه الساعة لتسل سخيمه [1] قلبه. # فدعا ببغلته، فركبها، ومضى معهما، حتى إذا دنا من قصر الإمارة خبثت نفسه. # فقال لهما: # ان قلبي قد اوجس من هذا الرجل خيفة. # قالا: ولم تحدث نفسك بالخوف وأنت بريء الساحة؟. # فمضى معهما حتى دخلوا على ابن زياد، فأنشأ ابن زياد يقول متمثلا: # اريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد # قال هانئ: وما ذاك ايها الأمير؟. # قال ابن زياد: وما يكون اعظم من مجيئك بمسلم بن عقيل، وادخالك اياه ~~منزلك، وجمعك له الرجال ليبايعوه؟. # فقال هانئ: ما فعلت، وما اعرف من هذا شيئا. # فدعا ابن زياد بالشامي، وقال: يا غلام، ادع لي معقلا. # فدخل عليهم. # فقال ابن زياد لهانئ بن عروه: اتعرف هذا؟. # فلما رآه علم انه انما كان عينا عليهم. # فقال هانئ: اصدقك والله ايها الأمير، انى والله ما دعوت مسلم بن عقيل، ~~وما شعرت به. ثم قص عليه قصته على وجهها. # ثم قال: فاما الان فانا مخرجه من دارى لينطلق حيث يشاء، وأعطيك عهدا ~~وثيقا ان ارجع إليك. PageV01P237 # قال ابن زياد: لا والله، لا تفارقنى حتى تأتيني به. # فقال هانئ: او يجمل بي ان اسلم ضيفي وجارى للقتل؟ والله لا افعل ذلك ~~ابدا. # فاعترضه ابن زياد بالخيزرانه، فضرب وجهه، وهشم انفه، وكسر حاجبه، وامر ~~به، فادخل بيتا. # وبلغ مذحجا ان ابن زياد قد قتل هانئا، فاجتمعوا بباب القصر، وصاحوا. # فقال ابن زياد لشريح القاضى وكان عنده: ادخل الى صاحبهم، فانظر اليه، ثم ~~اخرج اليهم، فاعلمهم انه حي. ففعل. # فقال لهم سيدهم عمرو بن الحجاج: اما إذ كان صاحبكم حيا فما يعجلكم ~~الفتنة؟ انصرفوا. فانصرفوا. # فلما علم ابن زياد انهم قد انصرفوا امر بهانىء، فاتى به السوق، فضربت ~~عنقه هناك. # ولما بلغ مسلم بن عقيل قتل هانئ بن عروه نادى فيمن كان بايعه، فاجتمعوا، ~~فعقد لعبد الرحمن بن كريز الكندى على كنده وربيعه، وعقد لمسلم بن عوسجة على ~~مذحج ms183 واسد، وعقد لأبي ثمامة الصيداوى على تميم وهمدان، وعقد للعباس بن جعدة ~~بن هبيرة على قريش والانصار، فتقدموا جميعا حتى أحاطوا بالقصر، واتبعهم هو ~~في بقية الناس. # وتحصن عبيد الله بن زياد في القصر مع من حضر مجلسه في ذلك اليوم من اشراف ~~اهل الكوفه والأعوان والشرط، وكانوا مقدار مائتي رجل، فقاموا على سور القصر ~~يرمون القوم بالمدر [1] والنشاب، ويمنعونهم من الدنو من القصر، فلم يزالوا ~~بذلك حتى امسوا. PageV01P238 # وقال عبيد الله بن زياد لمن كان عنده من اشراف اهل الكوفه: ليشرف كل رجل ~~منكم في ناحيه من السور، فخوفوا القوم. # فأشرف كثير بن شهاب، ومحمد بن الاشعث، والقعقاع بن شور، وشبث ابن ربعي، ~~وحجار بن ابجر، وشمر بن ذي الجوشن، فتنادوا: يا اهل الكوفه، اتقوا الله ولا ~~تستعجلوا الفتنة، ولا تشقوا عصا هذه الامه، ولا توردوا على انفسكم خيول ~~الشام، فقد ذقتموهم، وجربتم شوكتهم. # فلما سمع اصحاب مسلم مقالتهم فتروا بعض الفتور. # وكان الرجل من اهل الكوفه ياتى ابنه، وأخاه، وابن عمه فيقول: انصرف، فان ~~الناس يكفونك. وتجيء المرأة الى ابنها وزوجها وأخيها فتتعلق به حتى يرجع. # فصلى مسلم العشاء في المسجد، وما معه الا زهاء ثلاثين رجلا. # فلما راى ذلك مضى منصرفا ماشيا، ومشوا معه، فاخذ نحو كنده، فلما مضى ~~قليلا التفت فلم ير منهم أحدا، ولم يصب إنسانا يدله على الطريق، فمضى هائما ~~على وجهه في ظلمه الليل حتى دخل على كنده. # فإذا امراه قائمه على باب دارها تنتظر ابنها وكانت ممن خف مع مسلم فاوته ~~وادخلته بيتها، وجاء ابنها، فقال: من هذا في الدار؟ # فاعلمته، وامرته بالكتمان. # ثم ان ابن زياد لما فقد الأصوات ظن ان القوم دخلوا المسجد، فقال: انظروا، ~~هل ترون في المسجد أحدا؟ وكان المسجد مع القصر. # فنظروا فلم يروا أحدا، وجعلوا يشعلون اطناب القصب [1] ، ثم يقذفون بها في ~~رحبه المسجد ليضيء لهم، فتبينوا، فلم يروا أحدا. # فقال ابن زياد: ان القوم قد خذلوا، وأسلموا مسلما. # وانصرفوا. PageV01P239 # فخرج فيمن كان معه، وجلس في ms184 المسجد، ووضعت الشموع والقناديل، وامر مناديا ~~فنادى بالكوفه الا برئت الذمة من رجل من العرفاء والشرط والحرس لم يحضر ~~المسجد. # فاجتمع الناس، ثم قال: يا حصين بن نمير وكان على الشرطه ثكلتك أمك ان ضاع ~~باب سكه من سكك الكوفه، فإذا اصبحت فاستقر الدور، دارا، دارا، حتى تقع ~~عليه. # وصلى ابن زياد العشاء في المسجد، ثم دخل القصر. # فلما اصبح جلس للناس، فدخلوا عليه، ودخل في اوائلهم محمد بن الاشعث، ~~فأقعده معه على سريره. # واقبل ابن تلك المرأة التي مسلم في بيتها الى عبد الرحمن بن محمد بن ~~الاشعث وهو حينئذ غلام حين راهق فاخبره بمكان مسلم عنده. # فاقبل عبد الرحمن الى ابيه محمد بن الاشعث، وهو جالس مع ابن زياد، فاسر ~~اليه الخبر. # فقال ابن زياد: ما سار به ابنك؟ # قال: أخبرني ان مسلم بن عقيل في بعض دورنا. # فقال: انطلق، فاتنى به الساعة. # وقال لعبيد بن حريث: ابعث مائه رجل من قريش وكره ان يبعث اليه غير قريش ~~خوفا من العصبية ان تقع. # فاقبلوا حتى أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل، ففتحوها، فقاتلهم، فرمى، ~~فكسر فوه، وأخذ، فاتى ببغله فركبها، وصاروا به الى ابن زياد. ### | قتل مسلم بن عقيل # فلما ادخل عليه، وقد اكتنفه الجلاوزة قالوا له: سلم على الأمير. # قال: ان كان الأمير يريد قتلى، فما انتفع بسلام عليه، وان كان لم يرد ~~فسيكثر عليه سلامي. # PageV01P240 # قال ابن زياد: كأنك ترجو البقاء. # فقال له مسلم: فان كنت مزمعا على قتلى، فدعني أوص الى بعض من هاهنا من ~~قومى. # قال له: أوص بما شئت. # فنظر الى عمر بن سعد بن ابى وقاص، فقال له: اخل معى في طرف هذا البيت حتى ~~اوصى إليك، فليس في القوم اقرب الى ولا اولى بي منك. # فتنحى معه ناحيه، فقال له: اتقبل وصيتي؟ # قال: نعم. # قال مسلم: ان على هاهنا دينا، مقدار الف درهم، فاقض عنى، وإذا انا قتلت ~~فاستوهب من ابن زياد جثتي لئلا يمثل بها، وابعث الى الحسين بن ms185 على رسولا ~~قاصدا من قبلك، يعلمه حالي، وما صرت اليه من غدر هؤلاء الذين يزعمون انهم ~~شيعته، واخبره بما كان من نكثهم بعد ان بايعنى منهم ثمانية عشر الف رجل، ~~لينصرف الى حرم الله، فيقيم به، ولا يغتر باهل الكوفه. # وقد كان مسلم كتب الى الحسين ان يقدم ولا يلبث. # فقال له عمر بن سعد: لك على ذلك كله، وانا به زعيم. # فانصرف الى ابن زياد، فاخبره بكل ما اوصى به اليه مسلم. # فقال له ابن زياد: قد اسات في افشائك ما اسره إليك، وقد قيل انه لا يخونك ~~الا الامين، وربما ائتمنك الخائن. # وامر ابن زياد بمسلم فرقى به الى ظهر القصر، فأشرف به على الناس، وهم على ~~باب القصر مما يلى الرحبه، حتى إذا راوه ضربت عنقه هناك، فسقط راسه الى ~~الرحبه، ثم اتبع الراس بالجسد. # وكان الذى تولى ضرب عنقه احمر بن بكير. # PageV01P241 # وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن الزبير الأسدي: # فان كنت لا تدرين ما الموت فانظري ... على هانئ في السوق وابن عقيل # الى بطل قد هشم السيف انفه ... وآخر، يهوى من طمار، قتيل [1] # أصابهما ريب الزمان، فأصبحا ... احاديث من يسعى بكل سبيل # ترى جسدا قد غير الموت لونه ... ونضح دم قد سال كل مسيل # ثم بعث عبيد الله برءوسهما الى يزيد، وكتب اليه بالنبأ فيهما. # فكتب اليه يزيد: لم نعد الظن بك، وقد فعلت فعل الحازم الجليد، وقد سالت ~~رسوليك عن الأمر، ففرشاه لي، وهما كما ذكرت في النصح، وفضل الرأي، فاستوص ~~بهما. # وقد بلغنى ان الحسين بن على قد فصل من مكة متوجها الى ما قبلك، فأدرك ~~العيون عليه، وضع الارصاد على الطرق، وقم افضل القيام، غير الا تقاتل الا ~~من قاتلك، واكتب الى بالخبر في كل يوم. # وكان انفذ الرأسين اليه مع هانئ بن ابى حيه الهمدانى، والزبير بن الاروج ~~التميمى. # وكان قتل مسلم بن عقيل يوم الثلاثاء لثلاث خلون من ذي الحجه سنه ستين [2] ~~، وهي السنه التي مات فيها معاويه. PageV01P242 ### | خروج الحسين ms186 الى الكوفه # وخرج الحسين بن على ع من مكة في ذلك اليوم. # ثم ان ابن زياد وجه بالحصين بن نمير وكان على شرطه في اربعه آلاف فارس من ~~اهل الكوفه، وامره ان يقيم بالقادسية [1] الى القطقطانة [2] ، فيمنع من ~~اراد النفوذ من ناحيه الكوفه الى الحجاز الا من كان حاجا او معتمرا ومن لا ~~يتهم بممالاه الحسين. # قالوا: ولما ورد كتاب مسلم بن عقيل على الحسين ع: ان الرائد [3] لا يكذب ~~اهله، وقد بايعنى من اهل الكوفه ثمانية عشر الف رجل، فاقدم، فان جميع الناس ~~معك، ولا راى لهم في آل ابى سفيان. # فلما عزم على الخروج، وأخذ في الجهاز بلغ ذلك عبد الله بن عباس، فاقبل ~~حتى دخل على الحسين، رضى الله عنه، فقال: # يا ابن عم، قد بلغنى انك تريد المسير الى العراق. # قال الحسين: انا على ذلك. # قال عبد الله: اعيذك بالله يا بن عم من ذلك. # قال الحسين: قد عزمت، ولا بد من المسير. # قال له عبد الله: اتسير الى قوم طردوا أميرهم عنهم، وضبطوا بلادهم؟ فان ~~كانوا فعلوا ذلك فسر اليهم، وان كانوا انما يدعونك اليهم، وأميرهم عليهم، ~~وعماله يجبونهم، فإنهم انما يدعونك الى الحرب، ولا آمنهم ان يخذلوك كما ~~خذلوا اباك واخاك. # قال الحسين: يا بن عم، سانظر فيما قلت. PageV01P243 # وبلغ عبد الله بن الزبير ما يهم به الحسين، فاقبل حتى دخل عليه، فقال له: ~~لو اقمت بهذا الحرم، وبثثت رسلك في البلدان، وكتبت الى شيعتك بالعراق ان ~~يقدموا عليك، فإذا قوى امرك نفيت عمال يزيد عن هذا البلد، وعلى لك المكانفه ~~والمؤازره، وان عملت بمشورتى طلبت هذا الأمر بهذا الحرم، فانه مجمع اهل ~~الافاق، ومورد اهل الاقطار لم يعدمك باذن الله ادراك ما تريد، ورجوت ان ~~تناله. # قالوا: ولما كان في اليوم الثالث عاد عبد الله بن عباس الى الحسين، فقال ~~له: يا بن عم لا تقرب اهل الكوفه، فإنهم قوم غدره، وأقم بهذه البلده، فإنك ~~سيد أهلها، فان أبيت فسر الى ارض اليمن ms187، فان بها حصونا وشعابا، وهي ارض ~~طويله عريضه، ولأبيك فيها شيعه، فتكون عن الناس في عزله، وتبث دعاتك في ~~الافاق، فانى أرجو ان فعلت ذلك أتاك الذى تحب في عافيه. # قال الحسين ع: يا بن عم، والله انى لأعلم انك ناصح مشفق، غير انى قد عزمت ~~على الخروج. # قال ابن عباس: فان كنت لا محاله سائرا، فلا تخرج النساء والصبيان، فانى ~~لا آمن ان تقتل كما قتل ابن عفان، وصبيته ينظرون اليه. # قال الحسين: عم، ما ارى الا الخروج بالأهل والولد. # فخرج ابن عباس من عند الحسين فمر بابن الزبير، وهو جالس، فقال له: قرت ~~عينك يا بن الزبير بخروج الحسين. # ثم تمثل: # خلالك الجو، فبيضى واصفري ... ونقرى، ما شئت ان تنقرى # قالوا: ولما خرج الحسين من مكة اعترضه صاحب شرطه أميرها، عمرو بن سعيد ~~ابن العاص في جماعه من الجند، فقال: ان الأمير يأمرك بالانصراف، فانصرف، ~~والا منعتك. # فامتنع عليه الحسين، وتدافع الفريقان، واضطربوا بالسياط. # وبلغ ذلك عمرو بن سعيد، فخاف ان يتفاقم الأمر، فأرسل الى صاحب شرطه، ~~يأمره بالانصراف. # PageV01P244 # قالوا ولما فصل الحسين بن على من مكة سائرا، وقد وصل الى التنعيم [1] لحق ~~عيرا مقبلة من اليمن، عليهما ورس [2] . وحناء، ينطلق به الى يزيد بن ~~معاويه، فأخذها وما عليها. # وقال لأصحاب الإبل: من أحب منكم ان يسير معنا الى العراق اوفيناه كراه، ~~واحسنا صحبته، ومن أحب ان يفارقنا من هاهنا اعطيناه من الكرى [3] بقدر ما ~~قطع من الارض. # ففارقه قوم، ومضى معه آخرون. # ثم سار حتى إذا انتهى الى الصفاح [4] لقيه هناك الفرزدق الشاعر مقبلا من ~~العراق، يريد مكة، فسلم على الحسين. # فقال له الحسين: كيف خلفت الناس بالعراق؟ # قال: خلفتهم، وقلوبهم معك، وسيوفهم عليك. # ثم ودعه. # ومضى الحسين ع حتى إذا صار ببطن الرمة [5] كتب الى اهل الكوفه. # بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن على الى اخوانه من المؤمنين ~~بالكوفه، سلام عليكم، اما بعد، فان كتاب مسلم بن عقيل ورد على باجتماعكم ~~لي، وتشوفكم الى قدومى ms188، وما أنتم عليه منطوون من نصرنا، والطلب بحقنا، ~~فاحسن الله لنا ولكم الصنيع، واثابكم على ذلك بافضل الذخر، وكتابي إليكم من ~~بطن الرمة، وانا قادم عليكم، وحثيث السير إليكم، والسلام. PageV01P245 # ثم بعث بالكتاب مع قيس بن مسهر، فسار حتى وافى القادسية [1] . # فأخذه حصين بن نمير، وبعث به الى ابن زياد، فلما ادخل عليه اغلظ لعبيد ~~الله، فامر به ان يطرح من اعلى سور القصر الى الرحبه، فطرح، فمات. # وسار الحسين ع من بطن الرمة [2] ، فلقيه عبد الله بن مطيع، وهو منصرف من ~~العراق، فسلم على الحسين، وقال له: # بابى أنت وأمي يا بن رسول الله، ما اخرجك من حرم الله وحرم جدك؟ # فقال: ان اهل الكوفه كتبوا الى يسألونني ان اقدم عليهم لما رجوا من احياء ~~معالم الحق، وأماته البدع. # قال له ابن مطيع: أنشدك الله ان لا تأتي الكوفه، فو الله لئن أتيتها ~~لتقتلن. # فقال الحسين ع: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. # ثم ودعه ومضى. # ثم سار حتى انتهى الى زرود [3] ، فنظر الى فسطاط [4] مضروب، فسال عنه، ~~فقيل له: هو لزهير بن القين. # وكان حاجا اقبل من مكة يريد الكوفه. # فأرسل اليه الحسين، ان القنى اكلمك. # فأبى ان يلقاه. # وكانت مع زهير زوجته، فقالت له: سبحان الله، يبعث إليك ابن رسول الله ص ~~فلا تجيبه. # فقام يمشى الى الحسين ع، فلم يلبث ان انصرف، وقد اشرق وجهه، PageV01P246 # فامر بفسطاطه فقلع، وضرب الى لزق فسطاط الحسين. # ثم قال لامراته: أنت طالق، فتقدمى مع أخيك حتى تصلى الى منزلك، فانى قد ~~وطنت نفسي على الموت مع الحسين ع. # ثم قال لمن كان معه من اصحابه: من أحب منكم الشهاده فليقم، ومن كرهها ~~فليتقدم. # فلم يقم معه منهم احد، وخرجوا مع المرأة وأخيها حتى لحقوا بالكوفه. # قالوا: ولما رحل الحسين من زرود تلقاه رجل من بنى اسد، فسأله عن الخبر. # فقال: لم اخرج من الكوفه حتى قتل مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروه، ورايت ~~الصبيان يجرون بأرجلهما. # فقال: إنا لله ms189، وإنا إليه راجعون، عند الله نحتسب أنفسنا. # فقال له: أنشدك الله يا بن رسول الله في نفسك، وانفس اهل بيتك، هؤلاء ~~الذين نراهم معك، انصرف الى موضعك، ودع المسير الى الكوفه، فو الله ما لك ~~بها ناصر. # فقال بنو عقيل وكانوا معه: ما لنا في العيش بعد أخينا مسلم حاجه، ولسنا ~~براجعين حتى نموت. # فقال الحسين: فما خير في العيش بعد هؤلاء، وسار. # فلما وافى زبالة [1] وافاه بها رسول محمد بن الاشعث، وعمر بن سعد بما كان ~~ساله مسلم ان يكتب به اليه من امره، وخذلان اهل الكوفه اياه، بعد ان ~~بايعوه، وقد كان مسلم سال محمد بن الاشعث ذلك. PageV01P247 # فلما قرأ الكتاب استيقن بصحة الخبر، وأفظعه قتل مسلم بن عقيل، وهانئ ابن ~~عروه. # ثم اخبره الرسول بقتل قيس بن مسهر رسوله الذى وجهه من بطن الرمة. # وقد كان صحبه قوم من منازل الطريق، فلما سمعوا خبر مسلم، وقد كانوا ظنوا ~~انه يقدم على انصار وعضد تفرقوا عنه، ولم يبق معه الا خاصته. # فسار حتى انتهى الى بطن العقيق [1] ، فلقيه رجل من بنى عكرمه، فسلم عليه، ~~واخبره بتوطيد ابن زياد الخيل ما بين القادسية الى العذيب [2] رصدا له. # ثم قال له: انصرف بنفسي أنت، فو الله ما تسير الا الى الأسنة والسيوف، ~~ولا تتكلن على الذين كتبوا لك، فان أولئك أول الناس مبادره الى حربك. # فقال له الحسين: قد ناصحت وبالغت، فجزيت خيرا. # ثم سلم عليه، ومضى حتى نزل بشراه [3] بات بها، ثم ارتحل وسار. # فلما انتصف النهار، واشتدت الحر، وكان ذلك في القيظ، تراءت لهم الخيل. # فقال الحسين لزهير بن القين: # اما هاهنا مكان يلجأ اليه، او شرف، نجعله خلف ظهورنا، ونستقبل القوم من ~~وجه واحد؟. # قال له زهير: بلى، هذا جبل ذي جشم، يسره عنك، فمل بنا اليه، فان سبقت ~~اليه فهو كما تحب. # فسار حتى سبق اليه، وجعل ذلك الجبل وراء ظهره. PageV01P248 # واقبلت الخيل، وكانوا الف فارس مع الحر بن يزيد التميمى، ثم اليربوعى، ~~حتى إذا دنوا ms190 امر الحسين ع فتيانه ان يستقبلوهم بالماء، فشربوا، وتغمرت ~~خيلهم، ثم جلسوا جميعا في ظل خيولهم، وأعنتها في ايديهم حتى إذا حضرت الظهر ~~قال الحسين ع للحر: اتصلى معنا، أم تصلى باصحابك واصلى باصحابى؟ # قال الحر: بل نصلى جميعا بصلاتك. # فتقدم الحسين ع، فصلى بهم جميعا. # فلما انفتل من صلاته حول وجهه الى القوم، ثم قال: # ايها الناس، معذره الى الله، ثم إليكم، انى لم آتكم حتى أتتني كتبكم، ~~وقدمت على رسلكم، فان أعطيتموني ما اطمئن اليه من عهودكم ومواثيقكم دخلنا ~~معكم مصركم، وان تكن الاخرى انصرفت من حيث جئت. # فاسكت القوم، فلم يردوا عليه، حتى إذا جاء وقت العصر نادى مؤذن الحسين، ~~ثم اقام، وتقدم الحسين ع، فصلى بالفريقين، ثم انفتل اليهم، فاعاد مثل القول ~~الاول. # فقال الحر بن يزيد: والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر. # فقال الحسين ع: ايتنى بالخرجين [1] اللذين فيهما كتبهم. # فاتى بخرجين مملوءين كتبا، فنثرت بين يدي الحر واصحابه، فقال له الحر: # يا هذا، لسنا ممن كتب إليك شيئا من هذه الكتب، وقد امرنا الا نفارقك إذا ~~لقيناك او نقدم بك الكوفه على الأمير عبيد الله بن زياد. # فقال الحسين ع: الموت دون ذلك. PageV01P249 # ثم امر باثقاله، فحملت، وامر اصحابه، فركبوا، ثم ولى وجهه منصرفا نحو ~~الحجاز، فحال القوم بينه وبين ذلك. # فقال الحسين للحر: ما الذي تريد؟ # قال: اريد والله ان انطلق بك الى الأمير عبيد الله بن زياد. # قال الحسين: اذن والله انابذك الحرب. # فلما كثر الجدال بينهما قال الحر: انى لم اومر بقتالك، وانما امرت الا ~~افارقك، وقد رايت رايا فيه السلامة من حربك، وهو ان تجعل بيني وبينك طريقا، ~~لا تدخلك الكوفه، ولا تردك الى الحجاز، تكون نصفا بيني وبينك حتى يأتينا ~~راى الأمير. # قال الحسين: فخذ هاهنا، فاخذ متياسرا من طريق العذيب [1] ، ومن ذلك ~~المكان الى العذيب ثمانية وثلاثون ميلا. # فسارا جميعا حتى انتهوا الى عذيب الحمامات، فنزلوا جميعا، وكل فريق منهما ~~على غلوه [2] من الآخر. # ثم ارتحل ms191 الحسين من موضعه ذلك متيامنا عن طريق الكوفه حتى انتهى الى قصر ~~بنى مقاتل، فنزلوا جميعا هناك، فنظر الحسين الى فسطاط مضروب، فسال عنه، ~~فاخبر انه لعبيد الله بن الحر الجعفى، وكان من اشراف اهل الكوفه، وفرسانهم. # فأرسل الحسين اليه بعض مواليه يأمره بالمصير اليه، فأتاه الرسول، فقال: # هذا الحسين بن على يسألك ان تصير اليه. # فقال عبيد الله: والله ما خرجت من الكوفه الا لكثرة من رايته خرج ~~لمحاربته PageV01P250 # وخذلان شيعته، فعلمت انه مقتول ولا اقدر على نصره، فلست أحب ان يراني ولا ~~أراه. # فانتعل الحسين حتى مشى، ودخل عليه قبته، ودعاه الى نصرته. # فقال عبيد الله: والله انى لأعلم ان من شايعك كان السعيد في الآخرة، ولكن ~~ما عسى ان اغنى عنك، ولم اخلف لك بالكوفه ناصرا، فأنشدك الله ان تحملني على ~~هذه الخطه، فان نفسي لم تسمح بعد بالموت، ولكن فرسي هذه الملحقه، والله ما ~~طلبت عليها شيئا قط الا لحقته، ولا طلبنى وانا عليها احد قط الا سبقته، ~~فخذها، فهى لك. # قال الحسين: اما إذا رغبت بنفسك عنا فلا حاجه لنا الى فرسك. ### | نهاية الحسين # وسار الحسين ع من قصر بنى مقاتل، ومعه الحر بن يزيد، كلما اراد ان يميل ~~نحو البادية منعه، حتى انتهى الى المكان الذى يسمى كربلاء [1] فمال قليلا ~~متيامنا حتى انتهى الى نينوى [2] ، فإذا هو براكب على نجيب، مقبل من القوم، ~~فوقفوا جميعا ينتظرونه. # فلما انتهى اليهم سلم على الحر، ولم يسلم على الحسين. # ثم ناول الحر كتابا من عبيد الله بن زياد، فقراه، فإذا فيه: # اما بعد، فجعجع [3] بالحسين بن على واصحابه بالمكان الذى يوافيك كتابي، ~~ولا تحله الا بالعراء على غير خمر [1] ولا ماء، وقد امرت حامل كتابي هذا ان ~~يخبرني بما كان منك في ذلك، والسلام. PageV01P251 # فقرا الحر الكتاب ثم ناوله الحسين، وقال: # لا بد من إنقاذ امر الأمير عبيد الله بن زياد، فانزل بهذا المكان، ولا ~~تجعل للأمير على عله. # فقال الحسين ع تقدم بنا قليلا الى هذه ms192 القرية التي هي منا على غلوه، وهي ~~الغاضرية [1] او هذه الاخرى التي تسمى السقبه فنزل في إحداهما. # قال الحر ان الأمير كتب الى ان احلك على غير ماء، ولا بد من الانتهاء الى ~~امره. # فقال زهير بن القين للحسين: بابى وأمي يا ابن رسول الله، والله لو لم ~~يأتنا غير هؤلاء لكان لنا فيهم كفاية، فكيف بمن سياتينا من غيرهم؟ فهلم بنا ~~نناجز هؤلاء، فان قتال هؤلاء ايسر علينا من قتال من يأتينا من غيرهم. # قال الحسين ع: فانى اكره ان ابداهم بقتال حتى يبدءوا. # فقال له زهير: فهاهنا قريه بالقرب منا على شط الفرات، وهي في عاقول [2] ~~حصينة، الفرات يحدق بها الا من وجه واحد. # قال الحسين: وما اسم تلك القرية؟ # قال: العقر [3] قال الحسين: نعوذ بالله من العقر. # فقال الحسين للحر: سر بنا قليلا، ثم ننزل. # فسار معه حتى أتوا كربلاء، فوقف الحر واصحابه امام الحسين ومنعوهم من ~~المسير، وقال: # انزل بهذا المكان، فالفرات منك قريب. # قال الحسين: وما اسم هذا المكان؟ PageV01P252 # قالوا له: كربلاء. # قال: ذات كرب وبلاء، ولقد مر ابى بهذا المكان عند مسيره الى صفين، وانا ~~معه، فوقف، فسال عنه، فاخبر باسمه، فقال: [هاهنا محط ركابهم، وهاهنا مهراق ~~دمائهم،] فسئل عن ذلك، فقال: ثقل لال بيت محمد، ينزلون هاهنا. # ثم امر الحسين باثقاله، فحطت بذلك المكان يوم الأربعاء غره المحرم من سنه ~~احدى وستين [1] ، وقتل بعد ذلك بعشره ايام، وكان قتله يوم عاشوراء. # فلما كان اليوم الثانى من نزوله كربلاء وافاه عمر بن سعد في اربعه آلاف ~~فارس. # وكانت قصه خروج عمر بن سعد، ان عبيد الله بن زياد ولاه الري وثغر دستبى ~~[2] والديلم، وكتب له عهدا عليها، فعسكر للمسير إليها، فحدث امر الحسين، ~~فأمره ابن زياد ان يسير الى محاربه الحسين، فإذا فرغ منه سار الى ولايته. # فتلكا عمر بن سعد على ابن زياد، وكره محاربه الحسين. # فقال له ابن زياد: فاردد علينا عهدنا. # قال: فاسير اذن. # فسار في اصحابه أولئك الذين ندبوا معه ms193 الى الري ودستبى، حتى وافى الحسين، ~~وانضم اليه الحر بن يزيد فيمن معه. # ثم قال عمر بن سعد لقره بن سفيان الحنظلى انطلق الى الحسين، فسله ما ~~اقدمك. فأتاه، فابلغه. # فقال الحسين: ابلغه عنى ان اهل هذا المصر كتبوا الى يذكرون ان لا امام ~~لهم، ويسألونني القدوم عليهم، فوثقت بهم، فغدروا بي، بعد ان بايعنى منهم ~~ثمانية عشر الف رجل، فلما دنوت، فعلمت غرور ما كتبوا به الى اردت الانصراف ~~الى حيث PageV01P253 # منه اقبلت، فمنعني الحر بن يزيد، وسار حتى جعجع بي في هذا المكان، ولي بك ~~قرابة قريبه، ورحم ماسه، فاطلقنى حتى انصرف. # فرجع قره الى عمر بن سعد بجواب الحسين بن على. # فقال عمر: الحمد لله، والله انى لأرجو ان اعفى من محاربه الحسين. # ثم كتب الى ابن زياد يخبره بذلك. # فلما وصل كتابه الى ابن زياد كتب اليه في جوابه: # قد فهمت كتابك، فاعرض على الحسين البيعه ليزيد، فإذا بايع في جميع من ~~معه، فأعلمني ذلك ليأتيك رأيي. # فلما انتهى كتابه الى عمر بن سعد قال: ما احسب ابن زياد يريد العافيه. # فأرسل عمر بن سعد بكتاب ابن زياد الى الحسين، فقال الحسين للرسول: # لا اجيب ابن زياد الى ذلك ابدا، فهل هو الا الموت، فمرحبا به. # فكتب عمر بن سعد الى ابن زياد بذلك، فغضب، فخرج بجميع اصحابه الى النخيله ~~[1] ثم وجه الحصين بن نمير، وحجار بن ابجر، وشبث بن ربعي، وشمر ابن ذي ~~الجوشن، ليعاونوا عمر بن سعد على امره. # فاما شمر فنفذ لما وجهه له، واما شبث فاعتل بمرض. # فقال له ابن زياد: اتتمارض؟ ان كنت في طاعتنا فاخرج الى قتال عدونا. # فلما سمع شبث ذلك خرج، ووجه أيضا الحارث بن يزيد بن رويم. # قالوا: وكان ابن زياد إذا وجه الرجل الى قتال الحسين في الجمع الكثير، ~~يصلون الى كربلاء، ولم يبق منهم الا القليل، كانوا يكرهون قتال الحسين، ~~فيرتدعون، ويتخلفون. # فبعث ابن زياد سويد بن عبد الرحمن المنقرى في خيل الى الكوفه، وامره ms194 ان ~~يطوف بها، فمن وجده قد تخلف أتاه به. PageV01P254 # فبنيا هو يطوف في احياء الكوفه إذ وجد رجلا من اهل الشام قد كان قدم ~~الكوفه في طلب ميراث له، فأرسل به الى ابن زياد، فامر به، فضربت عنقه. # فلما راى الناس ذلك خرجوا. # قالوا: وورد كتاب ابن زياد على عمر بن سعد، ان امنع الحسين واصحابه ~~الماء، فلا يذوقوا منه حسوة [1] كما فعلوا بالتقى عثمان بن عفان. # فلما ورد على عمر بن سعد ذلك امر عمرو بن الحجاج ان يسير في خمسمائة ~~راكب، فينيخ على الشريعه، ويحولوا بين الحسين واصحابه، وبين الماء، وذلك ~~قبل مقتله بثلاثة ايام، فمكث اصحاب الحسين عطاشى. # قالوا: ولما اشتد بالحسين واصحابه العطش امر أخاه العباس بن على وكانت ~~أمه من بنى عامر بن صعصعة ان يمضى في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا، مع كل رجل ~~قربه حتى يأتوا الماء، فيحاربوا من حال بينهم وبينه. # فمضى العباس نحو الماء وامامهم نافع بن هلال حتى دنوا من الشريعه، فمنعهم ~~عمرو بن الحجاج، فجالدهم العباس على الشريعه بمن معه حتى ازالوهم عنها، ~~واقتحم رجاله الحسين الماء، فملئوا قربهم، ووقف العباس في اصحابه يذبون ~~عنهم حتى أوصلوا الماء الى عسكر الحسين. # ثم ان ابن زياد كتب الى عمر بن سعد: # اما بعد، فانى لم ابعثك الى الحسين لتطاوله الأيام، ولا لتمنيه السلامة ~~والبقاء، ولا لتكون شفيعه الى، فاعرض عليه، وعلى اصحابه النزول على حكمى، ~~فان أجابوك فابعث به وباصحابه الى، وان أبوا فازحف اليه، فانه عاق شاق، فان ~~لم تفعل فاعتزل جندنا، وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فانا قد ~~امرناك بأمرنا. # فنادى عمر بن سعد في اصحابه ان انهدوا الى القوم. PageV01P255 # فنهض اليهم عشيه الخميس وليله الجمعه لتسع ليال خلون من المحرم، فسألهم ~~الحسين تاخير الحرب الى غد، فأجابوه. # قالوا: وامر الحسين اصحابه ان يضموا مضاربهم بعضهم من بعض، ويكونوا امام ~~البيوت، وان يحفروا من وراء البيوت أخدودا، وان يضرموا فيه حطبا وقصبا ~~كثيرا، لئلا يؤتوا من ms195 ادبار البيوت، فيدخلوها. # قالوا: ولما صلى عمر بن سعد الغداة نهد باصحابه، وعلى ميمنته عمرو بن ~~الحجاج، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن واسم شمر شرحبيل بن عمرو بن معاويه، ~~من آل الوحيد، من بنى عامر بن صعصعة وعلى الخيل عروه بن قيس، وعلى الرجاله ~~شبث ابن ربعي، والراية بيد زيد مولى عمر بن سعد. # وعبى الحسين ع أيضا اصحابه، وكانوا اثنين وثلاثين فارسا واربعين راجلا، ~~فجعل زهير بن القين على ميمنته، وحبيب بن مظهر على ميسرته، ودفع الراية الى ~~أخيه العباس بن على، ثم وقف، ووقفوا معه امام البيوت. # وانحاز الحر بن يزيد الذى كان جعجع بالحسين الى الحسين، فقال له: قد كان ~~منى الذى كان، وقد اتيتك مواسيا لك بنفسي، افترى ذلك لي توبه مما كان منى؟. # قال الحسين: نعم، انها لك توبه، فابشر، فأنت الحر في الدنيا، وأنت الحر ~~في الآخرة، ان شاء الله. # قالوا: ونادى عمر بن سعد مولاه زيدا ان قدم الراية، فتقدم بها، وشبت ~~الحرب. # فلم يزل اصحاب الحسين يقاتلون ويقتلون، حتى لم يبق معه غير اهل بيته. # فكان أول من تقدم منهم، فقاتل على بن الحسين، وهو على الاكبر، فلم يزل ~~يقاتل حتى قتل، طعنه مره بن منقذ العبدى، فصرعه، وأخذته السيوف فقتل. # PageV01P256 # ثم قتل عبد الله بن مسلم بن عقيل، رماه عمرو بن صبح الصيداوى، فصرعه. # ثم قتل عدى بن عبد الله بن جعفر الطيار، قتله عمرو بن نهشل التميمى. # ثم قتل عبد الرحمن بن عقيل بن ابى طالب، رماه عبد الله بن عروه الخثعمى ~~بسهم، فقتله. # ثم قتل محمد بن عقيل بن ابى طالب، رماه لقيط بن ناشر الجهنى بسهم، فقتله. # ثم قتل القاسم بن الحسن بن على بن ابى طالب، ضربه عمرو بن سعد بن مقبل ~~الأسدي. # ثم قتل ابو بكر بن الحسن بن على، رماه عبد الله بن عقبه الغنوي بسهم، ~~فقتله. # قالوا: ولما راى ذلك العباس بن على قال لإخوته عبد الله، وجعفر، وعثمان، ~~بنى على، عليه وعليهم ms196 السلام، وأمهم جميعا أم البنين العامريه من آل ~~الوحيد: تقدموا، بنفسي أنتم، فحاموا عن سيدكم حتى تموتوا دونه. # فتقدموا جميعا. # فصاروا امام الحسين ع، يقونه بوجوههم ونحورهم. # فحمل هانئ بن ثويب الحضرمى على عبد الله بن على، فقتله. # ثم حمل على أخيه جعفر بن على، فقتله أيضا. # ورمى يزيد الأصبحي عثمان بن على بسهم، فقتله، ثم خرج اليه، فاحتز راسه، ~~فاتى عمر بن سعد، فقال له: أثبني. # فقال عمر: # عليك باميرك يعنى عبيد الله بن زياد فسله ان يثيبك. # وبقي العباس بن على قائما امام الحسين يقاتل دونه، ويميل معه حيث مال، ~~حتى قتل، رحمه الله عليه. # PageV01P257 # وبقي الحسين وحده، فحمل عليه مالك بن بشر الكندى، فضربه بالسيف على راسه، ~~وعليه برنس خز، فقطعه، وافضى السيف الى راسه، فجرحه. # فالقى الحسين البرنس، ودعا بقلنسوه، فلبسها، ثم اعتم بعمامة، وجلس، فدعا ~~بصبى له صغير، فاجلسه في حجره، فرماه رجل من بنى اسد، وهو في حجر الحسين ~~بمشقص [1] ، فقتله. # وبقي الحسين ع مليا جالسا، ولو شاءوا ان يقتلوه قتلوه، غير ان كل قبيله ~~كانت تتكل على غيرها، وتكره الاقدام على قتله. # وعطش الحسين، فدعا بقدح من ماء. # فلما وضعه في فيه رماه الحصين بن نمير بسهم، فدخل فمه، وحال بينه وبين ~~شرب الماء، فوضع القدح من يده. # ولما راى القوم قد أحجموا عنه قام يتمشى على المسناه [2] نحو الفرات، ~~فحالوا بينه وبين الماء، فانصرف الى موضعه الذى كان فيه. # فانتزع له رجل من القوم بسهم، فاثبته في عاتقه، فنزع ع السهم. # وضربه زرعه بن شريك التميمى بالسيف، واتقاه الحسين بيده، فاسرع السيف في ~~يده. # وحمل عليه سنان بن أوس النخعى، فطعنه، فسقط. # ونزل اليه حولي بن يزيد الأصبحي ليحز راسه، فارعدت يداه. # فنزل اخوه شبل بن يزيد، فاحتز راسه، فدفعه الى أخيه حولي. # ثم مال الناس على ذلك الورس الذى كان اخذه من العير، والى ما في المضارب، ~~فانتهبوه. PageV01P258 # ولم ينج من اصحاب الحسين ع وولده وولد أخيه الا ابناه، على الاصغر ms197، وكان ~~قد راهق، والا عمر، وقد كان بلغ اربع سنين. # ولم يسلم من اصحابه الا رجلان، أحدهما المرقع بن ثمامة الأسدي، بعث به ~~عمر بن سعد الى ابن زياد فسيره الى الربذة [1] ، فلم يزل بها حتى هلك يزيد، ~~وهرب عبيد الله الى الشام، فانصرف المرقع الى الكوفه، والآخر مولى لرباب، ~~أم سكينه، اخذوه بعد قتل الحسين، فأرادوا ضرب عنقه، فقال لهم: انى عبد ~~مملوك. فخلوا سبيله. # وبعث عمر بن سعد برأس الحسين من ساعته الى عبيد الله بن زياد مع خولى ابن ~~يزيد الأصبحي. # واقام عمر بن سعد بكربلاء بعد مقتل الحسين يومين، ثم آذن في الناس ~~بالرحيل، وحملت الرءوس على اطراف الرماح، وكانت اثنين وسبعين راسا، جاءت ~~هوازن منها باثنين وعشرين راسا، وجاءت تميم بسبعه عشر راسا مع الحصين بن ~~نمير، وجاءت كنده بثلاثة عشر راسا مع قيس بن الاشعث، وجاءت بنو اسد بسته ~~رءوس مع هلال الأعور، وجاءت الأزد بخمس رءوس مع عيهمه بن زهير، وجاءت ثقيف ~~باثنى عشر راسا مع الوليد بن عمرو. # وامر عمر بن سعد بحمل نساء الحسين وأخواته وبناته وجواريه وحشمه في ~~المحامل المستوره على الإبل. وكانت بين وفاه رسول الله ص وبين قتل الحسين ~~خمسون عاما. # قالوا: ولما ادخل راس الحسين ع على ابن زياد فوضع بين يديه جعل ابن زياد ~~ينكت بالخيزرانه ثنايا [2] الحسين، وعنده زيد بن ارقم، صاحب رسول الله ص، ~~فقال له: PageV01P259 # مه، ارفع قضيبك عن هذه الثنايا، فلقد رايت رسول الله ص يلثمها. # ثم خنقته العبرة، فبكى. # فقال له ابن زياد: مم تبكي؟ ابكى الله عينيك، والله لولا انك شيخ قد خرفت ~~لضربت عنقك. # قالوا: وكانت الرءوس قد تقدم بها شمر بن ذي الجوشن امام عمر بن سعد. # قالوا: واجتمع اهل الغاضرية فدفنوا اجساد القوم. # وروى عن حميد بن مسلم قال: كان عمر بن سعد لي صديقا، فأتيته عند منصرفه ~~من قتال الحسين، فسألته عن حاله، فقال: لا تسال عن حالي، فانه ما رجع غائب ~~الى منزله بشر مما ms198 رجعت به، قطعت القرابة القريبه، وارتكبت الأمر العظيم. # قالوا: ثم ان ابن زياد جهز على بن الحسين ومن كان معه من الحرم، ووجه بهم ~~الى يزيد بن معاويه مع زحر بن قيس ومحقن بن ثعلبه، وشمر بن ذي الجوشن. # فساروا حتى قدموا الشام، ودخلوا على يزيد بن معاويه بمدينه دمشق، وادخل ~~معهم راس الحسين، فرمى بين يديه. # ثم تكلم شمر بن ذي الجوشن، فقال: # يا امير المؤمنين، ورد علينا هذا في ثمانية عشر رجلا من اهل بيته، وستين ~~رجلا من شيعته، فصرنا اليهم، فسألناهم النزول على حكم أميرنا عبيد الله بن ~~زياد، او القتال، فغدونا عليهم عند شروق الشمس، فأحطنا بهم من كل جانب، ~~فلما أخذت السيوف منهم ماخذها جعلوا يلوذون الى غير وزر [1] ، لوذان الحمام ~~من الصقور، فما كان الا مقدار جزر [2] جزوز، او نوم قائل [3] حتى أتينا على ~~آخرهم، فهاتيك PageV01P260 # اجسادهم مجرده، وثيابهم مرمله، وخدودهم معفره، تسفى عليهم الرياح، زوارهم ~~العقبان [1] ، ووفودهم الرخم [2] . # فلما سمع ذلك يزيد دمعت عينه وقال: ويحكم، قد كنت ارضى من طاعتكم بدون ~~قتل الحسين، لعن الله ابن مرجان، اما والله لو كنت صاحبه لعفوت عنه، رحم ~~الله أبا عبد الله. # ثم تمثل: # نفلق هاما من رجال أعزة ... علينا، وهم كانوا اعق واظلما # ثم امر بالذرية فادخلوا دار نسائه. # وكان يزيد إذا حضر غذاؤه دعا على بن الحسين وأخاه عمر فيأكلان معه، فقال ~~ذات يوم لعمر بن الحسين: # هل تصارع ابنى هذا؟ يعنى خالدا، وكان من اقرانه. # فقال عمر: بل أعطني سيفا، وأعطه سيفا حتى اقاتله، فتنظر أينا اصبر. # فضمه يزيد اليه، وقال: شنشنة اعرفها من اخزم [3] ، هل تلد الحيه الا حيه. # قال: ثم امر بتجهيزهم باحسن جهاز، وقال لعلى بن الحسين: انطلق مع نسائك ~~حتى تبلغهن وطنهن. # ووجه معه رجلا في ثلاثين فارسا، يسير امامهم، وينزل حجره عنهم، حتى انتهى ~~بهم الى المدينة. PageV01P261 # قالوا: وان عبيد الله بن الحر ندم على تركه اجابه الحسين حين دعاه بقصر ~~بنى مقاتل الى نصرته، وقال: # فيا ms199 لك حسره ما دمت حيا ... تردد بين حلقى والتراقى # حسين حين يطلب بذل نصري ... على اهل العداوة والشقاق # فما انسى غداه يقول حزنا ... اتتركني وتزمع لانطلاق؟ # فلو فلق التلهف قلب حي ... لهم القلب منى بانفلاق # ثم مضى نحو ارض الجبل مغاضبا لابن زياد، واتبعه اناس من صعاليك الكوفه. ### | عبد الله بن الزبير # قالوا: وان ابن الزبير لما سار الى مكة وخرج الحسين عنها سائرا الى ~~الكوفه كان يقول: انى في الطاعة، غير انى لا ابايع أحدا، وانا مستجير ~~بالبيت الحرام. # فبعث اليه يزيد بن معاويه رجلا في عشره نفر من حرسه، وقال: # انطلق، فانظر ما عنده، فان كان في الطاعة فخذه بالبيعه، وان ابى فضع في ~~عنقه جامعه [1] وائتنى به. # فلما قدم الحرسى عليه، واخبره بما أتاه فيه تمثل ابن الزبير: # ما ان الين لغير الحق أسأله ... حتى يلين لضرس الماضغ الحجر # وقال للحرسى: انصرف الى صاحبك، فاعلمه اننى لا اجيبه الى شيء مما يسألني. # قال الحرسى: الست في الطاعة؟ # قال: بلى، غير انى لا امكنك من نفسي، ولا اكاد. # فانصرف الحرسى الى يزيد، فاخبره بذلك. PageV01P262 # فوجه يزيد بعشره نفر من اشراف اهل الشام، فيهم النعمان بن بشير، وعبد ~~الله بن عضاه الأشعري وكان له صلاح، ومسلم بن عقبه لعنه الله فقال لهم: # انطلقوا، فاعيدوه الى الطاعة والجماعه واعلموه، ان أحب الأمور الى ما فيه ~~السلامة. # فساروا حتى وافوا مكة، ودخلوا على ابن الزبير في المسجد، فدعوه الى ~~الطاعة وسألوه البيعه. # فقال ابن الزبير لابن عضاه: # اتستحل قتالى في هذا الحرم؟ # قال: نعم، ان أنت لم تجب الى طاعه امير المؤمنين. # قال ابن الزبير: وتستحل قتل هذه الحمامة؟ واشار الى حمامه من حمام ~~المسجد. # فاخذ ابن عضاه قوسه، وفوق فيها سهما، فبواه [1] نحو الحمامه، ثم قال: يا ~~حمامه، اتعصين امير المؤمنين؟ # والتفت الى ابن الزبير، وقال: اما لو انها قالت نعم لقتلتها. # وان ابن الزبير خلا بنعمان بن بشير، فقال: أنشدك الله، انا افضل عندك أم ~~يزيد؟ # فقال: بل أنت ms200. # فقال: فوالدى خير أم والده؟ # قال: بل والدك. # قال: فامى خير أم أمه؟ # قال: بل أمك. # قال: فخالتى خير أم خالته؟ # قال: بل خالتك. PageV01P263 # قال: فعمتى خير أم عمته؟ # قال: بل عمتك، ابوك الزبير، وأمك أسماء ابنه ابى بكر، وخالتك عائشة، ~~وعمتك خديجه بنت خويلد. # قال: افتشير على بمبايعه يزيد؟ # قال النعمان: اما إذا استشرتنى فلا ارى لك ذلك، ولست بعائد إليك بعد هذا ~~ابدا. # ثم ان القوم انصرفوا الى الشام، فاعلموا يزيد ان ابن الزبير لم يجب الى ~~شيء. # قال مسلم بن عقبه المري ليزيد: يا امير المؤمنين، ان ابن الزبير خلا ~~بالنعمان ابن بشير، فكلمه بشيء، لم ندر ما هو، وقد انصرف إليك بغير رايه ~~الذى خرج من عندك. # ولما انصرف القوم من عند ابن الزبير جمع ابن الزبير اليه وجوه اهل تهامه ~~والحجاز، فدعاهم الى بيعته، فبايعوه جميعا، وامتنع عليه عبد الله بن عباس، ~~ومحمد بن الحنفيه. # وان ابن الزبير امر بطرد عمال يزيد من مكة والمدينة، وارتحل مروان من ~~المدينة بولده واهل بيته حتى لحق بالشام. # ولما انتهى الى يزيد بن معاويه مبايعه اهل تهامه والحجاز لعبد الله بن ~~الزبير ندب له الحصين بن نمير السكوني، وحبيش بن دلجه القينى، وروح بن ~~زنباع الجذامى، وضم الى كل واحد منهما جيشا، واستعمل عليهم جميعا مسلم بن ~~عقبه المري، وجعله امير الأمراء، وشيعتهم حتى بلغ ماء، يقال له وبره، وهي ~~اقرب مياه الشام الى الحجاز. # فلما ودعهم قال يا مسلم: # لا تردن اهل الشام عن شيء يريدونه بعدوهم، واجعل طريقك الى المدينة، فان ~~حاربوك فحاربهم، فان ظفرت بهم، فانهبها ثلاثة ايام. # ثم أنشأ يقول: # PageV01P264 # ابلغ أبا بكر إذا الخيل انبرى ... وسارت الخيل الى وادي القرى [1] . # اجمع سكران من الخمر ترى # وذلك ان ابن الزبير كان يسمى يزيد السكران. # ولما بلغ اهل المدينة وصول الجيش تأهبوا للحرب، فولت قريش عليها عبد الله ~~ابن مطيع العدوى، وولت الانصار عليها عبد الله بن حنظله الراهب وهو غسيل ~~الملائكة ثم خرجوا الى ms201 الحره، فعسكروا بها. # ففي ذلك يقول شاعرهم: # ان في الخندق المكلل بالمجد ... لضربا يفور بالسنوات # لست منا، وليس خالك منا ... يا مضيع الصلاة للشهوات # ووافاهم الجيش، فقاتلوهم حتى كثرت القتلى. # واقبلت طائفه من اهل الشام، فدخلوا المدينة من قبل بنى حارثة، وهم الذين ~~قالوا إن بيوتنا عورة [2] ، فلم يشعر القوم، وهم يقاتلون من يليهم، الا ~~واهل الشام يضربونهم من ادبارهم، فقتل عبد الله بن حنظله امير الانصار، ~~وقتل عمرو بن حزم الأنصاري قاضى المدينة، واستباح اهل الشام المدينة ثلاثة ~~ايام بلياليها. # فلما كان اليوم الرابع جلس مسلم بن عقبه، فدعاهم الى البيعه، فكان أول من ~~أتاه يزيد بن عبد الله بن ربيعه بن الأسود، وجدته أم سلمه زوج النبي ص. # فقال له مسلم: بايعنى. # قال: ابايعك على كتاب الله وسنه نبيه ص. # فقال مسلم بل بايع على انكم فيء لأمير المؤمنين، يفعل في أموالكم ~~وذراريكم ما يشاء. # فأبى ان يبايع على ذلك، فامر به، فضربت عنقه. PageV01P265 # ثم تقدم محمد بن ابى الجهم بن حذيفة العدوى، فقال له مسلم: # أنت الذى وفدت على امير المؤمنين، فاكرمك وحباك، فرجعت الى المدينة تشهد ~~عليه بشرب الخمر، والله لا تشهد بشهاده زور ابدا، اضربوا عنقه. # فضربت عنقه. # ثم تقدم معقل بن سنان الاشجعى، وكان حليفا لبنى هاشم، فقال له مسلم: ~~اتذكر يوما مررت بي بطبريه [1] ، فقلت لك، من اين اقبلت؟ فقلت، سرنا شهرا، ~~وانضينا ظهرا، ورجعنا صفرا، وسناتى المدينة فنخلع الفاسق يزيد بن معاويه، ~~ونبايع رجلا من اولاد المهاجرين؟ # فاعلم انى كنت آليت ذلك اليوم الا اقدر عليك في موطن يمكنني فيه قتلك الا ~~قتلتك، وقد أمكنني الله منك يا احمق، ما اشجع والخلافه؟! فتعزل وتولى، ~~اضربوا عنقه. # ثم تقدم عمرو بن عثمان، فقال له: # أنت الخبيث ابن الطيب، الذى إذا ظهر اهل الشام قلت انا ابن عثمان بن ~~عفان، وإذا ظهر اهل الحجاز قلت انا واحد منكم، وأنت في ذلك تبغى امير ~~المؤمنين الغوائل، انتفوه. # فنتفت لحيته، حتى ما تركت فيها شعره. # فقام ms202 اليه عبد الملك بن مروان، فاستوهبه، فوهبه له. # ثم أتاه على بن الحسين بن على بن ابى طالب، فاجلسه معه على ثيابه وفراشه، ~~وقال: # ان امير المؤمنين قد أوصاني بك. # فقال على: انى كنت لما فعل اهل المدينة كارها. # قال: اجل. # ثم حمله على بغله، وصرفه الى منزله. PageV01P266 # وبعث الى على بن عبد الله بن عباس ليؤتى به للبيعه، فاخرج من منزله، ~~فاقبلوا به. # فلقيه الحصين بن نمير، فانتزعه من يد الجلاوزة [1] . # وكان الحصين من اخوال على بن عبد الله. # فقال مسلم: انى انما بعثت اليه للبيعه، فائتنى به. # فأرسل اليه الحصين، فجاء حتى بايع. # وأرسلت بنت الاشعث بن قيس، وكانت امراه الحسين بن على، الى مسلم ابن عقبه ~~تعلمه ان منزلها انتهب، فامر برد جميع ما أخذ لها. # ثم شخص بالجيش الى مكة، وكتب الى يزيد بما صنع بالمدينة، فتمثل يزيد. # ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل [2] # حين حكت بقباء بركها ... واستحر القتل في عبد الأشل # فلما بلغ ابن عقبه هرشى [3] اعتل، واشتدت علته، ونزل به الموت، فقال: ~~أسندوني. فاسند، فقال: # ان امير المؤمنين أمرني ان حدث بي في وجهى هذا حدث ان استخلف الحصين ابن ~~نمير على الجيش، ولو كان الأمر الى ما استخلفته، لان من شان اليمانيه ~~الرقة، غير انى لا اعصى امير المؤمنين. # ثم قال: يا حصين، إذا وافيت مكة فناجز ابن الزبير الحرب من يومك، ولا ترد ~~اهل الشام عن شيء يريدونه بعدوهم، ولا تجعل اذنك وعاء لقريش فيخدعوك. # ثم مات، وكانت به الذبحه. # فتولى امر الجيش الحصين بن نمير، فسار حتى وافى مكة. # وتحصن منه ابن الزبير في المسجد الحرام في جميع من كان معه، ونصب ~~PageV01P267 # الحصين المجانيق على جبل ابى قبيس [1] ، وكانوا يرمون اهل المسجد. # فبيناهم كذلك إذ ورد على الحصين بن نمير موت يزيد بن معاويه، فأرسل الى ~~عبد الله بن الزبير: ان الذى وجهنا لمحاربتك قد هلك، فهل لك في الموادعة؟ # وتفتح لنا الأبواب، فنطوف بالبيت، ويختلط الناس ms203 بعضهم ببعض. فقبل ذلك ابن ~~الزبير، وامر بأبواب المسجد، ففتحت، فجعل الحصين واصحابه يطوفون بالبيت. # فبينا الحصين يطوف بعد العشاء إذ استقبله ابن الزبير، فاخذ الحصين بيده، ~~فقال له سرا: # هل لك في الخروج معى الى الشام؟ فادعو الناس الى بيعتك، فان امرهم قد مرج ~~[2] ، ولا ارى أحدا أحق بها اليوم منك، ولست اعصى هناك. # فاجتذب عبد الله بن الزبير يده من يده، وقال، وهو يجهر بقوله: دون ان ~~اقتل بكل رجل من اهل الحجاز عشره من اهل الشام. # فقال الحصين: لقد كذب من زعم انك من دهاه العرب، اكلمك سرا، وتكلمني ~~علانية، وادعوك الى الخلافه وتدعوني الى الحرب. # ثم انصرف في اصحابه الى الشام، ومر بالمدينة، فبلغه انهم على محاربته ~~ثانيا. # فجمع اليه أهلها، وقال: ما هذا الذى بلغنى عنكم؟ فاعتذروا اليه، وقالوا: ~~ما هممنا بذلك. # وذكر ابو هرون العبدى، قال: رايت أبا سعيد الخدرى، ولحيته بيضاء، وقد خف ~~جانباها، وبقي وسطها، فقلت: يا أبا سعيد، ما حال لحيتك؟ PageV01P268 # فقال: هذا فعل ظلمه اهل الشام يوم الحره، دخلوا على بيتى، فانتهبوا ما ~~فيه حتى أخذوا قد حي الذى كنت اشرب فيه الماء، ثم خرجوا، ودخل على بعدهم ~~عشره نفر، وانا قائم اصلى، فطلبوا البيت، فلم يجدوا فيه شيئا، فاسفوا لذلك، ~~فاحتملوني من مصلاي، وضربوا بي الارض، واقبل كل رجل منهم على ما يليه من ~~لحيتي، فنتفه، فما ترى منها خفيفا فهو موضع النتف، وما تراه عافيا فهو ما ~~وقع في التراب، فلم يصلوا إليها، وسادعها كما ترى حتى اوافى بها ربى. ### | الخوارج # قالوا: وفي سنه ثمانين تفاقم امر الازارقه الخوارج، وانما سموا ازارقه ~~برئيسهم نافع بن الأزرق. # وكان أول خروجهم في اربعين رجلا، وفيهم من عظمائهم نافع بن الأزرق، وعطية ~~بن الأسود، وعبد الله بن صبار، وعبد الله بن اباض، وحنظله بن بيهس، وعبيد ~~الله بن ماحوز، وذلك في سلطان يزيد. # وعلى البصره يومئذ عبيد الله بن زياد، فوجه اليهم عبيد الله اسلم بن ~~ربيعه في الفى فارس، فلحقهم ms204 بقرية من الاهواز تدعى آسك [1] مما يلى فارس، ~~فواقعهم، فقتلت الخوارج من اصحاب ابن ربيعه خمسين رجلا، فانهزم اسلم، فأنشأ ~~رجل من الخوارج يقول: # األفا مؤمن منكم زعمتم ... ويهزمكم بأسك اربعونا؟ # كذبتم، ليس ذاك كما زعمتم ... ولكن الخوارج مؤمنونا # هم الفئة القليله قد علمتم ... على الفئة الكثيره ينصرونا # أطعتم امر جبار عنيد ... وما من طاعه للظالمينا PageV01P269 # فاغتاظ ابن زياد من ذلك، فكان لا يدع بالبصرة أحدا ممن يتهم براى الخوارج ~~الا قتله، حتى قتل بالتهمة والظنه تسعمائة رجل. # ولم يزل يتفاقم امر الخوارج، ويتحلب اليهم من كان على رأيهم وهواهم من ~~اهل البصره حتى كثروا بعد موت يزيد، وهرب عبيد الله بن زياد من العراق. # وخاف اهل البصره الخوارج على انفسهم، ولم يكن يومئذ عليهم سلطان، ~~فاجتمعوا على مسلم بن عبيس القرشي، ووجهوا معه خمسه آلاف فارس من ابطال ~~البصره، فسار اليهم، فلحقهم بمكان يسمى الدولاب [1] فالتقوا واقتتلوا، وصبر ~~بعضهم لبعض، حتى تكسرت الرماح وتقطعت السيوف، وصاروا الى المكادمة، فقتل ~~مسلم بن عبيس، وانهزم اصحابه. # فقال رجل من الأزد: # قد رمينا العدو إذ عظم الخطب ... بذى الجود مسلم بن عبيس # فانظروا غير مسلم بن عبيس ... فاطلبوه من حيث اين وليس [2] # لو رموا بالمهلب بن ابى صفره ... كانوا له كاكله حيس [3] # وكان المهلب يومئذ بخراسان على ولايتها. # فخاف اهل البصره حين قتل مسلم بن عبيس خوفا شديدا من الخوارج، فاختاروا ~~عثمان بن معمر القرشي، وانتدب معه زهاء عشره آلاف رجل من ابطالهم، فسار بهم ~~عثمان في طلب الخوارج، فلحقهم بفارس، فاقتتلوا، فقتل عثمان، وانهزم اصحابه. # فكتب اهل البصره الى عبد الله بن الزبير يعلمونه انه لا امام لهم، ~~ويسالونه ان يوجه اليهم رجلا من قبله يتولى الأمر. PageV01P270 # فوجه اليهم الحارث بن عبد الله بن ابى ربيعه المخزومي، فقدم البصره، ~~وتولى الأمر بها، فدعا وجوه اهل البصره، فاستشارهم في رجل يوليه حرب ~~الخوارج، فكلهم قالوا: عليك بالمهلب بن ابى صفره. # وقام رجل من اهل البصره يعرف بابن عراده، فانشده: # مضى ابن عبيس ms205 مسلم لسبيله ... فقام لها الشيخ الحجازي عثمان # فارعد من قبل اللقاء ابن معمر ... وابرق، والبرق الحجازي خوان # ولم ينك عثمان جناح بعوضة ... واضحى عدو الدين مثل الذى كانوا # وليس لها الا المهلب انه ... مليء بأمر الحرب، شيخ له شان # إذا قيل من يحمى العراقين أومأت ... اليه معد بالاكف، وقحطان # فذاك امرؤ ان يلقهم يطف نارهم ... وليس لها الا المهلب انسان ### | حرب المهلب مع الخوارج # فقال الأحنف بن قيس للحارث بن عبد الله: ايها الأمير، اكتب الى امير ~~المؤمنين عبد الله بن الزبير، وسله ان يكتب الى المهلب بان يخلف على خراسان ~~رجلا، ويسير الى الخوارج، فيتولى محاربتهم. فكتب. # فلما انتهى كتابه الى عبد الله بن الزبير كتب الى المهلب: # بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله امير المؤمنين الى المهلب بن ابى ~~صفره، اما بعد، فان الحارث بن عبد الله كتب الى يخبرني ان الازارقه المارقه ~~قد سعرت نارها، وتفاقم امرها، فرايت ان اوليك قتالهم لما رجوت من قيامك، ~~فتكفى اهل مصرك شرهم، وتؤمن روعتهم، فخلف بخراسان من يقوم مقامك من اهل ~~بيتك، وسر حتى توافى البصره، فتستعد منها بافضل عدتك، وتخرج اليهم، فانى ~~أرجو ان ينصرك الله عليهم، والسلام. # فلما وصل كتابه الى المهلب خلف على خراسان. # PageV01P271 # واقبل حتى وافى البصره، فصعد على المنبر، وكان نزر الكلام وجيزه، فقال: # ايها الناس، انه قد غشيكم عدو جاحد، يسفك دماءكم، وينتهب أموالكم، فان ~~أعطيتموني خصالا اسالكموها قمت لكم بحربهم، واستعنت بالله عليهم، والا كنت ~~كواحد منكم لمن تجتمعون عليه في امركم. # قالوا: وما الذي تريد؟ # قال: انتخب منكم أوساطكم، لا الغنى المثقل، ولا السبروت [1] المخف، وعلى ~~ان لي ما غلبت عليه من الارض، والا اخالف فيما ادبر من رأيي في حربهم، ~~واترك ورأيي الذى أراه، وتدبيرى الذى ادبره. # فناداه الناس: لك ذلك، وقد رضينا به. # فنزل من المنبر، واتى منزله، وامر بديوان الجند، فاحضر، فانتخب من ابطال ~~اهل البصره عشرين الف رجل، فيهم من الأزد ثمانية آلاف رجل، وبقيتهم من سائر ms206 ~~العرب، وولى ابنه المغيره مقدمته في ثلاثة آلاف رجل. # وسار حتى اتى الخوارج، وهم بنهر تستر [2] ، فواقعهم، فهزمهم، حتى بلغوا ~~الاهواز، فقال زياد الأعجم في ذلك: # جزى الله خيرا، والجزاء بكفه ... أخا الأزد عنا ما أذب واحربا # ولما رأينا الأمر قد جد جده ... والا توارى دوننا الشمس كوكبا # دعونا أبا غسان، فاستك سمعه ... واحنف طأطأ راسه، وتهيبا # وكان ابن منجوف لكل عظيمة ... فقصر عنها حبله وتذبذبا # فلما رأينا القوم قد كل حدهم ... لدى حربهم فيها دعونا المهلبا ~~PageV01P272 # واقام المهلب بالجسر بعد ان هزم الخوارج اربعين يوما، ثم ارتحل سائرا في ~~آثارهم. # فبلغ ذلك نافع بن الأزرق، فأقام بالاهواز حتى وافاه المهلب، فواقعهم ~~بمكان يسمى نسلى [1] ، فقاتلهم يوما الى الليل، واصابته ضربه في وجهه، أغمي ~~عليه منها، فقال الناس قتل الأمير، فازدادوا لذلك حنقا وجدا، وقتلوا من ~~الخوارج بشرا كثيرا، وقتل رئيسهم نافع بن الأزرق، وانهزمت الخوارج نحو ~~فارس. # وبلغ اهل البصره ان المهلب قتل، فرج المصر باهله، وهم أميرهم الحارث ابن ~~ابى ربيعه ان يهرب، فكتب اليه رجل من بنى يشكر: # أيا حار، يا ابن السادة الصيد، هب لنا ... مقامك، لا ترحل ولم يأتك الخبر # فان كان اودى بالمهلب يومه ... فقد كسفت في أرضنا الشمس والقمر # وما لك من بعد المهلب عرجه ... وما لك بالمصرين سمع ولا بصر # فدونك، فالحق بالحجاز، ولا تقم ... ببلدتنا، ان المقام بها خطر # وان كان حيا كنت بالمصر آمنا ... وكان بقاء المرء فينا هو الظفر # وقال رجل من بنى سعد: # الا كل ما ياتى من الأمر هين ... علينا يسير عند فقد المهلب # فان يك قد اودى فما نحن بعده ... بامنع من شاء عجاف لاذؤب [2] # نعوذ بمن ارسى ثبيرا مكانه ... ومرسى حراء والقديد وكبكب [3] # من الخبر الملقى على الحور حذرها ... ويشجى به ما بين بصرى ويثرب ~~PageV01P273 # فاقبل البشير الى اهل البصره بسلامه المهلب، فاستبشروا بذلك، واطمأنوا، ~~واقام أميرها بعد ان هم بالهرب. # فقال رجل من بنى ضبة: # ان ربا انجى المهلب ذا ... الطول لأهل ان تحمدوه ms207 كثيرا # لا يزال المهلب بن ابى صفره ... ما عاش بالعراق أميرا # فإذا مات فالرجال نساء ... ما يساوى من بعده قطميرا [1] # قد أمنا بك العدو على المصر ... ووقرت منبرا وسريرا # وقال رجل من الخوارج في قتل نافع بن الأزرق: # شمت المهلب، والحوادث جمة ... والشامتون بنافع بن الأزرق # ان مات غير مداهن في دينه ... ومتى يمر بذكر نار يصعق # والموت امر لا محاله واقع ... من لا يصبحه نهارا يطرق # فلئن منينا بالمهلب انه ... لأخو الحروب وليث اهل المشرق # ولعله يشجى بنا ولعلنا ... نشجى به في كل ما قد نلتقي # بالسمر نختطف النفوس ذوابلا ... وبكل ابيض صارم ذي رونق # فيذيقنا في حربنا، ونذيقه ... كل مقالته لصاحبه ذق # وبلغ عبد الله بن الزبير ما كان من عزم عامله بالبصرة على الهرب، فعزله، ~~وولى أخاه مصعبا، فسار مصعب حتى قدمها، وتولى امر جميع العراقين، وفارس ~~والاهواز. PageV01P274 # ولما قتل نافع بن الأزرق اجتمعت الخوارج، فولوا على انفسهم عبد الله ابن ~~ماحور [1] ، وكان من نساكهم. # وبلغ ذلك المهلب، فسار من الاهواز في طلبهم حتى وافاهم بمدينه سابور من ~~ارض فارس، فالتقوا، فاقتتلوا، وانهزمت الخوارج في آخر النهار حتى انتهوا ~~الى مكان يدعى كركان [2] واتبعهم المهلب، فوافاهم، فالتقوا به في يوم شديد ~~المطر، فقاتلهم، فهزمهم، فأخذوا نحو كرمان [3] فلم يزل المهلب يسير في ~~طلبهم من بلد الى بلد، ويواقعهم وقعه بعد وقعه طول ما ملك عبد الله بن ~~الزبير الى مقتله، وخلوص الأمر لعبد الملك بن مروان. # فلما استدف الأمر لعبد الملك، وولى الحجاج العراقين استبطأ المهلب في ~~استئصال الخوارج، وظن انه يهوى مطاولتهم، فبعث اليه عبد الأعلى بن عبد الله ~~العامري، وعبد الرحمن بن سبره، وقال لهما احملاه على مناجزة القوم وترك ~~مطاولتهم. # فقدما عليه، فأخبراه بما بعثا له، فقال لهما: # أقيما حتى تعاينا ما نحن فيه، فان الحجاج أتاه السماع فقبله، وأتاه ~~العيان فرده، وقد حملني على خلاف الرأي، وزعم انه الشاهد وانا الغائب. # ثم سار نحو الخوارج فلحقهم بأداني ارض كرمان، فواقعهم، وامامه ابنه ~~المفضل ms208، فقتل رئيس الخوارج عبد الله بن ماحور، وانهزموا حتى توسطوا ارض ~~كرمان، وولوا على انفسهم رجلا من نساكهم، يسمى قطري بن الفجاءه. # ثم ان المهلب انصرف الى بلد سابور، فوافاهم يوم النحر، فخرج بالناس الى ~~المصلى. PageV01P275 # فبينا هو يخطب الناس على المنبر، وقد صلى بهم إذ اقبلت الخوارج، فقال: ~~سبحان الله، افي مثل هذا اليوم يأتوننا؟ ما ابغض الى المحاربة فيه، ولكن ~~الله تعالى يقول: الشهر الحرام بالشهر الحرام، والحرمات قصاص، فمن اعتدى ~~عليكم فاعتدوا عليه [1] ثم نزل عن المنبر، ونادى في اصحابه، فركبوا ~~واستلاموا، واستقبلوا الخوارج، فحملت عليهم الخوارج، وامامهم عظيم منهم ~~يسمى عمرو القنا وكان من فرسانهم، وهو يرتجز: # نحن صبحناكم غداه النحر ... بالخيل امثال الوشيج تسرى [2] # يقدمها عمرو القنا في الفجر ... الى اناس لهجوا بالكفر # اليوم اقضى في العدو نذرى # ثم اقتتلوا، وصبر بعضهم لبعض، وكثرت بينهم القتلى، فلم يزل كل فريق منهما ~~على مكانه حتى حال بينهم الليل، وانحازت الخوارج الى كازرون [3] . # وسار اليهم المهلب فواقعهم بكازرون، فاسرع المهلب في الخوارج، فتفرقوا ~~[4] في تلك الوقعه، وصاروا سياره، وخرجوا الى تخوم اصطخر، واتبعهم المهلب. # فتواقف الفريقان، وحمل بعضهم على بعض، وامام الخوارج رجل يرتجز: # حتى متى يتبعنا المهلب ... ليس لنا في الارض منه مهرب # ولا السماء، اين اين المذهب؟ PageV01P276 # فلما سمع قطري ذلك بكى، ووطن نفسه على الموت، وباشر الحرب بنفسه، وهو ~~يرتجز: # حتى متى تخطئنى الشهاده ... والموت في أعناقنا قلاده # ليس الفرار في الوغى بعاده ... يا رب زدني في التقى عباده # وفي الحياه بعدها زهاده # فاقتتلوا يومهم حتى حال بينهم الليل. # ومضى قطري في اصحابه نحو جيرفت [1] ، وهم بالهرب الى كرمان، فقال رجل من ~~اصحابه: # أيا قطري الخير ان كنت هاربا ... ستلبسنا عارا وأنت مهاجر # إذا قيل قد جاء المهلب اسلمت ... له شفتاك الفم، والقلب طائر # فحتى متى هذا الفرار مخافة ... وأنت ولى، والمهلب كافر # ولما رات الخوارج نكول قطري عن الحرب، وما هم به من الفرار خلعوه عنهم، ~~وولوا عبد ربه وكان من نساكهم، فسار ms209 بهم الى قومس [2] ، فأقام بها. ### | المهلب والحجاج # وان الحجاج كتب الى المهلب: # اما بعد، فقد طاولت القوم وطاولوك، حتى ضروا بك ومرنوا على حربك، ولعمري ~~لو لم تطاولهم لا نحسم الداء وانفصم القرن، وما أنت والقوم سواء، ان ~~PageV01P277 # خلفك رجالا واموالا، والقوم لا رجال عندهم ولا اموال، ولن يدركك الوجيف ~~[1] بالدبيب، ولا الجد بالتعذير، وقد بعثت إليك عبيد الله بن موهب، ليأخذك ~~بمناجزه القوم وترك مطاولتهم، والسلام. # فلما قدم عبيد الله بن موهب على المهلب بكتاب الحجاج كتب اليه في جوابه: # اما بعد، فانه أتاني من قبلك رجلان، لم أعطهما على الصدق ثمنا، ولم احتج ~~مع العيان الى التقدير، ولم يكذبا فيما انباك به من امرى وامر عدوى، والحرب ~~لا يدركها الا المكيث، ولا بد لها من فرجه يستريح فيها الغالب، ويحتال فيها ~~الغالب، ويحتال فيها المغلوب، فاما ان انساهم وينسونى فهيهات من ذلك، ~~والقوم سدى، فان طمعوا أقاموا، وان يئسوا هربوا، فعلى في مقامهم القتال ~~والحرب، وفي هربهم الجد والطلب، وانا إذا طاولتهم شاركتهم في رأيهم، وإذا ~~عاجلتهم شركونى في رأيي، فان خليتني ورأيي فذاك داء محسوم وقرن مفصوم، وان ~~عجلتنى لم اطعك ولم اعصك، وكان وجهى إليك باذن منك، وانا اعوذ بالله من سخط ~~الأمراء ومقت الأئمة، والسلام. # فلما قرأ الحجاج كتابه كتب الى المهلب: انى قد رددت الرأي إليك، فدبر ما ~~ترى، واعمل ما تريد. # فلما أتاه كتاب الحجاج بذلك نشط لطلب الخوارج. # وسار في طلبهم الى ارض قومس، فهربوا منه، فاتوا جيرفت وتحصنوا في مدينه ~~هناك، فخرج خلفهم، وحاصرهم في تلك المدينة حتى أكلوا خيلهم. # وامر المهلب ابنه يزيد ان يقيم عليهم أياما، ثم يخلى لهم عن الباب، فإذا ~~خرجوا واصحروا اتبعهم. # وتنحى المهلب فعسكر على خمسه فراسخ، واقام عليهم يزيد أياما، ثم خلى لهم ~~عن الباب، فخرجوا، واتبعهم المهلب. PageV01P278 # فسار في طلبهم يومين حتى لحقهم، فوقفوا له، فاقتتلوا يوما كله، ثم غدوا ~~في اليوم الثانى على الحرب، فناداهم عبد ربه: يا معشر المهاجرين، روحوا بنا ms210 ~~الى الجنه، فان القوم رائحون الى النار. # فاطعنوا بالرماح حتى تكسرت، واضطربوا بالسيوف حتى تقطعت، ثم صاروا الى ~~المعانقه، فترجل المهلب في حماته، وحمل عليهم، وهو يتلو قول الله عز وجل: ~~وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله [1] . # فلم يزالوا يقتتلون حتى حال بينهم الليل، ثم غدوا على الحرب، وقد كسرت ~~الخوارج جفون سيوفهم، وحلقوا رءوسهم، فاقتتلوا، فقتل عبد ربه، وجميع ~~ابطاله، ولم يبق الا ضعفاؤهم، فدخلوا في عسكر المهلب، وانضم كل رجل الى ~~عشيرته من اصحاب المهلب. # فنزل المهلب عن فرسه، وقال الحمد لله الذى ردنا الى الأمن، وكفانا مئونه ~~الحرب، وكفى امر هذا العدو. # ووجه بشر بن مالك الحرسى الى الحجاج يبشره بالفتح، وكتب معه كتاب الظفر. # فلما وصل الكتاب الى الحجاج وجه به الى عبد الملك، وقام بشر بن مالك، ~~فأنشأ يقول: # قد حسمنا داء الازارقه الدهر ... ، فاضحوا طرا، كال ثمود # بطعان الكماة في ثغر القوم ... وضرب يشيب راس الوليد # كلما شئت راعنى قطري ... فوق عبل الشوى أقب عنود [2] . # معلما يضرب الكتيبة بالسيف ... ، وعمرو «كالنار ذات الوقود» PageV01P279 # وكتب الحجاج الى المهلب يأمره بالقدوم عليه. # فسار حتى قدم على الحجاج، فاستقبله الحجاج، واظهر بره وإكرامه، وامر له ~~بالجوائز والصلات، وامر لولده وكانوا سبعه المغيره، وحبيب، ويزيد، والمفضل، ~~ومدرك، ومحمد، وعبد الملك، وعبد الله، واكرم اصحاب المهلب. ### | قتل قطري بن الفجاءه # ولحق قطري بالري، فوجه الحجاج سفيان بن الأبرد حتى اتى الري، وعليها اسحق ~~بن محمد بن الاشعث، فركب معه في مائه فارس من جنده، وسارا حتى لحقاه، وهو ~~في مائه فارس بتخوم طبرستان، فنزل عن دابته، ونام متوسدا يده، ثم استيقظ، ~~وقال لعلج [1] . من أهلها: ايتنى بشربه من ماء. فأتاه بالماء، ولحقه القوم، ~~فقتلوه قبل ان يشرب ذلك الماء، واحتز راسه، واخذه سفيان بن الأبرد، وانصرف ~~الى الحجاج، فرمى بالراس بين يديه، فوجه الحجاج بالراس الى عبد الملك. ### | ولايه خراسان # واقام المهلب بعد انصرافه بالبصرة في منزله حتى وافاه عهده من عند عبد ~~الملك على خراسان، فسار ms211 إليها فمكث عليها خمس سنين، ثم مات. # فجعل عبد الملك امر خراسان الى الحجاج، فاقر الحجاج عليها يزيد ابن ~~المهلب. # وكان يزيد اجمل ولد المهلب جمالا واكملهم عقلا، وافضلهم رايا، واذربهم ~~لسانا، وكان المهلب استخلفه عليها عند وفاته، فمكث عليها أعواما، ثم عزله ~~الحجاج، واستعمل عليها قتيبة بن مسلم، فافتتح كل ما وراء النهر، ولم يزل ~~هناك الى ان هاج به اصحابه، فقتلوه. PageV01P280 # وافضى الملك بعد ذلك الى الوليد بن عبد الملك، ثم الى سليمان بن عبد ~~الملك، فولى سليمان على العراق خالد بن عبد الله القسرى، فولى خالد أخاه ~~اسد بن عبد الله خراسان، فلم يزل بها حتى ظهر فيها دعاه الامام محمد بن على ~~بن عبد الله بن عباس. ### | العراق بعد موت يزيد # قالوا، ومات يزيد بن معاويه، وعبيد الله بن زياد بالبصرة، فكتب اليه ~~الحارث بن عباد بن زياد بهذه الأبيات: # الا يا عبيد الله قد مات من به ... ملكت رقاب العالمين يزيد # اتثبت للقوم الذين وترتهم؟ ... وذاك من الرأي الزنيق بعيد [1] # وما لك غير الأزد جار فإنهم ... اجاروا اباك، والبلاد تميد # فتعجب عبيد الله من راى ابن أخيه، وكان ذا راى. # ثم ان عبيد الله دعا بمولى له يسمى مهران، وكان يعدل في الدهاء والأدب ~~والعقل بوردان غلام عمرو بن العاص، وهو الذى ينسب اليه البراذين المهرانية، ~~فقال يا مهران: # ان امير المؤمنين يزيد قد هلك، فما الرأي عندك؟ # فقال مهران: ايها الأمير، ان الناس ان ملكوا انفسهم لم يولوا عليهم أحدا ~~من ولد زياد، وانما ملكتم الناس بمعاويه، ثم بيزيد، وقد هلكا، وانك قد وترت ~~الناس، ولست آمن ان يثبوا بك، والرأي لك ان تستجير هذا الحى من الأزد، ~~فإنهم ان اجاروك منعوك، حتى يبلغوا بك مأمنك، والرأي ان تبعث الى الحارث بن ~~قيس، فانه سيد القوم، وهو لك محب، ولك عنده يد، فتخبره بموت يزيد، وتسأله ~~ان يجيرك. PageV01P281 # فقال عبيد الله: اصبت الرأي يا مهران. # ثم بعث من ساعته الى الحارث بن قيس، فأتاه ms212 فاخبره بموت يزيد، واستشاره، ~~فقال: # المستشار مؤتمن، فان اردت المقام منعناك معاشر الأزد، وان اردت الاستخفاء ~~اشتملنا عليك حتى يسكن عنك الطلب، ويخفى على الناس موضعك، ثم نوجه معك من ~~يبلغك مأمنك. # فقال عبيد الله: هذا اريد. # فقال له الحارث: فانا اقيم عندك، الى ان تمسى ويختلط الظلام، ثم انطلق بك ~~الى الحى. # فأقام الحارث عند عبيد الله. # فلما امسى واختلط الظلام امر عبيد الله ان توقد السرج في منزله ليلته ~~كلها، ليظن من يطلبه انه في منزله، ثم قام فلبس ثيابه، واعتم بعمامته ~~وتلثم. # فقال له الحارث: التلثم بالنهار ذل، وبالليل ريبه، فاحسر عن وجهك، وسر ~~خلفي، فان المقدم وقاية للمؤخر، فسار. # فقال للحارث: تخلل بنا فداك ابى وأمي الطرق، ولا تأخذ بنا طريقا واحدا، ~~فانى لا آمن ان يطلب اثرى. # فقال الحارث: لا باس عليك، ان شاء الله، فاطمئن. # ثم سارا هويا. # فقال للحارث: اين نحن؟. # قال: في بنى مسلم. # قال: سلمنا ان شاء الله. # ثم سارا جميعا ساعه، فقال: اين نحن؟. # قال الحارث في بنى ناجيه. # قال: نجونا ان شاء الله. # ثم سارا حتى انتهيا الى الأزد، واقحم الحارث بعبيد الله دار مسعود بن ~~عمرو، # PageV01P282 # وكان رئيس الأزد كلها بعد المهلب بن ابى صفره، وكان المهلب في هذا الوقت ~~بخراسان بعد. # فقال الحارث لمسعود: يا ابن عم، هذا عبيد الله بن زياد، قد اجرته عليك ~~وعلى قومك. # قال مسعود: اهلكت قومك يا ابن قيس، وعرضتنا لحرب جميع اهل البصره، وقد ~~كنا أجرنا أباه من قبله فما كانت عنده مكافاه. # وكان سبب اجارتهم زيادا، ان على بن ابى طالب رضى الله عنه، في خلافته ولى ~~زيادا البصره عند خروجه الى صفين، وانما كان يعرف بزياد بن عبيد، فوجه ~~معاويه الى البصره عامر بن الحضرمى في جمع، فغلب على البصره، وهرب منه ~~زياد، فلجا الى الأزد، فأجاروه، ومنعوه حتى ثاب الناس الى زياد، واجتمعوا، ~~فطرد عامر بن الحضرمى عن البصره، واقام على عمله فيها. # ثم ان مسعود بن عمرو ms213 ادخل عبيد الله دار نسائه، وافرده في بيت من بيوته، ~~ووكل به امرأتين من خدمه، وجمع اليه قومه، فاعلمهم ذلك. # ولما اصبح الناس، واستحق عندهم الخبر أتوا داره، فاقتحموها ليقتلوه، فلم ~~يصادفوا فيها أحدا، فانطلقوا الى الحبس، فكسروه، واخرجوا من كان فيه، وبقي ~~اهل البصره تسعه ايام بغير وال. # فاتفقوا على عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن ~~هاشم، فولوه امرهم لصلاحه، وقرابته من رسول الله ص، فتولى الأمر، وقام ~~بالتدبير. # ولما اتى على عبيد الله ايام، وامن الطلب، قال لمسعود بن عمرو، والحارث ~~بن قيس: ان الناس قد سكنوا، ويئسوا منى، فاعملا في إخراجي من البصره لألحق ~~بالشام. # PageV01P283 # فاكتريا له رجلا من بنى يشكر أمينا هاديا بالطريق، وحملاه على ناقه مهريه ~~[1] ، وقالا لليشكرى: عليك به لا تفارقه حتى توصله الى مأمنه بالشام. # فخرج، وخرجا معه مشيعين له في نفر من قومهما ثلاثة ايام، ثم ودعاه ~~وانصرفا. # قال اليشكري: فبينا نحن نسير ذات ليله إذا استقبلنا عير وحاد يحدو فيها، ~~ويقول: # يا رب، رب الارض والعباد ... العن زيادا، وبنى زياد # كم قتلوا من مسلم عباد ... جم الصلاة خاشع الفؤاد # يكابد الليل من السهاد # فلما سمع عبيد الله ذلك فزع، وقال: عرف مكاني. # فقلت: لا تخف، فليس كل من ذكرك يعلم موضعك. # ثم سرنا فاطرق طويلا، وهو على ناقته، فظننت انه نائم، فناديته: يا نومان. # فقال: ما انا بنائم، ولكنى مفكر في امر. # قلت: انى لأعلم الذى كنت مفكرا فيه. # فقال: هاته اذن. # قلت: ندمت على قتلك الحسين بن على، وفكرت في بنائك القصر الأبيض بالبصرة، ~~وما انفقت عليه من الأموال، ثم لم يقض لك التمتع به، وندمت على ما كان من ~~قتلك الخوارج من اهل البصره بالظنه والتوهم. # قال عبيد: ما اصبت يا أخا بنى يشكر شيئا مما كنت مفكرا فيه، اما قتلى ~~الحسين فانه خرج على امام وأمه مجتمعه، وكتب الى الامام يأمرني بقتله، فان ~~كان ذلك خطا كان لازما ليزيد، واما بنائى القصر ms214 الأبيض، فما فكرتي ~~PageV01P284 # في قصر بنيته للإمام بامره وماله، واما قتلى من قتلت من الخوارج فقد ~~قتلهم قبلي من هو خير منى، على بن ابى طالب رضى الله عنه. غير انى فكرت في ~~بنى ابى، وأولادهم، فندمت على تركي اخراجهم من البصره قبل وقوع ما وقع، ~~وفكرت في بيوت الأموال بالكوفه والبصره الا أكون فرقتها وبددتها في الناس ~~عند ما ورد على من وفاه الخليفة، فكنت اكتسب بذلك حمدا في الناس وذكرا. # قلت: فما تريد ان تصنع الآن؟ # قال: ان وافيت دمشق، وقد اجتمع الناس على امام دخلت فيما دخلوا فيه، وان ~~لم يكونوا اجتمعوا على احد كانوا غنما، قلبتها كيف شئت. ### | خلافه مروان بن الحكم # قال: فسرنا حتى دخلنا دمشق، والناس مختلفون، لم يملكوا عليهم أحدا، وقد ~~كان مروان بن الحكم هم باللحاق بعبد الله بن الزبير ليبايعه، ويكون معه. # فدخل عبيد الله، وعنفه في ذلك، وقال: # أنت سيد قومك، وأحق الناس بهذا الأمر، فمد يدك ابايعك. # فقال مروان: وما تبلغ بيعتك وحدك؟ اخرج الى الناس وناظرهم في ذلك. # فخرج من عنده، ولقى جماعه بنى اميه، فعنفهم في ذلك، وفي تخاذلهم، وحملهم ~~على بيعه مروان، فاجتمعوا، وبايعوه. # وتزوج مروان أم خالد بنت هاشم بن عتبة، التي كانت امراه يزيد بن معاويه، ~~فلما تم لملك مروان بن الحكم تسعه اشهر قتلته امراته أم خالد. # وذلك ان مروان نظر يوما الى ابنها خالد بن يزيد بن معاويه، وهو غلام من ~~أبناء سبع سنين، يمشى مشيه أنكرها، فقال له: ما هذه المشية يا بن الرطبه؟. # فشكا الغلام ذلك الى أمه، فقالت له: انه لا يقول بعد هذا. # فسقته السم، فلما احس بالموت جمع بنى اميه واشراف اهل الشام، فبايع لابنه ~~عبد الملك. # PageV01P285 ### | خلافه عبد الملك بن مروان # وامتنع عمرو بن سعيد من البيعه، ومات مروان، وله ثلاث وستون سنه، ثم ملك ~~عبد الملك بن مروان سنه ست وستين، فخرج عمرو بن سعيد بن العاص عليه، فصار ~~اهل الشام فرقتين: فرقه مع عبد ms215 الملك، وفرقه مع عمرو بن سعيد. # فدخلت بنو اميه واشراف اهل الشام بينهما حتى اصطلحا، على ان يكونا ~~مشتركين في الملك، وان يكون مع كل عامل لعبد الملك شريك لعمرو بن سعيد، ~~وعلى ان اسم الخلافه لعبد الملك، فان مات عبد الملك فالخليفه من بعده عمرو ~~بن سعيد، وكتبا فيما بينهما كتابا، واشهدا عليه اشراف اهل الشام. # وكان روح بن زنباع من اخص الناس بعبد الملك بن مروان، فقال له، وقد خلا ~~به يوما: يا امير المؤمنين، هل من رأيك الوفاء لعمرو؟ # قال: ويحك يا ابن زنباع، وهل اجتمع فحلان في هجمة قط الا قتل أحدهما ~~صاحبه؟ # وكان عمرو بن سعيد رجلا معجبا بنفسه، متهاونا في امره، مغترا باعدائه. ### | قتل عمرو بن سعيد بن العاص # ثم ان عمرا دخل على عبد الملك يوما، وقد استعد عبد الملك للغدر به، فامر ~~به، فاخذ، فاضجع، وذبح ذبحا، ولف في بساط. # واحس اصحاب عمرو بذلك، وهم بالباب، فتنادوا، فاخذ عبد الملك خمسمائة صره، ~~قد هيئت، وجعل في كل صره ألفا درهم، فامر بها، فاصعدت الى اعلى القصر، ~~فالقيت الى اصحاب عمرو بن سعيد مع راس عمرو، فترك اصحابه الراس ملقى، ~~وأخذوا المال، وتفرقوا. # فلما اصبح عبد الملك أخذ من اصحاب عمرو ومواليه خمسين رجلا، فضرب ~~أعناقهم، وهرب الباقون، فلحقوا بعبد الله بن الزبير. # PageV01P286 # وفي ذلك يقول قائلهم: # غدرتم بعمرو يال مروان ضله ... ومثلكم يبنى البيوت على الغدر # فرحنا، وراح الشامتون بقتله ... كان على أكتافنا فلق الصخر # وما كان عمرو عاجزا، غير أنه ... اتته المنايا بغته، وهو لا يدرى # كان بنى مروان إذ يقتلونه ... بغاث من الطير اجتمعن على صقر [1] # قالوا: ولما خرج عبيد الله من البصره شاع بها ان عبيد الله كان عند ~~الأزد، فاقبل رجل من الخوارج ليلا، فجلس لمسعود بن عمرو، فلما خرج لصلاة ~~الفجر، وثب عليه بسكين فقتله. # فاجتمعت الأزد، وقالوا: والله ما قتله الا بنو تميم، ولنقتلن سيدهم ~~الأحنف بن قيس. # فقال الأحنف لقومه: ان الأزد قد اتهموكم في ms216 قتل صاحبهم، وقد استغنوا ~~بالظن عن اليقين، ولا بد من غرم عقله [2] . # فجمعوا الف ناقه، ووجهوا بها الى الأزد وكانت ديه الملوك فرضيت الأزد، ~~وكفوا. # وقوى امر عبد الله بن الزبير، واعطاه اهل الكوفه الطاعة. # فولى الكوفه عبد الله بن مطيع العدوى. # ووجه أخاه مصعب بن الزبير الى البصره، وامر عبد الله بن مطيع بمكاتبته. # ووجه عماله الى اليمن، والبحرين، وعمان، وسائر الحجاز. # ودانت لابن الزبير البلدان الا الشام ومصر. فان مروان بن الحكم كان ~~حماهما. # وانحلبت على ابن الزبير الأموال، فهدم الكعبه وجدد بناءها، وذلك في ~~PageV01P287 # سنه خمس وستين، ولف الحجر الأسود في حرير وجعله في تابوت وختم عليه، ~~واستودعه الحجبة مع جميع ما كان معلقا في الكعبه من ذهب وجوهر، ولما بناها ~~ادخل الحجر في البيت. # فلما قتل ابن الزبير نقضها الحجاج، واعاد بناءها على ما كان، فهى على ذلك ~~الى اليوم. ### | الدعوة الى العلويين # قالوا: وان المختار [1] بن ابى عبيد الثقفى جعل يختلف بالكوفه الى شيعه ~~بنى هاشم، ويختلفون اليه، فيدعوهم الى الخروج معه والطلب بدم الحسين، ~~فاستجاب له بشر كثير، وكان اكثر من استجاب له همدان، وقوم كثير من أبناء ~~العجم الذين كانوا بالكوفه، ففرض لهم معاويه وكانوا يسمون الحمراء وكان ~~منهم بالكوفه زهاء عشرين الف رجل. # وكان على الكوفه يومئذ من قبل عبد الله بن الزبير عبد الله بن مطيع، ~~فأرسل ابن مطيع الى المختار: ما هذه الجماعات التي تغدو وتروح إليك؟ # فقال المختار: مريض، يعاد. # فلم يزل كذلك حتى قال له نصحاؤه: عليك بابراهيم بن الاشتر، فاستمله إليك، ~~فانه متى شايعك على امر ظفرت به، وقضيت حاجتك. # فأرسل المختار الى جماعه من اصحابه، فدخلوا عليه، وبيده صحيفه مختومه ~~بالرصاص. # فقال الشعبى: وكنت فيمن دخل عليه، فرايت الرصاص ابيض يلوح، فظننت انه ~~انما ختم من الليل، فقال لنا: انطلقوا بنا حتى ناتى ابراهيم ابن الاشتر. ~~PageV01P288 # قال: فمضينا معه، وكنت انا ويزيد بن انس الأسدي، واحمر بن سليط، وعبد ~~الله بن كامل، وابو عمره كيسان، مولى ms217 بجيله، الذى يقول الناس: قد جاوره ابو ~~عمره، وكان من بعد ذلك على شرط المختار. # قال الشعبى: فأتينا ابراهيم بن الاشتر، وهو جالس في صحن داره، فسلمنا ~~عليه، فتناول يد المختار، واجلسه معه على مقعده كان عليها. # وتكلم المختار وكان مفوها، فحمد الله واثنى عليه، وصلى على النبي ص، ثم ~~قال: # ان الله قد اكرمك، واكرم اباك من قبلك بموالاة بنى هاشم ونصرتهم، ومعرفه ~~فضلهم، وما اوجب الله من حقهم، وقد كتب إليك محمد بن على بن ابى طالب يعنى ~~ابن الحنفيه هذا الكتاب بحضره هؤلاء النفر الذين معى. # فقال القوم جميعا: نشهد ان هذا كتابه، رأيناه حين كتبه. # ثم ناوله، ففتحه وقراه، فإذا فيه: # بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن على الى ابراهيم الاشتر، اما بعد، ~~فان المختار بن ابى عبيد على الطلب بدم الحسين، فساعده في ذلك، وآزره يثبك ~~الله ثواب الدنيا، وحسن ثواب الآخرة. # فلما قرأ ابراهيم بن الاشتر الكتاب قال للمختار: # سمعا وطاعه لمحمد بن على، فقل ما بدا لك، وادع الى ما شئت. # فقال المختار: اتأتينا، او نأتيك في أمرنا؟ # فقال ابراهيم: بل انا آتيك كل يوم الى منزلك. # قال الشعبى: فكان ابراهيم بن الاشتر يركب الى المختار في كل يوم في نفر ~~من مواليه وخدمه. # قال الشعبى: ودخلتنى وحشه من شهاده النفر الذين كانوا معى، على انهم رأوا # PageV01P289 # محمد بن الحنفيه حين كتب ذلك الكتاب الى ابراهيم بن الاشتر، فاتيتهم في ~~منزلهم رجلا رجلا، فقلت: # هل رايت محمد بن الحنفيه حين كتب ذلك الكتاب؟ # فكل يقول: نعم، وما انكرت من ذلك؟ # فقلت في نفسي: ان لم استعملها من العجمي، يعنى أبا عمره، لم اطمع فيها من ~~غيره. # فأتيته في منزله، فقلت: # ما أخوفني من عاقبه امرنا هذا ان ينصب الناس جميعا لنا، فهل شهدت محمد بن ~~الحنفيه حين كتب ذلك الكتاب؟ # فقال: والله ما شهدته حين كتبه، غير ان أبا اسحق يعنى المختار عندنا ثقه، ~~وقد أتانا بعلامات من ابن الحنفيه، فصدقناه. # قال ms218 الشعبى: فعرفت عند ذلك كذب المختار، وتمويهه، فخرجت من الكوفه حتى ~~لحقت بالحجاز، فلم اشهد من تلك المشاهد شيئا. # قالوا: وكان على شرطه عبد الله بن مطيع بالكوفه اياس بن نضار العجلى، ~~وكان طريق ابراهيم بن الاشتر إذا ركب الى المختار على باب داره، فأرسل الى ~~ابراهيم: انه قد كثر اختلافك في هذا الطريق، فاقصر عن ذلك. # فاخبر ابراهيم المختار بما ارسل اليه اياس، فقال له المختار: تجنب ذلك ~~الطريق، وخذ في غيره. ففعل. # وبلغ اياسا ان ابراهيم بن الاشتر لا يقلع عن اتيان المختار كل يوم، فأرسل ~~اليه: # ان امرك يريبني، فلا ارينك راكبا، ولا تبرحن منزلك، فاضرب عنقك. # فاخبر ابراهيم المختار بذلك. واستاذنه في قتله، فاذن له. # وان ابراهيم ركب في جماعه من اهل بيته وما يليه، وجعل طريقه على مجلس ~~اياس، فقال له اياس: # PageV01P290 # يا ابن الاشتر، الم آمرك الا تبرح من منزلك؟ # فقال له ابراهيم: أنت والله ما علمت احمق. # فقال للجلاوزه: نكسوه. # فانتضى ابراهيم سيفه، وشد على اياس، فضربه حتى قتله. ثم حمل على ~~الجلاوزة، فانحرفوا عنه، ومضى ابراهيم. # وبلغ عبد الله بن مطيع الخبر، فامر بطلب ابراهيم، ووجه الى منزله. # وبلغ ذلك المختار، فوجه الى ابراهيم بمائه فارس، فلما وافوه حمل على ~~اصحاب ابن مطيع، فانهزموا عنه، فاقبل ابراهيم نحو دار الإمارة، ووافاه ~~المختار في سبعه آلاف فارس. # فتحصن ابن مطيع في القصر، وبعث الى الحرس والجند. # فوافاه منهم نحو ثلاثة آلاف رجل، فنادى يا لثارات الحسين فوافاه زهاء ~~عشره آلاف رجل ممن بايعه على الطلب بدم الحسين. # وفي ذلك يقول عبد الله بن همام: # وفي ليله المختار ما يذهل الفتى ... ويزويه عن رود الشباب شموع # دعا، يالثارات الحسين فاقبلت ... كتائب من همدان بعد هزيع # ومن مذحج جاء الرئيس ابن مالك ... يقود جموعا اردفت بجموع # ومن اسد وافى يزيد لنصره ... بكل فتى ماضى الجنان منيع # وخرج ابن مطيع من القصر، واجتمع اليه الجنود، ونهد [1] اليه المختار في ~~اصحابه، وعلى مقدمته ابن الاشتر، فالتقوا، فاقتتلوا ms219، فقتل من اصحاب ابن ~~مطيع بشر كثير، فانهزموا. # وبادر ابن مطيع الى القصر، فتحصن فيه في طائفه من اصحابه، واقبلت همدان ~~حتى تسلقوا القصر بالحبال من ناحيه دار عماره بن عقبه بن ابى معيط. ~~PageV01P291 # فلما راى ابن مطيع ضعفه عن القوم سال الامان على نفسه ومن معه من اصحابه، ~~فأجابه المختار الى ذلك، فآمنه. # فخرج ابن مطيع، واظهر المختار إكرامه، وامر له من بيت المال بمائه الف ~~الف درهم، وحفظ فيه قرابته من عمر بن الخطاب، وقال له: ارحل إذا شئت. # ثم ان المختار غلب على الكوفه ودانت له العراق وسائر البلاد الا الجزيرة ~~والشام ومصر، فان عبد الملك قد كان حماها، ووجه عماله في الافاق. # فاستعمل عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمدانى على الموصل، ومحمد بن عثمان ~~التميمى على اذربيجان، وعبد الله بن الحارث أخا الاشتر على الماهين وهمذان، ~~ويزيد ابن معاويه البجلي على أصبهان وقم وأعمالها، وابن مالك البكراوى على ~~حلوان [1] وماسبذان، ويزيد بن ابى نجبه الفزارى على الري ودستبى، وزحر بن ~~قيس على جوخى. وفرق سائر البلدان على خاصته. # وولى الشرطه كيسان أبا عمره، وامره ان يجمع الف رجل من الفعله بالمعاول، ~~وتتتبع دور من خرج الى قتال الحسين بن على، فيهدمها. # وكان ابو عمره بذلك عارفا، فجعل يدور بالكوفه على دورهم، فيهدم الدار في ~~لحظه، فمن خرج اليه منهم قتله، حتى هدم دورا كثيره، وقتل أناسا كثيرا، وجعل ~~يطلب ويستقصى، فمن ظفر به قتله، وجعل ماله وعطاءه لرجل من أبناء العجم ~~الذين كانوا معه. # ثم ان المختار عقد ليزيد بن انس الأسدي في عشرين الف رجل وقواهم بالسلاح ~~والعده، وولاه الجزيرة وما غلب عليه من ارض الشام. # فسار يزيد حتى نزل نصيبين. PageV01P292 # وبلغ ذلك عبد الملك بن مروان، فخرج باهل الشام فوافى نصيبين، وقاتل يزيد ~~ابن انس، فهزمه، وقتل من اصحابه مقتله عظيمه. # وبلغ المختار ذلك، فقال لإبراهيم بن الاشتر: # ايها الرجل، انما هو انا وأنت، فسر اليهم، فو الله لتقتلن الفاسق عبيد ~~الله ابن ms220 زياد، او لتقتلن الحصين بن نمير، وليهزمن الله بك ذلك الجيش، ~~أخبرني بذلك من قرأ الكتاب، وعرف الملاحم. # قال ابراهيم: # ما احسبك ايها الأمير باحرص على قتال اهل الشام، ولا احسن بصيره في ذلك ~~منى، وانا سائر. # فانتخب له المختار عشرين الف رجل، وكان جلهم أبناء الفرس الذين كانوا ~~بالكوفه، ويسمون الحمراء. # وسار نحو الجزيرة، ورد من كان انهزم من اصحاب يزيد بن انس، فصار في نحو ~~من ثلاثين الف رجل. # وبلغ ذلك عبد الملك، فعقد للحصين بن نمير في فرسان اهل الشام، وكانوا ~~نحوا من اربعين ألفا، وفيهم عبيد الله بن زياد، وفيهم من قتله الحسين: عمير ~~بن الحباب، وفرات بن سالم، ويزيد بن الحضين، واناس سوى هؤلاء كثير. # فقال فرات لعمير: قد عرفت سوء ولايه بنى مروان، وسوء رأيهم في قومنا من ~~قيس، ولئن خلص الأمر، وصفا لعبد الملك ليستاصلن قيسا، او ليقصينهم، ونحن ~~منهم، فانصرف بنا لننظر ما حال ابراهيم بن الاشتر. # فلما جنهما الليل ركبا فرسيهما، وبينهما وبين عسكر ابراهيم اربعه فراسخ، ~~وكانا يمران بمسالح اهل الشام، فيقولون لهما: من [1] أنتما؟ فيقولان: طليعه ~~للأمير الحصين بن نمير. # فاقبلا حتى أتيا عسكر ابراهيم بن الاشتر، وقد اوقد النيران، وهو قائم ~~يعبى PageV01P293 # اصحابه، وعليه قميص اصفر هروي [1] وملاءه مورده متوشحا بها، متقلدا سيفه. # فدنا منه عمير بن الحباب، فصار خلفه، وابراهيم لا يابه له، فاحتضنه من ~~ورائه، فما تحلحل [2] ابراهيم عن موضعه، غير انه امال راسه، وقال: # من هذا؟ # قال: انا عمير بن الحباب. # فاقبل بوجهه اليه، وقال: # اجلس حتى افرغ لك. # فتنحى عنه، وقعدا ممسكين بأعنة فرسيهما. # فقال عمير لصاحبه: هل رايت رجلا اربط جأشا، وأشد قلبا من هذا؟ تراه تحلحل ~~من مكانه، او اكترث لي، وانا محتضنه من خلف. # فقال له صاحبه: ما رايت مثله. # فلما فرغ ابراهيم من تعبئة اصحابه أتاهما، فجلس إليهما، ثم قال لعمير: # ما اعملك الى يا أبا المغلس؟ # قال عمير: لقد اشتد غمى مذ دخلت عسكرك، وذلك انى لم اسمع فيه ms221 كلاما عربيا ~~حتى انتهيت إليك، وانما معك هؤلاء الأعاجم، وقد جاءك صناديد [3] اهل الشام ~~وابطالهم، وهم زهاء اربعين الف رجل، فكيف تلقاهم بمن معك؟ # فقال ابراهيم: # والله لو لم أجد الا النمل لقاتلتهم بها، فكيف وما قوم أشد بصيره في قتال ~~اهل الشام من هؤلاء الناس الذين تراهم معي؟ وانما هم اولاد الأساورة من اهل ~~PageV01P294 # فارس، والمرازبه، وانا ضارب الخيل بالخيل، والرجال بالرجال، والنصر من ~~عند الله. # قال عمير: ان قومى قيسا. إذا التقى الجبلان غدا في ميسره اهل الشام فلا ~~تحفل بنا، فانا منهزمون لنكسر الجيش بذلك، فانا لا نحب ظهور بنى مروان لسوء ~~صنيعهم إلينا معاشر قيس، وانا إليك لاميل. # قال ابراهيم: وذاك. # ثم انصرفا الى معسكرهما. # ولما اصبح الفريقان زحف بعضهم الى بعض، فتواقفوا بمكان يدعى خازر [1] ~~فنادى ابراهيم بن الاشتر حماه عسكره عليكم بالميسرة، وفيها قيس. # فقال عمير بن الحباب لصاحبه: هذا وابيك الحزم، لم يثق بقولنا وخاف مكرنا. # وصاح عمير بن الحباب في قيس، يالثارات مرج راهط [2] ، فنكسوا اعلامهم، ~~وانهزموا، فانكسر اهل الشام. # وحمل عليهم ابراهيم بن الاشتر، فاكثر فيهم القتل، وانهزم اهل الشام، ~~فاتبعهم ابراهيم يقتلهم الى الليل، وقتل أميرهم الحصين بن نمير وكان من ~~قتله الحسين وشرحبيل بن ذي الكلاع، وعظماء اهل الشام. # فلما وضعت الحرب أوزارها قال ابراهيم بن الاشتر: انى قتلت في الوقعه رجلا ~~من اهل الشام، كان يقاتل في اوائلهم قتالا شديدا، وهو يقول: انا الغلام ~~القرشي. فلما سقط شممت منه ريح المسك، فاطلبوه بين القتلى. # فطلب حتى أصابوه، فإذا هو عبيد الله بن زياد، فامر به ابراهيم، فخر راسه، ~~فوجه به الى المختار، فوجه به المختار الى محمد بن الحنفيه. # واحتوى ابراهيم بن الاشتر على عسكر الشام، فغنم ما كان فيه. PageV01P295 # فاتته هند ابنه أسماء بن خارجه الفزارى، امراه عبيد الله بن زياد، ~~فاخبرته بانتهاب ما كان معها من مالها، فقال لها: # كم ذهب لك؟ # قالت: قيمه خمسين الف درهم. # فامر لها بمائه الف درهم، ووجه معها مائه فارس ms222 حتى أتوا بها أباها ~~البصره. # ودخل عبيد الله بن عمرو الساعدي، وكان شاعرا على ابراهيم بن الاشتر، ~~فانشده: # الله أعطاك المهابه والتقى ... وأحل بيتك في العديد الأكثر # واقر عينك يوم وقعه خازر ... والخيل تعثر بالقنا المتكسر # من ظالمين كفتهم آثامهم ... تركوا لعافيه وطير حسر # ما كان اجراهم، جزاهم ربهم ... شر الجزاء على ارتكاب المنكر # انى اتيتك إذ تناءى منزلي ... وذممت اخوان الغنى من معشرى # وعلمت انك لا تضيع مدحتي ... ومتى أكن بسبيل خير اشكر # فهلم نحوى، من يمينك نفحة ... ان الزمان الح يا ابن الاشتر # فاعطاه عشره آلاف درهم. # وان ابراهيم بن الاشتر اقام بالموصل، ووجه عماله الى مدن الجزيرة، ~~فاستعمل اسماعيل بن زفر على قرقيسياء [1] ، وحاتم بن النعمان الباهلى على ~~حران [2] والرها [3] PageV01P296 # وسميساط [1] ، وعمير بن الحباب السلمى على كفرتوثا [2] ، والسفاح ابن ~~كردوس على سنجار [3] ، وعبد الله بن مسلم على ميافارقين [4] ، ومسلم ابن ~~ربيعه العقيلي على آمد [5] ، وسار هو الى نصيبين، فأقام بها. # وان المختار كتب الى عبيد الله بن الحر الجعفى، وكان بناحيه الجبل يتطرف ~~ويغير: انما خرجت غضبا للحسين، ونحن أيضا ممن غضب له، وقد تجردنا لنطلب ~~بثاره، فأعنا على ذلك. فلم يجبه عبيد الله الى ذلك. # فركب المختار الى داره بالكوفه فهدمها، وامر بامراته أم سلمه، ابنه عمر ~~الجعفى، فحبست في السجن، وانتهب جميع ما كان في منزله، وكان الذى تولى ذلك ~~عمرو بن سعيد بن قيس الهمدانى. # وبلغ ذلك عبيد الله بن الحر، فقصد الى ضيعه لعمرو بن سعيد بالماهين، ~~فاغار عليها، واستاق مواشيها، واحرق زرعها، وقال: # وما ترك الكذاب من جل مالنا ... ولا المرء من همدان غير شريد # افي الحق ان يجتاح مالي كله ... وتامن عندي ضيعه ابن سعيد؟ # ثم اختار من ابطال اصحابه مائه فارس، فيهم محشر التميمى، ودلهم بن زياد ~~المرادى، واحمر طيئ، وخلف بقية اصحابه بالماهين. # وسار نحو الكوفه حتى انتهى الى جسرها ليلا، فامر بقوام الجسر، فكتفوا، ~~ووكل بهم رجلا من اصحابه، ثم عبر. PageV01P297 # ودخل الكوفه، فلقيه ابو عمره كيسان، وهو ms223 يعس بالكوفه، فقال: من أنتم؟ # قالوا: نحن اصحاب عبد الله بن كامل، أقبلنا الى الأمير المختار. # قال: امضوا في حفظ الله. # فمضوا حتى انتهوا الى السجن، فكسروه، فخرج كل من فيه، وحمل أم سلمه على ~~فرس، ووكل بها اربعين رجلا، وقدمها، ثم مضى. # وبلغ الخبر المختار، فأرسل راشدا مولى بجيله في ثلاثة آلاف رجل، وعطف ~~عليهم ابو عمره من ناحيه بجيله في الف رجل. # وخرج عليهم عبد الله بن كامل من ناحيه النخع في الف رجل، فأحاطوا بهم. # فلم يزل عبيد الله يكشفهم، ويسير والحجاره تأخذه هو واصحابه من سطوح ~~الكوفه حتى عبر الجسر، وقد قتل من اصحاب المختار مائه رجل، ولم يقتل من ~~اصحابه الا اربعه نفر. # وسار عبيد الله حتى انتهى الى بانقيا [1] فنزلوا، وداووا جروحهم، وعلفوا ~~دوابهم، وسقوها، ثم ركبوا، فلم يحلوا عقدها حتى انتهوا الى سورا [2] ~~فاراحوا بها، ثم ساروا حتى أتوا المدائن، ثم لحق باصحابه بالماهين. # ولما تجرد المختار لطلب قتله الحسين هرب منه عمر بن سعد ومحمد بن الاشعث، ~~وهما كانا المتوليين للحرب يوم الحسين، واتى بعبد الرحمن بن ابزى الخزاعي، ~~وكان ممن حضر قتال الحسين، فقال له: يا عدو الله، اكنت ممن قاتل الحسين؟ # قال: لا، بل كنت ممن حضر، ولم يقاتل. # قال: كذبت، اضربوا عنقه. # فقال عبد الرحمن: ما يمكنك قتلى اليوم حتى تعطى الظفر على بنى اميه، ~~PageV01P298 # ويصفو لك الشام، وتهدم مدينه دمشق حجرا حجرا، فتأخذني عند ذلك، فتصلبنى ~~على شجره بشاطئ نهر، كأني انظر إليها الساعة. # فالتفت المختار الى اصحابه وقال: اما ان هذا الرجل عالم بالملاحم. ثم امر ~~به الى السجن. # فلما جن عليه الليل بعث اليه من أتاه به، فقال له: # يا أخا خزاعة، اظرفا عند الموت؟ # فقال عبد الرحمن بن ابزى: أنشدك الله ايها الأمير ان اموت هاهنا ضيعه. # قال: فما جاء بك من الشام؟ # قال: باربعه آلاف درهم لي على رجل من اهل الكوفه، أتيته متقاضيا. # فامر له المختار باربعه آلاف درهم، وقال له: ان اصبحت ms224 بالكوفه قتلتك. # فخرج من ليلته حتى لحق بالشام. # ومكث المختار بذلك يطلب قتله الحسين، وتجبى اليه الأموال من السواد، ~~والجبل، وأصبهان، والري، واذربيجان، والجزيرة ثمانية عشر شهرا، وقرب أبناء ~~العجم، وفرض لهم ولأولادهم الاعطيات، وقرب مجالسهم، وباعد العرب وأقصاهم، ~~وحرمهم. فغضبوا من ذلك. # واجتمع اشرافهم فدخلوا عليه، فعاتبوه، فقال: لا يبعد الله غيركم، اكرمتكم ~~فشمختم بآنافكم، ووليتكم فكسرتم الخراج، وهؤلاء العجم اطوع لي منكم، واوفى، ~~واسرع الى ما اريد. # قالوا: فدنت العرب، بعضها الى بعض، وقالوا: هذا كذاب، يزعم انه يوالى بنى ~~هاشم، وانما هو طالب دنيا. # فاجتمعت القبائل على محاربته، وصاروا في ثلاثة امكنه، وولوا امرهم رفاعة ~~ابن سوار، فاجتمعت كنده، والأزد، وبجيله، والنخع، وخثعم، وقيس، # PageV01P299 # وتيم الرباب في جبانه مراد [1] ، واجتمعت ربيعه وتميم، فصاروا في جبانه ~~الحشاشين [2] . # وارسل المختار الى همدان وكانوا خاصته واجتمع اليه أبناء العجم. # فقال لهم: الا ترون ما يصنع هؤلاء؟ # قالوا: بلى. # قال: فإنهم لم يفعلوا ذلك الا لتقديمى إياكم، فكونوا أحرارا كراما. # فحرضهم بذلك، واخرجهم الى ظهر الكوفه، فاحصاهم، فبلغوا اربعين الف رجل. # وان شمر بن ذي الجوشن، وعمر بن سعد، ومحمد بن الاشعث، وأخاه قيس بن ~~الاشعث قدموا الكوفه عند ما بلغهم خروج الناس على المختار وخلعهم طاعته، ~~وكانوا هرابا من المختار طول سلطانه، لانهم كانوا الرؤساء في قتال الحسين، ~~فصاروا مع اهل الكوفه، وتولوا امر الناس. # وتاهب الفريقان للحرب، واجتمع اهل الكوفه جميعا في جبانه الحشاشين، وزحف ~~المختار نحوهم، فاقتتلوا، فقتل بينهم بشر كثير، فنادى المختار: يا معشر ~~ربيعه، الم تبايعوني؟ فلم خرجتم علي؟ # قالت ربيعه: قد صدق المختار، فقد بايعناه واعطيناه صفقه ايماننا، ~~فاعتزلوا، وقالوا: لا نكون على واحد من الفريقين. وثبت سائر القبائل، ~~فقاتلوا. # وان اهل الكوفه انهزموا، وقد قتل منهم نحو خمسمائة رجل، واسر منهم ~~PageV01P300 # مائتا رجل، فهرب اشراف الكوفه، فلحقوا بالبصرة، وبها مصعب بن الزبير، ~~فانضموا اليه. # وبلغ المختار ان شبث بن ربعي، وعمرو بن الحجاج، ومحمد بن الاشعث مع عمر ~~بن سعد قد أخذوا طريق البصره ms225 في اناس معهم من اشراف اهل الكوفه، فأرسل في ~~طلبهم رجلا من خاصته يسمى أبا القلوص الشبامي في جريدة خيل، فلحقهم بناحيه ~~المذار، فواقعوه، وقاتلوه ساعه، ثم انهزموا، ووقع في يده عمر بن سعد ونجا ~~الباقون. # فاتى به المختار، فقال: الحمد لله الذى امكن منك، والله لأشفين قلوب آل ~~محمد بسفك دمك، يا كيسان، اضرب عنقه. # فضرب عنقه. # وأخذ راسه، فبعث به الى المدينة، الى محمد بن الحنفيه. # وقال اعشى همدان، وكان من اهل الكوفه: # ولم انس همدانا غداه تجوسنا ... باسيافها، لا اسقيت صوب هاضب [1] # فقتل من اشرافنا في محالهم ... عصائب منهم اردفت بعصائب # فكم من كمى قد ابارت سيوفهم ... الى الله اشكو رزء تلك المصائب # يقتلنا المختار في كل غائط ... فيا لك دهر مرصد بالعجائب # وبلغ المختار ان شمر بن ذي الجوشن مقيم بدستميسان [2] في اناس من بنى ~~عامر بن صعصعة، يكرهون دخول البصره لشماته اهل البصره بهم، فأرسل المختار ~~اليهم زربيا، مولى بجيله، في مائه فارس على الخيل العتاق [3] ، فسار بهم ~~بالحث PageV01P301 # الشديد، فقطع اصحابه عنه الا عشره فوارس، فلحقهم وقد استعدوا له، فطعنه ~~شمر، فقتله، وانهزم اصحابه العشرة حتى لحق بهم الباقون، فطلبوا شمرا ~~واصحابه، فلم يلحقوهم. # ومضى شمر حتى نزل قريبا من البصره بمكان يدعى سادماه فأقام به. # وان قيس بن الاشعث انف من ان ياتى البصره فيشمت به أهلها، فانصرف الى ~~الكوفه مستجيرا بعبد الله بن كامل، وكان من اخص الناس عند المختار. # فاقبل عبد الله الى المختار، فقال: ايها الأمير، ان قيس بن الاشعث قد ~~استجار بي واجرته، فانفذ جواري اياه. # فسكت عنه المختار مليا، وشغله بالحديث، ثم قال: ارنى خاتمك، فناوله اياه، ~~فجعله في اصبعه طويلا. # ثم دعا أبا عمره، فدفع اليه الخاتم، وقال له سرا: انطلق الى امراه عبد ~~الله بن كامل، فقل لها: هذا خاتم بعلك علامه، لتدخلينى الى قيس بن الاشعث، ~~فانى اريد مناظرته في بعض الأمور التي فيها خلاصه من المختار، فادخلته ~~اليه. # فانتضى سيفه، فضرب عنقه، وأخذ راسه ms226، فاتى به المختار، فالقاه بين يديه. # فقال المختار: هذا بقطيفه الحسين. # وذلك ان قيس بن الاشعث أخذ قطيفه كانت للحسين حين قتل، فكان يسمى قيس ~~قطيفه. # فاسترجع عبد الله بن كامل، وقال للمختار: قتلت جارى وضيفي وصديقي في ~~الدهر؟ # قال له المختار: لله ابوك، اسكت، اتستحل ان تجير قتله ابن بنت نبيك؟ # PageV01P302 # ثم ان المختار دعا بالأسرى الذين اسرهم من اهل الكوفه في الوقعه التي ~~كانت بينه وبين اهل الكوفه، فجعل يضرب أعناقهم حتى انتهى الى سراقه ~~البارقى، وكان فيهم، فقام بين يديه، وأنشأ يقول: # الا من مبلغ المختار انا ... نزونا نزوه كانت علينا # خرجنا لا نرى الاشراك دينا ... وكان خروجنا بطرا وحينا [1] # ثم قال للمختار: ايها الأمير، لو انكم أنتم الذين قاتلتمونا لم تطمعوا ~~فينا. # فقال له المختار: فمن قاتلكم؟ # قال سراقه: قاتلنا قوم بيض الوجوه على خيل شهب. # قال له المختار: تلك الملائكة، ويلك، اما إذ رايتهم فقد وهبتك لهم. # ثم خلى سبيله، فهرب، فلحق بالبصرة، وأنشأ يقول: # الا ابلغ أبا اسحق انى ... رايت الشهب كمتا مصمتات [2] # ارى عيني ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالترهات # كفرت بدينكم وبرئت منكم ... ومن قتلاكم حتى الممات # وهرب أسماء بن خارجه الفزارى، وكان شيخ اهل الكوفه وسيدهم من المختار ~~خوفا على نفسه، فنزل على ماء لبنى اسد يسمى ذروه: في نفر من مواليه واهل ~~بيته فأقام به. # وهرب عمرو بن الحجاج، وكان من رؤساء قتله الحسين، يريد البصره، فخاف ~~الشماتة فعدل الى سراف. # فقال له اهل الماء: ارحل عنا، فانا لأنا من المختار، فارتجل عنهم، ~~فتلاوموا، وقالوا: قد أسأنا. # فركبت جماعه منهم في طلبه ليردوه، فلما رآهم من بعيد ظن انهم من اصحاب ~~PageV01P303 # المختار، فسلك الرمل في مكان يدعى البيضه [1] وذلك في حماره القيظ، وهي ~~فيما بين بلاد كلب وبلاد طيئ، فقال [2] فيها، فقتله ومن معه العطش. # ولم يزل أسماء مقيما بذروه [3] الى ان قتل المختار، ودخل مصعب بن الزبير ~~الكوفه، فانصرف أسماء الى منزله بالكوفه. # ولما تتبع المختار اهل الكوفه جعل ms227 عظماؤهم يتسللون هرابا الى البصره حتى ~~وافاها منهم مقدار عشره آلاف رجل، وفيهم محمد بن الاشعث، فاجتمعوا، ودخلوا ~~على مصعب بن الزبير. # فتكلم محمد بن الاشعث، وقال: ايها الأمير، ما يمنعك من المسير لمحاربه ~~هذا الكذاب الذى قتل خيارنا، وهدم دورنا، وفرق جماعتنا، وحمل أبناء العجم ~~على رقابنا، وأباحهم أموالنا؟ سر اليه، فانا جميعا معك، وكذلك من خلفنا ~~بالكوفه من العرب، هم أعوانك. # قال مصعب: يا ابن الاشعث، انا عارف بكل ما ارتكبكم به، وليس يمنعني من ~~المسير اليه الا غيبه فرسان اهل البصره واشرافهم، فإنهم مع ابن عمك المهلب ~~ابن ابى صفره في وجوه الازارقه بناحيه كرمان، غير انى قد رايت رايا. # قال: وما رايت ايها الأمير؟ # قال: رايت ان اكتب الى المهلب، آمره ان يوادع الازارقه، ويقبل الى فيمن ~~معه، فإذا وافى تجهزنا لمحاربه المختار. # قال ابن الاشعث: نعم ما رايت، فاكتب اليه، واجعلنى الرسول. # فكتب مصعب بن الزبير الى المهلب كتابا، يذكر له ما فيه اهل الكوفه من ~~القتل والحرب، ويفسر فيه امر المختار. # فسار محمد بن الاشعث بكتابه حتى ورد كرمان، واوصل الكتاب الى المهلب، ~~PageV01P304 # وقال له: يا ابن عم، قد بلغك ما لقى اهل الكوفه من المختار، وقد كتب إليك ~~الأمير مصعب بما قد قراته. # فكتب المهلب الى قطري، وكان رئيس الازارقه يومئذ، يسأله الموادعة الى اجل ~~سماه، ويكتب بينهما كتابا في ذلك، ويضعان الحرب الى ذلك الأجل. # فأجابه قطري الى ذلك، وكتبا بينهما كتابا وجعلا الأجل ثمانية عشر شهرا. # وسار المهلب بمن معه حتى وافى البصره، فوضع مصعب لأهل البصره العطاء ~~وتهيأ للمسير. # وبلغ المختار ذلك فعقد لاحمر بن سليط في ستين الف رجل من اصحابه، وامره ~~ان يستقبل القوم، فيناجزهم الحرب. # فسار احمر بن سليط في الجيوش حتى وافى المذار، وقد انصرف إليها شمر ابن ~~ذي الجوشن انفه من ان ياتى البصره هاربا، فيشمتوا به، فوجه احمر بن سليط ~~الى المكان الذى كان متحصنا فيه خمسين فارسا، وامامهم نبطي [1] يدلهم على ~~الطريق، وذلك ms228 في ليله مقمره. # فلما احس بهم دعا بفرسه فركبه، وركب من كان معه ليهربوا، فادركهم القوم، ~~فقاتلوهم، فقتل شمر وجميع من كان معه، واحتزوا رءوسهم، فاتوا بها احمر ابن ~~سليط، فوجهها الى المختار، فوجه المختار برأس شمر الى محمد بن الحنفيه ~~بالمدينة. # وسار مصعب بن الزبير بجماعه اهل البصره نحو المذار، وتخلف عنه المنذر ابن ~~الجارود، وهرب منه نحو كرمان في جماعه من اهل بيته، ودعا لعبد الملك ابن ~~مروان. PageV01P305 # واقبل مصعب حتى وافى المذار [1] ، وامامه الأحنف بن قيس في تميم. # وزحف الفريقان، بعضهم الى بعض، فاقتتلوا، فانهزم اصحاب المختار، واستحر ~~القتال فيهم، ومضوا نحو الكوفه، واتبعهم مصعب يقتلهم في جميع طريقه، فلم ~~يفلت منهم الا القليل. # فقال اعشى همدان في ذلك: # الم يبلغك ما لقيت شبام [2] ... وما لاقت عرينه بالمذار # اتيح لهم بها ضرب طلحق ... وطعن بالمثقفه الحرار # كان سحابه صعقت عليهم ... فعمتهم هنالك بالدمار # وما ان ساءني ما كان منهم ... لدى الاعسار منى واليسار # ولكنى فرحت وطاب نومي ... وقر لقتلهم منى قرارى # وان مصعبا سار بالجيوش نحو الكوفه، فعبر دجلة، وخرج الى ارض كسكر، ثم أخذ ~~على حديثه الفجار، ثم أخذ على النجرانية حتى قارب الكوفه. ### | قتل المختار # وبلغ المختار مقتل اصحابه، فنادى في بقية من كان معه من جنوده، فقواهم ~~بالأموال والسلاح، وسار بهم من الكوفه مستقبلا لمصعب بن الزبير، فالتقوا ~~بنهر البصريين، فاقتتلوا، فقتل من اصحاب المختار مقتله عظيمه، وقتل محمد بن ~~الاشعث، وقتل عمر بن على بن ابى طالب، ع. # وذلك انه قدم من الحجاز على المختار، فقال له المختار: # هل معك كتاب محمد بن الحنفيه؟ PageV01P306 # فقال عمر: لا، ما معى كتابه. # فقال له: انطلق حيث شئت فلا خير لك عندي. # فخرج من عنده، وسار الى مصعب، فاستقبله في بعض الطريق، فوصله بمائه الف ~~درهم، واقبل مع مصعب حتى حضر الوقعه، فقتل فيمن قتل من الناس. # وانهزم المختار حتى دخل الكوفه، وتبعه مصعب، فدخل في اثره، وتحصن المختار ~~في قصر الإمارة، فاقبل مصعب حتى اناخ ms229 عليه، وحاصره اربعين يوما. # ثم ان المختار قلق بالحصار قلقا عظيما، فقال [1] للسائب بن مالك الأشعري، ~~وكان من خاصته: # ايها الشيخ، اخرج بنا نقاتل على احسابنا لا على الدين. # فاسترجع السائب، وقال: يا أبا اسحق، لقد ظن الناس ان قيامك بهذا الأمر ~~دينونه. # فقال المختار: لا، لعمري ما كان الا لطلب دنيا، فانى رايت عبد الملك ابن ~~مروان قد غلب على الشام، وعبد الله بن الزبير على الحجاز، ومصعبا على ~~البصره، ونجده الحروري على العروض [2] ، وعبد الله بن خازم على خراسان، ~~ولست بدون واحد منهم، ولكن ما كنت اقدر على ما اردت الا بالدعاء الى الطلب ~~بثار الحسين. # ثم قال: # يا غلام، على بفرسي ولامتى. # فاتى بدرعه، فتدرعها، وركب فرسه. # ثم قال: قبح الله العيش بعد ما ارى، يا بواب، افتح. # ففتح له الباب. PageV01P307 # وخرج ومعه حماه اصحابه، فقاتل القوم قتالا شديدا، وانهزم اصحابه، ومضى هو ~~نحو القصر، وهو في حاميه اصحابه، فدخل القصر من اصحابه سته آلاف رجل، وبقي ~~مع المختار نحو من ثلاثمائه رجل، فاخذ اصحاب مصعب عليه باب القصر، فلجا ~~المختار فيمن معه الى حائط القصر، واقبل يذمر اصحابه، ويحمل. # فلم يزل يقاتل حتى قتل اكثر من كان معه. # فحمل عليه اخوان من بنى حنيفه من اصحاب المهلب، فضرباه بالسيف حتى سقط، ~~وبادرا اليه، فاحتزا راسه، فأتيا به مصعبا، فأعطاهما ثلاثين الف درهم. # فقال سويد بن ابى كاهل يذكر قتل المختار: # يا ليت شعرى متى تغدو مخيسه [1] ... منا فتبلغ اهل الموسم الخبرا # انا جزرنا عن الكذاب هامته ... من بعد طعن وضرب يكشف الخمرا # ووجه مصعب برأس المختار الى عبد الله بن الزبير مع عبد الله بن عبد ~~الرحمن. # قال عبد الله: فوافيت مكة بعد العشاء الآخرة، فأتيت المسجد، وعبد الله ~~ابن الزبير يصلى، قال: فجلست انتظره، فلم يزل يصلى الى وقت السحر، ثم انفتل ~~من صلاته، فدنوت منه، فناولته كتاب الفتح، فقراه، وناوله غلامه، وقال: # امسكه معك. # فقلت: يا امير المؤمنين، هذا الراس معى. # قال: فما تريد ms230؟. # قلت: جائزتي. # قال: خذ الراس الذى جئت به بجائزتك. # فتركته، وانصرفت. PageV01P308 ### | سلطان عبد الله بن الزبير # قالوا: ولما قتل المختار، واستتب الأمر لعبد الله بن الزبير، ارسل الى ~~عبد الله ابن عباس ومحمد بن الحنفيه: اما ان تبايعاني او تخرجا من جواري. # فخرجا من مكة، فنزلا الطائف، وأقاما هناك. # وتوفى عبد الله بن عباس بالطائف، وصلى عليه محمد بن الحنفيه. # وخرج محمد بن الحنفيه حتى اتى ايله [1] ، وكتب الى عبد الملك بن مروان، ~~يستاذنه في القدوم عليه، والنزول في جواره، فكتب اليه: وراءك اوسع لك، ولا ~~حاجه لي فيك. # فأقام محمد بن الحنفيه عامه ذلك بايله، ثم توفى بها. # وقتل المختار، وابراهيم بن الاشتر عامله على كوره الجزيرة، فكتب الى مصعب ~~يسأله الامان، وكتب اليه يأمره بالقدوم عليه، فقدم وبايعه، وفوض مصعب اليه ~~جميع امره، واظهر بره والطافه، ولم تزل السته الآلاف [2] الذين دخلوا القصر ~~متحصنين فيه شهرين، حتى نفد جميع ما كان المختار اعده فيه من الطعام، ~~فسألوا الامان، فأبى مصعب ان يعطيهم الامان الا على حكمه. # فأرسلوا اليه: انا ننزل على حكمك. # فنزلوا عند ما بلغ اليهم الجوع. # فضرب أعناقهم كلها، وكانوا سته آلاف: الفين من العرب، واربعه آلاف من ~~العجم. # ودعا مصعب بامرأتي المختار، أم ثابت ابنه سمره بن جندب، وعمره بنت ~~النعمان بن بشير، فدعاهما الى البراءة من المختار، فاما أم ثابت فإنها ~~تبرات منه، وأبت عمره ان تتبرأ منه. # فامر بها مصعب، فأخرجت الى الجبانة، فضربت عنقها. PageV01P309 # فقال بعض الشعراء في ذلك: # ان من اعجب العجائب عندي ... قتل بيضاء حره عطبول [1] # قتلوها بغير ذنب سفاها ... ان لله درها من قتيل # كتب القتل والقتال علينا ... وعلى المحصنات جر الذيول # وقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في ذلك: # الم تعجب الأقوام من قتل حرة ... من المخلصات الدين محموده الأدب؟ # من الغافلات المؤمنات بريئة ... من الزور والبهتان والشك والريب # علينا كتاب الله في القتل واجب ... وهن الضعاف في الحجال وفي الحجب # فقلت ولم اظلم، اعمرو ms231 بن مالك ... يقتل ظلما، لم يخالف ولم يرب # ويسبقنا آل الزبير بوترنا ... ونحن حماة الناس في البارق الاشب [2] # فان تعقب الأيام منهم نجازهم ... على حنق بالقتل والاسر والحنب [3] # ثم ان مصعب بن الزبير نزل القصر بالكوفه، واستعمل العمال، وجبى الخراج، ~~فولى البصره عبيد الله بن معمر التيمى، ورد المهلب الى قتال الازارقه. # قالوا: ولما صفا الأمر لعبد الله بن الزبير ودانت له البلدان الا ارض ~~الشام، جمع عبد الملك بن مروان اخوته، وعظماء اهل بيته، فقال لهم: ان مصعب ~~بن الزبير قد قتل المختار، ودانت له ارض العراق، وسائر البلدان، ولست آمنه ~~ان يغزوكم في عقر بلادكم، وما من قوم غزوا في عقر دارهم الا ذلوا، فما ~~ترون؟. # فتكلم بشر بن مروان، فقال: # يا امير المؤمنين، ارى ان تجمع إليك اطرافك، وتستجيش جنودك، وتضم إليك ~~قواصيك، وتسير اليه، وتلف الخيل بالخيل، والرجال بالرجال، والنصر من عند ~~الله. PageV01P310 # فقال القوم: هذا الرأي، فاعمل به، فان بنا قوه ونهوضا. # فوجه رسله الى كور الشام ليجتمع اليه، فاجتمع له جميع اجناد الشام، ثم ~~سار وقد احتشد، ولم ينزل. ### | خضوع العراق لجند الشام # وبلغ مصعب بن الزبير خروجه، فضم اليه اطرافه، وجمع اليه قواصيه، واستعد، ~~ثم خرج لمحاربته، فتوافى العسكران بدير الحانات، فقال عدى بن زيد بن عدى، ~~وكان مع عبد الملك: # لعمري لقد اصحرت خيلنا ... بأكناف دجلة للمصعب [1] # يجرون كل طويل الكعوب ... معتدل النصل والثعلب [2] # بكل فتى واضح وجهه ... كريم الضرائب [3] والمنصب # ولما نظر اصحاب مصعب الى كثره جموع عبد الملك تواكلوا، وشملهم الرعب، ~~فقال مصعب لعروه بن المغيره، وهو يسايره: # ادن يا عرو اكلمك. # فدنا منه. # فقال: أخبرني عن الحسين، كيف صنع حين نزل به الأمر؟ # قال عروه: فجعلت احدثه بحديث الحسين، وما عرض عليه ابن زياد من النزول ~~على حكمه، فأبى ذلك، وصبر للموت. # فضرب مصعب معرفه [4] دابته بالسوط، ثم قال: # فان الالى بالطف [5] من آل هاشم ... تأسوا فسنوا للكرام التأسيا # وان عبد الملك كتب الى رؤساء اصحاب مصعب يستميلهم اليه ms232، ويعرض عليهم ~~الدخول في طاعته، ويبذل لهم على ذلك الأموال. PageV01P311 # وكتب الى ابراهيم بن الاشتر فيمن كتب. # فاقبل ابراهيم بالكتاب مختوما فناوله مصعبا، وقال: # ايها الأمير، هذا كتاب الفاسق عبد الملك بن مروان. # قال له مصعب: فهلا قراته. # قال: ما كنت لافضه، ولا اقراه الا بعد قراءتك له. # ففضه مصعب، وإذا فيه: # بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك امير المؤمنين الى ~~ابراهيم ابن الاشتر، اما بعد، فانى اعلم ان تركك الدخول في طاعتي ليس الا ~~عن معتبه، فلك الفرات وما سقى، فانجز الى فيمن أطاعك من قومك، والسلام. # فقال مصعب: فما يمنعك يا ابن النعمان؟ # قال: لو جعل لي ما بين المشرق الى المغرب ما اعنت بنى اميه على ولد صفيه. # فقال مصعب: جزيت خيرا أبا النعمان. # فقال ابراهيم لمصعب: ايها الأمير، لست اشك ان عبد الملك قد كتب الى عظماء ~~أصحابك بنحو مما كتب الى، وانهم قد مالوا اليه، فائذن لي في حبسهم الى ~~فراغك، فان ظفرت مننت بهم على عشائرهم، وان تكن الاخرى كنت قد أخذت بالحزم. # قال مصعب: اذن يحتجوا على عند امير المؤمنين. # فقال ابراهيم: ايها الأمير، لا امير المؤمنين والله لك اليوم، وما هو الا ~~الموت، فمت كريما. # فقال مصعب: يا أبا النعمان، انما هو انا وأنت فنقدم للموت. # قال ابراهيم: اذن، والله افعل. # قال: ولما نزلوا بدير الجاثليق [1] باتوا ليلتهم. PageV01P312 # فلما أصبحوا نظر ابراهيم بن الاشتر، فإذا القوم الذين اتهمهم قد ساروا ~~تلك الليلة، فلحقوا بعبد الملك بن مروان، فقال لمصعب: # كيف رايت رأيي؟. # ثم زحف بعضهم الى بعض، فاقتتلوا، فاعتزلت ربيعه، وكانوا في ميمنه مصعب، ~~وقالوا لمصعب: لا نكون معك ولا عليك. # وثبت مع مصعب اهل الحفاظ، فقاتلوا، وامامهم ابراهيم بن الاشتر، فقتل ~~ابراهيم. # فلما راى مصعب ذلك، استمات، فترجل، وترجل معه حماه اصحابه، فقاتلوا حتى ~~قتل عامتهم، وانكشف الباقون عن مصعب. # فحمل عليه عبد الله بن ظبيان، فضربه من ورائه بالسيف، ولا يشعر به مصعب، ~~فخر صريعا، فنزل واجهز ms233 عليه، واحتز راسه. # فاتى به عبد الملك، فخزن عليه حزنا شديدا، وقال: متى تغدو قريش مثل مصعب؟ ~~وددت لو انه قبل الصلح، وانى قاسمته مالي. # ولما قتل مصعب بن الزبير استامن من بقي من اصحابه الى عبد الملك، فامنهم. # فقال عبد الله بن قيس الرقيات: # لقد ورد المصرين خزى وذله ... قتيل بدير الجاثليق مقيم # فما صبرت في الحرب بكر بن وائل ... ولا ثبتت عند اللقاء تميم # ولكنه ضاع الذمار فلم يكن ... بها عربي عند ذاك كريم # وكان قتل مصعب يوم الخميس للنصف من جمادى الاولى سنه اثنتين وسبعين [1] . # فارتحل عبد الملك بالناس حتى دخل الكوفه، فدعاهم الى البيعه، فبايعوه. # ثم جهز الجيوش الى تهامه لمحاربه عبد الله بن الزبير، وولى الحرب قدامه ~~ابن مظعون، وامره بالمسير. # وانصرف عبد الملك الى الشام. PageV01P313 ### | مقتل عبد الله بن الزبير # ثم وجه الحجاج بن يوسف لمحاربه عبد الله بن الزبير، وعزل قدامه بن مظعون، ~~فسار الحجاج حتى نزل الطائف، واقام شهرا. # ثم كتب الى عبد الملك: انك يا امير المؤمنين متى تدع ابن الزبير يعمل ~~فكره، ويستجيش ويجمع انصاره، وتثوب اليه فلاله كان في ذلك قوه له، فائذن في ~~معاجلته لي. # فاذن له. # فقال الحجاج لأصحابه: تجهزوا للحج. # وكان ذلك في ايام الموسم. # ثم سار من الطائف حتى دخل مكة، ونصب المنجنيق على ابى قبيس [1] . # فقال الاقيشر الأسدي: # لم أر جيشا غر بالحج مثلنا ... ولم أر جيشا مثلنا غير ما خرس # دلفنا لبيت الله نرمي ستوره ... باحجارنا زفن الولائد في العرس [2] . # دلفنا له يوم الثلاثاء من منى ... بجيش كصدر الفيل ليس بذى راس # فالا ترحنا من ثقيف وملكها ... نصل لايام السباسب والنحس [3] . # فطلبه الحاج، فهرب، واناخ الحجاج بابن الزبير. # وتحصن منه ابن الزبير في المسجد. # واستعمل الحجاج على المنجنيق ابن خزيمة [4] ، فجعل يرمى اهل المسجد ~~ويقول: # خطاره مثل الفنيق الملبد ... نرمي بها عواذ اهل المسجد [5] PageV01P314 # فلما اشتد على ابن الزبير واصحابه الحصار، خرجت بنو سهم من بابهم، فقال ~~ابن الزبير: # فرت سلامان، وفرت النمر ms234 ... وقد تكون معهم فلا تفر # وجعل اهل الشام يدخلون عليه المسجد، فيشد عليهم، فيخرجهم من المسجد حتى ~~رمى بحجر، فأصاب جبهته، فسقط لوجهه، ثم تحامل، فقام، وهو يقول: # فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدما # ثم قال لأصحابه: اخرجوا الى من بالباب، واحملوا، ولا يلهينكم طلبى، ~~والسؤال عنى، فانى في الرعيل الاول. # فخرج، وخرجوا معه، فقاتل قتالا شديدا حتى قتل عامه من كانوا معه، واحدقوا ~~به من كل جانب، فضربوه بأسيافهم حتى قتلوه. # فامر به الحجاج، فصلب. # فمر به عبد الله بن عمر، فقال: # رحمك الله أبا بكر، اما والله لقد كنت صواما قواما، غير انك رفعت الدنيا ~~فوق قدرها، وليست لذلك باهل، وان أمه أنت شرها لامه صدق. # وكان مقتل ابن الزبير يوم الثلاثاء لسبع عشره ليله خلت من جمادى الآخرة، ~~سنه ثلاث وسبعين [1] . # ولما قتل عبد الله بن الزبير خرج اخوه عروه بن الزبير هاربا من الحجاج ~~حتى اتى الشام، فاستجار بعبد الملك بن مروان، فاجاره، واظهر إكرامه، واقام ~~عنده. # فكتب الحجاج الى عبد الملك به ان اموال عبد الله بن الزبير عند أخيه ~~عروه، فرده الى لاستخرجها منه. # فقال عبد الملك لبعض احراسه: # انطلق بعروة الى الحجاج. PageV01P315 # فقال عروه: # يا بنى مروان، ما ذل من قتلتموه، بل ذل من ملكتموه. # فتذمم عبد الملك، وخلى سبيل عروه. # وكتب الى الحجاج: اله عن عروه، فلن أسلطك عليه. # فأقام الحجاج بمكة حتى اقام للناس الحج. # وامر بالكعبه فنقضت، واعاد بناءها، وهو هذا البناء القائم اليوم. # وفي ذلك العام توفى عبد الله بن عمر، وله اربع وسبعون سنه. فدفن بذى طوى ~~[1] في مقبره المهاجرين. # وكان يكنى أبا عبد الرحمن. # وفيها مات ابو سعيد الخدرى، واسمه سعد بن مالك. # وفيها مات رافع بن خديج، وله ست وثمانون سنه، وكان يكنى أبا عبد الله. ### | سك النقود العربية # قالوا: وامر عبد الملك بضرب الدراهم سنه ست وسبعين، ثم امر بعد ذلك بضرب ~~الدنانير، وهو أول من ضربها في الاسلام. # وانما كانت ms235 الدراهم والدنانير قبل ذلك مما ضربت العجم. # وفي تلك السنه مات جابر بن عبد الله، وله سبع وتسعون سنه. ### | ابن الاشعث وفتنته # ثم خرج عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث بن قيس على الحجاج. # وكان سبب خروجه انه دخل على الحجاج يوما، فقال له الحجاج: # انك لمنظر انى. # قال عبد الرحمن: اى والله، ومخبرانى. # وقام عبد الرحمن، فخرج. PageV01P316 # فقال الحجاج لمن كان عنده: # ما نظرت الى هذا قط، الا اشهيت ان اضرب عنقه. # وكان عامر الشعبى حاضرا. # وان عبد الرحمن لما خرج قعد بالباب حتى خرج الشعبى، فقام عبد الرحمن ~~اليه. # فقال له: هل ذكرني الأمير بعد خروجى من عنده بشيء؟ # فقال الشعبى: أعطني عهدا وثيقا الا يسمعه منك احد. # فاعطاه ذلك. # فاخبره بما كان الحجاج قال فيه. # فقال عبد الرحمن: # والله لاجهدن في قطع خيط رقبته. # ثم ان عبد الرحمن دب في عباد اهل الكوفه وقرائهم، فقال: # ايها الناس، الا ترون هذا الجبار يعنى الحجاج وما يصنع بالناس؟ # الا تغضبون لله؟ الا ترون ان السنه قد أميتت، والأحكام قد عطلت، والمنكر ~~قد اعلن، والقتل قد فشا؟ اغضبوا لله، واخرجوا معى، فما يحل لكم السكوت. # فلم يزل يدب في الناس بهذا وشبهه حتى استجاب له القراء والعباد، وواعدهم ~~يوما يخرجون فيه. # فخرجوا على بكره ابيهم، واتبعهم الناس، فساروا حتى نزلوا الاهواز، ثم ~~كتبوا الى الحجاج: # خلع الملوك وسار تحت لوائه ... شجر العرى وعراعر الأقوام [1] # فأرسل الحجاج كتابه الى عبد الملك بن مروان. # فكتب عبد الملك في جوابه: # وانى وإياهم كمن نبه القطا ... ولو لم ينبه باتت الطير لا تسرى [2] # اخال صروف الدهر للحين منهم ... ستحملهم منى على مركب وعر PageV01P317 # قالوا: واهديت لعبد الملك في ذلك اليوم جاريه إفريقية، أهداها اليه موسى ~~ابن نصير، عامله على ارض المغرب، وكانت من اجمل نساء دهرها، فباتت عنده تلك ~~الليلة، فلم ينل منها شيئا اكثر من ان غمز كفها، وقال لها: ان دونك امنيه ~~المتمنى. # قالت: فما يمنعك؟ # قال: يمنعني بيت مدحنا به، وهو ms236: # قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت باطهار # فزعموا انه مكث سبعه اشهر لا يقرب امراه حتى أتاه قتل عبد الرحمن بن ~~محمد. # ثم ان الحجاج بعث أيوب بن القرية الى عبد الرحمن بن محمد، وقال: # انطلق، فادفعه الى الطاعة، وله الامان على ما سلف من ذنبه. # فانطلق اليه ابن القرية، فدعاه، فابلغ في الدعاء، فقال له عبد الرحمن: # ويحك يا ابن القرية، ايحل لك طاعته مع ارتكابه العظائم، واستحلاله ~~المحارم؟ اتق الله يا ابن القرية، ووال عباد الله في البريه. # ولم يزل عبد الرحمن بابن القرية يختدعه حتى ترك ما ارسل فيه، واقام مع ~~عبد الرحمن، فقال له عبد الرحمن: # انى اريد ان اكتب الى الحجاج كتابا مسجعا، اعرفه فيه سوء فعاله، وابصره ~~قبح سريرته، فامله على. # فقال أيوب: ان الحجاج يعرف الفاظى. # قال: وما عليك، انى لأرجو ان نقتله عن قريب. # فاملى عليه، فكتب: # بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الرحمن بن محمد، الى الحجاج بن يوسف، ~~سلام على اهل طاعه الله، الذين يحكمون بما انزل الله، ولا يسفكون دما ~~حراما، ولا يعطلون لله احكاما، فانى احمد الله الذى بعثني لمنازلتك، وقواني ~~على محاربتك # PageV01P318 # حين تهتكت ستورك، وتحيرت امورك، فأصبحت حيران تائها، لهفان لا تعرف حقا، ~~ولا تلائم صدقا، ولا ترتق فتقا، ولا تفتق رتقا، وطالما تطاولت فيما تناولت، ~~فصرت في الغى مذبذبا، وعلى الشراره مركبا، فتدبر امرك، وقس شبرك بفترك [1] ~~، فإنك مراق عراق [2] ، ومعك عصابه فساق، جعلوك مثالهم، كحذوهم نعالهم، ~~فاستعد للابطال بالسيوف والعوال [3] ، فستذوق وبال امرك، ويرجع عليك غيك، ~~والسلام. # فلما قرأ الحجاج الكتاب عرف الفاظ ابن القرية، وعلم انه من املائه. # فكتب الى عبد الرحمن في جوابه. # بسم الله الرحمن الرحيم، من الحجاج بن يوسف الى عبد الرحمن بن الاشعث، ~~سلام على اهل التورع لا التبدع، فانى احمد الله الذى حيرك بعد البصيره، ~~فمرقت عن الطاعة، وخرجت عن الجماعه، فعسكرت في الكفر، وذهلت عن الشكر، فلا ~~تحمد الله في سراء، ولا تصبر لأمره ms237 في ضراء، قد أتاني كتابك بلفظات فاجر، ~~فاسق غادر، وسيمكن الله منه، ويهتك ستوره، اما بعد فهلم الى فعل وفعال، ~~ومعانقه الابطال بالبيض والعوال، فان ذلك احرى بك من قيل وقال، والسلام على ~~من اتبع الهدى، وخشي الله، واتقى. # وان عبد الملك وجه الى الحجاج عشره آلاف رجل من فرسان اهل الشام لمحاربه ~~عبد الرحمن بن محمد. # فلما قدموا عليه تجهز، وسار نحو عبد الرحمن، فالتقوا بالاهواز، فاقتتلوا، ~~فانهزم عبد الرحمن، ومضى على وجهه، فمر على رجل من اصحابه مسلوب حاف، يمشى ~~ويعثر. PageV01P319 # فأنشأ عبد الرحمن يقول: # منخرق الخفين يشكو الوجى ... تنكئه اطراف مرو حداد [1] # اخرجه الخذلان عن أرضه ... كذلك من يكره حر الجلاد # ان كان في الموت له راحة ... فالموت حتم في رقاب العباد # فقال الرجل: # فهلا ثبت، فنقاتل معك. # فقال له عبد الرحمن: # اوبمثلك تسد الثغور؟!. # ومضى عبد الرحمن حتى استجار بملك الاتراك، فأقام عنده. # فكتب عبد الملك الى ملك الاتراك، يخبره بشقاق عبد الرحمن، وخلعه الطاعة، ~~وخروجه عليه، ويسأله ان يرده عليه. # فقال ملك الاتراك لطراخنته [2] : # ان ابن الاشعث هذا رجل مخالف للملوك، فلا ينبغى لي ان آويه، بل ابعث به ~~الى ملكه، فيتولى من امره ما أحب. # فوجه به مع مائه رجل من ثقاته، فانزلوه في طريقه قصرا في قريه، فرقى الى ~~ظهر القصر، ورمى بنفسه من السور، فمات. # وان أيوب بن القرية اسر فيمن اسر من اصحاب عبد الرحمن، فادخل به على ~~الحجاج. # فلما ادخل عليه، قال له: # يا عدو الله، بعثتك رسولا الى عبد الرحمن، فتركت ما بعثت له، وصرت وزيرا ~~ومشيرا، تصدر له الكتب، وتسجع له الكلام، وتدبر له الأمور. PageV01P320 # فقال ابن القرية: # اصلح الله الأمير، كان شيطانا في مسك انسان، استمالني بسحره، وخلبنى ~~بلفظه، فكان اللسان ينطق بغير ما في القلب. # قال الحجاج: # كذبت يا ابن اللخناء [1] ، بل كان قلبك منافقا، ولسانك مدامجا، فكتمت ~~امرا اظهره الله، واطعت فاسقا خذله الله، فما بقي من نعتك؟ # قال ابن القرية: ذهني جديد، وجوابي عتيد ms238. # قال: كيف علمك بالأرض؟ # قال: ليسألني الأمير عما أحب. # قال: أخبرني عن الهند. # قال: بحرها در، وجبلها ياقوت، وشجرها عطر. # قال: فأخبرني عن مكران. # قال: ماؤها وشل [2] ، وتمرها دقل [3] ، وسهلها جبل، ولصها بطل، ان كثر ~~الجيش بها جاعوا، وان قلوا ضاعوا. # قال: فخراسان. # قال: ماؤها جامد، وعدوها جاهد، بأسهم شديد، وشرهم عتيد، وخيرهم بعيد. # قال: فاليمن. # قال: ارض العرب، ومعدن الذهب. # قال: فعمان. # قال: حرها شديد، وصيدها موجود، وأهلها عبيد. PageV01P321 # قال: فالبحرين. # قال: كناسه [1] بين مصرين، وجنه بين بحرين. # قال: فمكه. # قال: قوم ذوو جفاء، ومن سجيتهم الوفاء. # قال: فالمدينة. # قال: ذوو لطف وبر، وخير وشر. # قال: فالبصره. # قال: حرها فادح، وماؤها مالح، وفيضها سائح. # قال: فالكوفة. # قال: جنه بين حماه وكنه [2] ، العراق تحشد لها، والشام يدر عليها، سفلت ~~عن برد الشام، وارتفعت عن حر الحجاز. # قال: فالشام. # قال: تلك عروس بين نسوه جلوس، تجلب إليها الأموال، وفيها الضراغمه ~~الابطال. # قال له الحجاج: ثكلتك أمك، أنت المصدر الكتب لابن الاشعث، الم تعلم انى ~~لا اصاحب على الشقاق، ولا اجامع على النفاق؟ # قال ابن القرية: استبقني ايها الأمير. # قال: لماذا؟ # قال: لنبوه بعد هفوة. # قال الحجاج: لا، بل لغدره بعد نكثه، يا غلام، ناولني الحربه. # وقد امسك ابن القرية اربعه رجال فلا يستطيع تحريكا، وهز الحجاج الحربه ~~ثلاثا. PageV01P322 # فقال ابن القرية: اسمع منى ثلاث كلمات، تكن بعدي مثلا. # قال: هات. # قال: لكل جواد كبوه، ولكل حليم هفوة، ولكل شجاع نبوه. # فوضع الحجاج الحربه في ثندوه ابن القرية، ودفعها حتى خالطت جوفه، ثم ~~خضخضها [1] ، وأخرجها، فاتبعها دم اسود. # فقال الحجاج: # هكذا تشخب أوداج الإبل. # وفحص ابن القرية برجليه وشخص بصره، وجعل الحجاج ينظر اليه حتى قضى. # فحمل في النطع [2] . # فقال الحجاج: # لله درك يا ابن القرية، اى ادب فقدنا منك، واى كلام رصين سمعنا منك. # ودخل بعد ذلك انس بن مالك. # فقال له الحجاج: # هيه يا انس، يوما مع المختار، ويوما مع ابن الاشعث، جوال في الفتن، والله ~~لقد هممت ان اطحنك ms239 طحن الرحى بالثفال [3] ، واجعلك غرضا للنبال. # قال انس: من يعنى الأمير؟ اصلحه الله. # قال: إياك اعنى، اسك الله سمعك. # فانصرف انس الى منزله، وكتب من ساعته الى عبد الملك بن مروان: # بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عبد الملك امير المؤمنين من انس بن ~~مالك، PageV01P323 # اما بعد، فان الحجاج قال لي نكرا، واسمعنى هجرا، ولم أكن لذلك أهلا، فخذ ~~على يديه، وأعدني عليه، والسلام. # فلما قرأ عبد الملك كتاب انس استشاط غضبا، ثم كتب اليه. # هيه يا ابن يوسف، اردت ان تعلم راى امير المؤمنين في انس، فان سوغك مضيت ~~قدما، وان لم يسوغك رجعت القهقرى، يا ابن المستفرمة بعجم الزبيب [1] ، ~~انسيت مكاسب آبائك بالطائف في حفر الابار، وسد السكور [2] ، وحمل الصخور ~~على الظهور؟ ابلغ من جرأتك على امير المؤمنين ان تعنت بانس ابن مالك، خادم ~~رسول الله ص ست سنين، يطلعه على سره، ويفشى اليه الاخبار التي كانت تأتيه ~~عن ربه؟ فإذا أتاك كتابي هذا فامش اليه على قدميك حتى تأخذ كتابه الى ~~بالرضى، والسلام. # فلما وصل كتاب عبد الملك الى الحجاج قال لمن حوله من اصحابه: قوموا بنا ~~الى ابى حمزه. فقام ماشيا. # ومضى معه اصحابه حتى اتى أنسا، فاقراه كتاب عبد الملك اليه. # فقال انس: جزى الله امير المؤمنين خيرا، كذلك كان رجائى فيه. # قال له الحجاج: فان لك العتبى، وانا صائر الى مسرتك، فاكتب الى امير ~~المؤمنين بالرضى. # فكتب اليه انس بالرضى عنه. # ودفعه الى الحجاج، فانفذه الحجاج على البريد الى عبد الملك. ### | نهاية عبد الملك بن مروان # قالوا: ولما حضرت عبد الملك الوفاة، وذلك في سنه ست وثمانين أخذ البيعه ~~PageV01P324 # لابنه الوليد، وكان ولده: الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام، ومسلمه، ومحمد. # ثم قال للوليد: يا وليد، لا الفينك إذا وضعتني في حفرتي ان تعصر عينيك ~~كالأمة الورهاء [1] بل ائتزر وشمر، والبس جلد النمر، وادع الناس الى البيعه ~~ثانيا، فمن قال برأسه كذا، فقل بالسيف كذا. ووعك وعكا شديدا. # فلما اصبح جاء الوليد، فقام بباب المجلس، وهو ms240 غاص بالنساء، فقال: # كيف اصبح امير المؤمنين؟ # قيل له: يرجى له العافيه. # وسمع عبد الملك ذلك، فقال: # وكم سائل عنا يريد لنا الردى ... وكم سائلات والدموع ذوارف # ثم امر بالنساء، فخرجن. # واذن لبنى اميه فدخلوا عليه وفيهم خالد وعبد الله ابنا يزيد بن معاويه ~~فقال لهما: # يا بنى يزيد، اتحبان ان اقيلكما بيعه الوليد؟ # قالا: معاذ الله، يا امير المؤمنين. # قال: لو قلتما غير ذلك لأمرت بقتلكما على حالتي هذه. # ثم خرجوا عنه، واشتد وجعه، فتمثل ببيت اميه بن ابى الصلت: # ليتنى كنت قبل ما قد بدا لي ... في قلال الجبال ارعى الوعولا # فلم يمس يومه ذلك حتى قضى. # وكان سلطانه احدى وعشرين سنه وسته اشهر، وكان له يوم مات ثمان وخمسون ~~سنه، من ذلك سبع سنين، كان فيها محاربا لعبد الله بن الزبير، ثم صفا له ~~الملك بعد قتله ابن الزبير ثلاثة عشر سنه ونصفا. PageV01P325 ### | الوليد بن عبد الملك # ولما انصرف الوليد من قبل ابيه قصد المسجد الأعظم، واجتمع اليه الناس، ~~فبايعوه. # وعقد لعمر بن عبد العزيز بن مروان على الحرمين. # فنزل المدينة، فدعا بعشره نفر من افاضل أهلها، منهم عروه بن الزبير، ~~وعبيد الله بن عتبة، وابو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وابو بكر ~~ابن سليمان بن ابى حثمه، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد ~~الله، فاجتمعوا، فدخلوا عليه، فقال: # اعلموا اننى لست اقطع امرا الا برأيكم ومشورتكم، فأشيروا على. # قالوا: نفعل ايها الأمير، جزيت على ما تنوى خير ما جزى مؤثر لمرضاه ربه. ~~ثم خرجوا. ### | اصلاح الحرم النبوي # ثم كتب الوليد الى عمر بن عبد العزيز، ان يشترى الدور التي حول مسجد رسول ~~الله ص، فيزيدها في المسجد، ويجدد بناء المسجد. # وكتب الى ملك الروم يعلمه ما هم به من ذلك، ويسأله ان يبعث اليه ما ~~استطاع من الفسيفساء [1] فوجه اليه منها اربعين وسقا [2] . # فبعث به الى عمر بن عبد العزيز، فهدم عمر المسجد، وزاد فيه، وبناه، وزينه ~~بالفسيفساء. PageV01P326 ### | فتح بخارى ms241 وسمرقند # وكان على خراسان من قبل الحجاج قتيبة بن مسلم الباهلى. # فكتب اليه الحجاج يأمره بعبور النهر نهر بلخ، وان يفتح تلك البلاد. ~~فاستعد قتيبة، وسار في المفازة التي بين مدينه مرو وبين مدينه آمويه، وهي ~~ذات رمال وغضى [1] ، فصار الى آمويه، ثم عبر النهر وسار الى بخارى. # وكان ملك تلك الارضين يسمى صول وكان ملكه على جميع ما وراء النهر، فلقيه ~~الملك، فحاربه قتيبة، فهزمه، وهرب صول نحو الصغانيان. # فاحتوى قتيبة على بخارى وحيزها، فولى عليها رجلا. # وسار حتى وافى بلاد السغد [2] ، فأناخ على مدينتها العظمى، وهي سمرقند، ~~فحاصرها أشهرا. # فوجه اليه دهقانها [3] : انك لو اقمت على مدينتي هذه عمرك لم تصل إليها، ~~لأنا نجد في كتب آبائنا، انه لا يقدر عليها الا رجل اسمه بالان، لست اياه، ~~فامض لشأنك. # فزعموا ان قتيبة احتال لما يئس من مكابرتها، فهيأ صناديق، وجعل لها ~~أبوابا من أسافلها، تغلق من داخل، وتفتح، وجعل في كل صندوق رجلا مستلئما، ~~معه سيفه، واقفل أبوابها العليا. # ثم ارسل الى الدهقان: اما إذا كان هذا هكذا، فانى راحل عنك الى ~~الصغانيان، وناحيتها، ومعى فضول اموال وسلاح، فوادعنى، واحرز هذه الصناديق ~~عندك الى عودي ان سلمت. # فأجابه الى ذلك، وتقدم قتيبة الى الرجال ان يفتحوا أبواب الصناديق في جوف ~~الليل، فيخرجوا، ثم يصيروا الى باب المدينة فيفتحوه. # وامر الدهقان بالصناديق، فادخلت المدينة. PageV01P327 # فلما جن الليل، وهدأ الناس خرج الرجال مستلئمين، معهم السيوف، لا ~~يستقبلهم احد الا قتلوه، حتى أتوا باب المدينة، فقتلوا الحرس، وفتحوا ~~الباب. # ودخل قتيبة بالجيش، ووقعت الواعية، وهرب الدهقان في سرب [1] ، فلحق ~~بالملك، وصارت سمرقند في قبضه قتيبة، فخلف عليها رجلا. # وسار حتى اتى الصغانيان، فهرب الملك منهم حتى صار في بلاد الترك، ووغل ~~فيها، وخلى المملكة لقتيبه. # فدخل قتيبة الصغانيان، ووجه عماله الى كش [2] ونسف [3] ، وافتتح جميع ما ~~وراء النهر، وجميع تخارستان، ولم يبق من خراسان شيء الا افتتحه. # ولم يزل قتيبة بخراسان سنين حتى شغب عليه اجناده، فقتلوه. # فاستعمل الوليد بن عبد ms242 الملك عليها الجراح بن عبد الله الحكمي. # وحج الوليد بن عبد الملك في سنه احدى وتسعين، وقد فرغ عمر بن عبد العزيز ~~من بناء مسجد الرسول ص، فدخله، وطاف به، ونظر الى بنائه. # ولم يكن بقي في زمن الوليد من الصحابه الا نفر يسير، منهم بالمدينة، سهل ~~ابن سعد الساعدي، وكان يكنى أبا العباس، توفى في آخر خلافه الوليد، وكان ~~يوم مات ابن مائه سنه، ومنهم جابر بن عبد الله. # وبالبصرة انس بن مالك. # وبالكوفه عبد الله بن ابى اوفى. # وبالشام ابو امامه الباهلى. ### | موت الحجاج # وفي السنه الخامسه من خلافه الوليد مات الحجاج بواسط، وله اربع وخمسون ~~سنه، وكانت امرته على العراق عشرين سنه. PageV01P328 # منها في خلافه عبد الملك خمس عشره سنه، وفي خلافه الوليد خمس سنين. # وقد كان قتل سعيد بن جبير قبل موته بأربعين يوما. # قالوا: وكان يقول في طول مرضه إذا هجر: ما لي ولك يا ابن جبير؟ # وقتل ابن جبير وهو ابن تسع واربعين سنه، وكان يكنى أبا عبد الله، وكان ~~ولاؤه لبنى اميه. ### | سليمان بن عبد الملك # ولما تم للوليد بن عبد الملك تسع سنين وسته اشهر حضرته الوفاة، فاسند ~~الملك الى أخيه سليمان بن عبد الملك. # فبويع سليمان في جمادى الآخرة سنه ست وتسعين، وسليمان يومئذ من أبناء سبع ~~وثلاثين سنه. # فملك سليمان سنتين وثمانية اشهر، ثم مرض مرضته التي مات فيها. # فلما ثقل كتب كتابا، وختمه، ولم يدر احد ما كتب فيه، ثم قال لصاحب شرطه: # اجمع إليك اخوتى، وعمومتي، وجميع اهل بيتى، وعظماء اجناد الشام، واحملهم ~~على البيعه لمن سميت في هذا الكتاب، فمن ابى منهم ان يبايع، فاضرب عنقه، ~~ففعل. # فلما اجتمعوا في المسجد امرهم بما امر به سليمان. # فقالوا: أخبرنا، من هو؟ لنبايعه على بصيره. # فقال: والله ما ادرى من هو، وقد أمرني ان اضرب عنق من ابى. # قال رجاء بن حيوه: فدخلت على سليمان، فاكببت عليه، وقلت: # يا امير المؤمنين، من صاحب الكتاب الذى أمرتنا بمبايعته؟ # فقال: ان ms243 اخوى يزيد وهشاما لم يبلغا ان يؤتمنا على الامه، فجعلتها للرجل ~~الصالح، ### | عمر بن عبد العزيز # ، فإذا توفى عمر رجع الأمر إليهما. # PageV01P329 # فخرج رجاء بن حيوه، فاخبر يزيد وهشاما بذلك، فرضيا، وسلما، وبايعا، ثم ~~بايع بعدهما جميع الناس. # وكان اكبر ولده يومئذ محمد بن سليمان، فكانت له اثنتا عشره سنه. # وجعل يقول، وهو يجود بنفسه: # ان بنى صبية صيفيون ... افلح من كان له ربعيون # وذكر عن الكلبى انه قال: بعث الى سليمان بن عبد الملك، فدخلت عليه، وقد ~~انتفخ سحرى [1] ، فسلمت عليه بالخلافة، فرد على السلام. # ثم أومأ الى، فجلست، فسكت عنى حتى إذا سكن جاشى، قال لي: يا كلبى، ان ~~ابنى محمدا قره عيني وثمره قلبي، وقد رجوت ان يبلغ الله به افضل ما بلغ ~~رجلا من اهل بيته، وقد وليتك تأديبه، فعلمه القرآن، وروه الاشعار، فان ~~الشعر ديوان العرب، وفهمه ايام الناس، وخذه بعلم الفرائض، وفهمه السنن، ولا ~~تفتر عنه ليلا ونهارا، فإذا أخطأ بكلمة، او زل بحرف، او هفا بقول، فلا ~~تؤنبه بين يدي جلسائه، ولكن إذا خلا لك مجلسك، لئلا تمحكه [2] ، وإذا دخل ~~عليه الناس للتسليم، فخذه بألطافهم واظهار برهم، وإذا حيوه فليحيهم باحسن ~~منها، وأطيبا لمن حضر بمائدتكما الطعام، واحمله على طلاقه الوجه، وحسن ~~البشر، وكظم الغيظ، وقله القذر، والتثبت في المنطق، والوفاء بالعهد، وتنكب ~~الكذب، ولا يركبن فرسا مخذوفا [3] ، ولا مهلوبا [4] ولا يركبن بسرج صغير، ~~فتبدو اليتاه منه. # قال: فلم يلبث سليمان بعد ذلك الا قليلا حتى مات. PageV01P330 ### | عمر بن عبد العزيز # واسند الأمر الى عمر بن عبد العزيز. # قالوا: فلما استخلف قعد للناس على الارض. # فقيل له: لو امرت ببساط يبسط لك، فتجلس، ويجلس الناس عليه كان ذلك اهيب ~~لك في قلوب الناس. # فتمثل: # قضى ما قضى فيما مضى، ثم لا ترى ... له صبوه احدى الليالى الغوابر # ولولا التقى من خشيه الموت والردى ... لعاصيت في حب الصبا كل زاجر # وكان إذا جلس للناس قال بسم الله، وبالله، وصلى الله على رسول الله، ~~أفرأيت ms244 إن متعناهم سنين، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون، ما أغنى عنهم ما كانوا ~~يمتعون [1] ثم تمثل بهذه الأبيات: # نسر بما يبلى، ونشغل بالمنى ... كما سر بالأحلام في النوم حالم # نهارك يا مغرور سهو وغفله ... وليلك نوم، والردى لك لازم # وسعيك فيما سوف تكره غبه ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم # ثم نصب نفسه لرد المظالم. # وبدا ببني اميه، وأخذ ما كان في ايديهم من الغصوب [2] ، فردها على أهلها. # ودخل عليه اناس من خاصته، فقالوا: # يا امير المؤمنين، الا تخاف غوائل قومك؟. # فقال: ابيوم سوى يوم القيامه تخوفوننى؟ فكل خوف اتقيه قبل يوم القيامه لا ~~وقيته. # فلما تم لخلافته سنتان وخمسه اشهر مات. PageV01P331 ### | يزيد بن عبد الملك # وافضى الأمر الى يزيد بن عبد الملك في أول سنه مائه واحدى. # فولى المصرين أخاه مسلمه بن عبد الملك. # وكان مسلمه ذا عقل كامل وادب فاضل، فاستعمل مسلمه على خراسان سعيد ابن ~~عبد العزيز بن الحكم بن ابى العاص بن اميه. ### | ظهور الدعوة الى العباسيين # قالوا: وفي ذلك العام [1] توافدت الشيعة على الامام محمد بن على بن عبد ~~الله ابن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، وكان مستقره بأرض الشام، بمكان يسمى ~~الحميمه وكان أول من قدم من الشيعة ميسره العبدى، وابو عكرمه السراج، ومحمد ~~بن خنيس، وحيان العطار. # فقدم هؤلاء عليه، فارادوه على البيعه، وقالوا له: # ابسط يدك لنبايعك على طلب هذا السلطان، لعل الله ان يحيى بك العدل، ويميت ~~بك الجور، فان هذا وقت ذلك، وأوانه، والذى وجدناه مأثورا عن علمائكم. # فقال لهم محمد بن على: هذا أوان ما نامل ونرجو من ذلك، لانقضاء مائه من ~~التاريخ، فانه لم تنقض مائه سنه على أمه قط الا اظهر الله حق المحقين، ~~وابطل باطل المبطلين، لقول الله جل اسمه أو كالذي مر على قرية وهي خاوية ~~على عروشها، قال، أنى يحيي هذه [2] الله بعد موتها فأماته الله مائة عام، ~~ثم بعثه [3] فانطلقوا ايها النفر، فادعوا الناس في رفق وستر، فانى أرجو ان ~~يتمم الله امركم ms245، ويظهر دعوتكم، ولا قوه الا بالله. PageV01P332 # ثم وجه ميسره العبدى، ومحمد بن خنيس الى ارض العراق، ووجه أبا عكرمه، ~~وحيان العطار الى خراسان، وعلى خراسان يومئذ سعيد بن عبد العزيز بن الحكم ~~ابن ابى العاص. # فجعلا يسيران في ارض خراسان من كوره الى اخرى، فيدعوان الناس الى بيعه ~~محمد بن على، ويزهدانهم في سلطان بنى اميه لخبث سيرتهم، وعظيم جورهم، ~~فاستجاب لهما بخراسان اناس كثير، وفشا بعض امرهم وعلن. # فبلغ امرهما سعيدا، فأرسل اليهم، فاتى بهم، فقال: # من أنتم؟ # قالوا: نحن قوم تجار. # قال: فما هذا الذى يذكر عنكم؟ # قالوا: وما هو؟ # قال: أخبرنا انكم جئتم دعاه لبنى العباس. # قالوا: ايها الأمير، لنا في أنفسنا وتجارتنا شغل عن مثل هذا. # فأطلقهما. # فخرجا من عنده، يدوران كور خراسان ورساتيقها في عداد التجار، فيدعوان ~~الناس الى الامام محمد بن على، فمكثا بذلك عامين. # ثم قدما على الامام محمد بن على بأرض الشام، فأخبراه انهما قد غرسا ~~بخراسان غرسا يرجوان ان يثمر في أوانه، والفياه قد ولد له ابو العباس ابنه. # فامر باخراجه اليهم، وقال: هذا صاحبكم. # فقبلوا اطرافه كلها. # وكان مع الجنيد بن عبد الرحمن عامل السند رجل من الشيعة، يسمى بكير ابن ~~ماهان، فانصرف الى موطنه من الكوفه، وقد أصاب بأرض السند مالا كثيرا، فلقيه ~~ميسره العبدى وابن خنيس، واخبراه بامرهما، وسألاه ان يدخل في الأمر معهما، ~~فأجابهما اليه، وقام معهما، وانفق جميع ما استفاد بأرض السند من الأموال ~~بذلك السبب. # PageV01P333 # ومات ميسره بأرض العراق. # وكتب الامام محمد بن على الى بكير بن ماهان، ان يقوم مقام ميسره، وكان ~~بكير يكنى بابى هاشم، وبها كان يعرف في الناس. # وكان رجلا مفوها، فقام بالدعاء، وتولى الدعوة بالعراقين، وكانت كتب ~~الامام تأتيه، فيغسلها بالماء ويعجن بغسالتها الدقيق، ويأمر، فيختبز منه ~~قرص، فلا يبقى احد من اهله وولده الا اطعمه منه. # ثم انه مرض مرضه الذى مات فيه، فاوصى الى ابى سلمه الخلال، وكان أيضا من ~~كبار الشيعة. # وكتب الى [1] يعلمه ذلك. # فكتب محمد ms246 بن على الى ابى سلمه، فولاه الأمر، وامره بالقيام بما كان يقوم ~~به ابو هاشم. # ثم كتب الى ابى عكرمه وحيان، وكانا صاحبي الأمر بخراسان، يأمرهما ان ~~يكاتبا أبا سلمه، فدعاهما الى الدخول معه في امره، فاجاباه، ودخلا معه، ~~وكانفاه. # ثم ان يزيد بن عبد الملك عزل أخاه مسلمه عن العراق وخراسان، واستعمل ~~مكانه خالد بن عبد الله القسرى، واستعمل خالد اسد بن عبد الله على خراسان، ~~فانتهى خبر ابى عكرمه، وحيان الى اسد بن عبد الله، فامر بطلبهما، فأخذا، ~~واتى بهما، فضربت أعناقهما، وصلبا. # وبلغ ذلك محمد بن على، فقال: الحمد لله الذى صحح هذه العلامة، وقد بقي من ~~شيعتي رجال سوف يفوزون بالشهادة. # فلما تم لملك يزيد بن عبد الملك اربع سنين واشهر توفى بالبلقاء من ارض ~~دمشق. # وكانت وفاته سنه خمس ومائه، وله يوم مات ثمان وثلاثون سنه. PageV01P334 ### | هشام بن عبد الملك # ثم استخلف هشام بن عبد الملك، وهو ابن اربع وثلاثين سنه. # فعزل اسد بن عبد الله عن خراسان، وولاها الجنيد بن عبد الرحمن، وكان رجلا ~~من اليمانيه، ذا فضل وسخاء. # وهو الذى يقول فيه الشاعر: # ذهب الجود والجنيد جميعا ... فعلى الجود والجنيد السلام # ولما قتل ابو عكرمه وحيان وجه الامام محمد بن على الى خراسان خمسه نفر من ~~شيعته: سليمان بن كثير، ومالك بن الهيثم، وموسى بن كعب، وخالد بن الهيثم، ~~وطلحه بن زريق، وامرهم بكتمان امرهم، والا يفشوه الى احد الا بعد ان يأخذوا ~~عليه العهود المؤكدة بالكتمان. # فساروا حتى أتوا خراسان، فكانوا يأتون كوره بعد كوره، فيدعون الناس سرا ~~الى اهل بيت نبيهم، ويبغضون اليهم بنى اميه، لما يظهر من جورهم واعتدائهم، ~~وركوبهم القبائح، حتى استجاب لهم بشر كثير في جميع كور خراسان. # وبلغ الجنيد امرهم، فامر بطلبهم، وأخذوا، واتى بهم الجنيد. # فقال: يا فسقه، قد قدمتم هذه البلاد، فافسدتم قلوب الناس على بنى اميه، ~~ودعوتم الى بنى العباس. # فتكلم سليمان بن كثير، وقال: ايها الأمير، اتاذن لي في الكلام؟ # قال: تكلم قال ms247: انا وإياك كما قال الشاعر: # لو بغير الماء حلقى شرق ... لاستغثت اليوم بالماء القراح # نعلمك ايها الأمير، انا اناس من قومك اليمانيه، وان هؤلاء المضرية تعصبوا ~~علينا، فرقوا إليك فينا الزور والبهتان، لأنا كنا أشد الناس على قتيبة، فهم ~~الان يطلبون بثاره بكل عله. # PageV01P335 # فقال الجنيد لمن كان حوله من اصحابه: ما ترون؟. # فتكلم عبد الرحمن بن نعيم رئيس ربيعه، وكان من خاصته: # نرى ان تمن بهم على قومك، فلعل الأمر كما يقولون. # فامر باطلاقهم. # فخرجوا، وكتبوا بقصتهم الى الامام. # فكتب اليهم: ان هذا اقل ما لكم، فاكتموا امركم، وترفقوا في دعوتكم. # فساروا من مدينه مرو الى بخارى، ومن بخارى الى سمرقند، ومن سمرقند الى كش ~~ونسف، ثم عطفوا على الصغانيان، وجازوا منها الى ختلان [1] ، وانصرفوا الى ~~مرو الروذ [2] ، والطالقان [3] ، وعطفوا الى هراة [4] ، وبوشنج [5] ، ~~وجازوا الى سجستان. # فغرسوا في هذه البلدان غرسا كثيرا، وفشا امرهم في جميع اقطار خراسان. # وبلغ ذلك الجنيد، فأسف على تركهم، ووجه في طلبهم، فلم يقدر عليهم. # فكتب الى خالد بن عبد الله القسرى، وكان على العراق، يعلمه انتشار خراسان ~~وما حدث فيها من الدعاه الى محمد بن على. # فكتب خالد بن عبد الله الى هشام يعلمه بذلك. # فكتب اليه هشام، يأمره بالكتاب الى الجنيد، الا يرغب في الدماء، وان يكف ~~عمن كف عنه، ويسكن الناس بجهده، وان يطلب النفر الذين يدعون الناس حتى ~~يجدهم، فينفيهم. PageV01P336 # فلما انتهى ذلك الى الجنيد بعث رسله في اقطار خراسان. # وكتب الى عماله في الكور يطلب القوم، فطلبوا، فلم يدرك لهم اثر. ### | ابو مسلم الخراسانى # قالوا: وكان بدء امر ابى مسلم انه كان مملوكا لعيسى، ومعقل، ابنى ادريس، ~~ابن عيسى العجليين، وكان مسكنهما بماه البصره، مما يلى أصبهان. # وكان ابو مسلم ولد عندهما، فنشأ غلاما، فهما، أديبا، ذهنا، فاحباه حتى ~~نزل منهما منزله الولد. # وكانا يتوليان بنى هاشم، ويكاتبان الامام محمد بن على، فمكثا بذلك ما شاء ~~الله. # ثم ان هشاما عزل خالد بن عبد الله القسرى من العراق، وولى ms248 مكانه يوسف ابن ~~عمر الثقفى، فكان يوسف بن عمر لا يدع أحدا يعرف بموالاة بنى هاشم، وموده ~~اهل بيت رسول الله الا بعث اليه، فحبسه عنده بواسط. # فبلغه امر عيسى، ومعقل ابنى ادريس، فاشخصهما، وحبسهما بواسط فيمن حبس من ~~الشيعة. # وكانا اخرجا معهما أبا مسلم فكان يخدمهما في الحبس. # وان سليمان بن كثير، ومالك بن الهيثم، ولاهز بن قرط، وهم كانوا الدعاه ~~بخراسان قدموا للحج، وقدم معهم قحطبه بن شبيب، وكان ممن بايعهم، وشايعهم ~~على امرهم، فجعلوا طريقهم على مدينه واسط، ودخلوا الحبس، فلقوا من كان فيه ~~من الشيعة، فرأوا أبا مسلم، فأعجبهم ما رأوا من هيئته، وفهمه، واستبصاره في ~~حب بنى هاشم. # ونزل هؤلاء النفر بعض الفنادق بواسط، فكان ابو مسلم يختلف اليهم طول ~~مقامهم حتى انس بهم، وانسوا به، فسألوه عن امره. # PageV01P337 # فقال: ان أمي كانت أمه لعمير بن بطين العجلى، فوقع عليها، فحملت بي، ~~فباعها، وهي حامل، فاشتراها عيسى، ومعقل، ابنا ادريس، فولدت عندهما، فانا ~~كهيئة المملوك لهما. # ثم ان النفر شخصوا من واسط، وأخذوا نحو مكة على طريق البصره، فوصلوا الى ~~مكة، وقد وافاها الامام محمد بن على حاجا، فلقوه، وسلموا عليه، واخبروه بما ~~غرسوا به في جميع خراسان من الغرس، ثم اخبروه بممرهم بواسط، ودخولهم على ~~إخوانهم المحبسين بها. # ووصفوا له صفه ابى مسلم، وما رأوا من ذكاء عقله وفهمه، وحسن بصره، وجوده ~~ذهنه، وحسن منطقه. # فسألهم: احر هو أم مملوك؟ # فقالوا: اما هو، فيزعم انه ابن عمير بن بطين العجلى، وكانت قصته كيت ~~وكيت، ثم فسروا له ما حكى لهم من امره. # فقال: ان الولد تبع للام، فإذا انصرفتم فاجعلوا [1] ممركم بواسط، ~~فاشتروه، وابعثوا به الى الحميمه [2] من ارض الشام، لاجعله الرسول فيما ~~بيني وبينكم، على انى احسبكم لا تلقوني بعد عامي هذا، فان حدث بي حدث ~~فصاحبكم ابنى هذا يعنى ابراهيم فاستوصوا به خيرا، فانى ساوصيه بكم خيرا. # فانصرف القوم نحو خراسان، ومروا بواسط، ولقوا عيسى، ومعقل ابنى ادريس، ~~فاخبروهما بحاجه الامام الى ms249 ابى مسلم، وسألوهما بيعه منهم. # فزعموا، انهما وهباه له. # فوجه به القوم الى الامام، فلما رآه تفرس فيه الخير، ورجا ان يكون هو ~~القيم بالأمر، لعلامات رآها فيه، قد كانت بلغته. # فجعله الرسول فيما بينه وبينهم، فاختلف اليهم مرارا كثيره. PageV01P338 ### | وفاه الامام # ثم توفى الامام محمد بن على، فقام بالأمر بعده ابنه ابراهيم بن محمد، ~~وكان اكبر ولده، فامر أبا مسلم ان يسير الى الدعاه بالعراق، وخراسان، ~~فيعلمهم وفاه الامام، وقيامه بالأمر من بعده. # فسار حتى وافى العراق، ولقى أبا سلمه، ومن كان معه من الشيعة، فاخبرهم ~~بما امره به. # ثم سار الى خراسان ولقى الدعاه بها، فاخبرهم بذلك. # وبلغ وفاه الامام جميع من بايع في اقطار خراسان، فسودوا ثيابهم حزنا ~~لمصابه، وتسلبا عليه. # وكان أول من سود منهم ثيابه حريش مولى خزاعة، وكان عظيم اهل نسا [1] ، ثم ~~سودها من بعده قحطبه بن شبيب، ثم سود القوم جميعا، وكثرت الشيعة بخراسان ~~كلها، وعلن امرهم. # وكتب يوسف بن عمر، وكان على العراقين، الى هشام، يخبره بذلك، فكتب هشام ~~الى يوسف، يأمره ان يبعث اليه رجلا، له علم بخراسان، ومعرفه بمن فيها من ~~قوادها، وجنودها. # وقد كان يوسف بن عمر عزل عنها الجنيد بن عبد الرحمن، واستعمل عليها جعفر ~~بن حنظله البهرانى. # فكتب جعفر الى يوسف بن عمر مع عبد الكريم بن سليط بن عطية الحنفي، يخبره ~~بتفاقم امر المسودة بخراسان، وكثره من أجاب الدعاه بها. # فلما أتاه كتاب هشام يأمره ان يوجه اليه رجلا، له علم بخراسان، حمل عبد ~~الكريم بن سليط اليه على البريد. PageV01P339 # قال عبد الكريم: فسرت حتى وافيت دمشق، فدخلت على هشام، فسلمت عليه ~~بالخلافة. # فقال لي: من أنت؟ # قلت: انا عبد الكريم بن سليط بن عطية الحنفي. # قال: كيف علمك بخراسان وأهلها؟ # قلت: انا بها جد عالم. # ثم اخبرته ان وجهى كان منها بكتاب أميرها جعفر بن حنظله البهرانى الى ~~يوسف بن عمر يخبره بما حدث فيها. # قال: انى اريد ان اولى امرها رجلا من القواد، الذين ms250 هم مرتبون بها، فمن ~~ترى ان اولى امرها منهم، وأيهم اقوم بها؟ # قال عبد الكريم: وكان هواى في اليمانيه فقلت: # يا امير المؤمنين، اين أنت من رجل من قوادها ذي حزم، وباس، ومكيده، وقوه، ~~ومكانفه من قومه؟ # قال: ومن هو؟ # قلت: جديع بن على الأزدي المعروف بالكرمانى. # قال: وكيف يسمى الكرماني؟ # قلت: ولد بكرمان، كان أبوه مع المهلب عند محاربته الازارقه، فولد هذا ~~هناك. # قال: لا حاجه لي في اليمانيه وكان هشام يبغض اليمانيه، وكذلك سائر بنى ~~اميه. # قلت: يا امير المؤمنين، فأين أنت من المجرب البطل النافذ اللسن؟ # قال: ومن هو؟ # قلت: يحيى بن نعيم، المعروف بابى الميلاء، وهو ابن أخي مصقله بن هبيرة. # قال: لا حاجه لي فيه، لان ربيعه لا تسد بها الثغور. # PageV01P340 # فقلت: يا امير المؤمنين، فعليك بالماجد اللبيب الأريب، الكامل الحسيب، ~~عقيل بن معقل الليثى. # قال، فكانه هويه. # فقلت: ان اغتفرت منه هنه فيه. # قال: وما هي؟ # قلت: ليس بعفيف البطن والفرج. # قال: لا حاجه لي فيه. # قلت: فالكامل النافذ، الفارس المجرب، محسن بن مزاحم السلمى. # قال، فكانه هويه، للمضريه. # قلت: ان اغتفرت هنه فيه. # قال: وما هي؟ # قلت: اكذب، ذي لهجة. # قال: لا حاجه لي فيه. # قلت: فذو الطاعة لكم، المتمسك بعهدكم، المقتدى بقدوتكم، يحيى بن الحضين ~~بن المنذر بن الحارث بن وعله. # قال: الم اخبرك ان ربيعه لا تسد بها الثغور؟ # قلت: فالكامل النافذ الشجاع البطل، قطن بن قتيبة بن مسلم. # قال: فمال اليه بالمضريه. # قلت: ان اغتفرت منه هنه. # قال: وما هي؟ # قلت: لا آمنه ان افضى اليه السلطان ان يطلب جنود خراسان بدم ابيه قتيبة، ~~فإنهم جميعا تظافروا عليه. # قال: لا حاجه لي فيه. # قلت: فأين أنت من العفيف المجرب، الباسل المحنك، نصر بن سيار الليثى؟ # PageV01P341 # قال: فكانه تفاءل به، ومال اليه، بالمضريه. # قلت: ان اغتفرت منه خصله. # قال: وما هي؟ # قلت: ليست له بخراسان عشيره من جنودها، وانما يقوى على ولايه خراسان من ~~كانت له بها عشيره من جنودها. # قال ms251: فأي عشيره اكثر منى، لا أبا لك، يا غلام؟ انطلق الى الكتاب، فمرهم ~~بإنشاء عهده، وائتونى به. # فكتب له عهده، واتى به. # فناولنيه، وقال: انطلق حتى توصله اليه. # ثم امر ان احمل على البريد. # فسرت حتى وافيت خراسان، فأتيته في منزله، فناولته العهد، فامر لي بعشره ~~آلاف درهم. # ثم تناول العهد، فانطلق الى جعفر بن حنظله، الأمير كان بها، فدخل عليه، ~~وهو جالس على سريره، فناوله العهد. # فلما قراه أخذ بيد نصر، فرفعه حتى اجلسه معه على سريره، وقال: # سمعا وطاعه لأمير المؤمنين. # فقال له نصر: أبا خلف، السلطان سلطانك، فمر بأمرك. # ودعا له جعفر بن حنظله، وسلم الأمر اليه. # وان سليمان بن كثير، ولاهز بن قرط، ومالك بن الهيثم، وقحطبه ابن شبيب ~~أرادوا الحج، فخرجوا مع الحاج متنكرين حتى أتوا مكة، وقد وافاها في ذلك ~~العام ابراهيم بن محمد الامام، فاخبروه بما اجتمع له الناس بخراسان. # وقد كانوا حملوا اليه ما بعثت به اليه الشيعة. # فقالوا: قد حملنا إليك مالا. # قال: وكم هو؟ # PageV01P342 # قالوا: عشره آلاف دينار، ومائتا الف درهم. # فقال: سلموه الى مولاى عروه، فدفعوه اليه. # فقال لهم ابراهيم: انى قد رايت ان اولى الأمر هناك أبا مسلم، لما جربت من ~~عقله، وبلوت من أمانته، وانا موجهه معكم، فاسمعوا له، وأطيعوا امره، فان ~~والدى رحمه الله عليه قد كان وصف لنا صفته، وقد رجوت ان يكون هو الذى يسوق ~~إلينا الملك، فعاونوه، وكانفوه، وانتهوا الى رايه، وامره. # قالوا: سمعا وطاعه لك ايها الامام. # فانصرفوا، وابو مسلم معهم، حتى صاروا الى خراسان، فتشمر ابو مسلم للدعاء، ~~وأخذ القوم بالبيعه، ووجه كل رجل من اصحابه الى ناحيه من خراسان، فكانوا ~~يدورون بها كوره كوره، وبلدا بلدا، في زي التجار. # فاتبعه عالم من الناس عظيم، فواعدهم لظهوره يوما سماه لهم، وولى على من ~~بايعه في كل كوره رجلا من أهلها، وتقدم اليهم بالاستعداد للخروج من ذلك ~~اليوم الذى سماه لهم حتى أجاب جميع ارض خراسان، سهلها وجبلها، وأقصاها ~~وأدناها. # وبلغ في ms252 ذلك ما لم يبلغه اصحابه من قبله، واستتب له الأمر على محبته، ~~وصار من اعظم الناس منزلا عند شيعته، حتى كانوا يتحالفون به، فلا يحنثون، ~~ويذكرونه، فلا يملون. # وقد كان خالد بن عبد الله ولى العراقين عشر سنين، أربعا في خلافه يزيد ~~ابن عبد الملك، وستا في خلافه هشام. # فلما عزله هشام، وولى مكانه يوسف بن عمر حاسبه يوسف، فخرج عليه عشره آلاف ~~درهم، قد كان وهبها للناس، وبذرها وكان من اسخى العرب فحبسه يوسف بن عمر ~~عنده في العراق. # PageV01P343 # وكتب الى هشام يتقاعد خالد بالمال الذى خرج عليه. # فكتب اليه هشام بالبسط عليه [1] فدعا به يوسف بن عمر وقال: # ما هذا التقاعد بمال السلطان يا ابن الكاهن؟ يعنى شق بن صعب المعروف ~~بالكهانة وكان خالد بن عبد الله من ولده. # فقال له خالد بن عبد الله. # اتعيرني بشر في يا ابن الخمار؟ وانما كان ابوك وجدك بالطائف اصحاب حانه. # وبلغ هشاما ان خالدا بذر ذلك المال في الناس، فكتب الى يوسف يأمره ~~باطلاقه، والكف عنه. # فلم يزل خالد مقيما بالكوفه حتى خرج زيد بن على، بن الحسين، بن على بن ~~ابى طالب ع بالكوفه. # وكان خروجه في صفر سنه ثماني عشره ومائه. # فسار اليه يوسف بن عمر، فالتقوا بالكناسة [2] فانهزم اصحاب زيد، وخذلوه. # فأخذه يوسف بن عمر، فضرب عنقه. # وبعث برأسه الى هشام، وصلب جسده بالكناسة. # وان خالدا كتب الى هشام يستاذنه في الخروج الى طرسوس [3] غازيا متطوعا، ~~فاذن له هشام في ذلك، فسار حتى وافى طرسوس فأقام بها مرابطا. PageV01P344 ### | وقيعه بين خالد وهشام # وان رجلا من اهل العراق كان يتلصص، ويكنى أبا المعرس، قدم من الكوفه نحو ~~ارض الشام، في جماعه من لصوص الكوفه، حتى وافوا مدينه دمشق، فكان إذا جنه ~~الليل اشعل في ناحيه من السوق النار، فإذا تصايح الناس، واشتغلوا بإطفاء ~~الحريق، اقبل في اصحابه الى ناحيه اخرى من السوق، فكسر الأقفال، وأخذ ما ~~قدر عليه، ثم هرب. # فدخل كلثوم بن عياض القسرى على هشام، وكان ms253 معاديا لخالد بن عبد الله، وهو ~~ابن عمه، فقال لهشام: # يا امير المؤمنين، ان هذا الحريق لم يكن بدمشق، وقد حدث، وما هو الا عمل ~~محمد بن خالد بن عبد الله القسرى وغلمانه. # فامر هشام بطلب محمد بن خالد، فاتوه به، وبغلمان له، فامر بحبسه، وحبس ~~غلمانه. # وبلغ ذلك خالدا، وهو بطرسوس، فسار حتى وافى دمشق، فنزل في داره بها، وغدا ~~عليه الناس مسلمين، حتى إذا اجتمعوا عنده قال: # ايها الناس، خرجت غازيا باذن هشام وامره، فحبس ابنى وغلماني، ايها الناس، ~~ما لي ولهشام؟ والله ليكفن عنى هشام يسميه في كل مره باسمه ولا يقول امير ~~المؤمنين او لادعون الى عراقي الهوى، شامي الدار، حجازى الأصل، ابراهيم بن ~~محمد بن على بن عبد الله بن عباس، الا وانى قد أذنت لكم ان تبلغوا هشاما. # وبلغ هشاما ذلك فقال: خرف ابو الهيثم، وانا حرى باحتماله، لقديم حرمته، ~~وعظيم حقه. # فأقام خالد بن عبد الله بمدينه دمشق عاتبا لهشام، مصارما له، لا يركب ~~اليه، ولا يعبأ به، وهشام في كل ذلك يحتمله، ويحلم عنه. # PageV01P345 # وان رجلا يسمى عبد الرحمن بن ثويب الكلبى دخل على خالد بن عبد الله، فسلم ~~عليه، وعنده نفر من اشراف اهل الشام، فقال له: # يا أبا الهيثم، انى احبك لعشر خصال فيك يحبها [1] الله منك: كرمك، وعفوك، ~~ودينك، وعدلك، ورأفتك، ووقارك في مجلسك، ونجدتك، ووفاؤك، وصلتك ذوى رحمك، ~~وادبك. # فاثنى عليه خالد، وقال له خيرا. # وبلغ هشاما ذلك فقال: # ابلغ من امر الفاسق عبد الرحمن بن ثويب ان يصف خالدا بمحاسن لم تجتمع في ~~احد من الخلفاء المؤتمنين على عباد الله وبلاده؟ # ثم امر به، فاحسن أدبه، ونفى عن دمشق. # وبلغ ذلك خالدا، وعنده اناس من وجوه اهل الشام، فقال لهم: # الا تعجبون من صنيع هشام برجل ذكر منى خصالا؟ زعم انه يحبني لها، فضربه ~~وطرده، وان اعظم مما قال في عبد الرحمن بن ثويب قول عبد الله بن صيفي حين ~~قال له: يا امير المؤمنين، اخليفتك في ms254 اهلك أحب إليك وآثر عندك أم رسولك؟. # قال هشام: بل خليفتي في اهلى. # قال: فأنت خليفه الله في ارضه وخلقه، ومحمد رسول الله ص اليهم، فأنت اكرم ~~على الله منه، فلم ينكر هذه المقاله من عبد الله بن صيفي، وهي تضارع الكفر، ~~ويغضب على عبد الرحمن بن ثويب، وينكر عليه ما وصفني به من خصال، يحبها ~~الله، فاحبنى لها. # فلم يحفل هشام حين بلغه ذلك من قول خالد، ولم يؤاخذه بشيء من مقالته، ~~فلما تم لخلافه هشام تسع عشره سنه وسبعه اشهر مرض مرضته التي مات، فاسند ~~الخلافه الى ابن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك. PageV01P346 ### | الوليد بن يزيد # فلما استخلف الوليد بن يزيد امر صاحب شرطه سعيد بن غيلان بأخذ خالد ~~بالمال الذى عليه من بقايا خراج العراقين والبسط عليه، وقال: اسمعنى صياحه. # فاقبل سعيد بن غيلان الى خالد وهو في منزله، فاخرجه، فانطلق به الى ~~السجن، فعذبه يومه ذلك بألوان العذاب، فلم يكلمه خالد بحرف. # وقال الاشعث بن القينى فيما نال خالدا: # الا ان خيرا الناس نفسا ووالدا ... اسير قريش عندها في السلاسل # لعمري، لقد اعمرتم السجن خالدا ... واوطاتموه وطأة المتثاقل # فان تحبسوا القسرى لا تحبسوا اسمه ... ولا تحبسوا معروفه في القبائل # وقدم يوسف بن عمر الثقفى بمال العراقين على الوليد، فجلس الوليد للناس، ~~واذن لهم إذنا عاما. # فتكلم زياد بن عبد الرحمن الضمرى، وكان معاندا لخالد، فقال: يا امير ~~المؤمنين، على محاسبه خالد بخمسه آلاف الف درهم، فسلمه الى. # فأرسل الوليد الى خالد وهو في السجن ان زياد بن عبد الرحمن قد اعطى ~~بمحاسبتك خمسه آلاف الف درهم، فان صححتها لنا، والا دفعناك اليه. # فأرسل له خالد: ان عهدي بالعرب لاتباع، وبالله لو سألتني ان اضمن لك هذا، ~~ورفع عود من الارض، ما فعلت. # فلما راى الوليد بن زيد تقاعد خالد بما عليه من المال امر به، فسلم الى ~~يوسف ابن عمر، وقال: انطلق به الى العراق، واستاده جميع ما عليه من المال. # PageV01P347 # فحمله يوسف بن ms255 عمر معه الى واسط [1] ، فكان يخرجه كل يوم ويعذبه، ثم يرده ~~الى الحبس، فاخرجه ذات يوم، وقال: ما هذا التقاعد يا ابن المائقه [2] . # فقال له خالد: ما ذكرك الأمهات، لعنك الله؟ والله لا اكلمك بكلمة ابدا. # فغضب يوسف بن عمر من ذلك، فوضع على خالد المضرسه [3] ، وجعل يعذبه بها ~~حتى قتله، فدفنه ليلا في عباءه كانت عليه. # فأنشأ الوليد بن يزيد: # الم تهتج فتذكر الوصالا ... وحبلا كان متصلا فزالا # بلى، فالدمع منك له سجال ... كماء الغرب ينهمل انهمالا # فدع عنك ادكارك آل سعدى ... فنحن الاكثرون حصى ومالا # ونحن المالكون الناس قسرا ... نسومهم المذلة والنكالا # ونوردهم حياض الخسف ذلا ... وما نالوهم الا خبالا [4] # وطئنا الاشعرين بكل أرض ... ولم يك وطؤنا ان يستقالا # وكنده والسكون قد استعاذوا ... نسومهم المذلة والخبالا # شددنا ملكنا ببني نزار ... وقومنا بهم من كان مالا # وهذا خالد فينا قتيلا ... الا منعوه ان كانوا رجالا # ولو كانت بنو قحطان عربا ... لما ذهبت صنائعه ضلالا # ولا تركوه مسلوبا أسيرا ... نحمله سلاسلنا الثقالا # ولكن المذلة ضعضعتهم ... فلم يجدوا لذلتهم مقالا # فلما سمع من كان باقطار الشام من اليمانيه هذا الشعر انفوا أنفا شديدا، ~~فاجتمعوا من مدن الشام، وساروا نحو الوليد بن يزيد. PageV01P348 # وبلغ الوليد مسيرهم، فامر بمحمد بن خالد بن عبد الله فحبس بدمشق. # واقبلت اليمانيه، وخرج اليهم الوليد بمضر مستعدا للحرب، فالتقوا، ~~واقتتلوا، وأثخنت اليمانيه القتل في مضر، فانهزمت مضر، وأخذوا نحو دمشق، ~~ودخل الوليد قصره، فتحصن فيه. # واقبلت اليمانيه حتى دخلت دمشق، واخرجوا محمد بن خالد من محبسه، وراسوه ~~عليهم. # فأرسل محمد بن خالد الى ابن عم الوليد بن يزيد، وهو ### | يزيد بن الوليد # بن عبد الملك، فجاء به، فبايعوه جميعا، وارسل الى اشراف المضريين، ~~فبايعوه طوعا وكرها. # وخلعوا الوليد بن يزيد، فلبث مخلوعا أياما كثيره، وهو خليع بنى اميه. # يزيد بن الوليد # فقام يزيد بن الوليد بالخلافة، ووضع للناس العطاء، وفرق في اليمانيه ~~الصلات والجوائز. # واقبل محمد بن خالد الى قصر الوليد بن يزيد، وامر بالاوهاق [1] ، فالقيت ~~في ms256 شرف القصر، وتسلقوا، فعلوه، ونادوا: يا وليد، يا لوطي، يا شارب الخمر، ~~ثم نزلوا اليه، فقتلوه. # واستدف [2] الملك ليزيد بن الوليد. # وان محمد بن خالد وجه منصور بن جمهور في خيل الى العراق، وامره ان يقصد ~~الى مدينه واسط، فيأخذ الناس بالبيعه ليزيد بن الوليد، فإذا بايعوا دعا ~~بيوسف بن عمر، فضرب عنقه. PageV01P349 # فسار منصور بن جمهور، فبدا بالكوفه واخذهم بالبيعه ليزيد بن الوليد، فلما ~~بايعوا سار منها الى واسط، فاجتمع اليه الناس، فبايعوا ليزيد، فلما فرغ دعا ~~بيوسف ابن عمر، فقال له: # أنت القاتل سيد العرب خالد بن عبد الله؟ # قال يوسف: كنت مأمورا، وما لي في ذلك من ذنب، فهل لك ان تعفيني من القتل، ~~وأعطيك ديتي عشره آلاف درهم، فضحك منه، ثم حمله حتى اتى به محمد بن خالد ~~بالشام، فقال له محمد: # اما زعمك انى كنت مأمورا فقد صدقت، وقد قتلت قاتل ابى، وانما اقتلك بعبده ~~غزوان، ثم قدمه، فضرب عنقه. # فملك يزيد بن الوليد سته اشهر، ثم مات. ### | ابراهيم بن الوليد # وقام بالملك من بعده اخوه ابراهيم بن الوليد، فبايعه الناس بالشام، وجميع ~~الافاق، وجعل ولى العهد من بعده عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بن ~~مروان، واستعمل على العراق يزيد بن عمر بن هبيرة، فسار ابن هبيرة حتى نزل ~~المكان الذى الى اليوم يسمى قصر ابن هبيرة وبنى فيه قصرا، واتخذ ذلك المكان ~~منزلا له ولجنوده. # قالوا: وان المضرية تلاومت فيما كان من غلبه اليمانيه عليها، وقتلهم ~~الخليفة الوليد بن يزيد، فدب بعضهم الى بعض، واجتمعوا من اقطار الارض ~~وساروا حتى وافوا مدينه حمص [1] ، وبها ### | مروان بن محمد # بن مروان بن الحكم، وكان يومئذ شيخ بنى اميه وكبيرهم، وكان ذا ادب كامل ~~وراى فاضل، فاستخرجوه PageV01P350 # من داره، وبايعوه، وقالوا له: أنت شيخ قومك وسيدهم، فاطلب بثار ابن عمك ~~الوليد بن يزيد. # فاستعد مروان بجنوده في تميم، وقيس، وكنانه، وسائر قبائل مضر، وسار نحو ~~مدينه دمشق. # وبلغ ذلك ابراهيم بن الوليد، فتحصن في قصره ms257. # ودخل ### | مروان بن محمد # دمشق، فاخذ ابراهيم بن الوليد وولى عهده عبد العزيز ابن الحجاج فقتلهما، ~~وهرب محمد بن خالد بن عبد الله القسرى نحو العراق حتى اتى الكوفه، فنزل في ~~دار عمرو بن عامر البجلي، فاستخفى فيها، وعلى الكوفه يومئذ زياد بن صالح ~~الحارثى، عاملا ليزيد بن عمر بن هبيرة. # مروان بن محمد # واستدف الملك لمروان بن محمد، واعطاه اهل البلدان الطاعة، ثم ان العصبية ~~وقعت بخراسان بين المضرية واليمانيه. # وكان سبب ذلك، ان جديع بن على المعروف بالكرمانى كان سيد من بأرض خراسان ~~من اليمانيه، وكان نصر بن سيار متعصبا على اليمانيه، مبغضا لهم، فكان لا ~~يستعين بأحد منهم، وعادى أيضا ربيعه لميلها الى اليمانيه، فعاتبه الكرماني ~~في ذلك. # فقال له نصر: ما أنت وذاك؟ # قال الكرماني: انما اريد بذلك صلاح امرك، فانى اخاف ان تفسد عليك سلطانك، ~~وتحمل عليك عدوك هذا المطل، يعنى المسودة [1] . # قال له نصر: أنت شيخ قد خرفت. # فاسمعه الكرماني كلاما غليظا، فغضب نصر، وامر بالكرمانى الى الحبس، فحبس ~~في القهندر، وهي القلعة العتيقة. PageV01P351 # فغضب احياء العرب للكرمانى، فاعتزلوا نصر بن سيار، واجتمع الى نصر ~~المضرية، فطابقوه وشايعوه. # وكان للكرمانى مولى من أبناء العجم، ذو دهاء وتجربه، وكان يخدمه في ~~محبسه، وكان الكرماني رجلا ضخما عظيم الجثة، عريض ما بين المنكبين، فقال له ~~مولاه: # اتوطن نفسك على الشده والمخاطره حتى اخرجك من الحبس؟ # قال له الكرماني: وكيف تخرجني؟ # قال: انى قد عينت على ثقب ضيق، يخرج منه ماء المطر الى الفارقين، فوطن ~~نفسك على سلخ جلدك لضيق الثقب. # قال الكرماني: لا بد من الصبر، فاعمل ما اردت. # فخرج مولاه الى اليمانيه، فواطاهم، ووطنهم في طريقه، فلما جن الليل، ونام ~~الاحراس اقبل مولاه من خارج السور، فوقف له على باب الثقب، واقبل الكرماني ~~حتى ادخل راسه في الثقب، وبسط فيه يديه حتى نالت يداه كفى مولاه، فاجتذبه ~~اجتذابه شديده، سلخ بها بعض جلده، ثم اجتذبه ثانيه حتى انتهى به الى النصف، ~~فإذا هو بحية في ms258 الثقب، فنادى الكرماني مولاه: بذبخت، مار مار اى حيه قد ~~عرضت، فقال مولاه: بكز بكز اى عضها، ثم اجتذبه الثالثه، فاخرجه، فقال ~~لمولاه: أمهلني ساعه، حتى افيق، ويسكن ما بي من وجع الانسلاخ. # فلما رجعت الى الكرماني نفسه نزل من ذلك التل، واتى بدابه ركبها حتى ~~انتهى الى منزله، واجتمعت اليه الأزد، وسائر من بخراسان من اليمانيه، ~~وانحازت ربيعه معهم. # وبلغ نصر بن سيار الخبر، فدعا بصاحب الحبس فضرب عنقه، وظن ان ذلك كان ~~بمواطاة منه. # PageV01P352 # ثم قال لسلم بن احوز المازنى، وكان على شرطه: انطلق الى الكرماني، ~~فاعلمه: انى لم ارد به مكروها، وانما اردت تأديبه لما استقبلني به، ومره ان ~~يصير الى آمنا، لاناظره في بعض الأمر. # فصار سلم اليه، فإذا هو بمحمد بن المثنى الربعي جالسا على الباب في ~~سبعمائة رجل من ربيعه، فدخل عليه، فابلغه الرسالة، فقال الكرماني: لا، ولا ~~كرامة، ما له عندي الا السيف. # فابلغ ذلك نصرا. # فأرسل نصر بعصمه بن عبد الله الأزدي، وكان من خاصته، فقال له: انطلق الى ~~ابن عمك، فآمنه، ومره ان يصير الى آمنا، لاناظره في بعض ما قد دهمنا من هذا ~~العدو. # فقال الكرماني لعصمه، حين ابلغه رساله نصر: يا ابن الخبيثة، وما أنت ~~وذاك؟ # وقد ذكر لي عمك، انك لغير ابيك الذى تنسب اليه، انما تريد ان تتقرب الى ~~ابن الأقطع يعنى نصرا اما لو كنت صحيح النسب لم تفارق قومك، وتميل الى من ~~لا رحم بينه وبينك. # فانصرف عصمه الى نصر، وابلغه قوله. # ثم ان الكرماني كتب الى عمر بن ابراهيم، من ولد أبرهة بن الصباح، ملك ~~حمير، وكان آخر ملوكهم، وكان مستوطنا الكوفه، يسأله ان يوجه اليه بنسخه حلف ~~اليمن وربيعه، الذى كان بينهم في الجاهلية، ليحييه، ويجدده، وانما اراد ~~بذلك ان يستدعى ربيعه الى مكانفته. # فأرسل به اليه. # فجمع الكرماني اليه اشراف اليمن وعظماء ربيعه، وقرأ عليهم نسخه الحلف. # وكانت النسخه: # بسم الله العلى الأعظم، الماجد المنعم، هذا ما احتلف عليه آل قحطان ~~وربيعه ms259 # PageV01P353 # الاخوان، احتلفوا على السواء السوا، والأواصر والإخاء، ما احتذى رجل حذا، ~~وما راح راكب واغتدى، يحمله الصغار عن الكبار، والاشرار عن الاخيار. آخر ~~الدهر والأبد، الى انقضاء مده الأمد، وانقراض الآباء والولد، حلف يوطأ ~~ويثب، ما طلع نجم وغرب، خلطوا عليه دماهم، عند ملك ارضاهم، خلطها بخمر ~~وسقاهم، جز من نوصيهم اشعارهم، وقلم عن أناملهم اظفارهم، فجمع ذلك في صر، ~~ودفنه تحت ماء غمر، في جوف قعر بحر آخر الدهر، لا سهو فيه ولا نسيان، ولا ~~غدر ولا خذلان، بعقد موكد شديد، الى آخر الدهر الابيد، ما دعا صبى أباه، ~~وما حلب عبد في أناة، تحمل عليه الحوامل، وتقبل عليه القوابل، ما حل بعد ~~عام قابل، عليه المحيا والممات، حتى ييبس الفرات، وكتب في الشهر الأصم [1] ~~عند ملك أخي ذمم، تبع بن ملكيكرب، معدن الفضل والحسب، عليهم جميعا كفل، ~~وشهد الله الأجل، الذى ما شاء فعل، عقله من عقل، وجهله من جهل. # فلما قرئ عليهم هذا الكتاب تواقفوا على ان ينصر بعضهم بعضا، ويكون امرهم ~~واحدا. # فأرسل الكرماني الى نصر: ان كنت تريد المحاربة فابرز الى خارج المدينة. ~~فنادى نصر في جنوده من مضر. # وخرج، فعسكر ناحيه من الصحراء، وفعل الكرماني مثل ذلك. وخندق كل واحد ~~منهما في عسكره، ويسمى ذلك المكان الى اليوم الخندقين. # ووجه الكرماني محمد بن المثنى، وأبا الميلاء الربعيين، في الف فارس، من ~~ربيعه، وامرهما ان يتقدما الى عسكر نصر بن سيار. # فاقبلا، حتى إذا قاربا عسكره قال نصر لابنه تميم: # اخرج الى القوم في الف فارس من قيس وتميم. PageV01P354 # فانتخب الف فارس، ثم خرج، فالتقوا، واقتتلوا، وحمل محمد بن المثنى الربعي ~~على تميم بن نصر، فتضاربا بسيفيهما، فلم يصنع السيفان شيئا، لكمال ~~لامتيهما، فلما راى محمد بن المثنى ذلك حمل بنفسه على تميم، فعانقه، فسقطا ~~جميعا الى الارض، وصار محمد فوق تميم، فانحنى على حلقه بالسيف، فذبحه. # وقال نصر بن سيار يرثى ابنه تميما: # نفى عنى العزاء وكنت جلدا ... غداه جلى الفوارس عن تميم # وما ms260 قصرت يداه عن الأعادي ... ولا اضحى بمنزله اللئيم # وفاء للخليفة وابتذالا ... لمهجته يدافع عن حريم # فمن يك سائلا عنى فإني ... انا الشيخ الغضنفر ذو الكليم # نمتنى من خزيمة باذخات ... بواسق ينتمين الى صميم # قالوا: فمكثوا بذلك عشرين شهرا، ينهض بعضهم الى بعض كل ايام، فيقتتلون ~~هويا، ثم ينصرفون، وقد انتصف بعضهم من بعض. # وشغلهم ذلك عن طلب ابى مسلم واصحابه حتى قوى امره، واشتد ركنه، وعلن شانه ~~في جميع كور خراسان. # فقال عقيل بن معقل الليثى لنصر بن سيار: ان هذه العصبية قد تمادت بيننا ~~وبين هؤلاء القوم، وقد شغلتك عن جميع اعمالك، وضبط سلطانك، وقد اظلك هذا ~~العدو الكلب، فأنشدك الله ان تشام [1] نفسك وعشيرتك، قارب هذا الشيخ يعنى ~~الكرماني بعض المقاربة، فقد انتقض الأمر على الامام مروان بن محمد. # فقال نصر: يا ابن عم، قد فهمت ما ذكرت، ولكن هذا الملاح قد ساعدته ~~PageV01P355 # عشيرته، وظافرتهم على امرهم ربيعه، فقد عدا من اجل ذلك طوره، فلا ينوى ~~صلحا، ولا ينيب الى أمان، فانطلق يا ابن عم ان شئت، فسله ذلك، وأعطه عنى ما ~~اراد. # فمضى عقيل بن معقل حتى استاذن على الكرماني، فدخل فسلم. # ثم قال له: # انك شيخ العرب وسيدها بهذه الارض، فابق عليها، قد تمادت هذه العصبية ~~بيننا وبينكم، وقد قتل منا ومنكم ما لا يحصيه احد، وقد أرسلني نصر إليك، ~~وجعل لك حكم الصبى على ابويه، على ان ترجع الى طاعته، لتتآزرا على إطفاء ~~هذه النار المضطرمة في جميع كور خراسان، قبل ان يكاشفوا يعنى المسودة. # قال الكرماني: قد فهمت ما ذكرت، وكنت كارها لهذا الأمر، فأبى ابن عمك ~~يعنى نصرا الا البذخ والتطاول حتى حبسنى في سجنه، وبعثني على نفسه وقومه. # قال له عقيل: فما الذى عندك في إطفاء هذه النائرة [1] ، وحقن هذه الدماء؟ # قال الكرماني: عندي من ذلك ان نعتزل انا وهو الأمر، ونولي جميعا امرنا ~~رجلا من ربيعه، فيقوم بالتدبير، ونساعده جميعا، ونتشمر لطلب هؤلاء المسودة ~~قبل ان يجتمعوا، فلا نقوى بهم، ولو ms261 احلب عليهم معنا جميع العرب. # قال عقيل: ان هذا ما لا يرضى به الامام مروان بن محمد، ولكن الأمير نصرا ~~يجعل الأمر لك، تولى من شئت، وتعزل من شئت، وتدبر في هؤلاء المسودة ما شئت، ~~ويتزوج إليك، وتتزوج اليه. # قال الكرماني: كيف يتزوج الى. وليس لي بكفء؟ # قال عقيل: اتقول هذا لرجل له بيت كنانه؟ PageV01P356 # قال الكرماني: لو كان من مصاص [1] كنانه ما فعلت، فكيف وهو ملصق فيهم؟ ~~فاما قولك، انه يجعل الأمر الى، اولى، واعزل من اريد، فلا، ولا كرامة، ان ~~أكون تبعا له، او اقاره على السلطان. # فانصرف عقيل الى نصر، فقال: انك كنت بهذا الملاح ابصر منى. # ثم اخبره بما دار بينهما كله. # فكتب نصر بن سيار، الى الامام مروان بن محمد، يخبره بخروج الكرماني عليه، ~~ومحاربته اياه، واشتغاله بذلك عن طلب ابى مسلم واصحابه، حتى قد عظم امرهم، ~~وان المحصى المقلل لهم يزعم، انه قد بايعه مائتا الف رجل، من اقطار خراسان، ~~فتدارك يا امير المؤمنين امرك، وابعث الى بجنود من قبلك يقو بهم ركني، ~~واستعن بهم على محاربه من خالفني. # ثم كتب في اسفل كتابه: # ارى تحت الرماد وميض جمر ... ويوشك ان يكون له ضرام # فان النار بالعودين تذكى ... وان الشر مبدؤه كلام # وقلت من التعجب، ليت شعري ... اايقاظ اميه أم نيام؟ # فان يقظت، فذاك بقاء ملك ... وان رقدت، فانى لا الام # فان يك أصبحوا، وثووا نياما ... پفقل قوموا، فقد حان القيام # فلما وصل كتابه الى مروان كتب الى معاويه بن الوليد، بن عبد الملك، وكان ~~عامله على دمشق، ومروان حينئذ بمدينه حمص، يأمره ان يكتب الى عامله ~~بالبلقاء [2] ، ان يسير الى الحميمه [3] ، فيأخذ ابراهيم بن محمد بن على، ~~فيشده وثاقا، ويرسل به اليه. PageV01P357 # فاتى ابراهيم، وهو جالس في مسجده، فلف راسه، وحمل الى مروان، واتبعه من ~~اهل بيته عبد الله بن على، وعيسى بن موسى بن على، ونفر من مواليه. # فلما دخل على مروان قال له: ما هذه الجموع التي خرجت بخراسان تطلب لك ms262 ~~الخلافه؟ # قال له ابراهيم: ما لي بشيء من ذلك علم، فان كنت انما تريد التجنى علينا ~~فدونك وما تريد. # ثم بسط لسانه على مروان، فامر به، فحبس. # قال الهيثم: فأخبرني ابو عبيده، قال: كنت آتى ابراهيم في محبسه، ومعه فيه ~~عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، فاسلم عليه، وأظل عامه نهاري عنده، وربما ~~جننى الليل عنده، فأبيت معه، فبينا انا ذات ليله عنده، وقد بت معه في ~~الحبس، فانا نائم في سقيفه فيه، إذ قيل، مولى لمروان، فاستفتح الباب، ففتح ~~له، فدخل ومعه نحو من عشرين رجلا من موالي مروان، فلبثوا ساعه، ثم خرجوا، ~~ولم اسمع لأحد صوتا. # فلما اصبحت دخلت البيت لاسلم عليها، فإذا هما قتيلان، فظننت انهما خنقا. # ولما قتل ابراهيم بن محمد خاف اخواه: ابو جعفر، وابو العباس على أنفسهما، ~~فخرجا من الحميمه هاربين من العراق، ومعهما عبد الله، واسماعيل، وعيسى، ~~وداود بنو على بن عبد الله بن عباس، حتى قدموا الكوفه، ونزلوا على ابى سلمه ~~الداعي، الذى كان داعيه أبيهما، محمد بن على بأرض العراق. # فانزلهم جميعا دار الوليد بن سعد، التي في بنى أود، والزمهم مساورا ~~القصاب، ويقطينا الابزارى، وكانا من كبار الشيعة، وقد كانا لقيا محمد بن ~~على في حياته، فامرهما ان يعينا أبا سلمه على امره. # PageV01P358 # وكان ابو سلمه خلالا [1] ، فكان إذا امسوا اقبل مساور بشقه لحم، واقبل ~~ابو سلمه بخل، واقبل يقطين بالابزار، فيطبخون، ويأكلون. # وفي ذلك يقول ابو جعفر: # لحم مساور، وخل ابى سلمه ... وابزار يقطين، وطابت المرقه # فلم يزل ابو العباس، وابو جعفر مستخفين بالكوفه الى ان قدم قحطبه بن شبيب ~~العراق. # قالوا: وبلغ أبا مسلم قتل الامام ابراهيم بن محمد، وهرب ابى العباس، وابى ~~جعفر من الشام، واستخفاؤهما بالكوفه عند ابى سلمه. # فسار من خراسان حتى قدم الكوفه، ودخل عليهما، فعزاهما بأخيهما، ابراهيم ~~الامام. # ثم قال لأبي العباس: مد يدك ابايعك. # فمد يده، فبايعه. # ثم سار الى مكة. # ثم انصرف إليهما. # فتقدم اليه ابو العباس، الا يدع بخراسان ms263 عربيا لا يدخل في امره الا ضرب ~~عنقه. # ثم انصرف ابو مسلم الى خراسان، فجعل يدورها، كوره كوره، ورستاقا رستاقا، ~~فيواعدهم اليوم الذى يظهرون فيه، ويأمرهم بتهيئه السلاح والدواب لمن قدر. # قالوا: ولما اعيت نصر بن سيار الحيل في امر الكرماني، وخاف ازوف ابى مسلم ~~كتب الى مروان: PageV01P359 # يا ايها الملك الوانى بنصرته ... قد آن للامر ان يأتيك من كثب # اضحت خراسان، قد باضت صقورتها ... وفرخت في نواحيها بلا رهب # فان يطرن، ولم يحتل لهن بها ... يلهبن نيران حرب أيما لهب # فلما وصلت هذه الأبيات الى مروان كتب الى يزيد بن عمر بن هبيرة عامله [1] ~~على العراقين، يأمره ان ينتخب من جنوده اثنا عشر رجلا، مع فرض يفرضه ~~بالعراق من عرب الكوفه والبصره، ويولى عليهم رجلا حازما، يرضى عقله ~~واقدامه، ويوجه بهم الى نصر بن سيار. # فكتب يزيد بن عمر بن هبيرة الى مروان: ان من معه من الجنود لا يفون باثنى ~~عشر ألفا، ويعلمه ان فرض الشام افضل من فرض العراق، لان عرب العراق ليست ~~لهم نصيحه للخلفاء من بنى اميه، وفي قلوبهم احن. # ولما أبطأ عن نصر الغوث اعاد الى مروان: # من مبلغ عنى الامام الذى ... قام بأمر بين ساطع # انى نذير لك من دوله ... قام بها ذو رحم قاطع # والثوب ان انهج فيه البلى ... اعيى على ذي الحيله الصانع # كنا نداريها، فقد مزقت ... واتسع الخرق على الراقع # فلم يجد عند مروان شيئا. ### | ظهور دعوه ابى مسلم # وحان الوقت الذى واعد فيه ابو مسلم مستجيبيه، فخرجوا جميعا في يوم واحد ~~من جميع كور خراسان حتى وافوه، وقد سودوا ثيابهم، تسليا على ابراهيم بن ~~محمد بن على بن عباس الذى قتله مروان، فكان أول من ورد عليه من القواد، ~~PageV01P360 # وقد لبس السواد، اسيد بن عبد الله، ومقاتل بن حكيم، ومحقن بن غزوان، ~~والحريش مولى خزاعة، وتنادوا: محمد، يا منصور. يعنون محمد بن على بن عبد ~~الله ابن عباس. وهو أول من قام بالأمر، وبث دعاته في الافاق. # وانجفل الناس ms264 على ابى مسلم من هراة، وبوشنج، ومرو الروذ، والطالقان، ~~ومرو، ونسا، وابيورد [1] ، وطوس [2] ، ونيسابور، وسرخس، وبلخ، والصغانيان، ~~والطخارستان، وختلان، وكش [3] ، ونسف، فتوافوا جميعا مسودى الثيابا، وقد ~~سودوا أيضا انصاف الخشب التي كانت معهم، وسموها كافر كوبات [4] . # وأقبلوا فرسانا، وحماره، ورجاله، يسوقون حميرهم ويزجرونها، هر مروان، ~~يسمونها مروان، ترغيما لمروان بن محمد، وكانوا زهاء مائه الف رجل. # فلما بلغ نصر بن سيار ظهور ابى مسلم سقط في يديه، وخاف على نفسه، ولم ~~يامن ان ينحاز الكرماني في اليمانيه، والربعيه اليهم، فيكون في ذلك ~~اصطلامه، فاراد ان يستعطف من كان مع الكرماني من ربيعه. # فكتب اليهم، وكانوا جميعا بمرو: # ابلغ ربيعه في مرو وإخوتها ... ان يغضبوا قبل ان لا ينفع الغضب # ما بالكم تلحقون الحرب بينكم ... كان اهل الحجا عن فعلكم غيب # وتتركون عدوا قد أظلكم ... ممن تأشب، لا دين ولا حسب # ليسوا الى عرب منا، فنعرفهم ... ولا صميم الموالي، ان هم نسبوا # قوما يدينون دينا ما سمعت ... عن الرسول، ولا جاءت به الكتب PageV01P361 # فمن يكن سائلي عن اصل دينهم ... فان دينهم ان تقتل العرب # فلم تحفل ربيعه بهذه الأبيات. # وبلغ أبا العباس الامام، وهو مستخف بالكوفه ان أبا مسلم لو اراد ان يصطلم ~~عسكر نصر والكرماني لفعل، غير انه يدافع الحرب، فكتب اليه يؤنبه في ذلك. # وكان ابو مسلم يحب ان يستميل احد الرجلين، ليفصم به شوكه الآخر، فأرسل ~~الى الكرماني، يسأله ان ينضم اليه، لينتقم له من نصر بن سيار، فعزم على ~~المسير اليه، واقبل ابو مسلم في عساكره الى ارض مرو، فعسكر على سته فراسخ ~~من المدينة. # وخرج اليه الكرماني ليلا في نفر من قومه، فاستامن لجميع اصحابه، فامنهم ~~ابو مسلم، واكرم الكرماني، فأقام معه، وشق ذلك على نصر بن سيار، وايقن ~~بالهلكة. # فكتب الى الكرماني يسأله الرجوع اليه، على ان يعتزلا، ويوليا الأمر رجلا ~~من ربيعه، يرضيانه، وهو الأمر الذى كان ساله اياه. # فاصغى الكرماني الى ذلك، وتحمل ليلا من معسكر ابى مسلم، حتى انصرف الى ~~معسكره، واسترسل ms265 الكرماني الى نصر، فلما أصاب منه غره دس عليه من قتله. # ويقال: بل وجه اليه نصر رجلا من قواده في ثلاثمائه فارس، فكمنوا له ليلا ~~عند منصرفه من معسكر ابى مسلم، فلما حاذاهم، وهو غافل عنهم، حملوا عليه، ~~فقتلوه. # وبلغ ذلك أبا مسلم فقال لا يبعد الله غيره، لو صبر معنا لقمنا معه، ~~ونصرناه على عدوه. # PageV01P362 # وقال نصر في ظفره بالكرمانى: # لعمري، لقد كانت ربيعه ظافرت ... عدوى بغدر حين خابت جدودها # وقد غمزوا منى قناه صليبه ... شديدا على من رامها الكسر عودها # وكنت لها حصنا، وكهفا، وجنه ... يؤول الى، كهلها، ووليدها # فمالوا الى السوءات، ثم ... وهل يفعل السوءات الا مريدها؟ # فاوردت كرمانيها الموت ... كذاك منايا الناس يدنو بعيدها # قالوا: ولما قتل الكرماني مضى ابنه على من خندقه الى ابى مسلم، فسأله ان ~~يطلب له بثار ابيه. # فامر قحطبه بن شبيب ان يستعد، ويسير حتى ينيخ على نصر في خندقه، فينابذه ~~الحرب، او ينيب الى الطاعة. # فسار قحطبه، فبدا بالمدينة، فدخلها، واستولى عليها، وارسل الى نصر يؤذنه ~~بالحرب. # فكتب نصر الى ابى مسلم، يسأله الامان، على ان يدخل معه في امره، فأجابه ~~الى ذلك، وامر قحطبه ان يمسك عنه. # فلما أصاب نصر من قحطبه غفله تحمل في حشمه وولده، وحاشيته ليلا، فخرج من ~~معسكره من غير ان يعلم اصحابه، وسار نحو العراق، وجعل طريقه على جرجان، ~~فأقام بها، فمرض فيها، فسار منها الى ساوه [1] ، فأقام بها أياما ثم توفى ~~بها. # فاستامن جميع اصحابه واصحاب الكرماني الى ابى مسلم الا أناسا كرهوا امر ~~ابى مسلم، فساروا من مدينه مرو هرابا، حتى أتوا طوس، فأقاموا بها. ~~PageV01P363 # وان أبا مسلم استولى على خراسان، واستعمل عماله عليها. # فكان أول من عقد له منهم زنباع بن النعمان، على سمرقند، وولى خالد بن ~~ابراهيم، على طخارستان، وولى محمد بن الاشعث، الطبسين [1] ، ثم وجه اصحابه ~~الى سائر تلك البلاد، وضم الى قحطبه بن شبيب أبا عون، مقاتل بن حكيم العكي، ~~وخالد بن برمك، وحارثة بن خزيمة، وعبد الجبار ms266 بن نهيك، وجهور بن مراد ~~العجلى، والفضل بن سليمان، وعبد الله بن النعمان الطائي، وضم الى كل واحد ~~من هؤلاء القواد صناديد الجنود وابطالهم. # وامر قحطبه ان يسير الى طوس، فيلقى من قد اجتمع بها من جنود نصر بن سيار، ~~والكرماني، فيحاربهم حتى يطردهم عنها، ثم يتقدم، قدما قدما، حتى يرد ~~العراق. # فسار قحطبه حتى إذا دنا من طوس هرب أولئك الذين قد كانوا تجمعوا بها، ~~فتفرقوا، وسار قحطبه من طوس الى جرجان، فافتتحها. # وسار منها الى الري، فواقع عامل مروان عليها، فهزمه، ثم سار من الري الى ~~أصبهان حتى وافاها، وبها عامر بن ضباره، من قبل يزيد بن عمر، فهرب منه، ~~ودخلها قحطبه، واستولى عليها. # ثم سار حتى اتى نهاوند، وبها مالك بن ادهم الباهلى، فتحصن أياما، ثم ~~استامن الى قحطبه، فآمنه، فخرج اليه، وسار قحطبه حتى نزل حلوان، فأقام بها. # وكتب الى ابى مسلم يعلمه خبره، وان مروان بن محمد قد اقبل من الشام حتى ~~وافى الزابين [2] فأقام بها في ثلاثين ألفا، وان يزيد بن عمر بن هبيرة قد ~~استعد بواسط. PageV01P364 # فأتاه كتاب ابى مسلم، يأمره ان يوجه أبا عون العكي في ثلاثين الف فارس من ~~ابطال جنوده الى مروان بن محمد بالزابين، فيحاربه، ويسير هو في بقية الجنود ~~الى واسط، فيحارب يزيد بن عمر، ليشغله عن توجيه المدد الى مروان. # ففعل قحطبه ذلك. # وبلغ مروان فصول ابى عون اليه بالجيوش من حلوان فاستقبله، فالتقيا ~~بشهرزور، فاقتتلوا، فانهزم اهل الشام حتى صاروا الى مدينه حران. # قال الهيثم: فحدثني اسماعيل بن عبد الله القسرى، أخو خالد بن عبد الله ~~قال: # دعانى مروان عند وصوله الى حران، وكنت اخص الناس عنده، فقال لي: # يا أبا هاشم وما كنانى قبل ذلك. # فقلت: لبيك يا امير المؤمنين. # قال: ترى ما قد نزل من الأمر، وأنت الموثوق برايه، فما ترى؟. # قلت: وعلا م اجمعت يا امير المؤمنين؟. # قال: اجمعت على ان ارتحل بأهلي، وولدى، وخاصه اهل بيتى، ومن اتبعنى من ~~اصحابى حتى اقطع ms267 الدرب، واصير الى ملك الروم، فاستوثق منه بالأمان، ولا ~~يزال يأتيني الخائف من اهل بيتى وجنودي حتى يكثف امرى، واصيب قوه على ~~محاربه عدوى. # قال اسماعيل: وذلك، والله، كان الرأي له عندي، غير انى ذكرت سوء اثره في ~~قومى، ومعاداته إياهم، وتحامله عليهم، فصرفت الرأي عنه. # وقلت له: يا امير المؤمنين، اعيذك بالله، ان تحكم اهل الشرك في نفسك ~~وحرمك، لان الروم لا وفاء لهم. # قال: فما الرأي عندك؟ # قلت: الرأي ان تقطع الفرات، وتستقرى مدن الشام، مدينه مدينه، فان لك بكل ~~مدينه صنائع ونصحاء، وتضمهم جميعا إليك، وتسير حتى تنزل ببلاد مصر، فهى ~~اكثر اهل الارض مالا، وخيلا، ورجالا، فتجعل الشام امامك، # PageV01P365 # وإفريقية [1] خلفك، فان رايت ما تحب انصرفت الى الشام، وان تكن الاخرى ~~اتسع لك المهرب نحو إفريقية، فإنها ارض واسعه، نائيه منفرده. # قال: صدقت، لعمري، وهو الرأي. # فسار من حران حتى قطع الفرات، وجعل يستقرى مدن الشام، فيستنهضهم، فيروغون ~~عنه، ويهابون الحرب، فلم يسر معه منهم الى قليل. # وسار ابو عون صاحب قحطبه في اثر مروان حتى انتهى الى الشام، وقصد دمشق، ~~فقتل من أهلها مقتله عظيمه، فيهم ثمانون رجلا من ولد مروان ابن الحكم. ### | نهاية بنى اميه # ثم عبر الشام سائرا نحو مصر حتى وافاها، واستعد مروان فيمن كان معه، من ~~اهل الوفاء له، وكانوا نحوا من عشرين الف رجل، وسار مستقبلا أبا عون حتى ~~التقى الفريقان، فاقتتلوا. # فلم يكن لأصحاب مروان ثبات، فقتل منهم خلق، وانهزم الباقون، فتبددوا، ~~وهرب مروان على طريق إفريقية، وطلبته الخيل، فحال بينها وبينه الليل، فعبر ~~مروان النيل في سفينه، فصار في الجانب الغربي، وكان منجما [2] ، فقال ~~لغلامه: # انى ان سلمت هذه الليلة رددت خيل خراسان على اعقابها حتى ابلغ خراسان. # ثم نزل، ودفع دابته الى غلامه، وخلع درعه، فتوسدها، ونام لشدة ما قد كان ~~مر به من التعب، ولم يكن معه دليل يدله على الطريق، وخاف ان يوغل في تلك ~~المفاوز، فيضل. PageV01P366 # واقبل رجل من اصحاب ابى عون، يسمى عامر ms268 بن اسماعيل في طلب مروان، حتى اتى ~~المكان الذى عبر فيه مروان، فدعا بسفينه، فجلس فيها، وعبر، فانتهى به السير ~~الى مروان، وهو مستثقل نوما، فضربه بالسيف حتى قتله. # قالوا: ولما بلغ محمد بن خالد بن عبد الله القسرى، وكان مستترا بالكوفه ~~في بجيله، موافاه قحطبه بن شبيب حلوان بجموع اهل خراسان جمع اليه نفرا من ~~اشراف قومه، ثم ظهر، ودعا لأبي العباس الامام، فطلبه زياد بن صالح، عامل ~~يزيد بن عمر، فاجتمع اليه قومه، فمنعوه، وقاموا دونه. # وبلغ ذلك يزيد بن عمر بن هبيرة، فامد زياد بن صالح بالرجال، واجتمع الى ~~محمد جميع من كان بالكوفه من اليمانيه والربعيه، فهرب زياد بن صالح حتى لحق ~~بيزيد بن عمر بواسط. # وكتب محمد بن خالد الى قحطبه، وهو بحلوان، يسأله ان يوليه امر الكوفه، ~~ويبعث اليه عهده عليها، ففعل. # فاتى المسجد الأعظم في جمع كثير من اليمانيه، وقد أظهروا السواد، وذلك ~~يوم عاشوراء من المحرم سنه اثنتين وثلاثين ومائه [1] . # وقال محمد بن خالد فيما كان من قتله الوليد بن يزيد بن عبد الملك: # قتلنا الفاسق المختال لما ... اضاع الحق، واتبع الضلالا # يقول لخالد الا حمته ... بنو قحطان ان كانوا رجالا # فكيف راى غداه غدت عليه ... كراديس يشبهها الجبالا [2] # الا ابلغ بنى مروان عنى ... بان الملك قد اودى، فزالا # وسار يزيد بن عمر بن هبيرة الى الكوفه يريد محمد بن خالد، فدخل محمد على ~~PageV01P367 # ابى سلمه الداعي، فاخبره بفصول ابن هبيرة نحوه، وتخوفه ان لا يقوى بكثرة ~~جموعه. # فقال له ابو سلمه: انه قد كان منك من الدعاء الى الامام ابى العباس ما لا ~~ينساه لك، فلا تفسد ذلك بقتلك نفسك، ومن معك، ودع الكوفه، فإنها في يديك، ~~وسر بمن معك حتى تنضم الى قحطبه. # قال محمد: لست بخارج من الكوفه حتى ابلى عذرا في محاربه ابن هبيرة. # فاستعد بمن كان معه بالكوفه من اليمن وربيعه، وسار مستقبلا لابن هبيرة ~~حتى التقى. # فنادى محمد بن خالد من كان مع ابن هبيرة من ms269 قومه: تبا لكم، انسيتم قتل ~~ابى خالد، وتحامل بنى اميه عليكم، ومنعهم إياكم اعطياتكم؟ يا بنى عم، قد ~~أزال الله ملك بنى اميه، وادال منهم، فانضموا الى ابن عمكم، فان هذا قحطبه ~~بحلوان في جموع اهل خراسان، وقد قتل مروان، فلم تقتلون أنفسكم؟ # وان الأمير قحطبه قد ولانى الكوفه، وهذا عهدي عليها، فليكن لكم اثر في ~~هذه الدولة. # فلما سمعوا ذلك مالوا اليه جميعا، ولم يلق مع ابن هبيرة الا قيس وتميم. # فلما راى ذلك ولى منهزما بمن معه حتى وافى واسط، ووجه في نقل الميرة [1] ~~إليها، واستعد للحصار. # وانصرف محمد بن خالد الى الكوفه، فخطب الناس، ودعا لأبي العباس، وأخذ ~~بيعه اهل الكوفه. # واقبل قحطبه من حلوان حتى وافى العراق، فنزل دمما [2] وهي فيما بين بغداد ~~والأنبار وذلك قبل ان تبنى بغداد، وانما كانت قريه، يقوم بها سوق في كل شهر ~~مره، فأقام معسكرا بها. PageV01P368 # فقال على بن سليمان الأزدي يذكر محمد بن خالد وسبقه الى الدعاء الى بنى ~~هاشم: # يا حاديينا بالطريق قوما ... بيعملات كالقسى رسما [1] # تنجو باحواز الفلاة مقدما ... الى امرئ اكرم من تكرما # محمد لما سما وأقدما ... ثار بكوفان بها معلما # في عصبه تطلب امرا مبرما ... حتى علا منبرها معمما # اكرم بما فاز به وأعظما ... إذ كان عنها الناس كلا نوما # وان قحطبه عند مسيره الى العراق استخلف على ارض الجبل يوسف بن عقيل ~~الطائي، واقبل ابن هبيرة حتى صار على شاطئ الفرات الغربي، وهو في نحو من ~~ثلاثين الف رجل. # واقبل قحطبه حتى نزل في الجانب الشرقى، فأقام ثلاثا، ثم نادى في جنوده، ~~ان اقحموا خيلكم الماء، فاقتحموها، وقحطبه امام اصحابه. # ولما عبر اصحاب قحطبه قاتلهم ابن هبيرة، فلم يقم لهم، فانهزم حتى اتى ~~واسطا، فتحصن فيها، وفقد قحطبه بن شبيب فلم يدر اين ذهب. # ويزعم بعض الناس ان فرسه غاص به فغرق، وتولى امر الناس ابنه الحسن بن ~~قحطبه. # ولما تحصن ابن هبيرة بواسط خلف الحسن بن قحطبه عليه بعض قواده في عشرين ~~الف ms270 رجل، وسار نحو الكوفه، وقد أخذها محمد بن خالد، فوافاها الحسن بن ~~قحطبه، وبها الامام ابو العباس. PageV01P369 ### | خلافة بني العباس ### | مبايعه ابى العباس # فأظهر أبا العباس، واقبل به حتى دخل المسجد الأعظم، واجتمع له الناس، ~~فصعد المنبر، فحمد الله واثنى عليه، وصلى على نبيه، ع، ثم ذكر انتهاك بنى ~~اميه المحارم، وهدمهم الكعبه، ونصبهم عليها المجانيق، وما أبدعوا من خبيث ~~السير، ثم نزل. # فاكثر الناس له من الدعاء، واقبل نحو دار الإمارة، فنزلها. # وامر الحسن بن قحطبه بالانصراف الى واسط، والإناخة بيزيد بن عمر بن ~~هبيرة. # فسار الحسن وحاصر يزيد أشهرا كثيره. # قال الهيثم بن عدى: بويع لأبي العباس بالخلافة، ولأبي جعفر بولاية العهد ~~من بعده، في رجب، من سنه اثنتين وثلاثين ومائه [1] . # فلما استدف لأبي العباس الإمرة ولى أبا سلمه الداعي جميع ما وراء بابه، ~~وجعله وزيره، واسند اليه جميع أموره، فكان يسمى وزير آل محمد، فكان ينفذ ~~الأمور من غير مؤامره. # وبلغ ذلك أبا مسلم وهو بخراسان، فدعا مروان الضبي، وكان احد قواده، وقال ~~له: انطلق الى الكوفه، فاخرج أبا سلمه من عند الامام ابى العباس، فاضرب ~~عنقه، وانصرف من ساعتك، ففعل الضبي ذلك. # فقال الشاعر يرثى أبا سلمه: # ان الوزير وزير آل محمد ... اودى فمن يشناك كان وزيرا [2] . # ثم ان الامام أبا العباس راى ان يوجه أخاه أبا جعفر المنصور الى واسط، ~~ليتولى PageV01P370 # محاربه ابن هبيرة، فوجهه، وكتب الى الحسن بن قحطبه يعلمه ان العسكر ~~عسكره، وانه أحب ان يكون اخوه المتولى للامر. # فلما وافى ابو جعفر واسطا تحول الحسن بن قحطبه عن سرداقه، وخلاه بما فيه ~~له، فنزله ابو جعفر بحريمه وحشمه. # وكتب ابو جعفر الى قواد يزيد بن عمر واشراف من العرب، يستميلهم بالاطماع، ~~وينبههم على حظوظهم، ويعرفهم انصرام دوله بنى اميه، فأجابوه جميعا. # وكان أول من اجابه وانحرف اليه زياد بن صالح الحارثى، وكان عامل ابن ~~هبيرة على الكوفه، واخص اصحابه عنده، وقد كان ابن هبيرة ولاه حراسه مدينته ~~بالليل، ودفع اليه مفاتيح أبوابها ms271. # قال الهيثم: فحدثني ابى، قال: لما هم زياد باللحوق بابى جعفر ارسل الى، ~~وكان وصى ابى، فكنت ادعوه أبا وعما، وقد كان رسوله أتاني عند اختلاط ~~الظلام، يأمرني بالمصير اليه، فأتيته، فخلا بي، وقال: # يا ابن أخي، انك لست ممن اكتمه شيئا، وقد أتاني كتاب ابى جعفر، يدعوني ~~الى اللحوق به، ويبذل لي على ذلك منزله سنيه، واعلم في كتابه انه راع ~~للخئوله وكانت أم ابى العباس حارثيه. # قال والدى: فقلت له، يا عم، ان لابن هبيرة ايادى جميله، واكره لك الغدر ~~به. # فقال: يا ابن أخي، انا من اشكر الناس له، غير انى لا ارى ان اقيم على ~~ملك، قد انقضت قواه، ووهت عراه، وانا لابن هبيرة اليوم عند ابى جعفر انفع ~~منى له هاهنا، وأرجو ان يصلح الله امره بي وعلى يدي، فاقم عندي الى وقت ~~خروجى لاسلم لك المفاتيح. # فاقمت عنده. # فلما مضى ثلث الليل امر غلمانه، فحملوا اثقاله، وأسرجوا دوابه، ثم ركب، # PageV01P371 # وخرج من منزله، وانا امشى معه، حتى انتهى الى باب المدينة الذى يلى دجلة، ~~وكانت المفاتيح معه، وامر الاحراس ان يفتحوا الباب، وقال لهم: اريد الخروج ~~لاستطلاع بعض الأمور، وانا منصرف بعد ساعه. # ثم خرج، وأمرني باغلاق الباب وأخذ المفاتيح. # فقال لي فيما بيني وبينه: إذا اصبحت فانطلق بالمفاتيح حتى تدفعها الى ابن ~~هبيرة من يدك الى يده، واعلمه انى له هناك افضل منى له هاهنا، ثم ودعني، ~~ومضى، وانصرفت الى منزلي. # فلما اصبحت اتيت باب قصر الإمارة، فاستأذنت على ابن هبيرة. # فقال لي الحاجب: هو قاعد في مصلاه، لم يقم عنه. # قلت: اعلمه انى أتيته في مهم. # فاذن لي. # فدخلت، وهو قاعد في محرابه، وعليه كساء بركانى [1] معلم، فسلمت عليه ~~بالإمرة. # فرد السلام. # وقال: مهم. # فحدثته بأمر زياد بن صالح، فدمعت عيناه. # وقال: بمن تثق اليوم بعد زياد، وتوليتي اياه الكوفه، وبري به؟ # فقلت: ايها الأمير: ان الله ربما جعل في الكره خيرا، وأرجو ان ينفعك الله ~~بمكانه هناك. # فقال: لا حول ولا ms272 قوه الا بالله. # ثم قال: يا غلام، على بطارق بن قدامه القسرى. # فدخل عليه، وانا جالس عنده، فدفع اليه تلك المفاتيح. PageV01P372 # وقال: يا طارق، انى قد اخترتك لحراسة هذه المدينة على جميع أصحابك من ~~خاصتنا، فكن كنحو ثقتي بك. # ولما طال على ابن هبيرة الحصار بعث الى المنصور يسأله الامان، فأرسل ~~اليه: # ان اردت ان أومنك على حكم امير المؤمنين ابى العباس فعلت. # فشاور ابن هبيرة نصحاءه، فأشاروا عليه ان يفعل. # فأرسل الى ابى جعفر يعلمه: انى راض بذلك. # فكتب اليه ابو جعفر ذلك بخطه، واشهد على نفسه بذلك القواد. # فخرج ابن هبيرة الى ابى جعفر في نفر من بطانته، فدخل عليه، وهو في ~~سرادقه، وحول السرادق عشره آلاف نفر من اهل خراسان مستلئمين في السلاح، ~~فامر ابو جعفر بوساده، فجلس عليها قليلا، ثم نهض، ودعى له بدابته، فركب، ~~وانصرف الى منزله، وفتحت أبواب المدينة، ودخل الناس بعضهم في بعض. # قالوا: واحصى ما في الخزائن من الأموال والسلاح، وما بقي من الطعام ~~والعلف الذى كان ابن هبيرة قد ادخر، واعد للحصار، فكان المال ثلاثة آلاف ~~الف درهم، ومن السلاح شيء كثير، وطعام ثلاثين الف رجل، وعلف عشرين الف راس ~~من الدواب سنه. # وان أبا جعفر كتب الى ابى العباس يخبره بخروج ابن هبيرة على حكمه، ويسأله ~~ان يعلمه الذى يرى فيه. # فكتب ابو العباس: لا حكم لابن هبيرة عندي الا السيف. # فلما انتهى الكتاب بذلك الى ابى جعفر كتمه عن جميع الناس. # وقال لحاجبه: مر ابن هبيرة إذا ركب إلينا الا يركب الا في غلام واحد، ~~ويدع عنه هذه الجماعات. # فلما كان من غد ركب ابن هبيرة الى ابى جعفر في موكب عظيم. # PageV01P373 # فقال له سلام الحاجب: أبا خالد، كأنك انما تأتي ولى العهد مباهيا، ولا ~~تأتيه مسلما. # قال ابن هبيرة: ان كنتم كرهتم ذلك لم آتكم الا في غلام واحد. # قال: فلا تأتنا الا في غلام واحد، فانى لم اقل ذلك استخفافا بحقك، الا ان ~~اهل خراسان ينكرون كثره ms273 من يركب معك. # فكان ابن هبيرة بعد ذلك لا يأتيهم الا في غلام واحد، فيدخل، ويسلم، ~~وينصرف. # ثم ان أبا جعفر قال للحسن بن قحطبه: اجمع إليك أبا بكر العقيلي، والحوثره ~~بن سهل، ومحمد بن بنانه، وعبد الله بن بشر، وطارق بن قدامه، وسويد بن ~~الحارث المزنى، وهؤلاء كانوا قواد يزيد بن عمر، فإذا اجتمعوا عندك فاضرب ~~أعناقهم، وائتنى بخواتيمهم، ووجه حرسا يحرسون ابن هبيرة، لانفذ فيه امر ~~الامام ابى العباس. # فانطلق الحسن بن قحطبه، فانفذ امره في أولئك، وأتاه بخواتيمهم. # قال: فما نطق منهم احد عند قتله، وما كان منه جزع ولا امتناع. # فلما كان في اليوم الثانى دعا ابو جعفر خازم بن خزيمة، وابراهيم بن عقيل، ~~فقال لهما: انطلقا في عشره نفر من الحرس حتى تدخلا على ابن هبيرة فتقتلاه. # فاقبلا حتى دخلا عليه عند طلوع الشمس، وهو جالس في مسجده في القصر مسند ~~ظهره الى المحراب، ووجهه الى رحبه القصر. # فلما نظر اليهم قال لحاجبه: يا أبا عثمان، احلف بالله ان في وجوه القوم ~~لشرا. # فمضى ابو عثمان مستقبلا لهم، وقال لهم: ما تريدون؟. # فبعجه ابراهيم بن عقيل بالسيف، فقتله، وقام ابراهيم ابنه في وجوه القوم، ~~فقتل، ثم قام ابنه داود في وجوههم، فقتل، ثم قام كاتبه عمرو، فقتل. # PageV01P374 # وأقبلوا نحو ابن هبيرة، فلما دنوا منه حول وجهه الى القبله، وسجد، فضربوه ~~بأسيافهم حتى خمد. # ثم انصرفا الى ابى جعفر، فأخبراه بذلك، فامر ابو جعفر مناديا، فنادى ايها ~~الناس، أنتم آمنون الا الحكم بن عبد الملك بن بشر، ومحمد بن ذر، وخالد بن ~~سلمه المخزومي. # قال الهيثم: فحدثني ابى قال: قال محمد بن ذر، فضاقت على الارض برحبها، ~~فخرجت ليلا من مدينه واسط على قدمي، وانا اقرا آيه الكرسي، فما عرض لي احد ~~من الناس حتى نجوت، فلم أزل خائفا حتى استامن لي زياد بن عبد الله من ~~الامام ابى العباس، فآمنني. # قال وهرب الحكم بن عبد الملك الى كسكر، فاستخفى بها. # وضاقت بخالد بن سلمه المخزومي ms274 الارض، فاتى باب ابى جعفر المنصور ليلا، ~~فاستامن له، فآمنه. # ثم نودى ايها الناس، أنتم جميعا آمنون، يا اهل الشام، ألحقوا بشامكم، ويا ~~اهل الحجاز، ألحقوا بحجازكم، فسكن الناس، وآمنوا، واطمأنوا. # واستعمل المنصور على واسط الهيثم بن زياد الخزاعي في خمسه آلاف من اهل ~~خراسان، ثم انصرف بسائر الناس حتى قدم على الامام ابى العباس، وهو بالحيرة. # ثم ان الامام سار من الحيرة في جموعه حتى اتى الأنبار، فاستطابها، فابتنى ~~بها مدينه باعلى المدينة عظيمه لنفسه وجموعه، وقسمها خططا بين اصحابه من ~~اهل خراسان، وبنى لنفسه في وسطها قصرا عاليا منيفا، فسكنه، واقام بتلك ~~المدينة طول خلافته، وتسمى الى اليوم مدينه ابى العباس. # ثم ان أبا العباس وجه أخاه أبا جعفر المنصور الى خراسان، وامره ان ياتى # PageV01P375 # أبا مسلم، فيناظره في بعض الأمور، ووجه معه ثلاثين رجلا من وجوه القواد، ~~وفيهم الحجاج بن ارطاه الفقيه، واسحق بن الفضل الهاشمى. # فلما قدم المنصور على ابى مسلم لم يبالغ ابو مسلم في بره وإكرامه، ولم ~~يظهر السرور التام بقدومه. # فانصرف الى ابى العباس، وقال: لست بخليفه ما دام ابو مسلم حيا، فاحتل ~~لقتله قبل ان يفسد عليك امرك، فلقد رايته وكأنه لا احد فوقه، ومثله لا يؤمن ~~غدره ونكثه. # فقال ابو العباس: وكيف يمكن ذلك، ومعه اهل خراسان؟ وقد اشربت قلوبهم حبه، ~~واتباع امره، وايثار طاعته. # فقال ابو جعفر: فذاك والله احرى ان لا تامنه، فاحتل له. # فقال ابو العباس: يا أخي، اضرب عن هذا، ولا تعلمن رأيك في ذلك أحدا. # وان أبا العباس قال ذات يوم للحجاج بن ارطاه، وقد خلا معه: ما تقول في ~~ابى مسلم؟ # فقال: يا امير المؤمنين، ان الله تعالى يقول في كتابه: لو كان فيهما آلهة ~~إلا الله لفسدتا. # قال ابو العباس: امسك، فقد فهمت ما اردت. # ثم ان أبا مسلم وجه محمد بن الاشعث بن عبد الرحمن أميرا على فارس. # وراى ابو العباس ان يستعمل عليها عمه عيسى بن على، فعقد له عليها، وامره ~~بالمسير ms275 إليها. # فلما قدم عيسى على محمد بن الاشعث ابى ان يسلم اليه. # فقال له عيسى: يا ابن الاشعث، الست في طاعه الامام ابى العباس؟ # قال: بلى، غير ان أبا مسلم أمرني الا اسلم العمل الى احد من الناس. # PageV01P376 # قال عيسى: فإنما ابو مسلم عبد الامام، وان الامام لا يرضى ان يرد امره. # قال محمد: دع عنك هذا، لست اسلم العمل إليك الا بكتاب ابى مسلم. # فانصرف عيسى الى ابى العباس، فاخبره ذلك، فكظم، وامر عمه بالمقام عنده، ~~فأقام. # وان أبا مسلم عقد للمغلس بن السرى على ارض طخارستان حتى وافاها، فخرج ~~اليه منصور مستعدا للحرب، فالتقوا، فاقتتلوا، فكان الظفر للمغلس، وهرب ~~منصور في نفر من اصحابه حتى وقعوا في الرمال، فماتوا عطشا. # واقام المغلس على باب بلاد السند. # وان أبا مسلم كتب الى الامام ابى العباس يستاذنه في القدوم عليه، والمقام ~~عنده الى أوان الحج ليحج، فاذن له ابو العباس في ذلك، فسار ابو مسلم حتى ~~إذا قارب الامام امر ابو العباس جميع من كان معه بالحضرة من القواد ~~والاشراف ان يستقبلوه، فاستقبل بالكرامه، وترجل له الاشراف والقواد. # واقبل حتى وافى مدينه ابى العباس، فانزله معه في قصره، ولم يال جهده في ~~بره وإكرامه، حتى إذا حان وقت الحج استاذنه في الحج. # فقال له ابو العباس: لولا ان أخي أبا جعفر قد عزم على الحج لوليتك ~~الموسم، فكونا جميعا. # قال ابو مسلم: وذاك أحب الى. # ثم خرجا. # فكان يرتحل ابو جعفر، وينزل ابو مسلم حتى وافيا مكة، فقضيا حجهما، ~~وانصرفا. # PageV01P377 ### | ابو جعفر المنصور # فلما وصل ابو جعفر الى ذات عرق في منصرفه أتاه نعى الامام ابى العباس [1] ~~، فأقام بمكانه حتى وافاه ابو مسلم، فاخبره بوفاه ابى العباس. # فخنقت أبا مسلم العبرة [1] ، وقال: رحم الله امير المؤمنين، إنا لله وإنا ~~إليه راجعون. # فقال ابو جعفر: انى قد رايت ان تخلف اثقالك ومن معك من جنودك على، ~~فيكونوا معى، وتركب أنت في عشره نفر البريد حتى ترد الأنبار، فتضبط العسكر، ~~وتسكن الناس ms276. # قال ابو مسلم: افعل. # فركب في عشره نفر من خاصته، وسار بالحث الشديد حتى وافى العراق، وانتهى ~~الى مدينه ابى العباس بالأنبار، فوجد عيسى بن على بن عبد الله بن عباس قد ~~دعا الناس الى بيعته، وخلع ولايه العهد عن ابى جعفر. # فلما رأوا أبا مسلم مالوا معه، وتركوا عيسى. # فلما وافى ابو جعفر اعتذر اليه عيسى، واعلمه انه انما اراد بذلك ضبط ~~العسكر، وحفظ الخزائن، وبيوت الأموال. # فقبل ابو جعفر منه ذلك، ولم يؤاخذه بما كان منه. # واجتمع الناس، وبايعوا المنصور أبا جعفر. # ثم أتاه انتقاض الشام، وقد كان ابو العباس استعمل عليها عمه عبد الله بن ~~على، فلما بلغه وفاه ابى العباس دعا لنفسه، واستمال من كان معه من جنود ~~خراسان، فمالوا معه. # فلما بلغ أبا جعفر ذلك قال لأبي مسلم ايها الرجل، انما هو انا او أنت، ~~فاما ان تسير الى الشام فتصلح امرها، او اسير انا. PageV01P378 # قال ابو مسلم، بل اسير انا. # فاستعد، وسار في اثنى عشر ألفا من ابطال جنود خراسان حتى إذا وافى الشام ~~انحاز اليه من كان بها من الجنود جميعهم، وبقي عبد الله بن على وحده. # فعفا ابو مسلم عنه، ولم يؤاخذه بما كان منه. # وكانت خلافه ابى العباس اربع سنين وسته اشهر. # وان أبا جعفر عند مسير ابى مسلم نحو الشام وجه يقطين بن موسى في اثر ابى ~~مسلم، وقال: ان تكن هناك غنائم فتول قبضها. # وبلغ ذلك أبا مسلم، فشق عليه، وقال: ان امير المؤمنين لم يأتمنى على ما ~~هاهنا حتى استظهر على بامين. ودخلته من ذلك وحشه شديده. # ولما بلغ المنصور اصلاح الشام كره المقام بمدينه ابى العباس التي ~~بالأنبار، فسار بعسكره الى المدائن، فنزل الى المدينة التي تدعى الرومية ~~وهي من المدائن على فرسخ، وهي المدينة التي بناها كسرى انوشروان، وأنزلها ~~السبى الذى سباه من بلاد الروم، فأقام المنصور بتلك المدينة. # وان أبا مسلم انصرف فاخذ على الفرات حتى وافى العراق على الأنبار، وجاز ~~حتى وافى كرخ بغداد ms277 [1] ، وهي إذ ذاك قريه، ثم عبر دجلة من بغداد، وأخذ ~~طريق خراسان، وترك طريق المدائن. # وبلغ ذلك أبا جعفر. # فكتب الى ابى مسلم: اريد مناظرتك في امور لم يحتملها الكتاب، فخلف عسكرك ~~حيث ينتهى إليك كتابي، فاقدم على. # فلم يلتفت ابو مسلم الى كتاب المنصور، ولم يعبأ به. # وكان مع المنصور رجل من ولد جرير بن عبد الله البجلي، واسمه جرير بن يزيد ~~بن عبد الله، وكانت له خلابة، وتات في الأمور، ومكيده. # فقال له ابو جعفر: اركب البريد حتى تلحق أبا مسلم، فتحاول رده الى، ~~PageV01P379 # فانه قد مضى مغاضبا، ولا آمن افساده على، وتات في رده بافضل التاتى. # فسار الرجل حتى لحقه في بعض الطريق، وقد نزل بعض المنازل بعسكره، فدخل ~~عليه مضربه. # فقال: # ايها الأمير، اجهدت نفسك، واسهرت ليلك، واتعبت نهارك في نصره مواليك، ~~واهل بيت نبيك حتى إذا استحكم لهم الأمر، وتوطد لهم السلطان، ونلت امنيتك ~~فيهم تنصرف على هذه الحال، فما تقول الناس؟ الا تعلم ان ذلك مطعنه عليك، ~~ومسبه، في حياتك، وبعد وفاتك؟. # فلم يزل به حتى عزم على الانصراف معه الى المنصور، وخلف عسكره بمكانه ~~ذلك. # وسار منصرفا في الف فارس من افاضل من كان معه من جنود خراسان والقواد، ~~وقد كان ابو مسلم يقول: ان المنجمين أخبروني ان لا اقتل الا بالروم. ### | قتل ابى مسلم الخراسانى # حتى وافى أبا جعفر بالرومية، فدخل عليه، فقام اليه ابو جعفر، وعانقه، ~~واظهر السرور بانصرافه. # وقال له: كدت تمضى من قبل ان أراك، وافضى إليك بما اريد، فقم، فضع عنك ~~ثيابك، وانزل حتى يذهب كلال السير عنك. # فخرج ابو مسلم الى قصر قد اعد له. # ونزل اصحابه حوله. # فمكث ثلاثة ايام، يغدو كل يوم الى ابى جعفر، فيدخل على دابته، حتى ينتهى ~~الى باب المجلس الذى فيه الامام، فينزل، ويدخل اليه، فيجلس عنده مليا، ~~فيتناظران في الأمور. # فلما كان في اليوم الرابع وطن له ابو جعفر عثمان بن نهيك، وكان على حرسه، # PageV01P380 # وشبث بن روح، وكان على ms278 شرطته، وأبا فلان بن عبد الله، وكان على الخيل، ~~وامرهم ان يكمنوا في بيت الى جنب المجلس الذى كان فيه. # وقال لهم: إذا انا صفقت يدي ثلاثا فاخرجوا الى ابى مسلم، فبضعوه. # وامر الحاجب إذا دخل ابو مسلم ان يأخذ عنه سيفه. # واقبل ابو مسلم، فدخل، وأخذ الحاجب سيفه. # فدخل مغضبا، وقال: # يا امير المؤمنين، فعل بي ما لم يفعل بي مثله قط، أخذ السيف من عاتقى. # قال ابو جعفر: ومن اخذه لعنه الله؟ اجلس، لا عليك. # فجلس، وعليه قباء اسود خز، ووضع له متكئا، ولم يكن في البيت غيرهما. # فقال ابو جعفر: # ما اردت بمضيك نحو خراسان قبل لقائي؟ # قال ابو مسلم: # لأنك وجهت في اثرى الى الشام أمينا في احصاء الغنائم، اما وثقت بي فيها؟. # فاغلظ له ابو جعفر الكلام. # فقال: # يا امير المؤمنين، انسيت حسن بلائي، وفضل قيامي، واتعابى نفسي ليلى ~~ونهاري؟ حتى سقت هذا السلطان إليكم. # قال ابو جعفر: # يا ابن الخبيثة، والله لو قامت مقامك أمه سوداء لاغنت غناك، انما تأتي لك ~~الأمور في ذلك بما أحب الله، من اظهار دعوتنا اهل البيت، ورد حقنا إلينا، ~~ولو كان ذلك بحولك وحيلتك وقوتك ما قطعت فتيلا، الست يا ابن اللخناء الذى ~~كتبت الى تخطب عمتي آمنه بنت على بن عبد الله؟ وتزعم في كتابك انك ابن سليط ~~بن عبد الله بن عباس، لقد ارتقيت مرتقى صعبا. # PageV01P381 # فقال ابو مسلم: # يا امير المؤمنين، لا تدخل على نفسك الغم والغيظ بسببي، فانى اصغر قدرا ~~من ان ابلغ منك هذا. # فصفق ابو جعفر بكفيه ثلاثا، وخرج عليه القوم بالسيوف. # فلما رآهم ابو مسلم ايقن بالأمر، فقام الى ابى جعفر، فتناول رجله ~~ليقبلها، فرفسه ابو جعفر برجله، فوقع ناحيه، فأخذته السيوف. # فقال ابو مسلم. اما من سلاح يحامى به المرء عن نفسه. # فضربوه حتى خمد. # وامر به ابو جعفر، فلف في بساط، ووضع ناحيه من البيت. # وقد كان ابو مسلم قبل دخوله على ابى جعفر قال لعيسى بن على: ادخل ms279 معى الى ~~امير المؤمنين، فانى اريد معاتبته في بعض الأمور. # فقال له عيسى: تقدم فانى على اثرك. # فاقبل عيسى حتى دخل على ابى جعفر، فقال: # يا امير المؤمنين، اين ابو مسلم؟ # قال ابو جعفر: ها هو ذاك ملفوف في ذلك البساط. # قال عيسى: اقتلته؟ انا لله، فكيف تصنع بجنوده؟ وهؤلاء قد جعلوه ربا. # فامر ابو جعفر فهيئت الف صره، في كل صره ثلاثة آلاف درهم. # واحس اصحاب ابى مسلم بالأمر، فصاحوا، وسلوا السيوف، فامر ابو جعفر بتلك ~~الصرر، فقذفت اليهم مع راس ابى مسلم. # وصعد عيسى بن على الى اعلى القصر، وقال: # يا اهل خراسان، انما كان ابو مسلم عبدا من عبيد امير المؤمنين، وجد عليه، ~~فقتله، فليفرخ روعكم، فان امير المؤمنين بالغ آمالكم. # PageV01P382 # فترجل القوم وتناولوا تلك الصرر، كل واحد صره، وترك الراس مقذوفا. # ثم ان أبا جعفر وضع لأصحاب ابى مسلم العطاء، ووجه الأموال الى عسكر ابى ~~مسلم حيت خلفه، فاسنى لهم العطاء، وكتب كتابا، فقرئ عليهم، يبسط فيه ~~آمالهم، واجزل صلات القواد والاشراف منهم، فارضاهم ذلك. # واستدفت الخلافه لأبي جعفر المنصور سنه ثمان وثلاثين ومائه [1] ، فوجه ~~عماله الى اقطار الارض. ### | مدينه بغداد # وان أبا جعفر أحب ان يبنى لنفسه وجنوده مدينه ليتخذها دار المملكة. # فسار بنفسه يرتاد الاماكن حتى انتهى الى بغداد، وهي إذ ذاك قريه يقوم بها ~~سوق في كل شهر، فاعجبه المكان، فخط لنفسه وحشمه ومواليه وولده واهل بيته ~~المدينة، وسماها مدينه السلام، وبنى قصره وسطها الى المسجد الأعظم. # ثم خط لجنوده حول المدينة، وجعل اهل كل بلد من خراسان في ناحيه منها ~~منفرده، وامر الناس بالبناء، ووسع عليهم في النفقات، وامر، فحفر نهر الفرات ~~من ثمانية فراسخ، وفوهه النهر من دمما [2] ، فأجرى الى بغداد ليأتي فيه ~~مواد الشام والجزيرة، كما تأتي مواد الموصل وما اتصل بالموصل في دجلة، وكان ~~بناؤه إياها في سنه تسع وثلاثين ومائه [3] . # ثم ان أبا جعفر حج بالناس سنه اربعين ومائه، وجعل منصرفه على مدينه ~~الرسول، فوضع لأهلها العطاء، فاسنى ms280 لهم في الرزق وفرق فيهم الجوائز. # ومضى نحو الشام قاصدا لبيت المقدس حتى وافاها، فأقام بها شهرا، ثم سار ~~الى الرقة، فأقام بها بقية عامه ذلك، ثم سار من الرقة حتى وافى مدينه ~~السلام، فأقام بها حولا كاملا. PageV01P383 ### | الراونديه # ثم سار منها سنه اثنتين واربعين ومائه نحو البصره حتى وافاها، فبلغه ان ~~الراونديه [1] تداعوا، وخرجوا يطلبون بثار ابى مسلم، وخلعوا الطاعة، فوجه ~~اليهم خازم بن خزيمة، فقتلهم، وبددهم في الارض، ثم عقد لمعن بن زائده من ~~البصره على اليمن، واقام عامه ذلك بالبصرة. # وزعموا ان عمرو بن عبيد دخل اليه، فلما رآه ابو جعفر صافحه، واجلسه الى ~~جانبه، فتكلم عمرو، فقال: # يا امير المؤمنين، ان الله قد أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك من الله ~~ببعضها، واعلم ان الله لا يرضى منك الا بما ترضاه منه، فإنك لا ترضى من ~~الله الا بان يعدل عليك، وان الله لا يرضى منك الا بالعدل في رعيتك، يا ~~امير المؤمنين، ان من وراء بابك نيرانا تاجح من الجور، وما يعمل من وراء ~~بابك بكتاب الله ولا بسنه رسول الله، يا امير المؤمنين: ألم تر كيف فعل ربك ~~بعاد، إرم ذات العماد، حتى اتى على آخر السورة [2] ، ثم قال: ولمن عمل ~~والله بمثل عملهم. # قالوا: فبكى ابو جعفر. # فقال ابن مجالد: مه يا عمرو، قد شققت على امير المؤمنين منذ اليوم. # قال عمرو: من هذا يا امير المؤمنين؟ # قال: هذا اخوك ابن مجالد. # قال عمرو: يا امير المؤمنين ما احد اعدى لك من ابن مجالد، ايطوى عنك ~~النصيحه، ويمنعك من ينصحك؟ وانك لمبعوث وموقوف ومسئول عن مثاقيل الذر من ~~الخير والشر. PageV01P384 # قال: فرمى ابو جعفر بخاتمه، وقال: # قد وليتك ما وراء بابى، فادع أصحابك، فولهم. # قال: ان اصحابى لن يأتوك حتى يروك قد عملت بالعدل، كما قلت بالعدل. # ثم انصرف. # وسار ابو جعفر من البصره سنه ثلاث واربعين نحو الجبل حتى وافى مدينه ~~نهاوند، وقد كان بلغه طيبها، فأقام بها شهرا. # ثم انصرف حتى اتى ms281 المدائن، فأقام بها بقية عامه ذلك، وعقد منها لخزيمه بن ~~خازم على جميع طبرستان، حتى إذا آن أوان الحج خرج منها حاجا سنه اربع ~~واربعين ومائه، ونزل الربذة [1] ، فلما قضى حجه انصرف، ولم يدخل المدينة. # وفي ذلك العام خرج عليه محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن ~~ابى طالب ع، الملقب بالنفس الزكيه، فوجه اليه ابو جعفر عيسى بن موسى بن على ~~في خيل، فقتل رحمه الله، وخرج اخوه ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، ~~فقتل رضوان الله عليهم. ### | موت ابى جعفر المنصور # وفي سنه ثمان وخمسين ومائه حج ابو جعفر، فنزل الابطح على بئر ميمون، فمرض ~~بها، وتوفى غداه السبت، لست خلون من ذي الحجه. # فأقام الحج للناس في ذلك العام ابراهيم بن محمد بن يحيى بن محمد بن على ~~بن عبد الله بن عباس، وصلى على ابى جعفر عيسى بن موسى، فكانت خلافته عشرين ~~سنه، وتوفى وله ثلاث وستون سنه، ودفن باعلى مكة. PageV01P385 ### | توليه محمد المهدى # ثم بويع للمهدي بن المنصور يوم السبت لسبع عشره ليله خلت من ذي الحجه [1] ~~، وفي ذلك العام امر المهدى باتخاذ المقاصير في جميع مساجد الجماعات، ثم حج ~~المهدى سنه ستين ومائه، فانصرف على المدينة، فامر ان يشترى ما حول المسجد ~~من المنازل والدور، فيوسع به المسجد. # وفي سنه اثنتين وستين ومائه خرجت المحمرة بجرجان، فسار اليهم عمر بن ~~العلاء، ففرقهم. # وفي ذلك العام عقد المهدى ولايه العهد لابنه موسى الهادي، ومن بعده لابنه ~~الرشيد. # وفي سنه تسع وستين خرج موسى بن المهدى الى جرجان، وخرج المهدى الى ~~ماسبذان [2] فأقام بها متنزها. # ومات بها وهو ابن ثلاث واربعين سنه، وكانت خلافته عشر سنين وشهرا ونصفا. ### | ولايه موسى الهادي # وأتت الخلافه موسى الهادي، وهو بجرجان، وبويع بمدينه السلام لثمان بقين ~~من المحرم. # وفي ذلك العام خرج الحسين بن على بن الحسن بالمدينة، وسار نحو مكة، فلقيه ~~عيسى بن موسى والعباس بن على، فقتلاه. # وفي سنه سبعين ومائه توفى ms282 الامام موسى بن المهدى بعيسياباذ [3] في النصف ~~من شهر ربيع الاول، وكان له يوم توفى اربع وعشرون سنه، وكانت خلافته سنه ~~وشهرا واربعه وعشرين يوما. PageV01P386 ### | خلافه هرون الرشيد # وفي ذلك العام استخلف هرون الرشيد، وحج، وانصرف الى المدينة، فوضع لأهلها ~~العطاء، واجزل لهم. # واقبل الى العراق فوافى الكوفه، وعقد لأبي العباس الطوسى على خراسان، ~~فلبث عليها عامين، ثم عزله. # واستعمل عليها محمد بن الاشعث. # وفي سنه اربع وسبعين ومائه وقعت العصبية بأرض الشام بين المضرية ~~واليمانيه، فتحاربوا حتى قتل من الفريقين بشر كثير. # وحج الرشيد في ذلك العام بالناس ومعه ابناه محمد، وعبد الله، وكتب بينهما ~~كتابا بولاية العهد لمحمد، ومن بعده لعبد الله المأمون، وعلق الكتاب في جوف ~~الكعبه، ثم انصرف الى مدينه السلام. # واستعمل على خراسان الغطريف بن عطاء. # قال على بن حمزه الكسائي: ولانى الرشيد تاديب محمد وعبد الله، فكنت اشدد ~~عليهما في الأدب، وآخذهما به أخذا شديدا، وبخاصه محمدا، فاتتنى ذات يوم ~~خالصه جاريه أم جعفر. # فقالت: يا كسائي، ان السيده تقرا عليك السلام، وتقول لك، حاجتي إليك ان ~~ترفق بابني محمد، فانه ثمره فؤادى وقره عيني، وانا ارق عليه رقه شديده. # فقلت لخالصه: ان محمدا مرشح للخلافة بعد ابيه، ولا يجوز التقصير في ~~تأديبه. # فقالت خالصه: ان لرقة السيده سببا، انا مخبرتك به. # انها في الليلة التي ولدته اريت في منامها كان اربع نسوه اقبلن اليه، ~~فاكتنفنه عن يمينه وشماله، وامامه وورائه، فقالت التي بين يديه: ملك قليل ~~العمر، ضيق الصدر، عظيم الكبر، واهي الأمر، كثير الوزر، شديد الغدر، # PageV01P387 # وقالت التي من ورائه: ملك قصاف، مبذر متلاف، قليل الإنصاف، كثير الاسراف، ~~وقالت التي عن يمينه: ملك ضخم، قليل الحلم، كثير الإثم، قطوع للرحم، وقالت ~~التي عن يساره: ملك غدار، كثير العثار، سريع الدمار. ثم بكت خالصه، وقالت: ~~يا كسائي، وهل يغنى الحذر؟. # وذكر عن الأصمعي قال: دخلت على الرشيد، وكنت غبت عنه حولين بالبصرة، ~~فأومأ الى بالجلوس قريبا منه، فجلست قليلا، ثم نهضت، فأومأ الى ms283 ان اجلس، ~~فجلست، حتى خف الناس. # ثم قال لي: # يا أصمعي، الا تحب ان ترى محمدا وعبد الله؟ # قلت: بلى يا امير المؤمنين، انى لاحب ذلك، وما اردت القيام الا إليهما، ~~لاسلم عليهما. # قال: تكفى. # ثم قال: على بمحمد وعبد الله. # فانطلق الرسول. # وقال: أجيبا امير المؤمنين. # فاقبلا، كأنهما قمرا أفق، قد قاربا خطاهما، وضربا ببصرهما الارض حتى وقفا ~~على أبيهما، فسلما عليه بالخلافة، وأومأ إليهما، فدنيا منه، فاجلس محمدا عن ~~يمينه، وعبد الله عن شماله. # ثم أمرني بمطارحتهما، فكنت لا القى عليهما شيئا من فنون الأدب الا أجابا ~~فيه وأصابا. # فقال: كيف ترى ادبهما؟ # قلت: يا امير المؤمنين، ما رايت مثلهما في ذكائهما وجوده ذهنهما، فاطال ~~الله بقاءهما، ورزق الامه من رأفتهما ومعطفتهما. # فضمهما الى صدره، وسبقته عبرته حتى تحدرت دموعه. # PageV01P388 # ثم اذن لهما، حتى إذا نهضا وخرجا، قال: # كيف بكم إذا ظهر تعاديهما وبدا تباغضهما، ووقع باسهما بينهما حتى تسفك ~~الدماء، ويود كثير من الأحياء انهم كانوا موتي؟ # فقلت: يا امير المؤمنين، هذا شيء قضى به المنجمون عند مولدهما، او شيء ~~اثرته العلماء في أمرهما؟ # قال: بل شيء اثرته العلماء عن الأوصياء عن الأنبياء في امرهما. # قالوا: فكان المأمون يقول في خلافته: قد كان الرشيد سمع جميع ما جرى ~~بيننا من موسى بن جعفر بن محمد، فلذلك قال ما قال. # قال الأصمعي: وكان الرشيد يحب السمر، ويشتهى احاديث [1] الناس، فكان يرسل ~~الى إذا نشط لذلك، وجن عليه الليل، فاسامره، فأتيت ذات ليله، ولم يكن عنده ~~احد، فسامرته ساعه، ثم اطرق، وفكر، ثم قال: # يا غلام، على بالعباسى يعنى الفضل بن الربيع. # فحضر، ودخل، فاذن له بالجلوس. # فقال: يا عباسي، انى عنيت بتوليه العهد، ومثبت الأمر في محمد وعبد الله، ~~وقد علمت انى ان وليت محمدا مع ركوبه هواه، وانهماكه في اللهو واللذات خلط ~~على الرعية، وضيع الأمر، حتى يطمع فيه الأقاصي من اهل البغى والمعاصي، وان ~~صرفت الأمر الى عبد الله ليسلكن بهم المحجة، وليصلحن المملكة، وان فيه ms284 لحزم ~~المنصور وشجاعة المهدى، فما ترى؟ # قال الفضل: يا امير المؤمنين، ان هذا امر خطير عظيم، والزلة فيه لا ~~تستقال، وللكلام فيه مكان غير هذا. # فعلمت انهما يحبان الخلوه، فقمت عنهما، وجلست ناحيه من صحن الدار، فما ~~زالا يتناظران الى ان أصبحا. PageV01P389 # واتفق رأيهما على توليه محمد العهد، وتصيير عبد الله من بعده، وقسمه ~~الأموال والجنود بينهما، وان يقيم محمد بدار الخلافه، ويتولى المأمون ~~خراسان. # فلما اصبح امر بجميع القواد، فاجتمعوا اليه، فدعاهم الى بيعه محمد، ومن ~~بعده الى بيعه المأمون، فأجابوا الى ذلك، وبايعوا. # وفي سنه ثمانين ومائه [1] عقد الرشيد لعلى بن عيسى بن ماهان على خراسان، ~~وفي ذلك العام خرج الرشيد الى ارض الشام، وأخذ على الموصل، فلما وافاها امر ~~بهدم مدينتها، وقد كانوا وثبوا بعامله. # وفي ذلك العام وثب اهل خراسان بعاملهم، فقتلوه، فأقام بالشام عامه ذلك، ~~ثم خرج حاجا، فلما انصرف قصد الأنبار، فنزل به بمدينه ابى العباس، وهي من ~~الأنبار على نصف فرسخ، وقد كان بقي بها جمع عظيم من أبناء اهل خراسان، ~~توالدوا بها حتى كثروا، فهم الى الان، فأقام بها شهرا، ثم توجه منها الى ~~الرقة [2] فأقام بها شهرا. # وخرج منها غازيا الى ارض الروم، فافتتح مدينه من مدنهم، تسمى معصوف. ثم ~~انصرف الى الرقة، فأقام بها بقية عامه ذلك. # فلما كان أوان الحج، حج، فقضى نسكه، وجعل منصرفه على الرقة، فأقام بها، ~~وولى يزيد بن مزيد أرمينية، ثم قدم من الرقة سنه اربع وثمانين ومائه حتى ~~وافى مدينه السلام، ونزل قصره بالرصافة [3] ، وأخذ عماله بالبقايا، ثم سار ~~من مدينه السلام في سنه خمس وثمانين ومائه عائدا الى الرقة، وقد كان ~~استطابها. # فلما كان أوان الحج حج، فمر بالمدينة، فأعطاهم ثلاث اعطيات، واعطى اهل ~~مكة عطاءين، ثم انصرف، فقصد الأنبار، فأقام بها شهرا، ثم انصرف الى مدينه ~~السلام. PageV01P390 # ثم عقد البيعه لابنه القاسم بعد محمد وعبد الله، وولاه الشام، فوجه ~~القاسم عليها عماله. # وحج الرشيد سنه ثمان وثمانين ومائه، وانصرف فنزل الحيرة [1] ، فأقام ms285 بها ~~أياما، ثم دخل مدينه السلام. # وفي سنه تسع وثمانين سار الى الري فأقام بها شهرا، ثم انصرف نحو مدينه ~~السلام، فضحى بقصر اللصوص [2] ، ثم دخل بغداد، ولم ينزلها، ومضى حتى انتهى ~~الى السالحين [3] ، وهي من مدينه السلام على ثلاثة فراسخ، فبات بها ثم سار ~~عامدا للرقه حتى وافاها، وامر عند ممره ببغداد بخشبه جعفر بن يحيى ان تحرق، ~~واقام بالرقة بقية ذلك العام. # فلما دخلت سنه تسعين ومائه خرج غازيا لارض الروم حتى اوغل فيها وانتهى ~~الى هرقله [4] ، فافتتحها. # وفي ذلك العام خرج رافع بن نصر بن سيار مغاضبا بأرض خراسان، وكان سبب ~~خروجه ان على بن عيسى بن ماهان لما ولى خراسان أساء السيرة، وتحامل على من ~~كان بها من العرب، واظهر الجور، فخرج عليه رافع، فواقعه وقعات، ثم انحاز ~~فيمن اتبعه من اهل خراسان، وكانوا زهاء ثلاثين الف رجل في سمرقند، واقام ~~بمدينتها. # وبلغ ذلك الرشيد، فعزل على بن عيسى عنها، واستعمل عليها هرثمة بن اعين. ~~ثم انصرف الرشيد قافلا من الروم حتى نزل بمدينه السلام عامه ذلك، واستخلف ~~ابنه محمدا على دار المملكة، وخرج عامدا لارض خراسان ليتولى حرب رافع ~~بنفسه. ودخلت سنه اثنتين وتسعين ومائه وفيها خرجت الخرمية [5] بأرض الجبل ~~PageV01P391 # في المره الاولى، فوجه اليهم محمد الامين بعبد الله بن مالك الخزاعي، ~~فقتل منهم مقتله عظيمه، وشرد بقيتهم في البلدان. # وسار الرشيد حتى وافى مدينه طوس [1] ، فنزل في دار حميد الطوسى، ومرض بها ~~مرضا شديدا، فجمع له الأطباء يعالجونه، فقال: # ان الطبيب بطبه ودوائه ... لا يستطيع دفاع محذور جرى # ما للطبيب يموت بالداء الذي ... قد كان يشفى مثله فيما مضى # فلما اشتد به الوجع قال للفضل بن الربيع: # يا عباسي، ما تقول الناس؟ # قال: # يقولون، ان شأني امير المؤمنين قد مات. # فامر ان يسرج له حمار ليركبه، ويخرج، فاسرج له، وحمل حتى وضع على السرج، ~~فاسترخت فخذاه ولم يستطع الثبوت. # فقال: ارى الناس قد صدقوا. # ثم توفى. وذلك في سنه ثلاث وتسعين ومائه يوم السبت ms286، لخمس ليال خلون من ~~جمادى الآخرة [2] ، وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنه، وشهرا ونصفا. ### | توليه محمد الامين # فاتت الخلافه محمدا الامين ببغداد، يوم الخميس للنصف من جمادى الآخرة، ~~ونعاه للناس يوم الجمعه، ودعاهم الى تجديد البيعه، فبايعوا. # ووصل الخبر بوفاه الرشيد الى المأمون، وهو بمدينه مرو، يوم الجمعه لثمان ~~خلون من الشهر، فركب الى المسجد الأعظم، ونودى في الجنود وسائر الوجوه، ~~فاجتمعوا، وصعد المنبر، فحمد الله واثنى عليه، وصلى على النبي وآله، ثم ~~قال: PageV01P392 # ايها الناس، احسن الله عزاءنا وعزاءكم في الخليفة الماضى، صلوات الله ~~عليه، وبارك لنا ولكم في خليفتكم الحادث، مد الله في عمره. # ثم خنقته العبرة، فمسح عينه بسواده. # ثم قال: # يا اهل خراسان، جددوا البيعه لامامكم الامين. # فبايعه الناس جميعا. # ولما أتت الخلافه محمدا، وبايعه الناس دخل عليه الشعراء، وفيهم الحسن ابن ~~هانئ [1] ، فانشدوه، وقام الحسن في آخرهم، فانشده قوله: # الا دارها بالماء حتى تلينها ... فلن تكرم الصهباء حتى تهينها # وحمراء قبل المزج صفراء بعده ... كان شعاع الشمس يلقاك دونها # كان يواقيتا رواكد حولها ... وزرق سنانير تدير عيونها [2] # لقد جلل الله الكرامه أمه ... يكون امير المؤمنين امينها # حميت حماها بالقنابل والقنا ... ووفرت دنياها عليها ودينها # يراك بنو المنصور اولاهم بها ... وان أظهروا غير الذى يكتمونها # فوصلهم جميعا، وفضله. # ثم ان محمد الامين دعا اسماعيل بن صبيح كاتب السر، فقال: # ما الذى ترى يا ابن صبيح؟ # قال: ارى دوله مباركه، وخلافه مستقيمه، وامرا مقبلا، فتمم الله ذلك لأمير ~~المؤمنين بافضله واجزله. PageV01P393 # قال له محمد: انى لم أبغك قاصا، انما اردت منك الرأي. # قال اسماعيل: ان راى امير المؤمنين ان يوضح لي الأمر لأشير عليه بمبلغ ~~رأيي ونصحى فعل. # قال: انى قد رايت ان اعزل أخي عبد الله من خراسان، واستعمل عليها موسى ~~ابن امير المؤمنين. # قال اسماعيل: اعيذك بالله يا امير المؤمنين ان تنقض ما اسسه الرشيد، ~~ومهده، وشيد أركانه. # قال محمد: ان الرشيد موه عليه في امر عبد الله بالزخرفه، ويحك يا بن ~~صبيح، ان عبد الملك ms287 بن مروان كان احزم رايا منك، حيث قال: لا يجتمع فحلان ~~في هجمة الا قتل أحدهما صاحبه. # قال اسماعيل: اما إذ كان هذا رأيك، فلا تجاهره، بل اكتب اليه، واعلمه ~~حاجتك اليه بالحضرة، ليعينك على ما قلدك الله من امر عباده وبلاده، فإذا ~~قدم عليك، وفرقت بينه وبين جنوده كسرت حده، وظفرت به، وصار رهنا في يديك، ~~فائت في امره ما اردت. # قال محمد: اجدت يا ابن صبيح، واصبت، هذا لعمري الرأي. # ثم كتب اليه يعلمه ان الذى قلده الله من امر الخلافه والسياسة قد اثقله، ~~ويسأله ان يقدم عليه ليعينه على أموره، ويشير عليه بما فيه مصلحته، فان ذلك ~~اعود على امير المؤمنين من مقامه بخراسان، واعمر للبلاد، وادر للفيء، واكبت ~~للعدو، وآمن للبيضه. # ثم وجه الكتاب مع العباس بن موسى، ومحمد بن عيسى، وصالح صاحب المصلى. # فساروا نحو خراسان، فاستقبلهم طاهر بن الحسين مقبلا من عند المأمون على ~~ولايه الري، حتى انتهوا الى المأمون وهو بمدينه مرو، فدخلوا عليه، وأوصلوا ~~الكتاب اليه، وتكلموا. # PageV01P394 # فذكروا حاجه امير المؤمنين الامين اليه، وما يرجو في قربه من بسط ~~المملكة، والقوه على العدو، فابلغوا في مقالتهم. # وامر المأمون بانزالهم واكرامهم. # ولما جن عليه الليل بعث الى الفضل بن سهل، وكان اخص وزرائه عنده، واوثقهم ~~في نفسه، وقد كان جرب منه وثاقه راى وفضل حزم، فلما أتاه خلا به، واقراه ~~كتاب محمد، واخبره بما تكلم به الوفد من امر التحضيض على المسير الى أخيه ~~ومعاونته على امره. # قال الفضل: ما يريد بك خيرا، وما ارى لك الا الامتناع عليه. # قال المأمون: فكيف يمكنني الامتناع عليه، والرجال والأموال معه، والناس ~~مع المال؟ # قال الفضل: أجلني ليلتي هذه لآتيك غدا بما ارى. # قال له المأمون: امض في حفظ الله. # فانصرف الفضل بن سهل الى منزله، وكان منجما، فنظر ليلته كلها في حسابه ~~ونجومه، وكان بها ماهرا. # فلما اصبح غدا على المأمون، فاخبره انه يظهر على محمد ويغلبه، ويستولى ~~على الأمر. # فلما قال له ذلك، بعث ms288 الى الوفد، فاحسن صلاتهم وجوائزهم، وسألهم ان ~~يحسنوا امره عند الامين، ويبسطوا من عذره. # وكتب معهم اليه: # اما بعد، فان الامام الرشيد ولانى هذه الارض على حين كلب من عدوها، ووهى ~~من سدها، وضعف من جنودها، ومتى اخللت بها، او زلت عنها لم آمن انتقاض ~~الأمور فيها، وغلبه اعدائها عليها، بما يصل ضرره الى امير المؤمنين حيث هو، ~~فراى امير المؤمنين في ان لا ينقض ما أبرمه الامام الرشيد. # وسار القوم بالكتاب حتى وافوا به الامين، وأوصلوا الكتاب اليه. # PageV01P395 # فلما قراه جمع القواد اليه، فقال لهم: # انى قد رايت صرف أخي عبد الله عن خراسان، وتصييره معى ليعاوننى، فلا غنى ~~بي عنه، فما ترون؟ # فاسكت القوم. # فتكلم خازم بن خزيمة، فقال: يا امير المؤمنين، لا تحمل قوادك وجنودك على ~~الغدر فيغدروا بك، ولا يرون منك نقض العهد فينقضوا عهدك. # قال محمد: ولكن شيخ هذه الدولة على بن عيسى بن ماهان لا يرى ما رايت، بل ~~يرى ان يكون عبد الله معى ليؤازرنى ويحمل عنى ثقل ما انا فيه بصدده. # ثم قال لعلى بن عيسى: انى قد رايت ان تسير بالجيوش الى خراسان، فتلى ~~امرها من تحت يدي موسى بن امير المؤمنين، فانتخب من الجنود والجيوش على ~~عينك. # ثم امر بديوان الجند، فدفع اليه، فانتخب ستين الف رجل من ابطال الجنود ~~وفرسانهم، ووضع لهم العطاء، وفرق فيهم السلاح، وامره بالمسير. # فخرج بالجيوش، وركب معه محمد، فجعل يوصيه، ويقول: اكرم من هناك من قواد ~~خراسان، وضع عن اهل خراسان نصف الخراج، ولا تبق على احد يشهر عليك سيفا، او ~~يرمى عسكرك بسهم، ولا تدع عبد الله يقيم الا ثلاثا من يوم تصل اليه، حتى ~~تشخصه الى ما قبلي. # وقد كانت زبيده تقدمت الى على بن عيسى، وكان أتاها مودعا، فقالت له: # ان محمدا، وان كان ابنى وثمره فؤادى، فان لعبد الله من قلبي نصيبا وافرا ~~من المحبه، وانا التي ربيته، وانا احنو عليه، فإياك ان يبدأه منك مكروه، او ~~تسير امامه، بل ms289 سر إذا سرت معه من ورائه، وان دعاك فلبه، ولا تركب حتى يركب ~~قبلك، وخذ بركابه إذا ركب، واظهر له الإجلال والاكرام. # ثم دفعت اليه قيدا من فضه وقالت: # ان استعصى عليك في الشخوص فقيده بهذا القيد. # وان محمد انصرف عنه بعد ان اوعز اليه، واوصاه بكل ما اراد. # PageV01P396 # وسار على بن عيسى بن ماهان حتى صار الى حلوان، فاستقبله عير مقبلة من ~~الري، فسألهم عن خبر طاهر، فاخبروه انه يستعد للحرب، فقال: وما طاهر؟ ومن ~~طاهر؟ ليس بينه وبين أخلاء الري الا ان يبلغه انى جاوزت عتبة همذان. # ثم سار حتى خلف عتبة همذان وراءه، فاستقبله عير اخرى، فسألهم عن الخبر. # فقالوا: ان طاهرا قد وضع العطاء لأصحابه، وفرق فيهم السلاح، واستعد ~~للحرب. # فقال: في كم هو؟ # فقالوا: في زهاء عشره آلاف رجل. # فاقبل الحسن بن على بن عيسى على ابيه فقال: # يا أبت، ان طاهرا لو اراد الهرب لم يقم بالري يوما واحدا. # فقال: يا بنى، انما تستعد الرجال لاقرانها، وان طاهرا ليس عندي من الرجال ~~الذين يستعدون لمثلي، ويستعد له مثلي. # وذكروا ان مشايخ بغداد قالوا: لم نر جيشا كان اظهر سلاحا، ولا اكمل عده، ~~ولا افره خيلا، ولا انبل رجالا من جيش على بن عيسى يوم خرج، انما كانوا ~~نخبا. # وان طاهر بن الحسين جمع اليه رؤساء اصحابه فاستشارهم في امره، فأشاروا ~~عليه، ان يتحصن بمدينه الري، ويحارب القوم من فوق السور الى ان يأتيه مدد ~~من المأمون. # فقال لهم: ويحكم، انى ابصر بالحرب منكم، انى متى تحصنت استضعفت نفسي، ~~ومال اهل المدينة اليه لقوته، وصاروا أشد على من عدوى، لخوفهم من على ابن ~~عيسى، ولعله ان يستميل بعض من معى بالاطماع، والرأي ان الف الخيل بالخيل، ~~والرجال بالرجال، والنصر من عند الله. # ثم نادى في جنوده بالخروج عن المدينة، وان يعسكروا بموضع يقال له ~~القلوصه. # فلما خرجوا عمد اهل الري الى أبواب مدينتهم، فاغلقوها. # PageV01P397 # فقال طاهر لأصحابه: يا قوم، اشتغلوا بمن امامكم، ولا تلتفتوا الى ms290 من ~~وراءكم، واعلموا انه لا وزر لكم ولا ملجأ الا سيوفكم ورماحكم، فاجعلوها ~~حصونكم. # واقبل على بن عيسى نحو القلوصه، فتواقف العسكران للحرب، والتقوا، فصدقهم ~~اصحاب طاهر الحمله. # فانتقضت تعبئة على بن عيسى، وكانت منهم جولة شديده، فناداهم على ابن ~~عيسى، وقال: # ايها الناس، ثوبوا، واحملوا معى. # فرماه رجل من اصحاب طاهر، فاثبته، وبعد ان دنا منه، وتمكن رماه بنشابه ~~وقعت في صدره، فنفذت الدرع والسلاح حتى افضت الى جوفه، وخر مغشيا عليه ~~ميتا. # واستوت الهزيمة باصحابه. # فما زال اصحاب طاهر يقتلونهم، وهم مولون حتى حال الليل بينهم، وغنموا ما ~~كان في معسكرهم من السلاح والأموال. # وبلغ ذلك محمدا، فعقد لعبد الرحمن الابناوى في ثلاثين الف رجل من ~~الأبناء، وتقدم اليهم، الا يغتروا كاغترار على بن عيسى، ولا يتهاونوا ~~كتهاونه. # فسار عبد الرحمن حتى وافى همذان. # وبلغ ذلك طاهرا، فتقدم، وسار نحوه، فالتقوا جميعا، فاقتتلوا شيئا من ~~قتال، فلم يكن لأصحاب عبد الرحمن ثبات، فانهزم، واتبعه اصحابه، فدخلوا ~~مدينه همذان، فتحصنوا فيها شهرا حتى نفد ما كان معهم من الزاد. # قال: فطلب عبد الرحمن الابناوى الامان له ولجميع اصحابه، فاعطاه طاهر ~~ذلك. # ففتح أبواب المدينة، ودخل الفريقان بعضهم في بعض. # وسار طاهر حتى هبط العقبه، فعسكر بناحيه اسداباذ [1] PageV01P398 # ففكر عبد الرحمن، وقال: # كيف اعتذر الى امير المؤمنين؟ # فعبا اصحابه. # فلما طلع الفجر زحف باصحابه الى طاهر، وهو غار، فوضع فيهم السيوف، فوقفت ~~طائفه من اصحاب طاهر رجاله، يذبون عن اصحابهم حتى ركبوا، واستعدوا، ثم ~~حملوا على عبد الرحمن واصحابه، فأكثروا فيهم القتل. # فلما راى ذلك عبد الرحمن ترجل في حماه اصحابه فقاتلوا حتى قتل عبد ~~الرحمن، وقتلوا معه. # وبلغ ذلك محمدا، فسقط في يده، وبرز جنوده، فعقد لعبد الله الحرشي، في ~~خمسه آلاف رجل، وليحيى بن على بن عيسى، في مثل ذلك، فسارا حتى وافيا ~~قرميسين [1] . # وبلغ طاهرا ذلك، فسار نحوهما، فانهزما من غير قتال حتى رجعا الى حلوان، ~~فأقاما هناك. # فزحف طاهر نحو حلوان، فانهزما حتى لحقا ببغداد، واقام ms291 طاهر بحلوان حتى ~~وافاه هرثمة بن اعين من عند المأمون، في ثلاثين الف رجل من جنود خراسان، ~~فاخذ طاهر من حلوان نحو البصره والاهواز. # وتقدم هرثمة الى بغداد، فلم تقم لمحمد قائمه حتى قتل، وكان من امره ما ~~كان. # وان طاهر بن الحسين صعد من البصره، وتقدم هرثمة حتى احدقا ببغداد، واحاطا ~~بمحمد الامين، ونصبا المنجنيق على داره حتى ضاق محمد بذلك ذرعا. # وكان هرثمة بن اعين يحب صلاح حال محمد، والإبقاء على حشاشه نفسه، فأرسل ~~PageV01P399 # اليه محمد يسأله القيام بامره، واصلاح ما بينه وبين المأمون، على ان يخلع ~~نفسه عن الخلافه، ويسلم الأمر لأخيه. # فكتب اليه هرثمة: قد كان ينبغى لك ان تدعو الى ذلك قبل تفاقم الأمر، فاما ~~الان فقد بلغ السيل الزبى، وشغل الحلى اهله ان يعار [1] ، ومع ذلك فانى ~~مجتهد في اصلاح امرك، فصر الى ليلا، لأكتب بصوره امرك الى امير المؤمنين، ~~وآخذ لك عهدا وثيقا، ولست آلو جهدا ولا اجتهادا في كل ما عاد بصلاح حالك، ~~وقربك الى امير المؤمنين. # فلما سمع ذلك محمدا استشار نصحاءه ووزراءه، فأشاروا بذلك عليه، وطمعوا في ~~بقاء مهجته. # فلما جنه الليل ركب في جماعه من خاصته وثقاته وجواريه، يريد العبور الى ~~هرثمة. # فأحس طاهر بن الحسين بالمراسله التي جرت بينهما والموافقة التي اتفقا ~~عليها. # فلما اقبل محمد، وركب بمن معه الماء شد عليه طاهر، فأخذه ومن معه، ثم دعا ~~به في منزله، فاحتز راسه، وانفذه من ساعته الى المأمون. # واقبل المأمون حتى دخل مدينه السلام، وصفت له المملكة واستوسقت له ~~الأمور. # وكان قتل محمد الامين ليله الأحد لخمس خلون من المحرم، سنه ثمان وتسعين ~~ومائه [2] ، وقتل، وله ثمان وعشرون سنه، وكانت ولايته اربع سنين وثمانية ~~اشهر. ### | الخليفة عبد الله المأمون # وبويع المأمون، وهو عبد الله بن الرشيد، يوم الاثنين لخمس بقين من المحرم ~~سنه ثمان وتسعين ومائه. PageV01P400 # وكان شهما، بعيد الهمه، ابى النفس، وكان نجم ولد العباس في العلم ~~والحكمه، وقد كان أخذ من جميع العلوم بقسط، وضرب فيها ms292 بسهم، وهو الذى ~~استخرج كتاب اقليدس من الروم، وامر بترجمته وتفصيله، وعقد المجالس في ~~خلافته للمناظرة في الأديان والمقالات، وكان استاذه فيها أبا الهذيل محمد ~~بن الهذيل العلاف. # ودخل بلاد الجزيرة والشام، فأقام بها مده طويله، ثم غزا الروم، وفتح ~~فتوحا كثيره، وابلى بلاء حسنا. # ثم توفى على نهر البذندون [1] ، ودفن بطرسوس يوم الأربعاء لثمان خلون من ~~رجب سنه ثمان عشره ومائتين [2] . # وكانت ولايته عشرين سنه وخمسه اشهر وثلاثة عشر يوما، وقد كان بلغ من السن ~~تسعا وثلاثين سنه. # وقد كان بايع لابنه العباس بن المأمون بولاية العهد من بعده. وخلفه ~~بالعراق. ### | ولايه محمد المعتصم # فلما مات هو على نهر البذندون جمع اخوه ابو اسحق محمد بن هرون المعتصم ~~بالله اليه وجوه القواد والأجناد، فدعاهم الى بيعته، فبايعوه. # فسار من طرسوس حتى وافى مدينه السلام، فدخلها، وخلع العباس بن المأمون ~~عنها، وغلبه عليها، وبايعه الناس بها. # وكان قدومه بغداد مستهل شهر رمضان سنه ثمان عشره ومائتين، فأقام بها ~~سنتين، ثم مر باتراكه الى سر من راى فابتناها، واتخذها دارا ومعسكرا. ~~PageV01P401 # وكانت في خلافته فتوحات لم تكن لأحد من الخلفاء الذين مضوا مثلها قبله. # فمنها فتح بابك، واسره وقتله اياه، وصلبه، ومنها مازيار صاحب قلعه ~~طبرستان، فانه تحصن في القلاع والجبال، فما زال به حتى اخذه، فقتله، وصلبه ~~الى جنب بابك، ومنها جعفر الكردى، وقد كان اخرب البلاد وسبى الذراري، فوجه ~~الخيول في طلبه، ولم يزل به حتى اخذه وقتله، وصلبه الى جنب بابك ومازيار، ~~ومن ذلك فتح عموريه وهي القسطنطينية الصغرى، والاخرى فتحها الله على يديه. # وكان ابتداء امر بابك، انه تحرك في آخر ايام المأمون وقد اختلف الناس في ~~نسبه ومذهبه، والذى صح عندنا، وثبت، انه كان من ولد مطهر بن فاطمه بنت ابى ~~مسلم، هذه التي ينتسب إليها الفاطمية من الخرمية، لا الى فاطمه بنت رسول ~~الله ص، فنشأ بابك، والحبل مضطرب، والفتن متصله، فاستفتح امره بقتل من حوله ~~بالبذ [1] ، واخراب تلك الأمصار والقرى التي حواليه، لتصفو له ms293 البلاد، ~~ويصعب مطلبه، وتشتد المئونة في التوصل اليه، واشتدت شوكته، واستفحل امره. # وقد كان المأمون وجه اليه حين اتصل به خبره عبد الله بن طاهر بن الحسين ~~في جيش عظيم. # فسار اليه، ونزل في طريقه الدينور [2] ، في ظاهرها، في مكان يعرف الى ~~يومنا هذا بقصر عبد الله بن طاهر، وهو كرم مشهور، ومكان مذكور. # ثم سار منها حتى وافى البذ، وقد عظم امر بابك، وتهيبه الناس، فحاربوه، ~~فلم يقدروا عليه، ففض جمعهم، وقتل صناديدهم. PageV01P402 # وكان ممن قتل في تلك الوقعه محمد بن حميد الطوسى. # وهو الذى رثاه ابو تمام بقصيدته التي يقول فيها: # كان بنى نبهان يوم وفاته ... نجوم سماء خر من بينها البدر # وفيها يقول: # فاثبت في مستنقع الموت رجله ... وقال لها من تحت اخمصك الحشر # فلما افضى الأمر الى ابى اسحق المعتصم بالله لم تكن همته غيره، فأعد له ~~الأموال والرجال، واخرج مولاه الافشين حيدر بن كاوس، فسار الافشين بالعساكر ~~والجيوش حتى وافى برزند [1] ، فأقام بها حتى طاب الزمان، وانحسرت الثلوج عن ~~الطرقات، ثم قدم خليفته يوباره [2] وجعفر بن دينار، وهو المعروف بجعفر ~~الخياط في جمع كثير من الفرسان الى الموضع الذى كان فيه معسكرا، وامرهما ان ~~يحفرا خندقا حصينا، فسارا حتى نزلا هناك، واحتفرا الخندق. # فلما فرغا من حفر الخندق استخلف الافشين ببرزند المرزبان، مولى المعتصم ~~في جماعه من القواد، وسار هو حتى نزل الخندق، ووجه يوباره، وجعفر الخياط في ~~جمع كثيف الى راس نهر كبير، وامرهما بحفر خندق آخر هناك فسارا حتى احتفراه. # فلما فرغا وافاهما الافشين، ثم خلف في موضعه محمد بن خالد بخاراخذاه، ~~وشخص الى درود [3] ، في خمسه آلاف فارس والفى راجل، ومعه الف رجل من الفعله ~~حتى نزل درود، واحتفر بها خندقا عظيما وبنى عليها سورا شاهقا، فكان بابك ~~واصحابه يقفون على جبال شاهقة، فيشرفون منها على العسكر، ويولولون. # ثم ركب الافشين يوم الثلاثاء لثلاث بقين من شعبان في تعبئة، وحمل ~~المجانيق، وامر بابك آذين ان يحصن تلا مشرفا على المدينة، ومعه ثلاثة ms294 آلاف ~~رجل، وقد كان احتفر حوله الابار ليمنع الخيل منهم. # فانصرف الافشين يوما الى خندقه، ثم غدا عليه يوم الجمعه في غره شهر ~~رمضان، PageV01P403 # فنصب المجانيق والعرادات [1] على المدينة، واحدقت القواد والرؤساء. # واقبل بابك في انجاد اصحابه، وعباهم، فقاتله [2] القواد قتالا شديدا الى ~~العصر، ثم انصرفوا، وقد نكوا في اصحابه. واقام الافشين سته ايام، ثم ناهضه ~~يوم الخميس لسبع ليال خلون من شهر رمضان، واستعد له بابك، فوضع على البذ ~~عجلا عظيما ليرسله الى اصحاب الافشين. # ثم ارسل بابك رجلا يقال له موسى الأقطع الى الافشين، يسأله ان يخرج اليه ~~ليشافهه بما نفسه، فان صار الى مراده والا حاربه، فأجابه الافشين الى ذلك، ~~فخرج بابك حتى صار بالقرب من الافشين في موضع بينهما واد. # فلما راى الافشين كفر له، فبسطه الافشين، واعلمه ما في الطاعة من السلامة ~~في الدنيا والآخرة، فلم يقبل ذلك. # فانصرف الى موضعه، وامر اصحابه بالحرب، فتسرعوا الى ذلك، ودهدهوا [3] ~~العجل الذى كانوا اعدوه، فانكسر العجل، وثاب اصحاب الافشين، فدفعوهم الى ~~راس الجبل. # وقد كان يوباره وجعفر الخياط وقفا بحذاء عبد الله أخي بابك، فحملا، وحمل ~~عليهم القواد من جميع النواحي، فقتلوهم قتلا ذريعا، وانهزموا حتى دخلوا ~~المدينة، فدخلوا خلفهم في طلبهم، وصارت الحرب في ميدان وسط المدينة. # وكانت حربا لم ير مثلها شده، وقتلوا في الدور والبساتين، وهرب عبد الله ~~أخو بابك. # فلما راى بابك ان العساكر قد احدقت به، والمذاهب قد ضاقت عليه، وان ~~اصحابه قد قتلوا وفلوا توجه الى أرمينية، وسار حتى عبر نهر الرس متوجها الى ~~الروم. # فلما عبر نهر الرس قصد نحوه سهل بن سنباط صاحب الناحية، وقد كان ~~PageV01P404 # الافشين كتب الى اصحاب تلك النواحي، والى الأكراد بإرمينية، والبطارقه ~~بأخذ الطرق عليه. # فوافاه سهل بن سنباط، وقد كان بابك غير لباسه، وبدل زيه، وشد الخرق على ~~رجليه، وركب بغله باكاف [1] ، فاوقع به سهل بن سنباط، فأخذه أسيرا. # ووجه به الى الافشين، فاستوثق منه الافشين، وكتب الى المعتصم بالفتح، ~~واستاذنه في القدوم عليه ms295، فاذن له، فسار حتى قدم عليه، ومعه بابك واخوه، ~~فكان من قتل المعتصم لبابك وقطع يديه ورجليه وصلبه ما هو مشهور. # قالوا: ولما قدم الافشين ومعه بابك اجلسه المعتصم على سرير امامه، وعقد ~~التاج على راسه. # وفي ذلك يقول اسحق بن خلف الشاعر في قصيدته التي مدح فيها المعتصم بالله: # ما غبت عن حرب تحرق نارها ... بالبذ كنت هنا وأنت هناكا # عزت بافشين حسامك أمة ... والدين ممتسك به استمساكا # لما أتاك ببابك توجته ... وأحق من اضحى له تاجاكا # ثم ان احمد بن ابى داود وجد على الافشين لكلام بلغه عنه، فاشار على ~~المعتصم ان يجعل الجيش نصفين نصفا مع الافشين، ونصفا مع اشناس، ففعل ~~المعتصم ذلك. # فوجد الافشين منه، وطال حزنه، واشتد حقده. # فقال احمد بن ابى داود للمعتصم: يا امير المؤمنين ان أبا جعفر المنصور ~~استشار انصح الناس عنده في امر ابى مسلم، فكان من جوابه ان قال يا امير ~~المؤمنين ان الله تعالى يقول لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فقال له ~~المنصور: # حسبك، ثم قتل أبا مسلم. PageV01P405 # فقال له المعتصم: أنت أيضا حسبك يا أبا عبد الله، ثم وجه الى الافشين، ~~فقتله. # وزعموا، انهم كشفوا عنه فوجدوه غير مختون. # ومات المعتصم بالله يوم الخميس لإحدى عشره ليله بقيت من شهر ربيع الاول ~~سنه سبع وعشرين ومائتين [1] ، وصلى عليه ابو عبد الله احمد بن ابى داود، ~~وكان المعتصم اوصى اليه بالصلاة عليه، وكانت ولايته ثماني سنين وثمانية ~~اشهر وسبعه عشر يوما، وكان قد بلغ من السن تسعا وثلاثين سنه. # وهذا آخر كتاب الاخبار الطوال على ما جمعه ابو حنيفه احمد بن داود ~~الدينورى رحمه الله تعالى ورضى عنه. PageV01P406 ms296