######OpenITI# #META# 000.SortField :: Shamela_0021821 #META# 000.BookURI :: NOCODE #META# 010.AuthorAKA :: NODATA #META# 010.AuthorNAME :: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي (المتوفى: 468هـ) #META# 011.AuthorBORN :: NOTGIVEN #META# 011.AuthorDIED :: 468 #META# 019.AuthorDIED :: NODATA #META# 020.BookTITLE :: الوسيط في تفسير القرآن المجيد #META# 020.BookTITLESUB :: NODATA #META# 021.BookSUBJ :: التفاسير #META# 022.BookVOLS :: 4 #META# 025.BookLANG :: NODATA #META# 029.BookTITLEalt :: NODATA #META# 030.LibURI :: Shamela_0021821 #META# 030.LibURIextra :: NODATA #META# 031.LibREADONLINE :: http://shamela.ws/browse.php/book-21821 #META# 031.LibURL :: http://shamela.ws/index.php/book/21821 #META# 031.LibURLFILE :: NODATA #META# 031.LibURLextra :: NODATA #META# 040.EdALL :: NODATA #META# 040.EdEDITOR :: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الدكتور أحمد محمد صيرة، الدكتور أحمد عبد الغني الجمل، الدكتور عبد الرحمن عويس #META# 041.EdNUMBER :: الأولى، 1415 هـ - 1994 م #META# 041.EdNumber :: NODATA #META# 043.EdPUBLISHER :: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان #META# 044.EdPLACE :: NODATA #META# 045.EdYEAR :: NODATA #META# 049.EdISBN :: NODATA #META# 049.EdPAGES :: NODATA #META# 049.EdPHYSICAL :: NODATA #META# 049.EdVOLUME :: NODATA #META# 090.RecMISC :: NODATA #META# 999.MiscINFO :: NODATA #META#Header#End# # PageV00P000 # بسم الله الرحمن الرحيم # وبه نستعين # الحمد لله القادر العليم، الفاطر الحكيم، الجواد الكريم، الرب الرحيم ~~منزل الذكر الحكيم، والقرآن العظيم، على المبعوث بالدين القويم، والصراط ~~المستقيم، خاتم الرسالة، والهادي عن الضلالة، المرسل بأشرف الكتب إلى العجم ~~والعرب، محمد النبي العربي، صلى الله عليه، وعلى آله الهداة المهتدين، ~~وأصحابه الأخيار المنتخبين، وسلم تسليما. # وبعد هذا: فالعلم أشرف منقبة، وأجل مرتبة، وأبهى مفخر وأربح متجر، به ~~يتوصل إلى توحيد رب العالمين، وتصديق أنبيائه المرسلين. # والعلماء خواص عباد الله الذين اجتباهم، وإلى معالم دينه هداهم، وبمزية ~~الفضل آثرهم واصطفاهم، هم ورثة الأنبياء وخلفاؤهم، وسادة المسلمين ~~وعرفاؤهم، والدعاة إلى المحجة المثلى، والتمسك بالشريعة والتقوى. ### | 1 - # أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد الزمجاري، حدثنا أبو الحسن محمد بن ~~أحمد بن حماد، # PageV01P045 # حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن معاوية البكائي، حدثنا محمد بن مطرف ~~السعدي، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء، يحبهم أهل السماء ويستغفر لهم ~~الحيتان في البحر إلى يوم القيامة» ### | 2 - # حدثنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، حدثنا أبو بكر عبد الله بن يحيى ~~الطلحي، حدثنا أبو يعلى محمد بن أحمد بن عبيد الله الملطي، حدثنا أحمد بن ~~صالح، عن منبه بن عثمان، عن صدقة بن # PageV01P046 # عبد الله، عن طلحة بن زيد، عن موسى بن عبيدة، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي ~~موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يبعث الله العباد ~~يوم القيامة ثم يميز العلماء فيقول: يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم ~~إلا لعلمي بكم ولم أضعه فيكم لأعذبكم، انطلقوا إلى الجنة فقد غفرت لكم " # وإن أم العلوم الشرعية، ومجمع الأحكام الدينية، كتاب الله المودع نصوص ~~الأحكام وبيان الحلال والحرام، والمواعظ النافعة، والعبر الشافية، والحجج ~~البالغة، والعلم به أشرف العلوم وأعزها، وأجلها وأمزها، لأن شرف العلوم ~~بشرف المعلوم. # ولما كان كلام الله تعالى أشرف المعلومات، كان العلم بتفسيره وأسباب ms0001 ~~تنزيله ومعانيه وتأويله، أشرف العلوم. # ومن شرف هذا العلم وعزته في نفسه أنه لا يجوز القول فيه بالعقل والتدبر، ~~والرأي والتفكر، دون السماع والأخذ عمن شاهدوا التنزيل بالرواية والنقل. # والنبي صلى الله عليه وسلم فمن بعده من الصحابة والتابعين قد شددوا في ~~هذا حتى جعلوا المصيب فيه برأيه مخطئا. # PageV01P047 ### | 3 - # أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن عبد الله بن زكريا الجوزقي، أخبرنا بشر ~~بن أحمد بن البشر، أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، أخبرنا بشر بن الوليد ~~الكندي، أخبرنا سهيل أخو حزم، عن أبي عمران الجوني، عن جندب قال: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ» ### | 4 - # أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم، أخبرنا الحسن بن علي ~~الشيباني، أخبرنا محمد بن حمدون بن خالد، أخبرنا علي بن صدقة # PageV01P048 # الرقي، أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي، أخبرنا المعتمر بن سليمان، عن ~~ليث، عن الحسن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» # وكل علم سوى الكتاب والسنة وما يستند إليهما فهو باطل، ومن تحلى من ~~العلماء بغيرهما فهو عاطل عن الآيات الواضحة الباهرة والسنن المأثورة ~~الزاهرة، على هذا درج الأولون، والسلف الصالحون. ### | 5 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي، أخبرنا إسماعيل بن نجيد، أخبرنا ~~محمد بن الحسن بن الخليل، أخبرنا محمد بن عبيد، أخبرنا صالح بن موسى، # PageV01P049 # عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم «إني قد خلفت فيكم شيئين لن تضلوا أبدا ما أخذتم بهما، ~~وعملتم بما فيهما، كتاب الله عز وجل وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» # وقد سبق لي قبل هذا الكتاب، بتوفيق الله وحسن تيسيره، مجموعات ثلاث في ~~هذا العلم: معاني التفسير، ومسند التفسير، ومختصر التفسير. # وقديما كنت أطالب بإملاء كتاب في تفسير (وسيط) ينحط عن درجة (البسيط) ~~الذي تجر فيه ms0002 أذيال الأقوال، ويرتفع عن مرتبة (الوجيز) الذي اقتصر على ~~الإقلال. # والأيام تدفع في صدر المطلوب بصروفها، على اختلاف صنوفها، وسآخذ نفسي على ~~فتورها، وقريحتي على قصورها، لما أرى من جفاء الزمان، وخمول العلم وأهله، ~~وعلو أمر الجاهل على جهله، بتصنيف تفسير أعفيه من التطويل والإكثار، وأسلمه ~~من خلل الوجازة والاختصار، وآتي به على النمط الأوسط والقصد الأقوم حسنة ~~بين السيئتين، ومنزلة بين المنزلتين، لا إقلال ولا إملال. # نعم المعين توفيق الله تعالى، لإتمام ما نويت، وتيسيره لإحكام ما له ~~تصديت. # PageV01P050 # القول فيما روي من فضائل ### | سورة الفاتحة # مكية وآياتها سبع ### | 6 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد بن إبراهيم المهرجاني، أخبرنا عبيد الله بن ~~محمد بن محمد الزاهد، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، أخبرنا علي ~~بن مسلم، أخبرنا حرمي بن عمارة، قال: حدثني شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، ~~عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المعلى، قال: كنت أصلي فمر بي النبي صلى ~~الله عليه وسلم فناداني فلم آته، حتى فرغت من صلاتي، فقال: «ما يمنعك أن ~~تأتيني إذ دعوتك؟» قلت: كنت أصلي، قال: " ألم يقل الله عز وجل: {استجيبوا ~~لله وللرسول إذا دعاكم} [الأنفال: 24] ، أتحب أن أعلمك أعظم سورة في القرآن ~~قبل أن تخرج من المسجد؟ "، # PageV01P051 # قال: فذهب يخرج، فذكرته، فقال: «الحمد لله رب العالمين» . # رواه البخاري في الصحيح عن مسدد، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة ### | 7 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، أخبرنا أبو حامد ~~أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال، أخبرنا يحيى بن الربيع المكي، أخبرنا سفيان ~~بن عيينة، حدثني العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ~~صلى الله عليه وسلم، قال: " قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، ~~فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 2] قال الله: حمدني ~~عبدي، وإذا قال {الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 3] قال الله: مجدني عبدي، أو ~~أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مالك يوم الدين} [الفاتحة: 4] قال الله ms0003: فوض إلي ~~عبدي، وإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5] قال الله: هذه بيني ~~وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، وإذا # PageV01P052 # قال {اهدنا الصراط المستقيم {6} صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب ~~عليهم ولا الضالين {7} } [الفاتحة: 6-7] قال الله: هذه لك ". # رواه مسلم، عن إسحاق، عن سفيان ### | 8 - # أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري، أخبرنا علي بن عمر بن مهدي، ~~حدثنا أبو بكر يوسف بن يعقوب الأزرق، حدثني جدي، حدثنا أبي، حدثنا ابن ~~سمعان، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يقول: " قال الله عز وجل: إني قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ~~فنصفها له ونصفها لي، يقول عبدي، إذا افتتح صلاته: {بسم الله الرحمن ~~الرحيم} [الفاتحة: 1] ، فيذكرني عبدي، ثم يقول: {الحمد لله رب العالمين} ~~[الفاتحة: 2] فأقول: حمدني عبدي، ثم يقول: {الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 3] ، ~~فأقول: أثنى علي عبدي، ثم يقول: {مالك يوم الدين} [الفاتحة: 4] ، فأقول: ~~مجدني عبدي: ثم يقول: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5] ، فهذه الآية ~~بيني وبين عبدي نصفين، وآخر السورة لعبدي، ولعبدي ما سأل " # PageV01P053 # وما أسنى هذه الفضيلة، إذ لم يرد في شيء من القرآن هذه المقاسمة التي ~~رويت في الفاتحة بين الله تعالى وبين العبد. ### | 9 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر البغدادي، أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر، حدثنا ~~إبراهيم بن علي الذهلي، أخبرنا يحيى بن يحيى، أخبرنا هشيم، عن أبي بشر، عن ~~أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري: أن أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم كانوا في سفر فمروا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم فلم يضيفوهم، ~~فقيل لهم: هل فيكم راق؟ فإن سيد الحي لديغ، أو مصاب، فقال رجل منهم: نعم، ~~فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب، فبرأ الرجل فأعطي قطيعا من غنم، فأبى أن ~~يقبلها، وقال: حتى أذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى النبي صلى ~~الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: يا رسول الله، والله ما رقيت إلا ~~بفاتحة الكتاب، فتبسم، وقال: ما يدريك أنها رقية ms0004؟ ثم قال: خذوا واضربوا لي ~~بسهم معكم. # رواه مسلم، عن يحيى بن يحيى، ورواه البخاري، عن أبي النعمان، عن أبي ~~عوانة، عن أبي بشر # PageV01P054 ### | 10 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا أبو علي بن أحمد ~~الفقيه، أخبرنا حسين بن محمد بن مصعب، أخبرنا يحيى بن حكيم، حدثنا ابن أبي ~~عدي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أخيه معبد بن سيرين، عن أبي ~~سعيد الخدري قال: نزلنا منزلا، فجاءتنا جارية، فقالت: أن نفرنا غيب، وأن ~~سيد الحي سليم فهل في القوم من راق؟ فقام رجل، فقال: نعم، وما كنا نأبنه ~~برقية ولا نراه يحسنها، فذهب فرقاه، فأمر له بثلاثين شاة، وأحسبه أنه قال: ~~وسقانا لبنا، قال: فلما جاء قلنا له، ما كنا نراك تحسن رقية، قال: ولا ~~أحسنها، إنما رقيته بفاتحة الكتاب، قال: فلما قدمنا المدينة، قلت: لا ~~تحدثوا فيها شيئا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذكر ذلك له، ~~فأتيته فذكرت ذلك له، فقال: «ما كان يدريك أنها رقية؟ اقتسموها واضربوا ~~بسهمي معكم» . # رواه البخاري، عن محمد بن المثنى، عن وهب بن جرير، ورواه مسلم، # PageV01P055 # عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون، كلاهما عن هشام بن حسان # PageV01P056 ### | فصل في بيان نزول الفاتحة ### | 11 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد العدل، أخبرني جدي، أخبرنا أحمد بن محمد بن ~~أحمد الحرشي، أخبرنا إبراهيم بن الحارث، وعلي بن سهل بن المغيرة، قالا: ~~حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة: أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز، سمع مناديا يناديه: يا محمد، ~~فإذا سمع الصوت انطلق هاربا، فقال له # PageV01P057 # ورقة بن نوفل: إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك، قال: فلما برز ~~سمع النداء يا محمد، قال: «لبيك» ، قال: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد ~~أن محمدا رسول الله، ثم قال له: {الحمد لله رب العالمين {2} الرحمن الرحيم ~~{3} مالك يوم الدين ms0005 {4} إياك نعبد وإياك نستعين {5} } [الفاتحة: 2-5] حتى ~~فرغ من فاتحة الكتاب # PageV01P058 ### | القول في آية التسمية ### | 12 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أخبرنا محمد بن يعقوب، أخبرنا ~~الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج، أخبرني أبي، عن ~~سعيد بن جبير: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني} [الحجر: 87] : هي فاتحة ~~الكتاب، قال أبي: وقرأها علي سعيد بن جبير حتى ختمها، ثم قال: {بسم الله ~~الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] الآية السابعة، قال سعيد: وقرأها علي ابن عباس ~~كما قرأتها عليك، ثم قال: {بسم الله الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] الآية ~~السابعة، قال ابن عباس: فذخرها لكم فما أخرجها لأحد قبلكم # PageV01P059 ### | 13 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله ~~بن الحسين القاضي بالكوفة، حدثنا أبو جعفر محمد بن جعفر الأشجعي، حدثنا ~~عباد بن يعقوب، حدثنا عمر بن هارون، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم ~~سلمة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {بسم الله الرحمن ~~الرحيم {1} الحمد لله رب العالمين {2} } [الفاتحة: 1-2] إلى آخر السورة سبع ~~آيات، {بسم الله الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] إحداهن. # وعدهن عمر في يده، وعدهن ابن جريج في يده، وعدهن أبو سعيد في يده عدد ~~الأعراب ### | 14 - # أخبرنا أبو عبد الله بن يحيى، أخبرنا محمد بن الحسن السراج، حدثنا علي بن ~~سليم البغدادي، حدثنا # PageV01P060 # علي بن حرب الموصلي، حدثنا إسحاق بن عبد الواحد، حدثنا المعافى بن عمران، ~~عن عبد الحميد بن جعفر، عن نوح بن أبي بلال، عن أبي سعيد المقبري، عن أبي ~~هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {الحمد لله رب العالمين} ~~[الفاتحة: 2] سبع آيات، أولاهن: {بسم الله الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] ، ~~وهي السبع المثاني، وهي فاتحة الكتاب، وهي أم القرآن " # هذه الأخبار ناطقة بأن التسمية آية من الفاتحة، وكذلك هي في غيرها من ~~السور آية. ### | 15 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق المزكي، أخبرنا إسماعيل بن أحمد ~~الخلالي، أخبرنا عبد الله بن زيدان البجلي، حدثنا أبو كريب، حدثنا سفيان بن ms0006 ~~عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: # PageV01P061 # كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه: ~~{بسم الله الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] ### | 16 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق المزكي، أخبرنا إسماعيل بن أحمد ~~الخلالي، أخبرنا عبد الله بن زيدان البجلي، حدثنا أبو كريب، حدثنا سفيان بن ~~عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه: {بسم الله الرحمن ~~الرحيم} [الفاتحة: 1] ### | 17 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر، أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر، أخبرنا إبراهيم ~~بن علي الذهلي، حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا عمر بن الحجاج العبدي، عن عبد ~~الله بن أبي حسين، ذكر عن عبد الله بن مسعود قال: كنا لا نعلم فصل ما بين ~~السورتين حتى تنزل: {بسم الله الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] ### | وأما التفسير # {بسم الله الرحمن الرحيم {1} الحمد لله رب العالمين {2} الرحمن الرحيم ~~{3} مالك يوم الدين {4} إياك نعبد وإياك نستعين {5} اهدنا الصراط المستقيم ~~{6} صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين {7} } [الفاتحة: ~~1-7] فإن المتعلق به «الباء» في قوله: بسم الله محذوف، ويستغنى عن إظهاره ~~لدلالة الحال عليه، وهو معنى الابتداء، كأنه قال: بدأت بسم الله، أو أبدأ ~~بسم الله. # والحال تبين أنه مبتدئ فاستغنيت عن ذكره. # PageV01P062 # وهي أداة تجر ما بعدها من الأسماء نحو «من» و «عن» و «في» ، وحذفت الألف ~~من بسم الله، لأنها وقعت في موضع معروف لا يجهل القارئ معناه، فاستخف ~~طرحها، وأثبتت في قوله تعالى: {فسبح باسم ربك العظيم} [الواقعة: 74] ، لأن ~~هذا لا يكثر كثرة بسم الله، ألا ترى أنك تقول: بسم الله عند ابتداء كل شيء. # ولا تحذف الألف إذا أضيف الاسم لغير الله، ولا مع غير «الباء» من الحروف، ~~فتقول: لاسم الله حلاوة في القلوب، وليس اسم كاسم الله. # فتثبت الألف مع اللام والكاف، هذا في سقوطها في الكتابة. # وأما سقوطها في اللفظ ms0007: فلأنها للوصل، وقد استغني عنها بالباء. # وعند البصريين أن «الاسم» مشتق من السمو، لأنه يعلو المسمى، فالاسم ما ~~علا وظهر، فصار علما للدلالة على ما تحته من المعنى. # وعند الكوفيين: «الاسم» : مشتق من الوسم والسمة وهي العلامة، ومن هذا قال ~~أبو العباس ثعلب: الاسم سمة توضع على الشيء يعرف به. # والصحيح ما قال أهل البصرة، لأنه لو كان مشتقا من الوسم لقيل في تصغيره: ~~وسيم. # كما قالوا: وعيدة، ووصيلة. # في تصغير عدة وصلة، فلما قالوا: «سمي» . # ظهر أنه من السمو لا من السمة. # وأما الله فإن كثيرا من العلماء ذهبوا إلى أن هذا الاسم ليس بمشتق، وأنه ~~اسم تفرد به الباري سبحانه، يجري في وصفه مجرى أسماء الأعلام، لا يشركه فيه ~~أحد، قال الله تعالى: {هل تعلم له سميا} [مريم: 65] ، أي: هل تعلم أحدا ~~يسمى الله غيره؟ # PageV01P063 # وهذا القول يحكى عن الخليل بن أحمد، وابن كيسان، وهو اختيار أبي بكر ~~القفال الشاشي. # والأكثرون ذهبوا إلى أنه مشتق من قولهم: «أله إلاهة» . # أي: عبد عبادة، وكان ابن عباس يقرأ ويذرك وإلاهتك، قال: معناه: عبادتك. # ويقال: تأله الرجل. # إذا نسك، قال رؤبة: # سبحن واسترجعن من تألهي # ومعناه: المستحق للعبادة، وذو العبادة: الذي إليه توجه العبادة وبها ~~يقصد، وقال أبو الهيثم الرازي: الله أصله «إلاه» ، قال الله تعالى: {وما ~~كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق} [المؤمنون: 91] ، ولا يكون إلها ~~حتى يكون لعابده خالقا ورازقا ومدبرا وعليه مقتدرا، فمن لم يكن كذلك فليس ~~بإله، وإن عبد عبد ظلما، بل هو مخلوق ومتعبد. # قال: وأصل إله: «ولاه» ، فقلبت الواو همزة كما قالوا للوشاح: إشاح. # وللوجاج: أجاج. # ومعنى «ولاه» : أن الخلق # PageV01P064 # يولهون إليه في حوائجهم، ويضرعون إليه فيما ينوبهم، ويفزعون إليه في كل ~~ما يصيبهم، كما يوله كل طفل إلى أمه. # قوله: الرحمن الرحيم قال الليث: هما اسمان اشتقاقهما من الرحمة. # وقال أبو عبيدة: هما صفتان لله معناهما: ذو الرحمة. # ورحمة الله: إرادته الخير والنعمة والإحسان إلى من يرحمه. # والرحمن عند قوم ms0008 أشد مبالغة من الرحيم، كالعلام من العليم، ولهذا قيل: ~~«رحمن الدنيا ورحيم الآخرة» . # لأن رحمته في الدنيا عمت المؤمن والكافر، والبر والفاجر، ورحمته في ~~الآخرة اختصت بالمؤمنين. # وقال آخرون: إنهما بمعنى واحد، كندمان ونديم، ولهفان ولهيف، وجمع بينهما ~~للتأكيد، كقولهم: فلان جاد مجد. # قوله: الحمد لله قال ابن عباس: يعني الشكر لله، وهو أنه صنع إلى خلقه ~~فحمدوه، يعني أنه أحسن إليهم فشكروه وأثنوا عليه. # والحمد قد يكون شكرا للصنيعة وقد يكون ابتداء للثناء على الرجل، يقال: ~~حمدته على معروفه. # كما يقال: شكرته. # ويقال: حمدته على علمه وعلى شجاعته. # إذا أثنيت عليه بذلك، ولا يقال في هذا المعنى: شكرته. # فحمد الله: الثناء عليه والشكر لنعمه. # قال ابن الأنباري: {الحمد لله} [الفاتحة: 2] يحتمل أن يكون هذا إخبارا ~~أخبر الله تعالى به، والفائدة فيه: أنه بين أن حقيقة # PageV01P065 # الحمد له، وتحصيل كل الحمد له لا لغيره، ويحتمل أن يكون هذا ثناء أثنى به ~~على نفسه، علم عباده في أول كتابه ثناء عليه وشكرا له، يكتسون بقوله ~~وتلاوته أعظم الثواب، ويكون المعنى: قولوا: الحمد لله. # فيضمر «القول» ههنا، كما يضمر في قوله: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما ~~نعبدهم إلا ليقربونا} [الزمر: 3] ، معناه: يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا ~~إلى الله. # وقوله: لله هذه «اللام» تسمى لام الإضافة، ولها معنيان، أحدهما: الملك، ~~نحو المال لزيد، والآخر: الاستحقاق، نحو الحبل للدابة، أي: استحقته، وكذلك ~~الباب للدار. # وقوله: رب العالمين الرب في اللغة له معنيان، أحدهما: أن يكون من الرب ~~بمعنى التربية، يقال: رب فلان الضيعة يربها ربا. # إذا أتمها وأصلحها، فهو رب، مثل بر وطب، قال الشاعر: # يرب الذي يأتي من الخير إنه ... إذا فعل المعروف زاد وتمما # والمعنى على هذا: أنه يربى الخلق ويغذيهم بما ينعم عليهم. # والثاني: أن يكون الرب بمعنى المالك، يقال: رب الشيء. # إذا ملكه، وكل من ملك شيئا فهو ربه، يقال: هو رب الدار ورب الضيعة. # والله تعالى رب كل شيء، أي: مالكه. # وقوله: العالمين هو جمع عالم، على وزن ms0009 فاعل، نحو خاتم وطابع ووافق وقالب، ~~وهو اسم عام لجميع # PageV01P066 # المخلوقات، يقال: العالم محدث. # وهذا قول الحسن، ومجاهد وقتادة في تفسير «العالم» أنه جميع المخلوقات. # قوله: {مالك يوم الدين} [الفاتحة: 4] المالك: الفاعل من الملك، يقال: ملك ~~الشيء يملكه ملكا وملكا ومملكة. # ويقرأ هذا الحرف بوجهين: مالك وملك، فمن قرأ ملك قال: الملك أشمل وأتم، ~~لأنه يكون مالك ولا ملك له، ولا يكون ملك إلا وله ملك، فكل ملك مالك، وليس ~~كل مالك ملكا. # ويقوي هذه القراءة قوله تعالى: {فتعالى الله الملك الحق} [طه: 114] ~~وقوله: {الملك القدوس} [الحشر: 23] وقوله: {لمن الملك اليوم} [غافر: 16] ، ~~ولم يقل: المالك. # ومن قرأ مالك فلأنه أجمع وأوسع، لأنه يقال: مالك الطير والدواب والوحوش ~~وكل شيء، ولا يقال: ملك كل شيء. # إنما يقال: ملك الناس. # ولا يكون مالك الشيء إلا وهو يملكه، وقد يكون ملك الشيء وهو لا يملكه ~~كقولهم: ملك العرب والعجم. # والدين: الجزاء، ويوم الدين: يوم يدين الله العباد بأعمالهم. # تقول العرب: دنته بما فعل. # أي: جازيته، ومنه قوله تعالى: {أئنا لمدينون} [الصافات: 53] أي: مجزيون، ~~وتقول العرب: كما تدين تدان، أي: كما تجازي تجازى، ومعنى قوله: {مالك يوم ~~الدين} [الفاتحة: 4] : أنه ينفرد في ذلك اليوم بالحكم، بخلاف الدنيا فإنه ~~يحكم فيها الولاة والقضاة، ولا يملك أحد الحكم في ذلك اليوم إلا الله. # وتقدير الآية: مالك يوم الدين الأحكام، وحذف المفعول من الكلام للدلالة ~~عليه، ومن قرأ ملك يوم الدين فمعناه: أنه يتفرد بالملك في ذلك اليوم، لزوال ~~ملك الملوك، وانقطاع أمرهم ونهيهم، وهذا كقوله: {الملك يومئذ الحق للرحمن} ~~[الفرقان: 26] . # PageV01P067 # قوله: إياك نعبد «إيا» ضمير المنصوب المنفصل، ويدخل عليه المكاني من ~~الياء، والنون، والكاف، والهاء نحو: إياي، وإيانا، وإياك، وإياه، ويستعمل ~~مقدما على الفعل نحو: إياك أعني، إياك نعبد، ولا يستعمل مؤخرا، لا يقال: ~~قصدت إياك. # فإذا فصلت بينه وبين الفعل «بإلا» جاز التأخير، نحو: ما عنيت إلا إياك. # ونعبد من العبادة، وهي الطاعة مع الخضوع، ولا يستحقها إلا الله عز وجل، ~~وسمي العبد عبدا لذلته ms0010 وانقياده لمولاه، «وطريق معبد» : إذا كان مذللا ~~بالأقدام. # وإياك نستعين: أصله: نستعون من المعونة، سكن ما قبل الواو فاستثقلت فنقلت ~~إلى العين، فصار نستعين، ومعناه: نطلب منك المعونة على عبادتك وعلى أمورنا ~~كلها. # قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6] معنى الهداية في اللغة: ~~الدلالة، يقال: هداه في الدين يهديه هدى. # وهداه يهديه هداية. # إذا دله على الطريق. # والصراط أصله بالسين، لأنه من الاستراط، بمعنى الابتلاع، فالسراط يسترط ~~السابلة. # فمن قرأ بالسين فعلى أصل الكلمة، ومن قرأ بالصاد فلأنها أخف على اللسان، ~~لأن الصاد حرف مطبق كالطاء، فيتقاربان ويحسنان في السمع. # ومن قرأ بالزاي أبدل من السين حرفا مجهورا حتى يشبه الطاء في الجهر، ~~ويحتج بقول العرب: «زقر» في «صقر» . # ومن قرأ بإشمام الزاي فإنه لم يجعلها زايا خالصة ولا صادا خالصة لئلا ~~يلتبس أصل الكلمة بأحدهما، وكلها لغات. # ومعنى سؤال المسلمين الهدى وهم مهتدون: التثبيت على الهدى وهذا كما نقول ~~للقائم: قم حتى أعود إليك. # أي: اثبت على قيامك. # PageV01P068 # والصراط المستقيم: كتاب الله عز وجل وهو القرآن. # روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن مسعود، وأبي ~~العالية. # وروى السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس، قال: هو الإسلام. # وكذلك روي عن جابر قوله: {صراط الذين أنعمت عليهم} [الفاتحة: 7] أي: ~~بالثبات على الإيمان والاستقامة والهداية إلى الصراط، وهم: النبي صلى الله ~~عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر رضي الله عنهما. # وهذا قول أبي العالية. # وقال السدي وقتادة: يعني طريق الأنبياء. # وقال ابن عباس: هم قوم موسى وعيسى قبل أن يغيروا دين الله تعالى. # PageV01P069 # قوله: {غير المغضوب عليهم} [الفاتحة: 7] : غير: منخفض على ضربين: على ~~البدل من الذين، وعلى صفة الذين، لأن {غير المغضوب عليهم} [الفاتحة: 7] هم ~~الذين أنعم عليهم، لأن من أنعم عليه بالإيمان فهو غير مغضوب عليه، ومعنى ~~الغضب من الله: إرادة العقوبة. # قوله: ولا الضالين أصل الضلال في اللغة: الغيبوبة، يقال: ضل الماء في ~~اللبن إذا غاب فيه. # وضل الكافر إذا غاب عن المحجة. # ومن هذا قوله ms0011 تعالى: {أئذا ضللنا في الأرض} [السجدة: 10] ، أي: غبنا فيها ~~بالموت وصرنا ترابا. # والمغضوب عليهم: اليهود، والضالين: النصارى، والله تعالى حكم على اليهود ~~بالغضب في قوله: {من لعنه الله وغضب عليه} [المائدة: 60] ، وعلى النصارى ~~بالضلال في قوله: {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا} [المائدة: 77] . # ومعنى الآية: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالإسلام، ولم تغضب عليهم كما ~~غضبت على اليهود، ولم يضلوا عن الحق كما ضلت النصارى. # ويستحب للقارئ أن يقول بعد فراغه من قراءة الفاتحة: آمين. # مع سكتة على نون ولا الضالين، ليتميز ما هو قرآن مما ليس بقرآن. # وفيه لغتان: آمين بالمد، وآمين بالقصر، ومعناهما: اللهم استجب، وهي ~~موضوعة لطلب الإجابة. ### | 18 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان، ~~أخبرنا عبد الرحمن بن محمد # PageV01P070 # الرازي، أخبرنا سهل بن عثمان العسكري، أخبرنا يحيى بن أبي زائدة، عن أبي ~~إسحاق، عن أبي ميسرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني إذا برزت أسمع ~~من يناديني ولا أرى شيئا» ، فقال له ورقة بن نوفل: إذا سمعت النداء فاثبت، ~~ففعل ذلك، فقال له جبريل: قل: {بسم الله الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] ~~فقالها، ثم قرأ: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 2] إلى آخرها، ثم قال: ~~قل: آمين ### | 19 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، والقاضي أبو بكر الحيري، قالا: أخبرنا ~~أبو علي المعقلي، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، حدثنا عبد الرزاق، قال: ~~أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله ~~عليه وسلم قال: " إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} ~~[الفاتحة: 7] فقولوا: آمين، فإن الملائكة تقول: # PageV01P071 # آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه ~~مسلم، في الصحيح، عن حرملة، عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري # PageV01P072 # القول في فضائل ### | سورة البقرة # مدنية، وآياتها ست وثمانون ومائتان. ### | 20 - # أخبرنا أبو طاهر الزيادي، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي، أخبرنا محمد بن ~~حماد الأبيوردي، أخبرنا وكيع، عن بشر بن المهاجر، عن عبد الله بن ms0012 بريدة، عن ~~أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا سورة البقرة، فإن ~~أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة» ### | 21 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي، أخبرنا إبراهيم بن أحمد بن ~~رجاء، أخبرنا عبد الله بن محمد # PageV01P073 # البغوي، حدثنا عبد الواحد بن غياث، حدثنا عدي بن الفضل، حدثنا علي بن ~~زيد، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «إن البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان تلك الليلة» ### | 22 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد بن إبراهيم المهرجاني، أخبرنا عبيد الله بن ~~محمد الزاهد، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثني محمد بن إسحاق، حدثنا ~~أبو الأسود، أخبرنا ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن # PageV01P074 # علي بن رباح، عن ربيعة الجرشي، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~أي سور القرآن أفضل؟ قال: «البقرة» ، قيل: أي البقرة أفضل؟ قال: «آية ~~الكرسي» # التفسير {الم {1} ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين {2} الذين يؤمنون ~~بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون {3} والذين يؤمنون بما أنزل ~~إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون {4} أولئك على هدى من ربهم ~~وأولئك هم المفلحون {5} } [البقرة: 1-5] قوله عز وجل: الم: كثر اختلاف ~~المفسرين في الحروف المقطعة في القرآن، فذهب قوم إلى أن الله تعالى لم يجعل ~~لأحد سبيلا إلى إدراك معانيها، وأنها مما استأثر الله تعالى بعلمها، فنحن ~~نؤمن بظاهرها، ونكل علمها إلى الله تعالى. # قال داود بن أبي هند: كنت أسأل الشعبي عن فواتح السور، فقال: يا داود إن ~~لكل كتاب سرا، وإن سر القرآن فواتح السور، فدعها وسل عما سوى ذلك. # PageV01P075 # وفسرها الآخرون، فقال ابن عباس، في رواية سعيد بن جبير وأبي الضحى: الم ~~أنا الله أعلم. # وقال الضحاك: كل الم في القرآن: أنا الله أعلم. # وهذا اختيار الزجاج، قال: المختار ما روي عن ابن عباس هو أن معنى الم: ~~أنا الله أعلم، وأن كل حرف منها له تفسير. # قال: والدليل ms0013 على ذلك أن العرب قد تنطق بالحرف الواحد تدل به على الكلمة ~~التي هو منها. # وأنشد: # قلت لها قفي لنا قالت قاف # فنطق بقاف فقط يريد: قالت قف. # ويروى عن الحسن، أنه قال: الم وسائر حروف التهجي في القرآن: أسماء للسور. # وعلى هذا القول إذا قال القائل: قرأت المص. # عرف السامع أنه قرأ ال { [التي افتتحت ب المص. # قوله عز وجل: ذلك الكتاب: ذلك يجوز أن يكون بمعنى: هذا، عند كثير من أهل ~~التفسير. # قال الفراء: ومثاله في الكلام أنك تقول: قد قدم فلان. # فيقول السامع: قد بلغنا ذلك. # أو يقول: قد بلغنا # PageV01P076 # الخبر. # فصلحت: هذا، لأنه قرب من جوابه فصار كالحاضر الذي تشير إليه، وصلحت: ذلك ~~لانقضاء كلامه، والمنقضي كالغائب. # وذكر ابن الأنباري لهذا شرحا شافيا فقال: إنما قال عز ذكره: ذلك الكتاب، ~~فأشار إلى غائب، لأنه أراد: هذه الكلمات يا محمد، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن ~~أوحيه إليك، لأن الله تعالى لما أنزل على نبيه عليه السلام:] إنا سنلقي ~~عليك قولا ثقيلا} [سورة المزمل: 5] كان واثقا بوعد الله إياه، فلما أنزل ~~الله تعالى عليه: {الم {1} ذلك الكتاب لا ريب فيه} [البقرة: 1-2] دله على ~~الوعد المتقدم. # وقال الزجاج: القرآن: ذلك الكتاب الذي وعدوا به على لسان موسى، وعيسى. # فجعل الم بمعنى القرآن، لأنه من القرآن. # والكتاب مصدر كتبت، ويسمى المكتوب كتابا، كما يسمى المخلوق خلقا، ~~والمفعول يسمى بالمصدر، يقال: هذا درهم ضرب الأمير. # أي: مضروبه، وهذا الثوب نسج اليمن. # أي: منسوجه. # وأصل الكتب في اللغة: الجمع والضم، يقال: كتبت البغلة. # إذا ضممت بين شفريها بحلقة، وكتبت السقاء. # إذا خرزته، والكتب: الخروز، واحدتها: كتبة، والكتابة: جمع حرف إلى حرف. # والمراد ب الكتاب ههنا: القرآن، في قول جميع المفسرين. # قوله: لا ريب فيه: الريب: الشك، قال أبو زيد: يقال: رابني من فلان أمر ~~رأيته منه ريبا. # إذا كنت مستيقنا منه الريبة، فإذا أسأت به الظن ولم تستيقن بالريبة منه ~~قلت: قد أرابني من فلان أمر هو فيه. # إذا ظننته من غير ms0014 أن تستيقنه. # قال سيبويه: «لا» تعمل فيما بعدها فتنصبه، ونصبها لما بعدها كنصب «إن» ، ~~إلا أنها تنصب بغير تنوين، وإنما شبه «لا» ب «إن» ، لأن «إن» للتحقيق في ~~الإثبات و «لا» في النفي، فلما كان لا تقتضي تحقيق النفي كما تقتضي «إن» ~~تحقيق الإثبات أجري مجراه، وهي مع ما بعدها بمنزلة شيء واحد. # PageV01P077 # وموضع لا ريب رفع بالابتداء عند سيبويه، لأنه بمنزلة: «خمسة عشر» إذا ~~ابتدأت به، ولهذا جاز العطف عليه بالرفع في قول الشاعر: # لا أم لي أن كان ذاك ولا أب # وموضع فيه رفع لأنه خبر بالابتداء الذي هو لا ريب. # فإن قيل: كيف قال لا ريب فيه وقد ارتاب به المبطلون؟ قيل: معناه: أنه حق ~~في نفسه، وصدق وإن ارتاب به المبطلون، كما قال الشاعر: # ليس في الحق يا أمامة ريب ... إنما الريب ما يقول الكذوب # فنفى الريب عن الحق، وإن كان المتقاصر في العلم يرتاب. # ويجوز أن يكون خبرا في معنى النهي، ومعناه: لا ترتابوا، كقوله تعالى: ~~{فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} [البقرة: 197] ، والمعنى: لا ترفثوا ~~ولا تفسقوا ولا تجادلوا. # قوله: هدى للمتقين معنى الهدى: البيان، لأنه قوبل به الضلالة في قوله عز ~~وجل: {واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين} [البقرة: 198] ، ~~أي: من قبل هداه. # ومعنى الاتقاء في اللغة: الحجز بين الشيئين، يقال: اتقاه بترسه. # أي: جعل الترس حاجزا بينه وبينه، ومنه التقية في الدين: يجعل ما يظهر ~~حاجزا بينه وبين ما يخشاه من المكروه، ومنه الحديث: «كنا إذا احمر البأس ~~اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أقربنا إلى العدو» . # PageV01P078 # فالمتقي: هو الذي يتحرز بطاعته عن العقوبة، ويجعل اجتنابه عما نهي عنه، ~~وفعله ما أمر به حاجزا بينه وبين العقوبة التي توعد بها العصاة. # والمراد ب المتقين في هذه الآية: المؤمنون الذين اتقوا الشرك، وجعلوا ~~إيمانهم حاجزا بينهم وبين الشرك، كأنه قال: القرآن بيان وهدى لمن اتقى ~~الشرك وهم المؤمنون. # وخص المؤمنين بأن الكتاب بيان لهم دون الكفار ms0015، الذين لم يهتدوا بهذا ~~الكتاب، لانتفاعهم به دونهم، كقوله تعالى: {إنما أنت منذر من يخشاها} ~~[النازعات: 45] ، وكان عليه السلام منذرا لمن خشي ولمن لم يخش. # قال ابن الأنباري: معناه: هدى للمتقين والكافرين، فاكتفى بأحد الفريقين ~~عن الآخر كقوله تعالى: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] ، أراد الحر ~~والبرد، فاكتفى بذكر أحدهما. # وأما إعراب هدى فقال الزجاج: يجوز أن يكون موضعه نصبا على الحال كأنه ~~قال: هاديا للمتقين، ويجوز أن يكون موضعه رفعا على إضمار هو، كأنه لما تم ~~الكلام قيل: هو هدى. # ويجوز أن يكون الوقف على قولك لا ريب، أي: ذلك الكتاب لا ريب ولا شك، ~~كأنك قلت: ذلك الكتاب حقا. # لأن لا شك بمعنى: حقا، ثم قيل بعد فيه هدى. # قوله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب} [البقرة: 3] قال الزجاج: موضع الذين ~~خفض نعتا للمتقين. # ومعنى يؤمنون: يصدقون، قال الأزهري: اتفق العلماء أن الإيمان معناه ~~التصديق، كقوله: {وما أنت بمؤمن لنا} [يوسف: 17] أي: بمصدق. # PageV01P079 # ومعنى التصديق: هو اعتقاد السامع صدق المخبر فيما يخبر، فمن صدق الله ~~تعالى فيما أخبر به في كتابه وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر ~~معتقدا بالقلب تصديقهما فهو مؤمن. # وأنشد ابن الأنباري، على أن آمن معناه: صدق، قول الشاعر: # ومن قبل آمنا وقد كان قومنا ... يصلون للأوثان قبل محمدا # معناه: من قبل آمنا محمدا، أي: صدقنا محمدا. # والغيب: ما غاب، وهو مصدر غاب يغيب غيبا، وكل ما غاب عنك فلم تشهده فهو ~~غيب، قال الله تعالى: {عالم الغيب والشهادة} [الأنعام: 73] والعرب تسمي ~~المكان المنخفض من الأرض: الغيب، لأنه غائب عن الأبصار. # والمراد ب الغيب المذكور ههنا: ما غاب علمه عن الحس والضرورة مما يدرك ~~بالدليل. # قال قتادة: آمنوا بالجنة والنار، والبعث بعد الموت، وبيوم القيامة، كل ~~هذا غيب. # وقال أبو العالية: يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر ~~وجنته وناره، ولقائه، وبالبعث بعد الموت. # قال الزجاج: وكل ما غاب عنهم مما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو ~~غيب. ### | 23 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد ms0016 الحارثي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان، ~~وحدثنا أبو يحيى عبد الرحمن بن # PageV01P080 # محمد الرازي، حدثنا سهل بن عثمان العسكري، حدثنا عبيدة، عن الأعمش، عن ~~عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: كنا جلوسا عند عبد الله بن ~~مسعود فذكرنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما سبقوا به، فقال عبد الله: ~~إن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كان بينا لمن رآه، والذي لا إله غيره، ما ~~آمن أحد قط إيمانا أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ {الم {1} ذلك الكتاب لا ريب ~~فيه هدى للمتقين {2} الذين يؤمنون بالغيب} [البقرة: 1-3] إلى قوله: {أولئك ~~هم المفلحون} [الأعراف: 157] # وقوله: ويقيمون الصلاة أي: يديمونها، ويحافظون عليها، ويقال: قام الشيء. # إذا دام وثبت. # وأقامه. # إذا أدامه، والصلاة معناها في اللغة: الدعاء، ومنه الحديث: «إذا دعي ~~أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليصل» . # قال أبو عبيدة: قوله: «فليصل» أي: فليدع له بالبركة والخير، وكل داع فهو ~~مصل. # هذا معنى الصلاة في اللغة، ثم ضمت إليها هيئات وأركان سميت مجموعها صلاة، ~~قال قتادة في قوله: ويقيمون # PageV01P081 # الصلاة: إقامتها: المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها. # وقوله: ومما رزقناهم يقال: رزق الله الخلق رزقا ورزقا، فالرزق، بالفتح، ~~هو المصدر الحقيقي، والرزق: الاسم، ويجوز أن يوضع موضع المصدر، وكل ما ~~انتفع به العبد فهو رزقه من مال وولد وعبد وغيره. # وقوله: ينفقون معنى الإنفاق في اللغة: إخراج المال من اليد، ومن هذا ~~يقال: نفق المبيع. # إذا كثر مشتروه فخرج عن يد البائع، ونفقت الدابة. # إذا خرجت روحها، قال قتادة: ينفقون في طاعة الله وسبيله. # قوله: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك} [البقرة: 4] الآية، قال مجاهد: ~~الآيات الأربع من أول هذه ال { [نزلت في جميع المؤمنين، سواء كانوا من ~~العرب أو من أهل الكتاب، وقال ابن عباس، وابن مسعود: إن آيتين من أول ~~السورة نزلتا في مؤمني العرب، والآيتان بعدهما نزلتا في مؤمني أهل الكتاب، ~~لأنه لم يكن للعرب كتاب كانوا مؤمنين به ms0017 قبل محمد صلى الله عليه وسلم. # والمراد بقوله:] بما أنزل إليك} : القرآن، {وما أنزل من قبلك} [سورة ~~البقرة: 4] يعني: الكتب المتقدمة كالتوراة والإنجيل. # وقوله: وبالآخرة أي: وبالدار الآخرة، هم يوقنون يقال: يقن ييقن يقنا فهو ~~يقين، وأيقن بالأمر واستيقن وتيقن كله واحد. # واليقين: هو العلم الذي يحصل بعد استدلال ونظر، ولا يجوز أن يسمى علم ~~الله تعالى يقينا، لأن علمه لم يحصل عن استدلال ونظر، والمعنى: أنهم يؤمنون ~~بالآخرة ويعلمونها علما باستدلال. # قوله: {أولئك على هدى من ربهم} [البقرة: 5] «أولاء» : كلمة معناها ~~الكناية عن جماعة نحو «هم» ، والكاف فيه للمخاطبة، نحو كاف «ذلك» . # PageV01P082 # والمعنى: هم على بيان وبصيرة من عند ربهم، لأن الله تعالى هداهم لدينه. # {وأولئك هم المفلحون} قال الزجاج: يقال لكل من أصاب خيرا: مفلح. # قال الله تعالى: {قد أفلح المؤمنون} [المؤمنون: 1] ، و {قد أفلح من ~~زكاها} [الشمس: 9] . # والمعنى: هم الذين أدركوا البغية ووجدوا النعيم المقيم. # {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون {6} ختم ~~الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم {7} } ~~[البقرة: 6-7] قوله: إن الذين كفروا الآية، قال الضحاك: نزلت في أبي جهل ~~وخمسة من أهل بيته. # وقال الكلبي: يعني اليهود. # يقال: كفر كفرا وكفورا. # كما يقال: شكر شكرا وشكورا. # ومعنى الكفر في اللغة: الستر، قال ابن السكيت: كل ما ستر شيئا فقد كفره، ~~ومنه قيل: الليل كافر. # لأنه يستر بظلمته الأشياء، ومنه سمي الكافر كافرا لأنه ستر إنعام الله ~~تعالى بالهدى والآيات التي بانت لذوي التمييز: أن الله تعالى واحد لا شريك ~~له، فمن لم يصدق بها وردها فقد كفر النعمة، أي: سترها وغطاها. # والكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار، وكفر جحود، وكفر معاندة، وكفر نفاق، ~~فمن لقي ربه بشيء من ذلك لم يغفر له. # PageV01P083 # أما كفر الإنكار: فهو أن يكفر بقلبه ولسانه، ولا يعرف ما يذكر له من ~~التوحيد، وكفر الجحود: أن يعرف بقلبه ولا يعترف بلسانه ككفر إبليس وكفر ~~أمية بن أبي الصلت، ومنه قوله تعالى: {فلما ms0018 جاءهم ما عرفوا كفروا به} ~~[البقرة: 89] يعني: كفر الجحود. # وأما كفر المعاندة: فهو أن يعرف بقلبه ويقر بلسانه ولا يقبل ولا يدين به، ~~ككفر أبي طالب حيث يقول: # ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا # لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا # وأما كفر النفاق: فأن يقر بلسانه، ويكفر بقلبه. # وقوله تعالى: سواء عليهم أي: معتدل ومتساو عندهم، أأنذرتهم: أأعلمتهم ~~وخوفتهم. # والإنذار: إعلام مع تخويف، فكل منذر معلم، وليس كل معلم منذرا، يقال: ~~أنذرته فنذر. # أي: علم بموضع الخوف. # قال الوالبي، عن ابن عباس في هذه الآية: كان رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يحرص أن يؤمن به جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره الله تعالى ~~أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من ~~سبق له من الله تعالى الشقاء في الذكر الأول. # ثم ذكر السبب في تركهم الإيمان فقال: {ختم الله على قلوبهم} [البقرة: 7] ~~قال الزجاج: معنى «ختم» ، «وطبع» في اللغة واحد، وهو التغطية على الشيء # PageV01P084 # والاستيثاق منه بأن لا يدخله شيء، والختم على الوعاء يمنع الدخول فيه ~~والخروج منه، كذلك الختم على قلوب الكفار، يمنع دخول الإيمان فيها وخروج ~~الكفر منها، وإنما يكون ذلك بأن يخلق الله الكفر فيها، ويصدهم عن الهدى فلا ~~يدخل الإيمان في قلوبهم كما قال الله عز وجل: {وختم على سمعه وقلبه وجعل ~~على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله} [الجاثية: 23] وقوله: {وعلى سمعهم} ~~[البقرة: 7] وحد السمع لأنه مصدر، والمصادر لا تثنى ولا تجمع، وقال سيبويه: ~~اكتفى من الجمع بالواحد لأنه توسط جمعين فصار كقوله: {يخرجهم من الظلمات ~~إلى النور} [البقرة: 257] ، وقوله {عن اليمين والشمائل} [النحل: 48] . # وتم الكلام، ههنا، ثم قال: {وعلى أبصارهم غشاوة} [البقرة: 7] الأبصار: ~~جمع البصر وهو العين، يقال: تبصرت الشيء إذا رأيته. # والغشاوة: الغطاء، ويقال للجلدة التي على الولد: غشاوة. # ومثل هذه الآية في المعنى قوله تعالى: {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم ~~وسمعهم وأبصارهم} [النحل ms0019: 108] ، وطبع في المعنى ك ختم. # قال الزجاج في هذه الآية: إنهم كانوا يسمعون ويبصرون ويعقلون ولكن لم ~~يستعملوا هذه الحواس استعمالا ينفعهم، فصاروا كما لا يعقل ولا يسمع ولا ~~يبصر. # وقوله: {ولهم عذاب عظيم} العذاب: كل ما يعني الإنسان ويشق عليه، والعظيم: ~~فعيل من العظم، وهو كثرة المقدار في الجثة، ثم قيل: كلام عظيم، وأمر عظيم. # أي: عظيم القدر، يريدون به: المبالغة في وصفه. # ومعنى وصف العذاب العظيم: هو المواصلة بين أجزاء الآلام، بحيث لا يتخللها ~~فرجة. # PageV01P085 # {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين {8} يخادعون ~~الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون {9} في قلوبهم مرض ~~فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون {10} } [البقرة: 8-10] ~~قوله: {ومن الناس من يقول آمنا بالله} [البقرة: 8] : الناس: لفظ وضع للجمع ~~كالنوم والرهط والجيش وواحده: إنسان، لا من لفظه. # وقوله: وباليوم الآخر يعني: يوم القيامة، وسمي آخرا لأنه بعد أيام ~~الدنيا. # وقوله: {وما هم بمؤمنين} : جمع بعد التوحيد في من يقول لأن لفظ من يصلح ~~للواحد وللجميع، فقوله: من يقول يجوز أن يراد به الجمع وإن كان اللفظ على ~~واحد. # قال المفسرون: نزلت هذه الآية في المنافقين حين أظهروا كلمة الإيمان ~~وأسروا الكفر، فأخبر الله سبحانه أنهم يقولون: إنا مؤمنون. # ويظهرون كلمة الإيمان، ثم نفى الله عنهم الإيمان فقال: {وما هم بمؤمنين} ~~، فدل على أن حقيقة الإيمان ليس الإقرار فقط. # قوله: {يخادعون الله والذين آمنوا} [البقرة: 9] : يخادعون: يفاعلون، من ~~الخدع، يقال: خدعته خدعا وخدعا وخديعة، إذا أظهر له غير ما يضمر. # والمعنى: أن هؤلاء المنافقين يظهرون غير ما في نفوسهم ليدرءوا عنهم أحكام ~~الكفر في ظاهر الشريعة من القتل والجزية وغيرهما. # فإن قيل: المفاعلة تكون بين اثنين، والله تعالى يجل أن يشاركهم في ~~الخداع، فما وجه قوله: يخادعون الله؟ قيل: يخادعون ههنا بمعنى: يخدعون. # قال أبو عبيدة: خادعت الرجل بمعنى: خدعته. # والمفاعلة كثيرا ما يقع من الواحد، كالمعافاة والمعاقبة وطارقت النعل، ~~على هذا. # PageV01P086 # وقال الحسن: يخادعون الله: أي ms0020 نبيه، لأن الله بعث نبيه بدينه، فمن أطاعه ~~فقد أطاع الله كما قال الله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: ~~80] ، وقال: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} [الفتح: 10] ، وإذا ~~خادعوا النبي صلى الله عليه وسلم فقد خادعوا الله. # وقوله: {وما يخدعون إلا أنفسهم} [البقرة: 9] قرئ بوجهين: فمن قرأ بالألف ~~قال: هو من المفاعلة التي تقع من الواحد كقوله: {يخادعون الله} [البقرة: 9] ~~، فلما وقع الاتفاق على الألف في قوله: {يخادعون الله} [البقرة: 9] أجري ~~الثاني على الأول طلبا للتشاكل. # ومن قرأ: يخدعون قال: إن فعل أول بفعل الواحد، من فاعل الذي في أكثر ~~الأمر يكون لفاعلين. # ومعنى قوله: {وما يخدعون إلا أنفسهم} [البقرة: 9] : هو أنهم طلبوا الخداع ~~فلم يخدعوا الله ولا المؤمنين وما خدعوا إلا أنفسهم، لأن وبال خداعهم عاد ~~عليهم، لا أن الله تعالى يطلع نبيه على أسرارهم ونفاقهم فيفتضحون في ~~الدنيا، ويستوجبون العقاب في العقبى. # وقوله وما يشعرون أي: وما يعلمون أنهم يخدعون أنفسهم، وأن وبال خداعهم ~~يعود عليهم. # قوله: {في قلوبهم مرض} [البقرة: 10] : قال ابن عباس، وابن مسعود، والحسن، ~~وقتادة، وجميع المفسرين: أي: شك ونفاق. # وقال الزجاج: المرض في القلب: كل ما خرج به الإنسان من الصحة في الدين. # وقوله: {فزادهم الله مرضا} [البقرة: 10] أي: بما أنزل من القرآن، فشكوا ~~فيه كما شكوا في الذي قبله. # PageV01P087 # قوله: {ولهم عذاب أليم} : الأليم بمعنى: المؤلم، كالسميع بمعنى المسمع، ~~وهو العذاب الذي يصل وجعه إلى قلوبهم. # قوله: {بما كانوا يكذبون} : «ما» : في تأويل المصدر، أي: بتكذيبهم ~~وبكونهم مكذبين. # وقرأ أهل الكوفة يكذبون بالتخفيف، من الكذب، وهو أشبه بما قبله وما بعده ~~لأن ما قبله: {ومن الناس من يقول آمنا بالله} [البقرة: 8] ، وهذا كذب منهم، ~~وبعده قوله: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم ~~قالوا إنا معكم} [البقرة: 14] ، وهذا يدل على كذبهم في دعوى الإيمان. # وقال ابن عباس: {بما كانوا يكذبون} [البقرة: 10] يعني: تكذيب الأنبياء. # قال: ومن خففها فالمراد أنهم يتكلمون بما يعلم الله خلافه في قلوبهم، ~~كقوله ms0021 تعالى: {يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} [آل عمران: 167] . # {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون {11} ألا إنهم ~~هم المفسدون ولكن لا يشعرون {12} وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا ~~أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون {13} وإذا لقوا ~~الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن ~~مستهزءون {14} الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون {15} أولئك الذين ~~اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين {16} } [البقرة: ~~11-16] قوله: {وإذا قيل لهم} : موضع «إذا» من الإعراب نصب، لأنه اسم للوقت، ~~كأنك قلت: وحين قيل لهم، أو يوم قيل لهم. # وقيل: كان في الأصل: قول، فنقلت كسرة الواو إلى القاف، فسكنت الواو ~~وانكسر ما قبلها فصارت ياء. # والكسائي يشم قيل وأخواته الضم، ليدل بذلك على أنه كان في الأصل «فعل» . # ومعنى الآية {وإذا قيل لهم} يعني: لهؤلاء المنافقين، {لا تفسدوا في ~~الأرض} بالكفر وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، {قالوا ~~إنما نحن مصلحون} [البقرة: 11] يظهرون هذا القول كذبا ونفاقا، كما أنهم ~~قالوا: آمنا وهم كاذبون. # PageV01P088 # فرد الله عليهم قولهم: {نحن مصلحون} [البقرة: 11] فقال: {ألا إنهم هم ~~المفسدون} [البقرة: 12] ، قال الزجاج: ألا: كلمة يبتدأ بها، ينبه بها ~~المخاطب ليدل على صحة ما بعدها، وهم لتأكيد الكلام. # والمعنى: هم المفسدون أنفسهم بالكفر، والناس بالتعويق عن الإيمان، ولكن ~~لا يشعرون لا يعلمون أنهم مفسدون، لأنهم يظنون أن الذي هم عليه من إبطان ~~الكفر صلاح. # ولكن: معناها استدراك بإيجاب بعد نفي، أو نفي بعد إيجاب كالتي في هذه ~~الآية، لأنه إذا قيل: هم المفسدون سبق إلى الوهم أنهم يفعلون ذلك من حيث ~~يشعرون، فقال: ولكن لا يشعرون فاستدرك بالنفي بعد الإيجاب. # قوله: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس} [البقرة: 13] الآية، قال جميع ~~المفسرين: المراد بالناس في هذه الآية أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ~~والذين آمنوا به. # والمعنى: وإذا قيل لهؤلاء المنافقين: آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ms0022 كما ~~آمن أصحابه. # قال ابن عباس: يريد المهاجرين والأنصار. # {قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء} [البقرة: 13] الألف في أنؤمن استفهام ~~معناه: الجحد والإنكار، أي: لا نفعل كما فعلوا، والسفهاء: الجهال الذين قلت ~~عقولهم، جمع السفيه، ومصدره: السفه، والسفاهة والسفاه. # قال أهل اللغة: معنى السفه: الخفة، والسفيه: الخفيف العقل، ولهذا سمى ~~الله تعالى الصبيان والنساء سفهاء في قوله: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} ~~[النساء: 5] ، لجهلهم وخفة عقلهم. # وعنوا ب السفهاء: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس: قالوا: ~~أولئك سفهاؤنا. # فإن قيل: كيف يصح النفاق مع المجاهرة بقولهم {أنؤمن كما آمن السفهاء} ~~[البقرة: 13] ؟ قيل: إنهم كانوا يظهرون هذا القول فيما بينهم، لا عند ~~المؤمنين، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. # PageV01P089 # قال ابن عباس: فرد الله عليهم جواب كفرهم فقال: ألا إنهم هم السفهاء لا ~~المؤمنون الذين صدقوا محمدا صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يعلمون ولكنهم لا ~~يعلمون ما يقولون. # قوله: وإذا لقوا الذين آمنوا الآية، قال المفسرون: أراد ب الذين آمنوا: ~~أبا بكر رضي الله عنه وأصحابه، وذلك أن المنافقين كانوا إذا لقوهم واجتمعوا ~~معهم قالوا: إيماننا كإيمانكم ونحن معكم. # يقال: لقيته لقاء ولقيانا ولقيا، وكل شيء استقبل شيئا فقد لقيه. # وقوله: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} [البقرة: 14] يقال: خلوت بفلان، أخلو به ~~خلوة وخلاء. # وخلوت معه وخلوت إليه بمعنى واحد. # والشيطان: كل متمرد عات من الجن والإنس، قال الله تعالى: {شياطين الإنس ~~والجن} [الأنعام: 112] ، واشتقاقه من شطن، أي: بعد، فمعنى الشيطان: البعيد ~~من الجنة. # قال الزجاج: ومعنى الشيطان: الغالي في الكفر، المتعبد فيه من الجن ~~والإنس. # قال ابن عباس: أراد ب شياطينهم: كبراءهم ورؤساءهم. # وقوله: إنا معكم أي: على دينكم، إنما نحن مستهزءون بأصحاب محمد صلى الله ~~عليه وسلم، حيث نقول لهم: آمنا. # يقال: هزئ به يهزأ وتهزأ به، واستهزأ به. # وهو أن يظهر غير ما يضمر، استصغارا وعبثا. # قال الله تعالى: {الله يستهزئ بهم} [البقرة: 15] أي: يجازيهم جزاء ~~استهزائهم، فسمى الجزاء باسم المجازى عليه كقوله: {وجزاء سيئة ms0023 سيئة مثلها} ~~[الشورى: 40] ، فسمى الثاني سيئة باسم الأول، وقال أيضا: {فمن اعتدى عليكم ~~فاعتدوا عليه} [البقرة: 194] . # PageV01P090 # قال ابن عباس، في رواية عطاء، في قوله تعالى: {الله يستهزئ بهم} [البقرة: ~~15] : هو أن الله تعالى إذا قسم النور يوم القيامة للجواز على الصراط أعطى ~~المنافقين مع المؤمنين نورا، حتى إذا ساروا على الصراط طفئ نورهم. # قال: فذلك قوله: {الله يستهزئ بهم} [البقرة: 15] ، حيث يعطيهم ما لا يتم ~~ولا ينتفعون به. # وروي عنه، أيضا، أنه قال: هو أن الله تعالى يطلع المؤمنين وهم في الجنة ~~على المنافقين وهم في النار، فيقولون لهم: أتحبون أن تدخلوا الجنة؟ ~~فيقولون: نعم. # فيفتح لهم باب من الجنة، ويقال لهم: ادخلوا. # فيسيرون وينقلبون في النار، فإن انتهوا إلى الباب سد عنهم وردوا إلى ~~النار، ويضحك المؤمنون منهم، فذلك قوله تعالى: {فاليوم الذين آمنوا من ~~الكفار يضحكون {34} على الأرائك ينظرون {35} هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ~~{36} } [المطففين: 34-36] . ### | 24 - # أخبرنا أحمد بن عبيد الله المخلدي، أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ، ~~حدثنا محمد بن شادك بن علي، حدثنا عمرو بن زرارة الكلابي، حدثنا أبو جنادة، ~~عن الأعمش، عن خيثمة، عن عدي بن حاتم قال: # PageV01P091 # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤمر يوم القيامة بناس من الناس إلى ~~الجنة، حتى إذا دنوا منها واستنشقوا رائحتها، ونظروا إلى قصورها، وإلى ما ~~أعد الله لأهلها فيها، نودوا أن اصرفوهم عنها لا نصيب لهم فيها، قال: ~~فيرجعون بحسرة ما رجع بمثلها الأولون، فيقولون: ربنا لو أدخلتنا النار قبل ~~أن ترينا ما أريتنا من ثوابك وما أعددت فيها لأوليائك كان أهون علينا، قال: ~~ذلك أردت بكم، كنتم إذا خلوتم بي بارزتموني بالعظائم، وإذا لقيتم الناس ~~لقيتموهم مخبتين، تراءون الناس بخلاف ما في قلوبكم، هبتم الناس ولم تهابوني ~~وأجللتم الناس ولم تجلوني، وتركتم للناس ولم تتركوا لي، فاليوم أذيقكم ~~العذاب الأليم، مع ما حرمتكم من الثواب " # قوله: {ويمدهم في طغيانهم يعمهون} [البقرة: 15] أي: يمهلهم ويطول أعمارهم ~~ومدتهم. # والطغيان: مصدر كالرجحان والكفران، ومعناه: مجاوزة القدر، وكل ms0024 شيء جاوز ~~القدر فقد طغى، ومنه قوله تعالى: {إنا لما طغى الماء} [الحاقة: 11] ، وقيل ~~لفرعون: {إنه طغى} [طه: 24] ، أي: أسرف حيث ادعى الربوبية. # ومعنى يعمهون: يترددون متحيرين، يقال: عمه الرجل يعمه فهو عامه وعمه إذا ~~حار عن الحق. # قوله: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} [البقرة: 16] حقيقة الاشتراء: ~~الاستبدال، والعرب تجعل من آثر شيئا على شيء مشتريا له وبائعا للآخر، وإن ~~لم يكن ثم شراء ولا بيع ظاهر. # قال ابن عباس: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى. # PageV01P092 # وقوله: {فما ربحت تجارتهم} [البقرة: 16] الربح: الزيادة على أصل المال، ~~والتجارة: تقليب الأموال وتصريفها لطلب النماء، يقال: تجر الرجل يتجر تجارة ~~فهو تاجر. # والمعنى: ما ربحوا في تجارتهم، وأضاف الربح إلى التجارة لأن الربح يكون ~~فيها، والعرب تقول: ربح بيعك، وخسر بيعك، وخاب سعيك. # على معنى: ربحت في بيعك، فيسندون الربح إلى البيع، وما كانوا مهتدين أي: ~~مصيبين في تجارتهم. # ثم ضرب الله مثلا للمنافين فقال: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما ~~أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون {17} صم بكم عمي ~~فهم لا يرجعون {18} } [البقرة: 17-18] {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا} ~~[البقرة: 17] : والمثل من الكلام: قول سائر يشبه به حال الثاني بالأول، ~~والأصل فيه: التشبيه، وحقيقته: ما جعل كالعلم للتشبيه بحال الأول، مثال ذلك ~~قول كعب بن زهير: # كانت مواعيد عرقوب لنا مثلا ... وما مواعيده إلا الأباطيل # فمواعيد عرقوب: علم في كل ما لا يصح من المواعيد. # واستوقد بمعنى: أوقد. # وأضاء: يكون لازما ومتعديا، يقال: أضاء الشيء بنفسه وأضاءه غيره، وأضاءت ~~النار، وأضاءها غيرها، والذي في هذه الآية متعد. # وما في قوله: ما حوله: منصوب بوقوع الإضاءة عليه، وحوله نصب على الظرف، ~~يقال: هم حوله وحوليه وحواله وحواليه. # قال ابن عباس، وقتادة، والضحاك، ومقاتل، والسدي: يقول: مثل هؤلاء ~~المنافقين كمثل رجل أوقد نارا في # PageV01P093 # ليلة مظلمة في مغارة، فاستضاء بها واستدفأ، ورأى ما حوله، فاتقى ما يحذر ~~ويخاف، وأمن، فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره، فبقي مظلما خائفا متحيرا، كذلك ~~المنافقون، لما ms0025 أظهروا كلمة الإيمان استناروا بنورها، واعتزوا بعزها ~~وأمنوا، فناكحوا المسلمين ووارثوهم، وأمنوا على أموالهم وأولادهم، فلما ~~ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف، وبقوا في العذاب، وذلك معنى قوله: {ذهب ~~الله بنورهم} [البقرة: 17] . # وكان يجب في حق النظم أن يكون اللفظ: فلما أضاءت ما حوله أطفأ الله ناره، ~~ليشاكل جواب لما معنى هذه القصة، ولكن كان إطفاء النار مثلا لإذهاب نورهم، ~~أقيم إذهاب النور مقام الإطفاء، وجعل جواب لما اختصارا وإيجازا. # ومعنى {ذهب الله بنورهم} [البقرة: 17] وهو أن الله تعالى يسلب المنافقين ~~ما أعطوا من النور مع المؤمنين في الآخرة، وذلك قوله تعالى، فيما أخبر ~~عنهم: {انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} [الحديد: ~~13] . # قوله: صم أي: هم صم، جمع أصم، وهو المنسد الأذن، يقال: رمح أصم إذا لم ~~يكن أجوف. # وصخرة صماء: إذا كانت صلبة. # وإنما وصفوا بالصم لتركهم قبول ما يسمعون، والعرب تقول لمن يسمع ولا يعمل ~~على ما يسمعه: أصم. # بكم أي: عن الخير فلا يقولونه، عمي لتركهم ما يبصرون من الهدى والقرآن. # وقوله: فهم لا يرجعون أي: عن الجهل والعمى إلى الإيمان. # {أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من ~~الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين {19} يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما ~~أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم ~~وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير {20} } [البقرة: 19-20] قوله: {أو كصيب ~~من السماء} [البقرة: 19] الآية، الصيب من المطر: الشديد، من قولهم: صاب ~~يصوب، إذا نزل من علو إلى سفل. # والسماء: كل ما ارتفع وعلا، يقال لسقف البيت: سماء. # ومنه قوله تعالى: {فليمدد بسبب إلى السماء} [الحج: 15] ، والسماء: ~~السحاب، من سما يسمو. # وقوله: فيه: أي في ذلك الصيب، ظلمات: جمع ظلمة، والمطر لا يخلو من ظلمة، ~~لأنه يأتي من السحاب، والسحاب يغشي الشمس بالنهار، والنجوم بالليل فيظلم ~~الجو. # PageV01P094 # قوله: ورعد وبرق: روى سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: أقبلت يهود إلى ~~النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ms0026: يا أبا القاسم، إنا نسألك عن أشياء، فإن ~~أجبتنا عنها اتبعناك، أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: «ملك من ملائكة الله ~~موكل بالسحاب، معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث ما أمر الله» . # فقالوا: فما هو الصوت الذي نسمعه؟ قال: «زجرة السحاب، إذا زجره حتى ينتهي ~~إلى حيث أمر الله» . # فقالوا: صدقت. # وقال أصحاب ابن عباس: مجاهد وطاوس وعكرمة: الرعد: ملك يزجر السحاب بصوته، ~~ويسوقه، والرعد الذي هو الصوت سمي به. # وسئل وهب بن منبه عن الرعد، فقال: الله أعلم. ### | 25 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي، أخبرنا أبو العلاء أحمد بن محمود ~~الأصفهاني، حدثنا أمية بن محمد الباهلي، حدثنا محمد بن يحيى القطعي، حدثنا ~~يحيى بن كثير، حدثنا عبد الكريم، عن عطاء، عن ابن عباس قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله تعالى، فإنه لا يصيب ذاكرا» # PageV01P095 # والبرق: مصع ملك يسوق السحاب، وقال علي، رضي الله عنه: البرق: مخاريق ~~بأيدي الملائكة. # وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى البرق وسمع الصواعق قال: «اللهم ~~لا تهلكنا بعذابك، ولا تقتلنا بغضبك، وعافنا قبل ذلك» . # وأما معنى الآية، فقال المفسرون: إن الله تعالى ضرب للمنافقين مثلا آخر ~~وشبههم بأصحاب مطر. # ومعنى أو كصيب: أو كأصحاب صيب، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، ~~وأراد بالمطر: القرآن، وشبهه بالمطر لما فيه من حياة القلوب، وبالظلمات: ~~لما في الكفر من ذكر الكفر والشرك، وبيان الفتن والأهوال، وبالرعد: لما ~~خوفوا به من الوعيد وذكر النار، وبالبرق: حجج القرآن وما فيه من البيان ~~والنور والشفاء والهدى، وشبه جعل المنافقين أصابعهم في آذانهم لكيلا يسمعوا ~~ما ينزل من القرآن ما فيه افتضاحهم بجعل الذي في هذا المطر أصابعه في أذنه ~~كيلا يسمع صوت الرعد. # والصواعق: وهي جمع صاعقة، والصاعقة والصعقة: الصيحة، يغشى منها على من ~~يسمعها أو يموت، قال الله تعالى: {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء} ~~[الرعد: 13] . # ويقال للرعد والبرق إذا قتل إنسانا: أصابته صاعقة. # وقيل: الصاعقة: الصوت الشديد من الرعد يسقط ms0027 معها قطعة نار. # وقوله: {حذر الموت} [البقرة: 19] : قال الزجاج: إنما نصب حذر لأنه في ~~تأويل المصدر، كأنه قيل: يحذرون حذرا، لأن جعل الأصابع في الآذان يدل على ~~الحذر. # وقوله: {والله محيط بالكافرين} [البقرة: 19] : قال مجاهد: جامعهم يوم ~~القيامة، يقال: أحاط بكذا إذا لم يشذ منه شيء، # PageV01P096 # كقوله تعالى: {أحاط بكل شيء علما} [الطلاق: 12] ، أي: لم يشذ عن علمه ~~شيء. # وجاء في التفسير: والله مهلكهم، يقال: أحاط بفلان، إذا دنا هلاكه فهو ~~محاط به. # قال الله تعالى: {وأحيط بثمره} [الكهف: 42] أي: أصابه ما أهلكه وأفسده، ~~وقوله تعالى: {إلا أن يحاط بكم} [يوسف: 66] أي: تهلكوا جميعا. # وقوله: {يكاد البرق يخطف أبصارهم} [البقرة: 20] : كاد: موضوع عند العرب ~~لمقاربة الفعل، وكدت أفعل معناه عند العرب: قاربت الفعل ولم أفعل، وما كدت ~~أفعل معناه: فعلت بعد إبطاء. # والخطف: أخذ باستلاب، يقال: خطف يخطف خطفا، ومنه الخطاف. # وهذه الآية من تمام التمثيل، والمعنى: يكاد ما في القرآن من الحجج النيرة ~~يخطف قلوبهم من شدة إزعاجها إلى النظر في أمر دينهم، {كلما أضاء لهم} ~~[البقرة: 20] البرق، {مشوا فيه} [البقرة: 20] لاهتدائهم إلى الطريق بضوء ~~البرق، كذلك المنافقون كلما قرئ عليهم شيء من القرآن مما يحبون صدقوا، ~~{وإذا أظلم عليهم} [البقرة: 20] الطريق، قاموا أي: وقفوا، كذلك المنافقون ~~كلما سمعوا شيئا مما يكرهون وينكرون وقفوا عن تصديقه، وتم التمثيل ههنا ثم ~~أوعدهم فقال: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم} [البقرة: 20] أي: لو شاء ~~الله لأصمهم وأعماهم فذهب بأسماعهم وأبصارهم الظاهرة حتى يصيروا صما عميا، ~~كما ذهب بأسماعهم وبأبصارهم الباطنة، {إن الله على كل شيء قدير} [البقرة: ~~20] أي أنه ذو قدرة على إيقاع ما أوعدهم به، فليحذروا عاجل عقوبة الله ~~وآجله. # {يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون {21} ~~الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من ~~الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون {22} } [البقرة: ~~21-22] قوله: {يأيها الناس اعبدوا ربكم} [البقرة: 21] : يأيها الناس: عموم ~~في كل مكلف من مؤمن وكافر ms0028، ويروى عن الحسن وعلقمة أن يأيها الناس خطاب لأهل ~~مكة، ويأيها الذين آمنوا خطاب لأهل المدينة. # ومعنى اعبدوا ربكم: اخضعوا له بالطاعة، ولا يجوز ذلك إلا لمالك الأعيان. # PageV01P097 # قوله: الذي خلقكم: الخلق: إبداع شيء لم يسبق إليه، وكل شيء خلقه الله فهو ~~مبتدئه أولا على غير مثال سبق إليه. # ومعنى الآية: أن الله تعالى احتج على العرب بأنه خلقهم وخالق من قبلهم ~~لأنهم كانوا مقرين بذلك، لقوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} ~~[الزخرف: 87] ، فقيل لهم: إذ كنتم معترفين بأن الله خالقكم فاعبدوه، فإن ~~عبادة الخالق أولى من عبادة المخلوقين من الأصنام. # وقوله: لعلكم تتقون: قال ابن الأنباري: لعل: يكون ترجيا ويكون بمعنى كي. # وقال سيبويه: لعل: كلمة ترجية وتطميع، أي: كونوا على رجاء وطمع أن تتقوا ~~بعبادتكم عقوبة الله أن تحل بكم، كما قال في قصة فرعون: {لعله يتذكر أو ~~يخشى} [طه: 44] كأنه قال: اذهبا أنتما على رجائكما وطمعكما، والله تعالى من ~~وراء ذلك وعالم بما يئول إليه أمره. # قوله تعالى: {الذي جعل لكم الأرض فراشا} [البقرة: 22] : الأرض التي عليها ~~الناس هي فراش الأنام، على معنى أنها فرشت لهم، أي: بسطت لهم، وهذا كقوله: ~~{والله جعل لكم الأرض بساطا} [نوح: 19] ، والمعنى: أنه لم يجعلها حزنة ~~غليظة لا يمكن الاستقرار عليها. # {والسماء بناء وأنزل من السماء ماء} [البقرة: 22] يعني المطر، والمعنى: ~~من نحو السماء، فحذف المضاف وإن جعلت السماء بمعنى السحاب لم يحتج إلى ~~تقدير المضاف. # وقوله: {فأخرج به من الثمرات رزقا لكم} [البقرة: 22] : الثمرات: جمع ثمرة ~~وهي حمل الشجرة في الأصل، ثم صارت اسما لكل ما ينتفع به مما هو زيادة على ~~أصل المال، يقال: ثمر الله ماله، وعقل مثمر إذا كان يهدي صاحبه إلى رشد. # والثمرة: تستعمل فيما ينتفع به ويستمتع مما هو فرع الأصل. # قال المفسرون: أراد بالثمرات: جميع ما ينتفع به مما يخرج من الأرض. # وقوله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادا} [البقرة: 22] : يقال: فلان ند ~~فلان. # أي: شبهه ومثاله، قال حسان: # PageV01P098 # أتهجوه ولست له بند ms0029 ... فشركما لخيركما الفداء # وقال جرير: # أتيما تجعلون إلي ندا ... وما تيم لذي حسب نديد # قال ابن عباس والسدي: لا تجعلوا لله أكفاء من الرجال تطيعونهم في معصية ~~الله. # وقال ابن زيد: الأنداد: الآلهة التي جعلوها معه. # وقال الزجاج: هذا احتجاج عليهم لإقرارهم بأن الله خالقهم، فقيل لهم: لا ~~تجعلوا لله أمثالا وأنتم تسلمون أنهم لا يخلقون، والله الخالق. # وقال ابن الأنباري: وأنتم تعلمون أن الأنداد التي تعبدونها لم ترفع لكم ~~السماء، ولم تمهد لكم الأرض، ولم ترزقكم رزقا، وإنما وصفهم الله تعالى بهذا ~~العلم لتتأكد الحجة عليهم إذا اشتغلوا بشيء يعلمون أن الحق فيما سواه. ### | 26 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، حدثنا والدي، حدثنا محمد بن إسحاق ~~الثقفي، حدثنا إسحاق بن # PageV01P099 # إبراهيم الحنظلي، ومحمد بن الصباح قالا: حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي ~~وائل، عن عمرو بن شرحبيل: أبي ميسرة، عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قال: قلت: ~~ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن ~~تزاني حليلة جارك. # رواه البخاري، عن عثمان بن أبي شيبة، ورواه مسلم، عن عثمان، وإسحاق، كلهم ~~عن جرير # {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا ~~شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين {23} فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا ~~النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين {24} وبشر الذين آمنوا ~~وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ~~ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج ~~مطهرة وهم فيها خالدون {25} } [البقرة: 23-25] قوله تعالى: {وإن كنتم في ~~ريب مما نزلنا على عبدنا} [البقرة: 23] : إن: دخلت ههنا لغير شك، لأن الله ~~تعالى علم أنهم مرتابون، ولكن هذا عادة العرب في خطابهم كقولك: إن كنت ~~إنسانا فافعل كذا. # وأنت تعلم أنه إنسان، وإن كنت ابني فأطعني. # فخاطبهم الله ms0030 تعالى على عادة خطابهم فيما بينهم. # وقيل: إن ههنا بمعنى: إذا. # قال أبو زيد: وتجيء إن بمعنى إذا، نحو قوله تعالى: {وذروا ما بقي من # PageV01P100 # الربا إن كنتم مؤمنين} [البقرة: 278] ، وقوله: {وأنتم الأعلون إن كنتم ~~مؤمنين} [آل عمران: 139] ، وقال الأعشى: # وسمعت حلفتها التي حلفت ... إن كان سمعك غير ذي وقر # وقوله: {فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: 23] : ال { [: عرق من عروق ~~الحائط، وتجمع: سور وسور، وكل منزلة رفيعة فهي سورة، مأخوذة من سور البناء، ~~ومنه قول النابغة: # ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب # وهذا قول أبي عبيدة وابن الأعرابي في تفسير السورة، فكل سورة من سور ~~القرآن بمنزلة درجة عالية رفيعة ومنزل عال، يرتفع القارئ منها إلى منزلة ~~أخرى إلى أن يستكمل القرآن. # وقال أبو الهيثم: السورة من سور القرآن عندنا: قطعة من القرآن، وخص ذلك ~~القدر بتسميته سورة، لأنه أقل قطعة وقع به التحدي. # وعلى هذا القول: هي مأخوذة من سؤر الشراب، وهي بقيته وقطعة منه، إلا أنها ~~لما كثرت في الكلام ترك الهمز. # PageV01P101 # فإن قيل: ما الفائدة في تفصيل القرآن على السور؟ قيل: فيه فوائد كثيرة ~~منها: أن القارئ إذا خرج من سورة إلى سورة أخرى كان أنشط لقراءته وأحلى في ~~نفسه. # ومنها: أن تختص كل سورة بقدر مخصوص كاختصاص القصائد. # ومنها: أن الإنسان قد يضعف عن حفظ الجميع، فيحفظ سورة تامة، فربما كان ~~ذلك سببا يدعوه إلى حفظ غيرها. # قال المفسرون: ومعنى ال:: أن الله تعالى لما احتج عليهم في إثبات توحيده، ~~احتج عليهم، أيضا، في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بما قطع عذرهم ~~فقال:] وإن كنتم في ريب مما نزلنا} [البقرة: 23] أي: في شك من صدق هذا ~~الكتاب الذي أنزلناه على محمد، وقلتم: لا ندري هل هو من عند الله أم لا؟ ~~{فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: 23] أي: من مثل القرآن، كقوله: {فليأتوا ~~بحديث مثله} [الطور: 34] ، وقوله: {قل فأتوا بسورة مثله} [يونس: 38] ، ~~وقوله: {لا يأتون بمثله} [الإسراء: 88] كل ذلك يريد ms0031 به مثل القرآن. # فالمعنى: فأتوا ب { [مثل ما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم في الإعجاز ~~وحسن النظم والإخبار عما كان وعما يكون دون تعلم الكتاب ودراسة الأخبار. # ويجوز أن تعود الكناية في مثله إلى قوله: على عبدنا وهو النبي صلى الله ~~عليه وسلم. # والمعنى: فأتوا بسورة من رجل أمي لا يحسن الخط والكتابة، ولم يدرس الكتب. # وقوله: وادعوا شهدائكم: قال ابن عباس: يعني أنصاركم وأعوانكم الذين ~~يظاهرونكم على تكذيبكم، وسمى أعوانهم شهداء لأنهم يشاهدونهم عند المعاونة، ~~والشهيد يكون بمعنى الشاهد كالجليس والشريب. # PageV01P102 # وقوله: من دون الله: أي: من غير الله، يقال: ما دون الله مخلوق. # يريد: وادعوا من اتخذتموهم معاونين من غير الله. # إن كنتم صادقين في أن هذا الكتاب تقوله محمد صلى الله عليه وسلم من نفسه. # وقوله: فإن لم تفعلوا إن: حرف الشرط والجزاء، كقولك: إن تضرب أضرب، ولم: ~~حرف يجزم الفعل المضارع ويقع ما بعدها بمعنى الماضي، كما يقع الماضي بعد ~~حروف الجزاء بمعنى الاستقبال. # وقوله: ولن تفعلوا: لن: حرف قائم بنفسه وضع لنفي الفعل المستقبل ونصبه ~~للفعل كنصب إن. # ومعنى ال:: فإن لم تفعلوا معارضته بمثل القرآن فيما مضى من الزمان، ولن ~~تفعلوا أيضا فيما يستقبل، فاتقوا النار أي: فاحذروا أن تصلوا النار ~~بتكذيبكم. # وإنما قيل لهم هذا بعد أن ثبتت عليهم الحجة في التوحيد وصدق محمد عليه ~~السلام بالآيات السابقة. # ثم وصف النار فقال:] التي وقودها الناس والحجارة} [البقرة: 24] قال ابن ~~السكيت: الوقود بالضم: المصدر، يقال: وقدت النار وقدا ووقودا. # والوقود بالفتح: اسم لما توقد به النار، يقال: ما أجود هذا الوقود للحطب. # والحجارة: جمع حجر، وليس بقياس، ولكنهم قالوه كما قالوا: جمل وجمالة، ~~وذكر وذكارة. # والقياس: أحجار. # وجاء في التفسير عن ابن عباس وغيره: أن الحجارة ههنا: حجارة الكبريت، وهي ~~أشد لإيقاد النار. # وقيل: ذكر الحجارة دليل على عظم تلك النار، لأنها لا تأكل الحجارة إلا ~~إذا كانت فظيعة. # أعدت خلقت وهيئت، للكافرين لأنهم يخلدون فيها. # ولما ذكر جزاء الكافرين بتكذيبهم ذكر ms0032 جزاء المؤمنين بتصديقهم، فقال: وبشر ~~الذين آمنوا التبشير: إيراد الخبر السار الذي يظهر أثر السرور في بشرة ~~المخبر، هذا هو الأصل، ثم كثر استعماله حتى صار بمنزلة الإخبار فاستعمل في ~~نقيضه، كقوله: {فبشرهم بعذاب أليم} [آل عمران: 21] ، إلا أنه فيما يسر أكثر ~~استعمالا. # وقوله: وعملوا الصالحات: قال ابن عباس: وعملوا الطاعات فيما بينهم وبين ~~ربهم. # PageV01P103 # وقوله: أن لهم موضع أن نصب، معناه: بشرهم بأن لهم، فلما سقطت الباء وصل ~~الفعل إلى أن فنصب. # وقوله: {جنات تجري من تحتها الأنهار} [البقرة: 25] : جنات: جمع جنة وهي ~~الحديقة ذات الشجر، سميت جنة لكثرة شجرها ونباتها، يقال: جنت الرياض جنونا، ~~إذا أعتم نبتها حتى ستر الأرض. # ويقال لكل ما ستر: قد جن وأجن. # وقوله: {تجري من تحتها الأنهار} [البقرة: 25] أي: من تحت أشجارها ~~ومساكنها. # والنهر لا يجري وإنما يجري الماء فيه، ويستعمل الجري فيه توسعا لأنه موضع ~~الجري. # وقوله: كلما: كل: حرف جملة ضم إلى ما فصار أداة للتكرار، وهي منصوبة على ~~الظرف. # رزقوا: أطعموا، من ثمرة: من صلة، أي: ثمرة، ويجوز أن تكون للتبعيض لأنهم ~~إنما يرزقون بعض ثمار الجنة، {قالوا هذا الذي رزقنا من قبل} [البقرة: 25] ~~لتشابه ما يؤتون به، ولم يريدوا بقولهم: {هذا الذي رزقنا من قبل} [البقرة: ~~25] نفس ما يأكلون، ولكن أرادوا: هذا من نوع ما رزقنا من قبل، كما يقول ~~الرجل لغيره: فلان قد أعد لك الطبيخ والشواء. # فيقول: هذا طعامي في منزلي كل يوم. # يريد هذا الجنس. # قال الزجاج: وضم قبل لأنها غاية، كان يدخلها بحق الإعراب الفتح والكسر، ~~فلما عدلت عن بابها بنيت على ما لم يكن يدخلها بحق الإعراب، وعدلها: أن ~~أصلها الإضافة، فجعلت مفردة تنبئ عن الإضافة. # هذا كلامه، ومعناه: أن قبل لا يستعمل إلا مضافا، وله إعرابان عند ~~الإضافة: الفتح والكسر، نحو قبلك، من قبلك، فلما استعمل منفردا من غير ~~إضافة والمعنى إرادة الإضافة بني على ما لم يكن يدخلها بحق الإعراب وهو ~~الضم، ومن هذا قوله تعالى: {لله الأمر من قبل ومن بعد ms0033} [الروم: 4] تأويله: ~~من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء. # ومعنى {هذا الذي رزقنا من قبل} [البقرة: 25] : أي: من قبل هذا الزمان ومن ~~قبل هذا الوقت. # وقوله: وأتوا به: أي: أتي المؤمنون بذلك الرزق، متشابها: يشبه بعضه بعضا ~~في اللون والصورة، مختلفا # PageV01P104 # في الطعم، نحو رمان يؤدي طعم الكمثرى والتفاح والسفرجل، وهذا قول ابن ~~عباس وابن مسعود والضحاك، قالوا: إذا طعموه وجدوا له طعما سوى الطعم الأول، ~~فإذا رأوه قالوا: هذا الأول. # وقال الحسن، وقتادة، وابن جريج: متشابها في الفضل، خيارا كله لا رذال فيه ~~كما يكون في ثمار الدنيا. # وقوله تعالى: {ولهم فيها أزواج مطهرة} [البقرة: 25] : الأزواج: جمع زوج ~~وزوجة، وشكل كل شيء: زوجه، ومطهرة: قال مجاهد: لا يتغوطن ولا يبلن ولا ~~يمنين ولا يحضن، فهن مطهرة من الحيض والبول والنخام والبزاق والمني والولد. # وقيل: مطهرة من مساوئ الأخلاق، لما فيهن من حسن التبعل، ودل على هذا ~~قوله: {عربا أترابا} [الواقعة: 37] . # وهم فيها خالدون لأن تمام النعمة بالخلود والبقاء هناك، كما أن التغيض ~~بالزوال والفناء. ### | 27 - # أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم النجار، حدثنا أبو القاسم سليمان بن ~~أيوب الطبراني، حدثنا أبو رفاعة عمارة بن وثيمة، وحدثنا سعيد بن أبي مريم، ~~أخبرنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، عن زيد بن # PageV01P105 # أسلم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أزواج ~~الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط وإن مما يغنين به: نحن ~~الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرون بقرة أعيان، وإن مما يغنين به: نحن ~~الخالدات فلا نموت، نحن الآمنات فلا نخاف، نحن المقيمات فلا نظعن " ### | 28 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن النحوي، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد ~~الحيري، أخبرنا حامد بن محمد بن شعيب، حدثنا عبد الله بن عون، حدثنا الوليد ~~بن مسلم، حدثنا محمد بن المهاجر، حدثنا سليمان بن موسى، حدثنا كريب، حدثنا ~~أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر يوما، فقال: ~~«ألا مشمر ms0034 لها؟ هي، ورب الكعبة، ريحانة تهتز ونور يتلألأ، ونهر # PageV01P106 # مطرد، وزوجة لا تموت في حبور ونعيم، ومقام أبدا» # {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا ~~فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا ~~مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين {26} الذين ~~ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في ~~الأرض أولئك هم الخاسرون {27} كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم ~~يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون {28} هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ~~ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم {29} وإذ قال ربك ~~للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك ~~الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون {30} } ~~[البقرة: 26-30] قوله عز وجل: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا} [البقرة: ~~26] الآية: قال الحسن، وقتادة، وعطاء، عن ابن عباس: لما ذكر الله عز وجل ~~الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين به المثل ضحكت اليهود، وقالوا: ما ~~يشبه هذا كلام الله. # فأنزل الله هذه الآية. # قال أهل المعاني: قوله: {إن الله لا يستحيي} [البقرة: 26] خرج على لفظهم ~~حيث قالوا: إن الله يستحي أن يضرب المثل بالذباب والعنكبوت. # فرد الله عليهم وقال: {إن الله لا يستحيي أن يضرب} [البقرة: 26] ، كما ~~أنهم لما قالوا للقرآن: هذا سحر مفترى. # قال الله تعالى {فأتوا بعشر سور مثله مفتريات} [هود: 13] . # وقال بعضهم: معنى قوله: لا يستحيي: هو أن الذي يستحيا منه ما يكون قبيحا ~~في نفسه ويكون لفاعله عيب في فعله، فأخبر الله سبحانه أن ضرب المثل منه ~~ببعوضة فما فوقها ليس بقبيح ولا نقص ولا عيب، حتى يستحيا منه. # PageV01P107 # وقيل: معنى قوله: لا يستحيي: لا يترك، لأن أحدنا إذا استحى من شيء تركه، ~~ومعناه: إن الله لا يترك ضرب المثل ببعوضة فما فوقها إذا علم أن فيه ms0035 عبرة ~~لمن اعتبر وحجة على من جحد. # وقوله: ما بعوضة: ما: زائدة مؤكدة كقوله تعالى: {فبما رحمة من الله} [آل ~~عمران: 159] ، ولا إعراب لها، والناصب والخافض يتعداها إلى ما بعدها، ونصبت ~~بعوضة على أنها المفعول الثاني ل يضرب، لأن يضرب ههنا معناه: يجعل. # هذا الذي ذكرنا هو قول البصريين. # والبعوض: صغار البق، الواحدة: بعوضة. # وقوله: فما فوقها: قال ابن عباس: يعني الذباب والعنكبوت. # وهما فوق البعوض، وقد استشهد على استحسان ضرب المثل الحقير في كلام العرب ~~بقول الفرزدق: # ضربت عليك العنكبوت بنسجها ... وقضى عليك به الكتاب المنزل # ويقول أيضا: # وهل شيء يكون أذل بيتا ... من اليربوع يحتفر الترابا # وقوله: {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم} [البقرة: 26] : ~~مدحهم الله بعلمهم أن المثل وقع في حقه، وذم الكافرين بإعراضهم عن طريق ~~الاستدلال وإنكارهم ما هو صواب وحكمة، يقولون: أي شيء أراد الله بهذه ~~الأمثال؟ وهذا استفهام معناه الإنكار، كأنهم قالوا: أي فائدة في ضرب المثل ~~بهذا؟ وفي نصب قوله: مثلا وجوه: أحدها: الحال، لأنه جاء بعد تمام الكلام، ~~كأنه قيل: ماذا أراد الله بهذا مبينا؟ والثاني: التمييز والتفسير للمبهم، ~~وهو هذا، كأنه قيل: ماذا أراد الله بهذا من الأمثال؟ والثالث: القطع، كأنه ~~قيل: ماذا أراد الله بهذا المثل؟ إلا أنه لما جاء نكرة نصب على القطع من ~~اتباع المعرفة. # وهذا قول الفراء. # PageV01P108 # وأجاب الله تعالى الكفار عن قولهم: {ماذا أراد الله بهذا مثلا} [البقرة: ~~26] فقال: {يضل به كثيرا} [البقرة: 26] أي: أراد الله بهذا المثل أن يضل به ~~كثيرا من الكافرين، وذلك أنهم ينكرونه ويكذبونه، {ويهدي به كثيرا} [البقرة: ~~26] من المؤمنين، لأنهم يعرفونه ويصدقون به. # قال الأزهري: الإضلال في كلام العرب: ضد الهداية والإرشاد، يقال: أضللت ~~فلانا، إذا وجهته للضلال عن الطريق. # وإياه أراد لبيد بقوله: # من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال ومن شاء أضل # ولا يجوز أن يكون معنى الإضلال الحكم والتسمية، لأن أحدنا إذا حكم بإضلال ~~إنسان لا يقال: أضله. # وهذا شيء لا يعرفه أهل اللغة. # قوله: {وما ms0036 يضل به إلا الفاسقين} [البقرة: 26] قال الليث: والفسوق: الترك ~~لأمر الله. # وقال الفراء: الفسق: الخروج عن الطاعة. # والعرب تقول: فسقت الرطبة عن قشرها، إذا خرجت. # وقال أبو الهيثم: وقد يكون الفسوق شركا، ويكون إثما، والذي أريد به ههنا: ~~الكفر. # ثم وصف هؤلاء الفاسقين فقال: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} ~~[البقرة: 27] ومعنى النقض: الهدم وإفساد ما أبرمته من حبل أو بناء، ونقيض ~~الشيء: ما ينقضه، أي: ما يهدمه ويرفع حكمه. # وعهد الله: وصيته وأمره، يقال: عهد الخليفة إلى فلان كذا وكذا. # أي: أمره وأوصاه به، ومنه قوله تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم} [يس: ~~60] . # وذكر المفسرون في العهد المذكور في هذه الآية قولين: أحدهما: ما أخذوه ~~على النبيين ومن اتبعهم، أن لا يكفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك ~~قوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} [آل ~~عمران: 81] الآية. # PageV01P109 # والثاني: أن يكون عهد الله الذي أخذه من بني آدم يوم الميثاق حين قال: ~~{ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] ثم مجدوا ونقضوا ذلك العهد في حال ~~كمال عقولهم. # وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء. # وقوله: {من بعد ميثاقه} [البقرة: 27] : الميثاق: ما وقع من التوثيق، ~~والكتاب أو الكلام الذي يستوثق به: ميثاق. # والكتابة في الميثاق يجوز أن تكون عائدة على اسم الله، أي: من ميثاق الله ~~ذلك العهد بما أكد من إيجابه عليهم، ويجوز أن تعود على العهد، أي: من بعد ~~ميثاق العهد وتوكيده. # وقوله تعالى: {ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} [البقرة: 27] يعني ~~الأرحام، وذلك أن قريشا قطعوا رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعاداة ~~معه. # وقيل: هو الإيمان بجميع الكتب والرسل، وهو نوع من الصلة، وهو قول ابن ~~عباس، قال: يريد الإيمان بجميع الأنبياء، من لدن آدم إلى محمد صلى الله ~~عليه وسلم، بخلاف قول الكفار: {نؤمن ببعض ونكفر ببعض} [النساء: 150] ، ~~فالمؤمنون وصلوا بينهم بالإيمان بجميعهم فقالوا: {لا نفرق بين أحد من رسله} ~~[البقرة: 285] . # وقوله: ويفسدون في الأرض: قال ابن ms0037 عباس: يحكمون بغير الحق. # وقال غيره: يفسدون في الأرض بالمعاصي وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلى ~~الله عليه وسلم. # أولئك هم الخاسرون بفوت المثوبة، والمصير إلى العقوبة. # وأصل الخسران في التجارة، وهو نقصان رأس المال، ويقال فيه: الخسارة ~~والخسر هذا هو الأصل، ثم قيل لكل صائر إلى مكروه: خاسر. # لنقصان حظه من الخير. # وقوله تعالى: {كيف تكفرون بالله} [البقرة: 28] : كيف في الأصل: سؤال عن ~~حال، لأن جوابه يكون بالحال كما تقول: كيف زيد؟ فيقال: صالح، أو سقيم. # قال الزجاج: تأويل كيف ههنا: استفهام في معنى التعجب، والتعجب إنما هو ~~للخلق والمؤمنين، أي: أعجبوا من هؤلاء كيف يكفرون بالله وقد ثبتت حجة الله ~~عليهم!! # PageV01P110 # ونحو هذا قال الفراء: هذا على وجه التعجب والتوبيخ، لا على الاستفهام ~~المحض. # أي: ويحكم كيف تكفرون؟ ! وهذا كما يقال: كيف تكفر نعمة فلان وقد أحسن ~~إليك؟ ومعنى الآية: على أي حال يقع منكم الكفر وحالكم أنكم كنتم أمواتا؟ ~~قال ابن عباس، في رواية الضحاك، أراد: كنتم ترابا. # ردهم إلى أبيهم آدم، وفي رواية عطاء، والكلبي: وكنتم نطفا. # وكل ما فارق الجسد من نطفة أو شعر فهو موات، وقوله فأحياكم: في الأرحام ~~بأن جعل فيكم الحياة، ثم يميتكم في الدنيا، ثم يحييكم للبعث، ثم إليه ~~ترجعون فيفعل بكم ما يشاء. # قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} [البقرة: 29] : قال ~~المفسرون: لما استعظم المشركون أمر الإعادة عرفهم الله خلق السموات والأرض ~~ليدلهم بذلك على قدرته على الإعادة، فقوله: لكم أي: لأجلكم، فما في الأرض ~~كله مخلوق للآدميين، بعضه للانتفاع وبعضه للاعتبار كالسباع والعقارب ~~والحيات، فإن فيها عبرة وتخويفا، لأنه إذا رؤي طرف من المتوعد به كان ذلك ~~أبلغ في الزجر عن المعصية. # وقوله عز وجل: {ثم استوى إلى السماء} [البقرة: 29] : قال الفراء: ~~الاستواء في كلام العرب على وجهين: أحدهما: أن يستوي الرجل وينتهي شبابه ~~وقوته، أو يستوي من اعوجاج. # ووجه ثالث: أن نقول: كان فلان مقبلا على فلان ثم استوى علي وإلي يكلمني. # على معنى ms0038: أقبل علي وإلي، فهذا معنى قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء} ~~[البقرة: 29] ، وسئل أحمد بن يحيى ثعلب عن الاستواء في صفة الله تعالى ~~فقال: الاستواء: الإقبال على الشيء. # قال # PageV01P111 # الزجاج: قال قوم في قوله تعالى: ثم استوى إلى السماء: أي: عمد وقصد إلى ~~السماء. # كما تقول: فرغ الأمير من بلد كذا، ثم استوى إلى بلد كذا. # معناه: قصد بالاستواء إليه، قال: وقول ابن عباس: استوى إلى السماء. # أي: صعد، معناه: صعد أمره إلى السماء. # وحكى أهل اللغة أن العرب تقول: كان الأمير يدبر أهل الشام ثم استوى إلى ~~أهل الحجاز. # أي: تحول فعله. # وقوله: {فسواهن سبع سموات} [البقرة: 29] : التسوية: جعل الشيئين أو ~~الأشياء على استواء، يقال: سويت الشيئين فاستويا. # وجمع الكناية في فسواهن: لأنه أراد بالسماء: جمع سماءة، أو سماوة على ما ~~ذكرنا. # وجائز أن تعود الكناية إلى أجزاء السماء ونواحيها، فالمعنى: جعلهن سبع ~~سموات مستويات بلا فطور ولا أمت. # وهو بكل شيء عليم إذ بالعلم يصح الفعل المحكم، فأفعاله تدل على علمه. # وقوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة} [البقرة: 30] الآية، قال أبو عبيدة: ~~إذ ههنا زائدة، معناه: وقال ربك للملائكة. # وأنكر الزجاج وغيره هذا القول وقالوا: إن الحرف إذا أفاد معنى صحيحا لم ~~يجز إلغاؤه. # قالوا: وفي الآية محذوف، معناه: واذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة. # وأكثر المفسرين على أن كل ما ورد في القرآن من هذا النحو فالذكر فيه ~~مضمر. # وأما الملائكة فقال سيبويه: واحدها: ملك، وأصلها: ملاك، مهموز، حذف همزه ~~لكثرة الاستعمال، وأنشد: # فلست لإنس ولكن لملأك ... تنزل من جو السماء يصوب # PageV01P112 # وأصله من المألكة والألوك وهي الرسالة. # قوله: {إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: 30] : الخليفة: الذي يخلف ~~الذاهب، أي: يجيء بعده، يقال: خلف فلان مكان فلان، وأصل الخليفة: خليف، ~~بغير هاء، لأنه فعيل بمعنى فاعل كالعليم والسميع، فدخلت الهاء للمبالغة ~~بهذا الوصف، وكما قالوا: راوية وعلامة. # ألا ترى أنهم جمعوه خلفاء كما يجمع فعيل، ومن أنث لتأنيث اللفظ قال في ~~الجمع: خلائف. # وقد ورد التنزيل ms0039 بها، قال الله تعالى: {خلفاء من بعد قوم نوح} [الأعراف: ~~69] ، وقال: {خلائف في الأرض} [يونس: 14] . # وأراد بالخليفة: آدم، في قول جميع المفسرين، جعله خليفة عن الملائكة ~~الذين كانوا سكان الأرض بعد الجن، وذلك أن الله خلق السماء والأرض، وخلق ~~الملائكة والجن، فأسكن الملائكة السماء، وأسكن الجن الأرض، فعبدوا دهرا ~~طويلا في الأرض ثم ظهر فيهم الحسد والبغي، فاقتتلوا وأفسدوا، فبعث الله ~~إليهم جندا من الملائكة يقال لهم: الجن. # رأسهم إبليس، وهم خزان الجنان، اشتق لهم اسم من الجنة، فهبطوا إلى الأرض ~~وطردوا الجن عن وجوهها إلى شعوب الجبال وجزائر البحور وسكنوا الأرض. # وكانوا أخف من الملائكة عبادة، لأن أهل السماء الدنيا أخف عبادة أخف من ~~الذين فوقهم، وكذلك أهل كل سماء، وهؤلاء الملائكة لما صاروا سكان الأرض خفف ~~الله عليهم العبادة، فأحبوا البقاء في الأرض، وكان الله قد أعطى إبليس ملك ~~الأرض وملك السماء الدنيا وخزانة الجنان، وكان يعبد الله تارة في الأرض ~~وتارة في السماء وتارة في الجنة، فأعجب بنفسه وتداخله الكبر، فاطلع الله عز ~~وجل على ما انطوى عليه من الكبر، فقال له ولجنده: {إني جاعل في الأرض ~~خليفة} [البقرة: 30] . # PageV01P113 ### | 29 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن ~~يحيى بن معاوية الطلحي، حدثنا الحسين بن مطير بن راشد الأسدي المروزي، ~~حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن النبي صلى ~~الله عليه وسلم أنه قال: " لما خلق الله آدم جعل إبليس يطيف به، فلما نظر ~~إليه فوجده أجوف، قال: ظفرت به خلقا لا يتماسك " رواه مسلم في الصحيح عن ~~أبي بكر بن أبي شيبة، عن يونس بن محمد، عن حماد ### | 30 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، أخبرنا أبو علي عبد ~~الرحمن بن محمد بن الخطيب، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الزبيبي، حدثنا ~~بندار، حدثنا ابن أبي عدي، ومحمد بن جعفر، وعبد الوهاب قالوا: # PageV01P114 # أخبرنا عوف، عن قسامة بن زهير المازني، عن أبي موسى الأشعري ms0040 قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم من قبضة من جميع الأرض ~~فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود، وبين ذلك، ~~والسهل والحزن والخبيث والطيب» # وقوله: {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} [البقرة: 30] : قال ~~السدي: قال ابن عباس: قال الله تعالى لهم: إني خالق بشرا. # وإنهم يتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا، فلذلك {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها} ~~[البقرة: 30] ؟ ! وقال أكثر المفسرين: إنهم قاسوا على الغائب، فقالوا: ~~أتجعل فيها من يفسد فيها كما فعل بنو الجان. # وقوله تعالى: {ونحن نسبح بحمدك} [البقرة: 30] : معنى التسبيح: تنزيه الله ~~من كل سوء، وكل من أثنى على الله وبعده عن السوء فقد سبح الله. # قال الحسن: معناه: نقول: سبحان الله وبحمده. # وقال غيره: معنى قوله: نسبح بحمدك: نتكلم بالحمد لك، والنطق بالحمد لله ~~تسبيح له كما قال تعالى: {والملائكة يسبحون بحمد ربهم} [الشورى: 5] ، وقال: ~~{فسبح بحمد # PageV01P115 # ربك} [الحجر: 98] أي: احمده، ويكون حمد الحامد له تسبيحا له، لأن معنى ~~الحمد: الثناء عليه والشكر له، وهذا تنزيه له واعتراف أنه أهل لأن ينزه ~~ويعظم ويثنى عليه، قوله تعالى: ونقدس لك أي: نطهرك وننزهك عما لا يليق بك ~~من النقص، واللام فيه صلة، والتقديس: التطهير، والقدس: الطهارة، والبيت ~~المقدس: المطهر. # وقوله: {قال إني أعلم ما لا تعلمون} [البقرة: 30] : قال ابن عباس: يعني ~~إضمار إبليس العزم على المعصية وما اطلع عليه من كبره. # وقال قتادة: {إني أعلم ما لا تعلمون} [البقرة: 30] : أنه يكون في أولاد ~~آدم من هو من أهل الطاعة. # وقيل: {إني أعلم ما لا تعلمون} [البقرة: 30] من تفضيل آدم عليكم وما ~~أتعبدكم به من السجود له، وأفضله به عليكم من تعليم الأسماء، وذلك أنهم ~~قالوا، فيما بينهم: ليخلق ربنا ما يشاء فلن يخلق أفضل ولا أكرم عليه منا، ~~وإن كان خيرا منا فنحن أعلم منه، لأنا خلقنا قبله، ورأينا ما لم يره. # فلما أعجبوا بعلمهم فضل الله آدم عليهم بالعلم، فعلمه الأسماء كلها، وذلك ~~قوله: {وعلم ms0041 آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء ~~هؤلاء إن كنتم صادقين {31} قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت ~~العليم الحكيم {32} قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ~~ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ~~{33} } [البقرة: 31-33] {وعلم آدم الأسماء كلها} [البقرة: 31] : ووجه ~~تعليمه آدم أن خلق في قلبه علما بالأسماء على سبيل الابتداء، وألهمه العلم ~~بها. # قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: علمه اسم كل شيء، حتى القصعة والمغرفة. # وقال أهل التأويل: إن الله تعالى علم آدم جميع اللغات، ثم إن أولاده تكلم ~~كل واحد منهم بلغة أخرى، فلما تفرقوا في البلاد اختص كل فرقة منهم بلغة، ~~فاللغات كلها إنها سمعت من آدم وأخذت عنه. # PageV01P116 # وقوله تعالى: {ثم عرضهم على الملائكة} [البقرة: 31] : معنى العرض في ~~اللغة: الإظهار، ومنه عرض الجارية، وعرض الجند، يقال: عرضت المتاع على ~~البيع، إذا أظهرته للمشتري. # قال الله تعالى: {وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا} [الكهف: 100] قال ~~الفراء: أي: أبرزها حتى رأوها. # قال مقاتل: إن الله تعالى خلق كل شيء، الحيوان والجماد، ثم علم آدم ~~أسماءها، ثم عرض تلك الشخوص الموجودات على الملائكة، ولذلك قال: ثم عرضهم، ~~لأنه كنى عن المسمين والمسميات، وكان فيهم من يعقل من الجن والإنس ~~والملائكة. # وقوله: {أنبئوني بأسماء هؤلاء} [البقرة: 31] أي: أخبروني، والنبأ: الخبر، ~~وهذا أمر تعجيز، أراد الله تعالى أن يبين عجزهم عن علم ما يرون ويشاهدون، ~~فلا يظنون أنهم أعلم من الخليفة الذي يجعله الله في الأرض. # وقوله تعالى: إن كنتم صادقين: قال قتادة، والحسن: إن كنتم صادقين أنني لا ~~أخلق خلقا إلا كنتم أعلم منه وأفضل منه. # فقالت الملائكة إقرارا بالعجز واعتذارا: سبحانك قال ابن عباس: تنزيها لك، ~~وتعظيما عن أن يعلم الغيب أحد سواك. # وقيل: تنزيها لك عن الاعتراض عليك في حكمك. # وهو منصوب على المصدر عند الخليل والفراء إذا قلت: سبحان الله. # فكأنك قلت سبحت الله تسبيحا وسبحانا. # فجعل السبحان في موضع التسبيح، كما ms0042 تقول: كفرت عن يميني تكفيرا وكفرانا، ~~وكلمته كلاما، وسلمت سلاما. # قال الله تعالى: {وسرحوهن سراحا} [الأحزاب: 49] . # قال سيبويه: يقال: سبحت الله تسبيحا، وسبحانا. # فالمصدر: تسبيح، وسبحان: اسم يقوم مقام المصدر. # PageV01P117 # وقوله: {لا علم لنا إلا ما علمتنا} [البقرة: 32] : قال المفسرون: هذا ~~اعتراف عن الملائكة بالعجز عن علم ما لم يعلموه، فكأنهم قالوا: {لا علم لنا ~~إلا ما علمتنا} [البقرة: 32] وليس هذا مما علمتنا. # فجاء الكلام مختصرا. # وقوله: إنك أنت العليم أي: العالم، الحكيم: الحاكم، تحكم بالعدل وتقضي ~~به، والحكم: القضاء بالعدل، قال النابغة: # وأحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت ... إلى حمام سراع وارد الثمد # ويجوز أن يكون الحكيم بمعنى: المحكم للأشياء، كالأليم بمعنى المؤلم، ~~والسميع بمعنى المسمع في قول عمرو بن معديكرب: # أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع # وقوله تعالى: {قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم} [البقرة: 33] : قال المفسرون: ~~لما ظهر عجز الملائكة عن علم أسماء الموجودات قال الله عز وجل: يا آدم ~~أنبئهم بأسمائهم، فسمى كل شيء باسمه، وألحق كل شيء بجنة، {فلما أنبأهم ~~بأسمائهم} [البقرة: 33] أخبرهم بتسمياتهم، {قال ألم أقل لكم} [البقرة: 33] ~~لم: حرف نفي وصل بألف الاستفهام، فصار بمعنى الإيجاب والتقرير كقول جرير: # ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح # وقوله: {إني أعلم غيب السموات والأرض} [البقرة: 33] أي: ما غاب فيهما ~~عنكم، وهذا كقوله: {ولله غيب السموات والأرض} [هود: 123] أي: له ما غاب ~~فيهما ملكا وخلقا. # {وأعلم ما تبدون} [البقرة: 33] من قولكم: {أتجعل فيها من يفسد فيها} ~~[البقرة: 30] ، {وما كنتم تكتمون} [البقرة: 33] من إضمار إبليس # PageV01P118 # الكفر. # وقال الحسن وقتادة: {وما كنتم تكتمون} [البقرة: 33] يعني قولهم: لن يخلق ~~الله خلقا أفضل ولا أعلم منا. # {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من ~~الكافرين {34} وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ~~ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين {35} فأزلهما الشيطان عنها ~~فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ~~ومتاع إلى حين {36} فتلقى ms0043 آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ~~{37} قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف ~~عليهم ولا هم يحزنون {38} والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار ~~هم فيها خالدون {39} } [البقرة: 34-39] قوله: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا ~~لآدم} [البقرة: 34] موضع إذ نصب نسقا على إذ التي قبلها، وقوله: قلنا هو ~~خطاب الأكابر والعظماء، يقول الواحد منهم: فعلنا. # لعلمه بأن أتباعه يفعلون كفعله، فأخبر الله تعالى عن نفسه على الجمع لأنه ~~ملك الملوك. # واختلفوا في الملائكة الذين أمروا بالسجود لآدم، من هم؟ فقال بعضهم: هم ~~الذين كانوا مع إبليس في الأرض. # وقال آخرون: هم جميع الملائكة حتى جبريل وميكائيل، لأنه قال: {فسجد ~~الملائكة كلهم أجمعون} [الحجر: 30] ، وفي هذا تأكيد للعموم. # وأصل السجود في اللغة: الخضوع والتذلل، وكل من ذل وخضع لما أمر به فقد ~~سجد. # وسجود كل موات في القرآن: طاعته لما سخر له. # وقال أبو عبيدة: عين ساجدة، إذا كانت فاترة. # ونخلة ساجدة، إذا مالت لكثرة حملها. # وكان سجود الملائكة لآدم على جهة التكريم، فكان ذلك تكريما لآدم وطاعة ~~لله , ولم تكن عبادة لآدم، # PageV01P119 # وحكى ابن الأنباري، عن الفراء، وجماعة من الأئمة: أن سجود الملائكة لآدم ~~كان تحية ولم يكن عبادة، وكان ذلك سجود تعظيم وتسليم وتحية، لا سجود صلاة ~~وعبادة، وكان ذلك تحية الناس وتعظيم بعضهم بعضا ولم يكن وضع الوجه على ~~الأرض، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام. # وآدم سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض، وقيل: إنه كان أدأم بالعبرانية، ~~وهو التراب، فعربته العرب فقالوا: آدم. # وقوله: {فسجدوا إلا إبليس} [البقرة: 34] قال أكثر أهل اللغة والتفسير: ~~سمي إبليس بهذا الاسم لأنه أبلس من رحمة الله، أي: أيس، والمبلس: المكتئب ~~الآيس الحزين، وفي القرآن {فإذا هم مبلسون} [الأنعام: 44] . # وقال ابن الأنباري: لا يجوز أن يكون مشتقا من أبلس، لأنه لو كان كذلك ~~لانصرف ونون كما ينون إكليل وإحليل وبابه، وترك التنوين في القرآن يدل على ~~أنه أعجمي معرب معرفة، والأعجمي لا يعرف ms0044 له اشتقاق. # قال مجاهد، وطاوس، عن ابن عباس: كان إبليس قبل أن يركب المعصية ملكا من ~~الملائكة اسمه عزازيل، وكان من سكان الأرض، وكان سكان الأرض من الملائكة ~~يسمون الجن، ولم يكن من الملائكة أشد اجتهادا، ولا أكثر علما منه، فلما ~~تكبر على الله وأبى السجود لآدم وعصاه، طرده الله ولعنه، وجعله شيطانا ~~وسماه إبليس. # وهذا قول ابن مسعود، وابن جريج، وقتادة، وأكثر المفسرين. # وقوله: أبى أي: أبى السجود ولم يسجد، وقوله: واستكبر ومعنى الاستكبار: ~~الأنفة مما لا ينبغي أن يؤنف منه. # وقوله: وكان من الكافرين أي: صار، كقوله: {وحال بينهما الموج فكان من ~~المغرقين} [هود: 43] ، وقال الأكثرون: وكان في سابق علم الله من الكافرين. # PageV01P120 # وقوله: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} [البقرة: 35] أي: اتخذاها ~~مأوى ومنزلا، وليس معناه: استقر في مكانك ولا تتحرك، وهذا اللفظ مشترك، ~~يقال: أسكنه. # أي: أزال حركته، وأسكنه مكان كذا: أي جعله مأوى ومنزلا له. # وقوله: وزوجك لفظ مذكر، ومعناه مؤنث، وكان الأصمعي يؤثر ترك الهاء في ~~الزوجة، والقرآن كله عليه. # وقوله: {وكلا منها رغدا} [البقرة: 35] الرغد أو الرغد: سمعة المعيشة، قال ~~امرؤ القيس: # بينما المرء تراه ناعما ... يأمن الأحداث في عيش رغد # قال الليث: الرغد أن يأكل ما شاء إذا شاء حيث شاء. # وقوله: {ولا تقربا هذه الشجرة} [البقرة: 35] معناه: لا تقرباها بالأكل، ~~لأن آدم عصى بالأكل منها، لا بأن قربها، وهو نهي بأبلغ لفظ يكون، يقال: ما ~~قربت هذا الأمر قربانا. # أي: ما دنوت منه. # والشجرة في اللغة: ما لها ساق يبقى في الشتاء، والنجم: ما ليس له ساق، ~~ومنه قوله تعالى: {والنجم والشجر يسجدان} [الرحمن: 6] واختلفوا في الشجرة ~~التي نهي آدم عنها، فقال ابن عباس، وعطية، ووهب، وقتادة: إنها السنبلة، ~~وقال ابن # PageV01P121 # مسعود، والسدي: هي الكرم، وقال ابن جريج: إنها التين. # وقوله: {فتكونا من الظالمين} [البقرة: 35] أي: من العاصين الذين وضعوا ~~أمر الله في غير موضعه، وأصل الظلم: وضع الشيء في غير موضعه. # ومن أمثال العرب: ومن شابه أباه فما ظلم ms0045. # قال الأصمعي: أي: ما وضع الشبه غير موضعه. # قوله: فأزلهما الشيطان أي: نحاهما وبعدهما، يقال: زلت قدمه زللا وزليلا، ~~إذا لم تثبت. # وأزلها صاحبها، إذا حملها على الزلل. # وقرأ حمزة فأزالهما، يقال: زال عن مكانه، وأزاله غيره. # ونسب الفعل إلى الشيطان لأن زوالهما عنها إنما كان بتزيينه وتسويله، فلما ~~كان ذلك منه بسبب أسند الفعل إليه. # وقوله: {فأخرجهما مما كانا فيه} [البقرة: 36] أي: من الريثة والمنزلة ~~ولين العيش، قال المفسرون: إن الحية أدخلت إبليس الجنة حتى قال لآدم: {هل ~~أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} [طه: 120] فأبى أن يقبل منه، فقاسمهما ~~بالله إنه لهما لمن الناصحين. # فاغترا، وما كانا يظنان أن أحدا يحلف بالله كذبا، فبادرت حواء إلى أكل ~~الشجرة، ثم ناولت آدم حتى أكلها. # وقال الحسن: إنما رآهما على باب الجنة، لأنهما كانا يخرجان من الجنة. # وقوله: {وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو} [البقرة: 36] الهبوط: النزول من ~~علو إلى أسفل، والخطاب لآدم وحواء والحية وإبليس. # PageV01P122 # والعدو: اسم يقع على الواحد والجميع والذكر والأنثى، وأراد بهذا: العداوة ~~التي بين آدم وحواء والحية وبين ذرية آدم من المؤمنين وإبليس. ### | 31 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا ~~إبراهيم بن علي الذهلي، حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا عباد بن العوام، عن ~~سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " أن آدم ~~عليه السلام لما أكل من الشجرة التي نهي عنها، قال الله تعالى له: يا آدم، ~~ما حملك على ما صنعت؟ فاعتل آدم، فقال: يا رب زينته لي حواء، قال: فإني ~~أعقبتها أن لا تحمل إلا كرها، ولا تضع إلا كرها، ودميتها في الشهر مرتين، ~~فرنت حواء عند ذلك، فقيل: عليك الرنة، وعلى بناتك " ### | 32 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي، أخبرنا أبو الحسن العطار، أخبرنا ~~أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثني عبدة بن سليمان، ~~عن صالح بن حيان، قال: رأيت عبد الله بن عمر يعالج حية صغيرة يريد أن ms0046 ~~يقتلها، فقلت: ما تصنع؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ~~سالمناهن منذ عاديننا فاقتلوهن حيث وجدتموهن» # PageV01P123 # قوله: {ولكم في الأرض مستقر} [البقرة: 36] : موضع قرار، أحياء وأمواتا، ~~ومتاع هو ما تمتعت به من أي شيء كان، وكل ما حصل التمتع به فهو متاع، قال ~~المفسرون: فلنا في الأرض متاع من حيث الاستقرار عليها، والاغتذاء بما ~~تنبتها من الثمار والأقوات. # وقوله: إلى حين الحين: وقت من الزمان يصلح للأوقات كلها، طالت أم قصرت، ~~ويجمع على: الأحيان، ثم يجمع الأحيان: أحايين. # والمراد بالحين ههنا فيما ذكره أهل التفسير: حين الموت. # قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} [البقرة: 37] التلقي ههنا معناه: الأخذ ~~والقبول، ومنه الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتلقى الوحي من ~~جبريل عليه السلام، أي: يتقبله ويأخذه. # وقال الأصمعي: تلقت الرحم ماء الرجل: إذا قبلته. # والكلمات: جمع الكلمة، والكلمة: تقع على القليل والكثير، وتقع على الحرف ~~الواحد من الهجاء، ومعنى تلقى آدم من ربه الكلمات: هو أن الله تعالى ألهم ~~آدم حتى اعترف بذنبه، وقال: {ربنا ظلمنا أنفسنا} [الأعراف: 23] الآية، فهذه ~~الآية هي المعنية بالكلمات في قول الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد. # PageV01P124 ### | 33 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا أبو يحيى عبد ~~الرحمن بن محمد الرازي، حدثنا سهل بن عثمان العسكري، حدثنا المحاربي، ~~وعبيدة بن حميد، عن أبان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: " لما أصاب ~~آدم الخطيئة فزع إلى كلمة الإخلاص، فقال: لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ~~عملت سوءا، وظلمت نفسي، فاغفر لي وأنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك ~~وبحمدك، عملت سوءا وظلمت نفسي، فتب علي إنك أنت التواب الرحيم " ### | 34 - # وروى المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: «الكلمات» هي: ~~أن آدم عليه السلام، قال: يا رب ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى، قال: ألم تسكني ~~جنتك؟ قال: بلى، قال: فلم أخرجتني منها؟ قال: بشؤم معصيتك، قال: يا رب، ~~أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت ms0047 إلى الجنة؟ قال: نعم، قال: فهذه «الكلمات» # وقرأ ابن كثير: آدم بالنصب، وكلمات بالرفع، وذلك أن من الأفعال ما يكون ~~إسناده إلى الفاعل كإسناده إلى المفعول، وذلك نحو: أصبحت، ونلت، ولقيت، ~~تقول: نالني خير ونلت خيرا. # وأصابني خير وأصبت خيرا. # وتقول: لقيني زيد ولقيت زيدا. # قال الله تعالى: {وقد بلغني الكبر} [آل عمران: 40] ، وقال: {وقد بلغت من ~~الكبر عتيا} [مريم: 8] ، وإذا كانت معاني هذه الأفعال كما ذكرنا، فنصب ابن ~~كثير آدم ورفعه الكلمات، في المعنى، كقول من رفع آدم ونصب الكلمات. # وقوله تعالى: فتاب عليه معنى التوبة في اللغة: الرجوع، وفي الشريعة: رجوع ~~العبد من المعصية # PageV01P125 # إلى الطاعة، فالعبد يتوب إلى الله، والله يتوب عليه، أي: يرجع إليه ~~بالمغفرة، ومعنى قوله: فتاب عليه أي: عاد عليه بالمغفرة والرحمة. # وقوله تعالى: {إنه هو التواب الرحيم} [البقرة: 37] أي: يتوب على عبده ~~بفضله إذا تاب إليه من ذنبه. # قوله تعالى: {قلنا اهبطوا منها جميعا} [البقرة: 38] كرر الأمر بالهبوط ~~للتأكيد، {فإما يأتينكم مني هدى} [البقرة: 38] أي: فإن يأتكم مني شريعة ~~ورسول وبيان ودعوة، {فمن تبع هداي} [البقرة: 38] أي: قبل أمري، اتبع ما ~~أمرته به، {فلا خوف عليهم} [البقرة: 38] في الآخرة، {ولا هم يحزنون} ~~[البقرة: 38] ولا حزن، والخطاب لآدم وحواء وذريتهما، أعلمهم الله تعالى أنه ~~يبتليهم بالطاعة، ويجازيهم بالجنة عليها وأن هذا الابتلاء وقع عند الهبوط ~~إلى الأرض. # قوله تعالى: {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا} [البقرة: 39] هذه الآية إيعاد ~~بالنار للكافرين بكتب الله وشرائعه، وهي مما خاطب الله تعالى به آدم وحواء ~~وأعلمهما أن الكافر خالد في النار. # والآيات جمع آية، ومعنى الآية في اللغة: العلامة، ومنه قوله تعالى: {عيدا ~~لأولنا وآخرنا وآية منك} [المائدة: 114] أي: علامة منك لإجابتك دعاءنا، وكل ~~آية من كتاب الله تعالى علامة ودلالة على المقيمين فيها. # وقال أبو عبيدة: معنى الآية: أنها علامة لانقطاع الكلام الذي قبلها ~~وانقطاعه عن الذي بعدها. # وقال ابن السكيت: يقال: خرج القوم بآيتهم: أي: بجماعتهم، لم يدعوا وراءهم ~~شيئا، وعلى هذا القول معنى الآية من كتاب ms0048 الله تعالى: جماعة حروف دالة على ~~معنى مخصوص. # {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ~~وإياي فارهبون {40} وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر ~~به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون {41} ولا تلبسوا الحق ~~بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون {42} وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ~~واركعوا مع الراكعين {43} أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون ~~الكتاب أفلا تعقلون {44} واستعينوا بالصبر والصلاة # PageV01P126 # وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين {45} الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم ~~إليه راجعون {46} } [البقرة: 40-46] قوله تعالى: يا بني إسرائيل يعني: يا ~~أولاد يعقوب، وإسرائيل هو يعقوب، ولا ينصرف لاجتماع العجمة والمعرفة فيه، ~~وكل اسم اجتمعا فيه وزاد عن ثلاثة أحرف لم ينصرف عند أحد من النحويين. # وقوله تعالى: {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} [البقرة: 40] أراد: نعمي، ~~فأوقع الواحد موقع الجماعة، كقوله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} ~~[النحل: 18] وهذه النعم هي: أن الله تعالى فلق لهم البحر، وأنجاهم من ~~عدوهم، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى، إلى سائر ما أنعم ~~الله تعالى به عليهم، وهي مذكورة في قوله تعالى: {اذكروا نعمة الله عليكم ~~إذ جعل فيكم أنبياء} [المائدة: 20] وأراد بقوله: عليكم أي: على آبائكم ~~وأسلافكم، وجعلها عليهم لأن النعمة على آبائهم نعمة عليهم. # فإن قيل: اليهود أبدا يذكرون هذه النعم، فلم ذكروا ما لم ينسوه؟ قيل: ~~المراد بقوله: اذكروا: اشكروا، وذكر النعمة: شكرها، وإذا لم يشكروها حق ~~شكرها فكأنهم نسوها، وإن أكثروا ذكرها. # وقال ابن الأنباري: أراد: اذكروا ما أنعمت به عليكم فيما استودعتكم من ~~علم التوراة، وبينت لكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وألزمتكم من ~~تصديقه واتباعه، فلما بعث ولم يتبعوه كانوا كالناسين لهذه النعمة. # وقوله تعالى: {وأوفوا بعهدي} [البقرة: 40] يقال: وفيت بالعهد، وأوفيت به ~~سواء، أي: أتممته. # قال ابن عباس: هذا العهد هو أن الله تعالى عهد إليهم في التوراة أنه باعث ~~نبيا يقال له: محمد، فمن تبعه كان له أجران اثنان: أجر باتباعه موسى ~~وإيمانه ms0049 بالتوراة، وأجر باتباعه محمدا عليه السلام وإيمانه بالقرآن ومن كفر ~~به تكاملت أوزاره وكانت النار جزاءه، فقال الله عز وجل: وأوفوا بعهدي في ~~اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، أوف بعهدكم أدخلكم الجنة. # PageV01P127 # وقوله تعالى: {وإياي فارهبون} [البقرة: 40] أي: خافون في نقض العهد، لا ~~ما يفوتكم من المآكل والرياسة. # وقوله عز وجل وآمنوا بما أنزلت يعني القرآن، مصدقا لما معكم موافقا ~~للتوراة في التوحيد والنبوة، {ولا تكونوا أول كافر به} [البقرة: 41] قال ~~الفراء: أراد أول من يكفر به. # وقال البصريون: أراد أول فريق كافر أو حزب كافر، ثم حذف المنعوت وأقيم ~~نعته مقامه، والهاء في به يعود إلى ما في قوله تعالى: بما أنزلت: وهو ~~القرآن. # والمعنى: ولا تكونوا أول كافر بالقرآن من أهل الكتاب، لأن قريشا كفرت قبل ~~اليهود بمكة. # والخطاب لعلماء اليهود، وإذا كفروا بالقرآن كفر أتباعهم فيكونون أئمة في ~~الضلالة، ولا تشتروا: ولا تستبدلوا، بآياتي يعني ما في التوراة من بيان صفة ~~محمد صلى الله عليه وسلم ونعته، ثمنا قليلا عرضا يسيرا من الدنيا، وذلك أن ~~رؤساء اليهود كانت لهم مآكل يصيبونها من سفلتهم وعوامهم، فخافوا إن هم ~~بينوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وتابعوه أن تفوتهم تلك المآكل والرياسة، ~~واختاروا الدنيا على الآخرة، وإياي فاتقون فاخشون في أمر محمد، لا ما ~~يفوتكم من الرياسة. # قوله تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل} [البقرة: 42] يقال: لبست الأمر ~~ألبسه لبسا، إذا خلطته وعميته. # ومنه قوله تعالى: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} [الأنعام: 9] ، والمعنى: ولا ~~تخلطوا الحق الذي أنزلت عليكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم بالباطل الذي ~~تكتبونه بأيديكم من تغيير صفته وتبديل نعته. # قال مقاتل: إن اليهود أقروا ببعض صفة محمد صلى الله عليه وسلم وكتموا ~~بعضا، ليصدقوا في ذلك، فقال الله تعالى: ولا تلبسوا الحق الذي تقرون به ~~وتبينونه، بالباطل: يعني بما تكتمونه، فالحق: بيانهم، والباطل: كتمانهم. # PageV01P128 # وقوله تعالى: {وتكتموا الحق} [البقرة: 42] هو عطف على المجزوم في قوله: ~~ولا تلبسوا أي: ولا تكتموا الحق، وأنتم تعلمون أن ms0050 محمدا صلى الله عليه وسلم ~~نبي مرسل، قد أنزل عليكم ذكره في كتابكم، واليهود جحدوا نبوة محمد صلى الله ~~عليه وسلم مع العلم بأنه نبي، فلم ينفعهم ذلك العلم، لأن جاحد النبوة كافر. # قوله تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة الزكاة: تطهير للمال وإصلاح له ~~وتثمير ونماء، كل ذلك قد قيل، وأصلها: من الزيادة، يقال: زكا الزرع يزكو ~~زكاء، ممدود، وكل شيء يزداد فهو يزكو، قال النابغة: # وما أخرت من دنياك نقص ... وإن قدمت عاد لك الزكاء # يعني الزيادة، وسمي ما يخرج من المال للمساكين بإيجاب الشرع زكاة لأنها ~~تزيد المال الذي يخرج منه، وتوفره، وتقيه الآفات. # قوله تعالى: واركعوا مع الراكعين معنى الركوع في اللغة: الانحناء، يقال ~~للشيخ إذا انحنى من الكبر: ركع. # قال لبيد: # أخبر أخبار القرون التي مضت ... أدب كأني كلما قمت راكع # قال المفسرون: معناه: وصلوا مع المصلين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ~~فعبر بالركوع عن جميع الصلاة، إذ كان ركنا من أركانها. # وإنما قال: واركعوا بعد قوله: وأقيموا الصلاة لأنه أراد الحث على إقامة ~~الصلاة في جماعة، وقيل: لأنه لم يكن في دين اليهود ولا في صلاتهم ركوع، ~~فذكر ما اختص بشريعة الإسلام، والآية خطاب لليهود. # PageV01P129 # قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} [البقرة: 44] الآية، ~~خطاب لعلماء اليهود، وكانوا يقولون لأقربائهم من المسلمين: اثبتوا على ما ~~أنتم عليه. # ولا يؤمنون. # والألف للاستفهام، معناه: التوبيخ والمراد بالبر: الإيمان بمحمد صلى الله ~~عليه وسلم، والنسيان ههنا بمعنى: الترك، ومنه قوله تعالى: {نسوا الله ~~فنسيهم} [التوبة: 67] وبخهم الله تعالى على ما كانوا يفعلون من أمر الناس ~~بالإيمان وترك أنفسهم ذلك. # وقوله تعالى: وأنتم تتلون الكتاب أي: تقرءون التوراة، وفيها صفة محمد صلى ~~الله عليه وسلم، أفلا تعقلون أنه حق فتتبعونه. # وأصل التلاوة من قولهم: تلاه يتلوه. # إذا تبعه، والتلاوة: إتباع الحروف بالقراءة، ويقال عقل الرجل يعقل عقلا، ~~إذا كان عاقلا. # وعقل الإنسان هو تمييزه الذي به فارق جميع الحيوان، سمي عقلا لأنه يعقله، ~~أي: يمنعه من التورط في ms0051 الهلكة كما يمنع العقال البعير عن ركوب رأسه. ### | 35 - # أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن الحسن التاجر، أخبرنا أبو بكر أحمد بن ~~إبراهيم بن الحسن بن شاذان، حدثنا صالح بن أحمد الهروي، حدثنا أبو بجير ~~محمد بن جابر، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، حدثنا سفيان، عن خالد بن ~~سلمة، عن أنس بن مالك، قال: # PageV01P130 # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مررت ليلة أسري بي على أناس تقرض ~~شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء خطباء من أهل ~~الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم " # ثم رجع إلى خطاب المسلمين فأمرهم أن يستعينوا على ما يطلبونه من رضاء ~~الله تعالى ونيل جنته بالصبر والصلاة، فقال: {واستعينوا بالصبر والصلاة} ~~[البقرة: 45] : ومعنى الصبر: حبس النفس على شيء تكرهه، والمراد بالصبر ~~ههنا: الصبر على أداء الفرائض، واجتناب المحارم، واحتمال الأذى، وجهاد ~~العدو، وعلى المصائب، وقوله: والصلاة لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر. # وقال مجاهد: الصبر في هذه الآية: الصوم، ويقال لشهر رمضان: شهر الصبر. # وقوله تعالى: وإنها لكبيرة قال الحسن والضحاك: ثقيلة. # وكل ما ثقل على الإنسان كبر عليه، كقوله تعالى: {كبر على المشركين ما ~~تدعوهم إليه} [الشورى: 13] ، والكناية في وإنها تعود على الصلاة لأنها ~~الأغلب والأفضل والأهم، كقوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ~~ينفقونها في سبيل الله} [التوبة: 34] ، {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا ~~إليها} [الجمعة: 11] . # وقوله تعالى: إلا على الخاشعين أي: المطيعين الساكنين إلى الطاعة، الخشوع ~~معناه في اللغة: السكون، قال: وخشعت الأصوات للرحمن. # PageV01P131 # وقوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم} [البقرة: 46] هذا من نعت ~~الخاشعين، والعرب تقول لليقين: ظن. # وللشك: ظن. # لأن في الظن طرفا من اليقين، قال الله تعالى: {إني ظننت أني ملاق حسابيه} ~~[الحاقة: 20] ، وقال: {ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها} [الكهف: ~~53] ، وقال: {إن ظنا أن يقيما حدود الله} [البقرة: 230] ، كل هذا بمعنى ~~اليقين. # وقال دريد بن الصمة: # فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ... سراتهم في الفارسي المسرد # أي: أيقنوا. # والملاقاة: اللقاء، بمعنى العيان ms0052 والاجتماع والمحاذاة والمصير، كقوله ~~تعالى: {إن الذين لا يرجون لقاءنا} [يونس: 7] ، أي: لا يخافون المصير ~~إلينا، وقال: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} [الجمعة: 8] أي: ~~مجتمع معكم وصائر إليكم. # قال ابن عباس: يريد الذين يستيقنون أنهم مبعوثون وأنهم محاسبون وأنهم ~~راجعون إلى الله تعالى، واللقاء والملاقاة، من حيث ذكر في القرآن، يحمله ~~المفسرون على البعث والصبر إلى الله عز وجل، وقوله تعالى: وأنهم إليه ~~راجعون أي: يصدقون بالبعث ويقرون بالنشأة الثانية، وجعل رجوعهم بعد الموت ~~إلى المحشر رجوعا إليه. # {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ~~{47} واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ ~~منها عدل ولا هم ينصرون {48} } [البقرة: 47-48] وقوله تعالى: {يا بني ~~إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} [البقرة: 47] تقدم تفسيره. # PageV01P132 # وقوله تعالى: {وأني فضلتكم على العالمين} [البقرة: 47] التفضيل: نقيض ~~التسوية، يقال: فضله، إذا أعطاه الزيادة. # وفضله: إذا حكم له بالزيادة في الفضل، وهذا التفضيل هو ما ذكر في قوله ~~تعالى: {إذ جعل فيكم أنبياء} [المائدة: 20] وأراد ب العالمين عالمي زمانهم، ~~والخطاب للموجودين منهم في ذلك الوقت، والمراد بالتفضيل سلفهم، ولكن في ~~تفضيل الآباء شرف الأبناء، لذلك قال: {وأني فضلتكم على العالمين} [البقرة: ~~47] . # وقوله تعالى: واتقوا يوما أي: واحذروا واجتنبوا عقاب يوم، {لا تجزي نفس ~~عن نفس شيئا} [البقرة: 48] أي: لا يقضي ولا يغني أحد عن أحد في ذلك اليوم، ~~يقال: جزى عنه كذا، إذا قضى عنه. # قال الكلبي: هو يوم القيامة يقول: اتقوا يوما لا يغني والد عن ولده، ولا ~~ولد عن والده. # قوله تعالى: {ولا يقبل منها شفاعة} [البقرة: 48] يقال: قبلت الشيء أقبله ~~قبولا وقبولا. # ويقال: على فلان قبول، أي: تقبله العين. # ومعنى الشفاعة: كلام الشفيع من هو فوقه في جماعة يسألها لغيره، وهو الشفع ~~الذي هو خلاف الوتر، وذلك أن سؤال الشفيع يصير شفعا لسؤال المشفوع له. # وقرئ ولا يقبل بالياء، لأن الشفاعة والتشفع بمنزلة واحدة، كما أن الوعظ ~~والموعظة والصيحة والصوت ms0053 كذلك، وقد قال الله تعالى: {فمن جاءه موعظة من ~~ربه} [البقرة: 275] ، وقال: {وأخذ الذين ظلموا الصيحة} [هود: 67] . # PageV01P133 # وقوله تعالى: {ولا يؤخذ منها عدل} [البقرة: 48] عدل الشيء وعدله: مثله، ~~قال الله تعالى: {أو عدل ذلك صياما} [المائدة: 95] أي: ما يماثله من ~~الصيام، قال كعب بن مالك: # صبرنا لا نرى لله عدلا ... على ما نابنا متوكلينا # أي: لا نرى له مثلا. # والمراد بالعدل في هذه الآية: الفداء، قال الله تعالى: {وإن تعدل كل عدل ~~لا يؤخذ منها} [الأنعام: 70] أي: إن تفد كل فداء، وسمي الفداء عدلا لأنه ~~يعادل المفدي ويماثله. # قال السدي في هذه الآية: لو جاءت بملء الأرض ذهبا تفتدي به ما قبل منها. # وقوله تعالى: ولا هم ينصرون أي: لا يمنعون من عذاب الله، قال المفسرون: ~~نزلت هذه الآية في اليهود، وذلك أنهم كانوا يقولون: يشفع لنا آباؤنا ~~الأنبياء، فآيسهم الله عز وجل من ذلك. # {وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون ~~نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم {49} وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم ~~وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون {50} وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم ~~العجل من بعده وأنتم ظالمون {51} ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون ~~{52} } [البقرة: 49-52] قوله: {وإذ نجيناكم من آل فرعون} [البقرة: 49] ~~التنجية: التخليص من مكروه وشدة، ومثله الإنجاء، وآل فرعون: أتباعه، ومن ~~كان على دينه. # PageV01P134 # وقوله: {يسومونكم سوء العذاب} [البقرة: 49] السوم: أن تجشم إنسانا مشقة ~~أو سوءا أو ظلما، يقال: سمته ذلا وسوءا، إذا ألزمته إياه. # وسوء العذاب: شديد العذاب. # وقد فسره بقوله: {يذبحون أبناءكم} [البقرة: 49] وأصل الذبح في اللغة: ~~الشق، والذباح والذباح بالتخفيف والتشديد: تشقق في الرجل، وسمي فري الأوداج ~~ذبحا لأنه نوع شق، والتفعيل: على التكثير. # وقوله تعالى: ويستحيون نساءكم يستحيون: يستفعلون، من الحياة، والمعنى: ~~يستبقونهن أحياء ولا يقتلونهن، ومنه الحديث: «اقتلوا شيوخ المشركين، ~~واستحيوا شرخهم» . # واسم النساء: يقع على الصغار والكبار، وهم كانوا يستبقون البنات لا ~~يقتلونهن. # والخطاب لبني إسرائيل، يذكرهم الله تعالى النعمة عليهم حين أنجاهم ms0054 من ~~عدوهم الذين كانوا يذيقونهم شدة العذاب بذبح الأبناء واستبقاء النساء، ثم ~~قال: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم} [البقرة: 49] البلاء: اسم ممدود من ~~البلو، وهو الاختبار والتجربة، يقال: بلاه يبلوه بلوا، إذا جربه. # والبلاء يكون حسنا ويكون سيئا، والله عز وجل يبلو عباده بالصنيع الحسن ~~ليمتحن شكرهم عليه ويبلوهم بالبلوى التي يكرهونها ليمتحن صبرهم، فقيل ~~للحسن: بلاء. # وللسيء: بلاء. # لأن أصلهما المحنة، ومنه قوله تعالى: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} ~~[الأعراف: 168] ، وقال: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء: 35] . # والذي في هذه الآية يحتمل الوجهين، فإن حملته على الشدة كان معناه: في ~~استحياء البنات للخدمة، وذبح البنين بلاء ومحنة، وهو قول ابن عباس، في ~~رواية عطاء والكلبي. # PageV01P135 # وإن حملته على النعمة كان المعنى: وفي تنجيتكم من هذه المحن نعمة عظيمة، ~~وهو قول مجاهد، والسدي. # ومثل هذا في احتمال الوجهين قوله في قصة إبراهيم: {إن هذا لهو البلاء ~~المبين} [الصافات: 106] . # وقوله تعالى: {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم} [البقرة: 50] وذلك أن الله ~~تعالى أمر موسى أن يذهب ببني إسرائيل إلى البحر فينفلق له حتى يخوض فيه هو ~~وبنو إسرائيل، فلما ذهب بهم وانتهى إلى البحر فرق الله البحر اثني عشر ~~طريقا، لكل سبط منهم طريق، حتى مروا فيه وهو منفلق، وسمي البحر بحرا ~~لاستبحاره، وهو سعته وانبساطه. # وقوله تعالى: وأغرقنا آل فرعون ولم يذكر غرق فرعون، لأنه قد ذكره في ~~مواضيع، كقوله تعالى: {فأغرقناه ومن معه جميعا} [الإسراء: 103] ، ويجوز أن ~~يريد بآل فرعون: نفسه، كقوله تعالى: {مما ترك آل موسى وآل هارون} [البقرة: ~~248] يعني موسى وهارون. # وقوله: وأنتم تنظرون وذلك أنهم لما خرجوا من البحر رأوا انطباق البحر على ~~فرعون وقومه، ويجوز أن يكون المعنى: وأنتم تنظرون إلى فرق الله البحر ~~وإنجائكم من عدوكم. # وقوله تعالى: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة} [البقرة: 51] قال المفسرون: ~~إن الله تعالى لما أنجى موسى وبني إسرائيل وأغرق فرعون، وأمن بنو إسرائيل ~~من عدوهم ودخلوا مصر ولم يكن لهم كتاب ولا شريعة ممهدة، فواعد الله موسى أن ~~يؤتيه الكتاب فيه ms0055 بيان ما يأتون وما يذرون، وأمره أن يصوم ثلاثين يوما ~~فصامه وصالا ولم يطعم شيئا، فتغيرت رائحة فمه، فعمد إلى لحاء شجرة فمضغها، ~~فأوحى الله إليه: «أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك» ؟ ~~وأمر أن يصل بها عشرا، فتم ميقات ربه أربعين ليلة، وخرج موسى من بين بني ~~إسرائيل تلك الأيام فاتخذ السامري عجلا وقال لبني إسرائيل: {هذا إلهكم وإله ~~موسى} [طه: 88] ، فافتتن بالعجل ثمانية آلاف رجل منهم، وعكفوا عليه ~~يعبدونه. # PageV01P136 # وقراءة أكثر القراء واعدنا من المواعدة، لأن ما كان من الله من الوعد ومن ~~موسى القبول والتحري لإنجازه يقوم مقام الوعد، فصار كالتواعد من الفاعلين، ~~وأيضا فإن المفاعلة قد تقع من الواحد وقد ذكرنا. # وقرأ أبو عمرو وعدنا بغير ألف، لكثرة ما جاء في القرآن من هذا القبيل ~~بغير ألف، كقوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا} [المائدة: 9] ، {ألم يعدكم ~~ربكم} [طه: 86] ، {وإذ يعدكم الله} [الأنفال: 7] ، {إن الله وعدكم وعد ~~الحق} [إبراهيم: 22] ، {وعدكم الله مغانم كثيرة} [الفتح: 20] ، يقال: وعدته ~~وعدا وعدة وموعدا، وموعدة. # قال الله تعالى: {إلا عن موعدة وعدها إياه} [التوبة: 114] ، وقال: ~~{وجعلنا لمهلكهم موعدا} [الكهف: 59] . # ويقال: وعد، في الخير والشر. # قال الله تعالى: {ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا} [طه: 86] ، وقال: {النار ~~وعدها الله الذين كفروا} [الحج: 72] . # وتقدير الكلام: وإذ واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة للتكلم معه، أو ~~لإتيانه الكتاب. # وقوله تعالى: {ثم اتخذتم العجل من بعده} [البقرة: 51] الاتخاذ: افتعال من ~~الأخذ، والمعنى: ثم اتخذتم العجل من بعده معبودا أو إلها، فحذف المفعول ~~الثاني للعلم به، وكذلك قوله تعالى: {باتخاذكم العجل} [البقرة: 54] ، ~~{اتخذوه وكانوا ظالمين} [الأعراف: 148] ، {إن الذين اتخذوا العجل} ~~[الأعراف: 152] ، التقدير في هذا كله: اتخذوه إلها، فحذف المفعول الثاني. # ومعنى الآية: أن الله تعالى نبههم على أن كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ~~ليس بأعجب من كفرهم وعبادتهم العجل ومن موسى عليه السلام. # وقوله تعالى: وأنتم ظالمون أي: ضارون لأنفسكم، وواضعون العبادة في غير ~~موضعها. # PageV01P137 # وقيل: وأنتم ظالمون اليوم بمخالفة محمد صلى الله عليه ms0056 وسلم. # قوله تعالى: ثم عفونا عنكم قال ابن الأنباري: عفا الله عنك، معناه: محا ~~الله عنك، مأخوذ من قولهم: عفت الرياح الآثار، إذا درستها ومحتها. # وعفو الله: محوه الذنب عن العبيد، والمراد بالعفو ههنا: قبوله التوبة من ~~عبدة العجل، وأمره برفع السيف عنهم. # وقوله تعالى: من بعد ذلك أي: من بعد عبادة العجل، لعلكم تشكرون لكي ~~تشكروا نعمتنا بالعفو. # ومعنى الشكر في اللغة: عرفان الإحسان بالقلب ونشره باللسان. # {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون {53} وإذ قال موسى لقومه ~~يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ~~ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم {54} وإذ قلتم يا ~~موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون {55} ثم ~~بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون {56} وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم ~~المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم ~~يظلمون {57} } [البقرة: 53-57] وقوله تعالى: {وإذ آتينا موسى الكتاب ~~والفرقان} [البقرة: 53] الآية، الفرقان: مصدر فرقت بين الشيئين أفرق فرقا ~~وفرقانا، كالرجحان والنقصان، ويسمى كل فارق فرقانا، كما سمي كتاب الله: ~~الفرقان، لفصله بين المحق والمبطل، وسمى الله تعالى يوم بدر يوم الفرقان في ~~قوله: {يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} [الأنفال: 41] ، لأنه فرق في ذلك ~~اليوم بين الحق والباطل، فكان ذلك يوم الفرقان، وقوله تعالى: {إن تتقوا ~~الله يجعل لكم فرقانا} [الأنفال: 29] أي: يفرق بينكم وبين ذنوبكم. # واختلفوا في معنى الفرقان في هذه الآية: فقال مجاهد: هو بمعنى الكتاب، ~~وهما شيء واحد. # وهو اختيار الفراء، قال: العرب تكرر الشيء إذا اختلفت ألفاظه، كقول عدي ~~بن زيد: # وألفى قولها كذبا ومينا. # وقال عنترة: # أقوى وأقفر بعد أم الهيثم # PageV01P138 # وارتضى الزجاج هذا القول، قال: لأن الله تعالى ذكر لموسى الفرقان في غير ~~هذا الموضع، وهو قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} [الأنبياء: ~~48] ، فعلى هذا القول الفرقان هو الكتاب، والكتاب هو الفرقان. # قال الزجاج: ويجوز أن يريد بالفرقان: انفراق البحر، وهو من عظيم ms0057 الآيات، ~~كأنه قيل: آتيناه فرق البحر. # وقال ابن عباس: أراد بالفرقان: النصر على الأعداء، لأن الله تعالى نصر ~~موسى وقومه على عدوهم، وسمى نصره فرقا لأن في ذلك فرقا بين الحق والباطل، ~~وقوله: لعلكم تهتدون أي: بما آتيناه من الكتاب. # قوله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه} [البقرة: 54] يعني الذين عبدوا العجل، ~~يا قوم نداء مضاف حذف منه الياء، والمنادى إذا أضفته إلى نفسك جاز فيه ثلاث ~~لغات: حذف الياء، وإثباتها، وفتحها، فحذف الياء كقوله: {يا قوم} [البقرة: ~~54] ، والإثبات كقوله: يا عبادي فاتقون، والفتح كقوله: {يا عبادي الذين ~~أسرفوا} [الزمر: 53] على قراءة من فتح الياء، والأجود الاكتفاء بالكسرة. # وقوله تعالى: {إنكم ظلمتم أنفسكم} [البقرة: 54] أي: نقصتم حظ أنفسكم، ~~{باتخاذكم العجل} [البقرة: 54] إلها، {فتوبوا إلى بارئكم} [البقرة: 54] ~~ارجعوا إليه بالطاعة والتوحيد، والباري: الخالق، يقال: برأ الله الخلق. # أي: خلقهم. # وكان أبو عمرو يختلس حركة الهمزة في بارئكم كأنه يخفف الحركة ويقربها من ~~الجزم، وسيبويه: يجوز تخفيف حركة الإعراب، وأنشد في ذلك: # وقد بدا هنك من المئزر # PageV01P139 # وأنشد أيضا قول امرئ القيس: # فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل # وفي الآية إضمار واختصار، كأنه لما قال لهم: فتوبوا إلى بارئكم قالوا: ~~كيف؟ قال: فاقتلوا أنفسكم أي: ليقتل البريء المجرم. # المعنى: استسلموا للقتل، فجعل استسلامهم للقتل قتلا منهم لأنفسهم. # وقوله تعالى: ذلكم خير لكم أي: توبتكم بقتل أنفسكم، {خير لكم عند بارئكم} ~~[البقرة: 54] من إقامتكم على عبادة العجل. # وقوله تعالى: {فتاب عليكم} [البقرة: 54] في الآية اختصار لأن التقدير: ~~ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم {إنه هو التواب الرحيم} [البقرة: 54] . # قوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} [البقرة: ~~55] قال ابن عباس: يعني: نراه علانية. # وقال قتادة: عيانا. # ومعنى قوله: جهرة أي: غير مستتر عنا بشيء، يقال: جهرت بالقول، أجهر به: ~~إذا أعلنته. # والجهر: العلانية. # وقوله تعالى: {فأخذتكم الصاعقة} [البقرة: 55] يعني: ما تصعقون منه، أي: ~~تموتون، قال المفسرون: إن الله تعالى # PageV01P140 # أمر موسى أن يأتيه في ناس من ms0058 بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل، ~~فاختار موسى سبعين رجلا من خيارهم، وخرج بهم إلى طور سيناء، وسمعوا كلام ~~الله عز وجل، وكان موسى إذا كلمه ربه وقع على وجهه نور ساطع لا يستطيع أحد ~~من بني آدم أن ينظر إليه، ويغشاه عمود من غمام، فلما فرغ موسى وانكشف ~~الغمام، قالوا له: {لن نؤمن لك} [البقرة: 55] أي: لن نصدقك {حتى نرى الله ~~جهرة} [البقرة: 55] ، فأخذتهم الصاعقة، وهي نار جاءت من السماء فأحرقتهم ~~جميعا، وقوله: {وأنتم تنظرون} [البقرة: 55] يريد: نظر بعضهم إلى بعض عند ~~نزول الصعقة، وإنما أخذتهم لأنهم امتنعوا من الإيمان بموسى بعد ظهور ~~معجزته، حتى يريهم ربهم جهرة، والإيمان بالأنبياء واجب بعد ظهور معجزتهم، ~~ولا يجوز اقتراح المعجزات عليهم، فلهذا عاقبهم الله، وهذه الآية تتضمن ~~التوبيخ لهم على مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم مع قيام معجزته، كما ~~خالف أسلافهم موسى مع ما أتى به من الآيات الباهرة، والتحذير لهم أن ينزل ~~بهم ما نزل بأسلافهم. # قوله تعالى: {ثم بعثناكم من بعد موتكم} [البقرة: 56] قال المفسرون: إنهم ~~لما هلكوا جعل موسى يبكي ويتضرع ويقول: يا رب، ماذا أقول لبني إسرائيل إذا ~~أتيتهم وقد أهلكت خيارهم؟ {لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل ~~السفهاء منا} [الأعراف: 155] ، فلم يزل يناشد ربه حتى أحياهم الله جميعا، ~~رجلا بعد رجل، وهم ينظرون كيف يحيون، فذلك قوله تعالى: {ثم بعثناكم من بعد ~~موتكم} [البقرة: 56] أي: نشرناكم وأعدناكم أحياء. # والبعث: إثارة البارك والنائم عن مكانه، ونشر الميت كبعث النائم. # قال قتادة: بعثهم الله تعالى ليستوفوا بقية آجالهم وأرزاقهم، ولو ماتوا ~~بآجالهم لم يبعثوا، ولكن كان ذلك الموت عقوبة لهم على ما قالوا. # قال الزجاج: والآية احتجاج على مشركي العرب الذين كفروا بالبعث، فاحتج ~~النبي صلى الله عليه وسلم بإحياء من بعث بعد موته في الدنيا فيما يوافقه ~~اليهود والنصارى. # وقوله تعالى: لعلكم تشكرون أي: نعمة البعث. # قوله تعالى: {وظللنا عليكم الغمام} [البقرة: 57] معناه: تسترناكم عن ~~الشمس بالغمام، والظل معناه في اللغة: الستر ms0059، يقال: لا أزال الله عنا ظل ~~فلان، أي: ستره، وظل الشجرة: سترها، ويقال لظلمة الليل: ظل، لأنها تستر ~~الأشياء، ومنه قوله تعالى: {كيف مد الظل} [الفرقان: 45] . # PageV01P141 # والغمام: جمع غمامة، وهي السحاب، سمي غماما لأنه يغم السماء، أي: يسترها، ~~وكل ما ستر شيئا فقد غمه. # قال المفسرون: وهذا كان حين أبوا على موسى دخول تلقاء مدينة الجبارين ~~فتاهوا في الأرض ثم ندموا على ذلك وكانت العزيمة من الله أن يحبسهم في ~~التيه، فلما ندموا ألطف الله لهم بالغمام، {وأنزلنا عليكم المن والسلوى} ~~[البقرة: 57] كرامة لهم ومعجزة لنبيهم. # والمن: الترنجبين، وكان كالعسل الجامس حلاوة، وكان يقع على أشجارهم ~~بالأسحار، والسلوى: طائر كالسماني، والواحدة: سلواة، وأنشد الليث: # كما انتفض السلواة من بلل القطر # قال مقاتل: كان الله عز وجل يبعث سحابة فتمطر لهم السماني. # وقوله: كلوا أي: وقلنا لهم كلوا، من طيبات حلالات، ما رزقناكم والطيب: ~~الحلال، لأنه طاب، وأصل الحرام يكون خبيثا، وأصل الطيب: الطاهر، وسمي ~~الحلال طيبا لأنه طاهر لم يتدنس بكونه حراما. # وما ظلمونا أي: ما نقصونا وما ضرونا بالمعصية وإبائهم دخول تلك القرية، ~~{ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} [البقرة: 57] أي: ولكن ظلموا أنفسهم، ونقصوا ~~حظها باستيجابهم عذابي. # {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب ~~سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين {58} فبدل الذين ظلموا ~~قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا ~~يفسقون {59} } [البقرة: 58-59] وقوله تعالى: {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية} ~~[البقرة: 58] قال المفسرون: إن بني إسرائيل لما خرجوا من # PageV01P142 # التيه قال الله لهم: {ادخلوا هذه القرية} [البقرة: 58] . # قال ابن عباس: هي أريحا. # وقال قتادة، والسدي، والربيع: هي بيت المقدس. # واشتقاق القرية من قريت، أي: جمعت، والمقرأة: الحوض يجمع فيه الماء، ~~ويقال لبيت النمل: قرية. # لأنه يجمع النمل، فالقرية تجمع أهلها. # وقوله: وادخلوا الباب يعني بابا من أبوابها، سجدا قال ابن عباس: ركعا. # وهو شدة الانحناء، والمعنى: منحنين متواضعين. # قال مجاهد: هو باب حطة من بيت المقدس، طوطئ ms0060 لهم الباب ليخفضوا رءوسهم فلم ~~يخفضوا، ودخلوا متزحفين على أستاههم. # وقوله: {وقولوا حطة} [البقرة: 58] هي فعلة من الحط، وهو وضع الشيء من ~~أعلى إلى أسفل، يقال: حط الحمل عن الدابة. # والسيل يحط الحجر عن الجبل، وقال امرؤ القيس: # كجلمود صخر حطه السيل من عل # فالحطة من الحط، مثل الردة من الرد، ويجوز أن يكون اسما، ويجوز أن يكون ~~مصدرا. # PageV01P143 # وقال ابن عباس، في رواية سعيد بن جبير، في قوله تعالى: وقولوا حطة أي: ~~مغفرة. # فقالوا: حنطة. # وقال مقاتل: إنهم أصابوا خطيئة بإبائهم على موسى دخول الأرض التي فيها ~~الجبارون، فأراد الله أن يغفرها لهم فقيل لهم: قولوا حطة. # وقال الزجاج: معناه: قولوا مسألتنا حطة. # أي: حط ذنوبنا عنا. # وقوله تعالى: {نغفر لكم خطاياكم} [البقرة: 58] أصل الغفر: الستر ~~والتغطية، وغفر الله ذنوبه، أي: سترها، وكل شيء سترته فقد غفرته، والمغفر: ~~يكون تحت بيضة الحديد يغفر الرأس. # وأجمع القراء على إظهار الراء عند اللام، إلا ما روي عن أبي عمرو من ~~إدغامه الراء عند اللام. # قال الزجاج: وهو خطأ فاحش، وأحسب الذين رووا ذلك عن أبي عمرو غالطين، ولا ~~يدغم الراء في اللام، لأن الراء حرف مكرر، ولا يدغم الزائد في الناقص، فلو ~~أدغمت الراء في اللام لذهب التكرير من الراء، وهذا إجماع النحويين. # والخطايا جمع خطيئة، وهي الذنب على عمد، قال أبو الهيثم: يقال: خطئ: لما ~~صنعه عمدا وهو الذنب، وأخطأ: لما صنعه خطأ غير عمد. # وقوله: وسنزيد المحسنين أي: الذين لم يكونوا من أهل تلك الخطيئة إحسانا ~~وثوابا. # قوله تعالى: {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم} [البقرة: 59] ~~التبديل: التغيير إلى بدل، والمعنى: أنهم غيروا تلك الكلمات التي أمروا بها ~~وقالوا بدل حطة: حنطة. # وهذا قول ابن عباس وجميع المفسرين. # وقال الزجاج: جملة ما قالوه أنه أمر عظيم سماهم الله به فاسقين. # PageV01P144 # وقوله تعالى: {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء} [البقرة: 59] ~~الرجز: العذاب، قال تعالى: {لئن كشفت عنا الرجز} [الأعراف: 134] أي: ~~العذاب، ثم سمي كيد الشيطان رجزا لأنه ms0061 سبب العذاب، قال الله تعالى: {ويذهب ~~عنكم رجز الشيطان} [الأنفال: 11] ، وقال: {والرجز فاهجر} [المدثر: 5] قيل: ~~أراد به: عبادة الأوثان، لأنه سبب العذاب. # قال الضحاك: أرسل الله تعالى عليهم ظلمة وطاعونا، فهلك منهم في ساعة ~~واحدة سبعون ألفا عقوبة لهم بتبديلهم ما أمروا به. # {وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة ~~عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض ~~مفسدين {60} وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا ~~مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي ~~هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة ~~والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون ~~النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون {61} } [البقرة: 60-61] قوله ~~تعالى: {وإذ استسقى موسى} [البقرة: 60] الآية، قال المفسرون: عطش بنو ~~إسرائيل في التيه، فقالوا: يا موسى، من أين لنا الشراب؟ فاستسقى لهم موسى، ~~فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك الحجر. # قال ابن عباس: وكان حجرا خفيفا مربعا مثل رأس الرجل، أمر أن يحمله معه، ~~فكان يضعه في مخلاته، فإذا احتاجوا إلى الماء وضعه، وضربه بعصاه فينفجر ~~عيونا، لكل سبط عين. # وقوله تعالى: فانفجرت فيه اختصار، والمعنى: فضرب فانفجرت، أي: انشقت، ~~والانفجار: الانشقاق، والفجر في اللغة: الشق، وسمي فجر النهار لشقه ظلمة ~~الليل، وقوله {قد علم كل أناس مشربهم} [البقرة: 60] أراد: كل أناس منهم، ~~يعني الأسباط، وكانوا اثني عشر سبطا. # PageV01P145 # والمشرب يجوز أن يكون مصدرا كالشرب، ويجوز أن يكون موضعا. # قال المفسرون: كان في ذلك الحجر اثنتا عشرة حفرة، فكانوا إذا نزلوا وضعوا ~~الحجر، وجاء كل سبط إلى حفرته فحفروا الجداول إلى أهلها، فذلك قوله تعالى: ~~{قد علم كل أناس مشربهم} [البقرة: 60] . # وقوله تعالى: كلوا أي: وقلنا لهم كلوا من المن والسلوى، واشربوا من الماء ~~فهذا كله من رزق الله الذي يأتيكم بلا مشقة ولا مئونة، ولا ms0062 تعثوا في الأرض ~~مفسدين { [البقرة: 60 يقال: عثي يعثى عثوا، وهو أشد الفساد. # قوله تعالى:] وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد} [البقرة: 61] ~~الطعام: اسم جامع لما يؤكل، وإنما قالوا: طعام واحد وكان طعامهم المن ~~والسلوى، لأنهم كانوا يأكلون المن بالسلوى، فكان طعاما واحدا كالخبيص، لون ~~واحد وإن اتخذ من أطعمة شتى. # قال المفسرون: إنهم ملوا عيشهم وما كانوا يأكلونه، وذكروا عيشا كان لهم ~~بمصر، فقالوا لموسى: فادع لنا ربك أي: ادع لأجلنا ربك، وسله وقل له: {يخرج ~~لنا مما تنبت الأرض من بقلها} [البقرة: 61] وهو كل نبات لا يبقى له ساق إذا ~~رعته الماشية، وقثائها وهو نوع من الخضروات، وفومها وهو الحنطة بلا اختلاف ~~بين أهل اللغة، فقال لهم موسى: {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير} ~~[البقرة: 61] أي: أقرب وأسهل متناولا بالرفيع الجليل الذي خصكم الله به؟ ! ~~ويجوز أن يكون معنى الدنو في قرب القيمة، يقول: أتأخذون ما هو أقل قيمة ~~بدلا بالذي هو خير في القيمة؟ ! ويجوز أن يكون أدنى من الدناءة، وهي الخسة، ~~وترك همزها، والمعنى: أتستبدلون ما هو أوضع وأخس بالذي هو خير؟ ! وهذا ~~اختيار الفراء. # PageV01P146 # وقوله تعالى: {اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم} [البقرة: 61] أي: انزلوا ~~مصرا من الأمصار، فإن الذي سألتم لا يكون إلا في القرى والأمصار، وفي ~~الكلام إضمار كأنه قيل: فدعا موسى فاستجبنا له وقلنا لهم: اهبطوا مصرا، ~~ويجوز أن يكون أراد: مصر بعينها، وصرفها لخفتها وقلة حروفها، مثل: جمل، ~~ودعد، وهند. # وقوله تعالى: {وضربت عليهم الذلة} [البقرة: 61] أي: ألزموها إلزاما لا ~~تبرح عنهم، وأصله من ضرب الشيء على الشيء، كما يضرب المسمار على الشيء ~~فيلزمه. # يقال: ضرب فلان على عبده ضريبة، وضرب السلطان على التجار ضريبة. # أي: ألزمهم شيئا معلوما يؤدونه إليه. # والذلة: الذل، والمسكنة: مصدر فعل المسكين، يقال: تمسكن الرجل، إذا صار ~~مسكينا. # قال الحسن، وقتادة: وضربت عليهم الذلة { [البقرة: 61 هي أنهم يعطون ~~الجزية عن يد وهم صاغرون. # وقال عطاء بن السائب: هي الكستينج وزي اليهودية، والمسكنة: زي ms0063 الفقر، ~~فترى المثري منهم يتباءس مخافة أن يضاعف عليه الجزية، ولا يوجد يهودي غني ~~النفس. # وقوله تعالى:] وباءوا بغضب من الله} [البقرة: 61] : أي: رجعوا، في قول ~~الفراء، وقال الكسائي: انصرفوا به. # ولا يكون باءوا إلا بشيء، إما بخير وإما بشر، يقال: باء يبوء بوءا ~~وبواءا. # ولا يكون باء بمعنى مطلق الانصراف. # PageV01P147 # وقال عبيدة، والزجاج: باءوا بغضب: احتملوه، يقال: قد بؤت بهذا الذنب. # أي: احتملته، ومنه قوله تعالى: {أن تبوء بإثمي وإثمك} [المائدة: 29] . # ومعنى غضب الله ذمه إياهم، وإنزال العقوبة بهم. # وقوله: ذلك إشارة إلى ضرب الذلة والمسكنة والغضب، {بأنهم كانوا يكفرون ~~بآيات الله} [البقرة: 61] قال ابن عباس: يريد: الحكمة التي أنزلت على محمد ~~صلى الله عليه وسلم. # وقوله تعالى: {ويقتلون النبيين} [البقرة: 61] يعني: من قتلهم اليهود من ~~الأنبياء مثل زكريا ويحيى، وشعيا. # وقوله: بغير الحق أي: قتلا بغير حق، يعني: بالظلم. # وأكثر العرب على ترك همزة النبي وبابه، قال أبو عبيدة: اجتمعت العرب على ~~حذف الهمزة من أربعة أحرف: من النبي، والذرية، والخابية، والبرية، وأصلها ~~الهمزة. # قال الزجاج، وعدة معه: اشتقاق النبي من نبأ، وأنبأ، أي: أخبر، وترك همزه ~~لكثرة الاستعمال، وهذا مذهب سيبويه، واستردأ سيبويه همز النبي والبرية لأن ~~الغالب في استعمالها تخفيف الهمزة. # وحجة من همز النبي أن يقول: هو أصل الكلمة. # ولا ينكر أن يؤتى بالكلمة على أصلها. # PageV01P148 # وقوله تعالى: {ذلك بما عصوا} [البقرة: 61] أي: ذلك الكفر والقتل بشؤم ~~ركوبهم المعاصي، {وكانوا يعتدون} [البقرة: 61] يتجاوزون ويرتكبون محارمي، ~~والاعتداء: تجاوز الحد. # {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم ~~الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} ~~[البقرة: 62] قوله تعالى: إن الذين آمنوا أي: بالأنبياء الماضين ولم يؤمنوا ~~بك، وقيل: أراد المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم ولم يؤمنوا بقلوبهم، والذين ~~هادوا أي: دخلوا في دين اليهودية، كقوله: {وعلى الذين هادوا حرمنا} ~~[الأنعام: 146] . # واختلفوا لم سموا اليهود؟ فقال بعضهم: هو من الهود، وهو التوبة، ولما ~~تابوا من عبادة العجل لزمهم هذا الاسم ms0064، يقال: هاد يهود، إذا تاب. # ومنه قوله تعالى: {إنا هدنا إليك} [الأعراف: 156] . # وقيل: هو من الهيد، وهو الحركة، وذلك أنهم كانوا يتحركون عند قراءة ~~التوراة فلزمهم هذا الاسم. # والنصارى واحدهم: نصري، مثل: بعير مهري، وإبل مهارى، وسموا نصارى لأنهم ~~كانوا من قرية يقال لها: نصرة. # والصابئين يقال: صبأ الرجل في دينه يصبأ صبوءا، إذا كان صابئا. # وهو الخارج من دين إلى دين، وهم قوم كانوا يعبدون النجوم ويعظمونها. # وقال قتادة: هم قوم كانوا يعبدون الملائكة، وقال مجاهد: هم قبيلة من ~~اليهود والمجوس لا دين لهم. # PageV01P149 # وقرأ نافع: الصابون، والصابين بترك الهمزة. # ولا يجيز سيبويه ترك الهمز على هذا الحد إلا في الشعر، وأجازه أبو زيد ~~وغيره، فهذه القراءة على قول من أجاز ذلك، والقراءة متبعة. # وقوله تعالى: من آمن بالله أي: من جملة هؤلاء الأصناف المذكورة في هذه ~~الآية، من آمن إيمانا حقيقيا، وهو أن يؤمن بالله وبرسوله محمد صلى الله ~~عليه وسلم. # والدليل على أنه أراد به الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: ~~وعمل صالحا وقد قام الدليل على أن من لا يؤمن بالنبي محمد صلى الله عليه ~~وسلم لا يكون عمله صالحا. # وقوله تعالى: فلهم أجرهم جمع الكناية بعد أن وحد الفعل في قوله: آمن، لأن ~~من يصلح للواحد والجميع والمذكر والمؤنث، فالفعل يعود إلى لفظ من، وهو واحد ~~مذكر، والكناية تعود إلى معنى من، ومثله في القرآن كثير، قال الله تعالى: ~~{ومنهم من يستمع إليك} [الأنعام: 25] ، وقال في موضع آخر: {ومنهم من ~~يستمعون إليك} [يونس: 42] . # والمعنى: لا ينالهم خوف ولا يصيبهم حزن في الآخرة، لأنهم يصيرون إلى ~~النعيم المقيم، والأمن الدائم. # {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما ~~فيه لعلكم تتقون {63} ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته ~~لكنتم من الخاسرين {64} } [البقرة: 63-64] قوله عز وجل: {وإذ أخذنا ميثاقكم ~~ورفعنا فوقكم الطور} [البقرة: 63] الآية، الطور: الجبل، بالسريانية، وقد ~~تكلمت به العرب، قال العجاج: # دانى جناحيه من الطور فمر ms0065 # PageV01P150 # قال المفسرون: إن موسى لما أتى بني إسرائيل بالتوراة قرءوها وما فيها من ~~التغليظ، كبر ذلك عليهم وأبوا أن يقبلوا ذلك، فأمر الله عز وجل جبلا من ~~جبال فلسطين فانقلع من أصله حتى قام على رءوسهم مثل الظلة، فأوحى الله إلى ~~موسى عليه السلام: إن قبلوا التوراة، وإلا رضختهم بهذا الجبل. # فلما رأوا ذلك قبلوا ما فيها وسجدوا من الفزع، وجعلوا يلاحظون الجبل وهم ~~سجود، فمن أجل ذلك يسجد اليهود على أنصاف وجوههم، فهذا معنى أخذ الميثاق في ~~حال رفع الجبل فوقهم، لأن في هذا الحال قيل لهم: {خذوا ما آتيناكم بقوة} ~~[البقرة: 63] . # وكان فيما آتاهم الله تعالى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. # وفي هذه الآية إضمار، لأن المعنى: وقلنا لكم: خذوا ما آتيناكم، أي: ~~اعملوا بما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه. # وقوله: بقوة قال ابن عباس، والحسن، وقتادة: بجد ومواظبة على طاعة الله ~~واجتهاد. # واذكروا ما فيه الكناية تعود إلى ما في قوله: ما آتيناكم، وهو التوراة. # والمعنى: احفظوا ما في التوراة من الحلال والحرام، واعملوا بما فيه، ~~وقيل: اذكروا ما فيه من الثواب والعقاب. # لعلكم تتقون لكي تتقوا محارمي فتتركوها. # قوله تعالى: {ثم توليتم} [البقرة: 64] أي: أعرضتم وعصيتم أمر الله وتركتم ~~طاعته، من بعد ذلك من بعد أخذ الميثاق، {فلولا فضل الله عليكم ورحمته} ~~[البقرة: 64] بتأخير العذاب عنكم، {لكنتم من الخاسرين} [البقرة: 64] ~~بالعقوبة وذهاب الدنيا والآخرة. # {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ~~{65} فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين {66} } ~~[البقرة: 65-66] قوله تعالى: {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت} ~~[البقرة: 65] العلم ههنا بمعنى المعرفة، كقوله # PageV01P151 # تعالى: {لا تعلمونهم الله يعلمهم} [الأنفال: 60] ، و {الذين اعتدوا منكم ~~في السبت} [البقرة: 65] هم الذين جاوزوا ما أمروا به من ترك الصيد يوم ~~السبت. # كانوا أمروا ألا يصيدوا السمك في السبت، فحبسوها في السبت، وأخذوها في ~~الأحد، فعدوا في السبت، لأن صيدها: منعها من التصرف. # وذكر الله تعالى قصتهم في { [الأعراف في قوله ms0066 تعالى:] واسألهم عن القرية ~~التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت} [سورة الأعراف: 163] الآية. # قال ابن الأنباري: السبت: القطع، وسمي السبت من الأيام سبتا، لأن الله ~~تعالى ابتدأ الخلق فيه، وقطع فيه بعض الخلق، وخلق الأرض، ويقال: أمر فيه ~~بنو إسرائيل بقطع الأعمال وتركها. # وقوله تعالى: {فقلنا لهم كونوا قردة} [البقرة: 65] أي: كونوا بتكويننا ~~إياكم وتغييرنا خلقكم، وهذا أمر حتم ليس للمأمور فيه اكتساب، ولا يقدر على ~~دفعه عن نفسه. # والقردة: جمع قرد، ويقال: قرد وثلاثة أقردة وقرود، وقردة كثيرة. # وقوله تعالى: خاسئين الخسء: الطرد والإبعاد، يقال: خسأته فخسأ وانخسأ، ~~فهو واقع ومطاوع. # قال الفراء، والكسائي: يقال: خسأته خسئا، فخسأ خسوءا، مثل: رجعته رجعا ~~فرجع رجوعا، وتقدير الآية: كونوا خاسئين قردة، لأنه لولا التقديم والتأخير ~~لكان قردة خاسئة. # PageV01P152 # يخوف الله تعالى اليهود بهذه الآية في تركهم الإيمان بمحمد صلى الله عليه ~~وسلم، ويذكرهم ما أصاب من المسخ للذين اعتدوا في السبت، وهو قوله تعالى: ~~{فجعلناها نكالا} [البقرة: 66] الآية، الكناية راجعة إلى القردة، وقال ~~الفراء: الكناية راجعة إلى المسخة، لأن معنى كونوا قردة: مسخناهم قردة، ~~فوقعت الكناية عن الكلام المتقدم. # والنكال: اسم لما جعلته نكالا لغيره، إذا رآه خاف أن يعمل عمله، من ~~قولهم: نكل عن الأمر ينكل نكولا، إذا جبن عنه. # وقوله تعالى: {لما بين يديها} [البقرة: 66] قال الزجاج: للأمم التي ~~تراها. # {وما خلفها} [البقرة: 66] ما يكون بعدها، فما في قوله: {لما بين يديها ~~وما خلفها} [البقرة: 66] عبارة عن: الأمم، وتكون بمعنى من. # وهذا قول ابن عباس، في رواية عطاء، قال: يريد: نكالا للخلق الذين كانوا ~~معهم. # وما خلفها ولجميع من يأتي إلى يوم القيامة، وقال، في رواية الكلبي: يقول: ~~جعلناها عقوبة. # لما بين يديها لما مضى من ذنوبهم، وما خلفها يعني: من بعدهم من بني ~~إسرائيل، أن يستنوا بسنتهم ويعملوا بعملهم، وما الثانية تكون بمعنى من. # وروى محمد بن الحصين، عن ابن عباس، قال: يعني: ما بين يديها من القرى وما ~~خلفها وما خلفها، ويعتبرون بهم، فلا يعملون ms0067 عملهم. # وموعظة للمتقين: نهيا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يتجاوزوا ما حد ~~لهم. # {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا ~~قال أعوذ بالله أن أكون من # PageV01P153 # الجاهلين {67} قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة ~~لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون {68} قالوا ادع لنا ربك ~~يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ~~{69} قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء ~~الله لمهتدون {70} قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي ~~الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون ~~{71} وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون {72} فقلنا ~~اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون {73} ثم ~~قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر ~~منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية ~~الله وما الله بغافل عما تعملون {74} } [البقرة: 67-74] قوله تعالى: {وإذ ~~قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} [البقرة: 67] قال المفسرون: ~~كان في بني إسرائيل رجل كثير المال، وله ابن عم مسكين لا وارث له غيره، ~~فلما طال عليه موته قتله ليرثه، ولما قتله حمله من قرية إلى قرية أخرى، ثم ~~أصبح يطلب بثأره ودمه، واشتبه أمر القتيل على موسى، ووقع الخلاف فيه، ~~فسألوا موسى أن يدعو الله ليبين لهم ذلك، فسأل موسى ربه، فأمره بذبح بقرة، ~~فقال موسى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا} [البقرة: ~~67] أي: أتستهزئ بنا حين نسألك عن القتيل وتأمرنا بذبح البقرة؟ ! وإنما ~~قالوا ذلك لتباعد الأمرين في الظاهر، قال موسى، أعوذ بالله أي: أمتنع ~~بالله، {أن أكون من الجاهلين} [البقرة: 67] أي: من المستهزئين بالمؤمنين. # ولما علم القوم أن ذبح البقرة عزم من ms0068 الله عز وجل سألوه الوصف، ولو أنهم ~~عمدوا إلى أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا على أنفسهم، فشدد ~~الله عليهم. # وقالوا لموسى، {ادع لنا ربك يبين لنا ما هي} [البقرة: 68] يقال: بين ~~الشيء وأبانه، إذا أزال الإشكال عنه. # والمعنى: يظهر لنا ما تلك البقرة التي نذبحها لأجل القتيل، وأي شيء هي؟ ~~{قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض} [البقرة: 68] قال الفراء: هي الهرمة. # وقال الكسائي: الفارض: الكبيرة العظيمة، وقد فرضت تفرض فروضا. # ولا بكر # PageV01P154 # يقال: بقرة بكر. # أي: فتية لا تحمل، قال الزجاج: أي: ليست بكبيرة ولا صغيرة. # قال: وارتفع فارض بإضمار هي. # وقوله تعالى: عوان قال أبو الهيثم: العوان: النصف التي بين الفارض ~~والبكر. # وقال أبو زيد: بقرة عوان: بين المسنة والشابة، وقد عانت تعون عونا إذا ~~صارت عوانا. # وقال ابن الأعرابي: العون من الحيوان: السن بين السنين، لا صغير ولا ~~كبير، يقال في الجمع: عون. # ويقال: فرس عوان، وخيل عون. # قال ابن عباس: عوان: بين الصغيرة والكبيرة، وهي أقوى ما يكون من البقر ~~وأحسن ما يكون. # وقال مجاهد: وعوان: وسط، قد ولدت بطنا أو بطنين. # وقوله تعالى: بين ذلك أي: بين الهرم والشاب، وبين الفروض والبكارة. # وقوله تعالى: {فافعلوا ما تؤمرون} [البقرة: 68] أي: من ذبح البقرة. # {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها} [البقرة: 69] يبين لنا أي شيء ~~لونها؟ {قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها} [البقرة: 69] ، فاقع: ~~مبالغة في نعت الأصفر، قال ابن عباس: شديد الصفرة. # قال عدي بن زيد: # وإني لأسقى الشرب صفراء فاقعا ... كأن زكي المسك فيها يفتق # PageV01P155 # يقال: فقع يفقع فقوعا، إذا اشتدت صفرته. # قوله تعالى: تسر الناظرين أي: تعجبهم بحسنها وصفاء لونها، لأن العين تسر ~~وتولع بالنظر إلى الشيء الحسن. # {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي} [البقرة: 70] أسائمة أم عاملة، {إن ~~البقر تشابه علينا} [البقرة: 70] اشتبه وأشكل، وذكر الفعل، والبقر: جمع ~~بقرة، لتذكير اللفظ، كقوله: {نخل منقعر} [القمر: 20] ، وكل جمع حروفه أقل ~~من حروف واحده جاز تذكيره، مثل ms0069: بقر، ونخل، وسحاب، فمن ذكر ذهب إلى لفظ ~~الجمع، ولفظ الجمع مذكر، ومن أنث ذهب إلى لفظ الجماعة، قال الله تعالى: ~~{يزجي سحابا ثم يؤلف بينه} [النور: 43] ، وقال: {والنخل باسقات} [ق: 10] . # قوله تعالى: {وإنا إن شاء الله لمهتدون} [البقرة: 70] قال ابن عباس: إلى ~~القاتل. # قال: ولولا أنهم استثنوا ما اطلعوا على القاتل. # قال لهم موسى، إنه إن ربكم، {يقول إنها بقرة لا ذلول} [البقرة: 71] لم ~~يذللها العمل، {تثير الأرض} [البقرة: 71] يعني: لا يزرع عليها، ليست من ~~العوامل، ومعنى الإثارة ههنا: قلب الأرض للزراعة، يقال: أثرت الشيء ~~واستثرته، إذا هيجته. # {ولا تسقي الحرث} [البقرة: 71] أي: ليست بسانية، والحرث: الأرض المهيأة ~~للزرع، مسلمة قال ابن عباس، وقتادة، والربيع: أي: من العيوب. # وقال الحسن: من أثر العمل. # لا شية فيها الوشي، والشية: خلط لون بلون، يقال: وشيت الثوب أشيه وشيا ~~وشية. # وأصل الدرء: الدفع، وادارأتم أصله: تدارأتم، ثم أدغم التاء في الدال، ~~وأدخلت الألف ليسلم سكون # PageV01P156 # الحرف الأول، ومثله: اثاقلتم، واطيرنا، قوله: والله مخرج مظهر، ما كنتم ~~تكتمون أي: تخفون وتسترون من أمر القتيل. # فقال ابن عباس: لا بياض فيها، صفراء كلها. # وقال الزجاج: ليس فيها لون يفارق سائر لونها. # قالوا الآن وهو الوقت الذي أنت فيه، جئت بالحق بالوصف البين التام الذي ~~دل على التمييز من أجناسها. # وقوله تعالى: فذبحوها في الآية إضمار ما، أراد: فطلبوها فوجدوها فذبحوها، ~~وما كادوا يفعلون قال ابن عباس، والقرطبي: لغلاء ثمنها. # وقال السدي: من تشديدهم على أنفسهم، وتعنتهم موسى. # قوله تعالى: {وإذ قتلتم نفسا} [البقرة: 72] هذا عطف على قوله: {وإذ فرقنا ~~بكم البحر} [البقرة: 50] ، {وإذ قلتم يا موسى} [البقرة: 55] ، والذكر مضمر ~~ههنا، كأنه قال: واذكروا إذ قتلتم نفسا. # وأضاف القتل إليهم وإن كان القاتل واحدا على ما ذكرنا من عادة العرب أنهم ~~يضيفون فعل البعض إلى جماعة القبيلة، يقولون: فعلتم كذا. # وإن كان بعضهم فعل ذلك. # وهذه الآية هي أول القصة، ولكنها مؤخرة في الكلام، ومعناه التقديم. # قوله تعالى: فادارأتم فيها قال ابن عباس: اختلفتم. # وقال ms0070 الربيع: تدافعتم. # يعني: ألقى هذا على ذلك، وذلك على هذا، فدافع كل واحد عن نفسه. # قوله: {فقلنا اضربوه ببعضها} [البقرة: 73] قال ابن عباس: بالعظم الذي يلي ~~الغضروف. # وقال الضحاك: بلسانها. # وقال سعيد بن جبير: بعجب ذنبها. # وقال مجاهد: ضرب بفخذ البقرة فقام حيا وقال: قتلني فلان. # ثم عاد في ميتته، فذلك قوله تعالى: {كذلك يحيي الله الموتى} [البقرة: 73] ~~أي: كما أحيا هذا القتيل. # وفي الآية اختصار، لأن التقدير: اضربوه ببعضها فيحيا، فضرب فحيي، {كذلك ~~يحيي الله الموتى} [البقرة: 73] . # فإن قيل: ما معنى ضرب القتيل ببعض البقرة، والله قادر على إحيائه بغير ~~ذلك؟ ! فالجواب: إن في ذلك تأكيدا لقدرة الله على إحياء الميت، إذ جعل ~~الأمر في إحيائه إليهم، وجعل ذلك عند الضرب بموات لا # PageV01P157 # إشكال في أنه علامة لهم، وآية للوقت الذي يحيا فيه عندما يكون منهم، فبان ~~أنه من فعل الله عز وجل. # قوله تعالى: ويريكم آياته أي: علامات قدرته في خلق الحياة في الأموات، ~~لعلكم تعقلون: لكي تعرفوا قدرة الله عز وجل على إحياء الميت. # قال أبو إسحاق الزجاج: وهذه القصة في القرآن من أدل الدلائل على نبوة ~~محمد صلى الله عليه وسلم، حيث خبرهم بما صدقه في ذلك أهل الكتاب، وهو رجل ~~عربي أمي، لم يقرأ كتابا، ولم يتعلم من أحد، ولم يكن هذا من علم العرب. # قوله تعالى: ثم قست قلوبكم يقال: قسا قلبه يقسو قسوة وقساوة وقسوا. # وهي الشدة والصلابة واليبس، يقال: حجر قاس. # أي: صلب، وأرض قاسية: لا تنبت شيئا. # قال الزجاج: تأويل القسوة: ذهاب اللين والرحمة والخشوع. # قوله تعالى: من بعد ذلك أي: من بعد إحياء الميت لكم بعضو من أعضاء ~~البقرة، وهذه آية عظيمة كان يجب على من شاهدها أن يلين قلبه ويخضع، فهي ~~كالحجارة قال المفسرون: إنما شبه قلوبهم بالحجارة في الغلطة والشدة، ولم ~~يقل: كالحديد. # وإن كان الحديد أصلب من الحجارة، لأن الحديد يلين بالنار، وقد لان لداود ~~عليه السلام بإذن الله حتى صار كالعجين، ولا تلين الحجارة بمعالجة أبدا ms0071، ~~ولأن في الحديد منافع، تلك المنافع لا توجد في الحجارة، فشبه الله قلوبهم ~~بالحجارة لقسوتها، ولعدم المنفعة فيها. # قوله تعالى: أو أشد قسوة معناه: بل أشد قسوة، وارتفع أشد بإضمار هي، كأنه ~~قال: أو هي أشد. ### | 36 - # أخبرنا أبو إبراهيم بن أبي القاسم الواعظ، أخبرنا أبو العباس أحمد بن ~~محمد بن حمشاذ، أخبرني أبو عبد # PageV01P158 # الله محمد بن حفص الجويني، حدثنا ابن أبي الثلج، حدثنا علي بن حفص ~~المدائني، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن حاطب، عن عبد الله بن دينار، عن ~~ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكثروا الكلام بغير ~~ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسي القلب، وإن أبعد الناس من ~~الله القلب القاسي» # ثم فضل الحجارة على القلب القاسي فقال: {وإن من الحجارة لما يتفجر منه ~~الأنهار} [البقرة: 74] الكناية في منه عائدة على ما، كأنه قيل: وإن من ~~الحجارة للذي يتفجر منه الأنهار، يعني: من الحجارة ما يسيل منه أنهار من ~~ماء، {وإن منها لما يشقق} [البقرة: 74] أي: يتشقق، فأدغمت التاء في الشين، ~~{فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط} [البقرة: 74] أي: ينزل ويسقط من رأس ~~الجبل إلى أسفله، {من خشية الله} [البقرة: 74] قال مجاهد: كل حجر تفجر منه ~~الماء، أو تشقق عن الماء، أو تردى من رأس جبل، فهو من خشية الله نزل في ~~القرآن. # ومعنى الآية: إن الحجارة قد تصير إلى هذه الأحوال التي ذكرها من خشية، ~~الله وقلوب اليهود لا تخشع ولا # PageV01P159 # تخشى الله ولا تلين، لأنهم عارفون بصدق محمد صلى الله عليه وسلم، وبأن من ~~كذبهم كانت النار عاقبته، ثم لا يؤمنون به، فقلوبهم أقسى من الحجارة. # ثم أوعدهم على ترك الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال: {وما الله ~~بغافل عما تعملون} [البقرة: 74] أي: أن يجازيكم على ذلك. # ثم خاطب النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فقال: {أفتطمعون أن يؤمنوا ~~لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم ~~يعلمون ms0072 {75} وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض ~~قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون {76} ~~أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون {77} ومنهم أميون لا يعلمون ~~الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون {78} فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ~~ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم ~~وويل لهم مما يكسبون {79} وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل ~~أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون ~~{80} بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ~~{81} والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون {82} ~~} [البقرة: 75-82] {أفتطمعون} [البقرة: 75] وهذا استفهام معناه الإنكار ~~والنهي، {أن يؤمنوا لكم} [البقرة: 75] أي: يصدقكم اليهود، {وقد كان فريق ~~منهم} [البقرة: 75] أي: طائفة وجماعة، {يسمعون كلام الله} [البقرة: 75] ~~يعني التوراة، {ثم يحرفونه} [البقرة: 75] أي: يغيرونه، {من بعد ما عقلوه} ~~[البقرة: 75] علموه وفهموه، يعني: الذين غيروا آية الرجم وصفة محمد عليه ~~السلام، وهذا قول مجاهد، وقتادة، والسدي. # وقال ابن عباس، ومقاتل: هم الذين انطلقوا مع موسى إلى الجبل فسمعوا كلام ~~الله ثم حرفوه، وزادوا فيه. # وذلك أنهم لما رجعوا إلى قومهم سألهم الذين لم يذهبوا معهم، فقالت طائفة ~~منهم {لم يرد الله أن يطهر قلوبهم} [المائدة: 41] : سمعنا الله في آخر ~~كلامه يقول: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، وإن شئتم، فلا ~~تفعلوا ولا بأس. # فغيروا ما سمعوا، ولم يؤدوه على الوجه الذي سمعوه، فقيل في هؤلاء الذين ~~شاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم: إنهم إن كفروا # PageV01P160 # وحرفوا فلهم سابقة في كفرهم، وهذا مما يقطع الطمع في إيمانهم. # وقوله تعالى: وهم يعلمون أي: لم يفعلوا ذلك عن خطأ ونسيان، بل فعلوه عن ~~قصد وتعمد. # قوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} [البقرة: 76] قال ابن ~~عباس، والحسن، وقتادة: يعني منافقي اليهود، كانوا إذا رأوا المؤمنين قالوا: ~~آمنا بمحمد صلى ms0073 الله عليه وسلم أنه نبي صادق نجده في كتابنا بنعته وصفته. # {وإذا خلا بعضهم إلى بعض} [البقرة: 76] إذا رجعوا إلى رؤسائهم لاموهم على ~~ذلك، وقالوا: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} [البقرة: 76] قال الكلبي: ~~قال: بما قص الله عليكم في كتابكم أن محمدا حق وقوله صدق. # وقال الكسائي: بما بينه الله لكم من العلم بصفة محمد النبي المبشر به ~~ونعته. # {ليحاجوكم به} [البقرة: 76] ليجادلوكم ويخاصموكم، يعني أصحاب محمد عليه ~~السلام، ويقولون لليهود: قد أقررتم أنه نبي حق في كتابكم ثم لا تتبعونه! ~~وقوله تعالى: عند ربكم قال ابن الأنباري: معناه: في حكم ربكم، كما تقول: ~~هذا حلال عند الشافعي. # أي: في حكمه. # وهذا يحل عند الله. # أي: في حكمه. # والمعنى: لتكون لهم الحجة عليكم عند الله في الدنيا والآخرة، أفلا تعقلون ~~أفليس لكم ذهن الإنسانية، وهذا من كلام رؤسائهم لهم في لومهم إياهم، فقال ~~الله تعالى: أولا يعلمون يعني: اليهود، {أن الله يعلم ما يسرون} [البقرة: ~~77] من التكذيب، {وما يعلنون} [البقرة: 77] من التصديق. # قوله تعالى: ومنهم عبد الله: من اليهود، أميون قال الحجاج: معنى الأمي في ~~اللغة: المنسوب إلى ما عليه جبلة الأمة. # أي: لا يكتب، فهو في أنه لا يكتب على ما ولد عليه. # PageV01P161 # وقال غيره: قيل للذي لا يكتب: أمي، لأن الكتابة مكتسبة، أي: هو على ما ~~ولدته أمه، لم يتعلم الكتابة. # وقوله تعالى: لا يعلمون الكتاب قال الكلبي: لا يحسنون قراءة الكتاب ولا ~~كتابته. # إلا أماني قال ابن عباس: إلا أحاديث، لا يعلمون إلا ما حدثوا به، وقال ~~الفراء: الأماني: الأحاديث المفتعلة، يقول الله تعالى: لا يعلمون الكتاب، ~~ولكن أحاديث مفتعلة ليست كتاب الله، يسمعونها من كبرائهم، وهي كلها أكاذيب. # والعرب تقول: أنت إنما تمتني هذا القول. # أي: تختلقه. # وقال أحمد بن يحيى: التمني: الكذب، يقول الرجل: والله ما تمنيت هذا ~~الكلام ولا اختلقته. # وقال الحسن، وأبو العالية، وقتادة في قوله تعالى: إلا أماني: أي: إلا أن ~~يتمنوا على الله الباطل والكذب مثل قولهم: {لن تمسنا النار إلا ms0074 أياما ~~معدودة} [البقرة: 80] ، وقولهم: {لن يدخل الجنة إلا من كان هودا} [البقرة: ~~111] ، وقولهم: {نحن أبناء الله وأحباؤه} [المائدة: 18] . # قال ابن الأنباري: والاستثناء على هذا التأويل منقطع عن الأول، يريد: لا ~~يعلمون الكتاب البتة، لكنهم يتمنون على الله ما لا ينالون. # وقوله تعالى: {وإن هم إلا يظنون} [البقرة: 78] قال ابن عباس: لا يعلمون ~~ولا يدرون ما هم فيه وهم يجحدون نبوتك بالظن. # وقال أصحاب المعاني: ذم الله بهذه الآية قوما من اليهود لا يحسنون شيئا، ~~وليسوا على البصيرة إلا ما # PageV01P162 # يحدثون به، وإلا ما يقرءونه من غير علم به، ففيه حث على تعلم العلم، حتى ~~لا يحتاج الإنسان إلى تقليد غيره وأن يقرأ شيئا لا يكون له به معرفة. # قوله تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} [البقرة: 79] روى أبو ~~سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ويل: واد في جهنم، يهوي ~~فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره ". # وقال عطاء بن يسار: الويل: واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لانماعت من ~~حره. # وقال الزجاج: الويل: كلمة يستعملها كل واقع في هلكة. # وقال الكلبي، عن ابن عباس في قوله: فويل، قال: الشدة من العذاب. # {للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} [البقرة: 79] يعني: يغيرون صفة محمد رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم، فجعلوه آدم سبطا طويلا، وكان ربعة ~~أسمر، وكتبوا صفته على غير ما كانت في التوراة، وذلك لما كانوا يأخذونه من ~~المآكل من سائر اليهود، فخافوا أن تذهب مأكلتهم إن هم بينوا الصفة، فذلك ~~قوله: {وويل لهم مما يكسبون} [البقرة: 79] . ### | 37 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الأصبهاني، أخبرنا أبو الشيخ ~~الحافظ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، حدثنا أبي، حدثنا شبيب، ~~عن عكرمة، عن ابن عباس قال: " # PageV01P163 # أحبار اليهود وجدوا صفة النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبة في التوراة: ~~أكحل، أعين ربعة، حسن الوجه، فلما وجدوه في التوراة محوه حسدا وبغيا، ~~فأتاهم نفر من قريش، فقالوا: أتجدون في التوراة نبيا منا؟ قالوا ms0075: نعم، نجده ~~طويلا أزرق سبط الشعر " # قوله تعالى: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} [البقرة: 80] قال ~~ابن عباس: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ويهود تقول: إنما هذه ~~الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما واحدا، ثم ينقطع عنا ~~العذاب. # فأنزل الله في ذلك: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} [البقرة: ~~80] أي: قليلة. # والمعدودة إذا أطلقت كان معناها: القليلة، كقوله: {دراهم معدودة} [يوسف: ~~20] فقال الله عز وجل: قل لهم يا محمد، {أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف ~~الله عهده} [البقرة: 80] أي: هل أخذتم بما تقولون من الله ميثاقا؟ ! فالله ~~لا ينقض ميثاقه، {أم تقولون على الله} [البقرة: 80] الباطل جهلا منكم. # والمعنى: قل لهم: على أي الحالتين أنتم على اتخاذ العهد؟ أم على القول ب ~~ما لا تعلمون؟ قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة} [البقرة: 81] قال الفراء: بلى ~~يكون جوابا للكلام الذي فيه الجحد، فإذا قال الرجل: ألست تقوم؟ فتقول: بلى. # ونعم جواب للكلام الذي لا جحد فيه، فإذا قال الرجل: هل تقوم؟ قلت: نعم. # قال الله تعالى: {ألم يأتكم نذير {8} قالوا بلى} [الملك: 8-9] ، وقال: ~~{ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] ، وقال: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ~~قالوا نعم} [الأعراف: 44] والآية رد على اليهود في قولهم: {لن تمسنا النار ~~إلا أياما معدودة} [البقرة: 80] ، فقال الله تعالى: بلى أعذب من كسب سيئة. # والسيئة: العمل القبيح. # وإجماع أهل التفسير أن السيئة ههنا هي الشرك، {وأحاطت به خطيئته} ~~[البقرة: 81] أي: سدت عليه مسالك النجاة، والخطيئة: الذنب على عمد. # PageV01P164 # قال ابن عباس، والضحاك، وأبو وائل، وأبو العالية، والربيع، وابن زيد: هي ~~الشرك يموت عليه الإنسان. # وقال غيرهم: هي الذنوب الكبيرة الموجبة لأهلها النار. # والمؤمنون لا يدخلون في حكم هذه الآية، لأن الله تعالى أوعد بالخلود في ~~النار من أحاطت به خطيئة وتقدمت منه سيئة هي الشرك، والمؤمن، وإن عمل ~~الكبائر، فلم يوجد منه الشرك. # وقرأ أهل المدينة خطيئاته بالجمع، والباقون: على الواحدة، لأنها أضيفت ~~إلى ضمير مفرد، فلما ms0076 لم يكن الضمير جمعا لم يجمع كما جمعت في قوله تعالى: ~~{نغفر لكم خطيئاتكم} [الأعراف: 161] ، لأنه مضاف إلى جماعة، وهي وإن كانت ~~مفردة لا يمتنع وقوعها على الكثرة، كقوله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا ~~تحصوها} [النحل: 18] والعد إنما يقع على الجموع. # ومن قرأ بالجمع حمل على المعنى، والمعنى: الجمع والكثرة لا الواحد، ~~والضمير المضاف إليه جمع في المعنى، بدليل قوله تعالى: {فأولئك أصحاب النار ~~هم فيها خالدون} [البقرة: 81] ، {والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب ~~الجنة هم فيها خالدون} [البقرة: 82] . # {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي ~~القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ~~ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون {83} وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون ~~دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون {84} ثم أنتم ~~هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم ~~والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض ~~الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ~~ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون {85} # PageV01P165 # أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ~~ينصرون {86} } [البقرة: 83-86] قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ~~لا تعبدون إلا الله} [البقرة: 83] قرئ بالياء والتاء، وما كان من مثل هذا ~~جاز أن يكون على لفظ الغيبة، من حيث كان اللفظ لها، وجاز أن يكون على لفظ ~~المخاطب، لأنك تحكي حال الخطاب وقت ما تخاطب، ألا ترى أنهم قد قرءوا قل ~~للذين كفروا سيغلبون ويحشرون على لفظ الغيبة، وبالتاء على حكاية حال ~~الخطاب، وإذا كان هذا النحو جائزا جاز أن تجيء القراءة بالوجهين. # قوله تعالى: {وبالوالدين إحسانا} [البقرة: 83] تقديره: وأحسنوا بالوالدين ~~إحسانا، كأنه لما قال: أخذنا ميثاقهم. # قال: وقلنا لهم: أحسنوا بالوالدين إحسانا. # ويقال: أحسن به، وأحسن إليه. # قال الله تعالى: {وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن} [يوسف: 100] ، وقال: ~~{وأحسن كما أحسن الله ms0077 إليك} [القصص: 77] ومعنى الإحسان بالوالدين: البر ~~بهما والعطف عليهما. # وقوله: وذي القربى يعني: القرابة في الرحم، واليتامى جمع يتيم، مثل: نديم ~~وندامى، وهو المنفرد من أبيه ما دام طفلا، والمساكين يعني الفقراء {وقولوا ~~للناس حسنا} [البقرة: 83] قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، وابن جريج، ومقاتل، ~~والأكثرون: وقولوا للناس صدقا وحقا في شأن محمد صلى الله عليه وسلم، فمن ~~سألكم عنه فاصدقوه وبينوا له صفته، ولا تكتموا أمره، ولا تغيروا نعته. # وقال الربيع، وعطاء، ومحمد بن علي الباقر: هذا على العموم في تحسين ~~المقالة للناس كلهم. # وقال الحسن، والثوري: يعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أن ~~يأمروهم بما أمرهم الله به، وينهوهم عما نهاهم الله عنه. # PageV01P166 # وقال عطاء، عن ابن عباس: المراد بالناس في هذه الآية: محمد عليه السلام، ~~كقوله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} [النساء: 54] ، ~~فكأنه يقول: قولوا للنبي صلى الله عليه وسلم حسنا. # وقرئ: حسنا وحسنا، وكلاهما واحد، لأن الحسن لغة في الحسن، كالبخل والبخل، ~~والرشد والرشد، وبابه، حكى الزجاج عن الأخفش هذا القول فقال: زعم الأخفش ~~أنه يجوز أن يكون حسنا في معنى حسنا. # وقوله تعالى: ثم توليتم أي: أعرضتم عن العهد والميثاق، إلا قليلا منكم ~~يعني: من كان ثابتا على دينه ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأنتم ~~معرضون كأوائلكم في الإعراض عما عهد إليكم في كتابكم، ومعنى الإعراض: ~~الذهاب عن المواجهة إلى جهة العرض. # قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم} [البقرة: 84] السفك: ~~صب الدم، يقال: سفك يسفك ويسفك: لغتان، ودماء: جمع دم. # قال ابن عباس، وقتادة: لا يسفك بعضكم دم بعض بغير حق. # {ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} [البقرة: 84] أي: لا يخرج بعضكم بعضا من ~~داره وغلبه عليها، ثم أقررتم أي: قبلتم ذلك وأقررتم به، وأنتم تشهدون اليوم ~~على إقرار أوائلكم بأخذ الميثاق عليهم. # قوله: ثم أنتم الخطاب لقريظة والنضير، هؤلاء أراد: يا هؤلاء، فحذف حرف ~~النداء، تقتلون # PageV01P167 # أنفسكم يقتل بعضكم بعضا، {وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ms0078} [البقرة: 85] ~~روى الربيع، عن أبي العالية، قال: كان بنو إسرائيل إذا استضعف قوم قوما ~~أخرجوهم من ديارهم، وقد أخذ عليهم الميثاق ألا يسفكون دماءهم ولا يخرجوا ~~أنفسهم من ديارهم، وإن أسر بعضهم بعضا أن يفادوهم، فأخرجوهم من ديارهم، ثم ~~فادوهم، فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض. # وقد كشف السدي عن هذا فقال: أخذ الله تعالى عليهم أربعة عهود: ترك القتل، ~~وترك الإخراج، وترك المظاهرة، وفداء أسراهم، فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا ~~الفداء، وذلك أن قريظة كانت حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج، وكانوا ~~يقتتلون، وذلك أن قريظة مع الأوس، والنضير مع الخزرج، فإذا غلبوا خربوا ~~ديارهم وأخرجوهم منها، فإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه، ~~فتعيرهم العرب بذلك وتقول: كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ فيقولون: إنا قد أمرنا ~~أن نفديهم وحرم علينا قتالهم. # قالوا: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنا نستحي أن يستذل حلفاؤنا. # فذلك حين عيرهم الله تعالى عليه فقال: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ~~وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم} [البقرة: 85] ، قرئ بتخفيف ~~الظاء وتشديدها، فمن شدد أدغم التاء في الظاء لمقاربتهما، ومن خفف حذف ~~التاء لكراهة اجتماع المثلين، والمعنى: تتعاونون على أهل ملتكم بالمعصية ~~والظلم. # والمظاهرة: المعاونة، ومنه قوله تعالى: {وإن تظاهرا عليه} [التحريم: 4] ، ~~وقوله: {سحران تظاهرا} [القصص: 48] ، وقوله تعالى: {بالإثم والعدوان} ~~[البقرة: 85] العدوان: الإفراط في الظلم، يقال: عدا عدوا وعدوانا وعدوا ~~وعداء. # وقوله تعالى: {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم} [البقرة: 85] وإن أتوكم مأسورين ~~يطلبون الفداء فديتموهم، وقرئ أسارى، وأسرى، وهما جمع أسير، وأسير: فعيل في ~~معنى مفعول، وإذا كان كذلك فجمعه: فعلى، نحو لديغ # PageV01P168 # ولدغى، وقتيل وقتلى، وجريح وجرحى فالأسرى هو القياس في جمع أسير. # ومن قال: أسارى شبهه بكسالى، وذلك أن الأسير لما كان محبوسا عن كثير من ~~تصرفه للأسرى كما أن الكسلان محتبس عن ذلك لعادته، شبه به، فقيل في جميعه: ~~أسارى. # كما قيل: كسالى. # قال سيبويه: قالوا: كسلى. # شبهوه بأسرى، كما قالوا: أسارى. # شبهوه بكسالى. # وقوله تعالى: تفادوهم قرئ أيضا بوجهين: بألف: من المفاداة، وبغير ms0079 ألف: من ~~الفداء، يقال: فديته بمال. # قال الله تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} [الصافات: 107] ، ويقال: فادى ~~الأسير، إذا أطلقه وأخذ عنه شيئا. # ومعنى فديته بالشيء: خلصته به، وجعلته عوضا عنه صيانة له، والقراءتان ~~معناهما واحد، وإنك تقول: فديته بالمال وفاديته وافتديته. # قال طرفة: # على مثلها أمضي إذا قال صحابي ... ألا ليتني أفديك منها وأفتدي # ومعنى {وفديناه بذبح عظيم} [الصافات: 107] : خلصناه به من الذبح. # والمفعول الثاني محذوف من الآية، لأن المعنى: تفدونهم، أو تفادونهم ~~بالمال. # وقوله تعالى: {وهو محرم عليكم إخراجهم} [البقرة: 85] هو إضمار الإخراج ~~الذي تقدم ذكره في قوله: {وتخرجون فريقا} [البقرة: 85] ، ثم بين لتراخي ~~الكلام أن ذلك الذي حرم عليهم الإخراج، فقال: {وهو محرم عليكم} [البقرة: ~~85] ، ولو اقتصر على هذا القدر اشتبه أن يرجع ذلك إلى فداء الأسرى، فأظهر ~~المكني عنه وأعاده فقال: إخراجهم، ونظم الآية، على التقدير والتأخير، لأن ~~التقدير: وتخرجون فريقا منكم من ديارهم وهو محرم عليكم إخراجهم وإن يأتوكم ~~أسرى تفدوهم. # والمحرم: الممنوع منه، والحرام: كل ممنوع من فعله، والمحروم: الممنوع منه ~~ما ناله سواه. # PageV01P169 # وقوله تعالى: {أفتؤمنون ببعض الكتاب} [البقرة: 85] يعني فداء الأسرى، ~~{وتكفرون ببعض} [البقرة: 85] يعني المقاتلة والإخراج من الديار، وقوله ~~تعالى: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم} [البقرة: 85] استفهام في معنى توبيخ، ~~{إلا خزي في الحياة الدنيا} [البقرة: 85] يعني ما نال بني قريظة وبني ~~النضير، لأن بني النضير أجلوا من مساكنهم، وبني قريظة أبيروا بقتل مقاتلتهم ~~وسبي ذراريهم. # والخزي: الهوان والفضيحة، وقد أخزاه الله، أي: أهانه وفضحه، وفي القرآن: ~~{ولا تخزون في ضيفي} [هود: 78] أي: لا تفضحون. # ثم أعلم الله تعالى أن ذلك غير مكفر عنهم ذنوبهم فقال: {ويوم القيامة ~~يردون} [البقرة: 85] يرجعون، إلى أشد العذاب أي: لا روح فيه باتصال أجزائه، ~~وقيل: إلى عذاب أشد من عذاب الدنيا. # {وما الله بغافل عما تعملون} [البقرة: 85] وعيد لهم وتهديد، فمن قرأ ~~بالياء فهو على الإخبار عنهم، ومن قرأ بالتاء فللمخاطبة، ثم أخبر أنهم ~~استبدلوا قليل الدنيا بكثير الآخرة فقال: {أولئك الذين اشتروا الحياة ~~الدنيا بالآخرة ms0080} [البقرة: 86] أي: اختاروا الحياة في هذه الدنيا بالنعيم ~~المقيم والعز الدائم في الآخرة، فلا يخفف أي: لا يهون، {عنهم العذاب ولا هم ~~ينصرون} [البقرة: 86] أي: يمنعون من عذاب الله. # {ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم ~~البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ~~ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون {87} وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم ~~فقليلا ما يؤمنون {88} ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا ~~من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله ~~على الكافرين {89} بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ~~ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين ~~عذاب مهين {90} وإذا قيل لهم # PageV01P170 # آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو ~~الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين {91} ~~} [البقرة: 87-91] قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده ~~بالرسل} [البقرة: 87] أي: أرسلنا رسولا يقفو رسولا في الدعاء إلى توحيد ~~الله والقيام بشرائع دينه، يقال: قفا أثره، وقفا غيره على أثره. # أي: أتبعه إياه، {وآتينا عيسى ابن مريم البينات} [البقرة: 87] وهي ~~العلامات الواضحة التي ذكرها في { [آل عمران، والمائدة، وأيدناه قويناه، ~~يقال: آيده وأيده، إذا قواه. # والأيد والآد: القوة، بروح القدس قال قتادة والربيع، والضحاك، والسدي، ~~وعطاء، عن ابن عباس: إنه جبريل، وكان قرينه يسير معه حيثما سار، وصعد به ~~إلى السماء لما قصد قتله، ومثله قوله تعالى:] قل نزله روح القدس} [سورة ~~النحل: 102] يعني: جبريل، وإنما سمي بذلك لأن الغالب على جسمه الروحانية، ~~لرقته، وكذلك سائر الملائكة، وأضيف إلى القدس، وهو الطهارة، لأنه لا يقترف ~~ذنبا ولا يأتي مأثما. # وقرئ القدس بالتخفيف والتثقيل، وهما نعتان مثل: العنق والعنق، والحلم ~~والحلم، وبابه. # قوله تعالى: أفكلما جاءكم يا معشر اليهود، {رسول بما لا تهوى أنفسكم} ~~[البقرة: 87] بما لا يوافق أهواءكم ms0081، استكبرتم أي: تعظمتم عن الإيمان به، ~~وذلك أنهم كانت لهم الرياسة وكانوا متبوعين، فآثروا الدنيا على الآخرة، ~~ففريقا كذبتم مثل: عيسى ومحمد عليهما السلام، وفريقا تقتلون مثل: يحيى ~~وزكريا عليهما السلام، نظير قوله: {فريقا كذبوا وفريقا يقتلون} [المائدة: ~~70] ، والفريق: الطائفة من الناس. # PageV01P171 # ولما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عرفوا أنه الوحي، يوبخهم ~~الله تعالى بما صنعوا. # وقالوا يا محمد، قلوبنا غلف وهو جمع أغلف، وكل شيء في غلاف فهو أغلف، ~~يقال: سيف أغلف، وقوس غلفاء، ورجل أغلف، إذا لم يختتن. # قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: إنهم قالوا استهزاء وإنكارا لما أتى به ~~النبي صلى الله عليه وسلم: قلوبنا عليها غشاوة، فهي أوعية، فلا تعي ولا ~~تفقه ما تقول يا محمد. # فأكذبهم الله فيما قالوا، وقال: بل لعنهم الله أي: أبعدهم من رحمته ~~وطردهم، واللعن في اللغة: الإبعاد، ثم يسمى التعذيب والسب والشتم لعنا. # يقول الله تعالى: ليس كما ذكروا من أن قلوبهم في الغلاف فلا تفهم، ولكن ~~الله لعنهم وأخزاهم ولم يجعل لهم سبيلا إلى فهم ما يقول محمد، وإن فهموا ~~حرموا الانتفاع به. # فهذا معنى لعن الله اليهود في هذا الموضع. # وقوله تعالى: بكفرهم أي: بإقامتهم على كفرهم، وتركهم الإيمان بمحمد صلى ~~الله عليه وسلم جعل الله جزاءهم على ذلك أن لعنهم، فقليلا ما يؤمنون قال ~~قتادة: معناه: لا يؤمنون منهم إلا قليل، لأن من آمن من المشركين أكثر ممن ~~آمن من اليهود. # وما صلة، وانتصب قليلا على الحال على تقدير: فيؤمنون قليلا كعبد الله بن ~~سلام وأصحابه. # والآية رد على القدرية، لأن الله تعالى بين أن كفرهم بسبب لعنه إياهم، ~~وأنه لما أراد كفرهم وشقاءهم منعهم الإيمان. # قوله تعالى: {ولما جاءهم كتاب من عند الله} [البقرة: 89] يعني القرآن، ~~مصدق موافق، لما معهم لأنه جاء على ما تقدم به الأخبار في التوراة، فهو ~~مصداق الخبر المتقدم، وكانوا يعني اليهود، من قبل أي: من قبل # PageV01P172 # هذا الكتاب، {يستفتحون على الذين كفروا} [البقرة: 89] يستنصرون الله ~~عليهم بالقرآن ms0082 والنبي المبعوث آخر الزمان. # قال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: كانت يهود خيبر تقاتل غطفان، فكلما ~~التقوا هزمت يهود خيبر، فعاذت اليهود بهذا الدعاء، وقالت: اللهم إنما نسألك ~~بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم. # فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان، فلما بعث النبي صلى ~~الله عليه وسلم كفروا به، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهو قوله تعالى: ~~{فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} [البقرة: 89] يعني الكتاب، وذلك أنهم كانوا ~~قد قرءوا في التوراة أن الله يبعث في آخر الزمان نبيا وينزله عليه قرآنا ~~مبينا، {فلعنة الله على الكافرين} [البقرة: 89] . # وقوله تعالى: {بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله} [البقرة: ~~90] بئس: لفظ وضع للذم، يخبر به عن الشيء المذموم، وهو مستوف لجميع الذم، ~~ومعنى الاشتراء ههنا: البيع، وهو من الأضداد، والمعنى: بئس الشيء باعوا به ~~أنفسهم الكفر، يريد: أنهم اختاروا الكفر وأخذوه، وبذلوا أنفسهم للنار، لأن ~~اليهود، خصوصا، علموا صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وأن من كذبه فالنار ~~عاقبته، فاختاروا الكفر وسلموا أنفسهم للنار، فكان ذلك كالبيع منهم. # وقوله تعالى: بغيا أي: حسدا، قال اللحياني: يقال: بغيت على أخيك بغيا. # أي: حسدته، فالبغي أصله الحسد، ثم سمي الظلم بغيا لأن الحاسد يظلم ~~المحسود جهده، طلبا لإزالة نعمة الله عنه، قال الله تعالى: {ثم بغي عليه ~~لينصرنه الله} [الحج: 60] ، وقال: {والذين إذا أصابهم البغي} [الشورى: 39] ~~، وقال ابن عباس: إن كفر اليهود لم يكن شكا ولا اشتباها، ولكن كان بغيا ~~منهم، حيث صارت النبوة في ولد إسماعيل، وقال السدي: لما جاءهم محمد صلى ~~الله عليه وسلم كفروا به حسدا، وقالوا: إنما كانت الرسل من بني إسرائيل، ~~فما بال هذا من بني إسماعيل؟ # PageV01P173 # وقوله تعالى: {أن ينزل الله من فضله} [البقرة: 90] أي: إنزال الله، ~~والمعنى: حسدا إنزال الله الكتاب، {على من يشاء من عباده} [البقرة: 90] ~~يعني محمدا عليه السلام، {فباءوا بغضب على غضب} [البقرة: 90] قال قتادة: ~~الأول: بكفرهم بعيسى والإنجيل ms0083، والثاني: بكفرهم بمحمد والقرآن. # وقال السدي: أما الغضب الأول: فحين غضب الله عليهم في عبادة العجل، ~~والثاني: حين كفروا بمحمد عليه السلام. # وقال مجاهد: الأول: بتبديلهم التوراة قبل خروج محمد صلى الله عليه وسلم، ~~والثاني: بجحودهم النبي صلى الله عليه وسلم وكفرهم بما جاء به. # وللكافرين يعني: الجاحدين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، عذاب مهين ~~يهانون فيه ولا يعزون. # وقوله: وإذا قيل لهم أي: لليهود، آمنوا بما أنزل الله يعني القرآن، ~~{قالوا نؤمن بما أنزل علينا} [البقرة: 91] يعنون التوراة، {ويكفرون بما ~~وراءه} [البقرة: 91] قال ابن الأنباري: تم الكلام عند قوله: بما أنزل ~~علينا، ثم ابتدأ الله تعالى بالإخبار عنهم فقال: ويكفرون بما وراءه أي: بما ~~سواه. # وقال الفراء: وذلك كثير في العربية، يتكلم الرجل بالكلام الحسن، فيقول ~~السامع: ليس وراء هذا الكلام شيء. # يريد: ليس سوى هذا الكلام شيء، ويحتمل بما وراءه: بما بعده، أي: بما بعد ~~التوراة. # يريد: الإنجيل والقرآن، ومثل هذا قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} ~~[النساء: 24] أي: ما بعده وما سواه، وقوله: {فمن ابتغى وراء ذلك} ~~[المؤمنون: 7] . # PageV01P174 # قوله تعالى: وهو الحق يعني ما وراء التوراة من الإنجيل والقرآن، أخبر ~~الله تعالى أن ما يكفرون به هو الحق، مصدقا لما معهم قال الزجاج: في هذا ~~دلالة على أنهم قد كفروا بما معهم، إذ كفروا بما يصدق ما معهم، قال: ونصبت ~~مصدقا على الحال. # ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحتج عليهم بقوله: {قل فلم تقتلون ~~أنبياء الله من قبل} [البقرة: 91] وهذا تكذيب لقولهم: {نؤمن بما أنزل ~~علينا} [البقرة: 91] أي: أي كتاب جوز فيه قتل نبي، وأي دين جوز فيه ذلك؟ ~~والمراد بلفظ الاستقبال ههنا: المضي، وجاز ذلك لأنه لا يذهب الوهم إلى غيره ~~بقوله: من قبل، ودليل هذا قوله: {قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي ~~قلتم فلم قتلتموهم} [آل عمران: 183] ، وأضاف القتل إلى المخاطبين، وإن كان ~~آباؤهم قد قتلوا، لأنهم كانوا يتولون الذين قتلوا، فهم على مذهبهم، وإذا ~~كانوا كذلك فقد ms0084 شركوهم. # قال ابن عباس: كلما عملت معصية فمن أنكرها برئ منها، ومن رضي بها كان كمن ~~شهدها. # وقوله تعالى: إن كنتم مؤمنين: إن بمعنى الشرط وجوابها قبلها، على تقدير: ~~إن كنتم مؤمنين فلم تقتلون أنبياء الله؟ لأنه ليس سبيل المؤمنين أن يقتلوا ~~الأنبياء، ولا يتولوا قاتليهم. # {ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون {92} ~~وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا ~~سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم ~~إن كنتم مؤمنين {93} } [البقرة: 92-93] قوله تعالى {ولقد جاءكم موسى ~~بالبينات} [البقرة: 92] يعني: العصا، واليد، وفلق البحر، وما أوتي موسى من ~~الدلالات الواضحة، {ثم اتخذتم العجل من بعده} [البقرة: 92] أي: من بعد ~~انطلاقه إلى الجبل، وأنتم ظالمون، وهذه الآية توبيخ لليهود على كفرهم ~~وعبادتهم العجل بعدما رأوا آيات موسى، وبيان أنهم إن كفروا بمحمد صلى الله ~~عليه وسلم فليس بأعجب من كفرهم في زمان موسى. # وقوله تعالى: وإذ أخذنا ميثاقكم مفسر فيما سبق إلى قوله: واسمعوا أي: ما ~~فيه من حلاله وحرامه، قالوا سمعنا ما فيه، وعصينا ما أمرنا به. # PageV01P175 # وقال الحسن: قالوا سمعنا بألسنتهم، وعصينا بقلوبهم. # والمفسرون اتفقوا على أنهم قالوا: سمعنا لما أظل الجبل فوقهم، فلما كشف ~~عنهم قالوا: عصينا. # وقوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل} [البقرة: 93] الإشراب: خلط لون ~~بلون، يقال: أبيض مشرب حمرة، إذا كان يخالطه حمرة. # قال أبو عبيدة، والزجاج: معناه: سقوا حب العجل، وخلطوا به حتى اختلط بهم. # وبين أن محل ذلك الحب قلوبهم، وأن الخلط حصل فيها، فأسند الفعل أولا إلى ~~الجملة، ثم خص القلوب، كما تقول: ضربوا على رءوسهم، وأراد: حب العجل، فحذف ~~المضاف، كقوله تعالى: {واسأل القرية} [يوسف: 82] . # وقوله تعالى: بكفرهم أي: باعتقادهم التشبيه، لأنهم طلبوا ما يتصور في ~~نفوسهم. # {قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين} [البقرة: 93] معناه: إن ~~كنتم مؤمنين فبئس الإيمان إيمان يأمركم بالكفر. # وهذا تكذيب لهم، لأنهم كانوا يزعمون أنهم مؤمنون، وذلك أنهم قالوا: {نؤمن ~~بما ms0085 أنزل علينا} [البقرة: 91] فكذبهم الله تعالى وعيرهم بعبادة العجل، وذلك ~~أن آباءهم ادعوا الإيمان ثم عبدوا العجل. # {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت ~~إن كنتم صادقين {94} ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ~~{95} ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف ~~سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون {96} } ~~[البقرة: 94-96] وقوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة} [البقرة: 94] ~~الآية، كانت اليهود تقول: {لن يدخل الجنة إلا من كان هودا} [البقرة: 111] ~~فقيل لهم: إن كنتم صادقين عند أنفسكم فتمنوا الموت فإن من كان لا يشك في ~~أنه صائر إلى الجنة فالجنة آثر عنده من الدنيا. # PageV01P176 # ثم أخبر أنهم لا يتمنون الموت فقال: ولن يتمنوه أبدا وذلك أنهم عرفوا ~~أنهم كفرة، ولا نصيب لهم في الجنة، لأنهم تعمدوا كتمان أمر النبي صلى الله ~~عليه وسلم وتكذيبه، وقوله تعالى: بما قدمت أيديهم أي: بما قدموه وعملوه، ~~فأضاف ذلك إلى اليد، وإن أكثر جنايات الإنسان تكون بيده، فيضاف إلى اليد كل ~~جناية، وإن لم يكن لليد فيها عمل، وقوله تعالى: والله عليم بالظالمين فيه ~~معنى التهديد، أي: عليم بمجازاتهم. # وفي هذه الآية أبين دلالة على صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه ~~أخبر عن الله أنهم لا يتمنون الموت، ثم لم يرد، مع حرصهم على تكذيبه، أن ~~أحدا أتاه وقال: يا محمد، أنا أشتهي الموت وأتمناه. # لأنهم علموا أنهم لو تمنوا، لم يبق منهم صغير ولا كبير إلا مات، فكان ~~إحجامهم عن ذكر الموت دليلا على عنادهم الحق وتكذيب من يعرفون صدقه. # قوله تعالى: ولتجدنهم دخلت اللام والنون لأن القسم مضمر، تقديره: والله ~~لتجدنهم، يعني علماء اليهود الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، ~~{أحرص الناس على حياة} [البقرة: 96] لأنهم علموا أنهم صائرون إلى النار إذا ~~ماتوا. # ومعنى الحرص: شدة الطلب، ومن الذين أشركوا أي: وأحرص من الذين أشركوا، ~~ومعنى الإشراك: عبادة ms0086 غير الله مع الله، وهو أن يجعل عبادته مشتركة بين ~~الله وغيره. # قال أبو العالية، والربيع: أراد بالذين أشركوا: المجوس، وإنما وصفوا ~~بالإشراك لأنهم يقولون بالنور والظلمة، ويزدان وأهرمن، وهم موصفون بالحرص ~~على الحياة، ولهذا جعلوا التحية بينهم: زه هزار سال. # أي: عش ألف سنة. # وقال ابن عباس: أراد بالذين أشركوا: منكري البعث، ومن أنكر البعث أحب ~~الحياة، لأنه لا يرجو بعثا بعد الموت. # PageV01P177 # وقوله تعالى: {يود أحدهم} [البقرة: 96] أي: أحد اليهود، يقال: وددت الشيء ~~أوده ودا وودادا وودادة. # {لو يعمر ألف سنة} [البقرة: 96] يقال: عمره الله تعميرا، إذا أطال عمره. # وما هو أي: وما أحدهم، {بمزحزحه} [البقرة: 96] بمبعده، {من العذاب أن ~~يعمر والله بصير بما يعملون} [البقرة: 96] والزحزحة: الإبعاد والتنحية، ~~يقال: زحزحه فتزحزح. # يعني: إنه وإن عمر فعاقبته النار. # {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه ~~وهدى وبشرى للمؤمنين {97} من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ~~فإن الله عدو للكافرين {98} ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا ~~الفاسقون {99} أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ~~{100} } [البقرة: 97-100] قوله تعالى: {قل من كان عدوا لجبريل} [البقرة: ~~97] الآية، سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن يأتيه من ~~الملائكة، فقال: «جبريل» . # فقالوا: هو عدونا، ولو أتاك ميكائيل بالوحي لقبلنا منك. # فأنزل الله تعالى هذه الآية. # وجبريل فيه لغات، وكذلك ميكائيل وإسرائيل، وهذه أسماء أعجمية وقعت إلى ~~العرب، فإذا أتي بها على ما في أبنية العرب مثله كان أذهب في باب التعريب. # فمن قال: جبريل. # بكسر الجيم وحذف الهمزة، كان على لفظ: قنديل وبرطيل، ومن قال: جبريل. # بفتح الجيم وترك الهمزة، فليس بهذا البناء مثل في كلام العرب فيكون هذا ~~من باب الآجر والإبريسم والفرند، ونحو ذلك من الذي لم يجئ له مثل في ~~كلامهم، # PageV01P178 # ومن قال: جبرئل. # على وزن جبرعل، كان على وزن جحمرش، وصهصلق. # وجبرئيل: على وزن عندليب، وكلا المذهبين حسن، لاستعمال العرب لهما جميعا. # قال ms0087 جرير: # عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد ... وبجبرئيل وكذبوا ميكالا # وقال حسان: # وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس به خفاء # وقال كعب بن مالك: # ويوم بدر لقيناكم لنا مدد ... فيه مع النصر جبريل وميكال # وقال جماعة من أهل العلم: جبر، وميك: هو العبد بالسريانية، وإيل: هو الله ~~عز وجل. # وروي عن ابن عباس، أنه قال: إنما جبريل وميكائيل كقولنا: عبد الله وعبد ~~الرحمن. # وقوله: فإنه يعني جبريل، نزله يعني القرآن، {على قلبك} [البقرة: 97] يعني ~~قلب محمد عليه السلام، بإذن الله بأمر الله، {مصدقا لما بين يديه} [البقرة: ~~97] لما قبله من الكتب التي أنزلها الله، {وهدى وبشرى للمؤمنين} [البقرة: ~~97] رد على اليهود حين قالوا: إن جبريل ينزل بالحرب والشدة. # فقيل: إنه، وإن كان ينزل بالحرب والشدة على الكافرين، فإنه ينزل بالهدى ~~والبشرى للمؤمنين. # وعنى بالهدى والبشرى: القرآن، فإن فيه هدى من الضلالة وبشرى بالجنة لمن ~~آمن به. # قوله تعالى: {من كان عدوا لله} [البقرة: 98] الآية. # إن اليهود قالت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن صاحب محمد من الملائكة ~~جبريل وهو عدونا يطلع محمدا على سرنا، وهو صاحب كل عذاب وخسف وسنة وشدة. # فقال عمر: فإني أشهد أن من كان عدوا لجبريل فإنه عدو لميكائيل، ومن كان ~~عدوا لهما فإن الله عدو له. # ثم أتى عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجد جبريل عليه # PageV01P179 # السلام قد سبقه بالوحي، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه ~~الآيات، وقال: «لقد وافقك ربك يا عمر» . # قال عمر: فلقد رأيتني في دين الله أصلب من الحجر. # ومعنى {من كان عدوا لله} [البقرة: 98] أي: من كان الله عدوه، ولا تصح ~~العداوة لله على الحقيقة، لأن العداوة للشيء: طلب الإضرار به بغضا به، ~~وإنما قيل للكافر: عدو لله. # من عداوة الله له، أو لأنه يفعل فعل المعادي. # وقوله تعالى: {وملائكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة: 98] : أخرجهما ~~الله من جملة الملائكة، بالذكر تخصيصا وتشريفا لهما، كقوله تعالى: {فيهما ~~فاكهة ونخل ورمان} [الرحمن: 68] ، وكقوله: وأن المساجد لله بعد ms0088 قوله: {ولله ~~ما في السموات وما في الأرض} [آل عمران: 109] ، ومعنى الآية: من كان عدوا ~~لأحد هؤلاء فإن الله عدو له، وهو قوله: {فإن الله عدو للكافرين} [البقرة: ~~98] لأن عدو الواحد عدو للجميع، وعدو محمد عدو لله، ومعنى {فإن الله عدو ~~للكافرين} [البقرة: 98] : أنه تولى تلك العداوة بنفسه، وكفى رسله وملائكته ~~أمر من عاداهم. # وإنما قال: عدو للكافرين ولم يقل: عدو لهم. # ليدل على أنهم كافرون بهذه العداوة. # قوله تعالى: {ولقد أنزلنا إليك آيات بينات} [البقرة: 99] قال ابن عباس: ~~هذا جواب لابن صوريا، حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما ~~جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك لها. # فأنزل الله هذه الآية. # والبينة: الدلالة الفاصلة بين القضية الصادقة والكاذبة، لأنها من إبانة ~~أحد الشيئين عن الآخر فيزول الالتباس بها. # قوله تعالى: {وما يكفر بها إلا الفاسقون} [البقرة: 99] أي: الخارجون عن ~~أديانهم، واليهود خرجت، بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، عن شريعة موسى. # قوله تعالى: أوكلما الواو فيه: عطف واو العطف، ودخل عليها ألف الاستفهام، ~~وكلما: ظرف، وقوله: {عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم} [البقرة: 100] # PageV01P180 # قال المفسرون: إن اليهود عاهدوا، فيما بينهم: لئن خرج محمد صلى الله عليه ~~وسلم ليؤمنن به، وليكونن معه على مشركي العرب. # فلما بعث نقضوا العهد وكفروا به. # وقال عطاء: هي العهود التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ~~اليهود فنقضوها، كفعل قريظة والنضير، عاهدوا ألا يعينوا عليه أحدا، فنقضوا ~~ذلك وأعانوا عليه قريشا يوم الخندق. # وقوله تعالى: {بل أكثرهم لا يؤمنون} [البقرة: 100] لأنهم من بين كافر ~~ينقض العهد، أو كافر بالجحد لأمر محمد صلى الله عليه وسلم، فأكثرهم غير ~~مؤمنين. # {ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا ~~الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون {101} واتبعوا ما تتلو ~~الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس ~~السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان ms0089 من أحد حتى ~~يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ~~وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد ~~علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو ~~كانوا يعلمون {102} ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا ~~يعلمون {103} } [البقرة: 101-103] قوله تعالى: {ولما جاءهم رسول من عند ~~الله مصدق لما معهم} [البقرة: 101] أي: من نعته وصفته، جاءهم على النعت ~~الذي نعت به في التوراة، {نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب} [البقرة: 101] ~~يعني علماء اليهود الذين تواطئوا على كتمان أمر محمد عليه السلام. # قوله تعالى: {كتاب الله وراء ظهورهم} [البقرة: 101] يجوز أن يكون المراد ~~ب كتاب الله: القرآن، ويجوز أن يكون المراد به: التوراة، لأن الذين كفروا ~~بالنبي صلى الله عليه وسلم نبذوا التوراة، والنبذ: الطرح، ويقال لكل من ~~استخف بشيء ولم يعمل به: نبذه وراء ظهره. # قال الشعبي: هو بين أيديهم يقرءونه، ولكن نبذوا العمل به. # PageV01P181 # وقال سفيان بن عيينة: أدرجوه في الحرير والديباج، وحلوه بالذهب والفضة، ~~ولم يحلوا حلاله، ولم يحرموا حرامه، فذلك النبذ. # وقوله تعالى: كأنهم لا يعلمون أعلم الله تعالى أنهم نبذوا كتاب الله ~~ورفضوه عن علم بعظيم ما يفعلون، حتى كأنهم لا يعلمون ما يستحقون من العذاب، ~~ثم أخبر أنهم رفضوا كتابه، واتبعوا السحر فقال: {واتبعوا ما تتلو الشياطين} ~~[البقرة: 102] أي: تقرأ وتحدث وتقص، والمراد بلفظ الاستقبال: المضي، بمعنى: ~~تلت الشياطين، {على ملك سليمان} [البقرة: 102] قال السدي: إن الناس، في زمن ~~سليمان، اكتتبوا السحر، واشتغلوا بتعلمه، فأخذ سليمان تلك الكتب وجعلها في ~~صندوق، ودفنها تحت كرسيه، ونهاهم عن ذلك، فلما مات سليمان، وذهب الذين ~~كانوا يعرفون دفنه الكتب، تمثل الشيطان على صورة إنسان، فأتى نفرا من بني ~~إسرائيل، فقال: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدا؟ قالوا: نعم. # قال: فاحفروا تحت الكرسي. # فحفروا، فوجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوا قال الشيطان: إن سليمان كان يضبط ms0090 ~~الجن والإنس والشياطين والطير بهذا. # فاتخذ بنو إسرائيل تلك الكتب، فذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود، وبرأ ~~الله عز وجل سليمان من ذلك، وأنزل هذه الآية. # وقوله: {وما كفر سليمان} [البقرة: 102] أي: لم يكن كافرا ساحرا يسحر ~~ويعمل بالسحر، {ولكن الشياطين كفروا} [البقرة: 102] بالله. # وفي ولكن قراءتان: التشديد ونصب الاسم به، والتخفيف ورفع الاسم به، وهذا ~~الحرف إذا استعمل # PageV01P182 # مثقلا كان عاملا في الاسم، وعمله النصب، وإذا استعمل مخففا لم يعمل النصب ~~وكان حرف عطف. # وقوله تعالى: {يعلمون الناس السحر} [البقرة: 102] يعني: الشياطين إذا ~~حدثوا بالسحر وتكلموا به وألقوه بين الناس، ويجوز أن يكون يعلمون من فعل ~~اليهود الذين عنوا بقوله: واتبعوا. # قوله: {وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} [البقرة: 102] موضع ما ~~نصب عطفا على السحر. # ومعنى {أنزل على الملكين} [البقرة: 102] : علما وألهما، وقذف في قلوبهما ~~من علم التفرقة بين المرء وزوجه، وهو رقية وليس بسحر، والرخصة في الرقية ~~واردة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالرقى ما لم تكن ~~شركا» . # وروى طلحة، عن عطاء، قال: بلغني أن هاروت وماروت قالا، وهما في السماء: ~~أي ربنا، إنك لتعصى في الأرض. # قال: فاهبطا إلى الأرض. # فجعلا يحكمان بين الناس، حتى جاءتهما امرأة من أحسن الناس وأجملهم تخاصم ~~زوجا لها، فقال أحدهما للآخر: هل سقط في نفسك مثل الذي سقط في نفسي؟ قال: ~~نعم. # قال: فهل لك أن تقضي لها على زوجها؟ فقال له صاحبه: أما تعلم ما عند الله ~~من العقوبة والعذاب؟ فقال له صاحبه: أما تعلم ما عند الله من المغفرة ~~والرحمة؟ فسألاها نفسها، فقالت لهما: لا، إلا أن تقضيا على زوجي. # فقضيا عليه ثم سألاها نفسها، فقالت: لهما: لا، إلا أن تقتلاه، فأفرغ ~~لكما. # فقال أحدهما للآخر: أما تعلم ما عند الله من العقوبة والعذاب؟ فقال له ~~صاحبه: أما تعلم ما عند الله من المغفرة والرحمة؟ فقتلاه، ثم سألاها نفسها، ~~فقالت: لا، إلا أن لها صنما تعبده، إن أنتما صليتما معي عنده فعلت ms0091. # فقال أحدهما لصاحبه مثل القول الأول، وقال له صاحبه مثل قوله الأول، ~~فصليا معها عنده، فمسخت عند ذلك شهابا، وأخذا عند ذلك، فخيرا بين عذاب ~~الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة. # PageV01P183 # قال عطاء: فبلغني أنهما معلقان بأرجلهما، مصوبة رءوسهما تحت أجنحتهما، ~~وبابل: اسم أرض في جانب العراق. # وقوله تعالى: {وما يعلمان من أحد} [البقرة: 102] اختلفوا في تعليم ~~الملكين السحر، فذكر أهل التفسير وأصحاب المعاني فيه وجهين: أنهما كانا لا ~~يتعمدان تعليم السحر، ولكنهما يصفانه، ويذكران بطلانه، ويأمران باجتنابه، ~~وكانا يعلمان الناس وغيرهم ما يسألان عنه، ويأمران باجتناب ما حرم عليهم، ~~وطاعة الله فيما أمروا به ونهوا عنه، وفي ذلك حكمة، لأن سائلا لو سأل: ما ~~الزنى وما اللواط؟ لوجب أن يوقف عليه ويعلم أنه حرام، فكذلك مجاز إعلام ~~الملكين الناس السحر، وأمرهما السائل باجتنابه بعد الإعلام والإخبار أنه ~~كفر وحرام. # ويؤكد هذا الوجه ما روى أبو العباس، عن ابن الأعرابي، أنه قال: علم ~~بمعنى: أعلم، وذلك أن التعليم لا ينفك من الإعلام، كما يقال: تعلم، بمعنى: ~~علم. # لأن من تعلم شيئا فقد علمه، فيوضع التعليم موضع العلم. # قال ابن الأعرابي: ومن هذا قوله تعالى: {وما يعلمان من أحد} [البقرة: ~~102] قال: معناه: أن الساحر يأتي الملكين فيقول: # PageV01P184 # أخبراني عما نهى الله عنه حتى أنتهي. # فيقولان: نهى الله عن الزنى. # فيصفانه، فيقول: وعن ماذا؟ فيقولان عن اللواط. # ثم يقول: وعن ماذا؟ فيقولان: عن السحر. # فيقول: وما السحر؟ فيقولان: هو كذا. # فيحفظه وينصرف، فيخالف فيكفر. # فهذا معنى قوله: يعلمان أنما هو يعلمان. # ولا يكون تعليم السحر، إذا كان إعلاما، كفرا، ولا تعمله، إذا كان على ~~معنى الوقوف عليه ليجتنبه، كفرا، كما أن من عرف الزنى لم يأثم، إنما يأثم ~~بالعمل. # الوجه الثاني: أن الله عز وجل امتحن الناس بالملكين في ذلك الوقت، وجعل ~~المحنة في الكفر والإيمان أن يقبل تعليم السحر، فيكفر بتعلمه، ويؤمن بشرك ~~التعلم، ولله تعالى أن يمتحن عباده بما يشاء، كما امتحن بنهر طالوت في قوله ~~تعالى ms0092: {إن الله مبتليكم بنهر} [البقرة: 249] ، يدل على صحة هذا: قوله: ~~{وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} [البقرة: 102] أي: ~~محنة من الله، نخبرك أن عمل السحر كفر بالله وننهاك عنه، فإن أطعتنا في ترك ~~العمل بالسحر نجوت، وإن عصيتنا في ذلك هلكت. # ومعنى من أحد: أحدا، ومن زائدة مؤكدة كقولك: ما جاءني من أحد. # ومعنى الفتنة: الابتلاء والامتحان، مأخوذ من قولهم: فتنت الذهب والفضة، ~~إذا أذبتهما بالنار ليتميز الرديء من الجيد. # ومن هذا قوله تعالى: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا ~~يفتنون} [العنكبوت: 2] قيل في التفسير: وهم لا يبتلون في أنفسهم وأموالهم. # {ولقد فتنا الذين من قبلهم} [العنكبوت: 3] أي: اختبرنا، ويقال: فتنه ~~وأفتنه. # والفتنة مصدر، لذلك لم يثن. # PageV01P185 # وقوله تعالى: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} [البقرة: ~~102] وهو أن يؤخذ كل واحد منهما عن صاحبه، ويبغض كل واحد منهما إلى صاحبه، ~~وما هم أي: السحرة، وقيل: الشياطين. # بضارين به أي: بالسحر، من أحد أي: أحدا. # إلا بإذن الله قال المفسرون: الإذن ههنا: إرادة التكوين. # أي: لا يضرون بالسحر إلا من أراد الله أن يلحقه الضرر. # وقوله تعالى: {ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} [البقرة: 102] المعنى: أنه ~~يضرهم في الآخرة وإن تعجلوا به في الدنيا نفعا، ولقد علموا يعني اليهود، ~~{لمن اشتراه} [البقرة: 102] أي: اختاره، يعني السحر، {ما له في الآخرة من ~~خلاق} [البقرة: 102] أي: نصيب، والخلاق: النصيب الرامز من الخير، قال ~~المفسرون: الخلاق من هذه الآية: النصيب من الجنة. # قوله تعالى: {ولبئس ما شروا به أنفسهم} [البقرة: 102] أي: بئس شيء باعوا ~~به حظ أنفسهم، حيث اختاروا السحر ونبذوا كتاب الله، لو كانوا يعلمون عاقبة ~~ما يصير إليه من بخس حظه في الآخرة. # ولو أنهم آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، واتقوا اليهود والسحر، ~~لأثيبوا ما هو خير لهم، وهو قوله: {لمثوبة من عند الله خير لو كانوا ~~يعلمون} [البقرة: 103] ، والمثوبة كالثواب، وكذلك المثوبة مثل المشورة ~~والمشورة، ويعني بالآية أن ثواب الله ms0093 لهم لو آمنوا خير من كسبهم بالكفر ~~والسحر. # {يأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين ~~عذاب أليم {104} ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل ~~عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ~~{105} } [البقرة: 104-105] قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تقولوا ~~راعنا} [البقرة: 104] المراعاة: المراقبة وحفظ ما يكون من أحوال الشيء، ~~يقال: راعنا سمعك. # أي: اسمع منا حتى نفهمك وتفهم عنا، والعرب تقول: راعنا سمعك، وراعنا ~~بسمعك. # بمعنى واحد. # قال الكلبي، عن ابن عباس: كان المسلمون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: ~~راعنا سمعك. # وكان هذا بلسان اليهود سبا قبيحا فيما بينهم، فلما سمعوا هذه الكلمة ~~يقولونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعجبتهم، فكانوا يأتونه ويقولون ~~ذلك ويضحكون فيما بينهم، فسمعها سعد بن معاذ، وكان يعرف لغتهم، فقال ~~لليهود: عليكم لعنة الله، لئن سمعتها من رجل منكم يقولها # PageV01P186 # لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه. # فقالت اليهود: أولستم تقولونها؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ونهوا عن ~~ذلك. # وهذا النهي اختص بذلك الوقت، لإجماع الأمة على جواز المخاطبة بهذا اللفظ ~~الآن. # وقوله تعالى: {وقولوا انظرنا} [البقرة: 104] أي: نظرت فلانا، أي: ~~انتظرته، ومنه قوله تعالى: {انظرونا نقتبس من نوركم} [الحديد: 13] ، ومعنى ~~انظرنا: اصبر حتى نفهمك ما نقول، ويجوز أن يكون انظرنا أي: انظر إلينا، ~~فحذف حرف الجر، أمروا أن يقولوا بدل راعنا: انظرنا. # قوله تعالى: واسمعوا أي: ما يقال لكم وما تؤمرون به، ومعناه: وأطيعوا، ~~لأن الطاعة تحت السمع، وللكافرين يعني اليهود، عذاب أليم. # قوله تعالى: ما يود أي: ما يحب وما يريد، {الذين كفروا من أهل الكتاب} ~~[البقرة: 105] يعني اليهود، ولا المشركين من العرب، {أن ينزل عليكم من خير} ~~[البقرة: 105] أي: خير، من ربكم ومن: صلة مؤكدة، يريد: أنهم على إنزال ~~القرآن عليكم، {والله يختص} [البقرة: 105] يقال: خصه بالشيء واختصه به، إذا ~~أفرده به دون غيره. # قوله تعالى: برحمته أي: نبوته، من يشاء يعني محمدا صلى الله ms0094 عليه وسلم، ~~{والله ذو الفضل العظيم} [البقرة: 105] تفضل بالنبوة على محمد صلى الله ~~عليه وسلم وعلى المسلمين بدينه الإسلام. # {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على ~~كل شيء قدير {106} ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض وما لكم من دون ~~الله من ولي ولا نصير {107} } [البقرة: 106-107] قوله تعالى: {ما ننسخ من ~~آية} [البقرة: 106] الآية، وذلك أن المشركين قالوا: القرآن كلام محمد تقوله ~~من نفسه، يأمر أصحابه بأمر، ثم ينهاهم عنه بخلافه، ويقول اليوم قولا ويرجع ~~عنه غدا. # فأنزل الله تعالى هذه الآية. # ومعنى النسخ: إبطال الشيء وإقامة آخر مقامه، تقول العرب: نسخت الشمس ~~الظل. # أي: أذهبته وحلت محله، وهذا نسخ إلى بدل، لأن الظل يزول ويبطل، وتكون ~~الشمس بدلا عنه، ويجوز النسخ إلى غير بدل، وهو رفع # PageV01P187 # الحكم وإبطاله من غير أن يقيم له بدلا، يقال: نسخت الريح الآثار، أي: ~~أبطلتها وأزالتها. # والمعروف من النسخ في القرآن: إبطال الحكم مع إثبات الخط، وهو أن تكون ~~الآية الناسخة والمنسوخة ثابتتين في التلاوة، إلا أن المنسوخة لا يعمل بها، ~~مثل عدة المتوفى عنها زوجها، كانت سنة، لقوله تعالى: {متاعا إلى الحول غير ~~إخراج} [البقرة: 240] ثم نسخت بأربعة أشهر وعشر، لقوله تعالى: {يتربصن ~~بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} [البقرة: 234] ، وكقوله: {إن يكن منكم عشرون ~~صابرون} [الأنفال: 65] الآية، ثم نسخت بقوله: {الآن خفف الله عنكم} ~~[الأنفال: 66] ، الآية. # وقرأ ابن عامر ما ننسخ بضم النون، من أنسخت الآية، أي: وجدتها منسوخة، ~~كقولك: أحمدت الرجل، وأحببته، وأكذبته، وأبخلته. # أي: وجدته على هذه الأحوال. # فيكون معنى قوله: ننسخ: نجده منسوخا، وإنما نجده كذلك لنسخه إياه، وإذا ~~كان كذلك كان معنى قراءة ابن عامر كمعنى قراءة من قرأ ننسخ، بفتح النون، ~~يتفقان في المعنى، وإن اختلفا في اللفظ. # وقوله تعالى: أو ننسها النسيان: ضد الذكر، والإنساء منقول منه، يقال: نسي ~~الرجل الشيء، وأنسيته الشيء، إذا جعلته ينساه. # ومعنى الآية: إنا إذا رفعنا آية من جهة النسخ أو الإنساء لها ms0095 أتينا بخير ~~من الذي نرفعه بإحدى هذين الوجهين، وهما النسخ والإنساء. # وقد يقع النسخ بالإنساء، وهو ما ### | 38 - # أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل # PageV01P188 # التاجر، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، أخبرنا محمد بن يحيى، ~~حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني أبو أمامة بن سهل بن ~~حنيف: أن رهطا من الأنصار، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه ~~أنه قام رجل منهم من جوف الليل يريد أن يفتتح سورة قد كان دعاها، فلم يقدر ~~منها على شيء إلا (بسم الله الرحمن الرحيم) ، فأتى باب النبي صلى الله عليه ~~وسلم، حين أصبح، ليسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ثم جاء آخر وآخر، ~~حتى اجتمعوا، فسأل بعضهم بعضا: ما جمعهم؟ فأخبر بعضهم بعضا بشأن تلك ~~السورة، ثم أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبرهم، وسألوه عن ~~السورة، فسكت ساعة لا يرجع إليهم شيئا، ثم قال: «نسخت البارحة من صدوركم ~~ومن كل شيء كانت فيه» # وقرأ أبو عمرو ننسأها مفتوحة النون، مهموزة، من النسيء بمعنى التأخير، ~~يقال: نسأت الإبل عن الحوض. # أي: أخرتها. # ومعنى التأخير في الآية: أن يؤخر التنزيل، فلا ينزل ولا يعلم ولا يعمل به ~~ولا يتلى، والمعنى: نؤخرها لوقت كان، فنأتي بدلا منها في الوقت المتقدم بما ~~يقوم مقامها، # PageV01P189 # ومعنى {نأت بخير منها} [البقرة: 106] أي: أصلح لمن تعبر بها، وأنفع لها، ~~وأسهل عليهم، وأكثر لأجرهم، لا أن آية خير من آية، أو مثلها في المنفعة ~~والمثوبة بأن يكون ثوابها كثواب التي قبلها. # والفائدة في ذلك: أن يكون الناسخ أسهل من المأخذ من المنسوخ، والإيمان به ~~والناس إليه أسرع، نحو القبلة التي كانت على جهة، ثم حولت إلى الكعبة، فهذا ~~وإن كان السجود إلى سائر النواحي متساويا في العمل والثواب، فالذي أمر الله ~~به في ذلك الوقت كان الأصلح والأدعى للعرب وغيرهم إلى الإسلام. # وقوله تعالى: {ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير} [البقرة: 106] أي: من ms0096 ~~النسخ والتبديل وغيرهما. # قوله: ألم تعلم استفهام معناه التقرير، {أن الله له ملك السموات والأرض} ~~[البقرة: 107] الملك: تمام القدرة واستحكامها، والمعنى: أنه يملك السموات ~~والأرض ومن فيهن، فهو أعلم بما يتعبدهم من ناسخ ومنسوخ، {وما لكم من دون ~~الله من ولي} [البقرة: 107] الولي: فعيل بمعنى فاعل، يقال: هو والي الأمر ~~ووليه. # أي: القائم به. # المعنى: ما لكم من دون الله من وال يلي أمركم، ولا نصير ناصر يمنعكم من ~~العذاب، وفي هذا تحذير للعباد، إذ لا مانع منه. # {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر ~~بالإيمان فقد ضل سواء السبيل {108} ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من ~~بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا ~~واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير {109} وأقيموا الصلاة ~~وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون ~~بصير {110} } [البقرة: 108-110] قوله تعالى: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم} ~~[البقرة: 108] الآية، قال المفسرون: إن اليهود وغيرهم من المشركين تمنوا ~~على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن قائل يقول: ائتنا بكتاب من السماء ~~جملة كما أتي موسى بالتوراة، ومن قائل # PageV01P190 # يقول، وهو عبد الله بن أبي أمية المخزومي: ائتني بكتاب من السماء فيه: من ~~رب العالمين إلى ابن أبي أمية، اعلم أني قد أرسلت محمدا إلى الناس. # ومن قائل يقول: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا. # فأنزل الله عز وجل: {أم تريدون} [البقرة: 108] معناه: بل أتريدون، فهو ~~استفهام منقطع عما قبله، {أن تسألوا رسولكم} [البقرة: 108] محمدا عليه ~~السلام من الاقتراح والتمني، {كما سئل موسى من قبل} [البقرة: 108] يعني ~~قولهم: {أرنا الله جهرة} [النساء: 153] . # قال الزجاج: معنى الآية: أنهم نهوا أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم ما لا خير لهم في السؤال عنه، والسؤال بعد قيام البراهين كفر، لذلك ~~قال: {ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل} [البقرة: 108] أي: ~~قصده ووسطه ms0097. # ومعنى الضلال: الذهاب عن الاستقامة. # قوله تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا} ~~[البقرة: 109] قال ابن عباس: نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين، بعد ~~وقفة أحد: ألم تروا إلى ما أصابكم؟ ولو كنتم على الحق ما هزمتم، فارجعوا ~~إلى ديننا فهو خير لكم. # وقوله تعالى: حسدا أي: يحسدونكم حسدا، من عند أنفسهم أي: في حكمهم ~~وتدينهم ومذهبهم، أي: هذا الحسد مذهب لهم، لم يؤمروا به، {من بعد ما تبين ~~لهم الحق} [البقرة: 109] في التوراة أن قول محمد صدق، ودينه حق. # قوله: {فاعفوا واصفحوا} [البقرة: 109] أي: عن مساوئ كلامهم وغل قلوبهم، ~~{حتى يأتي الله بأمره} [البقرة: 109] قال عطاء: يريد: إجلاء النضير وقتل ~~قريظة، وفتح خيبر وفدك. # PageV01P191 # وقال قتادة: يعني: أمر بالقتال في قوله: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} ~~[التوبة: 29] الآية، {إن الله على كل شيء قدير} [البقرة: 109] . # {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ~~إن الله بما تعملون بصير} [البقرة: 110] . # {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا ~~برهانكم إن كنتم صادقين {111} بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ~~ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون {112} وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ~~وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا ~~يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ~~{113} ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ~~ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب ~~عظيم {114} } [البقرة: 111-114] قوله تعالى: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من ~~كان هودا أو نصارى} [البقرة: 111] أي: وقالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من ~~كان يهوديا. # وقالت النصارى: لن يدخلها إلا من كان نصرانيا. # والهود: هم اليهود، هادوا يهودون هودا، أي: تابوا من عبادة العجل، ~~والهود: جمع هائد، مثل: حائل وحول، وفاره وفره، قال الله تعالى ms0098: {تلك ~~أمانيهم} [البقرة: 111] التي تمنوها على الله باطلا، {قل هاتوا برهانكم} ~~[البقرة: 111] أي: قربوا حجتكم على ما تقولون، إن كنتم صادقين في دعواكم. # بلى يدخل الجنة، {من أسلم وجهه لله} [البقرة: 112] أي: يذل وجهه له في ~~السجود، والمعنى: سلم وجهه له بأن # PageV01P192 # صانه عن السجود لغيره، وهو محسن قال ابن عباس: مؤمن موحد، مصدق لما جاء ~~به محمد عليه السلام، فله أجره الذي وعده الله له، عند ربه يعني الجنة، ~~{ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 112] . # قوله تعالى: {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء} [البقرة: 113] الآية، ~~قال ابن عباس: قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنازعوا ~~مع اليهود، فكذب كل واحد منهما صاحبه، فنزلت هذه الآية. # قوله تعالى: {وهم يتلون الكتاب} [البقرة: 113] قال الزجاج: يعني أن ~~الفريقين يتلوان التوراة، وقد وقع بينهما هذا الاختلاف وكتابهم واحد، فدل ~~بهذا على ضلالتهم. # ثم بين أن سبيلهم كسبيل من لا يعلم الكتاب في الإنكار لدين الله من مشركي ~~العرب وغيرهم فقال: {كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم} [البقرة: 113] ~~قال مقاتل: يعني مشركي العرب قالوا: إن محمدا وأصحابه ليسوا على شيء من ~~الدين. # {فالله يحكم بينهم يوم القيامة} [البقرة: 113] الآية، قال الزجاج: أي: ~~يريهم من يدخل الجنة عيانا ومن يدخل النار عيانا. # قوله: ومن أظلم أي: وأي أحد أظلم، {ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها ~~اسمه} [البقرة: 114] يعني مشركي مكة، منعوا المسلمين من ذكر الله في المسجد ~~الحرام، وسعى عمل، في خرابها لأن عمارتها بالعبادة فيها، وكل من منع من ~~عبادة الله في مسجد فقد سعى في خرابه، {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا ~~خائفين} [البقرة: 114] قال ابن عباس، في رواية عطاء: هذا وعد من الله لنبيه ~~والمهاجرين، يقول: أفتح لكم مكة حتى تدخلوها آمنين وتكونوا أولى بها منهم. # PageV01P193 # لهم في الدنيا خزي يعني: القتل لمن أقام على الكفر، ولهم في الآخرة عذاب ~~عظيم. # {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ms0099 {115} ~~وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون ~~{116} بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون {117} ~~وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من ~~قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون {118} } ~~[البقرة: 115-118] قوله تعالى: {ولله المشرق والمغرب} [البقرة: 115] الآية، ~~قال ابن عباس، في رواية علي بن أبي طلحة الوالبي: إن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت ~~اليهود، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، ~~فلما صرفه الله إليها عيرت اليهود المؤمنين، فأنزل الله: {فأينما تولوا فثم ~~وجه الله} [البقرة: 115] . # والمعنى: فأينما تولوا وجوهكم، فحذف المفعول للعلم به. # ومعنى قوله: فثم وجه الله: فهناك قبلة الله، والوجه: والجهة، والجهة: ~~القبلة، ومثله: الوزن والزنة، والوعد والعدة، والعرب تسمي القصد الذي يتوجه ~~إليه: وجها، قال الشاعر: # أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل # معناه: إليه القصد بالعبادة. # وقوله تعالى: {إن الله واسع عليم} [البقرة: 115] أي: واسع الرحمة، واسع ~~الشريعة بالترخيص لهم والتوسعة على عباده في دينهم، لا يضطرهم إلى ما ~~يعجزون عن أدائه. ### | 39 - # أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن أحمد المنصوري، أخبرنا علي بن عمر ~~الحافظ، حدثنا أبو محمد # PageV01P194 # إسماعيل بن علي، قال: حدثنا الحسن بن علي بن شبيب، حدثنا أحمد بن عبيد ~~الله بن الحسن العنبري، قال: وجدت في كتاب أبي: حدثنا عبد الملك العرزمي، ~~حدثنا عطاء بن أبي رباح، عن جابر، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~سرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة، فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: قد عرفنا ~~القبلة، هي ههنا قبل الشمال فصلوا وخطوا خطوطا، وقال بعضنا القبلة ههنا قبل ~~الجنوب، فصلوا، وخطوا خطوطا، فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط ~~لغير القبلة، فلما قفلنا من سفرنا، سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ~~فسكت، فأنزل الله ms0100 تعالى {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} ~~[البقرة: 115] # قوله: {وقالوا اتخذ الله ولدا} [البقرة: 116] نزلت ردا على اليهود ~~والنصارى والمشركين، فإنهم وصفوا الله تعالى بالولد ف {وقالت اليهود عزير ~~ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله} [التوبة: 30] ، وقال المشركون: ~~الملائكة بنات الله. # فنزه الله نفسه عن اتخاذ الولد فقال: سبحانه وفي مصاحف الشام قالوا بغير ~~واو، لأن هذه الآية مستأنفة غير معطوفة على ما تقدم. # PageV01P195 # وقوله: بل أي: ليس الأمر كما زعموا، له ما في السموات والأرض عبيدا ~~وملكا، {كل له قانتون} [البقرة: 116] قال مجاهد، وعطاء، والسدي: مطيعون. # والقنوت: الطاعة، والقانت: المطيع لله عز وجل، ومنه قوله تعالى: {أمن هو ~~قانت آناء الليل} [الزمر: 9] ، قال ابن عباس: هذا راجع إلى أهل طاعته دون ~~الناس أجمعين. # وهو من العموم الذي أريد به الخصوص، وهذا قول مقاتل والفراء. # وقال السدي: هذا في يوم القيامة، تصديقه قوله: {وعنت الوجوه للحي القيوم} ~~[طه: 111] . # وقال أهل المعاني: طاعة الجميع لله تعالى: تكونهم في الخلق عند التكوين، ~~إذ قال: كن فكان كما أراده. # {بديع السموات والأرض} [البقرة: 117] البديع: الذي يبدع الأشياء، أي: ~~يحدثها مما لم يكن، وبديع: بمعنى مبدع. # قال أبو إسحاق الزجاج: {بديع السموات والأرض} [البقرة: 117] : منشئهما ~~على غير مثال سابق، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له: أبدعت. # ولهذا يقال لمن خالف السنة: مبتدع. # لأنه أحدث في الإسلام ما لم يسبقه إليه السلف. # قوله: {وإذا قضى أمرا} [البقرة: 117] أي: قدره وأراد خلقه، فإنما يقول له ~~أي: لذلك الأمر الذي يريد وجوده، وما قدر الله وجوده، فهو كالموجود الشاهد، ~~فجاز أن يخاطب. # PageV01P196 # وقال ابن الأنباري: يحتمل أن تكون اللام في له: لام الأجل، والتأويل: ~~فإذا قضى أمرا فإنما يقول من أجل إرادته: كن فيكون كقوله تعالى: {سمعنا ~~مناديا ينادي للإيمان} [آل عمران: 193] أي: من أجله، وكقوله: {وإنه لحب ~~الخير لشديد} [العاديات: 8] أي: من أجل حب المال لبخيل. # وقوله: كن: المأمور بهذا الأمر لا قدرة له على دفع هذا الأمر، ولا صنع ms0101 له ~~فيه، والمعنى: كن بتكويننا إياك. # وقوله: فيكون قال الفراء، والكسائي، والزجاج: رفعه من وجهين: أحدهما: ~~العطف على يقول، ومثله {يوم يأتيهم العذاب فيقول} [إبراهيم: 44] ، والثاني: ~~أن يكون رفعه على الاستئناف، والمعنى: فهو يكون، لأن الكلام تم عند قوله: ~~كن ثم قال: فيكون ما أراد الله، قال الفراء: وإنه لأحب الوجهين إلي. # وقرأ ابن عامر فيكون بنصب النون، على جواب الأمر بالفاء في ظاهر اللفظ. # وقوله: {وقال الذين لا يعلمون} [البقرة: 118] قال ابن عباس: هم اليهود. # وقال مجاهد: هم النصارى. # وقال الحسن، وقتادة: هم مشركو العرب، قالوا لمحمد عليه السلام: لا نؤمن ~~لك حتى يعلمنا الله أنك رسوله، أو حتى تأتينا بمثل الآيات التي أتت بها ~~الرسل، وهو قوله: {لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية} [البقرة: 118] أي: هلا، ~~تقول: لولا فعلت ما أمرتك. # بمعنى: هلا فعلت، وقد يقال: لو ما. # بهذا المعنى كقوله تعالى: {لو ما تأتينا بالملائكة} [الحجر: 7] أي: هلا، ~~وكل ما في القرآن لولا يفسر على هلا، غير التي في { [الصافات:] فلولا أنه ~~كان من المسبحين} [سورة الصافات: 143] . # وقوله: {كذلك قال الذين من قبلهم} [البقرة: 118] أراد: كفار الأمم ~~الخالية، قال الزجاج: أعلم الله أن كفرهم في # PageV01P197 # التعنت بطلب الآيات على اقتراحهم ككفر الذين من قبلهم في قولهم لموسى: ~~{أرنا الله جهرة} [النساء: 153] وما أشبهه، وفي هذا تعزية للنبي صلى الله ~~عليه وسلم، قوله: {تشابهت قلوبهم} [البقرة: 118] أي: أشبه بعضها بعضا في ~~الكفر والقسوة، ومسألة المحال كقوله: {يضاهئون قول الذين كفروا من قبل} ~~[التوبة: 30] . # قوله {قد بينا الآيات لقوم يوقنون} [البقرة: 118] يريد أن من أيقن وطلب ~~الحق فقد أتته الآيات والبينات، نحو المسلمين ومن لم يعاند من علماء ~~اليهود، لأن القرآن برهان شاف. # {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم {119} ولن ~~ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن ~~اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير {120} ~~الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق ms0102 تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك ~~هم الخاسرون {121} يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني ~~فضلتكم على العالمين {122} واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل ~~منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون {123} } [البقرة: 119-123] قوله ~~تعالى: {إنا أرسلناك بالحق} [البقرة: 119] قال ابن عباس: الحق: القرآن، ~~كقوله: {حتى جاءهم الحق} [الزخرف: 29] ، وكقوله: {بل كذبوا بالحق لما ~~جاءهم} [ق: 5] ، وقال ابن كيسان: الحق في هذه الآية: الإسلام، نحو قوله: ~~{وقل جاء الحق وزهق الباطل} [الإسراء: 81] ، والباء في بالحق بمعنى مع، أي: ~~مع الحق، كقوله: {وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} [المائدة: 61] ، ~~وقوله: بشيرا هو فعيل بمعنى فاعل، من بشر يبشر بشرا بمعنى: بشر، ونذيرا أي: ~~منذرا، بمعنى: مخوفا محذرا، كالبديع بمعنى المبدع، قوله: {ولا تسأل عن ~~أصحاب الجحيم} [البقرة: 119] قال مقاتل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ~~«لو أن الله أنزل بأسه باليهود آمنوا» . # فأنزل الله تعالى: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} [البقرة: 119] أي: لست ~~بمسئول عنهم، وليس عليك من شأنهم عهدة ولا تبعة، فلا تحزن عليهم. # PageV01P198 # وقرأنا مع ولا تسأل بفتح التاء وجزم اللام، على النهي للنبي صلى الله ~~عليه وسلم، وذلك أنه سأل جبريل عن قبر أبيه وأمه، فدله عليهما، فذهب إلى ~~القبرين فدعا لهما، فتمنى أن يعرف حال أبويه في الآخرة، فنزل قوله: {ولا ~~تسأل عن أصحاب الجحيم} [البقرة: 119] ، # PageV01P199 # والجحيم: النار المتلظية العظيمة، يقال: جحمت النار تجحم جحوما فهي جاحمة ~~وجحيم. # قال الله تعالى: {فألقوه في الجحيم} [الصافات: 97] . # وقوله: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} [البقرة: 120] ~~قال المفسرون: كانت اليهود والنصارى يسألون النبي صلى الله عليه وسلم ~~الهدنة، ويطمعونه ويرونه أنه إن هاونهم وأمهلهم اتبعوه، فأنزل الله تعالى ~~هذه الآية، وأخبر أنه لا يرضيهم إلا ما يستحيل وجوده، لأن اليهود لا ترضى ~~عنه إلا بالتهود، والنصارى إلا بالتنصر، ويستحيل الجمع بينهما، وإذا استحال ~~إرضاؤهم فهم لا يرضون أبدا، ومعنى ملتهم: دينهم. # وقوله {قل إن هدى الله هو ms0103 الهدى} [البقرة: 120] قال ابن عباس: يريد أن ~~الذي أنت عليه هو دين الله الذي رضيه، {ولئن اتبعت أهواءهم} [البقرة: 120] ~~قال ابن عباس: صليت إلى قبلتهم. # {بعد الذي جاءك من العلم} [البقرة: 120] بأن دين الله الإسلام، والقبلة ~~هي الكعبة. # والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به أمته، لأنه معصوم عن اتباع ~~هوى الكافرين {ما لك من الله من ولي ولا نصير} [البقرة: 120] . # ثم ذكر أن من كان منهم غير متعنت ولا حاسد، ولا طالب رياسة، تلا التوراة ~~كما أنزلت، فرأى فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم حق، فآمن به وهو قوله: ~~{الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته} [البقرة: 121] قال ابن مسعود: ~~يحلون حلاله ويحرمون حرامه، ويقرءونه كما أنزل، ولا يحرفونه عن مواضعه. # وقال مجاهد: يتبعونه حق اتباعه. # وقال ابن عباس: نزلت في الذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة، ~~وكانوا من أهل الكتاب بالنبي صلى الله عليه وسلم. # وقال الضحاك: نزلت في مؤمني اليهود. # وما بعد هذا قد تقدم تفسيره إلى قوله تعالى: { # PageV01P200 # وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ~~ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين {124} وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ~~واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي ~~للطائفين والعاكفين والركع السجود {125} وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا ~~آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر ~~فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير {126} وإذ يرفع إبراهيم ~~القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم {127} ربنا ~~واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك ~~أنت التواب الرحيم {128} ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ~~ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم {129} } [البقرة: ~~124-129] {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} [البقرة: 124] الابتلاء: الاختبار ~~والامتحان، وابتلاء الله يعود إلى إعلامه عباده لا إلى استعلامه، لأنه يعلم ~~ما يكون، فلا يحتاج إلى ms0104 الابتلاء ليعلم، والمعنى: أنه عامله معاملة ~~المختبر. # وأكثر المفسرين قالوا في تفسير الكلمات: إنها عشر خصال عن السنة، خمس في ~~الرأس، وخمس في الجسد، فالتي في الرأس: الفرق، والمضمضمة، والاستنشاق، وقص ~~الشارب، والسواك. # والتي في الجسد: تقليم الأظافر، وحلق العانة، والختان، والاستنجاء، ونتف ~~الرفغين. # قال عطاء، عن ابن عباس: أوحى الله تعالى إلى إبراهيم: يا خليلي تطهر. # فمضمض، فأوحى الله إليه: أن تطهر. # فاستنشق، فأوحى الله إليه: أن تطهر. # فاستاك، فأوحى الله إليه: أن تطهر. # فأخذ من شاربه، فأوحى الله إليه: أن # PageV01P201 # تطهر. # ففرق، فأوحى الله إليه: أن تطهر. # فاستنجى، فأوحى الله إليه: أن تطهر. # فحلق عانته، فأوحى إليه: أن تطهر. # فنتف إبطيه، فأوحى الله إليه: أن تطهر. # فقلم أظفاره، فأوحى الله إليه: أن تطهر. # فأقبل بوجهه ماذا يصنع؟ فاختتن بعد عشرين ومائة سنة. ### | 40 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد ~~الحيري، أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا المغيرة بن عبد ~~الرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «اختتن إبراهيم بالقدوم، وهو ابن ثمانين سنة» رواه البخاري ~~ومسلم، عن قتيبة # PageV01P202 ### | 41 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد ~~الحيري، أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا المغيرة بن عبد ~~الرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «اختتن إبراهيم بالقدوم، وهو ابن ثمانين سنة» رواه ~~البخاري، ومسلم، عن قتيبة # وقوله: فأتمهن أي: أداهن تامات غير ناقصات، فقال الله تعالى له: {إني ~~جاعلك للناس إماما} [البقرة: 124] قال ابن عباس: أوحى الله إليه: إني جاعلك ~~للناس إماما يقتدي بك الصالحون من بعدك. # والإمام: كل من ائتم به قوم، والنبي: إمام وقته، والخليفة: إمام رعيته، ~~والقرآن: إمام المسلمين، على معنى أنهم ينتهون إليه فيما أمر وزجر. # قال إبراهيم، ومن ذريتي أي: ومن أولادي أيضا فاجعل أئمة يقتدى بهم ms0105، ~~والذرية: تقع على الآباء والأبناء والرجال والنساء، قال الله تعالى: {وآية ~~لهم أنا حملنا ذريتهم} [يس: 41] أراد آباءهم الذين حملوا مع نوح في ~~السفينة، وقال تعالى: {إن الله اصطفى آدم ونوحا} [آل عمران: 33] إلى قوله: ~~{ذرية بعضها من بعض} [آل عمران: 34] فدخل الآباء فيها والأبناء. # وتكون الذرية واحدا، وهو في قوله: {هب لي من لدنك ذرية طيبة} [آل عمران: ~~38] يعني: ولدا صالحا. # قال الله تعالى لإبراهيم: {لا ينال عهدي الظالمين} [البقرة: 124] أعلمه ~~أن في ذريته الظالم، قال السدي: عهدي: نبوتي، أي: لا ينال ما عهدت إليك من ~~النبوة والإمامة في الدين من كان ظالما من ولدك. # وقال الفراء: لا يكون للناس إمام مشرك. # قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت} [البقرة: 125] يعني الكعبة التي هي القبلة ~~اليوم، {مثابة للناس} [البقرة: 125] المثاب والمثابة مصدران: ثاب يثوب إذا ~~رجع، والمراد بالمثابة ههنا: الموضع الذي يثاب إليه، قال ابن عباس: معادا ~~ومرجعا لا يقضون منه وطرا، كلما أتوه وانصرفوا اشتاقوا إلى الرجعة إليه. # وقوله: وأمنا أراد: مأمنا. # قال ابن عباس: # PageV01P203 # يريد: من دخله كان آمنا، فمن أحدث حدثا خارج الحرم ثم لجأ إليه أمن من أن ~~يهاج فيه، ولكن لا يئوى ولا يخالط ولا يبايع، فإذا خرج منه أقيم عليه الحد، ~~ومن أحدث في الحرم أقيم عليه الحد. # وهذا مذهب أبي حنيفة: وهو أن الجاني إذا لاذ بالحرم أمن. # ومذهب الشافعي: أنه لا يأمن بالالتجاء إليه، ويستوفى منه ما وجب عليه في ~~الحرم على ما روي في الخبر: «إن الحرم لا يعيذ عاصيا» . # وعلى هذا فمعنى قوله: وأمنا الأولى: أن يأمن فيه الجاني، فإن أخيف بإقامة ~~الحد عليه جاز، وقد قال كثير من المفسرين: من شاء آمن ومن شاء لم يؤمن، كما ~~أنه لما جعله مثابة، من شاء ثاب، ومن شاء لم يثب. # وكان قبل الإسلام يرى الرجل قاتل أبيه في الحرم فلا يتعرض له، وهذا شيء ~~كانوا توارثوه من دين إسماعيل، فبقوا عليه إلى أيام النبي صلى الله عليه ~~وسلم، فاليوم من أصاب فيه ms0106 جريرة أقيم عليه الحد بالإجماع. # وقوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125] قراءة أهل ~~المدينة والشام بفتح الخاء على معنى الخبر، ويؤكده أن الذي قبله والذي بعده ~~خبر، وهو قوله: وإذ جعلنا، وعهدنا، ومن قرأ واتخذوا، بالكسر على الأمر، ~~فحجته ما # PageV01P204 ### | 42 - # أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي، حدثنا عبد ~~الرحمن بن منيب المروزي، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حميد، عن أنس قال: قال ~~عمر: وافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله: لو اتخذت من مقام إبراهيم ~~مصلى؟ فأنزل الله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125] وقلت: يا ~~رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب؟ ~~فأنزل الله تعالى آية الحجاب، وقال: وبلغني بعض ما أذين به رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم، يعني: أزواجه، قال: فدخلت عليهن، فجعلت أستقربهن واحدة ~~واحدة، قلت: والله لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن، حتى أتيت على ~~زينب، فقالت: يا عمر، أما كان في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ ~~نساءه حتى تعظهن أنت؟ فأنزل الله عز وجل: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله ~~أزواجا خيرا منكن} [التحريم: 5] الآية، رواه البخاري، في تفسيره هذه الآية، ~~عن مسدد، عن يحيى، عن حميد، قال قتادة والسدي في قوله: {واتخذوا من مقام ~~إبراهيم مصلى} [البقرة: 125] : هو الصلاة عند مقام إبراهيم، أمروا بالصلاة ~~عنده، ولم يؤمروا بمسحه ولا تقبيله # والمقام في اللغة: موضع القدمين، حيث يقوم عليه الإنسان، وهو الحجر الذي ~~فيه أثر قدمي إبراهيم عليه السلام. ### | 43 - # أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الفضل ~~التاجر، أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا سعيد بن ~~أبي مريم، حدثنا ابن وهب، حدثنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، حدثني أنس بن ~~مالك # PageV01P205 # قال: رأيت المقام فيه أصابعه، وأخمص قدميه، والعقب، غير أنه أذهبه مسح ~~الناس بأيديهم ### | 44 - # أخبرنا أبو إبراهيم النصراباذي، أخبرنا المغيرة بن عمرو بن الوليد العدني ~~بمكة، حدثنا المفضل بن ms0107 محمد الشعبي، حدثنا عبد الرحمن بن محمد، حدثنا عبد ~~الرزاق، عن أبي معشر المدني، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من طاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ~~ركعتين وشرب من ماء زمزم، غفر الله له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت» ### | 45 - # أخبرنا إسماعيل بن أحمد الواعظ، أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، ~~أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا ~~رجاء بن صبيح قال: سمعت مسافع بن شيبة قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص ~~يقول: أشهد بالله، أشهد بالله، أشهد بالله، لسمعت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يقول: « # PageV01P206 # الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة، طمس الله نورهما، ولولا أن ~~نورهما طمس لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب» ### | 46 - # أخبرنا أبو حسان المزكي، أخبرنا هارون بن محمد الإستراباذي، حدثنا إسحاق ~~بن أحمد الخزاعي، حدثنا أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي، حدثنا جدي ~~أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي، عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء، ~~عن ابن عباس أنه قال: ليس في الأرض من الجنة إلا الركن الأسود والمقام، ~~فإنهما جوهرتان من جواهر الجنة ولولا ما مسهما أهل الشرك: ما مسهما ذو عاهة ~~إلا شفاه الله # وقوله تعالى: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل} [البقرة: 125] أي: أمرناهما ~~وأوحينا إليهما، {أن طهرا بيتي} [البقرة: 125] قال سعيد بن جبير، وعبيد بن ~~عمير، وعطاء، ومقاتل: من الأوثان والريب. # قال الكلبي: إن الله تعالى عهد إلى إبراهيم إذ بنى الكعبة: أن طهره من ~~الأوثان، فلا ينصب حوله # PageV01P207 # وثن. # وقال مجاهد: طهرا بيتي: من الشرك. # وقوله تعالى: {للطائفين والعاكفين والركع السجود} [البقرة: 125] قال ~~الكلبي: أما الطائفون: فمن اعتراه من بلد غيره، والعاكفون: فأهل البلد، ~~والركع السجود: فأهل الصلاة. # وقال عطاء: إذا كان طائفا فهو من الطائفين، وإذا كان جالسا فهو من ~~العاكفين، وإذا كان مصليا فهو من الركع السجود. ### | 47 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الصوفي، أخبرنا المغيرة بن عمرو ms0108 بن الوليد، ~~حدثنا المفضل بن محمد، حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي، حدثنا فضيل بن عياض، ~~عن عطاء بن السائب، عن طاوس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله عز وجل قد أحل فيه المنطق، فمن نطق ~~فلا ينطق إلا بخير» ### | 48 - # وأخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا المغيرة، حدثنا المفضل، حدثنا أبو ~~القاسم عبد الله بن عمران العابدي، # PageV01P208 # حدثنا يوسف بن الفيض، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله عز وجل في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة ~~تنزل على هذا البيت، ستون للطائفين وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين» # وقوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا} [البقرة: 126] كل ~~موضع من الأرض عامر أو غامر، مسكون أو خال: بلد، والقطعة منه: بلدة، ~~والجمع: بلاد وبلدان. # قال ابن عباس: يريد: حراما محرما لا يصاد طيره، ولا يقطع شجره، ولا يختلى ~~خلاه، والحكم في هذا أن صيد مكة لا ينفر، ولا يتعرض له بنوع أذى، ومن قتل ~~صيد مكة فعليه جزاؤه، ولا يجوز قطع أشجار الحرم على جهة الإضرار بها. # وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى حبس الفيل عن مكة، وسلط ~~عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد كان ~~بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار» . # PageV01P209 # والعرب تقول: آمن من حمام مكة. # يضرب المثل بها في الأمن لأنها لا تهاج، قوله: {وارزق أهله من الثمرات} ~~[البقرة: 126] يعني أنواع حمل الأشجار من أي نوع كان، فاستجاب الله دعاء ~~إبراهيم في المسألتين جميعا، فقال في موضع آخر: {أولم نمكن لهم حرما آمنا ~~يجبى إليه ثمرات كل شيء} [القصص: 57] ، وذكر المفسرون أن الله تعالى بعث ~~جبريل إلى الشام حتى اقتلع الطائف من موضع الأردن، ثم طاف بها حول الكعبة، ~~فسميت الطائف، ثم أنزلها تهامة، ومنها يجبى إلى مكة الثمرات. # وقوله: {من آمن منهم بالله واليوم الآخر} [البقرة: 126] : من ms0109: بدل من ~~أهله، وهو بدل البعض من الكل، كقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من ~~استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97] ، وهذا كما تقول: أخذت المال ثلثيه، ~~ورأيت القوم ناسا منهم. # وإنما خص إبراهيم عليه السلام بطلب الرزق بطلب للمؤمنين، لأن الله تعالى ~~أدبه بقوله: {لا ينال عهدي الظالمين} [البقرة: 124] ، فتوهم أنه كما لا ~~يعطيهم النبوة إلا إذا كانوا مؤمنين، كذلك لا يرزق أهل مكة إلا إذا كانوا ~~مؤمنين، قال الله تعالى: {ومن كفر فأمتعه قليلا} [البقرة: 126] فسأرزقه إلى ~~منتهى أجله. # وقراءة العامة بالتشديد، من التفعيل، وعليه التنزيل كقوله: {يمتعكم متاعا ~~حسنا} [هود: 3] ، {كمن متعناه متاع الحياة الدنيا} [القصص: 61] ، {ومتعناهم ~~إلى حين} [يونس: 98] . # وقرأ ابن عامر بالتخفيف من الإمتاع، وأفعل قد يكون بمعنى فعل في كثير من ~~المواضع، نحو: فرحته وأفرحته، ونزلته وأنزلته. # ومعنى قليلا: أي زمانا قليلا، يعني مدة عمره، وإنما وصف بالقلة من حيث ~~كان إلى نفاد ونقص وتناه، وإن طال. # وقوله تعالى: ثم أضطره أي: ألجئه في الآخرة، {إلى عذاب النار وبئس ~~المصير} [البقرة: 126] بئس المرجع عذاب النار. # قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} [البقرة: 127] : ~~القواعد: أصول الأساس، الواحدة: قاعدة. # قال الزجاج: وكل قاعدة فهي أصل للتي فوقها، ومنه يقال لخشبات أسافل ~~الهودج: القواعد. # لأنها كالأساس له. # PageV01P210 # قال ابن عباس: يعني أصل البيت، قال: وجاء إبراهيم إلى ابنه إسماعيل فقال: ~~يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر. # فقال: فأطع ما أمرك ربك. # قال: فتعينني؟ قال: وأعينك عليه. # قال: إن الله أمرني أن أبني له بيتا ههنا. # فعند ذلك رفع إبراهيم القواعد من البيت. # {وإسماعيل ربنا تقبل منا} [البقرة: 127] أي: ويقولان: {ربنا تقبل منا} ~~[البقرة: 127] كقوله: {والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم} [الأنعام: ~~93] المعنى: يقولون: أخرجوا أنفسكم، ومثله: {يدخلون عليهم من كل باب {23} ~~سلام عليكم} [الرعد: 23-24] ، وقوله: {إنك أنت السميع العليم} [البقرة: ~~127] يريد: السميع لدعائنا، العليم بما في قلوبنا. # وقوله: {ربنا واجعلنا مسلمين لك} [البقرة: 128] أي: مطيعين مستسلمين ~~منقادين لحكمك، والمسلم: المستسلم لأمر الله. # وقوله: {ومن ذريتنا أمة ms0110 مسلمة لك} [البقرة: 128] كل قوم نسبوا إلى نبي ~~فأضيفوا إليه فهم أمته، وكل جيل من الناس أمة على حدة. # قال ابن الأنباري: والأمة أيضا: تباع الأنبياء. # قال ابن عباس: يريد أمة محمد صلى الله عليه وسلم: المهاجرين، والأنصار، ~~والتابعين لهم بإحسان. # وإنما خصا بالدعوة بعض الذرية لأن الله تعالى أعلمهما أن في ذريتهما من ~~لا ينال العهد في قوله: {لا ينال عهدي الظالمين} [البقرة: 124] . # وقوله: {وأرنا مناسكنا} [البقرة: 128] قال الزجاج: الأجود كسر الراء لأن ~~الأصل: أرئنا، فالكسرة في الراء هي كسرة همزة ألقيت، فطرحت حركتها على ~~الراء، فالكسرة دليل الهمزة، وحذفها قبيح، وهو جائز على بعد، لأن # PageV01P211 # الكسرة والفتحة تحذفان استثقالا لقولهم في فخد فخذ، وفي عضد عضد. # والمعنى: عرفنا متعبداتنا والمواضع التي يتعلق بها النسك لنفعله ونقضي ~~نسكنا فيها، نحو المواقيت التي يحرم منها، والموضع الذي نقف فيه بعرفة، ~~وموضع الطواف، وموضع رمي الجمار. # وكل متعبد فهو منسك ومنسك، ومن هذا قيل للعابد: ناسك. # قوله تعالى: {ربنا وابعث فيهم} [البقرة: 129] قال ابن عباس: يريد: ولدي، ~~والكناية تعود إلى الذرية، أو إلى الأمة في قوله: {أمة مسلمة لك} [البقرة: ~~128] ، وكلاهما ولد إبراهيم، وهم العرب. # وقوله: رسولا منهم قال ابن عباس: يريد: محمدا صلى الله عليه وسلم، ~~فاستجاب الله له دعاءه، وبعث فيهم رسولا من أنفسهم، محمدا سيد الأنبياء، ~~{يتلو عليهم آياتك} [البقرة: 129] وقوله: {ويعلمهم الكتاب والحكمة} ~~[البقرة: 129] قال: يريد: القرآن الذي أنزل عليه، وما فيه من الفرائض ~~والأحكام والسنن وشرائع النبيين، وقال مجاهد: الحكمة: فهم القرآن. # وقال ابن دريد: كل كلمة وعظتك، أو زجرتك، أو دعتك إلى مكرمة، أو نهتك عن ~~قبيح فهي حكم، ومنه قوله عليه السلام: «إن من الشعر حكمة» . # وقوله: {ويزكيهم} [البقرة: 129] قال ابن عباس: ويرشدهم إلى أفضل عبادتك. # وقال ابن جريج: يطهرهم من الشرك ويخلصهم منه. # وقال ابن كيسان: يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذا شهدوا للأنبياء ~~بالبلاغ. # PageV01P212 # قوله: {إنك أنت العزيز الحكيم} [البقرة: 129] قال الزجاج: العزيز في صفات ~~الله: الممتنع، فلا يغلبه شيء. # وكذا قول ms0111 المفضل، قال: العزيز: الممتنع الذي لا تناله الأيدي. # وعزة الله تعالى: امتناعه على من أراده وعلوه من أن تناله يد. # وقال ابن عباس: العزيز: الذي لا يوجد مثله. # قال الفراء: يقال عز يعز، بالكسر، إذا قل حتى لا يكاد يوجد غيره عزة فهو ~~عزيز. # وقال الكسائي، وابن الأنباري: يقال: العزيز: القوي الغالب. # تقول العرب: عز فلان فلانا يعزه عزا، إذا غلبه. # ومنه قوله تعالى: {وعزني في الخطاب} [ص: 23] ، ويقال: من عزيز. # فمعنى العزيز: الغالب القوي الذي لا يعجزه شيء. # وذكرنا معنى الحكيم فيما تقدم. # {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه ~~في الآخرة لمن الصالحين {130} إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ~~{131} ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا ~~تموتن إلا وأنتم مسلمون {132} } [البقرة: 130-132] قوله تعالى: {ومن يرغب ~~عن ملة إبراهيم} [البقرة: 130] الآية، قال الزجاج: معنى من: التقرير ~~والتوبيخ، ولفظها لفظ الاستفهام. # والمعنى: ما يرغب عن ملة إبراهيم، {إلا من سفه نفسه} [البقرة: 130] قال ~~الأخفش: يعني: سفه في نفسه، فحذف حرف الجر كما يحذف في سائر المواضع، كقوله ~~تعالى: {أن تسترضعوا أولادكم} [البقرة: 233] والمعنى: لأولادكم، ومثله: { # PageV01P213 # ولا تعزموا عقدة النكاح} [البقرة: 235] أي: عليها. # وقال الزجاج: معنى {سفه نفسه} [البقرة: 130] : جهل نفسه، فوضع سفه موضع ~~جهل. # وبهذا قال ابن كيسان، فقال: لأن من عبد حجرا أو قمرا أو شمسا أو صنما فقد ~~جهل نفسه، لأنه لم يعلم خالقها، ولم يعلم ما يحق لله عليه. # والعرب تضع سفه في موضع جهل، ومنه الحديث: «الكبر أن تسفه الحق وتغمص ~~الناس» . # أي: تجهل الحق. # ويؤيد هذا القول ما روي في الحديث: «من عرف نفسه عرف ربه» . # فقيل في معناه: إنما يقع الناس في البدع والضلالات لجهلهم أنفسهم، وظنهم ~~أنهم يملكون الضر والنفع دون الله عز وجل. # وحكي عن أبي بكر الوراق، أنه قال في معنى هذا الحديث: من عرف نفسه مخلوقة ~~مرزوقة بلا حول ولا قوة، عرف ربه خالقا ms0112 رازقا بالحول والقوة. # PageV01P214 # وقد أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: كيف عرفتني؟ وكيف عرفت نفسك؟ ~~فقال: عرفتك بالقدرة والقوة والبقاء، وعرفت نفسي بالضعف والعجز والفناء. # فقال: الآن عرفت. # فإذا كان من عرف نفسه عرف ربه كان من جهل نفسه جهل ربه، حتى يرغب عن ملة ~~إبراهيم. # قال قتادة: رغبت عن ملة إبراهيم اليهود والنصارى، واتخذوا اليهودية ~~والنصرانية دينا بدعة ليست لله، وتركوا ملة إبراهيم. # وقوله: {ولقد اصطفيناه في الدنيا} [البقرة: 130] أي: اخترناه للرسالة، ~~وتأويله: أخذناه صافيا من غير شائب، {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} ~~[البقرة: 130] قال عطاء: يريد نوحا وآدم. # وقال الحسن: أي: من الذين يستوجبون على الله الكرامة وحسن الثواب. # وقال الزجاج: يريد: من الفائزين، لأن الصالح في الآخرة فائز. # وقوله: {إذ قال له ربه أسلم} [البقرة: 131] : إذ يتعلق بالاصطفاء، على ~~معنى: اصطفاه إذ قال له ربه: أسلم. # أي: في ذلك الوقت. # قال الكلبي، عن ابن عباس: رفع إبراهيم الصخرة عن باب السرب، ثم خرج منه، ~~فنظر إلى الكوكب والشمس والقمر كما ذكر الله عنه في قوله: {فلما جن عليه ~~الليل} [الأنعام: 76] الآيات، فقال له ربه: أسلم. # أي: أخلص دينك لله بالتوحيد. # وقال عطاء: أسلم نفسك إلى الله، وفوض أمرك إليه. # قال الكلبي: أخلصت ب «لا إله إلا الله» . # PageV01P215 # وقال ابن عباس، في رواية عطاء: يريد: بقلبه ولسانه وجوارحه، فلم يعدل ~~بالله شيئا، ورضي أن يحرق بالنار في رضا الله عز وجل، ولم يستعن بأحد من ~~الملائكة. # قوله تعالى: {ووصى بها إبراهيم بنيه} [البقرة: 132] يقال: وصى يوصي توصية ~~ووصاه. # وقرئ وأوصى، ولهما أمثلة من الكتاب، فمثال التشديد قوله: {فلا يستطيعون ~~توصية} [يس: 50] ، وقوله: {ووصينا الإنسان بوالديه} [العنكبوت: 8] ، ومثال ~~الإفعال قوله: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] ، وقوله: {من بعد ~~وصية توصون بها أو دين} [النساء: 12] . # قال الزجاج: وصى: أبلغ من أوصى، لأن أوصى: جائز أن يكون قال لهم مرة ~~واحدة، ووصى: لا يكون إلا لمرات كثيرة. # وقوله: بها قال الكلبي، ومقاتل: بكلمة الإخلاص «لا إله إلا الله» ، وذلك ~~أن ms0113 إبراهيم، ومن بعده يعقوب وصيا أولادهما بلزوم التوحيد، وقالا لهم: {يا ~~بني إن الله اصطفى لكم الدين} [البقرة: 132] قال ابن عباس: يريد: دين ~~الإسلام دين الحنيفية، قال إبراهيم لبنيه: لا تعدلوا بالله شيئا، وإن نشرتم ~~بالمناشير، وقرضتم بالمقاريض، وحرقتم بالنار. # وقوله: {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [البقرة: 132] وقع النهي في ظاهر ~~الكلام على الموت، وإنما نهوا في الحقيقة عن ترك الإسلام، لئلا يصادفهم ~~الموت عليه. # والمعنى: الزموا الإسلام حتى إذا أدرككم الموت صادفكم عليه، وهذا كما ~~تقول: لا أريتك ههنا. # توقع حرف النهي على الرؤية، وأنت لم تنه نفسك على الحقيقة، بل نهيت ~~المخاطب، كأنك قلت: لا تقربن هذا الموضع، فمتى جئته لم أرك فيه. # وهذا من سعة الكلام. # {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا ~~نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ~~{133} تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا ~~يعملون {134} } [البقرة: 133-134] وقوله: أم كنتم شهداء الآية، نزلت في ~~اليهود حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألست تعلم أن يعقوب # PageV01P216 # يوم مات أوصى بنيه باليهودية؟ فأنزل الله عز وجل قوله: أم كنتم شهداء ~~الآية، ومعناه: بل أكنتم، كأنه ترك الكلام الأول واستفهم فقال: أكنتم ~~شهداء؟ أي: حاضرين، أي: أحضرتم وصية يعقوب بنيه حين حضره الموت؟ {إذ قال ~~لبنيه ما تعبدون من بعدي} [البقرة: 133] قال ابن عباس: وذلك أن الله تعالى ~~لم يقبض نبيا حتى يخيره بين الموت والحياة، فلما خير يعقوب، قال: أنظرني ~~حتى أسأل ولدي وأوصيهم. # فجمع ولده، وهم اثنا عشر رجلا وهم الأسباط وجميع أولادهم، فقال لهم: قد ~~حضرت وفاتي وأنا أريد أن أسألكم: ما تعبدون من بعدي؟ قالوا: نعبد إلهك الذي ~~لا إله غيره، {وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا} [البقرة: ~~133] الآية، فطابت نفسه. # وقوله: وإسماعيل: أدخله في جملة الآباء، وكان عم يعقوب، لأن العرب تسمي ~~العم أبا، وروي أن رسول الله صلى الله عليه ms0114 وسلم قال للعباس: «هذا بقية ~~آبائي» . # وقوله: إلها واحدا ينتصب على وجهين: أحدهما: الحال، كأنهم قالوا: نعبد ~~إلهك في حال وحدانيته. # والثاني: على البدل من قوله: إلهك. # قوله: {تلك أمة} [البقرة: 134] يعني إبراهيم وبنيه ويعقوب وبنيه الذين قد ~~تقدم ذكرهم، {قد خلت} [البقرة: 134] مضت، ومنه قوله: {في الأيام الخالية} ~~[الحاقة: 24] يعني: الماضية المتقدمة، {لها ما كسبت} [البقرة: 134] من ~~العمل، ولكم يا معشر اليهود، ما كسبتم أي: حسابهم عليهم، وإنما تسألون عن ~~أعمالكم لا عن أعمالهم، وهو قوله: {ولا تسألون عما كانوا يعملون} [البقرة: ~~134] . # {وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من ~~المشركين {135} قولوا آمنا # PageV01P217 # بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ~~والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد ~~منهم ونحن له مسلمون {136} فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن ~~تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم {137} صبغة الله ~~ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون {138} } [البقرة: 135-138] قوله: ~~{وقالوا كونوا هودا أو نصارى} [البقرة: 135] قال ابن عباس: نزلت في يهود ~~المدينة ونصارى نجران، قال كل واحد من الفريقين للمؤمنين: كونوا على ديننا ~~تهتدوا فلا دين إلا ذلك. # فقال الله تعالى: {قل بل ملة إبراهيم} [البقرة: 135] أي: بل نتبع ملة ~~إبراهيم حنيفا. # قال ابن دريد: الحنيف: العادل عن دين إلى دين، وسمي الإسلام: الحنيفية، ~~لأنها مالت عن اليهودية والنصرانية. # وقال الأصمعي: ومن عدل عن دين اليهود والنصارى فهو حنيف عند العرب. # وقال الأخفش: الحنيف: المسلم، وكان في الجاهلية يقال لمن اختتن وحج ~~البيت: حنيف. # لأن العرب لم تتمسك في الجاهلية بشيء من دين إبراهيم غير الختان وحج ~~البيت، فلما جاء الإسلام عادت الحنيفية. # وقال ابن عباس: الحنيف: المائل عن الأديان كلها إلى دين الإسلام. # وقال مجاهد: الحنيفية: اتباع إبراهيم فيما أتى به من الشريعة التي صار ~~بها إماما للناس. # قوله تعالى: قولوا آمنا بالله الآية: ### | 49 - # أخبرنا عمر بن أبي ms0115 عمرو المزكي، أخبرنا محمد بن مكي، أخبرنا محمد بن ~~يوسف، أخبرنا محمد بن # PageV01P218 # إسماعيل الجعفي، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عثمان بن عمر، أخبرني علي بن ~~المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: كان أهل ~~الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم» ، و ~~{قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم} [البقرة: 136] ~~الآية # أخبرنا أبو عثمان سعيد بن العباس القرشي، فيما كتب إلي، أن العباس بن ~~الفضل بن زكريا، أخبرهم عن أحمد بن نجدة، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، ~~أخبرنا جويبر، عن الضحاك، قال: علموا أولادكم وأهاليكم وخدمكم أسماء ~~الأنبياء الذين ذكرهم الله في كتابه، حتى يؤمنوا بهم، ويصدقوا بما جاءوا ~~به، فإن الله تعالى يقول: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى ~~إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب} [البقرة: 136] الآية. ### | 50 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن ~~أحمد الجرجاني، أخبرنا # PageV01P219 # عبد الله بن زيدان البجلي، حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، حدثنا مروان ~~بن معاوية، حدثنا عثمان بن حكيم، أخبرني سعيد بن يسار، أن ابن عباس أخبره: ~~أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين، ركعتي الفجر، في ~~الأولى منهما: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم} ~~[البقرة: 136] الآية كلها، وفي الآخرة {واشهد بأنا مسلمون} [آل عمران: 52] ~~. # رواه مسلم عن قتيبة عن مروان بن معاوية # قوله: والأسباط قال الزجاج: الأسباط في ولد إسحاق بمنزلة القبائل في ولد ~~إسماعيل، فولد كل واحد من ولد يعقوب: سبط، وولد كل واحد من ولد إسماعيل: ~~قبيلة. # وإنما سموا هؤلاء بالأسباط وهؤلاء بالقبائل، ليفصل بين ولد إسماعيل وولد ~~إسحاق. # قال ابن الأعرابي: السبط في كلام العرب: خاصة الأولاد، وكان في الأسباط ~~أنبياء، لذلك قال: وما أنزل إليهم. # {وما أوتي موسى وعيسى} [البقرة: 136] أي: من الآيات والكتاب، {وما أوتي ~~النبيون ms0116 من ربهم} [البقرة: 136] من المعجزات والكتب، {لا نفرق بين أحد ~~منهم} [البقرة: 136] أي: لا نكفر ببعض ونؤمن ببعض كما فعلت اليهود ~~والنصارى، ونحن له مسلمون أي: مخلصون ديننا عن الشرك بالله تعالى. # PageV01P220 # قال الحسن: علموا أولادكم وأهاليكم وخدمكم أسماء الأنبياء الذين ذكرهم ~~الله في كتابه حتى يؤمنوا بهم ويصدقوهم بما جاءوا به. # وقالت العلماء: لا يكون الرجل مؤمنا حتى يؤمن بسائر الأنبياء السابقين ~~وجميع الكتب التي أنزلها الله تعالى على الرسل، فيجب على الإنسان أن يعلم ~~صبيانه ونساءه أسماء الأنبياء، ويأمرهم بالإيمان بجميعهم، إذ لا يبعد أن ~~يظنوا أنهم كلفوا الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فقط، فيلقنوا قوله ~~تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} [البقرة: 136] الآية. # قوله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} [البقرة: 137] قال ابن ~~الأنباري: المعنى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} [البقرة: 137] أي: فإن ~~آمنوا مثل إيمانكم، فزيدت الباء للتوكيد كما زيدت في قوله تعالى: {وهزي ~~إليك بجذع النخلة} [مريم: 25] . # وقال أبو معاذ النحوي: أراد: فإن آمنوا هم بكتابكم كما آمنتم أنتم ~~بكتابهم، فالمثل ههنا المراد به الكتاب، وقيل: المثل: صلة، والمعنى: فإن ~~آمنوا آمنتم به. # وقد يذكر المثل ويراد به الشبه والنظير كقول الشاعر: # يا عاذلي دعني من عذلكا ... مثلي لا يقبل من مثلكا # أي: أنا لا أقبل منك. # وكان ابن عباس يقرأ فإن آمنوا بما آمنتم به، وهذا يدل على أن مثل في ~~قراءتنا صلة. # قوله: فقد اهتدوا أي: قد صاروا مسلمين، وإن تولوا أي: أعرضوا عن الإيمان ~~بكتابكم ونبيكم، {فإنما هم في شقاق} [البقرة: 137] في خلاف وعداوة. # PageV01P221 # والشقاق والمشاقة: المخالفة، ومنه قوله تعالى: ومن يشاقق الرسول، ومن ~~يشاق الله. # وقوله: {فسيكفيكهم الله} [البقرة: 137] وعد من الله لرسوله بكفايته أمر ~~من عاداه من مخالفيه، قال المفسرون: ثم كفاه الله أمر اليهود بالقتل والسبي ~~في قريظة، والجلاء والنفي في بني النضير، والجزية والذلة في نصارى نجران. # قوله: صبغة الله الصبغ: ما يلون به الثياب، والصبغ: المصدر، قال الحسن، ~~وقتادة، وأبو العالية، ومجاهد، والسدي ms0117، وابن زيد، وعطية: دين الله، وإنما ~~سمي الدين صبغة لأن المتدين يلزمه ولا يفارقه كما يلزم الصبغ الثوب. # وقال ابن عباس، في رواية الكلبي: صبغة الله يعني: دين الله، {ومن أحسن من ~~الله صبغة} [البقرة: 138] يقول: دينا؟ وذلك أن النصارى كان إذا ولد لأحدهم ~~ولد فأتى عليه سبعة أيام صبغوه في ماء لهم ليطهروه بذلك، ويقولون: هذا ~~طهور. # مكان الختان، وذلك حين جعلوه نصرانيا، وهم صنف من النصارى، فجعل الله ~~الختان للمسلمين تنظيفا وتطهيرا، وأمر به معارضة للنصارى. # وسمي الختان صبغة من حيث كان بدل ما فعلوه من صبغهم أولادهم، كما قال: ~~وجزاء سيئة سيئة فسمى الثانية سيئة لما كانت في معارضة الأولى. # وصبغة الله نصب على الإغراء، على معنى: الزموا واتبعوا. # {قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له ~~مخلصون {139} أم تقولون # PageV01P222 # إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل ~~أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل ~~عما تعملون {140} تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما ~~كانوا يعملون {141} } [البقرة: 139-141] قوله: {قل أتحاجوننا في الله} ~~[البقرة: 139] الآية، خاصمت يهود المدينة ونصارى نجران رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم، وقالوا: إن أنبياء الله كانوا منا، ونبينا هو الأقدم، وكتابنا ~~هو الأسبق، ولو كنت نبيا كنت منا. # فأنزل الله تعالى: {قل أتحاجوننا} [البقرة: 139] أي: أتخاصموننا ~~وتجادلوننا؟ ! وهذا استفهام معناه التوبيخ. # وقوله: في الله أي: في دين الله، {وهو ربنا وربكم} [البقرة: 139] أي: نحن ~~وأنتم عبيد له، ولنا أعمالنا نجازى بحسنها وسيئها، ولكم أعمالكم: وأنتم في ~~أعمالكم على مثل سبيلنا، لا يؤخذ بعضنا بذنب بعض، ونحن له مخلصون موحدون. # قال ابن الأنباري: وفي الآية إضمار وهو: وأنتم غير مخلصين، فحذف اكتفاء ~~بقوله: {ونحن له مخلصون} [البقرة: 139] كقوله: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: ~~81] . # قوله: أم تقولون قرئ بالتاء والياء، فمن قرأ بالتاء فلأن ما قبله من ~~قوله: {قل أتحاجوننا} [البقرة: 139] وما بعده من ms0118 قوله: {قل أأنتم أعلم} ~~[البقرة: 140] بالتاء، ومن قرأ بالياء فلأن المعنى لليهود والنصارى وهم ~~غيب. # ومعنى الآية: كأنه قيل: بل أتقولون إن الأنبياء الذين ذكروا في هذه الآية ~~من قبل أن تنزل التوراة {كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله} ~~[البقرة: 140] أي: قد أخبرنا الله أن الأنبياء كان دينهم الإسلام ولا أحد ~~أعلم منه. # وقوله: {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله} [البقرة: 140] توبيخ ~~لليهود، قال ابن عباس: يريد: من أظلم ممن كتم شهادته التي أشهد عليها؟ ! ~~يريد أن الله أشهدهم في التوراة والإنجيل أنه باعث فيهم محمد بن عبد الله ~~من ذرية إبراهيم، وأخذ على ذلك مواثيقهم أن يبينوه للناس، فكتموه وكذبوا ~~فيه. # وقال مجاهد، والربيع: الشهادة في أمر إبراهيم والأنبياء الذين ذكرهم أنهم ~~كانوا حنفاء مسلمين، فكتموها وقالوا: إنهم كانوا هودا أو نصارى. # PageV01P223 # وقوله: {وما الله بغافل عما تعملون} [البقرة: 140] وعيد لهم، أي أنه ~~يجازيكم على خلاف ذلك. # قوله: {تلك أمة قد خلت} [البقرة: 141] قد مضت هذه الآية، وأعيدت ههنا لأن ~~الحجاج إذا اختلفت مواطنه حسن تكريره للتذكير. # {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله ~~المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم {142} وكذلك جعلناكم أمة وسطا ~~لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي ~~كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة ~~إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف ~~رحيم {143} } [البقرة: 142-143] قوله تعالى: سيقول السفهاء الآية، نزلت في ~~تحويل القبلة، قال ابن عباس: عني ب السفهاء: يهود المدينة. # والسفهاء: جمع سفيه، وهو الخفيف إلى ما لا يجوز له أن يخف فيه، ما ولاهم ~~أي: عدلهم وصرفهم، {عن قبلتهم التي كانوا عليها} [البقرة: 142] يعنون بيت ~~المقدس. # والقبلة: الوجهة، وهي الفعلة من القابلة، والعرب تقول: ما له قبلة ولا ~~دبرة، إذا لم يهتد لجهة أمره. # والضمير في قبلتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ms0119 وأصحابه، {قل لله المشرق ~~والمغرب} [البقرة: 142] أي: له أن يأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء، {يهدي من ~~يشاء إلى صراط مستقيم} [البقرة: 142] قال ابن عباس: إلى دين مستقيم، ودين ~~الله يسمى الصراط المستقيم، لأنه يؤدي إلى الجنة كما يؤدي الطريق المستقيم ~~إلى المطلوب. # قوله تعالى: وكذلك أي: وكما اخترنا إبراهيم وأولاده وأنعمنا عليهم ~~بالحنيفية المستقيمة كذلك {جعلناكم أمة وسطا} [البقرة: 143] أي: عدلا ~~خيارا. # قال أهل المعاني: لما صار ما بين الغلو والتقصير خيرا منهما، صار الوسط ~~والأوسط عبارة عن كل ما هو خير، # PageV01P224 # قال الله تعالى: {قال أوسطهم} [القلم: 28] قيل في تفسيره: خيرهم وأعدلهم. # قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير هذا الدين النمط الأوسط» . # وأمة محمد صلى الله عليه وسلم وسط لأنهم لم يغلوا غلو النصارى، ولا قصروا ~~تقصير اليهود في حقوق أنبيائهم بالقتل والصلب. # قوله: {لتكونوا شهداء على الناس} [البقرة: 143] قال ابن عباس، في رواية ~~عطاء: يريد: على جميع الأمم، وذلك أن الله تعالى إذا جمع الأولين والآخرين ~~أتي بالناس أمة بعد أمة، فيؤتى بأمة نوح فيسألهم عما أرسل إليهم فينكرون أن ~~نوحا بلغهم ما أرسل به إليهم، فيدعى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيقولون: ~~نشهد أنه قد بلغ رسالتك فكذبوه وعصوك. # فتقول أمة نوح: هؤلاء كانوا بعدنا، فكيف يشهدون علينا؟ ! فيقولون: ربنا ~~أرسلت إلينا رسولا فآمنا به وصدقناه، فكان فيما أنزلت عليه: {كذبت قوم نوح ~~المرسلين} [الشعراء: 105] إلى قوله: {قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} ~~[الشعراء: 111] . # وقوله: {ويكون الرسول عليكم شهيدا} [البقرة: 143] أي: على صدقكم، فهو من ~~باب حذف المضاف، وذلك أن محمدا عليه السلام يسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد ~~بصدقهم. # وقال ابن جريج: قلت لعطاء: ما معنى {لتكونوا شهداء على الناس} [البقرة: ~~143] ؟ قال: أمة محمد عليه السلام شهداء على من ترك الحق من الناس أجمعين ~~حين جاءه الهدى والإيمان. # {ويكون الرسول عليكم شهيدا} [البقرة: 143] يشهد على أنهم آمنوا بالحق حين ~~جاءهم وقبلوه وصدقوا به. # PageV01P225 # وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} [البقرة: 143] أي: وما ms0120 ~~جعلنا تحويل القبلة التي كنت عليها، فهو من باب حذف المضاف، ويحتمل أن يكون ~~المفعول الثاني للجعل محذوفا، على تقدير: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ~~منسوخة، فحذف للعلم به. # وقوله: {إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} [البقرة: 143] ~~أي: لنعلم العلم الذي يستحق العامل به الثواب والعقاب، وهو علم بالشيء بعد ~~وجوده، والله تعالى يعلم الكائنات ولكن لا يعلمها موجودة إلا إذا وجدت، ~~فكذلك العلم الذي يوجب الثواب والعقاب. # وابن عباس يفسر لنعلم ههنا: لنرى، وهذا راجع إلى ما ذكرنا، لأنه إنما ~~يراه إذا علمه موجودا. # وكان تحويل القبلة إلى الكعبة ابتلاء من الله تعالى لعباده، وذلك أن الله ~~تعالى لما وجه نبيه إلى الكعبة قال في ذلك قائلون من الناس، فقال بعضهم: ما ~~ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. # وقال آخرون: قد اشتاق الرجل إلى مولد آبائه. # وقال ابن عباس في قوله: {من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} [البقرة: ~~143] : يعني: أهل اليقين من أهل الشك والريبة، ومن يوافق الرسول في التوجه ~~إلى الكعبة ممن يرتد عن الدين فيرجع إلى ما كان عليه. # والانقلاب على العقب: عبارة عن الانصراف إلى حيث أقبل منه. # وقوله: {وإن كانت لكبيرة} [البقرة: 143] : أي: وقد كانت التولية إلى ~~الكعبة لثقيلة، {إلا على الذين هدى الله} [البقرة: 143] أي: هداهم للحق، ~~وهم الذين عصمهم الله حتى صدقوا الرسول في التحول إلى الكعبة. # وقوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143] ### | 51 - # أخبرنا أبو إبراهيم النصراباذي، أخبرنا إسماعيل بن نجيد، أخبرنا محمد بن ~~الحسن بن الخليل النسوي، حدثنا أبو كريب، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا ~~إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: # PageV01P226 # لما وجه رسول الله إلى الكعبة، قالوا: يا رسول الله: كيف بالذين ماتوا ~~وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} ~~[البقرة: 143] # وقال الكلبي، عن ابن عباس: كان رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم من المسلمين قد ماتوا على القبلة الأولى ms0121، منهم: أسعد بن زرارة أبو ~~أمامة، والبراء بن معرور أحد بني سلمة، وأناس آخرون، فقامت عشائرهم فقالوا: ~~يا رسول الله، توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى، وقد صرفك الله ~~إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا؟ فأنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} ~~[البقرة: 143] . # يعني: ليبطل صلاتكم قبل بيت المقدس، يعني به الأموات أنه قد تقبل منهم. # والمفسرون يجعلون الإيمان ههنا بمعنى الصلاة، ويمكن أن يحمل الإيمان ههنا ~~على ما هو عليه من معنى التصديق فيكون معنى الآية {وما كان الله ليضيع ~~إيمانكم} [البقرة: 143] يعني: تصديقكم بأمر تلك القبلة. # قوله: {إن الله بالناس لرءوف رحيم} [البقرة: 143] الرأفة أشد من الرحمة ~~وأبلغ، يقال: رأفت بالرجل أرأف به رأفة ورأفة، ورؤفت به أرؤف به. # وفي الرءوف قراءتان: إحداهما على وزن فعول، والثانية على وزن فعل، وفعول ~~أكثر في كلامهم من # PageV01P227 # فعل، ألا ترى أن باب صبور وشكور أكثر من باب حذر ويقظ؟ وإذا كان أكثر في ~~كلامهم كان أولى؟ يؤكد هذا أن صفات الله قد جاءت على هذا الوزن نحو: غفور ~~وشكور، ولم يأت شيء منها على وزن فعل. # ومن قرأ على وزن فعل فقد قيل أنه غالب لغة أهل الحجاز، ومنه قول الوليد ~~بن عقبة: # وشر الطالبين فلا تكنه ... يقاتل عمه الرءوف الرحيما # وكثر ذلك حتى قاله غيرهم، قال جرير: # ترى للمسلمين عليك حقا ... كفعل الوالد الرءوف الرحيم # {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد ~~الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه ~~الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون {144} ولئن أتيت الذين أوتوا ~~الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة ~~بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين ~~{145} } [البقرة: 144-145] قوله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} [البقرة: ~~144] : ### | 52 - # أخبرنا أبو منصور المنصوري، أخبرنا علي بن عمر بن مهدي، حدثنا عبد الوهاب ~~بن عيسى، حدثنا أبو هشام # PageV01P228 # الرفاعي ms0122، حدثنا أبو بكر بن عياش، أخبرنا أبو إسحاق، عن البراء قال: " ~~صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا نحو ~~بيت المقدس، ثم علم الله عز وجل هوى نبيه عليه السلام، فنزل: {قد نرى تقلب ~~وجهك في السماء} [البقرة: 144] الآية. # فأمره أن يولي إلى الكعبة، ومر علينا رجل، ونحن نصلي إلى بيت المقدس، ~~فقال: إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد حول إلى الكعبة، فتوجهنا إلى الكعبة، ~~وقد صلينا ركعتين " رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي الأحوص، ~~ورواه البخاري، عن أبي نعيم عن زهير كلاهما عن أبي إسحاق # قال المفسرون: كانت الكعبة أحب القبلتين إلى رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، لأنها قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام، ولأنه كره موافقة اليهود، فقال ~~لجبريل: «وددت أن الله تعالى صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها» . # فقال جبريل: إنما أنا عبد مثلك، وأنت كريم على ربك، فادع ربك وسله. # ثم ارتفع جبريل، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى ~~السماء، رجاء أن يأتيه جبريل بالذي سأل ربه، فأنزل الله تعالى: {قد نرى ~~تقلب وجهك في السماء} [البقرة: 144] أي: في النظر إلى السماء، {فلنولينك ~~قبلة ترضاها} [البقرة: 144] أي: لنصيرنك تستقبل بوجهك قبلة تحبها وتهواها، ~~{فول وجهك} [البقرة: 144] أي: أقبل وحول وجهك، {شطر المسجد الحرام} ~~[البقرة: 144] قصده ونحوه وتلقاءه، {وحيث ما كنتم} [البقرة: 144] في بر أو ~~بحر، {فولوا وجوهكم شطره} [البقرة: 144] يعني: عند الصلاة. # PageV01P229 # ولما حولت القبلة قالت اليهود: يا محمد، ما أمرت بهذا، وإنما هو شيء من ~~عندك تبتدعه من تلقاء نفسك. # فأنزل الله: {وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم} [البقرة: ~~144] أي: إن اليهود عالمون أن المسجد الحرام قبلة إبراهيم وأنه الحق. # {وما الله بغافل عما يعملون} [البقرة: 144] قال ابن عباس: يريد أنكم يا ~~معشر المؤمنين تطلبون مرضاتي، وما أنا بغافل عن ثوابكم وجزائكم، وأن اليهود ~~يطلبون سخطي، وما أنا بغافل عن خزيهم في الدنيا والآخرة. # قوله: {ولئن ms0123 أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك} [البقرة: ~~145] الآية، قال أهل التفسير: إن اليهود والنصارى طلبوا من رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم الآيات، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأيأس نبيه صلى الله ~~عليه وسلم عن إيمانهم، وذلك أنهم علموا صدق محمد صلى الله عليه وسلم بما ~~كانوا يرونه في كتابهم من صفته ونعته، ولكنهم جحدوا مع تحقق علمهم، وما ~~تغني الآيات والنذر عند من يجحد ما يعرف، لذلك قال: {ما تبعوا قبلتك} ~~[البقرة: 145] . # وقوله: {وما أنت بتابع قبلتهم} [البقرة: 145] حسم بهذا أطماع اليهود في ~~رجوعه عليه السلام إلى قبلتهم، وما بعضهم يعني: اليهود والنصارى {بتابع ~~قبلة بعض} [البقرة: 145] أخبر أنهم وإن اتفقوا على عداوة محمد صلى الله ~~عليه وسلم فهم مختلفون فيما بينهم، فلا اليهود تستقبل المشرق، ولا النصارى ~~تستقبل بيت المقدس. # {ولئن اتبعت أهواءهم} [البقرة: 145] أي: صليت إلى قبلتهم، {من بعد ما ~~جاءك من العلم} [البقرة: 145] أن قبلة الله هي الكعبة، {إنك إذا لمن ~~الظالمين} [البقرة: 145] أي: إنك إذا مثلهم، والخطاب له في الظاهر، وهو في ~~المعنى لأمته. # {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ~~ليكتمون الحق وهم يعلمون {146} الحق من ربك فلا تكونن من الممترين {147} ~~ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن ~~الله على كل شيء قدير {148} } [البقرة: 146-148] قوله: {الذين آتيناهم ~~الكتاب يعرفونه} [البقرة: 146] الآية، قال الكلبي: يعني عبد الله بن سلام ~~وأصحابه، # PageV01P230 # يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعته وصفته ومبعثه واسمه في كتابهم ~~كما يعرف أحدهم ولده إذا رآه مع الغلمان. # قال عبد الله بن سلام: لأنا كنت أشد معرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم ~~مني بابني. # فقال له عمر بن الخطاب: وكيف ذاك يابن سلام؟ قال: لأني أشهد أن محمدا ~~رسول الله حقا ويقينا، وأنا لا أشهد بذلك على ابني، لأني لا أدري ما أحدثت ~~النساء. # فقال عمر: وفقك الله يابن سلام. # قوله: {وإن فريقا منهم ليكتمون الحق} [البقرة: 146] يعني ms0124 الذين يكتمون ~~شأن محمد صلى الله عليه وسلم ونعته، وهم يعلمون لأن الله تعالى بين ذلك في ~~كتابهم. # ثم قال: {الحق من ربك} [البقرة: 147] أي: هذا الحق من ربك، {فلا تكونن من ~~الممترين} [البقرة: 147] الشاكين فيما أخبرتك من أمر القبلة وعناد من كتم ~~النبوة، وامتناعهم من الإيمان بك. # والمرية: الشك، ومنه الامتراء والتماري، والخطاب للنبي صلى الله عليه ~~وسلم، والمراد: غيره من الشاكين. # قوله: ولكل وجهة أراد: ولكل أهل دين، والوجهة: اسم لكل متوجه إليه، ~~وقوله: هو موليها قال الزجاج: هو ضمير لكل، والمعنى: كل هو موليها وجهه، ~~أي: مستقبلها بوجهه. # وقرأ ابن عامر هو مولاها، أي: مصروف إليها، والمعنى: لكل ولي جهة. # وقوله: {فاستبقوا الخيرات} [البقرة: 148] قال ابن عباس: يقول: تنافسوا ~~فيما رغبتكم فيه من الخير، فلكل عندي ثوابه. # وقال الزجاج: أي: فبادروا إلى القبول من الله عز وجل، وولوا وجوهكم حيث ~~أمركم الله أن تولوا. # وقوله {أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا} [البقرة: 148] أي: أينما ~~تكونوا يجمعكم الله للحساب فيجزيكم بأعمالكم. # ثم أكد عليه استقبال القبلة أينما كان بآيتين، وهما: { # PageV01P231 # ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله ~~بغافل عما تعملون {149} ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما ~~كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم ~~فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون {150} } [البقرة: ~~149-150] قوله: حيث خرجت وإنما كررت الآيتان لأن هذا من مواضيع التأكيد ~~لأجل النسخ الذي نقلوا به من جهة إلى جهة. # ومعنى {ومن حيث خرجت} [البقرة: 150] أي: للمسافرة والبروز إلى البدو، ~~{فول وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة: 144] فاستقبل الكعبة أينما كنت، وما ~~بعد هذا مضى تفسيره، إلى قوله: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا ~~منهم} [البقرة: 150] قال المفسرون: الناس ههنا: اليهود، كانوا يحتجون على ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين في صلاتهم إلى بيت المقدس، ~~ويقولون: ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم نحن ms0125! ويقولون: ~~يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قبلتنا!! وهذا كان حجتهم التي كانوا يحتجون ~~بها على المؤمنين على وجه الخصومة والتمويه بها على الجهال، فلما صرفت ~~القبلة إلى الكعبة بطلت هذه الحجة، ثم قال: {إلا الذين ظلموا منهم} ~~[البقرة: 150] وهم المشركون، فإنهم قالوا: قد تحير محمد في دينه فتوجه إلى ~~قبلتنا، وعلم أنا أهدى سبيلا منه، ويوشك أن يرجع إلى ديننا. # فهؤلاء تبقى لهم الخصومة. # والحجة قد تكون بمعنى الخصومة كقوله: {لا حجة بيننا وبينكم} [الشورى: 15] ~~، وقال أبو روق: حجة اليهود أنهم كانوا قد عرفوا أن النبي صلى الله عليه ~~وسلم المبعوث في آخر الزمان قبلته الكعبة، وأنه يحول إليها، فلما رأوا ~~محمدا صلى الله عليه وسلم يصلي إلى # PageV01P232 # الصخرة احتجوا بذلك، فصرفت قبلته إلى الكعبة لئلا يكون لهم عليه حجة. # {إلا الذين ظلموا منهم} [البقرة: 150] يريد: إلا الظالمين الذين يكتمون ~~ما عرفوا من الحق، ومن أنه يحول إلى الكعبة. # وقوله: فلا تخشوهم أي: في انصرافكم إلى الكعبة، وفي تظاهرهم عليكم في ~~المحاجة والمحاربة، واخشوني في تركها ومخالفتها، {ولأتم نعمتي عليكم} ~~[البقرة: 150] بهدايتي إياكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، فتتم لكم الملة ~~الحنيفية. # قال عطاء، عن ابن عباس: {ولأتم نعمتي عليكم} [البقرة: 150] في الدنيا ~~والآخرة، أما في الدنيا: فأنصركم على عدوكم، وأورثكم أرضهم وديارهم ~~وأموالهم، وأما في الآخرة ففي رحمتي وجنتي، وأزوجكم الحور العين. # ولعلكم تهتدون ولكي تهتدوا بإنعامي عليكم إلى الملة الحنيفية. # {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب ~~والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون {151} فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا ~~تكفرون {152} } [البقرة: 151-152] قوله: {كما أرسلنا فيكم} [البقرة: 151] ~~الآية، هذه الكاف تتعلق بما قبله، على تقدير: ولأتم نعمتي عليكم كإرسالي ~~إليكم رسولا، أي: أتم هذه كما أتممت تلك، وذلك أن إبراهيم عليه السلام دعا ~~بدعوتين: إحديهما: قوله: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا} [البقرة: ~~128] الآية، والثانية: قوله: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم} [البقرة: 129] ~~الآية، فالله تعالى قال: كما أجبت دعوته بابتعاث الرسول، كذلك أجيب دعوته ~~بأن أهديكم ms0126 لدينه وأجعلكم مسلمين. # وقوله: رسولا منكم تعرفونه بأصله ونسبه، وباقي الآية مفسر. # PageV01P233 # قوله: {فاذكروني أذكركم} [البقرة: 152] قال ابن عباس، وسعيد بن جبير: ~~اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي. # وروي أن عبد الملك كتب إلى سعيد بن جبير في مسائل، فقال في جوابها: وتسأل ~~عن الذكر، الذكر: طاعة الله، فمن أطاع الله فقد ذكر الله، ومن لم يطعه فليس ~~بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة الكتاب، وتسأل عن قول الله تعالى: {فاذكروني ~~أذكركم} [البقرة: 152] فإن ذلك أن الله يقول: اذكروني بطاعتي أذكركم ~~بمغفرتي. # ويشهد لصحة هذا ما ### | 53 - # أخبرنا سعيد بن العباس القرشي، فيما كتب إلي، أن العباس بن الفضل أخبره ~~عن أحمد بن نجدة، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن سعيد ~~بن منصور، حدثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب، عن أبي هانئ ~~الخولاني، عن خالد بن أبي عمران قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«من أطاع الله فقد ذكر الله، وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن، ومن عصى ~~الله فقد نسي الله وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن» # PageV01P234 ### | 54 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر المعروف بحفدة الخشاب، أخبرنا إبراهيم بن عبد ~~الله الأصفهاني، أخبرنا محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن ~~الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~" يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني وإن ذكرني في ~~نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب مني ~~شبرا تقربت منه ذراعا، وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي ~~أتيته هرولة ". . . رواه مسلم عن. . .، رواه البخاري، عن عمر بن حفص، عن ~~أبيه عن الأعمش # وقوله: {واشكروا لي} [البقرة: 152] تقول العرب: شكرته وشكرت له، ونصحته ~~ونصحت له. # روى سعيد المقبري، عن أبيه، عن عبد الله بن سلام: أن موسى قال لربه: يا ~~رب ما الشكر الذي ينبغي لك؟ قال: يا موسى ms0127 لا يزال لسانك رطبا من ذكري. # {يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين {153} ~~ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون {154} ~~ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر ~~الصابرين {155} الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ~~{156} أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون {157} } ~~[البقرة: 153-157] قوله: {يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة} ~~[البقرة: 153] قال مقاتل: استعينوا على طلب الآخرة بالصبر # PageV01P235 # على الفرائض، وبالصلوات الخمس في مواقيتها على تمحيص الذنوب. # {إن الله مع الصابرين} [البقرة: 153] قال عطاء، عن ابن عباس: يقول: إني ~~معكم، أنصركم ولا أخذلكم. # وقال الزجاج: تأويله: أن يظهر دينهم على سائر الأديان، لأن من كان الله ~~معه فهو الغالب. # قوله: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات} [البقرة: 154] : كان ~~الناس يقولون لمن يقتل في سبيل الله: مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ~~ولذتها. # فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقوله: بل أحياء ذكر المفسرون في حياة ~~الشهداء في سبيل الله ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ~~أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح في ثمار الجنة وتشرب من أنهارها، ~~وتأوي بالليل إلى قناديل من نور معلقة بالعرش» . # وقوله: ولكن لا تشعرون أي: ما هم فيه من الكرامة والنعيم. # قوله: ولنبلونكم النون فيه للتأكيد، واللام جواب قسم محذوف على تقدير: ~~والله لنبلونكم، والمعنى: لنعاملنكم معاملة المبتلى، لأن الله تعالى يعلم ~~عواقب الأمور، فلا يحتاج إلى الابتلاء ليعلم العاقبة، ولكنه يعاملهم معاملة ~~من يبتلى، فمن صبر أثابه على صبره، ومن لم يصبر لم يستحق الثواب. # وقوله: {بشيء من الخوف} [البقرة: 155] قال ابن عباس: يعني: خوف العدو. # {والجوع} [البقرة: 155] يعني: المجاعة والقحط، {ونقص من الأموال} ~~[البقرة: 155] يعني: الخسران والنقصان في المال وهلاك المواشي، {والأنفس} ~~[البقرة: 155] يعني: بالموت والقتل والمرض والشيب، {والثمرات} [البقرة: ~~155] يعني الجوائح، وأن لا تخرج الثمرة كما كانت تخرج، ثم ختم الآية بتبشير ~~الصابرين ليدل على أن من ms0128 صبر على هذه المصائب كان على وعد الثواب من الله ~~تعالى فقال: {وبشر الصابرين} [البقرة: 155] . # ثم نعتهم فقال: { # PageV01P236 # الذين إذا أصابتهم مصيبة} [البقرة: 156] أي: نالتهم نكبة مما ذكر، ولا ~~يقال فيما يصيب بخير: مصيبة. # {قالوا إنا لله} [البقرة: 156] أي: نحن وأموالنا لله، يصنع بنا ما يشاء، ~~{وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156] إقرار بالفناء والهلاك. # ومعنى الرجوع إلى الله تعالى: الرجوع إلى انفراده بالحكم، إذ قد ملك في ~~الدنيا الأحكام، فإذا زال حكم العباد رجع الأمر إلى الله. ### | 55 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، حدثنا محمد بن يعقوب بن يوسف، ~~حدثنا بحر بن نصر، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن أبي شهاب، عن عروة، عن ~~عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مصيبة ~~يصاب بها العبد المؤمن إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها» رواه مسلم، ~~عن أبي الطاهر، عن ابن وهب ### | 56 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن ~~السراج، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، # PageV01P237 # حدثنا أبو بردة الكندي، عن علقمة بن مرثد، عن ابن سابط، عن أبي قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي، فإنها ~~أعظم المصائب» ### | 57 - # أخبرنا أبو الحسن بن أبي القاسم العمراني، أخبرنا أبو علي بن أبي بكر ~~الفقيه، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الفارسي، حدثنا أبو محمد عبد ~~الله بن الحسين بن جابر المصيصي، حدثنا محمد بن يزيد بن سنان، حدثنا ياسين ~~بن معاذ، عن محارب بن دثار، عن أبي صالح، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «ما أصاب عبدا مصيبة إلا بإحدى خلتين، إما بذنب لم يكن ~~الله ليغفر إلا بتلك المصيبة، أو بدرجة لم يكن الله ليبلغه إياها إلا بتلك ~~المصيبة» # PageV01P238 # وقال سعيد بن جبير: لقد أعطيت هذه الآية عند المصيبة ما لم يعطه الأنبياء ~~قبلهم {إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156] ، ولو أعطيه ms0129 الأنبياء ~~لأعطيه يعقوب، إذ يقول: {يا أسفى على يوسف} [يوسف: 84] . ### | 58 - # أخبرنا سعيد بن محمد العدل، أخبرنا أبو علي بن أبي موسى، أخبرنا جعفر بن ~~محمد بن المغلس، حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثني عقبة بن خالد، حدثنا سعد بن ~~سعيد، حدثنا عمر بن كثير بن أفلح، عن سفينة، عن أم سلمة قالت: سمعت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من قال عند مصيبته {إنا لله وإنا إليه ~~راجعون} [البقرة: 156] اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها آجره الله ~~وأخلف له خيرا منها " قالت أم سلمة: فلما هلك أبو سلمة قلت: من خير لي من ~~أبي سلمة؟ ثم عزم الله لي فقلتها، فأخلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم. # رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن سعد بن سعيد # PageV01P239 # أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا ~~محمد بن زكريا الغلابي، حدثنا العباس بن بكار، حدثنا أبو بكر الهذلي، عن ~~الشعبي: أن شريحا قال: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات، ~~أحمد إذ لم تكن أعظم منها، وأحمد إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفقني ~~للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني. # قوله: {أولئك عليهم صلوات من ربهم} [البقرة: 157] ذكرنا معنى الصلاة فيما ~~تقدم، والصلاة من الله رحمة ومغفرة، وأنشد الأزهري: # صلى على يحيى وأشياعه ... رب كريم وشفيع مطاع # قال: معناه: ترحم عليه. # وفسر ابن عباس الصلوات ههنا فقال: مغفرة من ربهم، وهذا كما يروى، أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «اللهم صل على آل أبي أوفى» . # أي: ارحمهم. # PageV01P240 # قال ابن كيسان: وجمع الصلوات لأنه عنى بها رحمة بعد رحمة، وذكر الرحمة ~~بعد الصلوات لإشباع المعنى والاتساع في اللفظ، ومثله قوله تعالى: {سرهم ~~ونجواهم} [التوبة: 78] ، وقال ذو الرمة: # لمياء في شفتيها حوة لعس ... وفي اللثاث وفي أنيابها شنب # فكرر لما اختلف اللفظ. # وقوله: وأولئك هم المهتدون قال ابن عباس: يريد: الذين اهتدوا للترجيع. # وقيل ms0130: إلى الجنة والثواب. ### | 59 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله ~~الأصفهاني، أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن ~~منصور، عن مجاهد، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: ~~نعم العدلان ونعم العلاوة {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} [البقرة: 157] ~~: نعم العدلان، {وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 157] نعم العلاوة # {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن ~~يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم} [البقرة: 158] قوله: {إن ~~الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158] هما جبلان معروفان بمكة، و ~~{شعائر الله} [البقرة: 158] : متعبداته التي # PageV01P241 # أشعرها الله، أي: جعلها أعلاما لنا، وهي كل ما كان من موقف أو مسعى أو ~~منحر، {فمن حج البيت} [البقرة: 158] أصل الحج في اللغة: زيارة شيء تعظمه، ~~قال الزجاج: أهل الحج: القصد، وكل من قصد شيئا فقد حجه. # وقوله: أو اعتمر قال الزجاج: أي: قصد. # وقال غيره: زاره. # {فلا جناح عليه} [البقرة: 158] أي: لا إثم عليه، ولا حرج ولا ذنب، {أن ~~يطوف بهما} [البقرة: 158] ### | 60 - # أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزار، أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان، أخبرنا ~~حامد بن محمد بن شعيب، حدثنا محمد بن بكار، حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن ~~عاصم، عن أنس بن مالك قال: كانوا يمسكون عن الطواف بين الصفا والمروة، ~~وكانا من شعائر الجاهلية وكنا نتقي الطواف بهما فأنزل الله تعالى: {إن ~~الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف ~~بهما} [البقرة: 158] الآية. # رواه البخاري عن أحمد بن محمد، عن عبد الله، عن عاصم # أخبرني سعيد بن العباس القرشي، أخبرنا العباس بن المفضل النضروي، أخبرنا ~~أحمد بن نجدة، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، عن داود، عن الشعبي، قال: ~~كان لأهل الجاهلية صنمان، يقال لأحدهما: يساف. # وللآخر: نائلة. # وكان يساف على الصفا، وكان نائلة على # PageV01P242 # المروة، وكانوا إذا طافوا بين الصفا والمروة مسحوهما، فلما جاء الإسلام ms0131 ~~قالوا: إنما كان أهل الجاهلية يطوفون بينهما لمكان هذين الصنمين وليسا من ~~شعائر الحج. # فأنزل الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158] ، ~~فجعلهما الله من شعائر الحج. # والآية بظاهرها تدل على إباحة ما كرهوه، ولكن السنة أوجبت الطواف بينهما ~~والسعي، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «يأيها الناس كتب عليكم السعي ~~فاسعوا» . # وهو مذهب الشافعي رحمه الله. # وقوله: {ومن تطوع خيرا} [البقرة: 158] قال الحسن: يعني به الدين كله، ~~والمعنى: فعل غير المفترض عليه من طواف وصلاة وزكاة ونوع من الطاعة. # وقرأ حمزة ومن يطوع بالياء وجزم العين، وتقديره: يتطوع، إلا أن التاء ~~أدغمت في الطاء لمقاربتهما، وهذا حسن لأن المعنى على الاستقبال والشرط ~~والجزاء، الأحسن فيهما الاستقبال، وإن كان يجوز أن تقول: من أتاك أعطيته. # فتوقع الماضي موضع المستقبل في الجزاء، إلا أن اللفظ إذا كان وفق المعنى ~~كان أحسن. # وقوله: {فإن الله شاكر} [البقرة: 158] أي: مجاز له بعمله، ومعنى الشاكر ~~في وصف الله: المجازي على الطاعة بالثواب، عليم بنية المتطوع. # PageV01P243 # {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في ~~الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون {159} إلا الذين تابوا وأصلحوا ~~وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم {160} إن الذين كفروا وماتوا ~~وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين {161} خالدين فيها ~~لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون {162} } [البقرة: 159-162] وقوله: {إن ~~الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات} [البقرة: 159] الآية، نزلت في علماء ~~اليهود، وأراد ب البينات: الرجم والحدود والأحكام، وبالهدى: أمر محمد صلى ~~الله عليه وسلم ونعته، {من بعد ما بيناه للناس} [البقرة: 159] لبني ~~إسرائيل، في الكتاب في التوراة، أولئك يعني: الذين يكتمون، {يلعنهم الله ~~ويلعنهم اللاعنون} [البقرة: 159] قال ابن عباس: كل شيء إلا الجن والإنس. # وقال قتادة: هم الملائكة والمؤمنون. # وقال عطاء: الجن والإنس. # وقال ابن مسعود: ما تلاعن اثنان من المسلمين إلا رجعت تلك اللعنة على ~~اليهود والنصارى الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم وصفته. # قوله: {إلا الذين ms0132 تابوا} [البقرة: 160] أي: من الكتمان. # {وأصلحوا} [البقرة: 160] السريرة بإظهار أمر محمد صلى الله عليه وسلم، ~~{وبينوا} [البقرة: 160] نعته، فأولئك أتوب أعود، عليهم بالرحمة. # وقوله: {إن الذين كفروا وماتوا} [البقرة: 161] إلى قوله: {والناس أجمعين} ~~[البقرة: 161] قال قتادة، والربيع: أراد بالناس أجمعين: المؤمنين. # وقال السدي: لا يتلاعن اثنان مؤمنان ولا كافران فيقول أحدهما: لعن الله ~~الظالم. # إلا رجعت تلك اللعنة على الكافر، لأنه ظالم، فكل واحد من الخلق يلعنه. # PageV01P244 # خالدين فيها: باقين في تلك اللعنة دائمين، {لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ~~ينظرون} [البقرة: 162] قال ابن عباس: لا يمهلون للرجعة ولا للتوبة ولا ~~للمعذرة. # {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم {163} إن في خلق السموات ~~والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ~~وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل ~~دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ~~{164} } [البقرة: 163-164] وقوله: {وإلهكم إله واحد} [البقرة: 163] قال ابن ~~عباس، في رواية الكلبي: قالت كفار قريش: يا محمد صف وانسب لنا ربك. # فأنزل الله { [الإخلاص وهذه الآية # وقال جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس: كان للمشركين ثلاث مائة وستون صنما ~~يعبدونها من دون الله، فبين الله سبحانه أنه إله واحد، فأنزل هذه الآية. # قال الأزهري: الواحد في صفة الله تعالى له معنيان: أحدهما: أنه واحد لا ~~نظير له، وليس كمثله شيء، والعرب تقول: فلان واحد قومه وواحد الناس، إذا لم ~~يكن له نظير. # والمعنى الثاني: أنه إله واحد ورب واحد، ليس له في الإلهة والربوبية ~~شريك، لأن المشركين أشركوا معه آلهة، فكذبهم الله تعالى، فقال:] وإلهكم إله ~~واحد} [البقرة: 163] . # قال أصحابنا: حقيقة الواحد في وصف الباري سبحانه: أنه واحد لا قسيم له في ~~ذاته، ولا بعض له في وجوده، بخلاف الجملة التي يطلق عليها لفظ الواحد مجازا ~~كقولهم: دار واحدة وشخص واحد. # وعبر بعض أصحابنا عن التوحيد فقال: هو نفي الشريك والقسيم والشبيه، فالله ~~تعالى واحد في ms0133 أفعاله، لا شريك له يشاركه في إثبات المصنوعات، وواحد في ~~ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا يشبه الخلق فيها. # PageV01P245 ### | 61 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر ~~بن مطر، حدثنا إبراهيم بن علي، حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا يحيى بن زكريا، ~~عن عبيد الله بن أبي زياد، حدثنا شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد عن النبي ~~صلى الله عليه وسلم قال: في هاتين الآيتين اسم الله الأعظم {وإلهكم إله ~~واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} [البقرة: 163] و {الم {1} الله لا إله ~~إلا هو الحي القيوم {2} } [آل عمران: 1-2] # قوله: إن في خلق السموات والأرض الآية، قال المفسرون: لما نزل قوله ~~تعالى: {وإلهكم إله واحد} [البقرة: 163] قالت كفار قريش: كيف يسمع الناس ~~إله واحد؟ وتعجبوا وقالوا: إن محمدا يقول: {وإلهكم إله واحد} [البقرة: 163] ~~فليأتنا بآية إن كان من الصادقين. # فأنزل الله هذه الآية، وعلمهم كيفية الاستدلال على الصانع وعلى توحيده، ~~وردهم إلى التفكر في آياته، والنظر في مصنوعاته. # وقوله: {واختلاف الليل والنهار} [البقرة: 164] يريد: تعاقبهما في الذهاب ~~والمجيء، ومنه يقال: فلان يختلف إلى فلان، إذا كان يذهب إليه ويجيء من ~~عنده. # فذهابه يخلف مجيئه، ومجيئه يخلف ذهابه، أي: يأتي أحدهما خلاف الآخر، أي ~~بعده. # وكل شيء يجيء بعد شيء فهو خلفه، وبهذا فسر قوله تعالى: {جعل الليل ~~والنهار خلفة} [الفرقان: 62] قال الفراء: يذهب هذا ويجيء هذا. # PageV01P246 # وقوله: {والفلك التي تجري في البحر} [البقرة: 164] الفلك: يكون واحدا ~~وجمعا ومذكرا ومؤنثا، قال الله تعالى: {في الفلك المشحون} [الشعراء: 119] ، ~~فإذا أريد به الواحد ذكره، وإذا أريد به الجمع أنث كالتي في هذه الآية. # والآية في الفلك: تسخير الله إياها حتى يجريها على وجه الماء، كما قال: ~~{وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره} [إبراهيم: 32] ووقوفها فوق الماء مع ~~ثقلها وكثرة وزنها. # قوله: {بما ينفع الناس} [البقرة: 164] أي: بالذي ينفعهم من ركوبها والحمل ~~فيها للتجارات، فهي تنفع الحامل لأنه يربح، والمحمول إليه لأنه ينتفع بما ~~حمل ms0134 إليه. # وقوله: {وما أنزل الله من السماء من ماء} [البقرة: 164] يعني: المطر، قال ~~وهب: ثلاثة ما أظن يعلمهن إلا الله عز وجل: الرعد والبرق والغيم، ما أدري ~~من أين هي وما هي؟ فقيل له: إن الله أنزل من الماء ماء. # قال: نعم، ولا أدري أمطر من السماء على السحاب، أم خلق في السحاب؟ قوله: ~~{فأحيا به الأرض بعد موتها} [البقرة: 164] أراد بموت الأرض: جدوبتها ~~ويبوستها، فسماها موتا مجازا، وذلك أن الأرض إذا لم يصبها مطر لم تنبت ولم ~~تتم نباتا، فكانت من هذا الوجه كالميت، وإذا أصابها المطر أنبتت. # قوله: {وبث فيها من كل دابة} [البقرة: 164] البث: النشر والتفريق، ومنه ~~قوله تعالى: {وبث منهما رجالا كثيرا ونساء} [النساء: 1] ، وقوله: {كالفراش ~~المبثوث} [القارعة: 4] . # قال ابن عباس: يريد كل ما دب على الأرض من جميع الخلق، من الناس وغيرهم. # قوله: {وتصريف الرياح} [البقرة: 164] : تقليبها قبولا ودبورا، وشمالا ~~وجنوبا، وتصريفها مرة بالرحمة ومرة بالعذاب، ومرة حارة ومرة باردة، ولينة ~~وعاصفة. # قال قتادة: قادر والله ربنا إن شاء جعلها رحمة لواقح للسحاب ونشرا بين ~~يدي رحمته، وإن شاء جعلها عذابا ريحا عقيما لا تلقح شيئا، إنما هي عذاب على ~~من أرسلت إليه. # PageV01P247 # وقال عبيد بن عمير: يبعث الله المنشرة فتقم الأرض قما، ثم يبعث الله ~~المثيرة فتثير سحابا، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلفه، ثم يبعث الله اللواقح ~~فتلقح الشجر. ### | 62 - # أخبرنا أبو إبراهيم النصراباذي، أخبرنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر ~~الجوهري، حدثنا عبد الله بن محمود السعدي، حدثنا موسى بن يحيى، حدثنا عبيدة ~~بن حميد، حدثني منصور، عن مجاهد قال: هاجت الريح على عهد ابن عباس، فجعل ~~بعضهم يسب الريح، فقال: لا تسبوا الريح، ولكن قولوا: اللهم اجعلها رحمة ولا ~~تجعلها عذابا ### | 63 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، حدثنا محمد بن يعقوب، أخبرنا الربيع، ~~أخبرنا الشافعي، أخبرني الثقة، عن الزهري، حدثني ثابت بن قيس، أن أبا هريرة ~~قال: أخذ الناس ريح بطريق مكة، وعمر بن الخطاب حاج، فاشتدت عليهم، فقال عمر ~~لمن حوله: من ms0135 يحدثنا عن الريح؟ فلم يرجعوا إليه شيئا، قال: فبلغني الذي سأل ~~عنه عمر، فاستحثثت راحلتي، حتى أدركته، فقلت: يا أمير المؤمنين أخبرت أنك ~~سألت عن الريح، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الريح من ~~روح الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، وسلوا ~~الله خيرها واستعيذوا به من شرها» # PageV01P248 # واختلف القراء في الرياح، فقرأ بعضهم بالجمع في مواضع، وبالتوحيد في ~~مواضع، والأظهر في هذه الآية الجمع، لأن كل واحدة من هذه الرياح مثل الأخرى ~~في دلالتها على الوحدانية بتصريفها، وإذا كان كذلك فالوجه الجمع، وأما من ~~وحد فإنه يريد الجنس، كما قالوا: أهلك الناس الدينار والدرهم. # وإذا أريد بالريح: الجنس، كانت قراءة من وحد كقراءة من جمع. # وقوله: {والسحاب المسخر بين السماء والأرض} [البقرة: 164] أي: المذلل، ~~المطيع لله عز وجل في الهواء، لآيات أي: في هذه الأضياء التي ذكرها دلالات ~~على توحيد الله وقدرته، لقوم يعقلون. # {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا ~~أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن ~~الله شديد العذاب {165} إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب ~~وتقطعت بهم الأسباب {166} وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما ~~تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار ~~{167} } [البقرة: 165-167] قوله: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا} ~~[البقرة: 165] لما ذكر الله تعالى الدلالة على وحدانيته أعلم أن قوما، بعد ~~هذه الدلالة والبيان، يتخذون الأنداد مع علمهم أنهم لا يأتون بشيء مما ~~ذكره. # ومعنى تفسير الأنداد: قال أكثر المفسرين: يريد بالأنداد: الأصنام ~~المعبودة من دون الله. # وقوله: {يحبونهم كحب الله} [البقرة: 165] أي: يحبون الأصنام كحب المؤمنين ~~الله تعالى. # ومعنى حب المؤمنين الله: حب طاعته والانقياد لأمره ليس معنى يتعلق بذات ~~القديم سبحانه. # وقوله: {والذين آمنوا أشد حبا لله} [البقرة: 165] أي: أثبت وأدوم، وذلك ~~أن المشركين كانوا يعبدون صنما، فإذا رأوا شيئا ms0136 أحسن منه تركوا ذلك وأقبلوا ~~على عبادة الأحسن. # وقال قتادة: إن الكافر يعرض عن معبوده وقت البلاء، والمؤمن لا يعرض عن ~~الله في السراء والضراء والشدة والرخاء. # PageV01P249 ### | 64 - # أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه، ~~أخبرنا الحسين بن محمد بن مصعب، حدثنا يحيى بن حكيم، حدثنا ابن أبي عدي، عن ~~شعبة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم كلمة، وأنا أقول أخرى، قال: من مات وهو يجعل لله تعالى ندا دخل ~~النار " وأنا أقول: من مات وهو لا يجعل لله ندا دخل الجنة ". # رواه البخاري، عن عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش # قوله تعالى: {ولو يرى الذين ظلموا} [البقرة: 165] يعني: الذين أشركوا ~~بالله، {إذ يرون العذاب} [البقرة: 165] يعني: في الآخرة حين يعاينون جهنم، ~~{أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب} [البقرة: 165] تقدير الآية: ولو ~~يرون أن القوة لله جميعا، والمعنى: ولو يرى الذين ظلموا شدة عذاب الله ~~وقوته، وجواب لو محذوف، وتقديره: لعلموا مضرة اتخاذ الأنداد. # وكثير في التنزيل حذف جواب لو، كقوله تعالى: {ولو أن قرءانا سيرت به ~~الجبال} [الرعد: 31] ، {ولو ترى إذ وقفوا على النار} [الأنعام: 27] ، {ولو ~~ترى إذ الظالمون في غمرات الموت} [الأنعام: 93] ، وقرأ نافع وابن عامر ولو ~~ترى بالتاء على مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم. # والمعنى: لو تراهم إذ يرون العذاب رأوا أن القوة لله، أي أنهم شاهدوا من ~~قدرته ما تيقنوا معه أنه قوي عزيز، وأن الأمر ليس على ما كانوا عليه من ~~جحودهم لذلك أو شكهم فيه. # والاختيار كسر إن مع المخاطبة، لأن الرؤية واقعة على الذين ظلموا، فكان ~~وجه الكلام استئناف إن، وجواب لو تقديره ههنا: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون ~~العذاب لعجبت، أو لرأيت أمرا عظيما، ثم تستأنف إن القوة. # وقرأ ابن عامر يرون بضم الياء، وحجته قوله: {كذلك يريهم الله أعمالهم} ~~[البقرة: 167] . # PageV01P250 # قوله: {إذ تبرأ الذين} [البقرة: 166] العامل في إذ معنى شديد من قوله ms0137: ~~{وأن الله شديد العذاب {165} إذ تبرأ} [البقرة: 165-166] كأنه قيل وقت تبرؤ ~~الذين ابتعدوا، يعني: المتبوعين في الشرك والشر، {من الذين اتبعوا} ~~[البقرة: 166] يعني: السلفة والأتباع، ورأوا العذاب عاينوا جهنم. # وقوله: {وتقطعت بهم الأسباب} [البقرة: 166] الباء ههنا بمعنى عن، كقوله ~~تعالى: {فاسأل به خبيرا} [الفرقان: 59] أي: عنه. # والأسباب معناها في اللغة: الحبال، ثم يقال لكل شيء وصلت به إلى موضع أو ~~حاجة تريدها: سبب. # ويقال للطريق: سبب. # لأنه بسلوكه تصل إلى الموضع الذي تريده، قال الله تعالى: فأتبع سببا أي: ~~طريقا وأسباب السموات: أبوابها، لأن الوصول إليها يكون بدخولها، والمودة ~~بين القوم تسمى: سببا، لأنهم بها يتواصلون، ومنه قول لبيد: # بل ما تذكر من نوار وقد نأت ... وتقطعت أسبابها ورمامها # قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: يعني: أسباب المودة والوصلات التي كانت ~~بينهم في الدنيا تقطعت، وصارت مخالتهم عداوة. # {وقال الذين اتبعوا} [البقرة: 167] وهم الأتباع، {لو أن لنا كرة} ~~[البقرة: 167] أي: رجع إلى الدنيا، {فنتبرأ منهم} [البقرة: 167] وهو جواب ~~التمني بالفاء. # قال الكسائي: تأويله: لو أن لنا أن نكر فنتبرأ منهم في الدنيا لو رجعنا ~~إليها، كما تبرءوا هم، منا اليوم. # PageV01P251 # وقوله: كذلك أي: كتبرؤ بعضهم من بعض، {يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم} ~~[البقرة: 167] في الآخرة، قال الربيع: يريد: أعمالهم القبيحة التي سلفت ~~منهم في الدنيا، حسرات عليهم في الآخرة، لأنهم إذا رأوا حسن مجازاة الله ~~المؤمنين بأعمالهم الحسنة تحسروا على أن لم تكن أعمالهم حسنة فيستحقوا بها ~~من ثواب الله مثل الذي استحقه المؤمنون. # قال ابن كيسان: يعني بأعمالهم: عبادتهم الأوثان، رجاء أن تقربهم إلى الله ~~تعالى، فلما عذبوا على ما كانوا يرجون ثوابه تحسروا وندموا. # قال ابن عباس: نزلت الآية في الكفار الذين أخرجوا النبي صلى الله عليه ~~وسلم من مكة. # {يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه ~~لكم عدو مبين {168} إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا ~~تعلمون {169} } [البقرة: 168-169] قوله تعالى: {يأيها الناس كلوا مما في ~~الأرض حلالا طيبا} [البقرة ms0138: 168] قال ابن عباس، في رواية أبي صالح: نزلت في ~~الذين حرموا على أنفسهم السوائب والوصائل والبحائر. # وقال في رواية عطاء: عنى المؤمنين خاصة. # ومعنى الحلال: المباح الذي انحلت عقدة الحظر عنه، يقال: حل الشيء يحل ~~حلالا وحلا. # والأصل في الطيب: هو ما يستلذ به ويستطاب، ويوصف به الطاهر والحلال على ~~جهة التشبيه، لأن النجس تكرهه النفس فلا يستلذ، والحرام أيضا غير مستلذ، ~~لأن المشرع يزجر عنه. # ولما وصف الحلال بالطيب وصف الحرام بأنه خبيث، قال الله تعالى: {قل لا ~~يستوي الخبيث والطيب} [المائدة: 100] ، وأراد بالحلال الطيب: ما أحل الله ~~أكله مما حرمه المشركون على أنفسهم من الزرع والأنعام، وهو قوله عز وجل: ~~{وقالوا هذه أنعام وحرث حجر} [الأنعام: 138] الآية، وقال ابن عباس، في ~~رواية عطاء: يريد: قد غنمتكم مال أعدائكم، وعلى هذا القول عني بالحلال ~~الطيب: الغنيمة. # PageV01P252 # وقال الزجاج: الأجود أن يكون المعنى: من حيث يطيب لكم، أي: لا تأكلوا من ~~الوجه الذي يحرم. # وقوله: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} [البقرة: 168] هي جمع خطوة، وهي ما ~~بين القدمين، يقال: خطوت خطوة. # مثل: حسوت حسوة، والحسوة: اسم ما تحسيت، وما كان اسما من هذا القبيل يجمع ~~بتحريك العين نحو: غرفة وغرفات، وظلمة وظلمات، وثمرة وثمرات، وما كان نعتا ~~جمع بسكون العين، نحو: ضخمة وضخمات، وعبلة وعبلات، والخطوة من الأسماء لا ~~من الصفات فتجمع بتحريك العين. # ومن قرأ بتسكين العين فإنه نوى الضمة، وأسقطها لثقلها وهو يقدر ثباتها، ~~لأن ذلك إنما يجوز في صورة الشعر. # ومعنى {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} [البقرة: 168] لا تتبعوا سبيله، ولا ~~تسلكوا، ولا تقفوا أثره، ولا تأتموا به، ولا تطيعوه فيما يزين لكم من تحريم ~~حلال واستحلال حرام في الشرع. # {إنه لكم عدو مبين} [البقرة: 168] قد أبان عداوته لكم بإبائه السجود لآدم ~~أبيكم، وهو الذي أخرجه من الجنة. # ثم بين الله تعالى عداوته فقال: {إنما يأمركم بالسوء والفحشاء} [البقرة: ~~169] قال عطاء، عن ابن عباس: السوء: عصيان الله، والفحشاء: البخل. # وقال في رواية باذان: السوء من الذنوب: ما لا حد ms0139 فيه في الدنيا، ~~والفحشاء: ما كان فيه حد. # وقال السدي: أما السوء فالمعصية، وأما الفحشاء فالزنا. # PageV01P253 # وقوله: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [البقرة: 169] من تحريم الحرث ~~والأنعام، هذا قول ابن عباس، في رواية أبي صالح، وقال في رواية عطاء: يريد ~~المشركين وكفار أهل الكتاب، يعني: في نسبتهم أشياء مما شرعوها إلى الله ~~تعالى، كما ذكر الله عنهما في قوله: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها ~~آباءنا والله أمرنا بها} [الأعراف: 28] . # {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ~~أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون {170} ومثل الذين كفروا كمثل ~~الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون {171} } ~~[البقرة: 170-171] قوله: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله} [البقرة: 170] ~~قال الكلبي: يعني الذين حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام، وإذا قيل لهم: ~~اعملوا بما أنزل الله في القرآن. # وقال الضحاك، عن ابن عباس: نزلت في كفار قريش. # {قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا} [البقرة: 170] وجدناهم عليه من ~~الدين، فقال الله تعالى: {أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} ~~[البقرة: 170] يتبعونهم؟ ! وهذا جواب لو، وهو محذوف، والواو في أولو واو ~~العطف، دخلت عليها ألف الاستفهام التي هي للتوبيخ. # وقال عطاء: لا يعقلون عظمة الله ولا يهتدون إلى دينه. # وقوله: {لا يعقلون شيئا} [البقرة: 170] عام ومعناه الخصوص، أي: لا يعقلون ~~شيئا من أمر الدين. # ثم ضرب الله مثلا للكفار، فقال: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق} ~~[البقرة: 171] الآية، النعيق: صوت الراعي بالغنم، يقال: نعق # PageV01P254 # ينعق نعقا ونعيقا ونعقانا ونعاقا، إذا صاح بالغنم زجرا. # قال الأخطل: # انعق بضأنك يا جرير فإنما ... منتك نفسك في الخلاء ضلالا # قال الأخفش، والزجاج، وابن قتيبة: تقدير الآية: ومثلك يا محمد ومثل الذين ~~كفروا في وعظهم ودعائهم إلى الله كمثل الراعي الذي يصيح بالغنم ويكلمها ~~يقول: كلي واشربي وارعي. # وهي لا تفهم شيئا مما يقول لها، كذلك هؤلاء الكفار كالبهائم لا يعقلون ~~عنك ms0140 ولا عن الله شيئا. # وعلى هذا حذف أحد المثلين اكتفاء بالثاني. # وقال ابن عباس، في رواية الكلبي: ومثل الكفار في قلة فهمهم وعقلهم كمثل ~~الرعاة يكلمون البهم، والبهم لا تعقل عنهم شيئا، غير أنها تسمع الصوت ولا ~~تفقه، وعلى هذا شبه الكفار بالرعاة الذين يكلمون ما {لا يسمع إلا دعاء ~~ونداء} [البقرة: 171] ، وهي البهائم. # وهذا قول مجاهد، قال: هذا مثل ضربه الله للكافر، يسمع ما يقال له ولا ~~يعقل، فمثله كمثل البهيمة، تسمع النعيق ولا تفهم، ولا تعقل. # ثم وصفهم فقال: صم قال قتادة: صم عن الحق، فلا يسمعونه، بكم عن الحق، فلا ~~ينطقون به، عمي عن الحق فلا يبصرون. # {يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه ~~تعبدون {172} إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير ~~الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم {173} } ~~[البقرة: 172-173] قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما ~~رزقناكم} [البقرة: 172] قال المفسرون: هذا أمر إباحة، وأراد # PageV01P255 # بالطيبات: الحلالات من الحرث والأنعام وما حرمه المشركون منها على ~~أنفسهم. ### | 65 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، حدثنا الحسن بن علي بن يحيى ~~الدارمي، إملاء، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، حدثنا علي ~~بن الجعد، أخبرنا فضيل بن مرزوق، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي ~~هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس إن الله طيب لا ~~يقبل إلا الطيب، وإن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، ~~فقال: {يأيها الرسل كلوا من الطيبات} [المؤمنون: 51] وقال {يأيها الذين ~~آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 172] ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، ~~يمد يده إلى السماء، يقول: يا رب، يا رب. # أشعث أغبر، مطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ ، ~~رواه مسلم، عن أبي كريب، عن أبي أسامة، عن فضيل، وهو من الأخبار التي لم ~~يخرجها البخاري # وقوله: واشكروا لله ms0141 أي: إذا كانت العبادة لله واجبة عليكم بأنه إلهكم، ~~فالشكر له واجب بأنه محسن إليكم. # ثم بين أن المحرم ما هو، فقال: {إنما حرم عليكم الميتة} [البقرة: 173] ~~قال الزجاج: إنما إذا جعلته كلمة واحدة كان إثباتا لما يذكر بعده، # PageV01P256 # ونفيا لما سواه، وقوله: إنما حرم معناه: ما حرم عليكم إلا ما ذكر، وذلك ~~لأن كلمة إن للتوكيد في الإثبات، وما تكون نفيا، فإذا قال القائل: إني بشر. # فالمعنى: أنا بشر على الحقيقة، وإذا قال: إنما أنا بشر. # كان المعنى: ما أنا إلا بشر، والميتة: ما فارقته الروح من غير ذكاة مما ~~يذبح. # قوله: والدم كانت العرب تجعل الدم في المباعر، وتشويها ثم تأكلها، فحرم ~~الله تعالى الدم. # وقد خصت السنة هذين الجنسين، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " أحلت لنا ~~ميتتان ودمان، أما الميتتان: فالجراد والسمك، وأما الدمان: فالكبد والطحال ~~". # وقد قال الله تعالى: {أو دما مسفوحا} [الأنعام: 145] فقيد، وأطلق في هذه ~~الآية، والمطلق يحمل على المقيد، وقوله: {ولحم الخنزير} [البقرة: 173] ~~أراد: الخنزير بجميع أجزائه، وخص اللحم لأنه المقصود بالأكل، {وما أهل به ~~لغير الله} [البقرة: 173] معنى الإهلال في اللغة: رفع الصوت، قال ابن أحمر: # يهل بالفرقد ركبانها ... كما يهل الراكب المعتمر # ويقال للمحرم: مهل. # لرفعه صوته بالتلبية، وللذابح: مهل. # لرفعه الصوت بذكر ما يذبح على اسمه. # ومعنى {وما أهل به لغير الله} [البقرة: 173] : قال ابن عباس: ما ذبح ~~للأصنام وذكر عليه غير اسم الله. # وهذا قول جميع المفسرين. # PageV01P257 ### | 66 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أخبرنا إبراهيم بن أحمد بن رجاء، أخبرنا ~~إبراهيم بن عبد الله بن جبلة الهروي، حدثنا أبو مصعب، حدثنا محرز بن هارون، ~~عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لعن الله ~~سبعة من خلقه، ولعن كل واحد منهم لعنة تكفيه، قال: ملعون ملعون ملعون من ~~عمل عمل قوم لوط، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من أتى شيئا من البهائم، ~~ملعون من جمع امرأة وابنتها، ملعون من عق والديه، ملعون من انتمى ms0142 إلى غير ~~مواليه، ملعون من غير حدود الأرض " # وقوله: فمن اضطر أي: أحوج وألجئ، وهو افتعل من الضرورة، قال الأزهري: ~~معناه: من ضيق عليه الأمر بالجوع. # وقرئ برفع النون وكسرها، فمن رفع فلإتباع ضمة الطاء، ومن كسر فعلى أصل ~~حركة التقاء الساكنين. # قوله: غير باغ البغي: الظلم والخروج عن النصفة، ومنه قوله تعالى: {والذين ~~إذا أصابهم البغي} [الشورى: 39] ، ولا عاد هو من العدو، وهو التعدي في ~~الأمور، يقال: عدا عدوا وعدوانا، إذا ظلم. # قال مجاهد: غير قاطع لسبيل، أو مفارق للأئمة، أو خارج في معصية الله، فله ~~الرخصة. # وقال سعيد بن جبير: الذي يقطع الطريق # PageV01P258 # فلا رخصة له في شرب الخمر ولا أكل الميتة. # وقال ابن عباس، في رواية عطاء: غير باغ على المسلمين، ولا عاد عليهم. # وعلى هذا التأويل: كل من عصى بسفره لم تحل له الميتة عند الضرورة لأنه ~~باغ، وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه. # وفيه قول آخر: غير باغ بأكله من غير اضطرار، ولا عاد يتعدى الحلال إلى ~~الحرام، فيأكله وهو غني عنه، وهذا قول الحسن، والربيع، وابن زيد، وعلى قول ~~هؤلاء يستبيح العاصي بسفره الرخص، وهو مذهب أهل العراق. # وقوله: {إن الله غفور رحيم} [البقرة: 173] أي: للمعاصي، وفيه إشارة إلى ~~أنه إذا كان يغفر المعصية فإنه لا يأخذ بما جعل فيه الرخصة، رحيم حيث رخص ~~للمضطر في أكل الميتة. # {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما ~~يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم ~~عذاب أليم {174} أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما ~~أصبرهم على النار {175} ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا ~~في الكتاب لفي شقاق بعيد {176} ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق ~~والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ~~وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين ~~وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين ~~في البأساء ms0143 والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون {177} ~~} [البقرة: 174-177] قوله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب} ~~[البقرة: 174] نزلت في رؤساء اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه ~~وسلم. # PageV01P259 # {ويشترون به ثمنا قليلا} [البقرة: 174] ذكرنا تفسيره في قوله: {ولا ~~تشتروا بآياتي ثمنا قليلا} [البقرة: 41] ، {أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا ~~النار} [البقرة: 174] أي: إلا ما يئول عاقبته إلى النار، كقوله: {إنما ~~يأكلون في بطونهم نارا} [النساء: 10] ، {ولا يكلمهم الله يوم القيامة} ~~[البقرة: 174] أي: لا يكلمهم كلاما يسرهم وينفعهم، فأما التهديد والتوبيخ ~~فقد يكون، {ولا يزكيهم} [البقرة: 174] ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم. # قوله: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} [البقرة: 175] مضى تفسيره. # وقوله: {فما أصبرهم على النار} [البقرة: 175] المعنى: فما أصبرهم على عمل ~~أهل النار حين تركوا الهدى وأخذوا بالضلالة! وقال الحسن، وقتادة، والربيع: ~~ما أجرأهم على أعمال أهل النار! قال الفراء: وهذه لغة يمانية، يقول الرجل: ~~ما أصبرك على كذا! يريد: ما أجرأك عليه. # وما على هذا القول: تعجب، كقولك: ما أحسن زيدا! ومعنى التعجب من الله: ~~أنه يعجب المخاطبين ويدلهم على أنهم قد حلوا محل من يتعجب منهم. # وقال السدي: هذا على وجه الاستفهام، ومعناه: ما الذي صبرهم وأي شيء صبرهم ~~على النار حين تركوا الحق واتبعوا الباطل؟ وما على هذا القول للاستفهام لا ~~للتعجب، وأصبر بمعنى: صبر، مثل: كرم وأكرم. # وقوله: ذلك إشارة إلى قوله: ولهم عذاب أليم أي: ذلك العذاب لهم، {بأن ~~الله نزل الكتاب بالحق} [البقرة: 176] يعني: التوراة، فاختلفوا فيه، أي: ~~آمنوا ببعض وكفروا ببعض، {وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق # PageV01P260 # بعيد} [البقرة: 176] لفي خلاف طويل، وذكرنا معنى الشقاق فيما سبق. # وقوله عز وجل: ليس البر قرئ نصبا ورفعا، وكلاهما حسن، لأن اسم ليس وخبرها ~~اجتمعا في التعريف، فجاز أن يكون أحدهما أيها كان اسما والثاني خبرا. # قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وعطاء: كان الرجل في ابتداء الإسلام إذا ~~شهد الشهادتين وصلى إلى أي ناحية كان، ثم مات على ذلك وجبت له ms0144 الجنة، فلما ~~هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت الفرائض، وحددت الحدود، وصرفت ~~القبة إلى الكعبة، أنزل الله هذه الآية فقال: ليس البر كله أن تصلوا ولا ~~تعملوا غير ذلك، ولكن البر ما ذكر في قوله: ولكن البر من آمن بالله. # قال الزجاج: معناه: ولكن ذا البر، فحذف المضاف كقوله: {هم درجات} [آل ~~عمران: 163] أي: ذوو درجات. # وقال قطرب، والفراء: معناه: ولكن البر بر من آمن بالله، فحذف المضاف وهو ~~كثير في الكلام، كقوله: {وأشربوا في قلوبهم العجل} [البقرة: 93] ، {واسأل ~~القرية} [يوسف: 82] . # قوله: والكتاب قال ابن عباس: يريد: الكتب، والكتاب: اسم جنس، فيجوز وقوعه ~~على الكثير. # {وآتى المال على حبه} [البقرة: 177] أي: على حب المال. # قال ابن عباس، وابن مسعود: هو أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش وتخشى ~~الفقر. # PageV01P261 # وقوله: وابن السبيل قال مجاهد: هو المنقطع من أهله يمر عليك. # وقال قتادة: هو الضيف ينزل بالرجل. # قوله: وفي الرقاب قال جميع المفسرين: يريد به: المكاتبين، ويكون التقدير: ~~وفي ثمن الرقاب، {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} [البقرة: 177] أراد: فيما ~~بينهم وبين الله، وبينهم وبين الناس، إذا وعدوا أنجزوا، وإذا حلفوا ونذروا ~~وفوا، وإذا قالوا صدقوا، وإذا اؤتمنوا أدوا. # وارتفع الموفون بالعطف على محل من في قوله: من آمن فهو رفع لأنه خبر لكن، ~~كأنه قال: ولكن البر من آمن بالله والموفون. # وقوله: {والصابرين في البأساء} [البقرة: 177] يعني: الفقر، وهو اسم من ~~البؤس، والضراء المرض، وانتصب الصابرين على المدح، وإن كان معطوفا على ~~مرفوع. # والعرب، إذا تطاول الكلام، اعترضت فيه بالمدح أو الذم، وإن كان حقه ~~الرفع، من ذلك قول الشاعر: # لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر # النازلين بكل معترك ... والطيبين معاقد الأزر # فنصب النازلين، والطيبين على المدح، وإن كان صفة لاسم مرفوع. # PageV01P262 # قال الخليل: المدح والذم ينصبان على معنى: أعني، فكأنه قال، بعد قوله ~~وآفة الجزر: أعني النازلين بكل معترك. # قوله: وحين البأس يعني: وقت القتال في سبيل الله، والبأس: اسم للحرب، لما ~~فيها من الشدة، أولئك ms0145 أي: أهل هذه الأوصاف، ومن قام بواحدة منها لم يستحق ~~الوصف بالبر. # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا محمد بن ~~الحسين الطبركي، حدثنا محمد بن مهران، حدثنا وكيع، عن علي بن صالح، عن أبي ~~ميسرة، قال: من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان {ليس البر أن تولوا ~~وجوهكم قبل المشرق والمغرب} [البقرة: 177] إلى قوله: {أولئك هم المتقون} ~~[الزمر: 33] . ### | 67 - # أخبرنا أبو سعيد الفضل بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا أبو علي بن أبي كريب ~~الفقيه، أخبرنا أبو جعفر العنبري الأرحامي، حدثنا علي بن حجر، حدثنا عتاب، ~~عن المسعودي، عن القاسم قال: # PageV01P263 # جاء رجل إلى أبي ذر فسأله عن الإيمان، فقرأ عليه: {ليس البر أن تولوا ~~وجوهكم} [البقرة: 177] حتى فرغ من الآية، فقال: ليس عن البر سألتك، إنما ~~سألتك عن الإيمان، فقال: ادن مني، فدنا منه، فقال: سأل رجل رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم عن مثل الذي سألتني، فقرأ عليه مثل الذي قرأت عليك، فأبى أن ~~يرضى كما أبيت أن ترضى، فقال: ادن فدنا منه، فقال: «المؤمن إذا عمل حسنة ~~سرته ورجا ثوابها، وإذا عمل سيئة ساءته وخاف عقابها» # {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد ~~والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ~~ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم {178} ولكم في ~~القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون {179} } [البقرة: 178-179] قوله ~~عز وجل: {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} [البقرة: 178] : ~~كتب ههنا بمعنى: فرض وأوجب، كقوله: {كتب عليكم الصيام} [البقرة: 183] ~~والقصاص فعال من المقاصة، يقال: قاصصته مقاصة وقصاصا، إذا أقدته من أخيه. # وقال الليث: القصاص والتقاص في الجراحات والحقوق: شيء بشيء. # وقوله: {الحر بالحر} [البقرة: 178] قال المفسرون: نزلت الآية في حيين من ~~العرب، لأحدهما طول على الآخر، # PageV01P264 # فكانوا يتزوجون نساءهم بغير مهر، فقتل الأوضع منهما من الشريف قتلى، فحلف ~~الشريف: ليقتلن الحر بالعبد، والذكر بالأنثى، وليضاعفن الجراح، فأنزل الله ~~هذه ms0146 الآية يعلم أن الحر المسلم كفء للحر المسلم، وكذلك العبد للعبد، والذكر ~~للذكر، والأنثى للأنثى. # ولم تدل الآية على أن الذكر لا يقتل بالأنثى، وقتل الذكر بالأنثى مستفاد ~~من إجماع الأمة، لأنهما تساويا في الحرمة والميراث وحد الزنى والقذف وغير ~~ذلك، فوجب أن يستويا في القصاص. # وقوله: {فمن عفي له من أخيه شيء} [البقرة: 178] معنى العفو ههنا: ترك ~~الواجب من أرش جناية، أو عقوبة ذنب، أو ما استوجبه الإنسان بما ارتكبه من ~~جناية، فصفح عنه وترك له من الواجب عليه. # وقوله: من أخيه أراد: من دم أخيه، فحذف المضاف للعلم به، وأراد بالأخ: ~~المقتول، سماه أخا للقاتل، فدل على أن أخوة الإسلام بينهما لم تنقطع، وأن ~~القاتل لم يخرج عن الإيمان بقتله. # وفي قوله: شيء دليل على أن بعض الأولياء إذا عفا سقط القود، لأن شيئا من ~~الدم قد بطل بعفو البعض، والله تعالى قال: فمن عفي له من أخيه شيء ~~والكنايتان في قوله: له، وأخيه ترجعاه إلى من، وهو القاتل. # وقوله: فاتباع بالمعروف أي: فعلى ولي المقتول اتباع بالمعروف في المطالبة ~~بالدية، وهو ترك التشديد على القاتل في طلب الدية. # وقوله: وأداء إليه بإحسان وعلى القاتل تأدية المال إلى العافي بإحسان، ~~أمر الله تعالى الطالب أن يطلب بالمعروف، ويتبع الحق الواجب له، من غير أن ~~يطالبه بالزيادة، أو يكلفه ما لم يوجبه الله، أو يشدد عليه، كل هذا تفسير ~~المعروف، وأمر المطلوب منه بالإحسان في الأداء، وهو ترك المطل والتسويف. # وقوله: {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} [البقرة: 178] قال ابن عباس: يريد: حيث ~~جعل الدية لأمتك يا محمد، قال قتادة: لم تحل الدية لأحد غير هذه الأمة. # قال المفسرون: إن الله تعالى كتب على أهل التوراة أن يقيدوا ولا يأخذوا ~~الدية ولا يعفوا، وعلى أهل # PageV01P265 # الإنجيل أن يعفوا ولا يقيدوا، ولا يأخذوا الدية، وخير هذه الأمة بين ~~القصاص والدية والعفو، فقال: {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} [البقرة: 178] أي: ~~هذا التخيير بين هذه الأشياء. ### | 68 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، حدثنا محمد ms0147 بن يعقوب العقيلي، أخبرنا ~~الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان بن عيينة، حدثنا عمرو بن دينار، ~~أخبرني مجاهد قال: سمعت ابن عباس يقول: كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن ~~فيهم الدية، فقال الله لهذه الأمة: {كتب عليكم القصاص} [البقرة: 178] إلى ~~قوله: {فمن عفي له من أخيه شيء} [البقرة: 178] قال: «العفو» أن تقبل الدية ~~في العمد # {فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} [البقرة: 178] قال: أمر هذا أن يطلب ~~بمعروف، ويؤدي هذا بإحسان، {ذلك تخفيف من ربكم} [البقرة: 178] مما كتب على ~~من كان قبلكم. ### | 69 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث التميمي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان، ~~أخبرنا أحمد بن جعفر بن نصر الجمال، حدثنا عبد الرحمن بن سلمة، حدثنا أبو ~~سعيد الصغاني، حدثنا جرول بن عبد الله، عن أبي حازم، عن ابن عباس قال: لو ~~أكفر الله أحدا من أهل التوحيد بذنب لأكفر الذين سفكوا الدم الحرام، وقال ~~الله تعالى {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص} [البقرة: 178] ثم قال: ~~{فمن عفي له من أخيه شيء} [البقرة: 178] ثم قال: {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} ~~[البقرة: 178] قال ابن عباس: فسمى القاتل في أول الآية مؤمنا، وفي وسطها ~~أخا، ولم يؤيسه في آخرها من التخفيف والرحمة # وقوله: {فمن اعتدى بعد ذلك} [البقرة: 178] يعني: قتل بعد أخذ الدية ~~والعفو، {فله عذاب أليم} [البقرة: 178] . ### | 70 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الأصبهاني، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن ~~جعفر الأصبهاني، حدثنا أبو يحيى # PageV01P266 # الرازي، حدثنا سهل بن عثمان العسكري، أخبرنا أبو خالد، وعبد الرحيم، عن ~~محمد بن إسحاق، عن الحارث بن فضيل، عن سفيان بن أبي العوجاء السلمي، عن أبي ~~شريح الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصيب بدم أو ~~بخبل، والخبل: الجراحة، فهو بالخيار بين إحدى ثلاث، فإن أراد الرابعة فخذوا ~~على يديه، بين أن يقتص أو يعفو، أو يأخذ الدية، فإن فعل شيئا من ذلك، ثم ~~تعدى، فإن له نار جهنم خالدا فيها مخلدا " # قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة} [البقرة: 179] قال ms0148 مقاتل: حياة بما ~~ينتهي بعضكم عن دماء بعض مخافة أن يقتل. # وقال قتادة: جعل الله هذا القصاص حياة وعبرة لأهل السفه والجهل من الناس، ~~وكم من رجل قد هم بداهية لولا مخالفة القصاص لوقع فيها، ولكن الله حجز ~~بالقصاص عبادة بعضهم عن بعض. # PageV01P267 # وهذا قول أكثر أهل التفسير، قالوا: إن القاتل إذا قتل قصاصا أمسك عن ~~القتل من كان يهم به مخافة أن يقتل، فكان في القصاص حياة للذي هم بالقتل ~~وللذي هم بقتله. # وقال السدي: كانوا يقتلون بالواحد الاثنين والعشرة والمائة، فلما قصروا ~~على الواحد كان في ذلك حياة. # وهذا قول ابن مسعود، قال: لا يقتل إلا القاتل بجنايته. # وقوله: {يا أولي الألباب} [البقرة: 179] يعني: يا ذوي العقول، وأولي ~~بمعنى: ذوي، وقوله: {لعلكم تتقون} [البقرة: 179] يعني: إراقة الدماء مخافة ~~القصاص. # {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين ~~بالمعروف حقا على المتقين {180} فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين ~~يبدلونه إن الله سميع عليم {181} فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم ~~فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم {182} } [البقرة: 180-182] قوله: كتب عليكم ~~أي: فرض وأوجب، {إذا حضر أحدكم الموت} [البقرة: 180] يريد: أسباب الموت ~~ومقدماته من العلل والأمراض، {إن ترك خيرا} [البقرة: 180] أي: مالا، ~~والخير: اسم جامع للمال في كثير من القرآن، كقوله: {وما تنفقوا من خير} ~~[البقرة: 272] ، {وإنه لحب الخير لشديد} [العاديات: 8] ، و {من خير فقير} ~~[القصص: 24] ، {الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف} [البقرة: 180] أي: ~~بالعدل الذي لا ينكر، يعني: لا يزيد عن الثلث، حقا يعني: حق ذلك عليكم حقا، ~~أي: وجب، على المتقين المؤمنين الذين يتقون الشرك. # وكان السبب في نزول هذه الآية: أن أهل الجاهلية كانوا يوصون بما لهم ~~للبعداء رياء وسمعة، فصرف الله تعالى بهذه الآية ما كان يصرف إلى البعداء ~~إلى الأهل والأقرباء، فعمل بها ما كان العمل، ثم نسختها آية المواريث # PageV01P268 # في سورة النساء، وكانت الوصية للوالدين والأقربين فرضا على من مات وله ~~مال، حتى نسخ حكم الآية ms0149، ولا يجب على أحد وصية لأحد قريب ولا بعيد، وإذا ~~أوصى فله أن يوصي لكل من يشاء من الأقارب والأباعد إلا الوارث. ### | 71 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، حدثنا ~~أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا أبو بكر ~~الهذلي، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن عمرو بن خارجة قال: كنت ~~تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقصع بجرتها ولعابها ينوس بين ~~كتفي، فسمعته يقول: «ألا إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا يجوز للوارث وصية» ### | 72 - # أخبرنا أبو منصور المنصوري، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا عبد الله بن ~~محمد بن عبد العزيز، حدثنا داود بن رشيد، حدثنا إسماعيل ابن علية، # PageV01P269 # حدثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما ~~حق امرئ يبيت ليلتين وله مال يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده» . # رواه مسلم، عن زهير بن حرب، عن ابن علية. # والخير في هذه الآية محمول على المال الكثير، قال ابن عباس: من لم يترك ~~ستين دينارا لم يترك خيرا، وقال طاوس: من لم يترك ثمانين دينارا لم يترك ~~خيرا. # قوله: {فمن بدله} [البقرة: 181] الكناية تعود إلى الإيصاء، لأن الوصية ~~بمعنى الإيصاء، كقوله: {فمن جاءه موعظة} [البقرة: 275] أي: وعظ، {بعد ما ~~سمعه} [البقرة: 181] من الميت، قال المفسرون: أي: فمن غير الوصية من ~~الأوصياء والأولياء والشهود بعد ما سمعه من الميت، فإنما إثمه إثم التبديل، ~~{على الذين يبدلونه} [البقرة: 181] أي: على من بدل الوصية، وبرئ الميت، إن ~~الله سميع سميع ما قاله الموصي، عليم بنيته وما أراد، وعليم بما فعله ~~الموصى. # قال الكلبي: كان الأولياء والأوصياء يمضون وصية الميت بعد نزول هذه الآية ~~وإن كانت مستغرقة للمال، فأنزل الله قوله: {فمن خاف من موص} [البقرة: 182] ~~أي: علم، والخوف يستعمل بمعنى العلم، لأن في الخوف طرقا من العلم، وذلك أن ~~القائل إذا قال: أخاف أن يقع أمر كذا. # كأنه ms0150 يقول: أعلم. # وإنما يخاف لعلمه بوقوعه، فاستعمل الخوف في العلم، ومنه قوله تعالى: ~~{وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا} [الأنعام: 51] ، وقوله: {إلا أن يخافا ~~ألا يقيما حدود الله} [البقرة: 229] . # PageV01P270 # قوله: {جنفا أو إثما} [البقرة: 182] أي: ميلا، يقال: جنف يجنف جنفا، إذا ~~مال. # وكذلك تجانف، ومنه قوله تعالى: {غير متجانف لإثم} [المائدة: 3] . # قال ابن عباس: يريد: خطأ من غير تعمد. # وقال السدي، وعكرمة، والربيع، وعطية: الجنف: الخطأ، والإثم: العمد. # قال مجاهد: هذا حين يحضر الرجل وهو يموت، فإذا أسرف أمروه بالعدل، وإذا ~~قصر عن حق قالوا: افعل كذا، أعط فلانا كذا. # ومعنى الآية: أن الميت إذا أخطأ في وصيته أو خاف فيها متعمدا فلا حرج على ~~من علم ذلك أن يغيره ويصلح بعد موته بين ورثته وبين الموصى لهم، ومن ولي أو ~~وصي أو والى أمر المسلمين، ويرد الوصية إلى العدل. # قوله: فأصلح بينهم يعني: بين الورثة والمختلفين في الوصية، وهم الموصى ~~لهم. # قوله: {فلا إثم عليه} [البقرة: 182] لأنه متوسط للإصلاح، وليس بمبدل ~~بإثم. ### | 73 - # أخبرنا أبو سعيد النضروي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي بن زياد، ~~أخبرنا إبراهيم بن إسحاق الأنماطي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، حدثنا ~~عبد الله بن عصمة، حدثنا بشر بن حكيم، عن سالم بن كثير، عن معاوية بن قرة ~~عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حضره الموت فوضع وصيته ~~على كتاب الله كان ذلك كفارة لما ضيع من زكاته في حياته» # PageV01P271 # {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم ~~تتقون {183} أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ~~وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا ~~خير لكم إن كنتم تعلمون {184} شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس ~~وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على ~~سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم ms0151 العسر ولتكملوا ~~العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون {185} } [البقرة: 183-185] ~~قوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} [البقرة: 183] الآية، ~~الصيام: مصدر من صام، كالقيام من قام، وأصله في اللغة: الإمساك عن الشيء ~~والترك له، ومنه قيل للصمت: صوم. # لأنه إمساك عن الكلام، قال الله تعالى: {إني نذرت للرحمن صوما} [مريم: ~~26] ، وصام النهار: إذا قام قائم الظهيرة. # وصامت الريح: إذا ركدت. # وصام الفرس: إذا قام على غير إعلاف. # هذا أصله في اللغة. # وفي الشريعة: هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع مع اقتران النية به. # وإجماع المفسرين على أن المراد بهذا الصيام: صيام شهر رمضان، وكان الفرض ~~في ابتداء الإسلام هو صوم يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، فنسخ ذلك ~~بصيام رمضان، قبل قتال بدر بشهرين. # وقوله: {كما كتب على الذين من قبلكم} [البقرة: 183] أي: كما فرض على ~~الأمم من أهل الكتابين قبلكم، أي: أنتم متعبدون بالصيام كما تعبد الذين ~~كانوا من قبلكم. # وقوله: لعلكم تتقون قال السدي: كي تتقوا الأكل والشرب والجماع وقت وجوب ~~الصوم. # وقال الزجاج: لتتقوا المعاصي، فإن الصيام وصلة إلى التقى، لأنه يكف ~~الإنسان عن كثير مما تطمع إليه النفس من المعاصي. # PageV01P272 # وقوله: أياما معدودات قال الزجاج: أياما: ظرف ل كتب، كأنه قال: كتب عليكم ~~الصيام في هذه الأيام. # وقال الفراء: هي نصب على خبر ما لم يسم فاعله، وهو قوله: كتب كما تقول: ~~أعطى عبد الله المال. # وأراد بالأيام المعدودات: أيام رمضان. # وقوله: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة} [البقرة: 184] أي: فأفطر ~~فعدة، أي: فعليه عدة ما أفطر، {من أيام أخر} [البقرة: 184] سوى أيام مرضه ~~وسفره، والعدة: فعلة، من العد، وهي بمعنى المعدودة كالطحن بمعنى المطحون. # والمرض الذي يبيح الإفطار هو كل مرض كان الأغلب من أمر صاحبه بالصوم ~~الزيادة في علته زيادة لا يحتملها. # وحد السفر الذي يبيح الإفطار: ستة عشر فرسخا فصاعدا، والإفطار: رخصة من ~~الله عز وجل للمسافر، فمن أفطر فبرخصة الله أخذ، ومن صام ففرضه أدى. ### | 74 - # أخبرنا ms0152 أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، وحدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا بحر ~~بن نصر، قال: قرئ على ابن وهب: أخبرك عمرو بن الحارث، عن أبي الأسود، عن ~~عروة بن الزبير، عن أبي مراوح، عن حمزة بن عمرو أنه قال: # PageV01P273 # يا رسول الله، أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح؟ فقال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن ~~يصوم فلا جناح عليه» ، رواه مسلم، عن أبي الطاهر، عن ابن وهب ### | 75 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر ~~بن مطر، حدثنا عبدان، حدثنا الحسين بن محمد الذارع، أخبرنا أبو محسن حصين ~~بن نسير، حدثنا هشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه» # قوله: {وعلى الذين يطيقونه} [البقرة: 184] أي: يطيقون الصيام، يقال: أطاق ~~يطيق إطاقة وطاقة. # كما يقال: أطاع يطيع إطاعة وطاعة. # والطاقة والطاعة: اسمان يوضعان موضع المصدر. # وقوله: {فدية طعام مسكين} [البقرة: 184] هذه قراءة أهل المدينة والشام، ~~والمعنى: وعلى الذين يطيقونه فأفطروا فدية طعام. # والفدية: البدل، وقد مر ذكره، وأضيفت الفدية إلى الطعام لأنها اسم للقدر ~~الواجب، والطعام: اسم يعم # PageV01P274 # الفدية وغيرها، فهذا كقولك: ثوب خز وخاتم حديد. # وجمعوا المساكين لأن الذين يطيقونه فأفطروا جماعة، وكل واحد منهم يلزمه ~~طعام مسكين. # وقرأ الباقون فدية منونة طعام مسكين على واحد، جعلوا ما بعد الفدية ~~تفسيرا لها، ووحدوا المسكين لأن المعنى: على كل واحد لكل يوم طعام مسكين، ~~ومثل هذا قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ~~فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور: 4] ، وليس جميع القاذفين يفرق فيهم جلد ~~ثمانين، إنما على كل واحد منهم ذلك. # وقال أبو زيد: يقال: أتينا الأمير فكسانا كلنا حلة، وأعطانا كلنا مائة. # معناه: كسا كل واحد منا حلة، وأعطى كل واحد منا مائة. # فأما حكم الآية فقال ابن ms0153 عباس والمفسرون: كان في ابتداء إيجاب الصوم: من ~~شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى بالطعام وهو من واحد، ثم نسخ الله تعالى ذلك ~~بقوله: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185] . # وقوله: {فمن تطوع خيرا فهو خير له} [البقرة: 184] قال ابن عباس: زاد في ~~الصدقة على الواحد، {وأن تصوموا خير لكم} [البقرة: 184] أي: الصوم خير لكم ~~من الإفطار والفدية، وهذا إنما كان خيرا لهم قبل النسخ، وبعد النسخ لا ~~يجوز، أي يقال: الصوم خير من الإفطار والفدية. # وقوله: شهر رمضان قال الفراء: ارتفع على البدل من الصيام، كأن المعنى: ~~كتب عليكم شهر رمضان، وقال الأخفش: ارتفع على أنه خبر ابتداء محذوف، ~~والمعنى: هي شهر رمضان، لأن قوله: شهر رمضان تفسير للأيام المعدودات. # ورمضان لا يتصرف للتعريف وزيادة الألف والنون، مثل عثمان وسعدان، ~~واختلفوا في اشتقاقه فقال قوم: هو # PageV01P275 # مأخوذ من الرمض، وهو حر الحجارة من شدة حر الشمس، والاسم: الرمضاء، ~~والأرض رمضة، وسمي هذا الشهر رمضان لأن وجوب صومه وافق شدة الحر. # وهذا القول حكاه الأصمعي، عن أبي عمرو. # ويحكى عن الخليل، أنه قال: مأخذه من الرمضى، وهو من السحاب والمطر ما كان ~~في آخر القيظ وأول الخريف، وسمي هذا الشهر رمضان لأنه يغسل الأبدان من ~~الآثام. ### | 76 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد النضروي، أخبرنا إبراهيم بن أحمد بن ~~رجاء، أخبرنا الحسن بن محمد بن شعبة الأنصاري، حدثنا عبد الله بن شبيب ~~المكي، حدثنا إسحاق بن محمد الفروي، حدثنا يزيد بن عبد الملك، عن صفوان بن ~~سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «شهر رمضان سيد الشهور، وأعظمها حرمة ذو الحجة» ### | 77 - # وأخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي، حدثنا إسحاق ~~بن الحسن الحربي، حدثنا مسلم بن إبراهيم، أخبرنا عمرو بن حمزة القيسي، ~~حدثنا خلف أبو الربيع، عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما ~~حضره شهر رمضان، قال: " # PageV01P276 # سبحان الله، ماذا تستقبلون وماذا يستقبلكم ms0154؟ ، قالها ثلاثا، فقال عمر بن ~~الخطاب: يا رسول الله، وحي نزل، أو عدو حضر؟ قال: لا، ولكن الله يغفر في ~~أول ليلة من رمضان لكل أهل هذه القبلة " ### | 78 - # وأخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا إسماعيل بن نجيد، أخبرنا جعفر بن محمد بن ~~سوا، حدثنا علي بن حجر، حدثنا يوسف بن زياد، عن همام بن يحيى، عن علي بن ~~زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان الفارسي قال: خطبنا رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم آخر يوم من شعبان، فقال: " يأيها الناس قد أظلكم شهر ~~عظيم، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله ~~تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى ~~فيه فريضة كان كمن أدى فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة ~~وشهر المواساة وشهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان له مغفرة ~~لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره ~~شيء. # قالوا: يا رسول الله: ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم، فقال: يعطي الله هذا ~~الثواب من فطر صائما على مذقة لبن، أو تمرة، أو شربة ماء، ومن أشبع صائما ~~سقاه الله من الحوض شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة، وهو شهر أوله رحمة، ووسطه ~~مغفرة، وآخره عتق من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتان ترضون بها ~~ربكم، وخصلتان لا غنى بكم عنهما. # أما الخصلتان اللتان ترضون بها ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، ~~وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الجنة، ~~وتعوذون من النار " # PageV01P277 ### | 79 - # أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون، أخبرنا ~~أحمد بن الحسين الحافظ، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ~~معمر، عن الزهري، عن نافع بن أبي أنس، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب ~~جهنم ms0155، وسلسلت الشياطين» . # رواه البخاري عن أبي بكير، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري ### | 80 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد ~~الحيري، أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن عبد الله الأزرقي، حدثنا عبد ~~الوهاب بن عطاء، أخبرنا الهيثم بن أبي الحواري، عن زيد العمي، عن أبي نضرة، ~~عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " # PageV01P278 # أعطيت أمتي في رمضان خمسا لم يعطهن أحد من قبلي، أما واحدة: فإذا كان أول ~~ليلة من شهر رمضان نظر الله إليهم، ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبدا، وأما ~~الثانية: فإنهم يمسون وخلوف أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك، وأما ~~الثالثة: فإن الملائكة تستغفر لهم في ليلهم ونهارهم، وأما الرابعة: فإن ~~الله يأمر جنته أن استعدي وتزيني لعبادي، فيوشك أن يذهب عنهم نصب الدنيا ~~وأذاها ويصيرون إلى جنتي وكرامتي، وأما الخامسة: فإذا كان آخر ليلة غفر ~~الله لهم جميعا، فقال قائل: أهي ليلة القدر يا رسول الله؟ قال: ألم تر إلى ~~العمال إذا فرغوا من أعمالهم وفوا " ### | 81 - # أخبرنا المفضل بن إسماعيل الإسماعيلي بجرجان، أخبرنا الإمام: جدي أبو بكر ~~الإسماعيلي، أخبرنا يوسف بن الحكم بن سعيد أبو علي المعروف بدبيس، حدثنا ~~عمار بن عمرو بن هاشم، حدثنا أبو داود الأحمر، عن عبد الملك بن عمير، عن ~~ابن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نوم الصائم عبادة، ~~وصمته تسبيح، ودعاؤه مستجاب، وعمله مضاعف» # PageV01P279 ### | 82 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد ~~الميداني، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، ~~عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله: كل عمل ~~ابن آدم له إلا الصيام، فإن الصيام لي وأنا أجزي به، وخلوف فم الصائم عند ~~الله أطيب من ريح المسك "، رواه مسلم، عن حرملة، عن ابن وهب، عن يونس، عن ~~الزهري # وقوله: {الذي أنزل فيه القرءان} [البقرة: 185] : ### | 83 - # أخبرنا ms0156 عبد الرحمن بن محمد النضروي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم ~~بن ماسي، حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله، أخبرنا عبد الله بن رجاء بن ~~الهيثم الغداني، أخبرنا عمران، عن قتادة، عن أبي المليح، عن واثلة: أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، ~~وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، ~~وأنزل الزبور لثماني عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من ~~رمضان» ### | 84 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن حيان، ~~أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الرازي، أخبرنا سهل بن عثمان العسكري، أخبرنا ~~يحيى بن أبي زائدة، عن إسرائيل، عن السدي، وعن محمد بن أبي # PageV01P280 # المجالد، عن مقسم قال: قال عطية الأزرق لابن عباس: {شهر رمضان الذي أنزل ~~فيه القرءان} [البقرة: 185] و {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} [الدخان: 3] و ~~{إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1] ، وقد أنزل في سائر الشهور، فقال: ~~أنه أنزل في رمضان وفي ليلة القدر، وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل ~~على مواقع النجوم أرسالا في الشهور والأيام # وقوله: هدى للناس أي: هاديا، يعني القرآن، وبينات جمع بينة، يقال: بان ~~الشيء يبين بيانا فهو بين. # مثل: بيع بمعنى: بايع، والبينات: الواضحات. # قال عطاء، عن ابن عباس: {وبينات من الهدى} [البقرة: 185] يريد: من الرشاد ~~إلى مرضاة الله. # والفرقان يريد: فرق فيه بين الحق والباطل، وبين لكم ما تأتون وما تذرون. # قوله: {فمن شهد منكم الشهر} [البقرة: 185] أي: حضر، والشهود في اللغة: ~~الحضور، ومفعول شهد محذوف، لأن المعنى: فمن شهد منكم البلد أو بيته في ~~الشهر، وانتصاب الشهر على الظرف. # قوله: فليصمه قال ابن عباس، وأكثر المفسرين: معناه: فليصم ما شهد منه، ~~لأنه إن سافر في خلال الشهر كان له الإفطار. # وقوله: {ومن كان مريضا أو على سفر} [البقرة: 185] أعاد تخيير المريض ~~والمسافر وترخيصهما في الإفطار، لأن الله تعالى ذكر في الآية الأولى تخيير ~~المقيم والمسافر ms0157 والمريض، ونسخ في الثانية تخيير المقيم بقوله: {فليصمه} ~~[البقرة: 185] فلو اقتصر على هذا احتمل أن يعود النسخ إلى التخير للجميع، ~~فأعاد بعد النسخ ترخيص المسافر والمريض، ليعلم أنه باق على ما # PageV01P281 # كان. # وقوله: {يريد الله بكم اليسر} [البقرة: 185] : اليسر: السهولة، يقال: ~~تيسر الأمر، إذا سهل ولان. # والمعنى: {يريد الله بكم اليسر} [البقرة: 185] بالرخصة للمسافر والمريض، ~~{ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185] لأنه لم يشدد ولم يضيق عليكم، وقال ~~الشعبي: إذا اختلف عليكم أمران، فإن أيسرهما أقربهما إلى الحق، لأن الله ~~تعالى يقول: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185] . ### | 85 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي، أخبرنا علي بن محمد بن ~~أحمد بن عطية الحضرمي، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا أبو يونس سعيد بن ~~يونس، حدثنا حماد، عن الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن محجن بن الأدرع أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن رجلا في المسجد يطيل الصلاة، فأتاه ~~فأخذ بمنكبه، ثم قال: «إن الله رضي لهذه الأمة اليسر، وكره لهم العسر، ~~قالها ثلاث مرات، وإن هذا أخذ بالعسر وترك اليسر» # وقوله {ولتكملوا العدة} [البقرة: 185] يعني: عدة ما أفطرتم إذا أقمتم ~~وبرأتم فصوموا للقضاء بعدد أيام الإفطار بالعذر. # قال الفراء: معنى الآية: ولتكملوا العدة في قضاء ما أفطرتم. # والواو واو استئناف، واللام من صلة فعل مضمر بعدها، والتقدير: ولتكملوا ~~العدة شرع الرخصة، ومثله قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ~~وليكون من الموقنين} [الأنعام: 75] أي: وليكون من الموقنين أريناه ذلك. # PageV01P282 # وقرئ ولتكملوا بالتشديد، وفعل وأفعل: يتعاقبان في أكثر الأحوال كما ذكرنا ~~في وصى وأوصى. # وقوله: {ولتكبروا الله على ما هداكم} [البقرة: 185] قال ابن عباس: ~~لتعظموا الله على ما أرشدكم له من شرائع الدين، وقال كثير من العلماء: أراد ~~به التكبير ليلة الفطر. # وكان أبو سلمة، وعروة، وسعيد بن المسيب يجهرون بالتكبير ليلة الفطر لقول ~~الله تعالى: {ولتكبروا الله على ما هداكم} [البقرة: 185] ، وقال زيد بن ~~أسلم في هذه الآية: يعني التكبير يوم ms0158 الفطر. # ولعلكم تشكرون يعني: الرخصة. # {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي ~~وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون {186} أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن ~~لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم ~~وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين ~~لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا ~~تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين ~~الله آياته للناس لعلهم يتقون {187} } [البقرة: 186-187] قوله تعالى: {وإذا ~~سألك عبادي عني} [البقرة: 186] الآية، قال الضحاك: سأل بعض الصحابة النبي ~~صلى الله عليه وسلم: أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله ~~تعالى هذه الآية. # PageV01P283 # وقوله: فإني قريب قال عطاء، عن ابن عباس: قريب من أوليائي وأهل طاعتي. # وقال أهل المعاني: يريد: قربة بالعلم، كما قال: {ما يكون من نجوى ثلاثة ~~إلا هو رابعهم} [المجادلة: 7] ، وقال: {وهو معكم أين ما كنتم} [الحديد: 4] ~~يريد: بالعلم. # وقوله: {أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة: 186] قال السدي: ما من مؤمن ~~يدعو الله إلا استجاب له، فإما إن عجل له في الدنيا، وإما إن ادخر له في ~~الآخرة، أو دفع به عنه مكروها. # ويدل على صحة هذا التفسير ### | 86 - # أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الصوفي، أخبرنا محمد بن أحمد بن ~~أيوب، أخبرنا عبد الله بن رستم الدينوري، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن، ~~أخبرنا عمي عبد الله بن وهب، أخبرني طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن أبي هريرة: ~~أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما قال عبد قط: يا رب يا رب يا رب، ~~ثلاثا، إلا قال الله عز وجل: لبيك عبدي فيعجل من ذلك ما يشاء، ويؤخر ما ~~يشاء " ### | 87 - # وما أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا محمد بن يعقوب، أخبرنا أحمد بن ~~حازم الغفاري، حدثنا أبو غسان، عن جعفر، يعني: الأحمر، عن بيان، عن أنس بن ~~مالك قال: # PageV01P284 # قال أصحاب رسول ms0159 الله صلى الله عليه وسلم: إنا ندعو بدعاء كثير منه ما نرى ~~إجابته ومنه ما لا نرى إجابته، فقال: «والذي نفس محمد بيده، ما منكم من أحد ~~يدعو بدعوة إلا استجيب له، أو صرف عنه مثلها سوءا، إذا لم يدع بمأثم أو ~~قطيعة رحم» قالوا: يا رسول الله: إذا نكثر، قال: فالله أكثر وأطيب، ثلاث ~~مرات " # قال ابن الأنباري: أجيب ههنا بمعنى: أسمع، لأنه أخبر عن قربه، وظاهر ~~القرب يدل على السماع، لا على الإجابة، والإجابة قد تكون في بعض المواضع ~~بمعنى السماع، لأنها تترتب على السماع، فسمى السماع إجابة، كما تقول: دعوت ~~من لا يجيب. # أي: من لا يسمع قال الشاعر: # منزلة صم صداها وعفت ... أرسمها إن سئلت لم تجب # أراد: لم تسمع، فنفى الإجابة لأن نفيها يدل على نفي السماع. # وقوله: فليستجيبوا لي أي: فليجيبوني بالطاعة وتصديق الرسل، وأجاب واستجاب ~~بمعنى واحد، وإجابة العبد لله: الطاعة. # وقوله: لعلهم يرشدون ليكونوا على رجاء من إصابة الرشد، وهو نقيض الغي. # وقوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} [البقرة: 187] قال ~~المفسرون: كان الجماع في أول فرض الصيام محرما في ليالي الصيام، والأكل ~~والشرب بعد العشاء الآخرة، فأحل الله تعالى ذلك كله إلى طلوع الفجر. # PageV01P285 # وقال الوالبي، عن ابن عباس: كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء ~~الآخرة حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، ثم إن ناسا من ~~المسلمين أصابوا من الطعام والنساء في شهر رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن ~~الخطاب رضي الله عنه، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل ~~الله تعالى هذه الآية. # والرفث ههنا: كناية عن الجماع، قال ابن عباس: إن الله حيي يكني بما يشاء، ~~إن الرفث واللماس والمباشرة والإفضاء: هو الجماع. # وقال الزجاج: الرفث: كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة. # وقال الأخفش: إنما عداه ب إلى لأنه بمعنى الإفضاء. # وقوله: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: 187] أصل اللباس: ما يلبسه ~~الإنسان مما يواري جسده، ثم ms0160 المرأة تسمى لباس الرجل، والرجل لباس المرأة، ~~لانضمام جسد كل واحد منهما إلى جسد صاحبه، حتى يصير كل واحد منهما لصاحبه ~~كالثوب الذي يلبسه، فلما كانا يتلابسان عند الجماع سمي كل واحد منهما لباسا ~~للآخر. # قال الربيع: هن فراش لكم وأنتم لحاف لهن. # والمفسرون يقولون: هن سكن لكم وأنتم سكن لهن. # وهو قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. # والمعنى: إنكم تلابسونهن، وتخالطونهن بالمساكنة، وهن كذلك، أي: قل ما ~~يصبر أحد الزوجين عن الآخر، فمن فضل الله أن رخص في إتيانهن ليالي الصيام. # وقوله: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم} [البقرة: 187] يقال: خانه ~~واختانه، إذا لم يف له. # والمعنى: علم الله أنكم كنتم تخونون أنفسكم بالمعصية، أي: لا تؤدون ~~الأمانة في الامتناع عن المباشرة، فتاب عليكم أي: عاد عليكم بالرخصة، وعفا ~~عنكم ما فعلتم قبل هذا، فالآن باشروهن: أمر إباحة. # والمباشرة: المجامعة، لتلاصق البشرتين، {وابتغوا ما كتب الله لكم} ~~[البقرة: 187] أي: اطلبوا ما قضى الله لكم من الولد، وهذا قول أكثر ~~المفسرين. # PageV01P286 # {وكلوا واشربوا} [البقرة: 187] أمر إباحة، {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض ~~من الخيط الأسود} [البقرة: 187] فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذا ببياض ~~النهار وسواد الليل. ### | 88 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر بن ~~الهيثم الأنباري، أخبرنا محمد بن أبي العوام، حدثنا الأسود بن عامر، حدثنا ~~شريك، عن حصين، عن عامر، عن عدي بن حاتم قال: قلت للنبي صلى الله عليه ~~وسلم: إني وضعت تحت رأسي خيطين، فلم يتبين لي شيء، قال «إنك لعريض الوساد، ~~إنما ذلك الليل والنهار، أو النهار والليل» ، رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي ~~شيبة، عن عبد الله بن إدريس، عن حصين # قال سهل بن سعد: كان الرجل إذا أراد الصوم ربط في رجليه خيطين: أسود ~~وأبيض، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له زيهما، فأنزل الله عز وجل: من ~~الفجر فعلموا أنه يعني: الليل والنهار. # PageV01P287 # وقوله: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} [البقرة: 187] : ### | 89 - # أخبرنا أبو نصر بن إبراهيم الإسفراييني ms0161، أخبرنا ابن بطة، أخبرنا البغوي، ~~أخبرنا الحكم بن موسى، حدثنا الهيثم بن حميد، حدثنا ثور بن يزيد، عن علي بن ~~أبي طلحة، عن عبد الله بن زيد: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصل بين ~~يومين وليلة، فأتاه جبريل، فقال: قبلت مواصلتك ولا تحل لأمتك من بعدك، فإن ~~الله تعالى يقول: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} [البقرة: 187] فلا صيام بعد ~~الليل " # وقوله: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة: 187] قال ~~المفسرون: كان الرجل يخرج من المسجد وهو معتكف فيجامع أهله ثم يعود، فنهوا ~~عن ذلك ما داموا معتكفين، فالجماع يفسد الاعتكاف. # وقوله: {تلك حدود الله} [البقرة: 187] أشار إلى الأحكام التي ذكرها في ~~هذه الآية، وحدود الله: ما منع الله من مخالفتها، ومعنى الحد في اللغة: ~~المنع، ومنه يقال للبواب: حداد. # لمنعه الناس من الدخول إلا بالإذن. # وقوله: فلا تقربوها أي: لا تأتوها، كذلك يبين الله آياته للناس أي: مثل ~~هذا البيان الذي ذكر، لعلهم يتقون لكي يتقوا ما حرم الله ومنع منه. # PageV01P288 # {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا ~~من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} [البقرة: 188] قوله: {ولا تأكلوا ~~أموالكم بينكم بالباطل} [البقرة: 188] أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل، ~~قال ابن عباس: يعني: باليمين الباطلة والكاذبة يقطع الرجل بها مال أخيه ~~المسلم. # والأكل بالباطل على وجهين: أحدهما: أن يكون على جهة الظلم، من نحو الغضب ~~والخيانة والسرقة، والثاني: على جهة الهزء واللعب، كالذي يؤخذ في القمار ~~والملاهي ونحو ذلك. # قوله: وتدلوا بها أي: لا تدلوا بأموالكم إلى الحكام أي: لا تصانعوهم بها، ~~ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقا لغيركم وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم، ومعنى ~~الإدلاء في اللغة: إرسال الدلو وإلقاؤها في البئر، ومنه قوله تعالى: فأدلى ~~دلوه ثم جعل كل إلقاء قول أو فعل إدلاء. # يقال للمحتج: أدلى بحجته. # كأنه يرسلها إلى مراده إدلاء المستقي الدلو ليصل إلى مطلوبه من الماء، ~~وفلان يدلي إلى الميت بقرابة أو رحم، إذا كان يمت إليه. # فمعنى ms0162 {وتدلوا بها إلى الحكام} [البقرة: 188] : تتقربون وتتوصلون بتلك ~~الأموال إليهم ليحموا لكم، وهو قوله: {لتأكلوا فريقا} [البقرة: 188] أي: ~~طائفة، {من أموال الناس بالإثم} [البقرة: 188] قال ابن عباس: باليمين ~~الكاذبة. # وقال غيره: بالباطل، يعني: بأن ترشوا الحاكم ليقضي لكم، وأنتم تعلمون ~~أنكم مبطلون وأنه لا يحل لكم. # {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت ~~من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم ~~تفلحون} [البقرة: 189] قوله: {يسألونك عن الأهلة} [البقرة: 189] الآية، ~~الأهلة: جمع هلال، وهو غرة القمر حين يراها الناس، سميت هلالا لأن الناس ~~يهلون بذكر الله، ويذكرها، حين يرون، أي: يرفعون أصواتهم. # قال معاذ بن جبل: يا رسول الله، إن اليهود تغشانا، ويكثرون مسألتنا عن ~~الأهلة. # فأنزل الله تعالى هذه الآية. # PageV01P289 # وقال قتادة: ذكر لنا أنهم سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم: لم خلقت ~~هذه الأهلة؟ فأنزل الله تعالى: {قل هي مواقيت للناس والحج} [البقرة: 189] . # أخبر الله تعالى أن الحكمة في زيادة القمر ونقصانه زوال الالتباس عن ~~أوقات الناس في حجهم وحل ديونهم، وعدد نسائهم، وأجور أجرائهم، ووقت صومهم ~~وإفطارهم. ### | 90 - # حدثنا الشيخ أبو معمر المفضل بن إسماعيل، إملاء، بجرجان سنة إحدى وثلاثين ~~وأربع مائة، حدثنا جدي: أبو بكر الإسماعيلي، أخبرني الحسن بن سفيان، حدثنا ~~حبان بن موسى، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا يحيى بن عبيد الله، أنه ~~سمع أباه يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«إن الله جعل الأهلة مواقيت للناس فلا تقدموا الشهر بالصيام، فإذا رأيتموه ~~فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين» . # و «المواقيت» : جمع الميقات، بمعنى: الوقت، كالميعاد بمعنى: الوعد # وقوله: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} [البقرة: 189] قال عامة ~~المفسرين: كان أهل الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم نقب في ~~بيته نقبا من مؤخره، يخرج منه ويدخل، فأعلمهم الله أن ذلك ليس ببر، {ولكن ~~البر من # PageV01P290 # اتقى} [البقرة: 189] أي: بر من اتقى مخالفة ms0163 الله، وأمرهم بترك سنة ~~الجاهلية، فقال: {وأتوا البيوت من أبوابها} [البقرة: 189] ### | 91 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا ~~أبو خليفة الجمحي، حدثنا أبو الوليد، والحوضي قالا: حدثنا شعبة، أنبأنا أبو ~~إسحاق قال: سمعت البراء يقول: كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لا يدخلون من ~~أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها، فجاء رجل فدخل من قبل بابه، فكأنه عير بذلك، ~~فنزلت هذه الآية {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} [البقرة: 189] . # رواه البخاري، عن أبي الوليد، ورواه مسلم، عن بندار، عن غندر، عن شعبة # واختلفوا في البيوت وأخواتها، فقرءوا بضم أولها وكسره، فمن ضم فهو الأصل، ~~لأن فعل يجمع على فعول، ومن كسر فلأجل موافقة الياء، فإن الكسرة أشد موافقة ~~للياء من الضمة، ولا يستقبح ذلك، وإن لم يكن فعل، لأن الحركة إذا كانت ~~للتقريب من الحرف لم تكره، ألا ترى أنه لم يجئ في الكلام عند سيبويه على ~~فعل إلا إبل؟ وقد استعملوا هذا البناء بقصد تقريب الحركة من الحرف، نحو ~~قولهم: ماضغ لهم، ورجل ضحك. # وقالوا في الفعل: شهد ولعب. # وقالوا، أيضا: شعير ورغيف وشهيد. # وليس في الكلام شيء على وزن فعيل. # {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب ~~المعتدين {190} واقتلوهم # PageV01P291 # حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم ~~عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء ~~الكافرين {191} فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم {192} وقاتلوهم حتى لا تكون ~~فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين {193} الشهر ~~الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما ~~اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين {194} } [البقرة: ~~190-194] وقوله: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} [البقرة: 190] قال ~~الربيع وابن زيد: هذه أول آية نزلت في القتال، فلما نزلت كان رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يقاتل من قاتله، ويكف عمن كف عنه. # ولا تعتدوا أي: لا تبدءوهم ولا ms0164 تفجئوهم بالقتال قبل تقديم الدعوة، {إن ~~الله لا يحب المعتدين} [البقرة: 190] وقال ابن عباس: لا تقتلوا النساء ~~والصبيان والشيخ والكبير ولا من ألقى إليكم السلم وكف يده، فإن فعلتم ذلك ~~فقد اعتديتم. # قوله: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} [البقرة: 191] أي: حيث وجدتموهم ~~وأخذتموهم، يقال: ثقفنا فلانا في موضع كذا. # أي: أخذناه، قال الفراء: ثقف يثقف ثقفا وثقفا. # {وأخرجوهم من حيث أخرجوكم} [البقرة: 191] يعني مكة، {والفتنة أشد من ~~القتل} [البقرة: 191] وشركهم بالله أعظم من قتلكم إياهم، {ولا تقاتلوهم عند ~~المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه} [البقرة: 191] نهوا عن ابتدائهم بقتل أو ~~قتال في الحرم حتى يبتدئ المشركون، {كذلك جزاء الكافرين} [البقرة: 191] أن ~~يقتلوا حيثما وجدوا. # فإن انتهوا عن الكفر وأسلموا، {فإن الله غفور رحيم} [البقرة: 192] يغفر ~~ما كان في شركهم إذا أسلموا. # قوله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} [البقرة: 193] أي: شرك، يعني: قاتلوهم ~~حتى يسلموا، فليس يقبل من المشرك الوثني جزية، ويكون الدين الطاعة ~~والعبادة، لله وحده، فلا يعبد دونه شيء، فإن انتهوا من الكفر، فلا عدوان ~~أي: لا نهب ولا قتل ولا استرقاق، {إلا على الظالمين} [البقرة: 193] ~~الكافرين الذين وضعوا العبادة في غير موضعها، وسمى ما عليهم عدوانا لأن ما ~~يكون منهم من الكفر عدوان، فسمى جزاء ذلك عدوانا كقوله: {وجزاء سيئة سيئة ~~مثلها} [الشورى: 40] . # PageV01P292 # وقوله: {الشهر الحرام بالشهر الحرام} [البقرة: 194] قال ابن عباس في ~~رواية عطاء: يريد: إن قاتلوكم في الشهر الحرام فقاتلوهم في مثله، قال ~~الزجاج: معناه: قتال الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام. # {والحرمات قصاص} [البقرة: 194] قال ابن عباس: يريد: إن انتهكوا لكم حرمة ~~فانتهكوا منهم مثل ذلك. # أعلم الله أن أمر هذه الحرمات قصاص لا يكون للمسلمين أن ينتهكوها على ~~سبيل الاعتداء، ولكن على سبيل القصاص، كقوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد ~~الحرام حتى يقاتلوكم فيه} [البقرة: 191] ويدل على هذا المعنى قوله: {فمن ~~اعتدى عليكم} [البقرة: 194] أي: ظلم فقاتل، {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى ~~عليكم} [البقرة: 194] أي: جاوزه باعتدائه وقاتلوه، فسمى الثاني اعتداء لأنه ~~مجازاة اعتداء، واتقوا الله بطاعته واجتناب معاصيه ms0165، {واعلموا أن الله مع ~~المتقين} [البقرة: 194] بالعون والنصرة. # {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله ~~يحب المحسنين} [البقرة: 195] قوله: {وأنفقوا في سبيل الله} [البقرة: 195] ~~كل ما أمر الله به من الخير فهو في سبيل الله وأكثر ما يستعمل في الجهاد، ~~لأنه السبيل الذي يقاتل فيه. # قوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195] الباء في بأيديكم: ~~زائدة، يقال لكل من أخذ في عمل: قد ألقى يديه إليه وفيه. # ومنه قول لبيد: # حتى إذا ألقت يدا في كافر # يعني: الشمس إذا بدأت في المغيب. # والتهلكة: الهلاك، يقال: هلك يهلك هلاكا وهلكا وتهلكة. # ومعنى الهلاك: الضياع، وهو مصير الشيء بحيث لا يدرى أين هو، والمعنى: ولا ~~تقربوا مما يهلككم، لأن من ألقى يده إلى الشيء فقد قرب منه. # وهذا مبالغة في الزجر، وتأكيد في النهي، وكأنه المعنى: لا تقربوا من ترك ~~الإنفاق في سبيل الله، أي: لا تمسكوا ولا تبخلوا، وهذا نهي عن ترك النفقة ~~في الجهاد. # PageV01P293 # قال ابن عباس: أنفق في سبيل الله وإن لم يكن إلا سهم أو مشقص، ولا يقولن ~~أحدكم: لا أجد شيئا. # وقال السدي: أنفق في سبيل الله ولو عقالا، ولا تقل ليس عندي شيء. # قال الزجاج: معناه: إنكم إن لم تنفقوا في سبيل الله هلكتم بالمعصية، ~~وجائز أن يكون: هلكتم بتقوي عدوكم عليكم. # وقال أبو أيوب الأنصاري: إنها نزلت فينا معشر الأنصار لما أعز الله دينه ~~ونصر رسوله، قلنا: لو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها؟ فأنزل الله ~~تعالى هذه الآية. # وعلى هذا، معنى الآية: لا تتركوا الجهاد فتهلكوا، {وأحسنوا إن الله يحب ~~المحسنين} [البقرة: 195] قال ابن عباس: أحسنوا الظن بالله، فإنه يضاعف ~~الثواب، ويخلف لكم النفقة. # وعلى قول أبي أيوب، معنى وأحسنوا: أي: جاهدوا في سبيل الله، والمجاهد: ~~محسن. # {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا ~~رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من ~~صيام أو صدقة ms0166 أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من ~~الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ~~ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد ~~العقاب {196} الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا ~~جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ~~واتقون يا أولي الألباب {197} } [البقرة: 196-197] قوله: {وأتموا الحج ~~والعمرة لله} [البقرة: 196] قال ابن عباس ومجاهد: أتموهما بمناسكهما ~~وحدودهما وسننهما، # PageV01P294 # وتأدية كل ما فيهما. # وقال علي وابن مسعود: إتمامهما: أن تحرم بهما من دويرة أهلك مؤتنفين. # والعمرة واجبة في قول علي، وابن عباس، وهو قول الشافعي في الجديد، وقال ~~ابن عباس: والله إن العمرة لقرينة الحج في كتاب الله، قال الله تعالى: ~~{وأتموا الحج والعمرة} [البقرة: 196] . ### | 92 - # أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد الطوسي، أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر ~~الحافظ، حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا، حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا ~~إبراهيم بن أبي يحيى، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: العمرة واجبة ~~كوجوب الحج، وهو الحج الأصغر ### | 93 - # أخبرنا محمد، أخبرنا علي، حدثنا علي بن الحسن بن رستم، حدثنا محمد بن ~~سعيد أبو يحيى العطار، حدثنا محمد بن كثير الكوفي، حدثنا إسماعيل بن مسلم، ~~عن محمد بن سيرين، عن زيد بن ثابت قال: # PageV01P295 # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الحج والعمرة فريضتان، لا يضرك ~~بأيهما بدأت» ### | 94 - # أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد الماوردي، حدثنا إسماعيل بن نجيد، حدثنا أبو ~~محمد بن نعيم، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة، عن عطاء، عن جابر: أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: «الحج والعمرة فريضتان واجبتان» ### | 95 - # أخبرنا أبو طاهر الزيادي، أخبرنا محمد بن الحسن المحمداباذي، حدثنا أحمد ~~بن يوسف السلمي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا الثوري، عن سمي، عن أبي صالح، عن ~~أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه ms0167 وسلم: «العمرتان تكفران ما ~~بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» . # رواه البخاري، عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن سمي # PageV01P296 ### | 96 - # أخبرنا عبد الرحمن بن محمد العدل، حدثنا محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ، ~~حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا سليمان بن سيف الحراني، حدثنا أبو عتاب ~~سهل بن حماد، حدثنا عزرة بن ثابت، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة ينفيان الفقر ~~والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد» # وقوله: {فإن أحصرتم} [البقرة: 196] أي: حبستم ومنعتم عن إتمام الحج. # وأصل الحصر والإحصار: الحبس، يقال: من حصرك ههنا، ومن أحصرك؟ وكل من أحرم ~~بحج أو عمرة وجب عليه الإتمام، فإن أحصره عدو أو سلطان نحر هديا لإحصاره ~~حيث أحصر، وحل من إحرامه، وهو قوله تعالى: {فما استيسر من الهدي} [البقرة: ~~196] ، قال ابن عباس، وقتادة: أعلاه بدنة، وأوسطه بقرة، وأدناه شاة، فعليه ~~ما تيسر من هذه الأجناس. # والهدي: ما يهدى إلى بيت الله، جمع هدية، هذه لغة أهل الحجاز، وتيم تقول: ~~هدية وهدى. # مثل: # PageV01P297 # مطية ومطى، بالتشديد، قال الفرزدق: # حلفت برب مكة والمصلى ... وأعناق الهدي مقلدات # وقوله: {ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله} [البقرة: 196] أي: لا ~~تتحللوا من إحرامكم حتى ينحر الهدي، ومحله: حيث يحل ذبحه ونحره. # وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين صدوا عن البيت، نحروا ~~هديهم بالحديبية، والحديبية ليست من الحرم. # وقوله: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية} [البقرة: 196] ~~المحرم إذا تأذى بهوام رأسه أو بالمرض أبيح له الحلق والمداواة، بشرط ~~الفدية، وهو قوله: {ففدية من صيام} [البقرة: 196] وهو صيام ثلاثة أيام، ~~يصوم حيث شاء، أو صدقة وهو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان، أو نسك جمع ~~نسيكة وهي الذبيحة، أعلاها بدنة وأوسطها بقرة وأدناها شاة، وهذه الفدية على ~~التخيير، أيها شاء فعل كما دل عليه ظاهر الآية. ### | 97 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي، أخبرنا ms0168 أبو الحسن أحمد بن ~~الحسن السراج، أخبرنا محمد بن يحيى بن سليمان المروزي، حدثنا عاصم بن علي، ~~حدثنا شعبة، أخبرني عبد الرحمن الأصفهاني، سمعت عبد الله بن معقل قال: # PageV01P298 # قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد، مسجد الكوفة، فسألته عن هذه الآية: ~~{ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة: 196] قال: حملت إلى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: " ما كنت أرى أن الجهد بلغ ~~منك هذا، أما تجد شاة؟ فقلت: لا، فنزلت هذه الآية: {ففدية من صيام أو صدقة ~~أو نسك} [البقرة: 196] قال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين ~~نصف صاع من طعام " فنزلت في خاصة ولكم عامة، رواه البخاري، في التفسير، عن ~~أبي الوليد، وآدم بن أبي إياس، عن شعبة، ورواه مسلم، عن بندار، عن غندر، عن ~~شعبة # وقوله: {فإذا أمنتم} [البقرة: 196] قال ابن عباس: أي: من العدو، أو كان ~~حج ليس فيه عدو، {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} [البقرة: 196] هو أن يقدم مكة ~~محرما فيعتمر في أشهر الحج، ثم يقيم حلالا بمكة حتى ينشئ منها الحج، فيحج ~~من عامه ذلك، ويكون مستمتعا بمحظورات الإحرام، لأنه حل بالعمرة إلى حرامه ~~بالحج، فإذا فعل ذلك وجب عليه دم وهو قوله: {فما استيسر من الهدي} [البقرة: ~~196] فإن كان معسرا فعليه صوم عشرة أيام وهو قوله: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة ~~أيام في الحج} [البقرة: 196] أي: في أشهر الحج، يصوم ثلاثة أيام قبل يوم ~~النحر، إن شاء متفرقة، وإن شاء متتابعة، وقوله: {وسبعة إذا رجعتم} [البقرة: ~~196] له أن يصومها بعد الفراغ من الحج أين شاء ومتى شاء، {تلك عشرة كاملة} ~~[البقرة: 196] يعني: الثلاثة والسبعة، وهذا ذكرى على طريق التأكيد، كقول ~~الفرزدق: # ثلاث واثنتان فهن خمس # وقوله: ذلك أي: ذلك الفرض الذي أمرنا به من الهدي والصيام، {لمن لم يكن ~~أهله حاضري المسجد # PageV01P299 # الحرام} [البقرة: 196] أي: لمن كان من الغرباء من غير أهل مكة. # قال الفراء: واللام في قوله: لمن معناها: على، وذكر ms0169 الله تعالى حضور ~~الأهل والمراد به حضور المحرم، ولكن الغالب أن يسكن الرجل حيث أهله ساكنون، ~~وكل من كانت داره على مسافة لا يقصر إليها الصلاة فهو من حاضري المسجد ~~الحرام لأنه يقرب من مكة. # وقوله: واتقوا الله قال ابن عباس: يريد: فيما افترضه عليكم، {واعلموا أن ~~الله شديد العقاب} [البقرة: 196] لمن تهاون بحدوده. # وقوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} [البقرة: 197] تقدير الآية: أشهر الحج ~~أشهر معلومات، وهي: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. # قال ابن عباس: جعلهن الله سبحانه للحج، فلا يصلح لأحد أن يحرم بالحج إلا ~~في أشهر الحج، فإن أحرم في غير أشهر الحج انعقد إحرامه عمرة. # وسمى الله تعالى شهرين وبعض الثالث أشهرا، لأن العرب توقع لفظ الجمع على ~~الاثنين، كقوله تعالى: أولئك مبرءون يعني: عائشة وصفوان، قال: {وكنا لحكمهم ~~شاهدين} [الأنبياء: 78] يعني: داود وسليمان، وقال: {فقد صغت قلوبكما} ~~[التحريم: 4] ، وقال الشاعر: # ظهراهما مثل ظهور الترسين # PageV01P300 # وقوله: {فمن فرض فيهن الحج} [البقرة: 197] أي: من أوجب على نفسه الحج ~~بالإحرام والتلبية، فلا رفث قال المفسرون: لا جماع. # ولا فسوق يعني: المعاصي كلها، {ولا جدال في الحج} [البقرة: 197] هو أن ~~يجادل صاحبه ويماريه حتى يغضبه، نهي المحرم عن هذا، وذكرنا وجه انتصاب ~~قوله: فلا رفث عند قوله: {لا ريب فيه} [البقرة: 2] . # ومن قرأ بالرفع شبه لا بليس كقول الشاعر: # من صد عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح # ولم يختلفوا في نصب ولا جدال وذلك أن معنى الأولين: النهي، كأنه قال: لا ~~ترفثوا ولا تفسقوا. # ومعنى الثالث: الخبر، لأن معناه: لا جدال في أن الحج في ذي الحجة، وهذا ~~قول مجاهد، وأبي عبيدة، قالا: معناه: ولا شك في الحج أنه في ذي الحجة، ~~إبطالا للنسيء الذي كان يفعله أهل الجاهلية، وأرادوا الفرق بين اللفظين، ~~ليكون مخالفة ما بينهما في اللفظ كمخالفة ما بينهما في المعنى. ### | 98 - # حدثنا الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني، إملاء في مسجد ~~عقيل سنة سبع عشرة وأربع مائة، # PageV01P301 # حدثنا أبو بكر محمد بن داود ms0170 بن مسعود، حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا أبو ~~عمر، حدثنا أبو عوانة، حدثنا منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة عن النبي ~~صلى الله عليه وسلم، قال: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق فرجع كان كمن ~~ولدته أمه» ، رواه مسلم عن سعيد بن منصور، عن أبي عوانة # وقوله {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} [البقرة: 197] وفي هذا حث على فعل ~~الخير، وإخبار أن الله تعالى ليس بغافل عن فعلهم، فهو مجازيهم بذلك. # قوله: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} [البقرة: 197] ### | 99 - # أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكي، أخبرنا محمد بن مكي، أخبرنا محمد بن ~~إسماعيل الجعفي، حدثني يحيى بن بشر حدثنا شبابة، عن ورقاء، عن عمرو بن ~~دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ~~ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله عز وجل: ~~{وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} [البقرة: 197] # PageV01P302 # قال المفسرون: نزلت في ناس من أهل اليمن كانوا يحجون بغير زاد، ويقولون: ~~نحن متوكلون. # ثم كانوا يسألون الناس، وربما ظلموهم وغصبوهم، فأمرهم الله أن يتزودوا ~~فقال: وتزودوا. # قال سعيد بن جبير: يعني: الكعك والسويق، {فإن خير الزاد التقوى} [البقرة: ~~197] يعني: ما تكفون به وجوهكم عن سؤال، وأنفسكم عن الظلم، فهذا نوع تقوى. # {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا ~~الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ~~{198} ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم {199} ~~} [البقرة: 198-199] قوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} ~~[البقرة: 198] قال أبو أمامة التيمي: سألت ابن عمر فقلت: إنا قوم نكري في ~~هذا الوجه، وإن قوما يزعمون أنه لا حج لنا. # قال: ألستم تلبون، ألستم تطوفون، ألستم ألستم؟ قلت: بلى. # قال: إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما سألت عنه، فلم يدر ما يرد ~~عليه حتى نزلت {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} [البقرة: 198] . # وقال ms0171 ابن عباس: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فلما كان ~~الإسلام كأنهم تأثموا أن # PageV01P303 # يتجروا في الحج، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى ~~{ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} [البقرة: 198] في مواسم الحج، ~~وكذلك كان يقرؤها ابن عباس. # قوله: {فإذا أفضتم من عرفات} [البقرة: 198] معنى الإفاضة في اللغة: دفع ~~الشيء حتى يتفرق، ومعنى أفضتم: دفعتم بكثرة، يعني دفع بعضكم بعضا، لأن ~~الناس إذا انصرفوا مزدحمين دفع بعضهم بعضا. # وعرفات: اسم لبقعة معروفة، قال عطاء: إن جبريل كان يري إبراهيم المناسك، ~~فيقول: عرفت عرفت. # فسميت عرفات. # وقوله: {فاذكروا الله} [البقرة: 198] بالدعاء والتلبية، {عند المشعر ~~الحرام} [البقرة: 198] يعني المزدلفة، سميت مشعرا لأنه معلم للحج، والصلاة، ~~والمقام، والمبيت به، والدعاء عنده من سنن الحج، {واذكروه كما هداكم} ~~[البقرة: 198] أي: اذكروه ذكرا مثل هدايته إياكم، أي: يكون جزاء لهدايته. # {وإن كنتم من قبله لمن الضالين} [البقرة: 198] وما كنتم من قبل هداه إلا ~~ضالين، وقال سفيان الثوري: من قبله يعني: من قبل القرآن، ذكر الله منته ~~عليهم بالهدى والقرآن. # وقوله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} [البقرة: 199] ذكرنا معنى الإفاضة. # وقال عامة المفسرين: كانت الحمس لا يخرجون من الحرم إلى عرفات، إنما ~~يقفون بالمزدلفة ويقولون: نحن أهل الله وسكان حرمه، فلا نخرج من الحرم ~~ولسنا كسائر الناس. # فأمرهم الله أن يقفوا بعرفات كما يقف سائر الناس حتى تكون الإفاضة معهم ~~منها. # والناس في هذه الآية: هم العرب كلها غير الحمس. # PageV01P304 # وقال قتادة: كانت قريش وكل ابن أخت وحليف لهم لا يفيضون من الناس من ~~عرفات، إنما يفيضون من المغمس، وكانوا يقولون: نحن أهل حرم الله فلا نخرج ~~من حرمه. # فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات. ### | 100 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن محمويه، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، ~~حدثنا أحمد بن إسحاق بن بهلول، حدثنا أحمد بن سليمان الواسطي، حدثنا أبو ~~الوليد الطيالسي، حدثنا عبد القاهر بن السري، حدثني ابن الكنانة بن عباس ms0172 بن ~~مرداس عن أبيه، عن جده عباس بن مرداس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ~~عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة، فأكثر الدعاء، فأجابه: قد فعلت، إلا ظلم ~~بعضهم بعضا، فأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم فقد غفرتها، فقال: يا رب، أنت ~~قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته، وتغفر لهذا الظالم، فلم يجبه ~~تلك العشية، فلما كان غداة المزدلفة أعاد عليه الدعاء، فأجابه: أني قد غفرت ~~لهم، قال: ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أصحابه: تبسمت في ~~ساعة لم تكن تتبسم فيها، فقال: تبسمت من عدو الله إبليس، إنه لما علم أن ~~الله استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور، ويحثو التراب على رأسه " # PageV01P305 # {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس ~~من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق {200} ومنهم من يقول ~~ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار {201} أولئك لهم ~~نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب {202} واذكروا الله في أيام معدودات فمن ~~تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله ~~واعلموا أنكم إليه تحشرون {203} } [البقرة: 200-203] قوله: {فإذا قضيتم ~~مناسككم} [البقرة: 200] أي: أديتم وفرغتم من عباداتكم التي أمرتم بها في ~~الحج، {فاذكروا الله كذكركم آباءكم} [البقرة: 200] قال جماعة من المفسرين: ~~كانت العرب إذا فرغوا من حجهم ذكروا مآثر آبائهم ومفاخرهم، فأمرهم الله عز ~~وجل بذكره، فقال: فاذكروني، فأنا الذي فعلت ذلك بكم وبآبائكم، وأحسنت إليكم ~~وإليهم. # وقوله: {أو أشد ذكرا} [البقرة: 200] يعني: وأشد، أي: وأبلغ مما تذكرون ~~آباءكم وأتم. # وقال السدي: كانت العرب إذا قضت مناسكها، أي: فرغت من إراقة الدماء، ~~قاموا بمنى، فيقوم الرجل فيقول: اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة، عظيم القبة ~~كثير المال، فأعطني مثل ما أعطيت أبي. # ليس يذكر الله، إنما يذكر أباه ويسأل أن يعطى في الدنيا. # وهو قوله: {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا} [البقرة ms0173: 200] قال ~~ابن عباس: هم المشركون، كانوا يسألون المال من الإبل والغنم، وكانوا ~~يقولون: اللهم اسقنا المطر وأعطنا على عدونا الظفر. # ولا يسألون حظا في الآخرة لأنهم # PageV01P306 # كانوا غير مؤمنين بالآخرة، وذلك قوله: {وما له في الآخرة من خلاق} ~~[البقرة: 200] أي: حظ ونصيب. # {ومنهم من يقول} [البقرة: 201] الآية، هؤلاء المسلمون يسألون الحظ في ~~الدنيا والآخرة، قال عطاء، عن ابن عباس: لما أمر رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أبا بكر على الموسم عام الفتح، وبعث عليا بفاتحة { [براءة، كان أول من ~~قال:] ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [سورة ~~البقرة: 201] أبو بكر رضي الله عنه، ثم اتبعه علي والناس أجمعون. # قال الحسن: الحسنة في هذه الآية: العلم والعبادة في الدنيا، والجنة في ~~الآخرة. # وقال علي بن أبي طالب: الحسنة في الدنيا: المرأة الصالحة، وفي الآخرة: ~~الجنة. # وروى أبو الدرداء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أوتي في ~~الدنيا قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر دنياه وآخرته ~~فقد أوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ووقي عذاب النار» . ### | 101 - # أخبرنا الأستاذ أبو الحسن علي بن محمد الفارسي، أخبرنا الحسين بن علي بن ~~محمد الدارمي، أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا حماد ~~بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلا قد صار ~~مثل الفرخ، فقال: هل دعوت بشيء؟ فقال: نعم، قلت: اللهم ما كنت معاقبي به في ~~الآخرة فعجله لي في الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله ~~لا طاقة لك بعذاب الله، ثلاثا، هلا قلت: اللهم {آتنا في الدنيا حسنة وفي ~~الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [البقرة: 201] ؟ ، رواه مسلم، عن زهير عن ~~عفان، عن حماد ### | 102 - # أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكي، أخبرنا محمد بن مكي، أخبرنا محمد بن ~~يوسف، أخبرنا محمد بن # PageV01P307 # إسماعيل، حدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز، عن أنس قال: كان ~~أكثر دعاء النبي: اللهم {آتنا ms0174 في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب ~~النار} [البقرة: 201] # قوله: {أولئك لهم نصيب مما كسبوا} [البقرة: 202] قال ابن عباس: يريد: ~~ثواب ما عملوا. # وقال الزجاج: أي: دعاؤهم مستجاب، لأن كسبهم، ههنا، الدعاء. # {والله سريع الحساب} [البقرة: 202] : سريع: فاعل من السرعة: يقال: سرع ~~يسرع سرعا وسرعة فهو سريع. # والحساب: مصدر كالمحاسبة. # قال ابن عباس: يريد أنه لا حساب على هؤلاء، إنما يعطون كتبهم بأيمانهم، ~~فيقال لهم: هذه سيئاتكم قد تجاوزتها عنكم، وهذه حسناتكم قد ضعفتها لكم. # وقال ابن الأنباري: معناه: سريع المجازاة للعباد على أعمالهم، وإن كان قد ~~أمهلهم مدة من الدهر، فإن وقت الجزاء عنده قريب. # قوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} [البقرة: 203] يعني: أيام ~~التشريق، أيام منى ورمي الجمار، سماها معدودات لقلتها، كقوله: دراهم معدودة ~~وهي ثلاثة أيام بعد النحر، أولها: يوم القر، وهو اليوم الحادي عشر من ذي ~~الحجة يستقر فيه بمنى، والثاني: يوم النفر الأول، لأن الناس ينفرون في هذا ~~اليوم من منى، والثالث: هو يوم الثالث عشر، وهو يوم النفر الثاني، وهذه ~~الأيام الثلاثة من يوم النحر كلها أيام النحر وأيام رمي # PageV01P308 # الجمار، وهذه الأيام الأربعة مع يوم عرفة: أيام التكبير أدبار الصلوات، ~~يبتدأ مع الصبح يوم عرفة، ويختم مع العصر يوم الثالث عشر. # والمراد بالذكر في هذه الأيام: التكبير أدبار الصلوات، وعند الجمرات يكبر ~~عند كل حصاة. ### | 103 - # أخبرنا محمد بن محمد بن منصور، أخبرنا علي بن عمر بن مهدي، حدثنا عثمان ~~بن السماك، حدثنا أبو قلابة، حدثنا نايل بن نجيح، عن عمرو بن شمر، عن جابر، ~~عن أبي جعفر، وعبد الرحمن بن سابط، عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: إذا صلى الصبح من غداة عرفة يقبل على أصحابه فيقول: ~~على مكانكم، ويقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله ~~أكبر الله أكبر ولله الحمد، ويكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام ~~التشريق # وقوله: {فمن تعجل في يومين} [البقرة: 203] قال ms0175 ابن عباس: يقول: من نفر من ~~منى في يومين بعد النحر. # {فلا إثم عليه ومن تأخر} [البقرة: 203] فلا حرج، يعني: من تأخر عن النفر ~~إلى اليوم الثالث حتى نفر فيه، {فلا إثم عليه} [البقرة: 203] في تأخره، # PageV01P309 # وقوله: لمن اتقى أي: طرح المأثم عن المتعجل والمتأخر يكون إذا اتقيا في ~~حجهما تضييع شيء مما حده الله وأمر به، حتى لا يظن أن من تعجل أو تأخر خرج ~~عن الآثام دون أن تبقى. # {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه ~~وهو ألد الخصام {204} وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث ~~والنسل والله لا يحب الفساد {205} وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ~~فحسبه جهنم ولبئس المهاد {206} } [البقرة: 204-206] قوله عز وجل: {ومن ~~الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} [البقرة: 204] نزلت هذه الآية ~~واللتان بعدها في الأخنس بن شريق، وكان حلو الكلام، حلو المنظر، يأتي رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فيجالسه ويظهر الإسلام، ويخبره أنه يحبه، وكان ~~يعجب النبي صلى الله عليه وسلم كلامه. # قوله: {ويشهد الله على ما في قلبه} [البقرة: 204] كان يقول للنبي صلى ~~الله عليه وسلم: والله إني بك مؤمن ولك محب. # يحلف بالله ويشهده على أنه مضمر ما يقول، وهو كاذب في ذلك، {وهو ألد ~~الخصام} [البقرة: 204] الألد: الشديد الخصومة، يقال: لددت، فأنت تلد لددا ~~ولدادة. # والخصام: مصدر كالمخاصمة. # قال ابن عباس: يريد أنه يدع الحق ويخاصم في الباطل. # قوله: {وإذا تولى} [البقرة: 205] أي: أعرض وأدبر، {سعى في الأرض ليفسد ~~فيها ويهلك الحرث والنسل} [البقرة: 205] وذلك أنه انصرف من بدر ببني زهرة ~~راجعا إلى مكة، وكان بينه وبين ثقيف خصومة، فبيتهم ليلا، وأهلك مواشيهم، ~~وأحرق زرعهم، قال السدي: مر بزرع للمسلمين وحمر، فأحرق الزرع وعقر الحمر. # وقال الضحاك، ومجاهد: تولى بمعنى: تملك وولي وصار واليا، ومعناه: إذا ولي ~~سلطانا جار. # PageV01P310 # وأراد بالحرث: الزرع والنبات، وبالنسل: نسل الدواب، على ما روي أنه أهلك ~~المواشي وأحرق الزرع. # {والله لا يحب ms0176 الفساد} [البقرة: 205] قال الكلبي، عن ابن عباس: لا يرضى ~~بالفساد والعمل بالمعاصي. # وذكر في تفسير الفساد ههنا: الخراب، وقطع الدراهم، وشق الثياب، لا على ~~وجه المصلحة. # وقوله: {وإذا قيل له اتق الله} [البقرة: 206] وذلك أن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم دعاه إلى إجابة الله في ظاهره وباطنه، فدعاه الأنفة والكبر إلى ~~الإثم والظلم، وهو قوله: {أخذته العزة بالإثم} [البقرة: 206] معنى العزة ~~ههنا: المنعة والقوة. # قال قتادة: إذا قيل له: مهلا مهلا. # ازداد إقداما على المعصية. # والمعنى: حملته العزة وحمية الجاهلية على الفعل بالإثم، فحسبه جهنم كافيه ~~الجحيم جزاء له وعذابا، يقال: حسبك كذا. # أي: كفاك. # وحسبنا الله: أي: كافينا الله، قال امرؤ القيس: # وحسبك من غنى شبع وري # أي: يكفيك الشبع والري. # ولبئس المهاد جهنم، على معنى: بئس الموضع وبئس المقر، والمهاد: جمع ~~المهد، وهو الموضع المهيأ للنوم. # {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد} [البقرة: ~~207] قوله: {ومن الناس من يشري نفسه} [البقرة: 207] الآية، قال سعيد بن ~~المسيب: أقبل صهيب مهاجرا نحو # PageV01P311 # النبي صلى الله عليه وسلم فأتبعه نفر من قريش من المشركين، فنزل عن ~~راحلته، ونثر ما في كنانته، وأخذ قوسه ثم قال: يا معشر قريش، إني من أرماكم ~~رجلا، وايم الله، لا تصلون إلي حتى أرمي ما في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما ~~بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم. # فقالوا: دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك، وعاهدوه إن دلهم أن يدعوه ~~ففعل، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «أبا يحيى، ربح البيع، ~~ربح البيع أبا يحيى» . # وأنزل الله تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} [البقرة: ~~207] والشرى: من الأضداد، يقال: شرى، إذا باع. # وشرى: إذا اشترى، قال الله تعالى: {وشروه بثمن بخس} [يوسف: 20] أي: ~~باعوه. # ومعنى بيع النفس ههنا: بذلها لأوامر الله وما يرضاه. # ونصب {ابتغاء مرضات الله} [البقرة: 207] على المفعول له، أي: لابتغاء ~~مرضات الله ثم نزع اللام منه، والمرضاة: الرضا، يقال: رضي ms0177 رضا ومرضاة. # {يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه ~~لكم عدو مبين {208} فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله ~~عزيز حكيم {209} هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ~~وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور {210} } [البقرة: 208-210] قوله: {يأيها ~~الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} [البقرة: 208] قال المفسرون: نزلت في ~~عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ~~قاموا بشرائعه وشرائع موسى، فعظموا السبت، وكرهوا لحم الإبل وألبانها بعدما ~~أسلموا، فأنكر ذلك عليهم المسلمون، فقالوا: إنا نقوى على هذا وعلى هذا. # فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن # PageV01P312 # التوراة كتاب الله، فدعنا فلنقم بها في صلاتنا. # فأنزل الله هذه الآية. # والسلم بكسر السين: الإسلام، وهو اسم جعل بمنزلة المصدر، كالعطاء من ~~أعطيت، والنبات من أنبت، والفتح لغة، ويجوز أن يكون بالفتح والكسر: الصلح، ~~والمراد بالصلح: الإسلام، لأن الإسلام صلح، ألا ترى أن القتال من أهله ~~موضوع، وأنهم أهل اعتقاد واحد ويد واحدة في نصرة بعضهم لبعض؟ فسمي الإسلام ~~صلحا لما ذكرنا. # وقوله: كافة الكافة: اسم للجملة الجامعة لأنها تمنع من الشذوذ والتفرق، ~~والمعنى: ادخلوا في شرائع الإسلام جملة مانعة من شريعة لم تدخلوا فيها. # والكافة في اللغة: الحاجزة المانعة، يقال: كففت فلانا عن السوء فكف يكف ~~كفا. # سواء لفظ اللازم والمجاوز، {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} [البقرة: 208] ~~آثاره ونزعاته فيما زين لكم من تحريم السبت ولحم الجمل، {إنه لكم عدو مبين} ~~[البقرة: 208] ظاهر العداوة، أخرج أباكم من الجنة وقال: {لأحتنكن ذريته} ~~[الإسراء: 62] . # وقوله: فإن زللتم يقال: زلت قدمه تزل زللا وزلا وزليلا، إذا دحضت. # ومعنى زللتم: تنحيتم عن القصد والشرائع في تحريم السبت ولحوم الإبل، {من ~~بعد ما جاءتكم البينات} [البقرة: 209] يعني القرآن ومواعظه، {فاعلموا أن ~~الله عزيز} [البقرة: 209] في انتقامه، لا تعجزونه، حكيم فيما شرع لكم من ~~دينه. # قوله: هل ينظرون الآية، هل ههنا: استفهام يراد به النفي والإنكار، كما ~~يقال: هل يفعل هذا ms0178 إلا مائق؟ ! أي: ما يفعل، وينظرون بمعنى: ينتظرون، يقال: ~~نظرته، وانتظرته. # ومنه قوله تعالى: {انظرونا نقتبس من نوركم} [الحديد: 13] ، وقوله: ~~{فناظرة بم يرجع المرسلون} [النمل: 35] ، والمعنى: ما ينتظر التاركون ~~الدخول في السلم والمتبعون خطوات الشيطان إلا العذاب يوم القيامة؟ ! يريد: ~~أنه لا ثواب، لهم فلا ينتظرون إلا العذاب، وهو قوله: {إلا أن يأتيهم الله} ~~[البقرة: 210] أي: يأتيهم عذاب الله، أو أمر الله، فحذف المضاف، ومثل هذا ~~قوله: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا} [الحشر: 2] أي: عذاب الله. # PageV01P313 # وقوله: {في ظلل من الغمام} [البقرة: 210] الظلل: جمع ظلة مثل: حلة وحلل، ~~وهي ما يستظل به من الشمس، ويسمى السحاب ظلة لأنه يستظل بها، ومنه قوله: ~~{عذاب يوم الظلة} [الشعراء: 189] أراد: غيما تحته سموم، والمعنى: أن العذاب ~~يأتي فيها ويكون أهول، وقوله: والملائكة يعني: الذين وكلوا بتعذيبهم، وقضي ~~الأمر أي: فرغ لهم مما يوعدون به بأن قدر ذلك عليهم وأعد لهم، {وإلى الله ~~ترجع الأمور} [البقرة: 210] أي: في الجزاء من الثواب والعقاب، وذلك أن ~~العباد في الدنيا لا يجازون على أعمالهم، ثم إليه يصيرون، فيعذب من يشاء ~~ويرحم من يشاء، وهذا كقوله: {ألا إلى الله تصير الأمور} [الشورى: 53] وقرئ ~~ترجع الأمور بضم التاء وفتح الجيم، أي: ترد إليه الأمور. # {سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما ~~جاءته فإن الله شديد العقاب} [البقرة: 211] قوله: {سل بني إسرائيل كم ~~آتيناهم من آية بينة} [البقرة: 211] معنى السؤال ههنا: تبكيت للمسئول عنه ~~وتقريع له، لا تعرف منه، كما يقال: سله كم أنعمت عليه فكفر نعمتي؟ كذلك ~~هؤلاء، أنعم الله عليهم نعما، فلق البحر لهم، وأنجاهم من عدوهم، وأنزل ~~عليهم المن والسلوى فكفروا بهذه النعم حين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه ~~وسلم ولم يبينوا نعته، {ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته} [البقرة: 211] ~~التبديل: تصيير الشيء على غير ما كان عليه، يريد: من يجعلها نقمة بالكفران ~~وترك الشكر لها، {فإن الله شديد العقاب} [البقرة: 211] يعني: لمن فعل ذلك ms0179، ~~والعقاب: عذاب يعقب الجرم. # {زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا ~~فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب} [البقرة: 212] قوله: {زين ~~للذين كفروا الحياة الدنيا} [البقرة: 212] فهي همهم وطلبتهم ونيتهم، فهم لا ~~يريدون غيرها، كقوله: {فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة ~~الدنيا} [النجم: 29] ، وإنما قيل: زين على التذكير لأن الحياة مصدر، فذهب ~~إلى تذكير المصدر كقوله: {فمن جاءه موعظة من ربه} [البقرة: 275] ، وهذا قول ~~الفراء، وقال الزجاج: تأنيث الحياة ليس بحقيقي، لأن معنى الحياة والبقاء ~~والعيش واحد. # PageV01P314 # قوله: {ويسخرون من الذين آمنوا} [البقرة: 212] أي: يسخرون من فقراء ~~المؤمنين ويعيرونهم بالفقر، {والذين اتقوا} [البقرة: 212] الشرك، وهم هؤلاء ~~الفقراء، {فوقهم يوم القيامة} [البقرة: 212] لأنهم في الجنة وهي عالية، ~~والكافرين في النار وهي هاوية، {والله يرزق من يشاء بغير حساب} [البقرة: ~~212] قال ابن عباس: يريد: أن أموال قريظة والنضير تصير إليهم بغير حساب ولا ~~قتال، بأسهل شيء وأيسره. # وقال مقاتل: يرزق من يشاء حين بسط للكافرين وقتر على المؤمنين، بغير حساب ~~يعني: ليس فوقه من يحاسبه، فهو الملك يعطي من يشاء بغير حساب، وهذا معنى ~~قول الحسن، لأن الله قال: {والله يرزق من يشاء بغير حساب} [البقرة: 212] لا ~~يسأل عما يفعل. # {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم ~~الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين ~~أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما ~~اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم {213} أم ~~حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء ~~والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر ~~الله قريب {214} } [البقرة: 213-214] قوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة} ~~[البقرة: 213] قال ابن عباس: يعني: على عهد إبراهيم كفارا كلهم. # وقال الحسن، وعطاء: كان الناس بعد وفاة آدم إلى مبعث نوح، أمة واحدة على ~~ملة واحدة ms0180 وهي الكفر، كانوا # PageV01P315 # كفارا كلهم أمثال البهائم، {فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين} [البقرة: ~~213] نوحا وإبراهيم وغيرهما من النبيين، {وأنزل معهم الكتاب} [البقرة: 213] ~~يعني الكتب، والكتاب: اسم جنس أريد به الجمع، بالحق يريد: بالعدل والصدق، ~~ليحكم أي: الكتاب، بين الناس بما فيه من البيان، {فيما اختلفوا فيه} ~~[البقرة: 213] من الأحكام، {وما اختلف فيه} [البقرة: 213] الكناية راجعة ~~إلى الكتاب، والمراد بالكتاب المختلف فيه: التوراة. # قوله: {إلا الذين أوتوه} [البقرة: 213] يعني: اليهود، واختلافهم في ~~التوراة: تبديل بعضهم وتحريفهم، {من بعد ما جاءتهم البينات} [البقرة: 213] ~~الدلالات الواضحات في شأن محمد صلى الله عليه وسلم وصحة نبوته، بغيا بينهم ~~حسدا منهم وطلبا للرياسة، {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه} ~~[البقرة: 213] أي: إلى ما اختلفوا فيه، من الحق والمعنى: لمعرفة ما اختلفوا ~~فيه، يقال: هديته إلى الشيء، وللشيء. # قال ابن زيد: اختلفوا في القبلة، فصلت اليهود إلى بيت المقدس، وصلت ~~النصارى إلى المشرق، فهدانا الله للكعبة، واختلفوا في الصيام، وهدانا الله ~~لشهر رمضان، واختلفوا في يوم الجمعة، فأخذت اليهود السبت، والنصارى الأحد ~~فهدانا الله له. # واختلفوا في إبراهيم، فقالت اليهود: كان يهوديا. # وقالت النصارى: كان نصرانيا. # فهدانا الله تعالى للحق من ذلك، واختلفوا في عيسى فجعلته اليهودية لفرية، ~~وجعلته النصارى ربا، فهدانا الله عز وجل من ذلك. ### | 104 - # أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن الحسن الحافظ، أخبرنا أبو الفتح يوسف بن ~~عمر بن مسرور، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا عبد الله بن ~~عون، حدثنا أبو سفيان محمد بن حميد، حدثنا معمر بن راشد، عن الأعمش، عن أبي ~~صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز ~~وجل: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه} [البقرة: 213] ~~قال: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ~~وأوتيناه من بعدهم، فهدانا الله لما اختلفوا فيه، فاليوم لنا، وغدا لليهود، ~~وبعد غد للنصارى» # PageV01P316 # وقوله: {بإذنه} [البقرة: 213] أي: بعلمه وإرادته فيهم، قال ابن عباس ms0181: ~~يريد: كان في قضائي وقدري. # قوله تعالى: {أم حسبتم} [البقرة: 214] الآية، قال عطاء، عن ابن عباس: لما ~~دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة اشتد الضر عليهم لأنهم خرجوا بلا ~~مال، وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين، وأظهرت اليهود العداوة لرسول ~~الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل تطييبا لقلوبهم: أم حسبتم. # معناه: بل أحسبتم؟ {أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم} [البقرة: 214] أي: ولم ~~يأتكم، وما صلة، {مثل الذين} [البقرة: 214] أي: شبه الذين، خلوا مضوا، من ~~قبلكم من النبيين والمؤمنين، وفي الكلام حذف تقديره: مثل محنة الذين، أو ~~مثل مصيبة الذين من قبلكم، والمثل والمثل: واحد. # ثم ذكر ما أصابهم فقال: {مستهم البأساء} [البقرة: 214] قال عطاء: يريد: ~~الفقر الشديد، والضراء المرض والجوع، {وزلزلوا} [البقرة: 214] : حركوا ~~بأنواع البلايا والرزايا، {حتى يقول الرسول} [البقرة: 214] إلى أن يقول ~~الرسول، {والذين آمنوا معه متى نصر الله} [البقرة: 214] ؟ أي: بلغ منهم ~~الجهد إلى أن استبطئوا النصر، فقال الله تعالى: {ألا إن نصر الله قريب} ~~[البقرة: 214] أي: أنا ناصر أوليائي لا محالة، ونصري قريب منهم. # وقرئ حتى يقول الرسول رفعا، كما تقول: سرت حتى أدخلها. # بمعنى: سرت فأدخلها، بمنزلة: سرت فدخلتها، وحتى ههنا مما لا يعمل في ~~الفعل شيئا، لأنها تلي الجمل، تقول: سرت حتى إني كال، وكقول الفرزدق: # فيا عجبا حتى كليب تسبني # PageV01P317 # فعملها في الجمل يكون في معناها، لا في لفظها، وعلى هذا وجه الآية. # {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى ~~والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} [البقرة: 215] ~~قوله: {يسألونك ماذا ينفقون} [البقرة: 215] قال الكلبي، عن ابن عباس: نزلت ~~هذه الآية في عمرو بن الجموح الأنصاري، وكان شيخا كبيرا، وعنده مال عظيم ~~فقال: ماذا ننفق من أموالنا، وأين نضعها؟ فنزلت هذه الآية. # وقوله: {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين} [البقرة: 215] إلى ~~قوله: وما تفعلوا قال ابن الأنباري: إن عمرو بن الجموح سأل رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم عن الصدقة، أين يخص ms0182 بها عند موته؟ فأنزل الله هذه الآية؟ ~~فلما نزلت آية المواريث نسخت من هذه الآية التصدق على الوالدين. # ويقال: إن الإنفاق في هذه الآية لا يراد به الصدقة عند الموت، إنما يراد ~~به النفع في الدنيا، والإيثار بما يتقرب به الإنسان إلى الله تعالى، فأخبر ~~الله تعالى أن من قصد ذلك ينبغي له أن يبر بذلك المذكورين في هذه الآية. # وعلى هذا: الآية محكمة لم ينسخ منها شيء، وهذا معنى قول مقاتل بن حيان، ~~وقال كثير من أهل التفسير: هذا كان قبل فرض الزكاة، فلما فرضت الزكاة ~~بالآية التي في البراءة. # وقوله: {وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} [البقرة: 215] أي أنه يحصيه ~~ويجازي عليه. # PageV01P318 # {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن ~~تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون {216} يسألونك عن الشهر ~~الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام ~~وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم ~~حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر ~~فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ~~{217} إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت ~~الله والله غفور رحيم {218} } [البقرة: 216-218] قوله تعالى: {كتب عليكم ~~القتال} [البقرة: 216] قال عطاء: يعني بهذا أصحاب رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم خاصة، لأن القتال مع النبي صلى الله عليه وسلم كان فريضة، وما كان ~~يجوز القعود عنه إذا خرج لجهاد عدو. # والإجماع اليوم على أنه من فروض الكفاية. # وقوله: وهو أي: القتال، كره لكم قال الفراء: الكره: المشقة، قمت على كره، ~~أي: على مشقة، والكره بفتح الكاف: الإجبار، يقال: أقامني على كره، إذا ~~أكرهك عليه. # ولهذا المعنى لم يقرأ، ههنا، كره بالفتح كما قرئ في سائر المواضع بالضم ~~والفتح، لأن المشقة ههنا أليق من الإجبار، وهذا الكره من حيث ms0183 المشقة ~~الداخلة على النفس وعلى المال من المئونة، لا أنهم كانوا يكرهون فرض الله. # وقوله: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} [البقرة: 216] لأن في الغزو ~~إحدى الحسنيين، إما الظفر والغنيمة، وإما الشهادة والجنة، {وعسى أن تحبوا ~~شيئا} [البقرة: 216] يعني: التعود على الغزو، {وهو شر لكم} [البقرة: 216] ~~لما فيه من الذل والفقر وحرمان الغنيمة والأجر. # وقال ابن عباس: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «يابن عباس، ارض ~~عن الله بما قدر، وإن كان خلاف هواك، إنه لمثبت في كتاب الله عز وجل» . # فقلت: يا رسول الله، أين وقد قرأت القرآن؟ فقال " {وعسى أن تكرهوا شيئا ~~وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} [البقرة: 216] . # PageV01P319 # وقوله: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216] أي: يعلم ما فيه ~~مصالحكم ومنافعكم، فبادروا إلى ما يأمركم به وإن شق عليكم. # قوله عز وجل: {يسألونك عن الشهر الحرام} [البقرة: 217] الآية: ### | 105 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي بقراءتي عليه، قلت: حدثكم ~~أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه الهروي، أخبرنا أبو الحسن علي بن ~~محمد الخزاعي الجركاني، حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، أخبرني شعيب بن ~~أبي حمزة، عن الزهري، أخبرني عروة بن الزبير: أن النبي صلى الله عليه وسلم ~~بعث سرية من المسلمين، وأمر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي، فانطلقوا حتى ~~هبطوا نخلة، فوجدوا بها عمرو بن الحضرمي، في عير تجارة لقريش، في يوم بقي ~~من الشهر الحرام، فاختصم المسلمون، فقال قائل منهم: غرة هذه من عدو وغنم ~~رزقتموه، ولا ندري أمن الشهر الحرام هذا اليوم أم لا؟ وقال قائل منهم: لا ~~نسلم هذا اليوم إلا من الشهر الحرام، ولا نرى أن تستحلوه لطمع أشفيتم عليه، ~~فغلب على الأمر الذين يريدون عرض الدنيا، فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه ~~وغنموا عيره، فبلغ ذلك كفار قريش، وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين ~~المسلمين والمشركين، فركب وفد من كفار قريش حتى قدموا على رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ms0184، فقالوا: أيحل القتال في شهر الحرام؟ فأنزل الله تعالى: ~~{يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} [البقرة: 217] إلى آخر الآية. # PageV01P320 # فحدثهم الله في كتابه: أن القتال في الشهر الحرام، وأن الذي يستحلون من ~~المؤمنين هو أكبر من ذلك، من صدهم عن سبيل الله حين يسجنونهم ويعذبونهم ~~ويحبسونهم أن يهاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفرهم بالله وصد ~~المسلمين عن المسجد الحرام في الحج والعمرة والصلاة فيه، وإخراجهم أهل ~~المسجد الحرام منه، وهو سكانه من المسلمين، وفتنتهم إياهم عن الدين. # فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقل ابن الحضرمي، وحرم الشهر ~~الحرام، كما كان يحرمه حتى أنزل الله عز وجل {براءة من الله ورسوله} ~~[التوبة: 1] # فقوله: {يسألونك عن الشهر الحرام} [البقرة: 217] يعني: أهل الشرك يسألون ~~عن ذلك على جهة العيب للمسلمين، باستحلالهم القتال في الشهر الحرام. # وقوله: قتال فيه تقديره: عن قتال فيه، وكذا هو في قراءة ابن مسعود. # قل لهم يا محمد، قتال في الشهر الحرام، كبير أي: عظيم في الإثم، وتم ~~الكلام ههنا، ثم قال: {وصد عن سبيل الله} [البقرة: 217] يعني: صد المشركين ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت عام الحديبية، وكفر به أي: ~~بالله، والمسجد الحرام ينخفض بالعطف على سبيل الله تقديره: وصد عن سبيل ~~الله وعن المسجد الحرام، وإخراج أهله أهل المسجد، منه أكبر أعظم وزرا، {عند ~~الله والفتنة} [البقرة: 217] الشرك والكفر، {أكبر من القتل} [البقرة: 217] ~~يعني: قتل ابن الحضرمي. # ولما نزلت هذه الآية كتب عبد الله بن جحش، صاحب هذه السرية، إلى مؤمني ~~مكة: إذا عيركم المشركون بالقتال في الشهر الحرام، فعيروهم أنتم بالكفر ~~وإخراج الرسول من مكة، ومنع المؤمنين عن البيت. # PageV01P321 # وقوله: ولا يزالون يعني المشركين، يقاتلونكم أيها المؤمنون، {حتى يردوكم ~~عن دينكم} [البقرة: 217] الإسلام، إلى الكفر إن استطاعوا، ثم ذكر حكم من ~~يرجع عن الإسلام إلى الكفر فقال: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر} ~~[البقرة: 217] يعني: يبقى على الردة إلى أن يموت، {فأولئك حبطت أعمالهم} ~~[البقرة ms0185: 217] أي: بطلت، يقال: حبط عمله، يحبط حبطا وحبوطا، وأحبطه الله ~~إحباطا. # والمسلم إذا ارتد ومات على الردة حبط عمله الذي عمله في الإسلام، وبقي في ~~النار خالدا، وهو قوله عز وجل: {وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} ~~[البقرة: 217] . # قال الزهري: ولما فرج الله على أهل تلك السرية بهذه الآية ما كانوا فيه ~~من غم بقتالهم في الشهر الحرام، طمعوا فيما عند الله من ثوابه. # فقالوا: يا نبي الله، أنطمع أن تكون هذه الغزوة نعطى فيها أجر المجاهدين ~~في سبيل الله؟ فأنزل الله تعالى فيهم قوله: {إن الذين آمنوا} [البقرة: 218] ~~بمحمد والقرآن، {والذين هاجروا} [البقرة: 218] فارقوا عشائرهم وأوطانهم، ~~وجاهدوا المشركين، أي: حملوا أنفسهم على الجهد والمشقة في قتالهم، {أولئك ~~يرجون رحمت الله} [البقرة: 218] أي أنهم بما فعلوا على رجاء رحمة الله، ~~{والله غفور رحيم} [البقرة: 218] غفر لعبد الله بن جحش وأصحابه ما لم ~~يعملوا ورحمهم. # {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر ~~من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم ~~تتفكرون} [البقرة: 219] قوله: {يسألونك عن الخمر والميسر} [البقرة: 219] ~~الآية، نزلت في جماعة من الصحابة، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر، فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للمال. # فنزلت هذه الآية. # والخمر إنما سميت خمرا لأنها تخامر العقل، أي: تخالطه، يقال: خامره ~~الداء، إذا خالطه. # قال كثير: # PageV01P322 # هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت # وهي كل شراب مسكر مغط للعقل، سواء كان عصيرا أو نقيعا، مطبوخا كان أو ~~نيا. # والميسر: القمار، والياسر واليسر: المقامر، وتجمع اليسر: أيسارا. # وقوله: {قل فيهما إثم كبير} [البقرة: 219] أراد: الإثم بسببهما، من ~~المخاصمة والمشاتمة، وقول الفحش والزور، وزوال العقل، والمنع من الصلاة، ~~والقمار يورث العداوة، بأن يصير مال الإنسان إلى غيره بغير جزاء يأخذ عليه. # وقراءة العامة كبير بالياء، لأن الذنب يوصف بالكبر والعظم، يدل على ذلك ~~قوله تعالى: {كبائر الإثم والفواحش} [الشورى: 37] ، {كبائر ما تنهون عنه} ~~[النساء: 31] كذلك ههنا ms0186 ينبغي أن يكون بالباء، ألا ترى أن شرب الخمر ~~والميسر من الكبيرة؟ وقرأ حمزة، والكسائي بالثاء، لأنه قد جاء فيها ما يقوي ~~وصف الإثم فيهما بالكثرة دون الكبر، وهو قوله: {إنما يريد الشيطان أن يوقع ~~بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة} ~~[المائدة: 91] فذكر عددا من الذنوب فيهما. # ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن عشرة في سبب الخمر فدل على كثرة الإثم ~~فيهما. # PageV01P323 # قوله: ومنافع للناس منفعة الخمر: ما كانوا يصيبونه من المال في بيعها ~~والتجارة فيها، واللذة عند شربها، والتقوي بها. # ومنفعة الميسر: ما يصاب من القمار، ويرتفق به الفقراء. # وليست هذه الآية المحرمة للخمر، إنما المحرمة التي في المائدة. # قال قتادة: في هذه الآية ذمها ولم يحرمها، وهي يومئذ حلال. # وقال ابن عباس: كل شيء فيه قمار فهو ميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز، ~~والكعاب. # وقوله: وإثمهما أي: الإثم الحاصل، {أكبر من نفعهما} [البقرة: 219] ، لأن ~~نفعهما في الدنيا، وما يحصل من الإثم بسببهما يضر بالآخرة. # وقوله: {ويسألونك ماذا ينفقون} [البقرة: 219] نزلت في سؤال عمرو بن ~~الجموح لما نزل قوله: {فللوالدين والأقربين} [البقرة: 215] في سؤاله، أعاد ~~السؤال وسأل عن مقدار ما ينفق، فنزل قوله: قل العفو قال ابن عباس: ما فضل ~~من المال والعيال. # وهو قول السدي، وقتادة، وعطاء. # وأصل العفو في اللغة: الزيادة، قال الله تعالى: حتى عفوا أي: زادوا على ~~ما كانوا عليه من العدد. # وقال أهل التفسير: أمروا أن ينفقوا الفضل، وكان أهل المكاسب يأخذ الرجل ~~من كسبه ما يكفيه في عامه، وينفق باقيه، إلى أن فرضت الزكاة، فنسخت آية ~~الزكاة المفروضة هذه الآية، وكل صدقة أمروا بها قبل نزول الزكاة. # PageV01P324 # واختلف القراء في رفع العفو ونصبه، فمن نصب جعل ماذا اسما واحدا في موضع ~~نصب، وجواب هذا العفو بالنصب، كما تقول في جواب ما أنفقت درهما، أي: أنفقت ~~درهما، ومن رفع جعل ذا بعد ما بمنزلة الذي، ورد العفو عليه فرفع، كأنه قال: ~~ما الذي ينفقون؟ فقال: العفو. # أي: الذي ms0187 ينفقون العفو، فيضمر المبتدأ الذي كان خبرا في سؤال السائل، كما ~~تقول في جواب ما الذي أنفقته؟ مال زيد، أي: الذي أنفقته مال زيد. # وقوله: {كذلك يبين الله لكم الآيات} [البقرة: 219] أشار إلى ما بين في ~~الإنفاق، كأنه قال: مثل الذي بينه لكم في الإنفاق يبين لكم الآيات، ~~لتتفكروا في أمر الدنيا والآخرة فتعرفوا فضل الآخرة على الدنيا. # قال المفسرون: لعلكم تتفكرون في زوال الدنيا وفنائها، فتزهدوا فيها وفي ~~إقبال الآخرة وبقائها، فترغبوا فيها. # قال قتادة: من تفكر في الدنيا والآخرة عرف ذلك فضل إحداهما على الأخرى، ~~عرف أن الدنيا دار بلاء، ثم دار فناء، وعرف أن الآخرة دار جزاء ثم دار ~~بقاء. # {في الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم ~~فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز ~~حكيم {220} ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو ~~أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ~~أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته ~~للناس لعلهم يتذكرون {221} } [البقرة: 220-221] وقوله: {ويسألونك عن ~~اليتامى} [البقرة: 220] قال ابن عباس: لما أنزل الله تعالى قوله: {ولا ~~تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الأنعام: 152] ، و {إن الذين يأكلون ~~أموال اليتامى ظلما} [النساء: 10] انطلق من كان عنده مال ليتيم فعزل طعامه ~~عن طعامه، # PageV01P325 # وشرابه عن شرابه، وجعل يفضل الشيء من طعامه، فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، ~~واشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله ~~تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير} [البقرة: 220] يعني: ~~الإصلاح لأموالهم من غير أجرة ولا أخذ عون منهم خير وأعظم أجرا، {وإن ~~تخالطوهم} [البقرة: 220] أي: تشاركوهم في أموالهم وتخالطوها بأموالكم ~~فتصيبوا من أموالهم عوضا من قيامكم بأمورهم. # قال الضحاك: مخالطتهم: ركوب الدابة، وخدمة الخادم، وشرب اللبن، هذا إذا ~~قام على مال اليتيم. # وقوله: فإخوانكم أي: فهم إخوانكم، والإخوان يعين بعضهم بعضا ويصيب بعضهم ms0188 ~~من مال بعض. # وقوله: {والله يعلم المفسد} [البقرة: 220] أي: لأموالهم، من المصلح لها، ~~فاتقوا الله في مال اليتامى ولا تجعلوا مخالطتكم إياهم ذريعة إلى إفساد ~~أموالهم وأكلها بغير حق. # وقوله: {ولو شاء الله لأعنتكم} [البقرة: 220] معنى الإعنات: الحمل على ~~المشقة التي لا تطاق، يقال: أعنت فلان فلانا. # أي: أوقعه فيما لا يستطيع الخروج منه. # قال ابن عباس: لو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا. # وقال آخرون: ولو شاء الله لكلفكم ما يشتد عليكم، وأثمكم في مخالطتهم، ~~ومعناه: التذكير بالنعمة في التوسعة. # {إن الله عزيز} [البقرة: 220] في ملكه، حكيم فيما أمركم به. # قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} [البقرة: 221] نزلت في مرثد ~~الغنوي، كانت له خليلة مشركة في الجاهلية يقال لها: عناق. # فلما أسلم قالت له: تزوج بي. # فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أيحل لي أن أتزوجها؟ فأنزل الله ~~تعالى هذه الآية، وحرم نكاح المشركات. # PageV01P326 # ثم استثنى الحرائر الكتابيات بالآية في المائدة، وهي قوله: {والمحصنات من ~~الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5] . # وقوله: {ولأمة مؤمنة خير من مشركة} [البقرة: 221] الأمة: المملوكة. # قال السدي: كانت لعبد الله بن رواحة أمة سوداء، فغضب عليها ولطمها، ثم ~~أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال له: «وما هي يا عبد الله؟» فقال: ~~تشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله. # فقال: «هذه مؤمنة» . # قال عبد الله: فوالذي بعثك بالحق نبيا لأعتقنها ولأتزوجن بها. # ففعل، فطعن عليه ناس من المسلمين، وعرضوا عليه حرة مشركة، فأنزل الله هذه ~~الآية. # وقوله: {ولو أعجبتكم} [البقرة: 221] يعني: المشركة بمالها وجمالها. # وقوله: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} [البقرة: 221] لا يجوز تزويج ~~المسلمة من المشرك بحال، وقوله: أولئك يعني المشركين، {يدعون إلى النار} ~~[البقرة: 221] أي: إلى الأعمال الموجبة للنار. # {والله يدعو إلى الجنة والمغفرة} [البقرة: 221] يقول: إلى التوبة ~~والتوحيد والعمل الموجب لهما. # {بإذنه} [البقرة: 221] أي: بأمره، يعني أنه بأوامره يدعوكم. # {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن ~~حتى يطهرن ms0189 فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب ~~المتطهرين {222} نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم ~~واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين {223} } [البقرة: 222-223] ~~قوله: {ويسألونك عن المحيض} [البقرة: 222] قال أنس بن مالك: إن اليهود كانت ~~إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت، فلم يؤاكلوها ولم يشاربوها، فسئل ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله هذه الآية. # والمحيض: الحيض، يقال: حاضت المرأة تحيض حيضا ومحاضا ومحيضا. # PageV01P327 # قوله: {هو أذى} [البقرة: 222] قال عطاء، وقتادة، والسدي: أي: قذر. # وقال مجاهد والكلبي: دم. # والأذى: ما يغم ويكره من كل شيء، {فاعتزلوا النساء في المحيض} [البقرة: ~~222] أي: تنحوا عنهن ودعوا مجامعتهن إذا حضن، {ولا تقربوهن} [البقرة: 222] ~~لا تجامعوهن، يقال: قرب الرجل امرأته، إذا جامعها قربانا. # وقوله: {حتى يطهرن} [البقرة: 222] : أي: يتطهرن، ومعناه: يغتسلن بالماء ~~بعد النقاء من الدم، فأدغمت التاء في الطاء، ومن قرأ يطهرن بالتخفيف فهو من ~~طهرت المرأة تطهر طهرا وطهارة، ومعناه: حتى يفعلن الطهارة التي هي الغسل. # {فإذا تطهرن} [البقرة: 222] اغتسلن، {فأتوهن من حيث أمركم الله} [البقرة: ~~222] بتجنبه في الحيض، وهو الفرج، قاله مجاهد، وإبراهيم، وقتادة، وعكرمة، ~~وقال ابن عباس، في رواية الوالبي يقول: طئوهن في الفرج، ولا تعدوه إلى ~~غيره، {إن الله يحب التوابين} [البقرة: 222] من الذنوب، ويحب المتطهرين ~~بالماء من الأحداث والنجاسات. # قوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم} [البقرة: 223] : ### | 106 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم المزكي، أخبرنا محمد بن يزيد الجوزي، حدثنا ~~إبراهيم بن شريك، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، حدثنا مالك، عن محمد بن ~~المنكدر، عن جابر: # PageV01P328 # أن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولدها أحول فأنزل ~~الله عز وجل {نساؤكم حرث لكم} [البقرة: 223] الآية. # رواه البخاري، عن أبي نعيم، ورواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة كلاهما ~~عن سفيان، عن محمد بن المنكدر # ومعنى {نساؤكم حرث لكم} [البقرة: 223] أي: مزرع ومنبت للولد، قال أهل ~~المعاني: معناه: ذوات حرث لكم، فيهن تحرثون الولد، فخاف المضاف. # وقال ms0190 الأزهري: حرث الرجل: امرأته. # وأنشد المبرد: # إذا أكل الجراد حروث قوم ... فحرثي همه أكل الجراد # وقوله: {فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة: 223] أي: ائتوا مواضع حرثكم كيف ~~شئتم مقبلة ومدبرة، بعد أن يكون في صمام واحد. # قال ابن عباس في هذه الآية: ائتها كيف شئت في الفرج. # {وقدموا لأنفسكم} [البقرة: 223] قال عطاء، عن ابن عباس: يريد: العمل لله ~~بما يحب ويرضى. # وقال مقاتل: يقول: قدموا طاعة الله وأحسنوا عبادته. # واتقوا الله فيما حد لكم من الجماع، وأمر الحيض، {واعلموا أنكم ملاقوه} ~~[البقرة: 223] راجعون إليه، والمعنى: ملاقو جزائه، إن ثوابا وإن عقابا، ~~وبشر المؤمنين الذين خافوا وحذروا معصيته. # {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله ~~سميع عليم {224} # PageV01P329 # لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله ~~غفور حليم {225} للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله ~~غفور رحيم {226} وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم {227} } [البقرة: ~~224-227] قوله: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} [البقرة: 224] قال الكلبي: ~~نزلت في عبد الله بن رواحة، ينهاه عن قطيعة ختنه على أخته بشير بن النعمان، ~~حلف أن لا يكلمه، ولا يدخل بيته وبيت خصم له، وجعل يقول: قد حلفت بالله أن ~~لا أفعل، فلا يحل لي. # فأنزل الله هذه الآية. # والعرضة: المانع من الشيء، وتقول العرب: هو له دونه عرضة، إذا كان يمنعه ~~من الوصول إليه. # قال الحسن، وطاوس، وقتادة: ولا تجعلوا اليمين بالله علة مانعة من البر ~~والتقوى، من حيث تتعمدون اليمين لتعتلوا بها. # والأيمان: جمع يمين، وهو القسم. # وقوله: أن تبروا قال الزجاج: تقديره: لا تعترضوا باليمين بالله في أن ~~تبروا، فسقط في، ووصل الفعل إليه، وقال أبو عبيدة: معناه: أن لا تبروا، ~~فحذفت لا، كقوله: {يبين الله لكم أن تضلوا} [النساء: 176] ، وكقوله: {رواسي ~~أن تميد بكم} [النحل: 15] ، والمعنى: لئلا تضلوا، ولئلا تميد بكم. # وقال أبو العباس: تقديره: لدفع أن تبروا، فحذف المضاف. # ومعنى أن تبروا: أن تصنعوا الخير وتصلوا الرحم وتأمروا بالمعروف، {والله ms0191 ~~سميع عليم} [البقرة: 224] يسمع أيمانكم، ويعلم ما تقصدون بها كقوله: {لا ~~يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} [البقرة: 225] اللغو: الكلام الذي لا ~~فائدة فيه ولا يعتد به، يقال: لغا يلغو لغوا. # قال ابن الأنباري: اللغو: ما يطرح من الكلام استغناء عنه، ولا يفتقر ~~إليه. # وقال الزجاج: وكل ما لا خير فيه مما يؤثم فيه، أو يكون غير محتاج إليه من ~~الكلام، فهو لغو ولغا. # PageV01P330 # قال مجاهد، وعكرمة، والشعبي: لغو اليمين: ما يسبق به اللسان من غير عقد ~~ولا قصد، ويكون كالصلة من الكلام، مثل قول القائل: لا والله، وبلى والله، ~~وكلا والله. # ونحو هذا، ولا كفارة فيه ولا إثم، هذا قول عائشة رضي الله عنها. # وقال ابن عباس، في رواية الوالبي: لغو اليمين: أن يحلف الإنسان يرى أنه ~~صادق فيه، ثم يتبين له خلاف ذلك، فهو خطأ منه غير عمد، ولا كفارة عليه فيه ~~ولا إثم. # وهو قول الحسن والنخعي والزهري وقتادة والربيع والسدي. # وقال في رواية وسيم: اللغو: اليمين في حالة الغضب والضجر، من غير عقد ولا ~~عزم، وهو قول علي رضي الله عنه وطاوس. # وقوله: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} [البقرة: 225] أي: عزمتم وقصدتم، ~~لأن كسب القلب: العقد والنية، {والله غفور حليم} [البقرة: 225] معنى الحليم ~~في صفة الله: الذي لا يعجل بالعقوبة، بل يؤخر عقوبة الكافرين والعصاة، ~~والحلم في كلام العرب معناه: الأناة والسكون. # قوله عز وجل: {للذين يؤلون من نسائهم} [البقرة: 226] الآية يقال: آلى ~~يولي إيلاء، إذا حلف. # ويقال لليمين: الألية. # قال ابن عباس: هو أن يحلف بالله لا ينكح امرأته، فحكمه ما ذكره الله ~~تعالى، وهو قوله: {تربص أربعة أشهر} [البقرة: 226] والتربص: التلبث ~~والانتظار، فإن جامع قبل مضي أربعة أشهر لزمته الكفارة، والنكاح ثابت، وإن ~~لم يجامع حتى انقضت أربعة أشهر، فإن عفت المرأة ولم تطلب حقها من الجماع ~~فلا شيء، ولا يقع به طلاق، وإن طلبت # PageV01P331 # حقها وقف الحاكم زوجها، فإما أن يطلق وإما أن يطأ، فإن أباهما جميعا طلق ~~الحاكم عليه بالقهر والجبر، وهو قوله ms0192: {فإن فاءوا} [البقرة: 226] أي: ~~رجعوا، يعني: بالجماع. # {وإن عزموا الطلاق} [البقرة: 227] أي: طلقوا بعد مضي أربعة أشهر، {فإن ~~الله سميع} [البقرة: 227] يسمع ما قاله المطلق، عليم بما في قلبه. # {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله ~~في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن ~~أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز ~~حكيم} [البقرة: 228] قوله: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن} [البقرة: 228] ~~الآية، يعني: المطلقات المدخول بهن البالغات غير الحوامل، لأن في الآية ~~بيان عدتهن، ومعنى {يتربصن بأنفسهن} [البقرة: 228] : ينتظرن انقضاء {ثلاثة ~~قروء} [البقرة: 228] لا يتزوجن، لفظه خبر ومعناه: الأمر. # والقروء: جمع قرء، وجمعه القليل: أقرؤ، وأقراء، والكثير: قروء، وهذا ~~الحرف من الأضداد، يقال للحيض: قرء. # وللأطهار: قروء. # وأقرأت المرأة في الأمرين جميعا. # والمراد بالتي في الآية: الأطهار، في قول عائشة رضي الله عنها، وزيد بن ~~ثابت، وابن عمر، ومالك، والشافعي، وأهل المدينة، قال ابن شهاب: ما رأيت ~~أحدا من أهل بلدنا إلا يقول: الأقراء: الأطهار. # إلا سعيد بن المسيب. # وأكثر المفسرين: على أنها الحيض، وهو قول فقهاء الكوفة. # قوله: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} [البقرة: 228] قال ~~ابن عباس وقتادة ومقاتل: # PageV01P332 # يعني: الحبل والولد، ومعنى الآية: لا يحل لهن أن يكتمن الحمل ليطلن حق ~~الزوج من الرجعة. # قال ابن عباس: وذلك أن المرأة السوء تكتم الحمل شوقا منها إلى الزوج، ~~وتستبطئ العدة لأن عدة ذات الحمل أن تضع حملها، فيجب عليهن إظهار ما يخلق ~~الله في أرحامهن من الولد، إذ لا مرجع إلى غيرهن فيه. # وقد أغلظ الله القول عليهن حيث قال: {إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر} ~~[البقرة: 228] . # وقوله: وبعولتهن هي جمع بعل، يعني: الزوج، {أحق بردهن} [البقرة: 228] أي: ~~إلى النكاح والزوجية، يعني: أحق بمراجعتهن، {في ذلك} [البقرة: 228] أي: في ~~الأجل الذي أمرن أن يتربصن فيه، {إن أرادوا إصلاحا} [البقرة: 228] لا ~~إضرارا، وذلك أن الرجل في الجاهلية كان إذا أراد الإضرار ms0193 بامرأته طلقها ~~واحدة، وتركها حتى إذا قرب انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها، ثم راجعها يضارها ~~بذلك، فجعل الله الزوج أحق بالرجعة على وجه الإصلاح لا على وجه الإضرار. # وقوله: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228] أي: للنساء على ~~الرجال مثل الذي للرجال على النساء من الحق بالمعروف، أي: بما أمر الله به ~~من حق الرجل على المرأة. ### | 107 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا أبو يحيى ~~الرازي، حدثنا سهل بن عثمان العسكري، حدثنا وكيع، عن بشير بن سلمان، عن ~~عكرمة، عن ابن عباس قال: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي: ~~لأن الله تعالى يقول: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228] # وقوله: {وللرجال عليهن درجة} [البقرة: 228] قال ابن عباس: بما ساق إليها ~~من المهر وأنفق عليها من المال. # وقال مجاهد: بالجهاد والميراث. # وقال الزجاج: المعنى: أن المرأة تنال من اللذة كما ينال الرجل، وله الفضل ~~بنفقته وقيامه عليها. # PageV01P333 ### | 108 - # أخبرنا سعد بن محمد الزاهد، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، أخبرنا ~~الحسن بن سفيان، حدثنا عباس النرسي، حدثنا خالد، عن حسين بن قيس، عن عكرمة، ~~عن ابن عباس: أن امرأة من خثعم، أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا ~~رسول الله، إني امرأة أيم، فأخبرني ما حق الزوج على الزوجة؟ فإن استطعت ذلك ~~تزوجت، وإلا جلست أيما، فقال: " من حق الزوج على الزوجة: إن سألها نفسها ~~وهي على ظهر بعير لا تمنعه نفسها، ومن حق الزوج على الزوجة: أن لا تصوم ~~تطوعا إلا بإذنه، فإن فعلت جاعت وعطشت ولم يقبل منها، ومن حق الزوج على ~~الزوجة: ألا تخرج من بيته شيئا إلا بإذنه فإن فعلت كان الأجر لغيرها والإصر ~~عليها، ومن حق الزوج على الزوجة: أن لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن فعلت ~~لعنتها ملائكة السماء وملائكة الرحمة وملائكة العذاب " ### | 109 - # أخبرنا أبو طاهر الزيادي، أخبرنا أبو حامد البلالي، أخبرنا أحمد بن منصور ~~المروزي، أخبرنا النضر بن شميل، أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي ms0194 سلمة، عن أبي ~~هريرة قال: # PageV01P334 # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرا لأحد أن يسجد لأحد، ~~لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، لما عظم الله من حقه عليها» # وقوله: {والله عزيز حكيم} [البقرة: 228] أي: أنه يأمر كما أراد ويمتحن ~~كما أحب، ولا يكون هذا إلا عن حكمة بالغة. # {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ~~آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود ~~الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد ~~حدود الله فأولئك هم الظالمون {229} فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح ~~زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله ~~وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون {230} } [البقرة: 229-230] قوله تعالى: ~~{الطلاق مرتان} [البقرة: 229] قال عروة بن الزبير، وغيره: كان الرجل إذا ~~طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له، وإن طلقها ألف مرة، ~~فأنزل الله عز وجل: {الطلاق مرتان} [البقرة: 229] فحصر الطلاق وجعل حده ~~ثلاثة، فذكر في هذه الآية طلقتين، وذكر الثالثة في الآية الأخرى وهي قوله: ~~{فإن طلقها فلا تحل له من بعد} [البقرة: 230] ، والآية مختصرة، لأن المعنى: ~~الطلاق الذي يملك فيه الرجعة مرتان. # وقوله: {فإمساك بمعروف} [البقرة: 229] الإمساك: خلاف الإطلاق وهو مرتفع ~~لأنه خبر ابتداء محذوف، على تقدير: فالواجب إذا راجعها بعد الطلقتين إمساك ~~بمعروف، أي: بما يعرف شرعا من إقامة الحق في إمساك المرأة. # وقوله: {أو تسريح بإحسان} [البقرة: 229] قال عطاء والسدي والضحاك: هو ترك ~~المعتدة حتى تبين بانقضاء العدة. # قال ابن عباس: إذا طلق امرأته طلقتين فليتق الله في التطليقة الثالثة. # فإما أن يمسكها بمعروف ويحسن صحبتها، أو # PageV01P335 # يسرحها بإحسان ولا يظلمها من حقها شيئا، وهو قوله: {ولا يحل لكم أن ~~تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} [البقرة: 229] لا يجوز للزوج أن يأخذ من امرأته ~~شيئا مما أعطاها من المهر إلا في الخلع، وهو قوله: {إلا ms0195 أن يخافا ألا يقيما ~~حدود الله} [البقرة: 229] أي: يعلما ويوقنا. # والخوف يكون بمعنى العلم، وذلك أن في الخوف طرفا من العلم، لأنك تخاف ما ~~تعلم، وما لا تعلم لا تخافه، كما أن الظن لما كان فيه طرف من العلم جاز أن ~~يكون علما. # ومعنى الآية: أن المرأة إذا خافت أن تعصي الله في أمر زوجها بغضا له، ~~وخاف الزوج إذا لم تطعه امرأته أن يعتدي عليها، حل له أن يأخذ الفدية منها ~~إذا دعت إلى ذلك. # وقرأ حمزة إلا أن يخافا بضم الياء، لأنه بني للمفعول بهما وهما الزوجان، ~~والمعنى: إلا أن يعلما أنهما لا يقيمان حدود الله. # فإن خفتم أيها الولاة والحكام، أي: علمتم وغلب على ظنكم أن الزوجين لا ~~يقيمان حدود الله في حسن العشرة وجميل الصحبة، {فلا جناح عليهما فيما افتدت ~~به} [البقرة: 229] المرأة نفسها من الزوج، أي: لا جناح على الرجل فيما يأخذ ~~من المرأة، ولا عليها فيما تفتدي به للخلع. # قوله: {تلك حدود الله} [البقرة: 229] يريد: ما حده من شرائع الدين، {فلا ~~تعتدوها} [البقرة: 229] أي: لا تتجاوزوها إلى غيرها، {ومن يتعد حدود الله ~~فأولئك هم الظالمون} [البقرة: 229] أنفسهم بترك ما أمر الله به. # وقوله: {فإن طلقها} [البقرة: 230] يعني الزوج المطلق ثنتين، {فلا تحل له} ~~[البقرة: 230] المطلقة، من بعد أي: من بعد التطليقة الثالثة، {حتى تنكح ~~زوجا غيره} [البقرة: 230] أي: غير المطلق. # والنكاح: لفظ يتناول العقد والوطء جميعا، فلا تحل للأول ما لم يصبها ~~الثاني. # وقد ثبتت السنة بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ### | 110 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، حدثنا محمد بن يعقوب، أخبرنا ~~الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، رضي ~~الله عنها، أنه سمعها تقول: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم، فقالت: إني كنت عند رفاعة فطلقني، فبت طلاقي، # PageV01P336 # فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإن ما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: تريدين أن ms0196 ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى ~~يذوق عسيلتك، وتذوقي عسيلته " وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم وخالد ~~بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له، فنادى: يا أبا بكر ألا تسمع ما ~~تجهر به هذه المرأة عند النبي صلى الله عليه وسلم "؟ # وقوله: {فإن طلقها} [البقرة: 230] يعني: الزوج الثاني الذي تزوجها بعد ~~الطلقة الثالثة، {فلا جناح عليهما} [البقرة: 230] على المرأة ولا على الزوج ~~الأول، {أن يتراجعا} [البقرة: 230] إلى ما كانا عليه من النكاح بعقد جديد، ~~إن ظنا أي: علما وأيقنا، {أن يقيما حدود الله} [البقرة: 230] أي: ما بين ~~الله من حق أحدهما على الآخر، {وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون} ~~[البقرة: 230] خص العالمين بالذكر، لأنهم الذين ينتفعون ببيان الآيات. # {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا ~~تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله ~~هزوا واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به ~~واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم {231} وإذا طلقتم النساء فبلغن ~~أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به ~~من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم ~~لا تعلمون {232} } [البقرة: 231-232] وقوله: {وإذا طلقتم النساء فبلغن ~~أجلهن} [البقرة: 231] قاربن انقضاء العدة، والبلوغ ههنا: بلوغ مقاربة، كما ~~تقول: قد بلغت البلد، إذا قربت منه. # والأجل: آخر المدة، {فأمسكوهن بمعروف} [البقرة: 231] أي: راجعوهن بما ~~يتعارفه الناس بينهم مما تقبله النفوس ولا تنكره العقول. # PageV01P337 # قال ابن جرير: أي بإشهاد على الرجعة وعقد لها، لا بالوطء كما يجوز عند ~~أبي حنيفة. # {أو سرحوهن بمعروف} [البقرة: 231] أي: اتركوهن حتى تنقضي عدتهن، ويكن ~~أملك بأنفسهن، {ولا تمسكوهن ضرارا} [البقرة: 231] لا تراجعوهن مضارة وأنتم ~~لا حاجة بكم إليهن، وكانوا يفعلون ذلك إضرارا بالمرأة. # لتعتدوا أي: عليهن بتطويل العدة، {ومن يفعل ذلك} [البقرة: 231] الاعتداء، ~~{فقد ظلم نفسه} [البقرة: 231] أي: ضرها وأثم فيما بينه وبين الله، {ولا ~~تتخذوا آيات الله ms0197 هزوا} [البقرة: 231] قال أبو الدرداء: كان الرجل في ~~الجاهلية يقول: إنما طلقت وأنا لاعب. # فيرجع فيها، وينكح فيقول مثل ذلك، ويعتق فيقول مثل ذلك فيها، فأنزل الله ~~هذه الآية، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «من طلق أو حرر أو ~~نكح أو أنكح، فزعم أنه لاعب فهو جد» . # وقوله: {واذكروا نعمت الله عليكم} [البقرة: 231] قال عطاء: بالإسلام. # {وما أنزل عليكم من الكتاب} [البقرة: 231] يعني القرآن، والحكمة يعني ~~مواعظ القرآن، يعظكم به يدعوكم به إلى دينه، {واعلموا أن الله بكل شيء ~~عليم} [البقرة: 231] أي: أنه يجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، فعلمه ~~بما أتيا وعملا، لأنه لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد. # قوله: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن} [البقرة: 232] أي: انقضت عدتهن، ~~وبلوغ الأجل ههنا: انقضاء العدة، لا بلوغ المقاربة. # قوله: {فلا تعضلوهن} [البقرة: 232] العضل: المنع: يقال: عضل فلان أمته، ~~إذا منعها من التزوج. # فهو يعضلها ويعضلها، أنشد الأخفش: # وإن قصائدي لك فاصطنعى ... كرائم قد عضلن عن النكاح # PageV01P338 # نزلت الآية في أخت معقل بن يسار، وذلك ما: ### | 111 - # أخبرنا به محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن جعفر النحوي، أخبرنا ~~محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق، أخبرني أحمد بن محمد بن الحسين، حدثنا أحمد ~~بن حفص بن عبد الله، حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن يونس بن عبيد، ~~عن الحسن أنه قال في هذه الآية: حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه، قال: " ~~كنت زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: ~~زوجتك وأكرمتك وأفرشتك ثم طلقتها، ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليها ~~أبدا، قال: وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل ~~الله عز وجل هذه الآية، فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، فزوجتها إياه ". # رواه البخاري، عن أحمد بن حفص # وقوله: {أن ينكحن أزواجهن} [البقرة: 232] يريد: الذين كانوا أزواجا لهن، ~~{إذا تراضوا بينهم بالمعروف} [البقرة: 232] يعني: بعقد حلال، ومهر جائز. # PageV01P339 # ونظم الآية: أن ms0198 ينكحن أزواجهن بالمعروف إذا تراضوا بينهم. # وفي الآية ما يقطع به على صحة قول من قال: لا نكاح إلا بولي. # لإجماع المفسرين أن الخطاب للأولياء، لو صح نكاح بدون ولي لم يتصور عضل، ~~ولم يكن لنهي الله عن العضل معنى. # وقوله: {ذلك يوعظ به} [البقرة: 232] ذلك: إشارة إلى ما سبق، أي: أمر الله ~~الذي تلي عليكم من ترك العضل يوعظ به، {من كان منكم يؤمن بالله واليوم ~~الآخر} [البقرة: 232] خص المؤمنين لأنهم أهل الانتفاع به، {ذلكم أزكى لكم} ~~[البقرة: 232] خير لكم وأفضل، وأطهر لقلوبكم من الريبة، وذلك أنهما إن كان ~~في نفس كل واحد منهما علاقة حب يؤمن أن يتجاوز ذلك إلى غير ما أحل الله. # والله تعالى، يعلم ما لكم فيه من الصلاح في العاجل والآجل، {وأنتم لا ~~تعلمون} [البقرة: 232] أي: وأنتم غير عالمين إلا بما أعلمكم الله. # {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى ~~المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة ~~بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض ~~منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح ~~عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون ~~بصير {233} والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر ~~وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله ~~بما تعملون خبير {234} ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو ~~أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن ~~تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا ~~أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم {235} } ~~[البقرة: 233-235] وقوله: والوالدات يعني الأمهات، {يرضعن أولادهن} ~~[البقرة: 233] لفظه لفظ الخبر ومعناه: الأمر، كما تقول: حسبك درهم. # أي: اكتف به، وهو أمر استحباب لا أمر إيجاب، يريد: إنهن أحق بالإرضاع من ~~غيرهن إذا أردن ذلك ms0199، ولو وجب عليهن الإرضاع ما وجب لهن الأجرة، وقد أوجب ~~الله لهن الأجرة في { [الطلاق. # PageV01P340 # وقوله:] حولين كاملين} [سورة البقرة: 233] أي: سنتين، وذكر الكمال لرفع ~~التوهم من أنه على مثل قولهم: أقام فلان بمكان كذا حولين أو شهرين. # وإنما أقام حولا وبعض الآخر، ويقولون: اليوم يومان مذ لم أره. # وإنما يعنون يوما وبعض آخر. # وهذا تحديد لقطع التنازع بين الزوجين إذا اشتجرا في مدة الرضاع، فجعل ~~الحولين ميقاتا لهما يرجعان إليه عند الاختلاف، وليس هذا تحديد إيجاب. # وقوله: {لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة: 233] يقال: رضع المولود يرضع ~~رضاعة ورضاعا. # والمعنى: أن هذا التقدير والبيان لمريدي إتمام الرضاعة من الأب والأم، ~~وليس فيما دون ذلك وقت محدود، {وعلى المولود له} [البقرة: 233] يعني الأب، ~~{رزقهن وكسوتهن} [البقرة: 233] الكسوة: اللباس، يقال: كسوت فلانا أكسوه ~~كسوة، إذا ألبسته ثوبا. # قال المفسرون: وعلى الزوج رزق المرأة المطلقة وكسوتها إذا أرضعت الولد. # بالمعروف أي: بما تعرفون أنه عدل على قدر الإمكان، {لا تكلف نفس} ~~[البقرة: 233] أي: لا تلزم، إلا وسعها ما يسعها فتطيقه. # وقوله: {لا تضار والدة بولدها} [البقرة: 233] الاختيار فتح الراء من تضار ~~وموضعه: جزم على النهي، والأصل: لا تضارر، فأدغمت الراء الأولى في الثانية، ~~وفتحت الثانية لالتقاء الساكنين، وهذا الاختيار في التضعيف: إذا كان قبله ~~فتح أو ألف، تقول في الأمر: عض يا رجل، وضار زيدا يا رجل. # والمعنى: لا ينزع الولد منها إلى غيرها بعد أن رضيت بإرضاعه وألفها ~~الصبي، ولا تلقيه هي إلى أبيه بعدما عرفها، تضاره بذلك. # PageV01P341 # وقيل: معناه: لا تضار والدة فتكره على إرضاع الصبي إذا قبل من غيرها ~~وكرهت هي رضاعه، لأن ذلك ليس بواجب عليها. # {ولا مولود له بولده} [البقرة: 233] فيكلف أن يعطي الأم إذا لم يرتضع ~~الولد منها أكثر مما يجب لها عليه. # والقولان: على مذهب الفعل المبني للمفعول نهيا. # وقرأ ابن كثير وأبو عمرو لا تضار برفع الراء على الخبر، منسوقا على قوله: ~~لا تكلف أتبع ما قبله ليكون أحسن في تشابه اللفظ، وهو خبر ms0200 بمعنى الأمر ~~والمعنى: ما ذكرنا. # قوله {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] هذا منسوق على قوله: {وعلى ~~المولود له رزقهن وكسوتهن} [البقرة: 233] المعنى: على وارث الصبي الذي لو ~~مات الصبي وله مال ورثه مثل الذي كان على أبيه في حياته. # وأراد ب الوارث: من كان عصبته كائنا من كان من الرجال في قول عمر بن ~~الخطاب والحسن ومجاهد وعطاء وسفيان. # وقال آخرون: أراد ب الوارث: الصبي نفسه الذي هو وارث أبيه المتوفى، عليه ~~أجر رضاعه من ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال أجبرت أمه على رضاعه، ~~ولا يجبر على نفقة الصبي إلا الوالدان، وهو قول مالك والشافعي. # وقوله: فإن أرادا يعني: الوالدان، فصالا فطاما للولد، {عن تراض منهما} ~~[البقرة: 233] يعني: قبل الحولين، وتشاور معنى التشاور: استخراج الرأي، ~~وكذلك المشورة والمشورة، ومنه يقال: شرت العسل، إذا استخرجته. # والمعنى: أنهما إن تشاورا وتراضيا على الفطام قبل الحولين فلا بأس إذا ~~كان الولد قويا. # PageV01P342 # وقوله: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} [البقرة: 233] أي: لأولادكم، ~~وحذفت اللام اكتفاء بدلالة الاسترضاع، لأنه لا يكون إلا للأولاد، والمعنى: ~~وإن أردتم أن تسترضعوا لأولادكم مراضع غير الوالدة، {فلا جناح عليكم} ~~[البقرة: 233] فلا إثم عليكم، {إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف} [البقرة: 233] ~~قال مجاهد والسدي: إذا سلمتم إلى الأم أجرتها بمقدار ما أرضعت. # وقرأ ابن كثير ما أتيتم بقصر الألف، ومعناه: ما فعلتم، يقال: أتيت جميلا. # أي: فعلته، قال زهير: # وما يك من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل # يعني: فعلوه وقصدوه. # ويكون التسليم على هذه القراءة بمعنى الطاعة والانقياد، لا بمعنى تسليم ~~الأجرة، والمعنى: إذا سلمتم للاسترضاع عن تراض واتفاق. # وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء، قال: إذا سلمت أمه ورضي أبوه، لعل ~~له غنى يشتري له مرضعا. # ثم أوصى بالتقوى فقال: {واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير} ~~[البقرة: 233] أي: فلا يترك جزاء شيء من أعمالكم، لأنه بصير بها. # قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم} [البقرة: 234] أي: يموتون ويقبضون، ~~ومعنى التوفي: أخذ ms0201 الشيء وافيا، يقال: توفى الشيء واستوفاه. # {ويذرون} [البقرة: 234] يتركون، ولا يستعمل منه الماضي ولا المصدر ومثله، ~~أيضا، يدع في رفض مصدره وماضيه. # وقوله: أزواجا أي: نساء، {يتربصن بأنفسهن} [البقرة: 234] أي: ينتظرن ~~ويحبسن أنفسهن عن التزوج، {أربعة أشهر وعشرا} [البقرة: 234] ومعنى الآية: ~~بيان عدة المتوفى عنها زوجها، وأنها تعتد من حين وفاة الزوج أربعة أشهر ~~وعشرا، وذكرت العشر بلفظ التأنيث، والمراد بها: الأيام، تغليبا لليالي على ~~الأيام، وذلك أن ابتداء الشهر يكون بالليل، # PageV01P343 # قال ابن السكيت: يقولون: صمنا خمسا من الشهر. # فيغلبون الليالي على الأيام، لأن ليلة كل يوم قبله. # وهذه الآية ناسخة لقوله: {متاعا إلى الحول} [البقرة: 240] . ### | 112 - # أخبرنا أبو القاسم السراج، حدثنا محمد بن يعقوب المعقلي، حدثنا العباسي ~~الدوري، حدثنا شبابة بن سوار، حدثنا شعبة، عن حميد بن نافع، عن زينب بنت ~~أبي سلمة، عن أمها أم سلمة: " أن امرأة توفي عنها زوجها، واشتكت عينها حتى ~~خشي عليها فسألت النبي صلى الله عليه وسلم: أنكتحل؟ فقال: قد كانت إحداكن ~~تمكث في شر أحلاسها في بيتها حولا كاملا، فإذا مر كلب رمت ببعرة، ثم خرجت، ~~أفلا أربعة أشهر وعشرا "؟ ، رواه البخاري، عن آدم، عن شعبة، ورواه مسلم، عن ~~محمد بن المثنى، عن غندر، عن شعبة # PageV01P344 ### | 113 - # أخبرنا أبو طاهر الزيادي، قال: حدثنا أبو الطيب محمد بن المبارك الشعيري، ~~حدثنا محمد بن أشرس السلمي، حدثنا إبراهيم بن سليمان الزيات، عن بحر بن ~~كنيز السقاء، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي ~~الله عنها: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله ~~واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام إلا على زوج، فإنها تحد على الزوج ~~أربعة أشهر وعشرا» # وقوله: {فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم} [البقرة: 234] يخاطب الأولياء، ~~لأن الرجال قوامون على النساء، فذكر أنهن إذا انقضت عدتهن لا جناح على ~~الأولياء في تخلية سبيلهن، فيما فعلن ليفعلن، {في أنفسهن بالمعروف} ~~[البقرة: 234] ما يرون من تزوج الأكفاء بإذن الأولياء، وهذا تفسير المعروف، ~~لأن التي ms0202 تزوج نفسها سماها النبي صلى الله عليه وسلم زانية. # قوله: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} [البقرة: 235] ~~التعريض: ضد التصريح، وهو أن تضمن الكلام دلالة على ما تريد. # والخطبة: التماس النكاح، يقال: خطب فلان فلانة، إذا أراد أن يتزوجها. # PageV01P345 # قال المفسرون: معنى التعريض بالخطبة: أن يقول لها، وهي في عدة الوفاة: ~~إنك لجميلة، وإنك لصالحة، وإنك لنافقة، وإن من عزمي أن أتزوج، وإني فيك ~~لراغب. # وما أشبه هذا الكلام. # قوله: {أو أكننتم في أنفسكم} [البقرة: 235] أي: أسررتم وأضمرتم من ~~خطبتهن. # قال مجاهد: هو إسرار العزم على النكاح دون إظهار. # وقال السدي: هو أن يدخل فيسلم ويهدي إن شاء ولا يتكلم بشيء. # ومعنى الاكتنان: الإخفاء والستر، يقال: أكننت الشيء وكنتته، إذا سترته. # لغتان. # وقوله: {علم الله أنكم ستذكرونهن} [البقرة: 235] يعني الخطبة، {ولكن لا ~~تواعدوهن سرا} [البقرة: 235] قال الشعبي والسدي: لا يأخذ ميثاقها أن لا ~~تنكح غيره. # وقال الحسن، وقتادة، والضحاك، والربيع، وعطية: السر: هو الزنا، وكان ~~الرجل يدخل على المرأة للريبة وهو يعرض بالنكاح، ويقول لها: دعيني، فإذا ~~وفيت عدتك أظهرت نكاحك. # فنهى الله عن ذلك. # وقوله: {إلا أن تقولوا قولا معروفا} [البقرة: 235] يعني: التعريض بالخطبة ~~كما ذكرناه. # قوله: {ولا تعزموا عقدة النكاح} [البقرة: 235] أي: لا تصححوا عقد النكاح، ~~يعني: لا تتزوجوا المعتدة، {حتى يبلغ الكتاب أجله} [البقرة: 235] أي: حتى ~~تنقضي عدتها. # والكتاب: هو القرآن. # {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم} [البقرة: 235] مطلع على ضمائركم، ~~{فاحذروه} [البقرة: 235] فخافوه، {واعلموا أن الله غفور حليم} [البقرة: ~~235] . # PageV01P346 # {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ~~ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ~~{236} وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ~~إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا ~~تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير {237} } [البقرة: 236-237] ~~وقوله: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن} [البقرة: 236] الآية ms0203، ~~قال الزجاج: أعلم الله تعالى في هذه الآية أن عقد التزويج بغير مهر جائز، ~~وأنه لا إثم على من طلق من تزوج بها بغير مهر، كما أنه لا إثم على من طلق ~~من تزوج بها بمهر. # قال ابن عباس في رواية الوالبي في قوله: {ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن ~~فريضة} [البقرة: 236] قال: المس: النكاح، والفريضة: الصداق، ومعنى {تفرضوا ~~لهن فريضة} [البقرة: 236] : توجبوا لهن صداقا. # وأو ههنا بمعنى الواو كقوله: {إلى مائة ألف أو يزيدون} [الصافات: 147] ، ~~وقال عطاء بن يسار، عن ابن عباس في الرجل يطلق امرأته قبل أن يدخل بها ولم ~~يفرض لها، قال: ليس لها إلا المتاع، وهو قوله: ومتعوهن أي: أعطوهن ما ~~يتمتعن به. # والمطلقة قبل الجماع وقبل تسمية المهر: مستحقة للمتعة بالإجماع من ~~العلماء، ولا مهر لها. # وقوله: على الموسع وهو الذي في سعة من غناه، يقال: أوسع الرجل، إذا كثر ~~ماله واتسعت حاله. # قدره أي: قدر إمكانه وطاقته، {وعلى المقتر} [البقرة: 236] وهو المقل ~~الفقير، يقال: أقتر الرجل، إذا افتقر. # قدره وقرئ بتحريك الدال، وهما لغتان، يقال: هذا قدر وهذا وقدره، واحمل ~~قدر ما تطيق، وقدر ما تطيق. # PageV01P347 # والمتعة غير مقدرة، وهي كما قال الله تعالى: على الغني قدر إمكانه وعلى ~~الفقير قد طاقته. # قال ابن عباس والزهري والشعبي والربيع: أعلاها خادم وأوسطها ثلاثة أثواب: ~~درع وخمار وإزار، ودون ذلك وقاية، أو شيء من الورق، وهذا مذهب الشافعي رحمه ~~الله، قال: أعلاها، على الموسع، خادم، وأوسطها: ثوب، وأقلها: أقل ما له ~~ثمن، قال: وحسن ثلاثون درهما. # وقوله: {متاعا بالمعروف} [البقرة: 236] أي: متعوهن متاعا بما تعرفون أنه ~~القصد وقدر الإمكان، وقوله: {حقا على المحسنين} [البقرة: 236] أي: حق ذلك ~~عليهم حقا، بمعنى: وجب. # وقوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة: 237] الآية، ~~المرأة إذا طلقت بعد تسمية المهر وقبل الدخول فالواجب لها نصف المهر، لقوله ~~تعالى: {فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237] قال ابن عباس في هذه الآية: لها نصف ~~صداقها، ليس لها أكثر من ذلك. # وقال ابن مسعود ms0204: لها نصف الصداق ما لم يجامعها، وإن جلس بين رجليها. # وقوله: {إلا أن يعفون} [البقرة: 237] يعني: النساء يتركن ذلك النصف ~~الواجب لهن فلا يطالبن الأزواج به. # وقوله: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} [البقرة: 237] يعني الزوج، في ~~قول علي، ومجاهد، والضحاك، والحسن، ومقاتل بن حيان، وابن سيرين، وشريح، ~~وابن عباس في رواية عمار بن أبي عمار. # وعفو الزوج: أن يعطيها الصداق كاملا. # PageV01P348 # ولما ذكر الله تعالى عفو المرأة عن النصف الواجب ذكر عفو الزوج عن النصف ~~الساقط، فيستحسن لها أن تعفو ولا تطالبه بشيء، وللرجل أن يعفو ويوفي لها ~~المهر كاملا. ### | 114 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا أبو يحيى ~~الرازي، حدثنا سهل بن عثمان العسكري، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن محمد بن ~~عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قال: طلق جبير بن مطعم امرأته قبل أن ~~يدخل بها، فأعطاها الصداق كاملا، وقال: أنا أحق بالعفو منها # وقوله: {وأن تعفوا أقرب للتقوى} [البقرة: 237] هذا خطاب للرجال والنساء ~~جميعا، ومعناه: وعفو بعضكم عن بعض أدعى إلى اتقاء معاصي الله، لأن هذا ~~العفو ندب، فإذا انتدب إليه علم أنه لما كان فرضا كان أشد استعمالا. # وقوله: {ولا تنسوا الفضل بينكم} [البقرة: 237] قال ابن عباس: لا تتركوا ~~أن يتفضل بعضكم على بعض، وهذا حث من الله تعالى للزوج والمرأة على الفضل ~~والإحسان، وأمر لهما جميعا أن يستبقا إلى العفو. # {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين {238} فإن خفتم ~~فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ~~{239} } [البقرة: 238-239] قوله عز وجل: {حافظوا على الصلوات} [البقرة: ~~238] قال مسروق: الحفاظ عليها: الحفاظ على وقتها، والسهو عنها: ترك وقتها. # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله ~~الأصبهاني، أخبرنا محمد بن إسحاق # PageV01P349 # الثقفي، حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن مالك بن الحارث، عن ~~مسروق، قال: لا يحافظ إنسان على الصلوات الخمس فيكتب بعدهن من الغافلين، ~~وفي تركهن الهلكة. ### | 115 - # أخبرنا أبو منصور ms0205 البغدادي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن علي بن زياد، ~~حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي. # أخبرنا النفيلي، حدثنا زهير بن معاوية، حدثنا إبراهيم بن مسلم الهجري، عن ~~أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلما ~~فليحافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات حيث ينادى بهن، وما من رجل يتطهر ~~فيحسن طهوره ثم يعمد إلى مسجد من المساجد فيصلي فيه إلا كتب الله له بكل ~~خطوة حسنة، أو حط عنه بها خطيئة، أو رفع له بها درجة، حتى إن كنا لنقارب ~~بين الخطا، وإن صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاة وحده خمسا وعشرين درجة # قوله: {والصلاة الوسطى} [البقرة: 238] اختلفوا فيها، فقال معاذ وابن عباس ~~وابن عمر وعلي وطاوس وعكرمة ومجاهد: هي صلاة الفجر. # وهو اختيار مالك والشافعي، لأنها وسطت فكانت بين الليل والنهار، تصلى في ~~سواد من الليل وبياض من النهار، وهي أكثر صلاة تفوت الناس، ولأنها بين ~~صلاتي ليل وصلاتي نهار. # PageV01P350 # وقال زيد بن ثابت وأسامة بن زيد وأبو سعيد الخدري وعائشة: إنها الظهر ~~لأنها وسط النهار. # وقال ابن مسعود وأبو هريرة والنخعي وقتادة والحسن والضحاك والكلبي ~~ومقاتل: إنها العصر. # وروي ذلك مرفوعا، ولأنها بين صلاتي نهار وصلاتي ليل. # وقال قبيصة بن ذؤيب: إنها المغرب، لأنها وسط في الطول والقصر من بين ~~الصلوات. # أخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا أبو محمد بن حيان الحافظ، حدثنا أبو يحيى ~~الرازي، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا جعفر بن عون، عن أبي حيان التيمي، عن ~~أبيه: أن سائلا سأل الربيع بن خيثم عن الصلاة الوسطى، أي الصلاة هي؟ فقال ~~له الربيع: أكنت محافظا عليها لو علمتها؟ قال: وما يمنعني يا أبا يزيد وقد ~~أمر الله بالمحافظة عليها وحث عليها؟ قال الربيع: قال الله تعالى: {حافظوا ~~على الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238] فإنك إن تفعل تصبها، إنما هي ~~واحدة منهن. # PageV01P351 # وقوله: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238] قال الزجاج: القنوت: العبادة ~~والدعاء لله في حال القيام، ويجوز أن يقع في سائر الطاعة، لأنه ms0206 إن لم يكن ~~قياما بالرجلين فهو قيام بالشيء بالنية. # قال ابن عباس والحسن وقتادة والشعبي: قانتين: مطيعين. # وقال مقاتل والكلبي: ولكل أهل دين صلاة يقومون فيها عاصين، فقوموا أنتم ~~لله في صلاتكم مطيعين. # وروى أبو سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «كل حرف في ~~القرآن يذكر فيه القنوت فهو طاعة» . # وقال مجاهد: من طول القنوت: الخشوع والركود، وغض البصر وخفض الجناح من ~~رهبة الله. # قال: وكانت العلماء إذا قام أحدهم إلى الصلاة هاب الرحمن أن يشذ بصره إلى ~~شيء أو يلتفت، أو يقلب الحصى، أو يعبث بشيء، أو يحدث نفسه بشيء من الدنيا، ~~إلا ناسيا، ما دام في صلاته. # قوله: {فإن خفتم} [البقرة: 239] يعني: عدوا أو سبعا وما الأغلب من شأنه ~~الهلاك، {فرجالا} [البقرة: 239] جمع راجل، مثل: تاجر وتجار، وصاحب وصحاب، ~~{أو ركبانا} [البقرة: 239] جمع راكب، مثل: فارس وفرسان. # ومعنى الآية: فإن لم يمكنكم أن تصلوا قانتين موفين للصلاة حقها، فصلوا ~~مشاة على أرجلكم، وركبانا على ظهور دوابكم، وهذا في حال المسايفة ~~والمطاردة. # PageV01P352 # وقوله: {فإذا أمنتم فاذكروا الله} [البقرة: 239] فصلوا الصلوات الخمس ~~تامة بحقوقها، {كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون} [البقرة: 239] يريد: كما ~~افترض عليكم في مواقيتها. # {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير ~~إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز ~~حكيم {240} وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين {241} كذلك يبين الله ~~لكم آياته لعلكم تعقلون {242} } [البقرة: 240-242] قوله: {والذين يتوفون ~~منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم} [البقرة: 240] قال المفسرون: كان في ~~ابتداء الإسلام إذا مات الرجل لم يكن لامرأته في الميراث شيء إلا السكنى ~~والنفقة سنة ما لم تخرج من بيت زوجها، وكان المتوفى يوصي بذلك لها، فإن ~~خرجت من بيت زوجها لم يكن لها نفقة، وكان الحول واجبا عليها في الصبر عن ~~التزوج، ثم نسخت هذه الآية بالربع والثمن، وتقدير لمدة الوفاة بأربعة أشهر ~~وعشر. # واختلفوا في رفع الوصية، ونصبها، فمن رفع فعلى تقدير: فعليهم ms0207 وصية، يضمر ~~خبر المبتدأ، ومن نصب فعلى تقدير: فيوصوا وصية. # وقوله: {متاعا إلى الحول} [البقرة: 240] أي: متعوهن متاعا بالإنفاق عليهن ~~إلى الحول من غير إخراج لها من بيت الزوج، {فإن خرجن} [البقرة: 240] من قبل ~~أنفسهن قبل الحول، {فلا جناح عليكم} [البقرة: 240] يا أولياء الميت، {في ما ~~فعلن في أنفسهن من معروف} [البقرة: 240] يعني: التشوف للنكاح، والتصنع ~~للأزواج. # PageV01P353 # قوله: {وللمطلقات متاع بالمعروف} [البقرة: 241] قال أبو العالية: في هذه ~~الآية لكل مطلقة متعة. # وقال ابن زيد: لما نزل قوله: {ومتعوهن على الموسع قدره} [البقرة: 236] ~~إلى قوله: {حقا على المحسنين} [البقرة: 236] قال رجل من المسلمين: إن أحسنت ~~فعلت، وإن لم أرد ذلك لم أفعل. # فأنزل الله تعالى: وللمطلقات إلى قوله: {حقا على المحسنين} [البقرة: 236] ~~يعني المتقين الشرك، فبين أن لكل مطلقة متاعا. # وقد ذكرنا الكلام في المتعة عند قوله: ومتعوهن. # وقوله {كذلك يبين الله لكم آياته} [البقرة: 242] أي: مثل البيان الذي ~~تقدم فيما ذكر من الأحكام يبين الله آياته. # قال عطاء: يريد: يفسر لكم فرائضه لتعملوا بها حتى تفقهوا، وهو قوله: ~~لعلكم تعقلون أي: يثبت لكم صفة العقلاء باستعمال ما بينا لكم. # {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله ~~موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ~~{243} وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم {244} من ذا الذي ~~يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ~~ترجعون {245} } [البقرة: 243-245] {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم} ~~[البقرة: 243] أي: ألم تعلم؟ ألم ينته علمك إلى هؤلاء؟ ومعنى الرؤية ههنا: ~~رؤية القلب، وهو بمعنى العلم. # قال ابن عباس، في رواية سعيد بن جبير: يعني قوما خرجوا فرارا من الطاعون، ~~وقالوا: نأتي أرضا ليس بها # PageV01P354 # موت. # فخرجوا حتى إذا كانوا بموضع كذا، قال لهم الله: موتوا. # فماتوا، فمر بهم نبي من الأنبياء، فدعا ربه أن يحييهم فأحياهم، فهو هذه ~~الآية {وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم ms0208 أحياهم} [البقرة: 243] . # وقوله: {إن الله لذو فضل على الناس} [البقرة: 243] تفضل على هؤلاء بأن ~~أحياهم بعد موتهم، {ولكن أكثر الناس لا يشكرون} [البقرة: 243] إنعام الله ~~عليهم بفضله. # قوله: {وقاتلوا في سبيل الله} [البقرة: 244] قال ابن عباس في رواية عطاء: ~~يحرض المؤمنين على القتال، {واعلموا أن الله سميع} [البقرة: 244] لما يقوله ~~المتعلل، عليم بما يضمره. # قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} [البقرة: 245] القرض: اسم ~~لكل ما يلتمس عليه الجزاء، يقال: أقرض فلان فلانا، إذا أعطاه ما يتجازاه ~~منه. # والاسم منه: القرض، وهو ما أعطيته لتكافأ عليه. # شبه الله تعالى عمل المؤمنين لله على ما يرجون من ثوابه بالقرض، لأنهم ~~إنما يعطون ما ينفقون ابتغاء ما وعدهم الله من جزيل الثواب. # وقوله: قرضا حسنا قال عطاء: يعني: حلالا. # وقال الواقدي: طيبة به نفسه. # وقوله: {فيضاعفه له أضعافا كثيرة} [البقرة: 245] قرئ بالتشديد والتخفيف، ~~والرفع والنصب، أما التشديد والتخفيف: فهما لغتان. # ومعنى التضعيف والإضعاف والمضاعفة واحد، وهو الزيادة على أصل الشيء حتى ~~يصير مثلين أو أكثر. # والرفع: بالنسق على يقرض، أو الاستئناف، وأما النصب: فعلى جواب الاستفهام ~~بالفاء، لأن المعنى: أيكون قرض فيضاعفه؟ # PageV01P355 # وقال الحسن والسدي: هذا التضعيف لا يعلمه إلا الله، وهو مثل قوله: {ويؤت ~~من لدنه أجرا عظيما} [النساء: 40] . # وقوله: {والله يقبض ويبسط} [البقرة: 245] يعني: يمسك الرزق عمن يشاء ~~ويضيق عليه، ويوسع على من يشاء. # {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث ~~لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ~~قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما ~~كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين {246} وقال ~~لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ~~ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده ~~بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء ms0209 والله واسع عليم {247} } ~~[البقرة: 246-247] قوله تعالى: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل} [البقرة: ~~246] الملأ: الأشراف من الناس، وهو اسم للجماعة كالقوم والرهط، {من بعد ~~موسى إذ قالوا لنبي لهم} [البقرة: 246] وهو أشمويل، وذلك أن الأحداث كثرت ~~في بني إسرائيل، وعظمت فيهم الخطايا، وغلب عليهم عدد لهم فسبوا كثيرا من ~~ذراريهم، فسألوا نبيهم ملكا يجتمع به أمرهم، وتستقيم به حالهم في جهاد ~~عدوهم، وهو قوله: {ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله} [البقرة: 246] فقال ~~لهم ذلك النبي: {هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا} [البقرة: 246] ~~في سبيل الله؟ يقول: لعلكم أن تجبنوا عن القتال. # وقرأ نافع عسيتم بكسر السين، وهي لغة، يقال: عسي. # بكسر السين، # PageV01P356 # فقال الملأ لذلك النبي: {وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله} [البقرة: 246] ~~أي شيء لنا في ترك القتال؟ {وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} [البقرة: 246] ~~أي: بالسبي والقهر على نواحينا، والمعنى: أنهم أجابوا نبيهم بأن قالوا: ~~إنما كنا نزهد في الجهاد إذ كنا ممنوعين في بلادنا لا يظهر علينا عدونا، ~~فأما إذ بلغ الأمر هذا فلا بد من الجهاد. # وقال الله تعالى: {فلما كتب عليهم القتال} [البقرة: 246] فرض عليهم ~~الجهاد، تولوا أعرضوا عن القيام به، {إلا قليلا منهم} [البقرة: 246] وهم ~~الذين عبروا النهر، ويأتي ذكرهم بعد هذا، {والله عليم بالظالمين} [البقرة: ~~246] يعني المشركين والمنافقين. # قوله: {وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} [البقرة: 247] أي: ~~قد أجابكم إلى ما سألتم من بعث الملك يقاتل وتقاتلون معه، {قالوا أنى يكون ~~له الملك علينا} [البقرة: 247] أنكروا ملكه وقالوا: كيف يكون ملكنا؟ ! ~~{ونحن أحق بالملك منه} [البقرة: 247] لأنا من سبط الملوك، ولم يكن طالوت من ~~سبط النبوة ولا من سبط المملكة. # {ولم يؤت سعة من المال} [البقرة: 247] أي: ليس بذي مال كثير فيمتلك به، ~~قال ذلك النبي، {إن الله اصطفاه عليكم} [البقرة: 247] اختصه بالملك، {وزاده ~~بسطة في العلم والجسم} [البقرة: 247] قال ابن عباس: كان طالوت يومئذ أعلم ~~رجل في بني إسرائيل وأجمله وأتمه. # والبسطة: الزيادة في ms0210 كل شيء، قال الكلب: زاده بسطة في العلم بالحرب، ~~والجسم بالطول، وكان يفوق الناس برأسه ومنكبيه، وإنما سمي طالوت لطوله. # {والله يؤتي ملكه من يشاء} [البقرة: 247] يريد: أن الملك ليس بالوراثة، ~~وإنما هو بإيتاء الله تعالى واختياره، والله واسع أي: واسع الرزق والفضل، ~~والرحمة وسعت رحمته كل شيء، وهذا كما يقال: فلان كبير عظيم. # يراد: أنه كبير القدر، كذلك هو واسع، بمعنى أنه واسع الفضل. # ثم إنهم سألوا نبيهم آية على تمليك طالوت: { # PageV01P357 # وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية ~~مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم ~~مؤمنين {248} فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه ~~فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا ~~قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت ~~وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة ~~بإذن الله والله مع الصابرين {249} } [البقرة: 248-249] {وقال لهم نبيهم إن ~~آية ملكه أن يأتيكم التابوت} [البقرة: 248] وكان ذلك تابوتا أنزله الله على ~~آدم فيه صور الأنبياء، فتوارثه أولاد آدم، وكان في بني إسرائيل يستفتحون به ~~على عدوهم، فغلبتهم العمالقة عليه، فرد الله ذلك التابوت على طالوت، فلما ~~رأوه عنده علموا أن ذلك أمارة ملكه عليهم. # وقوله: {فيه سكينة من ربكم} [البقرة: 248] أي: طمأنينة، وفي أي مكان كان ~~التابوت اطمأنوا إليه وسكنوا، قال الزجاج: أي: فيه ما تسكنون إليه إذا ~~أتاكم. # وقال الحسن: جعل الله لهم في التابوت سكينة تطمئن قلوبهم إليه. # وقوله: {وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون} [البقرة: 248] قال المفسرون: ~~هي لوحان من التوراة، ورضاض الألواح التي تكسرت لما ألقى موسى الألواح، ~~قفيز من المن الذي كان ينزل عليهم، ونعلا موسى وعصاه، وعمامة هارون وعصاه. # وأراد بآل موسى وآل هارون: موسى وهارون، والعرب تقول: آل فلان. # يريد: نفسه، وأنشد أبو ms0211 عبيدة: # ولا تبك ميتا بعد ميت أجنه ... علي وعباس وآل أبي بكر # PageV01P358 # يريد: أبا بكر نفسه. # وقوله: {تحمله الملائكة} [البقرة: 248] قال المفسرون: كانت الملائكة تحمل ~~تابوت بني إسرائيل فوق العسكر وهم يقاتلون العدو، فإذا سمعوا من التابوت ~~صيحة استيقنوا النصر. # وقوله: {إن في ذلك لآية لكم} [البقرة: 248] أي: في رجوع التابوت إليكم ~~علامة أن الله قد ملك طالوت عليكم، {إن كنتم مؤمنين} [البقرة: 248] مصدقين ~~بتمليكه عليكم. # قوله: {فلما فصل طالوت بالجنود} [البقرة: 249] أي: سار بهم وقطعهم عن ~~موضعهم، {قال إن الله مبتليكم بنهر} [البقرة: 249] وهو نهر بين الأردن ~~وفلسطين، وإنما وقع الابتلاء ليتميز الكاذب من الصادق، والمحقق من المقصر، ~~{فمن شرب منه فليس مني} [البقرة: 249] أي: من أهل ديني وطاعتي، {ومن لم ~~يطعمه فإنه مني} [البقرة: 249] وطعم كل شيء: ذوقه، يقال: طعمت الماء أطعمه. # بمعنى: ذقته، وأنشد أبو العباس العرجي: # فإن شئت حرمت النساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا # أراد: لم أذق، والنقاخ: الماء العذب. # قوله: {إلا من اغترف غرفة بيده} [البقرة: 249] الاغتراف: الأخذ من الشيء ~~باليد أو بآلة، والمغرفة: الآلة التي يغرف بها، والمغرفة: المرة الواحدة، ~~وهي مصدره، والغرفة، بالضم: الشيء المغترف والماء المغروف. # وقوله: {فشربوا منه إلا قليلا منهم} [البقرة: 249] قال المفسرون: قال لهم ~~طالوت: من شرب من النهر وأكثر فقد عصى الله وخالف أمره، وتعرض لعقابه، ومن ~~اغترف غرفة أقنعته. # فهجموا على النهر بعد عطش شديد أضر بهم فوقع # PageV01P359 # أكثرهم في النهر، وأكثروا الشرب، وأطاع قوم قليل عددهم لم يزيدوا على ~~الاغتراف، فأما من اغترف قوي قلبه، وصح إيمانه، وعبر النهر سالما، وكفته ~~تلك الغرفة الواحدة لشربه ودوابه، والذين شربوا وخالفوا أمر الله اسودت ~~شفاههم، وغلبهم العطش، لم يردوا وبقوا على شط النهر، وجبنوا عن لقاء العدو، ~~ولم يشهدوا الفتح. # وتلك الغرفة لم تكن ملء الكف، ولكن المراد بالغرفة: أن يغترف مرة واحدة ~~بقربة أو جرة، وما أشبه ذلك، تكفيه وتكفي دابته. # وهؤلاء القليل الذين لزموا الاغتراف، كانوا ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا، ~~لأن ms0212 النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر: «أنتم اليوم على عدة ~~أصحاب طالوت حين عبروا النهر، وما جاز معه إلا مؤمن» . # قال البراء بن عازب: وكنا يومئذ ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا. # وقوله: {فلما جاوزه هو} [البقرة: 249] جاوز النهر طالوت، {والذين آمنوا ~~معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} [البقرة: 249] قال ابن عباس ~~والسدي: يعني هؤلاء الذين شربوا وخالفوا أمر الله عز وجل، وكانوا أهل شك ~~ونفاق، وانصرفوا عن طالوت، ولم يشهدوا قتال جالوت. # {قال الذين يظنون} [البقرة: 249] يستيقنون ويعلمون، {أنهم ملاقو الله} ~~[البقرة: 249] راجعون إليه، يعني القليل الذين اغترفوا، {كم من فئة} ~~[البقرة: 249] جماعة، قليلة في العدد، {غلبت فئة كثيرة} [البقرة: 249] ~~عددهم، {بإذن الله} [البقرة: 249] بإرادته ذلك، {والله مع الصابرين} ~~[البقرة: 249] على قتال أعدائه بالنصرة والمعونة. # يعني: أن النصر مع الصبر. # {ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا ~~وانصرنا على القوم الكافرين {250} فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه ~~الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت ~~الأرض # PageV01P360 # ولكن الله ذو فضل على العالمين {251} تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ~~وإنك لمن المرسلين {252} } [البقرة: 250-252] قوله: {ولما برزوا لجالوت} ~~[البقرة: 250] أي: خرجوا لقتال جالوت، {وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا} ~~[البقرة: 250] الإفراغ: الصب، يقال: أفرغت الإناء، إذا صببت ما فيه. # والمعنى: اصبب علينا الصبر أتم صب وأبلغه، وثبت أقدامنا بتقوية قلوبنا، ~~وانصرنا وأحسن معونتنا، {على القوم الكافرين} [البقرة: 250] يريدون: جالوت ~~وجنوده. # قوله: فهزموهم هذه الآية تتصل بما قبلها بتقدير محذوف، كأنه قيل: فأنزل ~~الله صبرا ونصرا فهزموهم. # أي: كسروهم، ومعنى الهزم في اللغة: الكسر، يقال: هزمت العظم القصبة هزما، ~~إذا كسرته. # {وقتل داود جالوت} [البقرة: 251] وكان عبر النهر مع طالوت، رمى جالوت ~~بحجر من مقلاعه فوقع بين عينيه فخرج من قفاه، فخر قتيلا، {وآتاه الله الملك ~~والحكمة} [البقرة: 251] جمع له بين الملك والنبوة، قال ابن عباس: يعني: بعد ~~طالوت. # {وعلمه مما يشاء} [البقرة: 251] يعني: صنعة الدروع، والتقدير في ms0213 السرد، ~~{ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} [البقرة: 251] قال ابن عباس ~~ومجاهد: ولولا دفع الله بجنود المسلمين وسراياهم ومرابطهم لغلب المشركون ~~على الأرض فقتلوا المؤمنين، وخربوا البلاد والمساجد. # وقال سائر المفسرين: لولا دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكفار والفجار ~~لفسدت الأرض بمن فيها. # يدل على هذا ما ### | 116 - # أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزاز، حدثنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، ~~حدثنا محمد بن المسيب، # PageV01P361 # حدثنا أبو حميد الحمصي، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا حفص بن سليمان، عن ~~محمد بن سوقة، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه ~~البلاء» ثم قرأ ابن عمر: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} ~~[البقرة: 251] # قوله: {ولكن الله ذو فضل على العالمين} [البقرة: 251] حيث لم يهلكهم ولم ~~يؤاخذهم عاجلا بعقوبة جناياتهم. # قوله: {تلك آيات الله} [البقرة: 252] أي: هذه الآيات التي أنبأتك بها ~~آيات الله، أي: علاماته التي تدل على توحيده، نتلوها عليك نقرأها عليك على ~~لسان جبريل، بالحق أي: بالصدق، {وإنك لمن المرسلين} [البقرة: 252] أي: أنت ~~من هؤلاء الذين قصصت آياتهم، لأنك قد أعطيت مثل ما أعطوا وزيادة. # {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات ~~وآتينا عيسى ابن مريم # PageV01P362 # البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ~~ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما ~~اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد {253} يأيها الذين آمنوا أنفقوا مما ~~رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم ~~الظالمون {254} } [البقرة: 253-254] قوله: تلك الرسل يعني جماعتهم، {فضلنا ~~بعضهم على بعض} [البقرة: 253] أي: أنهم لا يسوى بينهم في الفضيلة وإن ~~استووا في القيام بالرسالة. # وروى أبو سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تخيروا بين ~~الأنبياء» . # وفي هذا نهي ms0214 عن الخوض في تفضيل بعض الأنبياء على بعض، فنستفيد من الآية ~~معرفة أنهم متفاوتون في الفضيلة، وننتهي عن الكلام في ذلك لنهيه صلى الله ~~عليه وسلم. # وقوله: {منهم من كلم الله} [البقرة: 253] يعني موسى، {ورفع بعضهم درجات} ~~[البقرة: 253] قال مجاهد: أرسل الله محمدا إلى الناس كافة. # وقال الزجاج: ليس شيء من الآيات التي أعطاها الأنبياء إلا وقد أعطى محمدا ~~عليه السلام وأكثر. # وقال الربيع بن خيثم: لا نفضل على نبينا أحدا ولا نفضل على خليل الله ~~أحدا. # وقوله: {وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس} [البقرة: 253] ~~تقدم فيما سبق تفسير هذا، {ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم} [البقرة: ~~253] يعني: من بعد الرسل، {من بعد ما جاءتهم البينات} [البقرة: 253] يعني: ~~من بعد ما وضحت لهم البراهين، {ولكن اختلفوا فمنهم من آمن} [البقرة: 253] ~~ثبت على إيمانه، {ومنهم من كفر} [البقرة: 253] كالنصارى بعد المسيح، ~~اختلفوا فصاروا فرقا ثم تحاربوا، {ولو شاء الله ما اقتتلوا} [البقرة: 253] ~~كرر المشيئة باقتتالهم تأكيدا للأمر، وتكذيبا لمن زعم أنهم فعلوا ذلك من ~~عند أنفسهم لم يجر به قضاء من الله تعالى ولا قدر، ثم قال: {ولكن الله يفعل ~~ما يريد} [البقرة: 253] فيوفق من يشاء فضلا، ويخذل من يشاء عدلا. # قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم} [البقرة: 254] قال ~~الحسن: أراد الزكاة المفروضة. # وقال أبو # PageV01P363 # إسحاق: أي: أنفقوا في الجهاد وليعن بعضكم بعضا. # {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه} [البقرة: 254] يعني يوم القيامة، يريد: ~~لا يؤخذ في ذلك اليوم بدل ولا فداء، فذكر لفظ البيع لما فيه من المعاوضة ~~وأخذ البدل، ولا خلة والخلة: مصدر الخليل، والخلة تنقطع يوم القيامة بين ~~الأخلاء إلا المتقين، كقوله: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} ~~[الزخرف: 67] ، وقوله: ولا شفاعة إنما نفى الشفاعة عاما، لأنه أراد ~~الكافرين، بأن هذه الأشياء لا تنفعهم، ألا ترى أنه قال: {والكافرون هم ~~الظالمون} [البقرة: 254] ؟ أي: هم الذين وضعوا أمر الله غير موضعه. # {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه ms0215 سنة ولا نوم له ما في السموات ~~وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ~~ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يئوده ~~حفظهما وهو العلي العظيم} [البقرة: 255] قوله: {الله لا إله إلا هو الحي ~~القيوم} [البقرة: 255] : ### | 117 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المهرجاني. # أخبرنا عبيد الله بن محمد بن محمد الزاهد، أخبرنا عبد الله بن محمد بن ~~عبد العزيز، حدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا محمد بن عبد الوهاب السكري، عن ~~سفيان، عن # PageV01P364 # سعيد بن إياس الجريري، عن أبي السليل، عن عبد الله بن رباح، عن أبي بن ~~كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " أي آية من كتاب الله أعظم؟ قال: ~~قلت: الله ورسوله أعلم، حتى أعادها ثلاثا، ثم قلت: {الله لا إله إلا هو ~~الحي القيوم} [البقرة: 255] قال: فضرب على صدري، ثم قال: ليهنك العلم أبا ~~المنذر "، رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبد الأعلى، عن الجريري ### | 118 - # أخبرنا مسعود بن علي بن معاذ، أخبرنا محمد بن حمدويه القاضي، أخبرنا خلف ~~بن محمد، حدثنا محمد بن حريث، حدثنا إسحاق بن حمزة، حدثنا عيسى بن موسى ~~الغنجار، عن ابن كيسان، حدثني يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عمر: ~~أنه خرج، يعني: عمر، ذات يوم، والناس سماطان، # PageV01P365 # فقال: يأيها الناس أيكم يخبرني بأعظم آية في القرآن؟ فسكت القوم، فقال: ~~هل فيكم ابن أم عبد؟ قالوا: نعم، وكان قد جاء في أخريات الناس، فأومأ إليه، ~~وقال: ههنا يا أبا عبد الرحمن فدنا منه، قال: هل أنت مخبري بأعظم آية في ~~القرآن؟ فقال: على الخبير سقطت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ~~إن أعظم آية في القرآن: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255] ~~إلى آخرها ### | 119 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي، أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن ~~علي القفال، حدثنا الحسين بن موسى بن خلف، حدثنا إسحاق بن ms0216 رزيق، حدثنا ~~إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي، حدثنا ابن جريج، عن أبي الزبير، عن ~~جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ آية ~~الكرسي في دبر كل صلاة خرقت سبع سموات فلم يلتئم خرقها حتى ينظر الله إلى ~~قائلها فيغفر له، ثم يبعث الله إليه ملكا فيكتب حسناته ويمحو سيئاته إلى ~~الغد من تلك الساعة» # وقوله: الله رفع بالابتداء، وما بعده خبره، {لا إله إلا هو} [البقرة: ~~255] نفي إله سواه توكيد وتحقيق لإلهيته، لأن قولك: لا كريم إلا زيد. # أبلغ من قولك: زيد كريم. # PageV01P366 # والحي: من له الحياة، وهي صفة تخالف الموت، وذا الجمادية، ومعنى الحي في ~~صفة الله: الدائم البقاء، والقيوم: مبالغة من القائم، قال مجاهد: القيوم: ~~القائم على كل شيء، وتأويله: أنه قائم بتدبير أمر الخلق في إنشائهم ~~وأرزاقهم. # وقال الضحاك: القيوم: الدائم الوجود. # وقال أبو عبيدة: الذي لا يزول الاستقامة وصف بالوجود حيث لا يجوز عليه ~~التغير بوجه من الوجوه. # وقوله: {لا تأخذه سنة ولا نوم} [البقرة: 255] السنة: ثقل النعاس، وهو ~~مصدر، يقال: وسن يوسن سنة ووسنا. # والنوم: الغشية الثقيلة التي تهجم على القلب فتقطعه عن معرفة الأمور. # وقال الفضل: السنة في الرأس والنوم في القلب. # والمعنى: أنه لا يغفل عن تدبير الخلق والعلم بالأشياء. # وقوله: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: 255] استفهام معناه: ~~الإنكار والنفي أي: لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه وأمره، وذلك أن المشركين ~~كانوا يزعمون أن الأصنام تشفع لهم، فأخبر الله تعالى أنه لا شفاعة عنده ~~لأحد إلا بإذنه، يعني: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة بعض المؤمنين ~~لبعض. # وقوله: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} [البقرة: 255] قال مجاهد وعطاء ~~والسدي: {ما بين أيديهم} [البقرة: 255] من أمر الدنيا، وما خلفهم من أمر ~~الآخرة. # وقال الضحاك والكلبي: {ما بين أيديهم} [البقرة: 255] يعني الآخرة لأنهم ~~يقدمون عليها، وما خلفهم الدنيا، لأنهم يخلفونها وراء ظهورهم. # وقوله: {ولا يحيطون بشيء من علمه} [البقرة: 255] قال الليث: يقال ms0217 لكل من ~~أحرز شيئا أو بلغ علمه أقصاه: قد أحاط به. # PageV01P367 # من علمه أي: من معلومه، والمفعول يسمى بالمصدر. # وقوله: {إلا بما شاء} [البقرة: 255] إلا بما أنبأ به الأنبياء، ليكون ~~دليلا على ثبوت نبوتهم، قال ابن عباس: يريد: ما أطلعتهم على علمه. # وقوله: {وسع كرسيه السموات والأرض} [البقرة: 255] يقال: وسع فلان الشيء ~~يسعه سعة، إذا احتمله وأطاقه وأمكنه القيام به. # ويقال: لا يسعك هذا. # أي: لا تطيقه ولا تحتمله. # وأما الكرسي فقال ابن عباس في رواية عطاء والسدي: إنه الكرسي بعينه وهو ~~لؤلؤ، وما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس. # والمعنى: إن كرسيه مشتمل بعظمه على السموات والأرض. # قال أبو إسحاق الزجاج: وهذا القول بين، لأن الذي نعرفه من الكرسي في ~~اللغة هو الشيء الذي يعتمد عليه ويجلس عليه، وهذا يدل على أن الكرسي عظيم، ~~عليه السموات والأرضون. # وقال بعضهم: كرسيه: سلطانه وملكه، ويكنى عن الملك بالكرسي. # وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: وسع علمه السموات والأرض. # وقال أبو إسحاق الزجاج: الله أعلم بحقيقة الكرسي، إلا أن جملته أنه أمر ~~عظيم من أمره. # وقوله: {ولا يئوده حفظهما} [البقرة: 255] أي: لا يثقله ولا يجهده، يقال: ~~آده يئوده أودا، إذا أثقله. # وقوله: {وهو العلي العظيم} [البقرة: 255] يقال: علا يعلو علوا فهو عال ~~وعلي. # مثل: عالم وعليم، وسامع وسميع، فالله تعالى علي بالاقتدار ونفوذ السلطان، ~~وعلي عن الأشباه والأمثال، يقال: علا فلان عن هذا، إذا كان أرفع محلا عن # PageV01P368 # الوصف به. # فمعنى العلو في وصف الله تعالى: اقتداره وقهره واستحقاقه صفات المدح. # والعظيم معناه: أنه عظيم الشأن، لا يعجزه شيء ولا نهاية لمقدوره ومعلومه. # {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله ~~فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم {256} الله ولي ~~الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت ~~يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون {257} } ~~[البقرة: 256-257] قوله: {لا إكراه في ms0218 الدين} [البقرة: 256] قال ابن عباس ~~ومجاهد وقتادة وغيرهم: معنى الآية: لا إكراه في الدين بعد إسلام العرب، ~~وذلك أن العرب كانت أمة أمية، لم يكن لهم دين ولا كتاب، فلم يقبل منهم إلا ~~الإسلام أو السيف، وأكرهوا على الإسلام، ولم تقبل منهم الجزية، فلما أسلموا ~~ولم يبق منهم أحد إلا دخل في الإسلام طوعا أو كرها أنزل الله هذه الآية، ~~فلا يكره على الإسلام أهل الكتاب، فإذا أقروا بالجزية تركوا. # وقوله: {قد تبين الرشد من الغي} [البقرة: 256] أي: ظهر الإيمان من الكفر، ~~والهدى من الضلالة، بكثرة الحجج والآيات الدالة. # والرشد: إصابة الحق، ويراد ههنا: الإيمان، من الغي يقال: غوى يغوي غيا ~~وغواية، إذا سلك خلاف طريق الرشد. # قوله: {فمن يكفر بالطاغوت} [البقرة: 256] قال جميع أهل اللغة: الطاغوت: ~~كل ما عبد من دون الله، يكون واحدا وجمعا، ومؤنثا ومذكرا، وهو في الأصل ~~مصدر نحو الرغبوت والرهبوت. # قال ابن عباس والمفسرون: الطاغوت: الشيطان. # وقيل: الأصنام. # وقوله: {فقد استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة: 256] استمسك بالشيء: إذا ~~تمسك به، والعروة: جمعها عرى، وهي نحو عروة الدلو الكوز، والوثقى: تأنيث ~~الأوثق. # PageV01P369 # قال عطاء، عن ابن عباس: العروة الوثقى: شهادة أن لا إله إلا الله وأن ما ~~جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حق وصدق. # وقال مجاهد: هي الإيمان. # وقوله: {لا انفصام لها} [البقرة: 256] الفصم: كسر الشيء من غير إبانة، ~~يقال: فصمته فانفصم. # قال ابن عباس: لا انقطاع لها دون رضا الله ودخول الجنة. # والله سميع لدعائك يا محمد بإسلام أهل الكتاب، عليم بحرصك واجتهادك. # قوله: {الله ولي الذين آمنوا} [البقرة: 257] أي: معينهم وناصرهم ومتولي ~~أمورهم، والذي يقرب منهم بالعون والنصرة. # وقوله: {يخرجهم من الظلمات إلى النور} [البقرة: 257] أي: من الكفر ~~والضلال إلى الإيمان والهداية، {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت} [البقرة: ~~257] يعني: رؤساء الضلالة، مثل كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب، {يخرجونهم من ~~النور إلى الظلمات} [البقرة: 257] يعني اليهود، وكانوا مؤمنين بمحمد صلى ~~الله عليه وسلم قبل أن يبعث، لما يجدونه في كتابهم، فلما بعث جحدوه وكفروا ms0219 ~~به. # وروى مجاهد، عن ابن عباس في هذه الآية، قال: كان قوم آمنوا بعيسى وقوم ~~كفروا به، فلما بعث الله محمدا آمن به الذين كفروا بعيسى، وكفر به الذين ~~آمنوا بعيسى، فقال الله تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات ~~إلى النور} [البقرة: 257] من كفر بعيسى إلى إيمان بمحمد صلى الله عليه ~~وسلم، {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} ~~[البقرة: 257] قال: من إيمان بعيسى إلى كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم. # {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ~~ربي الذي يحيي ويميت # PageV01P370 # قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها ~~من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين} [البقرة: 258] ~~قوله: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه} [البقرة: 258] أي: هل انتهت ~~رؤيتك يا محمد إلى من هذه صفته؟ وفي هذا تعجيب للمخاطب، وحاج: جادل وخاصم، ~~وهو نمروذ بن كنعان. # وقوله: {أن آتاه الله الملك} [البقرة: 258] أي: لأن آتاه الله، يريد: بطر ~~الملك حمله على محاجة إبراهيم. # قال ابن عباس: إن إبراهيم دخل بلدة نمروذ ليمتار، فأرسل إليه نمروذ، ~~وقال: من ربك؟ {قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال} [البقرة: 258] نمروذ: ~~{أنا أحيي وأميت} [البقرة: 258] أقتل من شئت، وأستحيي من شئت. # فسمى ترك القتل إحياء، وعارضه في الحجة بالعبارة دون فعل حياة أو موت على ~~سبيل الاختراع. # وقرأ نافع أنا بإثبات ألف بعد النون، وذلك إنما يجوز في الوقف دون الوصل، ~~ولكنه أجرى الوصل مجرى الوقف، وأثبت الألف كما أنشد الكسائي: # أنا سيف العشيرة فاعرفوني ... حميد قد تذريت السناما # فاحتج إبراهيم بحجة مسكتة، لا يمكنه أن يقول: أنا أفعل ذلك. # وهو قوله: {قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من ~~المغرب فبهت الذي كفر} [البقرة: 258] أي: تحير، أو سكت وانقطعت حجته، يقال: ~~بهت الرجل فهو مبهوت، إذا تحير. # قال عروة: # فما هو إلا أن رآها فجاءة ... فأبهت ms0220 حتى ما أكاد أجيب # PageV01P371 # {والله لا يهدي القوم الظالمين} [البقرة: 258] لا يجعل جزاءهم على ظلمهم ~~أن يهديهم. # {أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد ~~موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم ~~قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ~~ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين ~~له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير} [البقرة: 259] قوله تعالى: {أو كالذي ~~مر على قرية} [البقرة: 259] قال أكثر المفسرين: هو عزير، والقرية هي إيليا، ~~وهي بيت المقدس، أتى عليها عزير بعد أن خربها بخت نصر البابلي. # وقوله: وهي خاوية أي: ساقطة متهدمة، يقال: خوى الحائط، إذا تهدم. # وهو أن ينقلع من أصله، ومنه قوله تعالى: {أعجاز نخل خاوية} [الحاقة: 7] ~~أي: منقلعة من أصولها. # وقوله: على عروشها أي: على سقوفها، وذلك أن الحيطان كانت قائمة وقد تهدمت ~~سقوفها، ثم انقلعت الحيطان فتساقطت على السقوف. # وقوله: {أنى يحيي هذه الله بعد موتها} [البقرة: 259] أي: أنى يعمرها بعد ~~خرابها؟ استبعد أن يفعل الله ذلك، على معنى # PageV01P372 # أنه لا يفعله، فأحب الله تعالى أن يريه آية في نفسه وفي إحياء القرية، ~~{فأماته الله مائة عام} [البقرة: 259] وذلك أنه نام فنزع الله منه الروح ~~مائة عام، وكان معه حمار وتين وعصير، فأمات الله حماره أيضا، فلما مضت مائة ~~سنة أحيا الله تعالى منه عينيه، وسائر جسده ميت، ثم أحيا جسده وهو ينظر، ثم ~~نظر إلى حماره، فإذا عظامه بيض تلوح، فسمع صوتا من السماء: أيتها العظام ~~البالية إن الله يأمرك أن تكتسي لحما وجلدا. # فكان كذلك، ثم قام بإذن الله ونهق، فذلك قوله: {ثم بعثه قال كم لبثت} ~~[البقرة: 259] أي: كم أقمت ومكثت ههنا؟ {قال لبثت يوما أو بعض يوم} ~~[البقرة: 259] وذلك أن الله تعالى أماته ضحى في أول النهار، وأحياه بعد ~~مائة عام في آخر النهار قبل ms0221 أن تغيب الشمس، فقال: {لبثت يوما} [البقرة: ~~259] وهو يرى أن الشمس قد غربت، ثم التفت فرأى بقية من الشمس فقال: {أو بعض ~~يوم} [البقرة: 259] بمعنى: بل بعض يوم، {قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى ~~طعامك} [البقرة: 259] يعني التين، وشرابك يعني العصير، {لم يتسنه} [البقرة: ~~259] لم يتغير ولم ينتن بعد مائة سنة، والتسنه: التغير. # وقال: قرأ لم يتسن بغير هاء، أخذه من التسني، وهو التغير أيضا بمر السنين ~~عليه. # قال ابن عباس: نظر إلى التين فإذا هو كما اجتناه، ونظر إلى العصير فإذا ~~هو كهيئته لم يتغير. # وقوله: {وانظر إلى حمارك} [البقرة: 259] أراه الله علامة مكثه مائة سنة ~~ببلى عظام حماره. # قوله: {ولنجعلك آية للناس} [البقرة: 259] قال المفسرون: جعله الله آية ~~للناس بأن بعثه شابا أسود الرأس واللحية، وبنو بنيه شيب. # PageV01P373 # وقوله: {وانظر إلى العظام} [البقرة: 259] يعني: عظام حمارك، كيف ننشرها ~~أي: نحييها، يقال: أنشر الله الميت. # قال الله تعالى: {ثم إذا شاء أنشره} [عبس: 22] ، وقرأ حمزة والكسائي ~~ننشزها بالزاي، من الإنشاز وهو الرفع. # يقال: أنشزته فنشز. # أي: رفعته فارتفع، ويقال لما ارتفع من الأرض: نشز. # ومعنى الآية: كيف نرفعها من الأرض فنردها إلى أمكانها من الجسد ونركب ~~بعضها على بعض. # وقوله: {قال أعلم أن الله على كل شيء قدير} [البقرة: 259] أي: قد علمت ~~مشاهدة ما كنت أعلمه غيبا. # وقرأ حمزة قال اعلم مجزوما موصولا على لفظ الأمر، كأنه أمر نفسه بذلك. # ويجوز أن يكون الله تعالى قال له: اعلم أن الله على كل شيء قدير. # {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ~~ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن ~~جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم} [البقرة: 260] قوله: ~~{وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى} [البقرة: 260] قال أكثر ~~المفسرين: رأى إبراهيم جيفة بساحل البحر تتناولها السباع والطير ودواب ~~البحر، ففكر كيف يجتمع ما قد تفرق من تلك الجيفة، وتطلعت نفسه ms0222 إلى مشاهدة ~~ميت يحييه ربه، فقال: {رب أرني كيف تحيي الموتى} [البقرة: 260] فقال الله ~~عز وجل: أولم تؤمن وهذه الألف للإيجاب والتقرير، يعني: أولست قد آمنت؟ {قال ~~بلى ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة: 260] برؤية ما أحب وأشتهي مشاهدته، # PageV01P374 # قال الحسن: كان إبراهيم موقنا بأن الله عز وجل يحيي الموتى، ولكن لا يكون ~~الخبر عند ابن آدم كالمعاينة. # وقال سعيد بن جبير: {ليطمئن قلبي} [البقرة: 260] : لأزداد إيمانا. # قال الله تعالى: {فخذ أربعة من الطير} [البقرة: 260] قال ابن عباس: أخذ ~~طاوسا ونسرا وديكا وغرابا. # {فصرهن إليك} [البقرة: 260] قال أكثر أهل اللغة والتفسير: وقال ابن عباس ~~وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد: قطعهن. # يقال: صار الشيء يصوره صورا، إذا قطعه. # وقرأ حمزة بكسر الصاد، قال الأخفش: يقال: صاره يصيره، إذا قطعه. # وتقدير الآية: خذ إليك أربعة من الطير فصرهن. # {ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا} [البقرة: 260] قال المفسرون: أمره الله ~~تعالى أن يذبح تلك الطيور وينتف ريشها ويقطعها ويفرق أجزاءها ويخلط ريشها ~~ودماءها ولحومها بعضها ببعض، ثم يجزئهن أربعة أجزاء على أربعة أجبل، ففعل # PageV01P375 # ذلك إبراهيم، وأمسك رءوسهن عنده، ثم دعاهن: تعالين بإذن الله. # فجعلت أجزاء الطيور يطير بعضها إلى بعض، ثم أتينه سعيا على أرجلهن، وتلقى ~~كل طائر رأسه، فذلك قوله: {ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز} ~~[البقرة: 260] لا يمتنع عليه ما يريد، حكيم فيما يدبر ويفعل. # {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل ~~سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم {261} الذين ينفقون ~~أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ~~ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون {262} } [البقرة: 261-262] قوله: {مثل ~~الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله} [البقرة: 261] الآية، هذا حث على ~~الإنفاق في الجهاد، ووعد من الله تعالى لمن أنفق في سبيله أن الواحد يضاعف ~~له بسبعمائة، وهو قوله: {كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} ~~[البقرة: 261] : ### | 120 - # أخبرنا أبو سعيد ms0223 بن أبي رشيد العدل، أخبرنا عمر بن أحمد الواعظ، حدثنا ~~عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا أبو عمر الدوري، أخبرنا أبو إسماعيل ~~المؤدب، عن عيسى بن المسيب، عن نافع، عن ابن عمر قال: لما نزلت: {مثل الذين ~~ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة ~~حبة} [البقرة: 261] قال النبي صلى الله عليه وسلم: رب زد أمتي، فنزل: {من ~~ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} [البقرة: 245] فقال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رب زد أمتي، فنزل قوله: {إنما يوفى ~~الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10] # PageV01P376 # وقوله: {والله يضاعف لمن يشاء} [البقرة: 261] أي: من أهل النفقة في طاعة ~~الله، والله واسع جواد لا ينقصه ما يتفضل به، عليم بمن ينفق. # قوله: {الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ~~ولا أذى} [البقرة: 262] المن: الاعتداء بالصنيعة وذكرها. # قال المفسرون: المن المذكور في هذه الآية: هو أن يقول: قد أحسنت إلى فلان ~~ونعشته، وجبرت حاله وأغنيته. # يمن بما فعل. # والأذى: هو أن يذكر إحسانه لمن لا يحب الذي أحسن إليه وقوفه عليه، وما ~~أشبه ذلك من القول الذي يؤذيه. # قال قتادة: علم الله أن ناسا يمنون بعطائهم، فكره ذلك وتقدم فيه فمن ~~فقال: {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم {263} ~~يأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء ~~الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل ~~فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين ~~{264} } [البقرة: 263-264] قول معروف أي: كلام حسن، ورد على السائل جميل، ~~وقال عطاء: عدة حسنة. # ومغفرة أي: تجاوز عن السائل إذا استطال عليه عند رده، {خير من صدقة ~~يتبعها أذى} [البقرة: 263] أي: من وتعيير للسائل بالسؤال، والله غني عن ~~صدقة العباد، حليم إذ لم يعجل بالعقوبة على من يمن ويؤذي بصدقته. # قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا ms0224 تبطلوا صدقاتكم} [البقرة: 264] أي: ~~ثواب صدقاتكم، بالمن هو أن يمن بما أعطى، وقال الكلبي: بالمن على الله في ~~صدقته. # {والأذى} [البقرة: 264] لصاحبها، {كالذي ينفق} [البقرة: 264] أي: كإبطال ~~الذي ينفق، ماله وهو المنافق، أنفق ماله من غير إيمان ولا احتساب، رئاء ~~الناس يرائي الناس بصدقته، ولا # PageV01P377 # يرجو ثوابا لها. # والرئاء: فعال من المراءاة، كما يقال: قتال ومقاتلة، والهمزة فيه عين ~~الفعل، فمثله أي: مثل هذا المنافق المرائي، {كمثل صفوان} [البقرة: 264] وهو ~~الحجر الأملس، {عليه تراب فأصابه وابل} [البقرة: 264] وهو المطر الشديد، ~~يقال: وبلت السماء تبل وبلا. # {فتركه صلدا} [البقرة: 264] وهو الأملس اليابس، يقال: حجر صلد، وجبين ~~صلد، إذا كان براقا أملس. # وهذا مثل ضربه الله لعمل المرائي وعمل المان المؤذي، يري الناس في الظاهر ~~أن له عملا، كما يرى التراب على هذا الحجر، فإذا كان يوم القيامة بطل عمله، ~~لأنه لم يكن لله، كما أذهب المطر ما كان على الحجر من التراب، فلا يقدر أحد ~~على ذلك التراب الذي أزاله المطر عن الحجر، وهو قوله: {لا يقدرون على شيء} ~~[البقرة: 264] أي: على ثواب شيء، مما كسبوا أي: لا يؤجرون على ما أنفقوا ~~ولا يجدون ثواب ما عملوا، {والله لا يهدي القوم الكافرين} [البقرة: 264] ~~أي: لا يجعل جزاءهم على كفرهم أن يهديهم. # ثم ضرب مثلا لمن ينفق، يريد ما عند الله ولا يمن ولا يؤذي، فقال: {ومثل ~~الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة ~~أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير ~~{265} أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له ~~فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار ~~فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون {266} } [البقرة: ~~265-266] {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله} [البقرة: 265] ~~طلبا لرضا الله، {وتثبيتا من أنفسهم} [البقرة: 265] قال # PageV01P378 # السدي وابن زيد: يقينا. # وقال الشعبي والكلبي: يعني: تصديقا من أنفسهم. # قال الزجاج: ينفقونها مقرين بأنها مما ms0225 يثيب الله عليها. # {كمثل جنة بربوة} [البقرة: 265] وهي ما ارتفع من الأرض. # وقرئ بفتح الراء، وهما لغتان. # {أصابها وابل} [البقرة: 265] وهو المطر الشديد، {فآتت} [البقرة: 265] أدت ~~وأعطت، أكلها ما يؤكل منها، ومنه قوله تعالى: {تؤتي أكلها كل حين} ~~[إبراهيم: 25] والضم والتخفيف لغتان، قال المفسرون: أكلها: ثمرها. # وقوله: ضعفين قال ابن عباس: حملت في سنة من الريع ما تحمل غيرها في ~~سنتين. # وقوله: {فإن لم يصبها وابل فطل} [البقرة: 265] أي: وأصابها طل، وهو المطر ~~اللين الصغير القطر. # يقال: طلت السماء تطل طلا فهي طلة، وطلت الأرض فهي مطلولة. # والمعنى: فأصابها طل، فتلك حالها في إيتاء الثمر وتضاعفه، لا ينقص بالطل ~~عن مقداره بالوابل، يقول: كما أن هذه الجنة تثمر في كل حين، ولا تخيب ~~صاحبها، قل المطر أو كثر، كذلك يضعف الله صدقة المؤمن المخلص، قلت نفقته أو ~~كثرت. # قال قتادة: هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن، يقول: ليس لخيره خلف كما ليس ~~لخير الجنة خلف علي أي حال، إن أصابها وابل وإن أصابها طل. # PageV01P379 # قوله: {أيود أحدكم} [البقرة: 266] الآية، قال مجاهد: هذا مثل للمفرط في ~~طاعة الله تعالى المشتغل بملاذ الدنيا، يحصل في الآخرة على الحسرة العظمى. # وقال ابن عباس: هذا مثل للذي يختم عمله بفساد وكان يعمل عملا صالحا، ~~فمثله كمثل رجل كانت له جنة {فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر} [البقرة: ~~266] فضعف عن الكسب، وله أطفال صغار لا ينفعونه، وهو قوله: {وله ذرية ضعفاء ~~فأصابها إعصار} [البقرة: 266] وهي ريح ترتفع وتستدير نحو السماء كأنها ~~عمود، {فيه نار فاحترقت} [البقرة: 266] جنته، أحوج ما كان إليها عند كبر ~~سنه وضعف الحيلة، وكثرة العيال، وطفولة الولد، فبقي هو وأولاده عجزة ~~متحيرين، لا يقدرون على حيلة، كذلك يبطل الله عمل المنافق والمرائي حين لا ~~توبة لهما، ولا إقالة من ذنوبهما. ### | 121 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحارثي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ~~حدثنا أبو يحيى الرازي، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا علي بن مسهر، عن عبد ~~الملك، عن عطاء، قال ms0226: قال عمر بن الخطاب: ما وجدت أحدا يشفيني من هذه ~~الآية: {أيود أحدكم أن تكون له جنة} [البقرة: 266] إلى آخر الآية، وابن ~~عباس خلفه، فقال له ابن عباس: أني لأجد في نفسي منها شيئا، فالتفت إليه ~~عمر، فقال، لم تحقر نفسك؟ تحول ههنا، فقام فأجلسه، فقال: هذا مثل ضربه ~~الله، فقال: أيود أحدكم أن يكون عمره كله لله يعمل بعمل أهل الخير، وعمل ~~أهل السعادة، حتى إذا كان أحوج ما يكون إلى أن يختم عمله بخير، حين فني ~~عمره، واقترب أجله، عمل بعمل أهل الشقاوة، وعمل أهل النار، فختم به عمله، ~~فأفسد ذلك عمله كله، كما لو كان لأحدكم جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها ~~الأنهار، فأتتها نار فأحرقتها، فهذا مثل ضربه الله لهذا # PageV01P380 # {يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ~~ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن ~~الله غني حميد {267} الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم ~~مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم {268} يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة ~~فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب {269} } [البقرة: 267-269] ~~قوله: {يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} [البقرة: 267] قال ~~مجاهد: يعني التجارة، والمعنى: أنفقوا، أي: أدوا الزكاة. # ما كسبتم بالتجارة والصناعة من الذهب والفضة، {ومما أخرجنا لكم من الأرض} ~~[البقرة: 267] يعني: الحبوب مما تجب فيه الزكاة، {ولا تيمموا الخبيث منه ~~تنفقون} [البقرة: 267] التيمم: القصد والتعمد، يقال: أممته وتيممته ويممته. # أي: قصدته. # قال المفسرون: كانوا يتصدقون بشرار ثمارهم ورذالة أموالهم، فأنزل الله ~~تعالى: {ولا تيمموا الخبيث} [البقرة: 267] يقول: لا تقصدوا إلى الرديء من ~~أموالكم فتنفقونه في سبيل الله. # وقراءة العامة: ولا تيمموا مخففة التاء، وعلى حذف إحدى التاءين، لأن ~~الأصل: لا تتيمموا، وقرأ ابن كثير: مشددة التاء على الإدغام. # وقوله: {ولستم بآخذيه} [البقرة: 267] أي: يأخذ ذلك الرديء الخبيث لو كان ~~لكم على إنسان حق، {إلا أن تغمضوا فيه} [البقرة: 267] والإغماض في اللغة: ~~غض البصر وإطباق ms0227 جفن على جفن، ثم صار عبارة عن التسامح والتساهل في البيع ~~وغيره. # يقول: أنتم لا تأخذونه إلا بتساهل، فكيف تعطونه في الصدقة؟ # PageV01P381 # وفي هذا بيان أن الفقراء شركاء رب المال في ماله، فإذا كان ماله جيدا فهم ~~شركاؤه في الجيد، والشريك لا يأخذ الرديء من الجيد إلا بالتساهل. ### | 122 - # أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الصوفي، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، ~~أخبرنا أحمد بن الحسين بن نصر الحذاء، أخبرنا علي ابن المديني، حدثنا يحيى ~~بن سعيد، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، حدثني صالح بن أبي عريب، عن كثير بن ~~مرة، عن عوف بن مالك الأشجعي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~ونحن في المسجد، وبيده عصا، وقد علق رجل منا قنو حشف، فجعل رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يطعن القنو بالعصا، ويقول: " لو أن صاحب هذا، أو قال: رب ~~هذا، تصدق بصدقة أطيب من هذا، ثم قال: إن صاحب هذا يأكل الحشف يوم القيامة ~~" # PageV01P382 # وقوله: {واعلموا أن الله غني} [البقرة: 267] أي: عن صدقات الناس، حميد ~~على إحسانه وإنعامه. # قوله: {الشيطان يعدكم الفقر} [البقرة: 268] أي: يخوفكم بالفقر على إنفاق ~~المال والتصدق به. # يقول: أمسك مالك فإنك إن تصدقت افتقرت. # {ويأمركم بالفحشاء} [البقرة: 268] أي: البخل ومنع الزكاة. # والله يعدكم أي: يجازيكم على صدقاتكم، مغفرة منه لذنوبكم، وفضلا وهو أن ~~يخلف عليكم ما أنفقتم، والله واسع الفضل لمن أنفق، عليم بمن ينفق ومن لا ~~ينفق. # قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء} [البقرة: 269] قال ابن عباس ~~والمفسرون: يعني القرآن والفهم فيه. # وقال الحسن: يعني الورع في دين الله. # {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269] قال مجاهد: ليست ~~بالنبوة، ولكنه القرآن والعلم والفقه. # {وما يذكر إلا أولو الألباب} [البقرة: 269] أي: ما يتعظ إلا ذوو العقول. # {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من ~~أنصار {270} إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير ~~لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير ms0228 {271} } [البقرة: ~~270-271] قوله: {وما أنفقتم من نفقة} [البقرة: 270] يعني: ما أديتم من زكاة ~~مفروضة، {أو نذرتم من نذر} [البقرة: 270] يعني: تطوعتم بصدقة، والنذر: ما ~~يلتزمه الإنسان لله بإيجابه على نفسه، وكل ما نوى الإنسان أن يتطوع به فهو ~~نذر. # وقوله: {فإن الله يعلمه} [البقرة: 270] أي: يجازي به، فدل بذكر العلم على ~~تحقيق الجزاء، وعادت الكناية في قوله: يعلمه إلى ما في قوله: وما أنفقتم ~~لأنها اسم. # PageV01P383 # وقوله: {وما للظالمين من أنصار} [البقرة: 270] وعيد لمن أنفق في غير ~~الوجه الذي يجوز له، من رياء أو معصية أو من مال مغصوب مأخوذ من غير وجهه. # والأنصار: جمع نصير، بمعنى ناصر، يعني: لا أحد ينصرهم من عذاب الله. # قوله: {إن تبدوا الصدقات} [البقرة: 271] قال ابن عباس: نزلت لما سألوا ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية؟ ~~قوله: فنعما هي أي: فنعم شيئا ابداؤها، وقراءة العامة فنعما بفتح النون ~~وكسر العين، لأن أصل نعيم: نعم، كما قال طرفة: # نعم الساعون في الأمر المبر # وقرأ نافع فنعما بكسر النون والعين، أتبع العين النون في الكسر حذارا من ~~الجمع بين ساكنين. # وقرأ أبو عمرو بكسر النون وجزم العين، واختاره أبو عبيد وقال: هي لغة ~~النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لعمرو بن العاص: « # PageV01P384 # نعما بالمال الصالح للرجل الصالح» . # هكذا روي الحديث بسكون العين. # وجمهور المفسرين على أن المراد بالصدقات في هذه الآية: التطوع، لا الفرض، ~~لأن الفرض إظهاره أفضل من كتمانه، والتطوع كتمانه أفضل، وهو قوله: {وإن ~~تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} [البقرة: 271] قال ابن عباس في رواية ~~الوالبي: جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها، يقال: بسبعين ضعفا. # وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا، وكذلك جميع ~~الفرائض والنوافل في الأشياء كلها. # وقال قتادة: كل مقبول إذا كانت النية صالحة، وصدقة السر أفضل، وقوله: ~~{ويكفر عنكم من سيئاتكم} [البقرة: 271] التكفير معناه: التغطية والستر، ~~يقال: كفر عن يمينه. # أي: ستر ذنب الحنث بما بذل من ms0229 الصدقة. # والكفارة: الساترة لما حصل من الذنب. # وقرئ ونكفر بالجزم، عطفا على قوله: من سيئاتكم من ههنا: صلة للكلام، ~~يريد: جميع سيئاتكم. # {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما ~~تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ~~{272} للفقراء # PageV01P385 # الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل ~~أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير ~~فإن الله به عليم {273} } [البقرة: 272-273] قوله: {ليس عليك هداهم} ~~[البقرة: 272] : ### | 123 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحرث، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ~~حدثنا أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد الرازي، حدثنا سهل بن عثمان العسكري، ~~حدثنا جرير، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا إلا على أهل دينكم» ~~فأنزل الله: {ليس عليك هداهم} [البقرة: 272] ، فقال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم «تصدقوا على أهل الأديان» # وبهذا الإسناد، عن سهل، حدثنا ابن نمير، عن الحجاج، عن سالم المكي، عن ~~ابن الحنفية، قال: كان المسلمون يكرهون أن يتصدقوا على فقراء المشركين حتى ~~نزلت هذه الآية {ليس عليك هداهم} [البقرة: 272] فأمروا أن يتصدقوا عليهم. # PageV01P386 # قال المفسرون: نزلت هذه الآية حين جاءت قتيلة أم أسماء بنت أبي بكر رضي ~~الله عنه إليها تسألها، وكذلك جدتها، وهما مشركتان، فقالت: لا أعطيكما حتى ~~أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنكما لستما على ديني. # فاستأمرته في ذلك فأنزل الله هذه الآية، فأمرها رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أن تتصدق عليهما. # وهذا في صدقة التطوع، أباح الله أن يتصدق على الملي والذمي، فأما الفرض ~~فلا يجوز أن يتصدق به إلا على المسلمين. # ومعنى الآية: ليس عليك هدى من خالفك، فتمنعهم الصدقة ليدخلوا في الإسلام، ~~حاجة منهم إليها. # وأراد بالهدى ههنا: هدى التوفيق، وخلق الهداية، لأنه كان على رسول الله ~~صلى الله ms0230 عليه وسلم هدى البيان والدعوة لجميع الخلق. # وقوله: {ولكن الله يهدي من يشاء} [البقرة: 272] قال ابن عباس: يريد ~~أولياءه. # {وما تنفقوا من خير} [البقرة: 272] من مال، وهو شرط، وجوابه: {فلأنفسكم ~~وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله} [البقرة: 272] ظاهر خبر، وتأويله: نهي، ~~أي: ولا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله، كقوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} ~~[الواقعة: 79] ، و {لا تضار والدة بولدها} [البقرة: 233] . # وفي ذكر الوجه في قوله تعالى: {إلا ابتغاء وجه الله} [البقرة: 272] ~~قولان: أحدهما: أن المراد منه تحقيق الإضافة، لأن ذكر الوجه يرفع الإيهام ~~أنه له ولغيره، وذلك أنك لما ذكرت الوجه، ومعناه: النفس، دل على أنك تصرف ~~الوهم عن الاشتراك إلى تحقيق الاختصاص، فكنت بذلك محققا للإضافة ومزيلا ~~لإيهام الشركة. # PageV01P387 # القول الثاني: أنك إذا قلت: فعلته لوجه زيد. # كان أشرف في الذكر من: فعلته له. # لأن وجه الشيء في الأصل أشرف ما فيه، ثم كثر حتى صار يدل على أشرف الذكر ~~من غير تحقيق وجه، ألا ترى أنك تقول: وجه الدليل، ووجه الرأي، ووجه الأمر. # فلا تريد تحقيق الوجه، وإنما تريد أشرف ما فيه من جهة شدة ظهوره وحسن ~~بيانه؟ قوله: {وما تنفقوا من خير يوف إليكم} [البقرة: 272] يوف لكم جزاؤه، ~~والتوفية: إكمال الشيء، قال ابن عباس: يجازيكم به في الآخرة. # وإنما حسن إليكم مع التوفية، لأنها تضمنت معنى التأدية، {وأنتم لا ~~تظلمون} [البقرة: 272] لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئا، كقوله: {آتت أكلها ~~ولم تظلم منه شيئا} [الكهف: 33] يريد: لم تنقص. # كقوله: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} [البقرة: 273] الآية، قال ~~ابن عباس في رواية الكلبي: هم أهل الصفة، صفة مسجد رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، وهم نحو من أربع مائة رجل، لم يكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر ~~يأوون إليهم، فجعلوا أنفسهم في المسجد وقالوا: نخرج في كل سرية يبعثها رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله. # فحث الله الناس على الصدقة عليهم، وكان الرجل إذا أكل وعنده فضل أتاهم به ~~إذا أمسى. # واللام في ms0231 قوله: للفقراء متعلق بمحذوف، وتأويله: هذه الصدقات أو النفقة ~~للفقراء، وقد تقدم ما يدل عليه لأنه سبق ذكر الإنفاق والصدقات. # قال ابن الأنباري: وهذا كما تقول: عاقل لبيب، إذا تقدم وصف رجل. # والمعنى: الموصوف عاقل لبيب. # وقوله: {الذين أحصروا في سبيل الله} [البقرة: 273] تفسير الإحصار قد تقدم ~~عند قوله: فإن أحصرتم قال قتادة: صبروا أنفسهم في سبيل الله، أي: في طاعته ~~للغزو، فلا يتفرغون إلى طلب المعاش. # وقال سعيد بن المسيب: هؤلاء قوم أصابتهم جراحات مع رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وصاروا زمني، فأحصرهم المرض والزمانة عن الضرب في الأرض. # وقال ابن عباس في رواية عطاء: هؤلاء قوم من المهاجرين حبسهم الفقر عن ~~الجهاد في سبيل الله، فعذرهم الله فقال: {لا يستطيعون ضربا في الأرض} ~~[البقرة: 273] يريد: الجهاد. # PageV01P388 # يقال: ضربت في الأرض ضربا، إذا سرت فيها. # ومنه قوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض} [النساء: 101] ، وهؤلاء إنما لا ~~يستطيعون الضرب في الأرض لأن الفقر منعهم عن جهاد العدو على قول ابن عباس. # وعلى قول سعيد بن المسيب: الزمانة. # وعلى قول قتادة: لأنهم ألزموا أنفسهم أمر الجهاد، فمنعهم ذلك عن التصرف ~~للمعاش. # وقوله: يحسبهم الجاهل يقال: حسبت الشيء أحسبه وأحسبه. # بالكسر والفتح، وقرئ بالوجهين في القرآن ما كان من مضارع حسب، والفتح ~~أقيس عند أهل اللغة، لأن الماضي إذا كان فعل كان المضارع على يفعل، والكسر ~~شاذ وهو حسن لمجيء السمع به. # وقوله: الجاهل: لم يرد الجهل الذي هو ضد العلم، وإنما أراد الجهل الذي هو ~~ضد الخبرة، يقول: يحسبهم من لم يختبر أمرهم. # {أغنياء من التعفف} [البقرة: 273] وهو ترك السؤال، يقال: عف عن الشيء، ~~وتعفف عنه، إذا تركه. # ومنه قول رؤبة: # فعف عن أسرارها بعد العسق # أي: تركها. # وقوله: تعرفهم بسيماهم السيما، والسيماء، والسيمياء: العلامة التي يعرف ~~بها الشيء، قال مجاهد: سيماهم التخشع. # وقال الربيع والسدي: أثر الجهد من الحاجة والفقر. # وقال الضحاك: صفرة ألوانهم من الجوع. # وقال ابن زيد: رثاثة ثيابهم. # PageV01P389 # وقوله: {لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة: 273] الإلحاف: هو ms0232 الإلحاح في ~~المسألة، قال الزجاج: معنى ألحف: شمل بالمسألة. # واللحاف سمي لحافا لأنه يشمل الإنسان، فالملحف الذي يشمل سؤاله كل أحد، ~~ويشمل وجوه الطلب، هذا هو الأصل، ثم يسمى من سأل مع الاستغناء: ملحفا. ### | 124 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا إسماعيل بن نجيد، أخبرنا ~~أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله، حدثنا أبو عاصم النبيل، عن زيد بن أسلم، عن ~~عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«من سأل وله أوقية فقد سأل إلحافا» # قال ابن عباس في قوله: {لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة: 273] يقول: إذا ~~كان عنده غداء لم يسأل عشاء، وإذا كان عنده عشاء لم يسأل غداء. # وأكثر أهل المعاني الفراء والزجاج وابن الأنباري قالوا: هذا نفي للسؤال ~~أصلا، فهم لا يسألون الناس إلحافا، ولا غير إلحاف، لما وصفوا به من التعفف. # قالوا: والمعنى: ليس منهم سؤال فيكون إلحافا، كما قال الأعمش: # لا يغمز الساق من أين ولا وصب ... ولا يعض على شرسوفه الصفر # معناه: ليس بساقه أين ولا وصب فيغمزها، ليس أن هناك أينا ولا يغمز. ### | 125 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن علي بن ~~زياد، حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي، حدثنا علي بن الجعد، أخبرني حماد بن ~~سلمة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: # PageV01P390 # سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن المسكين ليس الطواف الذي ~~ترده التمرة والتمرتان، والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى ~~يغنيه، ولا يسأل الناس إلحافا» ### | 126 - # أخبرنا أبو بكر أحمد الحيري، حدثنا محمد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن عبد ~~الله بن عبد الحكم، أخبرنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ~~الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم ~~حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره (فيبيعها) فيكف (الله) بها وجهه خير له من ~~أن يسأل الناس (أعطوه أو منعوه) » # {الذين ينفقون أموالهم بالليل ms0233 والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ~~ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 274] قوله تعالى: {الذين ينفقون ~~أموالهم بالليل والنهار} [البقرة: 274] الآية، قال ابن عباس، في رواية ~~الكلبي، وفي رواية مجاهد عنه: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب رضي الله ~~عنه، لم يكن يملك غير أربعة دراهم، # PageV01P391 # فتصدق بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا، وبدرهم سرا، وبدرهم علانية، فأنزل الله ~~هذه الآية. ### | 127 - # أخبرنا أبو بكر التيمي، أخبرنا أبو محمد بن حيان، حدثنا محمد بن يحيى بن ~~مالك الضبي، حدثنا محمد بن سهل الجرجاني، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا عبد ~~الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: {الذين ينفقون أموالهم ~~بالليل والنهار سرا وعلانية} [البقرة: 274] ، قال: نزلت في علي بن أبي طالب ~~رضي الله عنه، كان عنده أربعة دراهم، فأنفق بالليل واحدا، وبالنهار واحدا، ~~وفي السر واحدا، وفي العلانية واحدا # وروى حنش بن عبد الله الصنعاني، عن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في الذين ~~يرتبطون الخيل في سبيل الله، ينفقون عليها بالليل والنهار سرا وعلانية. # وروي ذلك مرفوعا: ### | 128 - # أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الصوفي، أخبرنا إسماعيل بن نجيد، ~~أخبرنا محمد بن الحسن الخليل، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا محمد بن شعيب، عن ~~أبي مهدي، عن ابن عريب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~قال: " نزلت هذه الآية {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية ~~فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 274] في أصحاب ~~الخيل ". # PageV01P392 # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان لا يخبل أحدا في بيته ~~فرس عتيق من الخيل» # {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ~~ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه ~~موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار ~~هم فيها خالدون {275} يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار ms0234 ~~أثيم {276} إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ~~لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون {277} يأيها الذين آمنوا ~~اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين {278} فإن لم تفعلوا ~~فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا ~~تظلمون {279} وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم ~~تعلمون {280} واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم ~~لا يظلمون {281} } [البقرة: 275-281] قوله تعالى: {الذين يأكلون الربا} ~~[البقرة: 275] يريد: الذين يعاملون به، فنبه بالأكل على ما سواه، كما قال: ~~{الذين يأكلون أموال اليتامى} [النساء: 10] . # والربا في اللغة: الزيادة، يقال: ربا الشيء يربو ربا، وأربى الرجل، إذا ~~عامل في الربا. # ومنه الحديث: «من أجبى فقد أربى» . # أي: عامل بالربا. # هذا معنى الربا في اللغة، وأما في الشرع: فهو اسم للزيادة على أصل المال ~~من غير بيع. # PageV01P393 # وقوله: لا يقومون يعني: يوم القيامة من قبورهم، {إلا كما يقوم الذي ~~يتخبطه الشيطان} [البقرة: 275] التخبط معناه: الضرب على غير استواء، ويقال ~~للذي يتصرف في أمر ولا يهتدي فيه: يخبط خبط عشواء. # ومنه قول زهير: # رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم # وتخبطه الشيطان: إذا مسه بخبل أو جنون، يقال: به خبطة من جنون. # وقوله: من المس المس: الجنون، يقال: مس الرجل فهو ممسوس وبه مس وألس. # وأصله من المس باليد، كأن الشيطان يمس الإنسان فيجنه، ثم سمي الجنون مسا، ~~كما أن الشيطان يتخبطه برجله فيخبله، فسمي الجنون خبطة. # قال قتادة: إن آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا، وذلك علم لأكله الربا ~~يعرفهم به أهل الوقف. # وقوله {ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا} [البقرة: 275] أي: ذلك ~~الذي نزل بهم بقولهم هذا واستحلالهم إياه، وذلك أن المشركين قالوا: الزيادة ~~على رأس المال بعد محل الدين كالزيادة بالربع في أول البيع. # وكان أحدهم إذا حل له مال على إنسان قال لغريمه: زدني في المال ms0235 حتى أزيدك ~~في الأجل. # فكذبهم الله عز وجل فقال: {وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ~~ربه} [البقرة: 275] أي: وعظ، قال السدي: يعني القرآن. # فانتهى عن أكل الربا، {فله ما سلف} [البقرة: 275] أي: ما أكل من الربا، ~~ليس عليه رده. # ومعنى سلف: تقدم ومضى، والسلوف: التقدم. # PageV01P394 # {وأمره إلى الله} [البقرة: 275] أي: بعد النهي، إن شاء عصمه حتى يثبت على ~~الانتهاء، وإن شاء خذله حتى يعود، ومن عاد إلى استحلال الربا، {فأولئك ~~أصحاب النار هم فيها خالدون} [البقرة: 275] قال أبو إسحاق الزجاج: هؤلاء ~~الذين قالوا: إنما البيع مثل الربا. # ومن اعتقد هذا فهو كافر. ### | 129 - # أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن الحسن الحافظ، حدثنا أبو الفضل الشيباني، ~~حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن صفوان، حدثنا محفوظ بن يحيى، حدثنا خالد بن ~~يزيد البجلي، حدثنا بيان بن بشر، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن ~~الحارث، عن علي رضي الله عنه، قال: " لعن النبي صلى الله عليه وسلم في ~~الربا خمسا: آكله، وموكله، وشاهديه، وكاتبه " # قوله: {يمحق الله الربا} [البقرة: 276] المحق: نقصان الشيء حالا بعد حال، ~~ومنه المحاق في الهلاك، يقال: محقه الله فانمحق وامتحق. # قال المفسرون: {يمحق الله الربا} [البقرة: 276] أي: ينقصه ويذهب بركته، ~~وإن كان كثيرا كما يمحق القمر، وقال ابن # PageV01P395 # عباس في رواية الضحاك: يعني: لا يقبل الله منه صدقة ولا جهدا ولا حجا، ~~ولا صلاة. # ويربي الصدقات أي: يزيد فيها ويبارك عليها، قال عطاء، عن ابن عباس: ويربي ~~الصدقات لصاحبها كما يربي أحدكم فصيله. ### | 130 - # أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم، أخبرنا عبد الله بن ~~حامد، أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل، حدثنا سهل بن عمار، حدثنا يزيد بن ~~هارون، حدثنا عباد بن منصور الناجي قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: سمعت ~~أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يقبل ~~الصدقات ولا يقبل منها إلا الطيب، ويأخذها بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم ~~مهره، أو فلوه، حتى ms0236 إن اللقمة لتصير مثل أحد» # وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن ~~عباده ويأخذ الصدقات} [التوبة: 104] و {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} ~~[البقرة: 276] . # وقوله: {والله لا يحب كل كفار} [البقرة: 276] أي: بتحريم الربا لا يصدق ~~الله ورسوله في ذلك، أثيم أي: فاجر بأكله، ومعنى لا يحبه الله: لا يثني ~~عليه، ولا يثيبه، ولا يرضى فعله. # قوله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [البقرة: 277] تفسير هذه الآية ~~قد تقدم فيما مضى. # قوله: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} [البقرة: ~~278] : # PageV01P396 ### | 131 - # أخبرنا أبو بكر التيمي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا عبد الرحمن بن ~~محمد الرازي، حدثنا سهل بن عثمان، حدثني داود، عن ابن جريح، عن مجاهد قال: ~~كانت ثقيف قد صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن لهم رباهم على الناس ~~وما كان عليهم من ربا فهو موضوع. # وكان بنو عمرو بن عمير يأخذون الربا على بني المغيرة فجاء الإسلام، ولهم ~~عليهم مال كثير، فجاءوا يطلبون الربا من بني المغيرة فرفع ذلك بنو المغيرة، ~~إلى عتاب بن أسيد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استعمل عتابا على مكة، ~~فكتب في ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت: {يأيها الذين آمنوا اتقوا ~~الله وذروا ما بقي من الربا} [البقرة: 278] إلى قوله: {فأذنوا بحرب من الله ~~ورسوله} [البقرة: 279] ، فكتب بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى عتاب ~~ففعلوا # ومعنى الآية: تحريم ما بقي دينا من الربا، وإيجاب أخذ المال دون الزيادة ~~على جهة الربا. # وقوله: {إن كنتم مؤمنين} [البقرة: 278] معناه: أن من كان مؤمنا فهذا ~~حكمه، كما تقول: إن كنت أخي فأكثر مني. # معناه: أن من كان أخا أكرم أخاه. # قال الزجاج: أعلم الله أن من كان مؤمنا قبل عن الله تعالى أمره، ومن أبى ~~فهو حرب، أي: كافر. # وقال: {فإن لم تفعلوا} [البقرة: 279] أي: فإن لم تذروا ما بقي من الربا، ~~{فأذنوا بحرب من الله ورسوله} [البقرة: 279] يقال: أذن بالشيء ms0237، إذا علم به. # يأذن أذنا وأذانة، قال أبو عبيدة: يقال: آذنته بالشيء فأذن به. # أي: علم. # والمعنى: فإن لم تضعوا الربا الذي قد أمر الله بوضعه عن الناس فاعلموا ~~بحرب من الله ورسوله، وهي القتل في الدنيا والنار في الآخرة، أي: فأيقنوا ~~أنكم تستحقون القتل والعقوبة بمخالفة أمر الله ورسوله. # PageV01P397 # وقرأ حمزة وعاصم، في بعض الروايات فآذنوا ممدودا، أي: فاعلموا، من قوله: ~~{فقل آذنتكم على سواء} [الأنبياء: 109] ، والمعنى: فأعلموا من لم ينته عن ~~ذلك بحرب، وإذا أمروا بإعلام غيرهم علموا هم لا محالة. # قال سعيد بن جبير: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب. # وقوله وإن تبتم أي: عن الربا، {فلكم رءوس أموالكم} [البقرة: 279] وإنما ~~شرط التوبة لأنهم إن لم يتوبوا كفروا برد حكم الله، وصار مالهم فيئا ~~للمسلمين، فلا يكون لهم رءوس أموالهم. # وقوله: لا تظلمون أي: بطلب الزيادة، ولا تظلمون بالنقصان عن رأس المال. # قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية قال الإخوة المربون، يعني ثقيفا: بل ~~نتوب إلى الله عز وجل، فإنه لا يدان لنا بحرب الله ورسوله. # فرضوا برأس المال، وسلموا لأمر الله عز وجل، فشكا بنو المغيرة العسرة ~~وقالوا: أخرونا إلى أن تدرك الغلات. # فأبوا أن يؤخروا، فأنزل الله تعالى قوله: {وإن كان ذو عسرة} [البقرة: ~~280] وكان ههنا بمعنى: وقع وحدث، أي: إن وقع غريم ذو عسرة، والعسرة: اسم من ~~الإعسار، وهو تعذر الموجود من المال. # وقوله: فنظرة النظرة: اسم من الإنظار، وهو الإمهال، يقال: بعته بنظرة ~~وبإنظار. # والمعنى: فالذي تعاملونه به نظرة، أي: تأخير، إلى ميسرة وهي مفعلة من ~~اليسر الذي هو ضد العسر، وهو تيسر الموجود من المال، يقال: ميسرة وميسرة ~~وميسور. # ومهما علم الإنسان أن غريمه معسر حرم عليه حبسه وملازمته ومطالبته بما له ~~عليه، ووجب عليه الإنظار إلى وقت يساره. # PageV01P398 ### | 132 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أخبر أبو سهل محمد بن أحمد ~~بن الحسين الزجاج، أخبرنا محمد بن أيوب، أخبرنا القعنبي، حدثنا عبد الله بن ~~زيد بن أسلم، عن ms0238 أبيه، عن أبي اليسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يقول: «من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» ### | 133 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا ~~بحر بن نصر، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن عبيد الله بن عبد ~~الله بن عتبة حدثه، أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يقول: " كان رجل يداين الناس، فإذا أعسر المعسر، قال لفتاه: تجاوز عنه ~~فلعل الله يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه ". # رواه مسلم، عن حرملة، وعن ابن وهب # وقوله: {وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة: 280] أعلم الله ~~تعالى أن الصدقة برأس المال على المعسر خير وأفضل من انتظار يسره. # قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} [البقرة: 281] انتصب يوما ~~على المفعول به، لا على الظرف، لأنه ليس المعنى: اتقوا في هذا اليوم، ولكن ~~المعنى: تأهبوا للقاء هذا اليوم بما تقدمون من العمل الصالح، {ثم توفى كل ~~نفس ما كسبت} [البقرة: 281] أي: جزاء ما كسبت من الأعمال، قال ابن عباس: ~~يريد ثواب عملها خيرا بخير وشرا بشر. # PageV01P399 # {وهم لا يظلمون} [البقرة: 281] يريد: وهم لا ينقصون لا أهل الثواب ولا ~~أهل العقاب، قال: وهذه الآية لجميع الخلق البر والفاجر. ### | 134 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا أبو محمد الحياني، حدثنا أبو يحيى ~~الرازي، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن جويبر، عن ~~الضحاك، عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} ~~[البقرة: 281] قال ابن جريح: وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول ~~هذه الآية تسع ليال. # وقال سعيد بن جبير ومقاتل: سبع ليال. # قال ابن عباس: قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: ضعها على رأس ثمانين ~~ومائتين من { [البقرة. # ] يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم ~~كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب ms0239 كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه ~~الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ~~ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من ~~رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل ~~إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن ~~تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ~~ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا ~~تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق ~~بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم {282} وإن كنتم على سفر ~~ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم # PageV01P400 # بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن ~~يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم {283} } [سورة البقرة: ~~282-283] قوله {يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} ~~[البقرة: 282] قال ابن عباس: لما حرم الله تعالى الربا أباح السلم بهذه ~~الآية. # والتداين: تفاعل، من الدين، ومعناه: تبايعتم بدين، والأجل معناه: الوقت ~~المضروب لانقضاء الأمر، وأصله من التأخير، يقال: أجل الشيء يأجل أجولا، إذا ~~تأخر. # والآجل: نقيض العاجل. # قال ابن عباس: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه ~~وأذن فيه. # ثم قرأ {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} [البقرة: 282] . # أمر الله تعالى في الحقوق المؤجلة بالكتابة والإشهاد، وهو قوله: {وأشهدوا ~~إذا تبايعتم} [البقرة: 282] حفظا منه للأموال، وذلك أن الذي عليه الدين إذا ~~كانت عليه الشهود والبينة قل تحدثه نفسه بالطمع في إذهابه، وهذا أمر ندب ~~وإباحة، فإن كتب فحسن، وإن لم يكتب فلا بأس. ### | 135 - # أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا بحر بن نصر، ~~حدثنا ابن وهب، أخبرني الحارث بن نبهان، عن يزيد بن أبي خالد، عن أبي أيوب، ~~عن أنس بن مالك: أن رسول الله ms0240 صلى الله عليه وسلم: قال: «إياكم والدين فإنه ~~هم بالليل ومذلة بالنهار» ### | 136 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي، أخبرنا محمد بن الحسن السراج، ~~حدثنا محمد بن حبان بن # PageV01P401 # الأزهر، حدثنا عمرو بن مرزوق، أخبرنا شعبة، عن فراس، عن الشعبي، عن سمرة ~~بن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح، فقال: «ههنا أحد من ~~بني فلان إن صاحبكم محبوس بباب الجنة بدين عليه» ### | 137 - # أخبرنا عبد الرحمن بن محمد السراج، أخبرنا حامد بن محمد الهروي، حدثنا ~~بشر بن موسى الأسدي، حدثنا أبو عبد الرحمن المقري، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، ~~أخبرنا عياش بن عباس، عن عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي ~~صلى الله عليه وسلم قال: «القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلى الدين» رواه ~~مسلم، عن زهير بن حرب، عن أبي عبد الرحمن المقري # قوله: {وليكتب بينكم كاتب بالعدل} [البقرة: 282] أي: ليكتب كتاب الدين ~~بين المستدين والمدين كاتب بالعدل، # PageV01P402 # أي: بالحق والإنصاف، لا يكتب لصاحب الدين فضلا على الذي عليه، ولا ينقصه ~~من حقه، ولا يقدم الأجل ولا يؤخره، ولا يكتب شيئا يبطل به حقا لأحدهما هذا ~~هو العدل. # قوله: {ولا يأب كاتب أن يكتب} [البقرة: 282] أي: لا يمتنع، يقال: أبى ~~فلان الشيء يأباه، إذا امتنع عنه. # قال مجاهد والربيع: واجب على الكاتب أن يكتب إذا أمر، لأن الله تعالى ~~أمره أن لا يأبى. # وقال الضحاك: كانت هذه عزيمة واجبة على الكاتب والشاهد فنسخها قوله: {ولا ~~يضار كاتب ولا شهيد} [البقرة: 282] . # وقوله: {كما علمه الله فليكتب} [البقرة: 282] أي: لا يأب أن يكتب كما ~~أمره الله عز وجل من العدل. # وقوله: {وليملل الذي عليه الحق} [البقرة: 282] الإملال والإملاء: لغتان، ~~قال الفراء: أمللت: لغة الحجاز وبني أسد، وأمليت: لغة بني تميم وقيس، نزل ~~القرآن باللغتين، قال الله تعالى في اللغة الثانية: {فهي تملى عليه} ~~[الفرقان: 5] . # ومعنى الآية: أن الذي عليه الدين يملي، لأنه المشهود عليه، فيقر على نفسه ~~بلسانه ليعلم ما عليه. # وقوله: {ولا يبخس منه ms0241 شيئا} [البقرة: 282] البخس: النقصان، يقال: بخسه ~~حقه. # أي: نقصه، أمر من عليه الحق أن يقر بمبلغ المال الذي عليه ولا ينقص شيئا. # وقوله: {فإن كان الذي عليه الحق سفيها} [البقرة: 282] قال مجاهد: جاهلا ~~بالإملاء. # وقال الضحاك والسدي: طفلا صغيرا. # أو ضعيفا قال السدي وابن زيد: يعني: عاجزا أحمق. # {أو لا يستطيع أن يمل} [البقرة: 282] لخرس أو عي أو جهل بما له وعليه، ~~{فليملل وليه} [البقرة: 282] أي: ولي السفيه والعاجز والطفل، يعني: قيمه أو ~~وارثه، أو من يقوم مقامه في حقه، بالعدل بالصدق والحق والإنصاف. # PageV01P403 # وقوله: واستشهدوا أي: أشهدوا، {شهيدين من رجالكم} [البقرة: 282] من أهل ~~ملتكم من الأحرار البالغين دون الصبيان والعبيد، {فإن لم يكونا رجلين فرجل ~~وامرأتان} [البقرة: 282] قال الأخفش والفراء: فليكن رجل وامرأتان. # والإجماع: أن شهادة النساء جائزة في الأموال. # وقوله: {ممن ترضون من الشهداء} [البقرة: 282] قال ابن عباس: يريد: من أهل ~~الفضل والدين. # وقوله: {أن تضل إحداهما} [البقرة: 282] أصل الضلالة في اللغة: الغيبوبة، ~~يقال: ضل الماء في اللبن، إذا غاب. # ومعنى {أن تضل إحداهما} [البقرة: 282] : أي تغيب عن حفظها، أو يغيب حفظها ~~عنها، يعني إحدى المرأتين، {فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة: 282] هذا من ~~التذكير بعد النسيان، تقول لها: هل تذكرين يوم شهدنا في موضع كذا، وبحضرتنا ~~فلان أو فلانة؟ حتى تذكر الشهادة. # والتقدير: فتذكر إحداهما الأخرى الشهادة التي احتملتاها. # ومن قرأ {فتذكر} [البقرة: 282] من الإذكار، فهو بهذا المعنى أيضا، يقال: ~~أذكره الشيء وذكره. # مثل: فرحه وأفرحه، وهو كثير. # وقرأ حمزة إن تضل بكسر الألف، فتذكر بالرفع، وجعل إن للجزاء وتضل في موضع ~~جزم، وحركت بالفتح لالتقاء الساكنين كقوله: من يرتد، والفاء في قوله: ~~{فتذكر} [البقرة: 282] جواب الجزاء، كقوله: {ومن عاد فينتقم الله منه} ~~[المائدة: 95] . # PageV01P404 # قوله: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} [البقرة: 282] هذا في تحمل الشهادة، ~~وكل من دعي ليتحمل الشهادة وجب عليه ترك الإباء في قول قتادة والربيع. # وقال الشعبي: هذا إذا لم يوجد غيره، فيتعين عليه الإجابة، فإن وجد غيره ~~ممن يتحمل الشهادة فهو مخير. # وقال آخرون ms0242: هذا في إقامة الشهادة. # قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد: إذا استودعته ثم احتجت إلى شهادته فلا ~~ينبغي له أن يتخلف عنك حتى يأتي معك إلى الحاكم فيؤديها. # وهذا قول مجاهد والسدي وسعيد بن جبير وعكرمة. # وقوله: {ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله} [البقرة: 282] ~~السآمة: الملال والضجر، يقال: سئمت الشيء أسأمة سأما وسآمة. # يقول: لا يمنعكم الضجر والملالة أن تكتبوا ما شهدتم عليه من الحق، صغر أو ~~كبر، قل أو كثر. # {ذلكم} [البقرة: 282] أي: الكتاب، أقسط أعدل، عند الله لأن الله أمر به، ~~واتباع أمره أعدل من تركه، {وأقوم للشهادة} [البقرة: 282] أي: أبلغ في ~~الاستقامة، لأن الكتاب يذكر الشهود، فتكون شهادتهم أقوم من لو شهدوا على ظن ~~ومخيلة. # قوله: {وأدنى ألا ترتابوا} [البقرة: 282] أي: أقرب إلى أن لا تشكوا في ~~مبلغ الحق والأجل. # وقوله: {إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم} [البقرة: 282] أي: إلا ~~أن تقع تجارة حاضرة، {فليس عليكم جناح ألا تكتبوها} [البقرة: 282] فلا جناح ~~في ترك الإشهاد والكتابة فيه، لأن ما يخاف في النساء والتأجيل يؤمن في ~~البيع يدا بيد. # وقرأ عاصم {تجارة حاضرة} [البقرة: 282] بالنصب، على تقدير: إلا أن تكون ~~التجارة تجارة حاضرة، فأضمر الاسم لدلالة الخبر عليه، ومثله ما أنشد ~~الفراء: # PageV01P405 # فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ... إذا كان يوما ذا كواكب أشهبا # أي: إذا كان اليوم يوما. # وقوله {وأشهدوا إذا تبايعتم} [البقرة: 282] ذكرنا أن هذا أمر ندب، وليس ~~بواجب. # وقوله: {ولا يضار كاتب ولا شهيد} [البقرة: 282] نهى الله الكاتب والشهيد ~~عن المضارة، وهو أن يزيد الكاتب، أو ينقص منه، أو يحرف، وأن يشهد الشاهد ~~بما لا يستشهد عليه، أو يمتنع عن إقامة الشهادة، وهذا قول طاوس والحسن ~~وقتادة وابن زيد، وعلى هذا أصله: يضارر. # قال ابن عباس: هو أن يمتنع الكاتب أن يكتب، والشاهد أن يشهد. # وقال عكرمة: هو أن يدعى الكاتب والشاهد وهما مشغولان. # وقيل: هو أن يدعى الكاتب ليكتب الباطل، ويدعى الشاهد ليشهد الزور. # فعلى هذه الأقوال أصله: لا ms0243 يضارر. # وإن تفعلوا يعني ما ذكر الله من المضارة، {فإنه فسوق بكم} [البقرة: 282] ~~أخبر الله تعالى أن مضارة الكاتب والشاهد فسق، أي: خروج عما أمر الله تعالى ~~به. # قوله: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا} [البقرة: 283] أمر الله تعالى ~~عند عدم الكاتب في حال السفر بأخذ الرهون، ليكون وثيقة بالأموال، وهو قوله: ~~{فرهان مقبوضة} [البقرة: 283] أي: فالوثيقة رهان، وهو جمع رهن، مثل: كلب ~~وكلاب، وكعب وكعاب. # PageV01P406 # وقرأ أبو عمرو فرهن مقبوضة وهو أيضا جمع رهن، مثل سقف وسقف، وأنشد أبو ~~عمرو حجة لقراءته قول قعنب: # بانت سعاد وأمسى دونها عدن ... وغلقت عندها من قبلك الرهن # والقبض شرط في صحة الرهن، حتى لو رهنه شيئا ولم يقبضه، لم يحكم بصحته. # قوله: {فإن أمن بعضكم بعضا} [البقرة: 283] أي: لم يخف خيانته وجحوده ~~الحق، فلم يشهد عليه، {فليؤد الذي اؤتمن أمانته} [البقرة: 283] اؤتمن: ~~افتعل، من الأمانة، يقال: أمنته وائتمنته فهو مأمون ومؤتمن. # أمر الله تعالى المؤتمن بأداء الأمانة وتقوى الله فيما أمن فيه من الحق، ~~وهو قوله: {وليتق الله ربه} [البقرة: 283] . # قوله: {ولا تكتموا الشهادة} [البقرة: 283] نهي لمن كانت عنده شهادة أن ~~يكتمها ويمتنع من إقامتها، ثم أوعد على ذلك فقال: {ومن يكتمها فإنه آثم ~~قلبه} [البقرة: 283] قال ابن عباس: يريد: قد أثم قلبه وفجر. # قال المفسرون: ذكر الله تعالى على كتمان الشهادة نوعا من الوعيد لم يذكره ~~في سائر الكبائر، وهو إثم القلب. # ويقال: إثم القلب سبب مسخه، والله تعالى إذا مسخ قلبا جعله منافقا وطبع ~~عليه، نعوذ بالله من ذلك. # {لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ~~يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير} ~~[البقرة: 284] قوله عز وجل: {لله ما في السموات وما في الأرض} [البقرة: ~~284] ملكا، وهو مالك أعيانه يملك تصريفه وتدبيره، { # PageV01P407 # وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} [البقرة: 284] قال ابن ~~عباس، في رواية سعيد بن جبير وعطاء: هذه الآية منسوخة ms0244، وذلك أنها لما نزلت ~~جاء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس إلى النبي صلى الله ~~عليه وسلم وقالوا: كلفنا من العمل ما لا نطيق، إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا ~~يحب أن يثبت في قلبه، وأن له الدنيا. # فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فلعلكم تقولون كما قالت بنو إسرائيل: ~~سمعنا وعصينا. # قولوا: سمعنا وأطعنا ". # فقالوا: سمعنا وأطعنا. # واشتد ذلك عليهم ومكثوا حولا، فأنزل الله تعالى الفرج والرحمة بقوله: {لا ~~يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286] فنسخت هذه الآية ما قبلها، فقال ~~النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثوا به أنفسهم ما لم ~~يعملوا أو يتكلموا به» . # وهذا قول ابن مسعود وأبي هريرة والقرظي وابن سيرين والكلبي وقتادة. # وقوله: {فيغفر لمن يشاء} [البقرة: 284] قرئ رفعا وجزما، فمن جزم فبالعطف ~~على ما قبله، على معنى جواب الشرط، وهو قوله: {يحاسبكم به الله} [البقرة: ~~284] ومن رفع فتقديره: فهو يغفر لمن يشاء، {ويعذب من يشاء} [البقرة: 284] ~~أي: الأمر إليه في المغفرة والعذاب. # {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ~~ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك ~~المصير {285} لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ~~ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل # PageV01P408 # علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا ~~به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ~~{286} } [البقرة: 285-286] قوله تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ~~والمؤمنون} [البقرة: 285] قال الزجاج: لما ذكر الله عز وجل في هذه ال { ~~[فرض الصلاة والزكاة والطلاق والإيلاء والجهاد، ختم السورة بذكر تصديق نبيه ~~صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بجميع ذلك، وهو قوله:] كل آمن بالله وملائكته ~~وكتبه ورسله} [سورة البقرة: 285] وقرأ حمزة وكتابه على التوحيد، أراد اسم ~~الجنس، كقولهم: كثر الدرهم في أيدي الناس، يراد به ms0245 الجمع وإن أفرد. # وقوله: لا نفرق أي: يقولون: لا نفرق. # {بين أحد من رسله} [البقرة: 285] ومعناه: لا نفعل كما فعل أهل الكتاب، ~~حيث آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض، بل نجمع بين الرسل كلهم في الإيمان بهم. # {وقالوا سمعنا وأطعنا} [البقرة: 285] أي: سمعنا قوله، وأطعنا أمره، ~~{غفرانك ربنا} [البقرة: 285] أي: اغفر غفرانك، ويستغنى بالمصدر عن الفعل في ~~الدعاء، نحو سقيا ورعيا، وإليك المصير هذا إقرار منهم بالبعث. # قوله: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286] الوسع: اسم لما يسع ~~الإنسان ولا يضيق عنه، وهذه الآية نسخت قوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم} ~~[البقرة: 284] الآية. # والمعنى: لا يكلفها إلا يسرها لا عسرها، {لها ما كسبت} [البقرة: 286] من ~~العمل بالطاعة، {وعليها ما اكتسبت} [البقرة: 286] من العمل بالإثم، والكسب ~~والاكتساب بمعنى واحد، { # PageV01P409 # ربنا لا تؤاخذنا} [البقرة: 286] قال الحسن: معناه: قولوا ربنا. # على التعليم للدعاء. # ومعنى {لا تؤاخذنا} [البقرة: 286] لا تعاقبنا، إن نسينا أي: تركنا شيئا ~~من اللازم لنا، {أو أخطأنا} [البقرة: 286] قال أبو عبيدة: يقال: أخطأ وخطئ ~~لغتان. # ومعنى أخطأنا ههنا: أثمنا وتعمدنا الإثم، {ربنا ولا تحمل علينا إصرا} ~~[البقرة: 286] أي: عهدا وميثاقا لا نطيقه ولا نستطيع القيام به، {كما حملته ~~على الذين من قبلنا} [البقرة: 286] أي: على اليهود، فلم يقوموا به، وهذا ~~قول قتادة ومجاهد والسدي. # قوله: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} [البقرة: 286] أي: من العذاب، ~~كأنهم سألوا الله أن لا يعذبهم بالنار، فإنه لا طاقة لأحد مع عذاب الله ~~تعالى، {واعف عنا} [البقرة: 286] أي: تجاوز عنا، واغفر لنا أي: استر ~~ذنوبنا، وارحمنا أي: تلطف بنا، أنت مولانا أي: ناصرنا والذي يلي علينا ~~أمورنا، {فانصرنا على القوم الكافرين} [البقرة: 286] في إقامة الحجة عليهم ~~وفي غلبتنا إياهم، حتى يظهر ديننا على الدين كله كما وعدتنا. ### | 138 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن الحارث التميمي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن ~~جعفر، حدثنا أبو يحيى الرازي، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا محبوب، عن طلحة، ~~عن عطاء، عن ابن عباس قال: لما نزل جبريل بهذه ms0246 الآية: {ربنا لا تؤاخذنا إن ~~نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286] حتى ختم السورة، فكلما قالها جبريل قالهن ~~النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رب العالمين: قد فعلت " # PageV01P410 ### | سورة آل عمران # مدنية وآياتها مائتان ### | 139 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي بن أحمد الخفاف، أخبرنا أبو عمرو محمد بن ~~جعفر الحيري، حدثنا إبراهيم بن شريك، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا سلام بن ~~سليم، حدثنا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي بن كعب قال: ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة آل عمران أعطي بكل آية ~~منها أمانا على جسر جهنم» ### | 140 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر، ~~حدثنا محمد بن جعفر القرشي، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا بشير بن المهاجر، عن ~~عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «تعلموا ~~سورة البقرة وسورة آل عمران، فإنهما الزهراوان وإنهما يظلان صاحبهما يوم ~~القيامة، كأنهما غمامتان، أو غيابتان، أو فرقان، من طير صواف» # PageV01P411 # {الم {1} الله لا إله إلا هو الحي القيوم {2} نزل عليك الكتاب بالحق ~~مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل {3} من قبل هدى للناس وأنزل ~~الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام {4} ~~إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء {5} هو الذي يصوركم في ~~الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم {6} } [آل عمران: 1-6] بسم ~~الله الرحمن الرحيم الم وتفسير الم قد تقدم، وكذلك تفسير {الله لا إله إلا ~~هو الحي القيوم} [آل عمران: 2] . # وقوله: {نزل عليك الكتاب} [آل عمران: 3] يعني القرآن، وإنما قال: نزل. # ثم قال: {وأنزل التوراة} [آل عمران: 3] لأن التنزيل للتكثير، والقرآن نزل ~~نجوما شيئا بعد شيء، والتوراة والإنجيل نزلا دفعة واحدة. # وقوله: بالحق أي: بالصدق في أخباره وجميع دلالاته، {مصدقا لما بين يديه} ~~[آل عمران: 3] موافقا لما تقدم الخبر به في سائر الكتب، وفي ذلك دليل على ~~صحة نبوة محمد ms0247 صلى الله عليه وسلم. # وقوله: {لما بين يديه} [آل عمران: 3] من مجاز الكلام، وذلك أن ما بين ~~يديك فهو أمامك، فقيل لكل ما تقدم على الشيء: هو بين يديه. # {وأنزل التوراة} [آل عمران: 3] وهي اسم لكتاب موسى، والإنجيل اسم لكتاب ~~عيسى. # من قبل من قبل القرآن هدى للناس هاديين لمن آمن بهما إلى طريق الحق، ~~{وأنزل الفرقان} [آل عمران: 4] يعني كتاب محمد صلى الله عليه وسلم الذي فرق ~~بين الحق والباطل. # قال السدي: في الآية تقديم وتأخير، لأن التقدير: وأنزل التوراة والإنجيل ~~وأنزل الفرقان هدى للناس. # {إن الذين كفروا بآيات الله} [آل عمران: 4] بمحمد صلى الله عليه وسلم ~~والقرآن، {لهم عذاب شديد} [آل عمران: 4] في النار، {والله عزيز} [آل عمران: ~~4] غالب قوي، {ذو انتقام} [آل عمران: 4] ممن كفر به، يقال: انتقم منه ~~انتقاما، إذا كافأه عقوبة بما صنع. # {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء} [آل عمران: 5] لا ~~يغيب عن علمه شيء فيهما. # {هو الذي يصوركم في الأرحام} [آل عمران: 6] جمع رحم، وهي مستقر الولد في ~~بطن الأم، كيف يشاء ذكرا أو # PageV01P412 # أنثى، قصيرا أو طويلا، أسود أو أبيض، سعيدا أو شقيا، {لا إله إلا هو ~~العزيز} [آل عمران: 6] في ملكه، الحكيم في خلقه. # {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ~~فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء ~~تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من ~~عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب {7} ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ~~وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب {8} ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب ~~فيه إن الله لا يخلف الميعاد {9} } [آل عمران: 7-9] قوله تعالى: {هو الذي ~~أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات} [آل عمران: 7] قال ابن عباس، في رواية ~~عطاء المحكمات: هي الثلاث آيات في آخر { [الأنعام] قل تعالوا أتل} [سورة ~~الأنعام: 151] إلى آخر الآيات الثلاث. # وهذه الآيات ms0248 محكمات لأنها لا تحتمل من التأويل غير وجه واحد. # قال ابن الأنباري: الآية المحكمة: التي منعت كثرة التأويلات، لأنها لا ~~تحتمل إلا تفسيرا واحدا. # {هن أم الكتاب} [آل عمران: 7] أي: أصل الكتاب الذي يعمل عليه، والآيات ~~الثلاث في الأنعام هن أم كل كتاب أنزله الله على النبي، فيهن كل ما أحل ~~وفيهن كل ما حرم. # ووحد الأم بعد قوله: هن لأنهن بكمالهن أم، وليست كل واحدة منهن أم الكتاب ~~على انفرادها. # PageV01P413 # وقوله: وأخر جمع أخرى، متشابهات يريد: التي تشابهت على اليهود، وهي حروف ~~التهجي في أوائل السور، وذلك لأنهم أولوها على حساب الجمل، وطلبوا أن ~~يستخرجوا منها مدة بقاء هذه الأمة، فاختلط عليهم واشتبه. # والمتشابه من القرآن: ما احتمل من التأويل أوجها، وسمي متشابها لأن لفظه ~~يشبه لفظ غيره، ومعناه يخالف معناه، قال الله تعالى في وصف ثمار الجنة: ~~{وأتوا به متشابها} [البقرة: 25] أي: متفق المناظر مختلف الطعوم. # ثم يقال لكل ما غمض ودق: متشابه. # وإن لم تقع الحيرة فيه من جهة الشبه بغيره، ألا ترى أنه قيل للحروف ~~المقطعة في أوائل السور: متشابه. # وليس الشك فيها لمشاكلتها غيرها والتباسها به. # وقوله: {فأما الذين في قلوبهم زيغ} [آل عمران: 7] أي: ميل عن الحق، وهم ~~اليهود، طلبوا علم أجل هذه الأمة واستخراجه من الحروف المقطعة، وهو قوله: ~~{فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} [آل عمران: 7] قال مجاهد: طلب اللبس ~~ليضلوا به جهالهم. # {وابتغاء تأويله} [آل عمران: 7] التأويل: التفسير، ومعناه: ما يئول إليه ~~الشيء، أي: يرجع، قال ابن عباس: وابتغاء تأويله: طلب مدة أجل أمة محمد صلى ~~الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله} [آل عمران: 7] ~~يريد: ما يعلم انقضاء مدة ملك أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا الله، لأن ~~انقضاء ملك هذه الأمة مع قيام الساعة، ولا يعلم ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل. # ثم ابتدأ وقال: {والراسخون في العلم} [آل عمران: 7] أي: الثابتون فيه، ~~والرسوخ في اللغة: الثبوت في الشيء. # وعند أكثر المفسرين: المراد بالراسخين ms0249: علماء مؤمني أهل الكتاب، قال ابن ~~عباس ومجاهد والسدي: # PageV01P414 # بقولهم آمنا به سماهم الله تعالى راسخين في العلم، فرسوخهم في العلم: ~~قولهم: آمنا به أي: بالمتشابه، {كل من عند ربنا} [آل عمران: 7] المحكم ~~والمتشابه وما علمناه وما لم نعلمه. ### | 141 - # أخبرنا سعيد بن محمد القري، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا إبراهيم بن ~~محمد بن يوسف الهسنجاني، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا محمد بن حرب، عن أبي ~~سلمة، عن أبي حسين، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: نزل القرآن على أربعة ~~وجوه: فوجه حلال وحرام لا يسع أحدا جهالتهما، ووجه عربي تعرفه العرب، ووجه ~~تأويل يعلمه العلماء، ووجه تأويل لا يعلمه إلا الله فمن انتحل فيه علما فقد ~~كذب # وقوله: {وما يذكر إلا أولو الألباب} [آل عمران: 7] أي: ما يتعظ بالقرآن ~~إلا ذوو العقول. # قوله: {ربنا لا تزغ قلوبنا} [آل عمران: 8] أي: ويقول الراسخون: {ربنا لا ~~تزغ قلوبنا} [آل عمران: 8] . # لا تملها عن الهوى والقصد كما أزغت قلوب اليهود والنصارى والذين في ~~قلوبهم زيغ، {بعد إذ هديتنا} [آل عمران: 8] للإيمان بالمحكم والمتشابه من ~~كتابك. # وروت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يا مقلب القلوب ثبت ~~قلبي على دينك» . # ثم قرأ: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت ~~الوهاب} [آل عمران: 8] . # PageV01P415 # قوله: {ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه} [آل عمران: 9] يعني: يوم ~~القيامة يجمعهم الله للجزاء في ذلك اليوم، وهذا إقرار من المؤمنين بالبعث، ~~{إن الله لا يخلف الميعاد} [آل عمران: 9] يعني: ميعاد الجمع والبعث. # {إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك ~~هم وقود النار {10} كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم ~~الله بذنوبهم والله شديد العقاب {11} قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى ~~جهنم وبئس المهاد {12} قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل ~~الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن ms0250 في ~~ذلك لعبرة لأولي الأبصار {13} } [آل عمران: 10-13] قوله: {إن الذين كفروا} ~~[آل عمران: 10] قال ابن عباس: يعني قريظة والنضير. # {لن تغني عنهم أموالهم} [آل عمران: 10] لن تنفع ولن تدفع عنهم أموالهم، ~~{ولا أولادهم من الله} [آل عمران: 10] قال الكلبي: من عذاب الله. # {شيئا وأولئك هم وقود النار} [آل عمران: 10] أي: هم الذين توقد بهم ~~النار. # {كدأب آل فرعون} [آل عمران: 11] قال ابن عباس ومجاهد والسدي: كفعل آل ~~فرعون وصنيعهم في الكفر والتكذيب، يريد: أن اليهود كفرت بمحمد صلى الله ~~عليه وسلم كعادة آل فرعون في تكذيب موسى بعدما عرفوا صدقه. # والمعنى: دأبهم في الكفر كدأب آل فرعون، والدأب معناه في اللغة: الأمر ~~والشأن والعادة، {والذين من قبلهم} [آل عمران: 11] يعني كفار الأمم ~~الخالية، {كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب} [آل ~~عمران: 11] . # {قل للذين كفروا} [آل عمران: 12] قال ابن عباس: يعني يهود المدينة، وقال ~~مقاتل: يعني مشركي مكة. # {ستغلبون} [آل عمران: 12] ستصيرون مغلوبين بنصرة الله المؤمنين عليكم، ~~وقد فعل ذلك، فاليهود غلبوا بوضع الجزية عليهم، والمشركون غلبوا بالسيف. # قوله: {وتحشرون إلى جهنم} [آل عمران: 12] وعيد لهم بالنار. # PageV01P416 # وقرئ بالتاء والياء، قال الفراء: يجوز في مثل هذا التاء والياء، لأنك ~~تقول في الكلام: قل لعبد الله أنه قائم وأنك قائم. # وفي حرف عبد الله قل للذين كفروا إن تنتهوا يغفر لكم ما قد سلف قوله: ~~{وبئس المهاد} [آل عمران: 12] قال ابن عباس: بئس ما قد مهد لكم وبئس ما ~~مهدتم لأنفسكم. # قوله: {قد كان لكم آية} [آل عمران: 13] يخاطب الذين ذكرهم في قوله: {قل ~~للذين كفروا} [آل عمران: 12] وأراد بالآية: علامة تدل على صدق محمد صلى ~~الله عليه وسلم. # {في فئتين} [آل عمران: 13] يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ~~يوم بدر، ومشركي مكة حين خرجوا لقتاله، {التقتا} [آل عمران: 13] اجتمعتا، ~~{فئة تقاتل في سبيل الله} [آل عمران: 13] وهم المؤمنون، {وأخرى كافرة} [آل ~~عمران: 13] يعني المشركين، {يرونهم} [آل عمران: 13] ترى الفئة المسلمة ~~الفئة الكافرة، {مثليهم} [آل عمران: 13] وهم كانوا ms0251 ثلاثة أمثالهم. # ولكن الله أرى المسلمين أن المشركين لا يزيدون عن مثليهم، وذلك أن الله ~~كان قد أعلم المسلمين أن المائة منهم تغلب المائتين من الكفار فأراهم ~~المشركين على قدر ما أعلمهم أنهم يغلبونهم لتقوى قلوبهم. # ومن قرأ ترونهم بالتاء فلأن ما قبله خطاب لليهود، والمعنى: ترون أيها ~~اليهود المشركين ضعفي المؤمنين، على ما ذكرنا من تقليل الله المشركين في ~~الأعين. # وقوله: {رأي العين} [آل عمران: 13] يجوز أن تكون مصدرا، يقال: رأيته رأيا ~~ورؤية. # ويجوز أن تكون ظرفا للمكان، كما تقول: ترونهم أمامكم. # {والله يؤيد} [آل عمران: 13] يقوي، {بنصره من يشاء} [آل عمران: 13] يعني: ~~المؤمنين نصرهم يوم بدر على قلتهم، {إن في ذلك} [آل عمران: 13] أي: # PageV01P417 # فيما فعل من نصرة المؤمنين، {لعبرة} [آل عمران: 13] العبرة: الاعتبار، ~~وهي الآية التي يعبر بها من منزلة الجهل إلى العلم، وأصله من العبور، وهو ~~النفوذ من جانب إلى جانب، لأن المعتبر بالشيء تارك جهله وواصل إلى علمه بما ~~رأى. # وقوله: {لأولي الأبصار} [آل عمران: 13] أي: لأولي العقول، يقال: لفلان ~~بصر بهذا الأمر. # أي: علم ومعرفة. # {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب ~~والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده ~~حسن المآب} [آل عمران: 14] قوله: {زين للناس حب الشهوات} [آل عمران: 14] ~~أي: بما جعل في طباعهم من الميل إلى هذه الأشياء محنة كما قال عز وجل: {إنا ~~جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم} [الكهف: 7] . # و {الشهوات} [آل عمران: 14] : جمع شهوة، وهي توقان النفس إلى الشيء ميلا ~~إليه. # {والقناطير} [آل عمران: 14] جمع قنطار، وهو المال الكثير، حكى أبو عبيدة ~~عن العرب أنهم يقولون: هو وزن لا يحد. # قال مجاهد: هو سبعون ألف دينار. # وقال معاذ بن جبل: القنطار: ألف ومائتا أوقية. # وقال الضحاك: اثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار. # وقال أبو نضرة: هو ملء مسك ثور ذهبا. # و {المقنطرة} [آل عمران: 14] قال قتادة: المال الكثير بعضه على بعض. # وقوله: {والخيل المسومة} [آل عمران: 14] الخيل: جمع لا ms0252 واحد له من لفظه، ~~كالقوم والنساء والرهط. # فأما المسومة فقال ابن عباس في رواية # PageV01P418 # عطاء: هي الراعية، يقال: أسمت الماشية وسومتها، إذا رعيتها. # فهي مسامة ومسومة، ومنه قوله تعالى: {فيه تسيمون} [النحل: 10] . # وقال في رواية الوالبي: هي المعلمة من السيما التي هي العلامة. # ومعنى العلامة ههنا: الكي في قول المؤرج، والبلق في قول ابن كيسان، ~~والشية في قول قتادة. # قوله: {والأنعام} [آل عمران: 14] جمع نعم، والنعم من الإبل والبقر ~~والغنم، {والحرث} [آل عمران: 14] الأرض المهيأة للزراعة، قوله: {ذلك متاع ~~الحياة الدنيا} [آل عمران: 14] يعني ما ذكر من هذه الأشياء، وهي مما يتمتع ~~به في الدنيا، {والله عنده حسن المآب} [آل عمران: 14] أي: المرجع، يقال: آب ~~الرجل ويئوب أوبة وأيبة وإيابا. # وفي هذا ترغيب فيما عند الله من الجنة والثواب، إذ ذكر أن عنده حسن ~~المآب. # ثم أعلم أن خيرا من جميع ما في الدنيا ما أعده لأوليائه، فقال: {قل ~~أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار ~~خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد {15} الذين ~~يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار {16} الصابرين ~~والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار {17} } [آل عمران: ~~15-17] {قل أؤنبئكم} [آل عمران: 15] قل لهم يا محمد: أأخبركم {بخير من ~~ذلكم} [آل عمران: 15] الذي ذكرت؟ {للذين اتقوا} [آل عمران: 15] قال ابن ~~عباس: يريد المهاجرين والأنصار، أراد الله أن يعزيهم ويشوقهم إلى المعاد، ~~ويدخل في هذا كل من آمن بالله واتقى الشرك. # PageV01P419 # وما بعد هذا قد تقدم تفسيره إلى قوله: {ورضوان من الله} [آل عمران: 15] ~~وقرئ بضم الراء، وهي لغة قيس وتميم، قال الفراء: يقال: رضيت رضا ورضوانا ~~ورضوانا ومرضاة. # {والله بصير بالعباد} [آل عمران: 15] عالم بهم، وإذا كان عالما بهم ~~جازاهم بما يستحقون. # ثم وصفهم فقال: {الذين يقولون ربنا إننا آمنا} [آل عمران: 16] الآية. # ثم زاد في وصفهم فقال: الصابرين قال ابن عباس: على دينهم وعلى ما أصابهم. # والصادقين قال قتادة: هم قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم ms0253، ~~فصدقوا في السر والعلانية. # والقانتين الطائعين لله، والمنفقين قال ابن عباس: الذين ينفقون الحلال في ~~طاعة الله. # والمستغفرين بالأسحار قال مجاهد وقتادة: يعني: المصلين بالأسحار، جمع ~~سحر، وهو الوقت قبيل طلوع الفجر. # قال الزجاج: وصف الله هؤلاء بما وصف، ثم بين أنهم مع ذلك لشدة خوفهم ~~يستغفرون بالأسحار. # {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله ~~إلا هو العزيز الحكيم {18} إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين ~~أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله ~~فإن الله سريع الحساب {19} فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل ~~للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا ~~فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد {20} } [آل عمران: 18-20] قوله ~~تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} [آل عمران: 18] قال الزجاج: معنى شهد ~~الله: بين وأظهر، لأن الشاهد هو العالم الذي يبين ما علمه، والله عز وجل قد ~~دل على توحيده بجميع ما خلق، فبين أنه لا يقدر أحد أن ينشئ شيئا واحدا مما ~~أنشأ. # PageV01P420 # وقوله: وأولو العلم أي: وشهد بتوحيده أولو العلم بما ثبت عندهم، قال ~~مقاتل: هم مؤمنو أهل الكتاب. # وقال عطاء، عن ابن عباس: يعني المهاجرين والأنصار. # وقال السدي والكلبي: يعني علماء المؤمنين كلهم. # وقوله: {قائما بالقسط} [آل عمران: 18] أي: بالعدل، كما يقال: فلان قائم ~~بهذا الأمر، أي: يجريه على الاستقامة في جميع الأمور، والله تعالى يجري ~~التدبير على الاستقامة في جميع الأمور. ### | 142 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن ~~رجا، أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا عمار بن عمر بن المختار، عن أبيه، عن ~~غالب القطان قال: أتيت الكوفة في تجارة، فنزلت قريبا من الأعشى، فكنت أختلف ~~إليه فلما كانت ليلة أردت أن أنحدر إلى البصرة قام من الليل يتهجد، فمر ~~بهذه: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا ~~إله إلا هو العزيز ms0254 الحكيم} [آل عمران: 18] ثم قال الأعشى: وأنا أشهد بما ~~شهد الله به، وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة {إن الدين ~~عند الله الإسلام} [آل عمران: 19] قالها مرارا. # قلت: لقد سمع فيها شيئا، فصليت معه وودعته، ثم قلت: آية سمعتك ترددها، ~~قال: أوما بلغك ما فيها؟ قلت: أنا عندك منذ سنتين لم تحدثني. # قال: والله لا أحدثك بها سنة، فكتبت على بابه ذلك اليوم، وأقمت سنة، فلما ~~مضت السنة قلت: يا أبا محمد قد مضت السنة، فقال: حدثني أبو وائل، عن عبد ~~الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجاء بصاحبها يوم القيامة ~~فيقول الله: إن لعبدي هذا عني عهدا، وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي ~~الجنة " # PageV01P421 # قوله: {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19] الأحسن كسر ألف إن لأن ~~الكلام الذي قبله قد تم، ووجه قراءة من قرأ بالفتح: أن تكون الشهادة واقعة ~~على أن، على أن يكون بدلا من الأولى، فكأن التقدير: شهد الله أن الدين عند ~~الله الإسلام، دين الله الذي شرع لنفسه، وبعث به رسله، ودل عليه أولياءه، ~~ولا يقبل غيره ولا يجزي إلا به. # ومعنى الإسلام في اللغة: الدخول في السلم، أي: في الانقياد والمتابعة، ثم ~~من الإسلام ما هو متابعة وانقياد باللسان دون القلب، وهو قوله: {قل لم ~~تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} [الحجرات: 14] ، ومنه ما هو متابعة وانقياد ~~باللسان والقلب، وهو قوله: {قال أسلمت لرب العالمين} [البقرة: 131] روى ~~الحسن، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " تعرض ~~الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول: أي رب، إني الصلاة. # فيقول الله عز وجل: إنك على خير. # ثم تجيء الصدقة فتقول: أي رب، إني الصدقة. # فيقول: إنك على خير. # ويجيء الصيام، وتجيء الأعمال كذلك، ويجيء، أحسبه قال: الإسلام. # فيقول: أي رب، أنت السلام وأنا الإسلام. # فيقول الله: إنك على خير، بك آخذ اليوم وبك أعطي ". # ثم قال الحسن: {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19] ، {ومن يبتغ ~~غير ms0255 الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران: 85] ~~. # PageV01P422 # قوله: {وما اختلف الذين أوتوا الكتاب} [آل عمران: 19] قال ابن عباس: يعني ~~قريظة والنضير وأتباعهم. # يقول: لم تختلف اليهود في صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لما كانوا ~~يجدونه في كتابهم من نعته. # {إلا من بعد ما جاءهم العلم} [آل عمران: 19] يعني النبي صلى الله عليه ~~وسلم، وسمي علما لأنه كان معلوما عندهم. # والمعنى: أنهم كانوا يصدقونه بنعته وصفته قبل بعثه، فلما جاءهم اختلفوا، ~~فآمن بعضهم وكفر آخرون، فقالوا: لست الذي وعدنا به، كقوله تعالى: {فلما ~~جاءهم ما عرفوا كفروا به} [البقرة: 89] . # وقوله: {ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب} [آل عمران: 19] هذا ~~شرط وجواب يتضمن وعيدا لليهود الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم. # وذكر معنى سريع الحساب في { [البقرة. # قوله: فإن حاجوك أي: جادلوك، يعني اليهود والنصارى،] فقل أسلمت وجهي لله} ~~[سورة آل عمران: 20] قال الفراء: أخلصت عملي لله. # ومعنى الوجه ههنا: العمل، وتقدم الكلام في هذا عند قوله: {بلى من أسلم ~~وجهه لله} [البقرة: 112] . # وقوله: ومن اتبعن يريد: المهاجرين والأنصار، {وقل للذين أوتوا الكتاب} ~~[آل عمران: 20] يعني اليهود، والأميين يعني العرب أأسلمتم قال الفراء ~~والزجاج: معناه الأمر، أي: أسلموا. # ومثله قول: {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91] أي: انتهوا، فإن أسلموا أي: ~~انقادوا للقرآن، صدقوا بما جئت به، فقد اهتدوا صاروا مهتدين، وإن تولوا ~~أعرضوا عنك، {فإنما عليك البلاغ} [آل عمران: 20] فليس عليك إلا أن تبلغ ~~الرسالة، {والله بصير بالعباد} [آل عمران: 20] قال ابن عباس: يريد: بمن آمن ~~بك وصدقك، وبمن كفر بك وكذبك. # {إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين ~~يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم {21} أولئك الذين حبطت أعمالهم ~~في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين {22} } [آل عمران: 21-22] قوله: {إن ~~الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق} [آل عمران: 21] تقدم ~~تفسيره في { [البقرة. # PageV01P423 # وقوله:] ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس} [سورة آل عمران: 21] روى ~~أبو عبيدة بن ms0256 الجراح: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «قتلت بنو إسرائيل ~~ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة واثنا عشر من ~~عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا ~~من آخر النهار، فهم الذين ذكرهم الله في كتابه وأنزل الآية فيهم» . # وأخبر ببطلان عملهم فقال: {أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة} ~~[آل عمران: 22] يريد بأعمالهم: ما هم عليه من ادعائهم التمسك بالتوراة ~~وإقامة شريعة موسى، وأراد ببطلانها في الدنيا: أنها لم تحقن دماءهم ~~وأموالهم، وفي الآخرة: لم يستحقوا بها مثوبة، فصارت كأنها لم تكن. # {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم ~~بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون {23} ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار ~~إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون {24} فكيف إذا جمعناهم ~~ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون {25} } [آل عمران: ~~23-25] قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب} [آل عمران: ~~23] يعني علماء اليهود من قريظة والنضير، أعطوا حظا من التوراة لأنهم كانوا ~~يعلمون بعضها، {يدعون إلى كتاب الله} [آل عمران: 23] قال ابن عباس في رواية ~~الضحاك: المراد ب {كتاب الله} [آل عمران: 23] ههنا: القرآن. # وهو قول قتادة، قال: دعوا إلى القرآن بعد أن ثبت أنه كتاب الله، حيث لم ~~يقدر بشر أن يعارضه. # وقوله: ليحكم بينهم جعل الله تعالى القرآن حكما بين اليهود وبين النبي ~~صلى الله عليه وسلم، فحكم القرآن عليهم بالضلالة فأعرضوا عنه، وهو قوله: ~~{ثم يتولى فريق منهم} [آل عمران: 23] يعني من أعرض عن حكم القرآن فلم يؤمن ~~به من رؤساء اليهود. # وقوله: {وهم معرضون} [آل عمران: 23] قال ابن الأنباري: يجوز أن يكون ~~المعرضون الباقين من اليهود، ويجوز أن يكون # PageV01P424 # الفريق المتولي هم المعرضون. # ثم بين سبب إعراضهم فقال: ذلك أي: ذلك الإعراض عن حكمك يا محمد، {بأنهم} ~~[آل عمران: 24] بسبب اغترارهم ومقالتهم، حيث {قالوا لن تمسنا النار إلا ~~أياما ms0257 معدودات} [آل عمران: 24] ومضى تفسير هذا. # وقوله: {وغرهم في دينهم} [آل عمران: 24] الغرور: الإطماع فيما لا يصح. # وقوله: {ما كانوا يفترون} [آل عمران: 24] يعني قولهم: {لن تمسنا النار ~~إلا أياما معدودات} [آل عمران: 24] . # قوله: {فكيف إذا جمعناهم} [آل عمران: 25] كيف معناه: السؤال عن الحال، ~~والتقدير: فكيف حالهم إذا جمعناهم؟ ليوم أي: لجزاء يوم، أو لحساب يوم، {لا ~~ريب فيه} [آل عمران: 25] يعني: يوم القيامة، يجمع الخلق فيه للحساب ~~والجزاء. # وتأويل الكلام: أي حالة تكون حال من اغتر بالدعاوى الباطلة إذا جمعوا ~~ليوم الجزاء؟ قوله: {ووفيت كل نفس} [آل عمران: 25] أي: وفرت وجوزيت، ما ~~كسبت أي: جزاء ما كسبت من خير أو شر، يعني: أعطيت كل نفس جزاءها كاملا، ~~{وهم لا يظلمون} [آل عمران: 25] لا ينقص من حسناتهم، ولا يزاد على سيئاتهم. # {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من ~~تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير {26} تولج الليل في ~~النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ~~وترزق من تشاء بغير حساب {27} } [آل عمران: 26-27] قوله تعالى: {قل اللهم ~~مالك الملك} [آل عمران: 26] الآية، قال ابن عباس: لما فتح رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم، قال المنافقون واليهود: ~~هيهات هيهات، فارس والروم أعز وأمنع من أن يغلب على بلادهم. # فأنزل الله هذه الآية. # ومعنى اللهم: يا الله، مالك الملك مصرفه ومدبره كما يشاء، {تؤتي الملك من ~~تشاء} [آل عمران: 26] محمدا # PageV01P425 # وأصحابه، {وتنزع الملك ممن تشاء} [آل عمران: 26] الروم والعجم، {وتعز من ~~تشاء} [آل عمران: 26] قال ابن عباس: يريد: المهاجرين والأنصار، {وتذل من ~~تشاء} [آل عمران: 26] يريد: الروم وفارس، بيدك الخير عز الدنيا والآخرة. ### | 143 - # أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد الرمجاري، أخبرنا الإمام أبو سهل ~~محمد بن سليمان الحنفي، حدثنا محمد بن جمعة بن خلف، حدثنا محمد بن زنبور، ~~حدثنا الحارث بن عمير، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن ms0258 جده، عن علي بن أبي ~~طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن فاتحة الكتاب وآية ~~الكرسي والآيتين من آل عمران {شهد الله أنه لا إله إلا هو} [آل عمران: 18] ~~و {قل اللهم مالك الملك} [آل عمران: 26] إلى قوله: {وترزق من تشاء بغير ~~حساب} [آل عمران: 27] مشفعات، ما بينهن وبين الله حجاب، لما أراد الله أن ~~ينزلهن تعلقن بالعرش فقلن: يا رب: تهبطنا إلى أرضك وإلى من يعصيك، قال ~~الله: بي حلفت لا يقرأكن أحد من عبادي دبر كل صلاة إلا جعلت الجنة مأواه ~~على ما كان فيه، وإلا أسكنته حظيرة القدس، وإلا قضيت له في كل يوم سبعين ~~حاجة أدناها المغفرة " # PageV01P426 # قوله: {تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل} [آل عمران: 27] قال ~~جميع المفسرين: تجعل ما نقص من أحدهما زيادة في الآخر. # والإيلاج: الإدخال، يقال: أولجت الشيء في الشيء، إذا أدخلته فيه. # {وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي} [آل عمران: 27] قال أكثر أهل ~~التفسير: تخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن. # {وترزق من تشاء بغير حساب} [آل عمران: 27] قال الزجاج: بغير تقتير ~~وتضييق. # يقال: فلان ينفق بغير حساب، إذا كان يوسع في النفقة. # وكأنه لا يحسب ما ينفقه. # {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من ~~الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ~~{28} قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات ~~وما في الأرض والله على كل شيء قدير {29} يوم تجد كل نفس ما عملت من خير ~~محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه ~~والله رءوف بالعباد {30} } [آل عمران: 28-30] قوله: {لا يتخذ المؤمنون ~~الكافرين أولياء من دون المؤمنين} [آل عمران: 28] نزلت الآية في قوم من ~~المؤمنين كانوا يباطنون اليهود ويوالونهم، نهى الله سبحانه المؤمنين أن ~~يلاطفوا الكفار ويوالونهم. # PageV01P427 # ثم أوعد على ذلك فقال: {ومن يفعل ذلك} [آل عمران ms0259: 28] أي: اتخاذ الأولياء ~~من الكفار، {فليس من الله في شيء} [آل عمران: 28] أي: من دين الله، ~~والمعنى: أنه قد برئ منه وفارق دينه. # ثم استثنى فقال: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} [آل عمران: 28] يقال: تقيته ~~تقاة وتقى وتقية. # وهذا في المؤمن إذا كان في قوم كفار ليس فيهم غيره، وخافهم على نفسه ~~وماله، فله أن يداريهم باللسان، وقلبه مطمئن بالإيمان دفعا عن نفسه. # قال ابن عباس: يعني: مداراة ظاهرة. # {ويحذركم الله نفسه} [آل عمران: 28] يخوفكم الله على موالاة الكفار عذاب ~~نفسه، قال الزجاج: معنى نفسه: إياه، كأنه قال: وحذركم الله إياه. # {وإلى الله المصير} [آل عمران: 28] أي: إليه يرجع الخلق كلهم بعد الموت. # قوله: {قل إن تخفوا ما في صدوركم} [آل عمران: 29] يعني: من مودة الكفار ~~وموالاتهم، أو تبدوه أي: تظهروه، يعلمه الله أي: يجازيكم على ذلك، لأنه ~~عالم به، {ويعلم ما في السموات وما في الأرض} [آل عمران: 29] إتمام ~~التحذير، لأنه إذا كان لا يخفى عليه شيء فكيف عليه الضمير؟ وقوله: {والله ~~على كل شيء قدير} [آل عمران: 29] تحذير من عقاب من لا يعجزه شيء. # قوله: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا} [آل عمران: 30] يريد بيان ~~ما عملت بما ترى من صحائف الحسنات، ويجوز أن يكون المعنى: جزاء ما عملت بما ~~ترى من الثواب، {وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا} [آل ~~عمران: 30] قال مقاتل: كما بين المشرق والمغرب. # وقال الحسن: يسر أحد أن لا يلقى عمله أبدا. # والأمد: الغاية التي ينتهي إليها. # {والله رءوف بالعباد} [آل عمران: 30] قال الحسن: من رأفته بهم أن حذرهم ~~نفسه ولم يهلكهم من غير تحذير. # PageV01P428 # {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله ~~غفور رحيم {31} قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ~~{32} } [آل عمران: 31-32] قوله عز وجل: {قل إن كنتم تحبون الله} [آل عمران: ~~31] الآية، قال ابن عباس في رواية الضحاك: وقف النبي صلى الله عليه وسلم ~~على ms0260 قريش، وهم في المسجد الحرام يسجدون للأصنام، فقال: «يا معشر قريش، ~~والله لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم» . # فقالت قريش: إنما نعبد هذه حبا لله، ليقربونا إلى الله. # فقال الله: قل يا محمد، {إن كنتم تحبون الله} [آل عمران: 31] وتعبدون ~~الأصنام بتقربكم إلى الله، {فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31] فأنا ~~رسوله إليكم، وحجته عليكم، وأنا أولى بالتعظيم من أصنامكم. # ومعنى محبة العبد لله: إرادته طاعته، وإيثاره أمره، ورضاه بشرائعه. # ومعنى محبة الله للعبد: إرادته لثوابه، وعفوه عنه، وإنعامه عليه. # ومعنى الآية: إن كنتم تحبون طاعة الله وتريدون رضاه وثوابه فاتبعوني ~~وأطيعوا أمري يثبكم الله، {ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} [آل عمران: ~~31] . # ثم بين أن طاعة الله معلقة بطاعة الرسول، فلا يتم لأحد طاعة الله مع ~~عصيان الرسول، فقال: {قل أطيعوا الله والرسول} [آل عمران: 32] قال ابن ~~عباس: يريد محمدا صلى الله عليه وسلم، فإن طاعتكم له طاعة لي. # فإن تولوا أعرضوا عن طاعتك، {فإن الله لا يحب الكافرين} [آل عمران: 32] ~~لا يغفر لهم ولا يثني عليهم. # {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين {33} ذرية ~~بعضها من بعض والله سميع عليم {34} إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما ~~في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم {35} فلما وضعتها قالت رب ~~إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم ~~وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم {36} فتقبلها ربها بقبول حسن ~~وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا # PageV01P429 # كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا ~~قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب {37} } [آل عمران: ~~33-37] {إن الله اصطفى آدم ونوحا} [آل عمران: 33] الآية، أي: جعلهم صفوة ~~خلقة، واختارهم بالنبوة والرسالة. # وأراد بآل إبراهيم: إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وبآل عمران: موسى ~~وهارون، وإنما خص هؤلاء بالذكر لأن الأنبياء بأسرهم من نسلهم. # وقوله: {على العالمين} [آل عمران: 33] يعني عالمي زمانهم. # {ذرية} [آل عمران: 34] نصب ms0261 على البدل من الذين اصطفاهم، {بعضها من بعض} ~~[آل عمران: 34] أي: من ولد بعض، لأن الجميع ذرية آدم ثم ذرية نوح، والله ~~سميع لما تقوله الذرية المصطفاة، عليم بما تضمره، فلذلك فضلها على غيرها. # قوله تعالى: {إذ قالت امرأة عمران} [آل عمران: 35] أي: اذكر يا محمد ~~لقومك هذه القصة، وهي: إذ قالت امرأة عمران، يعني حنة أم مريم جدة عيسى ~~عليه السلام، {إني نذرت لك ما في بطني} [آل عمران: 35] معنى {نذرت} [آل ~~عمران: 35] : أوجبت، والنذر: ما يوجبه الإنسان على نفسه. # وقوله: {محررا} [آل عمران: 35] أي: عتيقا خالصا لله، خادما للكنيسة، ~~مفرغا للعبادة ولخدمة الكنيسة، وكل ما أخلص فهو محرر، يقال: حررت العبد، ~~إذا أعتقته. # قال ابن عباس: ولم يكن يحرر في ذلك الوقت إلا الغلمان، فحررت ما في بطنها ~~قبل أن تعلم ما هو، حتى وضعت. # فلما وضعتها إذا هي جارية ف {قالت} [آل عمران: 36] عند ذلك: {رب إني ~~وضعتها أنثى} [آل عمران: 36] اعتذرت إلى الله حين فعلت ما لا يجوز من تحرير ~~الأنثى للكنيسة، {والله أعلم بما وضعت} [آل عمران: 36] هذا من كلام الله، ~~لا من كلام حنة، ولو كان من كلامها لكان: وأنت أعلم بما وضعت. # لأنها تخاطب الله تعالى. # ومن ضم التاء جعل هذا من كلام أم مريم، قالت: {والله أعلم بما وضعت} [آل ~~عمران: 36] بعد قولها: {رب إني وضعتها أنثى} [آل عمران: 36] . # PageV01P430 # قوله: {وليس الذكر كالأنثى} [آل عمران: 36] أي: في خدمة الكنيسة والعباد ~~الذين فيها، لما يلحق الأنثى من الحيض والنفاس. # {وإني أعيذها بك} [آل عمران: 36] أي: أمنعها وأجيرها بك، وذريتها يعني ~~عيسى، {من الشيطان الرجيم} [آل عمران: 36] المطرود المرمي بالشهب. ### | 144 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي، حدثنا أبو الفضل محمد بن ~~عبد الله بن خميرويه الهروي، أخبرنا علي بن محمد الخزاعي، حدثنا أبو ~~اليمان، أخبرني شعيب، عن الزهري قال: حدثني سعيد بن المسيب قال: قال أبو ~~هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من بني آدم مولود إلا ms0262 ~~يسمه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم بنت عمران ~~وابنها عيسى» . # ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم «وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان ~~الرجيم» # {فتقبلها ربها بقبول حسن} [آل عمران: 37] أي: رضيها، وكان المحرر الذي ~~نذرته حنة، ولم يقبل قبلها أنثى في ذلك المعنى، {وأنبتها نباتا حسنا} [آل ~~عمران: 37] قال ابن الأنباري والزجاج: وأنبتها فنبتت نباتا حسنا. # قال ابن عباس: يريد: في صلاح ومعرفة بالله وطاعة له وخدمة للمسجد. # {وكفلها زكريا} [آل عمران: 37] أي: ضمنها إلى نفسه، وقام بأمرها، قال ~~الزجاج: ضمن القيام بأمرها، يقال: كفل يكفل كفالة فهو كافل. # وهو الذي كفل إنسانا يعوله وينفق عليه. # PageV01P431 # وفي زكريا قرءاتان: القصر والمد، وهما لغتان، كقولهم: الهيجاء والهيجا. # وقرأ حمزة وكفلها مشددة، وزكريا على هذه القراءة منصوب لأنه المفعول ~~الثاني للتكفيل، ومعناه: ضمنها الله زكريا فضمنها إليه. # وقوله: {كلما دخل عليها زكريا المحراب} [آل عمران: 37] لما ضم زكريا مريم ~~إلى نفسه بنى لها محرابا في المسجد لا يرقى إليه إلا بسلم ولا يصعد إليها ~~غيره. # قال الأصمعي: {المحراب} [آل عمران: 37] : الغرفة. # قال عمر بن أبي ربيعة: # ربة محراب إذ جئتها ... لم أدن حتى أرتقي سلما # أي: ربة بيت. # قال ابن عباس: صارت عنده لها غرفة تصعد إليها تصلي فيها الليل والنهار. # وقوله: {وجد عندها رزقا} [آل عمران: 37] كان زكريا كلما دخل عليها غرفتها ~~وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، تأتيها بها ~~الملائكة من الجنة. # {قال يا مريم أنى لك هذا} [آل عمران: 37] من أين لك هذا؟ {قالت هو من عند ~~الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} [آل عمران: 37] فقال زكريا: إن الذي ~~رزقك العنب في غير حينه قادر على أن يرزقني من العقيم الولد. # فدعا زكريا أن يهب الله له ولدا، فذلك قوله: { # PageV01P432 # هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ~~{38} فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا ms0263 ~~بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين {39} قال رب أنى يكون لي ~~غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء {40} قال رب ~~اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا ~~وسبح بالعشي والإبكار {41} } [آل عمران: 38-41] هنالك أي: عند ذلك، {دعا ~~زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك} [آل عمران: 38] أي: من عندك، {ذرية طيبة} ~~[آل عمران: 38] نسلا مباركا تقيا، {إنك سميع الدعاء} [آل عمران: 38] قال ~~ابن عباس: يريد: لأوليائك وأهل طاعتك. # {فنادته الملائكة} [آل عمران: 39] وقرأ حمزة فناداه الملائكة بالتذكير. # قال الزجاج: الجماعة يلحقها التأنيث للفظ الجماعة، ويجوز أن يعبر عنها ~~بلفظ التذكير، لأنه يقال: جمع الملائكة. # وهذا كقوله: {وقال نسوة في المدينة} [يوسف: 30] . # وقوله: {أن الله يبشرك بيحيى} [آل عمران: 39] قرئ بفتح إن وكسرها، فمن ~~فتح كان المعنى: فنادته الملائكة بأن الله، ثم حذف الجار، ومن كسر أضمر ~~القول كأنه يقول: نادته الملائكة فقالت: إن الله، وإضمار القول في القرآن ~~كثير كقوله: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب {23} سلام عليكم} [الرعد: ~~23-24] أي: يقولون سلام عليكم. # وقرأ حمزة والكسائي يبشرك مخففا، من البشر بمعنى التبشير، يقال: بشره ~~يبشره بشرا. # وقوله: {مصدقا بكلمة من الله} [آل عمران: 39] قال ابن عباس: يريد: مصدقا ~~بعيسى أنه روح الله وكلمته، وسمي عيسى: # PageV01P433 # كلمة الله، لأنه حدث عند قوله: كن فوقع عليه اسم الكلمة، لأنه بها كان. # وكان يحيى أول من آمن بعيسى وصدقه. # قوله: وسيدا قال الضحاك والربيع: السيد: الحليم. # وقال أبو صالح وسعيد بن جبير: السيد: التقي. # وقال عكرمة: السيد: الذي لا يغلبه غضبه. # وقال الزجاج: السيد: الذي يفوق في الخير قومه. # وقوله: وحصورا وهو الذي لا يأتي النساء ولا يقربهن، قال ابن قتيبة: هو ~~فعول بمعنى مفعول، كأنه محصور عنهن، أي: مأخوذ محبوس، ويجوز أن يكون بمعنى ~~فاعل، كأنه حصر نفسه عن الشهوات. # {قال رب أنى يكون لي غلام} [آل عمران: 40] لما بشر زكريا بالولد على كبر ~~سنه استخبر ms0264 الله تعالى عند ذلك فقال: {أنى يكون لي غلام} [آل عمران: 40] ~~أي: على أي حال يكون ذلك؟ أتردني إلى حال الشباب وامرأتي، أم مع حال الكبر؟ ~~{وقد بلغني الكبر} [آل عمران: 40] وهو مصدر، كبر الرجل: إذا أسن. # قال ابن عباس: كان زكريا يوم بشر بالولد ابن عشرين ومائة سنة، وكانت ~~امرأته بنت ثمان وتسعين سنة. # قوله: {وامرأتي عاقر} [آل عمران: 40] أي: ذات عقر لا تلد، قيل له: كذلك ~~أي: مثل ذلك من الأمر، وهو هبة الولد على # PageV01P434 # الكبر، {الله يفعل ما يشاء} [آل عمران: 40] فسبحان من لا يعجزه شيء. # فسأل الله علامة يعرف بها وقت حمل امرأته ليزيد في العبادة شكرا على هبة ~~الولد، وهو قوله: {قال رب اجعل لي آية} [آل عمران: 41] قال المفسرون: إن ~~زكريا لما بشر بالولد سأل الله علامة يعرف بها وقت حمل امرأته ليزيد في ~~العبادة شكرا لله على هبة الولد ف قال الله تعالى: {آيتك ألا تكلم الناس ~~ثلاثة أيام إلا رمزا} [آل عمران: 41] أي: علامة ذلك أن يمسك لسانك عن ~~الكلام وأنت صحيح سوي، كما قال: {آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا} ~~[مريم: 10] . # قال الحسن وقتادة: أمسك لسانه ثلاثة أيام، فلم يقدر أن يكلم الناس إلا ~~إيماء، وجعل ذلك علامة حمل امرأته. # والرمز: الإيماء بالشفتين والحاجبين والعينين، يقال: رمز يرمز ويرمز. # وإنما حبس لسانه عن التكلم بأمور الدنيا وما يدور بين الناس، ولم يحبس ~~لسانه عن التسبيح وذكر الله، وهو قوله: {واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي ~~والإبكار} [آل عمران: 41] . # والعشي: جمع عشية، وهي آخر النهار، والإبكار مصدر أبكر، إذا صار في وقت ~~البكرة، ثم يسمى ما بين طلوع الفجر إلى الضحى: إبكارا، كما يسمى: إصباحا. # {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء ~~العالمين {42} يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين {43} ذلك من ~~أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما ~~كنت لديهم إذ يختصمون {44} } [آل عمران: 42-44] وقوله: {وإذ قالت الملائكة ms0265 ~~يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك} [آل عمران: 42] قال ابن عباس: من ملامسة ~~الرجال. # وقيل: من الحيض والنفاس. # PageV01P435 # {واصطفاك على نساء العالمين} [آل عمران: 42] قال الأكثرون: معناه: على ~~عالمي زمانها فضلت عليهن. # قال الزجاج: وجائز أن تكون على نساء العالمين كلهن، لأنه ليس في النساء ~~امرأة ولدت من غير أب غير مريم، ولأنها قبلت في التحرير للمسجد، ولم يكن ~~التحرير في الإناث، فهي مختارة على النسوان كلهن بما لها من الخصائص. # {يا مريم اقنتي لربك} [آل عمران: 43] قال ابن عباس: قومي للصلاة بين يدي ~~ربك. # وقال مجاهد: اطلبي القيام في الصلاة. # وقال قتادة: أطيعي ربك. # {واسجدي واركعي} [آل عمران: 43] قدم السجود لفظا وهو مؤخر في المعنى، ~~والواو لا توجب ترتيبا عند النحويين، وقوله: {مع الراكعين} [آل عمران: 43] ~~ولم يقل: مع الراكعات. # لأن الراكعين أعم، لوقوعه على الرجال والنساء إذا اجتمعوا. # قال المفسرون: كلمت الملائكة مريم بهذا شفاها، فقامت في الصلاة حتى ورمت ~~قدماها وسالت دما وقيحا. # قوله: ذلك يعني ما قص من حديث مريم وزكريا ويحيى، {من أنباء الغيب} [آل ~~عمران: 44] أخبار ما غاب عنك وعن قومك، نوحيه إليك نلقيه إليك بإرسال جبريل ~~بها، {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} [آل عمران: 44] فيه ~~إضمار، والمعنى: أيهم أرفق بكفالتها. # قال ابن عباس في رواية عطاء: هؤلاء جماعة كانوا من الأنبياء اختصموا في ~~مريم، كل واحد يقول: أنا أولى بها. # فقال زكريا: هي بنت عمي، وخالتها عندي. # قالوا: فتعالوا حتى نستهم. # فجمعوا سهامهم ثم أتوا بها إلى الماء # PageV01P436 # وقالوا: اللهم من كان أولى بها فليقم سهمه وليغرق البقية. # وألقوا سهامهم فارتز قلم زكريا وانحدرت أقلام الباقين، فقرعهم زكريا. # قال قتادة: كانت مريم بنت إمامهم وسيدهم عمران بن ماثان، كانوا أهل بيت ~~صالح من الله بمكان، فتشاح عليها بنو إسرائيل، فاقترعوا بسهامهم أيهم ~~يكفلها، فقرعهم زكريا، فكفلها زكريا. # {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن ~~مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين {45} ويكلم ms0266 الناس في المهد ~~وكهلا ومن الصالحين {46} قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك ~~الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون {47} ويعلمه الكتاب ~~والحكمة والتوراة والإنجيل {48} ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية ~~من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ~~وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما ~~تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين {49} ومصدقا لما بين ~~يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا ~~الله وأطيعون {50} إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم {51} } [آل ~~عمران: 45-51] قوله تعالى: {إذ قالت الملائكة} [آل عمران: 45] قال ابن ~~عباس: يريد جبريل. # {يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه} [آل عمران: 45] يعني عيسى عليه ~~السلام، قال الحسن وقتادة: إنما قيل لعيسى: كلمة الله. # لأنه كان بكلمة الله، وهي كن. # والمعنى: أنه كان أوجده بالكلمة، وكونه بها من غير توليد من فحل. # وقوله اسمه المسيح قال ابن عباس في رواية عطاء والضحاك: إنما سمي عيسى ~~مسيحا لأنه كان لا يمسح # PageV01P437 # بيده ذا عاهة إلا برئ. # وقال إبراهيم النخعي: المسيح: الصديق. # وقال أبو عبيدة: هو بالسريانية: مشيحا، فعربته العرب. # وقوله: {وجيها في الدنيا والآخرة} [آل عمران: 45] يعني الوجيه: ذو الجاه ~~والشرف والقدر، يقال: وجه الرجل يوجه فهو وجيه إذا صارت له منزلة رفيعة عند ~~الناس. # وقوله: ومن المقربين إلى ثواب الله وكرامته. # وقوله: {ويكلم الناس في المهد} [آل عمران: 46] يعني: صغيرا، والمهد: ~~الموضع الذي مهد لنوم الصبي. # ويعني بكلامه في المهد: تبرئته أمه مما قرفت به، حين {قال إني عبد الله ~~آتاني الكتاب} [مريم: 30] الآية، وقوله: وكهلا الكهل: الذي اجتمع قوته وتم ~~شبابه. # وقال ابن عباس: يريد أنه يتكلم بكلام النبوة كهلا. # ومن الصالحين قال: يريد: مثل موسى وإسرائيل وإسحاق وإبراهيم. # قوله: {قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر} [آل عمران: 47] تعجبت ms0267 ~~حين بشرت بولد من غير أب، لخروج ذلك عن العادة، والبشر: الخلق، واحده وجمعه ~~سواء. # {قال كذلك الله يخلق ما يشاء} [آل عمران: 47] أي: يخلق الله ما يشاء مثل ~~ذلك من الأمر، وهو خلق الولد من غير مسيس. # وقوله: {ويعلمه الكتاب} [آل عمران: 48] يعني الكتابة، والحكمة العلم، ~~{والتوراة والإنجيل} [آل عمران: 48] . # {ورسولا إلى بني إسرائيل} [آل عمران: 49] قال الزجاج: وتجعله رسولا. # {أني قد جئتكم بآية من ربكم} [آل عمران: 49] ثم ذكر # PageV01P438 # تلك الآية فقال: {أني أخلق لكم من الطين} [آل عمران: 49] أي: أقدر وأصور، ~~والخلق معناه: التقدير في اللغة. # {كهيئة الطير} [آل عمران: 49] الهيئة: الصورة المهيأة، من قولهم: هيأت ~~الشيء، إذا قدرته. # فأنفخ فيه أي: في الطين، {فيكون طيرا بإذن الله} [آل عمران: 49] وقرأ ~~نافع طائرا على معنى: يكون ما أنفخ فيه طائرا. # قال ابن عباس: أخذ طينا فجعل منه خفاشا، ثم نفخ فيه، فإذا هو يطير. # وأبرئ الأكمه أي: أجعله بصيرا بعد الكمه، وهو الذي يولد أعمى. # والأبرص وهو الذي به وضح، {وأحيي الموتى بإذن الله} [آل عمران: 49] أحيا ~~عازر وكان صديقا له، ودعا سام بن نوح من قبره، فخرج حيا، ومر عليه بابن ~~عجوز على سرير ميتا فدعا الله عيسى فنزل عن سريره حيا، ورجع إلى أهله، ~~وبقي، وولد له. # {وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم} [آل عمران: 49] قال مجاهد: ~~بما أكلتم البارحة، وما خبأتم منه، وقال قتادة: بما تأكلون من المائدة، وما ~~تدخرون منها. # وقوله: ومصدقا أي: وجئتكم مصدقا، {لما بين يدي} [آل عمران: 50] أي: ~~الكتاب الذي أنزل من قبله، {ولأحل # PageV01P439 # لكم بعض الذي حرم عليكم} [آل عمران: 50] قال المفسرون: أحل لهم على لسان ~~المسيح: لحوم الإبل والثروب، وأشياء من الطير والحيتان مما كان محرما في ~~شريعة موسى. # قوله: {وجئتكم بآية من ربكم} [آل عمران: 50] قال الزجاج: أي: لم أحل لكم ~~شيئا بغير برهان، فهو حقيق عليكم اتباعي. # وإنما وحد الآية وكان قد أتاهم بآيات، لأنها كلها جنس واحد في الدلالة ~~على الرسالة. # وقوله: {هذا صراط ms0268 مستقيم} [آل عمران: 51] أي: طريق من طرق الدين مستو. # {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن ~~أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون {52} ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا ~~الرسول فاكتبنا مع الشاهدين {53} ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين {54} ~~إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل ~~الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم ~~فيما كنتم فيه تختلفون {55} فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في ~~الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين {56} وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات ~~فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين {57} ذلك نتلوه عليك من الآيات ~~والذكر الحكيم {58} } [آل عمران: 52-58] قوله تعالى: {فلما أحس عيسى} [آل ~~عمران: 52] قال ابن عباس: أحس: علم. # وقال مقاتل: رأى. # وقال الزجاج: أحس في اللغة: علم ووجد ورأى. # وقوله منهم الكفر يريد: القتل، وذلك أنهم أرادوا قتله حين دعاهم إلى الله ~~فاستنصر عليهم، و {قال من أنصاري إلى الله} [آل عمران: 52] والأنصار: جمع ~~نصير، مثل شريف وأشراف. # ومعنى قوله: إلى الله أي: مع الله. # PageV01P440 # وقوله: قال الحواريون قال ابن عباس، في رواية سعيد بن جبير: كانوا صيادين ~~سموا حواريين لبياض ثيابهم. # وقال في رواية عطاء: كانوا قصارين يحورون الثياب، أي: يبيضونها، اتبعوا ~~عيسى وصدقوه. # وقال قتادة والكلبي: الحواريون: خواص عيسى وأصفياؤه. # وقال الزجاج: الحذاق باللغة يقولون: الحواريون: صفوة الأنبياء الذين ~~خلصوا في التصديق بهم ونصرتهم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «. . . ~~وحواري الزبير بن العوام» . # وقوله: {نحن أنصار الله} [آل عمران: 52] أي: أنصار دين الله، {آمنا بالله ~~واشهد} [آل عمران: 52] يا عيسى، {بأنا مسلمون} [آل عمران: 52] . # قوله: {ربنا آمنا بما أنزلت} [آل عمران: 53] يعني: ما أنزل الله على عيسى ~~وهو الإنجيل، واتبعنا الرسول عيسى عليه السلام، {فاكتبنا مع الشاهدين} [آل ~~عمران: 53] مع الذين شهدوا للأنبياء بالصدق، أي: اثبت أسماءنا مع أسمائهم ~~لنفوز بمثل ما فازوا به من الدرجة والكرامة. # قوله: ومكروا قال ابن عباس: إن عامة بني ms0269 إسرائيل كفروا بعيسى وهموا ~~بقتله، فذلك مكرهم به، حيث أرادوا أن يقتلوه اغتيالا. # وقوله: ومكر الله قال المفسرون: مكر الله بهم بإلقاء شبه عيسى على من دل ~~عليه، فجعله الله في صورة عيسى فأخذ وصلب. # وقوله: {والله خير الماكرين} [آل عمران: 54] أي: أفضل المجازين بالسيئة ~~العقوبة. # قوله: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك} [آل عمران: 55] أي: قابضك من ~~الأرض وافيا تاما من غير أن تنال اليهود منك شيئا، وهذا قول الحسن والكلبي ~~وابن جريج. # PageV01P441 # وقال ابن عباس في رواية عطاء: هذا مقدم ومؤخر، يريد: إني رافعك إلي ~~ومتوفيك بعد أن أهبطك إلى الأرض حتى تكون فيها وتتزوج ويولد لك حتى تموت. # وهذا اختيار الفراء، قال: يقال: إن هذا مقدم ومؤخر، والمعنى: إني رافعك ~~إلي ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا. # وقوله: ورافعك إلي أي: إلى سمائي ومحل كرامتي، فجعل ذلك رفعا إليه ~~للتفخيم والتعظيم. # {ومطهرك من الذين كفروا} [آل عمران: 55] أي: مخرجك من بينهم، لأن كونه في ~~جملتهم التنجيس له بهم. # {وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة} [آل عمران: 55] ~~قال قتادة والربيع والكلبي ومقاتل: هم أهل الإسلام من أمة محمد صلى الله ~~عليه وسلم، اتبعوا دين المسيح وصدقوه بأنه رسول الله وكلمته، ألقاها إلى ~~مريم وروح منه، فوالله ما اتبعه من دعاه ربا. # ومعنى {فوق الذين كفروا} [آل عمران: 55] بالبرهان والحجة، ومحتمل بالعز ~~والغلبة. # ثم رجع عن الغيبة إلى الخطاب فقال: {ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم ~~فيه تختلفون} [آل عمران: 55] من الدين وأمر عيسى. # ثم بين ذلك الحكم فقال: {فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في ~~الدنيا} [آل عمران: 56] يعني: بالقتل وسبي الذراري وأخذ الجزية، والآخرة ~~وفي الآخرة بالنار، {وما لهم من ناصرين} [آل عمران: 56] ما لهم من يمنعهم ~~من عذاب الله. # {وأما الذين آمنوا} [آل عمران: 57] بمحمد وعيسى، {فيوفيهم أجورهم} [آل ~~عمران: 57] يتم لهم جزاءهم من الثواب، {والله لا يحب الظالمين} [آل عمران: ~~57] لا يرحمهم، ولا يثني عليهم، وهم ms0270 الذين لا يطيعون الله فيما أمرهم به من ~~الإيمان بالرسل والكتب. # وقوله: ذلك إشارة إلى ما تقدم من الخبر عن عيسى ومريم والحواريين، نتلوه ~~عليك قال ابن عباس: نخبرك به بتلاوة جبريل عليك، وتلاوته بأمر الله، ومثله ~~قوله: {نحن نقص عليك} [يوسف: 3] . # وقوله: من الآيات أي: العلامات الدالة على نبوتك، لأنها أخبار لا يعلمها ~~إلا قارئ كتاب، أو من يوحى إليه، وأنت أمي لا تقرأ. # وقوله: {والذكر الحكيم} [آل عمران: 58] يعني: القرآن الحكيم، أي: المانع ~~من الفساد وكل ما يقبح، ويجوز أن يكون بمعنى المحكم، أي: الممنوع من ~~الباطل. # PageV01P442 # {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون {59} ~~الحق من ربك فلا تكن من الممترين {60} فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من ~~العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم ~~نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين {61} إن هذا لهو القصص الحق وما من إله ~~إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم {62} فإن تولوا فإن الله عليم ~~بالمفسدين {63} } [آل عمران: 59-63] قوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله} ~~[آل عمران: 59] الآية: ### | 145 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا ~~عبد الرحمن بن محمد الرازي، حدثنا سهل بن عثمان العسكري، حدثنا وكيع، عن ~~مبارك، عن الحسن قال: جاء راهبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فعرض عليهما الإسلام، فقال أحدهما: إنا قد أسلمنا قبلك، فقال: كذبتما، إنه ~~يمنعكم من الإسلام ثلاثة: عبادتكم الصليب، وأكلكم الخنزير، وقولكم: لله ~~ولد، قالا: من أبو عيسى؟ فأنزل الله عز وجل: {إن مثل عيسى عند الله} [آل ~~عمران: 59] الآية. # والمعنى: أن قياس خلق عيسى من غير ذكر كقياس خلق آدم. # ومعنى {عند الله} [آل عمران: 59] : أي: في الخلق والإنشاء # ثم ذكر خلق آدم فقال: {خلقه من تراب} [آل عمران: 59] يعني: قالبا من تراب ~~لا روح فيه، {ثم قال له كن} [آل عمران: 59] بشرا، {فيكون} [آل عمران: 59] ~~بمعنى: فكان، وهذا مما أريد بمثال ms0271 المستقبل فيه الماضي، كقوله: {تتلو ~~الشياطين} [البقرة: 102] . # وقوله: {الحق من ربك} [آل عمران: 60] قال الفراء والزجاج: الحق: مرفوع ~~بخبر ابتداء محذوف، على تقدير: الذي أنبأتك به من قصة عيسى الحق، فحذف ~~لتقدم ذكره. # وقال أبو عبيدة: هو ابتداء وخبره من ربك كما تقول: الحق من ربك والباطل ~~من الشيطان. # وقوله: {فلا تكن من الممترين} [آل عمران: 60] الخطاب للنبي صلى الله عليه ~~وسلم، والمراد به: نهي غيره عن الشك، كما قال: {يأيها النبي إذا طلقتم ~~النساء} [الطلاق: 1] ، # PageV01P443 # والامتراء: الشك، والممتري: الشاك، يقال للشك: المرية. # وقوله: فمن حاجك أي: جادلك وخاصمك، فيه في عيسى، فقل تعالوا أي: ائتوا ~~وهلموا، {ندع أبناءنا وأبناءكم} [آل عمران: 61] قال المفسرون: لما احتج ~~الله تعالى على النصارى من طريق القياس بقوله: {إن مثل عيسى} [آل عمران: ~~59] الآية، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتج عليهم من طريق الإعجاز، ~~وهو المباهلة. # ومعنى المباهلة: الدعاء على الظالم من الفريقين. # فلما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران إلى ~~المباهلة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم محتضنا الحسين، آخذا بيد ~~الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي خلفها، وهو يقول: «إذا دعوت فأمنوا» . # فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى، إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن ينزل ~~جبلا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني ~~إلى يوم القيامة. # ثم قبلوا الجزية وانصرفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي ~~نفسي بيده إن العذاب قد تدلى على أهل نجران، ولو تلاعنوا لمسخوا قردة ~~وخنازير، ولاضطرم الوادي عليهم نارا، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير ~~على الشجر، ولما حال الحول على النصارى حتى هلكوا» . ### | 146 - # أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الزعفراني، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ~~يحيى، حدثنا محمد بن إسحاق # PageV01P444 # الثقفي، حدثنا قتيبة، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر ~~بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: لما نزل قوله تعالى: {ندع أبناءنا ~~وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ms0272 وأنفسنا وأنفسكم} [آل عمران: 61] دعا رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، وقال: «هؤلاء أهلي» رواه ~~أحمد في مسنده عن قتيبة # وأراد بالأنفس: بني العم، والعرب تخبر عن ابن العم بأنه نفس، وقد تعالى: ~~{ولا تلمزوا أنفسكم} [الحجرات: 11] أراد: إخوانكم من المؤمنين. # وقيل: ثم نبتهل الابتهال في اللغة على معنيين، أحدهما: التضرع إلى الله، ~~والثاني: الالتعان والدعاء بالبهلة وهي اللعنة، يقال: عليه بهلة الله. # أي: لعنته. # وكلا القولين مروي عن ابن عباس، قال، في رواية الكلبي، في قوله: نبتهل: ~~أي: نجتهد في الدعاء. # وقال في رواية عطاء: ندع الله باللعنة على الكاذبين. # وقوله: {إن هذا لهو القصص الحق} [آل عمران: 62] أي: هذا الذي أوحيناه ~~إليك من الآيات والحجج، والقصص: مصدر، من قولك: قص فلان الحديث يقصه قصا ~~وقصصا. # PageV01P445 # {القصص الحق} [آل عمران: 62] القرآن الصادق فيما أخبر به، {وما من إله ~~إلا الله} [آل عمران: 62] نفي لجميع ما ادعى المشركون أنهم آلهة، أي أن ~~عيسى ليس بإله كما زعموا. # قوله: {وإن الله لهو العزيز الحكيم} [آل عمران: 62] أي: لا أحد يستحق ~~إطلاق هذه الصفة إلا هو. # {فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين} [آل عمران: 63] أي: فإن أعرضوا عما ~~أتيت به من البيان فإن الله يعلم من يفسد خلقه، فيجازيه على ذلك. # {قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ~~ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا ~~اشهدوا بأنا مسلمون {64} يأهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت ~~التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون {65} هأنتم هؤلاء حاججتم فيما ~~لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ~~{66} ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من ~~المشركين {67} إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين ~~آمنوا والله ولي المؤمنين {68} } [آل عمران: 64-68] قوله تعالى: {قل يأهل ~~الكتاب} [آل عمران: 64] يعني اليهود والنصارى، {تعالوا إلى كلمة ms0273 سواء بيننا ~~وبينكم} [آل عمران: 64] يريد بالسواء: العدل، وكذلك في قراءة عبد الله إلى ~~كلمة عدل، والمعنى: إلى كلمة عادلة مستقيمة مستوية، إذا أتيناها نحن وأنتم ~~كنا على السواء والاستقامة. # ثم فسر الكلمة فقال: {ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا} [آل عمران: ~~64] لا نعبد معه غيره، {ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} [آل ~~عمران: 64] قال ابن عباس: يريد: كما اتخذت النصارى عيسى ربا، واتخذت بنو ~~إسرائيل عزيرا. # وقال الزجاج: أي: نرجع إلى أن معبودنا الله عز وجل وأن عيسى بشر كما أننا ~~بشر، فلا نتخذه ربا. # PageV01P446 # فإن تولوا أعرضوا عن الإجابة، فخالفوهم أنتم إنكارا عليهم، {فقولوا ~~اشهدوا بأنا مسلمون} [آل عمران: 64] أي: مقرون بالتوحيد، منقادون لما أتتنا ~~به الأنبياء. # قوله تعالى: {يأهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم} [آل عمران: 65] قال ابن ~~عباس والسدي وقتادة: اجتمعت اليهود ونصارى نجران عند رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فتنازعوا في إبراهيم، فقالت اليهود: ما كان إلا يهوديا. # وقالت النصارى: ما كان إلا نصرانيا. # فنزلت هذه الآية. # وقوله: {وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده} [آل عمران: 65] يريد: ~~أن اليهودية حدثت بعد نزول التوراة، والنصرانية بعد نزول الإنجيل، وإنما ~~أنزل الكتابان بعد مهلك إبراهيم بزمن طويل، وليس فيهما اسمه بواحد من دين ~~اليهود والنصارى. # واختلفوا في اشتقاق التوراة ووزنها من الفعل، فقال الفراء: هي في الأصل ~~تورية، على وزن تفعلة، فصارت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. # وقال الخليل: وزنها فوعلة، وأصلها: وورية، ولكن الواو الأولى قلبت تاء ~~كما قالوا: تولج، وهو فوعل ولجت، وقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما ~~قبلها، فصارت تورية، وكتبت بالياء على أصل الكلمة. # وأما اشتقاقها: فحكى ابن الأنباري عن الفراء، قال: التوراة معناها: ~~الضياء والنور، من قول العرب: وري الزند يرى ويورى، إذا أظهر النار. # فالتوراة سميت لظهور الحق بها. # PageV01P447 # وقال المؤرج: هو من التورية وهو التعريض بالشيء، وكان أكثر التوراة ~~معاريض وتلويحا من غير إيضاح وتصريح. # وأما الإنجيل فقال الزجاج: هو إفعيل من النجل ms0274 وهو الأصل. # وقال ابن الأنباري: إنجيل: أصل للقوم الذين نزل عليهم، لأنهم يعملون بما ~~فيه. # وقال قوم: الإنجيل مأخوذ من قول العرب: نجلت الشيء، إذا استخرجته ~~وأظهرته. # يقال للماء الذي يخرج من النز: نجل واستنجل الوادي، إذا أخرج الماء. # فسمي كتاب عيسى إنجيلا لأن الله تعالى أظهره للناس بعد طموس الحق ودروسه. # وقال جماعة: التوراة والإنجيل والزبور: أسماء عربت من السريانية ~~والعبرية، وليس يطرد فيها قياس الأسماء العربية، ألا تراهم يقولون لها ~~بالسريانية: توري إنكليون زفوتا؟ وقوله: أفلا تعقلون أي: فساد هذه الدعوى، ~~إذ العقل يزجر عن الإقامة على دعوى بغير حجة. # قوله: هأنتم ها: حرف للتنبيه، كأنه قيل: انتبهوا عن غفلتكم. # هؤلاء أي: يا هؤلاء، جادلتم وخاصمتم، {فيما لكم به علم} [آل عمران: 66] ~~وهو ما وجدوه في كتابهم وأنزل عليهم بيانه وقصته، {فلم تحاجون فيما ليس لكم ~~به علم} [آل عمران: 66] أي: لم تجادلون في شأن إبراهيم، وليس في كتابكم أنه ~~كان يهوديا أو نصرانيا؟ والله يعلم شأن إبراهيم، {وأنتم لا تعلمون} [آل ~~عمران: 66] . # ثم بين حال إبراهيم فقال: {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا} [آل ~~عمران: 67] برأه الله تعالى ونزهه عن الدينين، ووصفه بدين الإسلام فقال: ~~{ولكن كان حنيفا مسلما} [آل عمران: 67] الآية، وذكرنا معنى الحنيف فيما ~~تقدم. # قوله تعالى: {إن أولى الناس بإبراهيم} [آل عمران: 68] أي: أقرب الناس ~~إليه وأحقهم به، للذين اتبعوه على دينه وملته، وهذا النبي يعني محمدا صلى ~~الله عليه وسلم، والذين آمنوا يعني المهاجرين والأنصار والتابعين ممن آمن ~~بمحمد صلى الله عليه وسلم. # PageV01P448 # قال الزجاج: أي: فهم الذين ينبغي أن يقولوا: إنا على دين إبراهيم. # {والله ولي المؤمنين} [آل عمران: 68] أي: ناصرهم ومعينهم. # {ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون ~~{69} يأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون {70} يأهل الكتاب لم ~~تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون {71} وقالت طائفة من أهل ~~الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم ~~يرجعون {72} ولا تؤمنوا ms0275 إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى ~~أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ~~والله واسع عليم {73} يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم {74} } ~~[آل عمران: 69-74] قوله: {ودت طائفة من أهل الكتاب} [آل عمران: 69] أي: ~~تمنت جماعة من اليهود والنصارى، قال ابن عباس: هم قريظة والنضير وبنو ~~قينقاع، أرادوا أن يستزلوا المسلمين عن دينهم ويردوهم إلى الكفر، وهو قوله: ~~{لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم} [آل عمران: 69] لأن المؤمنين لا يقبلون ~~قولهم وما يدعونهم إليه، فيحصل عليهم الإثم بتمنيهم إضلال المؤمنين، وما ~~يشعرون وما يعلمون أن هذا يضرهم ولا يضر المؤمنين. # قوله: {يأهل الكتاب} [آل عمران: 70] يعني اليهود، {لم تكفرون بآيات الله} ~~[آل عمران: 70] بالقرآن، {وأنتم تشهدون} [آل عمران: 70] بما يدل على صحة ~~القرآن من كتابكم، لأن فيه نعت محمد صلى الله عليه وسلم وذكره. # قوله {يأهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل} [آل عمران: 71] تقدم تفسيره ~~عند قوله: {ولا تلبسوا الحق بالباطل} [البقرة: 42] . # قوله: {وقالت طائفة من أهل الكتاب} [آل عمران: 72] الآية، إن أحبار ~~اليهود قالوا لمن دونهم: ائتوا محمدا وأصحابه أول النهار فقولوا: إنا على ~~دينكم. # فإذا كان آخر النهار فقولوا: إنا كفرنا بدينكم، ونحن على ديننا الأول. # فإنه أحرى أن ينقلب أصحابه عن دينهم ويشكوا فيه إذا قلتم: نظرنا في كتبنا ~~فوجدنا محمدا ليس بذلك الذي وعدنا به. # PageV01P449 # وهو قوله: آمنوا أي: أظهروا الإيمان، {بالذي أنزل على الذين آمنوا} [آل ~~عمران: 72] يعني: القرآن المنزل على المؤمنين، وجه النهار أول النهار، ~~{واكفروا آخره} [آل عمران: 72] أي: اكفروا به آخر النهار، لعلهم يرجعون عن ~~دينهم إلى دينكم. # وقوله: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} [آل عمران: 73] هذا من كلام ~~اليهود بعضهم لبعض، والمعنى: لا تصدقوا إلا لمن تبع دينكم اليهودية وقام ~~بشرائعكم. # وقوله: {قل إن الهدى هدى الله} [آل عمران: 73] كلام معترض بين المفعول ~~وفعله، وهو من كلام الله لا من كلام اليهود، ومعناه: إن الدين ms0276 دين الله، ~~كقوله: {قل إن هدى الله هو الهدى} [البقرة: 120] . # {أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} [آل عمران: 73] من العلم والحكمة والكتاب ~~والحجة والمن والسلوى والفضائل والكرامات. # أي: لا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، {إلا لمن تبع دينكم} [آل ~~عمران: 73] قوله: أو يحاجوكم عطف على قوله: {أن يؤتى أحد} [آل عمران: 73] ، ~~المعنى: ولا تؤمنوا بأن يحاجوكم، عند ربكم لأنكم أصح دينا منهم، فلا يكون ~~لهم عليكم الحجة عند الله، وقوله: {قل إن الفضل بيد الله} [آل عمران: 73] ~~قال ابن عباس: يريد: ما تفضل به عليك وعلى أمتك، {يؤتيه من يشاء} [آل ~~عمران: 73] يعني: هذه الأمة. # وقوله: {يختص برحمته من يشاء} [آل عمران: 74] قال الحسن ومجاهد والربيع: ~~بنبوته. # وقال ابن عباس: بدينه. # وقال ابن جريج: بالقرآن والإسلام. # قال عطاء: يريد: اختصك وتفضل عليك وعلى أمتك بدينه ورحمته. # {والله ذو الفضل} [آل عمران: 74] على أوليائه وأهل طاعته، العظيم لأنه لا ~~شيء أعظم عند الله من الإسلام. # PageV01P450 # {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار ~~لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين ~~سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون {75} بلى من أوفى بعهده واتقى فإن ~~الله يحب المتقين {76} إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ~~أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ~~ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم {77} } [آل عمران: 75-77] قوله تعالى: {ومن أهل ~~الكتاب من إن تأمنه} [آل عمران: 75] الآية، قال المفسرون: أخبرنا الله ~~تعالى في هذه الآية عن اختلاف أحوال أهل الكتاب في الأمانة والخيانة، ليكون ~~المؤمنون على بصيرة في ترك الركون إليهم، لاستحلالهم أموال المسلمين. # وقال ابن عباس في رواية الضحاك: أودع رجل عند عبد الله بن سلام ألفا ~~ومائتي أوقية من ذهب فأداه إليه، فمدحه الله تعالى، وأودع رجل فنحاص بن ~~عازوراء دينارا فخانه، وذلك قوله: {من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك} [آل ~~عمران: 75] يعني عبد ms0277 الله بن سلام، {ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده ~~إليك} [آل عمران: 75] يعني فنحاص. # وقوله: {إلا ما دمت عليه قائما} [آل عمران: 75] أي: بالإلحاح والخصومة في ~~التقاضي والمطالبة، عن ابن عباس وقتادة ومجاهد. # قال القتيبي: وأصله أن المطالب بالشيء يقوم فيه ويتصرف، والتارك له يقعد ~~عنه، ثم قيل لكل من واظب على مطالبة أمر: قام به. # وإن لم يكن ثم قيام. # PageV01P451 # وقال السدي: يعني: إلا ما دمت قائما على رأسه بالاجتماع معه والملازمة ~~والمطالبة له، فإن أنظرته وأخرته أنكر وذهب به. # وقوله: {ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل} [آل عمران: 75] أي: ~~ذلك الاستحلال والخيانة بأنهم يقولون: ليس عندنا فيما أصبنا من أموال العرب ~~سبيل. # لأنهم مشركون. # والمراد ب الأميين ههنا: العرب. # ثم كذبهم الله تعالى فيما قالوا، فقال الله تعالى: {ويقولون على الله ~~الكذب} [آل عمران: 75] لأنه ليس في كتابهم استحلال الأمانة، وهم يعلمون ~~أنهم كاذبون، يعني: لم يقولوا ذلك عن جهالة فيعذروا. # قوله: بلى رد لقولهم: {ليس علينا في الأميين سبيل} [آل عمران: 75] أي: ~~بلى يكون عليهم سبيل في ذلك. # وقوله: {من أوفى بعهده} [آل عمران: 76] أي: بما عاهد الله إليه في ~~التوراة، وآمن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن وأداء الأمانة، ~~واتقى الكفر والخيانة ونقض العهد، {فإن الله يحب المتقين} [آل عمران: 76] ~~يعني: من كانت هذه صفته. # قوله عز وجل: {إن الذين يشترون بعهد الله} [آل عمران: 77] الآية، نزلت في ~~رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ضيعة، فهم المدعى عليه أن ~~يحلف فنزلت الآية، فنكل المدعى عليه عن اليمين، وآثر للمدعي حقه. ### | 147 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا حاجب بن أحمد، حدثنا محمد ~~بن حماد الأبيوردي، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين، وهو فيها فاجر، ~~ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان» # فقال الأشعث: في والله ذاك، وكان بيني وبين ms0278 رجل من اليهود أرض، فجحدني، ~~فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«ألك بينة؟» قلت: لا، فقال لليهودي: احلف، فقلت يا رسول الله: إذن يحلف ~~فيذهب # PageV01P452 # بمالي، فأنزل الله تعالى {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا ~~قليلا} [آل عمران: 77] الآية رواه البخاري عن عبدان عن أبي حمزة، ورواه ~~مسلم عن ابن نمير أبي معاوية، كلاهما عن الأعمش. # ومعنى يشترون: يستبدلون ويأخذون، بعهد الله أي: بما عهد الله إليهم من ~~أداء الأمانة، وأيمانهم الكاذبة، ثمنا قليلا عرضا يسيرا من الدنيا وهو ما ~~يحلفون عليه كاذبين، {أولئك لا خلاق لهم} [آل عمران: 77] لا نصيب لهم من ~~الخير، {في الآخرة ولا يكلمهم الله} [آل عمران: 77] أي: بكلام يسرهم، {ولا ~~ينظر إليهم} [آل عمران: 77] نظرا يسرهم، يعني نظر الرحمة، {ولا يزكيهم} [آل ~~عمران: 77] لا يزيدهم خيرا، ولا يثني عليهم. ### | 148 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه، ~~حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا ~~سفيان، عن جامع بن أبي راشد أنه سمع شقيق بن سلمة يقول: سمعت ابن مسعود ~~يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حلف على مال امرئ مسلم ~~بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان» قال # PageV01P453 # عبد الله: ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب ~~الله {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} [آل عمران: 77] إلى ~~آخر الآية ### | 149 - # أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا محمد بن بشر بن العباس البصري، ~~أخبرنا محمد بن إدريس السامي، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا حفص بن ميسرة، عن ~~العلاء بن عبد الرحمن، عن معبد بن كعب، عن أخيه عبد الله بن كعب، عن أبي ~~أمامة قال: كنا عند رسول الله، فقال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد ~~أوجب له النار، وحرم عليه الجنة» ، فقال رجل: يا رسول الله، وإن كان شيئا ~~يسيرا؟ قال: «وإن كان ms0279 قضيبا من أراك» ، قال حفص بن ميسرة: ما أشد هذا ~~الحديث، فقال: أليس في كتاب الله: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ~~ثمنا قليلا} [آل عمران: 77] رواه مسلم، عن علي بن حجر، عن إسماعيل بن جعفر، ~~عن العلاء # PageV01P454 ### | 150 - # أخبرنا أبو سعيد النضروي، أخبرنا إسماعيل بن نجيد، أخبرنا عبد الله بن ~~أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن عبد الله مولى بني هاشم، حدثنا شعبة، عن علي ~~بن مدرك، عن ابن زرعة، عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر: عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم، قال: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولا ~~يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث ~~مرات، فقال أبو ذر: خابوا وخسروا يا رسول الله، من هم؟ قال: المسبل، ~~والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ". # رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن غندر، عن شعبة # {وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من ~~الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب ~~وهم يعلمون} [آل عمران: 78] قوله: وإن منهم يعني: من اليهود، لفريقا جماعة، ~~{يلوون ألسنتهم بالكتاب} [آل عمران: 78] قال مجاهد والربيع وقتادة: يحرفونه ~~بالتغيير والتبديل، وذلك أنهم يلوون ألسنتهم عن سنن الصواب بما يأتون به من ~~عند أنفسهم. # وقوله: {لتحسبوه من الكتاب} [آل عمران: 78] أي: لتحسبوا ما لووا ألسنتهم ~~به مما حرفوه وبدلوه من الكتاب، قال الله تعالى: {وما هو من الكتاب} [آل ~~عمران: 78] . # PageV01P455 # {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا ~~عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم ~~تدرسون {79} ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر ~~بعد إذ أنتم مسلمون {80} } [آل عمران: 79-80] قوله: {ما كان لبشر أن يؤتيه ~~الله الكتاب} [آل عمران: 79] الآية، قال ابن عباس في رواية الكلبي: إن ~~اليهود والنصارى احتجوا بأنهم أولى بإبراهيم وبدينه، فذكروا ذلك للنبي صلى ~~الله ms0280 عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلا الفريقين منه ومن ~~دينه بريء» . # فغضبوا وقالوا: يا محمد، والله ما تريد إلا أن نتخذك ربا. # فأنزل الله عز وجل هذه الآية. # قال قتادة: يقول: ما ينبغي لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم، يعني الفقه ~~والعلم، والنبوة ثم يأمر عباد الله أن يتخذوه ربا من دون الله. # والمعنى: ما كان لبشر أن يجمع بين هذين، بين النبوة وبين دعاء الخلق إلى ~~عبادة غير الله، وهو قوله: {ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله} [آل ~~عمران: 79] . # ولكن كونوا أي: ولكن يقول: كونوا ربانيين قال ابن عباس: معلمين. # وقال قتادة وسعيد بن جبير: فقهاء علماء حكماء. # قال سيبويه: زادوا ألفا ونونا في الرباني، إذا أرادوا تخصيصا بعلم الرب ~~كما قالوا: شعراني ولحياني. # فالرباني على هذا القول: منسوب إلى الرب، على معنى التخصيص بعلم الرب، ~~أي: يعلم الشريعة وصفات الرب. # وقال المبرد: الرباني: الذي يرب العلم ويرب الناس، أي: يعلمهم ويصلحهم. # وعلى هذا القول: الرباني: من الرب الذي هو بمعنى التربية. # PageV01P456 # وقوله: {بما كنتم تعلمون الكتاب} [آل عمران: 79] أي: بكونكم عالمين ~~بالكتاب، {وبما كنتم تدرسون} [آل عمران: 79] وبما كنتم دارسين للكتاب. # قال الزجاج: كونوا معلمي الناس بعلمكم ودرسكم، علموا الناس وبينوا لهم. # ومن قرأ تعلمون بالتشديد فالمعنى: بكونكم معلمين، أي: علموا الناس الكتاب ~~وبينوا لهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم وما فيه من الحق والصواب، حتى ~~تستحقوا هذه الصفة وتكونوا معلمين. # ومعنى تدرسون: تقرءون، ومنه قوله: {ودرسوا ما فيه} [الأعراف: 169] . # وقوله: {ولا يأمركم} [آل عمران: 80] من قرأ بالرفع قطعه مما قبله. # قال ابن جريج: ولا يأمركم محمد. # ومن نصب كان المعنى: ما كان لبشر أن يأمركم، فيكون نصبا بالنسق على قوله: ~~أن يؤتيه قال الزجاج: معنى الآية: ولا يأمركم أن تعبدوا الملائكة والنبيين، ~~لأن الذين قالوا: إن عيسى إله. # عبدوه واتخذوه ربا، وقال قوم من الكفار: إن الملائكة أربابنا. # يقال لهم: الصابئون. # وقوله: {أيأمركم بالكفر} [آل عمران: 80] استفهام معناه الإنكار ms0281، أي: لا ~~يفعل ذلك، {بعد إذ أنتم مسلمون} [آل عمران: 80] أي: بعد إسلامكم. # {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول ~~مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا ~~أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من # PageV01P457 # الشاهدين {81} فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون {82} أفغير دين الله ~~يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون {83} } [آل ~~عمران: 81-83] قوله: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} [آل عمران: 81] الآية، ~~قال قتادة: هذا ميثاق قد أخذه الله من النبيين أن يصدق بعضهم بعضا، وأن ~~يبلغوا كتاب الله ورسالاته إلى عباده، فبلغت الأنبياء وأخذوا مواثيق أهل ~~الكتاب في كتابهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه وينصروه، ~~وذلك قوله: {لما آتيتكم من كتاب وحكمة} [آل عمران: 81] ما ههنا: بمعنى ~~الشرط والجزاء، والمعنى: لئن آتيتكم ومهما آتيتكم من كتاب وحكمة. # وقرأ حمزة لما بكسر اللام، وهي متعلقة بالأخذ، لأن المعنى: أخذ الله ~~ميثاقهم لما أوتوا من الكتاب والحكمة، أي: لأنهم الأفاضل وأصحاب الكتب ~~والشرائع. # وقرأ نافع آتيناكم بالمد، وحجته: {وآتينا داود زبورا} [النساء: 163] ، ~~{وآتيناه الحكم صبيا} [مريم: 12] ، {وآتيناهما الكتاب المستبين} [الصافات: ~~117] . # وقوله: ثم جاءكم يعني: ثم جاء أممكم وأتباعكم، وخرج الكلام على النبيين ~~لأن ما لزمهم لزم أممهم. # وقوله: {رسول مصدق لما معكم} [آل عمران: 81] يعني محمدا صلى الله عليه ~~وسلم، جاء بالقرآن بصدق التوراة في الأخبار والأقاصيص. # قوله: {لتؤمنن به ولتنصرنه} [آل عمران: 81] يريد: إن أدركتموه، قال ~~أأقررتم أي: قال الله للنبيين: أأقررتم بالإيمان والنصرة له؟ {وأخذتم على ~~ذلكم إصري} [آل عمران: 81] أي: قبلتم، {قالوا أقررنا قال فاشهدوا} [آل ~~عمران: 81] أي: قال الله للنبيين: اشهدوا أنتم على أنفسكم وعلى أتباعكم. # {وأنا معكم من الشاهدين} [آل عمران: 81] عليكم وعليهم. # قوله: {فمن تولى بعد ذلك} [آل عمران: 82] قال ابن عباس: فمن أعرض عما جئت ~~به، وأنكر ما عاهد الله عليه. # وقال الزجاج: فمن أعرض عن الإيمان بعد أخذ الميثاق وظهور آيات النبي صلى ~~الله ms0282 عليه وسلم. # {فأولئك هم الفاسقون} [آل عمران: 82] أي: الخارجون عن العهد والإيمان. # PageV01P458 # قوله: {أفغير دين الله يبغون} [آل عمران: 83] أي: أبعد أخذ الميثاق عليهم ~~بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم يطلبون دينا غير دين الله وهو ما جاء به ~~محمد صلى الله عليه وسلم؟ ! ومن قرأ بالتاء فلأن ما قبله خطاب، كقوله: ~~أأقررتم وأخذتم والياء: على الأخبار عنهم، وقوله: {وله أسلم من في السموات ~~والأرض طوعا وكرها} [آل عمران: 83] قال ابن عباس في رواية مجاهد: يعني: عند ~~أخذ الميثاق وهو قوله: {ألست بربكم} [الأعراف: 172] وقال قتادة: أما المؤمن ~~فأسلم طوعا فنفعه، وأما الكافر فأسلم كارها في وقت اليأس فلم ينفعه ذلك. # وقال عطاء، عن ابن عباس: يريد بأهل السموات والأرض: الملائكة، والمهاجرين ~~والأنصار، وعبد القيس طوعا، وسائر الناس أسلموا كرها، خوفا من السيف. # وقوله: وإليه ترجعون وعيد لمن أعرض عن دين الله، والمعنى: أيبغون غير دين ~~الله مع أن مرجعهم إليه فيجازيهم على تركهم دينه؟ ! {قل آمنا بالله وما ~~أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي ~~موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون {84} ومن ~~يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين {85} } [آل ~~عمران: 84-85] قوله: {قل آمنا بالله} [آل عمران: 84] الآية، في هذه الآية ~~إنكار على الكفار من اليهود والنصارى فيما ذهبوا إليه من الإيمان ببعض ~~النبيين دون بعض، وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته أن يقولوا: آمنا ~~بالله وبجميع الرسل وما أنزل عليهم، لا نفرق بين جميعهم في الإيمان بهم كما ~~فعلت اليهود والنصارى. # قوله: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا} [آل عمران: 85] إلى قوله: {من ~~الخاسرين} [آل عمران: 85] قال ابن عباس: يريد: خسر ثواب الله # PageV01P459 # وصار إلى عذابه، وخسر الحور العين. # وقال الزجاج: يعني: خسر عمله، حيث لم يجاز به الجنة والثواب. # {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم ~~البينات والله لا يهدي القوم الظالمين {86} أولئك جزاؤهم أن ms0283 عليهم لعنة ~~الله والملائكة والناس أجمعين {87} خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ~~ينظرون {88} إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم {89} } ~~[آل عمران: 86-89] قوله: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم} [آل ~~عمران: 86] قال ابن عباس: يعني اليهود وقريظة والنضير ومن دان بدينهم، ~~كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا قبل مبعثه مؤمنين به، وكانوا ~~يشهدون له بالنبوة، فلما بعث وجاءهم بالآيات والمعجزات كفروا بغيا وحسدا. # ومعنى {كيف يهدي الله} [آل عمران: 86] أي: لا يهديهم الله، كما قال ابن ~~الرقيات: # كيف نومي على الفراش ولما ... تشمل الشام غارة شعواء # أي: لا نوم لي ولا أنام، ومثله قوله: {كيف يكون للمشركين عهد عند الله} ~~[التوبة: 7] أي: لا يكون لهم عهد. # قال الزجاج: أعلم الله تعالى أنه لا جهة لهدايتهم، لأنهم قد استحقوا أن ~~يضلوا بكفرهم، لأنهم قد كفروا بعد البينات. # وقوله: وجاءهم البينات يجوز أن يريد ما بين لهم في التوراة والإنجيل، وهو ~~قول ابن عباس. # ويجوز أن يريد: ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من الكتاب والآيات ~~والمعجزات. # وقوله: {والله لا يهدي القوم الظالمين} [آل عمران: 86] قال ابن عباس: لا ~~يرشد من نقض عهود الله وظلم نفسه. # PageV01P460 # وقوله: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك} [آل عمران: 89] قال ابن عباس: ~~راجعوا الإيمان بالله والتصديق بنبيه. # وأصلحوا أعمالهم، وقال الزجاج: معنى أصلحوا: أظهروا للناس أنهم كانوا على ~~ضلال، وأصلحوا ما كانوا أفسدوه ومن تغريرهم من تبعهم ممن لا علم عنده. # {فإن الله غفور رحيم} [آل عمران: 89] أعلم الله تعالى أن من سعة رحمته ~~وتفضله أن يغفر لمن اجترأ عليه هذا الاجتراء، وذلك أن الذي فعلوا لا غاية ~~وراءه في الكفر، وهو أنهم كفروا بعد تبين الحق لهم. # {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم ~~الضالون {90} إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ~~ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم ms0284 من ناصرين {91} } [آل ~~عمران: 90-91] قوله: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم} [آل عمران: 90] قال ابن ~~عباس: نزلت في اليهود، كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل بعثه. # {ثم ازدادوا كفرا} [آل عمران: 90] بالإقامة على كفرهم حتى هلكوا عليه. # وقال قتادة: إن اليهود كفروا بعيسى والإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم ~~وكتبهم، {ثم ازدادوا كفرا} [آل عمران: 90] بكفرهم بمحمد والقرآن. # {لن تقبل توبتهم} [آل عمران: 90] لأنهم لا يتوبون إلا عند حضور الموت، ~~{وأولئك هم الضالون} [آل عمران: 90] . # وقوله: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ~~ذهبا} [آل عمران: 91] ملء الشيء: قدر ما يملأه، يقال: ملء القدح. # وانتصب ذهبا على التفسير. # قال الزجاج: المعنى: لو قدم ملء الأرض ذهبا يتقرب به إلى الله ما ينفعه ~~ذلك مع كفره، ولو افتدى من العذاب بملء الأرض ذهبا لم يقبل منه. ### | 151 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر، أخبرنا إبراهيم بن أحمد بن رجاء، أخبرنا أبو ~~الطيب محمد بن القاسم بن جعفر # PageV01P461 # الكوكبي، حدثنا العباس بن يزيد بن أبي حبيب، حدثنا يزيد بن زريع، وخالد ~~بن الحارث، قالا: حدثنا سعيد، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: " يقال للكافر يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ملء ~~الأرض ذهبا أكنت مفتديا به؟ فيقول: نعم، فيقال له: قد سئلت ما هو أيسر من ~~ذلك فلم تفعل ". # رواه مسلم عن القواريري، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة # {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به ~~عليم} [آل عمران: 92] قوله عز وجل: {لن تنالوا البر} [آل عمران: 92] قال ~~عطاء ومقاتل: البر: التقوى في هذه الآية، وقال أبو # PageV01P462 # روق: الخير. # وقال مسروق وعمرو بن ميمون: {البر} [آل عمران: 92] : الجنة. # وقوله: {حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92] قال الضحاك: يعني الزكاة، ~~يقول: حتى تخرجوا زكاة أموالكم. # وقال الحسن: كل شيء أنفقه المسلم من ماله ويبتغي به وجه الله فإنه من ~~الذي عنى الله سبحانه بقوله: {حتى ms0285 تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92] حتى ~~الثمرة. ### | 152 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم المزكي، أخبرنا عبيد الله بن محمد ~~الزاهد، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، أخبرنا عبد الواحد بن ~~غياث، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: لما نزلت: {لن تنالوا البر ~~حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92] قال أبو طلحة: يا رسول الله: أرى ~~ربنا يسألنا من أموالنا وإني أشهدك أني قد جعلت أرضي بيرحا لله عز وجل، ~~فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلها في قرابتك» ، فجعلها بين أبي ~~بن كعب، وحسان بن ثابت، رواه مسلم عن محمد بن حاتم، عن بهز، عن حماد ### | 153 - # أخبرنا سعيد بن محمد المقرئ، أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر، أخبرنا جعفر بن ~~محمد بن الليث، حدثنا موسى بن مسعود، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ~~في قوله: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92] # PageV01P463 # قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي ~~جلولا، ويوم جلولا فتحت مدائن كسرى في قتال سعد بن أبي وقاص، فدعا بها عمر ~~فأعتقها، وقال: إن الله تعالى يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} ~~[آل عمران: 92] # {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن ~~تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين {93} فمن افترى على ~~الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون {94} قل صدق الله فاتبعوا ملة ~~إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين {95} إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ~~مباركا وهدى للعالمين {96} فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ~~ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن ~~العالمين {97} } [آل عمران: 93-97] قوله تعالى: {كل الطعام كان حلا لبني ~~إسرائيل} [آل عمران: 93] الآية، قال المفسرون: لما ادعى النبي صلى الله ~~عليه وسلم أنه على ملة إبراهيم عليه السلام قالت اليهود: كيف وأنت ms0286 تأكل ~~لحوم الإبل وألبانها؟ ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كان ذلك حلالا ~~لإبراهيم فنحن نحله» . # فقالت اليهود: كل شيء أصبحنا اليوم نحرمه فإنه كان محرما على إبراهيم ~~ونوح. # فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم ~~إسرائيل على نفسه} [آل عمران: 93] وهو يعقوب، وذلك أنه مرض مرضا، فنذر لئن ~~عافاه الله ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحبها إليه لحمان الإبل ~~وألبانها، فحرمها الله على ولده، وكان هذا قبل نزول التوراة، وذلك قوله: ~~{من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها} [آل عمران: 93] ~~لتعرفوا أن هذا التحريم إنما كان من جهة يعقوب، ولم يكن في زمن إبراهيم ولا ~~نوح، {إن كنتم صادقين} [آل عمران: 93] فيما تدعون. # PageV01P464 # فلما ثبتت عليهم الحجة بكتابهم قال الله تعالى: {فمن افترى على الله ~~الكذب من بعد ذلك} [آل عمران: 94] من بعد ظهور الحجة بأن التحريم كان من ~~جهة يعقوب ولم يكن محرما قبله، {فأولئك هم الظالمون} [آل عمران: 94] ~~أنفسهم. # قوله: {قل صدق الله} [آل عمران: 95] فيما أخبر، {فاتبعوا ملة إبراهيم ~~حنيفا} [آل عمران: 95] وملة محمد عليه السلام داخلة في ملته، فمن اتبع ملة ~~إبراهيم فقد اتبع ملة محمد عليه السلام. # قوله عز وجل: {إن أول بيت وضع للناس} [آل عمران: 96] الآية، روى عطاء، عن ~~ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن أول لمعة وضعت على ~~الأرض موضع البيت ثم مدت منها الأرض، وإن أول جبل وضعه الله على هذه الأرض ~~أبو قبيس ثم مدت منه الجبال» . # وهذا قول مجاهد، قال: خلق الله هذا البيت قبل أن يخلق شيء من الأرض بألفي ~~سنة. # وقال ابن عباس: هو أول بيت بناه آدم في الأرض. # وقال علي رضي الله عنه: هو أول بيت مبارك وهدى وضع للناس. ### | 154 - # أخبرنا أبو الحسن الفسوي، أخبرنا أحمد بن محمد الفقيه، حدثنا إسماعيل بن ~~محمد الصفار، حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن ~~إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن ms0287 أبي ذر قال: # PageV01P465 # قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع على الأرض أولا؟ قال: المسجد الحرام، قال: ~~قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قال: قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثم ~~الأرض لك مسجد، فصل أينما أدركتك الصلاة ". # رواه مسلم عن أبي كريب، عن أبي معاوية ### | 155 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا أبو يحيى ~~الرازي، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، ~~عن علي رضي الله عنه قال: قال له رجل: حدثني عن هذا البيت، أهو أول بيت في ~~الأرض؟ فقال: لا، ولكنه أول بيت وضعت فيه البركة والهدى ومقام إبراهيم ومن ~~دخله كان آمنا # وقوله: للذي ببكة بكة: هي مكة، فأبدلت الميم باء كقولهم: سمد رأسه وسبده، ~~وضربة لازم ولازب. # وقال أبو مالك وإبراهيم: بكة: موضع البيت، ومكة: القرية. # وقوله: مباركا أي: كثير الخير، بأن جعل فيه وعنده البركة، وهدى قال ~~الزجاج: المعنى: وذا هدى. # قال: ويجوز أن يكون على معنى: وهو هدى. # ومعنى كونه هدى للعالمين: أنه قبلة صلاتهم. # PageV01P466 # وقوله: {فيه آيات بينات مقام إبراهيم} [آل عمران: 97] قال مجاهد: أثر ~~قدميه في المقام آية بينة. # وقال المفسرون: الآيات التي فيها: أمن الخائف، وامتناع الطير من العلو ~~عليه، واستشفاء المريض به، وتعجيل العقوبة لمن انتهك فيه حرمه، وإهلاك ~~أصحاب الفيل لما قصدوا إخراجه. # وقال زيد بن أسلم: الآيات البينات: مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنا. # وهذا اختيار الزجاج، لأنه قال: ومن الآيات أيضا: أمن من دخله. # وقال: معنى أمن من دخله: أن إبراهيم سأل الله عز وجل أن يؤمن سكان مكة ~~وقال: {رب اجعل هذا البلد آمنا} [إبراهيم: 35] ، فجعل الله عز وجل أمن مكة ~~آية لإبراهيم، فلم يطمع في أهلها جبار، وكان فيما عطف الله تعالى من قلوب ~~العرب في الجاهلية على من لاذ بالحرم حتى يؤمنوه آية بينة. # يدل على هذا قول قتادة في قوله: {ومن دخله كان آمنا} [آل عمران: 97] قال: ~~كان ذلك في الجاهلية، فأما اليوم إن ms0288 سرق فيه أحد قطع، ولو قتل فيه قتل. # وقوله: {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97] وقرئ حج البيت بالكسر، ~~والمفتوح مصدر، وهو لغة أهل الحجاز، والمكسور: اسم للعمل، قال سيبويه: ~~ويجوز أن يكون مصدرا كالعلم والذكر. # قوله: {من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97] قال الزجاج: موضع من خفض ~~على البدل من الناس، والمعنى: ولله على من استطاع من الناس حج البيت. # PageV01P467 # وجمهور أهل العلم على أن معنى الاستطاعة الموجبة للحج: القوة، فمن قوي في ~~نفسه بالكون على الراحلة وجب عليه الحج إذا ملك الزاد والراحلة. # وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد، ومذهب الشافعي وأحمد وإسحاق. ### | 156 - # أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزاز، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد ~~الحيري، حدثني عبدان الأهوازي، حدثنا سهل بن عثمان العسكري، حدثنا يحيى بن ~~أبي زائدة، عن سعد بن طارق، عن سعيد بن عبيدة، عن ابن عمر: أن النبي صلى ~~الله عليه وسلم قال: «بني الإسلام على خمس، على أن تعبد الله وتكفر بما ~~دونه، وإقام الصلاة المفروضة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام رمضان» . # رواه مسلم، عن سهل بن عثمان ### | 157 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا محمد بن يعقوب المعقلي، ~~أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا سعيد بن سالم، عن إبراهيم بن يزيد، ~~عن محمد بن عباد بن جعفر، قال: قعدنا إلى عبد الله بن عمر فسمعته يقول: " ~~سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: ما الحاج؟ قال: الشعث التفل، ~~فقام آخر فقال: يا رسول الله، أي الحج أفضل؟ قال: العج والثج، فقام آخر، ~~فقال: يا رسول الله، ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة " # PageV01P468 ### | 158 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا ~~عبدان الجواليقي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا صدقة بن ~~يزيد، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~قال: " إن الله تبارك وتعالى قال: إن عبدا أصححت له جسمه، وأوسعت عليه في ms0289 ~~الرزق، لم يفد إلي في كل خمسة أعوام عاما لمحروم " ### | 159 - # أخبرنا الفضيل بن أحمد الصوفي، أخبرنا أبو علي بن أبي موسى، حدثنا محمد ~~بن معاذ بن الفرج، حدثنا علي بن خشرم، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا عثمان بن ~~عطاء، عن أبيه، عن ابن مسعود: # PageV01P469 # عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يحج، ولم يوص بحج، ولم يحج عنه ~~لم يقبل له يوم القيامة عمل» # أخبرنا أبو حسان المزكي، أخبرنا هارون بن محمد الاستراباذي، أخبرنا إسحاق ~~بن أحمد الخزاعي، أخبرنا أبو الوليد الأزرقي، أخبرنا جدي أحمد بن محمد بن ~~الوليد الأزرقي، عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج، أخبرني ابن جريج، قال: ~~بلغنا أن اليهود قالت: بيت المقدس أعظم من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء ~~ولأنه في الأرض المقدسة. # وقال المسلمون: الكعبة أعظم. # فبلغ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزل {إن أول بيت وضع للناس} [آل ~~عمران: 96] حتى بلغ: {فيه آيات بينات مقام إبراهيم} [آل عمران: 97] وليس ~~ذلك في بيت المقدس، {ومن دخله كان آمنا} [آل عمران: 97] وليس ذلك في بيت ~~المقدس، {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97] وليس ذلك في بيت المقدس. # وقوله: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} [آل عمران: 97] قال ابن عباس ~~والحسن وعطاء: جحد فرض الحج، وزعم أنه ليس بواجب عليه. # وهذا قول جماعة من المفسرين. # قال الضحاك: لما نزلت آية الحج جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل ~~الأديان كلهم فخطبهم فقال: «إن الله كتب عليكم الحج فحجوا» . # فآمن به المسلمون وكفر الباقون، فأنزل الله تعالى قوله: {ومن كفر فإن ~~الله غني عن العالمين} [آل عمران: 97] . # PageV01P470 # {قل يأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون {98} قل ~~يأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما ~~الله بغافل عما تعملون {99} } [آل عمران: 98-99] قوله: {قل يأهل الكتاب لم ~~تكفرون بآيات الله} [آل عمران: 98] هذا استفهام معناه التوبيخ، والمراد ~~بالآيات: ما أنزل الله على محمد ms0290 عليه السلام وما أوتي من المعجزات ~~والعلامات التي تدل على صدقه. # وقوله: {والله شهيد على ما تعملون} [آل عمران: 98] قال ابن عباس: يريد ~~أنه حاضر لأعمالكم. # ومعنى الآية: أن الله تعالى وبخهم على كفرهم، وأخبر أنه لا ينفعهم ~~الاستمرار به، لأنه شهيد على أعمالهم. # قوله تعالى: {قل يأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن} [آل عمران: ~~99] يعني: بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، وأن صفته ليست في كتابهم، ولا ~~تقدمت البشارة عندهم. # وقوله: تبغونها عوجا أي: تطلبون لسبيل الله الزيغ والتحريف بالشبه التي ~~تلبسون بها على الناس، وأنتم شهداء بما في التوراة أن دين الله الذي لا ~~يقبل غيره هو الإسلام. # {يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد ~~إيمانكم كافرين {100} وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ~~ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم {101} يأيها الذين آمنوا اتقوا ~~الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون {102} واعتصموا بحبل الله جميعا ~~ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم ~~بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله ~~لكم آياته لعلكم تهتدون {103} } [آل عمران: 100-103] قوله تعالى: {يأيها ~~الذين آمنوا} [آل عمران: 100] يعني الأوس والخزرج، {إن تطيعوا فريقا من ~~الذين أوتوا الكتاب} [آل عمران: 100] الآية. # قال عكرمة: كان بين هذين الحيين من الأوس والخزرج قتال في الجاهلية، فلما ~~جاء الإسلام اصطلحوا # PageV01P471 # وألف الله بين قلوبهم، فجلس يهودي في مجلس فيه نفر من الأوس والخزرج، ~~فأنشد شعرا قاله أحد الحيين في حربهم، فدخلهم من ذلك شيء، فاجتمعوا وأخذوا ~~السلاح واصطفوا للقتال، فنزلت هذه الآية إلى قوله: {لعلكم تهتدون} [آل ~~عمران: 103] ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام بين الصفين فقرأهن، ~~ورفع صوته، فلما سمعوا صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصتوا له، وجعلوا ~~يستمعون، فلما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضا، وجثوا يبكون. # قوله: وكيف تكفرون الآية، قال الزجاج: أي: على أي ms0291 حال يقع منكم الكفر، ~~وآيات الله التي تدل على توحيده، ونبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم {تتلى ~~عليكم آيات الله وفيكم رسوله} [آل عمران: 101] محمد صلى الله عليه وسلم بين ~~أظهركم؟ ! {ومن يعتصم بالله} [آل عمران: 101] يتمسك بحبل الله ويمتنع به، ~~{فقد هدي إلى صراط مستقيم} [آل عمران: 101] يعني الإسلام. # قوله {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته} [آل عمران: 102] قال ابن ~~مسعود: حق تقاته: أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر. # وقال الكلبي، عن ابن عباس: لما نزلت هذه الآية شق على المسلمين مشقة ~~شديدة ولم يطيقوا ذلك. # وحق تقاته: أن يطاع فلا يعصى طرفة عين، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ~~ينسى، فلم يطق ذلك العباد، فأنزل الله على نبيه عليه السلام: {فاتقوا الله ~~ما استطعتم} [التغابن: 16] يقول: ما أطقتم. # فلم يكلف العباد من طاعته وعبادته إلا ما استطاعوا، فنسخت هذه الآية ما ~~قبلها. # PageV01P472 # وقال قتادة: حق تقاته: أن يطاع فلا يعصى، ثم أنزل الله التخفيف واليسر ~~بعد ذلك فقال: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16] . ### | 160 - # أخبرنا أبو بكر الأصبهاني، أخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا العباسي بن أحمد ~~البرتي، حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري، عن ~~ليث، عن مجاهد، عن أبي سعيد قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ~~فقال: أوصني، قال: عليك بتقوى الله، فإنه جماع كل خير، وعليك بالجهاد، فإنه ~~رهبانية المسلمين، وعليك بذكر الله وتلاوة كتابه فإنه نور لك في الأرض وذكر ~~لك في السماء واخزن لسانك إلا من خير، فإنك بذلك تغلب الشيطان # قوله: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102] مفسر في { [البقرة. # قوله عز وجل:] واعتصموا بحبل الله جميعا} [سورة آل عمران: 103] قال عبد ~~الله: حبل الله: الجماعة. # وقال الضحاك وقتادة والسدي: حبل الله: القرآن. # وقال أبو عبيدة: الاعتصام بحبل الله: هو ترك الفرقة، واتباع القرآن، لأن ~~المؤمن إذا اتبع القرآن أمن من العذاب. # PageV01P473 # وروى معمر، عن قتادة في قوله: {واعتصموا ms0292 بحبل الله} [آل عمران: 103] قال: ~~بعهد الله وبأمره. # قال ابن الأنباري: سمي عهد الله حبلا لأنه سبب النجاة، كالحبل الذي يتمسك ~~به للنجاة من بئر ونحوها. # وقوله: ولا تفرقوا قال ابن عباس: أي: كما كنتم في الجاهلية مقتتلين على ~~غير دين الله. # وقال الزجاج: أي: تناصروا على دين الله ولا تفرقوا. # {واذكروا نعمت الله عليكم} [آل عمران: 103] بدين الإسلام، {إذ كنتم ~~أعداء} [آل عمران: 103] يعني ما كان بين الأوس والخزرج من الحرب التي ~~تطاولت عشرين ومائة سنة، إلى أن ألف الله بين قلوبهم بالإسلام، فزالت تلك ~~الأحقاد، وصاروا إخوانا في الإسلام متوادين، وذلك قوله: {فأصبحتم بنعمته ~~إخوانا} [آل عمران: 103] أي: برحمته، يعني الإسلام، إخوانا. # قوله: {وكنتم على شفا حفرة من النار} [آل عمران: 103] شفا الشيء: حرفه، ~~مثل: شفا البئر، والجمع: الأشفاء. # قال ابن عباس: يريد: لو متم على ما كنتم عليه في الجاهلية لكنتم من أهل ~~النار. # فأنقذكم منها أي: خلصكم ونجاكم بدينه الإسلام ومحمد عليه السلام، يقال: ~~أنقذته وتنقذته. # أي: خلصته، وقوله: كذلك أي: كالبيان الذي ذكر، {يبين الله لكم آياته ~~لعلكم تهتدون} [آل عمران: 103] لكي تهتدوا. # {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ~~وأولئك هم المفلحون {104} ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما ~~جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم {105} يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما ~~الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ~~{106} وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون {107} } [آل ~~عمران: 104-107] قوله: {ولتكن منكم أمة} [آل عمران: 104] الخطاب للمؤمنين ~~في هذه الآية، أي: كونوا أمة، {يدعون إلى الخير} [آل عمران: 104] قال # PageV01P474 # مقاتل: إلى الإسلام. # ويأمرون بالمعروف يقولون بطاعة الله، {وينهون عن المنكر} [آل عمران: 104] ~~عن معصية الله، {وأولئك هم المفلحون} [آل عمران: 104] يعني الآمرين ~~بالمعروف والناهين عن المنكر. ### | 161 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أخبرنا محمد بن إبراهيم بن الفضل ~~المعمري، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، حدثنا أبو همام الدلال، حدثنا هشام بن ~~سعد، عن عمرو بن ms0293 عثمان بن هانئ، عن عاصم بن عمر، عن عروة، عن عائشة قال: ~~دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه أنه قد حضره شيء، ~~فتوضأ وخرج، وما كلم أحدا، فقعد على المنبر، فقال: " أيها الناس إن الله ~~تعالى يقول: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، من قبل أن تدعوني فلا أجيبكم، ~~وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم " # وقوله: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا} [آل عمران: 105] يعني اليهود ~~والنصارى، تفرقوا بالعداوة والمخالفة، {واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} ~~[آل عمران: 105] يعني: صاروا فرقا مختلفين وكتابهم واحد. # قوله: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} [آل عمران: 106] قال ابن عباس، في ~~رواية عطاء: تبيض وجوه المهاجرين وتسود وجوه قريظة والنضير الذين كذبوا ~~بمحمد عليه السلام. # وقال في رواية سعيد بن جبير: تبيض وجوه أهل السنة # PageV01P475 # وتسود وجوه أهل البدعة. # {فأما الذين اسودت وجوههم} [آل عمران: 106] فقال لهم: {أكفرتم بعد ~~إيمانكم} [آل عمران: 106] قال ابن عباس: هم اليهود، شهدوا لمحمد عليه ~~السلام بالنبوة، فلما قدم عليهم كذبوه وكفروا به. # وقال قتادة: هم أهل البدع كلهم. ### | 162 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا مأمون بن أحمد بن مأمون ~~السري، حدثنا إبراهيم بن يوسف الهسنجاني، حدثنا نصر بن علي، حدثنا أبي، ~~حدثنا حميد بن مهران، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم في قوله تعالى: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} [آل عمران: 106] قال: هم ~~الخوارج " # {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين {108} ~~ولله ما في السموات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور {109} } [آل عمران: ~~108-109] قوله: تلك آيات قال ابن عباس: يعني القرآن. # {نتلوها عليك} [آل عمران: 108] نعرفك إياها ونبينها، بالحق بأنها حق، ~~{وما الله يريد ظلما للعالمين} [آل عمران: 108] فيعاقبهم بلا جرم، قال ~~الزجاج: أعلم الله تعالى أنه يعذب من يعذبه باستحقاقه. # PageV01P476 # {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون ~~بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم ms0294 الفاسقون ~~{110} لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون {111} ~~ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب ~~من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون ~~الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون {112} } [آل عمران: 110-112] ~~قوله تعالى: {كنتم خير أمة} [آل عمران: 110] قال الفراء والزجاج: كنتم خير ~~أمة عند الله في اللوح المحفوظ. # قالا: ويجوز أن يكون معنى {كنتم خير أمة} [آل عمران: 110] : أنتم خير ~~أمة، كقوله: {واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم} [الأعراف: 86] وقال في موضع ~~آخر: {واذكروا إذ أنتم قليل} [الأنفال: 26] . # قال ابن عباس: يريد أمة محمد عليه السلام. # وقال الزجاج: أصل هذا الخطاب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ~~يعم سائر أمته. # وقوله: {أخرجت للناس} [آل عمران: 110] قال أبو هريرة: خير الناس للناس ~~يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في دين الإسلام. # وقال عكرمة ومجاهد: خير الناس، لأنه لم يؤمر أحد بالقتال غير محمد صلى ~~الله عليه وسلم، فأنتم تسبون الروم وفارس تدخلونهم في دينكم. ### | 163 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر، أخبرنا محمد بن يزيد الجوري، أخبرنا إبراهيم ~~بن شريك، حدثنا # PageV01P477 # شهاب بن عباد، حدثنا حماد بن زيد، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده: عن ~~النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنتم وفيتم سبعين أمة، وأنتم خيرها ~~وأكرمها على الله» ### | 164 - # وأخبرنا عبد القاهر، أخبرنا أبو الحسن السراج، حدثنا الحسن بن المثنى، ~~حدثنا أبو حذيفة، حدثنا سفيان الثوري، عن موسى الجهني، عن الشعبي قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون من أمتي، ~~وأربعون من سائر الناس» # PageV01P478 ### | 165 - # أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن الحسن التاجر، أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن ~~أحمد بن يوسف، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله المقري، حدثنا أحمد بن يحيى ~~الصوفي، حدثنا محمد بن بشر العبدي، حدثنا مسعر، عن علي بن مدرك، عن أبي ~~بردة، عن أبيه أنه: سمع ms0295 رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أمتي مرحومة، ~~لا حساب عليها في الآخرة ولا عذاب» # وذكر عيسى ابن مريم أمة محمد عليه السلام، فقال: أخف الناس أحلاما ~~وأثقلهم ميزانا، فأما خفة أحلامهم: فلعنهم البهائم، وأما ثقل موازينهم: ~~فذلة ألسنتهم بكلمة ثقلت على من كان قبلهم: لا إله إلا الله. # PageV01P479 # ثم مدحهم بما فيهم من الخصال الحميدة، وأخبر بها عنهم، فقال: {تأمرون ~~بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [آل عمران: 110] . # قوله: {لن يضروكم إلا أذى} [آل عمران: 111] أي: ضررا يسيرا باللسان، مثل ~~الوعيد والبهت، {وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار} [آل عمران: 111] أي: ~~ينهزمون، فيجعلون مآخيرهم مما يليكم. # وهذا وعد من الله تعالى لنبيه والمؤمنين بالنصرة على أهل الكتاب وهزيمتهم ~~عند القتال، فلم يقاتل يهود المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~والمسلمين إلا ولوا منهزمين. # قوله: {ضربت عليهم الذلة} [آل عمران: 112] فسرناه في { [البقرة. # ] أين ما ثقفوا} [سورة آل عمران: 112] صودفوا ووجدوا، {إلا بحبل من الله ~~وحبل من الناس} [آل عمران: 112] أي: بعهد من الله وعهد من المؤمنين، يعني ~~الذمة والأمان الذي يأخذونه من المؤمنين بإذن الله، فيحقن دماءهم، ويمنع ~~فروجهم وأموالهم عن الاغتنام والسبي، وباقي الآية تقدم تفسيره في { ~~[البقرة. # ] ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم ~~يسجدون {113} يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ~~ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين {114} وما يفعلوا من خير فلن ~~يكفروه والله عليم بالمتقين {115} } [سورة آل عمران: 113-115] قوله: {ليسوا ~~سواء} [آل عمران: 113] أخبر الله تعالى أن أهل الكتاب غير متساوين، ثم أخبر ~~بافترائهم فقال: {من # PageV01P480 # أهل الكتاب أمة قائمة} [آل عمران: 113] قال ابن عباس: أي: على الحق وعلى ~~أمر الله، لم يتركوه كما تركه الآخرون. # وقال السدي: قائمة بطاعة الله. # {يتلون آيات الله} [آل عمران: 113] يقرءون كتاب الله، {آناء الليل} [آل ~~عمران: 113] ساعاته، الواحد إنى، مقصور، وإني مثل نحي. # أراد مؤمني أهل الكتاب، وهم يسجدون أي: يصلون. # وقوله: {ويأمرون بالمعروف} [آل عمران: 114] قال ابن عباس: بتوحيد ms0296 الله. # {وينهون عن المنكر} [آل عمران: 114] عن الشرك بالله. # وقال الزجاج: يأمرون باتباع النبي عليه السلام وينهون عن الإقامة على ~~مشاقته. # {ويسارعون في الخيرات} [آل عمران: 114] يبادرونها خوف الفوت بالموت، ~~ويجوز أن يكون المعنى: يعملونها غير متثاقلين فيها. # {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} [آل عمران: 115] لن يعدموا ثوابه، ولن ~~يجحدوا جزاءه، ومن قرأ بالياء فهو كناية وإخبار عن الأمة القائمة. # {إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك ~~أصحاب النار هم فيها خالدون {116} مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ~~ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن ~~أنفسهم يظلمون {117} } [آل عمران: 116-117] قوله: إن الذين كفروا يعني ~~اليهود، {لن تغني عنهم} [آل عمران: 116] لن تدفع عنهم الضرر إذا نزل بهم، ~~{أموالهم ولا # PageV01P481 # أولادهم} [آل عمران: 116] المعنى: لن تغني عنهم أموالهم في الصدقات ولا ~~أولادهم في الشافاعات، بخلاف المؤمن، فإن المؤمن ينفعه ماله في الكفارات ~~والصدقات، وأولاده في الشفاعة. # ثم ذكر بطلان نفقاتهم فقال: {مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا} [آل ~~عمران: 117] قال مجاهد: يعني جميع نفقات الكفار في الدنيا وصدقاتهم. # وقال مقاتل: يعني نفقة سفلة اليهود على علمائهم. # وقوله: {كمثل ريح فيها صر} [آل عمران: 117] الصر: البرد الشديد. # قال الزجاج: أعلم الله تعالى أن ضرر نفقتهم عليهم كضرر هذه الريح على هذا ~~الزرع، وهو قوله: {أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم} [آل عمران: 117] بالكفر ~~والمعصية، {فأهلكته وما ظلمهم الله} [آل عمران: 117] لأن كل ما فعله بخلقه ~~فهو منه عدل، {ولكن أنفسهم يظلمون} [آل عمران: 117] بالكفر والعصيان. # والمعنى: أن هؤلاء رجوا فائدة نفقاتهم، فعادت عليهم بالمضرة، كما رجا ~~أصحاب الزرع عائدة زروعهم فضرتها الريح، فأهلكتها. # {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما ~~عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات ~~إن كنتم تعقلون {118} هأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله ~~وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا ms0297 عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا ~~بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور {119} إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم ~~سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون ~~محيط {120} } [آل عمران: 118-120] قوله: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا ~~بطانة من دونكم} [آل عمران: 118] نزلت في النهي عن مداخلة اليهود # PageV01P482 # والمنافقين، وبطانة الرجل: خاصته الذين يستبطنون أمره، وأصله من البطن. # وقوله: من دونكم أي: من دون المسلمين ومن غير أهل ملتكم. # وقوله: {لا يألونكم خبالا} [آل عمران: 118] يقال: ألا يألو، إذا فتر وضعف ~~وقصر. # والألو: التقصير، والخبال: الفساد والشر. # والمعنى: لا يدعون جهدهم في مضرتكم وفسادتكم. # قال الزجاج: أي: لا يبقون غاية في إلقائكم فيما يضركم. # وقوله: {ودوا ما عنتم} [آل عمران: 118] ما ههنا: ما المصدر، والمعنى: ~~ودوا عنتكم، وهو دخول المشقة على الإنسان ووقوعه فيما لا يستطيع الخروج ~~منه، قال السدي: تمنوا ضلالكم عن دينكم. # وقوله: {قد بدت البغضاء من أفواههم} [آل عمران: 118] قد ظهرت عداوتهم ~~بالشتيمة والوقيعة في المسلمين وإطلاع المشركين على أسرارهم، {وما تخفي ~~صدورهم} [آل عمران: 118] من العداوة والخيانة، أكبر أعظم مما أظهروا، {قد ~~بينا لكم الآيات} [آل عمران: 118] قال السدي: قد بينا آياتهم لتعرفوهم بها. # {إن كنتم تعقلون} [آل عمران: 118] موقع نفع البيان. # {هأنتم أولاء تحبونهم} [آل عمران: 119] قال الزجاج: ها: تنبيه دخل على ~~أنتم، وأولاء في معنى: الذين، كأنه قيل: هأنتم الذين تحبونهم، ولا يحبونكم ~~أي: تريدون لهم الإسلام وهو خير الأشياء، وهم يريدونكم على الكفر وهو ~~الهلاك. # {وتؤمنون بالكتاب كله} [آل عمران: 119] قال ابن عباس: يريد: بالذي أنزل ~~على محمد والذي أنزل على عيسى والذي أنزل على موسى. # وقوله: {وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ} [آل عمران: 119] أي: ~~عضوا الأنامل من الغيظ عليكم، ففيه تقديم وتأخير. # والغيظ: الإغضاب، يقال: غاظه. # أي: أغضبه. # والأنامل: أطراف الأصابع، الواحدة: أنملة، وعض الأصابع واليد من فعل ~~المغضب الذي فاته ما لا يقدر # PageV01P483 # على أن يتداركه، أو يرى شيئا يكرهه ولا يقدر أن يغيره ms0298. # قال المفسرون: وإنما ذلك لما يرون من ائتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم، ~~وصلاح ذات بينهم، وقوله: {قل موتوا بغيظكم} [آل عمران: 119] أمر الله نبيه ~~أن يدعو عليهم بهذا، وهو أن يدوم غيظهم إلى أن يموتوا، {إن الله عليم بذات ~~الصدور} [آل عمران: 119] بما فيها من خير وشر. # وقال ابن الأنباري: معناه: ما تخفيه القلوب من المضمرات. # قوله: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم} [آل عمران: 120] أي: إن نالكم نصر وغنيمة ~~وخصب تسؤهم وتحزنهم، يقال: ساءه كذا، إذا أحزنه. # يسوءه مساءة. # {وإن تصبكم سيئة} [آل عمران: 120] أي: نالكم ضد ذلك، {يفرحوا بها وإن ~~تصبروا} [آل عمران: 120] على ما تسمعون من أذاهم، وتتقوا مقاربتهم في ~~دينهم، والمحبة لهم، {لا يضركم كيدهم شيئا} [آل عمران: 120] ضمن الله ~~للمؤمنين النصر إن صبروا، وأعلمهم أن عداوتهم وكيدهم غير ضار لهم، وقرئ لا ~~يضركم من ضاره إذا أضره. # {إن الله بما يعملون محيط} [آل عمران: 120] أي: عالم به، لا يخفى عليه ~~شيء من ذلك. # قال قتادة في هذه الآية: إذا رأوا من أهل الإسلام ألفة وجماعة وظهروا على ~~عدوهم غاظهم ذلك وساءهم، وإذا رأوا فرقة واختلافا، أو أصيب المسلمون سرهم ~~وأعجبوا به. # {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم {121} إذ ~~همت طائفتان منكم # PageV01P484 # أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون {122} ولقد نصركم الله ~~ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون {123} إذ تقول للمؤمنين ألن ~~يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين {124} بلى إن تصبروا ~~وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ~~{125} وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند ~~الله العزيز الحكيم {126} ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا ~~خائبين {127} ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ~~{128} ولله ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله ~~غفور رحيم {129} } [آل عمران: 121-129] قوله تعالى: {وإذ غدوت من أهلك} [آل ~~عمران: 121] الآية، قال ms0299 المفسرون: هذا كان يوم أحد، غدا رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم من منزل عائشة إلى أحد، فجعل يصف أصحابه للقتال. # وقوله: {تبوئ المؤمنين} [آل عمران: 121] يقال: بوأته منزلا، وبوأت له ~~منزلا. # أي: أنزلته إياه، والمباءة: المنزل، وقوله: {مقاعد للقتال} [آل عمران: ~~121] أي: مراكز ومثابت، قال ابن عباس: كل رجل لمقعده. # {والله سميع عليم} [آل عمران: 121] يسمع قولكم ويعلم ما في ضمائركم، وذلك ~~أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه في الخروج إلى أحد، فمنهم ~~من أشار عليه بالمقام في المدينة، ومنهم من أشار عليه بالخروج إليهم، فقال ~~الله تعالى: أنا أسمع ما يقوله المشيرون، وأعلم ما يضمرون. # قال المسور بن مخرمة: قلت لعبد الرحمن بن عوف: أي خال، أخبرني عن قصتكم ~~يوم أحد. # قال: اقرأ # PageV01P485 # العشرين ومائة من آل عمران، تجد قصتنا، {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين} ~~[آل عمران: 121] إلى قوله: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة} [آل عمران: ~~154] . # قوله: {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} [آل عمران: 122] أي: تجبنا، يعني ~~بني سلمة وبني حارثة، هما بالانصراف مع عبد الله بن أبي المنافق، فعصمهما ~~الله، وهو قوله: والله وليهما أي: ناصرهما. # وقال جابر بن عبد الله: فينا نزلت {إذ همت طائفتان} [آل عمران: 122] نحن ~~الطائفتان بنو سلمة وبنو حارثة، وما نحب أنها لم تنزل لقول الله تعالى: ~~{والله وليهما} [آل عمران: 122] . # قوله تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر} [آل عمران: 123] الآية، بدر: اسم ~~موضع نصر هناك رسول الله صلى الله عليه وسلم. # وقوله تعالى: {وأنتم أذلة} [آل عمران: 123] جمع ذليل، أي: بقلة العدد ~~وضعف الحال بقلة السلاح والمال. ### | 166 - # أخبرنا أبو سعد النضروي، أخبرنا أبو بكر القطيعي، أخبرنا عبد الله بن ~~أحمد بن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا يحيى، عن شعبة، حدثني أبو إسحاق، عن حارثة ~~قال: سمعت عليا يقول: لم يكن فارسا يوم بدر غير المقداد ### | 167 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المهرجاني، أخبرنا عبيد الله بن محمد بن ~~محمد بن بطة، أخبرنا أبو القاسم المنيعي، حدثنا ms0300 سويد بن سعيد، حدثنا أبو ~~بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر، قال: أول من قاتل على فرس في سبيل الله ~~المقداد بن الأسود # PageV01P486 ### | 168 - # أخبرنا أحمد، أخبرنا عبيد الله، أخبرنا المنيعي، حدثنا وهب بن بقية، ~~أخبرنا خالد بن عبد الله، عن عمرو بن يحيى، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، ~~عن عبد الله بن الزبير، عن عامر بن ربيعة، وكان من أصحاب بدر، قال: كان يوم ~~بدر الاثنين صبيحة سبعة عشر من رمضان ### | 169 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن الحسن السراج، ~~حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، أخبرنا سلمة بن ~~الفضل الأبرش، عن إسحاق بن راشد، عن كثير بن سليمان، عن مقسم، عن ابن عباس ~~قال: كان عدد أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا # PageV01P487 # وقوله: {فاتقوا الله لعلكم تشكرون} [آل عمران: 123] أي: اتقوا عقاب الله ~~بالعمل بطاعته لتقوموا بشكر نعمته. # قوله: {إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم} [آل عمران: 124] ~~الآية، قال الشعبي: بلغ المؤمنين أن كرز بن جابر الحنفي يريد أن يمد ~~المشركين، فشق ذلك عليهم، فأنزل الله: {ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم} [آل ~~عمران: 124] الآية. # قوله: بلى تصديق لوعد الله بالإمداد والكفاية، إن تصبروا على لقاء العدو، ~~وتتقوا معصية الله ومخالفة نبيه، {ويأتوكم من فورهم هذا} [آل عمران: 125] ، ~~وأصل الفور: غليان القدر، يقال: فارت القدر تفور فورا. # ثم يقال للغضبان: فار فائره، إذا اشتد غضبه. # قال ابن عباس وقتادة والربيع: من وجههم. # وقال مجاهد: من غضبهم. # وقوله: يمددكم ربكم أصل المد والإمداد في اللغة: الزيادة، يقال: مد ~~النهر، ومد الماء، إذا زاد ومده نهر آخر. # ومنه قوله تعالى: {والبحر يمده من بعده سبعة أبحر} [لقمان: 27] أي: يزيد ~~منه، وأكثر ما يستعمل الإمداد في الخير، ومنه قوله: {ويمددكم بأموال وبنين} ~~[نوح: 12] ، {أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين} [المؤمنون: 55] ، ~~{وأمددناهم بفاكهة ولحم} [الطور: 22] . # وقوله: {يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} [آل عمران: 125] أي: ~~يزد في عددكم بهذا ms0301 العدد من الملائكة. # PageV01P488 # ومن فتح الواو من المسومين فمعناه: معلمين قد سوموا، فهم مسومون والسومة: ~~العلامة، ومن كسر الواو: نسب الفعل إليهم، لما روي أن النبي صلى الله عليه ~~وسلم قال يوم بدر: «سوموا، فإن الملائكة قد سومت» . # قال ابن عباس: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض، قد أرسلوها في ~~ظهورهم. # وقال الحسن: مسومين بالصوف في نواصي الخيل وأذنابها. # وقال عباد بن عبد الله بن الزبير: كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء ~~معتجرا، فنزلت الملائكة عليها عمائم صفر. # قوله: {وما جعله الله} [آل عمران: 126] أي: ما جعل الله ذكر المدد، {إلا ~~بشرى لكم} [آل عمران: 126] والبشرى: اسم من الإبشار والتبشير، {ولتطمئن ~~قلوبكم به} [آل عمران: 126] فلا تجزع من كثرة العدو وقلة عدوكم. # وقوله: {وما النصر إلا من عند الله} [آل عمران: 126] أراد الله أن لا ~~يركن المؤمنون إلى الملائكة، وأعلمهم أنهم وإن حضروا # PageV01P489 # وقاتلوا فما النصر إلا من عند الله ليستعينوا به ويتوكلوا عليه. # والإمداد بالملائكة: بشرى لهم، وطمأنينة لقلوبهم، لما في البشر من الضعف، ~~فأما حقيقة النصر فهو من عند الله، العزيز الحكيم. # وقوله: {ليقطع طرفا من الذين كفروا} [آل عمران: 127] أي: ليهلك طائفة، ~~وليقتل قطعة. # قال السدي: ليهدم ركنا من أركان الشرك بالقتل والأسر، فقتل من قادتهم ~~وسادتهم يوم بدر سبعون، وأسر سبعون. # وقوله: أو يكبتهم الكبت في اللغة: صرع الشيء على وجهه، يقال: كبته ~~فانكبت. # ثم يذكر والمراد به: الإخزاء والهلاك واللعن والهزيمة والإذلال. . . هذا ~~ما ذكره المفسرون في تفسير الكبت. # وقوله: {فينقلبوا خائبين} [آل عمران: 127] أي: يرجعوا وينصرفوا ولم ~~يدركوا ما أملوا. # قوله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء} [آل عمران: 128] الآية: ### | 170 - # أخبرنا أبو صادق محمد بن شاذان، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا ~~محمد بن هشام بن ملاس النميري، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن حميد ~~الطويل، عن أنس بن مالك قال: رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ~~فكسرت رباعيته، وأدمي وجهه، وجعل الدم يسيل على وجهه، فجعل يمسح ms0302 الدم عن ~~وجهه ويقول: «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم» ~~فأنزل الله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ~~ظالمون} [آل عمران: 128] # PageV01P490 # ومعنى أو في قوله: أو يتوب معنى حتى، وإلى أن. # قال الفراء: ومثل هذا في الكلام: لألزمنك أو تعطيني حقي. # على معنى: إلى أن تعطيني وحتى تعطيني. # ولما نفى الأمر عن نبيه ذكر أن جميع الأمر له، فقال: {ولله ما في السموات ~~وما في الأرض يغفر لمن يشاء} [آل عمران: 129] قال ابن عباس: الذنب العظيم ~~للموحدين. # {ويعذب من يشاء} [آل عمران: 129] قال: يريد المشركين على الذنب الصغير. # والله غفور لأوليائه، رحيم بهم. # {يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم ~~تفلحون {130} واتقوا النار التي أعدت للكافرين {131} وأطيعوا الله والرسول ~~لعلكم ترحمون {132} } [آل عمران: 130-132] قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا ~~لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة} [آل عمران: 130] قال المفسرون: إنهم كانوا ~~يزيدون على المال ويؤخرون الأجل، كلما أخر عن أجل إلى غيره زيد زيادة. # قال مجاهد: يعني ربا الجاهلية. # واتقوا الله بطاعته، لعلكم تفلحون كي تسعدوا وتبقوا في الجنة، قال ~~الزجاج: المفلح: الذي أدرك ما أمل من الخير. # قوله: {واتقوا النار التي أعدت للكافرين} [آل عمران: 131] قال ابن عباس: ~~يهدد المؤمنين إن استحلوا ما حرم الله عليهم من الربا مما أوجب به النار. # وقال الزجاج: اتقوا أن تحلوا ما حرم الله، فإن من أحل شيئا مما حرم الله ~~فهو كافر بالإجماع. # {وأطيعوا الله والرسول} [آل عمران: 132] فيما يأمران به من النهي عن أكل ~~الربا، {لعلكم ترحمون} [آل عمران: 132] . # {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ~~{133} الذين # PageV01P491 # ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب ~~المحسنين {134} والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله ~~فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم ~~يعلمون {135} أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار ~~خالدين فيها ms0303 ونعم أجر العاملين {136} } [آل عمران: 133-136] قوله: {وسارعوا ~~إلى مغفرة من ربكم} [آل عمران: 133] قال عطاء عن ابن عباس: لا تصروا على ~~الذنب، إذا أذنب أحد فليسرع الرجوع، يغفر الله له. # وقال في رواية الكلبي: إلى التوبة من الزنا وشرب الخمر. # وفي الكلام محذوف على تقدير: وسارعوا إلى موجب مغفرة من ربكم. # {وجنة عرضها السموات والأرض} [آل عمران: 133] قال ابن عباس: يريد: لرجل ~~واحد من أوليائه. # وقال كريب: أرسلني ابن عباس إلى رجل من أهل الكتاب أسأله عن هذه الآية، ~~فأخرج أسفار موسى فنظر، فقال: يلفق كما يلفق الثوب، فأما طولها فلا يقدر ~~أحد قدره. # وقال في رواية أبي صالح: الجنان أربع: جنة عدن وهي الدرجة العليا، وجنة ~~الفردوس، وجنة النعيم، وجنة المأوى، وكل جنة منها كعرض السموات والأرض لو ~~وصل بعضها إلى بعض. # أعدت في الآخرة، للمتقين الشرك والفواحش. # ثم وصفهم فقال: {الذين ينفقون في السراء والضراء} [آل عمران: 134] قال ~~ابن عباس: في اليسر والعسر. # وسمى اليسر سراء لأنه يسر الإنسان، وسمى العسر ضراء لأنه يضر الإنسان. # {والكاظمين الغيظ} [آل عمران: 134] يقال: كظم غيظه، إذا سكت عليه ولم ~~يظهره بقول أو فعل. # قال المراد: تأويله: أنه كتمه على امتلائه منه. # PageV01P492 # والمعنى: الكافين غضبهم عن إمضائه، يردون غيظهم في أجوافهم ويصبرون فلا ~~يظهرون. ### | 171 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن علي بن ~~زياد، حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا سعيد بن ~~عبد الله المعاذي، عن يحيى بن أيوب، عن زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن ~~أنس الجهني، عن أبيه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كظم غيظا ~~وهو يقدر على إنفاذه، دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق فيخيره في ~~الحور العين، يزوجه منهن أيها شاء» # وقوله: {والعافين عن الناس} [آل عمران: 134] قال ابن عباس: عن المماليك، ~~إذا أذنب واحد منهم ذنبا عفوا عنه لما يرجون من ثواب الله. # وقال زيد بن أسلم ومقاتل: أي: ممن ظلمهم وأساء ms0304 إليهم. # وقوله: {والله يحب المحسنين} [آل عمران: 134] قال ابن عباس: يريد ~~الموحدين الذين هذه الخصال فيهم. # قوله: {والذين إذا فعلوا فاحشة} [آل عمران: 135] قال ابن عباس في رواية ~~عطاء: نزلت الآية في نبهان التمار، أتته # PageV01P493 # امرأة حسناء تبتاع منه تمرا، فضمها إلى نفسه وقبلها، ثم ندم على ذلك، ~~فأتى النبي عليه السلام، فذكر له ذلك، فنزلت هذه الآية. # ومعنى الفاحشة ههنا: الزنا. # وقوله: {أو ظلموا أنفسهم} [آل عمران: 135] قال الكلبي ومقاتل: هو ما دون ~~الزنا من قبلة أو لمسة أو نظر فيما لا يحل، مثل الذي فعل نبهان. # وقوله: ذكروا الله قال الضحاك: ذكروا العرض الأكبر على الله عز وجل. # وقال مقاتل والواقدي: تفكروا أن الله سائلهم عنه. # وقوله: {فاستغفروا لذنوبهم} [آل عمران: 135] أي: قالوا: اللهم اغفر لنا ~~ذنوبنا، فإنا تبنا إليك وندمنا. # {ولم يصروا على ما فعلوا} [آل عمران: 135] لم يقوموا ولم يدوموا، بل ~~تابوا وأقروا واستغفروا. ### | 172 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا إبراهيم بن ~~علي الذهلي، حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن ~~عثمان بن واقد، عن أبي نصيرة، قال: لقيت مولى لأبي بكر الصديق، فقلت: سمعت ~~من أبي بكر شيئا؟ قال: نعم، سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«لم يصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة» # PageV01P494 ### | 173 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الفارسي، أخبرنا علي بن أحمد بن ~~محمد بن عطية، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا عبد العزيز بن أبان، حدثنا ~~شعبة، عن عثمان بن المغيرة، سمعت علي بن ربيعة، من بني أسد، يحدث عن أسماء، ~~أو ابن أسماء، من بني فزارة، قال: قال علي بن أبي طالب حدثني أبو بكر، وصدق ~~أبو بكر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يذنب ذنبا ثم ~~يتوضأ فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله لذلك الذنب إلا غفر له» ، وقرأ هاتين ~~الآيتين: {ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} [النساء: 110] ، {والذين ms0305 ~~إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم} [آل عمران: 135] # وقوله: وهم يعلمون قال مجاهد: يعلمون أنه يغفر لمن استغفر ويتوب على من ~~تاب إليه. # ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن أبي ذر، عن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، فيما يرويه عن ربه عز وجل، أنه قال: من علم أني ذو قدرة على أن أغفر ~~له غفرت له ولا أبالي. # PageV01P495 # ثم ذكر جزاء المستغفرين من الذنب فقال: {أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم} [آل ~~عمران: 136] إلى قوله: {ونعم أجر العاملين} [آل عمران: 136] أي: نعم أجر ~~العاملين المغفرة. # {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ~~{137} هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين {138} ولا تهنوا ولا تحزنوا ~~وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين {139} إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ~~وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ~~والله لا يحب الظالمين {140} وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين {141} ~~} [آل عمران: 137-141] قوله: {قد خلت من قبلكم سنن} [آل عمران: 137] السنن: ~~جمع السنة، وهي المثال المتبع والإمام المؤتم به، وسنة الله: أمره ونهيه، ~~وسنة النبي عليه السلام: طريقته. # يقول الله تعالى: قد مضت مني فيمن كان قبلكم من الأمم الماضية المكذبة ~~الكافرة سنن بإمهالي واستدراجي إياهم، حتى يبلغ الكتاب فيهم أجلي الذي ~~أجلته في إهلاكهم، وبقيت لهم آثار في الدنيا، فيها أعظم الاعتبار. # {فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة} [آل عمران: 137] آخر أمر، ~~المكذبين منهم. # وقوله: {هذا بيان للناس} [آل عمران: 138] يعني: القرآن بيان من العمى، ~~وهدى من الضلال، وموعظة من الجهل، للمتقين يعني هذه الأمة. # قوله: {ولا تهنوا ولا تحزنوا} [آل عمران: 139] هذه الآية تسلية للنبي صلى ~~الله عليه وسلم وللمسلمين من الله تعالى، لما نالهم يوم أحد من القتل ~~والجرح. # ومعنى ولا تهنوا: لا تضعفوا، يقال: وهن يهن وهنا فهو واهن، إذا ضعف في ~~العمل. # قال المفسرون: لا تهنوا عن جهاد عدوكم، ولا تحزنوا على ما فاتكم من ~~الغنيمة، فإنكم أنتم الأعلون ms0306، أي: لكم تكون العافية بالنصر والظفر. # قوله: {إن كنتم مؤمنين} [آل عمران: 139] يعني: إن الإيمان يوجب ما ذكر من ~~ترك الوهن والحزن، أي: من كان مؤمنا يجب أن لا يهن ولا يحزن لثقته بالله عز ~~وجل. # وقوله: {إن يمسسكم قرح} [آل عمران: 140] أي: يصيبكم، يقال: مسه أمر كذا، ~~ومسته الحاجة، إذا أصابته. # PageV01P496 # والقرح قرئ بضم القاف وفتحه، وهما لغتان في غض السلاح ونحوه مما يجرح ~~الجسد، مثل: الضعف والضعف. # يقول: إن أصابكم جرح يوم أحد فقد أصاب المشركين مثله يوم بدر، وهو قوله: ~~{فقد مس القوم قرح مثله} [آل عمران: 140] . # وقوله: وتلك الأيام قال ابن عباس: يعني أيام الدنيا. # {نداولها بين الناس} [آل عمران: 140] قال الحسن وقتادة والسدي والربيع: ~~نصرفها مرة لفرقة ومرة لفرقة. # والدولة: الكرة، يريد أنه أدال المسلمين من المشركين يوم بدر، وأدال ~~المشركين من المسلمين يوم أحد. # {وليعلم الله الذين آمنوا} [آل عمران: 140] أي: ليعلمهم مميزين بالإيمان ~~من غيرهم، أي: إنما يجعل الدولة للكفار على المسلمين ليميز المؤمن المخلص ~~ممن يرتد عن الدين إذا أصابته نكبة. # والمعنى: ليقع ما علمه غيبا مشاهدة للناس، وليعلم ذلك كائنا موجودا كما ~~علمه غيبا. # المجازاة إنما تقع بما يعلمه موجودا، لا بما علمه غيبا. # وقوله: {ويتخذ منكم شهداء} [آل عمران: 140] أي: وليكرم قوما بالشهادة، ~~{والله لا يحب الظالمين} [آل عمران: 140] قال ابن عباس: يعني المشركين. # وفي هذا إشارة إلى أنه إنما يديل الكافرين على المؤمنين لما ذكر، لا لأنه ~~يحبهم. # وإذا أدال المؤمنين أدالهم نصرة لهم ومحبة منه إياهم. # قوله: {وليمحص الله الذين آمنوا} [آل عمران: 141] أي: ليطهرهم من ذنوبهم ~~ويسقطا عنهم، قال المبرد: تأويل قول الناس: محص عنا ذنوبنا: أذهب ما تعلق ~~بنا من الذنوب. # فمعنى قوله: {وليمحص الله الذين آمنوا} [آل عمران: 141] : ليخلصهم من ~~ذنوبهم، قال الزجاج: معنى الآية: جعل الله الأيام # PageV01P497 # مداولة بين الناس ليمحص المؤمنين إذا أدال عليهم، {ويمحق الكافرين} [آل ~~عمران: 141] ويستأصلهم إذا أدال عليهم، فقابل تمحيص المؤمنين بمحق الكافرين ~~لأن تمحيص هؤلاء هو بإهلاك ذنوبهم ms0307، نظير محق الكافرين بإهلاك أنفسهم. # {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم ~~الصابرين {142} ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم ~~تنظرون {143} } [آل عمران: 142-143] قوله: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} [آل ~~عمران: 142] الآية، خطاب للذين انهزموا يوم أحد، فقيل لهم: أم حسبتم أن ~~تدخلوا الجنة كما دخل الذين قتلوا وبذلوا مهجتهم وثبتوا على ألم الجراح ~~والضرب، من غير أن تسلكوا طريقهم وتصبروا صبرهم؟ ! وهو قوله: {ولما يعلم ~~الله الذين جاهدوا منكم} [آل عمران: 142] أي: ولما تجاهدوا فيقع العلم به. # والمعنى: ولما يعلم الله ذلك واقعا منكم، لأنه يعلمه غيبا. # قوله: {ويعلم الصابرين} [آل عمران: 142] انتصب على الصرف عن العطف، قال ~~ابن الأنباري: هذه الواو يسميها أهل النحو واو الصرف، والذي بعدها ينصب على ~~خلاف ما قبلها، كما تقول العرب: لا تأكل السمك وتشرب اللبن. # أي: لا تجمع بينهما، ولا تأكل السمك في حال شربك اللبن. # قوله: {ولقد كنتم تمنون الموت} [آل عمران: 143] الآية، قال المفسرون: ~~كانوا يتأسفون على ما فاتهم من بدر، ويتمنون يوما مع رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم، ثم انهزموا يوم أحد فاستحقوا العقاب. # قوله: {من قبل أن تلقوه} [آل عمران: 143] يعني: من قبل يوم أحد، وقوله: ~~{فقد رأيتموه} [آل عمران: 143] أي: رأيتم أسباب الموت وما يتولد منه الموت ~~كالسيف والأسنة، {وأنتم # PageV01P498 # تنظرون} [آل عمران: 143] أي: وأنتم بصراء تتأملون الحال في ذلك كيف هي، ~~فلم انهزمتم؟ ! وهذا محذوف، وهو مراد، لأنه موضع العتاب. # {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على ~~أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين {144} ~~وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته ~~منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين {145} وكأين من نبي ~~قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما ~~استكانوا والله يحب الصابرين {146} وما كان قولهم إلا ms0308 أن قالوا ربنا اغفر ~~لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ~~{147} فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين {148} ~~} [آل عمران: 144-148] قوله: {وما محمد إلا رسول} [آل عمران: 144] الآية، ~~لما نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشيع أنه قد قتل، قال بعض المسلمين: ~~ليت لنا من يأخذ أمانا من أبي سفيان. # وقال ناس من أهل النفاق: إن كان محمد قد قتل فالحقوا بدينكم الأول. # فأنزل الله تعالى هذه الآية. # وقوله: {قد خلت من قبله الرسل} [آل عمران: 144] معناه: أنه يموت كما ماتت ~~الرسل من قبله، {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} [آل عمران: 144] أي: ~~أتنقلبون على أعقابكم إن مات محمد أو قتل؟ ! ويقال لكل من عاد إلى ما كان ~~عليه ورجع وراءه: انقلب على عقبيه. # وقوله: {ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا} [آل عمران: 144] فيه ~~معنى الوعيد، أي: فإنما يضر نفسه باستحقاق العقاب، { # PageV01P499 # وسيجزي الله الشاكرين} [آل عمران: 144] قال ابن عباس: يريد الطائعين لله ~~من المهاجرين والأنصار. # وقال عبد الرحمن بن عوف في قوله: {أفإن مات أو قتل} [آل عمران: 144] : هو ~~صياح الشيطان يوم أحد: قتل محمد. # قوله: {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله} [آل عمران: 145] قال الزجاج: ~~اللام في النفس معناها: النقل، بتقدير: وما كانت نفس لتموت إلا بإذن الله. # قال ابن عباس: يريد: بقضائه وقدره. # والمراد بهذا: الحض على الجهاد، من حيث لا يموت أحد فيه إلا بإذن الله. # قال ابن الأنباري: عاتب الله بهذا المنهزمين يوم أحد رغبة في الدنيا وضنا ~~بالحياة، وأخبرهم أن الحياة لا تزيد ولا تنقص، وأن الموت بأجل عنده لا ~~يتقدم ولا يتأخر. # وقوله: كتابا مؤجلا أي: كتب الله ذلك كتابا إلى أجله في اللوح المحفوظ، ~~{ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها} [آل عمران: 145] أي: من يرد بطاعته وعمله ~~زينة الدنيا وزخرفها نؤته منها ما نشاء مما قدرناه له، كقوله: {من كان يريد ~~العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء} [الإسراء: 18] . # وعني ms0309 بهذا الذين تركوا المركز يوم أحد طلبا للغنيمة ورغبة في الدنيا، ~~{ومن يرد ثواب الآخرة} [آل عمران: 145] أي: من كان قصده بعمله ثواب الآخرة، ~~{نؤته منها} [آل عمران: 145] يعني الذين ثبتوا يوم أحد حتى قتلوا. # أعلم الله أنه يجازي كلا على قصده وإرادته، كما روي عن النبي صلى الله ~~عليه وسلم في قوله: «الأعمال بالنيات» . # قوله تعالى: {وكأين من نبي} [آل عمران: 146] الآية، معنى كأين: كم، ~~وتأويله: الكثير، لعدد الأنبياء الذين هذه صفتهم. # PageV01P500 # وقرأ ابن كثير وكائن بوزن كاعن، وهما لغتان بمعنى واحد، وأكثر ما جاء في ~~الشعر على هذه اللغة، قال جرير: # وكائن بالأباطح من صديق ... يراني لو أصبت هو المصابا # قوله: {قاتل معه ربيون كثير} [آل عمران: 146] يجوز أن يكون القتل مسندا ~~إلى نبي، ويجوز أن يكون مسندا إلى ربيون، وكذلك الوجهان من قراءة من قرأ ~~قاتل، والربيون: الجماعات الكثيرة، الواحد: ربي، وهو قول جميع المفسرين. # قوله: {فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا} [آل عمران: 146] ~~قال الزجاج: ما جبنوا عن قتال عدوهم، وما فتروا، {وما استكانوا} [آل عمران: ~~146] وما خضعوا لعدوهم. # والآية احتجاج على المنهزمين يوم أحد، وذلك أن صائحا صاح: قد قتل محمد. # فاضطرب أمر المسلمين، واختلفوا فيما بينهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية ~~يعاتبهم على ما كان من فعلهم، ويحضهم على الجهاد بسلوك طريقة صحابة ~~الأنبياء. # قال ابن الأنباري: أي فقد كان واجبا عليكم أن تقاتلوا على أمر نبيكم لو ~~قتل كما قاتل أمم الأنبياء بعد قتلهم ولم يرجعوا عن دينهم. # PageV01P501 # قوله: {وما كان قولهم} [آل عمران: 147] أي: عند لقاء العدو، {إلا أن ~~قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا} [آل عمران: 147] أي: ~~تجاوزنا الحد في المعاصي، وثبت أقدامنا بالقوة من عندك والنصرة. # قال الزجاج: أي ثبتنا على دينك، وإذا ثبتوا على دينهم ثبتوا في حربهم. # {وانصرنا على القوم الكافرين} [آل عمران: 147] هذا تعليم من الله تعالى، ~~دعاء الاستفتاح والنصرة على الكافرين عند لقائهم في الحرب. # قوله: {فآتاهم الله ثواب الدنيا} [آل ms0310 عمران: 148] النصر والظفر والغنيمة، ~~{وحسن ثواب الآخرة} [آل عمران: 148] يعني الأجر والمغفرة، {والله يحب ~~المحسنين} [آل عمران: 148] . # {يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا ~~خاسرين {149} بل الله مولاكم وهو خير الناصرين {150} سنلقي في قلوب الذين ~~كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس ~~مثوى الظالمين {151} } [آل عمران: 149-151] قوله: {يأيها الذين آمنوا إن ~~تطيعوا الذين كفروا} [آل عمران: 149] قال ابن عباس: يعني اليهود. # وقال السدي: يعني أبا سفيان وأصحابه. # وقال علي رضي الله عنه: يعني المنافقين، في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة: ~~ارجعوا إلى دين آبائكم. # وقوله: {يردوكم على أعقابكم} [آل عمران: 149] أي: يرجعوكم إلى أول أمركم ~~الشرك بالله، فتنقلبوا خاسرين فتصيروا خائبين من المغفرة والجنة. # {بل الله مولاكم} [آل عمران: 150] ناصركم ومعينكم، أي: استغنوا عن موالاة ~~الكفار فلا تستنصروهم، فإني وليكم وناصركم. # ثم وعدهم خذلان أعدائهم فقال: { # PageV01P502 # سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب} [آل عمران: 151] قال السدي: لما انصرف ~~أبو سفيان وأصحابه من أحد إلى مكة، هموا بالرجوع لاستئصال المسلمين، فألقى ~~الله في قلوبهم الرعب، فمضوا ولم يرجعوا. # والرعب: الخوف الذي يحصل في القلب، والتخفيف والتثقيل فيه لغتان، كالكتب ~~والرسل. # وقوله: {بما أشركوا بالله} [آل عمران: 151] أي: بإشراكهم، وما ههنا: ~~للمصدر، والمعنى: بما عدلوا بالله، ومن عدل بالله شيئا من خلقه فهو كافر. # قوله: {ما لم ينزل به سلطانا} [آل عمران: 151] أي: حجة وبرهانا في قول ~~جميع المفسرين، يعني الأوثان التي عبدوها مع الله. # ومأواهم أي: مرجعهم ومصيرهم إلى {النار وبئس مثوى الظالمين} [آل عمران: ~~151] هي، والمثوى: المكان الذي يقيم به، وهذا ذم لمكانهم من النار. # {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر ~~وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ~~ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين {152} إذ ~~تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا ~~تحزنوا على ms0311 ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون {153} ثم أنزل ~~عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ~~يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن ~~الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر ~~شيء ما قتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى ~~مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات ~~الصدور {154} إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ~~ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم {155} } [آل عمران: ~~152-155] قوله عز وجل: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه} [آل عمران: ~~152] أي: تقتلونهم قتلا شديدا كثيرا. # PageV01P503 # قال أبو عبيدة والزجاج: الحس: الاستئصال بالقتل، يقال: جراد محسوس، إذا ~~قتله البرد. # قال المفسرون: كان المسلمون يوم أحد يقتلون المشركين قتلا ذريعا حتى ولوا ~~هاربين، وانكشفوا منهزمين. # فذلك قوله: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه} [آل عمران: 152] أي: ~~بعلمه وإرادته. # ثم أخل الرماة بالمكان الذي ألزمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، ~~فحمل حينئذ خالد بن الوليد من وراء المسلمين، وتراجع المشركون وقتل من ~~المسلمين سبعون رجلا ثم هزموا. # وقوله: {حتى إذا فشلتم} [آل عمران: 152] أي: جبنتم عن عدوكم، يقال: فشل ~~الرجل عن الحرب يفشل إذا ضعف وذهبت قوته، وإنه لفشل وفشل. # وقوله: {وتنازعتم في الأمر} [آل عمران: 152] أي: اختلفتم، وكان اختلافهم ~~أن المشركين لما انهزموا في أول الأمر قال بعض الرماة الذين كانوا عند ~~المركز: ما مقامنا ههنا وقد انهزم القوم؟ ! وقال بعضهم: لا نجاوز أمر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم. # وقوله: وعصيتم أي: بترك المركز، {من بعد ما أراكم ما تحبون} [آل عمران: ~~152] من الظفر والنصر والفتح، {منكم من يريد الدنيا} [آل عمران: 152] يعني ~~الذين تركوا المركز وأقبلوا إلى النهب، {ومنكم من يريد الآخرة} [آل عمران: ~~152] يعني الذين ثبتوا حتى ms0312 قتلوا. ### | 174 - # أخبرنا الإمام أبو طاهر الزيادي، أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم العدل، ~~حدثنا محمد بن مسلم بن وارة، حدثنا أحمد بن المفضل، حدثنا أسباط، عن السدي، ~~عن عبد خير، عن ابن مسعود، قال: # PageV01P504 # ما كنت أدري أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا، ~~حتى نزل فينا ما نزل يوم أحد: {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة} ~~[آل عمران: 152] # قوله: {ثم صرفكم عنهم} [آل عمران: 152] أي: ردكم عنهم بالهزيمة، على ~~معنى: صرف وجوهكم عنهم، وهذا صريح في أن المعصية مخلوقة لله، حيث أضاف ~~انهزامهم إلى نفسه فقال: صرفكم عنهم ولم يقل: انصرفتم. # قوله: ليبتليكم أي: ليختبركم بما جعل عليكم من الدبرة والهزيمة، فتبين ~~الصابر من الجازع، والمخلص من المنافق، {ولقد عفا عنكم} [آل عمران: 152] ~~ذنبكم بعصيان الرسول والانهزام، {والله ذو فضل على المؤمنين} [آل عمران: ~~152] قال ابن عباس: يريد المغفرة. ### | 175 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الصوفي، أخبرنا إسماعيل بن نجيد، أخبرنا محمد ~~بن الحسن بن الخليل، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن ~~أبيه، عن سهل بن سعد قال: جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وكسرت ~~رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وكانت فاطمة بنته تغسل الدم عنه، وعلي بن ~~أبي طالب يسكب عليها الماء بالمجن فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم ~~إلا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقته، حتى إذا صار رمادا ألزمته الجرح، فاستمسك ~~الدم # قوله: إذ تصعدون يقال: أصعد في البلاد، إذا سار ومضى. # ومعنى تصعدون: تبعدون في الهزيمة. # PageV01P505 # {ولا تلوون على أحد} [آل عمران: 153] لا تعرجون ولا تقيمون، يقال: مضى ~~فلم يلو على شيء. # أي: لم يعرج، وأصله من لي العنق في الالتفات، ثم استعمل في ترك التعريج. # {والرسول يدعوكم في أخراكم} [آل عمران: 153] أي: من خلفكم، يقول: إلي ~~عباد الله، إلي عباد الله. # يقال: جاء فلان في آخر الناس وآخرة الناس وأخرى الناس، إذا جاء خلفهم. # وقوله: {فأثابكم غما بغم} [آل عمران ms0313: 153] الباء بمعنى اللام، أي: جعل ~~مكان ما ترجعون من الثواب أن غمكم بالهزيمة، وظفر المشركين بغم، أي: بغمكم ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عصيتموه فعصيتم أمره، فالغم الأول لهم، ~~والثاني للنبي عليه السلام، وهذا القول اختيار الزجاج. # قوله: {والله خبير بما تعملون} [آل عمران: 153] تذكير للتحذير. # قوله: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا} [آل عمران: 154] قال ~~المفسرون: إن المشركين لما انصرفوا يوم أحد كانوا يتوعدون المسلمين ~~بالرجوع، ولم يأمن المسلمون كرتهم، وكانوا تحت الحجف متأهبين للقتال، فأنزل ~~الله تعالى عليهم دون المنافقين أمنة، فأخذهم النعاس. # قال ابن عباس: آمنهم يومئذ بنعاس يغشاهم بعد خوف، وإنما ينعس من أمن، ~~والخائف لا ينام. # قال أبو طلحة: رفعت رأسي يوم أحد فجعلت لا أرى أحدا من القوم إلا وهو ~~يميد تحت حجفته من النعاس. # قال: وكنت ممن ألقي عليه النعاس يومئذ، فكان السيف يسقط من يدي، فآخذه، ~~ثم يسقط السوط من يدي، فآخذه. # PageV01P506 # والأمنة: مصدر كالأمن، يقال: أمن فلان يأمن أمنا وأمنة وأمانا. # والنعاس: بدل من الأمنة. # قوله: {يغشى طائفة منكم} [آل عمران: 154] قرئ بالياء والتاء، فمن قرأ ~~بالياء فلأن النعاس هو الغاشي، والعرب تقول: غشيني النعاس، وقل ما غشيني ~~الأمن. # ومن قرأ بالتاء جعل الأمنة هي الغاشية، لأن الأصل الأمنة، والنعاس بدل، ~~والأمنة هي المقصود، وإذا حصلت الأمنة حصل النعاس. # وقوله: {وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} [آل عمران: 154] يعني المنافقين: عبد ~~الله بن أبي، ومعتب بن قشير، وأصحابهما، كان همهم خلاص أنفسهم. # يقال: أهمني الشيء. # أي: كان من همي وقصدي. # قوله: {يظنون بالله غير الحق} [آل عمران: 154] أي: يظنون أن أمر محمد صلى ~~الله عليه وسلم مضمحل، وأنه لا ينصر، ظن الجاهلية وهي زمان الفترة قبل ~~الإسلام. # والتقدير: ظن أهل الجاهلية، أي: أنهم كانوا على جهالتهم في ظنهم هذا. # {يقولون هل لنا من الأمر من شيء} [آل عمران: 154] هذا استفهام معناه ~~الجحد، أي: ليس لنا من النصر والظفر شيء كما وعدنا، بل هو للمشركين يقولون ~~ذلك على جهة التكذيب ms0314، فقال الله تعالى: {قل إن الأمر كله لله} [آل عمران: ~~154] قال ابن عباس: يريد: القضاء والقدرة والنصرة والشهادة. # وقرأ أبو عمرو كله بالرفع على الابتداء، ولله الخبر. # PageV01P507 # قال الفراء: ومثله مما قطع مما قبله قوله: {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا ~~على الله وجوههم مسودة} [الزمر: 60] ومن هذا أيضا ما أجازه سيبويه من ~~قولهم: أين تظن زيد ذاهب. # وقوله: {يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك} [آل عمران: 154] من الشك ~~والنفاق وتكذيب الوعد بالنصرة، {يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ~~ههنا} [آل عمران: 154] يعنون: أنهم خرجوا كرها، ولو كان الأمر بيدهم لم ~~يخرجوا. ### | 176 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد المزكي، أخبرنا عبيد الله بن بطة الزاهد، ~~أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا ابن الأموي، حدثني أبي، عن ابن إسحاق، ~~حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله، عن ~~الزبير قال: والله إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن النعاس ~~ليغشانا بعد الغم والكرب الذي كنا فيه إذ سمعت معتب بن قشير، وما أسمعها ~~إلا كالحلم، يقول: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا " # ثم رد الله تعالى عليهم هذا الكلام بقوله تعالى: {قل لو كنتم في بيوتكم} ~~[آل عمران: 154] أيها المنافقون، ولم تخرجوا إلى أحد، {لبرز الذين كتب ~~عليهم القتل إلى مضاجعهم} [آل عمران: 154] يعني: لو تخلفوا عن القتال لخرج ~~الذين كتب عليهم القتل، ولم يكن لينجيهم قعودهم. # ويريد بالمضاجع: مصارعهم للقتل إلى حيث يسقطون هناك قتلى. # وقوله: {وليبتلي الله ما في صدوركم} [آل عمران: 154] قال الزجاج: أي ~~ليختبر ما في صدوركم ليعلمه مشاهدة كما علمه غيبا، لأن المجازاة إنما تقع ~~على ما علمه مشاهدة. # PageV01P508 # وتقدير الآية: وليبتلي الله ما في صدوركم فعل ما فعل يوم أحد. # وقوله: {وليمحص ما في قلوبكم} [آل عمران: 154] قال قتادة: ليطهرها من ~~الشك والارتياب بما يريكم من عجائب صنعه في إلقاء الأمنة وصرف العدو، ~~وإعلان سرائر المنافقين. # وهذا التمحيص خاص للمؤمنين دون المنافقين ms0315، {والله عليم بذات الصدور} [آل ~~عمران: 154] أي: بما فيها من خير وشر. # قوله: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان} [آل عمران: 155] يعني ~~الذين انهزموا يوم أحد، {إنما استزلهم الشيطان} [آل عمران: 155] أي: حملهم ~~على الزلة، وكسبهم الزلة، {ببعض ما كسبوا} [آل عمران: 155] قال مقاتل: يعني ~~معصيتهم النبي عليه السلام وتركهم المركز. # {ولقد عفا الله عنهم} [آل عمران: 155] غفر لهم تلك الخطيئة، قال قتادة في ~~هذه الآية: تولى أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد عن القتال ~~وعن نبي الله، وكان ذلك من أمر الشيطان، فأنزل الله ما تسمعون أنه قد تجاوز ~~عن ذلك وعفا عنهم. ### | 177 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن حيان، أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسن ~~المروزي، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب، حدثنا محمد بن الليث، ~~حدثنا علي بن الحكم، حدثنا القاري، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب: أن ~~عثمان بن عفان رفع صوته على عبد الرحمن، وهو يومئذ خليفة، فقال له عبد ~~الرحمن: # PageV01P509 # بأيش ترفع صوتك علي ولقد شهدت بدرا ولم تشهد، وبايعت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ولم تبايع، يعني بيعة الرضوان وفررت يوم أحد ولم أفر. # فقال له عثمان: أما قولك شهدت بدرا ولم تشهد، فإن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم خلفني على ابنته، وأما ما ذكرت أنك بايعت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ولم أبايع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني إلى أناس من ~~المشركين، فلما أبطأت عليه ضرب بيمينه على شماله، فقال: هذه لعثمان، فشمال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من يميني، ولقد علمت ذلك أنت، وأما قولك ~~فررت يوم أحد، فلمت بذنب عفا الله لي عنه # {يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في ~~الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة ~~في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير {156} ولئن قتلتم ms0316 في ~~سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون {157} ولئن متم أو ~~قتلتم لإلى الله تحشرون {158} } [آل عمران: 156-158] قوله: {يأيها الذين ~~آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا} [آل عمران: 156] الآية، قال ابن عباس: يريد ~~قوما من المنافقين قالوا فيمن بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ~~السرايا إلى بئر معونة وإلى الرجيع فأصيبوا: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما ~~قتلوا. # PageV01P510 # وقوله: {وقالوا لإخوانهم} [آل عمران: 156] أي: في النفاق، {إذا ضربوا في ~~الأرض} [آل عمران: 156] أي: ساروا وسافروا فيها، {أو كانوا غزى} [آل عمران: ~~156] جمع غاز، مثل: صائم وصوم، ونائم ونوم. # وفي الآية محذوف يدل عليه الكلام، والتقدير: إذا ضربوا في الأرض فماتوا، ~~أو كانوا غزى فقتلوا. # {لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا} [آل عمران: 156] وهذا الظاهر يدل ~~على موتهم وقتلهم. # وقوله تعالى: {ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} [آل عمران: 156] أي: ليجعل ~~ظنهم أنهم لو لم يحضروا الحرب اندفع عنهم القتل، حسرة في قلوبهم، وحسرتهم ~~في مقالتهم التي كانوا كاذبين فيها على القضاء والقدر أشد عليهم مما نازلهم ~~في قتل إخوانهم وموتهم. # وتقدير معنى الآية: لا تكونوا كهؤلاء الكفار عن هذا القول منهم ليجعل ~~الله ذلك حسرة في قلوبهم دونكم. # {والله يحيي ويميت} [آل عمران: 156] أي: ليس ينفع الإنسان تحرزه من إتيان ~~أجله على ما سبق في علم الله، {والله بما تعملون بصير} [آل عمران: 156] ~~بالياء والتاء، فمن قرأ بالتاء فلأن الآية خطاب، وهو قوله: ولا تكونوا، ومن ~~قرأ بالياء فللغيبة التي قبلها، وهي قوله: وقالوا لإخوانهم. # قوله: {ولئن قتلتم في سبيل الله} [آل عمران: 157] اللام في لئن: لام ~~القسم، بتقدير: والله لئن قتلتم في سبيل الله أيها المؤمنون، أو متم في ~~سبيل الله. # وقرئ متم بكسر الميم، وهو شاذ، ونظيره في الصحيح: فضل يفضل. # والخطاب للمؤمنين، يقول الله تعالى: ولئن قتلتم في الجهاد، أو متم ليغفرن ~~لكم، وهو قوله: {لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون} [آل عمران: 157] من ~~أعراض الدنيا التي تتركون القتال في ms0317 سبيل الله للاشتغال بجمعها. # وقرأ حفص يجمعون بالياء، ويكون المعنى: لمغفرة من الله ورحمة خير مما ~~يجمعه غيركم مما تركوا القتال لجمعه. # PageV01P511 # ولئن متم يريد: مقيمين عن الجهاد، أو قتلتم مجاهدين، {لإلى الله تحشرون} ~~[آل عمران: 158] يعني: في الحالين، وهذا تهديد بالحشر، وتحذير من القيامة. # {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف ~~عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب ~~المتوكلين} [آل عمران: 159] قوله: {فبما رحمة من الله} [آل عمران: 159] ما ~~ههنا: صلة، لا تمنع الباء من عملها فيما عملت فيه، وهي كثيرة في القرآن ~~كقوله: {عما قليل} [المؤمنون: 40] ، و {جند ما هنالك} [ص: 11] ، {فبما ~~نقضهم ميثاقهم} [النساء: 155] . # والمعنى: فبرحمة من الله، لنت لهم أي: سهلت أخلاقك، وكثر احتمالك. # يقال: لان يلين لينا وليانا، إذا رق وحسن خلقه وانقاد. # {ولو كنت فظا} [آل عمران: 159] الفظ: الغليظ الجانب، السيء الخلق، يقال: ~~فظظت تفظ فظاظة، فأنت فظ. # وقال الكلبي: لو كنت فظا في القول غليظ القلب في الفعل، {لانفضوا من ~~حولك} [آل عمران: 159] لتفرقوا ونفروا منك. # وقوله: فاعف عنهم أي: عن الشيء يكون منهم، واستغفر لهم من ذلك الذنب، ~~{وشاورهم في الأمر} [آل عمران: 159] قال قتادة: أمر الله تعالى نبيه أن ~~يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه وحي السماء، لأنه أطيب لأنفس القوم إذا ~~شاور بعضهم بعضا. # وقال الضحاك: ما أمر الله نبيه بالمشورة إلا لما يعلم ما فيها من الفضل. # وروى عمرو بن دينار، عن ابن # PageV01P512 # عباس في قوله: {وشاورهم في الأمر} [آل عمران: 159] قال: يريد أبا بكر ~~وعمر. # وقوله تعالى: فإذا عزمت أي: على ما تريد إمضاءه فتوكل على الله لا على ~~المشاورة. # ومعنى التوكل: تفويض الأمر إلى الله للثقة بحسن تدبيره. # {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده ~~وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [آل عمران: 160] وقوله تعالى: {إن ينصركم الله ~~فلا غالب لكم} [آل عمران: 160] أي: من الناس. # والمعنى ms0318: إن ينصركم الله لم يضركم خذلان من خذلكم. # وإن يخذلكم معنى الخذلان: القعود عن النصرة وقت الحاجة إليها. # {فمن ذا الذي ينصركم من بعده} [آل عمران: 160] هذا استفهام بمعنى النفي، ~~أي: لا ينصركم أحد من بعده. # وقال الكلبي: {إن ينصركم الله} [آل عمران: 160] يعني أصحاب رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم كما فعل يوم بدر، {فلا غالب لكم وإن يخذلكم} [آل عمران: ~~160] كما كان يوم أحد، {فمن ذا الذي ينصركم} [آل عمران: 160] أي: يمنعكم من ~~عدوكم. # وقوله: من بعده ظاهر الكناية يعود إلى اسم الله تعالى. # والمعنى على حذف المضاف بتقدير: من بعد خذلانه. # {وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما ~~كسبت وهم لا يظلمون} [آل عمران: 161] قوله عز وجل: {وما كان لنبي أن يغل} ~~[آل عمران: 161] روى عكرمة، عن ابن عباس: فقدت قطيفة حمراء يوم بدر # PageV01P513 # مما أصيب من المشركين، فقال أناس: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها. # فأنزل الله تعالى: {وما كان لنبي أن يغل} [آل عمران: 161] أي: يخون، من ~~الغلول وهو الخيانة، وأصله: أخذ الشيء في خفية، يقول: ما كان لنبي أن يخون ~~فيكم الغنيمة من أصحابه. # وأن مع الفعل بمنزلة المصدر، كأنه قيل: ما كان لنبي الغلول، أراد: ما غل ~~نبي، ينفي عن الأنبياء الغلول. # وقرئ يغل بضم الياء وفتح الغين، من الأغلال وهو النسبة إلى الغلول، قال ~~الفراء: قرأ أصحاب عبد الله يغل يريدون: أن يسرق ويخون، وذلك جائز، وإن لم ~~يقل: يغلل، فيكون مثل قوله تعالى: {فإنهم لا يكذبونك} [الأنعام: 33] و {لا ~~يكذبونك} [الأنعام: 33] . ### | 178 - # أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم النجار، حدثنا سليمان بن أيوب ~~الطبراني، حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد النرسي، حدثنا أبو عمر الدوري ~~المقري، عن أبي محمد اليزيدي، عن أبي عمرو بن العلاء، عن مجاهد، عن ابن ~~عباس: أنه كان ينكر على من يقرأ: {وما كان لنبي أن يغل} [آل عمران: 161] ~~ويقول: كيف لا يكون له أن يغل، وقد ms0319 كان يقتل، قال الله: {ويقتلون الأنبياء} ~~[آل عمران: 112] ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من ~~الغنيمة، فأنزل الله تعالى: {وما كان لنبي أن يغل} [آل عمران: 161] # PageV01P514 ### | 179 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي، أخبرنا إبراهيم بن أحمد بن ~~رجاء، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا عبد الواحد بن غياث، حدثنا ~~حماد بن سلمة، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، قال: سمعت أبا حميد الساعدي ~~يقول: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن اللتبية على الصدقة، فلما ~~جاء قال: هذا لكم وهذه الهدية أهديت إلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ~~ألا جلست في بيت أمك وأبيك حتى تأتيك هديتك؟ ثم قال: أما والذي نفس محمد ~~بيده، ما يأخذ أحدكم شيئا بغير حقه إلا جاء يوم القيامة وهو يحمله على ~~عنقه، فلا أعرفن رجلا يجيء يوم القيامة وهو يحمل على عنقه بعيرا له رغاء، ~~أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم بسط يده حتى رأيت بياض إبطيه، فقال: ألا ~~هل بلغت، ثلاثا، رواه مسلم، عن أبي كريب، عن أبي أسامة، عن هشام بن عروة # وقوله تعالى: {ثم توفى كل نفس ما كسبت} [آل عمران: 161] قال ابن عباس: ~~يريد: تجازى ثواب عملها. # وهم لا يظلمون لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئا. # {أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ~~{162} هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون {163} } [آل عمران: ~~162-163] قوله: {أفمن اتبع رضوان الله} [آل عمران: 162] يعني: بالعمل ~~بطاعته والإيمان به، {كمن باء بسخط من الله} [آل عمران: 162] في العمل ~~بمعصية الله والكفر به، قال ابن عباس {أفمن اتبع رضوان الله} [آل عمران: ~~162] يريد المهاجرين والأنصار، {كمن باء بسخط من الله} [آل عمران: 162] ~~يريد المنافقين. # وقال الزجاج: يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر المسلمين يوم أحد ~~بالحرب اتبعه المؤمنون، وتخلف عنه جماعة # PageV01P515 # من المنافقين، فأعلم الله أن من اتبع نبيه اتبع رضوان الله، وأن من تخلف ms0320 ~~عنه فقد باء بسخط من الله. # ومعنى باء به: احتمله ورجع به، وذكرنا هذا في { [البقرة. # قوله:] هم درجات عند الله} [سورة آل عمران: 163] أي: أهل درجات، أو ذوو ~~درجات، فحذف المضاف، والمعنى: أن المؤمنين ذوو درجة رفيعة، والكافرين ذوو ~~خسيسة. # قال ابن عباس: يعني أن من اتبع رضوانه ومن باء بسخط منه مختلفو المنازل ~~عند الله، فلمن اتبع رضوانه الكرامة والثواب، ولمن باء بسخط منه المهانة ~~والعذاب. # وهذا قول الكلبي، قال: أهل الجنة بعضهم أفضل من بعض، وكل في فضل وكرامة، ~~وأهل النار بعضهم أشد عذابا من بعض، وكل في عذاب وهوان. # {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ~~ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} [آل ~~عمران: 164] قوله: {لقد من الله على المؤمنين} [آل عمران: 164] أي: أنعم ~~عليهم وأحسن إليهم، {إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم} [آل عمران: 164] هذا خاص ~~للعرب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان من العرب، ولم يكن حي من أحياء ~~العرب إلا وقد ولده وله فيهم نسب، غير بني تغلب، لأنهم كانوا نصارى، فطهره ~~الله منهم. # ومعنى من أنفسهم: من نسبهم، قال ابن عباس: يريد: من نسبهم، وهو من ولد ~~إسماعيل. # وهذا قول عائشة رضي الله عنها، لأنها قالت: هذا للعرب خاصة. # وقال آخرون: المراد به المؤمنون كلهم، ومعنى من أنفسهم: أنه واحد منهم ~~يعرفونه ويعرفون نسبه، وليس بملك ولا أحد من غير بني آدم. # وهذا القول اختيار الزجاج، قال: لو كانت المنة فيه أنه من العرب لكان ~~العجم لا منة عليهم، ولكن المنة فيه أنه قد خبر أمره وشأنه، وعلم صدقه بعد ~~أن علموا أنه كان واحدا منهم، فكان أيسر عليهم معرفة أحواله من الصدق ~~والأمانة. # PageV01P516 # وقوله تعالى: {وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} [آل عمران: 164] أي: وما ~~كانوا من قبل محمد إلا في ضلالة، كقوله: وإن كنتم من قبله لمن الظالمين. # {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى ms0321 هذا قل هو من عند أنفسكم ~~إن الله على كل شيء قدير {165} وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله ~~وليعلم المؤمنين {166} وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل ~~الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم ~~للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون {167} ~~الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم ~~الموت إن كنتم صادقين {168} } [آل عمران: 165-168] قوله: {أولما أصابتكم ~~مصيبة} [آل عمران: 165] يعني: أوحين أصابتكم، ألف الاستفهام دخلت على واو ~~العطف، وأراد بالمصيبة: ما أصابهم يوم أحد. # وقوله: {قد أصبتم مثليها} [آل عمران: 165] يعني يوم بدر، وذلك أن ~~المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعين، وقتل المسلمون منهم يوم بدر ~~سبعين وأسروا سبعين، {قلتم أنى هذا} [آل عمران: 165] قلتم: من أين أصابنا ~~هذا القتل والهزيمة وقد تقدم الوعد بالنصر ونحن مسلمون ورسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فينا؟ {قل هو من عند أنفسكم} [آل عمران: 165] أي: إنكم تركتم ~~المركز، وطلبتم الغنيمة، وعصيتم الرسول، فمن قبلكم جاء الشر. # وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله: {قل هو من عند أنفسكم} [آل ~~عمران: 165] أي: يأخذكم الفداء، وذلك أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي ~~صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال: يا محمد، إن الله قد كره ما صنع قومك في ~~أخذهم الفداء من الأسارى، وقد أمرك أن تخيرهم بين أن يقدموا الأسارى ~~فيضربوا أعناقهم وبين أن يأخذوا الفداء، على أن يقتل منهم عدتهم، فذكر ذلك ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه، فقالوا: يا رسول الله، عشائرنا ~~وأخواننا، لا، بل نأخذ فداءهم فنقوى به على قتال العدو، ويستشهد منا ~~بعددهم. # فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدد أسارى أهل بدر، فهو معنى قوله: {قل هو ~~من عند أنفسكم} [آل عمران: 165] أي: يأخذكم واختياركم القتل. # PageV01P517 # وقوله: {إن الله على كل شيء قدير} [آل عمران: 165] أي: من النصر مع ~~الطاعة، وترك النصر مع المخالفة ms0322. # قوله: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان} [آل عمران: 166] يعني يوم أحد، ~~التقى فيه المشركون والمسلمون، فبإذن الله وقال ابن عباس: فبقضاء الله. # {وليعلم المؤمنين {166} وليعلم الذين نافقوا} [آل عمران: 166-167] أي: ~~ليظهر إيمان المؤمنين بثبوتهم على ما نالهم، ويظهر نفاق المنافقين بفشلهم ~~وقلة صبرهم على ما ينزل بهم. # وذكرنا معنى علم الله فيما لا يزال مع سبق علمه بالكائنات فيما لم يزل. # قال ابن عباس: يريد بالذين نافقوا: عبد الله بن أبي، وأصحابه، وذلك أنهم ~~انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقال لهم عبد الله بن ~~عمرو بن حرام: أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم. # ودعاهم إلى القتال في سبيل الله، فذلك قوله: {وقيل لهم تعالوا قاتلوا في ~~سبيل الله أو ادفعوا} [آل عمران: 167] . # قال السدي: ادفعوا عنا العدو بتكثير سوادنا إن لم تقاتلوا معنا. # وقال جماعة من المفسرين: أو ادفعوا عن أهلكم وبلدكم وحريمكم إن لم ~~تقاتلوا في سبيل الله. # {قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم} [آل عمران: 167] أي: لو نعلم أنكم ~~تقاتلون ما أسلمناكم، يعنون: لا يكون اليوم قتال ولو نعلم أنه يكون قتال ~~لاتبعناكم، ونافقوا بهذا القول لأنه كان في قلوبهم خلاف ما تكلموا به، قال ~~الله تعالى: {هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان} [آل عمران: 167] يريد: ~~إنهم بما أظهروا من خذلان المؤمنين صاروا أقرب إلى الكفر منهم إلى الإيمان، ~~وذلك أنهم قبل هذا كانوا بظاهر حالهم أقرب إلى الإيمان حتى هتكوا أنفسهم ~~بما فعلوا وقالوا مما لم يكن في قلوبهم ذلك، وهو قوله: {يقولون بأفواههم ما ~~ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون} [آل عمران: 167] أي: من النفاق. # قوله تعالى: {الذين قالوا لإخوانهم} [آل عمران: 168] يعني عبد الله بن ~~أبي وأصحابه، قالوا لإخوانهم من المنافقين وقعدوا هم عن الجهاد مع رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم، والواو للحال، لو أطاعونا في القعود عن الحرب، ~~يعنون # PageV01P518 # شهداء أحد، ما قتلوا. # فرد الله تعالى عليهم وقال: قل لهم يا محمد، {فادرءوا عن أنفسكم الموت إن ~~كنتم ms0323 صادقين} [آل عمران: 168] أي: إن صدقتم أن الحذر ينفع من القدر. # ومعنى الدرء في اللغة: الدفع، ومنه قوله تعالى: {ويدرأ عنها العذاب} ~~[النور: 8] . # {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ~~{169} فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من ~~خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون {170} يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن ~~الله لا يضيع أجر المؤمنين {171} الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما ~~أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم {172} الذين قال لهم الناس ~~إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم ~~الوكيل {173} فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان ~~الله والله ذو فضل عظيم {174} إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم ~~وخافون إن كنتم مؤمنين {175} } [آل عمران: 169-175] قوله: {ولا تحسبن الذين ~~قتلوا في سبيل الله أمواتا} [آل عمران: 169] الآية. ### | 180 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا إسماعيل بن أحمد ~~الخلالي، أخبرنا عبد الله بن زيدان البجلي، حدثنا أبو كريب، حدثنا عبد الله ~~بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن سعيد ~~بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما أصيب ~~إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، تأكل من ~~ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ~~ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق؟ ~~لئلا يزهدوا في الجهاد ولا يتكلوا عند الحرب، فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم ~~عنكم، فأنزل الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل ~~أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169] # PageV01P519 ### | 181 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، أخبرنا أحمد بن ~~الحسين الحذاء، أخبرنا علي ابن المديني، حدثنا موسى بن إبراهيم بن بشير بن ~~الفاكه الأنصاري، أنه سمع طلحة بن خراش، قال: سمعت ms0324 جابر بن عبد الله قال: ~~نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراك مهتما؟ قلت: يا ~~رسول الله قتل أبي وترك دينا وعيالا، فقال: ألا أخبرك؟ ما كلم الله أحدا قط ~~إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي سلني أعطك، قال: ~~أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، فقال: إنه قد سبق مني أنهم ~~إليها لا يرجعون، قال: يا رب فأبلغ من ورائي، فأنزل الله {ولا تحسبن الذين ~~قتلوا في سبيل الله أمواتا} [آل عمران: 169] الآية ### | 182 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا حاجب بن أحمد، حدثنا محمد ~~بن حماد: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق قال: ~~سألت عبد الله عن هذه الآية: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا} ~~[آل عمران: 169] قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك، إن أرواحهم كطير خضر تسرح ~~في الجنة في أيها شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، فبينا هم كذلك إذ ~~اطلع ربك عليهم اطلاعة، فقال: سلوني ما شئتم، فقالوا: يا ربنا ماذا نسألك، ~~ونحن في الجنة نسرح في أيها شئنا؟ قال: فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن ~~يسألوا، قالوا: يا ربنا نسألك أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا في الدنيا حتى ~~نقتل في سبيلك، فلما رأى أنهم لا يسألون إلا هذا تركهم. # PageV01P520 # رواه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن أبي معاوية # وقوله: بل أحياء الأصح في حياة الشهداء ما روينا عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم: أن أرواحهم في أجواف طير، وأنهم يرزقون ويأكلون ويتنعمون. # وقيل: إن أرواحهم تركع وتسجد كل ليلة تحت العرش إلى يوم القيامة كأرواح ~~الأحياء من المؤمنين الذين باتوا على الوضوء. # وقوله: عند ربهم أي: في دار كرامته، ومعنى عنده معنى القرب والإكرام ~~بحضور دار السلام. # وقيل عند ربهم أي: في علمه. # وقوله: يرزقون أي: من ثمار الجنة كما رويناه. # {فرحين بما آتاهم الله من فضله} [آل عمران: 170] أي: بما ms0325 نالوا من ~~الكرامة، ويستبشرون: الاستبشار: السرور بالبشارة يبشر بها، {بالذين لم ~~يلحقوا بهم من خلفهم} [آل عمران: 170] أي: أنهم يفرحون بإخوانهم الذين ~~فارقوهم وهم أحياء يقولون: إخواننا يقتلون كما قتلنا، فيصيبون من كرامة ~~الله ما أصابنا. # وهو قوله: {ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [آل عمران: 170] . # قوله: {يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله} [آل عمران: 171] قرئ ~~بالفتح والكسر، فمن فتحها فعلى معنى: وبأن الله، فهي معطوفة على الباء في ~~بنعمة، ومن كسرها استأنف. # قوله: {الذين استجابوا لله والرسول} [آل عمران: 172] الآية، قال ~~المفسرون: لما انصرف أبو سفيان وأصحابه من أحد ندموا وقالوا: قتلتموهم حتى ~~إذا لم يبق إلا قليل تركتموهم، ارجعوا فاستأصلوهم. # فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يرهب العدو ويريهم من ~~نفسه وأصحابه قوة، فندبهم للخروج في طلب أبي سفيان، فانتدب عصابة منهم مع ~~ما بهم من الجروح، فذلك قوله: {الذين استجابوا لله والرسول} [آل عمران: ~~172] أي: أجابوهما، {من بعد ما أصابهم القرح} [آل عمران: 172] أي: الجراحات ~~وألمها، {للذين أحسنوا منهم} [آل عمران: 172] أي: بطاعة الرسول، واتقوا ~~معصيته ومخالفته، أجر عظيم. # PageV01P521 ### | 183 - # أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكي، أخبرنا محمد بن مكي، أخبرنا محمد بن ~~يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن ~~أبيه، عن عائشة: {الذين استجابوا لله والرسول} [آل عمران: 172] إلى آخرها، ~~قالت لعروة: يابن أختي، كان أبواك منهم، الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما أصاب، وانصرف عنه خاف أن يرجعوا، فقال: ~~من يذهب في أثرهم فانتدب منهم سبعون رجلا، كان منهم أبو بكر والزبير # قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس} [آل عمران: 173] الآية، قال مجاهد ~~ومقاتل وعكرمة والواقدي والكلبي: إن أبا سفيان حين أراد أن ينصرف يوم أحد ~~قال: يا محمد، إن موعد ما بيننا وبينك موسم بدر الصغرى لقابل. # فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك بيننا إن شاء الله» . # فلما كان العام المقبل خرج أبو سفيان ms0326 في أهل مكة حتى نزل مجنة، ثم ألقى ~~الله تعالى في قلبه الرعب، فبدا له الرجوع، فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي، ~~فبعثه أبو سفيان وقال: ثبط عنا محمدا وخوفه حتى لا يلقانا ببدر الصغرى، ~~ولأن يكون الخلف من قبله أحب إلي. # فأتى نعيم المسلمين، فوجدهم يتجهزون لميعاد أبي سفيان، وقال: قد أتوكم في ~~بلدكم وصنعوا بكم ما صنعوا، فكيف بكم إذا أغرتم عليهم في بلدهم وهم أكثر ~~وأنتم أقل؟ ! فذلك قوله: {الذين قال لهم الناس} [آل عمران: 173] يعني ~~نعيما، فأطلق لفظ الناس على الواحد، كما تقول: انتظرت قوما فجاء واحد منهم: ~~قد جاء الناس. # وقال السدي: الناس ههنا: المنافقون، قالوا للمسلمين حين تجهزوا للمسير ~~لميعاد أبي سفيان: إن أتيتموهم في ديارهم لا يرجع منكم أحد. # PageV01P522 # وقوله: {إن الناس قد جمعوا لكم} [آل عمران: 173] يعني أبا سفيان وأصحابه، ~~{فاخشوهم فزادهم إيمانا} [آل عمران: 173] زادهم قول الناس لهم إيمانا، أي: ~~تصديقا ويقينا. # قال الزجاج: زادهم ذلك التخويف ثبوتا في دينهم، وإقامة على نصرة نبيهم. # {وقالوا حسبنا الله} [آل عمران: 173] أي: الذي يكفينا أمرهم الله، ونعم ~~الوكيل أي: الموكول إليه الأمور، فعيل بمعنى مفعول. # قال ابن عباس: آخر كلام إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار: حسبي ~~الله ونعم الوكيل. # وقال نبيكم مثلها، ثم قرأ هذه الآية. # قوله: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل} [آل عمران: 174] وذلك أن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم خرج في أصحابه حتى وافوا بدر الصغرى، وكانت موضع سوق ~~لهم يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام، فلم يلقوا أحدا من المشركين، ~~ووافقوا السوق فباعوا واشتروا وربحوا، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين، ~~فذلك قوله: فانقلبوا أي: انصرفوا، {بنعمة من الله وفضل} [آل عمران: 174] ~~قال السدي ومجاهد: والنعمة ههنا: العافية، والفضل: التجارة. # وقوله {لم يمسسهم سوء} [آل عمران: 174] أي: لم يصبهم قتل ولا جراح، ~~{واتبعوا رضوان الله} [آل عمران: 174] في طاعة رسوله، {والله ذو فضل عظيم} ~~[آل عمران: 174] تفضل على المؤمنين بما تفضل به. # وقوله: {إنما ذلكم الشيطان} [آل عمران ms0327: 175] أي: ذلك الذي يخوفكم أيها ~~المؤمنون هو الشيطان، يوقع في قلوبكم الخوف من الكفار، وهو قوله: {يخوف ~~أولياءه} [آل عمران: 175] أي: يخوفكم بأوليائه وهم المشركون، فحذف المفعول ~~الثاني وحرف الجر. # قال الفراء: ومثله قوله: {لينذر يوم التلاق} [غافر: 15] ومعناه: لينذركم ~~بيوم التلاق، وقوله: {لينذر بأسا شديدا} [الكهف: 2] أي: لينذركم ببأس شديد. # PageV01P523 # والذي يدل على هذا قراءة أبي بن كعب يخوفكم بأوليائه. # فلا تخافوهم أي: لا تخافوا أولياء الشيطان، {وخافون إن كنتم مؤمنين} [آل ~~عمران: 175] أي: خافوني في ترك أمري إن كنتم مصدقين بوعدي، وقد أعلمتكم أني ~~أنصركم عليهم، فقد سقط عنكم الخوف. # {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ~~ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم} [آل عمران: 176] وقوله: {ولا ~~يحزنك الذين يسارعون في الكفر} [آل عمران: 176] أكثر القراء على يحزنك بفتح ~~الياء، وقرأ نافع بضم الياء، وحزن وأحزن بمعنى واحد، يقال: حزنني الأمر ~~وأحزنني. # ذكر ذلك الخليل وسيبويه وأبو زيد الزجاج، وأراد ب {الذين يسارعون في ~~الكفر} [آل عمران: 176] : المنافقين واليهود، وتأويله: يسارعون في نصرة ~~الكفر. # {إنهم لن يضروا الله شيئا} [آل عمران: 176] يعني: أن عائد الوبال في ذلك ~~عليهم، لا على غيرهم. # وقال عطاء: لن يضروا أولياء الله شيئا. # {يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة} [آل عمران: 176] أي: نصيبا في ~~الجنة. # {إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم ~~{177} ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ~~ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين {178} } [آل عمران: 177-178] قوله: {إن الذين ~~اشتروا الكفر بالإيمان} [آل عمران: 177] أي: اختاروا الكفر واتخذوه بدلا من ~~الإيمان، {لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم} [آل عمران: 177] . # قوله: {ولا يحسبن الذين كفروا} [آل عمران: 178] قال ابن عباس: يعني ~~المنافقين وقريظة والنضير. # وقال مقاتل: يعني مشركي مكة. # وقوله: {أنما نملي لهم خير لأنفسهم} [آل عمران: 178] الإملاء: الإمهال ~~والتأخير، قال الأصمعي: يقال: أملى عليه الزمان. # أي: طال عليه. # وأملى له: أي ms0328 طول له وأمهله. # PageV01P524 # قال ابن عباس في قوله: {أنما نملي لهم} [آل عمران: 178] : يريد تماديهم ~~في معاصي الله. # قوله: {إنما نملي لهم ليزدادوا إثما} [آل عمران: 178] أي: إنما نطول ~~أعمارهم في الكفر ليزيد إثمهم، فيكون ذلك أشد لعقوبتهم. # قال الزجاج: هؤلاء قوم أعلم الله نبيه أنهم لا يؤمنون أبدا، وأن بقاءهم ~~يزيدهم إثما وكفرا. ### | 184 - # أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، أخبرنا حاجب بن أحمد، حدثنا محمد بن حماد، ~~حدثنا محمد بن الفضيل، عن عبيدة، عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود: ~~ما من عين تطرف إلا والموت خير لها من الحياة، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، ~~أليس المؤمن يزداد صلاة ويزيد صوما ويزداد خيرا؟ فقال: إن الله عز وجل ~~يقول: {وما عند الله خير للأبرار} [آل عمران: 198] فإن كان برا فما عند ~~الله خير للأبرار، فقيل له: أرأيت الكافر أليس إن مات عجل إلى النار، وهو ~~في الدنيا يأكل ويشرب ويلبس؟ فقال: إن الله عز وجل يقول: {ولا يحسبن الذين ~~كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما} [آل عمران: ~~178] ولا يزدادون في الدنيا حياة إلا ازدادوا إثما # {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ~~وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا ~~بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم} [آل عمران: 179] قوله تعالى: ~~{ما كان الله ليذر المؤمنين} [آل عمران: 179] الآية، نزلت في المنافقين ~~وتمييزهم عن المؤمنين، ومعنى الآية: وما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين ~~{على ما أنتم عليه} [آل عمران: 179] من التباس المنافق بالمؤمن، والمؤمن ~~بالمنافق، { # PageV01P525 # حتى يميز الخبيث من الطيب} [آل عمران: 179] أي: المنافق من المؤمن. # قال مجاهد: فميز الله يوم أحد المؤمنين من المنافقين، حيث أظهروا النفاق ~~وتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. # وفي يميز قراءتان: التخفيف والتشديد، وهما لغتان، يقال: مزت الشيء بعضا ~~من بعض فأنا أميزه ميزا، وميزته تمييزا. # أي: فرقته وفصلت بينه ms0329، ومنه الحديث: «من ماز أذى من الطريق فهو له صدقة» ~~. # {وما كان الله ليطلعكم على الغيب} [آل عمران: 179] فتعرفوا المنافق من ~~المؤمن قبل التمييز، والإطلاع: أن تطلع إنسانا على أمر لم يكن علم به، ~~يقال: أطلعته على كذا. # أي: أعلمته. # {ولكن الله يجتبي} [آل عمران: 179] أي: يختار لمعرفة ذلك، {من رسله من ~~يشاء} [آل عمران: 179] قال ابن عباس: يريد: أنت يا محمد ممن اصطفيته ~~وأطلعته على هذا الغيب. # ثم أمر بالإيمان بجميع الرسل ووعدهم الأجر العظيم على ذلك فقال: {فآمنوا ~~بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم} [آل عمران: 179] . # {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر ~~لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما ~~تعملون خبير} [آل عمران: 180] قوله: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم ~~الله من فضله هو خيرا لهم} [آل عمران: 180] نزله في الباخلين بالزكاة ~~الواجبة عليهم. # PageV01P526 # قال ابن عباس: {بما آتاهم الله من فضله} [آل عمران: 180] يريد: من الذهب ~~والفضة والحيوان والثمار. # ففسروه بالأشياء التي تجب فيها الزكاة. # وقوله تعالى: {بل هو شر لهم} [آل عمران: 180] قال الحسن: لأنهم نالوا به ~~عذاب الله. # {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} [آل عمران: 180] يجعل ما بخل به من ~~المال حية يطوقها يوم القيامة في عنقه تنهشه من قرنه إلى قدمه. ### | 185 - # أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، حدثنا محمد بن يعقوب المعقلي، أخبرنا ~~الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان بن عيينة، سمعت جامع بن أبي راشد، ~~وعبد الملك بن أعين، أنهما سمعا أبا وائل يخبر، عن عبد الله بن مسعود يقول: ~~سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا ~~مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع يفر منه، وهو يتبعه، حتى يطوقه في عنقه» ، ~~ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم {سيطوقون ما بخلوا به يوم ~~القيامة} [آل عمران: 180] # وقوله تعالى: {ولله ميراث السموات والأرض} [آل عمران: 180] يعني: أنه ms0330 ~~يفني أهلهما، وتبقى الأملاك والأموال ولا مالك لها إلا الله عز وجل. # وقوله تعالى: {والله بما تعملون خبير} [آل عمران: 180] من قرأ بالياء ~~فلأن ما قبله على الغيبة، وذلك قوله: سيطوقون. # والله بما يعملون خبير من منعهم الحقوق فيجازيهم عليه. # ومن قرأ بالتاء فلأن ما قبل هذه الآية خطاب وهو قوله: {وإن تؤمنوا ~~وتتقوا} [آل عمران: 179] . # PageV01P527 # {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا ~~وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق {181} ذلك بما قدمت ~~أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد {182} الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا ~~نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي ~~بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين {183} فإن كذبوك فقد كذب ~~رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير {184} } [آل عمران: ~~181-184] قوله تعالى: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن ~~أغنياء} [آل عمران: 181] قال المفسرون: نزلت هذه الآية في اليهود، قالوا ~~لما نزل قوله: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} [البقرة: 245] : إن الله ~~فقير يستقرضنا ونحن أغنياء. # يروى أن قائل هذا رجل من اليهود يقال له: فنحاص. # قال: لو كان الله غنيا لما استقرضنا أموالنا. # فقال الله تعالى: {سنكتب ما قالوا} [آل عمران: 181] أي: نأمر الحفظة ~~بإثبات قولهم في صحائف أعمالهم، وذلك أظهر في الحجة عليهم. # وقرأ حمزة سيكتب بضم الياء، اعتبارا بقراءة عبد الله ويقال ذوقوا عذاب ~~الحريق، وهو اسم للنار الملتهبة، وهو بمعنى المحرق. # {ذلك بما قدمت أيديكم} [آل عمران: 182] أي: ذلك العذاب بما سلف لكم من ~~الإجرام، وأن الله أي: وبأن الله، {ليس بظلام للعبيد} [آل عمران: 182] ~~فيعاقبهم بلا جرم. # قوله تعالى: {الذين قالوا إن الله عهد إلينا} [آل عمران: 183] الآية، قال ~~السدي: إن الله أمر بني إسرائيل في # PageV01P528 # التوراة: من جاءكم يزعم أنه رسول الله فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان ~~تأكله النار، إلا المسيح ومحمدا، فإنهما يأتيان بغير قربان. # والقربان: البر الذي يتقرب به ms0331 إلى الله، وأصله المصدر، من قولك: قرب ~~قربانا، ومثل الكفران والرجحان والخسران، ثم سمي به نفس المتقرب به. # قال عطاء: كانت بنو إسرائيل يذبحون لله، فيأخذون الثروب وأطايب اللحم ~~فيضعونها وسط البيت، والسقف مكشوف، فيقوم النبي ويناجي ربه، وبنو إسرائيل ~~خارجون حول البيت، فتنزل نار بيضاء لها حفيف ولا دخان لها، فتأكل ذلك ~~القربان، فقال الله تعالى إقامة للحجة عليهم: {قل قد جاءكم رسل من قبلي ~~بالبينات} [آل عمران: 183] المعجزات الظاهرات، وبالذي قلتم يعني أكل النار ~~القربان، {فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين} [آل عمران: 183] فيما ذكرتم؟ ! ~~قوله تعالى: {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك} [آل عمران: 184] هذه الآية ~~تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم في تكذيب اليهود إياه، وبيان أنهم إن كذبوه ~~فالتكذيب عادة للأمم وسائر الرسل، فقد كذبوا كما كذب. # وقوله: جاءوا بالبينات أي: جاءوا أممهم بالمعجزات الظاهرة، والزبر أي: ~~الكتب، وهو جمع زبور، والزبور: الكتاب، بمعنى المزبور، أي: المكتوب، يقال: ~~زبرت الكتاب. # أي: كتبته. # وقرأ ابن عامر وبالزبر، أعاد الباء وإن كان مستغنى عنه لضرب من التأكيد، ~~{والكتاب المنير} [آل عمران: 184] الهادي إلى الحق، من قولك: أنرت الشيء ~~أنيره إنارة. # أي: بينته وأوضحته. # PageV01P529 # {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار ~~وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [آل عمران: 185] ~~وقوله: {كل نفس ذائقة الموت} [آل عمران: 185] ذائقة: فاعلة من الذوق، وهذا ~~وعد من الله تعالى بالموت، ووعيد للمكذبين بالقرآن، لأنهم إذا ماتوا حصلوا ~~على خسران وحسرة، وهو قوله: {وإنما توفون أجوركم يوم القيامة} [آل عمران: ~~185] فمن عمل صالحا وفي وأكمل أجره بدخول الجنة والتبعيد من النار، وهو ~~قوله: {فمن زحزح عن النار} [آل عمران: 185] أي: بعد عنها، {وأدخل الجنة فقد ~~فاز} [آل عمران: 185] أي: ظفر بالخير ونجا من الشر. # قال الزجاج: يقال لكل من نجا من هلكة وظفر بما يغتبط به: فاز. # وتأويل فاز: تباعد عن المكروه ولقي ما يحب. # وقوله: {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [آل ms0332 عمران: 185] يريد: العيش ~~في هذه الدار الفانية يغر الإنسان بما يمنيه من طول البقاء وسينقطع عن ~~قريب. # {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن ~~الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} [آل ~~عمران: 186] قوله تعالى: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم} [آل عمران: 186] أي: ~~لتختبرن في أموالكم بالخسران والنقصان حتى يتبين الجازع من الصابر، والمخلص ~~من المنافق، وأنفسكم بالأمراض. # والخطاب للمهاجرين، أخذ المشركون أموالهم بمكة، وباعوا رباعهم وعذبوهم، ~~{ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [آل عمران: 186] يعني اليهود، ~~{ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} [آل عمران: 186] # أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر، ~~أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو اليمان، حدثنا ~~شعيب، عن الزهري، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه: ~~أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرا، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ~~ويحرض عليه كفار قريش في شعره، وكان المشركون واليهود من أهل المدينة حين ~~قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ~~أشد الأذى، فأمر الله نبيه # PageV01P530 # بالصبر على ذلك، وفيهم أنزل الله تعالى: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب ~~من قبلكم} [آل عمران: 186] الآية. # وقوله: وإن تصبروا على الأذى الذي ينالكم، وتتقوا بترك المعارضة، {فإن ~~ذلك من عزم الأمور} [آل عمران: 186] أي: مما يعزم عليه من الأمر، لظهور ~~رشده، وكان هذا قبل نزول آية السيف. # {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ~~فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون} [آل عمران: 187] ~~قوله: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب} [آل عمران: 187] الآية، ~~نزلت في يهود المدينة أخذ الله ميثاقهم في التوراة ليبينن شأن محمد ونعته ~~ومبعثه ولا يخفونه، وهو قوله: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} [آل عمران: 187] ~~. # قال الحسن: هذا مثال ميثاق الله تعالى على علماء أهل الكتاب أن يبينوا ms0333 ~~للناس ما في كتابهم، وفيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام. # وتقرأ هذه الآية بالياء على الغيبة، وبالتاء على حكاية المخاطبة التي ~~كانت في وقت أخذ الميثاق، ومثله قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ~~لا تعبدون} [البقرة: 83] بالياء والتاء. # وقوله: {فنبذوه وراء ظهورهم} [آل عمران: 187] قال ابن عباس: أي: ألقوا ~~ذلك الميثاق خلف ظهورهم. # {واشتروا به ثمنا قليلا} [آل عمران: 187] يعني: ما كانوا يأخذونه من ~~سفلتهم برئاستهم في العلم. # وقوله: {فبئس ما يشترون} [آل عمران: 187] قال ابن عباس: قبح شراؤهم ~~وخسروا. # {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا ~~تحسبنهم بمفازة من العذاب # PageV01P531 # ولهم عذاب أليم {188} ولله ملك السموات والأرض والله على كل شيء قدير ~~{189} } [آل عمران: 188-189] قوله: {لا تحسبن الذين يفرحون} [آل عمران: ~~188] الآية، قال أبو سعيد الخدري: نزلت في رجال من المنافقين كانوا يتخلفون ~~عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو، ويفرحون بقعودهم عنه، فإذا قدم ~~اعتذروا إليه، فيقبل عذرهم، وأحبوا أن يحمدوا بما ليسوا عليه من الإيمان. # وقال عكرمة ومجاهد: اليهود فرحوا بإضلال الناس وبنسبة الناس إياهم إلى ~~العلم، وليسوا كذلك. # وقوله: بما أتوا قال الفراء: بما فعلوا، كما قال: {لقد جئت شيئا فريا} ~~[مريم: 27] أي: فعلت فعلا. # وقوله: بمفازة أي: بمنجاة من النار، والمعنى: لا تحسبن هؤلاء أنهم ينجون ~~من العذاب. # قوله: {ولله ملك السموات والأرض} [آل عمران: 189] أي: يملك تدبيرهما ~~وتصريفهما على ما يشاء. # وهذا تكذيب للذين قالوا: {إن الله فقير ونحن أغنياء} [آل عمران: 181] . # {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ~~{190} الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات ~~والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار {191} ربنا إنك من ~~تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار {192} ربنا إننا سمعنا مناديا ~~ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا ~~سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار {193} ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا ms0334 تخزنا ~~يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد {194} فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل ~~عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا # PageV01P532 # وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ~~ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن ~~الثواب {195} } [آل عمران: 190-195] قوله: {إن في خلق السموات} [آل عمران: ~~190] قال ابن عباس: بت في بيت ميمونة، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~مع أهله ساعة ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد، فنظر في السماء، فقال: ~~{إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} [آل ~~عمران: 190] ثم قام فتوضأ، واستن فصلى إحدى عشرة ركعة. # وتفسير الآية قد تقدم في { [البقرة. # قوله:] الذين يذكرون الله قياما} [سورة آل عمران: 191] أي: قائمين، ~~وقعودا قاعدين، وعلى جنوبهم مضطجعين. # والمعنى: أنهم يصلون في جميع هذه الأحوال على قدر إمكانهم في صحتهم ~~وسقمهم. # قال عمران بن حصين: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، ~~فقال: «صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب» . # وقوله: {ويتفكرون في خلق السموات والأرض} [آل عمران: 191] ليدلهم ذلك على ~~قدرة الصانع وتوحيده وحكمته، {ربنا ما خلقت هذا} [آل عمران: 191] أي: ~~ويقولون: ربنا ما خلقت هذا الخلق، باطلا لغير شيء، خلقته دليلا على حكمتك ~~وكمال قدرتك. # PageV01P533 # سبحانك تنزيها لك عما لا يجوز في وصفه، {فقنا عذاب النار} [آل عمران: ~~191] أي: قد اعترفنا بوحدانيتك، فلا تعذبنا بالنار. # قوله: {ربنا إنك من تدخل النار} [آل عمران: 192] قال قتادة: إنك من تخلد ~~في النار، {فقد أخزيته} [آل عمران: 192] . # قال شمر بن حمدويه: فضحته. # وقال المفضل: أهلكته. # قال عمرو بن دينار: قدم علينا جابر بن عبد الله في عمرة، فسألته عن هذه ~~الآية، فقال: أليس قد أخزاه حين أهلكه بالنار؟ ! إن دون ذلك لخزيا. # ما للظالمين يريد الكافرين، من أنصار أعوان يمنعونهم من عذاب الله. # قوله: {ربنا إننا سمعنا مناديا} [آل عمران: 193] المنادي محمد صلى ms0335 الله ~~عليه وسلم من قول ابن عباس والأكثرين. # قال قتادة: ينبئكم الله عن مؤمني الإنس كيف قالوا، وعن مؤمني الجنة كيف ~~قالوا، أما مؤمنو الجنة فقالوا: {إنا سمعنا قرءانا عجبا} [الجن: 1] ، وأما ~~مؤمنو الإنس فقالوا: {إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان} [آل عمران: 193] . # وقال محمد بن كعب القرظي: هو كتاب الله ليس كل أحد لقي رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم. # قوله: ينادي للإيمان قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير، أي: سمعنا ~~مناديا للإيمان ينادي {أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا} [آل ~~عمران: 193] . # وقوله: {وكفر عنا سيئاتنا} [آل عمران: 193] أي: غطها عنا حتى لا نراها، ~~وجمع بين غفران الذنوب وتكفير السيئات لأن غفران الذنوب بفضله ورحمته، ~~وتكفير السيئات بالطاعات، كتكفير الحنث بالصوم، والظهار بالإعتاق، فالمغفرة ~~بفضله من غير سبب، والتكفير بسبب طاعة. # والسيئات: الأعمال القبيحة، يقال: سوأت الرجل فعله. # أي: قبحته عليه وعبته بما صنع. # وقوله: {وتوفنا مع الأبرار} [آل عمران: 193] قال ابن عباس: مع الأنبياء، ~~والمعنى: توفنا في جملتهم. # قوله: {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} [آل عمران: 194] قال الكلبي: على ~~لسان رسلك، والمعنى: أن المؤمنين # PageV01P534 # يدعون الله تعالى بأن ينجز لهم ما وعدهم من الثواب على لسان الرسل. # وقوله: {ولا تخزنا يوم القيامة} [آل عمران: 194] أي: لا تفضحنا ولا تهنا ~~ولا تهلكنا. # قوله: {فاستجاب لهم ربهم} [آل عمران: 195] أي: دعاءهم. # وقوله: {أني لا أضيع عمل عامل منكم} [آل عمران: 195] يعني: لا يضيع لأحد ~~عندي عمل، رجلا كان أو امرأة، وهو قوله: {من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض} [آل ~~عمران: 195] أي: حكم جميعكم حكم واحد منكم فيما أفعل بكم من مجازاتكم على ~~أعمالكم وترك تضييعها لكم. # {فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي} [آل عمران: 195] يعني ~~المؤمنين الذين أخرجوا من مكة وآذاهم المشركون فهاجروا منها إلى المدينة. # وقاتلوا المشركين، وقتلوا وقرأ ابن عباس مشددا، لتكرر القتل فيهم، ~~والتخفيف يقع على القليل والكثير، وقرأ حمزة وقتلوا وقاتلوا وهو كقراءة ~~العامة، لأن الواو لا توجب ترتيبا، {لأكفرن ms0336 عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات ~~تجري من تحتها الأنهار} [آل عمران: 195] . # وقوله: {ثوابا من عند الله} [آل عمران: 195] قال الزجاج: هو مصدر مؤكد ~~لما قبله، لأن معنى لأدخلنهم جنات: لأثيبنهم. # {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد {196} متاع قليل ثم مأواهم جهنم ~~وبئس المهاد {197} لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ~~خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار {198} وإن من أهل ~~الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا # PageV01P535 # يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع ~~الحساب {199} يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم ~~تفلحون {200} } [آل عمران: 196-200] قوله: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا} [آل ~~عمران: 196] نزلت في مشركي مكة، وذلك أنهم كانوا يتجرون ويتنعمون، ومعنى ~~تقلبهم في البلاد: تصرفهم للتجارات. # أعلم الله تعالى أن ذلك مما لا ينبغي أن يغتبطوا به، لأن مصيرهم بكفرهم ~~إلى النار، ولا يمتعون بما جمعوا، وهو قوله: {متاع قليل ثم مأواهم جهنم} ~~[آل عمران: 197] قال الزجاج: ذلك الكسب والربح متاع قليل. # ثم ذكر المؤمنين فقال: {لكن الذين اتقوا ربهم} [آل عمران: 198] إلى قوله: ~~{نزلا من عند الله} [آل عمران: 198] النزل: ما يهيأ للضيف أو القوم إذا ~~نزلوا موضعا. # قال الكلبي: جزاء وثوابا. # {وما عند الله خير للأبرار} [آل عمران: 198] مما يتقلب فيه الكفار في دار ~~الدنيا. # قوله: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله} [آل عمران: 199] الآية ### | 186 - # أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن يوسف العروضي، حدثنا أبو عمرو بن مطر، ~~إملاء، أخبرنا جعفر بن أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا محمد بن بكار الباهلي، ~~حدثنا المعتمر بن سليمان، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم لأصحابه: قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي فقال بعضهم: يأمرنا أن ~~نصلي على علج # PageV01P536 # من الحبشة، فأنزل الله تعالى: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله} [آل ~~عمران: 199] # وهذا قول ابن عباس وجابر وقتادة، أن الآية نزلت ms0337 في النجاشي حين مات، وصلى ~~عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال المنافقون: إنه يصلي على ~~نصراني لم يره قط. # وقال ابن جريج وابن زيد: نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه. # وقال مجاهد: نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم. # قوله: {وما أنزل إليكم} [آل عمران: 199] يعني القرآن، {وما أنزل إليهم} ~~[آل عمران: 199] يعني التوراة، خاشعين لله قال الزجاج: لما ذكر الذين كفروا ~~من أهل الكتاب في قوله: {فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا} [آل ~~عمران: 187] ذكر حال من آمن من أهل الكتاب، وأخبر أنهم صدقوا في حال خشوعهم ~~فقال: {خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا} [آل عمران: 199] أي: ~~عرضا من الدنيا كفعل اليهود الذين غيروا التوراة. # ثم وعدهم الأجر مع ذلك فقال: {أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع ~~الحساب} [آل عمران: 199] ومضى الكلام في سرعة الحساب. # قوله: {يأيها الذين آمنوا اصبروا} [آل عمران: 200] قال الحسن: على دينكم، ~~فلا تدعوه لشدة. # وقال زيد بن أسلم: اصبروا على الجهاد، وصابروا عدوكم، فلا يكون أصبر ~~منكم، ورابطوا أقيموا على جهاد عدوكم بالحرب. # PageV01P537 # وأصله من مرابطة الخيل، وهو ارتباطها بإزاء العدو في بعض الثغور، ثم سمي ~~ملازمة الجهاد رباطا ومرابطة، هذا قول أكثر المفسرين وفيه قول آخر: # أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الزاهد، أخبرنا أبو علي بن أبي بكر ~~الفقيه، حدثنا محمد بن معاذ الماليني، حدثنا الحسين بن الحسن بن حرب ~~المروزي، حدثنا ابن المبارك، أخبرنا مصعب بن ثابت، حدثني داود بن صالح، ~~قال: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: يابن أخي، هل تدري في أي شيء نزلت هذه ~~الآية {يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} [آل عمران: 200] ؟ قلت: ~~لا. # قال: إنه لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابطون فيه، ولكن ~~انتظار الصلاة خلف الصلاة. # رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبي محمد المزني، عن أحمد بن ~~نجدة. # ودليل صحة هذا القول: الحديث الصحيح الذي ### | 187 - # أخبرنا أبو نصر محمد ms0338 بن محمد بن عبد الله بن زكريا الجوزقي، أخبرنا بشر ~~بن أحمد المهرجاني، أخبرنا محمد بن يحيى بن سليمان المروزي، حدثنا أبو عبيد ~~القاسم بن سلام، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة: ~~أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به ~~الخطايا ويرفع الدرجات؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على ~~المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة إلى الصلاة، فذلكم ~~الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط ". # PageV01P538 # رواه مسلم، عن قتيبة وعلي بن حجر، كلاهما عن إسماعيل بن جعفر، وإنما سمي ~~انتظار الصلاة رباطا؛ لأن كل من صبر على أمر، يقال: ربط قلبه عليه، وربط ~~نفسه، وقال لبيد: # رابط الجأش على كل وجل # ، أي: صابر ثابت. # ولهذا قال أبو عبيدة وابن الأنباري في قوله: {ورابطوا} [آل عمران: 200] : ~~اثبتوا وداوموا، {واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران: 200] # PageV01P539 # بسم الله الرحمن الرحيم ### | سورة النساء # مدنية وآياتها سبعون ومائة ### | 188 - # أخبرنا الأستاذ أبو عثمان سعيد بن محمد بن المقرئ الزعفراني، أخبرني أبو ~~عمرو محمد بن جعفر بن مطر، حدثنا إبراهيم بن شريك، حدثنا أحمد بن يونس، ~~حدثنا سلام بن سليم المدايني، حدثنا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن ~~أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «من قرأ سورة النساء فكأنما تصدق على كل من ورث ميراثا، وأعطي من ~~الأجر كمن اشترى محررا، وبرئ من الشرك، وكان في مشيئة الله عز وجل الذين ~~يتجاوز عنهم» ### | 189 - # أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل، أخبرنا ~~أحمد بن الحسن الحافظ، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عثمان بن صالح السهمي، ~~حدثني ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، حدثني حميد بن عبد ~~الرحمن، عن المسور بن مخرمة، أنه سمع عمر بن الخطاب، يقول: تعلموا سورة ~~البقرة وسورة النساء و ### | سورة المائدة # وسورة الحج وسورة النور فإن فيهن الفرائض # {يأيها الناس ms0339 اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث ~~منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان ~~عليكم رقيبا {1} وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا ~~تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا {2} وإن خفتم ألا تقسطوا في ~~اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا ~~تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا {3} وآتوا النساء ~~صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا {4} } ~~[النساء: 1-4] . # قوله: {يأيها الناس اتقوا ربكم} [النساء: 1] قال ابن عباس: الخطاب لأهل ~~مكة. # PageV02P003 # {الذي خلقكم من نفس واحدة} [النساء: 1] يعني: آدم، {وخلق منها زوجها} ~~[النساء: 1] حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه ~~وسلم: «إن المرأة خلقت من ضلع، فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها وفيها ~~عوج استمتعت بها» . # وقوله: وبث أي: فرق ونشر، والبث التفريق، ومنه قوله: وزرابي مبثوثة أي: ~~متفرقة في المجالس، وخلق الله الخلق فبثهم في الأرض. # وقوله: منهما أي: من آدم وحواء، وهما أبوا البشر، وفي هذا بيان قدرة الله ~~تعالى، حيث خلق آدم وكان نفسا واحدة، ثم خلق منه حواء، ثم خلق منهما الرجال ~~والنساء على كثرتهم. # قوله: {واتقوا الله الذي تساءلون به} [النساء: 1] أي: تتساءلون، فأدغم ~~التاء في السين ومن خفف حذف ولم يدغم، والمعنى: تتساءلون فيما بينكم ~~حوائجكم وحقوقكم به، فتقولون: أسألك بالله، وأنشدك بالله، ونشدتك الله، ~~وكذا كانت العرب تقول له. # PageV02P004 # وقوله: والأرحام قال قتادة، ومجاهد، والسدي، والضحاك، وابن زيد، والفراء، ~~والزجاج: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، فهي عطف على اسم الله في قوله: واتقوا ~~الله. # والمعنى: واتقوا الأرحام فصلوها ولا تقطعوها وهذا ينبئ بوجوب صلة الرحم. ### | 190 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا أبو علي الميداني، حدثنا ~~محمد بن يحيى الذهلي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، حدثني أبو ~~عبد الرحمن، أن ردادا الليثي أخبره، عن عبد الرحمن بن عوف، أنه ms0340 سمع رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: أنا الرحمن خلقت الرحم ~~وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته " ### | 191 - # أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الصوفي، أخبرنا محمد بن علي ~~القفال الشاشي، أخبرنا الحسين بن موسى بن خلف الرسعني، حدثنا إسحاق بن ~~سيار، حدثني عمران بن هارون الرملي، حدثني سليمان بن حيان، حدثني داود بن ~~أبي هند، عن الشعبي، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~" إن الله ليعمر بالقوم الديار ويكثر لهم الأموال، وما نظر إليهم مذ خلقهم ~~بغضا، قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: بصلتهم أرحامهم " # PageV02P005 # وقرأ حمزة والأرحام بالخفض، وضعف النحويون كلهم هذه القراءة واستقبحوها. # قال الزجاج: إجماع النحويين أنه يقبح باسم ظاهر على اسم مضمر في حال ~~الخفض إلا بإظهار الخافض كقوله: {فخسفنا به وبداره الأرض} [القصص: 81] ، ~~ويستقبح النحويون: مررت به وزيد، لأن المكني المخفوض حرف متصل غير منفصل، ~~فكأنه كالتنوين في الاسم، فقبح أن يعطف باسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم ~~بنفسه. # وقال سيبويه: لا يجوز عطف الظاهر على المكني المخفوض من غير إعادة الخافض ~~إلا في ضرورة الشعر وأنشد: # فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب # وقوله: {إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء: 1] الرقيب: الحافظ يقال: رقب ~~يرقب رقبة ورقبا. # ومعناه: أنه يرقب عليكم أعمالكم، فاتقوه فيما نهاكم عنه. # قوله: {وآتوا اليتامى أموالهم} [النساء: 2] الخطاب للأوصياء وأولياء ~~اليتامى أي: أعطوهم أموالهم إذا بلغوا، {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} ~~[النساء: 2] يقال: تبدل الشيء بالشيء، إذا أخذه مكانه. # PageV02P006 # قال المفسرون: كان ولي اليتيم يأخذ الجيد من ماله ويجعل الرديء مكانه، ~~فيجعل الزائف بدل الجيد، والمهزول بدل السمين، فنهى الله تعالى عن ذلك. # قال السدي: لا تضع بعيرا مهزولا مكان بعير سمين، تقول: بعير ببعير. # وشاة مهزولة مكان شاة سمينة، وثوبا خلقا مكان ثوب جديد، تقول: ثوب بثوب ~~وشاة بشاة. # وأراد ب الخبيث: الحرام، وهو ما يأخذه من مال اليتيم بدل ماله ms0341 الحلال، ~~قوله: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} [النساء: 2] أي: لا تضيفوها في ~~الأكل إلى أموالكم، وقال السدي: يقول: ولا تخلطوها بأموالكم ثم تأكلوها ~~جميعا. # إنه يعني: إن أكل أموالهم {كان حوبا كبيرا} [النساء: 2] الحوب والحوب ~~والحاب: الإثم الكبير. # وقوله: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} [النساء: 3] الإقساط: العدل، ~~يقال: أقسط الرجل إذا عدل، ومنه قوله: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} ~~[الحجرات: 9] . ### | 192 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي، أخبرنا أبو الفضل محمد ~~بن عبد الله بن خميرويه، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الخزاعي، حدثنا أبو ~~اليمان بن نافع، أخبرني شعيب، عن الزهري قال: كان عروة بن الزبير يحدث، أنه ~~سأل عائشة رضي الله عنها عن قول الله عز وجل {وإن خفتم ألا تقسطوا في ~~اليتامى} [النساء: 3] قالت عائشة: هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في ~~مالها وجمالها ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها، فنهوا عن نكاحهن إلا ~~أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء، رواه ~~البخاري، عن أبي اليمان # وعلى هذا التفسير تقدير الآية: وإن خفتم ألا تقسطوا في نكاح اليتامى فحذف ~~المضاف، وقوله: { # PageV02P007 # فانكحوا ما طاب لكم} [النساء: 3] أي: من غيرهن، وقال أكثر المفسرين: ~~يقول: فإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى وهمكم ذلك، فكذلك خافوا في النساء أن ~~لا تعدلوا فيهن، فلا تتزوجوا أكثر ما يمكنكم إمساكهن والقيام بحقهن لأن ~~النساء كاليتامى في الضعف والعجز. # وهذا قول ابن عباس، في رواية الوالبي، وسعيد بن جبير وقتادة والربيع ~~والضحاك والسدي. # وقوله: {ما طاب لكم} [النساء: 3] أي: حل لكم من النساء، يعني: من اللاتي ~~يحل نكاحهن، دون المحرمات اللاتي ذكرن في قوله: {حرمت عليكم أمهاتكم} ~~[النساء: 23] الآية. # وما ههنا: بمعنى من كقوله: {والسماء وما بناها} [الشمس: 5] ، وقال مجاهد: ~~معناه: فانكحوا النكاح الذي طاب لكم من النساء، فما على هذا عبارة عن ~~النكاح. # وقوله: {مثنى وثلاث ورباع} [النساء: 3] معناه: اثنتين اثنتين، وثلاثا ~~ثلاثا، وأربعا أربعا، على اختلاف الأحوال لأن الأربع إنما يحل ms0342 نكاحهن إذا ~~لم يتقدمها ثلاث، وكذلك الثلاث إذا لم يتقدمها اثنتان. # ولا تدل الآية على إباحة التسع، وإن كان مجموع هذه الأعداد تسعا لأن الله ~~تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات، وليس من شأن البليغ أن يعبر في العدد عن ~~التسعة باثنين وثلاثة وأربعة فمن قال: أعط زيدا اثنين وثلاثة وأربعة وهو ~~يريد تسعة كان ذلك أعيا كلام. # قوله: {فإن خفتم ألا تعدلوا} [النساء: 3] أي: في الأربع بالحب والجماع، ~~فواحدة أي: فلينكح كل واحد منكم واحدة من الحرائر، {أو ما ملكت أيمانكم} ~~[النساء: 3] من الجواري لأنه لا يلزم فيهن من الحقوق كالذي يلزم في الحرائر ~~من التسوية بينهن في القسمة. # PageV02P008 # وقوله: {ذلك أدنى ألا تعولوا} [النساء: 3] أي: نكاح الأربع على قلة عددهن ~~أقرب إلى العدل وأبعد من الظلم. # ومعنى تعولوا: تميلوا وتجوروا، عن جميع المفسرين، والعول: الميل في الحكم ~~إلى الجور. # قال الفراء: عال الرجل يعول عولا، إذا مال وجار، وهذا قول ابن عباس، ~~والحسن، وإبراهيم، وقتادة، والربيع، وعكرمة، والفراء، والزجاج، وابن ~~الأنباري. # وقوله: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} [النساء: 4] الصدقات: المهور، ~~واحدتها صدقة، النحلة معناها في اللغة: الديانة والملة والشريعة، يقال: ~~فلان ينتحل كذا. # إذا كان يتدين به، ونحلته كذا. # أي: دينه. # ولهذا قال ابن عباس، وقتادة، وابن جريج، وابن زيد في قوله: نحلة أي: ~~فريضة. # والخطاب للأزواج، أمروا بإيتاء النساء مهورهن تدينا، لأنه مما أوجبه الله ~~لهن. # وقال الكلبي: نحلة: هبة وعطية، يقال: نحلت فلانا شيئا أنحله نحلة. # أي: أعطيه، والمعنى: أن الله جعل الصداق نحلة للنساء، فأمر الأزواج ~~بإعطاء مهور النساء من غير مطالبة منهن، ولا مخاصمة فيه، لأن ما يأخذ ~~بالمحاكمة لا يقال له نحلة. ### | 193 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أخبرنا أبو سهل أحمد بن ~~الحسين القاضي، حدثنا محمد بن أيوب الرازي، أخبرنا القعنبي، حدثنا عبد الله ~~بن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة قال: # PageV02P009 # سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أحق الشرط أن يوفى به ما ms0343 ~~استحللتم به الفروج» ، رواه البخاري، عن عبد الله بن يوسف، عن الليث، ورواه ~~مسلم، عن محمد بن المثنى، عن يحيى القطان، عن عبد الحميد بن جعفر، كلاهما ~~عن يزيد بن أبي حبيب ### | 194 - # أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل، حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا محمد ~~بن إسحاق الصغاني، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا يوسف بن محمد بن يزيد بن ~~صيفي بن صهيب، حدثني أبي، عن عمه عبد الحميد، عن جده صهيب قال: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «من أصدق امرأة صداقا وهو مجمع على أن لا يوفيها ~~إياه، ثم مات ولم يعطها إياه، لقي الله زانيا» # وقوله: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا} [النساء: 4] قال الفراء، والزجاج: ~~فإن طابت أنفسهن لكم عن شيء من # PageV02P010 # الصداق، {فكلوه هنيئا مريئا} [النساء: 4] معنى الهنيء: الطيب المساغ الذي ~~لا ينقصه شيء، والمريء: المحمود العاقبة، التام الهضم، الذي لا يضر ولا ~~يؤذي. # قال المفسرون: يقول: لا تخافون به في الدنيا مطالبة ولا في الآخرة تبعة. ### | 195 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا ~~أبو يحيى الرازي، حدثنا سهل بن عثمان العسكري، حدثنا أبو مالك، عن جويبر، ~~عن الضحاك، عن ابن عباس: عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن هذه ~~الآية: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} [النساء: 4] قال: ~~«إذا جادت المرأة لزوجها بالعطية غير مكرهة لا يقضي به عليه سلطان، ولا ~~يؤاخذ الله به في الآخرة» # {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها ~~واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا {5} وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ~~فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن ~~يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم ~~إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا {6} للرجال نصيب مما ترك ~~الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو ~~كثر نصيبا مفروضا {7} } [النساء: 5-7] قوله تعالى ms0344: {ولا تؤتوا السفهاء} ~~[النساء: 5] قال ابن عباس في رواية الوالبي: يقول: لا تعمد إلى مالك الذي ~~خولك الله، وجعله لك معيشة، فتعطيه امرأتك وبنيك، فيكونوا هم الذين يقومون ~~عليك، ثم تنظر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك وأصلحه، وكن أنت الذي تنفق ~~عليهم في كسوتهم، ورزقهم ومؤنتهم. # ف السفهاء هم النساء والصبيان. # هذا قول الحسن، وقتادة، وسعيد بن جبير، والسدي. # وقوله: {التي جعل الله لكم قياما} [النساء: 5] قال عطاء، عن ابن عباس: ~~قياما لمعايشكم، وصلاح دنياكم، قال الزجاج: التي جعله الله تقيمكم، فتقومون ~~بها قياما. # PageV02P011 # قال الكسائي: القيام ههنا: اسم بمعنى القوام وهو ما يقوم به الشيء. # قال ابن قتيبة: يقال: هذا قوام أمرك وقيام أمرك، أي ما يقوم به أمرك. # وقرأ نافع قيما، قال الأخفش: قياما وقواما وقيما وقوما: واحدا، فالقيم ~~عنده مصدر في معنى القيام. # وقال غيره: القيم: جمع قيمة، والدنانير والدرهم قيم الأشياء، واختار ~~الزجاج هذا الوجه فقال: من قرأ قيما فالمعنى: أموالكم التي جعلها الله قيما ~~للأشياء فبها تقوم أموركم. # وقوله: {وارزقوهم فيها واكسوهم} [النساء: 5] الرزق من العباد: هو الأجر ~~الموظف، يقال: رزق فلان عياله كذا وكذا، أي: أجرى عليهم. # وإنما قال: فيها، ولم يقل منها لأنه أراد: اجعلوا لهم فيها رزقا، كأنه ~~أوجب ذلك لهم في المال، قال ابن عباس: يريد أنفقوا عليهم منها. # ومعنى واكسوهم: ألبسوهم الثياب، يقال: كسوت فلانا ثوبا فاكتساه. # أي: لبسه، والكسوة: ما يكتسي من الثياب. # وقوله: {وقولوا لهم قولا معروفا} [النساء: 5] أي: عدة جميلة من البر ~~والصلة، تقول: إذا ربحت في سفرتي هذه أحسنت إليكم، وإن غنمت في غزاتي ~~أعطيتكم. # قوله تعالى: وابتلوا اليتامى: قال الحسن، وقتادة، ومجاهد: اختبروهم في ~~عقولهم وأديانهم. # وكيفية هذا الابتلاء: أن يرد إليه الأمر في نفقته عند مراهقة الحلم ليعرف ~~كيف تدبيره وتصرفه. # وإن كانت جارية يرد إليها ما يرد إلى النساء من أمور البيت وتدبير الغزل ~~والقطن، {حتى إذا بلغوا النكاح} [النساء: 6] أي: # PageV02P012 # حال النكاح من الاحتلام، وإنزال الماء، فإن آنستم أي: عرفتم ms0345 ورأيتم، ~~والإيناس: الإبصار، ومنه قوله: {آنس من جانب الطور نارا} [القصص: 29] . # وقوله: منهم رشدا قال ابن عباس، والسدي: هو الصلاح في العقل، وحفظ المال. # وقال الشافعي: الرشيد من يكون صالحا في دينه مصلحا لماله. # وقوله: {ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا} [النساء: 6] يقول: لا ~~تبادروا بأكل أموالهم قبل كبرهم ورشدهم حذرا أن يبلغوا، فيلزمكم تسليم ~~المال إليهم، {ومن كان غنيا} [النساء: 6] من الأوصياء وأولياء اليتامى، ~~فليستعفف أي: عن مال اليتيم، وليتركه. # يقال: استعف عن الشيء، وعف عنه. # إذا امتنع منه وتركه. # {ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} [النساء: 6] وهو أن يأخذ من ماله بقدر ~~قيامه وأجرة عمله، والغني يستعف كما أمره الله، فإن أخذ الأجرة حلت له في ~~مقابلة عمله. ### | 196 - # أخبرنا الأستاذ أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا شعيب بن محمد ~~البيهقي، أخبرنا مكي بن عبدان، حدثنا أبو الأزهري، حدثنا روح، حدثنا ابن ~~جريج، أخبرني بكير بن عبد الله الأشجعي، أنه سمع القاسم بن محمد، يقول: # PageV02P013 # حضرت ابن عباس فاستفتاه رجل فقال: أيتام لي، لهم لقاح، أفأشرب من فضل ~~ألبانها؟ فقال: ألست ترد نادتها، وتلوط حوضها، وتكفي مهنتها؟ قال: بلى، ~~قال: فاشرب من فضل ألبانها غير مضر بأولادها، ولا ناهك في الحلب # وقوله: {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم} [النساء: 6] هذا وصية ~~من الله تعالى للأولياء بالإشهاد عليهم على دفع المال إذا دفعوه إلى ~~الأيتام، لكي إن وقع اختلاف أمكن أن يقيم البينة على أنه رد المال إليه. # قوله: {وكفى بالله حسيبا} [النساء: 6] قال ابن عباس: مجازيا للمحسن ~~والمسيء. # والحسيب بمعنى المحاسب، والباء في بالله زيادة، وحسيبا منصوب على الحال، ~~والمعنى: وكفى بالله في حال الحساب. # قوله: للرجال نصيب الآية قال ابن عباس في رواية الكلبي: إن أوس بن ثابت ~~الأنصاري توفي، وترك ثلاث بنات وامرأته يقال لها أم كحة، فقام رجلان من بني ~~عمه، فأخذا ماله، ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا، فجاءت أم كحة إلى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت له ذلك فنزلت هذه الآية. # قال ms0346 المفسرون: كانت العرب في الجاهلية لا تورث النساء، ولا الصغار شيئا، ~~وإن كانوا ذكورا، وإنما كانت # PageV02P014 # تورث الكبار ومن طاعن بالرماح، وحاز الغنيمة، فأبطل الله ذلك عليهم، ~~وأعلم أن حق الميراث على ما ذكر من الفرض. # وقوله: نصيبا مفروضا قال الأخفش: هو نصب على معنى: جعل لهم نصيبا، والآية ~~تدل على هذا لأن قوله: للرجال نصيب، وللنساء نصيب يدل على معنى: جعل لهم ~~نصيبا. # {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا ~~لهم قولا معروفا {8} وليخش الذين لو تركوا من خلفهم # PageV02P015 # ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا {9} إن الذين ~~يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا {10} ~~} [النساء: 8-10] . # قوله {وإذا حضر القسمة} [النساء: 8] يعني: قسمة المال بين الورثة، أولو ~~القربى: ذوو القرابات الذين يحزنون ولا يرثون، {واليتامى والمساكين ~~فارزقوهم منه} [النساء: 8] هذا على الندب والاستحباب، يستحب للوارث أن يرضخ ~~لهؤلاء بشيء من التركة بقدر ما تطيب به نفسه من الذهب والورق، ويقول لهم ~~عند قسمة العقار والرقيق، {وقولوا لهم قولا معروفا} [النساء: 8] وهو أن ~~يقول: بورك فيكم. # قال ابن عباس في رواية عطاء، والكلبي: هذه الآية منسوخة بآية المواريث، ~~وإباحة الثلث للميت يجعله حيث يشاء من القرابات واليتامى والمساكين. # قوله: {وليخش الذين لو تركوا} [النساء: 9] الآية، قال ابن عباس في رواية ~~عطاء: كان الرجل إذا حضرته الوفاة قعد عنده أصحاب رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فقالوا له: انظر لنفسك فإن ولدك لا يغنون عنك من الله شيئا، فيقدم ~~الرجل ماله، ويحجب ولده. # وهذا قبل أن تكون الوصية في الثلث، فكره الله تعالى ذلك منهم وأنزل: ~~{وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا} [النساء: 9] أي: أولاد صغارا ~~خافوا عليهم: الفقر {فليتقوا الله} [النساء: 9] فليخافوا الله إذا قعدوا ~~عند أحد من إخوانهم وهو في الموت، {وليقولوا قولا سديدا} [النساء: 9] عدلا، ~~وهو أن يأمره أن يخلف ماله لولده، ويتصدق بما دون الثلث، وهذا قول سعيد بن ~~جبير، والحسن، وقتادة، والسدي. # والسديد: العدل والصواب ms0347 من القول، يقال: سددا وسدادا وسديدا. # قوله: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا} ~~[النساء: 10] سماه بما يئول إليه في العاقبة، كقوله: أعصر خمرا ومنه قوله ~~عليه السلام في الشارب من آنية الذهب والفضة: «إنما يجرجر في بطنه نار ~~جهنم» . ### | 197 - # أخبرنا أحمد بن عبيد الله بن أحمد المخلدي، أخبرنا الحسين بن علي بن يحيى ~~الدارمي، حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي، أخبرنا شيبان ~~بن فروخ، حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري: أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث المعراج: " فإذا أنا برجال قد ~~وكل بهم رجال يفكون لحاهم، وآخرون يجيئون بالصخور من النار فيقذفونها في ~~أفواههم فتخرج من أدبارهم، فقلت يا جبريل: من هؤلاء؟ قال: {الذين يأكلون ~~أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا} [النساء: 10] ### | 198 - # أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن جعفر، أخبرنا أبو عمرو محمد بن ~~أحمد الحيري، أخبرنا أحمد بن # PageV02P016 # علي بن المثنى، حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، أخبرنا زياد بن ~~المنذر، عن نافع بن الحارث، عن أبي برزة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~قال: " يبعث الله عز وجل قوما من قبورهم تأجج أفواههم نارا، فقيل: من هم يا ~~رسول الله؟ فقال: ألم تر أن الله يقول {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ~~إنما يأكلون في بطونهم نارا} [النساء: 10] ؟ " # وقوله: {وسيصلون سعيرا} [النساء: 10] يقال: صلى الكافر النار يصلاها صلا ~~وصلاء، وهو صال النار. # إذا قاسى حرها وشدتها، ومنه قوله: {إلا من هو صال الجحيم} [الصافات: 163] ~~، ومن ضم الياء فهو من قولهم: أصلاه الله حر النار إصلاء. # قال الله تعالى: {فسوف نصليه نارا} [النساء: 30] . # والسعير النار المستعرة، يقال: سعرت النار أسعرها سعرا وهي مسعورة وسعير. # {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين ~~فلهن ثلثا ما ترك وإن # PageV02P017 # كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن ms0348 كان له ~~ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه ~~السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم ~~نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما {11} ولكم نصف ما ترك أزواجكم ~~إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين ~~بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن ~~الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو ~~امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم ~~شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله ~~عليم حليم {12} تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من ~~تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم {13} ومن يعص الله ورسوله ~~ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين {14} } [النساء: 11-14] . # قوله: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] الآية ### | 199 - # أخبرنا محمد بن محمد بن أحمد المنصوري، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا ~~يحيى بن صاعد، حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا عبد الله ~~بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، قال: جاءت امرأة بابنتين لها، ~~فقالت: يا رسول الله هاتان بنتا ثابت بن قيس أو قالت سعد بن الربيع قتل # PageV02P018 # معك يوم أحد، وقد استفاء عمهما مالهما وميراثهما فلم يدع لهما مالا إلا ~~أخذه، فما ترى يا رسول الله؟ فوالله ما ينكحان أبدا إلا ولهما مال، قال: ~~فقال: " يقضي الله في ذلك، فنزلت سورة فيها {يوصيكم الله في أولادكم للذكر ~~مثل حظ الأنثيين} [النساء: 11] إلى آخر الآية، فقال لي رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: ادع لي المرأة وصاحبها، فقال لعمها: أعطهما الثلثين وأعط أمهما ~~الثمن، وما بقي فلك " # ومعنى يوصيكم الله: قال الزجاج: يفرض عليكم ms0349، لأن الوصية من الله فرض، ~~والدليل على ذلك قوله تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ~~ذلكم وصاكم به} [الأنعام: 151] ، وهذا من الفرض المحكم علينا. # ثم بين ما أوصى فقال: {للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء: 11] يعني: للابن ~~من الميراث مثل حظ الأنثيين. # ثم ذكر نصيب الأناث من الأولاد فقال: فإن كن يعني الأولاد، {نساء فوق ~~اثنتين فلهن ثلثا ما ترك} [النساء: 11] ، وأجمعت الأمة على أن: للبنتين ~~الثلثين إلا ما روي عن ابن عباس: أنه ذهب إلى ظاهر الآية وقال: الثلثان فرض ~~الثلاث من البنات لأن الله تعالى قال: {فإن كن نساء فوق اثنتين} [النساء: ~~11] ، فجعل الثلثين للنساء إذا زدن على الثنتين وهذا غير مأخوذ به. # PageV02P019 # ووجه الآية، أن فوق ههنا: صلة لا معنى له، كقوله {فاضربوا فوق الأعناق} ~~[الأنفال: 12] ، يريد: فاضربوا الأعناق. # وسمى البنتين جماعة، لأن الاثنين جماعة عند العرب، والله تعالى يقول: ~~{فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4] ، وقال: {والسارق والسارقة فاقطعوا ~~أيديهما} [المائدة: 38] ، فسمى التثنية باسم الجمع، فثبت بهذا البيان أن ~~ثلثي التركة للبنتين، وأن نصفها للواحدة، وهو قوله {وإن كانت واحدة فلها ~~النصف} [النساء: 11] . # وقرأ نافع واحدة بالرفع على معنى: وإن وقعت واحدة، وتم بيان ميراث ~~الأولاد. # ثم ذكر ميراث الوالدين فقال: ولأبويه يعني: أبوي الميت، ولم يجر له ذكر ~~فكنى عن غير مذكور، {لكل واحد منهما} [النساء: 11] من الأبوين {السدس مما ~~ترك إن كان له} [النساء: 11] للميت ولد، أو ولد ابن، واسم الولد يقع على ما ~~ولد الابن، {فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث} [النساء: 11] إذا ~~مات ولم يخلف غير أبويه كان ثلث المال للأم، والباقي للأب. # وقرأ حمزة بكسر الهمزة إذا وليتها كسرة أو ياء نحو: فلإمه، أو بيوت ~~إمهاتكم وفي إمها أتبع الهمزة ما قبلها من الياء والكسرة. # قال أبو إسحاق الزجاج: إنهم استثقلوا الضمة بعد الكسرة في قوله فلأمه ~~وليس من كلام العرب مثل: فعل بكسر الفاء وضم العين. # فإن كان للميت أخوان عاد نصيب الأم من الثلث إلى السدس ms0350، وهو قوله: {فإن ~~كان له إخوة فلأمه السدس} [النساء: 11] . # وأجمعت الأمة على أن الأخوين يحجبان الأم من الثلث إلى السدس، والأخ ~~الواحد لا يحجب. # PageV02P020 # وابن عباس يخالف في هذه المسألة وهي ما ### | 200 - # أخبرناه أبو إسحاق أحمد بن محمد المفسر، أخبرنا شعيب بن محمد، أخبرنا مكي ~~بن عبدان، حدثنا أبو الأزهري، حدثنا روح، حدثنا ابن جريج، قال: حدثت، عن ~~ابن أبي ذئب، عن شعبة، عن ابن عباس، أنه دخل على عثمان بن عفان فقال: إن ~~الأخوين لا يردان الأم إلى السدس، إنما قال الله تعالى: {فإن كان له إخوة ~~فلأمه السدس} [النساء: 11] والأخوان في لسان قومك وكلام العرب ليسا بإخوة، ~~فقال عثمان: لا أستطيع أن أنقض أمرا كان قبلي وتوارثه الناس وجرى في ~~الأمصار قال العلماء: هذا غلط من ابن عباس لأن الاثنين يسميان بالجمع في ~~كثير من الكلام # حكى سيبويه: أن العرب تقول: قد وضعا رحالهما، يريدون: رحلي راحلتيهما. # وقال ابن الأنباري: التثنية عند العرب أول الجمع، ومشهور في كلامهم إيقاع ~~الجمع على التثنية، ومن ذلك قوله تعالى: {وكنا لحكمهم شاهدين} [الأنبياء: ~~78] ، يعني حكم داود وسليمان عليهما السلام. # PageV02P021 # قوله: {من بعد وصية يوصي بها أو دين} [النساء: 11] أي: هذه الأنصبة إنما ~~تقسم بعد قضاء الدين وإنفاذ وصية الميت في ثلثه. # وقرئ: يوصي بفتح الصاد وكسرها، فمن كسر فلأن المعنى من بعد وصية يوصيها ~~الميت، ومن فتح الصاد: فإنه يئول في المعنى إلى يوصى، ألا ترى أن الموصي هو ~~الميت. # وقوله: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا} [النساء: 11] أي: ~~إنكم لا تدرون أي هؤلاء أنفع لكم في الدنيا فتعطونه من الميراث ما يستحق، ~~ولكن الله تعالى قد فرض الفرائض على ما هو عنده حكمه منه، ولو وكل ذلك ~~إليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم فأفسدتم وضيعتم، وهذا معنى قوله: {فريضة من ~~الله إن الله كان عليما حكيما} [النساء: 11] . # قال عطاء: كان عليما بخلقه قبل أن يخلقهم، حكيما حيث فرض للصغار مع ~~الكبار. ### | 201 - # أخبرنا أبو منصور المنصوري، حدثنا علي بن ms0351 عمر بن مهدي، حدثنا الحسين بن ~~إسماعيل، حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا عمرو بن حمران، عن عوف، عن سليمان بن ~~جابر الهجري، قال: قال عبد الله بن مسعود: قال لي رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «تعلموا القرآن وعلموه الناس، وتعلموا العلم وعلموه الناس، وتعلموا ~~الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن، حتى ~~يختلف اثنان في الفريضة، ولا يجدان من يفصل بينهما» ### | 202 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصرأباذي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم ~~الإسماعيلي بجرجان، أخبرنا # PageV02P022 # محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، حدثنا حفص ~~بن أبي العطاف، حدثني أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا الفرض وعلموه الناس، فإنه نصف العلم وهو ~~ينسى، وهو أول شيء ينزع من أمتي» # ثم بين الله تعالى ميراث الأزواج فقال: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم ~~يكن لهن ولد} [النساء: 12] كل امرأة ماتت ولا ولد لها كان لزوجها نصف ~~ميراثها، فإن كان لها ولد كان للزوج الربع وهو قوله: {فإن كان لهن ولد فلكم ~~الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين} [النساء: 12] يعين: أن ~~الميراث إنما يستحق بعد إنفاذ الوصية وقضاء الدين. # وقوله: {ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد} [النساء: 12] يعني: ~~للمرأة ربع المال إذا لم يكن للزوج ولد، فإن كان للزوج ولد كان للمرأة ~~الثمن، وهو قوله: {فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون ~~بها أو دين} [النساء: 12] إلى ههنا بيان ميراث الأزواج والزوجات. # ثم بين ميراث ولد الأم فقال: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة} [النساء: ~~12] كل من مات ولا ولد له ولا والد فهو كلالة ورثته، وكل وارث ليس بوالد ~~للميت فهو كلالة مورثة. # فالكلالة: اسم يقع على الوارث والموروث، إذا كانا بالصفة التي ذكرنا. # يقال: رجل كلالة، وامرأة كلالة، وقوم كلالة، لا تثنى ولا تجمع لأنه مصدر ~~كالدلالة والوكالة. # يقال ms0352: كل الرجل يكل كلالة، أي: صار كلا، وهو الذي لا ولد له ولا والد، ~~والمراد بالكلالة في هذه الآية: الأخ للأم إذا مات. # PageV02P023 # قوله: {وله أخ أو أخت} [النساء: 12] يعني: من الأم بإجماع المفسرين، ~~وكذلك في قراءة سعد بن أبي وقاص وله أخ أو أخت من أمه. # {فلكل واحد منهما السدس} [النساء: 12] قال ابن عباس في رواية عطاء: وله ~~أخ أو أخت من أمه فلكل واحد منهما السدس، وفرض الواحد من ولد الأم السدس، ~~فإن كانوا أكثر من واحد اشتركوا في الثلث، الذكر والأنثى فيه سواء، وهو ~~قوله: {فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو ~~دين غير مضار} [النساء: 12] أي: غير مدخل الضرر على الورثة، وهو أن يوصي ~~بدين ليس عليه، يريد بذلك ضرر الورثة، فمنع الله منه. # وقوله: {وصية من الله} [النساء: 12] قال ابن عباس: فريضة من الله، والله ~~عليم بما دبر من هذه الفرائض حليم عمن عصاه بأن أخر عقوبته وقبل توبته. # قوله جل جلاله: {تلك حدود الله} [النساء: 13] قال ابن عباس: يريد ما حد ~~الله من فرائضه في الميراث، {ومن يطع الله ورسوله} [النساء: 13] في شأن ~~المواريث، يدخله جنات وقرأ نافع بالنون والمعنى فيه كالمعنى بالياء. # {ومن يعص الله ورسوله} [النساء: 14] قال مجاهد: فيما افترض من المواريث، ~~وقال عكرمة عن ابن عباس: من لم يرض بقسم الله، ويتعد ما قال الله يدخله ~~نارا خالدا فيها، {وله عذاب مهين} [النساء: 14] . # {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا # PageV02P024 # فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا {15} ~~واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان ~~توابا رحيما {16} إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم ~~يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما {17} وليست ~~التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا ~~الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما ms0353 {18} } [النساء: ~~15-18] قوله جل جلاله: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} [النساء: 15] أي: ~~يفعلن الزنا، {فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} [النساء: 15] أي: من المسلمين، ~~فإن شهدوا عليها، بالزنا {فأمسكوهن في البيوت} [النساء: 15] احبسوهن في ~~السجون {حتى يتوفاهن الموت} [النساء: 15] ، وكان هذا في ابتداء الإسلام: ~~المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت، والرجل إذا زنى أوذي بالتعيير ~~والضرب بالنعال، فنزلت: {الزانية والزاني فاجلدوا} [النور: 2] الآية، هذا ~~حكم البكر. # فإن كانا محصنين رجما بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سبيلهما ~~الذي جعله الله لهما في قوله {أو يجعل الله لهن سبيلا} [النساء: 15] . ### | 203 - # أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد، أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه، أخبرنا أبو ~~القاسم البغوي، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن ~~حطان بن عبد الله، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ~~«خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا والبكر يجلد وينفى، والثيب يجلد ~~ويرجم» . # PageV02P025 # رواه مسلم، عن بندار، عن غندر، عن شعبة ### | 204 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، حدثنا محمد بن يعقوب، أخبرنا الربيع، ~~أخبرنا الشافعي، أخبرنا عبد الوهاب، عن يونس، عن الحسن، عن عبادة بن ~~الصامت، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله ~~لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة ~~والرجم» # قوله: واللذان: قرأ ابن كثير بالتشديد، وكذلك: هذان، وهاتين، جعل التشديد ~~عوضا من الحذف الذي لحق الكلمة ألا ترى أن قولهم ذا قد حذف لامها، وقد حذفت ~~الياء من اللذان وهذان، وكان حقهما في التثنية: اللذيان، وهذيان فجعل ~~التشديد فيه عوضا من الحرف المحذوف عنه في التثنية. # وقوله: يأتيانها منكم يعني: الفاحشة، والمعنى: يفعلان الزنا، فآذوهما ~~يعني التعيير باللسان والتوبيخ كما ذكرنا. # قوله: فإن تابا: من الفاحشة، وأصلحا: العمل فيما بعد، فأعرضوا عنهما: ~~فاتركوا أذاهما، وقد ذكرنا حكم هذه الآية في التي قبلها. # وقوله: {إن الله كان توابا رحيما} [النساء: 16] معنى التواب في صفة الله ms0354 ~~تعالى: أنه يتوب على عبده بفضله ومغفرته إذا تاب إليه من ذنبه. # قوله تعالى: {إنما التوبة على الله} [النساء: 17] أي: التوبة التي أوجب ~~الله بفضله على نفسه {للذين يعملون السوء بجهالة} [النساء: 17] قال ابن ~~عباس: يريد أن ذنب المؤمن جهل منه. # وقال السدي: كل من عصى الله تعالى فهو جهالة # PageV02P026 # عمدا كان أو غير ذلك. # قال الزجاج: معنى الجهالة ههنا: أنهم في اختيارهم اللذة الفانية على ~~اللذة الباقية جهال. # وقوله: {ثم يتوبون من قريب} [النساء: 17] قال ابن عباس في رواية الوالبي: ~~القريب: ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت. # وقال في رواية عطاء: ولو قبل الموت بفواق ناقة. ### | 205 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا أبو يحيى ~~الرازي، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا عبيدة، عن خارجة بن مصعب، عن زيد بن ~~أسلم، عن عبد الرحمن بن البيلماني، قال: سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله ~~عليه وسلم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من تاب قبل أن ~~يموت بيوم قبل الله توبته» فحدثت بها رجلا آخر من أصحاب رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من تاب قبل أن ~~يموت بنصف يوم قبل الله توبته» فحدثت بها رجلا آخر من أصحاب رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من تاب قبل ~~أن يموت بضحوة قبل الله منه توبته» فحدثت بها رجلا آخر من أصحاب رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من تاب ~~قبل أن يغرغر بنفسه قبل الله منه توبته» # قوله عز وجل: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات} [النساء: 18] قال عطاء ~~عن ابن عباس: يريد الشرك. # PageV02P027 # وقال عكرمه عنه في هذه الآية: هم أهل الشرك. # وقال سعيد بن جبير: نزلت الأولى في المؤمنين. # يعني قوله: {إنما التوبة على الله} [النساء: 17] الآية، والوسطى في ~~المنافقين. # يعني قوله: وليست التوبة والأخرى ms0355 في الكافرين. # يعني: {ولا الذين يموتون وهم كفار} [النساء: 18] . # ومعنى الآية: لا توب لمشرك، ولا لمنافق إذا تاب عند حضور الموت، وهو ~~النظر إلى ملك الموت، ولا لمن مات كافرا، لأن التوبة لا تقبل في الآخرة. # {أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما} [النساء: 18] أي: هيانا وأعددنا، يقال: ~~أعتدت الشرع فهو معتد وعتيد. # {يأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ~~ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن ~~كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا {19} وإن أردتم ~~استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه ~~بهتانا وإثما مبينا {20} وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ~~ميثاقا غليظا {21} } [النساء: 19-21] قوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا لا ~~يحل لكم أن ترثوا النساء كرها} [النساء: 19] الآية: قال ابن عباس ~~والمفسرون: كان الرجل في الجاهلية إذا مات كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء ~~تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها فنزلت، هذه الآية. # وأعلم الله أن ذلك حرام، وأن الرجل لا يرث المرأة من الميت، وقرئ: كرها ~~بفتح الكاف وضمها، # PageV02P028 # وهما لغتان كالفقر والفقر، والضعف والضعف، {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما ~~آتيتموهن} [النساء: 19] المنهي عن العضل ههنا الأزواج، نهوا أن يمسكوهن إذا ~~لم يكن لهم فيهن حاجة إضرارا بهن حتى يفتدين ببعض مهورهن. # وقوله: {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} [النساء: 19] يعني: الزنا. # في قول عطاء، والحسن، والسدي. # وقال ابن مسعود، وقتادة: هي النشوز. # فإذا زنت امرأة تحت رجل، أو نشزت عليه حل له أن يسألها الخلع، وأن يضارها ~~ويسيء معاشرتها لتفتدي منه بالمهر. # ثم قال: وعاشروهن بالمعروف يعني: قبل الإتيان بالفاحشة. # قال ابن عباس: يريد اصحبوهن بما يجب لهن عليكم من الحق. # قال الزجاج: هو النصفة في المبيت والنفقة، والإجمال في القول. # وقوله: فإن كرهتموهن إلى قوله خيرا كثيرا: قال عطاء: يريد فيما كرهتم مما ~~هو لله رضا خير كثير، وثواب عظيم. # قال المفسرون: الخير الكثير في ms0356 المرأة المكروهة: الولد الصالح، وربما ~~يكون فرطا. # قوله جل جلاله: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج} [النساء: 20] قال ~~الوالبي عن ابن عباس: إن كرهت امرأتك وأعجبك غيرها، فأردت أن تطلق هذه ~~وتتزوج تلك، فلا يحل لك أن تأخذ من مهر التي كرهت شيئا، وإن كثر وهو قوله ~~تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} [النساء: 20] أي: لا ~~ترجعوا فيما أعطيتموهن من المهر إذا كرهتموهن، وأردتم طلاقهن. # PageV02P029 # وقوله: أتأخذونه بهتانا أي: ظلما وهذا استفهام إنكار، قال ابن عباس: يريد ~~أن أخذك إياه بعدما دخلت بها بهتان وإثم عظيم. # ثم قال على وجه الإنكار والتوبيخ: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} ~~[النساء: 21] أي: وصل بعضكم إلى بعض بالجماع، ولا يجوز للزوج الرجوع في شيء ~~من المهر بعد المسيس. # والإفضاء معناه الوصول، يقال: أفضى إليه، أي: وصل إليه بالملامسة معه. # وقوله: {وأخذن منكم ميثاقا غليظا} [النساء: 21] قال أكثر المفسرين: هو ~~قولهم عند العقد: زوجتكها على ما أخذ الله للنساء، من إمساك بمعروف أو ~~تسريح بإحسان. # وقال أبو العالية: أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله. # {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا ~~وساء سبيلا {22} حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم ~~وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ~~وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن ~~لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن ~~تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما {23} والمحصنات ~~من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن ~~تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ~~فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم # PageV02P030 # به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما {24} ومن لم يستطع منكم طولا ~~أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله ~~أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن ms0357 بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف ~~محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ~~ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم ~~والله غفور رحيم {25} يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ~~ويتوب عليكم والله عليم حكيم {26} والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين ~~يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما {27} يريد الله أن يخفف عنكم وخلق ~~الإنسان ضعيفا {28} } [النساء: 22-28] قوله عز وجل: {ولا تنكحوا ما نكح ~~آباؤكم من النساء} [النساء: 22] كانت العرب يتزوج الرجل امرأة أبيه من بعد ~~موته التي ليست بأمه، فنهى الله تعالى عنه وحرمه. # وقوله: {إلا ما قد سلف} [النساء: 22] يعني: لكم ما قد سلف فإن الله تجاوز ~~عنه، وسلف معناه: تقدم ومضى، يقال: سلف يسلف سلوفا فهو سالف. # وقوله: إنه أي: إن ذلك النكاح كان فاحشة: قبيحا ومقتا: وهو أشد البغض، ~~يقال: مقته يمقته مقتا. # وهذا إخبار عما كان في الجاهلية، أعلموا أن هذا الذي حرم عليهم لم يزل ~~منكرا في قلوبهم، ممقوتا عندهم. # وقوله: وساء سبيلا أي: قبح هذا الفعل طريقا، يقال: ساء الشيء يسوء فهو ~~سيئ إذا قبح. # قوله جل جلاله: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23] كل امرأة يرجع نسبك ~~بالولادة إليها من جهة أبيك، أو من جهة أمك بإناث رجعت إليها، أو بذكور فهي ~~أمك. # وقوله: وبناتكم: كل أنثى رجع نسبها إليك بالولادة بدرجة أو بدرجات بإناث ~~أو ذكور فهي بنتك. # وقوله: وأخواتكم: كل أنثى ولدها شيء ولدك في الدرجة الأولى فهي أختك. # وقوله: وعماتكم: هي جمع العمة، وكل ذكر رجع نسبك إليه فأخته عمتك، وقد ~~تكون العمة من جهة الأم وهي أخت أبي أمك. # PageV02P031 # وقوله: وخالاتكم: كل أنثى رجع نسبك إليها بالولادة فأختها خالتك، وقد ~~تكون الخالة من جهة الأب وهي أخت أم أبيك. # وقوله: وبنات الأخ التحديد في هؤلاء كالتحديد في بنت الصلب، وهؤلاء ~~النسوة اللاتي ذكرن من محرمات بالنسب. # ثم ذكر المحرمات بسبب حدث، فقال: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} [النساء ms0358: 23] ~~وهؤلاء سميت أمهات للحرمة كأزواج النبي صلى الله عليه وسلم سماهن الله ~~تعالى أمهات المؤمنين، فكل أنثى انتسبت إليها باللبن فهي أمك فالتي أرضعتك ~~أو أرضعت امرأة أرضعتك أو رجلا أرضعك فهي أمك. # وقوله: {وأخواتكم من الرضاعة} [النساء: 23] أخوات الرضاعة ثلاث: وهي ~~الصغيرة الأجنبية التي أرضعتها أمك بلبان أبيك، سواء أرضعتها معك أو مع ولد ~~قبلك أو بعدك، وأم الرضاعة وأخت الرضاعة لم تحرما، فكان الرضاع سبب ~~تحريمهما. ### | 206 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري الجرشي في دار السنة إملاء سنة سبع ~~عشرة وأربع مائة، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني، حدثنا ~~أحمد بن حازم الغفاري، حدثنا قبيصة بن عقبة، عن سفيان، عن علي بن زيد بن ~~جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن علي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم قال: «إن الله تعالى حرم من الرضاعة ما حرم من النسب» . # فثبت بهذا الحديث أن السبع المحرمات بالنسب على التفصيل الذي ذكره الله ~~محرمات باللبن # وقوله: وأمهات نسائكم: حد أم امرأتك كحد أمك سواء كانت من اللبن أو من ~~النسب، وهي تحرم بنفس # PageV02P032 # العقد على زوج بنتها لأن الله تعالى أطلق التحريم ولم يقيده بالدخول، ~~وقوله: وربائبكم: جمع الربيبة وهي بنت امرأة الرجل من غيره. # وقوله: {اللاتي في حجوركم} [النساء: 23] يعني: اللاتي ربيتموهن في ~~حجوركم، وهي جمع حجر الإنسان. # والمعنى: في ضمانكم وتربيتكم. # والربيبة لا تحرم بمجرد العقد على الأم، وإنما تحرم بالدخول بالأم لقوله ~~تعالى: {من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح ~~عليكم} [النساء: 23] أي: في نكاح الربائب إذا لم تدخلوا بالأمهات. # وقوله: وحلائل أبنائكم: الحليل والحليلة: الزوج والمرأة، سميا بذلك ~~لأنهما يحلان في موضع واحد. # وقوله: {الذين من أصلابكم} [النساء: 23] إحتراز عن المتبنى، وكان المبتنى ~~في صدر الإسلام بمنزلة الابن، وقوله: {وأن تجمعوا بين الأختين} [النساء: ~~23] يحرم على الرجل أن يجمع في النكاح بين أختين في النسب أو باللبن. # وقوله: {إلا ما قد سلف} [النساء: 23] قال ms0359 الكلبي: مضى في الجاهلية فإنكم ~~لا تؤاخذون به في الإسلام، وهم كانوا يجمعون في الجاهلية بين الأختين، فحرم ~~الله تعالى ذلك رحمة لهذه الأمة، إذ علم شدة غيرة النساء بعضهن على بعض. # قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب ~~والجمع بين الأختين. # قوله عز وجل: {والمحصنات من النساء} [النساء: 24] يعني: ذوات الأزواج وهن ~~محرمات على كل أحد إلا على أزواجهن لذلك عطفن على المحرمات في الآية التي ~~قبلها. # والإحصان يقع على معان منها: الحرية كقوله: {والذين يرمون المحصنات} ~~[النور: 4] يعني: الحرائر، ومنها: العفاف كقوله: {محصنات غير مسافحات} ~~[النساء: 25] يعني: عفائف، ومنها: الإسلام، من ذلك قوله: فإذا أحصن أي: ~~أسلمن، ومنها: كون المرأة ذات زوج من ذلك قوله: {والمحصنات من النساء} ~~[النساء: 24] . # ثم استثنى من ذوات الأزواج فقال {إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24] ~~يريد: إلا ما ملكتموهن بالسبي من دار الحرب، فإنها تحل لمالكها، ولا عدة ~~عليها فتستبرأ بحيضة وتوطأ. ### | 207 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن الحارث، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن ~~حيان، حدثنا أبو يحيى الرازي، حدثنا # PageV02P033 # سهل بن عثمان العسكري، حدثنا عبد الرحيم، عن أشعث بن سوار، عن عثمان ~~البتي، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري قال: لما سبى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أهل أوطاس، قلنا: يا رسول الله كيف نقع على نساء قد عرفنا ~~أنسابهن وأزواجهن، فأنزل الله هذه الآية {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت ~~أيمانكم} [النساء: 24] # وإذا وقع السباء على الزوجين الحربيين أو على أحدهما انقطع النكاح ~~بينهما، وكان من سبي أوطاس خلق كثير وقع السبي عليهم مع نسائهم، ونادى ~~منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل ~~حتى تحيض حيضة، فأباح وطأهن بعد الاستبراء لانفساخ نكاحهن. # قوله: {كتاب الله عليكم} [النساء: 24] قال ابن عباس: يريد هذا ما حرم، ~~يعني كتب تحريم ما ذكر من النساء عليكم. # قوله: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء: 24] وقرئ بضم الألف، والفتح ms0360 أشبه ~~بما قبله، لأن معنى: {كتاب الله عليكم} [النساء: 24] كتب الله عليكم كتابا، ~~وأحل لكم فبناء الفعل للفاعل هنا. # ومن بنى الفعل للمفعول به، فقال: وأحل لكم فهو في المعنى يئول إلى الأولى ~~وذلك مراعاة ما قبله، وهو قوله: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23] ، ومعنى ~~{ما وراء ذلكم} [النساء: 24] ما سوى هذه النساء اللاتي حرمت. # PageV02P034 # وقوله: أن تبتغوا أي: تطلبوا، بأموالكم: إما بنكاح وصداق، أو بملك وثمن، ~~محصنين: متعففين عن الزنا، غير مسافحين: غير زانين، والسفاح والمسافحة: ~~الزنا. # وقوله: {فما استمتعتم به منهن} [النساء: 24] يعني: فما استمتعتم وتلذذتم ~~من النساء بالنكاح الصحيح، فآتوهن أجورهن: مهورهن، فريضة: فإن استمتع ~~بالدخول بها آتى المهر تاما، وإن استمتع بعقد النكاح آتى نصف المهر. # وقوله: {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} [النساء: 24] ~~قال الزجاج: لا إثم عليكم في أن تهب المرأة للزوج مهرها، أو يهب الرجل ~~للمرأة تمام المهر إذا طلقها قبل الدخول. # {إن الله كان عليما} [النساء: 35] بما يصلح أمر العباد، حكيما: فيما بين ~~لهم من عقد النكاح. # قوله جل جلاله: {ومن لم يستطع منكم طولا} [النساء: 25] الطول الغناء ~~والسعة والقدرة، يقال: فلان ذو طول أي: ذو قدرة في ماله، يراد بالقدرة ~~ههنا: القدرة على المهر. # وقوله: {أن ينكح المحصنات المؤمنات} [النساء: 25] يريد الحرائر، فمن فتح ~~الصاد أراد: أنهن أحصن لحريتهن ولم تبتذلن كالإماء فهن محصنات، ومن كسر ~~الصاد أراد: أنهن أحصن أنفسهن لحريتهن ولم يبرزن بروز الأمة فهن محصنات. # وقوله: {فمن ما ملكت أيمانكم} [النساء: 25] أي: فليتزوج مما ملكت ~~أيمانكم، قال ابن عباس: يريد جارية أخيك في الإسلام وهو أن يتزوج الرجل بمن ~~يملك غيره ممن تكون على مثل حاله في الإسلام، وهو قوله: {من فتياتكم ~~المؤمنات} [النساء: 25] الفتيات: المملوكات والإماء جمع فتاة، تقول العرب ~~للأمة: فتاة وللعبد: فتى وأفاد التقييد # PageV02P035 # ب المؤمنات: أنه لا يجوز التزوج بالأمة الكتابية، وهو قول مجاهد، وسعيد، ~~والحسن، ومذهب مالك، والشافعي. # وعند أبي حنيفة يجوز التزوج بالأمة الكتابية، والآية حجة عليه. # وقوله: {والله أعلم ms0361 بإيمانكم} [النساء: 25] قال الزجاج: أي: اعملوا على ~~الظاهر من الإيمان فإنكم محاسبون بما ظهر، والله يتولى السرائر والحقائق. # وقوله: {بعضكم من بعض} [النساء: 25] أي: في النسب كلكم بنو آدم، فلا ~~يتداخلنكم الأنفة من تزوج الإماء عند الضرورة. # وقوله جل جلاله: {فانكحوهن بإذن أهلهن} [النساء: 25] قال ابن عباس: يريد ~~أخطبها إلى سيدها. # ونكاح الأمة دون إذن السيد باطل. # وقوله: وآتوهن أجورهن أي: مهورهن بالمعروف من غير مطل ولا إضرار. # وقوله: محصنات يريد: عفائف، غير مسافحات غير زوان، {ولا متخذات أخدان} ~~[النساء: 25] جمع خدن وهو الذي يخادنك. # قال قتادة، والضحاك: المسافحة: هي التي تؤجر نفسها معلنة بالزنا، والتي ~~تتخذ الخدن: هي التي تزني سرا. # وكانت العرب في الجاهلية يعيبون الزنا العلانية، ولا يعيبون اتخاذ ~~الأخدان، فجاء الله تعالى بالإسلام، فهدم ذلك وقال: {قل إنما حرم ربي ~~الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [الأعراف: 33] . # قال قتادة: نهى الله تعالى عن نكاح المسافحة، وذات الخدن. # وقوله: فإذا أحصن أي: الأزواج على معنى تزوجن، ومن فتح الألف، فمعناه ~~أسلمن، والإحصان # PageV02P036 # معناه في اللغة: المنع، ومنه قوله: أحصنت فرجها أي: منعته عن الزنا. # وقوله: {فإن أتين بفاحشة} [النساء: 25] أي زنا، {فعليهن نصف ما على ~~المحصنات من العذاب} [النساء: 25] أي عليهن نصف الحد، والمحصنات ههنا: ~~الأبكار اللاتي أحصنهن العفاف، وحدهن مائة، ويتنصف في حق الأمة إذا زنت. # وقوله: ذلك يعني: نكاح الأمة عند عدم الطول، {لمن خشي العنت منكم} ~~[النساء: 25] يعني: الزنا وهو أن يخاف شدة الشبق والغلمة على الزنا، فيلقى ~~العذاب في الآخرة، أو الحد في الدنيا. # أباح الله نكاح الأمة بشرطين: أحدهما في أول الآية، وهو عدم الطول، ~~والثاني في آخر الآية وهو خوف العنت. # ثم قال: وأن تصبروا أي: عن تزوج الإماء، خير لكم: لئلا يصير الولد عبدا، ~~{والله غفور رحيم} [النساء: 25] . # قوله جل جلاله: {يريد الله ليبين لكم} [النساء: 26] قال ابن عباس: ليبين ~~لكم ما يقربكم إلى طاعته. # وقال غيره: ليبين لكم شرائع دينكم، ومصالح أموركم. # {ويهديكم سنن الذين من قبلكم} [النساء: 26] يريد ms0362: دين إبراهيم وإسماعيل، ~~دين الحنيفية، ويتوب عليكم: يرجع بكم من معصيته التي كنتم عليها قبل هذا ~~إلى طاعته التي أمركم بها، والله عليم بما يصلحكم، حكيم في تدبيره فيكم. # {والله يريد أن يتوب عليكم} [النساء: 27] يخرجكم من كل ما يكره إلى ما ~~يحب ويرضى، {ويريد الذين يتبعون الشهوات} [النساء: 27] قال مجاهد: هم ~~الزناة يريدون أن يزني أهل الإسلام، وهو قوله: {أن تميلوا ميلا عظيما} ~~[النساء: 27] . # وقال ابن زيد: هم جميع أهل الباطل في دينهم، يريدون أن تميلوا ميلا عظيما ~~عن الحق وقصد السبيل بالمعصية فتكونوا مثلهم. # {يريد الله أن يخفف عنكم} [النساء: 28] يعني: في أحكام الشرع، وفي جميع ~~ما يسره الله لنا، وسهله علينا، ولم يثقل التكليف كما ثقل على بني إسرائيل. # PageV02P037 # {وخلق الإنسان ضعيفا} [النساء: 28] قال ابن عباس والأكثرون: يضعف عن ~~الصبر عن الجماع، ولا يصبر عن النساء، فلذلك أباح الله له نكاح الأمة. # قال الزجاج: أي يستميله هواه وشهوته فهو ضعيف في ذلك. # {يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة ~~عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما {29} ومن يفعل ذلك ~~عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا {30} } [النساء: ~~29-30] قوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} ~~[النساء: 29] أي: بما لا يحل لكم في الشرع، كالربا والغصب والسرقة ~~والخيانة. # والباطل: اسم جامع لكل ما لا يحل. # نهى الله تعالى بهذه الآية عن جميع المكاسب الباطلة بالشرع، ثم قال {إلا ~~أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء: 29] أي: إلا أن تقع تجارة برضاء ~~البيعين، يرضى كل واحد منهما بما في يده. # وقرئ تجارة بالنصب على تقدير: إلا أن تكون التجارة تجارة، كما قال: # إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا # أي: إذا كان اليوم يوما. # وقوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 29] أي: لا يقتل بعضكم بعضا، لأنكم ~~أهل دين واحد، فأنتم كنفس واحدة. # هذا قول ابن عباس والأكثرين. # وذهب قوم إلى أن هذا نهي عن قتل الإنسان ms0363 نفسه، ويدل على صحة هذا التأويل ~~ما ### | 208 - # أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري، أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر ~~الحافظ، حدثنا أبو بكر بن أبي داود، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا وهب بن ~~جرير، حدثنا أبي، قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث، عن # PageV02P038 # يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو ~~بن العاص، قال: احتلمت في ليلة باردة، وأنا في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن ~~اغتسلت أن أهلك فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكر ذلك للنبي صلى الله ~~عليه وسلم، فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من ~~الاغتسال، فقلت: إني سمعت الله يقول {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم ~~رحيما} [النساء: 29] فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا فدل ~~هذا الحديث على أن عمرا تأول في الآية إهلاك نفسه، لا نفس غيره ولم ينكر ~~ذلك عليه النبي صلى الله عليه وسلم # قوله جل جلاله: {ومن يفعل ذلك} [النساء: 30] كان ابن عباس يقول: الإشارة ~~تعود إلى كل ما نهي عنه من أول ال { [إلى هذا الموضع. # وقال قوم: الوعيد راجع إلى أكل المال بالباطل وقتل النفس المحرمة. # وقوله:] عدوانا وظلما} [سورة النساء: 30] : معنى العدوان: أن يعدوا ما ~~أمر الله تعالى به، {وكان ذلك على الله يسيرا} [النساء: 30] أي: إنه قادر ~~على إيقاع ما توعد به من إدخال النار. # قوله عز وجل: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} [النساء: 31] الآية، ~~الاجتناب: المباعدة عن الشيء وتركه جانبا، واختلفوا في الكبائر ما هي؟ ### | 209 - # فأخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن ~~إسحاق الثقفي، حدثنا يعقوب بن # PageV02P039 # إبراهيم، حدثنا إسماعيل بن علية، أخبرنا سعيد الجريري، حدثنا عبد الرحمن ~~بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ألا ~~أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فاستوى ~~جالسا قال: وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا: ليته ms0364 سكت " رواه ~~البخاري، عن قيس بن حفص، ورواه مسلم، عن عمر بن الناقد كلاهما، عن إسماعيل ~~بن علية ### | 210 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصرأباذي، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا ~~محمد بن أيوب، أخبرنا العباس بن الفضل البصري، حدثنا حرب بن شداد، حدثنا ~~عبد الله بن عمير الليثي، عن أبيه، عن جده قال: كنت مع النبي صلى الله عليه ~~وسلم في حجة الوداع فسمعته يقول: " الكبائر سبع: أعظمهن إشراك بالله، وقتل ~~النفس المؤمنة، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وعقوق ~~الوالدين، والفرار من الزحف، فمن لقي الله وهو بريء منهن كان معي في بحبوحة ~~الجنة، مصاريعها من ذهب " # PageV02P040 # وقال ابن عباس في رواية الوالبي: الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار، أو غضب، ~~أو لعنة، أو عذاب، وقال في رواية ابن سيرين: كل ما نهي عنه فهو كبيرة. # وقال الحسن، وسعيد بن جبير، والضحاك: كل ما جاء في القرآن مقرونا بذكر ~~الوعيد فهو كبيرة نحو: قتل النفس، وقذف المحصنة، والربا، والزنا، وأكل مال ~~اليتيم، والفرار من الزحف. ### | 211 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا جعفر بن محمد ~~بن الليث الزيادي، حدثنا أبو حذيفة، حدثنا سهل، عن قيس بن سعد، عن سعيد بن ~~جبير: أن رجلا قال لابن عباس: يا ابن عباس، كم الكبائر سبع هي؟ قال: هي سبع ~~مائة أقرب منها إلى سبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار # {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ~~{31} ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا ~~وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما ~~{32} ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم ~~فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا {33} الرجال قوامون على النساء ~~بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات ~~حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن # PageV02P041 # فعظوهن واهجروهن ms0365 في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ~~إن الله كان عليا كبيرا {34} } [النساء: 31-34] وقوله: {نكفر عنكم سيئاتكم} ~~[النساء: 31] يعني: ما دون الكبائر ومثل النظر والكذبة واللمسة والقبلة. # وهذه تقع مكفرة بالصلوات الخمس. ### | 212 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، حدثنا محمد بن عيسى بن عمرويه، ~~أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثنا مسلم، حدثني هارون بن سعيد الأبلي، حدثنا ~~ابن وهب، عن أبي صخر، أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حدثه، عن أبيه، عن أبي ~~هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «الصلوات الخمس والجمعة ~~إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» ### | 213 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أخبرنا القاسم بن غانم بن حمويه الطويل، ~~حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي العبدي، حدثنا عبد الله بن أبي بكر ~~المقدمي، حدثنا جعفر بن سليمان، سمعت مالك بن دينار يقول: سمعت أنس بن مالك ~~يقول: # PageV02P042 # سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تحدثوا بهذا الحديث شابا ~~حدثا، ولا شيخا مارقا، ألا إن الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي» قال: ثم تلا ~~هذه الآية {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا ~~كريما} [النساء: 31] # وقرئ مدخلا بفتح الميم على تقدير: وندخلكم فتدخلون مدخلا، ومن قرأ بضم ~~الميم جاز أن يكون مصدرا، وجاز أن يكون مكانا، والأولى أن يكون مكانا لأن ~~المفسرين قالوا في قوله مدخلا كريما: هو الجنة. # قوله عز وجل: {ولا تتمنوا ما فضل الله به} [النساء: 32] الآية، قال ~~مجاهد: قالت أم سلمة: يغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث، فليتنا ~~كنا رجالا، فجاهدنا وغزونا وكان لنا مثل أجر الرجال، فنزلت هذه الآية. # وفي هذه الآية نهي أن يتمنى أحد مال غيره، فإن ذلك هو الحسد، وقد جاء في ~~الحديث: " لا يتمنين أحدكم مال أخيه، ولكن ليقل: اللهم ارزقني، اللهم أعطني ~~مثله ". # وقوله: {للرجال نصيب مما اكتسبوا} [النساء: 32] أي: من الجهاد، {وللنساء ~~نصيب مما اكتسبن} [النساء: 32] حفظ فروجهن، # PageV02P043 # وطاعة أزواجهن، أي ms0366: لكل واحد من الفريقين حظ من الثواب، {واسألوا الله من ~~فضله} [النساء: 32] أي: إن احتجتم إلى مال غيركم، وأعجبكم أن يكون لكم مثل ~~ماله، فسلوا الله أن يعطيكم مثل ذلك من فضله. ### | 214 - # أخبرنا أبو سعد النضروي، أخبرنا إسماعيل بن نجيد، أخبرنا محمد بن عبدوس ~~بن كامل، أخبرنا محمد بن عبد الله الرازي، حدثنا حماد بن واقد، قال: سمعت ~~إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق الهمذاني، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلوا الله من فضله، فإنه يحب أن ~~يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج» # قوله عز وجل: ولكل أي: ولكل واحد من الرجال والنساء، جعلنا موالي: قال ~~ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد: عصبة. # وقال السدي: ورثة. # {مما ترك الوالدان والأقربون} [النساء: 33] أي: يرثون، أو يعطون ما ترك ~~والداه وأقربوه من ميراثهم له، والذين عاقدت أيمانكم يعني: الحلفاء في قول ~~جميع المفسرين. # وكان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل، ويقول له: دمي دمك، وناري نارك، ~~وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، فلما قام الإسلام جعل للحليف السدس، ~~وهو قوله: {فآتوهم نصيبهم} [النساء: 33] ثم نسخ ذلك بقوله: {وأولو الأرحام ~~بعضهم أولى ببعض} [الأنفال: 75] . # PageV02P044 # وقرئ عقدت وكلا القرائتين معناهما واحد، أي: أحكمت أيمانكم، والأيمان: ~~يحتمل أن يكون جمع يمين من: اليد، ويحتمل أن يكون من: القسم، وذلك أنهم ~~كانوا يضربون صفقة البيعة بأيمانهم، ويأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء ~~والتمسك بالعهد، ويتحالفون عليه أيضا. # وقوله: {إن الله كان على كل شيء شهيدا} [النساء: 33] قال عطاء: يريد لم ~~يغب عنه علم ما خلق وبرأ. # قوله جل جلاله: {الرجال قوامون على النساء} [النساء: 34] الآية، قال ~~المفسرون: لطم رجل امرأته، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطلب ~~القصاص، فنزلت هذه الآية. # ومعنى قوله: {قوامون على النساء} [النساء: 34] مسلطون على تأديبهن، ~~والأخذ فوق أيديهن، فعلى المرأة أن تطيع زوجها في طاعة الله. # والقوام: المبالغ في القيام، يقال: هذا قيم المرأة وقوامها للذي يقوم ~~بأمرها ويحفظها. # قال المفسرون: وليس بين ms0367 المرأة وزوجها قصاص إلا في النفس والجروح، وكان ~~النبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب القصاص في اللطم، فلما نزلت هذه الآية ~~قال: «أردنا أمرا، وأراد الله أمرا، والذي أراد الله خير» . # ورفع القصاص. # وقوله: {بما فضل الله بعضهم على بعض} [النساء: 34] يعني: بما فضل الله ~~الرجال على النساء بالعقل والجسم والعلم والعزم والجهاد والشهادة والميراث. # وقوله: {وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء: 34] يعني: المهر والإنفاق ~~عليهن. ### | 215 - # أخبرنا الأستاذ الإمام أبو طاهر الزيادي، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد ~~بن يحيى بن بلال، أخبرنا أحمد بن منصور المروزي، أخبرنا النضر بن شميل، ~~أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد ~~لزوجها، لما عظم الله من حقه عليها» # PageV02P045 ### | 216 - # أخبرنا أبو إبراهيم أبي القاسم الصوفي، أخبرنا بشر بن أحمد المهرجاني، ~~أخبرنا محمد بن يحيى بن سليمان المروزي، حدثنا خلف بن هشام، حدثنا حماد بن ~~زيد، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن حصين بن محصن، أن عمته أتت ~~النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ألك بعل؟ فقالت: نعم، قال: فكيف أنت له؟ ~~قالت: ما آلوه إلا ما أعجز عنه، فقال لها: اعلمي أنه جنتك ونارك " # وقوله: فالصالحات يعني النساء الصالحات، قانتات: مطيعات لأزواجهن، حافظات ~~للغيب: قال مجاهد، وقتادة: لغيب أزواجهن. # وقال أبو روق: يحفظن فروجهن في غيبة أزواجهن. # {بما حفظ الله} [النساء: 34] أي: بما حفظهن الله في إيجاب المهر والنفقة ~~وإيصاء الزوج بهن. # {واللاتي تخافون نشوزهن} [النساء: 34] والنشوز ههنا: معصية الزوج وهو ~~الترفع عليه بالخلاف، قال عطاء: هي أن لا تتعطر له، وتمنعه نفسها، وتتغير ~~عما كانت تفعله من الطواعية. # فعظوهن: بكتاب الله وذكروهن الله وما أمرهن به، {واهجروهن في المضاجع} ~~[النساء: 34] قال ابن عباس: هو أن يوليها ظهره على الفراش ولا يكلمها، وقال # PageV02P046 # الشعبي، ومجاهد: هو أن يهجر مضاجعتها فلا يضاجعها. # واضربوهن يعني: ضربا غير مبرح، قال ابن عباس ms0368: أدبا مثل اللكزة. # وللزوج أن يتلافى نشوز امرأته بما أذن الله له فيه، ومما ذكر في هذه ~~الآية. # فإن أطعنكم أي: فيما يلتمس منهن، {فلا تبغوا عليهن سبيلا} [النساء: 34] ~~قال ابن عباس: لا تتجنوا عليهن العلل. # {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا ~~إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا {35} واعبدوا الله ولا ~~تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ~~ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن ~~الله لا يحب من كان مختالا فخورا {36} الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ~~ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا {37} } ~~[النساء: 35-37] قوله جل جلاله: وإن خفتم أي: علمتم شقاق بينهما أي: عداوة ~~وخلاف ما بينهما، {فابعثوا حكما من أهله} [النساء: 35] المأمور ببعث ~~الحكمين السلطان الذي يترافع الزوجان فيما شجر بينهما إليه، والحكم بمعنى ~~الحاكم وهو المانع من الظلم. # وقوله: {من أهله وحكما من أهلها} [النساء: 35] أي: من أقارب هذا وأقارب ~~تلك، {إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما} [النساء: 35] قال عامة المفسرين: ~~إن أراد الحكمان إصلاحا يوفق الله بين الزوج والمرأة حتى يصطلحا. # PageV02P047 # {إن الله كان عليما} [النساء: 35] بما في قلب الزوجين من المودة، خبيرا: ~~بما يكون منهما. # قوله عز وجل: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} [النساء: 36] ### | 217 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المهرجاني، أخبرنا عبيد الله بن محمد ~~الزاهد، أخبرنا أبو القاسم البغوي، أخبرنا عبيد الله بن محمد العبسي، حدثنا ~~حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي المليح، عن روح بن عائذ، عن أبي ~~العوام، عن معاذ بن جبل، قال: كنت رديفا للنبي صلى الله عليه وسلم على جمل ~~أحمر فقال: " يا معاذ، قلت: لبيك، قال: هل تدري ما حق الله على العباد؟ ~~قلت: الله ورسوله أعلم , قال: فإن حق الله عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به ~~شيئا، هل تدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله ms0369 ~~أعلم، قال: فإن حقهم على الله إذا هم فعلوا ذلك أن يغفر لهم وأن يدخلهم ~~الجنة " ### | 218 - # أخبرنا المفضل بن إسماعيل بن أحمد الإسماعيلي، أخبرنا جدي الإمام أبو بكر ~~الإسماعيلي، حدثنا عبد الله بن الصقر السكري، حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا ~~عبد الله بن خراش، حدثنا العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن ~~ابن مسعود، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: يا نبي الله ~~أوصني , قال: «لا تشرك بالله شيئا، وإن قطعت أو حرقت، ولا تدع الصلاة ~~لوقتها، فإنها ذمة الله تعالى، ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر» # PageV02P048 # قوله: وبالوالدين إحسانا قال ابن عباس: برا بهما مع اللطف ولين الجانب، ~~ولا يغلظ لهما في الجواب، ولا يحد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، ~~يكون بين أيديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللا لهما. # وبذي القربى: قال: يصله ويتعطف عليه، واليتامى: يرفق بهم، ويدنيهم، ويمسح ~~رأسهم، والمساكين: ببذل يسير أو، رد جميل، {والجار ذي القربى} [النساء: 36] ~~يعني: الذي بينك وبينه قرابة، فله حق القرابة، وحق الجوار، وحق الإسلام، ~~والجار الجنب: هو الذي ليس بينك وبينه قرابة، يقال: رجل جنب. # إذا كان غريبا متباعدا عن أهله، وقوم أجناب. # والجنابة: البعد. ### | 219 - # أخبرنا أبو طاهر الزيادي، أخبرنا أحمد بن يعقوب الثقفي، أخبرنا الحسن ~~المثنى، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن مجاهد، عن ~~عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ~~ظننت أنه سيورثه» ### | 220 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، حدثنا محمد بن الحسن السراج، حدثنا ~~يوسف بن يعقوب القاضي، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، حدثنا أبو عمران ~~الجوني، قال: سمعت طلحة، يقول: إن عائشة، # PageV02P049 # قالت: " يا رسول الله إن لي جارين فبأيهما أبدأ؟ فقال: بأقربهما منكم ~~بابا "، رواه البخاري، عن حجاج بن منهال، عن شعبة ### | 221 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن معقل، ~~حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، حدثنا عبد الرزاق ms0370، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ~~أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان ~~يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذين جاره» رواه مسلم , عن حرملة , عن ابن ~~وهب، عن يونس، عن الزهري ### | 222 - # أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الزمجاري، حدثنا عبد الله بن بيان الحريري، ~~حدثنا علي بن حسنويه القطان، حدثنا محمد بن عبد الله المنادي، حدثنا أبو ~~هدبة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الجار ~~ليتعلق بالجار يوم القيامة يقول: يا رب أوسعت على أخي وقترت علي، أمسي ~~طاويا بطني، ويمسي هذا شبعان، سله لم أغلق بابه عني وحرمني ما قد أوسعت ~~عليه، فالجار متعلق بالجار يوم القيامة " # وقوله والصاحب بالجنب قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والحسن، والسدي، ~~والضحاك: هو الرفيق في السفر، له حق الجوار، وحق الصحبة. # وابن السبيل: هو الضيف يجب قراه إلى أن يبلغ حيث يريد، قال ابن عباس: هو ~~عابر السبيل تئويه، وتطعمه حتى يرحل عنك. # PageV02P050 # {وما ملكت أيمانكم} [النساء: 36] يريد: المملوك، تحسن رزقه، وتعفو عنه ~~فيما يخطئ. # وقوله: {إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} [النساء: 36] قال ابن عباس: ~~يريد بالمختال: العظيم في نفسه الذي لا يقوم بحقوق الله، والفخور: الذي ~~يفخر على عباد الله بما خوله الله من كرامته وما أعطاه من نعمته. ### | 223 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحرشي، أخبرنا حاجب بن أحمد، حدثنا عبد الرحيم بن ~~منيب، أخبرنا النضر بن شميل، أخبرنا عوف، عن خلاس بن عمرو، عن أبي هريرة، ~~أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «بينما رجل شاب ممن كان قبلكم يمشي ~~في حلة مختالا فخورا، إذ ابتلعته الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم تقوم ~~الساعة» ### | 224 - # أخبرنا أبو طاهر الزيادي، حدثنا أبو حامد البلالي، حدثنا عبد الرحمن بن ~~بشر، حدثنا بشر بن السري، حدثنا حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم، قال: سمعت ~~ابن عمر، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من جر ثوبه من ms0371 ~~الخيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» ### | 225 - # أخبرنا المفضل بن إسماعيل الإسماعيلي، أخبرني جدي الإمام أبو بكر ~~الإسماعيلي، أخبرني إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي، حدثنا هشام بن ~~عمار، عن سعيد بن يحيى اللخمي، حدثنا عبد الله بن أبي # PageV02P051 # حميد، عن أبي المليح، عن عباد بن حصين، قال: انطلقنا حاجين فمررنا على ~~أبي ذر، فقلنا: حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة لا خلاق ~~لهم: المختال الفخور , ثم قرأ {إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} ~~[النساء: 36] ، والمنان الذي لا يفعل خيرا إلا من به، ثم قرأ {يأيها الذين ~~آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [البقرة: 264] ، والذي يشتري بيمينه ~~ثمنا قليلا، ثم قرأ {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك ~~لا خلاق لهم في الآخرة} [آل عمران: 77] # قوله عز وجل: الذين يبخلون: نزلت في اليهود , قال قتادة: هم أعداء الله ~~أهل الكتاب، بخلوا بحق الله عليهم، وكتموا الإسلام ومحمدا، وهم يجدونه ~~مكتوبا عندهم في التوراة. # قال الكلبي: هم اليهود بخلوا أن يصدقوا من أتاهم صفة محمد صلى الله عليه ~~وسلم ونعته , وأمروا قومهم بالبخل وهو كتمان أمره، وذلك قوله: {ويأمرون ~~الناس بالبخل} [النساء: 37] . # وقرئ بالبخل وهما لغتان، مثل: الثكلي والثكل. # قال: يأمرون سفلتهم بكتمان نعت محمد صلى الله عليه وسلم، {ويكتمون ما ~~آتاهم الله من فضله} [النساء: 37] قال ابن عباس: يريد العلم بما في التوراة ~~مما عظم الله به أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمته. # ثم أوعدهم بالنار فقال: {وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} [النساء: 37] ، ~~وهو النار يذلهم الله فيها ويخزيهم. # {والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ~~ومن يكن الشيطان له # PageV02P052 # قرينا فساء قرينا {38} وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا ~~مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما {39} إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك ~~حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما {40} فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ~~وجئنا بك على هؤلاء شهيدا {41} يومئذ يود الذين ms0372 كفروا وعصوا الرسول لو تسوى ~~بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا {42} } [النساء: 38-42] قوله جل جلاله: ~~{والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس} [النساء: 38] نزلت في المنافقين، كانوا ~~ينفقون أموالهم رياء، لا لوجه الله {ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن ~~يكن الشيطان له قرينا} [النساء: 38] قال الكلبي: هذا في الآخرة، يجعل الله ~~الشياطين قرناءهم في النار، يقرن مع كل كافر. # يقول الله: {ومن يكن الشيطان له قرينا} [النساء: 38] صاحبا، فساء قرينا ~~يقول: بئس الصاحب الشيطان. # قوله: {وماذا عليهم لو آمنوا بالله} [النساء: 39] الآية، هذا احتجاج على ~~هؤلاء المنافقين الذين ذكرهم الله بأنهم لا يؤمنون بالله، وذلك أن الإنسان ~~يحاسب نفسه فيما عليه وله، فإذا ظهر لها عليه في فعل شيء من استحقاق العقاب ~~تركه، وإذا ظهر ما يستحق من الثواب في عمل شيء عمله، ولزم ذلك الشيء، يقول ~~الله: ليتفكروا ولينظروا ماذا عليهم في الإيمان لو آمنوا. # وهذا حث من الله تعالى لهم على الإيمان والنظر في شأن محمد صلى الله عليه ~~وسلم، وصدقه، والإنفاق في سبيل الله، وهو قوله: {وأنفقوا مما رزقهم الله} ~~[النساء: 39] ، قال ابن عباس: تصدقوا مما تفضل الله به عليهم، {وكان الله ~~بهم عليما} [النساء: 39] يعلم ما ينفقون رياء. # قوله جل جلاله: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} [النساء: 40] قال عطاء، عن ~~ابن عباس: لا ينقص مثقال ذرة من عمل منافق إلا جازاه، {وإن تك حسنة} ~~[النساء: 40] أي: وإن تكن الذرة حسنة. # ومن قرأ بالرفع كان المعنى: وإن تحدث حسنة، أو إن تقع حسنة. # PageV02P053 # قال ابن عباس: {وإن تك حسنة} [النساء: 40] يريد: من مؤمن. # يضاعفها: بعشرة أضعافها. # وقال السدي: هذا عن الحساب والقصاص، فمن بقي له من الحساب مثقال ذرة ~~يضاعفها الله إلى سبع مائة ضعف، وإلى الأجر العظيم، وهو قوله: {ويؤت من ~~لدنه أجرا عظيما} [النساء: 40] يعني: تفضل عليه بأكثر من العشرة الأضعاف، ~~وقال الكلبي: «الأجر العظيم» : الجنة. # قوله جل جلاله: {فكيف إذا جئنا} [النساء: 41] الآية، قال الزجاج: أي: ~~فكيف يكون حال هؤلاء القوم الذين ذكرهم الله ms0373 من المنافقين والمشركين يوم ~~القيامة، وهو قوله {إذا جئنا من كل أمة بشهيد} [النساء: 41] ، قال ~~المفسرون: يؤتى بنبي كل أمة يشهد عليها ولها. # وجئنا بك يا محمد، على هؤلاء: المنافقين والمشركين، شهيدا تشهد عليهم بما ~~فعلوا. ### | 226 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أخبرنا محمد بن جعفر بن ~~مطر، حدثنا إبراهيم بن علي الذهلي، حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا أبو الأحوص، ~~عن سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى، قال: قال عبد الله بن مسعود: قال لي رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: " اقرأ، قال: قلت: كيف أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ ~~قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فافتتحت سورة النساء فقرأت حتى بلغت ~~{فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41] ~~قال: فغمزني بيده، وقال: حسبك، فنظرت إليه وعيناه تدمعان " ### | 227 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المزكي، أخبرنا عبيد الله بن محمد بن ~~محمد بن بطة، أخبرنا عبد الله بن # PageV02P054 # عبد العزيز، حدثنا أبو الكامل الفضيل بن الحسين الجحدري، حدثنا فضيل بن ~~سليمان، حدثني يونس بن محمد بن فضالة، عن أبيه، وكان أبوه ممن صحب النبي ~~صلى الله عليه وسلم هو وجده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ~~ظفر، فجلس على الصخرة التي في مسجد بني ظفر ومعه عبد الله بن مسعود ومعاذ ~~بن جبل وناس من أصحابه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قارئا فقرأ حتى ~~انتهى إلى هذه الآية {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء ~~شهيدا} [النساء: 41] بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اضطرب لحياه ~~وجنباه، وقال: «يا رب هذا شهدت على من أنا بين ظهريه فكيف بمن لم أره؟» # قوله عز وجل: يومئذ يعني يوم إذ ذاك، يعني يوم القيامة، وهو {إذا جئنا من ~~كل أمة بشهيد} [النساء: 41] ، {يود الذين كفروا} [النساء: 42] يتمنون ~~{وعصوا الرسول} [النساء: 42] في الدنيا، والواو ههنا: للحال التي كانوا ~~عليها من معصية الرسول في ms0374 الدنيا. # {لو تسوى بهم الأرض} [النساء: 42] قال قتادة: ودوا لو تخرقت بهم الأرض ~~فساخوا فيها، وقال الزجاج: يودون أنهم كانوا والأرض سواء. # وقال ابن الأنباري: ودوا أنهم يستوون مع تراب الأرض ويدخلون في جملتها. # PageV02P055 # وقرأ نافع تسوى من التسوي، يقال: سويته فتسوى، والمعنى: تتسوى فأدغم ~~التاء في السين لقربه منها، وحذف حمزة التاء، ولم يدغمها فقرأ تسوى مفتوحة ~~التاء خفيفة السين. # وقوله: {ولا يكتمون الله حديثا} [النساء: 42] استئناف كلام في الإخبار عن ~~الكفار، أنهم لا يكتمون الله حديثا في القيامة لأن ما عملوه ظاهر عند الله ~~لا يقدرون على كتمانه. # وقال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: هذا حين يختم على أفواههم، وتتكلم ~~أيديهم، وأرجلهم فحينئذ لا يكتمون الله حديثا. # {يأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ~~ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد ~~منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا ~~بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا} [النساء: 43] قوله جل جلاله: ~~{يأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} [النساء: 43] قال ~~المفسرون: صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما، ودعا أناسا من أصحاب محمد صلى الله ~~عليه وسلم فطعموا وشربوا، وحضرت صلاة المغرب، فتقدم بعض القوم فصلى بهم ~~المغرب، فقرأ: قل يأيها الكافرون فلم يقمها، فأنزل الله تعالى {لا تقربوا ~~الصلاة وأنتم سكارى} [النساء: 43] أي: لا تصلوا إذا كنتم سكارى. # PageV02P056 # {حتى تعلموا ما تقولون} [النساء: 43] قال ابن عباس: يريد ما تقرءون، ~~وتثبتوا حدود الصلاة، وتكبيرها، وخشوعها، فكان المسلمون بعد نزول هذه الآية ~~يجتنبون السكر والشراب أوقات الصلاة فإذا صلوا العشاء شربوها. # وقوله: ولا جنبا: الجنب: الذي يجب عليه الغسل لا يؤنث، ولا يثنى، ولا ~~يجمع يقال: جنب الرجل يجنب جنبا وجنابة، فهو جنب وأجنب مثله. # {إلا عابري سبيل} [النساء: 43] العابر: فاعل من العبور وهو قطع الطريق، ~~يقال: عبرت النهر والطريق عبورا. # إذا قطعته من هذا الجانب إلى الجانب الآخر ms0375. # روى الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في ~~المسجد فتصيبهم جنابة ولا ماء عندهم، فيريدون الماء ولا يجدون ممرا إلا في ~~المسجد، فأنزل الله تعالى هذه الآية. # قال عطاء بن يسار، عن ابن عباس: في قوله: {إلا عابري سبيل} [النساء: 43] ~~لا تقرب المسجد وأنت جنب إلا أن يكون طريقك فيه، فتمر مارا، ولا تجلس. # وقال سعيد بن جبير: الجنب يمر في المسجد ولا يجلس فيه. # وهذا قول سعيد بن المسيب، والحسن، والضحاك، وعكرمة، والزهري، ومذهب ~~الشافعي، وعند هؤلاء: يجوز للجنب المرور بالمسجد إذا كان طريقه إلى الماء. # ومعنى الآية: نهي الجنب عن دخول المسجد حتى يغتسل وهو قوله: حتى تغتسلوا، ~~إلا إذا كان مارا بالمسجد. # وقوله: {وإن كنتم مرضى} [النساء: 43] جمع مريض، وعني به: المريض الذي ~~يضره مس الماء كصاحب الجدري، والجروح، والحروق، ومن يتضرر باستعمال الماء. # PageV02P057 # {أو على سفر} [النساء: 43] المسافر إذا أعوزه الماء تيمم، طال سفره أو ~~قصر لهذه الآية، قوله {أو جاء أحد منكم من الغائط} [النساء: 43] يعني الذي ~~أحدث بالتبرز إلى الغائط وهو المطمئن من الأرض، وكانوا يتبرزون هناك ~~ليغيبوا عن أعين الناس، ثم قيل للحدث غائط، إذا كان سببا له. # وقوله: {أو لامستم النساء} [النساء: 43] ، وقرئ لمستم. # فمعنى اللمس في اللغة: طلب الشيء باليد ههنا وههنا، قال لبيد: # يلمس الأحلاس في منزله ... بيديه كاليهودي المصل # واختلف المفسرون في اللمس المذكور ههنا على قولين: أحدهما: أن المراد به ~~الجماع وهو قول ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، وهؤلاء لا يحكمون ~~بانتقاض الطهر باللمس، وهو مذهب الكوفيين. # والقول الثاني: أن المراد باللمس ههنا: التقاء البشرتين سواء بجماع أو ~~غيره، وهو قول ابن مسعود، وابن عمر، والشعبي، وإبراهيم، ومنصور، ومذهب ~~الشافعي، وهؤلاء يوجبون الطهارة على من أفضى بشيء من بدنه إلى عضو من أعضاء ~~المرأة. # وهذا القول أولى، لأن حقيقة اللمس في اللغة باليد، وحمل الآية على ~~الحقيقة أولى. # وقوله: {فتيمموا صعيدا طيبا} [النساء: 43] قال ابن عباس: فتعمدوا الأرض ~~وتربتها، والمراد بالتيمم ههنا ms0376: # PageV02P058 # التمسح بالتراب، وذكرنا معناه في اللغة في { [البقرة، وأما الصعيد فقال ~~أبو عبيدة، والفراء: الصعيد: التراب. # وقال ابن الأعرابي: الصعيد: الأرض بعينها. # وقال الزجاج: الصعيد: وجه الأرض. # وقال الشافعي: لا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذي غبار. # والطيب من الأرض: اسم لما ينبت بدليل قوله:] والبلد الطيب يخرج نباته ~~بإذن ربه} [سورة الأعراف: 58] . # وقوله: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} [النساء: 43] قال ابن عباس: تضرب بكفيك ~~على وجه الأرض، ثم تردهما إلى وجهك، ثم تضرب الثانية بكفيك فتمسح واحدة ~~بالأخرى إلى المرفقين. # والتيمم من خصائص هذه الأمة ومما أكرمهم الله تعالى به، وأما ابتداء ~~التيمم فهو ما ### | 228 - # أخبرنا أبو منصور بن طاهر التيمي، أخبرنا أبو عبد الله بن يزيد الجوزي، ~~حدثنا علي بن الحسن الصفار، حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك بن ~~أنس، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه , عن عائشة رضي الله عنها أنها ~~قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا ~~بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~على التماسه وأقام الناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس ~~إلى أبي بكر فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وبالناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت: فجاء أبو بكر ~~ورسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه على فخذي قد نام، فقال: أحبست رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ قالت: ~~فعاتبني أبو بكر، وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا. # فقال أسيد بن حضير، وهو أحد النقباء: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، ~~فقالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد، # PageV02P059 # رواه مسلم، عن ms0377 يحيى بن يحيى، ورواه البخاري، عن إسماعيل بن أبي أويس، ~~كلاهما عن مالك ### | 229 - # وأخبرنا أبو منصور، أخبرنا القاسم بن غانم بن حمويه، حدثنا محمد بن ~~إبراهيم بن سعيد، حدثنا مسلم، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا الثوري، عن خالد ~~الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: «التيمم طهور المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت ~~الماء فأمسسه بشرتك فإنه طهور» # {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن ~~تضلوا السبيل {44} والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا ~~{45} } [النساء: 44-45] قوله عز وجل: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من ~~الكتاب} [النساء: 44] قال ابن عباس: يعني اليهود، يشترون الضلالة: قال ~~الزجاج: يؤثرون التكذيب بالنبي صلى الله عليه وسلم ليأخذوا على ذلك الرشى، ~~{ويريدون أن تضلوا السبيل} [النساء: 44] أي: تضلوا طريق الهدى. # {والله أعلم بأعدائكم} [النساء: 45] أي: أعرف بهم فهو يعلمكم ما هم عليه، ~~{وكفى بالله وليا} [النساء: 45] أي: كفى الله وليا لكم، والياء زائدة ~~للتوكيد. # PageV02P060 # ومعنى الآية: أن ولاية الله ونصرته إياكم تغنيكم عن غيره من هؤلاء اليهود ~~ومن جرى مجراهم ممن تطمعون في نصرته. # قال الزجاج: أعلمهم الله تعالى أن عداوة اليهود وغيرهم من الكفار لا ~~تضرهم شيئا، إذ ضمن لهم النصرة والولاية في قوله: {وكفى بالله وليا وكفى ~~بالله نصيرا} [النساء: 45] . # {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير ~~مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا ~~واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا ~~قليلا} [النساء: 46] قوله جل جلاله: {من الذين هادوا يحرفون الكلم} ~~[النساء: 46] أي: قوم أو فريق يحرفون الكلم، وهو جمع الكلمة. # قال الكلبي، ومقاتل: هم اليهود يغيرون صفة محمد صلى الله عليه وسلم ~~وزمانه ونبوته في كتابهم، ويقولون سمعنا: قولك، وعصينا: أمرك، {واسمع غير ~~مسمع} [النساء: 46] كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: اسمع، ويقولون ~~في أنفسهم ms0378: لا سمعت. # وقوله: وراعنا: ذكرنا في { [البقرة: أن هذا كان سبا بلغتهم، ومعنى ليا ~~بألسنتهم أي: قلبا للكلام بها، وهو أنهم كانوا يحرفون راعنا عن طريق ~~المراعاة إلى السب بالرعونة. # ] ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا} [سورة النساء: 46] مكان قولهم سمعنا ~~وعصينا، واسمع وانظرنا: بدل راعنا، {لكان خيرا لهم} [النساء: 46] عند الله، ~~وأقوم أي: أعدل وأصوب {ولكن لعنهم الله} [النساء: 46] أي: أبعدهم الله عن ~~رحمته مجازاة لهم، {بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا} [النساء: 46] يعني ~~بالقليل عبد الله بن سلام وأصحابه. # وقال السدي: القليل قولهم: الله ربنا، والجنة حق، والنار حق، فهذا قليل ~~من إيمانهم. # قال الزجاج: والتقدير على هذا القول: فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا لا يجب ~~أن يسموا مؤمنين. # PageV02P061 # {يأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن ~~نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر ~~الله مفعولا {47} إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ~~ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما {48} ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ~~بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا {49} انظر كيف يفترون على الله ~~الكذب وكفى به إثما مبينا {50} ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ~~يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا ~~سبيلا {51} أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا {52} أم ~~لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا {53} أم يحسدون الناس على ما ~~آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا ~~عظيما {54} فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا {55} } ~~[النساء: 47-55] قوله عز وجل: {يأيها الذين أوتوا الكتاب} [النساء: 47] ~~يخاطب اليهود، {آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم} [النساء: 47] يعني القرآن ~~{من قبل أن نطمس وجوها} [النساء: 47] . # الطمس المحو، يقال: طمسته تطمس، أي: درس. # قال ابن عباس: نجعلها كخف البعير، أو كحافر الفرس، على معنى: نمحو ما ~~فيها من عين ms0379 وفم وأنف وحاجب. # {فنردها على أدبارها} [النساء: 47] قال قتادة: نحول وجوههم قبل ظهورهم. # يقال: لما نزلت هذه الآية أتى عبد الله بن سلام رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم قبل أن يأتي أهله وأسلم، وقال: يا رسول الله ما كنت أرى أن أصل إليك ~~حتى يتحول وجهي في قفاي. # وقال النخعي: أقبل كعب من اليمن يحج بيت المقدس، فذهب إليه، فبينا هو فيه ~~سمع رجلا من المهاجرين # PageV02P062 # يقرأ في جوف الليل هذه الآية، فأتى عمر رضي الله عنه فأسلم. # ويروى أن عمر قرأ هذه الآية عليه , فقال كعب: يا رب آمنت، يا رب أسلمت. # مخافة أن يصيبه هذا الوعيد. # وقوله: {أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت} [النساء: 47] أي: نمسخهم قردة، ~~كما فعلنا بأوائلهم، {وكان أمر الله مفعولا} [النساء: 47] قال ابن عباس: لا ~~راد لحكمه، ولا ناقض لأمره. # قوله عز وجل: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} [النساء: 48] الآية، هذه ~~الآية دليل قاطع في مسألتين كبيرتين من الأصول: إحديهما: أن من ارتكب ~~الكبائر من المسلمين إذا مات على الإيمان لم يخلده الله في النار، وإنما ~~يخلد المشرك في النار دون المسلم. # والثانية: أن الله تعالى وعد المغفرة لما دون الشرك، فيعفو عمن يشاء، ~~ويغفر لمن يشاء، لا حجر عليه في شيء من ذلك، ولا حكم عليه لأحد، تكذيبا ~~للقدرية حيث قالوا: لا يجوز أن يغفر الكبيرة ويعفو عن المعاصي. ### | 230 - # أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الزمجاري، أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب ~~المفيد، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن السقطي، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا ~~إسرائيل، عن ثوير، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، قال: ما في القرآن آية ~~أرجى عندي من هذه الآية {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن ~~يشاء} [النساء: 48] ### | 231 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد التميمي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر ~~الحافظ، حدثنا محمد بن # PageV02P063 # عبد الله بن رسته، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا حرب بن سريج، حدثنا أيوب ~~السختياني ms0380، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر ~~حتى سمعنا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ~~ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] . # وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» ~~. # فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا ورجونا ### | 232 - # أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكي، أخبرنا محمد بن مكي، أخبرنا محمد بن ~~يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا مهدي بن ~~ميمون، حدثنا واصل الأحدب، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر، قال: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: " أتاني آت من ربي فأخبرني، أو قال: بشرني، أنه ~~من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ~~وإن زنى وإن سرق " # PageV02P064 # وقوله: {ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} [النساء: 48] أي: اختلق ~~ذنبا غير مغفور. # قال الزجاج: يقال: افترى فلان الكذب، إذا اعتمله واختلقه، وأصله من الفري ~~وهو بمعنى القطع. # قوله عز وجل: {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم} [النساء: 49] قال ابن عباس ~~في رواية الكلبي: نزلت في اليهود، أتوا بأطفالهم إلى النبي صلى الله عليه ~~وسلم، فقالوا: يا محمد، هل على هؤلاء من ذنب؟ فقال: لا. # فقالوا: والله ما نحن إلا كهيئتهم، ما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل، ~~وما عملناه بالليل كفر عنا بالنهار، فكذبهم الله تعالى. # ومعنى يزكون أنفسهم: يزعمون أنهم أزكياء، وتفسير التزكية قد مر. # وقوله: {بل الله يزكي من يشاء} [النساء: 49] يجعل من يشاء زاكيا، قال ابن ~~عباس: يريد: أهل التوحيد، {ولا يظلمون فتيلا} [النساء: 49] قال ابن عباس: ~~يريد: ولا ينقصون من الثواب قدر فتيل النواة، يريد القشرة التي حول النواة ~~فيما بينها وبين البسرة. # قال الفراء: الفتيل: ما فتلت بين أصبعيك من الوسخ. # وهو قول السدي، وقال ابن السكيت: القطمير: القشرة الرقيقة على النواة، ~~والفتيل: ما كان في شق النواة، والنقير: النكتة في ظهر النواة. # قال الأزهري: وهذه ms0381 الأشياء كلها تضرب أمثالا للشيء التافه الحقير القدر ~~أي: لا يظلمون قدرها، قال النابغة: # PageV02P065 # يجمع الجيش ذا الألوف ويغزو ... ثم لا يرزأ العدو فتيلا # قوله جل جلاله: {انظر كيف يفترون على الله الكذب} [النساء: 50] هذا تعجيب ~~للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي قولهم: يكفر عنا ما نعمله، وكفى به أي: كفى ~~هو يعني: افتراءهم، إثما مبينا وتأويل هذا: تعظيم إثمهم. # قوله عز وجل: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب} [النساء: 51] ~~يعني: علماء اليهود الذين أعطوا علم أمر النبي صلى الله عليه وسلم، {يؤمنون ~~بالجبت والطاغوت} [النساء: 51] كل معبود من دون الله فهو جبت. # قال ابن عباس في رواية عطية: الجبت: الأصنام، والطاغوت: تراجمة الأصنام ~~الذين يكونون بين أيديهم يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس. # وفي رواية الوالبي: الجبت: الكاهن، والطاغوت: الساحر، وقال الكلبي: الجبت ~~في هذه الآية: حيي بن أخطب، والطاغوت: كعب بن الأشرف، سميا بذلك لإغوائهما ~~الناس ولطاعة اليهود لهما في معصية الله تعالى. # وقوله: {ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} [النساء: ~~51] وذلك أن حييا، وكعبا لقيا قريشا بالموسم فقال لهما المشركون: أنحن أهدى ~~طريقا أم محمد وأصحابه؟ فقالا: بل أنتم أهدى سبيلا، وأقوم طريقا، وأحسن من ~~الذين آمنوا دينا، وهما يعلمان أنهما كاذبان، حملهما على ذلك حسد محمد ~~وأصحابه. # قال الزجاج: وهذا دليل على معاندة اليهود لأنهم زعموا أن المشركين الذين ~~لا يصدقون بشيء من الكتب وعبدوا الأصنام أهدى طريقا من الذين يوافقونهم على ~~كثير مما يصدقون به. # ثم أنزل الله فيهم قوله: {أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد ~~له نصيرا} [النساء: 52] ناصرا ينصره، ومانعا من عذاب الله، ثم وصفهم بالبخل ~~فقال: # PageV02P066 # أم لهم: على معنى: بل ألهم، {نصيب من الملك} [النساء: 53] وهذا استفهام ~~معناه الإنكار، أي: ليس لهم ذلك. # وقوله {فإذا لا يؤتون الناس نقيرا} [النساء: 53] قال الفراء: هذا جواب ~~لجزاء مضمر كأنك قلت: ولئن كان لهم نصيب لا يؤتون الناس نقيرا إذا. # قال الزجاج: وتأويل إذا: إن كان الأمر ms0382 كما جرى، أو كما ذكرت، يقول ~~القائل: زيد يصير إليك. # فتقول: إذا أكرمه. # أي: إن كان الأمر على ما تصف وقع إكرامه. # قال ابن عباس: النقير: نقرة في ظهر النواة منها تنبت النخلة. # قال الزجاج: وذكر النقير ههنا: تمثيل، المعنى لبخلوا بالقليل. # قوله عز وجل: {أم يحسدون الناس} [النساء: 54] الآية، حسدت اليهود محمدا ~~صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من النبوة، فقال الله تعالى: {أم ~~يحسدون الناس} [النساء: 54] على معنى: بل أيحسدون الناس، يعني: محمدا صلى ~~الله عليه وسلم، وإنما جاز أن يقع عليه لفظ الناس وهو واحد، لأنه اجتمع ~~عنده من خلال الخير ما يكون في جماعة، ومثله قوله {إن إبراهيم كان أمة} ~~[النحل: 120] . # وقوله: {على ما آتاهم الله من فضله} [النساء: 54] يعني: النبوة، وقد ~~علموا أن النبوة كانت في آله، {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة} ~~[النساء: 54] يعني: النبوة، يريد ما كان في بني إسرائيل من الكتاب والنبوة، ~~وكانوا من آل إبراهيم لأنهم كانوا أولاد إسحاق بن إبراهيم، ومحمد صلى الله ~~عليه وسلم كان ولد إسماعيل بن إبراهيم. # وهذا الذي ذكرنا قول الحسن، وابن جريج، وقتادة، واختيار الزجاج. # وقوله: {وآتيناهم ملكا عظيما} [النساء: 54] قال مجاهد: يعني النبوة، لأن ~~الملك لمن له الأمر والطاعة، والأنبياء لهم الطاعة والأمر. # PageV02P067 # قوله عز وجل: {فمنهم من آمن به} [النساء: 55] قال ابن عباس، والأكثرون: ~~من أهل الكتاب من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، {ومنهم من صد عنه} ~~[النساء: 55] أعرض ولم يؤمن، {وكفى بجهنم سعيرا} [النساء: 55] عذابا لمن لا ~~يؤمن. # {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا ~~غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما {56} والذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها ~~أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا {57} } [النساء: 56-57] قوله عز وجل: {إن ~~الذين كفروا بآياتنا} [النساء: 56] يعني: بمحمد صلى الله عليه وسلم ~~والقرآن، {سوف نصليهم نارا} [النساء: 56] ندخلهم نارا كلما نضجت: لانت ~~بحرارتها، {جلودهم بدلناهم جلودا غيرها} [النساء ms0383: 56] قال ابن عباس: يبدلون ~~جلودا بيضاء كأمثال القراطيس. # وقال الحسن: بلغنا أنهم تنضجهم كل يوم سبعين ألف مرة، تأكل جلودهم ~~ولحومهم , قال: وغلظ لحوم أهل النار أربعون ذراعا، وما بين منكبي أحدهم ~~مسيرة ثلاثة أيام. ### | 233 - # أخبرنا أبو نصر المهرجاني، أخبرنا ابن بطة، أخبرنا أبو القاسم البغوي، ~~حدثنا داود بن رشيد، حدثنا مروان بن معاوية، حدثنا يزيد بن سنان، حدثنا أبو ~~يحيى الكلاعي، عن المقدام بن معدي كرب، قال: # PageV02P068 # سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يحشر من بين السقط إلى الشيخ ~~الفاني يوم القيامة أبناء ثلاث وثلاثين سنة، المؤمنون منهم في خلق آدم، ~~وقلب أيوب، وحسن يوسف، مردا مكحلين، قلنا: يا رسول الله فكيف بالكافر؟ قال: ~~يعظم للنار حتى يصير غلظ جلده أربعين ذراعا، وحتى يصير الناب مثل أحد " # وعن جابر بن عبد الله قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ~~{كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها} [النساء: 56] فبكى، واشتد بكاؤه، ~~فبكينا لبكائه، فلما أفاق قال: «تبدل ليجدد عليهم العذاب» . # وهو قوله: {ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما} [النساء: 56] أي: هو ~~قوي لا يغلبه شيء، وهو مع ذلك حكيم فيما دبر. # ولما ذكر ما أعد للكافرين من العذاب ذكر ثواب المؤمنين فقال: {والذين ~~آمنوا وعملوا الصالحات} [النساء: 57] إلى قوله: {وندخلهم ظلا ظليلا} ~~[النساء: 57] أي: دائما لا تنسخه الشمس، كما تنسخ ظلال الدنيا. # وقال الحسن: ظلا ظليلا: لا يدخله الحر والسمائم. # قال الزجاج: معنى ظليل: يظل من الريح والحر، وليس كل ظل كذلك، أعلم الله ~~تعالى أن ظل الجنة ظليل لا حر فيه ولا برد. # وقال مقاتل: ظلا ظليلا يعني أكتان القصور، لا فرجة فيها ولا خلل. # {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن ~~تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا} [النساء: ~~58] قوله عز وجل: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [النساء: ~~58] أجمع المفسرون على أن الآية نازلة في شأن مفتاح الكعبة، وذلك ms0384 أن رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة طلب المفتاح، فقيل: إنه مع عثمان بن ~~طلحة الحجبي، وكان من بني عبد الدار وكان يلي سدانة الكعبة، فوجه إليه عليا ~~رضي الله عنه فأبى دفعه إليه، وقال: لو # PageV02P069 # علمت أنه رسول الله لم أمنعه المفتاح. # فلوى علي يده، وأخذه منه قسرا حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~البيت وصلى فيه فلما خرج قال له العباس: بأبي أنت اجمع لي السدانة مع ~~السقاية، وسأله أن يعطيه المفتاح، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأمر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم عليا برده إليه، فرده إليه علي وألطف في القول، ~~فقال: أخذته مني قهرا ورددته علي باللطف، قال: لأن الله تعالى أمرنا برده ~~إليك، وقرأ عليه الآية، فأتى للنبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم، ثم إنه هاجر ~~ودفع المفتاح إلى أخيه شيبة فهو في ولده إلى اليوم. ### | 234 - # أخبرنا أبو حسان المزكي، أخبرنا هارون بن محمد الإستراباذي، حدثنا أبو ~~محمد الخزاعي، حدثنا أبو الوليد الأزرقي، حدثنا جدي، عن سعيد بن سالم، عن ~~ابن جريج، عن مجاهد في هذه الآية قال: نزلت في عثمان بن طلحة: قبض النبي ~~صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة، فدخل الكعبة يوم الفتح، فخرج وهو يتلو ~~هذه الآية، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح وقال: «خذوها يا بني طلحة بأمانة ~~الله لا ينزعها منكم إلا ظالم» # قال ابن عباس: هذه الآية عامة في كل أمانة، تؤدى الأمانة إلى البر ~~والفاجر، والرحم توصل برة كانت أو فاجرة. # وقال ابن عمر، وابن مسعود: الفرج أمانة , والبصر أمانة، والأمانة في كل ~~شيء، في الوضوء والصلاة، والزكاة، والجنابة، والصوم، وفي الكيل والوزن، ~~وأعظم من ذلك الودائع، ولا إيمان لمن لا أمانة له. # والأمانة مصدر سمي به المفعول، ولذلك جمع أمانات لأنه أخلص اسما، قال ~~الشاعر: # فأخلفن ميعادي وخن أمانتي ... وليس لمن خان الأمانة دين # PageV02P070 ### | 235 - # أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن جعفر النحوي، أخبرنا محمد بن أحمد ~~بن سنان، أخبرنا أحمد ms0385 بن علي بن المثنى، حدثنا وهب، حدثنا خالد، عن حسين، ~~عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها ~~الناس إنه لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له» # وقوله: {إن الله نعما يعظكم به} [النساء: 58] أي: نعم شيئا يعظكم به ~~الله، يعني: أداء الأمانة، والحكم بالعدل، {إن الله كان سميعا} [النساء: ~~58] لما تقولون في الأمانة والحكم، بصيرا: بما تعملون فيهما. # {يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن ~~تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ~~ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء: 59] وقوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا ~~أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} [النساء: 59] قال الحسن، وعطاء: اتباع الكتاب ~~والسنة، {وأولي الأمر منكم} [النساء: 59] قال ابن عباس في رواية الوالبي: ~~هم الفقهاء، والعلماء، وأهل الدين الذين يعلمون الناس معالم دينهم. # وأوجب الله تعالى طاعتهم. # وهذا قول مجاهد، والحسن، والضحاك. # وفي رواية عطاء: هم الولاة. # وهو قول ابن زيد، قال: هم الأمراء والسلاطين لما أمروا بأداء الأمانة في ~~الرعية في قوله: {إن الله يأمركم} [النساء: 58] الآية، أمرت الرعية بحسن ~~الطاعة لهم فيما يوافق الحق. ### | 236 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، حدثنا إبراهيم بن أحمد بن رجاء، ~~حدثنا مسدد بن قطن، حدثنا داود بن رشيد، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد ~~الرحمن بن يزيد بن جابر، أخبرني زريق مولى بني # PageV02P071 # فزارة، أنه سمع مسلم بن قرظة يحدث، عن عوف بن مالك الأشجعي، يقول: سمعت ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا ~~من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة الله» ~~رواه مسلم، عن داود بن رشيد # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أخبرنا عبد الله بن أحمد المروزي، ~~أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي دارة، حدثنا محمد بن عبد الله بن قهزاد، ~~حدثنا سلمة بن سليمان، عن عبد الله بن ms0386 المبارك، أخبرنا الحسن بن عياش، عن ~~عمرو بن ميمون، عن أبيه قال: قال مسلمة بن عبد الملك: أليس قد أمرتم ~~بطاعتنا، يعني: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: ~~59] ؟ قال: قلت: إن الله قد انتزعه منكم إذ خالفتم الحق، قال الله تعالى: ~~{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59] . # قال: فأين الله؟ قلت: الكتاب , قال: فأين الرسول؟ قلت: السنة. # والمعنى: فإن تنازعتم في شيء، أنتم وأمراؤكم، فردوا الحكم فيما تنازعتم ~~فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله. # ذلك خير أي: ردكم ما اختلفتم فيه إلى الكتاب والسنة، وترككم التجادل خير، ~~وأحسن تأويلا قال قتادة، والسدي، وأحمد: عاقبة. # PageV02P072 # والعاقبة تسمى تأويلا لأنها مآل الأمر، يقال: إلى هذا مآل الأمر، ~~وتأويله، أي: عاقبته. # {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ~~يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن ~~يضلهم ضلالا بعيدا {60} وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ~~رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا {61} فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت ~~أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا {62} أولئك ~~الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا ~~بليغا {63} } [النساء: 60-63] قوله جل جلاله: {ألم تر إلى الذين يزعمون} ~~[النساء: 60] الآية، الزعم والزعم: لغتان وأكثر ما يستعمل الزعم بمعنى ~~القول فيما لا يتحقق، يقال: زعم فلان إذا لم يدر لعله كذب أو باطل، ومنه ~~قوله تعالى: {هذا لله بزعمهم} [الأنعام: 136] أي: بقولهم الكذب. # قال المفسرون: وقع نزاع بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين، فقال ~~اليهودي: بيني وبينك أبو القاسم. # يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، وعلم أنه لا يقبل الرشوة، وقال المنافق: ~~بيني وبينك كعب بن الأشرف. # لأنه علم أنه يأخذ الرشوة، فأنزل الله: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ~~آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} [النساء: 60] يعني: المنافقين، ~~{يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} [النساء: 60] يعني: كعب ms0387 بن الأشرف، وقال ~~عطاء: يعني: حيي بن أخطب {وقد أمروا أن يكفروا به} [النساء: 60] قال ابن ~~عباس: أمروا أن لا يوالوا غير أهل دينهم. # {ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا} [النساء: 60] أي: ضلالا لا يرجعون ~~عنه إلى دين الله أبدا. # PageV02P073 # ومعنى الآية: تعجيب للنبي صلى الله عليه وسلم من جهل من يعدل عن حكم الله ~~إلى حكم الطاغوت مع زعمه بأنه مؤمن بالله ورسوله، وما أنزل إليه من قبله. # قوله جل جلاله: {وإذا قيل لهم} [النساء: 61] أي: لهؤلاء المنافقين: ~~{تعالوا إلى ما أنزل الله} [النساء: 61] يعني: في القرآن من الأحكام، وإلى ~~الرسول إلى حكمه، {رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} [النساء: 61] أي: ~~يعرضون عنك إلى غيرك. # قوله عز وجل: فكيف أي: فكيف يحتالون ويصنعون، {إذا أصابتهم مصيبة} ~~[النساء: 62] عقوبة من الله مجازاة على ما صنعوا وهو قوله: {بما قدمت ~~أيديهم} [النساء: 62] أي: من التكذيب والكفر بالقرآن والرسول؟ ثم عاد ~~الكلام إلى ما سبق من القصة فقال: {ثم جاءوك يحلفون بالله} [النساء: 62] ، ~~وذلك أن المنافقين أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم: وحلفوا أنهم ما ~~أرادوا بالعدول عنه في المحاكمة، {إلا إحسانا وتوفيقا} [النساء: 62] أي: ~~إلا توفيقا بين الخصوم أي: جمعا وتأليفا، وإحسانا بالتقريب في الحكم دون ~~الحمل على مر الحق. # وكل ذلك كذب منهم، لأن الله تعالى قال: {أولئك الذين يعلم الله ما في ~~قلوبهم} [النساء: 63] من الكذب والخيانة والشرك والنفاق، فأعرض عنهم أي: لا ~~تعاقبهم، وعظهم: بلسانك {وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} [النساء: 63] قال ~~ابن عباس: خوفهم بالله. # وقال الحسن: قل لهم: إن أظهرتم ما في قلوبكم من النفاق قتلتم، فهذا القول ~~البليغ، لأنه يبلغ من نفوسهم كل مبلغ. # وقال الزجاج: أعلمهم أنهم إن ظهر منهم رد لحكمك وكفر فالقتل. # {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك ~~فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} [النساء: 64] ~~قوله جل جلاله: {وما أرسلنا من رسول} [النساء: 64] من: دخلت للتأكيد، ~~والمعنى: وما أرسلنا رسولا ms0388، {إلا ليطاع بإذن الله} [النساء: 64] أي: بأمر ~~الله، يعني: إن طاعة الرسول وجبت بأمر الله الذي دل على وجوب طاعته. # قال الزجاج: أي: إلا ليطاع لأن الله تعالى قد أذن في ذلك وأمر به قوله ~~تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} [النساء: 64] بعصيانك وموالاتهم الكفار ~~حتى يحكموهم، {جاءوك فاستغفروا الله} [النساء: 64] أي: تابوا إلى الله ~~ونزعوا عما هم عليه، {واستغفر لهم الرسول} [النساء: 64] سأل الله لهم أن ~~يغفر لهم ما تقدم من تكذيبهم، {لوجدوا الله توابا رحيما} [النساء: 64] . # {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم ~~حرجا مما # PageV02P074 # قضيت ويسلموا تسليما {65} ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو ~~اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان ~~خيرا لهم وأشد تثبيتا {66} وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما {67} ~~ولهديناهم صراطا مستقيما {68} } [النساء: 65-68] قوله عز وجل: فلا أي: ليس ~~الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك، ثم استأنف القسم فقال: ~~{وربك لا يؤمنون} [النساء: 65] . # وهذا قول عطاء، ومجاهد، والشعبي: إن الآية نازلة في قصة اليهودي ~~والمنافق، وهي متصلة بما قبلها. # وقال آخرون: هذه مستأنفة نازلة في قصة أخرى وهي ما ### | 237 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي، ~~أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا أبو اليمان، حدثنا ~~شعيب، عن الزهري، أخبرني عروة بن الزبير، عن أبيه، أنه كان يحدث أنه خاصم ~~رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة، كانا يسقيان ~~بهما كلأهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اسق ثم أرسل إلى جارك، فغضب ~~الأنصاري وقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ثم قال: اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر فاستوعى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ~~ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه ms0389 سعة له وللأنصاري فلما أحفظ الأنصاري ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعى للزبير حقه في صريح الحكم قال عروة: ~~قال الزبير: والله ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون ~~حتى يحكموك} [النساء: 65] الآية رواه البخاري، عن علي بن عبد الله، عن محمد ~~بن جعفر، عن معمر، ورواه مسلم، عن قتيبة، عن الليث، كلاهما عن الزهري # وقوله: {فيما شجر بينهم} [النساء: 65] أي: اختلف واختلط، يقال: شجر يشجر ~~شجورا وشجرا ومشاجرة في الأمر. # إذا # PageV02P075 # نازعه مشاجرة، وتشاجروا وتشاجرا، واشتجروا، ولك ذلك لتداخل كلام بعضهم في ~~بعض. # وقوله: {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت} [النساء: 65] قال ابن ~~عباس: يعني ضيقا مما قضيت، يعني: يرضون بقضائك. # وقال الزجاج: لا تضيق صدورهم بقضيتك. # ويسلموا تسليما: لما يأتي من حكمك، لا يعارضون بشيء، أي: يبذلون الرضا ~~لحكمك ويتركون السخط والمنازعة. # قوله عز وجل: {ولو أنا كتبنا عليهم} [النساء: 66] أي: فرضنا وأوجبنا، قال ~~المفسرون: كتب الله تعالى على بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم، وكتب على ~~المهاجرين أن يخرجوا من ديارهم، فقال الله تعالى: ولو أنا كتبنا على هؤلاء ~~ما كتبنا على غيرهم، وهو قوله {أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم} ~~[النساء: 66] كسرهما عاصم وحمزة، لالتقاء الساكنين، ومن ضمهما: فلأنهما حلا ~~محل الهمزة المضمومة، فضمتا كما ضمت هي، وإن كانتا منفصلتين. # قال الزجاج: وللكسرة والضمة في هذه الحروف وجهان جيدان، ولست أعرف لفصل ~~أبي عمرو بين هذين الحرفين خاصية، إلا أن يكون رواية. # قوله: {ما فعلوه إلا قليل منهم} [النساء: 66] قال الحسن: أخبر عن علمه ~~فيهم، يعني ما يفعل ذلك إلا من قد علم الله منه ذلك، وهم قليل. # وارتفع قليل على البدل من الواو في فعلوه كقولك: ما أتاني أحد إلا زيد ~~ترفع زيدا على البدل من أحد. # ومن نصب إلا قليلا فإنه جعل النفي بمنزلة الإيجاب، وذلك أن قولك: ما ~~جاءني أحد كلام تام، كما أن: # PageV02P076 # جاءني القوم. # كذلك، فنصب مع النفي كما نصب مع الإيجاب، من ms0390 حيث اجتماعهما في أن كل واحد ~~منهما كلام تام. # {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به} [النساء: 66] أي: ما يؤمرون به، {لكان ~~خيرا لهم} [النساء: 66] في دينهم وفي الآخرة، وأشد تثبيتا: تصديقا بأمر ~~الله، أي: ذلك أشد تثبيتا منهم لأنفسهم في الدين. # وإذا لآتيناهم أي: لو فعلوا ما وعظوا به لآتيناهم، من لدنا مما لا يقدر ~~عليه غيرنا، أجرا عظيما وهو الجنة. # {ولهديناهم صراطا مستقيما} [النساء: 68] قال ابن عباس: أرشدناهم إلى دين ~~مستقيم، يريد: دين الحنيفية، لا دين اليهودية. # {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين ~~والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا {69} ذلك الفضل من الله ~~وكفى بالله عليما {70} } [النساء: 69-70] قوله عز وجل: {ومن يطع الله ~~والرسول} [النساء: 69] الآية، قال السدي: إن ناسا من الأنصار قالوا: يا ~~رسول الله إنك تسكن الجنة في أعلاها، ونحن نشتاق إليك فكيف نصنع؟ فنزلت ~~الآية. # وقال الشعبي: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ~~يبكي، فقال: ما يبكيك يا فلان؟ فقال: يا رسول الله بالله الذي لا إله إلا ~~هو لأنت أحب إلي من نفسي وأهلي ومالي وولدي، وإني لأذكرك وأنا في أهلي ~~فيأخذني مثل الجنون حتى أراك، وذكرت موتي، وأنك ترفع مع النبيين، وإني إن ~~دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك. # فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فأنزل الله: {ومن يطع الله} ~~[النساء: 69] أي: في الفرائض، والرسول أي: في السنن، فأولئك: يعني ~~المطيعين، {مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين} [النساء: 69] أي: أنه ~~يستمتع برؤية النبيين، وزيارتهم، والحضور معهم، فلا يتوهمن من أجل أنهم في ~~أعلى عليين أنه لا يراهم. # PageV02P077 # وقوله: والصديقين: كل من صدق بكل ما أمر الله، لا يدخله شك، وصدق ~~الأنبياء فهو صديق، وهو قول الله تعالى: {والذين آمنوا بالله ورسله أولئك ~~هم الصديقون} [الحديد: 19] . # وقال الكلبي: الصديقون: أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. # وقال مقاتل: الصديقون أول من صدقوا الأنبياء حين عاينوهم. # وقوله: والشهداء ms0391 يعني: القتلى في سبيل الله، والصالحين: هم سائر ~~المسلمين، وحسن أولئك يعني: الأنبياء وهؤلاء، رفيقا: صاحبا. # وسمي الصاحب رفيقا لارتفاقك به وبصحبته، ويقال للجماعة في السفر: رفقة ~~لارتفاق بعضهم ببعض. # ووحد الرفيق لأن الواحد في التمييز ينوب عن الجماعة، نحو قولك: هو أجمل ~~فتى. # المعنى: هو أجمل الفتيان. # قوله: ذلك أي: ذلك الثواب، وهو الكون مع النبيين والصديقين، {الفضل من ~~الله} [النساء: 70] تفضل به على من أطاعه، {وكفى بالله عليما} [النساء: 70] ~~أي: أنه لا يضيع عنده عمل عامل لأنه لا يخفى عليه شيء. # {يأيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا {71} وإن ~~منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم ~~شهيدا {72} ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ~~ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما {73} فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون ~~الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه ~~أجرا عظيما {74} وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال ~~والنساء والولدان الذين # PageV02P078 # يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا ~~واجعل لنا من لدنك نصيرا {75} الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين ~~كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ~~ضعيفا {76} } [النساء: 71-76] قوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا خذوا حذركم} ~~[النساء: 71] هذه الآية حث من الله على الجهاد، والحذر بمعنى الحذر كالمثل، ~~وتقول العرب: خذ حذرك أي: احذر. # والمعنى: احذروا عدوكم بأخذ العدة والسلاح. # وقوله: فانفروا ثبات يقال: نفر القوم ينفرون نفرا، إذا نهضوا لقتال عدو ~~وخرجوا لحرب. # والثبات جماعات متفرقة واحدها ثبة، قال قتادة: الثبات: الفرق. # وقال مقاتل: عصبا متفرقين. # {أو انفروا جميعا} [النساء: 71] خيرهم الله تعالى بين أن يقاتلوا جميعا ~~وبين أن يقاتل بعضهم دون بعض، فدل على أن الجهاد ليس من فروض الأعيان. # قوله عز وجل: {وإن منكم لمن ليبطئن} [النساء: 72] يعني: عبد الله بن أبي، ~~كان ms0392 يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج لغزو، والخطاب للمؤمنين ~~وجعله منهم من حيث الظاهر، وهو حقن الدم والموارثة، والتبطئة: التأخر عن ~~الأمر، تقول العرب: ما بطأ بك عنا. # أي: ما أخرك، يقال: بطوء بطأ، وأبطأ إبطاء، وبطأ تبطئة بمعنى واحد. # قال مقاتل: ليبطئن أي: ليتخلفن عن الجهاد. # وقال الكلبي: ليتثاقلن. # {فإن أصابتكم مصيبة} [النساء: 72] من القتل وجهد من العيش، {قال قد أنعم ~~الله علي} [النساء: 72] بالقعود، {إذ لم أكن معهم شهيدا} [النساء: 72] أي: ~~لم أحضر معهم فيصيبني ما أصابهم من البلاء والشدة. # PageV02P079 # {ولئن أصابكم فضل من الله} [النساء: 73] فتح ونصر وغنيمة، ليقولن: هذا ~~المنافق قول نادم حاسد: {يا ليتني كنت معهم} [النساء: 73] لأسعد بمثل ما ~~سعدوا به من الغنيمة. # وقوله: {كأن لم تكن بينكم وبينه مودة} [النساء: 73] متصل في النظم بقوله: ~~{قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم} [النساء: 72] كأن لم تكن بينكم وبينه ~~مودة. # قال ابن الأنباري: كأن لم يعاقدكم على الإسلام، ولم يبايعكم على الصبر ~~والثبات فيه على ما ساء وسر. # وقرئ: تكن بالياء والتاء، فالتأنيث على الأصل، والتذكير يحسن إذا كان ~~التأنيث غير حقيقي سيما إذا وقع فاصل بين الفعل والفاعل. # وقوله: {فأفوز فوزا عظيما} [النساء: 73] قال مقاتل: آخذ نصيبا وافرا، ~~وإنما قال هذا حرصا على الدنيا، وميلا إليها ولا رغبة في الثواب. # ولما ذم الله تعالى المنافق بالاحتباس عن الجهاد، أمر المؤمنين بالقتال ~~فقال سبحانه: {فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة} ~~[النساء: 74] أي: يبيعون، يقال: شريت. # بمعنى: بعت. # والمعنى: أنهم يختارون الجنة على البقاء في الدنيا، فيجاهدون طلبا ~~للشهادة في سبيل الله، {ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل} [النساء: 74] شهيدا ~~أو يغلب فينظر ويقتل هو، فكلاهما سواء في الثواب، وهو قوله {فسوف نؤتيه ~~أجرا عظيما} [النساء: 74] ، قال ابن عباس: ثوابا لا صفة له. # قوله جل جلاله: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله} [النساء: 75] قال ~~المفسرون: هذا حض من الله تعالى على الجهاد في سبيله لاستنقاذ المؤمنين من ms0393 ~~أيدي المشركين. # والمعنى: لا عذر لكم في ترك القتال في سبيل الله، وفي المستضعفين من ~~الرجال والنساء والولدان، # PageV02P080 # قال ابن عباس: يريد قوما بمكة قد استضعفوا، فحبسوا وعذبوا. # قال: وكنت أنا وأمي من المستضعفين. # ولم يكن لهم قوة يمتنعون بها من المشركين، ولم يقدروا أن يهاجروا إلى ~~المدينة فكانوا يدعون الله ويقولون: ربنا أخرجنا: إلى المدينة دار الهجرة، ~~{من هذه القرية} [النساء: 75] يعني مكة، الظالم أهلها يريد: جعلوا لله ~~شركاء. # قال الزجاج: الظالم أهلها: نعت للقرية. # وإنما وحد الظالم لأنه صفة يقع موضع الفعل، يقال: مررت بالقرية الصالح ~~أهلها. # أي: التي صلح أهلها، {واجعل لنا من لدنك وليا} [النساء: 75] ول علينا ~~رجلا من المؤمنين يوالينا ويقوم بأمورنا، {واجعل لنا من لدنك نصيرا} ~~[النساء: 75] ينصرنا على عدونا ويمنعنا منهم. # فاستجاب الله دعاءهم، وولى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما فتحت ~~مكة، عتاب بن أسيد فكان ينصف المظلوم من الظالم، والضعيف من الشديد. # قوله عز وجل: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله} [النساء: 76] في نصرة ~~دين الله، وهو سبيله الذي يؤدي إلى ثوابه ورحمته، والذين كفروا: يعني: ~~المشركين واليهود والنصارى، {يقاتلون في سبيل الطاغوت} [النساء: 76] في ~~طاعة الشيطان، {فقاتلوا أولياء الشيطان} [النساء: 76] قال ابن عباس: يعني: ~~عبدة الأصنام {إن كيد الشيطان} [النساء: 76] سعيه في إيقاع الضرر بالمؤمنين ~~على جهة الاحتيال، كان ضعيفا يعني: خذلانه إياهم يوم قتلوا ببدر. # {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما ~~كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ~~ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل ~~والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا {77} أينما تكونوا يدرككم الموت ولو ~~كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة ~~يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون ~~حديثا {78} ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك ms0394 من سيئة فمن نفسك وأرسلناك ~~للناس رسولا وكفى بالله شهيدا {79} من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى ~~فما أرسلناك عليهم حفيظا {80} } [النساء: 77-80] قوله عز وجل: {ألم تر إلى ~~الذين قيل لهم كفوا أيديكم} [النساء: 77] الآية، نزلت الآية في نفر من ~~أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم: عبد الرحمن بن عوف، والمقداد بن ~~الأسود، وقدامة بن مظعون، وسعد بن أبي وقاص، كانوا يقولون # PageV02P081 # للنبي صلى الله عليه وسلم: ائذن لنا في قتال المشركين، فيقول لهم: كفوا ~~أيديكم فإني لم أومر بقتالهم. # فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأمروا بالقتال ~~كرهه بعضهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية. # وقوله: كفوا أيديكم: قال ابن عباس: عن قتال عبدة الأصنام لأن الله تعالى ~~لم يأمر بقتالهم. # قال الزجاج: كان المسلمون قبل أن يؤمروا بالقتال قالوا للنبي صلى الله ~~عليه وسلم: لو أذنت لنا أن نقاتل المشركين، فأمروا بالكف وأداء ما افترض ~~عليهم من غير القتال، وهو قوله: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب} ~~[النساء: 77] فرض {عليهم القتال إذا فريق منهم} [النساء: 77] يعني: جماعة ~~منهم، يخشون الناس: المشركين، كخشية الله: كما يخشون الله، {أو أشد خشية} ~~[النساء: 77] قال الحسن: هذا كان منهم لما في طبع البشر من المخافة لا على ~~كراهة أمر الله بالقتال. # وقالوا: جزعا من الموت وحرصا على الحياة: {لم كتبت علينا القتال لولا ~~أخرتنا إلى أجل قريب} [النساء: 77] أن: هلا تركتنا حتى نموت بآجالنا ~~وعافيتنا من القتل؟ قل: لهم، يا محمد: {متاع الدنيا قليل} [النساء: 77] أي: ~~ما تمتعون به من الدنيا وعيشها قليل، والآخرة خير يعني: الجنة لمن اتقى ~~الله ولم يشرك به شيئا. ### | 238 - # أخبرنا الأستاذ أبو الحسن علي بن محمد الفارسي، حدثنا أبو العباس أحمد بن ~~محمد بن أحمد بن إسحاق، حدثني محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدثنا عتبة بن ~~عبد الله اليحمدي، حدثنا ابن المبارك، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس ~~بن أبي حازم، عن المستورد بن شداد الفهري، قال: سمعت رسول ms0395 الله صلى الله ~~عليه وسلم # PageV02P082 # يقول: «والله ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم ~~فلينظر بما يرجع» # وقوله: {ولا تظلمون فتيلا} [النساء: 77] قال ابن عباس: لا ينقصون من ثواب ~~أعمالهم فتيل النواة. # ثم أعلمهم أن آجالهم لا تخطئهم ولو تحصنوا بأمنع الحصون، فقال: {أينما ~~تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} [النساء: 78] أي: في حصون ~~وقصور مطولة رفيعة، وقال السدي، وقتادة: يعني بروج السماء الاثني عشر، ~~يقال: شاد بناءه وأشاده وشيده. # إذا رفعه. # وقوله: {وإن تصبهم حسنة} [النساء: 78] إلى قوله: من عندك هذا من قول ~~اليهود والمنافقين عند مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان قد بسط ~~عليهم الرزق، فلما كفروا أمسك عنهم بعض الإمساك، فقالوا: ما رأينا أعظم ~~شؤما من هذا، نقصت ثمارنا، وغلت أسعارنا منذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه. # فذلك قوله: {وإن تصبهم حسنة} [النساء: 78] يعني: الخصب ورخص الأسعار ~~{يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة} [النساء: 78] جدب وغلاء الأسعار ~~قالوا هذه من عندك: من شؤم محمد، {قل كل من عند الله} [النساء: 78] . # قال ابن عباس: أما الحسنة فأنعم الله بها عليك وأما السيئة فابتلاك بها، ~~{فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} [النساء: 78] لا يفهمون القرآن ~~وتأويله فيؤمنوا ويعلمون أن الحسنة والسيئة من عند الله. # قوله عز وجل: {ما أصابك من حسنة} [النساء: 79] قال ابن عباس في رواية ~~عطاء: ما أصابك من حسنة يوم بدر من النصر والغنيمة، {فمن الله وما أصابك من ~~سيئة} [النساء: 79] يوم أحد من القتل والهزيمة، فمن نفسك فبذنبك. # PageV02P083 # قال: وهذا مخاطبة من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به ~~أصحابه والنبي من ذلك بريء. # قال الزجاج: هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يراد به الخلق، ومخاطبة ~~النبي صلى الله عليه وسلم تكون للناس جميعا، لأنه صلى الله عليه وسلم ~~لسانهم. # ومعنى {ما أصابك من حسنة فمن الله} [النساء: 79] أي: ما أصبتم من غنيمة ~~أو أتاكم من خصب فمن تفضل الله عليك ms0396، {وما أصابك من سيئة} [النساء: 79] أي: ~~من جدب وهزيمة في حرب، فمن نفسك أي: أصابكم ذلك بما كسبت أيديكم. # وقال قتادة: فمن نفسك عقوبة لذنبك يابن آدم، وكذلك قال الحسن، والسدي، ~~وابن جريج، والضحاك: فمن نفسك فبذنبك، وهذا كقوله: {وما أصابكم من مصيبة ~~فبما كسبت أيديكم} [الشورى: 30] ، والحسنة تكون بمعنى الخصب، والسيئة: ~~بمعنى الجدب، قال الله تعالى: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون} ~~[الأعراف: 168] يعني: الخصب والجدب. # ولا تعلق للقدرية بهذه الآية، لأن الحسنة والسيئة المذكورتين ههنا لا ~~ترجعان إلى الطاعة والمعصية، واكتساب العباد بحال، لأن الحسنة التي يراد ~~بها الخير والطاعة لا يقال فيها: أصابتني. # إنما يقال: أصبتها. # وليس في كلام العرب: أصابت فلانا حسنة، على معنى: عمل خيرا، وكذلك: ~~أصابته سيئة، على معنى: عمل معصية، غير موجود في كلامهم، إنما يقولون: أصاب ~~سيئة إذا عملها واكتسبها. # قوله: {وأرسلناك للناس رسولا} [النساء: 79] قال ابن عباس: يريد أنك قد ~~بلغت رسالاتي، {وكفى بالله شهيدا} [النساء: 79] على ما بلغت من رسالات ربك. # قوله جل جلاله: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: 80] قال ابن ~~عباس: يريد: إن طاعتكم لمحمد صلى الله عليه وسلم طاعة لله. # وقال الحسن: جعل الله طاعة رسوله طاعته، وقامت به الحجة على المسلمين. # وذكر الشافعي في الرسالة، في باب فرض طاعة الرسول هذه الآية، وقال: إن كل ~~فريضة فرضها الله في كتابه كالحج والصلاة والزكاة، لولا بيان رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ما كنا نعرف كيف نأتيها، ولا كيف يمكننا أداء شيء من ~~العبادات، # PageV02P084 # وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم من الشريعة بهذه المنزلة، كانت طاعته ~~على الحقيقة طاعة لله عز جل. ### | 239 - # وأخبرنا الإمام أبو طاهر الزيادي، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص ~~الزاهد، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله العبسي، أخبرنا وكيع، عن الأعمش، عن ~~أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ~~أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع الإمام فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى ~~الله، ومن ms0397 عصا الإمام فقد عصاني» # وقوله: ومن تولى: قال ابن عباس، ومقاتل: أعرض عن طاعتك يا محمد، {فما ~~أرسلناك عليهم حفيظا} [النساء: 80] حافظا من التولي والإعراض. # ثم أمر بعد ذلك بالجهاد، والإكراه على الدين بالسيف. # {ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله ~~يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا {81} أفلا ~~يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا {82} } ~~[النساء: 81-82] قوله عز وجل: ويقولون طاعة يعني: المنافقين كانوا يقولون ~~للنبي صلى الله عليه وسلم: طاعة لأمرك. # قال مقاتل: كانوا إذا دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: مرنا ~~بما شئت فأمرك طاعة. # وقال النحويون: معناه: أمرنا طاعة، أي: أمرنا وشأننا أن نطيعك. # فإذا برزوا: خرجوا، {من عندك بيت طائفة منهم} [النساء: 81] قال الزجاج: ~~كل أمر فكر فيه بليل فقد بيت، ومنه # PageV02P085 # قوله: {إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} [النساء: 108] وقال ابن عباس: ~~يريد ما أضمر في قلوبهم غير ما يقولون. # وقال ابن قتيبة: ويقولون طاعة: بحضرتك، فإذا خرجوا من عندك بيت طائفة ~~منهم غير الذي يقول، أي: قالوا وقدروا ليلا غير ما أعطوه نهارا. # {والله يكتب ما يبيتون} [النساء: 81] أي: يحفظ عليهم ليجازوا به، فأعرض ~~عنهم: قال ابن عباس: فاصفح عنهم، وذلك أن الله تعالى نهى عن قتل المنافقين، ~~{وتوكل على الله} [النساء: 81] اعتمد بأمرك عليه، {وكفى بالله وكيلا} ~~[النساء: 81] معتمدا وملجأ. # قوله جل جلاله: {أفلا يتدبرون القرءان} [النساء: 82] يعني: المنافقين، ~~ومعنى تدبرت الشيء: نظرت في عاقبته، يقول: أفلا يتأملون القرآن ويتفكرون ~~فيه؟ {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82] قال ~~ابن عباس: لو كان من عند مخلوق لكان فيه كذب وباطل واختلاف. # وقال الزجاج: لولا أنه من عند الله لكان ما فيه من الأخبار عن الغيب مما ~~يسره المنافقون وما يبيتونه مختلفا، بعضه حق وبعضه باطل لأن الغيب لا يعلمه ~~إلا الله. # وقال أهل المعاني: {لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82] أي ms0398: لو كان ~~من عند مخلوق لكان على قياس كلام العباد، بعضه بليغ حسن، وبعضه مرذول فاسد، ~~فلما كان جميع القرآن بليغا ولم يختلف، عرف أنه من عند الله، وليس بحمد ~~الله في القرآن اختلاف تناقض، ولا اختلاف تفاوت. # فأما اختلاف القراءات، واختلاف مقادير الآيات والسور، واختلاف الأحكام في ~~الناسخ والمنسوخ فكل حسن وحق، وليس ذلك اختلافا يؤدي إلى فساد وتناقض. # PageV02P086 # {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى ~~أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته ~~لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} [النساء: 83] قوله جل جلاله: {وإذا جاءهم أمر ~~من الأمن أو الخوف} [النساء: 83] الآية، نزلت في قوم كانوا يرجفون بسرايا ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخبرون بما وقع بها من هزيمة، وبما أدركت ~~من غنيمة قبل أن يخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، فيضعفون قلوب المؤمنين ~~ويؤذون النبي صلى الله عليه وسلم بسبقهم إياه بالأخبار، فأنزل الله تعالى ~~وإذا جاءهم يعني المنافقين وأصحاب الأراجيف، {أمر من الأمن} [النساء: 83] ~~حديث فيه أمن، أو الخوف: يعني الهزيمة أذاعوا به: أفشوه وأظهروه، ولو سكتوا ~~عنه حتى يكون الرسول هو الذي يفشيه، وأولو الأمر مثل أبي بكر وعمر وعثمان ~~وعلي {لعلمه الذين يستنبطونه} [النساء: 83] يتبعونه ويطلبون علم ذلك منهم. # ومعنى الاستنباط في اللغة: الاستخراج. # وقوله: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته} [النساء: 83] قال ابن عباس: فضل ~~الله: الإسلام، ورحمته: القرآن {لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} [النساء: 83] ~~قال ابن عباس في رواية الوالبي: تم الكلام عند قوله: لاتبعتم الشيطان، ثم ~~استثنى القليل من قوله: أذاعوا به أي: أذاعوا به إلا قليلا، يعني بالقليل ~~المؤمنين. # وهذا القول اختيار الكسائي والفراء. # قال في رواية عطاء: {لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} [النساء: 83] ممن عصم ~~الله. # PageV02P087 # قال ابن الأنباري: وهم الذين اهتدوا بعقولهم لترك عبادة الأوثان , ~~والإشراك بالله بغير رسول الله ولا كتاب مثل: زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة ~~بن نوفل، والبراء الشني، وأبي ذر الغفاري، وطلاب الدين. # {فقاتل في ms0399 سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس ~~الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا} [النساء: 84] وقوله عز وجل: ~~{فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك} [النساء: 84] أمر الله نبيه عليه ~~السلام بالجهاد، ولو كان وحده لأنه قد ضمن له النصر. # ومعنى {لا تكلف إلا نفسك} [النساء: 84] لا ضرر عليك في فعل غيرك، ولا ~~تهتم بتخلف من يتخلف عن الجهاد فعليهم ضرر ذلك. # {وحرض المؤمنين} [النساء: 84] : حضهم على القتال، {عسى الله أن يكف بأس ~~الذين كفروا} [النساء: 84] عسى معناها: الإطماع، والإطماع من الله واجب، ~~لأن إطماع الكريم إيجاب. # والبأس الشدة في كل شيء، ومعنى {بأس الذين كفروا} [النساء: 84] شدة ~~حربهم، وقد أنجز الله وعده بكف بأس هؤلاء الذين ذكرهم الله. # {والله أشد بأسا} [النساء: 84] أشد عذابا، والعذاب يسمى بأسا لما فيه من ~~الشدة، ومنه قوله: {فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا} [غافر: 29] ، {فلما ~~أحسوا بأسنا} [الأنبياء: 12] . # وأشد تنكيلا يقال: نكلت بفلان، إذا عاقبته عقوبة تنكل غيره عن ارتكاب ~~مثله، أي: تجنبه، وقال الحسن، وقتادة: أشد تنكيلا عقوبة. # {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل ~~منها وكان الله على # PageV02P088 # كل شيء مقيتا {85} وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله ~~كان على كل شيء حسيبا {86} } [النساء: 85-86] قوله جل جلاله: {من يشفع ~~شفاعة حسنة} [النساء: 85] قال الكلبي: يصلح بين اثنين. # {يكن له نصيب} [النساء: 85] أي: أجر {منها ومن يشفع شفاعة سيئة} [النساء: ~~85] يمشي بالنميمة، {يكن له كفل} [النساء: 85] إثم منها. # وقال مجاهد: شفاعة حسنة وشفاعة سيئة: شفاعة الناس بعضهم لبعض. # قال الحسن: ما يجوز في الدين أن يشفع فيه فهو شفاعة حسنة، وما لا يجوز أن ~~يشفع فيه فهو شفاعة سيئة. # قال: ومن يشفع شفاعة حسنة كان له فيها أجر وإن لم يشفع، لأن الله تعالى ~~قال من يشفع ولم يقل: من يشفع. # ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اشفعوا تؤجروا» . ### | 240 - # أخبرنا أبو ms0400 صادق محمد بن أحمد بن شاذان الصيدلاني، حدثنا محمد بن يعقوب ~~المعقلي، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، أخبرنا حفص بن عمر، حدثني ابن جريج، ~~عن عطاء، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ~~حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في ملكه، ومن أعان على خصومة ~~بغير علم كان في سخط الله حتى ينزع» # وأما الكفل، فقال أبو عبيدة، والفراء، وجميع أهل اللغة: الكفل الحظ ~~والنصيب، وهو قول مجاهد، والسدي، والربيع، وابن زيد. # وقوله: {وكان الله على كل شيء مقيتا} [النساء: 85] قال الفراء، وابن ~~قتيبة: المقيت: المقتدر، يقال: أقات على الشيء إذا قدر عليه. # PageV02P089 # وهو قول السدي، وابن زيد، واختيار الكسائي، وقال آخرون: المقيت الحافظ. # وهو قول ابن عباس، وقتادة، واختيار الزجاج، قال: معنى المقيت الحافظ الذي ~~يعطي الشيء قدر الحاجة، من الحفظ، وقال مجاهد: المقيت الشهيد. # قوله جل جلاله: {وإذا حييتم بتحية} [النساء: 86] التحية: السلام، يقال: ~~حيا يحي تحية إذا سلم، قال ابن عباس: {وإذا حييتم بتحية} [النساء: 86] يريد ~~السلام، {فحيوا بأحسن منها} [النساء: 86] وهو الزيادة على التحية إذا كان ~~المسلم من أهل الإسلام، يريد: ورحمة الله وبركاته. # وإذا كان من غير أهل دين الإسلام يقول: وعليكم. # لا يزيد على ذلك، وهو قوله: أو ردوها، قال الضحاك: إذا قال: السلام ~~عليكم. # فقلت: وعليكم السلام ورحمة الله. # وإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله. # فقلت: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. # فقد حييته بأحسن منها وهنا منتهى السلام. ### | 241 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصر أباذي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم ~~الإسماعيلي، أخبرني الحسن بن سفيان، حدثنا عبد الله بن عمر الحفص، حدثنا ~~أبو أسامة، حدثني موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن أبي أمامة، عن مالك ~~بن التيهان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال السلام عليكم ~~كتب له عشر حسنات، ومن قال السلام عليكم ورحمة الله كتب له عشرون حسنة، ومن ~~قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ms0401 كتب له ثلاثون حسنة» # قوله: {إن الله كان على كل شيء حسيبا} [النساء: 86] قال ابن عباس: ~~مجازيا. # وقال الزجاج: أي يعطي كل شيء من العلم والحفظ والجزاء مقدار ما يحسبه أي ~~يكفيه. # {الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من ~~الله حديثا {87} فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ~~أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له # PageV02P090 # سبيلا {88} ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم ~~أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ~~ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا {89} إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ~~ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله ~~لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما ~~جعل الله لكم عليهم سبيلا {90} } [النساء: 87-90] قوله عز وجل: {الله لا ~~إله إلا هو ليجمعنكم} [النساء: 87] هذه لام القسم، كأنه قال: والله ~~ليجمعنكم في الموت أو في القبور، {إلى يوم القيامة} [النساء: 87] سميت ~~القيامة لأن الناس يقومون من قبورهم، {ومن أصدق من الله حديثا} [النساء: ~~87] قال ابن عباس: يريد موعدا لا خلف لوعده. # وقال مقاتل: لا أحد أصدق من الله في أمر البعث. # قوله جل جلاله: {فما لكم في المنافقين فئتين} [النساء: 88] نزلت في قوم ~~قدموا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون، ثم ارتدوا بعد ذلك، واستأذنوا رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم أن يرجعوا إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها، ~~فاختلف المسلمون فيهم: فقائل يقول: هم منافقون. # وقائل يقول: هم مؤمنون. # فبين الله تعالى نفاقهم. # ومعنى الآية: فما لكم مختلفين في هؤلاء المنافقين، {والله أركسهم بما ~~كسبوا} [النساء: 88] أي: ردهم إلى الكفر. # يقال: ركست الشيء وأركسته. # لغتان إذا رددته وقلبت آخره على أوله. # قال الزجاج: تأويل أركسهم: نكسهم وردهم إلى حكم الكفار من الذل والصغار ~~والسبي والقتل، بما كسبوا بما أظهروا من الارتداد. # وقوله: {أتريدون أن تهدوا من أضل الله ms0402} [النساء: 88] قال ابن عباس: ~~ترشدوا من لم يرشده الله، أي: أتقولون: هؤلاء مهتدون والله قد أضلهم، {ومن ~~يضلل الله فلن تجد له سبيلا} [النساء: 88] طريقا إلى الجنة. # قوله جل جلاله: {ودوا لو تكفرون كما كفروا} [النساء: 89] أي: أنهم يودون ~~لكم الكفر كما فعلوا هم فتكونون أنتم وهو # PageV02P091 # سواء في الكفر، {فلا تتخذوا منهم أولياء} [النساء: 89] أي: لا توالوهم ~~فإنهم أعداء لكم {حتى يهاجروا في سبيل الله} [النساء: 89] حتى يرجعوا إلى ~~النبي صلى الله عليه وسلم ودار الهجرة ثانيا. # فإن تولوا: أعرضوا عن الهجرة وقبول حكم الإسلام، فخذوهم بالأسر، {ولا ~~تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا} [النساء: 89] قال ابن عباس: ولا تستنصروا بهم ~~على عدوكم. # قوله عز وجل: {إلا الذين يصلون إلى قوم} [النساء: 90] الآية، هذا ~~الاستثناء راجع إلى القتل لا إلى الموالاة، لأن موالاة المشركين والمنافقين ~~حرام بكل حال. # ومعنى {يصلون إلى قوم} [النساء: 90] يتصلون بهم، ويدخلون فيما بينهم ~~بالحلف والجوار، قال ابن عباس: يريد: يلجأون إلى قوم {بينكم وبينهم ميثاق} ~~[النساء: 90] وهم: بنو مدلج في قول الحسن، وقال الضحاك: بنو بكر بن زيد ~~مناة، وقال مقاتل: هم خزاعة وجذيمة بن عبد مناف. # وقوله: {أو جاءوكم حصرت صدورهم} [النساء: 90] معنى حصرت: ضاقت، وكل من ~~ضاق صدره بأمر فقد حصر، وهؤلاء الذين وصفوا بضيق الصدر عن القتال هم بنو ~~مدلج، كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد أن لا يقاتلوه، ~~فنهى الله تعالى عن قتال هؤلاء المرتدين إن اتصلوا بأهل عهد المسلمين، إما ~~بحلف أو بجوار، لأن من انضم إلى قوم ذوي عهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ~~فلهم حكمهم في حقن الدم والمال. # وقوله: {أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم} [النساء: 90] كان بنو مدلج قد ~~عاهدوا أن لا يقاتلوا المسلمين، وعاهدوا قريشا أن لا يقاتلوهم أيضا، فهو ~~قوله: {أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم} [النساء: 90] يعني: قريشا. # ثم من الله تعالى على المسلمين بكف بأس المعاهدين فقال: {ولو شاء الله ~~لسلطهم عليكم فلقاتلوكم} [النساء: 90] يعني: إن ضيق صدورهم عن ms0403 قتالكم إنما ~~هو لقذف الله الرعب في قلوبهم. # PageV02P092 # فإن اعتزلوكم أي: اعتزلوا قتالكم {وألقوا إليكم السلم} [النساء: 90] أي: ~~المقادة والاستسلام {فما جعل الله لكم عليهم سبيلا} [النساء: 90] في قتالهم ~~وسفك دمائهم. # {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة ~~أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم ~~واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} [النساء: 91] ~~قوله جل جلاله: ستجدون آخرين: قال ابن عباس: هم بنو عبد الدار. # وقال الكلبي: هم أسد وغطفان. # وقال الحسن: هم قوم من المنافقين كانوا يظهرون الإسلام ليأمنوا المسلمين، ~~ويظهرون لقومهم الموافقة لهم ليأمنوهم. # وهو قوله {يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم} [النساء: 91] ، أطلع الله ~~نبيه على نفاقهم، {كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها} [النساء: 91] كلما ~~ردوا إلى الشرك دخلوا فيه {فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا ~~أيديهم} [النساء: 91] لم يتركوا قتالكم، ولم ينقادوا لكم بعهد أو صلح، ولم ~~يقبضوا أيديهم عن قتالكم، فخذوهم: بالأسر، {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} ~~[النساء: 91] وجدتموهم، {وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} [النساء: ~~91] حجة بينة في قتلهم ولأنه ليس لهم عهد ولا ميثاق. # {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة ~~مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن ~~فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله ~~وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله ~~عليما حكيما {92} ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله ~~عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما {93} } [النساء: 92-93] قوله جل جلاله: ~~{وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا} [النساء: 92] الآية نزلت في عياش بن أبي ~~ربيعة حين قتل # PageV02P093 # الحارث بن زيد، ظنه كافرا، ولم يشعر بإسلامه فقتله. # قال قتادة: {وما كان لمؤمن} [النساء: 92] أي: ما كان له ذلك فيما أتاه ~~الله من ربه وأمر به. # وقوله إلا خطأ جميع أهل النحو ms0404 والمعاني: على أن هذا استثناء منقطع من ~~الأول، على معنى: ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا البتة إلا أن يخطئ المؤمن، ~~فكفارة خطئه ما ذكر من بعد، وصفة قتل الخطأ: هو أن يرمي إلى عرض أو إلى صيد ~~فيخطئ فيصيب إنسانا فيقتله، وكذلك لو قتل رجلا ظنه كافرا، كما ظن عياش بن ~~أبي ربيعة وكان مسلما، كان قتل خطأ. # والواجب فيه الدية والكفارة، وهو قوله: {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة ~~مؤمنة} [النساء: 92] قال المفسرون: هي المصلية المدركة عند عامة الفقهاء، ~~يجوز وإن كانت صغيرة إذا كانا أبواها مسلمين أو أحدهما. # وقوله: {ودية مسلمة إلى أهله} [النساء: 92] يعني: جميع ورثته. # وصفة الدية في قتل الخطأ: أن تكون مخففة، مائة من الإبل: عشرون بنت مخاض، ~~وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة. # وظاهر القرآن أوجب أن تكون الدية على القاتل في الخطأ، غير أن النبي صلى ~~الله عليه وسلم بين أن تكون الدية في # PageV02P094 # الخطأ على العاقلة وهم الأخوة وبنو الأخوة والأعمام وبنو الأعمام. # وقوله: {إلا أن يصدقوا} [النساء: 92] أصله: يتصدقوا، فأدغمت التاء في ~~الصاد ومعنى التصدق: الإعطاء، والمعنى: إلا أن يتصدقوا بالدية فيعفوا ~~ويتركوا الدية فتسقط. # وقوله: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} [النساء: ~~92] يعني: إن كان المقتول خطأ مؤمنا وقومه كفار، فعلى قاتله تحرير رقبة ~~مؤمنة، وليس فيه دية، لأن ورثته كفار فلا يرثونه. # وقوله: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير ~~رقبة مؤمنة} [النساء: 92] هذا في الذمي الذي يقتل خطأ، فيجب فيه الدية ~~والكفارة. # قال ابن عباس: هذا الرجل يكون معاهدا ويكون قومه أهل عهد، فتسلم إليهم ~~دية ويعتق الذي أصابه رقبة. # وقوله: {فمن لم يجد} [النساء: 92] يعني: الرقبة أو ثمنها، {فصيام شهرين ~~متتابعين} [النساء: 92] أي: فعليه ذلك بدلا عن الرقبة، والتتابع واجب، حتى ~~لو أفطر يوما استأنف. # وقوله: {توبة من الله} [النساء: 92] أي: اعملوا بما أوجبه للتوبة من ~~الله، أي: ليقبل الله توبتكم فيما ms0405 اقترفتموه من ذنوبكم. # قوله عز وجل: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} [النساء: 93] صورة القتل العمد: أن ~~يقصد القتل بالسيف أو غيره من الآلات التي بها يقصد القتل غالبا، جرح أو لم ~~يجرح، كالحجر الثقيل، والحديد الثقيل، وكذلك التخنيق والتغريق والتحريق، ~~وما أشبهها. # والآية نزلت في كافر قتل مؤمنا وهو أن مقيس ابن صبابة كان قد أسلم هو ~~وأخوه هشام، فقتل بنو النجار أخاه # PageV02P095 # هشاما خطأ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيسا ومعه زهير بن عياض ~~الفهري، وكان من المهاجرين من أهل بدر، إلى بني النجار ليدفعوا إلى مقيس ~~قاتل أخيه إن علموه، أو يجمعوا له دية أخيه إن لم يعلموا القاتل، فجمعوا ~~لمقيس دية أخيه، فلما صارت إليه وثب على زهير فقتله وارتد إلى الشرك، وقال ~~في ذلك أبياتا منها: # فأدركت ثأري واضطجعت مؤسرا ... وكنت إلى الأوثان أول راجع # وقوله: {فجزاؤه جهنم خالدا فيها} [النساء: 93] إلى آخر الآية، وعيد شديد ~~لمن قتل مؤمنا متعمدا حرم الله به قتله، وحظر به سفك دمه، وقد وردت في قتل ~~المؤمن أخبار شداد. ### | 242 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا عبد الرحمن بن ~~محمد الرازي، حدثنا سهل بن عثمان العسكري، حدثنا عبيدة، عن عمار الدهني، عن ~~سالم بن أبي الجعد، قال: كنت عند ابن عباس فسأله رجل فقال: رجل قتل مؤمنا ~~متعمدا، فقال ابن عباس: جزاؤه جهنم خالدا فيها إلى آخر الآية، قال: فإن تاب ~~وآمن وعمل صالحا، فقال ابن عباس: وأنى له التوبة وقد سمعت نبيكم صلى الله ~~عليه وسلم يقول: " ويح له قاتل المؤمن، يجيء يوم القيامة حامل رأسه بيمينه ~~أو بيساره، وفي يده الأخرى قاتله، يقول: يا رب هذا قتلني " فوالذي نفسي ~~بيده لقد نزلت على نبيكم فما نسخت حتى قبض، يعني: هذه الآية {ومن يقتل ~~مؤمنا متعمدا} [النساء: 93] # PageV02P096 ### | 243 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري، أخبرنا يحيى ~~بن ساسويه، حدثنا سويد بن نصر، أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن سالم ~~التيمي، عن حميد، عن ms0406 أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أبى الله أن ~~يجعل لقاتل المؤمن توبة» ### | 244 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا أحمد ~~بن الحسن بن عبد الجبار، أخبرنا # PageV02P097 # الحكم بن موسى، حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن إبراهيم بن ~~المهاجر، عن إسماعيل مولى عبد الله بن عمرو، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لقتل المؤمن أعظم عند الله ~~من زوال الدنيا» ومذهب أهل السنة: أن قاتل المؤمن عمدا له توبة # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو عمرو بن نجيد، ~~أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، ~~حدثنا هشام بن حسان، قال: كنا عند محمد بن سيرين، فقال له رجل من القوم: ~~{ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} [النساء: 93] حتى ختم الآية، فقال ~~محمد: أين أنت من هذه الآية: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ~~لمن يشاء} [النساء: 116] . # أخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ، أخبرنا العباس ~~بن حمدان، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الشهيدي، قال: سمعت قريش بن أنس يقول: # PageV02P098 # كنت عند عمرو بن عبيد، فأنشأ يقول: يؤتى بي يوم القيامة فأقام بين يدي ~~الله تعالي، فيقول: قلت: إن القاتل في النار؟ فأقول: أنت قلت، ثم تلا هذه ~~الآية: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} [النساء: 93] حتى فرغ منها، فقلت وما في ~~البيت أصغر مني: أرأيت أن قال لك: فإني قلت: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ~~ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 116] ، من أين علمت أني لا أشاء أن ~~أغفر لهذا؟ قال: فما استطاع أن يرد علي شيئا. # وأما ما روي عن ابن عباس وغيره من السلف، أنهم قالوا: لا توبة للقاتل فإن ~~الأولى لأهل الفتوى سلوك سبيل التغليظ، سيما في القتل، يدل على ذلك ما روي: ~~أن سفيان سئل عن عقوبة ms0407 القاتل، قال: كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا: لا ~~توبة له، وإذا ابتلي الرجل قالوا له: تب. ### | 245 - # أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد العزيز المروزي، فيما أذن لي روايته عنه، ~~قال: أخبرنا محمد بن الحسين، أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا إسحاق بن ~~إبراهيم، أخبرنا أبو داود الحفري، حدثنا سفيان، عن أبي سعيد، عن عطاء، عن ~~ابن عباس، أن رجلا سأله: ألقاتل المؤمن توبة؟ فقال: لا، وسأله آخر: ألقاتل ~~المؤمن توبة؟ فقال: نعم، فقيل له: قلت لذلك: لا توبة لك، ولذلك: لك توبة، ~~قال: جاءني ذلك ولم يكن قتل، فقلت: لا توبة لك لكي لا يقتل، وجاءني هذا وقد ~~قتل، فقلت: لك توبة لكي لا يلقي بيده إلى التهلكة # فأما تأويل قوله تعالى: فجزاؤه جهنم، فقد روي مرفوعا عن النبي صلى الله ~~عليه وسلم أنه قال: «هو جزاؤه أن جازاه» . # PageV02P099 # وروى عاصم بن أبي النجود، عن ابن عباس في قوله: فجزاؤه جهنم قال: هي ~~جزاؤه، فإن شاء عذبه، وإن شاء غفر له. # وبهذا قال عون بن عبد الله، وبكر بن عبد الله، وأبو صالح: وقد يقول ~~الإنسان لمن يزجره عن أمر: إن فعلته فجزاؤك القتل والضرب، ثم إن لم يجازه ~~بذلك لم يكن ذلك منه كذبا. # والأصل في هذا: أن الله تعالى يجوز أن يخلف الوعيد، وإن كان لا يجوز أن ~~يخلف الوعد، بهذا وردت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما: ### | 246 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الأصبهاني، أخبرنا عبد الله بن محمد ~~الأصبهاني، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، وأبو حفص السلمي، وأبو يعلى ~~الموصلي، قالوا: حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا سهيل بن أبي حزم، حدثنا ثابت ~~البناني، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من وعده ~~الله على عمله ثوابا فهو منجزه له، ومن أوعده على عمله عقابا فهو بالخيار» # أخبرنا أبو بكر، أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد بن حمزة، حدثنا أحمد بن ~~الخليل، حدثنا الأصمعي، قال: جاء عمرو بن عبيد إلى ms0408 أبي عمرو بن العلاء، ~~فقال: يا أبا عمرو، يخلف الله ما وعد؟ قال: لا. # قال: # PageV02P100 # أفرأيت من أوعده الله على عمل عقابا، أيخلف الله وعده فيه؟ فقال أبو عمرو ~~بن العلاء من العجمة: أتيت يا أبا عثمان؟ إن الوعد غير الوعيد، إن العرب لا ~~تعد عارا ولا خلفا أن تعد شرا ثم لا تفعله، ترى ذلك كرما وفضلا، وإنما ~~الخلف أن تعد خيرا ثم لا تفعله. # قال: فأوجدني هذا في العرب. # قال: أما سمعت قول الأول: # وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف ايعادي ومنجز موعدي # والذي ذكره أبو عمرو بن العلاء رحمه الله مذهب الكرام، ويستحسن عند كل ~~أحد خلف الوعيد كما قال السري الموصلي: # إذا وعد السر أنجز وعده ... وإن أوعد الشر فالعفو مانعه # وأحسن يحيى بن معاذ في هذا الفصل حيث قال: الوعد والوعيد حق، فالوعد حق ~~العباد على الله، ضمن لهم إذا فعلوا كذا أن يعطيهم كذا، ومن أولى بالوفاء ~~من الله؟ والوعيد حقه على العباد، قال: لا تفعلوا كذا فأعذبكم ففعلوا فإن ~~شاء عفا وإن شاء أخذ، لأنه حقه، وأولاهما بربنا الكرم والعفو إنه غفور ~~رحيم. # {يأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى ~~إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة ~~كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا} ~~[النساء: 94] قوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله} ~~[النساء: 94] أي: سرتم وغزوتم، نزلت في أسامة بن زيد وأصحابه، بعثهم رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم سرية، فلقوا رجلا كان قد انحاز بغنم له إلى جبل، ~~وكان قد أسلم، فقال لهم: السلام عليكم، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ~~فبدر إليه أسامة فقتله واستاقوا غنمه. # PageV02P101 # قوله: {فتبينوا} [النساء: 94] يقال: تبينت الأمر، أي: تأملته وتثبت فيه، ~~ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن التبين من الله، والعجلة من ~~الشيطان، فتبينوا» . # وقرئ فتثبتوا، والمعنيان متقاربان. # {ولا تقولوا لمن ms0409 ألقى إليكم السلام} [النساء: 94] أي: لا تقولوا لمن ~~حياكم بهذه التحية: لست مؤمنا، فتقتلوه وتأخذوا ماله. # ومن قرأ السلم أراد الانقياد والاستسلام للمسلمين، ومنه قوله: {وألقوا ~~إلى الله يومئذ السلم} [النحل: 87] أي: استسلموا لأمره، وقوله: {تبتغون عرض ~~الحياة الدنيا} [النساء: 94] جميع متاع الدنيا عرض، يقال: إن الدنيا حاضر. # قال ابن عباس: يعني الغنائم، {فعند الله مغانم كثيرة} [النساء: 94] يعني: ~~ثوابا كثيرا لمن ترك قتل من ألقى إليه السلام، {كذلك كنتم من قبل فمن الله ~~عليكم} [النساء: 94] قال سعيد بن جبير: كنتم تكتمون إيمانكم في المشركين، ~~فمن الله عليكم بإظهار الإسلام. # وقال قتادة: كنتم ضلالا فمن الله عليكم بالإسلام وهداكم له. # ثم أعاد الأمر بالتبين، فقال: {فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا} ~~[النساء: 94] قال عطية العوفي: هو خبير أنكم قتلتموه على ماله. # قال ابن عباس: ثم استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد ~~وأمره أن يعتق رقبة. # PageV02P102 # {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله ~~بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ~~وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما {95} ~~درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما {96} } [النساء: 95-96] قوله ~~عز وجل: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} [النساء: 95] ~~الضرر: النقصان وهو كل ما يضرك وينقصك من عمى ومرض وعلة. # قال زيد بن ثابت: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت عليه: «لا ~~يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله» ، ولم يذكر {غير أولي ~~الضرر} [النساء: 95] ، فقال ابن أم مكتوم: فكيف وأنا أعمى، لا أبصر؟ فتغشى ~~النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، ثم سري عنه فقال: اكتب: {لا يستوي ~~القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} [النساء: 95] ، فكتبتها. # وقرئ: غير رفعا ونصبا، فمن رفع فهو صفة للقاعدين، والمعنى: لا يستوي ~~القاعدون الذين هم غير أولي الضرر، أي: لا يستوي القاعدون من الأصحاء ~~والمجاهدون وإن كانوا كلهم مؤمنين. # ومن نصب غير جعله استثناء من ms0410 القاعدين، يعني: لا يستوي القاعدون إلا أولو ~~الضرر، وهذا الوجه اختيار الأخفش، قال: لأنه استثني بها قوم لم يقدروا على ~~الخروج، وهو أيضا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فيما: ### | 247 - # أخبرنا أحمد بن عبيد الله المخلدي، أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ، ~~حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا أبو عمر الدوري، حدثنا علي بن حمزة ~~الكسائي، حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن أبيه، # PageV02P103 # أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {غير أولي الضرر} [النساء: 95] نصبا # وقوله: {والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم} [النساء: 95] عطف على ~~قوله: القاعدون والمعنى: ليس المؤمنون القاعدون عن الجهاد من غير عذر ~~والمؤمنون المجاهدون سواء، إلا أولي الضرر، فإنهم يساوون المجاهدين، لأن ~~الضرر أقعدهم عن الجهاد. # وقوله: {فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين} [النساء: 95] ~~يعني من أهل العذر درجة، وذلك أن المجاهدين مباشرون للطاعة فلهم فضيلة على ~~القاعدين من أهل العذر، وإن كانوا هم على نية الجهاد وقصده. # وقوله: {وكلا وعد الله الحسنى} [النساء: 95] قال مقاتل: يعني المجاهد ~~والقاعد، المقدور، والحسنى: الجنة. # قوله: {وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما} [النساء: 95] يعني: ~~القاعدين من غير عذر، والمجاهدون مفضلون عليهم بدرجات، قال ابن محيريز: هي ~~سبعون درجة، ما بين كل درجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين خريفا. ### | 248 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، ~~أخبرنا إبراهيم بن علي الذهلي، حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا المغيرة بن عبد ~~الرحمن الحزامي، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى ~~الله عليه وسلم قال: «تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرج من بيته إلا ~~جهادا في سبيله، وتصديق كلمته بأن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي ~~خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة» ، رواه مسلم، عن يحيى بن يحيى # قوله: درجات منه يعني: منازل بعضها أعلى من بعض من منازل الكرامة، قال ~~السدي: فضلوا بسبع مائة درجة. # PageV02P104 # وروى أبو هريرة، أن ms0411 النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة مائة ~~درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، بين الدرجتين كما بين السماء والأرض» ~~. # وقوله {وكان الله غفورا رحيما} [النساء: 96] يريد: للفريقين جميعا، ~~للمجاهدين والقاعدين. # {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا ~~مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك ~~مأواهم جهنم وساءت مصيرا {97} إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ~~لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا {98} فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان ~~الله عفوا غفورا {99} ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا ~~وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره ~~على الله وكان الله غفورا رحيما {100} } قوله عز وجل: {إن الذين توفاهم ~~الملائكة} [النساء: 97] قال الفراء: إن شئت جعلت: توفاهم ماضيا، وإن شئت ~~كان على الاستقبال، يريد: تتوفاهم، فحذفت إحدى التاءين. # وقوله: {ظالمي أنفسهم} [النساء: 97] أي: بالمقام في دار الشرك، نزلت ~~الآية في قوم كانوا قد أسلموا ولم يهاجروا، حتى خرج المشركون إلى بدر ~~فخرجوا معهم فقتلوا يوم بدر، فضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم، وقالوا لهم: ~~ما ذكر الله سبحانه وهو قوله: {قالوا فيم كنتم} [النساء: 97] أي: أكنتم في ~~المشركين أم في المسلمين؟ وهذا سؤال توبيخ وتعيير. # فاعتذروا بالضعف عن مقاومة أهل الشرك وهو قوله: {قالوا كنا مستضعفين في ~~الأرض} [النساء: 97] يعني: أرض مكة، فحاجتهم الملائكة بالهجرة عن دارهم، ~~وهو قوله: {قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} [النساء: 97] ~~يعني: المهاجرة إلى المدينة مع المسلمين، وذلك أن الله تعالى لم يرض بإسلام ~~أهل مكة حتى يهاجروا، ولذلك قال: {فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} ~~[النساء: 97] ، وذلك أنهم خرجوا مع المشركين يكثرون سوادهم فقتلوا معهم. # ثم ذكر أهل العذر في التخلف عن الجهاد فقال: { # PageV02P105 # إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} [النساء: 98] يريد: الذين ~~أقعدهم عن الهجرة الضعف، وقال ابن عباس: هم ناس من المسلمين كانوا بمكة لا ~~يستطيعون أن يخرجوا منها فيهاجروا، فعذرهم الله، فهم ms0412 أولئك. # قال: كنت أنا وأمي ممن عذر الله. # وقوله: {لا يستطيعون حيلة} [النساء: 98] أي: لا يقدرون على حيلة في ~~الخروج من مكة، ولا على نفقة، ولا قوة، {ولا يهتدون سبيلا} [النساء: 98] لا ~~يعرفون طريقا إلى المدينة دار الهجرة. # {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم} [النساء: 99] الآية، قال الزجاج: أعلم ~~الله أن هؤلاء راجون العفو كما يرجو المؤمنون. # وعسى كلمة ترجي، وما أمر الله أن يرجى من رحمته فمنزلة الواقع، وكذلك ~~الظن بأرحم الراحمين. # قوله: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا} [النساء: 100] ~~قال الزجاج: المعنى: يجد في الأرض مهاجرا، لأن المهاجر لقومه والمراغم ~~بمنزلة واحدة وإن اختلف اللفظان، وهو مأخوذ من الرغام وهو التراب، يقال: ~~راغمت فلانا أي: هجرته وعاديته ولم أبال رغم أنفه، وإن لصق أنفه بالتراب. # وقال أبو عمرو بن العلاء في قوله: مراغما: الخروج عن العدو برغم أنفه. # وقال ابن قتيبة: المراغمة والمهاجرة واحدة، يقال: راغمت وهاجرت. # وذلك أن الرجل كان إذا أسلم خرج عن قومه مراغما، أي: مغاضبا لهم، فقيل ~~للمذهب: مراغم. # قال ابن عباس في رواية الوالبي: منحولا من أرض إلى أرض. # وقال مجاهد: متزحزحا عما يكره. # وقال ابن زيد: مهاجرا. # وقوله: وسعة أي: من الرزق، وقال قتادة: وسعة من العيلة إلى الغنى. # PageV02P106 # وقال أهل المعنى: وسعة في إظهار الدين، وذلك أن المشركين كانوا قد ضيقوا ~~عليهم في أمر دينهم حتى منعوهم من إظهاره. # قوله عز وجل: {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله} [النساء: 100] ~~الآية، قال ابن عباس في رواية عطاء: كان عبد الرحمن بن عوف يخبر أهل مكة ~~بما ينزل فيهم من القرآن، فكتب بالآية التي نزلت: {إن الذين توفاهم ~~الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97] فلما قرأها المسلمون قال ضمرة بن جندب ~~الليث لبنيه، وكان شيخا كبيرا: احملوني فإني لست من المستضعفين، وإني ~~لأهتدي إلى الطريق، فحملوه على سرير متوجها إلى المدينة، فلما بلغ التنعيم ~~أشرف على الموت، فصفق بيمينه على شماله، وقال: اللهم هذه لك وهذه لرسولك، ~~أبايعك على ms0413 ما بايعك به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمات حميدا، فبلغ ~~خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لو وافى المدينة لكان ~~أتم أجرا. # فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية. # وهذا قول جماعة المفسرين. # ومعنى {وقع أجره على الله} [النساء: 100] وجب ثوابه، والمؤمن إذا قصد ~~طاعة ثم أعجزه العذر عن إتمامها، كتب الله له ثواب تمام تلك الطاعة، وهذا ~~معنى قوله: {ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} [النساء: 100] . # {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن ~~يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا {101} وإذا كنت فيهم ~~فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا ~~فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم ~~وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة ~~واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم ~~وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا {102} فإذا قضيتم الصلاة ~~فاذكروا # PageV02P107 # الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة ~~كانت على المؤمنين كتابا موقوتا {103} } [النساء: 101-103] قوله جل جلاله: ~~{وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} [النساء: 101] ~~الآية، يقال: قصر الصلاة وأقصرها وقصرها، كل ذلك جائز. # وفرض المسافر أربع، إلا إن رخص له في القصر، إن شاء أخذ بالرخصة، وإن شاء ~~أتم على أصل الفرض لأن الله تعالى قال {فليس عليكم جناح أن تقصروا} ~~[النساء: 101] ، وهذا اللفظ للإباحة، لا للإيجاب. # وقوله: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} [النساء: 101] قال ابن عباس: ~~يريد: أن يقتلكم، ومثل هذا قوله: {على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم} ~~[يونس: 83] أي: يقتلهم. # وظاهر قوله: إن خفتم يوجب أن القصر لا يجوز إلا عند الخوف، وليس الأمر ~~على ذلك، فإن القصر مباح في السفر عند الأمن، ولكن الآية نزلت على غالب ~~أسفار النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثرها لم ms0414 تخل عن خوف العدو، والقصر في ~~الأمن جائز. ### | 249 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، حدثنا محمد بن يعقوب المعقلي، أخبرنا ~~الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن ~~ابن جريج، قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، عن عبد الله بن ~~أمية، قال: قلت لعمر بن الخطاب: فيم إقصار الناس للصلاة اليوم، وإنما قال ~~الله {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} [النساء: 101] ، وقد ذهب ذلك اليوم؟ ~~فقال: عجبت منه فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صدقة تصدق ~~الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» ### | 250 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أخبرنا أبو النصر محمد بن محمد بن ~~يوسف، حدثنا الفضل بن # PageV02P108 # عبد الله بن مسعود اليشكري، حدثنا مالك بن سليمان الهروي، حدثنا يزيد بن ~~إبراهيم التستري، عن محمد ابن سيرين، عن ابن عباس، قال: «سافر رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة لا يخاف إلا الله يصلي ركعتين» # قوله عز وجل {وإذا كنت فيهم} [النساء: 102] الآية: ### | 251 - # أخبرنا الأستاذ أبو عثمان سعيد بن محمد المقرئ، قراءة عليه في داره ~~بالحيرة سنة خمس وعشرين وأربع مائة، حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن ~~علي بن زياد السمندي، سنة ثلاث وستين، أخبرنا المفضل بن محمد الجندي، بمكة ~~في المسجد الحرام سنة أربع وثلاث مائة، أخبرنا علي بن زياد اللحجي، حدثنا ~~أبو قرة موسى بن طارق، قال: ذكر سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: حدثنا أبو ~~عياش الزرقي، قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، فقال ~~المشركون: قد كانوا على حال، لو كنا أصبنا منهم غرة، فقالوا: تأتي عليهم ~~صلاة هي أحب إليهم من آبائهم، فقال: وهي العصر، قال: فنزل جبريل بهؤلاء ~~الآيات بين الأولى والعصر {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة ~~منهم معك} [النساء: 102] وهم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد # PageV02P109 # قال الزجاج: الهاء والميم في: فيهم يعودان على المؤمنين أي: وإذا كنت ~~أيها النبي مع المؤمنين في ms0415 غزواتهم وخوفهم، {فأقمت لهم الصلاة} [النساء: ~~102] أي: أقمتها، وإقامة الصلاة: الابتداء في تأديتها {فلتقم طائفة منهم ~~معك} [النساء: 102] أي: فلتقف، يقال: قام الرجل إذا وقف، ومنه قوله: {وإذا ~~أظلم عليهم قاموا} [البقرة: 20] أي: وقفوا، قال ابن عباس: تصفهم يصلون معك. # وليأخذوا أسلحتهم أي: وليأخذ الباقون أسلحتهم، فإذا سجدوا أي: فإذا سجدت ~~الطائفة التي قامت معك، {فليكونوا من ورائكم} [النساء: 102] أي: الذين ~~أمروا بأخذ السلاح. # قوله: {ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك} [النساء: 102] قال ابن ~~عباس: يريد: الذين كانوا من ورائهم من لم يكونوا صلوا فليصلوا معك، ~~وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، يريد: الذين صلوا أولا. # {ود الذين كفروا لو تغفلون} [النساء: 102] أي: يتمنى الكفار لو كنتم ~~مشتغلين كلكم بالصلاة غافلين {عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة ~~واحدة} [النساء: 102] فيقصدونكم بالقتال، {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى ~~من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم} [النساء: 102] قال ابن عباس: يريد: ~~ثقل السلاح على المريض وفي المطرة، فرخص لهم في وضع الأسلحة. # وقوله: وخذوا حذركم أي: راعوا العدو وراقبوهم بقلوبكم كيلا يغفلون. # قوله جل جلاله: {فإذا قضيتم الصلاة} [النساء: 103] يعني: صلاة الخوف، ~~{فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم} [النساء: 103] يعني: المرضى الذين ~~لا يستطيعون الجلوس فإذا اطمأننتم أي: في بلادكم وزالت حركة السفر، فأقيموا ~~الصلاة: فأتموها {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء: 103] ~~فرضا مؤقتا، قال ابن عباس: فريضة بأوقاتها. # والمراد ههنا: المفعول، يقال وقته بمعنى وقته. # PageV02P110 # {ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ~~وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما} [النساء: 104] قوله جل ~~جلاله: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم} [النساء: 104] لا تضعفوا عن طلب العدو ~~يعني: أبا سفيان وأصحابه، وذلك أنهم لما انصرفوا من أحد أمر الله نبيه صلى ~~الله عليه وسلم أن يسير في آثارهم، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس ~~فاشتكوا ما بهم من الجراحات، فأنزل الله هذه الآية. # وقوله: {إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون} [النساء: 104] ~~والألم ms0416: الوجع وقد ألم الرجل يألم ألما فهو آلم. # وقال قتادة: إن كنتم تتوجعون فإنهم يتوجعون كما تتوجعون، أي: إن ألمتم ~~جراحكم، فهم أيضا في مثل حالكم من ألم الجراح. # {وترجون من الله} [النساء: 104] من الأجر والثواب والنصرة {ما لا يرجون} ~~[النساء: 104] هم وكان الله عليما بخلقه، حكيما فيما حكم لأوليائه بالثواب ~~ولأعدائه بالعقاب. # {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن ~~للخائنين خصيما {105} واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما {106} ولا ~~تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما {107} ~~يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من ~~القول وكان الله بما يعملون محيطا {108} هأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة ~~الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا {109} ومن ~~يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما {110} ومن ~~يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما {111} ومن يكسب ~~خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا {112} } ~~[النساء: 105-112] قوله عز وجل: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق} [النساء: ~~105] نزلت في رجل يقال له طعمة بن أبيرق، سرق درعا # PageV02P111 # فاستودعها يهوديا، فوجدت عنده، فقال: استودعنيها طعمة بن أبيرق، فأنكر ~~وقال: إنما سرقها اليهودي، فاجتمع قوم طعمة وقوم اليهودي، فانطلقوا إلى ~~النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هوى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع طعمة، ~~فنزل قوله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب} [النساء: 105] القرآن، بالحق: ~~لا بالتعدي في الحكم، {لتحكم بين الناس بما أراك الله} [النساء: 105] بما ~~علمك الله، {ولا تكن للخائنين خصيما} [النساء: 105] الخصيم: الذي يخاصمك. # أي: لا تكن مخاصما، ولا دافعا عن خائن، يعني: طعمة وقومه. # واستغفر الله: قال السدي: مما أردت من الجدال عن طعمة، وقال ابن عباس: من ~~همك بقطع اليهودي. # {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم} [النساء: 107] يعني: طعمة ومن عاونه ~~من قومه وهم يعلمون أنه سارق. # والاختيان ms0417 كالخيانة، يقال: خانه واختانه، وقد ذكرنا ذلك عند قوله: {علم ~~الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم} [البقرة: 187] . # ومعنى يختانون أنفسهم: يخونونها بالمعصية، والعاصي خائن لأنه مؤتمن على ~~دينه. # وقد صرحت الآية بالنهي عن المجادلة عن الظالمين، ألا ترى أن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم قد جادل عن طعمة على غير بصيرة فعاتبه الله بهذا، وأمره ~~بالاستغفار، ونهاه عن المعاودة إلى مثله. # فما ظنك بمن يعلم ظلم الظالم ثم يستجيز معاونته؟ وقوله: {إن الله لا يحب ~~من كان خوانا أثيما} [النساء: 107] أي: خائنا فاجرا، وذلك أن طعمة خان في ~~الدرع، وأثم في رميه اليهودي. # قوله جل جلاله: {يستخفون من الناس} [النساء: 108] الاستخفاء: الاستتار، ~~يقال: استخفيت من فلان. # أي: تواريت منه، قال الله تعالى {ومن هو مستخف بالليل} [الرعد: 10] أي: ~~مستتر، والمعنى: يستترون من الناس، يعني: طعمة وقومه كيلا يطلعوا على كذبهم ~~وخيانتهم، ولا يستخفون: ولا يستترون {من الله وهو معهم} [النساء: 108] أي: ~~عالم بما يخفون وما # PageV02P112 # يعلنون، إذ يبيتون: يهيئون ويقدرون {ما لا يرضى} [النساء: 108] ما لا ~~يرضاه الله من القول: وهو أن طعمة قال: أرمي اليهودي بأنه سارق الدرع، ~~وأحلف أني لم أسرقها، فتقبل يميني، لأني على دينهم ولا تقبل يمين اليهودي. # {وكان الله بما يعملون محيطا} [النساء: 108] أحاط بسرائرهم. # ثم خاطب قوم طعمة، فقال: {هأنتم هؤلاء جادلتم} [النساء: 109] خاصمتم ~~عنهم: عن طعمة وقومه، يعني: جماعة من الأنصار من قرابة طعمة جادلوا عنه عن ~~قومه، {فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة} [النساء: 109] أي: لا أحد يفعل ~~ذلك {أم من يكون عليهم وكيلا} [النساء: 109] أي: لا يكون عليهم يوم القيامة ~~وكيل يقوم بأمرهم ويخاصم عنهم. # ثم عرض التوبة على طعمة بقوله: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر ~~الله} [النساء: 110] الآية. ### | 252 - # أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي بن عبدش، أخبرنا الحسين بن علي ~~الدارمي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن نصر بن سندويه، حدثنا إبراهيم بن راشد، ~~حدثنا داود بن مهران، حدثني عمر بن يزيد الفأفاء، عن أبي إسحاق ms0418، عن عبد ~~خير، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: رأيته على المنبر يعني عليا ~~وهو يقول: سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه وهو الصدوق يقول: سمعت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد أذنب ذنبا فقام فتوضأ فأحسن ~~الوضوء، ثم قام يصلي فاستغفر الله إلا كان حقا على الله أن يغفر له» . # ينادي على المنبر: صدق أبو بكر، صدق أبو بكر، ذلك بأن الله قال {ومن يعمل ~~سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} [النساء: 110] # قوله جل جلاله: {ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه} [النساء: 111] أي: ~~إنما ضر بما فعل نفسه، لأنه لا يؤخذ غير الآثم # PageV02P113 # بإثمه، {وكان الله عليما} [النساء: 111] بالسارق، حكيما: حكم بالقطع على ~~طعمة في السرقة. # قوله تعالى: {ومن يكسب خطيئة} [النساء: 112] قال الكلبي: لما نزلت هذه ~~الآيات عرف قوم طعمة أنه الظالم فأقبلوا عليه، وقالوا: بؤ بالذنب، واتق ~~الله، فقال: لا والذي يحلف به ما سرقها إلا اليهودي، فأنزل الله تعالى: ~~{ومن يكسب خطيئة} [النساء: 112] ، يقول: بيمينه الكاذبة، أو إثما: يعني ~~سرقه الدرع ورميه بها اليهودي، {فقد احتمل بهتانا} [النساء: 112] برميه ~~اليهودي البرئ، وإثما مبينا يعني: يمينه الكاذبة. # {ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا ~~أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن ~~تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} [النساء: 113] قوله جل جلاله: {ولولا فضل ~~الله عليك ورحمته} [النساء: 113] قال ابن عباس: بالنبوة والعصمة. # لهمت: قال الفراء، والزجاج: المعنى: لقد همت. # {طائفة منهم أن يضلوك} [النساء: 113] يخطئوك في الحكم، وذلك: أنهم سألوا ~~النبي صلى الله عليه وسلم أن يجادل عن طعمة ويرمي بسرقته اليهودي. # {وما يضلون إلا أنفسهم} [النساء: 113] لأنهم يعملون عمل الضالين بتعاونهم ~~على الإثم والعدوان، وشهادتهم بالزور والبهتان، {وما يضرونك من شيء} ~~[النساء: 113] لأن الضرر على من شهد بغير حق، ثم ذكر منته عليه، فقال: ~~{وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة ms0419} [النساء: 113] قال الزجاج: بين لك في ~~كتابه ما فيه الحكمة التي لا يقع معها ضلال، {وعلمك ما لم تكن تعلم} ~~[النساء: 113] يعني: من أحكام الدين {وكان فضل الله عليك} [النساء: 113] ~~بالنبوة والعصمة عظيما. # {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ~~ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما {114} ومن يشاقق ~~الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ~~ونصله جهنم وساءت مصيرا {115} إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ~~لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا {116} إن يدعون من دونه إلا ~~إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا {117} لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك ~~نصيبا مفروضا {118} ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ~~ولآمرنهم # PageV02P114 # فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا ~~مبينا {119} يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا {120} أولئك مأواهم ~~جهنم ولا يجدون عنها محيصا {121} والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم ~~جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من ~~الله قيلا {122} ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ~~ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا {123} ومن يعمل من الصالحات من ذكر ~~أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا {124} ومن أحسن ~~دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله ~~إبراهيم خليلا {125} ولله ما في السموات وما في الأرض وكان الله بكل شيء ~~محيطا {126} } [النساء: 114-126] قوله عز وجل: {لا خير في كثير من نجواهم} ~~[النساء: 114] النجوى سر بين اثنين، ومنه قوله: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا ~~هو رابعهم} [المجادلة: 7] ، قال مجاهد: هذه الآية عامة بين الناس. # يريد: أنه لا خير فيما يتناجى فيه الناس ويخوضون فيه من الحديث، إلا ما ~~كان من أعمال الخير، وهو قوله: {إلا من أمر بصدقة} [النساء: 114] قال أبو ~~عبيدة ms0420: إلا في نجوى من أمر بصدقة، ثم حذف المضاف. # أو معروف: قال ابن عباس: بصلة رحم، أو بطاعة لله، ويقال لأعمال البر ~~كلها: معروف. # لأن العقول تعرفها. # وقوله: {أو إصلاح بين الناس} [النساء: 114] هذا مما حث عليه رسول الله، ~~فقال لأبي أيوب الأنصاري: " ألا أدلك على صدقة هي خير لك من حمر النعم؟ ~~قال: نعم يا رسول الله. # قال: تصلح بين الناس إذا تفاسدوا وتقرب بينهم # PageV02P115 # إذا تباعدوا ". # وروت أم حبيبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلام ابن آدم كله عليه ~~لا له، إلا ما كان من أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر لله» . # وروي أن رجلا قال لسفيان: ما أشد هذا الحديث، فقال سفيان: ألم تسمع قول ~~الله: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة} [النساء: 114] ، فهذا ~~هو بعينه. # ثم أعلم الله أن ذلك إنما ينفع من ابتغى ما عند الله، فقال: {ومن يفعل ~~ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} [النساء: 114] ثوابا لا حد ~~له. # قوله جل جلاله: {ومن يشاقق الرسول} [النساء: 115] الآية، قال ابن عباس: ~~ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على طعمة بالقطع، فهرب ولحق ~~بالمشركين، فنزل قوله: {ومن يشاقق الرسول} [النساء: 115] أي: خالفه، {من ~~بعد ما تبين له الهدى} [النساء: 115] ظهر له أن دين الله الإسلام، وأن ما ~~أتى به محمد صلى الله عليه وسلم حق وصدق، {ويتبع غير سبيل المؤمنين} ~~[النساء: 115] غير دين الموحدين. # وذلك أن طعمة ترك دين الإسلام، وخالف المسلمين، {نوله ما تولى} [النساء: ~~115] ندعه وما اختار لنفسه، ونصله جهنم: ندخله إياها، وساءت مصيرا: ساءت ~~جهنم موضعا يصار إليه. # قوله عز وجل: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} [النساء: 116] مضى الكلام في ~~هذه الآية في هذه ال { [. # PageV02P116 # قوله جل جلاله:] إن يدعون من دونه} [سورة النساء: 117] قال ابن عباس: ~~يعني عبادتهم الأوثان: اللات والعزى ومناة وأشباهها من الآلهة التي كانوا ~~يعبدونها. # وقال الحسن: لم يكن حي من أحياء العرب إلا ولهم ms0421 صنم يعبدونه فيسمونه: ~~أنثى بني فلان، فأنزل الله إلا إناثا. # وقال مقاتل، وقتادة، والضحاك: إلا إناثا: إلا مواتا لا روح فيه. # وقوله: {وإن يدعون إلا شيطانا مريدا} [النساء: 117] أي: ما يعبدون ~~بعبادتهم لها إلا شيطانا مريدا بطاعتهم له في عبادتها، فتلك العبادة إذا ~~ليست للأوثان بل هي للشيطان. # قال الزجاج: يعني بالشيطان ههنا: إبليس وهم إذا أطاعوه فيما سول لهم فقد ~~عبدوه، والمريد: الخبيث الشرير، وشيطان مريد ومارد واحد، قال الزجاج: ومعنى ~~مريد: خارج عن الطاعة. # وقوله: لعنه الله قال ابن عباس: دحره الله وأخرجه من الجنة، وقال يعني: ~~إبليس {لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا} [النساء: 118] قال ابن عباس: يعني من ~~اتبعه وأطاعه. # وقال الكلبي نصيبا مفروضا: معلوما. # وكل من أطاع إبليس فيما يزينه له فهو من نصيبه المفروض. # قوله تعالى: ولأضلنهم: قال ابن عباس: عن سبيل الهدى وطرق الحق. # وإضلاله وسواس ودعاء إلى الباطل، ولو كان إليه شيء من الضلالة سوى الدعاء ~~إليها لأضل جميع الخلق، ولكنه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلق ~~إبليس مزينا وليس إليه من الضلالة شيء» . # يعني: إنه يزين للناس الباطل وركوب الشهوات ولا يخلق لهم الضلالة. # PageV02P117 # وقوله: ولأمنينهم: التمنية: تسهيل سبيل إدراك المنية وهو ما يتمناه ~~الإنسان، والشيطان يمني الإنسان بأن يخيل إليه إدراك ما يتمناه من المال ~~وطول العمر. # قال ابن عباس: يريد تسويف التوبة وتأخيرها. # وقال الكلبي: ولأمنيهم أنه لا جنة ولا نار ولا بعث. # وقال الزجاج: أجمع لهم مع الإضلال أن أوهمهم أنهم ينالون من الآخرة حظا. # وقوله: {ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام} [النساء: 119] البتك: القطع، ~~والتبتيك: التقطيع، وهو في هذا الموضع: قطع آذان البحيرة عند جميع أهل ~~التفسير. # وقوله: {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} [النساء: 119] قال ابن عباس: يريد ~~دين الله. # وهو قول مجاهد، والحسن، والضحاك، وقتادة، والسدي، وسعيد بن المسيب، وسعيد ~~بن جبير، ومعنى تغيير دين الله: تبديل الحرام حلالا، والحلال حراما، ومن ~~ارتكب محظورا أو أتى منهيا فقد غير دين الله. # {ومن يتخذ الشيطان وليا من دون ms0422 الله} [النساء: 119] من يطعه فيما يدعوه ~~إليه من الضلال {فقد خسر خسرانا مبينا} [النساء: 119] خسر الجنة ونعيمها. # قوله جل جلاله: يعدهم ويمنيهم: معنى وعد الشيطان وتمنيته: ما يصل إلى قلب ~~الإنسان من نحو ما يجده من: أنه سيطول عمرك، وتنال من الدنيا لذتك، وتعلو ~~على أعدائك، وكل هذا غرور وتمنية، وستهجم عن قريب على الأجل، وقد أبطل أيام ~~عمره في رجاء ما لم يدرك منه شيئا، فالعاقل من لم يعرج على هذا، وجد في ~~الطاعة، وعلم أنه سينقطع عن الدنيا قريبا، وصدق الله في قوله: {وما يعدهم ~~الشيطان إلا غرورا} [النساء: 120] أي: إلا ما يغرهم بإيهام النفع فيما فيه ~~الضر. # قوله تعالى: أولئك يعني: الذين اتخذوا الشيطان وليا مأواهم جهنم: مرجعهم ~~ومصيرهم إليها {ولا يجدون عنها محيصا} [النساء: 121] يقال: حاص عن الأمر. # إذا عدل عنه، والمعنى: أنهم لا بد لهم من ورودها والخلود فيها فلا معدل ~~لهم عنها. # PageV02P118 # قوله عز وجل: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} [النساء: 122] ظاهر إلى ~~قوله {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب} [النساء: 123] أكثر المفسرين: ~~على أن هذا في المسلمين وأهل الكتاب، وذلك أن المسلمين قالوا: نحن أهدى ~~منكم. # وقال أهل الكتاب: نحن أهدى منكم. # فأنزل الله هذه الآية، يقول: ليس ثواب الله بالأمنية {من يعمل سوءا يجز ~~به} [النساء: 123] . # قال الحسن: هذا في الكفار خاصة لأنهم يجازون بالعقاب على الصغير والكبير، ~~والمؤمن يجازى بأحسن عمله، ويتجاوز عن سيئاته، ثم قرأ: {ليكفر الله عنهم ~~أسوأ الذي عملوا} [الزمر: 35] الآية. # وقال آخرون: هذا عام في كل من عمل سوءا من مسلم وكافر، ولكن المؤمن يجزى ~~به في الدنيا. ### | 253 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الزمجاري، وأخبرنا محمد بن أحمد بن ~~يعقوب المفيد، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن السقطي، حدثنا يزيد بن هارون، ~~أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي، عن أبي بكر ~~الصديق، قال: قلت: كيف الصلاح يا رسول الله بعد هذه الآية {من يعمل سوءا ~~يجز به} [النساء: 123] فقال: " غفر الله ms0423 لك يا أبا بكر، ألست تمرض؟ ألست ~~تنصب؟ ألست تصيبك اللأواء؟ قلت: بلى، قال: فذلك ما تجزون " ### | 254 - # أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد الواعظ، أخبرنا أبو صالح البيهقي، حدثنا ~~مكي بن عبدان، حدثنا أبو الأزهري، حدثنا روح، حدثنا إبراهيم بن يزيد، حدثنا ~~عبد الله بن إبراهيم، قال: سمعت أبا هريرة يقول: لما نزلت {ليس بأمانيكم ~~ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به} [النساء: 123] بكينا وحزنا، ~~وقلنا: يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء، قال: «أما والذي نفسي بيده ~~إنها لكما أنزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا، إنه لا يصيب أحدا منكم مصيبة ~~إلا كفر الله تعالى بها خطيئة، حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه» # PageV02P119 ### | 255 - # أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا بحر بن نصر، ~~حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن عبيد بن عمير، ~~عن عائشة رضي الله عنها، أن رجلا تلا هذه الآية {من يعمل سوءا يجز به} ~~[النساء: 123] فقال: أنا لنجزى بما عملنا هلكنا، فبلغ ذلك رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فقال: «نعم يجزى به في الدنيا بمصيبة في جسده وماله وما ~~يؤذيه» # وقوله: {ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا} [النساء: 123] قال ابن ~~عباس: وليا يمنعه، ولا نصيرا ينصره، وتأويل هذه الآية ظاهر في الكفار، وأما ~~في المسلمين فإنه لا ناصر لأحد في القيامة دون الله تعالى ولا ولي للمسلمين ~~غير الله، وشفاعة الشافعين تكون بإذن الله. # قال قتادة: ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان ~~بقوله: {ومن يعمل من الصالحات} [النساء: 124] الآية، قال المفسرون: بين ~~الله تعالى بهذه الآية فضيلة المؤمنين على غيرهم. # قال مسروق: لما نزل قوله تعالي: {من يعمل سوءا يجز به} [النساء: 123] قال ~~أهل الكتاب للمسلمين: نحن وأنتم سواء، فنزل: {ومن يعمل من الصالحات} ~~[النساء: 124] وما بعده من قوله: {ومن أحسن دينا} [النساء: 125] الآية. # وقوله: {ولا يظلمون نقيرا} [النساء: 124] قال ابن عباس: النقير: النقرة ~~التي ms0424 تكون في ظهر النواة، ينبت الله منها النخلة، يريد: لا ينقصون قدر منبت ~~النواة. # قوله عز وجل: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله} [النساء: 125] يعني: ~~توجه بعبادته إلى الله خاضعا له، وهو محسن: قال ابن عباس: موحد لله لا يشرك ~~به شيئا. # {واتبع ملة إبراهيم حنيفا} [النساء: 125] ملة إبراهيم داخلة في ملتنا # PageV02P120 # وفي ملتنا زيادة عن ملة إبراهيم، فمن اتبع الإسلام فقد اتبع ملة إبراهيم، ~~وذكرنا معنى الحنيف. # وقوله: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} [النساء: 125] قال الزجاج: الخليل: ~~المحب، والمحب الذي ليس في محبته خلل، فجائز أن يكون إبراهيم سمي خليل الله ~~لأنه الذي أحبه الله محبة تامة، وأحب الله هو محبة تامة. # قال: وقيل: الخليل: الفقير، فجائز أن يكون سمي فقيرا لله، أي: الذي يجعل ~~فقره وفاقته إلى الله، والخلة: الحاجة، والخلة: الصداقة. # قال ابن عباس: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} [النساء: 125] صفيا بالرسالة ~~والنبوة. ### | 256 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أخبرنا محمد بن يزيد ~~الجوري، حدثنا إبراهيم بن شريك، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا أبو بكر بن ~~عياش، عن أبي المهلب الكناني، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن ~~القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ~~اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا، وإنه لم يكن نبي إلا وله في أمته ~~خليل، ألا وإن خليلي أبو بكر» ### | 257 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد النضروي، أخبرنا أبو الحسن محمد بن ~~الحسن السراج، أخبرنا محمد # PageV02P121 # بن عبد الله الحضرمي، حدثنا موسى بن إبراهيم المروزي، حدثنا ابن لهيعة، ~~عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~" يا جبريل لم اتخذ الله إبراهيم خليلا؟ قال: لإطعامه الطعام يا محمد " # قوله جل جلاله: {ولله ما في السموات وما في الأرض} [النساء: 126] إخبار ~~عن سعة قدرته، وكثرة مملوكاته ليرغب إليه بالطاعة، {وكان الله بكل شيء ~~محيطا} [النساء: 126] علم إحاطة وهو العلم بالشيء من كل وجه ms0425 حتى لا يشذ عنه ~~شيء. # {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في ~~يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين ~~من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به ~~عليما {127} وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن ~~يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن ~~الله كان بما تعملون خبيرا {128} ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو ~~حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله ~~كان غفورا رحيما {129} وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا ~~حكيما {130} ولله ما في السموات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا ~~الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السموات ~~وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا {131} ولله ما في السموات وما في الأرض ~~وكفى بالله وكيلا {132} إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله ~~على ذلك قديرا {133} من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا ~~والآخرة وكان الله سميعا بصيرا {134} يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين ~~بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو ~~فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن ~~الله كان بما تعملون خبيرا {135} } [النساء: 127-135] # PageV02P122 # قوله عز وجل: {ويستفتونك في النساء} [النساء: 127] يطلبون منك الفتوى، ~~وهو تبين المشكل من الأحكام. # {قل الله يفتيكم فيهن} [النساء: 127] يبين لكم الحكم فيهن، أي: في ~~توريثهن، وكانت العرب لا تورث النساء والصبيان شيئا من الميراث، كما ذكرنا ~~أول ال { [، فنزلت ال: في توريث اليتامى. # وقوله:] وما يتلى عليكم} [النساء: 127] موضع ما رفع، لأن المعنى: الله ~~يفتيكم والكتاب يفتيكم، يعني آية المواريث في أول هذه ال { [. # وقوله:] في يتامى النساء} [سورة النساء: 127] يعني: في النساء اليتامى، ~~فأضيفت الصفة إلى الاسم كما تقول: كتاب الكامل، ويوم الجمعة، وهذا ms0426 قول ~~الكوفيين، وعند البصريين لا يجوز إضافة الصفة إلى الموصوف. # والمراد ب النساء ههنا: أمهات اليتامى، أضيفت إليهن أولادهن اليتامى، ~~وقوله: {اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن} [النساء: 127] قال ابن عباس: يريد: ~~ما فرض لهن من الميراث. # وترغبون: عن أن تنكحوهن لدمامتهن. # قالت عائشة رضي الله عنها: نزلت في اليتيمة، يرغب وليها نكاحها، ولا ~~ينكحها فيعضلها طمعا في ميراثها، فنهي عن ذلك. # وقوله: {والمستضعفين من الولدان} [النساء: 127] يعني: الصغار من الصبيان، ~~قال ابن عباس: يريد: أنهم لم يكونوا يورثون صغيرا من الغلمان ولا من ~~الجواري، وهو عطف على يتامى النساء. # PageV02P123 # والمعنى: يفتيكم في المستضعفين أن تعطوهم حقوقهم لأن ما يتلى عليكم في ~~باب اليتامى من قوله: {وآتوا اليتامى أموالهم} [النساء: 2] يدل على الفتيا ~~في إعطاء حقوق الصغار من الميراث. # وقوله: {وأن تقوموا لليتامى بالقسط} [النساء: 127] قال الفراء: أن في ~~موضع خفض على معنى: ويفتيكم في أن تقوموا لليتامى بالقسط. # قال ابن عباس: يريد: بالعدل في مهورهن، وفي مواريثهن. # {وما تفعلوا من خير} [النساء: 127] يريد: من حسن فيما أمرتكم به {فإن ~~الله كان به عليما} [النساء: 127] يجازيكم عليه ولا يضيع لكم شيئا منه. # قوله تعالى: {وإن امرأة خافت} [النساء: 128] الآية. # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، حدثنا محمد بن يعقوب، أخبرنا ~~الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن ابن المسيب، ~~أن ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا، إما كبرا ~~وإما غيرة، فأراد طلاقها، فقالت: لا تطلقني وأمسكني واقسم لي ما بدا لك، ~~فأنزل الله تعالى: {وإن امرأة خافت} [النساء: 128] أي: علمت من بعلها: ~~زوجها نشوزا: ترفعا عليها لبغضها، أو إعراضا عنها لموجدة أو أثرة. # قال مقاتل: نشوزا عصيانا يعني الأثرة. # وهو قول ابن عباس أو إعراضا عنها لما به من الميل إلى أخرى. # وقوله: {فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا} [النساء: 128] جعل الله ~~تعالى الصلح جائزا بين الرجل والمرأة إذا رضيت منه بإيثار غيرها عليها. # PageV02P124 # قال المفسرون: هذا الصلح في ms0427 القسمة وهو أن يقول الرجل لامرأته: إنك دميمة ~~أو قد دخلت في السن، وأريد أن أتزوج عليك شابة جميلة وأوثرها عليك في القسم ~~بالليل والنهار، فإن رضيت فأقيمي، وإما كرهت خليت سبيلك، فإن رضيت بذلك ~~وإلا كان الواجب على الزوج تمام حقها من المقام عندها، أو تسريحها بإحسان. # وكل ما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز وهو أن تترك له من مهرها أو بعض ~~أيامها، ومعنى يصالحا يتصالحا فأدغم التاء في الصاد. # وقرئ يصلحا من الإصلاح عند التنازع، كقوله: {فمن خاف من موص جنفا أو إثما ~~فأصلح بينهم} [البقرة: 182] . # وقوله: والصلح خير: من النشوز والإعراض والفرقة، يقول: إن يصالحا على شيء ~~خير من أن يتفرقا أو يقيما على النشوز والإعراض. # وقوله: {وأحضرت الأنفس الشح} [النساء: 128] أي: ألزمت البخل، قال ~~المفسرون: أحضرت نفس كل واحد من الرجل والمرأة شحا بحقه قبل صاحبه فالمرأة ~~تشح على مكانها من زوجها، والرجل يشح على المرأة بنفسه إذا كان غيرها أحب ~~إليه منها. # وقوله: وإن تحسنوا: أن تصلحوا، وتتقوا: الجور والميل، {فإن الله كان بما ~~تعملون خبيرا} [النساء: 128] . # قوله عز وجل: ولن تستطيعوا الآية، قال المفسرون: لن تقدروا على التسوية ~~بينهن في المحبة التي هي ميل الطباع، لأن ذلك مما لا تقدرون عليه، ولو ~~حرصتم أي: اجتهدتم، {فلا تميلوا كل الميل} [النساء: 129] إلى التي تحبون في ~~النفقة والقسمة. # قال أبو عبيدة: لا يقدر أحد على العدل بين الضرائر بقلبه وليس يؤاخذ به، ~~لأنه لا يستطيع ولا يملكه، لكن عليه أن لا يميل بنفسه وهو الذي وقع عليه ~~النهي، قال الشافعي: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم ~~فيقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك وأنت أعلم فيما لا أملك» . # يعني: محبته لعائشة. # وقوله: فتذروها كالمعلقة: قال ابن عباس: لا أيما ولا ذات بعل. # PageV02P125 # قال المفسرون: يقول: لا تميلوا إلى الشابة كل الميل فتدعوا الأخرى ~~كالمنوطة لا في الأرض وفي السماء كذلك هذه لا تكون مخلاة فتزوج ولا ذات بعل ~~يحسن عشرتها. # وإن تصلحوا ms0428: بالعدل في القسم، وتتقوا: الجور، {فإن الله كان غفورا رحيما} ~~[النساء: 129] لما ملت إلى التي تحبها. # قوله تعالى: وإن يتفرقا الآية: ذكر الله تعالى جواز الصلح بين الزوجين إن ~~أحبا أن يجتمعا ويتآلفا، فإن أبت الكبيرة الصلح، وأبت إلا التسوية بينها ~~وبين الشابة، فتفرقا بالطلاق، فقد وعد الله لهما أن يغني كل واحد منهما عن ~~صاحبه بعد الطلاق، وهو قوله: {يغن الله كلا من سعته} [النساء: 130] قال ~~الكلبي: أمر الله المرأة بزوج أو الزوج بامرأة. # {وكان الله واسعا} [النساء: 130] الجميع خلقه في الرزق والرحمة حكيما ~~فيما حكم ووعظ وعلم، ذكر ما يوجب الرغبة إليه في طلب الخير منه فقال: {ولله ~~ما في السموات وما في الأرض} [النساء: 131] أي: هو مالك ما فيها، {ولقد ~~وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [النساء: 131] يعني: اليهود والنصارى ~~وإياكم: أوصى {أن اتقوا الله وإن تكفروا} [النساء: 131] بما أوصاكم به {فإن ~~لله ما في السموات وما في الأرض} [النساء: 131] يعني أن له ملائكة من ~~السموات والأرض هم أطوع له منكم، {وكان الله غنيا} [النساء: 131] لا حاجة ~~له، والله تعالى غني بذاته لأنه قادر على ما يريد، حميدا: محمودا على نعمه. # قوله جل جلاله: {إن يشأ يذهبكم أيها الناس} [النساء: 133] قال ابن عباس: ~~يريد المشركين والمنافقين. # ويأت بآخرين: قال مقاتل: يخلق غيركم أمثل وأطوع له منكم. # {من كان يريد ثواب الدنيا} [النساء: 134] قال ابن عباس: يريد متاع ~~الدنيا، {فعند الله ثواب الدنيا والآخرة} [النساء: 134] قال الزجاج: كان ~~مشركو العرب لا يؤمنون بالبعث والحساب وكانوا مقرين بأن الله خالقهم فكان ~~تقربهم إلى الله تعالى إنما هو ليعطيهم من خير الدنيا ويصرف عنهم شرها، ~~فأعلم الله تعالى أن خير الدنيا والآخرة عنده، فينبغي أن يطلب من عنده ثواب ~~الدنيا والآخرة. # قوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط} [النساء: 135] ~~قوام: مبالغة من قائم. # قال ابن عباس: كونوا قوالين بالعدل في الشهادة على من كانت، {ولو على ~~أنفسكم} [النساء: 135] . # وقال الزجاج: قوموا بالعدل، واشهدوا لله بالحق، وإن كان الحق ms0429 على نفس ~~الشاهد أو على والديه أو أقربيه. # وشهادة الإنسان على نفسه: إقراره بما عليه من الحق، فكأنه قيل: ولو كان ~~لأحد عليكم حق فأقروا على أنفسكم. # وقوله: {إن يكن غنيا أو فقيرا} [النساء: 135] أي: أن يكن المشهود غنيا أو ~~فقيرا , قال ابن عباس: يقول: لا تحابوا غنيا لغناه، ولا ترحموا فقيرا ~~لفقره. # وقال عطاء: لا تحيفوا على الفقير، ولا تعظموا الغني فتمسكوا على القول ~~فيه. # PageV02P126 # وقوله: {فالله أولى بهما} [النساء: 135] أي: أعلم بهما لأنه يتولى علم ~~أحوالهما من الغنى والفقر، وهذا معنى قول الحسن: الله أعلم بغناهم وفقرهم. # وقوله: {فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا} [النساء: 135] قال مقاتل: فلا ~~تتبعوا الهوى في الشهادة، واتقوا الله أن تعدلوا عن الحق إلى الهوى، وهذا ~~من العدول الذي هو الميل والجور. # قال ابن عباس: تميلوا عن الحق. # وقوله: {وإن تلووا أو تعرضوا} [النساء: 135] قال مجاهد: وإن تلووا تبدلوا ~~الشهادة، أو تعرضوا تكتموها فلا تقيموها. # وهذا من لي اللسان، كأنه لواها من الحق إلى الباطل، وقال السدي: اللي: ~~دفع الشهادة، والإعراض: الجحود. # وقرئ تلوا بواو واحدة من ولاية الشيء، وهو الإقبال عليه وخلاف الإعراض ~~عنه، والمعنى: إن تقبلوا أو تعرضوا. # {فإن الله كان بما تعملون خبيرا} [النساء: 135] فيجازي المقبل المحسن ~~بإحسانه والمسيء المعرض بإعراضه، وقال قطرب: وإن تلوا من الولاية، يريد: إن ~~تلوا القيام بالحق وتتولوه، وتعرضوا عنه فلا تقوموا به. # {يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله ~~والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم ~~الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا {136} إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ~~ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا {137} } [النساء: ~~136-137] قوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا آمنوا} [النساء: 136] الآية، قال ~~ابن عباس في رواية الكلبي: نزلت في مؤمني أهل الكتاب، قالوا: يا رسول الله، ~~إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة، ونكفر بما سواه من الكتب والرسل. # PageV02P127 # وقال الضحاك: الخطاب لليهود والنصارى يقول {يأيها الذين ms0430 آمنوا} [النساء: ~~135] بموسى والتوراة وعيسى والإنجيل آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ~~والقرآن. # وقال جماعة من المفسرين: الخطاب للمؤمنين وتأويل آمنوا بالله: أقيموا ~~واثبتوا ودوموا عليه. # وقال مجاهد: الآية خطاب للمنافقين، وذلك إنهم آمنوا في الظاهر بألسنتهم، ~~وكفروا بقلوبهم، فقال الله تعالى آمنوا بقلوبكم بالله ورسوله. # وقوله: {والكتاب الذي نزل على رسوله} [النساء: 136] قال ابن عباس: يريد ~~القرآن. # {والكتاب الذي أنزل من قبل} [النساء: 136] يريد: كل كتاب نزل على ~~النبيين، وذلك أنه اسم الجنس فصلح للعموم. # قوله عز وجل: {إن الذين آمنوا ثم كفروا} [النساء: 137] الآية: أكثر ~~المفسرين على أن هذه الآية نزلت في اليهود. # قال قتادة: آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت بمخالفتها، ثم آمنت بالإنجيل ثم ~~كفرت بمخالفته. # {ثم ازدادوا كفرا} [النساء: 137] بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن {لم ~~يكن الله ليغفر لهم} [النساء: 137] ما أقاموا على ذلك لأن الله أخبر أنه ~~يغفر كفر الكافر إذا انتهى، فإذا أطلق القول بأنه لا يغفر لهم، علم أن ~~المراد به: ما أقاموا عليه. # {ولا ليهديهم سبيلا} [النساء: 137] طريق هدى، وهذا إخبار عمن في معلوم ~~الله أنه لا يؤمن. # {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما {138} الذين يتخذون الكافرين أولياء ~~من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا {139} } [النساء: ~~138-139] قوله جل جلاله: {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما} [النساء: ~~138] قال المفسرون: إن المنافقين كانوا يتولون اليهود، فألحقوهم بالتبشير ~~في العذاب، ومعنى بشرهم: أخبرهم، ثم وصفهم فقال: { # PageV02P128 # الذين يتخذون الكافرين} [النساء: 139] يعني: اليهود {أولياء من دون ~~المؤمنين} [النساء: 139] كان المنافقون يوالون اليهود ويتوهمون أن لهم ~~القوة والمنعة وذلك قوله: {أيبتغون عندهم العزة} [النساء: 139] أي: القوة ~~بالظهور على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والمعنى: أيطلبون أن يتقووا ~~بهم فيظهروا على المسلمين؟ وقوله: {فإن العزة لله جميعا} [النساء: 139] أي: ~~الغلبة والقوة لأنه عزيز بعزه ومعز من عز من عباده بما خلق من العزة، فله ~~العزة جميعا من كل وجه. # {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها ms0431 ~~فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع ~~المنافقين والكافرين في جهنم جميعا {140} الذين يتربصون بكم فإن كان لكم ~~فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ ~~عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله ~~للكافرين على المؤمنين سبيلا {141} إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ~~وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ~~{142} مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد ~~له سبيلا {143} } [النساء: 140-143] قوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب} ~~[النساء: 140] الآية، قال المفسرون: الذي نزل عليهم في الكتاب: النهي عن ~~مجالستهم. # وهو قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم} [الأنعام: 68] ~~الآية. # وكان المنافقون يجلسون إلى أحبار اليهود فيسخرون من القرآن، ويكذبون به، ~~فنهى الله المسلمين عن مجالستهم. # وقوله: {أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها} [النساء: 140] أي: ~~إذا سمعتم الكفر بآيات الله والاستهزاء بها {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في ~~حديث غيره} [النساء: 140] أي: يأخذوا في حديث غير الكفر والاستهزاء. # {إنكم إذا مثلهم} [النساء: 140] أي: إنكم كافرون مثلهم لأن من رضي بالكفر ~~فهو كافر. # وهذا يدل على أن من # PageV02P129 # رضي بمنكر يراه خالط أهله، كان في الإثم بمنزلة المباشر. # وقد ورد النهي في هذه الآية عن القعود مع الذين يخوضون في آيات الله ~~بالباطل فلا يجوز القعود عند من يتكلم في القرآن وتفسيره بالباطل. # وقوله: {إن الله جامع المنافقين} [النساء: 140] الآية، يريد: أنهم كما ~~اجتمعوا على الاستهزاء يجتمعون في جهنم على العقاب. # قوله تعالى: {الذين يتربصون بكم} [النساء: 141] هذه الآية أيضا من صفة ~~المنافقين، قال الكلبي: ينتظرون بكم الدوائر والأحداث. # {فإن كان لكم فتح من الله} [النساء: 141] أي: ظهور على اليهود قالوا: ~~للمؤمنين {ألم نكن معكم} [النساء: 141] فأعطونا من الغنيمة، {وإن كان ~~للكافرين نصيب} [النساء: 141] قال ابن عباس: ظفر على المسلمين {قالوا ألم ~~نستحوذ عليكم} [النساء: 141] ألم ms0432 نغلب عليكم. # والاستحواذ: الاستيلاء على الشيء، ومنه قوله: {استحوذ عليهم الشيطان} ~~[المجادلة: 19] أي: غلب، قال المبرد: معناه: ألم نغلبكم على رأيكم ونصرفكم ~~عن الدخول في جملة المؤمنين. # وقوله: {ونمنعكم من المؤمنين} [النساء: 141] أي: بتخذيلهم عنكم ومراسلتنا ~~إياكم بأخبارهم، ومراد المنافقين بهذا الكلام إظهار المنة على الكافرين، ~~أي: فاعرفوا لنا الحق هذا عليكم، {فالله يحكم بينكم يوم القيامة} [النساء: ~~141] بين المؤمنين والمنافقين، قال ابن عباس: يريد: أنه أخر عقاب المنافقين ~~إلى الموت، ووضع عنهم السيف في الدنيا. # وقوله: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} [النساء: 141] قال ~~ابن عباس، والسدي: حجة يوم القيامة. ### | 258 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله ~~الأصبهاني، أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن ~~الأعمش، عن ذر، عن يسيع، قال: كنت عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال ~~رجل: يا أمير المؤمنين أرأيت قول الله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على ~~المؤمنين سبيلا} [النساء: 141] وهم يقاتلونهم # PageV02P130 # فيظهرون عليهم، فقال علي رضي الله عنه: ادنه ادنه، ثم قال: {فالله يحكم ~~بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين} [النساء: 141] يوم القيامة {على ~~المؤمنين سبيلا} [النساء: 141] # قال أهل المعاني: وذلك أن الله يظهر ثمرة إيمان المؤمنين ويصدق موعدهم، ~~ولم يشركهم الكفار في شيء من اللذات، وكما شاركوهم اليوم حتى يعلموا أن ~~الحق معهم دونهم. # قوله عز وجل: {إن المنافقين يخادعون الله} [النساء: 142] يعملون على ~~المخادع بما يظهرونه من الإيمان، ويبطنون خلافه من الكفر وهو خادعهم ~~مجازيهم على خداعهم، وذلك أنهم يعطون نورا كما يعطى المؤمنون، فإذا مضوا ~~على الصراط طفئ نورهم وبقوا في الظلمة. # {وإذا قاموا إلى الصلاة} [النساء: 142] أي: مع المؤمنين قاموا كسالى: ~~متثاقلين لأنهم لا يرجون لها ثوابا ولا يخافون على تركها عقابا، يراءون ~~الناس بصلاتهم لكي يراهم الناس مصلين لا يريدون بها وجه الله. # قال قتادة: والله لولا الناس ما صلى المنافقون، وما يصلون إلا رياء ~~وسمعة. ### | 259 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أخبرنا إبراهيم بن أحمد بن ms0433 رجاء، ~~حدثنا مسدد بن قطن، حدثنا عمرو بن زرارة، حدثنا أبو جنادة، عن الأعمش، عن ~~خيثمة، عن عدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤمر يوم القيامة ~~بناس من الناس إلى الجنة حتى إذا دنوا منها واستنشقوا رائحتها ونظروا إلى ~~قصورها، وإلى ما أعد الله لأهلها فيها نودوا: أن اصرفوهم عنها لا نصيب لهم ~~فيها، فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون بمثلها , فيقولون: يا ربنا لو أدخلتنا ~~النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك وما أعددت فيها لأوليائك كان أهون ~~علينا، قال: ذلك أردت بكم، كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم، وإذا لقيتم ~~الناس لقيتموهم مخبتين، تراءون الناس بخلاف ما تعطونني من قلوبكم، هبتم ~~الناس ولم تهابوني، أجللتم الناس ولم تجلوني، وتركتم للناس ولم تتركوا لي، ~~فاليوم أذيقكم العذاب مع حرمتكم من الثواب " # وقوله: {ولا يذكرون الله إلا قليلا} [النساء: 142] قال الحسن: إنما قل ~~ذلك لأنهم يعملونه رياء، ولو أرادوا به وجه الله لكان كثيرا. # وقال قتادة: إنما قل لأن الله لم يقبله، وما رد الله فهو قليل وما قبله ~~فهو كثير. # PageV02P131 # قوله عز وجل: {مذبذبين بين ذلك} [النساء: 143] يقال: ذبذبه فتذبذب. # أي: حركه فتحرك، وهو كتحريك شيء ما معلق بين السماء والأرض. # ومعنى بين ذلك بين الكافرين والمؤمنين، يعني: أنهم مرددون بين الكفر ~~والإيمان. # قال السدي، وقتادة: ليسوا بمشركين مصرحين بالشرك، وليسوا بمؤمنين. # {لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} [النساء: 143] قال ابن عباس: لا من الأنصار ~~ولا من اليهود. ### | 260 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن بلال، ~~أخبرنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي، حدثنا أبو معاوية، عن محمد بن ~~سوقة، عن أبي جعفر، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«مثل المنافق مثل الشاة بين الربضين، إن جاءت إلى هذه نطحتها، وإن جاءت إلى ~~هذه نطحتها» # وقوله: {ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا} [النساء: 143] قال ابن عباس: من ~~أضله الله فلن تجد له دينا. # {يأيها الذين آمنوا ms0434 لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون ~~أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا {144} إن المنافقين في الدرك الأسفل من ~~النار ولن تجد لهم نصيرا {145} إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله ~~وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما ~~{146} ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما {147} } ~~[النساء: 144-147] # PageV02P132 # قوله جل جلاله: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون ~~المؤمنين} [النساء: 144] قال المفسرون: نهى الله المؤمنين أن يوالوا اليهود ~~من قريظة والنضير، وأوعدهم على ذلك بقوله: {أتريدون أن تجعلوا لله عليكم ~~سلطانا مبينا} [النساء: 144] حجة بينة في عقابكم بموالاة الكفار؟ أي: إنكم ~~إذا واليتموهم صارت الحجة عليكم في عقابكم. # قوله عز وجل: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} [النساء: 145] قال ~~ابن عباس: في أسفل النار. # قال الأخفش، وأبو عبيدة: جهنم أدراك، أي: منازل، وكل منزل منها درك. # وقال الضحاك: الدرج: إذا كان بعضها فوق بعض، والدرك: إذا كان بعضها أسفل ~~من بعض. # وقرئ الدرك بفتح الراء وجزمه وهما لغتان. # قال الزجاج: الاختيار فتح الراء لأنه أكثر في الاستعمال. # وقوله: {ولن تجد لهم نصيرا} [النساء: 145] أي: مانعا يمنعهم من عذاب ~~الله، من جهة شافعة أو غير ذلك. # {إلا الذين تابوا} [النساء: 146] من النفاق، وأصلحوا: العمل لله، ~~واعتصموا بالله: وثقوا به والتجأوا إليه، {وأخلصوا دينهم لله} [النساء: ~~146] من شائب الرياء. # قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: المنافقون شر من كفر بالله وأولاهم ~~بمقته. # وأبعدهم من الإنابة إليه لأنه شرط عليهم في التوبة: الإصلاح والاعتصام، ~~ولم يشرط ذلك على غيرهم ثم شرط الإخلاص لأن النفاق ذنب القلب، والإخلاص ~~توبة القلب. # ثم قال: {فأولئك مع المؤمنين} [النساء: 146] ولم يقل: فأولئك المؤمنون. # أو: من المؤمنين. # غيظا عليهم. # ثم أوقع أجر المؤمنين في التسويف لانضمام المنافقين إليهم، فقال: {وسوف ~~يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما} [النساء: 146] . # قوله جل جلاله: {ما يفعل الله بعذابكم} [النساء: 147] الآية: ما استفهام ~~معناه التقرير، أي: إن الله لا يعذب الشاكر المؤمن ms0435. # PageV02P133 # قال ابن عباس في رواية عطاء: ما يريد الله بعذاب خلقه. # إن شكرتم: اعترفتم بإحسانه، وآمنتم: بنبيه، وهذا على التقديم والتأخير، ~~أي: إن آمنتم وشكرتم لأن الإيمان يقدم على سائر الطاعات، ولا تنفع طاعة دون ~~الإيمان. ### | 261 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه، ~~أخبرنا إبراهيم بن محمد، أخبرنا مسلم، حدثنا هداب بن خالد، حدثنا همام، ~~حدثنا قتادة، حدثنا أنس بن مالك، عن معاذ بن جبل، قال: كنت ردف رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل، فقال: " يا معاذ بن ~~جبل، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: هل تدري ما حق الله على العباد؟ ~~قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا ~~به شيئا، ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذ بن جبل، قلت: لبيك يا رسول الله ~~وسعديك، قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ~~ورسوله أعلم، قال: ألا يعذبهم " # وقال قتادة في هذه الآية: إن الله لا يعذب شاكرا ولا مؤمنا. # {وكان الله شاكرا} [النساء: 147] شاكرا للقليل من أعمالكم، عليما: ~~بنياتكم. # {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما ~~{148} إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا ~~{149} إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ~~ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا {150} أولئك ~~هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا {151} والذين آمنوا بالله ~~ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا ~~رحيما {152} } [النساء: 148-152] قوله عز وجل: {لا يحب الله الجهر بالسوء ~~من القول} [النساء: 148] قال عطاء، عن ابن عباس: نزلت الآية في الضيافة، ~~ينزل الرجل بالرجل عنده سعة فلا يضيفه، فإن تناوله بلسانه فقد عذره الله، ~~وهو قوله: {إلا من ظلم} [النساء: 148] ، معنى: لا يحب الله أن يجهر بالقبيح ~~في القول ms0436، لكن المظلوم يجهر بشكواه. # وقال قتادة، والحسن، والسدي، وابن زيد: هذه الآية عامة في كل مظلوم، وله ~~أن ينتصر من ظالمه بالدعاء عليه بما لا يعتدي فيه. # PageV02P134 # وقوله: {وكان الله سميعا} [النساء: 148] أي: لقول المظلوم، عليما: بما في ~~قلبه فليتق الله ولا يقل إلا الحق. # قوله جل جلاله: {إن تبدوا خيرا} [النساء: 149] قال ابن عباس: يريد من ~~أعمال البر مثل الصدقة والضيافة، {أو تعفوا عن سوء} [النساء: 149] يأتيك من ~~أخيك المسلم، {فإن الله كان عفوا} [النساء: 149] لمن عفا، قديرا: على ~~ثوابه. # قوله جل جلاله: {إن الذين يكفرون بالله ورسله} [النساء: 150] يعني: ~~اليهود كفروا بعيسى والإنجيل، ومحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن {ويريدون ~~أن يفرقوا بين الله ورسله} [النساء: 150] أي: بين الإيمان بالله ورسله. # ولا يصح الإيمان بالله والتكذيب برسله أو ببعض منهم، وذلك قوله: {ويقولون ~~نؤمن ببعض ونكفر ببعض} [النساء: 150] لا يصح التصديق ببعض الأنبياء دون ~~البعض لأن كل نبي قد دعا إلى تصديق من بعده من الأنبياء، فإذا كذبوهم فقد ~~كذبوا من تقدم منهم. # وقوله: {ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا} [النساء: 150] بين إيمان ببعض ~~الرسل وكفر ببعض مذهبا يذهبون إليه. # {أولئك هم الكافرون حقا} [النساء: 151] ذكر حق ههنا: تأكيد لكفرهم، إزالة ~~لتوهم من يتوهم أن إيمانهم ببعض الرسل يزيل عنهم اسم الكفر، ثم نزل في ~~المؤمنين قوله تعالى: {والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم} ~~[النساء: 152] إلى آخر الآية. # {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ~~ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ~~ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا {153} ورفعنا ~~فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في ~~السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا {154} } [النساء: 153-154] قوله جل جلاله: ~~{يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء} [النساء: 153] قال ~~المفسرون: إن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقا أنك نبي ~~فأتنا بكتاب ms0437 جملة من السماء كما أتى به موسى فأنزل الله هذه الآية. # وقوله: {فقد سألوا موسى أكبر من ذلك} [النساء: 153] يعني: السبعين الذين ~~ذكرنا قصتهم عند قوله: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} [البقرة: 55] ، # PageV02P135 # وقوله: {ثم اتخذوا العجل} [النساء: 153] يعني: الذين خلفهم موسى مع هارون ~~حين خرج لميقات ربه. # وقوله: {من بعد ما جاءتهم البينات} [النساء: 153] يعني: العصا واليد وفلق ~~البحر، {فعفونا عن ذلك} [النساء: 153] ، ولم نستأصل عبدة العجل، {وآتينا ~~موسى سلطانا مبينا} [النساء: 153] حجة بينة قوي بها على من ناوأه. # قوله جل جلاله: {ورفعنا فوقهم الطور} [النساء: 154] مفسر في { [البقرة ~~إلى قوله:] وقلنا لهم لا تعدوا في السبت} [سورة النساء: 154] أي: لا تعتدوا ~~باقتناص السمك فيه، يقال: عدا عدوا وعدوا وعداء وعدوانا، أي: ظلم وجاوز ~~الحد. # وقرأ نافع لا تعدوا ساكنة العين مشددة الدال، أراد: لا تعتدوا ثم أدغم ~~التاء في الدال لتقاربهم، وروى ورش لا تعدوا فتح العين وذلك أنه لما أدغم ~~التاء في الدال نقل حركتها إلى العين. # وقوله: {وأخذنا منهم ميثاقا غليظا} [النساء: 154] قال ابن عباس: عهدا ~~مؤكدا في النبي صلى الله عليه وسلم. # {فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم ~~قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا {155} وبكفرهم ~~وقولهم على مريم بهتانا عظيما {156} وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم ~~رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك ~~منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا {157} بل رفعه الله ~~إليه وكان الله عزيزا حكيما {158} وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل ~~موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا {159} } [النساء: 155-159] قوله تعالي: ~~{فبما نقضهم ميثاقهم} [النساء: 155] ما ههنا: صلة مؤكدة، والآية تفسيرها ~~ظاهر إلى قوله {بل طبع الله عليها بكفرهم} [النساء: 155] يقال: طبع الله ~~على قلب الكافر، أي: ختم عليه فلا يعي وعظا، ولا يوفق للخير. # قال الزجاج: جعل الله مجازاتهم على كفرهم أن طبع على قلوبهم ms0438. # وقوله: {فلا يؤمنون إلا قليلا} [النساء: 155] قد مر في هذه ال { [. # PageV02P136 # قوله عز وجل: وبكفرهم يعني: بالمسيح، وجحدوا أنه نبي،] وقولهم على مريم ~~بهتانا عظيما} [سورة النساء: 156] حين رموها بالزنا، وزعموا أن عيسى لغير ~~رشدة. # {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم} [النساء: 157] اليهود تدعي أنهم ~~قتلوا المسيح، وكذبوا في ذلك، قال الله تعالى: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن ~~شبه لهم} [النساء: 157] أي: ألقى شبهه على غيره حتى ظنوا لما رأوه أنه ~~المسيح، وذلك أن عيسى عليه السلام لما أراد الله تعالى رفعه إلى السماء قال ~~لأصحابه: أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة؟ فقال رجل ~~منهم: أنا، فألقي عليه شبهه فقتل وصلب وهم يظنون أنهم قتلوا عيسى. # وقوله: {وإن الذين اختلفوا فيه} [النساء: 157] أي: في قتله، وكان ~~اختلافهم فيه أنهم لما قتلوا الشخص المشبه به، كان الشبه قد ألقي على وجهه، ~~ولم يلق عليه شبه جسد عيسى، فلما قتلوه ونظروا إليه قالوا: الوجه وجه عيسى، ~~والجسد جسد غيره، فذلك اختلافهم فيه. # وقوله: {لفي شك منه} [النساء: 157] أي: من قتله، {ما لهم به} [النساء: ~~157] بعيسى من علم: قتل أو لم يقتل؟ {إلا اتباع الظن} [النساء: 157] لكنهم ~~يتبعون الظن في قتله، {وما قتلوه يقينا} [النساء: 157] وما قتلوا المسيح ~~على يقين من أنه المسيح. # {بل رفعه الله إليه} [النساء: 158] أي: إلى الموضع الذي لا يجري لأحد سوى ~~الله فيه حكم، فكان رفعه إلى ذلك الموضع رفعا لأنه رفع عن أن يجري عليه حكم ~~العباد. # يؤكد هذا أن الحسن قال: {بل رفعه الله إليه} [النساء: 158] أي: إلى ~~السماء، كما قال: {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله} [النساء: 100] وكانت ~~الهجرة إلى المدينة. # {وكان الله عزيزا} [النساء: 158] في اقتداره على نجاة من يشاء من عباده، ~~حكيما: في تدبيره في نجاة عيسى. # قوله جل جلاله: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} [النساء: ~~159] قال الزجاج: المعنى: وما منهم أحد إلا ليؤمنن به، أي: بعيسى قبل موت ~~عيسى، وذلك عند نزوله ms0439 من السماء في آخر الزمان لا يبقى أحد من أهل الكتاب ~~إلا آمن به حتى تكون الملة واحدة ملة الإسلام. # قال عطاء عن ابن عباس: إذا نزل عيسى إلى الأرض لا يبقى يهودي ولا نصراني ~~ولا أحد ممن يعبد غير الله # PageV02P137 # إلا آمن به وصدقه، وشهد أنه روح الله وكلمته وعبده ونبيه، وهذا قول ~~الحسن، وقتادة، وسعيد بن جبير. ### | 262 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم الفارسي، أخبرنا أبو أحمد محمد بن عيسى الثوري، ~~أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، أخبرنا مسلم، حدثنا عبد بن حميد، عن ~~يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، عن سعيد بن ~~المسيب، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي ~~نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل ~~الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد» . # ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل ~~موته} [النساء: 159] # قوله: {ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا} [النساء: 159] على أن قد بلغ ~~رسالة ربه وأقر بالعبودية على نفسه. # {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله ~~كثيرا {160} وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا ~~للكافرين منهم عذابا أليما {161} لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون ~~يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ~~والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما {162} } [النساء: ~~160-162] قوله تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} ~~[النساء: 160] قال مقاتل: كان الله عز وجل حرم على أهل التوراة أن يأكلوا ~~الربا، ونهاهم أن يأكلوا أموال الناس ظلما، فأكلوا الربا وأكلوا أموال ~~الناس بالباطل، # PageV02P138 # وصدوا عن دين الله وعن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، فحرم الله ~~عليهم عقوبة لهم ما ذكر في قوله: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} ~~[الأنعام: 146] الآية. # قوله: {وأكلهم أموال الناس بالباطل} [النساء: 161] يعني: ما أخذوه من ms0440 ~~الرشى في الحكم وغير ذلك. # قوله: {وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما} [النساء: 161] خص الكافرين ~~منهم لأنه علم أن منهم من يؤمن فيأمن العذاب. # قوله جل جلاله: {لكن الراسخون في العلم منهم} [النساء: 162] هذا استثناء ~~لمؤمني أهل الكتاب. # وعني بالراسخين: المبالغين في علم الكتاب، كعبد الله بن سلام وعدة نفر، ~~قال الزجاج: يعني أنهم بعلمهم وبصيرتهم وثبوتهم في علمهم آمنوا بالنبي صلى ~~الله عليه وسلم. # وقوله: والمؤمنون: قال ابن عباس: والمؤمنون من أمة محمد صلى الله عليه ~~وسلم. # قوله: والمقيمين الصلاة نص سيبويه على أن: والمقيمين نصب على المدح، ~~والعرب تقول: جاءني قومك المطعمين في المحل والمغيثون في الشدائد، على ~~معنى: اذكر المطعمين وهم المغيثون، وكذلك هذه الآية هنا معناها: اذكر ~~المقيمين، وهم المؤتون الزكاة. # {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى ~~إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان ~~وآتينا داود زبورا {163} ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم ~~عليك وكلم الله موسى تكليما {164} رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على ~~الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما {165} } [النساء: 163-165] قوله ~~جل جلاله: {إنا أوحينا إليك} [النساء: 163] الآية: قال ابن عباس: إن جماعة ~~من اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: # PageV02P139 # ما أوحى الله ولا إلى أحد من بعد موسى فكذبهم الله وأنزل: {إنا أوحينا ~~إليك} [النساء: 163] الآية. # وقوله: {وآتينا داود زبورا} [النساء: 163] الزبور الكتاب، وكل كتاب زبور، ~~وهو فعول بمعنى مفعول، كالرسول والركوب والحلوب، وأصله من زبرت الكتاب. # بمعنى كتبت، وقرأ حمزة زبورا بضم الزاي على أنه جمع زبر وهو الكتاب سمي ~~المفعول باسم المصدر، ثم جمعه كما يسمى المكتوب كتابا، ثم يجمع على كتب. # قوله تعالى: {ورسلا قد قصصناهم عليك} [النساء: 164] الآية: قال الكلبي: ~~يقول من الرسل من قد سميناهم لك في القرآن وعرفناكهم إلى من بعثوا، وما رد ~~عليهم قومهم، ومنهم من لم نسمه لك. # وقوله: {وكلم الله موسى تكليما} [النساء: 164] أي: مخاطبة من غير واسطة، ~~وتأكيد كلم ms0441 بالمصدر: يدل على أنه سمع كلام الله حقيقة لا كما تقول القدرية: ~~إن الله تعالى خلق كلاما في محل فسمع موسى ذلك الكلام لأنه لا يكون ذلك ~~كلام الله. # قال أحمد بن يحيى: لو قال: وكلم الله من غير أن يؤكد بالمصدر لاحتمل كما ~~قالوا، فلما قال تكليما سقط الشك الذي كان يدخل في الكلام لأن أفعال المجاز ~~لا تؤكد بذكر المصادر، لا يقال: أراد الحائط أن يسقط إرادة. # قوله جل جلاله: رسلا مبشرين أي: بالجنة لمن أطاع ومنذرين: بالنار لمن ~~عصى، {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [النساء: 165] لأنه لو لم ~~يبعث الرسل لكان للناس حجة في ترك الطاعة والتوحيد والمعرفة لأن هذه ~~الأشياء إنما وجبت ببعث الرسل، وقد قال في آية أخرى: {ولو أنا أهلكناهم ~~بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا} [طه: 134] ، فبين أنهم ~~كانوا يحتجون بعدم الرسل لو لم تبعث إليهم، {وكان الله عزيزا} [النساء: ~~165] في اقتداره على إنجاز موعوده على ألسنة رسله حكيما: في إرساله الرسل. # {لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله ~~شهيدا {166} إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا {167} ~~إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا {168} إلا ~~طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا {169} # PageV02P140 # يأيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا ~~فإن لله ما في السموات والأرض وكان الله عليما حكيما {170} يأهل الكتاب لا ~~تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم ~~رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ~~ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في ~~السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا {171} } [النساء: 166-171] قوله عز ~~وجل: {لكن الله يشهد بما أنزل إليك} [النساء: 166] قال المفسرون: إن رؤساء ~~مكة قالوا: يا محمد سألنا اليهود عنك ms0442 وعن صفتك، فزعموا أنهم لا يعرفونك في ~~كتابهم فائتنا بمن يشهد لك أن الله بعثك إلينا رسولا، فنزل {لكن الله يشهد ~~بما أنزل إليك} [النساء: 166] قال الزجاج: الشاهد: هو المبين لما يشهد به ~~والله عز وجل يبين ما أنزل إليه بنصب المعجزة له، وبين صدق نبيه بما يغني ~~عن بيان أهل الكتاب. # وقوله: {أنزله بعلمه} [النساء: 166] أي: أنزله وفيه علمه، قال الزجاج: ~~أنزل القرآن الذي فيه علمه، {والملائكة يشهدون} [النساء: 166] : من قامت له ~~المعجزة شهدت له الملائكة بصدقه، {وكفى بالله شهيدا} [النساء: 166] تسلية ~~للنبي صلى الله عليه وسلم عن شهادة أهل الكتاب بشهادة الله والملائكة. # قوله جل جلاله: {إن الذين كفروا} [النساء: 167] يعني اليهود، {وصدوا عن ~~سبيل الله} [النساء: 167] دين الإسلام بقولهم: ما نعرف صفة محمد في كتابنا، ~~{قد ضلوا ضلالا بعيدا} [النساء: 167] بعدوا عن سبيل الخير فلا يهتدون. # قوله: {إن الذين كفروا} [النساء: 168] يعني اليهود، وظلموا: محمدا صلى ~~الله عليه وسلم بكتمانه نعته {لم يكن الله ليغفر لهم} [النساء: 168] يعني: ~~من مات منهم على الكفر {ولا ليهديهم طريقا} [النساء: 168] يعني: دين ~~الإسلام. # {إلا طريق جهنم} [النساء: 169] يعني: طريق اليهودية وهو طريق جهنم ~~{خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا} [النساء: 169] لأنه قادر على ~~أن يخلق لهم العذاب والألم شيئا بعد شيء إلى ما لا يتناهى. # قوله جل جلاله: يأيها الناس قال ابن عباس: يريد المشركين، {قد جاءكم ~~الرسول بالحق من ربكم} [النساء: 170] أي: بالهدى والصدق وشهادة أن لا إله ~~إلا الله، {فآمنوا خيرا لكم} [النساء: 170] قال الزجاج: قال الخليل وجميع # PageV02P141 # البصريين: هذا محمول على المعنى كأن معنى قوله: «آمنوا خيرا لكم» : ائتوا ~~خيرا لكم. # وقوله: وإن تكفروا أي: بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، {فإن لله ما في ~~السموات والأرض} [النساء: 170] ملكا واقتدارا عليه، أي: أنه غني عنكم وعن ~~إيمانكم، {وكان الله عليما} [النساء: 170] بما يكون منكم من إيمان وكفر، ~~حكيما: في تكليفكم مع علمه بما يكون منكم. # قوله جل جلاله: يأهل الكتاب يريد: النصارى: {لا تغلوا في ms0443 دينكم} [النساء: ~~171] أي: لا تتجاوزوا حد الحق، يقال: غلا يغلو غلوا إذا جاوز الحق. # والنصارى غلت في المسيح، فجاوزوا به منزلة الأنبياء حتى جعلوه إلها، وذلك ~~أن الماريعقوبية، نصارى أهل نجران، قالوا: عيسى هو الله. # وقالت النسطورية: هو ابن الله. # وقال المرقوسية: هو ثالث ثلاثة. # فأنزل الله تعالى: {يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} [النساء: 171] . ### | 263 - # أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن أحمد المطوعي، أخبرنا أبو عمرو محمد بن ~~أحمد الحيري، أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ~~حدثنا عبد الله بن المبارك، عن عوف الأعرابي، عن زياد بن حصين، عن أبي ~~العالية، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم ~~والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» # PageV02P142 # وقوله: {ولا تقولوا على الله إلا الحق} [النساء: 171] أي: فليس لله ولد ~~ولا زوجة ولا شريك هذا هو الحق، ثم أخبر عن عيسى فقال {إنما المسيح عيسى ~~ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم} [النساء: 171] ذكرنا تفسير هذا ~~في سورة آل عمران، قال الكلبي: يعني قوله كن فكان من غير أب. # وقوله: وروح منه أي: من خلقه وإحداثه، وذلك أن الله تعالى لما أخرج ~~الأرواح من ظهر آدم لأخذ الميثاق عليهم، ثم ردها إلى صلبه أمسك عنده روح ~~عيسى إلى أن أراد خلقه، ثم أرسل ذلك الروح إلى مريم فدخل فيها، فكان منه ~~عيسى وهذا قول أبي بن كعب. ### | 264 - # أخبرنا أبو إبراهيم بن أبي القاسم الواعظ، حدثنا أبو عمرو بن نجيد، ~~أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة، حدثنا ~~ابن جابر عم عمير بن هانئ، عن جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت، عن ~~النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ~~له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وابن أمته، وكلمته ألقاها ~~إلى مريم، وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، والبعث حق ms0444، أدخله الله من أي ~~أبواب الجنة شاء» . # رواه مسلم، عن داود بن رشيد، عن الوليد بن مسلم، عن ابن جابر # وقوله: {ولا تقولوا ثلاثة} [النساء: 171] قال الزجاج: لا تقولوا آلهتنا ~~ثلاثة، يعني: قولهم الله وصاحبته وابنه. # PageV02P143 # {انتهوا خيرا لكم} [النساء: 171] أي: ائتوا بالانتهاء عن قولكم خيرا لكم ~~مما تقولون {إنما الله إله واحد سبحانه} [النساء: 171] نزه نفسه {أن يكون ~~له ولد له ما في السموات وما في الأرض} [النساء: 171] ملكا وخلقا من غير ~~شريك في ذلك، وإذا استحال الشرك في وصفه استحال الولد، {وكفى بالله وكيلا} ~~[النساء: 171] أي: مفوضا إليه القيام بتدبير ملكه الذي لا ملك أوسع منه. # {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن ~~عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا {172} فأما الذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا ~~فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا {173} يأيها ~~الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا {174} فأما الذين ~~آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا ~~مستقيما {175} } [النساء: 172-175] قوله تعالى: {لن يستنكف المسيح أن يكون ~~عبدا لله} [النساء: 172] المفسرون يقولون: الاستنكاف والاستكبار واحد. # قال الكلبي: لن يتعظم. # وقال الأخفش، ومقاتل: لن يأنف. # وقال الزجاج: أي: ليس يستنكف الذي يزعمون أنه إله أن يكون عبدا لله، {ولا ~~الملائكة المقربون} [النساء: 172] من كرامة الله والمواطن الشريفة وهم أكبر ~~من البشر. # ثم أوعد من استكبر عن عبادة الله تعالى، فقال: {ومن يستنكف عن عبادته} ~~[النساء: 172] الآية. # قوله عز وجل: {يأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم} [النساء: 174] قال ~~ابن عباس: يريد بالبرهان: النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء من البيان. # وإنما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم برهان، لما معه من المعجزة التي تشهد ~~بصدقه. # وقوله: {وأنزلنا إليكم نورا مبينا} [النساء: 174] يريد: القرآن، سماه ~~نورا لأنه يتبين به الأحكام كما تتبين الأشياء بالنور. # PageV02P144 # قوله: {فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به} [النساء ms0445: 175] امتنعوا به من ~~زيغ الشيطان، {فسيدخلهم في رحمة منه} [النساء: 175] قال ابن عباس: يريد: ~~الجنة. # وفضل: يتفضل عليهم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت، {ويهديهم إليه صراطا ~~مستقيما} [النساء: 175] دينا مستقيما. # {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت ~~فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما ~~الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين ~~الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم} [النساء: 176] قوله جل جلاله: ~~يستفتونك الآية، أنزل الله تعالى في الكلالة آيتين، إحديهما: في الشتاء وهي ~~التي في أول السورة، والأخرى في الصيف وهي هذه الآية، ولهذا تسمى هذه الآية ~~آية الصيف. ### | 265 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا ~~أبو خليفة، حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، حدثنا أبو إسحاق، قال: سمعت ~~البراء بن عازب، يقول: آخر آية نزلت {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} ~~[النساء: 176] وآخر سورة أنزلت براءة. # رواه البخاري، عن أبي الوليد. # ورواه مسلم، عن بندار، عن غندر كلاهما عن شعبة ### | 266 - # أخبرنا أبو بكر الفارسي، أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه، حدثنا إبراهيم ~~بن محمد، حدثنا مسلم، حدثنا عمرو الناقد، حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، ~~أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، وأبو بكر يعودانني ماشيين، فأغمي علي، فتوضأ ثم صب علي من وضوئه ~~فأفقت، فقلت: يا رسول الله كيف أقضي في مالي؟ فلم يرد علي شيئا حتى نزلت ~~آية الميراث {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} [النساء: 176] # PageV02P145 # قال ابن عباس: يريد: من ليس له ولد ولا والد # {إن امرؤ هلك ليس له ولد} [النساء: 176] أراد: ولا والد، فاكتفى بذكر ~~أحدهما عن الآخر، ودل على المحذوف: أن الفتيا في الكلالة، والكلالة: من ليس ~~له ولد ولا والد، فإن كان له أحدهما لم يسم كلالة. # وقوله: وله أخت أراد: من أبيه ms0446 وأمه، لأن ذكر أولاد الأم قد سبق في أول ال ~~{ [،] فلها نصف ما ترك} [سورة النساء: 176] هذا بيان فرضها عند الانفراد، ~~ولها نصف المال بالتسمية. # وقوله: {وهو يرثها إن لم يكن لها ولد} [النساء: 176] يعني: أن الأخ ~~يستغرق ميراث الأخت إذا لم يكن للأخت ولد، وهذا في الأخ من الأب والأم، أو ~~من الأب. # وقوله: {فإن كانتا اثنتين} [النساء: 176] ظاهر إلى قوله: {يبين الله لكم ~~أن تضلوا} [النساء: 176] وروي أن أبا بكر الصديق قال في خطبته: ألا إن ~~الآية التي أنزل الله تعالى في أول { [النساء في شأن الفرائض أنزلها الله ~~في الولد والوالد، وال: الثانية أنزلها في الزوج والزوجة والإخوة من الأم، ~~والآية التي ختم بها سورة النساء أنزلها في الإخوة والأخوات من الأب والأم، ~~والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض ~~في كتاب الله مما جرت به الرحم من العصبة. # وقوله:] يبين الله لكم أن تضلوا} [النساء: 176] أي: لئلا تضلوا، أو: أن ~~لا تضلوا، وهذا كقوله تعالى: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا} ~~[فاطر: 41] أي: لئلا تزولا. # هذا قول الفراء والكسائي. # وقال البصريون: المحذوف ههنا: مضاف، على تقدير: يبين الله لكم كراهة أن ~~تضلوا فحذف المضاف. # PageV02P146 ### | سورة المائدة # مدنية وآياتها عشرون ومائة. ### | 267 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي بن أحمد الخفاف، أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر، ~~حدثنا إبراهيم بن شريك، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، حدثنا سلام بن ~~سليم، حدثنا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي ~~بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة المائدة أعطي ~~من الأجر بعدد كل يهودي ونصراني يتنفس في دار الدنيا عشر حسنات، ومحي عنه ~~عشر سيئات، ورفع له عشر درجات» # بسم الله الرحمن الرحيم {يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة ~~الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد ~~{1} يأيها الذين ms0447 آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا ~~القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم ~~فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ~~وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن ~~الله شديد العقاب {2} } [المائدة: 1-2] {يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} ~~[المائدة: 1] قال ابن عباس في رواية الوالبي: بالعهود يعني: ما أحل وما ~~حرم، وما فرض وما حد في القرآن. # وقال مجاهد: ما عقد الله على العباد وما أحل لهم وحرم عليهم. # وقال الضحاك: بالعهود التي أخذ الله على هذه الأمة أن يوفوا بها مما أحل ~~وحرم، ومما فرض من الصلاة وسائر الفرائض. # PageV02P147 # والعقود أوكد العهود، جمع العقد، بمعنى المعقود، وهو الذي أحكم، وما فرضه ~~الله علينا فقد أحكم ذلك، ولا سبيل إلى نقضه بحال. # وقال مقاتل بن حيان: أوفوا بالعقود: بالعهود التي عهد الله إليكم في ~~القرآن مما أمركم من طاعته أن تعملوا بها، ونهيكم الذي نهاكم عنه، وبالعهد ~~الذي بينكم وبين المشركين، وفيما يكون من العهد بين الناس. # ثم ابتدأ كلاما آخر فقال: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} [المائدة: 1] ~~والبهيمة اسم لكل ذي أربع من دواب البر والبحر، وقال الزجاج: كل حي لا يميز ~~فهو بهيمة. # والأنعام جمع النعم، وهي الإبل والبقر والغنم وأجناسها. # والمراد ب بهيمة الأنعام: الأنعام، وزاد ذكر البهيمة للتأكيد، كما يقال ~~نفس الإنسان. # وهذا قول الحسن، والربيع، والضحاك، والسدي، وابن عباس في رواية عطاء، ~~قالوا: هي الأنعام كلها. # وقال في رواية الكلبي: بهيمة الأنعام: وحشها كالظباء وحمر الوحش. # وقوله: {إلا ما يتلى عليكم} [المائدة: 1] أي: إلا ما يقرأ عليكم في ~~القرآن مما حرم عليكم، وهو قوله: {حرمت عليكم الميتة} [المائدة: 3] الآية. # وقوله: {غير محلي الصيد وأنتم حرم} [المائدة: 1] يقال: رجل حرام وقوم ~~حرم، أي: محرمون والمعنى: إلا أن تحلوا الصيد في حال الإحرام فإنه لا يحل ~~لكم إذا كنتم محرمين. # وقوله: {إن الله يحكم ما يريد} [المائدة: 1] قال الزجاج: أي ms0448: الخلق له، ~~يحل منه ما يشاء لمن يشاء، ويحرم ما يريد. # قوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله} [المائدة: 2] قال ~~أبو عبيدة: الشعائر في كلام العرب: الهدايا المشعرة، أي المعلمة. # وقال الزجاج: هي ما أشعر أي أعلم ليهدى إلى بيت الله الحرام. # PageV02P148 # نزلت في الحطيم بن ضبيعة، أتى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمامة إلى ~~المدينة، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، فلم يسلم، فلما ~~خرج مر بسرح المدينة فاستاق الإبل فطلبوه فعجزوا عنه، فلما خرج رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم عام القضية سمع تلبية حجاج اليمامة، فقال لأصحابه: هذا ~~الحطيم وأصحابه فدونكم، وكان قد قلد ما نهب من سرح النبي صلى الله عليه ~~وسلم، وأهداه إلى الكعبة، فلما توجهوا في طلبه أنزل الله تعالى هذه الآية. # والمعنى: لا تحلوها بإباحتها والإغارة عليها. # وقوله: {ولا الشهر الحرام} [المائدة: 2] أي: بالقتال فيه ولا الهدي: وهي ~~كل ما أهدي إلى بيت الله من ناقة أو بقرة وشاة ولا القلائد: هي جمع قلادة، ~~وأراد: ولا ذوات القلائد، يعني: الهدايا المقلدة، وعلى قول ابن عباس: أراد ~~ولا أصحاب القلائد وهم الذين قلدوا بعيرهم ليأمنوا. # وكانت الحرب في الجاهلية قائمة بين العرب إلا في الأشهر الحرم، فمن وجد ~~في غير الأشهر الحرم أصيب منه، إلا أن يكون مشعرا بدنة، أو سائقا هديا أو ~~مقلدا نفسه وبعيره من لحاء شجر الحرم، أو محرما بعمرة إلى البيت، فلا يتعرض ~~لهؤلاء. # فأمر الله المسلمين بإقرار هذه الأمنة على ما كانت عليه في الجاهلية لضرب ~~من المصلحة إلى أن نسخها. # وقوله: {ولا آمين البيت الحرام} [المائدة: 2] أي: قاصديه، يعني: الذين ~~يريدون الحج، {يبتغون فضلا من ربهم} [المائدة: 2] يعني: التجارة، ورضوانا: ~~بزعمهم وفيما يظنون. # وهذه الآية من أولها إلى ههنا منسوخة بقوله: {فاقتلوا المشركين حيث ~~وجدتموهم} [التوبة: 5] . # وقوله: {وإذا حللتم # PageV02P149 # فاصطادوا} [المائدة: 2] أي: إذا خرجتم من إحرامكم حل لكم الصيد، قال ~~الزجاج: هذا لفظ أمر معناه الإباحة، لأن الله تعالى حرم الصيد ms0449 على المحرم، ~~وأباحه إذا حل من إحرامه، وليس أنه واجب عليه إذا حل أن يصطاد. # وقوله: {ولا يجرمنكم شنآن قوم} [المائدة: 2] الجرم معناه في اللغة: ~~الكسب، والجارم الكاسب. # والشنآن البغض، يقال: شنئت الرجل أشنؤه شنئا وشنآنا، إذا بغضته ويجوز ~~شنآنا بسكون النون. # أن صدوكم أي: لأن صدوكم {عن المسجد الحرام} [المائدة: 2] ومن أجل أن ~~صدوكم، ومن قرأ إن صدوكم بكسر إن جعله للجزاء على معنى: إن صدوكم عن المسجد ~~الحرام فلا تكسبوا عدوانا. # ومعنى الآية: لا يحملنكم بغض كفار مكة أن صدوكم: يوم الحديبية {عن المسجد ~~الحرام أن تعتدوا} [المائدة: 2] على حجاج اليمامة، فتستحلوا منهم محرما، ~~وتمنعوهم عن المسجد الحرام كما منعكم كفار مكة، أو تعرضوا للهدي. # وقوله: وتعاونوا: قال الفراء: ليعن بعضكم بعضا على البر: وهو ما أمرت به، ~~والتقوى: ترك ما نهيت عنه. # قال الزجاج: ما مضى من هذه الآية كله منسوخ، إلا تعاون المسلمين على ~~التقوى. # وقوله: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2] قال عطاء: يريد: ~~معاصي الله والتعدي في حدوده. # ثم حذرهم فقال: واتقوا الله: فلا تستحلوا ما حرم، {إن الله شديد العقاب} ~~[المائدة: 2] إذا عاقب. # PageV02P150 # {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة ~~والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على ~~النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا ~~تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ~~دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم} [المائدة: 3] ~~قوله عز وجل: {حرمت عليكم الميتة} [المائدة: 3] مفسر في { [البقرة، إلى ~~قوله:] والمنخنقة} [سورة المائدة: 3] : وهي التي تنخنق فتموت، والانخناق: ~~إنعصار الحلق، يقال: خنقه فانخنق. # قال قتادة: كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة حتى إذا ماتت أكلوها، قال ~~الزجاج: وبأي وجه اختنقت فهي حرام. # والموقوذة: المضروبة حتى تموت ولم تذك، قال الزجاج: هي التي تقتل ضربا، ~~يقال: وقذتها أقذها وقذا. # والمتردية: هي التي تقع من جبل أو من موضع ms0450 مشرف فتموت، يقال: تردى، إذا ~~سقط في قليب أو من جبل، ومنه قوله: إذا تردى أي: سقط في النار. # والنطيحة: التي تنطحها شاة أو كبش فتموت. # وقوله: {وما أكل السبع} [المائدة: 3] قال قتادة: كان أهل الجاهلية إذا ~~جرح السبع شيئا فقتله وأكل منه أكلوا ما بقي، فحرمه الله، والتقدير: وما ~~أكل منه السبع. # وقوله: {إلا ما ذكيتم} [المائدة: 3] أي: إلا ما أدركتم ذكاته وهي الذبح، ~~يقال: ذكى فلان الشاة. # إذا ذبحها الذبح التام يجوز معه الأكل ولا يحرم. # PageV02P151 # وهذا استثناء من جميع هذه المحرمات التي ذكرت. # قال ابن عباس: يقول: ما أدركت من هذا كله وفيه روح فأذبحه فهو حلال، ~~وإدراك حياته أن توجد له عين تطرف، أو ذنب يتحرك، فأكله جائز إذا ذكي. # وقوله: {وما ذبح على النصب} [المائدة: 3] قال ابن عباس: يريد: الأصنام ~~التي تنصب وتعبد من دون الله. # وقال الفراء: النصب: الآلهة التي تعبد من أحجار. # قال الزجاج: النصب حجارة كانت لهم يعبدونها وهي الأوثان. # وتقدير الآية على هذا القول: وما ذبح على اسم النصب. # وقال مجاهد، وقتادة، وابن جريج: كانت حول البيت أحجار كان أهل الجاهلية ~~يذبحون عليها، وكانوا يعظمون هذه الحجارة ويعبدونها. # وقوله: {وأن تستقسموا بالأزلام} [المائدة: 3] أي: تطلبوا علم ما قسم لكم ~~من الخير والشر بالأزلام، قال المفسرون: كان أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم ~~سفرا، أو غزوا، أو تجارة، أو غير ذلك طلب من الأزلام، وهي قداح كانت في ~~الكعبة عند سدنة البيت مكتوب على بعضها: أمرني ربي، وعلى بعضها: نهاني ربي، ~~فإن خرج السهم الآمر مضى لحاجته، وإن خرج السهم الناهي لم يمض، وواحد ~~الأزلام: زلم وزلم. # قال الزجاج: أخبر الله تعالى أن الاستقسام بالأزلام حرام، ولا فرق بين ~~ذلك وبين قول النجمين: لا تخرج من أجل نجم كذا، واخرج من أجل طلوع نجم كذا، ~~لأن الله تعالى يقول: {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا} [لقمان: 34] وذلك دخول ~~في علم الله الذي هو غيب، فهو حرام كالأزلام التي ذكرها الله تعالى. # وقد روى ms0451 أبو الدرداء، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تكهن ~~أو استقسم، أو تطير ترده عن سفره لم ينظر إلى الدرجات العلى من الجنة يوم ~~القيامة» . # PageV02P152 # وقوله: ذلكم فسق أي: الاستقسام بالأزلام فسق، وهو كل ما يخرج به من ~~الحلال إلى الحرام. # وقوله: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم} [المائدة: 3] قال الكلبي: نزلت ~~لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في حجة الوداع، يئس أهل مكة أن ~~يرتد المسلمون راجعين إلى دينهم. # فلا تخشوهم: أن يظهروا على دينكم، واخشون: في مخالفة أمري. # وقوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] أجمعوا على أن المراد ب ~~اليوم يوم عرفة، وهذه الآية نزلت يوم الجمعة يوم عرفة بعد العصر في حجة ~~الوداع سنة عشر والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفات على ناقته العضباء. # ومعنى {أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] أي: ببيان الفرائض والسنن والحدود ~~والأحكام والحلال والحرام، فلم ينزل بعد هذه الآية شيء من الفرائض. # قال ابن عباس في رواية الوالبي: بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بشهادة ~~أن لا إله إلا الله، فلما صدق به المؤمنون زادهم الصلاة، فلما صدقوا به ~~زادهم الزكاة، فلما صدقوا به زادهم الصيام، فلما صدقوا به زادهم الحج، فلما ~~صدقوا به زادهم الجهاد، ثم أكمل لهم الدين، فقال {اليوم أكملت لكم دينكم} ~~[المائدة: 3] . ### | 268 - # أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الزمجاري بها، أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك، ~~حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا جعفر بن عون، قال: ~~أخبرني أبو عميس، عن قيس بن سالم، عن طارق بن شهاب، قال: جاء رجل من اليهود ~~إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين إنكم تقرءون آية ~~في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. # قال: وأي آية هي؟ قال: قوله عز وجل: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم ~~نعمتي} [المائدة: 3] . # قال: فقال عمر رضي الله عنه: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول ~~الله ms0452 صلى الله عليه وسلم، # PageV02P153 # والساعة التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة يوم ~~الجمعة. # رواه البخاري، عن الحسن بن الصباح، ورواه مسلم، عن عبد بن حميد، كلاهما ~~عن جعفر بن عون. ### | 269 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ، ~~حدثنا أبو يحيى الرازي، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا ابن فضيل، عن هارون بن ~~أبي وكيع، عن أبيه، قال: لما نزلت هذه الآية {اليوم أكملت لكم دينكم} ~~[المائدة: 3] وهو يوم الحج الأكبر بكى عمر بن الخطاب، فقال له رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: " ما يبكيك؟ فقال: يا رسول الله أنا كنا في زيادة من ~~ديننا، فأما إذا كمل فإنه لا يكمل شيء إلا نقص، فقال: صدقت " # وقوله: {وأتممت عليكم نعمتي} [المائدة: 3] يريد: أنه أنجز لهم ما وعدهم ~~في قوله: {ولأتم نعمتي عليكم} [البقرة: 150] ، وكان من تمام نعمته أن دخلوا ~~مكة مطمئنين لم يخالطهم أحد من المشركين. # وقوله: {ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3] ### | 270 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا ~~عبدوس بن أحمد الحافظ، حدثنا الحسين بن عبد الله بن حمران الرقي، حدثنا ~~عصمة بن فضالة، حدثنا موسى بن عقبة، عن القاسم بن محمد، # PageV02P154 # عن عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله ~~عز وجل: «إني نظرت في الأديان فارتضيت لكم الإسلام دينا، فأحسنوا صحبته ~~بالسخاء وحسن الخلق، فإن البخيل بعيد عن الله، بعيد عن الجنة، بعيد عن ~~الناس، قريب من النار» # وقوله: {فمن اضطر في مخمصة} [المائدة: 3] قال الزجاج: من دعته الضرورة في ~~مجاعة. # والمخمصة: خلاء البطن من الطعام جوعا. # {غير متجانف لإثم} [المائدة: 3] قال قتادة: غير متعرض لمعصية. # وأصله من الجنف الذي هو الميل، غير متجانف: غير مائل لإثم: وهو أن يأكل ~~من الميتة فوق الشبع تلذذا. # وقوله: {فإن الله غفور رحيم} [المائدة: 3] قال ابن عباس: غفر الله له ما ~~أكل مما حرم عليه حين اضطر إليه ms0453، ورحيم بأوليائه حيث أحل لهم ما حرم عليهم ~~في المخمصة إذا اضطروا إلى أكلها. # {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين ~~تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ~~واتقوا الله إن الله سريع الحساب {4} اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين ~~أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من ~~الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا ~~متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين {5} ~~} [المائدة: 4-5] قوله جل جلاله: {يسألونك ماذا أحل لهم} [المائدة: 4] ~~الآية. # PageV02P155 # روي أن عدي بن حاتم، وزيد الخيل جاءا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فقالا: يا رسول الله إنا قوم نصيد الصيد بالكلاب والبزاة وقد حرم الله عز ~~وجل الميتة فماذا لنا منها؟ فنزلت هذه الآية. # وقوله: {قل أحل لكم الطيبات} [المائدة: 4] قال المفسرون: أحل الله للعرب ~~ما استطابوا مما لم ينزل بتحريمه تلاوة مثل: الضباب واليرابيع والأرانب ~~وغيرها، فكل حيوان استطابته العرب فهو حلال، وكل حيوان استخبثته العرب فهو ~~حرام، وهو قوله: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} [الأعراف: 157] . # والطيب في اللغة: المستلذ، والحلال المأذون فيه يسمى أيضا طيبا تشبيها ~~بما هو مستلذ. # وقوله: {وما علمتم من الجوارح} [المائدة: 4] يريد: وصيد ما علمتم، فحذفه، ~~والجوارح الكواسب من الطير والسباع، الواحدة: جارحة، سميت جوارح لأنها تكسب ~~أربابها الطعام بصيدها، وهي الكلاب والفهود والبزاة والصقور والزمج ~~والعقاب، فما اصطادت من هذه الجوارح صيدا فقتلته فهو حلال. # وقوله: مكلبين: المكلب الذي يعلم الكلاب أخذ الصيد، يقال للصائد: مكلب، ~~ومعنى مكلبين: مؤدبين. # PageV02P156 # {تعلمونهن مما علمكم الله} [المائدة: 4] تؤدبونهن لطلب الصيد، وأن لا ~~يأكلن الصيد كما أدبكم الله، {فكلوا مما أمسكن عليكم} [المائدة: 4] إذا كان ~~الضاري معلما ثم صاد صيدا فجرحه وقتله وأدركه الصائد ميتا فهو حلال إذا لم ~~يأكل منه. # فإن أكل منه، فعند ابن عباس، وطاووس، والشعبي، والسدي: لم يحل أكله وهو ~~الأظهر ms0454 من مذهب الشافعي، وعند جماعة من الصحابة: يحل وإن أكل وهو أحد قولي ~~الشافعي. # وقوله: {واذكروا اسم الله عليه} [المائدة: 4] إذا أرسلتم الكلاب ~~واطلقتموها على الصيد، والأولى للصائد أن يرسل الجارحة على اسم الله، فإن ~~نسي حل أكل صيده كالذابح من المسلمين إن نسي اسم الله على ذبيحته حل أكلها. # قوله جل جلاله: {اليوم أحل لكم الطيبات} [المائدة: 5] كرر إحلال الطيبات ~~تأكيدا، {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} [المائدة: 5] يعني: ذبائح ~~اليهود والنصارى، وإن لم يذكروا اسم الله وذكروا عيسى وعزيرا. # قال الشعبي، وعطاء: في النصراني يذبح فيقول: باسم المسيح، فالأكل يحل ~~منه، فإن الله تعالى قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون. # وقوله: {وطعامكم حل لهم} [المائدة: 5] يريد: ذبائحنا لهم حلال، فإذا ~~اشتروها منا كان الثمن لنا حلالا، واللحم لهم حلال، قال الزجاج {وطعامكم حل ~~لهم} [المائدة: 5] تأويله: حل لكم أن تطعموهم. # وقوله: {والمحصنات من المؤمنات} [المائدة: 5] قال مجاهد: يعني الحرائر، ~~وقال ابن عباس: يريد العفائف من المؤمنات. # وقوله: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5] قال ابن ~~عباس: يريد الحرائر وإماء أهل الكتاب حرام نكاحهن. # PageV02P157 # واختلفوا في الحربيات من أهل الكتاب، فعن ابن عباس: لا يحل نكاحهن، وإنما ~~يحل نكاح الذميات. # وعن الحسن، وسعيد بن المسيب: يحل نكاح الكتابيات ذميات كن أو حربيات. # وقوله: {إذا آتيتموهن أجورهن} [المائدة: 5] يعني: مهورهن، وتقييدا ~~التحليل بإيتاء المهور يدل على تأكيد وجوبه. # وقوله: {محصنين غير مسافحين} [النساء: 24] يعني: تنكحوهن بالمهر والبينة ~~غير معالنين بالزنا، {ولا متخذي أخدان} [المائدة: 5] تسرون بالزنا. # قال الزجاج: حرم الله الجماع على جهة السفاح، وعلى جهة اتخاذ الصديقة، ~~وأحله على جهة الإحصان وهو التزويج. # وقوله: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} [المائدة: 5] قال ابن عباس، ~~ومجاهد: بالله الذي يجب الإيمان به. # وقال الكلبي: بشهادة أن لا إله إلا الله، فجعل كلمة التوحيد إيمانا. # وقال مقاتل: يقول بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فسمي القرآن ~~إيمانا لأنه يجب الإيمان به. # وقال الزجاج: {ومن يكفر بالإيمان فقد ms0455 حبط عمله} [المائدة: 5] أي: من بدل ~~شيئا مما أحل الله فجعله حراما، أو أحل شيئا مما حرم الله فهو كافر ~~بالإجماع، وقد حبط جميع ما تقرب به إلى الله. # وقوله: {وهو في الآخرة من الخاسرين} [المائدة: 5] قال ابن عباس: خسر ~~الثواب. # {يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى ~~المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن ~~كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم ~~تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ~~ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون {6} ~~واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا ~~واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور {7} } [المائدة: 6-7] # PageV02P158 # قوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} ~~[المائدة: 6] قال زيد بن أسلم: يعني إذا قمتم من النوم. # قال الزجاج: المعنى: إذا أردتم القيام إلى الصلاة كقوله: {فإذا قرأت ~~القرءان فاستعذ بالله} [النحل: 98] المعنى: إذا أردت أن تقرأ. # قال ابن الأنباري: وهذا كما تقول: إذا اتجرت فاتجر في البز، وإذا آخيت ~~فآخ أهل الحسب، يريد: إذا أردت التجارة، وإذا أردت مؤاخاة الناس. # وقوله: {وأيديكم إلى المرافق} [المائدة: 6] هي جمع مرفق، وهو المكان الذي ~~يرتفق به، أي: يتكأ عليه من اليد، وكثير من النحويين يجعلون إلى ههنا: ~~بمعنى مع، ويوجبون غسل المرفق، وهو مذهب أكثر العلماء. # وقوله: وامسحوا برءوسكم: المسح: مسحك شيئا بيدك كمسح العرق عن جبينك، ~~وكمسحك رأسك في وضوئك. # وظاهر الآية: لا يوجب التعميم في مسح الرأس، لأنه إذا مسح البعض فقد حصل ~~ماسحا، ولا يلتفت إلى قول من قال: إن الباء توجب التعميم، لأن ذلك لا يعرفه ~~أهل النحو. # وقوله: {وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة: 6] في الأرجل قراءتان: النصب ~~والخفض، أما النصب فهو ظاهر إلا أنه عطف على المغسول، لوجوب غسل الرجلين ~~بإجماع لا يقدح فيه قول من خالف. # وأما الكسر فقال أبو ms0456 حاتم، وابن الأنباري: الكسر بالعطف على المسح غير أن ~~المراد بالمسح في الأرجل الغسل، روي ذلك عن ابن زيد أنه قال: المسح خفيف ~~الغسل، قالوا: تمسحت للصلاة في معنى توضأت. # قال أبو حاتم: وذلك أن المتوضئ لا يرضى بصب الماء على أعضائه حتى يمسحها ~~مع الغسل فسمي الغسل مسحا. # وعلى هذا: الرأس والرجل ممسوحان، إلا أن المسح في الرجل المراد به الغسل، ~~يدل على ذلك ذكر التحديد، # PageV02P159 # وهو قوله إلى الكعبين والتحديد إنما جاء في المغسول لا في الممسوح. # وقال جماعة من أهل المعاني: الأرجل معطوفة على الرءوس في الظاهر لا في ~~المعنى، قد ينسق بالشيء على غيره والحكم فيها مختلف، كما قال: # يا ليت بعلك قد غدا ... متقلدا سيفا ورمحا # المعنى: وحاملا رمحا، وكذلك قول الآخر: # علفتها تبنا وماء باردا # المعنى: وسقيتها ماء. # فكذلك المعنى في الآية وامسحوا برءوسكم واغسلوا أرجلكم، فلما لم يذكر ~~الغسل عطف الأرجل على الرءوس في الظاهر. # وكعب الإنسان: ما أشرف من فوق رسغه عند قدمه، وقال الأصمعي: الكعبان: ~~الناشزان من جانبي القدم. # والأخبار متواترة بوجوب الغسل، والوعيد لمن ترك من قدمه لمعة لم يصبها ~~الماء. ### | 271 - # أخبرنا أبو صالح منصور بن عبد الوهاب البزار، أخبرنا محمد بن أحمد بن ~~سنان المقرئ، حدثنا علي بن حمدويه، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا الحسن بن ~~محمد بن أعين، حدثنا معقل بن عبيد الله، عن أبي # PageV02P160 # الزبير، عن جابر، قال: أخبرني عمر بن الخطاب، أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر ~~على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «ارجع فأحسن وضوءك» ، ~~فرجع فتوضأ ثم صلى رواه مسلم، عن سلمة بن شبيب ### | 272 - # أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر العدل، أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا ~~الحافظ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، حدثني عبيد بن شريك القطعي، ~~حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم، عن ~~عبيد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم ms0457: «ويل للأعقاب بطون الأقدام من النار» ### | 273 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أخبرنا عمرو بن عبد الله البصري، حدثنا ~~أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب، أخبرنا خالد بن مخلد، حدثنا محمد بن جعفر، ~~سمعت زيد بن أسلم، قال: أخبرني عطاء بن # PageV02P161 # يسار، عن عبد الله الصنابحي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~يقول: «إذا توضأ المسلم فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت ~~الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت من وجهه، فإذا غسل يديه خرجت من يديه ~~حتى تخرج من بين أظافره، فإذا مسح رأسه خرجت من رأسه حتى تخرج من أذنيه، ~~فإذا غسل رجليه خرجت من رجليه حتى تخرج من تحت أظفاره، فإذا عمد إلى الصلاة ~~كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له» ### | 274 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا بحر بن نصر، ~~قال: قرئ على ابن وهب، أخبرك مالك بن أنس، عن سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن ~~أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأ العبد المسلم ~~أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع ~~آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشها يداه مع ~~الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع ~~الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب» رواه مسلم، عن أبي ~~الطاهر، عن ابن وهب ### | 275 - # أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن التاجر، حدثنا محمد بن عبد بن الحسين ~~القطراني، حدثنا أبو مليك محمد بن عبد العزيز الكلابي، حدثنا سفيان بن ~~وكيع، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، ~~قالت: # PageV02P162 # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تحشر أمتي يوم القيامة غرا محجلين ~~من آثار الوضوء فيقال: هؤلاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيتمنى الخلائق ~~أنهم كانوا أمة محمد صلى الله عليه وسلم " # وقوله ms0458: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} [المائدة: 6] فأدمغت التاء في الطاء، ~~لأنهما من مكان واحد. # قال مقاتل: فاغتسلوا. # وباقي الآية مشروح في { [النساء، إلى قوله:] ما يريد الله ليجعل عليكم من ~~حرج} [سورة المائدة: 6] يعني: من ضيق في الدين، ولكنه جعله واسعا حين رخص ~~في التيمم، {ولكن يريد ليطهركم} [المائدة: 6] من الأحداث والجنابات والذنوب ~~والخطيئات، لأن الوضوء يكفر الذنوب. # روى أبو أمامة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطهور يكفر ما قبله ~~ويصير الصلاة نافلة» . # وقوله: {وليتم نعمته عليكم} [المائدة: 6] أي: ببيان الشرائع، وقال محمد ~~بن كعب القرظي: بغفران الذنوب. ### | 276 - # أخبرنا سعيد بن محمد العدل، أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، حدثنا ~~محمد بن معاذ الماليني، حدثنا الحسين بن الحسن بن حرب المروزي، أخبرنا عبد ~~الله بن المبارك، أخبرنا أبو معشر المدني، حدثني محمد بن كعب، حدثني عبد ~~الله بن واره، عن حمران مولى عثمان، قال: مرت على عثمان فخارة من ماء، فدعا ~~به فتوضأ فأسبغ وضوءه، ثم قال: لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا ما حدثتكم به، سمعت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم، يقول: « # PageV02P163 # ما توضأ عبد فأسبغ وضوءه ثم قام إلى الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين ~~الصلاة الأخرى» # وقال محمد بن كعب: وكنت إذا سمعت الحديث من رجل من أصحاب رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم التمسته في القرآن، فالتمست هذا فوجدته: {إنا فتحنا لك فتحا ~~مبينا {1} ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك} ~~[الفتح: 1-2] ، فعلمت أن الله لم يتم النعمة عليه حتى غفر ذنوبه، ثم قرأت ~~الآية التي في { [المائدة:] إذا قمتم إلى الصلاة} [سورة المائدة: 6] حتى ~~بلغت {ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم} [المائدة: 6] فعرفت أن الله لم ~~يتم عليهم النعمة حتى غفر لهم. # وقوله: لعلكم تشكرون: قال عطاء: لكي تشكروا نعمتي، وتطيعوا أمري. # قوله عز وجل: {واذكروا نعمة الله عليكم} [المائدة: 7] قال مقاتل: يعني ~~بالنعمة: الإسلام، {وميثاقه ms0459 الذي واثقكم به} [المائدة: 7] قال مجاهد، ~~والكلبي، ومقاتل: هو ما أخذ عليهم حين أخرجهم من ظهر آدم، وأشهدهم على ~~أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. # وقال جماعة من المفسرين: يعني بالميثاق حين بايعوا رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم على السمع والطاعة في كل ما أمر ونهى، والأيمان التي أخذت عليهم ~~يوم بيعة العقبة، ويوم بيعة الرضوان. # قال السدي: وكل مؤمن آمن بالله ورسله فهذا داخل في هذا الميثاق. # وقوله: {إن الله عليم بذات الصدور} [المائدة: 7] قال ابن عباس: بخفيات ~~القلوب والضمير والنيات. # PageV02P164 # {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم ~~على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ~~{8} وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم {9} والذين ~~كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم {10} يأيها الذين آمنوا اذكروا ~~نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا ~~الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون {11} } [المائدة: 8-11] قوله جل جلاله: ~~{يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله} [المائدة: 8] معنى القيام لله أن ~~تقوم لله بالحق في كل ما يلزم القيام به من الأمر بالمعروف والعمل به، ~~والنهي عن المنكر وتجنبه. # {شهداء بالقسط} [المائدة: 8] : تشهدون بالعدل {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ~~ألا تعدلوا} [المائدة: 8] أي: لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل، اعدلوا: ~~في الولي والعدو {هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8] أي: هو أقرب لاتقاء النار. # قوله جل جلاله: {يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم} [المائدة: ~~11] الآية، قال المفسرون: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جماعة من ~~أصحابه على بني النضير، وكانوا قد عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم على ترك ~~القتال، وعلى أن يعينوه في الديات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «رجل من ~~أصحابي أصاب رجلين معهما إمام متي فلزمني ديتها فأريد أن تعينوني» . # فقالوا: اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا. # وهموا باغتيالهم والفتك بهم، فأذن الله تعالى به حتى فاتوا بأنفسهم، فهو ~~قوله: {إذ هم ms0460 قوم} [المائدة: 11] يعني: يهود بني النضير {أن يبسطوا إليكم ~~أيديهم} [المائدة: 11] بالقتل والاغتيال، {فكف أيديهم عنكم} [المائدة: 11] ~~بأن أخبركم حتى خرجتم من عندهم. # ثم أخبر الله تعالى عن نقض بني إسرائيل عهد الله، كما نقضت هذه الطبقة ~~فقال: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال ~~الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم ~~وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها ~~الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل {12} فبما نقضهم ميثاقهم ~~لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ~~ولا تزال # PageV02P165 # تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب ~~المحسنين {13} ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ~~ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله ~~بما كانوا يصنعون {14} يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما ~~كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين {15} ~~} [المائدة: 12-15] {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل} [المائدة: 12] قال ~~الكلبي، ومقاتل: أخذ الله ميثاقهم على أن يعملوا بما في التوراة، {وبعثنا ~~منهم اثني عشر نقيبا} [المائدة: 12] النقيب: الأمين الكفيل على قومه. # أخذ من كل سبط منهم نقيب فبعثوا إلى مدينة الجبارين الذين أمر موسى ~~بالقتال معهم ليقفوا على أحوالهم، ويرجعوا بذلك إلى قومهم، فرجعوا ينهون عن ~~قتالهم، وكانوا قد تواثقوا بينهم أن لا يفعلوا، فنكثوا العهد إلا رجلين: ~~كالب بن يوفنا، ويوشع بن نون. # {وقال الله إني معكم} [المائدة: 12] بالعون والنصرة والدفع عنكم بهذه ~~الشرائط، وهي قوله: {لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي ~~وعزرتموهم} [المائدة: 12] التعزير: التوقير، والتعزير: النصر باللسان ~~والسيف. # قال عطاء: يريد: وقرتموهم. # وقال السدي: نصرتموهم بالسيف. # وقال مقاتل: أعنتموهم. # وأقرضتم الله قال ابن عباس: يعني الصدقات للفقراء والمساكين. # قرضا حسنا: قال الضحاك: # PageV02P166 # تبتغون به وجه الله، وقال ابن المبارك: حلالا طيبا من أموالكم ms0461. # وقوله: {فمن كفر بعد ذلك منكم} [المائدة: 12] أي: بعد العهد والميثاق ~~{فقد ضل سواء السبيل} [المائدة: 12] أخطأ قصد الطريق، ثم أخبر عن نقضهم ~~فقال: {فبما نقضهم ميثاقهم} [المائدة: 13] ما صلة مؤكدة يريد: فبنقضهم، كما ~~قال: {فبما رحمة من الله} [آل عمران: 159] . # قال قتادة: إنهم كذبوا بالرسل بعد موسى، وقتلوا الأنبياء، ونبذوا كتاب ~~الله، وضيعوا فرائضه. # وقوله: لعناهم قال ابن عباس: عذبناهم بالجزية. # وقال مقاتل: عذبناهم بالمسخ. # وقال عطاء: أخرجناهم من رحمتنا. # وهو اختيار الزجاج قال: باعدناهم من الرحمة. # {وجعلنا قلوبهم قاسية} [المائدة: 13] القسوة: الصلابة والشدة في كل شيء، ~~يقال: قسا يقسو قسوة فهو قاس وحجر قاس. # وقرأ حمزة قسية على وزن فعيلة بمعنى قاسية مثل عالم وعليم. # قال ابن عباس: {وجعلنا قلوبهم قاسية} [المائدة: 13] يابسة عن الإيمان ~~{يحرفون الكلم عن مواضعه} [المائدة: 13] يعني: صفة محمد صلى الله عليه وسلم ~~وآية الرجم {ونسوا حظا مما ذكروا به} [المائدة: 13] قال ابن عباس: تركوا ~~نصيبا مما أمروا به في كتابهم من اتباع محمد والإيمان به. # {ولا تزال تطلع على خائنة منهم} [المائدة: 13] أي: على خيانة، قال مقاتل: ~~يعني بالخيانة: الغش للنبي صلى الله عليه وسلم. # وقال يمان بن زباب: على كذب وفجور. # وقال عطاء: على خيانة منهم مثلما خانوك حين هموا بقتلك. # PageV02P167 # وقوله: {إلا قليلا منهم} [المائدة: 13] يعني: من أسلم منهم ولم ينقضوا ~~العهد {فاعف عنهم واصفح} [المائدة: 13] منسوخ بآية السيف {إن الله يحب ~~المحسنين} [المائدة: 13] يعني: المعافين المتجاوزين، قال ابن عباس: إذا ~~عفوت فأنت محسن. # قوله عز وجل: {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم} [المائدة: 14] ~~قال مقاتل: أخذ عليهم الميثاق كما أخذ على أهل التوراة أن يؤمنوا بمحمد صلى ~~الله عليه وسلم ويتبعوه، وهو مكتوب عندهم في الإنجيل. # {فنسوا حظا مما ذكروا به} [المائدة: 14] فتركوا ما أمروا به من الإيمان ~~بمحمد صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك الحظ، {فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء ~~إلى يوم القيامة} [المائدة: 14] قال المؤرج: حرشنا بعضهم على بعض. # وقال النضر: هيجنا. # وقال الكلبي: ألقينا بينهم العداوة والبغضاء ms0462. # قال مجاهد، وقتادة، والسدي: يعني: بين اليهود والنصارى. # وقال الربيع: يعني: بين النصارى خاصة وذلك ما بين فرق النصارى من ~~الاختلاف والعداوة، وهذا اختيار الزجاج، قال: تأويل {فأغرينا بينهم العداوة ~~والبغضاء} [المائدة: 14] أي: صاروا فرقا يكفر بعضهم بعضا، {وسوف ينبئهم ~~الله بما كانوا يصنعون} [المائدة: 14] وعيد لهم. # قال قتادة: لما ذكر نقضهم العهد وتركهم ما أمروا به دعاهم على أثر ذلك ~~إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال: {يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا ~~يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب} [المائدة: 15] قال عطاء عن ابن ~~عباس: يريد: تكتمون مما في التوراة والإنجيل لأنهم أخفوا منه آية الرجم، ~~وأمر محمد صلى الله عليه وسلم وصفته، {ويعفو عن كثير} [المائدة: 15] يتجاوز ~~عن كثير مما كتموه فلا يخبرهم بكتمانه. # وقوله: {قد جاءكم من الله نور} [المائدة: 15] ضياء من الضلالة وهدى، ~~يعني: الإسلام، وقال قتادة: يعني: النبي صلى الله عليه وسلم. # وهو # PageV02P168 # اختيار الزجاج، قال: النور: محمد صلى الله عليه وسلم. # وهو الذي يبين، وكتاب مبين يعني: القرآن فيه بيان ما يختلفون فيه. # {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور ~~بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم {16} لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ~~ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ~~ومن في الأرض جميعا ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله ~~على كل شيء قدير {17} وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم ~~يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك ~~السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير {18} يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا ~~يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم ~~بشير ونذير والله على كل شيء قدير {19} } [المائدة: 16-19] قوله جل جلاله: ~~{يهدي به الله} [المائدة: 16] أي: بالكتاب المبين {من اتبع رضوانه} ~~[المائدة: 16] اتبع ما رضيه الله تعالى مما ms0463 مدحه وأثنى عليه وهو دين ~~الإسلام، سبل السلام: قال ابن عباس: يريد: دين الإسلام دين الله، والسلام: ~~اسم من أسماء الله تعالى. # وقال الزجاج: جائز أن يكون أراد طريق السلام، أي: طرق السلامة التي من ~~سلكها سلم في دينه، ويجوز أن يكون أراد: سبل دار السلام، كما قال {لهم دار ~~السلام} [الأنعام: 127] ، ويراد بها طرق الجنة، ولكنه على حذف المضاف. # وقوله: {ويخرجهم من الظلمات إلى النور} [المائدة: 16] قال ابن عباس: من ~~ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، بإذنه أي: بتوفيقه وإرادته، {ويهديهم إلى ~~صراط مستقيم} [المائدة: 16] . # قال الحسن: هو الذي يأخذ بصاحبه حتى يؤديه إلى الجنة. # يعني: الإسلام، ثم أخبر بكفر النصارى فقال: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ~~هو المسيح ابن مريم} [المائدة: 17] وذلك أنهم اتخذوه ربا ومعبودا وجعلوه ~~إلها، {قل فمن يملك من الله شيئا} [المائدة: 17] فمن يقدر أن يدفع من عذاب ~~الله شيئا {إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم} [المائدة: 17] وهذا احتجاج ~~على # PageV02P169 # النصارى وهو: لو كان المسيح إلها لقدر على دفع أمر الله إذا أتى بإهلاكه ~~وإهلاك غيره. # قوله جل جلاله: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه} ~~[المائدة: 18] قال ابن قتيبة: يعنون أنه من حدبه وعطفه علينا كالأب المشفق، ~~وقيل: إن هذا من باب حذف المضاف، معناه: نحن أبناء رسل الله. # قال ابن عباس: إنما قالوا هذا حين حذرهم النبي صلى الله عليه وسلم عقوبة ~~الله. # وقوله: {قل فلم يعذبكم بذنوبكم} [المائدة: 18] أي: لم عذب من قبلكم من ~~اليهود والنصارى بذنوبهم، وهم الذين مسخهم الله تعالى قردة وخنازير من ~~أصحاب السبت وأصحاب المائدة. # وهذا احتجاج عليهم وتكذيب لقولهم: {نحن أبناء الله وأحباؤه} [المائدة: ~~18] ، لأن الوالد لا يعذب ولده والحبيب لا تطيب نفسه بتعذيب حبيبه. # ثم صرح بتكذيبهم فقال: {بل أنتم بشر ممن خلق} [المائدة: 18] كسائر بني ~~آدم مجزيون بالإحسان والإساءة، {يغفر لمن يشاء} [المائدة: 18] قال عطاء: ~~لمن يوحد، {ويعذب من يشاء} [المائدة: 18] من لا يوحد. # وقال السدي: يهدي منكم من يشاء فيغفر له، ويميت منكم ms0464 من يشاء على كفره ~~فيعذبه. # {ولله ملك السموات والأرض وما بينهما} [المائدة: 18] أي: أنه يملك ذلك لا ~~شريك له فيعارضه، وهو يملك المغفرة لمن يشاء والتعذيب لمن يشاء، وإليه ~~المصير وإليه يئول أمر العباد في الآخرة. # قوله عز وجل: {يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل} ~~[المائدة: 19] قال ابن عباس: على انقطاع من الأنبياء. # يقال: فتر الشيء يفتر فتورا، إذا سكنت حدته وانقطع عما كان عليه. # والنبي صلى الله عليه وسلم بعث بعد انقطاع الرسل، لأن الرسل كانت متواترة ~~بعضها في إثر بعض إلى وقت رفع الله عيسى عليه السلام. # وقوله: أن تقولوا أي: لئلا تقولوا: {ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم ~~بشير ونذير والله على كل شيء قدير} [المائدة: 19] . # PageV02P170 # {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء ~~وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين {20} يا قوم ادخلوا الأرض ~~المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين {21} ~~قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن ~~يخرجوا منها فإنا داخلون {22} قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ~~ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم ~~مؤمنين {23} قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت ~~وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون {24} قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق ~~بيننا وبين القوم الفاسقين {25} قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون ~~في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين {26} } [المائدة: 20-26] قوله تعالى: ~~{وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء} ~~[المائدة: 20] قال الكلبي: جعل منكم أنبياء على عهد موسى بن عمران وهم ~~السبعون الذين اختارهم موسى من قومه، فانطلقوا معه إلى الجبل. # وجعلكم ملوكا: قال ابن عباس: جعل لهم الخدم والحشم. # وقال مجاهد: كل من لا يدخل عليه إلا بإذنه فهو ملك. # وقال قتادة: كانوا أول ms0465 من ملك الخدم وسخر لهم من بني آدم. # وقال السدي: يعني: وجعلكم أحرارا تملكون أنفسكم بعدما كنتم في أيدي القبط ~~بمنزلة العبيد وأهل الجزية. ### | 277 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق ~~الصغاني، حدثنا محمد بن أبي مريم، حدثنا ابن لهيعة، عن دراج، عن أبي ~~الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، # PageV02P171 # قال: «كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم وامرأة ودابة كتب ملكا» ### | 278 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أخبرنا أبو أحمد بن عيسى، ~~أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثنا أبو الحسن القشيري، حدثنا أبو الطاهر، ~~أخبرنا ابن وهب، حدثني أبو هانئ، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي، يقول: ~~سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص، وسأله رجل فقال: ألسنا من فقراء ~~المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم. # قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم. # قال: فأنت من الأغنياء، قال: فإن لي خادما. # قال: فأنت من الملوك. # وروي أن الحسن تلا هذه الآية فقال: وهل الملك إلا مركب وخادم ودار؟ ~~وقوله: {وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين} [المائدة: 20] قال مجاهد، ~~والكلبي: بأن ظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى، وفلق لهم البحر، ~~وأنجاهم من عدوهم. # قوله تعالى: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة} [المائدة: 21] قال قتادة: هي ~~الشام كلها. # وقال عكرمة، والسدي: هي أريط. # وقال الكلبي: دمشق وفلسطين. # ومعنى المقدسة: المطهرة، وتلك الأرض طهرت من الشرك، وجعلت مسكنا وقرارا ~~للأنبياء. # PageV02P172 # وقوله {التي كتب الله لكم} [المائدة: 21] قال ابن عباس، والسدي: أمركم ~~بدخولها، وفرض عليكم دخولها، {ولا ترتدوا على أدباركم} [المائدة: 21] لا ~~ترجعوا إلى دينكم الشرك بالله وإلى معصيته فتنقلبوا خاسرين. # {قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين} [المائدة: 22] قال المفسرون: هم ~~العمالقة فرقة من عاد. # وأراد بالجبارين: الطوال الأقوياء العظام، من قولهم: رجل جبار، إذا كان ~~طويلا عظيما، تشبيها بالجبار من النخل، وهو الذي فات الأيدي بطوله، قال ~~قتادة: كانت لهم أجسام وخلق عجب ليس ms0466 لغيرهم. # أخبر الله تعالى أنهم أبوا على موسى دخول تلك القرية، واعتلوا بأن فيها ~~قوما جساما أقوياء لا يطيقونهم، وأنهم لا يدخلونها حتى يخرج منها هؤلاء ~~القوم، فذلك قوله {فإن يخرجوا منها فإنا داخلون} [المائدة: 22] . # قوله عز وجل: قال رجلان قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: هم يوشع بن نون ~~وكالب، {من الذين يخافون} [المائدة: 23] الله في مخالفة أمره {أنعم الله ~~عليهما} [المائدة: 23] بالإسلام، قال عطاء: بالصلاح والفضل واليقين. # {ادخلوا عليهم الباب} [المائدة: 23] الآية: قال المفسرون: إنهما قالا ~~لبني إسرائيل: نحن أعلم بالقوم، إنهم قد ملئوا منا رعبا، إنا رأيناهم فكانت ~~أجسامهم عظيمة وقلوبهم ضعيفة وإنكم تغلبونهم. # وذلك قوله: {فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا} [المائدة: 23] ~~في نصره إياكم على الجبارين {إن كنتم مؤمنين} [المائدة: 23] مصدقين بما ~~أتاكم به رسوله. # {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها} [المائدة: 24] قال ~~المفسرون: إن عشرة من النقباء نقضوا العهد، وقالوا لبني إسرائيل: رأينا ~~حصونا منيعة وجبابرة، ولا يدان لكم بهم. # فجبن القوم وخافوا، ولم يثقوا بنصر الله، وقالوا لموسى: {فاذهب أنت وربك ~~فقاتلا إنا ههنا قاعدون} [المائدة: 24] قال الحسن: هذا القول كفر منهم ~~بالله. # PageV02P173 # وقال المفسرون: إنما قالوا هذا جهلا منهم، وفسقوا بذلك، لأن الله تعالى ~~سماهم فاسقين في هذه القصة، وكذلك موسى سماهم فاسقين، وهو قوله: {فافرق ~~بيننا وبين القوم الفاسقين} [المائدة: 25] ، وقوله: {فلا تأس على القوم ~~الفاسقين} [المائدة: 26] . # قال الزجاج: أعلم الله أن أهل الكتاب لم يزالوا غير قابلين من الأنبياء ~~قبل النبي صلى الله عليه وسلم وأن الخلاف شأنهم. ### | 279 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد، أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه، ~~حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن أسد الهروي، حدثنا حمدان بن عمر، حدثنا أبو ~~النضر هاشم بن القاسم، حدثنا الأشجعي عبيد الله، عن سفيان، عن مخارق، عن ~~طارق بن شهاب، عن ابن مسعود، قال: قال المقداد وهو على فرس يوم بدر: يا ~~رسول الله أنا لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت ms0467 وربك فقاتلا ~~أنا هاهنا قاعدون، ولكن امض ونحن معك، فكأنه سري عن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم. # رواه البخاري، عن حمدان بن عمر ### | 280 - # أخبرنا أبو سعد بن أبي رشيد العدل، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، ~~حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن أبي عدي، عن ~~حميد، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خرج إلى بدر استشار الناس، ~~فأشار عليه أبو بكر، ثم استشارهم فأشار عليه عمر، فسكت، فقال رجل من ~~الأنصار: إنما يريدكم، قالوا: يا رسول الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل ~~لموسى: اذهب # PageV02P174 # أنت وربك فقاتلا أنا هاهنا قاعدون، ولكن والله لو ضربت أكبادنا حتى تبلغ ~~برك الغماد لكنا معك # قوله تعالى: {قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي} [المائدة: 25] قال ~~الكلبي: لما قالوا: اذهب أنت وربك. . . غضب موسى، وكان رجلا حديدا، ف {قال ~~رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي} [المائدة: 25] يقول: لم يطعني منهم إلا نفسي ~~وأخي، والمعنى: لا أملك إلا طاعة نفسي وأخي. # {فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين} [المائدة: 25] فاقض واحكم بيننا وبين ~~القوم العاصين. # قال فإنها: فإن الأرض المقدسة محرمة عليهم: ممنوعة منهم دخولها أربعين ~~سنة: قال ابن عباس: حرم الله على الذين عصوا دخول بيت المقدس فماتوا في ~~التيه، ولم يدخل بيت المقدس ممن خرج من مصر أحد، لا موسى ولا هارون إلا ~~الرجلان اللذان قالا: ادخلوا عليهم الباب، يوشع وكالب، دخلا بأبناء الذين ~~خرجوا من مصر بعدما تاهوا أربعين سنة. # وقال الكلبي: قال الله تعالى لموسى: إذ سميتهم فاسقين فإنها محرمة عليهم. # وقوله: {يتيهون في الأرض} [المائدة: 26] يقال: تاه يتيه توها وتيها إذا ~~تحير ولم يهتد، وأرض تيه، وتيهاء، ومتيهة: يتيه فيها الإنسان. # قال مجاهد والحسن: كانوا يصبحون حيث أمسوا، ويمسون حيث أصبحوا. # وقوله: {فلا تأس على القوم الفاسقين} [المائدة: 26] قال ابن عباس: يريد: ~~لا تحزن على القوم الذين عصوك وعصوني. # PageV02P175 # {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا ms0468 فتقبل من أحدهما ولم ~~يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين {27} لئن بسطت ~~إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ~~{28} إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء ~~الظالمين {29} فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين {30} فبعث ~~الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن ~~أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين {31} من أجل ذلك ~~كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما ~~قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا ~~بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون {32} } [المائدة: ~~27-32] قوله عز وجل: واتل عليهم: واقرأ على قومك نبأ: خبر ابني آدم: قابيل ~~وهابيل بالحق: كما كان {إذ قربا قربانا} [المائدة: 27] كان هابيل صاحب غنم ~~فنظر إلى خير كثير فتقرب إلى الله تعالى، ونظر قابيل إلى شر قمحه فتقرب به ~~إلى الله تعالى، فنزلت نار من السماء فاحتملت قربان هابيل، ولم تحمل قربان ~~قابيل، فعلم أن الله تعالى قد قبل من أخيه ولم يقبل منه فحسده، وهو قوله: ~~{فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال} [المائدة: 27] ~~هابيل: {إنما يتقبل الله من المتقين} [المائدة: 27] قال ابن عباس: قال له ~~هابيل: إنما يتقبل الله ممن كان زاكي القلب. # والمعنى: من المتقين للمعاصي. # قوله جل جلاله: {لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك} ~~[المائدة: 28] يقول هابيل لأخيه: لئن بدأتني بالقتل فما أنا بالذي أبدؤك ~~بالقتل {إني أخاف الله رب العالمين} [المائدة: 28] في قتلك. # PageV02P176 # {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} [المائدة: 29] قال ابن عباس، والحسن، ~~وقتادة: تحتمل إثم قتلي وإثمك الذي كان منك قبل قتلي. # وقال الزجاج: ترجع إلى الله بإثم قتلي وإثمك الذي من أجله لم يتقبل ~~قربانك، {فتكون من أصحاب النار} [المائدة: 29] بالإثمين، {وذلك جزاء ms0469 ~~الظالمين} [المائدة: 29] قال ابن عباس: يريد: إن جهنم جزاء من قتل أخاه ~~ظلما. # قوله جل جلاله: {فطوعت له نفسه قتل أخيه} [المائدة: 30] قال مجاهد: شجعته ~~نفسه على قتل أخيه. # وقال قتادة: زينت له نفسه. # وقال ابن زباب: سهلت له ذلك. # واختاره الأزهري فقال: المعنى: سهلت له نفسه قتل أخيه، أي: جعلته سهلا ~~وهونته. # وتقدير الكلام: فصورت له نفسه أن قتل أخيه طوع له سهل عليه. # {فأصبح من الخاسرين} [المائدة: 30] قال ابن عباس: خسر دنياه وآخرته، أما ~~الدنيا فأسخط والديه وبقى بلا أخ، وأما الآخرة فأسخط ربه وصار إلى النار. ### | 281 - # أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا حاجب بن أحمد، حدثنا ~~محمد بن حماد، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، ~~عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تقتل نفس ~~ظلما إلا كان على ابن آدم كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل» رواه مسلم، ~~عن ابن نمير، عن أبي معاوية. # ورواه البخاري، عن عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه كلاهما، عن الأعمش ### | 282 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن علي القاضي، حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن ~~إسحاق # PageV02P177 # الصغاني، حدثنا عفان، حدثنا همام، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله ~~بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ابن آدم الذي قتل أخاه ~~عليه نصف عذاب أهل النار» ### | 283 - # أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر الغازي، أخبرنا محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ، ~~حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الرفاء، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا ~~سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن عبد ~~الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أشقى الناس رجلان: ~~عاقر ناقة ثمود، وابن آدم الذي قتل أخاه، ما يسفك على الأرض دم إلا لحقه ~~منه شيء لأنه أول من سن القتل " # قوله عز وجل: {فبعث الله ms0470 غرابا يبحث في الأرض} [المائدة: 31] قال ~~المفسرون: إن قابيل لما قتل أخاه تركه بالعراء ولم يدر ما يصنع به، لأنه ~~كان أول ميت على وجه الأرض من بني آدم، فحمله في جراب على ظهره حتى أروح ~~{فبعث الله غرابا يبحث في الأرض} [المائدة: 31] يثير التراب من الأرض. # قال ابن عباس: وكانا غرابين اقتتلا فقتل أحدهما صاحبه، وقابيل ينظر، ثم ~~بحث في الأرض حتى جعل له حفرة فدفنه فيها، ففعل قابيل مثلما فعل الغراب. # PageV02P178 # وتقدير الكلام: يبحث في الأرض على غراب ميت {ليريه كيف يواري سوءة أخيه} ~~[المائدة: 31] كيف يستر جيفة أخيه قال قابيل: يا ويلتى أي: قد لزمني الويل ~~بحملي جيفة ميت، {أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من ~~النادمين} [المائدة: 31] على حمله والتطواف به حين رأى الغراب فعل ذلك. # قوله تعالى: {من أجل ذلك} [المائدة: 32] أي: بسبب قتل قابيل أخاه {كتبنا ~~على بني إسرائيل} [المائدة: 32] قال عطاء: قضينا. # وقال الكلبي: فرضنا على بني إسرائيل. # {أنه من قتل نفسا بغير نفس} [المائدة: 32] وجب عليه القصاص {أو فساد في ~~الأرض} [المائدة: 32] يعني: الإشراك بالله، {فكأنما قتل الناس جميعا} ~~[المائدة: 32] قال مجاهد: من قتل نفسا محرمة يصلى النار بقتلها، كما يصلاها ~~لو قتل الناس جميعا. # وقال الحسن: يجب عليه القصاص بقتلها مثل الذي يجب عليه القتل لو قتل ~~الناس جميعا. # وقال سعيد بن جبير: من استحل قتل نفس فهو كذلك في دماء الناس كلهم لا ~~يتحرج لها، ومن أحياها: مخافة من الله، وتحرجا من قتلها فكذلك يرى دماء ~~الناس كلهم حراما. # وهذا كما يروى عن قتادة، والضحاك أنهما قالا: عظم الله أجرها، وعظم ~~وزرها، فمن استحل قتل مسلم بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا، لأنهم لا ~~يسلمون منه، ومن أحياها فحرمها وتورع عن قتلها {فكأنما أحيا الناس جميعا} ~~[المائدة: 32] لسلامتهم عنه. # قال مجاهد: ومن لم يقتلها فقد أحياها. # قوله: {ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات} [المائدة: 32] قال ابن عباس: بأن لهم ~~صدق ما جاءوا به من الفرائض والحلال والحرام. # {ثم ms0471 إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون} [المائدة: 32] مجاوزون حد ~~الحق. # {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا ~~أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي ~~في الدنيا ولهم في # PageV02P179 # الآخرة عذاب عظيم {33} إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا ~~أن الله غفور رحيم {34} يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ~~وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون {35} إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض ~~جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب ~~أليم {36} يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ~~{37} } [المائدة: 33-37] قوله عز وجل: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ~~ورسوله} [المائدة: 33] الآية: نزلت في قصة العرنيين، وهي ما ### | 284 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله الشيباني، أخبرنا إسماعيل بن نجيد، ~~أخبرنا أبو مسلم الكجي، حدثنا عبد الرحمن بن حماد، حدثنا سعيد بن أبي ~~عروبة، عن قتادة، عن أنس، أن رهطا من عكل وعرينة أتوا رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله أنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، ~~فاستوخمنا المدينة، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود أن يخرجوا ~~فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم واستاقوا الزود، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فأتي ~~بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا على ~~حالهم قال قتادة: ذكر لنا أن الآية نزلت فيهم {إنما جزاء الذين يحاربون ~~الله ورسوله} [المائدة: 33] الآية. # رواه مسلم، عن ابن المثنى، عن عبد الأعلى، عن سعيد، إلى قوله قتادة # PageV02P180 # ومعنى {يحاربون الله ورسوله} [المائدة: 33] يعصونهما ولا يطيعونهما، وكل ~~من عصاك فهو حرب لك. # {ويسعون في الأرض فسادا} [المائدة: 33] أي: بالقتل والسرقة وأخذ الأموال، ~~فكل من أخذ السلاح على المسلمين فهو محارب لله ورسوله، وإن كان في بلد ~~كالمكابر في ms0472 البلاد، وهذا قول مالك، والأوزاعي، ومذهب الشافعي. # وقوله تعالى: أن يقتلوا إلى قوله: {أو ينفوا من الأرض} [المائدة: 33] قال ~~الوالبي، عن ابن عباس: أو دخلت للتخيير ومعناها: الإباحة، إن شاء الإمام ~~قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء نفى. # وهذا قول الحسن، وسعيد بن المسيب، ومجاهد. # وقال ابن عباس في رواية عطية: أو ليست للإباحة، إنما هي مرتبة للحكم ~~باختلاف الجناية، فمن قتل وأخذ المال صلب وقتل، ومن أخذ المال ولم يقتل ~~قطع، ومن سفك الدماء وكف عن الأموال قتل، ومن أخاف السبيل ولم يقتل نفي، ~~وهذا قول قتادة، والسدي، ومذهب الشافعي. # قال الشافعي: ويحد كل واحد بقدر فعله، فمن وجب عليه القتل والصلب قتل قبل ~~صلبه كراهية تعذيبه، ويصلب ثلاثا ثم ينزل، ومن وجب عليه القتل دون الصلب ~~قتل، ودفع إلى أهله يدفنونه، ومن وجب عليه القطع دون القتل قطعت يده اليمنى ~~ثم حسمت، ثم رجله اليسرى، ثم حسمت، وذلك معنى قوله: من خلاف. # وقوله: {أو ينفوا من الأرض} [المائدة: 33] قال ابن عباس: هو أن يهدر ~~الإمام دمه، فيقول: من لقيه فليقتله، هذا فيمن لم يقدر عليه. # فأما المقبوض عليه فنفيه من الأرض بالحبس والسجن، لأنه إذا سجن وضع من ~~التقلب في البلاد فقد نفي منها. # أنشد ابن قتيبة، وابن الأنباري قول بعض المسجونين: # خرجنا من الدنيا ونحن من اهلها ... فلسنا من الأحياء فيها ولا موتى # PageV02P181 # إذا جاءنا السجان يوما لحاجة ... عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا # وقوله {ذلك لهم خزي في الدنيا} [المائدة: 33] أي: فضيحة وهوان، {ولهم في ~~الآخرة عذاب عظيم} [المائدة: 33] وهذا للكفار الذين نزلت فيهم الآية. # ثم جرى حكم هذه الآية على المحاربين من المسلمين، فبقى العذاب العظيم في ~~الآخرة للكافرين. # والمسلم إذا عوقب بجنايته في الدنيا كانت عقوبته كفارة له. # قوله تعالى: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} [المائدة: 34] ~~أكثر أهل التفسير: على أن المراد بهذا الاستثناء المشرك المحارب إذا آمن ~~وأصلح قبل القدرة عليه سقط عنه جميع الحدود التي ذكرها الله تعالى، ولا ms0473 ~~يطالب بشيء مما أصاب، لا مال ولا دم، وكذلك لو آمن من بعد القدرة عليه لم ~~يطالب بشيء. # قال الزجاج: جعل الله التوبة للكفار تدرأ عنهم الحدود التي وجبت عليهم في ~~كفرهم ليكون ذلك أدعى إلى الدخول في الإسلام. # فأما المسلم المحارب إذا تاب واستأمن من قبل القدرة عليه، فقال السدي: هو ~~كالكافر إذا آمن لا يطالب بشيء إلا إذا أصيب عنده مال بعينه فإنه يرد إلى ~~أهله. # وبهذا حكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حارثة بن بدر، وكان قد خرج ~~محاربا وذلك ما # PageV02P182 ### | 285 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا أبو يحيى ~~الرازي، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا يحيى، حدثنا خالد، عن عامر، قال: كان ~~حارثة بن بدر التميمي أفسد في الأرض وحارب، فأتى سعيد بن قيس فانطلق سعيد ~~إلى علي رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين ما جزاء من حارب وسعى في ~~الأرض فسادا؟ قال: أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ~~ينفوا من الأرض، قال: فإن تاب قبل أن يقدر عليه، قال: تقبل توبته، قال: ~~فإنه حارث بن بدر فأتاه به فأمنه، وكتب له كتابا # وقال الشافعي: يسقط عنه بتوبته قبل القدرة عليه حد الله، ولا تسقط حقوق ~~بني آدم ما كان قصاصا أو مظلمة في مال. # قوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله} [المائدة: 35] أي: اتقوا ~~عقابه بطاعته، وابتغوا: اطلبوا {إليه الوسيلة} [المائدة: 35] : ومعنى ~~الوسيلة: الوصلة والقربة من وسل إليه، إذا تقرب إليه. # قال ابن عباس: {وابتغوا إليه الوسيلة} [المائدة: 35] القربة. # وقال قتادة: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. # وقال الكلبي: اطلبوا إليه القربة بالأعمال الصالحة. # {وجاهدوا في سبيله} [المائدة: 35] في طاعته لعلكم تفلحون كي تسعدوا ~~وتبقوا في الجنة. # قوله تعالى: {إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا} [المائدة: 36] ~~الآية: أخبرنا الله تعالى أن # PageV02P183 # الكافر يوم القيامة لو ملك الدنيا كلها ومثلها معها، ثم فدى بذلك نفسه من ~~العذاب لم يقبل منه ms0474 ذلك الفداء، ثم أخبر أنهم خالدون في النار لا يخرجون، ~~فقال: {يريدون أن يخرجوا من النار} [المائدة: 37] وإرادتهم الخروج يحتمل ~~وجهين: أحدهما: أنهم يقصدون ذلك ويطلبون المخرج منها، كما قال الله تعالى: ~~{كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} [السجدة: 20] . # والثاني: أنهم يتمنون ذلك ويردونه بقلوبهم، كقوله تعالى: {ربنا أخرجنا ~~منها} [المؤمنون: 107] ، قال الله تعالى {وما هم بخارجين منها} [المائدة: ~~37] ### | 286 - # أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، أخبرنا أبو علي بن أبي موسى، أخبرنا ~~الحسين بن محمد بن مصعب، حدثنا يحيى بن حكيم، حدثنا أبو داود، حدثنا ~~المسعودي، عن يزيد الفقير، عن جابر، قال: يخرج قوم من النار بعد أن ~~احترقوا، قال: قلت: أليس الله يقول {يريدون أن يخرجوا من النار وما هم ~~بخارجين منها} [المائدة: 37] قال: اقرأ ما قبلها، إنما هذه للكفار {إن ~~الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه} [المائدة: 36] الآية ~~كلها # {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله ~~عزيز حكيم {38} فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور ~~رحيم {39} ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن ~~يشاء والله على كل شيء قدير {40} } [المائدة: 38-40] قوله عز وجل: {والسارق ~~والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38] قال الحسن، والسدي، والشعبي: أراد ~~الأيمان. # PageV02P184 # وكذلك في قراءة عبد الله: فاقطعوا أيمانهما وأراد: يمينا من هذا ويمينا ~~من هذه فجمع، قال الفراء، والزجاج: كل شيء موحد من خلق الإنسان إذا ذكر ~~مضافا إلى اثنين فصاعدا جمع، فقيل: قد هشمت رءوسهما، وملئت ظهورهما ~~وبطونهما ضربا. # ومثله قوله تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4] ، ~~وذلك أن الإضافة تبين أن المراد بالجمع التثنية، فإذا قلت: شبعت بطونهما، ~~علم أن للاثنين بطنين، والتثنية في هما أغنتك عن التثنية في بطن. # وهذه الآية مجملة في إيجاب القطع على السارق، وتفصيل ذلك مأخوذ من السنة، ~~وقوله: {جزاء بما كسبا} [المائدة: 38] قال الزجاج: نصب لأنه مفعول له، ~~والمعنى: فاقطعوهما لجزاء ms0475 فعلهما، وكذلك: {نكالا من الله} [المائدة: 38] ~~قال ابن شهاب: نكل الله بالقطع في السرقة عن أموال الناس. # والله عزيز: في انتقامه من السارق، حكيم: فيما أوجبه من قطع يده. # قال الأصمعي: كنت أقرأ { [المائدة وبجنبي أعرابي، فقرأت هذه ال:، فقلت: ~~نكالا من الله والله غفور رحيم. # سهوا، فقال الأعرابي: كلام من هذا؟ قلت: كلام الله. # قال: أعد. # فأعدت: والله غفور رحيم. # فقال: ليس هذا كلام الله. # فتنبهت وقرأت:] والله عزيز حكيم} [المائدة: 38] ، فقال: أصبت هذا كلام ~~الله. # قلت له: أتقرأ القرآن؟ قال: لا. # قلت: فمن أين علمت أني أخطأت؟ قال: يا هذا، عز فحكم فقطع، ولو غفر ورحم ~~لما قطع. # قوله عز وجل: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه} [المائدة: ~~39] قال ابن عباس: أي تاب بنية صادقة، وترك ظلم الناس، فإن الله يتجاوز عنه ~~ولا يسقط عنه القطع بالتوبة. # قال مجاهد: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح} [المائدة: 39] تاب الله عليه، ~~والحد كفارة له. # وقال الكلبي: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح} [المائدة: 39] العمل بعد القطع ~~والسرقة فإن الله يتجاوز عنه. # قوله تعالى: {ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء} ~~[المائدة: 40] قال الضحاك: يعذب من يشاء على الذنب الصغير إذا قام عليه، ~~{ويغفر لمن يشاء} [المائدة: 40] الذنب الكبير إذا نزع عنه. # وقال السدي: يهدي من يشاء فيغفر له، ويعذب من يشاء فيميته على كفره. # PageV02P185 # {يأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا ~~بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين ~~لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم ~~تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم ~~يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم {41} ~~سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض ~~عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم ms0476 بالقسط إن الله يحب المقسطين ~~{42} وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما ~~أولئك بالمؤمنين {43} إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون ~~الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله ~~وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ~~ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون {44} } [المائدة: 41-44] ~~قوله جل جلاله: {يأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} [المائدة: ~~41] قال الزجاج: أي: لا يحزنك مسارعتهم في نصرة الكفر إذ كنت موعودا النصر ~~عليهم. # وقوله: {من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم} [المائدة: 41] ~~قال ابن عباس: هم المنافقون {ومن الذين هادوا} [المائدة: 41] يعني: يهود ~~المدينة {سماعون للكذب} [المائدة: 41] أي: فريق سماعون للكذب يسمعون منك ~~ليكذبوا عليك، أي: إنما يجالسونك ويسمعون منك ليكذبوا عليك، ويقولوا إذا ~~خرجوا من عندك: سمعنا منه كذا وكذا ولم يسمعوا ذلك منك. # {سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} [المائدة: 41] يعني: يهود خيبر. # قال الزجاج: أي: هؤلاء عيون لأولئك الغيب، ينقلون إليهم أخبارك. # {يحرفون الكلم من بعد مواضعه} [المائدة: 41] من بعد أن وضعه الله مواضعه، ~~يعني: آية الرجم، يقولون يعني: يهود # PageV02P186 # خيبر ليهود المدينة: {إن أوتيتم هذا فخذوه} [المائدة: 41] قال المفسرون: ~~إن رجلا وامرأة من أشرف أهل خيبر زنيا فكان حدهما الرجم، فكرهت اليهود ~~رجمهما لشرفهما، فبعثوا الزانيين إلى بني قريظة ليسألوا محمدا صلى الله ~~عليه وسلم عن قضائه في الزانيين إذا أحصنا، ما حدهما، قالوا: إن أفتاكم ~~بالجلد فخذوه واجلدوا الزانيين، وإن أفتاكم بالرجم فلا تعملوا به. # فذلك قوله تعالى: {إن أوتيتم هذا} [المائدة: 41] يعني: الجلد، فخذوه: ~~فاقبلوه واعملوا به، {وإن لم تؤتوه} [المائدة: 41] يعني: الجلد، فاحذروا أن ~~تعملوا بغير الجلد. ### | 287 - # حدثنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، إملاء سنة عشر وأربع مائة، ~~أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي، حدثنا محمد بن حماد الأبيوردي، حدثنا أبو ~~معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب، قال: مر على ~~النبي ms0477 صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما مجلودا، فدعاهم، فقال: هكذا تجدون ~~حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلا من أشرافهم، فقال: أنشدك بالله ~~الذي أنزل التوراة على موسى هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ~~ولولا أنك نشدتني لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتاب الرجم، ولكنه كثر في ~~أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه حد ~~الله، فقلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على ~~التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني ~~أول من أحيا أمرك إذ أماتوه» ، فأمر به فرجم، فأنزل الله تعالى {يأيها ~~الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إلى قوله إن أوتيتم هذا فخذوه} ~~[المائدة: 41] يقولون: ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فإن أفتاكم بالتحميم ~~والجلد فخذوا به، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا رواه مسلم، عن يحيى بن يحيى، ~~عن أبي معاوية # وقوله: {ومن يرد الله فتنته} [المائدة: 41] قال ابن عباس، ومجاهد: ~~ضلالته. # وقال الحسن، وقتادة: عذابه. # وقال # PageV02P187 # الزجاج: قيل: فضيحته. # وقيل: كفره. # {فلن تملك له من الله شيئا} [المائدة: 41] لن تغني عنه، ولن تدفع عذاب ~~الله عنه، {أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم} [المائدة: 41] وقال ~~ابن عباس: أن يخلص نياتهم. # وقال الزجاج: أن يهديهم. # ودلت هذه الآية على أن الله تعالى غير مريد إسلام الكافر، وأنه لم يطهر ~~قلبه من الشك والشرك، ولو فعل ذلك لآمن، فهذه الآية من أشد الآيات على ~~القدرية. # وقوله: {لهم في الدنيا خزي} [المائدة: 41] خزي المنافقين: هتك سترهم ~~بإطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على كفرهم، وخزي اليهود: فضيحتهم بظهورهم ~~وكذبهم في كتابه الرجم وأخذ الجزية منهم. # {ولهم في الآخرة عذاب عظيم} [المائدة: 41] وهو الخلود في النار. # قوله جل جلاله: سماعون للكذب: قال الحسن: يعني حكام اليهود يسمعون الكذب ~~ممن يكذب عندهم في دعواهم، ويأتيهم برشوة فيأخذونها ويأكلونها، فسمعوا ~~كذبه، وأكلوا رشوته فهو قوله: أكالون للسحت: وهو كل حرام قبيح الذكر يلزم ~~منه ms0478 العار، والمراد بالسحت ههنا: الرشوة في الحكم. # قال مسروق: كنت جالسا عند عبد الله بن مسعود، فقال له رجل: ما السحت؟ ~~قال: الرشى في الحكم. ### | 288 - # أخبرنا الفضل بن أحمد بن محمد بن إبراهيم، أخبرنا أبو علي بن أبي موسى، ~~أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي، حدثنا أبو جعفر محمد بن ~~عمرو بن نافع، حدثنا علي بن الحسن السامي، # PageV02P188 # حدثنا خليد بن دعلج، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «من أخذ رشوة في الحكم كانت سترا بينه وبين الجنة» # وقوله: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} [المائدة: 42] هذا تخيير ~~للنبي صلى الله عليه وسلم في الحكم بين أهل الكتاب إذا تحاكموا إليه، إن ~~شاء حكم وإن شاء ترك. # قال إبراهيم، والشعبي، وعطاء، وقتادة: هذا التخيير ثابت اليوم لحكام ~~المسلمين، إن شاءوا حكموا بينهم بحكم الإسلام، وإن شاءوا أعرضوا. # وقال الحسن، وعكرمة، والسدي: هذا التخيير منسوخ بقوله {وأن احكم بينهم ~~بما أنزل الله} [المائدة: 49] ، ومذهب الشافعي رضي الله عنه أنه يجب على ~~الحاكم منا أن يحكم بين أهل الذمة الذين قبلوا الجزية، ورضوا بجريان ~~أحكامنا عليهم إذا تحاكموا إليه، لأن في إمضاء حكم الإسلام عليهم صغارا ~~لهم. # وقوله: {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} [المائدة: 42] قال عكرمة، عن ابن ~~عباس: كان النضير أشرف من قريظة، فكان إذا قتل رجل النضير رجلا من قريظة ~~أدى مائة وسق من تمر، وإذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير قتل، فلما بعث ~~النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجل من النضير رجلا من قريظة، فقالوا: ادفعوه ~~إلينا نقتله. # فقالوا: بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وسلم. # فأتوه فنزلت: {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} [المائدة: 42] النفس بالنفس. # قوله عز وجل: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله} [المائدة: 43] ~~هذا تعجيب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم # PageV02P189 # من تحكيم اليهود إياه بعد علمهم بما في التوراة من حكم الزاني وحده، ثم ~~إعراضهم وتركهم القبول لحكمه، فعدلوا ms0479 عما يعتقدونه حكما إلى ما يجحدون أنه ~~من عند الله طلبا للرخصة، فظهر جهلهم في هذه القصة. # وقوله: {فيها حكم الله} [المائدة: 43] قال ابن عباس: يريد: الرجم، {ثم ~~يتولون من بعد ذلك} [المائدة: 43] أي: يعرضون عما في التوراة من الحكم، ~~{وما أولئك بالمؤمنين} [المائدة: 43] وما أولئك الذين يعرضون عن الرجم ~~بالمؤمنين. # قوله تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى} [المائدة: 44] بيان الحكم ~~الذي جاءوا يستفتون فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ونور: بيان أن أمر محمد ~~صلى الله عليه وسلم حق، {يحكم بها النبيون} [المائدة: 44] من لدن موسى إلى ~~عيسى. # قال ابن عباس: وذلك أن الله بعث في بني إسرائيل ألوفا من الأنبياء ليس ~~معهم كتاب، إنما بعثهم بإقامة التوراة، وهو قوله: الذين أسلموا أي: الذين ~~انقاضوا لحكم التوراة. # للذين هادوا: قال ابن عباس: تابوا من الكفر، أي: يحكمون بالتوراة لهم ~~وفيما بينهم. # والربانيون والأحبار فقهاء اليهود وعلماؤهم، واحدها حبر وحبر {بما ~~استحفظوا من كتاب الله} [المائدة: 44] قال ابن عباس: بما استودعوا وكلفوا ~~حفظه من كتاب الله، {وكانوا عليه شهداء} [المائدة: 44] كانوا شهداء على ~~الكتاب أنه من عند الله، {فلا تخشوا الناس} [المائدة: 44] في إظهار صفة ~~محمد صلى الله عليه وسلم. # واخشون في كتمان ذلك والخطاب لعلماء اليهود ولا تشتروا: ولا تستبدلوا ~~بآياتي: بأحكامي وفرائضي ثمنا قليلا يعني: متاع الدنيا وهو قليل، لأنه ~~ينقطع ويذهب. # {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] اختلفوا ~~في هذا وفيما بعده من قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم ~~الظالمون} [المائدة: 45] ، {فأولئك هم الفاسقون} [المائدة: 47] فقال جماعة: ~~إن الآيات الثلاث نزلت في الكفار ومن غير حكم الله من اليهود، وليس في أهل ~~الإسلام منها شيء، لأن المسلم وإن ارتكب كبيرة لا يقال له كافر، وهذا قول ~~قتادة، والضحاك، وأبي صالح، ورواية البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم. # PageV02P190 ### | 289 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أخبرنا أبو الهيثم أحمد بن ~~محمد بن غوث الكندي، حدثنا محمد بن عبد الله ms0480 بن سليمان الحضرمي، حدثنا أبو ~~بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن ~~البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديا ويهودية، ثم ~~قال: " {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] {ومن ~~لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [المائدة: 45] {ومن لم يحكم بما ~~أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [المائدة: 47] قال: نزلت كلها في الكفار ". # رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة # قال قتادة في الآيات الثلاث: ليست والله كما تأولها أهل الشبهات وأهل ~~البدع وأهل الفرى على الله وعلى كتابه، وإنما أنزل ما تسمعون في أهل الكتاب ~~حينما نبذوا كتاب الله، وعطلوا حدوده، وتركوا أمره، وقتلوا رسله. # وقال الوالبي عن ابن عباس: من جحد شيئا من حدود الله فقد كفر، ومن أقرها ~~ولم يحكم بها فهو ظالم فاسق. # وقال طاووس: قلت لابن عباس: ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر؟ قال: هو ~~به كفر وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله. # وقال عبد العزيز بن يحيى: إنها تقع على جميع ما أنزل الله لا على بعضه، ~~وكل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ظالم فاسق، وأما من حكم بما أنزل ~~الله من التوحيد وترك الشرك، ثم لم يحكم بما أنزل الله من الشرائع فليس هو ~~من أهل هذه الآية. # وقال ابن مسعود، والحسن، والسدي: هذه الآيات عامة في اليهود، وفي هذه ~~الأمة فكل من ارتشى وبدل الحكم، فحكم بغير حكم الله فقد كفر. # PageV02P191 ### | 290 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان، حدثنا أبو ~~يحيى الرازي، حدثنا سهل بن عثمان العسكري، حدثنا أبو عبيدة، عن عمار، عن ~~مسلم بن صبيح، عن مسروق، عن ابن مسعود، قال: ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو ~~كافر، ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو ظالم، ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو ~~فاسق # {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ms0481 والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن ~~بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما ~~أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [المائدة: 45] قوله عز وجل: {وكتبنا عليهم ~~فيها أن النفس بالنفس} [المائدة: 45] قال الوالبي عن ابن عباس: أخبر الله ~~بحكمه في التوراة وهو أن النفس تقتل بالنفس، إلى قوله: {والجروح قصاص} ~~[المائدة: 45] : فما بالهم يخالفون فيقتلون بالنفس النفسين، ويفقئون بالعين ~~العينين. # وقال مجاهد عن ابن عباس: إن الله كتب على بني إسرائيل القصاص في القتل، ~~ليس بينهم دية في نفس ولا جرح، وذلك قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن ~~النفس} [المائدة: 45] تقتل {بالنفس والعين} [المائدة: 45] تفقأ بالعين. # ومن رفع العين فإنه عطف جملة على جملة، ولم يجعل الواو للاشتراك في ~~الناصب كما جعله من نصب. # وقوله: والجروح قصاص: تعميم بعد التخصيص، لأنه ذكر العين بالعين والأنف ~~بالأنف وما بعدهما، وهذا من # PageV02P192 # الجروح أيضا، والقصاص في الجروح إنما يثبت فيما يمكن أن يقتص فيه، مثل ~~الشفتين والذكر والأنثيين والقدمين واليدين، فأما ما لا يمكن القصاص فيه من ~~رضة لحم أو كسر عظم أو جراحة في البطن ففيه أرش. # وقوله: {فمن تصدق به} [المائدة: 45] أي: عفا عن القصاص الذي وجب له {فهو ~~كفارة له} [المائدة: 45] قال ابن عباس: مغفرة له عند الله وثواب عظيم. # وقال الشعبي: كفارة لمن تصدق به. ### | 291 - # أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا ~~الحسين بن محمد الدينوري، حدثنا عمر بن الخطاب، حدثنا عبد الله بن الفضل، ~~حدثنا أبو خيثمة، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن عبادة بن الصامت، ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تصدق من جسده بشيء كفر الله ~~عنه بقدره من ذنوبه» # {وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة ~~وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة ~~للمتقين {46} وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل ~~الله فأولئك هم الفاسقون ms0482 {47} } [المائدة: 46-47] قوله جل جلاله: {وقفينا ~~على آثارهم بعيسى ابن مريم} [المائدة: 46] أي: جعلناه يقفو آثار النبيين ~~الذين كانوا قبله، أي: يتبعهم في شرعهم وكتابهم، وهو قوله: {مصدقا لما بين ~~يديه من التوراة} [المائدة: 46] بعث عيسى بتصديقه. # {وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة} ~~[المائدة: 46] ليس هذا تكريرا للأول، لأن الأول # PageV02P193 # لعيسى، والثاني للإنجيل، لأن الإنجيل أنزل وفيه ذكر التصديق بالتوراة، ~~كما أن عيسى جاء يدعو الناس إلى التصديق بالتوراة. # وقوله: وهدى وموعظة معناه: هاديا وواعظا للمتقين: الذين يتقون الشرك. # قوله جل جلاله: {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه} [المائدة: 47] ~~هذا إخبار عما فرض عليهم في ذلك الوقت من الحكم بما تضمنه الإنجيل. # والتقدير: قلنا: وليحكم أهل الإنجيل، ثم حذف القول، وحذف القول في القرآن ~~كثير، واللام في ليحكم لام الأمر، ولذلك جزم: وليحكم، وقرأ حمزة: وليحكم ~~بكسر اللام وفتح الميم على معنى: آتيناه الإنجيل ليحكم، فيكون كقوله: {إنا ~~أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس} [النساء: 105] . # {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ~~فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا ~~منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم ~~فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون {48} ~~وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ~~ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ~~وإن كثيرا من الناس لفاسقون {49} أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله ~~حكما لقوم يوقنون {50} } [المائدة: 48-50] قوله عز وجل: {وأنزلنا إليك ~~الكتاب بالحق} [المائدة: 48] الآية: قال قتادة: لما أخبر الله تعالى بصنيع ~~أهل الكتاب قبلكم وبحكمهم بغير ما أنزل الله، وعظ نبيه صلى الله عليه وسلم ~~والمؤمنين بموعظة بليغة، فقال: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق} [المائدة: 48] ~~قال مقاتل: يعني: القرآن لم ينزل عبثا. # {مصدقا لما بين يديه من الكتاب} [المائدة: 48] قال ms0483 ابن عباس: يريد: كل ~~كتاب أنزله الله تعالى على الأنبياء. # ومهيمنا عليه: قال الوالبي، والسدي، وقتادة، والحسن: أمينا وشاهدا على ~~الكتب التي خلت قبله، فما أخبر # PageV02P194 # أهل الكتاب بأمر، فإن كان في القرآن فصدقوا، وإلا فكذبوا. # وقال جماعة من أهل اللغة: المهيمن: الرقيب الحافظ، يقال: هيمن الرجل ~~يهيمن هيمنة إذا كان رقيبا على الشيء، وهو قول الخليل، وأبي عبيدة، قال أبو ~~عبيدة: المهيمن: الشاهد المصدق، واحتج بقول حسان: # إن الكتاب مهيمن لنبينا ... والحق يعرفه ذوو الألباب # وقوله: {فاحكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة: 48] يعني: بين اليهود ~~بالقرآن، والرجم على الزانيين، {ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} ~~[المائدة: 48] يقول: لا تتبعهم عما عندك من الحق فتتركه وتتبعهم، كما تقول: ~~لا تتبع زبدا عن رأيك، أي: لا تترك رأيك وتتبعه. # وقوله: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} [المائدة: 48] الشرعة والشريعة ~~واحدة، وهي ما شرع الله للعباد من الصلاة والصوم والنكاح والحج وغيره، ~~معناها في اللغة: الطريقة، لشروع الناس فيها. # والمنهاج الطريق الواضح، يقال: نهج الأمر. # وأنهج. # لغتان، إذا وضح، قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد: شرعة ومنهاجا: سبيلا ~~وسنة. # قال قتادة: الخطاب للأمم الثلاث: أمة موسى، وأمة عيسى، وأمة محمد صلوات ~~الله عليهم أجمعين: للتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة، والدين ~~واحد لا يقبل الله إلا الإخلاص. # وقوله: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} [المائدة: 48] على أمر واحد، ملة ~~الإسلام، ولكن ليبلوكم أي: ليختبركم {في ما آتاكم} [المائدة: 48] أعطاكم من ~~الكتاب والسنن، فاستبقوا الخيرات: سارعوا في الأعمال الصالحات، {إلى الله ~~مرجعكم جميعا} [المائدة: 48] أنتم وأهل الكتاب {فينبئكم بما كنتم فيه ~~تختلفون} [المائدة: 48] من الفرائض والدية والسنن. # وقوله: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة: 49] ، قد ذكرنا أن هذا ~~ناسخ للتخيير في قوله: {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} [المائدة: 42] . # ومعنى بما أنزل الله بحدود الله وما أنزل في كتابه. # {ولا تتبع أهواءهم} [المائدة: 49] قال مقاتل: إن رؤساء اليهود # PageV02P195 # قال بعضهم لبعض: انطلق بنا إلى محمد لعلنا نفتنه ونرده عما هو عليه، ~~فإنما هو بشر ms0484. # فأتوه، وقالوا له: قد علمت أنا إن اتبعناك لاتبعك الناس، وإن لنا خصومة، ~~فاقض لنا على خصومنا إذا تحاكمنا إليك ونحن نؤمن بك ونصدقك، فأنزل الله ~~تعالى: {ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} ~~[المائدة: 49] قال ابن عباس: يردوك إلى أهوائهم. # قال أبو عبيدة: كل من صرف عن الحق إلى الباطل، وأميل عن القصد فقد فتن. # وقوله: فإن تولوا: فإن أعرضوا عن الإيمان والقرآن {فاعلم أنما يريد الله ~~أن يصيبهم} [المائدة: 49] إن إعراضهم من أجل أن الله يريد أن يعجل لهم ~~العقوبة في الدنيا بالقتل والجلاء والجزية، ببعض ذنوبهم، ويجازيهم بالباقي ~~في الآخرة، {وإن كثيرا من الناس لفاسقون} [المائدة: 49] يعني: اليهود. # قوله جل جلاله: {أفحكم الجاهلية يبغون} [المائدة: 50] قال المفسرون: ~~معناه: أتطلب اليهود في حكم الزانيين حكما لم يأمر الله تعالى به، وهم أهل ~~الكتاب كما يفعل أهل الجاهلية. # وقرا ابن عامر: تبغون بالتاء: على معنى: قل لهم يا محمد: أفحكم الجاهلية ~~تبغون؟ {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة: 50] قال الزجاج: أي: ~~من أيقن تبين عدل الله في حكمه. # {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ~~ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين {51} فترى الذين ~~في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي ~~بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين {52} ويقول ~~الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت ~~أعمالهم فأصبحوا خاسرين {53} } قوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا ~~اليهود والنصارى أولياء} [المائدة: 51] قال عطية: جاء عبادة بن الصامت، ~~فقال: يا رسول الله إن لي موالي من اليهود كثير عددهم حاضر نصرهم، وإني ~~أبرأ إلى الله تعالى ورسوله من ولاية اليهود، وآوي إلى الله ورسوله. # فقال عبد الله بن أبي: لكن أخاف الدوائر ولا أبرأ من ولاية اليهود، فأنزل ~~الله تعالى فيهما هذه الآية والتي بعدها. # PageV02P196 # ومعنى لا تتخذوهم أولياء ms0485: لا تعتمدوا على الاستنصار بهم، ولا توالوهم. ### | 292 - # أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي فيما أجاز لي، أخبرني محمد بن الحسين ~~الحدادي، أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا وكيع، ~~أخبرنا إسرائيل، عن سماك، عن عياض الأشعري، عن أبي موسى، أنه وفد إلى عمر ~~بن الخطاب، فقال: إن عندنا نصرانيا كاتبا من حاله وحاله، فقال: قاتلك الله، ~~أما سمعت قول الله تعالى {لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} [المائدة: 51] ~~ألا اتخذت حنيفا؟ قال: قلت: دينه له، ولي كتابته , قال: لا أكرمهم إذ ~~أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أزلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله، ثم أوعد ~~على موالاتهم فقال: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [المائدة: 51] " # قال ابن عباس: كافر مثلهم، وقال الزجاج: من عاضدهم على المسلمين فإنه ~~معهم. # {إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [المائدة: 51] قال ابن عباس: لا يرشد ~~الكافرين ولا المشركين ولا المنافقين. # قوله جل جلاله: {فترى الذين في قلوبهم مرض} [المائدة: 52] يعني: عبد الله ~~بن أبي وأصحابه من المنافقين يسارعون فيهم: قال الكلبي، ومجاهد: يسارعون في ~~موالاة اليهود ومصانعتهم، وقال الزجاج: في معاونتهم على المسلمين. # {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة} [المائدة: 52] نخشى أن يدور الدهر علينا ~~بمكروه من جدب أو قحط ولا يعطوننا الميرة والقرض. # {فعسى الله أن يأتي بالفتح} [المائدة: 52] يعني: فتح مكة. # في قول الكلبي، والسدي، وقال الضحاك: فتح قرى اليهود. # وقال قتادة، ومقاتل: بالقضاء الفصل من نصر محمد على من خالفه. # PageV02P197 # {أو أمر من عنده} [المائدة: 52] أي: خصب وسعة لمحمد وأصحابه، وقال مقاتل: ~~يعني: القتل والجلاء لليهود. # فيصبحوا يعني: المنافقين {على ما أسروا في أنفسهم} [المائدة: 52] من ~~موالاة اليهود ودس الأخبار لهم نادمين. # قوله عز وجل: {ويقول الذين آمنوا} [المائدة: 53] ، وقرأ أبو عمرو ويقول ~~الذين نصبا على معنى: وعسى أن يقول الذين آمنوا، وقرأ أهل الحجاز يقول بغير ~~واو استغناء عن حرف العطف لملابسة هذه الآية بما قبلها. # قال الزجاج: {ويقول الذين آمنوا} [المائدة: 53] في وقت إظهار الله نفاق ~~المنافقين: أهؤلاء يعني: المنافقين، {الذين ms0486 أقسموا بالله جهد أيمانهم} ~~[المائدة: 53] حلفوا بالله بأغلظ الأيمان إنهم مؤمنون، إنهم لمعكم أي: إن ~~المؤمنين حينئذ يتعجبون من كفرهم وحلفهم بالباطل، قال الله تعالى: حبطت ~~أعمالهم: بطل كل خير عملوه بكفرهم وغشهم المسلمين، فأصبحوا خاسرين خسروا ~~الدنيا بافتضاحهم، والآخرة بفوت الثواب والمصير إلى النار. # {يأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ~~ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا ~~يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم {54} إنما ~~وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم ~~راكعون {55} ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ~~{56} يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين ~~أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين {57} ~~وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون {58} ~~قل يأهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل ~~من قبل وأن أكثركم فاسقون {59} قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من ~~لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر ~~مكانا وأضل عن سواء السبيل {60} وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر ~~وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون {61} وترى كثيرا منهم يسارعون ~~في الإثم والعدوان وأكلهم # PageV02P198 # السحت لبئس ما كانوا يعملون {62} لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن ~~قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون {63} وقالت اليهود يد الله ~~مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ~~وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم ~~العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ~~ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين {64} } [المائدة: 54-64] قوله ~~تعالى: {يأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه} [المائدة: 54] وقرأ أهل ~~الحجاز: يرتدد بإظهار دالين، قال الزجاج: وهو الأصل، لأن ms0487 الثاني إذا سكن من ~~المضاعف ظهر التضعيف نحو إن يمسسكم ويجوز في اللغة: «إن يمسكم» ، لأنه يحرك ~~الثاني بالفتح عند الإدغام. # قال الحسن: علم الله أن قوما يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيهم، فأخبر ~~أنه: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [المائدة: 54] واختلفوا في ذلك ~~القوم من هم؟ فقال علي بن أبي طالب، والحسن، والضحاك، وقتادة، وابن جريج: ~~هم أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ومنكري الزكاة. # قال قتادة: لما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم ارتد عامة العرب، إلا ~~أهل مكة وأهل المدينة وأهل البحرين من عبد قيس، فقال المرتدون: أما الصلاة ~~فنصلي، وأما الزكاة فلا تغصب أموالنا، فكلم أبو بكر في ذلك، فقال: والله لا ~~أفرق بين ما جمع الله، قال الله: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [البقرة: ~~43] ، والله لو منعوني عقالا مما أدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~لقاتلتهم عليه. # فبعث الله عصائب مع أبي بكر، فقاتل على ما قاتل عليه نبي الله صلى الله ~~عليه وسلم حتى أقروا بالماعون وهو الزكاة المفروضة، قال أنس بن مالك: كرهت ~~الصحابة قتال مانعي الزكاة، وقالوا: أهل القبلة، فتقلد أبو بكر سيفه وخرج ~~وحده، فلم يجدوا بدا من الخروج على إثره. # PageV02P199 # وقال ابن مسعود: كرهنا ذلك في الابتداء، وحمدناه في الانتهاء، ورأينا ذلك ~~رشدا. # وقال الحسن: لولا ما فعل أبو بكر لألحد الناس في الزكاة إلى يوم القيامة. # وقال أبو بكر بن عياش: سمعت أبا حصين يقول: ما ولد لآدم في ذريته بعد ~~النبيين مولود أفضل من أبي بكر، ولقد قام يوم الردة مقام نبي من الأنبياء. # وقال آخرون: المراد بقوله: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم} [المائدة: 54] ~~الآية: الأشعريون وهو تفسير النبي صلى الله عليه وسلم على ما ### | 293 - # أخبرنا الأستاذ أبو إبراهيم الواعظ، أخبرنا الإمام أبو بكر الإسماعيلي، ~~أخبرنا أبو خليفة الجمحي، حدثنا أبو عمرو الحوضي، حدثنا شعبة، عن سماك، عن ~~عياض الأشعري، قال: لما نزلت هذه الآية {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ~~ويحبونه} [المائدة: 54] قال رسول ms0488 الله صلى الله عليه وسلم: «هم قوم هذا» ~~يعني: أبا موسى الأشعري. # رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن عثمان بن السماك، عن عبد الملك بن ~~محمد، عن وهب بن جرير، عن شعبة # وقوله: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} [المائدة: 54] قال ابن ~~عباس: تراهم للمؤمنين كالولد لوالده، وكالعبد لسيده، وهم في الغلظة على ~~الكافر كالسبع على فريسته، وهذا كقوله: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} ~~[الفتح: 29] . # قال الزجاج في هذه الآية: يقول الله تعالى: إن ارتد أحد عن دينه الذي هو ~~الإيمان فسوف يأتي الله بقوم مؤمنين غير منافقين، {أذلة على المؤمنين} ~~[المائدة: 54] ، أي: جانبهم لين للمؤمنين ليس أنهم أذلة مهانون، {أعزة على ~~الكافرين} [المائدة: 54] ، أي: جانبهم غليظ على الكافرين. # قوله: {يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} [المائدة: 54] لأن ~~المنافقين كانوا يراقبون الكفار ويظاهرونهم، ويخافون لومهم، فأعلم الله أن ~~الصحيح الإيمان لا يخاف في نصرة الدين بيده ولسانه لومة لائم. # PageV02P200 ### | 294 - # أخبرنا أبو معمر المفضل بن إسماعيل الإسماعيلي، أخبرنا الإمام جدي أبو ~~بكر الإسماعيلي، حدثنا عبد الله بن صقر السكري، حدثنا الفضل بن السخيت، ~~حدثني صالح بن بيان، عن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ~~ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد الجنة لا شك ~~فلا يخف في الله لومة لائم» # وقوله: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} [المائدة: 54] أي: محبتهم لله ولين ~~جانبهم للمؤمنين، وشدتهم على الكافرين، تفضل من الله عليهم، لا توفيق لهم ~~إلا به. # قوله عز وجل: {إنما وليكم الله ورسوله} [المائدة: 55] الآية: قال ابن ~~عباس في رواية عطية العوفي: نزلت في قصة عبد الله بن أبي، وعبادة بن الصامت ~~حين تبرأ من اليهود، وقال: أتولى الله ورسوله والذين آمنوا. # وقال جابر بن عبد الله: إن اليهود هجروا من أسلم منهم ولم يجالسوهم، فقال ~~عبد الله بن سلام: يا رسول الله إن قومنا قد هجرونا، وأقسموا أن لا ~~يجالسونا. # فنزلت هذه الآية، فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين ms0489 أولياء. # والآية عامة في جميع المؤمنين، فكل مؤمن ولي لكل مؤمن، لقوله تعالى: ~~{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} [التوبة: 71] ، ونحو هذا روي عن ~~أبي جعفر الباقر، قال: نزلت في الذين آمنوا. # فقيل له: إن ناسا يقولون: إنها نزلت في علي بن أبي طالب. # فقال: علي من الذين آمنوا. # PageV02P201 # وقوله: وهم راكعون قال ابن عباس: يعني: صلاة التطوع بالليل والنهار، ~~وإنما أفرد الركوع بالذكر تشريفا له. # قوله جل جلاله: {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا} [المائدة: 56] يعني: ~~يتولى القيام بطاعة الله ونصرة رسوله والمؤمنين، قال ابن عباس: يريد ~~المهاجرين والأنصار، {فإن حزب الله هم الغالبون} [المائدة: 56] معنى الحزب ~~في اللغة: الجماعة، وحزب الرجل: أصحابه الذين معه على رأيه، والمؤمنون حزب ~~الله، والكافرون حزب الشيطان. # قال الحسن: حزب الله: جند الله. # وقال أبو روق: أولياء الله. # ومعنى هم الغالبون: أنهم غلبوا اليهود فقتلوا قريظة، وأجلوا بني النضير ~~من ديارهم، وغلبوهم عليها، وبقي عبد الله بن سلام وأصحابه الذين تولوا الله ~~ورسوله والذين آمنوا. # قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ~~ولعبا} [المائدة: 57] قال ابن عباس: كان رجال من اليهود آمنوا ثم نافقوا، ~~وكان ناس من المسلمين يودونهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية. # ومعنى اتخاذهم الدين هزو ولعبا: تلاعبهم بالدين وإظهارهم ذلك باللسان ~~واستبطانهم الكفر. # وقوله: والكفار يعني: كفار مكة، وهو نسق على قوله: {من الذين أوتوا ~~الكتاب من قبلكم} [المائدة: 57] يعني اليهود. # ومن نصب: كان نسقا على قوله: {لا تتخذوا الذين اتخذوا} [المائدة: 57] ~~كأنه قال: ولا تتخذوا الكفار {أولياء واتقوا # PageV02P202 # الله} [المائدة: 57] بطاعته {إن كنتم مؤمنين} [المائدة: 57] بوعده ~~ووعيده، أي: فلا توالوهم واتركوا موالاتهم. # قوله عز وجل: {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا} [المائدة: 58] ~~أي: إذا دعوتم الناس إلى الصلاة بالأذان، والنداء: الدعاء بأرفع الصوت. # قال المفسرون: كان المؤذن إذا أذن للصلاة تضاحكت اليهود فيما بينهم، ~~وتغامزوا على طريق السخف والمجون، استهزاء بالصلاة، وتجهيلا لأهلها، ~~وتنفيرا للناس عنها، وعن الداعي إليها. # {ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} [المائدة ms0490: 58] ما لهم في إجابتهم لو أجابوا ~~إليها، وما عليهم في استهزائهم بها. # قوله جل جلاله: {قل يأهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله} ~~[المائدة: 59] الآية يقال: نقمت على الرجل، أنقم. # إذا أنكرت عليه شيئا وبالغت في كراهته، قال ابن عباس: إن نفرا من اليهود ~~سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن يؤمن به من الرسل، فقال: أومن ~~{بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل} [البقرة: 136] إلى ~~قوله: {ونحن له مسلمون} [البقرة: 136] ، فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته، ~~وقالوا: لا نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم، ولا دينا أشر من ~~دينكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية والتي بعدها. # ومعنى {هل تنقمون منا} [المائدة: 59] هل تكرهون منا وتنكرون علينا {إلا ~~أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل} [المائدة: 59] وهذا مما ~~ينكر أو يعاب به. # وقوله: {وأن أكثركم فاسقون} [المائدة: 59] قال الزجاج: المعنى: هل تكرهون ~~إلا إيماننا وفسقكم. # أي: إنما كرهتم # PageV02P203 # إيماننا وأنتم تعلمون أننا على حق لأنكم فسقتم بأن أقمتم على دينكم ~~لمحبتكم الرياسة وكسبكم الأموال، وهذا معنى قول الحسن: لفسقكم نقمتم علينا. # قوله جل جلاله: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله} [المائدة: 60] ~~يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لليهود: هل أخبركم بشر مما ~~نقمتم من إيماننا ثوابا وجزاء: {من لعنه الله} [المائدة: 60] أي: هو من ~~لعنه الله، وغضب عليه يعني: اليهود {وجعل منهم القردة والخنازير} [المائدة: ~~60] يعني ب القردة: أصحاب السبت، وبالخنازير: كفار مائدة عيسى. # وقال الوالبي عن ابن عباس: إن المسخين من أصحاب السبت، لأن شبابهم مسخوا ~~قردة، ومشايخهم خنازير. # وقوله: وعبد الطاغوت: قال الزجاج: عبد نسق على لعنه الله لأن المعنى: ~~لعنه الله وعبد الطاغوت، أي: أطاع الشيطان فيما سول له. # وقرأ حمزة وعبد بضم الباء، الطاغوت بالكسر على تأويل: وجعل منهم عبد ~~الطاغوت، وأراد بالعبد: العبد، فضمت الباء للمبالغة، قال أوس بن حجر: # أبني لبينى إن أمكمو ... أمة وإن أباكمو عبد # أراد ms0491: عبدا، فضم الباء. # PageV02P204 # وليس عبد لفظ جمع، لأنه ليس في أبنية الجموع شيء على هذا البناء، ولكنه ~~واحد يراد به الكثرة، كقوله: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} [النحل: 18] ~~. # وقوله: أولئك أي: أهل هذه الصفة شر مكانا: من المؤمنين، قال ابن عباس: ~~لأن مكانهم سقر، ولا شر في مكان المؤمنين حتى يقال: اليهود شر مكانا منهم، ~~ولكن هذا مبني على كلام الخصم وكذلك قوله: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك} ~~[المائدة: 60] لأنهم قالوا: لا نعرف أهل دين شرا منكم، فقيل لهم: شر منهم ~~من كان بهذه الصفة. # وقوله: {وأضل عن سواء السبيل} [المائدة: 60] أي: عن قصد الطريق. # قوله عز وجل: {وإذا جاءوكم قالوا آمنا} [المائدة: 61] الآية: قال الكلبي: ~~إن جماعة من اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: صدقنا ~~أنك رسول الله وهم يسرون بالكفر، وهو قوله: {وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا ~~به} [المائدة: 61] أي: دخلوا وخرجوا كافرين، والكفر معهم في كلتي حالتيهم. # {والله أعلم بما كانوا يكتمون} [المائدة: 61] أي: من نفاقهم وإبطانهم ~~الكفر. # {وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان} [المائدة: 62] قال ابن ~~عباس: يجترئون على الخطأ والتعدي على الناس بما لا يحل. # وأكلهم السحت يعني: الرشي في الحكم، {لبئس ما كانوا يعملون} [المائدة: ~~62] ذم لفعلهم. # قوله: لولا: هلا ينهاهم: عما يرتكبونه من القبيح الربانيون والأحبار: ~~فقهاء اليهود وعلماؤهم، {لبئس ما كانوا يصنعون} [المائدة: 63] . # قال الضحاك: ما في القرآن آية أخوف عندي من هذه الآية، أساء الله الثناء ~~على الفريقين على اليهود وعلى العلماء بترك النكير عليهم فيما صنعوا. # ودلت الآيتان على أن: تارك النهي عن المنكر بمنزلة مرتكبه. # قوله عز وجل: {وقالت اليهود يد الله مغلولة} [المائدة: 64] قال المفسرون: ~~إن الله تبارك وتعالى كان قد بسط على # PageV02P205 # اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالا وأخصبهم ناحية، فلم عصوا الله في ~~محمد صلى الله عليه وسلم، وكذبوا به كف الله عنهم ما بسط عليهم من النعمة، ~~فعند ذلك قالت اليهود: يد الله مغلولة. # أي: مقبوضة ms0492 عن العطاء على جهة الصفة بالبخل، وهذا قول قتادة، والضحاك، ~~وعكرمة، والكلبي. # وقال الزجاج: أخبر الله تعالى بعظيم فريتهم فقال: {وقالت اليهود يد الله ~~مغلولة} [المائدة: 64] أي: يده ممسكة عن الإسباغ علينا، كما قال عز وجل: ~~{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} [الإسراء: 29] أي: لا تمسكها عن الإنفاق. # وقوله: غلت أيديهم أي: جعلوا بخلاء وألزموا البخل، فهم أبخل قوم، ولا ~~يلقى يهودي أبدا غير لئيم بخيل. # وقال الحسن: غلت أيديهم في نار جهنم على الحقيقة، أي: شدت إلى أعناقهم. # وتأويله: أنهم جوزوا على هذا القول بأن غلت أيديهم في نار جهنم، {ولعنوا ~~بما قالوا} [المائدة: 64] أي: عذبوا في الدنيا بالجزية، وفي الآخرة بالنار. ### | 295 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز الفقيه، أخبرنا أبو الحسن علي ~~بن محمد القزويني، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر، حدثنا سهل بن ~~عمار، حدثنا حفص بن عبد الله، حدثنا أبو عصمة نوح بن أبي مريم، عن الكلبي، ~~عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لعن ~~شيئا لم يكن للعنة أهلا، رجعت اللعنة على اليهود بلعنة الله إياهم» # PageV02P206 # وقوله: {بل يداه مبسوطتان} [المائدة: 64] هذا جواب لليهود، ورد لما ~~افتروه، وإبطال لما بهتوا فيه، أجيبوا على قدر كلامهم لما قالوا: {يد الله ~~مغلولة} [المائدة: 64] يريدون به: تبخيل الله، فقيل: {بل يداه مبسوطتان} ~~[المائدة: 64] أي: هو جواد، {ينفق كيف يشاء} [المائدة: 64] ، ومعنى التثنية ~~في يداه: المبالغة في الجود والإنعام. # ومذهب قوم إلى أن معنى اليد في هذه الآية: النعمة، فقالوا في قوله: {يد ~~الله مغلولة} [المائدة: 64] نعمة الله مقبوضة، وفي قوله: {بل يداه ~~مبسوطتان} [المائدة: 64] نعمتاه. # أي: نعمة الدنيا والآخرة، {ينفق كيف يشاء} [المائدة: 64] يرزق كما يريد، ~~إن شاء قتر وإن شاء وسع. # وقوله: {وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا} [المائدة: ~~64] أي: كلما أنزل عليك شيء من القرآن كفروا به فيزيد كفرهم، {وألقينا ~~بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} [المائدة: 64] أي: بين ms0493 اليهود ~~والنصارى، عن الحسن، ومجاهد، وقيل: أراد: طوائف اليهود، وهو اختيار الزجاج، ~~قال: جعلهم الله مختلفين في دينهم متباغضين، وهو أحد الأسباب التي أذهب ~~الله بها جدهم وشوكتهم. # {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله} [المائدة: 64] قال ابن عباس: كلما ~~أرادوا محاربتك ردهم الله تعالى، وألزمهم الخوف منك ومن أصحابك. # وهذا قول الحسن. # وقال قتادة: هذا عام في كل حرب طلبتها اليهود، فلا تلقى اليهود ببلدة إلا ~~وجدتهم من أذل الناس. # وقوله: {ويسعون في الأرض فسادا} [المائدة: 64] قال الزجاج: أي يجتهدون في ~~دفع الإسلام ومحو ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من كتبهم. # PageV02P207 # {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات ~~النعيم {65} ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم ~~لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ~~{66} يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ~~والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين {67} } [المائدة: ~~65-67] قوله جل جلاله: {ولو أن أهل الكتاب آمنوا} [المائدة: 65] صدقوا محمد ~~صلى الله عليه وسلم، واتقوا: اليهودية والنصرانية، {لكفرنا عنهم سيئاتهم} ~~[المائدة: 65] التي عملوها قبل أن تأتيهم، والمعنى: محونا ذنوبهم التي سلفت ~~بالإيمان بك. # {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل} [المائدة: 66] قال ابن عباس: عملوا ~~بما فيها من التصديق بك والوفاء لله، وأظهروا ما فيها {لأكلوا من فوقهم ومن ~~تحت أرجلهم} [المائدة: 66] قال ابن عباس: لأنزلت عليهم القطر، وأخرجت لهم ~~من نبات الأرض كلما أرادوا. # قوله: {منهم أمة مقتصدة} [المائدة: 66] أي: مؤمنة، وهم العادلة غير ~~الغالية ولا المقصرة، ومعنى الاقتصاد في اللغة: الاعتدال في العمل من غير ~~غلو ولا تقصير. # {وكثير منهم ساء ما يعملون} [المائدة: 66] بئس شيئا عملهم، قال ابن عباس: ~~عملوا القبيح وما لا يرضي الله تعالى مع التكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم. # قوله عز وجل: {يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} [المائدة: 67] قال ~~الحسن: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ms0494: " إن الله بعثني بالرسالة ~~فضقت بها ذرعا، وعرفت أن الناس مكذبي، فأوعدني فيها: لأبلغها أو ليعذبنني ~~". # وقال ابن الأنباري: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجاهر ببعض القرآن أيام ~~كان بمكة ويخفي بعضه، إشفاقا على نفسه من # PageV02P208 # تسرع المشركين إليه وإلى أصحابه، فلما أعزه الله بالمؤمنين قال له: {بلغ ~~ما أنزل إليك من ربك} [المائدة: 67] . # والمعنى: بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك مجاهرا به، فإن أخفيت منه شيئا ~~لخوف يلحقك {فما بلغت رسالته} [المائدة: 67] قال ابن عباس: يقول: إن كتمت ~~آية مما أنزلت إليك لم تبلغ رسالتي. # يعني: أنه إن ترك إبلاغ البعض كان كمن لم يبلغ، وحاشا لرسول الله صلى ~~الله عليه وسلم أن يكتم شيئا مما أوحي إليه، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: ~~من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم ~~على الله الفرية، والله تعالى يقول {بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل ~~فما بلغت رسالته} [المائدة: 67] . # وقوله: {والله يعصمك من الناس} [المائدة: 67] أي: يمنعك أن ينالوك بسوء ~~من قتل أو أسر. # قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت ~~هذه الآية: {والله يعصمك من الناس} [المائدة: 67] فأخرج النبي صلى الله ~~عليه وسلم رأسه من القبة، فقال: يأيها الناس انصرفوا عني فقد عصمني الله. ### | 296 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أخبرنا إسماعيل بن نجيد، أخبرنا محمد ~~بن الحسن بن الخليل، حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا الحماني، حدثنا النضر، عن ~~عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس وكان عمه ~~أبو طالب يرسل كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه، حتى نزلت هذه الآية، ~~فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه، فقال: يا عماه إن الله قد عصمني من الجن ~~والإنس # PageV02P209 # وقوله: {إن الله لا يهدي القوم الكافرين} [المائدة: 67] قال ابن عباس: لا ~~يرشد من كذبك وأعرض عن ذكري. # {قل يأهل الكتاب لستم على شيء حتى ms0495 تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل ~~إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا ~~تأس على القوم الكافرين {68} إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ~~والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم ~~يحزنون {69} } [المائدة: 68-69] وقوله جل جلاله: {يأهل الكتاب لستم على ~~شيء} [المائدة: 68] قال ابن عباس: لستم على شيء من الدين، حتى تعلموا بما ~~في الكتابين من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان صفته ونعته، وهو ~~قوله: {حتى تقيموا التوراة والإنجيل} [المائدة: 68] أي: تقيموا أحكامهما ~~وما يجب عليكم فيها، وقد سبق تفسير هذا إلى قوله: {فلا تأس على القوم ~~الكافرين} [المائدة: 68] ، وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: لا ~~تحزن على أهل الكتاب إن كذبوك. # قوله جل جلاله: {إن الذين آمنوا والذين هادوا} [المائدة: 69] ، سبق تفسير ~~هذه الآية في { [البقرة، وارتفع: الصابئون في هذه ال: بالابتداء على ~~التقديم في الكلام والتأخير، على تقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا من ~~آمن منهم بالله. . . إلى آخر الآية، والصابئون والنصارى كذلك أيضا كما ~~تقول: إن عبد الله ومحمد قائم. # تريد: إن عبد الله قائم ومحمد كذلك، هذا مذهب الخليل، وسيبويه. # ] لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما ~~لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون {70} وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا ~~وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون ~~{71} لقد كفر الذين قالوا إن الله هو # PageV02P210 # المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه ~~من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ~~{72} لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن ~~لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم {73} أفلا يتوبون ~~إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم {74} ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد ~~خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام ms0496 انظر كيف نبين لهم الآيات ~~ثم انظر أنى يؤفكون {75} قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا ~~نفعا والله هو السميع العليم {76} قل يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير ~~الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء ~~السبيل {77} } [المائدة: 70-77] قوله جل جلاله: {لقد أخذنا ميثاق بني ~~إسرائيل} [المائدة: 70] مفسر إلى آخر الآية في { [البقرة. # قوله تعالى:] وحسبوا ألا تكون فتنة} [سورة المائدة: 71] قال ابن عباس: ~~ظنوا أن الله لا يعذبهم، ولا يبتلوا بقتل الأنبياء وتكذيب الرسل. # وقرئ: ألا تكون رفعا، على تقدير: أنه لا تكون، ثم خففت المشددة وحذف ~~الضمير. # وقوله: فعموا وصموا أي: عن الهدى فلم يعقلوه، قال الزجاج: تأويله أنهم لم ~~يعملوا بما سمعوا، وبما رأوا من الآيات، فصاروا كالعمي الصم. # {ثم تاب الله عليهم} [المائدة: 71] بإرساله محمدا صلى الله عليه وسلم ~~داعيا إلى الصراط المستقيم، فكانوا بذلك معرضين للتوبة، {ثم عموا وصموا ~~كثير منهم} [المائدة: 71] بعد تبين الحق، يعني: الذين لم يؤمنوا منهم، ~~{والله بصير بما يعملون} [المائدة: 71] من قتل الأنبياء وتكذيب الرسل. # PageV02P211 # قوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} [المائدة: 72] ~~إلى قوله: {من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة} [المائدة: 72] . ### | 297 - # حدثنا إسماعيل بن أحمد الواعظ، أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ، أخبرنا ~~أحمد بن محمد بن الحسن، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، حدثنا محمد بن عبيد، عن ~~الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، ~~فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ قال: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل ~~الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار» رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي ~~شيبة، عن أبي معاوية، عن الأعمش ### | 298 - # وأخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن الحسن الحافظ، أخبرنا أبو حفص الكتاني، ~~حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر التمار، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا ~~الأنصاري، عن سفيان، عن أبي الزبير، عن ابن عمر ms0497، قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: " ألا أعلمكم ما علم نوح ابنه؟ قالوا: بلى، قال: يا بني ~~إني آمرك أن لا تشرك بالله شيئا، فإنه من يشرك بالله شيئا فقد حرم الله ~~عليه الجنة، وأنهاك عن الكبر، فإنه لا يدخل الجنة من كان قلبه فيه مثقال ~~حبة من خردل من كبر " # PageV02P212 # قوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} [المائدة: 73] قالت ~~النصارى، لعنهم الله: الإلهية مشتركة بين الله ومريم وعيسى، وكل واحد من ~~هؤلاء إله، والله أحد ثلاثة آلهة، يبين هذا قول الله تعالى للمسيح: {أأنت ~~قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} [المائدة: 116] ؟ ولا بد أن ~~يكون في الآية إضمار واختصار، لأن المعنى أنهم قالوا: إن الله ثالث ثلاثة ~~آلهة، فحذف ذكر الآلهة لأن المعنى مفهوم، ولا يكفر من يقول: إن الله ثالث ~~ثلاثة إذا لم يرد به الآلهة، لأنه ما من اثنين إلا والله ثالثهما بالعلم، ~~كقوله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} [المجادلة: 7] . # والذي يبين أنهم أرادوا بالثلاثة: الآلهة، قوله في الرد عليهم: {وما من ~~إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون} [المائدة: 73] من الكفر والشرك ~~{ليمسن الذين كفروا منهم} [المائدة: 73] أي: ليصيبن الذين أقاموا على هذا ~~القول عذاب أليم. # قوله: {أفلا يتوبون إلى الله} [المائدة: 74] قال الفراء: هذا أمر في لفظ ~~الاستفهام، وكقوله: {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91] أي: انتهوا، والمعنى: ~~إن الله يأمرهم بالتوبة والاستغفار من هذا الذنب العظيم. # قوله: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} [المائدة: 75] ~~أي: إنه رسول ليس بإله، كما أن من قبله من الرسل لم يكونوا آلهة، وأمه ~~صديقة: صدقت بآيات الله، كما قال في صفتها: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه} ~~[التحريم: 12] . # {كانا يأكلان الطعام} [المائدة: 75] كانا يعيشان بالغذاء كما يعيش سائر ~~الآدميين، فكيف يكون إلها من لا يقيمه إلا أكل الطعام؟ قال ابن عباس: يريد: ~~هما لحم ودم يأكلان ويشربان ويبولان ويتغوطان. # قال ابن قتيبة: هذا ألطف ما ms0498 يكون من الكناية، لأنه عبر عن الحدث بالطعام، ~~وذلك أن من أكل الطعام فلا بد له من أن يحدث، فلما ذكر أكل الطعام صار كأنه ~~أخبر عن عاقبته، والطعام والحدث ليسا من أوصاف الآلهة. # قوله: {انظر كيف نبين لهم الآيات} [المائدة: 75] قال ابن عباس: نفسر لهم ~~أمر ربوبيتي. # {ثم انظر أنى يؤفكون} [المائدة: 75] يصرفون عن # PageV02P213 # الحق الذي يؤدي إلى تدبر الآيات، يقال: أفكه يأفكه إفكا. # إذا صرفه، وكل من صرف عن شيء فهو مأفوك عنه. # قل: للنصارى: {أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا} ~~[المائدة: 76] لأنه لا يملك النفع والضر إلا الله تعالى، {والله هو السميع} ~~[المائدة: 76] لكفركم العليم: بضميركم. # قوله: {قل يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} [المائدة: 77] تقدم تفسيره في ~~{ [النساء. # قوله: غير الحق معناه: مخالفا للحق، أي: في دينكم المخالف للحق، وذلك ~~أنهم خالفوا الحق في دينهم، ثم غلوا فيه بالإصرار عليه،] ولا تتبعوا أهواء ~~قوم قد ضلوا من قبل} [سورة المائدة: 77] يعني: رؤساء الضلالة من فريقي ~~اليهود والنصارى، والآية خطاب للذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه ~~وسلم، نهوا أن يتبعوا أسلافهم فيما ابتدعوه بأهوائهم وأن يقلدوهم فيما ~~هووا. # والأهواء: جمع هوى، والمراد بها: المذاهب التي تدعو إليها الشهوة دون ~~الحجة. # وقوله: وأضلوا كثيرا يعني: من اتبعهم على هواهم، {وضلوا عن سواء السبيل} ~~[المائدة: 77] عن قصد الطريق، والمعنى: إنهم ضلوا بإضلال غيرهم. # {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما ~~عصوا وكانوا يعتدون {78} كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا ~~يفعلون {79} ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن ~~سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون {80} ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي ~~وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون {81} } [المائدة: ~~78-81] قوله: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن ~~مريم} [المائدة: 78] يعني: أصحاب السبت وأصحاب المائدة: أما أصحاب السبت، ~~فإنهم لما اعتدوا، قال داود ms0499: اللهم العنهم واجعلهم آية ومثلا لخلقك فمسخوا ~~قردة. # وأما أصحاب المائدة: فإنهم لما أكلوا من المائدة ولم يؤمنوا، قال عيسى: ~~اللهم العنهم كما لعنت أصحاب # PageV02P214 # السبت. # فأصبحوا خنازير. . . وهذا قول الحسن، وقتادة، ومجاهد. # قوله: {ذلك بما عصوا} [المائدة: 78] الله والرسل، {وكانوا يعتدون} ~~[المائدة: 78] : يتجاوزون ما أمر به. ### | 299 - # أخبرنا الحاكم أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أخبرنا أبو عمر بن مطر، ~~حدثنا آدم بن موسى بن عمران الولاهيجي، حدثنا أبو محمد جعفر بن علي ~~الخواري، حدثنا محمد بن إسماعيل العلوي، حدثني عمي موسى بن جعفر، عن مالك ~~بن أنس، عن أبي سهل بن مالك، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، قال: " دوروا مع القرآن حيثما دار، قالوا: يا رسول الله أرأيت إن لم ~~نطق ذلك؟ قال: كونوا كحواري عيسى ابن مريم شقوا بالمناشير في الله، وصلبوا ~~في جذوع النخل في الله، قالوا: يا رسول الله أرأيت إن لم نطق ذلك؟ قال: قتل ~~في طاعة الله خير من حياة في معصية الله، إن بني إسرائيل ملكتهم ملوك بعد ~~أنبيائهم فغيروا سننهم، وعملوا فيهم بغير الحق، فلم يمنعهم ذلك من جورهم أن ~~حابوهم وضاحكوهم وآكلوهم وشاربوهم، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم ~~على بعض، ولعنوا على لسان داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا ~~يعتدون، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ~~فيدعوا عليهم خياركم فلا يستجاب لهم " # وقوله: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} [المائدة: 79] التناهي: تفاعل ~~من النهي، أي: كانوا لا ينهى بعضهم بعضا عن المناكير. # PageV02P215 # قال ابن عباس: كان بنو إسرائيل ثلاث فرق، فرقة اعتدت في السبت، وفرقة ~~نهتهم ولكنهم لم يدعوا مجالستهم ولا مواكلتهم، وفرقة لما رأوهم يعتدون ~~ارتحلوا عنهم، وبقيت الفرقتان المعتدية والناهية المخالطة فلعنوا جميعا. # ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لتأمرن ~~بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق ~~أطرا، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ms0500، ويلعنكم كما لعنهم» . # ثم ذم فعلهم بقوله: {لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة: 79] . # قوله: {ترى كثيرا منهم} [المائدة: 80] قال ابن عباس، ومجاهد، والحسن: ~~يعني من المنافقين {يتولون الذين كفروا} [المائدة: 80] اليهود، {لبئس ما ~~قدمت لهم أنفسهم} [المائدة: 80] بئس ما قدموا من العمل لمعادهم {أن سخط ~~الله عليهم} [المائدة: 80] والباقي ظاهر إلى قوله: {لتجدن أشد الناس عداوة ~~للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين ~~قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون {82} وإذا ~~سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ~~يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين {83} وما لنا لا نؤمن بالله وما ~~جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين {84} فأثابهم الله ~~بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين {85} ~~والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم {86} } [المائدة: 82-86] ~~{لتجدن أشد الناس عداوة} [المائدة: 82] الآية: قال المفسرون: إن اليهود ~~ظاهروا المشركين على المؤمنين حسدا للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان ينبغي ~~أن يكونوا أقرب إلى المؤمنين لأنهم يؤمنون بموسى والتوراة، والكفار كانوا ~~يكذبون بهما، ولكنهم حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. # PageV02P216 # قوله: {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى} [المائدة: ~~82] قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعطاء، والسدي: يعني: النجاشي ووفده ~~الذين قدموا من الحبشة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآمنوا به، ولم ~~يرد جميع النصارى، مع ظهور عداوتهم للدين. # وقوله: {ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا} [المائدة: 82] ، قال الزجاج: القس ~~والقسيس: من رؤساء النصارى، ويجمع القسيس: قسيسين. # وقال قطرب: القسيس: العالم بلغة الروم. # والرهبان جمع راهب، مثل فارس وفرسان، والرهبانية مصدر الراهب، والترهب: ~~التعبد في صومعة. # قال ابن الأنباري: مدحهم الله تعالى بالتمسك بدين عيسى، وأنهم استعملوا ~~في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ما أخذ عليهم في التوراة والإنجيل. # فتأويل قوله: {ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا} [المائدة: 82] ذلك بأن منهم ~~علماء بوصاة عيسى عليه السلام. # الدليل على ms0501 ذلك قوله: {وأنهم لا يستكبرون} [المائدة: 82] أي: عن اتباع ~~الحق والإذعان إليه كما استكبر اليهود وعبدة الأوثان. # قوله: {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول} [المائدة: 83] الآية: قال ابن ~~عباس في رواية عطاء: يريد: النجاشي وأصحابه، قرأ عليهم جعفر الطيار ~~بالحبشة: كهيعص، فما زالوا يبكون حتى فرغ من القراءة، فذلك قوله: {ترى ~~أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق} [المائدة: 83] يريد: الذي نزل على ~~محمد صلى الله عليه وسلم وهو الحق. ### | 300 - # أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر، ~~أخبرنا أحمد بن محمد بن # PageV02P217 # الحسن الحافظ، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو صالح كاتب الليث، حدثني ~~الليث، حدثني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن ~~هشام، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، قالوا: لما كانت وقعة بدر وقتل ~~فيها صناديد الكفار، قال كفار قريش: إن ثأركم بأرض الحبشة، فبعثوا عمرو بن ~~العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، وأهدوا للنجاشي، وسمع رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ببعث قريش عمرو بن العاص، وابن أبي ربيعة، فبعث عمرو بن أمية ~~الضمري وكتب معه إلى النجاشي، فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ~~دعا جعفرا أن يقرأ عليهم القرآن، فقرأ عليهم سورة مريم فآمنوا بالقرآن ~~وفاضت أعينهم من الدمع، وهم الذين أنزل الله فيهم {ولتجدن أقربهم مودة ~~للذين آمنوا الذين قالوا أنا نصارى إلى قوله ترى أعينهم تفيض من الدمع مما ~~عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} [المائدة: 82 - 83] # قال ابن عباس: مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يشهدون بالحق. # وقال الزجاج: مع من شهد من أنبيائك ومؤمني عبادك بأنك لا إله غيرك. # وقوله: {وما لنا لا نؤمن بالله} [المائدة: 84] الآية: قال المفسرون: إن ~~هؤلاء الوفد لما رجعوا إلى قومهم لاموهم على ترك دينهم فأجابوهم بهذا. # PageV02P218 # وقوله: {ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين} [المائدة: 84] يعني: ~~أمة محمد صلى الله عليه وسلم، دليله قوله تعالى: {يرثها ms0502 عبادي الصالحون} ~~[الأنبياء: 105] . # قوله: {فأثابهم الله بما قالوا} [المائدة: 85] الآية: إنما علق الثواب ~~بمجرد القول لأنه سبق من وصفهم ما يدل على إخلاصهم فيما قالوا، وهو المعرفة ~~في قوله: {مما عرفوا من الحق} [المائدة: 83] ، والبكاء المؤذن بحقيقة ~~الإخلاص، واستكانة القلب ومعرفته إذا اقترن به القول فهو الإيمان الحقيقي ~~الموعود عليه الثواب. # وقال ابن عباس في قوله: بما قالوا يعني: بما سألوا من قولهم: {فاكتبنا مع ~~الشاهدين} [المائدة: 83] ، وقولهم {ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم ~~الصالحين} [المائدة: 84] ، وهذا يدل على مسألتهم الجنة. # وعلى هذا التفسير القول معناه: المسألة. # وقوله: {جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين} ~~[المائدة: 85] يعني: الموحدين المؤمنين. # ولما ذكر الله الوعد لمؤمني أهل الكتاب، ذكر الوعيد لمن كفر منهم وكذب، ~~فقال {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم} [المائدة: 86] . # {يأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله ~~لا يحب المعتدين {87} وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي ~~أنتم به مؤمنون {88} } [المائدة: 87-88] قوله: {يأيها الذين آمنوا لا ~~تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} [المائدة: 87] الطيبات: اللذيذات التي ~~تشتهيها النفوس، وتميل إليها القلوب. # قال المفسرون: هم قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفضوا ~~الدنيا، ويحرموا على أنفسهم المطاعم الطيبة، والمشارب اللذيذة، وأن يصوموا ~~النهار، ويقوموا الليل، ويخصوا أنفسهم، فأنزل الله هذه الآية. # واعلم أن الطيبات لا ينبغي أن تجتنب، وسمى الخصاء اعتداء، فقال: ولا ~~تعتدوا أي: لا تجبوا أنفسكم، هذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وإبراهيم. # PageV02P219 ### | 301 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا حاجب بن أحمد، حدثنا عبد ~~الرحيم بن منيب، حدثنا الفضل بن موسى، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، قال: ~~سمعت قيسا يذكر، قال: قال عبد الله بن مسعود: كنا نغزو مع رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ليس لنا نساء، فقلنا له: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم قرأ ~~هذه الآية {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا ms0503 يحب ~~المعتدين} [المائدة: 87] . # رواه البخاري، عن عمرو بن عون، عن خالد، ورواه مسلم، عن ابن نمير، عن ~~أبيه، كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد ثم أمرهم أن يأكلوا مما أحل لهم فقال: ~~{وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا} [المائدة: 88] # قال ابن عباس: يريد: من طيبات الرزق اللحم وغيره. # {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ~~فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير ~~رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا ~~أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون} [المائدة: 89] قوله تعالى: ~~{لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} [المائدة: 89] قال المفسرون: إن القوم ~~لما حرموا الطيبات من المآكل والمناكح حلفوا على ذلك، فلما نزل قوله: {لا ~~تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} [المائدة: 87] قالوا: يا رسول الله وكيف ~~نصنع بأيماننا؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية. # وتقدم الكلام في معنى لغو اليمين في { [البقرة. # وقوله:] ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [سورة المائدة: 89] ، وقرئ ~~بالتشديد، والتخفيف، وبالألف، يقال: عقد فلان # PageV02P220 # اليمين والعهد، إذا وكده وأحكمه وعقد وعاقد. # قال مجاهد: هو ما عقد عليه قلبك وتعمدته. # وقوله: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} [المائدة: 89] لكل مسكين مد، وهو ~~ثلثا من، وهذا قول ابن عباس، وزيد بن ثابت، والحسن، ومذهب الشافعي. # وقوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} [المائدة: 89] قال ابن عباس: كان ~~الرجل يقوت أهله قوتا فيه سعة، وقوتا وسطا وقوتا دون ذلك، فأمروا بالوسط، ~~وهو يعود إلى ما ذكرنا من قدر المد، لأنه وسط في طعام الواحد ليس بسرف ولا ~~تقتير. # وقوله: أو كسوتهم: الكسوة معناها: اللباس، وهي كل ما يكتسى به، والتي ~~تجزئ في الكفارة أقل ما يقع عليه اسم الكسوة، إذا رأوا رداء، أو قميصا، أو ~~سراويل أو عمامة، أو مقنعة، ثوب واحد لكل مسكين. # وقوله: {أو تحرير رقبة} [المائدة: 89] يعني: إعتاق رقبة، ويجب أن تكون ~~سليمة من عيب يمنع من العمل، ولا يجوز إعتاق الرقبة الكافرة في شيء ms0504 في ~~الكفارات، والحالف مخير بين هذه الثلاثة. # وقوله: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} [المائدة: 89] قال قتادة: من ليس ~~عنده ما يفضل عن قوته وقوت عياله يومه وليلته فهو غير واجد، وجاز له ~~الصيام. # قال الشافعي: إذا كان قوته، وقوت عياله يومه وليلته، ومن الفضل ما يطعم ~~عشرة مساكين لزمته الكفارة # PageV02P221 # بالإطعام، وإن لكم يكن عنده هذا القدر فله الصيام، وهو صيام ثلاثة أيام ~~متتابعات في قول ابن عباس، والحسن، وقتادة. # وقال مجاهد: هو مخير في التتابع والتفريق. # وقوله: {ذلك كفارة أيمانكم} [المائدة: 89] أي: ذلك الذي يغطي على آثامكم ~~وحنث أيمانكم، واحفظوا أيمانكم: عن الحنث فلا تحنثوا، وقال ابن عباس: لا ~~تحلفوا. # {يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل ~~الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون {90} إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم ~~العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم ~~منتهون {91} وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما ~~على رسولنا البلاغ المبين {92} ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح ~~فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا ~~وأحسنوا والله يحب المحسنين {93} } [المائدة: 90-93] قوله تعالى: {يأيها ~~الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} [المائدة: 90] الآية: ### | 302 - # أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري، حدثنا محمد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن عبد ~~الله بن عبد الحكم، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن ابن شهاب ~~حدثه، عن سالم بن عبد الله: إن أول ما حرمت الخمر، أن سعد بن أبي وقاص ~~وأصحابا له شربوا فاقتتلوا، فكسر أنف سعد، فأنزل الله تعالى: {إنما الخمر ~~والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} [المائدة: 90] . ### | 303 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن الحارث، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن ~~حيان، حدثنا أبو يحيى # PageV02P222 # عبد الرحمن بن محمد الرازي، حدثنا سهل بن عثمان العسكري، حدثنا عبد ~~الرحيم، عن زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، قال: قال عمر ~~بن الخطاب: اللهم بين لنا في ms0505 الخمر، فإنها تذهب المال والعقل، فأنزلت الآية ~~التي في سورة البقرة {يسألونك عن الخمر والميسر} [البقرة: 219] فدعي عمر ~~فقرأت عليه، فلم ير فيها ذلك البيان، فقال: اللهم بين لنا في الخمر فإنها ~~تذهب المال والعقل، فأنزلت الآية التي في سورة النساء {لا تقربوا الصلاة ~~وأنتم سكارى} [النساء: 43] فدعي عمر فقرئت عليه، فلم ير فيها ذلك البيان، ~~فقال: اللهم بين لنا في الخمر فإنها تذهب المال والعقل، فأنزلت الآية {إنما ~~الخمر والميسر حتى بلغ إلى قوله فهل أنتم منتهون} [المائدة: 90 - 91] فقال ~~عمر: انتهينا يا رب # قال ابن عباس في قوله: {إنما الخمر} [المائدة: 90] يريد الخمر من جميع ~~الأشربة التي تخمر حتى تشتد وتسكر. ### | 304 - # أخبرنا أحمد بن عبيد الله بن أحمد الشيباني، أخبرنا محمد بن محمد بن ~~يعقوب الحافظ، أخبرنا محمد بن زمان بن حبيب الحضرمي، أن محمد بن رمح حدثهم، ~~أخبرنا الليث عند يزيد بن أبي حبيب، أن خالد بن كثير حدثهم، أن السري بن ~~إسماعيل حدثهم، أن الشعبي حدثه، أنه سمع النعمان بن بشير، يقول: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «إن من الحنطة خمرا، ومن الشعير خمرا، ومن الزبيب ~~خمرا، ومن العسل خمرا، وأنا أنهى عن كل مسكر» ### | 305 - # أخبرنا الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإسفرائيني إملاء ~~في مسجد عقيل سنة ست عشرة وأربع مائة، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي ~~الجوسقاني، أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا علي بن حجر، حدثنا سلمة بن صالح، ~~عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» # PageV02P223 ### | 306 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا ~~إبراهيم بن علي، حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن ~~عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل شراب أسكر فهو حرام» . # رواه البخاري، عن علي بن المديني، ورواه مسلم، عن يحيى بن يحيى، كلاهما ~~عن سفيان بن عيينة ### | 307 - # أخبرنا أحمد ms0506 بن الحسن الحيري، حدثنا محمد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن عبد ~~الله بن عبد الحكم، أخبرنا ابن وهب، حدثني حميد بن زياد أبو صخر، أن رجلا ~~حدثه، عن عمارة بن حزم، أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص وهو في الحجر ~~بمكة وسئل عن الخمر، فقال: والله إن عظيما عند الله الشيخ مثلي وأخذ بلحيته ~~يكذب في هذا المقام على نبي الله صلى الله عليه وسلم، جاءني رجل وأنا في ~~هذا المقام، فسألني عن الخمر، فقلت: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب ~~فسله وارجع إلي فأخبرني ما قال لك، فنظرت إليه حتى قعد إلى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ثم رجع إلي، فقال لي: سألته عن الخمر، فقال: «هي أكبر ~~الكبائر وأم الفواحش، من شرب الخمر ترك الصلاة وواقع أمه وخالته وعمته» ### | 308 - # أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن الحافظ، أخبرنا أحمد بن شاذان، حدثنا أبو ~~القاسم البغوي، حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا كوثر بن حكيم، عن نافع، عن ابن ~~عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لعن الخمر وعاصرها ~~والمعتصر والجالب والمجلوب إليه والبائع والمشتري والساقي والشارب، وحرم ~~ثمنها على المسلمين» # PageV02P224 ### | 309 - # أخبرنا محمد بن محمد بن أحمد المنصوري، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا ~~أبو عمر القاضي، حدثنا علي بن إشكاب، حدثنا علي بن ربيعة، حدثنا الحكم بن ~~عبد الرحمن بن أبي نعم، عن الوليد بن عبادة، قال: سمعت عبد الله بن عمرو، ~~يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخمر أم الخبائث، ومن شربها لم ~~يقبل الله منه صلاة أربعين يوما، فإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية» ### | 310 - # أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الغازي، أخبرنا محمد بن بشر بن العباس البصري، ~~أخبرنا محمد بن إدريس السامي، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا محمد بن عبيد بن ~~واقد، حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن ~~أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مدمن ms0507 الخمر كعابد وثن» # PageV02P225 ### | 311 - # أخبرنا أبو سعيد فضيل بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي، ~~حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن نافع العصري، حدثنا علي بن الحسن الشامي، ~~حدثنا عبيد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: «لا تجالسوا شربة الخمر، ولا تشيعوا جنائزهم، ولا ~~تزوجوهم ولا تتزوجوا إليهم، فإن شارب الخمر يبعث يوم القيامة مسودا وجهه ~~مزرقة عيناه، يدلع لسانه على صدره، يسيل لعابه على بطنه، يقذره من يراه» # والميسر: القمار كله، وتقدم معنى الكلام فيه. # والأنصاب: قال ابن عباس: آلهتهم التي نصبوها يعبدونها، واحدها: نصب، ~~والأزلام سهام مكتوب عليها: خير وشر، ومعنى الكلام فيه الأنصاب والأزلام. # وقوله: {رجس من عمل الشيطان} [المائدة: 90] أي: قبيح مستقذر، يقال: رجس ~~الرجل رجسا، ورجس إذا عمل قبيحا. # قال الزجاج: بالغ الله تعالى في ذم هذه الأشياء فسماها رجسا، وأعلم أن ~~الشيطان يسول ذلك لبني آدم، وقد قرن الله تعالى تحريم الخمر بتحريم عبادة ~~الأوثان تغليظا وإبلاغا في النهي عن شربها. # لذلك قال ابن عباس: لما حرمت الخمر مشى أصحاب رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم بعضهم إلى بعض، فقالوا: حرمت الخمر وجعلت عدلا للشرك. # وقوله: فاجتنبوه أي: كونوا جانبا منه، لعلكم تفلحون. # قوله تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر ~~والميسر} [المائدة: 91] أما الخمر فقال # PageV02P226 # ابن عباس: إن رجلا من الأنصار كان مؤاخيا لسعد بن أبي وقاص، فدعاه إلى ~~الطعام وشربوا مسكرا، فوقع بين الأنصاري وبين سعد مراء ومفاخرة، فأخذ ~~الأنصاري لحي بعير فضرب به وجه سعد حتى أثر في وجه سعد. # وأما الميسر فقال قتادة: كان الرجل يقامر على أهله وماله، فيقمر ويبقى ~~حريبا سليبا، فيكسبه ذلك العداوة والبغضاء إلى ماله في يدي غيره. # وقوله: {ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة} [المائدة: 91] وذلك أن من اشتغل ~~بشرب الخمر أو القمار ألهاه ذلك عن ذكر الله وعبادته. # ثم أمر بالانتهاء عن هذه الأشياء، فقال: {فهل أنتم ms0508 منتهون} [المائدة: 91] ~~قال ابن عباس: قالوا: انتهينا ربنا. # قال ابن الأنباري: بين تحريم الخمر في قوله: {فهل أنتم منتهون} [المائدة: ~~91] إذ كان معناه: فانتهوا. # قال الفراء: ردد علي أعرابي: هل أنت ساكت، هل أنت ساكت. # وهو يريد: اسكت، اسكت. # ولما ذكر الأمر باجتناب الخمر وما بعدها، أمر بالطاعة، فقال {وأطيعوا ~~الله وأطيعوا الرسول} [المائدة: 92] فيما يأمرانكم، واحذروا: المحارم ~~والمناهي، فإن توليتم: أعرضتم عما أمرتم، {فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ ~~المبين} [المائدة: 92] معناه: الوعيد، كأنه قيل: فاعلموا أنكم قد استحققتم ~~العقاب لتوليكم عما بلغ رسولنا. # والبلاغ معناه: التبليغ، والمبين الظاهر، أي: ليس على رسولنا إلا أن يبلغ ~~ويبين. # وقوله: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} [المائدة: ~~93] الآية: قال المفسرون: لما نزل تحريم الخمر والميسر، قالوا: يا رسول ~~الله، ما نقول في إخواننا الذين مضوا وهم يشربون ويأكلون الميسر؟ فأنزل ~~الله تعالى هذه الآية، وقوله: {فيما طعموا} [المائدة: 93] يعني: من الخمر ~~والميسر. # PageV02P227 # وقوله: {إذا ما اتقوا} [المائدة: 93] يعني: المعاصي والشرك، ثم اتقوا: ~~داموا على الاتقاء، {ثم اتقوا وأحسنوا} [المائدة: 93] اتقوا ظلم العباد مع ~~ضم الإحسان إليه. ### | 312 - # أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي، أخبرنا شعيب بن محمد البيهقي، أخبرنا مكي بن ~~عبدان، حدثنا أبو الأزهر، حدثنا روح، حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: لما أنزل ~~الله تحريم الخمر في المائدة بعد غزوة الأحزاب، قال في ذلك رجال من أصحاب ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصيب فلان يوم بدر، وفلان يوم أحد وهم ~~يشربونها، ونحن نشهد أنهم في الجنة. # فأنزل الله تعالى {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} ~~[المائدة: 93] الآية # يقول: شربها القوم على تقوى من الله وإحسان، وهي يومئذ حلال، ثم حرمت ~~فيما بعد. # {يأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ~~ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم {94} يأيها ~~الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما ~~قتل من النعم يحكم به ذوا عدل ms0509 منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين ~~أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله ~~منه والله عزيز ذو انتقام {95} أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ~~وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون ~~{96} } [المائدة: 94-96] قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله ~~بشيء من الصيد} [المائدة: 94] الآية، أي: ليختبرن طاعتكم من معصيتكم بصيد ~~البر خاصة، وكان هذا عام الحديبية، كانت الوحش والطير تغشاهم في رحالهم ~~كثيرة وهم محرمون، فنهوا عنها ابتلاء قوله: تناله أيديكم يعني: الفراخ ~~وصغار الوحش ورماحكم يعني: الكبار ليعلم الله: ليرى الله {من يخافه بالغيب} ~~[المائدة: 94] من يخاف الله ولم يره، كقوله: {من خشي الرحمن بالغيب} [ق: ~~33] . # {فمن اعتدى بعد ذلك} [المائدة: 94] بعد النهي {فله عذاب أليم} [المائدة: ~~94] قال ابن عباس: يوسع ظهره وبطنه جلدا ويسلب ثيابه. # PageV02P228 # قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} [المائدة: ~~95] حرم الله تعالى قتل الصيد على المحرم، فليس له أن يتعرض للصيد ما دام ~~محرما. # قوله: {ومن قتله منكم متعمدا} [المائدة: 95] قال الزهري: نزل القرآن ~~بالعمد، وجرت السنة في الخطأ. # يعني: أن المخطئ في قتل الصيد ألحق بالمتعمد في وجوب الجزاء عليه بالسنة. # وهذا مذهب عامة الفقهاء. # قال ابن جريج: قلت لعطاء {ومن قتله منكم متعمدا} [المائدة: 95] ، فمن ~~قتله خطأ يغرم، وإنما جعل الغرم على من قتله متعمدا؟ قال: يعظم بذلك حرمات ~~الله، ومضت به السنن. # وقوله: {فجزاء مثل ما قتل من النعم} [المائدة: 95] أي: فعليه جزاء مماثل ~~للمقتول: ففي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة، وفي الضبع كبش، وفي الظبي ~~شاة، وفي الغزال جمل. # ومن قرأ: فجزاء مثل ما قتل على الإضافة إلى مثل كان معناه: فجزاء ما قتل، ~~ويكون المثل صلة كما تقول: أنا أكرم مثلك. # أي: أكرمك، ومعنى القراءتين سواء. # وقوله: {يحكم به ذوا عدل منكم} [المائدة: 95] قال ابن عباس: يريد: يحكم ~~في الصيد بالجزاء رجلان صالحان منكم: من أهل ملتكم ودينكم ms0510، فقيهان عدلان، ~~فينظران إلى أشبه الأشياء به من النعم فيحكمان به. # {هديا بالغ الكعبة} [المائدة: 95] قال ابن عباس: يريد: إذا أتى مكة ذبحه ~~وتصدق به. # {أو كفارة طعام مساكين} [المائدة: 95] يعني: أو عليه بدل الجزاء الكفارة، ~~وهي طعام مساكين. # PageV02P229 # وقرئ بإضافة كفارة إلى طعام، وذلك أنه لما خير المكفر بين ثلاثة أشياء: ~~الهدي والطعام والصيام، استجيزت الإضافة لذلك، كأنه قيل: كفارة طعام، لا ~~كفارة هدي، ولا كفارة صيام. # قال الشافعي: إذا قتل صيدا فإن شاء جزاه بمثله، وإن شاء قوم المثل دراهم ~~ثم يشتري بالدراهم طعاما، ثم يتصدق به، وإن شاء صام عن كل مد يوما، وهو ~~قوله {أو عدل ذلك صياما} [المائدة: 95] . # قال الفراء: العدل: ما عادل الشيء من غير جنسه، والعدل: المثل. # قال ابن الأعرابي: عدل الشيء وعدله سواء: مثله. # والجزاء إنما يجب فيما يؤكل لحمه من الدواب والطيور، فأما ما لا يؤكل ~~لحمه فلا جزاء في قتله. ### | 313 - # أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري، حدثنا محمد بن يعقوب، أخبرنا الربيع، ~~أخبرنا الشافعي، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم، قال: " خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، ~~والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور " # قوله: {ومن عاد فينتقم الله منه} [المائدة: 95] قال عطاء وإبراهيم وسعيد ~~بن جبير: إذا عاد إلى قتل الصيد محرما بعد ما حكم عليه في المرة الأولي حكم ~~عليه ثانيا، فهو بصدد الوعيد لقوله: {فينتقم الله منه} [المائدة: 95] أي: ~~يكافئه عقوبة بما صنع والله عزيز: منيع، ذو انتقام: من أهل معصيته، أي: ذو ~~مكافأة لهم بالعقوبة. # PageV02P230 # قوله: {أحل لكم صيد البحر} [المائدة: 96] قال ابن عباس: يريد: ما أصيب من ~~داخل البحر، وعني ب البحر: جميع المياه، والأنهار داخلة في هذا. # وقوله: وطعامه يعني: ما لفظه البحر أو حسر عنه الماء {متاعا لكم ~~وللسيارة} [المائدة: 96] منفعة للمقيم والمسافر، تأكلون وتبيعون، ويتزود ~~منه عابر السبيل. # {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} [المائدة: 96] كل صيد صاده المحرم من ~~البر أو ms0511 صيد له بأمره لم يحل له أكله، واتقوا الله: فلا تستحلوا الصيد في ~~الإحرام، ثم حذرهم بقوله: {الذي إليه تحشرون} [المائدة: 96] فيجزيكم ~~بأعمالكم. # {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي ~~والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله ~~بكل شيء عليم {97} اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم {98} } ~~[المائدة: 97-98] قوله تعالى: {جعل الله الكعبة} [المائدة: 97] قال مجاهد: ~~سمى البيت كعبة لتربيعها. # وقال ابن أبي النجيح: إنما سميت الكعبة لأنها مربعة مكعبة على عمل الكعب. # والبيت الحرام معناه: أن الله تعالى قد حرم أن يصاد عنده، وأن يختلى ما ~~عنده من الخلاء وأن يعضد شجره، وما عظم من حرمته. # قوله: قياما للناس أي: سببا لقيام الناس إليها بالحج وقضاء النسك، فيصلح ~~بذلك دينهم، لأنه يحط عنهم الذنوب والأوزار عندها، ويغفر لهم ما اقترفوه ~~قبل حجها. # وقال جماعة من المفسرين: جعل الله حج الكعبة البيت الحرام قياما لمعاش ~~الناس ومكاسبهم بما يحصل لهم في زيارتهم من التجارة وأنواع البركة. # قال سعيد بن جبير: من أتى هذا البيت يريد شيئا للدنيا والآخرة أصابه. # وقوله: والشهر الحرام يريد: # PageV02P231 # الأشهر الحرم، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يتغاورون ويسكفون الدماء بغير ~~حقها، فإذا دخل الشهر الحرام أمنوا على أموالهم وأنفسهم وانبسطوا في ~~متاجرهم، وكذلك إذا أهدى الرجل هديا، أو قلد بعيره من لحاء شجر الحرم أمن ~~كيف تصرف، وذلك قوله: والهدي والقلائد ولو لم يؤمن الله العرب بهذه الأشياء ~~لفسدت الأرض وفني الناس. # وقوله: {ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض} [المائدة: ~~97] قال ابن قتيبة: فعل الله ذلك لعلمه بما فيه صلاح شئونهم، ليعلموا أنه ~~كما علم ما فيه من الخير لهم أنه يعلم أيضا ما في السموات وما في الأرض. # قال ابن الأنباري: ذكر الله في هذه ال { [غيوبا كثيرة من أخبار الأنبياء ~~عليهم السلام وتباعهم، وأشياء من أحوال المنافقين واليهود كانت مستورة عن ~~النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ms0512، فلما دل عليها قال:] ذلك لتعلموا أن ~~الله يعلم ما في السموات وما في الأرض} [سورة المائدة: 97] أي: ذلك يدلكم ~~على أنه يعلم ما في السموات وما في الأرض، وأنه لا تخفى عليه خافية. # قوله: {اعلموا أن الله شديد العقاب} [المائدة: 98] قال الكلبي: لمن استحل ~~الحرام، {وأن الله غفور رحيم} [المائدة: 98] لمن تاب. ### | 314 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر البغدادي، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا ~~إبراهيم بن علي الذهلي، حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا خارجة، عن العلاء، عن ~~أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم ~~المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند ~~الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد» # ولما أنذر الله بشدة العقاب، أخبر أنه ليس على الرسول إلا التبليغ، فقال: ~~{ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون} [المائدة: 99] ~~. # {ما على الرسول إلا البلاغ} [المائدة: 99] أي: فقد بلغ وأنذر وبشر، ~~{والله يعلم ما تبدون وما تكتمون} [المائدة: 99] أي: لا يخفى عليه شيء مما ~~تظهرون وما تسرون. # PageV02P232 # {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي ~~الألباب لعلكم تفلحون {100} يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد ~~لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرءان تبد لكم عفا الله عنها والله ~~غفور حليم {101} قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين {102} ما جعل ~~الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على ~~الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون {103} وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله ~~وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون ~~شيئا ولا يهتدون {104} يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا ~~اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون {105} } [المائدة: ~~100-105] قوله تعالى: {قل لا يستوي الخبيث والطيب} [المائدة: 100] روى ~~جابر، أن رجلا قال: يا رسول الله، إن الخمر ms0513 كانت تجارتي، وإني اعتقدت من ~~بيعها مالا فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله، فقال النبي صلى ~~الله عليه وسلم: «إن أنفقته في حج، أو جهاد، أو صدقة لم يعدل عند الله جناح ~~بعوضة، إن الله لا يقبل إلا الطيب» . # وأنزل الله تصديقا لقول رسوله: {قل لا يستوي الخبيث والطيب} [المائدة: ~~100] ، قال عطاء، والحسن: الحرام والحلال، {ولو أعجبك كثرة الخبيث} ~~[المائدة: 100] معنى الإعجاب: السرور بما يتعجب منه، تقول: يعجبني المال ~~والغنى. # أي: يسرني، قال عطاء، عن ابن عباس: يريد: أن أهل الدنيا يعجبهم كثرة ~~المال وزينة الدنيا، وما عند الله خير وأبقى. # ثم أمر بالتقوى، فقال: {فاتقوا الله يا أولي الألباب} [المائدة: 100] ~~الآية. # قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} ~~[المائدة: 101] قال المفسرون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل حتى ~~أحفوه بالمسألة، فقام مغضبا خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: لا تسألوني ~~عن شيء في مقامي هذا إلا أخبرتكموه. # فقام رجل من بني سهم كان يطعن في نسبه وهو عبد الله بن حذافة، فقال: يا ~~نبي الله من أبي؟ # PageV02P233 # فقال: " أبوك حذافة بن قيس. # وقام آخر فقال: يا رسول الله أين أبي؟ فقال: في النار. # وقام آخر فقال: يا رسول الله الحج علينا في كل عام؟ فقال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: ويحك، وما يؤمنك أن أقول نعم، والله لو قلت: نعم لوجبت، ~~ولو وجبت ما استطعتم، فاتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة ~~سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. # فأنزل الله هذه الآية. # وسأل عن موضع أبيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في النار فهو مما ~~يسوء السائل بيانه. # وأما من سأل عن نسبه، فإنه لم يأمن من أن يلحقه النبي صلى الله عليه وسلم ~~بغير أبيه، فيفتضح فضيحة تبقى عليه بسؤال لم يكلف ذلك. # وأما السائل عن الحج فقد سأل عما كان مرفوعا عنه، لأنه كان ظاهر ما نزل ~~من فرض الحج كفاية، فلو كان ms0514 العدد في الوجوب مرارا لبين في التنزيل أو على ~~لسان الرسول، فسؤاله إذا عن شيء عفا الله، وهو قوله: {عفا الله عنها} ~~[المائدة: 101] . # وهذا مؤخر في النظم مقدم في المعنى: لأن التقدير: لا تسألوا عن أشياء إن ~~تبد لكم تسؤكم عفا الله عنها. # ومعنى: {عفا الله عنها} [المائدة: 101] أي: كف وأمسك عن ذكرها، فلم يوجب ~~فيها حكما. # قال الزجاج: أعلم الله أن السؤال عن مثل هذا الجنس لا ينبغي أن يقع، فإذا ~~ظهر فيه الجواب ساء ذلك، ولا وجه في المسألة عما عفا الله عنه، ولا فيما ~~فيه إن ظهر فضيحة على السائل. # وقوله: {وإن تسألوا عنها} [المائدة: 101] أي: عن أشياء {حين ينزل ~~القرءان} [المائدة: 101] فيها من فرض أو إيجاب أو نهي أو حكم، ومست حاجتكم ~~إلى ما هو من جملة ما نزل فيه القرآن، وليس في ظاهرها دليل على شرح ما بكم ~~إليه حاجة، فإذا سألتم عنها حينئذ {تبد لكم} [المائدة: 101] . # قوله: {قد سألها قوم من قبلكم} [المائدة: 102] أي: سأل الآيات التي بهم ~~غنى عنها فتكلفوا سألتها، كقوم عيسى: سألوا المائدة ثم كفروا بها، وقوم ~~صالح: سألوا الناقة ثم عقروها وكفروا بها. # قوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرة} [المائدة: 103] أي: ما أوجبها ولا ~~أمر بها. # والبحيرة: فعيلة من البحر وهو الشق، يقال: بحر ناقته. # أي: شق أذنها، وهي بمعنى المفعولة. # قال المفسرون: البحيرة: الناقة إذا نتجت خمسة أبطن شقوا أذنها، وامتنعوا ~~عن ركوبها وذبحها، ولا يجز # PageV02P234 # لها وبر، ولا يحمل على ظهرها، ولا تمنع من ماء ولا مرعى. # وقوله: ولا سائبة: قال أبو عبيدة: كان الرجل إذا مرض أو قدم من سفر نذر ~~نذرا، أو شكر نعمة، سيب بعيرا، فكان بمنزلة البحيرة في جميع ما حكموا لها. # وقال الفراء: إذا ولدت الناقة عشرة أبطن كلها إناث سيبت فلم تركب. # وقال ابن عباس: هي التي تسيب للأصنام، أي: تعتق لها. # وقال سعيد بن المسيب: السائبة من الإبل كانوا يسيبونها لطواغيتهم. # وقوله: ولا وصيلة: الوصيلة من الغنم: كانت الشاة إذا ms0515 ولدت أنثى فهي لهم، ~~وإن ولدت ذكرا جعلوه لآلهتهم، فإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاه فلم ~~يذبحوا الذكر لآلهتهم. # وقوله: ولا حام: قال ابن عباس، وابن مسعود: إذا نتجت من صلب الفحل عشرة ~~أبطن، قالوا: قد حمى ظهره وسيب لأصنامهم فلا يحمل عليه. # قال قتادة: كان هذا كله تشديد شدده الشيطان على أهل الجاهلية في أموالهم ~~وتغليظا. # وإن أول من فعل ذلك عمرو بن لحي. ### | 315 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد المزكي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن ~~محمد الشيباني، أخبرنا # PageV02P235 # محمد بن عبد الرحمن السرخسي، أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة، أن الفضل بن ~~غانم حدثهم، حدثنا سلمة، عن أبي إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ~~التميمي، أن أبا صالح السمان حدثه، أنه سمع أبا هريرة، يقول: سمعت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه ~~في النار، وأنه كان أول من غير دين إسماعيل، ونصب الأوثان، وسيب السائبة، ~~وبحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي» # وقوله: {ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب} [المائدة: 103] قال ابن ~~عباس: يريد عمرو بن لحى وأصحابه يتقولون على الله الأباطيل في تحريم هذه ~~الأنعام، وهم جعلوها محرمة، لا الله عز وجل حرمها. # وقوله: {وأكثرهم لا يعقلون} [المائدة: 103] قال الشعبي، وقتادة: يعني: ~~الأتباع لا يعقلون أن ذلك كذب وافتراء على الله من الرؤساء الذين حرموا هذه ~~الأنعام. # قوله تعالى: {وإذا قيل لهم} [المائدة: 104] يعني: لهؤلاء المشركين الذين ~~يحرمون على أنفسهم هذه الأنعام: {تعالوا إلى ما أنزل الله} [المائدة: 104] ~~في القرآن من تحليل ما حرمتم على أنفسكم {قالوا حسبنا ما وجدنا عليه ~~آباءنا} [المائدة: 104] من الدين والمنهاج، { # PageV02P236 # أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون} [المائدة: 104] مضى تفسيره. # قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} [المائدة: 105] قال ~~الفراء، وابن الأنباري: هذا أمر من الله، تأويله: احفظوا أنفسكم من ملابسة ~~المعاصي. # قال الزجاج: إذا قلت: عليك زيدا، فتأويله: الزم زيدا، وعليكم أنفسكم ~~معناه: الزموا ms0516 أمر أنفسكم، فإنما ألزمكم الله أمرها. # {لا يضركم من ضل} [المائدة: 105] من أهل الكتاب إذا اهتديتم، ولا تدل ~~الآية على جواز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بأن يتأول فيقال: إذا ~~حفظ المرء نفسه عن المعاصي، وكان مهتديا لم يضره ضلال غيره من أهل دينه، ~~ولا يجب عليه الأمر بالمعروف، وقد صرح أبو بكر الصديق رضي الله عنه بهذا ~~فيما ### | 316 - # أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الزعفراني، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد ~~بن يعقوب المفيد، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن السقطي، حدثنا يزيد بن هارون، ~~حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي بكر الصديق رضي ~~الله عنه، قال: يأيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية تضعونها على غير موضعها ~~{يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} [المائدة: ~~105] وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا ~~الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب» # قال أبو عبيدة: خاف الصديق أن يتأول الناس الآية على غير متأولها فيدعوهم ~~إلى ترك الأمر بالمعروف، فأراد أن يعلمهم أنها ليست كذلك، وأنه لو كان ~~وجهها ذلك ما تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافها. # والذي أذن الله في الإمساك عن تغييره من المنكر: الشرك الذي ينطق به ~~المعاهدون من أجل أنهم أهل ملل يتدينون بها. # ثم قد صولحوا على أن شرطهم ذلك. # فأما الفسوق والعصيان والريب من أهل الإسلام، فلا تدخل في هذه # PageV02P237 # الآية والذي يدل على صحة هذه الجملة ما ### | 317 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن ~~يحيى الطلحي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أسيد الأصبهاني، حدثنا ~~محمد بن عامر بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن عمر بن خليفة الأنصاري، عن كثير بن ~~أبي كثير، قال: حدثنا ابن عباس وهو يومئذ ضرير في بصره، وذكر عتيق بن عثمان ~~فقال رحمه الله: قعد على منبر رسول الله صلى الله ms0517 عليه وسلم يوم سمي خليفة ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى ~~الله عليه وسلم، ثم مد يده فوضعها على المجلس الذي كان رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يجلس عليها من منبره، ثم قال: سمعت الحبيب وهو جالس في هذا ~~المجلس إذ تأول {يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا ~~اهتديتم} [المائدة: 105] فسرها، وكان تفسيره لها أن قال: نعم، ليس من قوم ~~عمل فيهم بمنكر وسن فيهم بقبيح، فلم يغيروه ولم ينكروه إلا وحق على الله أن ~~يعمهم بالعقوبة جميعا ثم لا يستجاب لهم. # ثم أدخل أصبعيه في أذنيه فقال: إلا أكن سمعتها من الحبيب قصمتها # ولابن مسعود رضي الله عنه في هذه الآية طريقة أخرى وهي ما ### | 318 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا أبو يحيى ~~الرازي، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا عبد الله، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن ~~أبي العالية، قال: # PageV02P238 # كانوا عند ابن مسعود فوقع بين رجلين ما يكون بين الناس حتى قام كل منهما ~~إلى صاحبه، فقال بعضهم: ألا أقوم إليهما فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن ~~المنكر؟ فقال بعضهم: عليك نفسك، إن الله تعالى يقول: {يأيها الذين آمنوا ~~عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} [المائدة: 105] فسمعها ابن مسعود ~~فقال: مه، لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إن القرآن حين نزل كان منه آي مضي ~~تأويلها من قبل أن ينزل، ومنه آي وقع تأويلها على عهد رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم، ومنه آي وقع تأويلها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنين، ~~ومنه آي يقع تأويلها عند الساعة ما ذكر من أمر الساعة، ومنه آي يقع تأويلها ~~عند الحساب ما ذكر من الحساب والجنة والنار، فما دامت قلوبكم واحدة، ولم ~~تلبسوا شيعا، ولم يذق بعضكم بأس بعض فمروا وانهوا، فإذا اختلفت القلوب ~~والأهواء وألبستم شيعا وذاق بعضكم بأس بعض فامرؤ ونفسه # ويدل على صحة ما ذهب إليه ابن مسعود في ms0518 تأويل هذه الآية ما ### | 319 - # أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أخبرنا ~~العباس بن الوليد بن مزيد، أخبرني محمد بن شعيب، أخبرنا عقبة بن أبي حكيم، ~~حدثني عمرو بن جارية، عن أبي أمية، قال: أتينا أبا ثعلبة الخشني، فقلنا: ~~كيف نصنع بهذه الآية؟ قال: أية آية؟ فقلت: {يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ~~لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} [المائدة: 105] فقال: أما والله لقد سألت عنها ~~خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « # PageV02P239 # نعم، ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى ~~متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيت الأمر لا يدان لك به، ~~فعليك نفسك ودع أمر العوام» ، وذكر الحديث # وقوله: {إلى الله مرجعكم جميعا} [المائدة: 105] قال عطاء: مصيركم من ~~خالقكم. # {فينبئكم بما كنتم تعملون} [المائدة: 105] قال: يجازيكم بأعمالكم. # {يأيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ~~ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة ~~الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ~~ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين {106} فإن عثر ~~على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم ~~الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن ~~الظالمين {107} ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد ~~أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين {108} ~~} [المائدة: 106-108] قوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا شهادة بينكم} ~~[المائدة: 106] الآية: قال المفسرون: إن تميما الداري وأخاه عديا كانا ~~نصرانيين، خرجا إلى الشام ومعهما بديل مولى عمرو بن العاص وكان مسلما ~~مهاجرا، خرجوا تجارا، فلما قدموا الشام مرض بديل، فكتب كتابا فيه نسخة جميع ~~ما معه، وطرحه في جوالقه ولم يخبر صاحبيه بذلك، وأوصى إليهما وأمرهما أن ~~يدفعا متاعه إذا رجعا إلى أهله، ومات بديل رحمه الله فأخذا من متاعه ms0519 إناء ~~من فضة منقوشا بالذهب، ودفعا باقي المتاع إلى أهله لما قدما، ففتشوا ~~فأصابوا الصحيفة بذكر ما كان معه وفيه ذكر الإناء، فقالوا لتميم، وعدي: إنا ~~فقدنا من متاعه إناء من فضة فيه ثلاث مائة مثقال، فقالا: ما ندري، إنما ~~أوصى إلينا بشيء، # PageV02P240 # وأمرنا أن ندفعه إليكم فدفعناه، وما لنا بالإناء من علم، فرفعوهما إلى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل هذه الآية والتي بعدها. # فقوله: شهادة بينكم: قال الفراء: أي: ليشهدكم اثنان {إذا حضر أحدكم ~~الموت} [المائدة: 106] أي: أسبابه ومقدماته حين الوصية: وقت وصيته {اثنان ~~ذوا عدل منكم} [المائدة: 106] من أهل دينكم وملتكم، {أو آخران من غيركم} ~~[المائدة: 106] من غير أهل ملتكم في قول عامة المفسرين. # قال شريح: إذا كان الرجل بأرض غربة، ولم يجد مسلما يشهده على وصيته، ~~فأشهد يهوديا أو نصرانيا أو أي كافر فشهادته جائزة. # وقال آخرون: لا تجوز شهادة أهل الذمة في شيء من أحكام المسلمين، ولا يقبل ~~قولهم، ولا يثبت بشهادتهم حكم، وعليه الناس اليوم. # وقالوا في قوله: {ذوا عدل منكم} [المائدة: 106] أي: من حيكم وقبيلتكم، ~~{أو آخران من غيركم} [المائدة: 106] أي: من غير قبيلتكم ورفقتكم. # هو قول الحسن، والسدي، وابن موسى، قالوا: {ذوا عدل منكم أو آخران من ~~غيركم} [المائدة: 106] قال: كلهم مسلمون. # قوله: {إن أنتم ضربتم في الأرض} [المائدة: 106] إن سافرتم وسرتم فيها، ~~{فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة} [المائدة: 106] قال عامة ~~المفسرين: من بعد صلاة العصر، وأهل الأديان يعظمون ذلك الوقت ويتجنبون فيه ~~الأكاذيب والحلف الكاذب، فيقسمان: فيحلفان {بالله إن ارتبتم} [المائدة: ~~106] شككتم في قول الآخرين الذين ليسا من أهل ملتكم. # وقوله: {لا نشتري به ثمنا} [المائدة: 106] أي: لا نبيع عهد الله بعرض ~~نأخذه من الدنيا، {ولو كان ذا قربى} [المائدة: 106] ولو كان المشهود له ذا ~~قربى، والمعنى: لا نحابي في شهادتنا أحدا ولو كان ذا قربى، {ولا نكتم شهادة ~~الله} [المائدة: 106] أضيف الشهادة إلى الله # PageV02P241 # لأمره بإقامتها والنهي عن كتمانها، {إنا إذا لمن الآثمين} [المائدة ms0520: 106] ~~أي: إن كتمناها لكنا من الآثمين. # ولما رفعوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت الآية، أمرهم رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما: بالله الذي لا إله إلا هو، ما ~~قبضنا له غير هذا ولا كتمنا. # فحلفا على ذلك وخلي سبيلهما، ثم اطلع على إناء من فضة معهما، فارتفعوا ~~إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل قوله: {فإن عثر على أنهما استحقا إثما} ~~[المائدة: 107] أي: فإن اطلع على أنهما أتيا خيانة، واستوجبا إثما بيمينهما ~~الكاذبة، {فآخران يقومان مقامهما} [المائدة: 107] أي: مقام الشاهدين اللذين ~~من غيركم {من الذين استحق عليهم} [المائدة: 107] أي: من ورثة الميت وهم ~~الذين استحق عليهم الوصية الأوليان أي: الأقربان للميت. # وقرأ حمزة الأولين: وهو نعت لجميع الورثة المذكورين في هذه الآية في ~~قوله: {من الذين استحق عليهم} [المائدة: 107] ، وتقديره من الأولين الذين ~~استحق عليهم الإيصاء. # وإنما قيل لهم الأولين لتقدم ذكرهم في قوله: {يأيها الذين آمنوا شهادة ~~بينكم} [المائدة: 106] ، وكذلك: {اثنان ذوا عدل منكم} [المائدة: 106] ، ~~وذكر في اللفظ قبل قوله: {أو آخران من غيركم} [المائدة: 106] وقرأ حفص ~~استحق بفتح الحاء والتاء بمعنى وجب، والمعنى: فآخران من الذين وجب عليهم ~~الإيصاء بتوصية ميتهم وهم ورثته. # وقوله: {فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما} [المائدة: 107] قال ابن ~~عباس: ليميننا أحق من يمينهما. # وسميت اليمين ههنا شهادة، لأن اليمين كالشهادة على ما يجب عليه أنه كذلك، ~~وما اعتدينا: فيما قلنا من أن شهادتنا أحق من شهادتهما. # فلما نزلت هذه الآية قام عمرو بن العاص، والمطلب بن أبي وداعة السهميان، ~~فحلفا بالله أنهما ما خانا # PageV02P242 # وكذبا، فدفع الإناء إليهما وإلى أولياء الميت. # قوله: {ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها} [المائدة: 108] أي: ذلك ~~الذي حكمنا به من رد اليمين أدنى إلى الإتيان بالشهادة على ما كتب، أو ~~يخافوا أي: أقرب إلى أن يخافوا {أن ترد أيمان} [المائدة: 108] على أولياء ~~الميت بعد أيمانهم: فيحلفوا على خيانتهم وكذبهم، فيفتضحوا ويغرموا، فلا ~~يحلفون كاذبين إذا خافوا ذلك الحكم. # واتقوا الله: أن تحلفوا ms0521 أيمانا كاذبة، أو تخونوا أمانة، واسمعوا: ~~الموعظة، {والله لا يهدي القوم الفاسقين} [المائدة: 108] وعيد لهم بحرمان ~~الهداية. # {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام ~~الغيوب {109} إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ ~~أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة ~~والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون ~~طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني ~~إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين ~~{110} وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا ~~مسلمون {111} إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل ~~علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين {112} قالوا نريد أن ~~نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين {113} ~~قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا ~~لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين {114} قال الله إني ~~منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من ~~العالمين {115} وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي ~~إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت ~~قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ~~{116} ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم ~~شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ~~{117} إن # PageV02P243 # تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم {118} قال الله ~~هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ~~أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم {119} لله ملك السموات ~~والأرض وما فيهن ms0522 وهو على كل شيء قدير {120} } [المائدة: 109-120] قوله عز ~~وجل: {يوم يجمع الله الرسل} [المائدة: 109] الآية: انتصب اليوم بفعل محذوف ~~على تقدير: احذروا واذكروا يوم يجمع الله الرسل، {فيقول ماذا أجبتم} ~~[المائدة: 109] قال الكلبي: ماذا أجابكم قومكم في التوحيد. # ومعنى المسألة من الله للرسل: التوبيخ للذين أرسلوا إليهم. # {قالوا لا علم لنا} [المائدة: 109] قال ابن عباس: إن للقيامة زلازل ~~وأهوالا حتى تزول القلوب عن مواضعها، فإذا رجعت القلوب شهدوا لمن صدقهم ~~وعلى من كذبهم، وهذا قول الحسن، ومجاهد، والسدي، قالوا: من هول ذلك اليوم ~~يفزعون ويذهلون عن الجواب، ثم يجيبون بعد ما تثوب إليهم عقولهم. # وحكى ابن الأنباري، عن جماعة من أهل التفسير أنهم قالوا: معنى الآية لا ~~حقيقة لعلمنا إذ كنا نعلم جوابهم وما كان من أفعالهم وقت حياتنا، ولا نعلم ~~ما كان منهم بعد وفاتنا، وإنما الجزاء يستحق بما يقع به الخاتمة مما يموتون ~~عليه، فلما خفي عليهم الذي ماتت عليه الأمم لم يكن لعلمهم حقيقة، فقالوا: ~~{لا علم لنا} [المائدة: 109] . # يدل على صحة هذا التأويل قوله: {إنك أنت علام الغيوب} [المائدة: 109] أي: ~~أنت الذي يعلم ما غاب ونحن نعلم ما نشاهد، ولا نعلم ما في البواطن. # PageV02P244 # قوله: {إذ قال الله يا عيسى ابن مريم} [المائدة: 110] مفسر في { [البقرة ~~وآل عمران إلى قوله:] وإذ كففت بني إسرائيل عنك} [سورة المائدة: 110] أي: ~~منعتهم عن قتلك {إذ جئتهم بالبينات} [المائدة: 110] يعني: ما ذكر في هذه ~~الآية من معجزات عيسى عليه السلام، {فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر ~~مبين} [المائدة: 110] أي: ما هذا الذي جئت به إلا سحر. # ومن قرأ: إلا ساحر أشار به إلى الشخص، يعني: عيسى. # قوله: {وإذ أوحيت إلى الحواريين} [المائدة: 111] قال عامة المفسرين: أي: ~~ألهمتهم، كما قال: {وأوحى ربك إلى النحل} [النحل: 68] أي: ألهمها وقذف في ~~قلوبها، وباقي الآية ظاهر. # قوله: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك} [المائدة: 112] ~~قال ابن الأنباري: لا يجوز لأحد أن يتوهم على الحواريين أنهم شكوا في قدرة ms0523 ~~الله، ولا يدل قولهم: {هل يستطيع ربك} [المائدة: 112] على أنهم شكوا في ~~استطاعته، وهذا كما يقول الإنسان لصاحبه: هل تستطيع أن تقوم معي؟ وهو يعلم ~~أنه مستطيع للقيام، لكنه يريد: هل يسهل عليك؟ وهل يخف عليك؟ وكذلك في ~~الآية: هل يقبل ربك دعاءك، وهل يسهل عليك إنزال المائدة؟ وقرأ الكسائي: ~~تستطيع بالتاء، ربك نصبا على معنى: هل تستطيع سؤال ربك، ومرادهم ~~بالاستفهام: التلفظ في استدعاء السؤال، كما تقول لصاحبك هل تستطيع كذا؟ ~~وأنت عالم أنه يستطيع، ولكن قصدك بالاستفهام التلفظ. # PageV02P245 # قال ابن عباس: قال عيسى لأصحابه: هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما، ثم ~~لا تسألون شيئا إلا أعطاكم. # فصاموا ثلاثين يوما، ثم قالوا: يا معلم الخير، قد فعلنا الذي أمرتنا، فسل ~~من أمرتنا أن نصوم له أن يطعمنا، فذلك قوله: {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا ~~مائدة من السماء} [المائدة: 112] . # والمائدة: الخوان بما عليه من الطعام. # قال: عيسى: {اتقوا الله إن كنتم مؤمنين} [المائدة: 112] أي: اتقوا الله ~~أن تسألوه شيئا لم تسأله الأمم قبلكم. # قوله: {قالوا نريد أن نأكل منها} [المائدة: 113] أي: نريد سؤال المائدة ~~من أجل هذا، وتطمئن قلوبنا: تزداد يقينا، وذلك أن الدلائل كلما كثرت قويت ~~المعرفة في النفس {ونعلم أن قد صدقتنا} [المائدة: 113] في أنا إذا صمنا ~~ثلاثين لا نسأل الله شيئا إلا أعطانا. # وقوله: {ونكون عليها من الشاهدين} [المائدة: 113] أي: نقر لله بالوحدانية ~~ولك بالنبوة من جهة ذلك الدليل الذي نراه في المائدة، فدعا عيسى، وقال: ~~{اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا} ~~[المائدة: 114] أي: نتخذ ذلك اليوم الذي تنزل فيه عيدا، نعظمه نحن ومن يأتي ~~بعدنا. # وآية منك: دلالة على توحيدك وصحة نبوة نبيك وارزقنا: عليها طعاما نأكله ~~{وأنت خير الرازقين} [المائدة: 114] . # {قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم} [المائدة: 115] أي: بعد ~~إنزال المائدة {فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين} [المائدة: ~~115] يعني: جنسا من العذاب لا يعذب به غيرهم. # قال الزجاج: فهذا العذاب جائز أن ms0524 يعجل لهم في الدنيا، وجائز أن يكون لهم ~~في الدنيا، وجائز أن يكون في الآخرة. # واختلف العلماء في نزول المائدة: فقال الحسن: والله ما نزلت المائدة، وإن ~~القوم لما سمعوا الشرط في # PageV02P246 # قوله: {فمن يكفر بعد منكم} [المائدة: 115] استعفوا، وقالوا: لا نريدها، ~~وهذا أيضا قول مجاهد. # والصحيح أنها نزلت، قال ابن عباس: نزلت الملائكة بمائدة من السماء عليها ~~سبعة أرغفة وسبعة أحوات، فأكلوا منها حتى شبعوا. # وقال الكلبي: نزلت وعليها خبز ورز وبقل. ### | 320 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن السراج، ~~حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا الحسن بن قزعة، حدثنا سفيان بن ~~حبيب، عن سعيد، عن قتادة، وعن خلاس بن عمرو، عن عمار بن ياسر، قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما، ~~وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد، فخافوا وادخروا، ورفعوا فمسخوا قردة ~~وخنازير» # {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس} [المائدة: 116] الآية، ~~هذا استفهام معناه التوبيخ لمن ادعى ذلك على المسيح، ويكذبهم المسيح فيكون ~~ذلك توبيخا لهم، وهو قوله: قال سبحانك أي: برأتك من السوء، {ما يكون لي أن ~~أقول ما ليس لي بحق} [المائدة: 116] أي: لست أستحق العبادة فأدعو الناس ~~إليها، {إن كنت قلته فقد علمته} [المائدة: 116] لأنه لا يخفى عليك علم شيء، ~~{تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} [المائدة: 116] قال ابن عباس: تعلم ~~ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك. # PageV02P247 # والمعنى: تعلم ما أخفيه من سري وغيبي، ولا أعلم ما تخفيه أنت ولم تطلعنا ~~عليه، فلما كان سر عيسى يخفيه في نفسه، جعل أيضا سر الله مما يخفيه الله في ~~نفسه ليزدوج الكلام ويحسن النطم. # وقال الزجاج: النفس في اللغة تقع عبارة عن حقيقة الشيء، فمعنى {تعلم ما ~~في نفسي} [المائدة: 116] أي: تعلم ما أضمره {ولا أعلم ما في نفسك} ~~[المائدة: 116] أي: لا أعلم ما في حقيقتك وما عندي علمه. # والتأويل: إنك تعلم ما أعلم، ولا أعلم ms0525 ما تعلم، يدل على هذا قوله: {إنك ~~أنت علام الغيوب} [المائدة: 116] . # ثم ذكر ما قال لقومه فقال: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به} [المائدة: 117] ~~فسر ذلك فقال: {أن اعبدوا الله ربي وربكم} [المائدة: 117] أي: أمرتهم ~~بعبادتك لأنك ربي وربهم، {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم} [المائدة: 117] ~~كنت أشهد على ما يفعلون ما كنت مقيما فيهم، فلما توفيتني يعني: وفاة الرفع ~~إلى السماء من قوله: {إني متوفيك ورافعك إلي} [آل عمران: 55] ، {كنت أنت ~~الرقيب عليهم} [المائدة: 117] الحفيظ عليهم تحفظ أعمالهم، {وأنت على كل شيء ~~شهيد} [المائدة: 117] قال ابن عباس: شهدت مقالتي فيهم وبعد ما رفعتني إليك ~~شهدت ما يقولون بعدي. # قوله: {إن تعذبهم فإنهم عبادك} [المائدة: 118] الآية: قال الحسن وأبو ~~العالية إن تعذبهم: فبإقامتهم على كفرهم، {وإن تغفر لهم} [المائدة: 118] ~~فبتوبة كانت منهم. # وقال ابن الأنباري: هذا على التبعيض، أي: إن تعذب بعضهم الذين أقاموا على ~~الكفر فهم عبادك، وإن تغفر لبعضهم الذين انتقلوا عن الكفر إلى الإسلام فأنت ~~في ذلك قاهر غالب عادل لا يعترض عليك معترض. # وهذا اختيار الزجاج لأنه قال: والذي عندي: أن عيسى عليه السلام قد علم أن ~~منهم من آمن ومنهم من أقام على الكفر، فقال عيسى في جميعهم: إن تعذب من كفر ~~بك فإنهم عبادك، أنت العادل فيهم، وإن تغفر لهم لمن أقلع منهم وآمن فأنت في ~~مغفرتك لهم عزيز لا يمتنع عليك ما تريد، حكيم في ذلك. # قوله: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} [المائدة: 119] أي: ينفع ~~الصادقين في الدنيا صدقهم في هذا اليوم، ولأنه يوم الجزاء، وما تقدم في ~~الدنيا الصدق إنما يتبين نفعه في هذا اليوم. # قال المفسرون: هذا تصديق لعيسى فيما قال، وذلك أنه كان صادقا في الدنيا، ~~ولم يقل للنصارى: اتخذوني إلها فنفعه صدقه. # PageV02P248 # ومن قرأ هذا يوم بالرفع فعلى الابتداء والخبر، جعل اليوم خبر المبتدأ ~~الذي هو هذا، والمعنى: قال الله: هذا اليوم يوم منفعة الصادقين. # ومن قرأ بالنصب فعلى الظرف على تقدير {قال الله هذا} [المائدة ms0526: 119] ~~يعني: ما تقدم ذكره في يوم ينفع الصادقين صدقهم، أي: قال الله هذا في يوم ~~القيامة. # وقوله: {رضي الله عنهم} [المائدة: 119] أي: بطاعتهم، ورضوا عنه: بثوابه ~~{ذلك الفوز العظيم} [المائدة: 119] قال الحسن: فازوا بالجنة ونجوا من ~~النار. # قال مقاتل: ثم عظم نفسه عما قالت النصارى من أن معه إلها فقال: {لله ملك ~~السموات والأرض} [المائدة: 120] قال الحسن: يريد خزائن السموات وهي المطر ~~وخزائن الأرض وهي النبات. # قوله: {وما فيهن وهو على كل شيء قدير} [المائدة: 120] إشارة إلى أن ~~الآمال يجب أن تتعلق بالله تعالى لعظيم ملكه وسعة قدرته. # PageV02P249 ### | سورة الأنعام # مكية وآياتها خمس وستون ومائة عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، قال: ~~أنزلت سورة الأنعام ومعها سبعون ألف ملك. ### | 321 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي الخفاف، أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن ~~مطر، حدثنا إبراهيم بن شريك الأسدي، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا سلام بن ~~سليم المدائني، حدثنا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي ~~أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلت علي ~~سورة الأنعام جملة واحدة، وتبعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد ~~والتكبير والتهليل، ومن قرأ سورة الأنعام صلى الله عليه، واستغفر له أولئك ~~السبعون ألف ملك بعدد كل حرف في سورة الأنعام يوما وليلة» ### | 322 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أخبرنا أبو بكر محمد بن ~~إبراهيم بن علي الوراق، حدثنا جعفر بن محمد بن سوار، حدثنا محمد بن عبيد ~~الأسدي، حدثنا بشير بن زاذان، حدثني أبو الحجاج رشدين بن سعد، عن محمد بن ~~مسلم، عن أبي صالح، رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قرأ ~~ثلاث آيات من أول # PageV02P250 # سورة الأنعام حين يصبح وكل الله به سبعين ألف ملك يحفظونه، وكتب له مثل ~~أعمالهم إلى يوم القيامة، ونزل ملك من السماء السابعة معه مرزبة من حديد ~~كلما أراد الشيطان أن يلقي في قلبه شيئا من الشر ms0527 ضربه بها، وجعل بينه وبين ~~الشيطان سبعين ألف حجاب، فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى: ابن آدم، ~~ابق تحت ظلي، وكل من ثمار جنتي، واشرب من ماء الكوثر، واغتسل من ماء ~~السلسبيل، فأنت عبدي وأنا ربك، لا حساب عليك ولا عذاب " # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد بن ~~الحسين هارون، حدثنا إسحاق بن محمد بن مروان، وحدثنا أبي، حدثنا نصر بن ~~مزاحم، عن محمد بن عبيد الله، عن أبي إسحاق الشيباني: بسم الله الرحمن ~~الرحيم {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين ~~كفروا بربهم يعدلون {1} هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ~~ثم أنتم تمترون {2} وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ~~ما تكسبون {3} } [الأنعام: 1-3] الحمد لله قال ابن عباس: يريد: على كل ~~فعال، وبكل لسان، وعلى نعم الإسلام، وعلى صحة الأبدان. # وقوله: {الذي خلق السموات والأرض} [الأنعام: 1] قال الزجاج: ذكر أعظم ~~الأشياء المخلوقة، لأن السماء بغير عمد ترونها، والأرض غير مائدة بنا، ~~{وجعل الظلمات والنور} [الأنعام: 1] جعل ههنا: بمعنى خلق، كقوله: {وجعلنا ~~من الماء كل شيء حي} [الأنبياء: 30] ، وقال الحسن: أراد بالظلمات: الكفر، ~~والنور: الإيمان، وقال السدي: يعني: الليل والنهار. # وقوله: {ثم الذين كفروا} [الأنعام: 1] يعني عبدة الأوثان {بربهم يعدلون} ~~[الأنعام: 1] قال مجاهد: يشركون به غيره. # يقال: عدل الكافر بربه عدلا وعدولا، إذا سوى به غيره فعبده، والعدل: ~~التسوية، عدل الشيء بالشيء إذا سواه به. # PageV02P251 # قال الزجاج: أعلم الله تعالى أنه خالق ما ذكر في هذه الآية، وأن خالقها ~~لا شيء مثله , ثم أعلم أن الكفار يجعلون له عدلا فيعبدون الحجارة والموات. # قوله: {هو الذي خلقكم من طين} [الأنعام: 2] قال ابن عباس: يعني: آدم، ~~والخلق من نسله، {ثم قضى أجلا} [الأنعام: 2] يعني: أجل الحياة إلى الموت ~~{وأجل مسمى عنده} [الأنعام: 2] يعني: أجل الموت إلى البعث وقيام الساعة. # وهذا قول ابن عباس، والحسن، وسعيد بن المسيب، وقتادة، والضحاك، ومقاتل. # قال ابن عباس ms0528: إن الله تعالى قضى لكل نفس أجلين، من مولده إلى موته ومن ~~موته إلى مبعثه، فإذا كان الرجل صالحا واصلا لرحمه زاد الله له في أجل ~~الحياة من أجل الممات إلى البعث، وإذا كان غير صالح ولا واصل لرحمه نقصه ~~الله من أجل الحياة وزاد في أجل البعث، وذلك قوله: {وما يعمر من معمر ولا ~~ينقص من عمره إلا في كتاب} [فاطر: 11] . # ثم أنتم يا معشر المشركين بعد هذا البيان تمترون تشكون وتكذبون بالبعث. # قوله: {وهو الله في السموات وفي الأرض} [الأنعام: 3] قال الزجاج، وابن ~~الأنباري: هو المعبود في السموات والأرض، كما تقول: هو الخليفة في الشرق ~~والغرب. # {يعلم سركم} [الأنعام: 3] : ما تسرون مما لا يطلع عليه غيركم، {وجهركم} ~~[الأنعام: 3] : ما تجهرون به وتعلنونه، {ويعلم ما تكسبون} [الأنعام: 3] ~~معنى الكسب: الفعل لاجتلاب نفع أو دفع ضر، ولهذا لا يوصف فعل الله سبحانه ~~بأنه كسب. # {وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين {4} فقد كذبوا ~~بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون {5} ألم يروا كم ~~أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم # PageV02P252 # نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم ~~فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين {6} } [الأنعام: 4-6] قوله: ~~{وما تأتيهم من آية من آيات ربهم} [الأنعام: 4] قال عطاء: يريد القرآن {إلا ~~كانوا عنها معرضين} [الأنعام: 4] تاركين التفكر فيها. # فقد كذبوا يعني: مشركي مكة {بالحق لما جاءهم} [الأنعام: 5] قال ابن عباس: ~~بما جاءهم به الصادق الأمين عن الله تعالى، {فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به ~~يستهزئون} [الأنعام: 5] أي: أخبار استهزائهم وجزاؤه فهذا وعيد لهم على ~~استهزائهم بالقرآن. # والمعنى: سيعلمون عاقبة استهزائهم إذا عذبناهم. # قوله: ألم يروا يعني: مشركي مكة {كم أهلكنا من قبلهم من قرن} [الأنعام: ~~6] من أمة وجماعة، يعني: من أهلك من الأمم الماضية بتكذيبهم الرسل، والقرن: ~~الأمة من الناس، وأهل كل مدة قرن. # قوله: {مكناهم في الأرض ما لم نمكن} [الأنعام: 6] قال ابن عباس: أعطيناهم ~~ما لم ms0529 نعطكم، يعني: وسعنا عليهم في كثرة العبيد والمال والأنعام. # يقال: مكنته ومكنت له، إذا أقدرته على الشيء بإعطاء ما يصح به الفعل من ~~العدة، وفي هذا رجوع من الخبر إلى الخطاب. # وأرسلنا السماء يعني: المطر عليهم مدرارا كثير الدر. # يقال: سحاب مدرار وغيث مدرار. # إذا تتابع منه المطر. # {فأهلكناهم بذنوبهم} [الأنعام: 6] : بكفرهم وتكذيبهم، وأنشأنا خلقنا ~~وأوجدنا {من بعدهم قرنا آخرين} [الأنعام: 6] . # {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا ~~إلا سحر مبين {7} وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم ~~لا ينظرون {8} ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون {9} ~~ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ~~{10} } [الأنعام: 7-10] قوله: {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس} [الأنعام: ~~7] قال الكلبي: قال مشركون مكة: لن نؤمن لك يا محمد حتى # PageV02P253 # تأتينا بكتاب من عند الله معه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله ~~وأنك رسوله، فنزلت هذه الآية. # والقرطاس: كأنه يتخذ من بردي يكون بمصر، وكل كاغد قرطاس. # قوله: فلمسوه بأيديهم: قال قتادة: فعاينوا ذلك معاينة ومسوه بأيديهم، ~~{لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} [الأنعام: 7] قال الزجاج: لو رأوا ~~الكتاب ينزل من السماء لقالوا سحر، أخبر الله سبحانه أنهم يدفعون الدليل ~~حتى لو أتاهم الدليل مدركا بالحس لنسبوه إلى السحر. # قوله: {وقالوا لولا أنزل عليه ملك} [الأنعام: 8] قال المفسرون: طلبوا ~~ملكا يرونه يشهد، فقال الله تعالى: {ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر} [الأنعام: ~~8] لأهلكوا بعذاب الاستئصال. # وقال مجاهد، وعكرمة: لقامت الساعة. # {ثم لا ينظرون} [الأنعام: 8] قال ابن عباس: لا يؤخرون لتوبة، لأنه يجب أن ~~يجروا على سنة من قبلهم ممن طلبوا الآيات فلم يؤمنوا فأهلكوا كعاد وثمود. # قوله: {ولو جعلناه ملكا} [الأنعام: 9] أي: لو جعلنا الرسول ملكا كما ~~يطلبون لجعلناه رجلا: لأنهم لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته، ولذلك ~~كانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة الإنس. # {وللبسنا عليهم ما يلبسون} [الأنعام: 9] يقال: لبست الأمر ألبسه ms0530 لبسا. # إذا شبهته وجعلته مشكلا، قال الضحاك: ولخلطنا عليهم ما يخلطون حتى يشكوا ~~فلا يدروا أملك هو أم آدمي؟ ثم عزى نبيه صلى الله عليه وسلم عن تكذيب ~~المشركين، فقال: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم} ~~[الأنعام: 10] قال عطاء: فحل. # وقال الربيع: نزل. # وقال الضحاك: أحاط. # وقال الفراء: يقال: حاق بهم يحيق حيقا وحيوقا. # وقال الزجاج: أحاط بهم العذاب # PageV02P254 # الذي هو جزاء استهزائهم. # كما تقول: أحاط بفلان عمله، وأهلكه كسبه. # أي: جزاء كسبه، ثم حذر كفار مكة عذاب الأمم الخالية فقال: {قل سيروا في ~~الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين} [الأنعام: 11] قل سيروا: سافروا ~~{في الأرض ثم انظروا} [الأنعام: 11] اعتبروا {كيف كان عاقبة المكذبين} ~~[الأنعام: 11] مكذبي الرسل، قال قتادة: دمر الله عليهم، ثم صيرهم إلى ~~النار. # {قل لمن ما في السموات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى ~~يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون {12} وله ما سكن ~~في الليل والنهار وهو السميع العليم {13} قل أغير الله أتخذ وليا فاطر ~~السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا ~~تكونن من المشركين {14} قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم {15} من ~~يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين {16} وإن يمسسك الله بضر فلا ~~كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير {17} وهو القاهر فوق ~~عباده وهو الحكيم الخبير {18} قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني ~~وبينكم وأوحي إلي هذا القرءان لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله ~~آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون {19} } ~~[الأنعام: 12-19] قوله: {قل لمن ما في السموات والأرض} [الأنعام: 12] هذا ~~أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بسؤال قومه، ثم أمره بالجواب ~~فقال: قل لله: جاء السؤال والجواب من جهة واحدة، وهذا إخبار عن عظم ملكه. # ثم أخبر أنه أوجب على ms0531 نفسه الرحمة تلطفا في الاستدعاء إلى الإنابة فقال: ~~كتب ربكم {على نفسه الرحمة} [الأنعام: 12] قال ابن عباس: قضى لنفسه أنه ~~أرحم الراحمين. ### | 323 - # أخبرنا أبو الحارث محمد بن عبد الرحيم الأثري بجرجان، أخبرنا أبو الحسن ~~علي بن المثنى، أخبرنا # PageV02P255 # محمد بن إسحاق الرملي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا مالك، عن أبي الزناد، ~~عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما قضى ~~الله الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي "، رواه ~~مسلم، عن زهير بن حرب، عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد # وقوله: {ليجمعنكم إلى يوم القيامة} [الأنعام: 12] هذا ابتداء كلام، ~~واللام فيه: لام القسم، كأنه قال: والله ليجمعنكم إلى يوم القيامة. # قال الزجاج: معناه: ليجمعنكم إلى اليوم الذي أنكرتموه، وهو اليوم الذي لا ~~ريب فيه، {الذين خسروا أنفسهم} [الأنعام: 12] أي: بالشرك بالله تعالى ~~أوبقوا أنفسهم {فهم لا يؤمنون} [الأنعام: 12] لما سبق لهم من القضاء ~~بالشقاوة والخسران. # قوله: {وله ما سكن في الليل والنهار} [الأنعام: 13] قال ابن عباس: له ما ~~استقر في الليل والنهار ممن خلق. # وهذا عام في كل مخلوق، لأن كل ما طلعت عليه الشمس وما غربت فهو من ساكني ~~الليل والنهار، ولهذا قال ابن الأعرابي: وله ما حل في الليل والنهار. # وقال أهل المعاني: في الآية محذوف، والتقدير: وله ما سكن وتحرك في الليل ~~والنهار، فحذف ذكر الحركة واكتفى بذكر السكون، كقوله: {سرابيل تقيكم الحر} ~~[النحل: 81] يعني: الحر والبرد. # قوله: {قل أغير الله أتخذ وليا} [الأنعام: 14] هذا استفهام معناه ~~الإنكار، أي: لا أتخذ وليا غير الله ولا أعبد سواه، {فاطر السموات والأرض} ~~[الأنعام: 14] خالقهما ابتداء لا على مثال سبق، والفطرة: ابتداء الخلقة. # قال ابن عباس: كنت لا أدري ما: {فاطر السموات والأرض} [الأنعام: 14] حتى ~~احتكم إلى أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي: أنا ابتدأت ~~حفرها. # وقال ابن الأعرابي: يقال: هو أول من فطر هذا، أي: ابتدأه. # قوله: {وهو يطعم ولا يطعم} [الأنعام: 14] قال السدي، # PageV02P256 # والكلبي: يرزق ولا ms0532 يرزق، {قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم} [الأنعام: ~~14] من هذه الأمة، أي: قيل لي: كن أول المسلمين، {ولا تكونن من المشركين} ~~[الأنعام: 14] أي: أمرت بدين الحنفية، ونهيت عن الشرك. # قل: للمشركين: {إني أخاف إن عصيت ربي} [الأنعام: 15] فيما أمرت به ونهيت ~~عنه {عذاب يوم عظيم} [الأنعام: 15] وهو يوم القيامة. # {من يصرف عنه} [الأنعام: 16] العذاب {يومئذ فقد رحمه} [الأنعام: 16] فقد ~~أوجب الله له الرحمة لا محالة، أي: له مع صرف العذاب عنه الرحمة. # وقرأ حمزة يصرف بفتح الياء وكسر الراء، أي: يصرف الله عنه العذاب يومئذ، ~~يعني: يوم القيامة فقد رحمه، {وذلك الفوز المبين} [الأنعام: 16] لأنه فاز ~~بالرحمة ونجا من العذاب. # وقوله: {وإن يمسسك الله بضر} [الأنعام: 17] أي: إن جعل الضر يمسسك ~~ويصيبك، وهو اسم جامع لكل ما يتضرر به الإنسان من فقر ومرض وزمانة، كما أن ~~الخير: اسم جامع لكل ما ينتفع به الإنسان. # قوله: {فلا كاشف له إلا هو} [الأنعام: 17] أي: لا يكشف ذلك الضر الذي ~~أصابك غير الله، ولا يصرفه عنك غيره. # وقوله: {وإن يمسسك بخير} [الأنعام: 17] يصبك بغنى وسعة في الرزق وصحة في ~~الجسم، {فهو على كل شيء قدير} [الأنعام: 17] من الغنى والفقر. ### | 324 - # أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن محمد البغدادي، حدثنا أبو العباس محمد ~~بن يعقوب، حدثنا أحمد بن شيبان الرملي، حدثنا عبد الله بن ميمون القداح، عن ~~شهاب بن خراش، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الله بن عباس، أنه قال: # PageV02P257 # أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة، أهداها له كسرى فركبها بحبل ~~من شعر ثم أردفني خلفه، ثم سار مليا ثم التفت إلي فقال: " يا غلام، فقلت: ~~لبيك يا رسول الله، قال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى ~~الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن ~~بالله، فقد مضى القلم بما هو كائن، فلو جهد الناس أن ينفعوك بما لم يقضه ~~الله لك لم يقدروا عليه، ولو جهد الناس أن ms0533 يضروك بما لم يكتبه الله عليك لم ~~يقدروا، واعلم أن مع الصبر النصر، وأن مع الكرب الفرج، وأن مع العسر اليسر ~~" # قوله: {وهو القاهر فوق عباده} [الأنعام: 18] القهر: الغلبة، والله القاهر ~~القهار، قهر خلقه بقدرته وسلطانه فصرفهم على ما أراد طوعا وكرها، يقال: ~~أخذت الشيء قهرا. # إذا أخذته دون رضا صاحبه، ومعنى القاهر في صفة الله تعالى: يعود إلى أنه ~~القادر الذي لا يعجزه شيء. # ومعنى فوق ههنا: أن قهره قد استعلى عليهم فهم تحت التسخير والتذليل بما ~~علاهم من الاقتدار الذي لا ينفك عنه أحد، {وهو الحكيم الخبير} [الأنعام: ~~18] العالم بالشيء. # قوله: {قل أي شيء أكبر شهادة} [الأنعام: 19] قال المفسرون: قال أهل مكة ~~للنبي صلى الله عليه وسلم: ائتنا بمن يشهد لك بالنبوة فإن اليهود والنصارى ~~ينكرونك، فنزلت هذه الآية، قال مجاهد: أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يسأل ~~قريشا، ثم أمر أن يخبرهم فيقول: {الله شهيد بيني وبينكم} [الأنعام: 19] . # PageV02P258 # قال الزجاج: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحتج عليهم بأن شهادة ~~الله في نبوة نبيه أكبر شهادة، وأن القرآن الذي أتى به يشهد له أنه رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: {وأوحي إلي هذا القرءان لأنذركم به ومن ~~بلغ} [الأنعام: 19] يريد: من أمتي إلى يوم القيامة. # قال الفراء: المعنى: ومن بلغه القرآن من بعدكم، وكان مجاهد يقول: حيثما ~~يأتي القرآن فهو داع ونذير. # ثم قرأ هذه الآية، وقال القرظي: من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي صلى ~~الله عليه وسلم وكلمه. # قوله: {أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى} [الأنعام: 19] هذا استفهام ~~معناه الجحد والإنكار عليهم بهذه الشهادة، ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم ~~بنفي هذه الشهادة عن نفسه بقوله: {قل لا أشهد} [الأنعام: 19] ، ثم أمره ~~بتوحيده والتبري مما سوى الإسلام فقال: {قل إنما هو إله واحد وإنني بريء ~~مما تشركون} [الأنعام: 19] . # {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم ~~فهم لا يؤمنون {20} ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو ms0534 كذب بآياته إنه لا ~~يفلح الظالمون {21} ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم ~~الذين كنتم تزعمون {22} ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا ~~مشركين {23} انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون {24} } ~~[الأنعام: 20-24] قوله: {الذين آتيناهم الكتاب} [الأنعام: 20] يعني: اليهود ~~والنصارى يعرفونه: يعرفون محمد بالنبوة والصدق بما يجدونه مكتوبا عندهم في ~~صفته ونعته {كما يعرفون أبناءهم} [الأنعام: 20] . # وقد تقدم تفسير هذا في { [البقرة، وباقي ال: مفسر في هذه السورة. # قوله:] ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا} [الأنعام: 21] قال ابن عباس: ~~ومن أكفر ممن اختلق على الله كذبا فأشرك به الآلهة، والمعنى: لا أحد أظلم ~~منه. # {أو كذب بآياته} [الأنعام: 21] يعني: القرآن، وهم اليهود والنصارى كذبوا ~~القرآن ومعجزاته، {إنه لا يفلح الظالمون} [الأنعام: 21] قال ابن عباس: لا ~~يسعد من جحد ربوبية ربه، وكذب رسله. # PageV02P259 # قوله: {ويوم نحشرهم جميعا} [الأنعام: 22] انتصب يوم بمحذوف تقديره: واذكر ~~يوم نحشرهم. # يعني: يوم القيامة يجمع الله فيه الكفار والمشركين ثم يسألهم سؤال توبيخ ~~عما أشركوا بالله من الأوثان وهو قوله: {ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم ~~الذين كنتم تزعمون} [الأنعام: 22] قال المفسرون: إن المشركين كانوا يزعمون ~~أن آلهتهم تشفع لهم عند الله، فقيل لهم يوم القيامة: أين شركاؤكم الذين ~~كنتم تزعمون أنها تشفع لكم؟ قوله: {ثم لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] وقرئ ~~بالياء لأن الفتنة بمعنى الافتتان فجاز تذكيره، وقرئ فتنتهم رفعا ونصبا، ~~فمن رفع جعله اسم كان، وجعل: {إلا أن قالوا} [الأنعام: 23] الخبر، ومن نصب ~~جعل: {إلا أن قالوا} [الأنعام: 23] الاسم وفتنتهم الخبر. # قال الزجاج: تأويل هذه الآية تأويل حسن لطيف، وذلك أن الله تعالى ذكر ~~فيما تقدم أمر المشركين وأنهم مفتونون بشركهم، ثم أعلم أنه لم يكن افتتانهم ~~بشركهم وإقامتهم عليه إلا أن تبرءوا منه وانتفوا عنه، وهو قولهم: {والله ~~ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23] . # قرئ ربنا بالخفض على نعت الله، ومن نصب جعله منادى مضافا. # قال الله عز وجل: انظر: يا محمد {كيف كذبوا على ms0535 أنفسهم} [الأنعام: 24] ~~باعتذارهم بالباطل وجحد شركهم في الآخرة، قاله قتادة وعطاء. # قوله: وضل عنهم أي: زال وبطل {ما كانوا يفترون} [الأنعام: 24] بعبادته من ~~الأصنام فلم تغن عنهم شيئا، وذلك # PageV02P260 # أنهم كانوا يرجون شفاعتها ونصرتها لهم، فبطل ذلك في ذلك اليوم. # {ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ~~وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن ~~هذا إلا أساطير الأولين {25} وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا ~~أنفسهم وما يشعرون {26} ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ~~ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين {27} بل بدا لهم ما كانوا يخفون من ~~قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون {28} } [الأنعام: 25-28] ~~وقوله: {ومنهم من يستمع إليك} [الأنعام: 25] الآية، نزلت في نفر من ~~المشركين منهم النضر بن الحارث، جلسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وهو يقرأ القرآن، فقالوا للنضر: ما يقول محمد؟ فقال: أساطير الأولين مثلما ~~كنت أحدثكم عن القرون الماضية. # وقوله: {وجعلنا على قلوبهم أكنة} [الأنعام: 25] الأكنة: هو ما ستر الشيء، ~~يقال: كننت الشيء وأكننته: سترته، قال ابن عباس: {ومنهم من يستمع إليك} ~~[الأنعام: 25] يعني: القرآن {وجعلنا على قلوبهم} [الأنعام: 25] غطاء أن ~~يفهموه ويعوه. # قال الزجاج: والتقدير: كراهة أن يفقهوه، فحذف المضاف. # {وفي آذانهم وقرا} [الأنعام: 25] الوقر: الثقل في الأذن، قال ابن عباس: ~~صمما. # وقال الضحاك: ثقلا. # وليس المعنى أنهم لم يعلموا ولم يسمعوا، ولكنهم حرموا الانتفاع به، ~~فكانوا بمنزلة من لم يعلم ولم يسمع. # وهذه الآية دلالة صريحة على أن الله تعالى يقلب القلوب، فيشرح بعضها ~~للهدى، ويجعل بعضها في أكنة فلا يفقه صاحبها كلام الله تعالى ولا يؤمن به، ~~وهو قوله: {وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها} [الأنعام: 25] أي: كل علامة ~~تدلهم على نبوتك لا يصدقوا بها، هذا حالهم في البعد عن الإيمان {حتى إذا ~~جاءوك يجادلونك} [الأنعام: 25] يخاصمونك في الدين {يقول الذين كفروا إن هذا ~~إلا أساطير الأولين ms0536} [الأنعام: 25] ما هذا القرآن إلا ما سطره الأولون، أي: ~~كتبوه من أحاديثهم، وواحد الأساطير: أسطورة، مثل أحدوثة وأحاديث، وقال أبو ~~زيد الأخفش: لا واحد لها مثل عبابيد وأبابيل. # PageV02P261 # قوله: {وهم ينهون عنه} [الأنعام: 26] يعني: المشركين ينهون الناس عن ~~اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، {وينأون عنه} [الأنعام: 26] : يتباعدون عنه ~~فلا يؤمنون. # وهذا قول الكلبي، والحسن، والسدي. # والنأي: البعد، نأى ينأى نأيا. # وقال ابن عباس، وعمرو بن دينار، وسعيد بن جبير: نزلت في أبي طالب كان ~~ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتباعد عما جاء به. # وقوله: وإن يهلكون أي: وما يهلكون بالتباعد عنه {إلا أنفسهم وما يشعرون} ~~[الأنعام: 26] أنهم يهلكونها. # قوله: ولو ترى: يا محمد المشركين {إذ وقفوا على النار} [الأنعام: 27] أي: ~~عاينوها ووقفوا عندها، فهم موقوفون على أن يدخلوها، {فقالوا يا ليتنا نرد} ~~[الأنعام: 27] إلى الدنيا، يتمنون الرد لكي يؤمنوا ويصدقوا وهو قوله: {ولا ~~نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} [الأنعام: 27] ، فقد شاهدنا وعاينا ما ~~لا نكذب معه أبدا. # ومن نصب ولا نكذب، ونكون قال الزجاج: نصب على الجواب بالواو في التمني، ~~كما تقول: ليتك # PageV02P262 # تصير إلينا ونكرمك. # المعنى: ليت مصيرك يقع وإكرامنا، والمعنى: ليت ردنا وقع وأن لا نكذب ~~ونكون من المؤمنين. # قوله: {بل بدا لهم} [الأنعام: 28] بل ههنا: رد لكلامهم، يقول الله تعالى: ~~ليس على ما قالوا من أنهم لو ردوا لآمنوا، بل بدا لهم {ما كانوا يخفون من ~~قبل} [الأنعام: 28] فلذلك اعتذروا وتمنوا الرد، وذلك أن المشركين كانوا ~~يجحدون الشرك في بعض المواقف كما أخبر عنهم بقوله: {والله ربنا ما كنا ~~مشركين} [الأنعام: 23] فينطق الله جوارحهم فتشهد عليهم بالكفر، فذلك حين ~~بدا لهم، أي: ظهر لهم ما كانوا يخفون: يكتمون ويسترون من الشرك، ولو ردوا: ~~إلى الدنيا {لعادوا لما نهوا عنه} [الأنعام: 28] قال ابن عباس: إلى ما نهوا ~~عنه من الشرك. # وإنهم لكاذبون في قولهم: {ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} ~~[الأنعام: 27] {وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ms0537 {29} ولو ~~ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا ~~العذاب بما كنتم تكفرون {30} } [الأنعام: 29-30] وقالوا يعني: منكري البعث ~~{إن هي إلا حياتنا الدنيا} [الأنعام: 29] ما الحياة إلا هذه الحياة التي ~~نحن فيها ولا حياة بعدها، وهو قوله: {وما نحن بمبعوثين} [الأنعام: 29] . # قوله: {ولو ترى إذ وقفوا على ربهم} [الأنعام: 30] أي: على مسألة ربهم ~~وتوبيخه إياهم بكفرهم، وهو قوله: {قال أليس هذا بالحق} [الأنعام: 30] يقول ~~الله لهم: أليس هذا البعث حقا؟ فيقرون حين لا ينفعهم ذلك، ويقولون: بلى ~~وربنا، فيقول الله تعالى: {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} [الأنعام: 30] ~~أي: بكفركم بالبعث. # {قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا ~~حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون ~~{31} وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا ~~تعقلون {32} } [الأنعام: 31-32] قوله: {قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله} ~~[الأنعام: 31] إنما وصفوا بالخسران لأنهم باعوا الإيمان بالكفر، فعظم ~~خسرانهم في ذلك البيع. # ومعنى بلقاء الله: بالبعث والثواب والعقاب والمصير إلى الله. # قوله: {حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة} [الأنعام: 31] يعني: الوقت الذي تقوم ~~فيه القيامة، والبغتة: الفجأة، يعني: # PageV02P263 # إنها تأتي فجأة لا يعلمها أحد فينتظرها، و {قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا ~~فيها} [الأنعام: 31] التفريط: التضييع والترك. # أي: على ما تركنا وضيعنا من عمل الآخرة في الدنيا. # {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم} [الأنعام: 31] الأوزار: الأثقال من ~~الإثم، قال ابن عباس: يريد: آثامهم وخطاياهم. # قال المفسرون: إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة وأطيبه ~~ريحا، فيقول: أنا عملك الصالح طالما ركبتك في الدنيا فاركبني أنت اليوم، ~~فذلك قوله: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا} [مريم: 85] أي: ركبانا. # وإن الكافر إذا خرج من قبره استقبله أقبح شيء صورة وأخبثه ريحا، فيقول: ~~أنا عملك السيئ طالما ركبتني في الدنيا فأنا أركبك اليوم، وذلك قوله: {وهم ~~يحملون أوزارهم على ظهورهم} [الأنعام: 31] ، وهذا قول قتادة، والسدي. # وقوله: {ألا ms0538 ساء ما يزرون} [الأنعام: 31] يقال: وزرت الشيء آزره وزرا إذا ~~حملته. # قال ابن عباس: بئس الحمل حملوا. # قوله: {وما الحياة الدنيا} [الأنعام: 32] يعني: الحياة في هذه الدار {إلا ~~لعب ولهو} [الأنعام: 32] أي: باطل وغرور لأنها تنقضي وتفنى، كاللعب واللهو ~~لذة فانية عن قرب. # وللدار الآخرة يعني: الجنة {خير للذين يتقون} [الأنعام: 32] الشرك أفلا ~~يعقلون أنها كذلك فيصلوا لها. # وقرأ ابن عامر: ولدار الآخرة بالإضافة، قال الفراء: يضاف الشيء إلى نفسه ~~إذا اختلف اللفظان، كقولهم: بارحة الأولى، ويوم الخميس، وحق اليقين. # PageV02P264 # {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات ~~الله يجحدون {33} ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى ~~أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين {34} وإن كان ~~كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء ~~فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين {35} ~~إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون {36} } ~~[الأنعام: 33-36] قوله: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون} [الأنعام: 33] ~~هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية عما يواجهه به قومه من التكذيب. # قال أبو ميسرة: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي جهل وأصحابه فقالوا: يا ~~محمد إنا والله لا نكذبك، وإنك عندنا صادق، ولكن نكذب ما جئت به. # فنزلت هذه الآية. # وقوله: {فإنهم لا يكذبونك} [الأنعام: 33] قال ابن عباس، وقتادة، والسدي، ~~ومقاتل: هذا في المعاندين الذين عرفوا صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه ~~غير كاذب فيما يقول، ولكنهم عاندوا وجحدوا، فأنزل الله تعالى فيهم: {قد ~~نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون} [الأنعام: 33] في العلانية إنك كذاب مفتر، ~~{فإنهم لا يكذبونك} [الأنعام: 33] في السر يعلمون أنك صادق، وقد عرفوا صدقك ~~فيما مضى، {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} [الأنعام: 33] بالقرآن بعد ~~المعرفة. # وقال قتادة: يعلمون أنك رسول الله ولكن يجحدون، كقوله: {وجحدوا بها ~~واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} [النمل: 14] وقرأ الكسائي لا يكذبوك مخففا، ~~واحتج بأن العرب ms0539 تقول: كذبت الرجل. # إذا نسبته إلى الكذب وإلى صنعة الأباطيل من القول، وأكذبته إذا أخبرت أن ~~الذي تحدث به كذب ليس هو الصانع له. # PageV02P265 # وقال الفراء: معنى التخفيف: لا يجعلونك كذابا، ولكن يقولون: إن ما جئت به ~~باطل. # ويجوز أن يكون معنى القراءتين سواء، يقال: كذبته وأكذبته، إذا نسبته إلى ~~الكذب. # ثم أخبر الله تعالى أن الرسل قبله قد كذبتهم الأمم، فقال: {ولقد كذبت رسل ~~من قبلك} [الأنعام: 34] قال ابن عباس: من لدن نوح إليك. # {فصبروا على ما كذبوا} [الأنعام: 34] رجاء ثوابي، وأوذوا: حتى نشروا ~~بالمناشير وحرقوا بالنار {حتى أتاهم نصرنا} [الأنعام: 34] بتعذيب من كذبهم ~~{ولا مبدل لكلمات الله} [الأنعام: 34] لا ناقض لما حكم به، وقد حكم في ~~كتابه بنصر أنبيائه كقوله: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} [المجادلة: 21] ، ~~وكقوله: {ولقد سبقت كلمتنا} [الصافات: 171] الآيات. # {ولقد جاءك من نبإ المرسلين} [الأنعام: 34] أي: خبرهم في القرآن، وكيف ~~أنجيناهم ودمرنا قومهم. # قوله: {وإن كان كبر عليك إعراضهم} [الأنعام: 35] أي: عظم عليك وشق أن ~~أعرضوا عن الإيمان بك وبالقرآن. # وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على إيمان قومه أشد الحرص، ~~وكانوا إذا سألوه آية أراد أن يريهم الله ذلك طمعا في إيمانهم، فقال الله ~~عز وجل: {فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض} [الأنعام: 35] وهو السرب له ~~مخلص إلى مكان آخر، {أو سلما في السماء فتأتيهم بآية} [الأنعام: 35] يقول ~~الله تعالى: إن استطعت أن تغوص في الأرض، أو ترقى في السماء فتأتي قومك ~~بآية فافعل. # قال الزجاج: أعلم الله أنه بشر لا يقدر على الإتيان بالآيات، وفي تعجيزه ~~عن الإتيان بما سألوا أمر له بالصبر إلى أن يدخل وقت العقاب. # قوله: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} [الأنعام: 35] أخبر الله تعالى ~~أنهم إنما تركوا الإيمان بمشيئة الله، ونافذ قضائه فيهم، ولو شاء الله ~~لاجتمعوا على الإيمان، كما قال: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} ~~[يونس: 99] . # قوله: {فلا تكونن من الجاهلين} [الأنعام: 35] فإنه يؤمن بك بعضهم دون ~~بعض، وإنهم لا ms0540 يجتمعون على الهدى، ثم ذكر من يؤمن، فقال: { # PageV02P266 # إنما يستجيب الذين يسمعون} [الأنعام: 36] قال مجاهد، وقتادة: يعني ~~المؤمنين الذين يسمعون الذكر فينتفعون به، وقال الزجاج: يعني الذين يسمعون ~~سماع قابلين. # {والموتى يبعثهم الله} [الأنعام: 36] يعني: الكفار، يقول الله سبحانه ~~وتعالى: إنما يستجيب للحق المؤمنون، فأما الموتى وهم الكفار فإن الله ~~يبعثهم في الآخرة {ثم إليه يرجعون} [الأنعام: 36] يرجعون فيجزيهم بأعمالهم. # {وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن ~~أكثرهم لا يعلمون {37} وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم ~~أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون {38} والذين كذبوا ~~بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط ~~مستقيم {39} } [الأنعام: 37-39] وقالوا يعني: رؤساء قريش: لولا: هلا {نزل ~~عليه آية من ربه} [الأنعام: 37] يعنون نزول ملك يشهد بالنبوة، {قل إن الله ~~قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون} [الأنعام: 37] ما عليهم في ~~الآية من البلاء في إنزالها. # قوله: {وما من دابة في الأرض} [الأنعام: 38] قال ابن عباس: يريد: كل ما ~~دب على الأرض وجميع البهائم. # وقال الزجاج: جميع ما خلق الله في الأرض من حيوان لا يخلو إما أن يدب ~~وإما أن يطير، وهو قوله: {ولا طائر يطير بجناحيه} [الأنعام: 38] وذكر ~~الجناح تأكيد، كقولك: نعجة أنثى، وكلمته بفمي، ومشيت برجلي. # وقوله: {إلا أمم أمثالكم} [الأنعام: 38] قال مجاهد: أصناف مصنفة تعرف ~~بأسمائها. # يريد: أن كل جنس من الحيوان أمة تعرف باسمها، كالطير والظباء والذئاب ~~والأسود مثل بني آدم يعرفون بالإنس والناس. # وقال الزجاج: يعني أمثالكم في أنهم يبعثون، لأنه قال: {والموتى يبعثهم ~~الله} [الأنعام: 36] ، ثم أعلم أنه ما من دابة ولا طائر إلا أمثالكم في ~~الخلق والموت والبعث. # PageV02P267 # يدل على صحة هذا التأويل ما ### | 325 - # أخبرنا أبو القاسم بن عبدان، حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد الضبي، ~~أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصنعاني، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن ms0541 ~~عباد، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن جعفر الجزري، عن يزيد بن الأصم، ~~عن أبي هريرة، في قوله عز وجل: {أمم أمثالكم} [الأنعام: 38] قال: يحشر ~~الخلق كلهم يوم القيامة، البهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل ~~الله أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني ترابا، فذلك حين يقول ~~الكافر: يا ليتني كنت ترابا # وقال القتيبي: يريد: أنهما مثلنا في طلب الغذاء وابتغاء الرزق وتوقي ~~المهالك. # وقوله: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} [الأنعام: 38] قال ابن عباس في رواية ~~عطاء: ما تركنا من شيء إلا وقد بيناه لكم. # وهذا من العام الذي أريد به الخاص، لأن المعنى: ما فرطنا في الكتاب من ~~شيء بالعباد إليه حاجة إلا وقد بيناه، إما نصا، وإما دلالة، وإما مجملا، ~~وإما مفصلا، كقوله: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء} [النحل: 89] أي: ~~لكل شيء يحتاج إليه في أمر الدين. # وقال في رواية الوالبي: ما تركنا شيئا إلا وقد كتبناه في أم الكتاب. # وعلى هذا القول: المراد ب الكتاب: اللوح المحفوظ المشتمل على ما كان ~~ويكون، كما روي في الخبر: «جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة» . # PageV02P268 # وقوله: {ثم إلى ربهم يحشرون} [الأنعام: 38] أي: مع الخلق إلى الموقف ~~للحساب والجزاء كما روينا عن أبي هريرة. # وقد قال الله تعالى: {وإذا الوحوش حشرت} [التكوير: 5] . # قوله: {والذين كذبوا بآياتنا} [الأنعام: 39] يعني: بما جاء به محمد صلى ~~الله عليه وسلم صم: عن القرآن لا يسمعونه، وبكم: عن القرآن لا ينطقون به، ~~{في الظلمات} [الأنعام: 39] يعني: ظلمات الشرك والكفر. # ثم أخبر أنهم صاروا كذلك بمشيئة الله تعالى، فقال: {من يشإ الله يضلله} ~~[الأنعام: 39] الآية. # {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم ~~صادقين {40} بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون ~~{41} } [الأنعام: 40-41] وقوله: قل أرأيتكم قال الفراء: العرب تقول: أرأيتك ~~وهم يريدون: أخبرني، كما تقول: أرأيتك إن فعلت كذا ماذا تفعل؟ أي: أخبرني، ~~وتترك التاء إذا أردت هذا المعنى ms0542 موحدة على كل حال، تقول: أرأيتك وأريتكما، ~~وأرأيتكن. # وحذف الكسائي همزة الرؤية فقرأ: أرايتكم بالتخفيف كما قالوا: ويلمه، وقرأ ~~نافع بتليين الهمزة ولم يحذفها. # PageV02P269 # قال ابن عباس: قل، يا محمد لهؤلاء المشركين: {أرأيتكم إن أتاكم عذاب ~~الله} [الأنعام: 40] يريد: الموت {أو أتتكم الساعة} [الأنعام: 40] القيامة ~~{أغير الله تدعون} [الأنعام: 40] يريد: إلى من تتضرعون؟ إلى هذه الأصنام. # يريد: إنكم عند العذاب وعند الموت والشدائد تخلصون وتوحدون، وأنتم اليوم ~~لا تصدقونني، احتج الله عليهم بما لا يدفعون، لأنهم كانوا إذا مسهم الضر ~~دعوا الله ولم يلجأوا في كشفه إلا إليه، لأنه لا يملك كشف البلاء إلا هو. # وقوله: {إن كنتم صادقين} [الأنعام: 40] جواب قوله: أرأيتكم لأنه بمعنى ~~أخبروني، كأنه قيل لهم: إن كنتم صادقين أخبروني من تدعون عند نزول البلاء ~~بكم؟ {بل إياه تدعون} [الأنعام: 41] نفى دعاءهم غير الله في الشدائد، وأثبت ~~دعاءهم إياه، {فيكشف ما تدعون إليه} [الأنعام: 41] أي: فيكشف الضر الذي من ~~أجله دعوتموه {إن شاء وتنسون ما تشركون} [الأنعام: 41] تتركونهم فلا ~~تدعونهم لأنه ليس عندهم نفع ولا ضر. # {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ~~{42} فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما ~~كانوا يعملون {43} فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا ~~فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون {44} فقطع دابر القوم الذين ~~ظلموا والحمد لله رب العالمين {45} } [الأنعام: 42-45] قوله: {ولقد أرسلنا ~~إلى أمم من قبلك فأخذناهم} [الأنعام: 42] في الآية محذوف تقديره: ولقد ~~أرسلنا إلى أمم من قبلك رسلا فخالفوهم، بالبأساء يعني: الشدة والفقر، ~~والضراء وهي الأمراض والأوجاع لعلهم يتضرعون لكي يتضرعوا، ومعنى التضرع: ~~التذلل والانقياد للطاعة. # فلولا: فهلا {إذ جاءهم بأسنا} [الأنعام: 43] عذابنا تضرعوا. # قال الزجاج: أعلم الله نبيه أنه قد أرسل قبله إلى قوم بلغوا من القسوة ~~إلى أن أخذوا بالشدة في أنفسهم وأموالهم فلم يخضعوا ولم يتضرعوا، وهو قوله: ~~{ولكن قست قلوبهم} [الأنعام: 43] ، فأقاموا على كفرهم، {وزين لهم الشيطان ~~ما كانوا يعملون ms0543} [الأنعام: 43] قال ابن عباس: زين لهم الشيطان الضلالة ~~التي هم عليها، فأصروا على معاصي الله. # PageV02P270 # قوله: {فلما نسوا ما ذكروا به} [الأنعام: 44] قال ابن عباس: تركوا ما ~~وعظوا به. # وقال مقاتل: تركوا ما دعاهم إليه الرسل. # {فتحنا عليهم أبواب كل شيء} [الأنعام: 44] قال ابن عباس، ومقاتل، والسدي: ~~رخاء الدنيا ويسرها وسرورها. # وقال الزجاج: أبواب كل شيء كان مغلقا عنهم من الخير. # وقوله: {حتى إذا فرحوا بما أوتوا} [الأنعام: 44] حتى ظنوا أن ذلك ~~باستحقاقهم ففرحوا بذلك الرخاء والنعمة. # أخذناهم بغتة: فاجأهم عذابنا من حيث لا يشعرون. # قال الحسن: من وسع عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له، ومن قتر عليه فلم ~~ير أنه ينظر إليه فلا رأي له، ثم قرأ هذه الآية، وقال: مكر بالقوم ورب ~~الكعبة، أعطوا حاجاتهم ثم أخذوا. ### | 326 - # أخبرنا أبو صادق محمد بن أحمد بن شاذان، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ~~حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني حرملة بن ~~عمران، عن عقبة بن مسلم، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~قال: «إذا رأيت الله يعطي للعبد ما يحب وهو مقيم على معصية فإنما ذلك منه ~~استدراج» ، ثم تلا {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء} ~~[الأنعام: 44] إلى آخر الآيتين # وقوله: {فإذا هم مبلسون} [الأنعام: 44] الإبلاس: اليأس من النجاة عند ~~ورود الهلكة، قال ابن عباس: آيسون من كل خير. # وقال الزجاج: المبلس: الشديد الحسرة البائس الحزين. # قوله: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} [الأنعام: 45] دابر القوم: آخرهم ~~الذي يدبرهم، ودابر الرجل: عقبه، ويقال: # PageV02P271 # دبر فلان القوم يدبرهم دبرا ودبورا. # إذا كان آخرهم، قال الكلبي: دابر القوم دابرهم الذي يختلف في آخر القوم. # والمعنى: أنهم استؤصلوا بالعذاب فلم تبق منهم باقية. # قوله: {والحمد لله رب العالمين} [الأنعام: 45] قال الزجاج: حمد الله نفسه ~~على أن قطع دابرهم، لأن ذلك نعمة على الرسل الذين كذبوهم، فذكر الحمد ههنا ~~تعليم لهم ولمن آمن بهم أن يحمدوا الله على ms0544 كفايته شر الذين ظلموا، وليحمد ~~محمد وأصحابه ربهم إذا أهلك المشركين المكذبين. # {قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله ~~يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون {46} قل أرأيتكم إن أتاكم ~~عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون {47} } [الأنعام: ~~46-47] قوله: قل أرأيتم: أيها المشركون {إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم} ~~[الأنعام: 46] أي: أذهبها أصلا حتى لا تبصروا ولا تسمعوا، {وختم على ~~قلوبكم} [الأنعام: 46] حتى لا تعرفوا شيئا مما تعرفون من أمور الدنيا، {من ~~إله غير الله يأتيكم به} [الأنعام: 46] أي: بما أخذ منكم، يعني: هل يقدر ~~أحد على رد هذه الأعضاء عليكم غير الله؟ وهذا كقوله: {ولو شاء الله لذهب ~~بسمعهم وأبصارهم} [البقرة: 20] . # وقوله: {انظر كيف نصرف الآيات} [الأنعام: 46] نبين لهم في القرآن ~~العلامات التي تدل على توحيد الله ونبوة نبيه صلى الله عليه وسلم، {ثم هم ~~يصدفون} [الأنعام: 46] قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة: ثم هم ~~يعرضون. # والصدوف: الميل عن الشيء، يقال: صدف. # إذا عدل ومال. # {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة} [الأنعام: 47] قال ابن ~~عباس، والحسن: ليلا أو نهارا. # {هل يهلك إلا القوم الظالمون} [الأنعام: 47] قال الزجاج: هل يهلك إلا ~~أنتم ومن أشبهكم لأنكم كفرتم وعاندتم، فقد علمتم أنكم ظالمون. # PageV02P272 # {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا ~~هم يحزنون {48} والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون {49} } ~~[الأنعام: 48-49] وقوله: {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين} [الأنعام: 48] ~~بالثواب لمن آمن، ومنذرين: بالنار لمن كفر، أي: إنما قصدهم التبشير ~~والإنذار، لا أن يأتوا بما يقترح عليهم من الآيات. # ثم ذكر ثواب من صدق فقال: {فمن آمن وأصلح} [الأنعام: 48] العمل {فلا خوف ~~عليهم ولا هم يحزنون} [الأنعام: 48] ، وذكر عقاب المكذبين فقال: {والذين ~~كذبوا بآياتنا} [الأنعام: 49] الآية. # {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن ~~أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا ms0545 تتفكرون} [الأنعام: ~~50] وقوله: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله} [الأنعام: 50] الخزائن: جمع ~~الخزانة، وهي اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء. # قال الزجاج: أعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يملك خزائن الله ~~التي منها يرزق ويعطي ولا الغيب، فيخبرهم بما غاب عنه مما مضى وما سيكون، ~~وليس بملك يشاهد من أمور الله ما لا يشاهده البشر، وهو قوله: {ولا أعلم ~~الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي} [الأنعام: 50] أي: ما ~~أنبأتكم من غيب فيما مضى وفيما سيكون فهو بوحي من الله. # {قل هل يستوي الأعمى والبصير} [الأنعام: 50] قال قتادة: الكافر والمؤمن. # وقال سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك: الضال والمهتدي. # أفلا تتفكرون: أنهما لا يستويان. # {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع ~~لعلهم يتقون {51} ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما ~~عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من ~~الظالمين {52} وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من ~~بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين {53} وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل ~~سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب ~~من بعده # PageV02P273 # وأصلح فأنه غفور رحيم {54} وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ~~{55} } [الأنعام: 51-55] قوله: وأنذر به: قال ابن عباس: خوف بالقرآن {الذين ~~يخافون أن يحشروا إلى ربهم} [الأنعام: 51] يريد: المؤمنين يخافون يوم ~~القيامة وما فيها من الأهوال علما بأنه سيكون، {ليس لهم من دونه} [الأنعام: ~~51] أي: غير الله {ولي ولا شفيع} [الأنعام: 51] لأن شفاعة الرسل والملائكة ~~للمؤمنين إنما تكون بإذن الله تعالى، لعلهم يتقون كي يخافوا فينتهوا عما ~~نهيتهم. # قوله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم} [الأنعام: 52] الآية. ### | 327 - # أخبرنا سعيد بن محمد المقرئ، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن ~~عمر، أخبرنا أبو عمرو أحمد بن محمد الحيري، حدثنا أحمد بن يوسف، حدثنا أحمد ~~بن المفضل، حدثنا أسباط، عن السدي ms0546، عن أبي سعيد الأزدي، عن أبي الكنود، عن ~~خباب بن الأرت، قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري ~~فوجدا النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا مع بلال وعمار وصهيب وخباب في ناس من ~~فقراء المؤمنين، فلما رأوهم حوله حقروهم فأتوه فخلوا به، فقالوا: أنا نحب ~~أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك ~~فنستحيي أن ترانا العرب قعودا مع هؤلاء الأعبد، فإذا نحن # PageV02P274 # جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت، قال: نعم، فأنزل ~~الله تعالى هذه الآية وما بعدها # ومعنى قوله: {يدعون ربهم بالغداة والعشي} [الأنعام: 52] يعبدون الله ~~تعالى بالصلوات المكتوبة، في قول عامة المفسرين، وقال قتادة: يعني: صلاة ~~الصبح وصلاة العصر. # وقوله: يريدون وجهه: قال ابن عباس: يطلبون ثواب الله، ويعملون ابتغاء ~~مرضاة الله. # والمعنى: يريدون الله بطاعتهم، ويذكر لفظ الوجه للتعظيم، كما تقول: هذا ~~وجه الرأي. # قال الزجاج: أي: لا يقصدون بعبادتهم إلا إياه. ### | 328 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل، حدثنا أبو علي بن أحمد الفقيه، ~~أخبرنا أبو يعلى محمد بن زهير الأيلي، حدثنا عمر بن يحيى بن نافع، حدثنا ~~الحارث بن غسان، حدثنا أبو عمران الجوني، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى ~~الله عليه وسلم قال: " تعرض أعمال بني آدم في صحف مختمة، فيقول الله تعالى: ~~اقبلوا هذا ودعوا هذا، فتقول الملائكة: ما علمنا إلا خيرا، فيقول الله: هذا ~~ما أريد به وجهي، وهذا ما لم يرد به وجهي، ولا أقبل إلا ما أريد به وجهي " # PageV02P275 # قوله: {ما عليك من حسابهم من شيء} [الأنعام: 52] أي: من حساب رزقهم من ~~شيء فتملهم وتطردهم، {وما من حسابك عليهم من شيء} [الأنعام: 52] أي: ليس ~~رزقك عليهم ولا رزقهم عليك، وإنما يرزقك وإياهم الله، فدعهم يدنوا منك، ولا ~~تطردهم {فتكون من الظالمين} [الأنعام: 52] . # قال الأنباري: عظم الأمر في هذا على النبي صلى الله عليه وسلم، وخوف ~~بالدخول في جملة الظالمين، لأنه كان قد هم بتقديم الرؤساء ms0547 وأولي الأموال ~~على الضعفاء وذوي المسكنة، فأعلمه الله أن ذلك غير جائز. # قوله: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض} [الأنعام: 53] أي: كما ابتلينا قبلك الغني ~~بالفقير، ابتلينا أيضا هؤلاء بعضهم ببعض، كما قال: {وجعلنا بعضكم لبعض ~~فتنة} [الفرقان: 20] . # قال الكلبي: ابتلى هؤلاء الرؤساء من قريش بالموالي، فإذا نظر الشريف إلى ~~الوضيع قد آمن قبله أنف أن يسلم ويقول: سبقني هذا بالإسلام فلا يسلم، وهو ~~قوله: {ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا} [الأنعام: 53] يريدون ~~الفقراء والضعفاء. # والاستفهام ههنا معناه الإنكار، كأنهم أنكروا أن يكونوا سبقوهم بفضيلة أو ~~خصوا بمنة، فقال الله تعالى {أليس الله بأعلم بالشاكرين} [الأنعام: 53] أي: ~~بالذين يشكرون نعمته إذا من عليهم بالهداية، أي: إنما يهدي الله إلى دينه ~~من يعلم أنه يشكر نعمته. # والاستفهام في قوله: أليس الله: معناه التقرير، أي: أنه كذلك. # قوله: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا} [الأنعام: 54] الآية. # قال الحسن، وعكرمة: نزلت في الذين سأل المشركون طردهم، فكان النبي صلى ~~الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام، ويقول: «الحمد لله الذي جعل في ~~أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام» . # وهو قوله: {فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة} [الأنعام: 54] قال ~~ابن عباس: قضى لكم ربكم على نفسه الرحمة. # PageV02P276 # وقال الزجاج: معنى كتب: أوجب ذلك إيجابا مؤكدا. # قوله: {أنه من عمل منكم سوءا بجهالة} [الأنعام: 54] يعني: أنه بجهله آثر ~~العاجل القليل على الآجل الكثير، كقوله: {للذين يعملون السوء بجهالة} ~~[النساء: 17] . # وقوله: {ثم تاب من بعده} [الأنعام: 54] أي: رجع عن ذنبه ولم يصر على ما ~~فعل، وأصلح: عمله، {فأنه غفور رحيم} [الأنعام: 54] ، واختلفوا في قوله: أنه ~~وفأنه: فمن فتحهما جعل الأولى تفسيرا للرحمة، كأنه قيل: كتب ربكم على نفسه ~~الرحمة: أنه من عمل منكم، ثم جعل الثانية بدلا من الأولي كقوله: {أيعدكم ~~أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون} [المؤمنون: 35] . # ومن كسرها، كسر الأولى على الحكاية، كأنه لما قال: {كتب ربكم على نفسه ~~الرحمة} [الأنعام: 54] قال: إنه من عمل منكم سوءا بجهالة، وكسر الثانية ~~لأنها دخلت ms0548 على ابتداء وخبر وهي مستأنفة. # وأما نافع فإنه أبدل الأولى من الرحمة ففتحها، واستأنف ما بعد الفاء. # قوله: {وكذلك نفصل الآيات} [الأنعام: 55] يقول: وكما فصلنا ذلك في هذه ال ~~{ [دلائلنا وأعلامنا على المشركين، كذلك نميز ونبين لك حجتنا في كل حق ~~ينكره أهل الباطل. # ومعنى التفصيل: التمييز للبيان. # قوله: ولتستبين عطف على المعنى، كأنه قيل: ليظهر الحق وليستبين. # والسبيل يذكر ويؤنث، فلذلك قرئ ولتستبين بالتاء والياء، هذا فيمن رفع ~~السبيل، ومن نصب السبيل كانت التاء للخطاب، أي ولتستبين: يا محمد سبيل ~~المجرمين، يقال: استبان الشيء واستبنته. # PageV02P277 # قال ابن عباس: ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين فيما جعلوا لله من ~~الشركاء، وما بينت من سبيلهم يوم القيامة ومصيرهم إلى الخزي. # ] قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ~~ضللت إذا وما أنا من المهتدين {56} قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما ~~عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين {57} قل ~~لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين ~~{58} وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط ~~من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب ~~مبين {59} وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ~~ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون {60} وهو القاهر ~~فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا ~~يفرطون {61} ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين ~~{62} } [سورة الأنعام: 56-62] قوله: {قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من ~~دون الله} [الأنعام: 56] يعني: الأصنام، نهيت عن عبادتها، {قل لا أتبع ~~أهواءكم} [الأنعام: 56] قال ابن عباس: يريد: دينكم. # قال الزجاج: أي: إنما عبدتموها على طريق الهوى، لا على طريق البينة ~~والبرهان، فأنا لا أتبعكم على ذلك. # {قد ضللت إذا} [الأنعام: 56] إن عبدتها ms0549 {وما أنا من المهتدين} [الأنعام: ~~56] الذين سلكوا سبيل الهدى. # قوله: {قل إني على بينة من ربي} [الأنعام: 57] البينة: الدلالة التي تفصل ~~بين الحق والباطل. # قال ابن عباس: يريد: على يقين من ربي، وقال الزجاج: أنا على أمر بين لا ~~متبع لهوى. # وكذبتم به أي: بالبيان الذي أتيتكم به وهو القرآن، والبينة والبيان بمعنى ~~واحد. # {ما عندي ما تستعجلون # PageV02P278 # به} [الأنعام: 57] قال ابن عباس، والحسن: يعني العذاب، كانوا يقولون: يا ~~محمد ائتنا بالذي تعدنا، كقوله: {ويستعجلونك بالعذاب} [الحج: 47] . # {إن الحكم إلا لله} [الأنعام: 57] ما الحكم الذي يفصل به بين المختلفين ~~بإيجاب الثواب والعقاب إلا لله، {يقص الحق} [الأنعام: 57] أي: يقول الحق، ~~ومعناه: إن جميع ما أنبأ به وأمر به فهو من أقاصيص الحق، وقرئ: يقضي الحق ~~ومعناه: يقضي القضاء الحق. # {وهو خير الفاصلين} [الأنعام: 57] خير من يفصل بين الحق والباطل. # قوله: {قل لو أن عندي ما تستعجلون به} [الأنعام: 58] قال ابن عباس: يقول ~~لمحمد صلى الله عليه وسلم: قل: لو أن عندي ما تستعجلونه به من العذاب لم ~~أمهلكم ساعة، وهو قوله: {لقضي الأمر بيني وبينكم} [الأنعام: 58] أي: لو كان ~~الأمر بيدي لأنبأتكم بما تستعجلون به من العذاب ولفصل الأمر بيني وبينكم، ~~{والله أعلم بالظالمين} [الأنعام: 58] يعني: أنتم ظلمتم إذ كذبتموني بعد ~~علمكم بصدقي وأمانتي، والله أعلم بكم إن شاء عاجلكم بالعقوبة، وإن شاء ~~أخرها. # قوله: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} [الأنعام: 59] قال ابن عباس، ~~والضحاك، ومقاتل، والحسن، والسدي: مفاتح الغيب: خزائن الغيب. ### | 329 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا ~~محمد بن عثمان بن أبي سويد، # PageV02P279 # حدثنا أبو حذيفة، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله: ~~لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا ~~يعلم ما في غد إلا الله، ولا تعلم نفس بأي أرض تموت إلا الله ms0550، ولا يعلم متى ~~ينزل الغيث إلا الله " رواه البخاري، عن محمد، عن سفيان # وقوله: {ويعلم ما في البر والبحر} [الأنعام: 59] ، قال مجاهد: البر: ~~القفار، والبحر: كل قرية فيها ماء، لا يحدث فيهما شيء إلا بعلم الله، {وما ~~تسقط من ورقة إلا يعلمها} [الأنعام: 59] ، قال الزجاج: المعنى: أنه يعلمها ~~ساقطة وثابتة، كما تقول: ما يجيئك أحد إلا وأنا أعرفه، ليس تأويله إلا وأنا ~~أعرفه في حال مجيئه فقط. # وقوله: {ولا حبة في ظلمات الأرض} [الأنعام: 59] يعني: في الثرى تحت ~~الأرض. # {ولا رطب ولا يابس} [الأنعام: 59] قال ابن عباس: يريد: ما ينبت ومالا ~~ينبت. # {إلا في كتاب مبين} [الأنعام: 59] قال الزجاج: يجوز أن يكون الله أثبت ~~ذلك في كتاب من قبل أن يخلق الخلق، كما قال: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ~~ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} [الحديد: 22] فأعلم الله أنه ~~أثبت ما خلق من خلقه. # PageV02P280 ### | 330 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن حمدان العدل، أخبرنا القاسم بن غانم بن ~~حمويه الطويل، حدثني حمويه بن الحسين الطويل، حدثني أحمد بن الخليل ~~البغدادي، حدثنا يزيد بن هارون، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من زرع على الأرض، ولا ثمار على أشجار، ~~إلا عليها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا رزق فلان ابن فلان "، وذلك ~~قول الله عز وجل في محكم كتابه {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ~~ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} [الأنعام: 59] # قوله: {وهو الذي يتوفاكم بالليل} [الأنعام: 60] قال ابن عباس: يقبض ~~أرواحكم في منامكم، {ويعلم ما جرحتم} [الأنعام: 60] ما كسبتم من العمل ~~{بالنهار ثم يبعثكم فيه} [الأنعام: 60] يرد إليكم أرواحكم. # قال قتادة: البعث ههنا: اليقظة. # {ليقضى أجل مسمى} [الأنعام: 60] أي: أعماركم المكتوبة، قال السدي: يعني: ~~أجل الحياة إلى الموت، {ثم إليه مرجعكم} [الأنعام: 60] بعد الموت، {ثم ~~ينبئكم بما كنتم تعملون} [الأنعام: 60] يخبركم بأعمالكم التي عملتموها في ~~الدنيا. # {وهو ms0551 القاهر فوق عباده} [الأنعام: 61] تقدم تفسيره، {ويرسل عليكم حفظة} ~~[الأنعام: 61] قال ابن عباس: من الملائكة يحصون أعمالكم، كقوله: {وإن عليكم ~~لحافظين} [الانفطار: 10] . # وقال قتادة: يحفظون يابن آدم رزقك وعملك وأجلك، فإذا وفيت ذلك قبضت إلى ~~ربك. # {حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا} [الأنعام: 61] يعني: أعوان ملك ~~الموت، {وهم لا يفرطون} [الأنعام: 61] لا يضيعون ولا يغفلون ولا يتوانون. . ~~{ثم ردوا إلى الله} [الأنعام: 62] يعني: العباد يردون بالموت إلى الله ~~مولاهم الحق: الذي يتولى أمورهم {ألا له # PageV02P281 # الحكم} [الأنعام: 62] أي: القضاء فيهم، {وهو أسرع الحاسبين} [الأنعام: ~~62] إذا حاسب فحسابه سريع، كقوله: {والله سريع الحساب} [البقرة: 202] وقد ~~مضى. # {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من ~~هذه لنكونن من الشاكرين {63} قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم ~~تشركون {64} قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت ~~أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم ~~يفقهون {65} } [الأنعام: 63-65] قوله: {قل من ينجيكم} [الأنعام: 63] وقرئ ~~بالتخفيف، وهما لغتان، يقال: نجاه وأنجاه، قال الله تعالى: {فأنجاه الله من ~~النار} [العنكبوت: 24] وقال: {ونجينا الذين آمنوا} [فصلت: 18] . # وقوله: {من ظلمات البر والبحر} [الأنعام: 63] قال ابن عباس: من أهوالهما ~~وكرباتهما، قال: وكانت قريش تسافر في البر والبحر، فإذا ضلها الطريق وخافوا ~~الهلاك دعوا الله مخلصين، فأنجاهم. # قال الزجاج: {ظلمات البر والبحر} [الأنعام: 63] شدائدهما، والعرب تعبر عن ~~الشدة بالظلمة يقولون لليوم الشديد: يوم مظلم. # وقوله: تدعونه تضرعا أي: تظهرون إليه الضراعة في الدعاء، وهو شدة الفقر ~~إلى الشيء والحاجة إليه، وخفية: سرا بالنية، أي: تضمرون فقركم وحاجتكم إليه ~~كما تظهرون. # وقرئ وخفية بكسر الخاء وهما لغتان. # PageV02P282 # {لئن أنجانا من هذه} [الأنعام: 63] الظلمات والشدائد {لنكونن من ~~الشاكرين} [الأنعام: 63] من المؤمنين الطائعين لله. # وقرأ أهل الكوفة لئن أنجانا، حملوه على الغيبة، لقوله قبله: تدعونه. # قوله: {قل الله ينجيكم منها} [الأنعام: 64] أي: من تلك الشدائد التي ~~دعوتموه لينجيكم منها، {ومن كل كرب} [الأنعام: 64] وهو الغم الذي ms0552 يأخذ ~~بالنفس، يقال: كربه الغم، وإنه لمكروب. # قال الزجاج: أعلمهم الله أن الذي دعوه وأقروا به هو ينجيهم، ثم هم يشركون ~~معه الأصنام التي قد علموا أنها لا تنفع ولا تضر. # ثم أعلمهم أنه قادر على تعذيبهم فقال: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم ~~عذابا من فوقكم} [الأنعام: 65] قال ابن عباس: يريد من السماء كما حصب قوم ~~لوط، وكما رمى أصحاب الفيل {أو من تحت أرجلكم} [الأنعام: 65] يريد: كما خسف ~~بقارون. # وهو قول السدي، وابن جريج، ومقاتل، قالوا: {عذابا من فوقكم} [الأنعام: ~~65] الصيحة والحجارة والريح والغرق بالطوفان، {أو من تحت أرجلكم} [الأنعام: ~~65] الرجفة والخسف. # وقوله: {أو يلبسكم شيعا} [الأنعام: 65] # PageV02P283 # قال الزجاج: بمعنى يلبسكم: يخلط أمركم خلط اضطراب، لا خلط اتفاق. # والشيع: جمع شيعة، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، والجمع شيع وأشياع. # قال ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل، والسدي: يبث فيكم الأهواء المختلفة ~~فتصيرون فرقا يقاتل بعضكم بعضا، ويخالف بعضكم بعضا، وهو معنى قوله: {ويذيق ~~بعضكم بأس بعض} [الأنعام: 65] أي: بالخلاف والقتال. ### | 331 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا محمد بن علي بن دحيم، حدثنا ~~أحمد بن حازم الغفاري، أخبرنا يعلى بن عبيد، حدثنا عثمان بن حكيم، عن عامر ~~بن سعد، عن أبيه، قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا ~~على مسجد بني معاوية، فدخل فصلى ركعتين وصلينا، فناجى ربه طويلا، ثم قال: ~~«سألت ربي ثلاثا، سألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يهلك ~~أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» . # رواه مسلم، عن ابن نصير، عن أبيه، عن عثمان بن حكيم # وقال أبي بن كعب في هذه الآية: هي أربع خلال كلهن عذاب، فجاء منهن اثنتان ~~بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، لبسوا شيعا وذاق ~~بعضهم بأس بعض. # وقوله: {انظر كيف نصرف} [الأنعام: 65] أي: نبين لهم الآيات في القرآن ~~لعلهم يفقهون يعلمون. # {وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل {66} لكل نبإ مستقر وسوف ms0553 ~~تعلمون {67} وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في ~~حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى # PageV02P284 # مع القوم الظالمين {68} وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى ~~لعلهم يتقون {69} } [الأنعام: 66-69] قوله: {وكذب به قومك} [الأنعام: 66] ~~يعني: بالقرآن {وهو الحق قل لست عليكم بوكيل} [الأنعام: 66] قال الحسن: لست ~~عليكم بحافظ حتى أجازيكم على تكذيبكم وأعمالكم، إنما أنا منذر والله ~~المجازي بأعمالكم. # والمعنى: لم أوكل بحفظكم ومنعكم من الكفر، وهذا مما نسخته آية القتال. # {لكل نبإ مستقر} [الأنعام: 67] لكل خبر يخبره الله تعالى وقت ومكان يقع ~~فيه من غير خلف ولا تأخير. # قال مجاهد: لكل نبأ حقيقة: إما في الدنيا، وإما في الآخرة. # وسوف تعلمون: ما كان في الدنيا فسوف ترونه، وما كان في الآخرة فسوف يبدو ~~لكم. # قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} [الأنعام: 68] قال المفسرون: ~~كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~والقرآن، فشتموا واستهزءوا، فأمرهم الله تعالى ألا يقعدوا معهم فقال: ~~{فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} [الأنعام: 68] . # وقال ابن عباس: أمر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إذا ~~رأيت المشركين يكذبون بالقرآن وبك، ويستهزئون فاترك مجالستهم حتى يكون ~~خوضهم في غير القرآن. # {وإما ينسينك الشيطان} [الأنعام: 68] وقرأ ابن عامر: ينسينك بالتشديد، ~~وأفعل وفعل يجريان مجرى واحدا. # قال ابن عباس: يريد: إن نسيت فقعدت، {فلا تقعد بعد الذكرى} [الأنعام: 68] ~~، وقم إذا ذكرت. # {مع القوم الظالمين} [الأنعام: 68] يعني: المشركين. # قوله: {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء} [الأنعام: 69] قال ابن ~~عباس: قال المسلمون: لئن كنا كلما استهزأ # PageV02P285 # المشركون بالقرآن وخاضوا فيه قمنا عنهم لم نستطع أن نجلس في المسجد ~~الحرام وأن نطوف بالبيت، فنزل: {وما على الذين يتقون} [الأنعام: 69] أي: ~~الشرك والكبائر والفواحش من حسابهم: من آثامهم {من شيء ولكن ذكرى} ~~[الأنعام: 69] يقول: ذكروهم بالقرآن، فرخص لهم في مجالستهم على ما أمروا به ~~من المواعظ لهم لعلهم يتقون: الاستهزاء والخوض. # {وذر ms0554 الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن ~~تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا ~~يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما ~~كانوا يكفرون} [الأنعام: 70] قوله: {وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا} ~~[الأنعام: 70] يعني: الكفار الذين إذا سمعوا بآيات الله استهزءوا بها ~~وتلاعبوا عن ذكرها، وذكر به: وعظ بالقرآن {أن تبسل نفس بما كسبت} [الأنعام: ~~70] قال الحسن، ومجاهد، وعكرمة: تسلم للهلكة. # والإبسال: أن يبسل الرجل فيخذل، يقال: أبسلته بجنايته، أي: أسلمته بها، ~~وهو الترك. # ومعنى الآية: وذكرهم بالقرآن إسلام الجانين بجناياتهم لعلهم يخافون ~~فيتقون. # وقوله: ليس لها أي: للنفس المبسلة {من دون الله ولي ولا شفيع} [الأنعام: ~~70] يعني في الآخرة. # {وإن تعدل كل عدل} [الأنعام: 70] وإن تفد كل فداء {لا يؤخذ منها} ~~[الأنعام: 70] قال ابن عباس: إن تفد بالدنيا وما فيها لا يؤخذ منها. # وقال قتادة: لو جاءت بملء الأرض ذهبا لم يقبل منها. # {أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا} [الأنعام: 70] أسلموا للهلاك {لهم شراب ~~من حميم} [الأنعام: 70] وهو الماء الحار، وعذاب أليم: موجع مؤلم {بما كانوا ~~يكفرون} [الأنعام: 70] بكفرهم بالله والقرآن. # {قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ ~~هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى ~~الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا # PageV02P286 # لنسلم لرب العالمين {71} وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون ~~{72} وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله ~~الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير {73} } ~~[الأنعام: 71-73] قوله: {قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا} ~~[الأنعام: 71] قال ابن عباس: يقول: أنعبد من دون الله ما ليس عنده منفعة ~~لنا إن عبدناه، وإن عصيناه لم يكن عنده لنا مضرة. # والمعنى: أنه جماد لا يقدر على فعل شيء. # وقوله: {ونرد على أعقابنا بعد ms0555 إذ هدانا الله} [الأنعام: 71] قال الكلبي: ~~نرد وراءنا إلى الشرك بالله كالذي استهوته: استمالته وزينت له هواه ~~الشياطين يقال: استهواه الشيطان بكيده إذا استغواه {في الأرض حيران له ~~أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا} [الأنعام: 71] قال ابن عباس: هذا مثل ضربه ~~الله تعالى للآلهة ومن يدعو إليها وللدعاة الذين يدعون إلى الله، كمثل رجل ~~ضل عن الطريق إذ نادى مناد: يا فلان بن فلان، هلم إلى الطريق وله أصحاب ~~يدعونه: يا فلان هلم إلى الطريق، فإن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه ~~إلى الهلكة، وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطريق. # قوله: {قل إن هدى الله هو الهدى} [الأنعام: 71] رد على من دعا إلى عبادة ~~الأصنام، وزجر عن إجابته، كأنه قيل: لا تفعل ذلك لأن هدى الله هو الهدى، لا ~~هدى غيره. # {وأمرنا لنسلم لرب العالمين} [الأنعام: 71] قال الزجاج: العرب تقول: ~~أمرتك لتفعل، وأن تفعل، وبأن تفعل. # والمعنى: أمرنا لننقاد ونطيع لرب العالمين. # قوله: {وأن أقيموا الصلاة واتقوه} [الأنعام: 72] أي: أمرنا أيضا بإقامة ~~الصلاة والاتقاء، {وهو الذي إليه تحشرون} [الأنعام: 72] تجمعون إلى الموقف ~~للحساب. # قوله: {وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق} [الأنعام: 73] الباء ههنا ~~بمعنى اللام، أي: خلقها للحق، # PageV02P287 # أي: لإظهار الحق، وهو إظهار صنعه وقدرته ووحدانيته، قوله ويوم يقول أي: ~~وقدر وقضى يوم يقول: كن فيكون أي: جميع ما يخلق في ذلك الوقت. # المعنى: ويوم يقول للشيء كن فيكون، وهذا يدل على سرعة أمر البعث والساعة، ~~كأنه قال: ويوم يقول للخلق: موتوا فيموتون، وانتشروا فينتشرون. # قوله الحق ابتداء وخبر، أي: قوله الصدق الكائن الواقع لا محالة، أي: إن ~~ما وعده الله حق كائن. # {وله الملك يوم ينفخ في الصور} [الأنعام: 73] كقوله: {مالك يوم الدين} ~~[الفاتحة: 4] والمعنى: إن الملوك يومئذ ملكهم زائل، فتكون حقيقة الملك لله ~~وحده، كما قال: {والأمر يومئذ لله} [الانفطار: 19] ، وله الأمر في كل وقت، ~~ولكن لا أمر لأحد في ذلك اليوم مع أمر الله تعالى. # والصور: قرن ينفخ فيه في قول جميع المفسرين. # {عالم ms0556 الغيب والشهادة} [الأنعام: 73] يعلم ما غاب عن العباد وما ~~يشاهدونه، فليس يغيب عن علمه شيء {وهو الحكيم الخبير} [الأنعام: 73] . # {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال ~~مبين {74} وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين {75} ~~فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين ~~{76} فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي ~~لأكونن من القوم الضالين {77} فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر ~~فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون {78} إني وجهت وجهي للذي فطر ~~السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين {79} } [الأنعام: 74-79] قوله: ~~{وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} [الأنعام: 74] قال جماعة من المفسرين: آزر أبو ~~إبراهيم. # قال الفراء، والزجاج: ليس بين النسابين اختلاف أن اسم أبي إبراهيم تارح، ~~والذي في القرآن يدل على أن اسمه آزر، فكأن آزر لقب له. # PageV02P288 # قال ابن الأنباري: قد يغلب على اسم الرجل لقبه حتى يكون به أشهر منه ~~باسمه، فجائز أن يكون آزر لقبا أبطل الاسم لشهرته، فخبر الله تعالى بأشهر ~~اسميه، لأن اللقب مضارع للاسم. # وقوله: {أتتخذ أصناما آلهة} [الأنعام: 74] هذا استفهام معناه الإنكار ~~والتوبيخ لمن عبد الصنم، {إني أراك وقومك في ضلال مبين} [الأنعام: 74] . # وقوله: {وكذلك نري إبراهيم} [الأنعام: 75] قال الزجاج: ومثل ما وصفنا من ~~قول إبراهيم لأبيه نريه {ملكوت السموات والأرض} [الأنعام: 75] للاعتبار ~~والاستدلال. # والملكوت: بمنزلة الملك، لأن التاء زيدت للمبالغة كالرغبوت والرهبوت. # قال مجاهد، وسعيد بن جبير: كشف له عن السموات والأرض حتى العرش وأسفل ~~الأرض. ### | 332 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا أبو يحيى ~~الرازي، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا زياد، عن ليث، عن شهر بن حوشب، عن ~~سلمان، قال: لما رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض أبصر رجلا على فاحشة ~~فدعا عليه، ثم أبصر آخر على فاحشة فدعا عليه، فقال له الرب تعالى: لا تفعل ~~فإنك عبد مستجاب الدعوة، وإنما أنا من عبدي ms0557 على ثلاث خلال إما أن يتوب في ~~آخر زمانه فأقبل منه، وإما أن أخرج منه ذرية طيبة تعبدني، وإما أن يتولى ~~فإن جهنم من ورائه # وقال قتادة: ملكوت السموات: الشمس والقمر والنجوم، وملكوت الأرض: الجبال ~~والشجر والبحار، وذلك # PageV02P289 # أن الله تعالى أراه هذه الأشياء حتى نظر إليها مستدلا بها على خالقها، ~~وهو قوله: {وليكون من الموقنين} [الأنعام: 75] عطف على المعنى، لأن معنى ~~الآية: نريه ملكوت السموات والأرض، أي: ليستدل بها وليكون من الموقنين. # وقوله: {فلما جن عليه الليل} [الأنعام: 76] يقال: جن عليه الليل، إذا ~~ستره بظلمته جنا وجنانا وجنونا، وأجنه الليل أيضا: إذا أظلم عليه. # وقوله: رأى كوكبا: قال المفسرون: لما شب إبراهيم في السرب الذي ولد فيه ~~قال لأبويه: أخرجاني، فأخرجاه من السرب، وانطلقا به حين غابت الشمس، فنظر ~~إبراهيم إلى الإبل والخيل والغنم، فقال: ما لهذه بد من أن يكون لها رب ~~وخالق. # ثم تفكر ونظر في خلق السموات والأرض، فقال: إن الذي خلقني ورزقني ربي، ما ~~لي إله غيره. # ثم نظر فإذا المشتري قد طلع، ويقال الزهرة. # وكانت تلك الليلة في آخر الشهر، فرأى الكوكب قبل القمر، ف {قال هذا ربي} ~~[الأنعام: 76] أي: تقولون: هذا ربي، وإضمار القول في القرآن كثير، كقوله: ~~{ربنا تقبل منا} [البقرة: 127] أي: يقولان ربنا. # وكأن إبراهيم قال لقومه: تقولان هذا ربي، أي: هذا الذي يدبرني. # لأنهم كانوا أصحاب نجوم يرون التدبير في الخليقة لها. # وقيل: إنه قال: هذا ربي على جهة الاحتجاج على قومه، كأنه قال: هذا ربي ~~عندكم وفيما تظنون وفي زعمكم. # كقوله: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} [الدخان: 49] أي: عند نفسك، والوجهان ~~ذكرهما الزجاج، وابن الأنباري. # وفي قوله: {فلما أفل قال لا أحب الآفلين} [الأنعام: 76] دلالة على أن ما ~~غاب بعد ظهوره فليس برب، لأن ما ظهر وأفل كان حادثا مدبرا مسخرا مصرفا، ~~وذلك ينافي صفة الإله المعظم. # قوله: {فلما رأى القمر بازغا} [الأنعام: 77] يقال: بزغ القمر إذا ابتدأ ~~في الطلوع. # اعتبر إبراهيم في القمر والشمس، كما اعتبر في النجم ms0558، وكانت حجته فيها على ~~قومه كالحجة على الكواكب، وهو قوله: {هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ~~ربي لأكونن من القوم الضالين} [الأنعام: 77] . # PageV02P290 # ومعنى {لئن لم يهدني ربي} [الأنعام: 77] لئن لم يثبتني على الهدى، ليس ~~أنه لم يكن مهتديا، والأنبياء لم يزالوا يسألون الله عز وجل الثبات على ~~الإيمان، وإبراهيم يقول: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} [إبراهيم: 35] . # قوله: {فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي} [الأنعام: 78] قال ابن ~~الأنباري: إنما قال: هذا، والشمس مؤنثة لأن الشمس بمعنى الضياء والنور، ~~فحمل الكلام على التأويل، وأعان على التذكير أيضا أن الشمس ليس فيها علامة ~~التأنيث، وأنشد قول الأعشى: # فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل أبقالها # فذكر أبقل إذ كانت الأرض عارية من علامات التأنيث. # وقوله: هذا أكبر أي: من الكوكب والقمر، فلما توجهت الحجة على قومه {قال ~~يا قوم إني بريء مما تشركون} [الأنعام: 78] . # {إني وجهت وجهي} [الأنعام: 79] قال الزجاج: جعلت قصدي بعبادتي وتوحيدي ~~لله عز وجل، وباقي الآية مفسر فيما تقدم. # {وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن ~~يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون {80} وكيف أخاف ما أشركتم ~~ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق ~~بالأمن إن كنتم تعلمون {81} الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم ~~الأمن وهم مهتدون {82} وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من ~~نشاء إن ربك حكيم عليم {83} } [الأنعام: 80-83] قوله عز وجل: {وحاجه قومه} ~~[الأنعام: 80] : قال ابن عباس: خاصموه وجادلوه في آلهتهم وخوفوه بها، فقال ~~منكرا عليهم {أتحاجوني في الله} [الأنعام: 80] أي: في توحيد الله، {وقد ~~هدان} [الأنعام: 80] أي: بين لي ما به اهتديت والتشديد على النون # PageV02P291 # لاجتماع النونين وإدغام أحدهما في الآخر، وحذف نافع إحدى النونين تخفيفا. # قوله: {ولا أخاف ما تشركون به} [الأنعام: 80] أي: هذه الأشياء التي ~~تعبدونها لا تضر ولا تنفع ولا أخافها، {إلا أن يشاء ربي شيئا} [الأنعام: ~~80] ، لكن أخاف ms0559 مشيئة ربي أن يعذبني، {وسع ربي كل شيء علما} [الأنعام: 80] ~~علمه علما تاما وتعلق به علمه، أفلا تتذكرون أفلا تتعظون فتتركون عبادة ~~الأصنام. # ثم أنكر خوفه آلهتهم، فقال: {وكيف أخاف ما أشركتم} [الأنعام: 81] ؟ وهذا ~~سؤال تعجيز عن تصحيح الخوف، {ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به ~~عليكم سلطانا} [الأنعام: 81] قال ابن عباس: يريد: ما ليس لكم في إشراكه ~~بالله حجة. # {فأي الفريقين أحق بالأمن} [الأنعام: 81] أحق بأن يأمن من العذاب: الموحد ~~أو المشرك؟ {إن كنتم تعلمون} [الأنعام: 81] . # ثم بين أن الأحق بالأمن هو، فقال: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} ~~[الأنعام: 82] قال جماعة المفسرين: لم يخلطوا إيمانهم بشرك، ونحو هذا روي ~~مرفوعا. ### | 333 - # أخبرنا الحاكم أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أخبرنا أبو عمرو محمد بن ~~جعفر بن مطر، حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، والقاسم بن زكريا المطرز، ~~ويوسف بن موسى المروروذي، وعبد الله بن زيدان البجلي، وأبو الحسين ~~السمناني، قالوا: حدثنا أبو كريب، حدثنا عبد الله بن إدريس، عن الأعمش، عن ~~إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: # PageV02P292 # لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82] شق ذلك ~~على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله وأينا لم ~~يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا ترون إلى قول لقمان ~~لابنه {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13] ". # رواه /مسلم، عن أبي كريب ### | 334 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، ~~حدثنا إسحاق الحنظلي، حدثنا جرير، وأبو معاوية، ووكيع، جميعا عن الأعمش، عن ~~إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، وقال: لما نزلت {الذين آمنوا ولم ~~يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82] شق ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول ~~الله وأينا ذلك؟ قال: " ليس ذلك إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان ~~لابنه: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13] " رواه ~~البخاري، عن إسحاق، عن وكيع، عن قتيبة، عن جرير. # ورواه مسلم ms0560، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي معاوية، ووكيع # وقوله: {أولئك لهم الأمن} [الأنعام: 82] قال ابن عباس: من العذاب، وهم ~~مهتدون: قال: أرشد إلى دين الله. ### | 335 - # أخبرنا الشيخ أبو معمر المفضل بن إسماعيل، أخبرنا الإمام حيري أبو بكر ~~الإسماعيلي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا محمد بن حميد، ~~حدثنا محمد بن المعلى، حدثنا زياد بن خيثمة، عن أبي داود، عن عبد الله بن ~~سخبرة، عن سخبرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ابتلي فصبر، ~~وأعطي فشكر، وظلم فاستغفر، وظلم فغفر، ثم سكت، فقالوا: ماذا يا رسول الله؟ # PageV02P293 # قال: أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " # قوله: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} [الأنعام: 83] الآية: يعني: ~~ما جرى بينه وبين قومه من المجادلة وإلزامه إياهم الحجة. # قال ابن عباس: يريد: ألهمناها إبراهيم وأرشدناه إليها. # {نرفع درجات من نشاء} [الأنعام: 83] أي: بالعلم والفهم والفضيلة والعقل، ~~كما رفعنا درجة إبراهيم حتى اهتدى وحاج قومه في التوحيد، {إن ربك حكيم ~~عليم} [الأنعام: 83] . # {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود ~~وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين {84} وزكريا ويحيى ~~وعيسى وإلياس كل من الصالحين {85} وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا ~~على العالمين {86} ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى ~~صراط مستقيم {87} ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط ~~عنهم ما كانوا يعملون {88} أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن ~~يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين {89} أولئك الذين هدى ~~الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين {90} } ~~[الأنعام: 84-90] ووهبنا له: لإبراهيم إسحاق: ولدا لصلبه ويعقوب: ولدا ~~لإسحاق، كما قال: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة} [الأنبياء: 72] . # كلا: من هؤلاء المذكورين هدينا: أرشدنا إلى ديننا {ونوحا هدينا من قبل} ~~[الأنعام: 84] هؤلاء، ومن ذريته: قال عطاء: يريد من ذرية إبراهيم، وقال ~~الفراء: الهاء في ذريته لنوح. # قال الزجاج: كلا القولين جائز، لأن ذكرهما ms0561 جميعا قد جرى. # PageV02P294 # والعلماء بالنسب يقولون: الكناية تعود إلى نوح، لأنه ذكر في جملة من عد ~~من هذه الذرية يونس ولوطا، ولا شك أنهما لم يكونا من ذرية إبراهيم. # {ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين} ~~[الأنعام: 84] . # {وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين} [الأنعام: 85] . # وقوله: وإسماعيل واليسع: وقرأ حمزة والليسع بتشديد اللام وتخفيفها، ~~وكلاهما واحد في أنه اسم لنبي معروف، واللام الواحدة أشهر في اسمه. # قال الزجاج: يقال فيه اليسع والليسع بتشديد اللام وتخفيفها، وكلاهما خارج ~~عما عليه الأسماء الأعجمية في حال التعريف، نحو إبراهيم وإسماعيل، ألا ترى ~~أنه لم يجئ شيء منها على هذا النحو، وإذا كان كذلك يقضى على اللام ~~بالزيادة، كما أنشده الفراء: # وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا ... شديدا بأعباء الخلافة كاهله # وقوله: {ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين} [الأنعام: 86] يعني: وكلا ~~من المذكورين ههنا فضلنا على عالمي زمانهم. # PageV02P295 # قوله: ومن آبائهم: قال الزجاج: أي: هدينا هؤلاء الذين ذكرناهم وهدينا بعض ~~آبائهم، وذرياتهم وإخوانهم فمن ههنا: للتبعيض، واجتبيناهم: واصطفيناهم ~~{وهديناهم إلى صراط مستقيم} [الأنعام: 87] يعني: التوحيد دين الله. # {ذلك هدى الله} [الأنعام: 88] قال ابن عباس: يريد ذلك دين الله الذي هم ~~عليه {يهدي به من يشاء من عباده} [الأنعام: 88] يهدي بذلك الدين من يشاء ~~إلى صراط مستقيم. # {ولو أشركوا} [الأنعام: 88] : قال: يريد: لو عبدوا غيري لحبط: لبطل وزال ~~عنهم {ما كانوا يعملون} [الأنعام: 88] لأن العمل لا يقبل مع الشرك. # {أولئك الذين آتيناهم الكتاب} [الأنعام: 89] يعني: الكتب التي أنزلها ~~عليهم، والحكم يعني: العلم والفقه، {فإن يكفر بها} [الأنعام: 89] بآياتنا ~~هؤلاء يعني: أهل مكة، {فقد وكلنا بها قوما} [الأنعام: 89] أرصدنا لها قوما، ~~ووفقناهم للإيمان وهم المهاجرون والأنصار، وهو قوله: {ليسوا بها بكافرين} ~~[الأنعام: 89] . # {أولئك الذين هدى الله} [الأنعام: 90] يعني: النبيين الذين ذكرهم الله ~~فبهداهم اقتده: قال الكلبي: بشرائعهم وسننهم أعمل. # وقال الزجاج: أي: أصبر كما صبروا على تكذيب قومهم. # وأكثر القراء أثبتوا الهاء في: اقتده ساكنة في الوصل والوقف موافقة ~~للمصحف، والوجه عند النحويين ms0562: الإثبات في الوقف، والحذف في الوصل، لأن هذه ~~الهاء للسكت، فلا تثبت في الإدراج. # وقرأ ابن عامر بكسر الهاء، وخطأه ابن مجاهد، وقال: هذه هاء وقف لا تحرك ~~في حال من الأحوال. # وقال أبو علي الفارسي: جعل ابن عامر الهاء كناية عن المصدر، لا هاء ~~الوقف، كأنه قال: فبهداهم اقتد الاقتداء، # PageV02P296 # والفعل يدل على المصدر، فكنى عنه كما حكى سيبويه من قولهم: من كذب كان ~~شرا له، أي: كان الكذب شرا له. # وقوله: {قل لا أسألكم عليه أجرا} [الأنعام: 90] أي: على القرآن، لا أطلب ~~مالا تعطونيه ولا جعلا، إن هو يعني القرآن {إلا ذكرى للعالمين} [الأنعام: ~~90] قال ابن عباس: موعظة للخلق أجمعين. # {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من ~~أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها ~~وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في ~~خوضهم يلعبون {91} وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم ~~القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون ~~{92} } [الأنعام: 91-92] قوله: {وما قدروا الله حق قدره} [الأنعام: 91] قال ~~ابن عباس: ما عظموا الله حق تعظيمه. # وقال أبو العالية: ما وصفوه حق صفته. # وقال أبو عبيدة: ما عرفوه حق معرفته. # {إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} [الأنعام: 91] قال ابن عباس في ~~رواية الوالبي: قالت اليهود: يا محمد، أنزل الله عليك كتابا؟ قال: نعم. # قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتابا، فأنزل الله تعالى: {قل من ~~أنزل الكتاب الذي جاء به موسى} [الأنعام: 91] يعني: التوراة نورا: ضياء، ~~وهدى: هاديا للناس تجعلونه قراطيس: قال المفسرون: تكتبونه في قراطيس مقطعة ~~حتى لا تكون مجموعة لتخفوا منها ما شئتم، وهو قوله: { # PageV02P297 # تبدونها وتخفون كثيرا} [الأنعام: 91] قال الفراء: تبدون ما تحبون وتكتمون ~~صفة محمد صلى الله عليه وسلم. # وقرأ أبو عمرو يجعلونه وما بعده بالياء على الغيبة، لقوله {وما قدروا ~~الله حق قدره ms0563} [الأنعام: 91] . # وقوله: {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} [الأنعام: 91] الأكثرون ~~على أن هذا خطاب لليهود. # يقول: علمتم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ما لم تعلموا. # قال الحسن: جعل لهم ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فضيعوه ولم ~~ينتفعوا به. # وقال مجاهد: هذا خطاب للمسلمين يذكرهم النعمة مما علمهم على لسان محمد ~~صلى الله عليه وسلم. # قوله: قل الله: جواب لقوله: {من أنزل الكتاب} [الأنعام: 91] ؟ قل الله ~~أي: الله أنزله، {ثم ذرهم في خوضهم} [الأنعام: 91] في باطلهم وما يخوضون ~~فيه من الكذب يلعبون: يعملون ما لا يجدي عليهم، والعرب تقول لمن كان عمل ~~عملا لا ينتفع به: إنما أنت لاعب. # وحقيقة هذا الكلام التهديد. # ثم ذكر القرآن فقال: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} [الأنعام: 92] معنى ~~المبارك: الكثير الخير، ومعنى البركة: ثبوت الخير على الازدياد والنماء، ~~وأصلها في اللغة: الثبوت. # قال الكلبي: المبارك: فيه مغفرة لذنوبهم، وتوبة من أعمالهم. # PageV02P298 # وقال أهل المعاني: معنى قوله للقرآن: مبارك أنه كثير خيره، دائم منفعته، ~~يبشر بالثواب والمغفرة، ويزجر عن القبيح والمعصية، إلى ما لا يعد من ~~بركاته. # وقوله: {مصدق الذي بين يديه} [الأنعام: 92] موافق لما تقدمه من الكتب. # وقوله: {ولتنذر أم القرى} [الأنعام: 92] قال الزجاج: المعنى: أنزلناه ~~للبركة والإنذار. # وأم القرى: مكة، سميت أم القرى، لأن الأرض كلها دحيت من تحتها، فهي أصل ~~الأرض كلها. # والمعنى: ولتنذر أهل أم القرى، فحذف المضاف. # ومن حولها قال ابن عباس: يريد: جميع الآفاق. # ومن قرأ ولينذر بالياء، جعل الفعل للكتاب. # وقوله: {والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به} [الأنعام: 92] أي: من آمن ~~بالآخرة حقيقة آمن بالقرآن، فأما من آمن بالآخرة ولم يؤمن بالقرآن فإنه لم ~~يؤمن بالآخرة إيمانا حقيقيا، فلم يعتد بإيمانه مع كفره بالقرآن، ألا ترى ~~أنه قال: {وهم على صلاتهم يحافظون} [الأنعام: 92] ، فدل على أنه أراد ~~المؤمنين الذين يحافظون على الصلوات. # {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن ~~قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ms0564 ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة ~~باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على ~~الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون {93} ولقد جئتمونا فرادى كما ~~خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين ~~زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون {94} } ~~[الأنعام: 93-94] قوله: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا} [الأنعام: 93] ~~تقدم تفسيره في هذه ال { [،] أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء} [سورة ~~الأنعام: 93] # PageV02P299 # قال قتادة: يعني: مسيلمة الكذاب. # {ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله} [الأنعام: 93] قال ابن عباس: يريد: ~~المستهزئين. # وهو اختيار الزجاج، قال: هذا جواب لقولهم: {لو نشاء لقلنا مثل هذا} ~~[الأنفال: 31] . # وقوله: {ولو ترى إذ الظالمون} [الأنعام: 93] يعني: الذين ذكرهم من ~~المغترين، والمدعين الوحي إليهم كذبا، والقائلين: سأنزل مثل ما أنزل الله، ~~{في غمرات الموت} [الأنعام: 93] شدائده ومكارهه، جمع غمرة، وهي ما تغشى ~~الإنسان مما يكرهه. # والملائكة يعني: ملائكة العذاب باسطوا أيديهم: بالتعذيب يضربونهم ~~ويعذبونهم، أخرجوا أنفسكم أي: يقولون لهم: أخرجوا أنفسكم. # قال المفسرون: إن نفس المؤمن تنشط في الخروج للقاء ربه، ونفس الكافر تكره ~~ذلك، ويشق عليها الخروج، لأنها تصير إلى أشد العذاب، فهؤلاء الكفار تكرههم ~~الملائكة على نزع الروح كرها. # وجواب لو مضمر على تقدير: ولو رأيت ذلك لرأيت عجبا أو أمرا فظيعا. # وقوله: {اليوم تجزون عذاب الهون} [الأنعام: 93] الهون: الهوان، ومنه ~~قوله: {أيمسكه على هون} [النحل: 59] . # قال الزجاج: يعني العذاب الذي يقع به الهوان الشديد. # ثم ذكر أن هذا العذاب جزاء كذبهم على الله فقال: {بما كنتم تقولون على ~~الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} [الأنعام: 93] عن الإيمان بالقرآن ~~لا تصدقونه ولا تؤمنون به. # وقوله: {ولقد جئتمونا فرادى} [الأنعام: 94] قال الفراء: فرادى جمع، ~~وإحداها فرد وفرد وفريد وفردان. # قال ابن عباس: يريد: بلا مال ولا ولد. # قال ابن كيسان: جئتمونا مفردين مما كنتم تعبدون ومن المظاهرين لكم. # PageV02P300 # قوله: {كما خلقناكم أول مرة} [الأنعام: 94] حفاة عراة كما ms0565 خرجتم من بطون ~~أمهاتكم {وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم} [الأنعام: 94] أي: ما ملكناكم، ~~يقال: خوله الشيء، أي: ملكه إياه. # قال ابن عباس: {وتركتم ما خولناكم} [الأنعام: 94] يريد: من النعيم والمال ~~والعبيد والرباع والمواشي. # {وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء} [الأنعام: 94] قال ~~المفسرون: إن المشركين زعموا أنهم يعبدون الأصنام لأنهم شركاء الله ~~وشفعاءهم عنده، والمعنى: أنهم شركاء لي في عبادتكم. # وقوله: {لقد تقطع بينكم} [الأنعام: 94] قال الزجاج: الرفع أجود، ومعناه: ~~لقد تقطع وصلكم، والنصب جائز على معنى: لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة ~~بينكم. # وقال ابن الأنباري: التقدير: لقد تقطع ما بينكم، فحذف ما لوضوح معناه. # وقال ابن عباس: {لقد تقطع بينكم} [الأنعام: 94] ، يريد وصلكم ومودتكم. # وقال الحسن: لقد تقطع الأمر بينكم. # وقال قتادة: ما بينكم من الوصل. # {وضل عنكم ما كنتم تزعمون} [الأنعام: 94] ذهب عنكم ما كنتم تكذبون في ~~الدنيا. # {إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم ~~الله فأنى تؤفكون {95} فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ~~ذلك تقدير العزيز العليم {96} وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ~~ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم # PageV02P301 # يعلمون {97} وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا ~~الآيات لقوم يفقهون {98} وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل ~~شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية ~~وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا ~~أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون {99} } [الأنعام: 95-99] قوله ~~تعالى: {إن الله فالق الحب والنوى} [الأنعام: 95] قال الكلبي: الحب: ما لم ~~يكن له نوى مثل البر والشعير، والنوى: مثل نوى التمر والخوخ وغيرهما. # فلقهما الله تعالى بالنبات. # وقال الحسن، وقتادة، والسدي: فلق الحبة عن السنبلة، والنواة عن النخلة. # وقال الزجاج: يشق الحبة اليابسة والنواة واليابسة فيخرج منها ورقا أخضر. # وقال مجاهد: يعني: الشقين اللذين فيهما. # وقوله: {يخرج الحي من الميت ومخرج ms0566 الميت من الحي} [الأنعام: 95] قال ابن ~~عباس: يخرج من النطفة بشرا حيا، ثم يخرج النطفة الميتة من الحي. # وقال عطاء: يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن. # قال الزجاج: يخرج النبات الغض الطري من الحب اليابس، ويخرج الحب اليابس ~~من النبات الحي النامي. # {ذلكم الله فأنى تؤفكون} [الأنعام: 95] قال ابن عباس: يريد: الله وحده ~~يفعل هذا، فكيف تكذبون؟ والمعني: كيف تصرفون عن الحق بعد هذا البيان؟ قوله: ~~فالق الإصباح: الصبح والصباح والإصباح: أول ما يبدو من النهار، يقال: فلق ~~الله الصبح. # أي: أبداه وأوضحه. # ومعنى فالق الإصباح: مبديه وموضحه، وذلك أن الفلق معناه في اللغة: الشق، ~~وذلك راجع إلى الإبداء والإيضاح. # وقوله: وجاعل الليل سكنا: السكن: ما سكنت إليه، يريد: أن الناس يسكنون في ~~الليل سكون الراحة، بأن جعل الله لهم ذلك سكنا. # PageV02P302 # قال الكلبي: يسكن فيه الخلق ويرجعونه إلى أوطانهم، وهو مثل قوله: {هو ~~الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه} [يونس: 67] وقرأ أهل الكوفة وجعل الليل ~~لأن اسم الفاعل الذي قبله بمعنى الماضي، فلما كان فاعل بمنزلة فعل عطف عليه ~~فعل لموافقته له في المعنى، ويدلك أنه بمنزلة فعل قوله: {والشمس والقمر} ~~[الأنعام: 96] بالنصب، ألا ترى أنه لما كان المعنى في جاعل جعل نصب الشمس ~~والقمر، لأن الليل في موضع نصب في المعنى، فرد الشمس والقمر على معناه. # وأما الحسبان: فهو مصدر كالحساب، يقال: حسبت أحسب حسابا وحسبانا. # وقال الأخفش، وأبو عبيدة، والمبرد: هو جمع حساب كركاب وركبان، وشهاب ~~وشهبان. # ومعنى {والشمس والقمر حسبانا} [الأنعام: 96] أي: بحساب لا يتجاوزانه حتى ~~ينتهيا إلى أقصى منازلهما، {ذلك تقدير العزيز} [الأنعام: 96] في ملكه يصنع ~~ما أراد، العليم بما قدر من خلقهما. # قوله: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} ~~[الأنعام: 97] وذلك أن راكبي البحار، وسالكي القفار إنما يهتدون في الليل ~~لمقاصدهم بالنجوم لولاها لضلوا ولم يهتدوا. # {قد فصلنا الآيات} [الأنعام: 97] بينا الدلائل على قدرتنا لقوم يعلمون. # {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة} [الأنعام: 98] يعني: آدم، فمستقر ~~ومستودع: قال ms0567 ابن الأنباري: أراد فلكم مستقر ومستودع. # قال ابن عباس: مستقر في الرحم، ومستودع في الصلب. # وقال كريب: كتب حبر تيماء إلى ابن عباس يسأله عن هذه الآية، فكتب إليه: ~~المستودع: الصلب، والمستقر: الرحم. # PageV02P303 # وأما من كسر القاف، فقال العوفي: كل مخلوق قد فرغ من خلقه فهو المستقر ~~الذي قد خلق واستقر في الرحم، والمستودع: قد استودع في الصلب. # وقال عكرمة: المستقر: الذي قد خلق واستقر في الرحم، والمستودع: الذي قد ~~استودع في الصلب. # والتقدير على هذه القراءة: فمنكم مستقر ومستودع، والمستقر بفتح القاف اسم ~~للمكان وهو بمعنى المقر، وبكسر القاف بمعنى القار، يقال: قر مكانه واستقر. # والمستودع مثل المودع، يقال: استودعته الشيء وأودعته. # وهو الإنسان المودع في الصلب. ### | 336 - # أخبرنا الإمام أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا شعيب بن محمد ~~البيهقي، أخبرنا مكي بن عبدان، حدثنا أبو الأزهر، حدثنا روح، حدثنا شعبة، ~~عن أبي إسحاق، وأبي بشر، عن سعيد بن جبير، قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ ~~قلت: لا، قال: أما إنه ما كان من مستودع في ظهرك فسيخرجه الله تعالى # قوله: {وهو الذي أنزل من السماء ماء} [الأنعام: 99] يعني: المطر، ~~{فأخرجنا به نبات كل شيء} [الأنعام: 99] لأن كل ما ينبت فنباته بالماء، ~~{فأخرجنا منه خضرا} [الأنعام: 99] الخضر: مثل الأخضر، كالعور مثل الأعور. # يعني: ما كان رطبا أخضر مما ينبت من القمح والشعير وغيرهما، نخرج منه: من ~~الخضر حبا متراكبا: بعضه على بعض في سنبلة واحدة. # قوله: {ومن النخل من طلعها} [الأنعام: 99] وهو أول منها من العذق قنوان ~~دانية: قال قتادة: عذوق متدلية، وهي جمع قنو، وإذا ثنيت قلت: قنوان بكسر ~~النون، قاله أبو عبيدة، ثم جاء جمعه على لفظ الاثنين، مثل: صنو وصنوان، ~~والإعراب في النون للجمع، وليس لهما في كلام العرب نظير، ومعنى دانية تدنو ~~ممن يجتنيها. # PageV02P304 # قال الزجاج: ولم يقل: منها قنوان بعيدة اكتفاء بذكر القريبة، كما قال: ~~{سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] قال ابن عباس في رواية الوالبي قنوان ~~دانية يعني: قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض ms0568. # وقوله: {وجنات من أعناب} [الأنعام: 99] الوجه كسر التاء لأنها في موضع ~~نصب نسقا على قوله: خضرا أي: فأخرجنا خضرا وجنات من أعناب، ومن رفع فقال ~~ابن الأنباري: رفعت بمضمر بعدها، تأويله: وجنات من أعناب أخرجناها، فجرى ~~مجرى قول العرب: أكرمت عبد الله وأخوه، يريدون: وأخوه أكرمته أيضا. # وقوله: {والزيتون والرمان} [الأنعام: 99] يعني: وشجر الزيتون وشجر الرمان ~~{مشتبها وغير متشابه} [الأنعام: 99] قال المفسرون: مشتبها ورقهما مختلفا ~~ثمرهما، {انظروا إلى ثمره إذا أثمر} [الأنعام: 99] انظروا إليه أول ما يعقد ~~نظر الاستدلال واعتبار، والثمر: جمع ثمرة، ويجمع على ثمار أيضا، وثمر مثل ~~خشبة وخشب وأكمة وأكم. # وينعه: والينع: النضج، يقال: ينع يينع بالفتح في الماضي والكسر في ~~المستقبل، ويقال أيضا: بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل. # وقوله: {إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون} [الأنعام: 99] قال ابن عباس: ~~يصدقون أن الذي يخرج هذا النبات قادر على أن يحيي الموتى. # {وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه ~~وتعالى عما يصفون {100} بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له ~~صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم {101} ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو ~~خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل {102} لا # PageV02P305 # تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير {103} } [الأنعام: ~~100-103] قوله: {وجعلوا لله شركاء الجن} [الأنعام: 100] المراد بالجن ههنا: ~~الشياطين، قال الحسن: أطاعوا الشياطين في عبادة الأوثان فيجعلوهم شركاء ~~لله. # وتقدير الآية: وجعلوا الجن شركاء لله، ويجوز أن يكون الجن بدلا من ~~الشركاء مفسرا لها. # وقوله: وخلقهم: يجوز أن تكون الكناية عن هؤلاء الذين جعلوا لله شركاء، ~~والمعنى: إن الله خلقهم ثم جعلوا له شركاء لا يخلقون، ويجوز أن تعود ~~الكناية على الجن فيكون المعنى: والله خلق الجن فكيف يكون شركاء لله؟ ~~وقوله: {وخرقوا له بنين وبنات} [الأنعام: 100] قال الفراء: معنى خرقوا: ~~افتعلوا ذلك كذبا وكفرا، وخرقوا واخترقوا، وخلقوا واختلقوا بمعنى واحد، ~~يقال: خلق فلان الكلمة واختلقها، وخرقها واخترقها، إذا افتعلها وابتدعها ~~كذبا. # وقرأ نافع وخرقوا ms0569 مشددة، والتشديد للمبالغة والتكثير، قال المفسرون: إن ~~كفار العرب قالوا: الملائكة بنات الله، وزعمت النصارى بأن المسيح ابن الله، ~~واليهود أن عزيرا ابن الله، فأعلم الله أنهم اختلقوا ذلك بغير علم أي: لم ~~يذكروه، وإنما تكذبا. # قوله: {بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد} [الأنعام: 101] من أين يكون ~~له ولد، ولا يكون الولد إلا من صاحبة؟ {ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء} ~~[الأنعام: 101] أي: أنه خالق كل شيء، وخالق الأشياء لا مثل له، والولد لا ~~يصح إلا مع المماثلة، ومن لا يصح أن يكون له مثل لا يصح أن يكون له ولد. # {وهو بكل شيء عليم} [الأنعام: 101] لأنه هو الخالق له. # وقوله: ذلكم الله أي: ذلك الذي خلق كل شيء وعلم كل شيء {ربكم لا إله إلا ~~هو خالق كل شيء فاعبدوه} [الأنعام: 102] قال ابن عباس: فأطيعوه. # {وهو على كل شيء وكيل} [الأنعام: 102] بالحفظ له والتدبير فيه. # قوله: {لا تدركه الأبصار} [الأنعام: 103] الإدراك: الإحاطة بكنه الشيء ~~وحقيقته، وهو غير الرؤية، لأنه يصح أن يقال: رآه وما أدركه. # فالأبصار ترى الباري عز وجل ولا تحيط به، كما أن القلوب تعرفه ولا تحيط ~~به، قال تعالى: {ولا يحيطون به علما} [طه: 110] . # PageV02P306 # قال ابن عباس في رواية عطاء: كلت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به، وقال ~~سعيد بن المسيب: لا تحيط به الأبصار. # وعلى هذا التفسير نقول: إن الباري سبحانه يرى ولا يدرك، لأن معنى ~~الإدراك: الإحاطة بالمرئي، وإنما يجوز ذلك على من كان محدودا وله جهات. # وذهب جماعة من أهل التفسير إلى تخصيص هذه الآية، قال ابن عباس في رواية ~~أبي صالح: تنقطع عنه الأبصار في الدنيا. # وقال مقاتل: لا تراه الأبصار في الدنيا وهو يرى في الآخرة. # والدليل على أن هذه الآية مخصوصة بالدنيا قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة ~~{22} إلى ربها ناظرة {23} } [القيامة: 22-23] ، فقيد النظر إليه بيوم ~~القيامة وأطلق في هذه، والمطلق يحمل على المقيد. # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا أبو بشر محمد بن ~~عمران بن الجنيد ms0570، حدثنا أبو بكر الصفار، حدثنا عباد بن صهيب، عن عمرو، عن ~~الحسن في قوله: {لا تدركه الأبصار} [الأنعام: 103] قال: في الدنيا. # وقال الحسن: يراه أهل الجنة في الجنة. # واحتج بقوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة {22} إلى ربها ناظرة {23} } ~~[القيامة: 22-23] ، قال: ينظرون إلى وجه الله عز وجل. # وقوله: {وهو يدرك الأبصار} [الأنعام: 103] أي: يراها وهي لا تراه مع ~~رؤيته إياها، وهذا لله تعالى لأنه يرى ولا يرى. # PageV02P307 # وإنما خص الأبصار بإدراكه إياها مع أنه يدرك كل شيء للمعنى الذي ذكرنا، ~~لأن غير الله تعالى لا يجوز أن يرى البصر ولا يراه البصر. # وقوله: {وهو اللطيف الخبير} [الأنعام: 103] قال الأزهري: معناه الرفيق ~~بعباده. # وروى عمرو بن أبي عمرو، عن أبيه، قال: اللطيف: الذي يوصل إليك إربك في ~~رفق، يقال: لطف الله لك، أي: أوصل إليك ما تحب برفق. # قال ابن عباس: وهو اللطيف: بأوليائه، الخبير بهم. # {قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم ~~بحفيظ {104} وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون {105} ~~اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين {106} } ~~[الأنعام: 104-106] قوله: {قد جاءكم بصائر من ربكم} [الأنعام: 104] ~~البصائر: جمع البصيرة، وهي الدلالة التي توجب البصر بالشيء والعلم به. # قال الكلبي: يعني بينات القرآن. # {فمن أبصر فلنفسه} [الأنعام: 104] فمن صدق القرآن وآمن بمحمد صلى الله ~~عليه وسلم فلنفسه عمل، ومن عمي عن الحق ولم يصدق فعليها: فعلى نفسه جنى ~~العذاب لأن الله غني عن خلقه، {وما أنا عليكم بحفيظ} [الأنعام: 104] قال ~~الحسن: أي: برقيب على أعمالكم حتى أجازيكم بها. # قال الزجاج: أي: لست آخذكم بالإيمان أخذ الحفيظ عليكم. # وهذا قبل الأمر بالقتال، فلما أمر بالقتال صار حفيظا عليهم. # قوله: {وكذلك نصرف الآيات} [الأنعام: 105] قال ابن عباس: نبين الآيات في ~~القرآن في كل وجه يدعوهم بها ويخوفوهم. # وليقولوا درست قال ابن الأنباري: هذا عطف على مضمر في المعنى، التقدير: ~~يصرف الآيات ليلزمهم الحجة وليقولوا درست، واللام في: وليقولوا لام العاقبة ~~والصيرورة، لأن ms0571 عاقبة تصريف الآيات أدت إلى هذا القول الذي قالوه، كقوله: ~~{فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا} [القصص: 8] . # PageV02P308 # ومعنى درست: قرأت على غيرك، يقال: درست الكتاب أدرسه درسا ودراسة. # قال ابن عباس: وليقولوا يعني: أهل مكة حين يقرأ عليهم القرآن، درست تعلمت ~~من يسار، وجبر وقرأت علينا تزعم أنه من عند الله، وقال الفراء: تعلمت من ~~يهود. # وقال الزجاج: قرأت كتب أهل الكتاب. # ومن قرأ: دارست فمعناه: قرأت على اليهود وقرأوا عليك، وذاكرتهم حتى تعلمت ~~منهم، وقرأ ابن عامر: درست أي: هذه الأخبار التي تتلوها علينا قديمة قد ~~درست، تقادمت وانمحت من قولهم: درس الأثر يدرس دروسا. # وقوله: {ولنبينه لقوم يعلمون} [الأنعام: 105] قال ابن عباس: يريد: ~~أولياءه الذين هداهم إلى سبيل الرشاد. # قال ابن الأنباري: يعني: إن تصريف الآيات ليشقى بها قوم ويسعد آخرون، فمن ~~قال: درست ودارست فهو شقي، ومن تبين الحق فهو سعيد. # {ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل ~~{107} ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك ~~زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون {108} } ~~[الأنعام: 107-108] {ولو شاء الله ما أشركوا} [الأنعام: 107] أي: لو شاء ~~الله لجعلهم مؤمنين، {وما جعلناك عليهم حفيظا} [الأنعام: 107] أي: لم تبعث # PageV02P309 # لتحفظ المشركين من العذاب، إنما بعثت مبلغا، فلا تهتم لشركهم، فإن ذلك ~~بمشيئة الله تعالى. # قوله: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله} [الأنعام: 108] الآية: قال ~~قتادة: كان المسلمون يسبون أوثان الكفار فيردون ذلك عليهم، فنهاهم الله أن ~~يستسبوا لربهم قوما جهلة لا علم لهم بالله. # وقال الوالبي عن ابن عباس: قالوا: يا محمد لتنتهين عن سبك آلهتنا أو ~~لنهجون ربك. # فنهاهم الله تعالى أن يسبوا أوثانهم، {فيسبوا الله عدوا بغير علم} ~~[الأنعام: 108] أي: ظلما بالجهل، يقال: عدا فلان عدوا وعدوانا، أي: ظلم ~~ظلما جاوز القدر. # وقال السدي وغيره: معناه: لا تسبوا الأصنام فيسبوا من أمركم بما أنتم ~~عليه من عيبها فيعود ذلك إلى الله، لأنهم كانوا ms0572 لا يصرحون بسب الله تعالى، ~~لأنهم كانوا يقرون بأن الله خالقهم وإن أشركوا. # قوله: {كذلك زينا لكل أمة عملهم} [الأنعام: 108] يعني: كما زينا لهؤلاء ~~المشركين عبادة الأوثان وطاعة الشيطان بالحرمان والخذلان، وكذلك زينا لكل ~~أمة عملهم من الخير والشر، والطاعة والمعصية. # قال ابن عباس: يريد: زينت لأوليائي وأهل طاعتي محبتي وعبادتي، وزينت ~~لأعدائي وأهل معصيتي كفر نعمتي وخذلتهم حتى أشركوا. # {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات ~~عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون {109} ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ~~كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون {110} ولو أننا نزلنا ~~إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا ~~إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون {111} } [الأنعام: 109-111] قوله: ~~{وأقسموا بالله جهد أيمانهم} [الأنعام: 109] قال الكلبي، ومقاتل: إذا حلف ~~الرجل بالله فهو جهد يمينه. # والمعنى: اجتهدوا في المبالغة في اليمين: {لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها} ~~[الأنعام: 109] سألت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم # PageV02P310 # بآية، وحلفوا ليؤمنن بها، وسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ذلك، وعلم الله أنهم لا يؤمنون، فقال تعالى: {قل إنما الآيات عند الله} ~~[الأنعام: 109] أي: إنه هو القادر على الإتيان بها متى شاء، وما يشعركم أي: ~~وما يدريكم إيمانهم، فحذف مفعول يشعركم. # قال الزجاج: أي: لستم تعلمون الغيب، ولا تدرون أنهم يؤمنون. # ثم أستأنف فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون، ومن قرأ: أنها بالفتح فهو ~~بمعنى لعلها، كأنه قال: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، وأن بمعنى لعل كثير في ~~كلامهم. # تقول العرب: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا. # أي: لعلك، ذكر ذلك الخليل، والفراء. # قال الفراء: ويجوز على هذه القراءة أن تجعل لا صلة فيكون التقدير: وما ~~يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون. # والمعنى على هذا أنها إذا جاءت لم يؤمنوا، والخطاب للمؤمنين. # وقرأ حمزة: تؤمنون بالتاء، والخطاب على هذه القراءة في قوله: وما يشعركم ~~للكفار الذين أقسموا. # وهو قول مجاهد، قال: وما يدريكم ms0573 أنكم تؤمنون إذا جاءت. # قوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} [الأنعام: 110] التقليب والقلب واحد: وهو ~~تحويلك الشيء عن وجهه، ومعنى تقليب الأفئدة والأبصار: هو أن الواجب من ~~مقتضى الآية أن يؤمنوا إذا جاءتهم الآية فعرفوها بقلوبهم ورأوها بأبصارهم، ~~فإذا لو يؤمنوا كان ذلك بتقليب الله قلوبهم وأبصارهم عن وجهها الذي يجب أن ~~يكون عليه، وهو معنى ما قاله المفسرون: نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم ~~الآية فلا يؤمنون كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة مثل انشقاق القمر ~~وغيره من الآيات. # وفي الآية محذوف تقديره: فلا يؤمنون كما لم يؤمنوا به أول مرة. # والكناية في به يجوز أن تعود على القرآن، ويجوز أن تعود على النبي صلى ~~الله عليه وسلم، {ونذرهم في طغيانهم يعمهون} [الأنعام: 110] قال عطاء: ~~أخذلهم وأدعهم في ضلالتهم يتمادون. # PageV02P311 # قوله: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} [الأنعام: 111] كان المشركون ~~يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: أرنا الملائكة يشهدون لك بالنبوة، أو ~~ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم: أحق ما تقول أم باطل. # فقال الله عز وجل: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} [الأنعام: 111] كما ~~سألوا ورأوهم عيانا، وكلمهم الموتى، فشهدوا لك بالنبوة، وحشرنا: جمعنا ~~{عليهم كل شيء} [الأنعام: 111] في الدنيا قبلا، وقبلا، أي: معاينة، يقال: ~~لقيت فلانا قبلا وقبلا وقبيلا ومقابلة، أي: مواجهة. # قال أبو عبيدة، والفراء، والزجاج: أي: معاينة. # {ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} [الأنعام: 111] أخبر الله نبيه صلى ~~الله عليه وسلم بما سبق في علمه وقضائه من الشقوة عليهم، وأنهم لا يؤمنون ~~بالله تعالى، إلا أن يهديهم الله ويسهل ذلك عليهم، وهو معنى قوله: {إلا أن ~~يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون} [الأنعام: 111] لا يعلمون أنهم لو أوتوا بكل ~~آية ما آمنوا. # {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف ~~القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون {112} ولتصغى إليه ~~أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون {113} } ~~[الأنعام: 112-113] وقوله: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا} [الأنعام: 112] ~~الآية: قال المفسرون ms0574: هذا تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم يقول: كما ~~ابتليناك بهؤلاء القوم فكذلك جعلنا لكل نبي قبلك عدوا ليعظم ثوابه على ما ~~يقاسي أذاه. # وعدوا في معنى أعداء. # PageV02P312 # ثم فسر العدو فقال: {شياطين الإنس والجن} [الأنعام: 112] يعني: مردة ~~الإنس والجن، والشيطان: كل عات متمرد من الجن والإنس. # قال قتادة، ومجاهد، والحسن: إن من الجن شياطين ومن الإنس شياطين، وإن ~~الشيطان من الجن إذا أعياه المؤمن، وعجز عن إغوائه ذهب إلى متمرد من الإنس ~~وهو شيطان الإنس فأغواه بالمؤمن ليفتنه. # يدل على هذا ما روي أن النبي قال لأبي ذر: " هل تعوذت بالله من شر شياطين ~~الجن والإنس؟ قال: قلت: وهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم، هم شر من شياطين ~~الجن ". # وقال مالك بن دينار: إن شيطان الإنس أشد علي من شيطان الجن. # وذلك إني إذا تعوذت بالله من شيطان الجن ذهب عني، وشيطان الإنس يجيئني ~~فيجرني إلى المعاصي عيانا. # وقوله: {يوحي بعضهم إلى بعض} [الأنعام: 112] أي: يلقي ويسر إليه زخرف ~~القول: باطله وكذبه، والزخرف: الباطل من الكلام الذي زين بالكذب، يقال: ~~فلان يزخرف كلامه، إذا زينه بالباطل والكذب. # والمعنى: إن هؤلاء الشياطين يزينون الأعمال القبيحة لبني آدم ويغرونهم، ~~{غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه} [الأنعام: 112] ولو شاء لمنعهم من الوسوسة، ~~{فذرهم وما يفترون} [الأنعام: 112] قال ابن عباس: يريد: ما زين لهم إبليس ~~وغرهم به. # قوله: {ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة} [الأنعام: 113] ~~الصغو: الميل، يقال: صغا إلى كذا يصغو. # إذا مال إليه. # وقال ابن الأنباري: فعلنا بهم ذلك لكي تصغى إلى الباطل أفئدة الذين لا ~~يؤمنون بالآخرة. # وليرضوه: وليرضوا الباطل من القول فيحبوه، {وليقترفوا ما هم مقترفون} ~~[الأنعام: 113] أي: ليكتسبوا وليعملوا ما هم عاملون. # والاقتراف: الكسب، يقال: اقترف ذنبا، أي: عمله. # PageV02P313 # {أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم ~~الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين {114} وتمت ~~كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم {115} وإن تطع أكثر ~~من ms0575 في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ~~{116} إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين {117} فكلوا مما ~~ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين {118} وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر ~~اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ~~ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين {119} وذروا ظاهر الإثم ~~وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون {120} ولا تأكلوا ~~مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ~~ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون {121} } [الأنعام: 114-121] قوله: ~~{أفغير الله أبتغي حكما} [الأنعام: 114] الحكم والحاكم واحد، قال الكلبي، ~~والعوفي: قل لأهل مكة أفغير الله أطلب قاضيا بيني وبينكم، {وهو الذي أنزل ~~إليكم الكتاب مفصلا} [الأنعام: 114] مبينا فيه أمره ونهيه، {والذين آتيناهم ~~الكتاب} [الأنعام: 114] يعني: علماء أهل الكتاب يعلمون أنه: أن القرآن ~~{منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين} [الأنعام: 114] من الشاكين أنهم ~~يعلمون ذلك. # قوله: {وتمت كلمت ربك} [الأنعام: 115] يعني: ما ذكر من وعد ووعيد، وثواب ~~وعقاب، ومن قرأ على الواحد أراد الجمع أيضا، والكلمة تقع على الكثير، تقول ~~العرب: قال زهير في كلمته. # يعنون: قصيدته. # وقوله: صدقا وعدلا: قال ابن عباس: يريد: لا خلف لمواعيده، لا في أهل ~~طاعته، ولا في أهل معصيته. # وقال قتادة، ومقاتل: صدقا فيما وعد وعدلا فيما حكم. # {لا مبدل لكلماته} [الأنعام: 115] قال ابن عباس: لا راد لقضائه، # PageV02P314 # ولا مغير لحكمه، ولا خلف لموعده. # وهو السميع لتضرع أوليائه، ولقول أعدائه، العليم بما في قلوب الفريقين. # قوله: {وإن تطع أكثر من في الأرض} [الأنعام: 116] قال ابن عباس: يريد: ~~الذين ليسوا على دينك، وهم أكثر من المؤمنين، إن تطعهم في أكل الميتة ~~{يضلوك عن سبيل الله} [الأنعام: 116] دين الله الذي رضيه لك. # ذلك أن المشركين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في أكل ~~الميتة، وقالوا: تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل ربكم ms0576؟ {إن يتبعون إلا ~~الظن} [الأنعام: 116] يريد: دينهم الذي هم عليه ظن وهوى، لم يأخذوه عن ~~بصيرة وحجة، {وإن هم إلا يخرصون} [الأنعام: 116] يكذبون ويفترون. # قوله: {إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله} [الأنعام: 117] قال الزجاج: موضع ~~من رفع بالابتداء ولفظها لفظ الاستفهام. # المعنى: إن ربك هو أعلم أي الناس يضل عن سبيله. # وهذا قول الكسائي، والفراء، والمبرد، أخبر الله تعالى أنه أعلم ~~بالفريقين: بالضالين عن سبيله والمهتدين، فيجازي كلا بما يستحق. # قوله: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 118] جواب لقول المشركين: ~~تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل ربكم؟ والمعنى: كلوا مما ذكر عليه اسم ~~الله، والميتة لم تذبح على اسم الله، فلا يجوز أكلها، وقوله: {إن كنتم ~~بآياته مؤمنين} [الأنعام: 118] تأكيد أن ما أباحه الشرع فهو طيب يحل ~~تناوله. # {وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 119] وأي شيء يقع ~~لكم في ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه، {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} ~~[الأنعام: 119] يعني: في قوله: {حرمت عليكم الميتة} [المائدة: 3] أي: بينت ~~لكم المحرمات مفصلة مبينة، فاتركوها وكلوا مما ذبح على اسم الله. # وقوله: {إلا ما اضطررتم إليه} [الأنعام: 119] أي: دعتكم الضرورة لشدة ~~المجاعة إلى أكله مما حرم. # {وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم} [الأنعام: 119] أي: يضلون باتباع ~~أهوائهم، والمعنى: يضلون بامتناعهم من أكل ما ذكر اسم الله عليه وغير ذلك ~~مما لا شيء يوجبه في شرع، نحو السائبة والبحيرة ومما كان يفعله أهل ~~الجاهلية. # ومن قرأ: ليضلون بضم الياء، أراد: عمرو بن لحي فمن دونه من المشركين ~~الذين اتخذوا البحائر # PageV02P315 # والسوائب، قال الزجاج: يعني الذين يحلون الميتة ويناظرونكم في إحلالها. # {إن ربك هو أعلم بالمعتدين} [الأنعام: 119] يعني: المجاوزين الحلال إلى ~~الحرام. # قوله: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} [الأنعام: 120] أكثر المفسرين: على أن ~~ظاهر الإثم الإعلان بالزنا، وباطنه الاستسرار به. # قال ابن عباس: كانت العرب يحبون الزنا، وكان الشريف يتشرف أن يزني فيستر ~~ذلك، فحرم الله الزنا فقال: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} [الأنعام ms0577: 120] . # وقال آخرون: هذا عام في كل إثم، قال مجاهد: يعني: معصية الله في السر ~~والعلانية. # وهذا قول قتادة. # وقال ابن الأنباري: يريد: وذروا الإثم من جميع جهاته. # وقال الزجاج: الذي يدل عليه الكلام: اتركوا الإثم ظهر أو بطن، أي: لا ~~تقربوا ما حرم عليكم سرا ولا جهرا. # ثم أوعد على فعل الإثم بالجزاء فقال: {إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما ~~كانوا يقترفون} [الأنعام: 120] . # قوله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121] قال ابن ~~عباس: يريد: الميتة والمنخنقة. # إلى قوله: {وما ذبح على النصب} [المائدة: 3] . # وقال الكلبي: يعني ما لم يذك، أو ذبح لغير الله، وقال عطاء: نهى عن ذبائح ~~كانت تذبحها قريش والعرب على الأوثان. # قوله: وإنه لفسق يعني: وإن الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه من الميتة ~~لفسق، أي: خروج عن الحق والدين، {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ~~ليجادلوكم} [الأنعام: 121] أي: يوسوس الشيطان لوليه فيلقي في قلبه الجدال ~~بالباطل، وهو ما ذكر من أن المشركين جادلوا المؤمنين في الميتة، قال ابن ~~عباس: أوحى الشياطين إلى أوليائهم من الإنس: كيف # PageV02P316 # تعبدون شيئا لا تأكلون ما يقتل، وأنتم تأكلون ما قتلتم؟ فأنزل الله تعالى ~~هذه الآية: وإن أطعتموهم يعني: في استحلال الميتة إنكم لمشركون. # قال الزجاج: وفي هذا دليل على أن كل من أحل شيئا مما حرم الله، أو حرم ~~شيئا مما أحل الله فهو مشرك. # فإن قيل: كيف أبحتم ذبيحة المسلم إذا ترك التسمية والآية كالنص في ~~التحريم؟ قلنا: إن المفسرين فسروا: ما لم يذكر اسم الله عليه في هذه الآية ~~بالميتة، ولم يحمله أحد على ذبيحة المسلم إذا ترك التسمية. # وفي الآية أشياء تدل على أن الآية في تحريم الميتة منها قوله: وإنه لفسق، ~~ولا يفسق أكل ذبيحة المسلم التارك للتسمية، ومنها قوله: {وإن الشياطين ~~ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} [الأنعام: 121] ، والمناظرة إنما كانت في ~~الميتة بإجماع من المفسرين، لا في ذبيحة تارك التسمية من المسلمين، ومنها ~~قوله: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [الأنعام: 121] ، والشرك: استحلال ~~الذبيحة التي ms0578 لم يذكر اسم الله عليها. ### | 337 - # وقد أخبرنا أبو منصور المنصوري، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا عبد ~~الباقي بن قانع، حدثنا محمد بن نوح العسكري، حدثنا يحيى بن يزيد الأهوازي، ~~حدثنا أبو همام، عن مروان بن سالم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن ~~أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ~~أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ~~«اسم الله على فم كل مسلم» ### | 338 - # وأخبرنا أبو منصور، أخبرنا علي، حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، حدثنا ~~أبو حاتم الرازي، حدثنا # PageV02P317 # محمد بن يزيد، حدثنا معقل، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم يكفيه اسمه، وإن نسي أن يسمي حين ~~يذبح فليسم وليذكر اسم الله ثم ليأكل» ### | 339 - # وأخبرنا عمرو بن أبي عمرو، أخبرنا محمد بن مكي، أخبرنا محمد بن يوسف، ~~أخبرنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا محمد بن عبد الرحمن ~~الطفاوي، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن قوما قالوا: يا رسول ~~الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا، فقال ~~النبي صلى الله عليه وسلم: «سموا الله عليه وكلوا» # {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في ~~الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون {122} وكذلك ~~جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما ~~يشعرون {123} وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ~~الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد ~~بما كانوا يمكرون {124} فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد ~~أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس ~~على الذين لا يؤمنون {125} } قوله: {أومن كان ميتا فأحييناه} [الأنعام: ~~122] يعني: كافرا ضالا فهديناه ms0579 {وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} ~~[الأنعام: 122] يعني: دينا وهدى وإيمانا، قال قتادة: النور ههنا: كتاب الله ~~بينة من الله عز وجل مع المؤمن بها يعمل وبها يأخذ وإليها ينتهي. # {كمن مثله في الظلمات} [الأنعام: 122] أي: كمن هو في الظلمات، والمثل: ~~صلة، يعني: الكافر يكون في # PageV02P318 # ظلمات الكفر والضلالة، {ليس بخارج منها} [الأنعام: 122] ليس بمؤمن أبدا. # وقال زيد بن أسلم: نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبي جهل لعنه ~~الله. # وقال الحسن: الآية عامة في كل مؤمن وكافر. # وهو اختيار الزجاج: قال: الآية عامة في كل من هداه الله وكل من أضله، ~~فأعلم الله تعالى أن مثل المهتدي مثل الميت الذي أحيي وجعل مستضيئا في ~~الناس بنور الحكمة والإيمان، ومثل الكافر مثل من هو في الظلمات التي لا ~~يخلص منها. # وقوله: {كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون} [الأنعام: 122] قال ابن ~~عباس: يريد: زين لهم الشيطان عبادة الأصنام. # قوله: {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها} [الأنعام: 123] يعني: كما ~~أن فساق مكة أكابرها، كذلك جعلنا فساق كل قرية أكابرها. # قال ابن عباس: أكابر مجرمي مكة: المستهزئون، وأراد بالأكابر: الرؤساء ~~المترفين. # قال الزجاج: وإنما جعل الأكابر فساق كل قرية لأنهم بما أعطوا من الرياسة ~~والسعة أقرب إلى المكر والكفر بدليل قوله: {ولو بسط الله الرزق لعباده ~~لبغوا في الأرض} [الشورى: 27] . # وقوله: ليمكروا فيها: قال مجاهد: هو أنهم أجلسوا على كل طريق من طرق مكة ~~أربعة ليصرفوا الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويخبروهم أنه ~~شاعر كاهن، {وما يمكرون إلا بأنفسهم} [الأنعام: 123] لأن وبال مكرهم يعود ~~عليهم، كأنه قيل: وما يضرون بذلك المكر إلا أنفسهم. # قال ابن عباس: لأنهم يقتلون ويصيرون إلى أشد العذاب، وما يشعرون: أنهم ~~يمكرون بها. # قوله: {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن} [الأنعام: 124] لك، لن نصدقك {حتى ~~نؤتى مثل ما أوتي رسل الله} [الأنعام: 124] قال ابن عباس: حتى يوحى إلينا ~~ويأتينا جبريل فيخبرنا أن محمدا صادق، كما قالوا: {أو تأتي بالله والملائكة ~~قبيلا} [الإسراء ms0580: 92] . # PageV02P319 # وقال الضحاك: سأل كل واحد من القوم أن يخص بالرسالة والوحي، كما أخبر ~~الله تعالى عنهم في قوله: {بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة} ~~[المدثر: 52] . # وقوله: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام: 124] يعني: إنهم ليسوا لها ~~بأهل، وذلك أن الوليد بن المغيرة قال: والله لئن كانت النبوة حقا لكنت أولى ~~بها منك، لأني أكبر منك سنا وأكثر منك مالا. # فأنزل الله هذه الآية. # قال أهل المعاني: الأبلغ في تصديق الرسل أن لا يكونوا قبل مبعثهم مطاعين ~~في قومهم، لأن الطعن كان يتوجه إليهم فيقال: إنما كانوا أكابر ورؤساء ~~فاتبعوا. # فكان الله أعلم حيث يجعل الرسالة ليتيم أبي طالب دون أبي جهل والوليد بن ~~المغيرة وأكابر مكة. # وقوله: {سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله} [الأنعام: 124] قال الزجاج: ~~أي هم وإن كانوا أكابر في الدنيا فسيصيبهم عند الله صغار ومذلة. # والصغار: المذلة، يقال منه: صغر يصغر صغرا وصغارا فهو صاغر. # قوله: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} [الأنعام: 125] يقال: ~~شرح الله صدره فانشرح، أي: وسع صدره لقبول الخير فتوسع. # وقال ابن الأعرابي: الشرح: الفتح، والشرح: البيان، وقوله: {أفمن شرح الله ~~صدره للإسلام} [الزمر: 22] أي: فتحه ووسع له. # روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فقال: " إن النور إذا دخل ~~القلب انشرح وانفسح، فقيل له: وهل لذلك من علامة؟ قال: نعم، التجافي عن دار ~~الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الموت ". # وقوله: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} [الأنعام: 125] ، وقرأ ابن ~~كثير: ضيقا ساكنة الياء، وهو من باب: الميت والميت، في أن المخفف مثل ~~المشدد في المعنى. # PageV02P320 # والحرج: الشديد الضيق، وقد حرج صدره إذا ضاق. # وقرئ: حرجا بكسر الراء، فمن فتح الراء كان وصفا بالمقدر، والمعنى: ذا ~~حرج، كما قالوا: رجل دنف، أي: ذو دنف، ومن كسر فهو نعت مثل دنف وفرق. # والمعنى: أن قلبه غير مشروح للإيمان، قال ابن عباس: إذا سمع ذكر الله ~~اشمأز قلبه، وإذا ذكر شيئا ms0581 من عبادة الأوثان ارتاح إلى ذلك. # قوله: {كأنما يصعد في السماء} [الأنعام: 125] أي: يتصعد في السماء، ~~فأدغمت التاء في الصاد. # وقرأ أبو بكر: يصاعد، وهو مثل يتصعد في المعنى، وقرأ ابن كثير: يصعد من ~~الصعود. # والمعنى: أنه في نفوره عن الإسلام وثقله عليه بمنزلة من يكلف ما لا ~~يطيقه، كما أن صعود السماء لا يستطاع. # قال الزجاج: كأنه قد كلف أن يتصعد إلى السماء يجد من ثقل ذلك مثلما يجد ~~من الصعود إلى السماء إذا دعي إلى الإسلام من ضيق صدره عنه. # قال ابن عباس: يقول: فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء، فكذلك لا ~~يقدر على أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه حتى يدخله الله في قلبه. # قوله: كذلك أي: مثل ما قصصنا عليك {يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} ~~[الأنعام: 125] قال ابن عباس: هو الشيطان، أي: يسلطه عليهم. # وقال عطاء، وابن زيد: الرجس: العذاب. # وقال الزجاج: الرجس: اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة. # وانقطع كلام القدرية لعنهم الله عند هذه الآية، وخرست ألسنتهم، فإنها قد ~~صرحت بتعلق إرادة الله بالهداية والإضلال وتهيئة أسبابهما. # PageV02P321 # {وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون {126} لهم دار ~~السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون {127} } [الأنعام: 126-127] ~~قوله: {وهذا صراط ربك مستقيما} [الأنعام: 126] قال ابن عباس: يعني التوحيد. # وقال ابن مسعود: يعني القرآن. # وقال عطاء: يريد: هذا الذي أنت عليه يا محمد دين ربك مستقيما. # ومعنى استقامة صراط الله: أنه يؤدي سالكه إلى دار الخلود في النعيم. # وقوله: {قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون} [الأنعام: 126] قال عطاء: يريد ~~أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبلوا مواعظ الله تعالى وانتهوا عما نهاهم ~~الله عنه. # قوله: {لهم دار السلام} [الأنعام: 127] قال الحسن، والسدي: السلام: هو ~~الله عز وجل، وداره: الجنة. # ومعنى السلام في اسم الله تعالى: ذو السلام أي: السلامة من الآفات ~~والنقائص. # قال الزجاج: يجوز أن تكون الجنة سميت دار السلام لأنها دار السلامة ~~الدائمة التي لا تنقطع. # وقوله: عند ربهم أي: مضمونة ms0582 لهم عند ربهم حتى يدخلوها. # وقوله: وهو وليهم أي: يتولى إيصال المنافع ودفع المضار عنهم {بما كانوا ~~يعملون} [الأنعام: 127] في الدنيا من الطاعات. # {ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من ~~الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم ~~خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم {128} وكذلك نولي بعض ~~الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون {129} يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل ~~منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا ~~وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين {130} ذلك أن لم ~~يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون {131} ولكل درجات مما عملوا وما ربك ~~بغافل عما يعملون {132} } [الأنعام: 128-132] قوله: {ويوم يحشرهم جميعا} ~~[الأنعام: 128] يعني: الإنس والجن يجمعون في موقف القيامة فيقال لهم: {يا ~~معشر # PageV02P322 # الجن قد استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] أي: من إغواء الإنس وإضلالهم، ~~وقال أولياؤهم يعني: الذين أضلهم الجن {من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض} ~~[الأنعام: 128] ومعنى: استمتاع الجن بالإنس: طاعتهم لهم فيما يغرونهم به من ~~الضلالة والكفر والمعاصي. # واستمتاع الإنس بالجن: أن الجن زينت لهم الأمور التي يهوونها حتى يسهل ~~عليهم فعلها ويشهونها، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء، واختيار ~~الزجاج، والمراد بالجن في هذه الآية: الشياطين. # قوله: {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} [الأنعام: 128] يعني: أجل البعث ~~والنشور، {قال النار مثواكم} [الأنعام: 128] ، قال ابن عباس: يريد: فيها ~~مقامكم {خالدين فيها إلا ما شاء الله} [الأنعام: 128] قال ابن عباس: استثنى ~~الله تعالى قوما قد سبق في علمه أنهم يسلمون ويصدقون النبي صلى الله عليه ~~وسلم. # وما على هذا القول بمعنى من. # وقوله: {إن ربك حكيم عليم} [الأنعام: 128] حكم للذي استثنى بالتصديق، ~~وعلم ما في قلوبهم من البر والتقوى. # قوله: وكذلك أي: وكما خذلنا عصاة الجن والإنس حتى استمتع بعضهم ببعض ~~{نولي بعض الظالمين بعضا} [الأنعام: 129] نسلط بعضهم على بعض حتى كان منهم ~~ما كان {بما كانوا يكسبون} [الأنعام: 129] من ms0583 المعاصي. # قوله: {يا معشر الجن والإنس} [الأنعام: 130] المعشر: كل جماعة أمرهم ~~واحد، والجمع: المعاشر. # {ألم يأتكم رسل منكم} [الأنعام: 130] قال مجاهد: الرسل من الإنس، والنذر ~~من الجن، وهم قوم يسمعون كلام الرسل فيبلغون الجن ما سمعوا وينذرونهم، كما ~~قال الله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} [الأحقاف: 29] . # وقوله: {يقصون عليكم آياتي} [الأنعام: 130] يقرءون عليكم كتبي {وينذرونكم ~~لقاء يومكم هذا} [الأنعام: 130] يخبرونكم ويخوفونكم بيوم القيامة، {قالوا ~~شهدنا على أنفسنا} [الأنعام: 130] شهدنا أنهم قد بلغوا، يقول الله تعالى: ~~{وغرتهم الحياة الدنيا} [الأنعام: 130] حين لم # PageV02P323 # يؤمنوا ولم يصدقوا الرسل، {وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} ~~[الأنعام: 130] ، قال مقاتل: يعني: حين شهدت عليهم الجوارح بالشرك والكفر. # قوله: {ذلك أن لم يكن ربك} [الأنعام: 131] أي: ذلك الذي قصصنا عليك من ~~أمر الرسل وأمر عذاب من كذبهم، لأنه لم يكن ربك {مهلك القرى بظلم} ~~[الأنعام: 131] قال الكلبي: لم يكن ليهلكهم بذنوبهم من قبل أن تأتيهم ~~الرسل. # وقوله: بظلم يعني: بظلمهم الذي هو ذنوبهم ومعاصيهم. # وقوله: وأهلها غافلون يعني: أهل القرى غافلون لم ينذروا ولم تبلغهم ~~الرسل. # وقوله: {ولكل درجات مما عملوا} [الأنعام: 132] أي: ولكل عامل بطاعة الله ~~درجات جزاء من أجل ما عملوا، {وما ربك بغافل عما يعملون} [الأنعام: 132] ~~قال ابن عباس: يريد: عمل المشركين، وهذا وعيد لهم بالجزاء على أعمالهم. # {وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما ~~أنشأكم من ذرية قوم آخرين {133} إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين {134} } ~~[الأنعام: 133-134] وربك الغني: عن عبادة خلقه، ذو الرحمة قال ابن عباس: ~~بأوليائه وأهل طاعته. # وقال الكلبي: ذو الرحمة وذو التجاوز. # {إن يشأ يذهبكم} [الأنعام: 133] وعيد لأهل مكة بالإهلاك، {ويستخلف من ~~بعدكم ما يشاء} [الأنعام: 133] وينشئ من بعدكم خلقا آخر كما أنشأكم: خلقكم ~~ابتداء {من ذرية قوم آخرين} [الأنعام: 133] يعني: آباءهم الماضين. # {إن ما توعدون} [الأنعام: 134] من مجيء الساعة والحشر والنشر {لآت وما ~~أنتم بمعجزين} [الأنعام: 134] بفائتين، يقال: أعجزني فلان. # أي: فاتني فلم أقدر عليه. # {قل يا قوم اعملوا على ms0584 مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة ~~الدار إنه لا يفلح الظالمون} [الأنعام: 135] وقوله: {قل يا قوم اعملوا على ~~مكانتكم} [الأنعام: 135] قال الزجاج: اعملوا على ما أنتم عليه، يقال للرجل ~~إذا # PageV02P324 # أمرته أن يثبت على حاله: على مكانتك يا فلان. # أي: اثبت على ما أنت عليه. # ومعنى هذا الأمر: هو المبالغة في الوعيد. # وقرئ مكاناتكم والوجه: الإفراد، لأنه مصدر، والمصادر في أكثر الأمر ~~مفردة، وقد يجمع في بعض الأحوال. # ومعنى الآية: اعملوا ما أنتم عليه عاملون، إني عامل ما أمرني ربي، {فسوف ~~تعلمون من تكون له عاقبة الدار} [الأنعام: 135] قال ابن عباس: يعني: الجنة ~~ألكم أم لنا؟ وقرئ يكون بالياء، العاقبة: غير حقيقي، فهو كقوله: {فمن جاءه ~~موعظة} [البقرة: 275] . # وقوله: {إنه لا يفلح الظالمون} [الأنعام: 135] قال ابن عباس: يريد: لا ~~يسعد من كفر نعمتي وأشرك بي. # {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا ~~لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى ~~شركائهم ساء ما يحكمون {136} وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم ~~شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما ~~يفترون {137} وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم ~~وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم ~~بما كانوا يفترون {138} وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم ~~على # PageV02P325 # أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم {139} ~~قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على ~~الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين {140} } [الأنعام: 136-140] قوله: {وجعلوا ~~لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا} [الأنعام: 136] ، قال ابن عباس ~~وجماعة من المفسرين: كان المشركون يجعلون لله تعالى من حروثهم وثمارهم ~~وأنعامهم نصيبا وللأوثان نصيبا، فما كان للأوثان أنفق عليها، وما كان لله ~~أطعم الضيفان والمساكين ولا يأكلوا من ذلك كله شيئا، فما سقط مما جعلوه لله ~~في نصيب ms0585 الأوثان تركوه، وقالوا: إن الله غني عن هذا. # وإن سقط مما جعلوه للأوثان في نصيب الله التقطوه وردوه إلى نصيب الصنم، ~~وقالوا: إنه فقير. # فذلك قوله: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام} [الأنعام: 136] . # قال ابن عباس: مما خلق من الثمر والقمح والضأن والمعز والإبل والبقر. # {نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم} [الأنعام: 136] بكذبهم واعتقادهم الفاسد ~~وهذا لشركائنا يعني: ما جعلوه لآلهتهم من أموالهم، والآلهة كانوا شركاءهم ~~في أموالهم حيث جعلوا لها نصيبا. # قوله: {فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى ~~شركائهم} [الأنعام: 136] قال الحسن، والسدي: هو أنه إذا هلك الذي لأوثانهم ~~أخذوا بدله مما لله، ولا يفعلون مثل ذلك فيما لله. # وقال قتادة: كانوا إذا أصابتهم السنة استعانوا بما جزءوا لله، ووفروا ما ~~جزءوا لشركائهم، فذلك قوله: {فما كان لشركائهم} [الأنعام: 136] يعني: من ~~تمام الحرث والأنعام {فلا يصل إلى الله} [الأنعام: 136] يعني: إلى ~~المساكين، وإنما قال: إلى الله لأنهم كانوا يفرزونه لله ويسمونه نصيبا لله، ~~وما كان لله من التمام فهو يصل إلى آلهتهم. # ثم ذم فعلهم فقال: {ساء ما يحكمون} [الأنعام: 136] بئس الحكم حكمهم حيث ~~صرفوا ما جعلوا لله على جهة التبرر إلى الأوثان. # PageV02P326 # قوله: وكذلك أي: ومثل ذلك الفعل القبيح {زين لكثير من المشركين قتل ~~أولادهم شركاؤهم} [الأنعام: 137] قال مجاهد: شركاؤهم شياطينهم أمروهم بأن ~~يئدوا أولادهم خشية العيلة. # وسميت الشياطين شركاء لأنهم أطاعوهم في معصية الله تعالى، وأضيفت الشركاء ~~إليهم لأنهم اتخذوها، كقوله تعالى: {أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون} ~~[الأنعام: 22] . # وقرأ ابن عامر: زين بضم الزاي، قتل رفعا، أولادهم بالنصب شركائهم بالجر ~~على تقدير: زين لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم، ولكنه فصل بين ~~المضاف والمضاف إليه بالمفعول به وهو الأولاد، والمفعول به: مفعول المصدر. # قال أبو علي الفارسي: وهو قبيح قليل الاستعمال، ولكنه قد جاء في الشعر، ~~كما أنشده أبو الحسن الأخفشي: # فزججتها متمكنا ... زج القلوص أبي مزاده # وأضيف القتل في هذه القراءة إلى الشركاء وإن لم يتولوا ذلك، لأنهم هم ms0586 ~~الذين زينوا ودعوا إليه فكأنهم فعلوا ذلك. # وقوله: ليردوهم قال ابن عباس: يريد في النار. # والإرداء: الإهلاك، ومنه قوله: {إن كدت لتردين} [الصافات: 56] . # PageV02P327 # وقوله: {وليلبسوا عليهم دينهم} [الأنعام: 137] قال ابن عباس: يدخلوا ~~عليهم الشك في دينهم، وكانوا على دين إسماعيل فرجعوا عنه بلبس الشياطين، ~~وتزيينها لهم القبائح. # ثم أخذ أن جميع ما فعلوا كان بمشيئته فقال: {ولو شاء الله ما فعلوه} ~~[الأنعام: 137] ، ثم أوعدهم: {فذرهم وما يفترون} [الأنعام: 137] يتقولون ~~على الله الكذب. # قوله: {وقالوا هذه أنعام وحرث حجر} [الأنعام: 138] الحجر في اللغة: ~~الحرام، والمعنى: أنهم حرموا أنعاما وحرثا، وجعلوه لأصنامهم فقالوا: {لا ~~يطعمها إلا من نشاء بزعمهم} [الأنعام: 138] أعلم الله تعالى أن هذا التحريم ~~زعم منهم، لا حجة لهم فيه ولا برهان. # {وأنعام حرمت ظهورها} [الأنعام: 138] نحو البحيرة والسائبة والحامي ~~{وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها} [الأنعام: 138] يذبحونها لآلهتهم ولا ~~يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه: للافتراء على الله، وهو أنهم زعموا أن ~~الله تعالى أمرهم بذلك. # {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا} [الأنعام: 139] يعني: ~~أجنة البحائر والسوائب: ما ولد منها حيا فهو خالص للرجال دون النساء، وما ~~ولد ميتا أكله الرجال والنساء، وهو قوله: {خالصة لذكورنا ومحرم على ~~أزواجنا} [الأنعام: 139] يعني: النساء. # وإنما قيل: خالصة لأن ما في قوله: {ما في بطون هذه الأنعام} [الأنعام: ~~139] عبارة عن الأجنة، فجاء تأنيث خالصة لتأنيث معنى ما، وجاء تذكير محرم ~~على لفظ ما. # وقوله: {وإن يكن ميتة} [الأنعام: 139] قرأ ابن كثير بالياء، ميتة بالرفع ~~لأن المراد بالميتة: الميت. # والميتة: تقع على المذكر والمؤنث كالدابة والشاة. # وابن عامر يلحق الفعل علامة التأنيث لأن الميتة في اللفظ مؤنثة. # وقرأ عاصم تكن بالتاء، ميتة بالنصب على معنى: وإن تكن الأجنة ميتة. # ومن قرأ بالياء، ميتة بالنصب كان التقدير: وإن يكن ما في بطون الأنعام ~~ميتة، ولفظ ما مذكر. # وقوله: {فهم فيه شركاء} [الأنعام: 139] يعني: الرجال والنساء سيجزيهم ~~وصفهم: سيجزيهم الله تعالى جزاء وصفهم الذي # PageV02P328 # هو كذب، وهو أنهم أحلوا ما حرم الله، وحرموا ms0587 ما أحل الله، ونسبوا ذلك إلى ~~الله، والله أحكم وأعلم من أن يفعل ذلك، وهو قوله: {إنه حكيم عليم} ~~[الأنعام: 139] . # قوله: {قد خسر الذين قتلوا أولادهم} [الأنعام: 140] يعني: الذين كانوا ~~يدفنون بناتهم أحياء. # قال قتادة: هذا صنيع أهل الجاهلية كان أحدهم يقتل بنته مخافة السبي عليها ~~والفاقة، ويغذو كلبه. # {سفها بغير علم} [الأنعام: 140] أي: كانوا يفعلون ذلك للسفه والجهل من ~~غير أن أتاهم في ذلك علم {وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله} [الأنعام: ~~140] يعني: حرموا على أنفسهم من الأنعام والحرث، وقالوا: إن الله أمرنا به. # {وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله ~~والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم ~~حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين {141} ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا ~~مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين {142} ثمانية ~~أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قلءالذكرين حرم أم الأنثيين أما ~~اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين {143} ومن الإبل ~~اثنين ومن البقر اثنين قلءالذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام ~~الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله ~~كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين {144} } ~~[الأنعام: 141-144] وقوله: {وهو الذي أنشأ} [الأنعام: 141] أي: أظهر وأبدع ~~جنات معروشات يعني: ما يعرش له من الكروم، وغير معروشات: ما قام على ساق ~~كالشجر والزرع، {والنخل والزرع مختلفا أكله} [الأنعام: 141] يعني: ثمر ~~النخل وحب الزرع لكل واحد منهما طعم غير طعم الآخر، فمن ثمر النخل: الحامض ~~والمر والحلو والجيد والرديء، وكل حب من الحبوب له طعم آخر، {والزيتون ~~والرمان متشابها وغير متشابه} [الأنعام: 141] تقدم تفسيره. # {كلوا من ثمره إذا أثمر} [الأنعام: 141] أمر إباحة، {وآتوا حقه يوم ~~حصاده} [الأنعام: 141] ، وحصاده وهما لغتان كالجزاز والجزاز، والقطاف ~~والقطاف. # PageV02P329 # قال ابن عباس، والحسن، وسعيد بن المسيب: يعني: العشر ونصف العشر، وهذا في ~~النخيل لأن ثمارها إذا حصدت وجب إخراج ما ms0588 يجب منها من الصدقة. # والزرع محمول عليه في وجوب الإخراج، إلا أنه لا يمكن ذلك عند الحصاد ~~فيؤخر ذلك إلى زمان التنقية. # وقوله: ولا تسرفوا: قال ابن عباس في رواية الكلبي: عن ثابت بن قيس ~~الأنصاري: فصرم خمس مائة نخلة وقسمها في يوم واحد ولم يترك لأهله شيئا، ~~فكره الله ذلك له وأنزل: {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأنعام: 141] ~~، أسرف حين لم يترك لأهله شيئا. # قال الزجاج: والتأويل على هذا أن الإنسان إذا أعطى كل ماله، ولم يوصل إلى ~~عياله شيئا فقد أسرف، لأنه قد جاء في الخبر: ابدأ بمن تعول فهذا مجاوزة حد ~~الإعطاء. # قال سعيد بن المسيب: معناه لا تمنعوا الصدقة، وتأويل هذا: لا تتجاوزوا ~~الحد في البخل والإمساك حتى تمنعوا الواجب من الصدقة. # قوله: {ومن الأنعام حمولة وفرشا} [الأنعام: 142] أي: وأنشأ من الأنعام ~~حمولة: وهي ما أطاق العمل من الإبل، وفرشا: وهو الصغار من الإبل التي لا ~~تحمل. # {كلوا مما رزقكم الله} [الأنعام: 142] قال الزجاج: لا تحرموا ما حرمتم ~~مما جرى ذكره، {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} [الأنعام: 142] لا تسلكوا طريقه، ~~{إنه لكم عدو مبين} [الأنعام: 142] ظاهر العداوة أخرج أباكم من الجنة، وقال ~~لأحتنكن ذريته. # PageV02P330 # قوله: ثمانية أزواج وهي الضأن والمعز والإبل والبقر، وجعلها ثمانية وهي ~~أربعة، لأنه أراد ذكرا وأنثى من كل صنف، فالذكر زوج والأنثى زوج، قال الله ~~تعالى: {وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى} [النجم: 45] . # وهو قوله: {من الضأن اثنين} [الأنعام: 143] يعني: الذكر والأنثى. # والضأن: ذوات الصوف من الغنم. # {ومن المعز اثنين} [الأنعام: 143] ، وقرئ بفتح العين، وهما لغتان، ~~والمعز: ذوات الشعر من الغنم. # وقوله: {قلءالذكرين حرم أم الأنثيين} [الأنعام: 143] كان المشركون يحرمون ~~أجناسا من النعم بعضها على الرجال والنساء، وبعضها على النساء دون الرجال، ~~فاحتج الله عليهم بهذه الآية والتي بعدها فقال: قل آلذكرين: من الضأن ~~والمعز حرم الله عليكم أم الأنثيين فإن حرم الذكرين منهما فكل ذكورهما ~~حرام، وإن حرم الأنثيين منهما فكل الإناث حرام. # وقوله: {أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين} [الأنعام: 143] يقول: وإن ms0589 كان ~~قد حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين من الضأن والمعز فقد حرم الأولاد، ~~وكلها أولاد، فكلها حرام. # وقوله: نبئوني بعلم: قال الزجاج: أي: فسروا ما حرمتم بعلم {إن كنتم ~~صادقين} [الأنعام: 143] أن الله حرم ذلك. # وقوله: {ومن الإبل اثنين} [الأنعام: 144] مفسر إلى قوله {أم كنتم شهداء ~~إذ وصاكم الله بهذا} [الأنعام: 144] أي: هل شاهدتم الله حرم هذا إذ كنتم لا ~~تؤمنون برسول. # ثم بين أنهم فعلوا ذلك كذبا على الله فقال: {فمن أظلم ممن افترى على الله ~~كذبا ليضل الناس بغير علم} [الأنعام: 144] قال ابن عباس: يريد: عمرو بن لحي ~~ومن جاء بعده. # {إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [الأنعام: 144] قال: يريد: المشركين. # ثم أعلم أن التحريم والتحليل إنما يثبت بالوحي والتنزيل، فقال: {قل لا ~~أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا ~~أو لحم # PageV02P331 # خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ~~ربك غفور رحيم {145} وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم ~~حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك ~~جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون {146} فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا ~~يرد بأسه عن القوم المجرمين {147} } [الأنعام: 145-147] {قل لا أجد في ما ~~أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه} [الأنعام: 145] على آكل يأكله {إلا أن يكون ~~ميتة} [الأنعام: 145] أي: إلا أن يكون المأكول ميتة، ومن قرأ تكون بالتاء، ~~كان التقدير عنده اسما مؤنثا، كأنه قيل: إلا أن تكون العين أو النفس أو ~~الجثة ميتة. # وقرأ ابن عامر إلا أن تكون بالتاء، ميتة بالرفع، على معنى: إلا أن تقع أو ~~تحدث ميتة. # وقوله: {أو دما مسفوحا} [الأنعام: 145] يقال: سفح الدم، والدم سفحا. # إذا صبه، وسفح هو سفحا. # إذا سال. # قال ابن عباس: يريد: ما خرج من الأنعام وهي أحياء، وما يخرج من الأوداج ~~عند الذبح، ولا يدخل في هذا الكبد والطحال لجمودهما، ولا ما ms0590 يختلط باللحم ~~من الدم فإنه غير سائل. ### | 340 - # أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، حدثنا محمد بن يعقوب المعقلي، أخبرنا ~~الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ~~ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحلت ميتتان ودمان: ~~الميتتان: الحوت والجراد. # والدمان: الكبد والطحال " # وقوله: {أو فسقا أهل لغير الله به} [الأنعام: 145] قال ابن عباس: يريد: ~~ما ذبح على النصب. # والمحرمات من المطعومات أكثر من هذا، ولكن الذي حرم بوحي القرآن هو ما ~~ذكره في هذه الآية، والباقي حرم بالسنة. # قوله: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} [الأنعام: 146] قال ابن عباس: ~~هو البعير والنعامة، {ومن البقر والغنم # PageV02P332 # حرمنا عليهم شحومهما} [الأنعام: 146] يعني: شحوم الجوف، وهي الثروب وشحم ~~الكليتين. # قوله: {إلا ما حملت ظهورهما} [الأنعام: 146] قال قتادة: ما علق بالظهر ~~والجنب من داخل بطونهما. # أو الحوايا وهي المباعر، واحدتها: حاوية وحوية وحاوياء. # يعني: وما حملت من الشحم. # {أو ما اختلط بعظم} [الأنعام: 146] يعني: شحم الإلية في قول جميعهم. # وقال ابن جريج: كل شحم في القوائم والجنب والرأس والأذنين والعينين فهو ~~مما اختلط بعظم، وهو حلال لهم، إنما حرم عليهم الثرب وشحم الكلية. # وقوله: {ذلك جزيناهم ببغيهم} [الأنعام: 146] أي: ذلك التحريم عقوبة لهم ~~بقتلهم الأنبياء وأخذهم الربا واستحلالهم أموال الناس بالباطل، فهذا بغيهم، ~~وهذا كقوله: {فبظلم من الذين هادوا} [النساء: 160] الآية. # وقوله: وإنا لصادقون أي: في الإخبار عن التحريم وعن بغيهم وفي كل شيء. # فإن كذبوك: فيما تقول {فقل ربكم ذو رحمة واسعة} [الأنعام: 147] لذلك لا ~~يعجل عليكم بالعقوبة، {ولا يرد بأسه} [الأنعام: 147] عذابه إذا جاء الوقت ~~{عن القوم المجرمين} [الأنعام: 147] يعني: المكذبين. # {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء ~~كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ~~إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون {148} قل فلله الحجة البالغة فلو ~~شاء لهداكم أجمعين {149} قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله ms0591 حرم هذا فإن ~~شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون ~~بالآخرة وهم بربهم يعدلون {150} قل تعالوا أتل ما حرم ربكم # PageV02P333 # عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ~~نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا ~~النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون {151} ولا ~~تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان ~~بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد ~~الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون {152} وأن هذا صراطي مستقيما ~~فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ~~{153} } [الأنعام: 148-153] {سيقول الذين أشركوا} [الأنعام: 148] إذا ~~لزمتهم الحجة وتيقنوا باطل ما هم عليه من الشرك بالله وتحريم ما لم يحرمه ~~الله: {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء} [الأنعام: 148] ~~قال المفسرون: إن المشركين جعلوا قولهم: {لو شاء الله ما أشركنا} [الأنعام: ~~148] حجة على إقامتهم على الشرك، فقالوا: إن الله تعالى رضي منا ما نحن ~~عليه وأراده منا وأمرنا به، ولو لم يرض ذلك منا لحال بيننا وبينه. # ولا يكون هذا حجة لهم على أن ما هم عليه من الدين حق، لأن الأشياء كلها ~~تجري بمشيئة الله تعالى، فلو كانوا على صواب لأن ذلك بمشيئة الله لكان من ~~خالفهم وجب أن يكون عندهم أيضا على صواب، لأنهم أيضا على ما شاء، فينبغي ~~ألا يقولوا: إنهم ضالون، فبان أنه لا حجة لهم في قولهم: {لو شاء الله ما ~~أشركنا} [الأنعام: 148] ولو كان الأمر على ما قالوه، لأنهم تركوا أمر الله ~~تعالى وتعلقوا بمشيئة الله. # وأمر الله بمعزل عن إرادته، لأنه يريد لجميع الكائنات غير آمر بجميع ما ~~يريد، فعلى العبد أن يتبع الأمر، وليس له أن يتعلق بالإرادة بعد ورود ~~الأمر. # قوله: {كذلك كذب الذين من قبلهم} [الأنعام: 148] كما كذب هؤلاء كذب كفار ~~الأمم ms0592 الخالية أنبياءهم {حتى ذاقوا بأسنا} [الأنعام: 148] شدة عذابنا، {قل ~~هل عندكم من علم فتخرجوه لنا} [الأنعام: 148] قال ابن عباس: من كتاب نزل من ~~عند الله في تحريم ما حرمتم. # إن تتبعون: ما تتبعون فيما أنتم عليه إلا الظن، لا العلم واليقين، {وإن ~~أنتم إلا تخرصون} [الأنعام: 148] وما أنتم إلا خارصين كاذبين. # قوله: {قل فلله الحجة البالغة} [الأنعام: 149] قال الزجاج: حجته البالغة: ~~تبيينه أنه الواحد وإرساله الأنبياء بالحجج التي يعجز عنها المخلوقون. # وهذا معنى قول المفسرين: ولله الحجة البالغة بالكتاب والرسول والبيان. # PageV02P334 # {فلو شاء لهداكم أجمعين} [الأنعام: 149] وهذا يدل على أنه ما شاء إيمان ~~الكافر ولو شاء لهداه. # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر، أخبرنا ~~أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا إبراهيم بن الحجاج، حدثنا جويرية بن ~~أسماء، قال: سمعت علي بن زيد تلا هذه الآية: {قل فلله الحجة البالغة فلو ~~شاء لهداكم أجمعين} [الأنعام: 149] ، فنادى بأعلى صوته: انقطع والله ههنا ~~كلام القدرية. # قوله: {قل هلم شهداءكم} [الأنعام: 150] الآية، هلم: كلمة دعوة إلى شيء، ~~تقول: هلم يا رجل، وكذلك للاثنين والجمع والمؤنث موحد، وهذه الكلمة تستعمل ~~تارة بمعنى دعاء المخاطب كقولك: هلم إلي. # أي: ادن مني وتعال، وتارة تستعمل بمعنى التعدية كقولك: هلم الطعام. # وورد القرآن بالمعنيين، قال الله تعالى: {والقائلين لإخوانهم هلم إلينا} ~~[الأحزاب: 18] ، وقال في هذه الآية: {قل هلم شهداءكم} [الأنعام: 150] . # قال الزجاج: هاتوا وقربوا شهداءكم {الذين يشهدون أن الله حرم هذا} ~~[الأنعام: 150] يعني: ما ذكر من الحرث والأنعام مما حرمه المشركون، يقول: ~~ائتوا بمن يشهد لكم أن هذا التحريم جاءكم من الله. # فإن شهدوا هم وقالوا: نشهد بذلك، {فلا تشهد معهم} [الأنعام: 150] لا ~~توافقهم على دينهم ومقالتهم، {ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا} ~~[الأنعام: 150] يعني: هؤلاء # PageV02P335 # المحرمين ما أحل الله، {والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون} ~~[الأنعام: 150] يشركون الأصنام. # قوله: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} [الأنعام: 151] الآية: يجوز أن ~~يكون عليكم من صلة أتل كأنه قال: أتل عليكم ما ms0593 حرم ربكم، ويجوز أن تكون من ~~صلة التحريم. # قال ابن الأنباري: ويجوز أن يكون عليكم إغراء وانقطع عند قوله: {ما حرم ~~ربكم} [الأنعام: 151] ثم قال: عليكم ألا تشركوا به شيئا، كما قال عليكم ~~أنفسكم. # وقوله: {ألا تشركوا به شيئا} [الأنعام: 151] قال الزجاج: يجوز أن يكون ~~هذا محمولا على المعنى، فيكون: أتل عليكم ألا تشركوا، والمعنى: أتل عليكم ~~تحريم الشرك. # قال: وجائز أن يكون على معنى: أوصيكم ألا تشركوا به شيئا، لأن قوله: ~~وبالوالدين إحسانا محمول على معنى: أوصيكم بالوالدين إحسانا. # قوله: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق} [الأنعام: 151] يقال: أملق الرجل ~~فهو مملق. # إذا افتقر، قال ابن عباس: يريد: مخافة الفقر، وقد صرح بهذا في قوله: {ولا ~~تقتلوا أولادكم خشية إملاق} [الإسراء: 31] . # وهذا في النهي عن الوأد: كانوا يدفنون البنات أحياء خوف الفقر، فضمن الله ~~لهم الرزق فقال: {نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما ~~بطن} [الأنعام: 151] قال ابن عباس: كانوا يكرهون أن يزنوا علانية فيفعلون ~~ذلك سرا، فنهاهم الله عن الزنا سرا وعلانية. # قوله: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} [الأنعام: 151] قال ~~ابن عباس: إلا بالقود، يعني: القصاص. ### | 341 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الصوفي، أخبرنا علي بن أحمد بن محمد بن ~~كمارويه القاضي، حدثنا # PageV02P336 # محمد بن الحسين الزعفراني، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام، حدثنا أبي، ~~حدثنا يحيى بن سابق، عن خيثمة بن خليفة، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن ~~أبي جعفر الباقر، عن جابر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ~~" كان فيما أعطى الله تعالى موسى في الألواح: ولا تقتل النفس التي حرمت إلا ~~بالحق فتضيق عليك الأرض برحبها، والسماء بأقطارها، وتبوء بسخطي في النار " # وقوله: ذلكم يعني: ما ذكر في هذه الآية وصاكم: أمركم {به لعلكم تعقلون} ~~[الأنعام: 151] لكي تعرفوا ذلك. # قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الأنعام: 152] قال ~~عطاء عن ابن عباس: يريد: إن كنت وصيا فأصلحت ماله، وقمت لله في ضيعته أكلت ~~بالمعروف إن ms0594 احتجت إليه، وإن كنت غنيا عنه فعف عن أكله. # وقال الزجاج: التي هي أحسن: هو حفظ ماله عليه، وتثميره بما يوجد السبيل ~~إليه. # وقوله: {حتى يبلغ أشده} [الأنعام: 152] الأشد: مبلغ الرجل الحنكة ~~والمعرفة. # قال الفراء: واحدها شد في القياس ولم أسمع لها بواحد. # وفسر بلوغ الأشد في هذه الآية بالاحتلام، وقال أبو إسحاق: بلوغ أشده: أن # PageV02P337 # يؤنس منه الرشد مع أن يكون بالغا، فحينئذ يجب دفع المال إليه. # {وأوفوا الكيل} [الأنعام: 152] أتموه ولا تنقصوا منه شيئا، والميزان أي: ~~وزن الميزان بالقسط: بالعدل، لا بخس ولا شطط، {لا نكلف نفسا إلا وسعها} ~~[الأنعام: 152] إلا ما يسعها ولا تضيق عنه، وذلك أنه لو كلف المعطي الزيادة ~~لضاقت نفسه عنها، وكذلك لو كلف الآخذ الرضا بالنقصان. # {وإذا قلتم فاعدلوا} [الأنعام: 152] قال ابن عباس: إذا شهدتم أو تكلمتم ~~فقولوا الحق، {ولو كان ذا قربى} [الأنعام: 152] أي: ولو كان المشهود له ~~وعليه ولدك وقرابتك، {وبعهد الله أوفوا} [الأنعام: 152] أي: وبما عاهدتم ~~الله عليه فأوفوا به {ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} [الأنعام: 152] لتتذكروه ~~وتأخذوا به. # قوله: {وأن هذا صراطي مستقيما} [الأنعام: 153] قال الفراء: تفتح أن ~~بمعنى: وأتل عليكم أن هذا صراطي مستقيما. # وإن شئت قلت: ذلكم وصاكم به وبأن هذا. # وسيبويه يقول: التقدير: ولأن هذا صراطي مستقيم فاتبعوه، كقوله: {وأن هذه ~~أمتكم أمة واحدة} [المؤمنون: 52] ، قال سيبويه: ولأن هذه أمتكم. # وقرأ ابن عامر: وأن مفتوحة مخففة من المشددة، والتقدير: وأنه هذا، ثم حذف ~~الضمير وخففت، ومن كسر إن استأنف بها. # قال ابن عباس: يريد: ديني دين الحنيفية أقوم الأديان وأحسنها. # وقال مقاتل: الذي ذكر في هذه الآيات من أمره ونهيه صراطي مستقيما. # {فاتبعوه ولا تتبعوا السبل} [الأنعام: 153] قال ابن عباس: اليهودية ~~والنصرانية والمجوسية وعبادة الأصنام. # وقال مجاهد: يعني: البدع والشبهات. # وقال مقاتل: يعني: طريق الضلالة فيما حرموا على # PageV02P338 # أنفسهم من الأنعام والحرث. # {فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153] فتضل وتميل وتخالف بكم عن دينه، قال ~~المفسرون: هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شيء، من عمل بهن دخل الجنة ms0595، ومن ~~تركهن دخل النار. # {ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة ~~لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون {154} وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا ~~لعلكم ترحمون {155} أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن ~~كنا عن دراستهم لغافلين {156} أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا ~~أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله ~~وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون {157} ~~هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم ~~يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ~~إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون {158} } [الأنعام: 154-158] وقوله: ~~{ثم آتينا موسى الكتاب} [الأنعام: 154] ثم أوجب تأخير الخبر بعد الخبر ~~الأول، يريد: ثم أخبركم بعد ما أخبرتكم بنزول التوراة على موسى. # فدخلت ثم لتأخير الخبر، لا لتأخير النزول. # ذكر ذلك الزجاج، وابن الأنباري. # قوله: {تماما على الذي أحسن} [الأنعام: 154] أي: على الذي أحسنه موسى من ~~العلم وكتب الله القديمة، فيكون أحسن بمعنى: علم، وأراد بقوله: تماما: على ~~ذلك: زيادة على ذلك. # قال الزجاج: وتماما منصوب مفعول له، وكذلك وتفصيلا. # والمعنى: آتينا للتمام والتفصيل {لكل شيء وهدى ورحمة} [الأنعام: 154] . # وقوله: {لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون} [الأنعام: 154] قال ابن عباس: كي ~~يؤمنوا بالبعث ويصدقوا بالثواب والعقاب. # {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} [الأنعام: 92] يعني: القرآن، {فاتبعوه واتقوا} ~~[الأنعام: 155] : اتبعوا حلاله، واتقوا حرامه، لعلكم ترحمون: لتكونوا راجين ~~للرحمة. # أن تقولوا: قال الفراء: أن متعلقة ب اتقوا، والتأويل: اتقوا أن تقولوا. # وعند البصريين معناه: # PageV02P339 # أنزلناه كراهة أن تقولوا، ثم حذف المضاف، {إنما أنزل الكتاب} [الأنعام: ~~156] يعني: التوراة والإنجيل {على طائفتين من قبلنا} [الأنعام: 156] يعني: ~~اليهود والنصارى، {وإن كنا عن دراستهم لغافلين} [الأنعام: 156] وما كنا عن ~~تلاوة كتبهم إلا غافلين. # قال المفسرون: الخطاب لأهل مكة. # والمراد: إثبات الحجة عليهم بإنزال القرآن كيلا يقولوا يوم القيامة: إن ~~التوراة والإنجيل أنزلا على ms0596 طائفتين من قبلنا وكنا غافلين عما فيهما. # فقطع الله معاذيرهم بإنزال القرآن. # قال الكسائي: {وإن كنا عن دراستهم لغافلين} [الأنعام: 156] لا نعلم ما ~~هي، لأن كتابهم لم يكن بلغتنا. # فأنزل الله كتابا بلغتهم كيلا يعتذروا بأن الكتاب لم يأتهم، وأن الرسول ~~لم يبعث إليهم، وهذا معنى قوله: أو تقولوا، يا معشر العرب: {لو أنا أنزل ~~علينا الكتاب لكنا أهدى منهم} [الأنعام: 157] من اليهود والنصارى {فقد ~~جاءكم بينة من ربكم} [الأنعام: 157] رسول من ربكم بلسان عربي مبين حين لم ~~تعرفوا دراسة الطائفتين، وهدى ورحمة يعني: القرآن، {فمن أظلم ممن كذب بآيات ~~الله} [الأنعام: 157] بعد هذا البيان، وصدف: أعرض عنها، ثم أوعدهم فقال ~~{سنجزي الذين يصدفون} [الأنعام: 157] الآية. # قوله: هل ينظرون: معنى ينظرون: ينتظرون، وهل استفهام معناه النفي، أي: لا ~~ينتظرون {إلا أن تأتيهم الملائكة} [الأنعام: 158] عند الموت لقبض أرواحهم، ~~وهذا خبر بمعنى النهي، أي: يجب أن لا ينتظروا بعد تكذيبك إلا أن تأتيهم ~~الملائكة عند الموت فيقعوا في العذاب. # {أو يأتي ربك} [الأنعام: 158] قال ابن عباس: يتنزل أمر ربك فيهم بالقتل. # وقال الزجاج: المعنى: أو يأتي إهلاك ربك إياهم بعذاب عاجل أو بالقيامة. # {أو يأتي بعض آيات ربك} [الأنعام: 158] قال عامة المفسرين: يعني: طلوع ~~الشمس من مغربها، وهذا إنما ينتظره من تأخر في الوجود من مكذبي هذه الأمة. # {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل} ~~[الأنعام: 158] أي: لا ينفعها الإيمان عند الآية التي تضطرهم إلى الإيمان، ~~لأن الله تعالى لو بعث على كل من لم يؤمن عذابا لاضطر الناس إلى الإيمان ~~وسقط التكليف والجزاء. # PageV02P340 ### | 342 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا حاجب بن أحمد، حدثنا أبو صالح، ~~حدثني الليث، حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، قال: قال أبو ~~هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس ~~من المغرب، فإذا طلعت من المغرب آمن الناس كلهم، وذلك حين {لا ينفع نفسا ~~إيمانها لم تكن آمنت من قبل ms0597 أو كسبت في إيمانها خيرا} [الأنعام: 158] # وقوله: قل انتظروا قال ابن عباس: انتظروا يا أهل مكة، إنا منتظرون: بكم ~~العذاب يوم القيامة أو قبلها في الدنيا. # {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ~~ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون {159} من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء ~~بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون {160} } [الأنعام: 159-160] ~~قوله: {إن الذين فرقوا دينهم} [الأنعام: 159] قال مجاهد، وقتادة، ومقاتل، ~~والسدي، والكلبي: هم اليهود والنصارى، وذلك أنهم اختلفوا فصاروا فرقا يكفر ~~بعضهم بعضا، وآمنوا ببعض ما في أيديهم وكفروا ببعض، وذلك قوله: وكانوا شيعا ~~أي: فرقا وأحزابا في الضلالة. # وقرأ حمزة: فارقوا دينهم أي: باينوه وخرجوا عنه، وهذا يأول إلى معنى: ~~فرقوا ألا ترى أنهم لما آمنوا ببعض وكفروا ببعض فارقوه كله، فخرجوا عنه ولم ~~يتبعوه. # وروي عن عمر بن الخطاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: " ~~يا عائشة، {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا} [الأنعام: 159] هم أصحاب ~~البدع وأهل الأهواء وأصحاب الضلالة من هذه الأمة ". # PageV02P341 ### | 343 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا عبدان، حدثنا ~~ابن مصفى، حدثنا بقية، عن شعبة، عن مجالد، عن الشعبي، عن شريح، عن عمر، أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: " {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا ~~شيعا} [الأنعام: 159] هم أصحاب الأهواء وأصحاب الضلالة " # قوله: {لست منهم في شيء} [الأنعام: 159] قال المفسرون: يقول: لست من ~~قتالهم في شيء ثم نسخته آية القتال. # هذا إذا كان المراد بالآية اليهود والنصارى على ما روي مرفوعا، معنى ~~قوله: {لست منهم في شيء} [الأنعام: 159] أي: أنت منهم برئ وهم منك براء، ~~أي: لم تتلبس بشيء من مذاهبهم، والعرب تقول: إن فعلت كذا فلست مني ولست ~~منك، أي: كل واحد منا برئ من صاحبه. # قوله: {إنما أمرهم إلى الله} [الأنعام: 159] يعني: في الجزاء والمكافأة، ~~{ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} [الأنعام: 159] إذا وردوا القيامة. # وقوله: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] قال عطاء ms0598 عن ابن ~~عباس: يريد: من عمل من المصدقين حسنة كتبت له عشر حسنات. # {ومن جاء بالسيئة} [الأنعام: 160] يريد: الخطيئة، {فلا يجزى إلا مثلها} ~~[الأنعام: 160] أي: إلا جزاء مثلها، لا يكون أكثر منها. ### | 344 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا محمد بن علي بن دحيم، حدثنا إبراهيم ~~بن عبد الله العبسي، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن معرور بن سويد، عن أبي ذر، ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: «من جاء بالحسنة ~~فله عشرة أمثالها أو أزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر» . # رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع # PageV02P342 ### | 345 - # حدثنا أبو القاسم السراج إملاء، أخبرنا محمد بن المؤمل بن الحسن، حدثنا ~~الفضل بن محمد البيهقي، حدثنا أبو صالح، حدثني ابن سليم، عن أنس، قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: «الحسنة بعشرة أمثالها إلى ~~الزيادة والسيئة بواحدة، وأنا أغفر لابن آدم إن لم يشرك بي شيئا، وإن كان ~~عليه قراب الأرض ذنوبا غفرت له، ولا أبالي» ### | 346 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله ~~الأصفهاني، أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن ~~الأعمش، عن شمر بن عطية، عن أشياخ من التيم، عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول ~~الله علمني شيئا ينفعني، قال: " إذا عملت سيئة فاعمل حسنة فإنها عشر ~~أمثالها، قال: قلت: يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال: نعم هي ~~أحسن الحسنات # قوله: {وهم لا يظلمون} [الأنعام: 160] قال ابن عباس: لا ينقص ثواب ~~أعمالهم. # {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان ~~من المشركين {161} قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين {162} ~~لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين {163} قل أغير الله أبغي ربا وهو ~~رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم ~~مرجعكم # PageV02P343 # فينبئكم بما كنتم فيه ms0599 تختلفون {164} وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع ~~بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور ~~رحيم {165} } [الأنعام: 161-165] قوله: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ~~دينا} [الأنعام: 161] قال الزجاج: أما نصب دينا فمحمول على المعنى، لأنه ~~لما قال: {هداني ربي إلى صراط مستقيم} [الأنعام: 161] دل على عرفني، فكأنه ~~قال: عرفني. # قوله: قيما قال ابن عباس: مستقيما، ومن قرأ: قيما فهو مصدر كالصغر والكبر ~~والشبع، وذكرنا معنى قيما في أول { [النساء، وقوله:] ملة إبراهيم حنيفا} ~~[سورة الأنعام: 161] ملة بدل من دينا قيما، وحنيفا منصوب على الحال من ~~إبراهيم، والمعنى: عرفني ملة إبراهيم في حال حنيفيته. # قوله: {قل إن صلاتي ونسكي} [الأنعام: 162] قال ابن عباس: يريد: ذبيحتي. # وقال مقاتل: حججي. # وقال الزجاج: كل ما تقربت به إلى الله تعالى، إلا أن الغالب عليه أمر ~~الذبح. # وقوله: {ومحياي ومماتي} [الأنعام: 162] أي: حياتي وموتي {لله رب ~~العالمين} [الأنعام: 162] أي: هو يحييني ويميتني. # وقرأ نافع: ومحياي ساكنة الياء، وهو شاذ غير مستعمل لأن فيه جمعا بين ~~الساكنين لا يلتقيان على هذا الوجه، قال الزجاج: أما ياء محياي فلا بد من ~~فتحها لأن قبلها # PageV02P344 # ساكنا، ومثل هذا ما جوزه يونس من قوله: اضربنان زيدا، واضربنان زيدا، ~~وسيبويه ينكر ذلك من قول يونس. # ومعنى الآية: أنه يخبر بأنه إنما يتوجه بالصلاة وسائر المناسك إلى الله ~~تعالى، لا إلى غيره كما كان المشركون يذبحون لأصنامهم، فأعلم أنه لله وحده، ~~{لا شريك له} [الأنعام: 163] . # وقوله: وبذلك أمرت: قال ابن عباس: بذلك أوحي إلي. # {وأنا أول المسلمين} [الأنعام: 163] قال قتادة: أول المسلمين من هذه ~~الأمة. # وقال مقاتل: أول المخلصين من أهل مكة. ### | 347 - # حدثنا محمد بن علي بن حبيب، أخبرنا محمد بن الفضل بن محمد السلمي، أخبرنا ~~جدي، حدثنا علي بن حجر، حدثنا النضر بن إسماعيل الكوفي، عن أبي حمزة ~~الثمالي، عن سعيد بن جبير، عن عمران بن حصين، أن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم قال: " يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه يغفر ms0600 لك عند أول قطرة ~~من دمها كل ذنب عملتيه، وقولي: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب ~~العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. # قال عمران: قلت: يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة، فأهل ذلك أنتم أم ~~للمسلمين عامة؟ قال: بل للمسلمين عامة " # قوله: {قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء} [الأنعام: 164] قال ابن ~~عباس: سيدا وإلها وهو سيد كل أحد، {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} [الأنعام: ~~164] لا تجني نفس ذنبا إلا أخذت به وكان إثمه على الجاني نفسه، {ولا تزر ~~وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164] قال ابن عباس: إن الوليد بن المغيرة كان ~~يقول: اتبعوا سبيلي أحمل أوزاركم. # فقيل: {ولا تزر وازرة # PageV02P345 # وزر أخرى} [الأنعام: 164] ولا تؤخذ نفس آثمة بإثم أخرى، أي: لا يؤخذ أحد ~~بذنب غيره، {ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} [الأنعام: ~~164] . # وقوله: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض} [الأنعام: 165] هو الذي جعلكم يا ~~أمة محمد، خلائف الأمم الماضية في الأرض بأن أهلكهم وأورثكم الأرض بعدهم، ~~{ورفع بعضكم فوق بعض درجات} [الأنعام: 165] ، في المعاش والغنى والرزق. # قاله الكلبي، ومقاتل، والسدي، {ليبلوكم في ما آتاكم} [الأنعام: 165] ~~ليختبركم فيما رزقكم، والمعنى: ليظهر منكم ما يكون عليه الثواب والعقاب. # {إن ربك سريع العقاب} [الأنعام: 165] لأعدائه، يعد النبي صلى الله عليه ~~وسلم بهلاك أعدائه وقتلهم، وإنه لغفور: لأوليائه، رحيم: بهم. ### | 348 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا إبراهيم بن ~~علي، حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عطية، عن أبي سعيد ~~الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تعلمون قدر سعة رحمة ~~الله تعالى لاتكلتم عليها وما عملتم إلا قليلا، ولو تعلمون قدر غضب الله ~~تعالى لظننتم أن لا تنجوا وأن لا ينفعكم منه شيء» # PageV02P346 ### | سورة الأعراف # مكية وآياتها ست ومائتان أخبرنا الشيخ الإمام الصالح الزاهد أبو عبد الله ~~محمد بن الحسين بن محمد الفرخاني السمناني، بعد أن قدم حاجا في شوال سنة ~~تسع ms0601 عشرة وخمس مائة، قال: أخبرنا الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، ~~رحمة الله عليه، في سنة ست وستين وأربع مائة، قال: تفسير سورة الأعراف ### | 349 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي الحيري، أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر ~~المؤذن، حدثنا إبراهيم بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا ~~هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الأعراف جعل الله يوم ~~القيامة بينه وبين إبليس سترا، وكان آدم شفيعا له يوم القيامة» # بسم الله الرحمن الرحيم {المص {1} كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج ~~منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين {2} اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا ~~من دونه أولياء قليلا ما تذكرون {3} وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا ~~بياتا أو هم قائلون {4} فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا ~~كنا ظالمين {5} فلنسألن الذين # PageV02P347 # أرسل إليهم ولنسألن المرسلين {6} فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين {7} ~~والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون {8} ومن خفت ~~موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون {9} } ~~[الأعراف: 1-9] المص: قال ابن عباس: «أنا الله أعلم وأفصل» . # كتاب أي: هذا كتاب {أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه} [الأعراف: 2] قال ~~ابن عباس: ضيق. # والمعنى: لا يضق صدرك بالإبلاغ وتأدية ما أرسلت به. # وقوله: لتنذر به قال الفراء: اللام في لتنذر، منظوم بقوله: أنزل على ~~تقدير: كتاب أنزل إليك لتنذر به، وذكرى للمؤمنين: ومواعظ للمصدقين. # {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} [الأعراف: 3] اتبعوا القرآن، قال الحسن: ~~يابن آدم، أمرت باتباع كتاب الله، والله ما نزلت آية إلا ويجب أن تعلم فيم ~~أنزلت، وما معناها. # {ولا تتبعوا من دونه أولياء} [الأعراف: 3] لا تتخذوا غيره أولياء ~~تطيعونهم في معصية الله، {قليلا ما تذكرون} [الأعراف: 3] قليلا يا معشر ~~المشركين، تذكركم واتعاظكم، والأصل: تتذكرون، فادغمت التاء في الذال، وحذف ~~حمزة التاء فخفف ms0602 الذال، وقرأ ابن عامر: يتذكرون، بياء وتاء، أي: قليلا ما ~~يتذكرون هؤلاء الذين ذكروا بهذا الخطاب. # ثم خوفهم بإهلاك من كذب قبلهم فقال: {وكم من قرية أهلكناها} [الأعراف: 4] ~~يعني: أهلكنا أهلها، فحذف المضاف، {فجاءها بأسنا بياتا} [الأعراف: 4] ~~عذابنا ليلا، يقال: بات يبيت بياتا وبيته. # والبيات هنا مصدر يراد به الصفة، أي: جاءهم # PageV02P348 # يأسنا بائتين نائمين، {أو هم قائلون} [الأعراف: 4] القيلولة: الاستراحة ~~نصف النهار إذا اشتد الحر، وإن لم يكن مع ذلك نوم، قال الزجاج: «جاءهم ~~بأسنا مرة ليلا ومرة نهارا، فاعتبروا بهلاك من شئتم منهم» . # ومعنى الآية: إنهم جاءهم بأسنا وهم غير متوقعين له، إما ليلا وهو نائمون، ~~أو نهارا وهو قائلون. # {فما كان دعواهم} [الأعراف: 5] أي: دعاؤهم وتضرعهم، والدعوى: اسم يقوم ~~مقام الادعاء والدعاء، حكى سيبويه: «اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين» . # وقوله: {إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين} [الأعراف: 5] : 4 قال ابن ~~الأنباري: يقول لم يكن قولهم أن جاءهم العذاب، إلا الاعتراف بالظلم، ~~والإقرار بالإساءة. # قوله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم} [الأعراف: 6] قال الضحاك: الذين أرسل ~~إليهم: الأمم الذين أتاهم الرسل يسألون هل بلغكم الرسل ما أرسلوا به إليكم. # ولنسألن المرسلين يعني: الأنبياء، هل بلغتم قومكم ما أرسلتم به؟ وماذا ~~أجابكم قومكم؟ وقال السدي: تسأل الأمم ماذا عملوا فيما جاءت به الرسل؟ ~~ويسأل الرسل هل بلغوا ما أرسلوا به. # {فلنقصن عليهم بعلم} [الأعراف: 7] أي: لنخبرنهم بما عملوا منا، {وما كنا ~~غائبين} [الأعراف: 7] عن الرسل والأمم، وما بلغت، وما رد عليهم قومهم. # قوله تعالى: {والوزن يومئذ الحق} [الأعراف: 8] يعني يوم السؤال. # PageV02P349 # وعامة المفسرين: على أن المراد بهذا الوزن وزن أعمال العباد. # قال ابن عباس: توزن الحسنات والسيئات في ميزان له لسان وكفتان، فأما ~~المؤمن فيؤتى بعمله في أحسن صورة، فيوضع في كفه الميزان، فتثقل حسناته على ~~سيئاته، فذلك قوله: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون} [الأعراف: 8] ، ~~وهذا كقوله: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} [الأنبياء: 47] الآية، ~~وإنما قال موازينه على الجمع، لأن من في معنى الجمع، ألا ترى أنه قال: ~~{فأولئك هم ms0603 المفلحون} [الأعراف: 8] بالجمع، وبعض المفسرين يذهب إلى أن ~~الوزن يعود إلى الصحف التي فيها أعمال العباد. # قوله: {ومن خفت موازينه} [الأعراف: 9] قال ابن عباس: يؤتى بعمل الكافر في ~~أقبح صورة، فيوضع في كفة الميزان، فيخف وزنه، فذلك قوله: {فأولئك الذين ~~خسروا أنفسهم} [الأعراف: 9] أي: صاروا إلى العذاب {بما كانوا بآياتنا ~~يظلمون} [الأعراف: 9] بجحودهم بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. ### | 350 - # أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزاز، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، ~~أنا أحمد بن محمد بن بشار، أنا عمر بن محمد، أنا أبي، أنا عصام بن طليق، عن ~~داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها، # PageV02P350 # قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نائما في حجري، فقطرت دموعي على ~~خده فاستيقظ، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: ذكرت القيامة وهولها، فهل تذكرون ~~أهاليكم يا رسول الله؟ قال: «أما في ثلاثة مواطن لا يذكر أحد فيها أحدا إلا ~~نفسه، عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند الصحف حتى يعلم ~~أيأخذ صحيفته بيمينه أم بشماله، وعند الصراط حتى يجاوزه» # وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم ~~يوم القيامة، باتباعهم في الدنيا الحق، وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع ~~فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينهم يوم ~~القيامة، باتباعهم في الدنيا الباطل، وخفته عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه ~~إلا الباطل أن يخف. # {ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون {10} ولقد ~~خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن ~~من الساجدين {11} قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من ~~نار وخلقته من طين {12} قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج ~~إنك من الصاغرين {13} قال أنظرني إلى يوم يبعثون {14} قال إنك من المنظرين ~~{15} قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم {16} ثم لآتينهم من بين ~~أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن ms0604 شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين {17} قال ~~اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين {18} ويا ~~آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا ~~من الظالمين {19} فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما ~~وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من ~~الخالدين {20} وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين {21} فدلاهما بغرور فلما ~~ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ~~ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين {22} ~~قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين {23} ~~قال اهبطوا # PageV02P351 # بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين {24} قال فيها تحيون ~~وفيها تموتون ومنها تخرجون {25} } [الأعراف: 10-25] قوله: {ولقد مكناكم في ~~الأرض} [الأعراف: 10] قال ابن عباس: ملكناكم في الأرض، يريد ما بين مكة إلى ~~اليمن، وما بين مكة إلى الشام، ومعنى التمكين في الأرض التمليك والقدرة ~~والخطاب لقريش، وكان الله تعالى قد فضلهم على العرب، وكانوا يتجرون فيما ~~بين مكة والشام واليمن آمنين، ويكسبون الأموال، وهو قوله: {وجعلنا لكم فيها ~~معايش} [الأعراف: 10] وهي جمع المعيش والمعيشة وهي ما يعاش به من المكاسب ~~والتجارات، وقوله: {قليلا ما تشكرون} [الأعراف: 10] قال ابن عباس: يريد ~~أنكم غير شاكرين لأنعمي ولا طائعين. # ولقد خلقناكم يعني: آدم، وإنما قال بلفظ الجمع لأنه أبو البشر، وفي خلقه ~~خلق من يخرج من صلبه، ثم صورناكم يعني ذريته في ظهر آدم، كما روي: «إن الله ~~تعالى أخرج ذرية آدم من ظهره في صورة الذر» . # ويجوز أن يكون المراد بقوله: {ثم صورناكم} [الأعراف: 11] آدم، ولا يجوز ~~أن يكون المراد بقوله: ثم صورناكم تصوير ذريته في الأرحام، لقوله: {ثم قلنا ~~للملائكة اسجدوا لآدم} [الأعراف: 11] لأن هذا كان قبل تصوير ذرية آدم في ~~الأرحام. # قوله عز وجل: {قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} [الأعراف: 12] معنى هذا ~~السؤال: التوبيخ لإبليس لعنه الله وإظهار # PageV02P352 # عناده ms0605 للأمر، ولا في قوله: ألا تسجد: قال الفراء: هي صلة، والمعنى: ما ~~منعك أن تسجد، ونحو هذا قال الكسائي، والزجاج. # وقوله: {قال أنا خير منه} [الأعراف: 12] معناه: منعني من السجود له فضلي ~~عليه، وأني خير منه، إذ كنت ناريا وكان طينيا، وهو قوله: {خلقتني من نار ~~وخلقته من طين} [الأعراف: 12] قال ابن عباس: «كانت الطاعة أولى بإبليس من ~~القياس فعصى ربه، وقاس، وأول من قاس إبليس، فكفر بقياسه، فمن قاس الدين ~~بشيء من رأيه، قرنه الله مع إبليس، وإنما كفر إبليس، لأنه قاس في مخالفة ~~النص، وإنما يذم من القياس ما خالف النص» . # PageV02P353 # قوله تعالى: {قال فاهبط منها} [الأعراف: 13] أي: أنزل من السماء {فما ~~يكون لك أن تتكبر فيها} [الأعراف: 13] قال ابن عباس: يريد: أن أهلها ملائكة ~~متواضعون خاشعون. # {فاخرج إنك من الصاغرين} [الأعراف: 13] الأذلاء، قال الزجاج: إن إبليس ~~استكبر بإبائه السجود، فأعلمه الله أنه صاغر بذلك. # قال فأنظرني: أمهلني وأخرني {إلى يوم يبعثون} [الأعراف: 14] إلى يوم ~~البعث، فأبى الله ذلك عليه، وأنظره إلى النفخة الأولى حين يموت الخلق كلهم، ~~لأنه بين مدة المهلة في موضع آخر، وإن لم تبين في هذه ال { [وهو قوله:] ~~فإنك من المنظرين {37} إلى يوم الوقت المعلوم {38} } [سورة الحجر: 37-38] ~~وهو النفخة الأولى {قال فبما أغويتني} [الأعراف: 16] قال ابن عباس: ~~أضللتني. # وقال ابن الأنباري: أي: فبما أوقعت في قلبي من الغي الذي كان سبب هبوطي ~~من السماء. # والباء للقسم، أي: بإغوائك إياي، والمعنى: بقدرتك علي ونفاذ سلطانك في، ~~{لأقعدن لهم صراطك المستقيم} [الأعراف: 16] على الطريق المستقيم الذي ~~يسلكونه إلى الجنة، وهو دين الله الإسلام، بأن أزين لهم الباطل، وما يكسبهم ~~المأثم. ### | 351 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد العدل، أنا جدي، أنا أبو عمرو الجبري، نا ~~علي بن سعيد بن جرير النسائي، نا # PageV02P354 # أبو النضر، نا أبو عقيل، نا موسى بن المسيب، أخبرني سالم بن أبي الجعد، ~~عن سبرة بن أبي فاكه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن ~~الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه ms0606، فقعد له بطريق الإسلام، فقال له: أتسلم وتذر ~~دينك ودين آبائك؟ فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال له: أتهاجر ~~وتذر أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر مثل الفرس في الطول، فعصاه فهاجر، ثم ~~قعد له بطريق الجهاد، فقال: هو جهد النفس والمال، فتقاتل، فتقتل، وتنكح ~~المرأة، ويقسم المال، فعصاه، فجاهد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن ~~فعل ذلك منكم ومات، كان حقا على الله أن يدخله الجنة " # قوله: {ثم لآتينهم من بين أيديهم} [الأعراف: 17] قال ابن عباس في رواية ~~الوالبي: يعني: من الدنيا، ومن خلفهم من الآخرة، أتاهم من بين أيديهم، فزين ~~لهم الدنيا ودعاهم إليها، ومن خلفهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة، ولا نار. # وقوله: وعن أيمانهم، قال الوالبي عن ابن عباس: من قبل حسناتهم، وعن ~~شمائلهم: من قبل سيئاتهم. # وهذا قول قتادة، قال: وعن أيمانهم: من قبل حسناتهم أبطئهم عنها، وعن ~~شمائلهم: أزين لهم السيئات والمعاصي، وأدعوهم إليها وآمرهم بها، أتاك يابن ~~آدم من كل وجه، غير أنه لم يأتك من فوقك، لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة ~~الله تعالى. # وقال أهل المعاني: ذكر الله تعالى هذه الجهات مبالغة في التوكيد، ~~والمعنى: ثم لآتينهم من جميع الجهات. # وهو اختيار الزجاج، قال الزجاج: الحقيقة والله أعلم: أتصرف لهم في ~~الإضلال من جميع جهاتهم. # وقوله: {ولا تجد أكثرهم شاكرين} [الأعراف: 17] قال ابن عباس: يريد أن ~~أكثرهم لإبليس طائعون، ولله عاصون. # قوله تعالى: {قال اخرج منها} [الأعراف: 18] قال الكلبي: من الجنة. # مذءوما: الذأم: الاحتقار، يقال: ذأمت الرجل، أذأمه. # PageV02P355 # إذا احتقرته وذممته وعبته، قال ابن قتيبة: مذءوما: مذموما بأبلغ الذم. # مدحورا: منفيا مطرودا، والدحر: الطرد والإبعاد. # وقوله: {لمن تبعك منهم} [الأعراف: 18] أي: من ولد آدم، واللام لام القسم، ~~على تقدير: والله لمن تبعك منهم {لأملأن جهنم منكم أجمعين} [الأعراف: 18] ~~قال ابن عباس: لمن أطاعك منهم {لأملأن جهنم منكم أجمعين} [الأعراف: 18] ~~يعني المشركين والمنافقين والكافرين وقرناءهم من الشياطين. # {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} [الأعراف: 19] الآية مفسرة في ms0607 { [البقرة، ~~وقوله:] فوسوس لهما الشيطان} [سورة الأعراف: 20] الوسوسة حديث النفس، قال ~~الله تعالى: {ونعلم ما توسوس به نفسه} [ق: 16] ، والمعنى: حدثهما الشيطان ~~في أنفسهما ليبدي لهما: هذه لام العاقبة، وذلك أن عاقبة تلك الوسوسة أدت ~~إلى ظهور عورتهما، وإنما كانت الوسوسة للمعصية، لا لظهور العورة، ولكن تأدت ~~العاقبة إلى ذلك فصار كقوله: {فالتقطه آل فرعون} [القصص: 8] ليكون له عدوا. # وقوله: {ما ووري عنهما من سوءاتهما} [الأعراف: 20] أي: ما ستر، من ~~الموارا ومنه قوله: {يواري سوءة أخيه} [المائدة: 31] . # قال ابن عباس: كانا قد ألبسا ثوبا يستر العورة منهما، فلما عصيا تهافت ~~عنهما ذلك الثوب. # {وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين} [الأعراف: 20] ~~لا تموتان إلى يوم القيامة، كما لا تموت الملائكة، والتقدير: إلا أن لا ~~تكونا، وعند البصريين: إلا كراهة أن تكونا ملكين {أو تكونا من الخالدين} ~~[الأعراف: 20] أي: لا تموتان فتبقيان أبدا. # وقاسمهما: قال ابن عباس، وقتادة: حلف لهما بالله حتى خدعهما، وإنما يخدع ~~المؤمن بالله تعالى، قال إبليس: إني خلقت قبلكما، وأن أعلم منكما، فاتبعاني ~~أرشدكما. # وكان بعض أهل العلم يقول: «إنه من خادعنا بالله خدعنا» . # وقوله: {إني لكما لمن الناصحين} [الأعراف: 21] أي: إني # PageV02P356 # أنصح لكما من دعائكما إلى أكل هذه الشجرة. # قوله: فدلاهما بغرور التدلية: إرسال الدلو في البئر، والمعنى ههنا: غرهما ~~وأطمعهما، قال الأزهري: " أصله تدلية العطشان في البئر ليروى من الماء، فلا ~~يجد الماء، فيكون مدلى بالغرور، ثم وضعت التدلية موضع الإطماع فيما لا يجدي ~~نفعا، فيقال: دلاه إذا أطمعه في غير مطمع. # قال ابن عباس: غرهما باليمن، وكان آدم لا يظن أن أحدا يحلف بالله كاذبا. # قوله: {فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما} [الأعراف: 22] قال الكلبي: " ~~فلما أكلا منها تهافت لباسهما عنهما، فأبصر كل واحد منهما عورة صاحبه، ~~فاستحييا، {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} [الأعراف: 22] يقال: طفق ~~يفعل كذا: إذا أخذ في فعله، ومعنى يخصفان: يطبقان على أبدانهما الورق، وقال ~~الزجاج: يجعلان ورقة على ورقة ليسترا سؤاتهما. # وقال قتادة: أقبلا ms0608، وجعلا يرقعان، ويصلان عليهما من ورق الجنة، وهو ورق ~~التين حتى صار كهيئة الثوب. # {وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة} [الأعراف: 22] قال عطاء: ~~بلغني أن الله تعالى ناداهما: أفرارا مني يا آدم؟ قال: لا، بل حياء منك يا ~~رب، ما ظننت أن أحدا يحلف باسمك كاذبا. # وقوله: {وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} [الأعراف: 22] قال ابن ~~عباس: بين العداوة حيث أبى السجود لآدم، وقال: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم} ~~[الأعراف: 16] ثم أقرا على أنفسهما بالظلم: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا} ~~[الأعراف: 23] الآية، وذكرنا أن هذه الكلمات التي كانت سبب قبول توبتهما، ~~وقوله: قال اهبطوا إلى آخر الآية مفسر في { [البقرة. # قوله تعالى:] قال فيها تحيون وفيها تموتون} [سورة الأعراف: 25] الآية: ~~قال الكلبي: في الأرض تعيشون، وفي الأرض قبوركم، ومن الأرض تخرجون من ~~قبوركم للبعث. # ولما ذكر عري آدم من علينا باللباس الذي يستر به العورة. # {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك ~~خير ذلك من آيات الله لعلهم # PageV02P357 # يذكرون {26} يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ~~ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ~~إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون {27} وإذا فعلوا فاحشة قالوا ~~وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون ~~على الله ما لا تعلمون {28} قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ~~وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون {29} فريقا هدى وفريقا حق عليهم ~~الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون {30} ~~} [الأعراف: 26-30] فقال: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري ~~سوءاتكم} [الأعراف: 26] قال صاحب النظم: إن الله تعالى أنزل المطر، فأنبت ~~به النبات، فاتخذ الناس من النبات اللباس، فأوقع الإنزال على اللباس لما ~~كان يسببه ما ينزل، وهو المطر، وقوله: وريشا، وقرئ: ورياشا، وهما المال ~~والمعاش، قال أبو عبيدة: الريش والرياش: ما ظهر من اللباس. # وقال الفراء: يجوز أن يكون ms0609 الرياش جمع ريش كما قالوا: لبس ولباس. # وقال زيد بن علي: اللباس: هذا الذي تلبسون، يواري سوءاتكم، والريش ~~والرياش الذي تتجملون به من الثياب. # وقوله: {ولباس التقوى ذلك خير} [الأعراف: 26] قرئ: بالنصب والرفع، فمن ~~قرأ بالنصب حمل على أنزل، من قوله: قد أنزلنا والمعنى على هذه القراءة هو ~~أن يتقي الله، فيستر عورته فلا يطوف عاريا كفعل أهل الجاهلية. # قال ابن الأنباري: ولباس التقوى هو اللباس الأول، وإنما أعاده لما أخبر ~~عنه بأنه خير من التعري، إذ كان جماعة من أهل # PageV02P358 # الجاهلية يتعبدون بالتعري في الطواف بالبيت. # ومن رفع: فعلى أنه مبتدأ، ومعناه على هذه القراءة ما قال قتادة، والسدي: ~~لباس التقوى الإيمان. # وقال عطية: العمل الصالح. # وقال سعيد بن جبير: السمت الحسن. # وقال الكلبي: العفاف. # والمعنى: لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به وأقرب له إلى الله تعالى مما ~~خلق له من اللباس والرياش للتجميل. # وقوله: {ذلك من آيات الله} [الأعراف: 26] أي: إنزاله اللباس، وخلقه إياه ~~مما يدل على التوحيد لعلهم يذكرون لكي يتعظوا. # قوله: {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان} [الأعراف: 27] قال ابن عباس: لا ~~يخدعنكم. # وعنه أيضا: لا يضلنكم. # {كما أخرج أبويكم من الجنة} [الأعراف: 27] يعني: آدم وحواء {ينزع عنهما ~~لباسهما} [الأعراف: 27] أضاف نزع اللباس إلى الشيطان وإن لم يتول ذلك، لأنه ~~كان بسبب منه، فأسند ذلك إليه، ليريهما سوءاتهما ليري آدم سوءة حواء، ويري ~~حواء سوءة آدم، واللام في ليريهما لام العاقبة. # وقوله: {إنه يراكم هو وقبيله} [الأعراف: 27] قال ابن عباس: هو وولده. # وقال ابن زيد: نسله. # وقال ابن قتيبة: أصحابه # PageV02P359 # وجنده. # وقال مجاهد: قبيلة الجن والشياطين. # {من حيث لا ترونهم} [الأعراف: 27] قال ابن عباس: إن الله تعالى جعلهم ~~يجرون من ابن آدم مجرى الدم، وصدور بني آدم مساكن لهم، كما قال: {الذي ~~يوسوس في صدور الناس} [الناس: 5] ، فهم يرون بني آدم، وبنو آدم لا يرونهم. # وقال قتادة: والله إن عدوا يراك من حيث لا تراه لشديد المؤنة، إلا من ~~عصمه الله. # وقوله: {إنا جعلنا الشياطين ms0610 أولياء للذين لا يؤمنون} [الأعراف: 27] قال ~~الزجاج: سلطناهم عليهم يزيدون في غيهم كما قال: {أنا أرسلنا الشياطين على ~~الكافرين} [مريم: 83] الآية. # وقوله: {وإذا فعلوا فاحشة} [الأعراف: 28] قال ابن عباس، ومجاهد: يعني ~~طوافهم بالبيت عراة رجالا ونساء. # وقال عطاء: يريد: الشرك. # وقال الزجاج: الفاحشة ما يشتد قبحه من الذنوب. # قوله: {قل أمر ربي بالقسط} [الأعراف: 29] قال ابن عباس: بلا إله إلا ~~الله. # وقال الضحاك: بالتوحيد. # وقال السدي: بالعدل. # وقال الزجاج: هذا رد لقولهم: {والله أمرنا بها} [الأعراف: 28] . # وقوله: {وأقيموا وجوهكم عند كل # PageV02P360 # مسجد} [الأعراف: 29] قال مجاهد، والسدي: وجهوا وجوهكم حيثما كنتم في ~~الصلاة إلى الكعبة. # {وادعوه مخلصين له الدين} [الأعراف: 29] وحدوه ولا تشركوا به شيئا، {كما ~~بدأكم تعودون} [الأعراف: 29] قال ابن عباس: يبعث المؤمن مؤمنا والكافر ~~كافرا. # وقال سعيد بن جبير: كما كتب عليكم تكونون. # وقال القرظي: من ابتدأ الله خلقه على الشقاوة، صار إلى ما ابتدأ عليه ~~خلقه، وإن عمل بأعمال أهل السعادة، ومن ابتدأ خلقه على السعادة، صار إلى ما ~~ابتدأ عليه خلقه، وإن عمل بأعمال أهل الشقاء كإبليس والسحرة. # وهذا القول اختيار القفال، قال: بدأكم في الخلق شقيا وسعيدا، وكذلك ~~تعودون على الشقاء والسعادة. # ويدل على صحة هذه الأقوال ما ### | 352 - # حدثني إسماعيل بن أحمد الواعظ شيخ الإسلام، أنا محمد بن الفضل بن محمد ~~السلمي، أنا جدي، أنا يوسف بن موسى، أنا جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن ~~جابر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «يبعث كل عبد على ما مات ~~عليه» . # رواه مسلم، عن قتيبة، عن جرير # وقال الحسن، ومجاهد: كما بدأكم، فخلقكم في الدنيا ولم تكونوا شيئا، كذلك ~~تعودون يوم القيامة أحياء. # وهذا القول اختيار الزجاج، لأنه قال: احتج الله تعالى عليهم في إنكارهم ~~البعث فقال: {كما بدأكم تعودون} [الأعراف: 29] أي: فليس بعثكم بأشد من ~~ابتدائكم. # واختاره أبو علي الفارسي، وقال: الآية من باب حذف المضاف، والتقدير: كما ~~بدأ خلقكم، ثم حذف المضاف. # وقيل: كما بدأكم: قوله: تعودون معناه: يعود خلقكم، ثم حذف المضاف ms0611، وصارت ~~المخاطبة في الفعل، فقيل: تعودون. # وقوله: فريقا هدى: قال ابن عباس: أرشد إلى دينه وهم أولياؤه. # {وفريقا حق عليهم الضلالة} [الأعراف: 30] وهم أولياء الشيطان، فخذلهم ~~الله، فصاروا أولياء لإبليس، ومعنى: {حق عليهم الضلالة} [الأعراف: 30] أي: ~~بالكلمة الأزلية، والإرادة السابقة. # PageV02P361 # {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا ~~يحب المسرفين {31} قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ~~قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات ~~لقوم يعلمون {32} قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم ~~والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على ~~الله ما لا تعلمون {33} ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا ~~يستقدمون {34} } [الأعراف: 31-34] قوله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند ~~كل مسجد} [الأعراف: 31] ### | 353 - # أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد العطار، نا محمد بن عبد الله بن محمد الضبي، ~~نا محمد بن يعقوب، نا إبراهيم بن مرزوق، نا أبو داود الطيالسي، نا شعبة، نا ~~سلمة بن كهيل، قال: سمعت مسلما البطين يحدث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، ~~قال: كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة في الجاهلية، وعلى فرجها خرقة، وهي ~~تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله فنزلت هذه الآية {خذوا ~~زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31] رواه مسلم، عن بندار، عن غندر، عن شعبة، ~~قال ابن عباس: أمرهم الله تعالى أن يلبسوا ثيابهم ولا # PageV02P362 # يتعروا # وقال الكلبي: الزينة ما وارى العورة عند كل مسجد كطواف أو صلاة. # وقال طاوس: لم يأمرهم بالحرير ولا الديباج، ولكن كان أهل الجاهلية يطوف ~~أحدهم بالبيت عريان، ففي ذلك يقول: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: ~~31] . # وهذا قول جماعة المفسرين. # وقوله: وكلوا واشربوا كان أهل الجاهلية لا يأكلون من الطعام في أيام حجهم ~~إلا قوتا، ولا يأكلون دسما، يعظمون بذلك حجهم، فقال المسلمون: نحن أحق أن ~~نفعل. # فقال الله تعالى: {وكلوا ms0612 واشربوا ولا تسرفوا} [الأعراف: 31] بتحريم ما ~~أحللت لكم من اللحم والدسم، {إنه لا يحب المسرفين} [الأعراف: 31] يعني: ~~الكافرين الذين فعلوا ذلك. # قوله: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده} [الأعراف: 32] أي: من حرم ~~أن تلبسوا في طوافكم ما يستركم؟ {والطيبات من الرزق} [الأعراف: 32] يعني: ~~ما حرموه على أنفسهم أيام حجهم من اللحم والدسم، {قل هي للذين آمنوا في ~~الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} [الأعراف: 32] قال الفراء: {قل هي للذين ~~آمنوا في الحياة الدنيا} [الأعراف: 32] مشتركة، وهي لهم في الآخرة خالصة. # PageV02P363 # وهذا معنى قول ابن عباس والمفسرين: شارك المسلمين المشركون في الطيبات في ~~الحياة الدنيا، فأكلوا من طيبات طعامها، ولبسوا من خيار ثيابها، ونكحوا من ~~صالح نسائها، ثم يخلص الله تعالى الطيبات في الآخرة للذين آمنوا، وليس ~~للمشركين فيها شيء. # وقرأ نافع: خالصة رفعا على أنه خبر بعد خبر كما تقول: زيد عاقل لبيب. # والمعنى: قل هي ثابتة للمؤمنين في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة. # قوله: {كذلك نفصل الآيات} [الأعراف: 32] نبينها، لقوم يعلمون: أني أنا ~~الله لا شريك لي. # قوله: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [الأعراف: 33] قال ~~ابن عباس: يريد: سر الزنا وعلانيته. # والإثم: قال الضحاك: الذنب الذي لا حد فيه. # وقال السدي: الإثم المعصية. # وقال عطاء: يريد الخمر. # قال ابن الأنباري: الإثم لا يكون من أسماء الخمر، لأن العرب ما سمتها ~~إثما قط، لا في الجاهلية ولا في الإسلام ولكن قد تكون الخمر داخلة تحت ~~الإثم كقوله: {قل فيهما إثم كبير} [البقرة: 219] . # والبغي ظلم الناس وهو أن يطلب ما ليس له، و {وأن تشركوا بالله ما لم ينزل ~~به سلطانا} [الأعراف: 33] قال مقاتل: ما لم ينزل به كتابا فيه حجة بأن معه ~~شريكا. # {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 33] يعني: من تحريم الحرث ~~والأنعام. # في قول مقاتل، وقال غيره: هذا عام في تحريم القول في الدين من غير يقين. # قوله: {ولكل أمة أجل} [الأعراف: 34] قال عطاء، # PageV02P364 # والحسن، وابن عباس: يعني أجل الهلاك ms0613 والعذاب، {فإذا جاء أجلهم} [الأعراف: ~~34] للعذاب لا يتأخرون ولا يتقدمون حتى يعذبوا، وذلك حين سألوا النبي صلى ~~الله عليه وسلم العذاب، فأنزلت هذه الآية. # {يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا ~~خوف عليهم ولا هم يحزنون {35} والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك ~~أصحاب النار هم فيها خالدون {36} فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب ~~بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا ~~أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم ~~كانوا كافرين {37} قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في ~~النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم ~~لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا ~~تعلمون {38} وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب ~~بما كنتم تكسبون {39} } [الأعراف: 35-39] قوله تعالى: {يا بني آدم إما ~~يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي} [الأعراف: 35] قال ابن عباس: فرائضي ~~وأحكامي. # فمن اتقى: قال: يريد: اتقاني، وخافني، وأصلح: ما بيني وبينه {فلا خوف ~~عليهم} [الأعراف: 35] إذا خاف الناس {ولا هم يحزنون} [الأعراف: 35] إذا ~~حزنوا، ثم ذكر المكذبين فقال: {والذين كذبوا بآياتنا} [الأعراف: 36] الآية. # قوله: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا} [الأعراف: 37] أي ظلم أشنع من ~~الكذب على الله؟ ومعنى {افترى على الله كذبا} [الأعراف: 37] قال ابن عباس: ~~جعل له صاحبة وولدا وشريكا. # {أو كذب بآياته} [الأعراف: 37] بالقرآن، {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب} ~~[الأعراف: 37] ما كتب لهم من العذاب، وقضي عليهم وهو سواد الوجه، وزرقة ~~العيون. # قال عطية عن ابن عباس: كتب لمن يفتري على الله تعالى أن وجهه مسود واحتج ~~بقوله: {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة} [الزمر: 60] ~~وقال الربيع، وابن زيد، والقرظي: {نصيبهم من الكتاب} [الأعراف: 37] ما كتب ~~لهم من الأرزاق والأعمال والأعمار والآجال، فإذا فنيت {جاءتهم رسلنا ~~يتوفونهم} [الأعراف: 37] قال ابن ms0614 عباس: يعني الملائكة يقبضون # PageV02P365 # أرواحهم. # {قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله} [الأعراف: 37] سؤال تبكيت وتقريع، ~~{قالوا ضلوا عنا} [الأعراف: 37] بطلوا وذهبوا، {وشهدوا على أنفسهم أنهم ~~كانوا كافرين} [الأعراف: 37] اعترفوا عند معاينة الموت، وأقروا على أنفسهم ~~بالكفر. # قوله تعالى: {قال ادخلوا في أمم} [الأعراف: 38] أي: قال الله لهم ادخلوا ~~في أمم، يعني: مع أمم كافرة {قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما ~~دخلت أمة} [الأعراف: 38] من هذه الأمم النار، لعنت أختها يعني التي تسبقها ~~إلى النار، وهي أختها في الدين لا في النسب، قال ابن عباس: يريد: يلعنون من ~~كان قبلهم. # وقال الزجاج: لعنت أختها لأنهم ضل بعضهم بإتباع بعض. # {حتى إذا اداركوا فيها} [الأعراف: 38] تداركوا وتلاحقوا فيها {جميعا قالت ~~أخراهم} [الأعراف: 38] يعني: آخرهم دخولا النار وهم الأتباع، لأولاهم دخولا ~~النار وهم القادة والرؤساء: {ربنا هؤلاء أضلونا} [الأعراف: 38] قال ابن ~~عباس: لأنهم شرعوا لنا أن نتخذ من دونك إلها، {فآتهم عذابا ضعفا من النار} ~~[الأعراف: 38] أضعف عليهم العذاب، بأشد ما تعذبنا به، قال: الله تعالى: لكل ~~ضعف أي: للتابع والمتبوع عذاب مضاعف، لأنهم قد دخلوا في الكفر جميعا، {ولكن ~~لا تعلمون} [الأعراف: 38] ما لكل فريق من الكافرين منكم من العذاب. # {وقالت أولاهم لأخراهم} [الأعراف: 39] قالت الرؤساء للأتباع: {فما كان ~~لكم علينا من فضل} [الأعراف: 39] تخفيف من العذاب، لأنكم كفرتم كما كفرنا. # PageV02P366 # {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا ~~يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين {40} لهم من ~~جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين {41} والذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون {42} ~~ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي ~~هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ~~ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون {43} } [الأعراف: 40-43] ~~قوله: {إن الذين كذبوا بآياتنا} [الأعراف: 40] أي: بحججنا وأعلامنا التي ms0615 ~~تدل على نبوة الأنبياء، وتوحيد الله تعالى، واستكبروا عنها: ترفعوا عن ~~الإيمان بها، والانقياد لها {لا تفتح لهم أبواب السماء} [الأعراف: 40] أي: ~~لدعائهم ولا لأعمالهم، ولا لشيء مما يريدون به الله تعالى، وقال الضحاك، عن ~~ابن عباس: لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء، وتفتح لأرواح المسلمين. # {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} [الأعراف: 40] الولوج: ~~الدخول، والسم: ثقب الإبرة، والخياط: ما يخاط به، والمعنى: لا يدخلون الجنة ~~أبدا، وذلك: أن الشيء إذا علق كونه بما لا يجوز كونه، استحال كونه، كما ~~يقال: لا يكون هذا حتى يشيب الغراب ويبيض القار. # {وكذلك نجزي المجرمين} [الأعراف: 40] ومثل ما وصفنا نجزي من كذب بآياتنا ~~واستكبر عن الإيمان بها. # قوله: {لهم من جهنم مهاد} [الأعراف: 41] أي: # PageV02P367 # فراش، وهو كل ما يمهد: أي: يبسط ويفرش، {ومن فوقهم غواش} [الأعراف: 41] ~~وهي: كل ما يغشاك، أي: يسترك. # قال المفسرون: هذا إخبار عن إحاطة النار بهم من كل جانب، فلهم منها غطاء ~~ووطاء، وفراش ولحاف، {وكذلك نجزي الظالمين} [الأعراف: 41] قال ابن عباس: ~~يريد الذين أشركوا به، واتخذوا من دونه إلها. # قوله: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها} [الأعراف: ~~42] وسع الإنسان: ما يقدر عليه، وليس معنى الوسع بذل المجهود وأقصى الطاقة، ~~والله تعالى لم يكلف العباد ما يشق ويتعذر عليهم ولكنه كلفهم ما يطيقون، ~~ولا يعجزون عنه، وقد قال معاذ بن جبل في الآية: إلا يسرها، لا عسرها، ولو ~~كلفها طاقتها لبلغت مجهودها. # وقوله: {لا نكلف نفسا إلا وسعها} [الأعراف: 42] فصل بين الابتداء والخبر ~~بما ليس بأجنبي، لأنه ذكر عملهم الصالح، ذكر أن ذلك العمل مما يسعهم ولا ~~يعسر عليهم. # قوله تعالى {ونزعنا ما في صدورهم من غل} [الأعراف: 43] النزع: قلع الشيء ~~من مكانه، والغل: الحقد الكامن في الصدور، والمعنى: أذهبنا الأحقاد التي ~~كانت لبعضهم على بعض في الدنيا، وإلى هذا أشار علي رضي الله عنه، فقال: إني ~~لأرجو أن أكون أنا، وعثمان، وطلحة، والزبير من الذين قال الله تعالى: ~~{ونزعنا ما في صدورهم من ms0616 غل} [الأعراف: 43] . ### | 354 - # أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكي، أخبرنا محمد بن مكي، أنا محمد بن يوسف، ~~عن محمد بن إسماعيل، نا الصلت بن محمد، نا يزيد بن زريع في قوله {ونزعنا ما ~~في صدورهم من غل} [الأعراف: 43] قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، وعن أبي ~~المتوكل، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على # PageV02P368 # قنطرة بين الجنة والنار، فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، ~~حتى إذا هذبوا ونقوا، أذن لهم في دخول الجنة. # والذي نفسي بيده لأحدهم أهدى بمنزلة في الجنة منه بمنزلة كان في الدنيا» # وقوله: {وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا} [الأعراف: 43] إذا استقر أهل ~~الجنة في منازلهم، قالوا: {الحمد لله الذي هدانا لهذا} [الأعراف: 43] أي: ~~لهذا الثواب، بما وفقنا له من العمل الذي أدى إلى هذا، وهذا معنى قول ~~الزجاج: هدانا لما صيرنا إلى هذا. # وقوله: {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} [الأعراف: 43] دليل على أن ~~المهتدي من هداه الله، وأن من لم يهده الله لم يهتد، وقوله: {لقد جاءت رسل ~~ربنا بالحق} [الأعراف: 43] هذا من قول أهل الجنة حين رأوا ما وعدهم الرسل ~~عيانا، قالوا: لقد جاءت رسل ربنا بالحق، {ونودوا أن تلكم الجنة} [الأعراف: ~~43] قيل لهم هذه تلكم الجنة التي وعدتم بها في الدنيا، أورثتموها: أوتيتم ~~ميراثا من الكفار بإيمانكم وكفرهم، وذلك أنه ما من أحد إلا وله منزل في ~~الجنة، ثم يقال لأهل الكفر يوم القيامة بعد ما يرون منازلهم في الجنة: هذه ~~منازلكم لو عملتم بطاعة الله. # ثم يقال: يا أهل الجنة، رثوهم بما كنتم تعملون، فيقسم بين أهل الجنة ~~منازلهم. ### | 355 - # أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد المطوعي، أنا جدي، أنا أبو عمرو أحمد بن محمد ~~الجرشي، نا محمد بن علي الوراق، نا يوسف بن يعقوب الصفار، نا أبو بكر بن ~~عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «ما من أحد ms0617 إلا وله منزل في الجنة، ومنزل من النار، فأما الكافر ~~فإنه يرث المؤمن منزله من النار، والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة» # فذلك قوله: {تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} [الأعراف: 43] قال ~~ابن عباس: توحدون الله تعالى وتقومون بفرائضه. # PageV02P369 # {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ~~ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين {44} ~~الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون {45} } ~~[الأعراف: 44-45] قوله: {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما ~~وعدنا ربنا حقا} [الأعراف: 44] قال ابن عباس: وجدنا ما وعدنا ربنا في ~~الدنيا من الثواب حقا. # {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا} [الأعراف: 44] وهذا سؤال تعيير وتقرير، ~~قالوا نعم، وقرأ الكسائي: نعم بكسر العين، وهما لغتان في بعض الكلام، ~~والمعروف بفتح العين، {فأذن مؤذن بينهم} [الأعراف: 44] فنادى مناد أسمع ~~الفريقين: {أن لعنة الله على الظالمين} [الأعراف: 44] وقرئ مخففا: أن لعنة ~~الله رفعا، على معنى أنه لعنة الله، ثم حذف الإضمار وخففت، كقوله: {وآخر ~~دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: 10] ، ثم وصف الظالمين فقال ~~{الذين يصدون عن سبيل الله} [الأعراف: 45] يمنعون الناس عن طاعة الله، ~~ويبغونها عوجا: قال ابن عباس: يصلون لغير الله، ويعظمون ما لم يعظمه الله. # وهم بالآخرة أي: بالدار الآخرة والمصير إلى الله كافرون. # {وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة ~~أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون {46} وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب ~~النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين {47} } [الأعراف: 46-47] ~~وبينهما يعني: بين أهل الجنة وأهل النار حجاب: وهو الأعراف التي قال الله ~~تعالى فيها: وعلى # PageV02P370 # الأعراف: وهي جمع عرف وهو كل عال مرتفع، قال ابن عباس: يريد سور الجنة، ~~وهو سور بين الجنة والنار. # وقوله: رجال قال ابن عباس والمفسرون: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، ~~فمنعتهم حسناتهم من النار ومنعتهم سيئاتهم من الجنة، فيقومون على سور ~~الجنة، ثم يدخلهم الله الجنة برحمته ms0618، وهم آخر من يدخل الجنة. # وقوله: {يعرفون كلا بسيماهم} [الأعراف: 46] يعرفون أصحاب الجنة ببياض ~~وجوههم، وأهل النار بسواد وجوههم، لأن موضعهم مرتفع، فهم يرون الفريقين، ~~{ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم} [الأعراف: 46] إذا نظروا إلى أهل الجنة ~~سلموا عليهم، لم يدخلوها: لم يدخلوا الجنة وهم يطمعون: في دخولها. # قال حذيفة: لم يكن الله ليخيب طمعهم. # وقال الحسن: والله ما جعل الله ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة يريدها ~~بهم. # {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار} [الأعراف: 47] التلقاء: جهة ~~اللقاء، وهي جهة المقابلة، يقال: هو تلقاؤك كقولك هو حذاؤك، قال الكلبي: ~~إذا نظروا إلى أهل النار تعوذوا بالله منها، وقالوا {ربنا لا تجعلنا مع ~~القوم الظالمين} [الأعراف: 47] . # PageV02P371 # {ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم ~~وما كنتم تستكبرون {48} أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا ~~الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون {49} } [الأعراف: 48-49] قوله: {ونادى ~~أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم} [الأعراف: 48] ينادي أصحاب الأعراف ~~قوما من أهل النار رؤساء المشركين، فيقولون لهم: {ما أغنى عنكم جمعكم} ~~[الأعراف: 48] الأموال واستكبارهم عن عبادة الله ثم يرون في الجنة جماعة من ~~ضعفاء المسلمين وفقراءهم، وهم: مثل بلال، صهيب، عمار، خباب، فيقولون ~~للمشركين: {أهؤلاء الذين أقسمتم} [الأعراف: 49] حلفتم وأنتم في الدنيا: {لا ~~ينالهم الله برحمة} [الأعراف: 49] ، وهذا استفهام إنكار، ثم يقول الله ~~تعالى لأصحاب الأعراف {ادخلوا الجنة لا خوف عليكم} [الأعراف: 49] حين يخاف ~~أهل النار، {ولا أنتم تحزنون} [الأعراف: 49] حين يحزنون. # {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم ~~الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين {50} الذين اتخذوا دينهم لهوا ~~ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما ~~كانوا بآياتنا يجحدون {51} } [الأعراف: 50-51] قوله: {ونادى أصحاب النار ~~أصحاب الجنة} [الأعراف: 50] الآية: قال عطاء، عن ابن عباس: لما صار أصحاب ~~الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار بفرج بعد اليأس، فقالوا: يا رب إن لنا ~~قرابات من أهل الجنة، فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم، فنظروا ms0619 إلى قرابتهم في ~~الجنة وما هم فيه من النعيم، فعرفوهم، ونظر أهل الجنة إلى قرابتهم من أهل ~~جهنم، فلم يعرفوهم، قد اسودت وجوههم، وصاروا خلقا آخر، فنادى أصحاب النار ~~أصحاب الجنة بأسمائهم، وأخبروهم بقراباتهم: {أن أفيضوا علينا من الماء أو ~~مما رزقكم الله} [الأعراف: 50] قال السدي، وابن زيد: يعني: الطعام، قال ~~الزجاج: أعلم الله تعالى أن ابن آدم غير مستغن عن الطعام والشراب وإن كان ~~معذبا. # فأعلمهم أهل الجنة أن الله حرم طعامهم وشرابهم على أهل النار بقولهم: {إن ~~الله حرمهما على الكافرين} [الأعراف: 50] ، وهذا تحريم منع، لا تحريم تعبد. ### | 356 - # أخبرنا عمر بن محمد بن عمر المارودي، أنا أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن ~~حمدويه، نا أبو بكر محمد بن # PageV02P372 # منصور الشيعي، نا نصر بن علي الجهضمي، نا موسى بن المغيرة، نا أبو موسى ~~الصفار، قال: سألت ابن عباس أو سئل: أي الصدقة أفضل؟ فقال: قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصدقة الماء، أما رأيت أهل النار لما استغاثوا ~~بأهل الجنة، قالوا: أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله " ### | 357 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله الشيباني، أنا إبراهيم بن رجاء، أنا ~~عبد الله بن محمد البغوي، نا كامل بن طلحة، نا ابن لهيعة، نا أبو قبيل، عن ~~عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: من سقى مسلما شربة من ماء باعده الله بها ~~من النار بقدر شوط فرس ### | 358 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا أبو عمرو بن مطر، أنا أبو ~~الحسين محمد بن الحسين بن سماعة الحضرمي، نا عبيد الله بن موسى، نا موسى بن ~~عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله ~~عليه وسلم، قال: «من سقى شربة من ماء، حيث يقدر على الماء، أعطاه الله بكل ~~شربة سبعين ألف حسنة، وإذا سقاها حيث لا يقدر على الماء، فكأنما أعتق عشر ~~رقاب من ولد إسماعيل» # وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله ms0620: {أفيضوا علينا من الماء أو مما ~~رزقكم الله} [الأعراف: 50] قال: ينادي الرجل أخاه: يا أخي، قد احترقت ~~فأغثني، فيقول: إن الله حرمهما على الكافرين. # PageV02P373 ### | 359 - # أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمر النيسابوري، أنا حمزة بن شبيب المعمري، أنا ~~عمرو بن عبد الله البصري، نا محمد بن عبد الوهاب، أنا جعفر بن عون، أنا ~~موسى بن عبيدة، أخبرنا محمد بن كعب القرظي، بلغني، أنه لما اشتكى أبو طالب ~~شكواه التي قبض فيها، قالت له قريش: يا أبا طالب أرسل إلى ابن أخيك، فيرسل ~~إليك من هذه الجنة التي ذكر شيئا يكون لك شفاء، فخرج الرسول، حتى وجد رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر جالسا معه، فقال: يا محمد إن عمك يقول ~~لك: يا ابن أخي إني كبير ضعيف سقيم، فأرسل إلي من جنتك هذه التي تذكر من ~~طعامها وشرابها شيئا يكون لي فيه شفاء، فقال أبو بكر: إن الله حرمهما على ~~الكافرين، فرجع إليهم الرسول فأخبرهم، فقال: بلغت محمدا الذي أرسلتموني به ~~فلم يجر إلي شيئا، وقال أبو بكر: إن الله حرمهما على الكافرين، فحملوا ~~أنفسهم عليه حتى أرسل رسولا من عنده، فوجده الرسول في مجلسه فقال له مثل ~~ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرمهما على الكافرين ~~طعامها وشرابها» # قوله: {الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا} [الأعراف: 51] قال ابن عباس: ~~يريد: المستهزئين، والمعنى: تلاعبوا بدينهم الذي شرع لهم، واستهزءوا به، ~~فاليوم ننساهم: قال ابن عباس: نتركهم في جهنم. # {كما نسوا لقاء يومهم هذا} [الأعراف: 51] كما تركوا العمل للقاء يومهم ~~هذا، يعني: تركهم العمل بطاعة الله لذلك اليوم، {وما كانوا بآياتنا يجحدون} ~~[الأعراف: 51] ، ما: في موضع جر، بالعطف على ما في قوله كانوا، وما بمعنى ~~المصدر، أي: ولجحودهم بآياتنا. # {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون {52} هل ينظرون ~~إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق ~~فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي ms0621 كنا نعمل قد خسروا ~~أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون {53} } [الأعراف: 52-53] قوله: {ولقد ~~جئناهم بكتاب} [الأعراف: 52] يعني القرآن، {فصلناه على علم} [الأعراف: 52] ~~بيناه بعلم لم يقع منا فيه سهو ولا غلط، هدى ورحمة: قال الزجاج: أي: فصلناه ~~هاديا وذا رحمة لقوم يؤمنون: به، وهذا يدل على أن القرآن جعل هدى لقوم أريد ~~به هدايتهم دون غيرهم ممن كذب به، قوله: هل ينظرون أي: ما ينظرون إلا ~~تأويله، يريد: عاقبته، وما وعد الله فيه من البعث والنشور، والعقاب ~~والحساب، والمعنى: كأنهم ينتظرون ذلك وإن كانوا جاحدين، # PageV02P374 # لأنه يأتيهم لا محالة. # وقوله: {يوم يأتي تأويله} [الأعراف: 53] قال ابن عباس: يريد يوم القيامة. # {يقول الذين نسوه من قبل} [الأعراف: 53] أي: تركوا العمل له، والأيمان به ~~من قبل مجيئه. # {قد جاءت رسل ربنا بالحق} [الأعراف: 53] آمنوا وصدقوا حين لا ينفعهم ذلك، ~~{فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا} [الأعراف: 53] يطلبون شافعا يشفع لهم، أو: ~~هل نرد: إلى الدنيا {فنعمل غير الذي كنا نعمل} [الأعراف: 53] نوحد الله ~~ونؤمن برسله. # قال الله تعالى: {قد خسروا أنفسهم} [الأعراف: 53] أهلكوها بالعذاب وصاروا ~~إلى الخزي، {وضل عنهم ما كانوا يفترون} [الأعراف: 53] سقط عنهم ما كانوا ~~يقولون من أن مع الله إلها آخر. # {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ~~يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له ~~الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين {54} ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا ~~يحب المعتدين {55} ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن ~~رحمت الله قريب من المحسنين {56} وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ~~حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من ~~كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون {57} والبلد الطيب يخرج نباته ~~بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون {58} } ~~[الأعراف: 54-58] قوله: {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة ~~أيام} [الأعراف: 54] قال المفسرون: أراد في ms0622 مقدار ستة أيام لأن اليوم من ~~لدن طلوع الشمس إلى غروبها، فكيف يكون يوم ولا شمس ولا سماء. # وهذا معنى قول مجاهد: إن ذلك رتب على الأيام الأحد والاثنين والثلاثاء ~~والأربعاء والخميس والجمعة فاجتمع الخلق فيه. # قال ابن الأنباري: أراد الله أن يوقع في كل يوم أمرا من خلقه، تستعظمه ~~الملائكة وجميع المشاهدين له. # وقوله {ثم استوى على العرش} [الأعراف: 54] أي: أقبل على خلقه، وقصد إلى ~~ذلك بعد خلق السموات والأرض. # وهذا قول # PageV02P375 # الفراء، وأبي العباس، والزجاج، وقال آخرون: استوى معناه: استولى، واحتجوا ~~بقول البعيث: # ثم استوى بشر على العراق ... من غير سيف أو دم مهراق # وخص العرش بالإخبار عن الاستيلاء عليه لأنه أعظم المخلوقات. # وقوله: {يغشي الليل النهار} [الأعراف: 54] ، وقرئ: بالتشديد والإغشاء ~~والتغشية إلباس الشيء بالشيء، قال الزجاج: والمعنى: أن الليل يأتي على ~~النهار ويغطيه، ولم يقل: ويغشي النهار الليل، لأن في الكلام دليلا عليه، ~~وهذا كما قال: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] ولم يذكر البرد للعلم به، ~~وقوله: يطلبه حثيثا: الحثيث: المعجل السريع، يقال: حثثت فلانا إذا أمرته ~~بالعجلة، قال ابن عباس: يطلب الليل النهار لا غفلة له. # والمعنى: أن الليل يستمر في طلب النهار على منهاج من غير فتور يوجب ~~التأخر عن وقته. # {والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره} [الأعراف: 54] أي: وخلق هذه ~~الأشياء جاريات في مجاريها بأمر الله تعالى، ومعنى تسخيرهن: تذليلهن لما ~~يراد منها من طلوع وسير وأفول على حسب إرادة المدبر فيهم، وقرأ ابن عامر ~~كلها بالرفع على الاستئناف، {ألا له الخلق} [الأعراف: 54] لأنه خلقهم، ~~والأمر، له أن يأمر في خلقه بما يشاء، {تبارك الله رب العالمين} [الأعراف: ~~54] قال ابن عباس: تبارك الله، أي: ارتفع، والمتبارك: المرتفع. # وقال ابن الأنباري: تبارك الله: باسمه يتبرك في كل شيء. # وقال أهل المعاني: تبارك الله، استحق التعظيم فيما لم يزل ولا يزال. # PageV02P376 # وقوله: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} [الأعراف: 55] التضرع: التذلل والتخشع ~~والخفية خلاف العلانية، ويقال: خفية بالكسر، والسنة والأدب في الدعاء أن ~~يكون خفيا لهذه الآية، ولما روي: أن ms0623 النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير ~~الرزق ما يكفي، وخير الذكر الخفي» . # وقال الحسن: بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا، ولقد أدركنا ~~أقواما ما كان وجه الأرض من عمل ويقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية ~~أبدا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يسمع لهم صوت إن كان إلا ~~همسا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله سبحانه يقول {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} ~~[الأعراف: 55] وأن الله ذكر عبدا صالحا، ورضي فعله، فقال: {إذ نادى ربه ~~نداء خفيا} [مريم: 3] . # قوله: {إنه لا يحب المعتدين} [الأعراف: 55] أي: بالجهر في الدعاء. # قاله الكلبي، ومعنى المعتدين: المجاوزين ما أمروا به. # وقوله: {ولا تفسدوا في الأرض} [الأعراف: 56] قال المفسرون: الإفساد في ~~الأرض: العمل فيها بالمعاصي وسفك الدماء. # وقوله: بعد إصلاحها بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسول صلى الله عليه ~~وسلم، وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله تعالى، وهذا معنى قول الحسن، ~~والسدي، والضحاك، والكلبي، وقال عطية: معناه: لا تعصوا في الأرض فيمسك الله ~~المطر، ويهلك الحرث بمعاصيكم. # وعلى هذا معنى قوله: بعد إصلاحها بعد إصلاح الله إياها بالمطر والخصب، ~~{وادعوه خوفا وطمعا} [الأعراف: 56] قال ابن عباس: خوفا من عقابه وطمعا في ~~ثوابه. # {إن رحمت الله قريب من المحسنين} [الأعراف: 56] قال الزجاج: إنما قيل ~~قريب لأن الرحمة والغفران والعفو في معنى واحد. # ونحو هذا قال الأخفش. # PageV02P377 # وأما الرحمة بمعنى الإنعام، فلذلك ذكر، وقال سيعد بن جبير: الرحمة ههنا ~~الثواب. # وقال النضر بن شميل: الرحمة مصدر، ومن حق المصادر التذكير، كقوله: {فمن ~~جاءه موعظة من ربه} [البقرة: 275] . # قوله: وهو الذي يرسل الرياح نشرا جمع نشور، مثل رسول ورسل، والنشور بمعنى ~~المنشر، كالركوب بمعنى المركوب، يقال: أنشر الله الريح، فنشرت. # أي: أحياها، فحييت، وخفف ابن عامر العين فقرأ: نشرا، كما يقال: كتب ورسل، ~~وقرأ حمزة: نشرا وهو مصدر نشرت الشيء ضد طويته، والمراد بالمصدر المفعول، ~~أرسلها الله منشورة بعد انطوائها، وقرأ عاصم بشرا بالباء جمع بشور، أي: ~~تبشر بالمطر والرحمة، من قوله: {يرسل الرياح بشرا} [الأعراف ms0624: 57] . # وقوله: {بين يدي # PageV02P378 # رحمته} [الأعراف: 57] قال الكلبي: قدام مطره، والرياح تتقدم المطر وتؤذن ~~به. # {حتى إذا أقلت} [الأعراف: 57] أي: حملت هذه الرياح سحابا ثقالا: بما فيها ~~من الماء، يقال: أقل فلان الشيء إذا حمله، {سقناه} [الأعراف: 57] سقنا ~~السحاب لبلد ميت: قال ابن الأنباري: إلى بلد يحتاج إلى المطر لانقطاعها ~~عنه، فأنزلنا به: بذلك البلد {الماء فأخرجنا به} [الأعراف: 57] بذلك الماء ~~{من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى} [الأعراف: 57] نحيي الموتى مثل ذلك ~~الإحياء الذي وصفناه في البلد الميت، فإحياء الأموات كإحياء الأرض بالنبات، ~~لعلكم تذكرون: قال الزجاج: لعلكم بما بيناه لكم تستدلون على توحيد الله، ~~وأنه قادر على بعث الأموات. # قوله: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه} [الأعراف: 58] الآية: قال ابن ~~عباس، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والسدي: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن ~~والكافر بالأرض العذبة التربة، وبالأرض السبخة الملحة، شبه المؤمن الذي إذا ~~سمع القرآن وعاه وعقله، وانتفع به، فبان أثره عليه بالبلد الطيب، إذ كان ~~البلد الطيب يمرع يخصب، ويحسن أثر المطر عليه، وشبه الكافر الذي يسمع ~~القرآن، ولا يؤثر فيه أثرا محمودا بالبلد الخبيث إذ كان لا يمرع، ولا يخصب ~~ولا يتبين أثر المطر فيه. # وقوله: والذي خبث: قال الكلبي: هو السبخة من الأرض. # {لا يخرج إلا نكدا} [الأعراف: 58] النكد: العسر الممتنع من إعطاء الخير، ~~والمصدر النكد، يقال: نكد نكدا فهو نكد وأنكد. # قال ابن الأنباري: النكد: العسر البطيء البعيد الخير، وأنشد: # لا تنجز الوعد إن وعدت وإن ... أعطيت أعطيت تافها نكدا # {لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ~~إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم {59} قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال ~~مبين {60} قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني # PageV02P379 # رسول من رب العالمين {61} أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما ~~لا تعلمون {62} أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ~~ولعلكم ترحمون {63} فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين ~~كذبوا بآياتنا إنهم كانوا ms0625 قوما عمين {64} } [الأعراف: 59-64] قوله: {لقد ~~أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} ~~[الأعراف: 59] قرئ: رفعا وخفضا، فأما من خفض، فقال الفراء: يجعل غيره نعتا ~~للإله وقد يرفع، فيجعل تابعا للتأويل في إله ألا ترى أن الإله لو نزعت منه ~~من كان رفعا؟ ونحو هذا قال الزجاج سواء، قال: الرفع على معنى: ما لكم إله ~~غيره، ودخلت من مؤكدة، ومن خفض جعله صفة لإله. # وقوله: {أبلغكم رسالات ربي} [الأعراف: 62] وقرأ أبو عمرو: أبلغكم مخففة ~~من الإبلاغ، وكلاهما قد جاء في التنزيل، فالتخفيف قوله: {فإن تولوا فقد ~~أبلغتكم} [هود: 57] والتشديد قوله: {فما بلغت رسالته} [المائدة: 67] . # وقوله: وأنصح لكم قال ابن عباس: أدعوكم إلى ما دعاني الله إليه، وأحب لكم ~~ما أحب لنفسي. # {وأعلم من الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 62] وأعلم أن ربي غفور لمن رجع ~~عن معاصيه، وأن عذابه أليم شديد لمن أصر على معاصيه. # {أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم} [الأعراف: 63] قال ابن عباس: موعظة من ~~الله. # {على رجل منكم} [الأعراف: 63] قال الفراء: على بمعنى مع ههنا. # وقال ابن قتيبة: على لسان رجل منكم. # وقوله: {إنهم كانوا قوما عمين} [الأعراف: 64] قال ابن عباس: عميت قلوبهم ~~عن معرفة # PageV02P380 # الله وقدرته وشدة بطشه. # وقال الزجاج: عموا عن الحق والإيمان، يقال: رجل عم. # إذا كان أعمى القلب، ورجل أعمى. # في البصر. # قال زهير: # ولكنني عن علم ما في غد عم # {وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا ~~تتقون {65} قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك ~~من الكاذبين {66} قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين {67} ~~أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين {68} أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم ~~على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في ~~الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون {69} قالوا أجئتنا لنعبد الله ~~وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما ms0626 تعدنا إن كنت من الصادقين {70} قال ~~قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ~~ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين {71} فأنجيناه ~~والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين ~~{72} } [الأعراف: 65-72] وقوله: {وإلى عاد أخاهم هودا} [الأعراف: 65] أي: ~~وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا، يعني: ابن أبيهم، قال الكلبي: ليس بأخيهم في ~~الدين ولكن في النسب. # {قال يا قوم اعبدوا الله} [الأعراف: 65] قال ابن عباس: وحدوا الله. # {ما لكم من إله غيره أفلا تتقون} [الأعراف: 65] أفلا تخافون نقمته؟ {قال ~~الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة} [الأعراف: 66] في حمق وجهل، ~~قال # PageV02P381 # ابن عباس: تدعونا إلى دين لا نعرفه. # {وإنا لنظنك من الكاذبين} [الأعراف: 66] فيما جئت به، وقال مقاتل: فيما ~~تقول من نزول العذاب. # وقوله: {وأنا لكم ناصح أمين} [الأعراف: 68] قال الضحاك: أمين على ~~الرسالة. # وقال الكلبي: كنت فيكم قبل اليوم أمينا. # وقوله: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} [الأعراف: 69] يذكرهم ~~النعمة عليهم، يقول: اذكروا أن الله أهلك قوم نوح واستخلفكم بعدهم، {وزادكم ~~في الخلق بسطة} [الأعراف: 69] فضيلة في الطول، قال ابن عباس: يريد: أنكم ~~أجسم وأتم من آبائكم الذين ولدوكم. # وكان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعا، {فاذكروا آلاء الله} ~~[الأعراف: 74] نعم الله عليكم، وإحداها ألى وإلي {لعلكم تفلحون} [الأعراف: ~~69] قال ابن عباس: كي تسعدوا وتبقوا في الجنة. # وقوله: {فأتنا بما تعدنا} [الأعراف: 70] من نزول العذاب {إن كنت من ~~الصادقين} [الأعراف: 70] في أن العذاب نازل إلينا، وقال عطاء: إن كنت من ~~الصادقين في نبوتك وإرسالك إلينا. # قوله: {قال قد وقع عليكم} [الأعراف: 71] أي: وجب ونزل، ومثله: {ولما وقع ~~عليهم الرجز} [الأعراف: 134] أي: أصابهم ونزل بهم. # وقوله: {من ربكم رجس وغضب} [الأعراف: 71] قال ابن عباس: عذاب وسخط. # {أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} [الأعراف: 71] قال ~~المفسرون: كانت لهم أصنام يعبدونها، سموها أسماء مختلفة، فلما دعاهم الرسول ~~إلى التوحيد استكبروا. # وقوله: {ما نزل الله بها من ms0627 سلطان} [الأعراف: 71] أي: من حجة وبرهان لكم ~~في عبادتها، {فانتظروا} [الأعراف: 71] العذاب، {إني معكم من المنتظرين} ~~[الأعراف: 71] للذي يأتيكم من العذاب، في تكذيبكم إياي، وما بعد هذه الآية ~~ظاهر إلي قوله: { # PageV02P382 # وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد ~~جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا ~~تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم {73} واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد ~~وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء ~~الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين {74} قال الملأ الذين استكبروا من قومه ~~للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما ~~أرسل به مؤمنون {75} قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون {76} ~~فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من ~~المرسلين {77} فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين {78} فتولى عنهم ~~وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين {79} ~~} [الأعراف: 73-79] {هذه ناقة الله لكم آية} [الأعراف: 73] أي: دالة على ~~قدرة الله ورسالته، ولهذا جاز أن يكون آية حالا لأنها بمعنى دالة، فكانت ~~تلك الناقة آية من سائر النوق، لأنها خرجت من حجر صلد تمخض واضطرب، كاضطراب ~~المرأة عند الولادة، وقوله: {فذروها تأكل في أرض الله} [الأعراف: 73] أي: ~~سهل الله عليكم أمرها، فليس عليكم رزقها ولا مؤنتها، {ولا تمسوها بسوء} ~~[الأعراف: 73] ولا تصيبوها بعقر {فيأخذكم عذاب أليم} [الأعراف: 73] وعيد ~~لهم، {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد} [الأعراف: 74] أي: أهلكهم ~~واستخلفكم بعدهم، {وبوأكم في الأرض} [الأعراف: 74] أعطاكم فيها منازل ~~ومساكن، وهو قوله: {تتخذون من سهولها قصورا} [الأعراف: 74] قال ابن عباس: ~~تبنون القصور بكل موضع، {وتنحتون الجبال بيوتا} [الأعراف: 74] كانوا يشققون ~~بيوتا في الجبال يسكنونها شتاء، ويسكنون القصور بالصيف، ويروى: أنهم لطول ~~أعمارهم كانوا يحتاجون إلى أن ينحتوا بيوتا في الجبال، لأن السقوف والأبنية ~~كانت تبلى قبل فناء أعمارهم. # قوله: قال الملأ ms0628: قال الفراء: الملأ: القوم من الرجال ليس فيهم امرأة. # وقال ابن عباس: يريد الأشراف. # الذين استكبروا أي: عن عبادة الله، للذين استضعفوا يريد: المساكين {لمن ~~آمن منهم} [الأعراف: 75] بدل من قوله: للذين استضعفوا لأنهم المؤمنون ~~{أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه} [الأعراف: 75] استفهام # PageV02P383 # إنكار، {قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون} [الأعراف: 75] أقروا بالإيمان ~~بصالح وبما أرسل به، فقال المستكبرون: {إنا بالذي آمنتم به كافرون {76} ~~فعقروا الناقة} [الأعراف: 76-77] قال الأزهري: العقر عند العرب قطع عرقوب ~~البعير، ثم جعل النحر عقرا، لأن ناحر البعير يعقره ثم ينحره. # وقوله: {وعتوا عن أمر ربهم} [الأعراف: 77] يقال: عتا يعتو عتوا. # إذا استكبر، ومنه يقال: جبار عات. # قال مجاهد: العتو: الغلو في الباطل. # والمعنى: عصوا الله، وتركوا أمره في الناقة، وكذبوا نبيهم، وقالوا: {يا ~~صالح ائتنا بما تعدنا} [الأعراف: 77] من العذاب {إن كنت من المرسلين} ~~[الأعراف: 77] {فأخذتهم الرجفة} [الأعراف: 78] قال الفراء، والزجاج: هي ~~الزلزلة الشديدة. # وهو قول الكلبي، يقال: رجف الشيء يرجف رجفا ورجفانا. # إذا تحرك، {فأصبحوا في دارهم} [الأعراف: 78] يعني: بلدهم، {جاثمين} ~~[الأعراف: 78] قال ابن عباس: خامدين ميتين لا يتحركون. # وقال ابن الأنباري: قال المفسرون: معنى جاثمين: بعضهم على بعض، أي: عند ~~نزول العذاب بهم سقط بعضهم على بعض كما يجثم الطير. ### | 360 - # أخبرنا أبو القاسم بن عبدان، أنا محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه، ~~أخبرني محمد بن علي الصنعاني، أنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد، أنا عبد ~~الرزاق، أنا معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر، ~~قال: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر، قال: " لا تسألوا الآيات قد ~~سألها قوم صالح، فكانت الناقة ترد من هذا الفج، وتصدر # PageV02P384 # من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم، فعقروها، فأخذتهم الصيحة، فأهمد الله ~~تعالى من تحت السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله، قيل: من هو؟ ~~قال: أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه " # قوله: فتولى عنهم لما نزل بهم العذاب تولى صالح ms0629 عنهم {وقال يا قوم لقد ~~أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم} [الأعراف: 79] قال ابن عباس: خوفتكم من الله ~~ومن عقابه. # {ولكن لا تحبون الناصحين} [الأعراف: 79] لا تجيبونهم إلى ما يدعونكم ~~إليه، وخطابه إياهم بعد كونهم جاثمين كخطاب النبي صلى الله عليه وسلم قتلى ~~بدر، فقيل له: أتكلم هؤلاء الجيف؟ فقال: ما أنتم بأسمع منهم، لكنهم لا ~~يقدرون على الجواب. # {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ~~{80} إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون {81} وما ~~كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون {82} ~~فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين {83} وأمطرنا عليهم مطرا فانظر ~~كيف كان عاقبة المجرمين {84} } [الأعراف: 80-84] قوله تعالى: {ولوطا إذ قال ~~لقومه أتأتون الفاحشة} [الأعراف: 80] يعني: إتيان الذكران، في قول جميع ~~المفسرين {ما سبقكم بها من أحد من العالمين} [الأعراف: 80] قالوا: ما نزا ~~ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط. # {إنكم لتأتون الرجال} [الأعراف: 81] # PageV02P385 # يعني: الفاحشة، وهذا استفهام إنكار، {شهوة من دون النساء} [الأعراف: 81] ~~يقال: شها يشها شهوة إذا اشتهى، والمعنى: تشتهونهم، فتأتونهم وتتركون ~~النساء، {بل أنتم قوم مسرفون} [الأعراف: 81] مجاوزون ما أمرتم به. # {وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم} [الأعراف: 82] يعني: لوطا ~~وأتباعه من المؤمنين، {من قريتكم إنهم أناس يتطهرون} [الأعراف: 82] قال ابن ~~عباس، ومجاهد، وقتادة: يتنزهون عن أدبار الرجال، وهذا إخبار عن ربهم على ~~نبيهم بأقبح جواب حين جعلوا تنزههم عن الفاحشة سببا لإخراجهم إياه من ~~القرية، وهذا معنى قول قتادة: عابوهم بغير عيب، وذموهم بغير ذم. # فأنجيناه وأهله يعني: ابنتيه، إلا امرأته يعني: زوجته {كانت من الغابرين} ~~[الأعراف: 83] الباقين في عذاب الله. # {وأمطرنا عليهم مطرا} [الأعراف: 84] أمطر الله عليهم حجارة من السماء، ~~كما قال في آية أخرى: {وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} [الحجر: 74] . # {وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد ~~جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا ms0630 ~~تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين {85} ولا تقعدوا ~~بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ ~~كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين {86} وإن كان طائفة منكم ~~آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو ~~خير الحاكمين {87} قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب ~~والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كارهين {88} ~~قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها # PageV02P386 # وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما ~~على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين {89} ~~وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون {90} ~~فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين {91} الذين كذبوا شعيبا كأن لم ~~يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين {92} فتولى عنهم وقال يا ~~قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين {93} } ~~[الأعراف: 85-93] قوله: وإلى مدين وهم قبيلة من ولد إبراهيم، بعث الله ~~إليهم شعيبا وهو قوله: أخاهم شعيبا وهو شعيب بن توبة بن مدين بن إبراهيم ~~الخليل. # وقوله: {قد جاءتكم بينة من ربكم} [الأعراف: 85] قال عطاء: موعظة. # {فأوفوا الكيل والميزان} [الأعراف: 85] قال المفسرون: إن قوم شعيب كانوا ~~أهل كفر بالله، وبخس للمكيال والميزان، فأمرهم شعيب بتوحيد الله، وإتمام ~~الكيل والميزان. # {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} [الأعراف: 85] يعني: من المكيل والموزون، ~~{ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} [الأعراف: 85] لا تعملوا فيها بالمعاصي، ~~بعد أن أصلحها الله بالأمر بالعدل وإرسال الرسل، {ولا تقعدوا بكل صراط ~~توعدون} [الأعراف: 86] قال الكلبي، والسدي، وقتادة: لا تقعدوا على طريق ~~الناس تخوفون أهل الإيمان بشعيب. # {وتصدون عن سبيل الله من آمن به} [الأعراف: 86] قال الوالبي، عن ابن ~~عباس: كانوا يجلسون في الطريق، فيخبرون من يأتي عليهم أن شعيبا كذاب فلا ~~يفتننكم عن دينكم ms0631. # وتبغونها عوجا قال مجاهد: تلتمسون لها الزيغ. # وقال الحسن: لا تستقيمون على طريق الهدى. # وقال الزجاج: يريد الاعوجاج والعدول عن القصد. # وقوله: {واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم} [الأعراف: 86] قال الكلبي: كثر ~~عددكم، وذلك أنه كان مدين بن إبراهيم وزوجه بنت لوط فولدت، حتى كثر عدد ~~أولادها. # {وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين} [الأعراف: 86] يعني: آخر أمر قوم # PageV02P387 # لوط. # {وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا} [الأعراف: ~~87] أي: إن اختلفتم في رسالتي فصرتم فريقين: مكذبين، ومصدقين {فاصبروا حتى ~~يحكم الله بيننا} [الأعراف: 87] أي: بتعذيب المكذبين وانجاء المصدقين. # {وهو خير الحاكمين} [الأعراف: 87] لأنه الحكم العدل الذي لا يجور فكان من ~~جواب قومه أن {قال الملأ الذين استكبروا من قومه} [الأعراف: 88] عن عبادة ~~الله وتوحيده: {لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ~~ملتنا} [الأعراف: 88] ولا نقاركم على مخالفتنا، فقال شعيب: {أو لو كنا ~~كارهين} [الأعراف: 88] يعني: أوتجبروننا على ملتكم وإن كرهنا ذلك؟ {قد ~~افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم} [الأعراف: 89] وذلك أنهم كانوا ~~يدعون أن الله أمرهم بما كانوا عليه من الكفر، فقال شعيب: {بعد إذ نجانا ~~الله منها} [الأعراف: 89] أي: من ملتكم إن عدنا فيها كنا مفترين على الله، ~~{وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا} [الأعراف: 89] أي: ما ~~كنا لنرجع في ملتكم بعد إذ وقفنا على أنها ضلالة إلا أن يريد الله إهلاكنا، ~~فإن الله يسعد من يشاء بالطاعة، ويشقي من يشاء بالمعصية، قال الزجاج: ~~المعنى: وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يكون قد سبق في علم الله ومشيئته ~~أن نعود فيها، وتصديق ذلك قوله: {وسع ربنا كل شيء علما} [الأعراف: 89] قال ~~ابن عباس: يعلم ما يكون قبل أن يكون. # {على الله توكلنا} [الأعراف: 89] في كل أمورنا، {ربنا افتح بيننا وبين ~~قومنا بالحق} [الأعراف: 89] قال ابن عباس، والحسن، وقتادة، والسدي: احكم ~~واقض. # وقال الفراء: وأهل عمان يسمون القاضي: الفاتح لأنه يفتح مواضع الحق. # وقال الزجاج: المعنى ms0632: أظهر أمرنا، حتى ينفتح ما بيننا وبين قومنا وينكشف ~~بأن تنزل بهم من العذاب والهلكة ما يظهر أن الحق معنا. # وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: {الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها} ~~[الأعراف: 92] أي: كأن لم يقيموا في دارهم ولم يكونوا هناك بعد الإهلاك، ~~يقال: غني القوم في مكانهم. # إذا أقاموا به، والمغنى المنزل. # وقوله: {فكيف آسى على قوم كافرين} [الأعراف: 93] أي: كيف يشتد حزني عليهم ~~إذا أهلكهم الله؟ يقال: آسيت على الشيء آسى أسى. # إذا اشتد حزنك عليه، وهذا استفهام معناه الإنكار، أي: لا آسى عليهم. # {وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم ~~يضرعون {94} ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا ~~الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون {95} ولو أن أهل القرى آمنوا ~~واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا ~~يكسبون {96} } # PageV02P388 # وقوله: {وما أرسلنا في قرية} [الأعراف: 94] قال ابن عباس: يريد في مدينة. # والقرى في كتاب الله كله المدائن، وقوله: من نبي هو محذوف الصفة لأن ~~التقدير من نبي فكذب، أو فكذبه أهلها {إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء} ~~[الأعراف: 94] يعني: الفقر والجوع والأسقام لعلهم يضرعون أي: يتذللون ~~ويستكينون، {ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة} [الأعراف: 95] يعني بالسيئة: ~~البؤس والمرض، وبالحسنة: الغنى والصحة، والمعنى: أنه يعطيهم بدل ما كانوا ~~فيه من البؤس والمرض، المال والصحة، أخبر الله أنه يأخذ أهل المعاصي بالشدة ~~تارة وبالرخاء تارة، وقوله: حتى عفوا أي: كثروا وزادوا وكثرت أموالهم، ~~يقال: عفا الشعر والوبر إذا كثر، وقال مجاهد: كثرت أموالهم وأولادهم. # {وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء} [الأعراف: 95] يعني: لما صاروا على ~~الرخاء قالوا: قد مس آباءنا من الدهر الشدة والرخاء، وتلك عادة الدهر ولم ~~يكن ما مسنا عقوبة من الله فكونوا على ما أنتم عليه كما كان آباؤكم لم ~~يقلعوا عن دينهم بما مسهم من الضراء. # وقوله: فأخذناهم بغتة أي: لما فسدوا على الأمرين جميعا أخذناهم بغتة، آمن ~~ما كانوا ليكون أعظم ms0633 في الحسرة، {وهم لا يشعرون} [الأعراف: 95] بنزول ~~العذاب، وإنما أخبر الله تعالى بهذا عن الأمم السالفة، فليعتبر أولئك ~~المشركون الذين كانوا يكذبون محمدا صلى الله عليه وسلم. # قوله: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا} [الأعراف: 96] قال ابن عباس: ~~وحدوا الله واتقوا الشرك. # {لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} [الأعراف: 96] قال: يريد: الأمطار ~~والخصب وكثرة المواشي والأنعام، ولكن كذبوا الرسل فأخذناهم بالجدوبة والقحط ~~{بما كانوا يكسبون} [الأعراف: 96] من الكفر والمعصية ثم خوف كفار مكة فقال: ~~{أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون {97} أو أمن أهل القرى ~~أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون {98} أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله ~~إلا القوم الخاسرون {99} أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو ~~نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون {100} } [الأعراف: ~~97-100] {أفأمن أهل القرى} [الأعراف: 97] قال ابن عباس: يعني: مكة وما ~~حولها {أن يأتيهم بأسنا} [الأعراف: 97] عذابنا بياتا ليلا {وهم نائمون {97} ~~أو أمن} [الأعراف: 97-98] هذه واو العطف دخلت عليه همزة استفهام، وقرأ نافع ~~أو بسكون الواو فيكون المعنى: أفأمنوا إحدى هذه العقوبات، والضحى صدر ~~النهار وقت انبساط الشمس. # PageV02P389 # قال الحسن: المعنى: أنهم لا يجوز لهم أن يأمنوا ليلا ولا نهارا بعد تكذيب ~~الرسل، وقوله: وهم يلعبون أي: وهم في غير ما ينفعهم ويعود عليهم بنفع، ومن ~~اشتغل بدنياه وأعرض عن آخرته فهو كاللاعب، وقوله {أفأمنوا مكر الله} ~~[الأعراف: 99] قال المفسرون: مكر الله استدراجه إياهم بالنعمة والصحة ~~ليبطروا ويتمادوا في المعصية والغي، فيكون ذلك في الحقيقة اضرارا بهم من ~~حيث لا يشعرون. # {أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها} [الأعراف: 100] يعني: كفار ~~مكة ومن حولهم، يقول: أو لو نبين لهم أنا {لو نشاء أصبناهم بذنوبهم} ~~[الأعراف: 100] أي: أخذناهم وعاقبناهم كما عاقبنا من قبلهم، وقوله: {ونطبع ~~على قلوبهم} [الأعراف: 100] قال الزجاج: هذا مستأنف منقطع عما قبله لأن ~~قوله أصبنا ماض، ونطبع مستقبل، والمعنى: ونحن نطبع على قلوبهم. # قال ابن الأنباري: ويجوز أن يكون معطوفا على أصبنا إذا كان بمعنى ms0634 نصيب. # PageV02P390 # وفي هذا تكذيب للقدرية، وبيان بأن الله إذا شاء طبع على قلب، فلا يفقه ~~هدى، ولا يعي خيرا. # {تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ~~ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين {101} وما ~~وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين {102} } قوله: {تلك القرى ~~نقص عليك من أنبائها} [الأعراف: 101] يعني القرى التي أهلك أهلها، نتلو ~~عليك من أخبارها، لما فيها من الاعتبار بما كانوا عليه من الاغترار، حتى ~~أتاهم العذاب، {ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات} [الأعراف: 101] بالمعجزات ~~والآيات، {فما كانوا ليؤمنوا} [الأعراف: 101] بعد ما رأوها بما كذبوا من ~~قبل رؤيتهم تلك العجائب، {كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين} [الأعراف: ~~101] أي: مثل ذلك الذي طبع على قلوب كفار الأمم الخالية يطبع الله على قلوب ~~الكافرين الذين كتب عليهم ألا يؤمنوا أبدا. # قوله: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} [الأعراف: 102] قال ابن عباس: يريد: ~~الوفاء بالعهد الذي عاهدهم عليه حين أخرجهم من صلب آدم، حيث يقول: {ألست ~~بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] ، {وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} [الأعراف: ~~102] عاصين ناقضين للعهد. # {ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف ~~كان عاقبة المفسدين {103} وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين ~~{104} حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل ~~معي بني إسرائيل {105} قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين ~~{106} فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين {107} ونزع يده فإذا هي بيضاء ~~للناظرين {108} قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم {109} يريد أن ~~يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون {110} قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن ~~حاشرين {111} يأتوك بكل ساحر عليم {112} } [الأعراف: 103-112] # PageV02P391 # قوله: {ثم بعثنا من بعدهم} [الأعراف: 103] من بعد الأنبياء الذين جرى ~~ذكرهم، موسى بآياتنا بما آتيناه من المعجزات {إلى فرعون وملئه فظلموا بها} ~~[الأعراف: 103] قال ابن عباس: فكذبوا بها. # قال الزجاج: جعلوا بدل الإيمان بها الكفر. # {فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ms0635} [الأعراف: 103] فانظر بعين قلبك كيف ~~فعلنا بهم، وكيف عاقبناهم. # قوله: {حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق} [الأعراف: 105] ، على ~~ههنا بمعنى الباء، قال الفراء: العرب تجعل على بمعنى الباء، يقولون: رميت ~~على القوس، وبالقوس، وجئت على حال حسنة وبحال حسنة. # وفي حرف عبد الله: حقيق بأن لا أقول، والمعنى: أنا حقيق بأن لا أقول، ~~وقرأ نافع: علي مشددة بالياء، قال الزجاج: المعنى واجب علي ترك القول على ~~الله إلا بالحق وهو أنه لا إله غيره، والمعنى: أن موسى عليه السلام قال: ~~واجب علي أن لا أقول في وصف الله تعالى إلا ما هو الحق وهو توحيده، وتنزيهه ~~عن الشريك. # {قد جئتكم ببينة من ربكم} [الأعراف: 105] قال ابن عباس: يعني: العصا. # {فأرسل معي بني إسرائيل} [الأعراف: 105] أطلق عنهم وخلهم، وكان فرعون قد ~~استخدمهم في الأعمال الشاقة من نحو ضرب اللبن، ونقل التراب، وقوله: {فإذا ~~هي ثعبان مبين} [الأعراف: 107] الثعبان: الحية الضخم الذكر، وهو من أعظم ~~الحيات، قال الكلبي: ملأت الحية دار فرعون، ثم فتحت فاها، فإذا شدقها ~~ثمانون ذراعا، ثم شدت على فرعون لتبتلعه، فوثب فرعون عن سريره وهرب، وقام ~~به بطنه ذلك اليوم أربع مائة مرة، ولم يستمسك بطنه بعد ذلك اليوم حتى هلك، ~~ثم أدخل موسى يده جيب مدرعته، ثم أخرجها فإذا هي بيضاء للناظرين لها شعاع ~~ساطع يغلب شعاع الشمس، يضيء ما بين السماء والأرض، فذلك قوله: ونزع يده أي: ~~أخرجها من جيبه، {فإذا هي بيضاء للناظرين} [الأعراف: 108] ، فلما رأوا ذلك ~~قالوا: {إن هذا لساحر عليم} [الأعراف: 109] يعنون أنه حاذق بالسحر، نسبوا ~~ذلك إلى السحر. # {يريد أن يخرجكم} [الأعراف: 110] يا معشر القبط، من أرضكم: ويزيل ملككم # PageV02P392 # بتقوية بني إسرائيل عليكم، فقال فرعون لما قال الملأ ذلك: فماذا تأمرون: ~~قال ابن عباس: ما الذي تشيرون به علي؟ {قالوا أرجه وأخاه} [الأعراف: 111] ، ~~وقرئ بالهمزة، وهما لغتان، يقال: أرجأت الأمر وأرجيته. # إذا أخرته، ومنه قوله تعالى: {مرجون لأمر الله} [التوبة: 106] ، و {ترجي ~~من تشاء} [الأحزاب: 51] ، فيهما القراءتان، والمعنى أخره ms0636، وأخر أمره، ولا ~~تعجل عليه، ثم # PageV02P393 # طلبوا معارضة المعجزة بالحيلة، فقالوا: {وأرسل في المدائن حاشرين} ~~[الأعراف: 111] قال ابن عباس: يريد: في مدائن صعيد مصر رجالا يحشرون إليك ~~من فيها من السحرة، وكان رؤساء السحرة بأقصى مدائن الصعيد، {يأتوك بكل ساحر ~~عليم} [الأعراف: 112] {وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن ~~الغالبين {113} قال نعم وإنكم لمن المقربين {114} قالوا يا موسى إما أن ~~تلقي وإما أن نكون نحن الملقين {115} قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين ~~الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر # PageV02P394 # عظيم {116} وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون {117} ~~فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون {118} فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين {119} ~~وألقي السحرة ساجدين {120} قالوا آمنا برب العالمين {121} رب موسى وهارون ~~{122} قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة ~~لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون {123} لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم ~~لأصلبنكم أجمعين {124} قالوا إنا إلى ربنا منقلبون {125} وما تنقم منا إلا ~~أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين {126} } ~~[الأعراف: 113-126] {وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا} [الأعراف: 113] ~~مالا تعطينا {إن كنا نحن الغالبين} [الأعراف: 113] لموسى، قال نعم أجابهم ~~فرعون إلى ما سألوا من المال على الغلبة، كأنه قال: نعم لكم ذلك. # {وإنكم لمن المقربين} [الأعراف: 114] عندي في المنزلة. # قال الزجاج: أي: ولكم مع الأجر المنزلة الرفيعة عندي، فقالت السحرة ~~لموسى: {إما أن تلقي} [الأعراف: 115] عصاك، {وإما أن نكون نحن الملقين} ~~[الأعراف: 115] ما معنا من الحبال والعصي، قال لهم موسى: ألقوا ما أنتم ~~ملقون، {فلما ألقوا سحروا أعين الناس} [الأعراف: 116] قلبوها عن صحة ~~إدراكها بما موهوا من تلطف الحيلة، حتى رأوا الحبال حيات، واسترهبوهم قال ~~المبرد: أرهبوهم والسين زائدة. # وقال المؤرج: أفزعوهم. # وقال الزجاج: استدعوا رهبة الناس. # {وجاءوا بسحر عظيم} [الأعراف: 116] وذلك أنهم ألقوا حبالا غلاظا، فإذا هي ~~حيات قد ملأت الوادي، يركب بعضها بعضا، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن ألق ~~عصاك فإذا هي تلقف: تبتلع وتلقم، وقرأ حفص ms0637 تلقف مخففا، يقال: لقفت الشيء ~~ألقفه لقفا. # إذا أخذته فأكلته وابتلعته، ومثله: تلقفته والتقفته. # قال المفسرون: لما ألقى موسى العصا صارت حية عظيمة حتى سدت الأفق ثم فتحت ~~فاها ثمانين ذراعا وابتلعت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم، وهو قوله: ما يأفكون ~~يأتون بالإفك وهو الكذب، وذلك أنهم زعموا أن حبالهم حيات وكذبوا في ذلك، ~~إنما كانوا جعلوا فيها الزئبق وصوروها بصور الحيات فاضطرب الزئبق، لأنه لا ~~يستقر، قوله فوقع الحق قال الحسن، ومجاهد: ظهر. # وقال الفراء: فتبين الحق من السحر. # وذلك أن السحرة قالوا: لو كان ما صنع موسى سحرا لبقيت حبالنا وعصينا ولم ~~تفقد، فلما فقدت علموا أن ذلك من أمر الله تعالى، فذلك قوله: {وبطل ما ~~كانوا يعملون} [الأعراف: 118] أي: زال وذهب بأن فقد ما عملوا به السحر من ~~الحبال والعصي، فغلبوا هنالك أي: غلب فرعون وقومه عند ذلك الجمع، وانقلبوا، ~~وانصرفوا من ذلك الموضع صاغرين ذليلين، {وألقي السحرة ساجدين} [الأعراف: ~~120] قال ابن عباس: خروا لله سامعين مطيعين. # {قالوا آمنا برب العالمين} [الأعراف: 121] قال فرعون: إياي تعنون؟ قالوا: ~~لا، {رب موسى وهارون {122} قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم} [الأعراف: ~~122-123] أصدقتم موسى من قبل أمري إياكم؟ {إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة} ~~[الأعراف: 123] قال الكلبي: # PageV02P395 # لصنيع صنعتموه فيما بينكم وبين موسى في مصر، قبل خروجكم إلى هذا الموضع ~~لتستولوا على مصر، {لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون} [الأعراف: 123] عاقبة ~~ما صنعتم، لأقطعن أيديكم الأيمان، وأرجلكم اليسرى، وهو قوله: من خلاف يعني ~~من كل شق طرفا، {ثم لأصلبنكم أجمعين} [الأعراف: 124] قالوا: {إنا إلى ربنا ~~منقلبون} [الأعراف: 125] قال ابن عباس: راجعون إلى ربنا بالتوحيد والإخلاص. # {وما تنقم منا} [الأعراف: 126] وما تكره منا شيئا ولا تطعن علينا، قال ~~ابن عباس: ما لنا عندك من ذنب، ولا ركبنا منك مكروها تعذبنا عليه، إلا ~~إيماننا بآيات ربنا. # يعني: ما أتى به موسى آمنوا بها أنها من عند الله، لا يقدر على مثلها إلا ~~الله، {ربنا أفرغ علينا صبرا} [الأعراف: 126] قال مجاهد: اصبر علينا ms0638 الصبر ~~عند الصلب والقطع حتى لا نرجع كفارا، وتوفنا مسلمين مخلصين على دين موسى. # {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك ~~قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون {127} قال موسى لقومه ~~استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة ~~للمتقين {128} قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ~~ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون {129} } [الأعراف: ~~127-129] قوله: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في ~~الأرض} [الأعراف: 127] هذا إغراء من الملأ لفرعون على موسى، وإنكار أن ~~يتركه مقيما على مخالفته، وأرادوا بالإفساد في الأرض: دعاءهم الناس إلى ~~مخالفة فرعون في عبادته، وتجهيلهم إياه، وقوله: ويذرك قال ابن الأنباري: ~~الواو نائبة عن الفاء. # وهو قول الزجاج، قال: نصب ويذرك على جواب الاستفهام بالواو، والمعنى: ~~أيكون منك أن تذر موسى، وأن يذرك موسى وآلهتك وهي جمع إله، قال الكلبي عن ~~ابن عباس: كان فرعون صنع لقومه # PageV02P396 # أصنام صغارا، وأمرهم بعبادتها، وقال: أنا ربكم، ورب هذه الأصنام، فذلك ~~قوله: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24] . # {قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم} [الأعراف: 127] قال ابن عباس: كان ~~فرعون قد ترك قتل أبناء بني إسرائيل، فلما كان من أمر موسى ما كان، أمر ~~بإعادة القتل عليهم. # {وإنا فوقهم قاهرون} [الأعراف: 127] وإنا على ذلك قادرون، فشكا بنو ~~إسرائيل إعادة القتل على أبنائهم، فقال موسى لقومه: {استعينوا بالله ~~واصبروا} [الأعراف: 128] على ما يفعل بكم، {إن الأرض لله يورثها من يشاء من ~~عباده} [الأعراف: 128] أطمعهم موسى أن يعطيهم الله أرض فرعون وقومه بعد ~~إهلاكهم، والعاقبة للمتقين: قال ابن عباس: الجنة لمن اتقى الله. # وقال غيره: العاقبة ههنا النصر والظفر. # قالوا أوذينا بالقتل الأول، {من قبل أن تأتينا} [الأعراف: 129] بالرسالة، ~~{ومن بعد ما جئتنا} [الأعراف: 129] بإعادة القتل على أبنائنا، {قال عسى ~~ربكم أن يهلك عدوكم} [الأعراف: 129] فرعون وقومه، {ويستخلفكم في الأرض} ~~[الأعراف: 129] يملككم ما كان يملك فرعون وقومه، {فينظر كيف تعملون} ~~[الأعراف ms0639: 129] قال الزجاج: فيرى ذلك بوقوعه منكم، لأن الله تعالى لا يجازي ~~عباده على ما يعلمه منهم، إنما يجازيهم على ما يقع منهم. # {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون {130} فإذا ~~جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما ~~طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون {131} وقالوا مهما تأتنا به من آية ~~لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين {132} فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد ~~والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين {133} ~~ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا ~~الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن # PageV02P397 # معك بني إسرائيل {134} فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ~~ينكثون {135} فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا ~~عنها غافلين {136} وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ~~ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ~~ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون {137} } [الأعراف: ~~130-137] قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} [الأعراف: 130] قال الزجاج: ~~السنين في كلام العرب الجدوب، يقال: مستهم السنة، والمعنى السنة، وشدة ~~السنة. # قال الفراء: بالسنين بالقحط والجدوبة عاما فعاما. # قال المفسرون: والسنين لأهل البوادي، {ونقص من الثمرات} [الأعراف: 130] ~~لأهل القرى {لعلهم يذكرون} [الأعراف: 130] قال الزجاج: وذلك أن أحوال الشر ~~ترقق القلب، وترغب فيما عند الله، وفي الرجوع إليه، ألا ترى إلى قوله تعالى ~~{وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض} [فصلت: 51] ، قوله تعالى: {فإذا جاءتهم ~~الحسنة} [الأعراف: 131] يعني الغيث والخصب والثمار والمواشي والألبان ~~والسعة في الرزق والعافية والسلامة، {قالوا لنا هذه} [الأعراف: 131] أي: ~~إنا مستحقوه على العادة التي جرت لنا في سعة أرزاقنا في بلادنا، ولم يعلموا ~~أنه من الله تعالى، فيشكروا عليه، {وإن تصبهم سيئة} [الأعراف: 131] يعني ~~القحط والجدب، {يطيروا بموسى ومن معه} [الأعراف: 131] يتشاءموا بهم، ~~وقالوا: إنما أصابنا هذا الشر بشؤم موسى وقومه، قال الله تعالى: {ألا إنما ~~طائرهم عند الله} [الأعراف: 131] قال ابن عباس: شؤمهم ms0640 عند الله ومن قبل ~~الله، أي: إنما جاءهم الشؤم بكفرهم بالله، {ولكن أكثرهم لا يعلمون} ~~[الأعراف: 131] أن الذي أصابهم من الله تعالى. # قوله: {وقالوا مهما تأتنا به من آية} [الأعراف: 132] ، مهما كلمة تستعمل ~~للشرط والجزاء، أصلها: ما ما، الأولى للجزاء والثانية زيدت توكيدا، كما ~~يزاد في سائر حروف الجزاء، نحو إما، ومتى ما، ثم أبدلوا من ألف ما الأولى ~~هاء كراهة لتكرار اللفظ فصار مهما. # هذا قول الخليل وجميع البصريين، ومعنى الآية: أنهم قالوا لموسى: متى ما ~~أتيتنا بآية مثل اليد والعصا لتسحرنا بها: جعلوا ذلك سحرا، فإنا لنا نؤمن ~~بك ولن نصدقك، فلما كذبوه أرسل الله عليهم أنواع العذاب، وهو قوله تعالى: ~~{فأرسلنا عليهم الطوفان} [الأعراف: 133] وهو الماء الذي يغشى كل مكان، # PageV02P398 # قال المفسرون: لما أبى فرعون وقومه الإيمان دعا عليهم موسى فأرسل الله ~~عليهم السماء بالماء، فامتلأت بيوت القبط ماء، حتى قاموا في الماء إلى ~~تراقيهم، من جلس منهم غرق، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل من الماء قطرة، ودام ~~ذلك عليهم سبعة أيام، فقالوا: {يا موسى ادع لنا ربك} [الأعراف: 134] يكشف ~~عنا فنؤمن لك. # فدعا ربه فرفع عنهم الطوفان، فأنبت الله لهم في تلك السنة ما لم ينبته ~~قبل ذلك من الكلأ والزرع، فقالوا: ما كان ذلك الماء إلا نعمة علينا. # فبعث الله عليهم الجراد فأكلت عامة زروعهم وثمارهم حتى إن كانت لتأكل ~~الأبواب والسقوف. # قال عطاء: بلغني أن الجراد لما سلط على قوم فرعون أكل أبوابهم، حتى أكل ~~مساميرهم، وكانت لا تدخل بيوت بني إسرائيل، ولا يصيبهم من ذلك شيء. # ومما يذكر من الأخبار في الجراد ما ### | 361 - # أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المقرئ، أخبرني الحسين بن محمد الثقفي، ~~أخبرنا الحسن بن إسماعيل بن خلف الخياط، أنا محمد بن الحسين بن الفرج، نا ~~محمد بن عبيد الله، نا هاشم بن القاسم، نا زياد بن عبد الله بن علاثة، عن ~~موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن ابنه، عن جابر، وأنس بن مالك، عن رسول ~~الله صلى الله ms0641 عليه وسلم # PageV02P399 # أنه كان يدعو على الجراد، يقول: «اللهم أهلك الجراد، اللهم اقطع دابره، ~~اللهم اقتل كباره، وأهلك صغاره، وأفسد بيضه، وخذ بأفواهه من معايشنا ~~وأرزاقنا، إنك سميع الدعاء» # وأخبرنا أحمد بن محمد، أخبرنا الحسين، نا علي بن محمد لؤلؤ جعفر بن مسلم ~~بن عمر الخراز، نا داود بن بكر التستري، حدثني النصر بن واضح، نا أبو أمية ~~بن يعلى، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: " في صدر الجراد مكتوب: جند الله الأعظم " ~~وروى أبو أمامة الباهلي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن مريم بنت ~~عمران سألت ربها أن يطعمها لحما لا دم له، فأطعمها الله الجراد» . # وقال الأوزاعي: " كان ببيروت رجل يذكر أنه رأى رجلا راكبا على جرادة، ~~وعليه خفان طويلان، ويقول بيده: هكذا. # فحيثما أشار انساب الجراد إلى ذلك الموضع، فبلغنا أن ذلك كان ملك الجراد. ### | 363 - # حدثنا محمد بن علي بن حبيب الوراق، نا الحسن بن أحمد الشيباني، أنا محمد ~~بن حمدون بن خالد، نا # PageV02P400 # سليمان بن سيف، نا يحيى بن حماد، نا عبيد الله بن واقد المسمعي، حدثني ~~[محمد بن] عيسى بن شبيب الهذلي، حدثني محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد ~~الله رضي الله عنه، قال: قل الجراد في سنة من سني عمر بن الخطاب رضي الله ~~عنه فاغتم بذلك، فأرسل راكبا إلى اليمن وراكبا إلى الشام وراكبا إلى العراق ~~يسألون: هل رأى من الجراد شيئا أم لا؟ فأتاه الراكب الذي دخل اليمن بقبضة ~~من جراد، فألقاه بين يديه، فلما رآه كبر ثلاثا، ثم قال: سمعت رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يقول: «خلق الله ألف أمة، منها ست مائة في البحر، وأربع ~~مائة في البر، وأول كل شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا أهلكت تتابعت ~~مثل النظام إذا قطع سلكه» # قال المفسرون: فعجوا من ذلك، وأعطوا موسى عهد الله لئن كشف الله ذلك أن ~~يؤمنوا، فدعا موسى فكشف الله ms0642 الجراد، وكان قد بقى من غلاتهم بقية، فقالوا: ~~قد بقى لنا ما هو كافينا، فما نحن بتاركي ديننا. # فبعث الله عليهم القمل، وهو الدبى الصغار التي لا أجنحة لها. # وهذا قول مجاهد، والسدي، وقتادة، وقول ابن عباس في رواية عطاء، وقال في ~~رواية سعيد بن جبير: القمل: السوس الذي يخرج من الحنطة. # وهو قول الحسن قال: القمل دواب سود صغار فتتبع القمل ما بقى من حروثهم، ~~فأكله ولحس الأرض، فجزعوا وخافوا الهلاك، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف ~~عنا الدبى، فقالوا: ما نحن لك بمؤمنين ولا مرسلين معك بني إسرائيل. # فدعا عليهم موسى، فأوحى الله إليه أن يقوم على حافة النيل، ويشير بعصاه ~~إلى أدناه وأقصاه، ففعل ذلك موسى، فتداعت الضفادع بالنقيق من كل جانب حتى ~~أعلم بعضهم بعضا، ثم خرجت مثل الليل الدامس، حتى دخلت بيوتهم بغتة، وامتلأت ~~منها أبنيتهم وأفنيتهم وأطعمتهم، فكان لا يكشف أحدهم ثوبا ولا إناء ولا ~~طعاما ولا شرابا إلا وجد فيه الضفادع، وكان الرجل يجلس إلى ذقنه في ~~الضفادع، ويهم أن يتكلم فيثب الضفدع في فيه، وينام أحدهم فيستيقظ وقد ركبته ~~الضفادع ذراعا، بعضها فوق بعض وصارت عليه ركاما حتى ما يستطيع أن يتحول ~~بشقه الآخر وكان أحدهم يفتح فاه لأكلته، فيسبق الضفدع أكلته إلى فيه، ~~وكانوا لا يعجنون عجينا إلا تشدخت فيه، ولا يطبخون قدرا إلا امتلأت ضفادع، ~~فضجر آل فرعون من ذلك، وضاق عليهم أمرهم، فبكوا وشكوا إلى موسى، وقالوا: ~~اكشف عنا هذا البلاء، فإنا نتوب هذه المرة، فأخذ بذلك عهودهم ومواثيقهم، ثم ~~دعا # PageV02P401 # موسى ربه فكشف عنهم الضفادع ثم نقضوا العهد، فأرسل الله تعالى عليهم ~~الدم، فسال النيل عليهم دما، وصارت مياههم كلها دما، فما يستقون من الآبار ~~إلا وجدوه دما عبيطا، قال قتادة: ذكر لنا أن فرعون كان يجمع بين الرجلين في ~~إناء واحد، القبطي والإسرائيلي، فكان ما يلي الإسرائيلي ماء وما يلي القبطي ~~دما. # وقال مجاهد: كان يستقي الإسرائيلي من النيل ماء طيبا ويستقي الفرعوني ~~دما. # فذلك قوله ms0643: آيات مفصلات، قال المفسرون: وكان العذاب يمكث عليهم من السبت ~~إلى السبت، وبين العذاب إلى العذاب شهر. # وقوله: {فاستكبروا} [الأعراف: 133] أي: عن عبادة الله، {وكانوا قوما ~~مجرمين} [الأعراف: 133] . # قوله: {ولما وقع عليهم الرجز} [الأعراف: 134] أي: نزل بهم العذاب يعني ~~الجراد وما ذكر بعده، {قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك} [الأعراف: ~~134] أي: بما أمرك وأوصاك أن تدعوه به، {لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ~~ولنرسلن معك بني إسرائيل {134} فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه} ~~[الأعراف: 134-135] يعني إلى الأجل الذي غرقهم الله فيه، {إذا هم ينكثون} ~~[الأعراف: 135] ينقضون العهد، فانتقمنا منهم كافأناهم عقوبة بما صنعوا ~~{فأغرقناهم في اليم} [الأعراف: 136] في البحر، {بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا ~~عنها غافلين} [الأعراف: 136] تاركين الاعتبار بها والتفكير فيها، {وأورثنا ~~القوم الذين كانوا يستضعفون} [الأعراف: 137] يعني: بني إسرائيل كان قوم ~~فرعون قد استذلوهم بقتل أبنائهم، واستخدام نسائهم، فأهلكهم الله بالغرق ~~ومكنهم من منازلهم، ومساكنهم، وأعطاهم أرضهم، وهو قوله: {مشارق الأرض ~~ومغاربها} [الأعراف: 137] يريد: جهات شرق أرض الشام ومصر وجهات غربها: ~~{التي باركنا فيها} [الأعراف: 137] بإخراج الزروع والثمار والنبات والأشجار ~~والأنهار، {وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل} [الأعراف: 137] قال ابن ~~عباس: مواعيد ربك التي لا خلف فيها ولا ناقض لها. # قال الزجاج: يعني ما وعدهم الله تعالى من إهلاك عدوهم واستخلافهم في ~~الأرض، وهو قوله: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} [القصص: 5] ~~إلى قوله: {يحذرون} [القصص: 6] . # وقوله: بما صبروا أي: على عذاب فرعون وصنيعه بهم، {ودمرنا ما كان يصنع # PageV02P402 # فرعون وقومه وما كانوا يعرشون} [الأعراف: 137] قال مقاتل: أهلكنا ما عمل ~~فرعون وقومه بأهل مصر، وما بنوا من المنازل والبيوت. # قال ابن عباس: يعرشون: يسقفون من القصور والبيوت. # وقال الزجاج: يقال: عرش يعرش ويعرش. # إذا بنى. # {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا ~~يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون {138} إن هؤلاء ~~متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون {139} قال أغير ms0644 الله أبغيكم إلها وهو ~~فضلكم على العالمين {140} وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ~~يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم {141} } ~~[الأعراف: 138-141] وقوله: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر} [الأعراف: 138] ~~يقال: جاوز الوادي إذا قطعه وجاوز بغيره عبر به، {فأتوا على قوم يعكفون على ~~أصنام لهم} [الأعراف: 138] قال ابن عباس: يعبدونها مقيمين عليها، يقال لكل ~~من لزم شيئا وواظب عليه: عكف يعكف ويعكف. # قال قتادة: كان أولئك القوم نزولا بالرقة. # فلما رأوا ذلك {قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} [الأعراف: ~~138] هذا إخبار عن عظيم جهل بني إسرائيل حيث توهموا أنه يجوز عبادة غير ~~الله بعد ما رأوا الآيات، ولذلك قال لهم موسى: {إنكم قوم تجهلون} [الأعراف: ~~138] قال ابن عباس: جهلتم نعمة ربكم فيما صنع بكم. ### | 364 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن الحارث، أن عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ، نا ~~أبو يحيى الرازي، نا # PageV02P403 # سهل بن عثمان العسكري، نا سفيان، عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان، عن أبي ~~واقد الليثي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى حنينا ~~مر بشجرة يعلق المشركون عليها أسلحتهم وأمتعتهم يقال لها: ذات أنواط، ~~فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال: «الله ~~أكبر، هذا كما قال قوم موسى، اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، لتركبن سنن الذين ~~من قبلكم» # قوله: إن هؤلاء يعني: الذين كانوا يعبدون الأصنام، {متبر ما هم فيه} ~~[الأعراف: 139] مهلك ما هم فيه من العبادة، والتبار: الهلاك، والتتبير: ~~الإهلاك، {وباطل ما كانوا يعملون} [الأعراف: 139] قال ابن عباس: يريد: أن ~~عملهم للشيطان ليس لله فيه نصيب. # قال لهم موسى: {أغير الله أبغيكم} [الأعراف: 140] أطلب لكم {إلها} ~~[الأعراف: 140] معبودا، وهذا استفهام وإنكار، {وهو فضلكم على العالمين} ~~[الأعراف: 140] قال ابن عباس: أكرمكم من بين الخلائق أجمعين. # {وإذ أنجيناكم من آل فرعون} [الأعراف: 141] مفسر إلى آخر الآية في { ~~[البقرة. # ] وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ms0645 ليلة ~~وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين {142} ~~ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن ~~انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ~~وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول # PageV02P404 # المؤمنين {143} قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ~~ما آتيتك وكن من الشاكرين {144} وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة ~~وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين ~~{145} سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا ~~يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه ~~سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين {146} والذين كذبوا ~~بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون {147} } ~~[سورة الأعراف: 142-147] قوله: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة} [الأعراف: 142] ~~تقدير الآية: واعدناه انقضاء ثلاثين ليلة يترقب بعدها المناجاة، قال ~~المفسرون: كان تلك الثلاثين ذو القعدة أمره الله أن يصوم فيها ليكلمه. # قال ابن عباس: صامهن ليلهن ونهارهن فلما انسلخ الشهر، كره أن يكلم ربه ~~وريح فمه ريح فم الصائم، فتناول شيئا من نبات الأرض فمضغه، فأوحى الله إليه ~~لا كلمتك، حتى يعود فوك على ما كان عليه، أما علمت أن رائحة فم الصائم أحب ~~إلي من ريح المسك، وأمره بصيام من ذي الحجة، فذلك قوله: {وأتممناها بعشر ~~فتم ميقات ربه أربعين ليلة} [الأعراف: 142] أي: تم الوقت الذي قدره الله ~~لصوم موسى أربعين، {وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي} [الأعراف: 142] ~~لما أراد موسى الانطلاق إلى الجبل للمناجاة استخلف أخاه هارون على قومه، ~~فقال له: اصلح. # قال ابن عباس: يريد: الرفق بهم والإحسان إليهم. # ومعناه: أصلح أمرهم، {ولا تتبع سبيل المفسدين} [الأعراف: 142] أي: لا تطع ~~من عصى الله ولا توافقه على أمره. # {ولما جاء موسى لميقاتنا} [الأعراف: 143] أي: في الوقت الذي وقتنا له، ~~وكلمه ms0646 ربه: خصه الله بأن أسمعه كلامه من غير أن يكون بينهما أحد، قال ~~المفسرون: لما أراد الله أن يكلم موسى أهبط إلى الأرض ظلمة سبع فراسخ. # فلما دنا موسى من الظلمة طرد عنه شيطانه، وطرد هوام الأرض ونحى عنه ملكا، ~~ثم كلمه الله وكشطت له السماء، فرأى الملائكة قياما في الهواء، ورأى العرش ~~بارزا، وكان بعد ذلك لا يستطيع أحد أن ينظر إليه لما غشي وجهه من النور، ~~ولم يزل على وجهه برقع حتى مات، وقالت له امرأته: أنا أيم منك مذ كلمك ربك. # فكشف لها عن وجهه # PageV02P405 # فأخذها مثل شعاع الشمس، فوضعت يدها في وجهه، وخرت لله ساجدة، وقالت: ادع ~~الله أن يجعلني زوجتك في الجنة. # قال موسى: لك ذلك إن لم تتزوجي بعد فإن المرأة لآخر أزواجها. ### | 365 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، نا أبو الشيخ الحافظ، نا عبد الرحمن بن داود بن ~~منصور، نا عثمان بن خرزاذ، نا الحسين بن حماد، نا عمرو بن هاشم، عن جويبر، ~~عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ~~عز وجل ناجى موسى بمائة ألف وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام وصايا كلها، ~~فكان فيما ناجاه أن قال له: يا موسى لم يتصنع المتصنعون بمثل الزهد في ~~الدنيا ولم يتقرب المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم، ولم يتعبد ~~المتعبدون بمثل البكاء من خيفتي، قال موسى: يا إله البرية كلها ماذا أعددت ~~لهم، قال: أما الزاهدون في الدنيا فأبيحهم جنتي حتى يتبوءوا فيها حيث ~~شاءوا، وأما الورعون عما حرمت عليهم فإنه إذا كان يوم القيامة لم يبق عبد ~~إلا ناقشته الحساب. # وأما البكاءون من خيفتي فأولئك لهم الرفيق الأعلى لا يشاركون فيه " # وقوله: {قال رب أرني أنظر إليك} [الأعراف: 143] قال الزجاج: المعنى: أرني ~~نفسك أنظر إليك أني قد سمعت كلامك، فإني أحب أن أراك. # ولو كانت الرؤية لا تصح في وصف الله، ما سأل موسى ذلك لأنه كان أعلم ~~بالله من أن يسأل ما يستحيل في وصفه ms0647، وفي قوله: لن تراني دليل على جواز ~~الرؤية لأنه لو كان مستحيل الرؤية لقال: لا أرى. # قال ابن عباس في رواية عطاء: لن تراني في الدنيا. # قال مقاتل: لما قال موسى: {أرني أنظر إليك} [الأعراف: 143] قال له ربه: ~~لن تراني، ولكن اجعل بيني وبينك ما هو أقوى منك، وهو الجبل، {فإن استقر ~~مكانه} [الأعراف: 143] أي: سكن وثبت فسوف تراني، وإن لم يستقر مكانه فإنك ~~لا تطيق رؤيتي، {فلما تجلى ربه} [الأعراف: 143] أي: ظهر وبان للجبل قال ~~الكلبي: هو أعظم جبل بمدين يقال له: زبير، جعله دكا أي: مدقوقا، يقال: دككت ~~الشيء أدكه دكا إذا دققته. # قال الأخفش: كأنه قال: دكه دكا. # ومن قرأ: دكاء، فمعناه: جعله مثل # PageV02P406 # دكاء، فحذف المضاف، والدكاء الناقة التي لا سنام لها، وقال المبرد: جعله ~~أرضا دكاء، وهي الأرض التي لا تبلغ أن تكون تلا، قال المفسرون: ساخ الجبل ~~في الأرض، فهو يذهب حتى الآن. ### | 366 - # أخبرنا أبو حسان المزكي، أن أبو علي محمد بن أحمد بن بالويه، نا محمد بن ~~صالح الصيمري، نا النضر بن مسلمة، نا محمد بن الحسن بن زبالة، عن معاوية ~~الضال، عن الخالد بن أيوب، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك، قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما تجلى ربه للجبل جعله دكا صار لعظمته ~~ستة أجبل فوقعت ثلاثة بالمدينة: أحد، وورقان، ورضوى، ووقع ثلاثة بمكة: ثور، ~~وثبير، وحراء " # وقوله: {وخر موسى صعقا} [الأعراف: 143] قال ابن عباس، والحسن، وابن زيد: ~~مغشيا عليه. # فلما أفاق: من غشيته قال سبحانك: تنزيها لك عن # PageV02P407 # السوء، تبت إليك: من مسألتي الرؤية، وذلك أنه سألها من غير استئذان من ~~الله، فلذلك تاب، {وأنا أول المؤمنين} [الأعراف: 143] قال مجاهد، والسدي: ~~أول قومي إيمانا. # وقال أبو العالية: أول من آمن أنه لا يراك أحد قبل يوم القيامة. # وقال الزجاج: أي: أول المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا. # قال: {يا موسى إني اصطفيتك على الناس} [الأعراف: 144] أي: اتخذتك صفوة ~~برسالاتي وبكلامي يعني: تخصيصه بكلامه من غير ms0648 واسطة وذلك أن من أخذ العلم ~~عن العالم المعظم كان أجل رتبة ممن أخذه عن واحد أخذه عنه كما تقول في ~~الأسانيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن أقربها إليه أعزها وأجلها. # وقوله: {فخذ ما آتيتك} [الأعراف: 144] قال ابن عباس: ما فضلتك به وكرمتك، ~~{وكن من الشاكرين} [الأعراف: 144] لأنعمي والطائعين لي. # قوله: {وكتبنا له في الألواح} [الأعراف: 145] قال ابن عباس: يريد ألواح ~~التوراة. # وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الألواح التي أنزلت على موسى ~~كانت من سدر الجنة، وكان طول اللوح اثنى عشر # PageV02P408 # ذراعا» . # وقال الكلبي: كانت من زبرجدة خضراء. # وقال مقاتل: وكتبنا له في الألواح كنقش الخاتم. # وقال ابن جريج: كتبها جبريل بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد من نهر ~~النور. # وقوله: {من كل شيء} [الأعراف: 145] قال السدي: مما أمروا به ونهوا عنه. # وهذا معنى قول ابن عباس: مما افترض، وأحل وحرم، ونهى وأمر. # موعظة نهيا عن الجهل، {وتفصيلا لكل شيء} [الأعراف: 145] هداية إلى كل أمر ~~هو لله رضا، فخذها بقوة قال ابن عباس: بجد، والمعنى: بصحة وعزيمة. # لأنه لو أخذها بضعف نية لأداه إلى فتور العمل به، وقوله: {وأمر قومك ~~يأخذوا بأحسنها} [الأعراف: 145] قال عطاء، عن ابن عباس: يحلوا حلالها، ~~ويحرموا حرامها، ويتدبروا أمثالها، ويعملوا بمحكمها، ويقفوا عند متشابهها. # وقال قطرب: يأخذوا بأحسنها أي: بحسنها وكلها حسن. # وقال أهل المعاني: أحسنها الفرائض والنوافل وهي ما يستحق عليها الثواب، ~~وأدونها في الحسن المباح لأنه لا يستحق عليه حمد ولا ثواب. # {سأريكم دار الفاسقين} [الأعراف: 145] قال عطاء، والحسن، ومجاهد: هي ~~جهنم. # أي: فلتكن منكم على ذكر لتحذروا أن # PageV02P409 # تكونوا منهم، وهذا تهديد لمن خالف أمر الله، وقال قتادة: سأدخلكم الشام ~~فأريكم منازل القرون الماضية الذي خالفوا أمر الله، لتعتبروا به. # قوله: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} [الأعراف: 146] ~~قال ابن عباس: يريد: الذين يتجبرون على عبادي، ويحاربون أوليائي حتى لا ~~يؤمنوا بما جئت به. # وشرحه ابن الأنباري، والزجاج، فقال ابن الأنباري: المعنى: سأصرفهم ms0649 عن ~~قبول آياتي والتصديق بها لعنادهم الحق، وعوقبوا بحرمان الهداية، وهذا ~~كقوله: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف: 5] وقال الزجاج: أي: أجعل ~~جزاءهم الإضلال عن هداية آياتي. # قال: ومعنى يتكبرون أنهم يرون أنهم أفضل الخلق وأن لهم من الحق ما ليس ~~لغيرهم، وقال ابن جريج: الآيات خلق السموات والأرض. # يعني: أصرفهم عن الاعتبار بما فيها، {وإن يروا سبيل الرشد} [الأعراف: ~~146] يعني: الهدى والبيان الذي جاء من الله، {لا يتخذوه سبيلا} [الأعراف: ~~146] دينا، {وإن يروا سبيل الغي} [الأعراف: 146] طاعة الشيطان وضلالته، ~~يتخذوه سبيلا دينا ذلك بأنهم: قال الزجاج: فعل الله ذلك بأنهم. # كذبوا بآياتنا: جحدوا الإيمان بها، وكانوا عنها أي: عن النظر فيها ~~والتدبر لها {غافلين} [الأعراف: 146] . # قوله: {والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة} [الأعراف: 147] يعني: ولقاء ~~الدار الآخرة التي هي موعد الثواب والعقاب، حبطت أعمالهم: صارت كأنها لم ~~تكن، وقوله: {هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} [الأعراف: 147] هذا استفهام ~~تقرير يعني: أنهم لا يجزون إلا بما يستحقون من العقاب، وهو قوله: {إلا ما ~~كانوا يعملون} [الأعراف: 147] أي: إلا بما كانوا، أو على ما كانوا يعملون. # {واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا ~~يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين {148} ولما سقط في أيديهم ~~ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ~~{149} } [الأعراف: 148-149] قوله تعالى: {واتخذ قوم موسى من بعده} ~~[الأعراف: 148] أي: من بعد انطلاقه إلى الجبل للميقات، من حليهم: الحلي جمع ~~حلي مثل ثدي وثدي، ومن كسر الحاء، # PageV02P410 # فقال الزجاج: اتبع الحاء كسرة اللام. # قال المفسرون: إن بني إسرائيل كان لهم عيد يتزينون فيه، ويستعيرون من ~~القبط الحلي، فاستعاروا حلي القبط لذلك اليوم، فلما أخرجهم الله من مصر ~~وغرقهم الله بقيت تلك الحلي في أيديهم، فجمعها السامري، فصاغها عجلا، ~~وأعلمهم أن إلههم وإله موسى عنده فذلك قوله: {عجلا جسدا له خوار} [الأعراف: ~~148] . # وأكثر أهل التفسير على أنه صار جسدا ذا لحم ودم، وقال وهب: جسدا لحما ~~ودما ms0650. # وقال قتادة: جعله الله لحما ودما له خوار. # وقال الحسن: قبض السامري قبضة من أثر فرس جبريل يوم قطع البحر، فقذف ذلك ~~التراب في فم العجل، فتحول لحما ودما، وخار خورة واحدة. # قال الله تعالى منكرا عليهم: {ألم يروا أنه لا يكلمهم} [الأعراف: 148] ~~أي: لا يستطيع كلاما، فيدعو إلى رشد أو يصرف عن غي، {ولا يهديهم سبيلا} ~~[الأعراف: 148] أي: لا يرشدهم إلى دين، وقوله: {اتخذوه} [الأعراف: 148] أي: ~~إلها ومعبودا، كقوله: {ثم اتخذتم العجل من بعده} [البقرة: 51] ، وكانوا ~~ظالمين قال ابن عباس: مشركين. # قوله تعالى: {ولما سقط في أيديهم} [الأعراف: 149] قال ابن عباس، ~~والمفسرون: ندموا على عبادة العجل. # قال الفراء، والزجاج: يقال: للنادم على ما فعل، المتحسر على ما فرط فيه: ~~قد سقط في # PageV02P411 # يده، وأسقط. # قال الزهري: والمراد: سقط الندم في يده. # {ورأوا أنهم قد ضلوا} [الأعراف: 149] وعلموا أنهم قد ابتلوا بمعصية الله، ~~{قالوا لئن لم يرحمنا ربنا} [الأعراف: 149] الآية: وهذا الندم والاستغفار ~~إنما كان بعد رجوع موسى إليهم. # {ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم ~~أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم ~~استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم ~~الظالمين {150} قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين ~~{151} إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا ~~وكذلك نجزي المفترين {152} والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا ~~إن ربك من بعدها لغفور رحيم {153} } [الأعراف: 150-153] قوله: {ولما رجع ~~موسى إلى قومه غضبان أسفا} [الأعراف: 150] الأسف: الشديد الغضب، يقال: ~~آسفني فأسفت. # أي: أغضبني، ومنه قوله: {فلما آسفونا انتقمنا منهم} [الزخرف: 55] ، وقال ~~السدي، والكلبي: الأسف: الحزين، قال موسى لقومه: {بئسما خلفتموني من بعدي} ~~[الأعراف: 150] يقال: خلفه بما يكره إذا عمل خلفه ذلك العمل، قال ابن عباس: ~~يريد اتخاذهم العجل وكفرهم بالله. # وقوله: {أعجلتم أمر ربكم} [الأعراف: 150] قال ابن عباس: يعني: ميعاد ~~ربكم، فلم تصبروا له. # ونحو هذا قال ms0651 الحسن: وعد ربكم الذي وعدتم من الأربعين ليلة. # وقال الكلبي: أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر من ربكم. # وألقى الألواح: التي فيها التوراة. # روى ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الخبر ~~كالمعاينة، إن الله قد أخبر موسى أن قومه قد ضلوا، فلم يكسر الألواح، فلما ~~عاين ذلك كسر الألواح» . # وقوله: {وأخذ برأس أخيه يجره إليه} [الأعراف: 150] قال الكلبي: بذؤابة ~~أخيه وشعره بيده اليمنى ولحيته باليسرى، لأنه توهم أنه عصى الله بمقامه ~~فيما بينهم وتركه اللحوق به، فقال له هارون: يا ابن أم أراد: أمي، فحذف ~~الياء، وأبقى الكسرة دليلا على المحذوف كما قالوا: يا غلام أقبل. # ومن فتح # PageV02P412 # الميم جعل ابن وأم شيئا واحدا، نحو خمسة عشر، وقوله: {إن القوم ~~استضعفوني} [الأعراف: 150] قال الكلبي: استذلوني وقهروني وكادوا وهموا أن ~~يقتلوني، {فلا تشمت بي الأعداء} [الأعراف: 150] يعني أصحاب العجل، ولا ~~تجعلني في موجدتك علي {مع القوم الظالمين} [الأعراف: 150] الذين عبدوا ~~العجل. # قوله: {قال رب اغفر لي} [الأعراف: 151] أي: ما صنعت إلى أخي من الإنكار ~~عليه، وهو برئ مما يوجب العتب عليه، ولأخي إن قصر في الإنكار على عبدة ~~العجل، {وأدخلنا في رحمتك} [الأعراف: 151] قال عطاء: في جنتك، {وأنت أرحم ~~الراحمين} [الأعراف: 151] . ### | 367 - # أخبرنا محمد بن عبد العزيز الفقيه، أنا محمد بن الفضل السلمي، أنا أحمد ~~بن حمدون بن رستم، نا عبد الرحمن بن محمد ابن بنت المبارك بن فضالة، نا ~~عثمان بن عبد الله الشامي، نا سلمة بن سليمان البصري، حدثني محمد بن ~~المنكدر، عن عبد الله بن عمر، قال: " رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ~~غداة الحديبية فنزل على ماء لقوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ~~القوم؟ فقالوا: نحن المسلمون وإذا امرأة تحطب تنورا لها، فلما ارتفع الوهج ~~نحت بابن لها عن وهجه، فأتتنا، فقالت: أفيكم محمد رسول الله؟ قلنا لها: ~~نعم، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تزعم أنك رسول الله؟ فقال: ~~بلى، قالت: ألست تزعم أن ms0652 الله أرحم الراحمين، قال لها: بلى، قالت: أي رسول ~~الله أو تزعم أن الله أرحم الراحمين أفلست تزعم أن الله أرحم بالعباد من ~~الأمهات بأولادهن؟ قال لها: بلى، قالت: أو لست تزعم هذا؟ قال: بلى، قالت: ~~فإن الوالدة لا تطيب نفسها أن تلقي ولدها في النار، فبكى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم حتى أخضلت لحيته، ثم قال: إن الله لا يعذب من عباده إلا ~~المارد المتمرد الذي يتمرد على ربه، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله " # قوله: {إن الذين اتخذوا العجل} [الأعراف: 152] يعني: اليهود الذين كانوا ~~في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، عيرهم بصنع آبائهم، ونسبه إليهم. # قوله: {سينالهم غضب من ربهم} [الأعراف: 152] عذاب في الآخرة، {وذلة في ~~الحياة الدنيا} [الأعراف: 152] يعني: الجزية، وقال عطاء: يعني ما أصاب ~~قريظة والنضير من # PageV02P413 # الجلاء والنفي. # {وكذلك نجزي المفترين} [الأعراف: 152] قال ابن عباس: كذلك أعاقب من اتخذ ~~إلها من دوني. # وقال سفيان بن عيينة: هذا لكل مبتدع ومفتر إلى يوم القيامة. # {والذين عملوا السيئات} [الأعراف: 153] قال ابن عباس: يريد: الشرك. # {ثم تابوا من بعدها} [الأعراف: 153] أي: رجعوا عنها وتركوها، {إن ربك من ~~بعدها لغفور} [الأعراف: 153] لهم، {رحيم} [الأعراف: 153] بهم. # وقوله: {ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين ~~هم لربهم يرهبون {154} واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم ~~الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن ~~هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا ~~وأنت خير الغافرين {155} واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا ~~إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ~~ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون {156} الذين يتبعون الرسول النبي ~~الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف ~~وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم ~~والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به ms0653 وعزروه ونصروه واتبعوا النور ~~الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون {157} قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم ~~جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ~~ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون {158} } ~~[الأعراف: 154-158] {ولما سكت عن موسى الغضب} [الأعراف: 154] أي: سكن وذهبت ~~حدته وفورته، أخذ الألواح: التي كان ألقاها، وفي نسختها وفي المكتوب فيها، ~~وذلك المكتوب انتسخ من أصل فسمي نسخة، هدى من الضلالة، ورحمة من العذاب، ~~{للذين هم لربهم يرهبون} [الأعراف: 154] يريد الخائفين من ربه واللام في ~~لربهم زيادة للتوكيد كقوله: ردف لكم، وقد يزاد حرف الجر توكيدا وإن كان ~~مستغنى عنه، يقال: ألقى يده، وبيده. # وفي القرآن: {ألم يعلم بأن الله يرى} [العلق: 14] . # قوله تعالى: {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا} [الأعراف: 155] ~~معناه: من قومه، فحذفت من ووصل الفعل فنصب، قال # PageV02P414 # السدي: أمر الله تعالى موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه ~~من عبادة العجل، فاختار موسى سبعين رجلا ليعتذروا، فلما سمعوا كلام الله ~~قالوا: أرنا الله جهرة ف أخذتهم الرجفة وهي: الرعدة والحركة الشديدة حتى ~~كادت أن تبين مفاصلهم، وتنقض ظهورهم، وخاف موسى عليهم الموت فبكى ودعا، ~~وخاف أن يتهمه بنو إسرائيل على السبعين إذا عاد إليهم ولم يصدقوه بأنهم ~~ماتوا. # {قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل} [الأعراف: 155] خروجنا، {وإياي} ~~[الأعراف: 155] فكان بنو إسرائيل يعاينون ذلك ولا يتهمونني، {أتهلكنا بما ~~فعل السفهاء منا} [الأعراف: 155] هذا استفهام على تأويل الجحد أراد: لست ~~تفعل ذلك، أي: لا تهلكنا بما فعل عبدة العجل. # هذا قول ابن الأنباري، وقال المبرد: هذا استفهام استعطاف، أي: لا تهلكنا. # وقوله: {إن هي إلا فتنتك} [الأعراف: 155] أي: تلك الفتنة التي وقع فيها ~~السفهاء لم تكن إلا فتنتك، أي: اختبارك وابتلاؤك أضللت بها قوما فافتتنوا، ~~وهديت قوما فعصمتهم حتى ثبتوا على دينك، فذلك معنى قوله: {تضل بها من تشاء ~~وتهدي من تشاء أنت ولينا} [الأعراف: 155] ناصرنا والذي يتولى أمورنا، ~~{واكتب لنا في هذه ms0654 الدنيا حسنة} [الأعراف: 156] قال ابن عباس: اقبل وفادتنا ~~وردنا بالمغفرة والرحمة. # وفي الآخرة يريد: وفي الآخرة حسنة، وهي الجنة، {إنا هدنا إليك} [الأعراف: ~~156] قال جميع المفسرين: تبنا ورجعنا إليك بتوبتنا، والهود: الرجوع. # {قال عذابي أصيب به من أشاء} [الأعراف: 156] قال ابن عباس: يريد: على ~~الذنب اليسير، {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف: 156] قال الحسن، وقتادة: إن ~~رحمته وسعت في الدنيا البر والفاجر، وهو يوم القامة للمتقين خاصة. # قال عطية العوفي: إن الكافر يرزق ويدفع عنه بالمؤمن، فيعيش فيها فإذا صار ~~إلى الآخرة وجبت للمؤمنين خاصة كالمستضيء بنار غيره إذا ذهب صاحب السراج ~~بسراجه. # PageV02P415 ### | 368 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي، أنا محمد بن عبد الله بن ~~خميرويه، أنا علي بن محمد الخزاعي، أنا أبو اليمان، أخبرني شعيب، عن ~~الزهري، أخبرني أبو سلمة، عن أبي هريرة، قال: قام رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم في الصلاة وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ~~ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ~~للأعرابي: «لقد تحجرت واسعا» يريد رحمة الله عز وجل. # رواه البخاري، عن أبي اليمان # وقال قتادة، وسفيان بن عيينة في قوله: {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف: ~~156] قال: قال إبليس: أنا من ذلك الشيء، فأنزل الله: {فسأكتبها للذين يتقون ~~ويؤتون الزكاة} [الأعراف: 156] إلى آخر الآية، فتمنتها اليهود والنصارى ~~وقالت: نحن نؤمن بالتوراة والإنجيل، ونؤدي الزكاة، فاختلسها الله من إبليس ~~واليهود والنصارى فجعلها لهذه الأمة خاصة، فقال: {الذين يتبعون الرسول ~~النبي الأمي} [الأعراف: 157] ، وهو نبيكم كان أميا لا يكتب، {الذي يجدونه ~~مكتوبا عندهم} [الأعراف: 157] في التوراة والإنجيل يجدون نعته ونبوته ~~وأمره. # PageV02P416 ### | 369 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، نا مأمون بن أحمد بن مأمون، نا علي بن ~~سعيد العسكري، حدثني محمد بن الضوء، عن أبيه الصلصال بن الدلهمس، قال: كنا ~~عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لنا: إن عبادة بن الصامت عليل امضوا بنا ~~لنعوده، فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم ms0655 وأمنا، واتبعناه فاجتاز في ~~طريقه برجل من اليهود يمرض ابنا له فمال إليه فقال: «يا يهودي هل تجدونني ~~عندكم مكتوبا في التوراة؟» فأومأ إليه اليهودي برأسه يعلمه أنهم لا يجدونه ~~عندهم في التوراة مكتوبا، فقال له ابن اليهودي: والله يا رسول الله إنهم ~~يجدونك عندهم في التوراة مكتوبا ولقد طلعت، وإن في يده لسفرا من التوراة ~~يقرأ فيه صفتك، وصفة أصحابك، وذكرك، فلما رآك ستره عنك فأنا أشهد أن لا إله ~~إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، فكانت آخر ما تكلم به ~~الغلام حتى قضى نحبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقيموا على ~~أخيكم حتى تقضوا حقه، قال: فحلنا بين اليهودي وبينه وتولينا أمره، حتى ~~واريناه وانصرفنا # وقوله: يأمرهم بالمعروف: قال ابن عباس: يريد: مكارم الأخلاق وصلة ~~الأرحام، {وينهاهم عن المنكر} [الأعراف: 157] عبادة الأوثان وقطع الأرحام، ~~{ويحل لهم الطيبات} [الأعراف: 157] يعني: ما كان يحرمه أهل الجاهلية من ~~البحائر والسوائب وغيرها، {ويحرم عليهم الخبائث} [الأعراف: 157] الميتة ~~والدم وما ذكر معهما، {ويضع عنهم إصرهم} [الأعراف: 157] قال الزجاج: الإصر: ~~ما عقدته من عقد ثقيل. # قال سعيد بن جبير: هو شدة العبادة. # {والأغلال التي كانت عليهم} [الأعراف: 157] قال المفسرون: هي الشدائد ~~التي كانت عليهم كقطع أثر البول، وقتل النفس في التوبة، وقطع الأعضاء ~~الخاطئة، ووجوب القصاص دون الدية، وترك العمل بتة في السبت، فشبهت هذه ~~الشدائد بالأغلال التي تجمع اليد إلى العنق تمثيلا، {فالذين آمنوا به} ~~[الأعراف: 157] بمحمد صلى الله عليه وسلم من اليهود، وعزروه ووقروه، # PageV02P417 # ونصروه على عدوه، {واتبعوا النور الذي أنزل معه} [الأعراف: 157] يعني ~~القرآن، {أولئك هم المفلحون} [الأعراف: 157] وما يليها ظاهر التفسير. # {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون {159} وقطعناهم اثنتي عشرة ~~أسباطا أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست ~~منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا ~~عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم ~~يظلمون {160} وإذ قيل ms0656 لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا ~~حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين {161} فبدل الذين ~~ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا ~~يظلمون {162} } [الأعراف: 159-162] قوله: {ومن قوم موسى أمة} [الأعراف: ~~159] قال أكثر المفسرين: إنهم قوم وراء الصين آمنوا بالنبي صلى الله عليه ~~وسلم، وتركوا تحريم السبت، يجمعون ولا يتظالمون. # يهدون بالحق: يدعون إلى الحق، وبه يعدلون: وبالحق يحكمون، وقال قتادة: ~~كان بعض أهل العلم يحدثنا أن موسى لما أخذ الألواح قال: رب إني أجد في ~~الألواح أمة، خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، رب ~~فاجعلهم أمتي. # قال: تلك أمة أحمد. # قال: إني أجد في الألواح أمة وهم الآخرون في الخلق والسابقون في دخول ~~الجنة، رب فاجعلهم أمتي. # قال: تلك أمة أحمد. # قال: إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرءونها، وكان من قبلهم ~~يقرءونها نظرا حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئا ولم يعوه، رب فاجعلهم أمتي. # قال: تلك أمة أحمد. # قال: رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر، ~~يقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجال، رب فاجعلهم أمتى، قال: تلك ~~أمة أحمد. # قال: رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له ~~حسنة، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، رب فاجعلهم أمتي. # قال: تلك أمة أحمد. # قال: رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بسيئة لم يكتب عليه بشيء ~~وإن عملها كتبت له سيئة واحدة رب فاجعلهم أمتي. # قال: تلك أمة أحمد. # فذكر لنا أن موسى عليه السلام نبذ الألواح وقال: اللهم اجعلني من أمة ~~أحمد فأعطي موسى اثنتين، قال الله تعالى: {يا موسى إني اصطفيتك على الناس ~~برسالاتي وبكلامي} [الأعراف: 144] . # وقال: {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} [الأعراف: 159] ، فرضي ~~نبي الله موسى كل الرضا. # قال أبو # PageV02P418 # العالية، وابن جريج، والربيع بن أنس: هم قوم موسى ms0657 تمسكوا بطريقته ولم ~~يزيغوا، ولما وقع الاختلاف في القوم اعتزلوا وصاروا إلى أن بلغوا وراء ~~الصين، وقال آخرون: هم عبد الله بن سلام وأصحابه. # قوله تعالى: {وقطعناهم} [الأعراف: 160] يعني: قوم موسى يقول: فرقناهم: ~~{اثنتي عشرة أسباطا أمما} [الأعراف: 160] يعني: أولاد يعقوب، وكانوا اثنى ~~عشر ابنا لكل واحد منهم سبطا، فكانوا اثنى عشر سبطا، قال الفراء: وإنما قال ~~اثنتي عشرة والسبط مذكر لأن بعده أمما، فذهب التأنيث إلى الأمم، وقال ~~الزجاج: المعنى: وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة أسباطا، فالأسباط من نعت الفرقة ~~والتأنيث في العدد، وإنما وقع لتقدير الفرقة في الكلام، ولهذا جمع الأسباط، ~~وإن كان ما فوق العشرة من العدد لا يفسر بالجمع. # والأسباط في الحقيقة نعت المفسر المحذوف وهو الفرقة، وقوله: فانبجست بجس ~~الماء وانبجاسه: انفجاره، يقال: بجس الماء يبجس وانبجس وتبجس. # إذا تفجر، وهذه الآية واللتان بعدها مفسرة في { [البقرة. # ] واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم ~~حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا ~~يفسقون {163} وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا ~~شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون {164} فلما نسوا ما ذكروا به ~~أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا ~~يفسقون {165} فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين {166} ~~وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك ~~لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم {167} } قوله تعالى: واسألهم يعني: أسباط ~~اليهود، سؤال تقرير وتوبيخ، يقررهم النبي صلى الله عليه وسلم قديم كفرهم ~~ومخالفة أسلافهم الأنبياء في ارتكاب المعاصي، ويخبرهم بما لا يعلم إلا ~~بوحي، وتلك القرية هي أيلة. # في قول ابن عباس برواية الوالبي، وقوله: { # PageV02P419 # التي كانت حاضرة البحر} [سورة الأعراف: 163] أي: التي هي مجاورة البحر ~~وبقربه وعلى شاطئه، {إذ يعدون في السبت} [الأعراف: 163] أي: يظلمون فيه ~~بصيد السمك، قال ابن عباس: يصيدون الحيتان ويفعلون ما نهوا عنه. # {إذ تأتيهم ms0658 حيتانهم يوم سبتهم شرعا} [الأعراف: 163] ظاهرة على الماء جمع ~~شارع وشارعة. # قال المفسرون: إن اليهود أمروا بتعظيم السبت وحرم عليهم فيه الصيد، فإذا ~~كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها، فإذا انقضى السبت ذهبت فلم ~~تر إلى السبت المقبل، بلاء ابتلوا به، فذلك قوله: {ويوم لا يسبتون لا ~~تأتيهم} [الأعراف: 163] أي: يوم لا يفعلون سبتهم لا تأتيهم الحيتان، وانقطع ~~الكلام، ثم قال: كذلك نبلوهم أي: مثل هذا الاختبار الشديد نختبرهم، ويجوز ~~أن يكون تمام الكلام عند قوله: كذلك والمعنى: لا تأتيهم الحيتان مثل ذلك ~~الإتيان الذي يأتي يوم السبت، ثم استأنف فقال: {نبلوهم بما كانوا يفسقون} ~~[الأعراف: 163] أي: نشدد عليهم المحنة بفسقهم وعصيانهم الله تعالى، ~~والوجهان ذكرهما الزجاج، وابن الأنباري. # قوله تعالى: {وإذ قالت أمة منهم} [الأعراف: 164] قال أهل التفسير: افترق ~~أهل القرية ثلاث فرق فرقة صادت وأكلت، وفرقة نهت وزجرت، وفرقة أمسكت عن ~~الصيد، وقالت للفرقة الأولى الناهية: {لم تعظون قوما الله مهلكهم} ~~[الأعراف: 164] لاموهم على موعظة قوم يعلمون أنهم غير مقلعين، فقالت الفرقة ~~الناهية: {معذرة إلى ربكم} [الأعراف: 164] أي: موعظتنا إياهم معذرة، ~~والمعنى: أن الأمر بالمعروف واجب علينا، فعلينا موعظة هؤلاء عذرا إلى الله ~~تعالى، ومن نصب معذرة فعلى معنى نعتذر معذرة. # وقوله: ولعلهم يتقون أي: وجائز عندنا أن ينتفعوا بالموعظة فيتقوا الله ~~ويتركوا المعصية. # قوله: {فلما نسوا ما ذكروا به} [الأعراف: 165] قال ابن عباس: تركوا ما ~~وعظوا به، {أنجينا الذين ينهون عن السوء} [الأعراف: 165] يعني: الفرقة ~~الناهية، {وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس} [الأعراف: 165] قال المفسرون: ~~بشديد من العذاب، يقال: بؤس يبؤس بؤسا. # إذا اشتد، فهو بئيس. # وقرأ نافع: بيس جعل بئس الذي # PageV02P420 # هو فعل اسما فوصف به ومثله ما روي: أن الله تعالى ينهى عن قيل وقال. # وقراءة ابن عامر كقراءة نافع إلا أنه حقق الهمزة، وقراءة أبي بكر بيئس ~~مثل: ضيغم، وحيدر، وهو كثير في الصفة، ثم فسر ذلك العذاب الشديد فقال: ~~{فلما عتوا عن ما نهوا عنه} [الأعراف: 166] المعنى: عتوا عن ترك ما نهوا ms0659 ~~عنه واستكبروا عن تركه، {قلنا لهم كونوا قردة خاسئين} [الأعراف: 166] وهذا ~~مفسر في { [البقرة. # وروى ابن جريج، عن عكرمة، قال: دخلت على ابن عباس وهو يقرأ في المصحف ~~ويبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قال: هل تعرف أيلة؟ قلت: وما أيلة؟ قال: قرية كان ~~بها ناس من اليهود حرم الله عليهم صيد الحيتان يوم السبت، وكانت تأتيهم يوم ~~سبتهم شرعا، تأتي واردة إلى الماء بيضاء سمانا كأمثال المخاض بأفنيتهم ~~وأبنيتهم، فإذا كان في غير يوم السبت لم يدركوها ولم يجدوها إلا بمشقة، ثم ~~إن رجلا منهم أخذ حوتا يوم السبت فربطه إلى رد في الساحل، وتركه في الماء ~~حتى إذا كان الغد أخذه فأكله، ففعل ذلك أهل بيت منهم حتى فشا ذلك فيهم ~~وكثر، فافترقوا عند ذلك ثلاث فرق، وقالت الفرقة الناهية للفرقة الظالمة: ~~والله لا نبايتكم في مكان. # وفارقوهم فغدوا عليهم يوما وضربوا باب السور، فلم يجبهم أحد، فتسور عليهم ~~واحدا فقال: يا عباد الله قد صاروا قردة، والله، لها أذناب تتعاوى، ثم فتح ~~الباب ودخل الناس عليهم فعرفت القرود أنسابها من الإنس، فيأتي القرد إلى ~~نسيبه من الإنس فيحتك به ويقول الإنسان: أنت فلان؟ فيشير برأسه أي: نعم. # ويبكي، فيقول لهم الإنس: أما إنا حذرناكم غضب الله وعقابه أن يصيبكم بخسف ~~أو مسخ. # قال ابن عباس: فاسمع الله يقول:] أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا ~~الذين ظلموا} [سورة الأعراف: 165] فلا أدري ما فعلت الفرقة الثالثة. # فقال عكرمة: فقلت له: جعلني الله فداك ألا تراهم قد أنكروا حيث قالوا: ~~{لم تعظون قوما الله مهلكهم} [الأعراف: 164] ، وإن لم يقل الله: أنجيتهم لم ~~يقل أيضا أهلكتهم. # فأعجبه قولي فرضي وأمر لي ببردين فكسانيهما. # وهذا أيضا قول الحسن قال: نجت فرقتان وهلكت فرقة، وقال ابن زيد: نجت ~~الناهية وهلكت الفرقتان، وهذه الآية أشد آية في ترك النهي عن المنكر، قوله: ~~{وإذ تأذن ربك} [الأعراف: 167] تأذن بمعنى: أذن أي: أعلم وقال ربك، ليبعثن ~~عليهم على اليهود، {إلى يوم # PageV02P421 # القيامة من يسومهم سوء العذاب} [الأعراف: 167] قال ms0660 المفسرون: هم العرب ~~محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، بعثهم الله على اليهود إلى يوم القيامة ~~يقاتلونهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية، {إن ربك لسريع العقاب} [الأعراف: ~~167] لمن استحق تعجيله لأنه لا يتأخر عن وقت إرادته. # {وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات ~~والسيئات لعلهم يرجعون {168} فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض ~~هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ~~ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة ~~خير للذين يتقون أفلا تعقلون {169} والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة ~~إنا لا نضيع أجر المصلحين {170} } [الأعراف: 168-170] {وقطعناهم في الأرض ~~أمما} [الأعراف: 168] فرقهم الله فتشتت أمرهم ولم تجتمع لهم كلمة، منهم ~~الصالحون قال ابن عباس، ومجاهد: هم الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ~~وآمنوا به، {ومنهم دون ذلك} [الأعراف: 168] يريد: الذين كفروا، وبلوناهم ~~عاملناهم معاملة المبتلي المختبر، بالحسنات وهي: الخصب والعافية، والسيئات ~~وهي الجدب والشدائد، وكل واحد من الحسنات والسيئات يدعو إلى الطاعة: أما ~~النعم فلارتباطها والازدياد منها، وأما النقم فلكشفها، والسلامة منها، ~~وقوله: لعلهم يرجعون قال ابن عباس: كي يتوبوا. # فخلف بعد هؤلاء الذين قطعهم الله، خلف من اليهود، وهم أولادهم الذين أتوا ~~بعدهم، قال ابن السكيت: يقال: هذا خلف صدق، وهذا خلف سوء، وهؤلاء خلف سوء، ~~جمعه وواحده سواء، وأنشد: # وبقيت في خلف كجلد الأجرب # وقال الزجاج: يقال للقرن الذي يجيء في أثر قرن: خلف. # وقوله: ورثوا الكتاب يعني التوراة، أخذوها من آبائهم، {يأخذون عرض هذا ~~الأدنى} [الأعراف: 169] جميع متاع الدنيا عرض، يقال: الدنيا عرض حاضر، يأكل ~~منها البر والفاجر. # قال ابن عباس: ما أشرف لهم من الدنيا أخذوه. # وأراد بالأدنى العالم الأدنى، وهو الدار الفانية، { # PageV02P422 # ويقولون سيغفر لنا} [الأعراف: 169] قال المفسرون: هذا إخبار عن حرصهم على ~~الدنيا وإصرارهم على الذنوب، إذا أشرف لهم شيء من الدنيا أخذوه حلالا كان ~~أو حراما، ويتمنون على الله المغفرة، وإن وجدوا من الغد مثله أخذوه، قال ms0661 ~~الله تعالى: {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق} ~~[الأعراف: 169] قال ابن عباس: وكد الله عليهم في التوراة ألا يقولوا على ~~الله إلا الحق، فقالوا الباطل، وهو ما أوجبوا على الله من مغفرة ذنوبهم ~~التي لا يتوبون منها، وليس في التوراة ميعاد المغفرة مع الإصرار. # {ودرسوا ما فيه} [الأعراف: 169] وقرأوا ما فيه فهم ذاكرون لذلك، ولو ~~عقلوا لعملوا للدار الآخرة، وهو قوله: {والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا ~~تعقلون} [الأعراف: 169] . # قوله: {والذين يمسكون بالكتاب} [الأعراف: 170] يقال: مسكت بالشيء وتمسكت ~~به واستمسكت به وامتسكت به. # وروى أبو بكر، عن عاصم: يمسكون مخففة، وهو رديء لأنه لا يقال أمسكت ~~بالشيء، وإنما يقال: أمسكت الشيء. # ومعنى يمسكون بالكتاب: يؤمنون به ويحكمون بما فيه، قال عامة المفسرين: ~~نزلت في بني إسرائيل مؤمني أهل الكتاب. # {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم ~~بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون} [الأعراف: 171] قوله تعالى: {وإذ نتقنا ~~الجبل فوقهم} [الأعراف: 171] أي: رفعناه باقتلاع له من أصله، يقال: نتقه ~~ينتقه نتقا. # إذا قلعه من أصله. # وقوله: كأنه ظلة: كل ما أظلك من سقف بيت أو سحابة أو جناح حائط فهو ظلة ~~والجمع ظلل، وقوله: {وظنوا أنه واقع بهم} [الأعراف: 171] أي: علموا ~~وأيقنوا، وذكرنا تفسير هذه الآية في { [البقرة عند قوله:] ورفعنا فوقكم ~~الطور} [سورة البقرة: 63] الآية. ### | 370 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن ~~نصر الميرادي، أنا محمد بن أيوب، أنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي، ~~نا نصر بن باب، عن داود، عن الشعبي، عن ابن عباس، أنه قال: إني لأعلم لأي ~~شيء سجدت اليهود على حرف جباهها لما رفع الله الجبل فوقهم كأنه ظلة سجدوا، ~~فجعل أحدهم ينظر بشقه وهو ساجد متى يقع عليه الجبل فكانت سجدة رضي الله بها ~~عنهم فاتخذوها سنة # وباقي الآية مفسرة في { [البقرة. # PageV02P423 # وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ms0662 ألست بربكم ~~قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين {172} أو ~~تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل ~~المبطلون {173} وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون {174} } [سورة الأعراف: ~~172-174] قوله عز وجل: {وإذ أخذ ربك من بني آدم} [الأعراف: 172] الآية: ### | 371 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، أنا أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي، نا ~~عبد الله بن أحمد بن حنبل، نا مصعب الزبيري، حدثني مالك، عن زيد بن أبي ~~أنيسة، أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره، عن مسلم بن ~~يسار الجهني، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية {وإذ أخذ ربك ~~من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم} [الأعراف: ~~172] الآية، فقال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ~~عنها فقال: " إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذريته، فقال: ~~خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ~~فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل: يا رسول الله ~~ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل إذا خلق ~~العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة ~~فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت ~~على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار "، رواه الحاكم أبو عبد الله ~~في صحيحه، عن ابن الأخرم، عن حامد بن أبي # PageV02P424 # حامد المقرئ، عن إسحاق بن سليمان، عن مالك ### | 372 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا أبو بكر محمد بن جعفر بن ~~الهيثم الأنباري، نا جعفر بن محمد بن شاكر، نا الحسين بن محمد المروزي، نا ~~جرير، وعن كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله ~~عليه وسلم: " أخذ الله عز وجل الميثاق من ظهر آدم ms0663 بنعمان يعني عرفة، فأخرج ~~من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه، ثم كلمهم قبلا معاينة، فقال: ألست ~~بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة أنا كنا عن هذا غافلين ~~تلاها إلى قوله {المبطلون} [الأعراف: 173] # قوله تعالى: من ظهورهم: قال الزجاج: هو بدل من بني آدم، المعنى: وإذ أخذ ~~ربك من ظهور بني آدم. # وقال الكتاني: لم يذكر ظهر آدم، وإنما أخرجوا جميعا من ظهره، لأن الله ~~تعالى أخرج ذرية آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالده الأبناء من ~~الآباء، فاستغنى عن ذكر آدم لما علم أنهم كلهم بنوه وأخرجوا من ظهره. # قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: لما خلق الله آدم مسح ظهره، فأخرج ~~من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. # فنودي يومئذ أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة. # وقال مقاتل: إن الله مسح صفحة ظهر آدم اليمنى، فأخرج منها ذرية بيضاء ~~كهيئة الذر يتحركون، ثم مسح صفحة ظهره اليسرى، فأخرج منها ذرية سوداء كهيئة ~~الذر يتحركون، فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك، ثم قال لهم: ألست بربكم؟ قالوا: ~~بلى. # فقال للبيض: هؤلاء في الجنة برحمتي وهم أصحاب اليمين. # وقال للسود: هؤلاء في النار ولا أبالي وهم أصحاب الشمال. # ثم أعادهم جميعا في صلبه، فأهل القبور محبوسون حتى يخرج أهل الميثاق كلهم ~~من أصلاب الرجال وأرحام النساء. # قال الله تعالى: فيمن نقض العهد الأول: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} ~~[الأعراف: 102] ، وهذا قول جماعة المفسرين، وقالت طائفة # PageV02P425 # منهم: إن أهل السعادة من الذرية أقروا طوعا، وإن أهل الشقاوة أقروا تقية ~~وكرها، وذلك معنى قوله: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها} [آل ~~عمران: 83] وقال الزجاج: جائز أن يكون الله تعالى جعل لأمثال الذر فهما ~~يعقل به، كما قال: {قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم} [النمل: 18] ، ~~وكما قال: {وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير} [الأنبياء: 79] . # وقوله: شهدنا قال الكلبي: لما قالت الذرية بلى. # قال الله للملائكة ms0664: اشهدوا، فقالوا: شهدنا. # وقال السدي: هو خبر من الله تعالى عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار ~~بني آدم. # ويحسن الوقف على قوله: بلى، لأن كلام الذرية قد انقطع. # وقوله: أن تقولوا معناه لئلا تقولوا، كما قال: {وألقى في الأرض رواسي أن ~~تميد بكم} [النحل: 15] ، ويجوز أن يكون التقدير: شهدنا كراهية أن تقولوا. # وقرأ أبو عمرو بالياء، لأن الذي تقدم من الياء على الغيبة، وكلا الوجهين ~~حسن لأن الغيب هم المخاطبون في المعنى، قال المفسرون: وهذه الآية تذكير بما ~~أخذ على جميع المكلفين من الميثاق، واحتجاج عليهم لئلا يقول الكفار إنا كنا ~~عن هذا الميثاق غافلين لم نحفظه ولم نذكره. # ونسيانهم لا يسقط الاحتجاج بعد أن أخبر الله بذلك على لسان صاحب المعجزة، ~~وإذا صح ذلك بقول الصادق قام في النفوس مقام الذكر، فالاحتجاج به قائم، ثم ~~قطع عذر الكفار بقوله: {أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل} [الأعراف: 173] ~~لا يستطيع أحد من الذرية الكافرة أن يقول يوم القيامة: إنما أشرك آباؤنا من ~~قبلنا، ونقضوا العهد، {وكنا ذرية من بعدهم} [الأعراف: 173] فاقتدينا بهم، ~~{أفتهلكنا بما فعل المبطلون} [الأعراف: 173] أفتعذبنا بما فعل المشركون ~~المكذبون بالتوحيد؟ فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل هذا الكلام بعد تذكير الله ~~بأخذ الميثاق بالتوحيد على كل واحد من الذرية، قوله تعالى: {وكذلك نفصل ~~الآيات} [الأعراف: 174] أي: وكما بينا في أخذ الميثاق نبين الآيات ليتدبرها ~~العباد فيرجعوا إلى مدلولها ويعملوا بموجبها، وهو بمعنى قوله: ولعلهم ~~يرجعون أي: ولكي يرجعوا عما هم عليه من الكفر إلى التوحيد. # PageV02P426 # {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من ~~الغاوين {175} ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله ~~كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا ~~بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون {176} ساء مثلا القوم الذين كذبوا ~~بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون {177} من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل ~~فأولئك هم الخاسرون {178} } [الأعراف: 175-178] قوله تعالى: {واتل عليهم ~~نبأ الذي آتيناه آياتنا} [الأعراف ms0665: 175] أي: اقرأ وقص على قومك خبر الذي ~~علمناه حجج التوحيد وفهمناه أدلته، فانسلخ منها أي: خرج منها وفارقها، ~~فأتبعه الشيطان: لحقه وأدركه، {فكان من الغاوين} [الأعراف: 175] قال ابن ~~عباس: أطاع الشيطان فكان من الضالين، نزلت الآية في بلعم بن باعوراء، كان ~~عنده اسم الله الأعظم فقصد موسى بلده الذي هو فيه وغزى أهله وكانوا كفارا، ~~فلم يزل قوم بلعم به حتى دعا عليهم، وكان مجاب الدعوة بذلك الاسم الذي كان ~~عنده فاستجيب له، ووقع موسى وبنو إسرائيل في التيه بدعائهم، فقال موسى: يا ~~رب بأي ذنب وقعنا في التيه؟ قال: بدعاء بلعم. # قال موسى: فكما سمعت دعاءه علي، فاسمع دعائي عليه. # فدعا موسى عليه أن ينزع منه الاسم الأعظم والإيمان، فنزع الله منه ~~المعرفة وسلخه منها فخرجت من صدره كحمامة بيضاء. # وقال ابن عباس في رواية الوالبي: هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعم، ~~وكان يعلم اسم الله الأكبر، فلما نزل بهم موسى أتاه بنو عمه وقومه وقالوا: ~~إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا فادع الله أن ~~يردهم عنا، قال: إني إن دعوت عليهم ذهب دنياي وآخرتي فلم يزالوا به حتى دعا ~~عليهم، فسلخه الله مما كان عليه. # وقوله: {ولو شئنا لرفعناه بها} [الأعراف: 176] وفقناه للعمل بها فكنا ~~نرفع به منزلته، {ولكنه أخلد إلى الأرض} [الأعراف: 176] سكن إلى الدنيا ~~ومال إليها، والأرض في هذه الآية عبارة عن الدنيا، وذلك أن الدنيا هي ~~الأرض، لأن ما فيها من العقار والرياع والضياع كلها أرض وسائر متاعها ~~يستخرج منها، وقوله: واتبع هواه انقاد لما دعاه إليه الهوى، قال ابن زيد: ~~كان هواه مع القوم، وهذه الآية هي أشد الآي على ذوي العلم، وذلك أن الله ~~تعالى أخبر أنه أتاه آياته من اسمه الأعظم، والدعوات المستجابة والعلم ~~والحكمة، فاستوجب بالسكون إلى الدنيا # PageV02P427 # وإتباع الهوى تغيير النعمة عليه والانسلاخ منها، ومن الذي يسلم من هاتين ~~الخلتين إلا من عصمه الله، ثم ضرب الله له مثلا فقال: {فمثله كمثل ms0666 الكلب إن ~~تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} [الأعراف: 176] يقال: لهث الكلب يلهث لهثا ~~ولهاثا. # إذا دلع لسانه، قال مجاهد: هذا مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل به، ~~والمعنى: أن هذا الكافر إن زجرته لم ينزجر، وإن تركته لم يهتد، فالحالتان ~~عنده سواء كحالتي الكلب فإنه إن طرد وحمل عليه بالطرد كان لاهثا، وإن ترك ~~وربض كان لاهثا، وذلك أن بلعم زجر ونهي عن الدعاء على موسى، وخاطبته أتانه ~~التي كان يركبها بذلك، فلم ينزجر ولم ينتفع بالزجر، وهذا التمثيل لم يقع ~~لكل كلب وإنما وقع بالكلب اللاهث، وذلك أحسن ما يكون وأبشعه. # ثم عم بهذا التمثيل جميع من يكذب بآيات الله فقال: {ذلك مثل القوم الذين ~~كذبوا بآياتنا} [الأعراف: 176] وقال ابن عباس: يريد أهل مكة كانوا يتمنون ~~هاديا يهديهم ويدعوهم إلى طاعة الله، فلما جاءهم من لا يشكون في صدقه ~~كذبوه، فلم يهتدوا لما تركوا ولم يهتدوا لما دعوا بالرسول والكتاب. # وقوله: فاقصص القصص قال عطاء: قصص الذين كفروا وكذبوا أنبياءهم، لعلهم ~~يتفكرون: يتعظون. # قوله: ساء مثلا يقال: ساء الشيء يسوء فهو سيء إذا قبح، قال ابن عباس: ~~يريد: بئس مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا. # قال الزجاج: وتقدير الكلام: ساء مثلا مثل القوم، ثم حذف المضاف وانتصب ~~مثلا على التمييز، وساء ههنا بمنزلة بئس. # {من يهد الله فهو المهتدي} [الأعراف: 178] من يتول الله هدايته فهو ~~المهتدي، ومن يضلل: من أضله الله وخذله، {فأولئك هم الخاسرون} [الأعراف: ~~178] خسروا الآخرة ونعيمها. # {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم ~~أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل ~~أولئك هم الغافلون} [الأعراف: 179] قوله: {ولقد ذرأنا لجهنم} [الأعراف: ~~179] الآية: أخبر الله تعالى أنه خلق كثيرا من الجن والإنس للنار، وهم ~~الذين حقت عليهم الكلمة الأزلية بالشقاوة، ومن خلقه الله لجهنم فلا حيلة له ~~في الخلاص منها. ### | 373 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أنا محمد بن الحسين بن الحسن بن الخليل ~~القطان، نا محمد ms0667 بن يزيد # PageV02P428 # السلمي، نا مؤمل بن إسماعيل، نا سفيان الثوري، نا طلحة بن يحيى بن طلحة، ~~عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين، قالت: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «إن الله خلق الجنة فخلق لها أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب ~~آبائهم، وخلق النار فخلق لها أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم» . # رواه مسلم، عن إسحاق بن منصور، عن محمد بن يوسف، عن سفيان ### | 374 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، نا أبو بكر محمد بن أحمد المفيد، نا علي بن ~~عباد بن محمد، نا بكار بن عبد الله السيريني، عن ابن عون، عن محمد بن ~~سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « # PageV02P429 # إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وأسماء ~~آبائهم وقبائلهم مجملا عليهم لا يزاد فيهم ولا ينقص إلى يوم القيامة، وخلق ~~النار وخلق لها أهلا وخلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم بأسمائهم وأسماء ~~آبائهم وقبائلهم مجملا عليهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى يوم القيامة» # وقوله: {لهم قلوب لا يفقهون بها} [الأعراف: 179] قال الكلبي: لا يعقلون ~~بها الخير والهدى. # {ولهم أعين لا يبصرون بها} [الأعراف: 179] سبيل الهدى والرشاد، {ولهم ~~آذان لا يسمعون بها} [الأعراف: 179] مواعظ الله والقرآن، والمعنى: أنهم في ~~تركهم الحق وإعراضهم عنه بمنزلة من لا يفقه، ولا يبصر، ولا يسمع، وقوله: ~~أولئك كالأنعام قال مقاتل: يأكلون ويشربون، ولا يلتفتون إلى الآخرة كما ~~تأكل الأنعام وتشرب لا هم لها إلا الأكل كذلك الكافر، {بل هم أضل} ~~[الأعراف: 179] قال الزجاج: وذلك أن الأنعام تبصر منافعها ومضارها فتلزم ~~بعض ما تبصره، وهؤلاء يعلم أكثرهم أنه معاند فيقدم على النار، {أولئك هم ~~الغافلون} [الأعراف: 179] عن أمر الآخرة وما فيها من العذاب. # {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما ~~كانوا يعملون {180} وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون {181} والذين ~~كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون {182} وأملي لهم إن كيدي ms0668 متين ~~{183} أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين {184} أولم ~~ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد ~~اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون {185} من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم ~~في طغيانهم يعمهون {186} } [الأعراف: 180-186] قوله تعالى: {ولله الأسماء ~~الحسنى} [الأعراف: 180] قال المفسرون: هي ما ذكره أبو هريرة عن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم، وهو ما: ### | 375 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أنا محمد بن الحسين بن الحسن بن ~~الخليل، نا أحمد بن يوسف السلمي، نا عبد الرزاق بن همام الحميري، نا معمر ~~بن راشد، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، عن محمد رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم قال: «لله تسعة وتسعون اسما مائة إلا واحدا من أحصاها ~~دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر» . # رواه مسلم، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق # PageV02P430 # قوله: فادعوه بها: دعاؤه بها تعظيمه بذكرها كقولك: يا قدير، يا عليم، يا ~~عزيز، يا كريم، {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} [الأعراف: 180] معنى ~~الإلحاد في اللغة: الميل عن القصد، وقال ابن السكيت: الملحد العادل عن الحق ~~المدخل فيه ما ليس منه. # يقال: قد ألحد في الدين ولحد به، وبه قرأ حمزة: يلحدون من لحد، و {الذين ~~يلحدون في أسمائه} [الأعراف: 180] هم المشركون عدلوا بأسماء الله تعالى عما ~~هي عليه فسموا بها أوثانهم، وزادوا فيها، ونقصوا منها فاشتقوا اللات من ~~الله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان. # وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقال الكلبي: ويقال: الذين يلحدون في أسمائه ~~الذين يكذبون، وعلى هذا فكل من سمى الله بما لم يسم به نفسه، ولم ينطق به ~~كتاب ولا ورد به توقيف، فقد كذب في ذلك ومال عن الحق، وقوله: {سيجزون ما ~~كانوا يعملون} [الأعراف: 180] أي: جزاء ما كانوا يعملون في الآخرة جزاء ما ~~كانوا في الدنيا. # قوله: {وممن خلقنا أمة} [الأعراف: 181] الآية: قال عطاء، عن ابن عباس: ~~يريد الله: أمة محمد صلى الله عليه ms0669 وسلم، وهم المهاجرون والأنصار والتابعون ~~لهم بإحسان. # وقال قتادة: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية ~~قال: هذه لكم، وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها. # {والذين كذبوا بآياتنا} [الأعراف: 182] قال الكلبي: يعني أهل مكة، كذبوا ~~بمحمد والقرآن، {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} [الأعراف: 182] قال ابن عباس: ~~سنمكر بهم. # وقال الضحاك: كلما جددوا معصية جددنا لهم نعمة. # وقال الأزهري: سنأخذهم قليلا قليلا من حيث لا يحتسبون، وذلك أن الله ~~تعالى يفتح عليهم من النعيم ما يغتبطون به ويركنون إليه، ثم يأخذهم على ~~غرتهم أغفل ما يكونون، وأملي لهم الإملاء: # PageV02P431 # الإمهال وإطالة المدة، وهو نقيض الإعجال، يقول: أمهلهم وأطيل لهم مدة ~~عمرهم ليتمادوا في المعاصي، {إن كيدي متين} [الأعراف: 183] قال ابن عباس: ~~إن مكري شديد. # قوله: {أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة} [الأعراف: 184] قال الحسن ~~وقتادة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلا على الصفا يدعو قريشا فخذا ~~فخذا، فيقول: يا بني فلان، يا بني فلان. # يحذرهم بأس الله وعقابه، فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون، بات يصوت ~~حتى الصباح. # فأنزل الله هذه الآية وحثهم على التفكر في أمر الرسول ليعلموا أنه إنما ~~دعا للإنذار لا لما نسبه إليه الجهال، والمعنى: أو لم يتفكروا فيعلموا ما ~~بصاحبهم من جنة، والجنة حالة من الجنون، إن هو: ما محمد إلا نذير: منذر ~~مخوف إياكم عذاب الله، {مبين} [الأعراف: 184] يبين لكم الهدى وطريق الرشد، ~~ثم حثهم على النظر المؤدي إلى العلم فقال: {أولم ينظروا في ملكوت السموات ~~والأرض} [الأعراف: 185] ليستدلوا على أن لها صانعا مدبرا دبرها على ما ~~أراد، ومضى تفسير ملكوت السموات والأرض في { [الأنعام، وقوله:] وما خلق ~~الله من شيء} [سورة الأعراف: 185] أي: وفيما خلق الله من الأشياء كلها، قال ~~ابن عباس: يريد من جليل وصغير. # {وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم} [الأعراف: 185] أي: وفي أن لعل آجالهم ~~قريبة فيهلكوا على الكفر ويصيروا إلى النار، {فبأي حديث بعده يؤمنون} ~~[الأعراف: 185] يعني: بأي كتاب غير ما ms0670 جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ~~يصدقون؟ يعني: أنه لا نبي بعده ولا كتاب بعد كتابه، فإن لم يؤمنوا بكتابه ~~لم يؤمنوا بكتاب بعده لأنه لا وحي بعده، ثم ذكر سبب إعراضهم عن الإيمان ~~فقال: {من يضلل الله فلا هادي له} [الأعراف: 186] ### | 376 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن يحيى، أنا محمد بن جعفر بن مطر، أنا جعفر بن ~~محمد بن الليث الزيادي، نا عبيد الله بن محمد ابن عائشة، نا حماد بن سلمة، ~~عن خالد الحذاء، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن الحارث، قال: ~~خطبنا عمر بن الخطاب بالجابية فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: من يهده الله ~~فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، فقال نصراني: تركس تركس، فقال عمر: ما ~~يقول؟ قالوا: يقول: إن الله يهدي ولا يضل، قال: كذبت يا عدو الله، الله ~~خلقك وهو أضلك وهو يدخلك النار إن شاء الله لولا قرب عهد برسول الله صلى ~~الله عليه وسلم لضربت عنقك # وقوله: ويذرهم رفع بالاستئناف والانقطاع مما قبله، وقرأ أبو عمرو بالياء ~~لتقدم اسم الله تعالى، وقرأ حمزة بالياء والجزم ووجه ذلك فيما يقول سيبويه: ~~أنه عطف على موضع الفاء وما بعدها من قوله: {فلا هادي # PageV02P432 # له} [الأعراف: 186] لأن موضعها جزم بجواب الشرط والحمل على الموضع كثير. # {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها ~~إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها ~~قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون {187} قل لا أملك لنفسي ~~نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما ~~مسني # PageV02P433 # السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون {188} } [الأعراف: 187-188] ~~قوله تعالى: {يسألونك عن الساعة} [الأعراف: 187] قال الحسن، وقتادة: هم ~~قريش قالت لمحمد صلى الله عليه وسلم: أسر إلينا متى الساعة. # قال الزجاج: الساعة ههنا الساعة التي يموت فيها الخلق. # أيان مرساها متى يقع إثباتها، ومعنى أيان ms0671: الاستفهام عن الوقت الذي لم ~~يجئ، والمرسى ههنا مصدر بمعنى الإرساء وهو الإثبات، {قل إنما علمها} ~~[الأعراف: 187] أي: العلم بوقتها ووقوعها، {عند ربي لا يجليها لوقتها} ~~[الأعراف: 187] لا يظهرها في وقتها إلا هو والتجلية: إظهار الشيء، وقوله ~~{ثقلت في السموات والأرض} [الأعراف: 187] قال ابن عباس: ثقلت على أهل ~~السموات وأهل الأرض. # يريد: كلهم خائفون منها المحسن والمسيء، {لا تأتيكم إلا بغتة} [الأعراف: ~~187] فجأة على غفلة منكم وذلك أشد لها. ### | 377 - # أخبرنا أبو القاسم السراج، أنا عبد الله بن محمد بن موسى الكعبي، أنا ~~حمدان بن صالح الأشج، نا عبد الصمد بن حسان، نا إبراهيم بن طهمان، عن محمد ~~بن زياد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «تقوم الساعة على رجل في فيه لقمة فلا يلوكها ولا يسيغها، وعلى رجلين ~~قد نشرا بينهما ثوبا فلا يتبايعانه ولا يطويانه» # وقوله: {يسألونك كأنك حفي عنها} [الأعراف: 187] تقديره: يسألونك عنها ~~كأنك حفي بها ثم حذف الجار والمجرور، وحفي من الإحفاء وهو الإلحاح في ~~السؤال، والمعنى: كأنك عالم بها، أكثرت المسألة عنها. # وهذا قول مجاهد، والضحاك، وابن زيد، {قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر ~~الناس لا يعلمون} [الأعراف: 187] أنه عند الله حين سألوا محمدا صلى الله ~~عليه وسلم عما لم أطلعه عليه، وقوله: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا} ~~[الأعراف: 188] الآية: قال الكلبي: حين نزلت قال أهل مكة: يا محمد ألا ~~يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو، فشتري من الرخيص لتربح عليه عند ~~الغلاء، وبالأرض التي تريد أن تجدب فترحل منها؟ فأنزل الله تعالى: {قل لا ~~أملك لنفسي نفعا} [الأعراف: 188] الآية، أي: اجتلاب نفع بأن أربح، ولا ضرا ~~أي: دفع ضر بأن ارتحل من الأرض قبل أن تجدب إلا ما شاء الله أن أملكه، {ولو ~~كنت أعلم الغيب} [الأعراف: 188] ما يكون قبل أن يكون، {لاستكثرت من الخير} ~~[الأعراف: 188] لادخرت في زمان الخصب لزمان الجدب، {وما مسني السوء} ~~[الأعراف: 188] وما أصابني الضرر والفقر، إن أنا ما ms0672 أنا إلا نذير: قال ابن ~~عباس: لمن لا يصدق بما جئت به. # {وبشير} [الأعراف: 188] لمن اتبعني وآمن بي. # {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها ~~حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا ~~لنكونن من الشاكرين {189} فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما ~~فتعالى الله عما يشركون {190} أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون {191} ~~ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون {192} وإن تدعوهم إلى الهدى لا ~~يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون {193} } [الأعراف: 189-193] ~~وقوله تعالى: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة} [الأعراف: 189] يعني آدم، {وجعل ~~منها زوجها ليسكن إليها} [الأعراف: 189] ليأنس بها ويأوي إليها، فلما ~~تغشاها جامعها، قال الزجاج: كنى أحسن الكناية. # والغشيان: إتيان الرجل امرأته، وقد غشيها وتغشاها إذا علاها، وقوله: ~~{حملت حملا خفيفا} [الأعراف: 189] يعني النطفة والمني، فمرت به بذلك الحمل ~~الخفيف أي: قامت وقعدت، لم يثقلها، فلما أثقلت: صارت إلى حال الثقل ودنت ~~ولادتها، {دعوا الله ربهما} [الأعراف: 189] يعني حواء وآدم: {لئن آتيتنا ~~صالحا} [الأعراف: 189] بشرا سويا مثلنا، {لنكونن من الشاكرين} [الأعراف: ~~189] لك على ذلك. # {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما} [الأعراف: 190] قال ~~المفسرون: لما حملت حواء أتاها إبليس في غير صورته التي عرفته، فقال لها: ~~ما الذي في بطنك؟ قالت: ما أدري. # قال: إني أخاف أن يكون بهيمة أو كلبا أو خنزيرا وما يدريك من أين يخرج؟ ~~أمن دبرك فيقتلك؟ أم ينشق بطنك؟ فخافت # PageV02P434 # حواء فذكرت ذلك لآدم، فلم يزالا في هم من ذلك ثم أتاهما، وقال لها: إن ~~سألت الله أن يجعله خلقا آخر سويا مثلك، ويسهل عليك خروجه حتى تلقيه من ~~بطنك سهلا أتسمينه: عبد الحارث، ولم يزل بها حتى غرها، فلما ولدت ولدا سوى ~~الخلق سمته: عبد الحارث، برضا آدم وكان اسم إبليس في الملائكة الحارث، فذلك ~~قوله: {فلما آتاهما صالحا جعلا له} [الأعراف: 190] أي: لله شركاء يعني: ~~إبليس، فأوقع الجميع موقع الواحد، أراد: جعلا له شريكا إذ ms0673 سمياه عبد ~~الحارث، ولا ينبغي أن يكون عبدا إلا لله. # وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خدعهما مرتين، خدعهما في ~~الجنة وخدعهما في الأرض» . # قال قتادة: أشركا في الاسم ولم يشركا في العبادة. # ويعني أنهما لم يذهبا إلى أن الحارث ربهما، لكنهما قصدا إلى أن الحارث ~~كان سبب نجاة الولد وسلامة أمه، وقد يطلق اسم العبد على من لا يراد به أنه ~~مملوك كما قال الشاعر: # وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا # وقرأ نافع: شركا بكسر الشين ووجهه: أنه حذف المضاف بتقدير: جعلا له ذا ~~شرك، أي: شريكا، وتم الكلام ثم عاد إلى الخبر عن الكفار، ونزه نفسه عن ~~إشراكهم فقال: {فتعالى الله عما يشركون} [الأعراف: 190] قال ابن عباس: ~~يريد: أهل مكة. # وهذا قول مقاتل، والسدي، ثم أنكر عليهم فقال: أيشركون بالله في العبادة، ~~{ما لا يخلق شيئا} [الأعراف: 191] يعني: الأصنام، وهم يخلقون يريد: وهم ~~مخلوقون. # {ولا يستطيعون لهم نصرا} [الأعراف: 192] قال ابن عباس: إن الأصنام لا ~~تنصر من أطاعها، {ولا أنفسهم ينصرون} [الأعراف: 192] قال الحسن: لا يدفعون ~~عن أنفسهم مكروه من أرادهم بشر أو نحوه، ثم خاطب المؤمنين فقال: {وإن ~~تدعوهم إلى الهدى} [الأعراف: 193] وإن تدعوا المشركين إلى الإسلام، لا ~~يتبعوكم، وقرأ نافع بالتخفيف، وهما لغتان: اتبعه وتبعه تبعا. # {سواء عليكم أدعوتموهم} [الأعراف: 193] إلى الدين وعبادة الله، {أم أنتم ~~صامتون} [الأعراف: 193] أي: صمتم عن ذلك الدعاء، لتركهم الانقياد للحق، ~~وهذا كقوله: {وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} [يس: 10] . # PageV02P435 # {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن ~~كنتم صادقين {194} ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين ~~يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون ~~{195} إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين {196} والذين تدعون ~~من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون {197} وإن تدعوهم إلى الهدى ~~لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون {198} } [الأعراف: 194-198] ~~قوله: {إن الذين تدعون من دون ms0674 الله} [الأعراف: 194] قال المفسرون: يعني ~~الأصنام، عباد أمثالكم: قال الكلبي: مملوكون. # وقال الأخفش: عباد أمثالكم في التسخير. # أي: إنهم مسخرون مذللون لأمر الله، {فادعوهم فليستجيبوا لكم} [الأعراف: ~~194] قال ابن عباس: فاعبدوهم هل يثيبونكم أو يجازونكم. # {إن كنتم صادقين} [الأعراف: 194] إن لكم عندهم منفعة وثوابا، أو شفاعة ~~ونصرة، ثم فضل بني آدم عليهم، وقال: {ألهم أرجل يمشون بها} [الأعراف: 195] ~~مشي بني آدم، {أم لهم أيد} [الأعراف: 195] كما لبني آدم، يبطشون يأخذون بها ~~ومعنى البطش: التناول والأخذ بشدة، عرفهم الله تعالى أنهم مفضلون عليهم ~~بالأرجل الماشية والأيدي الباطشة والأعين البصيرة والآذان السامعة فكيف ~~يعبدون من هم أفضل منه؟ وفي هذا بيان جهالتهم، قل لهم يا محمد: ادعوا ~~شركاءكم الذين تعبدون من دون الله، ثم كيدون أنتم وشركاؤكم فلا تنظرون لا ~~تمهلوني واعجلوا في كيدي، قال الحسن: إنهم كانوا يخوفونه بآلهتهم فقال: ~~الله تعالى: {قل ادعوا شركاءكم} [الأعراف: 195] الآية. # ثم ذكر أن الله يتولى حفظه ونصرته، فقال: {إن وليي الله الذي نزل الكتاب} ~~[الأعراف: 196] أي: القرآن، أي: إنه يتولاني وينصرني كما أيدني بإنزال ~~الكتاب، {وهو يتولى الصالحين} [الأعراف: 196] قال ابن عباس: يريد الذين لا ~~يعدلون بالله شيئا، أي: إن الله يتولاهم بنصره، فلا يضرهم عداوة من عاداهم. # وقوله: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا} [الأعراف: 198] قال الحسن: يعني ~~المشركين. # والمعنى: وإن تدعوا أيها المؤمنون المشركين إلى الهدى لا يسمعوا، أي: لا ~~يعقلوا ذلك بقلوبهم فلا يجيبونكم، {وتراهم ينظرون إليك} [الأعراف: 198] ~~بأعينهم، {وهم لا يبصرون} [الأعراف: 198] بقلوبهم. # والمفسرون على أن الآية في صفة الأصنام وبيان ما هي عليه من النقص، ~~ومعنى: ينظرون إليك: قال ابن الأنباري: يخيل إليك أنهم مبصرون لأن لها ~~أعينا مصنوعة مركبة بالجواهر، وهم غير مبصرين في الحقيقة. # {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين {199} وإما ينزغنك من الشيطان ~~نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم {200} إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من ~~الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون {201} # PageV02P436 # وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون {202} وإذا لم تأتهم بآية قالوا ~~لولا اجتبيتها ms0675 قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ~~ورحمة لقوم يؤمنون {203} } [الأعراف: 199-203] قوله تعالى: خذ العفو الآية: ### | 378 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الأصبهاني، أنا محمد بن أحمد بن علي الحيري، ~~أنا الحسن بن سفيان، نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا وكيع، عن هشام بن عروة، عن ~~أبيه، عن عبد الله بن الزبير، قال: ما أنزل الله هذه الآية {خذ العفو وأمر ~~بالعرف} [الأعراف: 199] إلا في أخلاق الناس رواه البخاري، عن يحيى، عن وكيع # العفو: ما أتي بغير كلفة، ذكرنا ذلك عند قوله: {ماذا ينفقون قل العفو} ~~[البقرة: 219] ، قال مجاهد، والحسن: أمر أن يأخذ عفو أخلاق الناس. # والمعنى: اقبل الميسور من أخلاق الناس، ولا تستقص عليهم فيتولد منه ~~البغضاء، وأمر بالعرف العرف، والعارفة، والمعروف: ما يعرف كل أحد صوابه، ~~وتستحسنه النفوس، قال مقاتل، وعروة، والضحاك: وأمر بالمعروف، {وأعرض عن ~~الجاهلين} [الأعراف: 199] صن نفسك عن مقابلتهم، على سفههم، قال قتادة: في ~~هذه الآية أخلاق أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، ودله عليها: «وهذه ~~الآية أجمع لمكارم الأخلاق» . ### | 379 - # أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكي، أنا محمد بن مكي، أنا محمد بن يوسف، أنا ~~محمد بن إسماعيل البخاري، # PageV02P437 # أنا أبو اليمان، نا شعيب، عن الزهري، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن ~~عتبة، أن ابن عباس، قال: قدم عيينة بن حصن على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان ~~من النفر الذين يدنيهم عمر، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي هل لك وجه ~~عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر فلما دخل ~~عليه قال: ها يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل، ~~فغضب عمر حتى هم أن يوقع به فقال له الحر: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل ~~قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} ~~[الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين قال: فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها ~~عليه وكان ms0676 وقافا عند كتاب الله تعالى # قال ابن زيد: لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف يا ~~رب والغضب؟» فنزل قوله: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ} [الأعراف: 200] نزغ ~~الشيطان: وساوسه ونخسه في القلب بما يسول للإنسان من المعاصي. # قال ابن عباس: يريد: يعرض لك من الشيطان عارض. # وقال الزجاج: إن نالك من الشيطان أدنى وسوسة. # فاستعذ بالله: اطلب النجاة من تلك الوسوسة بالله، أي: قل: أعوذ بالله من ~~الشيطان الرجيم، إنه سميع: لدعائك، {عليم} [الأعراف: 200] بما عرض لك. # قوله تعالى: {إن الذين اتقوا} [الأعراف: 201] قال ابن عباس: يريد ~~المؤمنين الذين اتقوا الكفر والشرك والفواحش. # {إذا مسهم طائف من الشيطان} [الأعراف: 201] ، وقرئ: طيف، قال الليث: طائف ~~الشيطان، وطيف الشيطان: ما يغشى الإنسان من وساوسه. # وقال الفراء: الطائف والطيف سواء وهو ما كان كالخيال، والشيء يلم بك. # وقال أبو عمرو: الطائف ما يطوف حول الشيء، وهو هنا ما يطوف به من وسوسة ~~الشيطان، والطيف اللمة والوسوسة. # قال ابن عباس: إذا مسهم عارض من وسوسة الشيطان. # وقال مجاهد، وسعيد بن جبير في هذه الآية: هو الرجل يغضب الغضبة، فيذكر ~~الله فيكظم الغيظ. # وروى ليث عن مجاهد: هو الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيدعه، وهو قوله: ~~{تذكروا فإذا هم مبصرون} [الأعراف: 201] أي: يبصرون مواقع خطئهم بالتذكر ~~والتفكر، قال السدي: إذا زلوا زلة # PageV02P438 # تابوا. # وقال مقاتل: إن المتقي إذا أصابه نزغ من الشيطان تذكر وعرف أنها معصية، ~~فأبصرها فنزع من مخالفة الله. # وقوله: {وإخوانهم} [الأعراف: 202] يعني: إخوان المشركين من الشياطين، قال ~~الكلبي: لكل كافر أخ من الشياطين. # {يمدونهم في الغي} [الأعراف: 202] يطولون لهم الإغواء حتى يستمروا عليه، ~~كقوله: {ويمدهم في طغيانهم} [البقرة: 15] ، ومن قرأ: بضم الياء من الإمداد ~~فقد استعمل ما هو للخير في ضده، وذلك أن الإمداد إنما جاء فيما يحمد، ~~كقوله: وأمددناهم بفاكهة، {نمدهم به من مال وبنين} [المؤمنون: 55] أتمدونني ~~بمال. # وقوله: {ثم لا يقصرون} [الأعراف: 202] الإقصار: الكف عن الشيء، يقال: ~~أقصر عن الشيء. # إذا كف عنه وانتهى، قال الضحاك ms0677، ومقاتل: يعني المشركين، لا يقصرون عن ~~الضلالة ولا يبصرونها بخلاف ما قال في المؤمنين: {تذكروا فإذا هم مبصرون} ~~[الأعراف: 201] ، وروي عن ابن عباس أنه قال: لا الإنس يقصرون عما يعملون من ~~السيئات ولا الشياطين يمسكون عنهم، وعلى هذا قوله: {ثم لا يقصرون} ~~[الأعراف: 202] من فعل المشركين والشياطين جميعا. # قوله: {وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها} [الأعراف: 203] قال ~~الفراء: العرب تقول: اجتبيت الكلام واختلقته وارتجلته. # إذا افتعلته من قبل نفسك. # قال الكلبي: إن أهل مكة كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم تعنتا ~~فإذا تأخرت اتهموه وقالوا: لولا اجتبيتها أي: هلا أحدثتها وأنشأتها. # وقال قتادة: هلا افتعلتها من قبل نفسك؟ وقال ابن زيد: لولا تقولتها وجئت ~~بها من قبل نفسك؟ فأعلمهم صلى الله عليه وسلم أن الآيات من قبل الله تعالى ~~بقوله: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي} [الأعراف: 203] أي: ليس الأمر ~~إلي إنما أتبع الوحي من الله تعالى. # قوله: هذا أي: هذا القرآن الذي أتيت به، {بصائر من ربكم} [الأعراف: 203] ~~دلائل تقود إلى الحق، وقال المفسرون: حجج وبرهان من ربكم. # PageV02P439 # {وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون {204} واذكر ربك في ~~نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ~~{205} إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون {206} } ~~[الأعراف: 204-206] قوله: {وإذا قرئ القرءان} [الأعراف: 204] الآية نزلت في ~~تحريم الكلام في الصلاة، وكانوا يتكلمون في الصلاة بحوائجهم، فأنزل الله ~~تعالى هذه الآية، وأمر بالاستماع إلى قراءة القرآن والسكوت للاستماع، وهو ~~قوله: {فاستمعوا له وأنصتوا} [الأعراف: 204] ، وقال قوم: نزلت في ترك الجهر ~~بالقراءة وراء الإمام. ### | 380 - # أخبرنا أبو منصور المنصوري، أنا علي بن عمر الحافظ، نا عبد الله بن ~~سليمان بن الأشعث، نا العباس بن الوليد بن مزيد، أخبرني أبي، أنا الأوزاعي، ~~أنا عبد الله بن عامر، حدثني زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي هريرة في هذه ~~الآية: نزلت في رفع الأصوات وهو خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ~~الصلاة ms0678 # ولا تدل الآية على ترك القراءة خلف الإمام لأن هذا الإنصات المأمور به ~~إنما هو نهي عن الكلام في الصلاة أو عن الجهر كما ذكرنا، وعلى هذا فحكم ~~الظاهر ممتثل عند الشافعي لأن السنة عنده أن يسكت الإمام بعد فراغه من ~~الفاتحة فيقرأ المأموم الفاتحة في حال سكتة الإمام على أن قراءة الفاتحة ~~مخصوصة بالسنة لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا كنتم خلفي فلا تقرءوا إلا ~~بفاتحة الكتاب فإن لا صلاة إلا بها» . # وقوله: {واذكر ربك في نفسك} [الأعراف: 205] قال ابن عباس: يعني: بالذكر ~~القراءة في الصلاة. # تضرعا وخيفة قال ابن زيد: # PageV02P440 # يريد يتضرع إلي ويخاف مني. # أمر في صلاة الإسرار أن يقرأ في نفسه، وفيما يرفع فيه الصوت بالقراءة أمر ~~أن يقرأ دون الجهر، وهو قوله: {ودون الجهر من القول} [الأعراف: 205] ، ~~والمسنون دون الجهر لقوله في آية أخرى: {ولا تجهر بصلاتك} [الإسراء: 110] ~~الآية. # وقوله: بالغدو والآصال الغدو جمع غدوة، والآصال واحدها أصل، وواحد الأصل ~~أصيل، قال الزجاج: الآصال العشيات جمع الجمع. # قال ابن عباس: يريد بكرة وعشيا، يعني الصلوات. # قال قتادة: أمر الله بذكره، ونهى عن الغفلة. # وهو قوله: {ولا تكن من الغافلين} [الأعراف: 205] . # قوله: {إن الذين عند ربك} [الأعراف: 206] يعني: الملائكة، قال الزجاج: ~~يعني أنهم بالقرب من رحمة الله تعالى ومن فضله. # {لا يستكبرون عن عبادته} [الأعراف: 206] أي: لا يتعظمون عن عبادته، ~~{ويسبحونه} [الأعراف: 206] يذكرونه بالتسبيح، كأنه قيل: من هو أكبر منك ~~شأنا أيها الإنسان لا يستكبرون عن عبادة الله وتسبيحه والصلاة له، وهو ~~قوله: وله يسجدون. ### | 381 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، أنا حاجب بن أحمد، حدثنا عبد الرحيم بن ~~منيب، نا يعلى بن عبيد، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل ~~الشيطان يبكي ويقول: يا ويله أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود ~~فعصيت فلي النار ". # رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي معاوية، عن الأعمش ### | 382 - # أخبرنا ms0679 أبو الحسن علي بن محمد الفارسي، أنا محمد بن محمد بن إسحاق، أنا ~~محمد بن محمد بن سليمان الواسطي، نا هشام بن عمار، نا هقل بن زياد، نا ~~الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، حدثني ربيعة بن كعب الأسلمي، ~~قال: كنت أبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم وآتيه بوضوئه وحاجته، فقال: " ~~سلني، فقلت: مرافقتك في الجنة، فقال: أوغير ذلك؟ فقلت: هو ذاك، قال: فأعني ~~على نفسك بكثرة السجود ". # رواه مسلم، عن الحكم بن موسى، عن هقل # PageV02P441 ### | 383 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الإسفرائيني، أنا أبو عبد الله بن بطة، ~~أنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثني إبراهيم بن هاني، نا أبو عبد ~~الرحمن المقرئ، نا ابن لهيعة، حدثني الحارث بن يزيد، أخبرني كثير الأعرج، ~~قال: سمعت أبا فاطمة، يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثر من ~~السجود فإنه لا يسجد عبد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه به ~~خطيئة» # PageV02P442 ### | سورة الأنفال # مدنية وآياتها خمس وسبعون ### | 384 - # أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الزعفراني، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن ~~مطر، نا إبراهيم بن شريك، نا أحمد بن عبد الله بن يونس، نا سلام بن سليم، ~~نا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الأنفال وبراءة فأنا ~~له شفيع وشاهد يوم القيامة أنه برئ من النفاق، وأعطي من الأجر بعدد كل ~~منافق ومنافقة في دار الدنيا عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ويرفع له عشر ~~درجات، وكان العرش وحملته يصلون عليه أيام حياته في دار الدنيا» # بسم الله الرحمن الرحيم {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ~~فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين {1} ~~إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته ~~زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون {2} الذين يقيمون الصلاة ومما ms0680 رزقناهم ~~ينفقون {3} أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم {4} ~~} [الأنفال: 1-4] {يسألونك عن الأنفال} [الأنفال: 1] الآية: النفل: الغنيمة ~~وجمعه أنفال، قال المفسرون: اختلف أهل بدر في الغنائم، فقال الشبان: لنا ~~الغنائم لأنا أبلينا. # وقالت الأشياخ: كنا ردءا لكم، ولو انهزمتم لانحزتم إلينا، فلا تذهبوا بها ~~دوننا. # فأنزل الله هذه الآية، ومعنى يسألونك عن الأنفال أي: عن حكمها وعلمها ~~سؤال استفتاء، قال الزجاج: إنما سألوا عنها لأنها كانت حراما على من كان ~~قبلهم. # وقال صاحب النظم: معناه: يسألونك عن الأنفال لمن هي؟ يدل على هذا قوله: ~~{قل الأنفال لله والرسول} [الأنفال: 1] يحكمان فيها على ما أرادا ويضعانها ~~حيث شاءا، فلما نزلت هذه الآية قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم # PageV02P443 # بين أهل بدر على السواء. # وقوله: فاتقوا الله أي: بطاعته واجتناب معاصيه، {وأصلحوا ذات بينكم} ~~[الأنفال: 1] أي: المنازعة الواقعة بينكم في الأنفال، {وأطيعوا الله ~~ورسوله} [الأنفال: 1] قال الزجاج: اقبلوا ما أمرتم به في الغنائم وغيرها، ~~{إن كنتم مؤمنين} [الأنفال: 1] يعني: أن الإيمان يوجب القبول من الله ~~ورسوله، وهذه الآية منسوخة بقوله: {فأن لله خمسه وللرسول} [الأنفال: 41] ~~الآية، وكانت الغنائم يومئذ خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم، فنسخها الله ~~بالخمس. # قوله: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} [الأنفال: 2] ~~تأويله: إذا ذكرت عظمة الله وقدرته وما خوف به من عصاه فزعت قلوبهم، يقال: ~~وجل يوجل فهو وجل. # إذا خاف، يقول: إنما المؤمن الذي إذا خوف بالله فرق قلبه، وانقاد لأمره ~~خوفا من عقابه، وفيه إشارة إلى إلزام أصحاب بدر بطاعة الرسول صلى الله عليه ~~وسلم فيما يرى من قسمة الغنائم. # وقوله: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} [الأنفال: 2] قال ابن ~~عباس: تصديقا ويقينا. # والمعنى: أنهم يصدقون بالأولى والثانية والثالثة، وكل ما يأتي من عند ~~الله فيزيد تصديقهم، {وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال: 2] قال ابن عباس: يتقون ~~لا يرجون غيره. # ثم زاد في وصفهم فقال: {الذين يقيمون الصلاة} [الأنفال: 3] الآية، ثم حقق ~~لهم الإيمان فقال: {أولئك هم المؤمنون حقا} [الأنفال ms0681: 4] قال ابن عباس: ~~برئوا من الكفر. # وقال مقاتل: أولئك هم المؤمنون لا شك في إيمانهم كشك المنافقين. # {لهم درجات عند ربهم} [الأنفال: 4] قال عطاء: يعني درجات الجنة يرتقونها ~~بأعمالهم. # ورزق كريم يعني: ما أعد الله لهم في الجنة. # {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون {5} ~~يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون {6} وإذ ~~يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ~~ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين {7} ليحق الحق ويبطل ~~الباطل ولو كره المجرمون {8} } [الأنفال: 5-8] قوله: {كما أخرجك ربك} ~~[الأنفال: 5] أي: أمرك بالخروج ودعاك إليه، من بيتك يعني المدينة، {بالحق} ~~[الأنفال: 5] أي: بالوحي ذلك أن جبريل أتاه وأمره بالخروج، قال المفسرون: ~~إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالخروج من المدينة # PageV02P444 # لطلب عير قريش، وكره ذلك طائفة من المؤمنين لأنهم علموا أنهم لا يظفرون ~~بالعير عفوا دون قتال، فذلك قوله: {وإن فريقا من المؤمنين لكارهون} ~~[الأنفال: 5] يعني: كراهة الطبع التي تلحق في السفر والقتال، ومعنى الكاف ~~في كما قال الفراء، والزجاج: أي: امض لأمر الله في الغنائم كما مضيت لأمره ~~في الخروج وهم له كارهون. # قال الزجاج: {قل الأنفال لله والرسول} [الأنفال: 1] ، {كما أخرجك ربك من ~~بيتك بالحق} [الأنفال: 5] ويكون التأويل نفل من شئت وإن كرهوا، كما أخرجك ~~ربك من بيتك وإن كرهوا. # قوله: {يجادلونك في الحق} [الأنفال: 6] قال المفسرون: إن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وأصحابه خرجوا لطلب عير قريش، فمنعت قريش عيرها بالنفير ~~فالتقوا وأمروا بالقتال، ولم يكونوا أعدوا له أهبة فشق ذلك عليهم، وقالوا: ~~هلا أخبرتنا فكنا نعد له. # وجادلوه طلبا للرخصة في ترك القتال، إذ كانوا رجالة ولم يكن فيهم إلا ~~فارسان فخافوا، فذلك قوله: {كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} [الأنفال: ~~6] أي: لشدة كراهتهم للقتال كأنهم يساقون إلى الموت عيانا. # قوله: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين} [الأنفال: 7] يعني: العير ~~والنفير، وقال قتادة: الطائفتان إحداهما: أبو ms0682 سفيان أقبل بالعير من الشام، ~~والطائفة الأخرى: أبو جهل معه نفير قريش، وقوله: أنها لكم يدل على إحدى، ~~{وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} [الأنفال: 7] أي: تودون أن الطائفة ~~التي ليس فيها حرب ولا سلاح وهي العير تكون لكم، والمراد بالشوكة: السلاح، ~~{ويريد الله أن يحق الحق} [الأنفال: 7] يظهره ويعليه، {بكلماته} [الأنفال: ~~7] بعداته التي سبقت من إظهار الدين وإعزازه بقوله: {ليظهره على الدين كله} ~~[التوبة: 33] ، {ويقطع دابر الكافرين} [الأنفال: 7] يستأصلهم حتى لا يبقى ~~منهم أحد، يعني كفار العرب. # ليحق الحق أي: يقطع دابرهم ليحق الحق بإظهاره وإعلائه أمره، ويبطل الباطل ~~بإهلاكه وافنائه على كره من المشركين، وهو قوله: {ولو كره المجرمون} ~~[الأنفال: 8] . # {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين {9} ~~وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن ~~الله عزيز حكيم {10} إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ~~ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام ~~{11} إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب ~~الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان {12} ذلك ~~بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب {13} ~~ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار {14} } [الأنفال: 9-14] قوله عز وجل: ~~{إذ تستغيثون ربكم} [الأنفال: 9] أي: تطلبون منه المعونة والغوث، قال ~~المفسرون: تستجيرون به من عدوكم وتدعونه بالنصر عليهم. # PageV02P445 ### | 385 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أنا أبو علي بن أبي موسى، أنا ~~إبراهيم بن عبد الله الزينبي، نا بندار، نا عمر بن يونس، نا عكرمة بن عمار، ~~حدثني أبو زميل، حدثني عبد الله بن عباس، عن عمر بن الخطاب، قال: نظر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاث مائة وبضعة ~~عشر رجلا، فاستقبل القبلة ثم مد يده، فجعل يهتف بربه: «اللهم أنجز لي ما ~~وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا ms0683 تعبد في الأرض» فما ~~زال يهتف بربه مادا يديه، مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأنزل ~~الله تعالى {إذ تستغيثون ربكم} [الأنفال: 9] الآية. # رواه مسلم، عن هناد بن السري، عن ابن المبارك، عن عكرمة # وقوله: {فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [الأنفال: 9] ~~متتابعين بعضهم في إثر بعض، وقال أبو حاتم: ومعناه: بألف من الملائكة جاءوا ~~بعد المسلمين على آثارهم. # يقال: ردفه وأردفه. # إذا جاء بعده، ومن قرأ بفتح الدال # PageV02P446 # فمعناه بألف أردف الله المسلمين بهم. # قال مجاهد: الإرداف إمداد المسلمين بهم. # قوله تعالى: {وما جعله الله} [الأنفال: 10] الآية مفسرة في { [آل عمران. # وقوله:] إذ يغشيكم النعاس أمنة منه} [سورة الأنفال: 11] ذكرنا تفسيره عند ~~قوله: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا} [آل عمران: 154] الآية، ~~والمعنى: أن الله أمنهم أمنا حتى غشيهم النعاس ومن قرأ: يغشيكم أو يغشيكم، ~~أسند الفعل في هذا إلى الله، وقوله: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم ~~به} [الأنفال: 11] قال الوالبي، عن ابن عباس: إن المسلمين لما بايتوا ~~المشركين ببدر أصابت منهم جماعة جنابات، وكان المشركون سبقوهم إلى الماء ~~وغلبوهم عليه، فساءهم عدم الماء عند حاجتهم إليه، فأنزل الله تعالى مطرا ~~سال منه الوادي حتى اغتسلوا وتطهروا. # وقوله: {ويذهب عنكم رجز الشيطان} [الأنفال: 11] يعني: وسوسته التي تكسب ~~عذاب الله، وذلك أن الشيطان وسوس إليهم، وقال لهم: كيف ترجون الظفر وقد ~~غلبوكم على الماء. # وأنتم تصلون مجنبين ومحدثين وتزعمون أنكم أولياء الله وفيكم نبيه؟ وقوله: ~~{وليربط على قلوبكم} [الأنفال: 11] الربط معناه: الشد، يقال لكل من صبر على ~~أمر: ربط قلبه. # وعلى صلة، والمعنى: وليربط قلوبكم بما أنزل الله من الماء فتثبت ولا ~~تضطرب بوسوسة الشيطان، وقوله: {ويثبت به الأقدام} [الأنفال: 11] وذلك أن ~~المسلمين كانوا قد نزلوا على كثيب تغوص فيه أرجلهم فلبده المطر حتى تثبت ~~عليه الأقدام. # {إذ يوحي ربك إلى الملائكة} [الأنفال: 12] يعني: الذين أمد بهم المسلمين، ~~أني معكم بالعون والنصرة، {فثبتوا الذين آمنوا} [الأنفال: 12] قال مقاتل: ~~يعني: بشروهم بالنصر، فكان الملك يسير ms0684 أمام الصف في صورة الرجل، ويقول: ~~أبشروا فإن الله ناصركم، وقال الزجاج: جائز # PageV02P447 # أن يكونوا يثبتونهم بأشياء يلقونها في قلوبهم تقوى بها. # وقال الحسن: «فثبتوا الذين آمنوا بقتالكم المشركين» . # وقوله: {سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب} [الأنفال: 12] قال عطاء: يريد ~~الخوف من أوليائي، {فاضربوا فوق الأعناق} [الأنفال: 12] يعني الرءوس لأنها ~~فوق الأعناق، قال عطاء: يريد كل هامة وجمجمة. # وجائز أن يكون هذا أمر للمؤمنين، وجائز أن يكون أمرا للملائكة وهو ~~الظاهر، قال ابن الأنباري: إن الملائكة حين أمرت بالقتال لم تعلم أين تقصد ~~بالضرب من الناس، فعلمهم الله تعالى أن يضربوا الرءوس , وقوله: {واضربوا ~~منهم كل بنان} [الأنفال: 12] قال ابن عباس، وابن جريج، والسدي: يعني ~~الأطراف من اليدين والرجلين. # وقال الفراء: يعني الأيدي والأرجل. # قال ابن الأنباري: البنان أطراف الأصابع فاكتفى الله به من جملة اليد ~~والرجل. # ذلك بأنهم أي: ذلك الضرب بأنهم {شاقوا الله ورسوله} [الأنفال: 13] قال ~~ابن عباس: حاربوا الله ورسوله. # والمعنى: خالفوا أمر الله ورسوله، ثم أوعد المخالف لهما بباقي الآية، ~~ذلكم أي ذلك الضرب، {فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار} [الأنفال: 14] وعيد ~~للكفار بعذاب النار بعد ما نزل بهم من ضرب الأعناق وكل بنان. # {يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار {15} ~~ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من ~~الله ومأواه جهنم وبئس المصير {16} فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت ~~إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم ~~{17} ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين {18} } [الأنفال: 15-18] قوله تعالى: ~~{يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا} [الأنفال: 15] أي متدانين ~~لقتالكم، قال الليث: الزحف: جماعة يزحفون إلى عدو لهم بمرة فهو الزحف وجمعه ~~الزحوف. # قال الزجاج: إذا واقفتموهم للقتال فلا تنهزموا. # وهو قوله: {فلا تولوهم الأدبار} [الأنفال: 15] أي: لا تجعلوا ظهوركم مما ~~يليهم. # {ومن يولهم يومئذ} [الأنفال: 16] يعني: يوم لقاء الكفار، {دبره إلا ~~متحرفا لقتال} [الأنفال: 16] أي: منعطفا كأنه يطلب عودة ms0685 يمكنه إصابتها، ~~ينحرف عن وجهه ويرى أنه منهزم، ثم يكر، أو متحيزا أي: متنحيا منضما إلى فئة ~~جماعة من المسلمين يريدون العودة إلى القتال، ومعنى الآية: النهي عن ~~الانهزام بين يدي الكفار إلا أن يكون متحرفا لقتال أو # PageV02P448 # منضما إلى جماعة يعودون للقتال، فإذا انهزم ونوى التحيز إلى فئة من ~~المسلمين ليستعين بهم ويعود إلى القتال لم يلحقه هذا الوعيد، وهو قوله: ~~{فقد باء بغضب من الله} [الأنفال: 16] وأكثر المفسرين على أن هذا الوعيد ~~خاص فيمن انهزم يوم بدر، ولم يكن لهم أن ينحازوا لأنه لم يكن يومئذ في ~~الأرض فئة للمسلمين، فأما بعد ذلك فإن المسلمين بعضهم فئة لبعض. # وهذا قول أبي سعيد الخدري، وابن عباس في رواية الكلبي، والحسن، وقتادة، ~~والضحاك. ### | 386 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، أنا محمد بن يعقوب بن يونس، أنا الربيع، ~~أنا الشافعي، أنا سفيان بن عيينة، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن ~~أبي ليلى، عن ابن عمر، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ~~فلقوا العدو، فحاص الناس حيصة فأتينا المدينة فتخبأنا بها، وقلنا: يا رسول ~~الله نحن الفرارون، قال: «بل أنتم العكارون وأنا فئتكم» . # رواه الثعلبي، عن عبد الله بن محمد الرازي، عن علي بن محمد بن عمير، عن ~~إسحاق بن إبراهيم، عن هشام بن عبيد الله، عن كريب، عن يزيد بن أبي زياد # PageV02P449 # وذهب قوم إلى أن الفرار من الزحف من الكبائر، وأن من فر من الزحف إذا لم ~~يزيدوا على ضعف المسلمين لحقه الوعيد # وقوله: ومأواه جهنم لا يدل على التخليد، ومعناه: أن مرجعه إليها إلى وقت ~~الرحمة والشفاعة، قوله تعالى: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم} [الأنفال: 17] ~~قال الكلبي: بالملائكة: جبريل ومن معه. # وقال أهل المعاني: لأن الله تعالى تولى نصرهم بأن شجع قلوبهم، وألقى ~~الرعب في قلوب المشركين. # {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: 17] قال المفسرون: إن جبريل ~~قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: خذ قبضة من تراب فارمهم بها ms0686، فخرج ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرش فأخذ قبضة من حصبة الوادي، فرمى بها ~~وجه القوم وقال: شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا دخل عينه منها شيء وشغل ~~بعينه فكان ذلك سبب هزيمتهم. # قال الزجاج: أعلم الله تعالى أن كفا من حصباء لا يملأ عيون ذلك الجيش ~~الكبير برمية بشر، وأنه تعالى تولى إيصال ذلك إلى أبصارهم فقال: {وما رميت ~~إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: 17] . # {وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا} [الأنفال: 17] ولينعم عليهم نعمة عظيمة ~~بالنصر والغنيمة والأجر والمثوبة، {إن الله سميع} [الأنفال: 17] لدعائكم، ~~عليم بنياتكم. # قوله: ذلكم أي: الأمر ذلكم الذي ذكرت، {وأن الله موهن كيد الكافرين} ~~[الأنفال: 18] بإلقاء الرعب في قلوبهم وتفريق كلمتهم، قال ابن عباس: يقول: ~~إني قد أوهنت كيد عدوكم حتى قتلت جبابرتهم وأسرت أشرافهم. # {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن ~~تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين} [الأنفال: 19] قوله: ~~{إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} [الأنفال: 19] قال ابن عباس: إن أبا جهل قال ~~يوم بدر قبل القتال: اللهم انصر أفضل الفريقين وأكرم الدينين، وأرضاهما ~~عندك فنزلت هذه الآية. # قال عبد الله بن ثعلبة: كان المستفتح أبا جهل، وإنه قال حين التقى القوم: ~~اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لا يعرف، فافتح عليه الغداة، فأنزل ~~الله تعالى: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} [الأنفال: 19] إن تستنصروا ~~لأهدى الفئتين فقد جاءكم النصر، وهذا قول الحسن، ومجاهد، والسدي، والضحاك. # PageV02P450 # وقوله: وإن تنتهوا أي: عن الشرك بالله، {فهو خير لكم وإن تعودوا} ~~[الأنفال: 19] لقتال محمد، نعد عليكم بالقتل والهزيمة، {ولن تغني عنكم ~~فئتكم} [الأنفال: 19] جماعتكم {شيئا ولو كثرت} [الأنفال: 19] في العدد، ~~{وأن الله مع المؤمنين} [الأنفال: 19] بالعون والنصر، فمن كسر إن فهو منقطع ~~عما قبله، ومن فتح كان وجهه: ولأن الله مع المؤمنين أي لذلك لن تغني عنكم ~~فئتكم شيئا. # {يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون {20} ~~ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا ms0687 وهم لا يسمعون {21} إن شر الدواب عند الله ~~الصم البكم الذين لا يعقلون {22} ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو ~~أسمعهم لتولوا وهم معرضون {23} } [الأنفال: 20-23] قوله: {يأيها الذين ~~آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه} [الأنفال: 20] ولا تعرضوا عنه، ~~وأنتم تسمعون موعظتي وما أعددت لأوليائي وأعدائي من الثواب والعقاب، وقال ~~ابن عباس: لا تولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تسمعون ما نزل ~~من القرآن. # {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون} [الأنفال: 21] قال ابن ~~عباس: يعني اليهود قريظة، والنضير. # قال الزجاج: معنى قوله: {سمعنا وهم لا يسمعون} [الأنفال: 21] أنهم سمعوا ~~سماع عداوة وبغضاء، فلم يتفقهوا ولم يتفكروا فيما سمعوا، فكانوا بمنزلة من ~~لم يسمع. # وقال مقاتل: يعني المنافقين الذين يقولون سمعنا سماع قابل وليسوا كذلك. # قوله: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم} [الأنفال: 22] قال ابن عباس، ~~ومجاهد، ومقاتل: يريد نفرا من بني عبد الدار كانوا صما عن الحق فلا يسمعونه ~~بكما عن التكلم به. # فكل ما دب على الأرض فهو من جملة الدواب، بين الله تعالى أن هؤلاء الكفار ~~شر ما دب على وجه الأرض من الحيوان، وقوله: {الذين لا يعقلون} [الأنفال: ~~22] أي: الذين لا يقبلون القرآن ولا يعقلون الموعظة. # قوله: {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم} [الأنفال: 23] لو علم أنهم ~~يصلحون بما يورده عليهم من حججه وآياته # PageV02P451 # لأسمعهم إياها سماع تفهم وتعليم، ولو أسمعهم بعد أن علم أن لا خير فيهم ~~ما انتفعوا بذلك، و {لتولوا وهم معرضون} [الأنفال: 23] لعنادهم وجحودهم ~~الحق بعد ظهوره. # {يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا ~~أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون {24} واتقوا فتنة لا تصيبن ~~الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب {25} واذكروا إذ أنتم ~~قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ~~ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون {26} } [الأنفال: 24-26] قوله: {يأيها ~~الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول} [الأنفال: 24] أجيبوهما بالطاعة، إذا ~~دعاكم الرسول لما يحييكم قال السدي ms0688: هو الإيمان وهو حياة القلب، والكفر ~~موته. # وقال قتادة: يعني القرآن، وفيه الحياة والنجاة والعصمة، والقرآن سبب ~~الحياة بالعلم. # والأكثرون على أن معنى قوله: لما يحييكم الجهاد، قال الفراء: إذا دعاكم ~~إلى إحياء أمركم بالجهاد لأن أمرهم إنما يقوى به. # وقال الزجاج: أي: لما يكون سببا للحياة الدائمة في نعيم الآخرة وهو ~~الجهاد. # وقال ابن قتيبة: يعني: الشهادة لأن الشهداء أحياء عند ربهم وسبب الشهادة ~~الجهاد. # وقوله: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} [الأنفال: 24] يحول بين ~~المؤمن والكفر، وبين الكافر والإيمان. # وهذا قول ابن عباس، وسعد بن جبير، وعطاء، وقال السدي: يحول بين الإنسان ~~وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه. # وقوله: {وأنه إليه تحشرون} [الأنفال: 24] أي: للجزاء على الأعمال. # قوله: واتقوا فتنة قال الزبير بن العوام: نزلت هذه الآية ونحن مع رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وما أرانا من أهلها، ~~وإذا نحن المعنيون بها. # يعني: ما كان يوم الجمل، قال السدي، ومقاتل، والضحاك، والحسن، وقتادة: ~~هذا في قوم مخصوصين من أصحاب # PageV02P452 # محمد صلى الله عليه وسلم أصابتهم الفتنة يوم الجمل، أمر الله تعالى ~~باتقاء الفتنة التي تتعدى المظالم، فتصيب الصالح والطالح جميعا، ولا تقتصر ~~على الذين ظلموا دون غيرهم. # قال الكلبي: تصيب الظالم والمظلوم، ولا تكون للظلمة وحدهم خاصة دون غيرهم ~~ولكنها عامة. # وقال ابن زيد: أراد بالفتنة افتراق الكلمة، ومخالفة بعضهم بعضا. # قوله: {واذكروا إذ أنتم قليل} [الأنفال: 26] قال المفسرون: يعني النبي ~~صلى الله عليه وسلم ومن معه حين كانوا بمكة في ابتداء الإسلام قبل الهجرة ~~مستضعفين، في الأرض قال ابن عباس: في أرض مكة، تخافون إن خرجتم منها {أن ~~يتخطفكم الناس} [الأنفال: 26] يستلبكم المشركون من العرب، فآواكم يعني: جعل ~~لكم مأوى ترجعون إليه، يعني: المدينة دار الهجرة، وأيدكم بنصره وقواكم ~~بالأنصار، وقال الكلبي: يعني يوم بدر قواكم بالملائكة، {ورزقكم من الطيبات} ~~[الأنفال: 26] أحل لكم الغنائم ولم تحل لأحد قبلكم، والمعنى: قابلوا حالكم ~~التي أنتم عليها الآن بتلك الحالة ms0689 المتقدمة ليتبين لكم موضع النعمة وتشكروا ~~عليه، وهو قوله: لعلكم تشكرون {يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ~~وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون {27} واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ~~وأن الله عنده أجر عظيم {28} يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم ~~فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم {29} } ~~[الأنفال: 27-29] قوله: {يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول} ~~[الأنفال: 27] نزلت الآية في أبي لبابة بن عبد المنذر حين بعثه رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إلى قريظة لما حاصرهم وكان أهله وولده فيهم، فقالوا: يا ~~أبا لبابة ما ترى لنا؟ أننزل على حكم سعد فينا؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه، ~~أي: إنه الذبح فلا تفعلوا، فكانت تلك منه خيانة لله ورسوله، قال أبو لبابة: ~~ما زالت قدماي من مكاني حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله. # وقوله: وتخونوا أماناتكم عطف على النهي، المعنى: ولا تخونوا أماناتكم، ~~قال ابن عباس في رواية الوالبي: الأمانات: الأعمال التي ائتمن الله عليها ~~العباد. # يقول: لا تنقصوها. # يقول الكلبي: أما خيانة الله ورسوله فمعصيتهما، وأما خيانة الأمانة فكل ~~أحد مؤتمن على ما افترض الله عليه، إن شاء خانها وإن شاء أداها، لا يطلع ~~عليه أحد إلا الله تعالى. # وقوله: وأنتم # PageV02P453 # تعلمون أي: تعلمون أنها أمانة من غير شبهة، وقال صاحب النظم: وأنتم ~~تعلمون أن ما فعلتم من الإشارة إلى الخلق خيانة لله ورسوله. # وقوله: {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة} [الأنفال: 28] أي: محنة ~~يظهر بها ما في النفس من اتباع الهوى أو تجنبه، وكان لأبي لبابة مال وولد ~~وأهل في قريظة، لذلك مال إليهم في إطلاعهم على أن حكم سعد فيهم القتل، ~~وقوله: {وأن الله عنده أجر عظيم} [الأنفال: 28] قال ابن عباس: يريد: لمن ~~نصح لله ولرسوله وأدى أمانته، وقوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إن تتقوا ~~الله يجعل لكم فرقانا} [الأنفال: 29] إن تتقوه باجتناب المعاصي {يجعل لكم ~~فرقانا} [الأنفال: 29] بين حقكم وباطل من يبغيكم السوء من أعدائكم بنصره ~~إياكم عليهم. # وهذا قول مقاتل، وقال عكرمة ms0690، والسدي: فرقانا نجاة، يعني: أن الله يفرق ~~بينكم وبين من تخافون، فتنجون. # والفرقان مصدر لفرق، {ويكفر عنكم سيئاتكم} [الأنفال: 29] يمحو عنكم ما ~~سلف من ذنوبكم، {والله ذو الفضل العظيم} [الأنفال: 29] أي: أنه يملك الفضل ~~العظيم فاكتفوا بالطلب من عنده دون غيره. # {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر ~~الله والله خير الماكرين} [الأنفال: 30] قوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} ~~[الأنفال: 30] قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: إن مشركي قريش تآمروا في دار ~~الندوة في المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: قيدوه نتربص به ~~ريب المنون. # وقال بعضهم: أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه. # وقال أبو جهل: ما هذا برأي ولكن اقتلوه بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل، ~~فيضربون بأسيافهم ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل، فلا يقوى ~~بنو هاشم على حرب قريش كلها، فيرضون بأخذ الدية، فأوحى الله عز وجل إلى ~~نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك وأمره بالخروج إلى المدينة، فخرج إلى الغار، ~~فذلك قوله: ليثبتوك أي: ليوثقوك ويشدوك وكل من شد فقد أثبت لأنه لا يقدر ~~على الحركة في الذهاب والمجيء، وقال السدي: ليحبسوك في بيت. # أو يقتلوك كما قال اللعين أبو جهل، أو يخرجوك من مكة إلى طرف من أطراف ~~الأرض، {ويمكرون ويمكر الله} [الأنفال: 30] قال الزجاج: ومكر الله بهم إنما ~~هو مجازاة ونصر للمؤمنين. # {والله خير الماكرين} [الأنفال: 30] : لأنه أهلك هؤلاء الذين دبروا لنبيه ~~الكيد، وخلصه منهم، وذكرنا معنى هذا عند قوله: {ومكروا ومكر الله} [آل ~~عمران: 54] الآية. # PageV02P454 # {وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا ~~إلا أساطير الأولين} [الأنفال: 31] قوله: {وإذا تتلى عليهم آياتنا} ~~[الأنفال: 31] الآية: قال المفسرون: كان النضر بن الحارث خرج إلى الحيرة ~~تاجرا، فاشترى أحاديث كليلة ودمنة، وكان يقعد مع المستهزئين والمقتسمين وهو ~~منهم فيقرأ عليهم، فلما قص رسول الله صلى الله عليه وسلم شأن القرون ~~الماضية، قال النضر: لو شئت لقلت مثل هذا، إن هذا إلا ms0691 ما سطر الأولون في ~~كتبهم. # فذمهم الله تعالى بدفعهم الحق كذبا وافتراء، وإدعائهم الباطل بعد ما أبان ~~التحدي إفكهم، وأنهم عجزوا عن إتيان { [مثله، وذكرنا معنى الأساطير في سورة ~~الأنعام. # ] وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من ~~السماء أو ائتنا بعذاب أليم {32} وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان ~~الله معذبهم وهم يستغفرون {33} وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن ~~المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا ~~يعلمون {34} وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما ~~كنتم تكفرون {35} } [سورة الأنفال: 32-35] وقوله: {وإذ قالوا اللهم إن كان ~~هذا هو الحق من عندك} [الأنفال: 32] الآية: قال النضر بن الحارث: اللهم إن ~~كان هذا الذي يقوله محمد حقا من عندك {فأمطر علينا حجارة من السماء} ~~[الأنفال: 32] كما أمطرتها على قوم لوط، {أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال: ~~32] أي: ببعض ما عذبت به الأمم. # وإنما قالوا هذا لشبهة تمكنت من نفوسهم، ولو عرفوا بطلان ما هم عليه ما ~~قالوا مثل هذا القول مع علمهم بأن الله قادر على ذلك، فطلبوا إمطار الحجارة ~~من السماء إعلاما أنهم في غاية الثقة في أن أمر محمد ليس بحق، وإذا لم يكن ~~حقا لم يصبهم هذا البلاء الذي طلبوه من عند أنفسهم، لأنهم شرطوا كونه حقا. # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري، أنا عبد الرحمن بن إبراهيم بن ~~محمد بن يحيى، أنا الحسن بن # PageV02P455 # محمد بن إسحاق، نا محمد بن زكريا الغلابي، نا العباس بن بكار، نا عامر بن ~~عبد الله، عن أبي الزناد، قال: قال معاوية لرجل من أهل اليمن: أجهل قومك ~~حيث قالوا: {ربنا باعد بين أسفارنا} [سبأ: 19] ، وحيث ملكوا أمرهم امرأة؟ ! ~~فقال: أجهل من قومي قومك، حيث قالوا حين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم: ~~{اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من # PageV02P456 # السماء} [الأنفال: 32] ، ألا قالوا: إن كان هذا هو الحق من عندك ms0692 فاهدنا ~~له؟ ! وجميع المفسرين على أن هذا من قول النضر بن الحارث، وروي في الصحيحين ~~أن هذا من قول أبي جهل لعنه الله. ### | 387 - # أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر، أنا محمد بن عبد الله بن الحاكم ~~الحافظ، نا محمد بن يعقوب الشيباني، نا أحمد بن النضر بن عبد الوهاب، نا ~~عبيد الله بن معاذ، نا أبي، نا شعبة، عن عبد الحميد صاحب الزيادي، سمع أنس ~~بن مالك، يقول: قال أبو جهل: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر ~~علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال: 32] فنزلت {وما كان ~~الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33] ، ~~رواه البخاري، عن أحمد بن النضر، ورواه مسلم، عن عبيد الله بن معاذ # قال المفسرون: ما كان الله ليعذب هؤلاء المشركين وأنت فيهم مقيم بين ~~أظهرهم. # قال ابن عباس: لم تعذب قرية حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا ويلحق بحيث ~~أمر. # {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33] وما كان الله معذب ~~هؤلاء الكفار وفيهم المؤمنون يستغفرون، قال ابن عباس: وهم يستغفرون يعني ~~المؤمنين. # قال ابن الأنباري: {وما كان الله معذبهم} [الأنفال: 33] والمؤمنون بين ~~أظهرهم يستغفرون، فأوقع العموم على الخصوص ووصفوا بصفة بعضهم. # وقال ابن عباس في رواية الوالبي، وعطاء: وهم يستغفرون أي: وفيهم من قد ~~سبق لهم من الله الدخول في الإيمان. # يريد: أن كان معهم قوم كان في علم الله أن يسلموا، منهم: أبو سفيان بن ~~حرب أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، والحارث بن هشام، وحكيم بن حزام، ~~وهذا القول اختيار الزجاج قال: وما كان الله معذبهم وفيهم من يئول أمره # PageV02P457 # إلى الإسلام، والمراد بالتعذيب في هذه الآية تعذيب الاستئصال، ثم ذكر ~~المشركين خاصة وأنه معذبهم بالسيف غير عذاب الاستئصال، فقال: {وما لهم ألا ~~يعذبهم الله} [الأنفال: 34] أي: لم لا يعذبهم الله بالسيف، {وهم يصدون عن ~~المسجد الحرام} [الأنفال: 34] يعني: المؤمنين يمنعونهم أن يطوفوا بالبيت، ~~{وما كانوا أولياءه} [الأنفال: 34] قال الحسن ms0693: إن المشركين قالوا: نحن ~~أولياء المسجد الحرام. # فرد الله عليهم وقال: {إن أولياؤه إلا المتقون} [الأنفال: 34] ليس أولياء ~~المسجد إلا المتقين الكفر والشرك والفواحش، {ولكن أكثرهم لا يعلمون} ~~[الأنفال: 34] ذلك. # قوله: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} [الأنفال: 35] المكاء: ~~الصفير، يقال: مكا يمكو مكوا ومكاء. # إذا جمع يديه ثم صفر فيهما، والتصدية: التصفيق وهو ضرب اليد على اليد، ~~قال ابن عباس: كانت قريش يطوفون بالبيت عراة يصفرون ويصفقون. # فقال الزجاج: أعلم الله أنهم كانوا مع صدهم أولياء المسجد الحرام وكان ~~تقربهم إلى الله بالصفير والتصفيق. # قال ابن الأنباري: المكاء والتصدية ليسا بصلاة، ولكن الله تعالى أخبر ~~أنهم جعلوا مكان الصلاة التي أمروا بها المكاء والتصدية، فألزمهم ذلك أعظم ~~الأوزار. # وقوله: فذوقوا العذاب يعني: عذاب السيف يوم بدر، {بما كنتم تكفرون} ~~[الأنفال: 35] تجحدون توحيد الله. # {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون ~~عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون {36} ليميز الله الخبيث ~~من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم ~~الخاسرون {37} } [الأنفال: 36-37] قوله: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ~~ليصدوا عن سبيل الله} [الأنفال: 36] الآية، قال مقاتل، والكلبي: نزلت في ~~المطعمين يوم بدر، وكانوا اثني عشر رجلا: أبو جهل بن هشام، وأخوه الحارث بن ~~هشام، والنضر بن الحارث، وحكيم بن حزام، وأبي بن خلف، وعتبة، # PageV02P458 # وشيبة ابنا ربيعة، ومنبه، ونبيه ابنا الحجاج، وأبو البختري بن هشام، ~~وزمعة بن الأسود، والعباس بن عبد المطلب. # قوله: {ليصدوا عن سبيل الله} [الأنفال: 36] أي: ليمنعوا الناس عن الإيمان ~~بتوهين الدين والطعن في الإسلام، ثم أخبر بباقي الآية أن عاقبة إنفاقهم ~~الحسرة، وكونهم مغلوبين، والحشر إلى النار، وهو قوله: {والذين كفروا إلى ~~جهنم يحشرون {36} ليميز الله الخبيث من الطيب} [الأنفال: 36-37] أي: إنما ~~يحشرون إليها ليميز بين الكافر والمؤمن بأن يجعل الكفار في جهنم، وهو قوله: ~~{ويجعل الخبيث بعضه على بعض} [الأنفال: 37] يعني: في جهنم يضيقها عليهم، ~~فيركمه جميعا الركم جمعك شيئا فوق ms0694 شيء حتى يصير مركوما ركاما كالرمل ~~والسحاب، أي: يجمع الخبيث حتى يصير كالسحاب المركوم، وهو أن بعضهم يكون فوق ~~بعض في النار مجتمعين فيها، وهو قوله: {فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون} ~~[الأنفال: 37] لأنهم اشتروا بأموالهم عذاب الله في الآخرة. # {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة ~~الأولين {38} وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا ~~فإن الله بما يعملون بصير {39} وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم ~~المولى ونعم النصير {40} } [الأنفال: 38-40] قوله: {قل للذين كفروا} ~~[الأنفال: 38] يعني: أبا سفيان وأصحابه: إن ينتهوا عن تكذيب محمد وقتاله ~~والشرك بالله، {يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38] تقدم منهم من الزنا ~~والربا والشرك والقتل، وإذا أسلم الكافر الحربي كان كيوم ولدته أمه لا ذنب ~~له، قال يحيى بن معاذ في هذه الآية: إن توحيدا لم يعجز عن هدم ما قبله من ~~كفر أرجو أن لا يعجز عن هدم ما بعده من ذنب. # وإن يعودوا لقتالك، {فقد مضت سنة الأولين} [الأنفال: 38] بنصر الله رسله ~~ومن آمن على من كفر. # وقاتلوهم يقول: قاتلوا كفار مكة، {حتى لا تكون فتنة} [الأنفال: 39] شرك ~~بالله وكفر، {ويكون الدين كله لله} [الأنفال: 39] ويكون الدين خالصا لله ~~وليس فيه شرك بالله تعالى، يعني في جزيرة العرب لا يعبد غير الله، فإن ~~انتهوا عن الشرك والقتال، {فإن الله بما يعملون بصير} [الأنفال: 39] عالم ~~بأعمالهم يجازيهم مجازاة البصير. # وإن تولوا عن الإيمان وأبوا أن يدعوا الشرك، {فاعلموا أن الله مولاكم} ~~[الأنفال: 40] ناصركم، وهذا تطييب لنفوس المؤمنين عند إعراض الكافرين بأن ~~العاقبة لهم لأن الله ناصرهم ومعينهم، وهو قوله: {نعم المولى ونعم النصير} ~~[الأنفال: 40] { # PageV02P459 # واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى ~~والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم ~~الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير {41} إذ أنتم بالعدوة ~~الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في ms0695 ~~الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي ~~عن بينة وإن الله لسميع عليم {42} إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو ~~أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات ~~الصدور {43} وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ~~ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور {44} } [الأنفال: 41-44] ~~قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء} [الأنفال: 41] أي: أخذتموه من ~~أموال المشركين قسرا، {فأن لله خمسه} [الأنفال: 41] هذا افتتاح كلام لأن ~~الأشياء كلها لله، وقوله: وللرسول كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس ~~الخمس من الغنيمة يصنع فيها ما شاء، وأما اليوم فإنه يصرف إلى مصالح ~~المسلمين والأهم السلاح والكراع، وقوله: ولذي القربى هم: بنو هاشم وبنو ~~المطلب خاصة دون سائر قريش، يقسم بينهم خمس الخمس حيث كانوا: {للذكر مثل حظ ~~الأنثيين} [النساء: 11] ، وهم الذين حرمت عليهم الصدقة المفروضة، قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى أغناكم عن أوساخ الناس بهذا ~~الخمس» . ### | 388 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، نا محمد بن يعقوب، أنا الربيع، أنا ~~الشافعي، أنا مطرف بن # PageV02P460 # مازن، عن معمر بن راشد، عن ابن شهاب، قال: أخبرني محمد بن جبير بن مطعم، ~~عن أبيه، قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذوي القربى بين بني ~~هاشم وبني المطلب، أتيناه أنا وعثمان بن عفان، فقلنا: يا رسول الله هؤلاء ~~إخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله فيهم أرأيت ~~إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وإنما قرباتهم وقرباتنا واحدة، ~~فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا ~~إسلام، وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا، وشبك بين أصابعه» # قوله: واليتامى هم أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم، والمساكين قال ابن ~~عباس: يريد: المحتاجين وهم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين. # وابن السبيل المنقطع في سفره فلا يترك صنف من هذه الأصناف بغير حظ ms0696 في ~~قسمة الخمس، ويجوز تفضيل بعضهم على بعض بمقدار الحاجة، هذا الذي ذكرناه ~~كيفية قسمة الخمس من الغنيمة وهي المذكورة في القرآن، والباقي في أربعة ~~أخماس، وهي للغانمين الذين باشروا القتال: للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم ~~عند الشافعي، وعند أبي حنيفة للفارس سهمان وللراجل سهم. ### | 389 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم المزكي، أنا أبو عمرو بن مطر، نا إبراهيم بن علي ~~الذهلي، نا يحيى بن يحيى، أنا # PageV02P461 # خالد بن عبد الله بن خالد، عن عبد الله بن شقيق، عن رجل من بلقين، عن ابن ~~عم له، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى، قلت: ما ~~تقول في هذا المال؟ قال: " لله خمسه وأربعة أخماسه لهؤلاء يعني المسلمين، ~~قلت: فهل أحد أحق به من أحد؟ قال: لا ولو انتزعت سهما من جنبك لم تكن به ~~أحق من أخيك المسلم " # وقوله: {إن كنتم آمنتم بالله} [الأنفال: 41] قال الزجاج: المعنى: اعلموا ~~أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول يأمر أن فيه ما يريد، {إن كنتم ~~آمنتم بالله} [الأنفال: 41] ، أي: فاقبلوا ما أمرتم في الغنيمة إن كنتم ~~آمنتم بالله يعني قوله: {يسألونك عن الأنفال} [الأنفال: 1] ، لأن هذا نزل ~~عليه يوم بدر حين اختلفوا في الغنائم، وإذا آمنوا بهذا صدروا في أمر ~~الغنيمة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا صدروا عن أمره عملوا ~~فيها بموجب هذه الآية. # وقوله: يوم الفرقان قال الوالبي عن ابن عباس: يعني: يوم بدر، فرق الله ~~فيه بين الحق والباطل، وهو: {يوم التقى الجمعان} [الأنفال: 41] حزب الله ~~وحزب الشيطان. # أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد، أنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، نا أحمد بن ~~الحسين الجنيد، نا زياد بن أيوب، نا هشيم، نا إسماعيل بن سالم، سمعت ~~الشعبي، يقول: ليلة سبع عشرة من رمضان ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان. # وقوله: {والله على كل شيء قدير} [الأنفال: 41] قال ابن عباس: قدير على ~~نصركم وأنتم أقلة أذلة. # وقوله: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا} [الأنفال: 42] قال ابن السكيت ms0697: عدوة ~~الوادي، وعدوته جانبه، والجمع عدى وعدى، والدنيا تأنيث الأدنى، وضدها # PageV02P462 # القصوى وهي تأنيث الأقصى، وما كان من النعوت على فعلي من بنات الواو فإن ~~العرب تحوله إلى الياء، نحو الدنيا من دنوت، والعليا من علوت لأنهم ~~يستثقلون الواو مع ضم الأول، وليس في هذا اختلاف إلا أن أهل الحجاز قالوا: ~~القصوى فأظهروا الواو، وهو نادر وغيرهم يقولون القصيا، قال المفسرون: إذ ~~أنتم نزول بشفير الوادي الأدنى في المدينة، وعدوكم نزول بشفير الوادي ~~الأقصى إلى مكة، وكان الجمعان قد نزلا الوادي الذي ببدر على هذه الصفة. # والركب جمع راكب يعني: العير، أبا سفيان وأصحابه، أسفل منكم في موضع أسفل ~~منكم إلى ساحل البحر، ولو تواعدتم للقتال، {لاختلفتم في الميعاد} [الأنفال: ~~42] لكثرتهم وقلتكم، ولكن جمعكم الله من غير ميعاد، {ليقضي الله أمرا كان ~~مفعولا} [الأنفال: 42] أي: في علمه وحكمه، وهو أنه أراد أن يعز الإسلام ~~وأهله ويذل الشرك وأهله. # {ليهلك من هلك عن بينة} [الأنفال: 42] أكثر أهل العلم على أن المراد ~~بالهلاك ههنا الكفر والضلال، وبالحياة الاهتداء والدين، والمعنى: ليكفر من ~~كفر بعد حجة قامت عليه فقطعت عذره، ويؤمن من آمن على مثل ذلك، وهو قوله: ~~{ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع} [الأنفال: 42] لدعائكم، {عليم} ~~[الأنفال: 42] بنياتكم. # قوله: {إذ يريكهم الله في منامك قليلا} [الأنفال: 43] أي: في عينك التي ~~هي موضع النوم، قال ابن عباس: {إذ يريكهم الله في منامك قليلا} [الأنفال: ~~43] أي: لتحتكرهم وتجترئ عليهم، {ولو أراكهم كثيرا لفشلتم} [الأنفال: 43] ~~لجبنتم وتأخرتم عن حربهم، {ولتنازعتم في الأمر} [الأنفال: 43] اختلفتم فيما ~~بينكم {ولكن الله سلم} [الأنفال: 43] سلمكم من المخالفة والفشل، {إنه عليم ~~بذات الصدور} [الأنفال: 43] قال ابن عباس: علم ما في صدوركم من الحب لله. # {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا} [الأنفال: 44] قال مقاتل: لما ~~التقوا قلل الله المشركين في أعين المسلمين. # قال ابن مسعود: لقد قللوا في أعيننا ببدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم ~~سبعين؟ قال: أراهم مائة، وأسرنا رجلا، فقلنا: كم أنتم؟ قال: ألف. # وقوله ms0698: {ويقللكم في أعينهم} [الأنفال: 44] قال ابن عباس: ليجترئوا عليكم ~~بالقتال ولا تنهزموا. # وقال الكلبي: استقل المؤمنون المشركين ليجترئ يعضهم على بعض. # {ليقضي الله أمرا كان مفعولا} [الأنفال: 44] من نصر المسلمين على ~~المشركين، {وإلى الله ترجع الأمور} [الأنفال: 44] قال ابن عباس: وبعد هذا ~~مصيركم إلي، فأكرم أوليائي وأعاقب أعدائي. # {يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم ~~تفلحون {45} وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ~~إن الله مع الصابرين {46} ولا تكونوا كالذين # PageV02P463 # خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون ~~محيط {47} وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس ~~وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ~~ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب {48} إذ يقول المنافقون والذين ~~في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم {49} ~~} [الأنفال: 45-49] قوله: {يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا} ~~[الأنفال: 45] قال الكلبي: إذا لقيتم جماعة العدو فاثبتوا لعدوكم. # واذكروا الله قال قتادة: أمر الله بذكره، وهم أشغل ما يكونون عند الضراب ~~بالسيف. # وقال غيره: أراد بالذكر ههنا الدعاء بالنصر والظفر. # {وأطيعوا الله ورسوله} [الأنفال: 46] فيما يأمركم به، ولا تنازعوا لا ~~تختلفوا فيما بينكم، فتفشلوا فتجبنوا عن عدوكم، وتذهب ريحكم جلدكم وجدكم، ~~وقال مجاهد: نصرتكم. # وقال السدي: جرأتكم، وقال الأخفش: دولتكم. # والريح ههنا: كناية عن نفاذ الأمر وجريانه على المراد، والعرب تقول: هبت ~~ريح فلان. # إذا أقبل أمره على ما يريد، وركدت ريحه. # إذا أدبر أمره، وقال ابن زيد، وقتادة: يعني: ريح النصر، لم يكن نصر قط ~~إلا ريح يبعثها الله يضرب بها وجوه العدو، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ~~«نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» . # قوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا} [الأنفال: 47] ~~الآية: قال جماعة المفسرين: يعني: قريشا خرجوا من مكة ليحموا غيرهم، فخرجوا ~~معهم القيان والمعازف يشربون الخمور وتعزف عليهم القيان، فذلك ms0699 قوله: {بطرا ~~ورئاء الناس} [الأنفال: 47] قال الزجاج: البطر: الطغيان في النعمة وترك ~~شكرها، والرياء: إظهار الجميل ليرى مع إبطان القبيح، يقال: راءى يرائي رياء ~~ومراءاة، قال قتادة: هؤلاء # PageV02P464 # أهل مكة خرجوا ولهم بغي وفخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ~~إن قريشا أقبلت بفخرها وخيلائها لتحادك ورسولك» . # فنهى الله المؤمنين أن يكونوا مثلهم، وأمرهم بإخلاص النية والحسبة في ~~نصرة الدين، وقوله: {ويصدون عن سبيل الله} [الأنفال: 47] أي: بمعاداة ~~المسلمين، وتكذيب الداعي إليها، قال ابن عباس: يضلون عن دين الله. # {والله بما يعملون محيط} [الأنفال: 47] أي: أنه عالم بما يعملون فهو ~~يجازيهم. # قوله تعالى: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم} [الأنفال: 48] قال الكلبي: ~~يعني مسيرهم إلى بدر، {وقال لا غالب لكم اليوم من الناس} [الأنفال: 48] ~~وذلك أنهم لما أجمعوا السير خافوا بني كنانة لأنهم كانوا يطلبونهم بدم، ~~فأتاهم إبليس في صورة سراقة بن مالك الكناني، وقال: أنا جار لكم على بني ~~كنانة، وذلك قوله: {وإني جار لكم} [الأنفال: 48] أي: حافظ لكم منهم فلا يصل ~~إليكم من جهتهم مكروه، {فلما تراءت الفئتان} [الأنفال: 48] التقى الجمعان ~~من المسلمين والمشركين، وصارتا بحيث رأى أحدهما الآخر، رأى إبليس جبريل ~~ينزل ومعه الملائكة، فولى مدبرا، وهو قوله: {نكص على عقبيه} [الأنفال: 48] ~~يقال: نكص ينكص نكوصا. # إذا تأخر عن الشيء وجبن، قال ابن عباس: رجع موليا. # وقال ابن قتيبة: رجع القهقرى. # وقال الكلبي: كان إبليس لعنه الله في صف المشركين على صورة سراقة آخذا ~~بيد الحارث بن هشام، فرأى الملائكة حين نزلت من السماء فنكص على عقبيه، ~~فقال له الحارث: يا سراقة أفرارا من غير قتال؟ فقال له: يا حارث، {إني أرى ~~ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب} [الأنفال: 48] ، ودفع في صدر ~~الحارث، وانطلق وانهزم الناس. # قال قتادة: صدق عدو الله في قوله: {إني أرى ما لا ترون} [الأنفال: 48] ، ~~وكذب في قوله: {إني # PageV02P465 # أخاف الله} [الأنفال: 48] ، والله ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوة ~~له، فأوردهم وأسلمهم، وتلك عادة عدو الله ms0700 لمن أطاعه. # وقال عطاء: إني أخاف الله أن يهلكني فيمن يهلك. # قوله {إذ يقول المنافقون} [الأنفال: 49] قال ابن عباس: من الأوس والخزرج ~~وأهل المدينة. # {والذين في قلوبهم مرض} [الأنفال: 49] قوم من قريش كانوا قد أسلموا ولم ~~يهاجروا، فخرجوا مع من خرج من مكة لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~وقالوا: إن كان محمد في كثرة خرجنا إليه، فلما رأوا قلة عدد المسلمين، ~~قالوا: {غر هؤلاء دينهم} [الأنفال: 49] إذ خرجوا مع قلة عددهم لحرب قريش مع ~~كثرتهم، ولا يشكون في أن قريشا تغلبهم، قال الله تعالى: {ومن يتوكل على ~~الله فإن الله عزيز حكيم} [الأنفال: 49] أي: ومن يسلم أمره إلى الله ويثق ~~به وبقضائه فإن الله قوي عزيز، يفعل بأعدائه ما شاء، حكيم في خلقه. # {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا ~~عذاب الحريق {50} ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد {51} كدأب ~~آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله ~~قوي شديد العقاب {52} ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى ~~يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم {53} كدأب آل فرعون والذين من قبلهم ~~كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين ~~{54} } [الأنفال: 50-54] قوله: ولو ترى يا محمد، {إذ يتوفى الذين كفروا ~~الملائكة} [الأنفال: 50] يعني الذين قتلوا ببدر، يضربون وجوههم إذا أقبلوا ~~على المسلمين، وأدبارهم إذا ولوا، وذوقوا ويقولون لهم ذوقوا عذاب الحريق: ~~قال ابن عباس: يقولون لهم ذلك بعد الموت. # وقال الحسن: كان مع الملائكة مقامع كلما ضربوا التهبت النار في الجراحات، ~~فذلك قوله: {وذوقوا عذاب الحريق {50} ذلك} [الأنفال: 50-51] أي: ذلك العذاب ~~الذي وقع بكم، {بما قدمت أيديكم} [الأنفال: 51] بما كسبتم وجنيتم من قبائح ~~أعمالكم، {وأن الله ليس بظلام للعبيد} [الأنفال: 51] لا يظلم عباده ~~بعقوبتهم على كفرهم، وإن كان كفرهم مخلوقا له، لأن له أن يتصرف في مملوكه ~~كما شاء فيستحيل نسبة الظلم إليه. # قوله: {كدأب آل فرعون} [الأنفال: 52] قال الزجاج: معناه ms0701: عادة هؤلاء في ~~كفرهم كعادة آل فرعون في كفرهم. # قال ابن عباس: هو أن آل فرعون أيقنوا أن موسى نبي من الله فكذبوه، كذلك ~~هؤلاء جاءهم محمد بالصدق والدين فكذبوه، وجحدوا نبوته، فأنزل الله بهم ~~عقوبته كما أنزل بآل فرعون. # وذلك قوله: {كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي} ~~[الأنفال: 52] قادر لا يغلبه شيء، شديد العقاب لمن كفر به وكذب رسله، قوله: ~~{ذلك بأن الله} [الأنفال: 53] أي: ذلك الأخذ والعقاب لأن الله لا يغير ما ~~أنعم به على قوم لو لم يغيروا هم بالكفران وترك الشكر، فإذا غيروا هم غير ~~الله ما بهم فسلبهم النعمة وأخذهم بالعقاب، قال السدي: # PageV02P466 # والنعمة التي أنعم الله عليهم محمد صلى الله عليه وسلم، أنعم الله به على ~~قريش فكفروا به وكذبوه، فنقله إلى الأنصار كدأب أي: كصنيع آل فرعون كفروا ~~بآيات ربهم، يعني: أهل مكة كذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، كما ~~كذبوا هم بموسى عليه الصلاة والسلام والتوراة، فأهلكناهم بذنوبهم يعني أهل ~~مكة، أهلكهم الله ببدر، {وأغرقنا آل فرعون} [الأنفال: 54] ذكر عقوبة ~~الفريقين لما شبه فعل أحدهما بفعل الآخر، وكل من الفريقين، كانوا ظالمين، ~~ثم ذكر اليهود. # {إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون {55} الذين عاهدت منهم ~~ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون {56} فإما تثقفنهم في الحرب فشرد ~~بهم من خلفهم لعلهم يذكرون {57} وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على ~~سواء إن الله لا يحب الخائنين {58} ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا ~~يعجزون {59} وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو ~~الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في ~~سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون {60} وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل ~~على الله إنه هو السميع العليم {61} وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو ~~الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين {62} وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض ~~جميعا ما ألفت بين ms0702 قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم {63} } ~~[الأنفال: 55-63] فقال: {إن شر الدواب عند الله} [الأنفال: 55] أراد ~~بالدواب الإنس خاصة، كأنه قال: إن شر الناس عند الله الذين كفروا قال ~~مقاتل: يعني يهود قريظة منهم: كعب بن الأشرف وأصحابه، وهم الذين قال الله: ~~{الذين عاهدت منهم} [الأنفال: 56] أي: من اليهود، {ثم ينقضون عهدهم في كل ~~مرة} [الأنفال: 56] أي: كلما عاهدتهم نقضوا العهد ولم يفوا به، {وهم لا ~~يتقون} [الأنفال: 56] نقض العهد. # {فإما تثقفنهم في الحرب} [الأنفال: 57] قال الليث: يقال: ثقفنا فلانا في ~~موضع كذا. # أي أخذناه. # قال الزجاج: ومعناه الإدراك بسرعة. # قال الكلبي: أي: أسرتهم في الحرب. # وقال مقاتل: إن أدركتهم في القتال وأسرتهم. # {فشرد بهم من خلفهم} [الأنفال: 57] التشريد: التنفير والتفريق، والمعنى: ~~فرق بهم جمع كل ناقض، أي: افعل بهم فعلا من القتل والتنكيل يفرق عنك من ~~خلفهم من أهل مكة، وأهل اليمن، قال ابن عباس: نكل بهم تنكيلا، يشرد غيرهم ~~من ناقضي العهد. # لعلهم يذكرون النكال فلا ينقضون العهد، والتأويل: فشرد بقتلهم والاتكاء ~~فيهم من بعدهم يكن ذلك تخويفا لهم من نقض العهد فلا ينقضوا. # قوله: وإما تخافن قال ابن عباس: تعلمن. # {من قوم خيانة} [الأنفال: 58] نقضا للعهد، {فانبذ إليهم} [الأنفال: 58] ~~انبذ عهودهم التي عاهدتهم عليها إليهم، يقول: إن كان بينك وبين قوم هدنة ~~وعهد، فخفت منهم خيانة ونقضا، فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطت لهم ليكون أنت ~~وهم في العلم بالنقض على استواء، فلا يتوهموا أنك نقضت العهد # PageV02P467 # بنصب الحرب، وهذا معنى قوله: {على سواء إن الله لا يحب الخائنين} ~~[الأنفال: 58] الذين يخونون في عهودهم وغيرها. # قوله: {ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا} [الأنفال: 59] قال ابن الأنباري: ~~معنى الآية أن أولئك الذين انهزموا يوم بدر، أشفقوا من هلكة تنزل بهم، فلما ~~لم تنزل طغوا وبغوا، فقال الله: لا تحسبن أنهم سبقوا بسلامتهم الآن، فإنهم ~~لا يعجزوننا فيما يستقبل من الأوقات، ومن قرأ لا يحسبن بالياء، فقال ~~الأخفش: ولا يحسبن النبي الذين كفروا سبقوا. # وقرأ ابن عامر: أنهم بفتح ms0703 الألف على تقدير: لا تحسبنهم سبقوا لأنهم لا ~~يفوتون. # قوله: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} [الأنفال: 60] كل ما يتقوى به على ~~حرب العدو من آلة الجهاد فهو مما عنى الله بقوله: من قوة والمفسرون يقولون: ~~يعني السلاح من السيف والرماح والقسي والنشاب. ### | 390 - # أخبرنا محمد بن أبي بكر المطوعي، أنا محمد بن أحمد بن علي المقرئ، أنا ~~أحمد بن علي بن المثنى، نا هارون بن معروف، نا ابن وهب، أخبرني عمرو بن ~~الحارث، عن أبي علي ثمامة بن شفي، أنه سمع عقبة بن عامر، يقول: سمعت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: «وأعدوا لهم ما استطعتم من ~~قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي» . # رواه مسلم، عن هارون بن معروف # قوله: {ومن رباط الخيل} [الأنفال: 60] يعني: ربطها واقتناءها للغزو، وهي ~~من أقوى عدد الجهاد، ترهبون به تخيفون به، {عدو الله وعدوكم} [الأنفال: 60] ~~يعني: مشركي مكة وكفار العرب {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} ~~[الأنفال: 60] قال مجاهد، ومقاتل: يعني قريظة. # قال السدي: هم فارس، # PageV02P468 # وقال الحسن، وابن زيد: هم المنافقون لا تعلمونهم لأنهم معكم يقولون: لا ~~إله إلا الله. # {وما تنفقوا من شيء في سبيل الله} [الأنفال: 60] من آلة وسلاح وصفراء ~~وبيضاء في طاعة الله، يوف إليكم يوفر لكم أجره، {وأنتم لا تظلمون} ~~[الأنفال: 60] لا تنقصون من الثواب. # قوله: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} [الأنفال: 61] قال المفسرون: إن مالوا ~~إلى الصلح فمل إليه. # قال الكلبي: يعني قريظة. # وقال الحسن: يعني المشركين. # وأكثر المفسرين على أن هذا منسوخ بآية السيف، قوله: {وتوكل على الله} ~~[الأنفال: 61] أي: ثق به، {إنه هو السميع} [الأنفال: 61] لقولكم، {العليم} ~~[الأنفال: 61] بما في قلوبكم. # {وإن يريدوا أن يخدعوك} [الأنفال: 62] بالصلح لتكف عنهم، {فإن حسبك الله} ~~[الأنفال: 62] فإن الذي يتولى كفايتك الله، {هو الذي أيدك بنصره} [الأنفال: ~~62] يوم بدر، وبالمؤمنين يعني الأنصار، {وألف بين قلوبهم} [الأنفال: 63] ~~يعني بين قلوب الأوس والخزرج، وهم الأنصار، {لو أنفقت ما في الأرض ms0704 جميعا ما ~~ألفت بين قلوبهم} [الأنفال: 63] للعداوة التي كانت بينهم في الجاهلية، ~~{ولكن الله ألف بينهم} [الأنفال: 63] لأن قلوبهم بيده يؤلفها كيف يشاء، قال ~~الزجاج: وهذا من الآيات العظام، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى ~~قوم أنفتهم شديدة، ونصرة بعضهم لبعض بحيث لو لطم رجل من قبيلة لطمة قاتل ~~عنه قبيلته حتى يدركوا ثأره، فألف الإيمان بين قلوبهم حتى قتل الرجل أخاه ~~وابنه وأباه. # قوله: {يأيها النبي حسبك الله} [الأنفال: 64] أي: في كفاية كل ما تحتاج ~~إليه، {ومن اتبعك من المؤمنين} [الأنفال: 64] يعني المهاجرين والأنصار. ### | 391 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر ~~الحافظ، نا أبو بكر بن أبي عاصم، نا صفوان بن المغلس، نا إسحاق بن بشر، نا ~~خلف بن خليفة، عن أبي هاشم الرماني، عن سعيد بن جبير، # PageV02P469 # عن ابن عباس، قال: أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون ~~رجلا وامرأة، ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين فنزل جبريل بقوله: {يأيها النبي ~~حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين {64} يأيها النبي حرض المؤمنين على القتال ~~إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من ~~الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون {65} الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ~~ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين ~~بإذن الله والله مع الصابرين {66} } [الأنفال: 64-66] # {يأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} [الأنفال: 64] قال ~~الفراء: المعنى: يكفيك الله ويكفي من اتبعك من المؤمنين. # قال: وإن شئت جعلت من في موضع رفع وهو أحب إلي. # قال الزجاج: ومن رفع فعلى العطف على الله، والمعنى: فإن حسبك الله ~~وأتباعك من المؤمنين. # قوله: {يأيها النبي حرض المؤمنين على القتال} [الأنفال: 65] التحريض: ~~الحث على الشيء، قال ابن عباس: حضهم على نصر دين الله، {إن يكن منكم عشرون ~~صابرون يغلبوا مائتين} [الأنفال: 65] يريد الرجل من المسلمين بعشرة من ~~الكفار في القتال، {وإن يكن منكم ms0705} [الأنفال: 65] أيها المؤمنون مئة رجل ~~{يغلبوا ألفا من الذين كفروا} [الأنفال: 65] قرئ يكن بالياء، والتاء: فمن ~~قرأ بالياء فلأنه يراد بالمائة المذكر لأنهم رجال في المعنى، يدل على ذلك ~~قوله: يغلبوا، ومن قرأ بالتاء فللتأنيث في لفظ المائة، وكان أبو عمرو يقرأ ~~هذا، قوله: فإن يكن منكم مائة صابرة بالتاء لأن التأنيث ههنا أشد مبالغة، ~~حيث وصفت المائة بالصابرة، ولم يقل: صابرون. # وهناك قال: يغلبوا فكان إلى التذكير أقرب، وقوله: {بأنهم قوم لا يفقهون} ~~[الأنفال: 65] أي: أن المشركين يقاتلون على غير احتساب ولا طلب ثواب، فلا ~~يثبتون إذا صدقتموهم القتال لأنهم يقاتلون على جهالة، قال الوالبي، عن ابن ~~عباس: أمر الله الرجل من المؤمنين أن يقاتل عشرة من الكفار، فشق ذلك عليهم ~~فرحمهم وأنزل: {الآن خفف الله عنكم} [الأنفال: 66] . # قال الكلبي: هون الله عليكم وعلم أن فيكم ضعفا، وقرئ: ضعفا وهما لغتان ~~مثل الفقر والفقر، {فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} [الأنفال: 66] ~~قال ابن عباس: صار الرجل برجلين، كان كتب عليهم ألا يفر رجل من عشرة، ثم ~~قال: {الآن خفف الله عنكم} [الأنفال: 66] وكتب عليهم ألا يفر مائة من ~~مائتين. # وقوله: بإذن الله بيان أن لا تقع الغلبة، إلا أن يريد الله ذلك، {والله ~~مع الصابرين} [الأنفال: 66] قال ابن عباس: يريد الذين صبروا على دينهم وعلى ~~طاعة الله. # PageV02P470 # {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله ~~يريد الآخرة والله عزيز حكيم {67} لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم ~~عذاب عظيم {68} فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم ~~{69} } [الأنفال: 67-69] قوله: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في ~~الأرض} [الأنفال: 67] الآية: ### | 392 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أنا حاجب بن أحمد الطاوسي، نا محمد ~~بن حماد، نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد ~~الله، قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم ms0706: «ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟» فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأصلك ~~فاستبقهم واستأن بهم، لعل الله يتوب عليهم، وقال عمر: كذبوه وأخرجوه بدمهم ~~فاضرب أعناقهم، وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر واديا كثير ~~الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرم عليهم نارا، وقال العباس: قطعت رحمك، فسكت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبهم ثم دخل، فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، ~~وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله، ثم خرج عليهم، ~~فقال: " إن الله عز وجل ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن ~~الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر ~~كمثل إبراهيم قال: {فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم} ~~[إبراهيم: 36] ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: {إن تعذبهم فإنهم ~~عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة: 118] ، وإن مثلك يا ~~عمر كمثل موسى، قال: {ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم} [يونس: 88] ~~الآية، ومثلك يا عمر كمثل نوح، قال {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ~~ديارا} [نوح: 26] ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم عالة، ~~أنتم اليوم عالة، فلا يمتلكن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق، فأنزل الله ~~تعالى {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} [الأنفال: 67] إلى ~~آخر الآيات الثلاث ### | 393 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، نا ~~عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، نا أبو نوح قراد، نا عكرمة بن عمار، ~~نا سماك الحنفي أبو زميل، حدثني ابن عباس، حدثني عمر بن الخطاب، قال: لما ~~كان يوم بدر استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر، فقال أبو ~~بكر: يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم ~~الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار، وعسى أن ms0707 يهديهم الله ~~فيكونوا لنا عضدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ترى يا ابن ~~الخطاب؟» قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنني من ~~فلان قريب لعمر فأضرب عنقه، وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من ~~فلان أخيه فيضرب # PageV02P471 # عنقه حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم ~~وأئمتهم وقادتهم، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم ~~يهو ما قال عمر، فأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد قال عمر بن الخطاب: ~~غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد وأبو بكر الصديق، وإذا ~~هما يبكيان فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء ~~بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: " أبكي للذي عرض على أصحابك من الفداء لقد عرض على عذابكم أدنى من ~~هذه الشجرة لشجرة قريبة، وأنزل الله {ما كان لنبي أن يكون له أسرى إلى قوله ~~لولا كتاب من الله سبق} [الأنفال: 67 - 68] . # رواه مسلم، عن هناد بن السري، عن ابن المبارك، عن عكرمة # قال المفسرون: يقول: ما كان لنبي أن يحبس كافرا قدر عليه من عبدة الأوثان ~~للفداء وللمن قبل الإثخان في الأرض. # قال قتادة: كان هذا يوم بدر، فاداهم رسول الله بأربعة آلاف، ولعمري، ما ~~كان أثخن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، وكان أول قتال قاتل ~~المشركين، ومعنى: {يثخن في الأرض} [الأنفال: 67] قال الزجاج: يبالغ في قتل ~~أعدائه. # وقال الفراء: حتى يغلب على كثير من الأرض. # وقال ابن الأعرابي: أثخن إذا غلب وقهر. # {تريدون عرض الدنيا} [الأنفال: 67] تريدون الفداء، {والله يريد الآخرة} ~~[الأنفال: 67] قال ابن عباس: يريد لكم الجنة. # {لولا كتاب من الله سبق} [الأنفال: 68] أن الغنائم لك ولأمتك حلال، ~~{لمسكم فيما أخذتم} [الأنفال: 68] من الفداء، عذاب عظيم. # هذا قول سعيد بن جبير، وقتادة، ورواية الوالبي، وأبي الجوزاء عن ابن ~~عباس، وقال الحسن: إنهم ms0708 أخذوا الفداء قبل أن يؤمروا به فعاب الله ذلك ~~عليهم. # وقال محمد بن إسحاق: لولا كتاب من الله سبق أني لا أعذب إلا بعد النهي، ~~ولم يكن نهاهم، لعذبتكم. # وهذا قول ابن مسعود، ومجاهد، وقال ابن زيد، وجماعة: سبق من الله العفو ~~عنهم وألا يعذب أحدا منهم شهد بدرا، ولم يكن أحد من المؤمنين ممن حضر إلا ~~أحب الغنائم غير عمر جعل لا يلقى أسيرا إلا ضرب عنقه، فقال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «لو عذبنا في هذا الأمر ما نجا غير عمر» . # PageV02P472 # وقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو نزل عذاب ما سلم ~~منه إلا عمر» . # وقال مجاهد: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: «كاد أن يصيبنا في خلافك ~~بلاء» . # ولما نزل هذا أمسكوا أيديهم عن الغنائم، فنزل قوله: {فكلوا مما غنمتم ~~حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم} [الأنفال: 69] قال ابن عباس: ~~غفر لكم ما أخذتم من الفداء، ورحمكم لأنكم أولياؤه. # {يأيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا ~~يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم {70} وإن يريدوا خيانتك ~~فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم {71} إن الذين آمنوا ~~وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك ~~بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى ~~يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ~~ميثاق والله بما تعملون بصير {72} والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا ~~تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير {73} والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في ~~سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم ~~{74} والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام ~~بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم {75} } [الأنفال: ~~70-75] قوله: {يأيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في ~~قلوبكم ms0709 خيرا} [الأنفال: 70] صدقا وإسلاما، {يؤتكم خيرا مما أخذ منكم} ~~[الأنفال: 70] من الفداء، نزلت في العباس، وكان أسر يوم بدر ومعه عشرون ~~أوقية من الذهب كان خرج بها ليطعم الناس، وكان أحد العشرة الذين ضمنوا طعام ~~أهل بدر، ولم يكن بلغته النوبة حتى أسر، فأخذت معه، فأخذها رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم منه، قال: فكلمته أن يجعل ذلك في فدائي، فأبى علي، وقال: ~~«أما شيء خرجت به تستعين به علينا فلا» ، قال: فأعطاني الله خيرا مما أخذ ~~مني، عشرين عبدا كلهم يضرب بمال كثير، وأدناهم يضرب عشرين ألف درهم مكان ~~العشرين أوقية، وأنا أرجو المغفرة من ربي. # وهو قوله: {والله غفور رحيم} [الأنفال: 70] . # قوله: {وإن يريدوا خيانتك} [الأنفال: 71] الآية: نزلت في العباس وأصحابه ~~من الأسارى، قال ابن جريج: أراد بالخيانة ههنا الخيانة في الدين وهو الكفر، ~~يعني: إن كفروا بك، {فقد خانوا الله من قبل} [الأنفال: 71] أي: كفروا ~~بالله، فأمكن منهم المؤمنين ببدر حتى قتلوهم وأسروهم، وهذا تهديد لهم إن ~~عادوا إلى القتال ومعاداة المؤمنين، والله عليم بخيانة إن خانوها، حكيم في ~~تدبيره عليهم ومجازاتهم أياهم. # قوله: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله} ~~[الأنفال: 72] يعني: المهاجرين الذين هجروا ديارهم وأموالهم # PageV02P473 # وقومهم في نصرة الدين، {والذين آووا ونصروا} [الأنفال: 72] يعني: الأنصار ~~أسكنوا المهاجرين ديارهم ونصروهم على أعدائهم، {أولئك بعضهم أولياء بعض} ~~[الأنفال: 72] قال المفسرون: يعني في الميراث كانوا يتوارثون بالهجرة ~~والنصرة، وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث قريبه المهاجر، وهو قوله: {والذين ~~آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} [الأنفال: 72] ، ~~وقرئ من ولايتهم بكسر الواو وفتحه، وهما لغتان من الولي والوالي كالوكالة ~~والوكالة وبابهما، والفتح أجود لأنه أكثر في الدين، والكسر في السلطان، قال ~~ابن الأنباري: كان الله تعالى تعبدهم في أول الهجرة بأن لا يرث المسلمين ~~المهاجرين إخوانهم الذين لم يهاجروا، ولا يرثون هم أخوانهم، ثم نسخ ذلك ~~بقوله: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأنفال: 75] . # وقوله: {وإن استنصروكم في الدين} [الأنفال ms0710: 72] أي: وإن استنصركم ~~المؤمنون الذين لم يهاجروا فلا تخذلوهم، وانصروهم، إلا أن يستنصروكم {على ~~قوم بينكم وبينهم ميثاق} [الأنفال: 72] عهد فلا تغدروا ولا تنقضوا العهد. # قوله: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} [الأنفال: 73] حض الله المؤمنين ~~على التواصل فجعل المهاجرين والأنصار أهل ولايته في الدين دون من سواهم، ~~وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض، ثم قال: إلا تفعلوه قال ابن عباس: إلا ~~تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به. # وقال ابن جريج: يقول: إلا تعاونوا وتناصروا في الدين. # {تكن فتنة في الأرض} [الأنفال: 73] يعني: الشرك، وفساد كبير وذلك أنه إذا ~~لم يتول المؤمن المؤمن توليا يدعو غيره ممن لا يكون مؤمنا إلى مثل ذلك، ولم ~~يتبرأ من الكافر بما يصرفه عن كفره، أدى ذلك إلى الضلال والفساد في الدين، ~~فإذا هجر المسلم أقاربه الكفار، ونصر أقاربه المسلمين كان ذلك أدعى إلى ~~الإسلام، وترك الكفر لأقاربه الكفار. # وقوله: والذين آمنوا، إلى قوله: {هم المؤمنون حقا} [الأنفال: 74] أي: هم ~~الذين حققوا إيمانهم بما يقتضيه من الهجرة والنصرة خلاف من أقام بدار ~~الشرك، {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} [الأنفال: ~~75] قال ابن عباس: يريد: الذين هاجروا بعد الحديبية، وهي الهجرة الثانية. # وقوله: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأنفال: 75] قال جماعة ~~المفسرين: هذا نسخ للميراث بالهجرة، ورد للمواريث إلى أولي الأرحام، وذلك ~~أنهم كانوا لا يتوارثون بالرحم، إنما يتوارثون بالهجرة، كان الأخوان إذا ~~أسلما فهاجر أحدهما فمات لم يرثه الذي لم يهاجر حتى فتحت مكة فرد الله ~~الميراث إلى أولي الأرحام. # روى عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم آخا بين أصحابه ~~فكانوا يتوارثون بذلك حتى نزلت: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأنفال: ~~75] ، فتوارثوا بالنسب. # وقوله: {في كتاب الله} [الأنفال: 75] قال الزجاج: في حكم الله. # ويجوز أن يعني بالكتاب ههنا القرآن، أي: هم في فرض كتاب الله أولى ~~بأرحامهم، {إن الله بكل شيء} [الأنفال: 75] مما خلق وفرض وحد، عليم. # PageV02P474 ### | سورة التوبة # مدنية وآياتها تسع وعشرون ومائة ### | 394 - # أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ms0711 الزمجاري، نا أحمد بن جعفر بن مالك، نا عبد ~~الله بن أحمد بن حنبل، نا أبي، نا محمد بن جعفر، نا عوف، عن يزيد الفارسي، ~~قال: قال لنا ابن عباس: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم على أن عهدتم إلى ~~الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما ولم ~~تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموهما في السبع الطوال؟ قال ~~عثمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يأتي عليه الزمان ينزل ~~عليه من السور ذوات العدد، وكان إذا أنزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب ~~عنده، يقول: ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من ~~أوائل ما أنزل بالمدينة، وبراءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، ~~وقبض فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، وظننا ~~أنها منها فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما بسم الله الرحمن الرحيم ~~ووضعتهما في السبع الطوال ### | 395 - # أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا أبو عمرو بن مطر، أنا أبو ~~خليفة الجمحي، نا أبو الوليد، نا شعبة، نا أبو إسحاق، قال: سمعت البراء، ~~يقول: آخر آية نزلت {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} [النساء: 176] ~~وآخر سورة نزلت براءة، رواه البخاري، عن أبي الوليد # {براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين {1} فسيحوا في الأرض ~~أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين {2} وأذان ~~من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله ~~فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين ~~كفروا بعذاب أليم {3} إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم ~~يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين {4} ~~فإذا انسلخ الأشهر الحرم # PageV02P475 # فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن ~~تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ms0712 {5} وإن ~~أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك ~~بأنهم قوم لا يعلمون {6} } [التوبة: 1-6] قوله: {براءة من الله} [التوبة: ~~1] الآية: قال المفسرون: أخذت العرب تنقض عهودا بينها وبين رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم، فأمره الله أن ينقض عهودهم. # قال الزجاج: أي: قد برئ الله ورسوله من إعطائهم العهود والوفاء بها إذ ~~نكثوا. # والخطاب في: عاهدتم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتولي للعقد ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنهم أدخلوا في الخطاب، لأنهم راضون بفعله. # وقوله: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} [التوبة: 2] يقال: ساح يسيح سياحة ~~وسيوحا. # قال الزجاج: معناه: اذهبوا فيها وأقبلوا وأدبروا. # وقال المفسرون: هذا تأجيل من الله للمشركين أربعة أشهر، فمن كانت مدة ~~عهده أكثر من أربعة أشهر حطه إلى الأربعة، ومن كانت مدته أقل من أربعة رفعه ~~إلى الأربعة. # قال الزهري: الأربعة أشهر: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم لأن هذه ~~الآية نزلت في شوال. # قال ابن عباس في رواية الوالبي: حد الله للذين عاهدوا رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أربعة أشهر يسيحون في الأرض حيث ما شاءوا، وأحل من ليس له عهد ~~عند انسلاخ الأشهر الحرم، فإذا انسلخ الأشهر الحرم أمره أن يضع السيف فيهم ~~حتى يدخلوا في الإسلام. # وقوله: {واعلموا أنكم غير معجزي الله} [التوبة: 2] قال ابن عباس: حيثما ~~كنتم وحيثما توجهتم لا يعجز الله عن نقمته فيكم. # وقال الزجاج: أي: وإن أجلتم هذه الأربعة الأشهر فلن تفوتوا الله. # {وأن الله مخزي الكافرين} [التوبة: 2] بالقتل في الدنيا والعذاب في ~~الآخرة، والإخزاء: الإذلال بما فيه من الفضيحة والعار، قوله: {وأذان من ~~الله ورسوله} [التوبة: 3] الأذان: الإعلام وهو اسم من الإيذان، يقال: آذن ~~إيذانا، وأذانا. # وقوله: إلى الناس أي: للناس، يقال: هذا إعلام لك، وإليك. # وأراد بالناس: المؤمن والمشرك والكافر لأن الكل داخلون في هذا الإعلام، ~~قوله: {يوم الحج الأكبر} [التوبة: 3] اختلفوا فيه: فقال عمر، وسعيد بن ~~المسيب، وابن الزبير، وعطاء، وطاوس، ومجاهد: إنه يوم عرفة. # ونحو ms0713 هذا روى المسور بن مخرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا. ### | 396 - # أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد، أنا محمد بن عبد الله بن الفضل، أنا أحمد بن ~~محمد بن الحسن الحافظ، نا # PageV02P476 # محمد بن حيويه، ويحيى بن محمد بن يحيى، قالا: نا عبد الرحمن بن المبارك ~~العيشي، نا عبد الوارث بن سعيد، نا ابن جريج، عن محمد بن قيس، عن المسور بن ~~مخرمة، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات فحمد الله وأثنى ~~عليه، ثم قال: " أما بعد: فإن هذا يوم الحج الأكبر " وذكر الحديث # وقال ابن عباس في رواية عطاء: يوم الحج الأكبر يوم النحر. # وهو قول الشعبي، والنخعي، والسدي، وسعيد بن جبير، ورواية ابن أبي أوفى، ~~عن النبي صلى الله عليه وسلم. ### | 397 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم المزكي، أنا أبو بكر بن عبد الله بن يحيى الطلحي، ~~نا أحمد بن سعيد بن شاهين، نا محمد بن بكار، نا حفص بن عمر قاضي حلب، عن ~~سليمان الشيباني، عن عبد الله بن أبي أوفى، أن النبي صلى الله عليه وسلم ~~قال يوم الأضحى: «هذا يوم الحج الأكبر» # ومعنى الحج الأكبر: الحج بجميع أعماله، والحج الأصغر العمرة، وقال قوم: ~~يوم الحج الأكبر حين الحج أيامه كلها، كما يقال: يوم الجمل، ويوم صفين، ~~ويوم بعاث لأن كل حرب من هذه الحروب دامت أياما كثيرة. # وقوله: {أن الله بريء من المشركين} [التوبة: 3] أي: من عهد المشركين فحذف ~~المضاف، ورسوله # PageV02P477 # رفع بالابتداء، وخبره مضمر على معنى: ورسوله أيضا برئ، قال المفسرون: لما ~~فتح الله مكة سنة ثمان من الهجرة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ~~تبوك، وأرجف المنافقون الأراجيف، جعل المشركون ينقضون عهودهم، فأمر الله ~~رسوله صلى الله عليه وسلم بإلقاء عهودهم إليهم، فلما كانت سنة تسع بعث رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الموسم، ليقيم للناس الحج، وبعث ~~معه بأربعين آية من صدر براءة ليقرأها على أهل الموسم، فلما سار دعا رسول ~~الله صلى الله عليه ms0714 وسلم عليا فقال: اخرج بهذه القصة من صدر براءة، وأذن ~~بذلك في الناس إذا اجتمعوا. # فخرج علي على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء حتى أدرك أبا ~~بكر بذي الحليفة، فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ~~بأبي أنت وأمي أنزل في شأني شيء؟ قال: لا ولكن لا يبلغ عني غيري أو رجل ~~مني، أما ترضى يا أبا بكر أنك كنت معي في الغار، وأنك صاحبي على الحوض؟ ~~قال: بلى يا رسول الله. # فسار أبو بكر أميرا على الحج وعلي ليؤذن ب براءة. # وذكر الزجاج: السبب في تولية علي تلاوة براءة قال: إن العرب جرت عادتها ~~في عقد عهودها ونقضها أن يتولى ذلك عن القبيلة رجل منها، وكان جائزا أن ~~يقول العرب إذا تلا عليها نقض العهد من الرسول من هو من غير رهطه: هذا خلاف ~~ما نعرف فينا في نقض العهود. # فأزاح النبي صلى الله عليه وسلم العلة في ذلك، وشرح عمرو بن بحر الجاحظ ~~هذه القصة فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر أميرا على الحجاج ~~وولاه الموسم، وبعث عليا يقرأ على الناس آيات من سورة براءة وكان أبو بكر ~~الإمام، وعلي المؤتم به، وكان أبو بكر الخطيب وعلي المستمع، وكان أبو بكر ~~الرافع الموسم ولم يكن لعلي أن يرفع حتى يرفع أبو بكر، وأما قوله صلى الله ~~عليه وسلم: لا يبلغ عني إلا رجل مني فإن هذا ليس بتفضيل منه لعلي على غيره، ~~ولكن عامل العرب على مثل ما كان بعضهم يتعارفه من بعض كعادتهم في عقد الحلف ~~وحل العقد، كان لا يتولى ذاك إلا السيد منهم أو رجل من رهطه دينا، كأخ أو ~~عم، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول. # ويدل على هذا ما لجملة الحديث الصحيح الذي ### | 398 - # أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكي، أنا محمد بن مكي، أنا محمد بن يوسف، أنا ~~محمد بن إسماعيل البخاري، أنا عبد الله بن يوسف، نا الليث ms0715، حدثني عقيل، عن ~~ابن شهاب، أخبرني حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال: بعثني أبو بكر في ~~تلك الحجة في المؤذنين، بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى، ألا يحج بعد العام ~~مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، قال أبو هريرة: فأذن معنا علي في أهل منى يوم ~~النحر ب براءة وألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان # وقوله: فإن تبتم رجع إلى خطاب المشركين، يريد: فإن رجعتم عن الشرك إلى ~~توحيد الله، {فهو خير لكم} [الأنفال: 19] من الإقامة على الشرك وإن توليتم ~~عن الإيمان، {فاعلموا أنكم # PageV02P478 # غير معجزي الله} [التوبة: 3] لا تعجزونه عن تعذيبكم ولا تفوتون بأنفسكم ~~من أن يحل بكم عذابه في الدنيا، ثم أوعدهم بعذاب الآخرة فقال: {وبشر الذين ~~كفروا بعذاب أليم} [التوبة: 3] . # قوله: {إلا الذين عاهدتم من المشركين} [التوبة: 4] قال المفسرون: استثنى ~~الله طائفة وهم بنو ضمرة، حي من كنانة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم ~~بإتمام عهودهم، وكان قد بقى لهم من مدة عهدهم تسعة أشهر، وقوله: {ثم لم ~~ينقصوكم} [التوبة: 4] أي: من شروط العهد، {شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا} ~~[التوبة: 4] لم يعاونوا عليكم عدوا، {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} ~~[التوبة: 4] أي: إلى انقضاء مدتهم، {إن الله يحب المتقين} [التوبة: 4] يحب ~~من اتقاه بطاعته واجتناب معاصيه. # قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} [التوبة: 5] أي: مضى وذهب، وذهابها ~~بانسلاخ المحرم، {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] أي: في الحل ~~والحرم، وخذوهم بالأسر، واحصروهم قال ابن عباس: يريد: إن تحصنوا فاحصروهم، ~~والحصر ههنا المنع عن الخروج من محيط، {واقعدوا لهم كل مرصد} [التوبة: 5] ~~أي: على كل طريق يأخذون فيه، والمرصد: الموضع الذي يرقب فيه العدو، فإن ~~تابوا من الشرك، وأقاموا الصلاة المفروضة، وآتوا الزكاة من الأموال العين ~~والمواشي والثمار، فخلوا سبيلهم حتى يذهبوا حيث شاءوا، {إن الله غفور} ~~[التوبة: 5] لمن تاب وآمن، رحيم به، {وإن أحد من المشركين} [التوبة: 6] ~~الذين أمرتك بقتلهم استجارك طلب منك الأمان والجوار، فأجره من القتل، {حتى ~~يسمع كلام الله} [التوبة: 6] القرآن وما أمر به ms0716 ونهى عنه، {ثم أبلغه مأمنه} ~~[التوبة: 6] الموضع الذي يأمن فيه، {ذلك بأنهم قوم لا يعلمون} [التوبة: 6] ~~أي: الأمر ذلك، وهو أن يعرفوا ويجاروا لجهلهم، فربما يعرفون فيسلمون، ثم ~~قال على وجه الإنكار: {كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا ~~الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله ~~يحب المتقين {7} كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم ~~بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون {8} اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ~~فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون {9} لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ~~ذمة وأولئك هم المعتدون {10} فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ~~فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون {11} وإن نكثوا أيمانهم من بعد ~~عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ~~{12} } [التوبة: 7-12] {كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله} ~~[التوبة: 7] أي: لا يكون لهم عهد وهم يغدرون وينقضون، {إلا الذين عاهدتم ~~عند المسجد الحرام} [التوبة: 7] وهم بنو ضمرة الذين ذكرنا، {فما استقاموا ~~لكم} [التوبة: 7] في وفاء العهد فاستقيموا لهم على الوفاء بإتمام أجلهم، ~~{إن الله يحب المتقين} [التوبة: 7] من اتقى الله في أداء فرائضه والوفاء ~~بعهده لمن عاهده. # قوله: {كيف وإن يظهروا عليكم} [التوبة: 8] أي: كيف يكون للمشركين عهد ~~وحالهم أنهم إن يظهروا عليكم: يقدروا عليكم، ويظفروا بكم، {لا يرقبوا فيكم} ~~[التوبة: 8] لا يحفظوا فيكم، إلا قرابة، ولا ذمة عهدا، يرضونكم بأفواههم ~~يقولون كلاما حلوا، وتأبى قلوبهم الوفاء بما يقولون، وأكثرهم فاسقون كاذبون ~~ناقضون للعهد. # {اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا} [التوبة: 9] استبدلوا بالقرآن متاع ~~الدنيا، {فصدوا عن سبيله} [التوبة: 9] فأعرضوا عن طاعته، {إنهم ساء ما ~~كانوا يعملون} [التوبة: 9] من اشترائهم الكفر بالإيمان، ثم ذمهم بترك ~~المراقبة للعهد والذمة للمؤمنين بقوله: { # PageV02P479 # لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون} [التوبة: 10] ~~المجاوزون للحلال إلى الحرام بنقض العهد، فإن تابوا من الشرك، {وأقاموا ~~الصلاة وآتوا الزكاة} [التوبة: 11] قال ابن مسعود: أمرتم بإقامة الصلاة ~~وإيتاء الزكاة، فمن ms0717 لم يزك فلا صلاة له. # وقال ابن زيد: رحم الله أبا بكر ما كان أفقهه، أبى الله أن يقبل الصلاة ~~إلا بالزكاة. # وقال المفسرون: المآخاة بين المسلمين موقوفة على فعل الصلاة والزكاة مع ~~الشهادة، لأن الله تعالى قال: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ~~فإخوانكم في الدين} [التوبة: 11] أي: فهم إخوانكم في الدين، ونفصل الآيات ~~نبينها، لقوم يعلمون أنها من عند الله. # قوله: {وإن نكثوا أيمانهم} [التوبة: 12] جمع يمين بمعنى القسم، يعني ~~مشركي قريش، يقول: إن نقضوا عهودهم، يقال: نكث العهد إذا نقضه، ونكث يمينه ~~إذا خالف موجبها، وقوله: {وطعنوا في دينكم} [التوبة: 12] أي: عابوا دينكم، ~~قال الزجاج: وهذه الآية توجب قتل الذمي إذا طعن في الإسلام لأن العهد معقود ~~عليه ألا يطعن فإن طعن فقد نكث. # وقوله: {فقاتلوا أئمة الكفر} [التوبة: 12] يعني رءوس قريش وقادتهم وهم: ~~أبو جهل، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، ~~والأصل في أيمة: أأممة لأنها جمع إمام مثل: مثال وأمثلة، ولكن لما اجتمعت ~~الميمان أدغمت الأولى في الثانية، وألقيت حركتها على الهمزة فصارت أئمة، ~~فأبدل من الهمزة المك { [ياء، كراهة لاجتماع الهمزتين، وهذا هو الاختيار ~~عند جميع النحويين، ومن قرأ بهمزتين راعى الأصل وليس بالوجه، وقوله:] إنهم ~~لا أيمان لهم} [سورة التوبة: 12] قال الفراء: لا عهود لهم، والمعنى: لا ~~إيمان لهم صادقة لأنه قد أثبت لهم الأيمان في قوله: نكثوا إيمانهم، فالمنفي ~~غير المثبت، ومن قرأ بالكسر، فقال الفراء: يريد أنهم كفرة لا إسلام لهم، ~~قال: وقد يكون المعنى لا تؤمنوهم فيكون مصدر قولك: أمنته إيمانا. # وهذا هو الوجه، لأن المشرك # PageV02P480 # لا يقر على دينه فلا يؤمن كما يؤمن أهل الذمة، فالإيمان ههنا يراد به ~~الذي هو ضد التخويف، فإن جعلته الذي هو ضد الكفر كان تكريرا، لأن قوله: ~~أئمة الكفر يدل على أنه لا إيمان لهم، وقوله: لعلهم ينتهون قال ابن عباس: ~~كي ينتهوا عن الشرك بالله، ثم حض المؤمنين على قتالهم، فقال: {ألا تقاتلون ~~قوما نكثوا ms0718 أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله ~~أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين {13} قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم ~~وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين {14} ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على ~~من يشاء والله عليم حكيم {15} أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين ~~جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله ~~خبير بما تعملون {16} ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على ~~أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون {17} إنما يعمر ~~مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش ~~إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين {18} } [التوبة: 13-18] {ألا ~~تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم} [التوبة: 13] وهذا يدل على أن قتال الناكثين ~~أولى من قتال غيرهم من الكفار ليكون ذلك زجرا لغيرهم عن النكث، وأراد بنكث ~~اليمين ههنا أنهم نقضوا عهد الصلح بالحديبية، وأعانوا بني بكر على خزاعة، ~~وهم كانوا حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم {وهموا بإخراج الرسول} ~~[التوبة: 13] يعني: حين اجتمعوا في دار الندوة للمكر به {وهم بدءوكم أول ~~مرة} [التوبة: 13] يعني بالقتال يوم بدر، وذلك أنهم قالوا حين سلم العير: ~~لا ننصرف حتى نستأصل محمدا ومن معه، وقال جماعة من المفسرين: أراد أنهم ~~قاتلوا حلفاءك خزاعة، فبدأوا بنقض العهد، وقوله: أتخشونهم أي: أتخافون أن ~~ينالكم من قتالهم مكروه فتتركون قتالهم، {فالله أحق أن تخشوه} [التوبة: 13] ~~فمكروه عذاب الله أحق أن يخشى في ترك قتالهم، {إن كنتم مؤمنين} [التوبة: ~~13] مصدقين بعقاب الله وثوابه، ثم وعدهم النصر بقوله: {قاتلوهم يعذبهم الله ~~بأيديكم} [التوبة: 14] أي: بقتلهم بسيوفكم ورماحكم، ويخزهم يذلهم بالقهر ~~والأسر {وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} [التوبة: 14] قال ابن عباس، ~~والسدي، ومجاهد: يعني: بني خزاعة، وذلك أن قريشا أعانت بني بكر عليهم حتى ~~نكأوا فيهم، فشفى الله صدورهم من بني بكر بالنبي والمؤمنين، وذلك أن الصريخ ~~أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأنشده: # إن قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا # وبيتونا ms0719 بالحطيم هجدا ... وقتلونا ركعا وسجدا # فانصر هداك الله نصرا أعتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا # PageV02P481 # فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نصرت إن لم أنصركم» . # وغضب لهم، وخرج إلى مكة، ونصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وشفى صدور ~~خزاعة، وهو قوله: {ويذهب غيظ قلوبهم} [التوبة: 15] يعني كربها ووجدها ~~بمعونة قريش بكرا عليهم، {ويتوب الله على من يشاء} [التوبة: 15] يعني من ~~المشركين كأبي سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، تاب الله ~~عليهم وهداهم للإسلام، والله عليم بنيات المؤمنين، حكيم فيما قضى، ثم رجع ~~إلى خطاب المنافقين، فقال: {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين ~~جاهدوا منكم} [التوبة: 16] أي: العلم الذي يجازي عليه وهو العلم بالشيء بعد ~~وجوده، {ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة} [التوبة: ~~16] قال الفراء: الوليجة: البطانة من المشركين يتخذونهم فيفشون إليهم ~~أسرارهم، ووليجة الرجل من يختص بدخلة أمره دون الناس، الواحد والجمع فيه ~~سواء، قال ابن عباس: ولم يتخذوا أولياء من المشركين. # قوله تعالى: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله} [التوبة: 17] الآية: ~~لما أسر العباس يوم بدر عيره المسلمون بالكفر وقطيعة الرحم، فقال: إنا ~~لنعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج، فرد الله ذلك عليه بهذه الآية، ومعنى ما ~~كان لهم ذلك أنه أوجب على المسلمين منعهم من ذلك، وأكثر المفسرين: حملوا ~~العمارة ههنا على دخول المسجد الحرام والقعود فيه، قال الحسن: ما كان ~~للمشركين أن يتركوا فيكونوا أهل المسجد الحرام. # وذهب آخرون إلى العمارة المعروفة من بناء المسجد ورمه عند الخراب، وهذا ~~أيضا محذور على الكافر، يمنع منه حتى لو أوصى به لم تقبل وصيته، وقرأ أبو ~~عمرو: مسجد الله على التوحيد، لقوله: {وعمارة المسجد الحرام} [التوبة: 19] ~~وقال الفراء: ربما ذهبت العرب بالواحد إلى الجمع وبالجمع إلى الواحد، ~~وقوله: {شاهدين على أنفسهم بالكفر} [التوبة: 17] قال ابن عباس: شهادتهم على ~~أنفسهم # PageV02P482 # بالكفر سجودهم لأصنامهم. # {أولئك حبطت أعمالهم} [التوبة: 17] لأنها لغير الله، وقال الزجاج: كفرهم ~~أذهب ثواب أعمالهم. # ثم ms0720 ذكر أهل عمارة المسجد فقال {إنما يعمر مساجد الله} [التوبة: 18] ~~الآية. ### | 399 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، نا أبو العباس محمد بن يعقوب، نا أبو عتبة ~~أحمد بن الفرج، نا بقية، نا ابن الحجاج، عن عمرو بن الحارث، عن أبي الهيثم، ~~عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم ~~الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان، فإن الله قال: {إنما يعمر مساجد ~~الله من آمن بالله واليوم الآخر} [التوبة: 18] " ### | 400 - # أخبرنا أبو سعد بن أبي رشيد العدل، أنا محمد بن أحمد بن يعقوب المفيد، نا ~~أحمد بن عبد الرحمن السقطي، نا يزيد بن هارون، عن محمد بن مطرف، عن زيد بن ~~أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «من غدا إلى المسجد وراح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح» ### | 401 - # أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن علي التاجر، أنا أبو الحسن علي بن عمر ~~الحربي، نا أبو عبد الله سلمان بن جابر، نا الحسن بن العلاء القشيري، نا ~~عبد الصمد بن حسان، نا سفيان الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن ~~النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " المساجد سوق من أسواق الآخرة فمن دخلها ~~كان ضيفا لله، فجزاؤه المغفرة وتحيته الكرامة، عليكم بالإرتاع، قال: يا ~~رسول الله وما الإرتاع؟ ، قال: الدعاء والرغبة إلى الله " ### | 402 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، أنا أحمد بن جعفر بن مالك، نا عبد ~~الله بن أحمد بن حنبل، نا أبي، نا عبد # PageV02P483 # الكبير بن عبد المجيد أبو بكر الحنفي، نا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، ~~عن محمود بن لبيد، عن عثمان بن عفان، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يقول: «من بنى مسجدا لله بنى الله له مثله في الجنة» . # رواه مسلم، عن محمد بن المثنى، عن الضحاك بن مخلد، عن عبد الحميد بن جعفر ### | 403 - # أخبرنا أبو منصور عبد القادر بن طاهر، نا محمد بن عبد ms0721 الله بن علي بن ~~زياد الدقاق، نا محمد بن إبراهيم بن سعيد، نا سليمان الشرحبيلي، نا مروان ~~بن معاوية، نا كثير المؤذن، أنه سمع عطاء بن أبي رباح، يقول: قالت عائشة: ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من بنى مسجدا ولو قدر مفحص قطاة بنى ~~الله له بيتا في الجنة، قالت: يا رسول الله وهذه المساجد التي بطرق مكة؟ ~~قال: وتلك " # قال أهل المعاني في هذه الآية: من كان بهذه الصفة التي ذكرها من الإيمان ~~بالله وإقامة الصلاة وما بعدها كان من أهل عمارة المسجد، وليس المعنى أن من ~~عمرها كان بهذه الصفة، غير أنه قل من يعمرها إلا وقد جمع هذه الصفات، ~~وقوله: {ولم يخش إلا الله} [التوبة: 18] أي: لم يخف في باب الدين إلا الله، ~~ولم يترك أمرا لله لخشية غيره، {فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} ~~[التوبة: 18] أي: فأولئك من المهتدون، وعسى من الله واجبة، والمهتدون: ~~المتمسكون بطاعة الله التي تؤدي إلى الجنة. # {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر ~~وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين {19} ~~الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند ~~الله وأولئك هم الفائزون {20} يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها ~~نعيم مقيم {21} خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم {22} } [التوبة: ~~19-22] # PageV02P484 # قوله: {أجعلتم سقاية الحاج} [التوبة: 19] الآية: ### | 404 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن ابن أبي حامد العدل، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله ~~الحافظ، أنا محمد بن شريك الإسفرائيني، نا عثمان بن سعيد، نا أبو توبة، نا ~~معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام، قال: حدثني النعمان بن ~~بشير، قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: ما أبالي ~~ألا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: ما أبالي ألا أعمل ~~عملا بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل ~~الله ms0722 أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت ~~فاستفتيت لكم فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله عز وجل {أجعلتم سقاية الحاج ~~وعمارة المسجد الحرام} [التوبة: 19] الآية إلى آخرها. # رواه مسلم، عن حسن بن علي الحلواني، عن أبي توبة # وقال ابن عباس في رواية الوالبي: قال العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم ~~بدر: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد، لقد كنا نعمر المسجد ~~الحرام، ونسقي الحاج، ونفك العاني، فأنزل الله هذه الآية. # والسقاية مصدر كالسقي وسقاية الحاج سقيهم الشراب. # PageV02P485 # قال الحسن: وكان نبيذ ذبيب يسقون الحاج في الموسم، وقوله: {وعمارة المسجد ~~الحرام} [التوبة: 19] قال ابن عباس: يريد تدبيره وتخليقه، {كمن آمن بالله} ~~[التوبة: 19] أي: كإيمان من آمن بالله، يقول الله منكرا عليهم: أسويتم بين ~~سقي الحاج وعمارة المسجد، وبين إيمان المؤمنين بالله، {لا يستوون عند الله} ~~[التوبة: 19] في الثواب، قال ابن عباس: أخبر أن عمارتهم المسجد وقيامهم على ~~السقاية لا ينفعهم مع الشرك بالله، وأن الإيمان بالله والجهاد مع نبيه خير ~~مما هم عليه. # {والله لا يهدي القوم الظالمين} [التوبة: 19] سماهم الله ظالمين بشركهم، ~~ثم نعت المهاجرين فقال: الذين آمنوا إلى قوله: {أعظم درجة عند الله} ~~[التوبة: 20] أي: من الذين افتخروا بعمارة البيت، وسقي الحاج، ومن كل أحد، ~~{وأولئك هم الفائزون} [التوبة: 20] الذين ظفروا بأمنيتهم من الخير، {يبشرهم ~~ربهم برحمة منه} [التوبة: 21] قال الزجاج: يعلمهم في الدنيا ما لهم في ~~الآخرة من الرحمة والرضوان، والجنات التي {لهم فيها نعيم مقيم} [التوبة: ~~21] النعيم نقيض البؤس، وهو لين العيش، والمقيم: الدائم لا يزول. # {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر ~~على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون {23} قل إن كان آباؤكم ~~وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون ~~كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا ~~حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين {24} } [التوبة ms0723: 23-24] ~~قوله: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء} [التوبة: 23] ~~الآية: قال ابن عباس: كان قبل فتح مكة من آمن ولم يهاجر لم يقبل الله ~~إيمانه حتى يهجر أقاربه الكفار. # والمعنى: لا تتخذوهم أصدقاء تؤثرون المقام بين أظهرهم على الهجرة إلى دار ~~الإسلام، إن استحبوا أي: اختاروا، وكان الكفر أحب إليهم من الإيمان، ثم ~~أوعدهم على ذلك فقال {ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} [التوبة: 23] ~~قال ابن عباس: مشركون مثلهم. # فلما نزلت هذه الآية قال: يا نبي الله إن نحن اعتزلنا من خالفنا في الدين ~~نقطع أبناءنا وعشيرتنا وتذهب تجارتنا وتخرب ديارنا، فأنزل الله: {قل إن كان ~~آباؤكم} [التوبة: 24] الآية، وقوله: وعشيرتكم عشيرة الرجل: أهله الأدنون، ~~وقرئ: وعشيراتكم وهو رديء، قال الأخفش: لا تكاد العرب تجمع من عشيرة عشيرات ~~إنما يجمعونها عشائر، وقوله: وأموال اقترفتموها أي: كسبتموها، والاقتراف ~~الكسب ومنه قوله: {ومن يقترف حسنة} [الشورى: 23] ، يقول: إن كانت هذه # PageV02P486 # الأشياء أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله، فتربصوا قال ابن عباس: ~~فتربصوا بما تحبون فليس لكم عند الله ثواب في إيمانكم. # وقوله: {حتى يأتي الله بأمره} [التوبة: 24] الأكثرون قالوا: يعني فتح ~~مكة. # يقول: بأن كنتم تؤثرون المقام في دوركم وأهليكم، وتتركون الهجرة فأقيموا ~~غير مثابين، حتى يفتح الله مكة فيسقط فرض الهجرة، والأمر بالتربص أمر ~~تهديد، قوله: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ~~فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين {25} ثم ~~أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين ~~كفروا وذلك جزاء الكافرين {26} ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله ~~غفور رحيم {27} } [التوبة: 25-27] {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة} ~~[التوبة: 25] أي: في أمكنة ومقامات، يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم ~~والمؤمنين، ويوم حنين أي: وفي يوم حنين، وهو واد بين مكة والطائف، قاتل ~~عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم هوازن، وثقيفا بعد فتح مكة، {إذ أعجبتكم ~~كثرتكم} [التوبة: 25] قال قتادة ms0724: كانوا اثني عشر ألفا. # وقال مقاتل: كانوا أحد عشر ألفا وخمس مائة، وقال الكلبي: كانوا عشرة ~~آلاف. # وقال عطاء، عن ابن عباس: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى ~~حنين في ستة عشر ألفا وكان معه رجل من الأنصار يقال له: سلمة بن سلامة بن ~~وقش، فعجب لكثرة الناس فقال: لن نغلب اليوم من قلة. # فساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه، ووكلوا إلى كلمة الرجل. # فذلك قوله: {إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا} [التوبة: 25] لم ~~تنفعكم كثرتكم ولم تدفع عنكم شيئا، {وضاقت عليكم الأرض بما رحبت} [التوبة: ~~25] أي: برحبها وسعتها ضاقت عليكم، فلم تجدوا فيها موضع يصلح لفراركم، وهو ~~قوله: {ثم وليتم مدبرين} [التوبة: 25] قال الزجاج: أعلم الله أنهم ليس ~~بكثرتهم يغلبون، إنما يغلبون بنصر الله إياهم، ووكلوا ذلك اليوم إلى كثرتهم ~~فانهزموا، ثم تداركهم الله بنصره حتى ظفروا، وذلك قوله: {ثم أنزل الله ~~سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} [التوبة: 26] يعني: الأمنة والطمأنينة. ### | 405 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أنا محمد بن جعفر بن مطر، ~~أنا الفضل بن الحباب، نا محمد بن كثير، نا سفيان، عن أبي إسحاق، قال: سمعت ~~البراء بن عازب، يقول: وجاءه رجل فقال: يا أبا عمارة وليتم يوم حنين؟ قال: ~~أما أنا فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يول، ولكن عجل ~~سرعان الناس فرشقتهم هوازن وأبو سفيان بن الحارث آخذ برأس بغلته البيضاء ~~وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب # PageV02P487 # رواه البخاري، عن محمد بن كثير # قال الزجاج: أنزل الله عليهم السكينة، حتى عادوا وظفروا وأراهم في ذلك ~~اليوم من آياته ما زادهم يقينا في الدين، وهو قوله: {وأنزل جنودا لم تروها} ~~[التوبة: 26] قال ابن عباس: يعني: الملائكة. # وقال سعيد بن جبير: أمد الله نبيه عليه السلام بخمسة آلاف من الملائكة. # وقال سعيد بن المسيب: حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين قال: لما كشفنا ~~المسلمين جعلنا نسوقهم حتى إذا انتهينا ms0725 إلى صاحب البغلة الشهباء، فتلقانا ~~رجال بيض الوجوه حسان، فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا. # فرجعنا، وركبوا أكتافنا. # وذلك قوله: {وعذب الذين كفروا} [التوبة: 26] بالقتل والأسر وسبي الأولاد، ~~{وذلك جزاء الكافرين {26} ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء} [التوبة: ~~26-27] من عباده فيهديهم إلى الإسلام ولا يؤاخذه بما سلف منه، {والله غفور ~~رحيم} [التوبة: 27] بمن آمن، قوله: {يأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ~~فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من ~~فضله إن شاء إن الله عليم حكيم} [التوبة: 28] {يأيها الذين آمنوا إنما ~~المشركون نجس} [التوبة: 28] قال الليث: النجس: القذر من الناس ومن كل شيء، ~~يقال: رجل نجس، وقوم أنجاس. # ولغة أخرى رجل نجس، وقوم نجس، ورجلان نجس، ومنه قوله تعالى: {إنما ~~المشركون نجس} [التوبة: 28] قال ابن عباس: يريد لا يغتسلون من الجنابة، ولا ~~يتوضئون لله تعالى، ولا يصلون لله. # {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28] أي: لا يدخلوا ~~الحرم بعد سنة تسع، أمر المسلمون بمنع المشركين من الحج ودخول الحرم، ولما ~~منعوا من دخول الحرم، قال المسلمون: إنهم كانوا يأتون بالميرة ويتبايعون، ~~فالآن تنقطع المتاجر ويضيق العيش. # فأنزل الله عز وجل: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله} [التوبة: ~~28] قال ابن عباس: يتفضل عليكم بما هو أوسع وأكثر. # قال مقاتل: ثم أسلم أهل جدة وصنعاء وجرش، وحملوا الطعام إلى مكة وكفاهم ~~الله ما كانوا يتخوفون، وقوله: {إن الله عليم حكيم} [التوبة: 28] قال ابن ~~عباس: عليم بما يصلحكم، حكيم فيما حكم من المشركين. # قوله: { # PageV02P488 # قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ~~ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد ~~وهم صاغرون} [التوبة: 29] {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} ~~[التوبة: 29] نزلت في أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ومعنى لا يؤمنون ~~بالله ولا باليوم الآخر، أي: كإيمان الموحدين لأنهم لا يؤمنون بالقرآن ~~ومحمد صلى الله عليه وسلم، ولا يقرون ms0726 بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون، فإذا ~~كان ذلك فإيمانهم غير إيمان من يقر بالحشر، وإعادة الأرواح، وحشر الأجساد. # {ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله} [التوبة: 29] من الميتة والدم ولحم ~~الخنزير والخمر، قال قتادة: الحق هو الله ودينه الإسلام. # وقال أبو عبيدة: لا يطيعون طاعة أهل الإسلام والدين الطاعة. # وقوله: {من الذين أوتوا الكتاب} [التوبة: 29] يعني: أهل الكتابين، {حتى ~~يعطوا الجزية} [التوبة: 29] وهي ما يعطيه المعاهد على عهده، عن يد قال ابن ~~عباس: هو أنهم يعطونها بأيديهم يمشون بها كارهين ولا يجيئون بها ركبانا، ~~ولا يرسلون بها، وهو قوله: وهم صاغرون أي: ذليلون مقهورون يجرون إلى الموضع ~~الذي تقبض منهم فيه بالعنف حتى يؤدوها من يدهم. # {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم ~~بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون {30} ~~اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا ~~إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون {31} يريدون أن ~~يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ~~{32} هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره ~~المشركون {33} } [التوبة: 30-33] قوله: {وقالت اليهود عزير ابن الله} ~~[التوبة: 30] قال ابن عباس في رواية العوفي: إن اليهود أضاعوا التوراة ~~وعملوا بغير الحق، فنسخها الله من صدورهم ورفع التابوت عنهم، فدعا الله ~~عزير وابتهل إليه أن يرد الذي نسخ من صدورهم، فنزل نور من السماء فدخل جوفه ~~فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة، فنادى في قومه، قد رد الله إلي ~~التوراة. # وطفق يعلمهم، فقالوا: والله ما أوتي عزير إلا لأنه ابن الله. # واختلف القراء في عزير فقرئ بالتنوين، وبغيره، # PageV02P489 # قال الزجاج: الوجه إثبات التنوين لأن ابن خبر، وإنما يحذف التنوين في ~~الصفة نحو قولك: جاءني زيد بن عمرو. # فيحذف التنوين لالتقاء الساكنين، فإذا كان خبرا فالتنوين، وقد يجوز حذفه ~~على ضعف لالتقاء الساكنين. # وقد قرئت {قل هو الله أحد ms0727 {1} الله الصمد {2} } [الإخلاص: 1-2] بحذف ~~التنوين لسكونه وسكون اللام، وقوله: {وقالت النصارى المسيح ابن الله} ~~[التوبة: 30] هذا كقولهم: إن الله ثالث ثلاثة، {ذلك قولهم بأفواههم} ~~[التوبة: 30] أي: ليس فيه برهان ولا بيان إنما هو قول بالفم لا معنى تحته، ~~يضاهون قول الذين كفروا من قبل: المضاهاة المشابهة، وقرأ عاصم بالهمز وهو ~~لغة، يقال: ضاهيت وضاهأت، قال مجاهد: يضاهون قول المشركين حين قالوا: اللات ~~والعزى ومناة بنات الله تعالى. # وقال الحسن: شبه كفرهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة، وقال قتادة، ~~والسدي: ضاهت النصارى قول اليهود من قبل فقالت النصاري: المسيح ابن الله. # كما قالت اليهود: عزير ابن الله. # وقوله: قاتلهم الله قال المفسرون: معناه لعنهم الله. # قال ابن الأنباري: المقاتلة أصلها من القتل، فإذا أخبر عن الله بها كانت ~~بمعنى اللعنة، لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك، وقوله: أنى ~~يؤفكون الإفك: الصرف، يقال: أفك الرجل عن الخير أي: قلب وصرف، يقول: كيف ~~يصرفون عن الحق بعد وضوح الدليل حتى يجعلوا لله الولد؟ وفي هذا تعجيب للنبي ~~صلى الله عليه وسلم من تركهم الحق وإتيانهم الباطل. # قوله: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} [التوبة: 31] ~~الأحبار الفقهاء والعلماء، واحدها حبر وحبر، والرهبان جمع راهب، وهو متمسك ~~النصارى، وقال ابن عباس: فقهاؤهم وعبادهم. # وقال الضحاك: علماؤهم وقراؤهم. ### | 406 - # أخبرنا أبو صالح منصور بن عبد الوهاب الوصفي، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد ~~الحيري، أنا عمران بن موسى بن مجاشع، # PageV02P490 # نا مسروق بن المرزبان، نا عبد السلام بن حرب، عن غطيف بن أعين، عن مصعب ~~بن سعد، عن عدي بن حاتم، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب ~~من ذهب، فقال: " يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك، قال: فطرحته، ثم انتهيت ~~إليه وهو يقرأ براءة فقرأ هذه الآية {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من ~~دون الله} [التوبة: 31] قلت: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم، قال: أليس ~~يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتستحلونه، قلت: بلى، قال: ~~فتلك ms0728 عبادتهم " # وهذا بيان أن مخالف أمر الله في التحليل والتحريم كالمشرك في عبادة الله ~~لأن استحلال ما حرم الله كفر بالإجماع. # وقوله: {والمسيح ابن مريم} [التوبة: 31] قال ابن عباس: اتخذوه ربا. # وما أمروا في التوراة والإنجيل، {إلا ليعبدوا إلها واحدا} [التوبة: 31] ، ~~وهو الذي {لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} [التوبة: 31] تنزيها له عن ~~شركهم. # قوله: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم} [التوبة: 32] قال ابن عباس: ~~يخمدوا دين الله بتكذيبهم، يعني أنهم يكذبون به، ويعرضون عنه يريدون إبطاله ~~بذلك. # {ويأبى الله إلا أن يتم نوره} [التوبة: 32] إلا أن يظهر دينه، أي: لا ~~يفعل إلا ذلك، ولو كرهوا ذلك، {هو الذي أرسل رسوله} [التوبة: 33] محمدا صلى ~~الله عليه وسلم، بالهدى أي: بالقرآن، ودين الحق الحنيفية وهي الإسلام، ~~{ليظهره على الدين كله} [التوبة: 33] ليعليه على جميع الأديان، وذلك عند ~~نزول عيسى عليه السلام، وقال أهل المعاني: أي: بالحجة والغلبة. # وحجة هذا الدين أقوى الحجج، والغلبة لهذا الدين على سائر الأديان. # {يأيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس ~~بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في ~~سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم {34} يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها ~~جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون {35} } ~~[التوبة: 34-35] قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار ~~والرهبان} [التوبة: 34] قال السدي: أما الأحبار فمن اليهود، وأما الرهبان ~~فمن النصارى، وقوله: {ليأكلون أموال الناس بالباطل} [التوبة: 34] يعني: ما ~~كانوا يأخذونه من الرشى # PageV02P491 # في الحكم وما كانوا يصيبونه من المأكل من سفلتهم، {ويصدون عن سبيل الله} ~~[التوبة: 34] ويصرفون الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقوله: ~~{والذين يكنزون الذهب والفضة} [التوبة: 34] أكثر المفسرين على أنه مستأنف ~~نازل في هذه الأمة، وقال قوم: إنا لفينا وفيهم. # ومعنى الكنز في كلام العرب الجمع، وكل شيء جمع بعضه إلى بعض فهو مكنوز، ~~والمراد بهذا الكنز جميع المال الذي لا تؤدى زكاته، قوله تعالى: {ولا ~~ينفقونها في ms0729 سبيل الله} [التوبة: 34] قال ابن عباس: لا يؤدون زكاتها، وما ~~أدي زكاته فليس بكنز. # قال ابن عمر: كل مال تؤدى زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفونا، وكل مال لا ~~تؤدى زكاته فهو كنز وإن لم يكن مدفونا. # والكناية في: ولا ينفقونها تعود إلى الفضة وترك الذهب لأنه داخل في الفضة ~~فاكتفي بذكر أحدهما عن صاحبه، وقال ابن الأنباري: لأن الفضة أقرب إلى ~~العائد وأعم وأغلب. # وقوله: {فبشرهم بعذاب أليم} [التوبة: 34] أي: اجعل الوعيد لهم بالعذاب ~~موضع البشرى والنعيم. ### | 407 - # أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم، أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن ~~حامد العطار، أنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، نا الحارث بن سريج، نا يزيد ~~بن زريع، نا سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، ~~عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " من ترك كنزا مثل له يوم ~~القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يتبعه ويقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك ~~الذي تركته بعدك فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها، ثم يتبعه سائر جسده ~~" # وقوله: {يوم يحمى عليها في نار جهنم} [التوبة: 35] يقال: أحميت الحديدة ~~في النار إحماء، حتى حميت حميا. # وذلك إذا أوقدت عليها، وقال ابن عباس: يحمى عليها، أي: على الكنوز، لأن ~~المراد بالذهب والفضة الكنوز. # {فتكوى بها جباههم وجنوبهم} [التوبة: 35] قال المفسرون: من كان له مال في ~~الدنيا لم يؤد زكاته أحمى على دراهمه ودنانيره في نار # PageV02P492 # جهنم، وكويت بها هذه المواضع، لا يوضع دينار مكان دينار ولا درهم مكان ~~درهم، ولكن يوسع جلده فيوضع بكل دينار ودرهم كية على جلده. # وكان أبو ذر، رضي الله عنه يقول: بشر الكانزين بكي في الجباه، وبكي في ~~الجنوب، وبكي في الظهور حتى يلتقي الحر في أجوافهم. # ولهذا المعنى الذي أشار إليه أبو ذر خصت هذه المواضع بالكي لأن داخلها ~~جوفا بخلاف اليد والرجل، وكان أبو بكر الوراق يقول: خصت هذه المواضع لأن ~~صاحب المال إذا رأى الفقير قبض جبهته ms0730 وزوى ما بين عينيه، وطوى عنه كشحه ~~وولاه ظهره. ### | 408 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أنا أبو عمرو بن نجيد، نا محمد بن ~~إبراهيم بن سعيد، نا أمية بن بسطام، نا يزيد بن زريع، نا روح بن القاسم، عن ~~سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ما ~~من عبد له مال لا يؤدي زكاته إلا جمع له يوم القيامة صفائح يحمى عليها في ~~جهنم، فيكوى بها جبينه وجنباه وظهره حتى يقضي الله بين عباده في يوم كان ~~مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى ~~النار» . # رواه مسلم، عن ابن بزيغ، عن يزيد بن زريع # قوله: {هذا ما كنزتم لأنفسكم} [التوبة: 35] أي: يقال لهم: هذا الذي تكون ~~به هو ما جمعتم لأنفسكم، وبخلتم به عن حق الله، {فذوقوا ما كنتم تكنزون} ~~[التوبة: 35] أي: ذوقوا عذاب ما كنتم تكنزون. # {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات ~~والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا ~~المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين {36} إنما ~~النسيء زيادة في الكفر يضل به # PageV02P493 # الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ~~ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين {37} } ~~[التوبة: 36-37] قوله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا} ~~[التوبة: 36] الآية: قال الزجاج: أعلم الله تعالى أن عدة شهور المسلمين ~~التي تعبدوا بأن يجعلوها لسنتهم اثنى عشر شهرا على منازل القمر واستهلال ~~الأهلة. # وقوله: {في كتاب الله} [التوبة: 36] يعني: اللوح المحفوظ، قال ابن عباس: ~~في الإمام الذي عند الله كتبه يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم وهي: ~~رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. # ومعنى الحرم: أنه يعظم انتهاك المحارم فيها بأشد مما يعظم في غيرها، ~~وقوله: {ذلك الدين القيم} [التوبة: 36] ومعنى الدين ههنا الحساب، ومنه ~~يقال: الكيس من دان نفسه ms0731. # أي: حاسبها، والقيم معناه: المستقيم. # قال المفسرون: ذلك الحساب المستقيم الصحيح والعدد المستوي، وقوله: {فلا ~~تظلموا فيهن أنفسكم} [التوبة: 36] قال ابن عباس: يريد: تحفظوا على أنفسكم ~~فيها واجتنبوا الخطايا، فإن الحسنات فيها تضاعف والسيئات فيها تضاعف. # وقال قتادة: الظلم في الأشهر الحرم أعظم وزرا من الظلم فيما سواها، وإن ~~كان الظلم على كل حال عظيما. # وقوله: {وقاتلوا المشركين كافة} [التوبة: 36] قال ابن عباس: جميعا، يريد ~~قاتلوهم كلهم ولا تحابوا بعضهم بترك القتال كما أنهم يستحلون قتال جميعكم، ~~وهو قوله: {كما يقاتلونكم كافة} [التوبة: 36] قال الزجاج: كافة نصب على ~~الحال، وهو مصدر على فاعله كما قالوا: العافية، والعاقبة. # {واعلموا أن الله مع المتقين} [التوبة: 36] قال: تأويله: أنه ضامن لهم ~~النصر، قوله: {إنما النسيء زيادة في الكفر} [التوبة: 37] النسيء في الشهور ~~تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر ليست له تلك الحرمة، وهو مصدر بمعنى الإنساء ~~كالنذير بمعنى الإنذار، والنكير بمعنى الإنكار، والإنساء: التأخير وكانت ~~العرب تحرم الشهور الأربعة، وذلك مما تمسكت به من ملة إبراهيم وإسماعيل وهم ~~كانوا أصحاب حروب وغارات، وربما كان يشق عليهم أن ينكثوا ثلاثة أشهر ~~متوالية لا يغيرون فيها، فكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرمونه، ~~ويستحلون المحرم إلى صفر فيحرمونه، ويستحلون المحرم فيمكثون بذلك زمانا ثم ~~يردون التحريم إلى المحرم، ولا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة إذا اجتمعت ~~العرب للموسم، فينادي # PageV02P494 # مناد: أن افعلوا ذلك لحرب أو لحاجة، قال ابن عباس: ومعنى زيادة الكفر: ~~أنهم أحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله. # قوله: {يضل به الذين كفروا} [التوبة: 37] هذه قراءة العامة، وقراءة أهل ~~الكوفة يضل بضم الياء وفتح الضاد، والمعنى: أن كبراءهم يضلونهم بحملهم على ~~التأخير، وروي عن أبي عمرو يضل به الذين كفروا أي: يضلون بذلك تابعهم ~~والآخذين بذلك، وقوله: {يحلونه عاما ويحرمونه عاما} [التوبة: 37] قال ابن ~~عباس: إذا قاتلوا فيه أحلوه وحرموا مكانه صفرا، وإذا لم يقاتلوا فيه حرموه، ~~{ليواطئوا عدة ما حرم الله} [التوبة: 37] وهو أنه لم يحلوا شهرا من الحرم ~~إلا ms0732 حرموا مكانه شهرا من الحلال، ولم يحرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا ~~مكانه شهرا من الحرم لئلا تكون الحرم أكثر من الأربعة كما حرم الله، فتكون ~~موافقة للعدد. # فتلك المواطأة وهي الموافقة، يقال: واطأت فلانا على كذا إذا وافقته، ~~وقوله: {زين لهم سوء أعمالهم} [التوبة: 37] قال ابن عباس: يريد زين لهم ~~الشيطان هذا. # {يأيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى ~~الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة ~~إلا قليل {38} إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه ~~شيئا والله على كل شيء قدير {39} إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين ~~كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ~~فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ~~وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم {40} انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا ~~بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون {41} } ~~[التوبة: 38-41] وقوله: {يأيها الذين آمنوا ما لكم} [التوبة: 38] هذه الآية ~~حث لمن تثاقل عن غزوة تبوك، وذلك كان في زمان عسرة من الناس، وجدب في ~~البلاد وشدة من الحر، فشق على الناس الخروج إلى القتال، فأنزل الله هذه ~~الآية، وحرض المسلمين على ذلك، وقوله: ما لكم استفهام معناه التوبيخ، ~~وقوله: {إذا قيل لكم انفروا في سبيل # PageV02P495 # الله اثاقلتم إلى الأرض} [التوبة: 38] إذا قيل لكم اخرجوا إلى قتال العدو ~~تثاقلتم إلى الإقامة بأرضكم وأحببتم المقام بها، يقال: نفر القوم ينفرون ~~نفرا ونفيرا. # إذا خرجوا إلى مكان لأمر أوجب الخروج، وقوله: {أرضيتم بالحياة الدنيا من ~~الآخرة} [التوبة: 38] قال ابن عباس: يريد قدمتم الدنيا على الجنة. # {فما متاع الحياة الدنيا} [التوبة: 38] قال: يريد الدنيا كلها، {في ~~الآخرة إلا قليل} [التوبة: 38] . ### | 409 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم، وعبد القادر بن طاهر، قالا: أخبرنا محمد بن جعفر ~~بن مطر، نا إبراهيم بن علي، نا يحيى بن يحيى، أنا موسى بن أعين، عن ms0733 إسماعيل ~~بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: سمعت المستورد أخا بني فهر يقول: ~~سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله ما الدنيا في الآخرة إلا ~~مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم فينظر بما يرجع» . # رواه مسلم، عن يحيى بن يحيى # ثم توعدهم على ترك الخروج فقال: إلا تنفروا قال مقاتل: إلا تخرجوا مع ~~نبيكم إلى الجهاد. # {يعذبكم عذابا أليما} [التوبة: 39] قال الزجاج: هذا وعيد شديد في التخلف ~~عن الجهاد. # قال المفسرون: هذه الآية خاصة فيمن استنفره رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فلم ينفر، وقوله: {ويستبدل قوما غيركم} [التوبة: 39] هذا استعتاب من الله ~~تعالى لأولئك القوم، ووعيد لهم أنهم إن تركوا الغزو من رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أتى الله بقوم آخرين ينصر بهم رسوله، وهو قوله: {ولا تضروه شيئا} ~~[التوبة: 39] لأنه لا يخذله إن تثاقلتم، ثم أعلمهم أنهم إن تركوا نصره فلن ~~يضره ذلك شيئا كما لم يضره قلة ناصريه حين كان بمكة، وهم به الكفار فتولى ~~الله نصره وهو قوله: {إلا تنصروه فقد نصره الله} [التوبة: 40] أي: أعانه ~~الله على أعدائه، {إذ أخرجه الذين كفروا} [التوبة: 40] حين قصدوا إهلاكه ~~كما ذكرنا في قوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} [الأنفال: 30] ، وقوله: ثاني ~~اثنين قال الزجاج: هو نصب على الحال، المعنى: فقد نصره الله أحد اثنين، أي: ~~نصره منفردا إلا من أبي بكر. # وهذا معنى قول الشعبي: عاتب الله عز وجل أهل الأرض جميعا في هذه الآية ~~غير أبي بكر. # وقال المفسرون: ثاني اثنين # PageV02P496 # هو وأبو بكر. # {إذ هما في الغار} [التوبة: 40] الغار ثقب في الجبل عظيم، قال قتادة: هو ~~غار في جبل مكة يقال له ثور. # وقال مجاهد: مكثا في الغار ثلاثا. ### | 410 - # أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد العدل، أنا أحمد بن جعفر بن مالك، نا ~~إبراهيم بن عبد الله، أنا محمد بن سنان العوفي، نا همام، عن ثابت، عن أنس، ~~عن أبي بكر رضي الله عنه، قال: قال لي ms0734 رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ~~في الغار: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما» . # رواه البخاري، عن عبد الله بن محمد، عن حبان، عن همام ### | 411 - # أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الوراق، أنا محمد بن عبد الله بن محمد الضبي، ~~حدثني أحمد بن عبيد الحافظ، نا محمد بن إبراهيم، نا عمرو بن زياد، نا غالب ~~بن عبد الله القرقساني، عن أبيه، عن جده، قال: شهدت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم قال لحسان بن ثابت: «هل قلت في أبي بكر شيئا؟ قل حتى أسمع» قال: ~~قلت: # وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدو به إذ صاعد الجبلا # وكان حب رسول الله قد علموا ... من الخلائق لم يعدل به بدلا # فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم # قوله: {إذ يقول لصاحبه} [التوبة: 40] يعني: يقول النبي صلى الله عليه ~~وسلم لأبي بكر: {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40] . # PageV02P497 ### | 412 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الحافظ، أنا إبراهيم بن محمد بن ~~الحسن، نا يونس، نا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن أبا بكر الصديق رضي ~~الله عنه قال: أيكم يقرأ سورة التوبة؟ قال رجل: أنا، فلما بلغ {إذ يقول ~~لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40] بكى أبو بكر وقال: أنا والله ~~صاحبه ### | 413 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم المهرجاني، أنا عبيد الله بن محمد ~~الزاهر، أنا أبو القاسم البغوي، نا وهب بن بقية، أنا إسحاق بن الأزرق، عن ~~سلمة بن نبيط، عن نعيم بن أبي هند، عن نبيط يعني ابن شريط، عن سالم بن عبيد ~~وكان من أصحاب الصفة، قال: قال رجل من الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فقال ~~عمر وأخذ بيد أبي بكر: سيفان في غمد لا يصطلحان، ثم قال: من الذي له هذه ~~الثلاث؟ {إذ هما في الغار} [التوبة: 40] من هما؟ {إذ يقول لصاحبه} [التوبة: ~~40] من صاحبه {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40] مع من؟ قال: فبسط يد أبي ~~بكر وضرب عليها، ثم قال للناس ms0735: بايعوا، فبايع الناس أحسن بيعة # قال المفسرون: قال أبو بكر لما خاف الطلب: يا رسول الله إن قتلت فأنا رجل ~~واحد وإن قتلت هلكت الأمة. # فكان حزن أبي بكر شفقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخوفا أن يطلع ~~عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحزن إن الله معنا» . # قال الزجاج: لما أصبح المشركون اجتازوا بالغار، فبكى أبو بكر، فقال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك؟» قال: أخاف أن تقتل فلا يعبد الله بعد ~~اليوم. # فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحزن إن الله معنا، إن الله ~~يمنعهم منا وينصرنا. # PageV02P498 # قال: هكذا يا رسول الله؟ قال: نعم ". # فرقأ دمع أبي بكر وسكن. # روى جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو كنت متخذا خليلا ~~لأتخذت أبا بكر خليلا، ولكن قولوا كما قال الله: صاحبي "، وقال الحسين بن ~~فضل: من أنكر أن يكون عمر أو عثمان أو أحد من الصحابة كان صاحب رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم، فهو كذاب مبتدع، ومن أنكر أن يكون أبو بكر صاحب رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم كان كافرا لأنه رد نص القرآن ". # وقوله: {فأنزل الله سكينته عليه} [التوبة: 40] قال ابن عباس في رواية ~~سعيد بن جبير: على أبي بكر: فأما النبي صلى الله عليه وسلم فكانت السكينة ~~عليه قبل ذلك، وقوله: {وأيده بجنود لم تروها} [التوبة: 40] قال ابن عباس: ~~وقواه بالملائكة يدعون الله له. # والهاء عائدة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الزجاج: أيده بملائكة ~~يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه. # وقال مجاهد، والكلبي: قواه وأعانه بالملائكة يوم بدر، أخبر الله أنه صرف ~~عنه كيد أعدائه وهو في الغار، ثم أظهر نصره بالملائكة يوم بدر، وقوله: ~~{وجعل كلمة الذين كفروا} [التوبة: 40] يعني كلمة الشرك، السفلى لأنها سفلت ~~فبطلت، وكلمة الله وهي لا إله إلا الله، كلمة التوحيد هي العليا لأنها علت ~~وظهرت يوم بدر. # وهذا قول أكثر المفسرين، وقال ابن كيسان ms0736: كلمة الذين كفروا: ما قدر بينهم ~~في الكيد به ليقتلوه، فلم ينالوا أملهم، وكلمة الله: وعد الله أنه ناصره. # وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء، والله عزيز في انتقامه من أهل الكفر، ~~حكيم في تدبيره. # وقوله: {انفروا خفافا وثقالا} [التوبة: 41] قال أكثر المفسرين: شبابا ~~وكهولا، وروى عطاء، عن ابن عباس: رجالا وركبانا. # وروى عنه أيضا: خفافا قال: أهل الميسرة من المال، وثقالا أهل العسرة. # وهو اختيار الزجاج قال: موسرين ومعسرين. # وعلى العكس من هذا، قال أبو صالح: خفافا من المال أي: فقراء، وثقالا منه ~~أي: أغنياء، واختاره الفراء فقال: الخفاف ذوو العسرة وقلة العيال، والثقال ~~ذوو العيال والميسرة. # وقال أهل المعاني: هذا عام في كل أحد لأنه ما من أحد إلا وهو ممن تخف ~~عليه الحركة، أو تثقل، فهو ممن أمر في هذه الآية بالنفير. # وقال عطاء الخرساني عن ابن عباس: نسخت هذه الآية # PageV02P499 # بقوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} [التوبة: 122] . # وقال السدي: لما نزلت اشتد شأنها على الناس، فنسخها الله وأنزل: {ليس على ~~الضعفاء ولا على المرضى} [التوبة: 91] الآية، قوله: {وجاهدوا بأموالكم ~~وأنفسكم في سبيل الله} [التوبة: 41] هذا يدل على أن الموسر يجب عليه الجهاد ~~بالمال إذا عجز عن الجهاد بالبدن لزمانة أو علة، فوجوب الجهاد بالمال ~~كوجوبه بالبدن على الكفاية، وقوله: {ذلكم خير لكم} [التوبة: 41] أي: من ~~التثاقل إلى الأرض إذا استنفرتم، {إن كنتم تعلمون} [التوبة: 41] ما لكم من ~~الجزاء والثواب. # {لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون ~~بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون {42} ~~عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين {43} لا ~~يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ~~والله عليم بالمتقين {44} إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ~~وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون {45} ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ~~ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين {46} لو خرجوا فيكم ~~ما زادوكم إلا خبالا ms0737 ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ~~والله عليم بالظالمين {47} لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى ~~جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون {48} } [التوبة: 42-48] قوله: {لو كان ~~عرضا قريبا} [التوبة: 42] نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، ~~والمعنى: لو كان ما دعوا إليه عرضا قريبا غنيمة قريبة، وسفرا قاصدا قريبا ~~هينا، لاتبعوك طمعا في المال، {ولكن بعدت عليهم الشقة} [التوبة: 42] ~~المسافة، وقال الكلبي: يعني السفر إلى الشام. # والشقة السفر البعيد لأنه يشق على الإنسان، وسيحلفون بالله يعني ~~المنافقين إذا رجعتم إليهم: {لو استطعنا لخرجنا معكم} [التوبة: 42] لو ~~قدرنا وكان لنا سعة في المال، يهلكون أنفسهم بالكذب والنفاق، {والله يعلم ~~إنهم لكاذبون} [التوبة: 42] لأنهم كانوا يستطيعون الخروج وكانوا مياسير، ~~ذوي زاد وسلاح وعدة، قوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} [التوبة: 43] ~~، قال عمرو بن ميمون الأودي: اثنان فعلهما النبي صلى الله عليه وسلم لم ~~يؤمر بهما: إذنه للمنافقين، وأخذه الفداء من الأسارى، فعاتبه الله كما ~~تسمعون. # قال سفيان بن عيينة: انظر إلى هذا اللطف: بدأه بالعفو قبل أن يعيره ~~بالذنب. # قال قتادة: ثم أنزل بعده نسخ هذه الآية: {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن ~~لمن شئت منهم} [النور: 62] . # وقوله: { # PageV02P500 # لم أذنت لهم} [التوبة: 43] أي: في التخلف عنك، قال ابن عباس: وذلك أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف يومئذ المنافقين. # قوله: {حتى يتبين لك الذين صدقوا} [التوبة: 43] الآية، أي: حتى تعرف من ~~له العذر في التخلف، ومن لا عذر له، فيكون إذنك لمن أذنت له على عذر. # قوله: {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر} [التوبة: 44] الآية. # قال ابن عباس: هذا تعيير للمنافقين حين استأذنوه في القعود عن الجهاد. # وقال الزجاج: أعلم الله نبيه أن علامة النفاق في ذلك الوقت الاستئذان، ~~وإلا فالاستئذان من الإمام في القعود عن الجهاد غير مذموم. # والمعنى: في أن يجاهدوا، حذف في. # إنما يستأذنك أي: في القعود عن الجهاد، {الذين لا يؤمنون بالله واليوم ~~الآخر وارتابت قلوبهم} [التوبة: 45] قال ms0738 ابن عباس: شكوا في دينهم. # {فهم في ريبهم يترددون} [التوبة: 45] في شكهم يتمادون، {ولو أرادوا ~~الخروج} [التوبة: 46] يعني: هؤلاء المنافقين لو أرادوا أن يخرجوا معك، ~~{لأعدوا له عدة} [التوبة: 46] من الزاد والماء والظهر، لأن سفرهم بعيد، ~~فتركهم العدة دليل على إرادتهم التخلف، والمعنى: أنهم كانوا مياسير قادرين ~~على أخذ العدة لو أرادوا الخروج، {ولكن كره الله انبعاثهم} [التوبة: 46] ~~انطلاقهم وخروجهم معك، يقال: بعثته لأمر كذا فانبعث. # أي: نفذ فيه، وقوله: {فثبطهم} [التوبة: 46] التثبيط: ردك الإنسان عن ~~الشيء يفعله، قال ابن عباس: فخذلهم وكسلهم عن الخروج. # {وقيل اقعدوا مع القاعدين} [التوبة: 46] قال مقاتل: وحيا إلى قلوبهم، ~~يعني: أن الله ألهمهم أسباب الخذلان وأوحى إلى قلوبهم أن اقعدوا مع ~~القاعدين، ويجوز أن يكون بعضهم قال ذلك لبعض. # ثم أعلم الله لم كره خروجهم فقال: {لو خرجوا فيكم} [التوبة: 47] أي: فيما ~~بينكم، يعني معكم، {ما زادوكم إلا خبالا} [التوبة: 47] الخبال: الفساد ~~والشر في كل شيء، قال ابن عباس: يريد عجزا وجبنا، أي: أنهم كانوا يجبنونكم ~~عن لقاء العدو بتهويل الأمر عليكم، ولأوضعوا خلالكم أي: لأسرعوا في الدخول ~~بينكم بالتضريب والإفساد بالنميمة، والإيضاع: الإسراع، وخلال الشيء وسطه، ~~وقوله: يبغونكم الفتنة أي: يطلبون لكم العنت، قال الضحاك: يخوفونكم بالعدو ~~ويخبرونكم أنكم مهزومون، وأن عدوكم سيظهر عليكم، {وفيكم سماعون لهم} ~~[التوبة: 47] عيون لهم ينقلون إليهم ما يسمعون منكم، {والله عليم ~~بالظالمين} [التوبة: 47] قال ابن عباس: يريد المنافقين، ثم ذكر قبيح ما ~~فعلوا قبل هذا فقال: {لقد ابتغوا الفتنة من قبل} [التوبة: 48] طلبوا لك ~~العنت والشر من قبل تبوك وهو أن اثني عشر رجلا من المنافقين وقفوا # PageV02P501 # على طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليفتكوا به فسلمه الله منهم. # وقال جماعة من المفسرين: طلبوا صد أصحابك عن الدين، وردهم إلى الكفر، ~~وتخذيل الناس عنك قبل هذا. # {وقلبوا لك الأمور} [التوبة: 48] ، واجتهدوا في الحيلة عليك، والكيد بك ~~وأداروا الأمور ليردوا أمرك، {حتى جاء الحق} [التوبة: 48] حتى أخزاهم الله ~~بإظهار الحق وإعزاز الدين على رغم منهم وكره، وهو قوله ms0739: {وظهر أمر الله وهم ~~كارهون} [التوبة: 48] . # {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة ~~بالكافرين {49} إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا ~~من قبل ويتولوا وهم فرحون {50} قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا ~~وعلى الله فليتوكل المؤمنون {51} قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن ~~نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم ~~متربصون {52} } [التوبة: 49-52] قوله: {ومنهم من يقول ائذن لي} [التوبة: ~~49] نزلت في الجد بن قيس المنافق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل ~~لك في جهاد بني الأصفر؟ يعني الروم، تتخذ منهم سراري ووصفاء. # فقال: ائذن لي في القعود عنك، ولا تفتني بذكر النساء فقد علم قومي أني ~~مغرم بهن، وأني أخشى أن لا أصبر عنهن. # قال ابن عباس: اعتل جد بن قيس بقوله: ولا تفتني. # ولم يكن له علة إلا النفاق. # قال الله عز وجل: {ألا في الفتنة سقطوا} [التوبة: 49] أي: في الشرك ~~والإثم وقعوا بنفاقهم، وخلافهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن ~~كيسان: أراد اعتلالهم بالباطل هو الفتنة لأنه الشرك والكفر. # {وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} [التوبة: 49] قال يمان: وهي محدقة بمن كفر ~~بالله جامعة لهم. # وقوله: {إن تصبك حسنة} [التوبة: 50] نصر وغنيمة، تسؤهم، وتحزنهم، {وإن ~~تصبك مصيبة} [التوبة: 50] من القتل والهزيمة، {يقولوا قد أخذنا أمرنا من ~~قبل} [التوبة: 50] أي: قد عملنا بالحزم حين تخلفنا، فسلمنا مما وقعوا فيها، ~~ويتولوا يعرضوا عن الإيمان، وهم فرحون معجبون بما فعلوا. # قوله: {قل لن يصيبنا} [التوبة: 51] قل لهم يا محمد لن يصيبنا خير وشر ~~وشدة ورخاء {إلا # PageV02P502 # ما كتب الله لنا} [التوبة: 51] قضى الله لنا، وكتب في اللوح المحفوظ، هو ~~مولانا ناصرنا والذي يتولى حياطتنا، {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [التوبة: ~~51] وإليه فليفوض المؤمنون أمورهم على الرضا بتدبيره. ### | 414 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، أنا ابن أبي عاصم، نا ~~هشام بن عمار، نا سليمان بن عتبة ms0740، سمعت يونس بن حلبس يحدث، عن أبي إدريس ~~الخولاني، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن العبد لا ~~يبلغ حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ~~ليصيبه» # قوله: {قل هل تربصون بنا} [التوبة: 52] أي: قل للمنافقين هل تنتظرون أن ~~يقع بنا، {إلا إحدى الحسنيين} [التوبة: 52] إما الغنيمة والفتح، أو الشهادة ~~والمغفرة. ### | 415 - # وقد أخبرنا عبد القاهر بن طاهر، أنا أبو عمرو بن نجيد، أنا محمد بن ~~إبراهيم بن سعيد، أنا أمية بن بسطام، نا يزيد بن زريع، نا روح، عن سهيل، عن ~~أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «تضمن الله لمن ~~خرج في سبيله لا يخرج إلا إيمانا بالله وتصديقا برسوله أن يدخله الجنة، أو ~~يرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة» # وقوله: {ونحن نتربص بكم} [التوبة: 52] قال ابن عباس: ننتظر بكم، {أن ~~يصيبكم الله بعذاب من عنده} [التوبة: 52] بقارعة من السماء كما أصاب الأمم ~~الخالية، أو بأيدينا يأذن لنا ربنا في قتلكم فنقتلكم، {فتربصوا إنا معكم ~~متربصون} [التوبة: 52] فانتظروا مواعيد الشيطان إنا منتظرون مواعيد الله من ~~إظهار دينه، قال الزجاج: يقول: أنتم تربصون بنا إحدى الحسنيين، ونحن نتربص ~~بكم إحدى الشرين. # {قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين {53} وما ~~منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة ~~إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا # PageV02P503 # وهم كارهون {54} فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم ~~بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون {55} ويحلفون بالله إنهم ~~لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون {56} لو يجدون ملجأ أو مغارات أو ~~مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون {57} } قوله: {قل أنفقوا طوعا أو كرها} ~~[التوبة: 53] نزلت في جد بن قيس حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم ائذن لي ~~بالقعود وهذا مالي أعينك به. # قال الزجاج، والفراء: وهذا لفظ أمر، ومعناه معنى ms0741 الشرط والجزاء، أي: إن ~~أنفقتم طائعين أو كارهين لن يتقبل منكم. # قال ابن عباس: يريد أنه لا يتقبل من أعدائه صدقاتهم ونفقاتهم. # {إنكم كنتم قوما فاسقين} [التوبة: 53] عاصين لله، على غير طريقة الإسلام. # وقوله: وما منعهم أن يقبل منهم نفقاتهم: ويقبل بالياء لأن النفقة بمعنى ~~الإنفاق فيكون كقوله: {فمن جاءه موعظة من ربه} [البقرة: 275] ، التقدير: ~~وما منعهم قبول نفقاتهم إلا كفرهم بالله، وهذا يدل على أن الكافر لا يقبل ~~منه عمل، {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى} [التوبة: 54] جمع كسلان مثل ~~سكران وسكارى، وذلك أنهم لا يرجون لها ثوابا وإن تركوها لم يخافون عليها ~~عقابا، {ولا ينفقون إلا وهم كارهون} [التوبة: 54] لأنهم يعدون الإنفاق ~~مغرما. # قوله: {فلا تعجبك أموالهم} [التوبة: 55] يعني بالإعجاب السرور بما يتعجب ~~منه، يقول: لا تستحسن ما أنعمنا عليهم من الأموال والأولاد فإن العبد إذا ~~كان مستدرجا كثر ماله وولده. # {إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا} [التوبة: 55] الكناية ~~تعود إلى الأموال دون الأولاد، والمعنى: ليعذبهم بها، بأخذ الزكاة والنفقة ~~في سبيل الله، والمصايب فيها، والتعب في جمعها، والوجل في حفظها، {وتزهق ~~أنفسهم وهم كافرون} [التوبة: 55] قال الزجاج: وتخرج أنفسهم وهم على الكفر. # {ويحلفون بالله إنهم لمنكم} [التوبة: 56] يحلفون بالله أنهم مؤمنون كما ~~أنتم مؤمنون، {وما هم منكم} [التوبة: 56] لأنهم يبطنون الكفر، {ولكنهم قوم ~~يفرقون} [التوبة: 56] يخافون أن يظهر ما هم عليه، {لو يجدون ملجأ} [التوبة: ~~57] مكانا يتحصن فيه، قال ابن عباس: مهربا. # أو مغارات وهو المكان الذي تغور فيه أن تستتر، من قولهم: غار الماء في ~~الأرض. # قال ابن عباس: يعني سراديب. # أو مدخلا أصله: مدتخل، فأبدلت التاء دالا وأدغم فيه الأول، قال قتادة: ~~سربا. # وقال الحسن: وجها يدخلونه. # لولوا إليه لرجعوا إليه وأدبروا إليه، وهم يجمحون مثل ما يجمح الفرس، ~~والمعنى: أن هؤلاء المنافقين لا بصيرة لهم في الدين ولا احتساب، وإنما هم # PageV02P504 # كالمسخرين، حتى ولو وجدوا أحد هذه الأشياء لأسرعوا إليه طلبا للفرار. # {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن ms0742 لم يعطوا منها إذا ~~هم يسخطون {58} ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله ~~سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون {59} إنما الصدقات ~~للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين ~~وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم {60} } [التوبة: ~~58-60] قوله تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات} [التوبة: 58] يقال: لمزت ~~الرجل ألمزه وألمزه. # إذا عبته، وكذلك همزته، والهمزة واللمزة الذي يغتاب الناس ويغضهم، أي: ~~يعيبك في أمر الصدقات وتفريقها، ويطعن عليك فيها، يعني: المنافقين كانوا ~~يقولون: لا يعطيها محمد إلا من أحب. ### | 416 - # أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أنا عبد الله بن حامد، أنا أحمد بن محمد بن ~~الحسن الحافظ، أنا محمد بن يحيى، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن ~~أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقسم قسما، إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي وهو حرقوص بن زهير، فقال: اعدل ~~يا رسول الله، فقال: «ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟» فنزلت {ومنهم من يلمزك ~~في الصدقات} [التوبة: 58] الآية، رواه البخاري، عن عبد الله بن محمد، عن ~~هشام، عن معمر # قال الضحاك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بينهم ما آتاه الله ~~من قليل المال وكثيره، فكان المؤمنون يرضون بما أعطوا ويحمدون الله عليه، ~~وأما المنافقون فإن أعطوا كثيرا فرحوا، وإن أعطوا قليلا سخطوا، وذلك قوله: ~~{فإن أعطوا منها رضوا} [التوبة: 58] الآية. # {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله} [التوبة: 59] أي: قنعوا بما قسم ~~لهم رسول الله، {وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله} [التوبة: ~~59] ما نحتاج إليه، {إنا إلى الله راغبون} [التوبة: 59] في الزيادة، لكان ~~خيرا لهم وأعود عليهم. # وهذا جواب لو، وهو محذوف في اللفظ. # ثم بين لمن الصدقات فقال: إنما الصدقات يعني صدقات الأموال، للفقراء # PageV02P505 # والمساكين قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وابن زيد: الفقير المتعفف الذي ~~لا يسأل، والمسكين الذي يسأل. # وقال الأصمعي: الفقير الذي له ما يأكل، والمسكين ms0743 الذي لا شيء له. # وقال الشافعي، رضي الله عنه: الفقراء: الزمني الضعاف الذين لا حرفة لهم، ~~وأهل الحرف الضعيفة الذين لا تقع حرفتهم من حاجتهم موقعا، والمساكين: ~~السؤال ممن لهم حرفة، فالفقير أشدهما حالا. # وهذا قول قتادة، قال: الفقير الزمن المحتاج، والمسكين الصحيح المحتاج، ~~والفقير والمسكين الذي يجوز دفع الزكاة إليه: هو من لا يفي دخله بخرجه. # قوله: والعاملين عليها يعني: السعاة، وهؤلاء يعطون من الصدقات بقدر أجور ~~أمثالهم، وقوله: والمؤلفة قلوبهم هم قوم من أشراف العرب استألفهم رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ليردوا عنه قومهم، ويعينوه على عدوه، منهم: عباس بن ~~مرداس، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، كان يعطيهم سهما من الزكاة، وقد ~~أغنى الله المسلمين عن ذلك، قوله: وفي الرقاب يعني: وفي فك الرقاب قال ابن ~~عباس: يريد: المكاتبين. # وسهم الرقاب موضوع في المكاتبين ليعتقوا به، وقوله: والغارمين وهم الذين ~~لزمهم الديون في غير معصية ولا إسراف، {وفي سبيل الله} [التوبة: 60] يعني: ~~الغزاة والمرابطين، ويجوز أن يعطى الغازي من الزكاة وإن كان غنيا إذا طلب، ~~وقوله: وابن السبيل يعني المسافر المنقطع يأخذ من الصدقات وإن كان غنيا في ~~بلده، قوله: فريضة من الله يعني: أن الله افترض هذا على الأغنياء في ~~أموالهم لهؤلاء والله عليم بخلقه، حكيم فيما حكم فيهم. # {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ~~ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب ~~أليم {61} يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا ~~مؤمنين {62} ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا ~~فيها ذلك الخزي العظيم {63} يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما ~~في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون {64} ولئن سألتهم ليقولن ~~إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون {65} لا ~~تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا ~~مجرمين {66} } [التوبة: 61-66] وقوله: {ومنهم الذين يؤذون النبي ms0744} [التوبة: ~~61] الآية: نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ويبلغون حديثه إلى المنافقين، ويقولون: نقول ما شئنا ثم نأتيه ~~ونحلف ما قلنا فيصدقنا، لأنه أذن. # فأنزل الله: {ومنهم الذين يؤذون النبي} [التوبة: 61] يعني من المنافقين ~~من يؤذيه بنقل حديثه وعيبته، {ويقولون هو أذن} [التوبة: 61] يسمع من كل أحد ~~ما # PageV02P506 # يقوله، قال الحسن: قالوا: ما هذا الرجل إلا أذن من شاء صرفه كيف شاء، ~~ليست له عزيمة، فقال الله: {قل أذن خير لكم} [التوبة: 61] أي: مستمع خير ~~وصلاح، لا مستمع شر وفساد، وروى البرجمي: أذن خير لكم بالتنوين على وصف ~~الأذن بخير، ومعناه: أن يسمع منكم ويصدقكم خير لكم من أن يكذبكم ولا يقبل ~~قولكم، وقوله: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} [التوبة: 61] أي: يسمع ما ينزله ~~الله، فيصدقه، ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه، أي: إنما يصدق المؤمنين لا ~~المنافقين. # قوله: {ورحمة للذين آمنوا منكم} [التوبة: 61] أي: وهو رحمة الله لأنه كان ~~سبب إيمان المؤمنين، وقرأ حمزة: ورحمة بالجر عطفا على خير كأنه أذن خير ~~ورحمة، أي: مستمع رحمة، ثم أوعد هؤلاء المنافقين فقال: {والذين يؤذون رسول ~~الله لهم عذاب أليم} [التوبة: 61] . # قوله: {يحلفون بالله لكم ليرضوكم} [التوبة: 62] أي: يحلف هؤلاء المنافقون ~~فيما يبلغكم عنهم من أذى الرسول صلى الله عليه وسلم والطعن عليه أنهم ما ~~قالوا ذلك، قال الزجاج: حلفوا أنهم ما قالوا ما حكي عنهم، ليرضوا المؤمنين ~~بيمينهم. # {والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين} [التوبة: 62] أي: إن كانوا ~~على ما قالوا من الإيمان كان ترك عيبة النبي صلى الله عليه وسلم والطعن ~~عليه أولى ليكونوا مؤمنين بقبول قوله وترك عيبه، ثم أوعدهم بقوله: {ألم ~~يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله} [التوبة: 63] قال ابن عباس: من يخالف ~~الله ورسوله بتكذيب نبيه، والإظهار باللسان خلاف ما في القلب. # والمحادة كالمجانبة والمخالفة، والمعنى: ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن من ~~عادى الله ورسوله استحق العذاب؟ وهو قوله: {فأن له نار جهنم} [التوبة: 63] ~~الآية. # قوله تعالى: يحذر المنافقون الآية ms0745: قال مجاهد: كان المنافقون يعيبون رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فيما بينهم، ويقولون: عسى الله ألا يفشي علينا ~~سرنا، فأنزل الله هذه الآية. # ومعنى يحذر المنافقون الإخبار عنهم بما كانوا يخافون من هتكهم وفضيحتهم، ~~وهو قوله: {أن تنزل عليهم} [التوبة: 64] أي: على المؤمنين {سورة تنبئهم بما ~~في قلوبهم} [التوبة: 64] بما في قلوب المنافقين من الحسد لرسول الله صلى ~~الله عليه وسلم، والعداوة للمؤمنين، وقوله: قل استهزئوا أمر وعيد، {إن الله ~~مخرج} [التوبة: 64] مظهر ما تحذرون ظهوره، ثم فعل ذلك بأن ألهم النبي صلى ~~الله عليه وسلم معرفتهم فقال: {ولتعرفنهم في لحن القول} [محمد: 30] . # قوله: {ولئن سألتهم ليقولن} [التوبة: 65] الآية: قال الكلبي، ومقاتل: كان ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا من غزوة تبوك وبين يديه ثلاثة نفر ~~يسيرون فجعل رجلان منهم يستهزئان بالقرآن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~والثالث يضحك، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال: {ولئن ~~سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض} [التوبة: 65] أي: في الباطل من الكلام كما ~~يخوض الركب نقطع به الطريق، ونلعب، فقال الله تعالى: {قل أبالله وآياته ~~ورسوله كنتم تستهزئون} [التوبة: 65] . ### | 417 - # أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن عبد الله الجوزقي، أنا أبو سهل بشر بن ~~أحمد بن بشر، نا أبو جعفر بن محمد بن موسى الحلواني، نا محمد بن ميمون ~~الخياط، نا إسماعيل بن داود المخراقي، نا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن ~~عمر، قال: رأيت عبد الله بن أبي يسير قدام النبي صلى الله عليه وسلم، ~~والحجارة تنكيه وهو يقول: يا محمد إنا كنا نخوض ونلعب، والنبي صلى الله ~~عليه وسلم يقول: " {أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} [التوبة: 65] # PageV02P507 # قوله: لا تعتذروا أي: لا تأتون بعذر مما قلتم، {قد كفرتم بعد إيمانكم} ~~[التوبة: 66] قال الزجاج: قد ظهر كفركم بعد إظهاركم الإيمان. # {إن نعف عن طائفة منكم} [التوبة: 66] يعني الذي ضحك، قال محمد بن إسحاق: ~~الذي عفا عنه رجل واحد يقال له مخشي بن حمير الأشجعي، أنكر عليهم بعض ms0746 ما ~~سمع، وجعل يسير مجانبا لهم، فلما نزلت هذه الآية برئ من النفاق. # ويجوز أن يسمى الواحد طائفة كما يسمى الواحد باسم الجماعة، وقوله: نعذب ~~طائفة يعني: الهازئين، {بأنهم كانوا مجرمين} [التوبة: 66] بالاستهزاء. # {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ~~ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون {67} وعد الله ~~المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ~~ولهم عذاب مقيم {68} كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا ~~وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم ~~بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم ~~الخاسرون {69} ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم ~~إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ~~ولكن كانوا أنفسهم يظلمون {70} } [التوبة: 67-70] وقوله: {المنافقون ~~والمنافقات بعضهم من بعض} [التوبة: 67] قال ابن عباس: أي: على دين بعض. # والمعنى: بعضهم مضاف إلى بعض بالاجتماع على النفاق، وأن أمرهم واحد، ~~يأمرون بالمنكر بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، { # PageV02P508 # وينهون عن المعروف} [التوبة: 67] عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~والإيمان به، ويقبضون أيديهم عن النفقة في سبيل الله تعالى، نسوا الله: ~~تركوا ما أمرهم الله به من طاعته، فنسيهم فتركهم من كل خير، وخذلهم في ~~الشك، {إن المنافقين هم الفاسقون} [التوبة: 67] الخارجون عن أمر الله ~~وطاعته، ثم ذكر ما وعدهم في الآخرة فقال: {وعد الله المنافقين والمنافقات} ~~[التوبة: 68] الآية ظاهرة إلى قوله: {كالذين من قبلكم} [التوبة: 69] رجع من ~~الخبر عنهم إلى مخاطبتهم، وشبههم في العدول عن أمر الله، والاشتغال ~~بالدنيا، بمن قبلهم، والمعنى: أنتم كالذين من قبلكم، يعني الأمم الخالية، ~~ثم وصفهم بقوله: {كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا ~~بخلاقهم} [التوبة: 69] يقول: رضوا بنصيبهم في الدنيا من أنصابهم في الآخرة، ~~وفعلتم أيضا مثل ما فعلوه، وهو قوله: فاستمتعتم بخلاقكم كما فعلوا هم وخضتم ~~في الطعن على الدين وتكذيب نبيكم كما خاضوا هم في الطعن على ms0747 أنبيائهم، ~~{أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا} [التوبة: 69] لأنها لم تقبل منهم، وفي ~~الآخرة لأنهم لا يثابون عليها، {وأولئك هم الخاسرون} [التوبة: 69] بفوت ~~المثوبة والمصير إلى العقوبة، ثم خوفهم الله بإهلاك من كان قبلهم من الأمم ~~فقال: {ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم} [التوبة: 70] من الأمم، قال الزجاج: ~~ألم يأتهم خبر الذين أهلكوا في الدنيا بذنوبهم فيتعظوا، ثم ذكرهم إلى قوله: ~~وقوم إبراهيم قال ابن عباس: يريد: نمروذ بن كنعان. # وأصحاب مدين يعني: قوم شعيب أهلكوا بعذاب يوم الظلة، ومدين اسم بلدهم، ~~والمؤتفكات يعني قرى قوم لوط، جمع مؤتفكة، وهي المنقلبة، وتلك القرى انقلبت ~~فصار أعلاها أسفلها، يقال: أفكه فائتفك. # أي: قلبه فانقلب، أتت هؤلاء الأمم، رسلهم بالبينات: فكذبوا بها {فما كان ~~الله ليظلمهم} [التوبة: 70] قال ابن عباس: ليهلكهم حتى يبعث إليهم نبيا ~~لينذرهم. # {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} [التوبة: 70] قال الزجاج: أخبر الله أن ~~تعذيبهم كان باستحقاقهم. # قوله: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن ~~المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم ~~الله إن الله عزيز حكيم {71} وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من ~~تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ~~ذلك هو الفوز العظيم {72} } [التوبة: 71-72] {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم ~~أولياء بعض} [التوبة: 71] قال ابن عباس: في الرحمة والمحبة. # والمعنى: بعضهم يوالي بعضا، فهم يد واحدة في النصرة، يأمرون بالمعروف ~~بكلمة: لا إله إلا الله، {وينهون عن المنكر} [التوبة: 71] عن الشرك بالله، ~~ثم ذكر سائر أوصافهم فقال ويقيمون الصلاة إلى آخر الآية. # قوله: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات} [التوبة: 72] ، إلى قوله: ومساكن ~~طيبة قال ابن عباس: يريد: قصور الزبرجد والدر والياقوت يفوح طيبها من مسيرة ~~خمس مائة عام. ### | 418 - # أخبرنا أبو عثمان بن أبي نصر الواعظ الصابوني إملاء، أنا أبو علي بن أبي ~~موسى الفقيه، أنا أبو حامد # PageV02P509 # محمد بن هارون الحضرمي، نا إبراهيم بن سعيد الجوهري، نا قرة بن حبيب، عن ~~حسين بن فرقد، عن الحسن، عن عمران بن حصين، وعن أبي ms0748 هريرة قالا: سئل رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {ومساكن طيبة في جنات عدن} [التوبة: ~~72] قال: «قصر من لؤلؤة في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء، في كل ~~دار سبعون بيتا من زمردة خضراء، في كل بيت سرير، على كل سرير سبعون فراشا ~~من كل لون، على كل فراش زوجة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، على ~~كل مائدة سبعون لونا من الطعام، في كل بيت سبعون وصيفة، ويعطى المؤمن في كل ~~غداة ما يأتي على ذلك كله أجمع» # وقوله: جنات عدن يقال: عدن بالمكان يعدن عدونا. # إذا أقام به، ومعنى جنات عدن: جنات إقامة، قال عطاء، عن ابن عباس: هي ~~قصبة في الجنة، وسقفها عرش الرحمن. # وقال الضحاك: هي مدينة الجنة، وفيها الرسل، والأنبياء، والشهداء، وأئمة ~~الهدى، والناس حولهم، والجنات حولها. # وقال مقاتل، والكلبي: عدن أعلى درجة في الجنة، وفيها عين التسنيم، ~~والجنان حولها محدقة بها، وهي مغطاة من يوم خلقها الله تعالى، حتى ينزلها ~~أهل الأنبياء، والصديقون، والشهداء، والصالحون، وفيها قصور الدر والياقوت ~~والذهب. ### | 419 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ، نا محمد ~~بن الحسن بن علي بن بحر، نا محمد بن عبد الأعلى، نا يزيد بن هارون، نا ~~سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن مجاهد، قال: قرأ عمر بن الخطاب على ~~المنبر {جنات عدن} [التوبة: 72] فقال: هل تدرون ما جنات عدن؟ قصر في الجنة ~~له خمسة آلاف باب، على كل باب خمس وعشرون ألفا من الحور العين، لا يدخله ~~إلا نبي وهنيئا لصاحب هذا القبر، وأشار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~أو صديق، وأشار إلى أبي بكر، أو شهيد، وأنى لعمر بهذه الشهادة، ثم قال: إن ~~الذي أخرجني من هذا قادر على أن يسوق إلي الشهادة # PageV02P510 # وقوله: {ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 72] قال ابن عباس: أكبر مما يوصف. # وقال الزجاج: أكبر مما هم فيه من النعيم. # وإنما صار الرضوان أكبر من ms0749 الثواب لأنه لا يوجد شيء من الثواب إلا ~~بالرضوان إذ هو الموجب له، وقال الحسن: لأن ما يصل إلى قلب المؤمن من ~~السرور برضوان الله أكبر من جميع ذلك. ### | 420 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أنا إسماعيل بن نجيد، نا محمد بن محمد بن ~~إبراهيم بن سعيد، نا أمين بن بسطام، نا يزيد بن زريع، نا روح بن القاسم، عن ~~محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: لما أدخل الله أهل الجنة الجنة ~~قال: ألا أعطيكم أفضل من هذا؟ قالوا: أفضل من هذا؟ قال: نعم، قالوا: بلى، ~~قال: رضواني ### | 421 - # حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الحافظ، أنا عبد الله بن محمد بن ~~عبد الوهاب، نا يحيى بن محمد بن صاعد، نا الحسن بن عيسى بن ماسرجس، نا عبد ~~الله بن المبارك، نا مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي ~~سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل يقول ~~لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، ~~فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من ~~خلقك؟ فيقول: لأعطينكم أفضل من ذلك، فيقولون: ربنا وأي شيء أفضل؟ قال: أحل ~~عليكم رضواني فلا أسخط بعده عليكم أبدا ". # رواه البخاري، عن معلى بن أسد، ورواه مسلم، عن محمد بن عبد الرحمن بن سهم ~~كلاهما، عن ابن المبارك # PageV02P511 # {يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس ~~المصير {73} يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد ~~إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ~~فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا ~~والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير {74} } [التوبة: 73-74] قوله ~~تعالى: {يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين} [التوبة: 73] قال ابن عباس: ~~أمره الله بجهاد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان. # وقال ابن مسعود: يجاهد بيده، فإن لم ms0750 يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. # وقوله: واغلظ عليهم قال ابن عباس: يريد: شدة الانتهار، والنظر بالبغضة ~~والمقت. # وقال ابن مسعود: هو أن يكفهر في وجوههم. # قوله: {يحلفون بالله ما قالوا} [التوبة: 74] لما بلغ النبي صلى الله عليه ~~وسلم أن المنافقين يسيئون فيه القول، ويطعنون فيه وفي القرآن، أنكر عليهم، ~~فحلفوا: ما قالوا، فكذبهم الله تعالى: {ولقد قالوا كلمة الكفر} [التوبة: ~~74] يعني سبهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وطعنهم في الدين، وقوله: {وهموا ~~بما لم ينالوا} [التوبة: 74] يعني: أنهم قالوا في غزوة تبوك: إذا قدمنا ~~المدينة عقدنا على رأس عبد الله بن أبي تاجه يباهي به رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم، فلم ينالوا ما هموا به، وقال الكلبي، والضحاك: هموا أن يفتكوا ~~بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلا في مسيره في غزوة تبوك، فاعلمه الله ذلك، ~~فأمر من نحاهم عن طريقه، وقوله: {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله} ~~[التوبة: 74] قال ابن عباس: يريد: مما كانوا غنموا حتى صارت لهم العقد ~~والأموال، وكانوا قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم في ضنك من عيشهم، لا ~~يركبون الخيل، ولا يحوزون الغنيمة، فلما قدم عليهم رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم استغنوا بالغنائم، وذكرنا معنى: نقم، عند قوله: {هل تنقمون منا} ~~[المائدة: 59] ، وقوله: {فإن يتوبوا يك خيرا لهم} [التوبة: 74] قال الكلبي: ~~لما نزلت هذه الآية قام الجلاس بن سويد وكان ممن طعن على النبي صلى الله ~~عليه وسلم، فقال: أسمع الله قد عرض علي التوبة، وأنا أستغفر الله وأتوب ~~إليه مما قلته، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم توبته. # وإن يتولوا: يعرضوا عن الإيمان، قال ابن عباس: كما تولى عبد الله بن أبي. # {يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا} [التوبة: 74] بالقتل وفي الآخرة: ~~بالنار {وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير} [التوبة: 74] لا يتولاهم أحد من ~~الأنصار، قوله: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من ~~الصالحين {75} فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ms0751 {76} فأعقبهم ~~نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا ~~يكذبون {77} ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب ~~{78} } [التوبة: 75-78] {ومنهم من عاهد الله} [التوبة: 75] الآية: # PageV02P512 ### | 422 - # أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن الفضل، أنا أبو عمرو محمد بن ~~جعفر بن مطر، أنا أبو عمران موسى بن سهل الجوني، نا هشام بن عمار، نا محمد ~~بن شعيب، نا معان بن رفاعة السلامي، عن أبي عبد الملك علي بن يزيد، عن ~~القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة الباهلي، أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري، ~~أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني ~~مالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره ~~خير من كثير لا تطيقه، ثم قال مرة أخرى: أما ترضى أن تكون مثل نبي الله؟ ~~فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسيل معي الجبال ذهبا وفضة لسالت، فقال: والذي ~~بعثك بالحق لئن دعوت الله أن يرزقني مالا لأوتين كل ذي حق حقه، فقال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارزق ثعلبة مالا فاتخذ غنما فنمت كما ينمو ~~الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها، فنزل واديا من أوديتها حتى جعل يصلي ~~الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما، ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلوات إلا ~~يوم الجمعة وهي تنمو كما ينمو الدود حتى ترك الجمعة، فسأل رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم، فقال: ما فعل ثعلبة؟ فقالوا: يا رسول الله اتخذ غنما وضاقت ~~عليه المدينة وأخبروه بخبره، فقال: يا ويح ثعلبة ثلاثا، وأنزل الله {خذ من ~~أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: 103] الآية، وأنزل الله عليهم ~~فرائض الصدقة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة رجلا من ~~جهينة ورجلا من بني سليم، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين، وقال ~~لهما: مرا بثعلبة وبفلان رجل من بني سليم فخذا صدقاتهما، فخرجا حتى أتيا ~~ثعلبة فسألاه ms0752 الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما ~~هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية، ما أدري ما هذا انطلقا حتى تفرغا، ثم ~~تعودان إلي، فانطلقا وأخبرا السلمي فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ~~ثم استقبلهم بها، فلما رأوها قالا: ما يجب هذا عليك وما نريد أن نأخذ هذا ~~منك، قال: بل خذوه فإن نفسي بذلك طيبة فأخذوها منه، فلما فرغا مرا بثعلبة، ~~فقال: أروني كتابكما أنظر فيه، فقال: ما هذا إلا أخت الجزية انطلقا حتى أرى ~~رأي فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهما، قال: يا ويح ~~ثعلبة، قبل أن يكلمهما، ودعا للمسلمين بالبركة، وأخبروه بالذي صنع السلمي، ~~فأنزل الله عز وجل {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن إلى قوله ~~وبما كانوا يكذبون} [التوبة: 75 - 77] وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~رجل من أقارب ثعلبة فسمع ذلك، فخرج حتى أتى ثعلبة، فقال: ويحك يا ثعلبة قد ~~أنزل الله فيك كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم ~~فسأله أن يقبل منه صدقته فقال: إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك، فجعل يحثو ~~التراب على رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عملك وقد أمرتك ~~فلم تطعني، فلما أبى أن يقبل منه شيئا رجع إلى منزله "، وقبض رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئا، ثم أتى أبا بكر رضي الله عنه حين ~~استخلف، فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي في ~~الأنصار فاقبل صدقتي، فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ~~أقبلها؟ فقبض أبو بكر وأبى أن يقبلها، فلما ولي عمر بن الخطاب أتاه، فقال: ~~يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي، فقال: لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم ولا أبو بكر، فأنا أقبلها منك؟ ولم يقبلها، وقبض عمر ثم ولي عثمان، ~~فأتاه فسأله أن يقبل صدقته، فقال: لم يقبلها رسول الله ms0753 صلى الله عليه وسلم ~~ولا أبو بكر ولا عمر وأنا أقبلها منك؟ فلم يقبلها منه عثمان، وهلك ثعلبة في ~~خلافة عثمان # PageV02P513 # قوله: ومنهم أي: من المنافقين، {من عاهد الله} [التوبة: 75] أي قال: على ~~عهد الله، {لئن آتانا من فضله} [التوبة: 75] مالا لنصدقن لنعطين الصدقة، ~~{ولنكونن من الصالحين} [التوبة: 75] لنعملن ما يعمل أهل الصلاح في أموالهم ~~من صلة الرحم والنفقة في الخير، {فلما آتاهم من فضله} [التوبة: 76] ما ~~طلبوه من المال بخلوا به ولم يفوا بما عاهدوا، وهو قوله: وهم معرضون أي: عن ~~عهدهم مع الله بالصدقة والإنفاق، {فأعقبهم نفاقا في قلوبهم} [التوبة: 77] ~~صير عاقبة أمرهم النفاق، يقال: أعقبت فلانا ندامة. # أي: صيرت عاقبة أمره ذلك، وقال مجاهد: أعقبهم الله ذلك بحرمان التوبة كما ~~حرم إبليس. # وقوله: {إلى يوم يلقونه} [التوبة: 77] دليل على أنه مات منافقا، بإخلافه ~~وعد الله، وكذبه في عهده، وهو قوله: {بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا ~~يكذبون} [التوبة: 77] ، ثم ذكر أنه مطلع على سرائرهم فقال: {ألم يعلموا أن ~~الله يعلم سرهم ونجواهم} [التوبة: 78] الآية. # {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا ~~جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم {79} استغفر لهم أو لا ~~تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا ~~بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين {80} } [التوبة: 79-80] قوله ~~تعالى: {الذين يلمزون المطوعين} [التوبة: 79] الآية: قال قتادة: أقبل عبد ~~الرحمن بن عوف بنصف ماله يتقرب به إلى الله، فقال: يا نبي الله، هذا نصف ~~مالي قد آتيتك به، وتركت نصفه لعيالي. # فدعا الله له أن يبارك له فيما أمسك وفيما أعطى، فلمزه المنافقون، ~~وقالوا: ما أعطى هذا إلا رياء وسمعة. # وأقبل رجل من المسلمين يقال له: الحبحاب أبو عقيل، فقال: يا رسول الله، ~~بت أجر بالجرير على صاعين من تمر، فأما صاع فأمسكته لأهلي وأما صاع فهو ذا. # فلمزه المنافقون وقالوا: إن كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبي عقيل. # فأنزل الله: الذين يلمزون ms0754 أي: يعيبون ويغتابون، المطوعين الذين يعطون ما ~~ليس بواجب عليهم تطوعا، {والذين لا يجدون إلا جهدهم} [التوبة: 79] يعني: ~~أبا عقيل، والجهد الطاقة، قال الليث: الجهد شيء قليل يعيش به المقل، وقوله: ~~{سخر الله منهم} [التوبة: 79] أي: جازاهم جزاء سخريتهم حيث صاروا إلى ~~النار. # PageV02P514 ### | 423 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، أنا أبو عمرو بن نجيد، نا محمد بن ~~أيوب، أنا حوثرة بن أشرس، حدثني سويد أبو حاتم، عن عبد الله بن عبيد الله ~~بن عمير، عن أبيه، عن جده، أن رجلا قال: " يا رسول الله أي الصلاة أفضل؟ ~~قال: طول القنوت، فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل، قال: فأي المؤمنين أكمل ~~إيمانا؟ قال: أحسنهم خلقا " # قوله: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} [التوبة: 80] الآية، قال المفسرون: ~~لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد خيرني في ~~الاستغفار للمنافقين، وسأزيد على السبعين لعل الله أن يغفر لهم» . # فأنزل الله تعالى: {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم} ~~[المنافقون: 6] الآية، وذكر السبعين حصر لهذا العدد، ألا ترى أن النبي صلى ~~الله عليه وسلم قال: «والله لأزيدنهم على السبعين؟» . # {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم ~~وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو ~~كانوا يفقهون {81} فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون ~~{82} فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي ~~أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين ~~{83} ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ~~ورسوله وماتوا وهم فاسقون {84} ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله ~~أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون {85} } [التوبة: 81-85] ~~قوله: فرح المخلفون يعني المنافقين الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم في غزوة تبوك، فالمخلف المتروك خلف من مضى، وقوله: بمقعدهم أي: ~~بقعودهم، والمقعد ههنا مصدر بمعنى القعود، خلاف رسول ms0755 الله صلى الله عليه ~~وسلم، قال الزجاج، وقطرب، والمؤرج: مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ~~إذ سار، وأقاموا. # وقال أبو عبيدة، والأخفش: خلاف رسول # PageV02P515 # الله صلى الله عليه وسلم أي: بعده. # {وقالوا لا تنفروا في الحر} [التوبة: 81] مع محمد صلى الله عليه وسلم إلى ~~تبوك، {قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون} [التوبة: 81] يعلمون أن ~~مصيرهم إليها، فليضحكوا قليلا في الدنيا لأن الدنيا تفنى وتنقطع، وليبكوا ~~كثيرا في النار بكاء لا انقطاع له، قال الحسن: هذا وعيد من الله لهم. # وقال ابن عباس: إن أهل النفاق ليبكون في النار عمر الدنيا، فلا يرقأ لهم ~~دمع، حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت. # وقوله: {جزاء بما كانوا يكسبون} [التوبة: 82] أي: في الدنيا من النفاق ~~والتكذيب، {فإن رجعك الله} [التوبة: 83] قال ابن عباس: إن ردك الله إلى ~~المدينة. # {إلى طائفة منهم} [التوبة: 83] يعني المنافقين الذين تخلفوا بغير عذر، ~~فاستأذنوك للخروج معك إلى الغزو، {فقل لن تخرجوا معي أبدا} [التوبة: 83] ~~إلى غزاة، {ولن تقاتلوا معي عدوا} [التوبة: 83] من أهل الكتاب، {إنكم رضيتم ~~بالقعود} [التوبة: 83] عني، أول مرة حين لم تخرجوا إلى تبوك، {فاقعدوا مع ~~الخالفين} [التوبة: 83] قال الحسن، والضحاك، وقتادة: يعني: النساء ~~والصبيان، وهم الذين يخلفون الذاهبين إلى السفر، يقال: خلفه يخلفه. # إذا قام بعده. # قوله: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} [التوبة: 84] ### | 424 - # أخبرنا الفضل بن إبراهيم الصوفي، نا أبو علي بن أحمد الفقيه، أنا أبو بكر ~~أخو ابن الليث، نا السكوني، نا أبو أسامة، عن عبيد الله بن محمد، عن نافع، ~~عن ابن عمر، قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن ~~يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فقام عمر بن ~~الخطاب فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتصلي ~~عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما خيرني ms0756 الله، فقال: استغفر ~~لهم أو لا تستغفر لهم " قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل ~~الله عز وجل {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} [التوبة: 84] الآية. # رواه البخاري، عن عبيد بن إسماعيل، ورواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة ~~كلاهما، عن أبي أسامة # قال الزجاج: إنما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه لأن ~~ظاهره كان الإسلام، فأعلمه الله أنه إذا علم منه النفاق فلا صلاة عليه. # وقوله: {ولا تقم على قبره} [التوبة: 84] كان رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له، فنهى عن ذلك في حق المنافقين ~~لأنهم كفرة، وهو قوله: {إنهم كفروا بالله ورسوله} [التوبة: 84] الآية. # {ولا تعجبك أموالهم} [التوبة: 85] تقدم تفسيره في هذه ال { [. # PageV02P516 # ] وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول ~~منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين {86} رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع ~~على قلوبهم فهم لا يفقهون {87} لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا ~~بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون {88} أعد الله لهم ~~جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم {89} } [سورة ~~التوبة: 86-89] قوله: {وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله} [التوبة: 86] أي: ~~بأن آمنوا، ومعناه بالإيمان بالله والجهاد مع رسوله، استأذنك في التخلف ~~عنك، {أولو الطول منهم} [التوبة: 86] يعني أهل الغنى والسعة في المال، ~~يعني: الذين لا عذر لهم في التخلف، {وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين {86} رضوا ~~بأن يكونوا مع الخوالف} [التوبة: 86-87] قال المفسرون: يعني النساء اللاتي ~~يخلفن في البيوت فلا يبرحن. # {وطبع على قلوبهم} [التوبة: 87] قال ابن عباس: بالنفاق كقوله: {بل طبع ~~الله عليها بكفرهم} [النساء: 155] ، {فهم لا يفقهون} [التوبة: 87] لا ~~يعلمون أمر الله، ثم أثنى على الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الذين ~~جاهدوا معه بقوله: {لكن الرسول والذين آمنوا} [التوبة: 88] ، إلى قوله: ~~{لهم الخيرات} [التوبة: 88] قال الأخفش، وأبو عبيدة، والمبرد: الخيرات جمع ~~خيرة، وهن الجواري الفاضلات الحسان. # وذكر في الآية الثانية ما ms0757 وعدهم، فقال: {أعد الله لهم جنات} [التوبة: 89] ~~الآية. # {وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب ~~الذين كفروا منهم عذاب أليم} [التوبة: 90] وقوله: {وجاء المعذرون من ~~الأعراب} [التوبة: 90] قال الفراء، والزجاج، وابن الأنباري: أراد: ~~المعتذرون، فأدغمت التاء في الذال. # قال محمد بن إسحاق: هم أعراب من بني غفار اعتذروا فلم يعذرهم الله. # وقال أبو عمرو بن العلاء: كلا الفريقين كان مسيئا: جاء قوم فعذروا، وجنح ~~آخرون فقعدوا. # يرد أن قوما تكلفوا عذرا بالباطل، فهم الذين عناهم الله بقوله: وجاء ~~المعذرون، وتخلف آخرون من غير تكلف عذر وإظهار علة، جرأة على الله ورسوله، ~~وهو قوله: {وقعد الذين كذبوا الله ورسوله} [التوبة: 90] يعني: لم يصدقوا في ~~إيمانهم، وهم المنافقون ثم أوعدهم بقوله: {سيصيب الذين كفروا} [التوبة: 90] ~~الآية. # {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج ~~إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم {91} ولا ~~على الذين إذا ما أتوك لتحملهم # PageV02P517 # قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ~~ما ينفقون {92} } [التوبة: 91-92] قوله تعالى: {ليس على الضعفاء} [التوبة: ~~91] يعني الزمني والمشايخ والعجزة، {ولا على المرضى} [التوبة: 91] جمع ~~مريض، {ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون} [التوبة: 91] يعني المقلين، ~~{حرج} [التوبة: 91] ضيق في القعود عن الغزو، {إذا نصحوا لله ورسوله} ~~[التوبة: 91] إذا أخلصوا إيمانهم وأعمالهم من الغش والنفاق، ولم يغتنموا ~~عذرهم بل يتمنون أن لم يكن لهم عذر، فيتمكنوا من الجهاد، وهم الذين أرادهم ~~الله بقوله: {ما على المحسنين من سبيل} [التوبة: 91] أي: طريق بالعقوبة ~~لأنه قد سد بإحسانه طريق العذاب على نفسه، {والله غفور رحيم} [التوبة: 91] ~~لمن كان محسنا. # قوله: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} [التوبة: 92] هؤلاء نفر من ~~قبائل شتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحملهم على الخفاف ~~والنعال ليغزوا، وقال ابن عباس: سألوه أن يحملهم على الدواب، فقال النبي ~~صلى الله عليه وسلم: «لا أجد ما ms0758 أحملكم عليه» . # لأن الشقة بعيدة والرجل يحتاج إلى بعيرين بعير يركبه، وبعير يحمل ماءه ~~وزاده، فانصرفوا وهم يبكون، وهو قوله: {تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ~~ألا يجدوا ما ينفقون} [التوبة: 92] أي: جرت أعينهم عن امتلاء من حزن في ~~قلوبهم لعدم النفقة. # {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج ~~إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم {91} ولا ~~على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم ~~تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون {92} } [التوبة: 91-92] قوله: إنما ~~السبيل بالعقوبة، {على الذين يستأذنونك} [التوبة: 93] في التخلف، وهم ~~أغنياء موسرون، وباقي الآية فسرناه آنفا، قوله: يعتذرون إليكم بالأباطيل، ~~{إذا رجعتم إليهم} [التوبة: 94] من غزوة تبوك، {قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم} ~~[التوبة: 94] لن نصدقكم، {قد نبأنا الله من أخباركم} [التوبة: 94] أخبرنا ~~الله بسرائركم وما تخفي صدوركم، {وسيرى الله عملكم ورسوله} [التوبة: 94] ~~فيما تستأنفون من النفاق تبتم أم أقمتم عليه، ثم تردون للجزاء، {إلى عالم ~~الغيب والشهادة} [التوبة: 94] إلى من يعلم ما غاب عنا من ضمائركم، {فينبئكم ~~بما كنتم تعملون} [التوبة: 94] فيخبركم بما كنتم تكتمون من النفاق. # قوله: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم} [التوبة: 95] رجعتم، إليهم أي: ~~أنهم ما قدروا على الخروج لتعرضوا عنهم لتصفحوا عنهم، وتتركوا لومهم، فقال ~~الله تعالى: فأعرضوا عنهم اتركوا كلامهم وسلامهم، إنهم رجس إن عملهم قبيح ~~من عمل الشيطان، يحلفون لكم يعني المنافقين، لترضوا عنهم وذلك أن عبد الله ~~بن أبي حلف ألا يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلب أن يرضى عنه، ~~وحلف # PageV02P518 # ابن أبي سرح لعمر بن الخطاب، وطلب أن يرضى عنه، فقال الله تعالى: {فإن ~~ترضوا عنهم} [التوبة: 96] بحلفهم، {فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} ~~[التوبة: 96] قال ابن عباس: يريد الذين ألسنتهم مخالفة لما في قلوبهم. # {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ~~والله عليم حكيم {97} ومن الأعراب من ms0759 يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم ~~الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم {98} ومن الأعراب من يؤمن بالله ~~واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة ~~لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم {99} } [التوبة: 97-99] قوله: ~~{الأعراب أشد كفرا ونفاقا} [التوبة: 97] قال ابن عباس: نزلت في أعاريب أسد، ~~وغطفان، وأعراب من حول المدينة. # أخبر الله أن كفرهم ونفاقهم أشد من كفر أهل المدينة لأنهم أقسى وأجفى من ~~أهل الحضر، وأجدر وأولى، {ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} ~~[التوبة: 97] يعني: الحلال والحرام والفرائض، والله عليم بما في قلوب خلقه، ~~حكيم فيما يفرض من فرائضه. # قوله تعالى: {ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق} [التوبة: 98] في الجهاد، ~~مغرما لأنه لا يرجو له ثوابا، {ويتربص بكم الدوائر} [التوبة: 98] ينتظر أن ~~تنقلب الأمور عليكم بموت أو قتل، {عليهم دائرة السوء} [التوبة: 98] يدور ~~عليهم البلاء والحزن فلا يرون في محمد ودينه إلا ما يسوءهم، والسوء بالفتح: ~~الرداءة والفساد، وبالضم: الضرر والمكروه، والله سميع لقولهم، عليم ~~بنياتهم. # قوله تعالى: {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر} [التوبة: 99] قال ~~ابن عباس: يعني: من أسلم من أعراب أسد، وجهينة، وغفار. # {ويتخذ ما ينفق قربات عند الله} [التوبة: 99] يتقرب بإنفاقه إلى الله، ~~وصلوات الرسول يعني: دعاءه بالخير والبركة، قال عطاء: يرغبون في دعاء النبي ~~صلى الله عليه وسلم، {ألا إنها قربة لهم} [التوبة: 99] قال ابن عباس: يريد: ~~نور لهم ومكرمة عند الله. # يعني صلوات الرسول، والقربة: ما يدني من رحمة الله، وقرأ نافع بضم الراء ~~وهو الأصل، ثم خفف كالكتب والرسل، ولا يجوز أن يكون الأصل التخفيف، ثم ~~يثقل، {سيدخلهم الله في رحمته} [التوبة: 99] في جنته، {إن الله غفور} ~~[التوبة: 99] لذنوبهم، {رحيم} [التوبة: 99] بأوليائه وأهل طاعته. # {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي ~~الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ~~ذلك الفوز العظيم} [التوبة: 100] قوله: {والسابقون الأولون من المهاجرين ~~والأنصار} [التوبة: 100] قال أبو موسى ms0760، وسعيد بن المسيب، وقتادة، وابن # PageV02P519 # سيرين: هم الذين صلوا إلى القبلتين. # وقال عطاء: هم الذين شهدوا بدرا. # وقال الشعبي: هم الذين شهدوا بيعة الرضوان. # وقد فسرت الآية على أن المراد بها جميع الصحابة الذين أدركوا رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم، وحصل لهم السبق بإدراكه وصحبته. # وذلك ما # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن ~~حيان، نا الوليد بن أبان، نا الفضل بن حماد، نا عبد الله بن صالح، حدثني ~~خالد بن حميد، عن أبي صخر حميد بن زياد، قال: قلت لمحمد بن كعب القرظي ~~يوما: ألا تخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان من ~~رأيهم؟ وإنما أريد الفتن. # فقال: إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأوجب لهم ~~الجنة في كتابه، محسنهم، ومسيئهم. # قلت: في أي موضع أوجب لهم الجنة في كتابه؟ فقال: سبحان الله، ألا تقرأ ~~قوله تعالى: والسابقون الأولون إلى آخر الآية، فأوجب الله لجميع أصحاب ~~النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان، وشرط على التابعين شرطا لم ~~يشترطه عليهم. # قلت: وما اشترط عليهم؟ قال: اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان، يقول: يقتدون ~~بأعمالهم الحسنة ولا يقتدون بهم في غير ذلك. # قال أبو صخر: فوالله لكأني لم اقرأها قط، وما عرفت تفسيرها حتى قرأ علي ~~محمد بن كعب. ### | 425 - # أخبرنا أبو طاهر الزيادي، أنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص، نا إبراهيم بن ~~عبد الله العبسي، نا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري رضي ~~الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، ~~فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» ~~. # رواه مسلم، عن الأشج، عن وكيع ### | 426 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا أبو الشيخ الحافظ، أنا عبد الله بن محمد ~~بن الحسن، نا السري بن يحيى، نا شعيب بن إبراهيم، نا سيف بن عمر، نا وائل ms0761 ~~بن داود، عن يزيد البهي، عن الزبير بن العوام، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: « # PageV02P520 # اللهم إنك باركت لأمتي في صحابتي فلا تسلبهم البركة، وباركت لأصحابي في ~~أبي بكر فلا تسلبه البركة، واجمعهم عليه ولا تنشر أمره، فإنه لم يزل يؤثر ~~أمرك على أمره، اللهم وأعز عمر بن الخطاب، وصبر عثمان، ووفق عليا، واغفر ~~لطلحة، وثبت الزبير، وسلم سعدا، ووفق عبد الرحمن بن عوف، وألحق بي السابقين ~~الأولين من المهاجرين والأنصار، والتابعين بإحسان» # وقوله: {والذين اتبعوهم بإحسان} [التوبة: 100] قال ابن عباس: والذين ~~اتبعوهم على دينهم من أهل الإيمان إلى أن تقوم الساعة. # وقال عطاء: يريد: يذكرون المهاجرين والأنصار بالجنة والرحمة والدعاء لهم، ~~ويذكرون محاسنهم. # {رضي الله عنهم} [التوبة: 100] أعمالهم، ورضوا ثواب الله، قال الزجاج: ~~رضي أفعالهم، ورضوا بما جازاهم به. # {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا ~~تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم} [التوبة: 101] ~~قوله: {وممن حولكم من الأعراب منافقون} [التوبة: 101] يعني مزينة، وجهينة، ~~وأسلم، وغفارا، {ومن أهل المدينة} [التوبة: 101] من الأوس والخزرج منافقون، ~~{مردوا على النفاق} [التوبة: 101] يقال: مرد يمرد مردا فهو مارد ومريد. # إذا أعتى وطغى، وقال الفراء: يريد: مرنوا عليه. # وقال محمد بن إسحاق: لجوا فيه، وأبوا غيره. # وقال ابن زيد: أقاموا عليه، ولم يتوبوا. # لا تعلمهم أنت يا محمد، {نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين} [التوبة: 101] قال ~~السدي، والكلبي: أول العذاب أنه أخرجهم من المسجد، وذلك أن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم قام خطيبا يوم الجمعة، فقال: «يا فلان، أخرج فإنك منافق» . # فأخرج من المسجد ناسا وفضحهم، والعذاب الثاني: عذاب القبر. # وقال مجاهد: بالقتل والسبي وعذاب القبر. # وروى خصيف عنه قال: عذبوا بالجزع مرتين. # {ثم يردون إلى عذاب عظيم} [التوبة: 101] قال: عذاب جهنم. # {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب ~~عليهم إن الله غفور رحيم {102} خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل ~~عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ms0762 {103} ألم يعلموا أن الله هو يقبل ~~التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم {104} وقل اعملوا # PageV02P521 # فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة ~~فينبئكم بما كنتم تعملون {105} } [التوبة: 102-105] قوله: وآخرون أي: ومن ~~أهل المدينة آخرون اعترفوا بذنوبهم أقروا بها عن معرفة، نزلت في قوم من ~~المؤمنين كانوا تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، ثم ~~ندموا على ذلك وتذمموا، وقوله: {خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} [التوبة: 102] ~~يعني: غزوهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وتقاعدهم عن غزوة تبوك، عسى الله ~~واجب من الله، {أن يتوب عليهم} [التوبة: 102] قال أبو عثمان النهدي: ما في ~~القرآن آية أرجى لهذه الأمة من هذه الآية. ### | 427 - # أخبرنا عمرو بن أبي عمرو، أنا أبو الهيثم المروزي، أنا محمد بن يوسف، أنا ~~محمد بن إسماعيل البخاري، نا مؤمل بن هشام، نا إسماعيل بن إبراهيم، نا عوف، ~~نا أبو رجاء، نا سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~أتاني الليلة آتيان، فابتعثاني فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة ~~فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قال ~~لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا، فذهب ذلك السوء ~~عنهم فصاروا في أحسن صورة، قالا لي: إن هذه جنة عدن وهذا منزلك، وأما القوم ~~الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح، فإنهم خلطوا عملا صالحا وآخر ~~سيئا تجاوز الله عنهم " # قوله: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 103] قال المفسرون: لما عذر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء، قالوا: يا رسول الله هذه أموالنا التي ~~خلفتنا عنك فتصدق بها عنا، وطهرنا، واستغفر لنا. # فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا» . # فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث ~~أموالهم. # قال الحسن: هذه الصدقة هي كفارة الذنوب التي أصابوها، وليست بالزكاة ~~المفروضة. # وقال عكرمة ms0763: هي صدقة الفرض. # وقوله: تطهرهم قال ابن عباس: تطهرهم من الذنوب. # وتزكيهم بها ترفعهم بهذه الصدقة، من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين، ~~وصل عليهم أي: أدع لهم، {إن صلاتك سكن لهم} [التوبة: 103] إن دعواتك مما ~~تسكن نفوسهم إليه، وقال الكلبي: طمأنينة لهم أن الله قد قبل منهم، والله ~~سميع لقولهم، عليم بندامتهم. ### | 428 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن يحيى، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر ~~مطر، أنا أبو خليفة الجمحي، نا الحوضي، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن ~~أبي أوفى، قال: كان أبي من أصحاب الشجرة، وكان رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهم صل على آل فلان» فأتاه أبي بصدقته، ~~فقال: «اللهم صل على آل أبي أوفى» . # رواه البخاري، عن الحوضي، ورواه مسلم، عن وكيع كلاهما، عن شعبة # PageV02P522 # ولما نزلت توبة هؤلاء قال الذين لم يتوبوا من المتخلفين: هؤلاء كانوا ~~بالأمس معنا لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم؟ فأنزل الله تعالى: {ألم يعلموا ~~أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات} [التوبة: 104] يقبلها، ~~{وأن الله هو التواب الرحيم} [التوبة: 104] يرجع إلى من رجع إليه بالرحمة ~~والمغفرة. ### | 429 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، نا محمد بن يعقوب بن يوسف، أنا ~~الربيع، أنا الشافعي، أنا سفيان بن عيينة، عن ابن عجلان، عن سعيد بن يسار، ~~عن أبي هريرة، قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي ~~بيده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا طيبا، إلا كأنما ~~يضعها في يد الرحمن، فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه، حتى إن اللقمة لتأتي ~~يوم القيامة وإنها كمثل الجبل العظيم» ثم قرأ {أن الله هو يقبل التوبة عن ~~عباده ويأخذ الصدقات} [التوبة: 104] # قوله: وقل اعملوا قال عطاء، عن ابن عباس: يريد: يا معشر عبادي المحسن ~~والمسيء، {فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} [التوبة: 105] يريد: إن الله ~~يطلع المؤمنين على ما في قلوب إخوانهم من الخير والشر ms0764، إن كان خيرا أوقع في ~~قلوبهم لهم المحبة، وإن كان شرا أوقع في قلوبهم لهم البغضة، وقد قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن رجلا عمل في صخرة لا باب لها ولا كوة لخرج ~~عمله إلى الناس كائنا ما كان» . # وقوله: {فينبئكم بما كنتم تعملون} [التوبة: 105] قال ابن عباس، رضي الله ~~عنه: يقفكم على أعمالكم فيثيب المحسن ويعاقب المسيء. # {وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم} ~~[التوبة: 106] قوله: {وآخرون مرجون لأمر الله} [التوبة: 106] نزلت في كعب ~~بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، كانوا مياسير تخلفوا عن رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك من غير عذر، ثم لم يبالغوا في ~~الاعتذار كما فعل غيرهم، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم، ونهى ~~الناس عن مكالمتهم ومخالطتهم حتى نزل قوله: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} ~~[التوبة: 118] الآية، وسنذكر قصتهم هناك، ومعنى {مرجون لأمر الله} [التوبة: ~~106] مؤخرون ليقضي الله فيهم ما هو قاض، وهو قوله: {إما يعذبهم وإما يتوب ~~عليهم} [التوبة: 106] قال الزجاج: إما لأحد الشيئين، والله عز وجل عالم بما ~~يصير إليه أمرهم إلا أنه خاطب العباد بما يعلمون. # والمعنى: ليكن أمرهم عندكم على الخوف والرجاء، فقال ناس: إنهم هلكوا إذ ~~لم ينزل لهم عذر. # وقال آخرون: عسى الله أن يغفر لهم. # قوله: والله عليم أي: بما يئول إليه حالهم، حكيم فيما يفعله بهم. # PageV02P523 # {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب ~~الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون ~~{107} لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ~~فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين {108} أفمن أسس بنيانه على ~~تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في ~~نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين {109} لا يزال بنيانهم الذي بنوا ~~ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم ms0765 والله عليم حكيم {110} } [التوبة: ~~107-110] وقوله: {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا} [التوبة: 107] قال المفسرون: ~~هؤلاء كانوا اثني عشر رجلا من المنافقين بنوا مسجدا يضارون به مسجد قباء، ~~منهم: وديعة بن ثابت، وخزام بن خالد، وجارية بن عامر، ونبتل بن الحارث، ~~وزيد بن جارية، وعثمان بن حنيف، وجارية بن عامر مجمع بن جارية، وبجاد بن ~~عثمان، والضرار: محاولة الضر، قال الزجاج: وانتصب ضرارا لأنه مفعول له، ~~والمعنى: اتخذوه للضرار. # قال ابن عباس: ضرارا للمؤمنين، وكفرا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء ~~به. # وذلك أنهم اتخذوا ذلك المسجد ليكفروا فيه بالطعن على النبي صلى الله عليه ~~وسلم والإسلام، {وتفريقا بين المؤمنين} [التوبة: 107] يفرقون به جماعتهم ~~لأنهم كانوا يصلون جميعا في مسجد قباء، فبنوا مسجد الضرار ليصلي فيه بعضهم، ~~فيؤدي ذلك إلى الافتراق واختلاف الكلمة، وقوله: {وإرصادا لمن حارب الله ~~ورسوله} [التوبة: 107] يعني: أبا عامر الراهب، وكان قد خرج إلى الشام ليأتي ~~بجند من عند قيصر ليحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسل إلى ~~المنافقين أن ابنوا لي مسجدا، فبنوا هذا المسجد وانتظروا مجيء أبي عامر ~~ليصلي بهم في ذلك المسجد، قال الزجاج: والإرصاد: الانتظار. # وقوله: من قبل يعني: من قبل بناء مسجد الضرار، {وليحلفن إن أردنا إلا ~~الحسنى} [التوبة: 107] يحلف المنافقون ما أردنا ببنيانه إلا الفعلة الحسنى ~~وهي الرفق بالمسلمين، والتوسعة على أهل الضعف والعلة والعجز عن السير إلى ~~مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم قالوا: إنا قد بنينا مسجدا ~~لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية. # {والله يشهد إنهم لكاذبون} [التوبة: 107] فيما قالوا وحلفوا، ولما فرغوا ~~من بناء المسجد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نحب أن تأتينا وتصلي لنا ~~فيه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقميصه ليأتيهم، فأنزل الله تعالى: ~~{لا تقم فيه أبدا} [التوبة: 108] قال ابن عباس: لا تصل فيه أبدا. # ثم بين أي المسجدين أحق بالقيام فيه، فقال: {لمسجد أسس على التقوى} ~~[التوبة: 108] بني على الطاعة وبناه المتقون، {أحق أن تقوم فيه} [التوبة ms0766: ~~108] وهو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في قول ابن عمر، وزيد ~~بن ثابت، وأبي سعيد الخدري، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ~~ابن عباس في رواية الوالبي: هو مسجد قباء، وهو قول قتادة، وسعيد بن # PageV02P524 # المسيب، وقوله: فيه رجال يعني من الأنصار، {يحبون أن يتطهروا} [التوبة: ~~108] قال جميع المفسرين: يعني: غسل الأدبار بالماء. ### | 430 - # أخبرنا أبو منصور المنصوري، أنا علي بن عمر الحافظ، أنا أحمد بن محمد بن ~~أبي شيبة، نا محمد بن مسعدة، نا محمد بن شعيب، أخبرني عتبة ابن أبي حكيم، ~~عن طلحة بن نافع أنه حدثه قال: حدثني أبو أيوب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن ~~مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما نزلت هذه الآية {فيه رجال ~~يحبون أن يتطهروا} [التوبة: 108] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا ~~معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيرا في الطهور، فما طهوركم هذا؟ ~~قالوا: يا رسول الله نتوضأ ونغتسل من الجنابة، فقال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: فهل مع ذلك غيره؟ قالوا: لا غير أن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب ~~أن يستنجي بالماء، وقال: هو ذاك فعليكموه " # قوله: {والله يحب المطهرين} [التوبة: 108] أي: من الشرك والأنجاس ~~والأقذار والنفاق، وقوله: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان} ~~[التوبة: 109] البنيان: مصدر يراد به المبنى ههنا، والتأسيس إحكام أسس ~~البناء وهو أصله، وقرأ نافع: أسس بضم الألف بنيانه رفعا، وهذا في المعنى ~~الأول لأنه إذا أسس بنيانه، فتولى ذلك غيره بأمره كان كبنائه، والمعنى: ~~المؤسس بنيانه متقيا يخاف الله ويرجو ثوابه ورضوانه خير؟ أم المؤسس بنيانه ~~غير متق؟ وهو قوله: {أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار} [التوبة: 109] وشفا ~~الشيء حرفه، والجرف ما يجرفه السيل من الأودية، وهو جانبها الذي ينحفر ~~بالماء أصله فيبقى واهيا، وهار مقلوب من هاير، يقال: هار الجرف يهور. # إذا انشق من خلفه وهو ثابت بعد في مكانه فهو هاير، ثم يقلب فيقال: هار ms0767، ~~قال الزجاج: المعنى: أن من أسس بنيانه على التقوى خير ممن أسس بنيانه على ~~الكفر. # يعني: أن بناء هذا المسجد الذي بني ضرارا كبناء على حرف جهنم يتهور بأهله ~~فيها، وهو قوله: فانهار به أي: بالباني {في نار جهنم} [التوبة: 109] قال ~~ابن عباس: يريد: صيرهم النفاق إلى النار. # وقوله: {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم} [التوبة: 110] قال ~~الضحاك: يقول: لا يزالون في شك منه إلى الموت. # والمعنى: أنهم لا يزالون شاكين مترددين في الحيرة يحسبون أنهم كانوا في ~~بنائه محسنين إلى الممات، وهو قوله: {إلا أن تقطع قلوبهم} [التوبة: 110] ~~أي: حتى تقطع # PageV02P525 # وتفتت قلوبهم بالموت، وقرأ حمزة: تقطع بفتح التاء بمعنى تتقطع، وهذا يدل ~~على أنهم يموتون على النفاق، فإذا ماتوا عرفوا بالموت ما كانوا تركوه من ~~الإيمان وأخذوا به من الكفر. # {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في ~~سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرءان ومن ~~أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ~~{111} التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون ~~بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين {112} } ~~[التوبة: 111-112] قوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ~~وأموالهم} [التوبة: 111] الآية: قال القرظي: لما بايعت الأنصار رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة بمكة، وهم سبعون نفسا، قال عبد الله بن ~~رواحة: اشترط لربك ولنفسك ما شئت. # قال: " أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، ولنفسي أن تمنعوني ما ~~تمنعون منه أنفسكم وأموالكم. # قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: الجنة. # قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل. # فنزلت هذه الآية، ومعنى هذا: أن المؤمن إذا قاتل في سبيل الله حتى يقتل ~~فتذهب روحه، أو أنفق ماله في سبيل الله، أخذ من الله في الآخرة الجنة جزاء ~~لما فعل، فجعل هذا اشتراء، هذا معنى قوله: {اشترى من المؤمنين أنفسهم ~~وأموالهم بأن لهم الجنة} [التوبة: 111] قال ابن عباس: يريد: بالجنة. # قال ms0768 الحسن: اسعوا إلى بيعة ربيحة بايع الله بها كل مؤمن. # وقال قتادة: ثامنهم فأغلى ثمنهم. # وقوله: فيقتلون ويقتلون قال ابن عباس: يقتلون أعدائي ويقتلون في طاعتي. # وقرأ حمزة: فيقتلون ويقتلون وهذا كالذي تقدم لأن المعطوف بالواو يجوز أن ~~يراد به التقديم، وقوله: {وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرءان} ~~[التوبة: 111] يعني: أن الله وعدهم هذا الوعد، وبين ذلك في هذه الكتب التي ~~أنزلها، ثم قال: {ومن أوفى بعهده من الله} [التوبة: 111] أي: لا أحد أوفى ~~بما وعد من الله، {فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به} [التوبة: 111] فافرحوا ~~بهذا البيع أيها المؤمنون وهو أنكم إذا بذلتم أنفسكم وأموالكم في الجهاد ~~أخذتم من الله الجنة {وذلك هو الفوز العظيم} [التوبة: 111] . # قوله: التائبون قال الفراء: استؤنفت بالرفع لتمام الآية قبلها وانقطاع ~~الكلام فحسن الاستئناف. # وقال الزجاج: الذي عندي أن قوله: التائبون رفع بالابتداء وخبره مضمر، ~~المعنى: التائبون إلى آخر الآية لهم الجنة # PageV02P526 # أيضا، أي: من لم يجاهد غير معاند ولا قاصد لترك الجهاد فله الجنة أيضا. # وهذا الذي قاله الزجاج حسن: لأنه وعد لجميع المؤمنين بالجنة خاصا ~~للمجاهدين الموصوفين بهذه الصفات، قال ابن عباس: التائبون: الراجعون عن ~~الشرك. # وقال قتادة: التائبون من الشرك ثم لم ينافقوا في الإسلام. # العابدون الذين يرون عبادة الله تعالى واجبة عليهم، الحامدون الله على كل ~~حال، السائحون قال عامة المفسرين: الصائمون، قال الوالبي، عن ابن عباس: كل ~~ما ذكر في القرآن من السياحة فهو الصيام. # وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سياحة أمتي الصيام» . # قال الحسن: هذا صوم الفرض. # الراكعون الساجدون قال ابن عباس: الذين يصلون لله بنية صادقة. # الآمرون بالمعروف بالإسلام وفرائض الله وحدوده، {والناهون عن المنكر} ~~[التوبة: 112] عن ترك حدود الله وفرائضه، {والحافظون لحدود الله} [التوبة: ~~112] قال الزجاج: القائمون بأمر الله. # {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من ~~بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم {113} وما كان استغفار إبراهيم لأبيه ~~إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله ms0769 تبرأ منه إن إبراهيم ~~لأواه حليم {114} وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما ~~يتقون إن الله بكل شيء عليم {115} إن الله له ملك السموات والأرض يحيي ~~ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير {116} } [التوبة: 113-116] قوله ~~تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا} [التوبة: 113] الآية: ### | 431 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي، أنا أبو الفضل محمد بن ~~عبد الله بن خميرويه، أنا أبو الحسن علي بن محمد الخزاعي، نا أبو اليمان، ~~أخبرني شعيب، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: لما حضر أبا ~~طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد ~~الله بن أبي أمية، فقال: " أي عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند ~~الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم ~~يزالا يكلمانه حتى # PageV02P527 # قال آخر شيء كلمهم به: أنا على ملة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه ~~وسلم لأستغفرن عنك ما لم أنه عنك، فنزلت: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن ~~يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب ~~الجحيم} [التوبة: 113] . # رواه البخاري، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، ورواه مسلم، عن ~~حرملة، عن ابن وهب، عن يونس كلاهما، عن الزهري ### | 432 - # أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الصيدلاني، أنا محمد بن عبد الله بن نعيم ~~الحافظ، نا محمد بن يعقوب، نا بحر بن نصر، نا ابن وهب، نا ابن جريج، عن ~~أيوب بن هانئ، عن مسروق بن الأجدع، عن ابن مسعود، قال: خرج رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ينظر في المقابر وخرجنا معه، فأمرنا فجلسنا ثم تخطى القبور ~~حتى انتهى إلى قبر منها فناجاه طويلا، ثم ارتفع نحيب رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم باكيا، فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه أقبل ~~إلينا فتلقاه عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول ms0770 الله ما الذي أبكاك؟ فقد أبكانا ~~وأفزعنا فجاء فجلس إلينا فقال: " أفزعكم بكائي؟ فقلنا: نعم يا رسول الله، ~~فقال: إن القبر الذي رأيتموني أناجي فيه قبر آمنة بنت وهب وإني استأذنت ربي ~~في زيارتها فأذن لي، وإني استأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه ~~ونزل علي {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 113] ~~حتى ختم الآية والتي بعدها فأخذني ما أخذ الولد للوالدة من الرقة فذلك الذي ~~أبكاني " # ومعنى قوله: {بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} [التوبة: 113] من بعد ~~ما بان لهم أنهم ماتوا كافرين، ثم أعلم الله تعالى كيف كان استغفار إبراهيم ~~لأبيه فقال: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} ~~[التوبة: 114] قال عطاء عن ابن عباس: كان أبو إبراهيم وعد إبراهيم أن يؤمن ~~بالله، ويخلع الأنداد، فلما مات على الكفر تبين لإبراهيم عداوة أبيه لله ~~فترك الدعاء له. # وعلى هذا القول الكناية في إياه تعود إلى إبراهيم، والواعد أبوه، ويجوز ~~أن يعود إلى أب إبراهيم، ويكون الواعد إبراهيم، وذلك أنه وعد أباه أن ~~يستغفر له رجاء إسلامه، وأن ينقل الله أباه باستغفاره له من الكفر إلى ~~الإسلام، فلما مات مشركا، ويئس من مراجعته الحق، تبرأ منه وقطع الاستغفار ~~له، والدليل على صحة هذا قراءة الحسن: وعدها أباه بالباء وهذا الوعد من ~~إبراهيم ظاهر في قوله تعالى: {سأستغفر لك ربي} [مريم: 47] ، وقوله: {إن ~~إبراهيم لأواه} [التوبة: 114] قال ابن عباس: الأواه: الدعاء الكثير الدعاء ~~والبكاء. # قال الفراء: هو الذي يتأوه من الذنوب، يقال: تأوه الرجل تأوها، وأوه ~~تأويها إذا قال آه. # للتوجع. # ومنه قول المثقب العبدي: # PageV02P528 # إذا ما قمت أرحلها بليل ... تأوه آهة الرجل الحزين # وقوله: حليم قال ابن عباس: لم يعاقب أحدا إلا في الله، ولم يقتص من أحد ~~إلا لله. # قوله: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم} [التوبة: 115] أي: ما كان ~~الله ليوقع الضلالة في قلوبهم بعد الهدى حتى يبين لهم ما يتقون، فلا ~~يتقونه، وذلك أنه لما ms0771 حرم الاستغفار للمشركين على المؤمنين، بين أنه لم يكن ~~الله ليأخذهم به قبل أن يبين تحريمه، فإذا لم يحرموه عند ذلك يستحقون ~~الإضلال، وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين ~~والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ~~ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم {117} وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ~~ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله ~~إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم {118} } [التوبة: ~~117-118] {لقد تاب الله على النبي} [التوبة: 117] يعني: من إذنه للمنافقين ~~في التخلف، وذكرنا ذلك عند قوله: {عفا الله عنك} [التوبة: 43] ، وقوله: ~~والمهاجرين والأنصار يعني من هم منهم بالتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم، ~~الذين اتبعوه ساروا معه إلى تبوك، {في ساعة العسرة} [التوبة: 117] يعني: ~~عسرة الظهر وعسرة الماء وعسرة الزاد، كان العشرة يخرجون على بعير يتعقبونه ~~وربما مص التمرة الواحدة جماعة يتناوبونها بينهم، وكانوا يعصرون الفرث ~~ويشربونه من العطش، وقوله: {من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم} [التوبة: ~~117] يميل بعضهم إلى التخلف والعصيان، قال الكلبي: هم ناس من المسلمين ~~بالتخلف ثم لحقوه. # وقال الزجاج: من بعد ما كادوا ينصرفون عن غزوتهم للشدة، ليس أنه زائغ عن ~~الإيمان. # وقرأ حمزة يزيغ بالياء، قال الفراء: الفعل المسند إلى المؤنث إذا تقدم ~~عليه جاز تذكيره وتأنيثه، فذكر يزيغ كما ذكر كاد لتشابه الفعلين، وقوله: ~~{ثم تاب عليهم} [التوبة: 117] كرر ذكر التوبة لأنه ليس في ابتداء الآية ذكر ~~ذنبهم، فقدم الله تعالى ذكر التوبة فضلا منه، ثم ذكر ذنبهم، ثم أعاد ذكر ~~التوبة. # وقوله: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} [التوبة: 118] قال ابن عباس، ومجاهد: ~~خلفوا عن التوبة عليهم. # وهؤلاء هم المعنيون بقوله: {وآخرون مرجون لأمر الله} [التوبة: 106] . ### | 433 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، أنا حاجب بن أحمد، نا محمد بن حماد، نا أبو ~~معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، في قوله: {وعلى الثلاثة الذين ms0772 ~~خلفوا} [التوبة: 118] قال: هم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية ~~كلهم من الأنصار # PageV02P529 # وأما قصة توبة الله على هؤلاء فهي ما ### | 434 - # أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف العروضي، أنا أبو بكر ~~محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى، نا الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي، نا ~~أبو عبد الله أحمد بن حنبل، نا يعقوب، نا ابن أخي الزهري، عن عمه، وأخبرنا ~~أبو عبد الله بن أبي إسحاق المزكي، نا عبد الملك بن الحسن بن يوسف السقطي، ~~نا يوسف بن يعقوب القاضي، نا محمد بن أبي ذر المقدمي، نا عبد الغفار بن ~~عبيد الله، نا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، وأخبرنا الحسن بن محمد ~~الفارسي واللفظ له، أنا أبو عبد الله بن محمد بن الفضل التاجر، أنا أحمد بن ~~محمد بن الحسن الحافظ، أنا محمد بن يحيى، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن ~~الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، قال محمد بن ~~يحيى: وحدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني، نا موسى بن أعين، نا إسحاق بن ~~راشد، أن الزهري حدثه، قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، ~~عن أبيه، قال: سمعت أبي كعب بن مالك يقول: " لم أتخلف عن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك إلا بدرا، ولم يعاتب ~~النبي صلى الله عليه وسلم أحدا تخلف عن بدر، وإنما خرج يريد العير فخرجت ~~قريش مغيثين لعيرهم فالتقوا على غير موعد كما قال الله تعالى، وما أحب أني ~~كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حيث تواثقنا على # PageV02P530 # الإسلام ثم لم أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد في غزوة غزاها، حتى ~~كانت غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها وآذن النبي صلى الله عليه وسلم الناس ~~بالرحيل، وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوهم وذلك حين طاب الظلال وطابت الثمار، ~~وقل ما أراد غزوا، إلا وارى خبرها ms0773 ويقول: الحرب خدعة، وقال عبد الرزاق: إلا ~~ورى بغيرها، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أن يتأهب الناس ~~أهبتهم، وأنا أيسر ما كنت قد جمعت راحلتين، وأنا أقدر شيء في نفسي على ~~الجهاد وخفة الحاذ ، وأنا في ذلك أصغو إلى الظلال وطيب الثمار فلم أزل كذلك ~~حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم غاديا بالغداة، وذلك يوم الخميس، وكان ~~يحب أن يخرج يوم الخميس فأصبح غاديا، قلت: أنطلق غدا إلى السوق فأشتري ~~جهازي ثم ألحق بهم فانطلقت إلى السوق من الغد فعسر علي بعض شأني، فرجعت، ~~فقلت: أرجع غدا إن شاء الله فألحق بهم فعسر علي بعض شأني أيضا فلم أزل ~~كذلك، حتى التبس بي الذنب وتخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلت ~~أمشي في الأسواق وأطوف بالمدينة فيحزنني أنني لا أرى أحدا إلا رجلا مغموضا ~~عليه في النفاق وكأن ليس أحد تخلف إلا رأى أن ذلك سيغفر له، وكان الناس ~~كثيرا لا يجمعهم ديوان وكان جميع من تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم بضعا ~~وثمانين رجلا، ولم يذكرني النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فلما بلغ ~~تبوك قال: ما فعل كعب بن مالك؟ قال رجل من قومي: خلفه يا نبي الله برداه ~~والنظر في عطفيه، فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت والله يا نبي الله ما نعلم ~~إلا خيرا، فبينما هم كذلك إذ هم برجل يزول به السراب، فقال النبي صلى الله ~~عليه وسلم: كن أبا خيثمة، فإذا هو أبو خيثمة فلما قضى النبي صلى الله عليه ~~وسلم غزوة تبوك ودنا من المدينة جعلت أتذكر بماذا أخرج من سخط النبي صلى ~~الله عليه وسلم وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي حتى إذا قيل: هذا النبي ~~صلى الله عليه وسلم مصبحكم بالغداة زاح عني الباطل وعرفت أني لا أنجو إلا ~~بالصدق ودخل النبي صلى الله عليه وسلم ضحى فصلى في المسجد ركعتين، وكان إذا ~~جاء من سفر فعل ذلك ms0774، دخل المسجد فصلى ركعتين ثم جلس، فجعل يأتيه من تخلف ~~فيحلفون له ويعتذرون إليه فيستغفر لهم، ويقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى ~~الله سبحانه وتعالى، فدخلت المسجد فإذا هو جالس فلما رآني تبسم تبسم ~~المغضب، فجئت فجلست بين يديه فقال: ألم تكن ابتعت ظهرا؟ قلت: بلى يا رسول ~~الله قال: فما خلفك؟ قلت: والله لو بين يدي أحد من الناس غيرك جلست لخرجت ~~من سخطه علي بعذر لقد أوتيت جدلا ولكن قد علمت يا نبي الله، أني إن أخبرك ~~اليوم بقول تجد علي فيه وهو حق فإني أرجو فيه عفو الله، وإن حدثتك اليوم ~~حديثا ترضى عني فيه وهو كذب، أوشك الله أن يطلعك علي، والله ما كنت قط أيسر ~~ولا أخف حاذا مني حيث تخلفت عنك، فقال: أما هذا فقد صدقكم الحديث قم عني ~~حتى يقضي الله فيك فقمت فثار على أثري ناس من قومي يؤنبونني فقالوا: والله ~~ما نعلمك أذنبت ذنبا قبل هذا فهلا اعتذرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ~~بعذر يرضى عنك فيه؟ وكان استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم سيأتي من ~~وراء ذنبك، ولم تقف نفسك موقفا لا تدري ماذا يقضي لك فيه فلم يزالوا ~~يؤنبوني، حتى هممت أن أرجع، فأكذب نفسي فقلت: هل قال هذا القول أحد غيري؟ ~~قالوا: نعم قاله هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، فذكروا رجلين صالحين قد ~~شهدوا بدرا لي فيهما أسوة، فقلت: لا والله لا أرجع إليه في هذا أبدا ولا ~~أكذب نفسي، قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها ~~الثلاثة، ولم ينه عن كلام أحد من المتخلفين غيرنا فاجتنب الناس كلامنا، ~~ولبثت كذلك حتى طال علي الأمر وما من شيء أهم إلي من أن أموت فلا يصلي علي ~~النبي صلى الله عليه وسلم فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم ~~ولا يصلي علي، قال: فجعلت أخرج إلى السوق ولا يكلمني أحد، وتنكر لنا الناس ~~حتى ما هم بالذي نعرف، وتنكرت لنا الحيطان ms0775 حتى ما هي بالحيطان التي نعرف، ~~وتنكرت لنا الأرض حتى ما هي بالأرض التي نعرف، وكنت أقوى أصحابي فكنت أخرج ~~فأطوف في الأسواق وآتي المسجد فأدخل وآتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ~~عليه فأقول: هل حرك شفتيه بالسلام؟ فإذا قمت أصلي إلى سارية نظر إلي بمؤخر ~~عينيه فإذا نظرت إليه أعرض عني واستكان صاحباي فجعلا يبكيان الليل والنهار ~~لا يطلعان رءوسهما. # قال: فبينما أنا أطوف بالسوق إذا برجل نصراني جاء بطعام له يبيعه يقول: ~~من يدل على كعب بن # PageV02P531 # مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلي فأتاني بصحيفة من ملك غسان فإذا فيها: ~~أما بعد: فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك ولست بدار مضيعة ولا هوان، ~~فالحق بنا نواسك، فقلت: هذا أيضا من البلاء والشر فسجرت التنور وأحرقتها ~~فلما مضت أربعون ليلة إذا رسول من النبي صلى الله عليه وسلم أتاني فقال: ~~اعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها؟ قال: لا ولكن لا تقربنها فجاءت امرأة هلال بن ~~أمية فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضعيف فهل تأذن لي أن أخدمه؟ ~~قال: نعم ولكن لا يقربنك، قالت: يا نبي الله والله ما به حركة لشيء ما زال ~~مكبا يبكي الليل والنهار منذ كان من أمره ما كان، قال كعب: فلما طال علي ~~البلاء اقتحمت على أبي قتادة حائطه وهو ابن عمي فسلمت عليه فلم يرد علي، ~~فقلت: أنشدك الله يا أبا قتادة أتعلم أني أحب الله ورسوله؟ فسكت عني حتى ~~قلت ثلاثا. # قال أبو قتادة في الثالثة: الله ورسوله أعلم فلم أملك نفسي أن بكيت ثم ~~اقتحمت من الحائط خارجا حتى مضت خمسون ليلة من حين نهى النبي صلى الله عليه ~~وسلم عن كلامنا فصليت على ظهر بيت لنا صلاة الفجر ثم جلست وأنا بالمنزلة ~~التي قال الله تعالى: قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت وضاقت علينا أنفسنا إذ ~~سمعت نداء من ذروة سلع أن أبشر يا كعب بن مالك فخررت ساجدا وعلمت أن الله ~~تعالى قد جاء ms0776 بالفرج، ثم جاء رجل يركض على فرس يبشرني فكان الصوت أسرع من ~~فرسه، فأعطيته ثوبي بشارة ولبست ثوبين آخرين، قال: وكانت توبتنا نزلت على ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث الليل، فقالت أم سلمة: يا رسول الله ألا ~~تبشر كعب بن مالك؟ فقال: إذن يحطمكم الناس ويمنعوكم النوم سائر الليل، ~~فكانت أم سلمة محسنة في شأني تحزن لأمري، فانطلقت إلى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون وهو يستنير كاستنارة ~~القمر، وكان إذا سر بالأمر استنار فجئت فجلست بين يديه فقال: أبشر يا كعب ~~بن مالك بخير يوم أتى عليك منذ ولدتك أمك، فقلت: يا نبي الله أمن عند الله ~~أم من عندك؟ قال: بل هو من عند الله ثم تلا عليهم {لقد تاب الله على النبي ~~والمهاجرين والأنصار} [التوبة: 117] الآيات، وفينا أنزلت أيضا {اتقوا الله ~~وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119] فقلت: يا نبي الله إن من توبتي ألا أحدث ~~إلا صدقا وأن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله ~~عليه وسلم فقال: أمسك عليك بعض مالك فإنه خير لك، قلت: فإني أمسك سهمي الذي ~~بخيبر قال: فما أنعم الله علي نعمة بعد الإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم حين صدقته أنا وصاحباي، وألا نكون كذبنا فهلكنا ~~كما هلكوا، وإني لأرجو أن لا يكون الله أبلى أحدا في الصدق مثل الذي ~~أبلاني، ما تعمدت الكذبة بعد وأرجو أن يحفظني الله فيما بقي " قال الزهري: ~~فهذا ما انتهى إلينا من حديث كعب بن مالك # وقوله: {حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} [التوبة: 118] قال المفسرون: ~~ضيق الأرض عليهم بأن المؤمنين # PageV02P532 # منعوا من كلامهم ومعاملاتهم، وأمر أزواجهم باعتزالهم، وكان النبي صلى ~~الله عليه وسلم معرضا عنهم. # وقوله: {وضاقت عليهم أنفسهم} [التوبة: 118] يعني: ضيق صدورهم بالهم الذي ~~حصل فيها، وظنوا أيقنوا، {أن لا ملجأ} [التوبة: 118] لا معتصم من الله من ~~عذاب الله، إلا إليه الآية ms0777، {ثم تاب عليهم} [التوبة: 118] إعادة للتوكيد ~~لأن ذكر التوبة على هؤلاء قد مضى في قوله: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} ~~[التوبة: 118] ، ومعنى {ثم تاب عليهم ليتوبوا} [التوبة: 118] لطف لهم في ~~التوبة ووفقهم لها. # {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين {119} ما كان لأهل ~~المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم ~~عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون ~~موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله ~~لا يضيع أجر المحسنين {120} ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون ~~واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون {121} وما كان ~~المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ~~ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون {122} } [التوبة: 119-122] ~~قوله: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119] ~~روينا أن هذه الآية نازلة في كعب بن مالك وصاحبيه، وقال الكلبي، ومقاتل: ~~يعني: مؤمني أهل الكتاب يأمرهم بالجهاد وأن يكونوا مع المهاجرين، وسمى الله ~~المهاجرين في هذه السورة صادقين. # وقال نافع: يريد بالصادقين محمدا والأنبياء. # وقال الزجاج: والمعنى: على أنهم أمروا بأن يكونوا مع النبي صلى الله عليه ~~وسلم في الشدة والرخاء. ### | 435 - # أخبرنا أحمد بن إبراهيم الواعظ، أنا عبد الله بن حامد الوراق، أنا عبد ~~الله بن محمد بن الحسن، نا محمد بن يحيى، نا وهب بن جرير، نا شعبة، عن عمرو ~~بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قال: إن الكذب لا يصلح منه جد ~~ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صبيه شيئا، ثم لا ينجزه له اقرأوا إن شئتم {يأيها ~~الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119] فقال: هل ترون ~~رخصة في الكذب؟ # PageV02P533 # وقوله: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب} [التوبة: 120] قال ~~ابن عباس: يعني: مزينة، وجهينة، وأسلم، وأشجع، وغفار. # {أن يتخلفوا عن رسول الله} [التوبة: 120] صلى الله ms0778 عليه وسلم في غزوة ~~يغزوها، {ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه} [التوبة: 120] ولا يرضوا لأنفسهم ~~بالخفض والدعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحر والمشقة، يقال: رغبت ~~بنفسي عن هذا الأمر. # أي: ترفعت عنه، ذلك أي: ذلك النهي عن التخلف، {بأنهم لا يصيبهم ظمأ} ~~[التوبة: 120] وهو شدة العطش، ولا نصب إعياء وتعب، {ولا مخمصة في سبيل ~~الله} [التوبة: 120] مجاعة في طاعة الله، {ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار} ~~[التوبة: 120] ولا يقفون موقفا ولا يضعون قدما في موضع يغضب الكفار، {ولا ~~ينالون من عدو نيلا} [التوبة: 120] أسرا وقتلا وهزيمة، قليلا ولا كثيرا إلا ~~كان ذلك قربى لهم عند الله، وهو قوله: {إلا كتب لهم به عمل صالح} [التوبة: ~~120] قال عطية العوفي: في الآية من الفقه أن من قصد طاعة كان قيامه وقعوده ~~ونصبه ومشيه وحركاته كلها حسنات مكتوبة له وكذلك في المعصية، فما أعظم بركة ~~الطاعة وما أعظم شؤم المعصية. # وقوله: {ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة} [التوبة: 121] قال ابن عباس: ~~تمرة فما فوقها. # ولا يقطعون ولا يجاوزون واديا في مسيرهم مقبلين ولا مدبرين، {إلا كتب ~~لهم} [التوبة: 121] آثارهم وخطاهم، {ليجزيهم الله أحسن} [التوبة: 121] أي: ~~بأحسن {ما كانوا يعملون} [التوبة: 121] . # قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} [التوبة: 122] قال المفسرون: لما ~~عيب من تخلف عن غزوة تبوك قال المؤمنون: والله لا نتخلف عن غزوة يغزوها ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن سرية أبدا. # فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسراية إلى العدو نفر المسلمون ~~جميعا إلى الغزو، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وحده، فأنزل ~~الله هذه الآية، وهذا نفي معناه: النهي لهم عن الخروج إلى العدو جميعا. # وقوله: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} [التوبة: 122] أي: فهلا خرج ~~إلى الغزو من كل قبيلة جماعة، ويبقى مع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة ~~{ليتفقهوا في الدين} [التوبة: 122] يعني: الفرقة القاعدين يتعلمون القرآن ~~والسنن والفرائض والأحكام، فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن وتعلمه ~~القاعدون قالوا لهم ms0779 إذا رجعوا إليهم: إن الله قد أنزل بعدكم على نبيكم ~~قرآنا، وقد تعلمناه فتتعلمه السرايا، فذلك قوله: ولينذروا قومهم أي: ~~وليعلموهم بالقرآن ويخوفوهم به {إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [التوبة: ~~122] فلا يعملون بخلافه. # وهذا قول ابن عباس في رواية الوالبي. # {يأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ~~واعلموا أن الله مع المتقين {123} وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم ~~زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون {124} وأما ~~الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون {125} أولا ~~يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون {126} ~~وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله ~~قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون {127} } [التوبة: 123-127] قوله: {يأيها الذين ~~آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} [التوبة: 123] يريد الذين يقربون ~~منكم، قال ابن # PageV02P534 # عباس: أمروا أن يقاتلوا الأدنى فالأدنى من عدوهم مثل قريظة، والنضير، ~~وخيبر، وفدك. # {وليجدوا فيكم غلظة} [التوبة: 123] قال ابن عباس: شجاعة. # وقال مجاهد: شدة. # وقال الحسن: صبرا منكم على الجهاد. # وقال الضحاك: عنفا. # {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم} [التوبة: 124] من المنافقين {من يقول أيكم ~~زادته هذه إيمانا} [التوبة: 124] يقوله المنافقون بعضهم لبعض هزوا، قال ~~الله تعالى: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا} [التوبة: 124] قال ابن ~~عباس: تصديقا ويقينا وقربة من الله. # وذلك إنهم إذا أقروا بال { [عن ثقة ازدادوا تصديقا إلى ما كانوا عليه من ~~التصديق، وهم يستبشرون يفرحون بنزول السورة،] وأما الذين في قلوبهم مرض} ~~[سورة التوبة: 125] شك ونفاق، {فزادتهم رجسا إلى رجسهم} [التوبة: 125] كفرا ~~إلى كفرهم لأنهم كلما كفروا ب { [ازداد كفرهم، قوله: أولا يرون من قرأ ~~بالتاء فهو خطاب للمؤمنين، ومن قرأ بالياء فهو تقريع للمنافقين بالإعراض عن ~~التوبة، وقوله:] أنهم يفتنون في كل عام} [سورة التوبة: 126] الآية، أي: ~~يمتحنون بالأمراض والأوجاع وهي روائد الموت، {ثم لا يتوبون} [التوبة: 126] ~~من النفاق ولا يتعظون بذلك المرض، وقوله: {وإذا ما ms0780 أنزلت سورة} [التوبة: ~~127] الآية: قال ابن عباس: كان إذا أنزلت { [فيها عيب المنافقين خطبهم رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم، فعرض بهم في خطبته، شق ذلك عليهم فنظر بعضهم إلى ~~بعض يريدون الهروب من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقولون: هل يراكم ~~من أحد من المؤمنين إن قمتم؟ فإن لم يرهم أحد خرجوا من المسجد، وذلك قوله: ~~ثم انصرفوا، قال الحسن: ثم انصرفوا على عدم التكذيب بمحمد صلى الله عليه ~~وسلم وما جاء به. # وقال الزجاج: وجائز أن يكونوا ينصرفون عن المكان الذي استمعوا فيه. # ] صرف الله قلوبهم} [سورة التوبة: 127] عن كل خير ورشد وهدى، ذلك {بأنهم ~~قوم لا يفقهون} [التوبة: 127] عن الله دينه، قال الزجاج: أي: أضلهم الله ~~مجازاة على فعلهم، وقوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ~~حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم {128} فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا ~~هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم {129} } [التوبة: 128-129] {لقد جاءكم ~~رسول من أنفسكم} [التوبة: 128] قال ابن عباس: يريد محمدا صلى الله عليه ~~وسلم، وليس في العرب قبيلة إلا وقد ولدته وله # PageV02P535 # فيهم نسب. # {عزيز عليه ما عنتم} [التوبة: 128] شديد عليه عنتكم وهو لقاء الشدة ~~والمشقة بدخول النار، والمعنى: شديد عليه ما يلحقكم من الضرر بترك الإيمان، ~~يقال: عنت الرجل يعنت عنتا. # إذا وقع في مشقة، حريص عليكم على إيمانكم، على أن تؤمنوا، {بالمؤمنين ~~رءوف رحيم} [التوبة: 128] قال ابن عباس: سماه الله باسمين من أسمائه. # فإن تولوا أعرضوا عن الإيمان بك، {فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه ~~توكلت وهو رب العرش العظيم} [التوبة: 129] خص العرش بالذكر لأنه الأعظم ~~فيدخل فيه الأصغر. ### | 436 - # نا إسماعيل بن إبراهيم الصوفي، نا أبو بكر بن أحمد بن يعقوب المفيد، نا ~~الحسن بن عبد الله العبدي، نا مسلم بن إبراهيم، نا شعبة، عن علي بن زيد، عن ~~يوسف بن مهران، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، أنه قال: آخر آية أنزلت على ~~عهد رسول الله صلى الله ms0781 عليه وسلم {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} [التوبة: ~~128] قرأ إلى آخر السورة. # رواه الحاكم في صحيحه، عن الأصم، عن بكار بن قتيبة، عن العقدي، عن شعبة # PageV02P536 ### | سورة يونس # مكية وآياتها تسع ومائة ### | 437 - # أخبرنا الأستاذ أبو عثمان سعيد بن محمد الزعفراني، أنا أبو عمرو محمد بن ~~جعفر بن مطر الزاهد العدل، أنا إبراهيم بن شريك الأسدي، أنا أحمد بن عبد ~~الله بن يونس، نا المديني، نا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ~~أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ ~~سورة يونس أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بيونس وكذب به وبعدد من غرق ~~مع فرعون» # {بسم الله الرحمن الرحيم الر تلك آيات الكتاب الحكيم {1} أكان للناس عجبا ~~أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ~~ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين {2} إن ربكم الله الذي خلق السموات ~~والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد ~~إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون {3} إليه مرجعكم جميعا وعد الله ~~حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ~~والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون {4} هو الذي ~~جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق ~~الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون {5} إن في اختلاف الليل ~~والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون {6} } بسم الله ~~الرحمن الرحيم {الر} [يونس: 1] قال عطاء، عن ابن عباس: يريد أنا الله ~~الرحمن. # وعنه أيضا: أنا الله أرى. # {تلك # PageV02P537 # آيات الكتاب} [يونس: 1] قال: يريد: هذه الآيات التي أنزلت على محمد صلى ~~الله عليه وسلم آيات الكتاب الحكيم يعني: القرآن المحكم من الباطل، أي: ~~الممنوع من الفساد لا كذب فيه ولا اختلاف، قوله: {أكان للناس عجبا أن ~~أوحينا} [يونس: 2] الآية: قال ms0782 المفسرون: عجبت قريش من إرسال الله محمدا صلى ~~الله عليه وسلم إلى العباد، وقالوا: أما وجد الله من يرسله إلينا إلا يتيم ~~أبي طالب؟ فأنزل الله تعالى: {أكان للناس عجبا} [يونس: 2] والألف في أكان ~~للتوبيخ والإنكار، {أن أوحينا إلى رجل منهم} [يونس: 2] يعني: محمدا صلى ~~الله عليه وسلم يعرفون أباه وأمه، {أن أنذر الناس} [يونس: 2] يعني: أهل ~~مكة، {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم} [يونس: 2] قال مجاهد، ~~والحسن: يعني: الأعمال الصالحة يقدمون عليها. # وقال الوالبي، عن ابن عباس: يقول: سبقت لهم السعادة في الذكر الأول. # أخبرنا نصر بن أبي نصر الواعظ، أنا عبد الله بن محمد بن نصير، أنا محمد ~~بن أيوب، أنا عبد الله بن عمران، نا يحيى بن الضريس، عن خالد بن صبيح ~~البلخي، عن مقاتل بن حيان، في قوله: {قدم صدق عند ربهم} [يونس: 2] قال: ~~شفيع صدق، محمد صلى الله عليه وسلم. # وتم الكلام ثم ابتدأ فقال: {قال الكافرون إن هذا لساحر مبين} [يونس: 2] ~~قال ابن عباس: أخرجوا محمدا من علمهم فيه بالأمانة والصدق، إلى غير علمهم ~~فكفروا وأرادوا بالساحر محمدا صلى الله عليه وسلم، ومن قرأ: لسحر أراد: ~~الذي أوحي إليه سحر، قوله: {إن ربكم الله} [يونس: 3] مفسر فيما سبق إلى ~~قوله: يدبر الأمر قال ابن عباس: يخلق ما يكون. # وقال مجاهد: يقضي الأمر. # {ما من شفيع إلا من بعد إذنه} [يونس: 3] قال الكلبي: ما من شفيع من ~~الملائكة والنبيين إلا من بعد أمره في الشفاعة. # ذلكم الله الذي فعل هذه الأشياء، {ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون} [يونس: 3] ~~أفلا تتعظون يا أهل مكة بالقرآن ومواعظه. # {إليه مرجعكم جميعا} [يونس: 4] إلى الله مصيركم يوم القيامة، وعد الله ~~وعدكم الله ذلكم وعدا حقا، { # PageV02P538 # إنه يبدأ الخلق ثم يعيده} [يونس: 4] رد على المشركين الذين أنكروا البعث ~~{ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط} [يونس: 4] قال ابن عباس: ~~بالعدل. # {والذين كفروا لهم شراب من حميم} [يونس: 4] وهو الماء الحار. # قوله تعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياء} [يونس: 5] أي: ذات ms0783 ضياء، والقمر ~~نورا أي: ذا نور، وقدره منازل أي: قدر له، فحذف الجار، والمعنى: هيأ ويسر ~~له منازل، {لتعلموا عدد السنين والحساب} [يونس: 5] يعني: حساب الشهور ~~والسنين والأيام والساعات، {ما خلق الله ذلك} [يونس: 5] يعني ما تقدم من ~~الشمس والقمر ومنازله، إلا بالحق إلا للحق من إظهار صنعه، وقدرته والدلالة ~~على وحدانيته، يفصل الآيات يبينها، لقوم يعلمون يستدلون بالأمارات على قدرة ~~الله. # {إن في اختلاف الليل والنهار} [يونس: 6] في تعاقبهما ومجيئهما وذهابهما، ~~{وما خلق الله في السموات} [يونس: 6] من الشمس والقمر والنجوم والبروج ~~والأفلاك وفي الأرض من الجبال والبحار، {لآيات لقوم يتقون} [يونس: 6] ~~الشرك، فيستدلون بهذه الآيات على وحدانية الله وقدرته. # {إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم ~~عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون إن الذين آمنوا ~~وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات ~~النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد ~~لله رب # PageV02P539 # العالمين} [يونس: 7-10] قوله: {إن الذين لا يرجون لقاءنا} [يونس: 7] قال ~~ابن عباس، ومقاتل: لا يخافون البعث لأنهم لا يؤمنون به. # والرجاء ههنا بمعنى الخوف كقوله: {لا ترجون لله وقارا} [نوح: 13] ، ~~{ورضوا بالحياة الدنيا} [يونس: 7] بدلا من الآخرة، واطمأنوا بها ركنوا ~~إليها لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، {والذين هم عن آياتنا غافلون} [يونس: 7] ~~يعني: آيات القرآن وما فيها من الفرائض والأحكام. # قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم} ~~[يونس: 9] قال المفسرون: يهديهم ربهم إلى الجنة ثوابا لهم بإيمانهم. # وقال مجاهد: يكون لهم نور يمشون به. # وقال مقاتل: يهديهم بالنور على الصراط إلى الجنة. # وقوله: {تجري من تحتهم الأنهار} [يونس: 9] أي: بين أيديهم وهم يرونها من ~~أسرتهم وقصورهم، وقوله: {دعواهم فيها سبحانك اللهم} [يونس: 10] الدعوى مصدر ~~كالدعاء، ذكرنا ذلك في قوله: {فما كان دعواهم} [الأعراف: 5] ، قال ابن ~~عباس: كلما اشتهى أهل الجنة شيئا قالوا: سبحانك اللهم. # فجاء ما يشتهون فإذا طعموا مما يشتهون قالوا: الحمد لله رب العالمين. # فذلك قوله ms0784: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: 10] . # وقوله: {وتحيتهم فيها سلام} [يونس: 10] يحيي بعضهم بعضا بالسلام وتحية ~~الملائكة إياهم، وتحية الله سلام، {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} ~~[يونس: 10] قال الزجاج: أعلم الله أنهم يبتدئون بتعظيم الله وتنزيهه، ~~ويختمون بشكره والثناء عليه. # {ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين ~~لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو ~~قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين ~~للمسرفين ما كانوا يعملون ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم ~~رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين ثم جعلناكم ~~خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون} [يونس: 11-14] قوله: {ولو يعجل ~~الله للناس الشر استعجالهم بالخير} [يونس: 11] التعجيل: تقديم الشيء قبل ~~وقته، والاستعجال: طلب العجلة، قال قتادة: هو دعاء الرجل على نفسه وولده ~~وأهله وماله بما يكره أن يستجاب له. # وقال ابن قتيبة: إن الناس عند الغضب والضجر يدعون على أنفسهم وأهليهم ~~وأولادهم بالموت وتعجيل البلاء، كما يدعون بالرزق والرحمة وإعطاء السؤال، ~~يقول: فلو أجابهم الله إذا دعوا بالشر الذي يستعجلون به استعجالهم بالخير ~~{لقضي إليهم أجلهم} [يونس: 11] . # قال عامة المفسرين: لماتوا وهلكوا جميعا وفرغ من هلاكهم. # وتحقيق التأويل: لو أجيبوا إلى ما يدعون به من الشر والعذاب لفرغ إليهم ~~من أجلهم بأن ينقضي الأجل فيموتوا ويحصلوا في العذاب والبلاء، وقرأ ابن ~~عامر لقضى إليهم أجلهم بفتح القاف على إسناد الفعل إلى الله لأن ذكره قد ~~تقدم، وذكر أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث حين قال: {اللهم إن كان ~~هذا هو الحق} [الأنفال: 32] الآية، يدل على صحة هذا قوله: {فنذر الذين لا ~~يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون} [يونس: 11] يعني: الكفار الذين لا يخافون ~~البعث، قوله: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه} [يونس: 12] أي: مضطجعا ~~على جنبه، قال ابن عباس: إذا أصاب الكافر ما يكره من فقر أو مرض أو ms0785 بلاء أو ~~شدة أخلص في الدعاء مضطجعا كان أو قائما أو قاعدا. # {فلما كشفنا عنه ضره مر} [يونس: 12] طاغيا على ترك الشكر ولم يتعظ بما ~~ناله، {كأن لم يدعنا إلى ضر مسه} [يونس: 12] قال الحسن: نسي ما دعا الله ~~فيه وما صنع الله به فيما كشف عنه من البلاء، {كذلك زين للمسرفين ما كانوا ~~يعملون} [يونس: 12] أي: كما زين لهذا الكافر الدعاء عند البلاء والإعراض ~~عند الرخاء زين للمسرفين عملهم، يريد المشركين، قال ابن كيسان: أسرفوا على ~~أنفسهم إذ عبدوا الوثن. # قال عطاء: نزلت الآية في عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة. # قوله: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا} [يونس: 13] يخوف كفار مكة ~~بمثل عذاب الأمم الخالية، {وجاءتهم رسلهم بالبينات} [يونس: 13] بالمعجزات ~~الظاهرة، {وما كانوا ليؤمنوا} [يونس: 13] قال ابن الأنباري: ألزمهم الله ~~ترك الإيمان لمعاندتهم الحق وإيثارهم الباطل. # وقال الزجاج: أعلم الله أنهم لا يؤمنون ولو بقاهم أبدا، لأنه جعل جزاءهم ~~بكفرهم الطبع على قلوبهم. # كما # PageV02P540 # قال: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل} [يونس: 74] الآية، وقوله: ~~{كذلك نجزي القوم المجرمين} [يونس: 13] أي: نعاقب ونهلك المكذبين بمحمد صلى ~~الله عليه وسلم كما فعلنا بمن قبلهم، {ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم} ~~[يونس: 14] قال ابن عباس: يريد أهل مكة، والمعنى: استخلفكم في الأرض من بعد ~~القرون الماضية، {لننظر كيف تعملون} [يونس: 14] قال ابن عباس: لنختبركم ~~ونختبر أعمالكم. # وقال قتادة: ما جعلنا الله خلائف إلا لينظر إلى أعمالنا، فأروا الله من ~~أعمالكم خيرا بالليل والنهار. # {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرءان غير ~~هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي ~~إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم {15} قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ~~ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون {16} فمن أظلم ممن ~~افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون {17} } [يونس: ~~15-17] قوله: {وإذا ms0786 تتلى عليهم} [يونس: 15] أي: على مشركي مكة، آياتنا ~~بينات يعني: القرآن، {قال الذين لا يرجون لقاءنا} [يونس: 15] لا يخافون ~~البعث، {ائت بقرءان غير هذا} [يونس: 15] أي: بقرآن ليس فيه عيب آلهتنا، ~~وذكر البعث والنشور، أو بدله أي: تكلم به من ذات نفسك، فبدل منه ما نكره، ~~{قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي} [يونس: 15] ما ينبغي لي أن أبدله ~~غيره من قبل نفسي، قال الزجاج: أي: الذي أتيت به من عند الله لا من عند ~~نفسي فأبدله. # وهو قوله: {إن أتبع إلا ما يوحى إلي} [يونس: 15] قال ابن عباس: يريد: ما ~~أخبركم إلا ما أخبرني الله به، وقوله: {قل لو شاء الله ما تلوته عليكم} ~~[يونس: 16] قال ابن عباس: يقول: لو شاء الله ما قرأت عليكم القرآن. # {ولا أدراكم به} [يونس: 16] ولا أعلمكم الله بالقرآن وأدراني الله به، ~~والمعنى: لو شاء الله ألا ينزل القرآن ما أعلمكم به ولا أمرني بتلاوته ~~عليكم، {فقد لبثت فيكم عمرا من قبله} [يونس: 16] قال ابن عباس: أقمت فيكم ~~أربعين سنة لا أحدثكم بشيء من القرآن ولا آتيكم به، أفلا تعقلون أنه ليس من ~~قبلي. # قوله: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا} [الأعراف: 37] أي: لا أحد أظلم ~~ممن يظلم ظلم الكفر فيزعم أن لله ولدا وشريكا، قال ابن عباس: يريد: أني لم ~~أفتر على الله ولم أكذب عليه، وأنتم فعلتم ذلك حيث زعمتم أن معه شريكا ~~وعبدتم الأوثان وكذبتم نبيه صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله ~~تعالى. # {إنه لا يفلح المجرمون} [يونس: 17] لا يسعد من كذب أنبياء الله. # {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند ~~الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى ~~عما يشركون {18} وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ~~ربك لقضي بينهم فيما فيه # PageV02P541 # يختلفون {19} ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله ~~فانتظروا إني معكم ms0787 من المنتظرين {20} } [يونس: 18-20] {ويعبدون من دون الله ~~ما لا يضرهم} [يونس: 18] إن لم يعبدوه، ولا ينفعهم إن عبدوه، {ويقولون ~~هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18] قال الحسن: شفعاء في إصلاح معاشهم في ~~الدنيا، لأنهم لا يقرون بالبعث. # {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض} [يونس: 18] قال ~~الضحاك: أتخبرون الله أن له شريكا ولا يعلم الله لنفسه شريكا في السموات ~~ولا في الأرض. # والمعنى: أتخبرون الله بالكذب فيما يعلم أنه ليس بموجود؟ ثم نزه نفسه عما ~~افتروه فقال: {سبحانه وتعالى عما يشركون} [يونس: 18] . # قوله: {وما كان الناس إلا أمة واحدة} [يونس: 19] أي: مجمعة على دين واحد ~~يعني: من لدن إبراهيم عليه السلام إلى أن غير الدين عمرو بن لحي، فاختلفوا. # قاله ابن عباس في رواية عطاء، وقال في رواية الكلبي: يعني: أمة كافرة على ~~عهد إبراهيم، فاختلفوا فآمن بعضهم وكفر بعضهم. # وقال مجاهد، والسدي: كانوا على ملة الإسلام إلى أن قتل أحد ابني آدم ~~أخاه، وقوله: {ولولا كلمة سبقت من ربك} [يونس: 19] بتأخير هذه الأمة، وأنه ~~لا يهلكهم بالعذاب كما أهلك الذين من قبلهم، لقضي بينهم بنزول العذاب، ~~وتعجيل العقوبة للمكذبين، فكان ذلك فصلا بينهم فيما فيه يختلفون، قوله: ~~ويقولون يعني: أهل مكة: {لولا أنزل عليه آية من ربه} [يونس: 20] مثل العصا ~~واليد، {فقل إنما الغيب لله} [يونس: 20] يعني أن قولكم: هلا أنزل عليه آية ~~غيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، فانتظروا نزول الآية، {إني معكم من ~~المنتظرين} [يونس: 20] لنزولها، قوله: {وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء ~~مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ~~{21} هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح ~~طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط ~~بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين {22} ~~فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يأيها الناس إنما بغيكم على ms0788 ~~أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون {23} } ~~[يونس: 21-23] {وإذا أذقنا الناس رحمة} [يونس: 21] يعني مطرا وخصبا وغنى، ~~{من بعد ضراء مستهم} [يونس: 21] من بعد قحط وبؤس وفقر، {إذا لهم مكر في ~~آياتنا} [يونس: 21] سعي في دفع القرآن والتكذيب به، أي: إذا أخصبوا بطروا ~~فكذبوا بالقرآن، {قل الله أسرع مكرا} [يونس: 21] أي: أن ما يأتيهم من ~~العذاب أسرع في إهلاكهم مما أتوه من المكر في إبطال القرآن، قال مقاتل: ~~فقتلهم الله يوم بدر وجازى # PageV02P542 # مكرهم في آياته بعقاب ذلك اليوم، فكان أسرع في إهلاكهم من كيدهم في إهلاك ~~محمد صلى الله عليه وسلم وإبطال آياته، ثم أوعدهم بالجزاء في الآخرة بقوله: ~~{إن رسلنا يكتبون ما تمكرون} [يونس: 21] يعني: بالرسل الحفظة. # قوله: {هو الذي يسيركم في البر} [يونس: 22] على الدواب، وفي البحر على ~~السفن، يقال: سيرته من مكان إلى مكان. # أي: شخصته وقرأ ابن عامر: ينشركم من النشر بعد الطي، وحجته قوله: ~~{فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10] ، وقوله: {حتى إذا كنتم في الفلك} [يونس: ~~22] يعني السفن، وجرين بهم عاد بعد المخاطبة إلى الإخبار عنهم، وقوله: بريح ~~طيبة أي: رخاء لينة، وفرحوا بها بتلك الريح للينها واستوائها، جاءتها جاءت ~~الفلك، ريح عاصف، شديد الهبوب وجاءهم الموج وهو ما ارتفع من الماء، {من كل ~~مكان} [يونس: 22] من البحر، وظنوا أيقنوا {أنهم أحيط بهم} [يونس: 22] دنوا ~~من الهلاك {دعوا الله مخلصين له الدين} [يونس: 22] قال ابن عباس: تركوا ~~الشرك وأخلصوا لله الربوبية، وقالوا: {لئن أنجيتنا من هذه} [يونس: 22] ~~الريح العاصف، {لنكونن من الشاكرين} [يونس: 22] الموحدين الطائعين. # {فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق} [يونس: 23] يعملون فيها ~~بالفساد والمعاصي والجرأة على الله، يأيها الناس يعني: أهل مكة، {إنما ~~بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا} [يونس: 23] أي: بغي بعضكم على بعض، ~~وما تنالونه، إنما تتمتعون به في الحياة الدنيا، فهو متاع في الدنيا، ومن ~~نصب فعلى المصدر، والمعنى: تتمتعون متاع الحياة الدنيا، ويدل انتصاب المصدر ~~على المحذوف، {ثم إلينا مرجعكم} [يونس: 23] في ms0789 الآخرة، {فننبئكم بما كنتم ~~تعملون} [يونس: 23] نخبركم في الآخرة بأعمالكم لأنا أثبتناها عليكم. # {إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ~~مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم ~~قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس ~~كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون {24} والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من ~~يشاء إلى صراط مستقيم {25} } [يونس: 24-25] قوله: {إنما مثل الحياة الدنيا} ~~[يونس: 24] ضرب الله تعالى مثلا للحياة في هذه الدار الفانية، فشبهها بمطر، ~~وهو قوله: {كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض} [يونس: 24] يعني: ~~التف وكثر وتداخل بذلك الماء من كل نوع من المرعى والكلأ والبقول والحبوب ~~والثمار، وهو قوله: {مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها} ~~[يونس: 24] قال ابن عباس: زينتها وحسنها وخصبها. # يعني: حسن ألوان الزهر الذي يروق البصر، قال الزجاج: الزخرف كمال حسن ~~الشيء. # وهو قوله: وازينت أي: تزينت، وظن أهلها أي: أهل تلك الأرض، {أنهم قادرون ~~عليها} [يونس: 24] أي: على نباتها الذي أنبتته، قال ابن عباس: على حصادها ~~وجذاذها وقطعها. # {أتاها أمرنا ليلا أو نهارا} [يونس: 24] قال ابن عباس: عذابنا. # والمعنى: أمرنا بهلاكها، فجعلناها # PageV02P543 # حصيدا محصودا لا شيء فيها، والحصيد: المقطوع المستأصل، {كأن لم تغن ~~بالأمس} [يونس: 24] خلت كأن لم تكن أمس، ولم تقم على الصفة التي كانت فيما ~~قبل، من قولهم: غني القوم بالمكان. # إذا أقاموا به، والمراد: الغلة التي أخرجتها الأرض، وما سبق من الكلام ~~يدل على الغلة، وقال الزجاج: كأن لم تعمر بالأمس. # قال: والمغاني: المنازل التي يعمرها أهلها بالنزول بها. # ونحو هذا قال ابن قتيبة: كأن لم تكن عامرة بالأمس. # وعلى هذا المراد به الأرض وتأويل الآية: أن الحياة في الدنيا سبب لاجتماع ~~المال وزهرة الدنيا مما يروق ويعجب حتى إذا استتم ذلك وكثر عند صاحبه وظن ~~أنه ممتع به، سلب ذلك بموته أو بحادثة تهلكه كما أن الماء سبب لالتفاف ~~النبات، وكثرته حتى تتزين به الأرض ms0790 وتظهر بهجتها، وظن الناس أنهم مستمتعون ~~بذلك أهلكها الله وردها إلى الفناء حتى كأن لم تكن، قوله تعالى: {والله ~~يدعو إلى دار السلام} [يونس: 25] أي: يبعث الرسول، ونصب الأدلة يدعو إلى ~~الجنة، ذكرنا ذلك عند قوله: {لهم دار السلام عند ربهم} [الأنعام: 127] ، ~~وقوله: {ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [يونس: 25] عم بالدعوة وخص ~~بالهداية من شاء، لأن الحكم له في خلقه يفعل ما يشاء. ### | 438 - # أخبرنا أبو القاسم بن عبدان، أنا محمد بن عبد الله بن نعيم القاضي، حدثني ~~طاهر بن يحيى البيهقي، نا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني خالد بن ~~يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، سمعت أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين وتلا هذه ~~الآية {والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [يونس: ~~25] فقال: حدثني جابر بن عبد الله، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يوما، فقال: " إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند ~~رجلي يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا، فقال: اسمع سمعت أذنك واعقل عقل ~~قلبك، وإنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارا، ثم جعل فيه مأدبة ثم بعث ~~رسولا يدعو الناس إلى طعامهم فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من ترك فالله هو ~~الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل ~~الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل منها " # {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب ~~الجنة هم فيها خالدون {26} والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ~~ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك ~~أصحاب النار هم فيها خالدون {27} } [يونس: 26-27] قوله: {للذين أحسنوا ~~الحسنى} [يونس: 26] قال ابن عباس: للذين قالوا لا إله إلا الله الجنة. # وزيادة وهي النظر إلى # PageV02P544 # وجه الله في قول أبي بكر الصديق، وأبي موسى الأشعري، وحذيفة، وابن عباس، ~~وقتادة، والضحاك، والسدي، ونحو ذلك فسرها النبي صلى الله عليه وسلم ms0791 في ~~الحديث الصحيح الذي ### | 439 - # أخبرناه أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن محمد ~~بن جعفر الحافظ، نا أبو يعلى، وعبدان الجواليقي، وأبو بكر بن أبي عاصم، ~~قالوا: حدثنا هدبة، قال أبو يعلى: وحدثنا حوثرة بن أشرس قالا: حدثنا حماد ~~بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب، قال: قرأ ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26] ، ~~قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار ناد مناد: يا أهل الجنة ~~إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون: ما هو؟ ألم تثقل ~~موازيننا؟ وتبيض وجوهنا وتدخلنا الجنة وتنجينا من النار، فيكشف لهم الحجاب ~~فينظرون إلى الله عز وجل فما من شيء أعطوه هو أحب إليهم من النظر إليه وهو ~~الزيادة ". # هذا حديث هدبة، وفي حديث حوثرة، قال: الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى ~~وجه الله # {ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة} [يونس: 26] بعد نظرهم إليه عز وجل. # قال حوثرة في أثر هذا الحديث: كنا نسمع حمادا يحدث بهذه الأحاديث على ~~رءوس الناس فلا ينكرونها حتى جاء قوم يزعمون أن الله عز وجل لا يرى في ~~الدنيا ولا في الآخرة وكذبوا. # رواه مسلم، عن هدبة بن خالد. # وقوله: {ولا يرهق وجوههم} [يونس: 26] أي: لا يغشاها، يقال: رهقه ما يكره. # أي: غشيه ومصدره الرهق، قال ابن عباس: ولا يصيب وجوههم قتر يعني: سواد ~~الوجوه من الكآبة. # قال عطاء: يريد دخان جهنم. # ولا ذلة كما تصيب أهل جهنم. # قوله: {والذين كسبوا السيئات} [يونس: 27] قال ابن عباس: عملوا الشرك. # {جزاء سيئة بمثلها} [يونس: 27] قال الفراء: فلهم جزاء السيئة بمثلها. # والمعنى: أنهم يجزون بمثل ما عملوا، وترهقهم ذلة يصيبهم الذل والخزي ~~والهوان، {ما لهم من الله من عاصم} [يونس: 27] ما لهم من عذاب الله من مانع ~~يمنعهم، كأنما أغشيت ألبست، {وجوههم قطعا من الليل} [يونس: 27] طائفة من ~~الليل وبعضا منه، مظلما قال الفراء، والزجاج: هو نعت لقوله قطعا، والمعنى: ~~وصف ms0792 وجوههم بالسواد حتى كأنها ألبست سوادا من الليل، ومن قرأ: قطعا مفتوحة ~~الطاء فهي جمع قطعة، ومظلما على هذه القراءة حال من الليل، المعنى: أغشيت ~~وجوههم قطعا من الليل في حال ظلمته. # PageV02P545 # {ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا ~~بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون {28} فكفى بالله شهيدا بيننا ~~وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين {29} هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا ~~إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون {30} } [يونس: 28-30] قوله: ~~{ويوم نحشرهم جميعا} [يونس: 28] قال ابن عباس، ومقاتل: ويوم نجمع المشركين ~~وشركاءهم، والكفار وآلهتهم، {ثم نقول للذين أشركوا مكانكم} [يونس: 28] ، ~~قال الزجاج: مكانكم منصوب على الأمر، كأنهم قيل لهم: الزموا أنتم وشركاؤكم ~~مكانكم حتى نفصل بينكم. # ومعنى وشركاؤكم أي: الذين جعلتموهم شركاء في العبادة، فزيلنا فرقنا ~~وميزنا بينهم، قال المفسرون: فرقنا بين المشركين وبين شركائهم من الآلهة ~~والأصنام، وذلك حين تبرأ كل معبود من دون الله ممن عبده. # وهو قوله: {وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون} [يونس: 28] قال ابن عباس: ~~أنكروا عبادتهم. # وذلك أن الله تعالى ينطق الأوثان فتقول: ما كنا نشعر بأنكم إيانا تعبدون. # فكفى بالله الآية، هذا كلام معبوديهم لما تبرأوا منهم قالوا: يشهد الله ~~على علمه فينا، ما كنا عن عبادتهم إلا غافلين، لأنه لم تكن فينا روح وما ~~كنا نسمع ولا نبصر. # هنالك أي: في ذلك الوقت، تبلو تختبر، {كل نفس ما أسلفت} [يونس: 30] قدمت ~~من خير أو شر، وذلك أن من قدم خيرا أو شرا جوزي عليه، فيختبر الخير ويجد ~~ثوابه، ويختبر الشر ويجد عقابه، وقرئ: تتلو بتاءين، ومعناه: تقرأ كتابها، ~~وما كتب من أعمالها التي قدمتها، {وردوا إلى الله} [يونس: 30] إلى حكمه، ~~فينفرد فيهم بالحكم، مولاهم الحق الذي يتولى ويملك أمرهم، وضل أي: وزال ~~وبطل، {عنهم ما كانوا يفترون} [يونس: 30] في الدنيا من التكذيب. # {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي ~~من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر ms0793 فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ~~{31} فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون {32} ~~كذلك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون {33} قل هل من شركائكم ~~من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون {34} قل ~~هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق ~~أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون {35} وما يتبع أكثرهم ~~إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون {36} } ~~[يونس: 31-36] قوله: {قل من يرزقكم من السماء والأرض} [يونس: 31] يريد: من ~~ينزل القطر من السماء ويخرج النبات من الأرض؟ {أمن يملك السمع والأبصار} ~~[يونس: 31] أي: من يملك خلق السمع والأبصار، {ومن يخرج الحي من الميت} ~~[يونس: 31] أي: المؤمن من الكافر، والنبات من الأرض، والإنسان من النطفة، ~~والطير من البيضة، والسنبلة من الحب، والنخلة من النواة، # PageV02P546 # وعلى الضد من ذلك، {ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر} [يونس: 31] أمر ~~الدنيا والآخرة، فسيقولون الله أي: الله الذي يفعل هذه الأشياء، وذلك أنهم ~~علموا أن الرزاق والمدبر هو الله، فإذا أقروا بعد الاحتجاج {فقل أفلا ~~تتقون} [يونس: 31] قال ابن عباس: أفلا تخافون الله فلا تشركوا به شيئا. # {فذلكم الله ربكم الحق} [يونس: 32] قال ابن عباس: يريد هذا الذي كله فعله ~~هو الحق، ليس هؤلاء الذين جعلتم معه شركاء لا يملكون شيئا من هذا. # وقوله: {فماذا بعد الحق إلا الضلال} [يونس: 32] قال مقاتل: يعني: بعد ~~عبادة الله إلا الضلال يعني عبادة الشيطان. # فأنى تصرفون قال ابن عباس: كيف تصرف عقولكم إلى عبادة ما لا يرزق، ولا ~~يحيي ولا يميت. # وقوله: كذلك أي: مثل ذلك الصرف، {حقت كلمت ربك على الذين فسقوا} [يونس: ~~33] يعني: خرجوا في الكفر إلى أفحشه، {أنهم لا يؤمنون} [يونس: 33] وهو ~~قوله: {وأما الذين فسقوا} [السجدة: 20] الآية، وغيرها من آي الوعيد للكفا، ~~{قل هل من شركائكم} [يونس: 34] الذين تعبدونهم مع الله، {من يبدأ ms0794 الخلق ثم ~~يعيده} [يونس: 34] يخلق أولا ثم يعيده ثانيا، {قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده ~~فأنى تؤفكون} [يونس: 34] فكيف تصرفون عن الحق؟ {قل هل من شركائكم} [يونس: ~~35] يعني: آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، {من يهدي إلى الحق} ~~[يونس: 35] يرشد إلى دين الإسلام؟ {قل الله يهدي للحق} [يونس: 35] أي: إلى ~~الحق، {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي} [يونس: 35] أي: إن ~~الله الذي يهدي ويرشد إلى الحق أهل الحق أحق أن يتبع أمره، أم الصنم الذي ~~لا يهدي أحدا، ولا يهتدي إلى الخير، وقرئ يهدي، ويهدي، ويهدي، ويهدي، وكلها ~~يفتعل وإن اختلفت ألفاظها، وأصلها يهتدي، فأدغمت التاء في الدال، فمن فتح ~~الهاء ألقى عليه حركة التاء المدغم، ومن كسر الهاء فلأنها كانت ساكنة ~~واجتمعت مع الحرف المدغم الساكن، فحرك الهاء بالكسر لالتقاء ساكنين، ومن ~~سكن الهاء جمع بين الساكنين، ومن كسر الياء والهاء أتبع الياء ما بعدها من ~~الكسر، قال الزجاج: وهو رديء لثقل الكسر في الياء. # فأما معنى: لا يهتدي إلا أن يهدي، فالأصنام وإن هديت لا تهتدي لأنهم موات ~~من حجارة، ولكن الكلام يدل على أنها إن هديت اهتدت لأنهم لما اتخذوها آلهة ~~عبر عنها كما يعبر عمن يعلم ويعقل، ووصفت صفة من يعقل، وإن لم تكن في ~~الحقيقة كذلك، قوله: فما لكم قال الزجاج: ما لكم كلام تام، كأنهم قيل لهم: ~~أي: شيء لكم في عبادة الأصنام. # ثم قيل لهم: {كيف تحكمون} [يونس: 35] قال مقاتل: كيف تقضون حين زعمتم أن ~~مع الله شريكا؟ {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا} [يونس: 36] ما يستيقنون أنها ~~آلهة، بل يظنون شيئا، فيتبعون ظنا لأنهم لم يأتهم بذلك كتاب ولا رسول، {إن ~~الظن لا يغني من الحق شيئا} [يونس: 36] لا يدفع من عذاب الله شيئا، أي: ~~ظنهم أن الأصنام آلهة، وأنها تشفع لهم لا يغني عنهم شيئا، قال عطاء: يريد: ~~ليس الظن كاليقين، يعني: يقوم مقام العلم. # {وما كان هذا القرءان أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي ms0795 بين يديه ~~وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين {37} أم يقولون افتراه قل فأتوا ~~بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم # PageV02P547 # صادقين {38} بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب ~~الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين {39} ومنهم من يؤمن به ومنهم ~~من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين {40} وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم ~~أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون {41} ومنهم من يستمعون إليك ~~أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون {42} ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي ~~العمي ولو كانوا لا يبصرون {43} إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس ~~أنفسهم يظلمون {44} ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون ~~بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين {45} } [يونس: ~~37-45] قوله تعالى: {وما كان هذا القرءان أن يفترى من دون الله} [يونس: 37] ~~هذا جواب لقولهم: {ائت بقرءان غير هذا} [يونس: 15] وأن مع يفترى بمنزلة ~~المصدر يعني: وما كان هذا القرآن افتراء من دون الله، {ولكن تصديق الذي بين ~~يديه} [يونس: 37] ولكن كان تصديق ما قبله من الكتب، وأخبار الأمم والأنبياء ~~الماضين، وهذا احتجاج عليهم بأن القرآن من عند الله بتصديقه الذي بين يديه، ~~وقوله: وتفصيل الكتاب وتبيين ما في الكتاب من الحلال والحرام والفرائض ~~والأحكام، ثم احتج عليهم بأن يأتوا بمثله إن كان مفترى، فقال: أم يقولون ~~بل: أيقولون يعني المشركين: {افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم ~~من دون الله} [يونس: 38] ادعوا إلى معاونتكم من المعارضة كل من تقدرون ~~عليه، {إن كنتم صادقين} [يونس: 38] في أنه افتراء، وهذا كقوله في { ~~[البقرة:] وإن كنتم في ريب} [سورة البقرة: 23] . # قوله تعالى: {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه} [يونس: 39] أي: بما في ~~القرآن من الجنة والنار والبعث والقيامة والثواب والعقاب، {ولما يأتهم ~~تأويله} [يونس: 39] لم يأتهم بعد حقيقة ما وعدوا في الكتاب مما يئول إليه ~~أمرهم من العقوبة، {كذلك كذب الذين من قبلهم} [يونس: 39] أي: بالبعث ms0796 ~~والقيامة، {فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} [يونس: 39] يعني: كان عاقبتهم ~~العذاب والهلاك بتكذيبهم. # قوله: {ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به} [يونس: 40] وهذا إخبار عما ~~سبق في علم الله تعالى، قال الكلبي: نزلت في أهل مكة. # {وربك أعلم بالمفسدين} [يونس: 40] قال عطاء: يريد المكذبين وهذا تهديد ~~لهم. # {وإن كذبوك فقل لي عملي} [يونس: 41] الآية: قال مقاتل، والكلبي: هذه ~~الآية منسوخة بآية الجهاد. # قوله: {ومنهم من يستمعون إليك} [يونس: 42] قال ابن عباس: نزلت في ~~المستهزئين كانوا يستمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم للاستهزاء ~~والتكذيب، فلم ينتفعوا باستماعهم. # قال الله تعالى: {أفأنت تسمع الصم} [يونس: 42] قال الزجاج: أي: ظاهرهم ~~ظاهر من يستمع، وهم لشدة عداوتهم بمنزلة الصم. # {ولو كانوا لا يعقلون} [يونس: 42] يريد: أنهم أشد من الصم لأن الصم لهم ~~عقول وقلوب، وهؤلاء قد أصم الله قلوبهم. # أخبر الله تعالى أن هؤلاء بمنزلة الصم الجهال، إذ لم ينتفعوا بما سمعوا. # قوله: {ومنهم من ينظر إليك} [يونس: 43] قال ابن عباس: يريد: متعجبين منك، ~~{أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون} [يونس: 43] يريد: أن الله تعالى قد ~~أعمى قلوبهم، فلا يبصرون شيئا من الهدى، كما قال: {فإنها لا تعمى الأبصار} ~~[الحج: 46] الآية، قال الزجاج: ومنهم من يقبل عليك بالنظر وهو # PageV02P548 # كالأعمى من بغضه لك، وكراهية ما يراه من آياتك. # قوله: {إن الله لا يظلم الناس شيئا} [يونس: 44] لما ذكر الله تعالى في ~~الآيتين السابقتين فريقين ووصفهما بالشقوة، ينظرون، ولا يسمعون ولا يعقلون ~~ولا يؤمنون، وذلك للقضاء السابق عليهم، أخبر في هذه الآية أن تقدير الشقوة ~~عليهم ما كان ظلما منه لأنه يتصرف في ملكة كيف يشاء وهم إذا كسبوا المعاصي ~~فقد ظلموا أنفسهم، وهو قوله: {ولكن الناس أنفسهم يظلمون} [يونس: 44] وذلك ~~أن الفعل منسوب إليهم، وإن كان القضاء من الله سبحانه، {ويوم يحشرهم كأن لم ~~يلبثوا إلا ساعة من النهار} [يونس: 45] قال ابن عباس: كأن لم يلبثوا في ~~قبورهم إلا قدر ساعة من النهار. # وقال الضحاك: قصر عندهم مقدار الوقت الذي ms0797 بين موتهم وبعثهم فصار كالساعة ~~من النهار، لهول ما استقبلوا من أمر البعث والقيامة. # يتعارفون بينهم بتوبيخ بعضهم بعضا، يقول كل فريق للآخر: أنت أضللتني يوم ~~كذا، وأنت كسبتني دخل النار بما علمتني وزينته لي. # {قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله} [يونس: 45] خسر ثواب الجنة الذين كذبوا ~~بالبعث. # {وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ~~ما يفعلون {46} ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا ~~يظلمون {47} ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين {48} قل لا أملك لنفسي ~~ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ~~ولا يستقدمون {49} قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل ~~منه المجرمون {50} أثم إذا ما وقع آمنتم به الآن وقد كنتم به تستعجلون {51} ~~ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون {52} } ~~قوله: {وإما نرينك بعض الذي نعدهم} [يونس: 46] قال المفسرون: كانت وقعة بدر ~~ما أراه الله حال حياته مما وعد المشركين من العذاب. # أو نتوفينك قبل أن نريك، فإلينا مرجعهم بعد الموت فنجزيهم بأعمالهم، قال ~~الزجاج: أعلم الله أنه إن لم ينتقم منهم في العاجل ينتقم منهم في الآجل. # وقوله: {ثم الله شهيد على ما يفعلون} [يونس: 46] أي: من محاربتك وتكذيبك. # قوله: {ولكل أمة رسول} [يونس: 47] قال ابن الأنباري: رسول يرسله الله ~~إليهم سفيرا بينه وبينهم مبشرا ومنذرا. # فإذا جاءهم الرسول في الدنيا، {قضي بينهم بالقسط} [يونس: 47] حكم عليهم ~~عند اتباع المؤمنين وعناد الكافرين بالمعصية والطاعة، والضلالة والهدى، ~~{وهم لا يظلمون} [يونس: 47] قال عطاء: لا ينقص الذين صدقوا من ثوابهم، ولا ~~يزاد الذين كذبوا من مساوئ أعمالهم. # ولما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {وإما نرينك بعض الذي ~~نعدهم} [يونس: 46] قالوا: متى هذا العذاب الذي تعدنا؟ وهو قوله: {ويقولون ~~متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [يونس: 48] أنت واتباعك؟ {قل لا أملك لنفسي} ~~[يونس: 49] هذه الآية إلى آخرها مفسرة في آيتين ms0798 من { [الأعراف. # قوله:] قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا} [سورة يونس: 50] قال ~~الزجاج: البيات كل ما كان بليل. # يقول: أعلمتم # PageV02P549 # أيها المستعجلون للعذاب إن أتاكم العذاب ليلا أو نهارا، {ماذا يستعجل منه ~~المجرمون} [يونس: 50] أي: ماذا يستعجلون منه؟ وهو استفهام معناه: التفظيع ~~والتهويل، كما يقول لمن هو في أمر يستوخم عاقبته: ماذا تجني على نفسك؟ وهو ~~جواب لقولهم: {متى هذا الوعد} [يونس: 48] ؟ وقوله: {أثم إذا ما وقع آمنتم ~~به} [يونس: 51] كان المشركون يقولون: نكذب العذاب ونستعجله، ثم إذا ما وقع ~~آمنا به، فقال الله تعالى موبخا لهم: {أثم إذا ما وقع} [يونس: 51] العذاب ~~وحل بكم آمنتم به؟ فلا يقبل منكم الإيمان، ويقال لكم: الآن تؤمنون، {وقد ~~كنتم به تستعجلون} [يونس: 51] مستهزئين معاندين للحق، وهو قوله: {ثم قيل ~~للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد} [يونس: 52] الآية: وذلك: أن العذاب إذا لحق ~~الكافرين أفضوا منه إلى عذاب الآخرة. # {ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين {53} ولو أن لكل ~~نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم ~~بالقسط وهم لا يظلمون {54} ألا إن لله ما في السموات والأرض ألا إن وعد ~~الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون {55} هو يحيي ويميت وإليه ترجعون {56} } ~~[يونس: 53-56] قوله عز وجل: {ويستنبئونك أحق هو} [يونس: 53] أي: البعث ~~والعذاب، أي: يستخبرونك عن ذلك، {قل إي وربي} [يونس: 53] قال الزجاج: نعم ~~وربي، إنه لحق إن العذاب نازل بكم، {وما أنتم بمعجزين} [يونس: 53] بعد ~~الموت، قال ابن عباس: يريد أن الله لا يعجزه شيء ولا يفوته. # {ولو أن لكل نفس ظلمت} [يونس: 54] أشركت، {ما في الأرض لافتدت به} [يونس: ~~54] لبذلته لدفع العذاب عنها، {وأسروا الندامة لما رأوا العذاب} [يونس: 54] ~~أي: أخفى الرؤساء في الكفر الندامة من الذين أضلوهم، وستروها عنهم. # هذا قول عامة المفسرين وأهل التأويل، وقال أبو عبيدة: الإسرار من ~~الأضداد، يقال: أسررت الشيء. # أخفيته، وأسررته. # أعلنته، قال: ومن الإعلان قوله: {وأسروا الندامة لما رأوا العذاب} [يونس: ~~54] أي: أظهروها ms0799. # واختار المفضل هذا القول، وقال: ليس ذلك اليوم يوم تصبر ولا تصنع. # {وقضي بينهم بالقسط} [يونس: 54] أي: بين الرؤساء، {وهم لا يظلمون} [يونس: ~~54] لأنهم يجازون بشركهم. # قوله: {ألا إن لله ما في السموات والأرض ألا إن وعد الله حق} [يونس: 55] ~~قال ابن عباس: يريد: ما وعد لأوليائه من الثواب ولأعدائه من العقاب. # {ولكن أكثرهم لا يعلمون} [يونس: 55] يريد المشركين. # {يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة ~~للمؤمنين {57} قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون {58} ~~} [يونس: 57-58] يأيها الناس قال ابن عباس: يعني قريشا. # {قد جاءتكم موعظة من ربكم} [يونس: 57] يعني القرآن، وما فيه من المواعظ ~~التي تدعو إلى الصلاح، {وشفاء لما في الصدور} [يونس: 57] أي: دواء لداء ~~الجهل، والقرآن مزيل للجهل وكاشف لعمى القلب، وهدى وبيان للضلالة، {ورحمة ~~للمؤمنين} [يونس: 57] ونعمة من الله تعالى لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. # قوله تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته # PageV02P550 # فبذلك فليفرحوا} [يونس: 58] قال ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وقتادة: فضل ~~الله الإسلام، ورحمته القرآن. # وهذا قول عامة المفسرين. ### | 440 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، أنا أبو يحيى عبد الرحمن ~~بن محمد الرازي، نا سهل بن عثمان، نا أبو معاوية، عن الحجاج، عن عطية، عن ~~أبي سعيد الخدري، في قوله: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} [يونس: ~~58] قال: فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلهم من أهله # وهو خير مما يجمع الكفار من الدنيا، ثم أمره أن يخاطب كفار مكة بقوله: ~~{قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قلءالله أذن ~~لكم أم على الله تفترون {59} وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم ~~القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون {60} وما تكون في ~~شأن وما تتلو منه من قرءان ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ ~~تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر ~~من ذلك ولا ms0800 أكبر إلا في كتاب مبين {61} ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ~~ولا هم يحزنون {62} الذين آمنوا وكانوا يتقون {63} لهم البشرى في الحياة ~~الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم {64} ولا ~~يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم {65} ألا إن لله من في ~~السموات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون ~~إلا الظن وإن هم إلا يخرصون {66} هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ~~والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون {67} } [يونس: 59-67] {قل ~~أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق} [يونس: 59] يعني: ما خلق وأنشأ، {فجعلتم ~~منه حراما وحلالا} [يونس: 59] يعني: ما حرموا من الحرث والأنعام لآلهتهم، ~~{قلءالله أذن لكم} [يونس: 59] في هذا التحريم والتحليل، {أم على الله ~~تفترون} [يونس: 59] بل تقولون على الله الكذب وذلك أنهم كانوا يقولون: الله ~~أمرنا بها. # قوله: {وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة} [يونس: 60] قال ~~مقاتل: وما ظن الذين يتقولون على الله الكذب، بأن الله أمرهم بتحريم ما ~~حرموا يوم القيامة إذا لقوه. # {إن الله لذو فضل على الناس} [يونس: 60] حين لم يعجل بعقوبة افترائهم، ~~{ولكن أكثرهم لا يشكرون} [يونس: 60] تأخير العذاب عنهم. # قوله: {وما تكون في شأن} [يونس: 61] قال الحسن: # PageV02P551 # في شأن من شأن الدنيا وحوائجك فيها. # {وما تتلو منه} [يونس: 61] أي: من الله تعالى، أي: نازل منه من قرآن ~~والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأمته داخلون في هذا الخطاب لأن خطاب ~~الرئيس خطاب له ولأتباعه يدل على هذا قوله: {ولا تعملون من عمل} [يونس: 61] ~~قال ابن الأنباري: جمع في هذا ليدل على أنهم داخلون في الفعلين الأولين. # {إلا كنا عليكم شهودا} [يونس: 61] قال الفراء: يقول: الله شاهد على كل ~~شيء. # والمعنى: إلا نعلمه فنجازيكم به، {إذ تفيضون فيه} [يونس: 61] الإفاضة: ~~الدخول في العمل، قال ابن الأنباري: إذ تندفعون فيه. # وقال ابن عباس: إذ تأخذون فيه. # {وما يعزب عن ربك} [يونس: 61] والعزوب: البعد والذهاب، يقال: عزب ms0801 عنه ~~الشيء. # إذا غاب وذهب، {من مثقال ذرة} [يونس: 61] أي: وزن ذرة، ومثقال الشيء ما ~~وازنه، والذر صغار النمل، الواحدة ذرة، {في الأرض ولا في السماء ولا أصغر ~~من ذلك ولا أكبر} [يونس: 61] قال الفراء: من نصبها فإنما يريد الخفض، ~~يتبعها المثقال والذرة، ومن رفعها أتبعها معنى المثقال لأنك لو ألقيت من ~~المثقال من كان رفعا، وهو كقولك: ما أتاني أحد عاقل، وكذلك قوله: {ما لكم ~~من إله غيره} [الأعراف: 59] ، وغيره، {إلا في كتاب مبين} [يونس: 61] قال ~~ابن عباس: يريد: اللوح المحفوظ. # قوله: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [يونس: 62] : ### | 441 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، ~~أنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، نا عبد الله بن عمر، نا أبو عبد الرحمن، ~~نا يحيى بن اليمان، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن المغيرة، عن سعيد بن ~~جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {ألا إن أولياء ~~الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [يونس: 62] قال: «هم الذين يذكر الله ~~لرؤيتهم» ### | 442 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا محمد بن جعفر بن هيثم ~~الأنباري، نا جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ، نا أبو غسان، وعاصم، قالا: ~~حدثنا قيس، نا عمارة بن القعقاع، عن ابن زرعة بن عمرو، عن عمر بن الخطاب، ~~قال: # PageV02P552 # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من عباد الله لأناسا ما هم ~~بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله ~~تعالى» ، فقالوا: يا رسول الله من هم؟ وما أعمالهم؟ لعلنا نحبهم، قال: " ~~قوم تحابوا بروح الله بغير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها بينهم، والله ~~إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا ~~يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم ~~يحزنون} [يونس: 62] # قوله: {الذين آمنوا وكانوا يتقون} [يونس: 63] قال ابن عباس ms0802: يريد: الذين ~~صدقوا النبي صلى الله عليه وسلم وخافوا مقامهم بين يدي الله تعالى. # قوله: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [يونس: 64] : ### | 443 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أنا أبو عمرو بن جعفر بن ~~مطر، نا إبراهيم بن علي، نا يحيى بن يحيى، أنا عبد الله بن يحيى ابن أبي ~~كثير، قال: سمعت أبي يقول: نا أبو سلمة، عن عبادة بن الصامت، أنه سأل رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أرأيت قول الله تعالى {الذين آمنوا وكانوا ~~يتقون {63} لهم البشرى في الحياة الدنيا} [يونس: 63-64] ما هذه الدنيا؟ ~~قال: «لقد سألتني عن شيء ما سألني أحد من أمتي قبلك هي الرؤيا الصالحة ~~يراها الرجل أو ترى له» ### | 444 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، نا محمد بن يعقوب بن يوسف، نا بحر ~~بن نصر، نا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن دراجا أبا السمح حدثه، عن ~~عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أنه قال: " لهم البشرى في الحياة الدنيا: الرؤيا الصالحة يبشر ~~بها المؤمن، جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، فمن رأى ذلك فليخبر بها، ~~ومن رأى سوى ذلك فإنما هي من الشيطان ليحزنه فلينفث عن يساره ثلاثا وليسكت، ~~ولا يخبر بها أحدا " # وقال عطاء، عن ابن عباس: {لهم البشرى في الحياة الدنيا} [يونس: 64] يريد: ~~عند الموت تأتيهم ملائكة الرحمة بالبشرى من الله، وفي الآخرة عند خروج نفس ~~المؤمن يبشر برضوان الله. # وهذا قول قتادة، والضحاك، والزهري، قالوا: البشارة عند الموت. # وقال الحسن: ما بشر الله عز وجل في كتابه من جنته وكريم ثوابه في قوله: ~~{وبشر الذين # PageV02P553 # آمنوا} [يونس: 2] ، وبشر المؤمنين، وأبشروا بالجنة. # وهذا اختيار الفراء، والزجاج قالا: ويدل على صحة هذا قوله: {لا تبديل ~~لكلمات الله} [يونس: 64] . # قال ابن عباس: لا خلف لمواعيده، وذلك أن مواعيده بكلماته، فإذا لم تبدل ~~كلماته لم تبدل مواعيده. # قوله تعالى: {ولا يحزنك قولهم} [يونس: 65] ولا ms0803 يحزنك إنكارهم وتكذيبهم ~~وتظاهرهم عليك في العداوة، وتم الكلام ثم ابتدأ فقال: {إن العزة لله جميعا} ~~[يونس: 65] أي: الغلبة له، وهو ناصرك وناصر دينك، والمعنى: أنه الذي يعزك ~~حتى تصير أعز ممن ناوأك، {هو السميع العليم} [يونس: 65] يسمع قولهم، ويعلم ~~ضميرهم فيجازيهم بما يقتضيه حالهم، {ألا إن لله من في السموات ومن في ~~الأرض} [يونس: 66] أي: إنه يفعل بهم وفيهم ما يشاء، {وما يتبع الذين يدعون ~~من دون الله شركاء} [يونس: 66] أي: ما يتبعون شركاء على الحقيقة لأنهم ~~يعدونها شركاء لله، شفعاء لهم، وليست على ما يظنون، {إن يتبعون إلا الظن} ~~[يونس: 66] يعني: ظنهم أنها تشفع لهم يوم القيامة، {وإن هم إلا يخرصون} ~~[يونس: 66] ما هم إلا كاذبون فيما يزعمون. # قوله: {هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه} [يونس: 67] أي: ليزول التعب ~~والكلال بالسكون فيه، وجعل النهار مبصرا، مضيئا لتهتدوا به في حوائجكم، {إن ~~في ذلك} [يونس: 67] الذي فعل، {لآيات لقوم يسمعون} [يونس: 67] سماع اعتبار ~~أنه مما لا يقدر عليه إلا عالم قادر. # {قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السموات وما في الأرض إن ~~عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون {68} قل إن الذين ~~يفترون على الله الكذب لا يفلحون {69} متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم ~~نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون {70} } [يونس: 68-70] {قالوا اتخذ ~~الله ولدا} [يونس: 68] يعني: زعم المشركون أن الملائكة بنات الله، سبحانه ~~تنزيها له عما قالوا، هو الغني أن تكون له زوجة وولد، {له ما في السموات ~~وما في الأرض} [يونس: 68] عبيدا أو ملكا، {إن عندكم من سلطان بهذا} [يونس: ~~68] ما عندكم من حجة بما تقولون، ثم أنكر عليهم ذلك، فقال: {أتقولون على ~~الله ما لا تعلمون {68} قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} ~~[يونس: 68-69] لا يسعدون في العاقبة وإن اغتروا بطول السلامة، {متاع في ~~الدنيا} [يونس: 70] أي: لهم متاع في الدنيا يتمتعون به أياما يسيرة، {ثم ~~إلينا مرجعهم} [يونس: 70] في الآخرة، {ثم نذيقهم العذاب الشديد ms0804} [يونس: 70] ~~الغليظ الذي لا ينقطع، {بما كانوا يكفرون} [يونس: 70] . # {واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري ~~بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم ~~غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون {71} فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري ~~إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين {72} فكذبوه فنجيناه ومن معه في ~~الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة ~~المنذرين {73} # PageV02P554 # ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما ~~كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين {74} ثم بعثنا من بعدهم موسى ~~وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين {75} فلما ~~جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين {76} قال موسى أتقولون للحق ~~لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون {77} } [يونس: 71-77] قوله: {واتل ~~عليهم نبأ نوح} [يونس: 71] أي: اقرأ واقصص على قومك خبر نوح وقصته مع قومه، ~~وذلك لما فيه من الدليل للنبي صلى الله عليه وسلم على نبوته، ولقومه من ~~الاعتبار بقوم نوح وما حل بهم من العقوبة والتكذيب، وقوله: {إذ قال لقومه} ~~[يونس: 71] يعني: نوح، {يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي} [يونس: 71] عظم ~~وثقل وشق عليكم إقامتي بين أظهركم ولبثي فيكم {وتذكيري بآيات الله} [يونس: ~~71] قال ابن عباس: وعظي وتخويفي إياكم عقوبة الله، {فعلى الله توكلت} ~~[يونس: 71] في نصرتي ودفع شركم عني فأجمعوا أمركم: معنى الإجماع: العزم على ~~أمر محكم لا يخالف، وقوله: وشركاءكم قال الفراء: وادعوا شركاءكم دعاء ~~استغاثة بهم. # وكذلك في قراءة عبد الله، وقال الزجاج: الواو بمعنى مع، والمعنى: فأجمعوا ~~أمركم مع شركائكم. # {ثم لا يكن أمركم عليكم غمة} [يونس: 71] أي: مبهما، ليكن أمركم ظاهرا ~~منكشفا لا تسترون معاداتي، {ثم اقضوا إلي} [يونس: 71] ثم امضوا إلي ~~بمكروهكم، وما توعدونني به، ومعنى قضاء الشيء: إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه، ~~وهذا إخبار عن نوح أنه كان ينصر الله واثقا من كيد قومه غير خائف ms0805، فإن ~~توليتم أعرضتم عن الإيمان، {فما سألتكم من أجر} [يونس: 72] أي: لم يكن ~~دعائي إياكم طمعا في مالكم، إن أجري ما ثوابي {إلا على الله} [يونس: 72] . # قوله: وجعلناهم خلائف جعل الله الذين نجوا مع نوح من الغرق خلفا ممن هلك، ~~كما قال: {وجعلنا ذريته هم الباقين} [الصافات: 77] وذلك أن الناس كانوا من ~~ذريته بعد الغرق، وهلك أهل الأرض جميعا بتكذيبهم لنوح عليه السلام سوى ~~ذريته الذين نجوا معه، وذلك قوله: {وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا} [يونس: ~~73] الآية، قوله: {ثم بعثنا من بعده} [يونس: 74] أي: من بعد نوح {رسلا إلى ~~قومهم} [يونس: 74] قال ابن عباس: يريد: إبراهيم، وهودا، وصالحا، ولوطا، ~~وشعيبا، فجاءوهم بالبينات بأنهم رسل الله فما كانوا: أولئك الأقوام الذين ~~بعث إليهم الرسل {ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل} [يونس: 74] يعني: قوم نوح، ~~أي: لم يصدقوا بما كذب به قوم نوح، وكانوا مثلهم في الكفر والعتو {كذلك ~~نطبع على قلوب المعتدين} [يونس: 74] قال ابن عباس: يريد: أن الله طبع على ~~قلوبهم فأعماها، فلا يبصرون سبيل الهدى، وما بعد هذا ظاهر التفسير إلى قوله ~~{قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض ~~وما نحن لكما بمؤمنين} [يونس: 78] {قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه ~~آباءنا} [يونس: 78] اللفت: الصرف عن الشيء، يقال: لفته عن رأيه. # أي: لواه وصرفه عنه، والمعنى: لتصرفنا عن دين آبائنا، {وتكون لكما ~~الكبرياء في الأرض} [يونس: 78] قال المفسرون: أي: الملك والعز في أرض مصر، ~~والخطاب لموسى، وهارون، أي: إنما تطلبان التملك علينا، {وما نحن لكما ~~بمؤمنين} [يونس: 78] ثم طلب فرعون السحرة ليعارضوا بسحرهم موسى، وهو قوله: ~~{ # PageV02P555 # وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم {79} فلما جاء السحرة قال لهم موسى ~~ألقوا ما أنتم ملقون {80} فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله ~~سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين {81} ويحق الله الحق بكلماته ولو كره ~~المجرمون {82} } [يونس: 79-82] {وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم {79} فلما ~~جاء السحرة} [يونس: 79-80] إلى قوله: {قال موسى ما جئتم به السحر} [يونس ms0806: ~~81] أي: الذي جئتم به من الحبال والعصي سحر {إن الله سيبطله} [يونس: 81] ~~فيهلكه وتظهر فضيحتكم، {إن الله لا يصلح عمل المفسدين} [يونس: 81] لا يجعل ~~عملهم ينفعهم، ويحق الله الحق ويظهره ويمكنه بكلماته بما سبق من وعده بذلك. # {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن ~~فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين {83} وقال موسى يا قوم إن كنتم ~~آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين {84} فقالوا على الله توكلنا ربنا ~~لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين {85} ونجنا برحمتك من القوم الكافرين {86} ~~وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة ~~وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين {87} } [يونس: 83-87] قوله: {فما آمن لموسى} ~~[يونس: 83] أي: ما صدقه {إلا ذرية من قومه} [يونس: 83] يعني: ذرية يعقوب ~~وهم بنو إسرائيل الذين كانوا بمصر {وإن فرعون لعال في الأرض} [يونس: 83] ~~قال ابن عباس: متطاول في أرض مصر، {وإنه لمن المسرفين} [يونس: 83] حين كان ~~عبدا فادعى الربوبية، ثم أمر موسى: من آمن من قومه بالتوكل على الله في دفع ~~شر فرعون، وهو قوله: {وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله} [يونس: 84] ~~الآية، {فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين} ~~[يونس: 85] أي: لا تظهرهم علينا فيروا أنهم خير منا فيزدادوا طغيانا، قال ~~مجاهد: لا تهلكنا بعذاب على أيدي قوم فرعون ولا بعذاب من عندك، فيقول قوم ~~فرعون: لو كانوا على حق ما عذبوا ولا تسلطنا عليهم فيفتنوا. # {ونجنا برحمتك من القوم الكافرين} [يونس: 86] وذلك أنهم كانوا يستعبدونهم ~~ويأمرونهم بالأعمال الشاقة فسأل الله النجاة منهم. # قوله: {وأوحينا إلى موسى وأخيه} [يونس: 87] الآية، قال المفسرون: لما ~~أرسل موسى أمر فرعون بمساجد بني إسرائيل فخربت كلها، ومنعوا من الصلاة، ~~فأمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلوا فيها خوفا من فرعون. # وذلك قوله: {واجعلوا بيوتكم قبلة} [يونس: 87] قال الزجاج: صلوا في بيوتكم ~~لتأمنوا من الخوف. # وقال عكرمة، عن ابن عباس: واجعلوا بيوتكم مساجد. # PageV02P556 # {وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه ms0807 زينة وأموالا في الحياة الدنيا ~~ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا ~~حتى يروا العذاب الأليم {88} قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان ~~سبيل الذين لا يعلمون {89} } [يونس: 88-89] قوله: {وقال موسى ربنا إنك آتيت ~~فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا} [يونس: 88] قال ابن عباس: كان ~~لهم من لدن فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن ذهب وفضة وزبرجد ~~وياقوت. # {ربنا ليضلوا عن سبيلك} [يونس: 88] أي: إنك جعلت هذه الأموال سببا ~~لضلالهم لأنهم بطروا بها فاستكبروا عن الإيمان، وطغوا في الأرض، {ربنا اطمس ~~على أموالهم} [يونس: 88] قال الزجاج: تأويل طمس الشيء إذهابه عن صورته، ~~والانتفاع به على الحالة الأولى التي كانت عليها. # قال المفسرون: صارت أموالهم حجارة، الدراهم والدنانير صارت حجارة منقوشة ~~صحاحا وأثلاثا وأنصافا. # قال القرظي: جعل سكرهم حجارة. # وقال قتادة: بلغنا أن حروثا لهم صارت حجارة. # وقال عطاء: لم يبق لهم معدن إلا طمس الله عليه فلم ينتفع به أحد بعد. # وقوله: {واشدد على قلوبهم} [يونس: 88] قال ابن عباس: امنعهم عن الإيمان ~~بك، والمعنى: اطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان، وهذا دليل على أن ~~الله يفعل ذلك بمن يشاء، ولولا ذلك ما حسن من موسى هذا السؤال، وقوله: فلا ~~يؤمنوا قال الفراء، والزجاج: فلا يؤمنوا دعاء عليهم أيضا. # والتأويل: فلا آمنوا {حتى يروا العذاب الأليم} [يونس: 88] يعني: الغرق. # {قال قد أجيبت دعوتكما} [يونس: 89] قال المفسرون: كان موسى يدعو وهارون ~~يؤمن ولذلك قال دعوتكما. # فاستقيما على الرسالة والدعوة إلى أن يأتيهم العذاب، {ولا تتبعان سبيل ~~الذين لا يعلمون} [يونس: 89] لا تسلكان طريق الذين يجهلون حقيقة وعدي، ~~فتستعجلان قضائي، وخفف ابن عامر نون تتبعان للتضعيف. # {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا ~~أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من ~~المسلمين {90} ءالآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين {91} فاليوم ننجيك ~~ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن ms0808 آياتنا لغافلون {92} } ~~[يونس: 90-92] قوله: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر} [يونس: 90] أي: عبرنا ~~بهم {فأتبعهم فرعون وجنوده} [يونس: 90] أي: لحقوه، كما قال # PageV02P557 # فأتبعه الشيطان، بغيا وعدوا ظلما وعدوانا {حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت ~~أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} [يونس: 90] قال ابن عباس: لم ~~يقبل الله إيمانه عند نزول العذاب فلم ينفعه ذلك وقيل له {ءالآن وقد عصيت ~~قبل} [يونس: 91] أي: الآن تتوب وقد أضعت التوبة في وقتها؟ قال المفسرون: ~~خاطبه جبريل بهذا. ### | 445 - # أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الزاهد، أنا أبو علي بن أحمد الفقيه، أنا ~~عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، نا هدبة بن خالد، نا حماد بن سلمة، عن علي ~~بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ~~" قال جبريل عليه السلام: يا محمد لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر أحشو في ~~فيه يعني فرعون مخافة أن تدركه الرحمة " # وقال الضحاك بن قيس: اذكروا الله في الرخاء يذكركم عند الشدة، وإن يونس ~~كان عبدا صالحا، وإنه كان يذكر الله، فلما وقع في بطن الحوت سأل الله ~~تعالى، فقال الله: {فلولا أنه كان من المسبحين {143} للبث في بطنه إلى يوم ~~يبعثون {144} } [الصافات: 143-144] ، وإن فرعون كان عبدا طاغيا، ناسيا لذكر ~~الله فلما {أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} ~~[يونس: 90] ، فقال الله تعالى {ءالآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} ~~[يونس: 91] . # وقال السدي: بلغنا أن جبريل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبغضت ~~عبدا من عباد الله، ما أبغضت عبدين أحدهما من الجن والآخر من الإنس، أما ~~الذي من الجن فإبليس حين أبى أن يسجد لآدم، وأما الذي من الإنس ففرعون حين ~~قال: «أنا ربكم العلى» . # ولو رأيتني يا محمد وأنا آخذ من البحر فأدسه في فيه مخافة أن يقول كلمة ~~ينجو بها. # وقوله: {فاليوم ننجيك ببدنك} [يونس: 92] قال ابن عباس والمفسرون: لما ~~أغرق الله فرعون وقومه أنكر بعض ms0809 بني إسرائيل غرق فرعون، وقال: هو أعظم شيئا ~~من أن يغرق، فأخرجه الله حتى رأوه، فذلك قوله: {فاليوم ننجيك ببدنك} [يونس: ~~92] أن نلقيك على نجوة من الأرض، وهي المكان المرتفع ومعنى ببدنك بجسدك ~~بغير روح، وذلك أنه طفى عريانا، وذهب قوم إلى أن معنى البدن هنا الدرع، قال ~~ابن عباس: كانت عليه درع من ذهب يعرف بها وهو البدن. # والمعنى: أنا نرفع فرعون فوق الماء بدرعه المشهور ليعرفوه بها، وذلك ~~قوله: {لتكون لمن خلفك آية} [يونس: 92] قال # PageV02P558 # الكلبي: لتكون نكالا لمن خلفك، فلا يقولوا مثل مقالتك. # وقال الزجاج: معنى الآية: أنه كان يدعي أنه رب، وكان يعبده قومه فبين ~~الله تعالى أمره وأنه عبد. # وفيه من الآية أنه غرق مع قومه وأخرج هو من بينهم فكان ذلك آية. # {ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى ~~جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} [يونس: ~~93] قوله: {ولقد بوأنا بني إسرائيل} [يونس: 93] قال ابن عباس: يريد: قريظة، ~~والنضير. # يريد أنزلناهم مبوأ صدق ما بين المدينة والشام في أرض يثرب {ورزقناهم من ~~الطيبات} [يونس: 93] من النخل وما فيها من الرطب والتمر فما اختلفوا في ~~تصديق النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي {حتى جاءهم العلم} [يونس: 93] قال ~~ابن عباس: يريد: القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. # وقال الفراء: العلم: محمد صلى الله عليه وسلم لأنه كان معلوما بنعته، ~~وذلك أنه لما جاءهم اختلفوا فيه وفي تصديقه، فكفر به أكثرهم. # {إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} [يونس: 93] من ~~أمرك يعني: أنه يدخل المصدقين به الجنة، والمكذبين به النار. # {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد ~~جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين {94} ولا تكونن من الذين كذبوا ~~بآيات الله فتكون من الخاسرين {95} } [يونس: 94-95] قوله تعالى: {فإن كنت ~~في شك مما أنزلنا إليك} [يونس: 94] قال أكثر أهل العلم: هذا الخطاب لرسول ms0810 ~~الله صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره من الشكاك، والقرآن نزل بلغة ~~العرب، وهم قد يخاطبون الرجل بالشي يريدون غيره مثل هذا قوله: {يأيها النبي ~~اتق الله ولا تطع الكافرين} [الأحزاب: 1] الآية، الخطاب للنبي صلى الله ~~عليه وسلم والمراد به غيره، يدل على ذلك قوله: {إن الله كان بما تعملون ~~خبيرا} [النساء: 94] ولم يقل: بما تعمل. # وقال الزجاج: إن الله يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك الخطاب شامل ~~للخلق، والمعنى: فإن كنتم في شك فاسألوا، والدليل على ذلك، قوله في آخر ال ~~{ [:] قل يأيها الناس إن كنتم في شك} [سورة يونس: 104] الآية. # وهذا مذهب ابن عباس، والحسن، وأكثر أهل التأويل، قال ابن عباس: لم يرد ~~النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يشك في الله ولا في ما أوحي إليه، ولكن ~~يريد من آمن به وصدقه، أمرهم أن يسألوا لئلا ينافقوا كما شك المنافقون. # PageV02P559 # قوله: {فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك} [يونس: 94] قال ابن عباس، ~~والضحاك، ومجاهد: يعني: من آمن من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه، ~~فسيشهدون على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، ويخبرونك بنبوته، وبما قدم الله ~~من ذكره في الكتب، وباقي الآية والتي تليها حكمه على ما ذكرنا من أنه خطاب ~~للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به غيره من الشاكين. # {إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون {96} ولو جاءتهم كل آية حتى يروا ~~العذاب الأليم {97} فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما ~~آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين {98} ولو ~~شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ~~{99} وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ~~{100} } [يونس: 96-100] قوله: {إن الذين حقت عليهم كلمت ربك} [يونس: 96] ~~قال ابن عباس: قول ربك بالسخط عليهم. # وقال قتادة: سخط ربك بما عصوه. # وقال مقاتل: وجبت عليهم كلمة العذاب. # {لا يؤمنون {101} ولو جاءتهم كل آية} [يونس: 97-101] كانوا ms0811 يسألون رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالآيات حتى يؤمنوا، قال الله تعالى: ~~{لا يؤمنون {101} ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم} [يونس: ~~97-101] ، فلا ينفعهم حينئذ إيمانهم كما لم ينفع إيمان فرعون حيث أدركه ~~الغرق. # قوله: {فلولا كانت قرية آمنت} [يونس: 98] الآية: لولا معناها ههنا النفي، ~~قال ابن عباس في رواية عطاء: فما كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم ~~يونس. # فقال: يريد: لم أفعل هذا بأمة قط، إلا قوم يونس لما آمنوا عند نزول ~~العذاب كشفنا عنهم. # وقال قتادة: لم يكن هذا معروفا لأمة من الأمم كفرت، ثم آمنت عند نزول ~~العذاب، فكشف عنهم إلا قوم يونس كشف عنهم العذاب بعد ما تدلى عليهم. # وهو قوله: {كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا} [يونس: 98] قال ابن ~~عباس: يريد: سخط الله عليهم في الحياة الدنيا، {ومتعناهم إلى حين} [يونس: ~~98] يريد: حين آجالهم. # قوله: {ولو شاء ربك} [يونس: 99] الآية، قال ابن عباس: كان رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم حريصا على أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبر ~~الله أنه لا يؤمن إلا من سبقت له السعادة من الله، وأنه لو شاء لآمن الناس ~~كلهم. # ثم أنكر عليه إكراه الناس على الإيمان فقال: {أفأنت تكره الناس} [يونس: ~~99] الآية، وهذا منسوخ بآية القتال، قوله: {وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن ~~الله} [يونس: 100] قال ابن عباس: إلا بما سبق لها في قضاء الله وقدره. # وقال عطاء: بمشيئة الله. # وقال الزجاج: وما كان لنفس الوصلة إلى الإيمان إلا بتوفيق الله، وهو ~~إذنه. # ويجعل الرجس قال ابن عباس: السخط. # وقال # PageV02P560 # الحسن: العذاب. # {على الذين لا يعقلون} [يونس: 100] قال ابن عباس: لا يؤمنون. # والمعنى: لا يعقلون عن الله أمره ونهيه. # {قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا ~~يؤمنون {101} فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا ~~إني معكم من المنتظرين {102} ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ~~ننج المؤمنين {103} } [يونس: 101-103] قوله ms0812: {قل انظروا ماذا في السموات ~~والأرض} [يونس: 101] قال المفسرون: قل للمشركين الذين يسألونك الآيات على ~~توحيد الله: انظروا بالتفكير والاعتبار ماذا في خلق السموات والأرض من ~~الآيات والعبر التي تدل على وحدانية الله، ونفاذ قدرته كالشمس والقمر ~~والنجوم والجبال والشجر، وكل هذا يقتضي مدبرا لا يشبه الأشياء ولا تشبهه. # ثم قال: {وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} [يونس: 101] أي: ما ~~تنفع الآيات، ولا تدفع عمن سبق في علم الله أنه لا يؤمن. # قوله: فهل ينتظرون يعني: المشركين والمكذبين {إلا مثل أيام الذين خلوا من ~~قبلهم} [يونس: 102] إلا أياما مثل أيام الأمم الماضية المكذبة في وقوع ~~العذاب؟ أي: يجب ألا ينتظروا بعد تكذيبك إلا العذاب، {ثم ننجي رسلنا والذين ~~آمنوا} [يونس: 103] هذا إخبار عما كان الله يفعل في الأمم الماضية من إنجاء ~~الرسل والمصدقين لهم عما يعذب به من كفر، كذلك مثل ذلك الإنجاء حقا علينا ~~واجبا علينا ننج المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم من عذابي. # {قل يأيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون ~~الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين {104} وأن أقم ~~وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين {105} ولا تدع من دون الله ما لا ~~ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين {106} وإن يمسسك الله بضر ~~فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده ~~وهو الغفور الرحيم {107} } [يونس: 104-107] # PageV02P561 # قوله: {قل يأيها الناس} [يونس: 104] يريد: أهل مكة {إن كنتم في شك من ~~ديني} [يونس: 104] أي: من توحيد الله الذي جئت به، والحنيفية التي بعثت بها ~~فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله بشككم في ديني، {ولكن أعبد الله الذي ~~يتوفاكم} [يونس: 104] أي: يقدر على إماتتكم، وهذا يتضمن تهديدا لهم لأن ~~وفاة المشركين ميعاد عذابهم، قوله: {وأن أقم وجهك للدين حنيفا} [يونس: 105] ~~أي: استقم بإقبالك على ما أمرت به بوجهك، {ولا تدع من دون الله ما ms0813 لا ~~ينفعك} [يونس: 106] إن دعوته، ولا يضرك إن تركت عبادته، {وإن يمسسك الله ~~بضر} [يونس: 107] قال ابن عباس: يريد بمرض وفقر. # {فلا كاشف له إلا هو} [يونس: 107] لا مزيل لما أصابك من ضر إلا هو {وإن ~~يردك بخير} [يونس: 107] أي: وإن يرد بك خيرا {فلا راد لفضله} [يونس: 107] ~~لا مانع لما تفضل به عليك من رخاء ونعمة يصيب به بكل واحد مما ذكر {من يشاء ~~من عباده وهو الغفور الرحيم} [يونس: 107] . # {قل يأيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ~~ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل {108} واتبع ما يوحى إليك واصبر ~~حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين {109} } [يونس: 108-109] {قل يأيها الناس} ~~[يونس: 108] يعني: أهل مكة {قد جاءكم الحق من ربكم} [يونس: 108] يعني: ~~القرآن {فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه} [يونس: 108] قال ابن عباس: من صدق ~~محمدا صلى الله عليه وسلم فإنما يحتاط لنفسه. # {ومن ضل فإنما يضل عليها} [يونس: 108] أي: إنما يكون وبال ضلاله على ~~نفسه، {وما أنا عليكم بوكيل} [يونس: 108] في منعكم من اعتقاد الباطل، ~~والمعنى: بحفظكم من الهلاك، كما يحفظ الوكيل المناع من الهلاك، قال ابن ~~عباس: نسختها آية القتال والتي بعدها. # وهي قوله: {واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين} [يونس: 109] لأن الله ~~تعالى حكم بقتل المشركين والجزية على أهل الكتاب. # PageV02P562 ### | سورة هود # مكية وآياتها ثلاث وعشرون ومائة ### | 446 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي الحيري، أنا محمد بن جعفر بن مطر، نا إبراهيم ~~بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، عن زيد بن ~~أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «من قرأ سورة هود أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بهود ~~وكذب به ونوح وشعيب وصالح وإبراهيم، وكان يوم القيامة عند الله من السعداء» # بسم الله الرحمن الرحيم {الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ~~{1} ألا تعبدوا إلا ms0814 الله إنني لكم منه نذير وبشير {2} وأن استغفروا ربكم ثم ~~توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا ~~فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير {3} إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير ~~{4} } [هود: 1-4] الر قال ابن عباس: يريد: أنا الله الرحمن. # كتاب قال الفراء، والزجاج: هذا كتاب. # أحكمت آياته قال الكلبي: لم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب والشرائع بها. # ثم فصلت بينت بالأحكام من الحلال والحرام والوعد والوعيد {من لدن حكيم ~~خبير} [هود: 1] قال ابن عباس: من عند حكيم في خلقه، خبير بمن يصدق بنبيه ~~صلى الله عليه وسلم وبمن يكذب به. # {ألا تعبدوا إلا الله} [هود: 2] قال الزجاج: المعنى: أمر ألا تعبدوا إلا ~~الله. # {وأن استغفروا ربكم} [هود: 3] من ذنوبكم السالفة {ثم توبوا إليه} [هود: ~~3] من المستأنفة متى وقعت {يمتعكم متاعا حسنا} [هود: 3] قال ابن عباس: ~~يتفضل عليكم بالرزق والسعة إلى أجل الموت. # {ويؤت كل ذي فضل فضله} [هود: 3] نعطي كل ذي عمل صالح أجره وثوابه، وقال ~~ابن عباس، وابن مسعود: يؤت كل من فضلت حسناته على سيئاته فضله، يعني الجنة، ~~وهي فضل الله. # يعني: أن من زادت حسناته على سيئاته دخل الجنة وإن تولوا أي: تتولوا عن ~~الإسلام {فإني أخاف عليكم} [هود: 3] في الآخرة {عذاب يوم كبير} [هود: 3] ~~وهو يوم القيامة. # PageV02P563 # {ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما ~~يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور {5} وما من دابة في الأرض إلا على ~~الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين {6} } [هود: 5-6] ~~قوله: {ألا إنهم يثنون صدورهم} [هود: 5] يقال: ثنيت الشيء ثنيا إذا عطفته ~~وطويته، وكان طائفة من المشركين يقولون: إذا أغلقنا أبوابنا، وأرخينا ~~ستورنا، واستغشينا ثيابنا، وثنينا صدورنا على عداوة محمد صلى الله عليه ~~وسلم كيف يعلم به؟ فأخبر الله عز وجل عما كتموه. # ومعنى يثنون صدورهم: يطوونها على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم، قال ~~قتادة: كذلك أخفى ما يكون من ابن آدم إذا ms0815 حنا ظهره، واستغشى ثيابه، وأضمر ~~همه في نفسه. # قوله: ليستخفوا منه أي: ليتواروا عنه ويكتموا عداوته، فقال الله تعالى: ~~{ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون} [هود: 5] قال ابن ~~الأنباري: أعلم الله أن سرائرهم يعلمها كما يعلم مظهراتهم. # {إنه عليم بذات الصدور} [هود: 5] قال ابن عباس: يريد: بما في النفوس. # والمعنى: تحقيقه ما في القلوب من المضمرات. # قوله: {وما من دابة في الأرض} [هود: 6] الآية، يعني: ما من حيوان يدب، ~~قال الزجاج: الدابة: اسم لكل حيوان مميز وغيره، بني على هاء التأنيث، وأطلق ~~على كل حيوان ذي روح ذكرا كان أو أنثى. # قوله: {إلا على الله رزقها} [هود: 6] قال المفسرون: فضلا لا وجوبا والله ~~تكفل بذلك بفضله. ### | 447 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم المهرجاني، أنا عبيد الله بن محمد ~~الزاهد، أنا أبو القاسم ابن بنت ابن منيع، نا أبو خيثمة، نا وكيع، وأبو ~~معاوية قال: نا الأعمش، عن سلام بن سلام بن شرحبيل، قال: سمعت حبة، وسواء ~~ابني خالد يقولان: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعمل عملا يبني ~~بناء، فأعناه عليه فلما فرغ دعا لنا وقال: «لا تيأسا من الرزق مهما تهزهزت ~~رءوسكما، فإن الإنسان ولدته أمه أحمر ليس عليه قشرة ثم يعطيه الله ويرزقه» # وقال أهل المعاني: على ههنا بمعنى من، المعنى من الله رزقها، ويدل على ~~صحة هذا قول مجاهد: ما # PageV02P564 # جاءها من رزق فمن الله، وربما لم يرزقها حتى تموت جوعا. # قوله: ويعلم مستقرها حين تأوي إليه ومستودعها حيث تموت. # وهو قول ابن عباس. # وقال قتادة، ومجاهد: أما مستقرها ففي الرحم، وأما مستودعها ففي الصلب. # كل ذلك عند الله {في كتاب مبين} [هود: 6] يعني: اللوح المحفوظ، والمعنى: ~~أن ذلك ثابت في علم الله. # {وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم ~~أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن ~~هذا إلا سحر مبين} [هود: 7] قوله تعالى: {وهو الذي خلق السموات والأرض ms0816 في ~~ستة أيام} [هود: 7] تقدم تفسيره، وقوله: {وكان عرشه على الماء} [هود: 7] ~~يعني: قبل أن يخلق السماء والأرض، قيل لابن عباس: على أي شيء كان الماء؟ ~~قال: على متن الريح. # وفي وقوف العرش على الماء، والماء على غير قرار أعظم الاعتبار لأهل ~~الإنكار، وقوله: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} [هود: 7] قال ابن عباس: أيكم ~~أعمل بطاعة الله. # قال ابن الأنباري: معناه ليختبركم. # فيعلم وقوع الفعل منكم الذي به تستحقون الثواب والعقاب، فيثيب المطيع ~~المعتبر بما يرى من آيات السموات والأرض، ويعاقب أهل العناد، قوله: {ولئن ~~قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت} [هود: 7] بعد ان شاهدوا خلق السموات والأرض ~~{ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} [هود: 7] قال الزجاج: السحر باطل ~~عندهم فكأنهم قالوا: إن هذا إلا باطل مبين. # يعني: هذا القول الذي يقول لنا: أنا نبعث بعد الموت، قوله: {ولئن أخرنا ~~عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا ~~عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} [هود: 8] {ولئن أخرنا عنهم العذاب} ~~[هود: 8] يعني: عن المشركين {إلى أمة معدودة} [هود: 8] قال ابن عباس، ~~ومجاهد: إلى أجل وحين معلوم. # والأمة ههنا المدة من أوقات الزمان {ليقولن ما يحبسه} [هود: 8] أي: ما ~~يحبس العذاب عنا؟ يقولون ذلك تكذيبا واستهزاء، قال الله تعالى: {ألا يوم ~~يأتيهم ليس مصروفا عنهم} [هود: 8] يقول: إذا أخذتهم سيوف النبي صلى الله ~~عليه وسلم وأصحابه لم تغمد عنهم، حتى يباد أهل الكفر، وتعلو كلمة الإخلاص ~~وحاق ونزل وأحاط {بهم ما كانوا به يستهزئون} [هود: 8] وهو العذاب. # PageV02P565 # {ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور {9} ولئن ~~أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور {10} إلا ~~الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير {11} } [هود: 9-11] ~~وقوله: {ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة} [هود: 9] قال ابن عباس: نزلت في ~~الوليد بن المغيرة. # وقال غيره: في عبد الله ابن أبي أمية المخزومي. # والمراد بالرحمة ههنا الرزق. # وقوله: {ثم نزعناها منه إنه ms0817 ليئوس} [هود: 9] شديد اليأس من رحمة الله ~~وسعة رزقه كفور لنعمته، وهذا بيان عما يوجبه الخلق السوء من القنوط من ~~الرحمة عند نزول الشدة، {ولئن أذقناه نعماء} [هود: 10] قال ابن عباس: صحة ~~وسعة في الرزق. # {بعد ضراء مسته} [هود: 10] بعد مرض وفقر {ليقولن ذهب السيئات عني} [هود: ~~10] يريد الضر والفقر إنه لفرح بطر فخور قال ابن عباس: يفاخر أوليائي بما ~~وسعت عليه. # {إلا الذين صبروا} [هود: 11] هذا استثناء منقطع ليس من الأول، معناه: لكن ~~الذين صبروا، يعني: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، مدحهم الله ~~بالصبر على الشدة والمكاره، وعملوا الصالحات أي: في الشدة والرخاء {أولئك ~~لهم مغفرة وأجر كبير} [هود: 11] . # {فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه ~~كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل {12} أم يقولون ~~افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن ~~كنتم صادقين {13} فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا ~~إله إلا هو فهل أنتم مسلمون {14} } [هود: 12-14] قوله: {فلعلك تارك بعض ما ~~يوحى إليك} [هود: 12] قال أهل التفسير: قال المشركون للنبي صلى الله عليه ~~وسلم: ائتنا بكتاب ليس فيه سب آلهتنا حتى نتبعك ونؤمن بك. # وقال بعضهم: هل ينزل عليك ملك فيشهد لك بالصدق، أو تعطى كنزا تستغني به ~~أنت وأتباعك. # فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع سب آلهتهم، فأنزل الله تعالى ~~هذه الآية. # وقوله تعالى: {فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك} [هود: 12] أي: لعظيم ما يرد ~~على قلبك من تخليطهم تتوهم أنهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه من أمر ربك ~~{وضائق به صدرك} [هود: 12] الضائق بمعنى: الضيق، قال ابن الأنباري: أن في ~~موضع خفض بالرد على الباء في به. # يريد: وضائق به صدرك بأن يقولوا: {لولا أنزل عليه كنز} [هود: 12] يستغني ~~به {أو جاء معه ملك} [هود: 12] يشهد له بالنبوة {إنما أنت نذير} [هود: 12] ~~قال الزجاج: إنما ms0818 عليك أن تنذرهم وليس عليك أن تأتيهم بما يقترحون عليك من ~~الآيات. # {والله على كل شيء وكيل} [هود: 12] أي: حافظ لكل شيء. # قوله: أم يقولون معناه: بل أيقولون: افترى القرآن وأتى به من عند نفسه قل ~~لهم فأتوا أنتم في معارضتي {بعشر سور مثله} [هود: 13] مثل القرآن من ~~البلاغة # PageV02P566 # مفتريات بزعمكم ودعواكم {وادعوا من استطعتم من دون الله} [هود: 13] إلى ~~المعاونة على المعارضة {إن كنتم صادقين} [هود: 13] في قولكم: افتراه. # {فإن لم يستجيبوا لكم} [هود: 14] من تدعونهم إلى المعاونة، ولم يتهيأ لكم ~~المعارضة فقد قامت عليكم الحجة {فاعلموا أنما أنزل بعلم الله} [هود: 14] ~~أي: أنزل والله أعلم بإنزاله وعالم أنه حق من عنده، واعلموا أن لا إله إلا ~~هو {فهل أنتم مسلمون} [هود: 14] استفهام معناه الأمر. # {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا ~~يبخسون {15} أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها ~~وباطل ما كانوا يعملون {16} } [هود: 15-16] قوله: {من كان يريد الحياة ~~الدنيا} [هود: 15] الآية، قال ابن عباس في رواية عطاء: من كان يريد عاجل ~~الدنيا فلا يؤمن بالبعث والثواب والعقاب. # وقال قتادة: من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله في الدنيا ~~بحسناته، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يجازى بها، وأما المؤمن فيجزى في ~~الدنيا بحسناته ويثاب عليها في الآخرة. # وذلك قوله: {نوف إليهم أعمالهم فيها} [هود: 15] قال سعيد بن جبير: ثواب ~~ما عملوا من خير أعطوا في الدنيا، وليس لهم في الآخرة إلا النار، فإذا جاء ~~هذا الكافر الآخرة ورد منها على عاجل الحسرة إذ لا حسنة له هناك {وهم فيها ~~لا يبخسون} [هود: 15] لا ينقصون، أي: يعطوا فيها أجر ما عملوا في الدنيا، ~~ثم أخبر ما لهم في الآخرة فقال {أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار ~~وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} [هود: 16] ما عملوا في الدنيا ~~من حسنة لأنهم لم يروا لها ثوابا {وباطل ما كانوا يعملون} [هود: 16] من ~~خير ms0819. # {أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ~~ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية ~~منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون {17} ومن أظلم ممن افترى ~~على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ~~ربهم ألا لعنة الله على الظالمين {18} الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها ~~عوجا وهم بالآخرة هم كافرون {19} أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان ~~لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما ~~كانوا يبصرون {20} أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون {21} ~~لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون {22} إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ~~وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون {23} مثل الفريقين ~~كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون {24} } [هود: ~~17-24] # PageV02P567 # قوله: {أفمن كان على بينة من ربه} [هود: 17] يعني النبي صلى الله عليه ~~وسلم في قول عامة المفسرين، قال ابن عباس: يريد على يقين وبيان. # {ويتلوه شاهد منه} [هود: 17] وهو جبريل عليه السلام في قول أكثر ~~المفسرين، قال ابن قتيبة: والشاهد من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم كتاب ~~موسى. # يعني: التوراة، يتلوه أيضا في التصديق لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشر ~~به موسى في التوراة إماما نصب على الحال ورحمة أي: ذا رحمة يعني التوراة ~~فإنها كانت إماما في ذلك الوقت وسبب الرحمة لمن آمن بها، وقوله: {أولئك ~~يؤمنون به} [هود: 17] يعني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن صدقه، ~~وقوله: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} [هود: 17] يعني: ومن كفر ~~بالنبي صلى الله عليه وسلم من أصناف الكفار واليهود والنصارى وغيرهم. ### | 448 - # أخبرنا منصور بن محمد بن عبد الوهاب البزاز، أنا محمد بن أحمد أبو عمرو ~~الحيري، أنا عمران بن موسى بن مجاشع، نا أبو كامل، نا أبو عوانة، عن أبي ~~بشر، عن سعيد بن جبير، عن أبي ms0820 موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا كان ~~من أهل النار» قال: فقلت: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا إلا ~~وهو في الكتاب فوجدته {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} [هود: 17] # وقوله: {فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك} [هود: 17] قال الكلبي، عن ~~ابن عباس: فلا تك في مرية من أن موعد الكافر النار وذلك هو الحق من ربك. # {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} [هود: 17] يعني: أهل مكة، وقوله: {ومن أظلم ~~ممن افترى على الله كذبا} [هود: 18] فزعم أن له ولدا وشريكا {أولئك يعرضون ~~على ربهم} [هود: 18] يعني: بعد الحشر يوم القيامة ويقول الأشهاد قال ابن ~~عباس، ومجاهد: هم الملائكة والأنبياء. # وقال قتادة: يعني: الخلائق. # ونحو هذا قول مقاتل. # الأشهاد: الناس كما يقال على رءوس الأشهاد، أي: رءوس الناس، والأشهاد جمع ~~شاهد مثل ناصر وأنصار، وصاحب وأصحاب، ويجوز أن يكون جمع شهيد مثل شريف ~~وأشراف، وقوله: {هؤلاء الذين كذبوا على ربهم} [هود: 18] قال ابن عباس: ~~زعموا أن لله ولدا وشريكا. # {ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18] قال: يريد المشركين. # PageV02P568 ### | 449 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر ~~الحافظ، أنا محمد بن العباس بن أيوب، نا محمد بن المثنى، نا ابن أبي عدي، ~~عن سعيد، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، قال: بينما نحن عند ابن عمر ونحن ~~نطوف بالبيت إذ عارضه رجل فقال له: يا ابن عمر كيف سمعت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ذكر في النجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ~~يدني المؤمن من ربه تبارك وتعالى يوم القيامة حتى يضع كتفه عليه ثم يقرره ~~بذنوبه هل تعرف؟ فيقول: رب أعرف، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: رب أعرف، فيسأله ~~الله ما شاء أن يسأله، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك ~~اليوم ms0821، ثم يعطى صحيفة حسناته بيمينه، وأما الكافر أو الكفار فينادى على ~~رءوس الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ". # رواه البخاري، عن مسدد، عن يزيد بن زريع، عن سويد، ورواه مسلم، عن زهير، ~~عن ابن عطية، عن هشام، كلاهما عن قتادة # قوله: {الذين يصدون عن سبيل الله} [هود: 19] تقدم تفسيره. # {أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض} [هود: 20] قال ابن عباس: لم يعجزوني ~~أن آمر الأرض فتخسف بهم. # {وما كان لهم من دون الله من أولياء} [هود: 20] أي: لا ولي لهم ممن ~~يعبدون يمنعهم مني {يضاعف لهم العذاب} [هود: 20] قال ابن الأنباري: ~~لإضلالهم الأتباع واقتداء غيرهم بهم. # {ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} [هود: 20] قال قتادة: لأنهم ~~صم عن الحق عمي فلا يبصرون ولا يهتدون. # وقال الوالبي، عن ابن عباس: حال الله بين أهل الكفر وبين أهل الطاعة في ~~الدنيا والآخرة، أما في الدنيا ففي قوله: {ما كانوا يستطيعون السمع وما ~~كانوا يبصرون} [هود: 20] ، وأما في الآخرة ففي قوله: {ويدعون إلى السجود ~~فلا يستطيعون} [القلم: 42] . # قوله: {أولئك الذين خسروا أنفسهم} [هود: 21] قال ابن عباس: أي: صاروا إلى ~~النار. # {وضل عنهم ما كانوا يفترون} [هود: 21] بطل افتراؤهم في الدنيا فلم ينفعهم ~~في الآخرة شيئا، {لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون} [هود: 22] قال ابن ~~عباس: يريد حقا أنهم هم الأخسرون. # قال الفراء: لا جرم كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد، ولا محالة، فكثر ~~استعمالها حتى صارت بمنزلة حقا، ألا ترى أن العرب تقول: لا جرم لآتينك. # فتراها بمنزلة اليمين؟ كذلك فسرها المفسرون في قوله: {لا جرم أنهم} [هود: ~~22] حقا أنهم، وقال الزجاج: لا جرم لا: نفي لما ظنوا أنه ينفعهم كأنه قال: ~~لا ينفعهم ذلك. # و {جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون} [هود: 22] ، أي: كسب ذلك الفعل لهم ~~الخسران، وجرم معناه: كسب، ذكرنا ذلك في قوله: لا يجرمنكم قال الأزهري: ~~وهذا من أحسن ما قيل فيه. # وقوله: {وأخبتوا إلى ربهم} [هود: 23] الإخبات: الخشوع والتواضع ~~والطمأنينة، قال ms0822 مجاهد: اطمأنوا. # قال قتادة: وأنابوا إلى ربهم. # وهذه الآية نازلة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما # PageV02P569 # قبلها نازلة في المشركين، ثم ضرب مثلا للفريقين، فقال: {مثل الفريقين ~~كالأعمى والأصم} [هود: 24] يريد الكفار، {والبصير والسميع} [هود: 24] يريد ~~المؤمنين لأنهم سمعوا الحق وأبصروه واتبعوه، وقوله: {هل يستويان مثلا} ~~[هود: 24] استفهام، أي: في المشابهة أفلا تذكرون أفلا تتعظون يأهل مكة؟ ~~قوله: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين {25} أن لا تعبدوا إلا ~~الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم {26} فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما ~~نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما ~~نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين {27} قال يا قوم أرأيتم إن كنت على ~~بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ~~{28} ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد ~~الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون {29} ويا قوم من ~~ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون {30} ولا أقول لكم عندي خزائن الله ~~ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم ~~الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين {31} قالوا يا نوح ~~قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين {32} قال ~~إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين {33} ولا ينفعكم نصحي إن أردت ~~أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون {34} أم ~~يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون {35} } ~~[هود: 25-35] {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني} [هود: 25] من فتح الألف كان ~~التقدير: أرسلنا نوحا بأني لكم نذير مبين، وكان الوجه بأنه لهم نذير ولكنه ~~على الرجوع من الغيبة إلى خطاب نوح قومه، ومن كسر الألف كان التقدير: ولقد ~~أرسلنا نوحا إلى قومه فقال لهم: إني نذير مبين {أن لا تعبدوا إلا ms0823 الله} ~~[هود: 26] قال الزجاج: المعنى: قد أرسلنا نوحا إلى قومه بالإنذار. # {أن لا تعبدوا إلا الله} [هود: 26] إني أنذرتكم لتوحدوا الله وتتركوا ~~عبادة غيره، {فقال الملأ الذين كفروا من قومه} [هود: 27] قال ابن عباس: ~~يعني: الأشراف ورؤساء القوم. # {ما نراك إلا بشرا مثلنا} [هود: 27] أي: إنسانا مثلنا لا فضل لك علينا ~~{وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا} [هود: 27] أي: لم يتبعك لم يتبعك ~~الملأ منا وإنما اتبعك أخساؤنا، قال ابن عباس: يريد المساكين الذين لا عقول ~~لهم ولا شرف ولا مال. # والرذل: الدون من كل شيء والجمع أرذل، ثم يجمع على أراذل كقولك: كلب ~~وأكلب وأكالب. # وقوله: بادي الرأي البادي: الظاهر من قولك: بدأ الشيء. # إذا ظهر، وقال الزجاج: المعنى: اتبعوك في الظاهر وباطنهم على خلاف ذلك، ~~ويجوز أن يكون اتبعوك في ظاهر الرأي # PageV02P570 # ولم يتدبروا ما قلت، ولم يتفكروا. # ومن قرأ: بادئ بالهمز فالمعنى: أنهم اتبعوك ابتداء الرأي، أي: حين ~~ابتدأوا ينظرون وإذا فكروا لم يتبعوك {وما نرى لكم علينا من فضل} [هود: 27] ~~قال ابن عباس: يريدون التكذيب له ولما جاء به من النبوة وهل الفضل كله إلا ~~في النبوة. # {بل نظنكم كاذبين} [هود: 27] ليس ما جئت به من الله، وجمعت بالكاف، لأنهم ~~ذهبوا إلى مخاطبة نوح وأصحابه. # {قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي} [هود: 28] قال ابن عباس: على ~~يقين وبصيرة ومعرفة من ربوبية ربي وعظمته {وآتاني رحمة من عنده} [هود: 28] ~~يعني النبوة، {فعميت عليكم} [هود: 28] فخفيت عليكم نبوتي لأن الله سلبكم ~~علمها ومنعكم معرفتها لعنادكم الحق، وقرأ أهل الكوفة: فعميت مشددة مضمومة ~~العين، قال ابن الأنباري: معناه: فعماها الله عليكم إذ كنتم ممن حكم عليه ~~بالشقاء. # أنلزمكموها أنلزمكم قبولها؟ وهذا استفهام معناه الإنكار، يقول: لا نقدر ~~أن نلزمكم من ذات أنفسنا ما أنتم له كارهون. # قال قتادة: والله لو استطاع نبي الله لألزمها قومه، ولكنه لم يملك ذلك. # {ويا قوم لا أسألكم عليه} [هود: 29] على تبليغ الرسالة {مالا إن أجري إلا ~~على الله ms0824 وما أنا بطارد الذين آمنوا} [هود: 29] قال ابن جريج: إنهم سألوه ~~طرد الذين آمنوا ليؤمنوا به أنفة من أن يكونوا معهم على السواء، فقال نوح: ~~لا يجوز لي طردهم إذ كانوا يلقون الله فيجزيهم بإيمانهم، ويأخذ لهم ممن ~~ظلمهم، وصغر شئونهم. # وهو قوله: {إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون} [هود: 29] قال ابن ~~عباس: تجهلون ربوبية ربكم وعظمته. # {ويا قوم من ينصرني من الله} [هود: 30] من يمنعني من عذاب الله إن طردت ~~المؤمنين؟ والمعنى: إن طردتهم كان ذنبا ارتكبته، فمن يدفع عني عذاب الله. # قوله: {ولا أقول لكم عندي خزائن الله} [هود: 31] لما قالوا لنوح: إن ~~هؤلاء الذين آمنوا بك إنما اتبعوك في ظاهر ما نرى منهم. # قال نوح مجيبا لهم: {ولا أقول لكم عندي خزائن الله} [هود: 31] غيوب الله ~~التي يعلم منها ما يضمر الناس {ولا أعلم الغيب} [هود: 31] فأعلم ما يسترونه ~~في نفوسهم، أي: فسبيلي قبول إيمانهم الذي ظهر لي، ومضمراتهم لا يعلمها إلا ~~الله {ولا أقول إني ملك} [هود: 31] هذا جواب لقولهم {ما نراك إلا بشرا ~~مثلنا} [هود: 27] ، {ولا أقول للذين تزدري أعينكم} [هود: 31] قال ابن عباس: ~~تحتقر وتستصغر. # يعني المؤمنين، يقال: ازدراه. # إذا احتقره، وذلك أنهم قالوا: هم أراذلنا، فقال نوح: لا أقول إن الله لن ~~يؤتيهم خيرا إذ ليس علي أن أطلع على ما في نفوسهم {الله أعلم بما في ~~أنفسهم} [هود: 31] مني {إني إذا لمن الظالمين} [هود: 31] إن طردتهم تكذيبا ~~لظاهر إيمانهم، {قالوا يا نوح قد جادلتنا} [هود: 32] خاصمتنا في الدين ~~{فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا} [هود: 32] من العذاب {إن كنت من الصادقين} ~~[هود: 32] في وعد العذاب، {قال إنما يأتيكم} [هود: 33] بالعذاب {الله إن ~~شاء وما أنتم بمعجزين} [هود: 33] لا تعجزون الله ولا تفوتونه إن أراد أن ~~ينزل بكم العذاب، {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد ~~أن يغويكم} [هود: 34] قال ابن عباس في رواية عطاء: يضلكم. # والمعنى: يوقع الغي في قلوبكم لما سبق لكم من الشقاء، قال ابن ms0825 الأنباري: ~~وقال بعضهم: يهلككم. # وليس هذا من كلام العرب إذ المعروف عندهم: أغويت فلانا. # إذا # PageV02P571 # أضللته بشر دعوته إليه وحسنته له. # ودلت هذه الآية على أن الإغواء بإرادة الله، وذكر نوح دليل المسألة فقال: ~~هو ربكم قال ابن عباس: هو إلهكم وسيدكم وخالقكم. # وتأويله: إنه إنما يتصرف في ملكه فله التصرف كيف يشاء، قوله: أم يقولون ~~أي: بل يقولون يعني قوم نوح: افتراه اختلق الوحي وأتى به من عند نفسه {قل ~~إن افتريته فعلي إجرامي} [هود: 35] أي: إثم إجرامي وعقوبة إجرامي، فحذف ~~المضاف، والإجرام، معناه: اكتساب السيئة، يقال: أجرم فهو مجرم. # {وأنا بريء مما تجرمون} [هود: 35] من الكفر والتكذيب. # {وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا ~~يفعلون {36} واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم ~~مغرقون {37} ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن ~~تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون {38} فسوف تعلمون من يأتيه عذاب ~~يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم {39} حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل ~~فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه ~~إلا قليل {40} وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ~~{41} وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب ~~معنا ولا تكن مع الكافرين {42} قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا ~~عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ~~{43} } [هود: 36-43] قوله تعالى: {وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا ~~من قد آمن} [هود: 36] قال المفسرون: لما جاء هذا دعا على قومه، فقال: {رب ~~لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} [نوح: 26] ، وقوله: فلا تبتئس قال ~~الفراء، والزجاج: لا تحزن. # وقال ابن عباس: لا تغتم. # يقال: ابتأس الرجل إذا بلغه شيء يكره، فحزن له، قوله: {واصنع الفلك ~~بأعيننا} [هود: 37] قال ابن عباس ms0826: بمرأى منا. # وقال الضحاك: بمنظر منا. # وقال الربيع: بحفظنا. # والتأويل: بحفظنا إياك حفظ من يراك ويملك دفع السوء عنك، {ووحينا} [هود: ~~37] قال ابن عباس: وذلك انه لم يعلم كيف صنعة الفلك، فأوحى الله إليه أن ~~يصنعها مثل جؤجؤ الطائر، ويجوز أن يكون # PageV02P572 # المعنى بوحينا إليك أن اصنعها ولا تخاطبني لا تراجعني ولا تسألني {في ~~الذين ظلموا} [هود: 37] أي: في مآلهم، وترك تعذيبهم، ويراد بالذين ظلموا ~~قومه، ويصنع الفلك يعني: نوح {وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه} [هود: ~~38] قال محمد بن إسحاق: قالوا: يا نوح صرت بعد النبوة نجارا. # وقال عامة المفسرين: إنهم رأوه ينجر الخشب ويهيئ شبه البيت العظيم، فإذا ~~سألوه عن ذلك قال: أعمل سفينة تجري في الماء. # ولم يكونوا رأوا قبل ذلك سفينة، ولا ماء هناك فكانوا يتضاحكون ويتعجبون ~~من عمله لها، فقال نوح: {إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون} [هود: ~~38] قال ابن الأنباري: إن تسخروا منا لما ترون من صنعة الفلك فإنا نعجب من ~~غفلتكم عما أظلكم من العذاب. # {فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه} [هود: 39] هذا وعيد وتهديد، أي: فسوف ~~تعلمون من أحق بالسخرية منكم وهو الذي يأتيه عذاب يخزيه {ويحل عليه عذاب} ~~[هود: 39] أي: يجب عليه عذاب مقيم دائم، يعني: عذاب الآخرة. # قوله: {حتى إذا جاء أمرنا} [هود: 40] بعذابهم وهلاكهم {وفار التنور} ~~[هود: 40] ظهر الماء على وجه الأرض، وقيل لنوح: إذا رأيت الماء على وجه ~~الأرض فاركب أنت وأصحابك في السفينة. # هذا قول عكرمة، والزهري، ورواية الوالبي عن ابن عباس، قال قتادة: ذكر لنا ~~أنه أرفع الأرض وأشرفها. # وقال ابن عباس في رواية عطاء، وعطية: يريد التنور الذي يخبز فيه. # قال الحسن: كان تنورا من حجارة قيل له: إذا رأيت الماء يفور من التنور ~~فاركب أنت وأصحابك. # قوله: {قلنا احمل فيها} [هود: 40] في السفينة من كل زوجين اثنين الذكر ~~زوج والأنثى زوج. # وهو قول الحسن، وقتادة قالوا: ذكر وأنثى، وقرأ حفص: من كل بالتنوين، أراد ~~من كل شيء، ومن كل زوج ms0827 زوجين اثنين، فحذف المضاف إليه، وقوله: وأهلك أي: ~~واحمل أهلك، قال المفسرون: يعني ولده وعياله. # {إلا من سبق عليه القول} [هود: 40] يعني: امرأته واعلة، وابنه كنعان، ومن ~~آمن واحمل من صدقك {وما آمن معه إلا قليل} [هود: 40] أي: إلا نفر قليل وهم ~~ثمانون إنسانا، وقال نوح لقومه الذين أمر بحملهم اركبوا فيها أي: اركبوا ~~الماء في السفينة {بسم الله مجراها} [هود: 41] أي: أجراها ومن قرأ بفتح ~~الميم فالمجرى مصدر الجري ومرساها أي: إرساؤها، والإرساء: الإثبات، يقال: ~~رسا الشيء يرسو. # إذا ثبت، وأرساه غيره. # قال ابن عباس: تجري باسم الله وترسو باسم الله. # وقال الضحاك: كان إذا أراد أن ترسو قال: بسم الله. # فرست وإذا أراد أن تجري قال: بسم الله. # فجرت. # PageV02P573 ### | 450 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن ابن أبي حامد العدل، أنا أبو العباس إبراهيم بن ~~محمد بن موسى، أنا محمد بن إدريس السامي، نا سويد بن سعيد، نا عبد الحميد ~~بن الحسن، عن نهشل بن سعيد، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: " أمان لأمتي إذا ركبوا السفن أو البحر أن يقولوا: ~~سبحان الله الملك " # {ما قدروا الله حق قدره} [الحج: 74] إلخ الآيات، {بسم الله مجراها ~~ومرساها إن ربي لغفور رحيم} [هود: 41] . # قوله تعالى: {وهي تجري بهم} [هود: 42] يعني الفلك {في موج كالجبال} [هود: ~~42] الموج ما ارتفع من الماء إذا اشتدت عليه الريح، شبهه بالجبال في عظمته ~~وارتفاعه على الماء {ونادى نوح ابنه} [هود: 42] قال محمد بن إسحاق: كان ~~كافرا واسمه كنعان. # {وكان في معزل} [هود: 42] أي: في مكان منقطع بعيد من السفينة، ومعنى ~~العزل: التنحية والإبعاد، يقال: هو بمعزل من هذا الأمر. # أي: بموضع قد عزل منه، {يا بني اركب معنا} [هود: 42] ومن قرأ يكسر الياء ~~أراد: يا بنيي، فحذف ياء الإضافة وترك الكسرة دلالة عليها، كما يقال: يا ~~غلام أقبل. # ومن فتح الياء أبدل من الكسرة الفتحة ومن الياء الألف فصار: يا بنييا، ثم ~~حذف الألف لسكونها وسكون راء اركب، والمعنى: أن نوحا ms0828 دعا ابنه إلى أن يركب ~~معه في السفينة ليسلم من الغرق، فقال ابنه: {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} ~~[هود: 43] يقول: أنضم إلى جبل يمنعني من الماء فلا أغرق. # فقال نوح: {لا عاصم اليوم من أمر الله} [هود: 43] لا مانع اليوم من عذاب ~~الله {إلا من رحم} [هود: 43] هذا استثناء منقطع، المعنى: لكل من رحم، فإنه ~~معصوم {وحال بينهما الموج} [هود: 43] منع الماء بين ابن نوح وبين الجبل ~~{فكان من المغرقين} [هود: 43] . # {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت ~~على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين {44} ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني ~~من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين {45} قال يا نوح إنه ليس من أهلك ~~إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من # PageV02P574 # الجاهلين {46} قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر ~~لي وترحمني أكن من الخاسرين {47} قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك ~~وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم {48} } [هود: 44-48] ~~وقيل بعد ما تناهى أمر الطوفان {يا أرض ابلعي ماءك} [هود: 44] اشربي ما ~~فوقك من الماء، يقال: بلعت الماء أبلعه بلعا. # {ويا سماء أقلعي} [هود: 44] أي: عن إنزال الماء، يقال: أقلعت السماء بعد ~~ما أمطرت. # إذا أمسكت، {وغيض الماء} [هود: 44] أي: نقص، يقال: غاض الماء يغيض غيضا. # إذا نقص، وغضته أنا. # {وقضي الأمر} [هود: 44] أهلك قوم نوح وفرغ من هلاكهم واستوت يعني السفينة ~~{على الجودي} [هود: 44] هو جبل بالجزيرة، وكان استواؤها دلالة على نفاد ~~الماء. ### | 451 - # أخبرنا أبو منصور بن أبي نصر الواعظ، أنا أبو سعيد عبد الله بن محمد ~~القرشي، أنا محمد بن أيوب الرازي، أنا علي بن عثمان، نا داود بن أبي ~~الفرات، عن علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان مع نوح ثمانون ~~رجلا معهم أهلوهم وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسون يوما، وإن الله وجه ms0829 ~~السفينة إلى مكة فدارت بالبيت أربعين يوما ثم وجهها الله إلى الجودي ~~فاستقرت، فبعث نوح الغراب ليأتيه بخبر الأرض فذهب فوقع على الجيف فأبطأ ~~عليه فبعث الحمامة، فأتته بورق الزيتون ولطخت رجليها بالطين فعرف نوح أن ~~الماء قد نضب، فهبط إلى أسفل الجودي فابتنى قرية وأسماها ثمانين، ويروى أن ~~نوحا عليه السلام ركب السفينة في رجب فجرت بهم ستة أشهر ومرت بالبيت فطافت ~~به سبعا، وقد رفعه الله من الغرق وأرسيت على الجودي يوم عاشوراء، فصام نوح ~~وأمر جميع من معه فصاموا شكرا لله. # {وقيل بعدا للقوم الظالمين} [هود: 44] قال ابن عباس: بعدا من رحمة الله ~~للقوم المتخذين من دونه إلها # قوله: {ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي} [هود: 45] قال عكرمة، عن ~~ابن عباس: إنه لابنه ولكنه خالفه في النية والعمل. # ونحو هذا قال الكلبي، ومحمد بن إسحاق، ومقاتل، قالوا: هو ابنه من صلبه، ~~وقال قوم: إن هذا الذي خالف نوحا كان ابن امرأته، ولكم يكن من صلبه. # وهو قول علي، وأبي جعفر الباقر، ومجاهد، والحسن. # قوله: {وإن وعدك الحق} [هود: 45] يعني: وعدتني أن تنجيني وأهلي، وفي هذا ~~سؤال النجاة لابنه، {وأنت أحكم الحاكمين} [هود: 45] قال ابن عباس: أعدل ~~العادلين. # {قال يا نوح إنه ليس من أهلك} [هود: 46] أي: ليس من أهلك الذين وعدتك أن ~~أنجيهم معك، # PageV02P575 # وقال هشيم: سألت أبا بشر عن هذه الآية، فقال: معناه أنه ليس من أهل دينه. # وكان نوح يظن أنه من أهل دينه، وروي أنه كان يظهر الإيمان ويستر الكفر، ~~وقوله {إنه عمل غير صالح} [هود: 46] إن سؤالك إياي أن أنجي كافرا عمل غير ~~صالح، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: عمل غير صالح واختاره ~~الكسائي. ### | 452 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحافظ، أنا عبد الله بن محمد بن حيان، نا ~~أبو يحيى الرازي، نا سهل بن عثمان العسكري، نا يحيى بن أبي بكر، عن هارون ~~القاري، نا ثابت، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة، أنها قالت ms0830: سألت النبي صلى ~~الله عليه وسلم عن هذه الآية كيف تقرؤها؟ فقال: «إنه عمل غير صالح» ~~والمعنى: أن ابنك عمل غير صالح يعني الشرك # {فلا تسألن ما ليس لك به علم} [هود: 46] بجواب مسألتك من إنجاء الكافر من ~~العذاب إني أعظك أنهاك {أن تكون من الجاهلين} [هود: 46] قال ابن عباس: يريد ~~الآثمين، لأن ذنب المؤمن جهل ليس بكفر. # ثم اعتذر نوح أجمل الاعتذار فقال: {رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به ~~علم} [هود: 47] قال ابن عباس: يريد: إنك أنت علام الغيوب وأنا لا أعلم ما ~~غاب عني. # {وإلا تغفر لي} [هود: 47] جهلي {وترحمني أكن من الخاسرين} [هود: 47] . # قوله: {قيل يا نوح اهبط} [هود: 48] قال ابن عباس: يريد من السفينة إلى ~~الأرض بسلام منا أي: سلامة وبركات عليك قال المفسرون: معنى البركات على نوح ~~أنه صار أبا البشر والأنبياء لأن جميع من بقى كانوا من نسله. # قال ابن عباس: يريد أنك آدم الأصغر. # قوله: {وعلى أمم ممن معك} [هود: 48] قال ابن عباس: يريد من ولدك. # قال ابن الأنباري: من ذراري من معك. # ولم يكن الذين كانوا مع نوح أمما، وأراد المؤمنين وأهل السعادة من ذريته. # ثم ذكر الكفار من ذريته فقال وأمم سنمتعهم يعني في الدنيا {ثم يمسهم منا ~~عذاب أليم} [هود: 48] يعني في الآخرة، قال محمد بن كعب القرظي: لم يبق مؤمن ~~ولا مؤمنة في أصلاب الرجال وأرحام النساء يومئذ إلى أن تقومك الساعة إلا ~~دخل في ذلك السلام والبركات، ولم يبق كافر إلا دخل في ذلك المتاع والعذاب ~~الأليم. # PageV02P576 # {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ~~فاصبر إن العاقبة للمتقين} [هود: 49] قوله: تلك يعني ما ذكر من قصة نوح {من ~~أنباء الغيب} [هود: 49] من أخبار ما غاب عنك وعن قومك {ما كنت تعلمها أنت ~~ولا قومك من قبل هذا} [هود: 49] قال قتادة: من قبل هذا القرآن. # وما كان علم محمد وقومه بما صنع نوح لولا أن الله بين ms0831 له ذلك، فاصبر أي: ~~كما صبر نوح على أذى قومه {إن العاقبة للمتقين} [هود: 49] إن آخر الأمر ~~بالظفر والتمكين لك ولقومك كما كان لمؤمني قوم نوح. # {وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم ~~إلا مفترون {50} يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني ~~أفلا تعقلون {51} ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم ~~مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين {52} قالوا يا هود ما جئتنا ~~ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك # PageV02P577 # بمؤمنين {53} إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله ~~واشهدوا أني بريء مما تشركون {54} من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون {55} ~~إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على ~~صراط مستقيم {56} فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي ~~قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ {57} ولما جاء أمرنا ~~نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ {58} } [هود: ~~50-58] قوله: {وإلى عاد أخاهم هودا} [هود: 50] هذا عطف على قوله: {ولقد ~~أرسلنا نوحا إلى قومه} [هود: 25] كأنه قال: أرسلنا إلى عاد أخاهم هودا وكان ~~أخاهم في النسب لا في الدين، قال ابن عباس: يريد ابن أبيهم. # وقوله: {إن أنتم إلا مفترون} [هود: 50] أي: ما أنتم إلا كاذبون في ~~إشراككم مع الله الأوثان، وما بعد هذا قد تقدم تفسيره إلى قوله: {يرسل ~~السماء عليكم مدرارا} [هود: 52] قال المفسرون: إن الله تعالى حبس المطر عن ~~قوم عاد ثلاث سنين، وأعقم أرحام نسائهم، فقال لهم هود: إن أنتم آمنتم أحيى ~~الله بلادكم ورزقكم المال والولد. # وذلك قوله: {يرسل السماء عليكم مدرارا} [هود: 52] ، وقد تقدم تفسيره في ~~أول { [النعام] ويزدكم قوة إلى قوتكم} [سورة هود: 52] فسرت القوة ههنا ~~بالمال والولد والشدة وكل هذا مما يقوي به الإنسان، قال ابن عباس في رواية ~~الكلبي، ومقاتل: يعني ms0832 العدد وكثرة الأولاد. # وقوله: {ولا تتولوا مجرمين} [هود: 52] لا تتركوا الإيمان بالله، ولا ~~تعرضوا عنه، {قالوا يا هود ما جئتنا ببينة} [هود: 53] أي: بحجة واضحة {وما ~~نحن بتاركي آلهتنا عن قولك} [هود: 53] أي: بقولك، والباء وعن تتعاقبان {وما ~~نحن لك بمؤمنين} [هود: 53] بمصدقين. # {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} [هود: 54] أي: ما نقول في سبب ~~مخالفتك إيانا إلا أن بعض آلهتنا أصابك بالجنون فأفسد عقلك وأجنك، فالذي ~~تظهر من عيبها لما لحق عقلك من التغيير، يقال: عراه أمر كذا، واعتراه. # إذا غشيه وأصابه، فقال نبي الله عند ذلك: {إني أشهد الله} [هود: 54] ~~الآية، يعني: إن كان عندكم أنها عاقبتي ليطغى عليها، فإني على بصيرة في ~~البراءة منها والعيب لها، وقوله: فكيدوني جميعا أي: احتالوا أنتم وأوثانكم ~~في عداوتي وغيظي {ثم لا تنظرون} [هود: 55] لا تمهلوني، قال الزجاج: وهذا من ~~أعظم آيات الأنبياء، أي: يقبل النبي على قومه مع كثرة عددهم فيقول لهم هذا ~~القول، وذلك للثقة بنصر الله تعالى. # ثم ذكر ذلك فقال: {إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ ~~بناصيتها} [هود: 56] أي: إلا هي في قبضته وتنالها قدرته كيف شاء، والعرب ~~إذا وصفت إنسانا بالذلة والخضوع قالوا: «ما ناصيته إلا بيد فلان» ، أي: إنه ~~مطيع له يصرفه كيف يشاء، لأن من أخذته بناصيته وهو شعر مقدم الرأس فقد ~~قهرته، قوله: {إن ربي على صراط مستقيم} [هود: 56] قال الزجاج، وابن ~~الأنباري: أي: أنه وإن كان قادرا عليهم فهو لا يظلمهم ولا يلحقهم بقدرته ~~عليهم إلا ما يوجب الحق وقوعه بهم. # وقال عطاء، عن ابن عباس: يريد: أن الذي بعثني الله به دين مستقيم. # والمعنى على هذا: إن دين ربي على صراط مستقيم فإن تولوا أي: تتولوا بمعنى ~~تعرضوا عما دعوتكم إليه من الإيمان بالله وعبادته {فقد أبلغتكم ما أرسلت به ~~إليكم} [هود: 57] قال الزجاج، وابن الأنباري: معناه: فقد ثبتت الحجة عليكم، ~~وظهر فساد مذهبكم. # {ويستخلف ربي قوما غيركم} [هود: 57] قال ابن عباس: ويخلق بعدكم ms0833 من هو ~~أطوع لله منكم. # {ولا تضرونه شيئا} [هود: 57] قال: يريد هلاككم لا ينقص من ملك ربي شيئا. # وقال غيره: لا تضرونه شيئا بإعراضكم، إنما تضرون أنفسكم لأن ضرر كفركم ~~عائد عليكم. # {إن ربي على كل شيء} [هود: 57] من أعمال العباد حفيظ حتى يجازيهم عليها. # قوله {ولما جاء أمرنا} [هود: 58] بهلاك عاد {نجينا هودا والذين آمنوا معه ~~برحمة منا} [هود: 58] قال ابن عباس: يريد حيث هديتهم للإيمان وعصمتهم من أن ~~يكفروا بي. # فمعنى الرحمة ههنا ما أراهم من الهدى والبيان {ونجيناهم من عذاب غليظ} ~~[هود: 58] يعني: ما عذب به الذين كفروا، ثم ذكر عادا فقال: {وتلك عاد جحدوا ~~بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد {59} وأتبعوا في هذه ~~الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود ~~{60} وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو ~~أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب ~~{61} قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد ~~آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب {62} قال يا قوم أرأيتم إن كنت ~~على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني ~~غير تخسير {63} ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها # PageV02P578 # تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب {64} فعقروها فقال ~~تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب {65} فلما جاء أمرنا نجينا ~~صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز ~~{66} وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين {67} كأن لم يغنوا ~~فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود {68} } [هود: 59-68] وتلك عاد ~~يعني القبيلة {جحدوا بآيات ربهم} [هود: 59] قال ابن عباس: كذبوا أنبياء ~~الله. # وعصوا رسله إنما جمع الرسل وكان قد بعث إليهم هودا لأن من كذب رسولا ~~واحدا فقد كفر بجميع الرسل {واتبعوا أمر ms0834 كل جبار عنيد} [هود: 59] واتبع ~~السفلة والسقاط الرؤساء، والعنيد: الذي لا يقبل الحق، من قولهم: عند الرجل ~~يعند عنودا. # إذا أبى أن يقبل الشيء وإن عرفه، {وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة} [هود: 60] ~~أي: أردفوا لعنة تلحقهم وتتصرف معهم ويوم القيامة أي: وفي يوم القيامة، كما ~~قال: {لعنوا في الدنيا والآخرة} [النور: 23] ، {ألا إن عادا كفروا ربهم} ~~[هود: 60] أي: بربهم، فحذف الياء، كما تقول: أمرتك الخير. # {ألا بعدا لعاد قوم هود} [هود: 60] يريد: بعدوا من رحمة الله. # قوله: وإلى ثمود ظاهر إلى قوله {هو أنشأكم من الأرض} [هود: 61] يعني: ~~خلقكم من آدم، وآدم خلق من الأرض واستعمركم فيها جعلكم عمارا لها، أي: ~~أورثكم الأرض فصرتم عمرتها بعد من مضوا {قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا ~~قبل هذا} [هود: 62] قال المفسرون: كان صالح يعدل عن دين قومه، ويبغض ~~أصنامهم وكانوا يرجون رجوعه إلى دين أبيه وعشيرته، فلما أظهر دعاءهم إلى ~~الله وترك عبادة الأصنام، زعموا أن رجاءهم انقطع منه ويئسوا من دخوله في ~~ملتهم، وأنكروا عليه نهيه إياهم عن عبادة الأصنام. # فقالوا {أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه} ~~[هود: 62] من توحيد الله وعبادته مريب موقع للريبة. # {قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي} [هود: 63] الآية، يقول: يا ~~قوم أعلمتم من {ينصرني من الله} [هود: 63] ؟ من يمنعني من عذاب الله إن ~~عصيته بعد بينة من ربي ونعمة؟ قوله: {فما تزيدونني غير تخسير} [هود: 63] لم ~~يكن صالح في خسارة حين قال لهم هذا، وإنما المعنى ما تزيدونني بما تقولون، ~~يعني قولهم {أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا} [هود: 62] إلا نسبتي إياكم ~~إلى الخسارة، والتخسير مثل التفسيق والتفجير، قال ابن الأعرابي: يريد: غير ~~تخسير لكم لا لي، ومعنى التخسير: التضليل والإبعاد من الخير. # {ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية} [هود: 64] الآية مشروحة في { [الأعراف، ~~وقوله:] تمتعوا في داركم} [سورة هود: 65] يعني: عيشوا في بلدكم، وعبر عن ~~الحياة بالتمتع لأن الحي يكون متمتعا بالحواس، وقوله ms0835 ثلاثة أيام قال ~~المفسرون: لما عقرت الناقة صعد فصيلها الجبل ورغا رغوة ثلاثا، فقال صالح: ~~لكل رغوة أجل معلوم فاصفر ألوانهم أول يوم، ثم أحمر من الغد، ثم اسود اليوم ~~الثالث، وهو قوله: ذلك وعد أي: العذاب غير مكذوب أي: غير كذب. # PageV02P579 ### | 453 - # أخبرنا نصر بن بكر بن أحمد بن الحسين بن مهران، أنا عبد الله بن محمد ~~السجزي، أنا محمد بن أيوب، أنا العباس بن الوليد النرسي، أنا يحيى بن سليم، ~~عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن ابن الزبير، أن جابرا حدثه، أن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك قام فخطب الناس، فقال: " ~~أيها الناس لا تسألوا نبيكم الآيات، هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث ~~لهم الناقة، فكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها، فيحلبون من ~~لبنها مثل الذي كانوا يشربون من ماءها يوم غبها، فعتوا عن أمر ربهم، فقال: ~~تمتعوا في داركم ثلاثة أيام وكانت وعدا من الله غير مكذوب، ثم جاءتهم ~~الصيحة فأهلك الله من كان في مشارق الأرض ومغاربها منهم إلا رجلا كان في ~~حرم الله فمنعه حرم الله من عذاب الله، يقال له: أبو رغال، قيل: يا رسول ~~الله من أبو رغال؟ قال: أبو ثقيف " # قوله: {فلما جاء أمرنا} [هود: 66] تقدم تفسيره في قصة عاد إلى قوله: {ومن ~~خزي يومئذ} [هود: 66] قال ابن الأنباري: هذا عطف على محذوف بتقدير: نجيناهم ~~من العذاب، ومن خزي يومئذ. # من الخزي الذي لزمهم ذلك اليوم، وبقى عاره مأثورا عنهم، وفي يومئذ ~~قراءتان: الفتح، والكسر، فمن كسر فإن الاسم معرب فانجر بالإضافة، ومن فتح ~~الميم مع أنه في موضع جر فلأنه مضاف إلى مبني غير متمكن، والمضاف إلى ~~المبني يجوز بناؤه. # كقول النابغة: # على حين عاتبت المشيب على الصبا ... وقلت ألما أصح والشيب وازع # قوله: {وأخذ الذين ظلموا الصيحة} [هود: 67] قال ابن الأنباري: إنما ذكر ~~أخذ لأن الصيحة محمولة على الصياح. # قال المفسرون: لما أصبحوا اليوم الرابع أتتهم صيحة من ms0836 السماء فيها صوت كل ~~صاعقة، وصوت كل شيء في الأرض فتقطعت قلوبهم في صدورهم. # {فأصبحوا في ديارهم جاثمين {67} كأن لم يغنوا فيها} [هود: 67-68] هذه ~~الأحرف مفسرة في { [الأعراف،] ألا إن ثمود كفروا ربهم} [سورة هود: 68] قرئ ~~بالإجراء، وتركه فمن أجراه فلأنه اسم مذكر سمي به مذكر، وهو الحي فصار ~~كثقيف وقريش، ومن ترك إجراءه جعله اسما للقبيلة فلم يصرفه لاجتماع التعريف ~~والتأنيث، وهو ثمود بن عاتي بن إرم بن سام بن نوح، قال أبو عمرو بن العلاء: ~~سميت ثمود لقلة مائها، والثمد الماء القليل، وكانت مساكنهم الحجر بين ~~الحجاز والشام. # قوله: { # PageV02P580 # ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء ~~بعجل حنيذ {69} فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا ~~لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط {70} وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ~~ومن وراء إسحاق يعقوب {71} قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن ~~هذا لشيء عجيب {72} قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل ~~البيت إنه حميد مجيد {73} فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا ~~في قوم لوط {74} إن إبراهيم لحليم أواه منيب {75} يا إبراهيم أعرض عن هذا ~~إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود {76} } [هود: 69-76] {ولقد ~~جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى} [هود: 69] يعني الملائكة الذين أتوه في صورة ~~الأضياف، قال ابن عباس: وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل. # وقال الضحاك: كانوا تسعة. # وقال السدي: كانوا أحد عشر ملكا على صورة الغلمان الوضاء. # قالوا سلاما أي: سلموا سلاما قال سلام أي: عليكم سلام، وقرأ حمزة: سلم ~~بكسر السين، قال الفراء: وهو في معنى سلام كما قالوا: حل وحلال، وحرم حرام ~~لأن التفسير جاء بأنهم سلموا عليه فرد عليهم. # وقوله: {فما لبث أن جاء بعجل حنيذ} [هود: 69] قال عبيد بن عمير: مكث ~~إبراهيم عليه السلام خمس عشرة ليلة لا يأتيه ضيف فاغتم لذلك، فلما جاءته ~~الملائكة رأى أضيافا لم ير مثلهم فجاءهم بعجل حنيذ، أي: محنوذ، أي: مشوي ms0837، ~~قال ابن عباس: الحنيذ: النضيج. # وهو قول مجاهد، وقتادة، والحنذ: اشتواء اللحم بالحجارة المحماة في شق من ~~الأرض، يقال: حنذته حنذا. # وهو فعل أهل البادية، فلما رأى إبراهيم {أيديهم لا تصل} [هود: 70] إلى ~~العجل لأنهم كانوا ملائكة لا يأكلون ولا يشربون نكرهم إبراهيم، أي: أنكرهم ~~وخاف امتناعهم من طعامه، وهو قوله: {وأوجس منهم خيفة} [هود: 70] قال أبو ~~عبيدة، والزجاج: أضمر منهم خوفا. # لأنه لم يكن يأمن أن يكونوا جاءوا لبلاء أو شر، لما لم يتحرموا بطعامه، ~~ورأوا علامة ذلك في وجهه قالوا لا تخف فإنا ملائكة الله {أرسلنا إلى قوم ~~لوط} [هود: 70] بالعذاب. # وامرأته قائمة من وراء الستور يعني: سارة بنت هاران بن ناحور بنت عم ~~إبراهيم، وكانت تتسمع إلى الرسل، وقوله: فضحكت أي: سرورا بما زال عنها من ~~الخوف لأنها كانت خافت كما خاف إبراهيم عليه السلام، ويجوز أن يكون هذا على ~~التقديم والتأخير، والتقدير: فبشرناها بإسحاق فضحكت سرورا بالتبشير، وذلك ~~أن الملائكة قالوا لها: أيتها الضاحكة ستلدين غلاما. # والقولان في ضحكت ذكرهما الفراء، وقوله: {فبشرناها بإسحاق} [هود: 71] قال ~~المفسرون: كان # PageV02P581 # إبراهيم قد ولد له من هاجر إسماعيل وكبر وشب فتمنت سارة أن يكون لها ابن ~~وأيست من ذلك لكبر سنها، فبشرت على كبر السن بولد يكون نبيا ويلد نبيا. # وهو قوله: {ومن وراء إسحاق يعقوب} [هود: 71] قال الزجاج: بشروها بأنها ~~تلد إسحاق وأنها ستعيش إلى أن ترى ولد ولده. # ووراء ههنا بمعنى بعد، قال ابن عباس، ومقاتل: ومن بعد إسحاق يعقوب، ~~ويعقوب رفع لأنه ابتداء مؤخر معناه التقديم، المعنى: ويعقوب يحدث لها من ~~وراء إسحاق، ومن نصب يعقوب نصبه بفعل يشاكل معناه معنى التبشير على تقدير: ~~من وراء إسحاق وهبنا لها يعقوب، كما تقول العرب: مررت بأخيك وأباك. # يريدون بمررت: جزت كأنه قيل: جزت أخاك وأباك كما قال رؤبة: # يهوين في نجد وغورا غائرا # أراد يدخلن نجدا، قوله: {قالت يا ويلتا} [هود: 72] الأصل: يا ويلتي، ~~فأبدل من الياء الألف لأنه أخف من الياء والكسرة، وهذه الكلمة إنما تقال ms0838 ~~عند الإيذان بورود الأمر العظيم الفظيع، وقوله: {أألد وأنا عجوز} [هود: 72] ~~استفهام تعجب، قال محمد بن إسحاق: كانت ابنة تسعين سنة وكان زوجها ابن ~~عشرين ومائة سنة. # وهو قوله: {وهذا بعلي شيخا إن هذا} [هود: 72] الذي تذكرونه من أمر الولد ~~بيننا لشيء عجيب معجب، قالوا لها {أتعجبين من أمر الله} [هود: 73] من قضاء ~~الله وقدرته؟ {رحمت الله وبركاته عليكم} [هود: 73] يحتمل أن يكون هذا من ~~دعاء الملائكة لهم بالرحمة والبركة، ويحتمل أن يكون ذلك إخبارا عن ثبوت ذلك ~~لهم، وقوله: أهل البيت يعني: بيت إبراهيم عليه السلام، ومن تلك البركات أن ~~الأسباط وجميع الأنبياء كانوا من إبراهيم وسارة، إنه حميد تحمد فعاله، وهو ~~بمعنى المحمود مجيد المجيد الماجد، وهو ذو الشرف والمجد والكرم. # قوله: {فلما ذهب عن إبراهيم الروع} [هود: 74] يعني: الفزع الذي أصابه لما ~~لم يأكلوا العجل وجاءته البشرى بإسحاق ويعقوب {يجادلنا في قوم لوط} [هود: ~~74] أي: أقبل وأخذ يجادل رسلنا من الملائكة، قال المفسرون: إن الرسل لما ~~قالوا لإبراهيم: إنا مهلكو أهل هذه القرية، قال: أرأيتم إن كان فيها خمسون ~~من المسلمين أتهلكونهم؟ قالوا: لا. # قال: فأربعون؟ قالوا: لا. # فما زال ينقص، ويقولون: لا. # حتى قال: فواحد؟ قالوا: لا. # فاحتج عليهم بلوط فقال: {إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه ~~وأهله} [العنكبوت: 32] فهذا معنى جدال إبراهيم في قوم لوط، وما بعد هذا ~~مفسر في { [التوبة، قالت الرسل عند ذلك. # ] يا إبراهيم أعرض عن هذا} [سورة هود: 76] الجدال {إنه قد جاء أمر ربك} ~~[هود: 76] بعذابهم {وإنهم آتيهم عذاب غير مردود} [هود: 76] أي: لا يرد عنهم ~~ما يأتيهم من العذاب لأن الله تعالى قد قضى بذلك. # قوله: {ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب ~~{77} وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم ~~هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي # PageV02P582 # أليس منكم رجل رشيد {78} قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك ~~لتعلم ms0839 ما نريد {79} قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد {80} قالوا ~~يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم ~~أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ~~{81} فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ~~منضود {82} مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد {83} } [هود: 77-83] ~~{ولما جاءت رسلنا} [هود: 77] يعني الملائكة، {لوطا} [هود: 77] في قريته ~~{سيء بهم} [هود: 77] حزن بمجيئهم لأنهم أتوه في صورة غلمان جرد، فلما نظر ~~إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم، أشفق عليهم من قومه أن يقصدوهم بالفاحشة، ~~وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عنهم {وضاق بهم ذرعا} [هود: 77] ضاق صدره ~~وعظم المكروه عليه، قال الزجاج: يقال: ضاق زيد بأمره ذرعا. # إذا لم يجد من المكروه فيه مخلصا. # {وقال هذا يوم عصيب} [هود: 77] شديد، قال أبو عبيدة: إنما قيل له عصيب ~~لأنه يعصب الناس بالشر أي يشدهم. # قوله: {وجاءه قومه يهرعون إليه} [هود: 78] قال المفسرون: لما أضافهم لوط ~~مضت امرأته عجوز السوء، فقالت لقومه: لقد استضاف لوطا قوم لم أر أحسن وجوها ~~منهم. # فجاءه قومه يهرعون إليه. # قال الكسائي، وأبو زيد: أهرع الرجل إهراعا. # إذا أسرع. # قال عامة المفسرين: يهرعون: يسرعون ومن قبل أي: ومن قبل مجيئهم إلى لوط ~~{كانوا يعملون السيئات} [هود: 78] يعني: فعلهم المنكر قال لوط {هؤلاء بناتي ~~هن أطهر لكم} [هود: 78] يعني: أنا أزوجكموهن، فهن أطهر لكم من نكاح الرجال، ~~أراد أن يقي أضيافه ببناته فعرضهن عليهم، وقال سعيد بن جبير: دعاهم إلى ~~نسائهم. # يعني أن قوله: {هن أطهر لكم} [هود: 78] أي: نساؤكم أطهر لكم فجعلهن بناته ~~لأنه نبيهم، وكل نبي أبو أمته، وقوله: فاتقوا الله أي: اتقوا عقابه {ولا ~~تخزون في ضيفي} [هود: 78] لا تسوءوني فيهم، ولا تفعلوا بهم فعلا يلزمني ~~الاستحياء منهم، والضيف يراد به الجمع، قال ابن عباس: لا تفضحوني في ~~أضيافي. # يريد: أنهم إذا هجموا على أضيافه بالمكروه لحقته الفضيحة {أليس منكم رجل ms0840 ~~رشيد} [هود: 78] يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ وهذا معنى قول ابن عباس: ~~رجل رشيد يقول الحق ويرد هؤلاء عن أضيافي. # ورشيد ههنا بمعنى مرشد. # {قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق} [هود: 79] لسن لنا بأزواج ~~فنستحقهن {وإنك لتعلم ما نريد} [هود: 79] قال عطاء: إنك لتعلم أنا نريد ~~الرجال لا النساء يعنون عملهم الخبيث. # {قال لو أن لي بكم قوة} [هود: 80] جماعة أقوى بها عليكم {أو آوي إلى ركن ~~شديد} [هود: 80] أو أنضم إلى عشيرة تنصرني، وشيعة تمنعني، وجواب لو # PageV02P583 # محذوف على تقدير: لحلت بينكم وبين المعصية. # قال قتادة: ذكر لنا أن الله لم يبعث نبيا بعد لوط إلا في عز من قومه، ~~ومنعة من عشيرته. # ولما رأت الملائكة ما لقي لوط من قومه. # {قالوا يا لوط} [هود: 81] إن ركنك لشديد و {إنا رسل ربك لن يصلوا إليك} ~~[هود: 81] بسوء، فافتح الباب ودعنا وإياهم. # ففتح الباب فدخلوا، فضرب جبريل بجناحه وجوههم فأعماهم فصاروا لا يعرفون ~~الطريق، فذلك قوله تعالى: {ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم} [القمر: 37] ~~وقوله: فأسر بأهلك، وقرئ بقطع الألف وهما لغتان، يقال: سريت بليل وأسريت. # ومنه قوله: أسرى بعبده قال السدي، عن ابن مالك: لم يؤمن بلوط إلا ابنتاه: ~~الكبرى اسمها رية، والصغرى اسمها عروبة، والمراد بالأهل ههنا: ابنتاه، ~~وقوله: {بقطع من الليل} [هود: 81] قال ابن عباس: يريد: في ظلمة الليل. # وقال قتادة: بعد طائفة من الليل. # {ولا يلتفت منكم أحد} [هود: 81] نهى من معه من الالتفات إذا خرجوا من ~~قريتهم، وقوله: إلا امرأتك من نصبها جعلها مستثناة من الأهل على معنى: فأسر ~~بأهلك إلا امرأتك، ومن رفع فكأن المعنى: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك، ~~قال قتادة: ذكر لنا أنها كانت مع لوط حين خرج من القرية، فلما سمعت هدة ~~العذاب التفتت فقالت: واقوماه!! فأصابها حجر فأهلكها. # وهو قوله: {إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم} [هود: 81] للعذاب الصبح فقال ~~لوط: أريد أعجل من ذلك، بل الساعة يا جبريل، قال له: {أليس الصبح بقريب ~~{81} فلما جاء ms0841 أمرنا} [هود: 81-82] الملائكة بالعذاب {جعلنا عاليها سافلها} ~~[هود: 82] الكناية تعود إلى المؤتفكات وهي مذكورة قبل هذه ال { [، قال ~~المفسرون: أدخل جبريل جناحه تحت مدائن قوم لوط حتى قلعها، وصعد بها إلى ~~السماء حتى سمع أهل السماء نهيق الحمار ونباح الكلاب وصياح الديوك، لم تسقط ~~لهم جرة ولم ينكسر لهم إناء، وكان الطير يخرج في الهواء لا يدري أين يذهب ~~ثم قلبها عليهم مكانها، وأنزلت عليهم الحجارة، فذلك قوله:] وأمطرنا عليها ~~حجارة من سجيل} [سورة هود: 82] وهو معرب عن سنك وكل، وهذا قول ابن عباس، ~~ووهب، وقتادة، وسعيد بن جبير، والعرب لا تعرف هذا، قال الزجاج: ومن كلام ~~الفرس ما لا يحصى مما عربته العرب نحو جاموس وديباج. # وقد أعاد الله ذكر هذه الحجارة فقال: {لنرسل عليهم حجارة من طين} ~~[الذاريات: 33] فبين للعرب ما عنى بالسجيل، وهذا القول اختيار الفراء، وابن ~~قتيبة، قالا: من طين قد طبخ حتى صار كالآجر فهو سنك كل بالفارسية. # قوله: منضود هو مفعول من النضد وهو وضع الشيء بعضه على بعض، ومعناه في ~~قول أكثر المفسرين: الذي يتلو بعضه بعضا. # مسومة من نعت قوله: # PageV02P584 # حجارة قال الزجاج: معلمة بعلامة تعرف بها أنها ليست من حجارة أهل الدنيا. # وهذا قول ابن جريج، قال: كانت عليها سيما لا تشاكل حجارة الأرض. # وقال الحسن، والسدي: كانت مختومة عليها أمثال الخواتيم. # وقال قتادة، وعكرمة: كان بها نضخ من حمرة فيها خطوط حمر على هيئة الجذع. # وقوله: عند ربك أي: في خزائنه التي لا يتصرف في شيء منها إلا بإذنه، ~~وقوله: {وما هي من الظالمين ببعيد} [هود: 83] قال قتادة: والله ما أجار ~~الله منها ظالما بعد قوم لوط، فاتقوا الله وكونوا على حذر. # وأكثر المفسرين على أن المراد بالظالمين ههنا كفار قريش يرهبهم الله بها. # {وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا ~~تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ~~{84} ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس ms0842 أشياءهم ولا ~~تعثوا في الأرض مفسدين {85} بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا ~~عليكم بحفيظ {86} قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن ~~نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد {87} قال يا قوم أرأيتم إن ~~كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما ~~أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت ~~وإليه أنيب {88} ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح ~~أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد {89} واستغفروا ربكم ثم ~~توبوا إليه إن ربي رحيم ودود {90} قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول ~~وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز {91} قال يا ~~قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون ~~محيط {92} ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب ~~يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب {93} ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا ~~والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم ~~جاثمين {94} كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود {95} } قوله ~~تعالى: وإلى مدين مفسر إلى قوله: {ولا تنقصوا المكيال والميزان} [هود: 84] ~~أي: لا تطففوا ولا تبخسوا حق الناس # PageV02P585 # بالمكيال، وهو ما يكال به، ونقص المكيال أن يجعل على حد أنقص مما هو عليه ~~المعهود، ونقص الميزان أن تجعل الصنجات أخف، وما يوزن به فهو ميزان ~~والصنجات يوزن بها، وقوله: {إني أراكم بخير} [هود: 84] يعني: الخصب ~~والنعمة، والمعنى: أنه حذرهم غلاء السعر وزوال النعمة إن لم يتوبوا، وقال ~~الفراء: لا تنقصوا المكيال وأموالكم كثيرة وأسعاركم رخيصة يعني: أي حاجة ~~بكم إلى سوء الكيل والوزن بعد أن أنعم الله تعالى عليكم برخص السعر وكثرة ~~المال، وقوله: {وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط} [هود: 84] يوعدهم بعذاب ~~محيط بهم فلا يفلت منهم أحد. # {ويا ms0843 قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط} [هود: 85] أي: أتموهما بالعدل ~~والإيفاء الإتمام {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} [هود: 85] ولا تنقصوا الناس ~~ما يستحقون عليكم، قال ابن عباس: إنكم معشر الأعاجم قد وليتم أمرين هلك ~~بهما من كان قبلكم من الأمم: المكيال والميزان. # وكان ابن عمر يمر بالبائع فيقول: اتق الله أوف الكيل أوف الوزن. # وقوله: {بقيت الله خير لكم} [هود: 86] قال ابن عباس: يعني: ما أبقى الله ~~لكم من الحلال بعد إتمام الكيل والوزن خير لكم من البخس والتطفيف. # يعني: من تعجل النفع بالبخس في المكيال والميزان، {إن كنتم مؤمنين} [هود: ~~86] شرط الإيمان في كونه خيرا لهم لأنهم إن كانوا مؤمنين بالله عرفوا صحة ~~ما يقول، {وما أنا عليكم بحفيظ} [هود: 86] أي: لم أؤمر بقتالكم وإكراهكم ~~على الإيمان. # {قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا} [هود: 87] قال ~~عطاء: يريد: دينك يأمرك فكنى عن الدين بالصلاة لأنها من أمر الدين. # وكان شعيب كثير الصلاة لذلك قالوا هذا كأنهم قالوا: في دينك أن تأمرنا ~~بترك ما يعبد آباؤنا {أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء} [هود: 87] من البخس ~~والظلم {إنك لأنت الحليم الرشيد} [هود: 87] أي: السفيه الجاهل، وإنما قالوا ~~هذا على طريق الاستهزاء، وجميع الآية إخبار عن استهزائهم بنبيهم حيث أنكروا ~~عليه أمرهم بالمعروف، {قال يا قوم} [هود: 88] تقدم تفسيره في هذه ال { [، ~~وقوله:] ورزقني منه رزقا حسنا} [سورة هود: 88] يعني: حلالا، كان شعيب كثير ~~المال، قال الزجاج: جواب إن محذوف، والمعنى: إن كنت على بينة من ربي ورزقني ~~المال الحلال أأتبع الضلال فأبخس وأطفف. # يريد: أن الله قد أغناه بالمال الحلال {وما أريد أن أخالفكم إلى ما ~~أنهاكم عنه} [هود: 88] قال ابن عباس: وما أريد أن أفعل ما أنهاكم عنه. # وقال قتادة: لم أكن أنهاكم عن أمر أرتكبه. # وقال الزجاج: لست أنهاكم عن شيء وأدخل فيه. # {إن أريد إلا الإصلاح} [هود: 88] ما أريد إلا الإصلاح فيما بيني وبينكم ~~بأن تعبدوا الله وحده، وتفعلوا كما يفعل من يخاف الله، وقوله: ما ms0844 استطعت ~~أي: بقدر طاقتي، وطاقته البلاغ والإنذار، ثم أعلم أنه لا يقدر أحد على ~~الطاعة إلا بتوفيق الله فقال: {وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه ~~أنيب} [هود: 88] أرجع في المعاد. # قوله: {ويا قوم لا يجرمنكم} [هود: 89] لا يكسبنكم شقاقي خلافي ومعاداتي ~~أن # PageV02P586 # يصيبكم عذاب العاجلة {مثل ما أصاب} [هود: 89] من قبلكم، والمعنى: لا ~~تخالفوني فتستحقوا العذاب والهلاك كما استحق غيركم من الأمم بمخالفتهم ~~أنبياءهم، وقوله: {وما قوم لوط منكم ببعيد} [هود: 89] قال قتادة: أي: في ~~الزمان الذي بينكم وبينهم. # قال الزجاج: وكان إهلاك قوم لوط أقرب الإهلاكات التي عرفوها فكأنه قال ~~لهم: العظة في قوم لوط قريبة منكم. # واستغفروا ربكم اطلبوا منه المغفرة وتوسلوا إليه بالتوبة، وهو قوله: {ثم ~~توبوا إليه إن ربي رحيم} [هود: 90] بمن تاب إليه ودود قال ابن الأنباري: ~~الودود في أسماء الله تعالى المحب لعباده من قولهم: وددت أود ودا وودودا ~~وودادة. # وقال الأزهري حاكيا عن بعض أهل اللغة: إن الودود يجوز أن يكون بمعنى ~~المودود، ومعناه: أن عبادة المؤمنين يودونه ويحبونه لما عرفوا من فضله ~~وإحسانه إليهم. # قوله: {قالوا يا شعيب ما نفقه} [هود: 91] ما نفهم {كثيرا مما تقول} [هود: ~~91] قال ابن الأنباري: معناه: ما نفقه صحة كثير مما تقول، يعنون من التوحيد ~~والبعث وما يأمرهم به من الزكاة وترك البخس {وإنا لنراك فينا ضعيفا} [هود: ~~91] قال سعيد بن جبير، وقتادة: أعمى. # وهو قول ابن عباس، قال الزجاج: لغة حمير تسمى الضرير ضعيفا، لأنه ضعف ~~بذهاب بصره. # قوله: ولولا رهطك عشيرتك وقومك لرجمناك قتلناك، قال الزجاج: والرجم من شر ~~القتلات، وكان رهط شعيب من أهل ملتهم، فلذلك أظهروا إليهم. # {وما أنت علينا بعزيز} [هود: 91] أي: لست بممتنع علينا من أن نقتلك لولا ~~ما نراعي من حق عشيرتك، {قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله} [هود: 92] ~~يقول: أنتم تزعمون أنكم تتركون قتلي إكراما لرهطي، والله عز وجل أولى بأن ~~يتبع أمره، كأنه يقول: حفظكم إياي في الله أولى منه في رهطي. # قوله: {واتخذتموه وراءكم ms0845 ظهريا} [هود: 92] الظهري: الشيء الذي تنساه ~~وتغفل عنه، قال ابن عباس: يريد ألقيتموه خلف ظهوركم وامتنعتم من قتلي مخافة ~~قومي والله أعز وأكبر من جميع خلقه. # وقال الفراء: يعني: تعظمون أمر رهطي وتتركون أن تعظموا الله وتخافوه. # {إن ربي بما تعملون محيط} [هود: 92] عالم بأعمالكم وهو يجازيكم بها، وما ~~بعد هذا تقدم تفسيره إلى قوله: {وارتقبوا إني معكم رقيب} [هود: 93] قال ابن ~~عباس: ارتقبوا العذاب إني مرتقب من الله الرحمة والثواب. # قوله: {وأخذت الذين ظلموا الصيحة} [هود: 94] صاح بهم جبريل صيحة فماتوا ~~في أمكنتهم، {ألا بعدا لمدين} [هود: 95] أي: بعدوا من رحمة الله {كما بعدت ~~ثمود} [هود: 95] قال ابن الأنباري: العرب تقول: بعد الطريق يبعد، وبعد ~~الميت يبعد. # إذا هلك والمصدر فيها البعد. # PageV02P587 # {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين {96} إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر ~~فرعون وما أمر فرعون برشيد {97} يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس ~~الورد المورود {98} وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ~~{99} } [هود: 96-99] قوله: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} [هود: 96] قال ~~الزجاج: أي: بعلاماتنا التي تدل على صحة نبوته. # وسلطان مبين حجة بينة يتسلط بها على من خالفه، قال ابن عباس: يعني: عصاه. # {إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون} [هود: 97] ما أمرهم به من عبادته ~~واتخاذه إلها {وما أمر فرعون برشيد} [هود: 97] بمرشد إلى خير، {يقدم قومه ~~يوم القيامة} [هود: 98] يقال: قدمه قدما. # إذا تقدمه، والمعنى: أنه يقدمهم إلى النار، يدل على هذا قوله: فأوردهم ~~النار قال قتادة: يمضي بين أيديهم حتى يهجم على النار. ### | 454 - # أخبرنا أبو الفتح محمد بن علي الكوفي الصوفي، أنا الحسن بن علي بن أحمد ~~بن سليمان، نا الفضل بن الخصيب، نا سلمة بن شهيب، نا أبو جعفر النفيلي، نا ~~أبو الدهماء البصري، عن ثابت البناني، عن عمر بن عبد العزيز، عن أبي بردة، ~~عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان ~~يوم القيامة جمع الله الخلائق في صعيد واحد ثم رفع لكل قوم آلهتهم التي ms0846 ~~كانوا يعبدونها فيوردونهم النار ويبقى الموحدون، فيقال لهم: ما تنتظرون؟ ~~فيقولون: ننتظر ربنا كنا نعبده بالغيب، فيقال لهم: أوتعرفونه؟ فيقولون: إن ~~شاء عرفنا نفسه فيتجلى لهم الرب فيخرون له سجدا، فيقال لهم: يا أهل التوحيد ~~ارفعوا رءوسكم فقد أوجب الله لكم الجنة، وجعل مكان كل رجل منكم يهوديا أو ~~نصرانيا " # وقوله: {وبئس الورد المورود} [هود: 98] الموضع أو الشيء الذي يرده، قال ~~المفسرون: الورد المورود المدخل المدخول، قال ابن الأنباري: وتلخيص المعنى: ~~بئس الشيء الذي يدخل النار. # {وأتبعوا في هذه} [هود: 99] يعني: في # PageV02P588 # الدنيا لعنة ألحقوا في الدنيا لعنة وهي الغرق ويوم القيامة يعني: ولعنة ~~يوم القيامة وهي عذاب الآخرة، {بئس الرفد المرفود} [هود: 99] قال قتادة: ~~ترافدت عليهم لعنتان من الله لعنة الدنيا ولعنة الآخرة. # وقال مجاهد: رفدوا يوم القيامة بلعنة أخرى زيدوها، فتانك لعنتان. # وسأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله: {بئس الرفد المرفود} [هود: 99] ~~قال: هو اللعنة بعد اللعنة. # قال الزجاج: وكل شيء جعلته عونا لشيء فقد رفدته. # قال الضحاك: اللعنتان اللتان أصابتهم رفدت إحداهما الأخرى. # قوله: {ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد {100} وما ظلمناهم ~~ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما ~~جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب {101} وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ~~ظالمة إن أخذه أليم شديد {102} } [هود: 100-102] ذلك يعني ما تقدم من الخبر ~~{من أنباء القرى} [هود: 100] من أخبار القرى الهالكة نقصه عليك نخبرك بها ~~منها قائم بقيت حيطانه وحصيد أي: ومنها حصيد مخسوف به قد انمحى أثره، وقال ~~ابن عباس: قائم ينظرون إليه وإلى ما بقى من أثره، وحصيد قد خرب ولم يبق له ~~أثر، شبهه بالزرع إذا حصد. # وما ظلمناهم بالعذاب والإهلاك {ولكن ظلموا أنفسهم} [هود: 101] بالكفر ~~والمعصية {فما أغنت عنهم آلهتهم} [هود: 101] أي: ما نفعتهم وما دفعت عنهم ~~شيئا {لما جاء أمر ربك} [هود: 101] بالهلاك والعذاب {وما زادوهم غير تتبيب} ~~[هود: 101] غير خسار وهلاك، قال ابن الأنباري: إنهم ادعوا ms0847 أن عبادتها ~~تنفعهم عند الله، فلما جرى الأمر بخلاف ما قدروا وصفها الله تعالى بأنها ~~زادتهم بلاء وهلاكا. # قوله: وكذلك أي: وكما ذكر من إهلاك الأمم وأخذهم بالعذاب {أخذ ربك إذا ~~أخذ القرى} [هود: 102] ومعنى أخذ القرى أخذ أهلها، وهو أن ينقلهم إلى ~~العقوبة والهلاك، وقوله: وهي ظالمة من صفة القرى وهو في الحقيقة لأهلها ~~وسكانها، ونحو هذا قوله: {وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة} [الأنبياء: 11] . ### | 455 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر، أنا أبو الحسن محمد بن ~~الحسن السراج، نا محمد بن عبد الله # PageV02P589 # الحضرمي، نا محمد بن عبد الله بن نمير، نا أبو معاوية، نا يزيد بن عبد ~~الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ~~إن الله تبارك وتعالى يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ {وكذلك أخذ ~~ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} [هود: 102] ". # رواه مسلم، عن ابن نمير، ورواه البخاري، عن صدقة بن الفضل كلاهما عن أبي ~~معاوية # {إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم ~~مشهود {103} وما نؤخره إلا لأجل معدود {104} يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه ~~فمنهم شقي وسعيد {105} فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ~~{106} خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما ~~يريد {107} وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض ~~إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ {108} } [هود: 103-108] قوله: {إن في ذلك} ~~[هود: 103] يعني ما ذكر من عذاب الأمم وأخذهم لآية لعبرة وموعظة {لمن خاف ~~عذاب الآخرة} [هود: 103] ذلك يوم القيامة وقد سبق ذكره {ذلك يوم مجموع له ~~الناس} [هود: 103] لأن الخلق كلهم يحشرون ويجمعون لذلك اليوم {وذلك يوم ~~مشهود} [هود: 103] شهده البر والفاجر، وأهل السماء وأهل الأرض، وما نؤخره ~~أي: ذلك اليوم {إلا لأجل معدود} [هود: 104] لوقت معلوم لا يعلمه غير الله، ~~يوم يأتي، وقرئ بحذف ms0848 الياء التي هي لام الفعل، قال الفراء: كل ياء ساكنة ما ~~قبلها مكسور فإن العرب تجيز حذفها وتكتفي بالكسرة من الياء. # وقد حكى سيبويه، والخليل أن العرب تقول: لا أدر. # فتحذف الياء وتكتفي بالكسرة. # وقوله: {لا تكلم نفس إلا بإذنه} [هود: 105] وذلك أن الخلق في ذلك اليوم ~~كلهم ساكتون إلا من أذن الله له في الكلام كقوله: {فلا تسمع إلا همسا} [طه: ~~108] وقوله: فمنهم أي: من الأنفس أي: في ذلك اليوم شقي قال ابن عباس: كتبت ~~عليه الشقاوة. # وسعيد كتبت عليه السعادة. ### | 456 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن محمود، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان ~~القطيعي، نا محمد بن يونس الكديني، نا أبو عامر العقدي، نا عروة بن ثابت، ~~عن الزهري، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، قال: أغمي على عبد الرحمن بن ~~عوف ثم أفاق، فقال: إنه أتاني ملكان فظان غليظان فقالا: انطلق بنا نحاكمك ~~إلى العزيز الأمين، فقال: خليا عنه فإنه ممن سبقت له السعادة وهو في بطن ~~أمه # PageV02P590 # قوله: {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق} [هود: 106] قال ~~الزجاج: هما من أصوات المحزونين. # وحكي عن أهل اللغة جميعا أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار بالنهيق، ~~والشهيق بمنزلة آخر صوته. # ونحو هذا قال المفسرون، قال الضحاك، ومقاتل: الزفير أول نهيق الحمار ~~والشهيق آخره حين يفرغ من صوته إذا رده في جوفه. # والمعنى ما رواه ابن عباس في رواية عطاء قال: يريد ندامة، ونفسا عاليا، ~~وبكاء لا ينقطع. # قوله: {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض} [هود: 107] قال الضحاك: ما ~~دامت سموات الجنة والنار وأرضهما وكل ما علاك فهو سماء وكل ما استقرت عليه ~~قدمك فهو أرض. # والأكثرون على أن المراد بهذا التأبيد، كأنه قال: خالدين فيها أبدا. # قال ابن قتيبة، وابن الأنباري: للعرب في معنى الأبد ألفاظ، تقول: لا أفعل ~~ذلك ما اختلف الليل والنهار، وما دامت السموات والأرض، وما اختلفت الجرة ~~والدرة، وما أطت الإبل، وفي أشباه كثيرة لهذا ظنا منهم أن هذه الأشياء ms0849 لا ~~تتغير، فخاطبهم الله بما يستعملون في كلامهم، قوله: {إلا ما شاء ربك} [هود: ~~107] قال الفراء: هذا استثناء استثناه الله كقولك: والله لأضربنك إلا أن ~~أرى غير ذلك. # وعزيمتك على ضربه. # كذلك قال: {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} [هود: ~~107] ولا يشاؤه، وقال ابن الأنباري: وقع الاستثناء على معنى: لو شاء ألا ~~يخلدهم لقدر. # وقال الزجاج، وابن كيسان، وابن قتيبة: الاستثناء يعود إلى مكثهم في ~~الدنيا والبرزخ والوقوف للحساب كأنه قال: خالدين فيها إلا هذه المدة ثم ~~يصيرون إلى النار أبدا. # وقوله: {إن ربك فعال لما يريد} [هود: 107] قال ابن عباس: يعني: من إخراج ~~أهل التوحيد من النار. # وأما الذين سعدوا وقرأ أهل الكوفة سعدوا بضم السين، قال الفراء: كلام ~~العرب: سعدوا، يقال: سعد الرجل وأسعده الله، إلا هذيلة فإنهم يقولون: سعد ~~الرجل بالضم، وبذلك قرأ أصحاب عبد الله، وقال الكسائي: سعد وأسعد لغتان، ~~قوله: عطاء نصب بما دل عليه الكلام كأنه قال: أعطاهم النعيم عطاء غير مجذوذ ~~غير مقطوع، والجذ القطع. # {فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل ~~وإنا لموفوهم نصيبهم غير # PageV02P591 # منقوص {109} ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك ~~لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب {110} وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم ~~إنه بما يعملون خبير {111} } [هود: 109-111] فلا تك يا محمد في مرية في شك ~~مما يعبد أي: من حال ما يعبد هؤلاء في أنها لا تضر ولا تنفع {ما يعبدون إلا ~~كما يعبد آباؤهم} [هود: 109] إلا كعبادة آبائهم من قبل يريد: أنهم على طريق ~~التقليد يعبدون الأوثان كعبادة آبائهم {وإنا لموفوهم نصيبهم} [هود: 109] من ~~العذاب {غير منقوص} [هود: 109] لا ينقصهم من عذاب آبائهم، قال ابن عباس: ~~يريد: ما وعدوا من خير وشر. # وقال أبو العالية: يعني من الرزق. # ثم عزى نبيه فقال: {ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه} [هود: 110] أي: ~~إن كذبوا بالكتاب الذي آتيناك فقد كذب من قبلهم بالكتاب الذي ms0850 آتينا موسى، ~~{ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم} [هود: 110] قال ابن عباس: يريد إني أي ~~أخرت أمتك إلى يوم القيامة، ولولا ذلك لعجلت عقاب من كذبك. # {وإنهم لفي شك منه} [هود: 110] أي: من القرآن مريب موقع للريبة. # قوله: {وإن كلا لما ليوفينهم} [هود: 111] قرأ أبو عمر، والكسائي، إن ~~وشددت النون، لما خفيفة، واللام في لما: لام التأكيد دخلت في خبر إن، ~~واللام في {ليوفينهم} [هود: 111] اللام التي يتلقى بها القسم كما تقول: ~~والله لأفعلن. # والتقدير: والله ليوفينهم، دخلت ما للفصل بين اللامين، وقرأ ابن كثير: ~~وإن بالتخفيف وكذلك لما، قال سيبويه: حدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من ~~يقول: إن عمرا لمنطلق. # فيخففون إن ويعملونها، وأنشد: # ووجه حسن النحر ... كأن ثدييه حقان # ومن قرأ: لما مشددة كانت بمعنى: إلا، كما تقول: سألتك لما فعلت، وإلا ~~فعلت. # ومثله: {إن كل نفس لما عليها حافظ} [الطارق: 4] معناه: إلا، معنى ~~{ليوفينهم ربك أعمالهم} [هود: 111] أي: جزاء أعمالهم، أخبر الله تعالى أنه ~~يوفى العباد جزاء أعمالهم {إنه بما يعملون خبير} [هود: 111] قال ابن عباس: ~~خبير بطاعة أوليائه، وبمعصية أعدائه. # قوله: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير {112} ~~ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم ~~لا تنصرون {113} وأقم الصلاة طرفي النهار # PageV02P592 # وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين {114} واصبر ~~فإن الله لا يضيع أجر المحسنين {115} } [هود: 112-115] {فاستقم كما أمرت} ~~[هود: 112] قال قتادة: أمر الله نبيه أن يستقيم على أمره. # والمعنى: استقم على العمل بأمر ربك والدعاء إليه كما أمرت في القرآن، ~~{ومن تاب معك} [هود: 112] قال ابن عباس: يريد: الصحابة الذين تابوا من ~~الشرك. # والمعنى: فليستقيموا هم أيضا. ### | 457 - # أخبرنا أبو الفتح محمد بن علي الكوفي، أنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن ~~يحيى الحافظ، أنا عبد الله بن محمد الرازي، نا محمد بن فارس أبو عبد الله ~~البلخي، نا حاتم الأصم، عن إبراهيم بن أدهم ms0851، عن مالك بن دينار، عن أبي مسلم ~~الخولاني، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتاد ثم كان ~~الاثنان أحب إليكم من الواحد لم تبلغوا حد الاستقامة» وهذا حديث شريف قد ~~اجتمع في إسناده زهاد هذه الأمة، حدث به الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي، عن ~~شيخ له، عن أبي عبد الله محمد بن إسحاق # وقوله: ولا تطغوا معناه: ولا تجاوزوا بأمري {إنه بما تعملون بصير} [هود: ~~112] لا يخفى عليه من أعمالكم شيء، قوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ~~ظلموا} [هود: 113] الركون: السكون إلى الشيء والميل إليه بالمحبة، قال ابن ~~عباس: لا تميلوا، يريد: في المحبة ولبس الكلام والمودة. # قال السدي، وابن زيد: لا تداهنوا الظلمة. # وقال عكرمة: هو أن تطيعهم أو تودهم. # وقال أبو العالية: لا ترضوا بأعمالهم فتمسكم النار فيصيبكم لفحها {وما ~~لكم من دون الله من أولياء} [هود: 113] قال # PageV02P593 # ابن عباس: من مانع يمنعكم من عذاب الله، {ثم لا تنصرون} [هود: 113] ~~تمنعون من عذابه، قوله {وأقم الصلاة طرفي النهار} [هود: 114] ### | 458 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، والقاضي أبو بكر الحيري، قالا: أخبرنا ~~حاجب بن أحمد، أنا عبد الرحمن بن منيب، أنا الفضل بن موسى السيناني، نا ~~سفيان الثوري، عن سماك بن حرب، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن ~~مسعود، أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ~~إني قد أصبت من امرأة غير أني لم آتها فأنزل الله {وأقم الصلاة طرفي ~~النهار} [هود: 114] إلى آخر الآية، وهذا قول جماعة المفسرين ### | 459 - # أخبرنا أبو منصور المنصوري، أنا علي بن عمر الحافظ، أنا الحسين بن ~~إسماعيل المحاملي، نا يوسف بن موسى، عن جرير، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد ~~الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل، أنه كان قاعدا عند النبي صلى الله ~~عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله ما تقول في رجل ms0852 أصاب من امرأة لا ~~تحل له فلا يدع شيئا يصيب الرجل من امرأته إلا قد أصابه منها إلا أنه لم ~~يجامعها، فقال: توضأ وضوءا حسنا، ثم قم فصل، فأنزل الله هذه الآية {وأقم ~~الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل} [هود: 114] إلى آخرها، فقال معاذ بن ~~جبل: أهي له خاصة أم للمسلمين عامة؟ فقال: هي للمسلمين عامة # قال ابن عباس في قوله: {طرفي النهار} [هود: 114] يريد: الصبح والظهر ~~والعصر. # وهو قول مجاهد، ومحمد بن كعب، قال الزجاج: وصلاة طرفي النهار: الغداة ~~والظهر والعصر. # وقوله: {وزلفا من الليل} [هود: 114] أول ساعات الليل، واحدها زلفة، قال ~~ابن عباس: يريد: المغرب والعشاء قرب أول الليل. # وهذا قول عامة المفسرين، والمراد بهذا: إقامة الصلوات الخمس في أوقاتها، ~~وقوله: {إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود: 114] قال ابن عباس، وعامة ~~المفسرين: يريد أن الصلوات الخمس يكفرن ما بينها من الذنوب. ### | 460 - # أخبرنا أبو بكر بن محمد بن إبراهيم الفارسي، أخبرنا محمد بن عيسى بن ~~عمرويه، أنا إبراهيم بن محمد، أنا مسلم، نا زهير بن حرب، نا عمر بن يونس، ~~نا عكرمة بن عمار، نا شداد، نا أبو أمامة، قال: بينما رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم في المسجد # PageV02P594 # ونحن قعود معه إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي، ~~فقال: «هل شهدت الصلاة معنا؟» قال: نعم يا رسول الله، قال: " فإن الله قد ~~غفر لك حدك أو قال: ذنبك " ### | 461 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، أنا أحمد بن جعفر القطيعي، نا عبد ~~الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، نا أبو عبد الرحمن المقرئ، نا حيوة، نا ~~أبو عقيل المقرئ، أنه سمع الحارث مولى عثمان بن عفان يقول: جلس عثمان يوما ~~وجلسنا معه فجاء المؤذن فدعا بماء في إناء أظنه سيكون فيه مد فتوضأ، ثم ~~قال: رأيت رسول الله يتوضأ وضوئي هذا، ثم قال: «من توضأ وضوئي هذا ثم قام ~~فصلى صلاة الظهر غفر له ما كان بينها وبين الصبح، ثم صلى صلاة العصر غفر ms0853 له ~~ما كان بينها وبين صلاة الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما بينها وبين صلاة ~~العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما بينها وبين صلاة المغرب، ثم لعله يبيت ~~يتمرغ ليلته، ثم إن قام فتوضأ وصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة ~~العشاء، وهن الحسنات يذهبن السيئات» ### | 462 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن نعيم الإشكيبي، أنا الحسن بن أحمد العدل، ~~أنا محمد بن إسحاق، أنا قتيبة، نا الليث، وبكر بن مضر، عن ابن الهادي، عن ~~محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم، قال: " أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ~~هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا، قال: كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن ~~الخطايا " ### | 463 - # أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم النجار، نا سليمان بن أيوب اللخمي، نا ~~محمد بن عاصم الأصبهاني، نا علي بن حرب الموصلي، نا عبد الرحمن بن يحيى ~~المدني، نا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي بن أبي طالب رضي الله ~~عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ننتظر الصلاة فقام ~~رجل فقال: إني أصبت ذنبا فأعرض عنه، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم ~~الصلاة قام الرجل فأعاد القول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أليس قد ~~أصبت معنا هذه الصلاة وأحسنت لها الطهور؟ قال: بلى، قال: فإنها كفارة ذنبك ~~" ### | 464 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم المهرجاني، أنا عبيد الله بن محمد ~~الزاهد، أنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، نا كامل بن طلحة، نا حماد بن ~~سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي عثمان، قال: كنت مع سلمان تحت شجرة فأخذ منها ~~غصنا # PageV02P595 # يابسا فهزه حتى تحات ورقه، فقال: ألا تسألني يا أبا عثمان لم أفعل هذا؟ ~~قلت: ولم تفعله؟ قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه تحت ~~شجرة فأخذ منها غصنا يابسا فهزه ms0854 حتى تحات ورقه، ثم قال: " ألا تسألني يا ~~سلمان لم أفعل هذا؟ فقلت: ولم تفعله؟ قال: إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ~~ثم صلى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما يتحات هذا الورق " ثم قرأ هذه الآية ~~{وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل} [هود: 114] إلى آخر الآية ### | 465 - # أخبرنا أبو حسان المزكي، أنا أبو بكر محمد بن علي المؤدب، أنا عبد الله ~~محمد بن خالد، نا محمد بن زنبور، نا فضيل بن عياض، عن ليث بن أبي سليم، عن ~~حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل، قال: قلت: يا ~~رسول الله أوصني، قال: " اتق الله حيثما كنت، قال: قلت: زدني، قال: أتبع ~~السيئة الحسنة تمحها، قال: قلت: زدني، قال: خالق الناس بخلق حسن " # قوله: {ذلك ذكرى للذاكرين} [هود: 114] يعني: القرآن عظة لمن ذكره، قوله: ~~واصبر أي: على الصلاة كما قال: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} [طه: 132] ~~، {فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} [هود: 115] قال ابن عباس: يعني المصلين. # قوله: { # PageV02P596 # فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا ~~قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين ~~{116} وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون {117} ولو شاء ربك لجعل ~~الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين {118} إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت ~~كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين {119} } [هود: 116-119] ~~{فلولا كان من القرون من قبلكم} [هود: 116] قال ابن عباس: يريد: ما كان. # ومعنى لولا ههنا نفي عند المفسرين، قال الفراء: لم يكن منهم أحد. # يعني من القرون المهلكة أولو بقية قال ابن عباس: أولو دين. # وقال ابن قتيبة: أي: أولو بقية من دين، يقال: قوم لهم بقية، وفيهم بقية. # إذا كانت فيهم مسكة خير. # وقوله: {ينهون عن الفساد في الأرض} [هود: 116] عن الشرك والاعتداء في ~~حقوق الله والمعصية {إلا قليلا ممن أنجينا منهم} [هود: 116] يعني: اتباع ~~الأنبياء وأهل الحق {واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ms0855} [هود: 116] المترف: ~~الذي أبطرته النعمة وسعة العيش، قال الفراء: اتبعوا في دنياهم ما عودوا من ~~النعيم، وإيثار اللذات على أمر الآخرة، وركنوا إلى الدنيا والأموال ~~واللذات، وما أعطوا من نعيمها. # قوله تعالى: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم} [هود: 117] الآية: يريد وما ~~كان ربك ليهلك أهل القرى بشركهم وظلمهم لأنفسهم وهم مصلحون يتعاطون الحق ~~فيما بينهم، أي: ليس من سبيل الكفار إذا قصدوا الحق في المعاملة، وتركوا ~~الظلم، أن ينزل الله بهم عذابا يهلكهم. # وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء، قال: {وما كان ربك ليهلك القرى} [هود: ~~117] يريد الرجال، بظلم بشرك، وأهلها مصلحون يريد: فيما بينهم، كقوم لوط ~~عذبهم الله باللواط، وقوم شعيب عذبوا ببخس المكيال. # قوله: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} [هود: 118] قال ابن عباس: ~~يريد: على دينك الذي بعثت به. # وقال قتادة: يجعل الناس أمة واحدة بأن يجعلهم مسلمين. # {ولا يزالون مختلفين} [هود: 118] في الدين من بين يهودي ونصراني ومجوسي ~~وغيرها من الملل، {إلا من رحم ربك} [هود: 119] يعني: أهل الحق ولذلك خلقهم ~~قال الضحاك، ومجاهد، وقتادة: وللرحمة خلقهم، يعني: الذين رحمهم. # وقال الحسن، ومقاتل: للاختلاف خلقهم، يعني المختلفين، وقال ابن عباس في ~~رواية عطاء: يريد: خلق أهل الرحمة للرحمة، وأهل الاختلاف للاختلاف. # وهذا اختيار الفراء، والزجاج، قال أبو عبيد: الذي أختاره في تفسير هذه ~~الآية قول من قال خلق فريقا لرحمته وفريقا لعذابه لأنه موافق للسنة. # قال الزجاج: ويدل على صحة هذا قوله: {وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة ~~والناس أجمعين} [هود: 119] . # قال الكلبي: يريد من كفار الجن وكفار الإنس. # PageV02P597 # {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق ~~وموعظة وذكرى للمؤمنين {120} وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا ~~عاملون {121} وانتظروا إنا منتظرون {122} ولله غيب السموات والأرض وإليه ~~يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون {123} } [هود: ~~120-123] قوله: {وكلا نقص عليك} [هود: 120] أي: كل الذي يحتاج إليه {من ~~أنباء الرسل} [هود: 120] من أخبارهم وأخبار ms0856 أممهم نقص عليك {ما نثبت به ~~فؤادك} [هود: 120] قال ابن عباس: ليزيدك يقينا ويقوي قلبك. # وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعها كان تقوية لقلبه على الصبر ~~على أذى قومه {وجاءك في هذه الحق} [هود: 120] قال ابن عباس، والحسن، ~~ومجاهد: في هذه ال { [، يعني ما فيها من أقاصيص الأنبياء والمواعظ وذكر ~~الجنة والنار. # وخصت هذه السورة بمجيء الحق فيها تشريفا للسورة ورفعا لمنزلتها، وقوله:] ~~وموعظة وذكرى للمؤمنين} [سورة هود: 120] يريد: أنهم يتعظون إذا سمعوا هذه ~~ال { [وما نزل بالأمم فتلين قلوبهم ويتذكرون الخير والشر، قوله:] وقل للذين ~~لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم} [سورة هود: 121] تهديد ووعيد، يقول: اعملوا ~~ما أنتم عاملون، فستعلمون عاقبة أمركم وانتظروا ما يعدكم الشيطان إنا ~~منتظرون ما يعدنا ربنا من النصر والعلو، {ولله غيب السموات والأرض} [هود: ~~123] أي: علم ما غاب عن العباد فيهما {وإليه يرجع الأمر كله} [هود: 123] في ~~المعاد {وما ربك بغافل عما تعملون} [هود: 123] أي: إنه يجزي المحسن بإحسانه ~~والمسيء بإساءته، وقرئ بالتاء على معنى: قل لهم ذلك، والله أعلم. # PageV02P598 ### | سورة يوسف # مكية وآياتها إحدى عشرة ومائة ### | 466 - # أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الحيري، أنا أبو عمرو ابن مطر محمد بن ~~جعفر، نا إبراهيم بن شريف، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا هارون بن ~~كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علموا أرقاءكم سورة يوسف فإنه أيما مسلم ~~تلاها وعلمها أهله وما ملكت يمينه، هون الله عليه سكرات الموت، وأعطاه ~~القوة ألا يحسد مسلما» # بسم الله الرحمن الرحيم {الر تلك آيات الكتاب المبين {1} إنا أنزلناه ~~قرءانا عربيا لعلكم تعقلون {2} نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك ~~هذا القرءان وإن كنت من قبله لمن الغافلين {3} } [يوسف: 1-3] {الر} [يوسف: ~~1] قال ابن عباس: يريد: أنا الله الرحمن، تلك يعني: هذه {آيات الكتاب ~~المبين} [يوسف: 1] يعني: القرآن لأنه يبين الهدى والرشد، قوله: {إنا ~~أنزلناه قرءانا عربيا ms0857} [يوسف: 2] ### | 467 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصرآباذي، أنا بشر بن محمود المهرجاني، نا ~~عبيد الله بن محمد بن ناجية، نا هشام بن القاسم الحراني، نا يعلى بن الأشرف ~~بن جراد وكان ابن عشرين ومائة سنة، عن عمه عبد الله بن جراد، قال: نزل ~~القرآن على لغة أعرب العرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أي العرب ~~أعرب؟» فقيل: هوازن أعرب الناس قوم لا يلحنون، قال: فانتقي عرب هوازن، فوجد ~~بنو سعد بن بكر بن هوازن أعرب هوازن، فنزل القرآن على لغتهم وهم الذين ~~حضنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين آووه ### | 468 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر، أنا محمد بن الحسن بن أحمد السراج، نا العلاء ~~بن عمرو الحنفي، نا يحيى بن بريد الأشعري، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن ~~عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحبوا العرب لثلاث: لأني ~~عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي " # وقوله: لعلكم تعقلون قال ابن عباس: كي تفهموا، لو لم يكن عربيا لما ~~فهموه. # قوله: {نحن نقص عليك # PageV02P599 # أحسن القصص} [يوسف: 3] قال الزجاج: نبين لك أحسن البيان. # {بما أوحينا إليك} [يوسف: 3] أي: بوحينا إليك {هذا القرءان وإن كنت من ~~قبله} [يوسف: 3] القرآن لمن الغافلين أي: لمن الغافلين عما أوحينا إليك من ~~أخبار الأنبياء، ثم ذكر قصة يوسف فقال: {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت ~~أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين {4} قال يا بني لا تقصص ~~رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين {5} وكذلك ~~يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما ~~أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم {6} } [يوسف: 4-6] ~~{إذ قال يوسف لأبيه يا أبت} [يوسف: 4] قال الفراء: التاء في يا أبت هاء، ~~وأصل دخولها للسكت وهو قولهم: يا أباه. # ثم سقطت الألف لدلالة فتحة الباء عليها، وانصرفت الهاء إلى لفظ التاء ~~لكثرة الاستعمال، تشبيها بتاء التأنيث، وكسرت تقديرا أن بعدها ياء ms0858 الإضافة، ~~ولم تستعمل في غير النداء، لأن هاء السكت مع الألف لا يدخلان إلا في ~~النداء، والاختيار كسر التاء في هذه القراءة لأنها أجريت مجرى تاء التأنيث ~~وكسرت على الإضافة إلى نفس المتكلم على معنى: يا أبتي، ثم حذفت الياء لأن ~~ياء الإضافة تحذف في النداء، ومن فتح التاء أبدل الياء بالألف فقال: يا ~~أبتا ثم حذف الألف وأبقى الفتحة دالة عليها كقول الأعشى: # ويا أبتا لا تزل عندنا ... فإنا نخاف بأن تخترم # وقال رؤبة: # يا أبتا علك أو عساكا # وقوله: {إني رأيت أحد عشر كوكبا} [يوسف: 4] قال المفسرون: رأى يوسف عليه ~~السلام وهو ابن اثنتي عشرة سنة أن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر سجدن له، ~~فكانت الكواكب في التأويل إخوته، والشمس أمه والقمر أباه، فلما قصها على ~~يعقوب أشفق عليه من حسد إخوته له فقال له: {يا بني لا تقصص رؤياك على ~~إخوتك} [يوسف: 5] ، وذلك أن يوسف عليه السلام كان نبيا في علم الله مذ كان، ~~ورؤيا الأنبياء وحي، وعلم يعقوب أن إخوة يوسف يعرفون تأويلها ويخافون علو ~~يوسف عليهم فيعملون عملا يكون فيه هلاكه، وهو قوله: {فيكيدوا لك كيدا} ~~[يوسف: 5] أي: فيحتالوا في هلاكك {إن الشيطان للإنسان عدو مبين} [يوسف: 5] ~~ظاهر العداوة، يزين له الباطل. # قوله: {وكذلك يجتبيك ربك} [يوسف: 6] قال الزجاج، وابن الأنباري: ومثل ما ~~رأيت من الرفعة والحال الجليلة، يختارك ربك ويصطفيك من بين إخوتك. # {ويعلمك من تأويل # PageV02P600 # الأحاديث} [يوسف: 6] قال ابن عباس، وقتادة، ومجاهد: يريد والتأويل تعبير ~~الأحلام، والتأويل: ما يئول إليه المعنى في الرؤية، والأحاديث هي أحاديث ~~الناس عما يرونه في منامهم. # {ويتم نعمته عليك} [يوسف: 6] بالنبوة {وعلى آل يعقوب} [يوسف: 6] يعني: ~~المختصين بالنبوة منهم كما أتمها بالنبوة على أبويك قال قتادة: كل ذلك فعل ~~الله به، اجتباه واصطفاه وعلمه من تأويل الأحاديث، فكان أعبر الناس للرؤيا ~~وأتم النعمة عليه. # {إن ربك عليم} [يوسف: 6] حيث يضع النبوة حكيم في خلقه، قوله: {لقد كان في ~~يوسف وإخوته آيات للسائلين {7} إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى ms0859 أبينا منا ~~ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين {8} اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم ~~وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين {9} قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف ~~وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين {10} } [يوسف: ~~7-10] {لقد كان في يوسف وإخوته} [يوسف: 7] أي: في خبر يوسف وقصة إخوته آيات ~~عبر وعجائب، وقرأ ابن كثير: آية كأنه جعل شأنهم كلهم آية للسائلين، سألت ~~اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف فأخبرهم بها كما في ~~التوراة، فعجبوا من ذلك، وكان في ذلك أعجب دلالة للسائلين على صدق محمد صلى ~~الله عليه وسلم لأنه شرح أخبار قوم لم يشاهدهم، ولم ينظر في الكتب لأنه كان ~~أميا. # قوله: إذ قالوا يعني: إخوة يوسف، قالوا فيما بينهم ليوسف وأخوه بنيامين ~~وكان أخاه لأمه، والباقون كانوا إخوته لأبيه دون أمه، {أحب إلى أبينا منا} ~~[يوسف: 8] أي: إنه أشد لهما حبا ونحن عصبة قال الفراء: العصبة: العشرة فما ~~زاد، والمعنى: نحن جماعة رجال {إن أبانا لفي ضلال مبين} [يوسف: 8] قال ابن ~~الأنباري: ضل بإيثارهما علينا ضلال خطأ يلحقه ضرره في دنياه، إذ كنا أنفع ~~له في القيام بمواشيه من يوسف وأخيه. # وقال أهل المعاني: إن أبانا في ذهاب عن طريق الثواب الذي فيه التعديل ~~بيننا في المحبة. # ثم قالوا أيضا فيما بينهم {اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا} [يوسف: 9] في أرض ~~يبعد فيها عن أبيه {يخل لكم وجه أبيكم} [يوسف: 9] يقبل بكليته عليكم ويخلص ~~لكم عن شغله بيوسف، يعنون: أن يوسف شغله عنا وصرف وجهه إليه، فإذا فقده ~~أقبل علينا بالمحبة، وأخطأوا في هذا التدبير لأنه لما فقد يوسف أعرض عنهم ~~بالكلية، قال الله تعالى: {وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف} [يوسف: 84] ، ~~وقوله: {وتكونوا من بعده قوما صالحين} [يوسف: 9] قال ابن عباس: تحدثوا توبة ~~بعد ذلك يقبلها الله منكم. # وهذا قول عامة المفسرين، والمعنى: قوما صالحين بإحداث التوبة، عزموا على ~~التوبة قبل إحداث الجناية، وكذا المؤمن لا ينسى التوبة وإن ms0860 كان مرتكبا ~~للذنوب، {قال قائل منهم} [يوسف: 10] يعني من إخوة يوسف، وهو يهوذا أكبر ولد ~~يعقوب وأعقلهم {لا تقتلوا يوسف} [يوسف: 10] وقال قتادة: هو روبيل نهى عن ~~قتله فقال: {وألقوه في غيابت الجب} [يوسف: 10] الغيابة: كل ما غيب شيئا ~~وستره، والغيابة: حفرة القبر لأنها # PageV02P601 # تغيب المدفون، والجب: الركية التي لم تطو، قال الحسن: غيابة الجب قعر ~~الجب. # وقال قتادة: أسفل الجب. # والمعنى: اطرحوه في موضع مظلم من البئر لا يلحقه نظر الناظرين، وقرأ أهل ~~المدينة غيابات الجب بالجمع على معنى أن للجب أقطارا ونواحي ويكون فيه ~~غيابات، فآثروا الجمع لذلك، واختلفوا في هذا الجب فقال قتادة: في بئر بيت ~~المقدس. # وقال وهب: هو بأرض الأردن. # وقال مقاتل: هو على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب. # قوله: {يلتقطه بعض السيارة} [يوسف: 10] يعني: مارة الطريق، وهم الجماعة ~~الذين يسيرون في الطريق للسفر، وقوله: {إن كنتم فاعلين} [يوسف: 10] قال ابن ~~عباس: يريد: إن أضمرتم ما تريدون ولما عزموا على الكيد بيوسف. # {قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون {11} أرسله ~~معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون {12} قال إني ليحزنني أن تذهبوا به ~~وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون {13} قالوا لئن أكله الذئب ونحن ~~عصبة إنا إذا لخاسرون {14} } [يوسف: 11-14] قالوا لأبيهم {ما لك لا تأمنا ~~على يوسف} [يوسف: 11] أنكروا عليه خوفه إياهم على يوسف، فقالوا: لم لا ~~تأمننا عليه فترسله معنا؟ {وإنا له لناصحون} [يوسف: 11] قال ابن عباس: يريد ~~الرحمة والبر. # والمعنى: وإنا طالبون ما يعود إلى مصلحة أمره، {أرسله معنا غدا} [يوسف: ~~12] أي: إلى الصحراء نرتع ونلعب قال الكلبي: نذهب ونجيء وننشط ونلهو، ومن ~~قرأ بكسر العين هو افتعال من الرعاية بمعنى الحفظ يعني بعضنا بعضا، ومن قرأ ~~بجزم العين فهو من قولهم: رتع الماء. # إذا أرعى ما شاء، وأرتعتها أنا. # وقوله: {وإنا له لحافظون} [يوسف: 12] قال ابن عباس: أي: من كل ما تخافه ~~عليه. # {قال إني ليحزنني أن تذهبوا به} [يوسف: 13] أي: يحزنني ذهابكم به لأنه ~~يفارقني ms0861 فلا أراه {وأخاف أن يأكله الذئب} [يوسف: 13] قال المفسرون: إن ~~يعقوب رأى في المنام ذئبا عدا على يوسف فكان حذرا عليه خائفا من تناول ~~الذئب إياه لرؤياه التي رآها. # وقال آخرون: إنما خاف عليه الذئب لأن أرضهم كانت مذئبة. # وقوله: {وأنتم عنه غافلون} [يوسف: 13] أي: مشتغلون برعيتكم، {قالوا لئن ~~أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون} [يوسف: 14] أي: إن أكله الذئب ونحن ~~جماعة نرى الذئب قد قصده فلا نرده عنه إنا إذا لعاجزون، فمعنى الخسران ~~ههنا: العجز. # PageV02P602 # {فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم ~~بأمرهم هذا وهم لا يشعرون {15} وجاءوا أباهم عشاء يبكون {16} قالوا يا ~~أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن ~~لنا ولو كنا صادقين {17} وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم ~~أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون {18} } [يوسف: 15-18] قوله: ~~{فلما ذهبوا به وأجمعوا} [يوسف: 15] في الكلام اختصار وإضمار، التقدير: ~~فأرسله معهم فلما ذهبوا به وأجمعوا أي عزموا على {أن يجعلوه في غيابت الجب} ~~[يوسف: 15] قال السدي: خرجوا بيوسف وبه عليهم كرامة، فلما برزوا إلى البرية ~~أظهروا له العداوة، وجعل أحدهم يضربه، فيستغيث بالآخر، فيضربه فلا يرى منهم ~~رحيما، وضربوه حتى كادوا يقتلونه فجعل يصيح ويقول: يا أبتاه، يا يعقوب، لو ~~تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء، فلما كادوا يقتلونه قال يهوذا: أليس قد ~~أعطيتموني موثقا ألا تقتلوه؟ فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه، وجعلوا يدلونه ~~في البئر فيتعلق بشفير البئر، فربطوا يديه ونزعوا قميصه، فقال: يا إخوتاه ~~ردوا علي القميص، فأتوا به فقالوا: ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا ~~يؤنسونك، ودلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت، وكان في ~~البئر ماء فسقط فيه، ثم أوى إلى صخرة في البئر فقام عليها وجعل يبكي، ~~فناداه إخوته فظن أنها رحمة أدركتهم، فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة ~~فيقتلوه، فقام يهوذا فمنعهم، وقال: قد أعطيتموني موثقا ألا تقتلوه، وكان ~~يهوذا يأتيه بالطعام. # قال ms0862 الحسن: ألقي يوسف في الجب وهو ابن اثنتي عشرة سنة ولقى أباه بعد ~~ثلاثين سنة. # وقال محمد بن مسلم الطائفي: لما ألقي يوسف في الجب قال: يا شاهدا غير ~~غائب، ويا قريبا غير بعيد، ويا غالبا غير مغلوبا، اجعل لي فرجا مما أنا ~~فيه. # قال: فما بات فيه. # قوله: {وأوحينا إليه} [يوسف: 15] الآية، قال المفسرون: أوحى الله تعالى ~~إلى يوسف تقوية لقلبه في البئر لتصدقن رؤياك، ولتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا ~~بعد اليوم. # {وهم لا يشعرون} [يوسف: 15] بأنك يوسف في وقت إخبارك إياهم بأمرهم، ~~وسنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى، قال ابن عباس: ثم إنهم ذبحوا سخلة، ~~وجعلوا دمها على قميص يوسف {وجاءوا أباهم عشاء يبكون} [يوسف: 16] ليكون ~~أجرا في الظلمة على الاعتذار لكذبهم ليدلسوا على أبيهم، فلما سمع صوتهم ~~فزع، وقال: ما لكم يا بني؟ هل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا: لا. # قال فما أصابكم؟ وأين يوسف؟ {قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق} [يوسف: 17] ~~قال أكثر المفسرين: يسابق بعضنا بعضا في الرمي ليتبين أينا أسبق سهما. # وقال مقاتل: نشتد ونعدو ليتبين أينا أسرع عدوا. # {وتركنا يوسف عند متاعنا} [يوسف: 17] ثيابنا {فأكله الذئب وما أنت بمؤمن ~~لنا} [يوسف: 17] بمصدق لنا {ولو كنا صادقين} [يوسف: 17] لاتهمتنا في يوسف ~~لمحبتك إياه، وأروه قميصه ملطخا بدم، فذلك قوله: {وجاءوا على قميصه بدم ~~كذب} [يوسف: 18] أي: مكذوب فيه لأنه لم يكن دم يوسف فسمي # PageV02P603 # بالمصدر كما تقول: ضرب الأمير ونسج اليمن، فقال يعقوب: كذبتم ما عهدي ~~بالذئب حليما، لو أكله لخرق قميصه {بل سولت لكم أنفسكم} [يوسف: 18] زينت ~~لكم أمرا غير ما تصفون فصبر جميل أي: فشأني صبر جميل، وهو الذي لا جزع فيه ~~ولا شكوى {والله المستعان على ما تصفون} [يوسف: 18] أي: به أستعين على ما ~~تقولون من الكذب، ثم إن يوسف مكث في الجب ثلاثة أيام ثم جاءت. # {وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه ~~بضاعة والله عليم بما يعملون {19} وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه ms0863 ~~من الزاهدين {20} } [يوسف: 19-20] {سيارة} [يوسف: 19] أي: رفقة تسير في ~~السفر {فأرسلوا واردهم} [يوسف: 19] وهو الذي يرد الماء ليستقي للقوم فأدلى ~~دلوه أرسلها في البئر فتشبث يوسف بالرشاء فأخرجه الوارد، فقال: يا بشراي يا ~~فرحتي، وقرأ أهل الكوفة: يا بشرى وهذه القراءة كالأولى إلا أنها غير مضافة، ~~وقال السدي: نادى صاحبه وكان اسمه بشرى، فقال: يا بشرى هذا غلام، وذلك أن ~~الوارد، واسمه مالك بن ذعر لما أرسل الدلو في البئر تعلق يوسف بالحبل ~~فأخرجه مالك وهو يظن أنه يستقي الماء، فإذا هو بغلام أحسن ما يكون من ~~الغلمان، ففرح بذلك فقال: يا بشراي أو: يا بشرى. # قال كعب: كان يوسف حسن الوجه جعد الشعر ضخم العين، مستوي الخلق أبيض ~~اللون غليظ الساقين والساعدين والعضدين، خميص البطن، صغير السرة، وكان إذا ~~تبسم رأيت النور في ضواحكه لا يستطيع أحد وصفه، وكان حسنه كضوء النهار، ~~وكان يشبه آدم يوم خلقه الله ونفخ فيه من روحه قبل أن يصيب المعصية، ويقال: ~~إنه ورث ذلك الجمال من جدته سارة، وكانت قد أعطيت سدس الحسن. # وقوله: وأسروه بضاعة أسره الوارد ومن كان معه من التجار الذين كانوا معهم ~~في الرفقة، وقالوا لهم: هو بضاعة دفعها إلينا بعض أهل الماء إلى مصر، ~~وقالوا فيما بينهم: إن قلنا التقطناه شاركونا فيه، وإن قلنا اشتريناه ~~سألونا الشركة، وقوله: {والله عليم بما يعملون} [يوسف: 19] قال ابن عباس: ~~يريد بيوسف. # وقوله: {وشروه} [يوسف: 20] قال وهب: كان يهوذا منتدبا ينظر ما يطرأ على ~~يوسف، فلما أخرجوه من البئر أخبر إخوته، فأتوا مالك بن ذعر وقالوا: هذا ~~عبدنا. # وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته، فقال مالك بن ذعر: أنا اشتريته ~~منكم. # فباعوه منه، وذلك قوله: وشروه يقال: شريت. # إذا بعت، وإذا اشتريت، وقوله: {بثمن بخس} [يوسف: 20] قال ابن عباس، وأكثر ~~المفسرين: حرام لأن ثمن الحر حرام، وسمي الحرام بخسا لأنه لا بركة فيه فهو ~~منقوص البركة. # قال الكلبي: باعوه باثنين وعشرين درهما. # وهذا قول مجاهد، وقال الزجاج: أخذ كل واحد من ms0864 إخوته درهمين. # قال عطاء، عن ابن عباس: بعشرين درهما فأخذ كل # PageV02P604 # واحد منهم إلا يهوذا فإنه لم يأخذ شيئا. # فذلك قوله: {دراهم معدودة} [يوسف: 20] أي: قليلة، وذكر العدد عبارة عن ~~القلة {وكانوا فيه من الزاهدين} [يوسف: 20] والزهد والزهادة: قلة الرغبة في ~~الشيء، يريد: أن إخوة يوسف كانوا من الزاهدين في يوسف لأنهم لم يعرفوا ~~موضعه من الله ولا كرامته عليه، ويجوز أن يكون المعنى: أنهم كانوا زاهدين ~~في ذلك الثمن إما لرداءته، وإما لأن قصدهم كان تبعيد يوسف لا الثمن، ثم ~~انطلق مالك بن ذعر وأصحابه بيوسف وتبعهم إخوته يقولون لهم: استوثقوا منه ~~فإنه آبق سارق كاذب وقد برئنا إليكم من عيوبه، فحمله مالك على ناقة وصار به ~~نحو مصر، وكان طريقهم على قبر أمه، فلما بلغ قبر أمه أسقط نفسه من الناقة ~~على القبر وهو يبكي ويقول: يا أمي ارفعي رأسك من الثرى وانظري إلى ولدك ~~يوسف وما لقي بعدك من البلاء، يا أماه لو رأيت ضعفي وذلي لرحمتيني، يا أماه ~~لو رأيتيني وقد نزعوا قميصي وشدوني وفي الجب ألقوني، وعلى خد وجهي لطموني، ~~وبالحجارة رجموني. # وفقده مالك فصاح في القافلة: ألا إن الغلام قد رجع إلى أهله. # فطلبه القوم فرأوه، فأقبل إليه رجل منهم وقال: يا غلام قد أخبرنا مواليك ~~أنك آبق سارق فلم نصدق حتى رأيناك تفعل ذلك. # فقال: والله ما أبقت ولكنكم مررتم على قبر أمي فلم أتمالك أن رميت بنفسي ~~على قبرها. # قال: فرفع يديه ولطم وجهه وجره حتى حمله على ناقته، وذهبوا به حتى قدموا ~~مصر فأمره مالك بن ذعر حتى اغتسل، ولبس ثوبا حسنا، وعرضه على البيع فاشتراه ~~قطفير بن روحيب وهو العزيز بمصر، وكان على خزائن الملك الأعظم وصاحب أمره. # قال مقاتل بن سليمان: اشتراه بعشرين دينارا وحلة ونعلين. # وقال وهب: ترافع الناس في ثمنه وتزايدوا حتى بلغ ثمنه وزنه مسكا وورقا ~~وحريرا، فابتاعه قطفير بهذا الثمن فلما اشتراه وأتى به منزله قال لامرأته ~~واسمها راعيل: أكرمي مثواه. # فذلك قوله: {وقال الذي ms0865 اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا ~~أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله ~~غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون {21} ولما بلغ أشده آتيناه حكما ~~وعلما وكذلك نجزي المحسنين {22} } [يوسف: 21-22] {وقال الذي اشتراه من مصر ~~لامرأته أكرمي مثواه} [يوسف: 21] قال ابن عباس: أكرميه ما كان عندك. # وقال الزجاج: أحسني إليه في طول مقامه عندنا. # يقال: ثوى يثوي ثوى ومثوى. # {عسى أن ينفعنا} [يوسف: 21] أي: يكفينا إذا بلغ وفهم الأمور، يقضي بعض ~~شئوننا. ### | 469 - # أخبرنا أبو بكر التيمي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا إبراهيم بن شريك، نا ~~أحمد بن يونس، نا زهير، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: ~~أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته أكرمي مثواه عسى ~~أن ينفعنا، والمرأة التي أتت موسى فقالت لأبيها يا أبت استأجره، وأبو بكر ~~حين استخلف عمر # وقوله: {أو نتخذه ولدا} [يوسف: 21] أي: نتبناه وكان العزيز عقيما أو ~~حصورا لا يولد له، وقوله: {وكذلك مكنا ليوسف في # PageV02P605 # الأرض} [يوسف: 21] يعني: وكما أنجيناه من إخوته حين هموا بإهلاكه، ~~وأخرجناه من ظلمة البئر، مكنا له في الأرض، ملكناه في أرض مصر حتى بلغ ~~{ولنعلمه من تأويل الأحاديث} [يوسف: 21] تقدم تفسيره {والله غالب على أمره} ~~[يوسف: 21] قال ابن عباس: على ما أراد من قضائه، أي: لا يغلبه على أمره ~~غالب، ولا يبطل إرادته منازع فهو قادر على أمره من غير مانع {ولكن أكثر ~~الناس لا يعلمون} [يوسف: 21] ذلك وهم المشركون والذين لا يعلمون أن قدر ~~الله غالب، وأن مشيئته نافذة. # قوله: {ولما بلغ أشده} [يوسف: 22] العرب تقول: بلغ فلان أشده. # إذا بلغ منتهاه في شبابه وقوته، قال أكثر المفسرين: ثلاثا وثلاثين سنة. # وقال عطاء: يريد الحلم. # وقال الضحاك: عشرين سنة. # {آتيناه حكما وعلما} [يوسف: 22] عقلا وفهما، وقال الكلبي: الحكم النبوة ~~والعلم علم الدين. # وقال الزجاج: جعلناه حكيما عالما. # وليس كل عالم حكيما، والحكيم: العالم المستعمل علمه الممتنع من استعمال ~~ما يجهل ms0866 فيه وكذلك ومثل ما وصفنا من تعليم يوسف كذلك نجزي المحسنين قال ~~الضحاك: يعني الصابرين على النوائب كما صبر يوسف. # {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ ~~الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون {23} ولقد همت به وهم بها ~~لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا ~~المخلصين {24} واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب ~~قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم {25} قال هي ~~راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من ~~الكاذبين {26} وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين {27} فلما ~~رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم {28} يوسف أعرض عن هذا ~~واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين {29} } [يوسف: 23-29] قوله: {وراودته ~~التي هو في بيتها عن نفسه} [يوسف: 23] يعني امرأة العزيز التي كان يوسف في ~~بيتها، طلبت منه أن يواقعها، والمراودة: المطالبة بأمر للعمل به، قال ~~الزجاج: طالبته بما تريد النساء من الرجال. # وغلقت الأبواب قال المفسرون: غلقت سبعة أبواب ثم دعته إلى نفسها {وقالت ~~هيت لك} [يوسف: 23] معناه في # PageV02P606 # قول جميع أهل اللغة والتفسير: هلم. # قال الفراء، وابن الأنباري: لا مصدر له، ولا تصرف، ولا تثنية ولا جمع ولا ~~تأنيث يقال للاثنين: هيت لكما. # وللجمع هيت لكم. # قال الأخفش: يجوز كسر التاء ورفعه، وكسر بعضهم الهاء، وفتح التاء كل ذلك ~~بمعنى واحد، قال أبو زيد: هيت لك بالعبرانية: هنيا لخ، أي: تعال، أعربه ~~القرآن، أما ما روى هشام، عن ابن عامر: هئت لك بكسر الهاء والهمزة وضم ~~التاء فإنها فعلت من الهيئة، قال أبو زيد: هئت للأمر هيئة، وتهيأت له. # ويجوز تخفيف الهمزة كما يخفف من جيت وشيت، وأنكر أبو عمرو، والكسائي هذه ~~القراءة وقالا: هيت بمعنى تهيأت، باطل ولم تحك عن العرب. # والله أعلم، قال يوسف معاذ الله أعوذ ms0867 بالله أن أفعل هذا، والمعنى: أعتصم ~~بالله من هذا إنه ربي إن الذي اشتراني هو سيدي أحسن مثواي أي: أنعم علي ~~بإكرامي فلا أخونه في حرمته، إني إن فعلت ذلك كنت ظالما، و {لا يفلح ~~الظالمون} [يوسف: 23] قال ابن عباس: لا يسعد الزناة العاصون. # قوله: {ولقد همت به وهم بها} [يوسف: 24] قال أهل التفسير: السدي، وابن ~~إسحاق، والضحاك، ومقاتل فيما ذكروا، عن ابن عباس: إنها لما راودت يوسف جعلت ~~تذكر محاسن يوسف فقالت: يا يوسف، ما أحسن شعرك. # قال: هو أول ما ينتشر من جسدي. # قالت: ما أحسن عينيك. # قال: هي أول ما يسيل على الأرض من جسدي. # قالت: ما أحسن وجهك. # قال: هو للتراب يأكله. # قالت: ما أحسن صورتك. # قال: ربي صورني في الرحم. # قالت: يا يوسف، صورة وجهك أنحلت جسمي. # قال: الشيطان يعينك على ذلك. # قالت: بساط الحرير قد بسطته، قم فاقض حاجتي. # قال: إذن يذهب نصيبي من الجنة. # قالت: ادخل الستر معي. # قال: ليس شيء يسترني من ربي. # فلم تزل تطمعه وتدعوه إلى اللذة ويوسف شاب يجد من شبق الشباب ما يجده حتى ~~جرى الشيطان فيما بينهما، فضرب إحدى يديه إلى جيب يوسف وبيده الأخرى إلى ~~جيب المرأة، فجمع بينهما حتى خلوا في بعض البيوت، فذلك قوله: {ولقد همت به ~~وهم بها} [يوسف: 24] أي: أرادته وقصدته، وأما هم يوسف فذكر ابن عباس، وجلة ~~أهل التفسير: أنه حل الهميان وجلس منها مجلس الخاتن. # وسئل ابن عباس: ما بلغ من هم يوسف؟ قال: استلقت المرأة وقعد بين رجليها ~~ينزع ثيابه. # وهذا قول سعيد بن جبير، والضحاك، والسدي، ومجاهد، وابن أبي بزة، والأعمش، ~~والحسن، هذا قول المتقدمين، وذكر المتأخرون فرقا بين الهمين: فقال أبو ~~العباس # PageV02P607 # أحمد بن يحيى: همت المرأة بالمعصية مصرة على ذلك وهم يوسف بالمعصية ولم ~~يأتها ولم يصر عليها، فبين الهمين فرق، وشرحه ابن الأنباري، فقال: همت ~~المرأة عازمة على الزنا، ويوسف عارضه ما يعارض البشر من خطرات القلب وحديث ~~النفس فلم يلزمه هذا الهم ذنبا، إذ ms0868 الرجل الصالح يخطر بقلبه وهو صائم شرب ~~الماء البارد، فإذا لم يشرب كان غير مؤاخذ بما هجس في نفسه. # قال الزجاج: والذي عليه المفسرون أنه هم بها وأنه جلس منها مجلس الرجل من ~~امرأته إلا أن الله تفضل بأن أراه البرهان، ألا ترى أنه قال: {وما أبرئ ~~نفسي} [يوسف: 53] الآية، وقال ابن الأنباري: والذي نذهب إليه في هذه الآية ~~ما يروى عن الصحابة والتابعين من إثبات الهم ليوسف غير عائبين له، بل نقول: ~~إن انصرافه بعد إثبات الهم ونهيه نفسه عن هواها تعظيما لله ومعرفة بحقه أدل ~~على وفور الثواب وتكامل الأجر. # والذين أثبتوا الهم ليوسف من علي، وابن عباس، ووهب، وابن سيرين، وغيرهم ~~كانوا أعرف بحقوق الأنبياء وارتفاع منازلهم عند الله من الذين نفوا الهم ~~عنه، وقد قال الحسن: إن الله لم يقصص عليكم ذنوب الأنبياء تعييرا لهم، ~~ولكنه قصها عليكم لئلا تقنطوا من رحمته. # وقال أبو عبيد: يذهب الحسن إلى أن الحجة من الله على أنبيائه أوكد، وهي ~~لهم ألزم، فإذا كان يقبل التوبة منهم فهي إلى قبولها منكم أسرع. # وقوله: {لولا أن رأى برهان ربه} [يوسف: 24] قال ابن عباس، وعامة ~~المفسرين: مثل له يعقوب فرأى صورته عاضا على إصبعيه يقول: أتعمل عمل الفجار ~~وأنت مكتوب في الأنبياء؟ فاستحيا منه. # قال الحسن: مثل له جبريل في صورة يعقوب. # وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس: قال: مثل له يعقوب فضرب في صدره فخرجت ~~شهوته من أنامله. # وقال السدي: رأى يعقوب قائما في البيت يقول: يا يوسف لا تواقعها فإنما ~~مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق، ومثلك إن واقعتها مثله ~~إذا مات فوقع بالأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، ومثلك إذا لم تواقعها كمثل ~~الثور الصعب الذي لم يعمل عليه، ومثلك إن واقعتها مثل الثور حين يموت، ~~فيدخل النمل في أصل قرنيه فلا يستطيع أن يدفع عن نفسه. ### | 470 - # أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبد الله ~~بن حامد ms0869، أنا أحمد بن محمد بن يزيد السكري، نا محمد بن إبراهيم بن خالد، نا ~~عمرو بن البصري، نا أبو الهيثم خالد بن يزيد البصري، نا جرير، عن ليث، عن ~~مجاهد، عن ابن عباس في قوله عز وجل: {لولا أن رأى برهان ربه} [يوسف: 24] ~~قال: قعد منها مقعد الرجل من امرأته إذا بكف قد بدت بينهما ليس فيها عضد ~~ولا معصم مكتوب فيها: {وإن عليكم لحافظين {10} كراما كاتبين {11} يعلمون ما ~~تفعلون {12} } [الانفطار: 10-12] ، فقام هاربا، وقامت فلما ذهب عنهما الرعب ~~عادت وعاد، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته إذا بكف قد بدت فيما بينهما ~~ليس فيها عضد ولا معصم مكتوب فيها: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء ~~سبيلا} [الإسراء: 32] ، فقام هاربا وقامت فلما ذهب عنهما الرعب عادت وعاد، ~~فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته إذا بكف قد بدت فيما بينهما، ليس فيها ~~عضد ولا معصم مكتوب فيها: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} [البقرة: 281] ~~الآية فقام هاربا وقامت، فلما ذهب عنهما الروع عاد وعادت، # PageV02P608 # فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته قال الله تعالى لجبريل: أدرك عبدي ~~قبل أن يصيب الخطيئة فانحط جبريل عاضا على إصبعيه وهو يقول: يا يوسف أتعمل ~~عمل السفهاء وأنت مكتوب عند الله تعالى في الأنبياء # فذلك قوله تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا ~~المخلصين} [يوسف: 24] قال الزجاج: السوء: خيانة صاحبه، والفحشاء: ركوب ~~الفاحشة. # والمخلصين: الذين اخلصوا دينهم لله، فمن فتح اللام أراد الذين أخلصهم ~~الله من الأسواء، قوله: واستبقا الباب أي: تبادرا إلى الباب يجتهد كل واحد ~~أن يسبق صاحبه فإن سبق يوسف المرأة فتح الباب وخرج، وإن سبقت المرأة أمسكت ~~الباب لئلا يخرج فلم تصل إلا إلى دبر قميصه فقدته، وذلك قوله: {وقدت قميصه ~~من دبر} [يوسف: 25] أي: قطعته من خلف وألفيا سيدها وجدا وصادفا زوجها عند ~~الباب، فحضرها في ذلك الوقت كيد، فقالت سابقة بالقول ومبرئة نفسها من الأمر ~~وملزمة يوسف بالذنب: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءا} [يوسف ms0870: 25] قال ابن ~~عباس: يريد الزنا. # {إلا أن يسجن} [يوسف: 25] يحبس في السجن {أو عذاب أليم} [يوسف: 25] يعني: ~~الضرب بالسياط فلما سبقت هي بطرح الجرم على يوسف غضب يوسف وقال: {هي ~~راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها} [يوسف: 26] أي: أعلم معلم وأبين مبين ~~وكان رجلا حكيما من أقارب المرأة، قال الكلبي: كان ابن عمها وكان رجلا ~~حكيما وكان مع زوجها، فقال: قد سمعنا الاشتداد والجلبة من وراء الباب وشق ~~القميص، فلا ندري أيكما كان قدام صاحبه، فإن كان شق القميص من قدامه كانت ~~المرأة صادقة، وإن كان من خلفه فهو صادق. # وقوله: {إن كان قميصه قد من قبل} [يوسف: 26] إلى {فلما رأى قميصه} [يوسف: ~~28] من حكم الشاهد وبيانه عما يوجب الاستدلال به على تمييز الكاذب من ~~الصادق، وقوله: فلما رأى أي: زوج المرأة قميص يوسف {قد من دبر قال إنه من ~~كيدكن} [يوسف: 28] أي: إن قولك: ما جزاء من أراد بأهلك سوءا من كيدكن {إن ~~كيدكن عظيم} [يوسف: 28] ، ثم قال ليوسف يوسف أي: يا يوسف {أعرض عن هذا} ~~[هود: 76] أي: اترك هذا الأمر ولا تذكره واستغفري أنت لذنبك قال لامرأته: ~~توبي أنت من ذنبك {إنك كنت من الخاطئين} [يوسف: 29] إنك قد أثمت بمراودتك ~~شابا عن نفسه وإرادته على الزنا، ثم شاع ما جرى بينهما وانتشر في مدينة مصر ~~حتى تحدثت بذلك النساء وخضن فيه، وهو قوله: {وقال نسوة في المدينة امرأة ~~العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين {30} ~~فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا ~~وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا ~~إن هذا إلا ملك كريم {31} قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه ~~فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين {32} قال رب ~~السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من ~~الجاهلين {33} فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو ms0871 السميع العليم {34} } ~~[يوسف: 30-34] { # PageV02P609 # وقال نسوة في المدينة} [يوسف: 30] قال ابن عباس: يريد نسوة من أشراف ~~النساء، وأراد بالنسوة الجمع لذلك ذكر فعلهن حملا على المعنى، وإذا أنث حمل ~~على اللفظ، وقوله: امرأة العزيز يعني: زليخا، والعزيز بلغتهم: الملك تراود ~~فتاها غلامها {عن نفسه قد شغفها حبا} [يوسف: 30] قال ابن عباس: قد دخل حبه ~~شغاف قلبها. # وهو موضع الدم الذي يكون داخل القلب، وقال الزجاج: الشغاف حبة القلب ~~وسويداء القلب. # {إنا لنراها في ضلال} [يوسف: 30] عن طريق الرشد بحبها إياه مبين ظاهر. # فلما سمعت زليخا بمكرهن قال ابن إسحاق: يعني: كيدهن وذلك أنهن إنما قلن ~~ذلك مكرا بها لتريهن يوسف، لما كان بلغهن من حسنه وجماله، اتخذت مأدبة فدعت ~~أربعين امرأة منهن هؤلاء اللاتي عيرنها، فذلك قوله: {أرسلت إليهن وأعتدت} ~~[يوسف: 31] وهيأت لهن متكأ مجلسا للطعام وما يتكئن عليه من النمارق ~~والوسائد، وقال ابن عباس في رواية عطاء، ومجاهد: هو الأترج. # وقال جماعة من المفسرين: يعني طعاما يحز بالسكين. # وقال الأزهري: وقيل للطعام متكأ لأن القوم إذا قعدوا على الطعام اتكأوا، ~~ونهيت هذه الأمة عن ذلك. # وقوله: {وآتت كل واحدة منهن سكينا} [يوسف: 31] قال السدي: أعطيت كل واحدة ~~منهن أترجة وسكينا وأمرت يوسف بالبروز لهن، ليرينه فيعذرنها في حبها إياه، ~~وهو قوله: {وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه} [يوسف: 31] أعظمنه، وهالهن ~~أمره، وبهتن بالنظر إليه وذهب عقولهن، وجعلن يقطعن أيديهن بالسكاكين تعجبا ~~من حسنه وجماله، وهو قوله: وقطعن أيديهن قال قتادة: أبن أيديهن. # وقال مجاهد: لم يحسسن إلا بالدم، ولم يجدن الألم لشغل قلوبهن بيوسف. # {وقلن حاش لله} [يوسف: 31] حاش وحاشا يستعملان في الاستثناء والتبرئة، ~~والأصل حاشا لأنه من فاعل المحاشاة، يقال: حاشى يحاشي. # والحشاء: الناحية، ومعنى حاش لله صار يوسف في حشا أي: في ناحية مما قذف ~~به أي: لم يلابسه، كأن المعنى: بعد يوسف عن هذا الذي رمي به، أي: لخوفه ~~ومراقبته أمره، وهذا قول أكثر المفسرين، قالوا: هذا تنزيه ليوسف عما رمته ~~به امرأة العزيز. # وقال آخرون: هذا ms0872 تنزيه له من تهمة البشر، لفرط جماله، يدل على هذا سياق ~~الآية. # ومن قرأ حاش بغير ألف # PageV02P610 # فهو على حذف آخر الفعل كقولهم: لم يك، ولا أدر، وقد قال رؤبة: # وصاني العجاج فيما وصني # وقوله: {ما هذا بشرا} [يوسف: 31] أي: ليس هذا بآدمي {إن هذا إلا ملك ~~كريم} [يوسف: 31] على ربه. ### | 471 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز الفقيه، أنا عبد الله بن محمد ~~الرازي، نا محمد بن أيوب، نا موسى بن إسماعيل، نا حماد بن سلمة، عن ثابت، ~~عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطي يوسف شطر الحسن» ### | 472 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنا عبد الله بن عمر الجوهري، أنا عبد ~~الله بن محمود السعدي، نا محمد بن موسى بن بحر، نا عبيدة بن حميد، حدثني ~~منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الخرشي، قال: قسم الحسن نصفين نصف ليوسف وسارة ~~ونصف بين الناس، وقال أبو سعيد الخدري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وهو يصف يوسف حين رآه في السماء الثانية: " رأيت رجلا صورته صورة القمر ~~ليلة البدر، قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: أخوك يوسف " ### | 473 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن أحمد العدل، أنا أحمد بن سلمان الحربي، أنا ~~محمد بن عبد الله بن إبراهيم، أنا هشام بن عمار، أنا وكيع، عن شعبة، عن ~~محارب بن دثار، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " هبط علي ~~جبريل فقال: يا محمد إن الله تعالى يقرأ عليك السلام ويقول لك: حبيبي إني ~~كسوت حسن يوسف من نور الكرسي، وكسوت حسن وجهك من نور عرشي، وما خلقت خلقا ~~أحسن منك يا محمد " # قالت المرأة عند ذلك للنسوة: {فذلكن الذي لمتنني فيه} [يوسف: 32] قال ابن ~~الأنباري: أشارت بذلك إلى يوسف بعد انصرافه من المجلس، قال المفسرون: أرادت ~~إظهار عذرها عند النسوة بما شهدن من جمال يوسف، بهتن بالنظر إليه، وذهبت ~~عقولهن، وجعلن يقطعن أيديهن، قالت لهن هذا القول، ومعنى {لمتنني فيه} ~~[يوسف: 32] ، أي: في حبه والشغف ms0873 به، ثم أقرت عندهن فقالت: {ولقد راودته عن ~~نفسه فاستعصم} [يوسف: 32] امتنع وأبى، ثم توعدته بإيقاع المكروه به إن لم ~~يطعها فيما تدعوه إليه، فقالت: {ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من ~~الصاغرين} [يوسف: 32] من الإذلال بالسجن والحبس، قال يوسف { # PageV02P611 # رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه} [يوسف: 33] مما يطالبنني به من ~~معصيتك، وذلك أن النسوة قلن له: إنك الظالم وهي المظلومة، وأمرنه بمطاوعتها ~~وقضاء حاجتها {وإلا تصرف عني كيدهن} [يوسف: 33] كيد جميع النسوة {أصب ~~إليهن} [يوسف: 33] أمل إليهن وأتابعهن، يقال: صبا إلى اللهو، يصبو صبوا. # إذا مال إليه {وأكن من الجاهلين} [يوسف: 33] من يستحق صفة الذم بالجهل، ~~قال ابن عباس: يريد المذنبين الآثمين. # فاستجاب الله ليوسف دعاءه {فصرف عنه كيدهن} [يوسف: 34] بأن عصمه منهن ~~{إنه هو السميع} [يوسف: 34] لدعائه العليم بما خاف من الإثم، وقال وهب، ~~والسدي: إن امرأة العزيز قالت لزوجها: إن هذا العبد العبراني فضحني في ~~الناس، يخبرهم أني راودته عن نفسه، ولست أقدر أن أعتذر بعذري، فإما أن تأذن ~~لي فأخرج وأعتذر، وإما أن تحبسه كما حبستني، فظهر للعزيز وأصحابه من الرأي ~~حبس يوسف، فذلك قوله: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ~~{35} ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني ~~أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من ~~المحسنين {36} قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن ~~يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة ~~هم كافرون {37} واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك ~~بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ~~{38} يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار {39} ما ~~تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآبآؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ~~إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر ms0874 الناس ~~لا يعلمون {40} يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب ~~فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان {41} وقال للذي ظن أنه ~~ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين ~~{42} وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر ~~وأخر يابسات يأيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون {43} قالوا ~~أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين {44} وقال الذي نجا منهما ~~وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون {45} } [يوسف: 35-45] {ثم بدا ~~لهم من بعد ما رأوا الآيات} [يوسف: 35] يعني: آيات براءة يوسف ليسجننه ~~ليحبسنه في السجن حتى حين الحين من الزمان غير محدود يقع على القصير منه ~~والطويل، قال عطاء: يريد إلى انقطاع المقالة. # وقال الكلبي: الحين ههنا # PageV02P612 # خمس سنين. # وقال عكرمة: سبع سنين. # وقال مقاتل: حبس يوسف اثنتي عشرة سنة. # قال السدي: ثم إن الملك غضب على خباز بلغه أنه يريد أن يسمه، وأن صاحب ~~شرابه مالأه على ذلك فحبسهما جميعا، وذلك قوله: {ودخل معه السجن فتيان} ~~[يوسف: 36] وكان يوسف لما دخل السجن قال لأهله: إني أعبر الأحلام. # فقال أحد الفتيين: هلم نجرب هذا العبد العبراني نتراءى له شيئا فسألا من ~~غير أن يكونا رأيا شيئا، فذلك قوله: {قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا} ~~[يوسف: 36] قال له الساقي: إني رأيت أصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب ~~فجنيتها وعصرتها، ومعنى أعصر خمرا: أعصر عنب خمر، أي: العنب الذي يكون ~~عصيره خمرا، فحذف المضاف، وقال الزجاج، وابن الأنباري: العرب تسمي الشيء ~~باسم ما يئول إليه الشيء إذا انكشف المعنى ولم يلتبس، يقولون: فلان يطبخ ~~الأجر ويطبخ الدبس وإنما يطبخ اللبن والعصير. # وقوم يقولون: إن بعض العرب يسمون العنب خمرا، حكى الأصمعي، عن المعتمر ~~أنه لقي أعرابيا معه عنب، قال: ما معك؟ فقال: خمر. # وقال صاحب الطعام: رأيت كأن فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز وألوان ~~الأطعمة وسباع الطير تنهش منه، فذلك قوله: {وقال الآخر ms0875 إني أراني أحمل فوق ~~رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله} [يوسف: 36] أخبرنا بتفسيره {إنا ~~نراك من المحسنين} [يوسف: 36] تؤثر الإحسان، وتأتي الأفعال الجميلة، قال ~~سلمة بن نبيط: كنت بخراسان جالسا عند الضحاك فسأله رجل عن قوله: {إنا نراك ~~من المحسنين} [يوسف: 36] ما كان إحسان يوسف؟ قال: كان إذا ضاق على رجل ~~مكانه وسع عليه، وإن احتاج جمع له، وإن مرض قام عليه. # وقال الفراء: من المحسنين العالمين. # ونحو هذا قال الزجاج: ممن يحسن التأويل. # ثم ذكر لهما يوسف ما يدل على أنه عالم بتفسير الرؤيا فقال: {لا يأتيكما ~~طعام ترزقانه} [يوسف: 37] في منامكما {إلا نبأتكما بتأويله} [يوسف: 37] في ~~اليقظة {قبل أن يأتيكما} [يوسف: 37] التأويل ذلكما التأويل {مما علمني ربي} ~~[يوسف: 37] أي: لست أقوله على جهة التكهن والتنجم، وإنما أخبركما بوحي من ~~الله وعلم، ثم أخبر أنه تارك ملة الكفر فقال: {إني تركت ملة قوم لا يؤمنون} ~~[يوسف: 37] الآية {واتبعت ملة آبائي إبراهيم} [يوسف: 38] إلى قوله: {ما كان ~~لنا أن نشرك بالله من شيء} [يوسف: 38] قال ابن عباس: يريد: أن الله عصمنا ~~من أن نشرك به. # {ذلك من فضل الله علينا} [يوسف: 38] أي: اتباعنا الإيمان بتوفيق الله لنا ~~وبفضله علينا وعلى الناس يعني المؤمنين {ولكن أكثر الناس لا يشكرون} [يوسف: ~~38] الله على نعمته فيوحدونه، ثم دعاهما إلى الإسلام فقال: {يا صاحبي السجن ~~أأرباب متفرقون} [يوسف: 39] يعني: الأصنام من صغير وكبير خير أعظم في صفة ~~المدح {أم الله الواحد القهار} [يوسف: 39] يعني: أنه أحق بالإلهية من ~~الأصنام، ثم خاطبهم ومن على مثل حالهم في الكفر فقال: {ما تعبدون من دونه} ~~[يوسف: 40] من دون الله {إلا أسماء سميتموها أنتم وآبآؤكم} [يوسف: 40] ~~يعني: الأرباب والآلهة ولا تصح معانيها للأصنام فكأنها أسماء فارغة، وكأنهم ~~يعبدون الأسماء لأنها لا معاني تصح لها {ما أنزل الله بها من سلطان} [يوسف: ~~40] من حجة بعبادتها {إن الحكم إلا لله} [يوسف: 40] أي: الفضل بالأمر ~~والنهي إلا لله {ذلك الدين القيم} [يوسف: 40] أي: الذي أمر به من {ألا ~~تعبدوا إلا ms0876 إياه} [يوسف: 40] وهو الدين المستقيم {ولكن أكثر الناس لا ~~يعلمون} [يوسف: 40] قال ابن عباس: لا يعلمون ما للمطيعين من الثواب، ~~وللعاصين من العقاب. # قوله: {يا صاحبي السجن أما أحدكما} [يوسف: 41] الآية، قال الكلبي: لما قص ~~الساقي رؤياه على يوسف قال له: ما # PageV02P613 # أحسن ما رأيت: أما الأغصان الثلاثة، فثلاثة أيام يوجه إليك الملك عند ~~انقضائهن فيردك إلى عملك فتعود كأحسن ما كنت فيه. # وقال للخباز لما قص عليه: بئس ما رأيت: السلال الثلاث ثلاثة أيام يوجه ~~إليك الملك عند انقضائهن فيقتلك ويصلبك وتأكل الطير من رأسك. # فقالا: ما رأينا شيئا. # قال: {قضي الأمر الذي فيه تستفتيان} [يوسف: 41] أي: فرغ منه، سيقع بكما ~~ما عبرت لكما صدقتما أو كذبتما، وإنما حلم يوسف بوقوع الأمر بهما من قبل، ~~وحي أتاه من الله تعالى. # {وقال للذي ظن أنه ناج منهما} [يوسف: 42] أي: أيقن وعلم، وهو الساقي ~~{اذكرني عند ربك} [يوسف: 42] أي: عند الملك صاحبك، وقل له: إن في السجن ~~غلاما محبوسا ظلما {فأنساه الشيطان ذكر ربه} [يوسف: 42] قال مجاهد: أنسى ~~الشيطان يوسف الاستعانة بربه، وأوقع في قلبه الاستغاثة بالملك، فعوقب بأن ~~لبث في السجن بضع سنين. # وهذا قول ابن عباس، واختيار الزجاج وذهب القوم إلى أن الكناية راجعة إلى ~~الساقي على معنى: أنسى الشيطان الساقي أن يذكر يوسف لربه {فلبث في السجن ~~بضع سنين} [يوسف: 42] قال الأصمعي: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، وعامة ~~المفسرين على أن المراد بالبضع ههنا سبع سنين، وقالوا: عاقب الله يوسف بأن ~~حبس سبع سنين بعد الخمس التي حبسها إلى وقت قوله: {اذكرني عند ربك} [يوسف: ~~42] ، قال ابن عباس: لما تضرع يوسف إلى مخلوق وكان قد اقترب خروجه أنساه ~~الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين. ### | 474 - # أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الزاهد، أنا محمد بن أحمد بن علي المقرئ، ~~أنا الحسين بن سفيان، نا زهير بن سلام، نا عمرو بن محمد، نا إبراهيم بن ~~يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال ms0877 رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «لو لم يقل يوسف الكلمة التي قال ما لبث في السجن طول ما ~~لبث، حيث يبتغي المخرج من عند غير الله» # وروى الحسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله يوسف لولا ~~كلمته ما لبث في السجن طول ما لبث» . # قال: ثم يبكي الحسن ويقول: نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس، ويروى ~~أن جبريل دخل على يوسف السجن، فلما رآه يوسف عرفه، فقال له يوسف: يا أخا ~~المنذرين، ما لي أراك بين الخاطئين، فقال له جبريل: يا طاهر الطاهرين، يقرأ ~~عليك السلام رب العالمين ويقول لك: أما استحييت مني إذ استشفعت بالآدميين؟ ~~فبعزتي لألبثنك في السجن بضع سنين. # قال # PageV02P614 # يوسف: وهو في ذلك عني راض؟ قال: نعم. # قال: إذن لا أبالي. # قوله: {وقال الملك إني أرى سبع بقرات} [يوسف: 43] الآية، قال المفسرون: ~~لما دنا فرج يوسف رأى ملك مصر الأكبر رؤيا عجيبة هالته، وذلك أنه رأى سبع ~~بقرات سمان وسبعا عجاف، فابتلعت العجاف السمان فدخلت في بطونهن فلم ير منهن ~~شيئا، ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها وسبعا أخر يابسات قد استحصدت، ~~فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبت عليها، فجمع الملك الكهنة وقصها عليهم. # فذلك قوله: {يأيها الملأ أفتوني في رؤياي} [يوسف: 43] والعجاف ضد السمان، ~~وأحدها أعجف وعجفاء، والعجف: ذهاب السمن، فمعنى العجاف: الهزلى التي لا لحم ~~عليها، وقوله: {إن كنتم للرؤيا تعبرون} [يوسف: 43] يقال: عبرت الرؤيا ~~أعبرها عبرا وعبارة، وعبرتها تعبيرا. # إذا فسرتها، {قالوا أضغاث أحلام} [يوسف: 44] أي: أحلام مختلطة لا تأويل ~~لها، قال أبو عبيدة: ونراه مأخوذا من الحشيش الذي يجمع، ويقبض عليه بالكف ~~فيقال له: ضغث. # وقال الكلبي: أباطيل أحلام. # وقال قتادة: أخلاط أحلام. # قال ابن الأنباري: إنهم قالوا هذه منامات كاذبة لا يصح تأويلها. # {وما نحن بتأويل الأحلام} [يوسف: 44] التي هذا وصفها بعالمين إذ كنا نعلم ~~تأويل ما يصح، وهذا معنى قول أكثر المفسرين، واختيار الزجاج قال: إنهم ~~قالوا له: رؤياك هذه أخلاط وليس ms0878 للرؤيا المختلطة عندنا تأويل. # قال الكلبي: لما سأل الملك عن رؤياه جثا الساقي بين يديه بعد انقضاء جواب ~~الملأ، فقال للملك: إني قصصت أنا والخباز على رجل في السجن منامين فخبرنا ~~بتأويلهما، فصدق في جميع ما وصف، ولم يسقط من تأويله شيء، فإن أذنت مضيت ~~إليه واتيتك من قبله بتفسير هذه الرؤيا. # فذلك قوله: {وقال الذي نجا منهما} [يوسف: 45] يعني الساقي {وادكر بعد ~~أمة} [يوسف: 45] أي: تذكر شأن يوسف وما وصاه به بعد حين من الدهر. # قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، والأمة: زمان من الدهر طويل، قال عطاء، ~~عن ابن عباس: بعد سنين. # وقوله: {أنا أنبئكم بتأويله} [يوسف: 45] أي: أن أخبركم به فأرسلون فأرسل، ~~فأتى يوسف فقال: {يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع ~~عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون {46} ~~قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله # PageV02P615 # إلا قليلا مما تأكلون {47} ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم ~~لهن إلا قليلا مما تحصنون {48} ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه ~~يعصرون {49} } [يوسف: 46-49] يوسف يعني يا يوسف {أيها الصديق} [يوسف: 46] ~~الكثير الصدق فيما يخبر به، وما بعد ذلك ظاهر إلى قوله تعالى: {لعلي أرجع ~~إلى الناس} [يوسف: 46] يعني: الملك، وأصحابه، والعلماء الذين جمعهم لتعبير ~~رؤياه لعلهم يعلمون كي يعرفوا ذلك، وقيل: لعلهم يعلمون فضلك وعلمك. # قال له يوسف: أما السبع بقرات السمان فإنهم سبع سنين مخصبات وذوات نعمة، ~~وأنتم تزرعون فيها، وهو قوله قال تزرعون أي: فازرعوا {سبع سنين دأبا} ~~[يوسف: 47] قال ابن عباس: متوالية. # والدأب: استمرار الشيء على عادة، وهو دائب يفعل كذا، أي: استمر في فعله، ~~وقد دأب يدأب دأبا ودأبا، والمعنى: زراعة متوالية في هذه السنين على عادتكم ~~فما حصدتم مما زرعتم {فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون} [يوسف: 47] ~~يعني: ما أردتم أكله فدوسوه، ودعوا الباقي في السنبل، لأنه أبقى له وأبعد ~~عن الفساد {ثم يأتي من بعد ذلك ms0879 سبع شداد} [يوسف: 48] يعني: سبع سنين ~~مجدبات، والشداد: الصعاب التي تشتد على الناس يأكلن يذهبن ويفنين {ما قدمتم ~~لهن} [يوسف: 48] في السنين المخصبة {إلا قليلا مما تحصنون} [يوسف: 48] ~~تحرزون وتدخرون، والإحصان: إحراز الشيء، قوله: {ثم يأتي من بعد ذلك عام} ~~[يوسف: 49] الآية، قال قتادة: زاده الله علم عام لم يسألوه عنه. # وقوله: {فيه يغاث الناس} [يوسف: 49] يقال: غاث الله البلاد يغيثها غيثا. # إذا أنزل بها الغيث، ومعنى يغاث الناس: يمطرون ويسقون الغيث وفيه يعصرون ~~من السمسم دهنا، ومن العنب عصيرا، ومن الزيتون زيتا للخصب الذي آتاهم كما ~~كانوا يعصرون أيام الخصب، فلما رجع الرسول إلى الملك وأخبره بما أفتاه به ~~يوسف عرف الملك أن ذلك التأويل صحيح، فقال: ائتوني الذي عبر رؤياي، فهو ~~قوله: {وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما ~~بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم} [يوسف: 50] {وقال الملك ~~ائتوني به} [يوسف: 50] فجاء الرسول يوسف قال له: أجب الملك، فأبى أن يخرج ~~مع الرسول حتى تبين براءته مما قذف به، فقال للرسول: {ارجع إلى ربك} [يوسف: ~~50] يعني: الملك {فاسأله ما بال النسوة} [يوسف: 50] ما حالهن وشأنهن؟ ~~والمعنى: فاسأل الملك أن يتعرف ويسأل ما شأن تلك النسوة وحالهن ليعلم صحة ~~براءتي، قال المفسرون: أشفق يوسف من أن يراه الملك بعين مشكوك في أمره، ~~متهم بفاحشة، فأحب أن يراه بعد أن يزول عن قلبه ما كان فيه. # وقد استحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزم يوسف وصبره حين دعاه الملك ~~فلم يبادر، وهو ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لقد عجبت من ~~يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له، حين أتاه الرسول فقال: {ارجع إلى ربك} ~~[يوسف: 50] الآية، ولو كنت مكانه ولبثت في السجن طول ما لبثت لأسرعت ~~الإجابة، وبادرتهم الباب، وما ابتغيت العذر، إن كان لحليما ذا أناة ". ### | 475 - # أخبرنا أبو إبراهيم بن أبي القاسم المزكي، نا أبو عمرو بن مطر، نا محمود ~~بن محمد الواسطي، نا وهب ms0880 بن بقية، أنا # PageV02P616 # خالد بن عبد الله، عن محمد بن عمرو بن مطر، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ~~ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ولو لبثت في السجن ما لبث ~~يوسف ثم جاءني الداعي لأجبت» # قال الزجاج: ولم يفرد يوسف امرأة العزيز لحسن عشرة منه وأدب، فخلطها ~~بالنسوة، وقوله: {إن ربي بكيدهن عليم} [يوسف: 50] أي: أنه عالم بذلك وقادر ~~على إظهار براءتي، قال المفسرون: فرجع الرسول إلى الملك برسالة يوسف، فدعا ~~الملك النسوة وفيهن امرأة العزيز، فقال: {قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن ~~نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق ~~أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين {51} ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ~~وأن الله لا يهدي كيد الخائنين {52} وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ~~إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم {53} } [يوسف: 51-53] ما خطبكن ما شأنكن ~~وقصتكن {إذ راودتن يوسف عن نفسه} [يوسف: 51] قال ابن الأنباري: جمعهن في ~~السؤال ليعلم عين المراودة. # {قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء} [يوسف: 51] من زنا، أعلمنه براءة ~~يوسف من الزنا، فقالت {امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه} ~~[يوسف: 51] أي: ظهر وتبين ووضح وانكشف، قال الفراء: لما دعا النسوة فبرأنه، ~~قالت: لم يبق إلا أن يقبل علي بالتقرير. # فأقرت. # فذلك قولها: {الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين} ~~[يوسف: 51] في قوله {هي راودتني عن نفسي} [يوسف: 26] فقال يوسف {ذلك ليعلم ~~أني لم أخنه بالغيب} [يوسف: 52] يقول: ذلك الذي فعلت من ردي رسول الملك ~~إليه في شأن النسوة ليعلم العزيز أني لم أخنه في زوجته بالغيب {وأن الله لا ~~يهدي كيد الخائنين} [يوسف: 52] لا يرشد كيد من خان أمانته، يعني: أنه يتضح ~~في العاقبة بحرمان الهداية، ولما قال يوسف: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} ~~[يوسف: 52] قال له ms0881 جبريل عليه السلام: ولا حين هممت بها يا يوسف؟ فقال ~~يوسف: {وما أبرئ نفسي} [يوسف: 53] قال ابن عباس: وما أزكي نفسي، خاف على ~~نفسه التزكية، وتزكية النفس مما يذم وينهى عنه. # {إن النفس لأمارة بالسوء} [يوسف: 53] بالقبيح وما لا يحب الله، وذلك ~~لكثرة ما تشتهيه وتنازع إليه {إلا ما رحم} [يوسف: 53] أي: من رحم ربي فعصمه ~~مما تدعوه إليه نفسه من القبيح، وما: يقع بمعنى من، قوله: {ما طاب لكم} ~~[النساء: 3] ، ولما تبين للملك عذر يوسف، وعرف أمانته وكفايته وعلمه وعقله ~~قال: { # PageV02P617 # وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين ~~أمين {54} قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم {55} وكذلك مكنا ليوسف ~~في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ~~{56} ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون {57} } [يوسف: 54-57] ~~{ائتوني به أستخلصه لنفسي} [يوسف: 54] أجعله خالصا لي لا يشركني فيه أحد ~~فلما كلمه قال الكلبي: لما صار يوسف إلى الملك، وكان في ذلك الوقت ابن ~~ثلاثين سنة، فلما رآه الملك حدثا شابا قال للساقي: أهذا يعلم من تأويل ~~رؤياي ما لم يعلمه السحرة ولا الكهنة؟ قال: نعم. # فأقبل على يوسف، وقال: إني أحب أن أسمع تأويل رؤياي منك شفاها، فأجابه ~~يوسف بما شفاه وشهد قلبه بصحته، فعند ذلك قال له الملك {إنك اليوم لدينا ~~مكين أمين} [يوسف: 54] قال ابن عباس: يريد مكنتك في ملكي، وجعلت سلطانك فيه ~~كسلطاني، وائتمنتك فيه. # وقال الزجاج: أي: قد عرفنا أمانتك وبراءتك مما قذفت به. # ولما عبر يوسف رؤيا الملك بين يديه قال له الملك: فما ترى أيها الصديق؟ ~~قال: أرى أن تزرع في هذه السنين المخصبة زرعا كثيرا، وتبني الأهرام وتجمع ~~فيها الطعام ليأتيك الخلق من النواحي فيمتارون منك لحكمك، ويجتمع عندك من ~~الكنوز ما لم يجتمع لأحد قبلك، فقال الملك: ومن لي بهذا؟ ومن يجمعه، ويكفي ~~الشغل فيه؟ فقال يوسف: {اجعلني على خزائن الأرض} [يوسف: 55] يعني: أرض مصر ~~إني حفيظ لما وليت عليم ms0882 بأمره. # قاله قتادة، وقال السدي: حفيظ للحساب عالم بالألسن. # وذلك أن الناس كانوا يفدون على الملك من كل ناحية، ويتكلمون بلغات ~~مختلفة، فقال له الملك: ومن أحق به منك؟ فولاه ذلك كله. ### | 476 - # أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد الثقفي، نا ~~مخلد بن جعفر، نا الحسن بن علويه، نا إسماعيل بن عيسى، نا إسحاق بن بشر، عن ~~جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ~~رحم الله أخي يوسف، لو لم يقل: اجعلني على خزائن الأرض لولاه من ساعته، ~~ولكنه أخر ذلك عنه سنة " # PageV02P618 # قال أصحاب الأخبار: فأقام في بيت الملك سنة، فلما انصرفت السنة من يوم أن ~~سأل الإمارة دعاه الملك، وتوجه، ورداه بسيفه، وأمر له بسرير من ذهب، وضرب ~~عليه كلة من إستبرق مكللة بالدر والياقوت، ثم أمره أن يخرج، فخرج متوجا ~~لونه كالثلج، ووجهه كالقمر يرى الناظر وجهه في صفاء لونه، فانطلق حتى جلس ~~على السرير، ودانت له الملوك، ولزم الملك بيته، وفوض أمره إليه، وعزل قطفير ~~عما كان عليه، وجعل يوسف مكانه، ثم إن قطفير هلك في تلك الليالي، فزوج ~~الملك يوسف براعيل امرأة قطفير، فلما دخل عليها قال لها: أليس هذا خيرا مما ~~كنت تريدين؟ فقالت: أيها الصديق، لا تلمني فإني كنت امرأة حسناء ناعمة في ~~ملك ودنيا، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنت كما جعلك الله في صورتك ~~فغلبتني نفسي، فلما بنى بها يوسف وجدها عذراء، فأصابها، فولدت له ابنين: ~~أفرايم، وميشا ابني يوسف، واستوثق ليوسف ملك مصر. # فذلك قوله: {وكذلك مكنا ليوسف} [يوسف: 56] أي: ومثل ذلك الإنعام الذي ~~أنعمنا عليه أقدرنا يوسف على ما يريد في الأرض أرض مصر {يتبوأ منها حيث ~~يشاء} [يوسف: 56] هذا تفسير التمكين، وقرأ ابن كثير: نشاء بالنون وذلك أن ~~مشيئة يوسف لما كانت بمشيئة الله وإقداره عليها جاز أن ينسب إلى الله ~~تعالى، وإن كان في المعنى ليوسف {نصيب برحمتنا من نشاء} [يوسف: 56] قال ابن ~~عباس: أتفضل على من أشاء ms0883 برحمتي. # {ولا نضيع أجر المحسنين} [يوسف: 56] ثواب الموحدين. # {ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا} [يوسف: 57] أي: ما يعطي الله تعالى من ~~ثواب الآخرة خير للذين آمنوا، أي: خير مما يعطي الله المؤمنين في الدنيا، ~~والمعنى: أن ما يعطي الله يوسف في الآخرة خير مما أعطاه في الدنيا، وكذلك ~~غيره ممن يسلك طريقه في الصبر على المكاره، وقال أصحاب الأخبار: لما اطمأن ~~يوسف في ملكه، وخلت السنون المخصبة ودخلت سنو الجدب، جاءت بهول لم يعهد ~~الناس مثله، وأصاب الناس الجوع، ولما كان بدو القحط بينما الملك نائم أصابه ~~الجوع في نصف الليل، فهتف الملك: يا يوسف الجوع الجوع. # فقال يوسف: هذا أوان القحط. # وكان يوسف لا يمتلئ شبعا من الطعام في تلك الأيام، فقيل له: أتجوع وبيدك ~~خزائن الأرض؟ فقال: أخاف إن شبعت أنسى الجائع. # وقصد الناس مصر يمتارون، وأصاب أرض كنعان، وبلاد الشام من القحط والشدة ~~ما أصاب سائر البلاد، ونزل بيعقوب من ذلك ما نزل بالناس، فأرسل بنيه إلى ~~مصر للميرة، وأمسك بنيامين عنده فلما دخلوا عليه عرفهم يوسف وأنكروه فذلك ~~قوله: {وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون {58} ولما جهزهم ~~بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير ~~المنزلين {59} فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون {60} قالوا ~~سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون {61} وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم ~~لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون {62} فلما رجعوا إلى ~~أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل # PageV02P619 # معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون {63} قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم ~~على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين {64} } [يوسف: 58-64] ~~{وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون} [يوسف: 58] قال ابن ~~عباس: كان بين أن قذفوه في الجب وبين أن دخلوا عليه أربعون سنة فلذلك ~~أنكروه. # وقال الكلبي: إنه كان متزينا بزي فرعون مصر، عليه ثياب حرير، جالسا على ~~حرير في، عنقه طوق من ذهب، وعلى ms0884 رأسه تاج فلذلك لم يعرفوه. # وقال عطاء: لم يثبتوه وعليه تاج الملك وحجاب الملك، وعلى هذا إنما لم ~~يعرفوه لأنهم رأوه من وراء ستر. # وقال السدي: لما نظر إليهم يوسف قال لهم: أخبروني ما أمركم؟ قالوا: نحن ~~قوم من أرض الشام جئنا نمتار طعاما. # قال: كم أنتم؟ قالوا: عشرة. # قال: أخبروني خبركم. # قالوا: إنا إخوة بنو رجل صديق وإنا كنا اثنى عشر، فذهب أخ لنا معنا إلى ~~البرية فهلك فيها، وكان أحبنا إلى أبينا. # قال: فإلى من سكن أبوكم بعده؟ قالوا: إلى أخ لنا أصغر منه. # فذلك قوله: {ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم} [يوسف: 59] ~~يقال: جهزت القوم تجهيزا. # إذا هيأت لهم جهازهم للسفر وما يحتاجون إليه، قال المفسرون: حمل لكل رجل ~~منهم بعيرا. # {ألا ترون أني أوفي الكيل} [يوسف: 59] أتمه ولا أبخسه {وأنا خير ~~المنزلين} [يوسف: 59] خير المضيفين، قال الزجاج: لأنه حين أنزلهم أحسن ~~ضيافتهم، ثم أوعدهم على ترك الإتيان بالأخ بمنع الطعام، وهو قوله: {فإن لم ~~تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون} [يوسف: 60] لا تقربوا بابي ولا ~~بلادي. # {قالوا سنراود عنه أباه} [يوسف: 61] نطلب منه ونسأله أن يرسله معنا وإنا ~~لفاعلون لضامنون لك المجيء به. # وقال يوسف لفتيته، قال ابن عباس: لغلمانه. # وقرئ لفتيانه، قال الزجاج: الفتيان والفتية في هذا الموضع المماليك ~~{اجعلوا بضاعتهم في رحالهم} [يوسف: 62] وقال عطاء: يريد: الدراهم والدنانير ~~التي جاءوا بها. # في رحالهم في أوعيتهم، والرحل: كل شيء معد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب ~~للبعير وحلس ورسن، وقال الضحاك، عن ابن عباس: كانت بضاعتهم النعال والأدم، ~~وإنما أمر يوسف بوضع بضاعتهم في رحالهم لأنهم متى فتحوا أوعيتهم فوجدوا ~~بضاعتهم علموا كرم يوسف وسخاءه فيبعثهم على العود إليه، وقال الكلبي: لخوف ~~ألا يكون عند أبيه من الورق ما يرجعون به مرة أخرى. # وقيل: رأى لو ما أخذه ثمن الطعام من أبيه وإخوته مع حاجتهم إلى الطعام. # وقال الفراء: لأنهم إذا رأوا بضاعتهم في رحالهم ردوها على يوسف ولم ~~يستحلوا إمساكها ms0885 ويرجعون. # وذلك قوله: لعلهم يعرفونها لكي يعرفوا بضاعتهم إذا انقلبوا انصرفوا {إلى ~~أهلهم لعلهم يرجعون} [يوسف: 62] لكي يرجعوا إلينا {فلما رجعوا إلى أبيهم ~~قالوا يا أبانا} [يوسف: 63] إنا قدمنا على خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامة لو ~~كان رجلا من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته. # وقالوا: {منع منا الكيل} [يوسف: 63] أي: فيما يستقبل إن لم نأته بأخينا ~~لقوله: { # PageV02P620 # فلا كيل لكم عندي} [يوسف: 60] ، {فأرسل معنا أخانا} [يوسف: 63] بنيامين ~~نكتل نأخذ الطعام بالكيل، وقال الزجاج: أي: إن أرسلته اكتلنا وإلا منعنا ~~الكيل. # وقرئ بالياء على معنى: يأخذ أخونا بنيامين وقر بعير يكال له {وإنا له ~~لحافظون} [يوسف: 63] من أن يصيبه سوء أو مكروه. # قال يعقوب {هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل} [يوسف: 64] ~~يقول: لا آمنكم على بنيامين إلا كأمني على يوسف، يريد: أنه لم ينفعه ذلك ~~الأمن، وأنهم خانوه، فهو وإن أمنهم في هذا خاف خيانتهم أيضا، ثم قال: ~~{فالله خير حافظا} [يوسف: 64] أي: من حفظكم الذي نسبتموه إلى أنفسكم، ~~والمعنى: حفظ الله خير من حفظكم ومن قرأ {حافظا} [يوسف: 64] فالمعنى: حافظ ~~الله خير من حافظكم لأن الله سبحانه له حفظه فحافظه خير من حافظكم، كما أن ~~حفظه خير من حفظكم، قال كعب: لما قال يعقوب: فالله خير حافظا. # قال الله عز وجل: وعزتي لأردن عليك كليهما بعد ما توكلت علي. # قوله: {ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما ~~نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك ~~كيل يسير {65} قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا ~~أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل {66} } [يوسف: ~~65-66] {ولما فتحوا متاعهم} [يوسف: 65] يعني: أوعية الطعام وجدوا بضاعتهم ~~التي حملوها لثمن الطعام {ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي} [يوسف: 65] ، ~~ما استفهام، والمعنى: أي شيء نريد وقد ردت إلينا بضاعتنا؟ ويجوز أن يكون ~~نفيا كأنهم قالوا: ما نبغي شيئا {هذه بضاعتنا ردت إلينا} [يوسف ms0886: 65] أي: ~~لسنا نطلب منك دراهم نرجع بها إليه، بل تكفينا في الرجوع إليه بضاعتنا هذه، ~~وأرادوا بهذا الكلام أن يطيبوا نفس أبيهم على الإذن لهم بالمعاودة، وقوله: ~~ونمير أهلنا أي: نجلب إليهم الطعام، يقال: مار أهله يميرهم ميرا. # إذا أتاهم بطعام ونحفظ أخانا بنيامين {ونزداد كيل بعير} [يوسف: 65] لأنه ~~كان يكال لكل رجل وقر بعير {ذلك كيل يسير} [يوسف: 65] على هذا الرجل الذي ~~نأتيه لسخائه وحرصه على البذل، قال يعقوب لهم: لن أرسل بنيامين معكم {حتى ~~تؤتون موثقا من الله} [يوسف: 66] حتى تعطوني عهدا موثوقا به من جهة إشهاد ~~الله والقسم به، والمعنى: حتى تحلفوا بالله لتأتنني به لتردنه إلي {إلا أن ~~يحاط بكم} [يوسف: 66] قال مجاهد: إلا أن تموتوا كلكم. # قال ابن إسحاق: إلا أن يصيبكم أمر يذهب بكم جميعا فيكون ذلك عذرا لكم ~~عندي. # والعرب تقول: أحيط بفلان. # إذا دنا هلاكه، ومنه قوله: {وأحيط بثمره} [الكهف: 42] أي: أصابه ما أهلكه ~~{فلما آتوه موثقهم} [يوسف: 66] فلما أعطوه اليمين والعهد قال يعقوب: {الله ~~على ما نقول وكيل} [يوسف: 66] قال ابن عباس: شهيد. # وذلك أن الشهيد وكيل بمعنى: أنه موكول إليه القيام بما أشهد عليه، ولما ~~تجهز بنوه للمسير، قال يعقوب: { # PageV02P621 # وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني ~~عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ~~{67} ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا ~~حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا ~~يعلمون {68} ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس ~~بما كانوا يعملون {69} } [يوسف: 67-69] {يا بني لا تدخلوا} [يوسف: 67] يعني ~~مصر {من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة} [يوسف: 67] وإنما قال ذلك حذرا ~~من العين عليهم إذ كانت العين حقا، وكانوا أولي جمال وكمال وأبناء رجل واحد ~~يجتمعون في الحسن والظاهرة والقامات الممتدة، ثم قال: {وما أغني عنكم من ms0887 ~~الله من شيء} [يوسف: 67] يعني: أن الله إن شاء أهلكهم متفرقين، والمعنى: لن ~~أدفع عنكم شيئا قضاه الله {إن الحكم إلا لله} [يوسف: 67] ما الحكم فيما ~~يقضي ويريد إلا لله، ثم ذكر أنه متوكل عليه بباقي الآية. # {ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم} [يوسف: 68] كان لمصر أربعة أبواب، ~~فدخلوا من أبوابها كلها كما أمرهم أبوهم {ما كان يغني عنهم من الله من شيء} ~~[يوسف: 68] قال ابن عباس: ما كان ذلك ليرد قضاء قضاه الله تعالى. # يعني: أن العين لو قدر أن تصيبهم لأصابتهم وهم متفرقون كما تصيبهم ~~مجتمعين، وهذا تصديق ليعقوب في قوله: {وما أغني عنكم من الله من شيء} ~~[يوسف: 67] ، قوله: {إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} [يوسف: 68] يعني: أن ذلك ~~الدخول من الأبواب المتفرقة قضى حاجة في نفس يعقوب وهي إرادته أن يكون ~~دخولهم كذلك شفقة عليهم وخوفا من العين {وإنه لذو علم} [يوسف: 68] وإن ~~يعقوب لذو يقين ومعرفة بالله لما علمناه من أجل تعليمنا إياه، مدحه الله ~~بالعلم لقوله: {وما أغني عنكم من الله من شيء} [يوسف: 67] علم أن الحذر لا ~~ينفع من القدر، وأن المقدور كائن {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [يوسف: 68] ~~قال ابن عباس: لا يعلم المشركون ما ألهم الله أولياءه، ولما أقدموا أخاهم ~~عليه، قالوا له: قد امتثلنا أمرك، وأقدمنا عليك أخانا الذي أحببت حضوره، ~~فأمر صاحب ضيافته أن ينزل كل اثنين منهم في منزل، فبقى أخوه منفردا، فأنزله ~~معه فذلك قوله {ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه} [يوسف: 69] قال الحسن، ~~وقتادة: ضمه إليه وأنزله معه. # ولما خلا به قال له: ما اسمك؟ قال: بنيامين، قال: ما اسم أمك؟ قال: ~~راحيل، قال: هل لك أخ من أمك؟ قال: كان لي أخ من أمي هلك قال: أتحب أن أكون ~~أخاك بدل أخيك الهالك؟ فقال بنيامين: أيها الملك ومن يجد أخا مثلك ولكن لم ~~يلدك يعقوب ولا راحيل، فبكى يوسف وقام إليه وعانقه و {قال إني أنا أخوك} ~~[يوسف: 69] يوسف {فلا تبتئس بما كانوا يعملون ms0888} [يوسف: 69] لا تحزن ولا تغتم ~~بما عملوا من حسدنا، والحرص على صرف وجه أبينا عنا، وعلى ما أدخلوا عليك من ~~الحزن بما فعلوا بي، فقد جمع الله بيني وبينك وأرجو أن يجمع الله بيننا ~~وبين يعقوب، ثم أوفى يوسف لإخوته الكيل، وحمل لهم بعيرا بعيرا وحمل ~~لبنيامين بعيرا باسمه، كما حمل لهم وأمر بسقاية الملك فجعل في رحل بنيامين ~~فذلك قوله: {فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها ~~العير إنكم لسارقون {70} قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون {71} قالوا نفقد ~~صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به # PageV02P622 # زعيم {72} قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين ~~{73} قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين {74} قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو ~~جزاؤه كذلك نجزي الظالمين {75} فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من ~~وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء ~~الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم {76} قالوا إن يسرق فقد سرق ~~أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله ~~أعلم بما تصفون {77} قالوا يأيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا ~~مكانه إنا نراك من المحسنين {78} قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا ~~متاعنا عنده إنا إذا لظالمون {79} } [يوسف: 70-79] {فلما جهزهم بجهازهم جعل ~~السقاية في رحل أخيه} [يوسف: 70] والسقاية: الصواع الذي كان يشرب فيه ~~الملك، قال ابن عباس: كان قدحا من زبرجد. # وقال ابن زيد: كان كأسا من ذهب. # وقال عكرمة: كان مشربة من فضة مرصعة بالجواهر. # قال أصحاب الأخبار: لما قال يوسف لبنيامين: إني أنا أخوك، قال: فأنا لا ~~أفارقك بعد هذا. # قال يوسف: قد علمت اغتمام الوالد بي وأنا إن حبستك عنه ازداد غمه ولا ~~يمكنني حبسك إلا بعد أن أشهرك بأمر فظيع. # قال: لا أبالي، فافعل ما بدا لك. # قال: فإني أدس صاعي هذا في رحلك، ثم أنادي ms0889 عليك بالسرقة ليتهيأ لي ردك ~~بعد تسريحك. # فذلك قوله: {جعل السقاية في رحل أخيه} [يوسف: 70] وكان مشربة يشرب منها ~~الملك جعلها يوسف مكيالا لئلا يكال بغيرها، ثم ارتحلوا، وأمهلهم يوسف حتى ~~أمعنوا في الطلب، ثم أمر بهم فأدركوا وحبسوا {ثم أذن مؤذن} [يوسف: 70] نادى ~~مناد وأعلم معلم: أيتها العير قال الزجاج: معناه: يا أصحاب العير وكل ما ~~أشير عليه من الإبل والحمير والبغال فهو عير. # إنكم لسارقون ناداهم المنادي وعنده: أنهم قد سرقوا السقايا، ولم يعلم أن ~~يوسف أمر بوضعها في رحل أخيه. # قالوا يعني: أصحاب العير وهم إخوة يوسف وأقبلوا على أصحاب يوسف: ماذا ~~تفقدون ما الذي فقدتموه من متاعكم {قالوا نفقد صواع الملك} [يوسف: 72] قال ~~الزجاج: الصواع: هو الصاع بعينه وهو يذكر ويؤنث وهو السقاية. # وقال الحسن: الصواع والسقاية شيء واحد. # {ولمن جاء به} [يوسف: 72] # PageV02P623 # الصواع حمل بعير من الطعام {وأنا به زعيم} [يوسف: 72] كفيل، يقول المؤذن ~~وقد ضمن حمل بعير لمن رد إليه الصواع، {قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا ~~لنفسد في الأرض} [يوسف: 73] حلفوا على علم قوم يوسف لأنهم غير قاصدين لفساد ~~لأنهم كانوا معروفين بأنهم لا يظلمون أحدا، وذلك أنهم لما وجدوا بضاعتهم في ~~رحالهم لم يستحلوا أخذها، وبادروا بردها وذلك قوله: {وما كنا سارقين} ~~[يوسف: 73] ومن رد ما وجد كيف يكون سارقا. # {قالوا فما جزاؤه} [يوسف: 74] أي: ما جزاء السرق {إن كنتم كاذبين} [يوسف: ~~74] في قولكم: وما كنا سارقين؟ {قالوا جزاؤه من وجد في رحله} [يوسف: 75] ~~قال المفسرون: كانوا في ذلك الزمان يستعبدون كل سارق بسرقته وكان ذلك لهم ~~كالقطع في شرعنا. # لذلك {قالوا جزاؤه من وجد في رحله} [يوسف: 75] أي: جزاء السرق السارق، ~~وهو الإنسان الذي وجد المسروق في رحله، وقوله: فهو جزاؤه زيادة في الإبانة ~~كذلك مثل ما ذكرنا من الجزاء نجزي الظالمين يعني: إذا سرق استرق، فقال لهم ~~المؤذن: لا بد من تفتيش أمتعتكم. # وانصرف بهم إلى يوسف، فبدأ يوسف في التفتيش {بأوعيتهم قبل وعاء أخيه} ~~[يوسف: 76] لإزالة التهمة ثم استخرجها ms0890 يعني السقاية {من وعاء أخيه} [يوسف: ~~76] قال المفسرون: ولما فتش أوعيتهم ولم يبق إلا رحل بنيامين، قال يوسف: ما ~~أظن هذا أخذ شيئا. # فقال إخوته: والله لا نبرح حتى تنظر في رحله، فإنه أطيب لنفسك. # فلما فتحوا متاعه استخرجوا الصاع منه، فأقبلوا على بنيامين، وقالوا: إيش ~~الذي صنعت؟ فضحتنا وسودت وجوهنا متى أخذت هذا الصاع؟ فقال: وضع هذا الصاع ~~في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالكم. # وقوله: {كذلك كدنا ليوسف} [يوسف: 76] أي: دبرنا له بأن ألهمناه أن يجعل ~~السقاية في رحل أخيه ليتوصل به إلى حبسه ما كان يوسف {ليأخذ أخاه في دين ~~الملك} [يوسف: 76] قال ابن عباس وقتادة: في حكم الملك وقضائه، وذلك أن حكم ~~الملك في السارق أن يضرب ويغرم ضعفي ما سرق، فلم يكن يتمكن يوسف من حبس ~~أخيه عنده في حكم الملك لولا ما كاد الله له تلطفا، حتى وجد السبيل إلى ذلك ~~وهو ما أجرى على السنة إخوته أن جزاء السارق الاسترقاق، فأقروا به وكان ذلك ~~مراده وهو معنى قوله: {إلا أن يشاء الله} [يوسف: 76] فكان ذلك بمشيئة الله، ~~وقوله: {نرفع درجات من نشاء} [يوسف: 76] أي: بضروب الإعطاء والكرامات ~~وأبواب العلوم كما رفعنا درجة يوسف {وفوق كل ذي علم} [يوسف: 76] ممن رفعه ~~الله عليم قد رفعه الله بالعلم فهو أعلم منه، قال ابن عباس: يكون هذا أعلم ~~من هذا، وهذا أعلم من هذا حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى. # قالوا أي: الإخوة ليوسف إن يسرق بنيامين الصواع {فقد سرق أخ له من قبل} ~~[يوسف: 77] قال ابن عباس: يريدون يوسف، وكان يوسف يأخذ الطعام من مائدة ~~أبيه سرا فيتصدق به. # وقال سعيد بن جبير، وقتادة: سرق صنما لجده أبي أمه فكسره وألقاه، وقال ~~محمد بن إسحاق، ومجاهد: إن جدته خبأت في ثيابه منطقة كانت لإسحاق ~~يتوارثونها بالكبر لتملكه بالسرق محبة لمقامه عندها. # وقوله: {فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم} [يوسف: 77] أي: أسر إجابة # PageV02P624 # هذا الكلام وأضمرها في نفسه ولم يظهرها، وقال لهم {أنتم شر مكانا ms0891} [يوسف: ~~77] شر صنيعا بما أقدمتم عليه من ظلم أخيكم وعقوق أبيكم، فأنتم شر مكانا ~~عند الله منه {والله أعلم بما تصفون} [يوسف: 77] قال الزجاج: أعلم أسرق أخ ~~له أم لا. # {قالوا يأيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا} [يوسف: 78] في السن {فخذ ~~أحدنا مكانه} [يوسف: 78] واحدا منا تستعبده بدله {إنا نراك من المحسنين} ~~[يوسف: 78] أي: إذا فعلت ذلك فقد أحسنت إلينا. # {قال معاذ الله} [يوسف: 79] اعتصاما بالله {أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا ~~عنده} [يوسف: 79] أي: استعيذ بالله من أن آخذ بريئا بسقيم {إنا إذا ~~لظالمون} [يوسف: 79] إن استعبدت غير الذي سرقنا. # {فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ ~~عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي ~~أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين {80} ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا ~~أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين {81} ~~واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون {82} } ~~[يوسف: 80-82] {فلما استيأسوا منه} [يوسف: 80] يئس واستيئس واحد مثل عجب ~~واستعجب، وسخر واستسخر، وقال ابن عباس: يئسوا أن يخلى سبيله معهم. # خلصوا نجيا انفردوا من غير أن يكون معهم من ليس منهم، والنجي فعيل بمعنى ~~المناجي، يقع على الواحد كقوله تعالى: {وقربناه نجيا} [مريم: 52] ، وعلى ~~الجمع كقوله: خلصوا نجيا قال الزجاج: انفردوا وليس معهم أخوهم متناجين فيما ~~يفعلون في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم قال كبيرهم وهو يهوذا في قول ~~عطاء، والكلبي، وقال مقاتل: لم يكن أكبرهم سنا ولكن كان أكبرهم في صحة ~~الرأي. # وقال مجاهد: هو شمعون، وكان أكبرهم في العقل والعلم. # وقال قتادة، والسدي: هو روبيل، وكان أكبرهم سنا، قال {ألم تعلموا أن ~~أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله} [يوسف: 80] في حفظ الأخ ورده إليه {ومن ~~قبل ما فرطتم في يوسف} [يوسف: 80] : ما لغو معناه: ومن قبل هذا ضيعتم يوسف ~~{فلن أبرح الأرض} [يوسف: 80] يقال: برح الرجل براحا ms0892. # إذا تنحى عن موضعه، ويريد بالأرض أرض مصر، يقول: لن أخرج من أرض مصر {حتى ~~يأذن لي أبي} [يوسف: 80] قال ابن عباس: حتى يبعث لي أبي أن آتيه {أو يحكم ~~الله لي} [يوسف: 80] يقضي في أمري شيئا {وهو خير الحاكمين} [يوسف: 80] ~~أعدلهم # PageV02P625 # وأفضلهم. # ارجعوا أنتم {إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك} [يوسف: 81] بنيامين سرق ~~صواع الملك وما شهدنا بأنه سرق {إلا بما علمنا} [يوسف: 81] لأنه وجد ~~المسروق في رحله ونحن ننظر {وما كنا للغيب حافظين} [يوسف: 81] قال ابن ~~عباس: لم نعلم ما كان يصنع في ليله ونهاره. # والمعنى: ما كنا لغيب ابنك حافظين، أي: إنا كنا نحفظه في محضره فإذا غاب ~~عنا ذهب عن حفظنا، وقال مجاهد، وقتادة، والحسن: ما كنا نشعر أن ابنك سيسرق ~~ويصير الأمر إلى هذا، ولو علمنا ذلك ما ذهبنا به، وقال ابن إسحاق: معناه: ~~قد أخذت السرقة من رحله ونحن ننظر، ولا علم لنا بالغيب فلعلهم سرقوه. # قوله: {واسأل القرية التي كنا فيها} [يوسف: 82] أي: قولوا لأبيكم سل أهل ~~القرية ليتبين لك صدقنا {والعير التي أقبلنا فيها} [يوسف: 82] يعني: أهل ~~الرفقة التي كنا فيها، وهم الذين امتاروا معهم، وكان قد صحبهم قوم من ~~الكنعانيين وإنا لصادقون فيما قلنا ثم رجعوا إلى يعقوب، وقالوا ما لقنهم ~~كبيرهم فقال يعقوب: {قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن ~~يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم {83} وتولى عنهم وقال يا أسفى على ~~يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم {84} قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى ~~تكون حرضا أو تكون من الهالكين {85} قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ~~وأعلم من الله ما لا تعلمون {86} يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا ~~تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون {87} } ~~[يوسف: 83-87] {بل سولت لكم أنفسكم أمرا} [يوسف: 83] قال ابن الأنباري: ~~يعني خروجهم بأخيهم بنيامين إلى مصر رجاء منفعة فعاد من ذلك شر وضرر. # وقال غيره: معنى قوله ههنا: {سولت ms0893 لكم أنفسكم أمرا} [يوسف: 83] خيلت لكم ~~أنفسكم أنه سرق، وما سرق. # أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل، أنا محمد بن عبد الله الضبي، ~~أنا أبو بكر بن أبي نصر الداربردي، نا محمد بن إبراهيم بن سعيد، نا سليمان ~~بن منصور بن عمار، حدثني أبي، نا يوسف بن صباح الفزاري، عن عبد الله بن ~~يونس بن أبي فروة، قال: لما كان من الإخوة ما كان كتب يعقوب إلى يوسف وهو ~~لا يعلم أنه يوسف بن يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم ~~خليل الله، أما بعد: فإنا أهل بيت موكل بالبلاء، أما جدي فشدت يداه ورجلاه ~~وألقي في النار فجعلها الله بردا وسلاما، وأما أبي فشدت يداه ورجلاه ووضع ~~السكين على قفاه ليذبح ففداه الله، وأما أنا فكان لي ابن وكان أحب أولادي ~~إلي فذهب به إخوته إلى البرية، ثم أتوني بقميصه ملطخا بالدم وقالوا: قد ~~أكله الذئب فذهبت # PageV02P626 # عيناي، ثم كان لي ابن وكان أخاه من أمه وكنت أتسلى به فذهبوا به ثم رجعوا ~~وقالوا: إنه سرق وإنك حبسته لذلك، وإنا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقا، فإن ~~رددته إلي وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك، فلما قرأ يوسف الكتاب ~~لم يتمالك البكاء وعيل صبره. # وقوله: {عسى الله أن يأتيني بهم جميعا} [يوسف: 83] يعني: يوسف، وبنيامين، ~~والذي قال: فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي، {إنه هو العليم} [يوسف: 100] ~~بشدة حزني الحكيم فيما حكم علي بهذا الحزن وعظم المصيبة بابن بعد ابن، ~~قوله: وتولى عنهم قال ابن عباس: أعرض عنهم. # وذلك أنه لما بلغه خبر حبس بنيامين تنامى حزنه، وبلغ الجهد، وهاج ذلك ~~وجده بيوسف لأنه كان يتسلى به، فعند ذلك أعرض عنهم {وقال يا أسفى على يوسف} ~~[يوسف: 84] قال ابن عباس: يا طول حزني على يوسف. # أخبرني أبو عمرو محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه، أنا أبو الفضل ~~محمد بن الحسين الحدادي، أنا أبو يزيد محمد بن يحيى، أنا إسحاق بن ms0894 إبراهيم، ~~أنا محمد بن عبيد، عن سفيان بن زياد العصفري، قال: سمعت سعيد بن جبير، ~~يقول: لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة ما لم يعط الأنبياء قبلهم: {إنا لله ~~وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156] ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب إذ ~~يقول: يا أسفي على يوسف. # وقوله: {وابيضت عيناه} [يوسف: 84] أي: انقلبت إلى حال البياض، قال مقاتل: ~~لم يبصر بها ست سنين حتى كشفه الله بقميص يوسف. # وقوله: {من الحزن} [يوسف: 84] قال ابن عباس: من البكاء، يريد أن عينيه ~~ابيضتا لكثرة بكائه والحزن لما كان سببا للبكاء سمي البكاء حزنا. # أخبرنا أبو منصور بن أبي نصر المذكر، أنا أبو سعيد بن نصير الصوفي، أنا ~~محمد بن أيوب، أنا أبو غسان، نا جرير، عن ليث، عن ثابت البناني قال: دخل ~~جبريل على يوسف فقال: أيها الملك الطيب ريحه الطاهر ثيابه الكريم على ربه، ~~هل لك علم بيعقوب؟ قال: نعم. # قال: ما فعل؟ قال: ابيضت عيناه. # قال: ما بلغ حزنه؟ قال: حزن سبعين ثكلى. # قال: فهل له على ذلك من أجر؟ قال: أجر مائة شهيد عند الله. # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا أبو يحيى الرازي، نا ~~سهل بن عثمان، نا ابن إدريس، عن هشام، عن الحسن قال: ما فارق يعقوب الحزن ~~ثمانين سنة وما جفت عينه، وما أحد يومئذ أكرم على الله منه حين ذهب بصره. # وقوله: فهو كظيم الكظيم ههنا بمعنى: الكاظم وهو الممسك على حزنه فلا ~~يظهره ولا يشكوه، قال قتادة: فلا يقول بأسا. # وقال ابن عباس: مغموم مكروب. # وقال الزجاج: محزون. # {قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف} [يوسف: 85] يقال: # PageV02P627 # ما زلت أفعل كذا وما فتئت أفعله أفتؤ فتأ. # وحرف النفي ههنا مضمر على معنى: ما تفتؤ ولا تفتؤ، قال ابن عباس، والحسن، ~~ومجاهد، وقتادة: لا تزال تذكر يوسف حتى تكون حرضا، وقال الفراء: يقال رجل ~~حرض وحارض. # وهو الفاسد في جسمه وعقله. # وقال الأصمعي: الحرض الهالك. # قال ابن عباس: حتى تكون كالشيخ الفاني. # وقال الضحاك: كالشن البالي. # {أو ms0895 تكون من الهالكين} [يوسف: 85] قال قتادة: من الميتين. # والمعنى أنهم قالوا لأبيهم: لا تزال تذكر يوسف بالحزن والبكاء عليه حتى ~~تصير بذلك إلى مرض لا تنتفع بنفسك معه أو تموت بالغم، فلما رأى غلظتهم ~~وعنفهم به {قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} [يوسف: 86] لا إليكم. ### | 477 - # أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم الأصفهاني، نا سليمان بن أحمد ~~الطبراني، نا محمد بن أحمد بن محمد الباهلي، نا وهب بن بقية، نا يحيى بن ~~عبد الملك بن أبي غنية، عن حصين بن عمر الأحمسي، عن أبي الزبير، عن أنس بن ~~مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان ليعقوب أخ مؤاخ فقال ~~له ذات يوم: يا يعقوب ما الذي أذهب بصرك؟ وما الذي قوس ظهرك؟ قال: أما الذي ~~أذهب بصري فالبكاء على يوسف، وأما الذي قوس ظهري فالحزن على بنيامين، فأتاه ~~جبريل فقال: يا يعقوب إن الله يقرئك السلام ويقول لك: أما تستحيي أن تشكو ~~إلى غيري؟ فقال يعقوب: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، فقال جبريل: الله ~~أعلم بما تشكو يا يعقوب، ثم قال يعقوب: أي رب أما ترحم الشيخ الكبير؟ أذهبت ~~بصري وقوست ظهري فاردد علي ريحانتي أشمه شمة قبل الموت ثم اصنع بي يا رب ما ~~شئت، فأتاه جبريل فقال: يا يعقوب إن الله يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر ~~وليفرح قلبك فوعزتي لو كان ميتين لنشرتهما لك، اصنع طعاما للمساكين، فإن ~~أحب عبادي إلي المساكين، وتدري لم أذهبت بصرك وقوست ظهرك وصنع إخوة يوسف ~~بيوسف ما صنعوا؟ لأنكم ذبحتم شاة فأتاكم فلان المسكين وهو صائم فلم تطعموه ~~منها، فكان يعقوب بعد ذلك إذا أراد الغداء أمر مناديا فنادى: ألا من أراد ~~الغداء من المساكين فليتغد مع يعقوب، وإذا كان صائما أمر مناديا فنادى: من ~~كان صائما فليفطر مع يعقوب ". # رواه الحاكم في صحيحه، عن أبي الوليد الفقيه، عن هشام بن بشر، عن أبي بكر ~~بن أبي شيبة، عن يحيى بن عبد الملك # PageV02P628 # وقال حبيب بن أبي ثابت ms0896: إن يعقوب كبر وضعف حتى سقط حاجباه على عينيه، ~~فكان يرفعهما بخرقة، فقال له بعض جيرانه: قد انهشمت وفنيت ولم تبلغ من السن ~~ما بلغ أبوك فما بلغ بك ما أرى؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان. # فأوحى الله إليه: يا يعقوب، تشكوني إلى خلقي؟ فقال: يا رب خطيئة أخطأتها ~~فاغفرها لي. # قال: غفرت لك. # فكان بعد ذلك إذا سئل قال: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} [يوسف: 86] . # وقال وهب بن منبه: أوحى الله إلى يعقوب أتدري لما عاقبت وحبست يوسف ~~ثمانين سنة؟ قال: لا. # قال: لأنك شويت وقترت على جارك وأكلت ولم تطعمه. # ويقال: إن سبب ابتلاء يعقوب أنه كانت له بقرة ولها عجل فذبح عجلها بين ~~يديها وهي تخور، فلم يرحمها يعقوب فأخذه الله به وابتلاه بأعز ولده، والبث ~~أشد الحزن وهو ما يبديه الإنسان ويظهره لأنه إذا اشتد لم يصبر على كتمانه ~~حتى يبثه، من قولهم: بث الحديث. # إذا نشره. # وقوله: {وأعلم من الله ما لا تعلمون} [يوسف: 86] أنتم، قال الكلبي: وذلك ~~أن ملك الموت أتاه فقال له: يا ملك الموت هل قبضت روح ابني يوسف فيما قبضت ~~من الأرواح؟ قال: لا يا نبي الله. # وقال ابن عباس: وأعلم أن رؤيا يوسف صادقة وأني وأنتم سنسجد له. # وقال عطاء: وأعلم من رحمة الله وقدرته ما لا تعلمون. # قال السدي: لما أخبر يعقوب بنوه بسيرة ملك مصر طمع أن يكون يوسف فلذلك ~~قال لبنيه {اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه} [يوسف: 87] . # قال أبو عبيد: تحسست الخبر: بحثته وطلبته لأجده. # وقال ابن عباس: ابحثوا عن يوسف. # {ولا تيأسوا من روح الله} [يوسف: 87] قال الأصمعي: الروح الاستراحة من غم ~~القلب. # وقال أبو عمرو: الروح الفرح. # قال ابن عباس: يريد من رحمة الله. # وهو قول قتادة، والضحاك، وقال أبو زيد: فرج الله. # والمعنى: لا تيئسوا من الروح الذي يأتي به الله {إنه لا ييأس من روح الله ~~إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87] قال ابن عباس: يريد: أن المؤمن من الله على ~~خير يرجوه في ms0897 الشدائد، ويشكره ويحمده في الرخاء، وأن الكافر ليس كذلك، قال ~~المفسرون: لما قال أبوهم اذهبوا فتحسسوا من يوسف فخرجوا إلى مصر، { # PageV02P629 # فلما دخلوا عليه قالوا يأيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة ~~فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين {88} قال هل علمتم ما ~~فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون {89} قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف ~~وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ~~{90} قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين {91} قال لا تثريب ~~عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين {92} اذهبوا بقميصي هذا ~~فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين {93} } [يوسف: 88-93] ~~{فلما دخلوا عليه} [يوسف: 88] أي: على يوسف {قالوا يأيها العزيز مسنا ~~وأهلنا الضر} [يوسف: 88] أي: أصابنا ومن يختص بنا الجوع والحاجة {وجئنا ~~ببضاعة مزجاة} [يوسف: 88] الإزجاء في اللغة: السوق والدفع قليلا قليلا، ~~ومنه قوله: {ألم تر أن الله يزجي سحابا} [النور: 43] قال ابن عباس: كانت ~~دراهم رديئة زيوفا لا تنفق في ثمن الطعام. # وقال الحسن، والكلبي، ومجاهد: كانت خلق الغيار والحبل والأقط، وقال ~~مقاتل: وكانت حبة الخضراء. # والمعنى: جئنا ببضاعة تتدافع بها الأيام وتتقوت ليست مما يتسع به، وقال ~~أبو عبيد: إنما قيل للدراهم الرديئة مزجاة لأنها مردودة مدفوعة غير مقبولة ~~ممن ينفقها. # ثم سألوه مساهلتهم في النقد وإعطائهم بدراهمهم مثل ما يعطى بالجياد، وهو ~~قوله: {فأوف لنا الكيل} [يوسف: 88] أتمه ولا تنقصه بسبب رداءة دراهمنا ~~وتصدق علينا سامحنا بما بين النقدين وسعر لنا بالرديء كما تسعر بالجيد {إن ~~الله يجزي المتصدقين} [يوسف: 88] بالثواب فلما قالوا ليوسف: مسنا وأهلنا ~~الضر رحمهم، وأدركته الرقة فدمعت عينه وقال: {هل علمتم ما فعلتم بيوسف} ~~[يوسف: 89] قال ابن الأنباري: هذا الاستفهام يعني به تعظيم القصة وتوبيخهم ~~عليها، ومعناه: ما أعظم ما ارتكبتم من يوسف وما أقبح ما أتيتم من قطيعة ~~رحمه وتضييع حقه كما تقول: هل تدري من عصيت؟ وهذه الآية تصديق قوله: ~~{لتنبئنهم بأمرهم هذا ms0898} [يوسف: 15] ، وقوله: وأخيه يعني: ما فعلوه به بإدخال ~~الهم والجزع بإفراده عن أخيه، ولم يذكر أباه يعقوب مع عظم ما دخل عليه من ~~الغم بفراقه تعظيما ورفعا من قدره، وعلما أن ذلك كان له بلاء من الله ليزيد ~~في درجته عنده، وقوله: {إذ أنتم جاهلون} [يوسف: 89] أي: بعقوق أبيكم وقطع ~~رحم أخيكم، يعني فعلتم ذلك جهلا منكم، وروي عن ابن عباس: إذ أنتم صبيان. # وعن الحسن: شبان. # وعلى هذا يراد جهالة الصبي فالشاب، قال الضحاك: لما قال لهم يوسف: هل ~~علمتم الآية، تبسم فلما أبصروا ثناياه وكانت كاللؤلؤ المنظوم شبهوه بيوسف، ~~فقالوا له: {أإنك لأنت يوسف قال # PageV02P630 # أنا يوسف} [يوسف: 90] قال ابن الأنباري: أظهر الاسم ولم يقل: أنا هو ~~تعظيما لما وقع به من ظلم إخوته، كأنه قال: أنا المظلوم المستحل منه المحرم ~~المراد قتله، فكفى ظهور الاسم من هذه المعاني. # ولهذا قال: وهذا أخي وهم يعرفونه لأن قصده: وهذا المظلوم كظلمي {قد من ~~الله علينا} [يوسف: 90] قال ابن عباس: بكل خير في الدنيا والآخرة. # قال آخرون: بالجمع بيننا بعد التفرقة {إنه من يتق ويصبر} [يوسف: 90] قال ~~ابن عباس: من يتق الله ويصبر على المصائب وعن المعاصي. # وقال مقاتل: من يتق الزنا ويصبر على الأذى. # {فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} [يوسف: 90] أجر من كان هذا حاله. # {قالوا تالله لقد آثرك الله علينا} [يوسف: 91] بالعلم والحلم والعقل ~~والحسن والملك {وإن كنا لخاطئين} [يوسف: 91] قال ابن عباس: لمذنبين آثمين ~~في أمرك. # {قال لا تثريب عليكم اليوم} [يوسف: 92] لا تعيير ولا توبيخ، يقال: ثربه. # إذا عيره، وروى ابن الأنباري، عن ثعلب: ثرب فلان على فلان إذا عدد عليه ~~ذنوبه. # قال ابن عباس: يريد لا لوم عليكم. # وقال الكلبي: لا أعيركم بعد اليوم بهذا أبدا. # وقال ابن الأنباري: أي: قد انقطع عنكم توبيخي عند اعترافكم بالذنب. # ويجوز الوقف عند الأخفش على قوله: عليكم ثم يقول: {اليوم يغفر الله لكم} ~~[يوسف: 92] فيعلق اليوم بالغفران، وذكره ابن الأنباري أيضا، قال ابن عباس: ~~جعلهم في حل ms0899 وسأل الله لهم المغفرة، وأخبرنا أن الله أرحم بأوليائه من ~~الوالدين بولدهما. # وهو قوله: {وهو أرحم الراحمين} [يوسف: 92] ولما عرفهم يوسف نفسه سألهم عن ~~أبيه فقال: ما فعل أبي بعدي؟ قالوا: ذهبت عيناه. # فأعطاهم قميصه، فهو قوله: {اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي} [يوسف: ~~93] الآية. # وكان من شأن ذلك القميص ما ### | 478 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر، أنا أبو علي بن أبي ~~بكر الفقيه، أنا أبو لبابة محمد بن المهدي، نا عمار بن الحسن، نا شجاع بن ~~أبي نصر، عن عباد بن كثير، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن ~~مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أما قوله: اذهبوا بقميصي هذا ~~فإن نمروذ الجبار لما ألقى إبراهيم في النار نزل إليه جبريل عليه السلام ~~بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة، فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة وقعد ~~معه يحدثه فكسي إبراهيم ذلك القميص إسحاق، وكساه إسحاق يعقوب، وكساه يعقوب ~~يوسف فجعله في قصبة من فضة وعلقها في عنقه، فألقي في الجب والقميص في عنقه ~~فذلك قوله {اذهبوا بقميصي هذا} [يوسف: 93] الآية # ونحو هذا قال عامة المفسرين، قال ابن عباس: أخرج لهم قصبة من فضة كانت في ~~عنقه لم يعلم بها إخوته # PageV02P631 # فيها قميص، وهو الذي نزل به جبريل على إبراهيم. # وذكر القصة، وقال مجاهد: أمره جبريل أن أرسل إليه قميصك فإن فيه ريح ~~الجنة لا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا صح وعوفي، وقال الحسن: لولا أن الله ~~أعلمه لم يدر أنه يرجع إليه بصره. # فذلك قوله: {يأت بصيرا} [يوسف: 93] . # قال ابن عباس: يرتد بصيرا ويذهب البياض الذي على عينيه. # وقال السدي: يعد بصيرا. # وقال الفراء: يرجع بصيرا. # وقوله: {وأتوني بأهلكم أجمعين} [يوسف: 93] قال الكلبي: وكان أهله نحوا من ~~سبعين إنسانا، وقال مسروق: دخل أهل يوسف مصر وهم ثلاثة وتسعون من رجل ~~وامرأة. # {ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون {94} قالوا ~~تالله إنك ms0900 لفي ضلالك القديم {95} فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد ~~بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون {96} قالوا يا أبانا ~~استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين {97} قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو ~~الغفور الرحيم {98} } [يوسف: 94-98] قوله: {ولما فصلت العير} [يوسف: 94] ~~يقال: فصل فلان من عند فلان فصولا. # إذا خرج من عنده، قال المفسرون: لما خرجت العير من مصر متوجهة إلى كنعان ~~قال أبوهم لمن حضره من أهله وقرابته وولد ولده وأولاده كانوا غائبين عنه ~~{إني لأجد ريح يوسف} [يوسف: 94] قال ابن عباس: هاجت ريح فحملت قميص يوسف ~~إلى يعقوب وبينهما مسيرة ثماني ليال، وقال مجاهد: هبت ريح فضربت القميص ~~ففاحت روائح الجنة في الدنيا، واتصلت بيعقوب، فوجد ريح الجنة فعلم أنه ليس ~~في الدنيا من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص فمن ثم قال: {إني لأجد ~~ريح يوسف} [يوسف: 94] وذكر في القصة: أن ريح الصبا استأذنت ربها في أن تأتي ~~يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير بالقميص فأذن لها، فأتته بها ولذلك ~~يستروح كل محزون بريح الصبا، ويتنسمها المكربون فيجدون لها روحا، وقد أكثر ~~الشعراء ذكرها في أشعارهم، وهي تأتي من ناحية الشرق، وفيها لين إذا هبت على ~~الأبدان نعمتها ولينتها، وهيجت الأشواق إلى الأحباب، والحنين إلى الأوطان، ~~قال أبو صخر الهذلي: # PageV02P632 # إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني ... نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر # وقال آخر: # أيا جبلي نعمان بالله خليا ... نسيم الصبا يخلص إلي نسيمها # فإن الصبا ريح إذا ما تنفست ... على نفس مهموم تجلت همومها # وقال آخر: # ولقد تهب لي الصبا من أرضها ... فيلذ مس هبوبها ويطيب لي # يندي على كبدي وينقح غلتي ... ويبل حر فؤادي المشتعل ### | 479 - # أخبرنا عبد القاهر البغدادي، نا بشر بن أحمد، نا محمد بن يحيى، نا عاصم ~~بن علي، أنا شعبة، عن أبي سنان ضرار بن مرة، قال: سمعت عبد الله بن أبي ~~الهذيل يحدث، عن ابن عباس في قوله {إني لأجد ريح يوسف ms0901} [يوسف: 94] ، قال: ~~وجد ريحه من مسيرة ما بين البصرة والكوفة # وقوله: {لولا أن تفندون} [يوسف: 94] الفند: ذهاب العقل من الهرم، يقال: ~~أفند الرجل. # إذا خرف وتغير عقله، وفنده إذا نسبه إلى الجهل والخرق، قال أبو عبيدة: ~~لولا أن تسفهوني. # وقال الزجاج: لولا أن تجهلوني. # وقال مجاهد: لولا أن تقولوا ذهب عقلك. # {قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم} [يوسف: 95] قال مقاتل، وغيره: معنى ~~الضلال ههنا الشقاء. # يعنون: شقاء الدنيا وهو ما يكابد من الأحزان على يوسف، وقال قتادة: في ~~حبك ليوسف ما تنساه ولا تسلاه. # وهذا كقوله: {إن أبانا لفي ضلال مبين} [يوسف: 8] وقد مر، وقال الحسن: ~~إنما قالوا هذا لأنه كان عندهم أن يوسف قد مات، وأن يعقوب بولوعه بذكره ~~ذاهب عن الصواب. # قوله: {فلما أن جاء البشير} [يوسف: 96] الآية، قال المفسرون: البشير كان ~~يهوذا بن # PageV02P633 # يعقوب، قال: إني جئته بالقميص ملطخا بالدم فأعطني اليوم قميصك لأخبره أنك ~~حي فأفرحه كما أحزنته، فحمل القميص وخرج حاسرا حافيا يعدو، وكان معه سبعة ~~أرغفة لم يستوف أكلها حتى بلغ كنعان، وكانت المسافة ثمانين فرسخا، فلما أتى ~~أباه {ألقاه على وجهه فارتد بصيرا} [يوسف: 96] قال الضحاك: رجع إليه بصره ~~بعد العمى، وقوته بعد الضعف، وشبابه بعد الهرم، وسروره بعد الحزن. # وقال ابن عباس: في قوله فارتد بصيرا انجلى البياض وذهبت الظلمة. # ومعنى الارتداد: انقلاب الشيء إلى حال قد كان عليها، والمعنى: عاد ورجع ~~إلى حال البصر. # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الأصبهاني، أنا عبد الله بن محمد بن حيان، ~~نا عبد الرحمن بن محمد الرازي، نا سهل العسكري، نا يحيى بن يمان، عن سفيان، ~~قال: لما جاء البشير يعقوب قال: على أي دين تركت يوسف؟ قال: على الإسلام، ~~قال: الآن تمت النعمة. # وقوله: {ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون} [يوسف: 96] تقدم ~~تفسيره، ثم سألوا أباهم أن يستغفر الله لهم ما آتوا إليه من إدخال الحزن ~~عليه، وهو قوله: {قالوا يا أبانا استغفر لنا} [يوسف: 97] الآية، قال يعقوب ~~{سوف ms0902 أستغفر لكم ربي} [يوسف: 98] قال ابن عباس: أخر دعاءه إلى السحر، وهو ~~قول ابن مسعود، وقتادة، والسدي، وقال في رواية الكلبي، وعكرمة: يقول حتى ~~تأتي يوم الجمعة. # قال الزجاج: أراد يعقوب أن يستغفر لهم في وجه السحر في الوقت الذي هو ~~أخلق لإجابة الدعاء، لا لأنه ضن عليهم بالاستغفار. ### | 480 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن الحارث، أنا عبد الله بن محمد الحافظ، نا عبد ~~الرحمن بن محمد الرازي، نا سهل بن عثمان، نا أبو مالك، عن جويبر، عن ~~الضحاك، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: لم أخر يعقوب عن ~~بنيه الاستغفار؟ قال: «أخرهم إلى السحر لأن دعاء السحر مستجاب» # قالوا: وكان يوسف بعث مع البشير إلى يعقوب جهازا ومائتي راحلة، وسأله أن ~~يأتيه بأهله وولده أجمعين، فتهيأ يعقوب للخروج إلى مصر، فلما دنا من مصر ~~كلم يوسف الملك الأكبر الذي فوقه، فخرج يوسف في أربعة من الجند، وركب أهل ~~مصر معهم يتلقون يعقوب، فلما نظر يعقوب إلى الخيل قال لابنه يهوذا: هذا ~~فرعون مصر؟ قال: لا هذا ابنك. # فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه قصد يوسف أن يبدأه بالسلام، فمنع من ~~ذلك، وكان يعقوب أفضل وأحق بذلك منه، فابتدأ يعقوب بالسلام، فقال: السلام ~~عليك يا مذهب الأحزان. ### | 481 - # أخبرنا أبو القاسم محمد بن علي الصوفي الكوفي، أنا أبو الحسن علي بن أحمد ~~بن يوسف، نا العباس بن محمد # PageV02P634 # بن الحسن بن قتيبة، نا أبو بكر محمد بن يزيد المستملي، نا بشر بن الحارث، ~~نا أبو بكر بن عياش، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لما جمع ~~الله بين يوسف ويعقوب عليهما السلام أقبل يوسف، فقال: يا أبت حزنت علي حتى ~~انحنيت؟ قال: نعم فقال: بكيت علي حتى ذهب بصرك؟ قال: نعم، قال: أما علمت أن ~~القيامة تجمعني وإياك؟ قال: أي بني إني خشيت أن يسلب دينك فلا نجتمع # {فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ~~{99} ورفع أبويه ms0903 على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من ~~قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من ~~بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم ~~الحكيم {100} } [يوسف: 99-100] وذلك قوله: {فلما دخلوا على يوسف آوى إليه ~~أبويه} [يوسف: 99] ضمهما إليه وأنزلهما عنده؟ قال عامة المفسرين: يعني أباه ~~وخالته، وذلك أن أمه كانت قد ماتت في نفاسها ببنيامين، فقال لهم قبل دخولهم ~~مصر {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين} [يوسف: 99] والاستثناء يعود إلى الأمن، ~~وإنما قال: آمنين لأنهم كانوا فيما خلا يخافون ملوك مصر ولا يدخلونها إلا ~~بجوارهم. # قوله: {ورفع أبويه على العرش} [يوسف: 100] أي: أجلسهما معه على سرير ~~الملك {وخروا له سجدا} [يوسف: 100] كان تحية الناس يومئذ بعضهم لبعض السجود ~~والانحناء والتواضع، وكأنهم لم يكونوا نهوا عن السجود لغير الله تعالى في ~~شريعتهم، فلما رأى ذلك يوسف قال: {يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ~~ربي حقا وقد أحسن بي} [يوسف: 100] أي: إلي، يقال: أحسن بي وإلي. # قال كثير: # أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقلية إن تقلت # {إذ أخرجني من السجن} [يوسف: 100] ولم يذكر إخراجه من البئر كرما لئلا ~~يذكر إخوته صنيعهم به بعد قوله: {لا تثريب # PageV02P635 # عليكم} [يوسف: 92] ، {وجاء بكم من البدو} [يوسف: 100] والبدو البسيط من ~~الأرض يقال: بدو وحضر، قال قتادة: كان يعقوب وولده بأرض كنعان أهل مواش ~~وبرية {من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي} [يوسف: 100] أفسد بيننا ~~وحمل بعضنا على بعض، وقال ابن عباس: دخل بيننا بالحسد. # {إن ربي لطيف لما يشاء} [يوسف: 100] قال الأزهري: اللطيف من أسماء الله ~~معناه: الرفيق بعباده، يقال: لطف فلان بفلان، يلطف. # إذا رفق به لطفا. # وقال عمرو بن أبي عمرو: اللطيف الذي يوصل إليك إربك في رفق. # قال أهل التفسير: إن ربي عالم بدقائق الأمور. # {إنه هو العليم} [يوسف: 100] بخلقه الحكيم فيهم بما يشاء، ثم إن ms0904 يعقوب ~~أقام بمصر بعد موافاته بأهله وولده أربعا وعشرين سنة بأغبط حال، وأهنأ عيش ~~إلى أن حضرته الوفاة، فأوصى إلى يوسف أن يحمل جسده إلى الأرض المقدسة حتى ~~يدفنه عند أبيه وجده، ففعل ذلك يوسف، وكان عمر يعقوب مائة وسبعا وأربعين ~~سنة، ولما جمع الله ليوسف شمله، وأقر له عينه، وأتم تأويل رؤياه دعا ربه ~~وشكره وحمده، فقال: {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر ~~السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين} ~~[يوسف: 101] {رب قد آتيتني من الملك} [يوسف: 101] قال الباقر: آتى الله ~~يوسف ملك الأرض المقدسة فملك اثنتين وسبعين سنة {وعلمتني من تأويل ~~الأحاديث} [يوسف: 101] يعني: تفسير الأحلام {فاطر السموات والأرض} [يوسف: ~~101] قال ابن عباس: يريد: خالق السموات والأرض، ومن هذا قوله: {وما لي لا ~~أعبد الذي فطرني} [يس: 22] أي: خلقني {أنت وليي في الدنيا والآخرة} [يوسف: ~~101] أنت الذي تلي أمري توفني مسلما قال ابن عباس: يريد: لا تسلبني الإسلام ~~حتى تتوفاني عليه. # وقال قتادة: سأل ربه اللحوق به. # قال: ولم يتمن نبي قبله الموت. # وقوله وألحقني بالصالحين يعني: بالنبيين من آبائه، والمعنى: ألحقني بهم ~~في ثوابهم ودرجاتهم، ثم مات يوسف وأوصى إلى أخيه يهوذا، ودفن في نيل مصر في ~~صندوق من رخام، وذلك أنه لما مات تشاح الناس عليه كل يحب أن يدفن في محلته ~~لما يرجون من بركته، فرأوا أن يدفنوه في النيل فيمر الماء عليه ثم يصل إلى ~~جميع مصر، فيكون كلهم فيه شركاء، فكان قبره في النيل إلى أن حمله موسى حين ~~خرج من مصر ودفنه بأرض كنعان، قوله: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما ~~كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون {102} وما أكثر الناس ولو حرصت ~~بمؤمنين {103} وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين {104} وكأين ~~من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون {105} وما يؤمن ~~أكثرهم بالله إلا وهم # PageV02P636 # مشركون {106} أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة ~~بغتة ms0905 وهم لا يشعرون {107} } [يوسف: 102-107] {ذلك من أنباء الغيب نوحيه ~~إليك} [يوسف: 102] أي: ذلك الذي قصصنا عليك من أمر يوسف وإخوته من الأخبار ~~التي كانت غائبة عنك فأنزلته عليك دلالة على إثبات نبوتك {وما كنت لديهم} ~~[يوسف: 102] عند إخوة يوسف {إذ أجمعوا أمرهم} [يوسف: 102] عزموا على أمرهم ~~وهم يمكرون بيوسف. # قوله: {وما أكثر الناس} [يوسف: 103] الآية، قال ابن الأنباري: وإن قريشا ~~واليهود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف وإخوته فشرحها شرحا ~~وافيا وهو يؤمل أن يكون ذلك سببا لإسلامهم، فخالفوا ظنه، وحزن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم بذلك فعزاه الله بقوله: {وما أكثر الناس ولو حرصت ~~بمؤمنين} [يوسف: 103] قال الزجاج: معناه: وما أكثر الناس بمؤمنين ولو حرصت ~~على أن تهديهم لأنك {لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} [القصص: 56] ~~. # {وما تسألهم عليه من أجر} [يوسف: 104] على القرآن وتلاوته عليهم وهدايتك ~~إياهم من مال يعطونك إن هو ما هو {إلا ذكر للعالمين} [يوسف: 104] تذكرة لهم ~~بما هو صلاحهم ونجاتهم من النار. # {وكأين من آية} [يوسف: 105] وكم من آية {في السموات والأرض} [يوسف: 105] ~~تدلهم على توحيد الله من: أمر السماء وأنها بغير عمد، فيها أعظم البرهان ~~على أن لها خالقا، وكذلك فيما يشاهد في الأرض من جبالها ونباتها وبحارها ~~يمرون عليها يتجاوزونها غير مفكرين ولا معتبرين بها، ولما سمع المشركون هذا ~~قالوا: إنا نؤمن بالله الذي خلق هذه الأشياء، فأنزل الله {وما يؤمن أكثرهم ~~بالله} [يوسف: 106] أي: إقرار بأن الله خلقه وخلق السموات والأرض إلا وهو ~~مشرك بعبادة الوثن، والمعنى: أنهم كانوا يعترفون بأن الله خالقهم ورازقهم، ~~ويجعلون له شركاء من الأصنام، وهو قوله: {إلا وهم مشركون} [يوسف: 106] ليس ~~يراد بقوله: {وما يؤمن أكثرهم} [يوسف: 106] حقيقة الإيمان ولكن المعنى: أن ~~أكثرهم مع إظهارهم الإيمان بألسنتهم مشركون، ثم خوفهم فقال: أفأمنوا يعني ~~المشركين {أن تأتيهم غاشية من عذاب الله} [يوسف: 107] عقوبة تغشاهم وتتسلط ~~عليهم {أو تأتيهم الساعة} [يوسف: 107] القيامة بغتة فجأة، يقال: بغتهم ~~الأمر بغتا وبغتة. # إذا ms0906 فاجأهم {وهم لا يشعرون} [يوسف: 107] بإتيانها. # قوله: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله ~~وما أنا من المشركين {108} وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل ~~القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار ~~الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون {109} حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم ~~قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين {110} ~~} [يوسف: 108-110] {قل هذه سبيلي} [يوسف: 108] قل يا محمد للمشركين: هذه ~~الدعوة التي أدعوا إليها والطريقة التي أنا عليها سبيلي، سنتي ومنهاجي ~~وديني {أدعو إلى الله على بصيرة أنا} [يوسف: 108] على دين ويقين، والبصيرة ~~المعرفة التي يميز بها الحق من الباطل ومن اتبعني قال الفراء: ومن اتبعني ~~يدعو إلى الله كما أدعو. # وهذا قول الكلبي قال: حق على من اتبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه، ويذكر ~~بالقرآن والموعظة، وينهى عن معاصي الله. # قال ابن الأنباري: ويجوز أن يتم الكلام عند قوله: الله ثم ابتدأ فقال: ~~على بصيرة أنا ومن اتبعني، وهذا معنى قول ابن عباس، قال: يعني أصحاب محمد ~~صلى الله عليه وسلم كانوا على أحسن طريقة، وقوله: وسبحان الله أي: قل هذه ~~سبيلي، وقل سبحان الله تنزيها لله عما أشركوا {وما أنا من المشركين} [يوسف: ~~108] الذين اتخذوا مع الله ندا وكفؤا وولدا، قوله: {وما أرسلنا من قبلك إلا ~~رجالا} [يوسف: 109] هذا رد لإنكارهم نبوته، يقول: لم نبعث قبلك إلا # PageV02P637 # رجالا فكيف تعجبوا من إرسالنا إياك ومن قبلك من الرسل كانوا على مثل ~~حالك؟ وقوله: {من أهل القرى} [يوسف: 109] قال ابن عباس: يريد أهل المدائن ~~لأن الله تعالى لم يبعث نبيا من بادية. # قال الحسن: لم يبعث الله نبيا من أهل البادية ولا من الجن ولا من النساء. # وذلك أن أهل البادية يغلب عليهم القسوة والجفاء، وأهل الأمصار أهل فطنة، ~~وقوله: {أفلم يسيروا في الأرض} [يوسف: 109] يعني المشركين المنكرين نبوة ~~محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: أفلم يسيروا ms0907 فينظروا إلى مصارع الأمم ~~المكذبة فيعتبروا بها ولدار الآخرة يعني الجنة {خير للذين اتقوا} [يوسف: ~~109] من الدنيا أفلا تعقلون هذا فتؤمنوا وتتقوا الشرك؟ ### | 482 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أنا أبو عمرو بن مطر، أنا إبراهيم بن ~~علي، نا يحيى بن يحيى، أنا أبو معاوية، نا حجاج، عن عطية، عن أبي سعيد، ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لشبر من الجنة خير من الدنيا وما ~~فيها» # قوله: {حتى إذا استيأس الرسل} [يوسف: 110] قال ابن عباس: يريد من قومهم ~~أن يؤمنوا وظنوا أنهم قد كذبوا أيقنوا أن قومهم قد كذبوهم. # وهذا قول عطاء، وقتادة، والحسن، وقرأ أهل الكوفة: كذبوا مخففة ومعناه: ظن ~~الأمم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروهم به من نصر الله إياهم وإهلاك أعدائهم، ~~وهذا معنى قول ابن عباس، وابن مسعود، ومجاهد، والضمير في قوله: وظنوا على ~~هذه القراءة للمرسل إليهم، التقدير: ظن المرسل إليهم أن الرسل أخبروهم ~~بالكذب من أنهم إن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب، وإنما ظنوا ذلك لما رأوا ~~من إمهال الله إياهم، وقوله: جاءهم نصرنا قال ابن عباس: يريد: نصر النبيين، ~~والمعنى: أن نصر الرسل على قومهم تأخر عنهم حتى ظن قومهم الظنون، ثم نصروا ~~فأهلك المكذب وأنجي المصدق، وهو قوله: فننجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن ~~القوم المجرمين وقرأ عاصم، وابن عامر: فنجي من شاء بنون واحدة، وتشديد ~~الجيم وفتح الياء جعلاه ماضيا على ما لم يسم فاعله كقوله: ولا يرد لأنهما ~~طلبا موافقة المصحف فإن فيه نونا واحدة، وذلك لاجتماع النونين وأعان على ~~ذلك خفاء النون عند الجيم ولا يرد ولا يمنع عذابنا عن المشركين إذا بلغوا ~~الأجل، قوله: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ~~ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [يوسف: ~~111] {لقد كان في قصصهم} [يوسف: 111] يعني إخوة يوسف عبرة فكرة وبصيرة من ~~الجهل والحيرة {لأولي الألباب} [يوسف: 111] لذوي # PageV02P638 # العقول السليمة الذين يستعملون العقل فيعتبرون، وذلك أن من اعتبر ms0908 وتذكر ~~علم أن محمدا صلى الله عليه وسلم مع كونه أميا لم يأت بهذه القصة على ~~موافقة ما في التوراة من قبل نفسه، وعلم أيضا أن من قدر على إعزاز يوسف ~~وتمليكه مصر بعد إلقائه في الجب، وكونه في حكم العبيد، قادر على أن يعز ~~محمدا صلى الله عليه وسلم ويعلي كلمته، وينصره على من عاداه، قوله: {ما كان ~~حديثا يفترى} [يوسف: 111] أي: ما كان هذا القرآن حديثا يتقوله بشر، ولكن ~~كان {تصديق الذي بين يديه} [يوسف: 111] من الكتب، أي: يصدق ما قبله من ~~التوراة والإنجيل بموافقة الأخبار، {وتفصيل كل شيء} [يوسف: 111] يحتاج إليه ~~من أمور الدين وهدى بيانا {ورحمة لقوم يؤمنون} [يوسف: 111] يصدقون بما جاء ~~به محمد صلى الله عليه وسلم. # PageV02P639 # بسم الله الرحمن الرحيم ### | سورة الرعد # مدنية وآياتها ثلاث وأربعون. ### | 483 - # أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد بن عمرو الخفاف، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر ~~بن مطر، نا إبراهيم بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا هارون ~~بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الرعد أعطي من الأجر عشر ~~حسنات بعدد كل سحاب مضى، وكل سحاب يكون إلى يوم القيامة، وكان يوم القيامة ~~من الموفين بعهد الله» # {المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا ~~يؤمنون {1} الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر ~~الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم ~~توقنون {2} وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل ~~فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون {3} وفي ~~الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء ~~واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون {4} } ~~[الرعد: 1-4] بسم الله الرحمن الرحيم المر ms0909 قال ابن عباس: أنا الله أعلم ~~وأرى. # وقال في رواية عطاء: أنا الله الملك الرحمن. # {تلك آيات الكتاب} [الرعد: 1] يجوز أن يكون تلك إشارة إلى ما مضى من ذكر ~~الأخبار والقصص التي أنزلت، ويجوز أن يكون تلك بمعنى هذه، ويراد بالكتاب ~~القرآن، وقوله: {والذي أنزل إليك من ربك الحق} [الرعد: 1] قال الفراء: الذي ~~رفع بالاستئناف، وخبره الحق، {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} [الرعد: 1] قال ~~ابن عباس: يريد أهل مكة. # قال الزجاج: لما ذكر أنهم لا يؤمنون، عرف الدليل الذي يوجب التصديق ~~بالخالق. # فقال: {الله الذي رفع السموات بغير عمد} [الرعد: 2] وهي الأساطين، جمع ~~عماد، ترونها كذلك مرفوعة بلا عمد، قال مقاتل: هي قائمات بغير عمد. # وقال الضحاك: يعني ليس من دونها دعامة، ولا فوقها علامة. # وهو قول قتادة، وقوله: {ثم استوى على العرش} [الرعد: 2] ثم أقبل على خلق ~~العرش بالاستيلاء والاقتدار ونفوذ السلطان، وأصل # PageV03P003 # الاستواء التدبير، كما أن أصل القيام الانتصاب، ثم يقال: قائم بالتدبير، ~~والمعنى ثم استوى على العرش بالتدبير للأجسام التي خلقها، وثم تدل على حدوث ~~التدبير، {وسخر الشمس والقمر} [الرعد: 2] ذللهما لما يراد منهما {كل يجري ~~لأجل مسمى} [الرعد: 2] إلى وقت معلوم، وهو فناء الدنيا، يدبر الأمر يصرفه ~~بحكمته، {يفصل الآيات} [الرعد: 2] يبين الآيات التي تدل على قدرته على ~~البعث، {لعلكم بلقاء ربكم توقنون} [الرعد: 2] قال ابن عباس: لكي توقنوا ~~بالبعث، وتتعلموا أنه لا إله غيري. # {وهو الذي مد الأرض} [الرعد: 3] قال الفراء: بسطها طولا وعرضا. # {وجعل فيها رواسي} [الرعد: 3] جبالا ثوابت، قال ابن عباس: أوتدها ~~بالجبال. # {ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين} [الرعد: 3] لونين: حلوا، وحامضا. # {يغشي الليل النهار} [الرعد: 3] ذكرناه في { [الأعراف،] إن في ذلك لآيات ~~لقوم يتفكرون} [سورة الرعد: 3] أعلم الله أن ما ذكر من هذه الأشياء فيه ~~برهان وعلامات لمن تفكر في قدرة الله، ثم زاد، فقال: {وفي الأرض قطع ~~متجاورات} [الرعد: 4] أي: متدانية متقاربة، {وجنات من أعناب وزرع ونخيل} ~~[الرعد: 4] يعني بساتين فيها نخيل وكروم، ومن قرأ وزرع ونخيل بالضم حملها ms0910 ~~على قوله: وفي الأرض، ولم يحملها على الجنات، وقوله: {صنوان وغير صنوان} ~~[الرعد: 4] من صفة النخيل، قال أبو عبيدة: الصنوان جمع صنو، وهو أن يكون ~~الأصل واحدا ثم يتفرع، فيصير نخيلا ثم يحملن. # وهذا قول جميع أهل اللغة والتفسير، قال ابن عباس: صنوان ما كان من ~~نخلتين، أو ثلاث أو أكثر، أصلهن واحد، وغير صنوان: يريد المتفرق الذي لا ~~يجمعه أصل واحد. ### | 484 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا أبو عمر بن مطر، أنا أبو ~~خليفة، أنا الوليد، والحوضي، ومحمد بن كثير، قالوا:، نا شعبة، أنا أبو ~~إسحاق، قال: سمعت البراء بن عازب، يقول في هذه الآية: الصنوان: النخلة يكون ~~حولها النخلات، وغير صنوان: النخل المتفرق # وروى القواس، عن حفص صنوان بضم الصاد جعله مثل # PageV03P004 # ذوب وذوبان، وربما تعاقب فعلان وفعلان على البناء الواحد نحو حش وحشان ~~وحشان. # وقوله: تسقى بماء واحد أي: تسقى هذه الأشياء الذي ذكرها من القطع ~~المتجاورات، والجنات، والنخيل المختلفة، ومن قرأ {يسقى} [الرعد: 4] بالياء ~~كان التقدير يسقى ما قصصناه وما ذكرناه. # قال ابن عباس: يريد البئر واحدة، والشرب واحد، والجنس واحد. # {ونفضل بعضها على بعض في الأكل} [الرعد: 4] يعني اختلاف الطعم الحلو ~~والحامض، يخبر بعجائبه وقدرته في خلقه، قال ابن الأنباري: يعني أن القطع ~~المتجاورة تنبت نباتا مختلفا، منه الحلو والحامض، وشربها واحد، ومكانها ~~مجتمع، وفي هذا أوضح آية على نفاذ قدرة الله، والأكل الثمر الذي يؤكل. # وقوله: {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} [الرعد: 4] قال ابن عباس: يريد أهل ~~الإيمان، وهم أهل العقل الذين لم يجعلوا لله ندا. # {وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك الذين ~~كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ~~{5} ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو ~~مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب {6} ويقول الذين كفروا لولا ~~أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد {7} الله يعلم ما تحمل ms0911 كل ~~أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار {8} } [الرعد: 5-8] ~~قوله: وإن تعجب أي: من عبادتهم ما لا يملك نفعا ولا ضرا، بعدما رأوا من ~~قدرة الله تعالى في خلقه الأشياء التي ذكرها، فعجب قولهم الآية، قال ~~الزجاج: إن هذا موضع عجب أيضا، أنهم أنكروا البعث، وقد بين لهم من خلق ~~السموات والأرض ما يدل على أن البعث أسهل في القدرة. # ثم أخبر أن هؤلاء الذين أنكروا البعث بعد الموت كافرون، فقال: {أولئك ~~الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم} [الرعد: 5] الأغلال جمل ~~الغل، وهو طوق يقيد به اليد إلى العنق، يقال منه: غل الرجل فهو مغلول. # قوله {ويستعجلونك # PageV03P005 # بالسيئة قبل الحسنة} [الرعد: 6] يعني مشركي مكة، سألوا رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بذلك، فالمراد بالسيئة ههنا ~~العقوبة المهلكة، والحسنة هي العاقبة والرخاء، والله تعالى صرف عمن بعث ~~إليهم محمدا صلى الله عليه وسلم عقوبة الاصطلام، وأخر تعذيب مكذبيه إلى يوم ~~القيامة، فذلك التأخير هو الحسنة، وهؤلاء الكفار استعجلوا العذاب قبل إحسان ~~الله معهم بالإنظار، وقوله: {وقد خلت من قبلهم المثلات} [الرعد: 6] يقال ~~للعقوبة: مثلة ومثلة. # قال ابن الأنباري: المثلة العقوبة التي تبقي في المعاقب شيئا بتغيير بعض ~~خلقه، من قولهم: مثل فلان بفلان إذا شان خلقه بقطع أنفه وأذنه، أو سمل ~~عينيه، أو بقر بطنه. # قال ابن عباس، وقتادة: المثلات العقوبات، وما مثل الله بالمكذبين قبلهم. # قال الأزهري: يقول: يستعجلونك بالعذاب الذي لم أعاجلهم به، وقد علموا ما ~~نزل من عقوباتنا بالأمم الخالية، فلم يعتبروا بها، وكان ينبغي أن يردعهم ~~ذلك عن الكفر خوفا أن ينزل بهم مثل الذي نزل بمن كفر قبلهم. # قوله: {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} [الرعد: 6] قال ابن عباس: لذو ~~تجاوز عن المشركين إذا آمنوا وصدقوا، {وإن ربك لشديد العقاب} [الرعد: 6] ~~للمصرين على الشرك، وتلا مطرف يوما هذه الآية، فقال: لو يعلم الناس قدر ~~رحمة الله ومغفرة الله وعفو الله وتجاوز الله لقرت أعينهم، ولو يعلم ms0912 الناس ~~قدر عذاب الله، وبأس الله ونكال الله ونقمة الله، ما رقأ لهم دمع، ولا قرت ~~أعينهم بشيء. ### | 485 - # أخبرنا نصر بن بكر بن أحمد بن الحسين، أنا عبد الله بن محمد بن نصير، أنا ~~محمد بن أيوب، أنا موسى بن إسماعيل، نا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن ~~سعيد بن المسيب، قال: لما نزلت: {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ~~ربك لشديد العقاب} [الرعد: 6] ؛ قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لولا ~~عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحدا العيش، ولولا وعيد الله وعقابه لاتكل كل أحد» # قوله: {ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه} [الرعد: 7] قال ابن ~~عباس: يريد مثل الناقة والعصا وما جاء به النبيون. # وقال الزجاج: طلبوا غير الآيات التي أتى بها فالتمسوا مثل آيات موسى ~~وعيسى. # فقال الله: {إنما أنت منذر} [الرعد: 7] تنذرهم بالنار، وليس إليك من ~~الآيات شيء، {ولكل قوم هاد} [الرعد: 7] أي: نبي وداع إلى الله يدعوهم بما ~~يعطى من الآيات، لا بما يريدون ويتحكمون، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، ~~وقتادة. # وقال سعيد بن جبير، وعطية، والضحاك: الهادي هو الله عز وجل. # والمعنى أنت منذر تنذر، والله هادي كل قوم يهدي من شاء. # قوله: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى} [الرعد: 8] يعلم ما في بطن كل حامل من ~~علقة، أو مضغة، أو زائد، أو ناقص، على اختلاف في # PageV03P006 # جميع أحواله، وقال عطاء، عن ابن عباس: يريد ذكر أم أنثى، واحد أم اثنين ~~أم أكثر. # وقوله: {وما تغيض الأرحام} [الرعد: 8] الغيض النقصان، ذكرنا ذلك عند ~~قوله: {وغيض الماء} [هود: 44] قال أكثر المفسرين: يعلم الوقت الذي تنقصه ~~الأرحام من المدة التي هي تسعة أشهر. # وما تزداد على ذلك، قال الضحاك: الغيض النقصان من الأجل، والزيادة ما ~~يزداد على الأجل، وذلك أن النساء لا يلدن لأجل واحد. # وقوله: {وكل شيء عنده بمقدار} [الرعد: 8] قال ابن عباس: علم كل شيء فقدره ~~تقديرا مما يكون قبل أن يكون، وكل ما هو كائن إلى يوم ms0913 القيامة. # {عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال {9} سواء منكم من أسر القول ومن جهر ~~به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار {10} له معقبات من بين يديه ومن خلفه ~~يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا ~~أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال {11} } [الرعد: ~~9-11] {عالم الغيب والشهادة} [الرعد: 9] علم ما غاب عن جميع خلقه، وما شهده ~~خلقه وعلموه، الكبير بمعنى العظيم، ومعناه يعود إلى كبر قدره واستحقاقه ~~صفات العلو، وهو أكبر من كل كبير، لأن كل كبير يصغر بالإضافة إليه، وقوله ~~المتعال قال الحسن: المتعالي عما يقول المشركون. # وقوله: {سواء منكم من أسر القول} [الرعد: 10] أي: أخفاه وكتمه، {ومن جهر ~~به} [الرعد: 10] أعلنه وأظهره، قال مجاهد: السر والجهر عنده سواء. # وقوله: {وسارب بالنهار} [الرعد: 10] الظاهر، يقال: سربت الإبل تسرب ~~سروبا، أي: مضت في الأرض ظاهرة حيث شاءت. # قال الزجاج: معنى الآية الجاهر بنطقه، والمضمر في نفسه، والظاهر في ~~الطرقات، والمستخفي في الظلمات علم الله فيهم جميعا سواء. # قوله: له معقبات المعقبات: المتناوبات التي يخلف كل واحد منها صاحبه، ~~ويكون بدلا منه، وهم الملائكة الحفظة في قول عامة المفسرين. # قال شمر: هي الكائنات يأتي بعضها بعد ذهاب بعض. # قال الزجاج: المعقبات الملائكة يأتي بعضهم بعقب بعض. # قال الفراء: المعقبات ذكر أن # PageV03P007 # جمع ملائكة معقبة، ثم جمعت معقبة معقبات، والذي يدل على التذكير قوله: ~~{يحفظونه من أمر الله} [الرعد: 11] . # قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، ومجاهد: المعقبات الملائكة ~~الحفظة. # يدل على صحة هذا ما: ### | 486 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أنا أبو عمرو بن مطر، نا أبو ~~داود سليمان بن سلام، نا يحيى بن يحيى، قال قتادة: قرأت على مالك، عن أبي ~~الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: ~~" يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر ~~وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم، وهو أعلم ms0914 بهم، كيف ~~تركتم عبادي؟ فيقولون: «تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون» ، ومعنى ~~الآية: لله ملائكة حفظة تتعاقب في النزول إلى الأرض من بين يدي الإنسان ومن ~~خلفهم # وقوله: {يحفظونه من أمر الله} [الرعد: 11] ذكر الفراء في هذا قولين، ~~أحدهما: أنه على التقديم والتأخير، وتقديره: له معقبات من أمر الله يحفظونه ~~من بين يديه ومن خلفه. # والثاني: إن هذا على إضمار أن ذلك الحفظ من أمر الله، أي: مما أمر الله ~~به، ونحو هذا قال الزجاج، قال: المعنى حفظهم إياه من أمر الله، أي: مما ~~أمرهم الله به، لا أنهم يقدرون أن يدفعوا أمر الله. # وقال ابن الأنباري: وفي هذا قول آخر وهو: أن من بمعنى الباء، والتأويل: ~~يحفظونه بأمر الله، وهذا قول مجاهد، وعطاء، والحسن، وقتادة، قالوا: يحفظونه ~~بأمر الله. # وقال السدي: يحفظونه من أمر الله إلى أمر الله، مما لم يقدر الله إلى ما ~~قدر الله، وقال كعب: لولا أن الله وكل بهم ملائكة يذبون عنكم، لتخطفتكم ~~الجن. ### | 487 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا أبو يحيى الرازي، نا ~~سهل بن عثمان، نا زياد البكائي، عن ليث، عن مجاهد، قال: ما من مسلم ينام ~~إلا وكل الله به وكلاء من الملائكة يحفظونه من الجن والهوام، فإذا أرادوه ~~بشيء، قالوا: وراءك وراءك، إلا شيئا قد قضى له أن يصيبه. ### | 488 - # أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي، أنا محمد بن الحسين الحدادي، أخبرهم، ~~أنا محمد بن يزيد، أنا # PageV03P008 # إسحاق بن إبراهيم، أنا النضر بن شميل، نا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو ~~بن أبي جندب، قال: كنا جلوسا عند سعيد بن قيس بصفين فأقبل علي، رضي الله ~~عنه، متوكئا على عنزة له، بعد ما اختلط الظلام، فقال سعيد: يا أمير ~~المؤمنين، قال: نعم، قال: أما تخاف أن يغتالك أحد؟ قال: إنه ليس من أحد إلا ~~ومعه من الله حفظة من أن يتردى في بئر، أو يخر من جبل، أو يصيبه حجر، أو ~~تصيبه دابة، فإذا جاء القدر خلوا بينه وبين ms0915 القدر. # وقوله: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد: 11] أي: ~~لا يسلب قوما نعمة حتى يعلموا معصية. # قال ابن عباس: يريد العذر فيما بينه وبين خلقه، ويعني بهذا أهل مكة. # {وإذا أراد الله بقوم سوءا} [الرعد: 11] عذابا، {فلا مرد له} [الرعد: 11] ~~قال عطاء: يريد لا راد لعذابي، ولا ناقض لحكمي. # {وما لهم من دونه من وال} [الرعد: 11] يلي أمرهم ويمنع العذاب عنهم. # {هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال {12} ويسبح الرعد ~~بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في ~~الله وهو شديد المحال {13} له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون ~~لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء ~~الكافرين إلا في ضلال {14} ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها ~~وظلالهم بالغدو والآصال {15} } [الرعد: 12-15] قوله: {هو الذي يريكم البرق ~~خوفا وطمعا} [الرعد: 12] قال قتادة: خوفا للمسافر، وطمعا للمقيم. # قال الزجاج: الخوف للمسافر لما يتأذى به من المطر، والطمع للحاضر لأنه ~~إذا رأى البرق طمع في المطر الذي هو سبب الخصب. # وينشئ يخلق، {السحاب الثقال} [الرعد: 12] بالماء. # {ويسبح الرعد بحمده} [الرعد: 13] قال ابن عباس: سألت اليهود رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أخبرنا عن الرعد ما هو؟ فقال: «الرعد ملك من ~~ملائكة الله عز وجل، موكل بالسحاب، معه مخاريق، يسوق بها السحاب حيث يشاء ~~الله» . # قالوا: فما الصوت الذي يسمع؟ قال: «زجره بالسحاب إذا زجر حتى ينتهي إلى ~~حيث ما أمر» . # وقال مجاهد: الرعد صوت ملك يسبح. # وكان عبد الله بن الزبير جالسا يحدث أصحابه، فسمع صوت الرعد، فترك ~~الحديث، وقال: سبحان من سبحت له، وقال: إن هذا وعيد لأهل الأرض شديد. # وروى أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إن ربكم تبارك ~~وتعالى يقول: لو أن عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل، وأطلعت عليهم ~~الشمس # PageV03P009 # بالنهار، ولم أسمعهم صوت الرعد ". # وقوله: {والملائكة من خيفته} [الرعد: 13] يعني ويسبح الملائكة من ms0916 خيفة ~~الله وخشيته، قال ابن عباس: إنهم خائفون من الله وليس كخوف ابن آدم، لا ~~يعرف أحدهم من على يمينه ومن على يساره، لا يشغله عن عبادة الله طعام ولا ~~شراب ولا شيء. # وقوله: {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء} [الرعد: 13] قال المفسرون: ~~نزلت في أربد، وعامر بن الطفيل، أتيا النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمانه ~~ويريدان الفتك به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اكفنيهما بما ~~شئت» . # فأرسل الله عز وجل صاعقة على أربد في يوم صائف صاح فأحرقته، وولى عامر ~~هاربا. # وقوله: {وهم يجادلون في الله} [الرعد: 13] قال ابن عباس: يكذبون بعظمة ~~الله. # {وهو شديد المحال} [الرعد: 13] قال مجاهد، والسدي: المحال القوة. # أي: شديد القوة. # وقال الزجاج: يقال: ماحلته محالا إذا قاويته حتى يتبين أيكما أشد، والمحل ~~في اللغة الشدة. # قوله: {له دعوة الحق} [الرعد: 14] المراد بدعوة الحق ههنا كلمة التوحيد ~~والإخلاص، والمعنى: لله من خلقه الدعوة الحق، وأضيفت الدعوة إلى الحق ~~لاختلاف اللفظين. ### | 489 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أنا أبو الحسن السراج، نا محمد بن ~~عبد الله الحضرمي، نا محمد بن عبد الله بن نصير، نا يحيى بن اليمان، عن ~~سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن عباية بن ربعي، عن علي: له دعوة الحق، # PageV03P010 # قال: لا إله إلا الله، وهذا قول ابن عباس، وقتادة، وقال الحسن: الله ~~الحق، فمن دعاه دعا الحق # وقوله: {والذين يدعون من دونه} [الرعد: 14] يعني الأصنام يدعونها ~~المشركون من دون الله، {لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ~~ليبلغ فاه} [الرعد: 14] قال الزجاج: إلا كما يستجاب للذي يبسط كفيه إلى ~~الماء يدعو الماء إلى فيه، والماء لا يستجيب. # أعلم الله أن دعاءهم الأصنام كدعاء العطشان الماء إلى بلوغ فمه، {وما هو ~~ببالغه} [الرعد: 14] وما الماء ببالغ فاه بدعوته إياه، قال الكلبي: كماد ~~يده إلى الماء من مكان بعيد، فلا يبلغه، ولا يبلغ الماء فاه. # وقال عطاء: كالرجل العطشان الجالس على شفير البئر، يمد يده إلى البئر فلا ~~يبلغ قعر البئر ms0917، والماء لا يرتفع إلى يده. # قوله: {وما دعاء الكافرين} [الرعد: 14] قال ابن عباس: يريد عبادة ~~الكافرين الأصنام. # {إلا في ضلال} [الرعد: 14] بطلان وزوال. # قوله: {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا} [الرعد: 15] يعني الملائكة ~~والمؤمنين، وكرها يعني من أكره على السجود من الكافرين والمنافقين، هذا قول ~~المفسرين. # وقال أهل المعاني: سجود الكاره تذلله وانقياده لما يريده الله منه من ~~عاقبة ومرض، وغنى وفقر، وحياة وموت، فالكافر في حكم الساجد لله من هذا ~~الوجه. # ومعنى السجود في اللغة التذلل والخضوع، وهذا كقوله: {وله أسلم من في ~~السموات والأرض طوعا وكرها} [آل عمران: 83] ، وقوله: {وظلالهم بالغدو ~~والآصال} [الرعد: 15] قال المفسرون: كل شخص مؤمن أو كافر، فإن ظله يسجد لله ~~تعالى. # قال مجاهد: ظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع، وظل الكافر يسجد طوعا وهو ~~كاره. # وقال أهل المعاني: سجود الظلال تمايلها من جانب إلى جانب، وانقيادها ~~للتسخير بالطول والقصر. # {قل من رب السموات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون ~~لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات ~~والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل ~~شيء وهو الواحد القهار {16} أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل ~~السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله ~~كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس ~~فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال {17} للذين استجابوا لربهم الحسنى ~~والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به ~~أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد {18} } [الرعد: 16-18] ~~قوله: {قل من رب السموات والأرض قل الله} [الرعد: 16] السؤال والجواب جاء ~~من جهة واحدة، لأن المشركين لا ينكرون أن الله خالق السموات والأرض ~~والمخلوقات كلها، كقوله: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الزخرف: 87] ~~فإذا أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: # PageV03P011 # الله، لم ينكروا، ويصيروا كأنهم قالوا ذلك ms0918، ثم ألزمهم الحجة، فقال: {قل ~~أفاتخذتم من دونه أولياء} [الرعد: 16] قال ابن عباس: توليتم غير رب السماء ~~والأرض أصناما. # لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فكيف لغيرهم؟ ثم ضرب مثلا للذي يعبد ~~الأصنام، وللذي يعبد الله، فقال: {قل هل يستوي الأعمى والبصير} [الرعد: 16] ~~يعني المشرك والمؤمن، {أم هل تستوي الظلمات والنور} [الرعد: 16] يعني الشرك ~~والإيمان، وقوله: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه} [الرعد: 16] قال ابن ~~الأنباري: معناه أجعلوا لله شركاء خلقوا مثل ما خلق الله فتشابه خلق ~~الشركاء بخلق الله عندهم؟ وهذا استفهام إنكار، أي: ليس الأمر على هذا حتى ~~يشتبه الأمر، بل إذا فكروا بعقولهم وجدوا الله هو المنفرد بالخلق، وسائر ~~الشركاء لا يخلقون خلقا يتشابه بخلق الله، وقوله: {قل الله خالق كل شيء} ~~[الرعد: 16] قال الزجاج: قل ذلك وبينه بما أخبرت به من الدلالة في هذه ال { ~~[مما يدل على أنه خالق كل شيء. # والمعنى: أنه خالق كل شيء مما يصح أن يكن مخلوقا، ألا ترى أنه هو شيء وهو ~~غير مخلوق؟ قوله:] أنزل من السماء ماء} [سورة الرعد: 17] قال عطاء، عن ابن ~~عباس: يريد قرآنا، وهو مثل ضربه الله تعالى. # {فسالت أودية بقدرها} [الرعد: 17] أودية جمع واد، وهو كل منفرج بين ~~جبلين، يجتمع إليه ماء المطر فيسيل، والقدر والقدر مبلغ الشيء. # والمعنى: بقدرها من الماء، فإن صغر الوادي قل الماء، وإن اتسع كثر، قال ~~ابن الأنباري: شبه نزول القرآن الجامع للهدى والبيان بنزول المطر إذ نفع ~~نزول القرآن يعم، كعموم نفع نزول المطر، وشبه الأودية بالقلوب، إذ الأودية ~~يستكن فيها الماء كما يستكن الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين، وقوله ~~{فاحتمل السيل زبدا رابيا} [الرعد: 17] طافيا عاليا فوق الماء، قال ابن ~~عباس: هو الشك والكفر. # ثم ضرب مثلا آخر، فقال: {ومما يوقدون عليه في النار} [الرعد: 17] يعني: ~~ما يذاب من الجواهر فيدخل النار ويوقد عليها، {ابتغاء حلية} [الرعد: 17] ~~يعني: الذهب والفضة، أو متاع يعني: الحديد والصفر والنحاس والرصاص، تتخذ ~~منها الأواني والأشياء التي ينتفع بها، وقوله: زبد مثله ms0919 أي: زبد مثل زبد ~~الماء الذي يحمله السيل، كذلك كما ذكر من هذه الأشياء، يضرب الله مثل، ~~{الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء} [الرعد: 17] والجفاء ما جافاه ~~الوادي، أي: رمى به، قال الفراء: الجفاء الرمي، يقال: جفا الوادي غثاء جفاء ~~إذا رماه، والجفاء بمنزلة الغثاء. # وهذان مثلان ضربهما الله للحق والباطل، يقول: الباطل، وإن ظهر على الحق ~~في بعض الأحوال وعلاه، فإن الله سيمحقه ويبطله، ويجعل العاقبة للحق وأهله، ~~كالزبد الذي يعلو الماء فيلقيه الماء ويضمحل، وكخبث هذه الجواهر يقذفه ~~الكير، وهذا مثل الباطل، وأما الماء الذي ينفع الناس وينبت المرعى فيمكث في ~~الأرض، وكذلك الصفو من الجواهر يبقى خالصا لا شوب فيه، وهو مثل الحق. # قال الزجاج: فمثل المؤمن واعتقاده ونفع الإيمان، كمثل هذا الماء المستنفع ~~به من نبات الأرض وحياة كل شيء، وكمثل نفع الفضة والذهب وسائر الجواهر، # PageV03P012 # لأنها كلها تبقى منتفعا بها، ومثل الكافر وكفره، كمثل هذا الزبد الذي ~~يذهب جفاء، وكمثل خبث الحديد، وما يخرجه الناس من وسخ الفضة والذهب الذي لا ~~ينتفع به. # قوله: {للذين استجابوا لربهم} [الرعد: 18] أي: أجابوه إلى ما دعاهم إليه ~~من توحيده وشريعته، الحسنى الجنة، {والذين لم يستجيبوا له} [الرعد: 18] إلى ~~قوله: {لافتدوا به} [الرعد: 18] أي: لجعلوه فداء أنفسهم من العذاب، وقوله: ~~{أولئك لهم سوء الحساب} [الرعد: 18] قال المفسرون: هو ألا يقبل منهم حسنة، ~~ولا يتجاوز عن سيئة. ### | 490 - # أخبرنا نصر بن بكر بن أحمد بن الحسين، أنا أبو سعيد عبد الله بن محمد ~~الصوفي، أنا محمد بن أيوب، أنا موسى بن إسماعيل، نا حماد بن سلمة، عن فرقد ~~السبخي، قال: قال لي إبراهيم النخعي: يا فرقد، أتدري ما سوء الحساب؟ قال: ~~قلت: لا. # قال: هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء. # {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو ~~الألباب {19} الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق {20} والذين يصلون ~~ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب {21} والذين ms0920 صبروا ~~ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون ~~بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار {22} جنات عدن يدخلونها ومن صلح من ~~آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب {23} سلام ~~عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار {24} والذين ينقضون عهد الله من بعد ~~ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ~~ولهم سوء الدار {25} الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا ~~وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع {26} } [الرعد: 19-26] قوله: {أفمن ~~يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى} [الرعد: 19] قال ابن عباس: ~~نزلت في حمزة، وأبي جهل. # يعني: أن أبا جهل أعمى القلب، لا يهتدي إلى طريق الرشد، {إنما يتذكر} ~~[الرعد: 19] يتعظ ويتذكر ما رغب فيه من الجنة، أولو الألباب قال ابن عباس: ~~يريد المهاجرين والأنصار. # ثم وصفهم، فقال: {الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق} [الرعد: 20] ~~قال: يريد الذين عاهدهم عليه في صلب آدم. # {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} [الرعد: 21] يعني: الأرحام، وقال ~~ابن عباس: يعني الإيمان بجميع الرسل. # وهو أن يصل بينهم بالإيمان بالجميع، كما أخبر عن المؤمنين في قولهم: {لا ~~نفرق بين أحد من رسله} [البقرة: 285] . # PageV03P013 # {والذين صبروا} [الرعد: 22] أي: على دينهم، وما أمروا به من الطاعة، ~~{ابتغاء وجه ربهم} [الرعد: 22] طلب تعظيم الله، وقوله: {ويدرءون بالحسنة ~~السيئة} [الرعد: 22] قال ابن عباس: يدفعون بالعمل الصالح الشر من العمل. # كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لمعاذ بن جبل: «إذا عملت سيئة ~~فاعمل بجانبها حسنة تمحها» . # وقال ابن كيسان: هو أنهم كلما أذنبوا تابوا، ليدفعوا بالتوبة معرة الذنب. # {أولئك لهم عقبى الدار} [الرعد: 22] قال ابن عباس: يريد عقابهم الجنة. # أي: تصير الجنة لهم آخر أمرهم، ثم بين ذلك، فقال: {جنات عدن يدخلونها ومن ~~صلح من آبائهم} [الرعد: 23] قال ابن عباس: ومن صدق بما صدقوا به. # وقال مجاهد: ومن آمن منهم، وذلك أن الله تعالى جعل من ثواب المطيع سروره ms0921 ~~بما يراه في أهله من إلحاقهم به في الجنة كرامة له كما قال: {ألحقنا بهم ~~ذريتهم} [الطور: 21] . # {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} [الرعد: 23] قال ابن عباس: بالتحية ~~من الله، والتحفة، والهدايا. # ويقولون: {سلام عليكم بما صبرتم} [الرعد: 24] أي: سلمكم الله من أهوال ~~القيامة وشرها بصبركم في الدنيا على طاعته، {فنعم عقبى الدار} [الرعد: 24] ~~ما أنتم فيه من الكرامة، أي: نعم عقبى الدار التي عملتم فيها ما أعقبكم هذه ~~الكرامة. # قوله {والذين ينقضون عهد الله} [الرعد: 25] مفسر إلى آخر الآية فيما سبق. # {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} [الرعد: 26] يضيق ويقتر، كقوله: {ومن ~~قدر عليه رزقه} [الطلاق: 7] ، {وفرحوا بالحياة الدنيا} [الرعد: 26] قال ابن ~~عباس: يريد مشركي مكة فرحوا بما نالوا من الدنيا، فطغوا وكذبوا الرسول. # {وما الحياة الدنيا في الآخرة} [الرعد: 26] أي: بالقياس إليها، إلا متاع ~~أي: قليل ذاهب، كالشيء الذي يتمتع به ثم يفنى. # {ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ~~ويهدي إليه من أناب {27} الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر ~~الله تطمئن القلوب {28} الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ~~{29} كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا ~~إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب ~~{30} ولو أن قرءانا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل ~~لله الأمر جميعا أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ~~ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى ~~يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد {31} ولقد استهزئ برسل من قبلك ~~فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب {32} أفمن هو قائم على كل نفس ~~بما كسبت وجعلوا لله # PageV03P014 # شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل ~~زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله ms0922 فما له من هاد {33} ~~لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق {34} ~~مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك ~~عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار {35} } [الرعد: 27-35] قوله: {ويقول ~~الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه} [الرعد: 27] نزلت في أهل مكة حين ~~طالبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآيات، {قل إن الله يضل من يشاء} ~~[الرعد: 27] قال ابن عباس: يريد عن دينه. # يعني: كما أضلكم بعدما أنزل من الآيات وحرمكم الاستدلال بها، {ويهدي إليه ~~من أناب} [الرعد: 27] رجع إلى الحق، وإنما يرجع إلى الحق من يشاء الله، ~~فكأنه قال: ويهدي إليه من يشاء. # كما قال في آيات: {ويهدي من يشاء} [يونس: 25] . # قوله: {الذين آمنوا} [الرعد: 28] بدل من قوله: من أناب المعنى: يهدي إليه ~~الذين آمنوا، {وتطمئن قلوبهم بذكر الله} [الرعد: 28] إذا سمعوا ذكر الله ~~أحبوه، واستأنسوا به، وقال الزجاج: أي إذا ذكر الله وحده آمنوا به غير ~~شاكين. # بخلاف من وصف بقوله: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون ~~بالآخرة} [الزمر: 45] . # وقوله: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد: 28] يعني: قلوب المؤمنين، ~~لأن الكافر غير مطمئن القلب. # {الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم} [الرعد: 29] أكثر المفسرين على ~~أن طوبى اسم شجرة في الجنة، وهو قول أبي هريرة، ومغيث بن سمي، وشهر بن ~~حوشب، ومجاهد، ومقاتل، وابن عباس في رواية الكلبي وعطاء. # وروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ### | 491 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الأصفهاني، نا عبد الله بن محمد بن حيان، نا ~~محمد بن حمزة بن عمارة، نا جعفر بن عنبسة، حدثني أبي عنبسة بن عمرو، عن ~~إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: سئل ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن قول الله في كتابه: {الذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات طوبى لهم} [الرعد: 29] فقال: " أما طوبى، فشجرة في الجنة، ليست ~~دار من دور الجنة إلا وفيها غصن ms0923 من أغصانها، لو أن طائرا طار في غصن من ~~أغصانها لقتله الهرم قبل أن يبلغ فرعه، ولو أن رجلا عمر أعمار الأولين ركب ~~حقة، أو جذعة، ثم طاف بساقها، # PageV03P015 # لقتله الهرم قبل أن يبلغ الموضع الذي ابتدأ منه، ليس منها ورقة إلا تظل ~~أمة من الأمم، وليست منها ورقة إلا عليها ملك يذكر الله ويسبحه، وليس منها ~~ورقة لو جمع الشمس والقمر إلا طمست ضوءهما، منها كسوة أهل الجنة وحليهم، ~~ورقها حلل، وأغصانها حلي، ووحلها المسك والعنبر، وترابها الورس والزعفران، ~~وحصباؤها الدر والياقوت، وهي مجلس أهل الجنة ومتحدثهم. ### | 492 - # أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد العزيز في كتابه، أنا محمد بن الحسين ~~الحدادي، أنا محمد بن يزيد، أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، أنا ~~معمر، عن أشعث بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: " طوبى ~~شجرة في الجنة، يقول الله لها: تفتقي لعبدي عما يشاء، فتفتق له عن: الخيل ~~بسروجها ولجمها، وعن الإبل برحالها وأزمتها، وعما شاء من الكسوة ". # وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: طوبى اسم الجنة بالحبشة. # هو قول مجاهد في رواية شبل، قال: طوبى اسم الجنة. # وقال أبو عبيدة، والزجاج، وأهل اللغة: طوبى فعلى من الطيب. # قال ابن الأنباري: تأويلها الحال المستطابة لهم. # وقوله: {كذلك أرسلناك} [الرعد: 30] أي: أرسلناك كما أرسلنا الأنبياء ~~قبلك، {في أمة قد خلت من قبلها أمم} [الرعد: 30] قال ابن عباس: في قرون قد ~~مضت من قبلها قرون. # {لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك} [الرعد: 30] يعني القرآن، {وهم يكفرون ~~بالرحمن} [الرعد: 30] وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في الحجر ~~يدعو، وأبو جهل يستمع إليه وهو يقول: «يا رحمن» . # فلما سمعه يذكر الرحمن ولى مدبرا إلى المشركين، وقال لهم: إن محمدا كان ~~ينهانا عن عبادة الآلهة، وهو يدعو إلهين، يدعو الله ويدعو إلها آخر يقال له ~~الرحمن. # فأنزل الله هذه الآية. # وقوله: {قل هو ربي} [الرعد: 30] أي: قل لهم: إن الرحمن الذي أنكرتم ~~معرفته هو إلهي وسيدي ms0924، {لا إله إلا هو} [الرعد: 30] . # قوله: {ولو أن قرءانا} [الرعد: 31] الآية، قالت قريش للنبي صلى الله عليه ~~وسلم: إن كنت كما تقول فادع الله يسير عنا هذه الجبال، فإن أرضنا ضيقة، ~~واجعل لنا فيها عيونا وأنهارا حتى نغرس ونزرع، وابعث لنا آباءنا من الموتى ~~حتى يكلمونا ويخبرونا أنك نبي. # فأنزل الله: {ولو أن قرءانا سيرت به الجبال} [الرعد: 31] أي: جعلت تسير، ~~{أو قطعت به الأرض} [الرعد: 31] أي: شققت فجعلت أنهارا وعيونا، {أو كلم به ~~الموتى} [الرعد: 31] أي: أحيوا حتى كلموا، وجواب لو محذوف، قال الفراء: ~~تقديره لكان هذا القرآن، والمعنى: لو أن قرآنا فعل به ما التمسوا لكان هذا ~~القرآن. # وقال الزجاج: جوابه لما آمنوا. # وهو قول ابن عباس، قال: يريد لو قضيت ألا يقرأ القرآن على الجبال إلا ~~سارت، ولا على الأرض إلا تخرقت، ولا على الموتى إلا أحيوا # PageV03P016 # وتكلموا، ما آمنوا لما سبق عليهم في علمي. # ونظير هذه الآية قوله: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} [الأنعام: 111] ~~إلى قوله {ما كانوا ليؤمنوا} [الأنعام: 111] ، {بل لله الأمر جميعا} ~~[الرعد: 31] يقول: دع ذاك الذي قالوا من تسيير الجبال وغيره، فالأمر لله ~~جميعا، ولو شاء أن يؤمنوا لآمنوا، وإذا لم يشأ لا ينفع تسيير الجبال وما ~~اقترحوا من الآيات، ثم أكد هذا المعنى بقوله: {أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو ~~يشاء الله لهدى الناس جميعا} [الرعد: 31] قال ابن عباس: أفلم يعلم. # وقال الكلبي: ييأس يعلم في لغة النخع. # وهذا قول مجاهد، والحسن، وقتادة. # وقوله: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة} [الرعد: 31] أي: ~~بما صنعوا من كفرهم وأعمالهم الخبيثة داهية تقرعهم، ومصيبة شديدة من الأسر ~~والقتل والحرب والجدب. # وقال مجاهد، وأبو سعيد الخدري: هي السرايا التي كان يبعثها رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم إليهم. # أو تحل تنزل أنت يا محمد قريبا من دارهم، {حتى يأتي وعد الله} [الرعد: ~~31] يعني فتح مكة، وعده الله أن يفتحها له، {إن الله لا يخلف الميعاد} ~~[الرعد: 31] ثم عزى رسول الله صلى الله عليه وسلم ms0925، فقال: {ولقد استهزئ برسل ~~من قبلك فأمليت للذين كفروا} [الرعد: 32] أطلت لهم المدة بتأخير العقوبة، ~~{ثم أخذتهم فكيف كان عقاب} [الرعد: 32] قال ابن عباس: يريد كيف رأيت ما ~~صنعت بهم، كذلك أصنع بمشركي قومك. # قوله: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} [الرعد: 33] قال ابن عباس: ~~كذلك أمتنع، يريد نفسه تبارك وتعالى. # ومعنى القيام ههنا التولي لأمور خلقه، والتدبير للأرزاق والآجال، وإحصاء ~~الأعمال للجزاء، كقوله: قائما بالقسط أي: واليا لذلك، والمعنى ههنا: أفمن ~~هو قائم بالتدبير على كل نفس بجزاء ما كسبت، وتلخيصه: أفمن هو مجاز كل نفس ~~بما كسبت، كمن ليس بهذه الصفة من الأصنام التي لا تنفع ولا تضر؟ ويدل على ~~هذا المحذوف قوله: {وجعلوا لله شركاء} [الرعد: 33] قال الفراء: # PageV03P017 # كأنه في المعنى، قال: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت كشركائهم الذين ~~اتخذوهم. # قل سموهم بما يسحقون من الصفات وإضافة الأفعال إليهم إن كانوا شركاء لله، ~~كما يوصف الله بالخالق، والرازق، والمحيي، والمميت، والمعنى يعود إلى أن ~~الصنم لو كان إلها لتصور منه أن يخلق ويرزق، ولحسن حينئذ أن يسمى بالخالق ~~والرزاق. # قوله: {أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض} [الرعد: 33] هذا استفهام منقطع ~~مما قبله، وتأويل الآية: فإن سموهم بصفات الله، قل: أتنبئونه بما لا يعلم ~~في الأرض، أتخبرون الله بشريك له في الأرض وهو لا يعلمه؟ على معنى: أنه ~~ليس، ولو كان لعلم، {أم بظاهر من القول} [الرعد: 33] يعني: أم يقولون مجازا ~~من القول وباطلا لا حقيقة له، أي: إنه كلام ظاهر، وليس له في الحقيقة باطن ~~ومعنى، فهو كلام باللسان، بل دع ذكر ما كنا فيه، {زين للذين كفروا مكرهم} ~~[الرعد: 33] قال ابن عباس: زين الشيطان لهم الكفر، وذلك أن مكرهم بالرسول ~~صلى الله عليه وسلم كفر منهم، {وصدوا عن السبيل} [الرعد: 33] قال ابن عباس: ~~وصدهم الله عن سبيل الهدى. # وضم الصاد قراءة أهل الكوفة، ومن قرأ بفتح الصاد فالمعنى: أنهم صدوا ~~غيرهم عن الإيمان. # {ومن يضلل الله فما له من هاد ms0926} [الرعد: 33] يهديه إلى الخير والإيمان، ~~{لهم عذاب في الحياة الدنيا} [الرعد: 34] يعني الأسقام والقتل والأسر، هي ~~لهم في الدنيا عذاب، وللمؤمن كفارة، {ولعذاب الآخرة أشق} [الرعد: 34] أشد ~~وأغلظ، {وما لهم من الله} [الرعد: 34] من عذاب الله، من واق مانع يمنعهم. # قوله: {مثل الجنة التي وعد المتقون} [الرعد: 35] أي: صفتها، قال ابن ~~قتيبة: المثل الشبه في أصل اللغة، ثم قد يصير المعنى صورة الشيء وصفته، ~~يقال: مثلت لك كذا، أي: صورته ووصفه. # أراد الله بقوله: مثل الجنة أي: صورتها وصفتها، ثم ذكرها، فقال: {تجري من ~~تحتها الأنهار أكلها دائم} [الرعد: 35] قال الحسن: يريد أن ثمارها لا تنقطع ~~كثمار الدنيا، وظلها لأنه لا يزول، ولا تنسخه الشمس، {تلك عقبى الذين ~~اتقوا} [الرعد: 35] أي: عاقبة أمرهم المصير إليها، وعاقبة الكافرين المصير ~~إلى النار. # قوله: {والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر ~~بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب {36} ~~وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك ~~من الله من ولي ولا واق {37} } [الرعد: 36-37] . # {والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك} [الرعد: 36] قال المفسرون: ~~إن عبد الله بن سلام والذين آمنوا معه من أهل الكتاب، ساءهم قلة ذكر الرحمن ~~في القرآن، مع كثرة ذكره في التوراة، فأنزل الله تعالى: {قل ادعوا الله أو ~~ادعوا الرحمن} [الإسراء: 110] ففرح بذلك مؤمنو أهل الكتاب، وكفر المشركون ~~بالرحمن، وقالوا: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، فأنزل الله تعالى هذه ~~الآية. # وقوله: {ومن الأحزاب من ينكر بعضه} [الرعد: 36] يعني الكفار الذين تحزبوا ~~على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعاداة، {من ينكر بعضه} [الرعد: 36] ~~يعني ذكر الرحمن، وهذا # PageV03P018 # كقوله: {وهم يكفرون بالرحمن} [الرعد: 30] إلى آخره. # قوله {وكذلك أنزلناه} [الرعد: 37] أي: وكما أنزلنا الكتب على الأنبياء ~~الذين تقدموا، أنزلنا إليك القرآن، {حكما عربيا} [الرعد: 37] قال ابن عباس: ~~يريد ما حكم من الفرائض في القرآن، {ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من ~~العلم} [الرعد ms0927: 37] بوحدانية الله تعالى، وذلك أن المشركين دعوه إلى ملة ~~آبائه، فتوعده الله على اتباع أهواءهم بقوله: {ما لك من الله من ولي ولا ~~واق} [الرعد: 37] أي: ما لك من عذاب الله مانع يمنعك. # قوله: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول ~~أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب {38} يمحو الله ما يشاء ويثبت ~~وعنده أم الكتاب {39} وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك ~~البلاغ وعلينا الحساب {40} } [الرعد: 38-40] {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك} ~~[الرعد: 38] قال الكلبي: عيرت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: ~~ما نرى للرجل همة إلا النساء والنكاح، ولو كان نبيا لشغله أمر النبوة عن ~~النساء. # فأنزل الله هذه الآية، يقول: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك} [الرعد: 38] ~~وجعلناهم بشرا لهم أزواج فنكحوهن، وأولاد أنسلوهم، وذلك قوله: {وجعلنا لهم ~~أزواجا وذرية} [الرعد: 38] . ### | 493 - # أخبرنا أبو منصور الواعظ، أنا عبد الله بن محمد بن نصير، أنا محمد بن ~~أيوب، نا أبو الوليد الطيالسي، نا حسين بن رافع العنبري، عن الحسن، عن سعد ~~بن هشام، قال: دخلت على عائشة، فقلت لها: إني أريد أن أتبتل، قالت: فلا ~~تفعل، أما سمعت الله يقول {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا ~~وذرية} [الرعد: 38] فلا تتبتل. # وقوله: {وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله} [الرعد: 38] هذا جواب ~~للذين تحكموا عليه في طلب الآيات، والمعنى: أن حال محمد كحال الرسل الذين ~~تقدموا في أنهم كانوا لا يأتون بآية إلا بإذن ربهم، لا على تحكم العباد ~~بأهوائهم، {لكل أجل كتاب} [الرعد: 38] لكل أجل قدره الله، ولكل أمر قضاه ~~كتاب أثبت فيه، فلا تكون آية إلا بأجل قد قضاه الله في كتاب، وكذلك كل أمر. # قوله: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} [الرعد: 39] ذهب قوم إلى أن هذا عام في ~~كل شيء، كما يقتضيه ظاهر اللفظ، وقالوا: إن الله يمحو من الرزق ويزيد فيه، ~~ومن الأجل، ويمحو السعادة والشقاوة، وهو مذهب عمر، وابن مسعود، وأبي ms0928 وائل، ~~وقتادة، والضحاك، وابن جريج، قالوا: أم الكتاب عند الله يمحو الله ما يشاء ~~منه ويثبت. # ونحو هذا روى أبو الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله ~~سبحانه في ثلاث ساعات يبقين من الليل ينظر في الكتاب الذي لا ينظر # PageV03P019 # فيه أحد غيره، فيمحو ما يشاء، ويثبت ما يشاء» . # ومعنى أم الكتاب: أصل الكتاب الذي أثبت فيه الكائنات والحادثات. # وروى عكرمة، عن ابن عباس، قال: هما كتابان: كتاب سوى أم الكتاب، يمحو منه ~~ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب الذي لا يغير منه شيء. # وهذه رواية عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم. # وقال قوم: إن الله تعالى يمحو ما يشاء ويثبت إلا الشقاوة والسعادة، ~~والموت والحياة والرزق والأجل. # ويدل على صحة هذا ما: ### | 494 - # أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الزاهد، أنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، ~~أنا أبو القاسم البغوي، نا داود بن عمرو، نا محمد بن مسلم، عن عمرو بن ~~دينار، أنه سمع أبا الطفيل، يقول: قال حذيفة بن أسيد: سمعت رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم، يقول: " إذا مضت على النطفة خمس وأربعون ليلة، يقول الملك: ~~أذكر أم أنثى؟ فيقضي الله، عز وجل، ويكتب الملك فيقول: أشقي أم سعيد؟ فيقضي ~~الله، ويكتب الملك، فيقول: عمله وأجله؟ فيقضي الله، ويكتب الملك، ثم تطوى ~~الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص منها "، رواه مسلم، عن ابن نصير، عن سفيان ~~بن عيينة، عن عمرو بن دينار # وقال سعيد بن جبير، وقتادة: يمحو الله ما يشاء من الشرائع فينسخه، ويثبت ~~ما يشاء فلا ينسخه. # وهذا القول اختيار أبي علي الفارسي، قال: هذا والله أعلم فيما يحتمل ~~النسخ والتبديل من الشرائع الموقوفة على المصالح على حسب الأوقات، فأما ما ~~كان من غير ذلك فلا يمحى ولا يبدل. # وقال الكلبي، والضحاك: إن الذي يمحوه الله ويثبته ما تصعد به الحفظة ~~مكتوبا على بني آدم، فيأمر الله أن يثبت ما فيه ثواب وعقاب، ويمحي عنه ما ~~لا ثواب فيه ms0929 ولا عقاب. # وقوله: {وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم} [الرعد: 40] من العذاب، أي نعدهم ~~وأنت حي، أو نتوفينك قبل أن نريك ذلك، {فإنما عليك البلاغ} [الرعد: 40] أي: ~~فليس عليك إلا أن تبلغ، كفروا أو آمنوا، وعلينا الحساب وعلينا أن نجازيهم. # قوله: {أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب ~~لحكمه وهو سريع الحساب {41} وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ~~ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار {42} ويقول الذين كفروا لست ~~مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب {43} } [الرعد: ~~41-43] أولم يروا يعني كفار مكة، {أنا نأتي الأرض} [الرعد: 41] نقصد أرض ~~مكة، {ننقصها من أطرافها} [الرعد: 41] بالفتوح على المسلمين منها، يريد ما ~~دخل في الإسلام من بلاد الشرك، قال الضحاك: أو لم ير أهل مكة أنا نفتح ~~لمحمد ما حوله من # PageV03P020 # القرى. # وقال مقاتل: الأرض مكة، ونقصها من أطرافها غلبة المؤمنين عليها. # وهذا قول الحسن. # وقال الزجاج: أعلم الله أن بيان ما وعد المشركون من قهرهم قد ظهر، يقول: ~~ولم يروا أنا فتحنا على المسلمين من الأرض ما قد تبين لهم، فكيف لا ~~يعتبرون؟ {والله يحكم لا معقب لحكمه} [الرعد: 41] قال ابن عباس: لا ناقض ~~لحكمه. # وقال الفراء: لا راد لحكمه. # والمعقب الذي يتبع الشيء فيستدركه، ولا يستدرك أحد على حكم الله، {وهو ~~سريع الحساب} [الرعد: 41] أي: المجازاة بالخير والشر. # قوله: {وقد مكر الذين من قبلهم} [الرعد: 42] يعني كفار الأمم الخالية، ~~مكروا بأنبيائهم، {فلله المكر جميعا} [الرعد: 42] يعني أن مكر الماكرين ~~مخلوق له، فلا يضر إلا بإرادته، وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، ~~وأمان له من مكرهم كأن قيل: قد فعل من قبلهم من الكفار مثل فعلهم، فلا ضرر ~~عليك من مكرهم. # {يعلم ما تكسب كل نفس} [الرعد: 42] يريد أن جميع الاكتساب معلوم له، فلا ~~يقع ضرر إلا بإذنه، {وسيعلم الكفار} [الرعد: 42] قال ابن عباس: يريد أبا ~~جهل. # وقال الزجاج: الكافر ههنا اسم الجنس كما يقال: كثر ms0930 الدرهم في أيدي الناس. # ومن قرأ الكفار أراد جميع الكفار {لمن عقبى الدار} [الرعد: 42] لمن الجنة ~~آخر الأمر {ويقول الذين كفروا} [الرعد: 43] يعني مشركي مكة، لست مرسلا ~~إلينا بالنبوة، قل لهم، كفى بالله كفى الله، والباء أدخلت للتأكيد، شهيدا ~~شاهدا، بيني وبينكم أي: بما أظهر من الآيات، وأبان من الأدلة على نبوتي، ~~{ومن عنده علم الكتاب} [الرعد: 43] قال الحسن، ومجاهد: هو الله عز وجل. # وأختاره الزجاج، فقال: لأن الأشبه أن الله لا يستشهد على خلقه بغيره. # وقال عكرمة، وقتادة: يعني علماء أهل الكتاب، منهم عبد الله بن سلام، ~~وسلمان الفارسي، وتميم الداري. # قال ابن الأنباري: جعل قول هؤلاء وشهادتهم قاطعة لقول الخصوم، لأنهم ~~العالمون بالكتب القديمة، فقيل: كفى بهؤلاء شهودا عليكم، وهم شاهدون لمحمد ~~صلى الله عليه وسلم بالنبوة والصدق. # والله أعلم. # PageV03P021 ### | سورة إبراهيم # مكية وآياتها اثنتان وخمسون. ### | 495 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم المقرئ الحيري بها، أنا أبو عمرو ~~بن أبي الفضل الشروطي، نا إبراهيم بن شريك الأسدي، نا أحمد بن عبد الله بن ~~يونس، نا سلام بن سليم المدني، نا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، ~~عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من ~~قرأ سورة إبراهيم أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من عبد الأصنام، وبعدد من ~~لم يعبدها» . # {الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى ~~صراط العزيز الحميد {1} الله الذي له ما في السموات وما في الأرض وويل ~~للكافرين من عذاب شديد {2} الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون ~~عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد {3} وما أرسلنا من رسول إلا ~~بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم ~~{4} ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم ~~بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور {5} وإذ قال موسى لقومه اذكروا ~~نعمة الله عليكم إذ ms0931 أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون ~~أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم {6} وإذ تأذن ربكم لئن ~~شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد {7} وقال موسى إن تكفروا أنتم ~~ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد {8} } [إبراهيم: 1-8] بسم الله ~~الرحمن الرحيم الر قال ابن عباس في رواية أبي صالح: أنا الله أرى. # وقال في رواية عطاء: أنا الله الرحمن. # كتاب أي: هذا كتاب يعني القرآن، {أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات ~~إلى النور} [إبراهيم: 1] قال ابن عباس: من الشرك إلى الإيمان. # {بإذن ربهم} [إبراهيم: 1] قال الزجاج: بما أذن الله لك في تعليمهم، ~~ودعائهم إلى الإيمان. # ثم بين ما ذلك النور، فقال: {إلى صراط العزيز الحميد} [إبراهيم: 1] وهو ~~دين الإسلام الذي من سلكه أداه إلى الجنة. # {الله الذي} [إبراهيم: 2] # PageV03P022 # من رفعه قطعه مما قبله وابتدأ به، وخبره الذي، ومن خفضه جعله بدلا من ~~الحميد، وتفسير الآية ظاهر، قوله: {الذين يستحبون الحياة الدنيا على ~~الآخرة} [إبراهيم: 3] أي: يؤثرونها ويختارونها، قال ابن عباس: ما تجعل لهم ~~من الدنيا يأخذونه تهاونا بأمر الآخرة واستبعادا لها. # كقوله تعالى: {إن هؤلاء يحبون العاجلة} [الإنسان: 27] . # {ويصدون عن سبيل الله} [إبراهيم: 3] يمنعون الناس عن دين الله تعالى ~~وطاعته، {ويبغونها عوجا} [إبراهيم: 3] ذكرنا تفسيره، {أولئك في ضلال بعيد} ~~[إبراهيم: 3] قال الكلبي: في خطأ بعيد عن الحق. # قوله: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} [إبراهيم: 4] بلغتهم ليفهموا ~~عنه ويعقلوا، وهو قوله: {ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء} ~~[إبراهيم: 4] قال ابن عباس: جعل المشيئة إليه وحده لا شريك له. # قوله: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} [إبراهيم: 5] أي: بالبراهين التي دلت ~~على صحة نبوته مثل العصا واليد وغيرهما، {أن أخرج قومك من الظلمات إلى ~~النور وذكرهم بأيام الله} [إبراهيم: 5] الأيام يعبر بها عن النعم والنقم، ~~لأنها كلها تقع فيها، قال ابن السكيت: العرب تقول: الأيام في معنى الوقائع ~~يقال: فلان عالم بأيام العرب أي: بوقائعها. # قال ابن عباس: يريد بنعم الله. # وهو قول مجاهد ms0932، وقتادة. # وأبي بن كعب رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية. ### | 496 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر، نا محمد بن الحسن بن أحمد السراج، نا محمد بن ~~عبد الله الحضري، نا عبد الحميد بن صالح، نا محمد بن أبان، عن أبي إسحاق، ~~عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن النبي، صلى الله عليه ~~وسلم، في قوله: {وذكرهم بأيام الله} [إبراهيم: 5] ، قال: أيامه: نعمه # وقال مقاتل: بوقائع الله في الأمم السالفة. # قال الزجاج: أي: ذكرهم بنعم الله عليهم، وبنقم أيام الله التي انتقم فيها ~~من قوم نوح وعاد وثمود. # والمعنى: عظهم بالترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، إن في ذلك التذكير، ~~لآيات لدلالات على قدرة الله تعالى، لكل صبار على طاعة الله وعن معاصيه، ~~شكور لأنعم الله، وما بعدها مفسر في { [البقرة إلى قوله:] وإذ تأذن ربكم} ~~[سورة إبراهيم: 7] وهذا عطف على قوله: {إذ أنجاكم} [إبراهيم: 6] كأنه قال: ~~اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم، وإذ تأذن ربكم، وهو إخبار عما قال # PageV03P023 # موسى لقومه، ومعنى تأذن: أعلم، قال الفراء: تأذن وآذن بمعنى واحد. # وذكرنا هذا في { [الأعراف. # وقوله] لئن شكرتم لأزيدنكم} [سورة إبراهيم: 7] أي: مما يجب الشكر عليه، ~~وهو النعمة، قال ابن عباس: لئن وحدتموني، وأطعتموني لأزيدنكم طاعتي التي ~~تقود إلى جنتي. # وقال قتادة في هذه الآية: حق على الله أن يعطي من سأله، ويزيد من شكره، ~~والله منعم بحب الشاكرين فاشكروا الله على نعمه. # ومعنى شكر النعمة: الاعتراف بحق المنعم، والاعتراف بحق الله تعالى هو ~~التوحيد والطاعة، ولئن كفرتم جحدتم حقي، وحق نعمتي، {إن عذابي لشديد} ~~[إبراهيم: 7] تهديد على كفران النعمة. # {وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني} [إبراهيم: ~~8] عن خلقه، لا يزيده طاعتكم ملكا، ولا ينقص كفركم ملكوت الله شيئا، حميد ~~في أفعاله، لأنه إما متفضل بفعله، أو عادل. # ثم أخبرهم، عن القرون الماضية، وعما قالت لهم الرسل، وما ردوا عليهم، ~~فقال: {ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح ms0933 وعاد وثمود والذين من بعدهم ~~لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا ~~إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب {9} قالت رسلهم ~~أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى ~~أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد ~~آباؤنا فأتونا بسلطان مبين {10} قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن ~~الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ~~وعلى الله فليتوكل المؤمنون {11} وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا ~~سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون {12} وقال ~~الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم ~~لنهلكن الظالمين {13} ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف ~~وعيد {14} واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد {15} من ورائه جهنم ويسقى من ماء ~~صديد {16} يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ~~ورائه عذاب غليظ {17} } [إبراهيم: 9-17] {ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم} ~~[إبراهيم: 9] إلى قوله: {والذين من بعدهم} [إبراهيم: 9] أي: من بعد هؤلاء ~~الذين ذكرهم، {لا يعلمهم إلا الله} [إبراهيم: 9] لا يحصي عددهم إلا الله، ~~قال ابن عباس: لا يعلمهم إلا الله لكثرتهم. # قال ابن الأنباري: إن الله تعالى أهلك أمما من العرب وغيرها، فانقطعت ~~أخبارهم، وعفت آثارهم: فليس يعرفهم أحد # PageV03P024 # إلا الله، {جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم} [إبراهيم: 9] ~~قال ابن مسعود: عضوا عليها غيظا. # والمعنى أنهم ثقل عليهم مكان الرسل، فعضوا على أصابعهم من شدة الغيظ، ~~وقال الكلبي: وضعوا الأيدي على الأفواه إشارة إلى الرسل أن اسكتوا. # {وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به} [إبراهيم: 9] أي: على زعمكم بالإرسال ~~لا أنهم أقروا أنهم أرسلوا. # قالت لهم، {رسلهم أفي الله شك} [إبراهيم: 10] وهذا استفهام إنكار، أي: لا ~~شك في الله، والمعنى: في توحيد الله، ثم ذكر ما يدل على وحدانيته، فقال: ~~{فاطر ms0934 السموات والأرض يدعوكم} [إبراهيم: 10] بالرسل والكتب، {ليغفر لكم من ~~ذنوبكم} [إبراهيم: 10] قال أبو عبيدة: من زائدة. # {ويؤخركم إلى أجل مسمى} [إبراهيم: 10] لا يعالجكم بالعذاب، بل يؤخركم ~~ويمتعكم في الدنيا إلى الأجل المسمى لكم، وهو الموت، قالوا للرسل، {إن أنتم ~~إلا بشر مثلنا} [إبراهيم: 10] ما أنتم إلا مخلوقون مثلنا، ليس لكم علينا ~~فضل، {تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا} [إبراهيم: 10] على ما ~~تقولون، بسلطان مبين بحجة ظاهرة. # {قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم} [إبراهيم: 11] اعترفوا لهم بأنهم ~~آدميون مخلوقون مثلهم، {ولكن الله يمن على من يشاء من عباده} [إبراهيم: 11] ~~يعنون بالنبوة والرسالة، {وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله} ~~[إبراهيم: 11] ليس لنا أن نأتيكم ببرهان وحجة ومعجزة إلا أن يشاء الله ذلك، ~~أي: ليس لنا ذلك من قبل أنفسنا، {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [إبراهيم: ~~11] وإليه فليفوض المؤمنون أمورهم. # {وما لنا ألا نتوكل على الله} [إبراهيم: 12] أي: أي شيء لنا إذا لم نتوكل ~~على الله ولم نفوض إليه أمورنا، يعني أن العبد، وإن لم يتوكل، لم يدرك ~~بجهده شيئا لم يقضه الله، {وقد هدانا سبلنا} [إبراهيم: 12] عرفنا طرق ~~التوكل، {ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون} [إبراهيم: ~~12] وإنما قص هذا وأمثاله في القرآن على نبينا صلى الله عليه وسلم ليقتدي ~~بمن قبله من النبيين، ويعلم أنهم أوذوا في سبيل الله، فصبروا وتوكلوا. # أخبرنا محمد بن محمد بن عبد الله بن زكريا الجوزقي، أنا بشر بن أحمد بن ~~بشر، نا داود، نا ابن الحسن، نا عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي، نا عاصم ~~بن عبد الله، نا إسماعيل بن جميع، عن نعيم بن حكيم، عن أبي مريم الثقفي، عن ~~أبي الدرداء، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " إذا أذاك البراغيث ~~فخذ قدحا من ماء، فاقرأ عليه: {وما لنا ألا نتوكل على الله} [إبراهيم: 12] ~~الآية، وتقول: فإن كنتم آمنتم بالله؛ فكفوا شركم وأذاكم عنا، ثم ترش الماء ~~حول فراشك، فإنك تبيت تلك الليلة آمنا من ms0935 شرها " # PageV03P025 # قوله: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا} [إبراهيم: 13] أي: ~~ولا نساكنكم على مخالفتكم ديننا، {أو لتعودن في ملتنا} [إبراهيم: 13] ذكرنا ~~معناه في قصة شعيب في { [الأعراف،] فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين} ~~[سورة إبراهيم: 13] يعني الذين كفروا بالرسل، {ولنسكننكم الأرض من بعدهم} ~~[إبراهيم: 14] لنعطينكم سكناها بعد هلاكهم، ذلك الإسكان، {لمن خاف مقامي} ~~[إبراهيم: 14] . # قال ابن عباس: خاف مقامه بين يدي. # وقال الكلبي: مقامه بين يدي رب العالمين. # وهذا من باب إضافة المصدر إلى المفعول، كما تقول: ندمت على ضربك، {وخاف ~~وعيد} [إبراهيم: 14] قال ابن عباس: خاف مما أوعدت من العذاب. # يعني أن العاقبة بالنصر تكون لمن خاف الله. # واستفتحوا يعني: الرسل، استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب لما يئسوا ~~من إيمانهم، {وخاب كل جبار} [إبراهيم: 15] متكبر عن طاعة الله، عنيد قال ~~قتادة: العنيد المعرض عن طاعة الله. # وقال مجاهد: هو المجانب للحق. # وقال الزجاج: الذي يعدل عن القصد، والمعنى: فاز الرسل بالنصرة، وخاب كل ~~من كفر. # {من ورائه جهنم} [إبراهيم: 16] قال ابن عباس، والمفسرون: يريد أمامه ~~جهنم، فهي بين يديه. # يعني: أنه يردها ويدخلها، ووراء، يكون لخلف وقدام، ومنه قوله: {وكان ~~وراءهم ملك} [الكهف: 79] أي: أمامهم. # {ويسقى من ماء صديد} [إبراهيم: 16] الصديد: ماء الجرح المختلط بالدم ~~والقيح. # قال المفسرون: يريد صديد القيح والدم الذي يخرج من فروج الزناة. ### | 498 - # أخبرنا أبو القاسم بن عبدان محمد بن عبدان، نا محمد بن عبد الله بن نعيم، ~~أنا الحسن بن حليم المروزي، أنا أبو الموجه، أنا عبدان، نا عبد الله بن ~~المبارك، أنا صفوان بن عمرو، عن عبيد الله بن بسر، عن أبي أمامة، # PageV03P026 # عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في قوله: {ويسقى من ماء صديد {16} يتجرعه} ~~[إبراهيم: 16-17] قال: يقرب إليه، فيتكرهه فإذا أدني منه هوى وجهه، ووقع ~~فروة رأسه، فإذا شرب؛ قطع أمعاءه، حتى يخرج من دبره، يقول الله، تعالى: ~~{وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم} [محمد: 15] ، ويقول الله، تعالى: {وإن ~~يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب} [الكهف: 29] . # قوله: {يتجرعه} [إبراهيم ms0936: 17] التجرع: تناول الشراب جرعة جرعة # قال ابن عباس: يريد بالكره. # {ولا يكاد يسيغه} [إبراهيم: 17] يقال: ساغ الشراب في الحلق سوغا وأساغه ~~الله، قال المفسرون: يتحساه ويشربه بالجرع، لا بمرة واحدة، لمرارته، ولا ~~يسيغه إلا بعد إبطاء، لكراهته للذلك الشراب. # وقوله: {ويأتيه الموت} [إبراهيم: 17] أي: هم الموت، وألمه، وكربه، {من كل ~~مكان} [إبراهيم: 17] قال ابن عباس: من كل شعرة في جسده. # وقال الثوري: من كل عرق في جسده. # {وما هو بميت} [إبراهيم: 17] موتا تنقطع معه الحياة، ومن ورائه ومن بعد ~~هذا العذاب، وقال الكلبي: ومن بعد هذا الصديد. # {عذاب غليظ} [إبراهيم: 17] متصل الآلام، وقال إبراهيم التيمي: يعني ~~الخلود في النار. # {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا ~~يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد} [إبراهيم: 18] قوله: {مثل ~~الذين كفروا بربهم أعمالهم} [إبراهيم: 18] قال الفراء: تقدير الآية مثل ~~أعمال الذين كفروا بربهم، فحذف المضاف اعتمادا على ذكره بعد المضاف إليه. # وقوله: {كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف} [إبراهيم: 18] أراد عاصف ~~الريح، فحذف الريح لأنها ذكرت في أول الكلام، ويقال: عصفت الريح عصوفا إذا ~~اشتد هبوبها. # ومعنى الآية أن كل ما تقرب به الذين كفروا إلى الله، فمحبط غير منتفع به، ~~لأنهم أشركوا فيها غير الله، كالرماد الذي ذرته الريح وصار هباء لا ينتفع ~~به، وذلك قوله: {لا يقدرون مما كسبوا} [إبراهيم: 18] أي في الدنيا، على شيء # PageV03P027 # في الآخرة، قال ابن عباس: لا يجدون ثواب ما عملوا. # {ذلك هو الضلال البعيد} [إبراهيم: 18] يعني: ضلال أعمالهم وذهابها كذهاب ~~الرماد في عصوف الريح. # قوله: {ألم تر أن الله خلق السموات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق ~~جديد {19} وما ذلك على الله بعزيز {20} وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء ~~للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء ~~قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ~~{21} وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد ms0937 الحق ووعدتكم فأخلفتكم ~~وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا ~~أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن ~~الظالمين لهم عذاب أليم {22} وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري ~~من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام {23} } [إبراهيم: ~~19-23] {ألم تر أن الله خلق السموات والأرض} [إبراهيم: 19] معنى ألم تر ~~ههنا التنبيه على خلق السموات والأرض، وقرأ حمزة والكسائي خالق السموات على ~~فاعل، كقوله: {فاطر السموات والأرض} [إبراهيم: 10] ومعنى قوله: بالحق ~~كقوله: {ما خلق الله ذلك إلا بالحق} [يونس: 5] وقد تقدم، وقوله: {إن يشأ ~~يذهبكم ويأت بخلق جديد} [إبراهيم: 19] قال ابن عباس: يريد أميتكم يا معشر ~~الكفار، وأخلق قوما غيركم خيرا منكم وأطوع. # وهذا خطاب لأهل مكة {وما ذلك على الله بعزيز} [إبراهيم: 20] قال ابن ~~عباس: لا يعز على الله شيء يريده. # وقال الكلبي: ليس يعز على الله شيء أن يميتكم ويأتي بغيركم. # قوله: {وبرزوا لله جميعا} [إبراهيم: 21] خرجوا من قبورهم للبعث، قال ~~الزجاج: جمعهم الله في حشرهم فاجتمع التابع والمتبوع. # فقال الضعفاء وهم الأتباع، {للذين استكبروا} [إبراهيم: 21] والأكابر هم ~~الذين استكبروا عن عبادة الله، إنا كنا في الدنيا، لكم تبعا جمع تابع، مثل ~~خادم وخدم، {فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله} [إبراهيم: 21] فهل أنتم ~~دافعون عنا من عذاب الله؟ {قالوا لو هدانا الله لهديناكم} [إبراهيم: 21] لو ~~أرشدنا الله لأرشدناكم، يريدون أنهم إنما دعوهم إلى الضلال لأن الله تعالى ~~أضلهم ولم يهدهم، فدعوا أتباعهم إلى ما كانوا عليه من الضلال، ولو هداهم ~~الله لدعوهم إلى الهدى. # {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا} [إبراهيم: 21] قال زيد بن أسلم: جزعوا مائة ~~سنة، وصبروا مائة سنة، فلم ينفعهم أحدهم، فقالوا هذا. # وقوله: {ما لنا من محيص} [إبراهيم: 21] أي: معدل عن العذاب. # قوله: {وقال الشيطان لما قضي الأمر} [إبراهيم: 22] أي: فرغ منه، وقضى ~~الله بين العباد، قال المفسرون: إذا استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار ~~في # PageV03P028 # النار، اجتمع أهل ms0938 النار على إبليس، فيقوم فيما بينهم خطيبا، ويقول: {إن ~~الله وعدكم وعد الحق} [إبراهيم: 22] أي: كون هذا اليوم، فصدقكم وعده، ~~ووعدتكم أنه لا جنة ولا نار، ولا بعث ولا حساب، فأخلفتكم الوعد، {وما كان ~~لي عليكم من سلطان} [إبراهيم: 22] ما أظهرت لكم حجة أحتج بها عليكم، {إلا ~~أن دعوتكم} [إبراهيم: 22] هذا من الاستثناء المنقطع، أي: لكن دعوتكم ~~{فاستجبتم لي} [إبراهيم: 22] فصدقتموني وقبلتم مقالتي، {فلا تلوموني ولوموا ~~أنفسكم} [إبراهيم: 22] حيث أجبتموني وصدقتموني من غير برهان، {ما أنا ~~بمصرخكم} [إبراهيم: 22] بمغيثكم، {وما أنتم بمصرخي} [إبراهيم: 22] بمغيثين ~~لي، أي: لا أنجيكم مما أنتم فيه، ولا تنجوني مما أنا فيه، قال الحسن: إذا ~~كان يوم القيامة، قام إبليس خطيبا على منبر من نار، فقال: {إن الله وعدكم ~~وعد الحق} [إبراهيم: 22] الآية. # والقراءة الصحيحة فتح الياء في مصرخي، وهو الأصل، لأن ياء الإضافة إذا ~~كان قبلها ساكن، حركت إلى الفتح لا غير، نحو هداي وعصاي، وقرأ حمزة بكسر ~~الياء، قال الزجاج: هذه القراءة عند جميع النحويين رديئة مرذولة، لا وجه ~~لها إلا وجه ضعيف، وهو ما أجازه الفراء من الكسر على أصل التقاء الساكنين، ~~وأنشد: # قلت لها هل لك يا تا في # قالت لنا ما أنت بالمرضي # وزعم قطرب أن هذه لغة في بني يربوع، يزيدون على ياء الإضافة ياء، نحو هل ~~لك يا تافي؟ وكان الأصل مصرخي، ثم حذفت الياء الزائدة، وأقرت الكسرة على ما ~~كانت عليه، وقوله: {إني كفرت بما أشركتمون من قبل} [إبراهيم: 22] أي: كفرت ~~بإشراككم إياي مع الله في الطاعة، والمعنى: جحدت أن أكون شريكا لله فيما ~~أشركتموني، إن الظالمين يريد المشركين، {لهم عذاب أليم} [إبراهيم: 22] ، ~~وقوله: {تحيتهم فيها سلام} [إبراهيم: 23] ذكرنا تفسيره في { [يونس. # قوله:] ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها ~~في السماء {24} تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس ~~لعلهم يتذكرون {25} ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها ~~من قرار {26} يثبت الله الذين آمنوا بالقول ms0939 الثابت في الحياة الدنيا وفي ~~الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء {27} } [سورة إبراهيم: ~~24-27] {ألم تر كيف ضرب الله مثلا} [إبراهيم: 24] بين الله شبها، ثم فسر ~~ذلك المثل، فقال: كلمة طيبة قال ابن عباس: يريد لا إله إلا الله، وهو قول ~~الجميع. # {كشجرة طيبة} [إبراهيم: 24] قالوا: يريد النخلة. # والمعنى: كشجرة طيبة الثمرة. # أصلها أي: # PageV03P029 # أصل هذه الشجرة، ثابت في الثرى، وفرعها أعلاها عال، {في السماء {24} ~~تؤتي} [إبراهيم: 24-25] تعطي هذه الشجرة، أكلها ثمرها وما يؤكل منها، كل ~~حين قال ابن عباس: يريد ستة أشهر. # وهو قول سعيد بن جبير، وقتادة، والحسن، قالوا: ما بين صرامها إلى حملها ~~ستة أشهر. # وقال مجاهد، وابن زيد، وعكرمة: كل سنة. # شبه الله تعالى الإيمان بالنخلة، لثبات الإيمان في قلب المؤمن، كثبات ~~النخلة في منبتها، وشبه ارتفاع عمله إلى السماء بارتفاع فروع النخلة، وشبه ~~ما اكتسبه المؤمن من بركة الإيمان وثوابه في كل وقت وزمان، بما ينال من ثمر ~~النخلة في أوقات السنة كلها من الرطب والتمر، {ويضرب الله الأمثال للناس} ~~[إبراهيم: 25] قال ابن عباس: يريد أهل مكة. # {لعلهم يتذكرون} [إبراهيم: 25] لكي يتعظوا. # {ومثل كلمة خبيثة} [إبراهيم: 26] يعني الشرك بالله، {كشجرة خبيثة} ~~[إبراهيم: 26] قال ابن عباس: يريد الثوم. # وقال الضحاك عنه: هي الكشوث. # وقال أنس بن مالك: هي الحنظل. # فكما أنها أخبث الأشجار، فكذلك الشرك أخبث الكلمات، اجتثت انتزعت ~~واقتلعت، {من فوق الأرض} [إبراهيم: 26] قال ابن عباس: يريد ليس لها أصل ~~تام، فهي فوق الأرض، لم تضرب فيها بعرق. # وهو قوله: {ما لها من قرار} [إبراهيم: 26] من أصل في الأرض، وكما أنها ~~أخبث الأشجار، كذلك الشرك بالله أخبث الكلمات، ليس لها حجة ولا ثبات ولا ~~شيء. # قوله {يثبت الله الذين آمنوا} [إبراهيم: 27] الذين صدقوا محمدا، {بالقول ~~الثابت} [إبراهيم: 27] وهو لا إله إلا الله، {في الحياة الدنيا} [إبراهيم: ~~27] يثبتهم بها على الحق، {وفي الآخرة} [إبراهيم: 27] يعني في القبر، قال ~~المفسرون: هذه الآية وردت في فتنة القبر، وسؤال الملكين، وتلقين الله ~~المؤمن كلمة الحق في القبر عند ms0940 السؤال، وتثبيته إياه بها على الحق. ### | 499 - # أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن محمد البغدادي، نا محمد بن يعقوب، نا ~~يحيى بن أبي طالب، نا وهب بن جرير، نا شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء بن ~~عازب، قال: ذكر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المؤمن والكافر، فقال: إن ~~المؤمن إذا سئل في قبره؛ قال: ربي الله، فذلك قوله {يثبت الله الذين آمنوا ~~بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم: 27] . ### | 500 - # أخبرنا محمد بن موسى بن شاذان، أنا محمد بن عبد الله الصفار، نا عبد الله ~~بن أحمد بن حنبل، حدثني # PageV03P030 # أبي، أنا أبو عامر، نا عباد بن راشد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، ~~عن أبي سعيد الخدري، قال: شهدنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جنازة، ~~فقال: " أيها الناس، إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فإذا الإنسان دفن، ~~فتفرق عنه أصحابه، جاءه ملك في يده مطراق، فأقعده، فقال: ما تقول في هذا ~~الرجل فإن كان مؤمنا؛ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ~~ورسوله، فيقول له: صدقت، ثم يفتح له باب إلى النار فيقول: هذا كان منزلك لو ~~كفرت بربك، فأما إذ آمنت، فهذا منزلك، ويفتح له باب إلى الجنة، فيريد أن ~~ينهض إليه فيقال له: اسكن، ويفسح له في قبره، وإن كان كافرا، أو منافقا، ~~يقول له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا، ~~فقلت، فيقال: لا دريت ولا تليت ولا هديت، ثم يفتح له باب إلى الجنة، فيقال: ~~هذا لك لو آمنت، فأما إذ كفرت، فإن الله، عز وجل، أبدلك به هذا، ويفتح له ~~باب إلى النار، ثم يقمعه بالمطراق قمعة، يسمعها خلق الله كلهم غير الثقلين، ~~فقال بعض القوم: يا رسول الله، ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطرقة، إلا هيل ~~عند ذلك، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «يثبت الله الذين آمنوا ~~بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة» # وقوله: {ويضل ms0941 الله الظالمين} [إبراهيم: 27] يعني: لا يلقن الله المشركين ~~والكافرين حتى إذا سئلوا في قبورهم قالوا: لا ندري. # قال الفراء: يضلهم عن هذه الكلمة. # {ويفعل الله ما يشاء} [إبراهيم: 27] من تثبيت المؤمن وتلقينه الصواب، ~~وإضلال الكافر، قال الفراء: أي لا تكون له قدرة، ولا يسأل عما يفعل. # قوله: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ~~{28} جهنم يصلونها وبئس القرار {29} وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل ~~تمتعوا فإن مصيركم إلى النار {30} } [إبراهيم: 28-30] {ألم تر إلى الذين ~~بدلوا نعمت الله كفرا} [إبراهيم: 28] قال جماعة المفسرين: هم مشركو مكة ~~كفار قريش، أنعم الله عليهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكفروا به، ودعوا ~~قومهم إلى الكفر به، وذلك قوله: وأحلوا قومهم يعني الذين اتبعوهم، {دار ~~البوار} [إبراهيم: 28] أي الهلاك، يعني جهنم، ألا ترى أنه فسرها، فقال: ~~جهنم يصلونها يقاسون حرها، وبئس القرار بئس المقر هي. ### | 501 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن محمد الحافظ، ~~أنا عبد الرحمن بن محمد الرازي، نا سهل بن عثمان العسكري، نا أبو مالك ~~الجنبي، عن الحجاج، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن مرة، عن علي، رضي الله عنه، ~~أنه خطب الناس، فسأله رجل، عن الذين بدلوا نعمة الله كفرا؛ قال: هم ~~الأفجران من قريش، بنو المغيرة، وبنو أمية؛ فأما بنو المغيرة فأهلكهم الله ~~يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين # وقوله: {وجعلوا لله أندادا} [إبراهيم: 30] قال ابن عباس: # PageV03P031 # من الحجارة والخشب وغير ذلك، ليضلوا الناس عن دين الله، وقرأ ابن كثير، ~~وأبو عمرو بفتح الياء، والمعنى أنهم لم ينتفعوا بما اتخذوا من الأنداد، ولم ~~يتخذوها إلا ليزيغوا عن الطريق المستقيم، وهذه لام العاقبة، ثم أوعدهم، ~~فقال: {قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار} [إبراهيم: 30] قال ابن عباس في هذه ~~الآية: لو صار الكافر مريضا سقيما لا ينام ليلا ولا نهارا، جائعا لا يجد ما ~~يأكل ويشرب، لكان هذا كله نعيما يتمتع به القياس إلى ما يصير إليه من شدة ms0942 ~~العذاب، ولو كان المؤمن في الدنيا في أنعم عيشه، لكان بؤسا عندما يصير إليه ~~من نعيم الآخرة. # قوله: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا ~~وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال} [إبراهيم: 31] {قل لعبادي ~~الذين آمنوا يقيموا الصلاة} [إبراهيم: 31] معناه: قل لهم أقيموا الصلاة، ~~فصرف عن لفظ الأمر إلى لفظ الخبر، وجعل كالجواب للأمر، وهذه الآية أمر ~~للمؤمنين بعبادة الله من الصلاة والإنفاق في وجوه البر قبل يوم القيامة، ~~وهو قوله: {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال} [إبراهيم: 31] قال أبو ~~عبيدة: البيع ههنا الفداء، والخلال: المخالة. # قال مقاتل: ذلك يوم لا بيع فيه ولا شراء ولا مخالة ولا قرابة، إنما هي ~~أعمال، يثاب بها قوم، ويعاقب عليها آخرون. # والخلال: فعال من المخالة، وهو مصدر الخليل، هذا قول جميع أهل اللغة. # وقال أبو علي الفارسي: ويجوز أن يكون جمع خلة، مثل برمة وبرام، وعلبة ~~وعلاب. # وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: {الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من ~~السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر ~~بأمره وسخر لكم الأنهار {32} وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل ~~والنهار {33} وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن ~~الإنسان لظلوم كفار {34} } [إبراهيم: 32-34] {وسخر لكم الأنهار} [إبراهيم: ~~32] أي: ذللها لكم بالركوب والإجراء إلى حيث تريدون. # {وسخر لكم الشمس والقمر} [إبراهيم: 33] لتنتفعوا بهما، وتستضيئوا ~~بضوئهما، {دائبين} [إبراهيم: 33] في إصلاح ما يصلحانه من النبات وغيره، لا ~~يفتران، ومعنى الدءوب مرور الشيء في العمل على عادة جارية فيه، {وسخر لكم ~~الليل} [إبراهيم: 33] لتسكنوا فيه، راحة لأبدانكم، والنهار لتبتغوا فيه من ~~فضله. # {وآتاكم من كل ما سألتموه} [إبراهيم: 34] مفعول الإيتاء محذزف بتقدير من ~~كل ما سألتموه مسئولا أو شيئا، ويجوز أن يكون من زيادة، والمعنى: وآتاكم كل ~~ما سألتموه، وقال ابن الأنباري: تقدير الآية وأتاكم من كل ما سألتموه وما ~~لم تسألوه، لأنا لم نسأله ms0943 شمسا ولا قمرا، ولا كثير من نعمة التي ابتدأنا ~~بها. # وكان قتادة يقرأ {من كل ما سألتموه} [إبراهيم: 34] قال: لم تسألوه كل ~~الذي آتاكم. # {وإن تعدوا نعمت الله} [إبراهيم: 34] أي: إنعامه، والنعمة ههنا # PageV03P032 # اسم أقيم مقام المصدر، ولذلك لم يجمع، لا تحصوها أي: لا تأتوا على جميعها ~~بالعدد لكثرتها، قال الكلبي: لا تحفظوها. # وقال أبو العالية: لا تطيقون عدها. # إن الإنسان قال ابن عباس: يريد أبا جهل. # لظلوم لنفسه، كفار بنعمة ربه، قال الزجاج: الإنسان اسم الجنس، يقصد به ~~الكافر خاصة. # كما قال: {إن الإنسان لفي خسر} [العصر: 2] ومعنى ظلوم: شاكر غير من أنعم ~~عليه، كفار جحود لنعم الله. # قوله: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد ~~الأصنام {35} رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني ~~فإنك غفور رحيم {36} ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك ~~المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من ~~الثمرات لعلهم يشكرون {37} ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على ~~الله من شيء في الأرض ولا في السماء {38} الحمد لله الذي وهب لي على الكبر ~~إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء {39} رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ~~ربنا وتقبل دعاء {40} ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب {41} ~~ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ~~{42} } [إبراهيم: 35-42] {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا} ~~[إبراهيم: 35] سبق تفسيره في { [البقرة، وقوله:] واجنبني وبني أن نعبد ~~الأصنام} [سورة إبراهيم: 35] يقال: جنبته كذا، وأجنبته وجنبته، أي: باعدته ~~عنه، وجعلته ناحية منه، والمعنى: ثبتني على اجتناب عبادتها، لأنه غير عابد ~~لها، وهذه الدعوة مخصوصة بأبنائه من صلبه، فقد كان من نسله من عبد الصنم، ~~وكان إبراهيم التيمي يقص ويقول: من يأمن البلاء بعد إبراهيم خليل الرحمن؟ ~~يقرأ هذه الآية {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} [إبراهيم: 36] أي: ضلوا ~~بسببها، لأن الأصنام لا تفعل شيئا ms0944، ولكن لما ضلوا بسببها صارت كأنها ~~أضلتهم، فمن تبعني على ديني بالتوحيد، فإنه مني أي من المتدينين بديني، ~~{ومن عصاني فإنك غفور رحيم} [إبراهيم: 36] قال السدي: معناه من عصاني ثم ~~تاب فإنك غفور رحيم. # وقال مقاتل: ومن عصاني فيما دون الشرك فإنك غفور رحيم، قال ابن الأنباري: ~~ويحتمل أن هذا كان قبل أن يعلمه الله أنه لا يغفر الشرك كما استغفر لأبيه. # قوله: {ربنا إني أسكنت من ذريتي} [إبراهيم: 37] قال ابن الأنباري: من ~~دخلت للتوكيد، والمعنى: أسكنت ذريتي. # وعند الفراء: دخلت من التبعيض. # أي: أسكنت بعض ذريتي، وذلك أنه أنزل إسماعيل وأمه بمكة، وإسماعيل بعض ~~ذرية إبراهيم، يدل على هذا قول ابن عباس في هذه الآية يريد إسماعيل، {بواد ~~غير ذي زرع} [إبراهيم: 37] قال: يريد واد من مكة، ومكة كلها واد. # PageV03P033 # أخبرنا أبو حسان محمد بن أحمد بن جعفر، أنا هارون بن محمد بن هارون، أنا ~~إسحاق بن أحمد الخزاعي، أنا أبو الوليد الأزرقي، حدثني جدي، نا سعيد بن ~~سالم القداح، عن عثمان بن ساج، أخبرني محمد بن إسحاق، أنا ابن أبي نجيح، عن ~~مجاهد، أن إبراهيم خرج من الشام، وخرج معه ابنه إسماعيل وأمه هاجر، ~~وإسماعيل طفل يرضع، وحملوا على البراق ومعه جبريل حتى قدم مكة، وكانت هي إذ ~~ذاك عضاه من سلم وسمر، وبها ناس يقال لهم العماليق، خارجا من مكة، والبيت ~~يومئذ ربوة حمراء مدرة، فقال إبراهيم لجبريل عليهما السلام: أههنا أمرت أن ~~أضعهما؟ قال: نعم. # فعمد بهما إلى موضع الحجر، فأنزلهما فيه، وأمر هاجر أم إسماعيل أن تتخذ ~~فيه عريشا، ثم قال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك ~~المحرم} [إبراهيم: 37] الآية. # والمعنى: عند بيتك المحرم الذي يحدث في هذا الوادي، لأن إسكان الخليل ~~إسماعيل مكة كان قبل بنائهما البيت، {ربنا ليقيموا الصلاة} [إبراهيم: 37] ~~قال ابن عباس: ليعبدوك. # {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} [إبراهيم: 37] تريدهم وتسرع إليهم، ~~قال عطاء: تحن إليهم. # وقال قتادة: تنزع إليهم. # وقال مجاهد: لو قال أفئدة الناس ms0945، لازدحمت عليه فارس والروم والترك ~~والهند. # وقال سعيد بن جبير: لو قال أفئدة الناس، لحجت اليهود والنصارى والمجوس، ~~ولكنه قال: أفئدة من الناس. # فهم المسلمون. # قال عكرمة: هو أنهم يحجون إلى مكة. # {وارزقهم من الثمرات} [إبراهيم: 37] هذا كقوله في { [البقرة:] وارزق أهله ~~من الثمرات} [سورة البقرة: 126] . # {لعلهم يشكرون} [إبراهيم: 37] قال ابن عباس: كي يوحدوك ويعظموك. # قوله: {الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق} [إبراهيم: 39] ~~قال ابن عباس: ولد إسماعيل لإبراهيم، وهو ابن تسع وتسعين سنة، وولد إسحاق، ~~وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة. # {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي} [إبراهيم: 40] قال الزجاج: أي اجعل من ~~ذريتي من يقيم الصلاة. # {ربنا وتقبل دعاء} [إبراهيم: 40] قال ابن عباس: يريد عبادتي. # {ربنا اغفر لي ولوالدي} [إبراهيم: 41] قال ابن الأنباري: استغفر # PageV03P034 # لأبويه وهما حيان طمعا في أن يهديا إلى الإسلام، ويسعدا بالدين. # وقيل: أراد بوالديه آدم وحواء. # {وللمؤمنين} [إبراهيم: 41] قال ابن عباس: يريد من لقيك مؤمنا مصدقا ~~فتجاوز عنه. # {يوم يقوم الحساب} [إبراهيم: 41] يظهر الجزاء على الأعمال. # قوله: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون} [إبراهيم: 42] . ### | 502 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن حمدان، أنا أبو علي الحسين بن حبش ~~الدينوري، أخبرنا عبد الله بن وهب الدينوري، أنا محمد بن آدم المصيصي، نا ~~أبو المليح الرقي، حدثنا ميمون بن مهران، عن ابن عباس في قول الله، عز وجل: ~~{ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون} [إبراهيم: 42] ، قال: وعيد ~~للظالم، وتعزية للمظلوم، وقوله: {إنما يؤخرهم} [إبراهيم: 42] أي: يؤخر ~~جزاءهم ولا يأخذهم بظلمهم، {ليوم تشخص فيه الأبصار} [إبراهيم: 42] قال ابن ~~عباس: يريد: يوم القيامة، تشخص فيه أبصار الخلائق إلى الهواء؛ لعجائب ما ~~يرون، ولشدة الحيرة والدهشة لا يغمضون # {مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء} [إبراهيم: 43] ~~مهطعين قال سعيد بن جبير، والحسن، وقتادة: مسرعين. # وقال الضحاك، والكلبي، والعوفي، عن ابن عباس: مديمي النظر من غير أن ~~يطرفوا. # ومعنى الإهطاع: الإسراع مع إدامة النظر، وقوله: {مقنعي رءوسهم} [إبراهيم: ~~43] يقال: أقنع رأسه إذا رفعه. # قال ms0946 المفسرون: رافعي رءوسهم. # قال الحسن: وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء، لا ينظر أحد إلى أحد. # {لا يرتد إليهم طرفهم} [إبراهيم: 43] لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة ~~النظر، فهي شاخصة، وقوله: {وأفئدتهم هواء} [إبراهيم: 43] قال عطاء، عن ابن ~~عباس: يريد خرجت القلوب من مواضعها، فصارت في الحناجر. # وقال قتادة: انتزعت حتى صارت في حناجرهم. # فعلى هذا أريد بالأفئدة مواضع القلوب، وأنها خلت عن القلوب فصارت هواء، ~~وقال آخرون: معنى الآية أن قلوبهم خلت عن العقول لما رأوا من الفزع، فهي ~~خالية عن العقل للدهشة والحيرة، ثم عاد إلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، ~~وأمره بالإنذار. # {وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل ~~قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال {44} ~~وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم ~~الأمثال {45} } [إبراهيم: 44-45] فقال: {وأنذر الناس} [إبراهيم: 44] قال ~~ابن عباس: يعني أهل مكة، {يوم يأتيهم العذاب} [إبراهيم: 44] يعني يوم ~~القيامة، {فيقول الذين ظلموا} [إبراهيم: 44] أشركوا بالله، {ربنا أخرنا إلى ~~أجل قريب} [إبراهيم: 44] استمهلوه مدة يسيرة لكي يجيبوا الدعوة، ويتبعوا ~~الرسل، وهو قوله: {نجب دعوتك ونتبع # PageV03P035 # الرسل} [إبراهيم: 44] فيقال لهم: {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من ~~زوال} [إبراهيم: 44] حلفتم في الدنيا أنكم لا تبعثون ولا تنتقلون من الدنيا ~~إلى الآخرة. # {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} [إبراهيم: 45] يعني الأمم الكافرة ~~قبلهم، ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية يقول: كان ينبغي أن يرتجعوا ويرتدعوا ~~عن الكفر، اعتبارا بمساكنهم بعد ما تبين {لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم ~~الأمثال} [إبراهيم: 45] قال ابن عباس: يريد الأمثال التي في القرآن. # {وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال {46} ~~فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام {47} يوم تبدل الأرض ~~غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار {48} وترى المجرمين يومئذ ~~مقرنين في الأصفاد {49} سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار {50} ليجزي ~~الله كل نفس ما كسبت ms0947 إن الله سريع الحساب {51} } [إبراهيم: 46-51] قوله: ~~{وقد مكروا مكرهم} [إبراهيم: 46] يعني مكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم حين ~~هموا بقتله ونفيه، {وعند الله مكرهم} [إبراهيم: 46] أي: جزاء مكرهم، {وإن ~~كان مكرهم} [إبراهيم: 46] وما كان مكرهم، {لتزول منه الجبال} [إبراهيم: 46] ~~يعني: أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وما أتى به من دين الإسلام، وضرب ~~الجبال مثلا له على معنى أن ثبوته كثبوت الجبال، قال الحسن: إن كان مكرهم ~~لأوهن وأضعف من أن تزول منه الجبال. # وقرأ الكسائي لتزول بفتح اللام الأولى وضم الثانية، وإن على هذه القراءة ~~لا يكون نفيا، بل يكون بمعنى قد، والمعنى: قد كادت الجبال تزول من مكرهم، ~~وهذه مبالغة في وصف مكرهم بالعظم على مذهب العرب في المبالغة، قال الزجاج: ~~وإن كان مكرهم يبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال، فإن الله تعالى ينصر دينه. # يدل على هذا قوله: {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله} [إبراهيم: 47] قال ~~ابن عباس: يريد النصر والفتح وإظهار الدين، {إن الله عزيز} [إبراهيم: 47] ~~منيع، {ذو انتقام} [إبراهيم: 47] من الكافرين، وهو أن يجازيهم بالعقوبة على ~~كفرهم. # قوله: {يوم تبدل الأرض غير الأرض} [إبراهيم: 48] قال ابن عباس رضي الله ~~عنهما: الأرض هي تلك الأرض، وإنما تبدل آكامها، وجبالها، وأشجارها. # ونحو هذا روى أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " يبدل الله ~~الأرض غير الأرض، فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظي {لا ترى فيها عوجا ولا ~~أمتا} [طه: 107] ". # وأما تبديل السموات فقال ابن الأنباري: باختلاف هيئتها كما ذكر الله # PageV03P036 # أنها تكون مرة كالمهل، ومرة كالدهان. # قال ابن مسعود: تبدل بأرض كالفضة بيضاء نقية لم يسفك فيها دم، ولم يعمل ~~عليها خطيئة. # وهذا قول الكلبي، وعطاء، عن ابن عباس، وأكثر المفسرين. # {وبرزوا لله الواحد القهار} [إبراهيم: 48] كقوله: {وبرزوا لله جميعا} ~~[إبراهيم: 21] . # وترى المجرمين قال ابن عباس: يريد الذين أجرموا، زعموا أن لله ولدا ~~وشريكا. # {يومئذ} [إبراهيم: 49] يوم القيامة، مقرنين يقال: قرنت الشيء بالشيء إذا ~~وصلته به، وجاء ههنا على التشديد، لكثرة أولئك القوم، قوله: في الأصفاد ms0948 جمع ~~الصفد، وهو القيد، قال عطاء: يريد سلاسل الحديد والأغلال. # وقال الكلبي: كل كافر مع شيطان في غل. # وقال ابن زيد: قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال. # سرابيلهم جمع سربال، وهو القميص، وقال الزجاج: هو كل ما لبس من قطران، ~~وهو هناء الإبل، وهو شيء يتحلب من شجر، وجعلت سرابيلهم من قطران، لأنه أبلغ ~~في اشتعال النار في جلودهم، {وتغشى وجوههم النار} [إبراهيم: 50] أي تعلوها. # {ليجزي الله كل نفس ما كسبت} [إبراهيم: 51] ليقع لهم الجزاء من الله بما ~~كسبوا، يعني الكفار. # هذا يعني القرآن {بلاغ للناس} [إبراهيم: 52] أي أنزل، ليبلغوا، {ولينذروا ~~به} [إبراهيم: 52] قال ابن عباس: ولتنذر قومك يا محمد، {وليعلموا أنما هو ~~إله واحد} [إبراهيم: 52] أي: بما فيه من الحجج التي تدل على وحدانيته، ~~{وليذكر أولو الألباب} [إبراهيم: 52] وليتعظ أهل العقول والبصائر. # PageV03P037 ### | سورة الحجر # مكية وآياتها تسع وتسعون. ### | 503 - # أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الزعفراني، نا أبو عمرو محمد بن الحيري، ~~نا إبراهيم بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، ~~عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم: «من قرأ الحجر، أعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد ~~المهاجرين والأنصار والمستهزئين» . # {الر تلك آيات الكتاب وقرءان مبين {1} ربما يود الذين كفروا لو كانوا ~~مسلمين {2} ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون {3} وما أهلكنا ~~من قرية إلا ولها كتاب معلوم {4} ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون {5} } ~~[الحجر: 1-5] بسم الله الرحمن الرحيم الر قال أبو الضحى، عن ابن عباس: أنا ~~الله أرى. # وقال عكرمة عنه: الر، وحم، وق حروف الرحمن مقطعة. # تلك هذه، {آيات الكتاب} [الحجر: 1] يعني القرآن، ثم ذكره، فقال: وقرءان ~~مبين فجمع بين الوصفين لموصوف واحد، قوله: {ربما يود الذين كفروا} [الحجر: ~~2] وقرئ بالتخفيف لما فيه من التضعيف، والحروف المضاعفة قد تخفف نحو: إن ~~وأن ولكن، وقد خفف كل واحد من هذه الحروف، قال الزجاج: العرب تقول: رب رجل ms0949 ~~جاءني. # ويخففون فيقولون: رب رجل. # قال المفسرون: نزلت الآية في تمني الكفار الإسلام عند خروج من يخرج من ~~النار من أهل الإسلام. # وهذا تفسير النبي صلى الله عليه وسلم فيما: ### | 504 - # أخبرنا أبو إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنا # PageV03P038 # محمد بن جعفر بن مطر، نا محمود بن محمد الواسطي، نا أبو الشعثاء، نا خالد ~~بن نافع، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي، ~~صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا اجتمع أهل النار في النار، ومعهم من شاء ~~الله من أهل القبلة؛ قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا: بلى، ~~قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار، قالوا: كانت لنا ~~ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ما قالوا، فأمر الله من كان في النار من أهل ~~القبلة فأخرجوا، فلما رأى ذلك الكفار؛ قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج من ~~النار كما أخرجوا، قال: ثم قرأ رسول الله، صلى الله عليه وسلم: {الر تلك ~~آيات الكتاب وقرءان مبين {1} ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين {2} } ~~[الحجر: 1-2] . ### | 505 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، نا أبو الشيخ الحافظ، نا أبو يحيى الرازي، نا ~~سهل بن عثمان العسكري، نا عبيدة، عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن ~~عباس، قال: ما يزال الله يشفع ويدخل الجنة، ويرحم، حتى يقول: من كان من ~~المسلمين فليدخل الجنة، فذلك حين يقول: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا ~~مسلمين} [الحجر: 2] . # قوله: {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا} [الحجر: 3] يقول: دع الكفار يأخذوا حظوظهم ~~من دنياهم فتلك خلاقهم. # وهذا كقوله: {فذرهم يخوضوا ويلعبوا} [الزخرف: 83] ، {ويلههم الأمل} ~~[الحجر: 3] يشغلهم ما يأملون في دنياهم عن الأخذ بحظهم من الإيمان والطاعة، ~~يقال: ألهاه الشيء أي شغله وأنساه. # فسوف يعلمون وعيد وتهديد، أي: فسوف يعلمون إذا وردوا القيامة وبال ما ~~صنعوا. # {وما أهلكنا من قرية} [الحجر: 4] قال ابن عباس: يريد من أهل القرية. # {إلا ولها كتاب معلوم} [الحجر: 4] أجل ينتهون إليه، يعني أن لأهل كل قرية ~~أجلا مؤقتا لا يهلكهم حتى ms0950 يبلغوه، {ما تسبق من أمة} [الحجر: 5] من زائدة، ~~كقولك: ما جاءني من. # أجلها ما ضرب لها من الوقت، وما يستأخرون لا يتأخرون عنه، وهذا كقوله: ~~{لكل أمة أجل} [يونس: 49] . # قوله: {وقالوا يأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون {6} لو ما تأتينا ~~بالملائكة إن كنت من الصادقين {7} ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا ~~إذا منظرين {8} إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون {9} ولقد # PageV03P039 # أرسلنا من قبلك في شيع الأولين {10} وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به ~~يستهزئون {11} كذلك نسلكه في قلوب المجرمين {12} لا يؤمنون به وقد خلت سنة ~~الأولين {13} ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون {14} لقالوا ~~إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون {15} } [الحجر: 6-15] {وقالوا يأيها ~~الذي نزل عليه الذكر} [الحجر: 6] أي القرآن، قال عطاء، عن ابن عباس: هذا ~~استهزاء منهم، لو أيقنوا أنه أنزل عليه الذكر ما قالوا: إنك لمجنون. # {لو ما تأتينا بالملائكة} [الحجر: 7] قال الفراء: لولا ولوما لغتان، ~~معناهما هلا. # قال ابن عباس: أفلا جئتنا بالملائكة حتى نصدقك؟ قال الله تعالى جوابا ~~لهم: {ما ننزل الملائكة إلا بالحق} [الحجر: 8] أي: إذا نزل الملائكة وجب ~~العذاب من غير تأخير ولا إنظار. # قال ابن عباس: إذا نزلت الملائكة، لم ينظروا، ولم يمهلوا. # وهو قوله: {وما كانوا إذا منظرين} [الحجر: 8] . # قوله: إنا نحن هذا من كلام الملوك، الواحد منهم إذا فعل شيئا قال: نحن ~~فعلنا. # يريد نفسه وأتباعه، ثم صار هذا عادة الملك في خطابه، وإن انفرد بفعل ~~الشيء قال: نحن فعلنا. # فخوطبت العرب بما يعقل من كلامها، وقوله: {نحن نزلنا الذكر} [الحجر: 9] ~~يعني القرآن، {وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] قال قتادة: لا يستطيع إبليس أن ~~يزيد فيه باطلا ولا ينقص منه حقا، حفظه الله من ذلك. # {ولقد أرسلنا من قبلك} [الحجر: 10] أي رسلا، فحذفت المفعول الدلالة ~~الإرسال عليه، {في شيع الأولين} [الحجر: 10] قال الحسن، والكلبي: في فرق ~~الأولين. # وقال عطاء، عن ابن عباس: في الأمم الأولين. # قال الفراء: الشيعة الأمة لمتابعة بعضهم بعضها فيما يجتمعون عليه من ms0951 أمر. # {وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون} [الحجر: 11] يعني كما استهزأ ~~به قومك، وهذا تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم، ودلالة أن كل واحد من الرسل ~~كان مبتلى بقومه. # {كذلك نسلكه} [الحجر: 12] قال الزجاج: كما فعل بالمجرمين الذين استهزءوا، ~~نسلك الضلال في قلوب المجرمين. # والسلك: إدخال الشيء في الشيء. # قال ابن عباس، والحسن: نسلك الشرك في قلوب المكذبين. # ثم أخبر عن هؤلاء المشركين أنهم لا يؤمنون، فقال: {لا يؤمنون به} [الحجر: ~~13] بالرسول وبالقرآن، {وقد خلت سنة الأولين} [الحجر: 13] مضت سنة الله ~~بإهلاك من كذب الرسول في القرون الماضية، وهذا تهديد لكفار مكة، ثم أخبر ~~أنهم إذا وردت عليهم الآية بالمعجزة قالوا سحر، فقال: {ولو فتحنا عليهم ~~بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون} [الحجر: 14] يقال: ظل كذا # PageV03P040 # إذا فعله بالنهار، والعروج الصعود. # يقال: عرج يعرج عروجا. # يقول: لو كشف لهؤلاء عن أبصارهم حتى يعاينوا بابا في السماء مفتوحا تصعد ~~فيه الملائكة لصرفوا ذلك إلى أنهم سحروا، وهو قوله: {لقالوا إنما سكرت ~~أبصارنا} [الحجر: 15] قال مجاهد: سدت بالسحر، فيخايل لأبصارنا غير ما نرى. # وأصله من السكر وهو سد الشق لئلا ينفجر الماء، فكأن الأبصار منعت من ~~النظر كما يمنع الماء من الجري، والتشديد لذكر الأبصار، {بل نحن قوم ~~مسحورون} [الحجر: 15] سحرنا محمد، فنحن نرى ما لا حقيقة له. # {ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين {16} وحفظناها من كل شيطان ~~رجيم {17} إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين {18} والأرض مددناها ~~وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون {19} وجعلنا لكم فيها ~~معايش ومن لستم له برازقين {20} وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا ~~بقدر معلوم {21} وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه ~~وما أنتم له بخازنين {22} وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون {23} ولقد ~~علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين {24} وإن ربك هو يحشرهم إنه ~~حكيم عليم {25} } [الحجر: 16-25] {ولقد جعلنا في السماء بروجا} [الحجر: 16] ~~قال ابن عباس: يريد بروج الشمس والقمر، يعني منازلهما. # وزيناها بالشمس والقمر والنجوم، للناظرين ms0952 للمعتبرين بها والمستدلين على ~~توحيد صانعها. # {وحفظناها من كل شيطان رجيم} [الحجر: 17] معنى الرجم في اللغة الرمي ~~بالحجارة، ثم قيل للعن والطرد والإبعاد رجم، لأن الرمي بالحجارة يوجب هذه ~~المعاني، والرجيم: الملعون المطرود المبعد. # وقال أبو عبيدة: الرجيم المرجوم بالنجوم. # بيانه قوله: رجوما للشياطين قال ابن عباس: كانت الشياطين لا تحجب عن ~~السموات، وكانوا يدخلونها ويتحرون أخبارها، فلما ولد عيسى منعوا من ثلاث ~~سموات، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها، فما ~~منهم من أحد يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب. # فذلك قوله: {إلا من استرق السمع} [الحجر: 18] وذلك أن المارد من الشياطين ~~يعلو لاستراق السمع، فيرمى بالشهاب، وهو قوله: فأتبعه أي لحقه، شهاب مبين ~~شعلة نار ظاهرة # PageV03P041 # لأهل الأرض، ونحن في رأي العين نرى كأنهم يرمون النجوم، فيجوز أن يكون ~~ذلك كما نرى، ثم يصير نارا إذا أدرك الشيطان، ويجوز أنهم يرمون بشعلة نار ~~من الهواء، ولكن لبعده عنا يخيل إلينا أنه نجم. # والأرض مددناها بسطناها على وجه الماء، {وألقينا فيها رواسي} [الحجر: 19] ~~وهي الجبال الثوابت، {وأنبتنا فيها من كل شيء موزون} [الحجر: 19] قال عطاء، ~~عن ابن عباس: يريد الثمار مما يكال أو يوزن. # وقال الكلبي: وأنبتنا في الجبال من كل شيء موزون من الذهب والفضة، ~~والنحاس والحديد، والرصاص والكحل، والزرنيخ، وكل شيء يوزن وزنا. # {وجعلنا لكم فيها معايش} [الحجر: 20] من الثمار والحبوب، {ومن لستم له ~~برازقين} [الحجر: 20] يعني: العبيد والدواب والأنعام، يرزقهم الله ولا ~~ترزقونهم. # وقال الكلبي: يعني الوحش والطير. # {وإن من شيء} [الحجر: 21] أي من المطر في قول عامة المفسرين، وذلك أنه ~~سبب الرزق والمعاش، ولما ذكر أنه يعطيهم المعاش، بين أن خزائن المطر الذي ~~هو سبب المعاش عنده، أي في أمره وحكمه وتدبيره، {وما ننزله إلا بقدر معلوم} ~~[الحجر: 21] يعني أن الله تعالى ينزل المطر كل عام بقدر معلوم، ولا ينقصه ~~ولا يزيده، غير أنه يصرفه إلى من شاء حيث شاء، يمطر قوم ويحرم آخرون، وربما ~~كان في البحر. # قوله: {وأرسلنا ms0953 الرياح لواقح} [الحجر: 22] قال ابن عباس، والمفسرون: يعني ~~للشجر والسحاب. # قال ابن مسعود: يبعث الله الرياح لتلقح السحاب، فتحمل الماء وتمجه في ~~السحاب، ثم تمر به، فتدر كما تدر اللقحة، ولواقح ههنا بمعنى ملاقح، جمع ~~ملقحة، فحذفت الميم وردت إلى الأصل الثلاثي، كما يقال: أبقل النبت فهو ~~باقل، يجعلونه بدلا من مبقل. # وقال ابن الأنباري: الريح اللاقح التي تحمل الماء والسحاب. # وهذا قول الفراء، وابن قتيبة، واختيار الأزهري، قالوا: جعل الله الريح هي ~~التي تلقح بمرورها على التراب والماء، فيكون فيها اللقاح. # وقال رجل: كنت جالسا عند ابن مسعود فهاجت ريح، فقال رجل: اللهم العنها. # فقال عبد الله: لا، مه، فإنها نذور مبشرات ولواقح، ولكن سل الله من ~~خيرها، وتعوذ به من شرها. # وقوله: فأسقيناكموه يقال: سقيته حتى روي، وأسقيته نهرا جعلته شربا له. # ومعنى فأسقيناكموه جعلناه سقيا لكم، {وما أنتم له} [الحجر: 22] لذلك ~~الماء المنزل من السماء، بخازنين بحافظين، يقول: ليست خزانته بأيديكم. # {وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون} [الحجر: 23] إذا مات جميع # PageV03P042 # الخلائق لم يبق حيا سواه، كقوله: {إنا نحن نرث الأرض} [مريم: 40] الآية. # {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين} [الحجر: 24] استقدم ~~أي تقدم، وضده استأخر أي تأخر. ### | 506 - # أخبرنا أبو منصور نصر بن بكر الواعظ، أنا عبد الله بن محمد بن نصير، أنا ~~محمد بن أيوب، أنا سعيد بن منصور، نا نوح بن قيس، نا عمرو بن مالك، عن أبي ~~الجوزاء، عن ابن عباس، قال: كانت تصلي خلف النبي، صلى الله عليه وسلم، ~~امرأة حسناء في آخر النساء، وكان بعضهم يتقدم في الصف الأول لئلا يراها، ~~وكان بعضهم يكون في آخر الصف، فإذا ركع؛ قال هكذا ونظر من تحت إبطه، فنزلت ~~هذه الآية. # رواه الحاكم أبو عبد الله في (صحيحه) ، عن علي بن حماد، عن إسماعيل بن ~~إسحاق القاضي، عن حفص بن عمر، عن نوح بن قيس، وقال الربيع: حض رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم، على الصف الأول في الصلاة، فازدحم الناس عليه، فأنزل ~~الله تعالى ms0954 هذه الآية، واختار الفراء هذا القول # وقال: معنى ولقد علمنا أي: وإنا نعلم جميعهم، فنجزيهم على نياتهم. # وقال الحسن، وعطاء: يعني المتقدمين في طاعة الله والمتأخرين عنها. # وقال قتادة، ومجاهد: يعني من مضى من الأمم السالفة ومن بقي، وهم أمة محمد ~~صلى الله عليه وسلم، يدل على هذا قوله: {وإن ربك هو يحشرهم} [الحجر: 25] . # يجمعهم للحساب، {إنه حكيم عليم} [الحجر: 25] وقوله: {ولقد خلقنا الإنسان ~~من صلصال من حمإ مسنون {26} والجان خلقناه من قبل من نار السموم {27} وإذ ~~قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون {28} فإذا سويته ~~ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين {29} فسجد الملائكة كلهم أجمعون {30} ~~إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين {31} قال # PageV03P043 # يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين {32} قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته ~~من صلصال من حمإ مسنون {33} قال فاخرج منها فإنك رجيم {34} وإن عليك اللعنة ~~إلى يوم الدين {35} قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون {36} قال فإنك من ~~المنظرين {37} إلى يوم الوقت المعلوم {38} قال رب بما أغويتني لأزينن لهم ~~في الأرض ولأغوينهم أجمعين {39} إلا عبادك منهم المخلصين {40} قال هذا صراط ~~علي مستقيم {41} إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين {42} ~~وإن جهنم لموعدهم أجمعين {43} لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم {44} ~~إن المتقين في جنات وعيون {45} ادخلوها بسلام آمنين {46} ونزعنا ما في ~~صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين {47} لا يمسهم فيها نصب وما هم منها ~~بمخرجين {48} } [الحجر: 26-48] {ولقد خلقنا الإنسان} [الحجر: 26] يعني آدم، ~~من صلصال وهو طين يصلصل إذا نقر عليه، يقال: صل الحديد وصلصل إذا صوت. # قال ابن عباس في رواية الوالبي: الصلصال الطين اليابس. # وقال في رواية إسرائيل: الصلصال الذي إذا قرع صوت. ### | 507 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر، نا أبو يحيى ~~الرازي، نا سهل بن عثمان العسكري، نا يحيى بن أبي زائدة، عن إسرائيل، عن ~~السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس، قال: خلق آدم من أديم الأرض ms0955، فألقي على ~~الأرض حتى صار طينا لازبا، وهو الطين الملتزق، ثم ترك، حتى صار حمأ مسنونا، ~~وهو المنتن، ثم خلقه الله بيده، فكان أربعين يوما مصورا، حتى يبس فصار ~~صلصالا كالفخار إذا ضرب عليه صلصل، فذلك الصلصال والفخار مثل ذلك # وقوله: {من حمإ مسنون} [الحجر: 26] الحمأ الطين الأسود المنتن، والمسنون ~~المتغير الرائحة، يقال: سن الماء فهو مسنون، أي تغير. # وقال سيبويه: المسنون المصور على صورة، ومثال من سنة الوجه وهي صورته. # قوله: والجان خلقناه قال عطاء، والحسن، وقتادة، ومقاتل: يريد إبليس. # وقال عامة المفسرين: الجان أبو الجن، سمي جانا لتوريته عن الأعين، يقال: ~~جن الشيء إذا ستره. # فالجان يستر نفسه عن أعين بني آدم، وقوله: من قبل يعني من قبل خلق آدم، ~~{من نار السموم} [الحجر: 27] قال الكلبي: هي نار لا دخان لها، والصواعق ~~تكون منها. # قال ابن مسعود: من نار الريح الحارة، # PageV03P044 # قال: وهذه السموم جزء من سبعين جزءا من السموم التي خلق منها الجان، وتلا ~~هذه الآية. # ومعنى السموم في اللغة: الريح الحارة وفيها نار، وفي الخبر: «إنها من لفح ~~جهنم» . # وقوله: {فإذا سويته} [الحجر: 29] أي: عدلت صورته وسويته بالصورة ~~الإنسانية، {ونفخت فيه من روحي} [الحجر: 29] النفخ إجراء الريح في الشيء، ~~والروح جسم رقيق يحيا به البدن، ولما أجرى الله الروح في بدن آدم على صفة ~~إجراء الريح، كان قد نفخ الروح فيه، وأضاف روح آدم إليه إكراما وتشريفا، ~~وهي إضافة الملك، وقوله: فقعوا أمر من الوقوع، قال الكلبي: فخروا له ساجدين ~~سجود، تحية، ولم تكن سجدة طاعة. # {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} [الحجر: 30] قال سيبويه: توكيد بعد توكيد. # وما بعد هذا مفسر فيما سبق إلى قوله: {وإن عليك اللعنة} [الحجر: 35] قال ~~الكلبي: يلعنك أهل السماء وأهل الأرض إلى يوم الحساب، لأنه أول من عصى ~~الله. # قال ابن عباس: يريد يوم الجزاء حين يجازى العباد بأعمالهم. # فاستنظر إبليس إلى يوم القيامة لئلا يموت إذ يوم القيامة لا يموت فيه ~~أحد، فلم يجب إلى ذلك. # وقيل له: {إلى يوم الوقت ms0956 المعلوم} [الحجر: 38] قال ابن عباس: يريد النفخة ~~الأولى حين تموت الخلائق كلهم. # قال الكلبي: إذا نفخت النفخة الأولى مات الخلائق كلهم، ومات إبليس معهم، ~~وإنما سمي الوقت المعلوم لأنه يموت فيه الخلائق وإبليس. # {قال رب بما أغويتني} [الحجر: 39] قال أبو عبيدة: معنى الباء ههنا القسم. # وقال غيره: هي بمعنى السبب، أي بكوني غاويا لأزينن، كما تقول: بطاعته ~~ليدخلن الجنة، وبمعصيته ليدخلن النار. # ومعنى {لأزينن لهم في الأرض} [الحجر: 39] يعني لأولاد آدم، ومفعول ~~التزيين محذوف على تقدير لأزينن لهم الباطل حتى يقعوا فيه. # {إلا عبادك منهم المخلصين} [الحجر: 40] الذين أخلصوا دينهم وعبادتهم عن ~~كل شائب يناقض الإيمان والتوحيد، فقال الله: {هذا صراط علي مستقيم} [الحجر: ~~41] يعني الإخلاص والإيمان، طريق علي وإلي، أي أنه يؤدي إلى جزائي وكرامتي، ~~فهو طريق علي، وهذا معنى قول مجاهد: الحق يرجع إلى الله، وعليه طريقه، لا ~~يعرج على شيء. # {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} [الحجر: 42] قال ابن عباس: اختار الله ~~عبادا فأخبر إبليس أنه ليس له عليهم سلطان، أي قوة وحجة في إغوائهم ودعائهم ~~إلى الشرك والضلال. # ثم أوعد من اتبعه فقال: {وإن جهنم لموعدهم أجمعين} [الحجر: 43] قال ابن ~~عباس: يريد إبليس ومن اتبعه من الغاوين. # {لها سبعة أبواب} [الحجر: 44] قال: سبعة أطباق، طبق # PageV03P045 # فوق طبق. # وقال علي بن أبي طالب: إن الله وضع النيران بعضها فوق بعض، فأبوابها ~~كإطباق اليد على اليد. # {لكل باب منهم} [الحجر: 44] من أتباع إبليس، جزء مقسوم والجزء بعض الشيء ~~والجمع أجزاء، قال الضحاك: هي سبعة أدراك بعضها فوق بعض، وأعلاها فيه أهل ~~التوحيد، يعذبون على قدر ذنوبهم ثم يخرجون، والثاني فيه للنصارى، والثالث ~~فيه اليهود، والرابع فيه الصائبون، والخامس فيه المجوس، والسادس فيه مشركو ~~العرب، والسابع فيه المنافقون. # قوله: إن المتقين قال الكلبي: إن المتقين للفواحش والكبائر. # {في جنات وعيون} [الحجر: 45] يعني عيون الماء والخمر، ويقال لهم: ادخلوها ~~بسلام أي بسلامة، قال ابن عباس: سلموا من سخط الله. # {آمنين} [الحجر: 46] أمنوا عذاب الله والموت. # {ونزعنا ما في صدورهم من ms0957 غل} [الحجر: 47] مفسر في { [الأعراف، إخوانا ~~متوادين على سرر جمع سرير، قال ابن عباس: على سرر من ذهب مكللة بالزبرجد ~~والدر والياقوت، السرير مثل ما بين عدن إلى أيلة. # متقابلين لا يرى بعضهم قفا بعض، حيثما التفت رأى وجها يحبه يقابله. # ] لا يمسهم فيها نصب} [سورة الحجر: 48] لا يصيبهم في الجنة إعياء وتعب، ~~قال ابن عباس: مثل نصب الدنيا إذا مشى نصب، وإذا جامع نصب، {وما هم منها ~~بمخرجين} [الحجر: 48] يريد خلودا لا زوال فيه. # {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم {49} وأن عذابي هو العذاب الأليم {50} ~~ونبئهم عن ضيف إبراهيم {51} إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون ~~{52} قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم {53} قال أبشرتموني على أن مسني ~~الكبر فبم تبشرون {54} قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين {55} قال ~~ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون {56} قال فما خطبكم أيها المرسلون {57} ~~قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين {58} إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين {59} ~~إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين {60} } [الحجر: 49-60] نبئ عبادي ~~أخبرهم، {أني أنا الغفور} [الحجر: 49] لأوليائي، الرحيم بهم. # {وأن عذابي هو العذاب الأليم} [الحجر: 50] لأعدائي. ### | 508 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، نا أبو بكر محمد بن إبراهيم ~~الوراق، نا جعفر بن محمد بن سوار، أنا مروان العثماني، نا عبد العزيز بن ~~أبي حازم، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم، قال: «لو يعلم # PageV03P046 # المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أبدا، ولو يعلم الكافر ما ~~عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أبدا» ### | 509 - # أخبرنا أبو عمرو بن أبي عمرو المزكي، أنا محمد بن مكي، أنا محمد بن يوسف، ~~أنا محمد بن إسماعيل، نا قتيبة، نا يعقوب بن عبد الرحمن، عن عمرو بن أبي ~~عمرو، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ~~يقول: " لو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة؛ لم ييئس من الجنة، ~~ولو يعلم ms0958 المؤمن بكل الذي عند الله من الرحمة؛ لم ييئس من الجنة، ولو يعلم ~~المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب؛ لم يأمن من النار # قوله: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم} [الحجر: 51] هذه القصة مضى ذكرها في { ~~[هود، والضيف في الأصل مصدر، ولذلك وحد في اللفظ، وإن كانوا جماعة. # ] إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما} [سورة الحجر: 52] أي سلموا سلاما، فقال ~~إبراهيم: {إنا منكم وجلون} [الحجر: 52] الوجل الفزع، وجل يوجل وجلا فهو ~~وجل. # {قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم} [الحجر: 53] . # {قال أبشرتموني على أن مسني الكبر} [الحجر: 54] أي: على حالة الكبر ~~والهرم، فبم تبشرون استفهام تعجب، كأنه عجب من الولد على كبره، وقرأ نافع ~~تبشرون بكسر النون، أراد تبشرونني، فحذف النون الثانية وأبقى الكسرة التي ~~تدل على الياء، وابن كثير أدغم ولم يحذف. # {قالوا بشرناك بالحق} [الحجر: 55] بما قضاه الله أنه كائن، {فلا تكن من ~~القانطين} [الحجر: 55] من الآيسين، والقنوط: اليأس من الخير. # {قال ومن يقنط من رحمة ربه} [الحجر: 56] وقرئ يقنط بفتح النون، وهما ~~لغتان: قنط يقنط، وقنط يقنط قنوطا وقنطا. # قال ابن عباس: يريد ومن ييئس من رحمة ربه إلا المكذبون. # وهذا يدل على أن إبراهيم لم يكن قانطا، ولكنه استبعد ذلك، فظنت الملائكة ~~به قنوطا، فنفى ذلك عن نفسه وأخبر أن القانط من رحمة الله ضال. # {قال فما خطبكم} [الحجر: 57] قال الكلبي: فما بالكم؟ وما الذي جئتم به؟ ~~{قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين} [الحجر: 58] يعنون قوم لوط، {إلا آل ~~لوط} [الحجر: 59] استثناء ليس من الأول، وآل لوط هم أتباعه والذين كانوا ~~على دينه، {إنا لمنجوهم أجمعين {59} إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين ~~{60} } [الحجر: 59-60] قضينا أنها تبقى مع من يبقى ويتخلف حتى تهلك كما ~~يهلكون، وقرأ عاصم قدرنا # PageV03P047 # مخففة، يقال: قدرت الشيء وقدرته، ونحو هذا قوله: {نحن قدرنا بينكم الموت} ~~[الواقعة: 60] قرئ بالوجهين، وقوله: {والذي قدر فهدى} [الأعلى: 3] . # وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: {فلما جاء آل لوط المرسلون {61} قال إنكم قوم ~~منكرون {62} قالوا بل جئناك بما كانوا فيه ms0959 يمترون {63} وأتيناك بالحق وإنا ~~لصادقون {64} فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد ~~وامضوا حيث تؤمرون {65} وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ~~{66} } [الحجر: 61-66] {قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون} [الحجر: 63] ~~أي: بالعذاب الذي كانوا يشكون في نزوله. # وأتيناك بالحق أي بالأمر الثابت الذي لا شك فيه من عذاب قومك. # فأسر بأهلك مفسر في { [هود، إلى قوله:] وامضوا حيث تؤمرون} [سورة الحجر: ~~65] قال ابن عباس: يعني الشام. # وقال المفضل: حيث يقول لكم جبريل. # وقال الكلبي: أمرهم جبريل أن يمضوا إلى صفر إحدى قرى قوم لوط. # وقضينا إليه أي: أوحينا إليه وألهمناه، وقال ابن قتيبة: أخبرناه، كقوله: ~~{وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} [الإسراء: 4] أي أخبرناهم. # وقوله: {ذلك الأمر} [الحجر: 66] أي الأمر بهلاك قومه، قال الزجاج: موضع ~~أن نصب، وهو بدل من قوله: {ذلك الأمر} [الحجر: 66] لأنه فسر الأمر بقوله: ~~أن دابر. # والمعنى: وقضينا إليه، {أن دابر هؤلاء مقطوع} [الحجر: 66] أي: آخر من ~~يبقى منهم يهلك وقت الصبح، وهو قوله: مصبحين أي: داخلين في وقت الصبح. # {وجاء أهل المدينة يستبشرون {67} قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون {68} ~~واتقوا الله ولا تخزون {69} قالوا أولم ننهك عن العالمين {70} قال هؤلاء ~~بناتي إن كنتم فاعلين {71} لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون {72} فأخذتهم ~~الصيحة مشرقين {73} فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل {74} ~~إن في ذلك لآيات للمتوسمين {75} وإنها لبسبيل مقيم {76} إن في ذلك لآية ~~للمؤمنين {77} } [الحجر: 67-77] قوله: {وجاء أهل المدينة} [الحجر: 67] يعني ~~مدينة قوم لوط، وهي سذوم، يستبشرون يفرحون بعملهم الخبيث طمعا منهم في ركوب ~~الفاحشة، فقال لهم لوط لما قصدوا أضيافه: {إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون} ~~[الحجر: 68] . # PageV03P048 # يقال: فضحه يفضحه إذ أبان من أمره ما يلزمه به العار. # والمعنى: لا يفضحون بقصدكم إياهم بالسوء، فيعلموا أنه ليس لي عندكم قدر. # {واتقوا الله ولا تخزون} [الحجر: 69] مذكور في { [هود، فقالوا له:] أولم ~~ننهك عن العالمين} [سورة الحجر: 70] أي: عن ضيافة العالمين، والمعنى: أولم ~~ننهك عن أن تدخل أحدا بيتك، لأنا ms0960 نريد منه الفاحشة، فقال لهم لوط: {هؤلاء ~~بناتي إن كنتم فاعلين} [الحجر: 71] أي: إن كنتم فاعلين لهذا الشأن، فعليكم ~~بالتزوج ببناتي، ومضى الكلام في هذا. # قوله لعمرك العمر والعمر واحد، فإذا أقسموا فتحوا العين لا غير، قال ~~الزجاج: لأن الفتح أخف عليهم، وهم يكثرون القسم بلعمري، فلزموا الأخف. # قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد وعيشك يا محمد. ### | 510 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرئ، أنا عبد الله بن حامد، نا عبد ~~الرحمن بن محمد الزهري، نا العباس الدوري، حدثني أبو عتاب سهل بن حماد، نا ~~سعيد بن زيد، حدثني عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، قال: ما ~~خلق الله، عز وجل، ولا ذرأ ولا برأ نفسا أكرم عليه من محمد، صلى الله عليه ~~وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد إلا بحياته، قال: {لعمرك إنهم لفي ~~سكرتهم يعمهون} # وقوله: {إنهم لفي سكرتهم يعمهون} [الحجر: 72] قال عطاء: يريد أن قومك في ~~ضلالتهم يتمادون. # وقال عامة المفسرين: يعني قوم لوط. # {فأخذتهم الصيحة} [الحجر: 73] يعني صيحة العذاب. # قال المفسرون: صاح بهم جبريل صيحة أهلكتهم. # وقوله: {مشرقين} [الحجر: 73] يقال: أشرق القوم إذا دخلوا في وقت شروق ~~الشمس، مثل أصبحوا وأمسوا. # والمعنى أن العذاب أتاهم في شروق الشمس، يقال: إن أول العذاب كان مع طلوع ~~الصبح، ثم امتد إلى شروق الشمس، لذلك قال: مصبحين، ثم قال: مشرقين. # {فجعلنا عاليها سافلها} [الحجر: 74] مفسر في { [هود. # ] إن في ذلك} [سورة الحجر: 75] يعني فيما فعل بقوم لوط، {لآيات ~~للمتوسمين} [الحجر: 75] يقال: توسمت في فلان خيرا إذا رأيت أثره فيه. # والمتوسم: الناظر في السمة الدالة على الشيء. # قال عطاء، عن ابن عباس: للمتفرسين. # وقال الضحاك: للناظرين. # قال مقاتل: للمتفكرين. # وقال قتادة: للمعتبرين. # PageV03P049 ### | 511 - # أخبرنا أبو حسان المزكي، أنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، نا إبراهيم ~~بن عبد الله بن أيوب، نا سعيد بن محمد الجرمي، نا عبد الواحد بن واصل، نا ~~أبو بشر المزلق، عن ثابت، عن أنس، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم ms0961: «إن ~~لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم» # قوله: وإنها يعني مدينة قوم لوط، لبسبيل مقيم بطريق واضح لا يندر ولا ~~يخفى، قال ابن عباس: على طريق قومك إلى الشام. # والمعنى أن الاعتبار بها ممكن. # {إن في ذلك لآية للمؤمنين} [الحجر: 77] لعبرة للمصدقين، يعني أن المؤمنين ~~اعتبروا وصدقوا. # {وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين {78} فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين ~~{79} ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين {80} وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها ~~معرضين {81} وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين {82} فأخذتهم الصيحة ~~مصبحين {83} فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون {84} } [الحجر: 78-84] قوله: ~~{وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين} [الحجر: 78] معنى إن واللام التوكيد، وإن ~~ههنا مخففة من الثقيلة، والأيكة والأيك: الشجر الملتف، قال المفسرون: قوم ~~شعيب كانوا أصحاب غياض، فكذبوا شعيبا، فأهلكوا بعذاب يوم الظلة. # وهو قوله: فانتقمنا منهم قال المفسرون: أخذهم الحر أياما، ثم اضطرم عليهم ~~المكان نارا فهلكوا. # وقوله: وإنهما يعني الأيكة ومدينة قوم لوط، لبإمام مبين بطريق واضح، وسمي ~~الطريق إماما لأنه يؤم ويتبع. # قوله: {ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين} [الحجر: 80] يعني ثمود، وكانت ~~مساكنهم تسمى الحجر. # {وآتيناهم آياتنا} [الحجر: 81] قال ابن عباس: يريد الناقة، وكان في آيات ~~خروجها من الصخرة، ودنو نتاجها عند خروجها، وعظم خلقها حتى لم تشبهها ناقة، ~~وكثرة لبنها حتى كان يكفيهم جميعا. # {فكانوا عنها معرضين} [الحجر: 81] لم يتفكروا فيها، ولم يستدلوا بها. # {وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا} [الحجر: 82] ذكرنا # PageV03P050 # ذلك في { [الأعراف، وقوله:] آمنين} [سورة الحجر: 82] قال الفراء: آمنين ~~من أن تقع عليهم. # {فأخذتهم الصيحة مصبحين} [الحجر: 83] أتتهم صيحة عظيمة، فماتوا عن آخرهم ~~في وقت الصبح. # وهذا مما قد تقدم في { [الأعراف. # وقوله:] فما أغنى عنهم} [سورة الحجر: 84] أي: ما دفع عنهم العذاب، {ما ~~كانوا يكسبون} [الحجر: 84] من الأموال والأنعام. # {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح ~~الصفح الجميل {85} إن ربك هو الخلاق العليم {86} ولقد آتيناك سبعا من ~~المثاني والقرءان العظيم {87} لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ~~ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين {88} وقل ms0962 إني أنا النذير المبين {89} ~~كما أنزلنا على المقتسمين {90} الذين جعلوا القرءان عضين {91} فوربك ~~لنسألنهم أجمعين {92} عما كانوا يعملون {93} فاصدع بما تؤمر وأعرض عن ~~المشركين {94} إنا كفيناك المستهزئين {95} الذين يجعلون مع الله إلها آخر ~~فسوف يعلمون {96} ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون {97} فسبح بحمد ربك ~~وكن من الساجدين {98} واعبد ربك حتى يأتيك اليقين {99} } [الحجر: 85-99] ~~{وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق} [الحجر: 85] أي: للحق ~~وإظهار الحق، وهو الثواب للمصدق، والعقاب للمكذب، {وإن الساعة لآتية} ~~[الحجر: 85] وإن القيامة لتأتي، فيجازى المشركون بقبح أعمالهم، {فاصفح ~~الصفح الجميل} [الحجر: 85] أعرض عنهم إعراضا بغير جزع، وهذا منسوخ بآية ~~القتال. # {إن ربك هو الخلاق} [الحجر: 86] خالق كل شيء، العليم بما خلق. # قوله: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني} [الحجر: 87] واحد المثاني مثناة، ~~وهي كل شيء يثنى، أي يجعل اثنين، وأكثر أهل التفسير على أن المراد بالسبع ~~المثاني فاتحة الكتاب، وهو قول عمر، وعلي، وابن مسعود، والحسن، ومجاهد، ~~وقتادة، والربيع، والكلبي، وروي ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ### | 512 - # أخبرناه أبو إبراهيم بن أبي القاسم الصوفي، أنا محمد بن علي بن إسماعيل ~~القفال الشاشي، نا الحسين بن موسى بن خلف، نا إبراهيم بن الهيثم البلدي، نا ~~آدم بن أبي إياس، نا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني ~~والقرآن العظيم» ، رواه البخاري، عن آدم، وإنما # PageV03P051 # سميت الفاتحة السبع المثاني؛ لأنها سبع آيات وهي تثنى في كل صلاة ~~بإعادتها في كل ركعة # وقال الزجاج: ويجوز أن يكون من المثاني مما أثني به على الله، لأن فيها ~~حمد الله وتوحيده، وذكر ملكه يوم الدين، المعنى: ولقد آتيناك سبع آيات من ~~جملة الآيات التي يثنى بها على الله. # وهذه الآية تدل على فضيلة الفاتحة لأن الله تعالى امتن على رسوله بهذه ال ~~{ [، كما امتن عليه بجميع القرآن، حيث فصل هذا من القرآن بالذكر، ثم ذكر ~~القرآن بعده، فقال: والقرءان العظيم أي ms0963: العظيم القدر، لأنه كلام الله ~~ووحيه وتنزيله، ولما ذكر منته عليه بالقرآن، نهاه عن النظر إلى الدنيا، ~~فقال:] لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم} [سورة الحجر: 88] أي: ~~أصنافا من المشركين واليهود، قال ابن عباس: «نهى الله رسوله عن الرغبة في ~~الدنيا، فحظر عليه أن يمد عينيه إليها رغبة فيها، فكان صلى الله عليه وسلم ~~لا ينظر إلى ما يستحسن من الدنيا» . # {ولا تحزن عليهم} [الحجر: 88] قال الكلبي: على كفار قريش إن لم يؤمنوا ~~ونزل بهم العذاب. # {واخفض جناحك للمؤمنين} [الحجر: 88] ألن لهم جانبك، قال ابن عباس: ارفق ~~بهم، ولا تغلظ عليهم. # والعرب تقول: فلان خافض الجناح إذا كان وقورا ساكنا. # {وقل إني أنا النذير المبين} [الحجر: 89] قال ابن عباس: أنذركم بسخط الله ~~وعذابه، وأبين لكم ما يقربكم إلى الله. # كما أنزلنا ويجوز أن يكون المعنى أني أنذركم ما أنزلنا، وتكون الكاف ~~زائدة، وقوله: على المقتسمين يعني الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإيمان به، قال مقاتل: كانوا ستة عشر رجلا ~~بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم يقولون لمن أتى مكة: لا تغتروا ~~بالخارج منا والمدعي النبوة فإنه مجنون. # فأنزل الله بهم عذابا فماتوا شر ميتة. # ثم وصفهم فقال: {الذين جعلوا القرءان عضين} [الحجر: 91] قال ابن عباس: ~~جزءوه أجزاء، فقالوا: سحر. # وقالوا: أساطير الأولين. # وقالوا: مفترى. # وعضين جمع عضة، مثل عزة وعزين من عضيت الشيء إذا مزقته، وكل قطعة عضة، ~~والمعنى أنهم فرقوا القول في القرآن، حيث اختلفت في وصفة أقوالهم. # قوله: {فوربك لنسألنهم أجمعين {92} عما كانوا يعملون {93} } [الحجر: ~~92-93] قال الكلبي: عن ترك لا إله إلا الله والإيمان برسله، وهذا السؤال ~~سؤال توبيخ، يسألون يوم القيامة، فيقال لهم: لم عصيتم الرسل، وتركتم ~~الإيمان؟ فيظهر خزيهم وفضيحتهم عند تعذر الجواب. # وقال أبو العالية: # PageV03P052 # يسأل العباد كلهم يوم القيامة، عن خلتين عما كانوا يعبدون، وماذا أجابوا ~~المرسلين. # وأما قوله: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه} [الرحمن: 39] الآية، أي: لا يسألون ~~سؤال استفهام ليعلم ذلك ms0964 من جهتهم. # قوله: {فاصدع بما تؤمر} [الحجر: 94] قال الزجاج: يقول أظهر ما تؤمر به، ~~أخذ من الصديع وهو الصبح. # وقال المفسرون: اجهر بالأمر أي بأمرك، يعني إظهار الدعوة، وما زال النبي ~~صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزلت هذه الآية، {وأعرض عن المشركين} ~~[الحجر: 94] لا تبال بهم ولا تلتفت إلى لومهم إياك على إظهار الدعوة. # {إنا كفيناك المستهزئين} [الحجر: 95] الذين كانوا يستهزئون بك وبالقرآن، ~~وكانوا جماعة يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم: الوليد بن المغيرة، والعاص ~~بن وائل، وأبو زمعة، وهو الأسود بن المطلب، والحارث بن عيطلة، والأسود بن ~~عبد يغوث، والحارث بن عدي، فأومأ جبريل بإصبعه إلى ساق الوليد، وإلى عيني ~~أبي زمعة، وإلى رأس الأسود، وإلى بطن الحارث، وقال للنبي صلى الله عليه ~~وسلم: «كفيت أمرهم» . # فمر الوليد على قين لخزاعة، وهو يجر ثيابه، فتعلقت بثوبه شوكة، فمنعه ~~الكبر أن يخفض رأسه فينزعها، وجعل يضرب ساقه فخدشته، فلم يزل مريضا حتى قطع ~~إنسياه، فلم يزل حتى مات، ووطئ العاص على شبرقة، فحكت رجله، فلم يزل يحكها ~~حتى مات، وعمي أبو زمعة، وأخذت الأكلة في رأس الأسود، وأخذ الحارث الماء في ~~بطنه فمات خبثا، يعني استسقاء. # ثم وصفهم بالشرك، فقال: {الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون} ~~[الحجر: 96] وعيد لهم وتهديد. # ثم عزى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما ~~يقولون} [الحجر: 97] من تكذيبك والاستهزاء بك. # {فسبح بحمد ربك} [الحجر: 98] قال الضحاك: قل سبحان الله وبحمده. # {وكن من الساجدين} [الحجر: 98] قال ابن عباس: من المصلين. # وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. # {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} [الحجر: 99] قال جماعة المفسرين: يعني ~~الموت، وسمي الموت # PageV03P053 # يقينا لأنه موقن به. # قال قتادة: اليقين الموت، وعند الموت والله يقين من الخير والشر. # قال الزجاج: المعنى اعبد ربك أبدا، لأنه لو قيل: اعبد ربك بغير توقيت، ~~لجاز إذا عبد الإنسان مرة أن يكون مطيعا، فإذا قال: حتى يأتيك اليقين، فقد ms0965 ~~أمر بالإقامة على العبادة أبدا ما دام حيا. ### | 513 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، نا ~~أمية بن محمد الصواف، نا محمد بن يحيى الأزدي، نا الهيثم بن خارجة، نا ~~إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، عن ابن مسلم الخولاني، عن جبير بن ~~نفير، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما أوحي إلي أن أجمع المال ~~وأكون من التاجرين، ولكن أوحي إلي أن: {فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين {98} ~~واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} # PageV03P054 ### | سورة النحل # مكية وآياتها ثمان وعشرون ومائة. ### | 514 - # أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الحيري، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر ~~الحيري، نا إبراهيم بن شريك الكوفي، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا ~~هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، ~~قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من قرأ سورة النحل لم يحاسبه الله ~~بالنعيم الذي أنعم عليه في دار الدنيا، وأعطي من الأجر كالذي مات فأحسن ~~الوصية " # {أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون {1} ينزل الملائكة ~~بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ~~{2} } [النحل: 1-2] بسم الله الرحمن الرحيم {أتى أمر الله} [النحل: 1] أي: ~~عذابه لمن أقام على الشرك، وتكذيب رسوله، وهو الأمر بالسيف، {فلا تستعجلوه} ~~[النحل: 1] لا تطلبوه قبل حينه، وهذا كما تقول لمن يطلب أمرا يستعجل فيه: ~~أتاك الأمر فلا تستعجل. # وقال جماعة من المفسرين: أمر الله ههنا الساعة. # وذلك أنهم استبطأوا أمر الساعة، فأعلم الله أن ذلك عنده في القرب بمنزلة ~~ما قد أتى، كما قال: {اقتربت الساعة} [القمر: 1] . # سبحانه تنزيها له وبراءة من السوء، وتعالى ارتفع بصفات المدح، {عما ~~يشركون} [النحل: 1] به من الأصنام، أي أنها ليست شركاء لهم لأنهم لا يخلقون ~~شيئا. # قوله: ينزل الملائكة قال ابن عباس: يريد جبريل وحده، {بالروح من أمره} ~~[النحل: 2] بالوحي، وهو كلام ms0966 الله، سمي روحا لأنه حياة من موت الكفر، {على ~~من يشاء # PageV03P055 # من عباده} [النحل: 2] يريد النبيين الذين يختارهم بالرسالة، وقوله: {أن ~~أنذروا} [النحل: 2] أي أهل الكفر بأنه {لا إله إلا أنا} [النحل: 2] أي: ~~مروهم بتوحيدي، وأعلموهم ذلك مع تخويفهم لو لم يقروا. # ثم ذكر ما يدل على توحيده فقال: {خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما ~~يشركون {3} خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين {4} والأنعام خلقها لكم ~~فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون {5} ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ~~{6} وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف ~~رحيم {7} والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون {8} } ~~[النحل: 3-8] {خلق السموات والأرض بالحق} [النحل: 3] الآية. # {خلق الإنسان من نطفة} [النحل: 4] يعني أبي بن خلف، {فإذا هو خصيم} ~~[النحل: 4] مخاصم، مبين ظاهر الخصومة، وذلك أنه خاصم النبي صلى الله عليه ~~وسلم في إنكار البعث. # والمعنى: أنه مخلوق من نطفة، ومع ذلك يخاصم وينكر البعث، أفلا يستدل ~~بأوله على آخره، وأن من قدر على خلقه أولا، قادر على إعادته. # والأنعام خلقها يعني الإبل والبقر والغنم، ثم ابتدأ فقال: {لكم فيها دفء} ~~[النحل: 5] ويجوز أن يكون تمام الكلام عند قوله: لكم ثم يبتدئ فيقول: فيها ~~دفء. # وهو ما يستدفأ به من الأكسية والأبنية من أوبارها وأشعارها وأصوافها، قال ~~الأصمعي: الدف السخونة. # وقال الفراء: يقال: دفيت يدفأ دفاء ودفأ. # قوله: ومنافع يعني النسل والدر والركوب، ومنها تأكلون يريد من لحومها. # {ولكم فيها جمال} [النحل: 6] زينة، {حين تريحون} [النحل: 6] تردونها إلى ~~مراحها، وهو حيث تأوي إليه ليلا، {وحين تسرحون} [النحل: 6] ترسلونها ~~بالغداة إلى مراعيها، يقال: سرح القوم إبلهم سرحا. # قال قتادة: وأحسن ما تكون إذا راحت عظاما ضروعها، طوالا أسنمتها. # {وتحمل أثقالكم} [النحل: 7] جمع ثقل، وهو متاع المسافر، {إلى بلد لم ~~تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس} [النحل: 7] قال ابن عباس: يريد من مكة إلى ~~اليمن، وإلى الشام وإلى مصر. # هذا قوله، والمراد كل بلد لو تكلفتم بلوغه على غير الإبل شق ms0967 عليكم، وخص ~~ابن عباس اليمن والشام، لأن متاجر أهل مكة كانت إلى هذه الوجوه، والشق ~~المشقة، معناه: إلا بجهد الأنفس، {إن ربكم لرءوف رحيم} [النحل: 7] بكم إذ ~~من عليكم بالنعم التي فيها هذه المرافق. # قوله: والخيل أي وخلق الخيل، {والبغال والحمير لتركبوها وزينة} [النحل: ~~8] قال الزجاج: نصبها على أنها مفعول لها. # والمعنى: وخلقها للزينة، والآية لا تدل على تحريم لحوم الخيل وإن ذكرته ~~مع البغال والحمير، لأن القصد بهذه الآية إظهار المنة، بأن خلق لنا من ~~الحيوان ما نركبه ونتجمل به، ولحوم الخيل حلال بالسنة: # PageV03P056 ### | 515 - # أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم الواعظ، أنا محمد بن عبد الله بن زكريا ~~الحافظ، أنا مكي بن عبدان، نا عبد الله بن هاشم، نا يحيى بن سعيد، عن هشام ~~بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: أكلنا لحم ~~الفرس على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري، عن قتيبة، عن ~~جرير، عن هشام ### | 516 - # أخبرنا عمرو بن محمد بن أحمد العدل، أنا أبو الهيثم المروزي، أنا محمد بن ~~يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، نا مسدد، نا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن ~~محمد بن علي، عن جابر، قال: «نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم خيبر، ~~عن لحوم الحمر، ورخص في لحوم الخيل» # وقوله: {ويخلق ما لا تعلمون} [النحل: 8] قال ابن عباس: إن عن يمين العرش ~~نهرا من نور مثل السموات السبع والأرضين السبع والبحار السبع، يدخل جبريل ~~في كل بحر، فيغتسل، فيزداد نورا إلى نوره، وجمالا إلى جماله، ثم ينتفض ~~فيخلق الله تعالى من كل نقطة تقع من ريشه كذا وكذا ألف ملك، يدخل منهم كل ~~يوم سبعون ألف البيت المعمور، وفي الكعبة سبعون ألفا لا يعودون إليه إلى أن ~~تقوم الساعة. # وقال آخرون: يعني ما أعد في الجنة لأهلها، وما أعد في النار لأهلها. # {وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين {9} هو الذي ~~أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ms0968 ومنه شجر فيه تسيمون {10} ينبت لكم به ~~الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم ~~يتفكرون {11} وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ~~إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون {12} وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن ~~في ذلك لآية لقوم يذكرون {13} } [النحل: 9-13] قوله: {وعلى الله قصد ~~السبيل} [النحل: 9] القصد استقامة الطريق، يقال: طريق قصد وقاصد إذا قصد بك ~~إلى ما تريد. # وقصد السبيل الإسلام، والمعنى أن قصد السبيل الذي هو الإسلام على الله أن ~~يؤدي إلى رضا الله # PageV03P057 # وثوابه وجزائه، قال مجاهد: وطريق الحق على الله. # وهذا كقوله: {هذا صراط علي مستقيم} [الحجر: 41] . # قوله: {ومنها جائر} [النحل: 9] أي مائل عادل عن الحق، قال الكلبي: يعني ~~اليهودية والنصرانية والمجوسية. # وقال ابن المبارك: يعني الأهواء والبدع. # ثم بين أن المشيئة إليه، فقال: {ولو شاء لهداكم أجمعين} [النحل: 9] قال ~~ابن عباس: لو شاء لأرشدكم كلكم حتى لا يختلف عليك يا محمد أحد. # قوله: {هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب} [النحل: 10] تشربونه، ~~ومنه شجر قال الزجاج: كل ما نبت على الأرض فهو شجر. # وقال ابن قتيبة: يعني الكلأ. # والمعنى أنه ينبت بالماء الذي ينزل من السماء ما ترعاه الرعية من دق ~~الشجر وجلها، لأن الإبل ترعى جل الشجر، قوله: فيه أي في الشجر، {تسيمون} ~~[النحل: 10] يقال: أسمت الماشية إذا خليتها ترعى، وسامت هي إذا رعت، فهي ~~سائمة. # قوله: {ينبت لكم به الزرع} [النحل: 11] قال ابن عباس: يريد الحبوب. # والزيتون جمع زيتونة، يقال للشجرة نفسها: زيتونة، وباقي الآية وما بعدها ~~ظاهر تقدم تفسيره، وأكثر القراء على نصب الشمس والقمر والنجوم، وهو الوجه ~~لاستقامتها مع ما قبلها في المعنى، وإذا استقامت في معنى واحد استقامت في ~~إعراب واحد. # وقوله: مسخرات حال مؤكدة، لأن تسخيرها قد عرف بقوله: وسخر. # وقرأها ابن عامر بالرفع، فابتدأ الشمس والقمر، وجعل مسخرات خبرا عنها، ~~وقرأ حفص مسخرات بالرفع وحدها وجعلها خبر ابتداء محذوف كأنه قال: مسخرات. # قوله {وما ذرأ} [النحل: 13] أي ms0969: وسخر لكم ما خلق، لكم أي لأجلكم، يعني ~~الدواب والشجر وغيرها، {مختلفا ألوانه} [النحل: 13] أي هيئته ومناظره. # {وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ~~وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون {14} وألقى في الأرض ~~رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون {15} وعلامات وبالنجم هم ~~يهتدون {16} } [النحل: 14-16] {وهو الذي سخر البحر} [النحل: 14] ذلك للركوب ~~والغوص، {لتأكلوا منه لحما طريا} [النحل: 14] يعني السمك، {وتستخرجوا منه ~~حلية تلبسونها} [النحل: 14] يريد الدر واللؤلؤ والمرجان، {وترى الفلك مواخر ~~فيه} [النحل: 14] شواق الماء بدفعه بصدرها، ومخر السفينة: شقها الماء ~~بصدرها، {ولتبتغوا من فضله} [النحل: 14] يعني لتركبوه للتجارة فتطلبوا ~~الربح من فضل الله. # {وألقى في الأرض رواسي} [النحل: 15] جبالا ثوابت، {أن تميد بكم} [النحل: ~~15] الميد الحركة والاضطراب، ماد يميد ميدا، قال ابن عباس: أوتدها بالجبال ~~لئلا تميد بأهلها. # وأنهارا وجعل فيها أنهارا، النيل، والفرات، ودجلة، # PageV03P058 # وسيحان، وجيحان، وسبلا طرقا إلى كل البلاد، لعلكم تهتدون لكي تهتدوا إلى ~~مقاصدكم من البلاد، فلا تضلون. # وعلامات يعني الجبال، وهي علامات للطرق بالنهار كالنجوم بالليل، {وبالنجم ~~هم يهتدون} [النحل: 16] أراد جميع النجوم، لأن بها يهتدون، وإلى الطرق ~~والقبلة والبر والبحر. # ثم دل بهذه الأشياء التي خلقها على نفسه، فقال: {أفمن يخلق كمن لا يخلق ~~أفلا تذكرون {17} وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم {18} ~~والله يعلم ما تسرون وما تعلنون {19} والذين يدعون من دون الله لا يخلقون ~~شيئا وهم يخلقون {20} أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون {21} } ~~[النحل: 17-21] أفمن يخلق يعني ما ذكر في هذه ال { [،] كمن لا يخلق} [سورة ~~النحل: 17] يعني الأوثان وهي لا تخلق شيئا، {أفلا تذكرون} [النحل: 17] يعني ~~المشركين، يقول: أفلا تتعظون كما اتعظ المؤمنون؟ قوله: {وإن تعدوا نعمة ~~الله لا تحصوها} [النحل: 18] تقدم تفسيره، {إن الله لغفور} [النحل: 18] لما ~~كان منكم من تقصير شكر نعمه، رحيم بكم حيث لم يقطعها عنكم بتقصيركم، وما ~~بعد هذا ظاهر التفسير إلى قوله: {أموات غير أحياء} [النحل: 21] يعني ~~الأصنام التي كانوا ms0970 يعبدونها، وهي موات لا روح لها، {وما يشعرون أيان ~~يبعثون} [النحل: 21] الأصنام متى تبعث، قال ابن عباس: وذلك أن الله يبعث ~~الأصنام لها أرواح ومعها شياطينها، فيتبرءون من عابديهم، ثم يؤمر بالشياطين ~~والذين كانوا يعبدونها إلى النار. # ثم ذكر وحدانيته فقال: {إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم ~~منكرة وهم مستكبرون {22} لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا ~~يحب المستكبرين {23} } [النحل: 22-23] {إلهكم إله واحد} [النحل: 22] وقد ~~مضى بيانه في { [البقرة،] فالذين لا يؤمنون بالآخرة} [سورة النحل: 22] يعني ~~بالبعث والثواب والعقاب، {قلوبهم منكرة} [النحل: 22] جاحدة غير عارفة توحيد ~~الله ولا القرآن، {وهم مستكبرون} [النحل: 22] ممتنعون من قبول الحق. # لا جرم حقا، {أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} [النحل: 23] أي أنه ~~يجازيهم بذلك، لأنه يعلمه، {إنه لا يحب المستكبرين} [النحل: 23] لا يثيبهم، ~~ولا يرضى عنهم. # {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين {24} ليحملوا أوزارهم ~~كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون {25} ~~قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من ~~فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون {26} ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول ~~أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم ~~والسوء على الكافرين {27} الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا ~~السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون {28} فادخلوا ~~أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين {29} } [النحل: 24-29] { # PageV03P059 # وإذا قيل لهم} [النحل: 24] لهؤلاء المنكرين، {ماذا أنزل ربكم} [النحل: ~~24] ما الذي أنزل ربكم على محمد؟ {قالوا أساطير الأولين} [النحل: 24] أي: ~~الذي يذكرون أنه منزل أساطير الأولين، أي: أكاذيبهم وما سطروه في كتبهم من ~~الأخبار والقصص. # ليحملوا أوزارهم هذه لام العاقبة، لأنهم لم يقولوا للقرآن: أساطير ~~الأولين ليحملوا الأوزار، ولكن لما كانت عاقبتهم ذلك جاز أن يقال: فعلوا ~~ذلك له، كقوله {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} [القصص: 8] . # وقوله: {كاملة يوم القيامة} [النحل: 25] لأنهم لم يكفر ms0971 عنهم شيء من ~~ذنوبهم بما يصيبهم في الدنيا من نكبة وبلية كما يكفر عن المؤمنين ومن أوزار ~~الذين يضلونهم لأنهم كانوا رؤساء يقتدى بهم في الضلال، فحمل عليهم من أوزار ~~من اتبعهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أيما داع دعا إلى ضلالة، فاتبع، ~~كان عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» . # وقوله: بغير علم يعني أنهم يفعلون ذلك جهلا منهم بما يكتسبون من أوزارهم، ~~ومثل أوزار من اتبعهم، ثم ذم صنيعهم، فقال: {ألا ساء ما يزرون} [النحل: 25] ~~بئس ما حملوا على ظهورهم. # قوله: {قد مكر الذين من قبلهم} [النحل: 26] يعني نمرود بن كنعان، بنى ~~صرحا طويلا ورام منه الصعود إلى السماء ليقاتل أهلها بزعمه، ومعنى المكر ~~ههنا التدبير الفاسد، قوله: {فأتى الله بنيانهم} [النحل: 26] أي: أتى أمر ~~الله، وهو الريح التي خربتها وحركتها، وقال المفسرون: أرسل الله ريحا، ~~فألقت رأس الصرح في البحر، وخر عليهم الباقي. # وقوله: من القواعد قال الزجاج: من أساطير البناء التي تعمده. # {فخر عليهم السقف من فوقهم} [النحل: 26] سقط أعلى البيوت على أصحاب ~~نمرود، {وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} [النحل: 26] من حيث ظنوا أنهم في ~~أمان منه. # {ثم يوم القيامة يخزيهم} [النحل: 27] يذلهم ويهينهم بالعذاب، {ويقول أين ~~شركائي} [النحل: 27] قال الزجاج: هذه حكاية لقولهم، والله لا شريك له. # والمعنى: أين الذين في دعواكم أنهم شركائي؟ أي: أين هم لا يحضرونكم ~~فيدفعوا عنكم العذاب؟ {الذين كنتم تشاقون فيهم} [النحل: 27] تخالفون ~~المسلمين فيهم فتعبدونهم وهم يعبدون الله، وقرأ نافع بكسر النون أراد ~~تشاقونني، فحذف إحدى النونين كما ذكرنا في قوله: فبم تبشرون، والمعنى: ~~تنازعونني فيهم وتتخذونهم أولياء من دوني، ومعنى مخالفتهم الله في الشركاء: ~~مخالفتهم أمر الله لأجلها، {قال الذين أوتوا العلم} [النحل: 27] قال ابن ~~عباس: يريد الملائكة. # وقال غيره: هم المؤمنون، يقولون حين يرون خزي الكفار يوم القيامة. # {إن الخزي اليوم والسوء} [النحل: 27] أي: الفضيحة والعذاب، على # PageV03P060 # الكافرين لا علينا. # ثم وصفهم فقال: {الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النحل: 28] تقدم ms0972 ~~تفسيره، فألقوا السلم انقادوا وأقروا لله بالربوبية، أخبر الله عنهم ~~بالمشاقة في الدنيا، وأخبر أنهم عند الموت ينقادون ويتبرءون من الشرك، وهو ~~قوله: {ما كنا نعمل من سوء} [النحل: 28] فقال الملائكة ردا عليهم: {بلى إن ~~الله عليم بما كنتم تعملون} [النحل: 28] من التكذيب والشرك. # ثم يقال لهم: {فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين} ~~[النحل: 29] مقام المتكبرين عن توحيد الله وعبادته. # {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا ~~حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين {30} جنات عدن يدخلونها تجري من ~~تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين {31} الذين ~~تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ~~{32} } [النحل: 30-32] {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم} [النحل: 30] قال ~~المفسرون: كان هذا في أيام الموسم، يأتي الرجل مكة فيسأل المشركين عن محمد ~~وأمره، فيقولون: إنه ساحر، وكاهن، وكذاب. # فيأتي المؤمنين ويسألهم عن محمد وأمره، وما أنزل الله عليه، فيقولون: ~~خيرا. # أي أنزل خيرا، ثم فسر ذلك الخير فقال: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا} ~~[النحل: 30] قالوا: لا إله إلا الله. # حسنة قال ابن عباس: يريد مضعفة بعشر. # {ولدار الآخرة} [النحل: 30] يعني الجنة، {خير ولنعم دار المتقين {30} ~~جنات عدن يدخلونها} [النحل: 30-31] هذا كما يقول: نعم الدار دار تنزلها. # قوله: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين} [النحل: 32] قال الكلبي: طيبين من ~~الشرك. # وقال مجاهد: زاكية أفعالهم وأقوالهم. # {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من ~~قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون {33} فأصابهم سيئات ما ~~عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون {34} } [النحل: 33-34] {هل ينظرون إلا ~~أن تأتيهم الملائكة} [النحل: 33] نظير هذه الآية في { [البقرة، وآخر سورة ~~الأنعام، وقد تقدم، وقوله] كذلك فعل الذين من قبلهم} [سورة النحل: 33] يريد ~~كفار الأمم الماضية، {وما ظلمهم الله} [النحل: 33] بتعذيبهم، {ولكن كانوا ~~أنفسهم يظلمون} [النحل: 33] بإقامتهم على الشرك. # {فأصابهم سيئات ما عملوا} [النحل: 34] أي جزاؤها، قال ابن عباس: جزاء ما ~~عملوا من ms0973 الشرك. # وحاق أحاط بهم، {ما كانوا به يستهزئون} [النحل: 34] من العذاب. # {وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ~~ولا حرمنا من دونه من # PageV03P061 # شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين {35} ولقد ~~بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ~~ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ~~{36} إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين {37} } ~~[النحل: 35-37] {وقال الذين أشركوا} [النحل: 35] يعني أهل مكة، {لو شاء ~~الله ما عبدنا من دونه من شيء} [النحل: 35] أي: لو شاء الله ما أشركنا، ~~ولكنه شاءه لنا، {ولا حرمنا من دونه من شيء} [النحل: 35] من البحيرة، ~~والسائبة، قال الزجاج: إنهم قالوا هذا على جهة الهزء، ولو قالوا هذا ~~معتقدين لكانوا مؤمنين، ولكنهم قالوا مستهزئين. # ونظير هذه الآية قد تقدم في { [الأنعام، وقوله:] كذلك فعل الذين من ~~قبلهم} [سورة النحل: 35] أي: من تكذيب الرسل، وتحريم ما أحل الله، {فهل على ~~الرسل إلا البلاغ المبين} [النحل: 35] يعني ليس عليهم إلا التبليغ، فأما ~~الهداية فهي إلى الله، يهدي من يشاء ويضل من يشاء. # وقد حقق هذا فيما بعد، وهو قوله: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا} [النحل: ~~36] يعني كما بعثناك في هؤلاء، {أن اعبدوا الله} [النحل: 36] أي بعبادة ~~الله، واجتنبوا الطاغوت الشيطان وكل من يدعو إلى الضلالة، {فمنهم من هدى ~~الله} [النحل: 36] أرشده، {ومنهم من حقت عليه الضلالة} [النحل: 36] قال ابن ~~عباس: يريد في سابق علمي. # قال الزجاج: أعلم الله أنه بعث الرسل بالأمر بالعبادة وهو من وراء ~~الإضلال والهداية. # ومعنى حقت عليهم الضلالة وجب عليهم الكفر، كما قال: {فريقا هدى وفريقا حق ~~عليهم الضلالة} [الأعراف: 30] ، ثم قال: {فسيروا في الأرض} [النحل: 36] أي: ~~معتبرين بآثار الأمم المكذبة، وهو قوله: {فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} ~~[النحل: 36] ثم أكد أن من حقت عليه الضلالة لا يهتدي. # فقال: {إن تحرص على ms0974 هداهم} [النحل: 37] أي: إن تطلب بجهدك ذلك، {فإن الله ~~لا يهدي من يضل} [النحل: 37] أي من يضله، وهذا كقوله: {من يضلل الله فلا ~~هادي له} [الأعراف: 186] وقرأ أهل الكوفة بفتح الياء، والمعنى: فإن الله لا ~~يرشد من أضله. # قوله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه ~~حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون {38} ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم ~~الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين {39} إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له ~~كن فيكون {40} والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا ~~حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون {41} الذين صبروا وعلى ربهم ~~يتوكلون {42} } [النحل: 38-42] {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} [النحل: 38] ~~قال ابن عباس: أغلظوا في الإيمان، تكذيبا منهم بقدرة الله على البعث بعد ~~الموت. # وهو قوله: {لا يبعث الله من يموت} [النحل: 38] فقال الله ردا عليهم: {بلى ~~وعدا عليه حقا} [النحل: 38] أي: بلى ليبعثنهم وعدا # PageV03P062 # للبعث حقا، {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [النحل: 38] يعني المشركين. # ليبين لهم بالبعث، {الذي} [النحل: 39] اختلفوا، فيه مع المؤمنين وذهبوا ~~فيه إلى خلاف ما ذهب إليه المؤمنون، {وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا ~~كاذبين} [النحل: 39] فيما أقسموا من أنه لا بعث. # ثم أخبر بقوته وقدرته على البعث فقال: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه} ~~[النحل: 40] الآية، قال الزجاج: أعلمهم الله سهولة خلق الأشياء عليه، فأخبر ~~أنه متى أراد الشيء كان. # وهذا كقوله: {فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} [غافر: 68] وقد تقدم ~~تفسيره، وقراءة أكثر القراء فيكون بالرفع على معنى فهو يكون، وقرأ ابن عامر ~~فيكون نصبا، عطفا على أن يقول فيكون. # قوله: {والذين هاجروا في الله} [النحل: 41] نزلت في قوم أذاهم المشركون ~~وعذبوهم بمكة، منهم صهيب، وبلال، وخباب، ومعنى هاجروا في الله هاجروا في ~~رضا الله وطلب ثوابه. # وقوله: {لنبوئنهم في الدنيا حسنة} [النحل: 41] أي دارا حسنة، أو بلدة ~~حسنة، وهي المدينة في قول مجاهد، والشعبي، والحسن، وقتادة، {ولأجر الآخرة ~~أكبر لو كانوا يعلمون} [النحل: 41] قال عطاء، عن ms0975 ابن عباس: يريد أن أمر ~~الجنة أكبر وأعظم من أن يعلمه أحد ويقدر على صفته أحد. # ثم أثنى عليهم ومدحهم بالصبر، فقال: {الذين صبروا} [النحل: 42] أي: على ~~دينهم لم يتركوه بمشقة وجهد أصابهم، وهم في ذلك واثقون بربهم متوكلون عليه، ~~وهو قوله: {وعلى ربهم يتوكلون} [النحل: 42] . # قوله: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن ~~كنتم لا تعلمون {43} بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما ~~نزل إليهم ولعلهم يتفكرون {44} } [النحل: 43-44] {وما أرسلنا من قبلك إلا ~~رجالا نوحي إليهم} [النحل: 43] قال المفسرون: إن مشركي مكة أنكروا نبوة ~~محمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا، فهلا ~~بعث إلينا ملكا؟ فقال الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك} [النحل: 43] أي إلى ~~الأمم الماضية إلا رجالا آدميين لا ملائكة، أعلم الله أن الرسل كانوا بشرا، ~~إلا أنهم يوحى إليهم، وقوله: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} ~~[النحل: 43] يعني أهل الكتاب، قال الزجاج: فاسألوا أهل الكتاب. # وذلك أن أهل الكتب يعترفون أن الأنبياء بشر كلهم. # وقوله: {بالبينات والزبر} [النحل: 44] أي أرسلناهم، يعني الأنبياء بالحجج ~~الواضحة والكتب، {وأنزلنا إليك الذكر} [النحل: 44] يعني القرآن، {لتبين # PageV03P063 # للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44] في هذا الكتاب من الحلال والحرام، ~~والوعد والوعيد، لعلهم يتفكرون في ذلك فيعتبرون. # قوله: {أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم ~~العذاب من حيث لا يشعرون {45} أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين {46} أو ~~يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم {47} أولم يروا إلى ما خلق الله من ~~شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون {48} ولله يسجد ما ~~في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون {49} يخافون ~~ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون {50} } [النحل: 45-50] {أفأمن الذين مكروا ~~السيئات} [النحل: 45] قال ابن عباس: يريد المشركين، أهل مكة وما حول ~~المدينة، ومعنى مكروا السيئات قال ابن عباس: عملوا السيئات يعني عبادة غير ~~الله. # وقال قتادة: يعني الشرك. # وسمى ms0976 عبادتهم غير الله مكرا لأن المكر في اللغة السعي بالفساد، {أن يخسف ~~الله بهم الأرض} [النحل: 45] كما خسف بقارون، ومعنى الاستفهام ههنا ~~الإنكار، أي: يجب ألا يأمنوا عقوبة تلحقهم كما لحقت المكذبين من قبلهم، {أو ~~يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون} [النحل: 45] قال ابن عباس: يعني يوم بدر. # يريد أنهم أهلكوا يوم بدر، وما كانوا يقدرون ذلك ولا يشعرونه. # {أو يأخذهم في تقلبهم} [النحل: 46] في أسفارهم وتجارتهم، وقال مقاتل: ~~يريد في تقلبهم في كل حال من الأحوال ليلا ونهارا، فيدخل في هذا تقلبهم على ~~الفرش يمينا وشمالا. # {فما هم بمعجزين} [النحل: 46] بممتنعين ولا فائتين. # {أو يأخذهم على تخوف} [النحل: 47] قال عامة المفسرين: على تنقص، إما بقتل ~~أو بموت. # يعني تنقص من أطرافهم ونواحيهم، يأخذ منهم الأول فالأول حتى يأتي الأخذ ~~على جميعهم، والتخوف: التنقص، يقال: هو يتخوف المال، أي: يتنقصه ويأخذ من ~~أطرافه، {فإن ربكم لرءوف رحيم} [النحل: 47] إذ لم يعجل عليهم بالعقوبة ~~والإهلاك، قال الزجاج: أي من رأفته أمهل وجعل فسحة للتوبة. # قوله: أولم يروا قراءة العامة بالياء لأن ما قبله غيبة، وهو قوله: {أن ~~يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب} [النحل: 45] ، {أو يأخذهم} [النحل: ~~46] كذلك أولم يروا وقرأ حمزة بالتاء على أن الخطاب لجميع الناس، قوله: ~~{إلى ما خلق الله من شيء} [النحل: 48] أراد من # PageV03P064 # شيء له ظل من جبل، وشجر، وبناء، وجسم قائم، يتفيأ يتفعل من الفيء، يقال: ~~فاء الظل يفيء فيئا إذا رجع وعاد بعد ما كان ضياء الشمس نسخه. # وتفيؤ الظلال: رجوعها بعد انتصاب النهار، وقوله: ظلاله جمع ظل، وجمع هو ~~مضاف إلى مفرد لأنه واحد يراد به الكثرة، ومثله: {لتستووا على ظهوره} ~~[الزخرف: 13] ومعنى تفيؤ الظلال عن اليمين والشمائل، قال الكلبي: إذا طلعت ~~الشمس وأنت متوجه إلى القبلة كان الظل قدامك، فإذا ارتفعت كان على يمينك، ~~فإذا كان بعد ذلك كان خلفك، وإذا كان قبل أن تغرب الشمس كان يسارك، فهذا ~~تفيؤه عن اليمين والشمائل، أي تميله عن جانب إلى جانب. # ووحد اليمين ms0977 والمراد به الجمع إيجازا في اللفظ كقوله: يولون الدبر ودلت ~~الشمائل على أن المراد به الجميع، وقوله: سجدا لله دورانه من جانب إلى جانب ~~هو سجوده لأنه مستسلم منقاد مطيع بالتسخير، وهذه الآية كقوله: {وظلالهم ~~بالغدو والآصال} [الرعد: 15] وقد مر بيانه، قوله: وهم داخرون أي صاغرون، ~~يقال: دخر يدخر دخورا، فهو داخر، وهو الذي يفعل ما تأمره شاء أو أبى، قال ~~الزجاج: يعني أن هذه الأشياء مجبولة على الطاعة. # قوله: {ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض} [النحل: 49] السجود على ~~نوعين: سجود عبادة وطاعة كسجود المسلمين، وسجود هو خضوع وتذلل وهو سجود ما ~~لا يعقل، وسجود الجمادات، وهذه الأشياء بما فيها من الدلالة على الحاجة إلى ~~مدبر وصانع ساجدة، أي خاضعة متذللة، وقوله: من دابة قال ابن عباس: يريد كل ~~ما دب على الأرض. # والملائكة أخرجهم بالذكر لخروجهم عن صفة الدبيب بما جعل لهم من الأجنحة، ~~{وهم لا يستكبرون} [النحل: 49] يريد عن عبادة الله، وهذا من صفة الملائكة ~~خاصة لقوله: {يخافون ربهم من فوقهم} [النحل: 50] وفي هذه الآية قولان: ~~أحدهما أن الآية من باب حذف المضاف على تقدير يخافون من عقاب ربهم من ~~فوقهم، لأن أكثر ما يأتي العقاب المهلك إنما يأتي من فوق، والآخر: أن الله ~~تعالى لما كان موصوفا بأنه علي متعال علو الرتبة في القدرة، حسن أن يقال: ~~من فوقهم ليدل على أنه في أعلى مراتب القادرين، وهذا معنى قول ابن عباس في ~~رواية مجاهد، قال: ذلك مخافة الإجلال. # واختاره الزجاج، فقال: يخافون ربهم خوف مجلين. # ويدل على صحة هذا المعنى قوله: {وهو القاهر فوق عباده} [الأنعام: 18] ~~وقوله إخبارا عن فرعون: {وإنا فوقهم قاهرون} [الأعراف: 127] وذهب بعض الناس ~~إلى أن قوله: من فوقهم من صفة الملائكة، والمعنى أن الملائكة الذين هم فوق ~~بني آدم، وفوق ما في الأرض من دابة يخافون الله مع علو رتبتهم، فلأن يخاف ~~من دونهم أولى، وقوله: {ويفعلون ما يؤمرون} [النحل: 50] يعني الملائكة، ~~وهذا كقوله: {لا يعصون الله ما أمرهم} [التحريم: 6] . # قوله ms0978: { # PageV03P065 # وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون {51} ~~وله ما في السموات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون {52} وما بكم ~~من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون {53} ثم إذا كشف الضر عنكم ~~إذا فريق منكم بربهم يشركون {54} ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ~~{55} } [النحل: 51-55] {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين} [النحل: 51] أي ~~لا تعبدوا معه غيره، {إنما هو إله واحد} [النحل: 51] ليس له ثان، ثم حذرهم ~~نفسه، فقال: {فإياي فارهبون} [النحل: 51] . # {وله الدين واصبا} [النحل: 52] الدين الطاعة، والوصوب الدوام، وصب الشيء ~~يصب وصوبا فهو واصب إذا دام، قال الزجاج: أي طاعته واجبة أبدا. # وقال ابن قتيبة ليس من أحد يطاع إلا انقطع ذلك بزوال، أو هلكة غير الله، ~~فإن الطاعة تدوم له. # ثم قال: {أفغير الله تتقون} [النحل: 52] أي: أفغير الله الذي قد أبان لكم ~~أنه واحد خالق كل شيء وأمر أن لا يتخذ معه إله تتقون. # {وما بكم من نعمة فمن الله} [النحل: 53] أي: ما أعطاكم من صحة جسم، أو ~~سعة في رزق، أو إمتاع بمال وولد فكل ذلك من الله عز وجل. ### | 517 - # أخبرنا الأستاذ أبو الحسن علي بن محمد البغدادي، نا أبو العباس محمد بن ~~يعقوب، نا محمد بن سنان القزاز، نا أبو سلمة، نا هشام بن زياد، عن عمرو بن ~~حسين، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، رضي الله عنها، عن النبي، صلى الله ~~عليه وسلم، قال: «ما مست عبدا نعمة فعلم أنها من الله إلا كتب له شكرها وإن ~~لم يحمد» # وقوله: {ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون} [النحل: 53] قال ابن عباس: يريد ~~الأسقام والأمراض والحاجة. # فإليه ترفعون أصواتكم بالاستغاثة، وتتضرعون بالدعاء، يقال: جأر يجأر ~~جؤارا إذا رفع صوته في تضرع. # {ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم} [النحل: 54] الآية، قال ابن عباس: ~~يريد أهل النفاق. # وقال الكلبي: يعني الكفار. # قال الزجاج: هذا خاص فيمن كفر وقابل كشف الضر عنه بالجحود والكفر. # {ليكفروا بما آتيناهم} [النحل: 55] ليجحدوا ms0979 نعمة الله في كشف الضر عنهم، ~~ثم أوعدهم بقوله: {فتمتعوا} [النحل: 55] أي بدنياكم الفانية، {فسوف تعلمون} ~~[النحل: 55] عاقبة أمركم، وما ينزل بكم من العذاب. # قوله: {ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم ~~تفترون {56} ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون {57} وإذا بشر أحدهم ~~بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم {58} يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ~~أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون {59} } [النحل: 56-59] ~~{ويجعلون لما لا يعلمون} [النحل: 56] يعني الأوثان لا يعلمون لها ضرا ولا ~~نفعا، ومفعول العلم محذوف، وتقديره # PageV03P066 # ما ذكرنا، وهذا قول مجاهد، وقتادة. # وقال أهل المعاني: هذا من صفة الأوثان، والمعنى: ويجعلون للشركاء ~~والأصنام الذين لا يعلمون شيئا ولا معرفة لهم ولا حسنا، {نصيبا مما ~~رزقناهم} [النحل: 56] قال المفسرون: هم مشركو العرب، جعلوا لأوثانهم جزءا ~~من أموالهم كقوله: {فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا} [الأنعام: 136] . # ثم خاطبهم بعد الخبر عنهم، فقال: {تالله لتسألن} [النحل: 56] سؤال توبيخ، ~~{عما كنتم تفترون} [النحل: 56] تتقولونه على الله من أنه أمركم بذلك. # {ويجعلون لله البنات} [النحل: 57] قال المفسرون: يعني خزاعة، وكنانة ~~زعموا أن الملائكة بنات الله. # سبحانه تنزيها له عما زعموا، {ولهم ما يشتهون} [النحل: 57] يعني البنين، ~~فهذا كقوله: {أم له البنات ولكم البنون} [الطور: 39] . # ثم ذكر كراهيتهم البنات، فقال: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى} [النحل: 58] ~~أخبر بولادة بنت، والتبشير ههنا بمعنى الإخبار كقوله: {فبشرهم بعذاب أليم} ~~[آل عمران: 21] ، {ظل وجهه مسودا} [النحل: 58] تغير وجهه تغير مغتم، قال ~~قتادة: هذا صنيع مشركي العرب، أخبر الله بخبث صنيعهم، فأما المؤمن، فهو ~~حقيق أن يرضى بما قسم الله له، وقضاء الله للمرء خير مما قضى المرء لنفسه، ~~وما قضى لك يا ابن آدم فيما تكره خير مما قضى لك فيما تحب فاتق الله، وارض ~~بقضائه، فإنه رب جارية خير لأهلها من غلام، ورب غلام لا يأتي أهله بخير، ~~وقوله: وهو كظيم أي: ممتلئ غما. # يتوارى يختفي ويتغيب، {من القوم من سوء ما بشر به} [النحل ms0980: 59] كان الرجل ~~في الجاهلية إذا ضرب امرأته المخاض توارى إلى أن يعلم ما يولد له، فإن كان ~~ذكرا سر به وابتهج، وإن كانت أنثى اكتأب لها وحزن، ولم يظهر للناس أياما، ~~يدبر كيف يصنع في أمرها، وهو قوله: {أيمسكه على هون} [النحل: 59] أي يحبسه، ~~والإمساك ههنا بمعنى الحبس كقوله: {أمسك عليك زوجك} [الأحزاب: 37] والكناية ~~تعود إلى ما في قوله: {ما بشر به} [النحل: 59] والهون الهوان يقال: إنه ~~ليهون علي هونا وهوانا. # قال المفسرون: كان أحدهم في الجاهلية إذا ولدت له بنت ضاق بها ذرعا فلم ~~يدر ما يصنع بها، أيدسها تحت التراب، أو يتهاون بها فيلقيها. # والدس: إخفاء الشيء في الشيء، يعني ما كانوا يفعلونه من الوأد في ~~الجاهلية، قوله: {ألا ساء ما يحكمون} [النحل: 59] قال ابن عباس: بئس ما ~~حكموا إذ جعلوا لله البنات اللاتي محلهن منهم هذا المحل، ونسبوه إلى اتخاذ ~~الولد، وجعلوا لأنفسهم البنين. # وهذا كقوله: {ألكم الذكر وله الأنثى {21} تلك إذا قسمة ضيزى {22} } ~~[النجم: 21-22] . # قوله: { # PageV03P067 # للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ~~{60} ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى ~~أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون {61} ويجعلون لله ~~ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم ~~مفرطون {62} تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم ~~فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم {63} وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم ~~الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون {64} } [النحل: 60-64] {للذين لا ~~يؤمنون بالآخرة مثل السوء} [النحل: 60] أي: صفة السوء من احتياجهم إلى ~~الولد وكراهيتهم الإناث خوف العيلة والعار، {ولله المثل الأعلى} [النحل: ~~60] الصفة العليا من تنزهه عن الولد. # قوله: {ولو يؤاخذ الله الناس} [النحل: 61] قال ابن عباس: يريد المشركين. # بظلمهم بافترائهم على الله، {ما ترك عليها} [النحل: 61] على الأرض، من ~~دابة يعني دواب الأرض، قال السدي: يقول لأقحط المطر، فلم يبق في الأرض دابة ~~إلا هلكت ms0981. # وروي عن ابن مسعود، أنه قرأ هذه الآية، فقال: كاد أن يهلك الجعل في جحره ~~بذنب ابن آدم. # والمعنى أن شؤم ذنوب المشركين كاد أن يصيب دواب الأرض حتى تهلك بسبب ذلك ~~لولا حلم الله وتأخيره العقوبة، {ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} [النحل: 61] ~~يعني منتهى آجالهم، وانقضاء أعمارهم، وباقي الآية تقدم تفسيره. # ويجعلون يعني المشركين، {لله ما يكرهون} [النحل: 62] يعني البنات، ~~والمعنى: يحكمون لله بما يكرهون هم لأنفسهم، {وتصف ألسنتهم الكذب} [النحل: ~~62] أي: تقول الكذب، ثم فسر ذلك الكذب، فقال: {أن لهم الحسنى} [النحل: 62] ~~يعني الجنة، قال الزجاج: يصفون أن لهم مع قبيح قولهم من الله الجزاء الحسن، ~~فرد الله عليهم قولهم، وأثبت لهم النار، فقال: {لا جرم أن لهم النار} ~~[النحل: 62] ، لا رد لقولهم، أي: ليس الأمر على ما وصفوا جرم فعلهم وقولهم، ~~أي: كسب لهم النار، والمفسرون يقولون: حقا إن لهم النار، {وأنهم مفرطون} ~~[النحل: 62] قال مجاهد، والكلبي، والضحاك: متركون منسيون في النار. # وقال الكسائي: يقال: ما أفرطت # PageV03P068 # من القوم أحدا، أي ما تركت. # وقال الفراء: تقول العرب: أفرطت من القوم ناسا، أي خلقتهم ونسيتهم. # وقال قتادة: معجلون إلى النار، يقال: أفرط القوم الفارط إذا قدموا إلى ~~الماء ليصلح لهم شأنهم. # وهذا اختيار الزجاج، قال: معنى مفرطون مقدمون إلى النار. # وقرأ نافع بكسر الراء على معنى أنهم أفرطوا في الذنوب فكانوا مفرطين على ~~أنفسهم في معصية الله، وقال ابن عباس: أفرطوا في الافتراء على الله. # قوله: {تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك} [النحل: 63] قال ابن عباس يعزي ~~نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا. # يقول: لقد أرسلنا إلى أمم، يعني رسلا وأنبياء من قبلك، فزين لهم الشيطان ~~حتى عصوا وكذبوهم، {فهو وليهم اليوم} [النحل: 63] يعني يوم القيامة، يقول: ~~فهو ولي أولئك الذين زين لهم سوء أعمالهم يوم القيامة، ومن كان الشيطان ~~وليه ذلك اليوم دخل النار. # {وما أنزلنا عليك الكتاب} [النحل: 64] يعني القرآن وما فيه من أخبار ~~الأمم الماضية، {إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه} [النحل: 64] إلا لتبين ms0982 ~~لهؤلاء الكفار ما اختلف فيه الأمم من الدين والأحكام، فذهبوا فيه إلى خلاف ~~ما ذهب إليه المسلمون، فتقوم الحجة عليهم بدعائك وبيانك، وهدى ورحمة وللهدى ~~والرحمة، لقوم يؤمنون. # وما بعده ظاهر إلى قوله: {والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد ~~موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون {65} وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم ~~مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين {66} ومن ثمرات ~~النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ~~{67} وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ~~{68} ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ~~ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون {69} والله خلقكم ثم ~~يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله ~~عليم قدير {70} } [النحل: 65-70] {وإن لكم في الأنعام} [النحل: 66] يعني ~~الإبل والبقرة والغنم، لعبرة لدلالة على قدرة الله، ثم ذكرها، فقال: ~~{نسقيكم مما في بطونه} [النحل: 66] من فتح النون فحجته ظاهرة لأنه يقال: ~~سقيته ماء ولبنا، وما كان للشفة فهو بفتح # PageV03P069 # النون. # ومن ضم النون، فهو من قولهم: أسقاه إذا جعل له شربا، كقوله: {وأسقيناكم ~~ماء فراتا} [المرسلات: 27] وذكر الكناية في بطونه لأن النعم والأنعام شيء ~~واحد، فرجع التذكير إلى النعم إذ كان يؤدي عن معنى الأنعام، وهذا قول ~~الفراء، وأنشد: # وطاب ألبان اللقاح وبرد # فرجع إلى اللبن، لأن اللبن والألبان بمعنى واحد، وقال الكسائي: أراد مما ~~في بطون ما ذكرنا. # قال الفراء: وهو الصواب. # وقال المبرد: هذا فاش في القرآن مثل قوله للشمس: {هذا ربي} [الأنعام: 76] ~~. # يعني هذا الشيء الطالع، وكذلك {وإني مرسلة إليهم بهدية} [النمل: 35] ثم ~~قال: {فلما جاء سليمان} [النمل: 36] ولم يقل: جاءت، لأن المعنى جاء الشيء ~~الذي ذكرنا، وقوله: {من بين فرث ودم} [النحل: 66] الفرث سرجين الكرش، قال ~~ابن عباس في رواية الكلبي: إذا استقر العلف في الكرش صار أسفله فرثا ms0983، ~~وأعلاه دما، وأوسطه لبنا، فيجري الدم في العروق، والبن في الضرع، ويبقى ~~الفرث كما هو. # فذلك قوله: {من بين فرث ودم لبنا خالصا} [النحل: 66] لا يشوبه الدم ولا ~~الفرث، سائغا للشاربين جائزا في حلوقهم، يقال: ساغ الشراب في الحق وأساغه ~~صاحبه. # ومنه قوله: {ولا يكاد يسيغه} [إبراهيم: 17] قال أصحابنا: وهذه الآية تدل ~~على أن مني الآدمي طاهر وإن كان في باطنه مجاورا للنجاسات، كاللبن الطاهر ~~يخرج من بين نجسين. # قوله: {ومن ثمرات النخيل} [النحل: 67] الآية، قال صاحب النظم: تقدير ~~الآية ولكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا. # والعرب تضمر ما، كقوله: {وإذا رأيت ثم} [الإنسان: 20] أي: ما ثم، ~~والأعناب عطف على الثمرات، أي: ومن الأعناب، {تتخذون منه سكرا} [النحل: 67] ~~وكل ما يسكر، والرزق الحسن ما أحل منهما كالزبيب، والخل، والتمر. ### | 518 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، نا محمد بن الحسن السراج، أنا الحسن ~~بن المثنى بن معاذ، أنا أبو حذيفة # PageV03P070 # موسى بن مسعود، أنا سفيان الثوري، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، ~~عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية: {تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا} ؛ قال: ~~السكر: ما حرم من ثمرها، والرزق الحسن: ما أحل الله من ثمرها، رواه الحاكم ~~في (صحيحه) ، عن أبي النضر الفقيه، عن معاذ بن نجدة، عن قبيصة، عن سفيان، ~~وهذه الآية نازلة قبل تحريم الخمر، قال مجاهد: أما السكر؛ فهي الخمر قبل أن ~~تحرم، وأما الرزق الحسن؛ فالتمر، والعنب، والزبيب، وشبهه ### | 519 - # حدثنا الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني، إملاء في مسجد عقيل ~~سنة ست عشرة وأربع مائة، أنا الإمام أبو بكر الإسماعيلي، نا إسحاق بن ~~إبراهيم الكوفي، نا إسحاق بن حاتم، نا مسعود بن مشكان الواسطي، نا عبد الله ~~بن عون، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله ~~عليه وسلم: " في العنب خمسة أشياء حلال: تأكلونه عنبا، وعصيرا ما لم ينش، ~~وتتخذون منه زبيبا، وربا، وخلا " # قوله: {وأوحى ربك إلى النحل} [النحل: 68] قال: المفسرون قذف ms0984 في أنفسها ~~وألهمها، {أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر} [النحل: 68] قال ابن عباس: ~~هي تتخذ من الجبال لأنفسها بيوتا إذا كانت لا أصحاب لها. # وقوله: {ومما يعرشون} [النحل: 68] قرئ بضم الراء وكسرها، وهما لغتان مثل ~~يعكفون ويعكفون، ومعناه: يبنون ويسقفون، يعني ما يبني الناس لها من خلاياها ~~التي تعمل فيها النحل، ولولا التسخير وإلهام الله ما كانت تأوي إلى ما يبنى ~~لها من بيوتها. # {ثم كلي من كل الثمرات} [النحل: 69] مما تثمره الأشجار {فاسلكي سبل ربك} ~~[النحل: 69] قال ابن عباس: طرق ربك تطلب فيها الرعي. # {ذللا} [النحل: 69] جمع ذلول وهو المنقاد اللين المسخر، ويجوز أن يكون من ~~نعت النحل، يعني مطيعة للتسخير وإخراج العسل من بطنها، وهذا قول قتادة، ~~واختيار ابن قتيبة. # ويجوز أن يكون من نعت السبل، وهو قول مجاهد، قال: لا يتوعر عليها مكان ~~سلكته، وهي ترعى الأماكن البعيدة ذوات # PageV03P071 # الغياض. # واختاره الزجاج، لأنه قال: قد ذللها الله لك وسهل عليك مسالكها. # وقوله: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه} [النحل: 69] قال ابن عباس: ~~منه أحمر، وأبيض، وأصفر. # وقال الزجاج: هي تأكل الحامض والمر، فيحيل الله ذلك عسلا، يخرج من بطونها ~~إلا أنها تلقيه من أفواهها كالريق الذي يخرج من فم ابن آدم. # وقوله: {فيه شفاء للناس} [النحل: 69] قال السدي: فيه شفاء للأوجاع التي ~~شفاؤها فيه. # وقال قتادة: فيه شفاء للناس من الأدواء. ### | 520 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن حمدان العدل، أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن ~~يعقوب، أنا أحمد بن عبد الرحمن السقطي، نا يزيد بن هارون، أنا شعبة، عن ~~قتادة، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري، قال: جاء رجل إلى ~~النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا رسول الله، إن أخي قد استطلق بطنه، ~~فقال: اسقه عسلا فسقاه عسلا، ثم أتاه فقال: سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، ~~ثم قال: اسقه عسلا، قال: فشفي إما في الثالثة، وإما في الرابعة، فقال رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم: صدق الله، وكذب بطن أخيك " رواه البخاري ms0985، ومسلم، ~~عن غندر، عن شعبة، ومعنى قوله: صدق الله؛ أي: في قوله {فيه شفاء للناس} ### | 521 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنا محمد بن أحمد بن حماد الدقاق، ~~أخبرني محمد بن إسحاق السراج، نا الحسن بن حماد الوراق، نا أبو أسامة، عن ~~هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «كان رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم، يحب الحلواء والعسل» . # رواه البخاري، عن إسحاق الحنظلي، عن أبي أسامة ### | 522 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ، نا أبو يحيى الرازي، نا سهل بن ~~عثمان، نا الحكم، عن السدي، عن عبد خير، عن علي، رضي الله عنه، قال: أتي ~~برجل سقيم، فقالوا: إنا عالجناه فليس ينفعه شيء، فقال علي: ليأخذن من مهر ~~امرأته أربعة دراهم، فيشتري بها عسلا فإذا أمطرت السماء فليشرب به، قال ~~الله، تعالى: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} ### | 523 - # أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعي، أنا محمد بن بشر بن العباس، أنا محمد ~~بن إدريس الشامي، نا سويد بن سعيد، نا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن خيثمة، ~~قال: قال عبد الله بن مسعود: عليكم بشفاءين: القرآن والعسل # وقوله: { # PageV03P072 # إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} [النحل: 69] أي: في عظمة الله وقدرته. # قوله: والله خلقكم الآية، قال المفسرون: خلقكم ولم تكونوا شيئا. # ثم يتوفاكم عند انقضاء آجالكم، {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} [النحل: ~~70] وهو أرداه وأوضعه، يقال: رذل يرذل رذالة. # قال السدي: أرذل العمر الخوف. # وقال قتادة. # تسعون سنة. # وروي عن علي رضي الله عنه، قال: أرذل العمر خمس وسبعون سنة. # قوله: {لكي لا يعلم بعد علم شيئا} [النحل: 70] قال ابن عباس: كي يصير ~~كالصبي الذي لا عقل له. # قال عطاء، عن ابن عباس: ليس هذا في المسلمين، المسلم لا يزداد في طول ~~العمر والبقاء إلا كرامة عند الله، وعقلا، ومعرفة. # وقال عكرمة: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر حتى لا يعلم بعد علم ~~شيئا. # {إن الله عليم} [النحل: 70] بما صنع بأوليائه وأعدائه، قدير على ms0986 ما يريد. # {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ~~ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون {71} والله جعل لكم من ~~أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل ~~يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون {72} ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم ~~رزقا من السموات والأرض شيئا ولا يستطيعون {73} فلا تضربوا لله الأمثال إن ~~الله يعلم وأنتم لا تعلمون {74} } [النحل: 71-74] {والله فضل بعضكم على بعض ~~في الرزق} [النحل: 71] يعني كثر وقلل، وبسط وقبض، ووسع وضيق، {فما الذين ~~فضلوا} [النحل: 71] في الرزق، وأعطوا الفضل، {برادي رزقهم على ما ملكت ~~أيمانهم} [النحل: 71] يقول: لا يرد المولى على ما ملكت يمينه مما زرق شيئا ~~حتى يكون المولى والمملوك في المال سواء. # وهذا مثل ضربه الله للمشركين في تصييرهم عبادا له شركاء له، فقال: إذا لم ~~يكن عبيدكم معكم سواء في الملك فكيف تجعلون عبيدي معي سواء؟ قال السدي: ~~يقول: فكما لا يرد أحدكم على مملوكه مما رزقه حتى يكون مثله، فكذلك لا يكون ~~الله والصنم الذي هو من خلقه وملكه سواء. # {أفبنعمة الله يجحدون} [النحل: 71] حيث أشركوا به غيره، ومن قرأ بالتاء ~~كان التقدير قل لهم يا محمد أفبنعمة الله تجحدون بالإشراك به؟ فقوله: ~~{والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} [النحل: 72] قال المفسرون: يعني النساء، # PageV03P073 # خلق حواء من ضلع آدم. # {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} [النحل: 72] الحفدة جمع حافد، يقال: ~~حفد يحفد حفدا وحفودا إذا أسرع، ومنه الدعاء: وإليك نسعى ونحفد. # وكل من خف في الخدمة، وأسرع في العمل بالطاعة، فهو حافد، قال ابن عباس في ~~رواية الوالبي: هم أختان الرجل على بناته. # وقال السدي، وعكرمة: هم ولد الرجل الذين يعينونه. # وقال مجاهد: ولد الولد. # وقال عطية العوفي: هم بنو امرأة الرجل ليسوا منه. # قوله: {ورزقكم من الطيبات} [النحل: 72] قال ابن عباس: يريد من أنواع ~~الثمار والحبوب والحيوان. # {أفبالباطل يؤمنون} [النحل: 72] قال: يعني الأصنام. # وقال مقاتل: يعني الشيطان. # وقال عطاء: يصدقون ms0987 أن لي شريكا وصاحبة وولدا. # {وبنعمت الله هم يكفرون} [النحل: 72] قال ابن عباس: يعني التوحيد، وما ~~أنعم عليهم من القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم. # وقوله: {ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات} [النحل: ~~73] يعني الأصنام لا تملك أن ترزقهم من السموات المطر، ولا من الأرض النبات ~~والثمار التي تخرج منها، وقوله: شيئا قال الأخفش: جعل شيئا بدلا من الرزق. # وهو في معنى: لا يملكون رزقا قليلا ولا كثيرا، ولا يستطيعون لا يقدرون ~~على شيء، وليست لهم استطاعة. # {فلا تضربوا لله الأمثال} [النحل: 74] أي ولا تشبهوه بخلقه لأنه لا يشبه ~~شيئا ولا يشبهه شيء، {إن الله يعلم} [النحل: 74] قال ابن عباس: يعلم ما ~~يكون قبل أن يكون، وما هو كائن إلى يوم القيامة. # {وأنتم لا تعلمون} [النحل: 74] قدر عظمتي، حيث أشركتم بي، وعجزتموني أن ~~أبعث خلقي. # قوله: {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا ~~حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون {75} ~~وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما ~~يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم {76} } ~~[النحل: 75-76] {ضرب الله مثلا} [النحل: 75] بين الله شبها فيه بيان ~~المقصود، ثم ذكر ذلك المثل، فقال: عبدا مملوكا إلى قوله: سرا وجهرا قال # PageV03P074 # السدي: هذا مثل ضربه الله للآلهة، يقول: كما لا يستوي عندكم عبد مملوك لا ~~يقدر من أمره على شيء، ورجل حر فقد رزق رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا ~~لا يخاف من أحد، فكذلك أنا، وهذه الآلهة التي تدعون ليست تملك شيئا، وأنا ~~الذي أملك وأرزق من شئت. # وقوله: هل يستوون جمع الفعل لأن المراد بقوله: عبد مملوكا وبقوله: ومن ~~رزقناه الشيوع في الجنس لا التخصيص، وقوله: الحمد لله أنه المستحق للحمد، ~~لأنه المنعم ولا نعمة للأصنام عندهم، {بل أكثرهم لا يعلمون} [النحل: 75] ~~يعني أن المشركين لا يعلمون أن ms0988 الحمد لي لأن جميع النعمة مني، وذكر الأكثر ~~وهو يريد الجميع. # ثم ذكر مثلا آخر، فقال: {وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم} [النحل: 76] ~~لا يقدر على شيء، وهو العيي الأقطع اللسان، {لا يقدر على شيء} [النحل: 76] ~~من الكلام لأنه لا يفهم ولا يفهم عنه، {وهو كل على مولاه} [النحل: 76] ثقل ~~ووبال على صاحبه وقريبه وابن عمه، والكل الذي هو عيال وثقل على صاحبه، ~~أينما يوجهه أينما يرسله، والتوجيه: الإرسال في وجه الطريق، يقال: وجهته ~~إلى موضع كذا فتوجه إليه. # وقوله: {لا يأت بخير} [النحل: 76] لأنه عاجز لا يفهم ما يقال له ولا يفهم ~~عنه، {هل يستوي هو} [النحل: 76] أي: هذا الأبكم الذي هو بهذا الوصف، {ومن ~~يأمر بالعدل} [النحل: 76] وهو قادر تام التمييز متكلم، ناطق بالحق، آمر ~~بالعدل، {وهو على صراط مستقيم} [النحل: 76] دين مستقيم، وهذا مثل للمؤمن ~~والكافر. ### | 524 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا أبو بكر محمد بن جعفر بن ~~الهيثم الأنباري، نا جعفر بن محمد بن شاكر، نا عفان، نا وهيب، نا عبد الله ~~بن عثمان بن خثيم، عن إبراهيم، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: نزلت في رجلين؛ ~~فالأبكم منهما الكل على مولاه: هو السيد ابن أبي العيص، والذي يأمر بالعدل ~~وهو على صراط مستقيم: هو عثمان بن عفان، رضي الله عنه # قوله: {ولله غيب السموات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو ~~أقرب إن الله على كل شيء قدير {77} والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون ~~شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون {78} ألم يروا إلى ~~الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ~~{79} والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا ~~تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ~~ومتاعا إلى حين {80} } [النحل: 77-80] {ولله غيب السموات والأرض} [النحل: ~~77] تقدم تفسيره، قوله: {وما أمر الساعة} [النحل: 77] يعني القيامة، {إلا ~~كلمح البصر} [النحل: 77] اللمح النظر بسرعة، يقال: لمحه ms0989 ببصر، قال السدي: ~~يقول: هو كلمح العين من السرعة. # {أو هو أقرب} [النحل: 77] من ذلك إذا أردنا، وقال الزجاج: أعلم الله أن ~~البعث والإحياء في قدرته ومشيئته كلمح البصر أو هو أقرب، ليس يريد أن ~~الساعة تأتي في أقرب من لمح البصر، ولكنه يصف سرعة القدرة على الإتيان بها ~~متى شاء. # يدل على هذا قوله: { # PageV03P075 # إن الله على كل شيء قدير} [النحل: 77] . # قوله: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} [النحل: 78] أي: ~~أخرجكم جاهلين غير عالمين، {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة} [النحل: 78] ~~خلق لكم الحواس التي بها تعلمون وتقفون على ما تجهلون، لعلكم تشكرون لكي ~~تشكروا خالق هذه الحواس، فتعرفوا نعمته وقدرته. # ثم ذكر الدليل عليها، فقال: {ألم يروا إلى الطير مسخرات} [النحل: 79] ~~مذللات، {في جو السماء} [النحل: 79] وهو الهواء، ما يمسكهن حتى لا يسقطن ~~على الأرض، إلا الله وهذا كقوله: {أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات} ~~[الملك: 19] ، وقوله: {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا} [النحل: 80] موضعا ~~تسكنون فيه، قال ابن عباس، ومجاهد: يعني المساكن من الحجر والمدر. # يستر عوراتكم وحرمكم، وذلك أن الله خلق الخشب والمدر والآلة التي بها ~~يمكن تسقيف البيوت وبناؤها، {وجعل لكم من جلود الأنعام} [النحل: 80] يعني ~~الأنطاع والأدم، بيوتا يعني القباب والخيام، {تستخفونها يوم ظعنكم} [النحل: ~~80] يخف عليكم حملها في أسفاركم، وفيه قراءتان: تسكين العين، وتحريكها، ~~وهما لغتان كالشعر والشعر، والنهر والنهر، ومعنى الظعن سير أهل البوادي ~~لنجعة، أو حضور ماء، أو طلب مرتع، ويوم إقامتكم قال مقاتل: لا تثقل عليكم ~~في الحالتين، ومن أصوافها وهي للضأن، وأوبارها وهي للإبل، وأشعارها وهي ~~للمعز، أثاثا الأثاث أنواع المتاع من متاع البيت من الفرش، والأكسية، قال ~~ابن عباس: يريد طنافس، وبسطا، وثيابا، وكسوة، ومتاعا يتمتعون به، إلى حين ~~البلى. # قوله: {والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم ~~سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون} ~~[النحل: 81] {والله جعل لكم مما خلق ظلالا} [النحل: 81] قال ابن عباس ms0990: يريد ~~ظلال الغمام. # كما قال: {وظللنا عليكم الغمام} [البقرة: 57] وقال الكلبي: يعني ظلال ~~البيوت تقيكم من الشمس. # وقال قتادة: ظلالا هي الشجر. # واختاره الزجاج، فقال: جعل لكم من الشجر ما يستظل به. # {وجعل لكم من الجبال أكنانا} [النحل: 81] يعني الغيران والأسراب، واحدها ~~كن، وهو كل شيء وقى شيئا وستره، {وجعل لكم سرابيل} [النحل: 81] وهي القمص، ~~واحدها سربال. # قال ابن عباس، وقتادة: هي القمص من الكتان، والقطن، والصوف. # وقوله: {تقيكم الحر} [النحل: 81] ولم يقل البرد، # PageV03P076 # لأن ما وقى من الحر وقى من البرد، فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر للعلم به، ~~وقوله: {وسرابيل تقيكم بأسكم} [النحل: 81] يعني دروع الحديد تقيكم شدة ~~الطعن والضرب والرمي، كذلك مثل ما جعل لكم هذه الأشياء وأنعم بها عليكم، ~~{يتم نعمته عليكم} [النحل: 81] يريد نعمة الدنيا، لأن الخطاب لأهل مكة، يدل ~~على هذا قوله: {لعلكم تسلمون} [النحل: 81] قال ابن عباس: لعلكم يا أهل مكة ~~تعلمون أنه لا يقدر على هذا غيره فتوحدوه وتصدقوا رسوله صلى الله عليه ~~وسلم. # قوله: {فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين {82} يعرفون نعمت الله ثم ~~ينكرونها وأكثرهم الكافرون {83} ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن ~~للذين كفروا ولا هم يستعتبون {84} وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف ~~عنهم ولا هم ينظرون {85} وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء ~~شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون {86} ~~وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون {87} الذين كفروا ~~وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون {88} } ~~[النحل: 82-88] فإن تولوا أعرضوا عن الإيمان، فإنما عليك يا محمد، البلاغ ~~المبين عليك أن تبلغ الرسالة وتبين الدلالة، وهذا تسلية للنبي صلى الله ~~عليه وسلم. # {يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها} [النحل: 83] قال السدي: يعني محمدا صلى ~~الله عليه وسلم، واختاره الزجاج، فقال: يعرفون أن أمر محمد صلى الله عليه ~~وسلم حق ثم ينكرون ذلك. # وقال الكلبي: قروا بأن ما ذكر من النعم في هذه ال { [كلها من الله ms0991، ~~ولكنهم قالوا بشفاعة آلهتنا. # واختاره الفراء، فقال: وإذا قيل لهم: من رزقكم. # قالوا: الله. # ثم يقولون بشفاعة آلهتنا فيشركون، فذلك إنكارهم نعمته، وأكثرهم الكافرون ~~قال الحسن: وجميعهم كفار. # فذكر الأكثر والمراد به الجميع. # قوله:] ويوم نبعث من كل أمة شهيدا} [سورة النحل: 84] يعني يوم القيامة ~~نبعث الأنبياء ليشهدوا على الأمم بما فعلوا من التصديق والتكذيب، {ثم لا ~~يؤذن للذين كفروا} [النحل: 84] في الكلام والاعتذار، {ولا هم يستعتبون} ~~[النحل: 84] ولا يطلب منهم أن يرجعوا # PageV03P077 # إلى ما أمر الله ويرضاه، لأن الآخرة ليست بدار تكليف، {وإذا رأى الذين ~~ظلموا} [النحل: 85] أشركوا بالله، العذاب يعني النار، {فلا يخفف عنهم} ~~[النحل: 85] العذاب، {ولا هم ينظرون} [النحل: 85] لا يؤخرون ولا يمهلون. # {وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم} [النحل: 86] يعني الأصنام التي جعلوها ~~شركاء لله في العبادة، وذلك أن الله تعالى يبعث كل ما كان يعبد من دون ~~الله، {قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك فألقوا إليهم ~~القول} [النحل: 86] أي أجابوهم، وقالوا لهم: {إنكم لكاذبون} [النحل: 86] ~~كذبوهم في عبادتهم إياهم، لأن الشركاء كانت جمادا أمواتا ما كانت تعرف ~~عبادة عابديها، فظهر عند ذلك فضيحتهم حيث عبدوا من لم يشعر بالعبادة، وهذا ~~كقوله: {كلا سيكفرون بعبادتهم} [مريم: 82] ، {وألقوا إلى الله يومئذ السلم} ~~[النحل: 87] استسلموا وأقروا لله بالربوبية، {وضل عنهم ما كانوا يفترون} ~~[النحل: 87] زال وبطل، وذهب ما زين لهم الشيطان أن لله شريكا وولدا. # قوله: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله} [النحل: 88] قال ابن عباس: منعوا ~~الناس من طاعة الله والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، {زدناهم عذابا فوق ~~العذاب} [النحل: 88] . ### | 525 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أنا حاجب بن أحمد الطوسي، نا محمد ~~بن حماد، أنا معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله في ~~قوله: {زدناهم عذابا فوق العذاب} ، قال: زيدوا عقارب، أنيابها كالنخيل ~~الطوال ### | 526 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا محمد بن حيان، نا عبد الرحمن بن محمد ~~الرازي، نا سهل بن عثمان، حدثنا الحكم، عن عاصم، عن ms0992 زر، عن عبد الله، قال: ~~زيدوا حيات كأمثال الفيلة وعقارب البغال الدلم، وقال أبو المنهال: إنهم ~~يستغيثون بالنار فرارا من تلك الأفاعي والعقارب وهربا منهما. # قوله: {ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على ~~هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} ~~[النحل: 89] {ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم} [النحل: 89] يريد ~~الأنبياء، وكل نبي شاهد على أمته، والأنبياء شهداء على أممهم بما فعلوا وهم ~~من أنفسهم، لأن كل نبي يبعث من قومه، وجئنا بك يا محمد، {شهيدا على هؤلاء} ~~[النحل: 89] قال ابن # PageV03P078 # عباس: يريد على قومك. # وتم الكلام، ثم قال: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء} [النحل: 89] ~~قال مجاهد: يعني ما أمر به وما نهى عنه. # وقال أهل المعاني: يعني لكل شيء من أمور الدين، إما بالنص عليه، أو ~~الإحالة على ما يوجب العلم من بيان النبي صلى الله عليه وسلم، أو إجماع ~~المسلمين. # فالكتاب هو الأصل والمفتاح لعلوم الدين، قال الزجاج: تبيان اسم في معنى ~~البيان. # قوله: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء ~~والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون {90} وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا ~~تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما ~~تفعلون {91} ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم ~~دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم ~~يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون {92} ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ~~يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون {93} } [النحل: 90-93] ~~{إن الله يأمر بالعدل والإحسان} [النحل: 90] يعني بالعدل في الأفعال، ~~والإحسان في الأقوال، فلا يفعل إلا ما هو عدل، ولا يقول إلا ما هو حسن، قال ~~ابن عباس في رواية الوالبي: العدل شهادة أن لا إله إلا الله، والإحسان أداء ~~الفرائض. # {وإيتاء ذي القربى} [النحل: 90] وصلة الأرحام، {وينهى عن الفحشاء} ~~[النحل: 90] الزنا، والمنكر الشرك، والبغي ms0993 الكبر والظلم، يعظكم ينهاكم عن ~~هذا كله، ويأمركم أن تتحاضوا على ما فيه لله رضا لكي تتعظوا، قال قتادة في ~~هذه الآية: إنه ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويعظمونه ~~ويحسنونه إلا أمر الله به، وليس من خلق سيئ كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى ~~الله عنه، وقدم فيه. ### | 527 - # أخبرنا عمرو بن محمد بن أحمد بن أحمد بن جعفر، أنا جدي، أنا محمد بن ~~إسحاق السراج، نا قتيبة بن سعيد، نا جرير، عن منصور، عن الشعبي، قال: جاء ~~شتير، ومسروق، فقال شتير: إما أن تحدث ما سمعت، عن عبد الله فأصدقك، وإما ~~أن أتحدث فتصدقني، فقال مسروق: لا بل حدث فأصدقك، قال: سمعت عبد الله، ~~يقول: إن أجمع آية في القرآن لخير، أو شر آية في النحل {إن الله يأمر ~~بالعدل والإحسان} ، قال مسروق: صدقت، رواه الحاكم في (صحيحه) ، عن العنبري، ~~عن # PageV03P079 # محمد بن عبد السلام، عن إسحاق الحنظلي، عن المعتمر، عن منصور # قوله: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} [النحل: 91] قال المفسرون: العهد ~~الذي يجب الوفاء به هو الذي يحسن فعله، فإذا عاهد يجب الوفاء به. # قال ابن عباس في هذه الآية: والوعد من العهد. # {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} [النحل: 91] بعد تغليظها، وتشديدها ~~بالعزم والعقد على اليمين، بخلاف لغو اليمين، {وقد جعلتم الله عليكم كفيلا} ~~[النحل: 91] بالوفاء، وذلك أن من حلف بالله فكأنه أكفل الله بالوفاء بما ~~حلف عليه، {إن الله يعلم ما تفعلون} [النحل: 91] قال ابن عباس: لا يخفى ~~عليه شيء. # {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها} [النحل: 92] هي امرأة من قريش يقال لها: ~~ريطة. # كانت حمقاء، تغزل الغزل هي وجواريها، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن، {من ~~بعد قوة} [النحل: 92] أي: من بعد إبرام وفتل للغزل، أنكاثا جمع نكث، وهو ~~الغزل من الصوف والشعر يبرم وينسج، فإذا أخلقت النسيجة قطعت ونكثت خيوطها، ~~ثم غزلت ثانية. # ومعنى الآية لا تكونوا في نقض الأيمان بعد توكيدها كهذه المرأة غزلت غزلا ~~وقوت مرته، ثم نقضته فجعلته أنكاثا، وقوله: {تتخذون ms0994 أيمانكم دخلا بينكم} ~~[النحل: 92] الدخل والدغل: الغش والخيانة، قال الزجاج: غشا ودغلا. # {أن تكون أمة هي أربى من أمة} [النحل: 92] أي أكثر، يقال: ربا الشيء يربو ~~إذا كثر. # قال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز، فينقضون حلف ~~هؤلاء ويحالفون هؤلاء الذين هم أعز منهم، فنهوا عن ذلك. # وتلخيص التأويل: النهي عن أن يخلف على ما هو منطو على خلافه، وأن يغر ~~غيره بيمينه، وقوله: {إنما يبلوكم الله} [النحل: 92] أي بالأمر بالوفاء ~~{وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون} [النحل: 92] في الدنيا من ~~شأن البعث والقرآن، وكل ما وقع الاختلاف فيه، قوله: {ولو شاء الله لجعلكم ~~أمة واحدة} [النحل: 93] قال ابن عباس: على ملة واحدة ودين واحد، {ولكن يضل ~~من يشاء ويهدي من يشاء} [النحل: 93] وهذا صريح في تكذيب القدرية حيث أضاف ~~الضلالة والهداية إلى نفسه وجعلهما لمن شاء من خلقه بالمشيئة الأزلية، ثم ~~أخبر أنهم يسألون عن أعمالهم، فقال: {ولتسألن عما كنتم تعملون} [النحل: 93] ~~فبان أن الأمر على ما أخبر الله به من قوله: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} ~~[الأنبياء: 23] . # ثم استأنف نهيا عن إيمان الخديعة والمكر، توكيدا للمنع عنها، وأوعد ~~عليها، فقال: {ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا ~~السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم} [النحل: 94] {ولا تتخذوا ~~أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها} [النحل: 94] قال ابن عباس: تزل عن ~~الإيمان بعد المعرفة # PageV03P080 # بالله. # قال المفسرون: وهذا في نهي الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ~~نقض عهده على الإسلام ونصرة الدين، يدل على هذا قوله: {وتذوقوا السوء} ~~[النحل: 94] أي العذاب، بما صددتم بصدكم، {عن سبيل الله} [النحل: 94] يريد ~~أنهم إذا نقضوا العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم صدوا غيرهم عن الدخول في ~~الإسلام فاستحقوا العذاب، فنهوا عن ذلك بذكر الوعيد عليه، قوله: {ولكم عذاب ~~عظيم} [النحل: 94] قال ابن عباس: يريد في الآخرة. # ثم زاد توكيدا، فقال: {ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند ms0995 الله هو ~~خير لكم إن كنتم تعلمون {95} ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين ~~صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون {96} من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو ~~مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون {97} } ~~[النحل: 95-97] {ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا} [النحل: 95] يقول: لا ~~تنقضوا عهودكم تطلبون بنقضها عوضا من الدنيا. # {إنما عند الله} [النحل: 95] من الثواب على الوفاء، {خير لكم إن كنتم ~~تعلمون} [النحل: 95] ذلك قوله. # {ما عندكم ينفد} [النحل: 96] أي: يفنى وينقطع، يعني الدنيا، {وما عند ~~الله} [النحل: 96] من الثواب والكرامة، باق دائم لا ينقطع، {ولنجزين الذين ~~صبروا} [النحل: 96] على عهودهم، وعلى طاعة ربهم، {بأحسن ما كانوا يعملون} ~~[النحل: 96] يعني الطاعات، ومن جزاه الله بأحسن عمله، غفر له ذنوبه. # قوله: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} ~~[النحل: 97] قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: هي القناعة. # قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم قنعني بما رزقتني، ~~وبارك لي فيه» . ### | 528 - # أخبرنا عمر بن محمد بن أحمد بن عمر الماوردي، نا عبد الرحمن بن أحمد بن ~~حمدويه، نا عبد الله بن علي بن الجارود، نا أحمد بن سعيد الرباطي، نا ~~إبراهيم بن الحكم، عن أبيه، عن عكرمة في قوله: {فلنحيينه حياة طيبة} ~~[النحل: 97] قال: القناعة، ورزق يوم بيوم. # وهذا قول مجاهد، ووهب، والقرظي. # وقال في رواية الكلبي، وأبي مالك، وعطاء: هي الرزق الحلال، وأكل الحلال. # PageV03P081 # أخبرنا الفضيل بن أحمد الصوفي، أنا زاهر بن أحمد، أنا زيد بن الهيثم ~~القاضي، نا أحمد بن عثمان الأودي، نا عون بن سلام، نا بشر بن عمارة، عن أبي ~~روق، عن الضحاك {فلنحيينه حياة طيبة} [النحل: 97] قال: يلبس حلالا، ويأكل ~~حلالا. # وروي عن أبي نجيح، عن مجاهد: {حياة طيبة} [النحل: 97] قال: الجنة. # وهو قول الحسن، قال: لا يطيب لأحد الحياة إلا في الجنة. # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، ~~نا أبو ms0996 بكر أحمد بن محمد بن عبيدة الوبري، نا يوسف بن سعيد بن مسلم، نا علي ~~بن بكار، عن أبي العوام، عن قتادة في قوله: {فلنحيينه حياة طيبة} [النحل: ~~97] قال: رزق يوم بيوم. # قوله: {فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم {98} إنه ليس ~~له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون {99} إنما سلطانه على الذين ~~يتولونه والذين هم به مشركون {100} وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ~~ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون {101} قل نزله روح القدس من ~~ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين {102} } [النحل: 98-102] ~~{فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله} [النحل: 98] قال الزجاج، وجميع أصحاب ~~المعاني: معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ، ليس معناه استعذ بعد أن ~~تقرأ القرآن، ومثله إذا أكلت فقل بسم الله. # وهذا إجماع من الفقهاء # PageV03P082 # أن الاستعاذة قبل القراءة، إلا ما روي عن أبي هريرة، وداود، ومالك، أنهم ~~قالوا: الاستعاذة بعد القراءة. # ذهبوا إلى ظاهر الآية، والأولى والمستحب أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان ~~الرجيم. # لنص القرآن، وللخبر المتصل المسلسل، وهو أني قرأت على الأستاذ أبي إسحاق ~~الثعالبي رحمه الله، فقلت: أعوذ بالسميع العليم. # فقال: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على أبي الفضل محمد ~~بن جعفر الخزاعي، فقلت: أعوذ بالسميع العليم، هكذا. # فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على أبي الحسين ~~عبد الرحمن بن محمد، بالبصرة، فقلت: أعوذ بالسميع العليم. # فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على أبي محمد عبد ~~الله بن عجلان الزنجاني، فقلت: أعوذ بالسميع العليم. # فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على أبي عثمان ~~إسماعيل بن إبراهيم الأهوازي، فقلت: أعوذ بالسميع العليم. # فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على محمد بن عبد ~~الله بن بسطام، فقلت: أعوذ بالسميع العليم. # فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على روح بن عبد ~~المؤمن، فقلت: أعوذ بالسميع ms0997 العليم. # فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على يعقوب ~~الحضرمي، فقلت: أعوذ بالسميع العليم. # فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلقد قرأت على سلام بن أبي ~~المنذر، فقلت: أعوذ بالسميع العليم. # فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلقد قرأت على عاصم، فقلت: ~~أعوذ بالسميع العليم. # فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلقد قرأت على زر بن حبيش، ~~فقلت: أعوذ بالسميع العليم. # فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلقد قرأت على عبد الله بن ~~مسعود، فقلت: أعوذ # PageV03P083 # بالسميع العليم. # فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلقد قرأت على رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم، فقلت: أعوذ بالسميع العليم. # فقال لي: " يا ابن أم عبد، قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هكذا ~~أقرأنيه جبريل، عن القلم، عن اللوح المحفوظ ". # قوله: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا} [النحل: 99] يعني به سلطان ~~الإغواء، وهو معنى قول المفسرين: ليس له حجة. # أي: لا حجة له على المؤمنين في إغوائهم ودعائهم إلى الضلالة، {إنما ~~سلطانه على الذين يتولونه} [النحل: 100] قال ابن عباس: يطيعونه. # يقال: توليته، أي أطعته وواليته. # ومنه قوله: {ومن يتول الله ورسوله} [المائدة: 56] . # قوله: {والذين هم به مشركون} [النحل: 100] قال مجاهد: يعدلونه برب ~~العالمين. # قوله: {وإذا بدلنا آية مكان آية} [النحل: 101] قال الكلبي، وغيره: كان ~~إذا نزلت آية فيها شدة، ثم نزلت آية ألين منها، قال كفار قريش: إن محمدا ~~يسخر بأصحابه، يأمرهم اليوم بأمر، وغدا بأمور، وإنه ليتكذبه ويأتيهم به من ~~عند نفسه، فأنزل الله {وإذا بدلنا آية مكان آية} [النحل: 101] . # قال مجاهد: نسخناها وأنزلنا غيرها. # {والله أعلم بما ينزل} [النحل: 101] من ناسخ ومنسوخ، وتغليظ وتخفيف، هو ~~أعلم بجميع ذلك في مصالح العباد، فما بالهم ينسبون محمدا صلى الله عليه ~~وسلم إلى الافتراء لأجل التبديل والنسخ، {بل أكثرهم لا يعلمون} [النحل: ~~101] حقيقة القرآن وفائدة النسخ. # قل نزله يعني نزل بالقرآن، روح القدس جبريل، من ربك من كلام ربك ms0998، بالحق ~~بالأمر الحق الصحيح الثابت، {ليثبت الذين آمنوا} [النحل: 102] بما فيه من ~~الحجج والآيات، فيزدادوا تصديقا ويقينا، وقوله: وهدى أي: وهو هدى، فهو خبر ~~ابتداء محذوف. # قوله: {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه ~~أعجمي وهذا لسان عربي مبين {103} إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم ~~الله ولهم عذاب أليم {104} إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ~~وأولئك هم الكاذبون {105} } [النحل: 103-105] {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما ~~يعلمه بشر} [النحل: 103] قال مجاهد، وقتادة: قالت قريش: إنما يعلم محمدا ~~عبد لبني الحضرمي، رومي، يقال له يعيش، صاحب كتاب. # وقال عبيد الله بن مسلم: كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر، اسم ~~أحدهما يسار، # PageV03P084 # والآخر جبر، وكانا صيقلين، يقرآن كتابا لهما بلسانهما، وكان رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم يمر عليهما ويسمع قراءتهما، وكان المشركون يقولون: ~~يتعلم منهما. # فأكذبهم الله، فقال: {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي} [النحل: 103] . # الإلحاد معناه الميل، يقال: لحد وألحد إذا مال عن القصد. # وقراءة العامة بضم الياء، وقرئ بفتح الياء من لحد، والأولى ضم الياء لأنه ~~لغة القرآن، يدل عليه قوله: {ومن يرد فيه بإلحاد} [الحج: 25] ويكون الإلحاد ~~بمعنى الإمالة، وفسر الإلحاد في هذه الآية بالقولين، فقال الفراء: يميلون ~~من الميل. # وقال الزجاج: لسان الذي يميلون القول إليه أعجمي. # وقال ابن قتيبة: أي يؤمنون إليه، ويزعمون أن يعلمك أعجمي لا يفصح ولا ~~يتكلم بالعربية، فكيف يتعلم منه ما هو في أعلى طبقات البيان. # وهو قوله: هذا يعني القرآن، {لسان عربي مبين} [النحل: 103] قال ابن عباس: ~~أفصح ما يكون من العربية، وأبينه لسان سعد بن بكر بن هوازن. # ثم جعل المشركين هم الذين يفترون، فقال: {إنما يفتري الكذب الذين لا ~~يؤمنون بآيات الله} [النحل: 105] قال الزجاج: إنما يفتري الكذب الذين إذا ~~رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلا الله كذبوا بها، فهؤلاء أكذب الكذبة. # ثم سماهم الكاذبين، وحصر فيهم الكذب، فقال: {وأولئك هم الكاذبون} [النحل: ~~105] أي أن الكذب نعت لازم لهم، وعادة من ms0999 عاداتهم، وهذا كما تقول: كذبت ~~وأنت كاذب، فيكون قولك: وأنت، زيادة في الوصف بالكذب. # وفي الآية أبلغ زجر عن الكذب، حيث أخبر الله أنه إنما يفتري الكذب من لا ~~يؤمن. ### | 529 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري، أنا أبو حفص عمر بن أحمد الجوزي، ~~أنا جدي محمد بن عمر بن حفص الزاهد، أنا أبو بكر محمد بن الفرج الأزرق، نا ~~سعيد بن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري، نا أبو زياد يزيد بن عبد الله، نا ~~يعلى بن الأشدق، عن عبد الله بن جراد، قال: قلت: يا رسول الله، المؤمن ~~يزني؟ قال: قد يكون ذلك. # قلت: يا رسول الله، المؤمن يسرق؟ قال: قد يكون ذلك. # قال: قلت: يا رسول الله، المؤمن يكذب؟ قال: لا، قال الله تعالى: {إنما ~~يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله} [النحل: 105] . # PageV03P085 ### | 530 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، أنا علي بن محمد بن سعيد بن العباس ~~الرزاز، نا أبو شعيب الحراني، نا جدي، نا موسى بن أعين، عن إسماعيل بن أبي ~~خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أنه قال: ~~إياكم والكذب، فإن الكذب مجانب للإيمان # قوله: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ~~ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم {106} ذلك ~~بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين ~~{107} أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ~~{108} لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون {109} } [النحل: 106-109] {من كفر ~~بالله من بعد إيمانه} [النحل: 106] نزلت في عمار بن ياسر، أخذه المشركون، ~~فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، ~~فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ما وراءك» . # قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير. # قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان. # قال: إن عادوا لك فعد لهم بما قلت ". # قال ms1000 ابن عباس في رواية الوالبي: أخبر الله سبحانه أنه من كفر بعد إيمانه ~~فعليه غضب من الله، ولهم عذاب عظيم، فأما من أكره، فتكلم بلسانه، وخالف ~~قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه، فلا حرج عليه لأن الله سبحانه إنما يأخذ ~~العباد بما عقدت عليه قلوبهم. # قوله: {ولكن من شرح بالكفر صدرا} [النحل: 106] أي: فتحه ووسعه لقبول ~~الكفر، قال الكلبي: والمراد بقوله: {ولكن من شرح بالكفر صدرا} [النحل: 106] ~~من ارتد عن الدين وطابت نفسه # PageV03P086 # بالكفر. # يدل على هذا قوله: {ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة} [النحل: ~~107] أي: ذلك الشرح، وذلك الكفر بأنهم أحبوا الدنيا، واختاروها على الآخرة، ~~وبأن الله لا يريد هدايتهم. # ثم وصفهم بأنهم مطبوع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، فقال: {أولئك الذين ~~طبع الله} [النحل: 108] الآية، وقوله: {وأولئك هم الغافلون} [النحل: 108] ~~قال ابن عباس: غافلون عما يراد بهم. # ثم حكم لهم بالخسارة وأكد ذلك، فقال: {لا جرم أنهم في الآخرة هم ~~الخاسرون} [النحل: 109] قوله: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم ~~جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم {110} يوم تأتي كل نفس تجادل عن ~~نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون {111} } [النحل: 110-111] {ثم إن ~~ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا} [النحل: 110] نزلت في المستعفين من ~~المؤمنين الذين كانوا بمكة، عذبوا في الله، وأريدوا على الكفر، فأعطوهم بعض ~~ما أرادوا ليسلموا من شرهم، وهاجروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بعدما ~~فتنوا، وقال ابن عباس: من بعد ما عذبوا. # ثم جاهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وصبروا على الدين والجهاد، {إن ~~ربك من بعدها} [النحل: 110] من بعد تلك الفتنة، وتلك الفعلة التي فعلوها من ~~التلفظ بكلمة الكفر، لغفور رحيم وقرأ ابن عامر فتنوا بفتح الفاء، والمعنى: ~~من بعدما فتنوا أنفسهم بإظهار ما أظهروا للتقية، وجعل ذلك فتنة، لأن الرخصة ~~فيه لم تكن نزلت بعد. # قوله: يوم تأتي أي: ذكرهم يا محمد يوم تأتي، {كل نفس تجادل عن نفسها} ~~[النحل: 111] هذا يوم ms1001 القيامة كل أحد لا يهمه إلا نفسه، فهو مخاصم ومحتج عن ~~نفسه، لا يتفرغ إلى غيره. ### | 531 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الواعظ، أنا عبد الله بن حامد، نا محمد ~~بن خالد بن الحسين، نا داود بن سليمان، نا عبد بن حميد، نا عياد بن كليب ~~الليثي، عن صالح المري، عن جعفر بن زيد، قال: قال عمر بن الخطاب لكعب ~~الأحبار: يا كعب، خوفنا، حدثنا حديثا تنبهنا به. # قال: يا أمير المؤمنين، والذي نفسي بيده، لو وافيت يوم القيامة بمثل عمل ~~سبعين نبيا لأتت عليك تارات، وأنت لا يهمك إلا نفسك، وإن لجهنم زفرة لا ~~يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وقع جاثيا على ركبتيه، حتى إن إبراهيم خليل ~~الرحمن ليدلي بالخلة، فيقول: يا رب، أنا خليلك إبراهيم، لا أسألك إلا نفسي. # وإن تصديق ذلك في كتاب الله تعالى الذي أنزله عليكم، أما سمعت يا أمير ~~المؤمنين إلى قوله: {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها} [النحل: 111] . # وقوله: {وتوفى كل نفس ما عملت} [النحل: 111] أي: جزاء ما عملت، {وهم لا ~~يظلمون} [النحل: 111] لا ينقصون من أجورهم شيئا. # قوله: { # PageV03P087 # وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ~~فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون {112} ~~ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون {113} } [النحل: ~~112-113] {وضرب الله مثلا قرية} [النحل: 112] الآية، نزلت في أهل مكة، وما ~~امتحنوا به من الخوف والجوع بعد الأمن والنعمة بتكذيبهم النبي صلى الله ~~عليه وسلم، وهو قوله: قرية يعني مكة، {كانت آمنة} [النحل: 112] ذات أمن ~~يأمن فيها أهلها لا يغار عليهم، مطمئنة قارة ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى ~~الانتقال عنها لخوف أو ضيق، وهو قوله: {يأتيها رزقها رغدا من كل مكان} ~~[النحل: 112] يأتيهم رزقهم في بلدهم، يجلب إليها من كل بلد، كما قال الله ~~تعالى: {يجبى إليه ثمرات كل شيء} [القصص: 57] ، {فكفرت بأنعم الله} [النحل: ~~112] حيث كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفوا أمره، {فأذاقها الله ~~لباس ms1002 الجوع والخوف} [النحل: 112] قال المفسرون: عذبهم الله بالجوع سبع سنين ~~حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة. # قال ابن قتيبة: {لباس الجوع والخوف} [النحل: 112] ما ظهر عليهم من سوء ~~آثارهم بالضمر والشحوب، وتغير الحال. # ومعنى {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف} [النحل: 112] عرفها سوء أثرهما، ~~وقد يستعمل الذوق في المعرفة، يقال: ذقت ما عند فلان إذا جربته وعرفته. # ويقال: اركب هذا الفرس تذقه أي: تعرف ما عنده من الجري، ومنه قول الشماخ ~~يصف قوسا: # فذاق فأعطته من اللين جانبا ... كفاف لها أن يعزق السهم حاجزا # والمراد بالخوف خوفهم من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن السرايا التي كان ~~يبعثهم إليهم فيطوفون بهم. # وروي عن أبي عمرو بنصب الخوف حملا على الإذاقة، والكلام في الآية خرج على ~~القرية، والمراد أهلها، يدل على هذا قوله: {بما كانوا يصنعون} [النحل: 112] ~~فعاد الكلام إلى أهل القرية، قال ابن عباس: يريد بفعلهم بالنبي صلى الله ~~عليه وسلم حيث كذبوه، وأخرجوه من مكة، وما هموا به من قتله. # ولقد جاءهم يعني أهل مكة، رسول منهم من نسبهم، {فكذبوه فأخذهم العذاب} ~~[النحل: 113] يعني الجوع في قول ابن عباس، وقال مجاهد: يعني القتل ببدر. # ثم خاطب المؤمنين، فقال: {فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمت ~~الله إن كنتم إياه تعبدون {114} إنما # PageV03P088 # حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير ~~باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم {115} ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ~~هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب ~~لا يفلحون {116} متاع قليل ولهم عذاب أليم {117} } [النحل: 114-117] فكلوا ~~يا معشر المؤمنين، {مما رزقكم الله} [النحل: 114] من الغنائم، حلالا طيبا ~~وهذه الآية والتي بعدها مفسرة في { [البقرة. # قوله:] ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب} [سورة النحل: 116] أي: لأجل ~~وصفكم الكذب، والمعنى أنكم تحلون وتحرمون لأجل الكذب لا لغيره، فليس ~~لتحليلكم وتحريمكم معنى إلا الكذب فقط، والمعنى: لا تفعلوا ذلك، والإشارة ~~بقوله: {هذا حلال وهذا حرام} [النحل: 116] إلى ما ms1003 كانوا يحلونه ويحرمونه، ~~قال ابن عباس: يعني قولهم: {ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم ~~على أزواجنا} [الأنعام: 139] . # وقوله: {لتفتروا على الله الكذب} [النحل: 116] هو أنهم كانوا ينسبون ذلك ~~التحريم والتحليل إلى الله، ويقولون إنه أمرنا بذلك، ثم أوعد المفتري، ~~فقال: {إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} [النحل: 116] . # وبين أن ما هم فيه من نعيم الدنيا يزول عن قرب، فقال: {متاع قليل} ~~[النحل: 117] قال الزجاج: متاعهم متاع قليل. # يعني ما يتمتعون به، {ولهم عذاب أليم} [النحل: 117] في الآخرة. # قوله: {وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن ~~كانوا أنفسهم يظلمون {118} ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من ~~بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم {119} إن إبراهيم كان أمة ~~قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين {120} شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى ~~صراط مستقيم {121} وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ~~{122} ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين {123} ~~إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة ~~فيما كانوا فيه يختلفون {124} } [النحل: 118-124] {وعلى الذين هادوا حرمنا ~~ما قصصنا عليك من قبل} [النحل: 118] تقدم ذكره في { [الأنعام في قوله:] ~~وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} [سورة الأنعام: 146] الآية، وما ظلمناهم ~~بتحريم ما حرمنا عليهم، {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} [النحل: 118] بالبغي ~~والمعاصي. # ثم ذكر المغفرة لمن تاب بعد المعصية، فقال: {ثم إن ربك للذين عملوا السوء ~~بجهالة} [النحل: 119] قال مجاهد: كل من عمل بمعصية الله فذلك منه جهل حتى ~~يرجع. # وقال السدي: كل من عصى الله فهو جاهل. # وهذا كقوله: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة} [النساء: ~~17] قال ابن عباس: يريد بالسوء الشرك. # {ثم تابوا من بعد ذلك} [النحل: 119] السوء، وأصلحوا قال: آمنوا، وصدقوا، ~~وقاموا لله تعالى بفرائضه. # {إن ربك من # PageV03P089 # بعدها} [النحل: 119] من بعد تلك الجهالة، لغفور رحيم. # قوله: {إن إبراهيم كان أمة} [النحل: 120] قال أكثر أهل ms1004 التفسير: معلما ~~للخير. # قال ابن الأعرابي: يقال للرجل العالم أمة، والأمة الرجل الجامع للخير. # قانتا مطيعا لله، حنيفا قال ابن عباس: إنه أول من اختتن وأقام المناسك ~~وضحى، فهذه صفة الحنيفية. ### | 532 - # أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، أنا أبو بكر عبد الله بن محمد ~~الحافظ، أنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، نا محمد بن المهلب، نا معلى بن ~~أسد، نا عبد العزيز بن المختار، نا منصور بن عبد الرحمن الغداني، نا ~~الشعبي، حدثني فروة بن نوفل الأشجعي، قال: كنت جالسا عند عبد الله بن ~~مسعود، فقال: إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين، ~~قلت: غلط أبو عبد الرحمن، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إنما قال الله: {إن ~~إبراهيم كان أمة قانتا} ، قال: فأعادها فعرفت أنه تعمد الأمر تعمدا فسكت، ~~فقال: أتدري ما الأمة؟ الذي يعلم الناس الخير، وكان مطيعا لله ورسوله، ~~والقانت المطيع لله، وكذلك معاذ بن جبل يعلم الخير وكان مطيعا لله ورسوله # قال ابن عباس في قوله: {ولم يك من المشركين} [النحل: 120] : أخلص لله ~~التوحيد صبيا وكبيرا. # {شاكرا لأنعمه} [النحل: 121] انتصب على البدل من قوله: {أمة قانتا لله ~~حنيفا} [النحل: 120] والأنعم جمع نعمة، اجتباه اختاره للنبوة، {وهداه إلى ~~صراط مستقيم} [النحل: 121] وهو دين الحنيفية. # {وآتيناه في الدنيا حسنة} [النحل: 122] قال الوالبي، عن ابن عباس: يعني ~~الذكر الحسن. # وقال الحسن: هي النبوة. # وقال مجاهد: لسان صدق في الآخرين. # وقال مقاتل: يعني عليه مقرونة بالصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم. # وقال قتادة: هي أنه ليس من أهل دين إلا وهم يتلونه ويرضونه. # {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} [النحل: 122] ترغيب في الصلاح ليكون صاحبه ~~في جنبة إبراهيم، وهذا أكمل مدح لإبراهيم حيث شرف جملة هو منها. # {ثم أوحينا إليك} [النحل: 123] يا محمد، {أن اتبع ملة إبراهيم # PageV03P090 # حنيفا} [النحل: 123] هذا يدل على أن دين محمد صلى الله عليه وسلم دين ~~إبراهيم، حيث أمر باتباعه لسبقه إلى القول بالحق والعمل به، وقال عبد الله ~~بن ms1005 عمر: وأمر باتباعه في مناسك الحج كما علم جبريل إبراهيم. # وقوله: {إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه} [النحل: 124] قال عطاء، ~~عن ابن عباس: تهاونوا وصادوا فيه وتعدوا. # وقال قتادة: استحله بعضهم، وحرمه بعضهم. # واختلافهم استحلالهم الصيد زمن داود يعني أهل أيلة، فجعل السبت عليهم، ~~حيث عوقبوا بترك تحريمه، وهم الذين خالفوا أهل الحق في استحلال السبت، ثم ~~ذكر بباقي الآية أنه يحكم بينهم يوم القيامة. # قوله: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ~~إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين {125} وإن عاقبتم ~~فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين {126} واصبر وما ~~صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون {127} إن الله مع ~~الذين اتقوا والذين هم محسنون {128} } [النحل: 125-128] {ادع إلى سبيل ربك} ~~[النحل: 125] قال ابن عباس: دين ربك. # بالحكمة يعني النبوة، والموعظة الحسنة يعني مواعظ القرآن، وجادلهم أقبل ~~على المشركين، واصرفهم عما هم عليه من الشرك، {بالتي هي أحسن} [النحل: 125] ~~أي: ألن لهم جانبك، ولا تكن فظا عليهم، {إن ربك هو أعلم} [النحل: 125] إلى ~~آخرها، أي: الله أعلم بالفريقين، فهو يأمرك فيهما بما فيه الصلاح. # قوله: وإن عاقبتم الآية، ### | 533 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنا أبو العباس أحمد بن عيسى الحافظ، ~~نا عبد الله بن عبد العزيز، نا بشر بن الوليد الكندي، نا صالح المري، نا ~~سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، وعن أبي هريرة، قال: أشرف النبي، صلى ~~الله عليه وسلم، على حمزة فرآه صريعا، فلم ير شيئا كان أوجع لقلبه منه، ~~فقال: «والله لأقتلن بك سبعين منهم» ، فنزلت {وإن عاقبتم فعاقبوا} الآية # وهذا قول عامة المفسرين، قالوا: نزلت لما نظر النبي صلى الله عليه وسلم ~~إلى حمزة يوم أحد، وقد مثل به، فقال: والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك. # فنزل جبريل، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعد، بخواتيم { [النحل، فصبر ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمسك عما أراد، وكفر عن يمينه ms1006. # ثم أمره بالصبر عزما، فقال:] واصبر وما صبرك إلا بالله} [سورة النحل: ~~127] أي بتوفيقه ومعونته، {ولا تحزن عليهم} [النحل: 127] على قتلى أحد، ~~فإنهم أفضوا إلى رحمة الله، ويقال: ولا تحزن على المشركين بإعراضهم عنك، ~~{ولا تك في ضيق مما يمكرون} [النحل: 127] قال الفراء: الضيق ما ضاق عنه ~~صدرك، والضيق ما يكون في الذي يتسع مثل الدار # PageV03P091 # والثوب. # والمعنى: لا يضيق صدرك من مكرهم، وقرأ ابن كثير بكسر الضاد، قال الأخفش: ~~يقال: ضاق يضيق ضيقا وضيقا في المصدر. # {إن الله مع الذين اتقوا} [النحل: 128] الفواحش والكبائر وما حرم عليهم، ~~{والذين هم محسنون} [النحل: 128] في العمل، وفيما افترض عليهم، قال الزجاج: ~~ومعنى أن الله معهم أي أنه ناصرهم. # PageV03P092 ### | سورة الإسراء # مكية وآياتها إحدى عشرة ومائة. ### | 534 - # أخبرنا الأستاذ أبو عثمان سعيد بن محمد بن إبراهيم الحيري، أنا أبو عمرو ~~محمد بن جعفر بن مطر، نا إبراهيم بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن ~~سليم، نا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن ~~كعب، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة بني إسرائيل ~~فرق قلبه عند ذكر الوالدين، أعطي قنطارين في الجنة من الأجر، والقنطار ألف ~~ومائتا أوقية، الأوقية منها خير من الدنيا وما فيها» # {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي ~~باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} [الإسراء: 1] بسم الله ~~الرحمن الرحيم {سبحان الذي أسرى بعبده} [الإسراء: 1] أي: البراءة له، ~~والتنزيه عما ينفى عنه مما لا يليق به، قال ابن عباس: نزه نفسه. ### | 535 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، نا محمد بن عبد الله بن علي بن زياد، ~~نا محمد بن إبراهيم البوشنجي، نا عبيد الله ابن عائشة، نا عبد الرحمن بن ~~حماد، عن جعفر بن سليمان، عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، عن أبيه، ~~عن طلحة بن عبيد الله، قال: سألت نبي الله، صلى الله عليه وسلم، عن ms1007 تفسيره ~~سورة سبحان؛ قال: «تنزيه الله، عز وجل، عن كل سوء، نزه نفسه عنه» # وقوله: أسرى بعبده قال الزجاج: معناه سير عبده يعني محمدا صلى الله عليه ~~وسلم ليلا. # قال مقاتل: كان ذلك الليل قبل الهجرة بسنة. # {من المسجد الحرام} [الإسراء: 1] قال الحسن، وقتادة: يعني نفس المسجد. # وقال عامة المفسرين: أسرى # PageV03P093 # برسول الله صلى الله عليه وسلم من دار أم هانئ، وأراد بالمسجد الحرام ~~مكة، ومكة الحرم كلها مساجد. # {إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1] يعني بيت المقدس، وقيل له الأقصى لبعد ~~المسافة بينه وبين المسجد الحرام، {الذي باركنا حوله} [الإسراء: 1] بالثمار ~~والأنهار والأنبياء والصالحين، قال مجاهد: لأنه مقر الأنبياء، ومهبط ~~الملائكة. # {لنريه من آياتنا} [الإسراء: 1] يعني ما رأى في تلك الليلة من العجائب ~~التي أخبر بها الناس، والأخبار في قصة الإسراء كثيرة نقتصر منها على حديث ~~أنس الذي أجمع الشيخان على صحته، وهو ما: ### | 536 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أنا حاجب بن أحمد الطوسي، نا عبد ~~الرحيم بن منيب، نا عثمان، نا همام، قال: سمعت قتادة، وأخبرنا أبو نصر أحمد ~~بن إبراهيم المهرجاني، أنا عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان، أنا أبو ~~القاسم عبد الله بن محمد المنيعي، نا العباس بن الوليد النرسي، نا يزيد بن ~~زريع، نا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن مالك بن صعصعة، ~~أخبره: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حدثه، عن ليلة أسري به، قال: ~~بينما أنا في الحطيم، وربما قال قتادة: في الحجر مضطجعا إذ أتاني آت فقد، ~~وسمعت قتادة يقول: فشق ما بين هذه إلى هذه، قال قتادة: فقلت للجارود وهو ~~إلى جنبي: ما يعني؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، قال: فاستخرج قلبي، وأتيت ~~بطست من ذهب مملوء إيمانا وحكمة، فغسل قلبي، ثم حشي، ثم أعيد، ثم أتيت ~~بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض، قال: فقال له الجارود: أهو البراق يا ~~أبا حمزة؟ قال: نعم يقع خطوه عند أقصى طرفه، قال: فحملت عليه ms1008، فانطلق بي ~~جبريل حتى أتى بي السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ~~ومن معك؟ قال: محمد، صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، ~~ففتح لنا، قالوا: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء، قال: فأتيت على آدم، صلى ~~الله عليه وسلم، فقلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا أبوك آدم، فسلمت عليه، ~~فقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء ~~الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ فقال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: ~~محمد، صلى الله عليه وسلم، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، ففتحوا لنا، ~~وقالوا: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء، فأتيت على عيسى ويحيى، ابني الخالة، ~~فقلت: يا جبريل، من هذان؟ قال: عيسى ويحيى، فسلمت عليهما، قالا: # PageV03P094 # مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، قال: ثم انطلقنا حتى أتينا السماء ~~الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: ~~محمد، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: ففتحوا لنا، وقالوا: مرحبا به، ~~ولنعم المجيء جاء، قال: فأتيت على يوسف، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا ~~جبريل، من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بالأخ الصالح ~~والنبي الصالح، قال: ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، ~~فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، صلى الله عليه وسلم، ~~قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: ففتحوا لنا، فقالوا: مرحبا به، ولنعم ~~المجيء جاء، قال: فأتيت على إدريس، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا جبريل، من ~~هذا؟ قال: إدريس، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ~~قال: ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، قيل: ومن معك؟ ~~قال: محمد، صلى الله عليه وسلم، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، ففتح لنا، ~~وقالوا: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء، فأتيت على هارون، صلى الله عليه وسلم، ~~فقلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا هارون، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بالأخ ~~الصالح والنبي الصالح، قال: ثم انطلقنا حتى أتينا ms1009 السماء السادسة، فاستفتح ~~جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، صلى الله عليه ~~وسلم، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، ففتح لنا، وقالوا: مرحبا به، ولنعم ~~المجيء جاء، فأتيت على موسى، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا جبريل، من هذا؟ ~~قال: هذا موسى، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، قال: ~~فلما جاوزته بكى، فنودي: ما يبكيك؟ قال: رب، هذا غلام بعثته بعدي، ويدخل من ~~أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء السابعة، ~~فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، صلى ~~الله عليه وسلم، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، ففتح لنا، وقالوا: مرحبا به، ~~ولنعم المجيء جاء، قال: فأتيت على إبراهيم، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا ~~جبريل، من هذا؟ قال: هذا إبراهيم، أو أبوك إبراهيم، فسلمت عليه، فقال: ~~مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، قال: ثم رفعت لنا سدرة المنتهى، فحدث ~~نبي الله، صلى الله عليه وسلم: أن نبقها مثل قلال هجر، وأن ورقها مثل آذان ~~الفيلة، قال: ورأيت أربعة أنهار يخرجن من أصلها. # قلت: يا جبريل، ما هذه الأنهار؟ قال: أما النهران الباطنان فنهران في ~~الجنة، وأما النهران الظاهران فالنيل والفرات، قال: وأتيت بإناءين أحدهما ~~خمر، والآخر لبن، فعرضا علي فاخترت اللبن، فقيل لي: أصبت أصاب الله بك، ~~أمتك على الفطرة، وأمرت بخمسين صلاة كل يوم، أو فرضت علي خمسون صلاة في كل ~~يوم، فأقبلت حتى أتيت موسى، فقال: بما أمرت؟ قلت: بخمسين صلاة، فقال: إني ~~بلوت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لا يطيقون ذلك ~~فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت إلى ربي فحط عني خمسا، فأقبلت ~~حتى أتيت إلى موسى، قال، بما أمرت؟ قلت: بخمس وأربعين صلاة كل يوم، فقال: ~~إني قد بلوت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لا ~~يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فما زلت أختلف بين ربي ~~وبين ms1010 موسى يحط عني خمسا حتى رجعت بخمس صلوات كل يوم، فأتيت على موسى، فقال: ~~بما أمرت؟ فقلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إني قد بلوت الناس قبلك ~~وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك ~~فاسأله التخفيف لأمتك، قال: فقلت: لقد رجعت إلى ربي حتى لقد استحييت منه، ~~ولكن أرضى وأسلم، قال: فنوديت: أن قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، وجعلت ~~كل حسنة بعشر أمثالها، قال: فانتهى حديث أنس بن مالك إلى هذا، رواه ~~البخاري، عن هدبة، عن همام، ورواه مسلم، عن محمد بن المثنى، عن ابن أبي ~~عدي، عن سعيد كلاهما، عن قتادة # PageV03P095 ### | 537 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الله الحافظ، أنا أبو محمد عبد الله ~~بن محمد الحافظ، نا محمد بن العباس بن أيوب، نا المفضل بن غسان الغلابي، نا ~~محمد بن كثير، نا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، رضي الله عنها، ~~قالت: " لما أسري بالنبي، صلى الله عليه وسلم، إلى المسجد الأقصى أصبح يحدث ~~بذلك الناس، فارتد ناس ممن كان آمن به وصدق به، وفتنوا بذلك عن دينهم، وسعى ~~رجال من المشركين إلى أبي بكر، رضي الله عنه، فقالوا: هل لك في صاحبك، يزعم ~~أنه أسري به إلى بيت المقدس؟ فقال: أوقال ذلك؟ قالوا: نعم: فقال: لئن كان ~~قد قال ذلك لقد صدق، قالوا: تصدقه أنه ذهب إلى الشام في ليلة واحدة وجاء ~~قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك؛ أصدقه في خبر ~~السماء في غدوة وروحة، قالت: فلذلك سمي أبا بكر الصديق، رضي الله عنه # قوله: {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني ~~وكيلا {2} ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا {3} وقضينا إلى بني ~~إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا {4} فإذا جاء ~~وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان ~~وعدا مفعولا {5} ثم رددنا لكم الكرة ms1011 عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم ~~أكثر نفيرا {6} إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد ~~الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا ~~تتبيرا {7} عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ~~{8} } [الإسراء: 2-8] {وآتينا موسى الكتاب} [الإسراء: 2] ذكر الله في الآية ~~الأولى إكرام محمد صلى الله عليه وسلم بأن أسرى به، ثم ذكر أنه أكرم موسى ~~أيضا قبله، فقال: {وآتينا موسى الكتاب} [الإسراء: 2] يعني التوراة، ~~{وجعلناه هدى لبني إسرائيل} [الإسراء: 2] دللناهم به على الهدى، {ألا ~~تتخذوا من دوني وكيلا} [الإسراء: 2] وقرأ أبو عمرو بالياء، لأن المعنى: ~~هديناهم لئلا يتخذوا من دوني وكيلا، ومن قرأ بالتاء فهو على الانصراف إلى ~~الخطاب بعد الغيبة مثل: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 2] ، ثم قال: ~~{إياك نعبد} [الفاتحة: 5] قال الزجاج: أي لا تتوكلوا على غيري، ولا تتخذوا ~~من دوني ربا. # قوله: {ذرية من حملنا مع نوح} [الإسراء: 3] قال مجاهد: هذا نداء، والناس ~~كلهم ذرية نوح، لأن من حمل مع نوح في السفينة كانوا أبناءه وذريته. # ثم أثنى على نوح فقال: {إنه كان عبدا شكورا} [الإسراء: 3] قال المفسرون: ~~كان نوح إذا أكل طعاما، أو # PageV03P096 # لبس ثوبا حمد الله، فسمي عبد شكورا. # قوله: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} [الإسراء: 4] أعلمناهم وأوحينا ~~إليهم في التوراة، {لتفسدن في الأرض} [الإسراء: 4] بالمعاصي وخلاف أحكام ~~التوراة في الأرض، يعني أرض مصر، {مرتين ولتعلن علوا كبيرا} [الإسراء: 4] ~~لتتعظمن على الطاعة، ولتبلغن. # {فإذا جاء وعد أولاهما} [الإسراء: 5] أولى المرتين، بعثنا عليكم خلينا ~~بينكم وبينهم، عبادا لنا يعني جالوت وجنوده، {أولي بأس شديد} [الإسراء: 5] ~~ذوي عدد وقوة في القتال، فجاسوا فطافوا وترددوا، خلال الديار والخلال: ~~الانفراج بين الشيئين، قال الزجاج: طافوا خلال الديار ينظرون هل بقي أحد لم ~~يقتلوه؟ قال: والجوس طلب الشيء باستقصاء. # {وكان وعدا مفعولا} [الإسراء: 5] قال قتادة: قضاء الله على القوم كما ~~تسمعون. # {ثم رددنا لكم الكرة عليهم} [الإسراء: 6] قال ابن عباس: وقتل داود جالوت، ~~وعاد ملكهم كما كان. # والكرة معناها ms1012 الرجعة والدولة، {وأمددناكم بأموال وبنين} [الإسراء: 6] ~~وأعطيناكم، وأكثرنا أموالكم وأولادكم، {وجعلناكم أكثر نفيرا} [الإسراء: 6] ~~عددا وأنصارا منهم، قال أبو عبيدة: النفير العدد من الرجال. # قوله: إن أحسنتم أي: وقلنا لهم إن أحسنتم، أحسنتم لأنفسكم قال ابن عباس: ~~إن أطعتم الله، عفا عنك المساوئ. # وإن أسأتم بالفساد وعصيان الأنبياء، فلها قال: يريد فعلى أنفسكم يقع ~~الوبال. # {فإذا جاء وعد الآخرة} [الإسراء: 7] وعد المرة الآخرة من إفسادكم، قال ~~المفسرون: فأفسدوا المرة الثانية، فقتلوا يحيى بن زكريا عليهما السلام، ~~فبعث الله عليهم بختنصر البابلي المجوسي أبغض خلقه إليه، فسبى، وقتل، وخرب ~~بيت المقدس، وسامهم سوء العذاب. # وجواب فإذا محذوف، تقديره فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم، {ليسوءوا وجوهكم} ~~[الإسراء: 7] يقال: ساءه يسوؤه، أي أحزنه، والمعنى: ليدخلوا عليكم الحزن ~~بما يفعلون من قتلكم وسبيكم وتخريب بلادكم، وعديت # PageV03P097 # المساءة إلى الوجوه، والمراد بها أصحابها، لما يبدوا فيها من أثر الحزن ~~والكآبة، وقرأ حمزة ليسوء على واحد، أي: ليسوء الله، أو ليسوء البعث ~~وجوهكم، وقرأ الكسائي بالنون كقوله: بعثنا وأمددنا. # وقوله: {وليتبروا ما علوا تتبيرا} [الإسراء: 7] يقال: تبره أي أهلكه، قال ~~الزجاج: كل شيء كسرته وفتنته فقد تبرته. # والمعنى: ليدمروا ويخربوا ما علو عليه. # قوله: {عسى ربكم أن يرحمكم} [الإسراء: 8] هذا ما أخبر الله به بني ~~إسرائيل في كتابهم، والمعنى: لعل ربكم أن يرحمكم ويعفو عنكم بعد انتقامه ~~منكم يا بني إسرائيل، ثم عاد الله عليهم برحمته حتى كثروا وانتشروا، ثم ~~قال: {وإن عدتم عدنا} [الإسراء: 8] قال الحسن: وإن عدتم بالمعصية عدنا ~~بالعقوبة. # قال إبراهيم: ثم عادوا فأعاد الله بالعرب. # {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} [الإسراء: 8] قال ابن عباس، وغيره: سجنا ~~ومحبسا. # وقال مجاهد: يحصرون فيها. # وهذا ابتداء إخبار عن الله في عقاب جميع الكافرين. # {إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ~~أن لهم أجرا كبيرا {9} وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما ~~{10} } [الإسراء: 9-10] {إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم} [الإسراء: 9] ~~أي: يرشد إلى الكلمة التي هي أعدل الكلمات، أي ms1013 أعدلها وأصوبها، هي كلمة ~~التوحيد. # قال الزجاج: يهدي للحال التي هي أقوم الحالات، وهي توحيد الله تعالى، ~~والإيمان برسله عليهم الصلاة والسلام، والعمل بطاعته. # ويبشر المؤمنين بالجنة، وهو قوله: {أن لهم أجرا كبيرا {9} وأن الذين لا ~~يؤمنون بالآخرة} [الإسراء: 9-10] أي: ويبشرهم بالعذاب لأعدائهم، وذلك أن ~~المؤمنين كانوا في أذى من المشركين، فعجل الله لهم البشرى في الدنيا بعقاب ~~الكافرين، وهو قوله: {أعتدنا لهم عذابا أليما} [الإسراء: 10] قوله: {ويدع ~~الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا} [الإسراء: 11] {ويدع ~~الإنسان بالشر دعاءه بالخير} [الإسراء: 11] هو أن الإنسان ربما يدعو في حال ~~الضجر والغضب على نفسه وأهله وولده بما لا يحب أن يستجاب له، كما يدعو ~~لنفسه بالخير، {وكان الإنسان عجولا} [الإسراء: 11] يعجل بالدعاء في الشر ~~عجلته بالدعاء بالخير. # {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ~~لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا ~~{12} وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه ~~منشورا {13} اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا {14} } [الإسراء: ~~12-14] {وجعلنا الليل والنهار آيتين} [الإسراء: 12] علامتين تدلان على قدرة ~~خالقهما، {فمحونا آية الليل} [الإسراء: 12] أي: طمسنا نورها بما جعلنا فيها ~~من السواد، يروي أن الشمس والقمر كانا سواء في النور والضوء، فأرسل الله عز ~~وجل # PageV03P098 # جبريل، فأمر جناحه على وجه القمر فطمس عنه الضوء، {وجعلنا آية النهار ~~مبصرة} [الإسراء: 12] مضيئة يبصر فيها، {لتبتغوا فضلا من ربكم} [الإسراء: ~~12] لتبصروا كيف تتصرفون في أعمالكم، وتطلبون رزقكم، {ولتعلموا عدد السنين ~~والحساب} [الإسراء: 12] بمحو آية الليل، ولولا ذلك ما كان يعرف الليل من ~~النهار، وكان لا يتبين العدد، وكل شيء مما يحتاج إليه، فصلناه تفصيلا بيناه ~~تبيينا لا يلتبس معه بغيره. # قوله: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء: 13] قال مجاهد: عمله ~~من خير وشر. # قال السدي: ما كتب له من خير وشر. # وقال الحسن، وقتادة: سعادته وشقاوته بعمله. # وقال مجاهد في رواية الحكم: مكتوب في ورقة معلقة في عنقه شقي أم سعيد. # ومعنى ms1014 الطائر ما طار له من خير أو شر، أي: صار له عند قسمته، من قولهم: ~~أمرت المال وطيرته من القوم فطار له سهمه، ذكرنا ذلك عند قوله: {ألا إنما ~~طائرهم عند الله} [الأعراف: 131] قال الأزهري: والأصل في هذا أن الله تعالى ~~لما خلق آدم، علم المطيع من ذريته والعاصي، فكتب ما علم منهم أجمعين، وقضى ~~سعادة من علمه مطيعا، وشقاوة من علمه عاصيا، فصار لكل منهم ما هو صائر إليه ~~عند خلقه وإنشائه، فذلك قوله: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء: ~~13] أي: ما طار له في علم الله بدءا، و {في عنقه} [الإسراء: 13] عبارة عن ~~اللزوم كلزوم القلادة العنق من بين ما يلبس. # وقد روي في هذه الآية حديث مشروح، وهو ما: ### | 538 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد التميمي، أنا عبد الله بن محمد الحافظ، أنا ~~محمد بن الصباح، نا عبد الله بن عمر، نا محمد بن معلى، نا عمرو بن صبح، عن ~~مقاتل بن حيان، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، سمعت حذيفة بن أسيد، يقول: ~~سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن النطفة التي تخلق منها ~~النسمة، تصير في المرأة أربعين يوما وأربعين ليلة، ولا يبقى منها شعر ولا ~~بشر ولا عرق ولا عصب إلا دخلت فيه، حتى إنها لتدخل بين الظفر واللحم، فإذا ~~مضى لها أربعون يوما، وأربعون ليلة، أهبطها الله إلى الرحم، فكانت علقة ~~أربعين يوما وأربعين ليلة، ثم تكون مضغة أربعين يوما وأربعين ليلة، فإذا ~~تمت لها أربعون، بعث الله إليها ملك الأرحام، فيخلق على يده لحمها ودمها ~~وشعرها وبشرها، ثم يقول: صور، فيقول: يا رب، ما # PageV03P099 # أصور؟ أذكر أم أنثى؟ أجميل أم دميم؟ أجعد أم سبط؟ أقصير أم طويل؟ أبيض أم ~~آدم؟ زائد أم ناقص؟ أسوي أم غير سوي؟ فيكتب من ذلك ما يأمره الله به، ثم ~~يقول: أي رب، أشقي أم سعيد؟ فإن كان سعيدا نفخ فيه بالسعادة في آخر أجله، ~~وإن كان شقيا نفخ فيه بالشقاوة في آخر أجله ms1015، ثم يقول: اكتب أثرها ورزقها ~~ومصيبتها وعملها بالطاعة والمعصية، فسيكتب من ذلك ما يأمر الله به، ثم يقول ~~الملك: يا رب، ما أصنع بهذا الكتاب؟ فيقول: علقه في عنقه إلى قضائي عليه، ~~فذلك قوله، عز وجل: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم ~~القيامة} الآية، وإلى هذا ذهب مجاهد كما ذكرنا عنه، فإذا كان يوم القيامة ~~أظهر له ذلك الكتاب، فهو قوله: {ونخرج له يوم القيامة} ، وقال الحسن: يابن ~~آدم، بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان، فهما عن يمينك وعن شمالك؛ فأما الذي عن ~~يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك، حتى إذا مت طويت ~~صحيفتك وجعلت معك في قبرك حتى تخرج لك يوم القيامة # وهو قوله: {كتابا يلقاه منشورا} [الإسراء: 13] كقوله: {وإذا الصحف نشرت} ~~[التكوير: 10] وقرأ ابن عامر يلقاه من قولهم: لقيت فلانا، أي استقبلته به، ~~قال الله تعالى: {ولقاهم نضرة وسرورا} [الإنسان: 11] . # قوله: اقرأ كتابك أي يقال له: اقرأ، والقول ههنا مضمر، قال الحسن: يقرأه ~~أميا كان أو غير أمي. # وقال قتادة: سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئا. # {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} [الإسراء: 14] الحسيب المحاسب كالشريك ~~والجليس، قال الحسن: عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك. # والمعنى أن الإنسان يفوض إليه حسابه ليعلم عدل الله بين العباد، ويرى ~~وجوب حجة الله عليه، واستحقاقه العقوبة، ثم إن كان مؤمنا دخل الجنة بفضل ~~الله لا بعلمه، وإن كان كافرا استوجب النار بكفره. # قوله: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة ~~وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا {15} وإذا أردنا أن نهلك قرية ~~أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا {16} وكم ~~أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا {17} } ~~[الإسراء: 15-17] {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه} [الإسراء: 15] أي: ثواب ~~اهتدائه لنفسه {ومن ضل فإنما يضل عليها} [الإسراء: 15] على نفسه عقوبة ~~ضلاله، {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الإسراء: 15] قال ابن عباس: إن الوليد بن ~~المغيرة ms1016 قال: اتبعوني، وأنا أحمل أوزاركم. # فقال الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الإسراء: 15] قال الزجاج: أي ~~أن الآثم والمذنب لا يؤاخذ بذنب غيره. # {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [الإسراء: 15] قال قتادة: إن الله ليس ~~معذبا أحدا حتى يبين له # PageV03P100 # ما به يعذب. # وهذه الآية تدل على أن الواجبات إنما تجب بالشرع لا بالعقل، ولا يجب شيء ~~على أحد قبل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم. # {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16] قال مجاهد: ~~أكثرنا فساقها. # وهو قول عكرمة، وسعيد بن جبير. # يقال: أمر القوم إذا اكثروا، وأمرهم الله أي كثرهم. # وروى حماد بن سلمة، عن ابن كثير، آمرنا بالمد، وهي اللغة العالية، يقال: ~~أمر القوم وأمرهم الله، أي: أكثرهم، ونحو هذا روى خارجة، عن نافع، والمترف ~~المنعم الذي قد أبطرته النعمة وسعة العيش، والمفسرون يقولون في تفسير ~~المترفين: الجبارين والمتسلطين والملوك. # وقوله: ففسقوا فيها أي تمردوا في كفرهم إذ الفسق في الكفر الخروج إلى ~~أفحشه، فحق عليها قال ابن عباس: استوجبت العذاب. # يعني قوله: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [الإسراء: 15] . # فدمرناها تدميرا أهلكناها إهلاك الاستئصال، ثم ذكر سنته في إهلاك القرون ~~الماضية، تخويفا لكفار مكة، فقال: {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح} ~~[الإسراء: 17] الآية. # قوله: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له ~~جهنم يصلاها مذموما مدحورا {18} ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن ~~فأولئك كان سعيهم مشكورا {19} كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان ~~عطاء ربك محظورا {20} انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات ~~وأكبر تفضيلا {21} } [الإسراء: 18-21] {من كان يريد العاجلة} [الإسراء: 18] ~~يعني الدنيا عجلت فكانت قبل الآخرة، {عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد} ~~[الإسراء: 18] أي: القدر الذي نشاء نعجل له في الدنيا، لا الذي يشاء هو، ~~لمن نريد أن نعجل له شيئا قدرناه، وهذا ذم لمن أراد بعمله وطاعته وإسلامه ~~الدنيا، ومنفعتها، وعروضها، وبيان أن من أرادها لا يدرك منها ms1017 إلا ما قد له، ~~إن قدر، {ثم جعلنا له جهنم يصلاها} [الإسراء: 18] ثم يدخل النار في الآخرة، ~~لأنه لم يرد الله تعالى بعمله، {مذموما مدحورا} [الإسراء: 18] مباعدا من ~~رحمة الله. # {ومن أراد الآخرة} [الإسراء: 19] يعني الجنة، {وسعى لها سعيها} [الإسراء: ~~19] عمل بفرائض الله، وهو مؤمن فإن الله لا يقبل حسنة إلا من مصدق، {فأولئك ~~كان سعيهم مشكورا} [الإسراء: 19] يضعف لهم الحسنات، ويمحو عنهم السيئات، ~~ويرفع لهم الدرجات. # كلا نمد قال الحسن: كلا نعطي من الدنيا: البر والفاجر. # وقال الزجاج: أعلم # PageV03P101 # الله أنه يعطي المسلم والكافر، وأنه يرزقهما جميعا. # ثم فصل الفريقين فقال: {هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك ~~محظورا} [الإسراء: 20] ممنوعا، يقال: حظره يحظره حظرا، وكل من حال بينك ~~وبين شيء فقد حظره عليك. # انظر يا محمد، {كيف فضلنا بعضهم على بعض} [الإسراء: 21] يعني في الرزق، ~~فمن مقل ومن مكثر، وموسع عليه، ومقتر عليه هذا في الدنيا، {وللآخرة أكبر ~~درجات وأكبر تفضيلا} [الإسراء: 21] من الدنيا، قال ابن عباس: إذا دخلوا ~~الجنان اقتسموا المنازل والدرجات على قدر أعمالهم. # وقال قتادة: للمؤمنين في الجنة منازل ولهم فضائل بأعمالهم. ### | 539 - # أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الرمجاري، أنا محمد بن أحمد بن يعقوب المفيد، ~~نا أحمد بن عبد الرحمن السقطي، نا يزيد بن هارون، نا شريك، عن محمد بن ~~جحادة، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ~~«الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين مسيرة خمس مائة عام» # {لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا {22} وقضى ربك ألا تعبدوا ~~إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل ~~لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما {23} واخفض لهما جناح الذل من ~~الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا {24} ربكم أعلم بما في نفوسكم إن ~~تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا {25} } [الإسراء: 22-25] قوله: {لا ~~تجعل مع الله إلها آخر} [الإسراء: 22] لا تعبد معه غيره، ولا تتخذ دونه ~~إلها، والخطاب للنبي صلى ms1018 الله عليه وسلم، والمعنى عام لجميع المكلفين على ~~نحو {يأيها النبي إذا طلقتم النساء} [الطلاق: 1] ، {فتقعد مذموما مخذولا} ~~[الإسراء: 22] لا ناصر لك. # قوله: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} [الإسراء: 23] قال ابن عباس: يريد ~~وأمر ربك ليس هو قضاء حكم. # وهو قول مجاهد، والحسن، وقتادة، وعامة المفسرين. # قال الفراء: العرب تقول: تركته يقضي أمور الناس، أي يأمر فيها فينفذ ~~أمره. # قال الزجاج: وقضى ربك معناه أمر، لأنه أمر قاطع حتم. # قوله: وبالوالدين إحسانا أي: أمر أن تحسنوا بالوالدين. ### | 540 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الأصفهاني، نا عبد الله بن محمد بن جعفر ~~الأصفهاني، أنا أبو عمرو القباب، نا # PageV03P102 # الفضل بن دكين، نا أبو معاوية النخعي، نا أبو عمرو الشيباني، حدثني صاحب ~~هذه الدار؛ يعني: عبد الله بن مسعود، قال: سئل النبي، صلى الله عليه وسلم: ~~" أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لميقاتها، قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين ~~ولو استزدته لزادني " ### | 541 - # أخبرنا أبو نصر المهرجاني، أنا عبيد الله بن محمد بن بطة، أنا البغوي، نا ~~أحمد بن عيسى المصري، نا عبد الله بن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن زيان بن ~~فائد، عن سهل بن معاذ، عن أبيه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: ~~«من بر والديه طوبى له، وزاد الله في عمره» ### | 542 - # أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النصرابادي، أخبرنا عبد الله بن عمر ~~الجوهري، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني عثمان ابن أبي شيبة، نا عبد ~~الله بن إدريس، عن عبد الرحمن بن سليمان، عن أسيد بن علي بن عبيد، مولى بني ~~ساعدة، عن أبيه، عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري، قال: بينا نحن عند ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول ~~الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة ~~عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة ~~الرحم التي لا توصل إلا بهما # وقوله: {إما يبلغن عندك الكبر ms1019} [الإسراء: 23] يعني الكبر في السن إن عاشا ~~عندك أيها الإنسان المخاطب حتى يكبرا، وقرأ حمزة يبلغان قال الفراء: ثنى ~~لأن الوالدين قد ذكرا قبله فصار الفعل على عددهما. # ثم قال: {أحدهما أو كلاهما} [الإسراء: 23] على الاستئناف، {فلا تقل لهما ~~أف} [الإسراء: 23] قال ابن عباس: يريد بالأف الرديء من الكلام، أن تقول ~~لهما: أماتكما الله، أراحني # PageV03P103 # الله منكما. # وقال مجاهد: يبلغان أن يخريا أو يبولا، فلا تقل لهما أف، ولا تأذيهما كما ~~لم يكونا يتأذيان به منك. # وقال ابن قتيبة: لا تستثقل شيئا من أمرهما، الناس يقولون لما يكرهون ~~ويستثقلون أف له. ### | 543 - # أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، أنا حاجب بن أحمد، نا عبد الرحيم بن منيب، ~~نا جرير، أنا سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله ~~عليه وسلم: " رغم أنفه، رغم أنفه، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك ~~أبويه عند الكبر، أحدهما، أو كلاهما، ثم لم يدخل الجنة» ، رواه مسلم، عن ~~زهير بن حرب، عن جرير # وقوله: {ولا تنهرهما} [الإسراء: 23] يقال: نهره وانتهره إذا استقبله ~~بكلام يزجره. # قال ابن عباس: يريد الجواب بالغلظة. # وقال الزجاج: لا تكلمهما ضجرا صائحا في وجوههما. # {وقل لهما قولا كريما} [الإسراء: 23] لينا لطيفا أحسن ما تجد من القول. # {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} [الإسراء: 24] ألن لهما جانبك متذللا ~~لهما من رحمتك إياهما وشفقتك عليهما، وخفض الجناح من السكون وترك التعصب ~~والإباء عليهما، {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} [الإسراء: 24] أي: مثل ~~رحمتهما إياي في صغري حتى ربياني، وقال قتادة: هكذا علمتم، وبهذا أمرتم، ~~فخذوا بتعليم الله وأدبه. # {ربكم أعلم بما في نفوسكم} [الإسراء: 25] أي: بما تضمرون من البر ~~والعقوق، فمن بدرت منه بادرة وهو لا يضمر عقوقا، غفر الله له ذلك، وهو ~~قوله: {إن تكونوا صالحين} [الإسراء: 25] طائعين لله تعالى، {فإنه كان ~~للأوابين} [الإسراء: 25] الراجعين عن المعاصي، النادمين على الزلات، غفورا ~~يغفر لهم ما بدر منهم. # ثم حض على صلة القرابة وبر الأقارب، فقال: {وآت ذا القربى حقه ms1020 والمسكين ~~وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا {26} إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان ~~الشيطان لربه كفورا {27} وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل ~~لهم قولا ميسورا {28} } [الإسراء: 26-28] {وآت ذا القربى حقه} [الإسراء: ~~26] قال الحسن: هو أن تؤتيهم وإن كان يسيرا. # {ولا تبذر تبذيرا} [الإسراء: 26] قال ابن مسعود: التبذير النفقة في غير ~~حق. # قال عثمان بن الأسود: كنت أطوف مع مجاهد حول الكعبة، فرفع رأسه إلى أبي ~~قبيس، فقال: لو # PageV03P104 # أن رجلا أنفق مثل هذا في طاعة الله، لم يكن من المسرفين، ولو أنفق درهما ~~واحد في معصية الله كان من المسرفين. # {إن المبذرين} [الإسراء: 27] المنفقين في غير طاعة الله، {كانوا إخوان ~~الشياطين} [الإسراء: 27] لأنهم يوافقونهم فيما يدعونهم إليه، وهو كل من ~~أجاب الشيطان إلى ما سول له، فهو من إخوان الشياطين، {وكان الشيطان لربه ~~كفورا} [الإسراء: 27] قال ابن عباس: جاحدا لأنعمه. # وهذا يتضمن أن المنفق في السرف كفور لربه فيما أنعم عليه. # قوله: {وإما تعرضن عنهم} [الإسراء: 28] عن هؤلاء الذين أوصيناك بهم من ~~ذوي القربى والمساكين وابن السبيل، {ابتغاء رحمة من ربك} [الإسراء: 28] ~~انتظار رزق يأتيك من الله، والمعنى أن تعرض عن السائل إضافة وإعسارا، {فقل ~~لهم قولا ميسورا} [الإسراء: 28] أي: عدهم عدة حسنة، قاله الفراء، ومجاهد، ~~والكلبي. # وقال ابن زيد: قولا جميلا، رزقك الله بارك الله فيك. # ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل، وليس عنده ما يعطي، ~~أمسك، انتظار الرزق يأتي الله به، ويكره الرد، فلما نزلت هذه الآية، كان ~~إذا سئل ولم يكن عنده ما يعطي قال: «يرزقنا الله وإياكم من فضله» . # ومعنى الميسور اللين والسهل. # قوله: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما ~~محسورا {29} إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ~~{30} ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ ~~كبيرا {31} ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا {32} ولا تقتلوا ~~النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن ms1021 قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا ~~يسرف في القتل إنه كان منصورا {33} } [الإسراء: 29-33] {ولا تجعل يدك ~~مغلولة إلى عنقك} [الإسراء: 29] الآية، روى أبو حفص، عن عبد الله بن مسعود، ~~قال: جاء غلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أمي تسألك كذا. # فقال: «ما عندنا اليوم شيء» . # قال: فيقول لك اكسني قميصا. # قال: فخلع قميصه ودفعه إليه وجلس في البيت ". # فأنزل الله هذه الآية. # والمعنى: لا تمسك يدك عن البذل كل الإمساك حتى كأنها مقبوضه إلى عنقك لا ~~تبسط الخير، {ولا تبسطها كل البسط} [الإسراء: 29] قال ابن عباس: أي في ~~النفقة والعطية، كأنه نهي عن بذل جميع ما عنده حتى لا يبقى له شيء. # وقال مجاهد: # PageV03P105 # يعني التبذير والإنفاق فيما لا يصلح. # وقوله: فتقعد ملوما قال السدي: تلوم نفسك وتلام محسورا. # قال ابن عباس: ليس عندك شيء. # يقال: حسرت الرجل بالمسألة أحسره إذا أفنيت جميع ما عنده. # {إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} [الإسراء: 30] يوسع على من يشاء، ~~ويضيق على من يشاء، {إنه كان بعباده خبيرا بصيرا} [الإسراء: 30] حيث أجرى ~~رزقهم على ما علم فيه صلاحهم. # قوله {ولا تقتلوا أولادكم} [الإسراء: 31] مفسر في { [الأنعام إلى قوله:] ~~إن قتلهم كان خطأ كبيرا} [سورة الإسراء: 31] أي: إثما كبيرا، يقال: خطئ ~~يخطأ خطأ، أي أثم، وقرأ ابن عامر خطأ بالفتح، وهو اسم من أخطأ، وقد جاء ~~أخطأ بمعنى خطئ، أي أثم، وإذا كان كذلك كان خطئا بمعنى خطأ، وقرأ ابن كثير ~~خطأ بكسر الخاء ممدودا، وهو بعيد لا وجه له. # قوله {ولا تقربوا الزنى} [الإسراء: 32] الآية، ### | 544 - # سمعت الأستاذ أبا عثمان الحيري، سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن يعقوب، ~~سمعت أبا عمرو عثمان بن الخطاب، المعروف بأبي الدنيا، سمعت علي بن أبي ~~طالب، يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: في الزنا ست خصال؛ ~~ثلاث في الدنيا، وثلاث في الآخرة، فأما في الدنيا فيذهب بنور الوجه، ويقطع ~~الرزق، ويسرع الفناء، وأما اللواتي في الآخرة: فغضب الرب، وسوء ms1022 الحساب، ~~والدخول في النار " # قوله: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} [الإسراء: 33] قال ~~المفسرون: حقها الذي تقتل به كفر بعد إسلام، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس ~~مؤمنة بتعمد. # {ومن قتل مظلوما} [الإسراء: 33] يعني بغير إحدى هذه الخصال، {فقد جعلنا ~~لوليه} [الإسراء: 33] يعني لوارثه الذي له المطالبة بدمه، سلطانا قال ~~مجاهد: سلطانه حجته التي جعلت له أن يقتل قاتله. # وقال الضحاك: هو أنه # PageV03P106 # إن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية. # {فلا يسرف} [الإسراء: 33] الولي، {في القتل} [الإسراء: 33] قال ابن عباس: ~~هو أن يقتل غير القاتل. # وقال مجاهد: هو أن يقتل بالواحد الاثنين والثلاثة. # والمعنى: فلا يسرف الولي في القتل، أي لا يتجاوز ما حد له إنه الولي، ~~{كان منصورا} [الإسراء: 33] بقتل قاتل وليه والاقتصاص منه، وقرأ حمزة فلا ~~تسرف بالتاء على مخاطبة الولي. # وقوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا ~~بالعهد إن العهد كان مسئولا {34} وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس ~~المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا {35} } [الإسراء: 34-35] {ولا تقربوا مال ~~اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الإسراء: 34] مفسر في { [الأنعام، قوله: وأوفوا ~~بالعهد قال الزجاج: كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد. # ] إن العهد كان مسئولا} [سورة الإسراء: 34] عنه. # {وأوفوا الكيل إذا كلتم} [الإسراء: 35] أتموه ولا تبخسوا منه شيئا، ~~{وزنوا بالقسطاس المستقيم} [الإسراء: 35] قال ابن عباس، والحسن: هو القبان. # وقال: هو بالرومية. # وقال الزجاج: هو ميزان العدل. # أي ميزان كان من موازين الدراهم وغيرها، وفيه لغتان: ضم القاف وكسرها، ~~{ذلك خير} [الإسراء: 35] قال عطاء: أقرب إلى الله. # وقال قتادة: خير ثوابا. # {وأحسن تأويلا} [الإسراء: 35] عاقبة في الجزاء. # {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه ~~مسئولا {36} ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ~~{37} كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها {38} } [الإسراء: 36-38] {ولا تقف ما ~~ليس لك به علم} [الإسراء: 36] يقال: قفا يقفو قفوا ms1023 إذا اتبع الأثر. # قال الكلبي: لا تقل ما ليس لك به علم. # وقال قتادة: لا تقل سمعت ولم تسمع، ورأيت ولم تر، وعلمت ولم تعلم. # والمعنى: لا تقولن في شيء مما لا تعلم، {إن السمع والبصر والفؤاد كل ~~أولئك كان عنه مسئولا} [الإسراء: 36] قال الوالبي، عن ابن عباس: # PageV03P107 # يسأل الله العباد فيم استعملوها. # في هذا زجر عن النظر إلى ما لا يحل، والاستماع إلى ما يحرم، وإرادة ما لا ~~يجوز. # قوله: {ولا تمش في الأرض مرحا} [الإسراء: 37] المرح شدة الفرح، قال ابن ~~عباس: يريد بالكبرياء والعظمة. # وقال الزجاج: ولا تمش في الأرض مختالا فخورا. # {إنك لن تخرق الأرض} [الإسراء: 37] الخرق الشق، يقال: خرق ثوبه إذا شقه. # قال ابن عباس: لن تخرق الأرض بكبرك ومشيك عليها. # {ولن تبلغ الجبال طولا} [الإسراء: 37] بعظمتك وإنما أنت مخلوق عبد ذليل، ~~والمعنى: أنك لا تقدر أن تثقب الأرض حتى تبلغ آخرها، ولا أن تطول الجبال، ~~فلا تستحق الكبر والبذخ، {كل ذلك} [الإسراء: 38] إشارة إلى جميع ما تقدم ~~ذكره مما أمر به ونهى عنه، كان سيئه قرئ بالإضافة والتنوين، قال الزجاج: ~~والإضافة أحسن، لأن فيما تقدم من الآيات سيئا وحسنا، سيئه هو المكروه، ~~ويقوى ذلك التذكير في المكروه. # ومن قرأ بالتنوين جعل كلا إحاطة بالمنهي عنه دون الحسن، المعنى: كل ما ~~نهى الله عنه كان سيئه فكان مكروها، والمكروه على هذه القراءة بدل من ~~السيئة، وليس بنعت. # قوله: {ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى ~~في جهنم ملوما مدحورا} [الإسراء: 39] {ذلك مما أوحى إليك ربك} [الإسراء: ~~39] يعني ما تقدم ذكره من الفرائض والسنن، من الحكمة من القرآن ومواعظه، ~~{ولا تجعل مع الله إلها آخر} [الإسراء: 39] هذا خطاب لكل واحد من المؤمنين، ~~كأنه قال: ولا تجعل أيها الإنسان. # ثم خاطب المشركين الذين زعموا أن الملائكة بنات الله منكرا عليهم، فقال: ~~{أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما ~~{40} ولقد صرفنا في هذا القرءان ليذكروا وما يزيدهم إلا ms1024 نفورا {41} قل لو ~~كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا {42} سبحانه ~~وتعالى عما يقولون علوا كبيرا {43} تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن ~~وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ~~{44} } [الإسراء: 40-44] {أفأصفاكم ربكم بالبنين} [الإسراء: 40] يقال: ~~أصفاه بالشيء إذا آثره به. # قال أبو عبيدة: أفأصفاكم خصكم. # وقال المفضل: أخلصكم. # وهذا توبيخ للكفار، يقال: اختار لكم ربكم البنين دونه، وجعل البنات ~~مشتركة بينه وبينكم، فاختصكم بالأجل، وجعل لنفسه الأدون؟ إنكم لتقولون بهذا ~~الزعم الباطل، قولا عظيما يعظم خطؤه وإثمه. # قوله: {ولقد صرفنا في هذا القرءان} [الإسراء: 41] أي: صرفنا ضروب القول ~~فيه من الأمثال وغيرها مما يوجب الاعتبار به، ومعنى التصريف ههنا التبيين، ~~لأنه إنما يصرف القول ليبين، وقوله: {ليذكروا} [الإسراء: 41] ليتعظوا، ~~ويتدبروه بعقولهم، ويتفكروا فيه، وقراءة حمزة بالتخفيف بهذا المعنى كقوله: ~~{خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه} [البقرة: 63] وقوله: {وما يزيدهم ~~إلا نفورا} [الإسراء: 41] قال ابن عباس: ينفرون من الحق، ويتعبون الباطل. # PageV03P108 # والمعنى: وما يزيدهم تصريف الآيات إلا نفورا، كقوله: {فلما جاءهم نذير ما ~~زادهم إلا نفورا} [فاطر: 42] وذلك أنهم اعتقدوا أن القرآن شبه وحيل، فنفروا ~~منها أشد النفور. # قوله: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون} [الإسراء: 42] وقرأ ابن كثير ~~بالياء على معنى كما يقول المشركون من إثبات الآلهة، {إذا لابتغوا إلى ذي ~~العرش سبيلا} [الإسراء: 42] إذا لابتغت الآلهة أن تزيل ملك صاحب العرش، ~~والمعنى لابتغوا سبيلا إلى ممانعته ومضادته، وهذا قول الحسن، والكلبي، ~~وسعيد بن جبير. # ثم نزه نفسه، فقال: سبحانه وتعالى الآية. # ثم ذكر أن كل ما خلق مسبح له، فقال: {تسبح له السموات السبع} [الإسراء: ~~44] الآية، المراد بالتسبيح ههنا الدلالة على أن الله عز وجل خالق حكيم ~~مبرأ من الأسوأ، والمخلوقون والمخلوقات كلها تدل على أن الله خالقها، كما ~~قال ابن عباس في قوله: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} [الإسراء: 44] أي: يخشع ~~ويخضع. # قوله: {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [الإسراء: 44] مخاطبة للكفار لأنهم لا ~~يستدلون ms1025 ولا يعتبرون. # قوله: {وإذا قرأت القرءان جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا ~~مستورا {45} وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ~~ربك في القرءان وحده ولوا على أدبارهم نفورا {46} نحن أعلم بما يستمعون به ~~إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ~~{47} انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا {48} وقالوا أئذا ~~كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا {49} قل كونوا حجارة أو حديدا ~~{50} أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة ~~فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا {51} يوم يدعوكم ~~فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا {52} وقل لعبادي يقولوا التي هي ~~أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا {53} ربكم ~~أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم # PageV03P109 # وما أرسلناك عليهم وكيلا {54} وربك أعلم بمن في السموات والأرض ولقد ~~فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا {55} } [الإسراء: 45-55] ~~{وإذا قرأت القرءان جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا} ~~[الإسراء: 45] نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ~~قرأ القرآن، قال الكلبي: وهم أبو سفيان، والنضر بن الحارث، وأبو جهل، وأم ~~جميل امرأة أبي لهب. # حجب الله رسوله عن أبصارهم عند قراءة القرآن، فكانوا يأتونه ويمرون به ~~ولا يرونه. ### | 545 - # أخبرنا محمد بن أبي بكر المطوعي، أنا محمد بن أحمد بن علي الحيري، أنا ~~أحمد بن علي بن المثنى، نا أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الهروي، نا سفيان، عن ~~الوليد بن كثير، عن ابن تدرس، عن أسماء، قالت: لما نزلت تبت يدا أبي لهب ~~وتب؛ جاءت العوراء أم جميل، ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول: مذمما ~~أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، جالس ~~وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر: لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال: ~~«إنها لن تراني» ، وقرأ ms1026 قرآنا اعتصم به {وإذا قرأت القرءان جعلنا بينك وبين ~~الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا} ، قال: فجاءت حتى قامت على أبي بكر، ~~ولم تر النبي، صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر، بلغني أن صاحبك ~~هجاني، قال: لا، ورب هذا البيت، ما هجاك، فانصرفت وهي تقول: قد علمت قريش ~~أني بنت سيدها، رواه الحاكم في (صحيحه) ، عن الصبغي، عن بشر بن موسى، عن ~~الحميدي، عن سفيان # وقوله: حجابا مستورا قال الأخفش: أراد ساترا، والفاعل قد يكون في لفظ ~~المفعول، كما تقول: إنه لمشئوم وميمون، وإنما هو شائم ويامن. # فقال غيره: حجابا مستورا عن الأعين لا يبصر، إنما هو قدرة من قدرة الله ~~تعالى، حجب النبي صلى الله عليه وسلم عن أعين أعدائه حجاب لا يرونه ولا ~~يراه النبي صلى الله عليه وسلم. # ثم ذكر أن الله منعهم من فهم القرآن بقوله: {وجعلنا على قلوبهم أكنة} ~~[الإسراء: 46] وقد تقدم تفسيره في { [الأنعام، وقوله:] وإذا ذكرت ربك في ~~القرءان وحده} [سورة الإسراء: 46] يعني قلت لا إله إلا الله وأنت تتلو ~~القرآن، {ولوا على أدبارهم نفورا} [الإسراء: 46] قال ابن عباس: كارهين أن ~~يوحدوا الله. # وقال قتادة: إن # PageV03P110 # النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: لا إله إلا الله، أنكر ذلك المشركون، ~~وكبر عليهم. # والمعنى: انصرفوا هاربين عنك كراهية لما يسمعونه من توحيد الله. # قوله: {نحن أعلم بما يستمعون به} [الإسراء: 47] قال المفسرون: أمر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ طعاما ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين، ~~ففعل ذلك علي، ودخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ عليهم ~~القرآن، ودعاهم إلى التوحيد، فكانوا يستمعون ويقولون فيما بينهم متناجين: ~~هو ساحر، وهو مسحور. # فأخبر الله نبيه بذلك، وأنزل عليه {نحن أعلم بما يستمعون} [الإسراء: 47] ~~أي يستمعونه، والباء زائدة، أخبر الله أنه عالم بتلك الحالة، وبذلك الذي ~~كانوا يستمعونه، إذ يستمعون إلى الرسول، {وإذ هم نجوى} [الإسراء: 47] قال ~~ابن عباس: يتناجون فيما بينهم بالتكذيب والاستهزاء، {إذ يقول الظالمون} ~~[الإسراء: 47] يعني أولئك ms1027 المشركون، إن تتبعون ما تتبعون، {إلا رجلا ~~مسحورا} [الإسراء: 47] مخدوعا، والمسحور الذي قد سحر فاختلط عليه أمره، قال ~~ابن الأعرابي: المسحور الذاهب العقل، المفسد أمره. # و {انظر كيف ضربوا لك الأمثال} [الإسراء: 48] بينوا لك الأشياء حين شبهوك ~~بالكاهن، والساحر، والشاعر، والمعلم، والمجنون، فضلوا عن الحق {فلا ~~يستطيعون سبيلا} [الإسراء: 48] مخرجا عن الضلال إلى الهدى. # ثم ذكر إنكارهم البعث بقوله: {وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا} [الإسراء: ~~49] قال الفراء: الرفات التراب لا واحد له، وهو مثل الرقاق، والحطام. # والرفت كسر الشيء بيدك، مثل المدر والعظم البالي، وما كسر فهو رفات، مثل ~~الفتات، قال ابن عباس رضي الله عنه: أي إذا ذهب اللحم والعروق، وبقيت عظام ~~قد بليت، فإذا مسكته بين أصبعيك انسحق، فهو رفات. # {أإنا لمبعوثون خلقا جديدا} [الإسراء: 49] أي: أنبعث إذا صرنا ترابا؟ ~~وهذا استفهام إنكار وتعجب، قال الله تعالى: {قل كونوا حجارة أو حديدا} ~~[الإسراء: 50] قال الزجاج: إنهم كانوا يقرون أن الله خالقهم، وينكرون أنه ~~يعيدهم. # فقيل لهم استشعروا أنكم لو خلقتم من حجارة أو حديد {أو خلقا مما يكبر في ~~صدوركم} [الإسراء: 51] الأكثرون قالوا: يعني الموت، وليس أكبر في صدور بني ~~آدم من الموت، يقول: لو كنتم الموت، لأماتكم الله، ثم أحياكم، لأن القدرة ~~التي بها أنشأكم، بها يعيدكم، هذا معنى قوله: {فسيقولون من يعيدنا قل الذي ~~فطركم أول مرة} [الإسراء: 51] وقال مجاهد: ما شئتم فكونوا حجارة، أو حديدا، ~~أو سماء، أو أرضا، أو جبلا سيعيدكم الله كما كنتم، وقوله: فسينغضون يقال: ~~أنغض رأسه ينغضه إنغاضا إذا حركه. # والمعنى: يحركون رءوسهم تكذيبا لهذا القول واستبعادا له، {ويقولون متى ~~هو} [الإسراء: 51] أي البعث والإعادة، {قل عسى أن يكون قريبا} [الإسراء: ~~51] يعني هو قريب، وعسى من الله واجب. # ثم ذكر أنه متى يكون، فقال: يوم يدعوكم أي: بالنداء الذي يسمعكم، وهو ~~النفخة الأخيرة كما قال: {يوم يناد المناد من مكان قريب} [ق: 41] . # PageV03P111 # {فتستجيبون} [الإسراء: 52] تجيبون، {بحمده} [الإسراء: 52] قال سعيد بن ~~جبير: يخرجون من قبورهم، ويقولون: سبحانك وبحمدك، ولا ينفعهم في ذلك ms1028 اليوم ~~لأنهم حمدوا حين لا ينفعهم الحمد. # {وتظنون إن لبثتم إلا قليلا} [الإسراء: 52] وتعلمون ما لبثتم في الدنيا ~~إلا قليلا، قال الحسن، وقتادة: استقصروا مدة لبثهم مع ما يعلمون من طول ~~لبثهم في الآخرة. # ومن المفسرين من يذهب إلى أن هذه الآية خطاب للمؤمنين، لأنهم يستجيبون ~~الله بحمده، ويحمدونه على إحسانه إليهم، ويستقلون مدة لبثهم في البرزخ ~~لأنهم كانوا غير معذبين. # وقوله: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} [الإسراء: 53] قال الكلبي: كان ~~المشركون يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فيقولون: يا رسول ~~الله، ائذن لنا في قتالهم. # فيقول لهم: إني لم أومر فيهم بشيء. # فأنزل الله هذه الآية، والمعنى: قل لعبادي المؤمنين يقولوا للكافرين ~~الكلمة التي هي أحسن، قال الحسن: يقولون له: يهديك الله. # إن الشيطان هو الذي يفسد بينهم لأنه عدو للإنسان ظاهر العداوة. # {ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم} [الإسراء: 54] بالإنجاء من كفار مكة، ~~وينصركم عليهم، {أو إن يشأ يعذبكم} [الإسراء: 54] بتسليطهم عليكم، {وما ~~أرسلناك عليهم وكيلا} [الإسراء: 54] حافظا وكفيلا، أي وما وكل إليهم ~~إيمانهم، إن شاء هداهم وإن شاء خذلهم. # {وربك أعلم بمن في السموات والأرض} [الإسراء: 55] قال ابن عباس: لأنه ~~خلقهم، فهدى بعضهم وأضل بعضهم على علم منه بهم، وكذلك تفضيل النبيين بعضهم ~~على بعض، كان عن حكمة وعلم، وهو قوله: {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} ~~[الإسراء: 55] قال قتادة: اتخذ الله إبراهيم خليلا، وكلم موسى تكليما، وجعل ~~عيسى كلمته وروحه، وآتى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وآتى داود ~~زبورا، وغفر لمحمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر. # وقوله: {وآتينا داود زبورا} [الإسراء: 55] قال الزجاج: أي فلا تنكروا ~~تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم وإعطاءه القرآن، فقد أعطى الله داود الزبور. # وقال قتادة: كنا نحدث أنه تحميد وتمجيد لله، ليس فيه حلال ولا حرام، ولا ~~فرائض ولا حدود. # {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا {56} ~~أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم ms1029 الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون ~~عذابه إن عذاب ربك كان محذورا {57} } [الإسراء: 56-57] قوله: {قل ادعوا ~~الذين زعمتم من دونه} [الإسراء: 56] الآية، قال المفسرون: ابتلى الله قريشا ~~وأهل مكة بالقحط سنين، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل ~~الله هذه الآية. # والمعنى: قل للمشركين ادعوا الذين ادعيتم كذبا أنهم آلهة، ثم أخبر عن ~~الآلهة، فقال: {فلا يملكون كشف الضر عنكم} [الإسراء: 56] يعني البؤس ~~والشدة، ولا تحويلا التحويل النقل من حال إلى حال، ومن # PageV03P112 # مكان إلى مكان، قال ابن عباس: يريد من السقم والفقر إلى الصحة والغنى. # وفي هذا احتجاج عليهم أنهم في عبادتهم على الباطل، قال ابن عباس في رواية ~~عطاء: ثم ذكر أولياءه، فقال: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} ~~[الإسراء: 57] قال: يتضرعون إلى الله في طلب الجنة، والوسيلة الدرجة ~~العليا، وقد تكون الوسيلة القربة إلى الله تعالى وما يقربك من رحمته. # ذكرنا ذلك في قوله: {وابتغوا إليه الوسيلة} [المائدة: 35] قال الزجاج: ~~المعنى يبتغي أيهم أقرب الوسيلة إلى الله، أي: يتقرب إليه بالعمل الصالح، ~~قال ابن عباس: يتقربون إلى الله بصالح الأعمال، فيرجون رحمته، ويريدون ~~جنته، ويخافون عذابه. # {إن عذاب ربك كان محذورا} [الإسراء: 57] يحذره المؤمنون المتقون، فيطيعون ~~الله خوفا منه. # {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا ~~كان ذلك في الكتاب مسطورا {58} وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها ~~الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ~~{59} وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا ~~فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرءان ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا ~~كبيرا {60} } [الإسراء: 58-60] قوله: {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها} ~~[الإسراء: 58] قال ابن مسعود: إذا ظهر الزنا والربا في أهل قرية، أذن الله ~~في إهلاكها. # وقال مقاتل: أما الصالحة فبالموت، وأما الطالحة فبالعذاب. # وقال الزجاج: أي ما من أهل قرية إلا وسيهلك، إما بموت أو بعذاب يستأصلهم. # {كان ذلك في الكتاب مسطورا ms1030} [الإسراء: 58] قال قتادة: قضاء من الله كما ~~تسمعون ليس منه بد. # قوله: {وما منعنا أن نرسل بالآيات} [الإسراء: 59] قال المفسرون: سأل أهل ~~مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن ينحي الجبال ~~عنهم، فيزرعوا. # فأتاه جبريل، فقال: إن شئت، كان ما سأل قومك، ولكنهم إن لم يؤمنوا لم ~~يمهلوا، وإن شئت، استأنيت بهم. # قال: «لا، بل أستأني بهم» . # فأنزل الله هذه الآية، وتقدير الكلام: وما منعنا إرسال الآيات التي ~~سألوها إلا تكذيب الأولين، ويعني أنهم سألوا الآيات التي استوجب بها ~~الأولون العذاب لما كذبوا بها، والمعنى: أنا لم نرسل بالآيات لئلا يكذب بها ~~هؤلاء كما كذب من قبلهم، فيستحقوا المعاجلة بالعقوبة، وسنة الله في الأمم، ~~إذا سألوا الآيات، فأتتهم، ثم لم يؤمنوا، أن يعذبهم، ولا يمهلهم، وقوله: ~~{وآتينا ثمود الناقة مبصرة} [الإسراء: 59] قال قتادة: بينة. # PageV03P113 # والمبصرة البينة، أراد آية مبصرة، أي مضيئة. # وهذا كقوله: {وجعلنا آية النهار مبصرة} [الإسراء: 12] ، وقوله فظلموا بها ~~أي: ظلموا أنفسهم بتكذيبها، وقد يكون الظلم الجحد كقوله: {بما كانوا ~~بآياتنا يظلمون} [الأعراف: 9] أي يجحدون، {وما نرسل بالآيات} [الإسراء: 59] ~~أي: العبر والدلالات، إلا تخويفا للعباد ليتعظوا ويخافوا. # قوله: {وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس} [الإسراء: 60] أي: فهم في قبضته ~~وهو محيط بهم بالعلم والقدرة، قال قتادة: يمنعك من الناس حتى تبلغ رسالة ~~ربك. # وقال الحسن: حال بينهم وبين أن يقتلوك كما قال: {والله يعصمك من الناس} ~~[المائدة: 67] . # وقوله: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الإسراء: 60] ~~يعني ما أراه الله ليلة الإسراء، وكانت رؤيا يقظة، لا رؤيا منام، وهذا قول ~~سعيد بن جبير، وأبي مالك، والسدي، ومجاهد، وقتادة، والحسن، والضحاك، وابن ~~زيد، وابن عباس في رواية عكرمة، قال: هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله ~~عليه وسلم ليلة أسري به في بيت المقدس، وذلك أنه ارتد بعضهم حين أعلمهم قصة ~~الإسراء، فأنكروا وكذبوا، وازداد المؤمنون المخلصون إيمانا، وكانت تلك ~~الرؤيا فتنة للناس. # وقوله: {والشجرة الملعونة في القرءان} [الإسراء: 60] هذا على التقديم ms1031 ~~والتأخير، والتقدير وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في ~~القرآن إلا فتنة للناس، وهي شجرة الزقوم، وكانت الفتنة فيها ما قال قتادة: ~~خوف الله تعالى بها عباده، ففتنوا بذلك حتى قال أبو جهل: زعم صاحبكم أن في ~~النار شجرا، والنار تأكل الشجر. # وقال ابن الزبعري: ما نعلم الزقوم إلا التمر والزبد. # قال الزجاج: والعرب تقول لكل طعام مكروه وضار: # PageV03P114 # ملعون. # يدل على هذا ما روى عكرمة، عن ابن عباس، قال: الشجرة المذمومة. # ومعنى في القرآن أي التي ذكرت في القرآن. ### | 546 - # أخبرنا إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين الطبري، أنا جدي محمد بن ~~الحسين، أنا محمد بن حمدويه المروزي، نا محمود بن آدم، نا سفيان بن عيينة، ~~عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: {وما جعلنا الرؤيا التي ~~أريناك} قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليلة أسري ~~به، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم. # رواه البخاري، عن ابن المديني، عن سفيان، ورواه الحاكم، عن محمد بن علي ~~الصنعاني، عن الدبري، عن عبد الرزاق، عن سفيان # وقوله: ونخوفهم أي بالآيات والدلالات، فما يزيدهم التخويف، {إلا طغيانا ~~كبيرا} [الإسراء: 60] لأنهم لا يرجعون عن غيهم. # قوله: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن ~~خلقت طينا {61} قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة ~~لأحتنكن ذريته إلا قليلا {62} قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء ~~موفورا {63} واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم ~~في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا {64} إن عبادي ليس ~~لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا {65} } [الإسراء: 61-65] {وإذ قلنا ~~للملائكة اسجدوا لآدم} [الإسراء: 61] الآية مفسرة فيما تقدم إلى قوله: ~~{أأسجد لمن خلقت طينا} [الإسراء: 61] قال الزجاج: المعنى لمن خلقته طينا، ~~وهو منصوب على الحال. # والمعنى أنك أنشأته في حال كونه من طين، واعتقد إبليس، لعنه الله، أن ~~النار أكرم أصلا من الطين، وأنه أكرم ممن خلق من الطين ms1032، وذهب عليه بجهله أن ~~الجواهر كلها من جنس واحد، وأن الله عز وجل يصرفها بالإعراض كيف شاء، مع ~~كرم جوهر الطين بكثرة ما فيه من المنافع. # قال إبليس، {أرأيتك هذا الذي كرمت علي} [الإسراء: 62] أي: أرأيت هذا الذي ~~فضلته علي، يعني آدم، والكاف في أرأيتك لا موضع لها، لأنها ذكرت في الخاطبة ~~توكيدا، {لئن أخرتن إلى يوم القيامة} [الإسراء: 62] أي: أخرت أجل موتي، ~~{لأحتنكن ذريته} [الإسراء: 62] لأستأصلنهم، ولأستولين عليهم بالإغواء ~~والإضلال، وأصله من احتناك الجراد الزرع، وهو أن تأكله وتستأصله بأحناكها ~~وتفسده، وهذا هو الأصل، ثم يسمى الاستيلاء على الشيء وأخذ كله احتناكا، ~~وقوله: إلا قليلا يعني المعصومين، قال ابن عباس: هم أولياء الله الذين ~~عصمهم، وهم الذين استثنى الله في قوله: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} ~~[الإسراء: 65] . # قال الله تعالى لإبليس: {اذهب} [الإسراء: 63] وهذا اللفظ يتضمن معنى ~~إنظاره وتأخير أجله، فمن تبعك أي: أطاعك واتبع أمرك، منهم من ذرية آدم، { # PageV03P115 # فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا} [الإسراء: 63] قال الزجاج: موفرا، يقال ~~وفرته أفره وفرا، وهو موفور، وأنشد لزهير: # ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتق الشتم يشتم # واستفزز أي أزعج واستخف، من استطعت من بني آدم، يقال: أفره واستفزه، أي ~~أزعجه واستخفه، ومعنى الأمر ههنا التهديد، كما يقال للإنسان: اجهد جهدك ~~فسترى ما ينزل بك. # وقوله: بصوتك قال مجاهد، وعكرمة: يعني الغناء والمزامير. # وقال الوالبي، عن ابن عباس: صوته دعاء كل داع إلى معصية الله. # وقال عطاء عنه: كل متكلم في غير ذات الله، فهو صوت الشيطان. # وقوله: {وأجلب عليهم} [الإسراء: 64] يقال: أجلبوا وجلبوا إذا صاحوا. # يقول: صح بخيلك ورجلك، واحثثهم عليهم بالإغواء. # وقال الزجاج: يقال: أجلب على العدو إجلابا إذا جمع عليه الخيول. # والمعنى على هذا: أجمع عليهم كل ما تقدر من مكايدك، ويكون الباء في بخيلك ~~زائدة على هذا القول، وكل راكب، أو راجل في معصية الله فهو من خيل إبليس ~~وجنوده، والرجل جمع راجل، وقرأ حفص بكسر الجيم، قال أبو زيد: يقال: رجل ms1033 ~~ورجل بمعنى راجل. # وقوله: {وشاركهم في الأموال والأولاد} [الإسراء: 64] وهي كل ما أصيب من ~~حرام، وأخذ بغير حقه، وكل ولد زنا، قال قتادة: أما في الأموال فأمرهم أن ~~يجعلوا بحيرة وسائبة، وأما في أولادهم فأنهم هودوهم ونصروهم ومجسوهم. # وقوله: وعدهم قال الفراء: أي قل لهم لا جنة ولا نار. # وقال الزجاج: وعدهم بأنهم لا يبعثون. # قال الله: {وما يعدهم الشيطان إلا غرورا {64} إن عبادي ليس لك عليهم ~~سلطان} [الإسراء: 64-65] قال ابن عباس: إن أوليائي ليس لك عليهم حجة في ~~الشرك. # وقال قتادة: عبادة الذين لا سلطان له عليهم المؤمنون. # {وكفى بربك وكيلا} [الإسراء: 65] لأوليائه يعصمهم من القبول من إبليس. # قوله: { # PageV03P116 # ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما ~~{66} وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر ~~أعرضتم وكان الإنسان كفورا {67} أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل ~~عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا {68} أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى ~~فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به ~~تبيعا {69} } [الإسراء: 66-69] {ربكم الذي يزجي} [الإسراء: 66] أي: يسوق ~~ويسير حالا بعد حال، {لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله} [الإسراء: 66] ~~في طلب التجارة، {إنه كان بكم رحيما} [الإسراء: 66] قال ابن عباس: يريد ~~بأوليائه وأهل طاعته. # وهذا الخطاب خاص للمؤمنين. # ثم خاطب المشركين، فقال: {وإذا مسكم الضر} [الإسراء: 67] يعني خوف الغرق، ~~{في البحر ضل من تدعون إلا إياه} [الإسراء: 67] أي زال وبطل من تدعون من ~~الآلهة إلا الله تعالى، قال ابن عباس: نسيتم اتخاذ الأنداد والشركاء ~~وتركتموهم وأخلصتم لله، فلما نجاكم من الغرق والبحر، {إلى البر أعرضتم} ~~[الإسراء: 67] عن الإيمان والإخلاص وكان الإنسان يعني الكافر، كفورا لنعمة ~~ربه. # ثم بين أنه قادر أن يهلكهم في البر، فقال: {أفأمنتم أن يخسف بكم جانب ~~البر} [الإسراء: 68] أي: يغيبكم ويذهبكم في جانب البر، وهو الأرض، يقال: ~~خسف به الأرض، أي: غاب به فيها، أخبر الله تعالى ms1034 أنه كما قدر أن يغيبهم في ~~الماء قادر أن يغيبهم في الأرض، وقوله: {أو يرسل عليكم حاصبا} [الإسراء: ~~68] عذابا يحصبكم، أي: يرميكم بالحجارة، والحصب الرمي، ويقال للريح التي ~~تحمل التراب والحصاء: حاصب. # {ثم لا تجدوا لكم وكيلا} [الإسراء: 68] قال قتادة: مانعا ولا ناصرا. # {أم أمنتم أن يعيدكم فيه} [الإسراء: 69] في البحر، تارة مرة أخرى، {فيرسل ~~عليكم قاصفا} [الإسراء: 69] كاسرا، من الريح والقصف الكسر بشدة، وأراد ههنا ~~ريحا شديدة تقصف الفلك، وهو قوله: {فيغرقكم بما كفرتم} [الإسراء: 69] ~~بكفركم، حيث سلمتم ونجوتم في المرة الأولى، ويقرأ قوله: أن يخسف وأخواته من ~~الأفعال بالياء والنون، والمعنى واحد، وكل حسن، وتؤكد النون قوله: {ثم لا ~~تجدوا لكم علينا به تبيعا} [الإسراء: 69] قال الزجاج: لا تجدوا من يتبعنا ~~بإنكار ما نزل بكم. # وهذا معنى قول المفسرين: لا برا ولا ناصرا، وتبع بمعنى تابع. # قوله: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات ~~وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا {70} يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن ~~أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا {71} ومن كان في ~~هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا {72} } [الإسراء: 70-72] {ولقد ~~كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70] قال ابن عباس: فضلنا كقوله: {هذا الذي كرمت ~~علي} [الإسراء: 62] والمعنى: فضلناهم بالعقل والنطق والتمييز. # وقال عطاء: بامتداد القامة. # وروى ميمون بن مهران، عن ابن عباس، قال: ليس من دابة إلا وهي # PageV03P117 # تأكل بفيها إلا ابن آدم، فإنه يأكل بيديه. # وروى جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيره هذه ~~الآية: قال: «الكرامة الأكل بالأصابع» . # {وحملناهم في البر} [الإسراء: 70] على الإبل والخيل والبغال والحمير، وفي ~~البحر على السفن، {ورزقناهم من الطيبات} [الإسراء: 70] يعني الثمار والحبوب ~~والمواشي، والسمن والزبد والحلاوى، {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} ~~[الإسراء: 70] قال السدي: فضلوا على البهائم والدواب والوحوش، وهم الكثير. ### | 547 - # أخبرنا الحسين بن محمد بن زكريا الجوهري، أنا أبو عمرو بن نجيد، نا محمد ~~بن أيوب، نا محمد بن سنان العوقي، نا عبد ms1035 الله بن عمر، نا سهيل، عن أبيه، ~~عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: قال " من رأى رجلا به بلاء قد ~~عوفي منه، فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن ~~خلق تفضيلا، فقد أدى شكر ذلك البلاء " # قوله: {يوم ندعو كل أناس} [الإسراء: 71] قال الزجاج: يعني به يوم ~~القيامة، وهو منصوب على معنى اذكر يوم ندعو. # وقوله: {بإمامهم} [الإسراء: 71] قال مجاهد، وقتادة: نبيهم. # ويكون المعنى على هذا: أن ينادي يوم القيامة، فيقال: هاتوا متبعي ~~إبراهيم، هاتوا متبعي موسى وعيسى، هاتوا متبعي محمد عليهم السلام. # فيقوم أهل الحق الذين اتبعوا الأنبياء، فيأخذون كتبهم بأيمانهم، ثم يقال: ~~هاتوا متبعي الشيطان، هاتوا متبعي رؤساء الضلالة. # وهذا معنى قول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: إمام هدى، أو إمام ضلالة. # ونحو هذا، روى الوالبي، قال: بأئمتهم في الخير والشر. # وقال الضحاك، وابن زيد: يعني في كتابهم الذي أنزل عليهم. # والمعنى على هذا أن يقال: يا أهل القرآن، يا أهل التوراة، يا أهل ~~الإنجيل. ### | 548 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن محمويه، نا عبد الله بن عمر بن علي ~~الجوهري، نا جعفر بن شعيب الشاشي، نا محمد بن يوسف، نا أبو قرة، عن مالك بن ~~أنس، عن زياد بن سعيد، عن أبي الزبير، نا جابر بن عبد الله، أن رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا كان يوم القيامة، وجمعت الأمم، فيقال: من ~~هذه الأمة؟ ويتشرف إليها الناس، فيقال: هذا محمد في أمته، فينادي المنادي: ~~ليكن الآخرون هم الأولين، فتأتي فتتخطى رقاب الناس حتى تكون أقرب الناس من ~~الله منزلة، ثم يدعى اليهود، فيقال: ما أنتم؟ فيقولون: نحن اليهود، فيقال: ~~ما كتابكم؟ فيقولون: التوراة، فيقال: من نبيكم؟ فيقولون: نبينا موسى، ~~فيقال: ما تعبدون؟ قالوا: نعبد عزيرا، نعبد الله، فيقال: اسلكوا بهؤلاء في ~~جهنم، ويدعى النصارى، فيقال: ما أنتم؟ فيقولون: نحن النصارى، فيقال لهم: ما ~~كتابكم؟ فيقولون: الإنجيل، فيقال لهم: من نبيكم؟ فيقولون: نبينا عيسى ابن ~~مريم ms1036، فيقال: ما تعبدون؟ قالوا: نعبد عيسى وأمه والله، فيقال: اسلكوا ~~بهؤلاء في # PageV03P118 # جهنم، ثم يدعون بشرا كثيرا بما كانوا يعبدون من آلهتهم، منها الحجارة، ~~ومنها الشمس، والقمر، فيقال: من كان يعبد إلها، فليتبعه، تقدمهم آلهتهم، ثم ~~يبقى المسلمون، فيقف بهم ربهم، عز وجل، فيقول: ما أنتم؟ فيقولون: نحن ~~المسلمون، فيقول: خير اسم، وخير داعية، فيقول: من نبيكم؟ قالوا: نبينا ~~محمد، صلى الله عليه وسلم، فيقول: ما كتابكم؟ فيقولون: القرآن، فيقول: ما ~~تعبدون؟ قالوا: نعبد الله وحده، فيقول: أتعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون: نعم، ~~فيتجلى الرب، عز وجل، فيخرون له سجدا، فيقولون: أنت ربنا، جل جلالك، ثم ~~يمضي النور بأهله " # وقوله: {ولا يظلمون فتيلا} [الإسراء: 71] أي: لا ينقصون من ثوابهم بمقدار ~~فتيل، وهو القشرة التي في شق النواة، ويضرب مثلا للشيء الحقير. # قوله: {ومن كان في هذه} [الإسراء: 72] يعني في الدنيا، أعمى عما يرى من ~~قدرة الله تعالى في خلق السموات والأرض، والبحار والجبال، {فهو في الآخرة} ~~[الإسراء: 72] أي: في أمرها مما لم يعاينه، {أعمى} [الإسراء: 72] أشد عمى، ~~وكلاهما من عمى القلب لا من عمى العين، قال قتادة: من عاين الشمس والقمر، ~~فلم يؤمن، فهو أعمى عما يغيب عنه، أن يؤمن به هذا الذي ذكرنا قول عامة ~~المفسرين. # وقال الحسن: من كان في الدنيا ضالا كافرا، فهو في الآخرة أعمى وأضل ~~سبيلا، لأنه في الدنيا تقبل توبته، وفي الآخرة لا تقبل توبته. # اختار أبو إسحاق الزجاج هذا القول، فقال: تأويله إنه إذا عمي في الدنيا، ~~وقد عرفه الله الهدى، وجعل له إلى التوبة وصلة، فعمي عن رشده، ولم يتب، فهو ~~في الآخرة أعمى، أي: أشد عمى وأضل سبيلا، لأنه لا يجد طريقا إلى الهداية. # واختاره أبو علي الفارسي أيضا، فقال: معنى قوله: {فهو في الآخرة أعمى} ~~[الإسراء: 72] أي: أشد عمى في الدنيا، كان ممكنا من الخروج عن عماه ~~بالاستدلال، ولا سبيل له في الآخرة إلى الخروج من عماه، لأنه قد حصل على ~~عمله. # وكذلك قوله: وأضل سبيلا لأن ضلاله في الآخرة لا ms1037 سبيل له إلى الخروج منه، ~~وقرأ أبو عمرو في هذه أعمي بكسر الميم، {فهو في الآخرة أعمى} [الإسراء: 72] ~~بفتح الميم، أراد أن يفرق بين ما هو اسم، وبين ما هو أفعل منه، فغاير ~~بينهما بالإمالة، وتركها لأن معنى قوله: {فهو في الآخرة أعمى} [الإسراء: ~~72] أي: أعمى منه في الدنيا، ومعنى العمى في الآخرة أنه لا يهتدي إلى طريق ~~الثواب. # {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك ~~خليلا {73} ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا {74} إذا ~~لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا {75} وإن كادوا ~~ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا {76} سنة ~~من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا {77} } [الإسراء: 73-77] ~~قوله: {وإن كادوا ليفتنونك} [الإسراء: 73] أي: هموا وقاربوا أن يزيلوك ~~ويصرفوك، {عن الذي أوحينا إليك} [الإسراء: 73] يعني القرآن، والمعنى عن ~~حكمه نزلت الآية في وفد ثقيف، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ~~متعنا باللات سنة، وحرم وادينا كما حرمت مكة، فإنا نحب أن تعرف العرب فضلنا ~~عليهم، فإن كرهت ما نقول، وخشيت أن تقول العرب: أعطيتهم ما لم تعط غيرهم، ~~فقل: الله أمرني بذلك. # فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وداخلهم الطمع، وقد هم أن ~~يعطيهم ذلك، فأنزل الله # PageV03P119 # هذه الآية. # وكان في إعطائهم ما سألوا مخالفة لحكم القرآن، لذلك قال: {وإن كادوا ~~ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره} [الإسراء: 73] لتختلق ~~علينا غير ما أوحينا إليك، وهو قولهم: قل الله أمرني بذلك. # {وإذا لاتخذوك خليلا} [الإسراء: 73] لو فعلت ما أرادوا. # {ولولا أن ثبتناك} [الإسراء: 74] على الحق بعصمتنا إياك، لقد كدت هممت ~~وقاربت، تركن إليهم أي: تميل شيئا قليلا، عبارة عن المصدر، أي: ركونا، قال ~~ابن عباس: يريد حيث سكت عن جوابهم، والله أعلم بنيته. # ثم توعده على ذلك لو فعله {إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} ~~[الإسراء: 75] أي: ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات، يريد عذاب ms1038 الدنيا ~~وعذاب الآخرة، أي: ضعف ما يعذب به غيره، قال ابن عباس: ورسول الله صلى الله ~~عليه وسلم معصوم، ولكن هذا تخويف لأمته، لئلا يركن أحد من المؤمنين إلى أحد ~~من المشركين في شيء من أحكام الله وشرائعه. # قوله: {وإن كادوا ليستفزونك من الأرض} [الإسراء: 76] قال قتادة: هم أهل ~~مكة بإخراج نبي الله صلى الله عليه وسلم منها، ولو فعلوا ذلك ما نوظروا، ~~ولكن الله كفهم عن ذلك حتى أمره بالخروج. # والمعنى أنهم قاربوا أن يزعجوك من أرض مكة {ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون ~~خلافك} [الإسراء: 76] وخلفك أي: بعدك، يعني بعد خروجك، وخلافك بمعنى خلفك، ~~كقوله تعالى: {بمقعدهم خلاف رسول الله} [التوبة: 81] وقوله: إلا قليلا أي: ~~لو أخرجوك لاستأصلناهم بعد خروجك بمدة يسيرة، كسنتنا في من قبلهم، وهو ~~قوله: {سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا} [الإسراء: 77] قال سفيان بن عيينة: ~~يقول: لم نرسل قبلك رسولا فأخرجه قومه إلا أهلكوا. # وقال الزجاج: إن سنتنا هذه السنة في من أرسلنا قبلك إليهم، أنهم إذا ~~أخرجوا نبيهم من بين أظهرهم، أو قتلوه، أن ينزل العذاب بهم. # وقوله: {ولا تجد لسنتنا تحويلا} [الإسراء: 77] أي: ما أجرى الله به ~~العادة لم يتهيأ لأحد أن يقبلها، قال ابن عباس: لا خلف لسنتي ولا لقضائي ~~ولا لموعدي. # قوله: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرءان الفجر إن قرءان ~~الفجر كان مشهودا {78} ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما ~~محمودا {79} وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك ~~سلطانا نصيرا {80} وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا {81} ~~وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ~~{82} } [الإسراء: 78-82] {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء: 78] دلوك ~~الشمس زوالها وميلها في وقت الظهر، وكذلك ميلها للغروب هو دلوكها أيضا، قال ~~المبرد: دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها عند العرب. # والمفسرون مختلفون فيه، فقوم يقولون: دلوكها زوالها، وهو قول الحسن، ~~والشعبي، وعطاء، ومجاهد، وقتادة. # وقال قوم ms1039: دلوكها غروبها، وهو قول ابن مسعود، وعلي، والسدي، وابن عباس، ~~في رواية سعيد بن جبير. # قال الأزهري: معنى الدلوك # PageV03P120 # في كلام العرب الزوال، ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار: دالكة، وقيل ~~لها إذا أفلت: دالكة، لأنها في الحالتين زائلة. # قال: والقول عندي: إن زوالها نصف النهار لتكون الآية جامعة للصلوات ~~الخمس. # والمعنى: أقم الصلاة من وقت زوال الشمس إلى غسق الليل، فتدخل فيها ~~الأولى، والعصر، وصلاتا غسق الليل، وهما العشاءان، ثم قال: {وقرءان الفجر} ~~[الإسراء: 78] فهذه خمس صلوات، ومعنى غسق الليل سواده وظلمته، قال ابن ~~جريج: قلت لعطاء: ما غسق الليل؟ قال: أوله حين يدخل. # وقال ابن مسعود: غسق الليل إظلامه. # قال الفراء، والزجاج: يقال: غسق الليل أغسق إذا أقبل ظلامه. # وقوله: {وقرءان الفجر} [الإسراء: 78] قال ابن عباس، والمفسرون: يريد صلاة ~~الصبح. # قال الزجاج: أي وأقم قرآن الفجر، قال: وفي هذا فائدة عظيمة تدل على أن ~~الصلاة لا تكون بقراءة حيث سميت الصلاة قرآنا. # وقوله: {إن قرءان الفجر كان مشهودا} [الإسراء: 78] كلهم قالوا: صلاة ~~الفجر، تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار. ### | 549 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي، نا أبو الفضل محمد بن عبد ~~الله بن خميرويه، نا أبو الحسن علي بن محمد الخزاعي، نا أبو اليمان، أخبرني ~~شعيب، عن الزهري، أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة، أن أبا هريرة، رضي ~~الله عنه، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «تفضل صلاة ~~الجماعة صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا، وتجتمع ملائكة الليل، وملائكة ~~النهار في صلاة الفجر» ، ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم {وقرءان الفجر ~~إن قرءان الفجر كان مشهودا} . # رواه البخاري، عن أبي اليمان، قوله: {ومن الليل فتهجد به} ، قال ابن ~~عباس: فصل بالقرآن، وقال مجاهد وعلقمة والأسود: التهجد بعد النوم، قال ~~الليث: تهجد إذا استيقظ للصلاة، وقال الأزهري: المتهجد القائم إلى الصلاة ~~من النوم، وقيل له: متهجد لإلقائه الهجود عن نفسه، كما يقال: تخرج وتأثم ~~وتحوب # PageV03P121 # وقوله: {نافلة لك} [الإسراء: 79] معنى النافلة في ms1040 اللغة ما كان زيادة على ~~الأصل، وصلاة الليل كانت زيادة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، لرفع ~~الدرجات لا للكفارات، لأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وليست لنا ~~بنافلة. # وهذا قول جميع المفسرين، قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} ~~[الإسراء: 79] قال ابن عباس: عسى من الله واجبة، يريد أعطاك الله يوم ~~القيامة مقاما محمودا يحمدك فيه الأولون والآخرون، تشرف على جميع الخلائق، ~~وتسأل فتعطى، وتشفع فتشفع، وليس أحد إلا تحت لوائك. # وإجماع المفسرين على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة، ومعنى يبعثك ربك ~~مقاما: يقيمك في ذلك المقام. ### | 550 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أنا أبو عمرو بن مطر، نا عبدان ~~الجواليقي، نا أبو بكر ابن أبي شيبة، نا وكيع، عن إدريس الأودي، عن أبيه، ~~عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: {عسى أن يبعثك ربك ~~مقاما محمودا} الشفاعة ### | 551 - # أخبرنا أبو الفتح محمد بن علي الكوفي، أنا أبو علي الحسن بن أحمد بن ~~سليمان، نا الفضل بن الخصيب، نا محمد بن هارون الرازي، نا أبو أسامة، نا ~~داود الأودي، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في ~~قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} ، قال: هو المقام الذي أشفع فيه ~~لأمتي # قوله {وقل رب أدخلني مدخل صدق} [الإسراء: 80] روى قابوس بن أبي ظبيان، عن ~~ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم أمر بالهجرة، ~~فنزلت عليه هذه الآية. # والمعنى: ادخلني المدينة، وأخرجني من مكة، والمدخل والمخرج بمعنى المصدر، ~~وإضافتهما إلى الصدق مدح لهما، وكل شيء أضفته إلى الصدق فهو مدح، نحو قوله: ~~{قدم صدق} [يونس: 2] ، {مقعد صدق} [القمر: 55] ، {واجعل لي من لدنك سلطانا ~~نصيرا} [الإسراء: 80] حجة بينة تنصرني بها على جميع من خالفني. # قوله: {وقل جاء الحق وزهق الباطل} [الإسراء: 81] قال السدي: الحق ~~الإسلام، والباطل الشرك. # وقال قتادة: الحق القرآن، والباطل الشيطان. # ومعنى زهق: بطل واضمحل، وكل شيء هلك وبطل فقد زهق. ### | 552 - # أخبرنا ms1041 محمد بن أبي بكر المطوعي، أنا محمد بن أحمد بن علي الحيري، أنا ~~أحمد بن علي بن المثنى، نا أبو خيثمة، نا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، ~~عن مجاهد، عن أبي معمر، عن ابن مسعود، قال: دخل النبي، صلى الله عليه وسلم، ~~مكة وحول البيت ثلات مائة وستون صنما، فجعل يطعنها، ويقول: جاء الحق وزهق ~~الباطل، إن الباطل كان زهوقا. # رواه البخاري، # PageV03P122 # عن علي ابن المديني، ومسلم، عن أبي بكر ابن أبي شيبة كلاهما، عن سفيان # وقوله: {إن الباطل كان زهوقا} [الإسراء: 81] قال ابن عباس: يريد كل ما ~~كان عن الشيطان، كان خارجا عن الحق. # وقوله: {وننزل من القرءان} [الإسراء: 82] من هذا الجنس الذي هو القرآن، ~~{ما هو شفاء} [الإسراء: 82] فجميع القرآن شفاء للمؤمنين، قال قتادة: إذا ~~سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه. # وعلى هذا معنى كونه شفاء، أنه ببيانه يزيل عمى الجهل وحيرة الشك، فهو ~~شفاء من داء الجهل، وقال ابن عباس: يريد شفاء من كل داء، وعلى هذا معناه أن ~~يتبرك به، فيدفع الله به كثيرا من المكاره والمضار. # ويؤكد هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من لم يستشف ~~بالقرآن، فلا شفاه الله» . # وقوله: ورحمة للمؤمنين قال ابن عباس: يريد ثوابا لا انقطاع له، يعني في ~~تلاوته يرحمهم الله بها، ويثيبهم عليها، ولا يزيد القرآن، الظالمين ~~المشركين، إلا خسارا لأنهم يكفرون به ولا ينتفعون بمواعظه، فالقرآن سبب ~~لهداية المؤمنين، وزيادة لخسارة الكافرين. ### | 553 - # أخبرنا أبو القاسم بن عبدان، نا محمد بن عبد الله الضبي، أخبرني الحسن بن ~~محمد بن حكيم المروزي، نا أبو الموجه، أنا عبدان، نا عبد الله بن المبارك، ~~أنا جعفر بن سليمان، عن الجريري، عن أبي نضرة العبدي، عن أسير بن جابر، عن ~~أويس القرني، قال: لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، ~~قضاء من الله الذي قضى {شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} ~~[الإسراء: 82] . # قوله: { # PageV03P123 # وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا ms1042 مسه الشر كان يئوسا {83} ~~قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا {84} } [الإسراء: ~~83-84] {وإذا أنعمنا على الإنسان} [الإسراء: 83] قال ابن عباس: يريد الوليد ~~بن المغيرة، أعرض عن الدعاء والابتهال الذي كان يفعله في حال البلوى ~~والمحنة. # ونأى بجانبه، وتعظم، وتكبر، وبعد نفسه عن القائم بحقوق النعم، ونأى معناه ~~بعد، ونأى بالشيء معناه أبعده، وقرأ ابن عامر وناء مثل ناع، وهذا على القلب ~~مثل رأى وراء، وقرأ حمزة نأى بإمالة الفتحتين، أمال فتحة الهمزة لأن الألف ~~منقلبة عن الياء التي في النأي، أراد أن ينحو نحوها، وأمال فتحة النون ~~لإمالة فتحة الهمزة، وقوله: {وإذا مسه الشر كان يئوسا} [الإسراء: 83] قال ~~ابن عباس: إذا أصابه مرض أو فقر يئس من رحمة الله. # وهذا من صفة الجاهل بالله، وذم له بأنه لا يثق بتفضل الله على عباده. # قوله: {قل كل يعمل على شاكلته} [الإسراء: 84] قال الليث: الشاكلة من ~~الأمور ما يوافق فاعله. # والمعنى أن كل أحد يعمل على طريقته التي تشاكل أخلاقه، فالكافر يعمل ما ~~يشبه طريقته من الإعراض عند الإنعام واليأس عند الشدة، والمؤمن يفعل ما ~~يشبه طريقته من الشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء، يدل على هذا قوله: ~~{فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا} [الإسراء: 84] أي: بالمؤمن الذي لا يعرض ~~عند النعمة، ولا ييئس عند المحنة. # قوله: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا ~~قليلا {85} ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا ~~وكيلا {86} إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا {87} } [الإسراء: ~~85-87] {ويسألونك عن الروح} [الإسراء: 85] الآية. ### | 554 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا أبو يحيى الرازي، نا ~~سهل بن عثمان العسكري، نا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، ~~عن عبد الله، قال: إني لمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حرث بالمدينة ~~وهو متكئ على عسيب، فمر ناس من اليهود، فقالوا: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: ~~لا تسألوه فيستقبلكم ms1043 بما تكرهون، فأتاه نفر منهم، فقالوا: يا أبا القاسم، ~~ما تقول في الروح؟ فسكت، ثم قام، فأمسك بيده على جبهته، فعرفت أنه ينزل ~~عليه، فأنزل عليه: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من ~~العلم إلا قليلا} . # رواه البخاري، عن عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن # PageV03P124 # الأعمش # وقال ابن عباس في رواية عطاء: قالت اليهود لقريش: سلوا محمدا عن ثلاث، ~~فإن أخبركم باثنين وأمسك عن الثالثة فهو نبي: سلوه عن فتيه فقدوا، وسلوه عن ~~ذي القرنين، وسلوه عن الروح. # فسألوه عنها، ففسر لهم أمر الفتية في { [الكهف وفسر لهم قصة ذي القرنين، ~~وأمسك عن قصة الروح، وذلك أنه ليس في التوراة قصته ولا تفسيره إلا ذكر اسم ~~الروح، وأنزل قوله:] ويسألونك عن الروح} [سورة الإسراء: 85] . # واختلف العلماء في ماهية الروح، فقال قوم: إن الروح هو الدم، ألا ترى أن ~~من نزف دمه مات؟ والميت لا يفقد من جسمه إلا الدم. # وزعمت طائفة أن الروح هو استنشاق الهواء، ألا ترى أن المخنوق ومن منع من ~~نسيم الهواء يموت. # وقال عامة المعتزلة، والنجارية: الروح عرض. # إلا ابن الراوندي، فإنه قال: الروح جسم لطيف أسكن البدن. # وقال بعض الحكماء: إن الله تعالى خلق الأرواح من ستة أشياء: من جوهر ~~النور، والطيب، والبقاء، والحياة، والعلم، والعلو ألا ترى أنه ما دام في ~~الجسم كان الجسد نورانيا، تبصر العينان، وتسمع الأذنان، ويكون طيبا، فإذا ~~خرج أنتن الجسد ويكون باقيا، فإذا زايله الروح صار فانيا، ويكون حيا ~~وبخروجه يصير ميتا، ويكون عالما فإذا خرج منه الروح لم يعلم شيئا، ويكون ~~الجسد علويا لطيفا ما دام فيه الروح، فإذا خرج صار سفليا كثيفا، والاختيار ~~من هذه الأقوال أنه جسم لطيف توجد به الحياة، يدل على هذا قوله تعالى في ~~صفة الشهداء: {بل أحياء عند ربهم يرزقون {169} فرحين} [آل عمران: 169-170] ~~والارتزاق والفرح من صفات الأجسام، والمراد بهذا أرواحهم، لأن أجسامهم بليت ~~في التراب، وكذلك ما روي أن أرواح الشهداء تعلق من شجر الجنة ms1044، وتأوي إلى ~~قناديل معلقة تحت العرش، وهذا الفعل لا يتأتى من العرض. ### | 555 - # أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الفضل، أنا عبد المؤمن بن خلف، أنا أبي ~~بن خلف بن طفيل، أخبرني أبي طفيل بن زيد، نا أبو عمير، نا أبو عبد الله ~~أحمد بن محمد الجعاب، نا نعيم بن عمرو، نا سليمان بن رافع البصري، عن أبي ~~أمية، عن ابن عباس، قال: إن الروح إذا خرج من الإنسان؛ مات الجسد، وصار ~~الروح صورة أخرى، فلا يطيق الكلام؛ لأن الجسد جرم، والروح يصوت من جوفه ~~ويتكلم، فإذا فارق الروح الجسد؛ صار الجسد صفرا، وصار الروح صورة أخرى، ~~ينظر إلى الناس، يبكونه، ويغسلونه ويدفنونه، ولا يستطيع أن يتكلم، كما أن ~~الريح إذا دخل في مكان ضيق سمعت له دويا، فإذا خرج منه لم تسمع له صوتا، ~~وكذلك المزامير، فأرواح المؤمنين ينظرون إلى الجنة ويجدون # PageV03P125 # ريحها، وأرواح الكفار يعذبون في قبورهم، حتى إذا نفخ في الصور النفخة ~~الأولى؛ رفع العذاب وكانت الأرواح عند ذلك أرواح المؤمنين، وأرواح ~~الكافرين، ورفع العذاب عن الكفار فيما بين النفختين، فذلك قوله، تعالى: {كل ~~شيء هالك إلا وجهه} فأشياء تفنى ويبقى وجه الله الكريم، هذا الذي ذكرنا كله ~~عند التحقيق ضرب من التكلف؛ لأن الله، تعالى، أبهم علم ذلك # قال عبد الله بن بريدة: ما يبلغ الجن والإنس والملائكة والشياطين علم ~~الروح، ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدري الروح. # وقال الفراء: الروح الذي يعيش به الإنسان لم يخبر الله به أحدا من خلقه، ~~ولم يعط علمه أحدا من عباده. # فقال: {قل الروح من أمر ربي} [الإسراء: 85] أي: من علم ربي، أي أنكم لا ~~تعلمونه، وقوله: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85] أي: ~~بالأضافة إلى علم الله تعالى، وذلك أن اليهود تذكر كل شيء بما في كتبهم، ~~فقال الله: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85] وقال الزجاج: ~~ويجوز أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وذلك حين لم ~~يعرف رسول ms1045 الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبين الله له ذلك، قال له: {وما ~~أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85] يدل على هذا قوله: {ولئن شئنا ~~لنذهبن بالذي أوحينا إليك} [الإسراء: 86] أي: إني أقدر أن آخذ ما أعطيتك، ~~كأنه يقول: لم تؤت إلا قليلا من العلم، ولو شئت أن آخذ ذلك قدرت، قال ~~الزجاج: لو شئنا لمحوناه من القلوب ومن الكتب حتى لا يوجد له أثر. ### | 556 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن حامد ~~العطار، أنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، نا أبو محمد عبد الرحمن بن صالح ~~الأزدي، نا شريك، عن عبد العزيز بن رفيع، عن شداد بن معقل، عن عبد الله، ~~قال: أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى منه الصلاة، وليصلين ~~أقوام لا خلاق لهم، وسيرفع القرآن من بين أظهركم، ثم قرأ عبد الله: {ولئن ~~شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك} # وقوله: {ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} [الإسراء: 86] أي: لا تجد من تتكل ~~عليه في رد شيء منه. # {إلا رحمة من ربك} [الإسراء: 87] لكن الله رحمك، فأثبت ذلك في قلبك وقلوب ~~المؤمنين، {إن فضله كان عليك كبيرا} [الإسراء: 87] قال ابن عباس: يريد حيث ~~جعلتك سيد ولد آدم، وختمت بك النبيين، وأعطيتك المقام المحمود. # ثم احتج على المشركين بإعجاز القرآن، فقال: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن ~~على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ~~{88} ولقد صرفنا للناس في هذا القرءان من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا ~~{89} وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا {90} أو تكون لك جنة ~~من نخيل وعنب فتفجر الأنهار # PageV03P126 # خلالها تفجيرا {91} أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله ~~والملائكة قبيلا {92} أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن ~~لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا {93} ~~} [الإسراء: 88-93] {قل لئن اجتمعت الإنس والجن} [الإسراء ms1046: 88] الآية، قال ~~المفسرون: هذا تكذيب للنضر بن الحارث، حيث قال: لو شئنا لقلنا مثل هذا. # وقال مقاتل: وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم تحداهم أولا، فقال: {فأتوا ~~بعشر سور مثله} [هود: 13] فعجزوا عن ذلك، فتحداهم، فقال: {فأتوا بسورة من ~~مثله} [البقرة: 23] فعجزوا، فآيسهم الله عن معارضته بمثل ما أتى به في هذه ~~الآية، والمثل الذي طلب منهم كلام له نظم كنظم القرآن في أعلى طبقات ~~البلاغة، وقوله: {ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء: 88] الظهير: المعين ~~المظاهر لك. # قال ابن عباس: يريد معينا مثل ما يتعاون الشعراء على بيت شعر فيقيمونه. # قوله: {ولقد صرفنا للناس في هذا القرءان} [الإسراء: 89] تقدم تفسيره في ~~هذه ال { [، وقوله:] من كل مثل} [سورة الإسراء: 89] أي: من الأمثال التي ~~يجب بها الاعتبار، {فأبى أكثر الناس} [الإسراء: 89] يعني أكثر أهل مكة، إلا ~~كفورا جحودا للحق وإنكارا، وذلك أنهم أنكروا القرآن بعد قيام الحجة عليهم، ~~واقترحوا من الآيات ما ليس لهم، وهو قوله: وقالوا يعني رؤساء مكة، {لن نؤمن ~~لك} [الإسراء: 90] لن نصدقك، {حتى تفجر لنا} [الإسراء: 90] وقرى تفجر ~~بالتخفيف، يقال: فجرت الماء فجرا، وفجرته تفجيرا، والينبوع عين ينبع منها ~~الماء، وذلك أنهم سألوا أن يجري لهم نهرا كأنهار الشام والعراق. # {أو تكون لك جنة من نخيل وعنب} [الإسراء: 91] هذا أيضا كان فيما اقترحوا ~~عليه، {فتفجر الأنهار} [الإسراء: 91] تفتحها وتجريها، خلالها وسط تلك ~~الجنة. # {أو تسقط السماء} [الإسراء: 92] قالوا له: أسقط السماء علينا. # قال ابن عباس: يعنون العذاب. # كما زعمت أن ربك إن شاء فعل، وقوله: كسفا جمع كسفة، وهي القطعة، والكسف ~~القطع، ويجوز أن يكون الكسف الشيء المقطوع، كقوله: {وإن يروا كسفا من ~~السماء} [الطور: 44] ومن فتح السين فهو جمع كسفة أيضا مثل قطعة وقطع، قال ~~ابن عباس: كسفا قطعا. # ومن سكن السين، فمعناه: أسقط السماء علينا قطعة واحدة، وقوله: {أو تأتي ~~بالله والملائكة قبيلا} [الإسراء: 92] قال قتادة، والضحاك: عيانا. # والمعنى: تأتي بهم حتى نراهم # PageV03P127 # مقابلة، واختاره أبو علي الفارسي، فقال: إذا حملته على المعاينة كان ms1047 ~~القبيل مصدرا كالنذير والنكير، ويدل على صحة هذا المعنى قوله: {لولا أنزل ~~علينا الملائكة أو نرى ربنا} [الفرقان: 21] . # وقال عطاء، ومجاهد: فوجا فوجا. # وكل جنس من الناس قبيل، ذكرنا ذلك في قوله: {إنه يراكم هو وقبيله} ~~[الأعراف: 27] . # وقوله: {أو يكون لك بيت من زخرف} [الإسراء: 93] قال ابن عباس، ومجاهد، ~~وقتادة، والسدي: من ذهب. # قال الزجاج: أصل الزخرف في اللغة الزينة، ولا شيء في تحسين البيت وتزيينه ~~كالذهب، وكان فيما اقترحوا عليه أن يكون له قصور من ذهب. # وقوله: {أو ترقى في السماء} [الإسراء: 93] يقال: رقيت أرقى رقيا ورقيا. # قال عبد الله بن أبي أمية: لا أومن بك يا محمد حتى تتخذ إلى السماء سلما، ~~ثم ترقى فيه، وأنا أنظر، حتى تأتيها، وتأتي بنسخة منشورة معك، ونفر من ~~الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول. # وهو قوله: {ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه} [الإسراء: 93] ~~قال ابن عباس: كتابا من عند رب العالمين إلى فلان وفلان، يصبح عند كل رجل ~~منا يقرؤه. # قال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان ربي وقرئ {قل سبحان ربي} [الإسراء: ~~93] على الأمر له بأن يقول سبحان ربي، قال ابن عباس: عظم وكرم. # {هل كنت إلا بشرا رسولا} [الإسراء: 93] أي أن هذه الأشياء ليست في قوى ~~البشر أن يأتوا بها، فلا وجه لطلبكم مني مع أني بشر. # قوله: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله ~~بشرا رسولا {94} قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من ~~السماء ملكا رسولا {95} قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده ~~خبيرا بصيرا {96} ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من ~~دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت ~~زدناهم سعيرا {97} ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ~~ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا {98} أولم يروا أن الله الذي خلق السموات ~~والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب ms1048 فيه فأبى الظالمون إلا ~~كفورا {99} } [الإسراء: 94-99] {وما منع الناس} [الإسراء: 94] قال ابن ~~عباس: يريد أهل مكة. # أن يؤمنوا أي: الإيمان والتصديق، {إذ جاءهم الهدى} [الإسراء: 94] # PageV03P128 # البيان والرشاد من الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن، ~~{إلا أن قالوا} [الإسراء: 94] أي: إلا قولهم في التعجب والإنكار، {أبعث ~~الله بشرا رسولا} [الإسراء: 94] وهو أنهم قالوا: الله أعظم من أن يكون ~~رسوله بشرا. # وفي إنكارهم كون البشر رسولا اقتضاء أن يبعث إليهم ملك. # قال الله تعالى: {قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين} [الإسراء: ~~95] قال الحسن: قانطين. # وقال الكلبي: مقيمين. # وقال الزجاج: مستوطنين في الأرض. # ومعنى الطمأنينة السكون، والمراد ههنا المقام والاستيطان، لأنه يقال: سكن ~~فلان بلد كذا إذا استوطن، وإن كان ماشيا متقلبا في حاجاته، وليس يراد ~~السكون الذي هو ضد الحركة، وقوله: {لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا} ~~[الإسراء: 95] أعلمهم الله تعالى أن الأعدل والأبلغ في الأداء إليهم بشر ~~مثلهم، ولو كان في الأرض بدل الآدميين ملائكة لنزلنا عليهم ملكا رسولا، وما ~~بعد هذا مفسر في آخر { [الرعد. # قوله:] ومن يهد الله} [سورة الإسراء: 97] قال ابن عباس: من يرد الله ~~هداه، {فهو المهتد ومن يضلل} [الإسراء: 97] قال: ومن يخذله، {فلن تجد لهم ~~أولياء من دونه} [الإسراء: 97] . # يهدونهم من دون الله، {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم} [الإسراء: 97] ### | 557 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، أنا محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم ~~الأنباري، نا جعفر بن محمد الصائغ، نا حسين بن محمد المروزي، نا شيبان، عن ~~قتادة، عن أنس بن مالك، أن رجلا قال: يا نبي الله، كيف يحشر الكافر على ~~وجهه يوم القيامة؟ قال: إن الذي أمشاه على رجليه في الدنيا، قادر على أن ~~يمشيه على وجهه يوم القيامة. # رواه البخاري، عن عبد الله بن محمد، ورواه مسلم، عن عبد بن حميد كلاهما، ~~عن يونس بن محمد، عن شيبان # وقوله: {عميا} [الإسراء: 97] قال ابن عباس في رواية الوالبي: لا يرون ~~شيئا يسرهم، {وبكما} [الإسراء: 97] لا ينطقون بحجة ms1049، {وصما} [الإسراء: 97] ~~لا يسمعون شيئا يسرهم. # وقال في رواية عطاء: يريد عميا عن النظر إلى ما جعله الله لأوليائه، ~~وبكما عن مخاطبة الله تعالى، وصما عما مدح الله به أولياءه. # وقال مقاتل: هذا حين يقال لهم: {اخسئوا فيها ولا تكلمون} [المؤمنون: 108] ~~فيصيرون عميا بكما صما، لا يرون ولا يسمعون ولا ينطقون بعد ذلك. # وقوله: {كلما خبت} [الإسراء: 97] يقال: خبت النار، تخبو خبوا إذا سكن ~~لهيبها. # {زدناهم سعيرا} [الإسراء: 97] قال ابن عباس: سعر العذاب عليهم بأشد مما ~~كان. # وما بعد هذا مفسر في هذه ال { [. # ثم # PageV03P129 # أجابهم على إنكارهم البعث بقوله:] أولم يروا أن الله} [سورة الإسراء: 99] ~~الآية، المعنى: ألم يعلموا أن من قدر على خلق السموات والأرض في عظمها، ~~قادر على أن يخلق مثلهم، أي: على أن يخلقهم ثانيا، وأراد بمثلهم إياهم، ~~وذلك أن مثل الشيء مساو له في حالته، فجاز أن يعبر به عن الشيء نفسه، يقال: ~~مثلك لا يفعل هذا، أي: أنت لا تفعله، ذكرنا هذا عند قوله: {فإن آمنوا بمثل ~~ما آمنتم به} [البقرة: 137] ونحو هذا قوله: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] ~~تم الكلام، ثم قال: {وجعل لهم أجلا لا ريب فيه} [الإسراء: 99] قال ابن ~~عباس: يريد أجل الموت وأجل القيامة. # فأبى الظالمون المشركون، إلا كفورا جحودا بذلك الأجل، وهو البعث ~~والقيامة. # قوله: {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان ~~الإنسان قتورا} [الإسراء: 100] {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي} ~~[الإسراء: 100] قال ابن عباس: لو أنتم، يا معشر المشركين، تملكون خزائن ~~الرزق. # {إذا لأمسكتم} [الإسراء: 100] لبخلتم، قال الزجاج: أعلمهم الله أنهم لو ~~ملكوا خزائن الأرزاق لأمسكوا شحا وبخلا، وهو خشية الإنفاق. # وقال ابن عباس، وقتادة: خشية الفقر والفاقة. # وقال السدي: خشية أن تنفقوا فتفتقروا. # {وكان الإنسان قتورا} [الإسراء: 100] بخيلا مسيكا، يقال: قتر يقتر، ويقتر ~~قترا، وأقتر إقتارا، وقتر تقتيرا، إذا قصر في الإنفاق. # ثم ذكر إنكار فرعون آيات موسى عليه السلام، تشبيها بحال هؤلاء المشركين ~~بحاله، وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال ms1050: {ولقد آتينا موسى تسع آيات ~~بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ~~{101} قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك ~~يا فرعون مثبورا {102} فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا ~~{103} وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا ~~بكم لفيفا {104} } [الإسراء: 101-104] {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} ~~[الإسراء: 101] قال المفسرون: هي الطوفان والجراد والقمل، والضفادع والدم، ~~والعصا، ويده والسنون، ونقص من الثمرات. # وقال القرظي بدل السنين والنقص: قلق البحر والطمس. ### | 558 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا إسماعيل بن نجيد، نا محمد ~~بن أيوب الرازي، أنا أبو الوليد الطيالسي، نا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد ~~الله بن سلمة، عن صفوان بن عسال، أن يهوديا قال لصاحبه: تعال، حتى # PageV03P130 # نسأل هذا النبي، قال: فأتياه فسأله عن هذه الآية {ولقد آتينا موسى تسع ~~آيات بينات} فقال: لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس، ولا تزنوا، ولا ~~تسرقوا، ولا تأكلوا الربا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله، ~~ولا تقذفوا المحصنة، ولا تفروا من الزحف، وعليكم، خاصة يهود، ألا تعدوا في ~~السبت، قال: فقبلوا يده، فقالوا: نشهد إنك نبي الله، قال: فما يمنعكم أن ~~تتبعوني؟ قالوا: إن داود، عليه السلام، دعا أن لا يزال في ذريته نبي، وإنا ~~نخشى إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود # قوله: {فاسأل بني إسرائيل} [الإسراء: 101] قال ابن عباس: يريد المؤمنين ~~من قريظة والنضير. # وإنما أمر بأن يسألهم ليكشف لعامة اليهود، يقول علمائهم: صدق ما أتى به، ~~وأخبر عنه. # فيكون ذلك حجة عليهم، وقوله: {إذ جاءهم} [الإسراء: 101] يعني موسى، {فقال ~~له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا} [الإسراء: 101] قال أبو عبيد، والفراء: ~~هو بمعنى الساحر، كالمشئوم والميمون. # ويجوز أن يكون مفعولا من السحر، أي: إنك قد سحرت، فعمل فيك السحر. # فقال موسى: {لقد علمت ما أنزل هؤلاء} [الإسراء: 102] الآيات، {إلا رب ~~السموات والأرض بصائر} [الإسراء: 102] عبرا ودلالات ms1051، وقراءة العامة بفتح ~~التاء، وهي قراءة ابن عباس، وقرأ الكسائي بضم التاء، وهي قراءة علي رضي ~~الله عنه، وكان يقول: والله ما علم عدو الله، ولكن موسى هو الذي علم. # فبلغ ذلك ابن عباس، فاحتج بقوله تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} ~~[النمل: 14] على أن فرعون وقومه كانوا قد عرفوا صحة أمر موسى. # قال الزجاج: الأجود في القراءة فتح التاء، لأن علم فرعون بأنها آيات من ~~عند الله أوكد في الحجة، فموسى يحتج بما علم هو لا بما علم موسى. # وقوله: {وإني لأظنك يا فرعون} [الإسراء: 102] أي أعلمك، مثبورا قال ابن ~~عباس: ملعونا. # قال الفراء: المثبور الملعون المحبوس عن الخير، تقول العرب: ما ثبرك عن ~~هذا؟ أي: ما منعك منه، وما صرفك. # وقال قتادة: مهلكا. # وقال مجاهد: هالكا. # وقال أبو عبيدة: المعروف في الثبور والهلاك والملعون، هالك. # قوله: فأراد يعني فرعون، أن يستفزهم يزعجهم ويخرجهم، يعني موسى وبني ~~إسرائيل، من الأرض أرض مصر، قال الزجاج: أراد إخراجهم منها بالقتل أو ~~بالتنحية، فأغرقه الله وقومه، وأورث بني إسرائيل مساكنهم وديارهم. # وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يفعل به وبالمشركين ما فعل ~~بموسى وعدوه، ثم فعل ذلك، أظهر نبيه على المشركين ورده إلى مكة ظاهرا ~~عليها. # وقوله: {فإذا جاء وعد الآخرة} [الإسراء: 104] يعني القيامة، {جئنا بكم ~~لفيفا} [الإسراء: 104] قال مجاهد # PageV03P131 # وقتادة، جميعا: اللفيف: الجمع العظيم من أخلاط شتى. # والمعنى: جئنا بكم من قبوركم إلى المحشر أخلاطا، يعني جميع الخلق، المسلم ~~والكافر، والبر والفاجر. # قوله: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا {105} ~~وقرءانا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا {106} قل آمنوا به ~~أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان ~~سجدا {107} ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا {108} ويخرون ~~للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا {109} } [الإسراء: 105-109] {وبالحق أنزلناه} ~~[الإسراء: 105] أنزلنا القرآن بالأمر الثابت والدين القائم، {وبالحق نزل} ~~[الإسراء: 105] ومع الحق نزل، {وما أرسلناك إلا مبشرا} [الإسراء: 105] لمن ~~أطاع بالجنة، {ونذيرا} [الإسراء: 105] منذرا ms1052 مخوفا لمن عصى بالنار. # {وقرءانا فرقناه} [الإسراء: 106] قال الوالبي: فصلناه. # وقال السدي: قطعناه آية آية، و { [سورة، ولم ينزله جملة. # قال قتادة: كان بين أول القرآن وآخره عشرون سنة. # وهو معنى قوله:] لتقرأه على الناس على مكث} [سورة الإسراء: 106] قال ~~مجاهد: على تؤدة وترسل. # وقال الزجاج: فرقه الله في التنزيل ليفهمه الناس. # {ونزلناه تنزيلا} [الإسراء: 106] نجوما بعد نجوم، وشيئا بعد شيء. # قل لأهل مكة، آمنوا بالقرآن، {أو لا تؤمنوا} [الإسراء: 107] وهذا تهديد، ~~أي: فقد أنذر الله، وبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم، فاختاروا ما تريدون، ~~{إن الذين أوتوا العلم من قبله} [الإسراء: 107] من قبل نزول القرآن، يعني ~~طلاب الدين مثل أبي ذر، وسلمان، وورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو. # {إذا يتلى عليهم} [الإسراء: 107] القرآن، {يخرون للأذقان سجدا} [الإسراء: ~~107] قال ابن عباس رضي الله عنه: للوجوه، يريد يسجدون بوجوههم وجباههم ~~وأذقانهم. # واللام ههنا بمعنى على. # ويقولون في سجودهم: {سبحان ربنا إن كان وعد ربنا} [الإسراء: 108] بإنزال ~~القرآن، وبعث محمد صلى الله عليه وسلم، {لمفعولا} [الإسراء: 108] وذلك أن ~~هؤلاء كانوا يسمعون أن الله باعث نبيا من العرب، ومنزل عليه الكتاب، فلما ~~سمعوا القرآن، سجدوا لله وحمدوه على إنجاز الوعد ببعث الرسول والكتاب. # {ويخرون للأذقان} [الإسراء: 109] كرر القول، دلالة على تكرر الفعل منهم، ~~وقال عبد الأعلى التيمي: إن من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق ألا يكون ~~أوتي علما ينفعه، لأن الله تعالى نعت العلماء، فقال: {إن الذين أوتوا العلم ~~من قبله إذا يتلى عليهم} [الإسراء: 107] تلا إلى قوله: {يبكون ويزيدهم ~~خشوعا} [الإسراء: 109] أي: يزيدهم القرآن تواضعا. # قوله: { # PageV03P132 # قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر ~~بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا {110} وقل الحمد لله الذي لم ~~يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا ~~{111} } [الإسراء: 110-111] {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} [الإسراء: ~~110] قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وهو ساجد ms1053 ذات ~~ليلة: ياالله، يا رحمن، فسمعه أبو جهل، وهم لا يعرفون الرحمن، فقال: إن ~~محمدا ينهانا أن نعبد إلهين، وهو يدعو إلها آخر مع الله، يقال له: الرحمن، ~~فأنزل الله {قل ادعوا الله} [الإسراء: 110] أي: قل يا محمد: ادعوا الله يا ~~معشر المؤمنين، أو ادعوا الرحمن، أي: إن شئتم قولوا: يا الله، وإن شئتم ~~قولوا: يا رحمن، قال الزجاج: أعلمهم الله أن دعاءهم الله، ودعاءهم الرحمن ~~يرجعان إلى واحد، فقال: {أيا ما تدعوا} [الإسراء: 110] . # المعنى: أي أسماء الله تعالى تدعوا {فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110] ~~وقوله: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110] المخافته الإخفاء، ~~يقال: خفت صوته يخفت خفوتا إذا ضعف، وصوت خفيف، والرجل يخافت بقراءته إذا ~~لم يبين قراءته برفع الصوت، والجهر رفع الصوت، وكان النبي صلى الله عليه ~~وسلم إذا جهر بالقرآن، سب المشركون القرآن، فأمره الله ألا يعرض القرآن ~~لسبهم، ولا يخافت مخافتة لا يسمعها من يصلي خلفه من أصحابه، فقال: {وابتغ ~~بين ذلك سبيلا} [الإسراء: 110] أي: اسلك طريقا بين الجهر والمخافتة. ### | 559 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، قال: نا والدي، نا محمد بن ~~إسحاق الثقفي، نا عبد الله بن مطيع، وأحمد بن منيع، قالا: حدثنا هشيم، نا ~~أبو بشر حكى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: {ولا تجهر بصلاتك ولا ~~تخافت بها} قال: نزلت ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، مختف بمكة، فكانوا ~~إذا سمعوا القرآن؛ سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به، فقال الله، عز وجل، ~~لنبيه، صلى الله عليه وسلم: {ولا تجهر بصلاتك} أي: بقراءتك، فيسمع ~~المشركون، فيسبوا القرآن {ولا تخافت بها} ، عن أصحابك فلا يسمعون {وابتغ ~~بين ذلك سبيلا} . # رواه البخاري، عن مسدد، ورواه مسلم، عن عمرو الناقد، كلاهما، عن هشيم # PageV03P133 ### | 560 - # أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الرمجاري، أنا علي بن عبد الرحمن بن أبي السري ~~البكائي، أنا محمد بن عبد الله الحضرمي، نا عبد الله بن عامر بن زرارة، نا ~~يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن أبيه ms1054، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن ~~علي، قال: كان أبو بكر يخافت إذا قرأ، وكان عمر يجهر بقراءته، وكان عمار ~~يأخذ من هذه السورة، ومن هذه، فذكر ذلك للنبي، صلى الله عليه وسلم، فقال ~~لأبي بكر: لم تخافت؟ فقال: إني أسمع من أناجي، وقال لعمر: لم تجهر؟ فقال: ~~أفزع الشيطان، وأوقظ الوسنان، وقال لعمار: لم تأخذ من هذه وهذه؟ قال: ~~تسمعني أخلط به ما ليس منه؟ قال: لا، قال: فكله طيب # قوله: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا} [الإسراء: 111] قال قتادة: كذب ~~الله بهذه الآية اليهود والنصارى وأهل القرى عليه. # {ولم يكن له شريك في الملك} [الإسراء: 111] ليس له من يشاركه في ملكه، ~~{ولم يكن له ولي من الذل} [الإسراء: 111] قال مجاهد: لم يخالف أحدا، ولم ~~يبتغ نصر أحد. # والمعنى أنه لا يحتاج إلى موالاة أحد لذل يلحقه، فهو مستغن عن الولي ~~والنصير، وهذا معنى قول الزجاج: لم يحتج أن ينتصر بغيره. # {وكبره تكبيرا} [الإسراء: 111] عظمه عظمة تامة. # PageV03P134 ### | سورة الكهف # مكية، وآياتها عشر ومائة. ### | 561 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، أنا محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب، ~~نا أحمد بن عبد الرحمن السقطي، نا يزيد بن هارون، أنا همام، عن قتادة، عن ~~سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء، عن النبي، صلى ~~الله عليه وسلم، قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، ثم أدرك الدجال؛ ~~لم يضره، ومن حفظ خواتيم سورة الكهف؛ كانت له نورا يوم القيامة» ### | 562 - # أخبرنا أبو حسان المزكي، أنا أبو الفضل الزهري، نا إبراهيم بن عبد الله ~~بن أيوب، نا سعيد بن محمد الجرمي، نا عبد الله بن مصعب بن منظور بن زيد بن ~~خلف الجهني، عن أبيه، عن جده، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «من قرأ ~~الكهف يوم الجمعة؛ فهو معصوم إلى ستة أيام من كل فتنة تكون، فإن خرج ~~الدجال؛ عصم منه» # {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له ms1055 عوجا {1} قيما لينذر ~~بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ~~{2} ماكثين فيه أبدا {3} وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا {4} ما لهم به ~~من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا {5} ~~فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا {6} إنا جعلنا ~~ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا {7} وإنا لجاعلون ما عليها ~~صعيدا جرزا {8} } [الكهف: 1-8] بسم الله الرحمن الرحيم {الحمد لله الذي ~~أنزل على عبده الكتاب} [الكهف: 1] يعني القرآن على محمد صلى الله عليه ~~وسلم، {ولم يجعل له عوجا} [الكهف: 1] أي: لم يجعله ملتبسا لا يفهم، ومعوجا ~~لا يستقيم، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية الوالبي، قال الزجاج: لم يجعل ~~فيه اختلافا، كما قال: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} ~~[النساء: 82] . # يدل على هذا قوله: قيما قال ابن عباس: مستقيما عدلا. # وهذا من التقديم والتأخير، والتقدير: أنزل على عبده الكتاب قيما، ولم ~~يجعل له عوجا، # PageV03P135 # وقوله: {لينذر بأسا شديدا من لدنه} [الكهف: 2] قال ابن عباس: لينذر عذابا ~~شديدا. # والمعنى: لينذر الكافرين بعذاب شديد، من لدنه من عنده، ومن قبله، وروى ~~أبو بكر، عن عاصم من لدنه بشد الدال إلى الضمة، وبكسر النون والهاء، وهو ~~لغة الكلابيين، وروى أبو زيد، عنهم أجمعين هذا من لدنه فتحوا اللام، وضموا ~~الدال، وكسروا النون، {ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا ~~حسنا} [الكهف: 2] ثوابا عظيما، وهو الجنة. # {ماكثين فيه أبدا} [الكهف: 3] مقيمين في ذلك الأجر، خالدين فيه. # {وينذر} [الكهف: 4] بعذاب الله، {الذين قالوا اتخذ الله ولدا} [الكهف: 4] ~~قال الكلبي، والسدي: يعني اليهود والنصارى. # وقال محمد بن إسحاق: يعني قريشا في قولهم الملائكة بنات الله. # {ما لهم به} [الكهف: 5] بذلك القول، من علم لأنهم قالوا جهلا وافتراء على ~~الله، {ولا لآبائهم} [الكهف: 5] الذين قالوا ذلك، {كبرت كلمة} [الكهف: 5] ~~قال الفراء: كبرت تلك الكلمة كلمة. # وقال الزجاج: كبرت مقالتهم كلمة. # وكلمة منصوب على التمييز. # وقوله ms1056: {تخرج من أفواههم} [الكهف: 5] أي أنها قول بالفم، لا صحة له، ولا ~~دليل عليه، {إن يقولون إلا كذبا} [الكهف: 5] ما يقولون بذلك القول إلا ~~كذبا. # ثم عاتبه على حزنه بفوت ما كان يرجو من إسلامهم بقوله: {فلعلك باخع نفسك} ~~[الكهف: 6] قال جماعة المفسرين: قاتل نفسك. # يقال: بخع الرجل نفسه إذا قتلها غيظا من شدة وجده بالشيء. # وقوله: {على آثارهم} [الكهف: 6] أي: من بعدهم، أي: من بعد توليهم ~~وإعراضهم عنك، {إن لم يؤمنوا بهذا الحديث} [الكهف: 6] يعني القرآن، {أسفا} ~~[الكهف: 6] قال ابن عباس: غيظا وحزنا. # وفي هذا إشارة إلى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة الحرص على إيمان ~~قومه حتى يؤدي ذلك إلى هلاك نفسه بالأسف. # قوله: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} [الكهف: 7] بما عليها من الماء ~~والنبات والأشجار، والمعادن من الذهب والفضة وأنواع الجواهر، ويدخل في هذا ~~كله ما على الأرض من ذي الروح والجماد، وقوله: لنبلوهم لنختبر الخلق، ~~والمعنى: لنعاملهم معاملة المبتلى، {أيهم أحسن عملا} [الكهف: 7] هذا أم ~~هذا؟ قال الحسن: أيهم أزهد في الدنيا، وأترك لها. # وقال مقاتل: أيهم أصلح فيها: من أوتي من المال فأحسن العمل، أمن زهد فيما ~~زين له من الدنيا. # ثم أعلم الله عز وجل أنه مبيد ومفن # PageV03P136 # ذلك كله بقوله: {وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا} [الكهف: 8] الصعيد: ~~المستوي من الأرض، والجزر: التي لا نبات فيها، وقال مجاهد: بلاقع ليس فيها ~~نبات. # وقال عطاء: يريد يوم القيامة، يجعل الله الأرض جرزا ليس فيها ماء ولا ~~نبات. # وقوله: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا {9} إذ أوى ~~الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ~~{10} فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا {11} ثم بعثناهم لنعلم أي ~~الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا {12} } [الكهف: 9-12] أم حسبت معناه بل أحسبت، ~~{أن أصحاب الكهف} [الكهف: 9] يعني الفتية الذين سئل النبي صلى الله عليه ~~وسلم عن قصتهم، والكهف مغارة في الجبل، إلا أنه واسع، فإذا صغر ms1057 فهو غار ~~وقوله: والرقيم زعم كعب، والسدي أن الرقيم اسم للقرية التي خرج منها أصحاب ~~الكهف. # وقال سعيد بن جبير، وابن عباس في رواية عطاء: الرقيم الكتاب، وهو لوح ~~كانت فيه أسماؤهم. # قال الفراء: ونرى أنه إنما سمي رقيما لأن أسماءهم كانت مرقومة فيه، ~~والرقيم الكتابة. # وقوله: {كانوا من آياتنا عجبا} [الكهف: 9] قال مجاهد: لم يكونوا بأعجب ~~آياتنا. # وقال قتادة: يقول: قد كان من آياتنا ما هو أعجب من ذلك. # قال الزجاج: أعلم الله أن قصة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله، لأن ~~خلق السموات والأرض وما بينهم مما شاهد أعجب من قصة أصحاب الكهف. # قوله: {إذ أوى} [الكهف: 10] أي: اذكر لقومك إذا أوى، الفتية يعني: أولئك ~~الشبان، صاروا إلى الكهف، وجعلوه مأواهم، {فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة} ~~[الكهف: 10] أي: أعطنا من عندك مغفرة ورزقا، وهيئ لنا وأصلح لنا، من قوله: ~~هيأت الأمر، فتهيأ، {من أمرنا رشدا} [الكهف: 10] الرشد والرشد والرشاد نقيض ~~الضلال، أي: أرشدنا إلى ما يقرب منك، والمعنى: هيئ لنا من أمرنا ما نصيب به ~~الرشد. # قوله: {فضربنا على آذانهم} [الكهف: 11] قال المفسرون: أنمناهم. # والمعنى: سددنا آذانهم بالنوم الغالب على نفوذ الأصوات إليها. # وقوله: {سنين عددا} [الكهف: 11] أي: ذات عدد، يعني سنين كثيرة، {ثم ~~بعثناهم} [الكهف: 12] أيقظناهم بعد نومهم، لنعلم قال المفسرون: لنرى. # وذكرنا وجه علم الله فيما يستقبل في مواضع. # {أي الحزبين أحصى} [الكهف: 12] قال قتادة، ومجاهد: أي # PageV03P137 # الحزبين من المؤمنين والكافرين من قوم أصحاب الكهف أحصى عد مدة لبثهم، ~~وعلم ذلك. # وكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف بعد خروجهم من بينهم، ~~فبعثهم الله ليتبين ذلك ويظهر. # قوله: {نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى {13} ~~وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه ~~إلها لقد قلنا إذا شططا {14} هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون ~~عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا {15} وإذ اعتزلتموهم ~~وما يعبدون إلا الله ms1058 فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من ~~أمركم مرفقا {16} وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت ~~تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو ~~المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا {17} وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ~~ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم ~~لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا {18} } [الكهف: 13-18] {نحن نقص عليك ~~نبأهم} [الكهف: 13] خبر الفتية بالحق بالصدق، إنهم فتية أحداث وشباب، ~~{آمنوا بربهم وزدناهم هدى} [الكهف: 13] ثبتناهم على الإيمان. # {وربطنا على قلوبهم} [الكهف: 14] ألهمناهم الصبر، {إذ قاموا} [الكهف: 14] ~~بين يدي ملكهم دقيانوس الجبار الذي كان يفتن أهل الإيمان عن دينهم، فربط ~~الله على قلوبهم بالصبر واليقين حين قالوا بين يديه: {ربنا رب السموات ~~والأرض} [الكهف: 14] الآية. # وذلك أنه كان يدعو الناس إلى عبادة الأصنام، والذبح للطواغيت، فثبت الله ~~هؤلاء الفتية، وعصمهم حتى عصوا ذلك الجبار، وأقروا بربوبية الله تعالى ~~وحده، وأنهم إن دعوا غيره وعبدوه كان ذلك شططا، وهو قوله: {لن ندعو من دونه ~~إلها لقد قلنا إذا شططا} [الكهف: 14] كذبا وجورا، وأصل الشطط مجاوزة القدر. # {هؤلاء قومنا} [الكهف: 15] هذا من قول الفتية، يعنون الذين كانوا في زمان ~~دقيانوس، {اتخذوا من دونه آلهة} [الكهف: 15] عبدوا الأصنام لولا هلا، ~~{يأتون عليهم} [الكهف: 15] على عبادتهم، {بسلطان بين} [الكهف: 15] بحجة ~~بينه {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا} [الكهف: 15] فزعم أن له شريك في ~~العبادة. # قوله: {وإذ اعتزلتموهم} [الكهف: 16] قال ابن عباس رضي الله عنه: هذا من ~~قول يمليخا، وهو رئيس أصحاب الكهف. # قال لهم: {وإذ اعتزلتموهم} [الكهف: 16] أي: فارقتموهم، وتنحيتم عنهم ~~جانبا، يعني عبدة الأصنام، وما يعبدون أي: اعتزلتم ما يعبدون، إلا الله ~~فإنكم لن تتركوا عبادته، وذلك أنهم كانوا يشركون بالله، فقال: اعتزلتم ~~الأصنام، ولم تعتزلوا الله ولا عبادته. # {فأووا إلى الكهف} [الكهف: 16] صيروا إليه، واجعلوه مأواكم، {ينشر لكم ~~ربكم من رحمته} [الكهف: 16] يبسطها عليكم، {ويهيئ لكم من أمركم ms1059 مرفقا} ~~[الكهف: 16] قال ابن عباس: يسهل عليكم ما تخافون من الملك وظلمه، ويأتكم ~~باليسر وبالرفق واللطف. # وكل ما ارتفقت به فهو مرفق، ويقال فيه أيضا: مرفق بفتح الميم وكسر الفاء، ~~كقراءة أهل المدينة، وهما لغتان في مرفق اليد والأمر، قال الفراء: وأكثر ~~العرب على كسر الميم من الأمر، ومن مرفق الإنسان، وقد تفتح العرب أيضا ~~الميم فيهما لغتان، وكأن الذين فتحوا الميم أرادوا أن يفرقوا بين # PageV03P138 # المرفق، والأمر المرفق من الإنسان. # قوله: {وترى الشمس إذا طلعت} [الكهف: 17] أي: لو رأيتها، لرأيت كما ذكر ~~الله تعالى {تزاور عن كهفهم} [الكهف: 17] تنتحي وتميل عنهم، ومعنى التزاور ~~التمايل، من الزور والأزور، وقراءة أهل الكوفة بحذف تاء التفاعل، وقرأ ابن ~~عامر تزور، وقال الأخفش: لا يوضع الازورار في هذا المعنى، وإنما يقال: هذا ~~مزرو عني، أي منقبض. # وقوله: {ذات اليمين} [الكهف: 17] أي: ناحية اليمين، {وإذا غربت تقرضهم} ~~[الكهف: 17] قال الأخفش، والزجاج، وأبو عبيدة: تعدل عنهم وتتركهم. # تقول لصاحبك: هل وردت مكان كذا؟ فيقول المجيب: إنما قرضته ذات الشمال، إذ ~~مر به وتجاوز عنه. # قال الكلبي: يقول: إذا طلعت الشمس مالت عن كهفهم ذات اليمين، يعني يمين ~~الكهف، وإذا غربت تمر بهم ذات الشمال، يعني شمال الكهف، لا تصيبه. # وكان كهفهم نحو بنات نعش، في أرض الروم، أعلم الله تعالى أنه بوأهم في ~~مقناة من الكهف، مستقبلا بنات نعش، تميل عنهم الشمس طالعة وغاربة، لا تدخل ~~عليهم فتؤذيهم بحرها، وتغير ألوانهم، ثم أخبر أنهم كانوا في متسع من الكهف، ~~ينالهم فيه برد الريح ونسيم الهواء، فقال: {وهم في فجوة منه} [الكهف: 17] ~~أي: من الكهف، والفجوة متسع في مكان، ذلك أي: ذلك التزاور والقرض، {من آيات ~~الله} [الكهف: 17] من دلائل قدرة الله ولطفه بأصحاب الكهف، {من يهد الله ~~فهو المهتد} [الكهف: 17] أشار إلى أن الله تعالى هو الذي تولى هداية أصحاب ~~الكهف، ولولا ذلك لم يهتدوا، فالمهتدي من هداه الله تعالى كهؤلاء، {ومن ~~يضلل فلن تجد له وليا مرشدا {17} } [الكهف: 17-17] كدقيانوس الكافر ~~وأصحابه. # قوله: {وتحسبهم أيقاظا ms1060} [الكهف: 18] أي: لو رأيتهم لحسبتهم أيقاظا، جمع ~~يقظ ويقظان، {وهم رقود} [الكهف: 18] نائمون، مصدر سمي به، كما يقال: قوم ~~ركوع وسجود. # قال الكلبي: إنما يحسبون أيقاظا لأن أعينهم مفتحة وهم نيام. # {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} [الكهف: 18] قال ابن عباس: لئلا تأكل ~~الأرض لحومهم. # وقال قتادة: ذكر لنا أن لهم في كل عام تقليبتين. # وقوله: وكلبهم قال ابن عباس، وأكثر المفسرين: أنهم هربوا من ملكهم ليلا، ~~فمروا براع معه كلب، فتبعهم على دينهم، ومعه كلبه. # قال كعب: مروا بكلب، فتبعهم، فطردوه، فعاد ففعلوا ذلك مرارا، فقال لهم ~~الكلب: ما تريدون مني؟ لا تخشوا جانبي، أنا أحب أولياء الله، فناموا حتى ~~أحرسكم. # وقال أبو عبيد بن عمير: كان ذلك كلب صيدهم. # وقوله: {باسط ذراعيه} [الكهف: 18] وهو أن يلقيهما على الأرض مبسوطتين، ~~كافتراش السبع، وقوله: {بالوصيد} [الكهف: 18] قال ابن عباس، # PageV03P139 # والمفسرون: يعني فناء الكهف. # قال أبو عبيدة، وأبو عبيد: الوصيد فناء البيت. # {لو اطلعت} [الكهف: 18] أي أشرفت، {عليهم لوليت منهم فرارا} [الكهف: 18] ~~لأدبرت وانقلبت، {ولملئت منهم رعبا} [الكهف: 18] فزعا وخوفا، وذلك أن الله ~~تعالى منعهم بالرعب لئلا يدخل عليهم أحد. ### | 563 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، ~~أنا الحسن بن سفيان، نا أبو بكر ابن أبي شيبة، نا يزيد بن هارون، أنا سفيان ~~بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أنه غزا مع ~~معاوية غزوة المضيق نحو الروم، فمروا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف الذين ~~ذكر الله، تعالى، في القرآن، فقال معاوية: لو كشف لنا عن هؤلاء، فنظرنا ~~إليهم، فقال له ابن عباس: ليس لك ذلك وقد منع الله ذلك من هو خير منك، ~~فقال: {لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا} فقال معاوية: لا ~~أنتهي حتى أعلم علمهم، فبعث رجالا، فقال: اذهبوا فادخلوا الكهف، فبعث الله ~~عليهم ريحا فأخرجتهم # وفي قوله: ولملئت قراءتان: التشديد والتخفيف، والاختيار التخفيف، لأنهم ~~يقولون: ملأني رعبا. # ولا يكادون يقولون: ملأني. # قوله ms1061: {وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا ~~لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه ~~إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن ~~بكم أحدا {19} إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن ~~تفلحوا إذا أبدا {20} وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن ~~الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ~~ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا {21} } ~~[الكهف: 19-21] وكذلك أي: وكما فعلنا بهم ما ذكر، بعثناهم أحييناهم من تلك ~~النومة التي تشبه الموت، ليتساءلوا بينهم ليكون بينهم تساؤل وتنازع واختلاف ~~في مدة لبثهم، {قال قائل منهم كم لبثتم} [الكهف: 19] كم مر علينا منذ دخلنا ~~هذا الكهف؟ {قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم} [الكهف: 19] قال المفسرون: إنهم ~~دخلوا الكهف غدوة، وبعثهم الله تعالى في آخر النهار. # ولذلك قالوا: يوما، فلما رأوا الشمس قالوا: {أو بعض يوم} [الكهف: 19] ، ~~وكان قد بقي من النهار بقية، {قالوا ربكم أعلم بما لبثتم} [الكهف: 19] قال ~~ابن عباس: هو تمليخا رئيسهم، رد علم ذلك إلى الله. # {فابعثوا أحدكم بورقكم} [الكهف: 19] الورق الفضة، مضروبة وغير مضروبة. # يقال: ورق وورق، وإنما قال هذه لأنه عنى بالورق الدراهم أو الفضة، قال ~~ابن عباس: وكانت معهم دراهم عليها صورة الملك الذي كان في زمانهم. # PageV03P140 # وقوله: إلى المدينة يعني دقسوس، وهي مدينتهم، ويقال: هي اليوم طرسوس، ~~{فلينظر أيها أزكى طعاما} [الكهف: 19] قال عطاء، وسعيد بن جبير: أحل ~~الذبائح، وذلك أن عامة أهل بلدهم كانوا كفارا، وفيهم قوم يخفون إيمانهم. # وقال مجاهد: قالوا لصاحبهم لا تتبع طعاما فيه ظلم ولا غصب. # {فليأتكم برزق منه} [الكهف: 19] بما تأكلونه، وليتلطف وليدقق النظر، ~~وليحتل حتى لا يطلع عليه، {ولا يشعرن بكم أحدا} [الكهف: 19] قال ابن عباس: ~~لا يخبرن بكم، ولا بمكانكم أحدا من أهل المدينة. # قوله: {إنهم إن يظهروا عليكم} [الكهف: 20] يشرفوا ويطلعوا عليكم، ويعلموا ~~مكانكم، يرجموكم يقتلوكم بالرجم، وهو ms1062 من أخبث القتل، {أو يعيدوكم في ملتهم} ~~[الكهف: 20] قال ابن عباس: يردوكم إلى دينهم، {ولن تفلحوا إذا أبدا} ~~[الكهف: 20] أي: إن رجعتم إلى دينهم لم تسعدوا في الدنيا ولا في الآخرة. # قوله: {وكذلك أعثرنا عليهم} [الكهف: 21] قال المفسرون: إن الفتية لما ~~هربوا من ملكهم، ودخلوا الكهف، أمر الملك أن يسد عليهم باب الكهف، ويدعوهم ~~كما هم في الكهف ليموتوا عطشا وجوعا، وليكن كهفهم الذي اختاروا قبرا لهم، ~~وهو يظن أنهم أيقاظ، وقد توفى الله أرواحهم وفاة النوم، ثم إن رجلين مؤمنين ~~كتبا شأن الفتية وأنسابهم وأسماءهم وخبرهم في لوح من رصاص، وجعلاه في تابوت ~~من نحاس، وجعلا التابوت في البنيان الذي بنوا على باب الكهف، وقالوا: لعل ~~الله يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة، فيعلموا خبرهم ~~حين يقرأون هذا الكتاب. # ثم انقرض أهل ذلك الزمان، وخلفت بعدهم قرون، وملوك كثيرة، وملك أهل تلك ~~البلاد رجل صالح، يقال له: تندوسيس. # وتحزب الناس في ملكه أحزابا، منهم من يؤمن بالله تعالى، ويعلم أن الساعة ~~حق، ومنهم من يكذب، فكبر ذلك على الملك الصالح، وشكا إلى الله تعالى، ~~وتضرع، وقال: أي رب، اختلاف هؤلاء، فابعث لهم آية تبين لهم أن البعث حق، ~~وأن الساعة آتية {لا ريب فيها} [الكهف: 21] . # فألقى الله في نفس الرجل من أهل ذلك البلد الذي به الكهف، أن يهدم ~~البنيان الذي على فم الكهف، فيبني منه حظيرة لغنمه، ففعل ذلك، وبعث الله ~~الفتية من نومهم، فأرسلوا أحدهم ليطلب لهم طعاما، فاطلع الناس على أمرهم، ~~وبعثوا إلى الملك الصالح يعلمونه الخبر ليعجل القدوم عليهم، وينظر إلى آية ~~من آيات الله جعلها الله في ملكه آية للعالمين، فتية بعثهم الله تعالى، وقد ~~كان توفاهم منذ أكثر من ثلاث مائة سنة، فلما بلغه الخبر، حمد الله، وركب، ~~وركب معه أهل مدينته حتى أتوا مدينة أصحاب الكهف، فذلك قوله: {وكذلك أعثرنا ~~عليهم} [الكهف: 21] أي: وكما أنمناهم وبعثناهم أعثرنا أطلعنا وأظهرنا، ~~{ليعلموا أن وعد الله} [الكهف: 21] بالبعث والثواب والعقاب، حق وأن ms1063 القيامة ~~لا شك فيها {إذ يتنازعون بينهم أمرهم} [الكهف: 21] تنازع أهل ذلك الزمان في ~~قدر مكثهم في الكهف، وفي عددهم، وفيما يفعلون بعد أن اطلعوا عليهم، فقال ~~الله تعالى: {ربهم أعلم بهم} [الكهف: 21] بشأنهم وعددهم، وقال مشركو ذلك ~~الوقت: {ابنوا عليهم بنيانا} [الكهف: 21] يعني: استروهم من الناس بأن ~~تجعلوه وراء ذلك البنيان، كما يقال: بني عليه جدارا، إذا حوطه وجعله وراء ~~الجدار. # {قال الذين غلبوا على أمرهم} [الكهف: 21] وهم المؤمنون الذين لم يشكوا في ~~البعث، الملك وأصحابه: {لنتخذن عليهم مسجدا} [الكهف: 21] ذكر في القصة أن ~~الملك جعل على باب الكهف مسجدا، وجعل عنده عيدا عظيما، وأمر أن يؤتى كل ~~سنة، قال الزجاج: هذا يدل على أنه لما ظهر أمرهم، غلب المؤمنون بالبعث ~~والنشور، لأن المساجد للمؤمنين. # قوله: { # PageV03P141 # سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ~~ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا ~~تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا} [الكهف: 22] {سيقولون ~~ثلاثة رابعهم كلبهم} [الكهف: 22] أخبر الله تعالى أنه سيقع نزاع في عددهم، ~~ثم وقع ذلك لما وفد نصارى نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجرى ذكر ~~أصحاب الكهف، فقالت اليعقوبية منهم: كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم. # وقالت النسطورية: كانوا خمسة سادسهم كلبهم. # وقال المسلمون: كانوا سبعة وثامنهم كلبهم. # وقوله: {رجما بالغيب} [الكهف: 22] الرجم: القول بالظن والحدس، وذلك أنه ~~رمى الظن إلى ذلك الشيء، والمعنى: ظنا من غير يقين، كأنهم يرجمون القول ~~فيهم بالغيبة عنهم، وإنما حذفت الواو من الجملتين المتقدمتين، لأن الذي ~~فيهما من الضمير يعقدهما بما قبلهما عقد الاتباع، لا سيما وقد ظهرت الواو ~~في الجملة الثالثة، فدل ذلك على أنها مرادة في الجملتين المتقدمتين. # قال أبو على الفارسي، قوله: {رابعهم كلبهم} [الكهف: 22] ، و {سادسهم ~~كلبهم} [الكهف: 22] ، جملتان استغني عن حرف العطف فيهما بما تضمنتا من ذكر ~~الجملة الأولى، وهو قوله: ثلاثة، والتقدير هم ثلاثة. # وهذا معنى قول الزجاج: دخول الواو في {وثامنهم} [الكهف: 22] وإخراجها من ~~الأول ms1064 واحد. # وقوله: {قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل} [الكهف: 22] أي: ما يعلم ~~عددهم إلا قليل من الناس، قال ابن عباس: أنا من ذلك القليل. ### | 564 - # أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن حمشاذ، أنا أبو منصور محمد بن محمد بن ~~سمعان المذكر، أنا محمد بن المسيب الأرغياني، نا محمد بن النعمان بن شبل ~~الباهلي، نا يحيى بن أبي روق، عن أبيه، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: ~~{ما يعلمهم إلا قليل} قال: أنا من أولئك القليل، وهم: مكسلمينا، وتمليخا، ~~ومرطونس، وبنيونس، وساريونس، ودنوانس، وكينشيطيونس، وهو الراعي، والكلب ~~اسمه قطمير، كلب أنمر فوق القلطي ودون الكردي قال # PageV03P142 # محمد بن المسيب: القلطي كلب زيتي، وقال: ما بقي بنيسابور محدث إلا كتب ~~عني هذا الحديث إلا من لم يقدر له، قال: وكتب عني أبو عمرو الحيري، قال ~~الشيخ، رضي الله عنه: وصدق ابن المسيب، فقد رأيت في تفسير أبي عمرو الحيري ~~هذا الحديث مرويا، عن ابن المسيب ### | 565 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، نا أبو الشيخ الحافظ عبد الله بن محمد بن حيان، ~~نا أبو يحيى الرازي، نا سهل بن عثمان العسكري، نا المحاربي، عن جويبر، عن ~~الضحاك، عن ابن عباس قال: إن الله، تعالى، عدهم، حتى انتهى إلى السبعة، ~~وأنا من القليل الذين يعلمونهم، هم سبعة؛ يعني: أصحاب الكهف # وقوله: {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا} [الكهف: 22] المراء في اللغة ~~الجدال، يقال: مارى يماري مماراة ومراء، أي جادل، والمعنى: لا تقل في أمرهم ~~بغير ما أوحي إليك من أنه لا يعلم عددهم إلا القليل، {ولا تستفت فيهم} ~~[الكهف: 22] في أصحاب الكهف، منهم من اليهود وأهل الكتاب، أحدا قال الفراء: ~~هم فريقان أتوه من نجران: يعقوبي، ونسطوري، فسألهم النبي صلى الله عليه ~~وسلم عن عددهم فنهي. # {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا {23} إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا ~~نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا {24} } [الكهف: 23-24] وقوله: ~~{ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا {23} إلا أن يشاء الله ms1065} [الكهف: 23-24] ~~قال المفسرون: لما سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خبر ~~الفتية، قال: غدا. # ولم يقل: إن شاء الله. # فحبس عنه الوحي حتى شق عليه، فأنزل الله هذه الآية، يأمره بالاستثناء ~~بمشيئة الله تعالى، يقول: إذا قلت لشيء إني فاعله غدا، فقل إن شاء الله. # قال الأخفش، والمبرد: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن تقول: إن ~~شاء الله. # فأضمر القول، ولما حذف، تقول نقل شاء إلى لفظ الاستقبال، وقوله: {واذكر ~~ربك إذا نسيت} [الكهف: 24] الاستثناء بمشيئة الله تعالى، فاذكره وقله إذا ~~تذكرت. # قال سعيد بن جبير: إذا قلت لشيء إني فاعله غدا، فنسيت الاستثناء، ثم ~~تذكرت، فقل: إن شاء الله، وإن كان بعد يوم، أو شهر، أو سنة. # وقال عمرو بن دينار: له أن يستثني متى ذكر. # {وقل عسى أن يهدين ربي} [الكهف: 24] الآية، قال الزجاج: عسى أن يعطيني ~~ربي من الآيات والدلالات على النبوة ما يكون أقرب إلى الرشد، وأدل من قصة ~~أصحاب الكهف. # ثم إن الله تعالى فعل به ذلك، حيث أتاه من علم غيوب المرسلين، وخبرهم ما ~~كان أوضح في الحجة، وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف. # ثم أخبر عن قدر مدة لبثهم، فقال: { # PageV03P143 # ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا {25} قل الله أعلم بما ~~لبثوا له غيب السموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك ~~في حكمه أحدا {26} واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد ~~من دونه ملتحدا {27} } [الكهف: 25-27] {ولبثوا في كهفهم} [الكهف: 25] يعني ~~من يوم دخلوا الكهف إلى أن بعثهم الله تعالى، وأطلع عليهم الخلق، {ثلاث ~~مائة سنين} [الكهف: 25] قال الفراء، والزجاج، وأبو عبيدة، والكسائي: ~~التقدير سنين ثلاث مائة. # وقال أبو علي الفارسي: سنين، بدل من قوله: {ثلاث مائة} [الكهف: 25] كما ~~تقول: أعطيته ألفا دراهم، ومائة أثوابا. # وقرأ حمزة ثلاث مائة سنين مضافة غير منونة، وهذه قراءة غير جيدة. # قال الأخفش: ولا يحسن إضافة المائة إلى السنين ms1066، ولا تكاد العرب تقول: ~~مائة سنين. # قال الفراء: ومن العرب من يضع سنين في موضع سنة. # وقوله: {وازدادوا تسعا} [الكهف: 25] يعني تسع سنين، فاستغني عن ذكر ~~السنين بما تقدم من ذكرها. # ثم أخبر أنه أعلم بقدر مدة لبثهم من أهل الكتاب المختلفين فيها، فقال: ~~{قل الله أعلم بما لبثوا} [الكهف: 26] وقال الكلبي: قالت نصارى نجران: أما ~~الثلاث مائة فقد عرفناها، وأما التسع فلا علم لنا بها. # فنزلت {قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض} [الكهف: 26] أي: ~~علم ما غاب فيهما عن العباد، {أبصر به وأسمع} [الكهف: 26] هذا لفظ التعجب، ~~كقولك: ما أبصره وأسمعه! والمعنى: ما أبصر الله بكل موجود! وأسمعه لكل ~~مسموع! وقوله: {ما لهم من دونه من ولي} [الكهف: 26] ليس لأهل السموات ~~والأرض من دون الله من ناصر، ولا يشرك الله، {في حكمه أحدا} [الكهف: 26] ~~فلا يجوز أن يحكم حاكم بغير ما حكم الله به، وليس لأحد أن يحكم من ذات ~~نفسه، فيكون شريكا لله في حكمه، وقرأ ابن عامر ولا تشرك على معنى ولا تشرك ~~أنت أيها الإنسان في حكمه أحدا، على النهي عن الإشراك في حكمه. # {واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك} [الكهف: 27] معناه: اتبع القرآن، واعمل ~~به، {لا مبدل لكلماته} [الكهف: 27] قال ابن عباس: لمواعيده. # وقال الزجاج: أي ما أخبر الله به، وما أمر به، فلا مبدل له. # وعلى هذا يكون التقدير: لا مبدل لحكم كلماته، {ولن تجد من دونه ملتحدا} ~~[الكهف: 27] قال مجاهد، والفراء: ملجأ. # وقال الزجاج: لن تجد معدلا عن أمره ونهيه. # {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد ~~عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع ~~هواه وكان أمره فرطا {28} وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ~~إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء # PageV03P144 # كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا {29} إن الذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن ms1067 عملا {30} أولئك لهم جنات عدن تجري من ~~تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس ~~وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا {31} } [الكهف: ~~28-31] قوله: واصبر نفسك الآية،،: ### | 566 - # قال أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، إملاء في دار السنة يوم ~~الجمعة بعد الصلاة، في شهور سنة ست عشرة وأربع مائةأخبرنا أبو الحسن علي بن ~~عيسى بن عبد ربه الحيري، حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي، نا الوليد بن عبد ~~الملك بن المسرح الحراني، حدثنا سليمان بن عطاء القرشي، عن مسلمة بن عبد ~~الله الجهني، عن عمه أبي مشجعة، عن سلمان الفارسي، قال: جاءت المؤلفة ~~قلوبهم إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم: عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس ~~وذووهم، فقالوا: يا رسول الله، إنك لو جلست في صدر المسجد، ونحيت عنا هؤلاء ~~وأرواح جبابهم؛ يعنون: سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين، وكانت عليهم جباب ~~الصفوف، لم يكن عليهم غيرها؛ جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك، فأنزل الله، ~~تعالى {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه حتى بلغ ~~إنا أعتدنا للظالمين نارا} يتهددهم بالنار فقام النبي، صلى الله عليه وسلم، ~~يلتمسهم، حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد، يذكرون الله، تعالى، قال: الحمد ~~لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي، معكم المحيا ~~ومعكم الممات # وهذه الآية مفسرة في { [الأنعام إلى قوله:] ولا تعد عيناك عنهم} [سورة ~~الكهف: 28] . # قال الوالبي، عن ابن عباس: لا تتعداهم إلى غيرهم. # وقال الفراء: لا تنصرف عيناك عنهم. # وقال الزجاج: لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة. # وقوله: {تريد زينة الحياة الدنيا} [الكهف: 28] يعني مجالسة أهل الشرف ~~والغنى، وتريد ههنا في موضع الحال، أي مريدا، نهي أن يرفع بصره عن ضعفاء ~~المؤمنين، مريدا مجالسة الأشراف، وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على إيمان ~~الرؤساء، طمعا في إيمان أتباعهم، ولم ينسب إلى إرادة زينة الحياة الدنيا، ~~لأنه لم يمل إلى الدنيا قط، ولا ms1068 إلى أهلها، وإنما كان يلين في بعض الأحيان ~~للرؤساء، طمعا في إيمانهم، فعوتب بهذه الآية، وأمر بأن يجعل إقباله على ~~فقراء المسلمين، وألا يلتفت إلى غيرهم، وقوله: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ~~ذكرنا} [الكهف: 28] قال ابن عباس: يريد عيينة وأشباهه. # أي: لا تطعهم في تنحية الفقراء عنك ليجلسوا إليك، ومعنى {أغفلنا قلبه عن ~~ذكرنا} [الكهف: 28] # PageV03P145 # جعلناه غافلا عن القرآن والإسلام وكلمة التوحيد والإسلام، وروى الضحاك، ~~عن ابن عباس في قوله: {ولا تطع من أغفلنا قلبه} [الكهف: 28] قال: نزلت في ~~أميه بن خلف الجمحي، وذلك أنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه ~~الله من طردا الفقراء عنه، وتقريب صناديد أهل مكة، فأنزل الله تعالى {ولا ~~تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} [الكهف: 28] يعني من ختمنا على قلبه عن ~~التوحيد، واتبع هواه قال: يعني الشرك. # {وكان أمره فرطا} [الكهف: 28] قال مجاهد: ضياعا. # وقال السدي: هلاكا. # وأمر فرط: متهاون به، مضيع أصله من التفريط، وهو تقديم العجز. # قال الزجاج: ومن قدم العجر في أمره أضاعه الله وأهلكه. # ومعنى هذا أنه ترك الإيمان والاستدلال بآيات الله واتبع الهوى، وقال ~~الليث: الفرط الأمر الذي يفرط فيه، تقول: كان أمر فلان فرط. # ثم أمره بما يقول لهؤلاء الذين أمروه بتنحية الفقراء، وإدناء مجلسهم، ~~ليؤمنوا به، فقال: {وقل الحق من ربكم} [الكهف: 29] أي: هذا الحق من ربكم، ~~قال قتادة: يعني القرآن. # وقال الزجاج: أي الذي أتيتكم به الحق من ربكم. # يعني لم آت به من قبل نفسي، وإنما أتيتكم به من عند الله، {فمن شاء ~~فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29] قال مجاهد، والسدي: هذا وعيد من الله ~~تعالى، وإنذار. # وقد بين بعده ما لكل فريق من مؤمن وكافر، فقال: {إنا أعتدنا للظالمين ~~نارا} [الكهف: 29] أي: هيأنا وأعددنا لمن عبد غير الله نارا، {أحاط بهم ~~سرادقها} [الكهف: 29] السرادق كل ما أحاط بالشيء واشتمل عليه من ثوب أو ~~حائط. ### | 567 - # أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعي، أنا محمد بن أحمد بن حمدان الحيري، ~~أنا أحمد بن ms1069 علي التميمي، نا زهير، نا الحسن بن موسى، نا ابن لهيعة، نا ~~دراج أبو السمح، أن أبا الهيثم حدثه، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم، قال: «سرادق النار أربعة جدر، كثف كل جدار مسيرة ~~أربعين سنة» ، والمعنى: أنهم وراء هذه الجدر، وهي محيطة بهم {وإن يستغيثوا} ~~مما هم فيه من العذاب وشدة العطش {يغاثوا بماء كالمهل} ، قال ابن عباس في ~~رواية سعيد بن جبير والوالبي والعوفي: كدردي الزيت، وهو تفسير النبي صلى ~~الله عليه وسلم # فيما: ### | 568 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، نا ~~إبراهيم بن علي الذهلي، نا يحيى بن يحيى، نا ابن لهيعة، عن دراج، عن أبي ~~الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في ~~قول الله، عز وجل: {بماء كالمهل} كعكر الزيت، فإذا قربه إليه؛ سقط فروة ~~وجهه فيه # وروى قتادة، والحسن، عن ابن مسعود، " أنه # PageV03P146 # سئل عن المهل، فدعا بذهب وفضة، فخلطهما، فأذيبا، حتى إذا أزبدا وانماعا، ~~قال: هذا أشبه شيء في الدنيا بالمهل الذي هو شراب أهل النار ". # وهذا القول اختيار الزجاج، فقال: إنهم يغاثون بماء كالرصاص المذاب، أو ~~الصفر، أو الفضة. # وقوله: {يشوي الوجوه} [الكهف: 29] قال ابن عباس: يشويها حتى يسقط لحمها ~~فيه. # ثم ذمه، فقال: {بئس الشراب وساءت} [الكهف: 29] النار، {مرتفقا} [الكهف: ~~29] أي: منزلا ومقرا ومجلسا، ومعنى المرتفق في اللغة ما يرتفق به، ثم يسمى ~~الدار والمنزل مرتفقا لأنه مما يرتفق به. # ثم ذكر ما وعد المؤمنين، فقال: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا ~~نضيع أجر من أحسن عملا} [الكهف: 30] أي: لا نترك أعمالهم تذهب ضياعا، بل ~~نجازيهم بالأعمال الصالحة. # قوله: {أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ~~ذهب} [الكهف: 31] قال الزجاج: أساور جمع أ { [، وأسورة جمع سوار، هو زينة ~~تلبس في الزند من اليد، وهو من زينة الملوك، يسور في اليد ويتوج على الرأس. # قال سعيد بن جبير ms1070: يحلى كل واحد منهم ثلاثة من الأساور، واحد من فضة، ~~وواحد من ذهب، وواحد من لؤلؤ ويواقيت. # وروى أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، «لو أن أدنى أهل الجنة ~~حلية، عدلت حليته بحلية أهل الدنيا جميعا، لكان ما يحليه الله به في الآخرة ~~أفضل من حلية أهل الدنيا جميعا» . # وقوله:] ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق} [سورة الكهف: 31] قال ~~المفسرون: السندس نمارق من الديباج، والإستبرق ما غلظ منه، وهو اسم أعجمي، ~~أصله الفارسية استبر، فنقل إلى العربية، وقوله: {متكئين فيها على الأرائك} ~~[الكهف: 31] الاتكاء التحامل على الشيء، نحو التوكؤ، ومنه قوله تعالى: ~~{أتوكأ عليها} [طه: 18] والأرائك جمع أريكة، وهو سرير في حجلة، قال ابن ~~عباس، ومجاهد: الأرائك السرر في الحجال، وهي من ذهب مكللة بالدر والياقوت. # {نعم الثواب} [الكهف: 31] قال ابن عباس: طاب ثوابهم وعظم. # {وحسنت} [الكهف: 31] الأرائك، {مرتفقا} [الكهف: 31] موضع ارتفاق، بمعنى ~~اتكاء. # {واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل ~~وجعلنا بينهما زرعا {32} كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا ~~خلالهما نهرا {33} وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا ~~وأعز نفرا {34} ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا {35} ~~وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا {36} قال ~~له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ~~{37} لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي # PageV03P147 # أحدا {38} ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن ~~أنا أقل منك مالا وولدا {39} فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها ~~حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا {40} أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له ~~طلبا {41} وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على ~~عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا {42} ولم تكن له فئة ينصرونه من ~~دون الله وما كان منتصرا {43} هنالك الولاية لله الحق هو ms1071 خير ثوابا وخير ~~عقبا {44} } [الكهف: 32-44] قوله: {واضرب لهم مثلا رجلين} [الكهف: 32] قال ~~عطاء، عن ابن عباس: يريد ابني ملك كان في بني إسرائيل، توفي وترك ابنين، ~~فاتخذ أحدهما الجنان والقصور، والآخر كان زاهدا في الدنيا، راغبا في ~~الآخرة، فكان إذا عمل أخوه شيئا من زينة الدنيا، أخذ مثل ذلك فقدمه لآخرته، ~~وأخذ به عند الله الجنان والقصور، حتى نفذ ماله، فضربهما الله تعالى مثلا ~~للمؤمن والكافر الذي ابطرته النعمة. # وهو قوله: {جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل} [الكهف: 32] ~~الحق الإحاطة بالشيء، ومنه قوله: {حافين من حول العرش} [الزمر: 75] . # يقال: جعلنا النخل مطيفا بهما، {وجعلنا بينهما} [الكهف: 32] بين الجنتين، ~~{زرعا} [الكهف: 32] . # ثم أخبر أنهما كانا يؤديان حملهما من نخلهما وأعنابهما، والزرع الذي كان ~~بينهما، قال: {كلتا الجنتين آتت أكلها} [الكهف: 33] أي: آتت صاحبها أكلها، ~~وهو ما يؤكل منها من الريع، {ولم تظلم منه شيئا} [الكهف: 33] لم تنقص، ~~يقال: ظلمه حقه أي نقصه، وفجرنا خلالهما أنبطنا وأخرجنا وسط الجنتين، {نهرا ~~{33} وكان له} [الكهف: 33-34] للأخ الكافر، ثمر قال الوالبي: مال. # وقال مجاهد: ذهب وفضة. # وقال قتادة: من كل المال. # وقرئ ثمر وثمر بضم الثاء وسكون الميم. # قال الليث: الثمر حمل الشجر، والثمر أنواع المال، يقال: أثمر الرجل إذا ~~كثر ماله، وثمر الله مال فلان كثره. # والثمر تخفيف الثمر، مثل عنق وعنق، المفسرون على أن الثمر ههنا الأموال. # {فقال لصاحبه} [الكهف: 34] لأخيه، {وهو يحاوره} [الكهف: 34] يراجعه ~~الكلام، ويجاوبه، {أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا} [الكهف: 34] النفر والقوم ~~والرهط معناها الجمع، لا واحد لها من لفظها، قال ابن عباس: يريد كثرة ~~العبيد، وعزه فيهم. # وقال قتادة: وتلك والله أمنية الفاجر، كثرة المال، وعزة النفر، وهم الخدم ~~والحشم. # وقال غيره: يعني عشيرة ورهطا. # قوله: {ودخل جنته} [الكهف: 35] قال المفسرون: أخذ بيد أخيه المسلم، ~~فأدخله جنته، يطوف به فيها، ويريه إياها، ويعجبه # PageV03P148 # منها. # {وهو ظالم لنفسه} [الكهف: 35] بالكفر بالله، {قال ما أظن أن تبيد هذه ~~أبدا} [الكهف: 35] أنكر فناء الدنيا، وفناء جنته. # وأنكر البعث، والثواب والعقاب ms1072، بقوله: {وما أظن الساعة قائمة} [الكهف: ~~36] قال الزجاج: أخبر أخاه بكفره بفناء الدنيا، وقيام الساعة، {ولئن رددت ~~إلى ربي} [الكهف: 36] الآية، قال ابن عباس: يريد إن كان البعث حقا. # {لأجدن خيرا منها منقلبا} [الكهف: 36] أي: كما أعطاني هذه في الدنيا، ~~سيعطيني في الآخرة أفضل منه، لكرامتي عليه، ومن قرأ منهما رد الكناية إلى ~~الجنتين اللتين تقدم ذكرهما. # فأجابه صاحبه مكفرا له بمال قال {أكفرت بالذي خلقك من تراب} [الكهف: 37] ~~يعني أصل الخلقة، {ثم من نطفة ثم سواك رجلا} [الكهف: 37] أكملك وجعلك معتدل ~~الخلق والقامة. # ثم أعلمه أنه موحد، فقال: {لكنا هو الله ربي} [الكهف: 38] وأصله لكن أنا، ~~فخففت الهمزة، وألقيت حركتها على النون الساكنة قبلها، فصار لكن، فأدغموا ~~النون الأولى في الثانية، فصار لكن، ومن قرأ لكنا بإثبات ألف أنا، فإنه ~~أثبت الألف في الوصل، كما ثبت في الوقف على لغة من يقول: أنا قمت، وهو غير ~~مختار في القراءة. # ثم أقبل على أخيه يلومه، قال: {ولولا إذ دخلت جنتك} [الكهف: 39] بمعنى ~~هلا، وتأويله التوبيخ، {قلت ما شاء الله} [الكهف: 39] قال الفراء، والزجاج: ~~ما في موضع رفع على معنى الأمر {ما شاء الله} [الكهف: 39] . # أي: هلا قلت حين دخلتها: الأمر بمشيئة الله، وما شاء الله كان، يعني إن ~~شاء إخراب هذه الجنة وإهلاكها، كان ذلك بمشيئته، {لا قوة إلا بالله} ~~[الكهف: 39] قال الزجاج: لا يقوى أحد على ما في يديه من ملك ونعمة إلا ~~بالله تعالى، ولا يكون له إلا ما شاء الله. # ثم رجع إلى نفسه، فقال: {إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا} [الكهف: 39] أنا ~~عماد، وأقل مفعول ثان لترى. # {فعسى ربي أن يؤتين} [الكهف: 40] قال ابن عباس: في الآخرة. # {خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء} [الكهف: 40] الحسبان ~~المرامي يرمى بها، قال النضر بن شميل: الحسبان سهام يرمي بها الرجل في جوف ~~قصبة، ينزع في القوس، ثم يرمي بعشرين منها دفعة. # والمعنى: يرسل عليها مرامي من عذابه، إما بردا، وإما حجارة، أو غيرهما ~~مما يشاء من ms1073 أنواع العذاب، {فتصبح صعيدا زلقا} [الكهف: 40] أرضا لا نبات ~~فيها، والزلق المكان المزلقة، والمعنى أنها تصير جرداء لا نبات فيها. # {أو يصبح ماؤها} [الكهف: 41] يعني: النهر الذي في خلالها، غورا غائرا ~~ذاهبا في الأرض، {فلن تستطيع له طلبا} [الكهف: 41] لا يبقى له أثر بطلبه ~~به. # {وأحيط بثمره} [الكهف: 42] يعني أهلك، وأحيط العذاب بأشجاره ونخيله، ~~فأصبح الكافر، {يقلب كفيه} [الكهف: 42] قال ابن عباس: يضرب يديه واحدة على ~~الأخرى. # وتقليب الكفين يفعله النادم كثيرا، فصار عبارة عن الندم، {على ما أنفق ~~فيها} [الكهف: 42] في جنته، {وهي خاوية} [الكهف: 42] ساقطة، {على عروشها} ~~[الكهف: 42] سقوفها، وما عرش بكرومها، {ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا} ~~[الكهف: 42] أخبر الله أنه سلبه ما أنعم عليه في الدنيا، فندم حين لم تنفعه ~~الندامة، وتمنى أنه كان موحدا غير مشرك. # قوله: {ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله} [الكهف: 43] قال ابن عباس: ~~لم ينصره النصر الذين افتخر بهم في قوله: {وأعز نفرا} [الكهف: 34] . # {وما كان منتصرا} [الكهف: 43] بأن يسترد بدل ما ذهب منه، # PageV03P149 # وضربت هذه القصة مثلا للمؤمن والكافر، فالكافر تغره دنياه، ويتبجح بها، ~~ويظن أنها تبقى له، والمؤمن من صبر على نوائبها، احتسابا بها جميل الآخرة، ~~ولا يركن إليها، لما يعلم من فنائها، وسرعة انقضائها، وقبل ذكر قصة ~~الأخوين، ذكر الله ما أعد للكافرين والمؤمنين. # ثم عاد الكلام إلى ما قبل القصة، فقال: هنالك قال الكلبي: يقول عند ذلك، ~~وهو يوم القيامة. # {الولاية} [الكهف: 44] أكثر القراء على فتح الواو، والولاية نقيض ~~العداوة، ويجوز الكسر فيها، ذكرنا ذلك في { [الأنفال، وقوله: لله الحق من ~~كسر القاف، جعله من وصف الله تعالى، ويدل على صحة هذه القراءة قوله:] ~~ويعلمون أن الله هو الحق المبين} [سورة النور: 25] وقوله: {ثم ردوا إلى ~~الله مولاهم الحق} [الأنعام: 62] ومن ضم القاف، جعله من وصف الولاية، وحجته ~~قراءة أبي هنالك الولاية الحق لله قال ابن قتيبة: يريد يومئذ يتولون الله ~~تعالى ويؤمنون به، ويتبرءون مما كانوا يعبدون. # وذهب آخرون إلى أن الولاية ههنا ms1074 بمعنى تولى الأمر، لا إلى معنى الموالاة، ~~فقالوا: معنى الآية في ذلك الموطن الذي هو موطن الجزاء، لا يتمكن أحد من ~~نصر أحد، بل الله تعالى يتولى ذلك، فينصر المؤمنين، ويخذل الكافرين، لا ~~يملك ذلك أحد من العباد، فالولاية يومئذ تخلص له، كما قال: {مالك يوم ~~الدين} [الفاتحة: 4] . # وقوله: {هو خير ثوابا} [الكهف: 44] يقول: هو أفضل ثوابا ممن يرجى ثوابه، ~~على تقدير لو كان يثيب غيره، هو خير ثوابا، وخير عقبا أي: عاقبة طاعته خير ~~من عاقبة طاعة غيره، فهو خير عقب طاعة وإثابة، ثم حذف المضاف إليه. # قوله: {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به ~~نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا {45} ~~المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا ~~وخير أملا {46} } [الكهف: 45-46] واضرب لهم يعني قومك، {مثل الحياة الدنيا} ~~[الكهف: 45] وهذا مفسر في { [يونس إلى قوله:] فأصبح هشيما} [سورة الكهف: ~~45] وهو الكسير المتفتت، والهشم الكسر، والهشيم ما تكسر وتحطم من يبس ~~النبات، {تذروه الرياح} [الكهف: 45] الذرو: حمل الريح الشيء، ثم تنشره ~~وتفرقه، يقال: ذرته الريح تذروه. # قال المفسرون: ترفعه وتفرقه. # {وكان الله على كل شيء} [الكهف: 45] من الإنشاء والإفناء، {مقتدرا} ~~[الكهف: 45] قادرا على إنشاء النبات ولم يكن، ثم أفناه. # قوله: {المال والبنون} [الكهف: 46] الآية، هذا رد على # PageV03P150 # الرؤساء الذين كانوا يفتخرون بالمال والغنى والأبناء، أخبر الله تعالى أن ~~ذلك مما يتزين به في الحياة الدنيا، لا مما ينفع في الآخرة، {والباقيات ~~الصالحات} [الكهف: 46] يعني ما يأتي به سلمان، وصهيب، وفقراء المسلمين، ~~وهي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وهذا قول ابن ~~عباس في رواية عطاء، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك. ### | 569 - # أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، أنا أبو بكر بن المؤمل، ~~أنا الفضل بن محمد البيهقي، أنا عبد الله بن صالح، نا كثير بن سليم، عن أنس ~~بن مالك، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال لجلسائه: خذوا جنتكم، ~~قالوا: أحضر ms1075 عدو؟ قال: خذوا جنتكم من النار، قولوا: سبحان الله والحمد لله ~~ولا إلا إله الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإنهن المقدمات ~~وهن المنجيات وهن المعقبات وهن الباقيات الصالحات ### | 570 - # أخبرنا محمد بن علي بن حبيب الوراق، أنا الحسن بن أحمد بن علي الشيباني، ~~أنا محمد بن حمدون بن خالد، نا الحسن بن الفضل، نا يوسف بن عيسى، نا عكرمة، ~~عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم: " إن عجزتم عن الليل أن تكابدوه، وعن العدو أن تجاهدوه فلا تعجزوا عن ~~قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن من ~~الباقيات الصالحات، فتولوها، وقال في رواية سعيد بن جبير: هي الصلوات ~~الخمس، وهو قول مسروق وابن مسعود وإبراهيم، وقال في رواية علي بن أبي طلحة: ~~هي الأعمال الصالحات وجميع الحسنات، وهو قول قتادة، وقال: كل طاعة لله فهي ~~من الباقيات الصالحات، واختاره الزجاج؛ فقال: هي كل عمل صالح يبقى ثوابه # وقوله: {خير عند ربك ثوابا وخير أملا} [الكهف: 46] قال ابن عباس رضي الله ~~عنه: يريد أفضل ثوابا، وأفضل أملا من المال والبنين. # قوله: {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ~~{47} وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن ~~نجعل لكم موعدا {48} ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ~~ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما ~~عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا {49} } [الكهف: 47-49] # PageV03P151 # ويوم أي: وأذكر يوم تسير الجبال من وجه الأرض كما يسير السحاب في الدنيا، ~~ثم يكسر، فيعود في الأرض، كما قال: {وبست الجبال بسا {5} فكانت هباء منبثا ~~{6} } [الواقعة: 5-6] وقرئ نسير الجبال على بناء الفعل للفاعل، وهذه ~~القراءة أشبه بما بعده من قوله: {وحشرناهم فلم نغادر} [الكهف: 47] ، وقوله: ~~{وترى الأرض بارزة} [الكهف: 47] أي: ظاهرة ليس عليها شيء من جبل أو بناء أو ~~شجر، وحشرناهم يعني المؤمنين والكافرين، فلم ms1076 نغادر لم نترك ولم نخلف، {منهم ~~أحدا {47} وعرضوا على ربك} [الكهف: 47-48] يعني المحشورين، صفا مصفوفين، كل ~~زمرة وأمة صف، لقد جئتمونا أي: فيقال لهم: لقد جئتمونا، {كما خلقناكم أول ~~مرة} [الكهف: 48] قال ابن عباس: حفاة عراة. # وقال الزجاج: أي بعثناكم وأعدناكم ثانيا كما خلقناكم، لأن قوله: لقد ~~جئتمونا معناه بعثناكم. # بل زعمتم خطاب لمنكري البعث خاص، معناه: بل زعمتم في الدنيا، {ألن نجعل ~~لكم موعدا} [الكهف: 48] للبعث والجزاء. # ووضع الكتاب يعني كتاب أعمال الخلق، والكتاب اسم الجنس فيعم، والمعنى: ~~وضع كتاب كل امرئ في يمينه أو شماله، {فترى المجرمين} [الكهف: 49] يريد ~~المشركين، {مشفقين} [الكهف: 49] خائفين، مما فيه من الأعمال السيئة، ~~{ويقولون يا ويلتنا} [الكهف: 49] لوقوعهم في الهلكة، يدعون بالويل على ~~أنفسهم، {مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة} [الكهف: 49] قال ابن ~~عباس في رواية عكرمة: الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك. # وقال سعيد بن جبير: الصغيرة اللحم، والكبيرة الزنا. # إلا أحصاها عدها وأثبتها وكتبها، {ووجدوا ما عملوا حاضرا} [الكهف: 49] ~~مكتوبا مثبتا ذكره في الكتاب، {ولا يظلم ربك أحدا} [الكهف: 49] لا يعاقبه ~~بغير جرم. # ثم أمر نبيه أن يذكر هؤلاء المتكبرين عن مجالسة الفقراء، قصة إبليس، وما ~~أورثه الكبر، فقال: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان ~~من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس ~~للظالمين بدلا {50} ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت ~~متخذ المضلين عضدا {51} ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم ~~يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا {52} ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم ~~مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا {53} } [الكهف: 50-53] {وإذ قلنا للملائكة ~~اسجدوا} [الكهف: 50] إلى قوله: {كان من الجن} [الكهف: 50] قال ابن عباس في ~~رواية عطاء: إن ملائكة السماء الدنيا يقال لهم الجن. # مثل قوله: {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا} [الصافات: 158] يعني حين قالوا: ~~الملائكة بنات الله تعالى. # وقال شهر بن حوشب: قال ابن عباس: كان إبليس من الملائكة من قبيل يقال لهم ~~الجن. # وقوله: {ففسق عن أمر ms1077 ربه} [الكهف: 50] خرج من طاعة ربه إلى معصيته في ترك ~~السجود، قال الفراء: والعرب تقول: # PageV03P152 # فسقت الرطبة من قشرها لخروجها منه. # {أفتتخذونه وذريته} [الكهف: 50] قال قتادة، والحسن: يعني أولاده، ~~يتوالدون كما يتوالد بنو آدم. # وكان مجاهد يذكر من ذريته: زلنبور صاحب راية إبليس بكل سوق، وثبر صاحب ~~المصائب، والأعور صاحب أبواب الزنا، ومسوط صاحب الأخبار، يأتي بها فيطرحها ~~على أفواه الناس لا يوجد لها أصل، وداسم الذي إذا دخل الرجل بيته فلم يسم ~~ولم يذكر الله تعالى، يضره من المتاع ما لم يرفع ولم يوضع في موضعه، وإذا ~~أكل ولم يذكر اسم الله تعالى، أكل معه، فهؤلاء ذريته. # وروى ليث، عن مجاهد، قال: ذريته الشياطين. # وقوله {أولياء من دوني} [الكهف: 50] قال الكلبي: ليس يصلون له، ولا ~~يصومون، ولكن من أطاع شيئا فقد عبده. # {بئس للظالمين بدلا} [الكهف: 50] قال الحسن: بئس ما استبدلوا نعمة ربهم، ~~إذا أطاعوا إبليس، فبئس ذلك بدلا لهم. # قوله: {ما أشهدتهم} [الكهف: 51] أي: ما أحضرتهم، يعني إبليس وذريته، {خلق ~~السموات والأرض} [الكهف: 51] يعني أنه لم يشاورهم في خلقهم، بل خلقهما ~~وخلقهم على ما أراد وقدر من غير مشاورة لهم، وهذا إخبار عن كمال قدرته، ~~واستغنائه عن الأنصار والأعوان، يدل على هذا قوله: {وما كنت متخذ المضلين ~~عضدا} [الكهف: 51] أي: الشياطين الذين يضلون الناس عضدا، قال قتادة: أعوانا ~~يعضدونني عليه. # والعضد كثيرا ما يستعمل في معنى العون، وذلك أن العضد قوام اليد، ومنه ~~قوله: {سنشد عضدك بأخيك} [القصص: 35] أي سنعينك ونقويك به، ووحد العضد، ~~لوفاق الفواصل. # قوله: ويوم يقول قال ابن عباس: يريد يوم القيامة، يقول الله تعالى يوم ~~القيامة: ادعوا الذين أشركتم بي ليمنعوكم من عذابي. # وهو قوله: {نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم} [الكهف: ~~52] فلم يجيبوهم، لأنهم كانوا جمادا، وجعلنا بينهم بين المؤمنين والكافرين، ~~{موبقا} [الكهف: 52] ذكر في التفسير أنه اسم واد عميق، فرق الله به يوم ~~القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة، وهو قول مجاهد، وقتادة، ونوف البكالي. # قال ابن الأعرابي: وكل حاجز ms1078 بين الشيئين فهو موبق. # قال ابن عباس في رواية الوالبي: مهلكا. # قال الفراء: يقول: جعلنا تواصلهم في الدنيا موبقا، أي مهلكا لهم في ~~الآخرة. # والبين على هذا القول معناه التواصل، كقوله: لقد تقطع بينكم في قراءة من ~~قرأ # PageV03P153 # بالرفع، والمعنى: أن تواصلهم وتعاونهم ومخالتهم في الكفر واجتماعهم على ~~عداوة محمد صلى الله عليه وسلم يسبب هلاكهم في الآخرة، يقال: وبق وبقا يوبق ~~فهو وبق، ذكره الفراء في المصادر، قال: وحكى الكسائي وبق يبق وبوقا فهو ~~وابق، قال ولم أسمعها. # قوله: {ورأى المجرمون النار} [الكهف: 53] قال ابن عباس: يريد المشركين، ~~رأوها وهي تتلظى حنقا عليهم. # فظنوا علموا وأيقنوا، {أنهم مواقعوها} [الكهف: 53] واردوها وداخلوها، ~~ومعنى الواقعة الملابسة للشيء بشدة، {ولم يجدوا عنها مصرفا} [الكهف: 53] ~~لأنها أحاطت بهم من كل جانب فلم يقدروا على العرب، ولا على الرجوع عنها، ~~المصرف الموضع الذي يصرف إليه. # قوله: {ولقد صرفنا في هذا القرءان للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء ~~جدلا {54} وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن ~~تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا {55} وما نرسل المرسلين إلا ~~مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي ~~وما أنذروا هزوا {56} ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت ~~يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى ~~الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا {57} وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما ~~كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا {58} وتلك القرى ~~أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا {59} } [الكهف: 54-59] {ولقد ~~صرفنا في هذا القرءان للناس من كل مثل} [الكهف: 54] مفسر في { [بني ~~إسرائيل، وقوله:] وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} [سورة الكهف: 54] قال ابن ~~عباس: يريد النضر بن الحارث وجداله في القرآن. # وقال الكلبي: يعني أبي بن خلف. # وقال الزجاج: معناه كان الكافر يدل عليه قوله: {ويجادل الذين كفروا ~~بالباطل} [الكهف: 56] . # قوله: {وما منع الناس} [الكهف: 55] يعني أهل مكة ms1079، أن يؤمنوا أي الإيمان، ~~{إذ جاءهم الهدى} [الكهف: 55] محمد صلى الله عليه وسلم جاءهم من الله تعالى ~~بالرشاد والبيان، ويستغفروا ربهم عطف على أن يؤمنوا، {إلا أن تأتيهم سنة ~~الأولين} [الكهف: 55] وهو أنهم إذا لم يؤمنوا عذبوا، يقول: لقد قدرت على ~~هؤلاء العذاب، فذلك الذي يمنعهم عن الإيمان، وهذه الآية فيمن قتلوا من ~~المشركين ببدر وأحد، وهو قوله: {أو يأتيهم العذاب قبلا} [الكهف: 55] أي: ~~عيانا مقابلة، وقرأ أهل الكوفة قبلا جمع قبيل، أي: صنفا صنفا. # وقوله: {ويجادل الذين كفروا بالباطل} [الكهف: 56] قال ابن عباس: يريد ~~المستهزئين والمقتسمين. # وأتباعهم وجدالهم بالباطل أنهم ألزموه أن يأتي بالآيات على أهوائهم على ~~ما كانوا يقترحون، {ليدحضوا به الحق} [الكهف: 56] ليبطلوا به ما جاء به ~~محمد صلى الله عليه وسلم، يقال: دحضت # PageV03P154 # حجته، أي بطلت، وأدحضت حجته إذا أبطلتها. # وقوله: {واتخذوا آياتي} [الكهف: 56] يعني القرآن، {وما أنذروا} [الكهف: ~~56] وما خوفوا به من النار والقيامة، هزوا مهزوا به. # قوله: ومن أظلم استفهام معناه التقرير، أي: لا أحدا ظلم، {ممن ذكر} ~~[الكهف: 57] وعظ، {بآيات ربه} [الكهف: 57] بالقرآن وما فيه من الوعيد، ~~فأعرض عنها تهاونا بها، {ونسي ما قدمت يداه} [الكهف: 57] يعني ما سلف من ~~ذنوبه، وما بعد هذا مفسر في { [الأنعام،] وإن تدعهم إلى الهدى} [سورة ~~الكهف: 57] إلى الإيمان والقرآن، {فلن يهتدوا إذا أبدا} [الكهف: 57] قال ~~الزجاج: أخبر الله تعالى أن هؤلاء أهل الطبع على قلوبهم. # {وربك الغفور} [الكهف: 58] الغافر الساتر على عباده، {ذو الرحمة} [الكهف: ~~58] حين لم يعاجلهم بالعقوبة، وهو قوله: {لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم ~~العذاب بل لهم موعد} [الكهف: 58] للبعث والحساب، {لن يجدوا من دونه موئلا} ~~[الكهف: 58] منجى وملجأ، قال: وأل يئل وألا، إذا نجا. # قوله: {وتلك القرى أهلكناهم} [الكهف: 59] يعني أهلها، ولذلك قال: ~~أهلكناهم قال ابن عباس: يريد ما أهلك بالشام واليمن. # لما ظلموا أشركوا، وكذبوا الأنبياء، {وجعلنا لمهلكهم} [الكهف: 59] يجوز ~~أن يكون المهلك ههنا مصدرا، ويجوز أن يكون وقتا، والمعنى: جعلنا لإهلاكهم، ~~أو لوقت إهلاكهم، ومن قرأ لمهلكهم بفتح الميم وكسر ms1080 اللام كان المعنى لوقت ~~هلاكهم، ومن قرأ بفتحها، فهو مصدر مثل الهلاك، وقوله: موعدا أي: وقتا ~~وأجلا. # قوله: {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ~~{60} فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا {61} ~~فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا {62} قال ~~أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن ~~أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا {63} قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على ~~آثارهما قصصا {64} فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من ~~لدنا علما {65} قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا {66} قال ~~إنك لن تستطيع معي صبرا {67} وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا {68} قال ~~ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا {69} قال فإن اتبعتني فلا ~~تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا {70} } [الكهف: 60-70] {وإذ قال موسى ~~لفتاه} [الكهف: 60] الآية. ### | 571 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسن الحيري، نا محمد بن يعقوب الأموي، ~~أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد ~~بن جبير، قال: قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس ~~بموسى بني إسرائيل، فقال ابن عباس: كذب عدو الله، أخبرني أبي بن كعب، قال: ~~خطبنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: إن موسى قام خطيبا في بني ~~إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه، إذ لم يرد العلم ~~إليه، فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال # PageV03P155 # موسى: يا رب، فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتا، فتجعله في مكتل، فحيثما ~~فقدت الحوت، فهو ثم، فأخذ حوتا، فجعله في مكتل ثم انطلق، وانطلق معه فتاه ~~يوشع بن نون، حتى إذا أتيا الصخرة، وضعا رءوسهما فناما واضطرب الحوت في ~~المكتل فخرج منه، فسقط في البحر، فاتخذ سبيله في البحر سربا وأمسك ms1081 الله عن ~~الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره ~~بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذا كان من الغد، قال موسى ~~لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} ، قال: ولم يجد موسى ~~النصب، حتى جاوز المكان الذي أمره الله به، فقال فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى ~~الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في ~~البحر عجبا} ، قال: فكان للحوت سربا، ولموسى ولفتاه عجبا، فقال موسى: {ذلك ~~ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} ، قال: رجعا يقصان آثارهما، حتى ~~انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى، فقال الخضر: وأني ~~بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك ~~لتعلمني مما علمت رشدا، قال: إنك لن تستطيع معي صبرا يا موسى، إني على علم ~~من علم الله، تعالى، لا تعلمه، علمنيه، وأنت على علم من علم الله علمك لا ~~أعلمه، فقال موسى: {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} ، فقال له ~~الخضر: {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} ، {فانطلقا} ~~يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة، فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر ~~فحملوه بغير قول، فلما ركبا في السفينة، لم يفاجأ إلا والخضر قد قلع لوحا ~~من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى: قوم قد حملونا بغير نول، عمدت إلى ~~سفينتهم، فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} ، قال: {ألم أقل إنك لن ~~تستطيع معي صبرا} ؟ قال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} ~~قال: وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: وكانت الأولى من موسى نسيانا، ~~قال: وجاء عصفور، فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة، فقال له الخضر: ~~ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقر هذا العصفور من هذا البحر، ثم ~~خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب ~~مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده ms1082 فاقتلعه فقتله، فقال له موسى: {أقتلت ~~نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي ~~صبرا} قال: وهذه أشد من الأولى، قال: {إن سألتك عن شيء فلا إلى قوله: يريد ~~أن ينقض} ، قال: مائلا، فقام الخضر فأقامه بيده، فقال موسى: قوم أتيناهم ~~فلم يطعمونا، ولم يضيفونا، {لو شئت لتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني ~~وبينك} الآية، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر، ~~حتى يقص علينا من خبرهما، قال سعيد بن جبير: كان ابن عباس يقرأ: وكان ~~أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا، وكان يقرأ: وأما الغلام فكان كافرا ~~وكان أبواه مؤمنين، رواه البخاري، عن الحميدي، ورواه مسلم، عن ابن أبي عمر ~~كلاهما، عن سفيان # وقوله: {وإذ قال موسى لفتاه} [الكهف: 60] معناه: واذكر ذلك، لما في تلك ~~القصة من العبرة، قوله: لفتاه أجمعوا على أنه يوشع بن نون، قال الفراء: ~~إنما سمي فتى موسى، لأنه كان ملازما له، يأخذ عنه العلم ويخدمه. # لا أبرح لا أزال، ومنه قوله: {لن نبرح عليه عاكفين} [طه: 91] والمعنى: لا ~~أزال أسير حتى أبلغ مجمع البحرين، قال قتادة: يعني بحر # PageV03P156 # فارس وبحر الروم، وكان ذلك الموضع الذي وعد موسى للقاء الخضر. # وقوله: {أو أمضي حقبا} [الكهف: 60] أي: أسير حقبا، قال الوالبي: دهرا. # والحقب عند أهل اللغة ثمانون سنة، والمعنى: لا أزال أسير، وإن احتجت إلى ~~أن أسير حقبا، حتى أبلغ مجمع البحرين. # {فلما بلغا} [الكهف: 61] يعني موسى وصاحبه، {مجمع بينهما} [الكهف: 61] ~~بين البحرين، وهو حيث وعد للقاء الخضر، وقوله: {نسيا حوتهما} [الكهف: 61] ~~قال المفسرين: كانا فيما تزودا حوت مملح في زبيل، فكانا يصيبان منه الغداء ~~والعشاء، فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر، وضع فتاه المكتل، فأصاب ~~الحوت ندى البحر، فتحرك في المكتل، فانسرب في البحر، وقد كان قيل لموسى: ~~تزود معك حوتا مالحا، فحيث تفقد الحوت ثم تجد الرجل العالم، فلما انتهيا ~~إلى الصخرة، قال لفتاه: امكث حتى آتيك، وانطلق ms1083 موسى لحاجته، فجرى الحوت حتى ~~وقع في البحر، فقال قتادة: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان، فذلك ~~قوله: {نسيا حوتهما} [الكهف: 61] وإنما نسيه يوشع أن يذكر قصته لموسى، ~~فأضيف النسيان إليهما توسعا، لأنهما جميعا تزودانه، فصار كما يقال: نسي ~~القوم زادهم، وإنما نسيه أحدهم. # وقوله: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} [الكهف: 61] قال قتادة: جعل لا يسلك ~~طريقا إلا صار الماء جامدا. # وقال الربيع بن أنس: انجاب الماء عن مسلك الحوت، فصار كوة لم يلتئم. # والسرب معناه في اللغة المحفور في الأرض، لا نفاذ له، شبه مسلك الحوت في ~~الماء، والماء منجاب عنه بالسرب، كما قال الفراء: لما وقع في الماء جمد ~~مذهبه في البحر، فكان كالسرب. # {فلما جاوزا} [الكهف: 62] ذلك المكان الذي كانت عنده الصخرة، وذهب الحوت، ~~انطلقا، فأصابهما ما يصيب المسافر من النصب والكلال، ولم يجد موسى النصب ~~حتى جاوز الموضع الذي يريده، فدعا بالطعام ليأكل، وهو قوله: {آتنا غداءنا} ~~[الكهف: 62] وهو الطعام الذي يؤكل بالغداء، {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} ~~[الكهف: 62] وهو الإعياء من العناء، والفعل نصب ينصب. # فلما قال له موسى ذلك، تذكر قصة الحوت، فقال لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى ~~الصخرة} [الكهف: 63] يعني: حين نزلا هناك، {فإني نسيت الحوت} [الكهف: 63] ~~أن أحدثكه، ثم اعتذر فقال: {وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} [الكهف: 63] ~~وذلك أنه لو ذكر لموسى قصة الحوت عند الصخرة، ما جاوزها موسى، وما ناله ~~النصب الذي اشتكاه، واتخذ الحوت {سبيله في البحر عجبا} [الكهف: 63] أي: ~~سبيلا عجبا، وهو أن الماء انجاب عنه، وبقي كالكوة لم يلتئم، فلما قال هذا ~~يوشع، ذكر موسى ما كان عهد إليه أنه يدلك عليه بعض زادك. # {قال ذلك ما كنا نبغ} [الكهف: 64] أي: نطلب ونريد من العلامة، {فارتدا ~~على آثارهما} [الكهف: 64] رجعا وعادا عودهما على بدئهما في الطريق الذي ~~جاءا منه، قصصا يقصان آثارهما قصصا، والقصص اتباع الأثر، ومنه قوله: {قصيه} ~~[القصص: 11] . # قوله: {فوجدا عبدا من عبادنا} [الكهف: 65] أي: أدركا الخضر، واسمه بليا ~~بن ملكان، وإنما سمي ms1084 الخضر # PageV03P157 # لأنه إذا صلى في مكان اخضر ما حوله، {آتيناه رحمة من عندنا} [الكهف: 65] ~~يعني نبوة، {وعلمناه من لدنا علما} [الكهف: 65] قال ابن عباس رضي الله ~~عنهما: أعطيناه علما من علم الغيب. # فقال: {له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} [الكهف: 66] أي: ~~علما ذا رشد، والرشد والرشد لغتان كالنخل والنخل، قال قتادة: لو كان أحد ~~مكتفيا من العلم لاكتفى نجي الله موسى، ولكنه قال: {هل أتبعك} [الكهف: 66] ~~الآية. # وقال الزجاج: وفيما فعل موسى، وهو من جلة الأنبياء من طلب العلم، والرحلة ~~في ذلك، ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم، وإن كان قد بلغ ~~نهايته، وأن يتواضع لمن هو أعلم منه. # فقال له الخضر: {إنك لن تستطيع معي صبرا} [الكهف: 67] قال ابن عباس: لن ~~تصبر على صنيعي، لأني علمت غيب علم ربي. # ثم أعلمه العلة في ترك الصبر فقال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} ~~[الكهف: 68] أي: لم تعلمه، والخبر علمك بالشيء، يقول: كيف تصبر على أمر ~~ظاهره منكر، وأنت لا تعلم باطنه؟ قال له موسى: {ستجدني إن شاء الله صابرا} ~~[الكهف: 69] أصبر على ما أرى منك، {ولا أعصي لك أمرا} [الكهف: 69] لا ~~أخالفك في شيء. # قال له الخضر: {فإن اتبعتني} [الكهف: 70] أي: صحبتني، {فلا تسألني عن ~~شيء} [الكهف: 70] مما أفعل مما تنكره، {حتى أحدث لك منه ذكرا} [الكهف: 70] ~~حتى أكون أنا الذي أفسره لك، لأنه قد غاب علمه عنك. # فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهم سفينة، فكلموهم أن يحملوهم، ~~فحملوهما بغير أجرة، فذلك قوله: {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها ~~قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا {71} قال ألم أقل إنك لن تستطيع ~~معي صبرا {72} قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا {73} } ~~[الكهف: 71-73] {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها} [الكهف: 71] أي: ~~شقها، قيل: إنه قلع لوحين مما يلي الماء، فحشاها موسى بثوبه، وقال منكرا ~~عليه: {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} [الكهف ms1085: 71] منكرا عظيما، ~~ويقال: أمر الأمر إذا كبر إمرا، والإمر: الاسم منه. # فقال له الخضر: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا {72} قال} [الكهف: ~~72-73] موسى: {لا تؤاخذني بما نسيت} [الكهف: 73] أي: عقلت عن التسليم لك، ~~وترك الإنكار عليك، ونسيت ذلك. # وقال الكلبي: يقول: بما تركت من وصيتك، وعلى هذا القول النسيان بمعنى ~~الترك لا بمعنى الغفلة. # {ولا ترهقني من أمري عسرا} [الكهف: 73] لا تكلفني مشقة، قال أبو زيد: ~~أرهقته عسرا إذا كلفته ذلك. # والمعنى: عاملني باليسر لا بالعسر، ولا تضيق علي الأمر في صحبتي إياك. # قوله: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس ~~لقد جئت شيئا نكرا {74} قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا {75} قال إن ~~سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا {76} } [الكهف: ~~74-76] {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله} [الكهف: 74] روي في حديث أبي بن ~~كعب، أنهما خرجا، حتى لقيا غلاما يلعب مع # PageV03P158 # الصبيان، فقال به هكذا، كأنه اجتذب رأسه، فقلعه، وأشار عبد الرزاق حين ~~روى هذا الحديث بأصابعه الثلاثة: السبابة، والوسطى، والإبهام وفتحها. # وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن ذلك الغلام كان من أحسن أولئك ~~الغلمان وأصحهم. # قال موسى حين رأى ذلك: {أقتلت نفسا زكية} [الكهف: 74] قال ابن عباس، ~~ومجاهد: لم يبلغ الحلم. # ومعنى الزكية الطاهرة من الذنوب، وذلك لأنه كان صغيرا لم يبلغ حد ~~التكليف، وقرئ زاكية وهي البريئة من الذنوب، قال الفراء: الزاكية والزكية ~~مثل القاسية والقسية. # وقوله: {بغير نفس} [الكهف: 74] يعني: بغير قتل نفس، يعني القود، {لقد جئت ~~شيئا نكرا} [الكهف: 74] فظيعا منكرا، لا يعرف في شرع. # فقال الخضر: {ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} [الكهف: 75] . # قال موسى: {إن سألتك عن شيء} [الكهف: 76] يعني: سؤال توبيخ وإنكار، بعدها ~~بعد النفس المقتولة، {فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} [الكهف: 76] قال ~~ابن عباس: يريد أنك قد أعذرت فيما بيني وبينك، وقد أخبرتني أني لا أستطيع ~~معك صبرا، وهذا إقرار من موسى بأن ms1086 الخضر قد قدم إليه ما يوجب العذر عنده ~~فلا يلزمه ما انكره. # وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية، فقال: «لقد استحى نبي ~~الله موسى عندها، ولو صبر، لرأى ألفا من العجائب» . # وقراءة العامة بتشديد النون من لدن والأصل لدن، ثم يزاد مع الياء، نحو ~~مني، وعني، ثم يدغم النون الساكنة في التي تزاد مع الضمير فيصير لدني ~~مشددا، ومن خفف فإنه لم يلحق النون التي تلحق علامة الضمير في نحو ضربني، ~~وقد جمع الشاعر بين اللغتين في قوله: # قدني من نثر الخبيبين قدني # {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا ~~فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا {77} قال هذا ~~فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا {78} أما السفينة ~~فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل ~~سفينة غصبا {79} وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا ~~وكفرا {80} فأردنا أن يبدلهما # PageV03P159 # ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما {81} وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في ~~المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ~~ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه ~~صبرا {82} } [الكهف: 77-82] قوله: {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} [الكهف: ~~77] قال ابن عباس: هي انطاكية. # وقال ابن سيرين: الأبلة. # استطعما أهلها سألاهم الطعام، {فأبوا أن يضيفوهما} [الكهف: 77] روى أبي ~~بن كعب، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «كانوا أهل قرية لئاما» . # والتضييف والإضافة بمعنى واحد، فوجدا فيها في تلك القرية، {جدارا يريد أن ~~ينقض} [الكهف: 77] الإرادة في صفة الجدار مجاز، ومعناه: قرب أن ينقض، وذلك ~~على التشبيه بحال من يريد أن يفعل، قال الزجاج: والجدار لا يريد إرادة ~~حقيقية إلا أن هيئته في التهيؤ للسقوط قد ظهرت كما تظهر أفعال المريدين ~~القاصدين. # فوصف الإرادة إذ كانت الصورتان واحدة، وأنشد الراعي يصف إبلا: # في مهمه فلقت به ms1087 هاماتها ... فلق الفئوس إذا أردن نصولا # ومعنى الانقضاض السقوط بسرعة، يقال: انقض الحائط إذا وقع، وانقض الطائر ~~إذا هوى من طيرانه فسقط على شيء، وقوله: {فأقامه} [الكهف: 77] أي سواه، ~~لأنه وجده مائلا، وفي حديث أبي بن كعب: انتهيا إلى جدار مائل، فدفعه بيده ~~فقام، فقال موسى: {لو شئت لاتخذت عليه} [الكهف: 77] أي: على إقامته ~~وإصلاحه، أجرا قال الفراء: لو شئت لم تقمه حتى يقرونا، فهو الأجر. # وقرأ أبو عمرو لتخذت يقال: تخذ فلان، يتخذ تخذا مثل اتخذ، ألزمت التاء ~~الحرف كأنها أصلية، لما رأوا التاء في اتخذ ظنوها أصلية، فقالوا في الثلاثي ~~تخذ، كما قالوا: تقي من اتقى. # قال الخضر: {هذا فراق بيني وبينك} [الكهف: 78] أي: هذا الكلام والإنكاء ~~علي بترك الأجر، هو المفرق بيننا، قال الزجاج: المعنى هذا فراق بيننا، أي ~~هذا فراق اتصالنا، وكرر بين تأكيدا. # ولما قال الخضر هذا، أخذ موسى بطرف ثوبه، فقال: حدثني بتأويل ما صنعت. # فقال: {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا {78} أما السفينة فكانت ~~لمساكين يعملون في البحر} [الكهف: 78-79] يعني أن أصحابها كانوا مساكين، لم ~~يكن لهم مال غير تلك السفينة، فكانوا يعملون عليها، يأخذون أجرتها، {فأردت ~~أن أعيبها} [الكهف: 79] أجعلها ذات عيب، قال مجاهد: أخرقها. # {وكان وراءهم ملك} [الكهف: 79] قال المفسرون: يعني أمامهم، وراء يكون # PageV03P160 # بمعنى أمام، كقوله: {من ورائه جهنم} [إبراهيم: 16] ، {ومن ورائه عذاب ~~غليظ} [إبراهيم: 17] قال عباد بن صهيب: قدمت الكوفة لأسمع من إسماعيل بن ~~أبي خالد، فمررت بشيخ جالس، فقلت: يا شيخ، كيف أمر إلى منزل إسماعيل بن أبي ~~خالد؟ فقال لي: وراءك. # فقلت: أرجع؟ قال: أقول وراءك وترجع؟ فقلت: أليس ورائي خلفي؟ قال: لا. # ثم قال: حدثني عكرمة، عن ابن عباس {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} ~~[الكهف: 79] قال: لو كان وراءهم لكانوا قد جاوزوه، ولكن كان بين أيديهم. # والمعنى: كل سفينة صالحة، وكذا كان يقرأ ابن عباس، وأبي، وحذفت للعلم ~~بها، قال الخضر: إنما خرقتها، لأن الملك إذا رآها متخرقة تركها، ورقعها ~~أهلها بقطعة خشب ms1088 فانتفعوا بها. # {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} [الكهف: 80] وابن عباس، وأبي كانا ~~يقرآن: وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين، {فخشينا أن يرهقهما} ~~[الكهف: 80] أي: يرهق الغلام أبويه، {طغيانا وكفرا} [الكهف: 80] لذلك ~~قتلناه، قال المفسرون: خشينا أن يحملهما حبه على أن يتبعاه ويدينا بدينه. ### | 572 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق المزني، أنا أبو سهل أحمد بن محمد بن ~~الحسين الزجاج، نا محمد بن أيوب، نا القعنبي، نا المعتمر بن سليمان، عن ~~أبيه، عن رقبة بن مصقلة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن سعيد بن جبير، عن ابن ~~عباس، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " إن الغلام ~~الذي قتله الخضر، طبع كافرا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا، رواه مسلم ~~في (الصحيح) ، عن القعنبي، وقال قتادة: قال مطرف: أيم الله، إنا لنعلم ~~أنهما فرحا به يوم ولداه، وحزنا عليه يوم قتل، ولو عاش كان فيه مهلكتهما، ~~فالمؤمن حقيق أن يرضى بما قسم الله له، فإن قضاء الله، تعالى، للمؤمن، خير ~~من قضائه لنفسه، وما قضي لك، يابن آدم، فيما تكره خير مما قضي لك فيما تحب، ~~فاستخر الله، تعالى، وارض بقضائه # وقوله: {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة} [الكهف: 81] يعطيهما ~~الله ولدا بدلا منه، خيرا منه دينا، قاله سعيد بن جبير، وقتادة: وقال ~~الكلبي: خيرا منه صلاحا. # والزكاة الصلاح، والزاكي الصالح، {وأقرب رحما} [الكهف: 81] الرحم والرحم ~~العطف والرحمة، قال ابن عباس، وقتادة: وأوصل للرحم، وأبر بوالديه. # قال عطاء، عن ابن عباس: أبدلهما به جارية ولدت سبعين نبيا. # {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} [الكهف: 82] يعني القرية ~~المذكورة في قوله: {أتيا أهل قرية} [الكهف: 77] ، {وكان تحته كنز لهما} ~~[الكهف: 82] قال قتادة: كان ذهبا وفضة. # وهو تفسير النبي صلى الله عليه وسلم فيما: ### | 573 - # أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، أنا أبو الحسن أحمد بن ~~محمد بن # PageV03P161 # عبدوس الطرائفي، نا عثمان بن سعيد، نا صفوان بن صالح الدمشقي، نا الوليد ~~بن مسلم، نا يزيد ms1089 بن يوسف الصنعاني، عن يزيد، عن مكحول، عن أم الدرداء، عن ~~أبي الدرداء، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في قوله، عز وجل: ~~{وكان تحته كنز لهما} ، قال: كان ذهبا وفضة، رواه الحاكم في (صحيحه) ، عن ~~أبي الوليد الفقيه، عن حسام بن بشر، عن صفوان # وقال ابن عباس في رواية عطاء: كان لوحا من ذهب فيه مكتوبا: عجبا لمن أيقن ~~بالقدر! ثم ينصب عجبا لمن أيقن بالنار! ثم يضحك عجبا لمن يؤمن بالموت! كيف ~~يفرح؟ عجبا لمن يوقن بالرزق! كيف يتعب؟ عجبا لمن يؤمن بالحساب! كيف يغفل؟ ~~عجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها! كيف يطمئن إليها؟ أنا الله لا إله إلا ~~أنا، محمد عبدي ورسولي، وفي الشق الآخر: أنا الله لا إله إلا أنا، محمد ~~عبدي ورسولي، وفي الشق الآخر، أنا الله لا إله إلا أنا وحدي، لا شريك لي، ~~خلقت الخير والشر، فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه، والويل لمن ~~خلقته للشر وأجريته على يديه. # وهو قول أكثر أهل التفسير. ### | 574 - # أخبرنا أبو سعد النصروي، أنا أبو العلاء أحمد بن محمود الأهوازي، أنا أبو ~~العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن، نا أحمد بن يحيى الصوفي، نا ضرار بن ~~صرد، نا محمد بن مروان، نا أبان، عن أنس، قال: سئل رسول الله، صلى الله ~~عليه وسلم، عن قوله، عز وجل: {وكان تحته كنز لهما} ، قال: لوح من ذهب، ~~مكتوب فيه: عجبت لمن يوقن بالموت، ثم كيف يفرح؟ وعجبت لمن يوقن بالقدر كيف ~~يحزن؟ وعجبت لمن يوقن بزوال الدنيا، وتقلبها بأهلها، ثم يطمئن إليها # قال الزجاج: المعروف في اللغة أن الكنز إذا أفرد، فمعناه المال المدفون، ~~فإذا لم يكن المال، قيل: عنده كنز علم، وله كنز فهم، والكنز ههنا بالمال ~~أشبه، قال: وجائز أن يكون الكنز مالا، مكتوب فيه علم على ما روي، فهو مال ~~وعلم عظيم من توحيد الله تعالى، وإعلام أن محمدا صلى الله عليه وسلم مبعوث. # وقوله: {وكان أبوهما صالحا} [الكهف: 82] قال سعيد بن جبير ms1090، عن ابن عباس: ~~حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر منهما # PageV03P162 # صلاحا. # وقال جعفر بن محمد: كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء. # أخبرنا عمرو بن أحمد بن عمر الزاهد، أنا عبد الرحمن بن أحمد بن حمدويه، ~~نا زنجويه بن محمد، نا إسحاق بن منصور المروزي، نا الحسين بن علي، عن محمد ~~بن سوقة، عن محمد بن المنكدر، قال: إن الله عز وجل ليحفظ بصلاح العبد ولده، ~~وولد ولده، وأهل دويرته، وأهل دويرات حوله، فما يزالون في حفظ الله تعالى ~~ما دام فيهم. # وقوله: {فأراد ربك أن يبلغا أشدهما} [الكهف: 82] قال ابن عباس: أن يكبرا ~~ويعقلا. # {ويستخرجا كنزهما} [الكهف: 82] وذلك أن الخضر لو لم يقم الجدار لكان ~~ينقض، ويؤخذ ذلك الكنز الذي تحته قبل بلوغ الغلامين الأشد، فأمر الخضر، حتى ~~أقام الجدار، وهو قوله: {رحمة من ربك} [الكهف: 82] أي: رحمهما الله بذلك ~~رحمة، {وما فعلته عن أمري} [الكهف: 82] قال ابن عباس: انكشف لي من الله ~~تعالى علم، فعلمت به. # {ذلك تأويل} [الكهف: 82] قال: يريد هذا تفسير {ما لم تسطع عليه صبرا} ~~[الكهف: 82] . # قوله: {ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا {83} إنا مكنا له ~~في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا {84} فأتبع سببا {85} حتى إذا بلغ مغرب ~~الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن ~~تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا {86} قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ~~ربه فيعذبه عذابا نكرا {87} وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول ~~له من أمرنا يسرا {88} ثم أتبع سببا {89} حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها ~~تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا {90} كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ~~{91} } [الكهف: 83-91] {ويسألونك عن ذي القرنين} [الكهف: 83] الآية، ذكرنا ~~أن اليهود سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل طواف، بلغ شرق الأرض ~~وغربها، هذه الآية من جوابهم، واختلفوا في ذي القرنين، فقال: مجاهد: كان ~~نبيا. # وهو قول عبد الله بن عمرو، وقال ms1091 علي رضي الله عنه: كان عبدا صالحا، أحب ~~الله، فأحبه الله تعالى، وناصح الله تعالى، فنصحه الله تعالى. # وروي ذلك مرفوعا: أنه كان غلاما من الروم، أعطي ملكا، قال الزهري: وإنما ~~سمي ذا القرنين، لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها، وقرنها من مطلعها. # واختار الزجاج هذا القول، فقال: يجوز على مذهب أهل اللغة أن يكون سمي ذا ~~القرنين، لأنه بلغ قطري الأرض، مشرق الأرض ومغربها. # وقال أبو الطفيل: أمر قومه بتقوى الله تعالى، فضربوه على قرنه فمات، ~~فبعثه الله، ثم أمرهم بتقوى الله، فضربوه على قرنه الآخر فمات، ثم بعثه ~~الله تعالى، فسمي ذا القرنين. # وهذا القول يرويه أبو الطفيل، # PageV03P163 # عن علي رضي الله عنه. # وقوله: {قل سأتلو عليكم منه ذكرا} [الكهف: 83] أي: خبرا يتضمن ذكره. # قوله: {إنا مكنا له في الأرض} [الكهف: 84] قال علي: سخر الله له السحاب، ~~فحمله عليها، ومد له في الأسباب، وبسط النور له، فكان الليل والنهار عليه ~~سواء. # وهذا معنى تمكينه في الأرض، وهو أنه سهل عليه المسير فيها، وذلل له طرقها ~~وحزونها، حتى تمكن منها إن شاء، {وآتيناه من كل شيء سببا} [الكهف: 84] قال ~~قتادة، والوالبي، عن ابن عباس: علما يتسبب به إلى ما يريد. # وكل ما وصل شيئا إلى شيء فهو سبب. # وقوله: {فأتبع سببا} [الكهف: 85] قال المفسرون: طريقا. # والمعنى: طريقا يؤديه إلى مغرب الشمس، وقال الزجاج: فأتبع سببا من ~~الأسباب التي أوتي، وذلك أنه أوتي من كل شيء سببا، فأتبع سببا من الأسباب ~~التي أوتي سببا في المسير إلى المغرب. # والقراءة الجيدة فاتبع وقرئ فأتبع بقطع الألف، ومعناه لحق، كقوله: ~~{فأتبعه الشيطان} [الأعراف: 175] . # قوله: {حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة} [الكهف: 86] أي: ~~ذات حمأة، وهو الطين الأسود المنتن، وهذه قراءة ابن عباس، وقراءة ابن ~~الزبير، وابن مسعود حامية من غير همز، وهي فاعلة من حميت، فهي حامية، أي ~~حارة. ### | 575 - # أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النصرابادي، أنا أبو الحسين محمد بن أحمد ~~بن حامد العطار، أنا أحمد بن الحسين ms1092 بن عبد الجبار، نا محمد بن عباد، نا ~~سفيان، عن زياد بن أبي سعد، سمع ابن حاضر يقول: اختلف ابن عباس، وعمرو بن ~~العاص عند معاوية، فقال ابن عباس: {في عين حمئة} ، وقال عمرو: في عين ~~حامية، فسألوا كعبا فقال: إني أجدها في كتاب الله: تغرب في طينة سوداء ~~فقال: رجل لابن عباس: ألا أعينك؟ قال: بلى، قال: قال تبع: # قد كان ذو القرنين عمرو مسلما ... ملكا تدين له الملوك وتسجد # بلغ المشارق والمغارب يبتغي ... أسباب أمر من حكيم مرشد # PageV03P164 # فرأى مغيب الشمس عند مغيبها ... في عين ذي خلب وثأط حرمد # قوله: {ووجد عندها قوما} [الكهف: 86] أي: عند العين، {قلنا يا ذا ~~القرنين} [الكهف: 86] قال ابن الأنباري: إن كان ذو القرنين نبيا، فإن الله ~~قال له كما يقول للأنبياء إما بتكليم أو بوحي، ومن قال: لم يكن نبيا، قال: ~~معنى قلنا ألهمنا، لأن الإلهام ينوب عن الوحي كقوله: {وأوحينا إلى أم موسى} ~~[القصص: 7] أي ألهمناها. # وقوله: {إما أن تعذب} [الكهف: 86] الآية، قال المفسرون: يريد إما أن ~~تقتلهم إن أبوا ما تدعوهم إليه، وإما أن تأسرهم، فتعلمهم الهدي، وتبصرهم ~~الرشاد. # قال قتادة: قضى فيهم بقضاء الله، وكان عالما بالسياسة. # فقال: {أما من ظلم} [الكهف: 87] قال ابن عباس: أشرك. # {فسوف نعذبه} [الكهف: 87] نقتله إذا لم يرجع عن الشرك، {ثم يرد إلى ربه} ~~[الكهف: 87] بعد قتلي إياه، {فيعذبه عذابا نكرا} [الكهف: 87] يعني في ~~النار. # {وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى} [الكهف: 88] قال الفراء: ~~الحسنى الجنة. # وأضيف الجزاء إليها، وهي الجزاء، كما يقال: {حق اليقين} [الواقعة: 95] ، ~~{ولدار الآخرة} [يوسف: 109] وقرأ أهل الكوفة فله جزاء نصبا، وهو مصدر وقع ~~موقع الحال، المعنى: فله الحسنى جزاء مجزيا بها، وقال ابن الأنباري: جزاء ~~نصب على المصدر. # المعنى: فيجزى الحسنى جزاء، {وسنقول له من أمرنا يسرا} [الكهف: 88] قولا ~~جميلا. # قوله: {ثم أتبع سببا {92} حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا ~~يكادون يفقهون قولا {93} قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في ~~الأرض ms1093 فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا {94} قال ما مكني فيه ~~ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما {95} آتوني زبر الحديد حتى ~~إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه ~~قطرا {96} فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا {97} قال هذا رحمة ~~من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا {98} } [الكهف: 92-98] ~~{ثم أتبع سببا} [الكهف: 89] إخبار عن ذي القرنين أنه سلك طريقا يوصله إلى ~~المشرق. # {حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا} ~~[الكهف: 90] قال الحسن، وقتادة: لم يكن بينهم وبين الشمس ستر، لأنهم كانوا ~~في مكان لا يستقر عليه البناء. # وقال الكلبي: كانوا حفاة عراة، يفرش أحدهم أذنه، ويلبس الأخرى. # وقوله: # PageV03P165 # كذلك أي: وجد قوما كذلك القبيل الذين كانوا عند مغرب الشمس، وأن حكمهم ~~حكم أولئك، {وقد أحطنا بما لديه خبرا} [الكهف: 91] علمنا ما كان عنده من ~~الجيوش والعدة. # {ثم أتبع سببا} [الكهف: 92] ثالثا مما يبلغه قطرا من أقطار الأرض. # وهو قوله: حتى إذا بلغ بين السدين وقرئ بفتح السين، قال ابن الأعرابي: كل ~~ما قبلك فسد ما وراءه فهو سد وسد، نحو الضعف والضعف، والفقر والفقر. # قال ابن عباس: وهما جبلان، سد ذو القرنين ما بينهما حاجزا بين يأجوج ~~ومأجوج ومن سواهم. # {وجد من دونهما} [الكهف: 93] يعني: أمام السدين، {قوما لا يكادون يفقهون ~~قولا} [الكهف: 93] لا يعلمونه، لأنهم لا يعرفون غير لغتهم، وقرئ بضم الياء، ~~والمعنى: لا يكادون يفقهون أحدا قولا، فحذف أحد المفعولين، قال ابن عباس: ~~لا يفهمون كلام أحد، ولا يفهم الناس كلامهم. # {قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج} [الكهف: 94] أكثر أهل العلم على ~~أن هذين اسمان أعجميان، مثل: طالوت وجالوت، وهاروت وماروت، لا ينصرفان ~~للتعريف والعجمة، والقراءة فيهما بترك الهمز وقرأ عاصم بالهمز، قال الليث: ~~الهمز لغة رديئة. # وقال ابن الأنباري: وجه همزه، وإن لم يعرف له أصل، أن العرب قد همزت ~~حروفا ms1094 لا يعرف للهمز فيها أصل، مثل: لبأت ورثأت، واسنشأت الريح، وإذا كان ~~هذا معروفا في أبنية العرب، كان مقبولا في الألفاظ التي أصلها للعجم. ### | 576 - # أخبرنا أبو منصور عبد القاهر بن طاهر، نا أبو عمرو بن مطر، أنا جعفر بن ~~المستفاض، نا محمد بن المصفى، نا يحيى بن سعيد، عن محمد بن إسحاق، عن ~~الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة، قال: سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن ~~يأجوج ومأجوج، قال: يأجوج أمة، ومأجوج أمة، كل أمة أربع مائة أمة، لا يموت ~~الرجل منهم، حتى ينظر إلى ألف ذكر بين يديه من صلبه، كل قد حمل السلاح، ~~قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: هم ثلاث أصناف، صنف منهم أمثال الأرز، ~~قلت: يا رسول الله، وما الأرز؟ قال: شجر بالشام، طول الشجرة عشرون ومائة ~~ذراع في السماء، وصنف منهم طوله وعرضه سواء؛ عشرون ومائة ذراع، وهؤلاء ~~الذين لا يقوم لهم جبل، ولا حديد، وصنف منهم يفترش أحدهم أذنه ويلتحف ~~بالأخرى، ولا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إلا أكلوه، ومن مات ~~منهم أكلوه، مقدمتهم بالشام، وساقتهم بخراسان، يشربون أنهار المشرق، وبحيرة ~~طبرية # وروي عن علي رضي الله عنه، أنه قال: منهم من طوله شبر، ومنهم من طوله ~~مفرط في الطول، ولهم مخالب في الأظفار من أيدينا، وأنياب كأنياب السباع، ~~ولهم هلب من الشعر في أجسادهم، يواريهم من الحر والبرد. # PageV03P166 # وقال وهب: هم من ولد يافث بن نوح أبو الترك. # وقال السدي: الترك سرية من يأجوج ومأجوج، خرجت تغير، فجاء ذو القرنين، ~~فضرب السد فبقيت خارجه. # وقال قتادة: إن ذو القرنين بنى السد على إحدى وعشرين قبيلة، وبقيت منهم ~~قبيلة واحدة دون السد، فهم الترك. # وقال كعب: هم نادرة في ولد آدم، وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته ~~بالتراب، فخلق الله تعالى من ذلك الماء يأجوج ومأجوج، فهم متصلون بنا من ~~جهة الأب دون الأم. # وقال ابن عباس رضي الله عنه في رواية عطاء: هم عشرة أجزاء، وولد ms1095 آدم كلهم ~~جزء. # قوله: {مفسدون في الأرض} [الكهف: 94] قال قتادة: هما حيان حياة سوء، كانا ~~أهل بغي وظلم على من جاورهما. # وقال الكلبي: كانوا يخرجون إلى أرض هؤلاء الذين شكوهم إلى ذي القرنين ~~أيام الربيع، فلا يدعون فيها شيئا أخضر إلا أكلوه. # {فهل نجعل لك خرجا} [الكهف: 94] وقرئ خراجا قال ابن عباس: يريد جعلا. # قال الليث: الخرج والخراج واحد، وهو شيء يخرجه القوم من مالهم بقدر ~~معلوم. # والمعنى: هل نخرج إليك من أموالنا شيئا كالجعل لك؟ {على أن تجعل بيننا ~~وبينهم سدا {94} قال ما مكني فيه ربي خير} [الكهف: 94-95] قراءة العامة ~~بنون واحدة مشددة، فأدغموا الأولى في الثانية لاجتماعهما كقوله: {لا تأمنا ~~على يوسف} [يوسف: 11] وقرأ ابن كثير بنونين من غير ادغام، لأنهما من ~~كلمتين، والنون الثانية غير لازمة، لأنك تقول: مكنتك، والمعنى أن ذا ~~القرنين قال: ما مكني الله فيه من الاتساع في الدنيا، خير من خرجكم الذي ~~تبذلونه لي، قال ابن عباس: يريد ما أعطاني وملكني أفضل من عطيتكم. # وقوله: {فأعينوني بقوة} [الكهف: 95] قال: يريد بقوة الأبدان. # قال الزجاج: بعمل تعملونه معي. # {أجعل بينكم وبينهم ردما} [الكهف: 95] سدا وحاجزا، والردم سد الباب ~~والثلمة. # {آتوني زبر الحديد} [الكهف: 96] قال ابن عباس: احملوها إلي. # وقال الفراء: معناه إيتوني بها، فلما ألقيت الياء زيدت ألف. # {زبر الحديد} [الكهف: 96] قطعة واحدتها زبرة، قال ابن عباس: وهي قطع على ~~قدر الحجارة التي يبنى بها. # ومعنى الآية أنه يأمرهم أن ينقلوا إليه زبر الحديد ليعمل بها الردم في ~~وجوه يأجوج ومأجوج، فأتوه بها، فبناه، {حتى إذا ساوى بين الصدفين} [الكهف: ~~96] سوى بينهما بأن وضع بعضها على بعض، والصدفان جانبا الجبل، قال الأزهري: ~~يقال لجانبي الجبل صدفان إذا تحاذيا لتصادفهما، أي تلاقيهما. # وقرئ الصدفين بفتح الصاد والدال، والصدفين بضم الصاد وسكون الدال، وكلها ~~لغات في هذه الكلمة # PageV03P167 # فاشية، وقوله: {قال انفخوا} [الكهف: 96] قال ابن عباس: على زبر الحديد ~~بالكير. # {حتى إذا جعله نارا} [الكهف: 96] حتى إذا صارت النار، والحديد إذا حمي ~~بالفحم والمنافخ، صار كالنار ms1096، {قال آتوني أفرغ عليه قطرا} [الكهف: 96] قال ~~المفسرون: أذاب النحاس، ثم أفرغه على زبر الحديد، فاختلط، ولصق بعضه ببعض، ~~حتى صار جبلا صلدا من حديد والنحاس. # قال قتادة: هو كالبرد الحبير: طريقة سوداء، وطريقة حمراء. # والقطر النحاس الذائب، والإفراغ الصب، ومنه قوله تعالى: {أفرغ علينا ~~صبرا} [البقرة: 250] . # قوله: {فما اسطاعوا} [الكهف: 97] أصله استطاعوا، فلما اجتمع المتقاربان، ~~وهما التاء والطاء، أحبوا التخفيف بالحذف، قال ابن السكيت: يقال: ما ~~استطيع، وما أسطيع، وما استتيع، وما استيع أربع لغات. # وقرأ حمزة فما اسطاعوا مشددة الطاء، أدغم تاء الافتعال في الطاء، وقوله: ~~{أن يظهروه} [الكهف: 97] أي: يصعدوه ويعلوه، يقال: ظهرت السطح إذا صرت ~~فوقه. # {وما استطاعوا له نقبا} [الكهف: 97] يقال: نقبت الحائط إذا خرقت فيه خرقا ~~يخلص إلى ما وراءه. # قال الزجاج: ما قدروا أن يعلوا عليه لارتفاعه وانملاسه، وما استطاعوا أن ~~ينقبوه من أسفله، لشدته وصلابته. ### | 577 - # أخبرنا محمد بن عبد العزيز المروزي، في كتابه، أنا أبو الفضل محمد بن ~~الحسين الحدادي، أنا أبو زيد الخالدي، أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد ~~الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم، قال: إن يأجوج ومأجوج يحفرونه في كل يوم، حتى إذا كادوا ~~يرون شعاع الشمس؛ قال الذي عليهم: ارجعوا، فستحفرونه غدا، فيعيده الله، ~~تعالى، كما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس، حفروا ~~حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس؛ قال الذي عليهم: ارجعوا، فستحفرونه غدا إن ~~شاء الله، واستثنى، فيعودون إليه وهو كهيئته، حين تركوه بالأمس، فيحفرونه ~~فيخرجون على الناس، فينشفون المياه، وتتحصن الناس في حصونهم منهم فيرمون ~~سهامهم إلى السماء، فترجع وفيها كهيئة الدماء، فيقولون: قد قهرنا أهل الأرض ~~وعلونا أهل السماء، فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيهلكون، فقال رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده، إن دواب الأرض لتسمن، ~~وتشكر من لحومهم شكرا، ولما فرغ ذو القرنين من بنائه {قال هذا} أي: هذا ~~التمكين الذي ms1097 أدركت به السد # {رحمة من ربي} [الكهف: 98] قال ابن عباس: # PageV03P168 # معونة من ربي، حيث ألهمني وقواني، {فإذا جاء وعد ربي} [الكهف: 98] يعني: ~~القيامة، وقال الكلبي: أجل ربي أن يخرجوا منه. # جعله دكا أي: دكه دكا، ومن قرأه دكاء كان التقدير: جعله مثل دكاء، وهي ~~الناقة التي لا سنام لها، وتقدم الكلام في هذا في { [الأعراف،] وكان وعد ~~ربي حقا} [سورة الكهف: 98] يعني بالثواب والعقاب في القيامة، وقال الكلبي: ~~وكان أجل ربي بخروجهم حقا كائنا. # {وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا {99} ~~وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا {100} الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري ~~وكانوا لا يستطيعون سمعا {101} أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني ~~أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا {102} } [الكهف: 99-102] {وتركنا ~~بعضهم يومئذ يموج في بعض} [الكهف: 99] يقول: تركنا يأجوج ومأجوج يوم انقضاء ~~أمر السد يموجون في الدنيا مختلطين لكثرتهم. # يقال: ماج الناس إذا دخل بعضهم في بعض حيارى كموج الماء. # ثم ذكر نفخ الصور، فقال: {ونفخ في الصور} [الكهف: 99] لأن خروج يأجوج ~~ومأجوج من علامات قرب الساعة، {فجمعناهم جمعا} [الكهف: 99] حشرنا الخلق ~~كلهم. # {وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا} [الكهف: 100] أظهرنا لهم جهنم، حتى ~~شاهدوها. # {الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري} [الكهف: 101] الغطاء ما غطى الشيء ~~وستره، وهذا كقوله: {وعلى أبصارهم غشاوة} [البقرة: 7] وصف الله الكفار ~~بأنهم عمي عن آيات الله تعالى، وأدلة توحيده، لما سبق لهم من الشقاوة. # وقوله: {عن ذكري} [الكهف: 101] قال ابن عباس: عما جاء به محمد صلى الله ~~عليه وسلم من البينات والهدى. # {وكانوا لا يستطيعون سمعا} [الكهف: 101] لعداوتهم النبي صلى الله عليه ~~وسلم، كانوا لا يقدرون أن يسمعوا ما يتلوه عليهم، كما تقول للكاره لقولك: ~~ما تقدر أن تسمع كلامي. # قوله: {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء} [الكهف: 102] ~~يقول: أفظنوا أنهم يتخذونهم أربابا من دوني؟ وعني بالعباد المسيح ~~والملائكة، وقال ابن عباس: يعني الشياطين، تولوهم، وأطاعوهم من دون الله ~~تعالى. # وقال مقاتل: يعني الأصنام، سماها ms1098 عبادا، كما قال: {إن الذين تدعون من دون ~~الله عباد أمثالكم} [الأعراف: 194] . # وجواب هذا الاستفهام محذوف، قال ابن عباس: يريد أني لا أغضب لنفسي. # والمعنى: أفحسبوا أن تتخذوهم أولياء فلا أغضب لنفسي ولا أعاقبهم؟ ويدل ~~على هذا المحذوف قوله: {إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا} [الكهف: 102] قال ~~الزجاج: يعني منزلا. # وهو معنى قول ابن عباس: يرد هي مثواهم ومصيرهم. # وقال غيره: النزل ما يهيأ للضيف إذا نزل. # والمعنى أن جهنم معدة لهم عندنا، كما يهيأ النزل للضيف. # PageV03P169 # {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا {103} الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ~~وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا {104} أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه ~~فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا {105} ذلك جزاؤهم جهنم بما ~~كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا {106} إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت ~~لهم جنات الفردوس نزلا {107} خالدين فيها لا يبغون عنها حولا {108} } ~~[الكهف: 103-108] قوله: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} [الكهف: 103] يعني ~~بالقوم الذين هم أخسر الخلق فيما عملوا، وهم كفار أهل الكتاب: اليهود ~~والنصارى. # {الذين ضل سعيهم} [الكهف: 104] بطل عملهم واجتهادهم في الدنيا، {وهم ~~يحسبون أنهم يحسنون صنعا} [الكهف: 104] يظنون أنهم بفعلهم محسنون. # {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم} [الكهف: 105] جحدوا دلائل توحيده وقدرته، ~~{ولقائه} [الكهف: 105] وكفروا بالبعث والثواب والعقاب، وذلك أنهم بكفرهم ~~بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، صاروا كافرين بهذه الأشياء، وقوله: ~~{فحبطت أعمالهم} [الكهف: 105] أي: بطل اجتهادهم، {فلا نقيم لهم يوم القيامة ~~وزنا} [الكهف: 105] قال ابن الأعرابي في هذه الآية: العرب تقول: ما لفلان ~~وزن عندنا، أي: قدر لخسته، ويوصف الجاهل بأنه لا وزن له، لخفته، وسرعة ~~طيشه، وقلة تثبته. # والمعنى على هذا أنهم لا يعتد بهم ولا يكون لهم عند الله تعالى قدر ولا ~~منزلة. ### | 578 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أنا جدي، أنا أبو عمرو أحمد بن ~~محمد الحرشي، نا محمد بن يحيى، أنا يحيى بن عبد الله بن بكير، نا المغيرة ~~بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول ms1099 الله، صلى ~~الله عليه وسلم، قال: " إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن ~~عند الله جناح بعوضة، رواه مسلم، عن أبي بكر بن إسحاق، عن يحيى بن بكير، ~~ورواه البخاري، عن محمد بن عبد الله، عن سعيد بن أبي مريم كلاهما عن ~~المغيرة بن شعبة ### | 579 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد التميمي، أنا عبد الله بن محمد بن حيان، نا ~~إسحاق بن أحمد الفارسي، نا أبو زرعة، نا أبو الوليد، أنا ابن أبي الزناد، ~~عن صالح، مولى التوءمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم: يؤتى بالرجل الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة اقرأوا إن ~~شئتم: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} [الكهف: 105] # ". # وقوله: ذلك أي: الأمر ذلك الذي ذكرت من حبوط أعمالهم، وخسة قدرهم، ثم ~~ابتدأ فقال: {جزاؤهم جهنم بما كفروا} [الكهف: 106] أي: بكفرهم واتخاذهم، ~~آياتي يعني القرآن، {هزوا} [الكهف: 106] مهزوا به. # {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا} [الكهف: ~~107] أي منزلا، ويجوز أن يراد بالنزل ما يقام للنازل، ويقدر المضاف على ~~معنى كانت لهم ثمار جنات الفردوس، أو نعيمهما نزلا، ومعنى كانت لهم قال ابن ~~الأنباري: أي في علم الله تعالى قبل أن يخلقوا. # والفردوس في اللغة جنة ذات # PageV03P170 # كروم، قال المبرد: الفردوس فيما سمعت من كلام العرب الشجر الملتف، ~~والأغلب عليه العنب. # وقال مجاهد: هو البستان بالرومية. # واختاره الزجاج، فقال: هو بالرومية منقول إلى لفظ العربية. ### | 580 - # أخبرنا عمرو بن أحمد بن عمر الزاهد، أنا عبد الله بن محمد الرازي، أنا ~~محمد بن أيوب، أخبرني هشام بن عبد الملك، نا همام بن يحيى، عن زيد بن أسلم، ~~عن عطاء بن يسار، عن عبادة بن الصامت، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه ~~قال: «الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، الفردوس ~~أعلاها درجة، منها تفجر أنهار الجنة الأربعة، فإذا سألتم الله، تعالى، ~~فاسألوه الفردوس» ### | 581 - # وأخبرنا عمرو، أنا عبد الله، أنا محمد، أنا سهل بن ms1100 بكار، نا أبو قدامة، ~~عن أبي عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه، قال: قال ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم: جنات الفردوس أربع؛ اثنتان من ذهب، حليهما ~~وآنيتهما وما فيهما، وثنتان من فضة، حليهما وآنيتهما وما فيهما، وليس بين ~~القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن، ~~رواه البخاري، ومسلم، عن إسحاق الحنظلي، عن عبد العزيز بن عبد الصمد، عن ~~أبي عمران الجوني # قوله: {خالدين فيها لا يبغون عنها حولا} [الكهف: 108] والحول اسم بمعنى ~~التحويل، يقوم مقام المصدر، يقال: حولوا عنه تحويلا وحولا. # قال ذلك الليث، وابن الأعرابي، وابن قتيبة، والأزهري. # وقال أبو عبيدة: حولا تحولا. # وهو قول الفراء، وقال ابن عباس: لا يريدون أن يتحولوا عنها، كما ينتقل ~~الرجل من دار إذا لم توافقه إلى دار أخرى، والجنة ليست هكذا. # قوله: {قل لو كان البحر} [الكهف: 109] الآية. # روى عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما نزل قوله: {وما أوتيتم من العلم إلا ~~قليلا} [الإسراء: 85] قالت اليهود: أوتينا علما كثيرا، وأتينا التوراة، ~~وفيها علم كل شيء. # فأنزل الله تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن ~~تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا} [الكهف: 109] . # {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي} [الكهف: 109] قال ابن الأنباري: سمي ~~المداد مدادا لإمداده الكاتب، وأصله من الزيادة ومجيء الشيء بعد الشيء، ~~ويقال للزيت الذي يوقد به السراج مداد، وقال مجاهد: لو كان البحر مدادا ~~للقلم، والقلم يكتب، لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي. # وقال ابن عباس: يريد أن كلماته أعظم من أن يكون لها أمد. # PageV03P171 # وكلام القديم سبحانه وتعالى صفة من صفات ذاته، فلا يجوز أن يكون لكلامه ~~غاية ومنتهى، كما ليس له غياية وحد، وأوصاف ذاته غير محدودة أيضا، وهذا رد ~~على اليهود حين ادعوا أنهم أوتوا العلم الكثير، وكأنه قيل لهم: أي شيء الذي ~~أوتيتم في علم الله تعالى، وكلماته التي لا تنفذ لو كتبت بماء ms1101 البحر. # {ولو جئنا بمثله} [الكهف: 109] بمثل البحر في كثرة مائه، مددا زيادة له، ~~والمدد كل شيء زاد في شيء. # قوله: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو ~~لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف: 110] {قل ~~إنما أنا بشر مثلكم} [الكهف: 110] قال ابن عباس: علم الله تعالى رسوله ~~التواضع لئلا يزهى على خلقه، فأمره بأن يقر على نفسه بأنه آدمي كغيره إلا ~~أنه أكرم بالوحي، وهو قوله: {يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} [الكهف: 110] ~~لا شريك له، وقوله: {فمن كان يرجو لقاء ربه} [الكهف: 110] قال مجاهد: جاء ~~رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أتصدق وأصل الرحم، ولا أصنع ~~ذلك إلا لله، فيذكر ذلك مني، وأحمد عليه، فيسرني ذلك، وأعجب به. # فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا، فأنزل الله تعالى فيه ~~{فمن كان يرجو لقاء ربه} [الكهف: 110] يخاف البعث والمصير إلى الله تعالى، ~~{فليعمل عملا صالحا} [الكهف: 110] خالصا لا يرائي به، {ولا يشرك بعبادة ربه ~~أحدا} [الكهف: 110] قال سعيد بن جبير: لا يرائي. # قال عطاء، عن ابن عباس: قال الله تعالى: {ولا يشرك بعبادة ربه} [الكهف: ~~110] ولم يقل: ولا يشرك به، لأنه أراد العمل الذي يعمل لله ويحب أن يحمد ~~عليه. # قال: ولذلك يستحب للرجل أن يدفع صدقته إلى غيره ليقسمها كي لا يعظمه من ~~يصله بها. # وقال الحسن: هذا فيمن أشرك بعمله يريد الله به والناس. ### | 582 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الحارث، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر ~~الحافظ، نا أبو يحيى الرازي، نا سهل بن عثمان، نا زياد، عن ليث، عن شهر، عن ~~عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، قالا: سمعنا رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم، يقول: " من صلى صلاة يرائي بها فقد أشرك، ومن صام صوما يرائي به فقد ~~أشرك، ثم قرأ هذه الآية {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك ~~بعبادة ربه أحدا} ### | 583 - # أخبرنا ms1102 عبد القاهر بن طاهر التميمي، أنا إسماعيل بن نجيد، نا محمد بن ~~إبراهيم بن سعيد، نا أمية بن بسطام، نا يزيد بن زريع، نا روح بن القاسم، عن ~~العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " ~~قال الله، تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري، ~~فأنا منه بريء، وهو للذي أشرك، رواه مسلم، عن زهير، عن أبي ذر بن علية، عن ~~روح # PageV03P172 ### | 584 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم المزكي، أنا عبيد الله بن محمد الزاهد، ~~نا عبد الله بن محمد المنيعي، حدثني هارون بن عبد الله، نا محمد بن بكر ~~البرساني، نا عبد الحميد بن جعفر، أخبرني أبي، عن زياد بن مينا، عن أبي ~~سعيد بن أبي فضالة الأنصاري، وكان من الصحابة، قال: قال رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم: " إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم القيامة ليوم لا ريب ~~فيه؛ نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثواب عمله من غير ~~الله، فإن الله، تعالى، أغنى الشركاء عن الشرك. # والله أعلم # PageV03P173 ### | سورة مريم # مكية وآياتها ثمان وتسعون. ### | 585 - # أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي بن أحمد الحيري، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر، ~~نا إبراهيم بن شريك الكوفي، نا أحمد بن عبد الله بن يونس، نا سلام بن سليم، ~~نا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، ~~قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من قرأ سورة مريم أعطي من الأجر ~~بعدد من صدق بزكريا وكذب به ويحيى وعيسى وموسى وهارون وإبراهيم وإسحاق ~~ويعقوب وإسماعيل؛ عشر حسنات، وبعدد من دعا لله ولدا، وبعدد من لم يدع له ~~ولدا # {كهيعص {1} ذكر رحمت ربك عبده زكريا {2} إذ نادى ربه نداء خفيا {3} قال ~~رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا {4} وإني ~~خفت الموالي من ورائي # PageV03P174 # وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك ms1103 وليا {5} يرثني ويرث من آل يعقوب ~~واجعله رب رضيا {6} يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل ~~سميا {7} } [مريم: 1-7] بسم الله الرحمن الرحيم كهيعص ### | 586 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، بقراءتي عليه في شوال سنة ست وعشرين ~~وأربع مائة، أنا أبو عبد الله محمد بن نصير القرشي، من أصله العتيق سنة ~~ستين وثلاث مائة، نا أبو عبد الله بن محمد بن أيوب بن يحيى، أنا أحمد بن ~~يونس، نا زهير، قال: سئل عطاء بن السائب، عن كهعيص فحدثنا، عن سعيد بن ~~جبير، أن ابن عباس حدثهم أن: كاف من كريم، وهاء من هاد، وياء من حكيم، وعين ~~من عليم، وصاد من صادق، وقال في رواية عطاء والكلبي: معناه: كاف لخلقه، هاد ~~لعباده، يده فوق أيديهم، عالم ببريته، صادق في وعده، وعلى هذا كل واحد من ~~هذه الحروف يدل على صفة من صفات الله # وقرئ هايا بالتفخيم والإمالة، وإمالة هذه الحروف لا تمتنع، لأنها ليست ~~بحروف معنى وإنما هي أسماء ما يتهجى به، فلما كانت أسماء غير حروف جاز فيه ~~الإمالة، ويدلك على أنها أسماء أنك إذا أخبرت عنها أعربتها، كما أن أسماء ~~العدد إذا أخبرت عنها أعربتها، فكما أن أسماء العدد قبل أن تعربها أسماء ~~كذلك هذه الحروف. # قوله: {ذكر رحمت ربك} [مريم: 2] قال الزجاج: ذكر مرتفع بمضمر. # المعنى: هذا الذي نتلوه عليك ذكر رحمت ربك، {عبده زكريا} [مريم: 2] يعني: ~~إجابته إياه حين دعاه وسأله الولد. # {إذ نادى ربه نداء خفيا} [مريم: 3] خافيا يخفي ذلك في نفسه لا يريد رياء، ~~وهذا يدل على أن المستحب في الدعاء الإخفاء. # {قال رب إني وهن العظم مني} [مريم: 4] وهن يهن وهنا ووهنا إذا ضعف، أراد ~~أن عظامه فترت وذهبت قوته لكبره، وقال قتادة: شكا ذهاب أضراسه. # {واشتعل الرأس شيبا} [مريم: 4] انتشر فيه الشيب كما ينتشر شعاع النار في ~~الحطب، وهذا من أحسن الاستعارة، إذ شبه بياض الشيب وانتشاره في الرأس بشعاع ~~النار في الحطب وانتشارها. # قال الزجاج: يقال للشيب إذا ms1104 كثر جدا: قد اشتعل رأسه فلان، وأنشد لبيد: # إن ترى رأس أمس واضحا ... سلط الشيب عليه فاشتعل # {ولم أكن بدعائك} [مريم: 4] أي: بدعائي إياك، {رب شقيا} [مريم: 4] قال ~~ابن عباس: لم تكن تخيب دعائي، يقال: شقي فلان بكذا إذا تعب بسببه، ولم يحصل ~~مطلوبه، يقول: لم أكن أتعب بالدعاء ثم أخيب. # قوله: {وإني خفت الموالي من ورائي} [مريم: 5] يعني: الذين يلونه في ~~النسب، وهم العصبة وبنو العم وورثته، # PageV03P175 # والمعنى أنه خاف تضييع بني عمه الدين، ونبذهم إياه، فسأل ربه وليا يرث ~~نبوته وعلمه، لئلا يضيع الدين، وحمله على هذه المسألة ما شاهد من بني ~~إسرائيل من تبديل الدين، وقتل الأنبياء، وهذا معنى قول عطاء، عن ابن عباس: ~~يريد بالموالي بني إسرائيل، وكانوا يبدلون الدين، ويقتلون الأنبياء. # {وكانت امرأتي عاقرا} [مريم: 5] عقيما لا تلد، وهذا إخبار عن خوفه فيما ~~مضى من الزمان حين كانت امرأته لا تلد، وكان هو آيسا من الولد، {فهب لي من ~~لدنك وليا} [مريم: 5] ابنا صالحا تتولاه. # {يرثني ويرث} [مريم: 6] بالرفع من صفة الولي كأنه سأل وليا وارثا علمه ~~ونبوته، والجزم على جواب الأمر، فصح الشرط بأن يقول: إن وهبت ورث. # قال ابن عباس: يريد النبوة، فيكون نبيا كما كانت آباؤه أنبياء. # وقال الكلبي: يريد مكاني وحبورتي. # وقال قتادة: يرث نبوتي وعلمي. # وقال ابن قتيبة: لم يرد يرثني مالي. # وأي مال كان لزكريا حتى يسأل الله أن يهب له ولدا يرثه، لقد جل هذا المال ~~إذا وعظم قدره، ونافس عليه منافسة أبناء الدنيا، وإنما كان زكريا نجارا، ~~وكان حبرا، وكلا هذين الأمرين يدل على أنه لا مال له. ### | 587 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، ~~أنا عمر بن موسى بن مجاشع، نا هدبة، نا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي ~~رافع، عن أبي هريرة، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «كان زكريا ~~نجارا» ، رواه مسلم، عن هدبة # {ويرث من آل يعقوب} [مريم: 6] النبوة، فقال مجاهد: كان زكريا ms1105 من ذرية ~~يعقوب. # {واجعله رب رضيا} [مريم: 6] قال ابن عباس: يكون عندي مرضيا في الصلاح ~~والعقاب والنبوة. # فاستجاب الله دعاءه، فقال: {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} [مريم: ~~7] تقدم تفسيره في { [آل عمران. # ] لم نجعل له من قبل سميا} [سورة مريم: 7] أكثر المفسرين على أن معناه لم ~~يسم أحدا قبله يحيى، ويثبت في هذا له فضيلتان: أحدهما أن الله تولى تسميته، ~~ولم يكلها إلى الأبوين، والثانية أنه سماه باسم لم يسبق إليه، يدل ذلك ~~الاسم على فضله. # قال الزجاج: سمي يحيى لأنه حيي بالعلم والحكمة التي أوتيها. # وقال ابن عباس في رواية عطاء: يريد لم يكن له في سابق علمي نظير ولا ~~شبيه. # وقال في رواية الوالبي: يقول: لم تلد العواقر مثله ولدا. # وهو قول مجاهد، قال: يعني لم يجعل له مثلا في الفضل. # PageV03P176 # والمراد بالسمي: المثل والنظير، كقوله تعالى: {هل تعلم له سميا} [مريم: ~~65] أي: مثلا وعدلا، ولم يكن ليحيى مثل من البشر من حيث إنه لم يعص، ولم ~~يهم بمعصية قط. ### | 588 - # أخبرنا أبو القاسم بن أبي نصر الجذامي، أنا محمد بن عبد الله بن محمد بن ~~حمدويه، نا محمد بن يعقوب بن سنان، نا أحمد بن عبد الجبار، نا يونس بن ~~بكير، عن محمد بن إسحاق، حدثني يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، حدثني ~~عمرو بن العاصي، أنه سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: كل بني آدم ~~يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا، قال: ثم ولى رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم، يده فأخذ عودا صغيرا، ثم قال: وذلك أنه لم يكن ~~له ما للرجال إلا مثل هذا العود؛ لذلك سماه الله سيدا وحصورا ونبيا من ~~الصالحين # {قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا {8} ~~قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا {9} } [مريم: ~~8-9] قوله: {قال رب أنى يكون لي غلام} [مريم: 8] مفسر في { [آل عمران ms1106 إلى ~~قوله:] وقد بلغت من الكبر عتيا} [سورة مريم: 8] يقال: عتا الشيخ يعتو عتيا ~~إذا انتهى سنه وكبر، وشيخ عات وعاث إذا صار إلى حال اليبس والجفاف. # قال قتادة، ومجاهد: هو نحول العظم. # وسأل نافع بن الأزرق بن عباس عن قوله: عتيا فقال: المعنى اليبوس من ~~الكبر. # وقرئ عتيا بالكسر، وكذلك صليا وبكيا وجثيا يجوز فيها الكسر أيضا، وذكرنا ~~هذا في قوله: من حليهم، وحليهم. # قال الله، كذلك أي: الأمر كما قيل لك، هبة الولد على الكبر، {قال ربك هو ~~علي هين} [مريم: 9] قال ابن عباس: يريد أن أرد عليك قوتك حتى تقوى على ~~الجماع، وأفتق رحم امرأتك بالولد. # {وقد خلقتك من قبل} [مريم: 9] من قبل يحيى، وقرئ خلقناك لكثرة ما جاء من ~~لفظ الخلق مضافا إلى لفظ الجمع، كقوله: {ولقد خلقنا الإنسان} [الحجر: 26] ~~في # PageV03P177 # مواضع، ولقد خلقناكم، وقوله: {ولم تك شيئا} [مريم: 9] يريد أنه كان عدما ~~فأوجده بقدرته، قال الزجاج: أي يخلق الولد لك كخلقك. # {قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا {10} فخرج ~~على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا {11} } [مريم: 10-11] ~~{قال رب اجعل لي آية} [مريم: 10] قال قتادة: سأل نبي الله آية على حمل ~~امرأته بعد ما شافهته الملائكة بالبشارة. # قال ابن الأنباري: ووجه ذلك أن نفسه تاقت إلى سرعة الأمر. # فسأل الله آية يستدل على قرب ما من به عليه، قال الله، {آيتك ألا تكلم ~~الناس ثلاث ليال} [مريم: 10] أي: تمنع الكلام، فلا تقدر عليه ثلاث ليال، ~~سويا صحيحا من غير بأس ولا خرس، قال مجاهد: أي لا يمنعك من الكلام مرض. # وسويا: منصوب على الحال، وقد مضى مثل هذا في { [آل عمران. # ] فخرج على قومه من المحراب} [سورة مريم: 11] قال ابن زيد: من مصلاه. # فأوحى إليهم قال ابن عبا وقتادة: أومأ إليهم وأشار. # وقال مجاهد: كتب لهم في الأرض، أن سبحوا صلوا لله، {بكرة وعشيا} [مريم: ~~11] والمعنى أنه كان يخرج على قومه بكرة وعشيا، فيأمرهم بالصلاة، فلما ms1107 كان ~~وقت حمل امرأته، ومنع الكلام خرج عليهم، فأمرهم بالصلاة إشارة. # {يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا {12} وحنانا من لدنا وزكاة ~~وكان تقيا {13} وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا {14} وسلام عليه يوم ولد ~~ويوم يموت ويوم يبعث حيا {15} } [مريم: 12-15] قوله: يا يحيى قال الزجاج: ~~المعنى فوهبنا له، وقلنا له يا يحيى. # {خذ الكتاب} [مريم: 12] يريد التوراة، بقوة قال مجاهد: بجد {وآتيناه ~~الحكم صبيا} [مريم: 12] قال ابن عباس: آتيناه النبوة في صباه، وهو ابن ثلاث ~~سنين. # وقال مجاهد: الحكم الفهم. # وهو أنه أعطي فهم الكتاب حتى حصل له عظيم الفائدة. # {وحنانا من لدنا} [مريم: 13] الحنان: العطف والرحمة. # قال الوالبي، عن ابن عباس: يقول: رحمة من عندنا، وهو قول جماعة المفسرين. # وزكاة قال ابن عباس: يعني بالزكاة طاعة الله والإخلاص. # وقال قتادة: هي العمل الصالح. # وهو قول الضحاك، وابن جريج. # معنى الآية: وآتيناه رحمة من عندنا، وتحننا على العباد ليدعوهم إلى طاعة ~~ربهم، وعملا صالحا في الإخلاص، {وكان تقيا} [مريم: 13] قال ابن عباس: جعلته ~~يتقيني ولا يعدل بي غيري. # قال المفسرون: وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولا هم بها. ### | 589 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا عبد الله بن محمد بن ~~حبال، نا عمرو بن علي، نا أبو عاصم العباداني، عن # PageV03P178 # علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم: " لا ينبغي لخلق أن يقول: أنا خير من يحيى بن زكريا، قلنا: ~~يا رسول الله، ومن أين ذلك؟ قال: أما إنه لم يعمل سيئة ولم يهم بها " # قوله: {وبرا بوالديه} [مريم: 14] البر يعني البار، كالصب والطب، فعل ~~بمعنى فاعل، والمعنى لطيفا بهما محسنا إليهما، {ولم يكن جبارا} [مريم: 14] ~~قال ابن عباس: هو الذي يقتل ويضرب على الغضب، والعصي العاصي. # قال: يريد لا يرتكب لي معصية. # {وسلام عليه يوم ولد} [مريم: 15] الآية، قال عطاء: يريد سلام عليه مني في ~~الأيام. # وقال الكلبي: سلام له منا. # وقال سفيان بن ms1108 عيينة: أوحش ما يكون الخلق في ثلاث مواطن: يوم ولد فيرى ~~نفسه خارجا عما كان فيه، ويوم يموت فيرى أحكاما ليس له بها عهد، ويوم يبعث ~~فيرى نفسه في محشر لم يره. # فخص الله يحيى بن زكريا بالكرامة والسلام في المواطن الثلاثة. # {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا {16} فاتخذت من ~~دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا {17} قالت إني أعوذ ~~بالرحمن منك إن كنت تقيا {18} قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ~~{19} قالت أنى يكون لي # PageV03P179 # غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا {20} قال كذلك قال ربك هو علي هين ~~ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا {21} } [مريم: 16-21] قوله: ~~{واذكر في الكتاب مريم} [مريم: 16] قال: واذكر من أمر مريم لأهل مكة. # {إذ انتبذت} [مريم: 16] قال: الكلبي: تنحت من أهلها، ممن كانوا معها في ~~الدار. # يقال: انتبذ فحل ناحية، أي تنحى ناحية. # وقال قتادة: انفردت. # قال ابن قتيبة: اعتزلت مكانا شرقيا. # أي: إلى مكان في جانب الشرق. # قال عطاء: إن مريم تمنت أن تجد خلوة، فتفلي رأسها، فخرجت في يوم شديد ~~البرد، فجلست في مشرقة للشمس. # وقال عكرمة: أرادت الغسل من الحيض، فتحولت إلى مشرقة دارهم للغسل. # {فاتخذت من دونهم} [مريم: 17] من دون أهلها، لئلا يروها، حجابا سترا ~~وحاجزا، {فأرسلنا إليها روحنا} [مريم: 17] بينما هي تغتسل من الحيض، إذ عرض ~~لها جبريل في صورة شاب أجرد مضيء الوجه، وهو قوله: {فتمثل لها} [مريم: 17] ~~أي: تصور لها، {بشرا سويا} [مريم: 17] معتدلا تاما. # قال ابن عباس: فلما رأت جبريل يقصد نحوها نادته من بعيد {قالت إني أعوذ ~~بالرحمن منك إن كنت تقيا} [مريم: 18] أي: مخلصا مطيعا، فستنتهي بتعوذي ~~بالله منك إن كنت تقيا. # قال جبريل: إنما أنا رسول ربك ليهب لك أي: أرسلني ليهب لك، ومن قرأ لأهب ~~أسند الفعل إلى جبريل، والهبة من الله، ولكن أسند إلى الرسول، وقوله: غلاما ~~زكيا قال ابن عباس: يريد نبيا. # وقال الضحاك: صالحا طاهرا من الذنوب. # قالت ms1109 مريم: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} [مريم: 20] ولم يقربني ~~زوج، {ولم أك بغيا} [مريم: 20] فاجرة زانية، وإنما لم تقل بغية لأنه مصروف ~~عن وجهه، وهو فعيل بمعنى فاعل، يقال: المرأة تبغي بغاء إذا فجرت. # قال ابن عباس: قالت مريم: ليس لي زوج، ولست بزانية، ولا يكون الولد إلا ~~من الزوج أو من الزنا. # {قال كذلك قال ربك هو علي هين} [مريم: 21] مفسر في هذه ال { [، قال ابن ~~عباس: يريد يسير، أن أهب لك غلاما من غير محل. # ] ولنجعله آية للناس} [سورة مريم: 21] دلالة على قدرتنا، كون غلام ليس له ~~أب، ورحمة منا لمن تبعه وصدقه، {وكان أمرا مقضيا} [مريم: 21] وكان خلقه ~~أمرا محكوما به، مفروغا عنه، سابقا في علم الله أن يقع. # {فحملته فانتبذت به مكانا قصيا {22} فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت ~~يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا {23} } [مريم: 22-23] قوله: فحملته ~~قال ابن عباس: دنا منها جبريل، فأخذ ردئي قميصها بأصبعيه، فنفخ فيه، فحملت ~~مريم من ساعتها بعيسى عليه السلام، ووجدت حس الحمل. # فذلك قوله: {فحملته فانتبذت به مكانا قصيا} [مريم: 22] أي: تنحت بالحمل ~~إلى مكان بعيد، قال ابن عباس: أقصى الوادي، وهو بيت لحم، فرارا من قومها أن ~~يعيروها بولادتها من غير زوج. # {فأجاءها المخاض} [مريم: 23] قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي: ~~ألجأها. # يقال: جاءها وأجاءها بمعنى واحد، والمخاض وجع الولادة، واختلفوا في مدة ~~حملها، فقال بعضهم: تسعة أشهر على ما جرت العادة به. # وقيل: ثمانية أشهر، ليكون أيضا آية، لأنه إذا جاء لثمانية أشهر لا يعيش. # وقيل: ثلاث ساعات. # وقيل: ساعة واحدة. # وقوله: {إلى جذع النخلة} [مريم: 23] قال ابن عباس: نظرت مريم إلى أكمة، ~~فصعدت مسرعة، وإذا عليها جذع نخلة نخرة ليس لها سعف، والجذع ساق النخلة، ~~{قالت يا ليتني مت قبل هذا} [مريم: 23] اليوم، وهذا الأمر، استحياء من ~~الناس، وخوف الفضيحة، وكنت نسيا منسيا النسي ما أغفل من شيء حقير ونسي، قال ~~ابن عباس، وقتادة: شيئا متروكا لا يذكر. # وقال عكرمة، ومجاهد ms1110: حيضة ملقاة، والمنسي المتروك الذي لا يذكر. # تقول: يا ليتني كنت ذلك النسي الذي لا يذكر ولا يطلب. # وقرئ نسيا بالفتح، قال الفراء: هما لغتان، مثل الجسر والجسر، والوتر ~~والوتر. # والنسي: ما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها. # قال ابن عباس: فسمع جبريل كلامها، وعرف جزعها: {فناداها من تحتها ألا ~~تحزني قد جعل ربك تحتك سريا {24} وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا # PageV03P180 # جنيا {25} فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت ~~للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا {26} } [مريم: 24-26] {فناداها من تحتها} ~~[مريم: 24] وكان أسفل منها تحت الأكمة، ألا تحزني وهذا قول السدي، وقتادة، ~~والضحاك: أن المنادي جبريل، ناداها من سفح الوادي. # ومن قرأ فناداها من تحتها قال: هو عيسى، وهو قول مجاهد، والحسن بين الله ~~لها الآية في عيسى، فكلمها ليزول ما عندها من الوحشة والجزع، {ألا تحزني قد ~~جعل ربك تحتك} [مريم: 24] أي: تحت قدميك، سريا وهو النهر، وكان نهرا قد ~~انقطع الماء عنه، فأرسل الله الماء فيه لمريم. # وأحيا ذلك الجذع حتى أورق، وهو قوله: {وهزي إليك} [مريم: 25] الهز ~~التحريك، يقال: هزه فاهتز. # والمعنى: اجذبي إليك، {بجذع النخلة} [مريم: 25] والباء فيه زائدة، قال ~~الفراء: العرب تقول: هزه وهز به. # ومنه قوله: {فليمدد بسبب} [الحج: 15] معناه: فليمدد سببا، وقوله: تساقط ~~عليك أي: تتساقط، فأدغمت التاء في السين، ومعناه: تسقط عليك النخلة، {رطبا ~~جنيا} [مريم: 25] ، وقرا حمزة تساقط مخففا، حذف التاء التي أدغمها غيره، ~~وروى حفص، عن عاصم {تساقط} [مريم: 25] على وزن تفاعل، وساقط بمعنى أسقط، ~~والمساقطة والتساقط على ما ذكرنا بمعنى الإسقاط، والرطب: النضيج من البسر، ~~والجني: بمعنى المجني، يقال: جنيت الثمرة واجتنيتها. # قوله: {فكلي} [مريم: 26] أي: من الرطب، {واشربي} [مريم: 26] من السري، ~~{وقري عينا} [مريم: 26] بولدك عيسى، يقال: قررت به عينا أقر قرة، بعضهم ~~يقول: قررت أقر، وجاء في التفسير: طيبي نفسا. # {فإما ترين} [مريم: 26] أصله إما ترى، ثم دخله نون التوكيد، فكسر الياء ~~لالتقاء الساكنين، كما تقول للمرأة: أخشين زيدا. # والمعنى: فإما ترين ms1111، {من البشر أحدا} [مريم: 26] فسألك عن ولدك، {فقولي ~~إني نذرت للرحمن صوما} [مريم: 26] قال ابن عباس: صمتا. # والمعنى: أوجبت على نفسي لله أن لا أتكلم. # قال قتادة: صامت من الكلام والطعام. # وقال السدي، وابن زيد: كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد، صام عن ~~الكلام كما يصوم عن الطعام، فلا يتكلم الصائم حتى يمسي. # PageV03P181 # يدل على هذا قوله: {فلن أكلم اليوم إنسيا} [مريم: 26] أي: إني صائمة فلا ~~أكلم اليوم أحدا، وكان قد أذن لها أن تتكلم بهذا القدر، ثم تسكت ولا تتكلم ~~بشيء آخر. # قال ابن مسعود: ووهب أمرت بالصمت لأنها لم تكن لها حجة عند الناس في شأن ~~ولدها، فأمرت بالكف عن الكلام ليكفيها الكلام ولدها بما يبرئ ساحتها. # {فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا {27} يا أخت هارون ~~ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا {28} فأشارت إليه قالوا كيف نكلم ~~من كان في المهد صبيا {29} قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا {30} ~~وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا {31} وبرا ~~بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا {32} والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم ~~أبعث حيا {33} } [مريم: 27-33] قوله: {فأتت به} [مريم: 27] يعني بعيسى، ~~{قومها تحمله} [مريم: 27] قال الكلبي: إنها ولدت حيث لم يشعر بها قومها، ~~ومكثت أربعين يوما حتى طهرت من نفاسها، ثم حملت عيسى إلى قومها، فلما دخلت ~~عليهم بكوا وخافوا، وكانوا أهل بيت صالحين، فقالوا: {يا مريم لقد جئت شيئا ~~فريا} [مريم: 27] عظيما منكرا، لا يعرف منك ولا من أهل بيتك، والفري الأمر ~~العظيم. # {يا أخت هارون} [مريم: 28] قال ابن عباس، وقتادة: هارون رجل صالح من بني ~~إسرائيل، ينسب إليه من عرف بالصلاح، والمعنى: يا شبيهته في العفة، وعلى هذا ~~يدل حديث المغيرة بن شعبة، وهو ما: ### | 590 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن محمويه، أخبرنا والدي، أخبرنا عبد ~~الرحمن بن أبي حاتم، نا أبو سعيد الأشج، نا عبد الله بن إدريس، أنا أبي، عن ~~سماك ms1112 بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة، قال: بعثني رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم، إلى أهل نجران، فقالوا: ألستم تقرءون: {يا أخت هارون} ~~وقد علمتم ما كان بين موسى وعيسى، فلم أدر ما أجيبهم، فرجعت إلى رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون ~~بأنبيائهم والصالحين قبلهم، رواه مسلم، عن الأشج، وقال الكلبي: كان هارون ~~أخا مريم من أبيها، ليس من أمها، وكان أمثل رجل في بني إسرائيل، وقال ~~السدي: عنوا هارون أخا موسى، ونسبت مريم إلى أنها أخته؛ لأنها من ولده كما ~~يقال للتميمي: يا أخا تميم # وقوله: {ما كان أبوك امرأ سوء} [مريم: 28] قال ابن عباس: يريد زانيا. # {وما كانت أمك بغيا} [مريم: 28] زانية، أي: لم يكونا زانيين، فمن أين لك ~~هذا الولد. # {فأشارت إليه} [مريم: 29] أي: إلى عيسى وهو يرضع بأن كلموه، فتعجبوا من ~~ذلك، {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} [مريم: 29] في الحجر رضيعا، ~~قال أبو عبيدة: كان ههنا حشو زائد. # والمعنى: كيف نكلم صبيا في المهد. # وبهذا قال كثير من أهل التفسير، وقال الزجاج: الأجوز أن # PageV03P182 # يكون من في معنى الشرط والجزاء. # المعنى: من يكن في المهد صبيا، فكيف نكلمه. # واختاره ابن الأنباري، وقال: هذا كما تقول: كيف أعظ من كان لا يقبل ~~موعظتي؟ معناه: من يكن لا يقبل، والماضي يكون بمعنى المستقبل في باب ~~الجزاء. # قال السدي: فلما سمع عيسى كلامهم، لم يزد على أن ترك الرضاع، وأقبل عليهم ~~بوجهه، و {قال إني عبد الله} [مريم: 30] قال ابن عباس: أقر بالعبودية على ~~نفسه، وبربوبية الله أول ما تكلم. # {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} [مريم: 30] أي: حكم لي بإيتاء الكتب، والنبوة ~~فيما قضى، وهذا إخبار عما سبق له مما هو كائن. # قوله: {وجعلني مباركا أين ما كنت} [مريم: 31] روى أبو هريرة، عن النبي ~~صلى الله عليه وسلم في قوله: {وجعلني مباركا أين ما كنت} [مريم: 31] قال: ~~«نفاعا حيث ما توجهت» . # وقال مجاهد: معلما للخير. # وقال ms1113 عطاء: لأني أدعو إلى الله، وإلى توحيده وعبادته. # {وأوصاني بالصلاة} [مريم: 31] أمرني بإقامتها، والزكاة يعني: زكاة ~~الأموال. # {وبرا بوالدتي} [مريم: 32] قال ابن عباس: لما قال: بوالدتي، ولم يقل: ~~بوالدي، علموا أنه نبي من الله. # {ولم يجعلني جبارا} [مريم: 32] متعظما يقتل ويضرب على الغضب، شقيا عاصيا ~~لربه. # {والسلام علي} [مريم: 33] قال المفسرون: السلامة علي من الله، {يوم ولدت} ~~[مريم: 33] حتى لم يضرني شيطان، والآية مفسرة في هذه ال { [، قالوا لما ~~كلمهم عيسى بهذا، علموا براءة مريم، ثم سكت عيسى فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ ~~المدة التي يتكلم فيها الصبيان. # ] ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون {34} ما كان لله أن يتخذ ~~من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون {35} وإن الله ربي ~~وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم {36} فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ~~كفروا من مشهد يوم عظيم {37} } [سورة مريم: 34-37] قوله: {ذلك عيسى ابن ~~مريم} [مريم: 34] قال الزجاج: ذلك الذي قال: {إني عبد الله} [مريم: 30] ~~عيسى ابن مريم، لا ما يقوله النصارى من أنه ابن الله، وأنه إله. # {قول الحق} [مريم: 34] أي: القول الحق، فأضيف القول إلى الحق، كما قيل حق ~~اليقين، ووعد الصدق، والمعنى: هذا الكلام قول الحق، يعني: ما ذكر من صنعته ~~وأنه ابن مريم قول الحق، من نصب قول الحق فهو نصب على المصدر، أي: قال قول ~~الحق. # {الذي فيه يمترون} [مريم: 34] الذي من نقب عيسى، ويمترون يشكون ويختلفون، ~~فيقول قائل: هو ابن الله. # ويقول آخر: هو الله. # ثم نفى عن نفسه اتخاذ الولد، فقال: {ما كان لله أن يتخذ من ولد} [مريم: ~~35] قال ابن الأنباري: ما كان ينبغي لله أن يتخذ من ولد. # أي: ما يصلح له ولا يستقيم، فنابت اللام عن الفعل، وذلك أن الولد مجانس ~~للوالد، وكذلك من اتخذ ولدا بما يتخذه من جنسه، والله تعالى ليس كمثله شيء ~~فلا يكون له ولد، ولا يتخذ ولدا، قال الزجاج: من في قوله: من ولد مؤكدة تدل ~~على نفس الواحد والجماعة ms1114، فلا يجوز أن يتخذ ولدا واحدا، ولا أكثر. # ثم نزه نفسه عن مقالتهم بقوله: سبحانه ثم بين السبب في كون عيسى من غير ~~أب، فقال: {إذا قضى أمرا} [مريم: 35] إذا أراد أن يحدث شيئا {فإنما يقول له ~~كن فيكون} [مريم: 35] لا يتعذر عليه إيجاده على الوجه الذي أراده. # {وإن الله ربي وربكم} [مريم: 36] هذا إخبار عن عيسى أنه قال ذلك المعنى: ~~ولأن الله ربي وربكم، ويجوز أن يرجع إلى قوله: {وأوصاني بالصلاة والزكاة} ~~[مريم: 31] # PageV03P183 # وبان الله ربي وربكم، ومن كسر جعله معطوفا على قوله: {إني عبد الله} ~~[مريم: 30] ، ويجوز أن يكون استنئافا من غير عطف، وقوله: {هذا صراط مستقيم} ~~[مريم: 36] أي: الذي أخبرتكم أن الله أمرني به هو الطريق المستقيم الذي ~~يؤدي إلى الجنة. # قوله: {فاختلف الأحزاب من بينهم} [مريم: 37] يعني بينهم، ومن زائد. # قال المفسرون: كانوا أحزابا متفرقين بينهم في أمر عيسى، فقال بعضهم: هو ~~الله. # وقال بعضهم: ابن الله. # وقال بعضهم: بالثلاثة. # فويل فشدة عذاب، {للذين كفروا} [مريم: 37] بالله، بقولهم في المسيح {من ~~مشهد يوم عظيم} [مريم: 37] من حضورهم ذلك اليوم للجزاء والحساب. # {أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين {38} ~~وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون {39} إنا نحن ~~نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون {40} } [مريم: 38-40] {أسمع بهم وأبصر ~~يوم يأتوننا} [مريم: 38] قال قتادة: ذلك والله يوم القيامة، سمعوا حين لم ~~ينفعهم السمع، وأبصروا حين لم ينفعهم البصر. # وقال الحسن: لئن كانوا في الدنيا صما عميا عن الحق، فما أبصرهم وأسمعهم ~~يوم القيامة. # {لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين} [مريم: 38] يعني: الكافرين والمشركين، ~~ضلوا في الدنيا وعموا عن الحق، وآثروا الهوى على الهدى. # قوله: {وأنذرهم يوم الحسرة} [مريم: 39] خوف يا محمد كفار مكة يوم يتحسر ~~المسيء، فلا أحسن العمل، والمحسن هلا ازداد من الإحسان، وقال أكثر ~~المفسرين: يعني الحسرة حين يذبح الموت بين الفريقين. # فلو مات أحد فرحا لمات أهل الجنة، ولو مات أحد حزنا لمات أهل النار. ### | 591 - # أخبرنا ms1115 الشيخ أبو سهل عبد الواحد بن محمد الخشاب شيخ الصوفية، قراءة عليه ~~في شهر شعبان سنة خمس عشرة وأربع مائة، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحبري، ~~أنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي، نا عثمان ابن أبي شيبة، نا جرير، عن ~~الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله، صلى الله ~~عليه وسلم: " إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار؛ قيل: يا أهل ~~الجنة، فيشرئبون وينظرون، وقيل: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيجاء ~~بالموت كأنه كبش أملح، فيقال لهم: تعرفون الموت، فيقولون: هذا هذا، وكلهم ~~قد عرفه، قال: فيقدم فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، يا أهل ~~النار، خلود فلا موت، قال: وذلك قوله، عز وجل: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي ~~الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون} ، رواه مسلم، عن عثمان ابن أبي شيبة # وقوله: {إذ قضي الأمر} [مريم: 39] قال مقاتل بن سليمان: قضي لهم العذاب ~~في الآخرة. # وهم في الدنيا، {في غفلة} [مريم: 39] وقال ابن جريج، والسدي: إذ قضي ~~الأمر إذ ذبح الموت، وهو # PageV03P184 # في غفلة في الدنيا عما يصنع بالموت ذلك اليوم، {وهم لا يؤمنون} [مريم: ~~39] بما يصنع بالموت في ذلك اليوم. # {إنا نحن نرث الأرض} [مريم: 40] نميت سكانها فنرثها، ومن عليها لأنا ~~نميتهم ونهلكم، وهذا كقوله: {ونحن الوارثون} [الحجر: 23] ، {وإلينا يرجعون} ~~[مريم: 40] يردون بعد الموت. # {واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا {41} إذ قال لأبيه يا أبت ~~لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا {42} يا أبت إني قد جاءني ~~من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا {43} يا أبت لا تعبد الشيطان ~~إن الشيطان كان للرحمن عصيا {44} يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ~~فتكون للشيطان وليا {45} } [مريم: 41-45] قوله تعالى: {واذكر في الكتاب ~~إبراهيم} [مريم: 41] اذكر لقومك قصته، {إنه كان صديقا} [مريم: 41] كثير ~~الصدق. # {نبيا {41} إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر} [مريم: ~~41-42] وبخه ms1116 على عبادته شيئا لا سمع له ولا بصر، {ولا يغني عنك شيئا} ~~[مريم: 42] لا يدفع عنك ضرا. # {يا أبت إني قد جاءني من العلم} [مريم: 43] بالله والمعرفة، {ما لم يأتك ~~فاتبعني أهدك صراطا سويا} [مريم: 43] على ما جاءني من ربي لأرشدك إلى دين ~~مستقيم. # {يا أبت لا تعبد الشيطان} [مريم: 44] لا تطعه فيما يزن لك من الكفر ~~والمعاصي، {إن الشيطان كان للرحمن عصيا} [مريم: 44] عاصيا. # {يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن} [مريم: 45] أخشى أن يصيبك عذاب ~~الله بطاعتك للشيطان، {فتكون للشيطان وليا} [مريم: 45] قرينا في النار. # فقال أبوه مجبها له: {قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته ~~لأرجمنك واهجرني مليا {46} قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ~~{47} وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي ~~شقيا {48} } [مريم: 46-48] {قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم} [مريم: 46] ~~أتاركها أنت، وتارك عبادتها، {لئن لم تنته} [مريم: 46] عن شتمها وعيبها، ~~لأرجمنك لارمينك بالقول القبيح، وأشتمنك، {واهجرني مليا} [مريم: 46] تباعد ~~عني مليا حينا وزمانا طويلا، والملي من الدهر حين طويل، يقال: أقام بموضع ~~كذا مليا، أي: حينا وزمانا طويلا. # قال إبراهيم لأبيه: سلام عليك أي: سلمت مني لا أصيبك بمكروه، وذلك أنه لم ~~يؤمر بقتاله على كفره، {سأستغفر لك ربي} [مريم: 47] وذلك أنه لما أعياه، ~~أمره وعده أن يراجع الله في أبيه، فيسأله أن يرزقه التوحيد، ويغفر له، ~~والمعنى: سأسأل لك التوبة تنال بها مغفرته، {إنه كان بي حفيا} [مريم: 47] ~~بارا لطيفا، يقال: حفى به حفوة إذا بره وألطفه. # وأعتزلكم أتنحى عنكم وأفارقكم، {وما تدعون من دون الله} [مريم: 48] ~~وأعتزل ما تعبدون من دون # PageV03P185 # الله يعني الأصنام، {وأدعو ربي} [مريم: 48] أعبده، {عسى ألا أكون بدعاء ~~ربي شقيا} [مريم: 48] أرجو لا أشقى بعبادته، يعني: كما شقيتم أنتم بعبادة ~~الأصنام لأنها لا تنفعهم ولا تجيب دعاءهم. # {فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا ~~نبيا {49} ووهبنا لهم من ms1117 رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا {50} } [مريم: ~~49-50] {فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله} [مريم: 49] هجرهم فخرج إلى ~~ناحية الشام، {وهبنا له إسحاق ويعقوب} [مريم: 49] آنسنا وحشته من فراقهم ~~بأولاد كرام على الله، وكلا من هذين، {جعلنا نبيا} [مريم: 49] . # {ووهبنا لهم من رحمتنا} [مريم: 50] المال والولد، وهذا قول الأكثرين، ~~قالوا: يعني ما بسط لهم في الدنيا من سعة الرزق. # وقال آخرون: يعني الكتاب والنبوة، {وجعلنا لهم لسان صدق} [مريم: 50] ثناء ~~حسنا في الناس، عليا مرتفعا سايرا في الناس، فكل أهل الأديان يتولون ~~إبراهيم وذريته، ويثنون عليهم. # {واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا {51} وناديناه من ~~جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا {52} ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ~~{53} } [مريم: 51-53] قوله: واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا أخلص ~~العبادة والتوحيد لله، ومن قرأ {مخلصا} [مريم: 51] فهو الذي أخلصه الله من ~~الدنس. # {وناديناه} [مريم: 52] قال ابن عباس: يريد حين أقبل من مدين، ورأى النار ~~في الشجرة، وهو قوله: {يا موسى إني أنا الله} [القصص: 30] . # {من جانب الطور} [مريم: 52] من ناحية الجبل، وهو جبل بين مصر ومدين، ~~واسمه زبير، {الأيمن} [مريم: 52] يعني: الذي يلي يمين موسى، {وقربناه نجيا} ~~[مريم: 52] مناجيا، والنجي بمعنى المناجي، كالجليس والنديم، قال ابن عباس: ~~قربه الله وكلمه. # ومعنى هذا التقريب أن أسمعه كلامه، قال الزجاج: قربه منه في المنزلة حتى ~~سمع مناجاة الله. # {ووهبنا له من رحمتنا} [مريم: 53] من نعمتنا، {أخاه هارون نبيا} [مريم: ~~53] قال ابن عباس: يريد حين سألني، فقال: {واجعل لي وزيرا من أهلي} [طه: ~~29] . # {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا {54} وكان ~~يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا {55} } [مريم: 54-55] {واذكر ~~في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد} [مريم: 54] قال مجاهد: لم يعد شيئا ~~إلا وفى به. # وقال مقاتل: # PageV03P186 # أقام ينتظر إنسانا لميعاد ثلاثة أيام. # وقال الكلبي: أقام حتى حال عليه الحول. # {وكان رسولا نبيا} [مريم: 54] إلى جرهم. # {وكان يأمر أهله} [مريم: 55] قال ابن عباس: يريد قومه. # قال ms1118 الزجاج: أهله جميع أمته. # قال مقاتل: نظيره {وأمر أهلك بالصلاة} [طه: 132] أي: قومك. # وقوله: بالصلاة والزكاة قال ابن عباس: يريد التي افترضها الله عليهم، وهي ~~الحنيفية التي فرضت علينا. # {وكان عند ربه مرضيا} [مريم: 55] قال: يريد قام لله بطاعته. # {واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا {56} ورفعناه مكانا عليا {57} ~~} [مريم: 56-57] وقوله: في ذكر إدريس {ورفعناه مكانا عليا} [مريم: 57] قال ~~مجاهد: رفع إدريس ولم يمت كما رفع عيسى. # قال المفسرون: رفع إلى السماء الرابعة. ### | 592 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم محمد بن يحيى، عن، أنا محمد بن جعفر بن الهيثم ~~أبو بكر الأنباري، نا جعفر بن محمد بن شاكر، نا حسين بن محمد المروزي، نا ~~سفيان، عن قتادة، عن أنس، أن نبي الله، صلى الله عليه وسلم، قال: لما عرج ~~بي رأيت إدريس في السماء الرابعة # {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ~~ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن ~~خروا سجدا وبكيا} [مريم: 58] {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين} ~~[مريم: 58] يعني الذين ذكرهم من الأنبياء في هذه ال { [، ثم بين مراتبهم في ~~شرف النسب، فقال:] من ذرية آدم} [سورة مريم: 58] يعني: إدريس ونوحا، {وممن ~~حملنا مع نوح} [مريم: 58] يعني: في السفينة، ويريد إبراهيم، لأنه من ولد ~~سام بن نوح، {ومن ذرية إبراهيم} [مريم: 58] يريد إسماعيل وإسحاق ويعقوب، ~~وقوله: وإسرائيل يعني: ومن ذريته، وهم: موسى، وهارون، وزكريا، ويحيى، ~~وعيسى، فكان لإدريس ونوح شرف القرب من آدم، ولإبراهيم شرف القرب من نوح ~~وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، ولما تباعدوا من آدم حصل لهم الشرف بإبراهيم، ~~{وممن هدينا واجتبينا} [مريم: 58] أي: هؤلاء كانوا ممن أرشدنا واصطفينا، ~~{إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا} [مريم: 58] قال ابن عباس: ~~سجدا لله متضرعين إليه. # قال الزجاج: قد بين الله أن الأنبياء كانوا إذا أسمعوا آيات الله سجدوا ~~وبكوا. # {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا {59} ~~إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ms1119 فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا {60} } ~~[مريم: 59-60] قوله: {فخلف من بعدهم خلف} [مريم: 59] قال السدي: هم اليهود ~~والنصارى. # وقال مجاهد، وقتادة: هم من هذه الأمة، عند # PageV03P187 # قيام الساعة، وذهاب صالحي هذه الأمة، قوم يتنابزون بالزنا، ينزو بعضهم ~~على بعض في الأزقة، زناة. # {أضاعوا الصلاة} [مريم: 59] قال الأكثرون: أخروها عن وقتها. # قال إبراهيم: أضاعوا الوقت. # وقال عمر بن عبد العزيز: شربوا الخمر فأضاعوها. # وقال سعيد بن المسيب: هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر، ولا العصر حتى ~~تغرب الشمس. # {واتبعوا الشهوات} [مريم: 59] المعاصي وشرب الخمر، والمعنى: آثروا شهوات ~~أنفسهم على طاعة الله، {فسوف يلقون غيا} [مريم: 59] قال ابن مسعود، ومجاهد، ~~وعطاء، عن ابن عباس: وهو واد في جهنم. ### | 593 - # أخبرنا أبو منصور بن يحيى التميمي، أنا عبد الله بن محمد بن نصير القرشي، ~~نا محمد بن أيوب، أنا عمرو بن مرزوق، نا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، ~~عن عبد الله في قوله: {فسوف يلقون غيا} ، قال: نهر في جهنم، بعيد القعر، ~~خبيث الطعم، وليس معنى يلقون يردون فقط؛ لأن اللقاء معناه الاجتماع ~~والملابسة مع الرؤية # {إلا من تاب} [مريم: 60] من التقصير في الصلاة، {وآمن} [مريم: 60] من ~~اليهود والنصارى، وعمل صالحا بطاعة الله، {فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون ~~شيئا} [مريم: 60] قال ابن عباس: لا ينقصون ثوابا. # {جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا {61} لا ~~يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا {62} تلك الجنة ~~التي نورث من عبادنا من كان تقيا {63} } [مريم: 61-63] {جنات عدن التي وعد ~~الرحمن عباده بالغيب} [مريم: 61] قال ابن عباس: يريد أنهم عابوا عما فيها ~~مما لا عين رأت. # والمعنى: أنهم لم يروها، فهي غيب لهم، {إنه كان وعده مأتيا} [مريم: 61] ~~قال الفراء: لم يقل آتيا، لأن كل ما أتاك فقد أتيته. # ونحو هذا قال الزجاج. # وقال ابن جريج: وعده في هذه الآية موعود وهو الجنة، و {مأتيا} [مريم: 61] ~~يأتيه أولياؤه وأهل طاعته. # {لا يسمعون فيها لغوا} [مريم: 62] وهو الهذر وما ms1120 يلغى من الكلام، إلا ~~سلاما لكن يسمعون سلاما، وهو أن بعضهم يحيي بعضا بالسلام، ويرسل إليهم الرب ~~الملائكة بالسلام، قال الزجاج: السلام اسم جامع للخير، لأنه متضمن السلام. # والمعنى أن أهل الجنة لا يسمعون ما يؤذيهم، وإنما يسمعون ما يسلمهم، ~~{ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} [مريم: 62] قال المفسرون: ليس في الجنة بكرة ~~ولا عشية، ولكنهم يؤتون برزقهم على مقدار ما يعرفون من الغداء والعشاء. # قال قتادة: كانت العرب إذا أصاب أحدهم # PageV03P188 # الغداء والعشاء أعجب به، فأخبر الله أن لهم في الجنة رزقهم بكرة وعشيا ~~على قدر ذلك الوقت، وليس ثم دليل ولا نهار، إنما هو ضوء ونور. # وقال الحسن: كانت العرب لا تعرف شيئا من العيش أفضل من الغداء والعشاء، ~~فذكر الله جنته، فقال: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} [مريم: 62] . # قوله: تلك الجنة يعني الجنة التي ذكرها في قوله: {فأولئك يدخلون الجنة} ~~[مريم: 60] ، {التي نورث من عبادنا} [مريم: 63] . # وذلك أن الله تعالى يورث عباده المؤمنين من الجنة المساكن التي كانت لأهل ~~النار لو آمنوا، وجوز أن يكون معنى يورث تعظيم ذلك، وننزلهم إياها، وتكون ~~كالميراث لهم من جهة أنها تمليك مستأنف، وقوله: {من كان تقيا} [مريم: 63] ~~أي: من اتقى معصية الله وعقابه بالطاعة والإيمان. # {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ~~ربك نسيا {64} رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم ~~له سميا {65} } [مريم: 64-65] قوله: {وما نتنزل إلا بأمر ربك} [مريم: 64] ### | 594 - # أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنا أبو بكر محمد بن علي ~~القفال، أنا إسحاق بن محمد بن إسحاق الرسعني، نا جدي، نا المغيرة، نا عمر ~~بن ذر، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم: يا جبريل، ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا، فنزل: {وما ~~نتنزل إلا بأمر ربك} الآية كلها، قال: وكان هذا جوابا لمحمد، صلى الله عليه ~~وسلم، رواه البخاري، عن أبي نعيم، عن ms1121 عمر بن ذر، قال المفسرون: استبطأ رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم، جبريل، ثم جاءه فقال له: يا جبريل، إني كنت ~~لمشتاقا إليك، قال: وأنا، والله يا محمد، قد كنت إليك مشتاقا، ولكني عبد ~~مأمور، إذا بعثت نزلت ونزلت هذه الآية # وقوله: {له ما بين أيدينا} [مريم: 64] أي: من أمر الآخرة والثواب ~~والعقاب، {وما خلفنا} [مريم: 64] ما مضى من الدنيا، {وما بين ذلك} [مريم: ~~64] ما يكون هذا الوقت إلى يوم القيامة، وهذا قول سعيد بن جبير، وقتادة، ~~ومقاتل، واختيار الزجاج. # {وما كان ربك نسيا} [مريم: 64] قال ابن عباس: تاركا لك منذ أبطأ عنك ~~الوحي. # والنسي بمعنى الناسي، وهو التارك. # {رب السموات والأرض} [مريم: 65] مالكها، وما بينهما ومالك ما بينها، ~~فاعبده وحده، لأن عبادته بالشرك كلا عبادة، {واصطبر لعبادته} [مريم: 65] ~~أصبر على أمره ونهيه، {هل تعلم له سميا} [مريم: 65] قال ابن عباس في رواية ~~الوالبي: هل تعلم للرب مثلا أو شبها؟ وهو قول مجاهد، وسعيد بن جبير، ~~وقتادة. # وقال في رواية عكرمة: هل تعلم أحدا اسمه الرحمن غيره؟ وقال في رواية ~~عطاء: هل تعلم أحدا يسمى الله غيره؟ وقال الزجاج: تأويله، والله أعلم، هل ~~تعلم له سميا يستحق أن يقال له خالق وقادر وعالم بما كان وبما يكون؟ وعلى ~~هذا لا سمي لله في جميع أسمائه، لأن غيره، وإن سمي بشيء من أسمائه، فلله ~~حقيقة ذلك الوصف. # PageV03P189 # {ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا {66} أولا يذكر الإنسان أنا ~~خلقناه من قبل ولم يك شيئا {67} فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول ~~جهنم جثيا {68} ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا {69} ثم ~~لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا {70} } [مريم: 66-70] وقوله: {ويقول ~~الإنسان} [مريم: 66] معناه: الكافر الذي لا يؤمن بالبعث، {أئذا ما مت لسوف ~~أخرج حيا} [مريم: 66] يقول ذلك استهزاء وتكذيبا منه بالبعث، قال ابن عباس ~~في رواية عطاء: يعني الوليد بن المغيرة. # وقال في رواية الكلبي: نزلت في أبي بن خلف حين أخذ عظاما بالية يفتها ~~بيده، ويقول ms1122: زعم محمد أن الله يبعثنا بعد ما نموت. # فقال الله مجيبا لذلك الكافر: {أولا يذكر الإنسان} [مريم: 67] أولا يتذكر ~~هذا الجاحد أول خلقه، فيستدل بالابتداء على الإعادة، وهو قوله: {أنا خلقناه ~~من قبل ولم يك شيئا} [مريم: 67] . # ثم أقسم أنه يحشرهم، فقال: {فوربك لنحشرنهم} [مريم: 68] أي: لنجمعنهم في ~~المعاد، والشياطين وذلك أن كل كافر يحشر مع شيطانه في سلسلة، {ثم لنحضرنهم ~~حول جهنم جثيا} [مريم: 68] يعني: في جهنم، وذلك أن حول الشيء يجوز أن يكون ~~داخله، يقال: جلس القوم حول البيت إذا جلسوا داخله مطيفين به، وقوله: جثيا ~~قال مجاهد: مستوقرين على الركب، جمع جاث، من قولهم: جثا على ركبته يجثوا ~~جثوا. # وقال ابن عباس: جثيا جماعات. # وهو قول مقاتل، وهو جمع جثوة وجثوة، وهي المجموع من التراث والحجارة. # {ثم لننزعن} [مريم: 69] لنأخذن ولنخرجن، {من كل شيعة} [مريم: 69] من كل ~~فرقة وجماعة، {أيهم أشد على الرحمن عتيا} [مريم: 69] أي: الأعتى فالأعتى ~~منهم، قال الأحوص: بدئ بالأكابر جرما. # وقال قتادة: لننزعن من كل أهل دين قادتهم ورؤسائهم في الشر. # والعتي ههنا مصدر كالعتو، وهو التمرد في العصيان، وأما رفع أيهم، فقال ~~الزجاج: فيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه على الاستئناف ولننزعن يعمل في موضع ~~{من كل شيعة} [مريم: 69] . # هذا قول يونس، وقال الخليل: أنه على معنى الذين يقال لهم: {أيهم أشد على ~~الرحمن عتيا} [مريم: 69] . # وقال سيبويه: أيهم ههنا مبني على الضم، تقول: اضرب أيهم أفضل، تريد أيهم ~~هو أفضل. # {ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا} [مريم: 70] يقال: صلى النار ~~يصلاها صليا، أي: دخلها وقاسى حرها، يعني أن الأولى بها صليا الذين هم أشد ~~على الرحمن عتيا على معنى الابتداء بهم دون أتباعهم، لأنهم كانوا رؤساء في ~~الضلالة. # {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا {71} ثم ننجي الذين اتقوا ~~ونذر الظالمين فيها جثيا {72} } [مريم: 71-72] قوله: {وإن منكم إلا واردها} ~~[مريم: 71] وما منكم أحد إلا وارد جهنم، {كان على ربك} [مريم: 71] كان ~~ورودكم جهنم، {حتما} [مريم: 71] الحتم: إيجاب القضاء ms1123 والقطع بالأمر، يقال: ~~كان ذلك حتما، أي موجبا، {مقضيا} [مريم: 71] قضاه الله عليكم، وأكثر # PageV03P190 # الناس على الحكم بظاهر الآية، وهو أن الخلق كلهم يردون النار، ثم ينجي ~~الله المؤمنين. ### | 595 - # أخبرنا أبو القاسم بن حمدان، نا محمد بن عبد الله بن نعيم الحافظ، أنا ~~أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، نا سعيد بن مسعود، نا عبيد الله بن ~~موسى، أنا إسرائيل، عن السدي، قال: سألت مرة الهمداني، عن قوله، تعالى: ~~{وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا} فحدثني أن عبد الله بن مسعود ~~حدثهم، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «يرد الناس النار، ثم ~~يصدرون بأعمالهم، فأولهم كلمح البرق، ثم كمر الريح، ثم كحضر الفرس، ثم ~~كالراكب، ثم كشد الرجل، ثم كمشيه» ، وقال ابن عباس في هذه الآية: الورود ~~الدخول، وأخذ بيد مجاهد، وقال: أما أنا وأنت فسندخلها، وخاصة نافع بن ~~الأزرق، فقال: إن الشيء ربما ورد الشيء، ولكن لا يدخله، فقال ابن عباس: ~~يابن الأزرق، أما أنا وأنت فسندخلها، فانظر هل ينجينا الله منها أم لا؟ ~~وكان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه؛ قال: ليت أمي لم تلدني، ثم يبكي، قال: ~~أخبرنا أنا واردوها، ولم نخبر أنا صادرون عنها، وبكى عبد الله بن رواحة، ~~وقال: آية نزلت ينبئني فيها ربي أني وارد النار ولم ينبئني أني صادر عنها، ~~فذلك الذي أبكاني، وقال الحسن: كيف لا يحزن المؤمن؟ وقد حدث عن الله أنه ~~وارد جهنم، ولم يأته أنه صادر منها، ثم إن الله، تعالى، قادر بلطفه أن يسلم ~~المؤمنين منها إذا وردوها حتى يعبروا بها ويخرجوا منها سالمين ### | 596 - # فقد أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أنا عبد الله بن محمد بن نصير، ~~نا محمد بن أيوب، أنا سليمان بن حرب، نا صالح بن غالب بن سليمان، عن كثير ~~بن زياد، عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود؛ فقال قوم: لا يدخلها مؤمن، ~~وقال آخرون: يدخلونها جميعا، ثم ينجي الله الذين اتقوا، فلقيت جابر بن عبد ~~الله فسألته، فأهوى ms1124 بأصبعيه إلى أذنيه، وقال: صمتا إن لم أكن سمعت النبي، ~~صلى الله عليه وسلم، يقول: الورود: الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ~~فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار، أو ~~قال: لجهنم، ضجيجا من بردها، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها ~~جثيا # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر، نا عبد الرحمن بن ~~محمد الرازي، نا سهل بن عثمان، عن ثور، عن خالد بن معدان، قال: إذا # PageV03P191 # دخل أهل الجنة الجنة قالوا: ألم يعدنا ربنا أن نرد النار. # فيقال لهم: بلى، ولكن مررتهم بها وهي خامدة. ### | 597 - # أخبرنا إسماعيل بن النصراباذي، أنا محمد بن إبراهيم المحاملي، نا محمد بن ~~إبراهيم البوشنجي، نا سليم بن منصور بن عمار، حدثني أبي، قال: حدثني بشير ~~بن طلحة، عن خالد بن الدريك، عن يعلى بن منبه، عن رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم، قال: " تقول النار يوم القيامة: جز يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي " # وروى عثمان بن الأسود، عن مجاهد، قال: الحمى حظ كل مؤمن من النار. # ثم قرأ: {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71] وعلى هذا من حم من المسلمين ~~فقد وردها، لأن الحمى من فيح جهنم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «الحمى كير ~~من جهنم، فما أصاب المؤمن منها كان حظه من النار» . # ويدل على صحة هذا التأويل ما: ### | 598 - # أخبرنا أبو منصور بن طاهر، أنا أبو سعيد الخلالي، نا محمد بن الحسين بن ~~قتيبة، نا عبيدة بن عبد الرحيم، نا أبو أسامة حماد بن أسامة، نا عبد الرحمن ~~بن يزيد، عن إسماعيل بن عبد الله، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم: " أنه عاد مريضا من وعك كان به، فقال: أبشر، إن ~~الله، عز وجل، يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه ~~من النار، وقال ابن زيد: ورود المسلمين النار: العبور على الجسر، وورود ~~الكافرين: أن يدخلوها # قال الله ms1125 تعالى: {ثم ننجي الذين اتقوا} [مريم: 72] قال ابن عباس: اتقوا ~~الشرك وصدقوا. # {ونذر الظالمين} [مريم: 72] قال: المشركين والكفار. # {فيها جثيا} [مريم: 72] قالوا: على الركب. # وقالوا: جميعا كما فسرنا فيما قبل. # قوله: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي ~~الفريقين خير مقاما وأحسن نديا {73} وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ~~ورئيا {74} } [مريم: 73-74] { # PageV03P192 # وإذا تتلى عليهم} [مريم: 73] يعني: على المشركين، آياتنا بينات يريد ~~القرآن، قال الذين كفروا مشركو قريش للذين آمنوا لفقراء المؤمنين، {أي ~~الفريقين} [مريم: 73] أنحن أم أنتم، {خير مقاما} [مريم: 73] وقرئ مقاما بضم ~~الميم، وهما المنزل والمسكن، {وأحسن نديا} [مريم: 73] الندي والنادي: مجلس ~~القوم ومجتمعهم، ومنه قوله: {وتأتون في ناديكم المنكر} [العنكبوت: 29] ~~والمعنى: إن المشركين قالوا للفقراء المؤمنين: أنحن أم أنتم أعظم شأنا وأعز ~~مجلسا؟ افتخروا عليهم بمساكنهم ومجالسهم. # فقال الله تعالى: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا} [مريم: ~~74] الأثاث المال، أجمع الإبل والغنم والعبيد والمتاع، قال ابن عباس، ~~والسدي: الأثاث المال. # وقال قتادة: {أحسن أثاثا} [مريم: 74] أكثر أموالا. # الحسن: الأثاث اللباس. # والرئي: المنظر، فعل من رأيت، والمصدر الرأي والرؤية، كالطحن والرعي، ~~والمفسرون يقولون: الرأي: المنظر. # وقال الحسن: الصور. # وقرئ ريا بغير همز. # قال الزجاج: وله تفسيران: أحدهما أن الأول بطرح الهمز، الثاني أنه من ~~الري الذي هو ضد العطن. # والمراد به أن منظرهم مرتو من النعمة، كأن النعيم بين فيهم، لأن الري ~~يتبعه الطراوة كما أن العطش يتبعه الذبول، والمعنى: إن الله قد أهلك قبلهم ~~أقواما كانوا أكثر متاعا وأحسن منظرا فأهلك أموالهم، وأفسد عليهم جوهم، ~~فليخافوا نقمة الله بالإهلاك كسنة من قبلهم من الكفار. # {قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما ~~العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا {75} ويزيد الله ~~الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا {76} } ~~[مريم: 75-76] قوله: {قل من كان في الضلالة} [مريم: 75] قال ابن عباس: قل ~~لهم يا محمد: من كان ms1126 في العماية عن التوحيد ودين الله، {فليمدد له الرحمن ~~مدا} [مريم: 75] هذا لفظ الأمر ومعناه الخبر، أي: مده الرحمن مدا، وكذا ~~فسره ابن عباس، فقال: يريد فإن الله يمد له فيها حتى يستدرجه. # وقال الزجاج: تأويله أن الله جعل جزاء ضلالته أن يتركه ويمده فيها، لأن ~~لفظ الأمر يؤكد معنى الخبر، كأن المتكلم يقول: أفعل ذلك وآمر به نفسي، ~~ومعنى مده الله في ضلالته: أمهله وطول عمره فيها، {حتى إذا رأوا ما يوعدون} ~~[مريم: 75] يعني: الذين مدهم الله في الضلالة، وأخبر عن الجماعة لأن لفظ من ~~يصلح للجماعة، ثم ذكر ما يوعدون فقال: {إما العذاب وإما الساعة} [مريم: 75] ~~يعني القتل والأسر، أو القيامة والخلود في النار، فسيعلمون حينئذ، {من هو ~~شر مكانا} [مريم: 75] أهم أم المؤمنون، لأن مكانهم جهنم، ومكان المؤمنين ~~الجنة، وأضعف جندا وهذا رد عليهم في قولهم: {أي الفريقين خير مقاما وأحسن ~~نديا} [مريم: 73] . # قوله: {ويزيد الله الذين اهتدوا} [مريم: 76] قال الربيع بن أنس: يريد أنه ~~يزيد الذين اهتدوا بكتابه. # هدى بما ينزل عليهم من الآيات فيصدقون بها، وقال الزجاج: المعنى أن الله ~~يجعل جزاء المؤمنين أن يزيدهم يقينا كما جعل جزاء الكافر أن يمده في ~~ضلالته. # {والباقيات الصالحات} [مريم: 76] الأذكار والأعمال الحسنة من الطاعات ~~التي تبقى لصاحبها ولا تحبط، {خير # PageV03P193 # عند ربك ثوابا} [مريم: 76] جزاء في الآخرة مما يفتخر به الكفار من مالهم ~~وحسن معاشهم، {وخير مردا} [مريم: 76] المرد ههنا مصدر، مثل الرد، والمعنى: ~~وخير رد للثواب على عامليها ليس كأعمال الكفار التي خسروها فبطلت، ويقال: ~~هذا الأمر رد عليك، أي: أنفع لك، والمعنى: أنه يرد عليك ما تريد. # {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا {77} أطلع الغيب أم ~~اتخذ عند الرحمن عهدا {78} كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا {79} ~~ونرثه ما يقول ويأتينا فردا {80} } [مريم: 77-80] وقوله: {أفرأيت الذي كفر ~~بآياتنا} [مريم: 77] قال جماعة أهل التفسير: نزلت في العاص بن وائل، وذلك ~~أن خباب بن الأرت كان له عليه دين، فأتاه يتقاضاه، فقال: لا ms1127 أقضيك حتى تكفر ~~بإله محمد. # فقال خباب: والله لا أكفر بإله محمد حيا ولا ميتا ولا حين أبعث. # قال: فدع مالك قبلي، فإذا بعثت، أعطيت مالا وولدا، وقضيتك مما أعطى. # يقول ذلك مستهزءا، فأنزل الله {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} [مريم: 77] يعني ~~العاص، كفر بالقرآن، {وقال لأوتين} [مريم: 77] لأعطين، {مالا وولدا} [مريم: ~~77] يعني في الجنة بعد البعث، وقرئ وولدا بضم الواو، وهما واحد، مثل العرب ~~والعرب، والعجم والعجم. ### | 599 - # وأخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم المزكي، أنا عبيد الله بن محمد بن محمد ~~بن بطة، أنا عبد الله بن عبد العزيز، نا أبو خيثمة، نا وكيع، نا الأعمش، عن ~~أبي الضحى، عن مسروق، عن خباب، قال: كنت رجلا قينا وكان لي على العاصي بن ~~وائل دين فأتيته أتقاضاه، فقال لي: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لن أكفر ~~به حتى تموت وتبعث، فقال: فإني لمبعوث بعد الموت فسوف أفيك إذا رجعت إلى ~~مالي وولدي، قال: فنزلت فيه {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا ~~وولدا} ، رواه البخاري، عن الحميدي، عن سفيان، ورواه مسلم، عن الأشج، عن ~~وكيع وكلاهما، عن الأعمش # قال الله تعالى تكذيبا له ومنكرا عليه: {أطلع الغيب} [مريم: 78] قال ابن ~~عباس، ومجاهد: أعلم ما غاب عنه حتى يعلم أفي الجنة أم لا؟ وقال الكلبي: ~~أنظر في اللوح المحفوظ؟ {أم اتخذ عند الرحمن عهدا} [مريم: 78] قال ابن ~~عباس: أم قال لا إله إلا الله، فأرحمه بها؟ وقال قتادة: يعني أقدم عملا ~~صالحا يرجوه؟ كلا ليس الأمر على ما قال من أنه يؤتى المال والولد، ويجوز أن ~~معنى كلا أي أنه لم يطلع على الغيب، ولم يتخذ عند الله عهدا، {سنكتب ما ~~يقول} [مريم: 79] سنأمر الحفظة بإثباته عليه لنجازيه به # PageV03P194 # في الآخرة، {ونمد له من العذاب مدا} [مريم: 79] نزيده عذابا فوق العذاب. # {ونرثه ما يقول} [مريم: 80] أي: ما عنده من المال والولد، بإهلاكنا إياه، ~~وإبطال ملكه، وهذا قول ابن عباس وقتادة، {ويأتينا فردا} [مريم: 80] يأتي ~~الآخرة بلا مال ولا ولد. # {واتخذوا من ms1128 دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا {81} كلا سيكفرون بعبادتهم ~~ويكونون عليهم ضدا {82} ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ~~{83} فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا {84} } [مريم: 81-84] {واتخذوا من ~~دون الله آلهة} [مريم: 81] يعني: أهل مكة، عبدوا الأصنام من دون الله، ~~{ليكونوا لهم عزا} [مريم: 81] قال الفراء: ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة. # وهذا معنى قول ابن عباس: ليمنعوهم مني. # وذلك أنهم رجوا منها الشفاعة والنصرة والمنع من عذاب الله. # قال الله تعالى: كلا قال ابن عباس: يريد لا يمنعهم مني شيء. # {سيكفرون بعبادتهم} [مريم: 82] تجحد الآلهة عبادة المشركين لها، كما قال: ~~{تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون} [القصص: 63] وذلك أنها كانت جمادا لا ~~تعلم العبادة، {ويكونون عليهم ضدا} [مريم: 82] يصيرون أعوانا عليهم، ~~يكذبونهم، ويلعنونهم، ويتبرءون منهم، وقال ابن قتيبة: أي أعداء يوم ~~القيامة، وكانوا في الدنيا أولياءهم. # قوله: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين} [مريم: 83] ذكر الزجاج ~~في هذا وجهين: أحدهما أنا خلينا بين الشياطين وبين الكافرين فلم نعصمهم ~~منهم ونعذهم، بخلاف المؤمنين الذين قيل فيهم: {إن عبادي ليس لك عليهم ~~سلطان} [الحجر: 42] ، الوجه الثاني، وهو المختار، أنهم أرسلوا عليهم وقيضوا ~~لهم بكفرهم، كما قال: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا} [الزخرف: 36] ~~فمعنى الإرسال ههنا التسليط. # وقوله: {تؤزهم أزا} [مريم: 83] الأز التحريك والتهييج، قال ابن عباس في ~~رواية الوالبي: تغريهم إغراء. # وقال في رواية عطاء: نزعجهم إلى المعاصي إزعاجا. # وهو قول قتادة، وقال السدي: نستعجلهم استعجالا. # {فلا تعجل عليهم} [مريم: 84] أي: يطلب العذاب لهم {إنما نعد لهم عدا} ~~[مريم: 84] قال ابن عباس: يعني أنفاسهم التي يتنفسون في الدنيا، فهي معدودة ~~إلى الأجل الذي أجلت لعذابهم. # وهذا من أبلغ الوعيد، والمعنى: أنا أجلناهم إلى أجل يبلغونه تعد أنفسهم ~~إلى تمام ذلك الأجل. # قوله: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا {85} ونسوق المجرمين إلى جهنم ~~وردا {86} لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا {87} } [مريم: ~~85-87] {يوم نحشر المتقين} [مريم: 85] أي: اذكر لهم يا محمد اليوم الذي ~~يجمع ms1129 فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته واجتناب معاصيه، {إلى الرحمن} ~~[مريم: 85] إلى جنته ومحل كرامته، {وفدا} [مريم: 85] جمع وافد، كما يقال: ~~راكب وركب، وصاحب وصحب. # فقال: وفد الوافد يفد وفدا ووفادة إذا خرج إلى ملك في فتح أو أمر، قاله ~~ابن عباس. ### | 600 - # أخبرنا أبو سعد البصري، أنا محمد بن جعفر بن مالك القطيعي، نا عبد الله ~~بن أحمد بن حنبل، حدثني سويد بن سعيد، أنا علي بن مسهر، عن # PageV03P195 # عبد الرحمن بن إسحاق، نا النعمان بن سعد، قال: كنا جلوسا عند علي، رضي ~~الله عنه، فقرأ هذه الآية {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا} قال: لا، ~~والله ما على أرجلهم يحشرون، ولكن يؤتون بنوق لم تر الخلائق مثلها، عليها ~~رحال من ذهب، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة # {ونسوق المجرمين} [مريم: 86] الكافرين، {إلى جهنم وردا} [مريم: 86] عطاشا ~~مشاة، قال قتادة: سيقوا إليها وهم ظماء. # والورد الجماعة التي ترد الماء، ولا يرد أحد الماء إلا بعد العطش. # {لا يملكون الشفاعة} [مريم: 87] لا يشفعون ولا يشفع أهل الإيمان بعضهم ~~لبعض، وهو قوله: {إلا من اتخذ} [مريم: 87] على معنى لكن من اتخذ، {عند ~~الرحمن عهدا} [مريم: 87] فإنه يملك الشفاعة، قال ابن عباس: العهد شهادة أن ~~لا إله إلا الله، ويتبرأ إليه من الحول والقوة، ولا يرجو إلا الله. # {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا {88} لقد جئتم شيئا إدا {89} تكاد السموات ~~يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا {90} أن دعوا للرحمن ولدا {91} وما ~~ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا {92} إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن ~~عبدا {93} لقد أحصاهم وعدهم عدا {94} وكلهم آتيه يوم القيامة فردا {95} } ~~[مريم: 88-95] قوله: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا} [مريم: 88] يعني: اليهود ~~والنصارى ومن زعم من المشركين أن الملائكة بنات الله. # قال الله مخاطبا لهم: {لقد جئتم شيئا إدا} [مريم: 89] عظيما في قول ~~الجميع، ومعنى الآية: قلتم قولا عظيما، كما قال: {إنكم لتقولون قولا عظيما} ~~[الإسراء: 40] . # {تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض} [مريم: 90] أي: تدنو من الانشقاق، ~~وقرئ ينفطرن منه وكلاهما ms1130 واحد، يقال: انفطر الشيء وتفطر إذ تشقق. # {وتخر الجبال} [مريم: 90] تسقط، هدا الهد: الكسر الشديد، يقال: هدني هذا ~~الأمر وهد ركني. # والمعنى: تسقط الجبال وتكسر كسرا، قال المفسرون: لما قالوا اتخذ الله ~~ولدا، اقشعرت الأرض، وشاك الشجر، وغضبت الملائكة، واستعرت جهنم، وفزعت ~~السموات والأرض والجبال. # أن دعوا قال الفراء: من أن دعوا، ولأن دعوا. # {للرحمن ولدا {91} وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا {92} } [مريم: 91-92] ~~ولا يليق به اتخاذ الولد، لأن اتخاذ الولد يقتضي # PageV03P196 # مجانسة، وكل من اتخذ ولدا اتخذه من جنسه، والله تعالى منزه من أن يجانس ~~شيئا، أو يجانسه شيء، فمحال في وصفه اتخاذ الولد. # إن كل ما كل، {من في السموات والأرض} [مريم: 93] من الملائكة والمخلوقين، ~~{إلا آتي الرحمن} [مريم: 93] إلا يأتيه يوم القيامة، عبدا ذليلا خاضعا، ~~يعني أن الخلق عبيده، وأن عيسى وعزيرا من جملة العبيد. # لقد أحصاهم عرف عددهم، وعدهم عدا ولا يخفى عليه مبلغ جميعهم، ولا واحد ~~منهم، مع كثرتهم. # {وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} [مريم: 95] بلا مال ولا نصير يمنعه. # {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا {96} فإنما يسرناه ~~بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا {97} وكم أهلكنا قبلهم من قرن ~~هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا {98} } [مريم: 96-98] قوله: {إن الذين ~~آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} [مريم: 96] قال ابن عباس، ~~ومجاهد: يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين. # وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم عن هذه الآية {سيجعل لهم الرحمن ودا} [مريم: 96] ما هو؟ قال: ~~«المحبة في صدور المؤمنين، إن الله أعطى المؤمنين المقة والألفة والمحبة في ~~صدور الصالحين» . # وقال هرم بن حيان: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله، إلا أقبل الله بقلوب ~~المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم. ### | 601 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان، نا ~~أبو الأزهر أحمد بن الأزهر، نا عبيد الله بن محمد بن عبد المجيد الحنفي، نا ~~عبد الرحمن ms1131 بن عبد الله بن دينار، حدثني أبي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ~~أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " إن الله، تعالى، إذا أحب عبدا ~~نادى جبريل: إن الله قد أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل ~~السماء: إن الله قد أحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول ~~في الأرض " # قوله: {فإنما يسرناه بلسانك} [مريم: 97] أي: هوناه وأنزلناه بلغتك ليسهل ~~عليك الإبلاغ، لتبشر به المتقين بالقرآن من # PageV03P197 # أطاعك، {وتنذر به قوما لدا} [مريم: 97] جمع ألد، وهو الخصم، قال قتادة: ~~جدلا بالباطل، يعني قريشا. # ثم أنذرهم وخوفهم بقوله: {وكم أهلكنا قبلهم} [مريم: 98] قبل هؤلاء، من ~~قرن بتكذيب الرسل، {هل تحس منهم} [مريم: 98] هل ترى من الذين أهلكناهم، {من ~~أحد أو تسمع لهم ركزا} [مريم: 98] أي: صوتا، والركز الصوت الخفي، قال ~~الحسن: ذهب القوم فلا تسمع لهم صوت. # وقال قتادة: هل ترى من عين، أو هل تسمع من صوت. # PageV03P198 ### | سورة طة # مكية وآياتها خمس وثلاثون ومائة. ### | 602 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن ~~مطر، نا خشنام بن بشر بن المغيرة، نا إبراهيم بن المنذر الحزامي، نا ~~إبراهيم بن المهاجر بن مسمار، حدثني عمر بن حفص بن ذكوان، عن مولى الحرقة، ~~عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " إن الله قرأ طه ~~ويس قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلما سمعت الملائكة القرآن؛ قالوا: طوبى ~~لأمة ينزل هذا عليها، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسن تتكلم بهذا " # {طه {1} ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى {2} إلا تذكرة لمن يخشى {3} تنزيلا ~~ممن خلق الأرض والسموات العلى {4} الرحمن على العرش استوى {5} له ما في ~~السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى {6} وإن تجهر بالقول فإنه ~~يعلم السر وأخفى {7} الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى {8} } [طه: 1-8] ~~بسم الله الرحمن الرحيم طه أكثر المفسرين على أن معناه: يا رجل، يريد النبي ~~صلى الله عليه وسلم، وهو قول ms1132 الحسن، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وقتادة، ~~والضحاك، ومجاهد، وابن عباس في رواية عطاء، والكلبي غير أن بعضهم يقول: هي ~~بلسان الحبشة، وبالنبطية، والسريانية. # ويقول الكلبي: هي بلغة عك. # قال ابن الأنباري: ولغة قريش وافقت تلك اللغة في هذا المعنى، لأن الله ~~تعالى لم يخاطب نبيه بلسان غير قريش. # {ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى} [طه: 2] لتتعب وتبلغ من الجهد ما بلغت، ~~وذلك أنه لما أنزل عليه الوحي بمكة اجتهد في العبادة حتى أنه كان يصلي على ~~إحدى رجليه، يراوح بين قدميه لطول قيامه، فيشتد ذلك عليه، فأمره الله تعالى ~~أن يخفف على نفسه، وذكر أنه ما أنزل عليه الوحي ليتعب كل ذلك التعب. # {إلا تذكرة} [طه: 3] قال # PageV03P199 # المبرد: لكن تذكرة. # أي: لكن أنزلناه، أي: لتذكر به من يخشى الله، والتذكرة مصدر كالتذكير. # تنزيلا أي: نزلناه، {تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى} [طه: 4] قال ~~ابن عباس: أخبر بعظمته. # الرحمن مرفوع على خبر ابتداء مضمر، لأنه لما قال: ممن خلق بينه، فكأنه ~~قال: هو الرحمن. # {على العرش استوى} [طه: 5] أي: أقبل على خلقه، وقصد إلى ذلك. # أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد العروضي، أنا أبو منصور الأزهري، أنا أبو ~~الفضل المنذري، قال: سئل أبو العباس أحمد بن يحيى عن قول الله تعالى: ~~{الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] فقال: الاستواء الإقبال على الشيء. # ونحو هذا قال الفراء، والزجاج في قوله عز وجل: {ثم استوى إلى السماء} ~~[البقرة: 29] ولا يصح الاستواء في صفة الله تعالى إلا من هذا الوجه، وما ~~سواه فهو باطل فاسد. # PageV03P200 # قوله: {له ما في السموات وما في الأرض} [طه: 6] أي أنه مالك كل شيء ~~ومدبره، وما بينهما يعني الهواء، {وما تحت الثرى} [طه: 6] هو التراب الندي، ~~قال الضحاك: يعني ما وارى الثرى من شيء. # والمفسرون يقولون: أراد الذي تحت الصخرة التي عليها الثور الذي تحت ~~الأرض، ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله عز وجل. # {وإن تجهر بالقول} [طه: 7] أي: ترجع صوتك به، {فإنه يعلم السر وأخفى} ~~[طه: 7] أي: فلا تجهد ms1133 نفسك برفع الصوت، فإنك وإن لم تجهر، علم الله السر ~~وأخفى، قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: السر ما أسررت في نفسك وأخفى، ما لم ~~تحدث به نفسك مما يكون في غد علم الله فيهما سواء. # والتقدير وأخفى منه، إلا أنه حذف للعلم به، وهذا كقولك: فلان كالفيل، أو ~~أعظم منه. # {الله لا إله إلا هو} [طه: 8] أي: لا معبود يستحق العبادة غيره، {له ~~الأسماء الحسنى} [طه: 8] يعني: التسعة والتسعين التي ورد بها الخبر، ~~والحسنى تأنيث الأحسن. # {وهل أتاك حديث موسى {9} إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا ~~لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى {10} } [طه: 9-10] قوله: {وهل ~~أتاك حديث موسى} [طه: 9] هذا استفهام تقرير بمعنى الخبر، أي: وقد أتاك، ~~ونحو هذا قال ابن عباس: يريد وقد أتاك حديث موسى. # {إذ رأى نارا} [طه: 10] قال ابن عباس: كان موسى رجلا غيورا، لا يحب ~~الرفقة لئلا ترى امرأته، فأخطأ الطريق في ليلة مظلمة، فرأى نارا من بعيد. # فقال لأهله يريد امرأته، امكثوا أقيموا مكانكم، {إني آنست نارا} [طه: 10] ~~رأيتها وأبصرتها، {لعلي آتيكم منها بقبس} [طه: 10] القبس: شعلة من نار ~~يقبسها من معظم النار، {أو أجد على النار هدى} [طه: 10] قال ابن عباس: من ~~يدل على الطريق. # وقال مجاهد: هاديا يهدي إلى الطريق. # قال الفراء: أراد هاديا فذكره # PageV03P201 # بلفظ المصدر. # قال السدي: لأن النار لا تخلو من أهل لها وناس عندها. # {فلما أتاها نودي يا موسى {11} إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد ~~المقدس طوى {12} وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى {13} إنني أنا الله لا إله ~~إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري {14} إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى ~~كل نفس بما تسعى {15} فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى {16} ~~} [طه: 11-16] {فلما أتاها} [طه: 11] قال ابن عباس: لما توجه نحو النار، ~~فإذا النار في شجرة عناب، فوقف متعجبا من حسن ضوء تلك النار، وشدة خضرة تلك ~~الشجرة، فسمع النداء من الشجرة: يا موسى، وهو قوله: {نودي يا موسى ms1134 {11} إني ~~أنا ربك} [طه: 11-12] وقرئ بفتح الألف على معنى نودي بأني، ومن كسر ~~فالمعنى: نودي فقيل {إني أنا ربك} [طه: 12] قال وهب: نودي من الشجرة، فقيل: ~~يا موسى. # فأجاب سريعا، ما يدري من دعاه، فقال: إني أسمع صوتك ولا أرى مكانك، فأين ~~أنت؟ قال: أنا فوقك ومعك، وأمامك وخلفك، وأقرب إليك من نفسك. # فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لربه عز وجل، فأيقن به، وقوله: {فاخلع نعليك} ~~[طه: 12] روى ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، «كانت نعلا موسى من ~~جلد حمار ميت» . # وهذا قول أكثر المفسرين، قيل لموسى: لا تدخل الوادي وهما عليك. # وقال الحسن: كانتا من جلد بقرة ذكية، ولكن أمر بخلعهما ليباشر تراب الأرض ~~المقدسة، فتناله بركتها. # وهذا قول سعيد بن جبير، وقتادة، ومجاهد، قال: يقول: أفض بقدميك إلى بركة ~~هذا الوادي. # وهو قوله: {إنك بالواد المقدس طوى} [طه: 12] أي المطهر، وقال الوالبي: ~~المقدس المبارك، وذكرنا هذا عند قوله: {الأرض المقدسة} [المائدة: 21] وطوى ~~اسم الوادي في قول جميع المفسرين. # قوله: {وأنا اخترتك} [طه: 13] قال الكلبي: اخترتك برسالتي لكي تقوم ~~بأمري. # {فاستمع لما يوحى} [طه: 13] إليك مني أمره بعبادته. # وأخبره بالتوحيد، فقال: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم ~~الصلاة لذكري} [طه: 14] أي: أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة، كنت في ~~وقتها أو لم تكن. # هذا قول عامة المفسرين، وروي ذلك مرفوعا. ### | 603 - # أخبرنا عمر بن أحمد بن # PageV03P202 # عمر الماوردي، أنا عبد الله الرازي، أنا محمد بن أيوب، أنا هدبة بن خالد، ~~نا همام، نا قتادة، عن أنس، أن نبي الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «من نسي ~~صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها غير ذلك، وقرأ {وأقم الصلاة لذكري} » ~~، رواه مسلم، عن هدبة # قال الحسن: أقم الصلاة لأن تذكرني لأن الصلاة لا تكون إلا بذكر الله. # وهذا قول مجاهد، قال: إذا صلى العبد، ذكر الله. # ثم أخبره بمجيء الساعة، فقال: {إن الساعة} [طه: 15] يعني القيامة، {آتية ~~أكاد أخفيها} [طه: 15] قال أكثر المفسرين: أخفيها ms1135 من نفسي. # وهو قول سعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة. # قال قطرب، والمبرد: هذا على عادة مخاطبة العرب، يقولون إذا بالغوا في ~~كتمان الشيء: كتمته حتى من نفسي، أي: لم أطلع عليه أحدا. # ومعنى الآية أن الله بالغ في إخفاء الساعة، فذكره بأبلغ ما تعرفه العرب. # قال قتادة: هي في بعض القراءة أكاد أخفيها من نفسي ولعمري لقد أخفاها ~~الله من الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين. # قال ابن الأنباري: والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف، لأن الناس إذا ~~لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت. # وقوله: {لتجزى كل نفس بما تسعى} [طه: 15] أي: بما تعمل من خير وشر، ~~واللام في لتجزى متعلقة بقوله: {إن الساعة آتية} [طه: 15] . # {فلا يصدنك} [طه: 16] لا يمنعنك ولا يصرفنك، عنها عن الإيمان، {من لا ~~يؤمن بها} [طه: 16] بأنها آتية، {واتبع هواه} [طه: 16] مراده وخالف أمر ~~الله، {فتردى} [طه: 16] فتهلك. # {وما تلك بيمينك يا موسى {17} قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ~~ولي فيها مآرب أخرى {18} قال ألقها يا موسى {19} فألقاها فإذا هي حية تسعى ~~{20} قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى {21} } [طه: 17-21] {وما تلك ~~بيمينك يا موسى} [طه: 17] قال الزجاج: ما التي بيمينك؟ ومعنى سؤال موسى عما ~~في يده من العصا، التنبيه له عليها ليقع المعجز بها بعد التثبيت فيها، ~~والتأمل لها. # قال موسى: {هي عصاي أتوكأ عليها} [طه: 18] أعتمد عليها إذا مشيت، والتوكؤ ~~التحامل على العصا في المشي، {وأهش بها على غنمي} [طه: 18] قال الفراء: ~~أضرب بها الشجر اليابس ليسقط ورقها فترعاه الغنم. # فقال: هش يهش هشا إذا خبط الشجر. # {ولي فيها مآرب أخرى} [طه: 18] المآرب الحوائج، واحدتها مأربة، ومنه ~~المثل: مأربة لا حفاوة. # وأراد بالمآرب ما يستعمل فيه العصا من السفر. # قال الله: {ألقها يا موسى} [طه: 19] # PageV03P203 # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الأصفهاني، نا أحمد بن محمد بن ~~سريح، نا محمد بن رافع، نا إسماعيل بن عبد الكريم، حدثني عبد الصمد بن ~~معقل، قال: سمعت وهبا يقول: قال ms1136 له الرب: {ألقها يا موسى} [طه: 19] . # فظن موسى أنه يقول: ارفضها، فألقاها على وجه الرفض، ثم حانت منه لفتة، ~~فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون، يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل، ~~فيلقمها، ويطعن بنابه في أصل الشجر العظيمة فيحتها، عيناه توقدان نارا، وقد ~~عاد المحجن عنقا فيه شعر مثل النيازك، فلما عاين ذلك موسى {ولى مدبرا ولم ~~يعقب} [النمل: 10] ثم ذكر ربه، فوقف استحياء منه، ثم نودي ارجع حيث كنت، ~~فرجع وهو شديد الخوف. # {قال خذها} [طه: 21] بيمينك، {ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى} [طه: 21] ~~وعلى موسى حينئذ مدرعة من صوف قد خلها بخلال من عيدان، فلما أمره بأخذها، ~~أوكى طرف الدرعة على يده، فقال ملك: يا موسى، أرأيت لو أذن الله بما تحاذر، ~~أكانت المدرعة تغني عنك شيئا. # قال: لا، ولكني ضعيف، ومن ضعف خلقت وكشف عن يده. # ثم وضعها في فم الحية فإذا يده في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ بين ~~الشعبتين. # قال المفسرون: أراد الله تعالى أن يري موسى ما أعطاه من الآية التي لا ~~يقدر عليها مخلوق لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون، ولا يولي مدبرا. # قوله: {سنعيدها سيرتها الأولى} [طه: 21] قال السدي: نردها عصا كما كانت. # والسيرة الهيئة والحالة، يقال لمن كان على شيء فتركه ثم عاد إليه: عاد ~~إلى سيرته. # قال الزجاج: المعنى سنعيدها إلى سيرتها، فلما حذفت إلى، وصل إليها الفعل ~~فنصبها. # {واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى {22} لنريك من ~~آياتنا الكبرى {23} اذهب إلى فرعون إنه طغى {24} قال رب اشرح لي صدري {25} ~~ويسر لي أمري {26} واحلل عقدة من لساني {27} يفقهوا قولي {28} واجعل لي ~~وزيرا من أهلي {29} هارون أخي {30} اشدد به أزري {31} وأشركه في أمري {32} ~~كي نسبحك كثيرا {33} ونذكرك كثيرا {34} إنك كنت بنا بصيرا {35} } [طه: ~~22-35] قوله: {واضمم يدك إلى جناحك} [طه: 22] قال الفراء، والزجاج: جناح ~~الإنسان عضده إلى أصل إبطه. # وهذا قول مجاهد، قال: كفك تحت عضدك. # وقوله: تخرج بيضاء قال ابن عباس: كان ليده نور ساطع، يضيء ms1137 بالليل والنهار ~~كضوء الشمس والقمر، وأشد ضوءا. # فذلك قوله: {بيضاء من غير سوء} [طه: 22] أي: من غير برص في قول الجميع، ~~قال الليث: ويكنى بالسوء عن البرص. # وقوله: {آية أخرى} [طه: 22] أي: دلالة على صدقك سوى العصا. # {لنريك من آياتنا # PageV03P204 # الكبرى} [طه: 23] أراد الآية الكبرى، قال ابن عباس: كانت يد موسى أكبر ~~آياته. # {اذهب إلى فرعون إنه طغى} [طه: 24] جاوز القدر في العصيان، وذلك أنه خرج ~~في معصيته إلي فتجاوز به معاصي الناس. # {قال رب اشرح لي صدري} [طه: 25] قال ابن عباس: يريد حتى لا أخاف غيرك. # وذلك أنه كان يضيق صدرا بما كلف من مقاومة فرعون وجنده وحده، فسأل الله ~~أن يوسع قلبه للحق حتى يعلم أن أحد لا يقدر على مضرته إلا بإذن الله، وإذا ~~علم ذلك لم يخفف فرعون، وإن اشتدت شوكته وكثر جنوده. # {ويسر لي أمري} [طه: 26] سهل علي ما بعثتني له. # {واحلل عقدة من لساني} [طه: 27] قال ابن عباس: يريد أطلق عن لساني العقدة ~~التي فيه حتى يفهموا كلامي. # وهو قوله: {يفقهوا قولي {28} واجعل لي وزيرا من أهلي {29} } [طه: 28-29] ~~عونا وظهيرا من أهل بيتي، قال الزجاج: اشتقاقه في اللغة من الوزر، وهو ~~الجبل الذي يعتصم به لينجي من التهلكة، والوزير الذي يعتمد الملك على رأيه ~~في الأمور ويلتجئ. # وقوله: {هارون أخي} [طه: 30] مفعول الجعل على تقدير اجعل هارون أخي ~~وزيري. # {اشدد به أزري} [طه: 31] قو ظهري وأعني به، والأزر الظهر. # {وأشركه في أمري} [طه: 32] اجمع بيني وبينه في النبوة، وقرأ ابن عامر ~~أشدد به أزري وأشركه في أمري على الجواب والمجازاة، والوجه الدعاء على ما ~~قرأت به العامة، لأنه معطوف على ما تقدمه من قوله: {رب اشرح لي صدري {25} ~~ويسر لي أمري {26} } [طه: 25-26] فكما أن ذلك كله دعاء، فكذلك ما عطف عليه ~~قوله: {كي نسبحك كثيرا} [طه: 33] قال الكلبي: يقول: نصلي لك كثيرا. # {ونذكرك كثيرا} [طه: 34] بحمدك والثناء عليك، بما أوليتنا من نعمك، ومنيت ~~به علينا من تحميل رسالتك. # {إنك كنت بنا بصيرا} [طه: 35] عالما ms1138 إذ خصصتنا بهذه النعمة. # فاستجاب الله دعاءه: {قال قد أوتيت سؤلك يا موسى {36} ولقد مننا عليك مرة ~~أخرى {37} إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى {38} أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في ~~اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ~~ولتصنع على عيني {39} إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك ~~إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا ~~فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى {40} واصطنعتك لنفسي {41} ~~اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري {42} اذهبا إلى فرعون إنه طغى {43} ~~فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى {44} } [طه: 36-44] {قال قد أوتيت ~~سؤلك يا موسى} [طه: 36] أعطيت ما سألت، وسؤال الإنسان: أمنيته التي يطلبها، ~~فلين الله له صدره، وحل العقدة من لسانه، وبعث معه أخاه هارون. # ثم أخبر بمنته عليه قبل هذا، فقال: {ولقد مننا عليك مرة أخرى} [طه: 37] ~~أي: أحسنا إليك، وأنعمنا عليك قبل هذه المرة. # ثم فسره بقوله: {إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى} [طه: 38] أي: ألهمناها حين ~~عييت بأمرك ما كان فيه سبب نجاتك من القتل، ومعنى ما يوحى: ما يلهم. # ثم فسر ذلك الإيحاء، فقال: {أن اقذفيه في التابوت} [طه: 39] أي: اجعليه ~~فيه بأن ترميه فيه، {فاقذفيه في اليم} [طه: 39] قال ابن عباس: يريد النيل. # واليم البحر، والنهر الكبير، {فليلقه اليم # PageV03P205 # بالساحل} [طه: 39] وهو شط البحر والوادي، {يأخذه عدو لي وعدو له} [طه: ~~39] يعني فرعون، {وألقيت عليك محبة مني} [طه: 39] قال عطاء، عن ابن عباس: ~~لا يلقاك أحد إلا أحبك، لا مؤمن ولا كافر. # وقال عكرمة: حسن وملاحة، فحيث أبصرت وجهه آسية قالت لفرعون: {قرت عين لي ~~ولك} [القصص: 9] وقال قتادة: ملاحة كانت في عين موسى، ما رآه أحد إلا عشقه. # وقال عبيدة: يقول: جعلت لك محبة عند غيري، أحبك فرعون، فسلمت من شره، ~~وأحبتك امرأته آسية، فتبنتك. # {ولتصنع على عيني} [طه: 39] ولتربى وتغذى بمرأى مني، يقال: صنع الرجل ~~جاريته ms1139 إذا رباها، وصنع فرسه إذا داوم على علفه، والقيام عليه. # وتفسير قوله: على عيني بمرأى مني صحيح، ولكن لا يكون لموسى في هذا تخصيص، ~~فإن جميع الأشياء بمرأى من الله، والصحيح في هذا قول قتادة: لتغذى على ~~محبتي وإرادتي. # وهذا القول اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري. # قال أبو عبيدة: لتغذى على محبتي، وما أريد. # والعرب تقول: اتخذ شيئا على عيني، أي: على محبتي. # وقال ابن الأنباري: العين في هذه الآية يقصد بها قصد الإرادة والاختيار، ~~من قول العرب: غذي على عيني، أي على المحبة مني. # والمعنى: ولتصنع على عيني، قدرنا مشي أختك وقولها هل أدلك على من يكفله، ~~لأن هذا كان من أسباب تربية موسى على ما أراد الله. # وهو قوله: {إذ تمشي أختك} [طه: 40] يعني حين قالت لها أم موسى: قصيه. # فاتبعت موسى على أثر الماء، وقوله: {فتقول هل أدلكم} [طه: 40] يعني: حين ~~أبى موسى المراضع، فقالت: هل أدلكم {على من يكفله} [طه: 40] أي: يرضعه ~~ويضمه إليه، فقيل لها: ومن هي؟ قالت أمي. # قالوا: أمك لها لبن. # قالت: لبن أخي هارون. # فأرسلوها، فجاءت بالأم، فقبل ثديها، فذلك قوله: {فرجعناك إلى أمك} [طه: ~~40] أي: رددناك إليها، {كي تقر عينها} [طه: 40] بك وبرؤيتك، وقتلت نفسا ~~يعني: القبطي الذي وكزه موسى فقضى عليه، {فنجيناك من الغم} [طه: 40] من غم ~~مخافة أن تقتل به، خلصناك منه حين هربت إلى مدين، {وفتناك فتونا} [طه: 40] ~~قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير، ومجاهد في رواية ابن أبي نجيح: الفتون ~~وقوعه في محنة بعد محنة، خلصه الله منها، أولها: أن أمه حملته في السنة ~~التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال، ثم إلقاؤه في البحر، ثم منعه الرضاع إلا ~~من ثدي أمه، ثم جره لحية فرعون حتى هم بقتله، ثم تناوله الجمرة بدل الدرة، ~~ثم قتله القبطي، ثم خروجه إلى مدين خائفا يترقب، وكان ابن عباس يقص القصة ~~على سعيد بن جبير، ويقول عند كل بلية: وهذا من الفتون يا ابن جبير. # وعلى هذا معنى فتناك ms1140 خلصناك من تلك المحن # PageV03P206 # كما يفتن الذهب بالنار فيخلص من كل خبث وشائب، والفتون مصدر، وقوله: ~~{فلبثت سنين في أهل مدين} [طه: 40] تقدير الكلام وفتناك فتونا فخرجت إلى ~~أهل مدين فلبثت سنين، ومثل هذا الحذف في التنزيل كثير، قال الفراء: وهو من ~~كلام العرب، أن تجتزئ بحذف كثير من الكلام إذا كان المعنى معروفا. # ومدين بلد شعيب، وكان على ثمان مراحل من مصر، هرب إليها موسى فأقام بها ~~عشر سنين. # قوله: {ثم جئت على قدر يا موسى} [طه: 40] يعني: على رأس أربعين سنة، وهو ~~القدر الذي يوحى فيه إلى الأنبياء، هذا قول المفسرين، والمعنى: على الوعد ~~الذي وعده الله وقدره في علمه أن يوحى إليه بالرسالة، وهو أربعون سنة، وهذا ~~معنى قول محمد بن كعب: ثم جئت على القدر الذي قدرت أن تجيء. # قوله: {واصطنعتك لنفسي} [طه: 41] الاصطناع: اتخاذ الصنيعة، وهو الخير ~~تسديه إلى إنسان، قال ابن عباس: يريد اصطنعتك لوحيي ورسالتي. # والمعنى: لتتصرف على إرادتي ومحبتي، وذلك أن تبلغة الوحي، وقيامه بأداء ~~الرسالة تصرف على إرادة الله ومحبته. # وقال الزجاج: تأويله اخترتك لإقامة حجتي، وجعلتك بيني وبين خلقي، حتى صرت ~~في التبليغ عني بالمنزلة التي أكون أنا بها لو خاطبتهم واحتججت عليهم. # {اذهب أنت وأخوك بآياتي} [طه: 42] قال ابن عباس: يعني الآيات التسع التي ~~بعث بها موسى. # {ولا تنيا} [طه: 42] لا تضعفا، ولا تفترا، يقال: ونى يني إذا ضعف. # {في ذكري} [طه: 42] قال الفراء: في ذكري وعن ذكري سواء. # والمعنى: لا تقصرا في ذكري بالإحسان إليكما والإنعام عليكما، وذكر النعمة ~~شكرها. # {اذهبا إلى فرعون} [طه: 43] تكرير الأمر بالذهاب للتأكيد، {إنه طغى} [طه: ~~43] مر تفسيره. # {فقولا له قولا لينا} [طه: 44] قال ابن عباس، والسدي: كنياه. # واختلفوا في كنيته، فقيل: أبو العباس، وأبو الوليد، وأبو مرة. # وقال مقاتل: يعني بالقول اللين: {هل لك إلى أن تزكى {18} وأهديك إلى ربك ~~فتخشى {19} } [النازعات: 18-19] أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد العزيز ~~المروزي، في كتابه، أنا محمد بن الحسن الحدادي، أنا محمد بن يحيى، أنا ms1141 ~~إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أنا أبو عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: القول ~~اللين أن موسى أتاه فقال له: تسلم وتؤمن بما جئت به، وتعبد رب العالمين على ~~أن لك شبابك فلا تهرم، وتكون ملكا لا ينزع منك حتى تموت، ولا ينزع منك لذة ~~الطعام والشراب والجماع حتى تموت، فإذا مت دخلت الجنة، وكان لا يقطع أمرا ~~دون هامان، وكان غائبا، فقال فرعون: إن لي ذا أمر وهو غائب حتى يقدم. # فلم يلبث أن قدم # PageV03P207 # هامان، فقال له فرعون: أعلمت أن موسى قد دعاني إلى أمر أعجبني، وأخبره ~~بالذي دعاه إليه، وأردت أن أقبله منه، فقال له هامان: قد كنت أرى أن لك ~~رأيا بينا، أنت رب فتريد أن تكون مربوبا، وبينا أنت تعبد فتريد أن تعبد. # فقلبه عن رأيه ذلك فأنبى، قال الشيخ سمعت إسماعيل بن أبي القاسم ~~النصراباذي، سمعت والدي، سمعت أحمد بن محمد الأزرقي، سمعت محمد بن إبراهيم ~~يقول: حضرت مجلس يحيى بن معاذ، وقرأ رجل هذه الآية {فقولا له قولا لينا} ~~[طه: 44] فبكى يحيى، ثم قال: إلهي، هذا رفقك بمن يقول أنا إله، فكيف رفقك ~~بمن يقول: أنت إلهي، إن قول إلا إله إلا الله يهدم كفر خمسين سنة، فما تصنع ~~بذنوب خمسين سنة. # وقوله: {لعله يتذكر أو يخشى} [طه: 44] أي: ادعواه على الرجاء والطمع، لا ~~على اليأس من فلاحه، فوقع التعبد لهما على هذا الوجه، لأنه أبلغ لهما في ~~دعائه إلى الحق، وقد كشف الزجاج عن هذا المعنى، فقال: المعنى في هذا عند ~~سيبويه: اذهبا على رجائكما وطمعكما، والعلم من الله قد أتي من وراء ما ~~يكون، وإنما تبعث الرسل وهم يرجون ويطمعون أن يقبل منهم. # وقال ابن الأنباري: مذهب الفراء في هذا: كي يتذكى أو يخشى في تقديركما، ~~وما تمضيان عليه. # {قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى {45} قال لا تخافا إنني ~~معكما أسمع وأرى {46} فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ~~ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك ms1142 والسلام على من اتبع الهدى {47} إنا قد ~~أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى {48} } [طه: 45-48] {قالا ربنا إننا ~~نخاف أن يفرط علينا} [طه: 45] أن يبادر ويعجل بعقوبتنا، يقال: فرط فلان إذا ~~عجل بمكروه، وفرط منه أمر، أي بدر وسبق. # وقوله: {أو أن يطغى} [طه: 45] أي: يتجاوز الحد في الإساءة بنا. ### | 604 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن حمدان العدل، أنا علي بن الحسن بن جعفر ~~الرصافي، أنا إبراهيم بن محمد القرشي، أنا سالم بن جندة، نا أبي، عن عبيد ~~الله بن عمر، عن عتبة، عن أبيه، عن جده، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أحدكم على سلطان يخاف تغطرسه؛ ~~فليقل: اللهم إني أعوذ بك من شر فلان وأحزابه؛ أن يفرط علي أحد منهم، أو أن ~~يطغى، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك # {قال لا تخافا إنني معكما} [طه: 46] بالنصرة والعون، {أسمع وأرى} [طه: ~~46] قال ابن عباس: أسمع دعاءكما فأجيبه، وأرى ما يراد بكما فأمنعه. # والمعنى: لست بغافل عنكما فلا تهتما. # {فأتياه فقولا إنا رسولا ربك} [طه: 47] أرسلنا إليك، {فأرسل معنا بني ~~إسرائيل} [طه: 47] أي: خل عنهم، {ولا تعذبهم} [طه: 47] وكان فرعون يستعملهم ~~في الأعمال الشاقة، {قد جئناك بآية # PageV03P208 # من ربك} [طه: 47] يعني العصا، وقيل اليد، {والسلام على من اتبع الهدى} ~~[طه: 47] قال الزجاج: ليس يراد به التحية، وإنما معناه أن من اتبع الهدى ~~سلم من عذاب الله. # يدل على هذا المعنى قوله: {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب ~~وتولى} [طه: 48] أي: إنما يعذب من كذب بما جئنا به وأعرض عنه، فأما من ~~اتبعه، فإنه يسلم من العذاب، فأتيا فرعون وبلغاه الرسالة. # {قال فمن ربكما يا موسى {49} قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى {50} ~~قال فما بال القرون الأولى {51} قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ~~ينسى {52} } [طه: 49-52] قال فرعون: {فمن ربكما يا موسى} [طه: 49] من ~~إلهكما الذي أرسلكما؟ {قال ربنا الذي أعطى ms1143 كل شيء خلقه} [طه: 50] أي: ~~صورته، خلق كل جنس من الحيوان على صورة أخرى، فلم يجعل خلق الإنسان كخلق ~~البهائم، ولا خلق البهائم كخلق الإنسان. # {ثم هدى} [طه: 50] والمعنى: ثم هداه لما يصلحه من مطعمه ومشربه ومنكحه ~~إلى غير ذلك، والاحتجاج على فرعون من هذا الجواب، أنه قد ثبت خلق وهداية ~~للخلائق، ولا بد لها من خالق وهاد، وذلك الخالق والهادي هو الرب لا رب ~~غيره. # فلما دعاه إلى دين الله واتباع الهدى، قال له فرعون: {فما بال القرون ~~الأولى} [طه: 51] معنى البال: الحال والشأن، والمعنى: ما حالها، فإنها لم ~~تقر بالله، وبما تدعوا إليه، ولكنها عبدت الأوثان. # ويعني بالقرون الأولى: الأمم المتقدمة، مثل قوم نوح، وعاد، وثمود. # قال موسى: {علمها عند ربي} [طه: 52] قال الزجاج: أي أعمالهم محفوظة عند ~~الله، يجازي بها. # والتقدير علم أعمالها عند ربي، {في كتاب} [طه: 52] قال الكلبي: يعني ~~اللوح المحفوظ. # والمعنى أن أعمالهم مكتوبة مثبتة عليهم، أي أنهم يجازون بما عملوا، وأنت ~~تجازى بما تعمل. # وقوله: {لا يضل ربي ولا ينسى} [طه: 52] تأكيد وتحقيق للجزاء بالأعمال، ~~أي: لا يخطئ ربي ولا يتسرع ما كان من أمرهم حتى يجازيهم بأعمالهم. # قال السدي: لا يغفل ولا يترك شيئا. # وأصل الضلال في اللغة الغيبوبة، يقال: ضل الماء في اللبن، وضل الكافر عن ~~المحجة، وضل الناس إذا غاب عنه حفظه، ومعنى {لا يضل ربي ولا ينسى} [طه: 52] ~~عن شيء، ولا يغيب عنه شيء. # ثم زاد في الأخبار عن الله، وبيان وصفه، فقال: {الذي جعل لكم الأرض مهدا ~~وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ~~{53} كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى {54} منها خلقناكم ~~وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى {55} } [طه: 53-55] الذي جعل لكم ~~الأرض مهادا وقرئ مهدا وهو مصدر كالفراش، والمهاد مثل الفراش والبساط، وهما ~~اسم ما يفرش ويبسط، {وسلك لكم فيها سبلا} [طه: 53] والسلك إدخال الشيء في ~~الشيء، والمعنى: أدخل في الأرض لأجلكم طرفا تسلكونها، كما قال ابن ms1144 عباس: ~~سهل لكم فيها طرقا. # {وأنزل من السماء} [طه: 53] # PageV03P209 # يعني المطر، وتم الإخبار عن موسى، ثم أخبر الله تعالى عن نفسه متصلا ~~بالكلام الأول بقوله: فأخرجنا به بذلك الماء، {أزواجا من نبات شتى} [طه: ~~53] قال ابن عباس: أصنافا من النبات مختلفة: أبيض، وأحمر، وأخضر، وأصفر، ~~وكل لون منها زوج. # ولا واحد لشتى من لفظه. # كلوا أي: مما أخرجنا بالمطر من النبات والثمار، {وارعوا أنعامكم} [طه: ~~54] يقال: رعت الماشية الكلأ رعيا، ورعاها صاحبها رعاية إذا أسرحها في ~~المراعي. # والمعنى: أسيموا مواشيكم فيما انبتناه بالمطر، ومعنى هذا الأمر التذكير ~~بالنعمة، {إن في ذلك} [طه: 54] مما ذكر، {لآيات لأولي النهى} [طه: 54] لذوي ~~العقول الذين يتناهون بعقولهم عن معاصي الله، وإنما خص أولي النهي لأنهم ~~أهل التفكر والاعتبار. # قوله: منها أي: من الأرض، وجرى ذكرها في قوله: {جعل لكم الأرض} [طه: 53] ~~، {خلقناكم} [طه: 55] يعني: آدم خلق من الأرض، والبشر كلهم منه، {وفيها ~~نعيدكم} [طه: 55] بعد الموت، {ومنها نخرجكم تارة أخرى} [طه: 55] عند البعث، ~~كما أخرجكم أولا عند خلق آدم من الأرض. # {ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى {56} قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا ~~بسحرك يا موسى {57} فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه ~~نحن ولا أنت مكانا سوى {58} قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى {59} ~~} [طه: 56-59] {ولقد أريناه} [طه: 56] يعني فرعون، {آياتنا كلها} [طه: 56] ~~يعني: الآيات التسع، {فكذب} [طه: 56] نسب جميعها إلى الكذب، وأبى أن يقبل ~~التوحيد، ونسب إلى موسى السحر. # وهو قوله: {قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا} [طه: 57] يعني مصر، {بسحرك يا ~~موسى} [طه: 57] تريد أن تغلب على ديارنا بسحرك فتملكها وتخرجنا منها. # {فلنأتينك بسحر مثله} [طه: 58] فلنقابلن ما جئتنا به من السحر بسحر مثله، ~~{فاجعل بيننا وبينك موعدا} [طه: 58] مكانا لا يقع منا خلاف في حضوره، تعد ~~لحضورنا ذلك المكان، {لا نخلفه نحن ولا أنت} [طه: 58] ثم بين ذلك، فقال: ~~مكانا سوى وقرئ {سوى} [طه: 58] بضم السين، والمعنى: مكانا تستوي مسافته على ~~الفريقين، فتكون مسافة كل فريق إليه كمسافة الفريق ms1145 الآخر، وهذا معنى قول ~~المفسرين، قال قتادة: نصفا. # وقال مقاتل: عدلا بيننا وبينك. # وقال مجاهد: منصفا. # فواعده موسى يوما معلوما، ويوما ووقتا معلوما، وهو قوله: {قال موعدكم يوم ~~الزينة} [طه: 59] قال مجاهد، وقتادة، والسدي: كان ذلك يوم عيد لهم يتزينون ~~فيه. # وقال سعيد بن جبير: كان ذلك يوم عاشورا. # {وأن يحشر الناس ضحى} [طه: 59] يعني: ضحى ذلك اليوم، ويريد بالناس أهل ~~مصر، يقول: يحشرون إلى ضحى العيد ضحى، فينظرون إلى أمري وأمرك. # قال الفراء: يقول: إذا رأيت الناس يحشرون من كل ناحية ضحى فذلك الموعد. # قال: وجرت عادتهم بحشر الناس في ذلك اليوم. # {فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى {60} قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على ~~الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى {61} فتنازعوا أمرهم بينهم ~~وأسروا النجوى {62} قالوا إن هذان لساحران يريدان # PageV03P210 # أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى {63} فأجمعوا كيدكم ~~ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى {64} } [طه: 60-64] فتولى فرعون قال ~~مقاتل: أعرض عن الحق، وعما يلزمه من الطاعة. # فجمع كيده مكره وحيلته، وذلك جمعه السحرة، ثم أتى حضر الموعد. # {قال لهم موسى} [طه: 61] أي: للسحرة الذين جمعهم فرعون، ويلكم ألزمكم ~~الله الويل، {لا تفتروا على الله كذبا} [طه: 61] قال ابن عباس: لا تشركوا ~~بالله أحدا، {فيسحتكم بعذاب} [طه: 61] ويقرأ بضم الياء يقال: سحته الله، ~~وأسحته إذا استأصله وأهلكه. # قال ابن عباس، ومجاهد: فيهلككم. # وقال قتادة: فيستأصلكم. # {وقد خاب من افترى} [طه: 61] قال ابن عباس: خسر من ادعى مع الله إلها ~~آخر. # وقال قتادة: خسر من كذب على الله ونسب إليه باطلا. # قوله: {فتنازعوا أمرهم بينهم} [طه: 62] تناظروا في أمر موسى وتشاوروا، ~~يعني السحرة، سرا من فرعون، فقالوا: إن غلبنا موسى اتبعناه. # وهذا القول اختيار الفراء، والزجاج. # وقال محمد بن إسحاق: لما قال لهم موسى: {لا تفتروا على الله كذبا} [طه: ~~61] قال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر. # ثم قالوا وأسر بعضهم إلى بعض يتناجون: {إن هذان لساحران} [طه: 63] يعنون ~~موسى وهارون، قال ابن عباس ms1146 في رواية عطاء: هي لغة بلحرث بن كعب، يعني قوله: ~~{إن هذان} [طه: 63] . # وإجماع النحويين إن هذا لغة حارثية، وذلك أن بلحرث بن كعب، وخثعم، ~~وزبيرا، وقبائل من اليمن يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على ~~لفظ واحد، يقولون: أتاني الزيدان، ومررت بالزيدان، وذلك أنهم يقلبون كل ياء ~~ساكنة انفتح ما قبلها ألفا، فعاملوا ياء التثنية أيضا هذه المعاملة، كما ~~قال قائلهم: # أي قلوص راكب تراها ... طاروا علاهن فطر علاها # وهذه ليست ياء التثنية، ولكن لما كانت اللام في عليها مفتوحة، قلبوها ~~ألفا، وحكى هذه اللغة جميع النحويين، وقرأ أبو عمرو إن هذين بالياء، بخلاف ~~المصحف، واحتجاجه في ذلك بما روي أنه غلط من الكاتب، وأن في الكتاب غلط ~~ستقيمه العرب بألسنتها. # وقال الزجاج: لا أجيز هذه القراءة لأنها خلاف المصحف، ولا أجيز مخالفته ~~لأن اتباعه سنة. # وقرأ ابن كثير {إن هذان} [طه: 63] بتخفيف إن على معنى: ما هذان إلا ~~ساحران، وإن إذا خففت كان الوجه أن يرفع الاسم بعدها، # PageV03P211 # واستحسن الزجاج هذه القراءة، قال: وكان الخليل يقرأ بهذه القراءة. # والإجماع أنه لم يكن أحد أعلم بالنحو من الخليل، # PageV03P212 # وقوله: {يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما} [طه: 63] تقدم تفسيره، ~~{ويذهبا بطريقتكم المثلى} [طه: 63] قال الفراء: العرب تقول هؤلاء طرقة ~~قومهم وطرائق قومهم لا طراقهم. # والمثلى: تأنيث الأمثل، وهو الأفضل، يقال: فلان أمثل قومه، أي أفضلهم، ~~وهم الأماثل. # روي الشعبي، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في هذه الآية، قال: يصرفا ~~وجوه الناس إليهما. # والمعنى أن يغلبا بسحرهما فيميل إليهما السادة والأشراف منكم، وقال ~~قتادة: طريقتكم المثلى يومئذ بنو إسرائيل كانوا أكثر القوم عدة وأموال، ~~فقالوا: إنما يريدون أن يذهبا بهما لأنفسهما. # وهذا قول أكثر المفسرين، وقال ابن زيد: ويذهبا بالطريقة التي أنتم عليها ~~في السيرة. # واختاره أبو عبيدة، فقال: {بطريقتكم المثلى} [طه: 63] بسنتكم ودينكم وما ~~أنتم عليه. # ثم تواصوا فيما بينهم، فقالوا: {فأجمعوا كيدكم} [طه: 64] قال الفراء: ~~الإجماع الإحكام، والعزيمة على الشيء، تقول: أجمعت الخروج، وعلى الخروج ms1147، ~~مثل أزمعته. # وقرأ أبو عمرو فاجمعوا موصولا من الجمع، وحجته قوله: {فجمع كيده} [طه: ~~60] والمعنى: لا تدعوا من كيدكم شيئا إلا جئتم به، استظهارا للمبالغة في ~~سحرهم. # {ثم ائتوا صفا} [طه: 64] أي: مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأموركم، وأشد ~~لهيبتكم، وهذا معنى قول ابن عباس والمفسرين. # وقال أبو عبيدة: الصف موضع المجمع، ويسمى المصلى الصف. # وقال الزجاج: وعلى هذا معناه: ثم ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم ~~وصلاتكم، يقال: أتيت الصف، بمعنى أتيت المصلى، {وقد أفلح اليوم من استعلى} ~~[طه: 64] قال ابن عباس: قد سعد اليوم من غلب، ومعنى استعلى: علا بالغلبة. # {قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى {65} قال بل ألقوا ~~فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى {66} فأوجس في نفسه خيفة ~~موسى {67} قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى {68} وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا ~~إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى {69} فألقي السحرة سجدا قالوا ~~آمنا برب هارون وموسى {70} } [طه: 65-70] {قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما ~~أن نكون أول من ألقى} [طه: 65] أي: اختر أحد هذين، والمراد بالإلقاء إلقاء ~~العصي على الأرض، وكانت السحرة معهم عصا، وكان موسى قد ألقى عصاه يوم دخل ~~على فرعون، فلما أراد السحرة معارضته قالوا له هذا القول. # قال موسى: {بل ألقوا} [طه: 66] أمرهم بالإلقاء أولا، لتكون معجزته أظهر ~~إذا ألقوا هم ما معهم، ثم يلقي هو عصاه، فتبتلع ذلك، وقوله: {فإذا حبالهم ~~وعصيهم} [طه: 66] قال عطاء: كان عدد السحرة سبعين ألف رجل، مع # PageV03P213 # كل رجل عصا وحبل غليظ مثل حبال السفر. # وقال عكرمة: كانوا تسع مائة. # وقال محمد بن إسحاق كانوا خمسة عشر ألف. # {يخيل إليه} [طه: 66] إلى موسى، {من سحرهم أنها تسعى} [طه: 66] قال ~~الكلبي: خيل إلى موسى أنها حيات كلها، وأنها تسعى على بطنها. # يقال: خيل إليه إذا شبهه له، أدخل عليه التهمة والشبهة. # {فأوجس في نفسه خيفة موسى} [طه: 67] أي: أحس ووجد خوفا، لأن سحرهم كان من ~~جنس ما ms1148 أراهم في العصا، فخاف أن يلتبس الناس على أمره ولا يؤمنوا به. # فقال الله: {قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى} [طه: 68] عليهم بالظفر والغلبة. # {وألق ما في يمينك} [طه: 69] يعني العصى، {تلقف ما صنعوا} [طه: 69] قال ~~الزجاج: القراءة بالجزم جواب الأمر، ويجوز الرفع على معنى الحال، كأنه قال: ~~ألقها متلقفة. # {إنما صنعوا كيد ساحر} [طه: 69] أي: إن الذي صنعوه كيد ساحر. # وقرئ كيد سحر والمعنى: كيدا من سحر، كما قالوا: قميص حرير، وجوبة خز. # {ولا يفلح الساحر حيث أتى} [طه: 69] قال ابن عباس: ولا يسعد الساحر حيث ~~ما كان. # وروى جندب بن عبد الله البجلي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ~~إذا رأيتم الساحر فاقتلوه، ثم قرأ: {ولا يفلح الساحر حيث أتى} [طه: 69] ~~قال: لا يأمن حيث وجد ". # {قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن ~~أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا ~~وأبقى {71} قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما ~~أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا {72} إنا آمنا بربنا ليغفر لنا ~~خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى {73} } [طه: 71-73] وما ~~بعد هذا مفسر في { [الأعراف إلى قوله:] إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} ~~[سورة طه: 71] قال ابن عباس: يريد معلمكم. # قال الكسائي: الصبي بالحجاز، إذا جاء من عند معلمه، قال: جئت من عند ~~كبيري. # وقال محمد بن إسحاق: إنه لعظيم السحار، والكبير في اللغة الرئيس، ولهذا ~~يقال للمعلم الكبير. # وقوله: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} [طه: 71] في بمعنى على، كقوله: {أم لهم ~~سلم يستمعون فيه} [الطور: 38] أي عليه. # ولتعلمن أيها السحرة، {أينا أشد عذابا} [طه: 71] لكم، وأبقى وأدوم، أنا ~~على إيمانكم، أو رب موسى على ترككم الإيمان به. # {قالوا لن نؤثرك} [طه: 72] لن نفضلك ولن نختارك، {على ما جاءنا من ~~البينات} [طه: 72] قال مقاتل: يعني اليد والعصا. # وقال عكرمة، والقاسم بن أبي بزة: هو أنهم ما رفعوا رءوسهم حيث خروا # PageV03P214 # سجدا ms1149، حتى رأوا الجنة والنار، ورأوا منازلهم في الجنة التي إليها يصيرون، ~~وقوله: {والذي فطرنا} [طه: 72] ذكر الفراء، والزجاج فيه وجهين: أحدهما لن ~~نؤثرك على الله الذي خلقنا، والثاني أنه قسم. # {فاقض ما أنت قاض} [طه: 72] فاصنع ما أنت صانع، {إنما تقضي هذه الحياة ~~الدنيا} [طه: 72] قال ابن عباس: إنما سلطانك وملكك في هذه الدنيا، فأما ~~الآخرة فليس لك فيها حظ ولا سلطان. # {إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا} [طه: 73] قال ابن عباس: يريد الشرك ~~الذي كنا فيه. # {وما أكرهتنا عليه من السحر} [طه: 73] قال ابن عباس: إن فرعون كان يكره ~~الناس على تعلم السحر. # وذكر في التفسير أنه أكره السحرة على معارضة موسى بالسحر. # {والله خير وأبقى} [طه: 73] قال محمد بن إسحاق: خير منك ثوابا وأبقى ~~عقابا. # وقال محمد بن كعب: خير منك ثوابا إن أطيع، وأبقى عذابا منك إن عصي. # وهذا جواب قوله: {ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى} [طه: 71] وههنا انتهى ~~الإخبار عن السحرة. # {إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى {74} ومن يأته ~~مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى {75} جنات عدن تجري من ~~تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى {76} } [طه: 74-76] قول الله ~~تعالى: {إنه من يأت ربه مجرما} [طه: 74] قال ابن عباس في رواية الضحاك: ~~المجرم الكافر. # وقال في رواية عطاء: يريد الذي أجرم وفعل مثل ما فعل فرعون. # {فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى} [طه: 74] أي: لا يموت فيستريح، ولا ~~يحيا حياة تنفعه. # قال المبرد: لا يموت ميتة مريحة ولا يحيا حياة تنفعه، فهو يألم كما يألم ~~الحي، ويبلغ به حالة الموت في المكروه إلا أنه لا يبطل فيها عن إحساس ~~الألم، والعرب تقول: فلان لا حي ولا ميت إذا كان غير منتفع بحياته، وأنشد ~~ابن الأنباري في مثل هذا المعنى: # ألا ما لنفس لا تموت فينقضي ... شقاها ولا تحيا حياة لها طعم # {ومن يأته مؤمنا} [طه: 75] مصدقا بما جاء من عند الله، {قد عمل الصالحات ms1150} ~~[طه: 75] قال ابن عباس: قد أدى الفرائض. # {فأولئك لهم الدرجات العلى} [طه: 75] يعني: درجات الجنة، وبعضها أعلى من ~~بعض، والعلى جمع العليا، وهو تأنيث الأعلى. ### | 605 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي، أنا عبد الله بن محمد بن ~~عبد الوهاب القرشي، أنا محمد بن أيوب، نا مسلم بن إبراهيم، نا مالك بن ~~مغول، نا عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله، صلى الله ~~عليه وسلم: «إن أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم كأضوإ كوكب دري، ~~وإن أبا بكر وعمر منهم» # قوله: {ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر ~~يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى {77} # PageV03P215 # فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم {78} وأضل فرعون قومه وما ~~هدى {79} } [طه: 77-79] {ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي} [طه: 77] أي: ~~سر بهم ليلا من أرض مصر، {فاضرب لهم طريقا في البحر} [طه: 77] اجعل لهم ~~طريقا في البحر بالضرب بالعصا، يبسا لا نداوة فيه ولا بلل يابسا، وذلك أن ~~الله تعالى أيبس لهم ذلك الطريق حتى لم يكن فيها ماء وطين، {لا تخاف دركا} ~~[طه: 77] أي: لا تخاف أن يدركك فرعون من خلفك، ولا تخشى من البحر غرقا، ~~وقرأ حمزة لا تخف جزما على النهي له من الخوف، معناه: لا تخف أن يدركك ~~فرعون، واستأنف قوله: ولا تخشى على معنى: وأنت لا تخشى، كقوله: {يولوكم ~~الأدبار ثم لا ينصرون} [آل عمران: 111] . # {فأتبعهم فرعون بجنوده} [طه: 78] أتبع ههنا مطاوع متعد من تبع، والباء في ~~بجنوده زيادة، والمعنى: أمرهم أن يتبعوا موسى وقومه، وكان هو أيضا في ~~جنوده، فغشيهم علاهم وسترهم، {من اليم ما غشيهم} [طه: 78] قال ابن ~~الأنباري: يعني: البعض الذي غشيهم. # لأنه لم يغشهم كل مائة، بل الذي غشيهم بعضه، فقال الله تعالى: الذي ~~غشيهم، ليدل على أن الذي غرقهم بعض الماء. # قوله: {وأضل فرعون قومه} [طه: 79] يعني: حين دعاهم إلى عبادته، وما هدى ~~وما أرشدهم حين أوردهم مواقع الهلكة، وهذا تكذيب ms1151 له في قوله: {وما أهديكم ~~إلا سبيل الرشاد} [غافر: 29] . # ثم ذكر الله منته على بني إسرائيل، فقال: {يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من ~~عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى {80} كلوا من ~~طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد ~~هوى {81} وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى {82} } [طه: 80-82] ~~{يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم} [طه: 80] يعني فرعون، غرقه بمرأى ~~منهم، {وواعدناكم جانب الطور الأيمن} [طه: 80] وهو أن الله تعالى وعد موسى ~~بعد أن أغرق فرعون ليأتي جانب الطور الأيمن فيؤتيه التوراة فيها بيان ما ~~يحتاجون إليه، {ونزلنا عليكم المن والسلوى} [طه: 80] يعني في التيه، وهذا ~~مخاطبته لمن كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود. # قوله: كلوا أي: وقلنا لهم كلوا، {من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه} ~~[طه: 81] أي: لا تنظروا فيما أنعمت عليكم فتتظالموا، وقال الكلبي: لا ~~تجحدوا نعمة الله فتكونوا طاغين. # {فيحل عليكم غضبي} [طه: 81] تجب لكم عقوبتي، وقرئ فيحل، {ومن يحلل} [طه: ~~81] بالكسر والضم، قال الفراء: الكسر أحب إلي من الضم، لأنه من الحلول ~~بمعنى الوقوع، ويحل الكسر يجب، وجاءني التفسير بالوجوب لا بالوقوع. # هذا كلامه، أو يحل بالكسر، من قولهم: حل الشيء يحل حلا وحلالا إذا انحلت ~~عنه عقدة التحريم، وزال عنه الحظر، وذلك أنهم ما لم يطغوا كان العذاب ~~ممنوعا محظورا عنهم، فإذا طغوا ارتفع ذلك الحظر، فحل لهم العذاب، وقوله: ~~فقد هوى أي: هلك وسقط في النار، يقال: هوى يهوي هويا إذا وقع في مهواه. # PageV03P216 # قوله: {وإني لغفار لمن تاب} [طه: 82] قال ابن عباس: تاب من الشرك. # {وآمن} [طه: 82] وحد الله وصدقه، {وعمل صالحا} [طه: 82] أدى فرائض الله، ~~{ثم اهتدى} [طه: 82] قال عطاء، عن ابن عباس: علم أن ذلك توفيق من الله له. # قال في رواية أبي صالح: علم أن لهذا ثوابا. # وهو قول الثوري، والشعبي، ومقاتل، وقال قتادة: ثم لزم الإسلام حتى يموت ~~عليه. # وهذا اختيار الزجاج، لأنه ms1152 يقول: ثم أقام إيمانه. # أخبرنا أبو نصر الجوزقي، أنا بشر بن أحمد المهرجاني، أنا أحمد بن علي، نا ~~أبو سعيد الأشج، نا عبد الله بن خراش، عن العوام بن حوشب، عن سعيد بن جبير ~~ثم اهتدى، قال: لزم السنة والجماعة. # {وما أعجلك عن قومك يا موسى {83} قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب ~~لترضى {84} قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري {85} فرجع موسى ~~إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم ~~العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي {86} قالوا ما ~~أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى ~~السامري {87} فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي ~~{88} أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا {89} } [طه: ~~83-89] قوله: {وما أعجلك عن قومك يا موسى} [طه: 83] قال المفسرون: كانت ~~المواعدة أن يوافي موسى وجماعة من وجوه قومه، فسار موسى بهم، ثم عجل من ~~فيهم شوقا إلى ربه، وخلف السبعين ليلحقوا به، فقال الله: ما الذي حملك على ~~العجلة حتى خلفت قومك وخرجت من بينهم. # {قال هم أولاء على أثري} [طه: 84] هم بالقرب مني، يأتون بعدي، {وعجلت ~~إليك رب لترضى} [طه: 84] قال الكلبي: ليزداد رضا. # قال الله تعالى: {فإنا قد فتنا قومك} [طه: 85] قال الزجاج: ألقيناهم في ~~فتنة ومحبة. # وقال ابن الأنباري: صيرناهم مفتونين أشقياء بعبادة العجل، لما سبق لهم في ~~حكمتنا، {من بعدك} [طه: 85] من بعد انطلاقك من بينهم، {وأضلهم السامري} ~~[طه: 85] قال عطاء، عن ابن عباس: يريد أن الضلالة كانت على يد السامري. # يعني أنه كان سبب إضلالهم، وقال الكلبي: صرفهم السامري إلى عبادة العجل. # قال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: كان السامري من أهل باجربي، وقع بأرض ~~مصر، فدخل في بني إسرائيل، وكان من قوم يعبدون البقر، وكان حب عبادة البقر ~~في نفسه. # وقوله: {فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا} [طه: 86] حزينا بما فعلوا ms1153، تقدم ~~تفسيره في { [الأعراف،] قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا} [سورة طه: ~~86] صدقا لإثبات الكتاب، {أفطال عليكم العهد} [طه: 86] مدة مفارقتي إياكم، ~~{أم أردتم أن يحل} [طه: 86] يجب، {عليكم غضب من ربكم} [طه: 86] بعبادتكم ~~العجل، والمعنى: أم أردتم أن تصنعوا صنيعا يكون سبب غضب ربكم، {فأخلفتم ~~موعدي} [طه: 86] ما وعدتموه لي من حسن الخلافة بعدي، بيان هذا قوله: {بئسما ~~خلفتموني من بعدي} [الأعراف: 150] . # فقال الذين لم يعبدوا العجل: {قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا} [طه: 87] ~~أي: ونحن نملك من أمرنا شيئا، أي: لم نطق رد عبدة العجل من عظيم ما ~~ارتكبوا، لكثرتهم وقلتنا، وجاء في الرواية أن الذين لم يعبدوا العجل كانوا ~~اثني عشر ألفا، وافتتن الباقون بالعجل، وكانوا # PageV03P217 # جميعا ست مائة ألف، وأكثر القراءة بالكسر في بملكنا والمعنى: بملكنا ~~أمرنا، ومن قرأ {بملكنا} [طه: 87] بفتح الميم، فهو المصدر الحقيقي، يقال: ~~ملكت الشيء أملكه ملكا، والملك ما ملك، ومن قرأ بضم الميم فمعناه بقدرتنا ~~وسلطاننا، أي: لم نقدر على ردهم، ثم ذكروا قصة اتخاذ العجل، فقالوا: ولكنا ~~حملنا أوزارا من زينة القوم أي: أثقالا وأحمالا، قال قتادة: كانت حليا ~~تعوروها من آل فرعون، فساروا وهي معهم. # وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، والسدي: أن الأوزار هي الأحمال، وزينة القوم ~~حلي آل فرعون، استعاره بنو إسرائيل قبل خروجهم من مصر فبقي في أيديهم، وكان ~~موسى أمرهم بذلك. # وقرئ {حملنا} [طه: 87] بالتشديد وضم الحاء، والمعنى: جعلونا نحملها، قال ~~أبو عبيدة: الوجه القراءة الأولى، لأن التفسير قد جاء أنهم حملوا معهم ما ~~كان في أيديهم من حلي آل فرعون. # وقوله: {فقذفناها} [طه: 87] قال السدي: قال هارون لهم الحلي غنيمة، ولا ~~تحل لكم الغنيمة، فاحفروا لها حفرة، فاطرحوها فيها حتى يرجع موسى فيقضي ~~فيها. # فذلك قوله: {فقذفناها} [طه: 87] أي: طرحناها في الحفيرة، وقال سعيد بن ~~جبير، عن ابن عباس: أوقد لهم هارون نارا وقال: اقذفوا ما كان معكم فيها. # فجعلوا يأتون معهم من الحلي فيقذفونه فيها حتى انسكبت الحلي فيها، ثم ~~ألقى السامري ما ms1154 كان معه من تربة حافر فرس جبريل، قال قتادة: وقد كان في ~~طرف عمامته قبضة من أثر فرس جبريل يوم جاوز ببني إسرائيل فقدفها فيه. # وهو قوله: {فكذلك ألقى السامري} [طه: 87] يعني: ما كان معه من التراب. # {فأخرج لهم عجلا جسدا} [طه: 88] قال عطاء، عن ابن عباس: يريد لحما ودما ~~له خوار كما يخور الحي من العجول. # وقال قتادة: جعل يخور خوار البقرة. # وقال الحسن: صور بقرة صاغها من الحلي التي كان معهم، ثم ألقي على فرس ~~جبريل فانقلب حيوانا يخور. # {فقالوا هذا إلهكم وإله موسى} [طه: 88] يعني: قال السامري ذلك ومن تابعه ~~ممن افتتن بالعجل، قال سعيد بن جبير: عكفوا عليه وأحبوه حبا لم يحبوه شيئا ~~قط. # وقوله: {فنسي} [طه: 88] قال السدي: يقول: ترك موسى إلهه ههنا وذهب يطلبه. # وقال قتادة: يقول: إن موسى إنما طلب هذا ولكنه نسيه وخالفه في طريق آخر. # فعيرهم الله تعالى بصنيعهم، وقال موبخا: {أفلا يرون ألا # PageV03P218 # يرجع إليهم قولا} [طه: 89] أنه لا يرجع إليهم قولا، أي: لا يرد لهم ~~جوابا، كما قال: {ألم يروا أنه لا يكلمهم} [الأعراف: 148] . # {ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا} [طه: 89] توبيخ لهم، إذ عبدوا من لا يملك ضر ~~من ترك عبادته، ولا نفع عنده. # {ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن ~~فاتبعوني وأطيعوا أمري {90} قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ~~{91} } [طه: 90-91] {ولقد قال لهم هارون من قبل} [طه: 90] أي: من قبل أن ~~يأتي موسى لما رأى ما وقعوا فيه، {يا قوم إنما فتنتم به} [طه: 90] ابتليتم ~~به، {وإن ربكم الرحمن} [طه: 90] لا العجل، فاتبعوني في عبادته، {وأطيعوا ~~أمري} [طه: 90] لا أمر السامري. # فعصوه و {قالوا لن نبرح عليه عاكفين} [طه: 91] لن نزال مقيمين على عبادة ~~العجل، {حتى يرجع إلينا موسى} [طه: 91] . # فلما رجع موسى: {قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا {92} ألا تتبعن ~~أفعصيت أمري {93} قال يابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول ms1155 ~~فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي {94} } [طه: 92-94] {قال يا هارون ما ~~منعك إذ رأيتهم ضلوا} [طه: 92] بعبادة العجل. # ألا تتبعن لا زائدة، أي: ما منعك من اتباعي واللحوق بي، أفعصيت أمري إذ ~~أقمت فيما بينهم وقد كفروا. # ثم أخذ برأس أخيه ولحيته غضبا منه عليه {قال يابن أم} [طه: 94] قرئ ~~بالفتح والكسر، ومعنى الكلام فيه في { [الأعراف،] لا تأخذ بلحيتي ولا ~~برأسي} [سورة طه: 94] أي: بشعر رأسي، إني خشيت إن فارقتهم واتبعتك، {أن ~~تقول فرقت بين بني إسرائيل} [طه: 94] فرقت جماعتهم، وذلك أنه لو لحق بموسى ~~لصاروا أحزابا، حزب يسيرون معه، وحزب يتخلفون عنه من الإيمان والإنكار على ~~عبدة العجل، وحزب مع السامري، فلا يؤمن أن يصيروا في الخلاف إلى التسافك، ~~فاعتذر بهذا، وقوله: {ولم ترقب قولي} [طه: 94] أي: ولم تحفظ وصيتي حين قلت ~~لك اخلفني في قومي. # فلما اعتذر هارون بهذا العذر. # {قال فما خطبك يا سامري {95} قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من ~~أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي {96} قال فاذهب فإن لك في الحياة أن ~~تقول لا مساس # PageV03P219 # وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم ~~لننسفنه في اليم نسفا {97} إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء ~~علما {98} } [طه: 95-98] قال موسى للسامري: {فما خطبك يا سامري} [طه: 95] ~~أي: ما شأنك الذي دعاك إلى ما صنعت. # {قال بصرت بما لم يبصروا به} [طه: 96] أي: علمت ما لم تعلموا، وعرفت ما ~~لم تعرفوا، فقال له موسى: وما الذي أبصرت دون بني إسرائيل. # قال: {فقبضت قبضة من أثر الرسول} [طه: 96] يريد أثر فرس جبريل، وذلك أنه ~~قبض قبضة من تراب حافر فرسه، وألقي في نفسي أن أقبض من أثرها، فما ألقيته ~~على شيء إلا صار له روح ودم، فحين رأيت قومك طلبوا منك أن تجعل لهم إلها، ~~حدثتني نفسي بذلك، {فنبذتها} [طه: 96] فألقيتها في صورة العجل، وكذلك وكما ~~حدثتك يا موسى، {سولت لي نفسي} [طه: 96] زينت ms1156 لي نفسي من أخذ القبضة، ~~وإلقائها في صورة العجل. # قال له موسى: {فاذهب} [طه: 97] أي: من بيننا، {فإن لك في الحياة} [طه: ~~97] ما دمت حيا، {أن تقول لا مساس} [طه: 97] قال ابن عباس: لك ولولدك. # والمساس فقال: من المماسة. # ومعنى لا مساس: لا يمس بعضنا بعضا، فصار السامري يهيم في البرية مع الوحش ~~والسباع، لا يمس أحدا ولا يمسه أحد، عاقبه الله بذلك، فكان إذا لقي أحدا ~~يقول: لا مساس. # أي لا تقربني ولا تمسني، وصار ذلك عقوبة له ولولده، حتى إن بقاياهم إلى ~~اليوم يقولون ذلك. # وذكر أنه إن مس واحد من غيرهم واحدا منهم حم كلاهما في الوقت. # وقوله: {وإن لك موعدا لن تخلفه} [طه: 97] أي: وعدا لعذابك، يعني يوم ~~القيامة، لن تخلف ذلك الموعد، ولن يتأخر عنك. # قال الزجاج: أي يكافئك الله على ما فعلت في القيامة، والله لا يخلف ~~الميعاد. # ومن قرأ بكسر اللام كان المعنى: لا تخلف ذلك الموعد، أي ستأتيه ولا مذهب ~~لك عنه. # {وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا} [طه: 97] قال ابن عباس: يريد الذي ~~تعبده وظللت عليه مقيما، يعني العجل، وظللت هو الأصل، ولكن اللام الأولى ~~حذفت لثقل التضعيف والكسر، والعرب تفعل ذلك كثيرا، تقول: مست لي ومسست. # وقوله: {لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا} [طه: 97] قال ابن عباس: حرقه ~~بالنار ثم ذراه في اليم. # وهو النسف، ومعناه: نقص الشيء لتذهب به الريح، وهو التذرية، وذكر في ~~التفسير أن موسى أخذ العجل فذبحه، فسألت منه دم، لأنه كان قد صار لحما ~~ودما، ثم أحرقه بالنار، ثم ذراه في البحر. # ثم أخبرهم موسى عن إلههم، فقال: {إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو} ~~[طه: 98] أي: هو الذي يستحق العبادة، لا العجل، {وسع كل شيء علما} [طه: 98] ~~علمه علما تاما ولم يقصر عنه علمه. # {كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا {99} من أعرض ~~عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا {100} خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة ~~حملا ms1157 {101} } [طه: 99-101] كذلك أي: كما قصصنا عليك يا محمد نبأ موسى ~~وقومه، {نقص عليك من أنباء ما قد سبق} [طه: 99] من أخبار من # PageV03P220 # مضى وتقدم، {وقد آتيناك من لدنا ذكرا} [طه: 99] يعني القرآن. # ثم أوعد على الإعراض عنه، وترك الإيمان به، فقال: {من أعرض عنه فإنه يحمل ~~يوم القيامة وزرا} [طه: 100] حملا ثقيلا من الإثم. # خالدين فيه أي: في عذاب ذلك الوزر، {وساء لهم يوم القيامة حملا} [طه: ~~101] قال الكلبي: بئس ما حملوا على أنفسهم من المآثم كفرا بالقرآن. # وقوله: {يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا {102} يتخافتون ~~بينهم إن لبثتم إلا عشرا {103} نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة ~~إن لبثتم إلا يوما {104} } [طه: 102-104] {يوم ينفخ في الصور} [طه: 102] ~~وقرأ أبو عمرو ننفخ على معنى إضافة الأمر بالنفخ إلى الله، ويقوي ذلك ما ~~عطف عليه من قوله: {ونحشر المجرمين} [طه: 102] والوجه قراءة العامة، لقوله: ~~{ونفخ في الصور} [الكهف: 99] وقوله: {يوم ينفخ في الصور} [طه: 102] في ~~سورتين، قال ابن عباس: يريد بالمجرمين الذين اتخذوا مع الله إلها. # وقوله: زرقا قال: يريد زرق العيون، سود الوجوه. # ومعنى الزرقة الخضرة في سواد العين كعين السنور، والمعنى في هذا تشويه ~~الخلق بسواد الوجوه، وزرقة العيون. # يتخافتون يتسارون فيما بينهم، فيقولون: إن لبثتم أي: ما لبثتم، أي من ~~النفخة الأولى إلى الثانية، إلا عشرا إلا عشر ليالي، وذلك أنه يكف عنهم ~~العذاب فيما بين النفختين، وهو أربعون سنة، استقصروا مدة لبثهم لهول ما ~~عينوا. # قال الله تعالى: {نحن أعلم بما يقولون} [طه: 104] أي: بما يتسارون بينهم، ~~{إذ يقول أمثلهم طريقة} [طه: 104] أعقلهم وأعدلهم قولا، {إن لبثتم إلا ~~يوما} [طه: 104] نسوا مقدار لبثهم لشدة ما دهمهم. # قوله: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا {105} فيذرها قاعا صفصفا ~~{106} لا ترى فيها عوجا ولا أمتا {107} يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ~~وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا {108} } [طه: 105-108] {ويسألونك ~~عن الجبال} [طه: 105] قال ابن عباس: سأل رجل من ثقيف رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ms1158، فقال: كيف تكون الجبال يوم القيامة؟ فأنزل الله هذه الآية. # وقوله: {ينسفها ربي نسفا} [طه: 105] قال المفسرون: يصيرها الله رمالا ~~تسيل، ثم يصيرها كالصوف المنفوش يطيرها الرياح. # {فيذرها} [طه: 106] أي: يدع أماكنها من الأرض إذا نسفها، قاعا قال ~~الفراء: القاع ما انبسط من الأرض، ويكون فيه السراب نصف النهار، وجمعه ~~قيعة، ومنه قوله: {كسراب بقيعة} [النور: 39] . # {صفصفا} [طه: 106] والصفصف الأملس الذي لا نبات فيه، ونحو هذا قال ~~المفسرون. # {لا ترى فيها عوجا ولا أمتا} [طه: 107] قال عكرمة، عن ابن عباس: ليس # PageV03P221 # فيه منخفض ولا مرتفع. # وقال مجاهد: انخفاضا وارتفاعا. # وقال قتادة: لا ترى فيها صدعا ولا أكمة. # وقال الحسن: العوج ما انخفض من الأرض، والأمت ما نشز من الروابي. # وتقول العرب: ملأ سقاءه حتى ليس فيه أمت، إذا لم ينثن لتمام الامتلاء. # قوله: {يومئذ يتبعون الداعي} [طه: 108] قال الفراء: يعني صوت الداعي ~~للحشر. # قال المفسرون: يتبعون صوت داعي الله الذي يدعوهم إلى موقف القيامة. # {لا عوج له} [طه: 108] لا عوج لهم عن الداعي، فلا يقدرون إلا أن يتبعوه، ~~قال ابن عباس: كلهم تبع الصوت لا يتعوج عنه، {وخشعت الأصوات للرحمن} [طه: ~~108] سكتت وذلت وخضعت، {فلا تسمع إلا همسا} [طه: 108] قال أكثر المفسرين: ~~يعني صوت نقل الأقدام إلى المحشر، والهمس الصوت الخفي كصوت أخفاف الإبل في ~~المشي، وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: يعني تحريك الشفاه بغير منطق. # وهو قول مجاهد: الكلام الخفي. # والمعنى على هذا التفسير: سكتت الأصوات، فلا يجهر أحد بكلام إلا كالسر من ~~الإشارة بالشفة، وتحريك الفم من غير صوت. # {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا {109} يعلم ما ~~بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما {110} وعنت الوجوه للحي القيوم ~~وقد خاب من حمل ظلما {111} ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ~~ولا هضما {112} } [طه: 109-112] {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له ~~الرحمن} [طه: 109] أي: لا تنفع الشفاعة أحد من الناس إلا من أذن الله أن ~~يشفع ms1159 له، فذلك الذي ينفعه الشفاعة، {ورضي له قولا} [طه: 109] قال ابن عباس: ~~يعني قال: لا إله إلا الله، وهذا يدل على أنه لا يشفع لغير المؤمن. # {يعلم ما بين أيديهم} [طه: 110] الكناية راجعة إلى الذين كفروا في قوله: ~~{يتبعون الداعي} [طه: 108] قال ابن عباس: يريد ما قدموا وما خلفوا. # وقال الكلبي: ما بين أيديهم من أمر الآخرة. # وما خلفهم من أمر الدنيا، {ولا يحيطون به علما} [طه: 110] الكناية تعود ~~إلى ما في قوله: {ما بين أيديهم وما خلفهم} [طه: 110] أي: هو يعلم ذلك وهم ~~لا يعلمونه، ويجوز أن تعود الكناية إلى الله، لأن عباده لا يحيطون به علما. # قوله: {وعنت الوجوه للحي القيوم} [طه: 111] قال ابن عباس في رواية ~~الوالبي: ذلت. # وهو قول قتادة، وقال في رواية عطاء: خضعت. # وقال طلق بن حبيب: هو السجود على الجبهة. # قال الزجاج: معنى عنت في اللغة: خضعت، وسمي الاسير عانيا لخضوعه في يد من ~~أسره، يقال: عنا يعنو عنوا إذا خضع. # {وقد خاب من حمل ظلما} [طه: 111] قال ابن عباس: خسر من أشرك بالله. # {ومن يعمل من الصالحات} [طه: 112] من للجنس، والمعنى: من يعمل الصالحات، ~~وهو مؤمن، لأن غير المؤمن لا يقبل عمله، ولا يكون صالحا، {فلا يخاف ظلما} ~~[طه: 112] أي: فهو لا يخاف، وقرأ ابن كثير: فلا يخف على # PageV03P222 # النهي، فهو حسن، لأن المعنى: ومن يعمل من الصالحات، وهو مؤمن فليأمن، ~~لأنه لم يفرط فيما وجب عليه، ونهيه عن الخوف أمر بالأمن، وقوله: {ظلما ولا ~~هضما} [طه: 112] الهضم: النقص، يقال: يهضمني فلان حقي، أي ينقصني. # قال الوالبي، عن ابن عباس: لا يخاف أن يظلم فيزاد عليه في سيئاته، ولا أن ~~يهضم من حسناته. # وقال الضحاك: لا يؤخذ بذنب لم يعمله، ولا تبطل حسنة عملها. # {وكذلك أنزلناه قرءانا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث ~~لهم ذكرا {113} فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرءان من قبل أن يقضى ~~إليك وحيه وقل رب زدني علما {114} } [طه: 113-114] وكذلك كما بينا في هذه ~~ال ms1160 { [، أنزلناه أنزلنا هذا الكتاب،] قرءانا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد} ~~[سورة طه: 113] بينا فيه ضروب الوعيد، قال قتادة: يعني وقائعه في الأمم ~~المكذبة. # لعلهم يتقون ليكون سببا لاتقائهم الشرك بالاتعاظ بمن قبلهم، {أو يحدث لهم ~~ذكرا} [طه: 113] يجدد لهم القرآن اعتبارا، فيتذكروا به عقاب الله للأمم، ~~فيعتبروا. # وقوله: {فتعالى الله} [طه: 114] أي: جل عن إلحاد الملحدين، وعما يقول ~~المشركون في صفته، الملك الذي بيده الثواب والعقاب، فهو يملكها، الحق معناه ~~ذو الحق، وقد تقدم الكلام فيه {ولا تعجل بالقرءان} [طه: 114] قال ابن عباس، ~~والمفسرون: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبادر جبريل، فيقرأ قبل أن يفرغ ~~من الوحي، حرصا منه على ما كان ينزل عليه، وشفقة على القرآن، مخافة ~~الانفلات والنسيان، فنهاه الله عن ذلك، يقول: {ولا تعجل بالقرءان} [طه: ~~114] أي: بقراءته، {من قبل أن يقضى إليك وحيه} [طه: 114] من قبل أن يفرغ ~~جبريل من تلاوته عليك، وهذا كقوله: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} [القيامة: ~~16] . # {وقل رب زدني علما} [طه: 114] أي: بالقرآن ومعانيه، وكان ابن مسعود إذا ~~قرأ هذه الآية، قال: اللهم زدني علما وإيمانا ويقينا. # {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما {115} وإذ قلنا ~~للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى {116} فقلنا يا آدم إن هذا عدو ~~لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى {117} إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ~~{118} وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى {119} فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل ~~أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى {120} فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما ~~وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى {121} ثم اجتباه ربه ~~فتاب عليه وهدى {122} } [طه: 115-122] قوله: {ولقد عهدنا إلى آدم} [طه: ~~115] أي: أمرناه وأوصينا إليه أن لا يأكل من الشجرة، من قبل هؤلاء الذين ~~نقضوا عهدي، وتركوا الإيمان بي، وهم الذين ذكر في قوله: {لعلهم يتقون} [طه: ~~113] والمعنى أنهم إن نقضوا العهد، فإن آدم أيضا عهدنا إليه، # PageV03P223 # فنسي قال ابن عباس، ومجاهد، والسدي: ترك عهدي وما ms1161 أمر به. # {ولم نجد له عزما} [طه: 115] معنى العزم في اللغة: توطين النفس على ~~الفعل، قال عطية العوفي: لم نجد له حفظا لما أمر به. # وقال الحسن: صبرا عما نهي عنه. # وقال ابن قتيبة: رأيا معزوما عليه. # حيث أطاع عدوه إبليس الذي حسده، وأبى أن يسجد له، وقال الحسن:، فقال ~~الله: {ولم نجد له عزما} [طه: 115] . ### | 606 - # أخبرنا أحمد بن عبيد الله بن أحمد المخلدي، نا أحمد بن إسماعيل بن يحيى ~~بن حازم، نا كامل بن مكرم، نا جبريل بن مجاع، نا إبراهيم بن يوسف، نا وكيع، ~~عن أبي فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أبي أمامة الباهلي، قال: لو أن أحلام ~~بني آدم وضعت في كفة ووضع حلم آدم لرجح حلمه حلمهم، ثم قرأ {فنسي ولم نجد ~~له عزما} # وما بعد هذا تقدم تفسيره إلى قوله: {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} [طه: ~~117] قال عطاء: يريد شقاء الدنيا ونصبها. # وقال الحسن: عنى به شقاء الدنيا لا ترى ابن آدم إلا ناصبا شقيا. # وقال السدي: يعني الحرث والزرع، والعجن والخبز، ولم يقل فتشقيا، لأن أول ~~الآية خطاب لآدم. # إن لك يا آدم، ألا تجوع في الجنة، ولا تعرى وعده الله في الجنة الشبع ~~والاكتساء، وألا يصيبه فيها عطش ولا حر. # وهو قوله: {وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} [طه: 119] ومن قرأ وإنك بالكسر ~~فعلى الاستئناف وعطف جملة كلام على جملة، والظمأ مصدر قولك: ظمأ يظمأ إذا ~~عطش، ويقال: ضحى الرجل يضحى ضحا وضحيا إذا أبرز الشمس فأصابه حرها، قال ~~الضحاك، عن ابن عباس: يقول: لا تعطش فيها كما يعطش أهل الدنيا، ولا يصيبك ~~فيها حر كما يصيب أهل الدنيا. # والمعنى: لا تبرز للشمس فيؤذيك حرها، لأنه ليس في الجنة شمس، إنما هو ظل ~~ممدود. # {فوسوس إليه الشيطان} [طه: 120] كقوله: {فوسوس لهما الشيطان} [الأعراف: ~~20] وقد تقدم، {قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد} [طه: 120] على شجرة من ~~أكل منها لم يمت، {وملك لا يبلى} [طه: 120] جديد ولا يفنى، وهذا كقوله: {ما ~~نهاكما ms1162 ربكما عن هذه الشجرة} [الأعراف: 20] الآية، وما بعد هذا مفسر في { ~~[الأعراف إلى قوله:] وعصى آدم ربه} [سورة طه: 121] أي: بأكل الشجرة التي ~~نهي عنها، فغوى أي: فعل ما لم يكن له فعله، وقيل: ضل، حيث طلب الخلد والملك ~~بأكل ما نهي عن أكله، هذان قولان حكاهما المفسرون، وقال ابن الأعرابي: الغي ~~الفساد. # ومعنى {فغوى} [طه: 121] ههنا: فسد عليه عيشه، قال ابن قتيبة: أكل آدم من ~~الشجرة التي نهي عنها باستزلال إبليس وخدايعه، والقسم له بالله أنه لمن ~~الناصحين، حتى دلاه بغروره، ولم يكن ذنبه عن اعتقاد متقدم، ونية صحيحة، ~~فنحن نقول عصى آدم وغوى كما قال الله، ولا نقول آدم عاص وغاو كما تقول لرجل ~~قطع ثوبه وخاطه: قد قطعه وخاطه ولا، نقول: هو خياط، حتى يكون معاودا لذلك ~~الفعل، معروفا به. ### | 607 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا أبو بكر محمد ~~بن جعفر بن الهيثم الأنباري، نا محمد بن أبي العوام، نا محمد بن عبد العزيز ~~الرملي، نا سليمان بن حبان الأحمر، نا ابن أبي ذباب، عن سعيد بن # PageV03P224 # أبي سعيد، ويزيد بن هرمز، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله ~~عليه وسلم: لقي موسى آدم، فقال: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من ~~روحه، وأسكنك الجنة، وأمر الملائكة فسجدوا لك، فأخرجت الناس من الجنة بذنبك ~~وخطيئتك، فقال له آدم: وأنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته، وأنزل عليك ~~التوراة، فيها تبيان كل شيء فيكم، وجدت الله كتب التوراة قبل أن يخلقني، ~~قال: بأربعين سنة، قال: فوجدت فيها: وعصى آدم ربه فغوى، قال: نعم، قال: ~~أفتلومني أن أعمل عملا قد كتبه علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة، قال رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم، فحج آدم موسى، رواه مسلم، عن إسحاق بن موسى ~~الأنصاري، عن أنس بن عياض، عن ابن أبي ذباب # قوله: {ثم اجتباه ربه} [طه: 122] قال ابن عباس: اصطفاه. # فتاب عليه فعاد عليه بالعفو، وهدى هداه للتوبة حتى ms1163 قال: {ربنا ظلمنا ~~أنفسنا} [الأعراف: 23] الآية، وما بعد هذا مفسر في { [البقرة إلى قوله:] ~~قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي ~~فلا يضل ولا يشقى {123} ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم ~~القيامة أعمى {124} قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا {125} قال كذلك ~~أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى {126} } [سورة طه: 123-126] {فمن ~~اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} [طه: 123] ### | 608 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الحافظ، أنا أبو يحيى الرازي، نا ~~سهل بن عثمان العسكري، نا محمد بن فضيل بن غزوان، عن عطاء بن السائب، عن ~~سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من ~~الضلالة، ووقاه يوم القيامة من الحساب، ذلك بأن الله يقول {فمن اتبع هداي ~~فلا يضل ولا يشقى} ، قال الشعبي: أجار الله تابع القرآن من أن يضل في ~~الدنيا ويشقى في الآخرة، ثم قرأ هذه الآية # قوله: {ومن أعرض عن ذكري} [طه: 124] قال عطاء: عن موعظتي. # وقال الكلبي. # عن القرآن، فلم يؤمن ولم يتبعه. # {فإن له معيشة ضنكا} [طه: 124] الضنك الضيق والشدة، وكل ما ضاق فهو ضنك، ~~يقال: منزل ضنك، وعيش ضنك، وضنك عيشه يضنك ضناكة وضنكا، وأكثر ما جاء في ~~تفسير المعيشة الضنك: عذاب القبر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي ~~هريرة، وأبي سعيد الخدري. ### | 609 - # أخبرنا أبو إبراهيم الواعظ، أنا بشر بن أحمد بن محمود، أنا جعفر بن محمد ~~بن المستفاض، نا أحمد بن عيسى، نا عبد الله بن وهب، أنا عمرو بن الحارث، أن ~~أبا السمح حدثه، عن ابن حجيرة، عن أبي هريرة، عن رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم: " إن # PageV03P225 # للمؤمن في قبره روضة خضراء ويرحب له قبره سبعين ذراعا، وينور له قبره ~~كالقمر ليلة البدر، أتدرون فيما أنزلت هذه الآية: {فإن له معيشة ضنكا} ~~أتدرون ما المعيشة الضنك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: عذاب الكافر في ~~قبره، والذي نفسي بيده، إنه ms1164 ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا، ينفخون في جسمه ~~ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة " ### | 610 - # أخبرنا أبو نصر المخلدي، أنا إسماعيل بن نجيد، أنا أبو مسلم الكجي، نا ~~أبو عمرو الضرير، أنا حماد، أنا أبو حازم المدني، عن النعمان بن أبي عياش ~~الزرقي، عن أبي سعيد الخدري في قوله، عز وجل، {ومن أعرض عن ذكري فإن له ~~معيشة ضنكا} قال: المعيشة الضنك عذاب القبر، يلتئم على صاحبه، فلا يزال ~~يعذب حتى يبعث، وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء، قال: يريد ضغطة القبر حتى ~~يختلف أضلاعه # وقوله: {ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه: 124] قيل في التفسير: أعمى البصر. # وقيل: أعمى عن الحجة. # يعني أنه لا حجة له يهتدي إليها، والأعمى إذا أطلق كان الظاهر عمى البصر. # يدل على هذا قوله: {قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا} [طه: 125] قال ~~الفراء: يقال إنه يخرج من قبره بصيرا، فيعمى في حشره. # قال الله مجيبا لهذا الكافر: كذلك أي: الأمر كما ترى، {أتتك آياتنا ~~فنسيتها} [طه: 126] فتركتها ولم تؤمن بها، {وكذلك اليوم تنسى} [طه: 126] ~~وكما تركتها في الدنيا نتركك اليوم في النار. # {وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} [طه: ~~127] وكذلك وكما ذكرنا، {نجزي من أسرف} [طه: 127] أشرك، {ولم يؤمن بآيات ~~ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} [طه: 127] أفظع وأعظم مما ذكر من عذاب القبر. # {أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك ~~لآيات لأولي النهى {128} ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ~~{129} فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن ~~آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى {130} } [طه: 128-130] {أفلم يهد ~~لهم} [طه: 128] يبين لهم إذا انظروا، يعني كفار مكة، {كم أهلكنا قبلهم من ~~القرون} [طه: 128] يقول: أفلم يبين لهم طريق الاعتبار كثرة إهلاكنا القرون ~~قبلهم بتكذيب الرسل، فيعتبروا ويؤمنوا. # وقوله: {يمشون في مساكنهم} [طه: 128] يعني أهل مكة، كانوا يتجرون ويسيرون ~~في مساكن عاد وثمود، فيها علامات الإهلاك ms1165، أفلا يخافون أن يقع بهم مثل ما ~~وقع بالذين رأوا مسأكنهم، وهو قوله: {إن في ذلك لآيات لأولي النهى {128} ~~ولولا كلمة سبقت من ربك} [طه: 128-129] في تأخير العذاب عن هؤلاء الكفار ~~إلى يوم القيامة، وهو قوله: وأجل مسمى، {لكان لزاما وأجل مسمى} [طه: 129] ~~لكان العذاب لازما لهم، واللزام مصدر وصف به العذاب. # PageV03P226 # قوله: {فاصبر على ما يقولون} [طه: 130] أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ~~بالصبر على ما يسمع من أذاهم إلى أن يحكم الله فيهم، ثم حكم بالقتل، فنسخ ~~الصبر، {وسبح بحمد ربك} [طه: 130] صل لله بالحمد له والثناء عليه، {قبل ~~طلوع الشمس} [طه: 130] يريد الفجر، وقبل غروبها يعني العصر، {ومن آناء ~~الليل} [طه: 130] ساعاته، واحدها إني، قال ابن عباس: يريد أول الليل، ~~المغرب والعشاء. # {فسبح وأطراف النهار} [طه: 130] يريد الظهر، وسمي وقت صلاة الظهر أطراف ~~النهار لأن وقته عند الزوال، وهو طرف النصف الأول، وطرف النصف الثاني. ### | 611 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا أبو محمد عبد الله بن محمد الحافظ، نا ~~عبدان بن أحمد، نا عثمان ابن أبي شيبة، نا جرير، ووكيع، وأبو أسامة، عن ~~إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير، قال: كنا جلوسا مع رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة البدر؛ ليلة أربعة عشرة، ~~فقال: " إنكم سترون ربكم، عز وجل، كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته، فإن ~~استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، وقرأ ~~هذه الآية: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} " رواه البخاري، عن ~~إسحاق بن إبراهيم، عن جرير، ورواه مسلم، عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن أبي ~~أسامة، ووكيع # وقوله: لعلك ترضى قال ابن عباس: ترضى الثواب والمعاد. # ومن ضم التاء، فمعنا: ترضى بما تعطاه من الدرجة الرفيعة، واختار أبو ~~عبيدة هذه القراءة واضعا لها معنين: ترضا تعطى الرضا، والآخر يرضاك الله ~~وتصديقها قوله: {وكان عند ربه مرضيا} [مريم: 55] قال: وليس في الآخرة إلا ~~وجه واحد ms1166. # قوله: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا ~~لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى {131} وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا ~~نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى {132} } [طه: 131-132] {ولا تمدن ~~عينيك} [طه: 131] الآية قال أبو رافع: نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ضيف، فبعثني إلى يهودي، فقال: " قل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول، يعني كذا وكذا من الدقيق، وأسلفني إلى هلال رجب ". # فأتيته فقلت له ذلك، فقال: والله لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن. # فأتيت رسول الله، فأخبرته، فقال: «والله لو باعني أو أسلفني لقضيته، وإني ~~لأمين في السماء أمين في الأرض، اذهب بدرعي الحديد إليه» . # فنزلت هذه الآية تعزية له عن الدنيا، وقد فسرنا هذه الآية في { [الحجر، ~~قال أبي بن كعب في هذه ال:: فمن لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه حسرات على ~~الدنيا، ومن يتبع بصره فيما في أيدي الناس يطل حزنه ولا يشفي غيظه، ومن لم ~~ير لله نعمة إلا في مطعمه ومشربه نقص علمه ودنا عذابه. # وقوله:] زهرة الحياة الدنيا} [طه: 131] يعني بهجتها ونضارتها وما يروق ~~الناظر عند الرؤية، قال ابن عباس، والسدي: زينة الدنيا. # وقوله: لنفتنهم فيه لنجعل ذلك فتنة وضلالة بأن أزيد # PageV03P227 # لهم النعمة فيزيدوا كفرا وطغيانا، ورزق ربك في المعاد، يعني الجنة، خير ~~وأبقى أكثر وأدوم. # قوله: {وأمر أهلك بالصلاة} [طه: 132] قال سعيد بن جبير: قومك يعني من كان ~~على دينه، كقوله: {وكان يأمر أهله بالصلاة} [مريم: 55] وقد تقدم: ### | 612 - # أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمر النيسابوري، أخبرنا حمزة بن شبيب المعمري، ~~أنا أبو عمرو بن عبد الله البصري، نا محمد بن عبد الوهاب، أنا أبو النعمان، ~~نا ابن المبارك، حدثني معمر، عن محمد بن حمزة، عن عبد الله بن سلام، أن ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان إذا نزل بأهله ضيق أمرهم بالصلاة، وتلا ~~هذه الآية: {وأمر أهلك بالصلاة # وقوله: واصطبر عليها أي: اصبر على الصلاة، فإنها تنهى عن الفحشاء ~~والمنكر،} لا ms1167 نسألك رزقا { [طه: 132] لخلقنا ولا لنفسك،} نحن نرزقك ~~والعاقبة { [طه: 132] قال ابن عباس، والسدي: يعني الجنة. # للتقوى قال الأخفش: لأهل التقوى. # قال ابن عباس: يريد الذين صدقوك واتبعوك واتقوني. # قوله:} وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف ~~الأولى {133} ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا ~~رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى {134} قل كل متربص فتربصوا فستعلمون ~~من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى {135} { [طه: 133-135] وقالوا يعني ~~المشركين،} لولا يأتينا بآية من ربه { [طه: 133] هلا يأتينا محمد بآية من ~~ربه كما أتي بها الأنبياء، نحو الناقة والعصا،} أولم تأتهم بينة ما في ~~الصحف الأولى { [طه: 133] بيان ما في الكتب من أنباء الأمم التي أهلكناهم ~~لما كفروا، ثم كفروا بها فماذا يؤمنهم أن يكون حالهم في سؤالهم الآيات كحال ~~أولئك، وهذا البيان إنما قص عليهم في القرآن. # } ولو أنا أهلكناهم { [طه: 134] يعني مشركي مكة،} بعذاب من قبله { [طه: ~~134] القبل: بعث محمد ونزول القرآن، لقالوا يوم القيامة:} ربنا لولا أرسلت ~~إلينا رسولا { [طه: 134] هلا أرسلت إلينا رسولا يدعونا إلى طاعتك، فنتبع ~~آياتك نعمل بما فيها} من قبل أن نذل { [طه: 134] بالعذاب، ونخزى في جهنم. # قل لهم يا محمد: كل منا ومنكم، متربص نحن نتربص بكم وعدا لنا فيكم، وأنتم ~~تتربصون بنا الدوائر، فانتظروا، فستعلمون إذا جاء الأمر، وقامت القيامة،} ~~من أصحاب الصراط السوي [طه: 135] الدين المستقيم ومن اهتدى من الضلالة، ~~أنحن أم أنتم؟ # PageV03P228 ### | سورة الأنبياء # مكية وآياتها اثنتا عشرة ومائة. ### | 613 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي بن أحمد الحيري، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر، ~~نا إبراهيم بن شريك، نا أحمد بن عبيد الله بن يونس، نا سلام بن سليم، نا ~~هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة الباهلي، عن أبي بن ~~كعب، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة اقترب للناس ~~حسابهم حاسبه الله حسابا يسيرا، وصافحه، وسلم عليه كل نبي ذكر اسمه ms1168 في ~~القرآن» # {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون {1} ما يأتيهم من ذكر من ربهم ~~محدث إلا استمعوه وهم يلعبون {2} لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا ~~هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون {3} قال ربي يعلم القول ~~في السماء والأرض وهو السميع العليم {4} بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل ~~هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون {5} } [الأنبياء: 1-5] بسم الله ~~الرحمن الرحيم اقترب افتعل من القرب، يقال: قرب الشيء واقترب. # للناس يعني: أهل مكة، حسابهم محاسبة الله إياهم على أعمالهم، قال الزجاج: ~~المعنى اقترب للناس وقت حسابهم. # يعني يوم القيامة كما قال: {اقتربت الساعة} [القمر: 1] واقتراب حسابهم ~~على أن ما هو آت قريب، {وهم في غفلة} [الأنبياء: 1] عما يفعل الله بهم ذلك ~~اليوم، معرضون عن التأهب له بالإيمان بمحمد. # {ما يأتيهم من ذكر من ربهم} [الأنبياء: 2] من وعظ بالقرآن على لسان محمد، ~~محدث بالإنزال، لأن القرآن أنزل آية بعد آية، و { [بعد سورة، فالإحداث يعود ~~إلى الإنزال، وقوله:] إلا استمعوه وهم يلعبون} [سورة الأنبياء: 2] قال ابن ~~عباس: يستمعون القرآن مستهزئين. # لاهية قلوبهم غافلة عما يراد بهم، وأسروا النجوى تناجوا فيما بينهم، يعني ~~المشركين، ثم بين من هم، فقال: الذين ظلموا أشركوا بالله، والذين في محل ~~رفع على البدل من الضمير في {وأسروا} [الأنبياء: 3] قال المبرد: وهذا كقولك ~~في الكلام: إن الذين إلى الدار انطلقوا بنو عبد الله، على البدل مما في ~~انطلقوا. # ثم بين سرهم الذي تناجوا به، فقال: {هل هذا إلا بشر مثلكم} [الأنبياء: 3] ~~أي أنه آدمي لحم ودم مثلكم، ليس مثل الملائكة، { # PageV03P229 # أفتأتون السحر وأنتم تبصرون} [الأنبياء: 3] قال السدي: يقولون: إن متابعة ~~محمد متابعة السحر. # والمعنى: أتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر. # قل لهم يا محمد: {ربي يعلم القول في السماء والأرض} [الأنبياء: 4] أي: لا ~~يخفى عليه شيء مما يقال في السماء والأرض، وقرأ أهل الكوفة قال ربي على ~~معنى قال محمد ربي. # يعلم القول وكذا هو في مصاحفهم، وهو السميع لما تكلموا به، العليم بما ms1169 ~~قالوا. # قوله: بل قالوا معنى بل ههنا انتقال إلى خبر آخر عنهم، على أن الأول ~~مفروغ عنه، وليس معنى بل من الله على الترك للأول بإبطال له، والمشركون مما ~~دخلتهم من الحيرة في أمر محمد صلى الله عليه وسلم لا يدرون ما قصته، فمرة ~~قالوا للقرآن: إنه سحر. # ومرة قالوا: أضغاث أحلام قال قتادة: تخاليط أحلام رآها في النوم. # ومرة قالوا: إنه مفتر، وهو قوله: بل افتراه أي: اختلقه من نفسه، {بل هو ~~شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون} [الأنبياء: 5] قال ابن عباس: بآية مثل ~~الناقة والعصا. # قال الزجاج: اقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهال. # فقال الله مجيبا لهم: {ما آمنت قبلهم} [الأنبياء: 6] قبل مشركي مكة، من ~~قرية يعني أهلها، أهلكناها وصف للقرية، والمعنى: ما آمنت قرية مهلكة ~~بالآيات المرسلة، أفهم يؤمنون يعني أن الأمم التي أهلكناها بتكذيب الآيات ~~لم يؤمنوا بالآيات لما أتتهم، فكيف يؤمن هؤلاء؟ يعني أن مجيء الآيات لو كان ~~سببا للإيمان من غير إرادة الله لهم ذلك، لكان سببا لإيمان أولئك، فلما ~~أبطل أن يكون سببا لإيمان أولئك، بطل أن يكون سببا لإيمان هؤلاء. # {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا ~~تعلمون {7} وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين {8} ثم ~~صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين {9} } [الأنبياء: 7-9] ~~قوله: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم} [الأنبياء: 7] لقولهم: هل ~~هذا إلا بشر مثلك؟ يقول الله: لم نرسل قبل محمد إلا رجالا من بني آدم، لا ~~ملائكة. # {فاسألوا أهل الذكر} [الأنبياء: 7] يعني: أهل الكتابين في قول أكثر ~~المفسرين. # PageV03P230 # {إن كنتم لا تعلمون} [الأنبياء: 7] أن الرسل بشر، وذلك أن اليهود ~~والنصارى لا ينكرون أن الرسل كانوا بشرا، وإن أنكروا نبوة محمد صلى الله ~~عليه وسلم، وهذا الأمر بالسؤال للمشركين لأنهم إلى تصديق من لم يؤمن بالنبي ~~صلى الله عليه وسلم أقرب منهم إلى تصديق من آمن. # وما جعلناهم يعني الرسل، جسدا قال الزجاج: هو واحد ينبئ عن جماعة. # أي ms1170: وما جعلناهم ذوي أجساد، {لا يأكلون الطعام} [الأنبياء: 8] وذلك أنهم ~~قالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام؟ فأعلموا أن الرسل جميعا كانوا يأكلون ~~الطعام، {وما كانوا خالدين} [الأنبياء: 8] يعني: يموتون كسائر البشر. # {ثم صدقناهم الوعد} [الأنبياء: 9] أي: أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم ~~بإنجائهم وإهلاك من كذبهم، وهو قوله: فأنجيناهم أي: من العذاب، ومن نشاء ~~قال ابن عباس: يعني الذين صدقوهم، وأهلكنا المسرفين قال: يريد المشركين، ~~وهذا تخويف لكفار مكة. # ثم ذكر منته عليهم بالقرآن، فقال: {لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ~~أفلا تعقلون {10} وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين ~~{11} فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون {12} لا تركضوا وارجعوا إلى ما ~~أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون {13} قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين {14} ~~فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين {15} } [الأنبياء: 10-15] ~~{لقد أنزلنا إليكم} [الأنبياء: 10] يا معشر قريش، {كتابا فيه ذكركم} ~~[الأنبياء: 10] قال: يريد فيه شرفكم، كقوله: {وإنه لذكر لك ولقومك} ~~[الزخرف: 44] وذلك أنه كتاب عربي بلغة قريش. # وقال الحسن: فيه ذكركم، أي ما تحتاجون إليه من أمر دينكم. # أفلا تعقلون ما فضلتكم به على غيركم، أنزلتكم حرمي، وبعثت فيكم نبيي. # ثم خوفهم فقال: وكم قصمنا القصم: كسر الشيء ودقه. # قال مجاهد، والسدي: أهلكنا. # وقال الكلبي: عذبنا. # {من قرية كانت ظالمة} [الأنبياء: 11] أي: كافرة، يعني أهلها، وأنشأنا ~~وأحدثنا وأوجدنا بعد إهلاك أهلها، {قوما آخرين {11} فلما أحسوا بأسنا} ~~[الأنبياء: 11-12] رأوا عذابنا بحاسة البصر، ويجوز أن يكون المعنى: لما ~~ذاقوا عذابنا، قال المفسرون: هؤلاء كانوا قوما كذبوا نبيهم، وقتلوه، فسلط ~~الله عليهم بخت نصر حتى قتلهم، وسباهم، ونكل فيهم. # وعلى ما قالوا الآية مخصوصة، وإن وردت عامة، وقوله: {إذا هم منها يركضون} ~~[الأنبياء: 12] أي: يفرون وينهزمون ويهربون، وأصله من ركض الرجل مركل ~~الدابة برجليه، يقال: ركض الفرس إذ كده بساقيه. # لا تركضوا أي: قيل لهم: لا تركضوا، وذلك أنهم لما أخذتهم السيوف انهزموا ~~مسرعين، فقالت لهم الملائكة بحيث سمعوا النداء: لا تركضوا {وارجعوا إلى ما ~~أترفتم فيه ومساكنكم} [الأنبياء: 13] أي ms1171: خولتم ونعمتم، وقال ابن قتيبة: ~~إلى نعمكم التي أترفتم. # وقد بينا هذا عند قوله: {أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16] ، وقوله: لعلكم ~~تسألون أي: شيئا من دنياكم، والمعنى أن الملائكة استهزأت بهم، # PageV03P231 # فقالوا لهم: ارجعوا إلى مساكنكم لعلكم تسئلون شيئا من دنياكم، فإنكم أهل ~~ثروة ونعمة، يقولون ذلك استهزاء بهم، وهذا قول قتادة في هذه الآية، وهو ~~الصحيح. # ف قالوا عند ذلك: {يا ويلنا إنا كنا ظالمين} [الأنبياء: 14] لأنفسنا حيث ~~كذبنا رسل ربنا، والمعنى أنهم اعترفوا بالذنب حين عاينوا العذاب، وقالوا ~~هذا على سبيل الندم حين لم ينفعهم الندم، قال الله تعالى: {فما زالت تلك ~~دعواهم} [الأنبياء: 15] ما زالت تلك الكلمة، التي هي قولهم: يا ويلنا، ~~دعاءهم يدعون بها ويرددونها، {حتى جعلناهم حصيدا} [الأنبياء: 15] بالسيوف ~~كما يحصد الزرع بالمنجل، خامدين يعني ميتين كخمود النار إذا طفئت. # {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين {16} لو أردنا أن نتخذ لهوا ~~لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين {17} بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا ~~هو زاهق ولكم الويل مما تصفون {18} وله من في السموات والأرض ومن عنده لا ~~يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون {19} يسبحون الليل والنهار لا يفترون {20} ~~} [الأنبياء: 16-20] قوله: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين} ~~[الأنبياء: 16] يريد لم نخلقهما عبثا ولا باطلا، بل خلقناهم لأمر، وهو ما ~~ذكر ابن عباس، فقال: لأجازي أوليائي، وأعذب أعدائي. # وقال غيره: خلقناها دلالة على قدرتنا ووحدانيتنا، ليعتبروا بخلقها، ~~ويتفكروا فيها، فيعلموا أن العبادة لا تصلح إلا لخالقها. # قوله: {لو أردنا أن نتخذ لهوا} [الأنبياء: 17] قال ابن عباس في رواية ~~عطاء: يريد النساء. # وهو قول الحسن، وقتادة، قالا: اللهو بلغة اليمن المرأة. # وقال في رواية الكلبي: يعني الولد. # وهو قول السدي. # وقوله: {لاتخذناه من لدنا} [الأنبياء: 17] قال المفسرون: من الحور العين. # وهذا إنكار على من أضاف الصاحبة والولد إلى الله، واحتجاج عليهم بأنه لو ~~كان جائزا في صفته لم يتخذه بحيث يظهر لهم، ولستر ذلك حتى لا يطلعوا عليه. # وقال الزجاج: المرأة لهو الدنيا، وكذلك الولد. # والمعنى على ذي ms1172 اللهو، أي الذي يلهى به، ومعنى اللهو طلب الترويح عن ~~النفس، يقول: لو أردنا أن نتخذ ولدا ذا لهو، أو امرأة ذات لهو، لأتخذناه من ~~لدنا. # وقد أحسن ابن قتيبة في شرح الآية كل الإحسان، فقال: التفسير أن المرأة ~~والولد في اللهو متقاربان، لأن امرأة الرجل لهوه، وولده لهوه، ولذلك يقال: ~~امرأة الرجل وولده ريحانتاه، وأصل اللهو الجماع، كني عنه باللهو كما كني ~~عنه بالسر، ثم قيل للمرأة لهو لأنها تجامع، قال امرؤ القيس: # ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت ... وأن لا يحسن اللهو أمثالي # أي النكاح، وتاويل الآية أن النصارى لما قالت في المسيح وأمه ما قالت، ~~قال الله عز وجل: لو أردنا أن نتخذ، أي صاحبة وولدا كما يقولون، لاتخذنا ~~ذلك من لدنا، أي: من عندنا ولم نتخذه من عندكم، لأنكم تعلمون أن ولد الرجل # PageV03P232 # وزوجه يكونون عنده لا عند غيره. # وقوله: {إن كنا فاعلين} [الأنبياء: 17] المفسرون يقولون: ما كنا فاعلين. # قال الفراء، والمبرد، والزجاج: يجوز أن تكون إن للنفي، كما ذكر المفسرون ~~نحو قوله: {إن أنت إلا نذير} [فاطر: 23] ، {إن الكافرون إلا في غرور} ~~[الملك: 20] ويكون المعنى تحقيقا لكذبهم، أي ما فعلنا ذلك ولم نتخذ صاحبة ~~ولا ولد، قالوا: ويجوز أن تكون أن للشرط، أي: إن كنا ممن يفعل ذلك لاتخذناه ~~من لدنا، قال الفراء: وهذا أشبه الوجهين بمذهب العربية. # قوله: بل أي: دع ذاك الذي قالوا، فإنه كذب وباطل، {نقذف بالحق على ~~الباطل} [الأنبياء: 18] نسلط الحق على باطلهم ونلقيه عليه حتى يذهبه، وعنى ~~بالحق القرآن، وبالباطل كذبهم، فيدمغه فيهلكه ويكسره، وقال الزجاج: يذهبه ~~ذهاب الصغار والإذلال. # وذلك أن أصله إصابة الدماغ بالضرب، وهو مقتل، {فإذا هو زاهق} [الأنبياء: ~~18] زائل ذاهب من قوله: {وزهق الباطل} [الإسراء: 81] والمعنى: أنا نبطل ~~كذبهم بما تبين من الحق حتى يضمحل ويذهب، ثم أوعدهم على كذبهم، فقال: {ولكم ~~الويل مما تصفون} [الأنبياء: 18] لكم يا معشر الكفار الويل من كذبكم ووصفكم ~~الله بما لا يجوز. # ثم بين أن جميع المؤمنين عبيده، فقال: {وله ms1173 من في السموات والأرض} ~~[الأنبياء: 19] عبيدا وملكا، ومن عنده يعني الملائكة، {لا يستكبرون عن ~~عبادته} [الأنبياء: 19] قال الزجاج: أي هؤلاء الذين ذكرتم أنهم أولاد الله، ~~عباد الله لا يأنفون من عبادته، ولا يتعظمون عنا، كقوله: {إن الذين عند ربك ~~لا يستكبرون عن عبادته} [الأعراف: 206] ، ولا يستحسرون يقال: حسر واستحسر ~~إذا تعب وأعيا. # قال قتادة، ومقاتل: لا يعيون. # وقال السدي: لا ينقطعون عن العبادة. # {يسبحون الليل والنهار} [الأنبياء: 20] ينزهون الله دائما بقولهم: سبحان ~~الله. # لا يفترون لا يضعفون ولا يملون، قال الزجاج: مجرى التسبيح منهم كمجرى ~~النفس منا، لا يشغلنا عن النفس شيء، فكذلك تسبيحهم دائم. # أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث، أنا عبد الله بن محمد بن حبان، ~~نا أبو يحيى الرازي، نا سهل بن عثمان، نا أبو معاوية، عن الشيباني، عن حسان ~~بن المخارق، عن عبد الله بن الحارث، قال: قلت لكعب: أرأيت قول الله: ~~{يسبحون الليل والنهار لا يفترون} [الأنبياء: 20] أما يشغلهم شأن؟ أما ~~تشغلهم حاجة؟ قال: يابن أخي، جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس، ألست تأكل ~~وتشرب، وتقوم وتجلس، وتجيء وتذهب، وتتكلم وأنت تتنفس؟ وكذلك جعل لهم ~~التسبيح. # ثم عاد إلى توبيخ المشركين، فقال: {أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون ~~{21} لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ~~{22} لا يسأل عما يفعل وهم يسألون {23} } [الأنبياء: 21-23] {أم اتخذوا ~~آلهة} [الأنبياء: 21] هذا استفهام معناه الجحد، أي لم يتخذوا آلهة، من ~~الأرض وأصنامهم كانت من الأرض، من أي جنس كان، من خشب، أو حجارة، أو ذهب، ~~أو فضة. # هم ينشرون يحيون، يقال: أنشر الله الميت فنشر. # وهذا توبيخ لهم على عبادتهم جمادا من الأرض، لا يقدر على شيء. # ثم ذكر الدلالة على توحيده، وأنه لا يجوز أن يكون معه إله سواه، فقال: ~~{لو كان فيهما} [الأنبياء: 22] أي: في السماء والأرض، آلهة معبودون يستحقون ~~العبادة، إلا الله معناه: غير الله، وهو صفة للآلهة، على معنى آلهة هم غير ~~الله، كما يزعم المشركون ms1174، وهذا قول جميع النحويين: الأخفش، والزجاج، وأبي ~~علي الفسوي، # PageV03P233 # كلهم قالوا: إلا ليس باستثناء ههنا، ولكنه مع ما بعده صفة للآلهة في معنى ~~غير. # قال الزجاج: وكذلك ارتفع ما بعدها على لفظ الذي قبلها، وأنشد: # وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان # قال: المعنى وكل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه. # وقوله: لفسدتا أي: لخربتا وبطلتا وهلكتا، وهلك من فيهما لوجود التماني ~~بين الآلهة، فلا يجري أمر العالم على النظام، لأن كل أمر صدر عن اثنين ~~فأكثر لم يجر على النظام. # ثم نزه نفسه عما يصفه به الكافرون عن الشريك والولد بقوله: {فسبحان الله ~~رب العرش عما يصفون {22} لا يسأل عما يفعل وهم يسألون {23} } [الأنبياء: ~~22-23] أي: لا يسأل الله عما يفعله ويقضيه في خلقه، والناس يسألون عن ~~أعمالهم، والمعنى أنه لا يسأل عما يحكم في عباده من إعزاز وإذلال، وهدى ~~وإضلال، وإسعاد وإشقاء، لأنه الرب مالك الأعيان، والخلق يسألون سؤال توبيخ، ~~يقال لهم يوم القيامة: لم فعلتم كذا؟ لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر ~~مولاهم، والله تعالى ليس فوقه أحد يقول له لشيء فعلته: لم فعلته؟ ### | 614 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، أنا أحمد بن عمرو بن ~~أبي عاصم، نا عقبة بن مكرم، نا أبو عاصم، نا عروة بن ثابت، حدثني يحيى بن ~~عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود الديلي، قال: قال لي عمران بن حصين: ~~أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه، أليس قد قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد ~~سبق، أو فيما يستقبلون فيما أتاهم به نبيهم وأخذت عليهم به الحجة؟ قلت: بل ~~هو شيء قد قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق، قال: فهل يكون ذلك ظلما؟ ~~قلت: إنه ليس من شيء إلا وهو خلق الله وملك يده، ولا يسأل عما يفعل وهم ~~يسألون، فقال: ثبتك الله، إنما أردت أن أحرز عقلك، قال عمران بن حصين: جاء ~~رجل من جهينة، أو مزينة، إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول ms1175 ~~الله، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويكدحون، أليس قد قضي عليهم من قدر قد سبق، ~~أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم وأخذت عليهم به الحجة؟ فقال: بل شيء ~~قضي عليهم ومضى، قال: ففيم العمل، أو فيم نعمل؟ قال: من خلقه الله لإحدى ~~المنزلتين ألهمه وتصديق ذلك في كتاب الله {فألهمها فجورها وتقواها} ولما ~~أبطل الله أن يكون إله سواه من حيث العقل بقوله: {لو كان فيهما آلهة إلا ~~الله لفسدتا} أبطل جواز اتخاذ إله سواه من حيث الأمر # فقال: { # PageV03P234 # أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل ~~أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون {24} وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا ~~نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون {25} } [الأنبياء: 24-25] {أم اتخذوا ~~من دونه آلهة} [الأنبياء: 24] وهذا استفهام إنكار وتوبيخ، {قل هاتوا ~~برهانكم} [الأنبياء: 24] بينتكم على ما تقولون من جواز اتخاذ إله سواه، ~~{هذا ذكر من معي} [الأنبياء: 24] يعني القرآن، يقول فيه خبر من معي على ~~ديني ممن يتبعني إلى يوم القيامة بمالهم من الثواب على الطاعة والعقاب على ~~المعصية، {وذكر من قبلي} [الأنبياء: 24] قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد ~~التوراة والإنجيل وما أنزل الله من الكتب. # والمعنى: هذا القرآن وهذه الكتب التي أنزلت قبلي، فانظروا هل في واحد من ~~الكتب أن الله أمر باتخاذ إله سواه، فبطل بهذا البيان جواز اتخاذ معبود ~~سواه من حيث الأمر به. # قال الزجاج: قل لهم هاتوا برهانكم بأن رسولا من الرسل أنبأ أمته بأن لهم ~~إلها غير الله، فهل في ذكر من قبلي إلا توحيد الله. # يدل على صحة هذا المعنى قوله بعد هذا: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا ~~نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25] فلما توجهت الحجة ~~عليهم، ذمهم على جهلهم بمواضع الحق، فقال: {بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم ~~معرضون} [الأنبياء: 24] عن التأمل والفكر، وما يجب عليهم من الإيمان. # {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ms1176 {26} لا يسبقونه بالقول ~~وهم بأمره يعملون {27} يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ~~ارتضى وهم من خشيته مشفقون {28} ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه ~~جهنم كذلك نجزي الظالمين {29} } [الأنبياء: 26-29] {وقالوا اتخذ الرحمن ~~ولدا} [الأنبياء: 26] قال ابن عباس: يريد من الملائكة. # سبحانه نزه نفسه عما يقولون، بل عباد بل هم عباد، يعني الملائكة، مكرمون ~~أكرمتهم واصطفيتهم. # {لا يسبقونه بالقول} [الأنبياء: 27] لا يتكلمون إلا بما يأمرهم به ربهم، ~~وقال ابن قتيبة: لا يقولون حتى يقول، ويأمر وينهى، ثم يقولون عنه كما لا ~~يعلمون حتى يأمرهم. # وهو قوله: {وهم بأمره يعملون {27} يعلم ما بين أيديهم} [الأنبياء: 27-28] ~~ما قدموا من أعمالهم، وما خلفهم وما أخروا منها، أي: ما عملوا، وما هم ~~عاملون، {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28] قال ابن عباس: لمن قال ~~لا إله إلا الله. # وقال مجاهد: لمن رضي عنه. # {وهم من خشيته} [الأنبياء: 28] أي: من خشيتهم منه، فأضيف المصدر إلى ~~المفعول، مشفقون خائفون لا يأمنون مكره. # {ومن يقل منهم} [الأنبياء: 29] من الملائكة، {إني إله من دونه} ~~[الأنبياء: 29] من دون الله، {فذلك نجزيه جهنم} [الأنبياء: 29] قال ~~المفسرون: يعني إبليس، لأنه أمر بطاعة نفسه، ودعا إلى عبادته، كذلك كما ~~جزيناه جهنم، نجزي الظالمين يعني المشركين. # {أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من ~~الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون {30} وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم ~~وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون {31} # PageV03P235 # وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون {32} وهو الذي خلق الليل ~~والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون {33} } [الأنبياء: 30-33] قوله: ~~{أولم ير الذين كفروا} [الأنبياء: 30] أو لم يعلموا، {أن السموات والأرض ~~كانتا رتقا} [الأنبياء: 30] الرتق: السد، يقال: رتقت الشيء فارتتق. # ففتقناهما قال ابن عباس: فتق الله السماء بالمطر، والأرض بالنبات، كانت ~~السموات لا تنزل مطرا، والأرض لا تنبت نباتا. # {وجعلنا من الماء كل شيء حي} [الأنبياء: 30] أي: وأحيينا بالماء الذي ~~تنزله من السماء كل شيء حي من الحيوان، ويدخل فيه ms1177 النبات والشجر، يعني أنه ~~سبب لحياة كل شيء، والمفسرون يقولون: يعني أن كل شيء فهو مخلوق من الماء، ~~كقوله: {والله خلق كل دابة من ماء} [النور: 45] قال أبو العالية: يعني ~~النطفة، وعلى هذا لا يتعلق هذا بما قبله، وهو احتجاج على المشركين بقدرة ~~الله. # أفلا يؤمنون أفلا يصدقون بعد هذا البيان؟ {وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد ~~بهم} [الأنبياء: 31] مفسر في { [النحل، وجعلنا فيها في الرواسي، فجاجا قال ~~أبو عبيدة: هي المسالك. # وقال الزجاج: كل مخترق بين جبلين هو فج. # قال ابن عباس: جعلنا بين الجبال طرقا حتى يهتدوا إلى مقاصدهم في الأسفار. # وقوله: سبلا تفسير للفجاج، وبيان أن تلك الفجاج نافذة مسلوكة، فقد يكون ~~الفج غير نافذ. # ] وجعلنا السماء سقفا} [سورة الأنبياء: 32] السقف من أسماء السماء، قال ~~الله تعالى: {والسقف المرفوع} [الطور: 5] والسماء للأرض كالسقف للبيت، ~~وقوله: محفوظا قال ابن عباس: من الشياطين بالنجوم، دليله قوله: {وحفظناها ~~من كل شيطان رجيم} [الحجر: 17] . # وذكر الزجاج وجها آخر، قال: حفظه من الوقوع على الرض إلا بإذنه، دليله ~~قوله: {ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه} [الحج: 65] . # وهم يعني المشركين، عن آياتها شمسها وقمرها ونجومها، معرضون لا يتدبرونها ~~ولا يتفكرون فيها، فيعلموا أن خالقها لا شريك له. # {وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل} [الأنبياء: 33] يعني ~~الطوالع، في فلك الفلك في كلام العرض: كل شيء مستدير، وجمعه أفلاك، ومنه ~~فلكة المغزل، وتفلك ثدي الجارية، قال السدي: في مجرى واستدارة. # وقال الكلبي: الفلك استدارة السماء، وكل شيء استدار فهو فلك. # وهذا قول أكثر المفسرين، قالوا: الفلك مدار النجوم الذي يضمها. # قال الحسن: الفلك طاحونة كهيئة فلك المغزل، يريد أن الذي تجري فيه النجوم ~~مستدير كاستدارة الطاحونة. # وقوله: يسبحون أي: يجرون بسرعة كالسابح في الماء، وقد قال في موضع آخر: ~~{والسابحات سبحا} [النازعات: 3] يعني النجوم، والسبح لا يختص بالجري في ~~الماء، فقد يقال للفرس الذي يمد يديه في الجري: سابح. # قوله: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون {34} كل ms1178 نفس ~~ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون {35} } [الأنبياء: ~~34-35] {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} [الأنبياء: 34] الخلد: اسم من ~~الخلود، وهو البقاء الدائم، يقول: ما خلدنا قبلك أحدا من # PageV03P236 # بني آدم. # يعني أن سبيله سبيل من مضى قبله من الرسل، ومن بني آدم في الموت، {أفإن ~~مت فهم الخالدون} [الأنبياء: 34] يعني: مشركي مكة حين قالوا: نتربص بمحمد ~~ريب المنون. # فقيل لهم: إن مات محمد فأنتم أيضا تموتون، لأن كل نفس ذائقة الموت، قالت ~~عائشة رضي الله عنها: استأذن أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~وقد مات وسجي عليه الثوب، فكشف عن وجهه، ووضع فمه بين عينيه، ووضع يديه على ~~صدغيه، وقال: وانبياه، واخليلاه، واصفياه، صدق الله ورسوله {وما جعلنا لبشر ~~من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون {34} كل نفس ذائقة الموت} [الأنبياء: ~~34-35] ثم خرج إلى الناس فخطب. # وقوله: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء: 35] قال الوالبي عن ابن ~~عباس: نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال ~~والحرام، وكلها بلاء. # وقال ابن زيد: نبلوكم بما تحبون وبما تكرهون، لننظر كيف شكركم، وكيف ~~صبركم. # وإلينا ترجعون تردون للجزاء بالأعمال، حسنها وسيئها. # قوله: {وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم ~~وهم بذكر الرحمن هم كافرون {36} خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا ~~تستعجلون {37} } [الأنبياء: 36-37] {وإذا رآك الذين كفروا} [الأنبياء: 36] ~~قال ابن عباس: يعني المستهزئين. # {إن يتخذونك إلا هزوا} [الأنبياء: 36] أي: ما يتخذونك إلا مهزوءا به، قال ~~السدي: نزلت في أبي جهل، مر به النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك، وقال: هذا ~~نبي بني عبد مناف. # وقوله: أهذا الذي فيه إضمار القول، ومعنى يذكر آلهتكم قال ابن عباس: يعيب ~~أصنامكم، قال الزجاج: يقال فلان يذكر الناس، أي يغتابهم ويذكرهم بالعيوب، ~~وفلان يذكر الله، أي بصفة بالتعظيم ويثني عليه، وإنما يحذف مع الذكر ما عقل ~~معناه، وعلى ما قل لا يكون الذكر في كلام العرب العيب، وحيث يراد به العيب ~~حذف منه السوء. # وقوله: {وهم بذكر ms1179 الرحمن هم كافرون} [الأنبياء: 36] وذلك أنهم قالوا: ما ~~نعرف الرحمن فكفروا بالرحمن. # قوله: {خلق الإنسان من عجل} [الأنبياء: 37] قال قتادة: خلق الإنسان ~~عجولا. # والإنسان اسم الجنس، قال الفراء: كأنه يقول بنيته وخلقته من العجلة وعلى ~~العجلة. # وقال الزجاج: خوطبت العرب بما تفعل، والعرب تقول للذي يكثر منه الشيء: ~~خلقت منه، كما تقول: أنت من لعب، وخلقت من لعب، يريد المبالغة في وصفه ~~بذلك، ويدل على هذا المعنى قوله: {وكان الإنسان عجولا} [الإسراء: 11] . # وقال عكرمة: لما خلق آدم ونفخ فيه الروح، صار في رأسه، فذهب لينهض قبل أن ~~يبلغ الروح إلى رجليه، فوقع، فقيل: {خلق الإنسان من عجل} [الأنبياء: 37] ~~وهذا قول سعيد بن جبير، والسدي، والكلبي، وعلى هذا المراد بالإنسان آدم، ~~وإذا كان آدم خلق من عجل على معنى أنه خلق عجولا، وجد ذلك في أولاده، وأورث ~~أولاده العجلة حتى استعجلوا في كل شيء، والآية نازلة في أهل مكة حين ~~استعجلوا العذاب، قال ابن عباس في رواية عطاء: {خلق الإنسان من عجل} ~~[الأنبياء: 37] يريد النضر بن الحارث، وهو الذي قال: {اللهم إن كان هذا هو ~~الحق من عندك} [الأنفال: 32] الآية. # يدل على هذا قوله: سأريكم آياتي قال: يريد القتل ببدر. # فلا تستعجلون أي أنه نازل. # PageV03P237 # {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين {38} لو يعلم الذين كفروا حين لا ~~يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون {39} بل تأتيهم بغتة ~~فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون {40} } [الأنبياء: 38-40] ويقولون ~~يعني المشركين، {متى هذا الوعد} [الأنبياء: 38] الذي تعدنا، يريدون وعد يوم ~~القيامة، {إن كنتم صادقين} [الأنبياء: 38] في هذا الوعد. # قال الله تعالى: {لو يعلم الذين كفروا} [الأنبياء: 39] أي: لو عرفوا ذلك ~~الوقت، وهو قوله: {حين لا يكفون عن وجوههم النار} [الأنبياء: 39] قال ابن ~~عباس: يريد ساعة يدخلون النار، لا يدفعون {عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم} ~~[الأنبياء: 39] لإحاطتها بهم، {ولا هم ينصرون} [الأنبياء: 39] يمنعون مما ~~نزل بهم، وجواب لو محذوف على تقدير لو علموا ذلك ما استعجلوا ولا قالوا متى ~~هذا ms1180 الوعد؟ بل تأتيهم يعني الساعة، بغتة فجأة، فتبهتهم تحيرهم، يقال: بهته ~~يبهته إذا واجهه بشيء يحيره، ذكرنا ذلك عند قوله: {فبهت الذي كفر} [البقرة: ~~258] . # {فلا يستطيعون ردها} [الأنبياء: 40] صرفها عنهم، {ولا هم ينظرون} ~~[الأنبياء: 40] يمهلون لتوبة أو معذرة. # ثم عزى نبيه فقال: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما ~~كانوا به يستهزءون {41} قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ~~ذكر ربهم معرضون {42} أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ~~ولا هم منا يصحبون {43} } [الأنبياء: 41-43] {ولقد استهزئ برسل من قبلك} ~~[الأنبياء: 41] أي: كما استهزأ قومك بك، فحاق نزل وأحاط، {بالذين سخروا ~~منهم} [الأنبياء: 41] من الرسل، {ما كانوا به يستهزءون} [الأنبياء: 41] ~~يعني: العذاب الذي استهزأوا به. # قوله: {قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن} [الأنبياء: 42] قال ابن ~~عباس: من يمنعكم من عذاب الرحمن. # قال الزجاج: معناه من يحفظكم من بأس الرحمن. # كما قال: {فمن ينصرني من الله} [هود: 63] أي من عذاب الله، ونحو هذا قال ~~الفراء، والمعنى: من يحفظكم مما يريد الرحمن إنزاله بكم من عقوبات الدنيا ~~والآخرة؟ وهو استفهام إنكاري، أي: لا أحد يفعل ذلك، يقال: كلأه الله، كلأه ~~أي حفظه وحرسه، وقوله: {بل هم عن ذكر ربهم معرضون} [الأنبياء: 42] أي: عن ~~القرآن وعن مواعظ الله، لا يتفكرون ولا يعتبرون. # {أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا} [الأنبياء: 43] تقديم وتأخير تقديره أم ~~لهم آلهة من دوننا تمنعهم، وتم الكلام، ثم وصف آلهتهم بالضعف، فقال: {لا ~~يستطيعون نصر أنفسهم} [الأنبياء: 43] أي: فكيف تنصرهم وتمنعهم إذا لم تقدر ~~على منع أنفسها عما يراد بها؟ وقوله: ولا هم يعني الكفار، منا يصحبون قال ~~الكلبي: يقول لا يجارون من عذابنا. # وقال ابن قتيبة: أي لا يجيرهم منا أحد، لأن المجير صاحب الجار. # والعرب تقول: صحبك الله، أي حفظك الله وأجارك. # ثم ذكر أن هؤلاء اغتروا بطول الإمهال إذا لم يعاجلوا بالعقوبة، فقال: { # PageV03P238 # بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ~~ننقصها من ms1181 أطرافها أفهم الغالبون {44} قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم ~~الدعاء إذا ما ينذرون {45} ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا ~~إنا كنا ظالمين {46} ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا ~~وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين {47} } [الأنبياء: ~~44-47] {بل متعنا هؤلاء وآباءهم} [الأنبياء: 44] يعني أهل مكة، متعهم الله ~~بما أنعم عليهم، {حتى طال عليهم العمر} [الأنبياء: 44] فاغتروا بذلك، فقال ~~الله: {أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} [الأنبياء: 44] قال ~~الضحاك: ألم ير المشركون الذين يحاربون رسول الله ويقاتلون، إنا ننقصهم له، ~~فنأخذ ما حولهم من قراهم وأراضيهم، أولا يرون أنهم المنقوصون والمغلوبون. # وقال الحسن: ننقصها من أطرافها: ظهور النبي صلى الله عليه وسلم على من ~~قاتله، أرضا فأرضا، قوما فقوما. # أفهم الغالبون أي: ليسوا بغالبين، ولكنهم المغلوبون، ورسول الله هو ~~الغالب، تفسير هذا تقدم في آخر { [الرعد. # قوله:] قل إنما أنذركم بالوحي} [سورة الأنبياء: 45] أي: أخوفكم بالقرآن، ~~والمعنى: إنما أنذركم بالوحي الذي يوحيه الله إلي، لا من قبل نفسي، وذلك أن ~~الله أمره بإنذارهم، كقوله: {وأنذر به الذين يخافون} [الأنعام: 51] ، ~~وقوله: {ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون} [الأنبياء: 45] تمثيل للكفار ~~بالصم الذين لا يسمعون النداء إذا أنذروا شيئا، كذلك هؤلاء في تركهم ~~الانتفاع بما سمعوا، كالصم الذين لا يسمعون، وقرأ ابن عامر: ولا تسمع الصم ~~على إسناد الفعل إلى المخاطب، والمعنى أنهم معاندون، فإذا أسمعتهم لم ~~يعملوا بما يسمعوه كما لا يسمع الصم، قال أبو علي الفارسي: ولو كان كما قال ~~ابن عامر، فكان إذا تنذرهم ليحسن نظم الكلام، فأما ما ينذرون فحسن أن تتبع ~~قراءة العامة. # قوله: {ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين} ~~[الأنبياء: 46] قال المبرد: النفحة الدفعة من الشيء التي دون معظمه. # يقال: نفحه نفحة بالسيف للضربة الخفيفة. # وهذا موافق لقول ابن عباس في تفسير نفحة، قال: طرف. # وقال ابن كيسان: قليل. # وقال ابن جريج: نصيب من قولهم نفحه من ماله ms1182 إذا أعطاه. # ومعنى الآية: لئن أصابهم طرف من العذاب لأيقنوا بالهلاك، ودعوا على ~~أنفسهم بالويل، مع الإقرار بأنهم ظلموا أنفسهم بالشرك، وتكذيب محمد صلى ~~الله عليه وسلم. # قوله: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} [الأنبياء: 47] وقال الزجاج: ~~القسط مصدر يوصف به، تقول: ميزان قسط وموازين قسط والمعنى: ذات قسط، وذكرنا ~~الكلام في الموازين عند قوله: {فمن ثقلت موازينه} [الأعراف: 8] . ### | 615 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحافظ، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا إبراهيم ~~بن محمد بن الحسن، نا محمد بن هاشم البعلبكي، نا الوليد بن مسلم، نا عثمان ~~بن أبي العاتكة، عن # PageV03P239 # علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، أن رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم، قال: " يا بني هاشم، اشتروا أنفسكم من الله واسعوا في فكاك رقابكم ~~ولا تغرنكم قرابتكم مني، فإني لا أملك لكم من الله شيئا، فبكت عائشة، ~~وقالت: يا رسول الله، ونكون يوم لا تغني عنا من الله شيئا، فقال: نعم، في ~~ثلاثة مواطن، يقول الله، عز وجل: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا ~~تظلم نفس شيئا} # {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون {8} ومن خفت موازينه} [الأعراف: ~~8-9] الآية، وعند النور والظلمة، وعلى الصراط من شاء الله سلمه وأجاره، ومن ~~شاء كبكبه في النار ". # ومعنى قوله: {فلا تظلم نفس شيئا} [الأنبياء: 47] لا ينقص من إحسان محسن، ~~ولا يزيد في إساءة مسيء، {وإن كان مثقال حبة} [الأنبياء: 47] قال الزجاج: ~~وإن كان العمل مثقال حبة. # وقال أبو علي الفارسي: وإن كان الظلامة مثقال حبة. # وقال: وهذا حسن لتقدم قوله: {فلا تظلم نفس شيئا} [الأنبياء: 47] . # وعلى ما قال أبو علي يكون تأويل قوله: {فلا تظلم نفس شيئا} [الأنبياء: ~~47] لأن المظلومين يستوفون حقوقهم من الظالمين حتى لا يبقى لأحد عند أحد ~~ظلامة، ولو مثقال حبة، من خردل وقوله: أتينا بها قال الزجاج: جئنا بها. # يعني: أحضرناها للمجازاة بها، وعلى ما قال أبو علي: أتينا بها للمحاسبة ~~عليها، يدل على صحة هذا قوله: {وكفى بنا حاسبين} [الأنبياء: 47] قال السدي: ~~محصين، والحسب معناه العد ms1183. # وقال ابن عباس: عالمين حافظين، وذلك أن من حسب شيئا علمه وحفظه. ### | 616 - # أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي، نا محمد بن الحسين الحدادي، أنا محمد ~~بن يحيى، أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا محمد بن عبيد، عن يوسف بن صهيب، عن ~~موسى بن أبي المختار، عن بلال، رجل من بني عبس، عن حذيفة، قال: إن جبريل ~~صاحب الميزان يوم القيامة، يقول له ربه: زن بينهم ورد بعضهم على بعض، ولا ~~ذهب يومئذ ولا فضة، فيرد المظلوم من الظالم ما وجد له من حسنة، فإن لم يكن ~~له حسنة أخذ من سيئات المظلوم فيرد على الظالم فيرجع وعليه مثل الجبل # PageV03P240 # {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين {48} الذين يخشون ~~ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون {49} وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له ~~منكرون {50} } [الأنبياء: 48-50] قوله: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} ~~[الأنبياء: 48] قال مجاهد، وقتادة: يعني التوراة التي تفرق بين الحلال ~~والحرام. # وضياء من صفة التوراة، مثل قوله: {فيها هدى ونور} [المائدة: 44] والمعنى ~~أنهم استضاءوا بها حتى اهتدوا في دينهم، ومعنى وذكرا للمتقين أنهم يذكرونه ~~ويعلمون بما فيه، ويتعظون بمواعظه. # {الذين يخشون ربهم بالغيب} [الأنبياء: 49] أي: في الدنيا، غائبين عن ~~الآخرة وأحكامها، {وهم من الساعة} [الأنبياء: 49] أي: من أهوالها وعذابها، ~~مشفقون خائفون. # ثم عاد إلى ذكر القرآن، فقال: وهذا ذكر قال الزجاج: المعنى هذا القرآن ~~ذكر لمن تذكر به، وعظة لمن اتعظ. # مبارك أنزلناه كثير خير أفأنتم يا أهل مكة، له منكرون إياه جاحدون؟ وهذا ~~استفهام توبيخ وتعيير. # {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين {51} إذ قال لأبيه وقومه ~~ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون {52} قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين ~~{53} قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين {54} قالوا أجئتنا بالحق أم ~~أنت من اللاعبين {55} قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ~~ذلكم من الشاهدين {56} } [الأنبياء: 51-56] وقوله: {ولقد آتينا إبراهيم ~~رشده} [الأنبياء: 51] أي هداه، من قبل أي: من قبل بلوغه، والمعنى: آتيناه ~~هذا صغيرا حين كان في ms1184 السرب حتى عرف الحق من الباطل، {وكنا به عالمين} ~~[الأنبياء: 51] علمنا أنه موضع لإيتاء الرشد، وأنه يصلح للنبوة. # ثم بين متى أتاه، فقال: {إذ قال لأبيه وقومه} [الأنبياء: 52] أي: في ذلك ~~الوقت الذي قال لهم وهم يعبدون الصنم، {ما هذه التماثيل التي} [الأنبياء: ~~52] يعني الأصنام، والتمثال اسم للشيء المصنوع مشبها بخلق من خلق الله، ~~وأصله من مثلت الشيء بالشيء إذا شبهته به، واسم ذلك الممثل ثمثال، وجمعه ~~تماثيل، وقوله: {أنتم لها عاكفون} [الأنبياء: 52] أي: على عبادتها مقيمون، ~~فأجابوه بأنهم وجدوا آباءهم يعبدونها، فاقتدوا بهم على طريق التقليد في ~~عبادتها، فأجابهم إبراهيم بأنهم فيما فعلوه وآباؤهم كانوا في ضلال مبين ~~بعبادة الأصنام، وهذا الذي ذكرنا معنى قوله: {قالوا وجدنا آباءنا} ~~[الأنبياء: 53] إلى قوله: {أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين} [الأنبياء: ~~55] يعنون أجاد أنت فيما تقول حق أم لاعب مازح؟ وهذا جهل منهم، تخيلوا ~~المحق لاعبا، فأجابهم إبراهيم بما يزيل تخيلهم ويدلهم على أن المستحق ~~للعبادة هو الله، لا الصنم. # وهو قوله: {قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم} ~~[الأنبياء: 56] أي: على أنه رب السموات والأرض، من الشاهدين { # PageV03P241 # وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين {57} فجعلهم جذاذا إلا كبيرا ~~لهم لعلهم إليه يرجعون {58} قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ~~{59} قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم {60} قالوا فأتوا به على أعين ~~الناس لعلهم يشهدون {61} قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم {62} قال ~~بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون {63} } [الأنبياء: 57-63] ~~{وتالله لأكيدن أصنامكم} [الأنبياء: 57] معنى الكيد: ضر الشيء بتدبير عليه، ~~{بعد أن تولوا مدبرين} [الأنبياء: 57] ينطلقوا ذاهبين، قال المفسرون: كان ~~لهم في كل سنة مجمع وعيد، قالوا لإبراهيم: لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ~~ديننا. # فقال إبراهيم سرا منهم: وتالله لأكيدن الآية. # ولم يسمع هذا القول من إبراهيم إلا رجل واحد، وهو الذي أفشاه عليه. # قوله: {فجعلهم جذاذا} [الأنبياء: 58] الجذ: القطع والكسر، والجذاذ: قطع ~~ما كسر، الواحد جذاذة، وهو مثل الحطام والرفات والدقاق، وقرأ الكسائي ms1185 بكسر ~~الجيم على أنه جمع جذيذ، مثل ثقال وثقيل، وخفيف وخفاف، والجذيذ بمعنى ~~المجذوذ وهو المكسور. # قال المفسرون: لما انطلقوا إلى عيدهم، رجع إبراهيم إلى بيت الأصنام، وجعل ~~يكسرهن بفأس في يده، حتى إذا لم يبق إلا الصنم الأكبر علق الفأس في عنقه، ~~ثم خرج. # فذلك قوله: {إلا كبيرا لهم} [الأنبياء: 58] قال الزجاج: أي: كسر الأصنام ~~إلا أكبرها، {لعلهم إليه يرجعون} [الأنبياء: 58] أي: إلى دينه وإلى ما ~~يدعوهم إليه بوجوب الحجة عليهم في عبادة ما لا يدفع عن نفسه، وتنبهوا إلى ~~جهلهم وعظيم خطاهم، ولما رجعوا من عيدهم، ونظروا إلى آلهتهم، وهم جذاذ. # {قالوا من فعل هذا بآلهتنا} [الأنبياء: 59] استفهموا عمن صنع ذلك؟ ~~وأنكروا عليه فعله بقولهم: {إنه لمن الظالمين} [الأنبياء: 59] أي: فعل ما ~~لم يكن له أن يفعله. # فقال من سمع من إبراهيم قوله: {وتالله لأكيدن أصنامكم} [الأنبياء: 57] ، ~~{قالوا سمعنا فتى يذكرهم} [الأنبياء: 60] أي بالغيب، {يقال له إبراهيم} ~~[الأنبياء: 60] وشاعت القصة حتى بلغت نمروذ. # وأشرف قومه {قالوا فأتوا به} [الأنبياء: 61] أي: بالذي يقال له إبراهيم، ~~{على أعين الناس} [الأنبياء: 61] أي: ظاهرا بمرأى من الناس حتى يروه، لعلهم ~~يشهدون عليه بما قاله، فيكون ذلك حجة عليه بما فعل، هذا قول الحسن، وقتادة، ~~والسدي، قالوا: كرهوا أن يأخذوه بغير بينة. # وقال محمد بن إسحاق: لعلهم يشهدون عقابه وما يصنع به. # أي يحضرون. # فلما أتوا به {قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم {62} قال بل فعله ~~كبيرهم هذا} [الأنبياء: 62-63] أسند فعله إلى كبير الأصنام، إقامة للحجة ~~عليهم، قال: غضب من أن يعبدوا معه الصغار فكسرهن. ### | 617 - # أخبرنا محمد بن أبي بكر المطوعي، أنا محمد بن أحمد بن علي المقري، أنا ~~الحسن بن سفيان النسوي، أنا هشام بن عمار، نا محمد بن عيسى، نا زهير بن ~~محمد، عن موسى بن عقبة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات؛ قوله: ~~{بل فعله كبيرهم هذا} ، وقوله لسارة: إنها أختي، وقوله: {إني ms1186 سقيم} # قال المفسرون: وجاز أن يكون الله قد أذن له في ذلك ليوبخ قومه، ويعرفهم ~~خطأهم، كما أذن # PageV03P242 # ليوسف حتى أمر مناديه، فقال لإخوته: {إنكم لسارقون} [يوسف: 70] ولم ~~يكونوا سرقوا شيئا. # وقوله: {فاسألوهم إن كانوا ينطقون} [الأنبياء: 63] إلزام للحجة عليهم ~~بأنهم جماد لا يقدرون على النطق. # {فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون {64} ثم نكسوا على رءوسهم ~~لقد علمت ما هؤلاء ينطقون {65} قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ~~ولا يضركم {66} أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون {67} } ~~[الأنبياء: 64-67] {فرجعوا إلى أنفسهم} [الأنبياء: 64] أي: تفكروا بقلوبهم، ~~ورجعوا إلى عقولهم، فقال بعضهم لبعض: {إنكم أنتم الظالمون} [الأنبياء: 64] ~~هذا الرجل في مسألتكم إياه، وهذه آلهتكم حاضرة، فسئلوها، وقال عطاء، عن ابن ~~عباس: إنكم أنتم الظالمون، حيث عبدتم من لا يتكلم. # وكان هذا إقرار منهم على أنفسهم بالكفر، ثم أدركتهم الشقاوة، فعادوا إلى ~~كفرهم، وهو قوله: {ثم نكسوا على رءوسهم} [الأنبياء: 65] النكس: رد الشيء ~~وقلبه على آخره، يقال: نكست فلانا في ذلك الأمر، أي رددته فيه بعدما خرج ~~منه. # والمعنى: ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم. # ف قالوا لإبراهيم: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} [الأنبياء: 65] قال ابن ~~عباس: لقد علمت أن هذه الأصنام لا تتكلم. # وهذا اعتراف منهم بعجز ما يعبدونه عن النطق. # فلما اتجهت الحجة عليهم بإقرارهم وبخهم إبراهيم، ف {قال أفتعبدون من دون ~~الله ما لا ينفعكم شيئا} [الأنبياء: 66] لا يرزقكم ولا يعطيكم شيئا إذ ~~عبدتوها، ولا يضركم إذا لم تعبدوها، وفي هذا حث على عبادة من يملك النفع ~~والضر، وهو الله تعالى. # ثم حقرهم وحقر معبودهم، فقال: أف لكم أي: نتنا لك، {ولما تعبدون من دون ~~الله أفلا تعقلون} [الأنبياء: 67] أليس لكم عقل فتعلموا أن هذا الأصنام لا ~~تستحق العبادة، فلما لزمتهم الحجة، وعجزوا عن الجواب، غضبوا. # {قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين {68} قلنا يا نار كوني بردا ~~وسلاما على إبراهيم {69} وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين {70} } ~~[الأنبياء: 68-70] {قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم} [الأنبياء ms1187: 68] أي: بتحريق ~~إبراهيم، لأنه يعيبها ويطعن عليها، فإذا أحرقتموه كان ذلك نصر منكم إياها، ~~{إن كنتم فاعلين} [الأنبياء: 68] أي: إن كنتم ناصريها، والمعنى: لا تنصروها ~~منه بالتحريق بالنار، قال السدي: جمعوا الحطب حتى إن الرجل ليمرض فيوصي ~~بكذا وكذا من ماله، فيشتري به حطبا، فيلقى في النار، وحتى إن المرأة لتغزل، ~~فتشتري به حطبا، فتلقيه في النار، حتى بلغوا من ذلك ما أرادوا، فلما أرادوا ~~أن يلقوا إبراهيم، ولم يدروا كيف يلقونه، فجاء إبليس فدلهم على المنجنيق. # وهو أول منجنيق صنع، فوضعوه فيه، ثم رموه، فبلغنا أن السموات والأرض ~~والجبال والملائكة، قالوا: ربنا عبدك إبراهيم يحرق فيك. # فقيل لهم: إن استغاث بكم فأغيثوه. # فقال إبراهيم: حسبي الله ونعم الوكيل. # فنزل جبريل معه، فضرب النار، فقال: {قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ~~إبراهيم} [الأنبياء: 69] فلم يبق # PageV03P243 # يومئذ نار إلا طفئت، ظنت أنها عنيت، والمعنى: كوني بردا وسلامة، قال ابن ~~عباس: لو لم يتبع بردها سلاما لمات إبراهيم من بردها. ### | 618 - # أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حامد العدل، أنا أبو علي بن أحمد السرخسي، أنا ~~أبو لبابة محمد بن المهدي، نا عمارة، نا شجاع بن أبي نصر، عن عبادة بن ~~كثير، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، عن رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم: " أن نمروذ الجبار لما ألقى إبراهيم في النار نزل ~~جبريل بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة، فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة، ~~وقعد معه يحدثه فأوحى الله إلى النار: أن كوني بردا وسلاما على إبراهيم، ~~ولولا أنه قال: وسلاما لأذاه البرد وقتله البرد، فرأى أبو إبراهيم بعد سبعة ~~أيام في المنام أن إبراهيم خرج من الحائط الذي أوقد عليه فيه، فطلب فلم ~~يقدر عليه فأتى نمروذ فقال: ائذن لي لأخرج عظام إبراهيم من الحائط فأدفنها ~~فانطلق نمروذ إلى الحائط ومعه الناس فأمر بالحائط فنقب، فإذا إبراهيم في ~~روضة تزهر وثيابه تفدى على طنفسة من طنافس الجنة، عليه قميص من قمص الجنة # وقال كعب ms1188 الأحبار: ما أحرقت النار من إبراهيم غير وثاقه. # فذلك قوله: {وأرادوا به كيدا} [الأنبياء: 70] يعني التحريق بالنار، ~~فجعلناهم الأخسرين قال ابن عباس: هو أن الله سلط البعوض على نمروذ وخيله ~~حتى أخذت لحومهم وشربت دمائهم، ووقعت واحدة في دماغه حتى أهلكته، والمعنى ~~أنهم كادوه بسوء فانقلب عليهم ذلك. # {ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين {71} ووهبنا له ~~إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين {72} وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ~~وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ~~{73} ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث ~~إنهم كانوا قوم سوء فاسقين {74} وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين {75} } ~~[الأنبياء: 71-75] ونجيناه أي: من نمروذ وكيده، ولوطا وهو ابن أخي إبراهيم، ~~وهو لوط بن هاران بن تارخ، وكان قد آمن به وهاجر من أرض العراق إلى أرض ~~الشام، وهو قوله: {إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} [الأنبياء: 71] ~~أي: بالخصب وكثرة الأشجار، والثمار، والأنهار، ومنها بعث أكثر الأنبياء. # ووهبنا له لإبراهيم، إسحاق حين سأل الولد، فقال: {رب هب لي من الصالحين} ~~[الصافات: 100] # PageV03P244 # فاستجاب الله دعاءه، ووهب له إسحاق، ويعقوب نافلة النافلة: الزيادة على ~~الأصل، وهو ولد الولد، قال ابن عباس: نفله يعقوب. # أي زاده ولدا من إسحاق، كأنه سأل واحدا فأعطاه الله يعقوب زيادة على ما ~~سأل، قال الفراء: النافلة يعقوب. # خاصة لأنه ولد الولد، وقوله: وكلا يعني: إبراهيم وإسحاق ويعقوب، جعلنا ~~صالحين أنبياء صالحين بطاعة الله. # وجعلناهم أئمة رؤساء يقتدى بهم في الخير، يهدون بأمرنا يهدون الناس إلى ~~ديننا بأمرنا إياهم بذلك، {وأوحينا إليهم فعل الخيرات} [الأنبياء: 73] قال ~~ابن عباس: شرائع النبوة. # {ولوطا آتيناه حكما} [الأنبياء: 74] يعني: النبوة، {وعلما ونجيناه من ~~القرية التي كانت تعمل الخبائث} [الأنبياء: 74] يعني إتيانهم الذكور، وما ~~كانوا يأتونه من المنكرات، وأراد بالقرية أهلها، ثم ذمهم، فقال: {إنهم ~~كانوا قوم سوء فاسقين {74} وأدخلناه في رحمتنا} [الأنبياء: 74-75] بانجائنا ~~إياه من القوم السوء، {إنه من الصالحين} [الأنبياء: 75] يعني: من الأنبياء. # {ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له ms1189 فنجيناه وأهله من الكرب العظيم {76} ~~ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين ~~{77} } [الأنبياء: 76-77] {ونوحا إذ نادى} [الأنبياء: 76] دعا ربه من قبل، ~~من قبل إبراهيم ولوط، لأنه كان قبلهما دعا على قومه بالهلاك، فقال: {رب لا ~~تذر} [نوح: 26] الآية. # {فاستجبنا له فنجيناه وأهله} [الأنبياء: 76] يعني: من كان معه في سفينته، ~~{من الكرب العظيم} [الأنبياء: 76] قال ابن عباس: يريد الغرق وتكذيب قومه ~~له. # {ونصرناه من القوم} [الأنبياء: 77] أي: منعناه من أن يصلوا إليه بسوء. # {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم ~~شاهدين {78} ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال ~~يسبحن والطير وكنا فاعلين {79} وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل ~~أنتم شاكرون {80} ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا ~~فيها وكنا بكل شيء عالمين {81} ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ~~ذلك وكنا لهم حافظين {82} } [الأنبياء: 78-82] قوله: {وداود وسليمان إذ ~~يحكمان في الحرث} [الأنبياء: 78] أكثر المفسرين على أن الحرث كان كرما قد ~~تدلت عناقيده. # وقال قتادة: كان زرعا. # {إذ نفشت فيه غنم القوم} [الأنبياء: 78] رعت ليلا في قول الجميع، قال ابن ~~السكيت: النفش أن تنتشر الغنم بالليل ترعى بلا راع. # قال المفسرون: دخل رجلان على داود وعنده ابنه سليمان، أحدهما صاحب حرث، ~~والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: إن هذا تفلتت غنمه ليلا فوقعت في حرثي ~~فلم يبقى منه شيئا. # فقال: لك رقال الغنم، فقال سليمان: أو غير ذلك؟ ينطلق أصحاب الكرم بالغنم ~~فيصيبوا من ألبانها ومنافعها، ويقوم أصحاب الغنم على الكرم، حتى إذا # PageV03P245 # كان كليلة نفشت فيه، دفع هؤلاء إلى هؤلاء غنمهم، ودفع هؤلاء إلى هؤلاء ~~كرمهم. # فقال داود: القضاء ما قضيت. # وحكم بذلك، فهو قوله: {وكنا لحكمهم شاهدين} [الأنبياء: 78] قال ابن عباس: ~~لم يغب عني من أمرهم شيء. # قال الفراء: جمع أقلين، فقال: {لحكمهم} [الأنبياء: 78] وهو يريد داود ~~وسليمان، لأن الاثنين جمع، وهو مثل قوله: {فإن كان له إخوة} [النساء: 11] ~~وهو يريد ms1190 أخوين، والحكم الذي حكما به بعضه موافق بشرعنا، وبعضه مخالف، أما ~~الموافق: فهو الحكم بالضمان على صاحب الماشية إذا أفسدت بالليل حرثا، وكذا ~~هو في شرعنا: وهو ما ### | 619 - # أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن محمد المنصوري، أنا علي بن عمر الحافظ، ~~نا أبو بكر النيسابوري، نا أبو الأزهر، وأحمد بن يوسف، قالا:، نا عبد ~~الرزاق، نا معمر، عن الزهري، عن حرام بن محيصة، عن أبيه، أن ناقة للبراء ~~وقعت في حائط قوم فأفسد، فقضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على أهل ~~الأموال حفظ الأموال بالنهار، وعلى أهل الماشية حفظها بالليل، أما المخالف ~~لشرعنا فهو أن الحكم عندنا ضمان ما أفسدت الماشية بالقيمة، أو بالمثل، لا ~~تسليم الماشية ولا تسليم منافعها # وقوله: ففهمناها سليمان أي: القضية والحكومة، كنى عنها لأنه ما يدل عليها ~~من ذكر الحكم، وكلا منهما، آتينا حكما نبوة، وعلما بأمور الدين. # {وسخرنا مع داود الجبال يسبحن} [الأنبياء: 79] وهو أنه كان إذا وجد فترة ~~أمر الجبال فسبحت حتى يشتاق هو فيسبح، وقال وهب: كانت الجبال تجاوبه ~~بالتسبيح، وكذلك الطير. # وهو قوله: {والطير وكنا فاعلين} [الأنبياء: 79] يعني: ما ذكر من التفهيم ~~وإيتاء الحكم والتسخير. # {وعلمناه صنعة لبوس لكم} [الأنبياء: 80] اللبوس الدرع، لأنها تلبس، قال ~~قتادة: أول من صنع الدروع داود، وإنما كانت صفائح، فهو أول من سردها ~~وحلقها، فجمعت الخفة والتحصين. # وهو قوله: ليحصنكم أي: ليحرزكم ويمنعكم، يعني اللبوس، ومن قرأ بالتاء ~~فلتقدم قوله: وعلمناه ومن قرأ بالياء حمله على المعنى، لأن معنى اللبوس ~~الدرع، وقوله: من بأسكم أي: من حربكم، وقال السدي: من وقع السلاح فيكم. # فهل أنتم يا معشر أهل مكة، شاكرون نعمي بطاعة الرسول وتصديقه. # وقوله: ولسليمان الريح المعنى: وسخرنا لسليمان الريح، عاصفة شديدة ~~الهبوب، قال ابن عباس: إن أمر # PageV03P246 # الريح أن تعصف عصفت، وإذا أراد أن ترخي أرخت، وذلك قوله: {رخاء حيث أصاب} ~~[ص: 36] ، {تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها} [الأنبياء: 81] وهي أرض ~~الشام، وقد مر في هذه ال { [، قال الفراء: كانت تجري ms1191 بسليمان إلى موضع، ثم ~~تعود به من يوم إلى منزله. # ] وكنا بكل شيء} [سورة الأنبياء: 81] علمناه، عالمين بصحة هذا التدبير ~~فيه، علمنا أنه ما يعطى سليمان من تسخير الريح وغيره يدعوه إلى الخضوع ~~لربه. # {ومن الشياطين من يغوصون له} [الأنبياء: 82] الغوص: الدخول تحت الماء، ~~كانوا يستخرجون له الجواهر من البحر، {ويعملون عملا دون ذلك} [الأنبياء: ~~82] سوى الغوص من البناء وغيره من الأعمال، {وكنا لهم حافظين} [الأنبياء: ~~82] من أن يفسدوا ما عملوا، قاله الفراء، والزجاج. # قوله: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين {83} ~~فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا ~~وذكرى للعابدين {84} } [الأنبياء: 83-84] {وأيوب إذ نادى ربه} [الأنبياء: ~~83] دعا ربه، {أني مسني الضر} [الأنبياء: 83] أصابني الجهد، {وأنت أرحم ~~الراحمين} [الأنبياء: 83] أكثرهم رحمة، وهذا تعريض منه بمسألة الرحمة، إذ ~~أثنى عليه بأنه الأرحم وسكت، وقال رجل لأبي عبد الله الناجي: يا أبا عبد ~~الله، الراضي يسأل ربه. # قال يعرض، قال: مثل أيش، قال: مثل قول أيوب: {مسني الضر وأنت أرحم ~~الراحمين} [الأنبياء: 83] وقال العلماء: لم يكن جزعا من أيوب مع ما وصفه ~~الله به من الصبر، إذ يقول: {إنا وجدناه صابرا} [ص: 44] وكان هذا دعاء منه. # ألا ترى أن الله قال: فاستجبنا له على أن الجزع إنما هو في الشكوى إلى ~~الخلق، فأما من اشتكى إلى الله فليس بجازع، وقوله يعقوب عليه السلام: {أشكو ~~بثي وحزني إلى الله} [يوسف: 86] لا يحمل على الجزع، قال سفيان بن عينية: ~~وكذلك من شكا إلى الناس، وهو في شكواه راض بقضاء الله، لم يكن ذلك جزعا، ~~ألم تسمع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه: «أجدني مغموما، وأجدني ~~مكروبا» . # وقال عليه السلام: «بل أنا واراساه» . # قوله: {فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر} [الأنبياء: 84] قال ابن عباس: ~~يريد الأوجاع. # {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} [الأنبياء: 84] قال ابن مسعود، وقتادة، ~~والحسن: أحيا الله له أولاده الذين هلكوا في بلائه، وأوتي مثلهم في الدنيا. ### | 620 - # وأخبرنا أبو بكر ms1192 بن الحارث، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر، نا أبو يحيى ~~الرازي، نا سهل بن عثمان، نا أبو مالك، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس: ~~قال: سألت نبي الله، صلى الله عليه وسلم، عن قوله: ووهبنا له أهله ومثلهم ~~معهم {، فقال: يابن عباس، رد الله امرأته إليه، وزاد في شبابها حتى ولدت له ~~ستة وعشرين ذكرا، وأهبط الله إليه ملكا، فقال: يا أيوب، إن الله يقرئك ~~السلام بصبرك على البلاء، فاخرج إلى أندرك، فبعث الله إليه سحابة حمراء ~~فهبطت عليه بجراد الذهب، والملك قائم معه، فكانت الجراد تذهب فيتبعها حتى ~~يردها في أندره، فقال الملك: يا # PageV03P247 # أيوب، أما تشبع من الداخل حتى تتبع الخارج، فقال: إن هذه بركة من بركات ~~ربي، ولست أشبع منها # } رحمة من عندنا { [الأنبياء: 84] أي: فعلنا ذلك به رحمة من عندنا،} ~~وذكرى للعابدين { [الأنبياء: 84] قال ابن عباس: موعظة للمطيعين. # } وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين {85} وأدخلناهم في رحمتنا ~~إنهم من الصالحين {86} { [الأنبياء: 85-86] قوله: وذا الكفل قال عطاء: إن ~~نبيا من أنبياء بني إسرائيل أوحى الله إليه أني أريد قبض روحك، فاعرض ملكك ~~على بني إسرائيل، فمن يكفل لك أنه يصلي بالليل لا يفتر، ويصوم النهار ولا ~~يفطر، ويقضي بين الناس فلا يغضب، فادفع إليه ملكك ففعل ذلك، فقام شاب فقال: ~~أنا أتكفل لك بهذا فتكفل بذلك، ووفى به فشكر الله له ونبأه ولذلك سمي ذا ~~الكفل، وقوله:} كل من الصابرين { [الأنبياء: 85] أي: على طاعة وعن معاصي ~~الله،} وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين { [الأنبياء: 86] يعني: ما ~~أنعم الله به عليهم من النبوة، وما صيرهم إليه في الجنة من الثواب. # } وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا ~~إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين {87} فاستجبنا له ونجيناه من الغم ~~وكذلك ننجي المؤمنين {88} { [الأنبياء: 87-88] وذا النون يعنى: يونس بن متى ~~عليه السلام، حبسه الله في بطن النون، وهو الحوت،} إذ ذهب مغاضبا { ~~[الأنبياء: 87] قال الضحاك: مغاضبا ms1193 لقومه. # وهو قول ابن عباس في رواية العوفي، قال: إن شعياء النبي، والملك الذي كان ~~في وقته، وذلك أن القوم أرادوا أن يبعثوه إلى ملك قد غزا بني إسرائيل، وسبي ~~الكثير منهم ليكلمه حتى يرسل معه بني إسرائيل، فقال يونس لشعياء: هل أمرك ~~الله بإخراجي؟ قال: لا. # قال: فهل سماني لك قال: لا. # قال: فههنا غيري أنبياء، فألحوا عليه فخرج مغاضبا للنبي وللملك ولقومه، ~~فأتى بحر الروم، فكان من قصته ما كان، وإنما حبس في بطن الحوت بتركه ما ~~أمره به شعياء وقومه لأن الله تعالى، قال فيه:} فالتقمه الحوت وهو مليم { ~~[الصافات: 142] والمليم: الذي أتى ما يلام عليه، وقال جماعة من المفسرين: ~~إن يونس لما أخبر قومه عن الله أنه منزل العذاب بهم لأجل معلوم ثم بلغه بعد ~~ما مضى الأجل أنه لم يأتهم ما وعدهم خشي أن ينسب إلى الكذب ويعير به سيما ~~ولم تكن قرية آمنت عند حضور العذاب فنفعها إيمانها غير قومه # PageV03P248 # وكان مشتهيا أن ينزل بأس الله بهم لطول ما قاس من تكذيبهم وهزئهم وأذاهم ~~فذهب} مغاضبا { [الأنبياء: 87] لربه أي لأمر ربه وهو رفعه العذاب، عن قومه ~~كره ذلك وغضب منه ومضى على جهة مضي الآبق الناد، يقول الله تعالى} إذ أبق ~~إلى الفلك المشحون { [الصافات: 140] وكان غضبه أنفة من ظهور خلف وعده، ~~وقال: والله لا أرجع إلى قومي كذابا أبدا وعدتهم العذاب في يوم فلم يأت، ~~وروي في الحديث: أنه كان ضيق الصدر، قليل الصبر على ما صبر على مثله أولو ~~العزم من الرسل. # وقوله:} فظن أن لن نقدر عليه { [الأنبياء: 87] أي: لن نقضي عليه من ~~العقوبة ما قضيناه، وهذا قول مجاهد، وقتادة، والضحاك، وعطية، يقال: قدر ~~الله الشيء وقدره، أي قضاه، وهذا القول اختيار الفراء، والزجاج. # وقال آخرون: لن نقدر عليه، لن نضيق عليه الحبس، من قوله عز وجل:} ومن قدر ~~عليه رزقه { [الطلاق: 7] أي: من ضيق عليه، وقد ضيق الله على يونس تضييقه ~~على معذب في الدنيا، وهذا معنى قول عطاء، والحسن ms1194: ظن أن لن نعاقبه. # وقال:} فنادى في الظلمات { [الأنبياء: 87] أكثر المفسرين قالوا: يعني ~~ظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر. # وقال سالم بن أبي الجعد: حوت في حوت في ظلمة. # وقوله:} أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين { [الأنبياء: 87] ~~قال الحسن، وقتادة: هذا القول من يونس اعتراف بذنبه وتوبة من خطيئته، تاب ~~إلى ربه في بطن الحوت، وراجع نفسه، فقال: إني كنت من الظالمين حين ذهبت ~~مغاضبا، ولم أعبد غيرك. # وهذا معنى قوله:} لا إله إلا أنت سبحانك [الأنبياء: 87] الآية. ### | 621 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر، أنا القاسم بن غانم بن حمويه، نا محمد بن ~~إبراهيم البوشنجي، نا عمرو بن الحصين، نا معتمر، عن معمر، عن الزهري، عن ~~أبي أمامة بن سهل، عن سعد بن أبي وقاص، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم، قال: " إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه، كلمة أخي ~~يونس {فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} # قوله: فاستجبنا له أي: أجبنا دعاءه، {ونجيناه من الغم} [الأنبياء: 88] من ~~تلك الظلمات، {وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبياء: 88] إذا دعوني كما أنجينا ~~ذا النون، وروي عن عاصم أنه قرأ نجى المؤمنين مشددة الجيم، وجميع النحويين ~~حكموا على هذه القراءة بالغلط، وأنها لحن، ثم ذكر الفراء وجها، فقال: أضمر ~~المصدر في ننجي فنوى به الرفع ونصب المؤمنين، كقولك: ضرب الضرب زيدا. # ثم يقول زيدا على إضمار المصدر. # PageV03P249 # ولو ولدت فقيرة جرو كلب ... لسب بذلك الجرو الكلابا # قال أبو علي الفارسي: هذا إنما يجوز في ضرورة الشعر. # وراوي هذه القراءة عن عاصم غالط في الرواية، فإنه قرأ ننجي بنونين، كما ~~روى حفص عنه، ولكن النون الثانية من ننجي تخفى مع الجيم، ولا يجوز تبيينها، ~~فالتبس على السامع الإخفاء بالإدغام، فظن أنه إدغام، ويدل على هذا إسكانه ~~الياء من ننجي ونصب قوله: المؤمنين ولو كان على ما لم يسم فاعله ما سكن ~~الياء، ولوجب أن يرفع المؤمنين. # {وزكريا إذ نادى ms1195 ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين {89} فاستجبنا ~~له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا ~~رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين {90} } [الأنبياء: 89-90] وقوله: {وزكريا إذ ~~نادى ربه رب لا تذرني فردا} [الأنبياء: 89] قال ابن عباس: وحيد بلا ولد. # وهذا كقوله: {فهب لي من لدنك وليا {5} يرثني} [مريم: 5-6] . # وقوله: {وأنت خير الوارثين} [الأنبياء: 89] ثناء على الله بأنه الباقي ~~بعد فناء خلقه، وأنه أفضل من يبقى حيا بعد ميت، وأن الخلق كلهم يموتون، ~~ويبقى هو، وقوله: {وأصلحنا له زوجه} [الأنبياء: 90] قال قتادة: كانت عاقرا ~~فجعلها الله ولودا. # وقال الكلبي: كانت عقيما فأصلحت له بالولد، فولدت وهي بنت تسع وتسعين ~~سنة. # وهذا قول أكثرهم: إن إصلاح زوجه إزالة عقرها. # وقوله: إنهم يعني: زكريا وامرأته ويحيى، وبعض المفسرين يذهب إلى أن ~~الكفاية تعود إلى الأنبياء الذين ذكرهم الله في هذه ال { [. # ومعنى] يسارعون في الخيرات} [سورة الأنبياء: 90] يبادرون في طاعة الله ~~وأداء فرائضه، {ويدعوننا رغبا ورهبا} [الأنبياء: 90] أي: للرغبة والرهبة، ~~رغبة في الجنة، وخوفا من النار، {وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 90] قال ~~قتادة: ذللا لأمر الله. # {والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين} ~~[الأنبياء: 91] والتي يعني: مريم، أحصنت فرجها حفظت فرجها، ومنعته عما لا ~~يحل، وقال الفراء: ذكر المفسرون أنه جيب درعها. # وهذا محتمل لأن الفرج في اللغة: كل فرجة بين شيئين، وموضع جيب درع المرأة ~~مشقوق، وهو فرج، وهذا أبلغ في الثناء عليها، لأنها إذا منعت جيب درعها فهي ~~لنفسها أمنع، فنفخنا فيها أمرنا جبريل حتى نفخ في درعها، فأجرينا فيها روح ~~المسيح كما تجري الريح بالمنفخ، وذلك أن الله تعالى أجرى فيها روح المسيح ~~بنفخ جبريل، وأحدث بذلك النفخ عيسى في رحمها، وقوله: من روحنا أضاف الروح ~~إليه إضافة الملك، للتشريف # PageV03P250 # والتخصيص، وهو يريد روح عيسى، {وجعلناها وابنها آية للعالمين} [الأنبياء: ~~91] يعني: ما ظهر فيها من الأعجوبة التي دلت على قدرة الله، ووحد الآية بعد ~~ذكرهما جميعا، لأن الآية فيهما واحدة، وهي ولادة ms1196 من غير فحل. # قوله: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون {92} وتقطعوا أمرهم ~~بينهم كل إلينا راجعون {93} فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه ~~وإنا له كاتبون {94} } [الأنبياء: 92-94] {إن هذه أمتكم} [الأنبياء: 92] ~~قال ابن عباس: يريد دينكم. # وهو قول الحسن، ومجاهد، والجميع، قال ابن قتيبة: والأمة الدين. # ومنه قوله: {إنا وجدنا آباءنا على أمة} [الزخرف: 22] أي على دين، والأصل ~~أنه يقال للقوم يجتمعون على دين واحد، أمة، فتقام مقام الدين، وقوله: أمة ~~واحدة قال ابن عباس: دينا واحدا. # والمعنى أن هذه الشريعة التي نبينها لكم في كتابكم دينا واحدا، إبطالا ~~لما سواها من الأديان، وهي نصب على الحال، {وأنا ربكم فاعبدون} [الأنبياء: ~~92] أي: لا دين سوى ديني، ولا رب غيري. # ثم ذكر اليهود والنصارى وذمهم بالاختلاف، فقال: {وتقطعوا أمرهم بينهم} ~~[الأنبياء: 93] أي: اختلفوا في الدين فصاروا فيه فرقا وأحزابا، يعني: طوائف ~~اليهود والنصارى. # قال الكلبي: فرقوا دينهم فيما بينهم، يلعن بعضهم بعضا، وتبرأ بعضهم من ~~بعض. # والتقطع في هذه الآية بمنزلة التقطيع، ثم أخبر أن مرجع جميع أهل الأديان ~~إليه، وأنه مجاز جميعهم، فقال: {كل إلينا راجعون {93} فمن يعمل من ~~الصالحات} [الأنبياء: 93-94] أي: شيئا منها من أداء الفرائض، وصلة الرحم، ~~ونصرة المظلوم، وغيرها من أعمال البر، وهو مؤمن مصدق بمحمد صلى الله عليه ~~وسلم، وبما جاء به، {فلا كفران لسعيه} [الأنبياء: 94] لا جحود لعمله، يعني ~~أنه يقبل ويشكر بالثواب عليه، {وإنا له كاتبون} [الأنبياء: 94] نأمر الحفظة ~~أن يكتبوا لذلك العامل ما عمل ليجازى به. # وقوله: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون {95} حتى إذا فتحت يأجوج ~~ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون {96} واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار ~~الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين {97} } ~~[الأنبياء: 95-97] {وحرام على قرية} [الأنبياء: 95] قال قتادة: واجب عليها ~~أنها إذا أهلكت لا ترجع إلى دنياها. # ونحو هذا قال عكرمة، عن ابن عباس، وعطاء، والكلبي، قال عطاء: يريد حتما ~~مني. # وقال الكلبي: يقول وجب على ms1197 أهل قرية. # أهلكناها يريد عذبناها {أنهم لا يرجعون} [الأنبياء: 95] إلى الدنيا، ~~والمعنى أن الله كتب على من أهلك أن يبقى في البرزخ إلى يوم القيامة، وأن ~~لا يرجع إلى الدنيا قضاء منه حتما، وفي هذا تخويف لكفار مكة أنهم إن عذبوا ~~وأهلكوا لم يرجعوا إلى الدنيا كغيرهم من الأمم المهلكة، وذهب ابن جريج، ~~وأبو عبيدة، وابن قتيبة، وجماعة إلى أن لا في قوله: لا يرجعون زيادة وقالوا ~~المعنى: حرام على قرية مهلكة ترجعوهم إلى الدنيا، كما قال: {فلا يستطيعون ~~توصية # PageV03P251 # ولا إلى أهلهم يرجعون} [يس: 50] ومن قرأ وحرم فهو بمعنى حرام، كما قيل: ~~حل وحلال وقوله: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج} [الأنبياء: 96] معنى فتحهما ~~إخراجهما عن السد الذي جعلا وراءه، وكأنهما قيدا بذلك السد، فإذا ارتفع ~~السد انفتحا، وقوله: {وهم من كل حدب ينسلون} [الأنبياء: 96] الحدب كل أكمة ~~مرتفعة من الأرض، وينسلون من النسلان، وهو كمشية الذئب إذا أسرع، والمعنى: ~~وهم من كل شيء من الأرض يسرعون، يعني أنهم يتفرقون في الأرض فلا ترى أكمة ~~إلا وقوم منهم يهبطون منها مسرعين. ### | 622 - # أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الحزامي، نا محمد بن عبد الله بن ~~الحكم، نا أحمد بن سليمان، نا الحسن بن مكرم، نا يزيد بن هارون، نا العوام ~~بن حوشب، عن جبلة بن سحيم، عن مؤثر بن عفازة، عن عبد الله بن مسعود، قال: ~~لما أسري بالنبي، صلى الله عليه وسلم، ليلة أسري به؛ لقي إبراهيم وموسى ~~وعيسى، فتذاكروا الساعة، فبدءوا بإبراهيم فسألوه عنها، فلم يكن عنده منها ~~علم، ثم موسى فلم يكن عنده منها علم، فرجعوا إلى عيسى فقال: عهد الله إلي ~~فيما دون وجبتها، فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله، فذكر خروج الدجال، قال: ~~فأهبط فأقتله ويرجع الناس إلى بلادهم فيستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ~~ينسلون فلا يمرون بماء إلا شربوه ولا يمرون بشيء إلا أفسدوه فيجأرون إلي ~~فأدعو الله فيميتهم فتجوى الأرض من ريحهم ويجأرون إلي فأدعو الله فيرسل ~~السماء بالماء فيحمل أجسادهم ms1198 فيقذفها في البحر، ثم تنسف الجبال وتمد الأرض ~~مد الأديم، فعهد الله إلي إذا كان ذلك أن الساعة من الناس كالحامل المتم لا ~~يدري أهلها متى تفجأهم بولادتها ليلا أم نهارا، قال عبد الله: فوجدت تصديق ~~ذلك في كتاب الله: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون} # {واقترب الوعد الحق} [الأنبياء: 97] قال ابن عباس: يريد القيامة، فإذا هي ~~فإذا القصة، {شاخصة أبصار الذين كفروا} [الأنبياء: 97] أي: القصة أن ~~أبصارهم تشخص في ذلك اليوم، قال الكلبي: شخصت أبصار الكفار فلا تكاد تطرف ~~من شدة ذلك اليوم. # وهو قوله وقالوا: {يا ويلنا قد كنا} [الأنبياء: 97] في الدنيا، {في غفلة ~~من هذا} [الأنبياء: 97] اليوم {بل كنا ظالمين} [الأنبياء: 97] أنفسنا ~~بتكذيب الرسل. # ثم خاطب أهل مكة، فقال: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها ~~واردون {98} لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون {99} لهم فيها ~~زفير وهم فيها لا يسمعون {100} إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها ~~مبعدون {101} لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون {102} لا ~~يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون {103} } ~~[الأنبياء: 98-103] {إنكم وما تعبدون من دون الله} [الأنبياء: 98] يعني: ~~الأوثان، حصب جهنم الحصب: ما رميت به في النار، قال ابن عباس: # PageV03P252 # يريد وقودها. # وقال مجاهد، وقتادة، وعكرمة: حطبها. # وقال الضحاك: يرمون بهم في النار كما يرمى بالحصباء. # {أنتم لها واردون} [الأنبياء: 98] فيها داخلون. # {لو كان هؤلاء} [الأنبياء: 99] يعني: الأصنام، آلهة كما يزعم الكفار، ما ~~وردوها يعني: العابدين والمعبودين، لقوله: {وكل فيها خالدون {99} لهم فيها} ~~[الأنبياء: 99-100] في جهنم، {زفير وهم فيها لا يسمعون} [الأنبياء: 100] ~~قال ابن مسعود: إذا بقي في النار من يخلد فيها، جعلوا في توابيت من نار، ثم ~~جعلت تلك التوابيت في توابيت أخرى، فلا يسمعون شيئا، ولا يرى أحد منهم أن ~~في النار أحدا يعذب غيره. # قوله: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} [الأنبياء: 101] قال أكثر ~~المفسرين: لما نزل {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب ms1199 جهنم} [الأنبياء: 98] ~~أتى ابن الزبعرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، ألست تزعم ~~أن عزيرا رجل صالح، وأن عيسى رجل صالح، وأن مريم امرأة صالحة؟ قال: بلى. # قال: فإن الملائكة وعيسى ومريم وعزيرا يعبدون من دون الله، فهؤلاء في ~~النار. # فأنزل الله {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} [الأنبياء: 101] يعني: هؤلاء ~~الذين ذكرهم سبقت لهم من الله السعادة. # أولئك عنها عن جهنم، {مبعدون {101} لا يسمعون حسيسها} [الأنبياء: ~~101-102] أي: حسها وحركة تلهبها، والحس والحسيس الصوت تسمعه من الشيء يمر ~~منك قريبا، {وهم في ما اشتهت أنفسهم} [الأنبياء: 102] من النعيم، {خالدون ~~{102} لا يحزنهم الفزع الأكبر} [الأنبياء: 102-103] قال أكثرهم: يعني إطباق ~~جهنم على أهلها. # وقال الحسن: هو أن يؤمر بالعبد إلى النار. # وقال ابن جريج: هو ذبح الموت بين الفريقين. ### | 623 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، أنا محمد بن أحمد السراج، أنا محمد بن ~~عبد الله الحضرمي، نا عباد بن أحمد العرزمي، نا عمي، عن أبيه، عن عمرو بن ~~قيس، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم، يقول: " ثلاثة على كثبان من مسك لا يحزنهم الفزع الأكبر ولا يكترثون ~~للحساب؛ رجل قرأ القرآن محتسبا ثم أم به قوما محتسبا، ورجل أذن محتسبا، ~~ومملوك أدى حق الله، عز وجل، وحق مواليه وتتلقاهم الملائكة وتستقبلهم ~~ملائكة الرحمة عند خروجهم من القبور، ويقولون لهم: هذا يومكم الذي كنتم ~~توعدون في الدنيا " # {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا ~~إنا كنا فاعلين} [الأنبياء: 104] {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} ~~[الأنبياء: 104] قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد ملكا يقال له سجل، هو ~~الذي يطوي كتب بني آدم إذا رفعت إليه. # وهذا قول السدي، قال: السجل ملك موكل بالصحف، فإذا مات الإنسان، دفع إليه ~~كتابه فطواه. # ونحو هذا روي عن ابن عمر، أنه قال: السجل ملك، والمراد بالكتاب والكتب ~~على اختلاف القراءتين الصحائف، # PageV03P253 # كما تقول: كطي زيد الكتب وتكون اللام زائدة، كقوله ms1200: {ردف لكم} [النمل: ~~72] . # وقال مجاهد: السجل الصحيفة فيها الكتب. # وهو قول قتادة، والكلبي، واختيار الفراء، وابن قتيبة، وعلى هذا القول، ~~الكتب يراد بها المكتوب، ولما كان المكتوب ينطوي بانطواء الصحيفة جعل السجل ~~كأنه يطوي الكتاب، وقوله: {كما بدأنا أول خلق نعيده} [الأنبياء: 104] كما ~~بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلا، كذلك نعيدهم يوم أول. ### | 624 - # أخبرنا أبو حفص الماوردي، أنا عبد الله بن محمد الصوفي، أنا محمد بن ~~أيوب، أنا محمد بن كثير، أنا سفيان، حدثني المغيرة بن النعمان، حدثني سعيد ~~بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " إنكم ~~محشورون حفاة عراة غرلا، ثم قرأ: {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا ~~كنا فاعلين} ألا إن أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم "، رواه البخاري، عن ~~محمد بن كثير # وقال الزجاج: المعنى نبعث الخلق كما ابتدأناه، أي: قدرتنا على الإعادة ~~كقدرتنا على الابتداء، والخلق ههنا مصدر لا يعني المخلوق، وقوله: وعدا ~~علينا أي: وعدناكم ذلك وعدا علينا {إنا كنا فاعلين} [الأنبياء: 104] ما ~~وعدناكم من ذلك. # {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون {105} ~~إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين {106} وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين {107} } ~~[الأنبياء: 105-107] وقوله: {ولقد كتبنا في الزبور} [الأنبياء: 105] يعني: ~~جميع الكتب المنزلة من السماء، {من بعد الذكر} [الأنبياء: 105] يعني: أم ~~الكتاب الذي عند الله، هذا قول سعيد بن جبير، ومجاهد، وابن زيد، واختيار ~~الزجاج، قال: الزبور جميع الكتب التوراة والإنجيل، والقرآن زبور لأن الزبور ~~والكتاب في معنى واحد، يقال: زبرت الشيء وكتبت. # وقوله: أن الأرض يريد أرض الجنة كقوله: {وأورثنا الأرض} [الزمر: 74] ، ~~{يرثها عبادي الصالحون} [الأنبياء: 105] يعني: المؤمنين العاملين بطاعة ~~الله، ويرثونها كقوله: {يرثون الفردوس} [المؤمنون: 11] . # {إن في هذا} [الأنبياء: 106] يعني القرآن، لبلاغا لكفاية، يقال في هذا ~~الشيء: بلاغ وبلغة وتبلغ أي كفاية، والمعنى أن من اتبع القرآن وعمل به كان ~~القرآن بلاغه إلى الجنة، وقوله: لقوم عابدين قال كعب: هم أمة محمد صلى الله ~~عليه وسلم الذين ms1201 يصلون الصلوات الخمس، ويصومون شهر رمضان، سماهم عابدين. # ونحو هذا روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ### | 625 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنا المغيرة بن عمرو بن الوليد ~~العدني، بمكة، نا الفضل بن محمد بن إبراهيم الشعبي، نا عبد الله بن أبي ~~عثمان، نا عبد الرحيم العمي، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم، # PageV03P254 # قرأ إن هذا لبلاغا لقوم عابدين ثم قال: هي الصلوات الخمس في الجماعة في ~~المسجد # {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107] قال ابن عباس: يريد ~~للبر والفاجر، لأن كل نبي غير محمد إذا كذب أهلك الله من كذبه وأخر من كذبه ~~إلى موت أو قيامة، والذي صدقه عجلنا له الرحمة في الدنيا والآخرة. # وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، إنما أنا رحمة ~~مهداة» . ### | 626 - # أخبرنا أبو إبراهيم الصوفي، أنا أبو عمرو بن مطر، أنا محمد بن عبدوس، نا ~~محمد بن عباد، نا مروان بن معاوية، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي ~~هريرة، قال: قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين، فقال: «إني لم أبعث ~~لعانا، وإنما بعثت رحمة» # {قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون {108} فإن تولوا ~~فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون {109} إنه يعلم ~~الجهر من القول ويعلم ما تكتمون {110} وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى ~~حين {111} قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون {112} } ~~[الأنبياء: 108-112] {قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم ~~مسلمون} [الأنبياء: 108] منقادون إلى ما يوحى إلي من إخلاص الإلهية ~~والتوحيد لله، والمراد بهذا الاستفهام الأمر، كقوله: {فهل أنتم منتهون} ~~[المائدة: 91] . # فإن تولوا أعرضوا ولم يسلموا، فقل آذنتكم أعلمتكم للحرب، على سواء أي: ~~إيذانا على سواء، إعلاما يستوي في علمه الجميع، ولم نبدأ به دونكم لتتأهبوا ~~لما يراد منكم. # وإن أدري ما أدري، {أقريب أم بعيد ما توعدون} [الأنبياء: 109] يعني ms1202: أجل ~~القيامة لا يدري به أحد إلا الله. # {إنه يعلم الجهر من القول} [الأنبياء: 110] ما تعلنون، {ويعلم ما تكتمون} ~~[الأنبياء: 110] سركم لا يغيب عن علمه شيء منكم. # {وإن أدري لعله فتنة لكم} [الأنبياء: 111] قال الزجاج: ما أدري لعل ما ~~آذنتكم به فتنة لكم. # أي اختبار، يعني: ما أخبركم به من أنه لا يدري وقت عذابهم، وهو القيامة، ~~فكأنه قال: لعل تأخير العذاب عنكم اختبار لكم، ليرى كيف صنيعكم. # وقوله: {ومتاع إلى حين} [الأنبياء: 111] أي: تستمتعون إلى انقضاء آجالكم. # قوله: قل رب احكم بالحق أي: بعذاب كفار قومي الذي هو حق نازل بهم، ويدل ~~على هذا ما روي أنه كان إذا شهد قتالا، قال: «رب احكم بالحق» . # قال الكلبي: فحكم عليهم بالقتل يوم بدر، # PageV03P255 # ويوم أحد، ويوم الأحزاب، ويوم حنين، ويوم الخندق. # والمعنى على هذا: افصل بيني وبين المشركين بما يظهر به الحق للجميع. # وقرأ حفص {قال رب احكم بالحق} [الأنبياء: 112] يعني: قال الرسول ذلك، ~~وقوله: {وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون} [الأنبياء: 112] من كذبهم ~~وباطلكم في قولكم: {هل هذا إلا بشر مثلكم} [الأنبياء: 3] ، وقولكم: {اتخذ ~~الرحمن ولدا} [الأنبياء: 26] . # والوصف بمعنى الكذب، ذكر في مواضع من التنزيل كقوله: {سيجزيهم وصفهم} ~~[الأنعام: 139] ، وقوله: {ولكم الويل مما تصفون} [الأنبياء: 18] . # PageV03P256 ### | سورة الحج # مدنية وآياتها ثمان وسبعون. ### | 627 - # أخبرنا سعيد بن محمد الحيري، أنا محمد بن جعفر الحيري، نا إبراهيم بن ~~شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم المدائني، نا هارون بن كثير، عن ~~زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة الحج أعطي من الأجر كحجة اعتمرها، بعدد ~~من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي» # بسم الله الرحمن الرحيم {يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء ~~عظيم {1} يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى ~~الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد {2} } [الحج: 1-2] {يأيها ~~الناس} [الحج: 1] قال ابن عباس: يريد ms1203 أهل مكة. # اتقوا ربكم اتقوا عقابه بطاعته، {إن زلزلة الساعة} [الحج: 1] الزلزلة: ~~شدة الحركة على الحال الهائلة. # قال علقمة، والشعبي: هي من أشراط الساعة، وهي في الدنيا قبل يوم القيامة. # وقال الحسن، والسدي: وهذه الزلزلة تكون يوم القيامة. # وروي عن ابن عباس، أنه قال: زلزلة الساعة قيام الساعة. # يعني أنها تقارن قيام الساعة، وتكون معها، وقوله: شيء عظيم يعني أنه لا ~~يوصف لعظمه. # يوم ترونها ترون تلك الزلزلة، تذهل في هذا اليوم، {كل مرضعة عما أرضعت} ~~[الحج: 2] تنسى وتترك كل والدة ولدها، يقال: وهل عن كذا يذهل ذهولا؟ إذا ~~تركه أو شغله عنه شاغل. # قال الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام، وتضع الحامل ما في بطنها ~~لغير تمام. # وهو قوله: {وتضع كل ذات حمل حملها} [الحج: 2] يعني: من هول ذلك اليوم، ~~وهذا يدل على أن هذه الزلزلة تكون في الدنيا، لأن بعد البعث لا يكون حبلى، ~~وعند شدة الفزع تلقي المرأة جنينها، {وترى الناس سكارى} [الحج: 2] من شدة ~~الخوف، {وما هم # PageV03P257 # بسكارى} [الحج: 2] من الشراب، هذا قول جميع المفسرين، والمعنى: ترى الناس ~~كأنهم سكارى من ذهول عقولهم لشدة ما يمر بهم، يضطربون اضطراب السكران من ~~الشراب، يدل على صحة هذا قراءة من قرأ وترى الناس بضم التاء، أي تظنهم، قال ~~الفراء: ولهذه القراءة وجه جيد. # وسكارى وقرئ سكرى قال الفراء: ولهذه القراءة وجه جيد في العربية، لأنه ~~بمنزلة الهلكى والجرحى والمرضى والزمنى، والعرب تجعل فعلى علامة لجمع كل ذي ~~زمانة وضرر وهلاك، ولا يبالون أكان واحده فاعلا أو كان فعيلا أو فعلان. # وقوله: {ولكن عذاب الله شديد} [الحج: 2] دليل على أن سكرهم من خوف ~~العذاب. ### | 628 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص ~~الزاهد، أنا إبراهيم بن عبد الله العبسي، أنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي ~~صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " يقول الله، ~~عز وجل، يوم القيامة: يا آدم قم فابعث بعث النار، فيقول: لبيك وسعديك ~~والخير ms1204 في يديك، وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعون، ~~قال: فحينئذ يشيب الوليد، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم ~~بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، فيقولون: ومن ذلك الواحد؟ فقال رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم: تسع مائة وتسعة وتسعون من يأجوج ومأجوج ومنكم واحد، ~~فقال الناس: الله أكبر، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: والله، إني ~~لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، والله، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، ~~قال: يكبر الناس، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما أنتم يومئذ في ~~الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في الثور ~~الأبيض، رواه البخاري، عن عمر بن حفص، عن أبيه، ورواه مسلم، عن أبي بكر ابن ~~أبي شيبة، عن وكيع، كلاهما، عن الأعمش # {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد {3} كتب عليه ~~أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير {4} } [الحج: 3-4] قوله: ~~{ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} [الحج: 3] قال المفسرون: نزلت في ~~النضر بن الحارث، كان كثير الجدال، وكان ينكر أن الله قادر على إحياء من ~~بلي. # وقال عطاء، عن ابن عباس: يريد الوليد وعتبه بن ربيعة. # والمعنى أنه # PageV03P258 # يخاصم في قدرة الله، ويزعم أنه غير قادر على البعث بغير علم في ذلك، إنما ~~يقوله باغواء الشيطان وطاعته إياه، وهو قوله: {ويتبع كل شيطان مريد} [الحج: ~~3] قال ابن عباس: المريد المتمرد على الله. # {كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير} [الحج: 4] قال ~~ابن عباس: قضى الله أن من أطاع إبليس أضله ولم يرشده وجره إلى عذاب السعير. # {يأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ~~ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء ~~إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد ms1205 ~~إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا ~~عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج {5} ذلك بأن الله هو الحق ~~وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير {6} وأن الساعة آتية لا ريب فيها ~~وأن الله يبعث من في القبور {7} } [الحج: 5-7] {يأيها الناس} [الحج: 5] ~~يعني: أهل مكة، {إن كنتم في ريب من البعث} [الحج: 5] قال ابن عباس: في شك ~~من القيامة. # {فإنا خلقناكم من تراب} [الحج: 5] قال الزجاج: أي تدبروا أمر خلقكم ~~وابتدائكم فإنكم لا تجدون في القدرة فرقا بين ابتداء الخلق وبين إعادته. # وهو قوله: {فإنا خلقناكم من تراب} [الحج: 5] يعني: خلق آدم، {ثم من نطفة} ~~[الحج: 5] يعني: خلق ولده، {ثم من علقة} [الحج: 5] وهي الدم الجامد قبل أن ~~يبيض، وذلك أن النطفة المخلوق منها الولد تصير دما غليظا، ثم تصير لحما، ~~وهو قوله: {ثم من مضغة} [الحج: 5] والمضغة: قطعة لحم، وقوله: {مخلقة وغير ~~مخلقة} [الحج: 5] قال ابن الأعرابي: مخلقة قد برأ خلقه، وغير مخلقة لم ~~تصور. # قال السدي: هذا في السقط، والمرأة تسقط النطفة بيضاء، والعلقة تسقط قد ~~صور بعضه، وتسقط وقد صور كله. # فعلى هذا القول المخلقة وغير المخلقة في السقط، وذهب الأكثرون إلى أن ~~المخلقة: ما أكمل خلقه فينفخ الروح فيه، وهو الذي يولد لتمام حيا، وما سقط ~~كان غير مخلقة، أي غير حي بإكمال خلقه بالروح، وهذا معنى قول ابن عباس ~~رواية عطاء، وعكرمة، والكلبي. # ويدل على صحة التفسير: ما ### | 629 - # ما أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا محمد بن حيان، نا أبو يحيى الرازي، نا ~~العسكري، نا ابن أبي زائدة، عن عامر، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: ~~إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه، فقال: أي رب، مخلقة أم غير ~~مخلقة؟ فإن قيل غير مخلقة؛ قذفتها الأرحام دما ولم تكن نسمة وإن قيل مخلقة؛ ~~قال: رب، أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ ما الأجل؟ ما الأثر؟ ما الرزق؟ بأي ~~أرض تموت؟ فيقال: اذهب ms1206 إلى أم الكتاب، فإنك تجد فيها قصة هذه النطفة فيذهب ~~فيجدها في أم الكتاب فتخلق فتعيش من أجلها وتأكل رزقها وتطأ أثرها حتى إذا ~~جاء أجلها ماتت فدفنت في المكان الذي ثبت لها، ثم تلا عامر: {يأيها الناس ~~إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من ~~مضغة مخلقة وغير مخلقة # وقوله: لنبين لكم قال ابن عباس: لنبين لكم ما تأتون وما تذرون. # يعني أن الله خلق بني آدم ليبين لهم ما يحتاجون إليه في العبادة، وقال ~~صاحب النظم: ليبين لكم أن البعث حق، لأن الآية نزلت دلالة على البعث. # ونقر ونثبت،} في الأرحام ما نشاء { [الحج: 5] فلا يكون سقطا،} إلى أجل ~~مسمى { [الحج: 5] إلى # PageV03P259 # أجل الولادة،} ثم نخرجكم طفلا { [الحج: 5] قال الزجاج: طفلا في معنى ~~أطفال. # ودل عليه ذكر الجماعة،} ثم لتبلغوا أشدكم { [الحج: 5] فيه إضمار تقدريره ~~ثم نعمركم لتبلغوا أشدكم، يعني الكمال والقوة، وهو ما بين الثلاثين إلى ~~الأربعين،} ومنكم من يتوفى من قبل { [غافر: 67] بلوغ الأشد،} ومنكم من يرد ~~إلى أرذل العمر { [الحج: 5] أي: أخسه وأدونه، وهو الخرف،} لكيلا يعلم من ~~بعد علم شيئا { [الحج: 5] قال ابن عباس: يبلغ السن من بعد ما يتغير عقله ~~حتى لا يعلم شيئا. # قال عكرمة: من قرأ القرآن لم يصير بهذه الحالة. # واضح بقوله:} ثم رددناه أسفل سافلين {5} إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ~~{ [التين: 5-6] . # قال: إلا الذين قرأوا القرآن. # ثم دلهم على إحيائه الموتى بإحيائه الأرض، فقال:} وترى الأرض هامدة { ~~[الحج: 5] قال ابن عباس: هي التي تلبدت وذهب عنها الندى. # وقال مجاهد: هالكة. # يعني جافة يابسة، وقال ابن قتيبة: ميتة يابسة كالنار إذا طفئت فذهبت. # } فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت { [الحج: 5] تحركت بالنبات، وذلك أن ~~الأرض ترتفع عن النبات، فذلك تحركها، وهو معنى قوله: وربت أي: ارتفعت ~~وزادت، وقال المبرد: أراد واهتز وربى نباتها. # فحذف المضاف، والاهتزاز في النبات أظهر، يقال: اهتز النبات إذا طال. # } وأنبتت من كل زوج بهيج { [الحج: 5] قال ms1207 ابن عباس: من كل صنف حسن. # والبهجة: حسن الشيء ونضارته، والبهيج: الحسن وقد بهج، ومنه قوله:} حدائق ~~ذات بهجة { [النمل: 60] أي: تبهج الناظر وتمتعه برؤيتها. # قوله:} ذلك بأن الله { [الحج: 6] أي: فعل الله ذلك، يعني: ما ذكر من ~~ابتداء الخلق وإحياء الأرض بأنه هو الحق أي: ذو الحق، يعني أن جميع ما يأمر ~~به ويفعله هو الحق لا الباطل، كما يأمر به الشيطان من الباطل،} وأنه يحيي ~~الموتى { [الحج: 6] أي: وبأنه يحيى الموتى، والمعنى: فعل ما فعل بقدرته على ~~إحياء الموتى، وبأنه قادر على ذلك، وقادر على ما أراد، وهو قوله:} وأنه على ~~كل شيء قدير {6} وأن الساعة { [الحج: 6-7] أي: ولتعلموا أن الساعة، آتية ~~والمعنى: بدء الخلق وإحياء الأرض بالماء دلالة لكم لتعلموا بها أن القيامة ~~آتية، وأن البعث حق، وهو قوله:} وأن الله يبعث من في القبور { [الحج: 7] . # } ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير {8} ثاني ~~عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ~~{9} ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد {10} { [الحج: 8-10] ~~وقوله:} ومن الناس من يجادل في الله بغير علم { [الحج: 8] تقدم تفسيره، ~~وقوله:} ولا هدى ولا كتاب منير { [الحج: 8] قال ابن عباس: ليس معه من ربه ~~رشاد ولا بيان ولا كتاب له نور. # } ثاني عطفه { [الحج: 9] يقال: ثنيت الشيء إذا عطفته، ومنه قوله:} يثنون ~~صدورهم { [هود: 5] . # والعطف الجانب، وعطفا الرجل جانباه، عن يمين وشمال، وهو الموضع الذي ~~يعطفه الإنسان، أي يلويه ويميله عند الإعراض عن الشيء، قال ابن عباس: ~~مستكبرا في نفسه. # وقال مجاهد، وقتادة: لاوي عنقه. # وقال ابن زيد: معرضا عما يدعى إليه كبرا. # وقال الزجاج: وهذا لا يوصف به المتكبر. # والمعنى: ومن الناس من يجادل في الله منكرا، وقوله:} ليضل عن سبيل الله { ~~[الحج: 9] ليذهب عن طاعة الله، والمعنى أنه يجادل ليضل عن سبيل الله، لا أن ~~له على ما # PageV03P260 # يجادل فيه حجة،} له في الدنيا خزي { [الحج: 9] يعني: ما أصابه ms1208 يوم بدر، ~~وهو أبو جهل قتل بدر، وأوعد بعذاب الآخرة، وهو قوله:} ونذيقه يوم القيامة ~~عذاب الحريق {9} ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد {10} { ~~[الحج: 9-10] والآية مفسرة في} [الأنفال. # ] ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته ~~فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين {11} يدعو ~~من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد {12} يدعو لمن ~~ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير {13} { [سورة الحج: 11-13] ~~قوله:} ومن الناس من يعبد الله على حرف { [الحج: 11] أكثر المفسرين قالوا: ~~على شك وضلالة. # وأصله من حرف الشيء، وهو طرفه، نحو حرف الجبل والدكان والحائط الذي عليه ~~القائم غير مستقر، فالذي يعبد الله على حرف قلق في دينه على غير ثبات ~~وطمأنينة، كالذي هو على حرف الجبل ونحوه يضرب اضطرابا ويضعف قيامه، فهو ~~يعرض أن يقع في أحد جانبي الطرف، فقيل للشاك في دينه: إنه يعبد الله على ~~حرف، لأنه ليس على يقين في وعده ووعيده، بخلاف المؤمن لأنه لو عبده على ~~يقين وبصيرة، ولم يكن على حرف يسقط عنه بأدنى شيء يصيبه، وهذا المعنى ظاهر ~~في قوله:} فإن أصابه خير اطمأن به { [الحج: 11] أي: أصابه رخاء وعافية ~~وخصب، وكثر ماله اطمأن على عبادة الله بذلك الخير،} وإن أصابته فتنة { ~~[الحج: 11] اختبار بجدب وقلة ماله،} انقلب على وجهه { [الحج: 11] رجع عن ~~دينه إلى الكفر وعبادة الأوثان، والمعنى: انصرف إلى وجهه الذي توجه منه، ~~وهو الكفر، نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~المدينة مهاجرين من باديتهم، فكان أحدهم إذا صح جسمه، ونتجت فرسه مهرا ~~حسنا، وكثر ماله، رضي واطمأن، وقال: ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين إلا ~~خيرا، وإن أصابه وجع المدينة، وولدت امرأته جارية، وأجهضت رماكه، وذهب ~~ماله، أتاه الشيطان، فقال: ما أصبت في هذا الدين إلا شرا فينقلب عن الدين. # وقوله:} خسر الدنيا والآخرة { [الحج: 11] يعني: هذا الشاك خسر ms1209 دنياه، حيث ~~لم يظفر بما طلب من المال، وخسر آخرته بارتداده عن الدين. # ذلك الذي فعل،} هو الخسران المبين { [الحج: 11] الضرر الظاهر. # } يدعو من دون الله { [الحج: 12] أي: هذا المرتد يعبد سوى الله،} ما لا ~~يضره { [الحج: 12] إن لم يعبده، ولا ينفعه إن أطاعه، ذلك الذي فعل} هو ~~الضلال البعيد { [الحج: 12] عن الحق والرشد. # } يدعو لمن ضره أقرب من نفعه { [الحج: 13] قال السدي: ضره في الآخرة ~~بعبادته إياه أقرب من النفع، وإن كان لا نفع عنده، ولكن العرب تقول: لما لا ~~يكون هذا بعيد، ونفع الصنم بعيد لأنه لا يكون، فلما كان نفعه بعيدا، قيل ~~لضره: إنه أقرب من نفعه، على معنى أنه كائن. # وقوله: لبئس المولى أي الناصر، ولبئس العشير أي: # PageV03P261 # الصاحب والمخالط، يعني الصنم، يخالطه العابد ويصاحبه. # ولما ذكر الشاك في الدين بالخسران ذكر ثواب المؤمنين، فقال:} إن الله ~~يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ~~ما يريد {14} من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب ~~إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ {15} وكذلك أنزلناه آيات ~~بينات وأن الله يهدي من يريد {16} { [الحج: 14-16] } إن الله يدخل الذين ~~آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار { [الحج: 14] وقوله:} إن ~~الله يفعل ما يريد { [الحج: 14] أي: بأوليائه وأهل طاعته من الكرامة، وبأهل ~~معصيته من الهوان. # قوله:} من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة { [الحج: 15] أي: ~~لن ينصر الله محمدا حتى يظهره على الدين كله فليمت غيظا، وهو تفسير قوله:} ~~فليمدد بسبب إلى السماء { [الحج: 15] فليشدد حبلا في سقفه، ثم ليقطع أي: ~~ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقا، والمعنى: فليختنق غيظا حتى يموت، فإن ~~الله مظهره ولا ينفعه غيظه، وهو قوله:} فلينظر هل يذهبن كيده { [الحج: 15] ~~أي: صنيعه وحيلته، ما يغيظ ما بمعنى المصدر، أي: هل يذهبن كيده وغيظه؟ ~~وكذلك ومثل ذلك، يعني ما تقدم من آيات القرآن، أنزلناه يعني القرآن، آيات ~~بينات وقال ابن ms1210 عباس: يريد لأهل التوحيد. # } وأن الله يهدي { [الحج: 16] أي: وأنزلنا إليك أن الله يهدي، من يريد ~~قال ابن عباس: يريد أهل التوحيد. # } إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ~~إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد { [الحج: 17] } إن ~~الذين آمنوا { [الحج: 17] ظاهر متقدم إلى قوله:} إن الله يفصل بينهم { ~~[الحج: 17] يقضي بينهم، يوم القيامة بإدخال المؤمنين الجنة والآخرين ~~النار،} إن الله على كل شيء { [الحج: 17] من أعمال هؤلاء، شهيد عالم بما ~~شاهده. # } ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر ~~والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن ~~يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء { [الحج: 18] ألم تر ألم ~~تعلم،} أن الله يسجد له من في السموات { [الحج: 18] يعني: أهل السموات، إلى ~~قوله: والدواب وصف الله تعالى هذه الأشياء بالسجود له، وهو خضوعها وذلتها ~~وانقيادها لخالقها فيما يريد منها، ومعنى السجود في اللغة الخضوع، وقوله:} ~~وكثير من الناس { [الحج: 18] يعني: المؤمنين الذين يسجدون لله تعالى، ~~وانقطع ذكر الساجدين، ثم ابتدأ، فقال:} وكثير حق عليه العذاب { [الحج: 18] ~~أي ممن لا يوحده وأبى السجود، قال الفراء: قوله:} حق عليه العذاب { [الحج: ~~18] يدل على أن المعنى: وكثير أبى السجود # PageV03P262 # لأنه لا يحق عليه العذاب إلا بتركه السجود،} ومن يهن الله فما له من مكرم ~~{ [الحج: 18] من يشقه الله فما له من مسعد،} إن الله يفعل ما يشاء { [الحج: ~~18] في خلقه من الإهانة والكرامة، والشقاوة والسعادة. # } هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من ~~فوق رءوسهم الحميم {19} يصهر به ما في بطونهم والجلود {20} ولهم مقامع من ~~حديد {21} كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب ~~الحريق {22} { [الحج: 19-22] قوله:} هذان خصمان { [الحج: 19] الفرق الخمسة ~~الكافرة خصم، والمؤمنون خصم، وقد ذكروا جميعا في قوله:} إن الذين آمنوا { ~~[الحج: 17] والخصم يقع على الواحد والجميع، ولهذا قال ms1211:} اختصموا في ربهم { ~~[الحج: 19] لأنهم جمعان وليسا برجلين، ومثله:} وإن طائفتان من المؤمنين ~~اقتتلوا [الحجرات: 9] والمعنى: اختصموا في دين ربهم، فقالت اليهود والنصارى ~~للمسلمين: نحن أولى بالله منكم، لأن نبينا قبل نبيكم، وديننا قبل دينكم، ~~وكتابنا قبل كتابكم. # فقال المسلمون: بل نحن أحق بالله منكم، آمنا بكتابنا وكتابكم، ونبينا ~~ونبيكم، وكفرتم أنتم بنبينا حسدا. # فكان هذا خصومتهم في ربهم، وهذا قول جماعة المفسرين، وكان أبو ذر يقسم أن ~~هذه الآية نزلت في الذين بارزوا يوم بدر من الفريقين. ### | 630 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا عبد الملك بن الحسن بن يوسف ~~السقطي، نا يوسف بن يعقوب القاضي، نا عمرو بن مرزوق، نا شعبة، عن أبي هاشم، ~~عن أبي مجلز قيس بن عباد، قال: سمعت أبا ذر، يقول: أقسم بالله لنزلت هذه ~~الآية: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} في هؤلاء الستة: حمزة وأبي عبيدة وعلي ~~بن أبي طالب، وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة، رواه البخاري، عن ~~حجاج بن منهال، عن هشيم، ورواه مسلم، عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن ~~سفيان كلاهما، عن أبي هاشم وهو ما عليه جماعة المفسرين، ثم بيان حال ~~الفريقين، فقال: {الذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار} قال الأزهري: أي: سويت ~~وجعلت لبوسا لهم، وقال ابن عباس: حين صاروا إلى جهنم ألبسوا مقطعات النيران # وقوله: {يصب من فوق رءوسهم الحميم} [الحج: 19] روى أبي هريرة أنه قرأ هذه ~~الآية، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الحميم ليصب ~~على رءوسهم، فينفذ الجمجمة، حتى يخلص إلى جوف الكافر، فيسلت ما في جوفه حتى ~~يحرق قدميه، وهو الصهر، ثم يعاد كما كان» . # وهذا معنى قوله تعالى: يصهر به أي: بذلك الحميم، {ما في بطونهم والجلود} ~~[الحج: 20] وفسر الصهر بالإذابة والإحراق # PageV03P263 # والإنضاج، وهو قول المفسرين، قال ابن عباس في رواية عطاء: ينضج. # وقال قتادة، ومجاهد: تذاب. # والمعنى أن أمعاءهم وشحومهم تذاب وتحرق بهذا الحميم وتشوى جلودهم فيتساقط ~~من حره. # قوله ms1212: {ولهم مقامع من حديد} [الحج: 21] قال الليث: المقمعة شبه الجزر من ~~الحديد، يضرب بها الرأس، وجمعها المقامع. # من قولهم: قمعت رأسه إذا ضربته ضربا عنيفا. ### | 631 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أنا أبو عمرو بن مطر، نا إبراهيم بن علي، نا ~~يحيى بن يحيى، نا ابن لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، ~~قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في قولهم: « {ولهم مقامع من حديد} لو ~~وضع مقمع من حديد في الأرض ثم اجتمع الثقلان ما أقلوه من الأرض» # قال الحسن: إن النار ترميهم بلهبها، حتى إذا كانوا في أعلاها، ضربوا ~~بمقامع، فهووا فيها سبعين خريفا، فإذا انتهوا إلى أسفلها، ضربهم زفير لهبها ~~فلا يستقرون ساعة. # فذلك قوله: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم} [الحج: 22] يعني: كلما ~~حاولوا الخروج من النار لما يلحقهم من الغم والكرب الذي يأخذ بأنفاسهم حتى ~~ليس لهم مخرج، ردوا إليها بالمقامع، قال المفسرون: إن جهنم لتجيش بهم، ~~فتلقيهم إلى أعلاها، فيريدون الخروج منها، فيردهم الخزان فيها، ويقولون ~~لهم: {ذوقوا عذاب الحريق} [آل عمران: 181] والحريق اسم من الاحتراق. # وقال الزجاج: وهذا لأحد الخصمين، وقال في الخصم الآخر، الذين هم ~~المؤمنون: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها ~~الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير {23} وهدوا ~~إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد {24} } [الحج: 23-24] {إن الله ~~يدخل الذين آمنوا} [الحج: 23] الآية، وهي مفسرة في { [الكهف إلى قوله: ~~ولؤلؤ وهو ما يستخرج من البحر، والمعنى: إنهم يحلون أساور من ذهب ومن لؤلؤ، ~~أي منها، بأن يرصع اللؤلؤ في الذهب، وقرئ ولؤلؤا بالنصب على ويحلون لؤلؤا، ~~وقوله:] ولباسهم فيها حرير} [سورة الحج: 23] يعني أنهم يلبسون في الجنة ~~ثياب الإبريسم، وهو الذي حرم لبسه في الدنيا على الرجال، قال أبو سعيد ~~الخدري: من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإن دخل الجنة لبسه ~~أهل الجنة كلهم غيره، قال الله عز وجل: {ولباسهم فيها حرير} [الحج: 23] . ### | 632 - # أخبرنا ms1213 إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنا بشر بن أحمد بن بشر، نا يحيى بن ~~محمد البحتري، نا عبيد الله بن معاذ، نا أبي، نا شعبة، حدثني خليفة بن كعب، ~~قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: لا تلبسوا الحرير، فإني سمعت عمر بن ~~الخطاب، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " من لبسه في الدنيا لم ~~يلبسه في الآخرة، ومن لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة؛ لأن الله، تعالى، ~~يقول {لباسهم فيها حرير} # {وهدوا إلى الطيب من القول} [الحج: 24] قال ابن عباس: يرد لا إله # PageV03P264 # إلا الله، والحمد لله. # وزاد ابن زيد: والله أكبر. # وقال السدي: إلى القرآن. # {وهدوا إلى صراط الحميد} [الحج: 24] أرشدوا إلى الإسلام، وهو دين الله ~~وطريقه والحميد في أفعاله. # {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس ~~سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} [الحج: ~~25] قوله: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله} [الحج: 25] عطف المضارع ~~على لفظ الماضي، لأن المراد بالمضارع أيضا الماضي، ويقوي هذا قوله: {الذين ~~كفروا وصدوا عن سبيل الله} [محمد: 1] ويجوز أن يكون المعنى: إن الذين كفروا ~~فيما مضى وهم الآن يصدون مع ما تقدم من كفرهم، والمعنى: يمنعون الناس عن ~~طاعة الله، {والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء} [الحج: 25] أي: مستقرا ~~ومنسكا وتعبدا، كما قال: {وضع للناس} [آل عمران: 96] قال المفسرون: جعلناه ~~للناس خلقناه وبنيناه للناس كلهم، لم نخص به منهم بعضا دون بعض. # قال الزجاج: جعلناه للناس وقف التمام. # ثم قال: {سواء العاكف فيه والباد} [الحج: 25] وسواء رفع على أنه خبر ~~ابتداء مقدم، المعنى: العاكف والبادي فيه سواء، ومن نصب فقال: سواء، كان ~~التقدير مستويا فيه العاكف والباد، فرفع العاكف بسواء كما يرفع بمستوى ~~العاكف المقيم فيه والبادي الذي ينتابه من غير أهله في قول الجميع، ومعنى ~~البادي النازع إليه من غربة، من قولهم: بدا القوم إذا خرجوا من الحضر إلى ~~الصحراء، وإنما يستويان في سكنى مكة والنزول بها ms1214، فليس أحدهما بأحق بالمنزل ~~يكون فيه من الآخر، غير أن لا يخرج أحد من بيته، وهذا قول قتادة، وسعيد بن ~~جبير، وابن عباس، ومن مذهب هؤلاء أن كراء دور مكة وبيعها حرام بالمسجد ~~الحرام على قولهم الحرم كله، كقوله: {أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام} ~~[الإسراء: 1] . # وقال آخرون: المراد بالمسجد الحرام عين المسجد الذي يصلى فيه، وظاهر ~~القرآن يدل على هذا، والمراد باستواء العاكف والبادي فيه استواؤهما في ~~تفضيله، وتعظيم حرمته، وإقامة المناسك به، وهذا مذهب مجاهد، والحسن، وقول ~~من أجاز بيع دور مكة، وكان المشركون يمنعون المسلمين عن الصلاة في المسجد ~~الحرام والطواف به، ويدعون أنهم أربابه وولاته. # وقوله: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} [الحج: 25] اتفقوا على أن الباء في ~~بإلحاد زيادة، والمعنى: ومن يرد فيه إلحادا بظلم، ومعنى الإلحاد في اللغة ~~العدول عن القصد، واختلفوا في معناه ههنا: فقال مجاهد، وقتادة: هو الشرك ~~وعبادة غير الله. # وقال آخرون: هو كل شيء كان منهيا # PageV03P265 # عنه، وحتى شتم الخادم. # وقال عطاء: هو دخول مكة بغير إحرام، وأذى حمام مكة، وأشياء كثيرة لا يجوز ~~للمحرم أن يفعلها. # وعلى هذا القول الإلحاد بالظلم هو استحلال محظورات الاحرام وركوبها، وقال ~~الضحاك: إن الرجل ليهم بالخطيئة بمكة، وهو بأرض أخرى، فتكتب عليه ولم ~~يعملها. # ونحو هذا قال ابن مسعود فيما: ### | 633 - # أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري، أنا حاجب بن أحمد الطوسي، أنا محمد بن ~~يحيى، نا محمد بن يوسف، عن سفيان، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود ~~في قوله: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} ، قال: لو أن رجلا ~~هم بخطيئة لم تكتب عليه ما لم يعملها، ولو أن رجلا هم بقتل رجل عند البيت ~~وهو بعدن أبين أذاقه الله من عذاب أليم، قال السدي: إلا أن يتوب # {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين ~~والقائمين والركع السجود {26} وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ~~ضامر يأتين من كل فج عميق {27} ليشهدوا ms1215 منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام ~~معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ~~{28} ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق {29} } [الحج: ~~26-29] قوله: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت} [الحج: 26] قال الزجاج: ~~جعلنا مكان البيت مبوأ لإبراهيم، ومعنى بوأنا ههنا بيتا مكان البيت، قال ~~السدي: إن الله تعالى لما أمره ببناء البيت لم يدر أين يبني، فبعث الله ~~ريحا خجوجا، فكنست له ما حول الكعبة عن الأساس الأول الذي كان البيت عليه ~~قبل أن يرفع أيام الطوفان، وقال الكلبي: بعث الله سحابة على قدر البيت فيها ~~رأس يتكلم، فقامت بحيان البيت، وقالت: يا إبراهيم، ابن على قدري. # وقوله: {أن لا تشرك بي شيئا} [الحج: 26] أي: وأوحينا إليه ألا تعبد معي ~~غيري، قال المبرد: كأنه قيل له: وحدني في هذا البيت. # لأن معنى {لا تشرك بي شيئا} [الحج: 26] وحد الله وطهر بيتي من الشرك ~~وعبادة الأوثان، والآية مفسرة في { [البقرة. # قوله:] وأذن في الناس بالحج} [سورة الحج: 27] قال جماعة المفسرين: لما ~~فرغ إبراهيم من بناء البيت جاءه جبريل فأمره أن يؤذن في الناس بالحج، فقال ~~إبراهيم: يا رب، وما يبلغ صوتي. # قال الله: أذن وعلي البلاغ. # فعلا على المقام، فأشرف به حتى صار كأطول الجبال، فأدخل إصبعيه في أذنيه، ~~وأقبل بوجهه يمينا وشمالا وغربا، وقال: يا أيها الناس، كتب عليكم الحج إلى ~~البيت العتيق فأجيبوا ربكم. # فأجابه من كان في أصلاب الرجال، # PageV03P266 # وأرحام النساء: لبيك اللهم لبيك. ### | 634 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر، أنا القاسم بن غانم بن حمويه، نا محمد بن ~~إبراهيم بن سعيد، نا زكريا بن يحيى، نا أبو خلف عبد الله بن عيسى الخزاز، ~~نا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: لما أمر الله إبراهيم، عليه ~~السلام، أن ينادي في الناس صعد أبا قبيس ووضع أصبعيه في أذنيه، وقال: يا ~~أيها الناس، أجيبوا ربكم، فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال، وأول من أجابه ~~أهل اليمن، فليس أحد يحج البيت إلا أن تقوم الساعة ms1216 إلا من أجاب إبراهيم ذلك ~~اليوم، فذلك قوله: {يأتوك رجالا} فمن أتى الكعبة حاجا فكأنه قد أتى ~~إبراهيم؛ لأنه مجيب نداء، ورجال جمع راجل؛ مثل قائم وقيام، {وعلى كل ضامر} ~~أي: ركبانا، والضمور: الهزال، قال ابن عباس: يريد الإبل ولا يدخل بعير ولا ~~غيره الحرم إلا وقد ضمر، والمعنى: يأتوك مشاة وركبانا ### | 635 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق المزكي، أنا أبو عمرو بن نجيد، نا محمد ~~بن أيوب، نا أحمد بن حاتم، نا يحيى بن سليم الطائفي، عن محمد بن مسلم، عمن ~~ذكره، وهو إبراهيم بن ميسرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال لبنيه: ~~يا بني، حجوا من مكة مشاة حتى ترجعوا إليها مشاة، فإني سمعت رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم، يقول: " للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة، ~~وللحاج الماشي بكل خطوة يخطوها سبع مائة حسنة من حسنات الحرم، قال: قيل: ~~وما حسنات الحرم؟ قال: الحسنة بمائة ألف " # وقوله: {يأتين من كل فج عميق} [الحج: 27] أي: طريق بعيد، وذكرنا الفج عند ~~قوله: {فجاجا سبلا} [الأنبياء: 31] . ### | 636 - # أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، أنا محمد بن أحمد بن سنان، أنا أحمد ~~بن علي الموصلي، نا إبراهيم بن الحجاج، نا صالح المري، عن يزيد الرقاشي، عن ~~أنس، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن الله يباهي بأهل ~~عرفات الملائكة، يقول: يا ملائكتي، انظروا إلى عبادي شعثا غبرا أقبلوا ~~يضربون إلي من كل فج عميق، فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ~~ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت لمحسنهم جميع ما سألوني غير التبعات التي ~~بينهم، فإذا أفاض القول إلى جمع ووقفوا، عادوا في الرغبة والطلب إلى الله، ~~يقول: ملائكتي، عبادي وقفوا فعادوا في الرغبة والطلب فأشهدكم أني قد أجبت ~~دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت محسنهم جميع ما سألني ~~وكفلت عنهم بالتبعات التي بينهم # قوله تعالى: ليشهدوا ليحضروا: يعني الذين يأتون، منافع لهم أكثر ~~المفسرين: جعلوها منافع الدنيا، وقالوا: يعني التجارة والأسواق. # وهو قول ms1217 سعيد بن جبير، والسدي، وابن عباس في رواية أبي رزين. # ومنهم من خصها بمنافع الآخرة، وهو قول سعيد بن المسيب، والعوفي، واختيار ~~الزجاج، قال: ليشهدوا ما # PageV03P267 # ندبهم الله إليه مما فيه النفع لهم في آخرتهم. # ومنهم من جعلها شائعة في الأجر والتجارة، وهو قول مجاهد. # ورواية عطاء، عن ابن عباس، قال: منافع لهم في الدنيا والأخرة. # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنا المغيرة بن عمرو بن الوليد ~~العدني، بمكة، نا المفضل بن محمد بن إبراهيم الشعبي، نا محمد بن يوسف، نا ~~أبو فرة، قال: ذكر أبو الحكم، عن عبد الله بن المبارك، عن عبد الله بن ~~لهيعة، عن كثير بن الحارث، عن عمر بن عبد العزيز، أنه كان يقول إذا وقف ~~بعرفة: اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك، ووكدت المنفعة على شهود مناسكك، وقد ~~جئتك، فاجعل منفعة ما تنفعني به أن تؤتيني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، ~~وأن تقيني عذاب النار. # وقوله: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} [الحج: 28] قال الحسن، ~~ومجاهد: يعني أيام العشر، قيل لها معلومات للحرص على علمها بحسابها من أجل ~~وقت الحج في آخرها. # وقال ابن عباس في رواية عطاء: يريد أيام الحج، وهي يوم عرفة، والنحر، ~~وأيام التشريق. # واختاره الزجاج، قال: لأن الذكر ههنا يدل على التسمية على ما ينحر. # لقوله: {على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج: 28] أي: على ذبح ما رزقهم ~~من البدن من الإبل والبقر والضأن والمعز، هذه الأيام تختص بذبح الأضاحي، ~~قال قتادة: كان يقول: إذا ذبحت نسيكتك فقل: بسم الله والله أكبر اللهم منك ~~ولك عن فلان. # وأول وقت الذبح إذا مضى صدر يوم النحر إلى أن تغرب الشمس من آخر أيام ~~التشريق. # وقوله: فكلوا منها يعني: من الأنعام التي تنحر، وهذا أمر إباحة، إن شاء ~~أكل، وإن شاء لم يأكل، وكان أهل الجاهلية لا يستحلون أكل ذبائحهم، فأعلم ~~الله أن ذلك جائز، هذا قول جماعتهم، غير أن هذا في هدي كان صاحبه متطوعا ~~به، فأما إذا كان في ms1218 كفارة، أو جبرانا لنقصان، فلا يحل لصاحبه الأكل منه، ~~وقوله: {وأطعموا البائس الفقير} [الحج: 28] البؤس هو شدة الفقر. # قوله: {ثم ليقضوا تفثهم} [الحج: 29] التفث الوسخ والقذارة من طول الشعر ~~والأظفار والشعث، وقضاؤه نقضه وإذهابه، والحاج مغير شعث لم يدهن ولم يستحد، ~~فإذا قضى نسكه، وخرج من إحرامه بالقلم والحلق وقص الشارب ولبس الثياب ونتف ~~الإبط وحلق العانة، فهو قضاء التفث. # قال الزجاج: كأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال. # قوله: وليوفوا نذورهم قال ابن عباس: هو نحر ما نذروا من البدن. # وقال آخرون: يعني ما نذروا من أعمال البر في أيام الحج. # وربما ينذر الرجل أن يتصدق إن رزقه الله لقاء الكعبة، وإن كان على الرجل ~~نذور مطلقة فالأفضل أن يتصدق ويهديها إلى أهل مكة، ولذلك قال: وليوفوا ~~نذورهم أي: وليوفوها بقضائها، ولم يقل بنذورهم، لأن المراد بالإيفاء ~~الإتمام، وقوله: {وليطوفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29] يعني: الطواف الواجب، ~~ويسمى طواف الإفاضة، لأنه يكون بعد الإفاضة. ### | 637 - # حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري إملاء، نا أبو العباس بن يعقوب ~~المعقلي، نا أبو بكر محمد بن إسحاق الصغاني، نا أبو صالح عبد الله بن صالح، ~~حدثني الليث، حدثني عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن محمد # PageV03P268 # بن عروة، عن عبد الله بن الزبير، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: ~~«إنما سمي البيت العتيق؛ لأن الله أعتقه من الجبابرة، فلم يظهر عليه جبار ~~قط» وهذا قول أكثر المفسرين، قالوا: لم يسلط عليه جبار أراد دخوله ولكن يذل ~~له ويتواضع، وقال الحسن: البيت العتيق القديم، وهو قول ابن زيد # يدل عليه قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس} [آل عمران: 96] وهو ما: ### | 638 - # أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الزاهد، أنا أبو عمرو بن محمد بن أحمد ~~الحيري، أنا الحسن بن سفيان، نا سفيان بن وكيع، نا أبي، عن زمعة بن صالح، ~~عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: حج النبي، صلى الله عليه ~~وسلم، فلما أتى وادي عسفان؛ قال: " لقد ms1219 مر بهذا الوادي نوح وهود وإبراهيم ~~على بكرات حمر خطمهن الليف وأزرهم العباء وأرديتهم النمار يحجون البيت ~~العتيق # {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما ~~يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور {30} حنفاء لله ~~غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به ~~الريح في مكان سحيق {31} } [الحج: 30-31] قوله: ذلك أن الأمر ذلك، يعني: ما ~~ذكر من أعمال الحج {ومن يعظم حرمات الله} [الحج: 30] قال الليث: الحرمة ما ~~لا يحل انتهاكه. # وقال الزجاج: الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه. # وهي في هذه الآية ما نهي عنها، ومنع من الوقوع فيها، وتعظيمها: ترك ~~ملابستها، وكثير من الناس اختاروا في معنى الحرمات ههنا إنها المناسك، ~~لدلالة ما يتصل بها من الآيات، وقال ابن زيد: المراد بالحرمات ههنا البيت ~~الحرم، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمسجد الحرام، والإحرام. # ويدل على هذا قوله: {والحرمات قصاص} [البقرة: 194] . # وقوله: فهو أي: التعظيم، {خير له عند ربه} [الحج: 30] يعني: في الآخرة، ~~{وأحلت لكم الأنعام} [الحج: 30] الإبل والبقر {إلا ما يتلى عليكم} [الحج: ~~30] تحريمه في { [المائدة من الميتة والمنخنقة،] فاجتنبوا الرجس من ~~الأوثان} [سورة الحج: 30] أي: كونوا على جانب منها، فإنها رجس، أي سبب رجس، ~~وهو العذاب أو المأثم. # قال الزجاج: من ههنا تخليص جنس # PageV03P269 # من أجناس. # والمعنى: فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن. # {واجتنبوا قول الزور} [الحج: 30] يعني: الشرك بالله، وكان أهل الجاهلية ~~يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك، ويريدون الصنم. # وقال الزجاج: المراد بقوله: {الزور} [الحج: 30] ههنا تحليلهم بعض الأنعام ~~وتحريم بعضها من البحيرة، والسائبة، وقولهم: هذا حلال وهذا حرام ليفتروا ~~على الله الكذب. # وقال ابن مسعود: يعني شهادة الزور. ### | 639 - # أخبرنا أحمد بن إبراهيم المهرجاني، أنا عبد الله بن محمد الزاهد، أنا أبو ~~القاسم المنيعي، نا جدي، نا مروان بن معاوية، عن سفيان بن زياد الأسدي، عن ~~فاتك بن فضالة، عن أيمن بن خزيم، أن ms1220 رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قام ~~خطيبا فقال: " أيها الناس، عدلت شهادة الزور بالشرك بالله، ثم قرأ ~~{فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} يريد: أنه قد جمع بين ~~عبادة الوثن وشهادة الزور # قوله: {حنفاء لله غير مشركين به} [الحج: 31] ذكر معنى الحنيف فيما تقدم، ~~قال قتادة، وعبد الله بن القاسم: كانت حنيفية في الشرك، كانوا يحجون البيت، ~~ويحرمون في شركهم الأمهات والبنات والأخوات، وكانوا يسمون حنفاء، فنزلت في ~~حق المؤمنين {حنفاء لله غير مشركين به} [الحج: 31] أي: حجاجا لله وهم ~~مسلمون موحدون، ثم ضرب لمن أشرك مثلا فقال: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من ~~السماء} [الحج: 31] أي: سقط من السماء، فتخطفه الطير أي: تأخذه بسرعة، من ~~قولهم: خطف يخطف خطفا إذا سلبه، ومنه قوله: {يخطف أبصارهم} [البقرة: 20] ~~قال ابن عباس: يريد تخطف لحمه. # {أو تهوي به الريح} [الحج: 31] أي تسقطه، {في مكان سحيق} [الحج: 31] ~~بعيد، يقال: سحق سحقا فهو سحيق. # قال الزجاج: أعلم الله أن بعد من أشرك به من الحق كبعد من خر من السماء ~~في أنه لا يملك لنفسه حيلة حتى يقع حيث تسقطه الريح، فهو هالك لا محالة، ~~إما باستلاب الطير لحمه، وإما بسقوطه في المكان السحيق. # قوله: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب {32} لكم فيها ~~منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق {33} } [الحج: 32-33] ذلك ~~أي: الأمر ذلك الذي ذكرناه، {ومن يعظم شعائر الله} [الحج: 32] قال مجاهد: ~~يريد استعظام البدن، واستسمانها، واستحسانها. # وهو قول ابن عباس في رواية مقسم، والشعائر جمع الشعيرة، وهي البدن إذا ~~أشعرت، أي أعلم عليها بأن يجرح سنامها من الجانب الأيمن ليعلم أنها هدي، ~~والذي يهدي مندوب إلى طلب الأسمن # PageV03P270 # والأعظم، {فإنها من تقوى القلوب} [الحج: 32] أي: فبان تعظيمها، ثم حذف ~~المضاف لدلالة يعظم على التعظيم، وأضاف التقوى إلى القلوب، لأن حقيقة ~~التقوى تقوى القلوب. # قوله: لكم فيها في الشعائر، منافع بركوبها وشرب لبنها إن احتاج إليه، ~~{إلى أجل مسمى} [الحج: 33] إلى أن ينحر، فهذا قول ms1221 عطاء بن أبي رباح، ومذهب ~~الشافعي، وعنده أن المهدي لو ركب هدية ركوبا غير فادح فلا بأس، والأكثرون ~~من المفسرين يذهبون إلى أن المنافع من رسلها ونسلها وركوب ظهرها وأصوافها ~~وأدبارها، إنما يكون قبل أن يسميها هديا، فإذا سماها هديا انقطعت المنافع ~~بعد ذلك. # وهو قوله: {إلى أجل مسمى} [الحج: 33] وبعد أن سميت هديا لا ينتفع بها غير ~~أهل الله، والقول هو الأول لقوله تعالى: {لكم فيها منافع} [الحج: 33] أي: ~~في الشعائر، وقبل إيجابها لا تسمى شعائر، ولما روى أبو هريرة، أن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة، فقال: «اركبها» . # فقال: إنها بدنة. # فقال: «اركبها ويحك» ، أو «ويلك» . # وقوله: ثم محلها أي: حيث يحل نحرها، {إلى البيت العتيق} [الحج: 33] يعني: ~~عند البيت، وهو الحرم كله. # {ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ~~فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين {34} الذين إذا ذكر الله وجلت ~~قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون {35} ~~} [الحج: 34-35] قوله: ولكل أمة أي: جماعة مؤمنة، يعني: من الذين سلفوا، ~~جعلنا منسكا المنسك ههنا مصدر من نسك ينسك إذا ذبح القربان، قال مجاهد: ~~يريد إراقة الدماء. # وقال عكرمة، ومقاتل: يعني ذبح. # وقرأ حمزة بكسر السين، والفتح أولى، لأن المصدر من هذا الباب بفتح العين، ~~والمعنى: جعلنا لكل أمة أن يتقرب إلى الله بأن تذبح الذبائح، {ليذكروا اسم ~~الله على ما رزقهم} [الحج: 34] أي: على نحر ما رزقهم، {من بهيمة الأنعام} ~~[الحج: 34] وبهيمة غير الأنعام لا يحل ذبحها، ولا التقرب بها، والآية دالة ~~على أن الذبائح ليست من خصائص هذه الأمة، وأن التسمية على الذبائح كانت ~~مشروعة قبلنا، وقوله: {فإلهكم إله واحد} [الحج: 34] أي: لا ينبغي أن تذكروا ~~على ذبائحكم إلا الله وحده، فله أسلموا انقادوا وأطيعوا، وبشر المخبتين ~~المتواضعين المطمئنين إلى الله. # {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} [الحج: 35] إذا خوفوا بالله خافوا، ~~{والصابرين على ما أصابهم} [الحج: 35] من البلاء والمصائب في طاعة الله، ~~والمقيمين ms1222 الصلاة في أوقاتها، يؤدونها كما استحفظهم الله، {ومما رزقناهم ~~ينفقون} [الحج: 35] قال ابن عباس: يتصدقون من الواجب وغيره. # قوله: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله ~~عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك ~~سخرناها لكم لعلكم تشكرون} [الحج: 36] # PageV03P271 # والبدن جمع بدنة، ويجوز بضم الدال مثل ثمرة وثمر وثمر، وهي الناقة ~~والبقرة مما يجوز في الهدي والأضاحي، {جعلناها لكم من شعائر الله} [الحج: ~~36] أي: من أعلام دينه، والمعنى: جعلنا لكم فيها عبادة لله من سوقها إلى ~~البيت، وتقليدها، وإشعارها، ونحرها، والإطعام منها، {لكم فيها خير} [الحج: ~~36] يعني: النفع في الدنيا والأجر في الآخرة، {فاذكروا اسم الله عليها} ~~[الحج: 36] على نحرها، صواف قال ابن عباس، وابن عمر: قياما مقيدة سنة محمد ~~صلى الله عليه وسلم. # وقال مجاهد: إذا عقلت إحدى يديها وقامت على ثلاث تنحر، كذلك ويسوى بين ~~أوظفتها لئلا يتقدم بعضها على بعض. # {فإذا وجبت جنوبها} [الحج: 36] سقطت إلى الأرض، وذلك عند خروج الروح ~~منها، وهو وقت الأكل، وهو قوله: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} ~~[الحج: 36] قال ابن عباس في رواية عطاء: القانع الذي لا يسأل، والمعتر الذي ~~يأتيك بالسلام ويريك وجهه ولا يسأل. # وهذا قول زيد بن أسلم، وابنه، وسعيد بن جبير، والحسن. # وقال الوالبي، وعكرمة، وقتادة، ومجاهد: القانع الذي يقنع ويجلس في بيته، ~~والمعتر الذي يعتريك ويسألك. # وروى العوفي، عن ابن عباس: أن كليهما الذي لا يسأل. # قال: القانع الذي يرضى بما عنده ولا يسأل، والمعتر الذي يتعرض لك ولا ~~يسألك. # ويقال: قنع قنوعا إذا سأل، وقنع يقنع قناعة إذا رضي بما قسمه له وترك ~~المسألة والتعرض. # قال أبو زيد: سأل القانع السائل. # قال: بعضهم المتعفف، وكل يصلح. # والمعتر من قولهم: عره واعتره وعره واعتراه إذا أتاه يطلب معروفة، إما ~~سؤالا، أو تعرضا. # وقوله: كذلك أي: مثل ما وصفنا من نحرها قياما سخرناها لكم نعمة منا عليكم ~~لتتمكنوا من نحرها على الوجه المسنون، لعلكم تشكرون لكي تشكروا إنعام الله ~~عليكم ms1223، قال ابن عباس: شكر الله طاعة له، واعترف بإنعامه. # قوله: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك ~~سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين} [الحج: 37] {لن ينال ~~الله لحومها ولا دماؤها} [الحج: 37] قال الكلبي: كان أهل الجاهلية إذا ~~نحروا البدن نضحوا دماءها حول البيت، قربة إلى الله، وأراد المسلمون أن ~~يفعلوا ذلك، فأنزل الله هذه الآية. # قال مقاتل: لن ترفع إلى الله لحومها ولا دماؤها، ولكن يرفع إلى الله ~~الأعمال الصالحة والتقوى، وهو ما أريد به وجه الله تعالى. # قال الزجاج: أعلم الله أن الذي يصل إليه تقواه وطاعته فيما يأمر به. # وحقيقته معنى هذا الكلام يعود إلى القبول، وذلك أن ما يقبله الإنسان ~~يقال: قد ناله ووصل إليه، فخاطب الله الخلق كعادتهم في تخاطبهم، والمعنى: ~~لن يقبل الله اللحوم ولا دماء إذا كانت من غير تقوى الله، وإنما يتقبل منكم ~~ما تتقونه به، وفي هذا دليل على أن شيئا من العبادات لا يصلح إلا بالنية، ~~وهو أن ينوي بها التقرب إلى الله واتقاء عقابه، وقوله: {كذلك سخرها لكم} ~~[الحج: 37] تقدم تفسيره، {لتكبروا الله على ما هداكم} [الحج: 37] على ما ~~بين لكم وأرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه، وهو أن يقول: الله أكبر على ما ~~هدانا. # وبشر المحسنين قال ابن عباس: يريد الموحدين. # {إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور} [الحج: 38] ~~{ # PageV03P272 # إن الله يدافع عن الذين آمنوا} [الحج: 38] غائلة المشركين بمنعهم منهم ~~ونصرهم عليهم، وقرئ يدافع وهو بمعنى يدفع، وإن كان من المفاعلة {إن الله لا ~~يحب كل خوان كفور} [الحج: 38] قال ابن عباس: يريد الذين خانوا الله، وجعلوا ~~معه شريكا، وكفروا نعمه، وقال الزجاج: من ذكر اسم الله وتقرب إلى الأصنام ~~بذبيحة، فهو خوان كفور. # قوله: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير {39} ~~الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله ~~الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد ms1224 يذكر فيها اسم الله كثيرا ~~ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز {40} } [الحج: 39-40] {أذن للذين ~~يقاتلون بأنهم} [الحج: 39] الآية، قال المفسرون: كان مشركوا أهل مكة يؤذون ~~أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يزالون يجيئون من بين مضروب ومشجون ~~ويشكون ذلك، فيقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «اصبروا فإني لم أومر ~~بالقتال» . # حتى هاجروا، فأنزل الله هذه الآية بالمدينة، وهي أول آية أنزلت في ~~القتال. # وقرئ أذن بفتح الألف على إسناد الفعل إلى الله تعالى لتقدم ذكره، قوله: ~~بأنهم ظلموا أي: بسبب ما ظلموا واعتدوا عليهم بإيذائهم، وإخراجهم عن ~~ديارهم، وقصدهم بالضرب والإهانة، وقرئ يقاتلون بفتح التاء، أي الذين ~~يقاتلهم المشركون المؤمنون، ويقوي هذه القراءة أن الفعل الذي بعده مسند إلى ~~المفعول به، وهو قوله: ظلموا وفي الآية محذوف تقديره: أذن لهم أن يقاتلوا، ~~أو بالقتال، ثم وعدهم النصر فقال: {وإن الله على نصرهم لقدير} [الحج: 39] ~~يعني: المؤمنين. # ثم وصفهم، فقال: {الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا ~~الله} [الحج: 40] قال سيبويه: هذا من الاستثناء المنقطع، المعنى: لكن بأن ~~يقولوا ربنا الله. # أخرجوهم بتوحيدهم {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} [الحج: 40] وقرئ ~~ولولا دفاع الله وتقدم الكلام في هذا، وقوله: لهدمت يقال: هدمت البناء إذا ~~قضضته فانهدم. # وقرى بالتشديد والتخفيف، يكون للكثير والقليل، والتشديد يختص به الكثير، ~~وقوله: صوامع قال مجاهد، والضحاك: يعني صوامع الرهبان. # وقال قتادة: الصوامع للصابئين، وهي متعبداتهم. # وبيع جمع بيعة وهي كنيسة النصارى، وصلوات وهي كنايس اليهود، وهي ~~بالعبرانية صلوتا، {ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا} [الحج: 40] بمعنى: ~~مساجد المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومعنى الآية يقول: لولا ~~دفع الله الناس عن القتال ببعض الناس، لهدم في شريعة كل نبي # PageV03P273 # المكان الذي يصلي فيه، فكان لولا الدفع، لهدم في زمن موسى الكنايس، وفي ~~زمن عيسى الصوامع، وفي زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد. # وقوله: {ولينصرن الله من ينصره} [الحج: 40] أي: ينصر دينه وشريعته، {إن ~~الله لقوي} [الحج ms1225: 40] على خلقه، عزيز منيع في سلطانه وقدرته، وقال مقاتل: ~~عزيز في انتقامه من عدوه. # {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ~~ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} [الحج: 41] {الذين إن مكناهم في الأرض} ~~[الحج: 41] قال الزجاج: هذا من صفة ناصريه. # يعني: إن هذا صفة من قوله: {من ينصره} [الحج: 40] ومعنى {مكناهم في ~~الأرض} [الحج: 41] نصرناهم على عدوهم حتى يتمكنوا من البلاد. # قال قتادة ومقاتل: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. # وقال الحسن، وعكرمة: هم هذه الأمة، أهل الصلوات الخمس. # وهذا يدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ قرنا بالصلاة ~~والزكاة، {وإلى الله عاقبة الأمور} [لقمان: 22] ، كقوله: {وإلى الله ترجع ~~الأمور} [الحج: 76] والمعنى: إنه يبطل كل ملك سوى ملكه، فتصير الأمور إليه ~~بلا منازع ومدع. # ثم عزى نبيه عليه السلام عن تكذيبهم إياه وخوف مخالقيه بذكر من كذب نبيه ~~فأهلك بقوله: {وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود {42} وقوم ~~إبراهيم وقوم لوط {43} وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم ~~فكيف كان نكير {44} فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها ~~وبئر معطلة وقصر مشيد {45} أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ~~أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ~~{46} } [الحج: 42-46] وإن يكذبوك إلى قوله: فأمليت للكافرين أي: أخرت ~~عقوبتهم وأمهلتهم، يقال: أملى الله لفلان في العمر إذا أخر عنه أجله، ~~وقوله: ثم أخذتهم أي بالعذاب، {فكيف كان نكير} [الحج: 44] استفهام معناه ~~التقرير، تقول: كيف أنكرت عليهم ما فعلوا من التكذيب، أبدلتهم بالنعمة ~~نقمة، وبالحياة هلاكا، وبالعمارة خرابا، والنكير اسم من الإنكار. # قال الزجاج: أي أخذتهم فأنكرت أبلغ إنكار. # ثم ذكر كيف عذب أهل القرى المكذبة، فقال: وكأين من قرية أهلكتها وقرئ ~~أهلكناها كقوله: {وكم قصمنا من قرية} [الأنبياء: 11] وكم من قرية أهلكناها، ~~والاختيار التاء لقوله: فأمليت وقوله: وهي ظالمة أي: وأهلها ظالمون ~~بالتكذيب والكفر، {فهي خاوية على عروشها} [الحج: 45] تقدم تفسيره ms1226 في { ~~[البقرة، وبئر معطلة عطف على قوله: من قرية لأن المعنى: # PageV03P274 # وكم من بئر معطلة، وقصر مشيد تركوا بعد إهلاكهم، والمعطلة: المتروكة من ~~العمل والاستقاء، ومعنى التعطيل: الترك من العمل، والمشيد: المطول المرفوع، ~~من قولهم: شاد بناء إذا رفعه، ذكرنا ذلك في قوله:] بروج مشيدة} [سورة ~~النساء: 78] . # ثم حث على الاعتبار بحال من مضى من الأمم المكذبة، فقال: {أفلم يسيروا في ~~الأرض} [الحج: 46] قال ابن عباس: أفلم يسر قومك في أرض اليمن والشام. # {فتكون لهم قلوب يعقلون بها} [الحج: 46] يعلمون بها ما يرون من العبر، ~~والمعنى: فيعقلون بقلوبهم ما نزل بمن كذب قبلهم، {أو آذان يسمعون بها} ~~[الحج: 46] أخبار الأمم المكذبة، قال ابن قتيبة: وهل شيء أبلغ في العظة ~~والعبر من الآية؟ لأن الله أراد أفلم يسيروا في الأرض فينظروا إلى آثار قوم ~~أهلكهم الله بالعتو فيروا بيوتا خاوية قد سقطت على عروشها، وبئرا يشرب ~~أهلها قد عطلت، وقصرا بناه ملكها بالشيد قد خلا من السكن وتداعى من الخراب، ~~فيتعظوا بذلك، ويخافوا من عقوبة الله مثل الذين نزل بهم ذكر الله تعالى أن ~~أبصارهم الظاهرة لم تعم عن النظر، وإنما عميت قلوبهم، فقال: {فإنها لا تعمى ~~الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [الحج: 46] ذكر الفراء، والزجاج ~~أن قوله: {التي في الصدور} [الحج: 46] من التوكيد الذي تريده العرب في ~~الكلام، كقوله: {عشرة كاملة} [البقرة: 196] وقوله: ويقولون بأفواههم وقوله: ~~يطير بجناحيه. # قوله: {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة ~~مما تعدون {47} وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ~~{48} } [الحج: 47-48] ويستعجلونك بالعذاب أي: يسألونك أن تأتي بعذابهم ~~عاجلا، {ولن يخلف الله وعده} [الحج: 47] في إنزال العذاب بهم في الدنيا، ~~قال ابن عباس: يعني يوم بدر. # {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} [الحج: 47] قال مجاهد، وعكرمة، ~~وابن زيد: هو من أيام الآخرة. # ويدل على هذا ما روي أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم خمس ~~مائة عام. # والمعنى على هذا أنهم ms1227 يستعجلون بالعذاب، وإن يوما من أيام عذابهم في ~~الآخرة ألف سنة. # قال الفراء: وفي هذه الآية وعيد لهم بالعذاب في الدنيا والآخرة. # وذكر الزجاج وجها آخر، فقال: أعلم الله أنه لا يفوته شيء، وإن يوما عنده ~~وألف سنة في قدرته واحد، ولا فرق بين وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره ~~في القدرة إلا أن الله تفضل بالإمهال. # وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء، قال: المعنى إن يوما عنده في ~~الإمهال وألف سنة سواء، لأنه قادر عليهم متى شاء أخذهم. # وقرئ يعدون بالياء والتاء، فمن قرأ بالياء فلقوله يستعجلونك، ومن قرأ ~~بالتاء فلأنه أعم من خطاب المستعجلين والمؤمنين. # ثم أعلم أنه قد أخذ قوما بعد الإملاء والتأخير، فقال: {وكأين من قرية ~~أمليت لها} [الحج: 48] الآية، وما بعدها ظاهر إلى قوله: { # PageV03P275 # قل يأيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين {49} فالذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم {50} والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك ~~أصحاب الجحيم {51} } [الحج: 49-51] {والذين سعوا في آياتنا} [الحج: 51] أي: ~~عملوا في إبطالها، معاجزين ظانين ومقدرين أن يعجزونا ويفوتونا، لأنهم ظنوا ~~أن لا بعث ولا نشور، ولا جنة ولا نار، وهذا معنى قول قتادة: ظنوا أنهم ~~يعجزون الله فلا يقدر عليهم. # وهذا كقوله: {أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا} [العنكبوت: 4] ومن ~~قرأ معجزين فالمعنى أنهم كانوا يعجزون من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم، ~~أي: ينسبونهم إلى العجز، ثم أخبر عن هؤلاء أنهم أصحاب النار بقوله: {أولئك ~~أصحاب الجحيم} [الحج: 51] . # {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في ~~أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ~~{52} ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن ~~الظالمين لفي شقاق بعيد {53} وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك ~~فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ~~{54} } [الحج: 52-54] قوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} [الحج: ~~52] الرسول ms1228: الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل إليه عيانا، ومحاورته إياه ~~شفاها. # والنبي: الذي تكون نبوته إلهاما أو مناما، فكل رسول نبي، وليس كل نبي ~~رسول. # وقوله: {إلا إذا تمنى} [الحج: 52] قال ابن عباس: إلا إذا قرأ. # وقال المفسرون: تلا. # وذكرنا التمني بمعنى القراءة في قوله: {إلا أماني} [البقرة: 78] . # قوله: {ألقى الشيطان في أمنيته} [الحج: 52] أي تلاوته، قال جماعة من ~~المفسرين: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصا على إيمان قومه، فجلس ~~يوما ما في مجلس لهم، وقرأ عليهم { [النجم، فلما أتى إلى قوله:] أفرأيتم ~~اللات والعزى {19} ومناة الثالثة الأخرى {20} } [سورة النجم: 19-20] ألقى ~~الشيطان في أمنيته حتى وصل: «تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى» ، ~~ففرح المشركون بذلك، وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، فأتاه جبريل، ~~وأخبره بما جرى من الغلط على لسانه، فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، فأنزل الله هذه الآية، وهذا قول ابن عباس، والسدي، ومجاهد، وقتادة، ~~وسعيد بن جبير وغيرهم. # قال عطاء، عن ابن عباس: إن شيطانا يقال له الأبيض أتى النبي صلى الله ~~عليه وسلم، فألقى في قراءته: «وإنها الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى» . # PageV03P276 # وقال السدي، عن أصحابه: لما وقع من هذا ما وقع، أنزل الله هذه الآية يطيب ~~نفس محمد، ويخبره أن الأنبياء قبله قد كانوا مثله، ولم يبعث نبي إلا تمنى ~~أن يؤمن قومه، ولم يتمنى ذلك نبي إلا ألقى الشيطان عليه ما يرضي قومه. # {فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم} [الحج: ~~52] وعلى هذا معنى قوله: {إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} [الحج: 52] إذا ~~أحب شيئا ألقى الشيطان في محبته، وهذا دليل على جواز الخطأ والنسيان على ~~الرسل، ثم لا يقارون على ذلك، وعلى ما قال ابن عباس، إنما قاله الشيطان على ~~لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن له من ذلك إحساس قبل، كانت ~~فتنة من الله لعباده المؤمنين والمشركين. # وهو قوله: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة} [الحج: 53] أي محنة ms1229، ولله أن ~~يمتحن بما يشاء، واللام في قوله: ليجعل متعلقة بقوله: ألقى، أي: ليجعل الله ~~ما يلقي فتنة، {للذين في قلوبهم مرض} [الحج: 53] شك ونفاق، وذلك أنهم ~~افتتنوا لما سمعوا ذلك، ثم نسخ ورفع، فازدادوا عتوا، وظنوا أن محمد يقول ~~الشيء من عند نفسه ثم يندم فيبطله، وكذلك المشركون ازدادوا شرا وضلالة ~~وتكذيبا، وهو قوله: والقاسية قلوبهم قال ابن عباس: يريد المشركين، وهم ~~الذين لا تلين قلوبهم لتوحيد الله. # وإن الظالمين يعني: أهل مكة، {لفي شقاق بعيد} [الحج: 53] لفي خلاف شديد. # ثم وصف حال المؤمنين في هذه الفتنة، فقال: {وليعلم الذين أوتوا العلم} ~~[الحج: 54] التوحيد والقرآن، وقال السدي: والتصديق بنسخ الله. # وهو قوله: {أنه الحق من ربك} [الحج: 54] أن نسخ ذلك وإبطاله حق من الله، ~~فيؤمنوا به فيصدقوا بالنسخ، {فتخبت له قلوبهم} [الحج: 54] ترق قلوبهم ~~للقرآن فينقادوا لأحكامه، بخلاف المشركين الذين قيل فيهم: والقاسية قلوبهم، ~~ثم بين أن هذا الإيمان والإخبات إنما هو بلطف الله وهدايته إياهم، فقال: ~~{وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم} [الحج: 54] . # {ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم ~~عذاب يوم عقيم {55} الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات في جنات النعيم {56} والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب ~~مهين {57} } [الحج: 55-57] {ولا يزال الذين كفروا} [الحج: 55] يعني ~~المشركون، {في مرية منه} [الحج: 55] في شك مما ألقى الشيطان على لسان رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم، يقولون: ما باله ذكرها بخبر ثم ارتد عنها. # {حتى تأتيهم الساعة بغتة} [الحج: 55] يعني: ساعة موتهم، أي: حتى يموتوا ~~أو يقتلوا، وهو قوله: {أو يأتيهم عذاب يوم عقيم} [الحج: 55] يعني: يوم بدر ~~في قول ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، والسدي. # وسمى الله ذلك اليوم عقيما لأنه لم تكن فيه للكفار بركة ولا خير، فهو ~~كالريح العقيم التي لا تأتي بخير، قاله الضحاك، واختاره الزجاج. # قوله: الملك يومئذ يعني: يوم القيامة، لله من غير منازع ولا مدع، فلا ~~مالك ولا ملك يؤمئذ إلا لله ms1230 وحده، يحكم بينهم مما ذكر من قوله: فالذين ~~آمنوا إلى قوله: عذاب مهين. # ثم ذكر فضل المهاجرين، فقال: {والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ~~ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين {58} ليدخلنهم ~~مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم {59} ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم ~~بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور {60} } [الحج: 58-60] { # PageV03P277 # والذين هاجروا في سبيل الله} [الحج: 58] من مكة إلى المدينة، {ثم قتلوا ~~أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين} [الحج: 58] ~~قال السدي: هو رزق الجنة. # {ليدخلنهم مدخلا يرضونه} [الحج: 59] لأن لهم فيه ما تشتهي الأنفس وتلذ ~~الأعين، والمدخل يجوز أن يكون بمعنى المصدر وبمعنى المكان، فإذا كان بمعنى ~~المصدر فالمراد به إدخالا يكرمون به فيرضونه، وقرئ مدخلا بفتح الميم على ~~تقدير فيدخلون مدخلا يرضونه، {وإن الله لعليم} [الحج: 59] بنياتهم، حليم عن ~~عقابهم. # ذلك أي: الأمر ذلك الذي قصصنا عليك، ثم قال: {ومن عاقب بمثل ما عوقب به} ~~[الحج: 60] من جازى الظالم بمثل ما ظلمه، قال الحسن: بمعنى قاتل المشركين ~~كما قاتلوه. # {ثم بغي عليه} [الحج: 60] أي: ظالم بإخراجه من منزله، يعني: ما أتاه ~~المشركون من البغي على المسلمين حين أحوجوهم إلى مفارقة أوطانهم، نزلت في ~~قوم قاتلوا المشركين دفعا لهم عن أنفسهم، ثم خرجوا من ديارهم، فوعدهم الله ~~النصر بقوله: لينصرنه الله يعني: المظلوم الذي بغي عليه، {إن الله لعفو ~~غفور} [الحج: 60] قال ابن عباس: عفا عن مساوئ المؤمنين وغفر لهم ذنوبهم. # {ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع ~~بصير {61} ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله ~~هو العلي الكبير {62} } [الحج: 61-62] ذلك أي: ذلك النصر، بأنه القادر على ~~ما يشاء، فمن قدرته أنه {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن ~~الله سميع} [الحج: 61] لدعاء المؤمنين، بصير بهم حيث جعل فيهم البر والتقوى ~~والإيمان. # ذلك الذي فعل من نصر المؤمنين، {بأن ms1231 الله هو الحق} [الحج: 62] ذو الحق في ~~قوله وفعله، فدينه حق، وعبادته حق، {وأن ما يدعون} [الحج: 62] يعني ~~المشركين، {من دونه هو الباطل} [الحج: 62] الذي ليس عنده ضر ولا نفع، {وأن ~~الله هو العلي} [الحج: 62] العالي على كل شيء بقدرته، الكبير الذي يصغر كل ~~شيء سواه. # {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير ~~{63} له ما في السموات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد {64} ألم تر ~~أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن ~~تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم {65} وهو الذي أحياكم ~~ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور {66} } [الحج: 63-66] قوله: {ألم تر ~~أن الله أنزل من السماء ماء} [الحج: 63] يعني المطر، {فتصبح الأرض مخضرة} ~~[الحج: 63] بالنبات، {إن الله لطيف} [الحج: 63] بأرزاق عباده واستخراج ~~النبات من الأرض، خبير بما في قلوب العباد عند تأخر المطر. # {له ما في السموات وما في الأرض} [الحج: 64] عبيدا وملكا، {وإن الله لهو ~~الغني} [الحج: 64] عن عباده، الحميد إلى أوليائه # PageV03P278 # وأهل طاعته. # {ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض} [الحج: 65] قال ابن عباس: يريد ~~البهائم التي تركب. # {والفلك تجري في البحر بأمره} [الحج: 65] وسخر لكم الفلك في حال جريها، ~~{ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم} ~~[الحج: 65] فيما سخر لهم، وفيما حبس عنهم من السماء حتى لا تقع عليهم ~~فيهلكوا. # {وهو الذي أحياكم} [الحج: 66] بعد أن كنتم نطفا ميتة، ثم يميتكم عند ~~انقضاء آجالكم، ثم يحييكم للبعث والحساب، إن الإنسان يعني المشرك، لكفور ~~لنعم الله حين ترك توحيده. # {لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك ~~لعلى هدى مستقيم {67} وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون {68} الله يحكم ~~بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون {69} } [الحج: 67-69] قوله: لكل ~~أمة لكل قرن مضى، {جعلنا منسكا هم ناسكوه} [الحج: 67] قال ابن عباس ms1232: يريد ~~شريعة هم عاملون بها. # {فلا ينازعنك في الأمر} [الحج: 67] يعني في الذبائح، وذلك أن كفار قريش ~~وخزاعة خاصموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الذبيحة وقالوا: ما قتل ~~الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم. # قال الزجاج: ومعنى القول: فلا ينازعنك أي: لا تنازعهم أنت، كما تقول: لا ~~يخاصمنك فلان في هذا، أي لا تخاصمه، وهذا جائز فيما يكون بين اثنين، ولا ~~يجوز: لا يضربنك فلان وأنت تريد لا تضربه، وذلك أن المخاصمة لا تتم إلا ~~باثنين، فإذا ترك أحدهما فلا مخاصمة هنالك. # {وادع إلى ربك} [الحج: 67] إلى الإيمان به والعمل بما شرعه، {إنك لعلى ~~هدى} [الحج: 67] دين، {مستقيم {67} وإن جادلوك} [الحج: 67-68] خاصموك في ~~أمر الذبيحة، {فقل الله أعلم بما تعملون} [الحج: 68] من التكذيب، فهو ~~يجازيكم به، وهذا قبل الأمر بالقتال. # {الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون} [الحج: 69] تذهبون ~~فيه إلى خلاف ما نذهب. # {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على ~~الله يسير} [الحج: 70] {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض} [الحج: ~~70] قال ابن عباس: يريد قد علمت وأيقنت ذلك، وهذا استفهام يراد به التقرير. # {إن ذلك في كتاب} [الحج: 70] يعني: ما يجري في السماء والأرض، كل ذلك ~~مكتوب في اللوح المحفوظ، إن ذلك إن علمه بجميع ذلك، {على الله يسير} [الحج: ~~70] سهل لا يتعذر عليه العلم به. # {ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما ~~للظالمين من نصير {71} وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين ~~كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين # PageV03P279 # يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين ~~كفروا وبئس المصير {72} } [الحج: 71-72] {ويعبدون من دون الله} [الحج: 71] ~~يعني: أهل مكة، {ما لم ينزل به سلطانا} [الحج: 71] حجة، {وما ليس لهم به ~~علم} [الحج: 71] أنها آلهة، {وما للظالمين من نصير} [الحج: 71] وما ~~للمشركين من مانع من العذاب. # قوله: {وإذا تتلى عليهم ms1233 آياتنا بينات} [الحج: 72] يعني القرآن، {تعرف في ~~وجوه الذين كفروا المنكر} [الحج: 72] قال مقاتل: ينكرون القرآن أن يكون من ~~الله. # والمنكر بمعنى الإنكار، والتأويل أثر الإنكار من الكراهية والعبوس، ~~يكادون يسطون يقعون بمحمد وأصحابه من شدة الغيظ، {بالذين يتلون عليهم ~~آياتنا} [الحج: 72] أي: يكادون يبسطون إليهم أيديهم بالسوء، يقال: سطا عليه ~~وسطا به إذ تناوله بالبطش والعنف والشدة. # قل لهم يا محمد: {أفأنبئكم بشر من ذلكم} [الحج: 72] بشر لكم وأكره إليكم ~~من هذا القرآن الذي تسمعون، ثم ذكر ذلك، فقال: النار أي: هو النار، {وعدها ~~الله الذين كفروا} [الحج: 72] أي: يصيرهم إليها، وبئس المصير هي. # وقوله: {يأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن ~~يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف ~~الطالب والمطلوب {73} ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز {74} } ~~[الحج: 73-74] {يأيها الناس ضرب مثل} [الحج: 73] قال الأخفش: إن قيل: فأين ~~المثل الذي ذكره الله في قوله: ضرب مثل؟ قيل: ليس ههنا مثل، والمعنى: إن ~~الله قال: ضرب لي مثل، أي شبه بي الآوثان، ثم قال: فاستمعوا له لهذا المثل ~~الذي جعلوه مثلا وتأويلا للآية، جعل المشركون الأصنام شركائي، فعبدوها معي، ~~فاستمعوا حالها، ثم بين ذلك، فقال: {إن الذين تدعون من دون الله} [الحج: ~~73] يعني الأصنام، وكانت ثلات مائة وستين حول الكعبة، {لن يخلقوا ذبابا} ~~[الحج: 73] في صغره ومكثه، {ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا} [الحج: ~~73] مما عليهم، قال ابن عباس: كانوا يطلون الأصنام بالزعفران فيجف، فيأتي ~~الذباب فيختلسه، فلا يقدرون أن يستردوه من الذباب ويستنقذوه منه، فذلك ~~قوله: {لا يستنقذوه منه} [الحج: 73] وقال السدي: كانوا يجعلون للأصنام ~~طعاما، فيقع عليه الذباب، فيأكل منه، فلا يستطيع أن يسنقذه منه. # وقوله: {ضعف الطالب والمطلوب} [الحج: 73] قال ابن عباس في رواية عطاء، ~~والكلبي: الطالب الصنم، والمطلوب الذباب. # وروي عنه على العكس من هذا، وهو أن الطالب: الذي يطلب ما يسلب من الطيب ~~على الصنم، والمطلوب: الصنم يطلب الذباب ms1234 منع السلب. # وقال السدي: الطالب الذي يطلب إلى هذا الصنم بالتقرب إليه والصنم المطلوب ~~إليه. # وهذا معنى قول الضحاك: العابد والمعبود. # {ما قدروا الله حق قدره} [الحج: 74] ما عظموه حق عظمته، حيث جعلوا هؤلاء ~~الأصنام شركاء له، {إن الله لقوي} [الحج: 74] على خلقه، عزيز في ملكه. # {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير {75} يعلم ما ~~بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور {76} } [الحج: 75-76] {الله ~~يصطفي من الملائكة رسلا} [الحج: 75] يعني: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك ~~الموت. # ومن الناس يريد النبيين، أخبر الله أن الاختيار إليه، يختار من يشاء من ~~خلقه فيجعلهم رسله وأنبياءه، {إن الله سميع} [الحج: 75] لمقالتهم، بصير بمن # PageV03P280 # يتخذه رسولا. # {يعلم ما بين أيديهم} [الحج: 76] قال ابن عباس: ما قدموا. # وما خلفهم ما خلفوا، وقال الحسن: ما بين أيديهم ما عملوه، وما خلفهم، وما ~~هم غافلون عنه مما لم يعلموا بعد. # قوله: {يأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير ~~لعلكم تفلحون} [الحج: 77] {يأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} [الحج: 77] ~~قال المفسرون: يعني صلوا، لأن الصلاة لا تكون إلا بالركوع والسجود. ### | 640 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، نا أبو العباس محمد بن يعقوب، نا ~~بحر بن نصر، قال: قرأ علي بن وهب: أخبرنا ابن لهيعة، عن مشرح بن عاهان، عن ~~عقبة بن عامر، قال: قلت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: في سورة الحج ~~سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما # وقوله: واعبدوا ربكم قال مقاتل: يقول: وحدوا ربكم، يعني أن من أشرك ~~بعبادته غيره لم يوحده. # وافعلوا الخير قال ابن عباس: يريد صلة الرحم، ومكارم الأخلاق. # لعلكم تفلحون كي تسعدوا وتبقوا في الجنة. # وقوله: {وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من ~~حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول ~~شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا ~~بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير} [الحج: 78] {وجاهدوا في ms1235 الله حق ~~جهاده} [الحج: 78] أكثر المفسرين حملوا الجهاد ههنا على جميع أعمال الطاعة، ~~وقالوا: حق الجهاد أن يكون بنية صادقة خالصة لله تعالى. # وقال السدي: هو أن يطاع فلا يعصى. # وقال مقاتل بن حيان: هو أن يجتهدوا في العمل. # وقال مقاتل بن سليمان: نسختها الآية التي في التغابن {فاتقوا الله ما ~~استطعتم} [التغابن: 16] . # وحمله الضحاك على مجاهدة الكفار، فقال: جاهدوا بالسيف من كفر بالله وإن ~~كانوا الآباء والأبناء. # وروى عبد الله بن المبارك، أنه حمله على مجاهدة الهوى والنفس. # هو اجتباكم اختاركم واصطفاكم لدينه، {وما جعل عليكم في الدين من حرج} ~~[الحج: 78] ضيق، فالمعنى: ما جعل من التوبة والكفارات جعلها الله مخرجا من ~~الذنوب، فمن أذنب ذنبا لم يبق في ضيق ذلك الذنب، وله منه مخرج، إما ~~بالتوبة، أو القصاص، أو بنوع كفارة، أو # PageV03P281 # برد مظلمة، فلم يبتل المؤمنين بشيء من الذنوب إلا جعل له منه مخرج. # وقال مقاتل: يعني الرخص عند الضرورات، كالقصر والتيمم وأكل الميتة ~~والإفطار عند المرض والسفر. # وهو قول الكلبي، واخيار الزجاج. # وروي عن ابن عباس، أنه قال: الحرج ما كان على بني إسرائيل من الإصر ~~والشدائد التي كانت عليهم، وضعها الله تعالى على هذه الأمة. # وقوله: {ملة أبيكم إبراهيم} [الحج: 78] قال الأخفش، والمبرد، والفراء، ~~والزجاج: أي: عليكم ملة أبيكم. # والمعنى: اتبعوها واحفظوها، والخطاب إن كان للعرب خاصة، فإبراهيم أبو ~~العرب قاطبة، وإن كان خطابا عاما، فهو أبو المسلمين كلهم، لأن حقه عليهم ~~كحق الوالد، وأمرنا باتباع ملته جملة لأنها داخلة في ملة محمد صلى الله ~~عليه وسلم. # وقوله: {هو سماكم المسلمين من قبل} [الحج: 78] أي: الله تعالى سماكم بهذا ~~الاسم قبل إنزال القرآن في الكتب التي أنزلت قبله. # وفي هذا يعني القرآن، وقال مقاتل: من قبل. # يعني: في أم الكتاب. # ليكون الرسول أي: اجتباكم الله وسماكم المسلمين ليكون الرسول محمد صلى ~~الله عليه وسلم شهيدا عليكم يوم القيامة بالتبليغ، وتكونوا أنتم، {شهداء ~~على الناس} [الحج: 78] أن الرسل بلغتهم، وهذا كقوله: {جعلناكم أمة وسطا} ~~[البقرة: 143] الآية ms1236. # وقوله: {فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [الحج: 78] قال مقاتل: فريضتان ~~واجبتان افترضهما الله عليكم فأدوهما إلى الله. ### | 641 - # حدثنا المفضل بن إسماعيل، نا جدي الإمام أبو بكر الإسماعيلي، أنا جعفر بن ~~محمد المستفاض الفريابي، نا زكريا بن يحيى البلخي، نا عمر بن هارون، نا ~~عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم: «لا تقبل الصلاة إلا بالزكاة» # وقوله: واعتصموا بالله قال ابن عباس: سلوا ربكم أن يعصمكم من كل ما يسخط ~~ويكره. # وقال الحسن: تمسكوا بدين الله. # وقال مقاتل: ثقوا بالله. # هو مولاكم ناصركم والذي يتولى أموركم، فنعم المولى هو لكم، ونعم النصير. # PageV03P282 ### | سورة المؤمنون # مكية وآياتها ثماني عشرة ومائة. ### | 642 - # أخبرنا أبو عثمان بن أبي بكر الزعفراني، أنا أبو عمرو السجستاني، أنا أبو ~~الفضل الأسدي، أنا أبو عبد الله اليربوعي، نا سلام بن سليم، نا هارون بن ~~كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة المؤمنين بشرته الملائكة يوم ~~القيامة بالروح والريحان وما تقر به عينه عند نزول ملك الموت» # {قد أفلح المؤمنون {1} الذين هم في صلاتهم خاشعون {2} والذين هم عن اللغو ~~معرضون {3} والذين هم للزكاة فاعلون {4} والذين هم لفروجهم حافظون {5} إلا ~~على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين {6} فمن ابتغى وراء ذلك ~~فأولئك هم العادون {7} والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون {8} والذين هم على ~~صلواتهم يحافظون {9} أولئك هم الوارثون {10} الذين يرثون الفردوس هم فيها ~~خالدون {11} } [المؤمنون: 1-11] بسم الله الرحمن الرحيم ### | 643 - # حدثنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، إملاء، أنا أبو محمد حاجب بن ~~أحمد الطوسي، أنا محمد بن حماد الأبيوردي، نا عبد الرزاق، نا يونس بن سليم، ~~عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عثمان القاري، قال: سمعت ~~عمر بن الخطاب، يقول: كان إذا نزل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ~~الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل، فمكثنا ms1237 ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه، ~~فقال: " اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، ~~وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا، ثم قال: لقد أنزلت علينا عشر آيات من ~~أقامهن دخل الجنة، ثم قرأ: قد أفلح المؤمنون إلى عشر آيات "، رواه الحاكم ~~أبو عبد الله في (صحيحه) ، عن القطيعي، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن ~~أبيه، # PageV03P283 # عن عبد الرزاق، فكأني سمعت هذا الحديث من القطيعي # قال الفراء: قد ههنا يجوز أن تكون تأكيدا لفلاح المؤمنين، ويجوز أن تكون ~~تقريبا للماضي من الحال، قد يقرب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه، ألا ترى ~~أنهم يقولون: قد قامت الصلاة، قبل حال قيامها. # ويكون المعنى في الآية أن الفلاح قد حصل لهم وأنهم عليه في الحال. # قال ابن عباس: قد سعد المصدقون وبقوا في الجنة. # {الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون: 2] ساكتون متواضعون، قال ابن ~~عباس: خشع من خوف الله، فلا يعرف من على يمينه ولا من على يساره. # وقال أبو هريرة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى، رفع بصره ~~إلى السماء، فنزلت {الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون: 2] فطأطأ رأسه ~~". # {والذين هم عن اللغو معرضون} [المؤمنون: 3] قال عطاء، عن ابن عباس: عن ~~الشرك بالله. # وهو قول الضحاك، وقال الحسن: عن المعاصي. # قال الزجاج: هو كل باطل ولهو، وهزل ومعصية، وما لا يحمد من القول والفعل. # {والذين هم للزكاة فاعلون} [المؤمنون: 4] أي: مؤدون، فعبر عن التأدية ~~بالفعل لأنه فعل. # قال ابن عباس: للصدقة الواجبة مؤدون. # {والذين هم لفروجهم حافظون} [المؤمنون: 5] قال الليث: الفرج اسم يجمع ~~سوءات الرجال والنساء، فالقبلات وما حواليهما كله فرج. # والمراد بالفروج ههنا فروج الرجال خاصة، قال الكلبي: يعني يعفون عما لا ~~يحل لهم. # {إلا على أزواجهم} [المؤمنون: 6] على ههنا بمعنى من في قول الفراء. # وقال الزجاج: المعنى أنهم يلامون في إطلاق ما حظر عليهم وأمروا بحفظه إلا ~~على أزواجهم. # ودل على المحذوف ذكر اللوم في آخر الآية، قال مجاهد: يحفظ فرجه إلا من ms1238 ~~امرأته أو من أمته، فإنه لا يلام على ذلك. # {فمن ابتغى وراء ذلك} [المؤمنون: 7] أي: طلب سوى الأزواج والإماء ~~المملوكة، {فأولئك هم العادون} [المؤمنون: 7] الظالمون المتجاوزون إلى ما ~~لا يحل. # {والذين هم لأماناتهم} [المؤمنون: 8] وقرأ ابن كثير لأمانتهم واحدة، وذلك ~~أنه مصدر واسم جنس فيقع على الكثير، وإن كان مفردا في اللفظ، والأمانة ~~تختلف نحو الأمانة التي بين العبيد في حقوقهم كالودائع والبضائع، وما تكون ~~اليد فيه يد أمانة، وتكون الأمانة التي بين الله وبين عباده كالصيام ~~والاغتسال والصلاة، ويجب على المؤمن الوفاء بجميع ضروب الأمانات، وقوله: ~~{وعهدهم راعون} [المؤمنون: 8] قال ابن عباس: إذا عاهد رجلا وفي له. # ومعنى راعون: حافظون. # {والذين هم على صلواتهم} [المؤمنون: 9] وقرئ صلاتهم ومن أفراد فلأن ~~الصلاة في الأصل مصدر، ومن جمع فلأنه قد صار اسما شرعيا لانضمام ما لم يكن ~~في أصل اللغة إليها، ومعنى الآية: والذين هم يحافظون على الصلوات المكتوبة، ~~فيقيمونها في أوقاتها. # PageV03P284 # أولئك يعني: الموصوفين بهذه الصفات، هم الوارثون يرثون منازل أهل النار ~~من الجنة. ### | 644 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن حمدان، حدثني أبو العباس بن ماهان البشتري، ~~بها، أنا أحمد بن القاسم بن نصر الفرائضي، نا أبو همام الوليد بن شجاع، نا ~~أبو معاوية، نا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم: " ما منكم من أحد إلا له منزلان؛ منزل في الجنة، ومنزل ~~في النار، فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله، وذلك قوله، عز وجل: ~~{أولئك هم الوارثون} ثم ذكر ما يورثون # فقال: {الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} [المؤمنون: 11] قال ابن ~~عباس: يريد خير الجنان. # وقال مجاهد: من حفظ عمل العشرة من سورة المؤمنين ورث الفردوس. ### | 645 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا عبد الله بن محمد بن حيان، نا محمد بن ~~العباس بن أيوب، نا محمد بن أبي معشر، حدثني أبي، عن عون بن عبد الله بن ~~الحارث، عن أخيه، عن أبيه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه ms1239 وسلم: " خلق ~~الله ثلاثة أشياء بيده؛ خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس الفردوس ~~بيده، ثم قال: وعزتي وجلالي، لا يدخلها مدمن خمر ولا ديوث، قيل: يا رسول ~~الله، قد عرفنا مدمن الخمر، فما الديوث؟ قال: الذي يقر السوء لأهله # {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين {12} ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ~~{13} ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا ~~العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين {14} ثم إنكم ~~بعد ذلك لميتون {15} ثم إنكم يوم القيامة تبعثون {16} } [المؤمنون: 12-16] ~~قوله: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} [المؤمنون: 12] السلالة ما يسل ~~من الشيء، أي ينزع ويستخرج، يقال للنطفة سلالة، وللولد سليل، قال ابن عباس ~~في رواية ابن يحيى الأعرج: السلالة صفو الماء. # وقال مجاهد: مني بني آدم. # وقال عكرمة: هو الماء يسل من الظهر سلا. # والمراد بالإنسان ولد آدم، وهو اسم الجنس يقع على الجميع، وقوله: {من ~~طين} [المؤمنون: 12] يعني طين آدم، والسلالة إنما تولدت من طين خلق آدم، ~~كما قال الكلبي: يقول من نطفة سلت سلا، النطفة من طين، والطين آدم. # ثم جعلناه يعني: ابن آدم الذي هو الإنسان، {نطفة في قرار مكين} ~~[المؤمنون: 13] يعني: الرحم، مكن فيه الماء بأن هيئ لاستقراره فيه إلى بلوغ ~~أمده الذي جعل له. # {ثم خلقنا النطفة علقة} [المؤمنون: 14] مفسر في { [الحج إلى قوله:] ~~فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما} [سورة المؤمنون: 14] وقرئ كلاهما ~~عظما على الواحد، قال الزجاج: التوحيد والجمع جائزان، والواحد يدل على ~~الجمع كما قال الشاعر: # في خلقكم عظم وقد شجينا # PageV03P285 # يريد في خلوقهم عظام. # وقوله: {ثم أنشأناه خلقا آخر} [المؤمنون: 14] قال ابن عباس: يعني الروح ~~فيه. # وذلك أنه كان عظما ولحما مواتا، فلما جعل فيه الروح صار خلقا آخر، وهو ~~قول السدي، ومجاهد، والشعبي، وعكرمة، والأكثرين. # وعن مجاهد أيضا، قال: هو أن يستوي شبابه. # وهو قول الضحاك، وقال قتادة: يعني نبات الشعر والأسنان. # وقال الحسن: يعني ذكر وأنثى. # وقوله: فتبارك الله أي: استحق التعظيم ms1240 والثناء بأنه لم يزل ولا يزال أحسن ~~الخالقين المصورين والمقدرين، والخلق في اللغة: التقدير، يقال: خلقت الأديم ~~إذا قسته لتصنع منه شيئا. # وقال حذيفة في هذه الآية: يصنعون ويصنع، والله خير الصانعين. # يقال: رجل خالق، أي صانع. # {ثم إنكم بعد ذلك} [المؤمنون: 15] بعد ما ذكر من تمام الخلق، لميتون عند ~~آجالكم، {ثم إنكم يوم القيامة تبعثون} [المؤمنون: 16] للجزاء والحساب. # قوله: {ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين} [المؤمنون: ~~17] {ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق} [المؤمنون: 17] قالوا كلهم: يعني سبع ~~سموات كل سماء طريقة، سميت لتطارقها، وهو أن بعضها فوق بعض. # {وما كنا عن الخلق غافلين} [المؤمنون: 17] إذ بنينا فوقهم سماء أطلعنا ~~فيها الشمس والقمر والكواكب، وأنزلنا منها عليهم الماء. # وهو قوله: {وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه # PageV03P286 # في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون {18} فأنشأنا لكم به جنات من نخيل ~~وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون {19} وشجرة تخرج من طور سيناء ~~تنبت بالدهن وصبغ للآكلين {20} وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في ~~بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون {21} وعليها وعلى الفلك تحملون ~~{22} } [المؤمنون: 18-22] {وأنزلنا من السماء ماء بقدر} [المؤمنون: 18] أي: ~~بقدر يعلمه الله، وقال مقاتل: بقدر ما يكفيهم للمعيشة. # {فأسكناه في الأرض} [المؤمنون: 18] يريد ما يبقى في الغدران والمسنقعات ~~والدحلان، أقر الله الماء فيها لينتفع به الناس في الصيف عند انقطاع المطر. ### | 646 - # أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب، أنا جدي، أنا ~~محمد بن الحسين البزار، نا عثمان بن سعيد، نا سعيد بن سابق الإسكندراني، نا ~~مسلمة بن علي، عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي، صلى ~~الله عليه وسلم، قال: " إن الله أنزل من الجنة خمسة أنهار؛ سيحون وهو نهر ~~الهند، وجيحون وهو نهر بلخ، ودجلة، والفرات وهما نهرا العراق، والنيل وهو ~~نهر مصر، أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها ~~على جناحي جبريل، استودعها الجبال، وأجراها في الأرض، وجعل فيها ms1241 منافع ~~للناس في أصناف معايشهم، فذلك قوله، عز وجل {وأنزلنا من السماء ماء بقدر ~~فأسكناه في الأرض} ، فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج؛ أرسل الله جبريل فرفع ~~من الأرض القرآن والعلم كله والحجر الأسود من ركن البيت ومقام إبراهيم ~~وتابوت موسى بما فيه وهذه الأنهار الخمسة، ويرفع كل ذلك إلى السماء، وذلك ~~قوله: {وإنا على ذهاب به لقادرون} فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد ~~أهلها خير الدنيا والدين، هذا الحديث رواه الإمام أبو العباس الحسن بن ~~سفيان، عن عثمان بن سعيد، بالإجازة، أنا سعيد بن محمد بن أحمد العدل، أنا ~~أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، أنا الحسن بن سفيان قال: وجدت فيما أجاز لي ~~عثمان بن سعيد، أنا سعيد بن سابق الإسكندراني، فذكر الحديث، ثم ذكر الله، ~~تعالى، ما أنبت من السماء، فقال: {فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم ~~فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون {19} وشجرة} عطف على قوله: جنات والمفسرون ~~كلهم يقولون؛ يعني: شجرة الزيتون، وخصت بالذكر؛ لأنه لا يتعاهدها أحد ~~بالسقي وهي تخرج الثمرة التي يكون منها الدهن الذي تعظم به المنفعة فذكرت ~~النعمة فيها # وقوله: {تخرج من طور سيناء} [المؤمنون: 20] قرئ بفتح السين وكسرها، وهي ~~نبطية في قول الضحاك، وحبشية في قول عكرمة، وهي اسم المكان الذي به هذا ~~الجبل في أصح الأقوال، وسيناء في قول مجاهد: اسم حجارة بعينها، أضيف الجبل ~~إليها لوجودها عنده. # وقال الكلبي: طور سيناء الجبل المشجر. # وقال عطاء: يريد الجبل الحسن. # وقوله: تنبت بالدهن أي: تنبته لأنه يعصر من الزيتون الزيت، والباء في ~~بالدهن للتعدي، يقال: أنبته ونبت به. # ومن قرأ تنبت بضم التاء، فإن جعلت أنبت بمعنى كقول زهير: # حتى إذا أنبت البقل # فهذه القراءة كالأول سواء , وإن جعلت تنبت من الإنبات الذي هو مضارع أنبت ~~, فالباء في بالدهن زيادة كزيادتها # PageV03P287 # في قوله: {ولا تلقوا بأيديكم} [البقرة: 195] . # وقوله: وصبغ للآكلين الصبغ والصباغ ما يصطبغ به من الأدم , وذلك أن الخبز ~~يلون بالصبغ إذا غمس فيه , والاصطباغ بالزيت المغمس ms1242 فيه للأئتدام به , ~~والمراد بالصبغ بالزيت في قول ابن عباس: فإنه يدهن به ويؤتدم. # وقال مقاتل: جعل الله في هذه الشجرة أدما ودهنا , فالأدم الزيتون , ~~والدهن الزيت. # قوله: {وإن لكم في الأنعام لعبرة} [المؤمنون: 21] مفسرة في { [النحل إلى ~~قوله:] ولكم فيها منافع كثيرة} [سورة المؤمنون: 21] يعني: في ظهورها ~~وألبانها وأولادها وأصوافها وأشعارها. # {ومنها تأكلون} [المؤمنون: 21] من لحومها وأولادها والكسب عليها. # {وعليها} [المؤمنون: 22] يريد الإبل خاصة , {وعلى الفلك تحملون} ~~[المؤمنون: 22] قال الكلبي: ما في البحر فالسفن , وما في البر فالإبل. # وهذا كقوله: {وحملناهم في البر والبحر} [الإسراء: 70] . # {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ~~أفلا تتقون {23} فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد ~~أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ~~{24} إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين {25} } [المؤمنون: 23-25] ~~قوله: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه} [المؤمنون: 23] قال ابن عباس: يعزي نبيه ~~صلى الله عليه وسلم بأن غير أمته قد كذبوا الأنبياء وجحدوا البعث. # {فقال يا قوم اعبدوا الله} [المؤمنون: 23] أطيعوه ووحدوه , {ما لكم من ~~إله غيره} [المؤمنون: 23] ما غيره رب , {أفلا تتقون} [المؤمنون: 23] أفلا ~~تتقونه بالطاعة والتوحيد. # {فقال الملأ الذين كفروا من قومه} [المؤمنون: 24] يعني: الأشراف , ~~والرؤساء , وذوي الأمر منهم , {ما هذا إلا بشر مثلكم} [المؤمنون: 24] أي ~~أنه آدمي لا فضل له عليكم , {يريد أن يتفضل عليكم} [المؤمنون: 24] يتشرف ~~بأن يكون له الفضل عليكم فيصير متبوعا وأنتم له تبع , {ولو شاء الله} ~~[المؤمنون: 24] أن لا يعبد شيء سواه , {لأنزل ملائكة} [المؤمنون: 24] ولم ~~يرسل بشرا آدميا , {ما سمعنا بهذا} [المؤمنون: 24] الذي يدعونا إليه نوح من ~~التوحيد , {في آبائنا الأولين} [المؤمنون: 24] في الأمم الماضية. # {إن هو إلا رجل به جنة} [المؤمنون: 25] حالة جنون , {فتربصوا به حتى حين} ~~[المؤمنون: 25] انتظروا موته فتستريحوا منه. # {قال رب انصرني بما كذبون {26} فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ~~ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها ms1243 من كل زوجين اثنين وأهلك إلا ~~من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون {27} فإذا ~~استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ~~{28} وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين {29} إن في ذلك لآيات ~~وإن كنا لمبتلين {30} } [المؤمنون: 26-30] {قال رب انصرني بما كذبون} ~~[المؤمنون: 26] بتكذيبهم , والمعنى: انصرني بإهلاكهم جزاء لهم بتكذيبهم. # فأوحينا إليه مفسر في { [هود إلى قوله:] فاسلك فيها} [سورة المؤمنون: 27] ~~أي: أدخل في سفينتك. # {وقل رب أنزلني منزلا} [المؤمنون: 29] يجوز أن يكون المنزل بمعنى ~~الإنزال، والمعنى إنزالا , {مباركا} [المؤمنون: 29] قال مقاتل: يعني ~~بالبركة أنهم توالدوا وكثروا. # ويجوز أن يكون المنزل موضعا للإنزال , كأنه قيل: أنزلني مكانا أو موضعا، ~~وهو قول الكلبي: منزلا # PageV03P288 # مباركا بالماء والشجر. # وقرأ عاصم منزلا بفتح الميم وكسر الزاي , يعني: موضع نزول , قال ~~المفسرون: إنه أمر أن يقول عند استوائه على الفلك: الحمد لله , وعند نزوله: ~~أنزلني منزلا مباركا. # {وأنت خير المنزلين} [المؤمنون: 29] قل ابن عباس: يريد من السفينة. # ولذلك قيل له: {اهبط بسلام منا وبركات عليك} [هود: 48] وهذا جواب دعائه ~~{إن في ذلك} [المؤمنون: 30] يعني: في أمر نوح والسفينة وهلاك أعداء الله , ~~{لآيات} [المؤمنون: 30] لدلالات على قدرة الله ووحدانيته , {وإن كنا ~~لمبتلين} [المؤمنون: 30] وما كنا إلا مختبرين إياهم بإرسال نوح , ووعظه ~~وتذكيره. # وقوله: {ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين {31} فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن ~~اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون {32} وقال الملأ من قومه الذين ~~كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر ~~مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون {33} ولئن أطعتم بشرا مثلكم ~~إنكم إذا لخاسرون {34} أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ~~{35} هيهات هيهات لما توعدون {36} إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما ~~نحن بمبعوثين {37} إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين ~~{38} قال رب انصرني بما كذبون {39} قال عما قليل ليصبحن نادمين {40} ~~فأخذتهم الصيحة بالحق ms1244 فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين {41} ثم أنشأنا ~~من بعدهم قرونا آخرين {42} ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون {43} } ~~[المؤمنون: 31-43] {ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} [المؤمنون: 31] يعني: ~~عادا قوم هود , {فأرسلنا فيهم رسولا منهم} [المؤمنون: 32] هودا , وما بعد ~~هذا ظاهر إلى قوله: {أيعدكم} [المؤمنون: 35] ، {أنكم مخرجون} [المؤمنون: ~~35] قال الزجاج: أنكم موضعها نصب على معنى أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم , ~~فلما طال الكلام أعيد ذكرانه , كما قال عز وجل: {ألم يعلموا أنه من يحادد ~~الله ورسوله فأن له نار جهنم} [التوبة: 63] المعنى: فله نار جهنم. # {هيهات هيهات لما توعدون} [المؤمنون: 36] بعد الأمر جدا حتى امتنع , وهو ~~اسم سمي به الفعل , وهو بعد كما قالوا: صه بمعنى اسكت , ومه بمعنى لا تفعل ~~وليس له اشتقاق , وفيه ضمير يقع عائد إلى قوله: إنكم مخرجون الذي هو بمعنى ~~الإخراج، والتقدير هيهات هو , أي الإخراج، والمعنى: بعد إخراجكم للوعد الذي ~~توعدون وهو بعد الموت , استبعد أعداء الله إخراجهم ونشرهم لما كانت العدة ~~به بعد الموت إغفالا منهم للتفكير في قوله: {قل يحييها الذي أنشأها أول ~~مرة} [يس: 79] قال ابن عباس في هذه الآية: ينفون أن ذلك لا يكون. # وقال الكلبي: يقولون: بعيد بعيد ما وعدكم ليوم البعث. # قال أبو عمرو بن العلاء: إذا وقفت فقل هيهاه. # يدل على هذا ما # PageV03P289 # روي عن سيبويه , أنه قال: هي بمنزلة علقاه. # يعني في التأنيث , وإذا كان كذلك كان الوقف بالهاء , قال الفراء: كان ~~الكسائي يختار الوقف بالهاء , وأنا أختار التاء وعنده أن هذه التاء ليست ~~بتاء التأنيث. # قوله: {إن هي إلا حياتنا الدنيا} [المؤمنون: 37] قالوا: ما الحياة إلا ما ~~نحن فيه , لا الحياة الآخرة التي تعدنا بعد البعث , {نموت ونحيا وما نحن ~~بمبعوثين} [المؤمنون: 37] نهلك نحن ويبقى أبناؤنا , ويهلك أبناؤنا ويبقى ~~أبناؤهم. # {إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا} [المؤمنون: 38] ما هو إلا مفتر كاذب ~~على الله في ذكر البعث و {وما نحن له بمؤمنين} [المؤمنون: 38] بمصدقين فيما ~~يقول. # {قال رب انصرني بما كذبون} [المؤمنون: 39] تقدم تفسيره ms1245 , قال الله: {عما ~~قليل} [المؤمنون: 40] من الزمان والوقت , يعني: عند الموت , أو عند نزول ~~العذاب بهم , {ليصبحن نادمين} [المؤمنون: 40] على الكفر والتكذيب. # {فأخذتهم الصيحة} [المؤمنون: 41] صاح بهم جبريل صيحة واحدة ماتوا عن ~~آخرهم بتصدع قلوبهم , وقوله: بالحق أي: باستحقاقهم العذاب بكفرهم , ~~{فجعلناهم غثاء} [المؤمنون: 41] وهو ما جاء به السيل من نبات قد يبس وكل ما ~~تحمله السيل على رأس الماء من قصب وحشيش وعيدان شجر فهو غثاء، والمعنى: ~~صيرناهم هلكى فيبسوا كما يبس الغثاء من نبات الأرض فهمدوا , {فبعدا} ~~[المؤمنون: 41] أي: ألزمهم الله بعدا من الرحمة , {للقوم الظالمين} ~~[المؤمنون: 41] المكذبين المشركين , وما بعد هذا ظاهر التفسير إلى قوله: ~~{ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا ~~وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون} [المؤمنون: 44] {ثم أرسلنا رسلنا ~~تترا} [المؤمنون: 44] أي: بعضها في إثر بعض غير متصلين , لأن بين كل نبيين ~~دهرا طويلا , وهي فعلى من المواترة، قال الأصمعي: يقال: واترت الخبر , ~~أتبعت بعضه بعضا , وبين الخبرين هنيهة , وهي كالدعوى والتقوى , وأكثر العرب ~~على ترك تنوينها. # وقرأ ابن كثير تترا منونة , وتترا على هذه القراءة فعلا والألف فيها ~~كالألف في رأيت زيدا وعمرا , فإذا وقفت كانت الألف بدلا من التنوين وحقها ~~أن تفخم ولا تمال، قال المبرد: من قرأ {تترا} [المؤمنون: 44] فهو مثل شكوى ~~, ومن قرأ تترى مثل شكوت شكوى , وعلى القراءتين جميعا التاء الأولى بدل من ~~الواو , وتترا مصدرا، واسم قام مقام الحال لأن المعنى متواترة، وقوله: {كل ~~ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا} [المؤمنون: 44] أهلكنا الأمم ~~بعضهم في أثر بعض، {وجعلناهم أحاديث} [المؤمنون: 44] لمن بعدهم من الناس، ~~يتحدثون بأمرهم وشأنهم. # {ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين {45} إلى فرعون وملئه ~~فاستكبروا وكانوا قوما عالين {46} فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا ~~عابدون {47} فكذبوهما فكانوا من المهلكين {48} ولقد # PageV03P290 # آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون {49} } [المؤمنون: 45-49] وقوله: {ثم ~~أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا} [المؤمنون: 45] يعني: الدلائل التي كانت ~~لهما، {وسلطان مبين} [المؤمنون: 45] وحجة بينة، يعني اليد ms1246 والعصا. # {إلى فرعون وملئه فاستكبروا} [المؤمنون: 46] قال ابن عباس: عن عبادة الله ~~تعالى. # وقال مقاتل: تكبروا عن الإيمان بالله. # {وكانوا قوما عالين} [المؤمنون: 46] قاهرين للناس بالبغي والتطاول عليهم، ~~وهو معنى قول ابن عباس: علوا على بني إسرائيل علوا كبيرا. # وقال مقاتل: يعني متكبرين عن توحيد الله. # يدل عليه قوله تعالى: {فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا} [المؤمنون: 47] أنصدق ~~إنسانين من لحم ودم ليس لهما علينا فضل؟ {وقومهما} [المؤمنون: 47] يعني: ~~بني إسرائيل، {لنا عابدون} [المؤمنون: 47] قال ابن عباس: مطيعون. # قال أبو عبيدة: العرب تسمي كل من دان لملك عابد له. # وقال المبرد: العابد المطيع الخاضع. # {فكذبوهما} [المؤمنون: 48] يعني: موسى وهارون، {فكانوا من المهلكين} ~~[المؤمنون: 48] بتكذيبهما. # {ولقد آتينا موسى الكتاب} [المؤمنون: 49] التوراة جملة واحدة، {لعلهم ~~يهتدون} [المؤمنون: 49] لكي يهتدوا به من الضلالة، قال مقاتل: يعني بني ~~إسرائيل، لأن التوراة أنزلت بعد هلاك فرعون وقومه. # قوله: {وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين} ~~[المؤمنون: 50] {وجعلنا ابن مريم وأمه آية} [المؤمنون: 50] هذا كقوله: ~~{وجعلناها وابنها آية للعالمين} [الأنبياء: 91] وقد تقدم، وقوله: ~~{وآويناهما} [المؤمنون: 50] أي: وجعلناهما يأويان ويرجعان، {إلى ربوة} ~~[المؤمنون: 50] وهي المكان المرتفع من الأرض، قال ابن عباس: يريد دمشق. # وهو قول سعيد بن المسيب، ومقاتل، ورواية عكرمة، عن ابن عباس. # وقال عطاء، عن ابن عباس: يريد بيت المقدس. # وهو قول قتادة، وكعب، قال: وهو أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا. # وقال السدي: إنها أرض فلسطين. # وهو قول أبي هريرة، وقوله: {ذات قرار} [المؤمنون: 50] أي: مستوية يستقر ~~عليها ساكنوها، والمعنى: ذات موضع قرار، {ومعين} [المؤمنون: 50] يعني: ~~الماء الجاري الظاهر الذي تراه العيون. # {يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم {51} ~~وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون {52} فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ~~كل حزب بما لديهم فرحون {53} فذرهم في غمرتهم حتى حين {54} أيحسبون أنما ~~نمدهم به من مال وبنين {55} نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون {56} } ~~[المؤمنون: 51-56] قوله: {يأيها الرسل} [المؤمنون: 51] قال الحسن، ومجاهد، ~~وقتادة، والسدي، والكلبي، ومقاتل ms1247: يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وحده، على ~~مذهب العرب في مخاطبة الواحد مخاطبة الجمع، ويتضمن هذا أن الرسل جميعا كذي ~~أمروا. # قوله: {كلوا من الطيبات} [المؤمنون: 51] قال ابن عباس: من الحلال. # وقال الضحاك: أمرهم ألا يأكلوا إلا حلالا طيبا. # وقال الحسن: أما والله ما عنى به أصفركم ولا # PageV03P291 # أحمركم، ولا حلوكم ولا حامضكم، ولكنه قال انتهوا إلى الحلال منه. # {واعملوا صالحا} [المؤمنون: 51] أي: بما أمركم الله به، وأطيعوه في أمره ~~ونهيه، {إني بما تعملون عليم} [المؤمنون: 51] لا يخفى علي شيء من أعمالكم. # {وإن هذه أمتكم} [المؤمنون: 52] إن في قراءة من قرأ بفتح الألف معطوفة ~~على الجار في قول الخليل وسيبويه: التقدير ولأن هذه أمتكم. # {أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} [المؤمنون: 52] أي: اتقون لهذا، ومن قرأ ~~بالتخفيف فإن هي المخففة من المشددة، كقوله: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب ~~العالمين} [يونس: 10] ومن كسر مع التشديد فهو على الاستئناف، ومعنى الآية ~~قال مقاتل: يقول: هذه التي أنتم عليها ملة الإسلام، ملة واحدة عليها ~~الأنبياء والمؤمنون الذين نجوا من العذاب. # والمعنى: أنتم أهل ملة واحدة ودعوة واحدة، فلا تكونوا كالذين تفرقوا ~~واختلفوا. # وهو قوله: {فتقطعوا أمرهم بينهم} [المؤمنون: 53] والكلام في الاثنين قد ~~تقدم، وقوله: {زبرا} [المؤمنون: 53] قال المبرد: فرقا وقطعا مختلفة. # واحدها زبور، هو الفرقة والطائفة، ومثله الزبرة وجمعها زبر. # قال الكلبي: يعني مشركي العرب واليهود والنصارى، تفرقوا أحزابا. # {كل حزب بما لديهم فرحون} [المؤمنون: 53] بما عندهم من الدين راضون، يرون ~~أنهم على الحق، {فذرهم في غمرتهم} [المؤمنون: 54] في حيرتهم وغفلتهم، ~~وضلالتهم وجهالتهم، قال مقاتل: يعني كفار مكة. # وقوله: {حتى حين} [المؤمنون: 54] قال ابن عباس: يريد نزول العذاب بالسيف ~~أو بالموت. # {أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين} [المؤمنون: 55] أي: أيحسبون أن ما ~~يعطيهم الله في هذه الدنيا من الأموال والبنين، إنما يعطيهم ثوابا ومجازاة ~~لهم، لا بل هو استدراج لهم من الله، وهو معنى قوله: {نسارع لهم في الخيرات} ~~[المؤمنون: 56] ومعنى نسارع نسرع، أي أيحسبون: أنا نتعجل في تقديم ثواب ~~أعمالهم ms1248 لرضانا عنهم حين بسطنا لهم الرزق وأكثرنا أولادهم، {بل لا يشعرون} ~~[المؤمنون: 56] لا يعلمون أن ذلك شر لهم. # ثم ذكر المؤمنين فقال: {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون {57} والذين هم ~~بآيات ربهم يؤمنون {58} والذين هم بربهم لا يشركون {59} والذين يؤتون ما ~~آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون {60} أولئك يسارعون في الخيرات وهم ~~لها سابقون {61} } [المؤمنون: 57-61] {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون} ~~[المؤمنون: 57] الإشفاق الخوف، تقول: أنا مشفق من هذا الأمر، أي خائف. # والمعنى أنهم لما هم عليه من خشية الله خائفون من عذابه. # {والذين هم بآيات ربهم يؤمنون} [المؤمنون: 58] قال ابن عباس: يصدقون ~~بالقرآن أنه من # PageV03P292 # عند الله. # {والذين هم بربهم لا يشركون} [المؤمنون: 59] لا يعبدون معه غيره. # {والذين يؤتون ما آتوا} [المؤمنون: 60] أي: يتصدقون ويعملون الأعمال ~~الصالحة، {وقلوبهم وجلة} [المؤمنون: 60] خائفة أن لا يقبل منهم، قال مجاهد: ~~المؤمن ينفق ماله وقلبه وجل. # وقال الحسن: المؤمن جمع إحسانا وشفقة، والمنافق جمع إساءة وأمنا. # وإيتاء المال في هذه الآية عبارة عن الأعمال الصالحة، إذ هو الأفضل ~~والأشق على النفس. ### | 647 - # أخبرنا عمر بن أحمد بن عمر الزاهد، أنا عبد الله بن محمد الصوفي، أنا ~~محمد بن أيوب، نا جرير، عن ليث، عن عمرة، عن عائشة قالت: سألت رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم، عن قوله: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة. . . . ~~.} الآية، فقال: يا ابنة الصديق، الذين يصومون وهم يفرقون أن لا يقبل منهم، ~~ويصلون وهم يفرقون أن لا يقبل منهم، ويتصدقون وهم يفرقون أن لا يقبل منهم # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، أنا أبو بكر القطيعي، نا إدريس بن عبد ~~الكريم المقري، نا عاصم بن علي، نا أبو الأشهب العطاري، عن الحسن في قوله: ~~{والذين يؤتون ما آتوا} [المؤمنون: 60] قال: كان ما عملوا من أعمال البر ~~يرون أن ذلك لا ينجيهم من عذاب الله. # قال الزجاج: قلوبهم خائفة لأنهم إلى ربهم راجعون. # قال صاحب النظم: فالوجل واقع على مضمر. # وقوله: {أنهم إلى ربهم} [المؤمنون: 60] سبب له ms1249، على تأويل وقلوبهم وجلة ~~لا يقبل منهم لعلمهم أنهم إلى ربهم، {راجعون} [المؤمنون: 60] أي: لأنهم ~~يوقنون بأنهم يرجعون إلى الله، يخافون أن لا يقبل منهم. # قوله: {أولئك يسارعون في الخيرات} [المؤمنون: 61] يبادرون في الأعمال ~~الصالحة، {وهم لها} [المؤمنون: 61] أي إليها، {سابقون} [المؤمنون: 61] قاله ~~الفراء، والزجاج. # وقال ابن عباس: ينافسون فيه أمثالهم من أهل البر والتقوى. # وقال الكلبي: سبقوا الأمم إلى الخيرات. # {ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون {62} بل ~~قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون {63} حتى إذا ~~أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون {64} لا تجأروا اليوم إنكم منا لا ~~تنصرون {65} قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون {66} ~~مستكبرين به سامرا تهجرون {67} } [المؤمنون: 62-67] قوله: {ولا نكلف نفسا ~~إلا وسعها} [المؤمنون: 62] أي: إلا طاقتها من العمل، فمن لم يستطع أن يصلي ~~قائما فيصلي جالسا، وقد سبق هذا في آخر { [البقرة، ولدينا كتاب يريد اللوح ~~المحفوظ، وفيه مكتوب كل شيء سبق في علم الله، ينطق بالحق يبين بالصدق، ~~ومعنى ال:: لا نكلف نفسا إلا ما أطاقت من العمل، وتعلم أين تعمل، لأنا قد ~~اثبتنا عمله في اللوح المحفوظ، فهو ينطق به ويبينه،] وهم لا يظلمون} ~~[المؤمنون: 62] أي: لا ينقصون من ثواب أعمالهم. # ثم عاد إلى ذكر الكفار، فقال: {بل قلوبهم في غمرة} [المؤمنون: 63] في ~~غفلة وجهالة، {من هذا} [المؤمنون: 63] القرآن، {ولهم أعمال} [المؤمنون: 63] ~~خبيثة، {من دون ذلك} [المؤمنون: 63] # PageV03P293 # أعمال المؤمنين التي ذكرها الله، {هم لها عاملون} [المؤمنون: 63] إجماع ~~المفسرين، وأصحاب المعاني على أن هذا إخبار عما سيعملونه من أعمالهم ~~الخبيثة التي كتبت عليهم، لابد لهم أن يعملوها، {حتى إذا أخذنا مترفيهم} ~~[المؤمنون: 64] أغنياءهم ورؤساهم، {بالعذاب} [المؤمنون: 64] بالسيوف يوم ~~بدر، {إذا هم يجأرون} [المؤمنون: 64] يصيحون إلى الله، ويصيحون ويقال لهم: ~~{لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون} [المؤمنون: 65] لا تمنعون منا، نزلت ~~في الذين قتلوا ببدر، ثم ذكر أن إعراضهم عن القرآن أوجب أخذهم بالعذاب ~~بقوله: {قد كانت آياتي تتلى ms1250 عليكم} [المؤمنون: 66] يعني القرآن، {فكنتم على ~~أعقابكم تنكصون} [المؤمنون: 66] تتأخرون عن الإيمان به، {مستكبرين} ~~[المؤمنون: 67] الكناية تعود إلى البيت، أو الحرم، أو البلد مكة في قول ~~الجميع، وهو كناية عن غير مذكور، والمعنى: مستكبرين بالبيت والحرم لأمنكم ~~فيه مع خوف سائر الناس في مواطنهم، تقولون: نحن أهل الحرم فلا نخاف. # وقوله: {سامرا} [المؤمنون: 67] السامر الجماعة يسمرون بالليل، أي ~~يتحدثون، {تهجرون} [المؤمنون: 67] يجوز أن يكون من الهجران، وهو قول الحسن، ~~ومقاتل، واختيار المفضل، والمعنى: تهجرون القرآن وترفضونه فلا تلتفتون إليه ~~ولا تنقادون له، كما قال: {ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون} ~~[المؤمنون: 105] ويجوز أن يكون من الهجر، وهو قول القبيح، يقال: هجر يهجر ~~هجرا إذا قال غير الحق. # وهو قول السدي، والكلبي، ومجاهد، وقتادة. # وكانوا إذا خلوا حول البيت، سبوا النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن، ~~وقالوا فيهما السوء، ويقال في هذا المعنى أيضا: أهجر إهجارا إذا أفحش في ~~منطقه، وهو قراءة ابن عباس، ومجاهد. # قال الله تعالى: {أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ~~{68} أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون {69} أم يقولون به جنة بل جاءهم ~~بالحق وأكثرهم للحق كارهون {70} ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات ~~والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون {71} أم تسألهم ~~خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين {72} وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم ~~{73} وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون {74} ولو رحمناهم ~~وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون {75} } [المؤمنون: 68-75] ~~{أفلم يدبروا القول} [المؤمنون: 68] أفلم يتدبروا القرآن فيعرفوا ما فيه من ~~العبر والدلالات على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، {أم جاءهم ما لم يأت ~~آباءهم الأولين} [المؤمنون: 68] قال ابن عباس: يريد أليس قد أرسلنا نوحا ~~وإبراهيم والنبيين إلى قومهم، فكذلك بعثنا محمدا إلى قومه. # {أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون} [المؤمنون: 69] قال ابن عباس: أليس ~~هو محمد بن عبد الله، يعرفونه صغيرا وكبيرا، صادق اللسان، يفي بالعهد؟ وفي ~~هذا توبيخ لهم بالإعراض ms1251 عنه بعدما عرفوا صدقه وأمانته. # {أم يقولون به جنة} [المؤمنون: 70] قال ابن عباس: يريدون به جنون ترونه ~~به. # {بل جاءهم بالحق} [المؤمنون: 70] بالتنزيل الذي هو الحق، يعني القرآن. # {وأكثرهم للحق كارهون {70} ولو اتبع الحق # PageV03P294 # أهواءهم} [المؤمنون: 70-71] قال أبو صالح، وابن جريج، ومقاتل، والسدي: ~~الحق هو الله. # والمعنى: لو جعل مع نفسه كما يحبون شريكا {لفسدت السموات والأرض} ~~[المؤمنون: 71] أي: ومن فيهن، وقال الزجاج، والفراء: ويجوز أن يكون المراد ~~بالحق القرآن. # أي: لو نزل بما تحبون من جعل شريك، وإثبات آلهة لفسدت السموات والأرض ومن ~~فيهن كقوله: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 22] . # {بل أتيناهم بذكرهم} [المؤمنون: 71] أي: بما فيه فخرجهم وشرفهم، قال ابن ~~عباس: هو كقوله: {لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم} [الأنبياء: 10] . # {فهم عن ذكرهم معرضون} [المؤمنون: 71] قال: يريد تولوا عما جاء به من شرف ~~الدنيا والآخرة. # {أم تسألهم} [المؤمنون: 72] على ما جئتهم به من الإيمان والقرآن، {خرجا} ~~[المؤمنون: 72] أجرا ومالا يعطونك، {فخراج ربك خير} [المؤمنون: 72] فما ~~يعطيك الله من أجره وثوابه ورزقه خير لك، {وهو خير الرازقين} [المؤمنون: ~~72] أفضل من أعطى وآجر. # {وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم} [المؤمنون: 73] وهو دين الإسلام. # {وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة} [المؤمنون: 74] بالبعث والثواب والعقاب، ~~{عن الصراط لناكبون} [المؤمنون: 74] عن الدين مائلون عادلون، يقال: نكب ~~فلان عن الطريق تنكب نكوبا إذا عدل عنه. # {ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر} [المؤمنون: 75] يعني: الجوع الذي ~~أصابهم بمكة سبع سنين، {للجوا في طغيانهم يعمهون} [المؤمنون: 75] لتمادوا ~~في ضلالتهم يترددون. # {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون {76} حتى إذا ~~فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون {77} وهو الذي أنشأ لكم ~~السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون {78} وهو الذي ذرأكم في الأرض ~~وإليه تحشرون {79} وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا ~~تعقلون {80} بل قالوا مثل ما قال الأولون {81} قالوا أئذا متنا وكنا ترابا ~~وعظاما أئنا لمبعوثون {82} لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا ~~أساطير الأولين {83} } [المؤمنون ms1252: 76-83] {ولقد أخذناهم بالعذاب} ~~[المؤمنون: 76] يعني الجوع، {فما استكانوا لربهم} [المؤمنون: 76] ما توضعوا ~~ولا انقادوا، {وما يتضرعون} [المؤمنون: 76] وما يرغبون إلى الله في الدعاء. # {حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد} [المؤمنون: 77] قال ابن عباس في ~~رواية الوالبي: يعني يوم بدر. # وهو قول مجاهد، واختيار الزجاج. # وقال في رواية عطاء: يريد الموت. # {إذا هم فيه مبلسون} [المؤمنون: 77] آيسون من كل خير. # PageV03P295 # {وهو الذي أنشأ لكم} [المؤمنون: 78] خلق لكم، {السمع والأبصار والأفئدة ~~قليلا ما تشكرون} [المؤمنون: 78] قال مقاتل: يعني أنهم لا يشكرون رب هذه ~~النعم ويوحدونه. # {وهو الذي يحيي ويميت} [المؤمنون: 80] يحيي الولد في الرحم فيولد حيا، ثم ~~يميته، {وله اختلاف الليل والنهار} [المؤمنون: 80] قال الفراء: هو الذي ~~جعلهما مختلفين، يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض. # {أفلا تعقلون} [المؤمنون: 80] ما ترون من صنعه فتعتبرون. # {بل قالوا مثل ما قال الأولون} [المؤمنون: 81] قال الكلبي: كذبت قريش ~~بالبعث مثل ما كذب الأولون. # وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون {84} ~~سيقولون لله قل أفلا تذكرون {85} قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ~~{86} سيقولون لله قل أفلا تتقون {87} قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا ~~يجار عليه إن كنتم تعلمون {88} سيقولون لله قل فأنى تسحرون {89} بل أتيناهم ~~بالحق وإنهم لكاذبون {90} } [المؤمنون: 84-90] {قل لمن الأرض ومن فيها} ~~[المؤمنون: 84] من الخلق، {إن كنتم تعلمون} [المؤمنون: 84] خالقها ومالكها. # سيقولون الله أي: يقرون بأنها مخلوقة له، {قل أفلا تذكرون} [المؤمنون: ~~85] تتفكرون أن من قدر على خلق الأرض ومن فيها قادر على إحياء الموتى. # قوله: قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله وقرئ لله ~~وكذلك ما بعده، فمن قرأ الله فعلى ما يقتضيه اللفظ من جواب السائل، لأنك ~~إذا قلت: من رب السموات؟ فالجواب: الله، ومن قرأ لله فعلى المعنى، لأن معنى ~~من رب السموات، لمن السموات؟ فيقال: لله. # كما يقال: من مالك هذه الدار؟ فيقال: لزيد. # لأن معناه: لمن هذه الدار، فإذا قالوا ذلك، و {قل أفلا ms1253 تتقون} [المؤمنون: ~~87] عبادة غيره. # قل لهم يا محمد: {من بيده ملكوت كل شيء} [المؤمنون: 88] الملكوت الملك، ~~والتاء زيادة للمبالغة، نحو جبروت ورهبوت، {وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم ~~تعلمون} [المؤمنون: 88] يقال: أجرت فلانا إذا استغاث بك فحميته، وأجرت عليه ~~إذا حميت عنه. # والمعنى أنه يمنع من السوء من يشاء، ولا يمنع منه من أراد بسوء، وقوله: ~~{فأنى تسحرون} [المؤمنون: 89] قال الفراء، والزجاج: تصرفون عن الحق، ~~وتخدعون. # والمعنى: يخيل لهم الحق باطلا، والصحيح فاسدا. # {بل أتيناهم بالحق} [المؤمنون: 90] بالتوحيد والقرآن، {وإنهم لكاذبون} ~~[المؤمنون: 90] فيما يضيفون إلى الله عن الولد والشريك. # ثم نفاهما عن نفسه، فقال: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا ~~لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون {91} عالم ~~الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون {92} } [المؤمنون: 91-92] {ما اتخذ الله ~~من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق} [المؤمنون: 91] لاعتزل ~~وانفرد بخلقه، فلا يرضى أن يضاف خلقه وإنعامه إلى غيره ولمنع الإله الآخر ~~عن الاستيلاء على ما خلق، {ولعلا بعضهم على بعض} [المؤمنون: 91] طلب # PageV03P296 # بعضهم مغالبة بعض، وهذا معنى قول المفسرين: لقاتل بعضهم بعضا كما يفعل ~~الملوك في الدنيا. # ثم نزه نفسه عما وصفوه به، فقال سبحانه وتعالى: {سبحان الله عما يصفون ~~{91} عالم الغيب والشهادة} [المؤمنون: 91-92] بالجر من نعت الله، والرفع ~~على خبر ابتداء محذوف، يعني: هو عالم. # {قل رب إما تريني ما يوعدون {93} رب فلا تجعلني في القوم الظالمين {94} ~~وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون {95} ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن ~~أعلم بما يصفون {96} وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين {97} وأعوذ بك رب أن ~~يحضرون {98} } [المؤمنون: 93-98] {قل رب إما تريني ما يوعدون} [المؤمنون: ~~93] إن أريتني ما يوعدون من العذاب والنقمة، يعني القتل ببدر. # {رب فلا تجعلني في القوم الظالمين} [المؤمنون: 94] أي: مع القوم ~~الظالمين، قال الكلبي: مع الفئة الباغية. # قال الزجاج: أي إن أنزلت بهم النقمة، يا رب، فاجعلني خارجا عنهم. # ثم أخبر ms1254 أنه قادر على ذلك بقوله: {وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون} ~~[المؤمنون: 95] . # ثم أمره بالصبر إلى أن ينقضي الأجل المضروب للعذاب، فقال: {ادفع بالتي هي ~~أحسن السيئة} [المؤمنون: 96] يعني بالأحسن، الإعراض والصفح، والسيئة أذى ~~المشركين إياه، وهذا قبل الأمر بالقتال، {نحن أعلم بما يصفون} [المؤمنون: ~~96] بما يكذبون ويقولون من الشرك، أي: إنا نجازيهم بما يستحقون. # ثم أمره أن يتعوذ من الشيطان ليسلم في دينه، فقال: {وقل رب أعوذ بك} ~~[المؤمنون: 97] أمتنع وأعتصم بك، {من همزات الشياطين} [المؤمنون: 97] معنى ~~الهمز في اللغة: الدفع، وهمزات الشياطين: دفعهم بالإغواء إلى المعاصي، وهو ~~معنى قول المفسرين: نزعاتهم ووساوسهم، وذلك أن الشيطان إنما يدفع الناس إلى ~~المعاصي بما يوسوس إليهم. # {وأعوذ بك رب أن يحضرون} [المؤمنون: 98] في أموري، أي أن يصيبوني بالسوء ~~لأن الشيطان لا يحضر ابن آدم إلا بسوء. # ثم أخبر الله تعالى أن هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة ~~إلى الدنيا عند معاينة الموت، فقال: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ~~ارجعون {99} لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم ~~برزخ إلى يوم يبعثون {100} } [المؤمنون: 99-100] {حتى إذا جاء أحدهم الموت ~~قال رب ارجعون} [المؤمنون: 99] أي: إلى الدنيا ردوني إليها، وإنما قال: ~~ارجعوني، كما يقال للجماعة، لأن الله عز وجل يخبر عن نفسه بما يخبر به عن ~~الجماعة في نحو قوله: {إنا نحن نحيي ونميت} [ق: 43] وأمثاله، فكذلك جاء ~~الخطاب في ارجعون في مقابلته، قوله: {لعلي أعمل صالحا فيما # PageV03P297 # تركت} [المؤمنون: 100] قال ابن عباس: أشهد أن لا إله إلا الله. # وقال قتادة: أما والله ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة، ولكنه ~~تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله، فانظروا أمنية الكافر فاعملوا فيها، وقوله: ~~{فيما تركت} [المؤمنون: 100] قال ابن عباس: فيما مضى من عمري. # قال الله: كلا لا يرجع إلى الدنيا، إنها إن مسألة الرجعة، {كلمة هو ~~قائلها} [المؤمنون: 100] كلام يقوله ولا فائدة له في ذلك، وقوله: {ومن ~~ورائهم برزخ} [المؤمنون: 100] يعني أمامهم وبين أيديهم ms1255، والبرزخ الحاجز بين ~~الشيئين، وهو ههنا ما بين الموت والبعث، قال مجاهد: حاجز حجاب بينهم وبين ~~الرجوع إلى الدنيا وهم فيه، {إلى يوم يبعثون} [المؤمنون: 100] . # {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون {101} فمن ثقلت ~~موازينه فأولئك هم المفلحون {102} ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا ~~أنفسهم في جهنم خالدون {103} تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون {104} } ~~[المؤمنون: 101-104] {فإذا نفخ في الصور} [المؤمنون: 101] قال ابن عباس في ~~رواية سعيد بن جبير: هي النفخة الأولى. # وقال في رواية عطاء: هي النفخة الثانية. # {فلا أنساب بينهم يومئذ} [المؤمنون: 101] قال: يريد لا تفاخر بينهم كما ~~كانوا يتفاخرون في الدنيا. # ولا يتساءلون كما يتساءل العرب في الدنيا: من أي قبيلة أنت؟ ولا بد من ~~تقدير محذوف في الآية على تأويل فلا أنساب بينهم يؤمئذ يتفاخرون بها، أو ~~يتعاطفون بها، لأن الأنساب لا تنقطع يومئذ، إنما يرتفع التواصل والتفاخر ~~والتساؤل، وهذه الآية لا تنافي قوله: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} ~~[الصافات: 27] لأن للقيامة أحوال ومواطن منها ما يشغلهم عظم الأمر عن ~~المسألة، ومنها حال يفيقون فيها، فيتساءلون، وهذا معنى قول ابن عباس في ~~رواية المنهال، عن عمرو: ولما سئل عن الاثنين فقال: هذه ثارات يوم القيامة. # قوله: {فمن ثقلت موازينه} [المؤمنون: 102] وهذه الآية والتي بعدها تقدم ~~تفسيره. # قوله: {تلفح وجوههم النار} [المؤمنون: 104] اللفح: الإحراق، يقال: لفحته ~~النار والسموم إذا أحرقته، {وهم فيها كالحون} [المؤمنون: 104] الكلوح: بدو ~~الأسنان عند العبوس، وقال الزجاج: الكالح الذي قد تشمرت شفتاه عن أسنانه، ~~نحو ما ترى رءوس الغنم إذا برزت الأسنان وتشمرت الشفاه. # قال ابن مسعود: ككلوح الرأس النضيج. ### | 648 - # أخبرنا عمر بن أحمد بن عمر الزاهد، أنا محمد بن عبد الله بن محمد بن ~~نظير، أنا محمد بن أيوب، أنا يحيى الحماني، نا عبد الله بن المبارك، عن ~~سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي، ~~صلى الله عليه وسلم: " {تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون} ، قال: تشويه ~~النار فتقلص شفته العليا حتى ms1256 تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ ~~سرته "، رواه الحاكم أبو عبد الله في (صحيحه) ، عن الحسن بن حكيم، عن أبي ~~الموجه، عن عبدان، عن ابن المبارك # ويقال: { # PageV03P298 # ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون {105} قالوا ربنا غلبت علينا ~~شقوتنا وكنا قوما ضالين {106} ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون {107} ~~} [المؤمنون: 105-107] {ألم تكن آياتي} [المؤمنون: 105] يعني القرآن، {تتلى ~~عليكم} [المؤمنون: 105] تخوفون بها، {فكنتم بها تكذبون} [المؤمنون: 105] في ~~الدنيا. # {قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا} [المؤمنون: 106] وقرئ شقاوتنا ومعناهما ~~واحد وهما مصدران، قال مجاهد، ومقاتل: غلبت علينا شقاوتنا التي كتبت علينا ~~في الدنيا فلم نهتد. # وهو قوله: {وكنا قوما ضالين {106} ربنا أخرجنا منها} [المؤمنون: 106-107] ~~من النار، قال ابن عباس: سألوا الرجعة. # {فإن عدنا} [المؤمنون: 107] إلى الكفر والتكذيب، {فإنا ظالمون} ~~[المؤمنون: 107] . # قال: {قال اخسئوا فيها ولا تكلمون {108} إنه كان فريق من عبادي يقولون ~~ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين {109} فاتخذتموهم سخريا حتى ~~أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون {110} إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم ~~الفائزون {111} } [المؤمنون: 108-111] {اخسئوا فيها} [المؤمنون: 108] قال ~~المبرد: الخسأ: إبعاد بمكروه. # وقال الزجاج: تباعدوا تباعد سخط، وأبعدوا بعد الكلب. # {ولا تكلمون} [المؤمنون: 108] في رفع العذاب عنكم. ### | 649 - # أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقرئ، أنا شعيب بن محمد البيهقي، أنا مكي بن ~~عبدان، نا أبو بكر الأزهري، نا روح، نا سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن ~~عبد الله بن عمرو، أن أهل جهنم يدعون مالكا أربعين عاما فلا يجيبهم، ثم ~~يقول: إنكم ماكثون، ثم ينادون ربهم: {ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ~~ظالمون} ، فيدعهم مثل عمر الدنيا، ثم يرد عليهم {اخسئوا فيها ولا تكلمون} ~~فيما يمسي القوم بعد ذلك بكلمة إن كان إلا الزفير والشهيق، وقال القرظي: ~~إذا قيل لهم: {اخسئوا فيها ولا تكلمون} انقطع رجاؤهم ودعاؤهم، وأقبل بعضهم ~~ينبح في وجه بعض، وأطبقت عليهم # {إنه كان فريق من عبادي} [المؤمنون: 109] قال ابن عباس: يريد المهاجرين. # {فاتخذتموهم سخريا} [المؤمنون: 110] وقرئ بكسر السين ههنا وفي { [ص ~~واتفقوا على الضم ms1257 في سورة الزخرف يقال: سخر منه وسخر به سخرية وسخريا إذا ~~هزئ، ومن السخرة التي هي بمعنى العبودية، يقال: اتخذت فلانا سخريا بالضم لا ~~غيره، ومن اتفقوا على الضم في الأخرى لأنه من السخرة. # قال أبو عبيدة: سخريا يسخرون منهم، وسخريا يسخرونهم. # وقال يونس: سخريا من السخرة مضموم، ومن الهزء سخري # PageV03P299 # وسخري. # وعلى القراءتين جميعا هو مصدر وصف به، ولذلك أفرد ابن عباس: يريد ~~تستهزئون بهم. # وقال مقاتل: إن كفار قريش كانوا يستهزئون من عمار وبلال وخباب وصهيب ~~وسلمان وسالم. # وقوله:] حتى أنسوكم ذكري} [سورة المؤمنون: 110] أي: نسيتم ذكري لاشتغالكم ~~بالسخرية منهم وبالضحك منهم، فنسب الإنساء إلى عباده المؤمنين وإن لم ~~يفعلوه لما كانوا السبب، كقوله: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} [إبراهيم: ~~36] لما كانت سببا في الإضلال، نسب الإضلال إليها معنى قول المفسرين ترككم ~~الاستهزاء لا تؤمنون بالقرآن. # {إني جزيتهم اليوم بما صبروا} [المؤمنون: 111] على أذاكم واستهزائكم، ~~{أنهم هم الفائزون} [المؤمنون: 111] في موضع المفعول الثاني لجزيت، ~~والمعنى: جزيتهم اليوم بصبرهم الفوز، ومن كسر استأنف وأخبر، فقال: {أنهم هم ~~الفائزون} [المؤمنون: 111] أي: الذين قالوا ما أرادوا. # قوله: {قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين {112} قالوا لبثنا يوما أو بعض ~~يوم فاسأل العادين {113} قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون {114} ~~أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون {115} فتعالى الله الملك ~~الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم {116} } [المؤمنون: 112-116] {قال كم ~~لبثتم في الأرض} [المؤمنون: 112] قال الله تعالى للكفار يوم البعث: كم ~~لبثتم في الأرض. # يعني الدنيا وفي القبور، {عدد سنين} [المؤمنون: 112] وقرئ قل أي: قل أيها ~~الكافر المسئول عن قدر لبثه كم لبثتم. # {قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم} [المؤمنون: 113] قال ابن عباس: أنساهم ~~الله قدر لبثهم، فيرون أنهم لم يلبثوا إلا يوما أو بعض يوم، لعظيم ما هم ~~بصدده من العذاب، بسوء ذلك، قوله: {فاسأل العادين} [المؤمنون: 113] يعني ~~الملائكة. # {قال إن لبثتم} [المؤمنون: 114] أي: قال الله تعالى: ما لبثتم في الأرض ~~إلا قليلا، لأن مكثهم في ms1258 القبور، وإن طال، فإنه متناه قليل عند طول مكثهم ~~في عذاب جهنم، لأنه خلود ولا يتناهى. # وقوله: {لو أنكم كنتم تعلمون} [المؤمنون: 114] أي: قدر لبثكم في الدنيا. # قوله: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا} [المؤمنون: 115] العبث في اللغة ~~اللعب، يقال: عبث عبثا فهو عابث، لاعب بما لا يعنيه، ومعناه للعبث. # قال ابن عباس: يريد كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب عليها. # مثل قوله: {أيحسب الإنسان أن يترك سدى} [القيامة: 36] أن يهمل كما تهمل ~~البهائم، والمعنى: أفحسبتم أنكم خلقتم للعبث فتعبثوا ولا تعملوا بطاعة ~~الله، {وأنكم إلينا لا ترجعون} [المؤمنون: 115] في الآخرة للجزاء. # {فتعالى الله} [المؤمنون: 116] عما يصفه به الجهال من الشريك والولد، ~~{الملك الحق} [المؤمنون: 116] # PageV03P300 # لأنه ملك غير مملك، وكل ملك غيره فملكه مستعار، لأنه يملك ما ملكه الله، ~~ثم وحد نفسه، فقال: {لا إله إلا هو رب العرش الكريم} [المؤمنون: 116] ~~السرير الحسن، والكريم في صفة الجماد بمعنى الحسن. # ثم أوعد من أشرك به، فقال: {ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به ~~فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون {117} وقل رب اغفر وارحم وأنت ~~خير الراحمين {118} } [المؤمنون: 117-118] {ومن يدع مع الله إلها آخر لا ~~برهان له به} [المؤمنون: 117] أي: إلها لم ينزل بعبادته كتاب، ولا بعث بها ~~رسول، {فإنما حسابه عند ربه} [المؤمنون: 117] أي أن حساب عمله عند الله، ~~فهو يجازيه بما يستحق، كما قال: {ثم إن علينا حسابهم} [الغاشية: 26] . # {إنه لا يفلح الكافرون} [المؤمنون: 117] لا يسعد من كذب وجحد. # ثم أمر رسوله أن يستغفر للمؤمنين، فقال: {وقل رب اغفر وارحم وأنت خير ~~الراحمين} [المؤمنون: 118] أي: أفضل رحمة من الذين يرحمون. # PageV03P301 ### | سورة النور # مدنية وآياتها أربع وستون. ### | 650 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي الخفاف ملازم الجامع، أنا محمد بن جعفر ~~المؤذن، نا إبراهيم بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن مسلم، نا هارون ~~بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال لي ~~رسول الله، صلى الله ms1259 عليه وسلم: «ومن قرأ سورة النور أعطي من الأجر عشر ~~حسنات، بعدد كل مؤمن فيما مضى وفيما بقي» ### | 651 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أنا محمد بن الحسن بن أحمد السراج، ~~نا محمد بن عبد الله بن مسلم الحضرمي، نا محمد بن إبراهيم الشامي، نا شعيب ~~بن إسحاق الدمشقي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم: " لا تنزلوهن الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، ~~وعلموهن الغزل وسورة النور؛ يعني النساء، رواه الحاكم أبو عبد الله في ~~(صحيحه) ، عن أبي علي الحافظ، عن الباغندي، عن عبد الوهاب بن الضحاك، عن ~~شعيب بن إسحاق، ورواه الأستاذ أبو إسحاق الثعالبي في (تفسيره) ، عن ابن ~~فنجويه الدينوري، عن ابن أبي شيبة، عن محمد بن أحمد الكرابيسي، عن سليمان ~~بن توبة، عن محمد الشامي، فكأني سمعته ممن سمع منه شيخه # {سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون {1} ~~الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في ~~دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من ~~المؤمنين {2} } [النور: 1-2] بسم الله الرحمن الرحيم {سورة أنزلناها} ~~[النور: 1] قال الزجاج: هذه { [أنزلناها، ورفعها بالابتداء قبيح لأنها ~~نكرة، وأنزلناها صفة لها. # ] وفرضناها} [سورة النور: 1] أي: فرضنا فرائضها، أي: الفرائض المذكورة ~~فيها، فحذف المضاف، وحجة التخفيف قوله: {إن الذي # PageV03P302 # فرض عليك القرءان} [القصص: 85] . # والتشديد في فرضناها لكثرة ما فيها من الفرائض المذكورة في القرآن، وقال ~~مجاهد: يعني الأمر بالحلال والنهي عن الحرام. # وهذا يعود إلى معنى أوحيناها. # قوله: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2] ~~معنى الجلد ضرب، الجلد يقال: جلده إذا ضرب جلده، مثل رأسه وبطنه إذا ضرب ~~رأسه وبطنه، ومعنى الآية: الزانية والزاني إذا كانا حرين بالغين بكرين ~~فاجلدوهما مائة جلدة هذا يجب بنص الكتاب، ويجب بالسنة تغريب. ### | 652 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم المزكي، أنا محمد بن الحسن بن أحمد بن إسماعيل، ~~نا موسى بن هارون، نا قتيبة، عن ابن شهاب، عن عبيد ms1260 الله بن عبد الله بن ~~عتبة، عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني أنهما قالا: أن رجلا من الأعراب ~~أتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله، أنشدك الله إلا ~~قضيت لي بكتاب الله، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه: نعم، فاقض بيننا بكتاب ~~الله، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " قل، قال: إن ابني عسيفا على ~~هذا، فزنا بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ~~ووليدة فسألت رجلا من أهل العلم فأخبروني أن على ابني مائة جلدة وتغريب عام ~~وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي ~~بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك مائة ~~جلدة وتغريب عام واغد يا أنيس على امرأة هذا فارجمها إن اعترفت، قال: فغدا ~~إليها فاعترفت فأمر بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرجمت، رواه ~~البخاري، ومسلم كلاهما، عن قتيبة # وقوله: {ولا تأخذكم بهما رأفة} [النور: 2] يقال: رأف رأفة ورآفة، مثل ~~النشأة والنشاءة. # وقرأ ابن كثير بفتح الهمزة، ولعلها لغة، والمعنى: لا تأخذكم الرأفة بهما ~~فتعطلوا الحدود، ولا تقيموها رحمة عليهما وشفقة بهما، وهذا قول عطاء، ~~ومجاهد. # وقال الحسن، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم، قالوا: يوجع الزاني ضربا ولا ~~يخفف رأفة. # وقوله: {في دين الله} [النور: 2] قال ابن عباس: في حكم الله، كقوله: {ما ~~كان ليأخذ أخاه في دين الملك} [يوسف: 76] أي في حكمه. # {إن كنتم تؤمنون بالله} [النور: 2] وبالبعث، {واليوم الآخر} [النور: 2] ~~قال مقاتل: إن كنتم تصدقون بتوحيد الله وبالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، فلا ~~تعطلوا الحدود. # وهذا يقوي القول الأول، لأن هذا كالوعيد في ترك الحدود، {وليشهد عذابهما} ~~[النور: 2] وليحضر ضربهما، {طائفة من المؤمنين} [النور: 2] نفر من ~~المسلمين، يكون ذلك نكالا لهما، وقال الحسن: أمر أن يعلن ذلك. # PageV03P303 # {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ~~وحرم ذلك على المؤمنين} [النور: 3] قوله: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو ms1261 ~~مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} [النور: ~~3] قال أكثر المفسرين: كانت بالمدينة نساء بغايا لهن علامات كعلامات ~~البياطرة، وكن مخاصيب الرجال، فلما قدم المهاجرون المدينة لم يكن لهن مساكن ~~ولا عشائر، فأرادوا أن يتزوجوا بهن لينفقن عليهم، فنهوا عن ذلك، ونزلت هذه ~~الآية {وحرم ذلك على المؤمنين} [النور: 3] أن يتزوجوا تلك البغايا ~~المعلنات، وذكر أن من فعل ذلك وتزوج بواحدة منهن فهو زان، فالتحريم كان ~~خاصة على أولئك دون الناس، ومذهب سعيد بن جبير أن هذه الآية منسوخة نسخها ~~قوله: {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور: 32] قال أبو عبيد: مذهب مجاهد أن ~~التحريم لم يكن إلا على أولئك خاصة. # ومذهب سعيد أن التحريم كان عاما ثم نسخته الرخصة، فإن تزوج امرأة تبين ~~منها الفجور، لم يكن ذلك تحريما بينهما ولا طلاقا، ولكنه يؤمر بطلاقها، ~~ويخاف عليها الإثم في إمساكها، لأن الله تعالى إنما اشترط على المؤمنين ~~نكاح المحصنات، فقال: {والمحصنات من المؤمنات} [المائدة: 5] فأما حديث ~~الاستمتاع الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن امرأته لا تمنع يد لامس، ~~فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالاستمتاع بها وإمساكها، فهذ خلاف الكتاب ~~والسنة، لأن الله تعالى إنما أذن في نكاح المحصنات خاصة ثم أنزل في القاذف ~~لامرأته آيه اللعان، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التفريق بينهما، ~~فلا يجتمعان أبدا فكيف يأمر بالإقامة على عاهرة لا تمتنع ممن أرادها، وفي ~~حكمه أن يلاعن بينهما ولا يقر قاذفا على حاله، والحديث ليس يثبت عن النبي ~~صلى الله عليه وسلم، إنما عبرته هارون بن رياب، عن عبد الله بن عيد، وعبرته ~~عبد الكريم الجزري، عن ابن الزبير، وكلاهما يرسله، فإن ثبت، فإن تأويله أن ~~الرجل وصف امرأته بالخرف، وضعف الرأي، وتضييع ماله، فهي تمنعه من طالب ولا ~~تحفظه من سارق، وهذا أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم وأجرى بحديثه هذا كله ~~كلام أبي عبيد. # وقوله: { # PageV03P304 # والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ~~ولا تقبلوا ms1262 لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون {4} إلا الذين تابوا من بعد ~~ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم {5} } [النور: 4-5] {والذين يرمون ~~المحصنات} [النور: 4] أي: يرمونهن بالزنا، والإحصان المشروط في المقذوفة ~~حتى يجب الحد على القاذف خمسة أوصاف: البلوغ، والعقل، والإسلام، والحرية، ~~والعفة عن الزنا. # وقوله: {ثم لم يأتوا} [النور: 4] أي: على ما رموهن به من الزنا، {بأربعة ~~شهداء} [النور: 4] عدول يشهدون أنهم رأوهن يفعلن ذلك، {فاجلدوهم} [النور: ~~4] يعني: الذين يرمون بالزنا، {ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} ~~[النور: 4] المحدود في القذف لا تقبل شهادته، {وأولئك هم الفاسقون} [النور: ~~4] العاصون في مقالتهم. # ثم استثنى، فقال: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك} [النور: 5] يذهب كثير من ~~العلماء إلى أن هذا الاستثناء يعود إلى الفسق فقط، وأما الشهادة فلا تقبل ~~أبدا، وهذا قول شريح، وإبراهيم، وإسحاق، وقتادة، واختيار أهل العراق، ~~وقالوا: قضاء من الله أن لا تقبل شهادته أبدا، وإنما نسخت توبة الفسق وحده. # وقد رأى آخرون أنها نسخت الفسق وإسقاط الشهادة معا، وهو قول الزهري، ~~والقاسم بن محمد، وعطاء، وطاوس، والشعبي، وعكرمة، ومجاهد، وقول أهل الحجاز ~~جميعا، واختيار الشافعي، وقول ابن عباس في رواية الوالبي، قال: فمن تاب ~~وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل. # قال أبو عبيدة: وكلا الفريقين تأول هذه الآية. # فالذي لا يقبلها يذهب إلى أن الكلام انقطع عند قوله أبدا. # ثم استأنف، فقال: {وأولئك هم الفاسقون {4} إلا الذين تابوا} [النور: 4-5] ~~فأوقع التوبة على الفسق خاصة دون الشهادة، وأما الآخرون فذهبوا إلى أن ~~الكلام معطوف بعضه على بعض، ثم أوقعوا الاستثناء في التوبة على كل كلام، ~~والذي نختار هذا القول لأن المتكلم بالفاحشة لا يكون أعظم جرما من راكبها، ~~ولا خلاف في العاهر أنه مقبول الشهادة إذا تاب، فالرامي أيسر جرما إذا نزع، ~~وليس القاذف بأشد جرما من الكافر، إذا أسلم وأصلح قبلت شهادته، فالقاذف حقه ~~أيضا إذا تاب وأصلح أن تقبل شهادته، وهذا معنى قول الشافعي: إذا قبلتم توبة ~~الكافر والقاتل عمدا فكيف لا تقبلون شهادة القاذف وهو أقل ms1263 ذنبا. # وقد قال الشعبي: يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته، وهذا إجماع الصحابة. ### | 653 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، نا محمد بن يعقوب المعقلي، نا الربيع، أنا ~~الشافعي، أنا سفيان بن عيينة، قال: سمعت الزهري، قال: زعم أهل العراق أن ~~شهادة القاذف لا تجوز، فأشهد لأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال ~~لأبي بكرة: تقبل شهادتك، أو إن تبت قبلت شهادتك، فإن قيل: فما الفائدة في ~~قوله: أبدا؛ قيل: أبد كل إنسان مقدار مدته فيما يتصل بقضيته، تقول: الكافر ~~لا تقبل منه شيئا أبدا، معناه: ما دام كافرا، كذلك القاذف لا تقبل شهادته ~~أبدا ما دام قاذفا، فإذا زال عنه الكفر زال أبدا، وإذا زال عنه الفسق زال ~~أبدا، لا فرق بينهما في ذلك # قوله: {وأصلحوا} [النور: 5] قال ابن عباس: يريد إظهار التوبة. # وقال مقاتل: وأصلحوا العمل. # {فإن الله غفور} [النور: 5] لقذفهم، {رحيم} [النور: 5] بهم حيث تابوا. ### | 654 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا أبو يحيى الرازي، نا ~~سهل بن عثمان العسكري، نا أبو مالك، عن جويبر، عن # PageV03P305 # الضحاك، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: {والذين يرمون المحصنات} ~~الآية، قال عاصم بن عدي: يا رسول الله، لو وجدت على بطن امرأتي رجلا، فقلت ~~لها: يا زانية، أتجلدني بمائتي جلدة إلى أن آتي بأربعة شهداء، قد قضى الرجل ~~منها حاجته، ثم مضى؟ ! قال: كذلك أنزلت يا عاصم بن عدي، فخرج سامعا مطيعا، ~~فلم يصل إلى منزله حتى استقبله هلال بن أمية يسترجع، فقال: ما وراءك؟ قال: ~~شر، وجدت شريك بن سحماء على بطن امرأتي خولة يزني بها، وخولة بنت عاصم، ~~فقال: هذا والله سؤالي النبي، صلى الله عليه وسلم، آنفا، فرجع إلى النبي، ~~صلى الله عليه وسلم، فأخبره هلال بن أمية بالذي كان، فبعث إليها، فقال: ما ~~يقول زوجك؟ قالت: يا رسول الله، إن ابن السحماء كان يأتينا في منزلنا ~~فيتعلم الشيء من القرآن فربما تركه عندي وخرج زوجي ولم ينكر علي ساعة من ~~ليل ولا ms1264 نهار فلا أدري أدركته الغيرة، أو قل عليه بالطعام، فأنزل الله، ~~تعالى، آية اللعان # : {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع ~~شهادات بالله إنه لمن الصادقين {6} والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من ~~الكاذبين {7} ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن ~~الكاذبين {8} والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين {9} ولولا فضل ~~الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم {10} } [النور: 6-10] {والذين يرمون ~~أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} [النور: 6] الآيات، فأقامه النبي ~~صلى الله عليه وسلم بعد العصر عن يمين النجم فقال: يا هلال، أنت الشاهد أنك ~~رأيتها تزني. # فقال: أشهد بالله لقد رأيته على بطنها يزني بها وإني لمن الصادقين، أشهد ~~بالله ما برئت منه ولا برئ منها وإني لمن الصادقين، أشهد بالله ما قربتها ~~منذ أربعة أشهر وإن حملها هذا الذي في بطنها من شريك بن سحماء وإني من ~~الصادقين، {والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين} [النور: 7] . # فقال القوم: آمين. # فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا خولة، ويحك إن كنت ألممت بذنب فأقري ~~به، فإن الرجم بالحجارة في الدنيا أيسر عليك من غضب الله في الآخرة، وإن ~~غضبه عذاب. # فقالت: يا رسول الله، كذب. # فأقامها مقامه، فقالت: أشهد بالله ما أنا بزانية وإنه لمن الكاذبين، ما ~~رآه على بطني يزني بي وإنه لمن الكاذبين، أشهد بالله لقد برئت من الزنا ~~وبرئ شريك بن سحماء مني وإنه لمن الكاذبين، أشهد بالله لقد قربني منذ أربعة ~~أشهر، وإن ما في بطني من هلال بن أمية وإنه لمن الكاذبين، {والخامسة أن غضب ~~الله عليها إن كان من الصادقين} [النور: 9] . # ثم فرق بينهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لا يجتمعان أبدا إلى أن ~~تقوم الساعة. # فمعنى قوله: {والذين يرمون} [النور: 6] أي الزنا، {ولم يكن لهم شهداء} ~~[النور: 6] يشهدون على صحة ما قالوا، {إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع ~~شهادات} [النور: 6] ويقرأ أربع بالنصب، فقال الزجاج: من قرأ ms1265 بالرفع فعلى ~~خبر الابتداء، المعنى: فشهادة أحدهم التي تدرأ حد القاذف أربع، والدليل على ~~هذا قوله: {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات} [النور: 8] ومن نصب ~~فالمعنى: فعليهم أن يشهد أحدهم أربع # PageV03P306 # شهادات. # قوله: {والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين} [النور: 7] قال ~~ابن عباس: وذلك أن الرجل يذكر أنه رأى مع امرأته رجلا أربع مرات، ثم يقول ~~في الخامسة: اللهم العنه إن كان كذب عليها. # وقرأ نافع أن مخففة لعنة بالرفع، قال سيبويه: لا تخفف في الكلام وبعدها ~~الأسماء إلا وأنت تريد الثقيلة. # وقال الأخفش: لا أعلم الثقيلة إلا أجود في العربية، لأنك إذا خففت فالأصل ~~الثقيلة، فتخفف وتضمر الشأن، فأن تجيء بالأصل ولا تحذف شيئا ولا تضمر أجود. # {ويدرأ عنها العذاب} [النور: 8] أي: ويدفع عنها الحد {أن تشهد أربع ~~شهادات بالله إنه لمن الكاذبين} [النور: 8] تقول المرأة أربع مرات: أشهد ~~بالله إنه لمن الكاذبين فيما قذفني به، وتقول في الخامسة: علي غضب الله إن ~~كان من الصادقين. # فذلك قوله: {والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} [النور: 9] ~~وقرأ حفص {والخامسة} [النور: 9] نصبا على المعنى، كأنه قال: وتشهد الخامسة. # {ولولا فضل الله عليكم ورحمته} [النور: 10] أي: ستره ونعمته، لولا ههنا ~~محذوف الجواب، قال الزجاج: المعنى لولا فضل الله لنال الكاذب منها عذاب ~~عظيم، أي: لبين الكاذب من الزوجين فيقام عليه الحد، {وأن الله تواب} ~~[النور: 10] يعود على من رجع عن معاصي الله إلى ما يجب بالرحمة، {حكيم} ~~[النور: 10] فيما فرض من الحدود. # {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل ~~امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} [النور: ~~11] قوله: {إن الذين جاءوا بالإفك} [النور: 11] يعني: بالكذب على عائشة رضي ~~الله عنها، والإفك: أسوأ الكذب، وهو مأخوذ من أفك الشيء إذا قلبه عن وجهه، ~~والإفك هو الحديث المقلوب عن وجهه، ومعنى القلب في هذا الحديث أن عائشة ~~كانت تستحق الثناء بما كانت عليه ms1266 من الحصانة وشرف الحسب والنسب لا القذف ~~الذي رموها به، فالذين رموها بالسوء قلبوا الأمر عن وجهه، فهو إفك قبيح، ~~وكذب ظاهر، وكانت قصة الإفك على ما: ### | 655 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الرمجاري، أنا الحسن بن عبد الله ~~النحوي بعسكر مكرم، نا محمد بن عبد الرحمن بن صالح النماري، نا أبو الربيع ~~الزهراني، نا فليح بن سليمان المدني، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة بن ~~الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعبيد الله بن عتبة، عن ~~عائشة، زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، ~~فبرأها الله منه، # PageV03P307 # قال الزهري: فكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من ~~بعض، وأثبت امتصاصا، ووعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني، وبعض حديثهم ~~يصدق بعضا، رووا: أن عائشة، زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، قالت: كان رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم، إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن ~~خرج سهمها خرج بها النبي، صلى الله عليه وسلم، معه، قالت عائشة: فأقرع ~~بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم، ذلك بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه مسيرنا، حتى ~~فرغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من غزوة وقفل، ودنونا من المدينة، أذن ~~ليلة بالرحيل، فقمت حين أذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت ~~شأني؛ أقبلت إلى الرحل فلمست صدري، فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت ~~فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني، فحملوا ~~هودجي على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، وكانت النساء إذ ذاك ~~خفافا، لم يهبلن ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر ~~القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل ~~وساروا، ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا ~~مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت ms1267 أن القوم سيفقدونني فيرجعوا إلي، ~~وبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي، ~~ثم الذكواني، قد عرس من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد ~~إنسان نائم، فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب، ~~فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني بكلمة ~~ولا سمعت منه غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها، فركبتها، فانطلق ~~يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك ~~من هلك في، وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي ابن سلول، فقدمنا ~~المدينة فاشتكيت حين قدمتها شهرا والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر ~~بشيء من ذلك، فهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللطف الذي كنت ~~أرى منه حين أشتكي، إنما كان يدخل فيسلم، ثم يقول: كيف تيكم؟ فذلك يحزنني، ~~ولا أشعر بالسر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع، وهو ~~متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى الليل، وذلك قبل أن يتخذ الكنف، وأمرنا أمر ~~العرب الأول في التنزه، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت ~~أنا وأم مسطح، وهي بنت أبي رهم، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر ~~الصديق، فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم ~~مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا قد شهد ~~بدرا؟ فقالت: أي هنتاه، أولم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ فأخبرتني بقول ~~أهل الإفك، فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم قال: كيف تيكم؟ قلت: تأذن لي أن آتي أبوي؟ ~~قالت: وأنا أريد حينئذ # PageV03P308 # أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله، فجئت أبوي، فقلت: يا أمه، ~~ما يتحدث الناس؟ قالت: أي بنية، هوني عليك، فوالله لقل ما كانت امرأة قط ~~وضيئة ms1268 عند رجل يحبها، ولها ضرائر، إلا كثرن عليها، قال: فقلت: سبحان الله، ~~أوقد تحدث الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا ~~أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي، ودعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أسامة بن ~~زيد وعلي بن أبي طالب حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة ~~بن زيد؛ فأشار على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالذي يعلم من براءة ~~أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود، فقال: يا رسول الله، هم أهلك وما ~~تعلم إلا خيرا، وأما علي بن أبي طالب؛ فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء ~~سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ~~بريرة، فقال: يا بريرة، هل رأيت شيئا يريبك من عائشة؟ قالت بريرة: والذي ~~بعثك بالحق، إن رأيت أمرا أغمصه قط عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، ~~تنام عن عجين أهلها فيأتي الداجن فيأكله، قالت: فقام رسول الله، صلى الله ~~عليه وسلم، فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال وهو على المنبر: يا ~~معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما ~~علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان ~~يدخل على أهلي إلا معي، فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: يا رسول الله، ~~أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج ~~أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج وكان رجلا ~~صالحا ولكن حملته الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت، لعمر الله لا تقتلنه ~~ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد ~~بن عبادة: كذبت، لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار ~~الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، ~~قائم على المنبر يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت: وبكيت يومي ms1269 ذلك، لا يرقأ لي ~~دمع، ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينا هما جالسان ~~عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، ~~فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس، ~~قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه شيء في ~~شأني، قالت: فتشهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم قال: " أما بعد يا ~~عائشة، فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ~~ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب ~~تاب الله عليه، قالت: فلما قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كلامه قلص ~~دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله فيما قال، فقال: ~~والله ما أدري ما أقول لرسول الله، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله، صلى الله ~~عليه وسلم، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله، فقلت وأنا جارية حديثة ~~السن لا أقرأ كثيرا من القرآن: والله لقد عرفت أنكم قد # PageV03P309 # سمعتم هذا حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، ولئن قلت لكم أني بريئة، والله ~~يعلم أني بريئة، لا تصدقونني، ولئن اعترفت لكم، والله يعلم أني منه بريئة، ~~لتصدقونني، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا ما قال أبو يوسف {فصبر جميل ~~والله المستعان على ما تصفون} قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا والله ~~حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن ~~ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني أحقر في نفسي من أن يتكلم الله في بوحي ~~يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رؤيا يبرئني ~~الله بها، قالت: فوالله ما رام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مجلسه ولا ~~خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله على نبيه، صلى الله عليه وسلم، وأخذه ~~ما كان يأخذه من البرحاء ms1270 عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق ~~في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، فلما سري عن رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم، سري عنه وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: أبشري ~~يا عائشة، أما الله فقد برأك، فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا ~~أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي، قالت: فأنزل الله، عز ~~وجل، {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} العشر آيات، فلما أنزل الله هذه ~~الآيات في براءتي؛ قال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره: ~~والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال، فأنزل الله، عز ~~وجل، {ولا يأتل أولو الفضل منكم إلى قوله: ألا تحبون أن يغفر الله لكم} قال ~~أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح بالنفقة التي كان ~~ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبدا، قالت عائشة وكان رسول الله، صلى الله ~~عليه وسلم، سأل زينب بنت جحش زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، عن أمري: ما ~~علمت وما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا ~~خيرا، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي، صلى الله عليه ~~وسلم، فعصمها الله بالورع، وطفقت حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلك، ~~رواه البخاري، ومسلم، كلاهما عن أبي الربيع الزهراني فذلك قوله: {إن الذين ~~جاءوا بالإفك عصبة منكم} أي: جماعة منكم، أيها المؤمنون، ذكرتهم عائشة ### | 656 - # فيما أخبرنا أبو حفص الماوردي، أنا عبد الله بن محمد الرازي، أنا محمد بن ~~أيوب، أنا سليمان بن حرب، أنا حماد بن سلمى، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ~~عائشة، أنها قالت: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} أربعة: حسان بن ثابت، ~~وعبد الله بن أبي، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش # قوله: {لا تحسبوه شرا لكم} [النور: 11] لا تحسبوا الإفك شرا لكم، قال ~~مقاتل: لأنكم تؤجرون على ms1271 ما قيل لكم من الأذى. # {بل هو خير لكم} [النور: 11] لأن الله يأجركم ويظهر براءتكم، والخطاب ~~لعائشة وصفوان فيما ذكر أهل التفسير، وقال الزجاج: يعني عائشة وصفوان ومن ~~بسببهما سب من النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، ويكون الخطاب لكل من رمى ~~بسب، وذلك أن من سب عائشة فقد سب النبي صلى الله عليه وسلم وسب أبا بكر، ~~وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء، قال: يريد خيرا لرسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وبراءة لسيدة النساء أم المؤمنين، وخيرا # PageV03P310 # لأبي بكر وأم عائشة، ولصفوان بن المعطل. # وقوله: {لكل امرئ منهم} [النور: 11] يعني: من العصبة الكاذبة، {ما اكتسب ~~من الإثم} [النور: 11] جزاء ما اجترح من الذنب على قدر ما خاض فيه، {والذي ~~تولى كبره} [النور: 11] استبد بمعظمه وانفرد به، قال الضحاك: قام بإشاعة ~~الحديث. # وكبر الشيء: معظمه بالكسر، وهو عبد الله بن أبي في قول مجاهد، ومقاتل، ~~والسدي، وعطاء، عن ابن عباس. # وقوله: منهم يعني: من العصبة الكاذبة، {له عذاب عظيم} [النور: 11] قال ~~ابن عباس: يريد في الدنيا الجلد، جلده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانين ~~جلدة، وفي الآخرة يصيره الله إلى النار. # ثم أنكر على الذين خاضوا في الإفك، فقال: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون ~~والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين {12} لولا جاءوا عليه بأربعة ~~شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون {13} } [النور: ~~12-13] {لولا إذ سمعتموه} [النور: 12] هلا إذ سمعتم أيها العصبة الكاذبة ~~قذف عائشة بصفوان، {ظن المؤمنون والمؤمنات} [النور: 12] من العصبة الكاذبة، ~~يعني: حمنة بنت جحش، وحسان، ومسطحا، {بأنفسهم خيرا} [النور: 12] قال الحسن: ~~بأهل دينهم، لأن المؤمنين كنفس واحدة، ألا ترى إلى قوله: {ولا تقتلوا ~~أنفسكم} [النساء: 29] . # قال الزجاج: ولذلك يقال للقوم الذين يقتل بعضهم بعضا: إنهم يقتلون ~~أنفسهم. # وقال المبرد: ومثله قوله: {فاقتلوا أنفسكم} [البقرة: 54] . # {وقالوا هذا إفك مبين} [النور: 12] هذا القذف كذب بين. # {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء} [النور: 13] هلا جاء العصبة الكاذبة على ~~قذفهم عائشة بأربعة شهداء يشهدون بأنهم ms1272 عاينوا منها ما رموها به، {فإذ لم ~~يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله} [النور: 13] في حكمه، {هم الكاذبون} ~~[النور: 13] . # ثم ذكر الذين قذفوا عائشة، فقال: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا ~~والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم {14} إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون ~~بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم {15} } ~~[النور: 14-15] {ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة} [النور: ~~14] ولولا ما من الله به عليكم، {لمسكم} [النور: 14] لأصابكم، {في ما أفضتم ~~فيه} [النور: 14] فيما أخذتم وخضتم فيه من الكذب والقذف، {عذاب عظيم} ~~[النور: 14] في الدنيا والآخرة، قال ابن عباس: عذاب لا انقطاع له. # ثم ذكر الوقت الذي كان يصيبهم العذاب لولا فضله، فقال: {إذ تلقونه ~~بألسنتكم} [النور: 15] قال مجاهد، ومقاتل: بعضكم عن بعض. # وقال الكلبي: وذلك أن الرجل منهم كان يلقى الرجل، فيقول: بلغني كذا وكذا، ~~يتلقونه تلقيا. # قال الزجاج: معناه يلقيه بعضكم إلى بعض. # {وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم} [النور: 15] من غير أن تعلموا أن ~~الذي قلتم حق، {وتحسبونه هينا} [النور: 15] تظنون أن ذلك القذف سهل لا إثم ~~فيه، {وهو عند الله عظيم} [النور: 15] في الوزر. # ثم زاد في الإنكار عليهم، فقال: { # PageV03P311 # ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ~~{16} يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين {17} ويبين الله لكم ~~الآيات والله عليم حكيم {18} } [النور: 16-18] {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما ~~يكون لنا} [النور: 16] ما يحل وما ينبغي لنا، {أن نتكلم بهذا} [النور: 16] ~~، سبحانك ههنا معناه كقول الأعمش: # أقول لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر # {هذا بهتان} [النور: 16] افتراء وكذب، عظيم يتحير من عظمه. # ثم وعظ الذين خاضوا في الإفك، فقال: {يعظكم الله} [النور: 17] قال ابن ~~عباس: يحرم الله عليكم. # وقال مجاهد: ينهاكم الله. # {أن تعودوا لمثله أبدا} [النور: 17] لمثل هذا القذف، {إن كنتم مؤمنين} ~~[النور: 17] يعني أن من شرط الإيمان ترك قذف المحصنة. # {ويبين الله لكم الآيات} [النور: 18] في الأمر والنهي، {والله ms1273 عليم} ~~[النور: 18] بأمر عائشة، حكيم حكم ببراءتها. # ثم هدد القاذفين، فقال: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ~~لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [النور: 19] ~~{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة} [النور: 19] أن يفشو ويظهر الزنا، {في ~~الذين آمنوا} [النور: 19] بأن ينسبوها إليهم ويقذفوهم بها، {لهم عذاب أليم ~~في الدنيا} [النور: 19] يعني الجلد، {والآخرة} [النور: 19] يعني عذاب ~~النار، {والله يعلم} [النور: 19] سر ما خضتم فيه وما فيه من سخط الله، ~~{وأنتم لا تعلمون} [النور: 19] ذلك. # ثم ذكر فضله ومنته عليهم بتأخير العقوبة، فقال: {ولولا فضل الله عليكم ~~ورحمته وأن الله رءوف رحيم {20} يأيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ~~ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ~~ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم ~~{21} } [النور: 20-21] {ولولا فضل الله عليكم ورحمته} [النور: 20] لعاقبكم ~~فيما قلتم لعائشة، وهذا جواب لولا، وهو محذوف، {وأن الله رءوف رحيم} ~~[النور: 20] رءوف بكم، ورحمكم فلم يعاقبكم في أمر عائشة، قال ابن عباس: ~~يريد مسطحا وحمنة وحسان. # قوله: {يأيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان} [النور: 21] قال ~~مقاتل: يعني تزيين الشيطان في قذف عائشة. # {ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر} [النور: 21] قال ~~ابن عباس: بعصيان الله وكل ما يكره الله مما لا يعرف في شريعة ولا سنة. # {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد} [النور: 21] قال ~~مقاتل: ما صلح. # والزكاة تكون بمعنى الصلاح، يقال: زكى يزكو زكاة. # وقال ابن قتيبة: ما ظهر. # والآية على العموم عند بعض المفسرين، قالوا: أخبر الله أنه لولا فضله ~~ورحمته بالعصمة ما صلح أحد. # وآخرون يقولون: هذا الخطاب للذين خاضوا في # PageV03P312 # الإفك. # والمعنى: ما ظهر من هذا الذنب ولا صلح أمره بعد الذي فعل، وهو قول ابن ~~عباس في رواية عطاء، قال: ما قبل توبة أحد منكم، {أبدا ولكن الله يزكي من ~~يشاء} [النور: 21] قال: فقد شئت أن ms1274 أتوب عليكم لأن الله يطهر من يشاء من ~~الإثم بالرحمة والمغفرة فيوفقه للتوبة. # {والله سميع عليم} [النور: 21] علم ما في نفوسكم من الندامة والتوبة. # قوله: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين ~~والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ~~والله غفور رحيم} [النور: 22] {ولا يأتل} [النور: 22] قال جماعة المفسرين: ~~لا يحلف. # يقال: ألى يؤلي إيلاء، ويألى يتألى تأليا، وائتلى ائتلاء، إذا حلف. # وقوله: {أولو الفضل منكم والسعة} [النور: 22] يعني: أولو الغنى والسعة في ~~المال، وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، حلف أن لا ينفق على مسطح، وكان ~~ابن خالته، ولا يصله بشيء أبدا، وذلك قوله: {أن يؤتوا} [النور: 22] قال ~~الزجاج: أن لا يؤتوا فحذف لا. # {أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله} [النور: 22] يعني ~~مسطحا، وكان من المهاجرين، قال ابن عباس: قال الله لأبي بكر: قد جعلت فيك ~~يا أبا بكر الفضل والمعرفة بالله وصلة الرحم، وعندك السعة، فتعطف على مسطح، ~~فله قرابة، وله هجرة، وله مسكنة. # وقوله: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} ~~[النور: 22] قال مقاتل: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أما تحب أن ~~يغفر الله لك. # قال: بلى. # قال: فاعف واصفح. # قال: قد عفوت وصفحت، لا أمنعه معروفي أبدا بعد اليوم، وقد جعلت له مثلي ~~ما كان قبل اليوم. # وقالت عائشة لما نزلت هذه الآية: فقال أبو بكر الصديق: بلى والله إني ~~لأطلب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح بالنفقة التي كان ينفق عليه. # وقال: والله لا أنزعها منه أبدا. # {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ~~ولهم عذاب عظيم {23} يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا ~~يعملون {24} يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين ~~{25} } [النور: 23-25] قوله: {إن الذين يرمون المحصنات} [النور: 23] ~~العفائف، {الغافلات} [النور: 23] عن الفواحش كغفلة عائشة عما قيل فيها، ~~{المؤمنات} [النور: 23] المصدقات بتوحيد الله وبرسوله، {لعنوا في الدنيا ms1275} ~~[النور: 23] عذبوا بالجلد ثمانين جلدة، ويعذبون بالنار في، {والآخرة ولهم ~~عذاب عظيم} [النور: 23] قال مقاتل: هذه الآية خاصة في عبد الله بن أبي ~~المنافق ورميه عائشة. # وقال سعيد بن جبير: هذا الحكم خاصة فيمن يقذف عائشة، فمن قذفها كان من ~~أهل هذه الآية. # وقال الضحاك، والكلبي: هذه الآية في # PageV03P313 # عائشة وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، ليس فيها توبة، ومن قذف ~~امرأة مؤمنة فقد جعل الله له توبة، ثم قرأ {والذين يرمون المحصنات ثم لم ~~يأتوا بأربعة شهداء} [النور: 4] إلى قوله: {إلا الذين تابوا} [النور: 5] ~~قال: فجعل لهؤلاء توبة، ولم يجعل لأولئك توبة. # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم، أنا شعيب بن محمد، أنا مكي بن عبدان، نا ~~أبو الأزهر، نا روح، نا الثوري، نا حصيف، قال: قلت لسعيد بن جبير: من قذف ~~محصنة لعنه الله. # قال: لا، إنها في عائشة خاصة. # قوله: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم} [النور: 24] قال الكلبي: تشهد عليهم يوم ~~القيامة ألسنتهم بما تكلموا به من الفرية في قذف عائشة. # {وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} [النور: 24] قال ابن عباس: تتكلم ~~الجوارح وتنطق بما عملت في الدنيا. # {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق} [النور: 25] يجازيهم الله جزاءهم الواجب، ~~{ويعلمون أن الله هو الحق المبين} [النور: 25] قال ابن عباس: وذلك أن عبد ~~الله بن أبي كان يشك في الدين، فيعلم يوم القيامة أن الله هو الحق المبين ~~حيث لا ينفعه. # قوله: {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون ~~للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم} [النور: 26] ~~{الخبيثات للخبيثين} [النور: 26] أي: الخبيثات من الكلام والقول للخبيثين ~~من الناس، {والخبيثون} [النور: 26] من الناس {للخبيثات} [النور: 26] من ~~الكلام، والمعنى أن الخبيث من القول لا يليق إلا بالخبيث من الناس، وكل ~~كلام إنما يحسن في أهله، فيضاف شيء القول إلى من يليق به ذلك، وكذلك الطيب ~~من القول، وعائشة لا يليق بها الخبيثات من الكلام، فلا يصدق فيها لأنها ~~طيبة، فيضاف إليها طيبات الكلام من الثناء الحسن وما يليق بها ms1276. # وقال الزجاج: معناه لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء، ~~ولا يتكلم بالطيبات إلا الطيب من الرجال والنساء، وهذا ذم للذين قذفوا ~~عائشة بالخبيث، ومدح للذين برأوها بالطهارة. # وقال ابن زيد: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من ~~الرجال للخبيثات من النساء، أمثال عبد الله بن أبي والشاكين في الدين. # {والطيبات} [النور: 26] من النساء، {للطيبين} [النور: 26] من الرجال، ~~{والطيبون للطيبات} [النور: 26] يريد عائشة طيبها الله لرسوله، وهذا قول ~~ابن عباس في رواية عطاء. # وقوله: {أولئك مبرءون} [النور: 26] يعني: الطيبات والطيبين مبرءون، {مما ~~يقولون} [النور: 26] أي: الخبيثات والخبيثون، {لهم مغفرة ورزق كريم} ~~[النور: 26] في الجنة. ### | 657 - # أخبرنا الشيخ أبو معمر المفضل بن إسماعيل الإسماعيلي، أنا الإمام جدي أبو ~~بكر الإسماعيلي، نا أبو العباس أحمد بن سهل الأشناني، نا بشر بن الوليد ~~الكندي، أنا عمر بن حفص، عن سليمان، عن علي بن زيد بن جدعان، عن جدته، عن ~~عائشة، أنها قالت: لقد أعطيت تسعا ما أعطيتها امرأة: نزل جبريل بصورتي في ~~راحته حين أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يتزوجني، ولقد تزوجني بكرا ~~وما تزوج بكرا غيري، ولقد قبض وإن رأسه في حجري، ولقد قبر في بيتي ولقد حفت ~~الملائكة ببيتي، وإن كان الوحي لينزل عليه في أهله فيتفرقون عنه وإن كان ~~لينزل عليه وإني لمعه # PageV03P314 # في لحافه، وإني لابنة خليفته وصديقه، ولقد نزل عندي من السماء، ولقد خلقت ~~طيبة وعند طيب، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما # {يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على ~~أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون {27} فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها ~~حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون ~~عليم {28} ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله ~~يعلم ما تبدون وما تكتمون {29} } [النور: 27-29] وقوله: {يأيها الذين آمنوا ~~لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم} [النور: 27] أي: بيوتا ليست لكم، {حتى ~~تستأنسوا} [النور: 27] قال جماعة المفسرين: حتى تستأذنوا. # وقال ابن عباس ms1277: أخطأ الكاتب حتى تستأنسوا، إنما هي حتى تستأذنوا. # وقال أهل المعاني: الاستئناس الاستعلام، يقال: أنست منه كذا، أي علمت، ~~والمعنى: حتى تستعلموا وتنظروا وتتعرفوا. # {وتسلموا على أهلها} [النور: 27] هو أن يقول السلام عليكم أدخل، ولا يجوز ~~دخول بيت غيرك إلا باستئذان لهذه الآية، {ذلكم خير لكم} [النور: 27] أي: ~~أفضل من أن تدخلوا بغير إذن، {لعلكم تذكرون} [النور: 27] أن الاستئذان خير ~~فتأخذون به، قال عطاء: قلت لابن عباس: أستأذن على أمي وأختي ونحن في بيت ~~واحد؟ قال: أيسرك أن ترى منهم عورة. # قلت: لا. # قال: فاستأذن. # {فإن لم تجدوا فيها} [النور: 28] أي: في البيوت أحدا، {فلا تدخلوها حتى ~~يؤذن لكم} [النور: 28] وإن وجدوها خالية لم يجز لها إذن أيضا، وإن أمر ~~بالانصراف انصرف ولم يقم على باب البيت، وهو قوله: {وإن قيل لكم ارجعوا ~~فارجعوا هو أزكى لكم} [النور: 28] أي: خير وأفضل من القعود على الأبواب، ~~{والله بما تعملون} [النور: 28] من الدخول بإذن وغير إذن، عليم فلما نزلت ~~آية الاستئذان، قالوا: فكيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام على ~~الطريق، ليس فيها ساكن. # فأنزل الله {ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة} [النور: 29] قال ~~المفسرون: يعني بيوتا ليس فيها ساكن، فالبيوت التي ينزلها المسافرون لا ~~جناح أن يدخلها بغير استئذان. # وقوله: {فيها متاع لكم} [النور: 29] أي: منافع من اتقاء البرد والحر ~~والاستمتاع بها. # {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير ~~بما يصنعون} [النور: 30] قوله: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} [النور: 30] ~~عما لا يحل وعن الفواحش، هذا قول عامة المفسرين، وقال أبو العالية: المراد ~~بحفظ الفرج في هذه الآية حفظه عن الرؤية ووقوع البصر عليه. # ذلك أي: غض البصر وحفظ الفرج، {أزكى لهم} [النور: 30] خير لهم وأفضل عند ~~الله، {إن الله خبير بما يصنعون} [النور: 30] في الفروج والأبصار. # ثم أمر النساء بمثل ما أمر به الرجال من غض البصر وحفظ الفرج، فقال: { # PageV03P315 # وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ~~ظهر ms1278 منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو ~~آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني ~~إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي ~~الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن ~~بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ~~لعلكم تفلحون} [النور: 31] {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ~~ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31] يعني: الوجه والكفين، وهو ~~قول سعيد بن جبير، والضحاك. # وقال مجاهد، عن ابن عباس: يعني الكحل والخاتم، والقلب والخضاب. # وقوله: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} [النور: 31] الخمر جمع الخمار، وهي ~~ما تغطي به المرأة رأسها، والمعنى: وليلقين مقانعهن على جيوبهن ليسترن بذلك ~~شعورهن وقرطتهن وأعناقهن، كما قال ابن عباس: تغطي شعرها وصدرها وترائبها ~~وسوالفها. # {ولا يبدين زينتهن} [النور: 31] يعني: الزينة الباطنة التي لا يجوز كشفها ~~في الصلاة، قال ابن عباس، ومقاتل: لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهن. # وهو قوله: {إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء ~~بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن} [النور: 31] ~~وقد جمع الله تعالى في هذه الآية بين الأزواج والمحارم وبين الفريقين وفرق، ~~وهو أن الزوج يحل له النظر إلى جميع بدن امرأته سوى الفرج، وليس للمحارم أن ~~ينظروا إلى ما بين السرة والركبة من المرأة، ومعنى {أو نسائهن} [النور: 31] ~~: يعني المؤمنات، فلا يجوز لامرأة مؤمنة أن تتجرد بين يدي امرأة مشركة إلا ~~أن تكون أمة لها، وقوله: {أو ما ملكت أيمانهن} [النور: 31] يعني: المماليك ~~والعبيد، ويجوز للمرأة أن تظهر لمملوكيها إذا كانوا عفيفين ما تظهر ~~لمحارمها، وقوله: {أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال} [النور: 31] ~~أكثر القراء على خفض غير بالصفة للتابعين، ومن نصب كان استثناءا، والمعنى: ~~يبدين زينتهن للتابعين إلا # PageV03P316 # ذا الإربة منهم، فإنهن لا يبدين زينتهن لمن كان منهم ذا إربة، والإرب ~~الحاجة، ومعنى {التابعين ms1279 غير أولي الإربة} [النور: 31] هم الذين لا حاجة ~~لهم من النساء، ولا يحملهم إربهم على أن يراودوا النساء، وهذا قول مجاهد، ~~وعكرمة، والشعبي. # وقال قتادة: هو الذي يتبعك فيصيب من طعامك ولا همة له في النساء. # وقال مقاتل: يعني الشيخ الهرم، والعنين، والخصي، والمجبوب ونحوه. # وقال الحسن: هم قوم طبعوا على التخفيف، وكل الرجال منهم يتبع الرجل يخدمه ~~بطعامه، ولا يستطيع غشيان النساء ولا يشتهيهن. ### | 658 - # أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، أنا محمد بن عبد الله بن الفضل، أنا أحمد ~~بن الحسن الحافظ، نا محمد بن يحيى، نا أصبغ، أنا ابن وهب، أنا يونس، عن ابن ~~شهاب، عن عروة، عن عائشة: أن هيثا كان يدخل على أزواج النبي، صلى الله عليه ~~وسلم، وكانوا لا يعدونه من أولي الإربة من الرجال # وقوله: {أو الطفل} [النور: 31] يعني به الجماعة من الأطفال، {الذين لم ~~يظهروا على عورات النساء} [النور: 31] لم يقودا عليها، ومنه قوله: {فأصبحوا ~~ظاهرين} [الصف: 14] يعني: الغلمان الذين لم يبلغوا الحلم. # {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} [النور: 31] قال قتادة: ~~كانت المرأة تضرب برجليها ليسمع قعقعة الخلخال فيها، فنهيت عن ذلك. # وقال عطاء، عن ابن عباس: ولا تضرب المرأة برجلها إذا مشت ليسمع صوت ~~خلخالها، أو يتبين لها خلخال. # {وتوبوا إلى الله جميعا} [النور: 31] عما كنتم تعلمون في الجاهلية، ~~والمعنى: راجعوا طاعته فيما أمركم به ونهاكم عنه. ### | 659 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر، أنا أبو عمرو بن مطر، أنا أبو خليفة، نا أبو ~~الوليد، نا شعبة، أخبرني عمرو بن مرة، سمعت أبا بردة، يقول: سمعت رجلا من ~~جهينة، يقال له: الأغر، من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، يحدث ابن عمر، ~~أنه سمع النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: «يا أيها الناس، توبوا إلى ربكم، ~~فإني أتوب إلى الله في كل يوم مائة مرة» ، رواه مسلم، عن أبي شيبة، عن ~~غندر، عن شعبة # وقوله: {أيها المؤمنون} [النور: 31] وقرأ ابن عامر بضم الهاء، ومثله: ~~{يأيها الساحر} [الزخرف: 49] ، {أيها الثقلان} [الرحمن: 31] قال أبو ms1280 علي ~~الفارسي: وهذا لا يتجه، لأن آخر الاسم هو الياء الثانية من أي، فينبغي أن ~~يكون المضموم آخر الاسم، ولو جاز أن يضم الميم في اللهم لأنه آخر الكلمة، ~~وينبغي أن لا يقرأ بهذا ولا يؤخذ به. # {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء ~~يغنهم الله من فضله والله واسع عليم {32} وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا ~~حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت # PageV03P317 # أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ولا ~~تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن ~~يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم {33} ولقد أنزلنا إليكم آيات ~~مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين {34} } [النور: 32-34] ~~قوله: {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور: 32] يقال: فلانة أيم إذا لم يكن لها ~~زوج، بكرا كانت أو ثيبا، والجمع أيامى، والأصل أيائم فقلبت، ورجل أيم لا ~~زوج له، قال السدي: من لم يكن له زوج من امرأة أو رجل فهو أيم. # وهذا قول جماعة المفسرين، والمعنى: زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من ~~أحرار رجالكم ونسائكم، وهذا الأمر ندب واستحباب. ### | 660 - # أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، نا محمد بن يعقوب، أنا محمد بن إسحاق ~~الصغاني، أنا عبد الوهاب بن عطاء، عن ابن جريج، عن إبراهيم بن ميسرة، عن ~~عبيد بن سعد، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «من أحب فطرتي فليستن ~~بسنتي، ومن سنتي النكاح» ### | 661 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أنا محمد بن عبد الله بن علي بن زياد، نا ~~محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي، نا سعيد بن واقد، نا الوليد بن مسلم، عن ~~الأوزاعي، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ~~«يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن ~~للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» ### | 662 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد ms1281 ~~الجرجاني، أنا عبد الله بن زيدان البجلي، نا أبو كريب، نا المحاربي، عن ~~عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، قال: لقيني ابن عباس في حجة حجها، فقال: ~~تزوجت؟ قلت: لا، قال: فتزوج، قال: ولقيني في العام المقبل، فقال: هل تزوجت؟ ~~فقلت: لا، فقال: اذهب فتزوج، فإن خير هذه الأمة كان أكثرها نساء؛ يعني: ~~النبي، صلى الله عليه وسلم # {والصالحين من عبادكم وإمائكم} [النور: 32] قال مقاتل: يقول: زوجوا ~~المؤمنين من عبادكم وإمائكم، فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج، فمعنى الصلاح ~~ههنا الإيمان، ثم رجع إلى الأحرار، فقال: {إن يكونوا فقراء} [النور: 32] لا ~~سعة لهم للتزوج، {يغنهم الله من فضله} [النور: 32] وعدهم أن يوسع عليهم عند ~~التزوج، قال الزجاج: حث الله على النكاح، وأعلم أنه سبب لنفي الفقر. # وقال قتادة: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول: ما رأيت مثل رجل لم ~~يلتمس الغنى في الباءة، والله يقول: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} ~~[النور: 32] . # {والله واسع} [النور: 32] لخلقه، {عليم} [النور: 32] بهم. # قوله: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا} [النور: 33] أي: وليطلب العفة عن ~~الزنا والحرام من لا يجد ما ينكح به من صداق ونفقة، {حتى يغنيهم الله من ~~فضله} [النور: 33] يوسع عليهم من رزقه، {والذين يبتغون الكتاب} [النور: 33] ~~يطلبون المكاتبة، {مما ملكت أيمانكم} [النور: 33] من العبيد والإماء، يقال: ~~كاتب الرجل عبده وأمته مكاتبة وكتابا فهو مكاتب، والعبد مكاتب، # PageV03P318 # وهو أن يقول: كاتبت على أن تعطيني كذا وكذا في نجوم معلومة، فإذا أدى ذلك ~~فالعبد حر، ولا بد من التنجيم، وأقله نجمان وصاعدا، ولا يصح جمعه، وعند أبي ~~حنيفة رضي الله عنه يصح والآية عليه، لأن أصل الكتاب من الكتب وهو الضم ~~والجمع، وأقل ما يقع عليه الضم والجمع نجمان، وهو أن العبد يجمع نجوم المال ~~إلى مولاه، ولا يجوز أن يكاتب عبدا غير بالغ ولا عاقل لقوله: {والذين ~~يبتغون الكتاب} [النور: 33] ولا يصح الطلب من الأطفال والمجانين، وعند أبي ~~حنيفة: إذا كان العبد مراهقا يجوز أن يكاتب، والآية حجة عليه ms1282. # وقوله: {فكاتبوهم} [النور: 33] أمر ندب واستحباب في قول الجمهور، وقال ~~قوم: إنه أمر إيجاب. # وهو قول عمرو بن دينار، وعطاء، ورواية عطية عن ابن عباس. # وقوله: {إن علمتم فيهم خيرا} [النور: 33] أكثر المفسرين قالوا: يعني ~~المال. # وهو قول مجاهد، وعطاء، والضحاك، وطاوس، والمقاتلين. # وقال الحسن: إن كان عنده مال وكاتبه، وإلا فلا تعلق عليه صحيفة يغدو بها ~~على الناس ويروح فيسألهم. # وقال عبد لسلمان: كاتبني. # فقال: مال؟ قال: لا. # قال: أفتطعمني أوساخ الناس: فأبى عليه، وكان قتادة يكره أن يكاتب العبد ~~لا يكاتبه إلا ليسأل الناس. # وقال ابن عباس في رواية عطاء في قوله: {إن علمتم فيهم خيرا} [النور: 33] ~~قوة على الكسب، وأداء المال. # هو قول ابن عمرو، وابن زيد، واختيار مالك والشافعي والفراء والزجاج. # قال الفراء: يقول إن رجوتم عندهم وفاء وتأدية للمال. # وقال الزجاج: إن علمتم أنهم يكسبون ما يؤدونه. # وهذا القول أصح لأنه لو أريد بالخير المال لقيل: إن علمتم لهم خيرا، فلما ~~قال عليهم كان الأظهر الاكتساب والوفاء وأداء الأمانة. # وقوله: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} [النور: 33] يقول: حطوا عنهم من ~~نجوم الكتابة شيئا. # قال مجاهد: ربع المال. # وقال الآخرون: لا يتقدر بشيء يحط عنه ما أحب، أو يرد عليه شيئا مما يأتيه ~~به، أو يعطيه مما في يده شيئا يستعين به على أداء المال. # وقال عطاء، عن ابن عباس: يريد سهم الرقاب يعطى منه المكاتبون. # وقوله: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} [النور: 33] يعني: إماءكم ~~وولائدكم على الزنا، نزلت في عبد الله بن أبي كان يكره جواري له على الكسب ~~بالزنا، وقوله: {إن أردن تحصنا} [النور: 33] قال ابن عباس: تعففا وتزويجا، ~~وإنما شرط إرادة التحسن لأن الإكراه لا يكون إلا عند إرادة التحصن، فإن لم ~~ترد بغت بالطبع. # وقوله: {لتبتغوا عرض الحياة الدنيا} [النور: 33] أي: من كسبهن وبيع ~~أولادهن {ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم} [النور: 33] يعني ~~للمكرهات. # {ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات} [النور: 34] يعني: ما ذكر في هذه ال { ~~[من الحلال ms1283 والحرام،] ومثلا من الذين خلوا من قبلكم} [سورة النور: 34] أي: ~~شبها من حالهم بحالكم أيها المكذبون، وهذا تخويف لهم أن يلحقهم ما لحق من ~~قبلهم من المكذبين، {وموعظة للمتقين} [النور: 34] نهيا للذين يتقون الشرك ~~والكبائر. # {الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة ~~الزجاجة كأنها كوكب # PageV03P319 # دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو ~~لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال ~~للناس والله بكل شيء عليم} [النور: 35] قوله: {الله نور السموات والأرض} ~~[النور: 35] معنى النور في اللغة الضياء، وهو الذي يبين الأشياء ويري ~~الأبصار حقيقة ما تراه، وورد النور في صفة الله تعالى لأنه هو الذي يهدي ~~المؤمنين ويبين لهم ما يهتدون به من الضلالة، قال ابن قتيبة: أي بنوره ~~يهتدي من في السموات والأرض. # وهذا معنى قول ابن عباس، والمفسرين: هادي أهل السموات والأرض. # وقوله: {مثل نوره} [النور: 35] قال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: مثل نوره ~~الذي أعطى المؤمن. # وقال السدي: مثل نوره في قلب المؤمن. # وكذا هو في قراءة ابن مسعود، وكان أبي يقرأ مثل نور المؤمن قال: وهو عبد ~~قد جعل الإيمان والقرآن في صدره. # {كمشكاة} [النور: 35] وهي كوة غير نافذة في قول الجميع، {فيها مصباح} ~~[النور: 35] يعني السراج، {المصباح في زجاجة} [النور: 35] يعني القنديل، ~~قال الزجاج: النور في الزجاج وضوء النار أبين منه في كل شيء يزيد في ~~الزجاج. # ثم وصف الزجاجة، فقال: {الزجاجة كأنها كوكب دري} [النور: 35] منسوب إلى ~~أنه كالدر في صفائه وحسنه، وقرأ أبو عمرو مك { [الدال مهموزة، وهو فعيل من ~~الدرء بمعنى الدفع، والكوكب إذا دفع ورمي من السماء لرجم الشيطان يضاعف ~~ضوءه، قال أبو عمرو لم أسمع أعرابيا يقول إلا: كأنه كوكب دريء بكسر الدال، ~~أخذوه من درأت النجوم تدرأ إذا اندفعت. # وقرأ حمزة بضم الدال مهموزا، وأنكره الفراء والزجاج وأبو العباس، قالوا: ~~هو غلط لأنه ليس في الكلام فعيل. # قال الزجاج، والنحويون ms1284 أجمعون: لا يعرفون الوجه في هذا لأنه ليس في كلام ~~العرب شيء على هذا الوزن. # قوله: توقد مفتوحة التاء والدال قراءة أبي عمرو وهي البينة، لأن المصباح ~~هو الذي توقد، وقرئ] يوقد} [سورة النور: 35] بضم الياء والدال أي المصباح، ~~وقرئ توقد أي الزجاج، والمعنى: على مصباح الزجاجة، ثم حذف المضاف. # وقوله: {من شجرة مباركة} [النور: 35] أي: من زيت شجرة مباركة بحذف ~~المضاف، يدلك على ذلك قوله: {يكاد زيتها يضيء} [النور: 35] وأراد بالشجرة ~~المباركة شجرة الزيتون، وهي كثيرة البركة، وفيها أنواع المنافع لأن الزيت ~~يسرج به، وهو إدام ودهان ودباغ، ويوقد بحطب الزيتون، وتفله ورماده يغسل به ~~الإبريسم، ولا يحتاج في استخراج دهنه إلى عصار. ### | 663 - # أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني، أنا بشر بن أحمد بن ~~محمود، أنا أبو جعفر محمد بن موسى الحلواني، نا زهير بن محمد، أنا عبد # PageV03P320 # الرزاق، أنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، رضي الله ~~عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «ائتدموا بالزيت، وادهنوا به، ~~فإنه يخرج من شجرة مباركة» ثم فسرها؛ فقال {زيتونة} وخصها من بين سائر ~~الأشجار؛ لأن دهنها أصفى وأضوأ # وقوله: {لا شرقية ولا غربية} [النور: 35] أي: لا يفيء عليها ظل شرق ولا ~~غرب، هي ضاحية للشمس لا يظلها جبل ولا شجر ولا كهف، وزيتها يكون أصفى، وهذا ~~قول ابن عباس في رواية عكرمة، والكلبي. # ونحوه قال قتادة، والسدي، والأكثرون. # واختيار الفراء والزجاج، قال الفراء: الشرقية التي تأخذها الشمس إذا ~~أشرقت ولا تصيبها إذا غربت لأن لها سترا، والغربية التي تصيبها الشمس ~~بالعشي ولا تصيبها بالغداة. # وقوله: {يكاد زيتها} [النور: 35] زيت الزيتون، يعني: دهنها يكاد يضيء ~~المكان من صفائه من غير أن يصيبه النار بأن يوقد به، وهو قوله: {ولو لم ~~تمسسه نار} [النور: 35] قال المفسرون: هذا مثل للمؤمن، فالمشكاة قلبه، ~~والمصباح هو الإيمان والقرآن، والزجاج صدره. # ومعنى قوله: {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار} [النور: 35] : يكاد قلب ~~المؤمن يعمل بالهدى ms1285 قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على ~~هدى، قوله: {نور على نور} [النور: 35] قال مجاهد: النار على الزيت. # وقال الكلبي: المصباح نور والزجاجة نور وهو مثل لإيمان المؤمن وعمله. # وقال السدي: نور الإيمان ونور القرآن. # وقوله: {يهدي الله لنوره من يشاء} [النور: 35] قال ابن عباس: لدينه ~~الإسلام، وإن شئت قلت للقرآن. # {ويضرب الله الأمثال} [النور: 35] يبين الله الأشياء للناس تقريبا إلى ~~الأفهام وتسهيلا لسبل الإدراك، {والله بكل شيء عليم} [النور: 35] عالم. # {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ~~{36} رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ~~يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار {37} ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ~~ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب {38} } [النور: 36-38] قوله: ~~{في بيوت} [النور: 36] يعني المساجد، {أذن الله أن ترفع} [النور: 36] أمر ~~الله أن تبنى، والمراد برفعها بناؤها، كقوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من ~~البيت} [البقرة: 127] وقال الحسن: ترفع تعظم. # والمعنى: لا يتكلم فيها بالخنا. # {ويذكر فيها اسمه} [النور: 36] قال مقاتل، وابن عباس: يوحد الله فيها. # {يسبح له فيها} [النور: 36] يصلي لله في قلب البيوت، يعني: الصلوات ~~المفروضة. # {بالغدو والآصال} [النور: 36] بالبكر والعشايا، وقرأ ابن عامر يسبح بفتح ~~الباء، أي: يصلى لله فيها. # ثم فسر من يصلي، فقال: {رجال} [النور: 37] وكأنه قيل: من يسبح؟ فقيل: ~~رجال. # {لا تلهيهم تجارة} [النور: 37] لا تشغلهم تجارة، {ولا بيع} [النور: 37] ~~قال الفراء: التجارة لأهل الجلب، والبيع ما باعه الرجل على يديه. # وخص قوم التجارة ههنا بالشراء لذكر البيع بعدها. # {عن ذكر الله} [النور: 37] عن حضور المساجد لإقامة الصلوات، قال الثوري: ~~كانوا يشترون ويبيعون ولا يدعون الصلوات في الجماعات في المساجد. # {وإقام الصلاة} [النور: 37] أدائها لوقتها واتمامها، وإنما ذكر إقامة ~~الصلاة بعد قوله: {عن ذكر الله} [النور: 37] والمراد به الصلاة # PageV03P321 # المفروضة بيانا أنهم يؤدونها في وقتها، لأن من أخر الصلاة عن وقتها لم ~~يكن من مقيمي الصلاة. # وقوله: {وإيتاء الزكاة} [النور: 37] قال ابن ms1286 عباس: إذا حضر وقت الزكاة لم ~~يحبسوها عن وقتها. # {يخافون يوما تتقلب فيه القلوب} [النور: 37] بين الطمع في النجاة والخوف ~~من الهلاك، {والأبصار} [النور: 37] تتقلب من أين يؤتون كتبهم؟ أمن قبل ~~الأيمان أم من قبل الشمائل؟ قوله: {ليجزيهم الله} [النور: 38] أي: يسبحون ~~الله ليجزيهم، {أحسن ما عملوا} [النور: 38] أي: ليجزيهم بحسناتهم، ولهم ~~مساوئ من الأعمال لا يجزيهم بها، {ويزيدهم من فضله} [النور: 38] ما لم ~~يستحقوه بأعمالهم، {والله يرزق من يشاء بغير حساب} [النور: 38] مفسر فيما ~~تقدم. # ثم ذكر الكفار وضرب المثل لأعمالهم، فقال: {والذين كفروا أعمالهم كسراب ~~بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه ~~حسابه والله سريع الحساب {39} أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج ~~من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل ~~الله له نورا فما له من نور {40} } [النور: 39-40] {والذين كفروا أعمالهم ~~كسراب بقيعة} [النور: 39] السراب الذي يجري على وجه الأرض كأنه الماء ويكون ~~نصف النهار، والقيعة جمع قاع نحو جار وجيرة، وهو ما انبسط من الأرض ويكون ~~فيه السراب، وقوله: {الظمآن ماء} [النور: 39] يعني: الشديد العطش، يقال: ~~ظمأ يظمأ ظمأ فهو ظمآن. # {حتى إذا جاءه} [النور: 39] جاء إلى الشراب وإلى موضعه رأى أرضا لا ماء ~~فيها، وهو قوله: {لم يجده شيئا} [النور: 39] أي: شيئا مما حسب وقدر، قال ~~سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أعمال الكفار إذا احتاجوا إليها مثل الشراب إذا ~~رآه الرجل وقد احتاج إلى الماء، فأتاه فلم يجده شيئا، فذلك مثل عمل الكافر، ~~يرى أن له ثوابا وليس له ثواب. # قال ابن قتيبة: الكافر يحسب ما قدم من عمله نافعه كما يحسب العطشان ~~الشراب من البعد ماء يرويه، حتى إذا جاءه، أي مات، لم يجد عمله شيئا لأن ~~الله قد أبطله بالكفر ومحقه. # وقوله: {ووجد الله عنده} [النور: 39] قال الفراء: وجد الله عند عمله، ~~يعني قدم على الله. # {فوفاه حسابه} [النور: 39] جازاه بعمله، وهذا في الظاهر ms1287 خبر عن الظمآن، ~~والمراد به الخبر عن الكفار، ولكن لما ضرب مثلا للكفار جعل الخبر عنه ~~كالخبر عنهم، وقوله: {والله سريع الحساب} [النور: 39] مفسر في { [البقرة. # قوله:] أو كظلمات} [سورة النور: 40] قال الزجاج: أعلم الله أن أعمال ~~الكافر إن مثلت بما يوجد فمثلها مثل الشراب، وإن مثلت بما يرى فهي كهذه ~~الظلمات التي وصف، وهذا قول عامة المفسرين أن التمثيل بالظلمات وقع لأعمال ~~الكافر. # وقوله: {في بحر لجي} [النور: 40] اللجي العظيم اللجة، ومعناه كثرة الماء، ~~وقال ابن عباس، والمفسرون: هو العميق الذي يبعد عمقه. # {يغشاه موج} [النور: 40] أي: يعلو ذلك البحر اللجي موج، {من فوقه موج} ~~[النور: 40] يعني: موجا من فوق الموج، {من فوقه} [النور: 40] من فوق الموج، ~~{سحاب ظلمات بعضها فوق بعض} [النور: 40] يعني: ظلمة البحر، وظلمة الموج، ~~وظلمة الموج، وفوق الموج ظلمة السحاب، ومن قرأ {ظلمات} [النور: 40] بالكسر ~~والتنوين جعلها بدلا من الظلمات الأولى، ومن أضاف السحاب إلى الظلمات ~~فارتفعت وقت تراكمها، كما تقول: سحاب رحمة، وسحاب مطر إذا ارتفع وظهر في ~~الوقت الذي يكون فيه المطر والرحمة. # والمعنى أن الكافر يعمل في حيرة لا يهتدي لرشده، فهو في جهله وحيرته كمن ~~هو في # PageV03P322 # هذه الظلمات، لأنه من عمله وكلامه مقلب في ظلمات وجهالة. # وقوله: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} [النور: 40] تأكيد لشدة هذه الظلمات، ~~قال الحسن: لم يرها ولم يقارب الرؤية. # قال الفراء: لأن أقل من الظلمات التي وصفها لا يرى فيه الناظر كفه. # ومعنى {لم يكد يراها} [النور: 40] : نفي المقاربة من الرؤية. # وقوله: {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} [النور: 40] قال ابن ~~عباس، والسدي، ومقاتل: من لم يجعل له دينا وإيمانا وهدى فما له من دين. # قال الزجاج: من لم يهده الله للإسلام لم يهتد. # {ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم ~~صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون {41} ولله ملك السموات والأرض وإلى ~~الله المصير {42} } [النور: 41-42] وقوله: {ألم تر أن الله يسبح له ms1288 من في ~~السموات والأرض} [النور: 41] تقدم تفسيره، {والطير} [النور: 41] أي: ويسبح ~~له الطير، {صافات} [النور: 41] باسطات أجنحتها في الهواء، وخص الطير بالذكر ~~من جملة الحيوان لأنها تكون بين السماء والأرض، فهي خارجة عن جملة من في ~~السموات والأرض. # وقوله: كل أي: من الجملة التي ذكرها، {قد علم صلاته وتسبيحه} [النور: 41] ~~قال مجاهد: الصلاة للإنسان والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه. # {والله عليم بما يفعلون} [النور: 41] لا يخفى عليه طاعتهم وصلاتهم ~~وتسبيحهم. # {ولله ملك السموات والأرض} [النور: 42] قال الكلبي: يعني خزائن المطر ~~والرزق والنبات لا يملكها أحد غيره. # {وإلى الله المصير} [النور: 42] مرجع العباد بعد الموت. # قوله: {ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى ~~الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من # PageV03P323 # برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ~~{43} يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار {44} } ~~[النور: 43-44] {ألم تر أن الله يزجي سحابا} [النور: 43] يسوقه سوقا رقيقا، ~~{ثم يؤلف بينه} [النور: 43] يضم بعضه إلى بعض، أي: يجعل القطع المتفرقة منه ~~قطعة واحدة، {ثم يجعله ركاما} [النور: 43] يجعل بعضه يركب بعضا، {فترى ~~الودق} [النور: 43] القطر والمطر، قال الليث: الودق المطر كله شديده وهينه. # {يخرج من خلاله} [النور: 43] جمع خلل وهو مخارج القطر، وقوله: {وينزل من ~~السماء من جبال فيها من برد} [النور: 43] أي: من جبال في السماء، وتلك ~~الجبال من برد، قال ابن عباس: أخبر الله أن في السماء جبالا من برد. # ومفعول الإنزال محذوف، والتقدير وينزل من السماء من جبال من برد فيها ~~بردا، فاستغنى عن ذكر المفعول للدلالة عليه، ومن الأولى لابتداء الغاية، ~~لأن ابتداء الإنزال من السماء، والثانية للتبعيض، لأن ما ينزله الله بعض ~~تلك الجبال التي في السماء، والثالثة لتبيين الجنس، لأن جنس تلك الجبال ~~التي في السماء جنس البرد، {فيصيب به} [النور: 43] بالبرد، {من يشاء} ~~[النور: 43] فيضره في زرعه وثمرته، {ويصرفه عن من يشاء} [النور: 43] فلا ~~يضره في ms1289 زرعه وثمرته، {يكاد سنا برقه} [النور: 43] يقرب ضوء برق السحاب من ~~أن يذهب بالبصر ويخطفه لشدة لمعانه كما قال: {يكاد البرق يخطف أبصارهم} ~~[البقرة: 20] والسنا: الضوء، مثل سنا النار، وسنا البدر، وسنا البرق. # وقال السدي: يكاد ضوء البرق يلتمع البصر فيذهب به. # قوله: {يقلب الله الليل والنهار} [النور: 44] يعني: يأتي بالليل ويذهب ~~بالنهار ويأتي بالنهار ويذهب بالليل. # {إن في ذلك} [النور: 44] التقليب، {لعبرة لأولي الأبصار} [النور: 44] ~~لدلالة لأهل العقول والبصائر على قدرة الله وتوحيده. ### | 664 - # أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكي، أنا محمد بن مكي، أنا أحمد بن يوسف، أنا ~~محمد بن إسماعيل، نا الحميدي، سفيان الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي ~~هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال الله: «يؤذيني ابن ~~آدم؛ يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار» # {والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على ~~رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ~~{45} لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم {46} } ~~[النور: 45-46] قوله: {والله خلق كل دابة} [النور: 45] يعني: كل حيوان ~~يشاهد في الدنيا ولا يدخل الجن والملائكة، لأنا لا نشاهدهم. # وقوله: {من ماء} [النور: 45] أي: من نطفة، {فمنهم من يمشي على بطنه} ~~[النور: 45] كالحيات والهوام والحيتان، {ومنهم من يمشي على رجلين} [النور: ~~45] كالإنسان والطير، {ومنهم من يمشي على أربع} [النور: 45] كالبهائم ~~والأنعام، قال المبرد: قوله: كل دابة للناس وغيرهم، إذا اختلط النوعان حمل ~~الكلام على الأغلب، لذلك قال: من لغير ما يعقل. # ثم ذكر قدرته على خلق ما يريد، فقال: {يخلق الله ما يشاء إن الله على كل ~~شيء قدير {45} لقد أنزلنا آيات مبينات} [النور: 45-46] يعني، القرآن، أي هو ~~المبين للهدى والأحكام، {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [النور: 46] ~~يعني: الإسلام الذي هو دين الله وطريقه إلى رضاه وجنته. # ثم ذكر أهل النفاق وشكهم في الدين، فقال: {ويقولون آمنا بالله وبالرسول ~~وأطعنا ms1290 ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين {47} وإذا دعوا ~~إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون {48} وإن يكن لهم الحق ~~يأتوا إليه مذعنين {49} أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله ~~عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون {50} إنما كان قول # PageV03P324 # المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ~~وأولئك هم المفلحون {51} ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم ~~الفائزون {52} } [النور: 47-52] {ويقولون} [النور: 47] يعني المنافقين، ~~{آمنا بالله} [النور: 47] صدقنا بتوحيد الله، {وبالرسول} [النور: 47] محمد ~~صلى الله عليه وسلم، {وأطعنا} [النور: 47] هما فيما حكما، {ثم يتولى فريق} ~~[النور: 47] يعرض عن طاعتهما طائفة، {منهم من بعد ذلك} [النور: 47] من بعد ~~قولهم آمنا، {وما أولئك} [النور: 47] الذين يعرضون عن حكم الله ورسوله، ~~{بالمؤمنين} [النور: 47] . # {وإذا دعوا إلى الله} [النور: 48] إلى كتاب الله، {ورسوله ليحكم بينهم} ~~[النور: 48] الرسول فيما اختصموا فيه، {إذا فريق منهم معرضون} [النور: 48] ~~عما يدعوا إليه. # {وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين} [النور: 49] مسرعين طائعين، قال ~~الزجاج: الإذعان الإسراع مع الطاعة. # يقال: أذعن لي بحق، أي: طاوعني فيما كنت ألتمس منه وصار يسرع إليه. # أخبر الله أن المنافقين يعرضون عن حكم الرسول لعلمهم بأنه يحكم بالحق، ~~فإذا كان لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لثقتهم بأنه كما يحكم عليهم بالحق ~~يحكم لهم أيضا. # ثم أخبر بما في قلوبهم من الشك، فقال: {أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا} ~~[النور: 50] شكوا في القرآن، وهذا استفهام ذم وتوبيخ، {أم يخافون أن يحيف ~~الله عليهم ورسوله} [النور: 50] الحيف الميل في الحكم، فيقال: حاف في ~~قضيته، أي جار فيما حكم. # {بل أولئك هم الظالمون} [النور: 50] أي: لا يظلم الله ورسوله في الحكم بل ~~هم الذين يظلمون أنفسهم بالكفر والإعراض عن حكم الرسول. # ثم تعب الصادقين من إيمانهم، فقال: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى ~~الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا} [النور: 51] قال مقاتل، ~~وابن عباس: يقولون سمعنا قول النبي، وأطعنا أمره ms1291، وإن كان ذلك فيما يكرهونه ~~ويضر بهم. # ثم أثنى على من أطاعهما، فقال: {ومن يطع الله ورسوله} [النور: 52] قال ~~ابن عباس: يريد فيما ساءه وسره. # {ويخش الله} [النور: 52] في ذنوبه التي عملها، {ويتقه} [النور: 52] فيما ~~بعد لم يعصه، وقراءة العامة يتقيه موصولة بياء هو الوجه، لأن ما قبل الهاء ~~متحرك وحكمها إذا تحرك ما قبلها أن يتبعها الياء في الوصل، وروى قالون بكسر ~~الهاء ولا يبلغ بها الياء لأن حركة ما قبل الهاء ليست تلزم ألا ترى أن ~~الفعل إذا رفع. . . اختير حذف الياء بعد الهاء مثل عليه، وقرأ أبو عمرو ~~{ويتقه} [النور: 52] جزما، وذلك أن ما يلحق هذه الهاء من الواو والياء ~~زائدا، فرد إلى الأصل وحذف الزيادة، وقرأ حفص ساكنة القاف مك { [الهاء، قال ~~ابن الأنباري: وهو على لغة من يقول: لم أزيدا ولم أشتر طعاما ما. . . ~~يسقطون الياء للجزم، ثم يسكنون الحرف الذي قبلها، ومنه قول الشاعر: # قال سليمى اشتر لنا دقيقا # PageV03P325 # وقوله:] فأولئك هم الفائزون} [سورة النور: 52] يعني: المطيعين لله ~~ورسوله، الخائفين المتقين الذين قالوا ما طالبوا من رضا الله، وقيل جنته، ~~ولما بين الله كراهتهم لحكمه، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: والله لو ~~أمرتنا بالجهاد والخروج من ديارنا وأموالنا لخرجنا. # فقال الله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا ~~طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون {53} قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ~~فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على ~~الرسول إلا البلاغ المبين {54} } [النور: 53-54] {وأقسموا بالله جهد ~~أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن} [النور: 53] إلى الجهاد، {قل لا تقسموا} ~~[النور: 53] لا تحلفوا، وتم الكلام، ثم قال: {طاعة معروفة} [النور: 53] أي: ~~طاعة حسنة للنبي صلى الله عليه وسلم بنيه خالصة، قال مقاتل بن سليمان: ~~معناه ليكن منكم طاعة. # وقال الزجاج: تأويله طاعة معروفة أحسن من قسمكم بما لا تصدقون فيه، فحذف ~~خبر الابتداء للعلم به. # وقوله: {إن الله خبير بما تعملون} [النور: 53] أي: من طاعتكم بالقول ~~ومخالفتكم بالفعل ms1292. # ثم أمرهم بالطاعة، فقال: {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} [النور: 54] ثم ~~خاطبهم، فقال: {فإن تولوا} [النور: 54] أي تتولوا، فحذف إحدى التائين، أي ~~قال: تعرضوا عن طاعتهما. # {فإنما عليه} [النور: 54] على الرسول، {ما حمل} [النور: 54] من التبليغ ~~وأداء الرسالة، {وعليكم ما حملتم} [النور: 54] من الطاعة، {وإن تطيعوه ~~تهتدوا} [النور: 54] تصيبوا الحق، {وما على الرسول إلا البلاغ المبين} ~~[النور: 54] ليس عليه إلا أن يبلغ ويبين لكم. # وقوله: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ~~كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من ~~بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم ~~الفاسقون} [النور: 55] {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ~~ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ~~ارتضى لهم} [النور: 55] قال أبي بن كعب: لما قدم رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وأصحابه المدينة آوتهم الأنصار ومنهم العرب عن قوس واحده، وكانوا لا ~~يبيتون إلا مع السلاح، ولا يصبحون إلا فيه، فقالوا: أترون أنا نعيش حتى ~~نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله، فنزلت هذه الآية. # وقوله: {ليستخلفنهم} [النور: 55] أي: ليجعلنهم يخلفون من قبلهم، والمعنى: ~~ليورثنهم أرض الكفار من العرب والعجم فيجعلهم ملوكها وساستها وسكانها. # وقوله: {كما استخلف الذين من قبلهم} [النور: 55] قال مقاتل: يعني بني ~~إسرائيل إذا أهلت الجبابرة بمصر # PageV03P326 # وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم. # وروى أبو بكر بن عياش استخلف بضم التاء وكسر اللام، ووجهه أنه أريد به ما ~~أريد باستخلف، وإذا كان المعنى كذلك، فالوجه قراءة العامة. # قوله: {وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} [النور: 55] قال ابن عباس: ~~يوسع لهم في البلاد حتى يملكوها، ويظهر دينهم على جميع الأديان. # {وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} [النور: 55] قال مقاتل: يفعل بهم ذلك وبمن ~~كان بعدهم من هذه الأمة مكن لهم الأرض، وأبدلهم أمنا من بعد خوف، وبسط لهم ~~في الأرض، فقد أنجز الله موعده لهم، وقوله: {يعبدونني لا يشركون بي شيئا} ~~[النور: 55] استئناف كلام ms1293 في الثناء عليهم، {ومن كفر بعد ذلك} [النور: 55] ~~يعني بهذه النعم، وليس يعني الكفر بالله، والمعنى: من جحد حق هذه النعم ~~{فأولئك هم الفاسقون} [النور: 55] قال ابن عباس: العاصون لله. # قال المفسرون: وأول من كفر بهذه النعم وجحد حقها الذين قتلوا عثمان رضي ~~الله عنه، فلما قتلوه غير الله ما بهم، وأدخل عليهم الخوف الذي رفعه عنهم ~~حتى صاروا يقتتلون بعد أن كانوا إخوانا متحابين. # {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون {56} لا تحسبن ~~الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير {57} } [النور: ~~56-57] قوله: {لا تحسبن الذين كفروا} [النور: 57] يعني: أهل مكة، {معجزين ~~في الأرض} [النور: 57] يعجزوننا ويفوتونا هربا، أي أن قدرة الله محيطة بهم، ~~ومن قرأ بالياء ففاعل الحسبان على هذه القراءة الذين كفروا، وكأنه قيل: ~~وتحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين. # ثم أوعدهم، فقال: {ومأواهم النار ولبئس المصير} [النور: 57] . # قوله: {يأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا ~~الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن ~~بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون ~~عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم {58} وإذا ~~بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين ~~الله لكم آياته والله عليم حكيم {59} والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون ~~نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير ~~لهن والله سميع عليم {60} } [النور: 58-60] { # PageV03P327 # يأيها الذين آمنوا ليستأذنكم} [النور: 58] أي: في الدخول عليكم، {الذين ~~ملكت أيمانكم} [النور: 58] يعني: العبيد والإماء، قال عطاء: ذلك على كل ~~كبير وصغير. # {والذين لم يبلغوا الحلم منكم} [النور: 58] من أحراركم من الرجال ~~والنساء، {ثلاث مرات} [النور: 58] يعني: ثلاثة أوقات، ثم فسرها، فقال: {من ~~قبل صلاة الفجر} [النور: 58] وذلك أن الإنسان ربما يبيت عريانا، أو على حال ~~لا يحب أن يراه غيره في تلك الحال، {وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} [النور: ~~58] يريد المقيل، {ومن بعد ms1294 صلاة العشاء} [النور: 58] حين يأوي الرجل إلى ~~امرأته ويخلو بها، أمر الله بالاستئذان في الأوقات التي يتخلى فيها الناس ~~ويتكشفون. # وفصلها ثم أجملها بعد التفصيل، فقال: {ثلاث عورات لكم} [النور: 58] أي: ~~هذه الأوقات ثلاث عورات لكم، وسمى هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ~~ثيابه فتبدوا عوراته. # ومن قرأ ثلاث عورات بالنصب جعله بدلا من قوله: {ثلاث مرات} [النور: 58] ، ~~قال السدي: كان أناس من الصحابة يعجبهم أن يوافقوا نساءهم في هذه الساعات ~~ليغتسلوا، ثم يخرجون إلى الصلاة، فأخبرهم الله أن يأمروا الغلمان ~~والمملوكين أن يستأذنوا في هذه الساعات الثلاثة. # قال موسى بن أبي عائشة: قلت للشعبي في هذه الآية: أمنسوخة هي؟ قال: لا. # قلت: قد تركها الناس؟ قال: الله المستعان. # وقوله: {ليس عليكم} [النور: 58] يعني: المؤمنين الأحرار، {ولا عليهم} ~~[النور: 58] يعني: الخدم والغلمان، جناح حرج، {بعدهن} [النور: 58] بعد مضي ~~هذه الأوقات لا حرج في أن لا تستأذنوا في غير هذه الأوقات، {طوافون عليكم} ~~[النور: 58] يريد أنهم خدمكم، فلا بأس أن يدخلوا في غير هذه الأوقات بغير ~~إذن، قال مقاتل: ينقلبون فيكم ليلا ونهارا. # {بعضكم على بعض} [النور: 58] أن يطوف بعضكم، وهو المماليك، على بعض، وهم ~~الموالي. # قوله: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم} [النور: 59] يعني: من الأحرار، ~~{فليستأذنوا} [النور: 59] أي: في جميع الأوقات في الدخول عليكم، فالبالغ ~~يستأذن في كل الأوقات، والطفل والمملوك يستأذنان في الثلاث عورات، وقوله: ~~{كما استأذن الذين من قبلهم} [النور: 59] يعني: الأحرار الكبار الذين أمروا ~~بالاستئذان على كل حال، قال سعيد بن المسيب: ليستأذن الرجل على أمه، فإنما ~~أنزلت هذه الآية في ذلك. # قوله: {والقواعد من النساء} [النور: 60] يعني اللاتي قعدن عن الحيض ~~والولد من الكبر، قال الزجاج: القاعدة التي قعدت عن التزوج، وهذا معنى ~~قوله: {اللاتي لا يرجون نكاحا} [النور: 60] قال السدي: هن اللاتي تركن ~~الأزواج وكبرن. # {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن} [النور: 60] يعني: الجلباب والرداء ~~والقناع الذي فوق الخمار، والمراد بالثياب ههنا ما ذكر لا كل الثياب، ~~وقوله: {غير متبرجات بزينة} [النور: 60] التبرج أن ms1295 تظهر المرأة محاسنها من ~~وجهها وجسدها من غير أن يدن بوضع الجلباب أن ترى زينتهن. # قال مقاتل: لها أن تضع الجلباب، ترى بذلك أن تظهر قلائدها وقرطها وما ~~عليها من الزينة. # ثم قال: {وأن يستعففن} [النور: 60] فلا يضعن الجلباب، {خير لهن والله ~~سميع} [النور: 60] لقولكم، عليم بما في قلوبهم. # PageV03P328 # {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على ~~أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت ~~إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم ~~أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا ~~جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله ~~مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون} [النور: 61] قوله: ~~{ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} [النور: 61] ~~قال سعيد بن المسيب: إن المسلمين كانوا إذا غزوا وخلفوا زمناهم، وكانوا ~~يدفعون إليهم مفاتيحهم أبوابهم، ويقولون: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في ~~بيوتنا. # وكانوا يتحرجون من ذلك، وقالوا: لا ندخلها وهم غيب. # فنزلت هذه الآية رخصة لهم، ومعنى الآية: نفي الحرج عن الزمنى في أكلهم من ~~بيت أقاربهم، أو بيت من يدفع إليهم المفتاح إذا خرج للغزو، وقوله: {ولا على ~~أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} [النور: 61] أي: ليس عليكم حرج أن تأكلوا من ~~أموال عيالكم وأزواجكم، وبيت المرأة كبيت الرجل، وقال ابن قتيبة: أراد أن ~~تأكلوا من بيوت أولادكم، فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء، لأن الأولاد كسبهم ~~وأموالهم كأموالهم. # ثم ذكر بيوت القرابات بعد الأولاد، فقال: {أو بيوت آبائكم أو بيوت ~~أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم ~~أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم} [النور: 61] وهذه الرخصة في أكل مال ~~القرابات، وهم لا يعلمون ذلك كرخصة لمن دخل حائطا وهو جائع أن يصيب من ~~ثمره، أو مر في سفره بغنم وهو عطشان ms1296 أن يشرب من رسلها توسعة منه ولطفا ~~بعباده ورغبة عن دناءة الأخلاق وضيق النظر. # وقوله: {أو ما ملكتم مفاتحه} [النور: 61] يعني بيوت عبيدكم ومما يملكون، ~~وذلك أن السيد يملك منزل عبده، والمفتاح معناها الخزائن، كقوله: {وعنده ~~مفاتح الغيب} [الأنعام: 59] ويجوز # PageV03P329 # أن تكون التي يفتح بها، وهذا قول عطاء، عن ابن عباس. # وقال آخرون: أمضى. # قوله: {أو ما ملكتم مفاتحه} [النور: 61] ما خزنتموه لغيركم، قل ابن عباس: ~~يعني بذلك وكيل الرجل وقيمه في ضيقته لا بأس عليه أن يأكل من ثمر حائطه، ~~ويشرب من لبن ماشيته. # قال عكرمة: إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن، فلا بأس أن يطعم الشيء ~~اليسير. # وقال السدي: الرجل يولى طعام غيره يقوم عليه فلا بأس أن يأكل منه. # وقوله: {أو صديقكم} [النور: 61] قال المقاتلان: انطلق رجل غازيا يدعى ~~الحارث بن عمرو، واستخلف مالك بن زيد في أهله وخزانته، فلم يأكل من ماله ~~شيئا حتى صار مجهودا، فأنزل الله {أو صديقكم} [النور: 61] يعني: الحارث بن ~~عمرو، وكان الحسن وقتادة يريد دخول الرجل بيت صديقه، والتحريم بطعامه من ~~غير استئذان منه في الأكل بهذه الآية، والمعنى: ليس عليكم جناح أن تأكلوا ~~من منازل هؤلاء إذا دخلتموها وإن لم يحضروا من غير أن تتزودوا وتعملوا. # وقوله: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا} [النور: 61] قال أكثر ~~المفسرين: نزلت في بني ليث بن بكر، وهم من كنانة، كان الرجل منهم لا يأكل، ~~فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئا، وربما كانت معه الإبل فلا يشرب من ~~ألبانها حتى يجد من يشاربه، فأعلم الله أن الرجل منهم إن أكل وحده فلا إثم ~~عليه، ومعنى أشتاتا: متفرقين جمع شتت. # وقوله: {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم} [النور: 61] هذا في دخول ~~الرجل بيت نفسه، والسلام على أهله ومن في بيته، قال قتادة: إذا دخلت بيتك ~~فسلم على أهلك فهم أحق من سلمت عليه، وإذا دخلت بيتا لا أحد فيه فقل السلام ~~علينا وعلى عباد الله الصالحين. # حدثنا أن الملائكة ترد عليه ms1297، قال ابن عباس: هو المسجد إذا دخلته فقل ~~السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ### | 665 - # أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد البغدادي، أنا أبو بكر محمد بن المؤمل، أنا ~~الفضل بن محمد، نا ابن أبي مريم، أنا ابن لهيعة، حدثني أبو الزبير، عن ~~جابر، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا دخلتم بيوتكم فسلموا ~~على أهلها، وإذا طعم أحدكم طعاما ما فليذكر اسم الله عليه، فإن الشيطان إذا ~~سلم أحدكم لم يدخل بيته، وإذا ذكر اسم الله على طعامه؛ قال: لا مبيت لكم ~~ولا عشاء، وإن لم يسلم حين يدخل بيته، ولم يذكر اسم الله على طعامه؛ قال: ~~أدركتم العشاء والمبيت # وقوله: {تحية من عند الله} [النور: 61] قال ابن عباس: أي: هذه تحية حياكم ~~الله بها. # وقال الفراء: أي أن الله يأمركم بما تفعلونه طاعة له. # وقوله: {مباركة طيبة} [النور: 61] قال ابن عباس: حسنة جميلة. # وقال الزجاج: أعلم الله # PageV03P330 # أن السلام مباركا طيب لما فيه من الأجر والثواب. # وقوله: {كذلك} [النور: 61] أي: كبيانه في هذه الآية، {يبين الله لكم ~~الآيات} [النور: 61] يفصل الله لكم معالم دينكم، {لعلكم تعقلون} [النور: ~~61] لكي تفهموا عن الله أمره ونهيه. # وقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر ~~جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ~~ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن ~~الله غفور رحيم} [النور: 62] {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا ~~كانوا معه على أمر جامع} [النور: 62] أي: على أمر طاعة يجتمعون عليها، نحو ~~الجمعة، والفطر، والجهاد، وأشباه ذلك. # {لم يذهبوا حتى يستأذنوه} [النور: 62] قال المفسرون: كان رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة وأراد الرجل أن يخرج من المسجد ~~لحاجة أو عذر لم يخرج حتى يقوم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ~~يراه، فيعرف أنه إنما قام ليستأذن، فيأذن لمن شاء منهم، قال مجاهد: وإذن ~~الإمام يوم الجمعة أن يشير ms1298 بيده. # وقال الزجاج: أعلم الله أن المؤمنين إذا كانوا مع نبيه فيما يحتاج فيه ~~إلى الجماعة لم يذهبوا حتى يستأذنوه، وكذلك ينبغي أن يكونوا مع الإمام لا ~~يخالفونه ولا يرجعون عنه في جمع من جموعهم إلا بإذنه، وللإمام أن يأذنه وله ~~أن لا يأذن على ما ترى، لقوله عز وجل: {فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم ~~الله} [النور: 62] . # أي: واستغفر لهم لخروجهم عن الجماعة إن رأيت لهم عذرا. # {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين ~~يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم ~~عذاب أليم} [النور: 63] قوله: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم ~~بعضا} [النور: 63] علمهم الله فضل النبي صلى الله عليه وسلم على سائر ~~البرية في المخاطبة، وأمرهم أن يفخموه ويشرفوه ولا يقولوا له عند دعائه: يا ~~محمد، يا ابن عبد الله، كما يدعو بعضهم بعضا، قولوا: يا رسول الله، يا نبي ~~الله، في لين وتواضع وخفض صوت، وقوله: {قد يعلم الله الذين يتسللون منكم ~~لواذا} [النور: 63] التسلل الخروج في خفية، يقال: تسلل فلان من بين أصحابه ~~إذا خرج من جملتهم، واللواذ أن يستتر بشيء، قال ابن عباس: هو أن يلوذ بغيره ~~فيهرب، وذلك أن المنافقين كان يثقل عليهم خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ~~يوم الجمعة، فيلوذون ببعض أصحابه فيخرجون من المسجد من غير استئذان. # ومعنى {قد يعلم الله} [النور: 63] التهديد بالمجازاة، ثم حذرهم بالفتنة ~~والعذاب، فقال: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} [النور: 63] أي يعرضون عن ~~أمره، ودخلت عن لتضمن المخالفة معنى الإعراض، {أن تصيبهم فتنة} [النور: 63] ~~قال # PageV03P331 # ابن عباس: ضلالة. # يعني الكفر، وقال مجاهد: بلاء في الدنيا. # {أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 63] في الآخرة. # ثم عظم نفسه، فقال: {ألا إن لله ما في السموات والأرض قد يعلم ما أنتم ~~عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم} [النور: 64] ~~{ألا إن لله ما في السموات والأرض} [النور: 64] عبيدا وملكا وخلقا، {قد ~~يعلم ما أنتم ms1299 عليه} [النور: 64] من الإيمان والنفاق، {ويوم يرجعون إليه} ~~[النور: 64] يعني: يوم البعث يعلمه الله متى هو، {فينبئهم بما عملوا} ~~[النور: 64] من الخير والشر، {والله بكل شيء} [النور: 64] من أعمالهم ~~وغيرها، {عليم} [النور: 64] . # PageV03P332 ### | سورة الفرقان # مكية وآياتها سبع وسبعون. ### | 666 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن الخفاف، أنا أبو عمرو بن مطر، نا إبراهيم بن شريك ~~الأسدي، نا أحمد بن يونس، نا سلام، نا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن ~~أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم: «من قرأ سورة الفرقان يبعث يوم القيامة وهو مؤمن أن الساعة آتية لا ~~ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، ودخل الجنة بغير حساب» # {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا {1} الذي له ملك ~~السموات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره ~~تقديرا {2} } [الفرقان: 1-2] بسم الله الرحمن الرحيم {تبارك} [الفرقان: 1] ~~قال ابن عباس: تعالى عما يقول القائلون فيه بسوء. # وقد تقدم تفسيره، {الذي نزل الفرقان} [الفرقان: 1] يعني القرآن الذي فرق ~~الله به بين الحق والباطل، {على عبده} [الفرقان: 1] محمد، {ليكون} ~~[الفرقان: 1] محمد بالقرآن، {للعالمين} [الفرقان: 1] يعني الجن والإنس، ~~{نذيرا} [الفرقان: 1] مخوفا من عذاب الله. # ثم عظم نفسه، فقال: {الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولدا} ~~[الفرقان: 2] كما زعمت اليهود والنصارى والمشركون، {ولم يكن له شريك في ~~الملك} [الفرقان: 2] يشاركه فيما خلق، {وخلق كل شيء} [الفرقان: 2] مما يطلق ~~في صفته المخلوقة، {فقدره تقديرا} [الفرقان: 2] هيأه لما يصلح له وسواه، ~~قال المفسرون: قدر له تقديرا من الأجل والرزق، فجرت المقادير على ما خلق. # ثم ذكر ما صنع المشركون، فقال: {واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم ~~يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا ~~نشورا} [الفرقان: 3] {واتخذوا من دونه آلهة} [الفرقان: 3] يعني: الأصنام ~~اتخذها أهل مكة، {لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} [الفرقان: 3] أي: وهي مخلوقة، ~~{ولا يملكون لأنفسهم ضرا} [الفرقان ms1300: 3] فيدفعونه عن أنفسهم، {ولا نفعا} ~~[الفرقان: 3] فيجرونه إلى أنفسهم، والمعنى: لا يملكون لأنفسهم دفع ضر ولا ~~جر نفع، لأنها جماد لا قدرة لها. # {ولا يملكون موتا} [الفرقان: 3] أن تميت أحدا، {ولا حياة} [الفرقان: 3] ~~أن تحيي أحدا، {ولا # PageV03P333 # نشورا} [الفرقان: 3] ولا بعثا للأموات، أي: فكيف يعبدون من لا يقدر على ~~أن يفعل شيئا من هذا، ويتركون عبادة ربهم الذي يملك ذلك كله. # ثم أخبر عن تكذيبهم بالقرآن، فقال: {وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك ~~افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا {4} وقالوا أساطير ~~الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا {5} قل أنزله الذي يعلم السر في ~~السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما {6} } [الفرقان: 4-6] {وقال الذين ~~كفروا إن هذا} [الفرقان: 4] ما هذا، {إلا إفك} [الفرقان: 4] كذب، {افتراه} ~~[الفرقان: 4] محمد واختلقه من تلقاء نفسه، {وأعانه عليه قوم آخرون} ~~[الفرقان: 4] قالوا: أعان محمدا على هذا القرآن عداس مولى حويطب بن عبد ~~العزى، ويسار غلام ابن الحضرمي، وجبر مولى عامر، وكانوا من أهل الكتاب. # قال الله تعالى: {فقد جاءوا ظلما وزورا} [الفرقان: 4] أي: فقد جاءوا شركا ~~وكذبا حين زعموا أن القرآن ليس من الله. # {وقالوا أساطير الأولين} [الفرقان: 5] أي: ما سطره الأولون من أحاديث ~~المتقدمين، وذلك أن النصر بن الحارث، قال: هذا القرآن أحاديث الأولين مثل ~~حديث أسفنديار ورستم. # {اكتتبها} [الفرقان: 5] انتسخها محمد من عداس وجبر ويسار، ومعنى اكتتب: ~~أمر أن يكتب له، {فهي تملى عليه} [الفرقان: 5] تقرأ عليه ليحفظها لا ~~ليكتبها، لأنه لم يك كاتبا، {بكرة وأصيلا} [الفرقان: 5] غدوة وعشيا، قالوا: ~~هؤلاء الثلاثة يعلمون محمدا طرفي النهار. # قال الله تعالى: {قل} [الفرقان: 6] لهم يا محمد: {أنزله الذي يعلم السر} ~~[الفرقان: 6] أنزل القرآن الذي لا يخفى عليه شيء، {في السموات والأرض إنه ~~كان غفورا} [الفرقان: 6] لأوليائه، {رحيما} [الفرقان: 6] بهم. # {وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك ~~فيكون معه نذيرا {7} أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال ~~الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ms1301 {8} انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا ~~فلا يستطيعون سبيلا {9} تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من ~~تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا {10} بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب ~~بالساعة سعيرا {11} إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا {12} ~~وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا {13} لا تدعوا اليوم ~~ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا {14} } [الفرقان: 7-14] {وقالوا} [الفرقان: ~~5] يعني المشركين، {مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} ~~[الفرقان: 7] أنكروا أن يكون # PageV03P334 # الرسول بشر يأكل الطعام ويمشي في الطريق كما يمشي سائر الناس، يطلب ~~المعيشة، والمعنى أنه ليس يملك ولا ملك، وذلك أن الملائكة لا يأكلون ولا ~~يشربون، والملوك لا يتسوقون ولا يتبدلون، فعجبوا من ذلك أن يكون مثلهم في ~~الحال لا يمتاز من بينهم بعلو المحل والجلال، والله أعلم حيث يجعل رسالته. # وقوله: {لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا} [الفرقان: 7] وذلك أنهم ~~قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: سل ربك أن ينزل معك ملكا يصدقك بما تقول ~~حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا، ويجعل لك جنانا وكنوزا يغنيك ~~بها عن طلب المعاش. # وهو قوله: {أو يلقى إليه كنز} [الفرقان: 8] قال ابن عباس، ومقاتل: أو ~~ينزل إليه مال من السماء. # {أو تكون له جنة} [الفرقان: 8] بستان، {يأكل منها} [الفرقان: 8] من ~~ثمارها، من قرأ بالنون أراد أنه يكون له بذلك مزية علينا في الفضل بأن نأكل ~~من جنته، {وقال الظالمون} [الفرقان: 8] المشركون للمؤمنين، {إن تتبعون إلا ~~رجلا مسحورا} [الفرقان: 8] ما تتبعون إلا مخدوعا مغلوبا على عقله. # {انظر} [الفرقان: 9] يا محمد، {كيف ضربوا لك الأمثال} [الفرقان: 9] يعني: ~~حين مثلوه بالمسحور وبالمحتاج المتروك والناقص عن القيام بالأمور، {فضلوا} ~~[الفرقان: 9] بهذا يعني الهدى، {فلا يستطيعون سبيلا} [الفرقان: 9] لا يجدون ~~إلى الحق طريقا، وقال مقاتل: لا يجدون مخرجا مما قالوا. # يعني أنهم كذبوا فيما زعموا فلزمهم ذلك الكذب، ولم يجدوا منه مخرجا، حجة ~~أو برهان. # ثم أخبر الله تعالى أنه لو شاء لأعطى نبيه صلى الله ms1302 عليه وسلم من الدنيا ~~خيرا مما قالوا، فقال تبارك وتعالى: {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ~~ذلك} [الفرقان: 10] الذي قالوا أو أفضل من الكنز والبستان الذي ذكروا، وهو ~~قوله: {جنات تجري من تحتها الأنهار} [الفرقان: 10] يعني: في الدنيا، لأنه ~~قد شاء أن يعطيه إياها في الآخرة، وقوله: {ويجعل لك قصورا} [الفرقان: 10] ~~من قرأ بالجزم كان المعنى: إن شاء يجعل لك قصورا، قال الزجاج: أي سيعطيك ~~الله في الآخرة أكثر مما قالوا. # ثم أخبر عن تكذيبهم بالبعث، وأوعدهم على ذلك بالنار، فقال: {بل كذبوا ~~بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا} [الفرقان: 11] نارا تتلظى. # ثم وصف ذلك السعير، فقال: {إذا رأتهم من مكان بعيد} [الفرقان: 12] قال ~~الكلبي، والسدي، ومقاتل: من مسيرة مائة عام. # {سمعوا لها تغيظا} [الفرقان: 12] أي: صوت تغيظ كالغضبان إذا غلا صدره من ~~الغيظ، وهو الغضب {وزفيرا} [الفرقان: 12] قال عبيد بن عمير: إن جهنم لتذفر ~~زفرة لا يبقى نبي ولا ملك مقرب إلا خر لوجهه. # {وإذا ألقوا منها} [الفرقان: 13] من جهنم، {مكانا ضيقا} [الفرقان: 13] ~~قال المفسرون: يضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح. # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: «والذي نفسي بيده إنهم ~~يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط» . # {مقرنين} [الفرقان: 13] قال مقاتل: موثقين في الحديد، قرنوا مع الشياطين، ~~{دعوا هنالك ثبورا} [الفرقان: 13] دعوا بالويل على أنفسهم والهلاك، كما ~~يقول القائل: # PageV03P335 # واهلاكاه. ### | 667 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن حمدانالعدل، أنا إسماعيل بن نجيد، أنا محمد ~~بن إبراهيم البوشنجي، نا عبيد الله بن محمد العبسي، أنا حماد بن سلمة، عن ~~علي بن زيد بن جدعان، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم: " أول من يكسى يوم القيامة إبليس حلة من النار، يضعها على حاجبيه، ~~فيسحبها من خلفه، وذريته من خلفه، وهو يقول: واثبوراه، وهم ينادون: يا ~~ثبورهم، حتى يقفوا على النار، فينادي: يا ثبوراه، وينادون: يا ثبورهم، ~~فيقول الله، عز وجل: لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا، وادعوا ثبورا ms1303 كثيرا " # قال الزجاج: أي هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة. # ثم ذكر ما وعد المؤمنين، فقال: {قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد ~~المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا {15} لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك ~~وعدا مسئولا {16} } [الفرقان: 15-16] {قل أذلك خير} [الفرقان: 15] يعني: ~~السعير خير، {أم جنة الخلد التي وعد المتقون} [الفرقان: 15] وهذا على ~~التنبيه على تفاوت ما بين المنزلتين لا على أن في السعير خير، وقوله: {كانت ~~لهم جزاء ومصيرا} [الفرقان: 15] أي: ثوابا ومرجعا. # {لهم فيها} [الفرقان: 16] أي أن في جنة الخلد، {ما يشاءون} [الفرقان: 16] ~~أي: القدر الذي يشاءون، {خالدين} [الفرقان: 16] كان ذلك الخلود والدخول، ~~{على ربك وعدا مسئولا} [الفرقان: 16] وذلك أن الله وعد المؤمنين الجنة على ~~لسان الرسل، فسألوه ذلك الوعد في الدنيا، فقالوا: {ربنا وآتنا ما وعدتنا ~~على رسلك} [آل عمران: 194] وقال القرظي: إن الملائكة تسأل لهم ذلك. # وهو قوله: {ربنا وأدخلهم جنات عدن} [غافر: 8] الآية. # {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم ~~هم ضلوا السبيل {17} قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من ~~أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا {18} فقد ~~كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا ~~كبيرا {19} } [الفرقان: 17-19] {ويوم يحشرهم} [الفرقان: 17] يجمعهم يعني: ~~كفار مكة والمشركين، ومن كان يعبد غير الله، {وما يعبدون من دون الله} ~~[الفرقان: 17] قال مجاهد: يعني عيسى وعزيرا والملائكة. # وقال عكرمة، والضحاك، والكلبي: يعني الأصنام. # ثم يأذن لها في الكلام ويخاطبها، {فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء} ~~[الفرقان: 17] أنتم أمرتموهم بعبادتكم؟ {أم هم ضلوا السبيل} [الفرقان: 17] ~~أم هم أخطأوا الطريق؟ {قالوا سبحانك} [الفرقان: 18] نزهوا الله من أن يكون ~~معه إله، {ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء} [الفرقان: 18] ما ~~كان ينبغي لنا أن نعبد غيرك ونتخذ غيرك وليا ومعبودا، أي: فكيف ندعو إلى ~~عبادتنا إذا كنا نحن لا نعبد غيرك، فذكر # PageV03P336 # من جواب المعبودين ما دل على ms1304 أنهم لم يأمروهم بعبادتهم. # ثم ذكر سبب تركهم الإيمان بالله بقولهم: {ولكن متعتهم وآباءهم} [الفرقان: ~~18] قال ابن عباس: أطلت لهم العمر، وأفضلت عليهم، ووسعت لهم في الرزق. # {حتى نسوا الذكر} [الفرقان: 18] تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن، {وكانوا ~~قوما بورا} [الفرقان: 18] فاسدين هالكين، قد غلب عليهم الشقاء والخذلان، ~~يقال: رجل بائر وقوم بور، وهو الفاسد الذي لا خير فيه. # فيقال للكفار حينئذ: {فقد كذبوكم بما تقولون} [الفرقان: 19] أن كذبكم ~~المعبودون بقولهم لكم أنهم آلهة شركاء لله، ومن قرأ بالياء كان المعنى: ~~كذبوهم بقولهم {سبحانك ما كان ينبغي لنا} [الفرقان: 18] الآية، وقوله: فما ~~يستطيعون صرفا أي: ما يستطيع المعبود صرف العذاب عنكم، ومن قرأ بالتاء ~~فالمعنى: ما تستطيعون أيها المتخذون الشركاء صرفا {ولا نصرا} [الفرقان: 19] ~~من العذاب لأنفسكم ولا أن تنصروا أنفسكم بمنعها من العذاب، وعلى قراءة ~~العامة: وإلا أن ينصروكم من عذاب الله وبدفعه عنكم، {ومن يظلم منكم} ~~[الفرقان: 19] يشرك بالله، {نذقه} [الفرقان: 19] في الآخرة، {عذابا كبيرا} ~~[الفرقان: 19] شديدا. # ثم رجع إلى مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم يعزيه، فقال: {وما أرسلنا ~~قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم ~~لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا} [الفرقان: 20] {وما أرسلنا قبلك من ~~المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام} [الفرقان: 20] كما تأكل أنت، {ويمشون في ~~الأسواق} [الفرقان: 20] قال الزجاج: هذا احتجاج عليهم في قولهم: ما لهذا ~~الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ فقيل لهم: كذلك كان من خلا من الرسل، ~~فكيف يكون محمد بدعا منهم. # وقوله: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة} [الفرقان: 20] بلية أبتلي الشريف ~~بالوضيع والعربي بالمولى، فإذا أراد الشريف أن يسلم ورأى الوضيع قد أسلم ~~قبله، أنف وقال: أسلم بعده فيكون له علي السابقة والفضل، فيقيم على كفره، ~~ويمتنع من الإسلام، فذلك افتتان بعضهم ببعض، وهذا قول الكلبي، واخيار ~~الفراء، والزجاج. # وقال مقاتل: هذا في ابتلاء فقراء المؤمنين بالمستهزئين من قريش، كانوا ~~يقولون: انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدا من موالينا ورذالينا، فقال ~~الله لهؤلاء الفقراء: {أتصبرون} [الفرقان: 20] على الأذى ms1305 والاستهزاء. # {وكان ربك بصيرا} [الفرقان: 20] أن صبرتم فصبروا، فأنزل الله فيهم {إني ~~جزيتهم اليوم بما صبروا} [المؤمنون: 111] ، {وكان ربك بصيرا} [الفرقان: 20] ~~عمن يجزع وعمن يصبر. # {وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد ~~استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا {21} يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ ~~للمجرمين ويقولون حجرا محجورا {22} وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه ~~هباء منثورا {23} أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا {24} } ~~[الفرقان: 21-24] # PageV03P337 # قوله: {وقال الذين لا يرجون لقاءنا} [الفرقان: 21] يخافون البعث، {لولا} ~~[الفرقان: 21] هلا، {أنزل علينا الملائكة} [الفرقان: 21] فكانوا رسلا ~~إلينا، {أو نرى ربنا} [الفرقان: 21] فيخبرنا أنك رسول، قال الله: {لقد ~~استكبروا في أنفسهم} [الفرقان: 21] تكبروا حيث سألوا من الآيات ما لم تسأله ~~آية، {وعتوا عتوا كبيرا} [الفرقان: 21] غلوا في القول غلوا شديدا حين ~~قالوا: نرى ربنا. # وإنما وصفوا بالعتو عند طلب الرؤية لأنهم طلبوها في الدنيا عنادا للحق ~~وإباء على الله ورسوله في طاعتهما، والعتو مجاوزة القدر في الظلم. # ثم أعلم الله أن الموقف الذي يرون فيه الملائكة هو يوم القيامة، وأن الله ~~حرمهم البشرى في ذلك اليوم، فقال: {يوم يرون الملائكة} [الفرقان: 22] يعني: ~~يوم القيامة، {لا بشرى يومئذ للمجرمين} [الفرقان: 22] لا بشارة لهم في ~~الجنة والثواب، قال الزجاج: والجرمون في هذا الموضع الذين اجترموا الكفر ~~بالله. # {ويقولون حجرا محجورا} [الفرقان: 22] قال عطاء، عن ابن عباس: تقول ~~الملائكة: حراما محرما أن يدخل الجنة إلا من قال لا إله إلا الله. # وقال مقاتل: إذا خرج الكفار من قبورهم قالت لهم الملائكة: حراما محرما ~~عليكم أيها المجرمون أن تكون لكم البشرى كما يبشر المؤمنون. # قوله: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل} [الفرقان: 23] أي: قصدنا وعمدنا، قال ~~ابن عباس: لم يكن الله غائبا عن أعمالهم، ولكن يريد وعمدنا إلى أعمالهم ~~التي عملوها في الدنيا، {فجعلناه هباء منثورا} [الفرقان: 23] قال ابن شميل: ~~الهباء التراب الذي تطيره الريح كأنه دخان. # وقال الزجاج: هو ما يدخل من الكوة مع ضوء الشمس، شبيه بالغبار. # وهذا قول المفسرين ms1306، والمنثور المفرق، والمعنى: إن الله أحبط أعمالهم حتى ~~صارت بمنزلة الهباء المنثور. # ثم ذكر فضل أهل الجنة على أهل النار فقال: {أصحاب الجنة يومئذ} [الفرقان: ~~24] يعني: يوم القيامة، {خير مستقرا} [الفرقان: 24] أفضل منزلا في الجنة، ~~{وأحسن مقيلا} [الفرقان: 24] موضع قائلة، قال الأزهري: القيلولة عند العرب ~~الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر، وإن لم يكن مع ذلك نوم، والدليل على ~~ذلك أن الجنة لا نوم فيها. # قال ابن مسعود، وابن عباس: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل أهل ~~الجنة في الجنة، وأهل النار في النار. # {ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا {25} الملك يومئذ الحق ~~للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا {26} ويوم يعض الظالم على يديه يقول ~~يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا {27} يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ~~{28} لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا {29} } ~~[الفرقان: 25-29] قوله: {ويوم تشقق السماء} [الفرقان: 25] عطف على قوله: ~~{يوم يرون الملائكة} [الفرقان: 22] وفي تشقق قراءتان: بتشديد الشين، ~~وتخفيفها، فمن شدد أدغم التاء في الشين، والأصل تتشقق، ومن خفف حذف ولم ~~يدغم. # وقوله: {السماء بالغمام} [الفرقان: 25] قال أبو علي الفارسي: تشقق السماء ~~وعليها غمام، كما تقول: ركب الأمير بسلاحه، وخرج بثيابه، أي وعليه سلاحه، ~~وإنما تتشقق سماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر ممن في الأرض من الجن ~~والإنس، ثم تشقق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر ممن في السماء الدنيا ~~ومن الجن والإنس، ثم كذلك حتى تشقق السماء السابعة، وأهل كل سماء يزيدون ~~على أهل السماء # PageV03P338 # التي قبلها. # {الملك يومئذ الحق للرحمن} [الفرقان: 26] أي: الملك الذي هو الملك حقا ~~ملك الرحمن يوم القيامة، قال ابن عباس: يريدون أن يوم القيامة لا ملك يقضي ~~غيره. # {وكان يوما على الكافرين عسيرا} [الفرقان: 26] عسر عليهم ذلك اليوم لشدته ~~ومشقته، ويهون على المؤمنين كأدنى صلاة صلوها في دار الدنيا، وفي الآية ~~تبشير للمؤمنين حيث خص الكافرين بشدة ذلك اليوم. # قوله: {ويوم يعض الظالم على يديه} [الفرقان: 27] قال مجاهد: إن عقبة بن ~~أبي ms1307 معيط دعا مجلسا فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لطعام، فأبى النبي صلى ~~الله عليه وسلم أن يأكل، وقال: لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني ~~رسول الله. # فشهد بذلك عقبة، فبلغ ذلك أبي بن خلف، وكان خليلا له، فقال: صبوت يا ~~عقبة. # فقال: لا والله ما صبوت، وإن أخاك على ما تعلم، ولكني صنعت طعاما فأبى أن ~~يأكل حتى قلت ذلك، وليس من نفسي. # فأنزل الله {ويوم يعض الظالم} [الفرقان: 27] يعني: عقبة على يديه تحسرا ~~وندما، قال عطاء: يأكل يديه حتى تذهبا إلى المرفقين، ثم تنبتان، لا يزال ~~هكذا كلما نبتت يده أكلها ندامة على ما فعل. # {يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا} [الفرقان: 27] ليتني اتبعت محمدا ~~واتخذت معه سبيلا إلى الهدى. # {يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا} [الفرقان: 28] يعني أبيا. # {لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني} [الفرقان: 29] صرفني وردني عن القرآن ~~والإيمان بعد إذ جاءني مع الرسول، وتم الكلام ههنا، ثم قال الله تعالى: ~~{وكان الشيطان للإنسان خذولا} [الفرقان: 29] يعني: الكافر يتبرأ منه يوم ~~القيامة. # قوله: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرءان مهجورا {30} وكذلك ~~جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا {31} } [الفرقان: ~~30-31] {وقال الرسول} [الفرقان: 30] يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم يشكو ~~قومه إلى الله، {يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرءان مهجورا} [الفرقان: 30] ~~قال ابن عباس: هجروا القرآن وهجروني وكذبوني. # وقال مقاتل: تركوا الإيمان بالقرآن وجانبوه. # والمعنى: جعلوه مهجورا متروكا لا يستمعونه ولا يتفهمونه. # فعزاه الله عز وجل، فقال: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين} ~~[الفرقان: 31] أي: وكما جعلنا لك يا محمد أعداء من مشركي قومك، كذلك جعلنا ~~لكل نبي عدوا من كفار قومه، قال مقاتل: يقول لا يكبرن عليك فإن الأنبياء ~~قبلك قد لقيت هذا التكذيب من قومهم. # {وكفى بربك هاديا ونصيرا} [الفرقان: 31] هاديا لك وناصرا لك على أعدائك. # قوله: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرءان جملة واحدة كذلك لنثبت به ~~فؤادك ms1308 ورتلناه ترتيلا {32} ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ~~{33} الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا {34} } ~~[الفرقان: 32-34] {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرءان جملة واحدة} ~~[الفرقان: 32] قال الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هلا أتيتنا بقرآن # PageV03P339 # جملة واحدة كما أنزلت التوراة والإنجيل والزبور. # والمعنى: هلا نزل عليه القرآن في وقت واحد، قال الله تعالى: {كذلك} ~~[الفرقان: 32] أي: أنزلناه متفرقا، {لنثبت به فؤادك} [الفرقان: 32] لنقوي ~~به قلبك فيزداد بصيرة، وذلك أنه إذا كان يأتيه الوحي متجددا في كل أمر ~~وحادثة كان ذلك أزيد في بصيرته وأقوى لقلبه، {ورتلناه ترتيلا} [الفرقان: ~~32] قال ابن عباس: بيناه تبيينا. # وقال السدي: فصلناه تفصيلا. # وقال مجاهد: بعضه في إثر بعض. # قال ابن الأعرابي: ما أعلم الترتيل إلا التحقيق والتبيين. # قوله: {ولا يأتونك} [الفرقان: 33] يعني المشركين، {بمثل} [الفرقان: 33] ~~يضربونه لك في إبطال أمرك ومخاصمتك، {إلا جئناك بالحق} [الفرقان: 33] بالذي ~~هو الحق لترد به خصومتهم وتبطل به كيدهم، {وأحسن تفسيرا} [الفرقان: 33] مما ~~أتوا به من المثل، أي بيانا وكشفا، والتفسير: تفصيل من الفسر، وهو كشف ما ~~غطي. # قوله: {الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم} [الفرقان: 34] قال مقاتل: هم ~~كفار مكة، وذلك أنهم قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأصحابه: هم شر خلق ~~الله. # فقال الله: {أولئك شر مكانا} [الفرقان: 34] منزلا ومصيرا، {وأضل سبيلا} ~~[الفرقان: 34] دينا وطريقا من المؤمنين. ### | 668 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي، نا محمد بن إبراهيم المحاملي، أنا ~~محمد بن إبراهيم البوشنجي، أنا أحمد بن حنبل، نا يونس بن محمد، نا شيبان، ~~عن قتادة، عن أنس، أن رجلا قال: يا نبي الله، كيف يحشر الكافر على وجهه يوم ~~القيامة؟ قال: إن الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادر على أن يمشيه على ~~وجهه يوم القيامة، رواه البخاري، عن عبد الله بن محمد، عن يونس بن محمد # {ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا {35} فقلنا اذهبا ~~إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا {36} وقوم نوح لما كذبوا ~~الرسل أغرقناهم ms1309 وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما {37} ~~وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا {38} وكلا ضربنا له الأمثال ~~وكلا تبرنا تتبيرا {39} ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم ~~يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا {40} } [الفرقان: 35-40] قوله: ~~{ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا} [الفرقان: 35] قال ~~مقاتل، والكلبي: معينا على الرسالة. # {فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا} [الفرقان: 36] يعني: فرعون ~~وقومه، وذلك أنهم كانوا مكذبين أنبياء الله وكتبه، {فدمرناهم تدميرا} ~~[الفرقان: 36] أهلكناهم بالعذاب إهلاكا. # {وقوم نوح لما كذبوا الرسل} [الفرقان: 37] قال الزجاج: من كذب نبيا فقد ~~كذب جميع الأنبياء. # {أغرقناهم} [الفرقان: 37] بالطوفان، {وجعلناهم للناس} [الفرقان: 37] من ~~بعدهم، {آية} [الفرقان: 37] عبرة ودلالة على قدرتنا، قال ابن عباس: وهذا ~~تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم، وتخويف للمشركين. # {وأعتدنا للظالمين عذابا أليما} [الفرقان: 37] سوى ما حل بهم في الدنيا. # وقوله: {وعادا وثمود} [الفرقان: 38] تقدم تفسيره، {وأصحاب الرس} ~~[الفرقان: 38] قال السدي: هو بئر بأنطاكية، قتلوا فيها حبيبا النجار، ~~فنسبوا إليها. # وهذا قول ابن عباس في رواية عكرمة، قال: سألته عن أصحاب الرس. # فقال: هم الذين قتلوا صاحب ياسين الذي قال: {يا قوم اتبعوا المرسلين} ~~[يس: 20] ورسوه # PageV03P340 # في بئر لهم يقال له الرس، أي دسوه فيها. # وقال قتادة: حدثنا أن أصحاب الرس كانوا أهل فلج باليمامة، وآبار كانوا ~~عليها. # وقال وهب: كانوا أهل بئر نزولا عليها، وأصحاب مواشي، فكذبوا شعيبا، ~~فانهارت البئر بهم وبمنازلهم، فهلكوا جميعا. # وقوله: {وقرونا بين ذلك كثيرا} [الفرقان: 38] أي: وأهلكنا قرونا بين عاد ~~إلى أصحاب الرس. # {وكلا ضربنا له الأمثال} [الفرقان: 39] قال مقاتل: وكلا بينا لهم أن ~~العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا. # {وكلا تبرنا تتبيرا} [الفرقان: 39] أهلكنا بالعذاب إهلاكا، قال الزجاج: ~~وكل شيء كسرته وفتته فقد تبرته. # {ولقد أتوا} [الفرقان: 40] يعني: كفار مكة، {على القرية} [الفرقان: 40] ~~يعني: قرية لوط، {التي أمطرت مطر السوء} [الفرقان: 40] يعني: الحجارة، ~~{أفلم يكونوا يرونها} [الفرقان: 40] في أسفارهم إذا مروا بها فيخافوا ~~ويعتبروا، ثم أخبر أن الذي جرأهم على التكذيب ms1310 أنهم لا يصدقون بالبعث، فقال: ~~{بل كانوا لا يرجون نشورا} [الفرقان: 40] لا يخافون بعثا ولا يصدقون به. # قوله: {وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا {41} إن ~~كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من ~~أضل سبيلا {42} أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا {43} أم ~~تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا {44} ~~} [الفرقان: 41-44] {وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا} [الفرقان: 41] وما ~~يتخذونك إلا مهزوءا به، ثم ذكر ما يقولون من الاستهزاء، فقال: {أهذا الذي ~~بعث الله رسولا} [الفرقان: 41] أي: إذا رأوك قالوا: أهذا الذي بعثه الله ~~إلينا رسولا؟ {إن كاد ليضلنا عن آلهتنا} [الفرقان: 42] قال ابن عباس: لقد ~~كاد أن يصرفنا عن عبادة آلهتنا. # {لولا أن صبرنا عليها} [الفرقان: 42] أي: على عبادتها، قال الله: {وسوف ~~يعلمون حين يرون العذاب} [الفرقان: 42] في الآخرة عيانا، {من أضل سبيلا} ~~[الفرقان: 42] من أخطأ طريقا عن الهدى، أهم أم المؤمنون؟ ثم عجب نبيه صلى ~~الله عليه وسلم من نهاية جهلهم حين عبدوا ما دعاهم إليه الهوى، فقال: ~~{أرأيت من اتخذ إلهه هواه} [الفرقان: 43] قال عطاء، عن ابن عباس: أرأيت من ~~ترك عبادة إلهه وخالفه، ثم هوى حجرا فعبده، ما حاله عندي؟ قال مقاتل: وذلك ~~إن الحارث بن قيس السهمي هوي حجرا فعبده. # وقال سعيد بن جبير: كان أهل الجاهلية ليعبدون الحجر، فإذا رأوا أحسن منه ~~أخذوه وتركوا الأول. # وقال الحسن: يقول: لا يهوى شيئا إلا اتبعه. # وقال ابن قتيبة: يقول: يتبع هواه ويدع الحق فهو كالإله له. # والمعنى أنه أطاع هواه وركبه فلم يبال عاقبة ذلك، وقوله: {أفأنت تكون ~~عليه وكيلا} [الفرقان: 43] أي: أفأنت عليه كفيل حافظ يحفظه عليه من أتباع ~~هواه وعبادة ما يهوى من دون الله، أي: ليست كذلك، قال الكلبي: نسختها آية ~~القتال. # {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ~~سبيلا} [الفرقان: 44] . # PageV03P341 # {ألم تر إلى ربك كيف ms1311 مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه ~~دليلا {45} ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا {46} وهو الذي جعل لكم الليل لباسا ~~والنوم سباتا وجعل النهار نشورا {47} } [الفرقان: 45-47] قوله: {ألم تر إلى ~~ربك كيف مد الظل} [الفرقان: 45] قال مقاتل: ألم تر إلى فعل ربك، ثم حذف ~~المضاف. # وقال الزجاج: ألم تر ألم تعلم، وهذا من رؤية القلب. # وذكر أن هذا على القلب بتقدير ألم تر إلى الظل كيف مده ربك، يعني: الظل ~~من وقت الإسفار إلى طلوع الشمس، وهو ظل لا شمس معه، فهو ظل ممدود. # {ولو شاء} [الفرقان: 45] الله، {لجعله ساكنا} [الفرقان: 45] دائما لا ~~يزول ولا تنسخه الشمس، ومعنى ساكنا: مقيما، كما يقال فلان: يسكن بلد كذا ~~إذا قام به. # وقوله: {ثم جعلنا الشمس عليه دليلا} [الفرقان: 45] قال ابن عباس: تدل ~~الشمس على الظل، يعني أنه لولا الشمس لما عرف الظل، ولولا النور لما عرفت ~~الظلمة، فكل الأشياء تعرف بأضدادها. # وقوله: {ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا} [الفرقان: 46] قال الكلبي: إذا طلعت ~~الشمس قبض الله الظل قبضا خفيا. # والمعنى: ثم جمعنا أجزاء الظل المنبسط بتسليط الشمس عليه حتى تنسخه شيئا ~~فشيئا. # قوله: {وهو الذي جعل لكم الليل لباسا} [الفرقان: 47] يعني أن ظلمته تلبس ~~كل شخص وتغشاه كاللباس الذي يشتمل على لابسه، والله تعالى ألبسنا الليل ~~وغشاناه لنسكن فيه، كما قال: {هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه} [يونس: ~~67] وقوله: {والنوم سباتا} [الفرقان: 47] قال الزجاج: السبات أن تنقطع عن ~~الحركة والروح في يديه. # أي: جعلنا نومكم راحة لكم. # {وجعل النهار نشورا} [الفرقان: 47] قال ابن عباس، ومقاتل: ينتشرون فيه ~~لابتغاء الرزق. # والنشور ههنا معناه التفرق والانبساط في التصرف. # {وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا ~~{48} لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا {49} ولقد ~~صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا {50} } [الفرقان: 48-50] ~~{وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته} [الفرقان: 48] سبق الكلام فيه ~~في { [الأعراف وقوله:] وأنزلنا من السماء ماء طهورا} [سورة ms1312 الفرقان: 48] ~~قال الأزهري: الطهور في اللغة الطاهر المطهر، والطهور ما يتطهر به، كالوضوء ~~الذي يتوضأ به، والفطور ما يفطر عليه، ومنه الحديث: «هو الطهور ماؤه» . # قال ابن عباس: يريد المطر. # وقال مقاتل: طهورا للمؤمنين. # {لنحيي به بلدة ميتا} [الفرقان: 49] لنحيي بالمطر بلدة ليس فيها نبت، قال ~~ابن عباس: لنخرج به النبات والثمار، وإنما قال ميتا لأنه أريد بالبلدة ~~المكان. # {ونسقيه مما خلقنا أنعاما} [الفرقان: 49] أي: ونسقي من ذلك الماء أنعاما ~~وبشرا كثيرا، وهو قوله: {وأناسي كثيرا} [الفرقان: 49] واحدها إنس. # {ولقد صرفناه بينهم} [الفرقان: 50] أي: صرفنا الماء المنزل من السماء مرة ~~لبلدة ومرة لبلدة أخرى. # قال ابن عباس: ما عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه في الأرض. # ثم قرأ هذه الآية، وهذا كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ما ~~من سنة بأمطر من أخرى ولكن إذا عمل قوم # PageV03P342 # بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم، فإذا عصوا جميعا صرف الله ذلك إلى ~~الفيافي والبحار» . # وقوله: {ليذكروا} [الفرقان: 50] أي: ليتفكروا في قدرة الله وموضع النعمة ~~منه بما أحيا بلادهم به من الغيث، ويحمدوه على ذلك. # ومن قرأ بالتخفيف فمعناه: ليذكروا موضع النعمة به فيشكروه، {فأبى أكثر ~~الناس إلا كفورا} [الفرقان: 50] إلا كفرا بالله وبنعمته، وهم الذين يقولون: ~~مطرنا بنوء كذا. # وقوله: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا {51} فلا تطع الكافرين وجاهدهم ~~به جهادا كبيرا {52} وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل ~~بينهما برزخا وحجرا محجورا {53} وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا ~~وصهرا وكان ربك قديرا {54} } [الفرقان: 51-54] {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية ~~نذيرا} [الفرقان: 51] ينذرهم، ولكن بعثناك إلى القرى كلها رسولا لعظم ~~كرامتك لدينا. # {فلا تطع الكافرين} [الفرقان: 52] وذلك حين دعي إلى دين آبائه، {وجاهدهم ~~به} [الفرقان: 52] بالقرآن، {جهادا كبيرا} [الفرقان: 52] تاما شديدا. # {وهو الذي مرج البحرين} [الفرقان: 53] أرسلهما في مجاريهما، أو خلاهما ~~كما ترسل الخيل في المرج، وهما يلتقيان فلا يختلط الملح بالعذب ولا العذب ~~بالملح، وهو قوله: {هذا} [الفرقان: 53] يعني ms1313: أحد البحرين، {عذب} [الفرقان: ~~53] طيب، يقال: عذب عذوبة فهو عذب. # {فرات} [الفرقان: 53] الفرات أعذب المياه، يقال: فرت الماء يفرت فروتة ~~إذا عذب، فهو فرات. # {وهذا ملح أجاج} [الفرقان: 53] شديد الملوحة، {وجعل بينهما برزخا} ~~[الفرقان: 53] حاجزا من قدرة الله، {وحجرا محجورا} [الفرقان: 53] حراما أن ~~يفسد الملح العذب. # {وهو الذي خلق من الماء بشرا} [الفرقان: 54] خلق من النطفة إنسانا، ~~{فجعله نسبا وصهرا} [الفرقان: 54] الصهر حرمة الختونة، والمعنى: فجعله ذا ~~نسب وصهر، قال المفسرون: النسب سبعة أصناف من القرابة، يجمعها قوله: {حرمت ~~عليكم أمهاتكم} [النساء: 23] إلى قوله: {وأمهات نسائكم} [النساء: 23] ومن ~~هنا إلى قوله: {وأن تجمعوا بين الأختين} [النساء: 23] تحريم الصهر، وهو ~~الخلطة التي تشبه القرابة، وهو السبب المحرم للنكاح كالنسب المحرم، حرم ~~الله سبعة أصناف من النسب، وسبعة من جهة الصهر، ستة في الآية التي ذكر فيها ~~المحرمات، والسابقة في قوله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} ~~[النساء: 22] . # {وكان ربك قديرا} [الفرقان: 54] على ما أراد. # قوله: {ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ~~ظهيرا {55} وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا {56} قل ما أسألكم عليه من أجر ~~إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا {57} وتوكل على # PageV03P343 # الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا {58} الذي خلق ~~السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به ~~خبيرا {59} وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا ~~وزادهم نفورا {60} } [الفرقان: 55-60] {ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم} ~~[الفرقان: 55] أن عبدوه، {ولا يضرهم} [الفرقان: 55] إن لم يعبدوه، {وكان ~~الكافر على ربه ظهيرا} [الفرقان: 55] الظهير: العون المعين، قال الحسن: ~~عونا للشيطان على ربه بالمعاصي. # وقال الزجاج: لأنه يتابع الشيطان ويعاونه على معصية الله، لأن عبادتهم ~~الأصنام معاونة للشيطان. # قال المفسرون: عنى بالكافر أبا جهل. # {وما أرسلناك إلا مبشرا} [الفرقان: 56] بالجنة، {ونذيرا} [الفرقان: 56] ~~من النار. # {قل ما أسألكم عليه} [الفرقان: 57] على القرآن وتبليغ الوحي، {من أجر} ~~[الفرقان: 57] وفي هذه تأكيد لصدقه ms1314، لأنه لو طلب على دعائهم إلى الله شيئا ~~من أموالهم لقالوا: إنما تطلب أموالنا. # وقوله: {إلا من شاء} [الفرقان: 57] معناه لكن من شاء، {أن يتخذ إلى ربه ~~سبيلا} [الفرقان: 57] بإنفاق ما له فعل ذلك، والمعنى: لا أسئلكم لنفسي ~~أجرا، ولكن لا أمنع من إنفاق المال في طلب مرضاة الله واتخاذ السبيل إلى ~~مرضاة الله. # قوله: {وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده ~~خبيرا} [الفرقان: 58] تفسير هذه الآية ظاهر. # وقوله: {الذي خلق السموات} [الفرقان: 59] مفسر في { [الأعراف إلى قوله:] ~~فاسأل به خبيرا} [سورة الفرقان: 59] قال الكلبي: يقول: فاسأل الخبير بذلك. # يعني بها: ذكر من خلق السموات والأرض والاستواء على العرش، وهذا الخطاب ~~ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به غيره، كقوله: {فإن كنت في شك ~~مما أنزلنا إليك} [يونس: 94] الآية. # قوله: {وإذا قيل لهم} [الفرقان: 60] لكفار مكة، {اسجدوا للرحمن قالوا وما ~~الرحمن} [الفرقان: 60] قال المفسرون: إنهم قالوا ما نعرف الرحمن إلا رحمن ~~اليمامة، يعنون مسيلمة. # قال الزجاج: الرحمن اسم من أسماء الله مذكور في الكتب الأولى، ولكنهم لم ~~يكونوا يعرفونه من أسماء الله، فلما سمعوه أنكروه. # ف {قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا} [الفرقان: 60] استفهام إنكاري، ~~أي: لا نسجد للرحمن الذي تأمرنا بالسجود له. # ومن قرأ بالياء بالمعنى: أنسجد لما يأمرنا، محمد بالسجود له. # {وزادهم نفورا} [الفرقان: 60] قال مقاتل: زادهم ذكر الرحمن تباعدا من ~~الإيمان. # قوله: {تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا {61} ~~وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا {62} } ~~[الفرقان: 61-62] {تبارك الذي جعل في السماء بروجا} [الفرقان: 61] قال ~~عطاء، عن ابن عباس: يريد بروج النجوم، يعني منازلها الاثني عشر. # وقال الحسن، ومجاهد: هي النجوم الكبار. # وهو قول قتادة، سميت بروجا لظهورها. # {وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا} [الفرقان: 61] يعني الشمس، كقوله: {وجعل ~~الشمس سراجا} [نوح: 16] وقرأ حمزة سرجا قال الزجاج: أراد بالشمس # PageV03P344 # والكواكب معها، ومن حجة هذه القراءة قوله: {ولقد زينا السماء الدنيا ~~بمصابيح} [الملك ms1315: 5] . # {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة} [الفرقان: 62] قال أبو عبيدة: الخلفة ~~كل شيء بعد شيء، الليل خلفة للنهار، والنهار خلفة لليل، لأن أحدهما يخلف ~~الآخر ويأتي بعده. # قال الفراء: يقول: يذهب هذا ويجيء هذا. # وقال ابن زيد: يخلف أحدهما صاحبه، إذا ذهب أحدهما جاء الآخر، فهما ~~يتعاقبان. # وقال قتادة: إن المؤمن قد ينسى بالليل ويتذكر بالنهار، وينسى بالنهار ~~ويذكر بالليل. # وقال الحسن: جعل أحدهما خلفا للآخر، فإن فات رجلا من النهار شيء أدركه ~~بالليل، وإن فاته شيء بالليل أدركه بالنهار. # وهو قوله: {لمن أراد أن يذكر} [الفرقان: 62] وقرأ حمزة مخففا على معنى ~~أنه يذكر الله بتسبيحه فيهما، قال الفراء: ويذكر ويتذكر يأتيان بمعنى واحد، ~~قال الله تعالى: {واذكروا ما فيه} [البقرة: 63] وفي حرف عبد الله وتذكروا ~~ما فيه. # وفي جعل الله تعالى الليل والنهار متعاقبين يخلف أحدهما صاحبه اعتبار ~~واستدلال على قدرته، ومتسع لذكره وطاعته أيضا. # وقوله: {أو أراد شكورا} [الفرقان: 62] يقال: شكر يشكر شكورا وشكرا، ومنه ~~قوله: {لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} [الإنسان: 9] قال ابن عباس: يريد لمن ~~أراد أن يتعظ ويطيعني. # وقال مجاهد: شكر نعمة ربه عليه فيهما. # {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا ~~سلاما {63} والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما {64} والذين يقولون ربنا اصرف ~~عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما {65} إنها ساءت مستقرا ومقاما {66} ~~والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما {67} } ~~[الفرقان: 63-67] قوله: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} ~~[الفرقان: 63] الهون: مصدر الهين في السكينة والوقار، يقال: هو يمشي هونا. # قال الحسن، وعطاء، والضحاك، ومقاتل: حلماء متواضعين يمشون في اقتصاد. # وقال قتادة: تواضعا لله لعظمته. # {وإذا خاطبهم الجاهلون} [الفرقان: 63] يعني السفهاء، {قالوا سلاما} ~~[الفرقان: 63] قال ابن عباس: لا يجهلون مع من يجهل. # وقال الحسن: يقول: إن جهل عليهم جاهل حلموا ولم يجهلوا. # وقال قتادة: كانوا لا يتجاهلون أهل الجهل. # وقال مقاتل بن حيان: قالوا سلاما. # أي: قولا يسلمون فيه من الإثم. # قال الحسن: هذا صفة نهارهم ms1316 إذا انتشروا في الناس، وليلهم خير ليل إذا ~~خلوا فيما بينهم وبين ربهم، يراوحون بين أطرافهم. # وهو قوله: {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} [الفرقان: 64] قال الزجاج: ~~كل من أدركه الليل فقد بات، يبيت نام أو لم ينم، يقال: بات فلانا قلقا، ~~والمعنى: يبيتون لربهم بالليل في الصلاة سجدا وقياما. # وذكر الكلبي، عن ابن عباس، قال: من صلى ركعتين أو أكثر بعد العشاء فقد ~~بات لله ساجدا وقائما. # {والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما} [الفرقان: ~~65] الغرام: العذاب اللازم أو الشر اللازم. # قال مقاتل: إن عذابها لازم كلزوم الغريم للغريم. # وقال الزجاج: الغرام أشد العذاب. # {إنها ساءت مستقرا ومقاما} [الفرقان: 66] إن جهنم بئس موضع قرار # PageV03P345 # وإقامة هي. # {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} [الفرقان: 67] يقال: قتر الرجل ~~على عياله يقتر، وقتر قترا، وأقتر اقتارا، إذا ضيق ولم ينفق إلا قدر ما ~~يمسك الرمق. # قال أبو عبيدة: وهي ثلاث لغات معناها لم يضيقوا في الإنفاق. # {وكان بين ذلك قواما} [الفرقان: 67] أي: كان إنفاقهم بين الإسراف ~~والإقتار لا إسرافا يدخل في حد التبذير، ولا تطبيقا يصبر به في حد المانع ~~لما يجب، وهذا هو المحمود من النفقة. # وعد عمر رضي الله عنه من الإسراف أن لا يشتهي الرجل شيئا إلا أكله، وقال: ~~كفى بالمرء سرفا أن يأكل كلما يشتهي. # وقال قتادة: الإسراف النفقة في معصية الله، والإقتار الإمساك عن حق الله، ~~والقوام من العيش ما أقامك وأغناك. # قوله: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله ~~إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما {68} يضاعف له العذاب يوم ~~القيامة ويخلد فيه مهانا {69} إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل ~~الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما {70} ومن تاب وعمل صالحا فإنه ~~يتوب إلى الله متابا {71} } [الفرقان: 68-71] {والذين لا يدعون مع الله ~~إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون} [الفرقان: ~~68] روى سعيد بن جبير، عن ابن ms1317 عباس، أن ناسا من أهل الشرك قتلوا وزنوا ~~وأكثروا، ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن الذي تدعوا إليه ~~لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة. # فنزلت هذه الآية. ### | 669 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، نا والدي، أنا محمد بن إسحاق ~~الثقفي، نا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، نا جرير، عن منصور عن أبي وائل، عن ~~عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله بن مسعود، قال: سألت رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال: " أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قال: قلت: ثم أي؟ ~~قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة ~~جارك، فأنزل الله تصديقها: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون ~~النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون "، رواه البخاري، ومسلم، عن عثمان ~~ابن أبي شيبة، عن جرير # وقوله:} ومن يفعل ذلك { [الفرقان: 68] قال مقاتل: هذه الخصال جميعا. # } يلق أثاما { [الفرقان: 68] أي: عقوبة وجزاء لما فعل. # قال الفراء: آثمه الله إثما وأثاما، أي جازاه جزاء الإثم. # وقال المفسرون: أثام واد في جهنم من دم وقيح. # ثم ذكر ما يجازى به، وفسر لقي الآثام بقوله:} يضاعف له العذاب يوم ~~القيامة ويخلد فيه مهانا { [الفرقان: 69] ومن رفع} يضاعف { [الفرقان: 69] ~~،} ويخلد { [الفرقان: 69] استأنف وقطعه مما قبله. # قوله:} إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا [الفرقان: 70] قال ابن عباس: ~~نزلت هذه الآية بمكة، وكان المشركون قالوا: ما يغني عنا الإسلام وقد عدلنا ~~بالله، وقتلنا النفس التي حرم الله، وآتينا الفواحش، فنزلت هذه الآية. ### | 670 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أنا أبو الحسن السراج، نا محمد بن عبد الله ~~الحضرمي، نا إبراهيم بن محمد بن عباس # PageV03P346 # الشافعي، نا عبد الله بن رجاء، عن عبيد الله بن عمر، عن علي بن زيد بن ~~جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: قرأنا على عهد رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم، سنتين {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون ms1318 النفس ~~التي حرم الله} . . . . الآية، ثم نزلت: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا} ~~، فما رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرح بشيء فرحه بها، وب: إنا ~~فتحنا لك فتحا مبينا، قال قتادة: إلا من تاب من ذنبه، وآمن بربه، وعمل عملا ~~صالحا فيما بينه وبين ربه # {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} [الفرقان: 70] ~~قال: التبديل في الدنيا طاعة الله بعد عصيانه، وذكر الله بعد نسيانه، ~~والخير يعمله بعد الشر. # وقال الحسن: أبدلهم بالعمل السيئ العمل الصالح، وبالشرك إخلاصا وإسلاما، ~~وبالفجور إحصانا. # وقال ابن عباس، ومجاهد، والسدي: يبدل الله سيآتهم يبدلهم الله بقبائح ~~أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام بالشرك إيمانا، وبقتل النفس ~~التي حرم الله قتل المشركين، وبالزنا عفة وإحصانا. # وذهب قوم إلى أن الله تعالى يمحو السيئة عن العبد ويثبت له بدلها الحسنة، ~~وهو قول سعيد بن المسيب، ومكحول، وعمرو بن ميمون، واحتجوا بالحديث الصحيح ~~الذي ### | 671 - # أخبرناه أبو منصور بن طاهر التميمي، أنا أبو عمر بن مطر، نا إبراهيم بن ~~علي الذهلي، نا يحيى بن يحيى، نا وكيع، عن الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن ~~أبي ذر، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يؤتى بالرجل يوم القيامة ~~فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، ويخبأ عنه كبارها، فيقال: عملت يوم كذا كذا ~~وكذا، وهو مقر لا ينكر، وهو مشفق من الكبار، فيقال: أعطوه مكان كل سيئة ~~عملها حسنة، فيقول: إن لي كبار ذنوب ما أراها ههنا، قال: فلقد رأيت رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم، يضحك حتى بدت نواجده، رواه مسلم، عن ابن نمير، ~~عن أبيه، عن الأعمش ### | 672 - # أخبرنا أحمد بن إبراهيم المهرجاني، أنا عبيد الله بن محمد بن بطة، نا أبو ~~القاسم ابن بنت منيع، أنا محمد بن هارون الجدي، نا أبو المغيرة الحمصي، نا ~~صفوان بن عمرو، نا عبد الرحمن بن جبير، أن رجلا أتى النبي، صلى الله عليه ~~وسلم، طويل شطب ممدود، فقال: " أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها فلم يترك ms1319 منها ~~وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا اقتطعها بيمينه، فهل لذلك من توبة؟ ~~قال: هل أسلمت؟ قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ~~وأنك رسول الله، قال: نعم، تفعل الخيرات، وتترك الشرات يجعلهن الله لك ~~خيرات، قال: وغدراتي وفجراتي؟ قال: نعم، فقال: الله أكبر، فما زال يكبر حتى ~~توارى " # قوله: {ومن تاب وعمل صالحا} [الفرقان: 71] قال ابن عباس في رواية عطاء: ~~ومن آمن. # يعني: ممن لم يقتل، ولم يزن وعمل # PageV03P347 # صالحا، يريد الفرائض، فإنه يتوب إلى الله متابا. # قال: يريد أني فضلتهم وقدمتهم على من قاتل نبيي، واستحل محارمي. # وعلى هذا معنى الآية: ومن تاب من الشرك وعمل صالحا، ولم يكن من القبيل ~~الذين زنوا وقتلوا، فإنه يتوب إلى الله، أي يعود إليه بعد الموت، متابا ~~حسنا، يفضل على غيره ممن قتل وزنا، فالتوبة الأولى رجوع عن الشرك، والثانية ~~رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة. # {والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما {72} والذين إذا ~~ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا {73} والذين يقولون ربنا هب ~~لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما {74} } [الفرقان: ~~72-74] وقوله: {والذين لا يشهدون الزور} [الفرقان: 72] أكثر المفسرين على ~~أن الزور ههنا بمعنى الشرك، قال الزجاج: الزور في اللغة الكذب، ولا كذب فوق ~~الشرك بالله. # وقال قتادة: لا يشهدون الزور، لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم. # وقال محمد ابن الحنفية: لا يشهدون الزور، اللهو والغناء. # وقال علي بن أبي طلحة: يعني شهادة الزور. # وقوله: {وإذا مروا باللغو} [الفرقان: 72] يعني: بالمعاصي كلها، قاله ~~الحسن، والكلبي. # {مروا كراما} [الفرقان: 72] مروا مر الكرماء الذين لا يرضون باللغو، ~~لأنهم يجلون عن الدخول فيه، والاختلاط بأهله، يقال: تكرم فلان عما يشينه ~~إذا تنزه وأكرم نفسه عنه. # والمعنى: مروا منزهين أنفسهم، معرضين عنه، ويكون التقدير وإذا مروا بأهل ~~اللغو وذوي اللغو مروا كراما، فلم يجاوروهم فيه، ولم يخوضوا معهم فيه. # {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم} [الفرقان: 73] قال مقاتل: إذا وعظوا ms1320 ~~بالقرآن. # {لم يخروا عليها صما وعميانا} [الفرقان: 73] يقول: لم يقعوا عليها صما لم ~~يسمعوها، وعميا لم يبصروها، ولكنهم سمعوا وأبصروا وانتفعوا بها. # وقال ابن قتيبة: لم يتغافلوا عنها كأنهم صم لم يسمعوها، وعمي لم يروها. # وقال الحسن: كم من قارئ يقرأها يخر عليها أصم أعمى. # {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا} [الفرقان: 74] الذرية ~~تكون واحدا وجمعا، فكونها للواحد قوله: {رب هب لي من لدنك ذرية طيبة} [آل ~~عمران: 38] ، وكونها للجمع قوله: {ذرية ضعافا} [النساء: 9] فمن أفرد في هذه ~~الآية استغنى عن جمعها لما كانت للجمع، ومن جمع فلأن الأسماء التي للجمع قد ~~تجمع، نحو: قوم وأقوام، ورهط وأرهاط. # وقوله: {قرة أعين} [الفرقان: 74] القرة مصدر، يقال: # PageV03P348 # قرت عينه قرة. # قال ابن عباس: يريد أبرارا أتقياء. # وقال مقاتل: يقولون: اجعلهم صالحين فتقر أعيننا بذلك. # وقال القرظي: ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين ~~لله. # وقوله: {واجعلنا للمتقين إماما} [الفرقان: 74] أي: يقتدى بنا في الخير، ~~قال مكحول: أئمة في التقوى يقتدي بنا المتقون. # وقال قتادة: قادة في الخير. # قال الفراء: إنما قال إماما ولم يقل أئمة، كما قال: {إنا رسول رب ~~العالمين} [الشعراء: 16] للاثنين، يعني أنه من الواحد الذي أريد به الجمع. # قال مقاتل: أخبر الله تعالى عن أعمالهم، ثم أخبر عن ثوابهم، فقال: {أولئك ~~يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما {75} خالدين فيها حسنت ~~مستقرا ومقاما {76} قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون ~~لزاما {77} } [الفرقان: 75-77] {أولئك يجزون الغرفة} [الفرقان: 75] وهي كل ~~بناء عال مرتفع، قال مقاتل: يعني غرف الجنة. # وقال عطاء: يريد غرف الزبرجد والدر والياقوت. # {بما صبروا} [الفرقان: 75] أي: على دينهم، وعلى أذى المشركين، وقال ~~مقاتل: على أمر الله. # {ويلقون فيها} [الفرقان: 75] وقرئ بالتخفيف، فمن شدد فحجته قوله: {ولقاهم ~~نضرة} [الإنسان: 11] ، ومن خفف فحجته قوله: {فسوف يلقون غيا} [مريم: 59] . # وقوله: {تحية وسلاما} [الفرقان: 75] يحيي بعضهم بعضا بالسلام، ويرسل ~~إليهم الرب تعالى بالسلام. # قوله: {خالدين} [الفرقان: 76] مقيمين، {فيها} [الفرقان: 76] من غير ms1321 موت ~~ولا زوال، {حسنت} [الفرقان: 76] الغرف، {مستقرا ومقاما} [الفرقان: 76] . # قوله: {قل ما يعبأ بكم ربي} [الفرقان: 77] العبوء قلة المبالاة، يقال: ~~عبأ عبئا ومعابأة. # قال أبو عبيدة: يقال: ما عبأت به شيئا، أي: لم أعره اهتماما، فوجوده ~~وعدمه عندي سواء. # وقال الزجاج: تأويل {ما يعبأ بكم} [الفرقان: 77] أي: وزن يكون لكم عنده. # وقال مجاهد: ما يفعل بكم ربي. # وقال ابن عباس: ما يصنع بكم ربي. # {لولا دعاؤكم} [الفرقان: 77] لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام، ومعنى الآية: ~~أي مقدار ووزن لكم عند الله، لولا أنه خلقكم لتعبدوه وتطيعوه. # وهذا معنى قول ابن عباس، أي: إنما أريد منكم أن توحدوني. # وقال مقاتل، والكلبي، والزجاج: لولا عبادتكم وتوحيدكم إياه. # وفيه دليل على أن من لا يعبد الله، ولا يوحده، ولا يطيعه، لا وزن له عند ~~الله. # وقوله: {فقد كذبتم} [الفرقان: 77] الخطاب لأهل مكة، أن الله دعاكم ~~بالرسول إلى توحيده وعبادته، فقد كذبتم الرسول ولم تجيبوا دعوته، {فسوف ~~يكون لزاما} [الفرقان: 77] تهديد لهم، قال الزجاج: تأويله فسوف يكون ~~تكذيبهم لزاما يلزمكم، فلا تعطون التوبة. # والمفسرون يقولون في تفسير اللزام أنه يوم بدر، والمعنى أنهم قتلوا يوم ~~بدر، واتصل به عذاب الآخرة لازما لهم فلحقهم الوعيد الذي ذكر الله ببدر. # PageV03P349 ### | سورة الشعراء # مكية وآياتها سبع وعشرون ومائتان. ### | 673 - # أخبرنا أبو عثمان الزعفراني، أنا أبو عمرو بن مطر، نا إبراهيم بن شريك، ~~نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن ~~أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال لي رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم: «ومن قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر عشر حسنات، بعدد من صدق بنوح ~~وكذب به، وهود وشعيب وصالح وإبراهيم، وبعدد من كذب بعيسى، وصدق بمحمد، صلى ~~الله عليه وسلم، أجمعين» # {طسم {1} تلك آيات الكتاب المبين {2} لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ~~{3} إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين {4} وما ~~يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه ms1322 معرضين {5} فقد كذبوا فسيأتيهم ~~أنباء ما كانوا به يستهزءون {6} أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل ~~زوج كريم {7} إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين {8} وإن ربك لهو العزيز ~~الرحيم {9} } [الشعراء: 1-9] بسم الله الرحمن الرحيم {طسم} [الشعراء: 1] ~~قال الوالبي، عن ابن عباس: {طسم} [الشعراء: 1] قسم، وهو من أسماء الله عز ~~وجل. # وقال مجاهد: هو اسم لل { [. # وقال قتادة: هو اسم من أسماء القرآن. # وقال القرظي: قسم الله بطوله وسنائه وملكه. # وباقي ال: وقد تقدم تفسيره. # ] لعلك باخع نفسك} [الشعراء: 3] فسرناه في { [الكهف. # قال المفسرون: لما كذبت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم شق ذلك عليه، ~~وكان يحرص على إيمانهم، فأنزل الله هذه ال:، وهي كالإنكار عليه، وذلك أنه ~~كان يعلم أن الله إن لم يهدهم لم يهتدوا، فما يغني عنهم حرصه، ومعنى الآية: ~~لعلك قاتل نفسك لتركهم الإيمان. # ثم أعلم أنه لو أراد أن ينزل ما يضطرهم إلى الطاعة لقدر على ذلك، فقال:] ~~إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} [الشعراء: 4] ~~قال ابن جريج: لو شاء لأراهم أمرا من أمره لا يعمل أحد منهم بعده معصية. # وقال قتادة: لو شاء الله لأنزل عليهم آية يذلون بها، فلا يلوي أحد منهم ~~عنقه إلى معصية الله. # وذلك قوله: {فظلت أعناقهم لها خاضعين} [الشعراء: 4] جعل الفعل أولا ~~للأعناق، ثم جعل خاضعين للرجال، وذلك أن الأعناق إذا خضعت فأصحابها خاضعون. # قال الأخفش: يجعل الخضوع مردودا على المضمر الذي أضيفت الأعناق إليه. # وقال جماعة من المفسرين: المراد بالأعناق الجماعات، يقال: جاء القوم عنقا ~~عنقا، أي: جماعات جماعات. # قوله: {وما يأتيهم من ذكر من الرحمن} [الشعراء: 5] أي: وعظ وتذكير من ~~الله، يعني القرآن، { # PageV03P350 # محدث} [الشعراء: 5] في الوحي والتنزيل، قال الكلبي: كلما نزل شيء من ~~القرآن بعد شيء، فهو أحدث من الأول. # وقوله: {فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون} [الشعراء: 6] ~~الآية مفسرة في { [الأنعام. # ثم ذكر ما يدلهم على قدرته، فقال:] أولم يروا إلى الأرض} [سورة الشعراء ms1323: ~~7] يعني المكذبين، {كم أنبتنا فيها} [الشعراء: 7] بعد أن كانت ميتة لا نبات ~~فيها، {من كل زوج كريم} [الشعراء: 7] من كل صنف وضرب حسن في المنظر مما ~~يأكل الناس والأنعام، قال الزجاج: معنى زوج نوع، وكريم محمود فيما يحتاج ~~إليه، والمعنى: من كل زوج نافع لا يقدر على إنباته إلا رب العالمين. # {إن في ذلك} [الشعراء: 8] يعني: ما ذكر من الإنبات في الأرض، {لآية} ~~[الشعراء: 8] تدل على أن الله قادر لا يعجزه شيء، {وما كان أكثرهم مؤمنين} ~~[الشعراء: 8] في علم الله، يقول: قد سبق في علمي أن أكثرهم لا يؤمنون. # {وإن ربك لهو العزيز} [الشعراء: 9] المنتقم من أعدائه، {الرحيم} ~~[الشعراء: 9] بأوليائه. # {وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين {10} قوم فرعون ألا يتقون {11} ~~قال رب إني أخاف أن يكذبون {12} ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى ~~هارون {13} ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون {14} قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا ~~معكم مستمعون {15} فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين {16} أن أرسل ~~معنا بني إسرائيل {17} قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين ~~{18} وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين {19} قال فعلتها إذا وأنا من ~~الضالين {20} ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين ~~{21} وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل {22} } [الشعراء: 10-22] ~~{وإذ نادى} [الشعراء: 10] واتل على قومك إذ نادى الله، {موسى} [الشعراء: ~~10] حين رأى الشجرة والنار، بأن قال له: يا موسى {أن ائت القوم الظالمين} ~~[الشعراء: 10] يعني: الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية، وظلموا بني ~~إسرائيل بأن ساموهم سوء العذاب. # ثم أخبر عنهم، فقال: {قوم فرعون ألا يتقون} [الشعراء: 11] ألا يصرفون عن ~~أنفسهم عقوبة الله بطاعته. # {قال} [الشعراء: 12] موسى: {رب إني أخاف أن يكذبون} [الشعراء: 12] ~~بالرسالة، ويقولون: لست من عند الله. # {ويضيق صدري} [الشعراء: 13] بتكذيبهم إياي، {ولا ينطلق لساني} [الشعراء: ~~13] لا ينبعث بالكلام للعلة التي كانت بلسانه، {فأرسل إلى هارون} [الشعراء: ~~13] جبريل ليكون معي معينا. # {ولهم علي ذنب} [الشعراء: 14] قتلت منهم قتيلا، يعني الرجل الذي وكزه ~~فقضى عليه ms1324، والمعنى: ولهم علي دعوى ذنب، {فأخاف أن يقتلون} [الشعراء: 14] . # {قال} [الشعراء: 15] الله: {كلا} [الشعراء: 15] لن يقتلوك به لأني لا ~~أسلطهم عليك، {فاذهبا} [الشعراء: 15] أنت وأخوك، {بآياتنا} [الشعراء: 15] ~~أي: ما أعطاهما من المعجزة، {إنا معكم مستمعون} [الشعراء: 15] قال ابن ~~عباس: يريد نفسه. # وهذا كما قال: {إنني معكما أسمع وأرى} [طه: 46] وإنما قال معكم لأنه ~~أجراهم مجرى الجماعة، والمعنى: نسمع ما تقولونه وما يجيبونكما به. # {فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين} [الشعراء: 16] الرسول واحد في ~~موضع التثنية ههنا، كما قال: {وهم لكم عدو} [الكهف: 50] . # {أن أرسل معنا بني إسرائيل} [الشعراء: 17] أي بأن أرسلهم وأطلقهم من ~~الاستبعاد، وحل عنهم، فأتياه وبلغاه الرسالة. # فقال: {قال ألم نربك فينا وليدا} [الشعراء: 18] صبيا صغيرا، وذلك أنه ولد ~~فيهم، ثم كان فيما بينهم حتى صار رجلا، وهو قوله: {ولبثت فينا من عمرك ~~سنين} [الشعراء: 18] قال ابن عباس: ثمانية عشر سنة. # وقال # PageV03P351 # مقاتل: ثلاثين سنة. # وقال الكلبي: أربعين سنة. # {وفعلت فعلتك التي فعلت} [الشعراء: 19] يعني قتل القبطي. # {وأنت من الكافرين} [الشعراء: 19] قال الحسن، والسدي: أي بإلهك، كنت معنا ~~على ديننا الذي تصيب. # وقال الفراء: وأنت من الكافرين لنعمتي ولتربيتي. # وهذا قول مقاتل، وعطاء، وعطية. # {قال} [الشعراء: 20] موسى: {فعلتها إذا وأنا من الضالين} [الشعراء: 20] ~~أي: فعلت تلك الفعلة وأنا من الجاهلين، لم يأتني من الله شيء. # {ففررت منكم} [الشعراء: 21] ذهبت من بيتكم حذرا على نفسي إلى مدين، {لما ~~خفتكم} [الشعراء: 21] أن تقتلوني بمن قتلته، {فوهب لي ربي حكما} [الشعراء: ~~21] نبوة، وقال مقاتل: يعني العلم والفهم. # {وجعلني من المرسلين {21} وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل {22} ~~} [الشعراء: 21-22] يقال: استعبدت فلانا وأعبدته وتعبدته وعبدته أخذته ~~عبدا. # قال الزجاج: المفسرون أخرجوا هذا على جهة الإنكار، أن يكون ما ذكر فرعون ~~نعمة على موسى، واللفظ لفظ خبر، وفيه تبكيت للمخاطب على معنى: إنك لو كنت ~~لا تقتل أبناء بني إسرائيل لكانت أمي مستغنية عن قذفي في اليم، فكيف تمن ~~علي بما كان بلاؤك سببا له. # وزاد الأزهري هذا بيانا، فقال: إن ms1325 فرعون لما قال لموسى: ألم نربك فينا ~~وليدا، فاعتد عليه بأن رباه وليدا منذ ولد إلى أن كبر، فكان من جواب موسى ~~له: وتلك نعمة تعتد بها علي لأنك عبدت بني إسرائيل، ولو لم تتعبدهم لكفلني ~~أهلي ولم يلقوني في اليم، أي: فإنما صارت لك نعمة علي لما أقدمت عليه من ما ~~حظره الله عليك. # قال المبرد: يقول: التربية كانت بالسبب الذي ذكر من التعبد، أي: تربيتك ~~إياي كانت لأجل التملك والقهر لقومي. # {قال فرعون وما رب العالمين {23} قال رب السموات والأرض وما بينهما إن ~~كنتم موقنين {24} قال لمن حوله ألا تستمعون {25} قال ربكم ورب آبائكم ~~الأولين {26} قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون {27} قال رب المشرق ~~والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون {28} } [الشعراء: 23-28] {قال فرعون وما ~~رب العالمين} [الشعراء: 23] قال محمد بن إسحاق: يستوصفه إلهه الذي أرسله ~~إليه، أي: ما إلهك هذا؟ فأجابه موسى بما يدل عليه من خلقه ما يعجز ~~المخلوقون على أن يأتوا بمثله. # {قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين} [الشعراء: 24] أنه ~~خلق ذلك، فلما قال موسى ذلك تحير فرعون ولم يرد جوابا ينقض به هذا القول. # ف {قال لمن حوله ألا تستمعون} [الشعراء: 25] قال ابن عباس: يريد ألا ~~تستمعون مقالة موسى. # فزاد موسى في البيان، ف {قال ربكم ورب آبائكم الأولين} [الشعراء: 26] أي: ~~الذي خلق آباءكم الأولين وخلقكم من آبائكم، فلم يجبه فرعون أيضا بما ينقض ~~قوله، وإنما قال: {إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} [الشعراء: 27] أي: ما ~~هذا بكلام صحيح، إذ يزعم أن له إلها غيري، فلم يشتغل موسى بالجواب عما نسبه ~~إليه من الجنون، ولكنه اشتغل بتأكيد الحجة والزيادة في الإبانة. # ف {قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون} [الشعراء: 28] ~~توحيد الله، وقال أهل المعاني: إن كنتم ذوي عقول لم يخف عليكم ما أقول، فلم ~~يجبه فرعون في هذه الأشياء بنقض لحجته بل. # {قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين {29} قال أولو جئتك بشيء ~~مبين {30} قال فأت به ms1326 إن كنت من الصادقين {31} فألقى عصاه فإذا هي ثعبان ~~مبين {32} ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين {33} قال للملإ حوله إن هذا ~~لساحر عليم {34} يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون {35} قالوا # PageV03P352 # أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين {36} يأتوك بكل سحار عليم {37} } ~~[الشعراء: 29-37] {قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين} ~~[الشعراء: 29] أي: أحسبنك مع من حبسته في السجن. # ف {قال} [الشعراء: 30] موسى حين توعده بالسجن: {أولو جئتك بشيء مبين} ~~[الشعراء: 30] يعني: أتسجنني ولو جئتك بأمر ظاهر تعرف فيه صدقي وكذبك، وبعد ~~هذا مفسر في { [الأعراف إلى قوله:] فجمع السحرة لميقات يوم معلوم {38} وقيل ~~للناس هل أنتم مجتمعون {39} لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين {40} ~~فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين {41} قال ~~نعم وإنكم إذا لمن المقربين {42} قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون {43} ~~فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون {44} فألقى موسى ~~عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون {45} فألقي السحرة ساجدين {46} قالوا آمنا برب ~~العالمين {47} رب موسى وهارون {48} } [سورة الشعراء: 38-48] {فجمع السحرة ~~لميقات يوم معلوم} [الشعراء: 38] وهو يوم عيدهم، يوم الزينة. # {وقيل للناس} [الشعراء: 39] لأهل مصر: {هل أنتم مجتمعون} [الشعراء: 39] ~~لتنظروا ما يفعل الفريقان. # {لعلنا نتبع السحرة} [الشعراء: 40] على أمرهم، {إن كانوا هم الغالبين} ~~[الشعراء: 40] لموسى وأخيه. # وما بعد هذا مفسر إلى قوله: {قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم ~~الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم ~~أجمعين {49} قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون {50} إنا نطمع أن يغفر لنا ~~ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين {51} } [الشعراء: 49-51] {لا ضير} ~~[الشعراء: 50] أي: لا ضرر علينا فيما ينالنا في الدنيا مع أملنا بالمغفرة، ~~{إنا إلى ربنا منقلبون} [الشعراء: 50] راجعون في الآخرة. # {إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا} [الشعراء: 51] مفسر في { [طه،] أن ~~كنا} [سورة الشعراء: 51] لأن كنا، {أول المؤمنين} [الشعراء: 51] بآيات موسى ~~من جملة السحرة وغيرهم، وفي هذا الحال. # {وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم ms1327 متبعون {52} فأرسل فرعون في ~~المدائن حاشرين {53} إن هؤلاء لشرذمة قليلون {54} وإنهم لنا لغائظون {55} ~~وإنا لجميع حاذرون {56} فأخرجناهم من جنات وعيون {57} وكنوز ومقام كريم ~~{58} كذلك وأورثناها بني إسرائيل {59} } [الشعراء: 52-59] {وأوحينا إلى ~~موسى أن أسر بعبادي} [الشعراء: 52] مفسر في { [طه،] إنكم متبعون} [سورة ~~الشعراء: 52] يتبعكم فرعون وقومه ليحولوا بينكم وبين الخروج من أرض مصر. # {فأرسل فرعون في المدائن حاشرين} [الشعراء: 53] يحشرون الناس ويجمعون له ~~الجيش. # وقال فرعون: {إن هؤلاء} [الشعراء: 54] يعني: بني إسرائيل، {لشرذمة} ~~[الشعراء: 54] عصابة، قال المبرد: الشرذمة القطعة من الناس غير الكثير، ~~وجمعها الشراذم. # وقوله: {قليلون} [الشعراء: 54] قال الفراء: يقال عصبة قليلة وقليلون، ~~وكثيرة وكثيرون. # PageV03P353 # قال المفسرون: وكان الشرذمة الذين ملكهم فرعون ست مائة ألف، ولا يحصى عدد ~~أصحاب فرعون. # قوله: {وإنهم لنا لغائظون} [الشعراء: 55] يقال: غاظه وأغاظه وغيظه إذا ~~أغضبه، والغيظ الغضب، ومنه قوله تعالى: {تكاد تميز من الغيظ} [الملك: 8] . # قال مقاتل: وإنهم لنا لغائظون بقتلهم أبكارنا، ثم هربهم منا. # وقال غيره: أي بما أخذوه من العواري التي اتخذوها في الحلي، وخروجهم من ~~أرضنا على مخالفة لنا. # وإنا لجميع حذرون وقرئ حاذرون قال الفراء: الحاذر الذي يحذرك الآن، ~~والحذر المخلوق كذلك لا تلقاه إلا حذرا. # وقال الزجاج: الحاذر المستعد، والحذر المتيقظ. # وقال أبو عبيدة: رجل حذر وحذر وحاذر. # وأهل التفسير يقولون في تفسير حاذرون مؤدون مقوون، أي: ذوو أداء وقوة ~~مستعدون شاكرون. # ومعنى حذرون: خائفون شرهم. # {فأخرجناهم} [الشعراء: 57] يعني: فرعون وقومه، {من جنات} [الشعراء: 57] ~~قال مقاتل: يعني البساتين. # {وعيون} [الشعراء: 57] أنهار جارية. # {وكنوز} [الشعراء: 58] يعني: الأموال الظاهرة من الذهب والفضة، سمي كنزا ~~لأنه لم يعط حق الله منها، وما لم يعط حق الله منه فهو كنز، وإن كان ظاهرا. # {ومقام كريم} [الشعراء: 58] قال المفسرون: هو المجلس الحسن من مجالس ~~الأمراء والرؤساء التي كان يحف بها الأتباع. # {كذلك} [الشعراء: 59] كما وصفنا، {وأورثناها بني إسرائيل} [الشعراء: 59] ~~وكذلك إن الله رد بني إسرائيل إلى مصر بعدما أغرق فرعون وقومه، فأعطاهم ~~جميع ما كان لقوم فرعون من الأموال والعقار والمساكن. # وقوله: {فأتبعوهم مشرقين ms1328 {60} فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا ~~لمدركون {61} قال كلا إن معي ربي سيهدين {62} فأوحينا إلى موسى أن اضرب ~~بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم {63} وأزلفنا ثم الآخرين ~~{64} وأنجينا موسى ومن معه أجمعين {65} ثم أغرقنا الآخرين {66} إن في ذلك ~~لآية وما كان أكثرهم مؤمنين {67} وإن ربك لهو العزيز الرحيم {68} } ~~[الشعراء: 60-68] {فأتبعوهم مشرقين} [الشعراء: 60] يعني: قوم فرعون أدركوا ~~موسى وأصحابه حين شرقت الشمس. # وذلك قوله: {فلما تراءى الجمعان} [الشعراء: 61] أي: تقابلا بحيث يرى كل ~~فريق منهم صاحبه، قال مقاتل: عاين بعضهم بعضا. # {قال أصحاب موسى إنا لمدركون} [الشعراء: 61] أي: سيدركنا جمع فرعون ولا ~~طاقة لنا بهم. # {قال} [الشعراء: 62] موسى ثقة بنصر الله: {كلا} [الشعراء: 62] لن ~~يدركونا، {إن معي ربي} [الشعراء: 62] ينصرني، {سيهدين} [الشعراء: 62] ~~سيدلني على طريق النجاة. # {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} [الشعراء: 63] أي: فضرب، ~~فانفلق، فانشق الماء اثني عشر طريقا، وقام الماء عن يمين الطريق، وعن يساره ~~كالجبل العظيم، فذلك قوله: {فكان كل فرق} [الشعراء: 63] أي: كل قطعة من ~~البحر، {كالطود} [الشعراء: 63] كالجبل. # {العظيم {63} وأزلفنا ثم الآخرين {64} } [الشعراء: 63-64] قربنا إلى ~~البحر فرعون وقومه حتى أغرقناهم، قال مقاتل: قربنا فرعون وجنوده في مسلك ~~بني إسرائيل إلى الغرق. # وذلك أنه لما تتابع آخر جنود فرعون في البحر وخرج آخر بني إسرائيل من ~~البحر، أمر البحر فانطبق عليهم. # فذلك قوله: {وأنجينا موسى ومن معه أجمعين {65} ثم أغرقنا الآخرين {66} إن ~~في ذلك لآية} [الشعراء: 65-67] إن في إهلاك فرعون وقومه عبرة لمن بعدهم، ~~{وما كان أكثرهم مؤمنين} [الشعراء: 67] لم يكن أكثر أهل مصر مصدقين # PageV03P354 # بتوحيد الله، ولم يكن آمن من أهل مصر غير آسية امرأة فرعون، وخربيل ~~المؤمن، ومريم بنت موشا التي دلت على عظام يوسف. # {وإن ربك لهو العزيز} [الشعراء: 68] في انتقامه من أعدائه حين انتقم ~~منهم، {الرحيم} [الشعراء: 68] بالمؤمنين حين أنجاهم من العذاب. # {واتل عليهم نبأ إبراهيم {69} إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون {70} قالوا ~~نعبد أصناما فنظل لها عاكفين {71} قال هل يسمعونكم إذ تدعون {72} أو ~~ينفعونكم أو يضرون ms1329 {73} قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون {74} قال ~~أفرأيتم ما كنتم تعبدون {75} أنتم وآباؤكم الأقدمون {76} فإنهم عدو لي إلا ~~رب العالمين {77} الذي خلقني فهو يهدين {78} والذي هو يطعمني ويسقين {79} ~~وإذا مرضت فهو يشفين {80} والذي يميتني ثم يحيين {81} والذي أطمع أن يغفر ~~لي خطيئتي يوم الدين {82} } [الشعراء: 69-82] قوله: {واتل عليهم نبأ ~~إبراهيم} [الشعراء: 69] حدث قومك حديثه وأخبرهم خبره. # {إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون {70} قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ~~{71} } [الشعراء: 70-71] فنقيم عليها عابدين مقيمين على عبادتها. # {قال هل يسمعونكم} [الشعراء: 72] أي: يسمعون دعاءكم، {إذ تدعون {72} أو ~~ينفعونكم أو يضرون {73} } [الشعراء: 72-73] قال ابن عباس: يريد هل يرزقوكم، ~~أو يكشفون عنكم الضر، أو يملكون لكم ضرا، والمعنى: هل ينفعونكم بشيء إن ~~عبدتموهم، أو يضرونكم إن لم تعبدوهم. # {قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك} [الشعراء: 74] كما نفعله، {يفعلون} ~~[الشعراء: 74] وهذا إخبار عن تقليدهم آباءهم في عبادة الأصنام وترك ~~الاستدلال. # قال لهم إبراهيم مبتدئا: {أفرأيتم ما كنتم تعبدون {75} أنتم وآباؤكم ~~الأقدمون {76} } [الشعراء: 75-76] يعني: الماضين الأولين. # {فإنهم عدو لي} [الشعراء: 77] أي: أعاديهم وأتبرأ منهم، {إلا رب ~~العالمين} [الشعراء: 77] لكن رب العالمين أعبده ولا أتبرأ منه. # ثم ذكر نعمة الله عليه، فقال: {الذي خلقني فهو يهدين} [الشعراء: 78] إلى ~~الدين والرشد لا ما تعبدون، أخبر أن الذي يهدي هو الله الذي خلق. # {والذي هو يطعمني ويسقين} [الشعراء: 79] أي: هو رازقي، فمن عنده طعامي ~~وشرابي. # {وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء: 80] وذلك أنهم كانوا يقولون: المرض من ~~الزمان ومن الأغذية، والشفاء من الأطباء والأدوية. # فأعلم إبراهيم أن الذي أمرض فهو الذي يشفي، وهو الله عز وجل، ولم يقل ~~وإذا أمرضني، لأنه يقال مرضت، وإن كان المرض بخلق الله وقضائه، ولا يقال: ~~أمرضني الله. # {والذي يميتني} [الشعراء: 81] في الدنيا، {ثم يحيين} [الشعراء: 81] ~~للبعث، قال صاحب النظم: كانوا لا يدفعون الموت إلا أنهم يجعلون له سببا سوى ~~الله ويكفرون بالبعث، فأعلم إبراهيم أنه هو الذي يميت ويحيي. # {والذي أطمع} [الشعراء: 82] قال مقاتل: أرجو، وهذا تلطف من إبراهيم في ~~حسن الاستدعاء، وخضوع لله تعالى ms1330. # وقوله: {أن يغفر لي خطيئتي} [الشعراء: 82] المفسرون يقولون: يعني الكذبات ~~الثلاثة، قوله: {إني سقيم} [الصافات: 89] ، وقوله: {بل فعله كبيرهم} ~~[الأنبياء: 63] ، وقوله لسارة: هي أختي. # وزاد الكلبي والحسن، قوله للكواكب: هذا ربي. # وقال الزجاج: إن الأنبياء بشر، ويجوز أن تقع عليهم الخطيئة إلا أنهم لا ~~يكون منهم الكبيرة، لأنهم معصومون. # وقوله: {يوم الدين} [الشعراء: 82] يريد يوم الجزاء # PageV03P355 # والحساب. ### | 674 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي، أنا بشر بن أحمد بن بشر، أنا أحمد ~~بن الحسن بن عبد الجبار، نا أبو بكر ابن أبي شيبة، نا حفص بن غياث عن داود، ~~عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله، ~~إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم، فهل ذلك نافعه؟ قال: لا، ~~إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين، رواه مسلم، عن أبي بكر ابن ~~أبي شيبة # قوله: {رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين {83} واجعل لي لسان صدق في ~~الآخرين {84} واجعلني من ورثة جنة النعيم {85} واغفر لأبي إنه كان من ~~الضالين {86} ولا تخزني يوم يبعثون {87} يوم لا ينفع مال ولا بنون {88} إلا ~~من أتى الله بقلب سليم {89} } [الشعراء: 83-89] {رب هب لي حكما} [الشعراء: ~~83] قال ابن عباس: معرفة بالله وحدود أحكامه. # وقال مقاتل: يعني الفهم والعلم. # {وألحقني بالصالحين} [الشعراء: 83] يعني: المتقين. # قوله: {واجعل لي لسان صدق} [الشعراء: 84] يعني: ثناء حسنا، {في الآخرين} ~~[الشعراء: 84] في الذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة. # {واجعلني من ورثة جنة النعيم} [الشعراء: 85] من الذين يرثون الفردوس. # {واغفر لأبي إنه كان من الضالين} [الشعراء: 86] المشركين، وهذا إنما قاله ~~قبل أن يتبرأ منه، ذكرنا ذلك في آخر { [براءة. # ] ولا تخزني} [سورة الشعراء: 87] قال مقاتل، والكلبي: لا تعذبني. # {يوم يبعثون} [الشعراء: 87] يوم يبعث الخلق، ثم فسر ذلك اليوم، فقال: ~~{يوم لا ينفع مال ولا بنون} [الشعراء: 88] يعني: لا ينفع المال والأولاد ~~أحد. # {إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء: 89] سلم من الشرك والنفاق، قال ~~سعيد بن المسيب: القلب السليم هو الصحيح، وهو قلب المؤمن ms1331، وقلب الكافر ~~والمنافق مريض. # وقوله: {وأزلفت الجنة للمتقين {90} وبرزت الجحيم للغاوين {91} وقيل لهم ~~أين ما كنتم تعبدون {92} من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون {93} فكبكبوا ~~فيها هم والغاوون {94} وجنود إبليس أجمعون {95} قالوا وهم فيها يختصمون ~~{96} تالله إن كنا لفي ضلال مبين {97} إذ # PageV03P356 # نسويكم برب العالمين {98} وما أضلنا إلا المجرمون {99} فما لنا من شافعين ~~{100} ولا صديق حميم {101} فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين {102} إن في ~~ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين {103} وإن ربك لهو العزيز الرحيم {104} } ~~[الشعراء: 90-104] {وأزلفت الجنة للمتقين} [الشعراء: 90] قربت الجنة ~~لأولياء الله حتى نظروا إليها. # {وبرزت الجحيم} [الشعراء: 91] أي: أظهرت وكشف الغطاء عنها، {للغاوين} ~~[الشعراء: 91] الضالين عن الهدى. # {وقيل لهم} [الشعراء: 92] في ذلك اليوم على وجه التوبيخ: {أين ما كنتم ~~تعبدون {92} من دون الله هل ينصرونكم} [الشعراء: 92-93] يمنعونكم من ~~العذاب، {أو ينتصرون} [الشعراء: 93] يمتنعون منه. # ثم يؤمر بهم فيلقون في النار، فذلك قوله: {فكبكبوا فيها} [الشعراء: 94] ~~قال الزجاج: طرح بعضهم على بعض. # وقال ابن قتيبة: ألقوا على رءوسهم. # وقال مقاتل: قذفوا فيها {هم والغاوون} [الشعراء: 94] قال السدي: يعني ~~الألهة والمشركين. # وقال عطاء: هم وما يعبدون من دون الله. # {وجنود إبليس أجمعون} [الشعراء: 95] يعني: ذرية إبليس كلهم. # قالوا يعني الغاوين، {وهم فيها يختصمون} [الشعراء: 96] مع معبوديهم: ~~{تالله إن كنا لفي ضلال مبين {97} إذ نسويكم برب العالمين {98} } [الشعراء: ~~97-98] والله ما كنا إلا في ضلال حيث سويناكم بالله فأعظمناكم وعدلناكم به. # {وما أضلنا} [الشعراء: 99] عن الهدى {إلا المجرمون} [الشعراء: 99] قال ~~مقاتل: الشياطين. # وقال الكلبي: إلا أولونا الذين اقتدينا بهم. # {فما لنا من شافعين} [الشعراء: 100] من يشفع لنا من الملائكة والنبيين ~~والمؤمنين، حيث يشفعون لأهل التوحيد. # {ولا صديق حميم} [الشعراء: 101] ذي قرابة يهمه أمرنا، والحميم القريب ~~الذي توده ويودك، قال ابن عباس: إن المؤمن يشفع يوم القيامة للمؤمن المذنب. ### | 675 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم، أنا الحسين بن محمد بن الحسن الثقفي، نا ~~محمد بن الحسن بن علي اليقطيني، أنا أحمد بن عبد الواحد بن يزيد العقيلي، ~~نا صفوان بن صالح ms1332، نا الوليد بن مسلم، نا من، سمع أبا الزبير يقول: أشهد ~~لسمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " ~~إن الرجل يقول في الجنة: ما فعل صديقي فلان، وصديقه الحميم، فيقول الله، عز ~~وجل: أخرجوا له صديقه إلى الجنة، فيقول: من بقي فما لنا من شافعين ولا صديق ~~حميم # ثم قالوا: {فلو أن لنا كرة} [الشعراء: 102] أي: رجعة إلى الدنيا، {فنكون ~~من المؤمنين} [الشعراء: 102] المصدقين بالتوحيد، أي: لتحل لنا الشفاعة كما ~~حلت لأهل التوحيد. # {إن في ذلك} [الشعراء: 103] فيما أخبر من قصة إبراهيم، {لآية} [الشعراء: ~~103] لعبرة لمن بعدهم، والباقي قد تقدم تفسيره إلى قوله: {كذبت قوم نوح ~~المرسلين {105} إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون {106} إني لكم رسول أمين ~~{107} فاتقوا الله وأطيعون {108} وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على ~~رب العالمين {109} فاتقوا الله وأطيعون {110} } [الشعراء: 105-110] {كذبت ~~قوم نوح المرسلين} [الشعراء: 105] قال الزجاج: دخلت التاء وقوم مذكرون، لأن ~~المراد بالقوم الجماعة. # أي: كذبت جماعة قوم نوح المرسلين، لأن من كذب رسولا واحدا من رسل الله ~~فقد كذب الجماعة، لأن كل رسول يأمر بتصديق جميع الرسل. # {إذ قال لهم أخوهم نوح} [الشعراء: 106] ابن أبيهم، والأخوة كانت من جهة ~~النسب لا من جهة الدين، {ألا تتقون} [الشعراء: 106] عذاب الله بتوحيده ~~وطاعته. # {إني لكم رسول أمين} [الشعراء: 107] على الرسالة فيما بيني وبين ربكم. # {فاتقوا الله} [الشعراء: 108] بطاعته وعبادته، {وأطيعون} [الشعراء: 108] ~~فيما آمركم به من الإيمان والتوحيد. # {وما أسألكم عليه} [الشعراء: 109] على الدعاء إلى التوحيد، {من أجر إن ~~أجري} [الشعراء: 109] ما أجري وثوابي، {إلا على رب العالمين} [الشعراء: ~~109] والرسل إذا لم يسألوا أجرا كانوا أقرب إلى التصديق، وأبعد عن التهمة. # {قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون {111} قال وما علمي بما كانوا يعملون ~~{112} إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون {113} وما أنا بطارد المؤمنين {114} ~~إن أنا إلا نذير مبين {115} } [الشعراء: 111-115] {قالوا أنؤمن لك} ~~[الشعراء: 111] أنصدق لقولك، {واتبعك الأرذلون} [الشعراء: 111] قال عطاء: ~~المساكين الذين ليس لهم مال ولا عز. # وقال ms1333 الضحاك، وعكرمة: يعنون الحاكة والإساكفة. # قال الزجاج: والصناعات لا تضر في باب الديانات. # قال نوح: {وما علمي بما كانوا يعملون} [الشعراء: 112] أي: ما أعلم ~~أعمالهم وصنائعهم ولم أكلف ذلك، وإنما كلفت أن أدعوهم. # {إن حسابهم} [الشعراء: 113] ما حسابهم فيما يعملون، {إلا على # PageV03P357 # ربي لو تشعرون} [الشعراء: 113] لو تعلمون ما عبتموهم بصنائعهم. # {وما أنا بطارد المؤمنين} [الشعراء: 114] ما أنا بالذي لا يقبل الإيمان ~~من الذين تزعمون أنهم الأرذلون عندكم. # {إن أنا إلا نذير مبين} [الشعراء: 115] أنذركم النار، وأبين لكم ما ~~يقربكم من الله. # {قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين {116} قال رب إن قومي ~~كذبون {117} فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين {118} ~~فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون {119} ثم أغرقنا بعد الباقين {120} إن ~~في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين {121} وإن ربك لهو العزيز الرحيم {122} ~~} [الشعراء: 116-122] {قالوا لئن لم تنته يا نوح} [الشعراء: 116] عما تقول، ~~{لتكونن من المرجومين} [الشعراء: 116] قال مقاتل، والكلبي: من المقتولين ~~بالرجم. # وقال الضحاك: من المشتومين. # وقال قتادة من المضروبين بالحجارة. # قال نوح: {رب إن قومي كذبون {117} فافتح بيني وبينهم فتحا} [الشعراء: ~~117-118] فاقض بينهم قضاء، يعني العذاب، لأنه قال: {ونجني ومن معي من ~~المؤمنين} [الشعراء: 118] أي: من ذلك العذاب. # {فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون} [الشعراء: 119] قال ابن عباس، ~~ومقاتل: الذي قد ملئ من الناس والطير والحيوان كلها. # {ثم أغرقنا بعد} [الشعراء: 120] بعد نجاة نوح ومن معه، {الباقين} ~~[الشعراء: 120] . # قوله: {كذبت عاد المرسلين {123} إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون {124} ~~إني لكم رسول أمين {125} فاتقوا الله وأطيعون {126} وما أسألكم عليه من أجر ~~إن أجري إلا على رب العالمين {127} أتبنون بكل ريع آية تعبثون {128} ~~وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون {129} وإذا بطشتم بطشتم جبارين {130} فاتقوا ~~الله وأطيعون {131} واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون {132} أمدكم بأنعام وبنين ~~{133} وجنات وعيون {134} إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم {135} } [الشعراء: ~~123-135] {كذبت عاد المرسلين} [الشعراء: 123] القبيلة، لأنه أريد بعاد ~~قبيلة عاد، والباقي مفسر إلى قوله: {أتبنون بكل ريع آية} [الشعراء: 128] ~~وهو المكان المرتفع، قال ms1334 أبو عبيدة: الريع الارتفاع، جمع ريعة. # قال الوالبي، عن ابن عباس: يعني بكل شرف. # وقال مقاتل، والكلبي، والضحاك: بكل طريق. # آية بنيانا وعلما، {تعبثون} [الشعراء: 128] بمن يمر بالطريق، والمعنى ~~أنهم كانوا يبنون بالمواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة والسابلة، فيسخرون ~~منهم، ويعبثون بهم. # وروي عن سعيد بن جبير، ومجاهد، أنهما قالا هذا في بنيان بروج الحمام، ~~أنكر هود عليهم اتخاذهم بروجا للحمام عبثا. # وقال عطاء، عن ابن عباس: يريد ما لا يسكنون. # وعلى هذا القول جعل هو بناءهم ما يستغنون عنه ولا يسكنونه عبثا منهم. ### | 676 - # أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد المطوعي، أنا محمد بن أحمد بن علي ~~المقرئ، أنا أحمد بن المثنى، نا أبو بكر ابن أبي شيبة، نا الفضل بن دكين، ~~عن زهير، عن عثمان بن حكيم، عن # PageV03P358 # إبراهيم بن محمد بن حاطب، عن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، أن رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم، خرج فرأى قبة مشرفة، فقال: ما هذه؟ قال له أصحابه: هذا ~~لرجل من الأنصار، فمكث وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم، فسلم على الناس؛ أعرض عنه، وصنع به ذلك مرارا حتى عرف ~~الرجل الغضب فيه والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إني لأنكر ~~نظر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما أدري ما حدث في وما صنعت، قالوا: ~~خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرأى قبتك، فقال: «لمن هذه؟» فأخبرناه ~~فرجع إلى قبته، فسواها بالأرض فخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذات يوم ~~فلم ير القبة، فقال: «ما فعلت القبة التي كانت ههنا؟» قالوا: شكا إلينا ~~صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، قال: إن كل بناء يبنى وبال على صاحبه ~~يوم القيامة إلا ما لا بد منه # قوله: {وتتخذون مصانع} [الشعراء: 129] المصانع التي يتخذها الناس من ~~الأبنية والآبار، قال أبو عبيدة: كل قباء مصنعة. # قال ابن عباس: هي الأبنية. # وقال مجاهد، وقتادة، والكلبي: هي القصور والحصون. # {لعلكم تخلدون} [الشعراء: 129] أي: كأنكم ms1335 تخلدون، قاله أكثر المفسرين، ~~والمعنى أنهم كانوا يستوثقون المصانع كأنهم يخلدون فيها ولا يموتون، ولعل ~~يأتي في الكلام بمعنى كان، قال يونس في قوله: {لعلك باخع نفسك} [الشعراء: ~~3] معناه: كأنك فاعل ذلك إن لم يؤمنوا. # {وإذا بطشتم بطشتم جبارين} [الشعراء: 130] قال ابن عباس: يريد الضرب ~~بالسياط ضرب الجبارين، والقتل بالسيف بغير حق. # والمعنى: إذا ضربتم ضربتم بالسياط ضرب الجبارين، وإذا عاقبتم قتلتم، ~~ومعنى الجبار ههنا القتال على الغضب بغير حق، وقال الزجاج: وإنما أنكر ~~عليهم ذلك لأنه ظلم، فأما في الحق فالبطش بالسيف والسوط جائز. # وقوله: {واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون} [الشعراء: 132] أي: أعطاكم ما ~~تعلمون من الخير. # ثم أخبرنا بالذي أعطاهم، فقال: {أمدكم بأنعام وبنين {133} وجنات وعيون ~~{134} إني أخاف عليكم} [الشعراء: 133-135] قال ابن عباس: يريد إن عصيتموني. # {عذاب يوم عظيم} [الشعراء: 135] في الدنيا والآخرة، يريد الذي أهلكوا به. # {قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين {136} إن هذا إلا خلق ~~الأولين {137} وما نحن بمعذبين {138} فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما ~~كان أكثرهم مؤمنين {139} وإن ربك لهو العزيز الرحيم {140} كذبت ثمود ~~المرسلين {141} إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون {142} إني لكم رسول أمين ~~{143} فاتقوا الله وأطيعون {144} وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على ~~رب العالمين {145} } [الشعراء: 136-145] {قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن ~~من الواعظين} [الشعراء: 136] قال الكلبي: نهيتنا أو لم تكن من الناهين لنا. # {إن هذا إلا خلق الأولين} [الشعراء: 137] قال مقاتل: قالوا: ما هذا ~~العذاب الذي تقول يا هود إلا كذب الأولين. # وهو قول ابن مسعود، ومجاهد. # والخلق والاختلاف: الكذب، ومنه قوله: {وتخلقون إفكا} [العنكبوت: 17] وقرئ ~~خلق الأولين بضم الخاء واللام، أي: عادة الأولين، والمعنى: ما هذا الذي نحن ~~فيه إلا عادة الأولين من قبلنا، يعيشون ما عاشوا ثم يموتون، ولا بعث ولا ~~حساب. # {وما نحن بمعذبين} [الشعراء: 138] على ما نفعل، فكذبوه بالعذاب في ~~الدنيا، فأهلكناهم بالريح، وما بعد هذا مفسر في ال { [إلى قوله:] # PageV03P359 # أتتركون في ما ههنا آمنين {146} في جنات وعيون {147} وزروع ms1336 ونخل طلعها ~~هضيم {148} وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين {149} فاتقوا الله وأطيعون ~~{150} ولا تطيعوا أمر المسرفين {151} الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ~~{152} } [سورة الشعراء: 146-152] {أتتركون في ما ههنا} [الشعراء: 146] قال ~~مقاتل: يعني فيما أعطاهم الله من الخير. # {آمنين} [الشعراء: 146] من الموت والعذاب. # ثم أخبر عن ذلك، فقال: {في جنات وعيون {147} وزروع ونخل طلعها هضيم {148} ~~} [الشعراء: 147-148] يعني: ما يطلع منها من الثمر، والهضيم: النضيج الرخص ~~اللين اللطيف اليانع، كل هذا من ألفاظهم. # {وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين} [الشعراء: 149] حاذقين بنحتها، وهو من ~~قولهم: فره الرجل فراهة فهو فاره. # وقرئ فرهين قال أبو عبيدة: أشرين بطرين. # والهاء من فرهين بدل من الحاء، والفرح في كلام العرب بالحاء الأشر البطر، ~~ومنه قوله: {إن الله لا يحب الفرحين} [القصص: 76] . # قوله: {ولا تطيعوا أمر المسرفين} [الشعراء: 151] قال ابن عباس: المشركين. # وقال مقاتل: هم التسعة الذين عقروا الناقة. # وهم {الذين يفسدون في الأرض} [الشعراء: 152] بالمعاصي، {ولا يصلحون} ~~[الشعراء: 152] لا يطيعون الله فيما أمرهم به. # {قالوا إنما أنت من المسحرين {153} ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت ~~من الصادقين {154} قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم {155} ولا ~~تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم {156} فعقروها فأصبحوا نادمين {157} ~~فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين {158} وإن ربك لهو ~~العزيز الرحيم {159} كذبت قوم لوط المرسلين {160} إذ قال لهم أخوهم لوط ألا ~~تتقون {161} إني لكم رسول أمين {162} فاتقوا الله وأطيعون {163} وما أسألكم ~~عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين {164} } [الشعراء: 153-164] قالوا ~~لصالح: {إنما أنت من المسحرين} [الشعراء: 153] أي: ممن سحروا مرة بعد مرة. # وقال ابن عباس: من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب. # والمعنى: لست بملك إنما أنت بشر مثلنا. # قال مقاتل: قالوا إنما أنت بشر مثلنا لا تفضلنا في شيء، لست بملك ولا ~~رسول. # {فأت بآية إن كنت من الصادقين} [الشعراء: 154] إنك رسول الله إلينا، قال ~~ابن عباس: إنهم قالوا: إن كنت صادقا فادع الله يخرج لنا من هذا الجبل ناقة ~~حمراء عشراء فتضع ms1337 ونحن ننظر، وترد هذا الماء فتشرب، وتغدو علينا بمثله ~~لبنا. # فخرج بهم إلى هضبة من الأرض، فإذا هي تخض كما يخض الحامل، فانشقت عن ~~الناقة. # قال: {هذه ناقة لها شرب} [الشعراء: 155] حظ ونصيب من الماء، {ولكم شرب ~~يوم معلوم} [الشعراء: 155] قال قتادة: إذ كان يوم شربها شربت مائهم كله أول ~~النهار وتسقيهم اللبن آخر النهار، وإذا كان يوم شربهم كان لأنفسهم ~~ومواشيهم. # وما بعد هذا مفسر فيما مضى إلى قوله: { # PageV03P360 # أتأتون الذكران من العالمين {165} وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل ~~أنتم قوم عادون {166} قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين {167} ~~قال إني لعملكم من القالين {168} رب نجني وأهلي مما يعملون {169} فنجيناه ~~وأهله أجمعين {170} إلا عجوزا في الغابرين {171} ثم دمرنا الآخرين {172} ~~وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين {173} إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم ~~مؤمنين {174} وإن ربك لهو العزيز الرحيم {175} } [الشعراء: 165-175] ~~{أتأتون الذكران} [الشعراء: 165] وهو جمع الذكر ضد الأنثى، قال مقاتل: يعني ~~نكاح الرجال. # {من العالمين} [الشعراء: 165] من بني آدم. # {وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم} [الشعراء: 166] يعني: فروج نسائهم، ~~قال مجاهد: تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال. # {بل أنتم قوم عادون} [الشعراء: 166] ظالمون معتدون الحلال إلى الحرام، ~~والطاعة إلى المعصية. # {قالوا لئن لم تنته} [الشعراء: 167] لئن لم تسكت، {يا لوط لتكونن من ~~المخرجين} [الشعراء: 167] من بلدتنا. # {قال إني لعملكم} [الشعراء: 168] يعني إتيان الرجال، {من القالين} ~~[الشعراء: 168] المبغضين، يقال: قليته أقليه قلى. # ثم دعا، فقال: {رب نجني وأهلي مما يعملون} [الشعراء: 169] أي: من عذاب ما ~~يعملون. # قال المفسرون: عقوبة صنيعهم. # {فنجيناه وأهله} [الشعراء: 170] قال ابن عباس: يعني بناته. # {إلا عجوزا} [الشعراء: 171] يعني امرأته، {في الغابرين} [الشعراء: 171] ~~الباقين في العذاب. # {ثم دمرنا الآخرين} [الشعراء: 172] أهلكناهم بالخسف والحصب، وهو أن الله ~~خسف بقراهم وأرسل الحجارة على من كان خارجا من القرية. # وهو قوله: {وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين} [الشعراء: 173] فبئس ~~مطر الذين أنذروا بالعذاب. # {كذب أصحاب الأيكة المرسلين {176} إذ قال لهم شعيب ألا تتقون {177} إني ~~لكم رسول ms1338 أمين {178} فاتقوا الله وأطيعون {179} وما أسألكم عليه من أجر إن ~~أجري إلا على رب العالمين {180} } [الشعراء: 176-180] قوله: {كذب أصحاب ~~الأيكة المرسلين} [الشعراء: 176] قال ابن عباس: يريد شعيبا وحده، والأيك ~~شجر الدوم، وهو المقل، وكان أكثر شجرهم الدوم. # وقال مجاهد: الأيكة الغيضة من الشجر الملتف. # وقرأ الحجازيون أصحاب ليكة ههنا وفي ق بغير همز، والهاء مفتوحة، قال أبو ~~علي الفارسي: الأيكة تعريف أيكة، فإذا خففت الهمزة حذفتها وألقيت حركتها ~~على اللام، فقلت: ليكة، كما قالوا: لحمر. # وقول من قال: أصحاب ليكة مشكل لأنه فتح التاء مع إلحاق الألف واللام ~~الكلمة، وهذا في الامتناع كقول من قال: مررت بلحمر، فتح الآخر مع إلحاق لم ~~المعرفة. # وقوله: {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين {181} وزنوا بالقسطاس ~~المستقيم {182} ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين {183} ~~واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين {184} قالوا إنما أنت من المسحرين {185} ~~وما # PageV03P361 # أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين {186} فأسقط علينا كسفا من ~~السماء إن كنت من الصادقين {187} قال ربي أعلم بما تعملون {188} فكذبوه ~~فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم {189} إن في ذلك لآية وما كان ~~أكثرهم مؤمنين {190} وإن ربك لهو العزيز الرحيم {191} } [الشعراء: 181-191] ~~{ولا تكونوا من المخسرين} [الشعراء: 181] أي: من الناقصين للكيل والوزن، ~~يقال: أخسرت الكيل والوزن، أي أنقصته، ومنه قوله تعالى: {وإذا كالوهم أو ~~وزنوهم يخسرون} [المطففين: 3] . # وقوله: {والجبلة الأولين} [الشعراء: 184] الجبلة الخليقة، يعني الأمم ~~المتقدمين قبلهم، لما أمرهم بإتمام الكيل والوزن وتقوى الله، كذبوه وسألوه ~~العذاب إن كان صادقا. # وهو قوله: {فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين} [الشعراء: ~~187] ومضى تفسير هذا. # قال شعيب: {ربي أعلم بما تعملون} [الشعراء: 188] أي: من نقصان الكيل ~~والوزن، والمعنى: إنه أعلم به، فهو مجازيكم ومعذبكم إن شاء، وليس عندي ~~العذاب. # {فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة} [الشعراء: 189] قال المفسرون: بعث الله ~~عليهم حرا شديدا أخذ أنفاسهم، فدخلوا أجواف البيوت، فدخل عليهم الحر فأخذ ~~بأنفاسهم، فخرجوا من البيوت هربا إلى البرية، فبعث الله عليهم سحابا أظلتهم ms1339 ~~من الشمس، فوجدوا لها بردا، ونادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل ~~الله عليهم نارا فكان من أعظم يوم في الدنيا عذابا. # فذلك قوله: {إنه كان عذاب يوم عظيم} [الشعراء: 189] ومعنى الظلة ههنا ~~السحاب التي قد أظلتهم. # {وإنه لتنزيل رب العالمين {192} نزل به الروح الأمين {193} على قلبك ~~لتكون من المنذرين {194} بلسان عربي مبين {195} } [الشعراء: 192-195] قوله: ~~{وإنه لتنزيل رب العالمين} [الشعراء: 192] يعني القرآن. # {نزل به الروح الأمين} [الشعراء: 193] نزل الله بالقرآن جبريل، وهو أمين ~~الله فيما بين الله وبين أنبيائه، فيما استودعه الله من الرسالة إليهم. # وقوله: {على قلبك} [الشعراء: 194] أي: تلاه عليك حتى وعيته بقلبك، {لتكون ~~من المنذرين} [الشعراء: 194] ممن أنذر بآيات الله المكذبين. # {بلسان عربي مبين} [الشعراء: 195] قال ابن عباس: بلسان قريش لتفهموا ما ~~فيه، فلا يقولوا لأنفسهم ما يقول محمد. # {وإنه لفي زبر الأولين {196} أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني ~~إسرائيل {197} ولو نزلناه على بعض الأعجمين {198} فقرأه عليهم ما كانوا به ~~مؤمنين {199} } [الشعراء: 196-199] وإنه وإن ذكر القرآن وخبره، {لفي زبر ~~الأولين} [الشعراء: 196] لفي كتبهم، يعني أن الله أخبر في كتبهم عن القرآن، ~~وأنزله على النبي المبعوث في آخر الزمان، قال مقاتل: وإن أمر محمد ونعته ~~وذكره لفي كتب الأولين. # وهذا كقوله: {يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} [الأعراف: 157] . # قوله: {أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء # PageV03P362 # بني إسرائيل} [الشعراء: 197] قال الزجاج: أن يعلمه اسم كان وآية خبره، ~~والمعنى: أو لم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل، أن محمدا نبي حق، علامة ~~ودلالة على نبوته، لأن العلماء الذين آمنوا من بني إسرائيل كانوا يخبرون ~~بوجود ذكره في كتبهم. # قال عطية: وكانوا خمسة: عبد الله بن سلام، وابن يامين، وثعلبة، وأسد، ~~وأسيد. # وقرأ ابن عامر تكن بالتاء رفعا، قال الفراء، والزجاج: جعل آية هي الاسم، ~~وأن يعلمه خبر تكن. # {ولو نزلناه على بعض الأعجمين} [الشعراء: 198] يقول: لو نزلنا القرآن على ~~رجل ليس بعربي اللسان. # {فقرأه عليهم} [الشعراء: 199] بغير لغة العرب ما آمنوا به، وقالوا: ما ~~نفقة هذا ms1340. # فذلك قوله: {ما كانوا به مؤمنين} [الشعراء: 199] . # ثم ذكر سبب تركهم الإيمان، فقال: {كذلك سلكناه في قلوب المجرمين {200} لا ~~يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم {201} فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون {202} ~~فيقولوا هل نحن منظرون {203} أفبعذابنا يستعجلون {204} أفرأيت إن متعناهم ~~سنين {205} ثم جاءهم ما كانوا يوعدون {206} ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ~~{207} وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون {208} ذكرى وما كنا ظالمين {209} ~~} [الشعراء: 200-209] {كذلك سلكناه في قلوب المجرمين} [الشعراء: 200] قال ~~ابن عباس، والحسن، وغيرها: سلك الشرك والتكذيب في قلوب المجرمين. # قال مقاتل: يعني مشركي مكة، أخبر الله أنه أدخل الشرك وجعله في قلوبهم، ~~فلم يؤمنوا إلا عند نزول العذاب حين لم ينفعهم. # وهو قوله: {لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم} [الشعراء: 201] يعني ~~عند الموت. # {فيأتيهم} [الشعراء: 202] يعني العذاب، {بغتة وهم لا يشعرون} [الشعراء: ~~202] به في الدنيا، فيتمنى الرجعة والنظرة. # وهو قوله: {فيقولوا هل نحن منظرون} [الشعراء: 203] أي: لنؤمن ولنصدق، قال ~~مقاتل: فلما أوعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب، قالوا: فمتى العذاب؟ ~~تكذيبا به. # فقال الله تعالى: {أفبعذابنا يستعجلون {204} أفرأيت} [الشعراء: 204-205] ~~يا محمد، {إن متعناهم} [الشعراء: 205] يعني: كفار مكة {سنين} [الشعراء: ~~205] قال عطاء: يريد منذ أن خلق الله الدنيا إلى أن تنقضي. # وقال الكلبي: يعني مدة أعمارهم. # {ثم جاءهم ما كانوا يوعدون} [الشعراء: 206] من العذاب. # {ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} [الشعراء: 207] به في تلك السنين، المعنى ~~أنهم، وإن طال تمتعهم بنعيم الدنيا، فإذا أتاهم العذاب، لم يغن طول التمتع ~~عنهما شيئا، ويكونوا كأنهم لم يكونوا في نعيم قط. # {وما أهلكنا من قرية} [الشعراء: 208] بالعذاب في الدنيا، {إلا لها ~~منذرون} [الشعراء: 208] يعني: ولا ينذرونهم بالعذاب أنه نازل بهم. # {ذكرى} [الشعراء: 209] موعظة وتذكيرا، {وما كنا ظالمين} [الشعراء: 209] ~~فنعذب على غير ذنب، ونعاقب من غير تذكير وإنذار. # {وما تنزلت به الشياطين {210} وما ينبغي لهم وما يستطيعون {211} إنهم عن ~~السمع لمعزولون {212} } [الشعراء: 210-212] { # PageV03P363 # وما تنزلت به} [الشعراء: 210] أي القرآن، {الشياطين} [الشعراء: 210] قال ~~مقاتل: قالت قريش: إنما تجيء بالقرآن الشياطين فتلقيه على لسان محمد ms1341، فأنزل ~~الله {وما تنزلت به} [الشعراء: 210] أي: بالقرآن، {الشياطين {210} وما ~~ينبغي لهم} [الشعراء: 210-211] أن ينزلوا به، {وما يستطيعون} [الشعراء: ~~211] وما يقدرون أن يأتوا بالقرآن من السماء، قد حيل بينه وبين السمع ~~بالملائكة والشهب، وهو قوله: {إنهم عن السمع لمعزولون} [الشعراء: 212] قال ~~عطاء: عن استماع القرآن لمحجوبون، لأنهم يرجمون بالنجوم. # {فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين {213} وأنذر عشيرتك ~~الأقربين {214} واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين {215} فإن عصوك فقل إني ~~بريء مما تعملون {216} وتوكل على العزيز الرحيم {217} الذي يراك حين تقوم ~~{218} وتقلبك في الساجدين {219} إنه هو السميع العليم {220} } [الشعراء: ~~213-220] {فلا تدع مع الله إلها آخر} [الشعراء: 213] وذلك حين دعي إلى دين ~~آبائه، فقال الله: لا تعبد معه إلها آخر {فتكون من المعذبين} [الشعراء: ~~213] قال ابن عباس: يحذر به غيره، يقول: أنت أكرم الخلق علي، ولو اتخذت من ~~دوني إلها لعذبتك. # قوله: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214] أي: رهطك الأدنين، وهم بنو ~~هاشم، وبنو المطلب خاصة. ### | 677 - # أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عبد الله الفارسي، نا أبو الفضل محمد بن ~~عبيد الله الهروي، أنا علي بن محمد الخزاعي، نا أبو اليمان، أخبرني شعيب، ~~عن الزهري، أخبرني سعيد بن المسيب و، أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا ~~هريرة، قال: قام فينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين أنزل الله: ~~{وأنذر عشيرتك الأقربين} فقال: «يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، لا ~~أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا ~~عباد بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله، لا ~~أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئت، لا أغني عنك من ~~الله شيئا» ، رواه البخاري، عن أبي اليمان، ورواه مسلم، عن حرملة، عن وهب، ~~عن يونس، عن الزهري ### | 678 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أنا أبو سعيد إسماعيل بن ~~أحمد الخلالي، أنا عبد الله بن زيدان بن يزيد البجلي، نا ms1342 أبو كريب، نا أبو ~~معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: " ~~لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين} ؛ صعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ~~على الصفا، فقال: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: ما لك؟ فقال: ~~أرأيتم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم، أو ممسيكم، ما كنتم تصدقوني؟ قالوا: ~~بلى، # PageV03P364 # قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك، ألهذا ~~دعوتنا جميعا؟ فأنزل الله: تبت يدا أبي لهب وتب إلى آخرها، رواه مسلم، عن ~~أبي كريب، ورواه البخاري، عن عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش # قوله: {واخفض جناحك} [الشعراء: 215] ألن جانبك، {لمن اتبعك من المؤمنين} ~~[الشعراء: 215] قال ابن عباس: يريد أكرم من أتبعك من المصدقين بتوحيد الله، ~~وألزمهم القول، أظهر لهم المحبة والكرامة. # {فإن عصوك} [الشعراء: 216] يعني عشيرتك، {فقل إني بريء مما تعملون} ~~[الشعراء: 216] من الكفر وعبادة غير الله. # {وتوكل على العزيز الرحيم} [الشعراء: 217] فوض إليه جميع أمرك، وثق بالله ~~العزيز في نقمته، الرحيم بهم حين لم يعجل عليهم بالعقوبة. # {الذي يراك حين تقوم} [الشعراء: 218] إلى الصلاة في قول ابن عباس، ~~ومقاتل. # وقال مجاهد: يراك حين تقوم أينما كنت. # {وتقلبك في الساجدين} [الشعراء: 219] أي: ويرى ركوعك وسجودك وقيامك مع ~~المصلين في الجماعة. # والمعنى: يراك إذا صليت وحدك، ويراك إذا صليت في الجماعة راكعا وساجدا ~~وقائما، هذا قول أكثر المفسرين. # وقال ابن عباس في رواية عطاء، وعكرمة: يريد في أصلاب الموحدين، من نبي ~~إلى نبي حتى أخرجك في هذه الأمة، وما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه. # {إنه هو السميع} [الشعراء: 220] لقولك، {العليم} [الشعراء: 220] بما في ~~قلبك من الإيمان. # ثم قال لكفار مكة: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين {221} تنزل على كل ~~أفاك أثيم {222} يلقون السمع وأكثرهم كاذبون {223} والشعراء يتبعهم الغاوون ~~{224} ألم تر أنهم في كل واد يهيمون {225} وأنهم يقولون ما لا يفعلون {226} ~~إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله ms1343 كثيرا وانتصروا من بعد ما ~~ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون {227} } [الشعراء: 221-227] {هل ~~أنبئكم على من تنزل الشياطين} [الشعراء: 221] . # ثم أخبر، فقال: {تنزل على كل أفاك أثيم} [الشعراء: 222] على كل كذاب ~~فاجر، قال قتادة: هم الكهنة، تسترق الجن السمع، ثم يأتون إلى أوليائهم من ~~الإنس. # وهو قوله: {يلقون السمع} [الشعراء: 223] أي: يلقون ما سمعوه إلى الكهنة، ~~{وأكثرهم كاذبون} [الشعراء: 223] لأنهم يخلطون به كذبا كثيرا، وهذا كان قبل ~~أن يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك فمن يستمع الآن يجد له ~~شهابا رصدا. # قوله: {والشعراء} [الشعراء: 224] قال ابن عباس: يريد شعراء المشركين. # وذكر مقاتل أسماءهم، فقال: منهم عبد الله بن الزبعري السهمي، وأبو سفيان ~~بن الحارث بن المطلب، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، ومسافع بن عبد مناف ~~الجمحي، وأبو عزة عمرو بن عبد الله، كلهم من قريش، وأمية بن أبي الصلب ~~الثقفي، تكلموا بالكذب والباطل، وقالوا: نحن نقول مثل ما قال محمد. # وقالوا الشعر، واجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم ويرددون عنهم ~~حين يهجون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. # فذلك قوله: {يتبعهم الغاوون} [الشعراء: 224] يعني: الذين يرددون هجاء ~~المسلمين، # PageV03P365 # وسب الصحابة، والنبي صلى الله عليه وسلم، وقال قتادة ومجاهد: الغاوون ~~الشياطين. # {ألم تر أنهم في كل واد يهيمون} [الشعراء: 225] يقال: هام يهيم هيمانا ~~وهيما إذا ذهب على وجهه. # قال ابن عباس: في كل فن من الكذب يتكلمون، وفي كل لغو يخوضون. # وقال قتادة: يمدحون بباطل، ويشتمون بباطل، قالوا ذي يمثل الفنون من ~~الكلام. # وهيمانهم فيه قولهم على الجهل بما يقولون من لغو باطل، وغلو في مدح أو ~~ذم. # {وأنهم يقولون ما لا يفعلون} [الشعراء: 226] قال مقاتل: يقولون فعلنا ~~وفعلنا وهم كذبة. # ثم استثنى شعراء المسلمين، فقال: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ~~[الشعراء: 227] قال الكلبي، ومقاتل: هم عبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، ~~وحسان بن ثابت، وسائر شعراء المسلمين الذين مدحوا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، وردوا هجاء من هجاه. ### | 679 - # أخبرنا محمد بن أحمد بن ms1344 شاذان الصيدلاني، نا محمد بن يعقوب الأموي، نا ~~العباس بن الوليد بن مزيد، نا أبي، نا الأوزاعي، نا يونس، عن الزهري، حدثني ~~عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: يا رسول الله، ماذا تقول في الشعر؟ فقال: ~~«إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده، لكأنما تنضحونهم بالنبل» ### | 680 - # أخبرنا أبو نصر الجوزقي، أنا بشر بن أحمد بن بشر، نا عبد الله بن محمد بن ~~ناجية، نا محمد بن عبد الله بن نافع، عن يزيد بن زريع، نا شعبة، عن عدي بن ~~ثابت، نا البراء، سمعت حسان بن ثابت، يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم: «اهجهم، أو هاجهم، وروح القدس معك» ، رواه البخاري، عن حفص بن عمرو، ~~رواه مسلم، عن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، كلاهما عن شعبة ### | 681 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، أنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطان، ~~نا إسحاق بن خالويه، نا علي بن يحيى القطان، نا هشام، عن معمر، عن الزهري، ~~عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن مروان بن الحكم، عن عبد الرحمن بن الأسود بن ~~عبد يغوث، عن أبي بن كعب، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن من الشعر ~~حكمة» ### | 682 - # أخبرنا أبو محمد الفارسي، أنا محمد بن عبد الله بن الفضل، أنا أحمد بن ~~الحسن الحافظ، نا محمد بن يحيى، أنا أحمد بن شبيب بن سعيد، نا أبي، عن ~~يونس، قال: قال ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، رضي الله عنها، أنها كانت ~~تقول: الشعر كلام، فمنه حسن، ومنه قبيح، فخذ الحسن، ودع القبيح، ولقد رويت ~~أشعارا منها القصيدة أربعون ودون ذلك # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا محمد بن أحمد بن ~~معدان، نا علي بن مسلم الطوسي، نا هشيم، أنا عمر بن أبي زائدة، عن الشعبي، ~~قال: كان أبو بكر # PageV03P366 # رضي الله عنه يقول الشعر، وكان عمر رضي الله عنه يقول الشعر، وكان علي ~~رضي الله عنه أشعر الثلاثة. # وقوله: {وذكروا الله كثيرا ms1345} [الشعراء: 227] أي: لم يشغلهم الشعر عن ذكر ~~الله، ولم يجعلوا الشعر همهم، {وانتصروا من بعد ما ظلموا} [الشعراء: 227] ~~قال مقاتل: انتصروا من المشركين لأنهم بدأوا بالهجاء. # ثم أوعد شعراء المشركين، فقال: {وسيعلم الذين ظلموا} [الشعراء: 227] أي: ~~أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، {أي منقلب ينقلبون} ~~[الشعراء: 227] قال ابن عباس: يعني أنهم ينقلبون إلى نار جهنم يخلدون فيها. # PageV03P367 ### | سورة النمل # مكية وآياتها ثلاث وتسعون. ### | 683 - # أخبرنا الأستاذ سعيد بن محمد الحيري، أنا أبو عمرو بن أبي الفضل الشروطي، ~~أنا أبو إسحاق الأسدي، نا أبو عبد الله اليربوعي، نا سلام المدائني، نا ~~هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، ~~قال: قال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " ومن قرأ طس سليمان كان له من ~~الأجر عشر حسنات، بعدد من صدق سليمان وكذبه، وهودا، أو شعيبا، وصالحا، ~~وإبراهيم، ويخرج من قبره وهو ينادي: لا إله إلا الله " # {طس تلك آيات القرءان وكتاب مبين {1} هدى وبشرى للمؤمنين {2} الذين ~~يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون {3} إن الذين لا يؤمنون ~~بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون {4} أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم ~~في الآخرة هم الأخسرون {5} وإنك لتلقى القرءان من لدن حكيم عليم {6} } ~~[النمل: 1-6] بسم الله الرحمن الرحيم قوله: {طس} [النمل: 1] قال ابن عباس: ~~هو اسم من أسماء الله تعالى، أقسم الله به. # وقال قتادة: إنه اسم من أسماء القرآن. # وقال مجاهد: هو من الحروف المقطعة التي هي فواتح يفتح الله بها القرآن، ~~وليست من أسمائه. # {تلك آيات القرءان وكتاب مبين} [النمل: 1] تقدم تفسيره. # {هدى وبشرى للمؤمنين} [النمل: 2] بيان من الضلالة لمن عمل به، وبشرى بما ~~فيه من الثواب للمصدقين به أنه من عند الله. # ثم نعتهم، فقال: {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم ~~يوقنون} [النمل: 3] . # {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة} [النمل: 4] لا يصدقون بالبعث، {زينا لهم ~~أعمالهم} [النمل: 4] قال ابن عباس، ومقاتل: يعني ضلالتهم حتى رأوها حسنة. # فهم يعمهون ms1346 يترددون فيها متحيرين. # {أولئك الذين لهم سوء العذاب} [النمل: 5] أشده، {وهم في الآخرة هم ~~الأخسرون} [النمل: 5] لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم وصاروا إلى النار. # {وإنك لتلقى القرءان} [النمل: 6] قال السدي: يلقى عليك القرآن وحيا من ~~عند الله الحكيم. # أي: أنزله عليك بعلمه وحكمته. # {إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس ~~لعلكم تصطلون {7} فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان ~~الله رب العالمين {8} يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم {9} وألق عصاك ~~فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف ~~لدي المرسلون {10} إلا من # PageV03P368 # ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم {11} وأدخل يدك في جيبك تخرج ~~بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين {12} ~~فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين {13} وجحدوا بها واستيقنتها ~~أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين {14} } [النمل: 7-14] ~~قوله: {إذ قال موسى لأهله} [النمل: 7] قال الزجاج: موضع إذ نصب، والمعنى: ~~اذكر إذ قال موسى. # أي: اذكر قصته إذ قال لأهله لامرأته: {إني آنست نارا} [النمل: 7] ~~أبصرتها، {سآتيكم منها بخبر} [النمل: 7] عن الطريق، وكان قد تحير وترك ~~الطريق، فإن لم أجد أحدا يخبرني عن الطريق آتيكم بشعلة نار، وهو قوله: {أو ~~آتيكم بشهاب قبس} [النمل: 7] والشهاب أصل خشبة فيها نار ساطع، وتفسير القبس ~~قد سبق، وقرئ بشهاب قبس بالتنوين والإضافة، قال الزجاج: من نون جعل قبس من ~~صفة الشهاب. # ومن أضاف، فقال الفراء: هو مما يضاف إلى نفسه إذا اختلفت الأسماء، كقوله: ~~والدار الآخرة. # وقوله: لعلكم تصطلون لكي تصطلوا من البرد، وكان ذلك في شدة الشتاء، يقال: ~~صلي بالناء واصطلى بها إذا استدفأ. # {فلما جاءها نودي أن بورك من في النار} [النمل: 8] أي: بورك على من في ~~النار، أو فيمن في النار، قال الفراء: العرب تقول: باركه الله، وبارك عليه، ~~وبارك فيه، بمعنى واحد، والتقدير من في طلب النار، وهو ms1347 موسى، فحذف المضاف، ~~وهذا تحية من الله عز وجل لموسى بالبركة، كما حيا إبراهيم بالبركة على ~~ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا: {رحمت الله وبركاته عليكم أهل ~~البيت} [هود: 73] ومذهب المفسرين أن المراد بالنار هو النور، وذلك أن موسى ~~رأى نورا عظيما فظنه نارا، لذلك ذكر بلفظ النار، ومن في النار هم الملائكة، ~~وذلك أن النور الذي رأى موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتسبيح والتقديس. # ومن حولها هو موسى، لأنه كان بالقرب منها، ولم يكن فيها، والله تعالى ~~نادى موسى لما توجه إلى النار بأنه قد بارك فيه وفي الملائكة الذين كانوا ~~في ذلك النور الذي رآه. # ثم نزه نفسه، فقال: {وسبحان الله رب العالمين} [النمل: 8] . # ثم أخبر الله موسى عن نفسه، وتعرف إليه بصفاته وذاته، فقال: {إنه أنا ~~الله العزيز الحكيم} [النمل: 9] والكناية في إنه للشأن والأمر، أي: إن ~~الشأن والأمر أن المعبود أنا. # وقال الفراء: هذه الهاء عماد، وهو اسم لا يظهر. # ثم أراه على قدرته ليشاهد من قدرة الله ما لم يشاهده قبل، وهو قوله: ~~{وألق عصاك فلما رآها تهتز} [النمل: 10] وفي الآية محذوف تقديره فألقاها ~~فصارت حية، فلما رءاها تهتز كأنها جان قال الزجاج: صارت العصا تتحرك كما ~~يتحرك الجان، وهو الحية الأبيض، وإنما شبهها بالجان في خفة حركتها، وشبهها ~~في موضع آخر بالثعبان لعظمها، وقوله: ولى مدبرا أي: من الخوف من الحية، ولم ~~يعقب يرجع، يقال: عقب فلان إذا رجع، وكل راجع معقب. # وأهل التفسير يقولون: لم يقف ولم يلتفت. # فقال الله: {يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون} [النمل: 10] قال ~~ابن عباس: لا يخاف عندي من أرسلته برسالتي، والمعنى: لا يخيف الله ~~الأنبياء، أي: إذا أمنهم لا يخافونه، فكيف تخاف الحية، نهي عن الخوف من ~~الحية، ونبه على أمن المرسلين عند الله، ليعلم أن من آمنه الله من عذابه ~~بالنبوة لا يستحق أن يخاف الحية. # ثم قال: {إلا من ظلم} [النمل: 11] يعني أذنب وظلم نفسه # PageV03P369 # بالمعصية، {ثم بدل حسنا} [النمل: 11] أي ms1348: توبة وندما، بعد سوء عمله، وفي ~~هذا إشارة إلى أن موسى، وإن ظلم نفسه بقتل القبطي وخاف من ذلك، فإن الله ~~يغفر له لأنه ندم على ذنب وتاب عنه حين قال: {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ~~فغفر له} [القصص: 16] وهذا من الاستثناء المنقطع، والمعنى: لكن من ظلم ثم ~~تاب {فإني غفور رحيم} [النمل: 11] إني لا يخاف لدي الأنبياء والتائبون، ~~وقوم يقولون: إلا ههنا بمعنى ولا كأنه، قال: ولا يخاف لدي المرسلون، ولا من ~~ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء. # ثم أراه آية أخرى، فقال: {وأدخل يدك في جيبك} [النمل: 12] الجيب: حيث جيب ~~من القميص، أي قطع من الجيب، قال ابن عباس: كانت عليه جبة زربقانية من صوف، ~~كماها إلى مرفقيه، ولم يكن لها أزرار، وأدخل يده في جيبها فأخرجها وإذا هي ~~تبرق مثل البرق. # فذلك قوله: {تخرج بيضاء من غير سوء} [النمل: 12] من غير برص. # {في تسع آيات} [النمل: 12] وقد فسرناها في { [بني إسرائيل،] إلى فرعون ~~وقومه} [سورة النمل: 12] أي: مبعوثا إليهم أو مرسلا، {إنهم كانوا قوما ~~فاسقين} [النمل: 12] خارجين عن طاعة الله. # {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة} [النمل: 13] بينة واضحة، كقوله: {وآتينا ثمود ~~الناقة مبصرة} [الإسراء: 59] وقد مر. # قالوا هذا أي: هذا الذي نراه عيانا، {سحر مبين {13} وجحدوا بها} [النمل: ~~13-14] أنكروها ولم يقروا بأنها من عند الله، واستيقنتها أنفسهم أنها من ~~عند الله، وأنها ليست بسحر، ظلما وعلوا قال الزجاج: التقدير وجحدوا بها ~~ظلما وعلوا. # أي شركا وتكبرا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى، وهم يعلمون أنها من عند ~~الله، فانظر يا محمد، {كيف كان عاقبة المفسدين} [النمل: 14] في الأرض ~~بالمعاصي. # {ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من ~~عباده المؤمنين {15} وورث سليمان داود وقال يأيها الناس علمنا منطق الطير ~~وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين {16} وحشر لسليمان جنوده من ~~الجن والإنس والطير فهم يوزعون {17} حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة ~~يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان ms1349 وجنوده وهم لا يشعرون {18} ~~فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى ~~والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين {19} } ~~[النمل: 15-19] قوله: {ولقد آتينا داود وسليمان علما} [النمل: 15] قال ابن ~~عباس: علما بالقضاء وبكلام الطير والدواب وتسبيح الجبال. # {وقالا الحمد لله الذي فضلنا} [النمل: 15] بالنبوة والكتاب، وإلانة ~~الحديد، وتسخير الشياطين والجن والإنس، {على كثير من عباده المؤمنين {15} ~~وورث سليمان داود} [النمل: 15-16] نبوته وعلمه وملكه، قال قتادة: كان لدواد ~~تسعة عشر ذكرا، فورث سليمان ملكه من بينهم ونبوته. ### | 684 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الطبري قراءة عليه بجرجان، أنا أبو بكر ~~أحمد بن علي بن إبراهيم الآبندوني، أنا عبد الله بن محمد بن مسلم الجوربذي، ~~نا داود بن الحسين البيهقي، نا محمد بن سهل السمرقندي، نا إسحاق بن الصلت، ~~نا عبد الله بن عرادة الشيباني، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي # PageV03P370 # هريرة، رضي الله عنه، قال: نزل كتاب من السماء إلى داود مختوم فيه عشر ~~مسائل: أن سل ابنك سليمان، فإن هو أخرجهن فهو الخليفة من بعدك، قال: فدعا ~~داود سبعين قسا وسبعين حبرا، وأجلس سليمان بين أيديهم، وقال: يا بني، نزل ~~كتاب من السماء فيه عشر مسائل، أمرت أن أسألكهن، فإن أنت أخرجتهن فأنت ~~الخليفة من بعدي، قال سليمان: ليسأل نبي الله عما بدا له وما توفيقي إلا ~~بالله، قال: أخبرني، يا بني، ما أبعد الأشياء، وما أقرب الأشياء؟ وما آنس ~~الأشياء، وما أوحش الأشياء؟ وما أحسنها، وما أقبحها؟ وما أقلها، وما ~~أكثرها؟ وما الساعيان؟ والمشتركان؟ وما القائمان؟ وما المختلفان؟ وما ~~المتباغضان؟ وما الأمر إذا ركبه الرجل حمد آخره، وما الأمر إذا ركبه الرجل ~~ذم آخره؟ فقال سليمان: أما أقرب الأشياء فالآخرة، وأما أبعد الأشياء فما ~~فاتك من الدنيا، وأما آنس الأشياء فجسد فيه روح، وأما أوحش الأشياء فجسد لا ~~روح فيه، وأما القائمان فالسماء والأرض، وأما الساعيان فالشمس والقمر، ~~والمشتركان الليل والنهار، وأما المختلفان فالليل والنهار ms1350، وأما المتباغضان ~~فالموت والحياة كل واحد يبغض صاحبه، وأما الأمر إذا ركبه الرجل حمد آخره ~~فالحلم عند الغضب، وأما الذي إذا ركبه الرجل ذم آخره فالعدة على الغضب، ~~قال: ففك الخاتم فإذا هذه المسائل سواء على ما نزل من السماء، فقال ~~القسيسون والأحبار: لن نرضى حتى نسأله عن مسألة، فإن هو أخرجها فهو الخليفة ~~من بعدك، فقال: سلوه، قال سليمان: سلوني وما توفيقي إلا بالله، قالوا: ما ~~الشيء إذا صلح صلح كل شيء منه، وإذا فسد فسد كل شيء منه؟ قال سليمان: هو ~~القلب، إذا صلح صلح كل شيء منه، وإذا فسد فسد كل شيء منه، فقالوا: صدقت، ~~أنت الخليفة بعده، ودفع إليه داود، عليه السلام، قضيب الملك، ومات من الغد # أخبرنا أبو الحسن المؤمن بن محمد السوادي، أنا محمد بن عبد الله بن نعيم، ~~أنا أبو سعيد الأحمشي، نا الحسن بن حميد، نا الحسين بن علي السلمي، نا محمد ~~بن حسان، عن محمد بن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: اعطي سليمان بن داود عليه ~~السلام ملك مشارق الأرض ومغاربها، فملك سبع مائة سنة وستة أشهر، ملك أهل ~~الدنيا كلهم من الجن والإنس والشياطين والدواب والطير والسباع، واعطي علم ~~كل شيء وملك كل شيء، وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة التي سمع بها الناس، ~~وذلك قوله: {علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء} [النمل: 16] . # أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن علي الحافظ، أنا محمد بن علي بن الحسين، ~~بالكوفة، نا حامد بن بلال بن الحسن البخاري، نا داود بن طلحة، نا عمر بن ~~علي الخليل، نا موسى بن إبراهيم، نا الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر، ~~رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " الديك الأبيض ~~صديقي وصديق صديقي وعدو عدوي، قالوا: فما يقول الديك إذا صاح؟ قال: يقول: ~~اذكروا الله يا غافلين " ### | 686 - # أنا أبو نصر محمد بن محمد بن عبد الله بن زكريا الشيباني، أنا أبو سهل بن ~~بشر، نا سمانة بنت حمدان بن ms1351 موسى الأنبارية، بالأنبار، قالت: نا أحمد بن ~~عيسى ابن العسكري، نا # PageV03P371 # أحمد بن كثير الواسطي، نا أحمد بن صالح، عن علي بن الحسن، عن سهل، عن ~~أبيه، عن ابن عباس: قام قوم من أهل العراق، فقالوا: أنت ابن عباس؟ قال: ~~فقلت: نعم، قالوا: أنت ابن عم الذي يزعم أنه رسول الله، والسفير فيما بينه ~~وبين الله جبريل؟ قال: نعم، وأنا على ذلك من الشاهدين، قالوا: فإنا قوم قد ~~قرأنا الكتب وعرفنا ما فيها، ونحن سائلون عن سبعة أشياء، فإن أنت أخبرتنا ~~بها آمنا وصدقنا، قال: سلوني تفقها، ولا تسألوني تفننا، فإن رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم، دعا لي فقال: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» فعلمت ~~أن دعوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تلحقني، سلوني عما شئتم، قالوا: ~~أخبرنا ما يقول4، والزرزور، والدراج، والديك في صقيعه، والحمار في نهيقه، ~~والضفدع في نقيقه، والفرس في صهيله، قال: نعم، أخبركم؛ أما القنبر فإنه ~~يقول في صفيره: اللهم العن مبغضي محمد وآل محمد، وأما الزرزور فإنه يقول: ~~اللهم إني أسألك قوت يوم بيوم يا رازق، وأما الدراج فيقول: الرحمن على ~~العرش استوى، وأما الديك فإنه يقول: اذكروا الله يا غافلين، وأما الضفدع ~~فإنه يقول في نقيقه: سبحان المعبود في لجج البحار، وأما الحمار فإنه يقول ~~في نهيقه: اللهم العن العشار، وأما الفرس فإنه يقول في صهيله إذا التقت ~~الفئتان ومشى بعضهم إلى بعض: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، قالوا: يابن ~~عباس، نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأسلموا وحسن ~~إسلامهم، قال الفراء: منطق الطير كلام الطير، فجعله كمنطق الرجل إذا فهم # وأنشد قول حميد بن ثور: # عجبت أنى يكون عناؤها فصيحا ... ولم يقر بمنطقها فما # ومعنى الآية: فهمنا ما تقول الطير، {وأوتينا من كل شيء} [النمل: 16] قال ~~ابن عباس: يريد من أمر الدنيا والآخرة. # وقال مقاتل: يعني الملك والنبوة والكتاب، وتسخير الرياح، وسخرة الجن ~~والشياطين، ونطق الطير. # إن هذا الذي أعطينا، {لهو الفضل المبين} [النمل: 16] الزيادة الظاهرة ms1352 على ~~ما أعطي غيرنا. # قوله: {وحشر لسليمان جنوده} [النمل: 17] أي: جمع له جموعه وكل صنف من ~~الخلق جند على حدة، يدل عليه قوله: {من الجن والإنس والطير} [النمل: 17] ~~قال المفسرون: كان سليمان إذا أراد سفرا أمر فجمع طوائف من هولاء الجنود ~~على بساط واحد، ثم يأمر الريح فتحملهم بين السماء والأرض. # والمعنى: وجمع لسليمان جنوده في مسير له، قال محمد بن كعب: بلغنا أن ~~سليمان بن داود عسكره مائة فرسخ: خمسة وعشرون منها للإنس، وخمسة وعشرون ~~منها للجن، وخمسة وعشرون للوحش، وخمسة وعشرون للطير، وكان له ألف بيت من ~~قوابر على الخشب فيها ثلاث مائة كتيبة وسبع مائة سرية، فيأمر الريح العاصفة ~~فترفعه، ويأمر الرخاء فتسير به، فأوحى الله إليه وهو # PageV03P372 # يسير بين السماء والأرض إني قد زدت في ملكك أنه لا يتكلم أحد من الخلائق ~~بشيء إلا جاءت به الريح فأخبرتك به، وقوله: فهم يوزعون قال قتادة: على صنف ~~من جنوده وزعة ترد أولاهم على أخراهم، يعني: ليجتمعوا ويتلاحقوا وهو من ~~الوزع الذي هو الكف، يقال: وزعته أزعه وزعا، والشيب وازع، أي مانع، قال ~~الليث: والوازع في الحرب الموكل بالصفوف، يزع ما تقدم منهم. # {حتى إذا أتوا على وادي النمل} [النمل: 18] أي أشرفوا عليه، قال كعب: هو ~~بالطائف. # وقال قتادة، ومقاتل: هو بالشام. # قالت نملة أي: صاحت بصوت خلقه الله لها، ولما كان ذلك الصوت مفهوما ~~لسليمان عبر عنه بالقول. # قال أهل المعاني: ومعرفة النملة معجزة له، ألهمها الله معرفته حتى عرفته ~~وحذرت النمل حطمه، وهو قولها: {يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم ~~سليمان وجنوده} [النمل: 18] والنمل تعرف كثيرا من منافعها من ذلك، إنها ~~تكسر الحبة بقطعتين لئلا تنبت إلا الكزبرة فإنها تكسر بأربع قطع لأنها تنبت ~~إذا كسرت بقطعتين، فالذي هداها إلى هذا هو الذي ألهمها معرفة سليمان، ومعنى ~~لا يحطمنكم لا يكسرنكم، والحطم الكسر، والحطام ما تحطم، وقوله: {وهم لا ~~يشعرون} [النمل: 18] أي: بحطمكم ووطئكم. # قال مقاتل: قد علمت النملة إنه ملك لا بقي فيه، وإنه إن ms1353 علم بها قبل أن ~~يغشاها لم يتوطأها، لذلك قالت: {وهم لا يشعرون} [النمل: 18] وهذا يدل على ~~أن سليمان وجنوده كانوا ركبانا ومشاة على الأرض، ولم تحملهم الريح، لأن ~~الريح لو حملتهم بين السماء والأرض ما خافت النمل أن يتواطأها بأرجلهم، ~~ولعل هذه القصة كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان، قال المفسرون: طارت ~~الريح بكلام النملة فادخلته أذن سليمان، فلما سمع كلامها تبسم، وذلك قوله: ~~{فتبسم ضاحكا من قولها} [النمل: 19] قال الزجاج: أكثر ضحك الأنبياء عليهم ~~السلام التبسم، وضاحكا حال، ومعناه متبسما، وليس المراد بلفظ الضحك أكثر من ~~التبسم، وسبب ضحك سليمان عليه السلام من قول النملة التعجب، وذلك أن ~~الإنسان إذا رأى ما لا عهد له به تعجب وضحك. # وقال مقاتل: ثم حمد ربه حين علمه منطق كل شيء وسمع كلام النملة. # {وقال رب أوزعني} [النمل: 19] أي ألهمني، {أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي} ~~[النمل: 19] يقال: فلان موزع بكذا، أي مولع به، وقوله: {وأدخلني برحمتك في ~~عبادك الصالحين} [النمل: 19] أي: أدخلني في جملتهم، وأثبت اسمي مع أسمائهم، ~~واحشرني في زمرتهم، قال ابن عباس: يريد مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ومن ~~بعدهم من النبيين. # قوله: {وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين {20} ~~لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين {21} } [النمل: ~~20-21] وتفقد الطير التفقد: طلب ما غاب عنك، والطير اسم جامع للجنس، وكانت ~~الطير تصحب سليمان في سفره، تظله بأجنحتها، والمعنى أنه طلب ما فقد من ~~الطير، {فقال ما لي لا أرى الهدهد} [النمل: 20] أي: ما للهدهد لا أراه، ~~يقول العرب: ما لي أراك كئيبا؟ معناه ما لك، ولكنه من القلب الذي يوضحه ~~المعنى، والهدهد طائر معروف. # قال مجاهد: سئل ابن عباس: كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير؟ فقال: إن ~~سليمان نزل منزلا ولم يدر ما بعد الماء، وكان الهدهد يدله على الماء إذا ~~أراد أن ينزل، فلما فقده سأل عنه، وذلك أن الهدهد يرى الماء في الأرض كما ~~يرى الماء في الزجاجة. ### | 687 - # أخبرنا أبو ms1354 بكر الحارثي، أنا عبد الله بن محمد بن حيان، نا محمد بن ~~الصباح، نا عبد الله بن عمر، نا سالم بن نوح، نا أبو المعلى # PageV03P373 # العطار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه ذكر الهدهد، فقال: إن سليمان ~~طلبه؛ لأنه كان يعلم مسقاة الماء، وإن الصبي يضع له الفخ، فيغطي عليه بشيء ~~من التراب فيجيء فيقع فيه، فيقال: ويحك، أما علمت أن القدر يحول دون البصر ### | 688 - # وأخبرنا أبو بكر، أنا عبد الله، أنا أبو الحريش أحمد بن عيسى الكلابي، نا ~~عبد الوهاب بن فليح المكي، نا اليسع بن طلحة، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: ~~إذا نزل القضاء والقدر ذهب اللب وعمي البصر # وقوله: {أم كان من الغائبين} [النمل: 20] قال الزجاج: معناه بل كان من ~~الغائبين. # وقال المبرد: لما تفقد سليمان الطير ولم ير الهدهد فقال: {ما لي لا أرى ~~الهدهد} [النمل: 20] على تقدير أنه مع جنوده، وهو لا يراه، ثم أدركه الشك، ~~فشك في غيبته عن ذلك الجمع حيث لم يره، فقال: {أم كان من الغائبين} [النمل: ~~20] أي: بل أكان من الغائبين، كأنه ترك الكلام الأول واستفهم عن حال غيبته. # ثم أوعده، فقال: {لأعذبنه عذابا شديدا} [النمل: 21] قال المفسرون: تعذيبه ~~إياه أن ينتف ريشه، ثم يلقيه في الشمس، فلا يمتنع من نملة ولا من شيء من ~~هوام الأرض. # أو لأذبحنه لأقطعن حلقه، {أو ليأتيني بسلطان مبين} [النمل: 21] بحجة بينة ~~في غيبته، أصله ليأتينني بنونين كما يقرأ ابن كثير، ولكن حذفت النون التي ~~قبل ياء المتكلم لاجتماع النونات. # {فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين {22} إني ~~وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم {23} وجدتها وقومها ~~يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا ~~يهتدون {24} ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما ~~تخفون وما تعلنون {25} الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم {26} } [النمل: ~~22-26] {فمكث غير بعيد} [النمل: 22] أي: لم ms1355 يلبث إلا يسيرا حتى جاء الهدهد، ~~{فقال أحطت بما لم تحط به} [النمل: 22] أي: علمت شيئا من جميع جهاته، ما لم ~~تعلم. # قال ابن عباس: فأتاه الهدهد بحجة، فقال: اطلعت على ما لم تطلع عليه. # وقال مقاتل: قال الهدهد: علمت ما لم تعلم، وجئتك بأمر لم تعلم، وجئتك ~~بأمر لم تخبرك به الجن، ولم تعلمك به الإنس، وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا ~~جنودك. # وهو قوله: {وجئتك من سبإ} [النمل: 22] وقرئ من سبأ بالتنوين، قال الزجاج: ~~من لم يصرف فلأنه اسم مدينة تعرف بمأرب من اليمن، بينها وبين صنعاء مسيرة ~~ثلاثة أيام، من صرف ثلاثة اسم البلد فيكون منكرا سمي به مذكر، وروي في ~~الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل # PageV03P374 # عن سبأ، فقال: «كان رجلا له عشر من البنين» . # وقد تكلمت العرب فيه الأجواد وغير الأجواد، وقال جرير: # الواردون وتيم في ذرى سبأ # وقال آخر: # من سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيله العرما # وقوله: بنبأ يقين قال ابن عباس: الخبر الصادق، فقال سليمان: وما ذاك؟ ~~فقال الهدهد: {إني وجدت امرأة تملكهم} [النمل: 23] يعني: بلقيس ملكة سبأ، ~~قال مجاهد: كان تحت يدها اثنا عشر ألف قيل، والقيل بلغتهم الملك، تحت يدي ~~كل قيل ألف مقاتل. # {وأوتيت من كل شيء} [النمل: 23] قال عطاء: من زينة الدنيا من المال، ~~والجنود، والعلم. # {ولها عرش عظيم} [النمل: 23] قال: يريد سريرا من ذهب، طوله ثمانون ذراعا، ~~وعرضه أربعون ذراعا، وارتفاعه في السماء ثلاثون ذراعا، مضروب بالذهب، مكلل ~~بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، قوائمه من زبرجد أخضر. # أخبر الهدهد أنها وقومها على غير دين الله، وهو قوله تعالى: {وجدتها ~~وقومها يسجدون للشمس من دون الله} [النمل: 24] الآية، إلى قوله: ألا يسجدوا ~~ومن قرأ بالتشديد كان المعنى فقدهم عن السبيل لئلا يسجدوا، ثم حذفت، قاله ~~الزجاج، وقال الفراء: زين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا، ثم حذفت اللام. # ومن قرأ بالتخفيف كان المعنى: ألا يا قوم، أو يا مسلمون اسجدوا لله الذي ~~خلق السموات والأرض ms1356 خلافا عليهم، وحمدا لله لمكان ما هداكم لتوحيده، فلم ~~تكونوا مثلهم في الطغيان والكفر، وعلى هذه القراءة هذا كلام معترض من غير ~~القصة، إما من الهدهد وإما من سليمان. # وقال أبو عبيدة: هذا أمر من الله مستأنف. # يعني: ألا يا أيها الناس: اسجدوا لله. # قرأه العامة لئلا تنقطع القصة بما ليس فيها. # وقوله: {يخرج الخبء في السموات والأرض} [النمل: 25] يقال: خبأت الشيء ~~أخبأه خبأ، والخبء ما خبأته لوقت. # قال الزجاج: جاء في التفسير أن الخبأ ههنا من السماء، والنبات من الأرض، ~~وعلى هذا في تكون بمعنى من، وكذا هو في قراءة عبد الله، ويجوز أن يكون يعني ~~الخبأ الغيب، فيكون المعنى: يعلم الغيب في السموات والأرض، وهذا قول قتادة، ~~ويعلم ما تخفون في قلوبهم، وما # PageV03P375 # يعلنون بألسنتهم، وقرأ الكسائي بالتاء لأن أول الآية خطاب على قراءته ~~بتخفيف الآيات اسجدوا كذلك آخر الآية. # {الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم} [النمل: 26] أي: هو الذي يستحق ~~العبادة لا غيره، وهو رب العرش العظيم، لا ملكة سبأ، لأن عرشها، وإن كان ~~عظيما، لا يبلغ عرش الله في العظمة، فلما فرغ الهدهد من كلامه. # {قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين {27} اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ~~ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون {28} قالت يأيها الملأ إني ألقي إلي كتاب ~~كريم {29} إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم {30} ألا تعلوا علي ~~وأتوني مسلمين {31} } [النمل: 27-31] قال سليمان للهدهد: سننظر فيما حدثتنا ~~من هذا القصة، أصدقت فيما قلت، {أم كنت من الكاذبين} [النمل: 27] . # ثم كتب سليمان كتابا، وختمه بخاتمه، ودفعه إلى الهدهد، فذلك قوله تعالى ~~فيما قلت: {اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم} [النمل: 28] يعني: إلى أهل سبأ، ~~{ثم تول عنهم} [النمل: 28] قال مقاتل: يغرب عنهم. # وهذا على التقديم والتأخير، والتقدير فانظر ماذا يرجعون، ثم تول عنهم لأن ~~التولي عنهم بعد الجواب، ومعنى {فانظر ماذا يرجعون} [النمل: 28] ماذا يردون ~~من الجواب. # فمضى الهدهد بالكتاب، فألقاه إليهم، فقالت: {يأيها الملأ إني ألقي إلي ~~كتاب كريم} [النمل: 29] قال ms1357 قتادة: أتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على ~~قفاها، فألقى الكتاب على نحرها، فقرأت الكتاب، وأخبرت قومها، وقالت: ألقي ~~إلي كتاب كريم. # قال عطاء، والضحاك: سمته كريما لأن كان مختوما. # وهو قول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير يدل على صحة هذا التفسير. ### | 689 - # ما أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، أخبرنا أبو الحسن محمد ~~بن إبراهيم السليطي، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا يحيى بن طلحة ~~اليربوعي، حدثنا محمد بن مروان السدي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، ~~قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إكرام الكتاب ختمه # وقال قتادة، ومقاتل: كتاب كريم: حسن. # وهو اختيار الزجاج، قال: حسن ما فيه. # ثم بينت ممن الكتاب، فقالت: {إنه من سليمان} [النمل: 30] أي أن الكتاب من ~~عنده، وإنما وإن المكتوب فيه: {بسم الله الرحمن الرحيم {30} ألا تعلوا علي} ~~[النمل: 30-31] قال ابن عباس: لا تتكبروا علي. # والمعنى: لا تترفعوا علي وأتوني مسلمين منقادين طائعين، قال قتادة: وكذلك ~~كانت الأنبياء تكتب جملا لا تطيل، يعني أن هذا القدر الذي ذكره الله كان ~~كتاب سليمان. # ثم أرسلت إلى قومها فاجتمعوا إليها فاستشارتهم. # {قالت يأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون {32} ~~قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين {33} ~~قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة # PageV03P376 # وكذلك يفعلون {34} وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون {35} ~~} [النمل: 32-35] و {قالت يأيها الملأ} [النمل: 32] تعني: الأشراف، وكانوا ~~ثلاث مائة عشر قائدا، وهم أهل مشورتها، {أفتوني في أمري} [النمل: 32] ~~أشيروا علي وبينوا لي ما أعمل، {ما كنت قاطعة أمرا} [النمل: 32] فاعلته ~~وقاضيته، حتى تشهدون تحضروني، أي: إلا بحضوركم ومشورتكم. # قالوا مجيبين: {نحن أولو قوة} [النمل: 33] أي: في الأبدان، في معنى قول ~~ابن عباس، وفي قول مقاتل: أرادوا كثرة العدد. # {وأولو بأس شديد} [النمل: 33] يعني: الشجاعة في الحرب، ذكروا لها قوتهم ~~وشجاعتهم وهذا تعريض منهم بالقتال إن أمرتهم بذلك، ثم قالوا: والأمر ms1358 إليك ~~أي: في القتال وتركه، فانظري من الرأي، ماذا تأمرين ماذا تشيرين علينا. # قالت مجيبة لهم عن التعريض بالقتال {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها} ~~[النمل: 34] قال الزجاج: أي إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة أفسدوها، أي: ~~أهلكوها وخربوها. # {وجعلوا أعزة أهلها أذلة} [النمل: 34] أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم ~~لهم الأمر، ومعنى الآية أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم، ~~وانتهى الخبر عنها، وصدقها الله فيما قالت، فقال: وكذلك يفعلون أي: وكما ~~قالت هي يفعلون. # ثم قالت: {وإني مرسلة إليهم بهدية} [النمل: 35] قال السدي: تختبر بذلك ~~سليمان لتعرف أملك هو أم نبي؟ فبعثت إليه بغلمان وجوار في قول أكثر ~~المفسرين، قال ابن عباس: مائة وصيف ومائة وصيفة. # وقال مقاتل، ومجاهد: مائتي غلام ومائتي جارية. # وقال قتادة، وسعيد بن جبير: أرسلت بلبنة من ذهب في حرير وديباج. # {فناظرة بم يرجع المرسلون} [النمل: 35] بقبول أم رد. # {فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم ~~بهديتكم تفرحون {36} ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم ~~منها أذلة وهم صاغرون {37} } [النمل: 36-37] {فلما جاء سليمان} [النمل: 36] ~~أي: جاء الرسول سليمان، {قال أتمدونن بمال} [النمل: 36] أي: أتزيدونني ~~مالا؟ وهذا استفهام إنكار، يعني أنه لا يحتاج إلى مالهم لأن الله أعطاه ما ~~هو خير من ذلك، وهو قوله: {فما آتاني الله} [النمل: 36] أي: من الإسلام ~~والنبوة والملك، {خير مما آتاكم} [النمل: 36] من المال، {بل أنتم بهديتكم ~~تفرحون} [النمل: 36] يعني: إذا أهدى بعضكم إلى بعض، وأما أنا فلا أفرح بها. # ثم قال سليمان للرسول: {ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها} ~~[النمل: 37] أي: لا طاقة لهم بها، ولنخرجنهم منها من سبأ وهي قريتهم، {أذلة ~~وهم صاغرون} [النمل: 37] . # فلما رجع إليها الرسول قالت: قد عرفت ما هذا بملك، ومالنا به من طاقة. # فتجهزت للمسير إليه، وأخبر جبريل سليمان أنها خرجت من اليمن مقبلة إليه. # {قال يأيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين {38} قال ~~عفريت من الجن أنا آتيك به ms1359 قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين {39} ~~قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه ~~مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر ~~لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم {40} } [النمل: 38-40] # PageV03P377 # قال سليمان: {أيكم يأتيني بعرشها} [النمل: 38] وإنما قال هذا سليمان بعد ~~أن قربت منه، وكانت على مسيرة فرسخ من سليمان، وأحب أن يأخذ عرشها قبل أن ~~تسلم، فلا يحل له أخذ ما لها، وذلك قوله: {قبل أن يأتوني مسلمين} [النمل: ~~38] منقادين طائعين. # {قال عفريت من الجن} [النمل: 39] وهو المارد القوي الغليظ الشديد، {أنا ~~آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} [النمل: 39] يعني: من مجلسك الذي تقضي فيه، ~~وكان سليمان يجلس في مجلسه للقضاء غدوة إلى نصف النهار، قال مقاتل: قال ~~العفريت: أنا أضع قدمي عند منتهى بصري، فليس شيء أسرع مني. # وإني عليه أي: على حمله، لقوي أمين على ما فيه من الذهب والجواهر. # فقال سليمان: أريد أسرع من ذلك {قال الذي عنده علم من الكتاب} [النمل: ~~40] وهو آصف بن برخيا، وكان صديقا يعلم الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به ~~أجاب، وهذا قول أكثر المفسرين في الذي عنده علم من الكتاب، {أنا آتيك به ~~قبل أن يرتد إليك طرفك} [النمل: 40] قال سعيد بن جبير: قال لسليمان انظر ~~إلى السماء، فما طرف حتى جاء به، فوضعه بين يديه. # والمعنى: حتى يعود إليك طرفك بعد مدة إلى السماء، وقال مجاهد: معنى ~~ارتداد الطرف إدامة النظر حتى يرتد إليه طرفه خاسئا، وعلى هذا معنى الآية ~~أن سليمان يمد بصره إلى أقصاه، وهو يديم النظر، فقبل أن ينقلب إليه بصره ~~حسيرا يكون قد أتي بالعرش. # قال محمد بن إسحاق: انخرق مكان العرش حيث هو هناك ثم نبع بين يدي سليمان. # ونحو هذا روى عكرمة، عن ابن عباس، قال: جرى تحت الأرض حتى نبع بين يدي ~~سليمان. # وقال الكلبي: خر آصف ساجدا ودعا باسم الله الأعظم ms1360، فغار عرشها تحت الأرض ~~حتى نبع عند كرسي سليمان. # وقال أهل المعاني: لا ينكر من قدرة الله أن يعدمه من حيث كان، ثم يوجده ~~حيث كان سليمان بلا فصل بدعاء الذي عنده علم من الكتاب، ويكون كرامة للولي، ~~ومعجزة للنبي. # واختلفوا في ذلك الذي دعا به آصف: فقال مقاتل، ومجاهد هذا: يا ذا الجلال ~~والإكرام. # وقال الكلبي: يا حي يا قيوم. # أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله ~~الصفار، نا ابن أبي الدنيا، أنا عبيد الله بن عمير الخيثمي، عن المنهال بن ~~عيسى، عن غالب القطان، عن بكر بن عبد الله، قال: قال سليمان بن داود لصاحب ~~العرش: قد رأيتك تراجع شفتيك، فما قلت؟ قال: قلت: إلهي وإله كل شيء إلها ~~واحدا لا إله إلا أنت، ائت به. # وقوله: {فلما رآه مستقرا عنده} [النمل: 40] في الآية محذوف تقديره فدعا ~~الله فأتى به، فلما رآه مستقرا عنده ثابتا بين يديه، {قال هذا من فضل ربي} ~~[النمل: 40] أي: هذا التمكين من حصول المراد من فضل الله وعطائه، قال ~~قتادة: والله ما جعله فخرا ولا بطرا، ولكنه جعله منة لله وفضلا منه. # ليبلوني ليختبرني، أأشكر الله فيما أعطاني من نعمة، {أم أكفر ومن شكر} ~~[النمل: 40] ربه، {فإنما يشكر لنفسه} [النمل: 40] لأجل لنفسه، يفعل ذلك لأن ~~ثواب شكره يعود إليه، {ومن كفر فإن ربي غني} [النمل: 40] عن شكره، كريم ~~بالإفضال على من يكفر نعمه، قال المفسرون: خافت الشياطين أن يتزوج سليمان ~~بلقيس فتفشي إليه أسرار الجن، وذلك أن أمها كانت جنية، ولا ينفكون من تسخير ~~سليمان وذريته بعده لو تزوجها، فأساءوا الثناء عليها ليزهدوا فيها، وقالوا: ~~إن في عقلها شيئا، وإن رجلها كحافر الحمار. # فأراد سليمان أن يختبر عقلها بتنكير عرشها. # فذلك قوله: { # PageV03P378 # قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون {41} فلما ~~جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين {42} ~~وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها ms1361 كانت من قوم كافرين {43} قيل لها ~~ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من ~~قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين {44} } ~~[النمل: 41-44] {قال نكروا لها عرشها} [النمل: 41] التنكير التغيير، يقول: ~~غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته. # قال قتادة، ومقاتل: هو أن يزاد فيه أو ينقص. # ننظر أتهتدي لمعرفته، {أم تكون من الذين لا يهتدون} [النمل: 41] أي: من ~~القوم الذين لا يهتدون ولا يعرفون. # فلما جاءت المرأة، {قيل أهكذا عرشك} [النمل: 42] قال مجاهد: جعلت تعرف ~~وتنكر، وعجبت من حضورها عرشها عند سليمان. # ف {قالت كأنه هو} [النمل: 42] وقال مقاتل: عرفته، ولكنها شبهت عليهم كما ~~شبهوا عليها، ولو قيل لها: أهذا عرشك؟ لقالت: نعم. # قال عكرمة: كانت حكمية، قالت: لئن قلت هو هو خشيت أن أكذب، وإن قلت لا ~~خشيت أن أكذب. # فقالت: كأنه هو. # شبهته به. # قيل لها: فإنه عرشك، فما أغني عنك إغلاق الأبواب. # وكانت قد خلفته وراء سبعة أبواب لما خرجت، فقال: وأوتينا العلم لصحة ~~النبوة، من قبلها من قبل الآية في العرش، وكنا مسلمين طائعين منقادين لأمر ~~سليمان. # {وصدها ما كانت تعبد من دون الله} [النمل: 43] أي: منعها من التوحيد الذي ~~كانت تعبد من دون الله، وهو الشمس، قال الفراء: معنى الكلام وصدها من أن ~~تعبد الله ما كانت تعبد. # {إنها كانت من قوم كافرين} [النمل: 43] استئناف خبر الله تعالى أنها كانت ~~من قوم يعبدون الشمس، فنشأت فيما بينهم ولم تعرف إلا عبادة الشمس. # وأراد سليمان أن ينظر إلى قدمها من غير أن يسألها كشفها، إذ قيل له: إن ~~رجلها كحافر الحمار. # فأمر أن يهيأ لها بيت من قوارير فوق الماء، ووضع سرير سليمان في صدر ~~البيت، و {قيل لها ادخلي الصرح} [النمل: 44] قال ابن قتيبة: الصرح بلاط ~~اتخذ لها من قوارير، وجعل تحته ماء وسمك. # ونحو هذا قال الزجاج في الصرح: إنه الصحن، يقال: هذه مساحة الدار، وصرحة ~~الدار. # {فلما رأته حسبته لجة} [النمل: 44] وهي ms1362 معظم الماء، {وكشفت عن ساقيها} ~~[النمل: 44] لدخول الماء، قال ابن عباس: لما كشفت عن ساقيها رأى سليمان ~~قدما لطيفا، وساقا حسنا خدلجا أزب، فقال لناصحه من الشياطين: كيف لي أن ~~أقلع هذا الشعر من غير مضرة للجسد؟ فعلمه عمل النورة. # فكانت النورة والحمامات من يومئذ، فلما رأى ساقها وقدمها ناداها سليمان، ~~ف {قال إنه صرح ممرد من قوارير} [النمل: 44] أي: من الزجاج وليس بماء، قال ~~مقاتل: لما رأت السرير والصرح علمت أن ملك سليمان من الله. # ف {قالت رب إني ظلمت نفسي} [النمل: 44] بعبادة غيرك، {وأسلمت مع سليمان ~~لله رب العالمين} [النمل: 44] أخلصت له التوحيد، قال عون بن عبد الله: جاء ~~رجل إلى عبد الله بن عتيبة، فسأله: هل تزوجها سليمان؟ قال: عهدي بها أن ~~قالت: {وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} [النمل: 44] يعني أنه لا يعلم ~~ذلك، وأن آخر ما سمع من حديثها {وأسلمت مع سليمان} [النمل: 44] . # PageV03P379 # {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان ~~يختصمون {45} قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون ~~الله لعلكم ترحمون {46} قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل ~~أنتم قوم تفتنون {47} } [النمل: 45-47] قوله: {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم ~~صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون} [النمل: 45] أي: مؤمنون ~~وكافرون، كل فريق يقول الحق معي. # فقال صالح للفريق المكذب: {قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة} ~~[النمل: 46] أي: بالعذاب قبل الرحمة، أي: لم قلتم إن كان ما تأتينا به حقا ~~فأتنا بالعذاب، لولا هلا، {تستغفرون الله} [النمل: 46] من الشرك، {لعلكم ~~ترحمون} [النمل: 46] فلا تعذبون في الدنيا. # {قالوا اطيرنا بك وبمن معك} [النمل: 47] تشاءمنا بك وبمن على دينك، وذلك ~~أنهم قحط المطر عنهم، وجاعوا، فقالوا: أصابنا هذا الشر من شؤمك وشؤم ~~أصحابك. # فقال لهم صالح: {طائركم عند الله} [النمل: 47] قال ابن عباس: الشؤم أتاكم ~~من عند الله بكفركم. # وهذا كقوله: {يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله} [الأعراف: ~~131] . # وقوله: {بل أنتم قوم ms1363 تفتنون} [النمل: 47] تختبرون بالخير والشر. # {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون {48} قالوا ~~تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا ~~لصادقون {49} ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون {50} فانظر كيف كان ~~عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين {51} فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ~~إن في ذلك لآية لقوم يعلمون {52} وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون {53} } ~~[النمل: 48-53] {وكان في المدينة} [النمل: 48] يعني: التي بها صالح، وهي ~~الحجر، تسعة رهط وهم غواة قوم صالح، {يفسدون في الأرض} [النمل: 48] يعملون ~~فيها بالمعاصي، ولا يصلحون ولا يطيعون الله. # قالوا فيما بينهم: تقاسموا بالله احلفوا بالله لنبيتنه لنقتلن صالحا، ~~وأهله بياتا، ومن قرأ بالنون كأنهم قالوا: أقسموا بالله لنفعلن كذا، والأمر ~~بالقسم في القراءتين دخل في الفعل معهم، {ثم لنقولن لوليه} [النمل: 49] أي: ~~لذي رحم صالح، إن سألنا عنه: {ما شهدنا مهلك أهله} [النمل: 49] ما قتلناه، ~~وما ندري من قتله وأهله، والمهلك يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الإهلاك، ويجوز ~~أن يكون الموضع، وروى عاصم بفتح الميم واللام، يريد الهلاك، يقال: هلك ~~هلاكا يهلك مهلكا، وروى # PageV03P380 # حفص عنه بفتح الميم وكسر اللام، وهو اسم المكان على معنى: ما شهدنا موضع ~~هلاكهم ومكانه. # قال الزجاج: وكان هؤلاء النفر تحالفوا أن يبيتوا صالحا وأهله، ثم ينكروا ~~عند أوليائه أنهم فعلوا ذلك، أو رأوه وكان هذا مكر عزموا عليه. # قال الله عز وجل: {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا} [النمل: 50] جازيتهم جزاء ~~مكرهم بتعجيل عقوبتهم، {وهم لا يشعرون} [النمل: 50] بمكر الله بهم. # فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إنا دمرناهم وقرئ أنا بالفتح، قال الزجاج، ~~والفراء: من كسر استأنف، فهو يفسر به ما كان قبله مثل قوله: فلينظر الإنسان ~~إلى طعامه إنا صببنا ومن فتح رده على إعراب ما قبله جعله تابعا للعاقبة، ~~كأنه قال: العاقبة أنا دمرناهم. # قال ابن عباس: أرسل الله الملائكة تلك الليلة إلى دار صالح يحرسونه فأتى ~~التسعة دار صالح شاهرين سيوفهم، فرمتهم الملائكة بالحجارة من حيث يرون ~~الحجارة ولا يرون الملائكة ms1364، فقتلتهم. # وقال مقاتل: نزلوا في سفح جبل ينتظر بعضهم بعضا ليأتوا دار صالح، فجثم ~~عليهم الجبل فأهلكهم. # وقوله: {وقومهم أجمعين} [النمل: 51] يعني بصيحة جبريل. # {فتلك بيوتهم خاوية} [النمل: 52] قال الزجاج: نصب خاوية على الحال، ~~والمعنى: فانظر إلى بيوتهم خاوية. # {بما ظلموا} [النمل: 52] بظلمهم وشركهم بالله أهلكناهم حتى صارت منازلهم ~~خاوية خالية ساقطة على عروشها، {إن في ذلك} [النمل: 52] في هلاكهم، {لآية ~~لقوم يعلمون} [النمل: 52] لعبرة لمن علم توحيد الله وقدرته. # {وأنجينا الذين آمنوا} [النمل: 53] صدقوا صالحا من العذاب وكانوا يتقون ~~الشرك. # {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون {54} أئنكم لتأتون ~~الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون {55} فما كان جواب قومه إلا ~~أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون {56} فأنجيناه وأهله ~~إلا امرأته قدرناها من الغابرين {57} وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين ~~{58} } [النمل: 54-58] ولوطا واذكر لوطا، {إذ قال لقومه} [النمل: 54] الذين ~~أرسل إليهم أتأتون الفاحشة يعني: اللواط في قول الجميع، وأنتم تبصرون وأنتم ~~تعلمون أنها فاحشة، وهو من البصر الذي هو العلم، وهذه الآيات التي في هذه ~~القصة مفسرة في { [الأعراف. # وقوله:] بل أنتم قوم تجهلون} [سورة النمل: 55] قال ابن عباس: تجهلون ~~القيامة وعاقبة العصيان. # وقوله: {قدرناها من الغابرين} [النمل: 57] جعلناها بتقديرنا وقضائنا ~~عليها أنها من الباقين في العذاب، وما بعد هذا مفسر في { [الشعراء. # قوله:] قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفىءالله خير أما يشركون ~~{59} أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات ~~بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون {60} } ~~[سورة النمل: 59-60] { # PageV03P381 # قل الحمد لله} [النمل: 59] هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر ~~أن يحمد الله على هلاك كفار الأمم الخالية، {وسلام على عباده الذين اصطفى} ~~[النمل: 59] قال مقاتل: هم الأنبياء الذين اختارهم الله لرسالته. # وقال ابن عباس في رواية أبي مالك: هم أصحاب محمد بن عبد الله صلى الله ~~عليه وسلم. # وقال في رواية عطاء: هم الذين ms1365 وحدوه، وآمنوا به. # وقال في رواية الكلبي: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، اصطفاهم الله ~~لمعرفته وطاعته. # ومعنى السلام عليهم: أنهم سلموا مما عذب به الكفار. # ثم قال مخاطبا المشركين: {ءالله خير أما يشركون} [النمل: 59] يا أهل مكة، ~~أي: الله خير لمن عبده أم الأصنام لعابديها، إلزام للحجة على المشركين، قيل ~~لهم بعدما ذكر هلاك الكفار: الله خير أم الأصنام. # والمعنى أن الله نجى من عبده من الهلاك، والأصنام لم تغن عن عابديها عند ~~نزول العذاب، وكان المشركين يتوهمون في الأصنام وفي عبادتها خيرا، فقيل لهم ~~احتجاجا: الله خير أما تشركون. # قوله: {أمن خلق السموات والأرض} [النمل: 60] تقدير الكلام أما تشركون خير ~~من خلق السموات والأرض، {وأنزل لكم من السماء ماء} [النمل: 60] يعني المطر ~~{فأنبتنا به حدائق} [النمل: 60] جمع حديقة، وهي كل روضة وحائط وبستان عليه ~~حائط، وما لم يكن عليه حائط لا يقال حديقة ذات بهجة ذات منظر حسن، والبهجة ~~الحسن، يبتهج به من رآه، {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} [النمل: 60] أي: ما ~~ينبغي لكم ذلك، لأنكم لا تقدرون عليها. # ثم قال مستفهما منكرا عليهم: {أإله مع الله} [النمل: 60] أي: هل معه ~~معبود سواه أعانه على صنعه، بل ليس معه إله هم قوم يعني: كفار مكة، يعدلون ~~يشركون بالله غيره. # {أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين ~~البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون} [النمل: 61] {أمن جعل ~~الأرض قرارا} [النمل: 61] مستقرا لا يميد بأهلها، وجعل خلالها فيما بينها، ~~أنهارا كقوله: {وفجرنا خلالهما نهرا} [الكهف: 33] . # {وجعل لها رواسي} [النمل: 61] جبالا ثوابت أثبت بها الأرض {وجعل بين ~~البحرين حاجزا} [النمل: 61] مانعا من قدرته بين العذب والملح، فلا يختلط ~~أحدهما بالآخر، {أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون} [النمل: 61] توحيد ربهم ~~وسلطانه وقدرته. # {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله ~~قليلا ما تذكرون} [النمل: 62] {أمن يجيب المضطر} [النمل: 62] المكروب ~~المجهود، إذا دعاه فيكشف ضره، وهو قوله: {ويكشف ms1366 السوء ويجعلكم خلفاء الأرض} ~~[النمل: 62] يخلف كل قرن منكم القرن الذي قبله، والمعنى: يهلك قرنا فينشئ ~~آخرين. # {أإله مع الله قليلا ما تذكرون} [النمل: 62] قال ابن عباس: قليلا ما ~~تتعظون. # ومن قرأ بالياء، فالمعنى: قليلا تذكر هؤلاء المشركين. # {أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ~~أإله مع الله تعالى الله عما يشركون} [النمل: 63] أمن يهديكم يرشدكم إلى ~~مقاصدكم {في ظلمات البر والبحر} [النمل: 63] وهذا كقوله: {وهو الذي جعل لكم ~~النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} [الأنعام: 97] . # PageV03P382 # {أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل ~~هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [النمل: 64] {أمن يبدأ الخلق} [النمل: 64] ~~في الأرحام من نطفة، ثم يعيده بعد الموت، {ومن يرزقكم من السماء} [النمل: ~~64] المطر، ومن الأرض النبات، {أإله مع الله قل هاتوا برهانكم} [النمل: 64] ~~حجتكم، {إن كنتم صادقين} [النمل: 64] أن لي شريكا صنع من هذه الأشياء. # {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ~~{65} بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون {66} وقال ~~الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون {67} } [النمل: 65-67] ~~{قل لا يعلم من في السموات} [النمل: 65] يعني الملائكة، والأرض يعني الناس، ~~الغيب ما غاب عن العباد، إلا الله وحده، {وما يشعرون أيان يبعثون} [النمل: ~~65] ولا يعلمون متى يكون البعث، والمعنى أن الله هو الذي يعلم الغيب ويعلم ~~متى البعث لا غيره. # {بل ادارك علمهم في الآخرة} [النمل: 66] ادارك معناه تدارك، أي: تتابع ~~وتلاحق، ومنه قوله: {حتى إذا اداركوا فيها جميعا} [الأعراف: 38] . # وقرأ ابن كثير بل أدرك أي: بلغ ولحق، كما تقول: أدركه علمي، أي بلغه ~~ولحقه. # قال ابن عباس: يريد ما جهلوه في الدنيا وسقط علمه عنهم علموه في الآخرة. # وقال السدي: اجتمع علمهم يوم القيامة، فلم يشكوا ولم يختلفوا. # وقال مقاتل: يقول: بل علموا في الآخرة حين عاينوا ما شكوا فيه وعموا عنه ~~في الدنيا. # وهو قوله ms1367: {بل هم في شك منها} [النمل: 66] بل هم اليوم في الدنيا في شك ~~من الساعة، {بل هم منها عمون} [النمل: 66] جمع عم، وهو الأعمى القلب. # قال الكلبي: يقول: هم جهلة بها. # وما بعد هذا مفسر في { [المؤمنين إلى قوله:] لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا ~~من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين {68} قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان ~~عاقبة المجرمين {69} ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون {70} } ~~[سورة النمل: 68-70] {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} ~~[النمل: 69] والآية ظاهرة. # {ولا تحزن عليهم} [النمل: 70] على كفار مكة، والمعنى: على تكذيبهم إياك ~~وإعراضهم عنك، {ولا تكن في ضيق} [النمل: 70] وقرئ في ضيق بكسر الضاد، وهما ~~لغتان، قال ابن السكيت: يقال في صدر فلان ضيق أو ضيق، وهو ما يضيق عنه ~~الصدر. # وهذه الآية مفسرة في آخر { [النحل. # ] ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين {71} قل عسى أن يكون ردف لكم بعض ~~الذي تستعجلون {72} # PageV03P383 # وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون {73} وإن ربك ليعلم ما ~~تكن صدورهم وما يعلنون {74} وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب ~~مبين {75} } [سورة النمل: 71-75] {ويقولون متى هذا الوعد} [النمل: 71] الذي ~~تعدنا يا محمد من العذاب، {إن كنتم صادقين} [النمل: 71] بأنه يكون. # {قل عسى أن يكون ردف لكم} [النمل: 72] يقال: ردفت الرجل وأردفته إذا ركبت ~~خلفه، قال ابن عباس: {ردف لكم} [النمل: 72] قرب لكم. # وقال السدي: أقرب لكم. # وقال قتادة: أزف لكم. # والمعنى أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للذين يستعجلون ~~العذاب قدرنا، {لكم بعض الذي تستعجلون} [النمل: 72] من العذاب، فكان بعض ~~الذي نالهم ببدر وسائر العذاب لهم فيما بعد الموت. # ثم ذكر فضله في تأخير العذاب، فقال: {وإن ربك لذو فضل على الناس} [النمل: ~~73] قال مقاتل: على أهل مكة حين لا يعجل عليهم بالعذاب، {ولكن أكثرهم لا ~~يشكرون} [النمل: 73] ذلك. # {وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم} [النمل: 74] تخفي وتستر صدورهم، وما ~~يعلنون بألسنتهم من عداوتك ms1368 والخلاف عليك، أي: إنه يعلم ذلك فيجازيهم به. # قوله: {وما من غائبة} [النمل: 75] أي: جملة غائبة، {في السماء والأرض} ~~[النمل: 75] قال المفسرون: ما من شيء غائب وأمر يغيب عن الخلق، {في السماء ~~والأرض إلا في كتاب مبين} [النمل: 75] إلا هو بين اللوح المحفوظ، قال ~~مقاتل: يريد علم ما تستعجلون من العذاب، هو مبين عند الله، ولئن غاب عن ~~الخلق. # {إن هذا القرءان يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون {76} وإنه ~~لهدى ورحمة للمؤمنين {77} إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم {78} ~~فتوكل على الله إنك على الحق المبين {79} إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم ~~الدعاء إذا ولوا مدبرين {80} وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا ~~من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون {81} } [النمل: 76-81] {إن هذا القرءان يقص على ~~بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون} [النمل: 76] قال الكلبي: إن أهل ~~الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابا وشيعا، يطعن بعضهم على بعض، ~~ويتبرأ بعضهم من دين بعض، فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه إن أخذوا به ~~وأسلموا. # وإنه وإن القرآن، لهدى من الضلالة، ورحمة من العذاب لمن آمن به. # {إن ربك يقضي بينهم} [النمل: 78] قال مقاتل، والكلبي: بين أهل الكتاب ~~يقضي بينهم يوم القيامة. # {بحكمه وهو العزيز} [النمل: 78] الغالب فلا يمكن رد قضائه، العليم بما ~~يحكم، فهو يقضي بين المختلفين بما لا يمكن أن يرد. # {فتوكل على الله} [النمل: 79] ثق به، {إنك على الحق المبين} [النمل: 79] ~~على الدين البين، أي: إن العاقبة لك بالنصر. # ثم ضرب للكفار مثلا، فقال: {إنك لا تسمع الموتى} [النمل: 80] شبه كفار ~~مكة بالأموات، يقول: كما لا يسمع الميت النداء كذلك لا يسمع الكافر النداء. # {ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} [النمل: 80] قال قتادة: لو أن ~~أصم ولى مدبرا، ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ما يدعى إليه من ~~الإيمان. # ومعنى الآية أنهم لفرط إعراضهم عما يدعون إليه من التوحيد، كالميت الذي ~~لا سبيل إلى إسماعه، والصم الذين لا يسمعون. # ثم ms1369 ضرب العمى مثلا لهم أيضا، فقال: {وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم} ~~[النمل: 81] أي: ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الهدى وأعمى قلبه عن ~~الإيمان، وقرأ حمزة تهدي العمي على # PageV03P384 # الفعل، وحجته قوله: {أفأنت تهدي العمي} [يونس: 43] والمعنى أنك لا ~~تهديهم، عن ضلالتهم لشدة عنادهم، إن تسمع ما تسمع سماع إفهام، {إلا من يؤمن ~~بآياتنا} [النمل: 81] قال مقاتل: إلا من صدق بالقرآن أنه من الله. # فهم مسلمون مخلصون بتوحيد الله. # قوله: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس ~~كانوا بآياتنا لا يوقنون} [النمل: 82] {وإذا وقع القول عليهم} [النمل: 82] ~~قال ابن عباس: حق العذاب عليهم. # وقال قتادة: إذا غضب الله عليهم. # والمعنى: حق، ووجب أن ينزل بهم ما قال الله، وحكم به من عذابه، وسخطه ~~عليهم، أي: على الكفار الذين تخرج الدابة عليهم، وهو قوله: {أخرجنا لهم ~~دابة من الأرض} [النمل: 82] وذلك حين لا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، ~~وقال مخلد بن الحسين: لا تخرج الدابة حتى لا يبقى أحد يريد أن يؤمن. # قالوا: وتخرج الدابة من صدر الصفا. ### | 690 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن الحسن التاجر، نا أبو الحسن علي بن عمر ~~الختلي، نا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، نا يحيى بن معين، نا هشام بن ~~يوسف، عن رباح بن عبيد الله، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، ~~رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " بئس الشعب جياد ~~مرتين، أو ثلاثا، قالوا: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: «تخرج منه الدابة ~~فتصرخ ثلاثة صرخات يسمعها من بين الخافقين» ### | 691 - # أخبرني أبو عمرو محمد بن عبد العزيز، في كتابه، أنا أبو الفضل الحدادي، ~~أنا أبو يزيد الخالدي، أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عمر بن هارون، نا سوادة، ~~قال: كنت مع ابن عباس في مكة، وهو على الصفا إذ قرع الصفا بعصاه، وهو محرم ~~قد عصب رأسه بشراك، وهو يقول: إن الدابة لتسمع قرع عصاي هذه ### | 692 - # وأخبرنا ms1370 أبو عمرو، أنا أبو الفضل، أنا أبو يزيد، أنا إسحاق بن إبراهيم، ~~أنا عبد الرزاق، نا معمر، عن قتادة، قال: هي دابة ذات زغب وريش، لها أربع ~~قوائم ### | 693 - # وبهذا الإسناد، عن إسحاق، أخبرنا النضر بن شميل، نا حماد بن سلمة، نا علي ~~بن زيد، نا أوس بن خالد، عن أبي هريرة، قال: تخرج الدابة ومعها عصا موسى ~~وخاتم سليمان، فتجلو وجه المؤمن بالعصا، وتختم وجه الكافر بالخاتم، حتى إن ~~أهل الخوان يجتمعون، يقول هذا: يا مؤمن، ويقول هذا: يا كافر # وقوله: تكلمهم قال مقاتل: # PageV03P385 # تكلمهم بالعربية، فتقول: {أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} [النمل: 82] ~~تخبر الناس أن أهل مكة لم يؤمنوا بالقرآن، والبعث، والثواب والعقاب، وقرئ ~~أن الناس بفتح الهمزة وكسرها، فمن فتح أراد تكلمهم الدابة بأن الناس، ومن ~~كسر فلأن معنى تكلمهم تقول لهم إن الناس، والكلام قول. # {ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون {83} حتى إذا ~~جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أماذا كنتم تعملون {84} ووقع ~~القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون {85} ألم يروا أنا جعلنا الليل ~~ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون {86} } [النمل: ~~83-86] قوله: {ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا} [النمل: 83] ~~الفوج الجماعة من الناس كالزمرة، وإنما يريد الرؤساء والمتبوعين في الكفر ~~حشروا وجمعوا لإقامة الحجة عليهم، وقوله: فهم يوزعون مفسر في هذه ال { [. # ] حتى إذا جاءوا} [سورة النمل: 84] إلى موقف الحشر، قال الله لهم: أكذبتم ~~بآياتي هذا استفهام معناه الإنكار عليهم، والوعيد لهم. # قال ابن عباس: كذبتم أنبيائي، وجحدتم فرائضي وحدودي. # {ولم تحيطوا بها علما} [النمل: 84] قال ابن عباس: ولم تختبروا حتى تفقهوا ~~وتسمعوا. # وقال مقاتل: ولم يحيطوا علما أنها باطل. # ومعنى هذا: أكذبتم غير عالمين بها، يعني: ولم تتفكروا فيها. # ووقع القول وجب العذاب، {عليهم بما ظلموا} [النمل: 85] بما أشركوا، {فهم ~~لا ينطقون} [النمل: 85] بحجة عن أنفسهم. # ثم احتج عليهم بقوله: {ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار ~~مبصرا} [النمل ms1371: 86] يبصر فيه، أي: ليبغى فيه الرزق، {إن في ذلك} [النمل: ~~86] فيما جعلنا، {لآيات لقوم يؤمنون} [النمل: 86] . # {ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ~~وكل أتوه داخرين {87} وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله ~~الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون {88} من جاء بالحسنة فله خير منها ~~وهم من فزع يومئذ آمنون {89} ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل ~~تجزون إلا ما كنتم تعملون {90} } [النمل: 87-90] {ويوم ينفخ في الصور} ~~[النمل: 87] قال ابن عباس: يريد النفخة الأولى. # {ففزع من في السموات ومن في الأرض} [النمل: 87] أي: ماتوا لشدة الخوف، ~~كقوله: {فصعق من في السموات ومن في الأرض} [الزمر: 68] والمعنى: يبلغ منهم ~~الفزع إلى أن يموتوا، وقوله: {إلا من شاء الله} [النمل: 87] قال ابن عباس: ~~يريد الشهادة، وهم أحياء عند ربهم يرزقون. # وقال الكلبي، ومقاتل: يعني جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت. # وقوله: وكل أي: من الأحياء الذي ماتوا، ثم أحيوا. # أتوه # PageV03P386 # يأتون الله يوم القيامة، وقرأ حمزة أتوه على الفعل، داخرين صاغرين، وقد ~~تقدم. # {وترى الجبال تحسبها جامدة} [النمل: 88] واقفة في مكانها لا تسير، {وهي ~~تمر مر السحاب} [النمل: 88] حتى تعلق على الأرض فتستوي بها، صنع الله أي: ~~صنع الله ذلك، {الذي أتقن كل شيء} [النمل: 88] أبرم خلق وأحكمه، ومعنى ~~الإتقان في اللغة الإحكام للأشياء، إنه خبير بما يفعلون بما يفعل أعداؤه من ~~المعصية والكفر، وبما يفعل أولياؤه من الطاعة، ومن قرأ بالتاء فهو خطاب ~~للكافة. # وقوله: {من جاء بالحسنة} [النمل: 89] بكلمة الإخلاص شهادة أن لا إله إلا ~~الله، والمعنى: من وافى يوم القيامة بالإيمان، {فله خير منها} [النمل: 89] ~~قال ابن عباس: فمنها يصل الخير إليه. # والمعنى: له من تلك الحسنة خير يوم القيامة، وهو الثواب والنجاة من ~~العذاب، وخير منها هنا اسم من غير تفضيل، {وهم من فزع يومئذ آمنون} [النمل: ~~89] قرئ بالتنوين والإضافة، قال أبو علي الفارسي: إذا نون يجوز أن يعني به ~~فزع واحد، ويجوز أن يعني ms1372 به الكثرة، لأنه مصدر، والمصادر تدل على الكثرة، ~~وإن كانت مفردة الألفاظ كقوله: {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} [لقمان: 19] ~~وكذلك إذا أضيفت يجوز أن يعني به مفرد، ويجوز أن يعني به كثرة. # وعلى هذا القراءتان سواء لا فضل بينهما، فإن أريد به الكثرة فهو شامل لكل ~~فزع، وإن أريد به واحد فتفسيره ما ذكرنا في قوله: {الفزع الأكبر} ~~[الأنبياء: 103] . # وقال الكلبي: إذا أطبقت النار على أهلها، فزعوا فزعة لم يفزعوا مثلها، ~~وأهل الجنة آمنون من ذلك الفزع. # {ومن جاء بالسيئة} [النمل: 90] يعني بالشرك، {فكبت وجوههم في النار} ~~[النمل: 90] يقال: كببت الرجل إذا ألقيته لوجهه فانكب وأكب. # وتقول لهم الخزنة: {هل تجزون إلا} [النمل: 90] جزاء، {ما كنتم تعملون} ~~[النمل: 90] في الدنيا من الشرك. ### | 694 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل، أنا عبد الله بن محمد بن عبد ~~الله الحافظ، نا محمد بن القاسم العتكي، نا أبو عبد الله محمد بن موسى ~~المسلمي، نا حفص بن عبد الله، نا إبراهيم بن طهمان، عن عاصم، عن زر بن ~~حبيش، عن صفوان بن عسال المرادي، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ~~" إذا كان يوم القيامة جاء الإيمان والشرك يجتمعان بين يدي الرب، عز وجل، ~~فيقول الله للإيمان: انطلق أنت وأهلك إلى الجنة، ويقول للشرك: انطلق أنت ~~وأهلك إلى النار، قال: ثم قرأ رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " {من جاء ~~بالحسنة فله خير منها} يعني: قوله: لا إله إلا الله، {ومن جاء بالسيئة} ~~يعني: الشرك، {فكبت وجوههم في النار} " # قوله: {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن ~~أكون من المسلمين {91} وأن أتلو القرءان فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ~~ضل فقل إنما أنا من المنذرين {92} وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها ~~وما ربك بغافل عما تعملون {93} } [النمل: 91-93] { # PageV03P387 # إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها} [النمل: 91] وهي مكة، جعلها ~~الله حرما آمنا من القتل فيها والسبي والظلم، فلا يصاد صيدها، ولا يختلى ~~خلاها ms1373، {وله كل شيء} [النمل: 91] لأنه خالقه ومالكه، {وأمرت أن أكون من ~~المسلمين} [النمل: 91] المخلصين لله بالتوحيد. # {وأن أتلو القرءان} [النمل: 92] عليكم يا أهل مكة، يريد تلاوة الدعوة إلى ~~الإيمان، {فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه} [النمل: 92] له ثواب اهتدائه، ومن ~~ضل عن الإيمان بالقرآن، وأخطأ طريق الهدى، {فقل إنما أنا من المنذرين} ~~[النمل: 92] من المخوفين، فليس علي إلا البلاغ، وكان هذا قبل أن يؤمر ~~بالقتال. # {وقل الحمد لله} [النمل: 93] على نعمه، سيريكم آياته قال مقاتل: يعني ~~العذاب في الدنيا والقتل ببدر. # فتعرفونها حين تشاهدونها على نعمة النبوة، ثم أراهم ذلك، وضربت الملائكة ~~وجوههم وأدبارهم، وعجلهم الله إلى النار، {وما ربك بغافل عما تعملون} ~~[النمل: 93] وعيد لهم بالجزاء على أعمالهم. # PageV03P388 ### | سورة القصص # مكية وآياتها ثمان وثمانون. ### | 695 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي بن أحمد الخفاف، نا محمد بن جعفر بن مطر، نا ~~إبراهيم بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن مسلم المدائني، نا هارون بن ~~كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال لي ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ طسم القصص لم يبق ملك في السموات ~~والأرض إلا شهد له يوم القيامة أنه كان صادقا أن كل شيء هالك إلا وجهه له ~~الحكم وإليه ترجعون» # {طسم {1} تلك آيات الكتاب المبين {2} نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون ~~بالحق لقوم يؤمنون {3} إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة ~~منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين {4} ونريد أن نمن ~~على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين {5} ونمكن لهم ~~في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون {6} } [القصص: ~~1-6] بسم الله الرحمن الرحيم {طسم {1} تلك آيات الكتاب المبين {2} } ~~[الشعراء: 1-2] تقدم تفسيره، قال قتادة: مبين والله بركته وهداه ورشده، ~~فهذا من بان بمعنى ظهر، وقال الزجاج: مبين الحق من الباطل، والحلال من ~~الحرام، وهذا من آيات بمعنى أظهر. # {نتلوا عليك} [القصص: 3] قال ابن عباس: نوحي إليك ms1374. # {من نبإ موسى وفرعون} [القصص: 3] من خبرهما وحديثهما، بالحق بالصدق الذي ~~لا ريب فيه، لقوم يؤمنون يصدقون بالقرآن. # {إن فرعون علا في الأرض} [القصص: 4] قال المفسرون: استكبر وتجبر، وبغى ~~وتعاظم في أرض مصر. # قال الليث: العلو العظمة والتجبر، يقال: علا الملك علوا إذا تجبر، ومنه ~~قوله: {لا يريدون علوا في الأرض} [القصص: 83] . # {وجعل أهلها شيعا} [القصص: 4] فرقا وأحزابا في الخدمة والتسخير، {يستضعف ~~طائفة منهم} [القصص: 4] يعني: بني إسرائيل، ثم فسر ذلك، فقال: {يذبح ~~أبناءهم ويستحيي نساءهم} [القصص: 4] بترك البنات، فلا يقتلهن، ويقتل ~~الأبناء، وذلك لأن بعض الكهنة قال له: إن # PageV03P389 # مولودا يولد في بني إسرائيل يكون سبب في ذهاب ملكك. # قال الزجاج: والعجب من حمق فرعون إن كان هذا الكاهن عنده صادقا فما ينفع ~~القتل، وإن كان كاذبا فما معنى القتل. # وقوله: {إنه كان من المفسدين} [القصص: 4] بالقتل والعمل بالمعاصي. # {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} [القصص: 5] أي: ننعم عليهم، ~~وهم بنو إسرائيل، {ونجعلهم أئمة} [القصص: 5] يقتدى بهم في الخير، وقال ~~قتادة: ولاة وملوكا. # قال مجاهد: دعاة إلى الخير. # {ونجعلهم الوارثين} [القصص: 5] لملك فرعون، يخلفونه بعده في مساكنه. # {ونمكن لهم في الأرض} [القصص: 6] قال ابن عباس: نملكهم ما كان يملك فرعون ~~وقومه {ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} [القصص: 6] أي: ~~ما كانوا يخافونه من المولود الذي يذهب ملكهم على يده. # وقرأ حمزة ويرى بالياء فرعون وما بعده رفعا، والاختيار قراءة العامة، ~~ليكون الكلام من وجه واحد. # قوله: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا ~~تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين {7} فالتقطه آل فرعون ~~ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين {8} وقالت ~~امرأة فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا ~~يشعرون {9} } [القصص: 7-9] {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} [القصص: 7] قال ~~قتادة: قذفنا في قلبها وليس بوحي إرسال. # وقال مقاتل: أتاها جبريل بذلك. ### | 696 - # أخبرنا أبو الحسن بن أبي ms1375 نصر السوادي، أنا محمد بن عبد الله بن محمد بن ~~نعيم، أنا الحسن بن محمد الإسفراييني، نا محمد بن البراء، أنا عبد المنعم ~~بن إدريس، عن أبيه، عن وهب بن منبه، قال: لما حملت أم موسى بموسى، عليه ~~السلام، كتمت أمرها من جميع الناس، فلم يطلع على حبلها أحد من خلق الله، ~~وذلك شيء ستره الله لما أراد أن يمن على بني إسرائيل، فلما كانت السنة التي ~~ولد فيها موسى بعث فرعون القوابل وتقدم إليهن ففتش النساء تفتيشا لم يفتشه ~~قبل ذلك، وحملت أم موسى بموسى فلم ينم بطنها، ولم يتغير لونها، ولم يظهر ~~لبنها، وكانت القوابل لا تعرض لها، فلما كانت الليلة التي ولد فيها موسى ~~ولدته أمه ولا رقيب عليها ولا قابلة، ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم، ~~وأوحى الله إليها: {أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم} قال: فكتمته ~~أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك، فلما خافت عليه عملت له ~~تابوتا مطبقا، ومهدت له فيه، ثم ألقته في البحر ليلا كما أمرها الله، فلما ~~أصبح فرعون جلس في مجلسه على شاطئ النيل فبصر بالتابوت، فقال لمن حوله من ~~خدمه: ايتوني بهذا التابوت، فأتوه به، فلما وضع بين يديه فتحوه فوجد فيه ~~موسى، عليه السلام، فلما نظر إليه فرعون؛ قال: عبراني من الأعداء، فغاظه ~~ذلك فقال: أخطأ هذا # PageV03P390 # الغلام الذبح؟ وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل، يقال لها: ~~آسية بنت مزاحم، وكانت من خيار النساء ومن بنات الأنبياء، وكانت أما ~~للمسلمين ترحمهم وتتصدق عليهم وتعطيهم ويدخلون عليها، فقالت لفرعون وهي ~~قاعدة إلى جنبه: هذا الوليد أكبر من ابن سنة، وإنما أمرت أن يذبح الولدان ~~لهذه السنة، فدعه يكون قرة عين لي ولك، {لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ~~ولدا وهم لا يشعرون} أن هلاكهم على يديه، فاستحباه فرعون وومقه وألقى الله ~~عليه محبته ورأفته، وقال لامرأته: عسى أن ينفعك، فأما أنا فلا أريد نفعه، ~~قال وهب، قال ابن عباس ms1376: لو أن عدو الله قال في موسى كما قالت امرأته آسية ~~{عسى أن ينفعنا} لنفعه الله به، ولكنه أبى للشقاء الذي كتبه الله عليه، ~~وحرم الله موسى المراضع ثمانية أيام ولياليهن، كلما أتى بمرضعة لم يقبل ~~ثديها، فرق له فرعون ورحمه وطلب له المراضع، وذكر وهب حزن أم موسى وبكاءها ~~عليه حتى كادت أن تبدي به، ثم تداركها الله برحمته، وربط على قلبها، وقالت ~~لأخته: تنكري واذهبي مع الناس، فانظري ماذا يفعلون به، فدخلت أخته مع ~~القوابل على آسية بنت مزاحم، فلما رأت وجدهم بموسى وحبهم له ورقتهم عليه؛ ~~قالت: {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون} إلى أن رد إلى ~~أمه، فمكث موسى عند أمه إلى أن فطمته، ثم ردته فنشأ موسى في حجر فرعون ~~وامرأته يربيانه، واتخذه ولدا، فبينا هو يلعب يوما بين يدي فرعون وبيده ~~قضيب به إذ رفع القضيب فضرب به رأس فرعون فغضب فرعون وتطير من ضربه حتى هم ~~بقتله، فقالت آسية بنت مزاحم: لا تغضب ولا يشقن عليك، فإنه صبي صغير لا ~~يعقل، جربه إن شئت، اجعل في هذا الطشت جمرا وذهبا، فانظر على أيهما يقبض، ~~فأمر فرعون بذلك، فلما مد موسى يده ليقبض على الذهب قبض الملك الموكل به ~~على يده، فردها إلى الجمرة، فقبض عليها موسى فألقاها في فيه، ثم قذفها حين ~~وجد حرارتها، فقالت آسية لفرعون: ألم أقل لك إنه لا يعقل شيئا، فكف عنه ~~فرعون وصدقها، وكان أمر بقتله، ويقال: إن العقدة التي كانت في لسان موسى ~~أنه أثر تلك التي التقمها # وقوله: {ولا تخافي ولا تحزني} [القصص: 7] قال مقاتل: قالت المرأة: رب إني ~~قد علمت أنك قادر على ما تشاء، ولكن كيف لي أن ينجو صبي صغير من عمق البحر ~~وبطون الحيتان. # فأوحى الله إليها: لا تخافي عليه الضيعة، فإني أوكل به ملكا يحفظه في ~~اليم، ولا تحزني لفراقه، {إنا رادوه إليك} [القصص: 7] لتمام رضاعه لتكوني ~~أنت ترضعينه، {وجاعلوه من المرسلين} [القصص: 7] إلى أهل مصر. # {فالتقطه ms1377 آل فرعون} [القصص: 8] الالتقاط إصابة الشيء من غير طلب، والمراد ~~بآل فرعون الذين أخذوا تابوت موسى من البحر، {ليكون لهم عدوا وحزنا} ~~[القصص: 8] وقرئ وحزنا وهما لغتان، مثل: السقم والسقم وبابه، ومعنى ليكون: ~~ليصير الأمر إلى ذلك، لا أنهم أخذوه لهذا، كما تقول للذي كسب مالا فأداه ~~ذلك إلى الهلاك: إنما كسب فلان لحتفه، وهو لم يطلب المال طلبا للحتف. # {وقالت امرأة فرعون} [القصص: 9] مضى تفسيره إلى قوله: {أو نتخذه ولدا} ~~[القصص: 9] قال المفسرون: كانت لا # PageV03P391 # تلد فاتخذت موسى ولدا لها. # وقوله: {وهم لا يشعرون} [القصص: 9] أخبر الله أن هلاكهم بسببه وهم لا ~~يشعرون بذلك. # {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ~~لتكون من المؤمنين {10} وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون ~~{11} وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم ~~وهم له ناصحون {12} فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد ~~الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون {13} } [القصص: 10-13] {وأصبح فؤاد أم موسى ~~فارغا} [القصص: 10] أي: خاليا من الصبر والحزن لشدة الوجد به والخوف عليه، ~~والمفسرون يقولون: فارغا من كل شيء إلا من أمر موسى، كأنها لم تهتم لشيء ~~مما يهتم به الحي إلا لأمر ولدها. # {إن كادت لتبدي به} [القصص: 10] كادت تخبر أن هذا الذي وجدتموه في ~~التابوت هو ابني، وقال سعيد بن جبير: كادت تقول: واإبناه، من شدة الجزع. # وقال مقاتل: كادت تصيح شفقة عليه من الفرق. # والمعنى أنها همت أن تشعر أهل مصر بأن موسى ولدها. # {لولا أن ربطنا على قلبها} [القصص: 10] بالصبر واليقين، قال الزجاج: ~~ومعنى الربط على القلب إلهام الصبر وتقويته. # ذكرنا ذلك عند قوله: {وليربط على قلوبكم} [الأنفال: 11] . # {لتكون من المؤمنين} [القصص: 10] المصدقين بوعد الله حين قال لها: {إنا ~~رادوه إليك} [القصص: 7] . # وقالت لأخته لأخت موسى: قصيه اتبعي أثره وانظري أين وقع وإلى من صار، ~~واعلمي علمه، يقال: قصصت الشيء إذا تتبعت أثره متعرفا حاله قصا وقصصا ms1378. # فبصرت به أبصرته، عن جنب عن بعد تبصره ولا تتوهم أنها تراه، قال الفراء: ~~كانت على شاطئ البحر حين رأت آل فرعون قد التقطوه وهم لا يعلمون أنها أخته، ~~وأنها ترقبه. # قال ابن عباس: إن امرأة فرعون كان همها من الدنيا أن تجد له مرضعة تأخذه ~~منها، فكلما أتوه بمرضعة لم يأخذ ثديها، فذلك قوله: {وحرمنا عليه المراضع} ~~[القصص: 12] وهي جمع مرضعة. # قال سعيد بن جبير: لا يؤتى بمرضع فيقبلها. # وقوله: من قبل أي: من قبل أن يرده إلى أمه، ومن قبل أن تأتيه أمه، وذلك ~~أن الله تعالى أراد أن يرده إلى أمه، فمنعه من قبول ثدي المراضع، فلما تعذر ~~عليهم رضاعته فقالت أخته: {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم} [القصص: 12] ~~أي: يضمنون لكم القيام به ورضاعه، {وهم له ناصحون} [القصص: 12] يشفقون عليه ~~وينصحونه، قالوا لها: من؟ قالت: أمي. # قالوا: ولأمك لبن؟ قالت نعم، لبن هارون. # وكان هارون ولد في سنة لا يقتل فيها صبي، فقالوا: صدقت. # فدلتهم على أم موسى، فدفع إليها تربيه، فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ~~ثديها، وأتم الله لها ما وعدها، وهو قوله: {فرددناه إلى أمه كي تقر عينها} ~~[القصص: 13] بولدها، ولا تحزن لفراقه، {ولتعلم أن وعد الله} [القصص: 13] ~~برد ولدها إليها، حق علم وعيان ومشاهدة، {ولكن أكثرهم لا يعلمون} [القصص: ~~13] أن الله وعدها رده إليها. # {ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين {14} ودخل ~~المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا ~~من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال ~~هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين {15} قال رب إني ظلمت نفسي # PageV03P392 # فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم {16} قال رب بما أنعمت علي فلن ~~أكون ظهيرا للمجرمين {17} } [القصص: 14-17] {ولما بلغ أشده} [القصص: 14] ~~قال مجاهد: ثلاثا وثلاثين سنة. # واستوى استواؤه أربعون سنة، وهو قول ابن عباس، وقتادة. # {آتيناه حكما وعلما} [القصص: 14] يعني: الفقه والعقل والعلم ms1379 في دينه ودين ~~آبائه، فعلم موسى وحكم قبل أن يبعث نبيا، وهذه الآية مفسرة في { [يوسف. # ] وكذلك نجزي المحسنين {14} ودخل المدينة} [سورة القصص: 14-15] قال ~~السدي: ركب فرعون وموسى غير شاهد، فلما جاء موسى قيل له إن فرعون قد ركب ~~مركب في أثره، فأدركه المقيل بأرض يقال لها منف. # وهو قوله: {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها} [القصص: 15] قال ابن ~~عباس: في الظهيرة عند المقيل، وقد خلت الطريق. # {فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه} [القصص: 15] أحدهما ~~إسرائيلي، والآخر قبطي يسخر الإسرائيلي ليحمل حطبا إلى مطبخ فرعون، ~~{فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه} [القصص: 15] فاستنصر الإسرائيلي ~~موسى على القبطي، فوكزه موسى الوكز: الضرب بجميع الكف. # {فقضى عليه} [القصص: 15] أي: قتله وكل شيء فرغت منه وأتممته فقد قضيت ~~عليه وقضيته، وكان موسى شديد البطش، وكز القبطي وكزة قتله منها، وهو لا ~~يريد قتله، {قال هذا من عمل الشيطان} [القصص: 15] أي: هيج غضبي حتى ضربت ~~هذا إنه عدو لابن آدم، مضل له، مبين عداوته، وكان ذلك قتل خطأ، لأنه لم ~~يقصد القتل، وندم على ما فعل لأنه لم يؤمر به. # ثم استغفر، ف {قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور ~~الرحيم {16} قال رب بما أنعمت علي} [القصص: 16-17] بالمغفرة، {فلن أكون ~~ظهيرا للمجرمين} [القصص: 17] قال ابن عباس: عونا للكافرين. # وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافرا، وهو قول مقاتل. # وقال قتادة: لن أعين بعدها على فجرة. # {فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له ~~موسى إنك لغوي مبين {18} فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا ~~موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في ~~الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين {19} } [القصص: 18-19] {فأصبح في ~~المدينة} [القصص: 18] يعني: تلك المدينة التي فعل فيها ما فعل من قتل ~~القبطي، {خائفا يترقب} [القصص: 18] ينتظر سوءا يناله منهم، والترقب: انتظار ms1380 ~~المكروه، وقال الكلبي: ينتظر متى يؤخذ به. # {فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه} [القصص: 18] فإذا صاحبه الإسرائيلي ~~الذي استنقذه بالأمس يقاتل فرعونيا يريد أن يسخره وهو يستغيث بموسى عليه ~~السلام، والاستصراخ: الاستغاثه، ف {قال له موسى إنك لغوي مبين} [القصص: 18] ~~قال ابن عباس، ومقاتل: لمضل بين قتلت أمس بسببك رجلا وتدعوني اليوم على ~~آخر. # وعلى هذا الغوي فعيل بمعنى المغوي، كالوجيع والأليم، ويجوز أن يكون بمعنى ~~الغاوي، أي: إنك غاو في قتالك من لا تطيق دفع شره عنك. # ثم أقبل موسى # PageV03P393 # إليهما، وهم أن يبطش الثانية بالقبطي، وهو قوله: {فلما أن أراد أن يبطش ~~بالذي هو عدو لهما} [القصص: 19] أي: بالقبطي الذي هو عدو لموسى الإسرائيلي، ~~ظن الإسرائيلي أن موسى يريد أن يبطش به لقوله: {إنك لغوي مبين} [القصص: 18] ~~، ف {قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس} [القصص: 19] ولم ~~يكن علم أحد من قوم فرعون أن موسى هو الذي قتل القبطي بالأمس حتى أفشى عليه ~~الإسرائيلي وسمع القبطي ذلك، فأتى فرعون فأخبره، وقوله: {إن تريد إلا أن ~~تكون جبارا في الأرض} [القصص: 19] أي: تريد إلا أن تكون قتالا بالظلم. # قال الزجاج: الجبار في اللغة الذي لا يتواضع لأمر الله، والقاتل بغير حق ~~جبار. # لما علم فرعون أن موسى قتل القبطي أمر بقتل موسى عليه السلام، وعلم بذلك ~~رجل من شيعة موسى، فأتاه فأخذه، وهو قوله: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ~~قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين {20} ~~فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين {21} ولما توجه تلقاء ~~مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل {22} ولما ورد ماء مدين وجد عليه ~~أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا ~~نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير {23} فسقى لهما ثم تولى إلى الظل ~~فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير {24} } [القصص: 20-24] {وجاء رجل من ~~أقصى المدينة} [القصص: 20] أي: من آخرها وأبعدها ms1381، يسعى على رجليه، قال ابن ~~عباس: هو خربيل مؤمن آل فرعون. # {قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك} [القصص: 20] قال أبو عبيدة: يتشاورون ~~فيك ليقتلوك. # يعني: أشراف قوم فرعون، وقال الزجاج: يأمر بعضهم بعضا بقتلك. # فاخرج من القرية، {إني لك من الناصحين} [القصص: 20] في أمري إياك ~~بالخروج. # {فخرج منها خائفا يترقب} [القصص: 21] مر تفسيره. # {قال رب نجني من القوم الظالمين} [القصص: 21] يعني: المشركين أهل مصر. # {ولما توجه تلقاء مدين} [القصص: 22] أي: قصدها ونحوها، قال الزجاج: أي ~~سلك سبيلا في الطريق الذي يلقى مدين فيها وكان قد خرج بغير زاد ولا حذاء ~~ولا ظهر، وهو على مسيرة ثمانية أيام من مصر، ولم يكن له بالطريق علم. # ف {قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} [القصص: 22] أي: يرشدني قصد ~~الطريق إلى مدين. # {ولما ورد ماء مدين} [القصص: 23] قال ابن عباس: ورده وإنه ليتراءى خضرة ~~البقل في بطنه من الهزال. # وجد عليه على ذلك الماء، أمة جماعة، من الناس وهم الرعاة، يسقون مواشيهم، ~~{ووجد من دونهم} [القصص: 23] من سوى الأمة، امرأتين وهما ابنتي شعيب تذودان ~~تحبسان أغنامهما عن الماء حتى يفرغ الناس ويخلوا لهما البئر، هذا قول ~~المفسرين، ومعنى الذود في اللغة: الدفع # PageV03P394 # والطرد والكف، ومعنى تذودان: تدفعان وتكفان. # قال موسى، ما خطبكما ما شأنكما، ألا تسقيان؟ {قالتا لا نسقي حتى يصدر ~~الرعاء} [القصص: 23] أي: حتى يصدر مواشيهم من ورادهم فيخلوا لنا الموضع، ~~وقرئ يصدر من صدر وهو ضد ورد، والمعنى: حتى يرجعوا من سقيهم، والرعاء جمع ~~راع، قال ابن عباس: قالتا نحن امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال. # {وأبونا شيخ كبير} [القصص: 23] لا يقدر أن يسقي ماشيته من الكبر، فلذلك ~~احتجنا ونحن نساء أن نسقي الغنم. # فقال لهما موسى: أين الماء؟ فانطلقتا به إلى الماء، فإذا هو بحجر على رأس ~~البئر لا يزيله إلا عصابة من الناس، فرفعه موسى بيده وحده، ثم أخذ الدلو ~~فأدلى دلوا واحدا فأفرغه في الجومن، ثم دعا بالبركة فسقى الغنم، فرويت ~~فذلك. # قوله: {فسقى لهما} [القصص: 24] أي ms1382: سقى أغنامهما لأجلهما، {ثم تولى إلى ~~الظل} [القصص: 24] ثم انصرف إلى ظل شجرة فجلس تحتها من شدة الحر وهو جائع، ~~{فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} [القصص: 24] قال ابن عباس: سأل ~~نبي الله فلق خبز يقيم صلبه. # وقال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: لقد قال موسى رب إني لما أنزلت إلي من ~~خير فقير، وهو أكرم خلقه عليه، ولقد افتقر إلى شق تمرة، ولقد أصابه الجوع. # وقال مجاهد: ما سأله إلا الخبز. # واللام في قوله: لما أنزلت إلي معناها إلى، قال الأخفش: يقال هو فقير له ~~وإليه. # قال محمد بن إسحاق: فرجعتا إلى أبيهما في ساعة كانتا لا ترجعان فيها، ~~فأنكر شأنهما وسألهما، فأخذتا الخبز، فقال لإحداهما: علي به. # فرجعت الكبرى إلى موسى عليه السلام لتدعوه، فذلك قوله: {فجاءته إحداهما ~~تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص ~~عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين {25} قالت إحداهما يا أبت ~~استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين {26} قال إني أريد أن أنكحك إحدى ~~ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن ~~أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين {27} قال ذلك بيني وبينك أيما ~~الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل {28} } [القصص: 25-28] ~~{فجاءته إحداهما تمشي على استحياء} [القصص: 25] # PageV03P395 ### | 697 - # أخبرني أبو عمرو محمد بن عبد العزيز، كتابة، أنا محمد بن الحسن الحدادي، ~~أنا محمد بن يزيد، أنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أنا النضر بن سهيل، أنا ~~إسرائيل، أنا أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عمر بن الخطاب، رضي الله ~~عنه، في قوله: {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء} قال: ليست بسلفع من ~~النساء، خراجة، ولاجة، جاءته على استحياء، قائلة بثوبها على وجهها؛ أي: ~~مستترة بكم درعها # وقوله: {فلما جاءه} [القصص: 25] أي: جاء موسى شعيبا عليهما السلام، {وقص ~~عليه القصص} [القصص: 25] يعني: أمره أجمع من قتله القبطي، وأنهم يطلبونه ~~ليقتلوه ms1383، قال له شعيب: {لا تخف نجوت من القوم الظالمين} [القصص: 25] أي: لا ~~سلطان له بأرضنا ولسنا مملكته. # قالت إحداهما وهي الكبرى: {يا أبت استأجره} [القصص: 26] اتخذه أجيرا، {إن ~~خير من استأجرت القوي الأمين} [القصص: 26] إن خير من استعملته من قوي على ~~العمل وأداء الأمانة، قال عمر رضي الله عنه بالإسناد الذي ذكرنا: لما قالت ~~المرأة هذا قال شعيب: وما علمك بأمانته وقوته؟ قالت: أما قوته فإنه رفع ~~الحجر الذي لا يرفعه كذا كذا، وأما أمانته فإنه قال لي امشي خلفي فإني أكره ~~أن تصيب الريح ثيابك فتصف لي جسدك. # وقال مجاهد: القوي في نزعه الحجر عن فم البئر، وكان لا يستطيعه إلا ~~النفر، الأمين في غض طرفه عنها حين سقى لهما فصدرتا، وقد عرفتا قوته ~~وأمانته. # فلما ذكرت المرأة من حاله ما ذكرت زاده ذلك رغبة فيه. # ف {قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين} [القصص: 27] أي: أزوجكها، ~~{على أن تأجرني ثماني حجج} [القصص: 27] على أن تكون أجيرا لي ثماني سنين، ~~قال الفراء: يقول أن تجعل ثوابي أن ترعى على غنمي ثماني حجج. # {فإن أتممت عشرا فمن عندك} [القصص: 27] أي: ذلك تفضل منك ليس بواجب عليك، ~~{وما أريد أن أشق عليك} [القصص: 27] في العشر، {ستجدني إن شاء الله من ~~الصالحين} [القصص: 27] قال عمر رضي الله عنه: أي في حسن الصحبة والوفاء بما ~~قلت. ### | 698 - # أخبرنا أبو الفتح محمد بن عمر الكوفي، أنا علي بن الحسن بن بندار، أنا ~~أبو عبيد الله محمد بن إسحاق الرملي، نا هشام بن عمار، # PageV03P396 # نا إسماعيل بن عباس، نا يحيى بن سعيد، عن خالد بن معدان، عن شداد بن أوس، ~~قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " بكى شعيب النبي، صلى الله عليه ~~وسلم، من حب الله، تعالى، حتى عمي فرد الله عليه بصره، وأوحى الله إليه: يا ~~شعيب، ما هذا البكاء، أشوقا إلى الجنة، أم خوفا من النار؟ فقال: إلهي ~~وسيدي، أنت تعلم أني ما أبكي شوقا إلى جنتك، ولا خوفا من النار ms1384، ولكن ~~اعتقدت حبك بقلبي، فإذا نظرت إليك فما أبالي بالذي تصنع بي، فأوحى الله ~~إليه: يا شعيب، إن يكن ذلك حقا فهنيئا لك لقائي، يا شعيب، لذلك أخدمتك موسى ~~بن عمران كليمي " # قال موسى لشعيب: {ذلك بيني وبينك} [القصص: 28] أي: ذلك الذي وضعت وشرطت ~~علي ملكك وما شرطت لي من تزوج إحداهما فلي فالأمر بيننا، وتم الكلام، ثم ~~قال: أيما الأجلين من الثماني إلى العشر، قضيت أتممت وفرغت منه، {فلا عدوان ~~علي} [القصص: 28] لا ظلم علي بأن أكلف أكثر منه أو أطالب بالزيادة عليه، ~~{والله على ما نقول وكيل} [القصص: 28] قال ابن عباس، ومقاتل: شهيد فيما ~~بيني وبينك. # {فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله ~~امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون ~~{29} فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة ~~أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين {30} وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز ~~كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين {31} ~~اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك ~~برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين {32} } [القصص: ~~29-32] {فلما قضى موسى الأجل} [القصص: 29] ### | 699 - # أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الزاهد، أنا محمد بن محمد بن الفضل ~~التاجر، أنا أحمد بن عبد الله بن الحسن الحافظ، نا عبد الرحمن بن بشر، نا ~~موسى بن عبد العزيز القنباري، نا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، ~~قال: " سئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أي الأجلين قضى موسى؟ قال: ~~أوفاهما وأطيبهما " ### | 700 - # أخبرنا أحمد بن إبراهيم الأصفهاني، أنا أبو الحسن النجار، نا سليمان بن ~~أيوب الطبراني، نا محمد بن محمد بن أحمد بن جعفر الرازي، نا الوليد بن ~~شجاع، نا # PageV03P397 # عويد بن أبي عمران الجوني، عن أبيه، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، ~~قال: قال لي رسول ms1385 الله، صلى الله عليه وسلم: " إذا سئلت: أي الأجلين قضى ~~موسى؟ فقل: خيرهما وأبرهما، وإن سئلت: أي المرأتين تزوج؟ فقل: الصغرى ~~منهما، وهي التي جاءت فقالت: {يا أبت استأجره} " # وقوله: وسار بأهله قال مقاتل: استأذن صهره في العودة إلى مصر لزيارة ~~والدته وأخيه، فإذن له فسار. # وهذه الآية مفسرة في سورتي طه والنمل، {آنس من جانب الطور نارا قال لأهله ~~امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون} ~~[القصص: 29] جذوة فيها ثلاث قراءات: فتح الجيم، وضمها، وكسرها، وهي كلها ~~لغات. # قال أبو عبيدة: الجذوة القطعة الغليظة من الخشب فيها لهب. # قال ابن عباس: قطعة فيها نار. # وقوله: {فلما أتاها} [القصص: 30] أي: أتى موسى النار، {نودي من شاطئ ~~الوادي} [القصص: 30] وهو جانبه، الأيمن الذي عن يمين موسى، {في البقعة ~~المباركة} [القصص: 30] البقعة: القطعة من الأرض، المباركة لموسى عليه ~~السلام، لأن الله كلمه هناك وبعثه نبيا، وقال عطاء: يريد المقدسة. # وقوله: من الشجرة أي: من ناحية الشجرة أوعند الشجرة، وهي العناب في قوله ~~ابن عباس. # وقال مقاتل والكلبي: هي عوسجة. # وما بعد هذا مفسر فيما مضى إلى قوله: {إنك من الآمنين} [القصص: 31] أي: ~~من أن ينالك مكروه. # {واضمم إليك جناحك من الرهب} [القصص: 32] قال المفسرون: لما ألقى موسى ~~عصاه فصارت جانا، رهب وفزع، فأمره الله أن يضم إليه جناحيه ليذهب عنه ~~الفزع. # قال مجاهد: كل من فزع فضم إليه جناحيه ذهب عنه الفزع، وقرأ هذه الآية. # وجناح الإنسان عضده، ويقال: اليد كلها جناح، وقرئ من الرهب وهو بمعنى ~~الرهب، كالرشد والرشد. # وقال عطاء، عن ابن عباس: يريد اضمم يدك إلى صدرك من الخوف، ولا خوف عليك. # والمعنى أن الله تعالى أمره أن يضم يده إلى صدره فيذهب ما ناله من الخوف ~~عند معاينة الحية. # وقوله: {فذانك برهانان من ربك} [القصص: 32] يعني: اليد والعصا، حجتان من ~~الله لموسى عليه السلام على صدقه، وكان أبو عمرو يخص هذا الحرف بالتشديد، ~~ويحكي أنه لغة قريش. # قال الزجاج: التشديد تثنية ms1386 ذلك، والتخفيف تثنية ذاك، جعل بدل اللام في ~~ذلك تشديد النون في ذانك. # {إلى فرعون وملئه} [القصص: 32] أي: أرسلناك إلى فرعون وملئه بهاتين ~~الآيتين، {إنهم كانوا قوما فاسقين} [القصص: 32] عاصين. # {قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون {33} وأخي هارون هو أفصح مني ~~لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون {34} قال سنشد عضدك بأخيك ~~ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون ~~{35} } [القصص: 33-35] # PageV03P398 # قال موسى: {رب إني قتلت منهم نفسا} [القصص: 33] يعني: القبطي الذي قتله، ~~{فأخاف أن يقتلون} [القصص: 33] به. # {وأخي هارون هو أفصح مني لسانا} [القصص: 34] أحسن بيانا، وكان في لسان ~~موسى عقدة، ولذلك قال فرعون: {ولا يكاد يبين} [الزخرف: 52] . # {فأرسله معي ردءا} [القصص: 34] عونا، يقال: فلان ردء لفلان إذا كان ينصره ~~ويشد ظهره. # يقال: أردأت فلانا إذا أعنته. # وقوله: يصدقني قرئ بالرفع والجزم، فمن رفع فهو صفة للنكرة وتقديره ردءا ~~مصدقا، ومن جزم كان على جوابا الأمر، أي: إن أرسلته معي صدقني، والتصديق ~~لهارون في قول الجميع، وقال مقاتل: لكي يصدقني فرعون. # {إني أخاف أن يكذبون} [القصص: 34] . # قال الله لموسى: {سنشد عضدك بأخيك} [القصص: 35] أي: سنعينك ونقويك، وشد ~~العضد كناية عن التقوية، {ونجعل لكما سلطانا} [القصص: 35] حجة تدل على ~~النبوة، قال الزجاج: والسلطان أبين الحجج. # {فلا يصلون إليكما} [القصص: 35] بقتل وسوء ولا أذى، وقوله: بآياتنا موضعه ~~التقديم، لأن المعنى: ونجعل لكما سلطانا بأياتنا، أي: مما نعطيكما من ~~المعجزات، ثم أخبر أن الغلبة لهما ولمن اتبعهما، فقال: {أنتما ومن اتبعكما ~~الغالبون} [القصص: 35] . # {فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا ~~بهذا في آبائنا الأولين {36} وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ~~ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون {37} } [القصص: 36-37] {فلما ~~جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى} [القصص: 36] أي: ما ~~هذا الذي جئتنا به إلا سحر افتريته من قبل نفسك لم تبعث به، {وما سمعنا ~~بهذا} [القصص: 36] الذي تدعونا إليه، {في ms1387 آبائنا الأولين {36} وقال موسى ~~ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده} [القصص: 36-37] أي: هو أعلم بالحق منا، ~~ومن الذي جاء بالبيان من عنده، أي: إن الذي جئت بالهدي من عند الله، {ومن ~~تكون له عاقبة الدار} [القصص: 37] أي: وهو أعلم بمن تكون له الجنة، {إنه لا ~~يفلح الظالمون} [القصص: 37] لا يسعد من أشرك بالله. # ثم قال: {وقال فرعون يأيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا ~~هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من ~~الكاذبين {38} واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا ~~يرجعون {39} فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ~~{40} وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون {41} وأتبعناهم ~~في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين {42} } [القصص: 38-42] ~~وقال فرعون منكرا لما أتى به موسى عليه السلام من توحيد الله وعبادته: ~~{يأيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين} ~~[القصص: 38] يقول: أوقد النار على الطين حتى يصير اللبن آجرا. # والمعنى: اعمل لي الآجر، {فاجعل لي صرحا} [القصص: 38] أي: قصرا عاليا ~~مرتفعا، {لعلي أطلع إلى إله موسى} [القصص: 38] أي: أصعد إليه وأشرف عليه، ~~وهذا إيهام من فرعون أن الذي يدعوه إليه موسى يجري مجراه في الحاجة إلى ~~المكان والجهة، {وإني لأظنه من الكاذبين} [القصص: 38] في ادعائه إلها غيري، ~~وأنه رسوله. # {واستكبر هو وجنوده} [القصص: 39] # PageV03P399 # تعظموا عن الإيمان ولم ينقادوا للحق، في الأرض أرض مصر، بغير الحق ~~بالباطل والظلم، {وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون} [القصص: 39] لا يردون إلينا ~~بالبعث للحساب والجزاء. # ثم ذكر إهلاكه إياهم بالغرق، فقال: {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم} ~~[القصص: 40] فطرحناهم في البحر، قال عطاء: يريد البحر المالح بحر القلزم. # وقال قتادة: هو بحر من وراء مصر غرقهم الله فيه. # {فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} [القصص: 40] حتى صاروا إلى الهلاك. # وجعلناهم أي: في الدنيا، أئمة قال ابن عباس: أئمة ضلالة. # وقال الكلبي، ومقاتل: قادة في ms1388 الكفر والشرك، يقودون الناس إلى الشرك ~~بالله. # وهو قوله: {يدعون إلى النار} [القصص: 41] لأن من أطاعهم ضل ودخل النار. # {ويوم القيامة لا ينصرون} [القصص: 41] لا يمنعون من العذاب. # {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} [القصص: 42] مفسر في موضعين: في { [هود] ~~ويوم القيامة هم من المقبوحين} [سورة القصص: 42] المبعدين الملعونين، من ~~القبح وهو الإبعاد، قال أبو زيد: قبح الله فلانا قبحا وقبوحا، أي: أبعده من ~~كل خير. # قال الكلبي: يعني سواد الوجه وزرقة العين، وعلى هذا المقبوحين يكون بمعنى ~~المقبحين. # {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس ~~وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون} [القصص: 43] قوله: {ولقد آتينا موسى الكتاب من ~~بعد ما أهلكنا القرون الأولى} [القصص: 43] يعني: نوحا وعادا وثمود وغيرهم ~~كانوا قبل موسى، {بصائر للناس} [القصص: 43] أي: ليتصبروا بذلك الكتاب، ~~وليهتدوا به، وهو قوله: {وهدى ورحمة} [القصص: 43] أي: من الضلالة لمن عمل ~~به، ورحمة لمن آمن به، {لعلهم يتذكرون} [القصص: 43] كي يتذكروا ما فيه من ~~المواعظ والبصائر. ### | 701 - # أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن علي العمراني، أنا أبو علي بن ~~أحمد الفقيه، أنا أبو شيبة عبد العزيز بن جعفر الخوارزمي، نا محمد بن ~~مرزوق، نا روح بن عبادة، نا عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، عن ~~النبي، صلى الله عليه وسلم: " ما أهلك الله قوما ولا قرنا ولا أمة ولا أهل ~~قرية بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة على وجه الأرض غير أهل القرية الذين ~~مسخوا قردة، ألم تر أن الله، تعالى، قال: {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ~~ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون} # قوله: {وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من ~~الشاهدين {44} ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل ~~مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين {45} وما كنت بجانب الطور إذ ~~نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من # PageV03P400 # نذير من قبلك لعلهم يتذكرون {46} ولولا أن تصيبهم مصيبة ms1389 بما قدمت أيديهم ~~فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين {47} } ~~[القصص: 44-47] {وما كنت بجانب الغربي} [القصص: 44] الخطاب لرسول الله صلى ~~الله عليه وسلم، أي حاضرا. # قال قتادة، والسدي: يعني جبلا غربيا. # وهو اختيار الزجاج، قال: وما كنت بجانب الجبل الغربي. # وقال الكلبي: بجانب الوادي الغربي. # قال ابن عباس رضي الله عنه: يريد حيث ناجى موسى ربه. # وهو قوله: {إذ قضينا إلى موسى الأمر} [القصص: 44] عهدنا إليه وأحكمنا ~~الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه، وما كنت من الشاهدين لذلك الأمر. # {ولكنا أنشأنا قرونا} [القصص: 45] خلقنا أمما من بعد موسى، {فتطاول عليهم ~~العمر} [القصص: 45] طالت عليهم المهلة، فنسوا عهد الله، وتركوا أمره، قال ~~صاحب النظم: هذا الكلام يدل على أنه قد عهد إلى موسى وقومه عهودا في محمد ~~صلى الله عليه وسلم والإيمان به، فلما طال عليهم العمر، وخلفت القرون بعد ~~القرون، نسوا تلك العهود، وتركوا الوفاء بها. # وقوله: {وما كنت ثاويا} [القصص: 45] أي مقيما، {في أهل مدين} [القصص: 45] ~~كمقام موسى وشعيب عليهما السلام فيهم، {تتلو عليهم آياتنا} [القصص: 45] ~~تذكرهم بالوعد والوعيد، قال مقاتل: يقول لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل ~~مكة خبرهم. # {ولكنا كنا مرسلين} [القصص: 45] أرسلناك إلى أهل مكة، وأنزلنا عليك هذه ~~الأخبار، ولولا ذلك لما علمتها، قال الزجاج: المعنى أنك لم تشاهد قصص ~~الأنبياء، وتليت عليك، ولكنا أوحيناها إليك، وقصصناها عليك. # {وما كنت بجانب الطور} [القصص: 46] بناحية الجبل الذي كلم الله عليه ~~موسى، إذ نادينا قال ابن عباس: إن الله تعالى نادى: يا أمة محمد، قد أجبتكم ~~قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تسغفروني، ~~ورحمتكم قبل أن تسترحموني. # {ولكن رحمة من ربك} [القصص: 46] ولكن رحمناك رحمة بإرسالك والوحي إليك، ~~{لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك} [القصص: 46] يعني: أهل مكة، {لعلهم ~~يتذكرون} [القصص: 46] لكي يتعظوا. # {ولولا أن تصيبهم مصيبة} [القصص: 47] قال مقاتل: يعني العذاب في الدنيا. # {بما قدمت أيديهم} [القصص: 47] من المعاصي، يعني كفار مكة، {فيقولوا ربنا ~~لولا ms1390 أرسلت إلينا رسولا} [القصص: 47] هلا أرسلت إلينا رسولا، فنتبع آياتك ~~يعني القرآن، {ونكون من المؤمنين} [القصص: 47] المصدقين بتوحيد الله، ~~والمعنى: لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة بكفرهم، ~~وجواب لولا محذوف تقديره ما ذكرنا. # {فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا ~~بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون {48} قل ~~فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين {49} فإن لم ~~يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من ~~الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين {50} ولقد وصلنا لهم القول لعلهم ~~يتذكرون {51} } [القصص: 48-51] {فلما جاءهم الحق من عندنا} [القصص: 48] ~~محمد والقرآن، {قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى} [القصص: 48] هلا أوتي ~~محمد من الآيات مثل ما أوتي موسى من العصا واليد، فاحتج الله عليهم بقوله: ~~{أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل} [القصص: 48] أي: فقد كفروا بآيات موسى ~~كما كفروا بآيات محمد، قالوا ساحران تظاهرا # PageV03P401 # تعاونا على السحر والضلالة، يعنون موسى ومحمدا، ومن قرأ سحران فقال ~~مقاتل: يعنون التوراة والقرآن. # وهو قول عكرمة والكلبي، والمعنى: كل سحر منهما يقوي الآخر، فنسب التظاهر ~~إلى السحرين على الاتساع. # {وقالوا إنا بكل} [القصص: 48] من التوراة والقرآن، كافرون. # قال الله لنبيه: قل لكفار مكة: {فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما} ~~[القصص: 49] من التوراة والقرآن، {أتبعه إن كنتم صادقين} [القصص: 49] أنهما ~~ساحرين، {فإن لم يستجيبوا لك} [القصص: 50] فإن لم يأتوا بمثل التوراة ~~والقرآن، {فاعلم أنما يتبعون أهواءهم} [القصص: 50] قال الزجاج: فاعلم أن ما ~~ركبوه من الكفر لا حجة لهم فيه، وإنما آثروا فيه الهوى، ثم ذمهم، فقال: ~~{ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} [القصص: 50] لا أحد أضل ممن اتبع ~~هواه بغير رشاد ولا بيان من الله، {إن الله لا يهدي القوم الظالمين} ~~[القصص: 50] لا يجعل جزاء المشركين الجاحدين أن يهديهم إلى دينه. # {ولقد وصلنا لهم القول} [القصص: 51] قال الفراء ms1391: أنزلنا القرآن يتبع بعضه ~~بعضا. # وقال قتادة: وصل لهم القول في هذا القرآن يخبرهم كيف صنع بمن مضى. # وقال مقاتل: يقول: لقد بينا لكفار مكة بما في القرآن من خبر الأمم ~~الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم. # {لعلهم يتذكرون} [القصص: 51] لكي يتعظوا ويخافوا فيؤمنوا. # {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون {52} وإذا يتلى عليهم قالوا ~~آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين {53} أولئك يؤتون أجرهم ~~مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون {54} وإذا ~~سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا ~~نبتغي الجاهلين {55} } [القصص: 52-55] {الذين آتيناهم الكتاب من قبله} ~~[القصص: 52] من قبل القرآن، {هم به يؤمنون} [القصص: 52] بمحمد صلى الله ~~عليه وسلم، قال السدي: يعني مسلمي اليهود، عبد الله بن سلام ومن أسلم منهم. # وقال مقاتل: يعني مسلمي أهل الإنجيل، وهم الذين قدموا مع جعفر بن أبي ~~طالب من الحبشة. # ثم وصفهم الله، فقال: {وإذا يتلى عليهم} [القصص: 53] يعني القرآن، {قالوا ~~آمنا به} [القصص: 53] صدقنا بالقرآن، {إنه الحق من ربنا} [القصص: 53] وذلك ~~أن ذكر النبي كان مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فلم يعاندوا هؤلاء، ~~قالوا للقرآن: {إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله} [القصص: 53] من قبل ~~القرآن، مسلمين مخلصين لله بالتوحيد، مؤمنين بمحمد أنه نبي حق. # ثم أثنى عليهم خيرا، فقال: {أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا} [القصص: ~~54] مرة بتمسكهم بدينهم حتى إذا أدركوا محمد صلى الله عليه وسلم آمنوا به، ~~ومرة بإيمانهم به، وقال قتادة: بما صبروا على الكتاب الأول والكتاب الثاني. # {ويدرءون بالحسنة السيئة} [القصص: 54] قال ابن عباس رضي الله عنه: يدفعون ~~بشهادة أن لا إله إلا الله الشرك. # وقال مقاتل: يدفعون ما يسمعون من الأذى والشتم من المشركين بالصفح ~~والعفو. # {ومما رزقناهم} [القصص: 54] من الأموال، ينفقون في طاعة الله. # {وإذا سمعوا اللغو} [القصص: 55] الباطل والشتم من المشركين، وذلك أنهم ~~شتموهم حين آمنوا بمحمد عليه السلام، # PageV03P402 # أعرضوا عنه فلم يردوا، {وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} [القصص: 55] ~~قال مقاتل ms1392: لنا ديننا ولكم دينكم، وذلك أنهم عيروهم بترك دينهم. # وقال السدي: لما أسلم عبد الله بن سلام جعل اليهود يشتمونه، وهو يقول: ~~{سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} [القصص: 55] قال الزجاج: لم يرد والتحية. # والمعنى أنهم قالوا: بيننا وبينكم المتاركة والسلام، وهذا قبل أن يؤمر ~~المسلمون بالقتال، وكأنهم قالوا: أسلمتم منا لا نعارضكم بالشتم. # ومعنى قوله: {لا نبتغي الجاهلين} [القصص: 55] قال مقاتل: لا نريد أن تكون ~~من أهل الخبل والسفه. # وقال الكلبي: لا نحب الذي أنتم عليه. # ويكون التقدير لا نبتغي دين الجاهلين. # قوله: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ~~{56} وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا ~~يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون {57} } [القصص: ~~56-57] {إنك لا تهدي من أحببت} [القصص: 56] ### | 702 - # أخبرنا أبو عبد الله الهروي، أنا علي بن محمد الخزاعي، نا أبو اليمان ~~الحكم بن نافع، نا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، أنا سعيد بن المسيب، عن ~~أبيه، أنه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم، فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال: " يا عم، ~~قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله، قال أبو جهل وعبد الله بن ~~أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم، يعرضها عليه ويعاودانه تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم ~~به: أنا على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فأنزل الله، ~~تعالى، في أبي طالب، وقال لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: {إنك لا تهدي من ~~أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} . # رواه البخاري، عن أبي اليمان، ورواه مسلم، عن حرملة، عن ابن وهب، عن ~~يونس، عن الزهري ### | 703 - # حدثنا الأستاذ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم، نا الحسن بن أحمد بن ~~علي الشيباني، أنا أحمد بن ms1393 الحسن الحافظ، نا عبد الرحمن بن بشر، نا يحيى بن ~~سعيد، عن يزيد بن كيسان، نا أبو حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم، لعمه: " قل: لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة ~~"، قال: لولا أن تعيرني نساء قريش؛ تقلن: إنه حمله على ذلك الجزع لأقررت ~~بها عينك، فأنزل، عز وجل: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء، ~~رواه مسلم، عن محمد بن حاتم، عن يحيى بن سعيد وهذا قول جماعة المفسرين؛ ~~أجمعوا أن الآية نزلت في أبي طالب. # قال الزجاج: ابتداء نزولها بسبب أبي طالب، وهي عامة، لأنه لا يهدي إلا ~~الله عز وجل، ولا يرشد ولا يوفق إلا هو. # وقوله:} من أحببت { [القصص: 56] يكون على معنيين: أحدهما للقربة، والآخر ~~أحببت أن يهتدي. # } ولكن الله يهدي { [القصص: 56] يرشد، من يشاء لدينه،} وهو أعلم ~~بالمهتدين { [القصص: 56] قال مجاهد، ومقاتل: ممن قدر له الهدى. # PageV03P403 # وقوله:} وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا { [القصص: 57] قال ~~المفسرون: قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: إن اتبعناك على دينك خفنا ~~العرب على أنفسنا أن يخرجونا من أرضنا مكة إن تركنا ما يعبدون، ومعنى ~~التخطف الانتزاع بسرعة، قال الله تعالى:} أولم نمكن لهم حرما آمنا { ~~[القصص: 57] ذا أمن يأمن فيه الناس، وذلك أن العرب كانت تغير بعضهم على ~~بعض، وأهل مكة آمنون في الحرم من القتل والسبي والغزو، أي: فكيف يخافون إذا ~~أسلموا وهم في حرم آمن، كما قال:} أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف ~~الناس من حولهم { [العنكبوت: 67] قال الفراء: يقول: أو لم نسكنهم حرما يخاف ~~من دخله، فكيف يخافون العرب. # ومعنى} أولم نمكن لهم حرما { [القصص: 57] : أو لم نجعله مكانا لهم. # وقوله:} يجبى إليه { [القصص: 57] يجمع، من قولك: جبيت الماء في الحوض، أي ~~جمعت. # وقرئ تجبى بالتاء لحيلولة الحرف بين الاسم المؤنث والفعل، كقولهم: حضر ~~القاضي اليوم امرأة. # قال مقاتل: يحمل إلى الحرم. # } ثمرات كل شيء { [القصص: 57] من مصر والشام، واليمن ms1394 والعراق،} رزقا من ~~لدنا { [القصص: 57] رزقناهم رزقا من عندنا، ولكن أكثرهم يعني: أهل مكة، لا ~~يعلمون أنا فعلنا ذلك. # ثم خوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال:} وكم أهلكنا من قرية بطرت ~~معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين {58} ~~وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا ~~مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون {59} { [القصص: 58-59] } وكم أهلكنا من قرية ~~بطرت معيشتها { [القصص: 58] قال الزجاج: البطر الطغيان عند النعمة. # والمعنى: بطرت في معيشتها. # قال عطاء: عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام. # وقوله:} فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا { [القصص: 58] قال ابن ~~عباس: لم يسكنها إلا المسافرون، وماروا الطرق يوما أو ساعة. # والمعنى: لم تسكن من بعدهم إلا سكونا قليلا،} وكنا نحن الوارثين { ~~[القصص: 58] يعني: لم يخلفهم أحد بعد هلاكهم في منازلهم، فبقيت خرابا غير ~~مسكونة، كقوله:} إنا نحن نرث الأرض ومن عليها { [مريم: 40] وقد مر. # قوله:} وما كان ربك مهلك القرى { [القصص: 59] يعني القرى الكافر أهلها،} ~~حتى يبعث في أمها { [القصص: 59] في أعظمها، رسولا ينذرهم، وخص الأعظم ببعثه ~~الرسول فيها لأن الرسول إنما يبعث إلى الأشراف، وأشراف القوم وملوكهم ~~يسكنون المدائن والمواضع التي هي أم ما حولها، وقوله:} يتلو عليهم آياتنا { ~~[القصص: 59] قال مقاتل: يخبرهم الرسول أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا. # } وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون { [القصص: 59] قال عطاء: يريد ~~بظلمهم أهلكتهم، وظلمهم شركهم. # } وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى ~~أفلا تعقلون {60} أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة ~~الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين {61} { [القصص: 60-61] } وما أوتيتم ~~من شيء { [القصص: 60] الخطاب لكفار مكة، يقول: ما أعطيتم من خير ومال،} ~~فمتاع الحياة الدنيا # PageV03P404 # وزينتها { [القصص: 60] تتمتعون به أيام حياتكم، ثم هي إلى فناء وانقضاء،} ~~وما عند الله { [القصص: 60] من الثواب، خير وأبقى أفضل وأدوم لأهله مما ~~أعطيتم في الدنيا، أفلا تعقلون أن الباقي ms1395 أفضل من الفاني الذاهب. # } أفمن وعدناه وعدا حسنا { [القصص: 61] يعني الجنة، يقول: أفمن وعدنا على ~~إيمانه وطاعته الجنة والثواب الجزيل، فهو لاقيه مدركه ومصيبه،} كمن متعناه ~~متاع الحياة الدنيا { [القصص: 61] كمن هو متمتع بشيء يفنى ويزول عن قريب،} ~~ثم هو يوم القيامة من المحضرين { [القصص: 61] النار، فقال قتادة: يعني ~~المؤمن والكافر، فالمؤمن سمع كتاب الله فصدقه وآمن بموعود الله فيه، وليس ~~كالكافر الذي يتمتع بالدنيا، ثم هو يوم القيامة من المحضرين في عذاب الله. # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا أبو الشيخ الحافظ، أنا محمد بن سليمان، نا ~~عبد الله بن حازم، نا بدل بن المحبر، نا شعبة، عن أبان، عن مجاهد في قوله:} ~~أفمن وعدناه وعدا حسنا { [القصص: 61] الآية، قال: نزلت في علي وحمزة وأبي ~~جهل. # وقوله:} ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون {62} قال الذين ~~حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما ~~كانوا إيانا يعبدون {63} وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا ~~العذاب لو أنهم كانوا يهتدون {64} ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين ~~{65} فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون {66} فأما من تاب وآمن ~~وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين {67} { [القصص: 62-67] } ويوم يناديهم ~~{ [القصص: 62] ينادي الله المشركين يوم القيامة،} فيقول أين شركائي الذين ~~كنتم تزعمون { [القصص: 62] في الدنيا أنهم شركائي. # } قال الذين حق عليهم القول { [القصص: 63] حقت عليهم كلمة العذاب، يعني ~~رؤساء الضلالة،} ربنا هؤلاء الذين أغوينا { [القصص: 63] يعنون الأتباع،} ~~أغويناهم كما غوينا { [القصص: 63] أضللناهم كما ضللنا، تبرأنا إليك منهم، ~~قال الزجاج: برئ بعضهم من بعض وصاروا أعداء، كما قال عز وجل:} الأخلاء ~~يومئذ بعضهم لبعض عدو { [الزخرف: 67] . # وقيل لكفار بني آدم: ادعوا شركاءكم استغيثوا بآلهتكم التي كنتم تعبدونها ~~ليخلصوكم من العذاب،} فدعوهم فلم يستجيبوا لهم { [القصص: 64] لم يجيبوهم ~~إلى نصرهم،} ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون { [القصص: 64] جواب لو ~~محذوف على تقدير لو أنهم كانوا يهتدون، أي في الدنيا، ما رأوا العذاب. # } ويوم يناديهم { [القصص: 65] يعني: يسأل الله ms1396 الكفار،} فيقول ماذا أجبتم ~~المرسلين { [القصص: 65] ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين، فعميت ~~خفيت واشتهيت،} عليهم الأنباء { [القصص: 66] قال مجاهد، ومقاتل: الحجج. # وسميت حججهم أنباء لأنها أخبار يخبرونها وهم لا يجتنبون ولا ينطقون بحجة، ~~لأن الله أدحض حجتهم، وكلل ألسنتهم. # قال الفراء: جاء في التفسير عميت عليهم الحجج يومئذ، فسكتوا، فذلك قوله:} ~~فهم لا يتساءلون { [القصص: 66] لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج. # } فأما من تاب { [القصص: 67] عن الشرك، وآمن وصدق بتوحيد الله، وعمل ~~صالحا أدى الفرائض،} فعسى أن يكون من المفلحين { [القصص: 67] من الناجحين ~~الفائزين، وعسى من الله واجب. # قوله:} # PageV03P405 # وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما ~~يشركون {68} وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون {69} وهو الله لا إله إلا ~~هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون {70} { [القصص: ~~68-70] } وربك يخلق ما يشاء ويختار { [القصص: 68] قال المفسرون: نزلت هذه ~~الآية جوابا للمشركين حين قالوا:} لو نزلا هذا القرءان على رجل {الآية، ~~ومعناه: ويختار من يشاء لنبوته ورسالته، أي: فكما أن الخلق إليه ما يشاء، ~~فكذلك الاختيار إليه في جميع الأشياء، فيختار مما خلق ومن يشاء، ثم نفى ~~الاختيار عن المشركين، وذلك أنهم اختاروا الوليد بن المغيرة من مكة، أو ~~عروة بن مسعود من الطائف، فقال:} ما كان لهم الخيرة { [القصص: 68] أي ~~الاختيار، أي: ليس لهم أن يختاروا على الله، قال ابن قتيبة: أي لا يرسل على ~~اختيارهم. # والخيرة اسم من الاختيار تقام مقام المصدر، والخيرة اسم للمختار أيضا، ~~يقال: محمد خيرة الله من خلقه، أي مختاره، ويجوز التخفيف فيها. # ثم نزه نفسه عن شركهم، فقال:} سبحان الله وتعالى عما يشركون { [القصص: ~~68] . # ثم أخبر بنفوذ علمه فيما خفي وظهر، فقال:} وربك يعلم ما تكن صدورهم { ~~[القصص: 69] مما تستر قلوبهم من الكفر والعداوة لله ورسوله، وما يعلنون ~~بألسنتهم من الكفر والمعاصي. # ثم وحد نفسه، فقال:} وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة ~~{ [القصص: 70] يحمده أولياؤه في الدنيا ويحمدونه ms1397 في الآخرة في الجنة، وله ~~الحكم الفصل بين الخلائق، قال ابن عباس: حكم لأهل طاعته بالمغفرة، ولأهل ~~معصيته بالشقاء والويل. # ثم قال تعالى:} قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة ~~من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون {71} قل أرأيتم إن جعل الله ~~عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون ~~فيه أفلا تبصرون {72} ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ~~ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون {73} { [القصص: 71-73] قل أي: لأهل مكة، ~~أرأيتم معناه أخبروني،} إن جعل الله عليكم الليل سرمدا { [القصص: 71] ~~دائما،} إلى يوم القيامة { [القصص: 71] لا نهار معه،} من إله غير الله ~~يأتيكم بضياء { [القصص: 71] بنور تطلبون فيه المعيشة، ونهار تبصرون فيه، ~~أفلا تسمعون سماع فهم وقبول، فتستدلوا بذلك على توحيد الله، وقوله: تسكنون ~~فيه أي: تستريحون فيه من الحركة والنصب، أفلا تبصرون ما أنتم عليه من الخطأ ~~والضلال. # ثم أخبر أن الليل والنهار رحمة منه، فقال:} ومن رحمته جعل لكم الليل ~~والنهار لتسكنوا فيه { [القصص: 73] يعني في الليل،} ولتبتغوا من فضله { ~~[القصص: 73] لتلتمسوا في النهار من فضل الله، ولعلكم تشكرون الله الذي أنعم ~~عليكم بهما. # } ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون {74} ونزعنا من كل ~~أمة شهيدا # PageV03P406 # فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون {75} { ~~[القصص: 74-75] } ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون { ~~[القصص: 74] وقد مر تفسيرها، وإنما كرر ذكر النداء للمشركين بأين شركائي ~~تقريعا لهم بعد تقريع. # } ونزعنا من كل أمة شهيدا { [القصص: 75] وأخرجنا من كل أمة رسولها الذي ~~يشهد عليهم بالتبليغ وبما قال منهم، وهذا كقوله:} فكيف إذا جئنا من كل أمة ~~بشهيد { [النساء: 41] الآية، وقوله:} ويوم نبعث من كل أمة شهيدا { [النحل: ~~84] وقوله:} فقلنا هاتوا برهانكم { [القصص: 75] قال مجاهد: حجتكم بما كنتم ~~تعبدون. # وقال مقاتل: حجتكم بأن معي شريكا. # } فعلموا أن الحق { [القصص: 75] التوحيد،} لله وضل عنهم { [القصص: 75] ~~زال وبطل في الآخرة،} ما كانوا يفترون { [القصص: 75] في الدنيا من ms1398 أن مع ~~الله شريكا. # } إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه ~~لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ~~{76} وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما ~~أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين {77} { ~~[القصص: 76-77] قوله:} إن قارون كان من قوم موسى { [القصص: 76] قال عطاء، ~~عن ابن عباس رضي الله عنه: كان من بني إسرائيل، ثم من سبط موسى، وهو ابن ~~خالته. # وقال قتادة، ومقاتل: كان ابن عمه لحا، لأنه كان قارون بن يصهر بن قاهث، ~~وموسى بن عمران بن قاهث. # وقوله: فبغى عليهم أي: بكثرة ماله جاوز الحد في التكبر والتجبر عليهم، ~~وقال شهر بن حوشب: زاد عليهم في الثياب شبرا، والمعنى أنه تكبر عليهم، وطول ~~الثياب من علامات التكبر، ولذلك نهي عنه، وقوله:} وآتيناه من الكنوز { ~~[القصص: 76] قال عطاء: أصاب كنزا من كنوز يوسف، فكان كما ذكره الله تعالى:} ~~ما إن مفاتحه { [القصص: 76] أي: خزائنه في قول الأكثرين، كقوله:} وعنده ~~مفاتح الغيب { [الأنعام: 59] وهو اختيار الزجاج، فإن الأشبه في التفسير أن ~~مفاتحه خزائن ماله. # وقال آخرون: هي جمع مفتاح، وهو ما يفتح به الباب. # وهذا قول قتادة، ومجاهد. # وروى الأعمى، عن خيثمة، قال: كانت مفاتيح قارون من جلود، كل مفتاح مثل ~~الإصبع، مفتاح كل خزانة على حدة، فإذا ركب حملت المفاتيح على ستين بغلا، ~~وهو قوله:} لتنوء بالعصبة أولي القوة { [القصص: 76] . # يقال: ناء بحمله إذا نهض به مثقلا. # قال ابن عباس: كان يحمل مفاتيحه الأربعون رجلا أقوى ما يكون من الرجال. # والمعنى: تثقلهم حمل المفاتيح. # يقال: نأى الحمل إذا أثقلت، فجعلت تنوء به. # } إذ قال له قومه { [القصص: 76] المؤمنون من بني إسرائيل: لا تفرح قال ~~المفسرون: لا تأشر ولا تمرح ولا تبطر. # } إن الله لا يحب الفرحين { [القصص: 76] الأشرين البطرين، الذين لا ~~يشكرون الله على ما أعطاهم. # } وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ms1399 { [القصص: 77] واطلب فيما أعطاك ~~الله من الأموال والنعمة الجنة، وهو أن يقوم بشكر الله فيما أنعم عليه، ~~وينفقه في رضا الله،} ولا تنس نصيبك من الدنيا { [القصص: 77] وهو أن يعمل ~~في الدنيا لأخرته، هذا قول أكثر المفسرين، واختيار الزجاج، قال: معناه لا ~~تنسى أن تعمل لآخرتك، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا # PageV03P407 # الذي يعمل به لآخرته. # وقال الحسن: أمر أن يقدم الفضل، وأن يمسك ما يغنيه. # } وأحسن كما أحسن الله إليك { [القصص: 77] أطع الله واعبده لما أنعم ~~عليك، وأحسن العطية في الصدقة والخير،} ولا تبغ الفساد في الأرض { [القصص: ~~77] لا تبغ بإحسان الله إليك أن تعمل في الأرض بالمعاصي. # } قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من ~~القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون { ~~[القصص: 78] } قال إنما أوتيته على علم عندي { [القصص: 78] قال عطاء: فكفر ~~لما رأى أن المال حصل له بعلمه، ولم يعتبره من عطاء الله، فكأنه أراد بعلمه ~~في التصرف وأنواع المكاسب، وقال آخرون: معناه إنما أوتيته على خير علمه ~~الله عندي، فكنت أهلا لما أعطيته لفضل علمي. # وقال الكلبي: على علم عندي بصنعة الذهب. # قال الله: أولم يعلم قارون،} أن الله قد أهلك { [القصص: 78] بالعذاب،} من ~~قبله من القرون { [القصص: 78] في الدنيا حين كذبوا رسلهم،} من هو أشد منه ~~قوة وأكثر جمعا { [القصص: 78] للأموال،} ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون { ~~[القصص: 78] قال قتادة: إنهم يدخلون النار بغير حساب، وأما قوله:} فوربك ~~لنسألنهم { [الحجر: 92] فإنهم يسألون سؤال تقريع وتوبيخ، كما قال الحسن: لا ~~يسألون ليعلم ذلك من قبلهم، وإنما سئلوا سؤال تقريع وتوبيخ. # قوله:} فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت ~~لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم {79} وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ~~ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون {80} { [القصص: ~~79-80] } فخرج على قومه في زينته [القصص: 79] قال السدي: خرج في جوار بيض ~~على سرج ms1400 من ذهب، على قطف أرجوان، على بغال بيض، عليهن ثياب حمر وحلي من ~~ذهب. # وقال مقاتل: خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب عليه الأرجوان، ومعه ~~أربعة آلاف فارس على الخيل، عليهم وعلى دوابهم الأرجوان، ومعهم ثلات مائة ~~جارية بيض، عليهن الحلي والثياب الحمر على البغال الشهب. # وقال ابن زيد: خرج في سبعين ألفا عليهم المعصفرات. # وهذا معنى قول الحسن: في ثياب صفر. ### | 704 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي، أنا أبو بكر محمد بن إسماعيل ~~الشاشي، نا إسحاق بن محمد بن إسحاق الرسغني، نا جدي، نا عثمان بن عبد ~~الرحمن الطرائفي، نا علي بن عروة الدمشقي، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، ~~عن أبي هريرة، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " أربع خصال من قوم ~~قارون: جر نصال السيوف في # PageV03P408 # الأرض، ولباس الخفاف المقلوبة، ولباس الأرجوان، وكان أحدهم لا ينظر في ~~وجه خادمه إلا تكبرا " # قال الزجاج: الأرجوان في اللغة صبغ أحمر، وهو ما روي أنه كان عليهم، وعلى ~~خيلهم الديباج الأحمر. # قال مقاتل: فلما نظر مؤمنو أهل ذلك الزمان في تلك الزينة والجمال تمنوا ~~مثل ذلك، وهو قوله: {قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما ~~أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم} [القصص: 79] نصيب آخر من الدنيا. # {وقال الذين أوتوا العلم} [القصص: 80] قال ابن عباس: يعني الأحبار من بني ~~إسرائيل. # وقال مقاتل: بما وعده الله في الآخرة. # قالوا للذين تمنوا مثل ما أوتي قارون: {ويلكم ثواب الله} [القصص: 80] ما ~~عند الله من الثواب والجزاء، {خير لمن آمن} [القصص: 80] وصدق بتوحيد الله، ~~وعمل صالحا وقام بالفرائض مما أعطي قارون في الدنيا، ولا يلقاها قال مقاتل: ~~لا يؤتاها. # يعني: الأعمال الصالحة، ودل عليها قوله: وعمل صالحا وقال الكلبي: لا ~~يعطاها في الآخرة {إلا الصابرون} [القصص: 80] على أمر الله. # يعني الجنة، ودل عليه قوله: ثواب الله. # قوله: {فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله ~~وما كان من المنتصرين {81} وأصبح الذين تمنوا مكانه ms1401 بالأمس يقولون ويكأن ~~الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ~~ويكأنه لا يفلح الكافرون {82} } [القصص: 81-82] {فخسفنا به وبداره الأرض} ~~[القصص: 81] قال السدي: دعا قارون امرأة من بني إسرائيل بغيا، فقال لها: ~~إني أعطيك ألفين على أن تجيئي غدا إذا اجتمعت بنو إسرائيل عندي، فتقولي: يا ~~معشر بني إسرائيل، ما لي ولموسى، قد آذاني. # قالت: نعم. # فأعطاها خريطتين عليها خاتمه، فلما جاءت المرأة بيتها ندمت وقالت: يا ~~ويلها، قد عملت كل فاحشة، فما بقي إلا أن أفتري على نبي الله، فلما أصبحت ~~أقبلت ومعها الخريطتان حتى قامت على بني إسرائيل، فقالت: إن قارون أعطاني ~~هاتين الخريطتين على أن آتي جماعتكم فأزعم أن موسى يريدني على نفسي، ومعاذ ~~الله أن أفتري على نبي الله، وهذه دراهمه عليها خاتمه، فعرف بنو إسرائيل ~~خواتم قارون، فغضب موسى عليه السلام، فدعا الله عليه، فأوحى الله تعالى ~~إليه: إني قد أمرت الأرض أن تطيعك وسلطتها عليه، فمرها. # فقال موسى: يا أرض خذيه وهو على سريره وفرشه، فأخذته حتى غيبت سريره، ~~فلما رأى ذلك قارون ناشده الرحم، فقال: خذيه. # فأخذته حتى غيبت قدميه، ثم أخذته حتى غيبت ركبتيه، ثم قال: خذيه. # فأخذته حتى غيبت حقويه، وهو يناشده الرحم، فقال: خذيه. # فأخذته حتى غيبته، فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى ناشدك الرحم واستغاثك ~~فأبيت أن تغيثه، لو إياي دعا أو استغاثني لأغثته. # أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، نا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر، أنا ~~أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، نا محمد بن يحيى، نا سعيد بن أبي مريم، أنا ~~الليث، أنا عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن عوف القاري، من بني قارة، ~~أنه بلغه أن الله تعالى أمر الأرض أن تطيع موسى في قارون، فلما لقيه # PageV03P409 # موسى، قال للأرض: أطيعي. # فأخذته إلى الركبتين، ثم قال لها: أطيعي. # فأخذته إلى الحقوين، وهو في ذلك يستغيث بموسى، ثم قال: أطيعي. # فوارته في جوفها، فأوحى الله إليه: يا ms1402 موسى، ما أغلظ قلبك، أما وعزتي ~~وجلالي لو بي استغاث لأغثته. # قال: رب غضبا لك فعلت. # قال قتادة، ومقاتل: خسف به فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل إلى يوم ~~القيامة. # قوله: {فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله} [القصص: 81] يقول: لم يكن ~~له خير يمنعونه من الله، {وما كان من المنتصرين} [القصص: 81] من الممتنعين ~~مما نزل من الخسف. # {وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس} [القصص: 82] صار أولئك الذين تمنوا ما ~~رزق من المال والزينة، يتندمون على ذلك التمني، وهو قوله: {يقولون ويكأن ~~الله} [القصص: 82] الآية، قال الكسائي: ويكأن في التأويل: ذلك أن الله يبسط ~~الرزق لمن يشاء ويقدر. # وقال أبو عبيدة: سبيلها سبيل ألم تر. # وقال مجاهد، وقتادة: ألم تعلم. # وقال الخليل، والفراء: وي مفصولة من كأن وذلك أن القوم تنبهوا فقالوا: وي ~~متندمين على ما سلف منهم، وكل من تندم فإظهار ندامته أن يقول: وي، وكأن في ~~مذهب الظن والعلم. # قوله: {لولا أن من الله علينا} [القصص: 82] أي: بالعافية والرحمة ~~والإيمان، لخسف بنا أي الله، ومن ضم الخاء فإنه يئول في المعنى إلى الأول. # ويكأنه معناه: ألم تر أنه، وأما ترى أنه، {لا يفلح الكافرون} [القصص: 82] ~~لا يسعد من يكفر بالله، ومعنى ويكأنه تنبيه. # {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ~~والعاقبة للمتقين {83} من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا ~~يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون {84} } [القصص: 83-84] ~~وقوله: {تلك الدار الآخرة} [القصص: 83] يعني الجنة، {نجعلها للذين لا ~~يريدون علوا في الأرض} [القصص: 83] قال عطاء: علوا على خلقي في الأرض. # وقال الحسن: لم يطلبوا الشرف والعز عند ذي سلطانهم. # وقال الكلبي، ومقاتل: استكبارا عن الإيمان. ### | 705 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا أبو عباس أحمد بن محمد ~~الجمال، نا إسماعيل بن يزيد، نا قتيبة بن مهران، عن أبي الصباح عبد الغفور، ~~عن أبي هاشم، عن زاذان، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه ms1403 كان يمشي في ~~الأسواق وحده، وهو وال، يرشد الضال، ويعين الضعيف، ويمر بالبياع والبقال ~~فيفتح عليه القرآن، ويقرأ: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا ~~في الأرض ولا فسادا} ويقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من ~~الولاة وأهل القدرة من سائر الناس ### | 706 - # أخبرني الحاكم أبو عمرو المروزي، كتابة، أن أبا الفضل الحدادي أخبرهم، عن ~~محمد بن يزيد الخالدي، أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا وكيع، عن أشعث الشامي، عن ~~أبي سلام الأعرج، عن علي، قال: إن الرجل ليعجبه شراك نعله فيدخل في هذه ~~الآية {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض} يعني: أن ~~من تكبر على غيره بلباس يعجبه فهو ممن يريد علوا في الأرض # وقوله: ولا فسادا قال الكلبي: هو الدعاء إلى عبادة غير الله. # وقال مقاتل: عملا بالمعاصي. # وقال عكرمة، ومسلم البطين: هو أخذ المال بغير حق. # والعاقبة للمتقين أي: الجنة لمن اتقى عقاب الله بأداء الفرائض واجتناب ~~معاصيه. # قوله: {من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين ~~عملوا السيئات} [القصص: 84] قال # PageV03P410 # ابن عباس: يريد الذي أشركوا. # {إلا ما كانوا يعملون} [القصص: 84] إلا جزاء ما كانوا يعملون من الشرك، ~~وجزاؤه النار. # {إن الذي فرض عليك القرءان لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن ~~هو في ضلال مبين {85} وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك ~~فلا تكونن ظهيرا للكافرين {86} ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك ~~وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين {87} ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله ~~إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون {88} } [القصص: 85-88] ~~{إن الذي فرض عليك القرءان} [القصص: 85] قال المفسرون: أنزل عليك القرآن. # قال الزجاج: فرض عليك العمل بما يوجبه القرآن. # وتقدير الكلام فرض عليك أحكام القرآن وفرائض القرآن، {لرادك إلى معاد} ~~[القصص: 85] يعني مكة، قال المفسرون: لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم ~~الجحفة في مسيره إلى المدينة، لما ms1404 هاجر إليها اشتاق إلى مكة، فأتاه جبريل، ~~فقال: أتشتاق إلى بلدك ومولدك؟ فقال: نعم. # فقال جبريل: فإن الله يقول: {إن الذي فرض عليك القرءان لرادك إلى معاد} ~~[القصص: 85] يعني إلى مكة، ظاهرا عليها. # فنزلت الآية بالجحفة وليست مكية ولا مدنية، وسميت مكة معادا لعوده إليها. # وتم الكلام، ثم ابتدأ كلاما آخر، فقال: قل {ربي أعلم بمن جاء بالهدى} ~~[القصص: 37] وهو جواب لكفار مكة لما قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: إنك ~~في ضلال. # فقال الله: قل لهم ربي أعلم بمن جاء بالهدى، يعني نفسه، {ومن هو في ضلال ~~مبين} [القصص: 85] يعني المشركين، والمعنى: الله أعلم بالفريقين، وقد علم ~~أني قد جئت بالهدى وأنكم في ضلال. # ثم ذكره نعمه، فقال: {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب} [القصص: 86] أن ~~يوحى إليك القرآن بأن تكون نبيا، {إلا رحمة من ربك} [القصص: 86] قال ~~الفراء: هذا من الاستثناء المنقطع، ومعناه: ما كنت ترجو أن تعلم كتب ~~الأولين وقصصهم، تتلوها على أهل مكة إلا أن ربك رحمك وأراد بك الخير. # {فلا تكونن ظهيرا للكافرين} [القصص: 86] معينا لهم على دينهم. # قال مقاتل: وذلك حين دعى إلى دين آبائه، فذكره الله نعمه ونهاه عن ~~مظاهرتهم على ما كانوا عليه. # وأمره بالتحرز منهم بقوله: {ولا يصدنك عن آيات الله} [القصص: 87] يعني ~~القرآن، {بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك} [القصص: 87] إلى معرفته وتوحيده، ~~{ولا تكونن من المشركين} [القصص: 87] قال ابن عباس رضي الله عنه: الخطاب له ~~في الظاهر، والمراد به أهل دينه، أي تظاهروا الكفار ولا توافقوهم. # وكذلك قوله: {ولا تدع مع الله إلها آخر} [القصص: 88] لا تعبد معه غيره، ~~ثم وحد نفسه، فقال: {لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88] قال ~~عطاء، عن ابن عباس: إلا ما أريد به وجهه. # وهو قول الكلبي، قال: كل عمل لغيره فهو هالك إلا ما كان له. # وقال سفيان رحمه الله: إلا ما أريد به وجه الله من الأعمال. # وهو اختيار الفراء، وأنشد: # أستغفر الله ذنبا لست محصيه ms1405 ... رب العباد إليه الوجه والعمل # أي: إليه أوجه العمل، وعلى هذا وجه الله ما وجه إليه من الأعمال، له ~~الحكم أي: الفصل بين الخلائق في الآخرة دون غيره، وإليه ترجعون تردون في ~~الآخرة فيجزيكم بأعمالكم. # PageV03P411 ### | سورة العنكبوت # مكية وآياتها تسع وستون. ### | 707 - # أخبرنا أبو سعد الخفاف، مجاور الجامع، أنا أبو عمرو بن مطر، نا إبراهيم ~~بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، عن زيد بن ~~أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال لي رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم: «من قرأ سورة العنكبوت كان له من الأجر عشر حسنات، بعدد كل ~~المؤمنين والمنافقين» # {الم {1} أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون {2} ولقد ~~فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين {3} أم حسب ~~الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون {4} } [العنكبوت: 1-4] بسم ~~الله الرحمن الرحيم {الم {1} أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا ~~يفتنون {2} } [العنكبوت: 1-2] قال الشعبي: أنزلت في أناس كانوا بمكة قد ~~أقروا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يقبل ~~منكم إقرار ولا إسلام حتى تهاجروا، فخرجوا إلى المدينة، فاتبعهم المشركون ~~فآذوهم، فنزلت فيهم هذه الآية. # قال ابن عباس: يريد بالناس الذين آمنوا بمكة: سلمة بن هشام، وعياش بن أبي ~~ربيعة، والوليد بن الوليد، وعمار بن ياسر وغيرهم. # قال الزجاج: المعنى: أحسبوا أن يقنع منهم بأن يقولوا إنا مؤمنون فقط ولا ~~يمتحنون بما يبين به حقيقة إيمانهم. # وهو قوله: {أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} [العنكبوت: 2] قال ~~السدي، ومجاهد، وقتادة: لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم بالقتل والتعذيب ~~والضرب. # ثم أخبر عن فتنة من قبل هذه الأمة من المؤمنين، فقال: {ولقد فتنا الذين ~~من قبلهم} [العنكبوت: 3] قال ابن عباس: منهم إبراهيم خليل الرحمن، وقوم ~~كانوا معه، ومن بعده # PageV03P412 # نشروا بالمناشير على دين الله فلم يرجعوا عنه. # وقال غيره: يعني بني إسرائيل، ابتلوا بفرعون، فكان ms1406 يسومهم سوء العذاب. # وقوله: {فليعلمن الله الذين صدقوا} [العنكبوت: 3] في إيمانهم، وليعلمن ~~الكاذبين في إيمانهم، فيشكوا عند البلاء. # ثم أوعد كفار العرب، فقال: {أم حسب الذين يعملون السيئات} [العنكبوت: 4] ~~يعني الشرك، قال ابن عباس: يريد الوليد بن المغيرة، وأبا جهل، والأسود، ~~والعاصي بن هشام وغيرهم. # أن يسبقونا يفوقونا ويعجزونا، {ساء ما يحكمون} [العنكبوت: 4] بئس ما ~~حكموا لأنفسهم حين ظنوا ذلك. # {من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم {5} ومن جاهد ~~فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين {6} والذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون {7} } ~~[العنكبوت: 5-7] قوله: {من كان يرجو لقاء الله} [العنكبوت: 5] من كان يخشى ~~البعث ويخاف الحساب والرجاء، بمعنى الخوف كثير، قال سعيد بن جبير: من كان ~~يطمع في ثواب الله. # واختار الزجاج، فقال: معناه من كان يرجو ثواب لقاء الله. # أي: ثواب المصير إليه، والرجاء على هذا القول معناه الأمل. # {فإن أجل الله لآت} [العنكبوت: 5] أي: الأجل المضروب للبعث يأتي. # قال مقاتل: يعني يوم القيامة لآت. # والمعنى: فليعمل لذلك اليوم، كقوله: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا ~~صالحا} [الكهف: 110] روى مكحول، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت ~~هذه الآية: " يا علي، ويا فاطمة، إن الله قد أنزل {من كان يرجو لقاء الله ~~فإن أجل الله لآت} [العنكبوت: 5] ". # وإن حقيقة رجاء لقاء الله أن يستعد الإنسان لأجل الله إذا كان آتيا ~~باتباع طاعته واجتناب معصيته، وهو يعلم أن الله يسمع ما يقول، ويعلم ما ~~يعمل، ولذلك قال: {وهو السميع العليم} [العنكبوت: 5] . # قوله: {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه} [العنكبوت: 6] قال مقاتل: يقول: من ~~يعمل الخير فإنما يعمل لنفسه. # {إن الله لغني عن العالمين} [العنكبوت: 6] عن أعمالهم وعبادتهم. # {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم} [العنكبوت: 7] ~~لنبطلنها حتى تصير بمنزلة ما لم يعمل، {ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون} ~~[العنكبوت: 7] أي: بأحسن أعمالهم وهو الطاعة، ولا يجزيهم بمساوئ أعمالهم. # قوله: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ms1407 ما ليس لك به ~~علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون {8} والذين آمنوا ~~وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين {9} } [العنكبوت: 8-9] . # {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} [العنكبوت: 8] أي: برا وعطفا عليهما، قال ~~الزجاج: معناه: ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما # PageV03P413 # يحسن. # {وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم} [العنكبوت: 8] أي: لتشرك بي ~~شريكا لا تعلمه لي، {فلا تطعهما} [العنكبوت: 8] . ### | 708 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الأصفهاني، أنا عبد الله بن محمد بن ~~جعفر بن حبان، أنا أبو يعلى، نا أحمد بن أيوب بن راشد الضبي، نا مسلمة بن ~~علقمة، نا داود بن أبي هند، عن أبي عثمان النهدي، أن سعد بن مالك قال: نزلت ~~في هذه الآية: {وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم} ، قال: كنت رجلا برا ~~بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد، ما هذا الدين الذي قد أحدثت؟ لتدعن دينك ~~هذا، أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي، فيقال: يا قاتل أمه، قلت: لا ~~تفعلي يا أمه، إني لا أدع ديني هذا لشيء، قال: فمكثت يوما لا تأكل وليلة، ~~فأصبحت قد جهدت، ثم مكثت يوما آخر وليلة لا تأكل، فلما رأيت ذلك؛ قلت: ~~تعلمين، والله يا أمه، لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني ~~هذا لشيء فكلي وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت ذلك مني أكلت، فأنزل الله هذه ~~الآية # {وإن جاهداك} ثم أوعد بالمصير إليه، فقال: {إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم ~~تعملون} [العنكبوت: 8] أي: أخبركم بمآل أعمالكم وسيئها لأجازيكم عليها. # {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين} [العنكبوت: 9] أي: ~~في زمرة الأنبياء والأولياء. # {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب ~~الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في ~~صدور العالمين {10} وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين {11} } ~~[العنكبوت: 10-11] {ومن الناس من يقول آمنا بالله} [العنكبوت: 10] قال ~~مجاهد: نزلت في أناس يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم ms1408 بلاء من الناس أو مصيبة ~~في أنفسهم وأموالهم افتتنوا، فجعلوا ذلك كعذاب الله في الآخرة. # وهو قوله: {فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس} [العنكبوت: 10] ما يصيبهم ~~من عذابهم، كعذاب الله أي: جزع من أذى الناس ولم يصبر عليه، فأطاع الناس ~~كما يطيع الله من خاف من عذابه، وهذا قول السدي، وابن زيد، قالا: هو ~~المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين فكفر. # قال الزجاج: وينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذى في الله. # وقال عكرمة، عن ابن عباس: نزلت في المؤمنين الذين أخرجهم المشركون إلى ~~بدر فارتدوا، وهم الذين نزلت فيهم {إن الذين توفاهم الملائكة} [النساء: 97] ~~. # {ولئن جاء نصر من ربك} [العنكبوت: 10] يعني: دولة للمؤمنين ونصر لأولياء ~~الله، ليقولن يعني: المنافقين للمؤمنين، {إنا كنا معكم} [العنكبوت: 10] على ~~عدوكم، فكذبهم الله قال: {أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين} ~~[العنكبوت: 10] من الإيمان والنفاق وغير ذلك، أي: لا يخفى عليه كذبهم فيما ~~قالوا: إنا كنا معكم على عدوكم. # {وليعلمن الله الذين آمنوا} [العنكبوت: 11] قال مقاتل، والكلبي: وليرين ~~الله الذين صدقوا عند البلاء فثبتوا على الإسلام. # {وليعلمن المنافقين} [العنكبوت: 11] بالشك عند البلاء وترك الإيمان. # قوله: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما ~~هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون {12} وليحملن أثقالهم وأثقالا ~~مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون {13} } [العنكبوت: 12-13] ~~{وقال الذين كفروا للذين آمنوا} [العنكبوت: 12] اتبعوا سبيلنا، قال مجاهد: ~~هذا من قول كفار مكة لمن آمن منهم، قالوا لهم: لا نبعث نحن ولا أنتم، ~~فاتبعونا، فإن كان عليكم شيء فهو علينا. # ونحو هذا قال الكلبي، ومقاتل: إن أبا سفيان قال لمن آمن من قريش: اتبعوا ~~ديننا ملة آبائنا ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله تصيبكم. # فذلك قوله: ولنحمل خطاياكم وهو جزم على الأمر، كأنهم أمروا أنفسهم بذلك، ~~قال الله تعالى: {وما هم بحاملين من خطاياهم # PageV03P414 # من شيء إنهم لكاذبون} [العنكبوت: 12] فيما ضمنوا من حمل خطاياهم. # {وليحملن أثقالهم} [العنكبوت: 13] يعني: أوزارهم التي عملوها، {وأثقالا ~~مع أثقالهم} [العنكبوت ms1409: 13] أوزارا مع أوزارهم، لقولهم للمؤمنين اتبعوا ~~سبيلنا، وهذا كقوله: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين ~~يضلونهم بغير علم} [النحل: 25] ونحو هذا، ما روي أن النبي صلى الله عليه ~~وسلم، قال: «أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع، فعليه مثل أوزار من اتبعه من ~~غير أن ينقص من أوزارهم شيئا» . # {وليسألن يوم القيامة} [العنكبوت: 13] سؤال توبيخ وتقريع، {عما كانوا ~~يفترون} [العنكبوت: 13] قال ابن عباس: يقولون على الله الكذب. # وقال مقاتل: يعني قولهم: نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله. # ثم عزى نبيه بما ابتلي به النبيون من قبله من قومهم، فقال: {ولقد أرسلنا ~~نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ~~{14} فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين {15} } [العنكبوت: ~~14-15] {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم} [العنكبوت: 14] أقام فيهم ~~يدعوهم إلى الله، {ألف سنة إلا خمسين عاما} [العنكبوت: 14] ### | 709 - # أخبرنا عمر بن أحمد بن عمر الزاهد، أنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ~~الصوفي، أنا محمد بن أيوب، أنا هدبة، أنا حماد بن مسلمة، عن علي بن زيد، عن ~~يوسف بن مهران، عن ابن عباس: قال: بعث نوح بعد أربعين سنة، عاش في قومه ألف ~~سنة إلا خمسين عاما يدعوهم، وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا # وقوله: {فأخذهم الطوفان} [العنكبوت: 14] قال مقاتل: يعني الماء طفا فوق ~~كل شيء فغرقوا. # وهم ظالمون قال ابن عباس: مشركون. # فأنجيناه يعني: نوحا من الغرق، وأصحاب السفينة الذين كانوا معه فيها، ~~{وجعلناها آية للعالمين} [العنكبوت: 15] تركنا السفينة عبرة لمن بعدهم من ~~الناس، إن عصوا رسولهم فعلنا بهم مثل ذلك. # PageV03P415 # {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ~~{16} إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون ~~الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ~~ترجعون {17} وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ ~~المبين {18} } [العنكبوت: 16-18] وإبراهيم عطفا على نوح ms1410، والمعنى: وأرسلنا ~~إبراهيم، {إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه} [العنكبوت: 16] أطيعوا الله ~~وخافوه، ذلكم يعني: عبادة الله، خير لكم من عبادة الأوثان، {إن كنتم ~~تعلمون} [العنكبوت: 16] ولكنكم لا تعلمون. # {إنما تعبدون من دون الله أوثانا} [العنكبوت: 17] قال ابن عباس: يريد ~~الأصنام التي تتخذ من الحجارة والخشب. # وتخلقون إفكا قال السدي: تقولون كذبا. # يعني زعمهم أنها آلهة، ثم ذكر عجز الآلهة عن رزق عابديها، فقال: {إن ~~الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا} [العنكبوت: 17] لا يقدرون أن ~~يرزقوكم، {فابتغوا عند الله الرزق} [العنكبوت: 17] فاطلبوا الرزق مني، فأنا ~~القادر على ذلك، وما بعدها هذا ظاهر إلى قوله: {أولم يروا كيف يبدئ الله ~~الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير {19} قل سيروا في الأرض فانظروا كيف ~~بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير {20} يعذب ~~من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون {21} وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في ~~السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير {22} والذين كفروا بآيات الله ~~ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم {23} } [العنكبوت: ~~19-23] {أولم يروا} [العنكبوت: 19] يعني: كفار مكة، ومن قرأ بالتاء فهو ~~خطاب لهم، {كيف يبدئ الله الخلق} [العنكبوت: 19] كيف يخلقهم الله ابتداء من ~~نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة إلى تمام الخلق، ثم يعيده في الآخرة عند ~~البعث، {إن ذلك على الله يسير} [العنكبوت: 19] قال ابن عباس: يريد الخلق ~~الأول والخلق الآخر. # {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق} [العنكبوت: 20] أي: ابحثوا ~~وانظروا، هل تجدون خالقا غير الله، فإذا علموا أنه لا خالق ابتداء إلا الله ~~لزمتهم الحجة في الإعادة، وهو قوله: {ثم الله ينشئ النشأة الآخرة} ~~[العنكبوت: 20] أي: ثم الله الذي خلقها وبدأ خلقها ينشئها نشأة ثانية، وقرأ ~~أبو عمرو بالمد، قال الفراء: وهو مثل الرأفة والرافة، والكأبة والكآبة، كل ~~نواب. # {إن الله على كل شيء} [العنكبوت: 20] من البدء والإعادة، قدير. # قوله: {وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ms1411} [العنكبوت: 22] قال # PageV03P416 # قطرب: معناه ولا في السماء لو كنتم فيها، كقولك: ما يفوتني فلان ههنا ولا ~~بالبصرة لو صار إليها. # وهذا معنى قول مقاتل: وما أنتم يا كفار مكة بسابقي الله، فتفوتونه في ~~الأرض كنتم أو في السماء كنتم، أينما تكونوا حتى يجزيكم بأعمالكم السيئة. # {وما لكم من دون الله من ولي} [العنكبوت: 22] يمنعكم مني، ولا نصير ~~ينصركم من عذابي. # {والذين كفروا بآيات الله ولقائه} [العنكبوت: 23] بالقرآن والبعث بعد ~~الموت، {أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم} [العنكبوت: 23] يعني ~~من جنتي. # ثم عاد الكلام إلى قصة إبراهيم، وهو قوله: {فما كان جواب قومه إلا أن ~~قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ~~{24} وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم ~~يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ~~ناصرين {25} } [العنكبوت: 24-25] {فما كان جواب قومه} [العنكبوت: 24] يعني: ~~حين دعاهم إلى الله ونهاهم عن عبادة الأصنام، {إلا أن قالوا اقتلوه أو ~~حرقوه} [العنكبوت: 24] وفي هذا تسفيه لهم حين أجابوا من احتج عليهم بأن ~~يقتل أو يحرق، {فأنجاه الله من النار} [العنكبوت: 24] قال مقاتل: فقذفوه في ~~النار فأنجاه الله من ذلك. # {إن في ذلك} [العنكبوت: 24] أي: إن في إنجاء الله إبراهيم من النار حتى ~~لم تحرقه، {لآيات لقوم يؤمنون} [العنكبوت: 24] بتوحيد الله وقدرته. # وقال إبراهيم لقومه: {إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم} ~~[العنكبوت: 25] قال الزجاج: ترفع مودة على إضمار هي، كأنه قال: تلك مودة ~~بينكم، أي ألفتكم واجتماعكم على الأصنام مودة بينكم. # {في الحياة الدنيا} [العنكبوت: 25] وقرأ عاصم مودة بالرفع والتنوين، ~~بينكم نصبا، وهذه القراءة كالأولى، إلا أنه لم يضف المودة ونصب بينكم على ~~الظرف. # وقرأ حمزة مودة نصبا من غير تنوين بينكم خفضا جعل ما مع أن كافة، ولم ~~يجعلها بمعنى الذي، ونصب مودة على أنه مفعول له، أي أتخذتم الأوثان للمودة، ~~ثم أضافها إلى بينكم كما أضاف من وقع وقرأ نافع ms1412 وابن عامر مودة بالنصب ~~والتنوين بينكم بالنصب، وهذه القراءة كقراءة حمزة في المعنى، إلا أنه لم ~~يضف المودة. # قال المفسرون: يقول أنكم جعلتم الأوثان تتحابون على عبادتها وتتواصلون ~~عليها في الحياة الدنيا، {ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض} [العنكبوت: 25] ~~يتبرأ القادة من الأتباع {ويلعن بعضكم بعضا} [العنكبوت: 25] يلعن الأتباع ~~القادة، لأنهم زينوا لهم الكفر ومأواكم ومصيركم جميعا، {النار وما لكم من ~~ناصرين} [العنكبوت: 25] مانعين منها. # {فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم {26} ووهبنا ~~له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا ~~وإنه في الآخرة لمن الصالحين {27} } [العنكبوت: 26-27] { # PageV03P417 # فآمن له لوط} [العنكبوت: 26] صدق بإبراهيم لوط، وهو ابن أخيه، وقال ~~إبراهيم: {إني مهاجر إلى ربي} [العنكبوت: 26] هاجر من كوثا، وهو سواد ~~العراق، إلى الشام، وهجر قومه المشركين. # والمعنى: إلى حيث أمرني. # {ووهبنا له إسحاق} [العنكبوت: 27] من بعد إسماعيل، ويعقوب من إسحاق، ~~{وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب} [العنكبوت: 27] وذلك أن الله لم يبعث ~~نبيا من بعد إبراهيم إلا من صلبه، {وآتيناه أجره في الدنيا} [العنكبوت: 27] ~~يعني الثناء الحسن، فكل أهل الأديان يحبونه ويتولونه، وقال السدي: هو أنه ~~أري مكانه في الجنة، ثم أعلم أن له مع ما أعطي في الدنيا الدرجات العلى ~~بقوله: {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} [العنكبوت: 27] قال ابن عباس: مثل ~~آدم ونوح، أي أنه في درجتهما. # وقد قال الله: {ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات ~~العلى} [طه: 75] . # {ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من ~~العالمين {28} أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر ~~فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين {29} ~~قال رب انصرني على القوم المفسدين {30} } [العنكبوت: 28-30] وما بعد هذا ~~مفسر إلى قوله: وتقطعون السبيل وذلك أنهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن يمر بهم ~~من المسافرين، فلما فعلوا ذلك ترك الناس الممر بهم. # قال الفراء: كانوا يعترضون الناس من الطرق لعملهم الخبيث. # {وتأتون في ناديكم ms1413 المنكر} [العنكبوت: 29] النادي والندي والمنتدى: مجلس ~~القوم ومتحدثهم، قال ابن عباس، ومجاهد: هو إتيانهم الرجال، واستمكنت تلك ~~الفاحشة فيهم حتى فعل بعضهم ببعض في المجالس. # وقال القاسم بن محمد: هو أنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم. ### | 710 - # أخبرنا الحسن بن أحمد بن عبيد الله بن حمشاذ العدل، أنا حمد بن الفضل بن ~~محمد السلمي، أنا جدي، نا بشر بن معاذ، نا يزيد بن زريع، نا زريع، نا حاتم ~~بن أبي صغيرة، عن سماك بن حرب، عن أبي صالح، عن أم هانئ بنت أبي طالب، ~~قالت: سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن قوله: {وتأتون في ناديكم ~~المنكر} ، قلت: ما المنكر الذي كانوا يأتون؟ قال: كانوا يخذفون أهل الطريق ~~ويسخرون منهم، رواه الحاكم أبو عبد الله في (صحيحه) ، عن أبي بكر بن إسحاق، ~~عن موسى بن إسحاق، عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن حاتم # قال الزجاج: وفي هذا إعلام أنه لا ينبغي أن يتعاشر الناس على المناكير، ~~وأن لا يجتمعوا على الهزء والمناهي، ولما أنكر لوط على قومه ما كانوا ~~يأتونه من القبائح قالوا له استهزاء: {ائتنا بعذاب الله إن كنت من ~~الصادقين} [العنكبوت: 29] أن العذاب نازل بنا. # وعند # PageV03P418 # ذلك قال لوط: رب انصرني أي: بتحقيق قولي في العذاب، {على القوم المفسدين} ~~[العنكبوت: 30] العاصين بإتيان الرجال، فاستجاب الله دعاءه، فبعث جبريل ~~ومعه الملائكة لتعذيب قومه، وهو قوله: {ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ~~قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين {31} قال إن فيها ~~لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ~~{32} ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا ~~تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين {33} إنا منزلون على أهل ~~هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون {34} ولقد تركنا منها آية بينة ~~لقوم يعقلون {35} وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا ~~اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين {36} فكذبوه ms1414 فأخذتهم الرجفة فأصبحوا ~~في دارهم جاثمين {37} } [العنكبوت: 31-37] {ولما جاءت رسلنا إبراهيم ~~بالبشرى} [العنكبوت: 31] أي: بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، {قالوا إنا ~~مهلكو أهل هذه القرية} [العنكبوت: 31] يعنون: قرية لوط، {إن أهلها كانوا ~~ظالمين} [العنكبوت: 31] يعني مشركين، وما بعد هذا مفسر في { [هود إلى ~~قوله:] إنا منجوك وأهلك} [سورة العنكبوت: 33] يعني بناته، قال المبرد: ~~الكاف في منجوك مخفوضة، ولم يجز عطف الظاهر على الضمير المخفوض، فحمل ~~الثاني على المعنى، وصار التقدير وننجي أهلك، ومنجون أهلك. # قوله: {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء} [العنكبوت: 34] ~~قال مقاتل: يعني الخسف والحصب. # {بما كانوا يفسقون} [العنكبوت: 34] جزاء لفسقهم. # {ولقد تركنا منها آية بينة} [العنكبوت: 35] يعني: آثار منازلهم الخربة، ~~وقال قتادة: هي الحجارة التي أبقاها الله فأدركها أوائل هذه الأمة. # وقال مجاهد: هي الماء الأسود على وجه الأرض. # وما بعد هذا مفسر إلى قوله: {وارجوا اليوم الآخر} [العنكبوت: 36] قال ~~مقاتل: واخشوا البعث الذي فيه جزاء الأعمال. # وقوله: {وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم ~~فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين {38} وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم ~~موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين {39} فكلا أخذنا بذنبه ~~فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ~~ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون {40} } ~~[العنكبوت: 38-40] { # PageV03P419 # وعادا وثمود} [العنكبوت: 38] قال مقاتل، والزجاج: وأهلكنا عادا وثمود. # {وقد تبين لكم من مساكنهم} [العنكبوت: 38] ظهر لكم يا أهل مكة من منازلهم ~~بالحجر والحجاز واليمن آية في هلاكهم، وقوله: {وكانوا مستبصرين} [العنكبوت: ~~38] يقال: استبصر في أمره إذا كان ذا بصيرة. # قال قتادة، والكلبي: إنهم كانوا مستبصرين في دينهم وضلالتهم، معجبين بما ~~يحسبون أنهم على هدى، ويرون أن أمرهم حق. # والمعنى أنهم كانوا عند أنفسهم مستبصرين فيما كانوا عليه من الضلالة. # قوله: {فكلا أخذنا بذنبه} [العنكبوت: 40] أي: عاقبنا بتكذيبه الرسل، ~~{فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا} [العنكبوت: 40] يعني: قوم لوط، {ومنهم من ~~أخذته الصيحة} [العنكبوت: 40] يعني ثمودا، {ومنهم من خسفنا ms1415 به الأرض} ~~[العنكبوت: 40] يعني: قارون وأصحابه، {ومنهم من أغرقنا} [العنكبوت: 40] ~~يعني: قوم نوح وفرعون، {وما كان الله ليظلمهم} [العنكبوت: 40] ليعذبهم على ~~غير ذنب. # ثم ضرب لهم مثلا، فقال: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل ~~العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون {41} ~~إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم {42} وتلك الأمثال ~~نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون {43} } [العنكبوت: 41-43] {مثل الذين ~~اتخذوا من دون الله أولياء} [العنكبوت: 41] يعني: الأصنام يتخذونها أولياء، ~~يرجون ضرها ونفعها، {كمثل العنكبوت اتخذت بيتا} [العنكبوت: 41] وبيتها لا ~~يغني عنها في حر ولا قر ولا مطر، كذلك آلهتهم لا ترزقهم شيئا، ولا تملك لهم ~~ضرا ولا نفعا، {وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} [العنكبوت: 41] لا بيت أضعف ~~منه فيما يتخذه الهوام، {لو كانوا يعلمون} [العنكبوت: 41] أن اتخاذهم ~~الأولياء كاتخاذ العنكبوت بيتا. # {إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء} [العنكبوت: 42] أي: إنه عالم بما ~~عبدتموه من دونه، لا يخفى على الله ذلك، فهو يجازيكم على كفركم. # {وهو العزيز الحكيم {42} وتلك الأمثال} [العنكبوت: 42-43] يعني: أمثال ~~القرآن، وهي التي شبه بها أحوال كفار هذه الأمة بأحوال كفار الأمم ~~المتقدمة. # نضربها للناس قال مقاتل: نبينها لكفار مكة. # {وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت: 43] وما يعقل الأمثال إلا العلماء ~~الذين يعقلون عن الله. ### | 711 - # حدثنا الأستاذ إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي، أنا محمد بن يعقوب الحافظ، ~~أنا أحمد بن إبراهيم القطان، نا الحارث، نا داود بن المحبر، نا عباد، عن ~~ابن جريج، عن عطاء، وأبي الزبير، عن جابر، أن النبي، صلى الله عليه وسلم: " ~~تلا هذه الآية {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} قال: ~~العالم: الذي عقل عن الله، فعمل بطاعته، واجتنب سخطه " # PageV03P420 # {خلق الله السموات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين {44} اتل ما ~~أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر ~~الله أكبر والله يعلم ما تصنعون {45} } [العنكبوت: 44-45] {خلق الله ~~السموات والأرض بالحق} [العنكبوت: 44] أي: للحق ms1416 وإظهار الحق، {إن في ذلك} ~~[العنكبوت: 44] في خلقها، {لآية للمؤمنين} [العنكبوت: 44] لدلالة على قدرة ~~الله وتوحيده. # {اتل ما أوحي إليك من الكتاب} [العنكبوت: 45] يعني القرآن، {وأقم الصلاة ~~إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت: 45] الفحشاء ما قبح من ~~العمل، والمنكر لا يعرف في شريعة ولا سنة، قال ابن عباس: في الصلاة منتهى ~~ومزدجر عن معاصي الله، فمن لم تنهه صلاته عن المعاصي لم يزدد إلا بعدا. # وهذا قول الحسن، وقتادة، قالا: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليس ~~صلاته بصلاة، وهي وبال عليه. ### | 712 - # أخبرنا أبو نصر الجوزقي، أنا بشر بن أحمد بن عيسى بن السكين، نا هاشم بن ~~القاسم الحراني، نا عثمان بن عبد الرحمن، نا عمر بن شاكر، عن أنس، قال: قال ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم ~~يزدد من الله إلا بعدا» ### | 713 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا عبد الله بن محمد بن حبان، نا عبد الرحمن بن ~~محمد الرازي، نا سهل بن عثمان، نا أبو مالك، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن ~~مسعود، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا صلاة لمن لم يطع ~~الصلاة، وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر» # ومعنى هذا أن الله تعالى أخبر أن الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر، فمن ~~أقامها ثم لم ينته عن المعاصي لم تكن صلاته بالصفة التي وصفها الله، فإذا ~~لم تكن بتلك الصفة لم تكن صلاة، فإن تاب يوما وترك معاصيه تبينا أن ذلك من ~~نهي الصلاة، وأن صلاته كانت نافعة له ناهية وإن لم ينته إلا بعد زمان. # وقوله: {ولذكر الله أكبر} [العنكبوت: 45] يعني: مما سواه، وأفضل من كل ~~شيء، قال قتادة: ليس أفضل من ذكر الله، والمعنى أن العبد إذا كان ذاكرا ~~الله لم يجر عليه القلم بمعصية، لأنه إذا ذكر الله ارتدع عما يهم به من ~~السوء، ولهذا قال الفراء، وابن قتيبة: ولذكر الله هو التسبيح والتهليل: ~~يقول: هو أكبر وأحرى بأن ينهى عن ms1417 الفحشاء والمنكر. # أي: من كان ذاكرا لله فيجب أن ينهاه عن الفحشاء والمنكر. # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، نا محمد بن يعقوب، نا محمد بن إسحاق ~~الضغاني، نا حسن بن موسى الأشيب، نا حماد، عن ثابت البناني، أن رجلا أعتق ~~أربع رقاب، فقال آخره: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ~~ثم دخل المسجد فأتى حبيب بن أوفى # PageV03P421 # المسلمي، فقال: ما تقول في رجل أعتق أربع رقاب وأني أقول سبحان الله ~~والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنها أفضل. # فنظروا فنيهة، فقالوا: ما نعلم شيئا أفضل من ذكر الله، وفي الآية قول ~~آخر: وهو أن المعنى ولذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه. # قال مقاتل: إذا صليت لله فقد ذكرته فيذكرك الله بخير، وذكر الله إياك ~~أفضل من ذكرك إياه. # أخبرنا أبو نعيم المهرجاني، أنا بشر بن أحمد بن بشر، أنا أحمد بن الحسن ~~بن عبد الجبار، نا علي بن الجعد، نا فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن ~~أبي، في قوله: {ولذكر الله أكبر} [العنكبوت: 45] قال: أكبر من ذكر العبد ~~لله. ### | 714 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ~~نا أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد الرازي، نا سهل بن عثمان، نا أبو الأحوص، ~~عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن ربيعة، قال: قال ابن عباس: أرأيت قول ~~الله، عز وجل: {ولذكر الله أكبر} ، قال: قلت: ذكر الله بالقرآن حسن، وذكره ~~بالصلاة حسن، وبالتسبيح والتكبير حسن، وأفضل من ذلك أن يذكر الرجل ربه عند ~~المعصية فينحجز عنها، قال ابن عباس: لقد قلت قولا عجبا وما هو كما قلت، ~~ولكن ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه ### | 715 - # أخبرنا محمد بن عبد العزيز المروزي، فيما أجاز لي روايته عنه، أنا محمد ~~بن الحسين الحدادي، أنا محمد بن يحيى، نا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد ~~الأعلى، عن داود بن أبي هند، عن محمد بن أبي موسى: إني كنت قاعدا ms1418 عند ابن ~~عباس فجاء رجل فسأله عن: {ذكر الله أكبر} ؛ فقال: الصلاة والصوم ذلك ذكر ~~الله، فقال الرجل: إني تركت رجلا في رحلي يقول غير هذا، قال: ذكر الله ~~العباد أكبر من ذكر العباد إياه، فقال ابن عباس: صدق والله صاحبك # وقوله: {والله يعلم ما تصنعون} [العنكبوت: 45] قال عطاء: يريد لا يخفى ~~على الله شيء. # قوله: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ~~وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له ~~مسلمون} [العنكبوت: 46] {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} ~~[العنكبوت: 46] أي: بالقراءة والدعاء إلى الله بآياته، والتنبيه على حججه، ~~{إلا الذين ظلموا منهم} [العنكبوت: 46] إلا من أبى أن يقر بالجزية ونصب ~~الحرب، فجادلوا هؤلاء بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية، وقولوا لمن قبل ~~الجزية منهم إذا أخبروكم بشيء مما في كتبهم: {آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل ~~إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} [العنكبوت: 46] . # {وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من ~~يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون {47} وما كنت تتلو من قبله من كتاب ~~ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب # PageV03P422 # المبطلون {48} بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد ~~بآياتنا إلا الظالمون {49} } [العنكبوت: 47-49] {وكذلك أنزلنا إليك الكتاب} ~~[العنكبوت: 47] وكما أنزلنا عليهم الكتاب أنزلنا إليك الكتاب، {فالذين ~~آتيناهم الكتاب يؤمنون به} [العنكبوت: 47] يعني: مؤمني أهل الكتاب، ومن ~~هؤلاء يعني: كفار مكة، {من يؤمن به} [العنكبوت: 47] يعني: من أسلم منهم، ~~{وما يجحد بآياتنا} [العنكبوت: 47] أي: بعد المعرفة، إلا الكافرون من ~~اليهود، وذلك أنهم عرفوا أن محمدا نبي، والقرآن حق، فجحدوا وتنكروا. # {وما كنت تتلو من قبله من كتاب} [العنكبوت: 48] وما كنت تقرأ قبل القرآن ~~كتابا، أي: ما كنت قارئا، ولا كاتبا قبل الوحي، وهو قوله: {ولا تخطه ~~بيمينك} [العنكبوت: 48] وكذا كان صفته في التوراة والإنجيل: أمي لا يقرأ ~~ولا يكتب، وقوله: {إذا لارتاب المبطلون} [العنكبوت: 48] ولو كنت قارئا ~~كاتبا لشك اليهود فيك، وقالوا ms1419: إن الذي نجده في التوراة أمي لا يقرأ الكتاب ~~وما كانوا يرتابون في نبوة محمد لما يجدونه من نعته، ولكنهم جحدوا نبوته ~~بعد اليقين، فلو كان كاتبا قارئا لكان بغير النعت الذي عرفوه، فكانوا ~~يشكون، والمبطل الذي يأتي بالباطل، وكل من ادعى دينا الإسلام فهو مبطل. # قوله: {بل هو آيات بينات} [العنكبوت: 49] قال الحسن: القرآن آيات بينات. # {في صدور الذين أوتوا العلم} [العنكبوت: 49] يعني: المؤمنين الذين حملوا ~~القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملوه بعده. # وقال قتادة، ومقاتل: بل يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، وهو آيات بينات، ~~أي: ذو آيات بينات في صدور أهل العلم من أهل الكتاب، لأنهم يجدونه بنعته ~~وصفته. # {وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون} [العنكبوت: 49] يعني: كفار اليهود. # {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا ~~نذير مبين {50} أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك ~~لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون {51} قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في ~~السموات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون {52} ~~} [العنكبوت: 50-52] وقالوا يعني: كفار مكة، لولا أنزل عليه آية من ربه هلا ~~أنزل على محمد آية من ربه كما كانت الأنبياء يجيء بها إلى قومهم، وقرئ آيات ~~على الجمع، وقد تقع آية على الكثرة، وإن كانت على لفظ الواحد فالقراءتان ~~معناهما واحد. # {قل إنما الآيات عند الله} [العنكبوت: 50] هو القادر على إرسالها، إذا ~~شاء أرسلها، {وإنما أنا نذير مبين} [العنكبوت: 50] أنذر أهل المعصية ~~بالنار، وليس إنزال الآيات بيدي. # ولما سألوا الآيات قال الله تعالى: {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب} ~~[العنكبوت: 51] أو لم يكفهم من الآيات القرآن، يتلى عليهم فيه خبر ما بعدهم ~~وما قبلهم، {إن في ذلك} [العنكبوت: 51] في إنزال الكتاب عليك، لرحمة لمن ~~آمن وعمل به، وذكرى وتذكير أو موعظة، لقوم يؤمنون. # قال مقاتل: فكذبوا بالقرآن، فنزل {قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا} ~~[العنكبوت: 52] أي: بالله شاهدا بينا أني رسوله، وكفى هو شاهدا ms1420، {يعلم ما ~~في السموات والأرض} [العنكبوت: 52] وشهادة الله له إثبات المعجزة له بإنزال ~~الكتاب عليه، {والذين آمنوا بالباطل} [العنكبوت: 52] قال ابن عباس: بغير ~~الله. # وقال مقاتل: بعبادة الشيطان. # {وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون} [العنكبوت: 52] بالعقوبة وفوت المثوبة. # PageV03P423 # {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا ~~نذير مبين {50} أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك ~~لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون {51} قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في ~~السموات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون {52} ~~} [العنكبوت: 50-52] {ويستعجلونك بالعذاب} [العنكبوت: 53] استهزاء وتكذيبا ~~منهم بذلك، {ولولا أجل مسمى} [العنكبوت: 53] لعذابهم، وهو يوم القيامة، ~~وقال الضحاك: يعني مدة أعمارهم، لأنهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب. # {لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون} [العنكبوت: 53] بإتيانه. # ثم ذكر أن موعد عذابهم النار، فقال: {يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة ~~بالكافرين} [العنكبوت: 54] جامعة لهم، يوم يغشاهم يعلوهم، {العذاب من فوقهم ~~ومن تحت أرجلهم} [العنكبوت: 55] كقوله: {لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش} ~~[الأعراف: 41] . # ويقول بالياء يعني: الموكل بعذابهم، يقول لهم: ذوقوا ومن قرأ بالنون، ~~فلأن ذلك لما كان بأمره سبحانه جاز أن ينصب، ومعنى {ما كنتم تعملون} ~~[العنكبوت: 55] أي: جزاء ما كنتم تعملون من الكفر والتكذيب. # قوله: {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون {56} كل نفس ~~ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون {57} والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم ~~من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين {58} ~~الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون {59} وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله ~~يرزقها وإياكم وهو السميع العليم {60} } [العنكبوت: 56-60] {يا عبادي الذين ~~آمنوا إن أرضي واسعة} [العنكبوت: 56] قال مقاتل: نزلت في ضعفاء المسلمين ~~بمكة، يقول: إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان، فاخرجوا منها. # قال الزجاج: أمروا بالهجرة من الموضع الذي لا يمكنهم فيه عبادة الله، ~~وكذلك يجب على من كان في بلدة يعمل فيها بالمعاصي، ولا يمكنه تغيير ذلك أن ~~يهاجر إلى حيث يتهيأ ms1421 له أن يعبد الله حق عبادته. # ثم خوفهم بالموت لتهون عليهم الهجرة، فقال: {كل نفس ذائقة الموت} ~~[العنكبوت: 57] أي: كل أحد ميت أينما كان فلا تقيموا بدار الشرك خوفا من ~~الموت، {ثم إلينا ترجعون} [العنكبوت: 57] بعد الموت، فنجزيكم بأعمالكم. # ثم ذكر ثواب من هاجر، فقال: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} [العنكبوت: ~~58] يعني المهاجرين، {لنبوئنهم من الجنة غرفا} [العنكبوت: 58] قال ابن ~~عباس: لنسكنهم غرف الدر والزبرجد والياقوت، ولننزلنهم قصور الجنة. # وقرأ حمزة لنثوينهم، قال الزجاج: يقال: ثوى الرجل إذا أقام، وأثويته إذا ~~أنزلته منزلا يقيم فيه، قال الأخفش: ولا تعجبني هذه القراءة لأنك لا تقول ~~أثويته الدار بل تقول في الدار وليس في الآية حرف جر في، المفعول الثاني، ~~وقال أبو علي الفارسي: هو على إرادة حرف الجر، ثم حذف كما يقال: أمرتك ~~الخير، أي بالخير، ثم وصف تلك الغرف، فقال: {تجري من تحتها الأنهار خالدين ~~فيها} [العنكبوت: 58] لا يموتون، {ونعم أجر العاملين} [آل عمران: 136] لله ~~غرف. # ثم وصفهم، فقال: الذين صبروا على دينهم فلم يتركوه لشدة لحقتهم، {وعلى # PageV03P424 # ربهم يتوكلون} [العنكبوت: 59] قال ابن عباس: وذلك أن المهاجرين توكلوا ~~على الله وتركوا دورهم وأموالهم. # وقال مقاتل: إن أحدهم كان يقول بمكة كيف أهاجر إلى المدينة، وليس لي بها ~~مال ولا معيشة، فقال الله: {وكأين من دابة} [العنكبوت: 60] وهي كل حيوان ~~يدب على الأرض مما يعقل ولا يعقل، والمعنى: من نفس دابة. # {لا تحمل رزقها} [العنكبوت: 60] لا ترجع رزقها معها، ولا تدخر شيئا لغد، ~~{الله يرزقها} [العنكبوت: 60] حيث ما توجهت، وإياكم يرزق إن خرجتم إلى ~~المدينة ولم يكن لكم زاد ولا نفقة، قال سفيان: وليس شيء مما خلق الله يخبئ ~~ويدخر إلا الإنسان والفأرة والنملة. # وقوله: وهو السميع أي: لقولكم إنا لا نجد ما ننفق بالمدينة. # العليم بما في قلوبكم. ### | 716 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو محمد بن حيان، أنا أحمد بن جعفر الجمال، ~~نا عبد الواحد بن محمد البجلي، نا يزيد بن هارون، قال: حدثنا حجاج بن ~~منهال، عن الزهري، وهو عبد ms1422 الرحمن بن عطاء، عن عطاء، عن ابن عمر، قال: خرجت ~~مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى دخل بعض حيطان الأنصار فجعل يلتقط ~~من الثمر ويأكل، فقال: يابن عمر، ما لك لا تأكل؟ فقلت: لا أشتهيه يا رسول ~~الله، قال: ولكني أشتهيه وهذه صبح رابعة مذ لم أذق طعاما، ولو شئت لدعوت ~~ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر، فكيف بك، يابن عمر، إذا بقيت في قوم ~~يخبئون رزق سنتهم ويضعف اليقين؟ فوالله ما برحنا حتى نزلت: {وكأين من دابة ~~لا تحمل رزقها} الآية # {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى ~~يؤفكون {61} الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء ~~عليم {62} ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ~~ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون {63} } [العنكبوت: 61-63] ~~قوله: ولئن سألتهم يعني: كفار مكة، {من خلق السموات والأرض وسخر الشمس ~~والقمر ليقولن الله} [العنكبوت: 61] أي: الله خلقها، يقررن بأنه خالق ~~السموات والأرض، {قل الحمد لله} [العنكبوت: 63] أي: احمد الله على إقرارهم، ~~لأن ذلك يلزمهم الحجة، ويوجب عليهم التوحيد. # ثم قال: {بل أكثرهم لا يعقلون} [العنكبوت: 63] توحيد ربهم مع إقرارهم ~~بأنه خلق الأشياء، وأنزل المطر، والمراد بالأكثر الجميع. # {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو ~~كانوا يعلمون {64} فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما ~~نجاهم إلى البر إذا هم يشركون {65} ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف ~~يعلمون {66} } [العنكبوت: 64-66] قوله: {وما هذه الحياة الدنيا} [العنكبوت: ~~64] يعني: الحياة في هذه الدار، {إلا لهو ولعب} [العنكبوت: 64] باطل وغرور ~~وعبث، تنقضي عن قريب، {وإن الدار الآخرة} [العنكبوت: 64] يعني الجنة {لهي ~~الحيوان} [العنكبوت: 64] قال أبو عبيدة، وابن قتيبة: الحيوان الحياة. # وهو قول # PageV03P425 # المفسرين: ذهبوا إلى أن معنى الحيوان ههنا الحياة، وأنه مصدر بمنزلة ~~الحياة، ويكون كالثوران والغليان، ويكون التقدير وإن الدار الآخرة لهي دار ~~الحيوان، أو ذات الحيوان، والمعنى: إن حياة الدار ms1423 الآخرة هي الحياة، لأنه ~~لا تنغيص فيها ولا نفاد لها، ولا يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار، وهذا ~~معنى قول جماعة المفسرين. # وقوله: {لو كانوا يعلمون} [العنكبوت: 64] يعني: لو علموا لرغبوا في ~~الباقي الدائم عن الفاني الزائل، ولكنهم لا يعلمون. # قوله: {فإذا ركبوا في الفلك} [العنكبوت: 65] يعني المشركين، {دعوا الله ~~مخلصين له الدين} [العنكبوت: 65] أفردوا الله بالطاعة، وتركوا شركاءهم فلا ~~يدعونهم لأنجائهم، فلما نجاهم الله من أهوال البحر وأفضوا، {إلى البر إذا ~~هم يشركون} [العنكبوت: 65] به، وهذا إخبار عن عنادهم، وأنهم عند الشدائد ~~يعلمون أن القادر على كشفها الله وحده، فإذا زالت عادوا إلى كفرهم. # قال عكرمة: كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام، فإذا ~~اشتدت بهم الريح ألقوا تلك الأصنام في البحر، وصاحوا: يا خذاي. # قوله: {ليكفروا بما آتيناهم} [العنكبوت: 66] هذه لام الأمر، ومعناه ~~التهديد والوعيد، كقوله: {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40] ، {واستفزز من استطعت ~~منهم} [الإسراء: 64] والمعنى: ليجحدوا نعمة الله، وليتمتعوا بباقي عمرهم، ~~فسوف يعلمون عاقبة كفرهم، ومن كسر اللام في وليتمتعوا جعل اللام في ليكفروا ~~لام كي، والمعنى: إذا هم يشركون ليكفروا، والمعنى: لا فائدة لهم في الإشراك ~~إلا الكفر والتمتع بما تستمتعون به في العاجلة من غير نصيب لهم في الآخرة. # {أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون ~~وبنعمة الله يكفرون {67} ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق ~~لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين {68} والذين جاهدوا فينا لنهدينهم ~~سبلنا وإن الله لمع المحسنين {69} } [العنكبوت: 67-69] أولم يروا يعني: ~~كفار مكة، {أنا جعلنا حرما آمنا} [العنكبوت: 67] يعني مكة، وذكرنا تفسير ~~هذه الآية في { [القصص،] ويتخطف الناس من حولهم} [سورة العنكبوت: 67] يعني: ~~العرب يسبي بعضهم بعضا، وأهل مكة آمنون، أفبالباطل يؤمنون يعني الشيطان، ~~وبنعمة الله بمحمد والإسلام، يكفرون. # ثم ذكر أنهم أظلم الخلق، فقال: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا} ~~[العنكبوت: 68] لا أحد أظلم ممن زعم أن لله شريكا، وأنه أمر بالفواحش، {أو ~~كذب بالحق لما جاءه ms1424} [العنكبوت: 68] بمحمد والقرآن، {أليس في جهنم مثوى ~~للكافرين} [العنكبوت: 68] أما لهذا الكافر المكذب مأوى في جهنم؟ وهو ~~استفهام معناه التقرير. # قوله: {والذين جاهدوا فينا} [العنكبوت: 69] قال ابن عباس: يريد المهاجرين ~~والأنصار. # وقال ابن زيد: والذين جاهدوا هؤلاء المشركين وقاتلوهم في نصرة ديننا، ~~لنهدينهم سبلنا لنوفقنهم لإصابة الطرق المستقيمة، والأولى أن يكون معنى ~~الهداية ههنا الزيادة منها والتثبيت عليها، قال الزجاج: أعلم الله أنه يزيد ~~المجاهدين هداية، كما أنه يزيد الكافرين بكفرهم ضلالة، كما قال: {والذين ~~اهتدوا زادهم هدى} [محمد: 17] . # {وإن الله لمع المحسنين} [العنكبوت: 69] بالنصرة والعون، قال عطاء، عن ~~ابن عباس: يريد بالمحسنين الموحدين. # PageV03P426 ### | سورة الروم # مكية وآياتها ستون. ### | 717 - # أخبرنا سعيد بن محمد الحيري، أنا محمد بن مطر، نا إبراهيم بن شريك، نا ~~أحمد بن يونس، نا المدائني، نا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ~~أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من ~~قرأ سورة الروم كان له من الأجر عشر حسنات، بعدد كل ملك يسبح الله بين ~~السماء والأرض، وأدرك ما ضيع يومه وليلته» # {الم {1} غلبت الروم {2} في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون {3} في ~~بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون {4} بنصر الله ~~ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم {5} وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر ~~الناس لا يعلمون {6} يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم ~~غافلون {7} } [الروم: 1-7] بسم الله الرحمن الرحيم الم ذكرنا تفسيره. # غلبت الروم قال أهل التفسير: غلبت فارس الروم، ففرح بذلك كفار مكة، ~~وقالوا: الذين ليس لهم كتاب غلبوا الذين لهم كتاب، وافتخروا على المسلمين، ~~وقالوا: نحن أيضا نغلبكم كما غلبت فارس الروم. # وقوله: {في أدنى الأرض} [الروم: 3] يريد الجزيرة، وهي أقرب أرض الروم إلى ~~فارس، وقال عكرمة: يعني أذرعات وكسكر، وهما من بلاد الشام، يعني الروم. # {من بعد غلبهم} [الروم: 3] من بعد غلبة فارس إياهم، والغلب والغلبة ~~لغتان، سيغلبون فارس. # {في بضع سنين ms1425} [الروم: 4] وهو ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقد مر، أخبر ~~الله أن الروم بعد ما غلبوا سيغلبون، ثم التقى الروم وفارس في السنة ~~السابعة من غلبة فارس إياهم، فغلبتهم الروم، فجاء جبريل عليه السلام بهزيمة ~~فارس وظهور الروم عليهم، ووافق ذلك يوم بدر. # {لله الأمر من قبل ومن بعد} [الروم: 4] أي: من قبل أن غلبت الروم ومن بعد ~~ما # PageV03P427 # غلبت، يعني أن غلبة أحد الفريقين الآخر أيهما كان الغالب أو المغلوب فإن ~~ذلك كان بأمر الله وإرادته، وقضائه وقدرته، ويومئذ يعني: يوم تغلب الروم ~~فارس، {يفرح المؤمنون {4} بنصر الله} [الروم: 4-5] الروم على فارس، قال ~~السدي: فرح النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بظهورهم على المشركين يوم ~~بدر، وظهور أهل الكتاب على أهل الشرك بنصر الله. # {ينصر من يشاء وهو العزيز} [الروم: 5] الغالب، الرحيم بالمؤمنين، قال ~~الزجاج: وهذه من الآيات التي تدل على أن القرآن من عند الله، لأنه أنبأ بما ~~سيكون، وهذا لا يعلمه إلا الله عز وجل. ### | 718 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم المهرجاني، أنا عبيد الله بن محمد بن عمر ~~الزاهد، أنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، نا محمد بن سليمان بن ~~لوين، نا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة بن الزبير، عن دينار ~~بن مكرم، وكانت له صحبة، قال: لما نزلت: الم غلبت الروم خرج بها أبو بكر ~~إلى المشركين، فقالوا: هذا كلام صاحبك، قال: الله أنزل هذا وكانت فارس قد ~~غلبت الروم، فاتخذوهم شبه العبيد وكان المشركون يحبون أن لا تغلب الروم ~~فارس؛ لأنهم أهل جحد وتكذيب بالبعث، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على ~~فارس؛ لأنهم أهل كتاب وتصديق بالبعث، فقالوا لأبي بكر: نراهنك على أن الروم ~~لا تغلب فارس، قال أبو بكر: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، قالوا: الوسط ~~في ذلك ستة لا أقل ولا أكثر، قال: فوضعوا الرهان، وذلك قبل أن يحرم الرهان، ~~فرجع أبو بكر، رضي الله عنه، إلى أصحابه فأخبرهم الخبر، فقالوا: بئس ما ms1426 ~~صنعت، ألا أقررتها كما قال الله: لو شاء الله أن يقول ستا لقال، فلما كانت ~~سنة ست لم تظهر الروم على فارس فأخذوا الرهان، فلما كان سنة سبع ظهرت الروم ~~على فارس فذلك قوله تعالى: {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله} # قوله: وعد الله أي: وعد الله ذلك وعدا، {لا يخلف الله وعده} [الروم: 6] ~~في ظهور الروم على فارس، {ولكن أكثر الناس} [الروم: 6] يعني: كفار مكة، لا ~~يعلمون أن الله لا يخلف وعده في إظهار الروم على فارس. # ثم وصف كفار مكة، فقال: {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا} [الروم: 7] ~~يعني: معايشهم وما يصلحهم، وقال الحسن: يعلمون متى زرعهم، ومتى حصادهم. # وروي عنه أنه قال: بلغ والله من علم أحدهم بالدنيا أنه ينقد الدرهم بيده، ~~فيخبرك بوزنه، ولا يحسن أن يصلي. # وقال الضحاك: يعلمون بنيات قصورها، وتشقيق أنهارها، وغرس أشجارها. # وقال الزجاج: يعلمون معايش الحياة، لأنهم كانوا يعالجون التجارات، فأعلم ~~الله مقدار ما يعلمون. # {وهم عن الآخرة هم غافلون} [الروم: 7] حين لم يؤمنوا بها، ولم يعدوا لها. # ثم وعظهم ليعتبروا، فقال: {أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات ~~والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم ~~لكافرون {8} أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ~~كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم ~~بالبينات فما # PageV03P428 # كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون {9} ثم كان عاقبة الذين ~~أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون {10} } [الروم: ~~8-10] {أولم يتفكروا في أنفسهم} [الروم: 8] في خلق الله إياهم، ولم يكونوا ~~شيئا، فيعلموا {ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق} [الروم: ~~8] قال الفراء: إلا للخلق، يعني الثواب والعقاب. # وأجل مسمى قال مقاتل: للسموات والأرض أجل تنتهيان إليه، وهو يوم القيامة. # والمعنى: أو لم يتفكروا في خلق الله إياهم ولم يكونوا شيئا، فيعلموا أن ~~خلق السموات والأرض لأمر، وأن لهما أجلا وهو يوم القيامة. # {وإن كثيرا من الناس} [الروم: 8] يعني: كفار مكة ms1427، بلقاء ربهم بالبعث بعد ~~الموت، لكافرون لا يؤمنون بأنه كائن. # ثم خوفهم، فقال: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من ~~قبلهم} [الروم: 9] أولم يسافروا في الأرض فينظروا إلى مصارع الأمم قبلهم، ~~ويعلموا أنهم أهلكوا بتكذيبهم فيعتبروا. # ثم وصف تلك الأمم، فقال: {كانوا أشد منهم قوة} [الروم: 9] أعطوا من القوة ~~ما لم يعطها هؤلاء، وأثاروا الأرض حرثوها وقلبوها للزراعة والغرس، وعمروها ~~أي: كفار مكة، لأنهم كانوا أطول عمرا، وأكثر عددا، {وجاءتهم رسلهم ~~بالبينات} [الروم: 9] بالدلالات والحجج، وأخبروهم بأمر العذاب، {فما كان ~~الله ليظلمهم} [الروم: 9] بتعذيبهم على غير ذنب، {ولكن كانوا أنفسهم ~~يظلمون} [الروم: 9] بالكفر والتكذيب، ودل هذا على أنهم لم يؤمنوا فأهلكهم ~~الله. # ثم أخبر عن عاقبتهم، فقال: {ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى} [الروم: ~~10] في السوأى قولان: أحدهما أنها النار ضد الحسنى وهي الجنة، وهذا قول ~~الفراء، والزجاج، والأكثرين. # قال ابن قتيبة: السوأى جهنم ضد الحسنى وهي الجنة. # وإنما سميت سوءى لأنها يسوء صاحبها، ومعنى أساءوا أشركوا، قاله ابن عباس، ~~ومقاتل. # وفي عاقبة الذين قراءتان: النصب والرفع، فمن نصب جعلها خبر كان ونصبها ~~متقدمة، كما قال: {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} [الروم: 47] وتقدير الكلام ~~ثم وكان السوء عاقبة الذين أساءوا، ويكون أن في قوله: أن كذبوا مفعولا له، ~~أي لأن كذبوا. # قال الزجاج: المعنى: ثم كان عاقبة الكافرين النار لتكذيبهم بآيات الله ~~واستهزائهم. # القول الثاني في السوأى: أنها مصدر بمنزلة الإساءة، ويكون المعنى: ثم كان ~~التكذيب آخر أمرهم، أي ماتوا على ذلك، فكأن الله تعالى جازاهم على إساءتهم ~~أن طبع على قلوبهم حتى ماتوا على التكذيب والشرك عقابا لهم بذنوبهم. # أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الأصفهاني، أنا عبد الله بن محمد بن ~~جعفر الحافظ، نا محمد بن يحيى، نا أحمد بن منصور المروزي، نا # PageV03P429 # محمد بن عبد الله بن بكير، سمعت ابن عيينة يقول في قوله تعالى: {ثم كان ~~عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله} [الروم: 10] إن لهذه ~~الذنوب عواقب سوء، لا يزال ms1428 الرجل يذنب فينكت على قلبه حتى يسوء القلب كله، ~~فيصير كافرا. # {الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون {11} ويوم تقوم الساعة يبلس ~~المجرمون {12} ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين {13} ~~ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون {14} فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم ~~في روضة يحبرون {15} وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك ~~في العذاب محضرون {16} } [الروم: 11-16] قوله: {الله يبدأ الخلق} [الروم: ~~11] أن يخلقها أولا، ثم يعيده ثم يعيدهم بعد الموت أحياء كما كانوا {ثم ~~إليه ترجعون} [الروم: 11] فيجزيهم بأعمالهم، والخلق هم المخلوقون في ~~المعنى، وجاء قوله: ثم يعيده على لفظ الخلق، وقوله: يرجعون على المعنى، ~~ووجه قراءة من قرأ بالتاء أنه صار من الغيبة إلى الخطاب. # قوله: {ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون} [الروم: 12] قال الكلبي: ييأس ~~المشركون من كل خير حين عاينوا العذاب. # وقال الفراء: ينقطع كلامهم وحجتهم. # وذكرنا تفسير الإبلاس عند قوله: {فإذا هم مبلسون} [الأنعام: 44] . # {ولم يكن لهم من شركائهم} [الروم: 13] أوثانهم التي عبدوها ليشفعوا لهم، ~~{شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين} [الروم: 13] يتبرءون منها وتتبرأ منهم. # {ويوم تقوم الساعة} [الروم: 14] تظهر القيامة، {يومئذ يتفرقون} [الروم: ~~14] قال مقاتل: يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة والنار، فلا يجتمعون أبدا. # وقال الحسن: لئن كانوا اجتمعوا في الدنيا ليتفرقن يوم القيامة، هؤلاء في ~~أعلى عليين، وهؤلاء في أسفل سافلين. # وهو قوله: {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون} ~~[الروم: 15] ينعمون ويسرون، والحبرة والحبر: السرور، قال ابن عباس، ~~والمفسرون: في رياض الجنة ينعمون. # ثم أخبر عن حال الكافرين بقوله: {وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء ~~الآخرة فأولئك في العذاب محضرون} [الروم: 16] وهي ظاهرة. # ثم ذكر ما يدرك به الجنة، فقال: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون {17} ~~وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون {18} يخرج الحي من الميت ~~ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون {19} } [الروم: ~~17-19] {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} [الروم: 17] قال المفسرون: ~~فصلوا لله، على تأويل فسبحوا لله. # قال ابن عباس: جمعت هذه الآية ms1429 الصلوات الخمس ومواقيتها، حين تمسون المغرب ~~والعشاء، وحين تصبحون الفجر، وعشيا العصر، # PageV03P430 # وحين تظهرون الظهر. # ومعنى تمسون: تدخلون في وقت المساء، ومثله تصبحون، وتظهرون في الوقتين ~~جميعا، واعترض بين ذكر الأوقات قوله: {وله الحمد في السموات والأرض} ~~[الروم: 18] قال ابن عباس: يحمده أهل السموات وأهل الأرض ويصلون له ~~ويسبحون. # {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} [الروم: 19] مفسر فيما تقدم، ~~{ويحيي الأرض بعد موتها} [الروم: 19] يجعلها تنبت، وذلك حياتها بعد أن كانت ~~لا تنبت، وكذلك تخرجون من الأرض يوم القيامة، وقرأ حمزة تخرجون بفتح التاء، ~~أضاف الخروج إليهم، كقوله: {يوم يخرجون من الأجداث} [المعارج: 43] . # {ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون {20} ومن آياته أن ~~خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك ~~لآيات لقوم يتفكرون {21} } [الروم: 20-21] قوله: ومن آياته دلائل قدرته، ~~{أن خلقكم من تراب} [الروم: 20] يعني: آدم أبا البشر، {ثم إذا أنتم بشر} ~~[الروم: 20] من لحم ودم، يعني ذريته، تنتشرون تنبسطون في الأرض. # {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا} [الروم: 21] جعل لكم أزواجا من ~~مثل خلقكم، {لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} [الروم: 21] جعل بين ~~الزوجين المودة والرحمة، فهما يتوادان ويتراحمان، وما من شيء أحب إلى ~~أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما. # {إن في ذلك} [الروم: 21] الذي ذكر من صنعه، {لآيات لقوم يتفكرون} [الروم: ~~21] في عظمة الله وقدرته. # {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات ~~للعالمين {22} ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ~~ذلك لآيات لقوم يسمعون {23} } [الروم: 22-23] {ومن آياته خلق السموات ~~والأرض} [الروم: 22] على عظمتهما وكثافتهما وكثرة أجزائهما، واختلاف ~~ألسنتكم يعني: اختلاف اللغات من العربية والعجمية، وألوانكم لأن الخلق من ~~بين أسود وأبيض وأحمر، وهم ولد رجل واحد وامرأة واحدة، {إن في ذلك لآيات ~~للعالمين} [الروم: 22] للبر والفاجر، والإنس والجن، وقرأ حفص بكسر اللام، ~~قال الفراء: وهو وجه جيد لأنه قد قال: {آيات لقوم يعقلون} [الجاثية ms1430: 5] ، و ~~{لآيات لأولي الألباب} [آل عمران: 190] . # {ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله} [الروم: 23] ~~التقدير: منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار، هذا يعني تصرفكم في طلب ~~المعيشة، {إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} [الروم: 23] سماع اعتبار وتدبر. # {ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض ~~بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون {24} ومن آياته أن تقوم السماء ~~والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون {25} } [الروم: ~~24-25] { # PageV03P431 # ومن آياته يريكم البرق خوفا} [الروم: 24] للمسافر من الصواعق، وطمعا ~~للحاضر المقيم في المطر. # {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره} [الروم: 25] قال ابن مسعود: ~~قامتا بغير عمد. # وقال الفراء: يقول أن تدوما قائمتين بأمره، يدعو إسرافيل من صخرة بيت ~~المقدس حين ينفخ في الصور بأمر الله للبعث بعد الموت. # ثم {إذا أنتم تخرجون} [الروم: 25] من الأرض. # {وله من في السموات والأرض كل له قانتون {26} وهو الذي يبدأ الخلق ثم ~~يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ~~{27} } [الروم: 26-27] {وله من في السموات والأرض} [الروم: 26] عبيدا ~~وملكا، {كل له قانتون} [الروم: 26] قال الكلبي: هذا خاص لمن كان منهم ~~مطيعا. # وقال ابن عباس: كل له مطيعون في الحياة والبقاء، والموت والبعث وإن عصوا ~~في العبادة. # وهذا مفسر في { [البقرة. # قوله:] وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده} [سورة الروم: 27] يخلقهم أولا ثم ~~يخلقهم ثانيا للبعث، {وهو أهون عليه} [الروم: 27] أي: هين عليه الإعادة، ~~وما شيء عليه بعزيز، ويجيء أفعل بمعنى المفاعل، كقول الفرزدق: # إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول # أي: عزيزة طويلة، وهذا قول الحسن، والربيع، وقتادة، والكلبي. # وقال مقاتل: يقول: البعث أيسر عليه عندكم يا معشر الكفار من الخلق الأول. # قال المبرد: وهو أهون عليه عندكم، لأنكم أقررتم بأنه بدأ الخلق، وإعادة ~~الشيء عند المخلوقين أهون من ابتدائه. # واختار الزجاج هذا القول، فقال: إن الله خاطب العباد بما يعقلون، فأعلمهم ~~أنه يجب عندهم أن يكون البعث ms1431 أسهل من الابتداء. # والكناية في قوله: وهو تعود إلى الإعادة، وهو مصدر، فأجري على التذكير ~~ودل عليه الفعل، وهو قوله يعيده والفعل يدل على المصدر. # وقوله: {وله المثل الأعلى في السموات والأرض} [الروم: 27] الصفة العليا، ~~وهي أنه لا إله غيره، وهو العزيز في ملكه، الحكيم في خلقه. # {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما ~~رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم ~~يعقلون {28} بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله ~~وما لهم من ناصرين {29} } [الروم: 28-29] ضرب لكم أيها المشركون، {مثلا من ~~أنفسكم} [الروم: 28] أي: بين لكم شبها لحالكم ذلكم المثل، فقال: {هل لكم من ~~ما ملكت أيمانكم} [الروم: 28] من عبيدكم، {من شركاء في ما رزقناكم} [الروم: ~~28] من المال والعبيد والأهل، أي: هل يشاركونكم في أموالكم. # وهو قوله: {فأنتم فيه سواء} [الروم: 28] أي: أنتم وشركاؤكم من # PageV03P432 # عبيدكم فيما رزقناكم شرع سواء؟ تخافونهم أي: يشاركونكم فيما ترثونه من ~~آبائكم، كخيفتكم أنفسكم كما يخاف الرجل الحر شريكه الحر في المال يكون ~~بينهما أن ينفرد فيه دونه بأمر، فكما يخاف الرجل شريكه في الميراث أن ~~يشاركه، لأنه يحب أن ينفرد به، فهو يخاف شريكه كما أن يرثه عصبته من ذريته، ~~يعني أن هذه الخيفة لا تكون بين المالكين والمملوكين كما بين الأحرار، ~~ومعنى أنفسكم ههنا أمثالكم من الأحرار، كقوله: {ولا تلمزوا أنفسكم} ~~[الحجرات: 11] ، وكقوله: {ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} [النور: 12] ~~أي: بأمثالهم من المؤمنين، قال صاحب النظم: وهذا مثل ضربه الله للذين جعلوا ~~له شركاء، فقال: هل يرضى أحد منكم أن يكون عبده شريكا له في ماله وولده حتى ~~يكون هو ومملوكه سواء يخاف غيره من شريك لو كان له فيه شركه، فإذا لم ترضوا ~~ذلك لأنفسكم فلم عدلتم بي من خلقي من هو مملوك لي فجعلتموهم شركاء لي. # كذلك كما بينا في ضرب المثل من أنفسكم، {نفصل الآيات لقوم يعقلون} ~~[الروم: 28] عن الله. # ثم بين لهم أنهم ms1432 إنما اتبعوا فيما أشركوا به الهوى، فقال: {بل اتبع الذين ~~ظلموا} [الروم: 29] أشركوا بالله، أهواءهم في الشرك، بغير علم يعلمونه ~~جاءهم من الله، {فمن يهدي من أضل الله} [الروم: 29] أي: لا هادي لمن أضله ~~الله، وهذا يدل على أنهم إنما أشركوا بإضلال الله إياهم عن الحق، {وما لهم ~~من ناصرين} [الروم: 29] مانعين من عذاب الله، قاله مقاتل. # ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتوحيده، فقال: {فأقم وجهك للدين حنيفا ~~فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن ~~أكثر الناس لا يعلمون {30} منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا ~~من المشركين {31} من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ~~{32} } [الروم: 30-32] {فأقم وجهك للدين} [الروم: 30] أي: أخلص دينك، وهو ~~قول سعيد بن جبير. # وقال غيره: سدد عملك. # والوجه: ما يتوجه إليه، وعمل الإنسان ودينه ما يتوجه إليه لتسديده ~~وإقامته، حنيفا مائلا إليه مستقيما عليه، لا ترجع عنه إلى غيره، وقوله: ~~{فطرة الله التي فطر الناس عليها} [الروم: 30] فطرة الله: الملة، وهي ~~الإسلام والتوحيد الذي خلق الله عليه المؤمنين، هذا قول المفسرين في فطرة ~~الله. # والمراد بالناس ههنا المؤمنون الذين فطرهم الله على الإسلام، لأن المشرك ~~لم يفطر على الإسلام، ولفظ الناس عام، والمراد به الخصوص وانتصابها ~~بالإغراء، وهو قول الزجاج، قال: فطرة الله منصوب بمعنى اتبع فطرة الله. # {لا تبديل لخلق الله} [الروم: 30] قال مجاهد، وإبراهيم: لا تبديل لدين ~~الله. # وهي نفي معناه النهي، أي: لا تبدلوا دين الله الذي هو التوحيد بالشرك ~~والكفر، {ذلك الدين القيم} [الروم: 30] يعني التوحيد، وهو الدين المستقيم، ~~{ولكن أكثر الناس} [الروم: 30] يعني: كفار مكة، لا يعلمون توحيد الله. # قوله: {منيبين إليه} [الروم: 31] قال الزجاج: زعم جميع النحويين أن معنى ~~هذا فأقيموا وجوهكم منيبين، لأن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم يدخل فيها ~~الأمة، والدليل على ذلك قوله: { # PageV03P433 # يأيها النبي إذا طلقتم النساء} [الطلاق: 1] فقوله تعالى: {فأقم وجهك} ~~[الروم: 30] معناه: فأقيموا وجوهكم، منيبين إليه راجعين إلى كل ms1433 ما أمر به ~~مع التقوى، وأداء الفرض، وهو قوله: {واتقوه وأقيموا الصلاة} [الروم: 31] . # ثم أخبر أنه لا ينفع ذلك إلا بالإخلاص في التوحيد، فقال: {ولا تكونوا من ~~المشركين {31} من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا} [الروم: 31-32] تقدم ~~تفسيره في آخر { [الأنعام،] كل حزب بما لديهم فرحون} [سورة الروم: 32] قال ~~مقاتل: كل أهل ملة بما عندهم من الدين راضون. # {وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا ~~فريق منهم بربهم يشركون {33} ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون {34} ~~أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون {35} وإذا أذقنا ~~الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون {36} ~~أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ~~{37} } [الروم: 33-37] قوله: {وإذا مس الناس} [الروم: 33] يعني: كفار مكة، ~~ضر وقحط وسنة، {دعوا ربهم منيبين إليه} [الروم: 33] أي: لا يلتجئون في ~~شدائدهم إلى أوثانهم التي يعبدونها مع الله، إنما يرجعون في دعائهم إلى ~~الله وحده، {ثم إذا أذاقهم منه رحمة} [الروم: 33] إذا أعطاهم من عنده ~~المطر، {إذا فريق منهم بربهم يشركون} [الروم: 33] تركوا توحيد ربهم في ~~الرخاء وقد وحدوه في الضر. # {ليكفروا بما آتيناهم} [الروم: 34] ذكرنا تفسيره في آخر { [العنكبوت. # ثم خاطب هؤلاء الذين فعلوا هذا خطاب تهديد بقوله:] فتمتعوا فسوف تعلمون} ~~[سورة الروم: 34] حالكم في الآخرة. # {أم أنزلنا عليهم} [الروم: 35] على هؤلاء، سلطانا حجة وكتابا من السماء، ~~{فهو يتكلم بما كانوا به يشركون} [الروم: 35] يقولون من الشرك، يعني يأمرهم ~~به، وهذا استفهام إنكار، أي ليس الأمر على هذا. # ثم ذكر بطرهم عند النعمة، ويأسهم عند الشدة بقوله: {وإذا أذقنا الناس ~~رحمة فرحوا بها} [الروم: 36] يعني: فرح البطر وترك الشكر، {وإن تصبهم سيئة} ~~[الروم: 36] شدة وبلاء، {بما قدمت أيديهم} [الروم: 36] بما عملوا من ~~السيئات، {إذا هم يقنطون} [الروم: 36] قنطوا من رحمة الله، وهذا خلاف وصف ~~المؤمن، فإنه يشكر عند النعمة، ويرجو ربه عند الشدة. # ثم وعظهم، فقال: {أولم يروا ms1434 أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك ~~لآيات لقوم يؤمنون} [الروم: 37] والآية ظاهرة. # {فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله ~~وأولئك هم المفلحون {38} وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو ~~عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون {39} الله ~~الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من ~~شيء سبحانه وتعالى عما يشركون {40} } [الروم: 38-40] قوله: {فآت ذا القربى ~~حقه} [الروم: 38] أي: من الصلة والبر، والمسكين قال مقاتل: حقه أن يتصدق ~~عليه. # وابن السبيل يعني الضيافة، ذلك خير إعطاء الحق خير وأفضل من الإمساك، ~~{للذين يريدون وجه الله} [الروم: 38] يطلبون # PageV03P434 # بما يعلمون ثواب الله، ثم نعتهم بقوله: {أولئك هم المفلحون} [الأعراف: ~~157] . # قوله: {وما آتيتم من ربا} [الروم: 39] قال السدي: الربا في هذا الموضع ~~الهدية يهديها الرجل لأخيه يطلب المكافأة، فإن ذلك لا يراد عند الله، لا ~~يؤجر عليه صاحبه، ولا إثم عليه. # وروى قتادة، عن ابن عباس، قال: هي هبة الرجل، يهب الشيء يريد أن يثاب ~~عليه أفضل منه. # وهذا قول جماعة المفسرين، قال الزجاج: يعني دفع الإنسان الشيء ليعوض ما ~~هو أكثر منه، وذلك ليس بحرام، ولكنه لا ثواب فيه، لأن الذي يهبه يستدعي رد ~~ما هو أكثر منه. # وقرأ ابن كثير أتيتم مقصورا، وهو يئول في المعنى إلى قول من مد، كأنه ~~قيل: وما جئتم من ربا ومجيئهم ذلك على وجه الإعطاء له، كما تقول: أتيت خطأ، ~~وأتيت صوابا، وأتيت قبيحا، إنما هو فعل له وسمي المدفوع على وجه اجتلاب ~~الزيادة ربا لأن غرضه فيه الاستزادة على ما أعطى، فسمي باسم الزيادة. # وقوله: {ليربو في أموال الناس} [الروم: 39] أي: في اجتلاب أموال الناس ~~واجتذابها، وقرأ نافع لتربوا بالتاء وضمها، أي لتصير ذوي زيادة من أموال ~~الناس بما آتيتم، وهو من الربى، أي صار ذا زيادة، {فلا يربو عند الله} ~~[الروم: 39] لأنكم قصدتم إلى زيادة العوض ولم ms1435 تقصدوا البر والقربة. # {وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله} [الروم: 39] وما أعطيتم من صدقة لا ~~تطلبون بها المكافأة، وإنما تقصدون بها ما عند الله، {فأولئك هم المضعفون} ~~[الروم: 39] يضاعف لهم الثواب، يعطون الحسنة عشر أمثالها، والمضعف ذو ~~الأضعاف من الحسنات. # ثم ذكر ما أصاب الناس بترك التوحيد، فقال: {ظهر الفساد في البر والبحر ~~بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون {41} قل سيروا في ~~الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين {42} } ~~[الروم: 41-42] ظهر الفساد يعني: قحط المطر وقلة النبات، في البر حيث لا ~~يجري نهر، وهو البوادي، والبحر وهو كل قرية على ماء، قال ابن عباس: البحر ~~ما كان من المدائن والقرى على شاطئ نهر. # {بما كسبت أيدي الناس} [الروم: 41] من المعاصي، يعني كفار مكة، ليذيقهم ~~الله بالجوع في السنين السبع، {بعض الذي عملوا} [الروم: 41] أي جزاءه، ~~لعلهم يرجعون لكي يرجعوا من الكفر إلى الإيمان، وهذا كقوله: {ولقد أخذنا آل ~~فرعون بالسنين} [الأعراف: 130] الآية. # وليس المراد بالبر والبحر في هذه الآية كل بر وبحر في الدنيا، وإنما ~~المراد به حيث ظهر هناك # PageV03P435 # القحط بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم. # ثم خوفهم، فقال: {قل سيروا في الأرض} [الروم: 42] مسافرين، {فانظروا كيف ~~كان عاقبة الذين من قبل} [الروم: 42] لتروا مساكنهم ومنازلهم خاوية، وقوله: ~~{كان أكثرهم مشركين} [الروم: 42] أي: كانوا مشركين فأهلكوا بكفرهم. # {فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ ~~يصدعون {43} من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون {44} ليجزي ~~الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين {45} } [الروم: ~~43-45] {فأقم وجهك} [الروم: 43] قال الزجاج: أجعل جهتك إتباع الدين القيم، ~~وهو الإسلام المستقيم. # {من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله} [الروم: 43] يعني: يوم القيامة، ~~لا يقدر أحد على رد ذلك اليوم، يومئذ يصدعون يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة ~~والنار. # و {من كفر فعليه كفره} [الروم: 44] جزاء كفره، {ومن عمل صالحا فلأنفسهم ~~يمهدون} [الروم ms1436: 44] يوطئون لأنفسهم منازلهم، يقال: مهدت لنفسي خيرا، أي ~~هيأته ووطأته. # {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله} [الروم: 45] قال ابن عباس: ~~ليثيبهم الله أكثر من ثواب أعمالهم. # {إنه لا يحب الكافرين} [الروم: 45] لا يثيبهم ولا يثني عليهم. # قوله: {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك ~~بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون {46} ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى ~~قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر ~~المؤمنين {47} } [الروم: 46-47] {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات} [الروم: ~~46] تبشر بالمطر، {وليذيقكم من رحمته} [الروم: 46] يعني: الغيث والخصب، ~~ولتجري الفلك في البحر بتلك الرياح، بأمره ولتبتغوا في البحر، من فضله ~~يعني: الرزق بالتجارة وكل هذا بالرياح، ولعلكم تشكرون هذه النعم فتوحدونه. # ثم عزى، فقال: {ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات} ~~[الروم: 47] بالدلالات الواضحات على صدقهم، {فانتقمنا من الذين أجرموا} ~~[الروم: 47] عذبنا الذين كذبوهم وكفروا بآياتنا، {وكان حقا علينا} [الروم: ~~47] واجبا وجوبا، هو أوجبه على نفسه، نصر المؤمنين إنجاؤهم مع الرسل من ~~عذاب الأمم، وفي هذا تبشير للنبي صلى الله عليه وسلم بالظفر في العاقبة ~~والنصر على من كذبه. # ثم أخبر عن صنعه ليعرفوا توحيده، فقال: {الله الذي يرسل الرياح فتثير ~~سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله ~~فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون {48} وإن كانوا من قبل أن ~~ينزل عليهم من قبله # PageV03P436 # لمبلسين {49} فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك ~~لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير {50} ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا ~~من بعده يكفرون {51} } [الروم: 48-51] {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا} ~~[الروم: 48] تزعجه من حيث هو، فيبسطه الله، {في السماء كيف يشاء} [الروم: ~~48] إن شاء بسطه مسيرة يوم أو يومين، ويجعله كسفا بعد أن بسطه يجعله قطعا ~~متفرقة، {فترى الودق يخرج من خلاله} [الروم: 48] مفسر في { [النور،] فإذا ~~أصاب به} [سورة الروم: 48] بالودق، {من يشاء من عباده إذا ms1437 هم يستبشرون} ~~[الروم: 48] يفرحون بنزوله. # وإن كانوا وما كانوا، {من قبل أن ينزل عليهم} [الروم: 49] المطر، من قبله ~~كرره للتأكيد، لمبلسين آيسين قانطين من المطر. # قوله: {فانظر إلى آثار رحمت الله} [الروم: 50] بعد إنزال المطر، انظر إلى ~~حسن تأثيره في الأرض، ويقرأ آثار على الجمع، فمن أفرد فلأنه مضاف إلى مفرد، ~~ومن جمع جاز، لأن رحمة الله يجوز أن يراد بها الكثرة، كما قال: {وإن تعدوا ~~نعمة الله} [النحل: 18] قال مقاتل: أثر رحمة الله هو النبت، وهو أثر المطر، ~~والمطر رحمة الله ونعمته على خلقه. # وقوله: {كيف يحيي الأرض بعد موتها} [الروم: 50] أي: كيف يجعلها تنبت بعد ~~أن لم تكن فيها نبت، إن ذلك الذي فعل ما ترون، وهو الله تعالى، لمحيي ~~الموتى في الآخرة، {وهو على كل شيء قدير} [الروم: 50] البعث والموت. # ثم عاب كافر النعمة والجاهل بأن الله يفعل ما يشاء، فقال: {ولئن أرسلنا ~~ريحا} [الروم: 51] باردة مضرة، والريح إذا أتت بلفظ الإفراد أريد بها ~~العذاب، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند هبوب الريح: ~~«اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» . # قوله: فرأوه يعني: النبت والزرع الذي كان من أثر رحمة الله، مصفرا من ~~البرد بعد الخضرة، لظلوا لصاروا، من بعده اصفرار النبت يجحدون ما سلف من ~~النعمة، يعني أنهم يفرحون عند الخصب، ولو أرسلنا عذابا على زرعهم كفروا ~~نعمي، وليس كذا حال المؤمن، لأنه لا يستشعر الخيبة والكفران عند الشدة ~~والمنة. # {فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين {52} وما أنت ~~بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون {53} } ~~[الروم: 52-53] # PageV03P437 # قوله: {فإنك لا تسمع الموتى} [الروم: 52] هذه الآية والتي بعدها مفسرتان ~~في { [النحل. # ثم أخبر عن خلق أنفسهم ليتفكر المكذب بالبعث في خلق نفسه، فقال:] الله ~~الذي خلقكم من ضعف} [سورة الروم: 54] قال المفسرون: يعني من نطفة. # والمعنى: خلقكم من ذي ضعف، أي من ماء ذي ضعف، كما قال: {ألم نخلقكم من ~~ماء مهين} [المرسلات: 20] ومعنى ضعف ms1438 ذلك الماء أنه قليل، وقرئ بفتح الضاد، ~~قال الفراء: الضم لغة قريش، والفتح لغة تميم، والاختيار الضم لما. ### | 719 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا عبد الله بن محمد الحافظ، قال: أنا أبو يحيى ~~الرازي، قال: أنا سهل بن عثمان، قال: أنا يحيى بن أبي بكير، عن فضيل بن ~~مرزوق، عن عطية، قال: قرأت على عبد الله بن عمر: {الله الذي خلقكم من ضعف ~~ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة} ، فقال ابن عمر: ~~{الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا} ، ~~قرأتها على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما قرأتها فأخذها علي كما ~~أخذتها عليك # وقوله: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ~~ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير} [الروم: 54] {ثم جعل من بعد ~~ضعف} [الروم: 54] يعني: ضعف الطفولة، قوة الشباب، {ثم جعل من بعد قوة ضعفا} ~~[الروم: 54] يعني: عند الكبر والهرم، وشيبة وهو مصدر كالشيب، {يخلق ما ~~يشاء} [الروم: 54] أي: من ضعف وقوه شيبة وشباب، وهو العليم بتدبير خلقه ~~القدير على ما يشاء. # قوله: {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا ~~يؤفكون {55} وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى ~~يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون {56} فيومئذ لا ينفع الذين ~~ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون {57} } [الروم: 55-57] {ويوم تقوم الساعة ~~يقسم المجرمون} [الروم: 55] يحلف المشركون، ما لبثوا في القبور، غير ساعة ~~إلا ساعة واحدة، قال الله تعالى: {كذلك كانوا يؤفكون} [الروم: 55] يقال: ~~أفك فلان إذا صرف عن الصدق والخير. # قال الكلبي: كذبوا في قولهم غير ساعة كما كذبوا في الدنيا. # وقال مقاتل: يقول: هكذا كانوا يكذبون بالبعث كما كذبوا # PageV03P438 # أنهم لم يلبثوا في قبورهم إلا ساعة. # وقال ابن قتيبة: أي كذبوا في هذا الوقت كما كانوا يكذبون من قبل. # والمعنى: أراد الله تعالى أن ms1439 بعضهم خلقوا على شيء يتبين لأهل الجمع من ~~المؤمنين أنهم كاذبون في ذلك، ويستدلون بكذبهم هناك على كذبهم في الدنيا، ~~وكان ذلك من قضاء الله وقدره، بدليل قوله: يؤفكون أي يصرفون، يعني: كما ~~صرفوا عن الصدق في خلقهم حين حلفوا كاذبين صرفوا في الدنيا عن الإيمان. # ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم كذبهم بقوله: {وقال الذين أوتوا العلم ~~والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث} [الروم: 56] أي: لبثتم في ~~القبور فيما كتب الله لكم من اللبث إلى يوم البعث، وقال الزجاج: في علم ~~الله المثبت في اللوح المحفوظ. # والمفسرون حملوا هذا على التقديم على تقدير قال الذين أوتوا العلم في ~~كتاب الله وهم الذين يعلمون كتاب الله، وقرأ قوله: {ومن ورائهم برزخ إلى ~~يوم يبعثون} [المؤمنون: 100] وقوله: {فهذا يوم البعث} [الروم: 56] أي: ~~اليوم الذي كنتم تنكرونه في الدنيا وتكذبون به، {ولكنكم كنتم لا تعلمون} ~~[الروم: 56] وقوعه في الدنيا، فلا ينفعكم العلم به الآن، يدل على هذا ~~المعنى قوله: {فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم} [الروم: 57] قال ابن ~~عباس: لا يقبل من الذين أشركوا عذر، ولا عتاب، ولا توبة ذلك اليوم، وقرئ لا ~~ينفع بالياء، لأن التأنيث ليس بحقيقي في المعذرة، وقد وقع الفصل بين الفاعل ~~وفعله فقوي التذكير، وقوله: {ولا هم يستعتبون} [الروم: 57] لا يطلب منهم ~~العتبى والرجوع في الآخرة. # {ولقد ضربنا للناس في هذا القرءان من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن ~~الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون {58} كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا ~~يعلمون {59} فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون {60} } ~~[الروم: 58-60] {ولقد ضربنا للناس في هذا القرءان من كل مثل} [الروم: 58] ~~احتجاجا عليهم وتنبيها لهم، {ولئن جئتهم بآية} [الروم: 58] مثل العصا ~~واليد، {ليقولن الذين كفروا إن أنتم} [الروم: 58] ما أنتم يا محمد وأصحابك، ~~إلا مبطلون أصحاب أباطيل، وهذا إخبار عن عنادهم وتكذيبهم. # ثم ذكر سبب ذلك، فقال: {كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون} ~~[الروم: 59] أي: كالذي طبع على قلوبهم حتى ms1440 لا يصدقون بآية يختم الله على ~~قلوب الذين لا يعلمون توحيد الله، فكل من لم يعلم توحيد الله فذلك لأجل طبع ~~الله على قلبه. # ثم أمر نبيه بالصبر إلى وقت النصر بقوله: {فاصبر إن وعد الله} [الروم: ~~60] بنصر دينك وإظهارك على عدوك، {حق ولا يستخفنك} [الروم: 60] الذين لا ~~يؤمنون، يقال: استخف فلان فلانا إذا استجهله فحمله على اتباعه في غيه، ~~والمفسرون يقولون: لا يستخفن رأيك وعلمك. # {الذين لا يوقنون} [الروم: 60] بالبعث والحساب، أي هم ضلال شاكون. # PageV03P439 ### | سورة لقمان # مكية وآياتها أربع وثلاثون. ### | 720 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن إبراهيم الحيري، أنا أبو عمرو بن مطر، نا إبراهيم ~~بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، أنا هارون بن كثير، عن زيد بن ~~أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال لي رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم: «من قرأ سورة لقمان كان له لقمان شفيعا يوم القيامة، وأعطي ~~من الحسنات عشرا، بعدد من عمل بالمعروف وعمل بالمنكر» # {الم {1} تلك آيات الكتاب الحكيم {2} هدى ورحمة للمحسنين {3} الذين ~~يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون {4} أولئك على هدى من ~~ربهم وأولئك هم المفلحون {5} } [لقمان: 1-5] بسم الله الرحمن الرحيم {الم ~~{1} تلك آيات الكتاب الحكيم {2} } [لقمان: 1-2] تقدم تفسيره. # هدى ورحمة القراءة بالنصب على الحال، قال الزجاج: المعنى تلك آيات الكتاب ~~في حال الهداية الرحمة. # وقرأ حمزة بالرفع على إضمار هو، قال ابن عباس: بيان من الضلالة ورحمة من ~~العذاب للموحدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. # وما بعد هذا مضى فيما تقدم. # قوله: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ~~ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين {6} وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا ~~كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم {7} إن الذين آمنوا ~~وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم {8} خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز ~~الحكيم {9} خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ~~وبث فيها ms1441 من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم ~~{10} هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين ~~{11} } [لقمان: 6-11] {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} [لقمان: 6] نزلت في ~~النضر بن الحارث، كان يأتي الحيرة فيشتري كتبا فيها أخبار الأعاجم ويحدث ~~بها أهل مكة، ويقول: إن محمدا يحدثكم أحاديث عاد وثمود، # PageV03P440 # وأنا أحدثكم حديث فارس والروم، وأقرأ عليكم كما يقرأ محمد أساطير ~~الأولين. # ومعنى لهو الحديث: باطل الحديث، هذا قول الكلبي، ومقاتل. # وأكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث الغناء. ### | 721 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي، أنا علي بن أحمد بن محمد ~~بن أحمد بن عطية، نا الحارث بن أبي أسامة، نا إسماعيل بن عباس، عن مطر بن ~~يزيد الكتاني، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن زيد، عن القاسم، عن أبي ~~أمامة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " لا يحل تعليم المغنيات، ولا ~~بيعهن، ولا شراؤهن، وثمنهن حرام، ولقد نزل تصديق ذلك في كتاب الله: {ومن ~~الناس من يشتري لهو الحديث} الآية، والذي نفسي بيده، ما رفع رجل قط عقيرته ~~يتغنى إلا ارتدفه شيطانان يضربان بأرجلهما على ظهره وصدره حتى يسكت، وهذا ~~قول سعيد بن جبير، ومجاهد، وابن مسعود، قالوا: هو، والله، الغناء واشتراء ~~المغني والمغنية بالمال ### | 722 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي الصوفي، أنا إسماعيل بن نجيد، أنا ~~محمد بن الحسن بن الخليل، نا هشام بن عمار، نا محمد بن القاسم بن سميع، أنا ~~ابن أبي الزعيزعة، عن نافع، عن ابن عمر، أنه سمع النبي، صلى الله عليه ~~وسلم، في هذه الآية، {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: باللعب والباطل، ~~كثير النفقة، سمح فيه، لا تطيب نفسه بدرهم يتصدق به، قال أهل المعاني: ~~ويدخل في هذا كل من اختار اللهو والغناء والمزامير والمعازف على القرآن، ~~وإن كان اللفظ ورد بالاشتراء؛ لأن هذا اللفظ يذكر في الاستبدال والاختيار ~~كثيرا ### | 723 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أنا أبو سعيد ms1442 الخلال، أنا محمد بن الحسن بن ~~قتيبة، نا إبراهيم بن محمد الفريابي، نا عبد المجيد بن عبيد الأنصاري، نا ~~حماد بن عمرو، عن أبي موسى، من # PageV03P441 # ولد أبي هريرة، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم: من لها بالغناء لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيين يوم القيامة، قيل: ~~وما الروحانيون، يا رسول الله؟ قال: قراء أهل الجنة # قوله: {ليضل عن سبيل الله} [لقمان: 6] قال الزجاج: من قرأ ليضل بضم الياء ~~فمعناه: ليضل غيره، وإذا أضل غيره فقد ضل، ومن قرأ بفتح الياء فمعناه: ~~ليصير أمره إلى الضلال، وهو إن لم يكن بمشتر لضلالة فإنه يصير أمره إلى ~~ذلك. # قال قتادة: بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق. # ومعنى قوله: بغير علم أي أنه جاهل فيما يفعل، لا يفعله عن علم، ويتخذها ~~بالرفع عطف على يشتري، وبالنصب على ليضل، والكناية تعود إما إلى الآيات ~~المذكورة في أول ال { [، أي: ويتخذ آيات القرآن هزؤا، وإما إلى سبيل الله، ~~والسبيل تؤنث، كقوله:] قل هذه سبيلي} [سورة يوسف: 108] وما بعد هذا مفسر في ~~مواضع فيما تقدم إلى قوله: {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر ~~فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد {12} وإذ قال لقمان لابنه وهو ~~يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم {13} ووصينا الإنسان بوالديه ~~حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ~~{14} وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في ~~الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم ~~تعملون {15} يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في ~~السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير {16} يا بني أقم ~~الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم ~~الأمور {17} ولا تصعر خدك للناس ms1443 ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل ~~مختال فخور {18} واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ~~{19} } [لقمان: 12-19] {ولقد آتينا لقمان الحكمة} [لقمان: 12] أكثر العلماء ~~على أن لقمان لم يكن نبيا. # وقال عكرمة، والسدي، والشعبي: كان نبيا. # وفسروا الحكمة ههنا بالنبوة. # قال مجاهد: الحكمة ههنا الفقه، والعقل، والإصابة في القول. # وقوله: {أن اشكر # PageV03P442 # لله} [لقمان: 12] قال مقاتل: قلنا له أن اشكر لله فيما أعطاك من الحكمة. # {ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه} [لقمان: 12] ومن يطع الله فإنما يعمل لنفسه، ~~ومن كفر النعمة فلم يوحده، {فإن الله غني} [لقمان: 12] عن عبادة خلقه، حميد ~~عند خلقه. # ثم ذكر معنى إعطاء الحكمة، فقال: {وإذ قال لقمان لابنه} [لقمان: 13] أي: ~~ولقد آتيناه الحكمة إذ قال، وهو يعظه قال ابن عباس: في الله {يا بني لا ~~تشرك بالله} [لقمان: 13] لا تعدل بالله شيئا في العبادة، {إن الشرك لظلم ~~عظيم} [لقمان: 13] يقول: ليس شيء من الذنوب أعظم من الشرك بالله. # وقوله: {ووصينا الإنسان بوالديه} [لقمان: 14] تقدم تفسيره ونزوله. # {حملته أمه وهنا على وهن} [لقمان: 14] قال الزجاج: لزمها بحملها إياه أن ~~تضعف مرة بعد مرة. # {وفصاله في عامين} [لقمان: 14] الفصال الفطام، وهو أن يفصل الولد عن الأم ~~كي لا يرضع، وهو ابتداء وخبره في الظرف على تقدير وفصاله يقع في عامين، أن ~~في انقضاء عامين، والمعنى: ذكر مشقة الوالدة بإرضاع الولد بعد الوضع عامين. # {أن اشكر لي ولوالديك} [لقمان: 14] قال ابن عباس: المعنى أطعني وأطع ~~والديك. # وقال مقاتل: أن اشكر لي إذ هديتك للإسلام ولوالديك، وبما أولياك من ~~النعم. # والمعنى: ووصيناه بشكرنا وشكر والديه. # إلي المصير المرجع والمنقلب، أي: فأجزيك بعملك. # {وإن جاهداك} [لقمان: 15] مفسر في { [العنكبوت إلى قوله:] وصاحبهما في ~~الدنيا معروفا} [سورة لقمان: 15] أي: اصحبها في الدنيا بالمعروف، وهو ~~المستحسن. # {واتبع سبيل من أناب إلي} [لقمان: 15] دين من أقبل إلى طاعتي، وهو النبي ~~صلى الله عليه وسلم، وقال عطاء، عن ابن عباس: يريد أبا بكر رضي الله عنه، ~~وذلك أنه ms1444 حين أسلم أتاه عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن ~~زيد، وعثمان، وطلحة، والزبير، فقالوا له: آمنت وصدقت محمدا؟ فقال: نعم. # فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنوا وصدقوا، فأنزل الله تعالى ~~يقول: {واتبع سبيل من أناب إلي} [لقمان: 15] يعني أبا بكر رضي الله عنه. # قوله: {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل} [لقمان: 16] قال السدي: قال ~~ابن لقمان لأبيه: أرأيت لو كان حبة من خردل في مقل البحر، أكان الله ~~يعلمها؟ فقال: {يا بني إنها إن تك مثقال حبة} [لقمان: 16] قال الزجاج: ~~المعنى إن التي سألتني عنها إن تك مثقال حبة من {خردل} [لقمان: 16] قرئ ~~مثقال بالرفع والنصب، فمن نصب فاسم كان مضمر على تقدير إن تكن التي سألت ~~مثقال حبة من خردل، ومن رفع مع تأنيث تكن فلأن مثقال حبة من خردل راجع إلى ~~معنى خردله، فهو بمنزلة إن تكن حبة من خردل، وتك ههنا بمعنى يقع، ولا خبر ~~له، وقوله: {فتكن في صخرة} [لقمان: 16] قال السدي: هذه الصخرة ليست في ~~السموات ولا في الأرض، هي تحت سبع أرضين، عليها ملك قائم. # وقال قتادة: فتكن في صخرة، أي في جبل. # {يأت بها الله} [لقمان: 16] قال الزجاج: هذا مثل لأعمال العباد، وأن الله ~~يأتي بأعمالهم مكتوبة يوم القيامة، {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره {7} ومن ~~يعمل مثقال ذرة شرا يره {8} } [الزلزلة: 7-8] وقد قال مقاتل: قال ابن لقمان ~~لأبيه: يا أبت أرأيت إن عملت بالخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمه الله؟ ~~فرد عليه لقمان ما أخبر الله عنه، فيكون المعنى: إن تكون الخطيئة مثقال حبة ~~من خردل يأت بها الله للجزاء عليها. # {إن الله لطيف} [لقمان: 16] باستخراجها، خبير بمكانها. # {يا بني أقم الصلاة} [لقمان: 17] المفروضة، وأمر بالمعروف بالإيمان ~~بالله، وطاعته واتباع # PageV03P443 # أمره، {وانه عن المنكر} [لقمان: 17] الشرك والظلم ومعاصي الله، {واصبر ~~على ما أصابك} [لقمان: 17] فيهما من الأذى، {إن ذلك لمن عزم الأمور} ~~[الشورى: 43] أي: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى ms1445 ~~فيهما من حق عزم الأمور إلى الله بها، أي هو الذي يعزم عليها لوجوبها. # {ولا تصعر خدك للناس} [لقمان: 18] وقرئ ولا تصاعر بالألف، يقال: صعر خده ~~وصاعر إذا أمال وجهه وأعرض تكبرا. # يقول: لا تعرض عن الناس تكبرا عليهم. # قال ابن عباس: لا تتعظم على خلق الله. # وقال قتادة: هو الإعراض عن الناس، يكلمك أخوك وأنت عنه معرض متكبر. ### | 724 - # أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني، ~~أنا بشر بن أحمد بن بشر، أنا أحمد بن علي بن المثنى، أنا أبو همام إسحاق بن ~~سليمان، نا جعفر بن عون، نا أبو جعفر الرازي، عن الربيع، عن أنس في قوله: ~~{ولا تصعر خدك للناس} قال: يكون الغني والفقير عندك سواء # وما بعد هذا مفسر فيما تقدم إلى قوله: {واقصد في مشيك} [لقمان: 19] يقال: ~~قصد فلان في مشيه إذا مشى مشيا مستويا. # قال مقاتل: لا تختل في مشيك. # وقال عطاء: امش بالوقار والسكينة، كقوله: {يمشون على الأرض هونا} ~~[الفرقان: 63] . # {واغضض من صوتك} [لقمان: 19] قال مقاتل: اخفض من صوتك. # وقال عطاء، عن ابن عباس: واغضض من صوتك إذا دعوت وناجيت ربك. # وكذلك وصية الله عز وجل في الإنجيل لعيسى ابن مريم: مر عبادي إذا دعوني ~~يخفضوا أصواتهم، فإني أسمع وأعلم ما في قلوبهم. # {إن أنكر الأصوات} [لقمان: 19] أقبحها، لصوت الحمير قال قتادة: أقبح ~~الأصوات صوت الحمير، أوله زفير وآخره شهيق. # وقال المبرد: تأويله: إن الجهر بالصوت ليس بمحمود، وإنه داخل في باب ~~المنكر. # قال مقاتل: يأمر لقمان ابنه بالاقتصاد في المشي والمنطق. # {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ~~ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ~~{20} وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ~~أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير {21} ومن يسلم وجهه إلى الله وهو ~~محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله ms1446 عاقبة الأمور {22} ومن كفر فلا ~~يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور {23} ~~نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ {24} ولئن سألتهم من خلق السموات ~~والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون {25} لله ما في ~~السموات والأرض إن الله هو الغني الحميد {26} } [لقمان: 20-26] # PageV03P444 # قوله تعالى: {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات} [لقمان: 20] يعني: ~~الشمس والقمر، والنجوم والسحاب والرياح، {وما في الأرض} [لقمان: 20] يعني: ~~الجبال، والأنهار والبحار، والأشجار والنبت عاما بعام، قال الزجاج: ومعنى ~~تسخيرها للآدميين الانتفاع بها. # وأسبغ عليكم أوسع وأكمل، يقال: سبغت النعمة إذا تمت وأسبغها الله، وقوله: ~~نعمة وقرئ نعمه جمعا، ومعنى القراءتين واحد، لأن المفرد يدل على الكثرة ~~كقوله: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} [النحل: 18] . # وقوله: {ظاهرة وباطنة} [لقمان: 20] ### | 725 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحافظ، أنا عبد الله بن محمد الحافظ، نا ~~أبو يحيى الرازي، نا سهل بن عثمان، نا أبو مالك، عن جويبر، عن الضحاك، عن ~~ابن عباس، رضي الله عنه، أنه سئل عن هذه الآية؛ فقال: هذه من مخزوني الذي ~~سألت عنها النبي، صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله، ما هذه النعمة ~~الظاهرة والباطنة؟ فقال: " يابن عباس، أما ما ظهر؛ فالإسلام، وما سوى الله ~~من خلقك، وما فضل عليك من الرزق، وأما ما بطن؛ فستر مساوئ عملك، ولم يفضحك ~~به، يابن عباس، إن الله يقول: ثلاثة جعلتهن للمؤمنين ولم تكن له: صلاة ~~المؤمنين عليه من بعد انقطاع عمله، وجعلت له قلة ماله أكفر به عنه خطاياه، ~~والثالثة: سترت مساوئ عمله فلم أفضحه بشيء منه، ولو أبديتها عليه لنبذه ~~أهله فمن سواهم # وقال عكرمة، عن ابن عباس، رضي الله عنه: الظاهرة: الإسلام والقرآن، ~~وبالباطنة: ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة. # وقال الضحاك: الباطنة المعرفة، والظاهرة: حسن الصورة، وامتداد القامة، ~~وتسوية الأعضاء. # وقوله: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} ~~[لقمان: 20] مفسر في { [الحج ms1447 وال: الثانية مفسرة في سورة البقرة وكذلك ~~الثالثة. # وقوله:] ومن كفر فلا يحزنك كفره} [لقمان: 23] فلا تهتم لكفره، فإن رجوعهم ~~إلينا وحسابهم علينا، وهو قوله: {إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا} [لقمان: ~~23] نخبرهم بقبائح أعمالهم، لأنها أثبت عليهم. # نمتعهم قليلا يعني: أيام حياتهم إلى انقضاء آجالهم، نمتعهم بما أعطوا من ~~الدنيا، ثم نضطرهم في الآخرة، أي نلجئهم، {إلى عذاب غليظ} [لقمان: 24] هو ~~عذاب النار، لا يجدون عنها محيصا ولا ملجأ. # وما بعد هذا مفسر فيما تقدم إلى قوله: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ~~والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم {27} ~~ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير {28} ألم تر أن الله ~~يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى ~~أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير {29} ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون ~~من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير {30} ألم تر أن الفلك تجري في ~~البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار # PageV03P445 # شكور {31} وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم ~~إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور {32} } [لقمان: ~~27-32] {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام} [لقمان: 27] قال قتادة: إن ~~المشركين قالوا في القرآن: يوشك أن ينفد، يوشك أن ينقطع. # فنزلت هذه الآية، يقول: لو كان ما في الأرض من شجرة بريت أقلاما، وكان ~~البحر مدادا ومعه سبعة أبحر مدادا مثله، وهو قوله: والبحر يمده قرئ نصبا ~~بالعطف على ما، ورفعا بالاستئناف، كأنه كان قال: والبحر هذه حاله، وهي أن ~~تنصب فيه سبعة أبحر، ونزيده بمائها، فكتبت بتلك الأقلام، لنفد المداد قبل ~~أن ينفد علم الله، وهو قوله: {ما نفدت كلمات الله} [لقمان: 27] قال جماعة ~~المفسرين: يعني علم الله. # والمعنى: كلمات الله التي هي عبارة عن معلوماته، ولما كان معلوم الله لا ~~يتناهى، فكذلك الكلمات التي تقع ms1448 عبارة عن معلومه لا تتناهى، والآية مختصرة، ~~ويكون تقدير الكلام فكتبت بهذه الأقلام البحور ما نفدت كلمات الله. # قوله: {ما خلقكم ولا بعثكم} [لقمان: 28] الآية، قال مقاتل: إن كفار قريش ~~قالوا: إن الله خلقنا أطوارا، نطفة، علقة، مضغة، فكيف يبعثنا الله خلقا ~~جديدا في ساعة واحدة؟ فأنزل الله هذه الآية، يقول: ما خلقكم أيها الناس ~~جميعا في القدرة إلا كخلق نفس واحدة، ولا بعثكم جميعا إلا كبعث نفس واحدة. # قال الزجاج: أي قدرة الله على بعث الخلق كلهم وعلى خلقهم كقدرته على خلق ~~نفس واحدة، وبعث نفس واحدة. # {إن الله سميع} [لقمان: 28] لما قالوا من أمر الخلق والبعث، بصير به. # وما بعد هذا مفسر فيما تقدم إلى قوله: {ألم تر أن الفلك تجري في البحر ~~بنعمت الله} [لقمان: 31] قال ابن عباس: يريد أن ذلك كله من نعمة الله ~~عليكم. # {ليريكم من آياته} [لقمان: 31] من صنعه وعجائبه في البحر، وابتغاء الرزق، ~~{إن في ذلك لآيات لكل صبار} [لقمان: 31] عن معاصي الله شكور لنعمه، قال ~~مقاتل: يعني المؤمن. # وإذا غشيهم يعني: الكفار يقول إذا علاهم موج وهو ما ارتفع من الماء ~~كالظلل كالجبال، أو السحاب التي تظل من تحتها خافوا الغرق والهلاك، ف {دعوا ~~الله مخلصين له الدين} [لقمان: 32] وهذا كقوله: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا ~~الله مخلصين له الدين} [العنكبوت: 65] وكان سبب إسلام عكرمة بن أبي جهل ~~هذا، وهو إخلاصهم الدعاء في البحر. ### | 726 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، رحمه الله، أنا محمد بن الحسين بن ~~الحسن بن الخليل، نا أحمد بن يوسف السلمي، نا أحمد بن المفضل، نا أسباط بن ~~نصر، قال: زعم السدي، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: لما كان يوم فتح مكة ~~أمن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الناس إلا أربعة نفر "، وقال: اقتلوهم ~~وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ~~ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي اليسر، فأما عكرمة فركب البحر ~~فأصابتهم ريح عاصف، فقال أهل ms1449 السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ~~ههنا، فقال عكرمة: لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجيني في البر ~~غير الله، اللهم إن لك علي إن أنت عافيتني مما أنا فيه # PageV03P446 # أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما فجاء فأسلم ### | 727 - # أخبرنا أبو نصر المهرجاني، أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد، أنا عبد ~~الله بن محمد بن عبد العزيز، أنا أبو الربيع الزهراني، نا حماد بن زيد، عن ~~أيوب، عن ابن أبي مليكة، قال: لما كان يوم الفتح، هرب عكرمة بن أبي جهل، ~~فركب البحر، فخب بهم البحر، فجعل الناس ومن في السفينة يدعون الله ~~ويستغيثون به، فقال: ما هذا؟ فقيل: هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله. # فقال عكرمة: وهذا إله محمد الذي كان يدعونا إليه، ارجعوا بنا. # فرجع، فأسلم. # وقوله: {فلما نجاهم إلى البر} [لقمان: 32] أي: من هول ما هم فيه، نجاهم ~~حتى أفضوا إلى البر، فمنهم مقتصد أي: عدل في الوفاء في البر بما عاهد الله ~~عليه في البحر من التوحيد له، يعني: من ثبت على إيمانه، ثم ذكر الذي ترك ~~التوحيد في البر، يقول: {وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار} [لقمان: 32] غادر ~~بعهده، والختر سوء الغدر وأقبحه، كفور لله في نعمه. # ثم خاطب كفار مكة، فقال: {يأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي ~~والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم ~~الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} [لقمان: 33] {يأيها الناس اتقوا ~~ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا} ~~[لقمان: 33] قال ابن عباس: كل امرئ يهمه نفسه. # وقال مقاتل: لا يغني والد عن ولده شيئا، أي لا ينفعه. # يعني الكفار، وهذا كقوله: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا} ~~[البقرة: 48] وقد تقدم، {إن وعد الله حق} [لقمان: 33] بالبعث، {فلا تغرنكم ~~الحياة الدنيا} [لقمان: 33] عن الإسلام والتزود للآخرة، {ولا يغرنكم بالله} ~~[لقمان: 33] أي: بحلم ms1450 الله وإمهاله، الغرور يعني الشيطان، وهو الذي من شأنه ~~أن يغر. # قوله: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما ~~تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} ~~[لقمان: 34] {إن الله عنده علم الساعة} [لقمان: 34] نزلت في رجل من محارب، ~~أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أرضنا أجدبت فمتى الغيث؟ وتركت ~~امرأتي حبلى فماذا تلد؟ وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت؟ وقد علمت ما عملت ~~اليوم فما أعمل غدا؟ ومتى الساعة؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية. ### | 728 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الدركي، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر ~~بن مطر، أنا محمد بن عثمان بن أبي سويد، أنا أبو حذيفة، نا سفيان، عن # PageV03P447 # عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ~~" مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، تعالى: لا يعلم متى تقوم الساعة ~~إلا الله، ولا يعلم متى تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا ~~الله، ولا يعلم نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا ~~الله "، رواه البخاري، عن محمد بن يوسف، عن سفيان # قال قتادة: في هذه الآية خمس من الغيب استأثر الله بهن فلم يطلع عليهن ~~ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا: {إن الله عنده علم الساعة} [لقمان: 34] فلا ~~يدري أحد من الناس متى تقوم، في أي سنة، أو في أي شهر، ليلا أو نهارا، ~~وينزل الغيث فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث، ليلا أم نهارا ينزل، {ويعلم ما ~~في الأرحام} [لقمان: 34] لا يعلم أحد ما في الأرحام، أذكر أم أنثى، أحمر أم ~~أسود، {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا} [لقمان: 34] أخيرا أم شرا، {وما تدري ~~نفس بأي أرض تموت} [لقمان: 34] يقول: ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من ~~الأرض، أفي بر أم في بحر، في سهل أم جبل، تعالى ربنا وتبارك. # وقال ابن عباس: هذه ms1451 الخمسة لا يعلمها ملك مقرب، ولا نبي مصطفى. # قال الزجاج: فمن ادعى أنه يعلم شيئا من هذه فقد كفر بالقرآن لأنه خالفه. # PageV03P448 ### | سورة السجدة # مكية وآياتها ثلاثون. ### | 729 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي بن أحمد الحيري، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر ~~الشروطي، نا أبو إسحاق الأسدي، نا أبو عبد الله اليربوعي، نا المدائني، نا ~~هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، ~~قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة تنزيل السجدة ~~وتبارك الذي بيده الملك فكأنما أحيا ليلة القدر» ### | 730 - # حدثنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، إملاء، نا أبو محمد أحمد بن ~~عبد الله المزني، نا عبد الله بن ناجية، نا نضر بن عبد الرحمن الوشاء، نا ~~حفص بن عمر الإمام، نا الحسن بن صالح، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: كان ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل وتبارك» # {الم {1} تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين {2} أم يقولون افتراه ~~بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون {3} } ~~[السجدة: 1-3] بسم الله الرحمن الرحيم {الم {1} تنزيل الكتاب لا ريب فيه} ~~[السجدة: 1-2] قال مقاتل: يعني لا شك فيه أنه تنزيل، {من رب العالمين {2} ~~أم يقولون افتراه} [السجدة: 2-3] يعني المشركين، افتراه محمد من تلقاء ~~نفسه، {بل هو} [السجدة: 3] أي القرآن، {الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من ~~نذير من قبلك} [السجدة: 3] يعني العرب، وكانوا أمة أمية لم يأتيهم نذير قبل ~~محمد عليه السلام، لعلهم يهتدون لكي يرشدوا من الضلالة. # {الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على ~~العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون {4} يدبر الأمر من ~~السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون {5} ~~ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم {6} } [السجدة: 4-6] و {الله الذي ~~خلق السموات والأرض} [السجدة ms1452: 4] مفسر في { [الأعراف إلى قوله:] ما لكم من ~~دونه من ولي} [سورة السجدة: 4] يعني الكفار، يقول: ليس من دون عذابه من ~~ولي، قريب ينفعكم فيرد عذابه عنكم، ولا شفيع لكم، أفلا # PageV03P449 # تتذكرون أفلا تتدبرون هذا فتؤمنوا. # قوله: يدبر الأمر يعني: أمر الدنيا، يدبره الله عز وجل مدة أيام الدنيا، ~~فينزل القضاء والقدر {من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه} [السجدة: 5] قال ~~ابن عباس: يرجع إليه. # والمعنى: يعود الأمر والتدبير حتى ينقطع أمر الأمراء وأحكام، وينفرد الله ~~تعالى بالأمر، {في يوم كان مقداره ألف سنة} [السجدة: 5] قال ابن عباس: يريد ~~أن يوما من أيام الآخرة مثل ألف سنة. # مما تعدون من أيام الدنيا، وأراد بهذا اليوم يوم القيامة، وهذا كقوله: ~~{وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} [الحج: 47] وقد مر ذلك. # {عالم الغيب والشهادة} [السجدة: 6] أي: ذلك الذي صنع ما ذكر من خلق ~~السموات والأرض عالم ما غاب عن الخلق وعالم ما حضر، العزيز المنيع في ملكه، ~~الرحيم بأهل طاعته. # {الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين {7} ثم جعل نسله من ~~سلالة من ماء مهين {8} ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار ~~والأفئدة قليلا ما تشكرون {9} } [السجدة: 7-9] {الذي أحسن كل شيء خلقه} ~~[السجدة: 7] يعني: أحسن خلق كل شيء، قال مقاتل: علم كيف تخلق الأشياء من ~~غير أن يعلمه أحد. # وقال السدي: أحسنه لم يتعلمه من أحد، والإحسان العلم. # يقال: فلان يحسن كذا إذا علمه. # قال صاحب النظم: بيان ذلك أنه لما طول رجل البهيمة والطائر طول عنقه لئلا ~~يتعذر عليه ما لا بد له من قوته، ولو تفاوت ذلك لم يكن له معاش، وكذلك كل ~~شيء من أعضاء الحيوان مقدر لما يصلح به معاشه. # وقرئ خلقه بفتح اللام، وهو صفة للنكرة التي هي شيء، والمعنى: أتقن وأحكم ~~كل شيء خلقه، قال ذلك الكلبي، ومجاهد. # {وبدأ خلق الإنسان من طين} [السجدة: 7] يعني آدم، كان أوله طينا. # {ثم جعل نسله} [السجدة: 8] ولده وذريته، من سلالة تقدم ms1453 تفسيرهما، {من ماء ~~مهين} [السجدة: 8] ضعيف، يعني النطفة. # ثم رجع إلى آدم، فقال: ثم سواه سوى خلقه، {ونفخ فيه من روحه} [السجدة: 9] ~~ثم عاد إلى ذريته، فقال: وجعل لكم يعني: من بعد أن كنتم نطفا، {السمع ~~والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون} [السجدة: 9] يعني أنهم لا يشكرون رب ~~هذه النعم فيوحدونه. # {وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون ~~{10} قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون {11} } ~~[السجدة: 10-11] وقالوا يعني: منكري البعث: {أئذا ضللنا في الأرض} [السجدة: ~~10] هلكنا وصرنا ترابا فلم يبق شيء من خلقنا، ومعنى الضلال في اللغة ~~الغيبوبة، يقال: ضل الماء في اللبن، وضل الميت في التراب إذا بطل. # {أئنا لفي خلق جديد} [السجدة: 10] استفهام إنكار أنكروا إعادتهم بعد ~~الموت، قال الله تعالى: بل هم يعني: {بلقاء ربهم كافرون} [السجدة: 10] أي ~~بالبعث. # قوله: {قل يتوفاكم ملك الموت} [السجدة: 11] أي: يقبض أرواحكم أجمعين، ~~{الذي وكل بكم} [السجدة: 11] قال ابن عباس: وكل بقبض أرواحكم. ### | 731 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، نا محمد بن يعقوب، نا بحر بن نصر، نا ابن ~~وهب، نا أبو صخر حميد بن زياد، أن يزيد الرقاشي، قال: سمعت أنس بن مالك، ~~يقول: لقي جبريل ملك الموت بنهر بفارس، فقال: يا ملك الموت، كيف # PageV03P450 # تستطيع قبض الأنفس عند الوباء، ههنا عشرون ألف وههنا كذا وكذا، فقال له ~~ملك الموت: تزوى لي الأرض حتى كأنها بين فخذي فألتقطهم بيدي ### | 732 - # أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن المفضل، أخبرنا عبد المؤمن بن خلف، أنا ~~أبو عمارة البغدادي، أنا أحمد بن يونس بن سنان الرقي، نا عبد العزيز بن عبد ~~الصمد العمي، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم: " الأمراض والأوجاع كلها بريد الموت ورسل الموت، فإذا جاء ~~الأجل أتى ملك الموت بنفسه، فقال: أيها العبد، كم خبر بعد خبر، وكم رسول ~~بعد رسول، وكم بريد بعد بريد، أنا الخبر ليس بعدي خبر، وأنا الرسول ms1454 ليس ~~بعدي رسول، أجب ربك طائعا، أو مكرها، فإذا قبض روحه تصارخوا عليه، فقال: ~~على من تصرخون؟ وعلى من تبكون؟ فوالله ما ظلمت له أجلا، ولا أكلت رزقا؛ بل ~~دعاه ربه فليبك الباكي على نفسه، فإن لي فيكم عودات وعودات حتى لا أبقي ~~منكم أحدا " # وقوله: {ثم إلينا ترجعون} [العنكبوت: 57] أي: تصيرون إليه أحياء فيجزيكم ~~بأعمالكم. # ثم أخبر عن حالهم في القيامة وعند الحساب، فقال: {ولو ترى إذ المجرمون ~~ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ~~{12} ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة ~~والناس أجمعين {13} فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا ~~عذاب الخلد بما كنتم تعملون {14} } [السجدة: 12-14] ولو ترى يا محمد، إذ ~~المجرمون قال مقاتل: يعني كفار مكة. # {ناكسو رءوسهم عند ربهم} [السجدة: 12] مطأطئوها حيا وندما، يقولون {ربنا ~~أبصرنا} [السجدة: 12] ما كنا ننكر، وسمعنا فارجعنا إلى الدنيا، نعمل صالحا ~~نقول لا إله إلا الله، إنا موقنون قال ابن عباس: اتقوا ذلك اليوم ما كانوا ~~ينكرون في الدنيا. # ثم أخبر أنه إنما يؤمن من قدر الله له الإيمان، فقال: {ولو شئنا لآتينا ~~كل نفس هداها} [السجدة: 13] قال ابن عباس: رشدها وبيانها. # وهذا كقوله: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض} [يونس: 99] وقوله: {ولو شاء ~~الله لجمعهم على الهدى} [الأنعام: 35] . # {ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [السجدة: 13] ~~يعني: كفار الفريقين، قال ابن عباس: يقول: هذا قضائي وقدري في ملكي ~~وربوبيتي. # والقول الذي وجب من الله بملء جهنم قوله لإبليس: {لأملأن جهنم منك وممن ~~تبعك منهم أجمعين} [ص: 85] . ### | 733 - # أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم النجار، نا سليمان بن أيوب اللخمي، نا ~~محمد بن يحيى بن زياد الأبزاري، نا عبد الأعلى بن حماد النرسي، نا # PageV03P451 # أبو عاصم العباداني، نا الفضل بن عيسى الرقاشي، عن الحسن، قال: خطبنا أبو ~~هريرة، رضي الله عنه، على منبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: سمعت ~~رسول الله يقول ms1455: " ليعتذرن الله إلى آدم ثلاث معاذير؛ يقول الله: يا آدم، ~~لولا أني لعنت الكذابين وأبغضت الكذب والخلف وأعذب عليه لرحمت اليوم ولدك ~~أجمعين من شدة ما أعددت لهم من العذاب ولكن حق القول مني لئن كذبت رسلي ~~وعصي أمري لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين، ويقول الله، عز وجل: يا ~~آدم، اعلم أني لا أدخل من ذريتك النار ولا أعذب منهم بالنار أحدا إلا من قد ~~علمت بعلمي أني رددته إلى الدنيا لعاد إلى شر مما كان فيه ولم يرجع ولم ~~يعتب، ويقول الله، عز وجل: يا آدم، قد جعلتك حكما بيني وبين ذريتك، قم عند ~~الميزان فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم، فمن رجح خيره على شره مثقال ذرة ~~فله الجنة حتى تعلم أني لا أدخل منهم النار إلا ظالما " # قوله: {فذوقوا بما نسيتم} [السجدة: 14] قال مقاتل: إذا دخلوا النار قالت ~~لهم الخزنة: فذوقوا العذاب بما نسيتم. # {لقاء يومكم هذا} [السجدة: 14] بما تركتم الإيمان بيومكم هذا. # وقال السدي: بما تركتم أن تعملوا للقاء يومكم هذا. # إنا نسيناكم تركناكم في العذاب، {وذوقوا عذاب الخلد} [السجدة: 14] الذي ~~لا ينقطع، {بما كنتم تعملون} [السجدة: 14] من الكفر والتكذيب. # ثم ذكر المؤمنين، فقال: {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا ~~سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون {15} تتجافى جنوبهم عن المضاجع ~~يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون {16} فلا تعلم نفس ما أخفي لهم ~~من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون {17} } [السجدة: 15-17] {إنما يؤمن ~~بآياتنا الذين إذا ذكروا} [السجدة: 15] وعظوا، {بها خروا سجدا} [السجدة: ~~15] سقطوا على وجوههم ساجدين، {وسبحوا بحمد ربهم} [السجدة: 15] وقالوا: ~~سبحان الله وبحمده. # {وهم لا يستكبرون} [السجدة: 15] أن يعفروا وجوهم ساجدين. # قوله: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} [السجدة: 16] ترتفع جنوبهم، يقال: جفا ~~الشيء عن الشيء وتجافى عنه إذا لم يلزمه ونبا عنه، والمضاجع جمع المضجع، ~~وهو الموضع الذي يضطجع عليه، يعني الفرش، وهم المتهجدون بالليل الذين ~~يقومون للصلاة عن الفراش، وهو قول الحسن، ومجاهد، وعطاء، ورواية معاذ بن ~~جبل، عن النبي ms1456 صلى الله عليه وسلم. ### | 734 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أنا إبراهيم بن عبد الله الأصفهاني، ~~أنا محمد بن إسحاق السراج، نا قتيبة، نا جرير، عن الحكم، وحبيب بن أبي ~~ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل، قال: بينما نحن مع رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك وقد أصابنا الحر فتفرق القوم فإذا رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم، أقربهم مني فدنوت منه، فقلت: يا رسول الله، ~~أنبئني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، فقال: " لقد سألت عن عظيم، # PageV03P452 # وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم ~~الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، وإن شئت أنبأتك ~~بأبواب الخير، قلت: بلى يا رسول الله، قال: الصوم جنة، والصدقة تكفر ~~الخطيئة، وقيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه الله ثم قرأ: {تتجافى جنوبهم ~~عن المضاجع} " ### | 735 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أنا القاسم بن غانم بن حمويه الطويل، نا محمد ~~بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي، نا عيسى بن إبراهيم، نا عفيف بن سالم ~~الموصلي، نا بكر بن حبيش، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن ~~بلال، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: عليكم بقيام الليل، فإنه ~~دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل قربة إلى الله، ومنهاة عن الإثم، ~~وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد "، وقال، رضي الله عنه: ونزلت فينا ~~معاشر الأنصار؛ كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع ~~النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو قول أبي حازم، ومحمد بن المنكدر، قالا: هي ~~ما بين المغرب وصلاة العشاء صلاة الأوابين، وقال آخرون: هم الذين لا ينامون ~~حتى يصلوا العشاء الآخرة، وهو قول مجاهد، وعطاء # وقوله: {يدعون ربهم خوفا وطمعا} [السجدة: 16] قال ابن عباس: خوفا من ~~النار وطمعا في الجنة. # {ومما رزقناهم ينفقون} [السجدة: 16] قال الكلبي: في الواجب عليهم ~~والتطوع. # قوله: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} [السجدة: 17] أي: لا ms1457 يعلم ~~أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ما خبئ لهؤلاء الذين ذكرهم مما تقر به ~~أعينهم، قال ابن عباس في هذه الآية: هذا مما لا تفسير له، والأمر أعظم وأجل ~~مما يعرف تفسيره. ### | 736 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أنا حاجب بن أحمد، نا محمد بن ~~يحيى، نا يزيد بن هارون، أنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، ~~قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " يقول الله، عز وجل: أعددت ~~لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، اقرءوا ~~إن شئتم: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} " ### | 737 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث، أنا أبو الشيخ الأصبهاني، نا أبو ~~يحيى الرازي، نا سهل بن عثمان، نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ~~أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " يقول الله: أعددت ~~لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " ### | 738 - # قال: وقال أبو هريرة: بله ما أطلعكم الله عليه، اقرءوا إن شئتم: {فلا ~~تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} ، قال: وكان أبو هريرة يقرؤها: من قرات ~~أعين، # PageV03P453 # رواه البخاري، عن إسحاق بن نصر، عن أبي أمامة، ورواه مسلم، عن أبي كريب، ~~عن أبي معاوية، كلاهما عن الأعمش # وقرأ حمزة ما أخفي بإسكان الياء، أي ما أخفي لهم، حجته قراءة عبد الله ~~نخفي بالنون. # {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون {18} أما الذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون {19} وأما الذين فسقوا ~~فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب ~~النار الذي كنتم به تكذبون {20} ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب ~~الأكبر لعلهم يرجعون {21} ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من ~~المجرمين منتقمون {22} } [السجدة: 18-22] قوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن ~~كان فاسقا} [السجدة: 18] نزلت في علي بن ms1458 أبي طالب رضي الله عنه، والوليد بن ~~أبي معيط، وذلك أنه جرى بينهما تنازع وسباب، فقال له الوليد: اسكت، فإنك ~~صبي وأنا والله أبسط منك لسانا. # فقال له علي: اسكت، فإنك فاسق تقول الكذب. # فأنزل الله تعالى هذه الآية تصديقا لما قال علي بن أبي طالب رضي الله ~~عنه. # روى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فقال: قال الوليد بن عقبة لعلي: أنا أحد ~~منك سنانا، وأبسط منك لسانا، وأملأ للكتيبة منك. # فقال له علي: اسكت، فإنما أنت فاسق. # فنزلت {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا} [السجدة: 18] قال: يعني بالمؤمن ~~علي رضي الله عنه، وبالفاسق الوليد بن عقبة. # وقوله: لا يستوون قال الزجاج: معنى الاثنين جماعة لذلك، قال: لا يستوون. # قال قتادة: لا والله ما استووا في الدنيا ولا عند الموت ولا في الآخرة. # ثم أخبر عن منازل الفريقين، فقال: {أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم ~~جنات المأوى} [السجدة: 19] الذي يأوي إليه المؤمنون، نزلا أي: معدة لهم، ~~وقد سبق تفسيره. # {بما كانوا يعملون {19} وأما الذين فسقوا} [السجدة: 19-20] مفسرة في { ~~[الحج. # ] ولنذيقنهم من العذاب الأدنى} [سورة السجدة: 21] قال مقاتل: يعني ما ~~ابتلوا به من الجوع سبع سنين. # وقال ابن مسعود: يعني القتل ببدر. # وهو قول قتادة، والسدي. # {دون العذاب الأكبر} [السجدة: 21] يعني: عذاب الآخرة، لعلهم يرجعون إلى ~~التوحيد والإيمان، يعني: من بقي منهم بعد بدر وبعد القحط. # ومن أظلم تقدم تفسيره في { [الكهف. # ] ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون} [سورة ~~السجدة: 22] يعني: الذين قتلوا ببدر وعجلت أرواحهم إلى النار. # PageV03P454 # {ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني ~~إسرائيل {23} وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا ~~يوقنون {24} إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون {25} ~~} [السجدة: 23-25] {ولقد آتينا موسى الكتاب} [السجدة: 23] يعني التوراة، ~~{فلا تكن في مرية من لقائه} [السجدة: 23] قال المفسرون: وعد محمد صلى الله ~~عليه وسلم أنه سيلقى موسى قبل أن يموت، ثم لقيه في ms1459 السماء أو في بيت المقدس ~~حين أسري به، وهذا قول مجاهد، والكلبي، والسدي. # وجعلناه يعني الكتاب، وهو التوراة، {هدى لبني إسرائيل} [السجدة: 23] من ~~الضلالة. # وجعلنا منهم من بني إسرائيل، أئمة قادة في الخير، يهدون بأمرنا يدعون ~~الناس إلى طاعة الله بأمر الله، يعني الأنبياء الذين كانوا فيهم. # وقال قتادة: هم غير الأنبياء. # لما صبروا على دينهم وعلى البلاء من عدوهم بمصر، وقرئ لما صبروا أي ~~لصبرهم، {وكانوا بآياتنا يوقنون} [السجدة: 24] أنها من الله. # {إن ربك هو يفصل} [السجدة: 25] يقضي ويحكم، بينهم يعني: الذين كذبوا ~~النبي صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل، {يوم القيامة فيما كانوا فيه ~~يختلفون} [السجدة: 25] من الدين، لأنهم اختلفوا، فآمن بعضهم وكفر الآخرون. # ثم خوف كفار مكة، فقال: {أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون ~~يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون {26} أولم يروا أنا نسوق ~~الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ~~{27} ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين {28} قل يوم الفتح لا ينفع ~~الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون {29} فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ~~{30} } [السجدة: 26-30] {أولم يهد لهم كم أهلكنا} [السجدة: 26] الآية مفسرة ~~في { [طه. # ثم وعظهم ليحذروا، فقال:] أولم يروا أنا نسوق الماء} [سورة السجدة: 27] ~~يعني: المطر والسيل، {إلى الأرض الجرز} [السجدة: 27] وهي التي لا تنبت في ~~الشتاء، حتى إذا جاء الماء أنبتت ما يأكله الناس والأنعام، وهو قوله: ~~{فنخرج به زرعا تأكل منه} [السجدة: 27] الآية. # ويقولون يعني: كفار مكة، {متى هذا الفتح إن كنتم صادقين} [السجدة: 28] ~~أي: والقضاء بين الخلق، وهو يوم البعث، يقضي الله فيه بين المؤمنين ~~والكافرين. # فقال الله: {قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم} [السجدة: 29] لا ~~ينفع الإيمان يوم القضاء بين الخلق، {ولا هم ينظرون} [السجدة: 29] لا يؤخر ~~العذاب عنهم ولا يمهلون لمعذرة أو توبة. ### | 739 - # أخبرنا أبو القاسم بن عبدان، نا محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ، أنا ~~محمد بن إسحاق الصفار، نا أحمد بن نصر ms1460 اللباد، نا عمرو بن طلحة، نا أسباط، ~~عن السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: {متى هذا # PageV03P455 # الفتح إن كنتم صادقين {28} قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم} ~~قال: يوم بدر فتح للنبي، صلى الله عليه وسلم، فلم ينفع الذين كفروا إيمانهم ~~بعد الموت ولا هم ينظرون فأعرض عنهم، قال ابن عباس: نسخته آية السيف # وانتظر موعدي لك، يعني نصره على أعدائه، إنهم منتظرون بك حوادث الأزمان ~~من موت أو قتل فيستريحوا منك. # PageV03P456 ### | سورة الأحزاب # مدنية وآياتها ثلاث وسبعون. ### | 740 - # أخبرنا محمد بن علي بن أحمد الحيري، أنا محمد بن جعفر بن مطر، نا إبراهيم ~~بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، عن زيد بن ~~أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم: «من قرأ سورة الأحزاب وعلمها أهله وما ملكت يمينه أعطي الأمان من ~~عذاب القبر» # {يأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما ~~حكيما {1} واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا {2} ~~وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا {3} } [الأحزاب: 1-3] بسم الله الرحمن ~~الرحيم قوله: {يأيها النبي اتق الله} [الأحزاب: 1] اثبت على تقوى الله، ودم ~~عليه، {ولا تطع الكافرين} [الأحزاب: 1] يعني: أبا سفيان، وعكرمة، وأبا ~~الأعور السلمي، وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ارفض ذكر آلهتنا ~~وقل إن لها شفاعة لمن عبدها. # والمنافقين عبد الله بن أبي، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح. # {إن الله كان عليما} [الأحزاب: 1] بما يكون قبل كونه، حكيما فيما يخلقه. # {واتبع ما يوحى إليك من ربك} [الأحزاب: 2] يعني القرآن، {إن الله كان بما ~~تعملون خبيرا} [الأحزاب: 2] بالياء الكافرين والمنافقين، وبالتاء على ~~المخاطبين. # {وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا} [الأحزاب: 3] . # {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن ~~أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو ~~يهدي ms1461 السبيل {4} ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم ~~فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت ~~قلوبكم وكان الله غفورا رحيما {5} } [الأحزاب: 4-5] {ما جعل الله لرجل من ~~قلبين في جوفه} [الأحزاب: 4] نزلت في جميل بن معمر الفهري، وكان وقادا ~~ظريفا، حكيما لبيبا حافظا لما يسمع، وكان يقول: إن في جوفي لقلبين أعقل بكل ~~واحد منهما أفضل من عقل محمد. # PageV03P457 # فكانت قريش تسميه ذا القلبين، وكذبه الله تعالى في ذلك، وأخبر أنه ما خلق ~~لأحد قلبين، {وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم} [الأحزاب: 4] ~~يقال: ظاهر من امرأته وتظاهر وتظهر، وهو أن يقول لها: أنت علي كظهر أمي، ~~وكانت العرب تطلق نساءها في الجاهلية بهذا اللفظ، فلما جاء الإسلام نهوا ~~عنه، وأوجبت الكفارة على من ظاهر من امرأته في { [المجادلة، فمن قرأ تظهرون ~~بفتح التاء وتشديد الظاء أراد تتظهرون، فأدغم التاء في الظاء، وقرأ عاصم ~~تظاهرون من المظاهرة، وقرأ حمزة تظاهرون فحذف تاء تتفاعلون، وأدغم ابن عامر ~~هذه التاء التي حذفها حمزة وقرأ بفتح وتشديد الظاء، ثم أعلم الله أن الزوجة ~~لا تكون أما، فقال:] وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم} [سورة ~~الأحزاب: 4] أي: ما جعل نساءكم اللاتي تقولون هن علينا كظهور أمهاتنا في ~~التحريم كما تقولون، {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} [الأحزاب: 4] الأدعياء جمع ~~الدعي، وهو الذي يدعى ابنا لغير أبيه، نزلت في زيد بن حارثة، تبناه رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم كالعبادة التي كانت للعرب في الجاهلية، فلما تزوج ~~زينب بنت جحش التي كانت امرأة زيد، قلت اليهود والمنافقون: تزوج محمد امرأة ~~ابنه. # فأنزل الله هذه الآية إبطالا لما قالوا، تكذيبا لهم أنه ابنه، وإخبارا أن ~~الدعي لا يكون ابنا، وقوله: {ذلكم قولكم بأفواهكم} [الأحزاب: 4] أي: ~~ادعاءكم نسب من لا حقيقة لنسبه، قول بالفم لا حقيقة له، {والله يقول الحق} ~~[الأحزاب: 4] وهو أنه ما جعل الدعي ابنا، {وهو يهدي السبيل} [الأحزاب: 4] ~~يدل على طريق الحق. # {ادعوهم لآبائهم} [الأحزاب: 5] انسبوهم إلى ms1462 آبائهم الذين ولدوهم، هو أقسط ~~أعدل، عند الله. ### | 741 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن نعيم الإشكابي، أنا الحسن بن أحمد بن علي ~~الشيباني، أنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم، أنا قتيبة بن سعيد، نا يعقوب بن ~~عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر، أنه كان يقول: ما كنا ~~ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد، عليه السلام، حتى نزل في القرآن ~~{ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله} ، رواه البخاري، عن معلى بن أسد، عن عبد ~~العزيز بن مختار، عن موسى بن عقبة # {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم} [الأحزاب: 5] أي: فهم إخوانكم، في الدين ~~يعني: من أسلم منهم، ومواليكم وبنو عمكم، قال الزجاج: ويجوز أن يكون ~~ومواليكم وأولياؤكم في الدين. # {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} [الأحزاب: 5] قال قتادة: ولو دعوت رجلا ~~لغير أبيه وأنت ترى أنه أبوه، لم يكن عليك بأس، ولكن ما تعمدت قلوبكم ولكن ~~الإثم من الذي تعمدت قلوبكم من دعائهم إلى غير آبائهم، {وكان الله غفورا} ~~[الأحزاب: 5] لما كان من قولكم قبل النهي، رحيما لكم. # قوله: { # PageV03P458 # النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم ~~أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم ~~معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا} [الأحزاب: 6] {النبي أولى بالمؤمنين من ~~أنفسهم} [الأحزاب: 6] أي: إذا حكم عليهم بشيء فقد نفذ حكمه ووجبت طاعته ~~عليهم، قال ابن عباس: إذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء ودعتهم ~~أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي أولى من طاعة أنفسهم. # وأزواجه أمهاتهم في حرمة نكاحهن، فلا يحل لأحد التزوج بواحدة منهن، كما ~~لا يحل التزوج بالأم، وهذه الأمومة تعود إلى حرمة نكاحهن لا غير، لأنه لم ~~يثبت شيء من أحكام الأمومة بين المؤمنين وبينهن سوى هذه الواحدة، ألا ترى ~~أنه لا يحل رؤيتهن، ولا يرثن المؤمنين ولا يرثونهن، ولهذا قال الشافعي رضي ~~الله عنه: وأزواجه أمهاتهم في معنى دون معنى، وهو أنهن محرمات على التأبيد ms1463، ~~وما كن محارم في الخلوة والمسافرة. # وهذا معنى ما روى مسروق، عن عائشة، رضي الله عنها، أن امرأة قالت لها: يا ~~أمه. # فقالت: لست لك بأم، إنما أنا أم رجالكم. # فبان بهذا أن معنى هذه الأمومة تحريم نكاحهن فقط، وعلى هذا لا يجوز أن ~~يقال لبناتهن هن أخوات المؤمنين، ولا لإخوانهن أخوال المؤمنين وخالات ~~المؤمنين، ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه: تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر ~~رضي الله عنه، وهي أخت أم المؤمنين، ولم يقل: وهي خالة المؤمنين. # وقوله: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} [الأحزاب: 6] مفسر ~~في { [الأنفال إلى قوله:] من المؤمنين والمهاجرين} [سورة الأحزاب: 6] يعني ~~أن ذوي القرابات بعضهم أولى بميراث بعض من أن يرثوا بالهجرة والإيمان كما ~~كانوا يفعلون قبل النسخ، {إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا} [الأحزاب: 6] ~~استثناء ليس من الأول، المعنى: لكن فعلكم إلى أوليائكم معروفا جائز، وذلك ~~أن الله لما نسخ التوارث بالحلف والهجرة أباح الوصية للمعاقدين، فيوصي لمن ~~يتولاه بما أحب من ثلثه، فمعنى المعروف ههنا الوصية، وقوله: كان ذلك يعني ~~نسخ الميراث بالهجرة ورده إلى ذوي الأرحام من القرابات، {في الكتاب مسطورا} ~~[الأحزاب: 6] يريد في اللوح المحفوظ مكتوبا. # قوله: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ~~ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا {7} ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد ~~للكافرين عذابا أليما {8} } [الأحزاب: 7-8] {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم} ~~[الأحزاب: 7] قال قتادة: أخذ الله تعالى الميثاق على النبيين خصوصا أن يصدق ~~بعضهم بعضا، ويتبع بعضهم بعضا. # وقال مقاتل: أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا الله، ويدعوا إلى عبادة الله، وأن ~~يصدق بعضهم بعضا، وأن ينصحوا لقومهم. # وقوله: ومنك أخرجه، والأربعة الذين ذكرهم من جملة النبيين تخصيصا بالذكر ~~لأنهم أصحاب الكتب والشرائع، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم معهم لما: ### | 742 - # أخبرنا علي بن محمد بن محمد بن عثمان البغدادي، نا محمد بن يعقوب بن ~~يوسف، نا أبو عتبة أحمد بن الفرج، نا بقية بن # PageV03P459 # الوليد، نا محمد بن بشير ms1464، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة، عن رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم، في قوله {ومنك ومن نوح} قال: «كنت أول النبيين ~~في الخلق، وآخرهم في البعث» # قال الزجاج: وأخذ الميثاق حيث أخرجوا من صلب آدم كالذر، {وأخذنا منهم ~~ميثاقا غليظا} [الأحزاب: 7] عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا، وذلك العهد ~~الشديد هو اليمين بالله عز وجل. # {ليسأل الصادقين عن صدقهم} [الأحزاب: 8] يقول: أخذنا ميثاقهم لكي يسأل ~~الصادقين، يعني النبيين، هل بلغوا الرسالة، والمعنى: ليسأل المبلغين من ~~الرسل عن صدقهم في تبليغهم يوم القيامة، وتأويل مسألة الرسل، والله يعلم ~~إنهم لصادقون، التبكيت للذين كفروا بهم، وتم الكلام، ثم أخبر عما أعد ~~للكفار، فقال: {وأعد للكافرين} [الأحزاب: 8] بالرسل، عذابا أليما. # قوله: {يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا ~~عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا {9} إذ جاءوكم من ~~فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله ~~الظنونا {10} } [الأحزاب: 9-10] {يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله ~~عليكم} [الأحزاب: 9] يذكرهم الله إنعامه عليهم في دفع الأحزاب عنهم من غير ~~قتال، {إذ جاءتكم جنود} [الأحزاب: 9] وهم الذين تحزبوا على رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم أيام الخندق: عيينة بن حصن، وأبو سفيان ومن معهما من ~~المشركين، وقريظة، {فأرسلنا عليهم ريحا} [الأحزاب: 9] وهي الصبا، أرسلت على ~~الأحزاب حتى أكفأت قدورهم، ونزعت فساطيطهم، {وجنودا لم تروها} [الأحزاب: 9] ~~يعني الملائكة. ### | 743 - # أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الرمجاري، أنا أبو عمرو بن ماسي، نا أبو مسلم ~~الكجي، نا أبو عمر الحوضي، نا زياد بن عبد الله العامري، عن محمد بن إسحاق، ~~عن يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال شاب لحذيفة بن اليمان: ~~يا أبا عبد الله، هل رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: إي والله، ~~لقد رأيته، قال: والله، لو رأيناه لحملناه على رقابنا، وما تركناه يمشي على ~~الأرض، فقال له حذيفة: يابن أخي، أفلا أحدثك عني وعنه؟ قال: بلى، قال: ~~والله، لو ms1465 رأيتنا يوم الخندق وبنا من الجهد والجوع والخوف ما لا يعلمه إلا ~~الله قام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فصلى ما شاء الله من الليل، ثم ~~قال: " ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله رفيقي في الجنة، فوالله ما ~~قام منا أحد مما بنا من الخوف والجهد والجوع، ثم صلى ما شاء الله، ثم قال: ~~ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله رفيقي في الجنة، قال حذيفة: فوالله ~~ما قام منا أحد مما بنا من الجهد والخوف والجوع، فلما لم يقم أحد دعاني فلم ~~أجد بدا من إجابته، قلت: لبيك، قال: اذهب فجئني بخبر القوم ولا تحدثن شيئا ~~حتى ترجع، قال: فأتيت القوم فإذا ريح الله وجنوده تفعل بهم ما تفعل ما ~~يستمسك لهم بناء ولا تثبت لهم نار ولا تطمئن لهم قدر، فإني لكذلك إذ خرج ~~أبو سفيان من رحله، فقال: يا معشر قريش، لينظر أحدكم من جليسه؟ قال أبو ~~عمر: يخوفهم أن يكون عليهم عيون من المسلمين، قال حذيفة: فبدأت بالذي إلى ~~جنبي، فقلت: من # PageV03P460 # أنت؟ قال: أنا فلان، ثم دعا أبو سفيان براحلته، فقال: يا معشر قريش، ~~والله ما أنتم بدار مقام، لقد هلك الخف والحافر، وأخلفتنا بنو قريظة، وهذه ~~الريح لا يستمسك لنا معها شيء، ولا تثبت لنا نار، ولا تطمئن قدر، ثم عجل ~~وركب راحلته، وإنها لمعقولة، ما حل عقالها إلا بعد ما ركبها، قال: فقلت في ~~نفسي: لو رميت عدو الله فقتلته كنت قد صنعت شيئا، فوترت قوسي ثم وضعت السهم ~~في كبد القوس وأنا أريد أن أرميه فأقتله فذكرت قول النبي، صلى الله عليه ~~وسلم: لا تحدثن شيئا حتى ترجع، قال: فحططت القوس ثم رجعت إلى رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي، فلما سمع حسي فرج بين رجليه فدخلت تحته ~~وأرسل علي طائفة من مرطه فركع وسجد، ثم قال: ما الخبر؟ فأخبرته ثم أخبر ~~الله، عز وجل، عن آل الأحزاب من أين جاءوا # فقال: {إذ جاءوكم من فوقكم} [الأحزاب: 10] من ms1466 فوق الوادي من قبل المشرق، ~~قريظة، والنضير، وغطفان. # {ومن أسفل منكم} [الأحزاب: 10] من قبل المغرب من ناحية مكة، أبو سفيان في ~~قريش ومن تبعه، {وإذ زاغت الأبصار} [الأحزاب: 10] مالت عن كل شيء فلم تنظر ~~إلا إلى عدوها مقبلا من كل جانب، {وبلغت القلوب الحناجر} [الأحزاب: 10] ~~الحنجرة جوف الحلقوم، قال قتادة: شخصت عن مكانها، فلولا أنه حنتق الحلقوم ~~عنها أن تخرج لخرجت، والمعنى ما ذكره الفراء: وهو أنهم جنود، جزع أكثرهم، ~~وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته، فإذا انتفخت الرئة رفعت القلوب ~~إلى الحنجرة، ولهذا يقال للجبان انتفخ سحره. # قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: قلت يوم الخندق: يا رسول الله، هل من ~~شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال: " قولوا: اللهم استر عوارتنا، ~~وآمن روعاتنا ". # قال: فقلناها فضرب الله وجوه أعدائه بالريح وهزموا. # {وتظنون بالله الظنونا} [الأحزاب: 10] أي: اختلفت الظنون، فظن بعضكم ~~بالله النصر ورجاء الظفر، وبعضكم أيس وقنط. # قال الحسن: ظنونا مختلفة، ظن المنافقون أنه يستأصل محمد عليه السلام، وظن ~~المؤمنون أنه ينصر. # {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا {11} وإذ يقول المنافقون ~~والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا {12} وإذ قالت طائفة ~~منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن ~~بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا {13} ولو دخلت عليهم من ~~أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا {14} ولقد كانوا ~~عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسئولا {15} قل لن ~~ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا {16} # PageV03P461 # قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا ~~يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا {17} } [الأحزاب: 11-17] هنالك عند ~~ذلك وفي تلك الحال، ابتلي المؤمنون اختبروا ليتبين المخلص من المنافق، ~~{وزلزلوا زلزالا شديدا} [الأحزاب: 11] أزعجوا وحركوا إزعاجا شديدا، وذلك أن ~~الخائف يكون قلقا مضطربا لا يستقر على مكانه ms1467. # {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا ~~غرورا} [الأحزاب: 12] قال ابن عباس: إن المنافقين قالوا يوم الخندق: إن ~~محمدا يعدنا أن نفتح مدائن كسرى وقيصر ونحن لا نأمن أن نذهب إلى الخلاء. # و {ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} [الأحزاب: 12] وقال قتادة: قال أناس ~~من المنافقين: يعدنا محمد أن يفتح قصور الشام وفارس، وأحدنا لا يستطيع أن ~~يجاوز رحله. # وقال مقاتل: قالوا: يعدنا محمد اليمن وفارس والروم، ولا نستطيع أن نبرز ~~إلى الخلاء، هذا والله الغرور. # {وإذ قالت طائفة منهم} [الأحزاب: 13] قال مقاتل: هم بنو سالم من ~~المنافقين. # وقال السدي: يعني عبد الله بن أبي وأصحابه. # {يا أهل يثرب} [الأحزاب: 13] قال أبو عبيدة: يثرب اسم أرض ومدينة الرسول ~~عليه السلام في ناحية منها. # {لا مقام لكم} [الأحزاب: 13] لا مكان لكم تقيمون فيه، وقرأ عاصم بضم ~~الميم، والمعنى: إقامة لكم، يقال: أقمت إقامة ومقاما. # فارجعوا إلى المدينة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ~~خرجوا عام الخندق حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع، والخندق بينهم وبين القوم، ~~فقال هؤلاء المنافقون الذين ثبطوا الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~ليس لكم ههنا موضع إقامة لكثرة العدو وغلبة الأحزاب. # {ويستأذن فريق منهم النبي} [الأحزاب: 13] في الرجوع إلى المدينة، وهم بنو ~~حارثة، وبنو سلمة، {يقولون إن بيوتنا عورة} [الأحزاب: 13] ليست بحريزة، قال ~~مجاهد، ومقاتل، والحسن: قالوا بيوتنا ضائعة نخشى عليها السراق. # وقال قتادة: قالوا إن بيوتنا مما يلي العدو ولا نأمن على أهلينا، فكذبهم ~~الله، وأعلم أن قصدهم الهرب والفرار، فقال تعالى: {وما هي بعورة إن يريدون ~~إلا فرارا} [الأحزاب: 13] ما يريدون إلا فرارا من القتال ومضرة للمؤمنين، ~~قال الزجاج: يقال: عور المكان يعور عورا وعورة وهو عو وبيوت عورة وعورة، ~~وهي مصدر. # قال الله تعالى: ولو دخلت المدينة، عليهم يعني هؤلاء الذين يريدون قتالهم ~~وهم الأحزاب من أقطارها نواحيها، {ثم سئلوا الفتنة لآتوها} [الأحزاب: 14] ~~يعني الشرك في قول الجميع، قال ابن عباس، ومقاتل: يقول الله ms1468 تعالى: لو أن ~~الأحزاب دخلوا المدينة ثم أمروهم بالشرك لأشركوا، وهو قوله: لآتوها أي: ~~لأعطوهم ما سألوا، وقرأ الحجازيون لأتوها بالقصر، أي لفعلوها، من # PageV03P462 # قولك: أتيت الخير، أي فعلته. # {وما تلبثوا بها إلا يسيرا} [الأحزاب: 14] قال قتادة: وما احتسبوا عن ~~الإجابة إلى الكفر إلا قليلا. # ثم ذكرهم الله تعالى عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم بالثبات في ~~المواطن، فقال: {ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل} [الأحزاب: 15] من قبل ~~الخندق، {لا يولون الأدبار} [الأحزاب: 15] من قبل الخندق، لا ينهزمون ولا ~~يولون العدو ظهورهم، {وكان عهد الله مسئولا} [الأحزاب: 15] يسألون عنه في ~~الآخرة. # ثم أخبر أن الفرار لا يزيدهم في آجالهم، فقال: {قل لن ينفعكم الفرار إن ~~فررتم من الموت أو القتل} [الأحزاب: 16] قال ابن عباس: لأن من حضر أجله مات ~~أو قتل. # {وإذا لا تمتعون إلا قليلا} [الأحزاب: 16] لا تمتعون بعد الفرار في ~~الدنيا إلا مدة آجالكم. # ثم أخبر أن ما قدر عليهم وأراده بهم لا يدفع عنهم بقوله: {قل من ذا الذي ~~يعصمكم من الله} [الأحزاب: 17] يجيركم منه، {إن أراد بكم سوءا} [الأحزاب: ~~17] هلاكا وهزيمة، {أو أراد بكم رحمة} [الأحزاب: 17] خيرا، وهو النصر، وهذا ~~كله أمر للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخاطبهم بهذه الأشياء، ثم أخبر الله ~~أنه لا قريب لهم ينفعهم، ولا ناصر ينصرهم من دون الله، يقول: {ولا يجدون ~~لهم من دون الله وليا ولا نصيرا} [الأحزاب: 17] . # قوله: {قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا ~~يأتون البأس إلا قليلا {18} أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك ~~تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد ~~أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله ~~يسيرا {19} } [الأحزاب: 18-19] {قد يعلم الله المعوقين منكم} [الأحزاب: 18] ~~يقال: عاقه واعتاقه وعوقه إذا صرفه عن الوجه الذي يريده. # قال المفسرون: هؤلاء قوم من المنافقين كانوا يثبطون أنصار النبي صلى الله ~~عليه وسلم، وذلك أنهم قالوا لهم: ما محمد وأصحابه إلا ms1469 أكلة رأس، ولو كانوا ~~لحما لالتهمهم أبو سفيان وحزبه، فخلوهم وتعالوا إلينا. # وهو قوله: {والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس} [الأحزاب: 18] ~~لا يحضرون القتال في سبيل الله، إلا قليلا إلا رياء وسمعة من غير احتساب، ~~ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيرا. # أشحة عليكم بخلاء بالنفقة في سبيل الله والنصرة، والمعنى: لا ينصرونكم، ~~ثم أخبر عن جبنهم، فقال: {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم ~~كالذي يغشى عليه} [الأحزاب: 19] أي: كعين الذي يغشى عليه من الموت، وهو ~~الذي قرب حاله من الموت وغشيته أسبابه، فيذهب ويذهب عقله، ويشخص بصره، فلا ~~يطرف، كذلك هؤلاء تشخص أبصارهم وتحار أعينهم لما يلحقهم من الخوف، ويقال ~~للميت إذا شخص بصره: دارت عينه ودارت حماليق عينه، {فإذا ذهب الخوف} ~~[الأحزاب: 19] وجاء الأمن والغنيمة، {سلقوكم بألسنة حداد} [الأحزاب: 19] ~~قال الفراء: آذوكم بالكلام في الأمن بألسنة سليطة ذربة، يقال: سلق فلانا ~~بلسانه إذا أغلظ له في القول مجاهرا. # قال قتادة: بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة، يقولون: أعطونا أعطونا ~~فلستم بأحق بها منا، فأما عند البأس فأجبن قوم وأخذله للحق، وأما عند ~~القسمة فأشح قوم، وهو قوله: {أشحة على الخير} [الأحزاب: 19] بخلاء ~~بالغنيمة، يشاحون المؤمنين عند القسمة. # ثم أخبر أنهم غير # PageV03P463 # مؤمنين، فقال: {أولئك لم يؤمنوا} [الأحزاب: 19] أي: هم أظهروا الإيمان ~~فقد نافقوا ليسوا بمؤمنين، {فأحبط الله أعمالهم} [الأحزاب: 19] قال مقاتل: ~~أبطل الله جهادهم لأنه لم يكن في إيمان، وكان ذلك الإحباط، {على الله ~~يسيرا} [الأحزاب: 19] . # ثم أخبر بما دل على جبنهم، فقال: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت ~~الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ~~ما قاتلوا إلا قليلا} [الأحزاب: 20] {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} [الأحزاب: ~~20] يحسب المنافقون أن الأحزاب معسكرون مقيمون من الخوف الذي نزل بهم، ~~يحسبون أنهم لم يذهبوا إلى مكة، {وإن يأت الأحزاب} [الأحزاب: 20] يرجعون ~~إليهم للقتال، {يودوا لو أنهم بادون في الأعراب} [الأحزاب: 20] يتمنوا لو ~~كان في بادية الأعراب خارجون إليهم من الرهبة، والبادون خلاف ms1470 الحاضرين، ~~يقال: بدا يبدو بداوة وبداوة إذا خرج إلى البادية. # {يسألون عن أنبائكم} [الأحزاب: 20] أي: ودوا لو أنهم بالبعد منكم يسألون ~~عن أخباركم، يقولون: ما فعل محمد وأصحابه؟ فيعرفون حالكم بالاستخبار، لا ~~بالمشاهدة. # {ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا} [الأحزاب: 20] قال الكلبي: إلا ~~رميا بالحجارة. # وقال مقاتل: إلا رياء من غير احتساب. # ثم عاب من كان بالمدينة بقوله: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن ~~كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا {21} ولما رأى المؤمنون ~~الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا ~~إيمانا وتسليما {22} } [الأحزاب: 21-22] {لقد كان لكم في رسول الله أسوة ~~حسنة} [الأحزاب: 21] قال المفسرون: قدوة صالحة. # ويقال: لي في فلان أسوة حسنة. # يقول: لكم برسول الله اقتداء لو اقتديتم به في تصرفه والصبر معه في مواطن ~~القتال كما فعل هو يوم أحد، إذ كسرت رباعيته، وشج حاجبه، وقتل عمه فواساكم ~~مع ذلك بنفسه، فهلا فعلتم مثل ما فعل هو. # وقوله: {لمن كان يرجو الله} [الأحزاب: 21] بدل من قوله: لكم وهو تخصيص ~~بعد التعميم للمؤمنين، يعني أن الأسوة برسول الله إنما كانت لمن كان يرجو ~~الله واليوم الآخر، قال ابن عباس: يرجو ما عند الله من الثواب والنعيم. # وقال مقاتل: يخشى الله ويخشى البعث الذي فيه جزاء الأعمال. # وهو قوله: {واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} [الأحزاب: 21] أي: ذكرا كثيرا، ~~وذلك إن ذاكر الله متبع لأمره بخلاف الغافل عن ذكره. # ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب بقوله: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب ~~قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله} [الأحزاب: 22] وذلك أن الله تعالى كان قد ~~وعدهم في { [البقرة بقوله:] أم # PageV03P464 # حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} [سورة آل ~~عمران: 142] إلى قوله تعالى: {ألا إن نصر الله قريب} [البقرة: 214] ما ~~سيكون من الشدة التي تلحقهم من عدوهم، فلما رأى المؤمنون الأحزاب وما ~~أصابهم من الشدة والبلاء، {قالوا هذا ما وعدنا} [الأحزاب: 22] الله ورسوله، ~~{وصدق الله ورسوله وما ms1471 زادهم إلا إيمانا} [الأحزاب: 22] تصديقا بوعد الله ~~وتسليما لأمره. # قوله: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ~~ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا {23} ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب ~~المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما {24} } [الأحزاب: ~~23-24] {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23] يعني ~~ليلة العقبة حين عاهدوا على الإسلام فأقاموا عليه بخلاف من كذب في عهده ~~وخان، وهم المنافقون، {فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23] أي: مات أو قتل في ~~سبيل الله فأدرك ما تمنى، فذلك قضاء النحب، قال محمد بن إسحاق: فرغ من عمله ~~ورجع إلى الله يعني من استشهد يوم أحد. # وقال الحسن: قضى أجله على الوفاء والصدق. # قال ابن قتيبة: نحبه أي قتل وأصل النحب النذر، كان قوم نذروا: إن يلقوا ~~العدو أن يقاتلوا حين يقتلوا، أو يفتح الله، فقتلوا، فقيل: فلان قد قضى ~~نحبه إذا قتل. ### | 744 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أنا الحاطب بن أحمد، نا عبد الرحيم ~~بن منيب، نا يزيد بن هارون، أنا حميد، عن أنس أن عمه غاب عن قتال بدر، ~~فقال: غبت عن أول قتال قاتله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع المشركين، ~~لئن أراني الله قتالا للمشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف ~~المسلمون، فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء؛ يعني: المسلمين، ~~وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء؛ يعني: المشركين، ثم تقدم فلقيه سعد دون أحد، ~~فقال: أنا معك، قال سعد: فلم أستطع أن أصنع ما صنع فوجد فيه بضع وثمانون ما ~~بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، كنا نقول: فيه وفي أصحابه نزلت: ~~{فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} ، رواه البخاري، عن محمد بن سعد ~~الخزاعي، عن عبد الأعلى، عن حميد، قال المفسرون: هذا في حمزة وأصحابه الذين ~~قتلوا بأحد، قال ابن عباس: فمن قضى نحبه: حمزة بن عبد المطلب ومن قتل معه، ~~وأنس بن النضر وأصحابه، وقال محمد ms1472 بن إسحاق: {فمنهم من قضى نحبه} ، قال: من ~~استشهد يوم بدر ويوم أحد # {ومنهم من ينتظر} [الأحزاب: 23] ما وعد الله من نصرة أو شهادة على ما مضى ~~عليه أصحابه، {وما بدلوا تبديلا} [الأحزاب: 23] وما غيروا العهد الذي ~~عاهدوا ربهم كما غير المنافقون. # {ليجزي الله الصادقين بصدقهم} [الأحزاب: 24] أي: صدق المؤمنون في عهودهم ~~ليجزيهم بصدقهم، ويعذب المنافقين بنفس العهد، إن # PageV03P465 # شاء قال السدي: يميتهم على النفاق إن شاء، فيوجب لهم العذاب. # فمعنى شرط المشيئة في عذاب المنافقين إماتتهم على النفاق إن شاء ثم ~~يعذبهم، {أو يتوب عليهم} [الأحزاب: 24] فيغفر لهم، ليس أنه يجوز أن لا ~~يعذبهم إذا ماتوا على النفاق، {إن الله كان غفورا} [الأحزاب: 24] لمن تاب، ~~رحيما به. # قوله: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين ~~القتال وكان الله قويا عزيزا {25} وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من ~~صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا {26} وأورثكم ~~أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا {27} } ~~[الأحزاب: 25-27] {ورد الله الذين كفروا} [الأحزاب: 25] أي: صدهم ومنعهم عن ~~الظفر بالمسلمين، يعني الأحزاب، بغيظهم لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا ردهم ~~وفيهم غيظهم على المسلمين، {لم ينالوا خيرا} [الأحزاب: 25] ما كانوا يريدون ~~من الظفر والمال، {وكفى الله المؤمنين القتال} [الأحزاب: 25] بالريح ~~والملائكة التي أرسلت عليهم، {وكان الله قويا} [الأحزاب: 25] في ملكه عزيزا ~~في قدرته. # ثم ذكر ما فعل اليهود بني قريظة بقوله: {وأنزل الذين ظاهروهم} [الأحزاب: ~~26] أعانوا الأحزاب، يعني قريظة، وذلك أنهم نقضوا العهد وصاروا يدا واحدة ~~مع المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فلما هزم الله ~~المشركين بالريح والملائكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسير إلى ~~قريظة فسار إليهم وحاصرهم عشرين ليلة، ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم ~~فيهم سعد بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، فذلك قوله: {وأنزل الذين ظاهروهم من ~~أهل الكتاب من صياصيهم} [الأحزاب: 26] . ### | 745 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، نا محمد بن يعقوب، نا محمد بن ms1473 خالد بن ~~يحيى، نا بشر بن شعيب، عن أبيه، عن الزهري، أنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد ~~الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب أخبره، أن رسول الله، صلى الله ~~عليه وسلم، لما رجع من طلب الأحزاب، ووضع عنه اللامة واغتسل واستجمر؛ تبدى ~~له جبريل، فقال: عذيرك من محارب، ألا أراك قد وضعت اللامة، وما وضعناها ~~بعد، فوثب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فزعا، فعزم على الناس أن يصلوا ~~العصر حتى يأتوا بني قريظة، فلبس الناس السلاح، فلم يأتوا بني قريظة حتى ~~غربت الشمس، واختصم الناس؛ فقال بعضهم: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ~~عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي قريظة، فإنما نحن في عزمة رسول الله، فليس ~~علينا إثم، وصلى طائفة من الناس احتسابا، وتركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت ~~الشمس فصلوها حتى جاءوا بني قريظة احتسابا، فلم يعنف رسول الله، صلى الله ~~عليه وسلم، واحدا من الفريقين # وقوله: من صياصيهم قال ابن عباس، وقتادة، ومقاتل: من حصونهم. # {وقذف في قلوبهم # PageV03P466 # الرعب} [الأحزاب: 26] ألقى في قلوبهم الخوف، فريقا تقتلون يعني المقاتلة، ~~وتأسرون فريقا يعني الذراري. # {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم} [الأحزاب: 27] يعني: عقارهم، ونخلهم، ~~ومنازلهم، وأموالهم من الذهب والفضة والحلي والعبيد والإماء، {وأرضا لم ~~تطئوها} [الأحزاب: 27] بأقدامكم بعد، وهي مما سيفتحها الله عليكم، يعني ~~خيبر، فتحها الله عليكم بعد بني قريظة، وقال قتادة: هي مكة. # وقال الحسن: هي فارس والروم. # وقال عكرمة: هي كل أرض يظهر عليها المسلمون إلى يوم القيامة. # {وكان الله على كل شيء} [الأحزاب: 27] من القرى أن يفتحها على المسلمين، ~~قديرا. # {يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين ~~أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا {28} وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة ~~فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما {29} } [الأحزاب: 28-29] قوله ~~تعالى: {يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها ~~فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} [الأحزاب: 28] قال المفسرون: إن أزواج ~~النبي صلى الله عليه وسلم سألنه شيئا ms1474 من أعراض الدنيا، وطلبن منه زيادة في ~~النفقة، وآذينه بغيرة بعضهن على بعض، فآلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~منهن شهرا، وأنزل آية التخيير، وهي قوله تعالى: {قل لأزواجك} [الأحزاب: 28] ~~وكن يومئذ تسعا: عائشة رضي الله عنها، وحفصة، وأم حبيبة، وسودة، وأم سلمة، ~~وهؤلاء من قريش، وصفية الخيبرية، وميمونة الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، ~~وجويرية بنت الحارث المصطلقية. ### | 746 - # أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعي، أنا محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ، ~~أنا محمد بن معاذ الأهوازي، نا ابن حميد، نا جرير، عن أشعث، عن جعفر بن أبي ~~المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان النبي، صلى الله عليه ~~وسلم، جالسا مع حفصة فتشاجرا بينهما، فقال لها: هل لك أن أجعل بيني وبينك ~~رجلا؟ قالت: نعم، قال لها: فأبوك إذا، فأرسل إلى عمر، فلما أن دخل عليها؛ ~~قال لها: تكلمي، فقالت: يا رسول الله، تكلم ولا تقل إلا حقا، فرجع عمر يده ~~فوجأ وجهها، ثم رجع يده فوجأ وجهها، فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: ~~كف، فقال عمر، يا عدوة الله، النبي، صلى الله عليه وسلم، لا يقول إلا حقا، ~~والذي بعثه بالحق لولا مجلسه ما رفعت يدي حتى تموتي فقام النبي، صلى الله ~~عليه وسلم، فصعد إلى غرفة فمكث فيها شهرا لا يقرب شيئا من نسائه، يتغدى ~~ويتعشى فيها، فأنزل الله، عز وجل، عليه قوله: {يأيها النبي قل لأزواجك إن ~~كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها إلى قوله: لطيفا خبيرا} فنزل النبي، صلى ~~الله عليه وسلم، فعرضها عليهن كلهن، فقلن: نختار الله ورسوله، وكان آخر من ~~عرض عليها حفصة، فقالت: يا رسول الله، مكان العائذ بك من النار، والله لا ~~أعود إلى شيء تكرهه أبدا؛ # PageV03P467 # بل أختار الله ورسوله، فرضي عنها # وقوله: فتعالين أمتعكن يعني: متعة الطلاق، وقد ذكرناها في { [البقرة، ~~وأسرحكن يعني الطلاق، سراحا جميلا من غير ضرار، قال الحسن، وقتادة: أمر ~~الله رسوله أن يخير أزواجه بين الدنيا والآخرة، والجنة والنار، فأنزل الله ~~قوله ms1475:] إن كنتن تردن الحياة الدنيا} [سورة الأحزاب: 28] الآية، وقوله: {وإن ~~كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة} [الأحزاب: 29] يعني الجنة، {فإن الله ~~أعد للمحسنات منكن} [الأحزاب: 29] يعني: اللاتي آثرن الآخرة، أجرا عظيما ~~يعني الجنة، فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بعائشة وخيرها فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، ثم فعل سائر أزواجه مثل ~~ما فعلت هي، وقلن: ما لنا وللدنيا، إنما خلقت الدنيا دار فناء، والآخرة ~~الباقية، والباقية أحب إلينا من الفانية. ### | 747 - # أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عبد الله الشيرازي، نا محمد بن عبد الله بن ~~محمد بن حميدويه الهروي، أنا علي بن محمد الخزاعي، نا أبو اليمان، أنا ~~شعيب، عن الزهري، أنا أبو سلمة، أن عائشة، رضي الله عنها، أخبرته، أن رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم، جاءها حين أمره الله أن يخبر أزواجه، قالت: فبدأ ~~بي، فقال: إني ذاكر لك أمرا ولا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك، ~~قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه، ثم قال: إن الله، عز وجل، ~~قال {يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين} ~~إلى تمام الآيتين، فقلت: أي هاتين أستأمر أبوي، فإني اخترت الله ورسوله ~~والدار الآخرة، رواه البخاري، عن أبي اليمان، ورواه مسلم، عن حرملة بن وهب، ~~عن يونس، عن الزهري قال المفسرون: فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ~~ذلك، فقصر رسوله عليهن، وأنزل عليه: {لا يحل لك النساء من بعد. . . .} ~~الآية، ورفع منزلتهن على سائر النسوة بالتمييز عنهن في العقوبة على المعصية ~~والأجر على الطاعة # وهو قوله: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ~~ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا {30} ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا ~~نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما {31} } [الأحزاب: 30-31] {يا ~~نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة} [الأحزاب: 30] قال ابن عباس: يعني ~~النشوز، وسوء الخلق. # {يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30] يجعل عذاب جرمها في الآخرة كعذاب ~~جرمين، والمعنى ms1476: زيد في عذابها ضعف كما زيد في ثوابها ضعف في قوله: {نؤتها ~~أجرها مرتين} [الأحزاب: 31] وإنما ضوعف عذابهن على الفاحشة لأنهن يشاهدن من ~~الزاجر ما يردع عن مواقعة الذنوب ما لا يشاهد غيرهن، فإذا لم يمتنعن ~~استحققن تضعيف العذاب، وقوله: {وكان ذلك على الله يسيرا} [الأحزاب: 30] قال ~~مقاتل: كان عذابها هينا على الله. # {ومن يقنت منكن لله ورسوله} [الأحزاب: 31] يطع الله ورسوله، وتعمل صالحا ~~وقرأ حمزة بالياء حمل على المعنى وترك لفظه من {نؤتها أجرها مرتين} ~~[الأحزاب: 31] قال مقاتل: مكان كل حسنة ثبتت عشرون حسنة. # {وأعتدنا لها رزقا كريما} [الأحزاب: 31] حسنا، وهو الجنة. # ثم أظهر فضيلتهن على سائر النساء بقوله: { # PageV03P468 # يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع ~~الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا {32} وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج ~~الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد ~~الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا {33} واذكرن ما يتلى في ~~بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا {34} } [الأحزاب: ~~32-34] {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} [الأحزاب: 32] قال الزجاج: لم ~~يقل كواحدة نفي عام للمذكر والمؤنث والواحد والجماعة. # قال ابن عباس: يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات، ~~أنتن أكرم علي وأنا بكن أرحم، وثوابكن أعظم. # إن اتقيتن الله، وشرط عليهن بالتقوى بيانا أن فضيلتهن إنما تكون بالتقوى، ~~لا باتصالهن بالنبي صلى الله عليه وسلم، {فلا تخضعن بالقول} [الأحزاب: 32] ~~لا ترفقن بالقول ولا تلن الكلام، {فيطمع الذي في قلبه مرض} [الأحزاب: 32] ~~زنا وفجور، والمعنى: لا تقلن قولا يجد به منافق أو فاجر سبيلا إلى الطمع في ~~موافقتكن به، والمرأة مندوبة إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في المقالة، لأن ~~ذلك أبعد من الطمع في الريبة، {وقلن قولا معروفا} [الأحزاب: 32] أي: ما ~~يوجبه الدين والإسلام بغير خضوع فيه، بل بتصريح وبيان. # {وقرن في بيوتكن} [الأحزاب: 33] يقال: وقر يقر وقارا إذا سكن، والأمر منه ~~قر، وللنساء قرن، مثل عدن ms1477 وزن، وقرأ عاصم بفتح القاف، وهو من قررت في ~~المكان أقر كان الأصل أقرت، ثم حذفت العين لثقل التضعيف وألقيت حركتها على ~~القاف كقوله: فظلتم قال أبو عبيدة: كان أشياخنا من أهل العربية يذكرون ~~القراءة بالفتح، وذلك لأن قررت في المكان أقر لا يجوزه كثير من أهل ~~العربية، والصحيح قررت أقر بالكسر، ومعناه: الأشرف لهن بالتوقر والسكون في ~~بيوتهن وأن لا يخرجن. # وهو قوله: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} [الأحزاب: 33] التبرج أن ~~تبدي المرأة من محاسنها ما يجب عليها ستره مما يستدعي به شهوة الرجل، وأراد ~~بالجاهلية الأولى ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام، والأولى المتقدمة، وذلك ~~أن أهل الجاهلية الأولى تقدموا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال قتادة: ~~كانت لنساء الجاهلية الأولى مشية تكسر وتغنج فنهي هؤلاء عن ذلك، وأمرن ~~بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله في باقي الآية. # إلى قوله: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} [الأحزاب: 33] ~~ليذهب عنكم الرجس قال ابن عباس: يعني عمل الشيطان وما ليس لله فيه رضا. # وقال مقاتل: يعني الإثم الذي يحصل مما نهاهن الله عنه وأمرهن بتركه. # معنى الرجس السوء وما يوجب العقوبة، والمراد بأهل البيت ههنا نساء النبي ~~صلى الله عليه وسلم، لأنهن في بيته، وهو قول الكلبي، ومقاتل، وعكرمة، وسعيد ~~بن جبير، عن ابن عباس. ### | 748 - # أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، نا أبو العباس محمد بن ~~يعقوب، نا الحسن بن علي بن عفان، نا أبو يحيى الحماني، عن صالح بن موسى ~~القرشي، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: أنزلت # PageV03P469 # هذه الآية في نساء النبي، صلى الله عليه وسلم: {إنما يريد الله ليذهب ~~عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} ### | 749 - # أخبرنا أبو حليم عقيل بن محمد الجرجاني، فيما أجاز لي روايته عنه لفظا، ~~أخبرنا المعافى بن زكريا القاضي، أنا محمد بن جرير، نا ابن حميد، نا يحيى ~~بن واضح، نا الأصبغ بن علقمة، عن عكرمة في قوله: {إنما يريد الله ليذهب ~~عنكم ms1478 الرجس أهل البيت} [الأحزاب: 33] قال: ليس الذي تذهبون إليه، إنما هو ~~في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وكان عكرمة ينادي بهذا في السوق. # وهؤلاء الذين قالوا هذا القول احتجوا بما تقدم من الخطاب وما تأخر، وهو ~~قوله: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن} [الأحزاب: 34] وكلاهما خطاب لأزواج النبي ~~صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكر الخطاب في قوله: عنكم، ويطهركم لأن رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم كان فيهن، فقلب للمذكر، وقال آخرون: هذا خاص في ~~النبي صلى الله عليه وسلم، وفاطمة، والحسن والحسين، وهو قول أبي سعيد ~~الخدري. ### | 750 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن محمد الحافظ، ~~نا أحمد بن أبي عاصم، نا أبو الربيع الزهراني، نا عمار بن محمد الثوري، عن ~~أبي الجحاف، عن عطية، عن أبي سعيد {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل ~~البيت ويطهركم تطهيرا} قال: نزلت في خمسة؛ في النبي، صلى الله عليه وسلم، ~~وعلي وفاطمة والحسن والحسين، ثم وعظهن ليتفكرن، وامتن عليهن # بقوله: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله} [الأحزاب: 34] يعني ~~القرآن، والحكمة، قال مقاتل: يعني أمره ونهيه في القرآن. # وقال قتادة: يعني القرآن والسنة، وهذا حث لهن على حفظ القرآن والأخبار، ~~ومذاكرتهن بهما للإحاطة بحدود الشريعة، والخطاب وإن اختص بهن فغيرهن داخل ~~منه، لأن مبنى الشريعة على هذين القرآن والسنة، وبهما يؤقت على حدود الله ~~ومفترضاته، {إن الله كان لطيفا} [الأحزاب: 34] بأوليائه، خبيرا بجميع خلقه. # {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات ~~والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين ~~والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله ~~كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} [الأحزاب: 35] قوله: {إن ~~المسلمين والمسلمات} [الأحزاب: 35] الآية، قال قتادة: لما ذكر الله أزواج ~~النبي صلى الله عليه وسلم دخل نساء من # PageV03P470 # المسلمات عليهن، فقلن: ذكرتن ولم نذكر؟ فأنزل الله هذه الآية. # وقال مقاتل بن حيان: لما رجعت أسماء بنت عميس من الحبشة مع زوجها جعفر بن ~~أبي طالب دخلت على ms1479 نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: هل نزل فينا ~~شيء من القرآن؟ قلن: لا. # فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن النساء لفي ~~خيبة وخسار. # قال: ومم ذلك؟ قالت: لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال. # فأنزل الله هذه الآية {إن المسلمين والمسلمات} [الأحزاب: 35] يعني ~~المخلصين والمخلصات. # والمؤمنين والمؤمنات والمصدقين بالتوحيد والمصدقات، والقانتين والقانتات ~~المطيعين لله فيما أمر ونهى والمطيعات، والصادقين والصادقات في إيمانهم ~~وفيما ساءهم وسرهم، والصابرين على أمر الله، والصابرات، والخاشعين ~~والخاشعات في الصلاة، والمتصدقين والمتصدقات بالأموال ومما رزقهم الله من ~~الأموال والثمار والمواشي، والصائمين والصائمات لله بنية صادقة، ويكون ~~فطرهم من حلال، {والحافظين فروجهم والحافظات} [الأحزاب: 35] عما لا يحل ~~لهم، {والذاكرين الله كثيرا والذاكرات} [الأحزاب: 35] قال ابن عباس: يريد ~~في أدبار الصلوات، وغدوا وعشيا وفي المضاجع، وكلما استيقظ من نومه، وكلما ~~غدا وراح من منزله ذكر الله. # وقال مجاهد: لا يكون الرجل من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما ~~وقاعدا ومضطجعا. ### | 751 - # أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن الحسن بن علي التاجر، أنا أبو يعقوب يوسف ~~بن أحمد الصيدلاني، بمكة، نا عبد الرحمن بن عبد الله المقرئ، نا عبد الله ~~بن أبي المودة، نا جعفر بن عون، نا مسعر بن كدام، عن علي بن الأقمر، عن ~~الأغر، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إذا أيقظ ~~الرجل أهله فتوضيا وصليا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات» ### | 752 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر، أنا القاسم بن غانم بن حمويه الأشقر، نا محمد ~~بن إبراهيم بن سعيد، نا أبو أيوب سليمان بن النعمان، نا الحسين بن علوان ~~الكوفي عن حنظلة التميمي، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس جاء جبريل إلى ~~النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، قل: سبحان الله، والحمد لله، ~~ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، عدد ما علم وزنه ~~فعلم وملء ما علم، فإنه من قالها كتب الله ms1480 له بها ست خصال: كتب من الذاكرين ~~الله كثيرا، وكان أفضل من ذكر الليل والنهار، وكان له غرسا في الجنة، ~~وتحاتت عنه خطاياه كما يتحات ورق الشجرة اليابسة، وينظر الله إليه، ومن ~~ينظر الله إليه لم يعذبه # قوله: {أعد الله لهم مغفرة} [الأحزاب: 35] أي لذنوبهم، وأجرا عظيما هو ~~الجنة، وقوله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة} [الأحزاب: 36] الآية، نزلت في عبد ~~الله بن جحش وأخته زينب، وكانا ابني عمة النبي صلى الله عليه وسلم، خطب ~~النبي صلى الله عليه وسلم زينب لزيد بن حارثه مولاه، وهي تظن أنه يخطبها ~~لنفسه، فلما علمت أنه يخطبها لزيد # PageV03P471 # كرهت ذلك وأخوها، فلما نزلت الآية رضيا وسلما، فزوجها رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم من زيد. # وقوله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم ~~الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} [الأحزاب: 36] ~~{وما كان لمؤمن} [الأحزاب: 36] يعني عبد الله، ولا مؤمنة يعني أخته، {إذا ~~قضى الله ورسوله أمرا} [الأحزاب: 36] حكما به، {أن يكون لهم} [الأحزاب: 36] ~~جمع الكناية، لأن المراد بقوله المؤمنة كل مؤمن ومؤمنة في الدنيا، والخيرة ~~الاختيار، أعلم الله أنه لا اختيار على ما قضاه الله ورسوله، فلما زوجها ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم من زيد مكثت عنده حينا، ثم إن النبي صلى الله ~~عليه وسلم أتى زيدا فأبصر زينب قائمة، وكانت بيضاء جميلة جسيمة، من أتم ~~نساء قريش، فوقعت في قلبه، فقال: سبحان مقلب القلوب. # وفطن زيد، فقال: يا رسول الله، ائذن لي في طلاقها، فإن فيها كبرا تؤذيني ~~بلسانها، فقال أمسك عليك زوجك، واتق الله، فأنزل الله {وإذ تقول للذي أنعم ~~الله عليه} [الأحزاب: 37] أي: بالهداية والإسلام، وأنعمت عليه بأن أعتقته ~~من الرق، وكان زيد من سبي الجاهلية، اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~بعكاظ في الجاهلية وأعتقه وتبناه، {أمسك عليك زوجك واتق الله} [الأحزاب: ~~37] في أمرها فلا تطلقها، {وتخفي في نفسك} [الأحزاب: 37] سرا، وتضمر في ~~قلبك من إرادة تزوجها ms1481، {ما الله مبديه} [الأحزاب: 37] مظهره لأصحابك، ~~والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتم حبها، وأراد تزوجها، وأمر زيدا ~~بإمساكها، وفي قلبه خلاف ذلك، فأظهر الله عليه ما أخفاه، بأن قضى طلاقها ~~وزجها منه، وأنزل في ذلك القرآن، ولهذا قال ابن مسعود، وعائشة رضي الله ~~عنهما: ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد من هذه الآية. ### | 753 - # أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعي، أنا محمد بن بشر بن العباس المصري، ~~أنا محمد بن إدريس الشامي، نا سويد بن سعيد، نا علي بن مسهر، عن داود، عن ~~الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: لو كتم رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم، شيئا من الوحي لكتم هذه الآية # {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله ~~وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد ~~منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا ~~قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا {37} ما كان على النبي من حرج فيما ~~فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا {38} ~~} [الأحزاب: 37-38] {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك} ~~[الأحزاب: 37] إلى آخر الآية، رواه مسلم، عن محمد بن # PageV03P472 # المثنى، عن عبد الوهاب، عن داود. # وقوله: وتخشى الناس تخاف لائمتهم أن يقولوا أمر رجلا بطلاق امرأته ثم ~~نكحها، وذلك أنه كان يريد أن يطلقها من حيث ميل القلب، ولكنه خاف قالة ~~الناس، وقال عطاء، عن ابن عباس: المراد بالناس في هذه الآية اليهود، خشي أن ~~يقولوا تزوج محمد امرأة ابنه. # وقوله: {والله أحق أن تخشاه} [الأحزاب: 37] أي: هو أولى بأن تخشاه في كل ~~الأحوال وجميع الأمور، ليس أنه لم يخش الله في شيء من هذه القصة، ولكنه لما ~~ذكر خشيته من الناس ذكر خشية الله، وأنه أحق بالخشية منهم. # وروي عن علي بن الحسين رضي الله ms1482 عنه في هذه الآية أنه قال: كان الله عز ~~وجل قد أعلم نبيه أن زينب تكون من أزواجه، وأن زيدا سيطلقها، وعلى هذا يجوز ~~أن يكون النبي عليه السلام معاتبا على قوله: {أمسك عليك زوجك} [الأحزاب: ~~37] مع علمه بأنها ستكون زوجته، وكتمانه ما أخبره الله به، ويكون قوله: ~~{والله أحق أن تخشاه} [الأحزاب: 37] أي: في كتمان ما أخبرك، وإنما كتم ~~النبي عليه السلام ذلك لأنه خشي أن يقول لزيد: زوجتك ستكون امرأتي. # وقوله: {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها} [الأحزاب: 37] معنى قضاء الوطر ~~في اللغة: بلوغ منتهى ما بالنفس من الشيء، يقال: قضى وطرا منها إذا بلغ ما ~~أراد من حاجته فيها، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة: # أيها الرابح المجد ابتكارا ... قد قضى من تهامة الأوطارا # أي: فرغ من أعمال الحج وبلغ ما أراد منه ثم صار، عبارة عن الطلاق، ولأن ~~الرجل إنما يطلق امرأته إذا لم تعد له فيها حاجة. # وروى ثابت، عن أنس، قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم لزيد: اذهب فاذكرها علي. # قال زيد: فانطلقت، فقلت: يا زينب أبشري، أرسلني نبي الله عليه السلام ~~يذكرك، ونزل القرآن. # وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليها بغير إذن، لقوله تعالى: ~~زوجناكها وهذا يدل على أن كل امرأة أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~نكاحها فهو مستغن عن الولي والشهود، وكانت زينب تفاخر نساء النبي صلى الله ~~عليه وسلم وتقول: زوجكن أهلوكن وزوجني الله عز وجل. ### | 754 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز الفقيه، أنا محمد بن الفضل بن ~~محمد السلمي، أنا أبي، أنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب، نا الحسن بن ~~الوليد، عن عيسى بن طهمان، عن أنس بن مالك، قال: كانت زينب بنت جحش تفخر ~~على نساء النبي، صلى الله عليه وسلم، وتقول: زوجني الله من السماء، وأولم ~~عليها، صلى الله عليه وسلم، بخبز ولحم، رواه البخاري، عن خلاد بن يحيى، عن ~~عيسى بن طهمان # قال ms1483 المفسرون: ذكر قضاء الوطر ههنا بيانا أن امرأة المتبنى تحل وإن ~~وطئها، وهو قوله: {لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم} ~~[الأحزاب: 37] أي: زوجناك زينب، وهي امرأة زيد الذي تبنيته، # PageV03P473 # ليكلا يظن أن امرأة المتبنى لا يحل نكاحها، والأدعياء جمع الدعي، وهو ~~الذي يدعى ابنا من غير ولادة. # قال الحسن: كانت العرب تظن أن حرمة المتبنى كحرمة الابن، فبين الله أن ~~حلائل الأدعياء غير محرمة على المتبني وإن أصابوهن. # وهو قوله تعالى: {إذا قضوا منهن وطرا} [الأحزاب: 37] بخلاف ابن الصلت، ~~فإن امرأته تحرم بنفس القصد، وقوله: {وكان أمر الله مفعولا} [الأحزاب: 37] ~~يعني: قضاء الله في زينب أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ~~ماضيا مفعولا. # ثم بين أنه لم يكن عليه حرج في هذا النكاح بقوله: {ما كان على النبي من ~~حرج فيما فرض الله له} [الأحزاب: 38] قال المفسرون: أحل الله له، أي: لا ~~حرج عليه فيما أحل الله له، {سنة الله في الذين خلوا من قبل} [الأحزاب: 38] ~~سن الله لمحمد عليه السلام في التوسعة عليه في باب النكاح كسنته في ~~الأنبياء الماضين عليهم، يعني داود النبي حين هوي المرأة التي فتن بها، جمع ~~الله بينه وبينها، كذلك جمع بين زينب ومحمد عليه السلام، وهذا قول ابن ~~عباس، ومجاهد، والكلبي، والمقاتلين. # {وكان أمر الله قدرا مقدورا} [الأحزاب: 38] قضاء مقضيا، قال مقاتل: أخبر ~~الله تعالى أن أمر زينب من حكم الله وقدره. # ثم ذكر الأنبياء الماضين عليهم السلام، وأثنى عليهم، فقال: {الذين يبلغون ~~رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا {39} ما كان ~~محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء ~~عليما {40} } [الأحزاب: 39-40] {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه} ~~[الأحزاب: 39] تحول خشيتهم من الله بينهم وبين المعصية، {ولا يخشون أحدا ~~إلا الله} [الأحزاب: 39] لا يخشون قالة الناس ولائمتهم فيما أحل الله لهم، ~~{وكفى بالله حسيبا} [الأحزاب: 39] مجازيا لمن يخشاه. # ولما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب، قال ms1484 الناس: إن محمدا صلى ~~الله عليه وسلم تزوج امرأة ابنه، فأنزل الله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد ~~من رجالكم} [الأحزاب: 40] يعني أنه ليس بأب لزيد فتحرم عليه زوجته، قال ~~المفسرون: لم يكن أبا أحد لم يلده، وقد ولد له ذكور: إبراهيم، والقاسم، ~~والطيب، والمطهر. # {ولكن رسول الله} [الأحزاب: 40] ولكن كان رسول الله، وخاتم النبيين آخرهم ~~فلا نبي بعده، قال ابن عباس: يريد لو لم أختم به النبيين لجعلت له ولدا ~~يكون بعد نبيا. # وقرأ عاصم بفتح التاء، قال أبو عبيدة: الوجه الكسر لأن التأويل أنه ختمهم ~~فهو خاتمهم، ولأنه قال: «أنا خاتم النبيين» . # لم نسمع أحد يروي إلا بكسر التاء، ووجه الفتح أن معناه آخر النبيين خاتم ~~الشيء آخره، ومنه قوله: خاتمه مسك، وقال الحسن: الخاتم هو الذي ختم به. ### | 755 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، أنا عبد الملك بن الحسن بن يوسف بن ~~المفضل، أنا يوسف بن يعقوب القاضي، نا عمر بن مرزوق، أنا سليم بن حيان، عن ~~سعيد بن مينا، عن جابر بن عبد الله، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " ~~إنما مثلي في الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها وحسنها إلا موضع لبنة، ~~فكل من دخل فنظر إليها؛ قال: ما أحسنها إلا موضع هذه اللبنة، قال رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم، فأنا # PageV03P474 # موضع اللبنة، ختم بي الأنبياء، رواه البخاري، عن محمد بن سنان، رواه ~~مسلم، عن محمد بن حاتم، عن عبد الرحمن بن مهدي، كلاهما عن سليم بن حيان # {يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا {41} وسبحوه بكرة وأصيلا {42} ~~هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين ~~رحيما {43} تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما {44} } [الأحزاب: ~~41-44] قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} [الأحزاب: ~~41] قال مجاهد: هو أن لا تنساه أبدا. # وقال الكلبي: ويقال: ذكر كثيرا بالصلوات الخمس. # وقال مقاتل بن حيان: هو التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير على كل ~~حال، وهو أن يقول: سبحان الله، والحمد ms1485 لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. # قال: وبلغنا أن هؤلاء الكلمات يتكلم بهن صاحب الجنابة والغائط والمحدث. ### | 756 - # أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزاز، أنا أبو عمر محمد بن أحمد الحيري، ~~أنا علي بن المثنى، نا عمرو بن الحصين، نا عبد الله بن عبد الملك القرشي، ~~نا عبد الله بن زيد بن جابر، سمعت إسماعيل بن عبيد الله مؤذن مسلمة بن عبد ~~الملك يحدث، عن كريمة بنت الحسحاس، قالت: حدثنا أبو هريرة، قال: سمعت رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: يقول ربكم «أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت ~~بي شفتاه» # وقوله: {وسبحوه بكرة وأصيلا} [الأحزاب: 42] صلوا لله بالغداة والعشي، قال ~~الكلبي: أما بكرة فصلاة الفجر، وأما أصيلا فصلاة الظهر والعصر والمغرب ~~والعشاء. # قوله: {هو الذي يصلي عليكم} [الأحزاب: 43] أي: يرحمكم ويغفر لكم، ~~وملائكته قال ابن عباس: يدعون لكم. # وقال المقاتلان: ويأمر الملائكة بالاستغفار لكم. # {ليخرجكم من الظلمات إلى النور} [الأحزاب: 43] من الشرك والكفر إلى ~~الإيمان، يعني أنه برحمته وهدايته ودعاء الملائكة لكم أخرجكم من ظلمة الكفر ~~إلى نور الإيمان. # {تحيتهم يوم يلقونه سلام} [الأحزاب: 44] قال الكلبي: تجيبهم الملائكة على ~~أبواب الجنة بالسلام، فإذا دخلوها حيا بعضهم بعضا بالسلام، وتحية الرب ~~إياهم حين يرسل إليهم بالسلام. # وقال مقاتل: تسلم الملائكة عليهم يوم يلقون الرب عز وجل. # وروي عن البراء بن عازب أنه قال: يوم يلقون ملك الموت لا # PageV03P475 # يقبض روح مؤمن إلا سلم عليه. # والمعنى على هذا: تحية المؤمنين ملك الموت يوم يلقونه أن تسلم عليهم، ~~وسبق ذكر ملك الموت في ذكر الملائكة. # {وأعد لهم أجرا كريما} [الأحزاب: 44] رزقا حسنا في الجنة. # {يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا {45} وداعيا إلى الله ~~بإذنه وسراجا منيرا {46} وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا {47} ~~ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ~~{48} } [الأحزاب: 45-48] قوله: {يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا} [الأحزاب: ~~45] على أمتك وجميع الأمم بتبليغ الرسالة، ومبشرا بالجنة لمن صدقك، ونذيرا ~~ومنذرا بالنار لمن كذبك. # {وداعيا إلى ms1486 الله} [الأحزاب: 46] إلى توحيده وطاعته، بإذنه قال مقاتل: ~~بأمره، يعني أنه أمرك بهذا لا أنك تفعله من قبلك. # قوله: وسراجا منيرا أي: لمن اتبعك واهتدى بك كالسراج في الظلمة يستضاء ~~به. # {وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا} [الأحزاب: 47] قال مقاتل: ~~يعني الجنة. # {ولا تطع الكافرين والمنافقين} [الأحزاب: 48] ذكرنا تفسيره في أول ال { ~~[، ودع أذاهم قال ابن عباس، وقتادة: اصبر على أذاهم. # قال الزجاج: تأويله لا تجازهم عليه إلا أن تؤمر فيهم بأمر، وهذا منسوخ ب: ~~السيف. # ] وتوكل على الله} [الأحزاب: 48] في كفاية شرهم وأذاهم، {وكفى بالله ~~وكيلا} [الأحزاب: 48] كفى به إذا وكلت إليه الأمر. # قوله: {يأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن ~~تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا} ~~[الأحزاب: 49] {يأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} ~~[الأحزاب: 49] ### | 757 - # أخبرنا إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين، أنا جدي محمد بن الحسين، أنا ~~عبد الله بن محمد النصراباذي، نا عبد الرحمن بن بشر، نا علي بن الحسين بن ~~واقد، نا أبي، نا يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه قال: كذبوا على ~~ابن مسعود، وإن كان قالها فزلة من عالم، في الرجل يقول: إن تزوجت فلانة فهي ~~طالق، يقول الله: {يأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} ولم ~~يقل: إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن، وروى طاوس، عن ابن عباس، أنه تلا هذه ~~الآية، ثم قال: لا يكون طلاق حتى يكون نكاح، وقال سماك بن الفضل: إنما ~~النكاح عقدة والطلاق يحلها، فكيف تحل عقدة لم تعقد؟ ! قال معمر: فصار بهذه ~~الكلمة قاضيا على صنعاء # {من قبل أن تمسوهن} [الأحزاب: 49] أي تجامعوهن، {فما لكم عليهن من عدة} ~~[الأحزاب: 49] أسقط الله العدة عن المطلقة قبل الدخول لبراءة رحمها، قال ~~مقاتل: إن # PageV03P476 # شاءت تزوجت من يومها. # وقوله: تعتدونها أي: تحصون عليها العدة بالأقراء أو الأشهر، فمتعوهن قال ~~ابن عباس: هذا إذا لم يكن سمى لها صداقا، فإذا فرض لها صداقا فلها نصفه. # والمطلقة ms1487 قبل المسيس لا تستحق المتعة مع نصف المهر، فإذا لم يفرض لها ~~صداقا فإنها تستحق المتعة واجبة لها على قول أكثر الناس. # {وسرحوهن سراحا جميلا} [الأحزاب: 49] من غير ضرار. # قوله: {يأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت ~~يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك ~~اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن ~~يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ~~ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما {50} ترجي من تشاء ~~منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن ~~تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان ~~الله عليما حليما {51} لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ~~ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا {52} } ~~[الأحزاب: 50-52] {يأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك} [الأحزاب: 50] ذكر ~~الله تعالى في هذه الآية أنواع الأنكحة التي أحلها للنبي صلى الله عليه ~~وسلم، فقال: {أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} [الأحزاب: 50] أي مهورهن، يعني ~~اللاتي يتزوجن بصداق، {وما ملكت يمينك} [الأحزاب: 50] يعني: الجواري التي ~~يملكها، {مما أفاء الله عليك} [الأحزاب: 50] رده عليك من الكفار بأن تسبيه ~~فتملكه، {وبنات عمك وبنات عماتك} [الأحزاب: 50] يعني نساء قريش، {وبنات ~~خالك وبنات خالاتك} [الأحزاب: 50] فتملكهن، يعني نساء بني زهرة، {اللاتي ~~هاجرن معك} [الأحزاب: 50] إلى المدينة، وهذا إنما كان قبل تحليل غير ~~المهاجرات، ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها ~~للنبي} [الأحزاب: 50] أي: وأحللنا لك امرأة، مؤمنة مصدقة بتوحيد الله، وهبت ~~نفسها منك بغير صداق، وغير المؤمنة لا تحل إن وهبت منه نفسها، {إن أراد ~~النبي أن يستنكحها} [الأحزاب: 50] إن آثر النبي نكاحها وأراد ذلك، {خالصة ~~لك من دون المؤمنين} [الأحزاب: 50] خاصة لك دون غيرك، قال ابن عباس: يقول: ~~لا يحل هذا ms1488 لغيرك وهو لك حلال. # وهذا من خصائصه في النكاح، وكان ينعقد النكاح له بلفظ الهبة من غير ولي ~~ولا شهود، ولا ينعقد لأحد نكاح بلفظ الهبة، وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه، ~~وأجاز أهل الكوفة النكاح بلفظ الهبة إذا حضر الولي والشهود. # ثم أخبر الله تعالى عن المؤمنين، فقال: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في ~~أزواجهم} [الأحزاب: 50] يقول: ما أوجبنا عليهم أن لا يتزوجوا أكثر من أربع ~~بمهر وولي وشهود، فلا ينعقد نكاحهم إلا بالأولياء والشهود. # {وما ملكت أيمانهم} [الأحزاب: 50] ممن يجوز سبيه وحربه، فأما من كان له ~~عهد فلا، وقوله: {لكيلا يكون عليك حرج} [الأحزاب: 50] ضيق في أمر النكاح، ~~ومنع من شيء تريده، وهذا فيه تقديم لأن # PageV03P477 # المعنى خالصة لك من دون المؤمنين لكيلا يكون عليك حرج، أي: أحللنا لك ما ~~ذكرنا ليرتفع عنك الحرج. # {وكان الله غفورا} [الأحزاب: 50] للنبي في التزوج بغير مهر، رحيما به في ~~تحليل ذلك له. # قوله: {ترجي من تشاء منهن} [الأحزاب: 51] نزلت في إباحة النبي صلى الله ~~عليه وسلم مصاحبة نسائه ومعاشرتهن كيف شاء من غير حرج عليه، تخصيصا له ~~وتفضيلا له، أباح له أن يجعل لمن أحب منهن يوما أو أكثر، ويعطل من شاء منهن ~~فلا يأتيها، فقوله: {ترجي من تشاء منهن} [الأحزاب: 51] أي: تؤخر ثوبة من ~~تشاء من نسائك من غير طلاق وتتركها فلا تأتيها، {وتؤوي إليك من تشاء} ~~[الأحزاب: 51] تضمها إليك فتأتيها، وكان القسم والتسوية واجبا عليه، فلما ~~نزلت هذه الآية سقط عنه وصار الاختيار إليه فيهن. ### | 758 - # أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد، أنا جدي، أنا محمد بن إسحاق، نا قتيبة، نا ~~جرير، عن منصور، عن أبي رزين، قال: فكان ممن آوى: عائشة، وأم سلمة، وزينب، ~~وحفصة رضي الله عنهن، وكان قسمه من نفسه سواء بينهن، وكان ممن أرجى: سودة، ~~وجويرية، وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، وكان يقسم لهن ما شاء، وكان أراد أن ~~يفارقهن، فقلن: اقسم لنا ما شئت من نفسك ودعنا نكون على حالنا. # وقوله: {ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح ms1489 عليك} [الأحزاب: 51] إن أردت أن ~~تؤوي إليك امرأة ممن عزلتهن من القسمة وتضمها إليك فلا لوم ولا عتب، {ذلك ~~أدنى أن تقر أعينهن} [الأحزاب: 51] ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أدنى ~~إلى رضاهن، إذ كان منزلا من الله عليك، {ويرضين بما آتيتهن كلهن} [الأحزاب: ~~51] بما أعطيتهن من تقريب وإرجاء وإيواء، قال قتادة: إذا علمن أن هذا جاء ~~من الله كان أطيب لأنفسهن وأقل لحزنهن. # {والله يعلم ما في قلوبكم} [الأحزاب: 51] من أمر النساء والميل إلى ~~بعضهن، أي: إنما خيرناك فيهن تيسيرا عليك في كل ما أردت منهن، {وكان الله ~~عليما} [الأحزاب: 51] بخلقه، حليما عن عقابهم. # قوله: {لا يحل لك النساء من بعد} [الأحزاب: 52] قال مجاهد: لا تحل لك ~~اليهوديات، ولا النصرانيات بعد المسلمات. # {ولا أن تبدل بهن} [الأحزاب: 52] يقول: لا تتبدل الكتابيات بالمسلمات. # يقول: لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية. # {إلا ما ملكت يمينك} [الأحزاب: 52] يعني: ما ملكت يمينه من الكتابيات، حل ~~له أن يتسراهن. # وقال معمر، والشعبي: لما خيرهن النبي صلى الله عليه وسلم فاخترن الله ~~ورسوله، شكر الله لهن ذلك، فقصره عليهن، وأنزل هذه الآية. # وعلى هذا القول معناه: لا يحل لك من النساء سوى هؤلاء اللاتي اخترنا لك، ~~وليس أن تطلق واحدة منهن وتتزوج بدلها. # قال الزهري: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وما نعلمه يتزوج النساء. # وقالت عائشة رضي الله عنها: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل ~~الله له النساء. # وقوله: {ولو أعجبك # PageV03P478 # حسنهن} [الأحزاب: 52] أي: إن أعجبك جمالهن فليس لك أن تطلق من نسائك ~~وتنكح بدلها امرأة أعجبت بجمالها. # {إلا ما ملكت يمينك} [الأحزاب: 52] يعني الولائد، قال ابن عباس: ملك بعد ~~هؤلاء مارية. # {وكان الله على كل شيء} [الأحزاب: 52] من أعمال العباد، رقيبا حافظا. # {يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ~~ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين ~~لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي ms1490 من الحق وإذا ~~سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان ~~لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند ~~الله عظيما {53} إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما {54} ~~لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا ~~أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على ~~كل شيء شهيدا {55} } [الأحزاب: 53-55] قوله: {يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا ~~بيوت النبي} [الأحزاب: 53] ### | 759 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي، أنا الحسين بن علي بن محمد ~~الدارمي، أنا محمد بن المسيب، نا الحسين بن سيار الحراني، نا إبراهيم بن ~~سعد، عن صالح بن كيسان، قال، عن ابن شهاب قال: قال أنس بن مالك: أنا أعلم ~~الناس بالحجاب، لقد كان أبي بن كعب يسألني عنه أصبح رسول الله، صلى الله ~~عليه وسلم، عروسا بزينب بنت جحش، فدعا الناس لطعام بعد ارتفاع النهار، فجلس ~~رجال بعد ما قام القوم حتى قام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فمشى ومشينا ~~معه حتى بلغ باب حجرة عائشة، رضي الله عنها، ثم ظن أنهم قد خرجوا فرجع ~~ورجعت معه فإذا هم جلوس في مكانهم، فأنزل الله آية الحجاب، رواه مسلم، عن ~~عمرو الناقد، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه # وقوله: {إلا أن يؤذن لكم إلى طعام} [الأحزاب: 53] أي: يدعو إليه، غير ~~ناظرين منتظرين، إناه نضجه وإدراكه، يقال: أنا يأني إناء إذا حان وقت ~~إدراكه، وكانوا يدخلون بيته فيجلسون منتظرين إدراك الطعام، فنهوا من ذلك. # وقوله: {ولا مستأنسين لحديث} [الأحزاب: 53] أي: بعد أن تأكلوا، كانوا ~~يجلسون أيضا بعد الطعام يتحدثون طويلا، وكان يؤذيه ذلك ويستحي، أي: وكان ~~يؤذيه ذلك ويستحي أن يقول لهم قوموا، فذلك قوله: {إن ذلكم كان يؤذي النبي ~~فيستحيي منكم} [الأحزاب: 53] قال الزجاج: كان النبي صلى الله عليه وسلم ~~يحتمل إطالتهم كرما منه، ويصبر على الأذى في ذلك، فعلم ms1491 الله من يحضره ~~الأدب، فصار أدبا لهم ولمن بعدهم. # وقوله: { # PageV03P479 # والله لا يستحيي من الحق} [الأحزاب: 53] لا يترك أن يبين لكم ما هو الحق، ~~{وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} [الأحزاب: 53] قال مقاتل: أمر ~~الله المؤمنين أن لا يكلموا نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا من وراء ~~حجاب. ### | 760 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، أنا حاجب بن أحمد، نا عبد الرحيم بن منيب، ~~نا يزيد بن هارون، نا حميد، عن أنس، قال: قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: ~~قلت: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين ~~بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، رواه البخاري، عن مسدد، عن يحيى، عن حميد # وقوله: ذلكم أي: سؤالكم إياهن من المتاع من وراء حجاب، {أطهر لقلوبكم ~~وقلوبهن} [الأحزاب: 53] من الريبة، {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} ~~[الأحزاب: 53] ليس لكم أذاه في شيء من الأشياء، {ولا أن تنكحوا أزواجه من ~~بعده أبدا} [الأحزاب: 53] قال عطاء، عن ابن عباس: كان رجل من أصحاب النبي ~~صلى الله عليه وسلم قال: لو توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجت ~~عائشة رضي الله عنها. # فأنزل الله ما أنزل. # قال مقاتل بن سليمان: هو طلحة بن عبيد الله. # قال الزجاج: أعلم الله أن ذلك محرم بقوله: {إن ذلكم كان عند الله عظيما} ~~[الأحزاب: 53] أي: ذنبا عظيما. # ثم أعلمهم أنه يعلم سرهم وعلانيتهم بقوله: {إن تبدوا شيئا} [الأحزاب: 54] ~~أي: تظهروا شيئا من أمرهن، يعني طلحة، وذلك أنه لما نزل آية الحجاب قال ~~طلحة: يمنعنا محمد صلى الله عليه وسلم من الدخول على بنات عمنا، يعني عائشة ~~رضي الله عنها، وهما من بني تيم بن مرة. # وقوله: أو تخفوه أي: تسروه في أنفسكم، وذلك أن نفسه حدثته بتزوج عائشة ~~رضي الله عنها، فذلك قوله: {فإن الله كان بكل شيء} [الأحزاب: 54] من السر ~~والعلانية، عليما. # ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأقارب والأبناء لرسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فأنزل ms1492 الله تعالى قوله: {لا ~~جناح عليهن في آبائهن} [الأحزاب: 55] أن يرونهن ولا يحتجبن عنهم، {ولا ~~أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن} ~~[الأحزاب: 55] قال ابن عباس: يريد نساء المؤمنين، لأن نساء اليهود والنصارى ~~يصفن لأزواجهن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رأينهن. # {ولا ما ملكت أيمانهن} [الأحزاب: 55] يعني العبيد والإماء، وقد تقدم في { ~~[النور ذكر من يحل للمرأة أن يراها في قوله:] إلا لبعولتهن} [سورة النور: ~~31] . # الآية واتقين الله أن يراكن غير هؤلاء، {إن الله كان على كل شيء} ~~[الأحزاب: 55] من أعمال بني آدم، شهيدا لم يغب عنه شيء. # قوله تعالى: { # PageV03P480 # إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا ~~تسليما} [الأحزاب: 56] {إن الله وملائكته يصلون على النبي} [الأحزاب: 56] ~~قال ابن عباس: يريد: إن الله يرحم النبي، والملائكة يدعون له بالرحمة. # وقال مقاتل: أما صلاة الرب بالمغفرة، وأما صلاة الملائكة فالاستغفار له. # {يأيها الذين آمنوا صلوا عليه} [الأحزاب: 56] ادعوا له بالمغفرة ~~واستغفروا له، وسلموا تسليما قولوا السلام عليك أيها النبي، والحديث الصحيح ~~الجامع لتفسير هذه الآية ما: ### | 761 - # ما أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أنا أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف ~~الفقيه، نا الفضل بن عبد الله بن مسعود، نا مالك بن سليمان، أنا شعبة، عن ~~الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: قلنا: يا رسول ~~الله، قد عرفنا التسليم عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: " قولوا: اللهم صل ~~على سيدنا محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل ~~محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد "، ~~رواه البخاري، عن آدم بن أبي إياس، ورواه مسلم، عن بندار، عن غندر، كلاهما ~~عن شعبة، ومعنى قوله: علمنا التسليم عليك؛ ما تقوله في التشهد: سلام عليك ~~أيها النبي ورحمة الله وبركاته # أخبرنا أبو سعد بن أبي رشيد العدل، أنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء، ~~نا محمد بن يحيى ms1493 الصوفي، نا محمد بن العباس الرياشي، عن الأصمعي، قال: سمعت ~~المهدي على منبر البصرة يقول: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى ~~بملائكته، فقال: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا ~~عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: 56] آثره صلى الله عليه وسلم بها من بين ~~الرسل، واختصكم بها من بين الأمم، فقابلوا نعمة الله بالشكر. ### | 762 - # أخبرنا أبو حسان المزكي، أنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن أيوب، نا سهل ~~بن عمار العتكي، نا إبراهيم الزيات، عن عبد الحكم، عن أنس بن مالك، عن أبي ~~طلحة، قال: دخلت على النبي، صلى الله عليه وسلم، فلم أره أشد استبشارا منه ~~يومئذ، ولا أطيب نفسا، قلت: يا رسول الله، ما رأيت قط أطيب نفسا ولا أشد ~~استبشارا منك اليوم، فقال: " وما يمنعني وقد خرج آنفا جبريل من عندي؟ قال: ~~قال الله، تعالى: من صلى عليك صلاة صليت بها عليه عشر صلوات، ومحوت عنه عشر ~~سيئات، وكتبت له عشر حسنات " # PageV03P481 # {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم ~~عذابا مهينا {57} والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد ~~احتملوا بهتانا وإثما مبينا {58} } [الأحزاب: 57-58] قوله تعالى: {إن الذين ~~يؤذون الله ورسوله} [الأحزاب: 57] قال المفسرون: هم المشركون واليهود ~~والنصارى، وصفوا الله بالولد فقالوا عزيرا ابن الله، والمسيح ابن الله، ~~والملائكة بنات الله، وكذبوا رسوله، وشجوا وجهه، وكسروا رباعتيه، وقالوا ~~مجنون، شاعر، ساحر، كذاب. # ويدل على صحة هذا التفسير ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما ~~أجد أصبر على أذى يسمعه من الله أنه يجعل له ند ويجعل له ولد وهو على ذلك ~~يعافيهم ويعطيهم ويرزقهم» . # ومعنى يؤذون الله: يخالفون أمره ويعصونه، ويصفونه بما هو منزه عنه، والله ~~تعالى لا يلحقه أذى، ولكن لما كانت مخالفة الأمر فيما بيننا تسمى إيذاء ~~خوطبنا بما نتعارفه. # وقوله: {لعنهم الله في الدنيا والآخرة} [الأحزاب: 57] يعني القتل والجلاء ~~في الدنيا، والعذاب بالنار في الآخرة، وهو قوله: {وأعد لهم عذابا مهينا ~~{57} والذين يؤذون ms1494 المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا} [الأحزاب: 57-58] ~~قال مجاهد: يقعون فيهم بغير ما عملوا، يعني يرمونهم بما ليس فيهم، وروي أن ~~رجلا شتم علقمة، فقرأ هذه الآية. # وقال قتادة، والحسن: إياكم وأذى المؤمنين، فإن الله يغضب له. ### | 763 - # أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو النيسابوري، أنا حمزة بن شبيب المعمري، أنا ~~عمرو بن عبد الله البصري، أنا أحمد بن معاذ السلمي، نا خالد بن عبد الرحمن ~~المخزومي، نا عمر بن ذر، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: خرج النبي، صلى الله ~~عليه وسلم، على أصحابه، فقال: رأيت الليلة عجبا؛ رأيت رجالا يعلقون ~~بألسنتهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الذين يرمون المؤمنين ~~والمؤمنات بغير ما اكتسبوا {فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} # {يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ~~ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما {59} لئن لم ينته ~~المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا ~~يجاورونك فيها إلا قليلا {60} ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ~~{61} سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا {62} } ~~[الأحزاب: 59-62] {يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين ~~عليهن من جلابيبهن} [الأحزاب: 59] جمع جلباب، وهو الملاءة التي تشتمل بها ~~المرأة، قال المفسرون: يغطين رءوسهن ووجوهن إلا عينا واحدة، فيعلم أنهن ~~حرائر، فلا يعرض لهن بأذى. # وهو قوله: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} [الأحزاب: 59] قال السدي: كانت ~~المدينة ضيقة المنازل، وكانت النساء يخرجن بالليل لقضاء الحاجة، وكان فساق ~~من فساق المدينة يخرجون، فإذا رأوا المرأة عليها قناع قالوا هذا حرة ~~فتركونا، وإذا رأوا المرأة بغير قناع قالوا أمة فكابروها. # وقوله: {وكان الله غفورا} [الأحزاب: 59] أي: لمن اتبع أمره، رحيما به. # ثم أوعد هؤلاء الفساق، فقال: {لئن لم ينته المنافقون} [الأحزاب: 60] عن # PageV03P482 # نفاقهم، {والذين في قلوبهم مرض} [الأحزاب: 60] يعني الفجور، وهم الزناة، ~~{والمرجفون في المدينة} [الأحزاب: 60] وهم قوم كانوا يوقعون الأخبار بما ~~يكره المؤمنون، يقولون: قد أتاكم العدو، ويقولون لسراياهم: قد قتلوا ms1495 ~~وهزموا. # لنغرينك بهم قال ابن عباس: لنسلطنك عليهم. # والمعنى: أمرناك بقتالهم حتى تقتلهم وتخلي عنهم المدينة. # وهو قوله: {ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا} [الأحزاب: 60] أي: لا يساكنوك ~~في المدينة إلا يسيرا حتى يهلكوا. # ملعونين مطرودين مبعدين عن الرحمة، أينما ثقفوا وجدوا وأدركوا، {أخذوا ~~وقتلوا تقتيلا} [الأحزاب: 61] أي: الحكم فيهم هذا على جهة الأمر به. # {سنة الله في الذين خلوا من قبل} [الأحزاب: 62] قال الزجاج: سن الله في ~~الذين ينافقون الأنبياء ويرجفون بهم أن يقتلوا حيث ما ثقفوا، ولا يبدل الله ~~سنته فيهم، وهو قوله: {ولن تجد لسنة الله تبديلا} [الأحزاب: 62] هكذا سنة ~~الله فيهم إذا أظهروا النفاق. # {يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة ~~تكون قريبا {63} إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا {64} خالدين فيها ~~أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا {65} يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ~~ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا {66} وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا ~~وكبراءنا فأضلونا السبيلا {67} ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا ~~كبيرا {68} } [الأحزاب: 63-68] قوله: {يسألك الناس عن الساعة} [الأحزاب: ~~63] قال الكلبي: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة وعن ~~قيامها، فقال الله: {قل إنما علمها عند الله وما يدريك} [الأحزاب: 63] أي ~~شيء يعلمك أمر الساعة، ومتى يكون قيامها؟ أي: أنت لا تعرفه، ثم قال: {لعل ~~الساعة تكون قريبا} [الأحزاب: 63] وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: وقالوا ربنا ~~إنا أطعنا ساداتنا وكبراءنا أشرافنا وعظماءنا، قال مقاتل: هم المطعمون في ~~غزوة بدر. # فأضلونا عن سبيل الهدى، يقرأ سادتنا وكلاهما جمعان، وسادة أحسن، والعرب ~~لا تكاد تقول سادات. # ثم قالوا: ربنا آتهم يعنون السادة، {ضعفين من العذاب} [الأحزاب: 68] ~~عذبهم مثلي عذابنا، {والعنهم لعنا كبيرا} [الأحزاب: 68] يعني اللعن على أثر ~~اللعن، أي: مرة بعد مرة، وقرأ بها عاصم بالياء على وصف اللعن بالكبر. # قال الكلبي: يقول عذبهم عذابا كبيرا. # قوله: {يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما ~~قالوا وكان عند الله وجيها} [الأحزاب ms1496: 69] {يأيها الذين آمنوا لا تكونوا ~~كالذين آذوا موسى} [الأحزاب: 69] قال قتادة: وعظ الله المؤمنين ألا تؤذوا ~~محمدا صلى الله عليه وسلم كما آذى بنو إسرائيل موسى. # وهو ما: ### | 764 - # أخبرنا أبو طاهر الزيادي، أنا محمد بن الحسين القطان، نا أحمد بن يوسف، ~~نا عبد الرزاق، نا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، عن ~~محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " كانت بنو إسرائيل يغتسلون ~~عراة، ينظر بعضهم إلى سوءة بعض، وكان موسى يغتسل وحده، فقالوا: والله، ما ~~يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر، فذهب مرة يغتسل وحده، فوضع ثوبه على ~~حجر ففر الحجر بثوبه، فجمع موسى في أثره يقول: ثوبي، حجر، ثوبي، حجر، حتى ~~نظرت بنو إسرائيل إلى سوءة موسى، فقالوا: والله، ما بموسى من بأس، قال: ~~فقام الحجر بعد ما نظر إليه بنو إسرائيل وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا فقال ~~أبو هريرة: والله، إنه ندب بالحجر ستة، أو سبعة، ضرب موسى بالحجر "، رواه # PageV03P483 # مسلم، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، وهذا قول جميع المفسرين # وروي آخر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو: ### | 765 - # ما أخبرنا أبو حليم الجرجاني، فيما أجاز لي، أنا المعافى بن زكريا، أنا ~~محمد بن جرير، نا علي بن مسلم الطوسي، نا عباد، نا سفيان بن حسين، عن ~~الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن علي في قوله: {لا تكونوا كالذين ~~آذوا موسى} قال: صعد موسى وهارون، عليهما السلام، الجبل، فمات هارون، فقالت ~~بنو إسرائيل: أنت قتلته، وكان أشد حسبا لنا منك، وألين لنا منك، وآذوه ~~بذلك، فأمر الله الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل وتكلمت ~~الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه قد مات، فبرأه الله من ذلك # وقوله: {وكان عند الله وجيها} [الأحزاب: 69] يقال: وجه الرجل يوجه وجاهة ~~فهو وجيه إذا كان ذا وجاه وقدر. # قال ابن عباس: كان عند الله حظيا، لا يسأله شيئا إلا أعطاه. # وقال الحسن: كان ms1497 مستجاب الدعوة. # {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا {70} يصلح لكم أعمالكم ~~ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما {71} } [الأحزاب: ~~70-71] {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا} [الأحزاب: 70] ~~قال ابن عباس: صوابا. # قال الحسن: صادقا. # يعني كلمة التوحيد لا إله إلا الله، أمر الله المؤمنين بالتوحيد والتقوى، ~~ووعد عليهم أن يصلح أعمالهم، فقال: {يصلح لكم أعمالكم} [الأحزاب: 71] قال ~~ابن عباس: يقبل حسناتكم. # وقال مقاتل: يزكي أعمالكم. # {ومن يطع الله ورسوله} [الأحزاب: 71] فيما يأمرانه، {فقد فاز فوزا عظيما} ~~[الأحزاب: 71] قال: الخير كله وظفر به. # قوله: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ~~وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا {72} ليعذب الله المنافقين ~~والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان ~~الله غفورا رحيما {73} } [الأحزاب: 72-73] {إنا عرضنا الأمانة على السموات ~~والأرض} [الأحزاب: 72] الآية، معنى الأمانة ههنا في قول جميع المفسرين: ~~الطاعة والفرائض التي يتعلق بأدائها الثواب وبتضييعها العقاب. # روى أبو بكر الهذلي، عن الحسن في هذه الآية، قال: عرضت الأمانة على ~~السموات السبع الطباق التي زينت بالنجوم وحملت العرش العظيم، فقيل لهن: ~~تأخذن الأمانة بما فيها. # قلن: وما فيها؟ قيل: إن أحسنتن جزيتن، وإن أسأتن عوقبتن. # قلن: لا. # ثم عرضت على الجبال الشم الشوامخ البواذخ الصلاب الصعاب، فقيل لهن: ~~أتأخذن الأمانة بما فيها؟ قلن: وما فيها؟ قيل: إن أحسنتن جزيتن، وإن أسأتن ~~عوقبتن. # قلن: لا. # فذلك قوله: {فأبين أن يحملنها وأشفقن منها} [الأحزاب: 72] وقال ابن جريج: ~~قالت السماء: يا رب، خلقتني وجعلتني سقفا محفوظا، وأجريت في الشمس والقمر ~~والنجوم، لا أتحمل فريضة، ولا أبغي ثوابا ولا عقابا. # وقالت الأرض: جعلتني بساطا ومهادا، وشققت في الأنهار، وأنبت في الأشجار، ~~لا أتحمل فريضة، ولا أبغي ثوابا ولا عقابا. # وإنما كان العرض على أعيان هذه الأشياء بأن ركب الله تعالى فيهن العقل ~~وأفهمهن خطابه حتى فهمن وأنطقهن بالجواب. # ومعنى قوله: {فأبين أن يحملنها} [الأحزاب: 72] أي: مخافة وخشية لا معصية ~~ومخالفة، والعرض كان تخييرا لا ms1498 إلزاما، وقوله: # PageV03P484 # وأشفقن منها أي: خفن من الأمانة أن لا يوفينها فيلحقهن العقاب، وحملها ~~الإنسان قال عطاء، عن ابن عباس: يريد آدم، عرض الله عليه أداء الفرائض: ~~الصلوات الخمس في مواقيتها، وأداء الزكاة عند محلها، وصيام رمضان، وحج ~~البيت على أن له الثواب وعليه العقاب، فقال: بين أذني وعاتقي. # وقال مقاتل بن حيان: قال الله: يا آدم، أتحمل هذه الأمانة وترعاها حق ~~رعايتها؟ فقال آدم: ومالي عندك؟ قال: إن أحسنت وأطعت ووعيت الأمانة فلك ~~الكرامة وحسن الثواب في الجنة، وإن عصيت وأسأت فإني معذبك ومعاقبك. # قال: قد رضيت رب وتحملتها. # فقال الله تعالى: قد حملتكها. # فذلك قوله: {وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} [الأحزاب: 72] قال ~~الكلبي: ظلمه حين عصى ربه فأخرج من الجنة، وجهله حين احتملها. # وقال المقاتلان: ظلوما لنفسه جهولا بعاقبة ما تحمل. # أخبرنا أحمد بن يعقوب، نا الحسن بن علي بن عفان، نا أسامة، عن النضر بن ~~عدي، أن رجلا سأل مجاهدا عن قوله، {إنا عرضنا الأمانة} [الأحزاب: 72] ~~الآية، فقال مجاهد: لما خلق الله السموات والأرض والجبال عرض الأمانة عليه ~~فلم تقبلها، فلما خلق الله آدم عرضها عليه، قال: يا رب، وما هي؟ قال: إن ~~أحسنت جزيتك، وإن أسأت عذبتك. # قال: قد تحملتها يا رب. # قال مجاهد: فما كان بين أن تحملها وبين أن خرج من الجنة إلا قدر ما بين ~~الظهر والعصر. ### | 766 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا أبو يحيى الرازي، نا ~~سهل العسكري، نا يعلى بن عبيد، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس: قال: إن ~~الله قال لآدم: إني عرضت الأمانة على السموات والأرض فلم تطقها، فهل أنت ~~حاملها بما فيها؟ قال: إي رب، وما فيها؟ قال: إن حفظتها أجرت، وإن ضيعتها ~~عذبت، قال: فقد حملتها بما فيها، قال: فما غبر في الجنة إلا كقدر ما بين ~~الظهر والعصر حتى أخرجه منها إبليس، قال جويبر: فقلت للضحاك: وما الأمانة؟ ~~قال: الفرائض على كل مؤمن؛ أن لا يغش مؤمنا، ولا معاهدا في قليل ms1499 ولا كثير، ~~فمن انتقص شيئا من الفرائض فقد خان أمانته # قوله: {ليعذب الله المنافقين} [الأحزاب: 73] إلى قوله: ويتوب قال ~~المقاتلان: ليعذبهم الله بما خانوا الأمانة وكذبوا الرسل ونقضوا الميثاق ~~الذين أقروا به حين أخرجوا من ظهر آدم. # وقال الحسن، وقتادة: هؤلاء خانوها، وهم الذين ظلموها. # {ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات} [الأحزاب: 73] هؤلاء أدوها، وقال ~~ابن قتيبة: أي عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك، فيعذبهما الله ~~ويظهر إيمان المؤمن ويتوب الله عليه بالرحمة والمغفرة إن حصل منه تقصير في ~~بعض الطاعات. # ولذلك ذكر بلفظ التوبة، فدل أن المؤمن العاصي خارج من العذاب. # {وكان الله غفورا} [الأحزاب: 73] للمؤمنين، رحيما بهم. # PageV03P485 ### | سورة سبإ # مكية وآياتها أربع وخمسون. ### | 767 - # أخبرنا محمد بن علي بن أحمد الحيري، أنا محمد بن جعفر بن مطر، نا إبراهيم ~~بن شريك، نا أحمد بن عبد الله، نا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، عن زيد ~~بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة سبإ لم يبق نبي ولا رسول إلا كان له يوم ~~القيامة رفيقا ومصافحا» # {الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو ~~الحكيم الخبير {1} يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء ~~وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور {2} } [سبأ: 1-2] بسم الله الرحمن الرحيم ~~{الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض} [سبأ: 1] ملكا وخلقا، {وله ~~الحمد في الآخرة} [سبأ: 1] يحمده أولياؤه إذا دخلوا الجنة فقالوا: {الحمد ~~لله الذي صدقنا وعده} [الزمر: 74] ، و {الحمد لله الذي هدانا لهذا} ~~[الأعراف: 43] ، و {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} [فاطر: 34] ، وهو ~~الحكيم في أمره، الخبير بخلقه. # {يعلم ما يلج في الأرض} [سبأ: 2] ما يدخل فيها من مطر أو كنز أو ميت، ~~{وما يخرج منها} [سبأ: 2] من زرع ونبات، {وما ينزل من السماء} [سبأ: 2] من ~~مطر أو رزق، {وما يعرج فيها} [سبأ: 2] من الملائكة ms1500 وأعمال العباد، وهو ~~الرحيم بأوليائه، الغفور لذنوبهم. # {وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا ~~يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا ~~في كتاب مبين {3} ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق ~~كريم {4} والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم {5} ~~ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط ~~العزيز الحميد {6} } [سبأ: 3-6] {وقال الذين كفروا} [سبأ: 3] يعني منكري ~~البعث، {لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب} [سبأ: 3] وقرأ ~~حمزة علام الغيب على المبالغة، كقوله: علام الغيوب وباقي الآية مفسرة في { ~~[ # PageV03P486 # يونس. # ] ليجزي الذين آمنوا} [سورة سبأ: 4] أي: لتأتينكم الساعة ليجزي الذين ~~آمنوا، ثم بين جزاء الفريقين، فقال: أولئك يعني الذين آمنوا، {لهم مغفرة ~~ورزق كريم} [سبأ: 4] حسن، يعني في الجنة. # والذين سعوا مفسر في { [الحج،] أولئك لهم عذاب من رجز أليم} [سورة سبأ: ~~5] قرئ بالرفع على نعت العذاب، وبالخفض على نعت الرجز، والرجز العذاب، ~~ذكرنا ذلك. # {ويرى الذين أوتوا العلم} [سبأ: 6] ويعلم الذين أوتوا العلم بالله، يعني ~~مؤمني أهل الكتاب، وقال قتادة: يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. # {الذي أنزل إليك من ربك} [سبأ: 6] يعني القرآن، وهو الحق هو فضل عند ~~المبصرين، كقوله: {هو خير لكم} [النحل: 95] ، ويهدي يعني القرآن، إلى صراط ~~دين، العزيز في ملكه، الحميد عند خلقه. # {وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي ~~خلق جديد {7} أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في ~~العذاب والضلال البعيد {8} أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من ~~السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ~~ذلك لآية لكل عبد منيب {9} } [سبأ: 7-9] {وقال الذين كفروا} [سبأ: 7] يعني ~~منكري البعث، قال بعضهم لبعض: {هل ندلكم على رجل} [سبأ: 7] يزعم أنكم ~~تبعثون بعد أن ms1501 تكونوا عظاما وترابا ورفاتا، وهو قوله: {إذا مزقتم كل ممزق} ~~[سبأ: 7] أي: فرقتم كل تفريق، وقطعتم كل تقطيع، والممزق ههنا مصدر بمعنى ~~التمزيق، قال ابن عباس: إذا متم وبليتم. # وقال مقاتل: إذا تفرقتم في الأرض وذهبت الجلود والعظام وكنتم ترابا. # {إنكم لفي خلق جديد} [سبأ: 7] أي: يجدد خلقكم بأن تبعثوا وتنشروا. # {أفترى على الله كذبا} [سبأ: 8] هذا أيضا من قول الكفار بعضهم لبعض، ~~قالوا: أفترى محمد على الله كذبا حين زعم أنا نبعث بعد الموت، والألف في ~~أفترى ألف الاستفهام، وهو استفهام تعجب وإنكار. # وقوله: {أم به جنة} [سبأ: 8] يقولون: أيزعم كذبا أم به جنة؟ فرد الله ~~عليهم، فقال: بل ليس الأمر على ما قالوا من الافتراء والجنون، {الذين لا ~~يؤمنون بالآخرة} [سبأ: 8] هؤلاء الذي لا يؤمنون بالبعث، في العذاب في ~~الآخرة، والضلال البعيد من الحق في الدنيا. # ثم وعظهم ليعتبروا، فقال: {أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من ~~السماء والأرض} [سبأ: 9] وذلك أن الإنسان حيث نظر رأى السماء والأرض قدامه ~~وخلفه، وعن يمينه وعن شماله، والمعنى أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة ~~بهم، وأنا القادر عليهم، إن شئت خسفت الأرض بهم، وإن شئت أسقطت عليهم قطعة ~~من سمائي، وهو قوله: {إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء} ~~[سبأ: 9] وأدغم الكسائي وحده الفاء في الباء في قوله: {نخسف بهم الأرض} ~~[سبأ: 9] قال أبو علي الفارسي: وذلك غير جائز لأن الفاء من باطن الشفة ~~السفلى وأطراف الثنايا العليا، فانحدر الصوت إلى الفم حيث اتصلت بمخرج ~~الثاء، ولهذا جاز إبدال الثاء بالفاء في نحو الحدث والجدف المقاربة بينهما، ~~فلم يجز إدغامه في الباء، كما لا يجوز إدغام الباء فيه لزيادة صوت الفاء ~~على صوت الباء. # وقوله: {إن في ذلك} [سبأ: 9] أي: فيما ترون من السماء والأرض، لآية تدل ~~على قدرة الله على البعث وعلى ما يشاء من الخسف بهم، {لكل عبد منيب} [سبأ: ~~9] أياب إلى الله وحده، ورجع إلى طاعته، وتأمل ما خلق. # PageV03P487 # {ولقد آتينا ms1502 داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد {10} ~~أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير {11} } ~~[سبأ: 10-11] قوله: {ولقد آتينا داود منا فضلا} [سبأ: 10] يعني النبوة ~~والكتاب وما أعطي من الملك في الدنيا، يا جبال أي: وقلنا يا جبال، أوبي معه ~~سبحي معه، وكان إذا سبح داود سبحت الجبال معه، وقوله: والطير عطف على موضع ~~الجبال، لأن كل منادي في موضع نصب. # قال ابن عباس: وكانت الطير تسبح معه إذا سبح. # {وألنا له الحديد} [سبأ: 10] حتى صار عنده مثل الشمع، وكان يأخذ بيده ~~فيصير كأنه عجين، فكان يعمل به ما يشاء من غير نار ولا قرع. # وهو قوله: {أن اعمل سابغات} [سبأ: 11] دروعا كوامل يجرها لابسها على ~~الأرض، قال قتادة: وكان أول من عملها، وإنما كانت قبله صفائح من الحديد. # {وقدر في السرد} [سبأ: 11] والسرد: نسج الدروع، ومنه قيل لصانعها سراد ~~وزراد، يبدل من السين زايا. # والمعنى: لا يجعل المسامير دقاقا فتفلق، ولا غلاظا فتكثر الحلق، هذا قول ~~أهل التأويل. ### | 768 - # أخبرني سعيد بن العباس القرشي، فيما أجاز لي، أخبرني العباس بن الفضل بن ~~زكريا، أنا أحمد بن نجدة القرشي، نا سعيد بن منصور، نا عبد الرزاق، نا عبد ~~الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: {وقدر في السرد} قال: لا ~~تدقق المسامير، وتوسع الحلقة فتقسى، ولا تغلظ المسامير، وتضيق الحلق ~~فينقصم، اجعله قدرا # قال مقاتل: ثم قال الله لآل داود: اعملوا صالحا قال ابن عباس: اشكروا ~~الله بما هو أهله. # {إني بما تعملون بصير} [سبأ: 11] . # ثم ذكر ابنه سليمان وما أعطاه من الخير والكرامة، فقال: {ولسليمان الريح ~~غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ~~ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير {12} يعملون له ما يشاء من ~~محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من ~~عبادي الشكور {13} } [سبأ: 12-13] {ولسليمان الريح} [سبأ: 12] قال الفراء: ~~نصب الريح على ms1503 وسخرنا لسليمان الريح، ورفع عاصم لما لم يظهر التسخير على ~~معنى وله تسخير الريح، فالرفع يئول إلى معنى النصب، وقوله: {غدوها شهر ~~ورواحها شهر} [سبأ: 12] أي: سير غدو تلك الريح المسخرة له مسيرة شهر، ~~ورواحها شهر. # والمعنى أنها كانت تسير في اليوم مسيرة شهرية للراكب. # قال الحسن: تعدو من دمشق فتقيل باصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع، ثم تروح ~~من اصطخر فتبيت بكابل، وبينهما مسيرة شهر للمسرع. # {وأسلنا له عين القطر} [سبأ: 12] أذبنا له عين النحاس، قال المفسرون: ~~أجريت له عين الصفر ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء، وإنما يعمل الناس ~~اليوم مما أعطي سليمان، والقطر النحاس الذائب، {ومن الجن من يعمل # PageV03P488 # بين يديه بإذن ربه} [سبأ: 12] أي: بأمر ربه، قال ابن عباس: سخرهم الله ~~لسليمان وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به. # ومن يزغ، يعدل منهم من الجن، عن أمرنا له بطاعة سليمان، {نذقه من عذاب ~~السعير} [سبأ: 12] في الآخرة، وهو أن الله تعالى وكل ملكا بيده سوط من نار، ~~فمن زاغ عن طاعة سليمان ضربه ضربة أحرقته، والمفسرون على أن هذه الإذاقة من ~~عذاب السعير في الآخرة. # يعملون له لسليمان، {ما يشاء من محاريب} [سبأ: 13] من الأبنية الرفيعة ~~والقصور، قال المفسرون: فبنوا له الأبنية العجيبة باليمن: صرواح، ومرواح، ~~وقلثون، وهندة، وهنيدة، وقلثوم، وعمدان، وبيتون، وهذه حصون باليمن عملتها ~~الشياطين. # وقوله: وتماثيل جمع تمثال، وهو كل شيء مثلته بشيء، يعني صورا من نحاس ~~وزجاج ورخام، كانت الجن تعملها، قالوا: وهي صور الأنبياء والملائكة، كانت ~~تصور في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة، وهذا يدل على أن التصوير كان ~~مباحا في ذلك الزمان. # وجفان جمع جفنة، وهي القصعة الكبيرة، كالجوابي جمع الجيبة وهي الحوض ~~الكبير، يجبي الماء، أي يجمعه، قال المفسرون: يعني قصاعا في العظم كحياض ~~الإبل يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها، {وقدور راسيات} [سبأ: ~~13] ثابتات لها قوائم لا يخرجن عن أماكنها وكانت بأرض تتخذ من الجبال، ثم ~~قال: {اعملوا آل داود شكرا} [سبأ: 13] أي: وقلنا اعملوا بطاعة الله آل داود ~~شكرا ms1504 له على ما آتاكم. # {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: 13] العامل بطاعتي شكرا لنعمتي، قوله: ~~{فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما ~~خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} [سبأ: ~~14] {فلما قضينا عليه الموت} [سبأ: 14] قال المفسرون: كانت الإنس في زمان ~~سليمان تقول: إن الجن تعلم الغيب الذي يكون في، غد فلما مات سليمان مكث على ~~عصاه حولا ميتا، والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة التي كانت تعمل في حياة ~~سليمان، لا يشعرون بموته حتى أكلت الأرضة عصا سليمان، فخر ميتا، فعلموا ~~بموته، وعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب. # فذلك قوله تعالى: {ما دلهم على موته إلا دابة الأرض} [سبأ: 14] يعني ~~الأرضة، تأكل منسأته يعني عصاه، قال الزجاج: المنسأة التي ينسأ بها، أي: ~~يطرد ويزجر، وأكثر القراء على همزة المنسأة، وقرأ أبو عمرو بغير همز، قال ~~المبرد: بعض العرب يبدل من همزتها ألفا يقولون منساة، وأنشد: # إذا دببت على المنساة من كبر فقد تباعد عنك اللهو والغزل # وقوله: فلما خر أي: سقط ميتا، تبينت الجن أي: ظهرت وانكشفت للناس أنهم لا ~~يعلمون الغيب، ولو كانوا # PageV03P489 # يعلمون به {ما لبثوا في العذاب المهين} [سبأ: 14] أي: ما عملوا مسخرين ~~لسليمان، وهو ميت، وهم يظنون أنه حي. # قال مقاتل: العذاب المهين الشقاء والنصب في العمل. # {لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم ~~واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور {15} فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم ~~وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل {16} ذلك ~~جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور {17} } [سبأ: 15-17] قوله: {لقد ~~كان لسبإ} [سبأ: 15] ### | 769 - # أخبرنا الحاكم أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أنا أبو عمرو بن مطر، نا ~~أبو خليفة، نا أبو همام، نا إبراهيم بن طهمان، عن أبي حيان، عن يحيى بن ~~هانئ، عن فروة بن مسيك، قال: أتيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا ~~رسول الله ms1505، أخبرني عن سبإ، أرجل هو أم امرأة؟ فقال: هو رجل من العرب، ولد ~~عشرة، تيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة، فأما الذين تيامنوا؛ فالأزد ~~وكندة ومذحج والأشعريون وأنمار؛ منهم: بجيلة، وأما الذين تشاءموا؛ فعاملة ~~وغسان ولخم وجذام، والمراد بسبإ ههنا: القبيلة الذين هم من أولاد سبإ بن ~~يشجب بن يعرب بن قحطان # وقوله: في مساكنهم كانت مساكنهم بمأرب من اليمن، آية أي: علامة تدلهم على ~~قدرة الله، وأن المنعم عليهم هو الله، ثم ذكر تلك الآية، فقال: {جنتان عن ~~يمين وشمال} [سبأ: 15] عن يمين واد لهم وشماله، كانت قد أحاطتا بذلك الوادي ~~الذي بين مساكنهم، وقيل لهم: {كلوا من رزق ربكم} [سبأ: 15] يعني ثمار ~~الجنتين، قال السدي، ومقاتل: كانت المرأة تخرج فتحمل مكتلها على رأسها وتمر ~~فيمتلئ من ألوان الفاكهة من غير أن تمس شيئا بيدها. # وقوله: واشكروا له أي: على ما رزقكم من النعمة، والمعنى: اعملوا بطاعته ~~إذ أنعم عليكم بما أنعم. # بلدة طيبة يعني أرض سبأ بلدة طيبة، لأنها أخرجت ثمارها ولم تكن سبخة، ~~وقال ابن زيد: لم يكن فيها شيء مؤذ من بعوض أو ذباب، ولا # PageV03P490 # برغوث ولا عقرب، ويمر الغريب ببلدتهم وفي ثيابه القمل فتموت كلها لطيب ~~هوائها. # ورب غفور أي: والله رب غفور، قال مقاتل: وربكم إن شكرتم فيما رزقكم رب ~~غفور للذنوب. # فأعرضوا عن الحق وكذبوا أنبياءهم، {فأرسلنا عليهم سيل العرم} [سبأ: 16] ~~وذلك أن الماء كان يأتي أرض سبأ من الشحر وأودية اليمن، فردموا ما بين ~~جبلين وحبسوا الماء في ذلك الردم ثلاثة أبواب، بعضها فوق بعض، وكانوا يسقون ~~من الباب الأعلى، ثم من الثاني، ثم من الثالث، فأخصبوا وكثرت أموالهم، فلما ~~كذبوا رسولهم بعث الله تعالى جرذا ثقبت ذلك الردم حتى انتقض، فدخل الماء ~~خيمهم فغرقها ودفن السيل بيوتهم، فذلك قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم سيل ~~العرم} [سبأ: 16] جمع عرمة، وهي السكر الذي يحبس الماء، وقال ابن الأعرابي: ~~العرم السيل الذي لا يطاق. # وقال قتادة، ومقاتل: العرم اسم وادي سبأ. # وبدلناهم بجنتيهم اللتين يطعمان ms1506 الفواكه، {جنتين ذواتي أكل خمط} [سبأ: ~~16] القراءة الجيدة بالإضافة لأن الخمط عند المفسرين اسم شجرة، قالوا: هو ~~الأراك، وأكله جناه، وهو البريد. # قال أبو عبيدة: الخمط كل شجرة مرة ذات شوك. # قال الأخفش: الأحسن في مثل هذه الإضافة مثل دار حر وثوب خز. # وقال ابن الأعرابي: الخمط ثمر شجر يقال له فسوة الضيع على صورة الخشخاش ~~ينفرك ولا ينتفع به. # وقال المبرد، والزجاج: يقال لكل نبت قد أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن ~~أكله: خمط. # وعلى هذا يحسن التنوين في أكل إذا جعلت الخمط اسما للمأكولات، والأثل ~~شجرة تشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه، والسدر إذا كان بريا لا ينتفع به، ولا ~~يصلح ورقه للمغسول، كما يكون ورق السدر الذي ينبت على الماء. # ومعنى قوله: {وشيء من سدر قليل {16} } [سبأ: 16-16] يعني أن الأثل والخمط ~~كانا أكثر في الجنتين المبدلتين من السدر. # قال قتادة: كان شجر القوم من خير الشجر إذا صيره إليه من شر الشجر. # {ذلك جزيناهم بما كفروا} [سبأ: 17] أي: جزيناهم ذلك التبديل لكفرهم، {وهل ~~نجازي إلا الكفور} [سبأ: 17] يعني أن المؤمن نكفر عنه ذنوبه بطاعاته، ~~والكافر يجازي بكل سوء يعمله. # قال مقاتل: وهل يكافأ بعمله السيئ إلا الكفور لله في نعمه. # وقال الفراء: المؤمن يجزى ولا يجازي، أي: يجزى الثواب بعمله ولا يكافأ ~~بسيئاته. # {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير ~~سيروا فيها ليالي وأياما آمنين {18} فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا ~~أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ~~{19} } [سبأ: 18-19] وقوله: وجعلنا بينهم عطف على قوله: {لقد كان لسبإ} ~~[سبأ: 15] يعني: وكان من قصتهم أنا جعلنا بينهم، {وبين القرى التي باركنا ~~فيها} [سبأ: 18] بالماء والشجر، وهي قرى الشام، قرى ظاهرة متواصلة، وكان ~~متجرهم من أرض اليمن إلى الشام، وكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى حتى ~~يرجعوا، وكانوا لا يحتاجون إلى زاد من وادي سبأ إلى الشام، ومعنى قوله: # PageV03P491 # ظاهره أن الثانية كانت ترى من الأولى لقربها منها ms1507، وقوله: {وقدرنا فيها ~~السير} [سبأ: 18] جعلنا السير من القرية إلى القرية مقدارا واحدا نصف يوم، ~~قلنا لهم: سيروا فيها في تلك القرى، ليالي وأياما ليلا شئتم السير أم ~~نهارا، آمنين من الجوع والعطش والسباع والتعب، ومن كل خوف. # ثم أنهم بطروا النعمة وسألوا أن تكون القرى والمنازل بعضها أبعد من بعض ~~{فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا} [سبأ: 19] أي: اجعل بيننا وبين الشام فلوات ~~ومفاوز ليركب إليها الرواحل وتتزود الأزواد، وقرئ بعد وهو بمعنى باعد، وهو ~~مثل ضعف وضاعف، وقرب وقارب. # وظلموا أنفسهم بالكفر، فجعلناهم أحاديث لمن بعدهم يتحدثون بأمرهم وشأنهم ~~كيف فعلنا بهم، {ومزقناهم كل ممزق} [سبأ: 19] فرقناهم في كل وجه من البلاد ~~كل التفريق، وذلك أن الله تعالى لما غرق مكانهم وأذهب جنتيهم تبددوا في ~~البلاد، فصارت العرب تتمثل بهم في الفرقة، فتقول: تفرقوا أيدي سبأ وأيادي ~~سبأ. # أخبرنا أبو حسان المزكي، أنا هارون بن محمد الإستراباذي، أنا إسحاق بن ~~أحمد الخزاعي، أنا أبو الوليد الأزرقي، نا جدي، نا سعيد بن سالم القداح، عن ~~عثمان بن ساج، عن الكلبي، عن أبي صالح، قال: ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو ~~بن عامر الذي يقال له مزيقيا بن ماء السماء، وهو عمرو بن عامر بن حارثة بن ~~ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن ~~كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وكانت قد رأت في كهانتها أن سد ~~مأرب سيخرب، وأنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين، فباع عمرو بن عامر أمواله ~~وسار هو وقومه إلى مكة، فأقاموا بمكة وما حولها، فأصابتهم الحمى، فدعوا ~~طريفة فشكوا إليها الذي أصابهم، فقالت لهم: قد أصابني الذي تشكون وهو مفرق ~~بيننا. # قالوا: فماذا تأمرين؟ قال: من كان منكم ذا هم بعيد، وجمل شديد، ومزاد ~~جديد فليلحق بقصر عمان المشيد، فكانت أزد عمان، ثم قالت: من كان ذا جلد ~~وصبر على أزمات الدهر فعليه بلأراك من بطن مر، وكانت خزاعة، ثم قالت: من ~~كان منكم ms1508 يريد الراسبات في الوحل، المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات ~~النخل، وكانت الأوس والخزرج، ثم قالت: من كان منكم يريد الخمر والخمير، ~~والملك والتأمير، ولبس الديباج والحرير فليلحق ببصرى وغوير، وهما من أرض ~~الشام فكان الذين سكنوها، أي جفنة من غسان، ثم قالت: من كان منكم يريد ~~النبات الرقاق، والخيل العتاق، وكنوز الأرزاق، والدم المهراق فليلحق بأرض ~~العراق، فكان الذين سكنوها آل جذيمة الأبرش، ومن كان بالحيرة وآل محرق. # وقوله: {إن في ذلك} [سبأ: 19] يعني فيما فعل سبأ، # PageV03P492 # لآيات لعبرا ودلالات، {لكل صبار} [سبأ: 19] عن معاصي الله، شكور لأنعمه، ~~قال مقاتل: يعني المؤمنين من هذه الأمة، صبور على البلاء، شكور لله في ~~نعمه. # قوله: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين {20} وما ~~كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك ~~على كل شيء حفيظ {21} } [سبأ: 20-21] {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه} [سبأ: 20] ~~قال الزجاج: صدق في ظنه أنه إذا أغواهم اتبعوه فوجدهم كذلك، فمن شدد نصب ~~الظن لأنه مفعول به، ومن خفف نصبه على معنى صدق عليهم في ظنه، قال مجاهد: ~~صدق ظنه على الناس كلهم إلا من أطاع الله. # وهو قوله: {إلا فريقا من المؤمنين} [سبأ: 20] قال السدي، عن ابن عباس: ~~يعني المؤمنين كلهم، وهم الذين قال الله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم ~~سلطان} [الحجر: 42] قال ابن قتيبة: إن إبليس لما سأل النظرة فأنظره، قال: ~~لأغوينهم، ولأضلنهم، ولأمنينهم، ولآمرنهم ولم يكن في وقت هذه المقالة ~~مستيقنا أن ما قدره فيهم يتم، وإنما قاله ظانا، فلما اتبعوه وأطاعوه صدق ~~عليهم ما ظنه فيهم، قال الله تعالى: {وما كان له عليهم من سلطان} [سبأ: 21] ~~أي: ما كان تسليطنا إياه إلا لنعلم المؤمنين من الشاكين، يعني نعلمهم ~~موجودين ظاهرين، والمعنى: ما سلطناه عليهم إلا لنعلم إيمان المؤمن ظاهرا، ~~وكفر الكافر ظاهرا، وهو قوله: {إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في ~~شك} [سبأ: 21] والعلم بهما موجودين هو الذي يقع به ms1509 الجزاء. # وقوله: {وربك على كل شيء حفيظ} [سبأ: 21] قال مقاتل: على كل شيء من ~~الإيمان والشك. # قوله: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ~~ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير {22} ولا تنفع ~~الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ~~قالوا الحق وهو العلي الكبير {23} } [سبأ: 22-23] قل لكفار مكة، {ادعوا ~~الذين زعمتم} [سبأ: 22] أنهم آلهة، {من دون الله} [سبأ: 22] قال مقاتل: ~~يقول: ادعوهم ليكشفوا عنكم الضر الذي نزل بكم في سني الجوع. # ثم أخبر عنهم، فقال: {لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض} ~~[سبأ: 22] أي: من خير وشر، ونفع وضر. # {وما لهم فيهما من شرك} [سبأ: 22] لم يشاركونا في شيء من خلقهما، وما لهم ~~وما لله، منهم من الآلهة، من ظهير من معين على شيء. # قوله: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} [سبأ: 23] أي: لا تنفع ~~شفاعة ملك مقرب ولا نبي مرسل حتى يؤذن له في الشفاعة، وقرئ بضم الهمزة ~~وفتحها، فمن فتح كان المعنى: إلا لمن # PageV03P493 # أذن الله له في الشفاعة، يعني الشافع، ويجوز أن يكون المعنى: إلا لمن أذن ~~الله في أن يشفع له، ومن ضم الهمزة كان المعنى كقول من فتح، والآذن هو الله ~~تعالى في القراءتين، كقوله: وهل يجازي إلا الكفور والمجازي هو الله تعالى ~~في الوجهين، قال ابن عباس: يريد لا تشفع الملائكة إلا لمن وحد الله، كقوله: ~~{ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28] . # ثم أخبر عن خوف الملائكة، فقال: {حتى إذا فزع عن قلوبهم} [سبأ: 23] أي: ~~كشف الفزع عن قلوبهم وقرئ فزع كشف الله الفزع عن قلوبهم، ومعنى القراءتين ~~سواء كما ذكرنا في أذن وأذن، والتفزيع إزالة الفزع كالتمريض والتقرير، وهذا ~~دليل على أنه قد يصيبهم فزع شديد من شيء قد يحدث من أقدار الله، ولم يذكر ~~ذلك الشيء لأن إخراج الفزع يدل على حصوله، فكأنه قد ذكر، والمفسرون ذكروا ms1510 ~~ذلك الشيء، قال قتادة، ومقاتل، والكلبي: لما كانت الفترة التي بين عيسى ~~ومحمد عليهما السلام، وبعث الله محمدا، أنزل جبريل بالوحي، فلما نزل ظنت ~~الملائكة أنه نزل بشيء من أمر الساعة، فصعقوا لذلك، فجعل جبريل يمر بكل ~~سماء ويكشف عنهم الفزع، فرفعوا رءوسهم، وقال بعضهم لبعض: {ماذا قال ربكم ~~قالوا الحق} [سبأ: 23] قال الحق، يعني الوحي، وهو العلي الذي فوق خلقه ~~بالقهر والاقتدار، الكبير العظيم، والشيء أعظم منه. # {قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ~~ضلال مبين {24} قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون {25} قل يجمع ~~بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم {26} قل أروني الذين ~~ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم {27} } [سبأ: 24-27] قوله: ~~قل لكفار مكة: {من يرزقكم من السموات} [سبأ: 24] الرزق والمطر، ومن الأرض ~~النبات والثمر، وإنما أمر بهذا السؤال احتجاجا عليهم بأن الذي يرزق هو ~~المستحق للعبادة لا غيره، وذلك أنه إذا استفهمهم عن الرازق لم يمكنهم أن ~~يثبتوا رازقا غير الله، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجواب، فقال: ~~قل الله لأنهم لا يصيبون أيضا بغير الله من الرازقين، وتم الكلام، ثم أمره ~~بأن يخبرهم بأنهم على الضلال بعبادة غير الله بقوله: {وإنا أو إياكم لعلى ~~هدى أو في ضلال مبين} [سبأ: 24] فذهب المفسرون أن الألف في أو صلة، ومعناه ~~واو العطف، كأنه قيل: وإنا وإياكم. # قال أبو عبيدة: معناه: إنا لعلى هدى، وإنكم لفي ضلال مبين. # قل لقومك: {لا تسألون عما أجرمنا} [سبأ: 25] قال ابن عباس: لا تؤخذون ~~بجرمنا ولا نسأل # PageV03P494 # عن كفركم وتكذيبكم، وهذا على التبرؤ منهم ومن أعمالهم. # {قل يجمع بيننا ربنا} [سبأ: 26] يعني بعد البعث في الآخرة، {ثم يفتح ~~بيننا بالحق} [سبأ: 26] ثم يقضي ويحكم بيننا بالعدل، وهو الفتاح القاضي، ~~العليم بما يقضي. # قل للكفار، أروني أعلموني الذين ألحقتموهم بالله في العبادة معه شركاء هل ~~يرزقون ويخلقون؟ كلا لا يرزقون ولا يخلقون، بل أي: ليس الأمر ms1511 على ما أنتم ~~عليه من إلحاق الشركاء به في العبادة الذي يخلق ويرزق، {هو الله العزيز} ~~[سبأ: 27] في ملكه، الحكيم في أمره. # قوله: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا ~~يعلمون {28} ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين {29} قل لكم ميعاد يوم ~~لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون {30} } [سبأ: 28-30] {وما أرسلناك إلا ~~كافة للناس بشيرا ونذيرا} [سبأ: 28] قال ابن عباس: يريد لجميع الخلق وتقدير ~~الكلام للناس كافة. # كقوله: {ادخلوا في السلم كافة} [البقرة: 208] ، والمعنى: وما أرسلناك إلا ~~للناس عامة كلهم، أحمرهم وأسودهم. # {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [سبأ: 28] قال مقاتل: يعني كفار مكة. # {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [سبأ: 29] يعنون بالوعد العذاب ~~النازل لهم بعد الموت، وإنما قالوا هذا لأنهم كانوا ينكرون البعث، فقال ~~الله تعالى: {قل لكم ميعاد يوم} [سبأ: 30] يعني يوم القيامة، وقال الضحاك: ~~يعني يوم النزع والسباق، وهو ميعاد عذاب الكافر. # {لا تستأخرون عنه ساعة} [سبأ: 30] لا تتأخرون عن ذلك اليوم، ولا تستقدمون ~~ولا تتقدمون عليه بأن يزاد في آجالكم أو ينقص منه. # {وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرءان ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ ~~الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا ~~للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين {31} قال الذين استكبروا للذين ~~استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين {32} وقال ~~الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر ~~بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في ~~أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون {33} } [سبأ: 31-33] قوله: ~~{وقال الذين كفروا} [سبأ: 31] يعني مشركي مكة، {لن نؤمن بهذا القرءان ولا ~~بالذي بين يديه} [سبأ: 31] يعنون التوراة والإنجيل، وذلك أنه لما قال مؤمنو ~~أهل الكتاب أن صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابنا، وهو نبي مبعوث، كفر ~~أهل مكة بكتابنا، ثم أخبر عن حالهم في الآخرة بقوله: {ولو ترى إذ الظالمون} ~~[سبأ: 31] يعني ms1512 مشركي مكة، {موقوفون عند ربهم} [سبأ: 31] محبوسون للحساب ~~يوم القيامة، {يرجع بعضهم إلى بعض القول} [سبأ: 31] يرد بعضهم على بعض ~~القول في الجدال، {يقول الذين استضعفوا} [سبأ: 31] وهم من الأتباع، للذين ~~استكبروا وهم الأشراف والقادة، {لولا أنتم لكنا مؤمنين} [سبأ: 31] مصدقين ~~بتوحيد الله، # PageV03P495 # أي: منعتمونا عن الإيمان. # ثم أجابهم المتبوعون في الكفر بقول: {قال الذين استكبروا للذين استضعفوا ~~أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم} [سبأ: 32] أي: منعناكم عن الإيمان، ~~{بل كنتم مجرمين} [سبأ: 32] بترك الإيمان، وفي هذا تنبيه للكفار أن طاعة ~~بعضهم لبعض في الدنيا تصير سبب عداوة في الآخرة، كقوله: {إذ تبرأ الذين ~~اتبعوا} [البقرة: 166] الآية، فقال الأتباع مجيبين {بل مكر الليل} [سبأ: ~~33] قال الأخفش: الليل والنهار لا يمكران بأحد، ولكن يمكر فيهما. # وهذا كقوله: {من قريتك التي أخرجتك} [محمد: 13] وهو من سعة العربية. # وقال المبرد: أي: بل مكركم في الليل والنهار. # {إذ تأمروننا أن نكفر بالله} [سبأ: 33] وهو أنهم يقولون لهم: إن ديننا هو ~~الحق، ومحمد ساحر كذاب. # {وأسروا الندامة لما رأوا العذاب} [سبأ: 33] تقدم تفسيره في { [يونس. # ] وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا} [سورة سبأ: 33] قال ابن عباس: ~~غلوا بها في النيران. # {هل يجزون إلا} [سبأ: 33] جزاء، {ما كانوا يعملون} [سبأ: 33] من الشرك في ~~الدنيا. # قوله: {وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به ~~كافرون {34} وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين {35} قل إن ~~ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون {36} وما أموالكم ~~ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم ~~جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون {37} والذين يسعون في آياتنا ~~معاجزين أولئك في العذاب محضرون {38} قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من ~~عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين {39} } [سبأ: ~~34-39] {وما أرسلنا في قرية من نذير} [سبأ: 34] نبي ينذر أهلها، {إلا قال ~~مترفوها} [سبأ: 34] رؤساؤها وأغنياؤها: {إنا بما أرسلتم به} [سبأ: 34] من ms1513 ~~التوحيد والإيمان، كافرون وقالوا: {نحن أكثر أموالا وأولادا} [سبأ: 35] ~~افتخر مشركو مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأولادهم ~~وأموالهم وظنوا أن الله إنما خولهم المال والولد كرامة لهم، فقالوا: {وما ~~نحن بمعذبين} [سبأ: 35] أي: إن الله أحسن إلينا بالمال والولد فلا يعذبنا، ~~فقال الله تعالى لنبيه: {قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} [سبأ: 36] ~~يعني أن بسط الرزق وتضييقه من الله يفعله ابتلاء وامتحانا، لا يدل البسط ~~على رضا الله، ولا يدل التضييق على سخطه، {ولكن أكثر الناس} [سبأ: 36] يعني ~~أهل مكة، لا يعلمون ذلك حين ظنوا أن أموالهم وأولادهم دليل على كرامة الله ~~لهم. # ثم صرح بهذا المعنى، فقال: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا ~~زلفى} [سبأ: 37] قال الأخفش: زلفى اسم المصدر، كأنه أراد بالتي تقربكم ~~عندنا تقريبا، {إلا من آمن} [سبأ: 37] لكن من آمن، وعمل صالحا قال ابن ~~عباس: يريد أن إيمانه وعمله قربه مني، {فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا} ~~[سبأ: 37] يضاعف الله له حسناتهم، فيجزي بالحسنة الواحدة عشرا إلى سبع مائة ~~إلى ما زاد، {وهم في الغرفات} [سبأ: 37] يعني غرف الجنة، وهي البيوت فوق ~~الأبنية، آمنون من الموت والغير. # وقرأ حمزة في الغرفة على واحدة، كقوله: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} ~~[الفرقان: 75] واسم الجنس يجوز أن يراد # PageV03P496 # به الجمع، وما بعد هذا مفسر فيما تقدم إلى قوله: {وما أنفقتم من شيء فهو ~~يخلفه} [سبأ: 39] أي: يخلفه لكم، أو عليكم، يقال: أخلف الله له وعليه إذا ~~أبدل له ما ذهب عنه. # قال سعيد بن جبير: وما أنفقتم من شيء في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلقه. # وقال الكلبي: وما أنفقتم في الخير والبر فهو يخلقه، إما أن يعلمه في ~~الدنيا، أو بدخوله في الآخرة. ### | 770 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، نا محمد بن يعقوب، نا العباس الدوري، نا ~~خالد بن مخلد، نا سليمان بن بلال، عن معاوية بن أبي مزرد، عن سعيد بن يسار، ~~عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله ms1514 عليه وسلم: " ما من يوم يصبح ~~العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول ~~الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا " # {ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون {40} ~~قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ~~{41} فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب ~~النار التي كنتم بها تكذبون {42} } [سبأ: 40-42] قوله: {ويوم يحشرهم جميعا} ~~[سبأ: 40] يعني المشركين، {ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون} ~~[سبأ: 40] هذا استفهام توبيخ للعابدين، كقوله لعيسى: {أأنت قلت للناس ~~اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} [المائدة: 116] ، فنزهت الملائكة ربها عن ~~الشرك ف {قالوا سبحانك} [سبأ: 41] تنزيها لك مما أضافوه إليك من الشرك، ~~{أنت ولينا من دونهم} [سبأ: 41] قال ابن عباس: ما اتخذناهم عابدين ولا ~~توليناهم ولسنا نريد غيرك وليا. # {بل كانوا يعبدون الجن} [سبأ: 41] يعني الشياطين، قال مقاتل: أطاعوا ~~الشياطين في عبادتهم إيانا. # {أكثرهم بهم مؤمنون} [سبأ: 41] يعني المصدقين بالشياطين والمطيعين لهم. # ثم يقول الله تعالى: فاليوم يعني في الآخرة، {لا يملك بعضكم لبعض} [سبأ: ~~42] يعني العابدين والمعبودين، {نفعا ولا ضرا} [سبأ: 42] أي: نفعا بالشفاعة ~~ولا ضرا بالتعذيب، يريد أنهم عاجزون لا نفع عندهم ولا ضرر، يقول للذين ~~ظلموا عبدوا غير الله: {ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون} [سبأ: 42] ~~. # ثم أخبر أنهم يكذبون محمدا والقرآن، فقال: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ~~قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا ~~إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين {43} وما ~~آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير {44} وكذب الذين من ~~قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير {45} } [سبأ: ~~43-45] {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} [سبأ: 43] الآية، وهي الظاهرة ~~التفسير. # ثم أخبر أنهم لم يقولوا ذلك عن بينة ولم يكذبوا محمدا عن ثبت عندهم، ~~فقال: {وما آتيناهم من كتب # PageV03P497 # يدرسونها وما أرسلنا إليهم ms1515 قبلك من نذير} [سبأ: 44] قال قتادة: ما أنزل ~~الله على العرب كتابا قبل القرآن ولا بعث إليهم نبيا قبل محمد صلى الله ~~عليه وسلم. # وقال الفراء: أي من أين كذبوك ولم يأتهم كتاب ولا نذير بهذا الذي فعلوه، ~~ثم خوفهم وأخبر عن عاقبة من كذب قبلهم، فقال: {وكذب الذين من قبلهم} [سبأ: ~~45] يعني الأمم الكافرة، وما بلغوا يعني أهل مكة، {معشار ما آتيناهم} [سبأ: ~~45] المعشار والعشير والعشر جزء من العشرة، قال ابن عباس: يقول: وما بلغ ~~قومك معشار ما آتيناهم من قبلهم من القوة، وكثرة المال، وطول العمر فأهلكهم ~~الله. # وهو قوله: {فكذبوا رسلي فكيف كان نكير} [سبأ: 45] يعني العذاب والعقوبة ~~والنكير: اسم بمعنى الإنكار. # {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم ~~من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} [سبأ: 46] قوله: {قل إنما ~~أعظكم بواحدة} [سبأ: 46] أي: آمركم بخصلة واحدة، وهي: {أن تقوموا لله مثنى ~~وفرادى} [سبأ: 46] أي: تقوموا منفردين ومجتمعين، يعني أن الواحدة التي ~~أعظكم بها هي قيامكم ونشركم لطلب الحق بالفكرة، وهو قوله: ثم تتفكروا ~~مجتمعين ومتفرقين، وليس معنى القيام ههنا قيام على الرجلين، بل هو قيام ~~بالأمر الذي هو طلب الحق، وتم الكلام عند قوله: ثم تتفكروا وهو مختصر، ~~معناه: ثم تتفكروا لتعلموا صحة ما أمرتكم به، قال مقاتل: يقول: ليتفكر ~~الرجل منك وحده ومع صاحبه، فينظران في خلق السموات والأرض دلالة على أن ~~خالقها واحد لا شريك له. # ثم ابتدأ فقال: {ما بصاحبكم من جنة} [سبأ: 46] وقال ابن قتيبة: تأويل ~~الآية أن المشركين قالوا: إن محمدا مجنون وساحر، فقال الله تعالى لهم: قل ~~لهم: اعتبروا أمري بواحدة وهي: أن تقوموا لله ولي ذاته مجتمعين، وهو أن ~~يقول الرجل لصاحبه: فلنتصادق، هل رأينا بهذا الرجل جنة قط؟ أو جربنا عليه ~~كذبا؟ ثم ينفرد كل واحد عن صاحبه فيتفكر وينظر، فإن في ذلك ما يدل على أن ~~محمدا صلى الله عليه وسلم نذير، وهو قوله: {إن هو إلا ms1516 نذير لكم بين يدي ~~عذاب شديد} [سبأ: 46] يعني في الآخرة، وعلى هذا القول الآية متصلة ببعض، ~~وهو قول الفراء، والزجاج. # {قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد ~~{47} قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب {48} قل جاء الحق وما يبدئ الباطل ~~وما يعيد {49} قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي ~~إنه سميع قريب {50} } [سبأ: 47-50] # PageV03P498 # قوله: {قل ما سألتكم من أجر فهو لكم} [سبأ: 47] يقول: لا أسألكم على ~~تبليغ الرسالة أجرا فتتهموني، ومعنى {ما سألتكم من أجر فهو لكم} [سبأ: 47] ~~أي: ما أسألكم شيئا، كما يقول القائل: ما لي في هذا فقد وهبته لك، يريد: ~~ليس لي فيه شيء، ثم ذكر أن أجره عند الله، وهو قوله: {إن أجري إلا على الله ~~وهو على كل شيء شهيد} [سبأ: 47] قال ابن عباس: لم يغب عنه شيء. # قوله تعالى: {قل إن ربي يقذف بالحق} [سبأ: 48] القذف: الرمي بالسهم، ~~والحصى، والكلام. # قال الكلبي: يرمي بالحق على معنى يأتي به. # وقال مقاتل: يتكلم بالحق وهو القرآن والوحي. # يعني أنه يلقيه إلى أنبيائه، علام الغيوب علم ما غاب عن خلقه في السموات ~~والأرض. # {قل جاء الحق} [سبأ: 49] الدين والإيمان والقرآن، {وما يبدئ الباطل وما ~~يعيد} [سبأ: 49] أي: ذهب الباطل ذهابا لم يبق منه إقبال ولا ابتداء ولا ~~إعادة، وقال قتادة: الباطل هو الشيطان. # أي: ما يخلق ابتداء ولا بعثا، وهو قول مقاتل، والكلبي. # {قل إن ضللت} [سبأ: 50] كما تزعمون، وذلك أن كفار مكة قالوا: لقد ضللت ~~حين تركت دين آبائك. # {فإنما أضل على نفسي} [سبأ: 50] أي: إثم ضلالتي يكون على نفسي. # {وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي} [سبأ: 50] من الحكمة والبيان، إنه سميع ~~الدعاء، قريب مني. # قوله: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب {51} وقالوا آمنا ~~به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد {52} وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب ~~من مكان بعيد {53} وحيل بينهم وبين ما يشتهون ms1517 كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم ~~كانوا في شك مريب {54} } [سبأ: 51-54] ولو ترى يا محمد، إذ فزعوا يعني عند ~~البعث، فلا فوت لا يفوتني أحد، ولا ينجو مني ظالم، {وأخذوا من مكان قريب} ~~[سبأ: 51] يعني القبور، وحيث كانوا فهم من الله قريب لا يبعدون عنه، ولا ~~يفوتونه. # وقالوا يعني في الآخرة، آمنا به بمحمد والقرآن، {وأنى لهم التناوش} [سبأ: ~~52] أي: التناول، وهو تفاعل من النوش الذي هو التناول، ومن همز فلأن واو ~~التناوش مضمومة، وكل واو ضمتها لازمة جاز إبدال همزة منها، نحو أدؤر، ~~والمعنى: كيف لهم أن يتناولوا الإيمان من بعد، يعني في الآخرة، وقد تركوه ~~في الدنيا. # وهو قوله: {وقد كفروا به من قبل} [سبأ: 53] أي: كانوا كافرين بمحمد ~~والقرآن في الدنيا قبل ما عاينوا من أهوال القيامة، {ويقذفون بالغيب من ~~مكان بعيد} [سبأ: 53] قال مجاهد: يرمون محمدا بالظن لا باليقين، وهو قولهم ~~له: شاعر، وساحر، وكاهن. # ومعنى الغيب على هذا: الظن، وهو ما غاب علمه عنهم، والمكان البعيد بعدهم ~~عن علم ما يقولون، والمعنى: يرمون محمدا بما لا يعلمون من حيث لا يعلمون. # وحيل بينهم منع بين هؤلاء الكفار، {وبين ما يشتهون} [سبأ: 54] قال ابن ~~عباس: يعني الرجعة إلى الدنيا. # قال الحسن: يعني الإيمان. # وقال مقاتل: يعني من قبول التوبة منهم. # {كما فعل بأشياعهم} [سبأ: 54] بنظرائهم ومن كان على مثل حالهم من الكفار، ~~من قبل أي: من قبل هؤلاء، {إنهم كانوا في شك} [سبأ: 54] من البعث ونزول ~~العذاب بهم، مريب موقع لهم في الريبة والتهمة. # PageV03P499 ### | سورة فاطر # مكية وآياتها خمس وأربعون. ### | 771 - # أخبرنا محمد بن علي بن أحمد الحيري، أنا محمد بن جعفر المؤذن، نا إبراهيم ~~بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ~~أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " من ~~قرأ سورة الملائكة دعته يوم القيامة ثمانية أبواب الجنة: أن ادخل من أي ~~الأبواب شئت " # {الحمد لله فاطر السموات والأرض ms1518 جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى ~~وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير {1} ما يفتح ~~الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز ~~الحكيم {2} } [فاطر: 1-2] بسم الله الرحمن الرحيم {الحمد لله فاطر السموات ~~والأرض} [فاطر: 1] خالقها مبتدئا على غير مثال سبق، {جاعل الملائكة رسلا} ~~[فاطر: 1] يرسلهم إلى النبيين وإلى ما شاء من الأمور، أولي ذوي، أجنحة جمع ~~جناح، {مثنى وثلاث ورباع} [فاطر: 1] تقدم تفسيرها، قال قتادة، ومقاتل: ~~بعضهم له جناحان، وبعضهم له ثلاثة، وبعضهم له أربعة، ويزيد فيها ما يشاء. # وهو قوله: {يزيد في الخلق ما يشاء} [فاطر: 1] قال ابن عباس: رأى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج جبريل وله ست مائة جناح. # وهذا القول اخيار الفراء، والزجاج. # وروى خليد بن دعلج، عن قتادة، قال: هو الملاحة في العين. # وقال الزهري: هو حسن الصوت. # {إن الله على كل شيء} [فاطر: 1] مما يريد أن يخلق، {قدير {1} ما يفتح ~~الله للناس من رحمة} [فاطر: 1-2] ما يأتيهم به من مطر أو رزق فلا يقدر أحد ~~أن يمسكها، وما يمسك من ذلك فلا يقدر قادر أن يرسله، وهو وقوله: {وما يمسك ~~فلا مرسل له من بعده} [فاطر: 2] . # {يأيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من ~~السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} [فاطر: 3] قوله: يأيها الناس ~~يعني: يا أهل مكة، {اذكروا نعمت الله عليكم} [فاطر: 3] إذ أسكنكم الحرم ~~ومنعكم من الغارات، { # PageV03P500 # هل من خالق غير الله} [فاطر: 3] استفهام توبيخ وتقرير، أي: لا خالق سواه، ~~قال الزجاج: ورفع غير على معنى هل خالق غير الله، لأن من زيادة مؤكدة، ومن ~~خفض جعله صفة على اللفظ. # {يرزقكم من السماء} [فاطر: 3] المطر، ومن الأرض النبات، {لا إله إلا هو ~~فأنى تؤفكون} [فاطر: 3] قال الزجاج: من أين يقع لكم الإفك والتكذيب بتوحيد ~~الله وإنكار البعث وأنتم مقرون بأن الله خلقكم ورزقكم. # ثم عزى نبيه عليه السلام ms1519 بقوله: {وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى ~~الله ترجع الأمور {4} يأيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ~~ولا يغرنكم بالله الغرور {5} إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو ~~حزبه ليكونوا من أصحاب السعير {6} الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا ~~وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير {7} } [فاطر: 4-7] {وإن يكذبوك فقد ~~كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور} [فاطر: 4] فيجازي من كذب وينصر من ~~كذب من رسله. # {يأيها الناس إن وعد الله} [فاطر: 5] بالبعث والثواب والعقاب، حق وباقي ~~الآية مفسر في { [لقمان. # ثم حذرهم الشيطان، فقال:] إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} [سورة فاطر: ~~6] قال مقاتل: عادوه بطاعة الله، ثم بين عداوته فقال: {إنما يدعو حزبه} ~~[فاطر: 6] أي: شيعته إلى الكفر، {ليكونوا من أصحاب السعير} [فاطر: 6] . # ثم ذكر ما للفريقين الكفار والمؤمنين بالآيتين بعد هذه الآية. # {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا ~~تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون} [فاطر: 8] قوله: {أفمن زين ~~له سوء عمله} [فاطر: 8] قال ابن عباس: نزلت في أبي جهل ومشركي مكة. # وقال سعيد بن جبير: أنزلت في أصحاب الأهواء والملل التي خالفت الهدى. # والمعنى: أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله، ويدل على هذا المحذوف ~~قوله: {فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} ~~[فاطر: 8] قال ابن عباس: لا تغتم ولا تهلك نفسك حسرات على تركهم الإيمان. # {إن الله عليم بما يصنعون} [فاطر: 8] عالم بصنيعهم فيجازيهم على ذلك. # ثم أخبر عن صنعه لتعتبروا، فقال: {والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا ~~فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور {9} من كان ~~يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ~~والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور {10} والله خلقكم ~~من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع ms1520 إلا بعلمه ~~وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير {11} ~~} [فاطر: 9-11] { # PageV03P501 # والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا} [فاطر: 9] تزعجه من حيث هو، {فسقناه ~~إلى بلد ميت} [فاطر: 9] إلى مكان لا نبت فيه، {فأحيينا به الأرض بعد موتها} ~~[فاطر: 9] أنبتنا فيها الزرع والكلأ بعدما لم يكن، كذلك النشور البعث ~~والأحياء. ### | 772 - # أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، نا أبو علي الفقيه، أنا الحسين بن ~~محمد بن مصعب، نا يحيى بن حكيم، نا أبو داود، نا شعيب، أخبرني يعلى بن ~~عطاء، سمعت وكيع بن عدس يحدث، عن أبي رزين العقيلي، قال: قلت: يا رسول ~~الله، كيف يحيي الله الموتى؟ قال: أما مررت بواد ممحلا، ثم مررت به خضراء؟ ~~قلت: بلى، قال: فكذلك يحيي الله الموتى، وقال: {كذلك النشور} # قوله: {من كان يريد العزة} [فاطر: 10] قال الفراء: معناه من كان يريد علم ~~العزة لمن هي، فإنها لله جميعا. # وقال قتادة: من كان يريد العزة فليعتزن بطاعة الله، يعني أن قوله: {فلله ~~العزة جميعا} [فاطر: 10] معناه الدعاء إلى طاعة من له العزة، كما يقال: من ~~أراد المال فالمال لفلان، فليطلبه من عنده، ويدل على صحة هذا ما روى ثابت، ~~عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ربكم يقول كل يوم: ~~أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز ". # وقوله: {إليه يصعد الكلم الطيب} [فاطر: 10] إلى الله يصعد كلمة التوحيد، ~~وهو قول: لا إله إلا الله، ومعنى يصعد أنه يعلم ذلك، كما يقال: ارتفع الأمر ~~إلى القاضي وإلى السلطان، أي علمه، ويجوز أن يكون معنى إليه إلى سمائه، وهو ~~المحل الذي لا يجري لأحد سواه فيه ملك ولا حكم، فجعل صعوده إلى السماء صعود ~~إليه، وقوله: {والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10] قال الحسن: العمل الصالح ~~يرفع الكلام الطيب إلى الله، يعرض القول على الفعل، فإن وافق القول الفعل، ~~وإن خالف رد. # وهذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير. # وقال قتادة: يرفع الله العمل الصالح ms1521 لصاحبه. # أي: يقبله فيكون هذا ابتداء إخبار لا يتعلق بما قبله، ثم ذكر من لا يوحد ~~الله فقال: {والذين يمكرون السيئات} [فاطر: 10] أن يشركون بالله ويقولون ~~الشرك، وقال الكلبي: يعملون السيئات. # {لهم عذاب شديد} [فاطر: 10] وقال أبو العالية: يعني الذين مكروا برسول ~~الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة. # وهو قوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} [الأنفال: 30] الآية، ثم أخبر أن ~~مكرهم يبطل، فقال: {ومكر أولئك هو يبور} [فاطر: 10] يفسد ويهلك ولا يملكون ~~شيئا. # ثم دل على نفسه بصنعه، فقال: {والله خلقكم من تراب} [فاطر: 11] يعني آدم، ~~{ثم من نطفة} [فاطر: 11] يعني نسله، {ثم جعلكم أزواجا} [فاطر: 11] ذكرانا ~~وإناثا، {وما يعمر من معمر} [فاطر: 11] ما يطول عمر أحد، {ولا ينقص من ~~عمره} [فاطر: 11] قال الفراء: يريد آخر غير الأول، فكنى عنه كأنه الأول، ~~لأن اللفظ الثاني لو ظهر كان الأول، كأنه قيل: ولا ينقص من عمر معمر {إلا ~~في كتاب} [فاطر: 11] يعني اللوح المحفوظ. # قال سعيد بن جبير: مكتوب في أم الكتاب عمر فلان كذا وكذا، ثم يكتب في ~~أسفل ذلك ذهب يوم ذهب يومان ذهب ثلاثة حتى يأتي على آخر عمره. # وقوله: {إن ذلك على الله يسير} [فاطر: 11] إن كتابة الآجال والأعمال على ~~الله هين. # PageV03P502 # {وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون ~~لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ~~ولعلكم تشكرون {12} يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس ~~والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما ~~يملكون من قطمير {13} إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا ~~لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير {14} } [فاطر: 12-14] ~~قوله: {وما يستوي البحران} [فاطر: 12] يعني: العذب والمالح، ثم ذكرهما، ~~فقال: {هذا عذب فرات سائغ شرابه} [فاطر: 12] جائز في الحلق، {وهذا ملح ~~أجاج} [فاطر: 12] شديد الملوحة، وما بعد هذا مفسر فيما سبق إلى قوله: ~~{والذين تدعون من دونه ms1522 ما يملكون من قطمير} [فاطر: 13] وهو القشرة الرفيعة ~~التي على النواة كاللفافة لها، إن تدعوهم لكشف خير، {لا يسمعوا دعاءكم} ~~[فاطر: 14] لأنها جماد لا تنفع ولا تضر، ولو سمعوا بأن يخلق الله لها سمعا، ~~{ما استجابوا لكم} [فاطر: 14] لم تكن عندهم إجابة، {ويوم القيامة يكفرون ~~بشرككم} [فاطر: 14] يتبرءون من عبادتكم، يقولون: ما كنتم إيانا تعبدون. # ولا ينبئك يا محمد، مثل خبير عالم بالأشياء، يعني نفسه تعالى، لا أحد ~~أخبر منه بأن هذا الذي ذكر من أمر الأصنام كائن، فلا ينبئك مثله في عمله، ~~لأنه لا مثل له في العلم وفي كل شيء. # قوله: {يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد {15} إن ~~يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد {16} وما ذلك على الله بعزيز {17} ولا تزر وازرة ~~وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما ~~تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ~~وإلى الله المصير {18} } [فاطر: 15-18] {يأيها الناس أنتم الفقراء إلى ~~الله} [فاطر: 15] المحتاجون إليه في رزقه ومغفرته، {والله هو الغني} [فاطر: ~~15] عن عبادتكم، الحميد عند خلقه بإحسانه إليهم. # {إن يشأ يذهبكم} [فاطر: 16] مفسر فيما تقدم إلى قوله: {وإن تدع مثقلة} ~~[فاطر: 18] أي: نفس مثقلة بالذنوب، إلى حملها إلى ما حملت من الخطايا ~~والذنوب، {لا يحمل منه} [فاطر: 18] أي: من حملها، {شيء ولو كان ذا قربى} ~~[فاطر: 18] ولو كان الذي تدعوه ذا قرابة ما حمل عنها شيئا، قال ابن عباس: ~~يقول الأب والأم: يا بني احمل عني. # فيقول: حسبي ما علي. # {إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب} [فاطر: 18] قال الزجاج: تأويله: إن ~~إنذارك إنما ينفع الذين يخشون ربهم، فكأنك تنذرهم دون غيرهم ممن لا ينفعهم ~~الإنذار، كقوله: {إنما أنت منذر من يخشاها} [النازعات: 45] . # ومعنى يخشون ربهم بالغيب، أي: وهم غائبون عن أحكام الآخرة، كقوله: يؤمنون ~~بالغيب. # ومن تزكى تطهر من الشرك والفواحش، {فإنما يتزكى لنفسه} [فاطر: 18] أي: ~~فصلاحه لنفسه، {وإلى الله المصير} [فاطر: 18] فيجزى بالأعمال في الآخرة ms1523. # قوله: { # PageV03P503 # وما يستوي الأعمى والبصير {19} ولا الظلمات ولا النور {20} ولا الظل ولا ~~الحرور {21} وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت ~~بمسمع من في القبور {22} إن أنت إلا نذير {23} إنا أرسلناك بالحق بشيرا ~~ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير {24} وإن يكذبوك فقد كذب الذين من ~~قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير {25} ثم أخذت الذين ~~كفروا فكيف كان نكير {26} } [فاطر: 19-26] {وما يستوي الأعمى والبصير} ~~[فاطر: 19] يعني المؤمن والمشرك. # ولا الظلمات الشرك والضلالات، ولا النور الهدى والإيمان. # {ولا الظل ولا الحرور} [فاطر: 21] قال الكلبي: يعني الجنة والنار، وقال ~~عطاء: يعني الظل بالليل والسموم بالنهار. # {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} [فاطر: 22] يعني المؤمنين والكافرين، ~~قال قتادة: هذه أمثال ضربها الله للكافر والمؤمن. # يقول: كما لا تستوي هذه الأشياء كذلك لا يستوي المؤمن والكافر. # {إن الله يسمع} [فاطر: 22] كلامه، من يشاء حتى يتعظ ويهتدي، قال عطاء: ~~يعني أولياءه، خلقهم لجنته. # {وما أنت بمسمع من في القبور} [فاطر: 22] يعني الكفار، شبههم بالموتى حين ~~صموا فلم يجيبوا. # {إن أنت إلا نذير} [فاطر: 23] يقول: ما أنت إلا رسول منذر تنذرهم النار ~~وتخوفهم، ولي عليك غير ذلك. # وهو قوله: {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها ~~نذير} [فاطر: 24] سلف فيها نبي، قال مقاتل: ما من أمه إلا جاءهم رسول، وما ~~بعد هذا ظاهر من تفسيره إلى قوله: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ~~فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها ~~وغرابيب سود {27} ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى ~~الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور {28} } [فاطر: 27-28] ومن الجبال ~~أي: ومما خلقنا من الجبال، جدد بيض قال الفراء: هي الطرق تكون في الجبال ~~كالعروق بيض وسود وحمر. # واحدها جدة، وقال المبرد: جدد طرائق وخطوط. # ونحو هذا قال المفسرون في تفسير الجدد. # وغرابيب سود الغربيب الشديد السواد، الذي يشبه لون الغراب، قال الفراء: ~~هذا على التقديم والتأخير، تقديره ms1524 وسود غرابيب، لأنه يقال: أسود غربيب. # وقل ما يقال: غربيب أسود. # {ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه} [فاطر: 28] قال الفراء: أي ~~خلق مختلف ألوانه. # كذلك كاختلاف الثمرات والجبال، وتم الكلام، ثم قال: {إنما يخشى الله من ~~عباده العلماء} [فاطر: 28] قال ابن عباس: يريد إنما يخافني من خلقي من علم ~~جبروتي وعزتي وسلطاني. # وقال مقاتل: أشد الناس لله خشية أعلمهم به. # وقال مسروق: كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا. # وقال مجاهد، والشعبي: العالم من خاف الله تعالى. # وروى عكرمة، عن ابن عباس، قال: من خشي الله فهو عالم. # {إن الله عزيز} [فاطر: 28] في ملكه، غفور لذنوب المؤمنين. # {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا ~~وعلانية يرجون تجارة لن تبور {29} ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور ~~شكور {30} والذي # PageV03P504 # أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير ~~بصير {31} } [فاطر: 29-31] {إن الذين يتلون كتاب الله} [فاطر: 29] يعني ~~قراءة القرآن، أثنى الله عليهم بقراءة القرآن، وقوله: {يرجون تجارة لن ~~تبور} [فاطر: 29] لن تفسد، ولن تكسد، ولن تهلك، ليوفيهم أجورهم جزاء ~~أعمالهم بالثواب، {ويزيدهم من فضله} [فاطر: 30] قال ابن عباس: يعني سوى ~~الثواب مما لم تر عين، ولم تسمع أذن. # {إنه غفور شكور} [فاطر: 30] قال ابن عباس: غفر العظيم من ذنوبهم، وشكر ~~اليسير من أعمالهم. # {والذي أوحينا إليك من الكتاب} [فاطر: 31] يعني القرآن، {هو الحق مصدقا ~~لما بين يديه} [فاطر: 31] موافقا لما قبله من الكتب، {إن الله بعباده لخبير ~~بصير} [فاطر: 31] . # {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ~~ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير} [فاطر: 32] قوله: {ثم ~~أورثنا الكتاب} [فاطر: 32] قال مقاتل: قرآن محمد صلى الله عليه وسلم. # والمعنى: ثم جعلنا الكتاب ينتهي إليهم. # {الذين اصطفينا من عبادنا} [فاطر: 32] قال ابن عباس: يريد أمة محمد صلى ~~الله عليه وسلم، ثم قسمهم ورتبهم، فقال: {فمنهم ظالم لنفسه} [فاطر: 32] وهو ~~الذي مات على كبيرة ولم يتب منها ms1525، قاله عطاء، عن ابن عباس. # وقال مقاتل: يعني أصحاب الكبائر من أهل التوحيد. # ومنهم مقتصد وهو الذي لم يصب كبيرة، {ومنهم سابق بالخيرات} [فاطر: 32] ~~يعني المقربين الذين سبقوا إلى الأعمال الصالحة، قال الحسن: الظالم الذي ~~ترجح سيئاته على حسناته، والمقتصد التي استوت حسناته وسيئاته، والسابق من ~~رجحت حسناته. ### | 773 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله ~~الصفار، نا أبو بكر عبد الله بن محمد بن سلام الأصفهاني، نا محمد بن سعيد ~~بن سابق، نا عمرو بن أبي قيس، عن ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن أبيه، عن ~~أسامة بن زيد في قوله، عز وجل، {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد} ، قال: قال ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «كلهم من هذه الأمة» ### | 774 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر التميمي، أنا القاسم بن غانم بن حمويه الطويل، ~~نا محمد بن إبراهيم بن سعد، نا عمرو بن الحصين، نا الفضل بن عميرة، نا ~~ميمون بن سياه، عن أبي عثمان النهدي، سمعت عمر بن الخطاب، يقول: سمعت رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا ~~مغفور له» ، وقرأ عمر: {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ~~بإذن الله} # وقوله: سابق أي: إلى الجنة أو إلى رحمة الله. # بالخيرات بالأعمال الصالحة، بإذن الله بأمر الله وإرادته، {ذلك هو الفضل ~~الكبير} [فاطر: 32] يعني إيراثهم الكتاب. # ثم أخبرهم بثوابهم وجمعهم في دخول الجنة، فقال: {جنات عدن يدخلونها يحلون ~~فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير {33} وقالوا الحمد لله الذي ~~أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور {34} الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا ~~يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب {35} } [فاطر: 33-35] { # PageV03P505 # جنات عدن يدخلونها} [فاطر: 33] قال مقاتل: يعني الأصناف الثلاثة. # والآية مفسرة في { [الحج ولما دخلوها واستقرت بهم الدار حمدوا ربهم على ~~ما صنع بهم، وهو قوله:] وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} [سورة فاطر: ~~34] الحزن والحزن واحد، كالبخل والبخل، قال ابن عباس في ms1526 رواية أبي الجوزاء: ~~هو حزن النار. # وقال مقاتل: لأنهم كانوا لا يدرون ما يصنع الله بهم، وقال الكلبي: يعني: ~~ما كان بحوزتهم في الدنيا من أمر يوم القيامة. # وقال سعيد بن جبير: هم الخبز في الدنيا. # وقال الزجاج: أذهب الله عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاش أو ~~معاد. ### | 775 - # حدثنا الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن محمد الإسفرائيني، إملاء في ~~مسجد عقيل سنة سبع عشرة وأربع مائة، أنا الإمام أبو بكر أحمد بن إبراهيم ~~الإسماعيلي، نا أبو العباس أحمد بن محمد البراثي، نا يحيى بن عبد الحميد ~~الحماني، نا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في ~~قبورهم ولا في منشرهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله قد خرجوا من القبور ~~ينقضون التراب عن رءوسهم وهم يقولون: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} # قوله: {إن ربنا لغفور شكور} [فاطر: 34] قال ابن عباس: غفر العظائم من ~~ذنوبهم، وشكر اليسير من محاسن أعمالهم. # {الذي أحلنا دار المقامة} [فاطر: 35] قال مقاتل: أنزلنا دار الخلود، ~~أقاموا فيها أن ألا يموتون ولا يتحولون عنها أبدا. # من فضله أي: ذلك بفضله لا بأعمالنا، {لا يمسنا فيها نصب} [فاطر: 35] لا ~~يصيبنا في الجنة عناء ومشقة، {ولا يمسنا فيها لغوب} [فاطر: 35] وهو الإعياء ~~من التعب. # ثم قال في صفة الكفار: {والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ~~ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور {36} وهم يصطرخون فيها ربنا ~~أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ~~وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير {37} إن الله عالم غيب السموات ~~والأرض إنه عليم بذات الصدور {38} } [فاطر: 36-38] {والذين كفروا لهم نار ~~جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا} [فاطر: 36] أي: لا يهلكون فيستريحوا مما هم ~~فيه من العذاب، وهو كقوله: {فوكزه موسى فقضى عليه} [القصص: 15] ، {ولا يخفف ~~عنهم من عذابها ms1527} [فاطر: 36] طرفة عين، كذلك كما ذكرنا، {نجزي كل كفور} ~~[فاطر: 36] كل كافر، {وهم يصطرخون فيها} [فاطر: 37] يستغيثون، وهو افتعال ~~من الصراخ، قال مقاتل: هو أنهم ينادون {ربنا أخرجنا نعمل صالحا} [فاطر: 37] ~~قال ابن عباس: نقل لا إله إلا الله. # {غير الذي كنا نعمل} [فاطر: 37] يعني الشرك، فوبخهم الله تعالى، فقال: ~~{أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر} [فاطر: 37] قال عطاء: يريد ثماني عشرة ~~سنة. # وهو قول قتادة. # وقال الحسن: أربعين سنة. # وقال ابن عباس في رواية مجاهد: ستين سنة. # قال: وهو العمر الذي أعذر الله ابن آدم. ### | 776 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن محمويه، أنا أحمد بن جعفر القطيعي، أنا ~~بشير بن موسى، أنا عبد الله بن يزيد المقرئ، عن سعيد بن أبي أيوب، حدثني ~~محمد بن عجلان، عن بكير، عن العجلان أبي محمد ، # PageV03P506 # عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من أتت عليه ستون سنة ~~فقد أعذر الله إليه في العمر» # وقوله: {وجاءكم النذير} [فاطر: 37] قال جمهور المفسرين: يريد النبي صلى ~~الله عليه وسلم. # وروي عن عكرمة، وسفيان بن عيينة: أن المراد بالنذير الشيب، ومعناه: أولم ~~يعمركم حتى شبتم، وقوله: {فذوقوا فما للظالمين من نصير} [فاطر: 37] قال ~~مقاتل: فذوقوا العذاب فما للمشركين من مانع يمنعهم، وما بعد هذا مفسر إلى ~~قوله: {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين ~~كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا} [فاطر: 39] ~~{هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} [فاطر: 39] أي: أمة آمنة خلفت من قبلها ~~ورأت فيمن سلف ما ينبغي أن تعتبر به، {فمن كفر فعليه كفره} [فاطر: 39] جزاء ~~كفره، ثم ذم كفرهم بباقي الآية، ثم أمر نبيه بالاحتجاج عليهم بقوله: {قل ~~أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم ~~شرك في السموات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون ~~بعضهم بعضا إلا غرورا {40} إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن ~~زالتا ms1528 إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا {41} } [فاطر: 40-41] ~~{قل أرأيتم شركاءكم} [فاطر: 40] معناه: أخبروني عن الذين اتخذتم وعبدتم من ~~دوني شركاء بزعمكم، {أروني ماذا خلقوا من الأرض} [فاطر: 40] أي: بأي شيء ~~أوجبتم لهم شركة مع الله في العبادة لشيء خلقوه من الأرض، {أم لهم شرك في ~~السموات} [فاطر: 40] أي: شركة في خلقها، ثم ترك هذا النظم، فقال: {أم ~~آتيناهم كتابا فهم على بينة منه} [فاطر: 40] قال مقاتل: يقول: ثم أعطينا ~~كفار مكة كتابا فهم على بيان منه، بأن مع الله شريكا. # وهو قوله: فهم على بينات منه يعني ما في الكتاب من ضروب البيان، وقرأ أبو ~~عمرو بينة جعل ما في الكتاب بينة على لفظ الإفراد، وإن كانت عدة أشياء، ثم ~~استأنف: {بل إن يعد الظالمون} [فاطر: 40] أي: ما يعد {بعضهم بعضا إلا ~~غرورا} [فاطر: 40] قال مقاتل: يعني ما يعد الشيطان كفار بني آدم من شفاعة ~~الآلهة لهم في الآخرة إلا باطلا، وليس بشيء. # قوله: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا} [فاطر: 41] يمنعهما من ~~الزوال والذهاب والسقوط، ولئن زالتا ولو زالتا على تقدير ذلك لم يمسكهما من ~~أحد غير الله، وهو قوله: {إن أمسكهما من أحد من بعده} [فاطر: 41] وهذا ~~إخبار عن عظيم قدرة الله على حفظ السموات وإمساكها عن الزوال، {إنه كان ~~حليما} [فاطر: 41] عن الكفار إذ لم يعجل لهم العقوبة، غفورا إذ أخر العذاب ~~عنهم. # قوله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى ~~الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا {42} استكبارا في الأرض ومكر ~~السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة # PageV03P507 # الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا {43} أولم ~~يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة ~~وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ~~{44} ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن ms1529 يؤخرهم ~~إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا {45} } [فاطر: ~~42-45] {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} [فاطر: 42] يعني كفار مكة، قال ابن ~~عباس: حلفوا قبل أن يأتيهم محمد بأيمان غليظة. # {لئن جاءهم نذير} [فاطر: 42] رسول، ليكونن أهدى أصوب دينا، {من إحدى ~~الأمم} [فاطر: 42] يعني اليهود والنصارى والصابئين، {فلما جاءهم نذير} ~~[فاطر: 42] محمد صلى الله عليه وسلم ما زادهم مجيئه، إلا نفورا تباعدا عن ~~الهدى. # {استكبارا في الأرض} [فاطر: 43] عتوا على الله وتكبرا عن الإيمان به، ~~ومكر السيئ يعني: ومكروا مكر السيئ، وهو عملهم القبيح من الشرك، والمكر هو ~~العمل القبيح، وأضيف المكر إلى صفته، وقرأ حمزة بإسكان الهمزة، والنحويون ~~كلهم يزعمون أن هذا من الاضطرار في الشعر، ولا يجوز مثله في كتاب الله. # وقال أبو علي الفارسي: هو على إجراء الوصل مجرى الوقف، كما حكى سيبويه من ~~قولهم لملائه الأربعة: فأجروا الوصل مجرى الوقف. # قال: ويحتمل أنه خفف آخر الاسم لاجتماع الكسرتين والياءين كما خففوا ~~الياء من أيل لتوالي الكسرتين، ونزل حركة الإعراب بمنزلة غير حركة الإعراب. # وقال أبو جعفر النحاس: كان الأعمش يقف على ومكر السيئ فيترك الحركة، وهو ~~وقف حسن تام، ثم غلط فيه الراوي فروى أنه كان يحذف الإعراب في الوصل، فتابع ~~حمزة الغالط، فقرأ في الأدراج الحركة. # وقوله: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} [فاطر: 43] قال ابن عباس: عاقبة ~~الشرك لا تحل إلا بمن أشرك. # {فهل ينظرون إلا سنة الأولين} [فاطر: 43] هل ينتظرون إلا أن ينزل بهم ~~العذاب كما نزل بالأمم المكذبة قبلهم، {فلن تجد لسنة الله} [فاطر: 43] في ~~العذاب، تبديلا وإن تأخر ذلك، {ولن تجد لسنت الله تحويلا} [فاطر: 43] لا ~~يقدر أحد أن يحول العذاب عنهم إلى غيرهم. # وما بعد هذا مفسر فيما مضى إلى قوله: {ولو يؤاخذ الله الناس} [فاطر: 45] ~~يعني المشركين، {بما كسبوا} [فاطر: 45] من الشرك والتكذيب لعجل لهم العذاب ~~والعقوبة، وهو وقوله: {ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} ~~[فاطر: 45] وهذا مفسر في { [النحل، وقوله:] فإن الله ms1530 كان بعباده بصيرا} ~~[سورة فاطر: 45] قال ابن عباس: يريد أهل طاعته وأهل معصيته. # PageV03P508 ### | سورة يس # مكية وآياتها ثلاث وثمانون. ### | 777 - # أخبرنا الشيخ أبو معمر المفضل بن إسماعيل الجرجاني، بها، أنا الإمام جدي ~~أبو بكر الإسماعيلي، أنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي، أنا أبو إبراهيم ~~الترجماني، نا يوسف بن عطية الصفار، نا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن ~~أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم: «من قرأ سورة يس وهو في سكرات الموت، أو قريب عنده؛ جاءه خازن الجنة ~~بشربة من شراب الجنة، فسقاها إياه وهو على فراشه، فيشرب فيموت ريان، ويبعث ~~ريان، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء» # {يس {1} والقرءان الحكيم {2} إنك لمن المرسلين {3} على صراط مستقيم {4} ~~تنزيل العزيز الرحيم {5} لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون {6} لقد حق ~~القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون {7} } [يس: 1-7] بسم الله الرحمن الرحيم يس ~~قال ابن عباس، والمفسرون: يريد يا إنسان، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم. # والقرآن الحكيم أقسم الله بالقرآن المحكم من الباطل. # {إنك لمن المرسلين} [يس: 3] وذلك أن كفار مكة قالوا: لست مرسلا، وما أرسل ~~الله إلينا رسولا. # {على صراط مستقيم} [يس: 4] يعني دين الإسلام. # {تنزيل العزيز الرحيم} [يس: 5] قال مقاتل: هذا القرآن تنزيل العزيز في ~~ملكه، الرحيم بخلقه. # ومن قرأ بالنصب فعلى معنى: نزل الله ذلك تنزيلا من العزيز الرحيم، ثم ~~أضيف المصدر فصار معرفة. # لتنذر قوما متصل بقوله: {إنك لمن المرسلين} [يس: 3] ، {لتنذر قوما ما ~~أنذر آباؤهم} [يس: 6] قال قتادة: لتنذر قوما لم يأتهم نذير من قبلك لأنهم ~~كانوا في الفترة، وهو معنى قوله: فهم غافلون أي عن حج التوحيد وأدلة البعث. # {لقد حق القول} [يس: 7] وجب العذاب، على أكثرهم أكثر أهل مكة كقوله: ~~{ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} [الزمر: 71] وهذا إشارة إلى الإرادة ~~السابقة بكفرهم، {فهم لا يؤمنون} [يس: 7] لأن الله منعهم عن الهدى. # قوله: { # PageV03P509 # إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم ms1531 مقمحون {8} وجعلنا من ~~بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون {9} وسواء عليهم ~~أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون {10} إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن ~~بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم {11} إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا ~~وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين {12} } [يس: 8-12] {إنا جعلنا في ~~أعناقهم أغلالا} [يس: 8] قال أهل المعاني: هذا على طريق المثل، ولم يكن ~~هناك غل. # قال الفراء: معناه حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله. # كقوله: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} [الإسراء: 29] معناه: لا تمسكها ~~عن النفقة، وقوله: فهي يعني أيديهم، كنى عنها ولم يذكرها لأن الأغلال ~~والأعناق تدل عليها، وذلك أن الغل إنما هو يجمع اليد إلى العنق، وقوله: فهم ~~مقمحون قال الفراء، والزجاج: المقمح: الغاض بصره بعد رفع رأسه. # ومعنى الإقماح: رفع الرأس وغض البصر، يقال: أقمح البعير رأسه وقمح إذا ~~رفع رأسه ولم يشرب الماء. # قال الأزهري: أراد الله أن أيديهم لما غلت عند أعناقهم رفعت الأغلال ~~أذناقهم ورءوسهم صعدا فهم مرفوعو الرءوس برفع الأغلال إياها، يدل على هذا ~~المعنى قول قتادة مقمحون: مغلولون. # قوله: {وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا} [يس: 9] يريد منعناهم عن ~~الإيمان لمواقع فهم لا يستطيعون الخروج من الكفر إلى الإيمان، كالمضروب ~~أمامه وخلفه بالأسداد، وهذا معنى قول ابن عباس: منعهم من الهدى لما سبق في ~~علمه عليهم. # وقوله: فأغشيناهم قال الفراء: ألبسنا أبصارهم غشاوة. # أي عمى، {فهم لا يبصرون} [يس: 9] سبيل الهدى. # ثم ذكر أن الإنذار لا ينفعهم بعد هذا، بقوله: {وسواء عليهم أأنذرتهم أم ~~لم تنذرهم لا يؤمنون} [يس: 10] قال الزجاج: أي من أضله الله هذا الإضلال لم ~~ينفعه الإنذار، إنما ينفع الإنذر من ذكر في قوله: {إنما تنذر من اتبع ~~الذكر} [يس: 11] يعني القرآن، {وخشي الرحمن بالغيب} [يس: 11] خاف الله في ~~الدنيا، فبشره بمغفرة لذنوبه، وأجر كريم حسن وهو الجنة. # قوله: {إنا نحن نحيي الموتى} [يس: 12] يعني البعث، {ونكتب ما قدموا} [يس: ~~12] من خير أو شر عملوه في ms1532 حياتهم، وآثارهم خطاهم بأرجلهم. ### | 778 - # أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد الطبري، أنا محمد بن الحسين، أنا ~~عبد الله بن محمد الشرقي، نا عبد الرحمن بن بشر، أنا الثوري، عن سعيد بن ~~طريف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: شكت بنو سلمة إلى رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم، بعد منازلهم من المسجد، فأنزل الله، تعالى {ونكتب ما قدموا ~~وآثارهم} فقال # PageV03P510 # النبي، صلى الله عليه وسلم: «عليكم منازلكم، فإنما تكتب آثاركم» ### | 779 - # أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، نا محمد بن يعقوب، نا عبد الله بن محمد ~~الشاكر، نا أبو أسامة، عن يزيد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ~~ممشى، فأبعدهم» ، رواه البخاري، ومسلم، كلاهما عن أبي كريب، عن أبي أسامة # وكل شيء من الأعمال، أحصيناه بيناه وحفظناه، {في إمام مبين} [يس: 12] وهو ~~اللوح المحفوظ. # {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون {13} إذ أرسلنا إليهم ~~اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون {14} قالوا ما أنتم ~~إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون {15} قالوا ربنا ~~يعلم إنا إليكم لمرسلون {16} وما علينا إلا البلاغ المبين {17} } [يس: ~~13-17] قوله: {واضرب لهم مثلا} [يس: 13] قال مقاتل: صف لهم يا محمد شبها. # يعني: لأهل مكة، أصحاب القرية يعني أنطاكية، {إذ جاءها المرسلون} [يس: ~~13] رسل عيسى، وذلك أنه بعث رسولين من الحواريين إلى أنطاكية ليدعوا الناس ~~إلى عبادة الله، وهو قوله: {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما} [يس: 14] قال ~~ابن عباس: ضربوهما وسجنوهما. # فعززنا بثالث أي: فقوينا وشددنا الرسالة برسول ثالث، وقرئ بالتخفيف، قال ~~الفراء: عززنا وعززنا، كقولك: شددنا وشددنا بالتخفيف والتثقيل. # ونحو ذلك قال الزجاج. # فقالوا يعني: الرسل لأهل أنطاكية: {إنا إليكم مرسلون {14} قالوا} [يس: ~~14-15] لهم: {ما أنتم إلا بشر مثلنا} [يس: 15] ما لكم علينا من فضل في شيء، ~~{وما أنزل الرحمن من شيء} [يس: 15] أي: لم يرسل رسولا، {إن أنتم إلا ~~تكذبون} [يس: 15] ما ms1533 أنتم إلا كاذبين فيما تزعمون. # {قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون} [يس: 16] وإن كذبتمونا. # {وما علينا إلا البلاغ المبين} [يس: 17] ما علينا إلا أن نبلغ ونبين لكم. # فقال القوم للرسل: {قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم ~~وليمسنكم منا عذاب أليم {18} قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم ~~مسرفون {19} } [يس: 18-19] إنا تطيرنا تشاءمنا، بكم وذلك أن المطر حبس ~~عنهم، فقالوا: أصابنا هذا الشر من قبلكم. # {لئن لم تنتهوا} [يس: 18] لئن لم تسكتوا عنا، لنرجمنكم لنفتنكم كقوله: ~~{ولولا رهطك لرجمناك} [هود: 91] فتوعدوهم بالقتل والتعذيب، وهو قوله: ~~{وليمسنكم منا عذاب أليم {18} قالوا طائركم معكم} [يس: 18-19] شؤمكم معكم ~~بكفركم وتكذيبكم، يعني أصابكم الشؤم من قبلكم، أئن ذكرتم وعظتم بالله ~~وخوفتم، وهذا استفهام محذوف الجواب، تقديره أئن ذكرتم تطيرتم بنا {بل أنتم ~~قوم مسرفون} [يس: 19] مشركون. # قوله: { # PageV03P511 # وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين {20} اتبعوا ~~من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون {21} وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ~~{22} أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ~~ينقذون {23} إني إذا لفي ضلال مبين {24} إني آمنت بربكم فاسمعون {25} } ~~[يس: 20-25] {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} [يس: 20] وهو حبيب النجار، ~~وكان قد آمن بالرسل عند ورودهم القرية، وكان منزله عند أقصى باب من أبواب ~~المدينة، فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل وهموا بقتلهم، جاءهم و {قال يا ~~قوم اتبعوا المرسلين {20} اتبعوا من لا يسألكم أجرا} [يس: 20-21] لا ~~يسئلونكم أموالكم على ما جاءكم به من الهدى، وهم مهتدون يعني الرسل، فلما ~~قال هذا أخذوه فرفعوه إلى الملك، فقال له الملك: أفأنت تتبعهم؟ فقال: {وما ~~لي لا أعبد الذي فطرني} [يس: 22] وأي شيء لي إذا لم أعبد خالقي، وإليه ~~ترجعون تردون عند البعث فيجزيكم. # ثم أنكر اتخاذ الأصنام وعبادتها، فقال: {أأتخذ من دونه آلهة إن يردن ~~الرحمن بضر} [يس: 23] بسوء ومكروه، {لا تغن عني} [يس: 23] لا ترفع ولا ~~تمنع، شفاعتهم شيئا يعني لا شفاعة لها ms1534 فتغني، ولا ينقذون ولا يخلصوني من ~~ذلك المكروه. # {إني إذا لفي ضلال مبين} [يس: 24] إن أنا فعلت ذلك. # {إني آمنت بربكم} [يس: 25] الذي كفرتم به، فاسمعون فاسمعوا قولي، فلما ~~قال هذا وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه، قال ابن مسعود: وطئوه بأرجلهم ~~حتى خرج قصبه من دبره، فأدخله الله الجنة وهو حي فيها يرزقه، وذلك قوله: ~~{قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون {26} بما غفر لي ربي وجعلني من ~~المكرمين {27} وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا ~~منزلين {28} إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون {29} } [يس: 26-29] ~~{قيل ادخل الجنة} [يس: 26] فلما دخلها، {قال يا ليت قومي يعلمون {26} بما ~~غفر لي ربي} [يس: 26-27] يعني أن يعلموا أن الله غفر له ليرغبوا في دين ~~الرسل، والمعنى: بغفران ربي لي، وما مع الفعل بمنزلة المصدر، {وجعلني من ~~المكرمين} [يس: 27] من المدخلين الجنة. # فلما قتلوه غضب الله لقتلهم إياه غضبة لم تبق من القوم شيئا وعجل لهم ~~العذاب، وهو قوله: {وما أنزلنا على قومه} [يس: 28] يعني قوم حبيب، من بعده ~~من بعد قتله، {من جند من السماء} [يس: 28] يعني الملائكة، أي: لم تستنصر ~~منهم بجند من السماء، {وما كنا منزلين} [يس: 28] أي: وما كنا ننزلهم على ~~الأمم إذا أهلكناهم كالطوفان، والصاعقة، والريح. # ثم بين بما كانت عقوبتهم، فقال: {إن كانت إلا صيحة واحدة} [يس: 29] قال ~~المفسرون: أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة فإذا هم ميتون، ~~لا يسمع لهم حس كالنار إذا طفئت. # وهو قوله: {فإذا هم خامدون} [يس: 29] أي: ساكتون قد ماتوا. # قوله: {يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون {30} ~~ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من # PageV03P512 # القرون أنهم إليهم لا يرجعون {31} وإن كل لما جميع لدينا محضرون {32} } ~~[يس: 30-32] {يا حسرة على العباد} [يس: 30] قال مجاهد، ومقاتل: يا ندامة ~~عليهم في الآخرة باستهزائهم بالرسل في الدنيا. # ثم بين سبب الحسرة، فقال: {ما يأتيهم من رسول} [يس: 30] أي: في الدنيا، ~~{إلا ms1535 كانوا به يستهزءون} [يس: 30] . # ثم خوف كفار مكة، فقال: {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون} [يس: 31] ~~أي: ألم يروا أن القرون التي أهلكناهم، لا يرجعون إليهم أي: لا يعودون إلى ~~الدنيا، أفلا تعتبرون بهم. # {وإن كل لما جميع لدينا محضرون} [يس: 32] يعني أن الأمم يحضرون يوم ~~القيامة فيقفون على ما عملوا. # ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا، فقال: {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها ~~وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون {33} وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا ~~فيها من العيون {34} ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون {35} ~~سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ~~{36} } [يس: 33-36] {وآية لهم الأرض الميتة} [يس: 33] أي: يدلهم على قدرتنا ~~على البعث إحياء الأرض بالنبات بعد أن كانت ميتة لا تنبت شيئا، وهو قوله: ~~{أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون} [يس: 33] يعني: ما يقتات من ~~الحبوب. # وجعلنا فيها في الأرض، {جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها} [يس: 34] في ~~الأرض، من العيون يعني: عيون الماء. # {ليأكلوا من ثمره} [يس: 35] يعني: من ثمرة النخيل، وهو في اللفظ مذكر، ~~{وما عملته أيديهم} [يس: 35] أي: ومن ثمرة ما عملت أيديهم، يعني الغروس ~~والحروث التي قاسوا حراثتها، ومن قرأ عملته بالهاء جعلها عائدة إلى ما التي ~~هي بمعنى الذي، ومن قرأ بحذف الهاء فلأن هذه الهاء الراجعة إلى الموصول ~~تجيء محذوفة في أكثر القرآن، كقوله: {أهذا الذي بعث الله رسولا} [الفرقان: ~~41] ، {وسلام على عباده الذين اصطفى} [النمل: 59] وتكون هذه القراءة كقراءة ~~عملته لأن الهاء مرادة، وإن حذفت في اللفظ، ويجوز أن يكون ما في، وما عملته ~~نفيا، وهو معنى قول الضحاك ومقاتل، قال الضحاك: أي وجدوها معمولة ولا صنع ~~لهم فيها. # وقال مقاتل: يقول: لم يكن ذلك من صنيع أيديهم، ولكن من فعلنا. # وقوله: أفلا يشكرون أي: رب هذه النعم فيوحدونه. # ثم نزه نفسه، فقال: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها} [يس: 36] يعني: أجناس ~~الفواكه والحبوب وأصنافها، {مما تنبت الأرض ومن أنفسهم} [يس: 36] يعني: ~~الذكران والإناث، {ومما ms1536 لا يعلمون} [يس: 36] مما خلق الله من جميع الأنواع ~~والأشياء، مما لا تقف عليه من دواب البر والبحر. # {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون {37} والشمس تجري لمستقر ~~لها ذلك تقدير # PageV03P513 # العزيز العليم {38} والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم {39} لا ~~الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ~~{40} } [يس: 37-40] وآية لهم تدل على قدرتنا، {الليل نسلخ منه النهار} [يس: ~~37] قال الفراء: نرمي بالنهار على الليل فنأتي بالظلمة. # وذلك أن الأصل هي الظلمة والنهار داخل عليها، فإذا غربت الشمس سلخ النهار ~~من الليل، أي: كشط وأزيل، أي: نزع فتظهر الظلمة، وهو قوله: {فإذا هم ~~مظلمون} [يس: 37] داخلون في ظلام الليل. # قوله: والشمس تجري وآية لهم الشمس تجري، {لمستقر لها} [يس: 38] يعني: ~~انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا، وقال ابن قتيبة: إنها تسير حتى تنتهي إلى ~~أبعد مغاربها ثم ترجع، فذلك مستقرها لأنها لا تجاوزه، وعلى هذا القول يكون ~~التقدير لمستقر لسيرها. ### | 780 - # حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج إملاء، نا عبد الله بن محمد ~~بن يعقوب الحافظ، أنا أحمد بن سلمة، نا إسحاق بن إبراهيم، نا وكيع، نا ~~الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: سألت رسول الله، صلى ~~الله عليه وسلم، عن قوله، تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها} قال: «مستقرها ~~تحت العرش» ، رواه البخاري، عن الحميدي، عن وكيع، ورواه مسلم، عن أبي سعيد ~~الأشج، عن إسحاق # وقوله: ذلك أي: ذلك الذي ذكر من أمر الليل والنهار، والشمس والقمر، تقدير ~~العزيز في ملكه، العليم بما قدر من أمرها. # قوله: {والقمر قدرناه منازل} [يس: 39] وهي ثمانية وعشرون منزلا من أول ~~الشهر، فإذا صار إلى آخر منازله دق، وذلك قوله: {حتى عاد كالعرجون القديم} ~~[يس: 39] ومن قرأ والقمر نصبا فلأن المعنى: وقدرنا القمر قدرناه، كما تقول: ~~زيدا ضربته، والعرجون عود العذق الذي تركبه الشماريخ، وإذا جف وقدم يشبه ~~الهلال. # {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} [يس: 40] أي: لا يدخل النهار ms1537 على ~~الليل قبل انقضائه، ولا يدخل الليل على النهار قبل انقضائه، وهو وقوله: ~~{ولا الليل سابق النهار} [يس: 40] أي: هما يتعاقبان بحساب معلوم ولا يجيء ~~أحدهما قبل وقته، وكل من الشمس والقمر والنجوم، {في فلك يسبحون} [يس: 40] ~~يسيرون فيه. # {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون {41} وخلقنا لهم من مثله ما ~~يركبون {42} وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون {43} إلا رحمة منا ~~ومتاعا إلى حين {44} } [يس: 41-44] وآية لهم وعلامة لأهل مكة على قدرتنا، ~~{أنا حملنا ذريتهم} [يس: 41] يعني: آباءهم وأجدادهم الذين هؤلاء من نسلهم، ~~{في الفلك المشحون} [يس: 41] يعني: سفينة نوح، لأن من حمل مع نوح كان هؤلاء ~~من نسلهم، والذرية تقع على الآباء كما تقع على الأولاد، والمشحون المملوء. # {وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} [يس: 42] يعني: السفن التي عملت بعد ~~سفينة نوح # PageV03P514 # مثلها على هيئها وصورتها، والمراد بهذا أن الله تعالى ذكر منته بأن خلق ~~لهم الخشب حتى عملوا مثل سفينة نوح وركبوه للتجارات. # ثم ذكر أنه بفضله يحفظهم ولو شاء أغرقهم فلم يغثهم أحد ولم ينقذهم من ~~الغرق، وهو قوله: {وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم} [يس: 43] ولا مغيث لهم، ~~والصريخ ههنا بمعنى المصرخ {ولا هم ينقذون} [يس: 43] يقال: أنقذه واستنقذه ~~إذا خلصه من مكروه. # قال ابن عباس: ولا ينقذهم من عذابي. # {إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين} [يس: 44] أي: إلا أن نرحمهم ونمتعهم إلى ~~آجالهم، وذلك أن الكافر متعه الله في الدنيا ورزقه فيها، فإذا ركب السفينة ~~سلمه حتى يموت بأجله. # {وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون {45} وما ~~تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين {46} وإذا قيل لهم ~~أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله ~~أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين {47} } [يس: 45-47] {وإذا قيل لهم} [يس: ~~45] لهؤلاء الكفار: {اتقوا ما بين أيديكم} [يس: 45] من أمر الآخرة فاعملوا ~~لها، وما خلفكم من أمر الدنيا، فأحذروها ولا تغتروا بها ms1538 وما فيها من ~~زهرتها، لعلكم ترحمون لتكونوا على رجاء الرحمة من الله، وجواب إذا محذوف ~~على تقدير وإذا قيل لهم هذا أعرضوا، يدل على المحذوف. # قوله: {وما تأتيهم من آية} [يس: 46] أي: عبرة ودلالة تدل على صدق محمد ~~صلى الله عليه وسلم، {إلا كانوا عنها معرضين {46} وإذا قيل لهم أنفقوا مما ~~رزقكم الله} [يس: 46-47] قال مقاتل: إن المؤمنين قالوا لكفار قريش: أنفقوا ~~على المساكين ما زعمتم من أموالكم أنه لله، وهو ما جعلوه من حروثهم ~~وأنعامهم لله. # قالت الكفار: أنطعم أنرزق، {من لو يشاء الله أطعمه} [يس: 47] رزقه، أي: ~~نحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله، وهذا خطأ منهم، لأن الله ~~تعالى أغنى بعض الخلق وأفقر بعضها ليبلوا الغني بالفقير فيما فرض له في ~~ماله من الزكاة، والمؤمن لا يعترض على المشيئة، وإنما يوافق الأمر. # وقوله: {إن أنتم إلا في ضلال مبين} [يس: 47] هذا من قول الكفار للمؤمنين، ~~يقولون لهم: إن أنتم في اتباعكم محمدا وترك ديننا إلا في خطأ بين. # {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين {48} ما ينظرون إلا صيحة واحدة ~~تأخذهم وهم يخصمون {49} فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون {50} } ~~[يس: 48-50] {ويقولون متى هذا الوعد} [يس: 48] الذي تعدنا به يا محمد من ~~القيامة، {إن كنتم صادقين} [يس: 48] في ذلك أنت وأصحابك. # قال الله تعالى: {ما ينظرون إلا صيحة واحدة} [يس: 49] قال ابن عباس: يريد ~~النفخة الأولى. # يعني أن القيامة تأتيهم بغتة. # تأخذهم الصيحة، وهم يخصمون أي: يختصمون في البيع والشراء، ويتكلمون في ~~الأسواق والمجالس، أعز ما كانوا متشاغلين في متصرفاتهم، وأجود القراءة فتح ~~الخاء مع تشديد الصاد، لأن الأصل يختصمون، فألقيت حركة الحرف المدغم وهو ~~التاء على الساكن الذي قبله وهو الخاء، ومن قرأ بكسر الخاء حركه بالكسر ~~لالتقاء الساكنين، وقرأ أهل المدينة بالجمع بين ساكنين، قال الزجاج: وهو ~~أفسد الوجوه وأردأها. # وقرأ حمزة: ساكنة الخاء مخففة الصاد، وهو يفعلون من الخصومة، كأنه قال: ~~وهم يتكلمون. # والمعنى: تأخذهم وبعضهم يخصم بعضا، وأراد # PageV03P515 # أن الكفار ms1539 الذين تقوم عليهم الساعة تأخذهم الصيحة وهم يختصمون، والقوم ~~إذا كانوا على أمر واحد كان الخبر عن بعضهم كالخبر عن جميعهم. # ثم ذكر أن الساعة إذا أخذتهم بغتة لم يقدروا على الارتقاء بشيء، فقال: ~~{فلا يستطيعون توصية} [يس: 50] قال مقاتل: عجلوا عن الوصية فماتوا. # {ولا إلى أهلهم يرجعون} [يس: 50] وإلى منازلهم يرجعون من الأسواق، وهذا ~~إخبار عما يلقون في النفخة الأولى. # ثم أخبر عما يلقونه في النفخة الثانية إذا بعثوا بعد الموت، فقال: {ونفخ ~~في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون {51} قالوا يا ويلنا من بعثنا ~~من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون {52} إن كانت إلا صيحة واحدة ~~فإذا هم جميع لدينا محضرون {53} فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما ~~كنتم تعملون {54} } [يس: 51-54] {ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث} [يس: ~~51] يعني القبور، {إلى ربهم ينسلون} [يس: 51] يخرجون من قبورهم أحياء، ~~يقال: نسل في العد وينسل نسلانا. # {قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} [يس: 52] قال المفسرون: إنما يقولون ~~هذا لأن الله رفع عنهم العذاب فيما بين النفختين، فيرقدون، فلما بعثوا في ~~النفخة الأخيرة وعاينوا القيامة دعوا بالويل، فقالت الملائكة: {هذا ما وعد ~~الرحمن} [يس: 52] على ألسنة الرسل أنه يبعثكم بعد الموت، وصدق المرسلون في ~~وعد البعث، وقال قتادة: أول الآية للكافرين وآخرها للمسلمين، قال الكافرون: ~~{يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} [يس: 52] . # وقال المسلم: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} [يس: 52] . # ثم ذكر النفخة الثانية، فقال: {إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع ~~لدينا محضرون} [يس: 53] . # يقول الله تعالى: {فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم ~~تعملون} [يس: 54] . # ثم ذكر أولياءه، فقال: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون {55} هم ~~وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون {56} لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون ~~{57} سلام قولا من رب رحيم {58} } [يس: 55-58] {إن أصحاب الجنة اليوم} [يس: ~~55] يعني في الآخرة، في شغل وقرئ شغل وهما لغتان، قال مقاتل: شغلوا بافتضاض ~~العذارى من أهل النار ms1540، فلا يذكرونهم ولا يهتمون لهم. # وهذا قول جماعة المفسرون. # وقال الحسن: شغلوا بما في الجنة من النعيم عما فيه أهل النار من العذاب. # فاكهون ناعمون معجبون بما هم فيه، قال أبو زيد: الفكه الطيب النفس ~~الضحوك، يقال: رجل فكه وفاكه ولم يسمع لهذا أفعل في الثلاثي. # هم وأزواجهم يعني حلائلهم، في ظلال قال مقاتل: في أكنان القصور. # وقرئ في ظلل وهي جمع ظلة. # على الأرائك وهي السرر عليها الحجال، قال أحمد بن يحيى: الأريكة لا تكون ~~إلا سريرا في قبة عليه سواره ومتاعه. # لهم فيها في الجنة، {فاكهة ولهم ما يدعون} [يس: 57] يتمنون ويشتهون، قال ~~الزجاج: وهو مأخوذ من الدعاء. # والمعنى: كل ما يدعوه أهل الجنة يأتيهم. # ثم بين ما يشتهون، فقال: سلام قولا وهو بدل من ما، المعنى لهم ما يتمنون ~~سلام، ومن أهل الجنة أن يسلم الله عليهم، وقولا منصوب على معنى لهم سلام، ~~يقوله # PageV03P516 # الله قولا. ### | 781 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم، أنا عبد الخالق بن علي، حدثني أبو بكر ~~أحمد بن محمد بن موسى اللخمي، نا الحسن بن أبي علي الزعفراني، نا ابن أبي ~~الشوارب، نا أبو عاصم، نا الفضل الرقاشي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن ~~عبد الله، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " بينا أهل الجنة في ~~نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا رءوسهم فإذا الرب، عز وجل، قد أشرف عليهم من ~~فوقهم، فقال: السلام عليكم، يا أهل الجنة، فذلك قول الله، تعالى: {سلام ~~قولا من رب رحيم} فينظر الله إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من ~~النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم، فيبقى نوره وبركته عليهم في ~~ديارهم، وقال ابن عباس: يرسل الرحيم إليهم بالسلام، وقال مقاتل: إن ~~الملائكة تدخل على أهل الجنة من كل باب، يقولون: سلام عليكم، يا أهل الجنة، ~~من ربكم الرحيم # {وامتازوا اليوم أيها المجرمون {59} ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا ~~تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين {60} وأن اعبدوني هذا صراط ms1541 مستقيم {61} ~~ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون {62} } [يس: 59-62] قوله: ~~وامتازوا اليوم يقال: مزت الشيء من شيء إذا عزلته وتحيته فامتاز. # قال: مقاتل: اعتزلوا اليوم يعني في الآخرة من الصالحين. # وقال السدي: كونوا على حدة. # قال الزجاج: انفردوا عن المؤمنين. # {ألم أعهد إليكم} [يس: 60] ألم آمركم وأوص إليكم، وقال الزجاج: ألم أتقدم ~~إليكم على لسان الرسل يا بني آدم. # قال مقاتل: يعني الذين أمروا بالاعتزال. # {أن لا تعبدوا الشيطان} [يس: 60] لا تطيعوا إبليس في الشرك، {إنه لكم عدو ~~مبين} [يس: 60] ظاهر العداوة، أخرج أبويكم من الجنة. # {وأن اعبدوني} [يس: 61] أطيعوني ووحدوني، {هذا صراط مستقيم} [يس: 61] ~~يعني دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. # ثم ذكر عداوته لبني آدم، فقال: {ولقد أضل منكم جبلا كثيرا} [يس: 62] ~~يعني: خلقا كثيرا، وفيه لغات: جبلا، وجبلا، وجبلا، وهذه الأوجه قرئ بها ~~ومعناها: الخلق والجماعة. # {أفلم تكونوا تعقلون} [يس: 62] ما رأيتم من الأمم قبلكم إذ أطاعوا إبليس ~~وعصوا الرسول فأهلكوا، ويقال لهم لما دنوا من النار: {هذه جهنم التي كنتم ~~توعدون {63} اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون {64} اليوم نختم على أفواههم ~~وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون {65} ولو نشاء لطمسنا على ~~أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون {66} ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم ~~فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون {67} } [يس: 63-67] { # PageV03P517 # هذه جهنم التي كنتم توعدون} [يس: 63] بها في الدنيا. # اصلوها قاسوا حرها، اليوم يعني يوم القيامة، {بما كنتم تكفرون} [يس: 64] ~~بكفركم بها في الدنيا. # اليوم نختم الآية، قال المفسرون: إنهم ينكرون الشرك وتكذيب الرسل. # وقالوا: {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23] فختم الله على أفواههم ~~وتكلمت جوارحهم بإذن الله لها في الكلام فشهدت عليهم بما عملوا. # قوله: {ولو نشاء لطمسنا على أعينهم} [يس: 66] أذهبنا أعينهم وجعلناها ~~بحيث لا يبدو لها شق ولا جفن، يهددهم الله بهذا كقوله: {ولو شاء الله لذهب ~~بسمعهم وأبصارهم} [البقرة: 20] يقول: كما أعمينا قلوبهم لو شئنا أعمينا ~~أبصارهم الظاهرة. # فاستبقوا الصراط فتبادروا إلى الطريق، فأنى يبصرون فكيف يبصرون وقد ~~أعمينا ms1542 أبصارهم. # {ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم} [يس: 67] على مكانهم الذي هم فيه قعود، ~~يقول: لو شئت لمسختهم حجارة في منازلهم ليس فيها أرواح. # {فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون} [يس: 67] لا يقدرون على ذهاب ولا مجيء. # {ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون {68} وما علمناه الشعر وما ينبغي ~~له إن هو إلا ذكر وقرءان مبين {69} لينذر من كان حيا ويحق القول على ~~الكافرين {70} } [يس: 68-70] {ومن نعمره ننكسه في الخلق} [يس: 68] بالتشديد ~~والتخفيف، يقال: نكسته وأنكسته، وأنكسته وأنكسته. # وذكرنا معنى النكس في قوله: {ثم نكسوا على رءوسهم} [الأنبياء: 65] قال ~~الزجاج: من أطلنا عمره نكسنا خلقه، فصار بدل القوة الضعف، وبدل الشباب ~~الهرم. # أفلا يعقلون أليس لهم عقل فيعتبروا فيعلموا أن الذي قدر على هذا من تصريف ~~أحوال الإنسان قادر على البعث بعد الموت، ومن قرأ بالتاء فهو مخاطبة ~~للكفار. # قوله: {وما علمناه الشعر} [يس: 69] قال الكلبي: إن كفار مكة قالوا: إن ~~القرآن شعر، وإن محمدا شاعر. # فقال الله تكذيبا لهم: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} [يس: 69] الشعر ~~أي: ما يستهل له ذلك، وما يتزن له بيت شعر حتى إذا مثل له بيت شعر جرى على ~~لسانه منكسرا. ### | 782 - # أخبرني أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن إسحاق، إجازة، نا أبو محمد الحسن بن ~~محمد بن كيسان، نا إسماعيل القاضي، نا سليمان بن حرب، نا حماد بن سلمة، عن ~~علي بن زيد، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كان يتمثل بهذا البيت: «كفى ~~الإسلام والشيب للمرء ناهيا» ، فقال أبو بكر: يا رسول الله، إنما قال ~~الشاعر: كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا، أشهد أنك رسول الله، ما علمك ~~الشعر، وما ينبغي لك، وقالت عائشة: كان رسول الله يتمثل ببيت أخي بني قيس: # PageV03P518 # ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود # فجعل يقول: ويأتيك من لم تزود بالأخبار، فيقول أبو بكر: ليس هكذا يا رسول ~~الله، فيقول: إني لست بشاعر ولا ينبغي لي # وقوله: إن هو قال مقاتل: ما القرآن، إلا ms1543 ذكر موعظة، وقرآن مبين فيه ~~الفرائض والحدود والأحكام. # لينذر أي القرآن، ومن قرأ بالتاء لتنذر يا محمد بما في القرآن، {من كان ~~حيا} [يس: 70] يعني: مؤمنا حي القلب، لأن الكافر كالميت في أنه لا يتدبر ~~ولا يتفكر، ويحق القول وتجب الحجة بالقرآن، على الكافرين. # ثم ذكرهم قدرته، فقال: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما ~~فهم لها مالكون {71} وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون {72} ولهم ~~فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون {73} } [يس: 71-73] {أولم يروا أنا خلقنا ~~لهم مما عملت أيدينا} [يس: 71] مما تولينا خلقه بإبداعنا وإنشائنا لم نشارك ~~في خلقه ولم نخلقه بإعانة معين، وذكر الأيدي ههنا يدل على إنفراده بما خلق، ~~والواحد منا إذا قال عملت هذا بيدي دل ذلك على إنفراده بعمله، وإنما تخاطب ~~العرب بما يستعملون من مخاطباتهم، وقوله: أنعاما يريد: الإبل والبقر ~~والغنم، {فهم لها مالكون} [يس: 71] ضابطون قاهرون، أي: لم نخلق الأنعام ~~وحشية نافرة من بني آدم لا يقدرون على ضبطها، بل هي مسخرة لهم. # وهو قوله: {وذللناها لهم فمنها ركوبهم} [يس: 72] ما يركبون، يعني الإبل، ~~وقال مقاتل: يعني حمولتهم الإبل والبقر. # ومنها يأكلون يعني الغنم. # {ولهم فيها منافع} [يس: 73] من الأصواف والأوبار والأشعار والنسل، ومشارب ~~من ألبانها، أفلا يشكرون رب هذه النعم فيوحدونه. # ثم ذكر جهلهم وغرتهم، فقال: {واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون {74} ~~لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون {75} فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما ~~يسرون وما يعلنون {76} } [يس: 74-76] {واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ~~ينصرون} [يس: 74] يمنعون من العذاب. # {لا يستطيعون نصرهم} [يس: 75] قال ابن عباس: لا تقدر الأصنام على نصرتهم. # وقال مقاتل: لا تقدر آلهة أن تمنعهم من العذاب. # {وهم لهم جند محضرون} [يس: 75] يعني: الكفار جند الأصنام، يغضبون لهم ~~ويحضرونهم في الدنيا. # قال قتادة: يغضبون للآلهة في الدنيا وهي لا تسوق إليهم خيرا ولا تدفع ~~عنهم شرا. # وقال الزجاج: ينتصرون للأصنام وهي لا تستطيع نصرهم. # ثم عزى نبيه، فقال: {فلا يحزنك قولهم} [يس: 76] يعني: قول كفار مكة ms1544 في ~~تكذيبك، {إنا نعلم ما يسرون} [يس: 76] في ضمائرهم من تكذيبك، وما يعلنون ~~بألسنتهم، والمعنى: إنا نثيبك ونجازيهم. # قوله: {أولم ير الإنسان} [يس: 77] يعني: أبي بن خلف، خاصم النبي صلى الله ~~عليه وسلم في إنكار البعث، وأتاه بعظم قد بلي، فتته بيده، وقال: أيحيي الله ~~هذا بعدما رم؟ فأنزل الله: {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو ~~خصيم مبين {77} وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من # PageV03P519 # يحيي العظام وهي رميم {78} قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق ~~عليم {79} الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون {80} } ~~[يس: 77-80] {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين} [يس: ~~77] يعني: ألا يرى أنه مخلوق من نطفة، ثم هو يخاصم! وهذا تعجيب من جهله، ~~وإنكار عليه خصومته، أي: كيف لا يتفكر في بدء خلقه حتى يدع خصومته. # ثم أكد الإنكار عليه بقوله: {وضرب لنا مثلا} [يس: 78] يعني أنه ضرب المثل ~~في إنكار البعث بالعظم البالي، يفته بيده، ويتعجب ممن يقول: إن الله يحييه. # ونسي خلقه قال مقاتل: وترك النظر في خلق نفسه، إذ خلق من نطفة. # ثم بين ذلك المثل بقوله: {قال من يحيي العظام وهي رميم} [يس: 78] قاس ~~قدرة الله بقدرة الخلق، فأنكر إحياء العظم البالي لما لم يكن ذلك في مقدور ~~الخلق، يقال: رم العظم يرم رما إذا بلي، وهو رميم، والعظام رميم، ولا يقال ~~بالهاء لأنه مصروف إلى فعيل. # قال الله تعالى: {قل يحييها الذي أنشأها} [يس: 79] ابتدأها وخلقها، {أول ~~مرة وهو بكل خلق} [يس: 79] من الابتداء والإعادة، عليم. # ثم زاد في البيان، وأخبر عن عجيب صنعه، فقال: {الذي جعل لكم من الشجر ~~الأخضر نارا} [يس: 80] يعني: ما جعل من النار في المرخ والقفار، وهما ~~شجرتان تتخذ الأعراب زنودها منها، وهو قوله: {فإذا أنتم منه توقدون} [يس: ~~80] تقدحون النار، وتوقدونها من ذلك الشجر. # ثم ذكر ما هو أعظم خلقا من الإنسان، فقال: {أوليس الذي خلق السموات ~~والأرض بقادر على أن يخلق ms1545 مثلهم بلى وهو الخلاق العليم {81} إنما أمره إذا ~~أراد شيئا أن يقول له كن فيكون {82} فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ~~ترجعون {83} } [يس: 81-83] {أوليس الذي خلق السموات والأرض} [يس: 81] في ~~عظمها وكثرة أجزائها، يقدر على إعادة خلق البشر، ثم أجاب هذا الاستفهام ~~بقوله: بلى أي: هو قادر على ذلك، وهو الخلاق يخلق خلقا بعد خلقا، العليم ~~بجميع ما خلق. # ثم ذكر قدرته على إيجاد الشيء، فقال: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول ~~له كن فيكون} [يس: 82] وقد تقدم تفسيرها. # ثم نزه نفسه من أن يوصف بغير القدرة، فقال: {فسبحان الذي بيده ملكوت كل ~~شيء} [يس: 83] أي: ملك كل شيء، والقدرة على كل شيء. # وإليه ترجعون تردون بعد الموت. # PageV03P520 ### | سورة الصافات # مكية وآياتها اثنتان وثمانون ومائة. ### | 783 - # أخبرنا أبو عثمان بن أبي بكر الحيري، أنا أبو عمرو بن أبي الفضل المؤذن، ~~أنا أبو إسحاق الأسدي، نا عبد الله اليربوعي، نا المدائني، نا هارون بن ~~كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة الصافات أعطي من الأجر عشر ~~حسنات، بعدد كل جني وشيطان، وتباعدت منه مردة الشياطين، وبرئ من الشرك، ~~وشهد له حافظاه يوم القيامة أنه كان مؤمنا بالمرسلين» # {والصافات صفا {1} فالزاجرات زجرا {2} فالتاليات ذكرا {3} إن إلهكم لواحد ~~{4} رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق {5} } [الصافات: 1-5] بسم ~~الله الرحمن الرحيم والصافات صفا هذا قسم أقسم الله بالملائكة التي تصف ~~أنفسها في السماء كصفوف الخلق في الدنيا، قال ابن عباس: يريد الملائكة ~~صفوفا صفوفا، لا يعرف كل ملك منهم من إلى جانبه، لم يلتفت منذ خلقه الله عز ~~وجل. # فالزاجرات زجرا يعني الملائكة الذين وكلوا بالسحاب، يزجرونه في سوقه ~~وتأليفه، وقال قتادة: يعني زواجر القرآن، وهي كل ما ينهى ويزجر عن القبيح. # فالتاليات ذكرا هم الملائكة، يتلون ذكر الله، وقال الكلبي: هم قراء ~~الكتاب. # {إن إلهكم لواحد} [الصافات: 4] جواب القسم، أقسم الله تعالى بهذه الأقسام ms1546 ~~أنه واحد ليس له شريك. # {رب السموات والأرض وما بينهما} [الصافات: 5] من شيء، {ورب المشارق} ~~[الصافات: 5] مطالع الشمس. # {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب {6} وحفظا من كل شيطان مارد {7} ~~لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب {8} دحورا ولهم عذاب واصب ~~{9} إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب {10} } [الصافات: 6-10] {إنا زينا ~~السماء الدنيا} [الصافات: 6] يعني: التي تلي الأرض، فهي أدنى السموات إلى ~~الأرض، بزينة الكواكب بحسنها وضوئها، وقرأ حمزة بزينة منونة، وخفض الكواكب، ~~قال الزجاج: الكواكب بدل من الزينة، لأنها هي كما تقول: مررت بأبي عبد الله ~~زيد. # وقرأ عاصم بالتنوين ونصب الكواكب، أعمل الزينة وهي مصدر في الكواكب، ~~والمعنى: بأنا زينا الكواكب فيها حين ألفناها في منازلها، وجعلناها ذات ~~نور. # وحفظا # PageV03P521 # للسماء بالكواكب، {من كل شيطان مارد} [الصافات: 7] متمرد يرمون بها فلا ~~تخطئهم. # قوله: {لا يسمعون إلى الملإ الأعلى} [الصافات: 8] قال الكلبي: لكي لا ~~يسمعوا إلى الكتبة من الملائكة، والملأ الأعلى هم الملائكة، لأنهم في ~~السماء، وقرئ يسمعون بالتشديد، وأصله يتسمعون، فأدغم التاء في السين، ~~{ويقذفون من كل جانب} [الصافات: 8] ويرمون من كل ناحية بالشهب. # دحورا يقال: دحره دحرا ودحورا إذا طرده وأبعده. # والمعنى: يدحرون دحورا فيبعدون عن تلك المجالس التي يسترقون فيها السمع. # {ولهم عذاب واصب} [الصافات: 9] قال مقاتل: يعني دائما إلى النفخة الأولى، ~~فهم يخرجون ويكبلون. # {إلا من خطف الخطفة} [الصافات: 10] اختلس الكلمة من الكلام الملائكة ~~مسارقة، فأتبعه لحقه وأصابه، شهاب ثاقب نار مضيئة تحرقه، والثاقب: النير ~~المضيء كقوله: {إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين} [الحجر: 18] . # {فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب {11} بل ~~عجبت ويسخرون {12} وإذا ذكروا لا يذكرون {13} وإذا رأوا آية يستسخرون {14} ~~وقالوا إن هذا إلا سحر مبين {15} أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا ~~لمبعوثون {16} أوآباؤنا الأولون {17} قل نعم وأنتم داخرون {18} فإنما هي ~~زجرة واحدة فإذا هم ينظرون {19} } [الصافات: 11-19] قوله: فاستفتهم قال ~~الزجاج: سلهم سؤال تقرير عن {أهم أشد خلقا} [الصافات: 11] أحكم صنعة، {أم ~~من خلقنا} [الصافات: 11] قبلهم ms1547 من الأمم السالفة، يريد أنهم ليسوا بأحكم ~~خلقا من غيرهم من الأمم، وقد أهلكناهم بالتكذيب، فما الذي يؤمنهم من ~~العذاب. # ثم ذكر خلق الإنسان، فقال: {إنا خلقناهم من طين لازب} [الصافات: 11] لاصق ~~جيد، يقال: لزب يلزب لزوبا إذا لصق. # والمعنى أن هؤلاء الكفار خلقوا مما خلق منه الأولون، فليسوا بأشد خلقا ~~منهم، وهذا إخبار عن التسوية بينهم وبين غيرهم من الأمم في الخلق. # قوله: {بل عجبت ويسخرون} [الصافات: 12] بل معناه: ترك الكلام الأول ~~والأخذ في الكلام الآخر، كأنه قال: دع يا محمد ما مضى، عجبت من كفار مكة ~~حين أوحى إليك القرآن، ولم يؤمنوا به، وهو قوله: ويسخرون لأن سخريتهم ~~بالقرآن وبه من ترك الإيمان، قال قتادة: عجب نبي الله من هذا القرآن حين ~~أنزل عليه وخلال بني آدم. # وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يظن أن كل من يسمع منه القرآن يؤمن ~~به، فلما سمع المشركون القرآن فسخروا منه وتركوا الإيمان به عجب من ذلك صلى ~~الله عليه وسلم، فقال الله: عجبت يا محمد من نزول الوحي عليك وتركهم ~~الإيمان. # وقرأ ابن مسعود بضم التاء. ### | 784 - # أخبرناه أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أنا إبراهيم بن عبد الله الأصفهاني، ~~أنا محمد بن إسحاق السراج، نا قتيبة، نا جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: ~~قرأ عبد الله: بل عجبت، فقال شريح: إن الله لا يعجب، إنما يعجب من لا يعلم، ~~قال الأعمش: فذكرته لإبراهيم فقال: إن شريحا كان معجبا برأيه، إن عبد الله ~~قرأ: بل عجبت ويسخرون، وعبد الله أعلم من # PageV03P522 # شريح، وإضافة العجب إلى الله، تعالى، ورد به الخبر كقوله: صلى الله عليه ~~وسلم «عجب ربكم من شاب ليست له صبوة» و «عجب ربكم من إلكم وقنوطكم» و «عجب ~~الله البارحة من فلان وفلانة» ويكون ذلك على وجهين؛ عجب مما يرضى؛ ومعناه: ~~الاستحسان والخبر عن تمام الرضا، وعجب مما يكره؛ ومعناه: الإنكار والذم له، ~~وتأويل الآية: أن الله، تعالى، ذكر الكفار وما هم فيه من الكفر والتكذيب ms1548 ~~وسخطه عليهم وهم يسخرون ويستهزئون ولا يتفكرون # قوله: {وإذا ذكروا لا يذكرون} [الصافات: 13] أي: إذا وعظوا بالقرآن لا ~~يتعظون به. # {وإذا رأوا آية} [الصافات: 14] قال ابن عباس، ومقاتل: يعني انشقاق القمر. # يستسخرون يسخرون ويستهزئون ويقولون: هذا عمل السحرة. # وهو قوله: {وقالوا إن هذا إلا سحر مبين} [الصافات: 15] جعلوا ما يدل على ~~التوحيد مما يعجزون عنه سحرا. # ثم ذكر إنكارهم البعث بقوله: {أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا ~~لمبعوثون} [الصافات: 16] وقد مضت في مواضع. # وقوله: {أو آباؤنا الأولون} [الواقعة: 48] ألف الاستفهام دخلت على حرف ~~العطف، كقوله: {أو أمن أهل القرى} [الأعراف: 98] . # قال الله تعالى: قل لهم: نعم يبعثون، وأنتم داخرون صاغرون، والدخور أشد ~~الصغار. # ثم ذكر أن بعثهم يقع بزجرة واحدة، فقال: {فإنما هي زجرة واحدة} [الصافات: ~~19] أي: فإنما قضية البعث صيحة واحدة من إسرافيل، يعني: نفخة البعث. # {فإذا هم ينظرون} [الصافات: 19] إلى البعث الذي كذبوا به. # فلما عاينوا البعث ذكروا قول الرسل في الدنيا إن البعث حق فدعوا بالويل: ~~{وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين {20} هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون ~~{21} احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون {22} من دون الله ~~فاهدوهم إلى صراط الجحيم {23} وقفوهم إنهم مسئولون {24} ما لكم لا تناصرون ~~{25} بل هم اليوم مستسلمون {26} } [الصافات: 20-26] {وقالوا يا ويلنا} ~~[الصافات: 20] من العذاب، {هذا يوم الدين} [الصافات: 20] الحساب الجزاء، ~~نجازى فيه ما عملنا. # فقالت الملائكة: {هذا يوم الفصل} [الصافات: 21] يوم القضاء، {الذي كنتم ~~به تكذبون} [الصافات: 21] يفصل فيه بين المحسن والمسيء. # ويقال في ذلك اليوم: {احشروا الذين ظلموا} [الصافات: 22] اجمعوهم من حيث ~~بعثوا إلى الموقف والحساب، والمراد بالذين ظلموا الذين أشركوا من بني آدم، ~~وقوله: وأزواجهم قال الحسن: يعني المشركات، كأنه قال: احشروا المشركين ~~والمشركات. # وقال جماعة المفسرين: أشباههم وأمثالهم، وأتباعهم ونظراءهم وضرباءهم. # وعلى هذا القول يحمل الذين ظلموا على القادة والرؤساء وأزواجهم أتباعهم. # {وما كانوا يعبدون {22} من دون الله} [الصافات: 22-23] يعني: الأوثان ~~والطواغيت، وقال مقاتل: يعني إبليس وجنده. # واحتج بقوله: {أن لا تعبدوا الشيطان} [يس: 60] . # {فاهدوهم إلى صراط ms1549 الجحيم} [الصافات: 23] دلوهم عليها، أي: اذهبوا بهم ~~إلى الجحيم. # PageV03P523 # قوله: وقفوهم قال المفسرون: لما سيقوا إلى النار حبسوا عند الصراط، لأن ~~السؤال عند الصراط، فقيل: وقفوهم {إنهم مسئولون} [الصافات: 24] قال ابن ~~عباس: عن أعمالهم في الدنيا وأقاويلهم. # وقال مقاتل: سألتهم خزية جهنم {ألم يأتكم نذير} [الملك: 8] ، {ألم يأتكم ~~رسل منكم} [الأنعام: 130] ؟ ويجوز أن يكون هذا السؤال ما ذكر بعد، وهو ~~قوله: {ما لكم لا تناصرون} [الصافات: 25] أي أنهم يسئلون توبيخا لهم، ~~فيقال: ما لكم لا تتناصرون؟ لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا؟ وذلك ~~أن أبا جهل قال يوم بدر: نحن جميع منتصر. # فقيل لهم ذلك: ما لكم غير متناصرين؟ قال الله تعالى: {بل هم اليوم ~~مستسلمون} [الصافات: 26] يقال: استسلم للشيء إذا انقاد له وخضع، والمعنى: ~~هم اليوم أذلاء منقادون لا حيلة لهم. # {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون {27} قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ~~{28} قالوا بل لم تكونوا مؤمنين {29} وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم ~~قوما طاغين {30} فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون {31} فأغويناكم إنا كنا ~~غاوين {32} فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون {33} إنا كذلك نفعل بالمجرمين ~~{34} إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون {35} ويقولون أئنا ~~لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون {36} بل جاء بالحق وصدق المرسلين {37} } ~~[الصافات: 27-37] {وأقبل بعضهم على بعض} [الصافات: 27] يعني: الرؤساء ~~والأتباع، يتساءلون توبيخ وتأنيب، يقول الأتباع للرؤساء: لم غررتمونا؟ ~~ويقولون لهم: لم قبلتم منا؟ وهو قوله: {إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} ~~[الصافات: 28] أي: من قبل الحق والدين والطاعة، فتضلوننا عنها. # قال الزجاج: كنتم تأتوننا من قبل الدين، فتروننا أن الدين الحق ما ~~تضلوننا به. # واليمين عبارة عن الحق، وهذا كقوله إخبارا عن إبليس: {ثم لآتينهم من بين ~~أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم} [الأعراف: 17] فمن أتاه الشيطان من جهة ~~اليمين فقد أتاه من قبل الدين، فليس عليه الحق. # وقال بعض أهل المعاني: إن الرؤساء كانوا قد جعلوا لهؤلاء أن ما بدعوتهم ~~إليه هو الحق، فوقفوا بأيمانهم، فمعنى قوله: تأتوننا عن اليمين، أي: من ms1550 ~~ناحية الأيمان التي كنتم تحلفونها، فتفتنون بها. # والمفسرون على القول الأول. # فقال لهم الرؤساء: {بل لم تكونوا مؤمنين} [الصافات: 29] لم تكونوا على ~~الحق فنضلكم عنه، أي: إنما الكفر من قبلكم. # {وما كان لنا عليكم من سلطان} [الصافات: 30] من قدرة وقوة فتقهركم ~~ونكرهكم على متابعتنا، {بل كنتم قوما طاغين} [الصافات: 30] ضالين. # {فحق علينا} [الصافات: 31] فوجب علينا جميعا، {قول ربنا} [الصافات: 31] ~~يعني كلمة العذاب، وهو قوله: {لأملأن جهنم} [الأعراف: 18] الآية، {إنا ~~لذائقون} [الصافات: 31] العذاب الأليم، قال الزجاج: أي إن المضل والضال في ~~النار. # {فأغويناكم} [الصافات: 32] أضللناكم عن الهدى، ودعوناكم إلى ما كنا عليه، ~~وهو قوله: {إنا كنا غاوين} [الصافات: 32] . # يقول الله: {فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون} [الصافات: 33] الرؤساء ~~والذين أطاعوهم. # {إنا كذلك نفعل بالمجرمين} [الصافات: 34] قال ابن عباس: الذين جعلوا لله ~~شركاء. # {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} [الصافات: 35] ~~يتكبرون عن الهدى وتوحيد # PageV03P524 # الله. # {ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا} [الصافات: 36] أنترك عبادتها، لشاعر مجنون ~~يعنون النبي صلى الله عليه وسلم. # فرد الله عليهم بقوله: بل أي: ليس الأمر ما على ما قالوه، جاء محمد، ~~بالحق بالقرآن والتوحيد، وصدق المرسلين الذين كانوا قبله، أي: إنما أتى بما ~~أتى به من قبله من الرسل. # {إنكم لذائقو العذاب الأليم {38} وما تجزون إلا ما كنتم تعملون {39} إلا ~~عباد الله المخلصين {40} أولئك لهم رزق معلوم {41} فواكه وهم مكرمون {42} ~~في جنات النعيم {43} على سرر متقابلين {44} يطاف عليهم بكأس من معين {45} ~~بيضاء لذة للشاربين {46} لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون {47} وعندهم ~~قاصرات الطرف عين {48} كأنهن بيض مكنون {49} } [الصافات: 38-49] {إنكم ~~لذائقو العذاب الأليم {38} وما تجزون} [الصافات: 38-39] في الآخرة، {إلا ما ~~كنتم تعملون} [الصافات: 39] في الدنيا من الشرك. # ثم استثنى المؤمنين، فقال: {إلا عباد الله المخلصين} [الصافات: 40] يعني ~~الموحدين. # {أولئك لهم رزق معلوم} [الصافات: 41] على مقدار غدوة وعشية، قال قتادة: ~~الرزق المعلوم الجنة. # وقال غيره: هو ما ذكره في قوله: فواكه وهي جمع الفاكهة، وهي الثمار كلها، ~~رطبها ويابسها، وهم مكرمون بثواب الله. # على سرر جمع سرير ms1551، متقابلين لا يرى بعضهم قفا بعض. # {يطاف عليهم بكأس} [الصافات: 45] وهي الإناء بما فيه، من معين من خمر ~~ظاهر تراه العيون في الأنهار. # بيضاء قال الحسن: خمر الجنة أشد بياضا من اللبن. # لذة لذيذة، يقال: شراب لذ ولذيذ. # للشاربين الذين يشربونها. # {لا فيها غول} [الصافات: 47] لا تغتال عقولهم فتذهب بها، ولا يصيبهم منها ~~وجع في البطن ولا في الرأس، ويقال للوجع غول لأنه يؤدي إلى الهلاك. # {ولا هم عنها ينزفون} [الصافات: 47] لا يسكرون، يقال: نزف الرجل فهو ~~منزوف ونزيف إذا سكر، ومن كسر الزاي، فقال الزجاج: له معنيان، يقال: أنزف ~~الرجل إذا فنيت خمره، وأنزف إذا ذهب عقله من السكر، فتحمل هذه القراءة على ~~معنى لا ينفد شرابهم لزيادة الفائدة. # {وعندهم قاصرات الطرف} [الصافات: 48] أي: نساء قصرن طرفهن على أزواجهن ~~فلا تردن غيرهم، والقصر معناه الحبس، عين حسان الأعين. # {كأنهن بيض مكنون} [الصافات: 49] مصون مستور، قال الحسن، وابن زيد: شبهن ~~ببيض النعام، تكنها بالريش من الريح والغبار، فلونها أبيض في صفرة، وهذا ~~أحسن ألوان النساء، وهو أن تكون المرأة بيضاء مشربة بصفرة. # قال المبرد: والعرب تشبه المرأة الناعمة في بياضها وحسن لونها ببيضة ~~النعامة. # {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون {50} قال قائل منهم إني كان لي قرين {51} ~~يقول أئنك لمن المصدقين {52} أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون ~~{53} قال هل أنتم مطلعون {54} فاطلع فرآه في سواء الجحيم {55} قال تالله إن ~~كدت لتردين {56} ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين {57} أفما نحن بميتين ~~{58} إلا موتتنا الأولى # PageV03P525 # وما نحن بمعذبين {59} إن هذا لهو الفوز العظيم {60} لمثل هذا فليعمل ~~العاملون {61} } [الصافات: 50-61] {فأقبل بعضهم على بعض} [الصافات: 50] ~~يعني: أهل الجنة، يتساءلون يسأل هذا ذاك، وذاك هذا عن أحوالهم كانت في ~~الدنيا، يدل على هذا ما ذكر الله عن بعضهم، أنه أخبر عن حال قرينه معه كيف ~~كانت في الدنيا، وهو قوله: {قال قائل منهم} [الصافات: 51] يعني: من أهل ~~الجنة، {إني كان لي قرين} [الصافات: 51] يعني: أخا له في الدنيا، كان ينكر ~~البعث، وهو قوله: يقول أي ms1552: يقول لي: {أئنك لمن المصدقين} [الصافات: 52] ~~بالبعث، {أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون} [الصافات: 53] مجزيون ~~ومحاسبون؟ وهذا استفهام إنكار، ثم قال المؤمن لإخوانه في الجنة: {هل أنتم ~~مطلعون} [الصافات: 54] إلى الناس لننظر كيف منزلة أخي، فقال أهل الجنة: إنك ~~أعرف به منا، فاطلع أنت، فطلع فرأى أخاه {في سواء الجحيم} [الصافات: 55] في ~~وسطها، قال الزجاج: وسواء كل شيء وسطه. # وقال له: {تالله إن كدت لتردين} [الصافات: 56] قال مقاتل: والله لقد كدت ~~أن تغويني فأنزل منزلتك. # والإرداء الإهلاك، ومن أغوى إنسانا فقد أهلكه. # {ولولا نعمة ربي} [الصافات: 57] لولا إنعامه علي بالإسلام، {لكنت من ~~المحضرين} [الصافات: 57] معك في النار. # قال الكلبي: ثم يؤتى بالموت فيذبح، فإذا أمن أهل الجنة الموت فرحوا ~~وقالوا: {أفما نحن بميتين {58} إلا موتتنا الأولى} [الصافات: 58-59] التي ~~كانت في الدنيا، {وما نحن بمعذبين} [الصافات: 59] فقيل لهم: لا. # فعند ذلك قالوا: {إن هذا لهو الفوز العظيم} [الصافات: 60] قال الله ~~تعالى: لمثل هذا النعيم، يعني ما ذكره من قوله: {لهم رزق معلوم} [الصافات: ~~41] إلى قوله: بيض مكنون، فليعمل العاملون وهذا ترغيب في طلب ثواب الله ~~بطاعته. # {أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم {62} إنا جعلناها فتنة للظالمين {63} إنها ~~شجرة تخرج في أصل الجحيم {64} طلعها كأنه رءوس الشياطين {65} فإنهم لآكلون ~~منها فمالئون منها البطون {66} ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم {67} ثم إن ~~مرجعهم لإلى الجحيم {68} إنهم ألفوا آباءهم ضالين {69} فهم على آثارهم ~~يهرعون {70} } [الصافات: 62-70] قوله: أذلك الذي ذكره، خير نزلا قال ~~الزجاج: أذلك خير في باب الأنزال التي يتقوت بها، أم نزل أهل النار؟ وهو ~~قوله: {أم شجرة الزقوم} [الصافات: 62] وهو ما يكره تناوله، والذي أراد الله ~~هو شيء مر كريه يكره تناوله، وأهل النار يكرهون على تناوله، فهم يتزقمونه ~~على أشد كراهة. # قال قتادة: لما ذكر الله هذه الشجرة بها الظلمة، فقالوا: كيف تكون في ~~النار شجرة والنار تأكلها؟ فأنزل الله: {إنا جعلناها فتنة للظالمين} ~~[الصافات: 63] . # قال الزجاج: خبره لهم افتتنوا بها وكذبوا بكونها. # {إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ms1553} [الصافات: 64] قال الحسن: أصلها في قعر ~~جهنم، وأعضاؤها ترفع إلى دركاتها. # طلعها ثمرها، {كأنه رءوس الشياطين} [الصافات: 65] لقبحه، والشياطين ~~موصوفة بالقبح وإن كانت لا ترى، والشيء إذا استقبح شبه بها، فيقال: كأنه ~~شيطان. # {فإنهم لآكلون منها} [الصافات: 66] أي ثمرها، {فمالئون منها البطون} ~~[الصافات: 66] وذلك أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلئ بطونهم. # {ثم إن لهم عليها لشوبا} [الصافات: 67] لخلطا ومزاجا، من حميم يعني أنهم ~~إذا أكلوا الزقوم شربوا عليها الحميم، وهو الماء الحار، فيشوب الحميم في ~~بطونهم الزقوم، فيصير شوبا. # {ثم إن مرجعهم} [الصافات: 68] بعد شرب الحميم وأكل الزقوم، لإلى الجحيم ~~وذلك أنهم يوردون الحميم لشربه وهو خارج من الجحيم، # PageV03P526 # كما تورد الإبل الماء، ثم يردون إلى الجحيم، ويدل على صحة ما ذكرنا قوله: ~~{يطوفون بينها وبين حميم آن} [الرحمن: 44] . # إنهم ألفوا وجدوا، آباءهم ضالين عن الهدى. # {فهم على آثارهم يهرعون} [الصافات: 70] يسعون في مثل أعمال آبائهم، قال ~~الكلبي: يعملون مثل عملهم. # وقال ابن عباس، وقتادة: يسرعون. # قال الزجاج: يتبعون آباءهم اتباعا في سرعة كأنهم يزعجون إلى أتباع ~~آبائهم. # يقال: هرع الرجل وأهرع إذا استحث فأسرع. # {ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين {71} ولقد أرسلنا فيهم منذرين {72} فانظر ~~كيف كان عاقبة المنذرين {73} إلا عباد الله المخلصين {74} } [الصافات: ~~71-74] {ولقد ضل قبلهم} [الصافات: 71] قبل هؤلاء المشركين، أكثر الأولين من ~~الأمم الخالية. # {ولقد أرسلنا فيهم} [الصافات: 72] رسلا، منذرين ينذرونهم العذاب على ترك ~~الإيمان. # {فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} [الصافات: 73] الذين أنذروا بالعذاب. # قال مقاتل: يقول: كأن عاقبتهم العذاب يحذر كفار مكة. # ثم استثنى المؤمنين منهم، فقال: {إلا عباد الله المخلصين} [الصافات: 74] ~~يعني: الموحدين الذين نجوا من العذاب. # {ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون {75} ونجيناه وأهله من الكرب العظيم ~~{76} وجعلنا ذريته هم الباقين {77} وتركنا عليه في الآخرين {78} سلام على ~~نوح في العالمين {79} إنا كذلك نجزي المحسنين {80} إنه من عبادنا المؤمنين ~~{81} ثم أغرقنا الآخرين {82} } [الصافات: 75-82] قوله: {ولقد نادانا نوح} ~~[الصافات: 75] دعا ربه على قومه فقال: {أني مغلوب فانتصر} [القمر: 10] . # {فلنعم المجيبون} [الصافات: 75] نحن، يعني: أجبنا دعاءه وأهلكنا قومه ~~الكافرين ms1554. # {ونجيناه وأهله من الكرب} [الصافات: 76] الغم، العظيم الذي لحق قومه، وهو ~~الغرق. # {وجعلنا ذريته هم الباقين} [الصافات: 77] وذلك أنه لم يبق من نسل من كان ~~معه في السفينة إلا من ولد نوح، يدل على هذا ما: ### | 785 - # أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد، أنا أبو علي بن أحمد الفقيه، أنا إبراهيم بن ~~عبد الله الزيني، نا بندار، نا محمد بن خالد بن عثمة، نا سعيد بن بشير، عن ~~قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في قوله: {وجعلنا ~~ذريته هم الباقين} قال: سام وحام ويافث، فسر الذرية الباقية بهؤلاء ~~الثلاثة، فسام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم # {وتركنا عليه في الآخرين} [الصافات: 78] في الذين يجيئون بعده إلى يوم ~~القيامة، قال ابن عباس، ومقاتل: تركنا عليه ثناءا حسنا. # وهو قوله: {سلام على نوح في العالمين} [الصافات: 79] يعني بالسلام الثناء ~~الحسن، قال الزجاج: تركنا عليه الذكر الجميل إلى يوم القيامة. # وذلك الذكر قوله: {سلام على نوح} [الصافات: 79] أي: تركنا عليه في ~~الآخرين أن يصلى عليه إلى يوم القيامة، {إنا كذلك نجزي المحسنين} [الصافات: ~~80] قال مقاتل: جزاه الله بإحسانه الثناء الحسن في العالمين. # PageV03P527 # {وإن من شيعته لإبراهيم {83} إذ جاء ربه بقلب سليم {84} إذ قال لأبيه ~~وقومه ماذا تعبدون {85} أئفكا آلهة دون الله تريدون {86} فما ظنكم برب ~~العالمين {87} } [الصافات: 83-87] قوله: {وإن من شيعته} [الصافات: 83] أي: ~~من أهل ملة نوح وعلى دينه، {لإبراهيم {83} إذ جاء ربه} [الصافات: 83-84] ~~يعني: صدق الله وآمن به، بقلب سليم خالص من الشرك، يعني أنه سلم قلبه من ~~الشرك فلم يشرك بالله. # {إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون} [الصافات: 85] هذا استفهام توبيخ، كأنه ~~وبخهم على عبادة غير الله. # فقال: {أئفكا آلهة دون الله تريدون} [الصافات: 86] أي: أتأفكون إفكا، وهو ~~أسوأ الكذب، وتعبدون آلهة سوى الله. # {فما ظنكم برب العالمين} [الصافات: 87] ما ظنكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم ~~غيره، كأنه قال: ما ظنكم أنه يصنع بكم. # {فنظر نظرة في النجوم {88} فقال إني سقيم {89} فتولوا عنه مدبرين {90} ~~فراغ إلى ms1555 آلهتهم فقال ألا تأكلون {91} ما لكم لا تنطقون {92} فراغ عليهم ~~ضربا باليمين {93} فأقبلوا إليه يزفون {94} قال أتعبدون ما تنحتون {95} ~~والله خلقكم وما تعملون {96} قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم {97} ~~فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين {98} } [الصافات: 88-98] قوله: {فنظر ~~نظرة في النجوم} [الصافات: 88] قال المفسرون: كانوا يتعاطون علم النجوم ~~فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروا عليه، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في ~~أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة، وكان لهم من الغد يوم يخرجون ~~إليه، فأراد أن يتخلف عنهم فاعتل بالسقم، {فقال إني سقيم} [الصافات: 89] ~~وذلك أنهم كلفوه أن يخرج معهم إلى عيدهم، فنظر في النجوم، يريد أنه مستدل ~~بها على حاله، فلما نظر إليها، {فقال إني سقيم} [الصافات: 89] أي سأسقم. # قال مقاتل: إني وجع غدا، واعتل بذلك ليخلفوه. # {فتولوا عنه مدبرين} [الصافات: 90] تركوه وذهبوا إلى عيدهم. # {فراغ إلى آلهتهم} [الصافات: 91] مال إليها ميلة في خفية سرا، {فقال ألا ~~تأكلون} [الصافات: 91] يعني: الطعام الذي كان بين أيديهم، أتوهم بطعامهم ~~لتبارك فيه آلهتهم كما زعموا، وإنما يقول هذا إبراهيم استهزاء بها، وكذلك ~~قوله: {ما لكم لا تنطقون} [الصافات: 92] . # ثم أقبل عليهم ضربا كما قال الله تعالى: {فراغ عليهم ضربا باليمين} ~~[الصافات: 93] مال عليهم بالضرب، قال المفسرون: يعني بيده اليمنى، يضربهم ~~بها. # وقال السدي: بالقوة والقدرة. # فأقبلوا إليه من عيدهم، يزفون يسرعون من زفيف النعامة، وهو أول عدوها، ~~يقال: جاء يزف زفيف النعامة، أي يسرع. # وقرأ حمزة بضم الياء، أي: يحملون دوابهم وظهورهم على الجدد للإسراع في ~~المشي، وذلك أنهم أخبروا بصنيع إبراهيم بآلهتهم، فأسرعوا إليه ليأخذوه، ~~فلما انتهوا إليه، قال لهم إبراهيم محتجا عليهم: {أتعبدون ما تنحتون} ~~[الصافات: 95] بأيديكم من الأصنام، {والله خلقكم وما تعملون} [الصافات: 96] ~~بأيديكم، يعني ما تنحتون، أي: فاعبدوا الله الذي خلقكم وخلق ما تعملون ~~بأيديكم من الأصنام التي تعملونها من الخشب والحديد. # فلما لزمتهم الحجة {قالوا ابنوا له بنيانا} [الصافات: 97] قال ابن عباس: ~~بنوا حائطا من حجارة طوله في السماء ثلاثون ذراعا، وعرضه عشرون ذراعا، ~~وملئوه نارا ms1556 وطرحوه فيها. # وذلك قوله: {فألقوه في الجحيم} [الصافات: 97] وهي النار العظيمة. # قال الزجاج: كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم. # {فأرادوا به كيدا} [الصافات: 98] شرا، وهو أن يحرقوه بالنار، فجعلناهم ~~الأسفلين لأن إبراهيم علاهم بالحجة حين سلمه الله ورد كيدهم عنه، ولم ~~يلبثوا إلا يسيرا حتى أهلكهم الله. # PageV03P528 # {وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين {99} رب هب لي من الصالحين {100} فبشرناه ~~بغلام حليم {101} فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني ~~أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من ~~الصابرين {102} فلما أسلما وتله للجبين {103} وناديناه أن يا إبراهيم {104} ~~قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين {105} إن هذا لهو البلاء المبين ~~{106} وفديناه بذبح عظيم {107} وتركنا عليه في الآخرين {108} سلام على ~~إبراهيم {109} كذلك نجزي المحسنين {110} إنه من عبادنا المؤمنين {111} ~~وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين {112} وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ~~ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين {113} } [الصافات: 99-113] وقال إبراهيم: ~~{إني ذاهب إلى ربي} [الصافات: 99] قال ابن عباس: مهاجر إلى ربي. # والمعنى: أهجر ديار الكفر وأذهب إلى حيث أمرني الله، كما قال إخبارا عنه ~~أيضا: {وقال إني مهاجر إلى ربي} [العنكبوت: 26] ، سيهدين إلى حيث أمرني ~~بالمصير إليه، وهو الشام، قال مقاتل: فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه ~~الولد، فقال: {رب هب لي من الصالحين} [الصافات: 100] أي: ولدا صالحا من ~~الصالحين، فاستجاب الله له بقوله: {فبشرناه بغلام حليم} [الصافات: 101] قال ~~الزجاج: وهذه البشارة تدل على أنه مبشر بابن ذكر، وأنه يبقى حتى ينتهي في ~~السن، ويوصف بالحلم. # قوله: {فلما بلغ معه السعي} [الصافات: 102] قال قتادة: لما مشى معه. # وقال مجاهد، عن ابن عباس: لما شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم. # والمعنى: بلغ أن يتصرف معه ويعينه، قالوا: وكان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة. # وقال الكلبي: يعني العمل لله. # وهو قول الحسن، ومقاتل، وابن زيد، قالوا: هو العبادة والعمل الذي تقوم به ~~الحجة، وهو ما بعد البلوغ. # وقوله: {إني أرى في المنام أني أذبحك} [الصافات: 102] قال مقاتل ms1557: رأى ذلك ~~إبراهيم ثلاث ليال متتابعات. # وقال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: رؤيا الأنبياء وحي. # وقال قتادة: رؤيا الأنبياء حق، إذا رأوا شيئا فعلوه. # واختلفوا في الذبيح، من هو؟ فالأكثرون على أنه إسحاق، وهو قول علي، وابن ~~مسعود، وكعب، ومقاتل، وعكرمة، والسدي. ### | 786 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا أبو عمرو بن مطر، نا الحسن ~~بن سفيان، نا شيبان، نا مبارك، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس، سمعت العباس بن ~~عبد المطلب يقول: الذي أمر إبراهيم بذبحه هو إسحاق، عليهما السلام، وهؤلاء ~~قالوا: كانت هذه القصة بالشام. # وقال آخرون: الذي أمر بذبحه إسماعيل، وهو قول سعيد بن المسيب، والشعبي، ~~والحسن، ومجاهد، وابن عباس في رواية عطاء، سمعت أبا عثمان الحيري الزاهد، ~~سمعت أبا الحسن بن مقسم، سمعت أبا إسحاق الزجاج، يقول: الله أعلم أيهما ~~الذبيح، وسياق هذه الآيات يدل على أنه إسحاق؛ لأنه قال: {فبشرناه بغلام ~~حليم} ولا خلاف أن هذا إسحاق، ثم قال: {فلما بلغ معه السعي} فعطف بقضية ~~الذبح على ذكر إسحاق # وقوله: {فانظر ماذا ترى} [الصافات: 102] أي: من الرأي فيما ألقيت إليك، ~~وما الذي تذهب إليه، هل تستسلم له وتنقاد؟ أو تأتي غير ذلك؟ وقرأ حمزة ترى ~~بضم التاء وكسر الراء، ومعناه: ما تشير. # قال الفراء: ماذا تريني من # PageV03P529 # صبرك أو جزعك. # {قال يا أبت افعل ما تؤمر} [الصافات: 102] قال ابن عباس: ما أوحي إليك من ~~ذبحي. # {ستجدني إن شاء الله من الصابرين} [الصافات: 102] على بلائه. # {فلما أسلما} [الصافات: 103] أي: استسلما لأمر الله وأطاعا، {وتله ~~للجبين} [الصافات: 103] صرعه على أحد جبينيه، قال ابن عباس: أضجعه على ~~جبينه على الأرض، وللوجه جبينان والجبهة بينهما. # قال السدي: ضرب الله على عنقه صحيفة نحاس فجعل إبراهيم ينحر ولا يقطع. # ونودي من الجبل: يا إبراهيم، فهو قوله: {وناديناه أن يا إبراهيم {104} قد ~~صدقت الرؤيا} [الصافات: 104-105] لأن الله قد عرف منهما الصدق، حيث قصد ~~إبراهيم الذبح بما أمكنه، وطاوع الابن بالتمكين من الذبح، ففعل كل واحد ~~منهما ما أمكنه ms1558 وإن لم يتحقق الذبح، وكان قد رأى في النوم معالجة الذبح ولم ~~ير إراقة الدم، ففعل في اليقظة ما رأى في النوم، لذلك قيل له: قد صدقت ~~الرؤيا، وتم الكلام، ثم قال: {إنا كذلك نجزي المحسنين} [الصافات: 105] هذا ~~ابتداء إخبار من الله تعالى وليس يتصل بما قبله من الكلام الذي يؤدي به ~~إبراهيم، والمعنى: إنا كما ذكرنا من العفو عن ذبح ولده نجزي من أحسن في ~~طاعتنا. # قال مقاتل: جزاه الله تعالى بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ابنه. # {إن هذا لهو البلاء المبين} [الصافات: 106] الاختبار الظاهر، حيث اختبر ~~بذبح بكره ووحيده، وقال مقاتل: البلاء ههنا النعمة، وهو أن فدى ابنه ~~بالكبش. # وهو قوله: {وفديناه بذبح} [الصافات: 107] بكبش، عظيم. ### | 787 - # أخبرنا المؤمل بن أحمد بن الحسين، أنا محمد بن عبد الله بن نعيم، نا ~~محمد، عن عبد الله الصفار، نا الحسن بن الجهم، نا الحسين بن الفرج، نا أبو ~~عبد الله الواقدي، حدثني ابن أبي سبرة، عن ابن مالك، وكان مولى لعثمان بن ~~عفان رضي الله عنه، عن عطاء بن يسار، قال: سألت خوات بن جبير: ذبيح الله ~~أيهما كان؟ فقال: إسماعيل، لما بلغ إسماعيل ابن سبع سنين رأى إبراهيم في ~~النوم في منزله بالشام أنه يذبح إسماعيل، فركب إليه البراق حتى جاءه، فوجده ~~عند أمه، فأخذ بيده ومضى به إلى حيث أمر، حتى انتهى إلى منحر البدن اليوم، ~~فقال: يا بني إن الله أمرني أن أذبحك. # قال إسماعيل: فأطع ربك فإن في طاعة ربك كل خير. # ثم قال إسماعيل: هل علمت أمي بذلك؟ قال: لا. # قال: أصبت، إني أخاف أن تحزن، ولكن إذا قربت السكين من حلقي فأعرض عني، ~~فإنه أحرى أن تصبر ولا تراني. # ففعل إبراهيم، فجعل يحز في حلقه فإذا هو يحز في نحاس ما تحيك فيه الشفرة، ~~فشحذها مرتين أو ثلاثا بالحجر، كل ذلك لا يستطيع، قال إبراهيم: إن هذا ~~الأمر من الله، فرفع رأسه فإذا هو بوعل واقف بين يديه، فقال إبراهيم: قم يا ~~بني فقد ms1559 نزل فداؤك، فذبحه هناك. # ومعنى الآية: جعلنا الذبح فداء له وخلصناه به من الذبح. # والذبح: ما ذبح، قال أكثر المفسرون: أنزل عليه كبش قد رعى في الجنة ~~أربعين خريفا. # وقال الحسن: ما فدي إلا بتيس من الأروى، قد أهبط عليه من ثبير، فذبحه # PageV03P530 # إبراهيم فداء عن ابنه. # وما بعد هذا معنى ظاهر إلى قوله: {وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين} ~~[الصافات: 112] من جعل الذبيح إسماعيل قال: بشر الله إبراهيم بولد نبي بعد ~~هذه القصة جزاءا لطاعته، ومن جعل الذبيح إسحاق قال: بشر إبراهيم بنبوة ~~إسحاق، وأثيب إسحاق بصبره بالنبوة، وهذا قول عكرمة عن ابن عباس. # وقوله: {وباركنا عليه وعلى إسحاق} [الصافات: 113] يعني كثرة ولدهما ~~وذريتهما، وهم الأسباط كلهم، {ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} ~~[الصافات: 113] أي: مؤمن محسن بإيمانه، وكافر ظلم نفسه بكفره. # {ولقد مننا على موسى وهارون {114} ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ~~{115} ونصرناهم فكانوا هم الغالبين {116} وآتيناهما الكتاب المستبين {117} ~~وهديناهما الصراط المستقيم {118} وتركنا عليهما في الآخرين {119} سلام على ~~موسى وهارون {120} إنا كذلك نجزي المحسنين {121} إنهما من عبادنا المؤمنين ~~{122} } [الصافات: 114-122] {ولقد مننا على موسى وهارون} [الصافات: 114] ~~أنعمنا عليهما بالنبوة {ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم} [الصافات: 115] ~~الذي كانوا فيه من استعباد فرعون إياهم وما كان يصيبهم من جهته من البلاء. # {وإن إلياس لمن المرسلين {123} إذ قال لقومه ألا تتقون {124} أتدعون بعلا ~~وتذرون أحسن الخالقين {125} والله ربكم ورب آبائكم الأولين {126} فكذبوه ~~فإنهم لمحضرون {127} إلا عباد الله المخلصين {128} وتركنا عليه في الآخرين ~~{129} سلام على إل ياسين {130} إنا كذلك نجزي المحسنين {131} إنه من عبادنا ~~المؤمنين {132} } [الصافات: 123-132] قوله: {وإن إلياس لمن المرسلين} ~~[الصافات: 123] إلياس نبي من أنبياء بني إسرائيل، وقصته مشهورة مع قومه، ~~وقرأ ابن عامر وإن الياس بغير همز، جعل الهمزة التي تصحب اللام للتعريف، ~~كقوله: واليسع والوجه قراءة العامة، لأن الهمزة تابعة في هذا الاسم وليست ~~للتعريف، يقوي ذلك قوله: {سلام على إل ياسين} [الصافات: 130] فهذا يدل على ~~أن الهمزة ثابتة في إلياس. # {إذ قال لقومه ألا تتقون} [الصافات: 124] ألا تخافون الله فتعبدونه ~~وتوحدونه ms1560. # {أتدعون بعلا} [الصافات: 125] قال عطاء: يعني صنما كان لهم يعبدونه، وكان ~~من ذهب. # والمفسرون يقولون: ربا. # وهو بلغة اليمن، يقولون للسيد والرب: البعل. # وتذرون عبادة، أحسن الخالقين. # {الله ربكم ورب آبائكم الأولين} [الصافات: 126] . # قرئ بالرفع على الاستئناف لتمام الكلام الأول، والمعنى: إنه خالقكم وخالق ~~من كان قبلكم ورازقكم، فهو الذي تحق له العبادة. # وقرئ بالنصب على صفة أحسن الخالقين. # {فكذبوه فإنهم لمحضرون} [الصافات: 127] النار، {إلا عباد الله # PageV03P531 # المخلصين} [الصافات: 128] الذين لم يكذبوه، فإنهم لا يحضرون النار. # قوله: {سلام على إل ياسين} [الصافات: 130] قال ابن عباس: يريد إلياس ومن ~~آمن معه، قال الفراء: يذهب بالياسين إلى أن يجعله جمعا فيجعل أصحابه داخلين ~~في اسمه، كما تقول في القوم رئيسهم المهلب، قال: قد جاءكم المهالبة، فتكون ~~بمنزلة الأشعرين، والأعجمين بالتخفيف. # قال أبو علي الفارسي: تقديره الياسين إلا أن اليائين للنسبة حذفتا كما ~~حذفا في الأشعرين والأعجمين. # وقرأ نافع على آل ياسين وحجته إنها في المصحف مفصولة من ياسين، وذلك دليل ~~على أنه آل، وهذه القراءة بعيدة، قال الفراء، وأبو عبيدة: الوجه قراءة ~~العامة، لأنه لم يقل في شيء من ال { [على آل فلان، وآل فلان، إنما جاء ~~بالاسم، كذلك إلياسين لأنه إنما هو بمعنى إلياس، أو بمعنى إلياس وأتباعه. # وذكر الكلبي في تفسيره: سلام على آل ياسين يقول: سلام على آل محمد، وهذا ~~بعيد، لأن ما قبله من الكلام وما بعده لا يدل عليه. # ] وإن لوطا لمن المرسلين {133} إذ نجيناه وأهله أجمعين {134} إلا عجوزا ~~في الغابرين {135} ثم دمرنا الآخرين {136} وإنكم لتمرون عليهم مصبحين {137} ~~وبالليل أفلا تعقلون {138} } [سورة الصافات: 133-138] ثم ذكر لوطا، فقال: ~~{وإن لوطا لمن المرسلين {133} إذ نجيناه} [الصافات: 133-134] إذ لا يتعلق ~~بما قبله لأنه لم يرسل إذ نجي، ولكنه يتعلق بمحذوف، كأنه قيل: واذكر يا ~~محمد إذ نجيناه. # وما بعد هذا مفسر فيما تقدم إلى قوله: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين} ~~[الصافات: 137] أي: تمرون في ذهابكم ومجيئكم إلى الشام على قراهم ومنازلهم ~~وآثارهم، مصبحين أي: نهارا، وبالليل وعشيا، أفلا تعقلون فتعتبرون بهم ms1561. # {وإن يونس لمن المرسلين {139} إذ أبق إلى الفلك المشحون {140} فساهم فكان ~~من المدحضين {141} فالتقمه الحوت وهو مليم {142} فلولا أنه كان من المسبحين ~~{143} للبث في بطنه إلى يوم يبعثون {144} فنبذناه بالعراء وهو سقيم {145} ~~وأنبتنا عليه شجرة من يقطين {146} وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون {147} ~~فآمنوا فمتعناهم إلى حين {148} } [الصافات: 139-148] {وإن يونس لمن ~~المرسلين {139} إذ أبق إلى الفلك المشحون {140} } [الصافات: 139-140] قال ~~المفسرون: كان يونس عليه السلام قد وعد قومه العذاب، فلما تأخر عنهم العذاب ~~خرج كالمنشور عنهم، فقصد البحر وركب السفينة، وكان بذهابه إلى الفلك كالفار ~~من مولاه، فوصف بالإباق، فساهم فقارع، {فكان من المدحضين} [الصافات: 141] ~~المغلوبين والمقروعين، وذلك أن السفينة # PageV03P532 # احتبست فوقفت، فقال الملاحون: ههنا عبد آبق من سيده، وهذا رسم السفينة، ~~إذا كان فيها عبد آبق لا تجري، فأقرعوا فوقعت القرعة على يونس. # فقال: أنا الآبق، وزج نفسه في الماء. # قال سعيد بن جبير: لما استهموا جاء حوت إلى السفينة فاغرا فاه ينتظر أمر ~~ربه، حتى إذا ألقى نفسه في الماء أخذه الحوت. # فذلك قوله: فالتقمه الحوت يقال: لقمت اللقمة والتقمتها إذا ابتلعتها، وهو ~~مليم مستحق اللوم، لأنه أتى ما يلام عليه حين خرج إلى السفينة قبل أن يأمره ~~الله، فاستحق بذلك اللوم والتأديب. # {فلولا أنه كان} [الصافات: 143] قبل أن التقمه الحوت، من المسبحين ~~المصلين، وكان كثير الصلاة والذكر. # {للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} [الصافات: 144] لصار له بطن الحوت قبرا ~~إلى يوم القيامة. # قال سعيد بن حبير: شكر الله قد يمسه. # وقال الضحاك بن قيس: اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، فإن يونس ~~كان عبدا صالحا ذاكرا لله، فلما وقع في بطن الحوت قال الله تعالى: {فلولا ~~أنه كان من المسبحين} [الصافات: 143] الآيتين، وإن فرعون كان عبدا طاغيا ~~ناسيا ذكر الله فلما، أدركه الغرق قال: آمنت بالذي {آمنت به بنو إسرائيل} ~~[يونس: 90] قال الله تعالى: {ءالآن وقد عصيت قبل} [يونس: 91] قال ابن جريج ~~والسدي: لبث يونس عليه السلام في بطن الحوت أربعين يوما. # وقال الضحاك: عشرين يوما. # وقال ms1562 عطاء: سبعة أيام. # وقال مقاتل: ثلاثة أيام. # وقال الشعبي: التقمه الحوت ضحى، ولفظه عشية. # فذلك قوله: فنبذناه بالعراء يعني: المكان الخالي من الشجر والبناء، قال ~~مقاتل: بالبراز. # وقال الكلبي: يعني وجه الأرض. # وهو سقيم: قد بلي لحمه مثل الصبي المولود. # قال ابن مسعود: كهيئة الفرخ ليس عليه ريش. # {وأنبتنا عليه شجرة من يقطين} [الصافات: 146] كل شجرة لا تقوم على ساق ~~إنما تمتد على وجه الأرض فهو يقطين، مثل الدباء والحنظل والبطيخ قال مقاتل: ~~يعني القرع، وهو قول الجميع، قالوا: كان يستظل بظلها من الشمس، وقيض الله ~~له أروية من الوحش تروح عليه بكرة وعشيا، فكان يشرب من لبنها حتى اشتد لحمه ~~ونبت شعره، ثم أرسله الله بعد ذلك. # وهو قوله: {وأرسلناه إلى مائة ألف} [الصافات: 147] قال قتادة: أرسل إلى ~~أهل نينوى من أرض الموصل قبل أن يصيبه ما أصابه. # وقوله: أو يزيدون أو بمعنى الواو، كقوله: {عذرا أو نذرا} [المرسلات: 6] ~~المعنى: ويزيدون على مائة ألف، قال الفراء: أو ههنا بمعنى بل، وهو قول ~~مقاتل، والكلبي. # وقال الزجاج: أو ههنا على أصله، ومعناه أو يزيدون في تقديركم إذا رآهم ~~الرائي قال هؤلاء مائة ألف أو يزيدون، فالشك إنما دخل في حكاية قول ~~المخلوقين. # قال مقاتل، والكلبي: كانوا يزيدون على عشرين ألفا. # وقال الحسن: بضعة وثلاثين ألفا. # وقال سعيد بن جبير: سبعين ألفا. # فآمنوا يعني الذين أرسل إليهم يونس، فمتعناهم في الدنيا، إلى حين إلى ~~منتهى آجالهم. # PageV03P533 # {فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون {149} أم خلقنا الملائكة إناثا وهم ~~شاهدون {150} ألا إنهم من إفكهم ليقولون {151} ولد الله وإنهم لكاذبون ~~{152} أصطفى البنات على البنين {153} ما لكم كيف تحكمون {154} أفلا تذكرون ~~{155} أم لكم سلطان مبين {156} فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين {157} وجعلوا ~~بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون {158} سبحان الله عما ~~يصفون {159} إلا عباد الله المخلصين {160} } [الصافات: 149-160] قوله: ~~فاستفتهم قال ابن عباس: فسل أهل مكة سؤال توبيخ. # {ألربك البنات ولهم البنون} [الصافات: 149] وذلك أن قريشا وقبائل من ~~العرب قالوا: الملائكة بنات الله، وهذا كقوله ms1563: {ألكم الذكر وله الأنثى {21} ~~تلك إذا قسمة ضيزى {22} } [النجم: 21-22] . # {أم خلقنا الملائكة إناثا} [الصافات: 150] معناه: بل أخلقنا الملائكة ~~إناثا؟ وهم شاهدون حاضرون خلقنا إياهم، أي: كيف جعلوهم إناثا ولم يشهدوا ~~خلقهم. # ثم أخبر عن كذبهم، فقال: {ألا إنهم من إفكهم ليقولون {151} ولد الله} ~~[الصافات: 151-152] حين زعموا أن الملائكة بنات الله، وإنهم لكاذبون في ~~قولهم. # {أصطفى البنات على البنين} [الصافات: 153] قراءة العامة بفتح الهمزة على ~~الاستفهام الذي معناه التوبيخ، وقرأ نافع بغير استفهام على وجه الخبر كأنه ~~قال: أصطفى البنات في زعمكم وفيما تقولون. # وقال الفراء: أراد الاستفهام وحذف حرف الاستفهام كقوله: أذهبتم طيباتكم. # ثم وبخهم، فقال: {ما لكم كيف تحكمون} [الصافات: 154] لله بالبنات ~~ولأنفسكم بالبنين؟ أفلا تذكرون أفلا تتعظون فتنتهون عن هذا القول. # {أم لكم سلطان مبين} [الصافات: 156] حجة بينة على ما تقولون. # {فأتوا بكتابكم} [الصافات: 157] الذي فيه الحجة، {إن كنتم صادقين} ~~[الصافات: 157] في قولكم. # {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا} [الصافات: 158] قال قتادة: قالوا صاهر ~~الجن والملائكة من الجن. # وقال الكلبي: قالوا لعنهم الله: تزوج من الجن فخرج منها الملائكة. # وقال مجاهد: لما قالت قريش الملائكة بنات الله، قال لهم أبو بكر الصديق ~~رضي الله عنه: فمن أمهاتهم؟ قالوا: سروات الجن. # قال الله تعالى: {ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون} [الصافات: 158] أي: ~~علموا أن هؤلاء الكفار الذين قالوا هذا القول يحضرون في النار ويعذبون على ~~ما قالوا. # ثم نزه نفسه عما قالوا من الكذب، فقال: {سبحان الله عما يصفون {159} إلا ~~عباد الله المخلصين {160} } [الصافات: 159-160] يعني: الموحدين الذين ~~استخلصهم الله لتوحيده وعبادته، وهذا استثناء من المحضرين، يقول: علموا ~~أنهم محضرون النار إلا من أخلص العبادة له ووحده. # ثم خاطب كفار مكة بقوله: {فإنكم وما تعبدون {161} ما أنتم عليه بفاتنين ~~{162} إلا من هو صال الجحيم {163} وما منا إلا له مقام معلوم {164} وإنا ~~لنحن الصافون {165} وإنا لنحن المسبحون {166} وإن كانوا ليقولون {167} لو ~~أن عندنا ذكرا من الأولين {168} لكنا عباد الله المخلصين {169} فكفروا به ~~فسوف يعلمون {170} } [الصافات: 161-170] {فإنكم وما تعبدون} [الصافات: 161] ~~قال ابن عباس: فإنكم ms1564 وآلهتكم التي تعبدون من دون الله. # {ما أنتم عليه} [الصافات: 162] على ما تعبدون، بفاتنين بمضلين، يقال: ~~فتنت الرجل وافتتنته. # ويقال: فتنته على الشيء وبالشيء. # كما يقال: أضله على الشيء وأضله به. # وقال مقاتل: يقول ما أنتم بمضلين أحدا بآلهتكم إلا من قدر الله له أن # PageV03P534 # يصلى الجحيم. # وهو قوله: {إلا من هو صال الجحيم} [الصافات: 163] يعني أن قضاءه سبق في ~~قوم بالشقاوة وأنهم يصلون النار، فهم الذين يضلون في الدنيا ويعبدون ~~الأصنام. # ثم قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: وما منا يا معاشر الملائكة، {إلا ~~له مقام معلوم} [الصافات: 164] في السموات يعبد الله فيه، قال الزجاج: هذا ~~قول الملائكة وفيه مضمر. # المعنى: وما منا ملك إلا له مقام معلوم. # {وإنا لنحن الصافون} [الصافات: 165] قال قتادة: هم الملائكة صفوا ~~أقدامهم. # وقال الكلبي: صفوف الملائكة في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض. # {وإنا لنحن المسبحون} [الصافات: 166] المصلون لله المنزهون الله عن ~~السوء، يخبر جبريل النبي عليهما السلام أنهم يعبدون الله بالصلاة والتسبيح ~~وأنهم ليسوا بمعبودين ولا بنات الله كما زعمت الكفار. # ثم عاد الكلام إلى الإخبار عن المشركين، فقال: {وإن كانوا ليقولون {167} ~~لو أن عندنا ذكرا من الأولين {168} } [الصافات: 167-168] أي: كتابا من كتب ~~الأولين، وذلك أنهم قالوا: لو جاءنا ذكر كما جاء غيرنا من الأولين. # {لكنا عباد الله المخلصين} [الصافات: 169] وهذا كقوله تعالى: {أو تقولوا ~~لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم} [الأنعام: 157] . # قال تعالى: {فكفروا به} [الصافات: 170] المعنى: نجاهم ما طلبوا به، فسوف ~~يعلمون عاقبة كفرهم، وهذا تهديد لهم. # ثم ذكر العاقبة للأنبياء بالنصر وإن كذبهم قومهم، فقال: {ولقد سبقت ~~كلمتنا لعبادنا المرسلين {171} إنهم لهم المنصورون {172} وإن جندنا لهم ~~الغالبون {173} فتول عنهم حتى حين {174} وأبصرهم فسوف يبصرون {175} ~~أفبعذابنا يستعجلون {176} فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين {177} وتول ~~عنهم حتى حين {178} وأبصر فسوف يبصرون {179} } [الصافات: 171-179] {ولقد ~~سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} [الصافات: 171] أي: تقدم الوعد بأن الله ~~ينصرهم بالحجة والظفر بعدوهم، قال مقاتل: عنى بالكلمة قوله: {كتب الله ~~لأغلبن أنا ورسلي} [المجادلة ms1565: 21] فهذه الكلمة التي سبقت. # {وإن جندنا لهم الغالبون} [الصافات: 173] حزب الله لهم الغلبة بالحجة ~~والنصرة في العاقبة، لأنهم ينجون من عذاب الدنيا والآخرة. # فتول عنهم أعرض عنهم، حتى حين قال مجاهد، والسدي: حتى نأمرك بالقتال. # وأبصرهم إذا نزل بهم العذاب، فسوف يبصرون ذلك. # فقالوا متى هذا العذاب، فأنزل {أفبعذابنا يستعجلون {176} فإذا نزل ~~بساحتهم} [الصافات: 176-177] قال مقاتل: بحضرتهم. # وقال الفراء: العرب تكتفي بالساحة، والعقوة من القوم يقولون: نزل بك ~~العذاب وبساحتك. # والساحة: متسع الدار. # {فساء صباح المنذرين} [الصافات: 177] بئس صباح الذين أنذروا بالعذاب، ~~وذلك أنهم يصبحون في العذاب معذبين. # ثم كرر ما سبق تأكيدا لوعد العذاب، فقال: {وتول عنهم حتى حين {178} ~~وأبصر} [الصافات: 178-179] العذاب إذا نزل بهم، فسوف يبصرون تهديد لهم. # ثم نزه نفسه عن بهتهم ووصفهم بقوله: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون {180} ~~وسلام على المرسلين {181} والحمد لله رب العالمين {182} } [الصافات: ~~180-182] {سبحان ربك رب العزة} [الصافات: 180] العزة: الغلبة والقوة، عما ~~يصفون من اتخاذ البنات والنساء. # {وسلام على المرسلين} [الصافات: 181] الذين بلغوا عن الله التوحيد ~~والشرائع. # {والحمد لله رب العالمين} [الصافات: 182] على هلاك المشركين ونصرة ~~الأنبياء والأولياء. ### | 788 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أنا ~~إبراهيم بن علي، نا يحيى بن يحيى، نا هشيم، عن # PageV03P535 # هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم، غير مرة ولأمر تبين يقول " في آخر صلواته، أو حين ينصرف: {سبحان ربك ~~رب العزة. . . .} إلى آخر السورة " ### | 789 - # وأخبرنا محمد، نا أبو عمرو بن نجيد، نا محمد بن موسى الحلواني، نا هارون ~~بن إسحاق، نا وكيع، عن ثابت بن أبي صفية، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي بن ~~أبي طالب، رضي الله عنه، قال: من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى يوم القيامة ~~فليكن آخر كلامه في مجلسه: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون {180} وسلام على ~~المرسلين {181} والحمد لله رب العالمين {182} } # PageV03P536 ### | تفسير سورة ص # وهي ثمانون وخمس آيات مكية. ### | 790 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي الخفاف، أنا ms1566 محمد بن جعفر بن مطر، نا إبراهيم ~~بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، عن زيد بن ~~أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله، صلى الله ~~عليه وسلم: «ومن قرأ سورة ص أعطي من الأجر بوزن كل جبل سخره الله لداود ~~حسنات، وعصمه الله، تعالى، أن يصر على ذنب صغيرا أو كبيرا» # PageV03P537 # بسم الله الرحمن الرحيم {ص والقرءان ذي الذكر {1} بل الذين كفروا في عزة ~~وشقاق {2} كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص {3} } [ص: 1-3] ~~ص قال الضحاك: صدق الله. # وقال عطاء، عن ابن عباس: صدق محمد صلى الله عليه وسلم. # {والقرءان ذي الذكر} [ص: 1] الشرف، كقوله: {وإنه لذكر لك ولقومك} ~~[الزخرف: 44] وجواب القسم قد تقدم، أقسم الله تعالى بالقرآن أن محمدا صلى ~~الله عليه وسلم قد صدق، كما تقول: فعل والله، وقام والله. # وقال أهل المعاني: جواب القسم محذوف بتقدير والقرآن ذي الذكر ما الأمر ~~كما يقول الكفار. # ودل على هذا المحذوف قوله تعالى: {بل الذين كفروا} [ص: 2] قال مقاتل: ~~كفروا بالتوحيد من أهل مكة. # في عزة حمية وتكبر عن الحق، وشقاق خلاف وعداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم. # ثم خوفهم، فقال: {كم أهلكنا من قبلهم من قرن} [ص: 3] يعني: الأمم الخالية ~~المهلكة بتكذيب الرسل، فنادوا عند وقوع الهلاك بهم باستغاثة، {ولات حين ~~مناص} [ص: 3] أي: ساعة لا منجى ولا فوت. # قال ابن عباس: ليس حين نزو ولا فرار. # وقال قتادة: نادى القوم على غير حين النداء. # والمناص: مصدر ناص ينوص وهو الفوت والتأخر. # ولات بمعنى ليس بلغة أهل اليمن، وقال النحويون: هي لا زيدت فيها # PageV03P538 # التاء. # كما قالوا: ثم وثمت، ورب وربت، وأصلها هاء وصلت بلا، فقالوا: لا لغير ~~معنى حادث، كما زادوا هاء في ثمة، فلما وصلوها جعلوها تاء. # والوقف عليها بالتاء عند الزجاج وأبي علي. # وعند الكسائي الوقف عليها بالهاء، نحو قاعدة وضاربة. # وعند أبي عبيد الوقف على ثم يبتدئ ms1567: تحين مناص، لأن عنده أن هذه التاء ~~تزاد مع حين، فيقال: كان هذا تحين كان ذاك. # {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب {4} أجعل الآلهة ~~إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب {5} وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على ~~آلهتكم إن هذا لشيء يراد {6} ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا ~~اختلاق {7} أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا ~~عذاب {8} } [ص: 4-8] قوله: وعجبوا يعني: الكفار الذين ذكرهم الله تعالى في ~~قوله: {بل الذين كفروا} [ص: 2] ، {أن جاءهم منذر منهم} [ص: 4] يعني: رسولا ~~من أنفسهم ينذرهم النار، {وقال الكافرون هذا ساحر كذاب} [ص: 4] حين زعم أنه ~~رسول. # {أجعل الآلهة إلها واحدا} [ص: 5] وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل ~~عبادة ما كانوا يعبدون من الآلهة مع الله ودعاهم إلى عبادة الله وحده ~~فتعجبوا من ذلك، وقالوا: كيف جعل لنا إلها واحدا بعد ما كنا نعبد آلهة ~~كثيرة، قوله: إن هذا الذي يقول محمد من أن الإله واحد، لشيء عجاب لأمر ~~عجيب، وهذا كما يقال كبير وكبار، وطويل وطوال. # وقوله: {وانطلق الملأ منهم} [ص: 6] قال المفسرون: إن أشراف قريش أتوا أبا ~~طالب واجتمعوا عنده وشكوا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، # PageV03P539 # وقالوا: إنه سفه أحلامنا وسب آلهتنا وعاب ديننا. # فعاتب أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ما تريد من قولك يا ابن ~~أخي؟ فقال: أدعوهم إلى كلمة واحدة. # قال: وما هي؟ قال: لا إله إلا الله. # فنفروا من ذلك وقالوا: {أجعل الآلهة إلها واحدا} [ص: 5] وخرجوا من عند ~~أبي طالب يقول بعضهم لبعض: {امشوا واصبروا على آلهتكم} [ص: 6] فذلك قوله: ~~{وانطلق الملأ منهم} [ص: 6] أي: انطلقوا من مجلسهم الذي كانوا فيه عند أبي ~~طالب وهم يقولون: اثبتوا على عبادة آلهتكم، واصبروا على دينكم. # إن هذا الذي نراه من زيادة أصحاب محمد، لشيء يراد لأمر يراد بنا. # {ما سمعنا بهذا} [ص: 7] الذي يقول محمد، أي: من التوحيد، {في الملة ms1568 ~~الآخرة} [ص: 7] يعني النصرانية، لأنها آخر الملل، والنصارى لا يوحدون، ~~لأنهم يقولون ثالث ثلاثة. # وقال قتادة: يعنون دينهم الذي هم عليه. # إن هذا ما هذا الذي جاء به محمد من التوحيد والقرآن، إلا اختلاق كذب ~~وافتعال. # ثم أنكروا تخصيص الله إياه بالقرآن والنبوة، فقالوا: {أأنزل عليه الذكر ~~من بيننا} [ص: 8] قال الزجاج: قالوا كيف أنزل على محمد القرآن من بيننا ~~ونحن أكبر سنا وأعظم شرفا منه. # فقال الله تعالى: {بل هم في شك من ذكري} [ص: 8] يعني حين قالوا: {إن هذا ~~إلا اختلاق} [ص: 7] والمراد بالذكر القرآن، {بل لما يذوقوا عذاب} [ص: 8] ~~تهديد لهم، أي أنهم سيذوقونه. # ثم أجاب عن إنكارهم نبوته بقوله: {أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب ~~{9} أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب {10} جند ما ~~هنالك مهزوم من الأحزاب {11} } [ص: 9-11] {أم عندهم خزائن رحمة ربك} [ص: 9] ~~يقول أبأيديهم مفاتيح النبوة والرسالة فيضعونها حيث شاءوا؟ أي أنها ليست ~~بأيديهم، ولكنها بيد العزيز في ملكه، الوهاب وهب النبوة لمحمد صلى الله ~~عليه وسلم. # ثم أخبر أن الملك له يصطفي من يشاء، وهو قوله: {أم لهم ملك السموات ~~والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب} [ص: 10] أي: إن ادعوا شيئا من ذلك ~~فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء. # قال قتادة، ومقاتل: يعني الأبواب التي في السماء. # وقال الكلبي: يقول: في # PageV03P540 # طرقها من سماء إلى سماء، وكل ما يوصلك إلى شيء من باب وطريق فهو سببه. # ثم أخبر عن هزيمتهم ببدر، وهو قوله: {جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب} [ص: ~~11] قال قتادة: أخبر الله تعالى، وهو يومئذ بمكة، أنه سيهزم جند المشركين، ~~فجاء تأويلها يوم بدر. # وجند خبر ابتداء محذوف بتقدير هم جند، وما زائدة، وهنالك إشارة إلى بدر ~~ومصارعهم بها، والأحزاب سائر من تقدمهم من الكفار الذين تحزبوا على ~~الأنبياء. # {كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد {12} وثمود وقوم لوط وأصحاب ~~الأيكة أولئك الأحزاب {13} إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب {14} وما ينظر ~~هؤلاء إلا ms1569 صيحة واحدة ما لها من فواق {15} وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل ~~يوم الحساب {16} } [ص: 12-16] يدل على هذا قوله: {كذبت قبلهم قوم نوح وعاد ~~وفرعون ذو الأوتاد} [ص: 12] قال المفسرون: كانت له أوتاد يعذب الناس عليها، ~~وذلك أنه كان إذا غضب على أحد وتد يده ورجليه ورأسه على الأرض. # وقال عطية: ذو الجنود والجموع الكثيرة. # يعني أنهم كانوا يقوون أمره ويشددون ملكه كما يقوي الوتد الشيء، وقيل: ذو ~~الملك الشديد الثابت، كما قال الأسود: # في ظل ملك ثابت الأوتاد # PageV03P541 # ولما ذكر هؤلاء المكذبين، قال: أولئك الأحزاب فأعلمنا أن مشركي قريش حزب ~~من هؤلاء الأحزاب. # إن كل ما كل منهم، {إلا كذب الرسل} [ص: 14] فوجب عليهم عقابي بتكذيبهم. # {وما ينظر هؤلاء} [ص: 15] يعني كفار مكة، أي: ما ينتظرون لوقوع العذاب ~~بهم، {إلا صيحة واحدة} [ص: 15] يعني: النفخة الأخيرة، {ما لها من فواق} [ص: ~~15] وقرئ بالضم، قال الزجاج: فواق وفواق بضم الفاء وفتحها، أي: ما لها من ~~رجوع. # والفواق ما بين حلبتي الناقة، وهو مشتق من الرجوع أيضا، لأنه يعود اللبن ~~إلى الضرع بين الحلبتين، وأفاق من مرضه أي رجع إلى الصحة. # قال مجاهد: ما لها من فواق رجوع. # أي: ما يرد ذلك الصوت فيكون له رجوع، وهو معنى قول مقاتل: من مرد ولا ~~رجعة. # وقال قتادة، والضحاك: ليس لها مثنوية. # أي صرف ورد، والمعنى أن تلك الصيحة التي هي ميعاد عذابهم إذا جاءت لم ترد ~~ولم تصرف حتى يبعثوا وينجز لهم ميعاد العذاب. # قوله تعالى: {وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب} [ص: 16] معنى ~~القط في اللغة: النصيب، من القط بمعنى القطع، والنصيب إنما هو القطعة من ~~الشيء، وتسمى كتب الجوائز قطوطا لأنهم كانوا يكتبون الأنصباء من العطايا في ~~الصحائف. # يقال: أخذ فلان قطة إذ أخذ كتابه الذي كتب له بجائزته وصلته، ثم سميت ~~الكتب قطوطا وإن لم تكن للصلة، والمفسرون مختلفون على هذين القولين: فقال ~~ابن عباس: قطنا، حظنا من العذاب والعقوبة. # وقال قتادة: نصيبنا من العذاب، يقولون ذلك ms1570 استهزاء. # وقال سعيد بن جبير، والسدي: لما ذكر لهم ما في الجنة {قالوا ربنا عجل ~~لنا} [ص: 16] نصيبنا منها في الدنيا. # PageV03P542 # وقال أبو العالية، والكلبي، ومقاتل: لما نزلت {فأما من أوتي كتابه ~~بيمينه} [الحاقة: 19] ، {وأما من أوتي كتابه بشماله} [الحاقة: 25] قالت ~~قريش: زعمت يا محمد أنا نؤتى كتابنا بشمالنا، فعجل لنا قطنا قبل يوم ~~الحساب. # يقولون ذلك تكذيبا له، فقال الله عز وجل: {اصبر على ما يقولون واذكر ~~عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب {17} إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي ~~والإشراق {18} والطير محشورة كل له أواب {19} وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة ~~وفصل الخطاب {20} } [ص: 17-20] اصبر يا محمد، {على ما يقولون} [ص: 17] من ~~تكذيبك، {واذكر عبدنا داود} [ص: 17] لكي تتقوى على الصبر بذكر قوته على ~~العبادة، وهو قوله: ذا الأيد أي: ذا القوة على العبادة، وفي طاعة الله، قال ~~الزجاج: وكانت قوة داود على العبادة أتم قوة، كان يصوم يوما ويفطر يوما، ~~وذلك أشد الصوم، وكان يصلي نصف الليل. # إنه أواب رجاع عن كل ما يكره الله إلى ما يحب الله. # قوله تعالى: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن} [ص: 18] هذا كقوله: {وسخرنا مع ~~داود الجبال يسبحن والطير} [الأنبياء: 79] وقد مر تفسيره، وقوله: {يسبحن ~~بالعشي والإشراق} [ص: 18] قال الكلبي: غدوة وعشية. # يقال: أشرقت الشمس إذا أضاءت. # وروي عن ابن عباس رضي الله عنه بطرق أنه فسر التسبيح بالإشراق في هذه ~~الآية بصلاة # PageV03P543 # الضحى. ### | 791 - # أخبرنا أبو إسحاق الواعظ، أنا الحسين بن محمد بن الحسين، نا عبيد الله بن ~~محمد بن شيبة، نا الحسين بن بختويه، نا أبو أمية محمد بن إبراهيم، نا ~~الحجاج بن نصير، نا أبو بكر الهذلي، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، رضي ~~الله عنه، في قوله: {بالعشي والإشراق} قال: كنت أمر بهذه الآية لا أدري ما ~~هي حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دخل ~~عليها فدعا بوضوء، فتوضأ ثم صلى الضحى، وقال: «يا أم هانئ هذه صلاة ~~الإشراق» # والطير معطوفة ms1571 على الجبال، كأنه قال: وسخرنا الطير، محشورة مجموعة إليه ~~تسبح لله معه، قال ابن عباس: كان داود إذا سبح جاوبته الجبال واجتمعت إليه ~~الطير، فسبحت معه. # وهو قوله: {كل له أواب} [ص: 19] رجاع إلى طاعته وأمره، أي: كل له مطيع ~~بالتسبيح معه. # وشددنا ملكه قوينا ملكه بالحرس والجنود، قال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ~~كان يحرسه كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل، فإذا أصبح قيل: ارجعوا فقد رضي ~~عنكم نبي الله، وهذا قول جماعة المفسرين. ### | 792 - # أخبرني أبو عمرو محمد بن عبد العزيز، فيما أجاز لي، أن أبا الفضل الحدادي ~~أخبرهم، عن أبي يزيد الخالدي، أنا إسحاق بن إبراهيم، نا عبد الله بن يزيد ~~المقرئ، نا داود بن أبي # PageV03P544 # الفرات، عن علي بن أحمد، عن عكرمة، عن ابن عباس: " أن رجلا من بني ~~إسرائيل استعدى على رجل من عظمائهم عند داود، فقال: إن هذا غصبني بقرا لي، ~~فسأل داود الرجل عن ذلك فجحده، فسأل الآخر البينة، فلم تكن له بينة، فقال ~~لهما داود: قوما حتى أنظر في أمركما، فقاما من عنده، فأوحى الله، تعالى، ~~إلى داود في منامه أن يقتل الرجل الذي استعدى عليه. # فقال: هذه رؤيا ولست أعجل حتى أتثبت فأوحى الله إليه في منامه أن يقتله، ~~فلم يفعل، فأوحى الله إليه الثالثة أن يقتله، أو تأتيه العقوبة، فأرسل إليه ~~فقال له: إن الله أوحى إلي أن أقتلك، فقال الرجل: تقتلني بغير بينة؟ فقال ~~داود: نعم، والله لأنفذن أمر الله فيك. # فلما عرف الرجل أنه قاتله؛ قال: لا تعجل علي حتى أخبرك، وإني والله ما ~~أخذت بهذا الذنب، ولكني كنت اغتلت أبا هذا فقتلته فبذلك أخذت. # فأمر به داود فقتل فاشتدت هيبة بني إسرائيل لداود، عليه السلام، عند ذلك ~~وشدد به ملكه، وهو قوله: {وشددنا ملكه} # وقوله: وآتيناه الحكمة قال ابن عباس: النبوة والمعرفة بكل ما حكم. # وقال مقاتل: الفهم والعلم. # وفصل الخطاب يعني الشهود والإيمان، البينة على المدعي واليمين على من ~~أنكر، لأن خطاب الخصوم إنما ينقطع وينفصل ms1572 بهذا، وهذا قول أكثر المفسرين. # وقال ابن مسعود، ومقاتل، وقتادة: هو العلم بالقضاء والفهم فيه. # قوله تعالى: { # PageV03P545 # وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب {21} إذ دخلوا على داود ففزع منهم ~~قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا ~~إلى سواء الصراط {22} إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال ~~أكفلنيها وعزني في الخطاب {23} قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن ~~كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ~~وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب {24} فغفرنا ~~له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب {25} يا داود إنا جعلناك خليفة في ~~الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين ~~يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب {26} } [ص: 21-26] ~~{وهل أتاك نبأ الخصم} [ص: 21] قال مقاتل: بعث الله تعالى إلى داود عليه ~~السلام ملكين جبريل وميكائيل لينبهه على التوبة فأتياه في المحراب. # وهو قوله: {إذ تسوروا المحراب} [ص: 21] يقال: تسورت الحائط والسور إذا ~~علوته. # وإنما قال: تسوروا والخصم ههنا اثنان، لأنه على مذهب من يجعل الاثنين ~~جماعة، والمحراب ههنا كالغرفة، قال محمد بن إسحاق: بعث الله تعالى إليه ~~ملكين يختصمان إليه، مثلا ضربه الله له وأصحابه، فلم يرع داود إلا بهما ~~واقفين على رأسه في محرابه، فقال: ما أدخلكما علي؟ قالا: لا تخف. # PageV03P546 # وهو قوله: {إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى} [ص: 22] ~~أي نحن، {خصمان بغى بعضنا على بعض} [ص: 22] فجئناك لتقضي بيننا، وهو قوله: ~~{فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط} [ص: 22] يقال: شط الرجل وأشط شططا وإشطاطا ~~إذا جار في حكمه وقضيته. # قال المفسرون: لا تجر علينا. # {واهدنا إلى سواء الصراط} [ص: 22] احملنا على الحق ولا تخالف بنا إلى ~~غيره. # فقال داود: تكلما. # فقال أحد الملكين: {إن هذا أخي له} [ص: 23] أي: على ديني، {له تسع وتسعون ~~نعجة} [ص ms1573: 23] يعني امرأة، والنعجة البقرة الوحشية، والعرب تكني بها عن ~~المرأة وتشبه النساء بالنعاج من البقر، وإنما عنى بهذا داود لأنه كانت له ~~تسع وتسعون امرأة، {ولي نعجة واحدة} [ص: 23] امرأة واحدة، فقال أكفلنيها ~~ضعها إلي واجعلني كافلها، وهو الذي يعولها وينفق عليها، والمعنى: طلقها ~~لأتزوجها، {وعزني في الخطاب} [ص: 23] قال عطاء، عن ابن عباس: كان أعز مني ~~وأقوى على مخاطبتي، لأنه كان الملك. # والمعنى أنه كان أقدر على الخطاب بعزة ملكه. # وهذه القصة تمثيل لأمر داود مع أوريا زوج المرأة التي أراد أن يتزوج بها. # قال داود: {لقد ظلمك بسؤال نعجتك} [ص: 24] أي: بسؤاله نعجتك ليضمها إلى ~~نعاجه، أي: إن كان الأمر على ما تقول فقد ظلمك أخوك بما كلفك من تحولك عن ~~امرأتك ليتزوجها هو، {وإن كثيرا من الخلطاء} [ص: 24] وهم الشركاء، واحدهم ~~خليط، وهو المخالط في المال. # يريد أن الشركاء كثير منهم يظلم بعضهم بعضا، وهو قوله: {ليبغي بعضهم على ~~بعض} [ص: 24] وظن داود أنهما شريكان فلذلك قال: {وإن كثيرا من الخلطاء} [ص: ~~24] وقوله: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [ص: 24] أي: فإنهم لا يظلمون ~~أحدا، {وقليل ما هم} [ص: 24] أي: هم قليل، يعني الصالحين الذين لا يظلمون، ~~قال المفسرون: فلما قضى بينهم داود عليه السلام نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك ~~وصعد إلى السماء، فعلم داود أن الله ابتلاه، وأن ما ذكر من القصة تمثيل ~~لقصته هو. # وقوله: { # PageV03P547 # وظن داود أنما فتناه} [ص: 24] أي: أيقن وعلم أنا ابتليناه بما وقع له من ~~القصة، ونظره إلى المرأة، وافتتانه بها، وكان قد أعجب بعبادته، فلما ابتلي ~~بها هويها وقال لزوجها تحول لي عنها، فعوتب على محبة امرأة من له امرأة ~~واحدة، وله تسع وتسعون امرأة، فكان ذلك ذنبا من ذنوب الأنبياء التي يعاتبون ~~عليها، وذلك قوله: فاستغفر ربه سأل ربه غفران ذلك الذنب. # PageV03P548 # وخر راكعا قال ابن عباس: ساجدا. # وعبر عن السجود بالركوع لأن كليهما بمعنى الانحناء، وأناب راجع إلى ما ~~يحب الله من التوبة والاستغفار. ### | 793 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري ms1574، رضي الله عنه، أنا محمد بن يعقوب الأموي، ~~أنا الربيع، قال: قال الشافعي، رضي الله عنه: أخبرني ابن عيينة، عن عبدة، ~~عن زر، عن ابن مسعود: أنه كان لا يسجد في ص ويقول: إنما هي توبة نبي # {فغفرنا له ذلك} [ص: 25] قال ابن عباس: غفر له ذلك الذنب. # {وإن له عندنا لزلفى} [ص: 25] لقربة ومكانة ومنزلة حسنة. # أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد، أنا أبو علي الفقيه، أنا إبراهيم بن عبد ~~الله العسكري، أنا محمد بن صالح، حدثني محمد بن منصور البرداني، عن جعفر بن ~~سليمان، عن مالك بن دينار في قوله: {وإن له عندنا لزلفى} [ص: 25] قال: يقول ~~الله عز وجل لداود وهو قائم بساق العرش: يا داود، مجدني بذلك الصوت الرخيم ~~اللين. # فيقول: كيف وقد سلبتنيه في الدنيا؟ فيقول: إني أرده عليك. # قال: فيرفع داود صوته بالزبور فيستفرغ نعيم أهل الجنة. # قوله: {وحسن مآب} [ص: 25] يعني الجنة التي هي مآب الأنبياء والأولياء. # قوله: يا داود أي: قلنا له يا داود إنا جعلناك صيرناك، {خليفة في الأرض} ~~[ص: 26] تدبر أمور العباد من قبلنا بأمرنا، {فاحكم بين الناس بالحق} [ص: ~~26] بالعدل الذي هو حكم الله بين خلقه، {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل ~~الله} [ص: 26] قال مقاتل: لا يستزلنك الهوى عن طاعة الله. # {إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم # PageV03P549 # الحساب} [ص: 26] قال عكرمة، والسدي: في الآية تقديم وتأخير على تقدير ~~ولهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا، أي: تركوا القضاء بالعدل. # وقال الزجاج: أي بتركهم العمل لذلك اليوم صاروا بمنزلة الناسين، وإن ~~كانوا ينذرون ويذكرون. # {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل ~~للذين كفروا من النار {27} أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين ~~في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار {28} كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا ~~آياته وليتذكر أولو الألباب {29} } [ص: 27-29] {وما خلقنا السماء والأرض ~~وما بينهما باطلا} [ص: 27] قال ابن عباس: لا للثواب والعقاب. # {ذلك ظن الذين كفروا} [ص: 27] يعني أهل ms1575 مكة، {فويل للذين كفروا} [ص: 27] ~~هم الذين ظنوا أنهم خلقوا لغير شيء، وأنه لا قيامة ولا حساب، قال مقاتل: ~~قال كفار قريش للمؤمنين: إنا نعطى في الآخرة من الخير ما تعطون. # فأنزل الله تعالى {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [ص: 28] أي: ~~صدقوا بي، وعملوا الصالحات عملوا بفرائضي، {كالمفسدين في الأرض} [ص: 28] ~~بالمعاصي، {أم نجعل المتقين} [ص: 28] يريد به أصحاب النبي صلى الله عليه ~~وسلم، كالفجار وهم الكفار كقوله: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات} [الجاثية: ~~21] الآية، وقوله: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين} [القلم: 35] : وهم الكفار ~~لقوله: كتاب أي: # PageV03P550 # هذا الكتاب، يعني القرآن، {أنزلناه إليك مبارك} [ص: 29] كثير خيره ونفعه، ~~ليدبروا ليتدبروا، آياته وليتفكروا فيها فيقرر عندهم صحتها، وليتذكر بما ~~فيه من المواعظ أهل اللب والعقل. # قوله: {ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب {30} إذ عرض عليه بالعشي ~~الصافنات الجياد {31} فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت ~~بالحجاب {32} ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق {33} } [ص: 30-33] ~~{ووهبنا لداود سليمان} [ص: 30] يعني ولدا، ثم مدح سليمان بقوله: {نعم العبد ~~إنه أواب} [ص: 30] راجع عما يكره الله إلى ما يحب. # {إذ عرض عليه بالعشي} [ص: 31] بعد العصر، الصافنات يقال: صفن الفرس يصفن ~~صفونا إذا قام على ثلاث، وقلب أحد حوافره. # والجياد جمع جواد، وهو الشديد الحضر من الخيل. # قال ابن عباس: يريد الخيل السوابق إذا وقفت صفنت على أطراف حوافرها، عرضت ~~عليه حتى شغلته عن صلاة العصر إلى أن غابت الشمس. # فذلك قوله تعالى: {فقال إني أحببت حب الخير} [ص: 32] يعني الخيل، والخيل ~~مال، والخير بمعنى المال كثير في التنزيل. # قال الزجاج: الخير ههنا الخيل، والنبي صلى الله عليه وسلم سمى زيد الخيل: ~~زيد الخير، وسميت الخيل خيرا لأن الخير معقود بنواصيها: الأجر والمغنم. # قال الفراء: يقول: آثرت حب الخير وكل من أحب شيئا فقد آثره. # وقوله: {عن ذكر ربي} [ص: 32] أي: على ذكر ربي، يعني صلاة العصر، {حتى ~~توارت # PageV03P551 # بالحجاب} [ص: 32] حتى استترت الشمس بما يحجبها عن الأبصار. # قال الحسن: إن سليمان ms1576 عليه السلام لما شغله عرض الخيل حتى فاتته صلاة ~~العصر غضب لله تعالى، فقال: ردوها علي أي: أعيدوها علي، فطفق قال أبو ~~عبيدة: طفق يفعل، مثل ما زال يفعل، وهو مثل ظل وبات، يقال: طفق يطفق طفقا ~~وطفوقا. # وقوله: مسحا أي: يمسح مسحا، أي يضرب، يقال: مسح علاوته أي ضرب عنقه، وهذا ~~قول الفراء، وأبي عبيدة. # قال الفراء: والمسح ههنا القطع. # والمعنى أنه أقبل يضرب سوقها وأعناقها، لأنها كانت سبب فوت صلاته. # وهذا قول ابن عباس، ومقاتل، قالا: يريد قطع السوق والأعناق. # وقال الحسن: كسف عراقيبها، وقطع أعناقها، وقال: لا تشغلني عن عبادة ربي ~~مرة أخرى. # قال الزجاج: ولم يكن ليفعل ذلك إلا وقد أباح الله له ذلك. # وجائز أن يباح ذلك لسليمان ويحظر في هذا الوقت، والسوق # PageV03P552 # جمع ساق، مثل لاب ولوب. # {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب {34} قال رب اغفر لي ~~وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب {35} فسخرنا له الريح ~~تجري بأمره رخاء حيث أصاب {36} والشياطين كل بناء وغواص {37} وآخرين مقرنين ~~في الأصفاد {38} هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب {39} وإن له عندنا ~~لزلفى وحسن مآب {40} } [ص: 34-40] قوله تعالى: {ولقد فتنا سليمان} [ص: 34] ~~أي: ابتليناه واختبرناه بسلب ملكه. # قال أكثر المفسرين: تزوج سليمان عليه السلام امرأة من بنات الملوك، فعبدت ~~الصنم في داره، ولم يعلم بذلك سليمان، فامتحن بسبب غفلته كانت عن ذلك. # قال ابن عباس في رواية عطاء {ولقد فتنا سليمان} [ص: 34] : يريد بصخر، ~~الشيطان الذي لم يكن سخر له، وكان شيطانا ماردا عظيما لا يقوى عليه جميع ~~الشياطين، وكان نبي الله سليمان لا يدخل الكنيف بخاتمه، فجاء صخر في صورة ~~سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نسائه وأقام أربعين يوما في مكانه، ~~وسليمان هارب. # وقال مجاهد: إن شيطانا قال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني خاتمك ~~أخبرك. # فلما أعطاه إياه نبذه في البحر فذهب ملكه، وقعد الشيطان على كرسيه، ومنعه ~~الله نساء سليمان، فلم يقربهن، وكان ms1577 سليمان يستطعم، فيقول: أتعرفونني؟ ~~أطعموني. # فيكذبونه، حتى أعطته امرأته يوما حوتا فشق بطنه فوجد خاتمه في بطنه، فرجع ~~إليه # PageV03P553 # ملكه، فذلك قوله: {وألقينا على كرسيه جسدا} [ص: 34] يعني الشيطان الذي ~~كان على كرسيه يقضي بين الناس، ثم أناب رجع بعد أربعين يوما إلى ملكه. # PageV03P554 # فلما رجع {قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي} [ص: 35] ~~قال مقاتل، وأبو عبيدة: لا يكون، فاستجاب الله له ذلك فلم يكن لأحد بعده من ~~الملك ما كان له. ### | 794 - # أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد المنصوري، أنا علي بن عمر الحافظ، أنا ~~الحسين بن إسماعيل المحاملي، أنا زياد بن أيوب، أنا شبابة، أنا شعبة، عن ~~محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه صلى صلاة ~~فقال: " إن الشيطان عرض لي، يفسد علي الصلاة، فأمكنني الله منه، فذعته، ~~ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا وتنظروا إليه أجمعين، فذكرت قول ~~سليمان، عليه السلام {هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي} فرده الله خاسئا، ~~أو خائبا، رواه البخاري، عن إسحاق بن # PageV03P555 # إبراهيم، عن روح، وغندر، ورواه مسلم، عن إسحاق بن منصور، عن النضر بن ~~شميل، كلهم، عن شعبة # ويدل على ما ذكرنا قوله: {فسخرنا له الريح} [ص: 36] ولم نسخرها لأحد بعده ~~ولا ملكها سواه، {تجري بأمره رخاء} [ص: 36] لينة الهبوب ليست بالعاصفة، حيث ~~أصاب أراد من النواحي، قال الزجاج: إجماع أهل اللغة والمفسرين حيث أصاب، أي ~~حيث أراد من النواحي. # قال الزجاج: وحقيقته حيث قصد. # وقال الأصمعي: العرب تقول: أصاب فلان الصواب فأخطأ الجواب، معناه أنه قصد ~~الصواب وأراده فأخطأ مراده ولم يتعمد الخطأ. # والشياطين أي: وسخرنا له الشياطين، كل بناء يبنون له ما يشاء من محاريب ~~وتماثيل، وغواص يغوصون في البحار يستخرجون له الدر من البحار. # وآخرين أي: وسخرنا له آخرين، يعني مردة الشياطين سخروا له حتى قرنهم في ~~الأصفاد، وهو قوله: {مقرنين في الأصفاد} [ص: 38] يقال: قرنهم في الحبال إذا ~~كانوا جماعة كثيرة، والأصفاد ms1578 الأغلال، واحدها صفد. # قال الزجاج: هي السلاسل من الحديد، وكل ما شددته شدا وثيقا بالحديد وغيره ~~فقد صفدته. # قال أبو عبيد: يقال صفدت الرجل فهو مصفود، وأصفدته فهو مصفد. # هذا عطاؤنا أي: قلنا له هذا الملك، يعني ما سأل من قوله: {وهب لي ملكا} ~~[ص: 35] ، {فامنن} [ص: 39] لمن الإحسان إلى من لا تستثيبه. # قال عطاء، عن ابن عباس: أعط من شئت وأمسك عمن شئت. # بغير حساب لا حرج عليك فيما أعطيت وفيما أمسكت. # قال الحسن: ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه تبعة إلا سليمان، فإن ~~الله تعالى قال: هذا عطاؤنا الآية، إن أعطي أجر، وإن لم يعط لم يكن عليه # PageV03P556 # تبعة. # قال الزجاج: قوله: بغير حساب أي: بغير جزاء، يعني: أعطيناك تفضلا لا ~~مجازاة. # ثم أخبره بمنزلته في الآخرة، فقال: {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} [ص: ~~40] . # {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب {41} اركض ~~برجلك هذا مغتسل بارد وشراب {42} ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا ~~وذكرى لأولي الألباب {43} وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه ~~صابرا نعم العبد إنه أواب {44} } [ص: 41-44] قوله: {واذكر عبدنا أيوب إذ ~~نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} [ص: 41] النصب والنصب كالحزن ~~والحزن، والعدم والعدم، وهو الضر والمكروه والشدة، يعني ما ابتلاه الله به ~~حين سلط عليه الشيطان، قاله ابن عباس. # قال قتادة: بضر في الجسد وعذاب في المال. # وقال السدي: النصب ما أنصب الجسد، والعذاب أهلك المال. # ثم فرج الله عنه، وهو قوله: اركض برجلك أي: قلنا له اركض برجلك، قال ابن ~~عباس: اضرب الأرض برجلك، فركض فنبعت بركضته عين ماء. # وهو قوله: هذا مغتسل وهو ما اغتسل به من الماء، بارد وشراب شرب منه، قال ~~مقاتل: انفجرت له عين فاغتسل منها، فخرج منها صحيحا، ثم مشى أربعين خطوة ~~فدفع الأرض برجله الأخرى فنبعت عين أخرى ماء عذبا باردا، فذلك قوله: {هذا ~~مغتسل بارد} [ص: 42] يعني الذي اغتسل فيه، وشراب # PageV03P557 # أراد الذي شرب منه ms1579. # وقال الحسن ركض ركضة أخرى فإذا عين تنبع حتى غمرته، فرد الله إليه جسده، ~~فركض ركضة أخرى فإذا عين أخرى فشرب منها فطهرت جوفه، وغسلت كل قذر كان فيه. # وما بعد هذا مفسر في { [الأنبياء إلى قوله:] وخذ بيدك ضغثا} [سورة ص: 44] ~~وهو ملء الكف من الشجر والحشيش والشماريخ، وكان حلف ليجلدن امرأته مائة ~~جلدة. # قال سعيد بن المسيب: اتهمها أنها قارفت شيئا من الخيانة، لأنها أتته يوما ~~بزيادة على ما كانت تأتي به من الخبز. # وقال قتادة: عرض لها إبليس وأراد أن تحمل زوجها على شيء، فقالت لأيوب: لو ~~تقربت إلى الشيطان بشيء فذبحت له عناقا. # فحلف أيوب لئن شفاه الله ليجلدنها مائة جلدة، فأمر أن يأخذ عيدانا رطبة ~~من تمام مائة عود، فيضرب به كما أمره الله تعالى، وهو قوله: {فاضرب به ولا ~~تحنث} [ص: 44] فكان ذلك تحلة ليمينه، وتخفيفا عن امرأته، ثم أثنى على أيوب، ~~فقال: {إنا وجدناه صابرا} [ص: 44] أي: على البلاء الذي ابتليناه به، نعم ~~العبد هو، إنه أواب رجاع إلى ما يحب الله من طاعته. # قوله: { # PageV03P558 # واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار {45} إنا ~~أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار {46} وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار {47} ~~واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار {48} هذا ذكر وإن للمتقين ~~لحسن مآب {49} } [ص: 45-49] واذكر عبادنا وقرأ ابن كثير عبدنا على الواحد ~~اختصاصا بالإضافة إلى الله على وجه المكرمة، وهو قراءة ابن عباس، يقول: ~~إنما ذكر إبراهيم، ثم ذكر ولده بعده. # قال مقاتل: واذكر يا محمد صبر عبدنا إبراهيم حين ألقي في النار، وصبر ~~إسحاق للذبح، وصبر يعقوب # PageV03P559 # حين ذهب بصره، ولم يذكر إسماعيل لأنه لم يبتل بشيء. # {أولي الأيدي والأبصار} [ص: 45] قال ابن عباس: أولي القوة في طاعة # PageV03P560 # الله، والأبصار في المعرفة بالله. # فالأيدي في هذه الآية جمع اليد التي هي بمعنى القدرة والقوة. # قال قتادة: أعطوا قوة في العبادة وصبرا في الدين. # وهو قول مجاهد، وسعيد بن جبير، والمفسرين. # قوله: {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} [ص: 46] قال ms1580 مجاهد: اصطفيناهم ~~بذكر الآخرة فأخلصناهم بذكرها. # وقال قتادة: كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله. # وقال السدي: أخلصوا بخوف الآخرة. # فمن قرأ بالتنوين في بخالصة كان المعنى: جعلناهم لنا خالصين بأن خلصت لهم ~~الذكرى الدار، والخالصة مصدر بمعنى الخلوص، والذكرى بمعنى التذكير، أي: خلص ~~لهم تذكير الدار، وهو أنهم يذكرون بالتأهب لها ويزهدون في الدنيا، وذلك شأن ~~الأنبياء صلوات الله عليهم، وأما من أضاف فالمعنى: أخلصناهم بأن خلصت لهم ~~ذكرى الدار، والخالصة مصدر مضاف إلى الفاعل. # قال ابن عباس: أخلصوا بذكر الدار الآخرة، وأن يعملوا لها. # والذكرى على هذا بمعنى الذكر. # {وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار} [ص: 47] قال ابن عباس: يريد اصطفيتهم ~~واخترتهم. # {واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل} [ص: 48] أي: اذكرهم بصبرهم وفضلهم ~~لتسلك طريقهم، {وكل من الأخيار} [ص: 48] اختارهم الله للنبوة. # هذا ذكر شرف وذكر جميل يذكرون به أبدا، {وإن للمتقين لحسن مآب} [ص: 49] ~~يرجعون في الآخرة إلى مغفرة الله. # ثم بين حسن ذلك المرجع، فقال: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب {50} متكئين ~~فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب {51} وعندهم قاصرات # PageV03P562 # الطرف أتراب {52} هذا ما توعدون ليوم الحساب {53} إن هذا لرزقنا ما له من ~~نفاد {54} } [ص: 50-54] {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب} [ص: 50] قال الفراء: ~~المعنى مفتحة لهم أبوابها، والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة. # وقال الزجاج: المعنى مفتحة لهم الأبواب منها، فالألف واللام للتعريف لا ~~للبدل. # متكئين فيها في الجنات، يدعون فيها تقدير الآية: يدعون في الجنات متكئين ~~فيها. # {بفاكهة كثيرة وشراب} [ص: 51] بألوان الفاكهة وألوان الشراب، والمعنى: ~~وشراب كثير، فحذف للدلالة عليه. # {وعندهم قاصرات الطرف} [ص: 52] تقدم تفسيره. # أتراب أقران أسنانهن واحدة، بنات ثلاث وثلاثين سنة. # هذا يعني ما ذكر فيما تقدم ما يوعد به المتقون على لسان النبي صلى الله ~~عليه وسلم، ومن قرأ بالتاء فالمعنى: قل للمتقين: {هذا ما توعدون ليوم ~~الحساب} [ص: 53] ليوم الجزاء. # ثم أعلم أن ذلك غير منقطع، فقال: {إن هذا لرزقنا ما له من نفاد} [ص: 54] ~~أي: انقطاع وفناء. # قال ابن عباس: ليس ms1581 لشيء في الجنة نفاد، وما أكل من ثمارها خلف مكانه ~~مثله، وما أكل من حيوانها وطيرها عاد مكانه حيا. # {هذا وإن للطاغين لشر مآب {55} جهنم يصلونها فبئس المهاد {56} هذا ~~فليذوقوه حميم وغساق {57} وآخر من شكله أزواج {58} هذا فوج مقتحم معكم لا ~~مرحبا بهم إنهم صالوا النار {59} قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه ~~لنا فبئس القرار {60} قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار ~~{61} } [ص: 55-61] هذا، أي: الأمر هذا الذي ذكرناه. # ثم ذكر ما للكفار، فقال: {وإن للطاغين لشر مآب} [ص: 55] للذين طغوا على ~~الله وكذبوا الرسل، لشر مآب شر مرجع ومصير. # ثم أخبر بذلك، فقال: {جهنم يصلونها فبئس المهاد} [ص: 56] قال ابن عباس: ~~بئس المسكن وبئس الممهد. # {هذا فليذوقوه حميم وغساق} [ص: 57] قال الفراء، والزجاج: تقدير الآية: ~~هذا حميم غساق فليذوقوه. # أي: يقال لهم في ذلك اليوم: هذا حميم وغساق فليذوقوه، وعادت الكناية إلى ~~أحدهما اكتفاء به عن # PageV03P563 # الثاني كقوله: {يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها} [التوبة: 34] ومثله ~~كثير، والحميم: الحار الذي قد انتهى حره، والغساق: ما سال من جلود أهل ~~النار من القيح والصديد، من قولهم: غسقت عينه إذا انصبت، الغسقان الانصباب، ~~والوجه التخفيف في غساق، لأنه اسم موضوع، قال: ومن شدد ذهب به إلى غسق يغسق ~~فهو غساق. # وآخر وعذاب آخر، من شكله من مثل ذلك الأول، والشكل المثل، ويريد ضربا من ~~العذاب على شكل الحميم والغساق في الكراهة. # قال المفسرون: هو الزمهرير. # ومن قرأ وأخر فالمعنى: وأنواع أخر من شكله. # وقوله: أزواج أي: ألوان وأنواع وأشباه. # هذا فوج قال صاحب النظم: هذا من قول الملائكة، يقولونه لأهل النار إذا ~~جاءوهم بفوج سواهم من أهل النار. # والفوج القطيع من الناس، وجمعه أفواج، والمقتحم الداخل في الشيء رميا ~~بنفسه فيه. # قال الكلبي: إنهم يضربون بالمقامع حتى يثبوا في النار خوفا من تلك ~~المقامع، ويوقعوا أنفسهم فيها. # فلما قالت الملائكة ذلك لأهل النار قالوا: {لا مرحبا بهم} [ص: 59] المرحب ~~والرحب معناه السعة، أي: لا اتسعت بهم ms1582 مساكنهم، والمعنى: لا كرامة لهم. # هذا إخبار أن مودتهم تنقطع وتصير عداوة. # {إنهم صالوا النار} [ص: 59] داخلوها كما دخلنا، ومقاسون حرها. # فأجابهم الفوج، فقالوا: {بل أنتم لا مرحبا بكم} [ص: 60] هؤلاء الأتباع ~~يقولون ذلك للقادة وقد سبقوهم إلى النار، يقولون لهم: {أنتم قدمتموه لنا} ~~[ص: 60] أنتم بدأتم بالكفر قبلنا، فبئس القرار بئس المستقر والمسكن جهنم. # ثم قالت الأتباع: {ربنا من قدم لنا هذا} [ص: 61] من شرع وسن لنا هذا ~~الكفر، {فزده عذابا ضعفا} [ص: 61] أي: مضاعفا، أي: زدهم على عذابهم عذابا ~~آخر في النار. # PageV03P564 # {وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار {62} أتخذناهم سخريا ~~أم زاغت عنهم الأبصار {63} إن ذلك لحق تخاصم أهل النار {64} قل إنما أنا ~~منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار {65} رب السموات والأرض وما بينهما ~~العزيز الغفار {66} } [ص: 62-66] قال الكلبي: ثم ينظرون في النار فلا يرون ~~من كان يخالفهم معهم وهم المؤمنون. # فعند ذلك قالوا: {ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم} [ص: 62] في الدنيا، {من ~~الأشرار} [ص: 62] يعنون فقراء المؤمنين: عمارا، وخبابا، وصهيبا، وبلالا، ~~وسلمان. # ثم ذكروا أنهم كان يسخرون من هؤلاء، وهو قوله: اتخذناهم سخريا ومن قرأ ~~بفتح الألف على الاستفهام فهو بعيد، لأنهم علموا أنهم اتخذوهم سخريا، فكيف ~~يستقيم أن يستفهموا عن ذلك وقد علموه؟ ووجهه أنه على اللفظ لا على المعنى، ~~وذلك لتعادل أم في قوله: {أم زاغت عنهم الأبصار} [ص: 63] قال مقاتل: أم ~~زاغت أبصارنا عنهم، فهم معنا في النار ولا نراهم. # وقال قتادة: زاغت أبصارنا عنهم فلم نرهم حين دخلوا النار. # قال الله تعالى: {إن ذلك لحق} [ص: 64] يعني ما ذكرنا قبل هذا لحق. # ثم بين ما هو فقال: {تخاصم أهل النار} [ص: 64] يعني: تخاصم القادة ~~والأتباع على ما أخبر به عنهم. # قل لهم يا محمد، لأهل مكة: {إنما أنا منذر} [ص: 65] أنذركم وأحذركم عقوبة ~~الله. # {وما من إله} [ص: 65] وقل لهم أيضا: {وما من إله إلا الله الواحد القهار} ~~[ص: 65] لخلقه. # {رب السموات والأرض} [ص: 66] الآية ms1583. # PageV03P565 ### | 795 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أنا محمد بن عبد الله بن زياد، أنا محمد بن ~~إبراهيم البوشنجي، أنا يوسف بن عدي، أنا عثام بن علي، عن هشام بن عروة، عن ~~أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا ~~تضور من الليل؛ قال: «لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السموات والأرض ~~وما بينهما العزيز الغفار» # {قل هو نبأ عظيم {67} أنتم عنه معرضون {68} ما كان لي من علم بالملإ ~~الأعلى إذ يختصمون {69} إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين {70} } [ص: ~~67-70] وقوله: {قل هو نبأ عظيم} [ص: 67] يعني القرآن في قوله الجميع. # قال مقاتل: القرآن حديث عظيم، لأنه كلام الله عز وجل. # وقال الزجاج: قل النبأ الذي أنبأتكم به عن الله نبأ عظيم. # يعني ما أنبأهم به من قصص الأولين، وذلك دليل على صدقه ونبوته، لأنه لم ~~يعلم ذلك إلا بوحي من الله تعالى. # {أنتم عنه معرضون} [ص: 68] لا تتفكرون فيه فتعلموا صدقي في نبوتي. # يدل على صحة هذا المعنى قوله: {ما كان لي من علم بالملإ الأعلى} [ص: 69] ~~يعني الملائكة، إذ يختصمون يعني ما ذكر في قوله: {إني جاعل في الأرض خليفة} ~~[البقرة: 30] إلى آخر القصة، {إن يوحى إلي} [ص: 70] ما يوحى إلي، {إلا أنما ~~أنا نذير مبين} [ص: 70] قال الفراء: المعنى ما يوحى إلي إلا لأنني نبي ~~ونذير. # مبين أبين لكم ما تأتون به من الفرائض والسنن، وما تدعون من الحرام ~~والمعصية. # {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين {71} فإذا سويته ونفخت فيه من ~~روحي فقعوا له ساجدين {72} فسجد الملائكة كلهم أجمعون {73} إلا إبليس ~~استكبر وكان من الكافرين {74} قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ~~أستكبرت أم كنت من العالين {75} قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من ~~طين {76} } [ص: 71-76] {إذ قال ربك للملائكة} [ص: 71] متصل بقوله: إذ ~~يختصمون فاعترض بينهما كلام، وما بعد هذا مفسر فيما مضى من { [الحجر. # PageV03P566 # لما خلقت بيدي} [سورة ص: 75] أي: لما توليت ms1584 خلقه كما قال: {مما عملت ~~أيدينا} [يس: 71] وهو مر. # {أستكبرت أم كنت من العالين} [ص: 75] استفهام توبيخ وإنكار، يقول: ~~أستكبرت بنفسك حتى أبيت السجود لآدم؟ أم كنت من القوم الذين يتكبرون فتكبرت ~~عن السجود بكونك من قوم يتكبرون؟ وما بعد هذا مفسر فيما تقدم. # قوله: {قال فاخرج منها فإنك رجيم {77} وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين {78} ~~قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون {79} قال فإنك من المنظرين {80} إلى يوم ~~الوقت المعلوم {81} قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين {82} إلا عبادك منهم ~~المخلصين {83} قال فالحق والحق أقول {84} لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم ~~أجمعين {85} قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين {86} إن هو إلا ~~ذكر للعالمين {87} ولتعلمن نبأه بعد حين {88} } [ص: 77-88] {قال فالحق ~~والحق أقول} [ص: 84] انتصب الحق الأول على تقدير فبالحق، حذف الخافض ونصب ~~كما تقول: والله لأفعلن، والحق الثاني يجوز أن يكون الأول وكرره للتأكيد، ~~ويجوز أن يكون الحق منصوبا بأقول، كأنه قال: وأقول الحق. # وقرأ الكوفيون والحق رفعا وهو مبتد وخبره محذوف على تقدير الحق مني، كما ~~قال: {الحق من ربك} [البقرة: 147] وهذا قول مجاهد، قال: يقول الله: الحق ~~مني وأنا أقول الحق. # أقسم الله تعالى أن يملأ جهنم من إبليس وأتباعه وهو قوله: { # PageV03P567 # لأملأن جهنم} [ص: 85] الآية. # قل لكفار مكة: {ما أسألكم عليه} [ص: 86] على تبليغ الوحي والقرآن، من أجر ~~مال تعطونيه، {وما أنا من المتكلفين} [ص: 86] أي: ما أتيتكم رسولا من قبل ~~نفسي، ولم أتكلف هذا الإتيان بل أمرت به. ### | 796 - # أخبرنا أبو عثمان الحيري الزاهد، أنا عبد الله بن محمد بن علي بن زياد ~~السمذي، أنا المفضل بن محمد بن إبراهيم الجندي، نا علي بن زياد اللخمي، نا ~~أبو قرة، قال: ذكر سفيان، عن منصور، والأعمش أنهما حدثاه، عن أبي الضحى، عن ~~مسروق أنه قال: قال عبد الله بن مسعود: يا أيها الناس، من علم شيئا فليقل، ~~ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن تقول لما لا تعلم: الله ~~أعلم، فإن الله قال لنبيه ms1585، صلى الله عليه وسلم، {قل ما أسألكم عليه من أجر ~~وما أنا من المتكلفين} ، رواه البخاري، عن قتيبة، عن جرير، عن الأعمش # {إن هو إلا ذكر للعالمين} [ص: 87] ما القرآن إلا موعظة للخلق أجمعين، ~~ولتعلمن أنتم يا كفار مكة، نبأه خبر صدقه، بعد حين قال ابن عباس، وقتادة: ~~بعد الموت. # وقال عكرمة: يعني يوم القيامة. # وقال الكلبي: من بقي علم ذلك لما ظهر أمره وعلا، ومن مات علمه بعد الموت. # وقال الحسن: ابن آدم، عند الموت يأتيك الخبر اليقين. # PageV03P568 ### | تفسير سورة الزمر # مكية وهي سبعون وخمس آيات مكية. ### | 797 - # أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الحيري، أنا أبو عمرو بن مطر، نا إبراهيم بن ~~شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، عن زيد بن ~~أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله، صلى الله ~~عليه وسلم: «ومن قرأ سورة الزمر لم يقطع الله رجاه، وأعطاه ثواب الخائفين ~~الذين خافوا الله، عز وجل» # {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم {1} إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ~~فاعبد الله مخلصا له الدين {2} ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه ~~أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم ~~فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار {3} لو أراد الله أن يتخذ ~~ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار {4} } [الزمر: ~~1-4] بسم الله الرحمن الرحيم {تنزيل الكتاب} [الزمر: 1] مبتدأ وخبره {من ~~الله العزيز الحكيم} [الزمر: 1] أي: إن تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ~~لا من غيره، كما تقول في الكلام: استقامة الناس من الأنبياء، أي: إنها لا ~~تكون إلا من الأنبياء. # {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق} [الزمر: 2] قال مقاتل: يقول: لم ننزله ~~باطلا لغير شيء. # {فاعبد الله مخلصا له الدين} [الزمر: 2] موحدا له لا تشرك به شيئا، ~~والإخلاص أن يقصد العبد بنيته وعمله إلى خالقه، لا يجعل ذلك لعرض الدنيا. # {ألا لله ms1586 الدين الخالص} [الزمر: 3] يعني أن الدين الخالص من الشرك هو لله ~~تعالى، وما سواه من الأديان فليس بدين الله الذي أمر به. # PageV03P569 # وقال قتادة: الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله. # {والذين اتخذوا من دونه أولياء} [الزمر: 3] يعني الآلهة والأصنام، ~~يقولون: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] إلا ليشفعوا ~~لنا إلى الله، وذلك التقريب هو الشفاعة في قول المفسرين، والزلفى القربى، ~~وهو اسم أقيم مقام المصدر، كأنه قال: {إلا ليقربونا إلى الله} [الزمر: 3] ~~تقريبا. # {إن الله يحكم بينهم} [الزمر: 3] بين أهل الأديان، وهم الذين اتخذوا من ~~دونه أولياء، يحكم الله بينهم يوم القيامة، {في ما هم فيه يختلفون} [الزمر: ~~3] من أمر الدين، كل يقول: الحق ديني، فهم مختلفون، وحكم الله بينهم أن ~~يعذب كلا على قدر استحقاقه. # ثم أخبر أن هؤلاء لا يهديهم الله، فقال: {إن الله لا يهدي من هو كاذب ~~كفار} [الزمر: 3] لا يرشد لدينه من كذب في زعمه أن الآلهة تشفع وكفر في ~~اتخاذ الآلهة دونه، وهذا فيمن سبق عليه القضاء بحرمان الهداية. # {لو أراد الله أن يتخذ ولدا} [الزمر: 4] على ما يزعم من ينسب الله تعالى ~~إلى اتخاذ الولد، {لاصطفى مما يخلق ما يشاء} [الزمر: 4] يعني الملائكة، كما ~~قال الله تعالى: {لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا} [الأنبياء: 17] ~~، ثم أعلم أنه منزه عن اتخاذ الولد، فقال: سبحانه تنزيها له عن ذلك، {هو ~~الله الواحد} [الزمر: 4] لا شريك له، ولا صاحبة، ولا ولد القهار لخلقه، قهر ~~ما خلق بالموت، وهو حي لا يموت. # {خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ~~وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار {5} خلقكم من ~~نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في ~~بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا ~~إله إلا هو فأنى تصرفون {6} } [الزمر: 5-6] قوله: {خلق السموات والأرض ~~بالحق} [الزمر: 5] أي: لم يخلقهما ms1587 باطلا لغير شيء، {يكور الليل على النهار} ~~[الزمر: 5] يدخل هذا على هذا، والتكوير: طرح الشيء بعضه على بعض، يقال: كور ~~المتاع إذا ألقى # PageV03P570 # بعضه على بعض. # قال قتادة: يغشي هذا على هذا، كما قال: {يغشي الليل النهار} [الأعراف: ~~54] ، و {يولج الليل في النهار} [الحج: 61] . # {وسخر الشمس والقمر} [الزمر: 5] ذللهما للمسير في بروجهما على ما قدر ~~وأراد، كل منهما، {يجري لأجل مسمى} [الزمر: 5] أي: إلى الأجل الذي وقت الله ~~الدنيا إليه، وهو انقضاؤها وفناؤها. # {ألا هو العزيز} [الزمر: 5] الغالب في ملكه، الغفار لأوليائه وأهل طاعته. # {خلقكم من نفس واحدة} [الزمر: 6] يعني آدم، قال الفراء، والزجاج: المعنى ~~خلقكم من نفس خلقها واحدة. # {ثم جعل منها زوجها} [الزمر: 6] لأن خلقها كان بعد خلق الزوج، يعني حواء، ~~خلقت من قصيري آدم. # {وأنزل لكم من الأنعام} [الزمر: 6] معنى الإنزال ههنا: الإنشاء والإحداث، ~~كقوله: {قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم} [الأعراف: 26] ولم ينزل ~~اللباس ولكنه أنزل الماء الذي هو سبب، والقطن والصوف واللباس منهما، كذلك ~~الأنعام تكون بالنبات والنبات يكون بالماء، وقوله: ثمانية أزواج مفسر في { ~~[الأنعام،] يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق} [سورة الزمر: 6] نطفا، ~~ثم علقا إلى أن يخرج من بطن أمه، {في ظلمات ثلاث} [الزمر: 6] ظلمة المشيمة، ~~وظلمة البطن، وظلمة الرحم، ذلكم الله الذي خلق هذه الأشياء ربكم، {لا إله ~~إلا هو فأنى تصرفون} [الزمر: 6] عن طريق الحق بعد هذا البيان؟ مثل قوله: ~~{فأنى تؤفكون} [الأنعام: 95] . # {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ~~ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه ~~عليم بذات الصدور {7} وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله ~~نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا # PageV03P571 # ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار {8} } [الزمر: ~~7-8] قوله: إن تكفروا يا أهل مكة، {فإن الله غني عنكم} [الزمر: 7] أي: عن ~~عبادتكم، {ولا يرضى لعباده الكفر} [الزمر ms1588: 7] قال عطاء، عن ابن عباس: يريد ~~ولا أرضى لأوليائي وأهل طاعتي الكفر. # وقال في رواية الوالبي: يعني عباده المخلصين الذين قال فيهم: {إن عبادي ~~ليس لك عليهم سلطان} [الحجر: 42] فألزمهم شهادة أن لا إله إلا الله، وحببها ~~إليهم. # وقال السدي: لا يرضى لعباده المؤمنين أن يكفروا. # وهذا طريق من قال بالتخصيص في هذه الآية، ومن أجراها على العموم قال: إن ~~الله تعالى لا يرضى الكفر لأحد، وكفر الكافر غير مرضي لله، وإن كان ~~بإرادته. # والله تعالى مريد لكفر الكافر غير راض به، لأنه لا يمدحه ولا يثني عليه، ~~قال قتادة: والله ما رضي الله لعبد ضلالة، ولا أمره بها، ولا دعاه إليها. # وإن تشكروا ما أنعم عليكم من التوحيد، يرضه لكم يرضى ذلك الشكر لكم بأن ~~يثيبكم عليه، وباقي الآية تقدم تفسيره. # قوله: {وإذا مس الإنسان} [الزمر: 8] قال عطاء: يريد عتبة بن ربيعة. # وقال مقاتل: يريد أبا حذيفة بن المغيرة. # ضر بلاء وشدة وفقر، أو مرض، {دعا ربه منيبا إليه} [الزمر: 8] راجعا إليه ~~من شركه، {ثم إذا خوله} [الزمر: 8] أعطاه، نعمة منه يعني: أغناه وأنعم عليه ~~بالصحة، {نسي ما كان يدعو إليه من قبل} [الزمر: 8] نسي الضر الذي كان يدعو ~~الله إلى كشفه، {وجعل لله أندادا} [الزمر: 8] رجع إلى عبادة الأوثان، {ليضل ~~عن سبيله} [الزمر: 8] ليزل عن دين الله الإسلام، قل لهذا الكافر: {تمتع ~~بكفرك قليلا} [الزمر: 8] في الدنيا إلى أجلك، قال الزجاج: لفظ الأمر، ~~ومعناه التهديد والوعيد. # {إنك من أصحاب النار} [الزمر: 8] أي: إن مصيرك إلى النار. # قوله: { # PageV03P572 # أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل ~~يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} [الزمر: 9] ~~{أمن هو قانت} [الزمر: 9] الجملة التي عادلت أم قد حذفت، كما يقال: أهذا أم ~~هذا؟ والتقدير: الجاحد الكافر، يعني الذي ذكره في قوله: {وإذا مس الإنسان ~~ضر} [الزمر: 8] خير، {أمن هو قانت} [الزمر: 9] والأصل أم من هو، فأدغمت ~~الميم في الميم، ومن قرأ بالتخفيف فهي ألف ms1589 الاستفهام دخلت على من، وهو ~~استفهام إنكار، والمعنى: أمن هو قانت كالأول الذي ذكر بالنسيان والكفر؟ قال ~~الزجاج: أمن هو قانت كهذا الذي ذكرنا ممن جعل لله أندادا؟ والقانت: المقيم ~~على الطاعة، القائم بما يجب عليه من أمر الله. # قال ابن عباس في رواية عطاء: وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه. ### | 798 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، أنا الوليد بن أبان، نا ~~محمد بن إدريس، نا عمر بن أبي معاذ النميري، نا عبد الله بن عيسى، عن يحيى ~~البكاء، عن ابن عمر في قوله، تعالى: {أمن هو قانت آناء الليل} الآية، قال: ~~نزلت في عثمان بن عفان، رضي الله # PageV03P573 # عنه # وقال مقاتل: نزلت في عمار بن ياسر. # وتفسير آناء الليل قد مضى. # وقوله: ساجدا وقائما يعني في الصلاة، يحذر الآخرة قال مقاتل: يحذر عذاب ~~الآخرة. # {ويرجو رحمة ربه} [الزمر: 9] يعني الجنة، كمن لا يفعل ذلك؟ ليسا سواء. # وهو قوله: {قل هل يستوي الذين يعلمون} [الزمر: 9] أن ما وعد الله من ~~الثواب والعقاب حق، {والذين لا يعلمون} [الزمر: 9] ذلك؟ {إنما يتذكر أولو ~~الألباب} [الزمر: 9] إنما يتعظ ذوو العقول من المؤمنين، فأما الجاهل الكافر ~~فإنه لا يتعظ. # {قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ~~وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب {10} قل إني أمرت أن ~~أعبد الله مخلصا له الدين {11} وأمرت لأن أكون أول المسلمين {12} قل إني ~~أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم {13} قل الله أعبد مخلصا له ديني {14} ~~فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم ~~القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين {15} } [الزمر: 10-15] {قل يا عباد ~~الذين آمنوا} [الزمر: 10] صدقوا بتوحيد الله، اتقوا ربكم بطاعته واجتناب ~~معاصيه، وتم الكلام، ثم قال: للذين أحسنوا وحدوا الله وأحسنوا العمل، {في ~~هذه الدنيا حسنة} [الزمر: 10] يعني الجنة، {وأرض الله واسعة} [الزمر: 10] ~~قال ابن عباس: يريد ارحلوا من مكة. # وهذا حث لهم على الهجرة من مكة إلى حيث ms1590 يأمنون. # كقوله تعالى: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} [النساء: 97] . # {إنما يوفى الصابرون} [الزمر: 10] على دينهم فلا يتركونه لمشقة تلحقهم، ~~وهذه الآية نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين لم يتركوا دينهم، ولما ~~اشتد عليهم الأمر صبروا وهاجروا، وقوله: {أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10] قال ~~عطاء: بما لا يهتدي إليه عقل ولا وصف. # وقال مقاتل: أجرهم الجنة وأرزاقهم فيها بغير حساب. # قوله: {قل إني أمرت أن أعبد الله} [الزمر: 11] قال مقاتل: إن كفار قريش ~~قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على الذي أتيتنا به؟ ألا تنظر ~~إلى ملة أبيك وجدك وسادة قومك، يعبدون اللات والعزى فتأخذ بها. # فأنزل الله قل يا محمد: {إني # PageV03P574 # أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين} [الزمر: 11] أمرت أن أعبده على ~~التوحيد والإخلاص، لا يشوب عبادتي شرك. # وأمرت بهذا، {لأن أكون أول المسلمين} [الزمر: 12] من هذه الآمة. # {قل إني أخاف إن عصيت ربي} [الزمر: 13] بالرجوع إلى دين آبائي، {عذاب يوم ~~عظيم} [الزمر: 13] . # {قل الله أعبد مخلصا له ديني} [الزمر: 14] بالتوحيد لا أشرك به شيا. # {فاعبدوا ما شئتم من دونه} [الزمر: 15] أمر تهديد، {قل إن الخاسرين الذين ~~خسروا أنفسهم} [الزمر: 15] بأن صاروا إلى النار، وأهليهم من الأزواج والخدم ~~في الجنة. # قال الزجاج: وهذا يعني به الكفار، فإنهم خسروا أنفسهم بالتخليد في النار، ~~وخسروا أهليهم لأنهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الذين لهم أهل في الجنة. # قوله: {لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده ~~يا عباد فاتقون {16} والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله ~~لهم البشرى فبشر عباد {17} الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين ~~هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب {18} } [الزمر: 16-18] {لهم من فوقهم ~~ظلل من النار} [الزمر: 16] يعني: أطباقا من النار تلتهب عليهم، كقوله ~~تعالى: {يوم يغشاهم العذاب من فوقهم} [العنكبوت: 55] الآية. # {ومن تحتهم ظلل} [الزمر: 16] مهاد من النار. # قال السدي: وهي لمن تحتهم ظلل، وهكذا حتى تنتهي إلى القعر. # ذلك الذي وصف من العذاب، {يخوف ms1591 الله به عباده} [الزمر: 16] المؤمنين، ~~يعني أن ما ذكر من العذاب معد للكفار، وهو تخويف للمؤمنين ليخافوا فيتقوه ~~بالطاعة والتوحيد. # ثم أمرهم بذلك فقال: {يا عباد فاتقون} [الزمر: 16] . # قوله: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها} [الزمر: 17] يعني الأوثان ~~والشيطان، {وأنابوا إلى الله} [الزمر: 17] رجعوا إليه بالطاعة، لهم البشرى ~~بالجنة. # {فبشر عباد {17} الذين يستمعون القول} [الزمر: 17-18] يعني القرآن، ~~فيتبعون أحسنه قال السدي: يتبعون أحسن ما يؤمرون به، فيعملونه. # وقال عطاء، عن ابن عباس: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه آمن بالنبي صلى ~~الله عليه وسلم وصدقه، فجاءه عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، ~~وسعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، فسألوه، فأخبرهم بإيمانه، ~~فآمنوا ونزلت فيهم {فبشر عباد {17} الذين يستمعون القول} [الزمر: 17-18] ~~يعني: من أبي # PageV03P575 # بكر فيتبعون أحسنه، أي حسنه، وكله حسن. # ثم أثنى عليهم بباقي الآية ووصفهم بالهداية والفضل. # ثم ذكر من سبقت له من الله الشقاوة، فقال: {أفمن حق عليه كلمة العذاب ~~أفأنت تنقذ من في النار {19} لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف ~~مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد {20} ألم تر أن ~~الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ~~ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ~~{21} } [الزمر: 19-21] {أفمن حق عليه كلمة العذاب} [الزمر: 19] قال ابن ~~عباس: من سبق في علم الله أنه في النار، أفأنت تنقذه فتجعله مؤمنا. # يعني لا تقدر على ذلك، قال عطاء: يريد أبا لهب وولده ومن تخلف من عشيرة ~~النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان به. # {لكن الذين اتقوا ربهم} [الزمر: 20] بالإيمان والطاعة، {لهم غرف من فوقها ~~غرف مبنية} [الزمر: 20] لهم منازل في الجنة رفيعة، وفوقها منازل أرفع منها، ~~وعدهم الله تلك الغرف والمنازل وعدا لا يخلفه، وهو قوله: وعد الله، {لا ~~يخلف الله الميعاد} [الزمر: 20] . # ثم ذكر ما يدل على توحيده، وهو قوله: {ألم تر أن الله ms1592 أنزل من السماء ماء ~~فسلكه} [الزمر: 21] أدخل ذلك الماء {ينابيع في الأرض} [الزمر: 21] جمع ~~ينبوع، وهو يفعول، من نبع الماء ينبع، والينابيع الأمكنة التي ينبع منها ~~الماء. # قال مقاتل: فجعله عيونا وركابا في الأرض، ثم يخرج بذلك الماء من الأرض ~~زرعا مختلفا ألوانه من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض. # ثم يهيج يجف، يقال: هاج النبت يهيج هيجا إذا تم جفافه. # فتراه بعد الخضرة، {مصفرا ثم يجعله حطاما} [الزمر: 21] دقاقا متكسرا ~~متفتتا، {إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب} [الزمر: 21] تفكر لذوي العقول، ~~يذكرون به ما لهم فيه من الدلالة على توحيد الله وقدرته. # وقوله: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية ~~قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين {22} الله نزل أحسن الحديث كتابا ~~متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ~~ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد {23} ~~أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم ~~تكسبون {24} } [الزمر: 22-24] { # PageV03P576 # أفمن شرح الله صدره للإسلام} [الزمر: 22] أي: وسعه لقبول الحق. # روي عن ابن مسعود، أنه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، ~~فقالوا: يا رسول الله، وما هذا الشرح؟ قال: «نور يقذفه الله في القلب ~~فينفسح له القلب» . # فقيل له: فهل لذلك من أمارة؟ قال: «نعم» . # قيل: وما هي؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، ~~والاستعداد للموت قبل لقاء الموت» . # وقوله: {فهو على نور من ربه} [الزمر: 22] قال قتادة: النور كتاب الله عز ~~وجل، به يأخذ وإليه ينتهي. # وقال عطاء، عن ابن عباس: فهو على يقين من ربه. # وقال الزجاج: تقدير الآية: أفمن شرح الله صدره للإسلام كمن طبع على قلبه ~~فلم يهتد لقسوته؟ ودل على هذا المحذوف قوله: {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر ~~الله} [الزمر: 22] قال مقاتل: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل، ~~لعنه الله. # وقال عطاء: نزلت في علي ms1593 وحمزة وأبي لهب وولده. # PageV03P577 # وقوله: {من ذكر الله} [الزمر: 22] قال الفراء، والزجاج: عن ذكر الله، كما ~~تقول: أتخمت من طعام أكلته، وعن طعام أكلته، سواء، والمعنى أنه غلظ قلبه ~~وصفا عن قبول ذكر الله تعالى. # أولئك أي: القاسية قلوبهم، {في ضلال مبين} [الزمر: 22] . # قوله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث} [الزمر: 23] يعني القرآن، وسمي حديثا ~~لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث قومه ويخبرهم بما نزل عليه منه. # وقوله: كتابا متشابها أي: يشبه بعضه بعضا، ويصدق بعضه بعضا، ليس فيه ~~اختلاف ولا تناقض. # {تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم} [الزمر: 23] خوفا مما في القرآن من ~~الوعيد. # ومعنى تقشعر: تأخذهم قشعريرة، وهي تغير يحدث في جلد الإنسان عند الوجل ~~والخوف. ### | 799 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن حمدان العدل، نا علي بن سعيد بن العباس ~~الرزاز، نا أبو شعيب الحراني، نا يحيى بن عبد الحميد الحماني، نا عبد ~~العزيز بن محمد، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أم كلثوم ~~بنت العباس، عن العباس بن عبد المطلب، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم: «إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن ~~الشجرة اليابسة ورقها» # قال الزجاج: إذا ذكرت آيات العذاب اقشعرت جلود الخائفين الله تعالى. # {ثم تلين جلودهم وقلوبهم} [الزمر: 23] إذا ذكرت آيات الرحمة، وهذا معنى ~~قول جميع المفسرين. # وقوله: {ثم تلين جلودهم وقلوبهم} [الزمر: 23] أي: تطمئن وتسكن، {إلى ذكر ~~الله} [الزمر: 23] الجنة والثواب، فحذف مفعول الذكر للعلم به. # قال قتادة: هذا نعت أولياء الله تعالى، نعتهم # PageV03P578 # الله بأنهم تقشعر جلودهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب ~~عقولهم والغشيان عليهم، إنما ذلك في أهل البدع، وهو من الشيطان. # ذلك يعني: أحسن الحديث، وهو القرآن، هدى الله الآية. # قوله: {أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة} [الزمر: 24] نزلت في أبي ~~جهل، قال الكلبي: ينطلق به إلى النار مغلولا، فإذا رمت به الخزنة فيها لم ~~يتقها بأول من وجهه. # قال الزجاج: المعنى ms1594 أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن يدخل الجنة. # وتم الكلام، ثم أخبر عما تقول الخزنة للكفار بقوله: {وقيل للظالمين ذوقوا ~~ما كنتم تكسبون} [الزمر: 24] قال عطاء: يريد جزاء ما كنتم تعملون. # {كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون {25} فأذاقهم الله ~~الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون {26} } [الزمر: ~~25-26] {كذب الذين من قبلهم} [الزمر: 25] من قبل كفار مكة، كذبوا رسلهم ~~بالعذاب إذ لم يؤمنوا، {فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} [الزمر: 25] يعني: ~~وهم آمنون في أنفسهم، غافلون عن العذاب. # {فأذاقهم الله الخزي} [الزمر: 26] الهوان والعذاب، {في الحياة الدنيا ~~ولعذاب الآخرة أكبر} [الزمر: 26] مما أصابهم في الدنيا، {لو كانوا يعلمون} ~~[الزمر: 26] لكنهم لم يعلموا ذلك. # قوله: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرءان من كل مثل لعلهم يتذكرون {27} ~~قرءانا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون {28} } [الزمر: 27-28] {ولقد ضربنا ~~للناس} [الزمر: 27] لأهل مكة، {في هذا القرءان من كل مثل} [الزمر: 27] بينا ~~لهم ما يشبه حالهم، لعلهم يتذكرون يتعظون فيعتبرون. # قرآنا عربيا حال من القرآن في قوله: {في هذا القرءان} [الزمر: 27] ، {غير ~~ذي عوج} [الزمر: 28] مستقيم ليس بمختلف. ### | 800 - # أخبرنا الحسن بن أحمد العدل، أنا محمد بن الفضل بن محمد السلمي، نا محمد ~~بن حمدون بن خالد، نا أبو هارون # PageV03P579 # إسماعيل بن محمد، نا أبو صالح، نا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، ~~عن ابن عباس: {غير ذي عوج} ، قال: غير مخلوق # {ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا ~~الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون {29} إنك ميت وإنهم ميتون {30} ثم إنكم يوم ~~القيامة عند ربكم تختصمون {31} } [الزمر: 29-31] {ضرب الله مثلا} [الزمر: ~~29] ثم بينه، فقال: {رجلا فيه شركاء متشاكسون} [الزمر: 29] متنازعون ~~مختلفون، ورجلا سلما لرجل سلم له من غير منازع، ومن قرأ سلما فهو مصدر وصف ~~به على معنى: ورجلا ذا سلم لرجل، من قولهم: هو لك سلم، أي: مسلم لا منازع ~~لك فيه. # قال الزجاج: وهذا المثل ضرب لمن وحد الله عز ms1595 وجل، ولمن جعل معه شركاء. # قال مقاتل: يقول: هل يستوي عبد يشترك فيه نفر مختلفون يملكونه جميعا، ~~ورجل خالص لرجل لا شركة فيه لأحد؟ ثم قال: {هل يستويان مثلا} [الزمر: 29] ~~أي: يستوي من يعبد آلهة شتى مختلفة، يعني الكافر، والذي يعبد ربا واحدا، ~~يعني المؤمن؟ وهذا استفهام معناه الإنكار، أي لا يستويان، وذلك أن الخالص ~~لمالك واحد يستحق من معونته وإحسانه ما لا يستحقه صاحب الشركاء المتعاشرين ~~المختلفين في أمره، وتم الكلام، ثم قال: الحمد لله أي: له الحمد كله دون ~~غيره من المعبودين، بل أي: دع الكلام الأول، {أكثرهم لا يعلمون} [الزمر: ~~29] ما يصيرون إليه من العقاب، والمراد بالأكثر الكل. # ثم أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم، بأنه يموت، وأن هؤلاء الذين يكذبونه ~~يموتون ويجتمعون للخصومة عند الله، وهو قوله: {إنك ميت وإنهم ميتون} ~~[الزمر: 30] . # {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} [الزمر: 31] قال ابن عباس: يعني ~~الحق والمبطل، والظالم والمظلوم. ### | 801 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن حمدان، أنا أحمد بن جعفر بن مالك، نا عبد ~~الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، نا ابن نمير، نا محمد بن عمرو، عن يحيى ~~بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير بن العوام، قال: ~~لما نزلت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم: {ثم إنكم يوم القيامة عند ~~ربكم تختصمون} ؛ قال الزبير: أي رسول الله، أيكرر علينا ما كان بيننا في ~~الدنيا مع خواص الذنوب؟ # PageV03P580 # قال: نعم، ليكررن عليكم حتى تؤدوا إلى كل ذي حق حقه. # قال الزبير: والله إن الأمر لشديد # قوله: {فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى ~~للكافرين {32} والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون {33} لهم ما ~~يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين {34} ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ~~ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون {35} } [الزمر: 32-35] {فمن أظلم ~~ممن كذب على الله} [الزمر: 32] بأن له ولدا وشريكا، وكذب بالصدق أي: ~~بالتوحيد والقرآن، {إذ جاءه أليس ms1596 في جهنم مثوى للكافرين} [الزمر: 32] مقام ~~للجاحدين؟ وهو استفهام تقرير، يعني أنه كذلك. # {والذي جاء بالصدق} [الزمر: 33] محمد صلى الله عليه وسلم، وصدق به أبو ~~بكر رضي الله عنه وأصحابه، وهم المؤمنون الذين صدقوا محمدا صلى الله عليه ~~وسلم بما جاء به من الإسلام، {أولئك هم المتقون} [الزمر: 33] الذين اتقوا ~~الشرك. # {لهم ما يشاءون عند ربهم} [الزمر: 34] لهم عند الله من الجزاء والكرامة ~~ما يشاءون، {ذلك جزاء المحسنين} [الزمر: 34] في أقوالهم وأعمالهم. # {ليكفر الله عنهم} [الزمر: 35] أي: أعطاهم ما شاءوا، {ليكفر الله عنهم ~~أسوأ الذي عملوا} [الزمر: 35] يسترها عنهم بالمغفرة، {ويجزيهم أجرهم بأحسن ~~الذي كانوا يعملون} [الزمر: 35] قال مقاتل: يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم، ~~ولا يجزيهم بالمساوي. # قوله: {أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما ~~له من هاد {36} ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام {37} ~~} [الزمر: 36-37] {أليس الله بكاف عبده} [الزمر: 36] يعني محمدا صلى الله ~~عليه وسلم، يكفيه عداوة من يعاديه، ومن قرأ عباده فالمراد بالعباد ~~الأنبياء، وذلك أن الأمم قصدتهم بالسوء، وهو قوله: {وهمت كل أمة برسولهم} ~~[غافر: 5] # PageV03P581 # فكفاهم الله تعالى شر من عاداهم، يعني أنه كافيكم كما كفى هؤلاء الرسل ~~قبلك. # {ويخوفونك بالذين من دونه} [الزمر: 36] أي: بالذين يعبدون من دونه، وهم ~~الأصنام وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نخاف أن يصيبك من ~~آلهتنا جنون أو خبل. # ثم ذكر سبب ضلالهم، فقال: {ومن يضلل الله فما له من هاد} [الزمر: 36] ، ~~{ومن يهد الله فما له من مضل} [الزمر: 37] من تولى الله هدايته لم يضله ~~أحد. # {أليس الله بعزيز} [الزمر: 37] غالب لا يمتنع عليه شيء، ذي انتقام ممن ~~عصاه وكفر به. # ثم أعلم أنهم مع عبادتهم الأوثان مقرون بأن الله خالق السموات والأرض، ~~فقال: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون ~~من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ~~ممسكات رحمته قل حسبي الله ms1597 عليه يتوكل المتوكلون {38} قل يا قوم اعملوا على ~~مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون {39} من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب ~~مقيم {40} } [الزمر: 38-40] {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن ~~الله} [الزمر: 38] ثم أمره أن يحتج عليهم بأن ما يعبدون من دون الله لا ~~يملك كشف ضر، فقال: {قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر} ~~[الزمر: 38] قال ابن عباس، ومقاتل: بمرض أو فقر أو ببلاء أو شدة. # {هل هن كاشفات ضره} [الزمر: 38] هل تقدر الآلهة أن تكشف ما ينزل بي من ~~ضر، {أو أرادني برحمة} [الزمر: 38] بخير وصحة، {هل هن ممسكات رحمته} ~~[الزمر: 38] هل تقدر الآلهة أن تحبس عني تلك الرحمة، وقرئ كاشفات وممسكات ~~بالتنوين وبغيره، فمن نون فلأنه غير واقع، وما لم يقع من أسماء الفاعلين ~~فالوجه فيه التنوين، ومن أضاف فعلى الاستخفاف # PageV03P582 # وحذف التنوين، والمعنى على التنوين، وكلا الوجهين حسن. # قال مقاتل: فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكتوا، ولم يجيبوه، ~~فقال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {قل حسبي الله عليه يتوكل ~~المتوكلون} [الزمر: 38] بالله يثق الواثقون. # وما بعد هذا مفسر فيما سبق إلى قوله: {إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس ~~بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل {41} ~~الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها ~~الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون {42} أم ~~اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون {43} قل ~~لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون {44} } [الزمر: ~~41-44] {إنا أنزلنا عليك الكتاب} [الزمر: 41] القرآن، للناس قال ابن عباس: ~~لجميع الخلق. # بالحق أي: ليس فيه شيء من الباطل، فمن اهتدى بالقرآن، فلنفسه وهذه الآية ~~مفسرة في آخر { [يونس،] وما أنت عليهم بوكيل} [سورة الزمر: 41] لم يوكلك ~~بهم ولا تؤخذ بهم. # قال مقاتل: وهذا قبل أن يؤمر بالقتال. # قوله: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} [الزمر: 42] يعني ms1598 الأرواح، حين ~~موتها عند أجلها، والمعنى: حين موت أبدانها وأجسادها، على حذف المضاف، ~~{والتي لم تمت} [الزمر: 42] أي: ويتوفى الأنفس التي لم تمت، في منامها ~~والتي تتوفى عند النوم هي النفس التي يكون بها العقل والتمييز، قال الزجاج: ~~لكل إنسان نفسان، أحدهما نفس التمييز وهي التي تفارقه إذا نام فلا يعقل، ~~والأخرى نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس، والنائم يتنفس. # وقوله: فيمسك أي: عن الجسد الروح التي قبضها حتى لا تعود إليه. # وهو قوله: {التي قضى عليها الموت} [الزمر: 42] وقرئ قضي عليها الموت، ~~والوجه القراءة الأولى، لقوله: الله يتوفى، قوله: ويرسل يعني ويرسل، الأخرى ~~أي: إلى الجسد، {إلى # PageV03P583 # أجل مسمى} [الزمر: 42] إلى انقضاء الأجل، قال سعيد بن جبير: يقبض أنفس ~~الأحياء والأموات، فيمسك أنفس الأموات ويرسل أنفس الأحياء، فلا يغلط. # {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [الزمر: 42] لدلالات على قدرته حيث لم ~~يغلط في إمساك ما يمسك من الأرواح، وإرسال ما يرسل منها. # وقال مقاتل: لعلامات لقوم يتفكرون في أمر البعث. # يعني أن توفي نفس النائم وإرسالها بعد التوفي دليل على البعث، وهذا كما ~~روي أنه مكتوب في التوراة: يا ابن آدم، كما تنام تموت، وكما تستيقظ تبعث. # قوله: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء} [الزمر: 43] نزلت في أهل مكة، زعموا ~~أن الأصنام شفعاؤهم عند الله تعالى، فقال الله منكرا عليهم: أم اتخذوا أي: ~~بل اتخذوا من دون الله آلهة شفعاء، قل يا محمد: أولو كانوا يعني الآلهة، ~~{لا يملكون شيئا} [الزمر: 43] من الشفاعة، ولا يعقلون أنكم تعبدونهم، وجواب ~~هذا الاستفهام محذوف تقدير أولو كانوا بهذه الصفة تتخذونهم. # ثم أخبر أنه لا شفاعة إلا بأذنه، فقال: {قل لله الشفاعة جميعا} [الزمر: ~~44] قال مجاهد: لا يشفع أحد إلا بإذنه. # والمعنى: لا يملك أحد الشفاعة إلا بتمليكه كما قال: {من ذا الذي يشفع ~~عنده إلا بإذنه} [البقرة: 255] وفي هذا إبطال الشفاعة من ادعيت له الشفاعة ~~من الآلهة. # قوله: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر ~~الذين ms1599 من دونه إذا هم يستبشرون {45} قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم ~~الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون {46} ولو أن ~~للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم ~~القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون {47} وبدا لهم سيئات ما ~~كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون {48} } [الزمر: 45-48] {وإذا ذكر الله ~~وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة} [الزمر: 45] معنى الاشمئزاز في ~~اللغة: النفور والاستكبار. # قال ابن عباس، ومجاهد: اشمأزت انقبضت عن التوحيد. # وقال قتادة: استكبرت. # وقال أبو عبيدة: نفرت. # وكان المشركون إذا سمعوا لا إله إلا الله وحده # PageV03P584 # لا شريك له، نفروا من هذا، لأنهم كانوا يقولون الأوثان آلهة. # {وإذا ذكر الذين من دونه} [الزمر: 45] يعني: الأصنام التي عبدوها من ~~دونه، {إذا هم يستبشرون} [الزمر: 45] يفرحون، قل مجاهد، ومقاتل: يعني حين ~~قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بمكة { [النجم، فقال: تلك الغرانيق العلى. # فرح كفار مكة بذلك حين سمعوا أن لها شفاعة. # وما بعد هذا مفسر فيما تقدم إلى قوله:] وبدا لهم من الله ما لم يكونوا ~~يحتسبون} [سورة الزمر: 47] قال مقاتل: ظهر لهم حين بعثوا ما لم يحتسبوا في ~~الدنيا أنه نازل بهم في الآخرة. # والمعنى أنهم كانوا يتقربون إلى الله بعبادة الأصنام، فلما عوقبوا عليها ~~بدا لهم من الله ما لم يحتسبوا. # وقد ظهر هذا في قوله: {وبدا لهم سيئات ما كسبوا} [الزمر: 48] أي: من ~~مساوئ أعمالهم من الشرك وظلم أولياء الله، {وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون} ~~[الزمر: 48] أنزل بهم كل ما أنذرهم النبي صلى الله عليه وسلم به مما كانوا ~~ينكرونه ويكذبون به. # قوله: {فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته ~~على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون {49} قد قالها الذين من قبلهم ~~فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون {50} فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا ~~من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين {51} أولم يعلموا ms1600 أن الله ~~يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون {52} } [الزمر: ~~49-52] {فإذا مس الإنسان} [الزمر: 49] يعني الكافر، {ضر دعانا ثم إذا ~~خولناه} [الزمر: 49] أعطيناه نعمة منا من عندنا، {قال إنما أوتيته} [الزمر: ~~49] ذكر الكناية، لأن المراد بالنعمة الإنعام، وقوله: على علم قال مقاتل: ~~على خير # PageV03P585 # علمه الله عندي. # وقال غيره: على علم من الله بأني له أهل. # قال الله تعالى: {بل هي فتنة} [الزمر: 49] أي: بلوى يبتلى بها العبد ~~ليشكر أو ليكفر، {ولكن أكثرهم لا يعلمون} [الزمر: 49] أن ذلك استدراج من ~~الله لهم وامتحان. # قد قالها أي: قال تلك الكلمة، وهي قوله: {إنما أوتيته على علم} [الزمر: ~~49] قال مقاتل: يعني قارون حين قال: إنما أوتيته على علم عندي. # {الذين من قبلهم} [الزمر: 50] يعني: الكفار الذين كانوا قبل هؤلاء، {فما ~~أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} [الزمر: 50] ما أغني عنهم الكفر من العذاب ~~شيئا. # والمعنى أنهم ظنوا أن ما آتيناهم لكرامتهم علينا، ولم يكن كذلك، لأنهم ~~وقعوا في العذاب ولم يغن عنهم ما كسبوا شيئا. # وهو قوله: {فأصابهم سيئات ما كسبوا} [الزمر: 51] أي: جزاؤها، يعني ~~العذاب. # ثم أوعد كفار مكة، فقال: {والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا ~~وما هم بمعجزين} [الزمر: 51] لأن مرجعهم إلى الله فهم لا يعجزونه ولا ~~يفوتونه فيجازيهم بأعمالهم. # {أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء} [الزمر: 52] قال مقاتل: وعظهم ~~ليعتبروا في توحيده، وذلك حين أمطروا بعد سبع سنين، فقال: أولم يعلموا أن ~~الله يوسع الرزق لمن يشاء ويقتر على من يشاء. # قوله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن ~~الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم {53} وأنيبوا إلى ربكم ~~وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون {54} واتبعوا أحسن ما ~~أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون {55} أن ~~تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين {56} أو ~~تقول لو أن الله ms1601 هداني لكنت من المتقين {57} أو تقول حين ترى العذاب لو أن ~~لي كرة فأكون من المحسنين {58} بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت ~~من الكافرين {59} } [الزمر: 53-59] {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} ~~[الزمر: 53] المفسرون كلهم قالوا: إن هذه الآية نزلت في قوم خافوا إن ~~أسلموا أن لا يغفر لهم ما جنوا من الذنوب العظام كالشرك، وقتل النفس، ~~ومعاداة النبي صلى الله عليه وسلم، والقتال ضده، والزنا، فأنزل الله تعالى ~~هذه الآية، وفرح النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية، ورآها أصحابه من ~~أوسع الآيات # PageV03P586 # في مغفرة الذنوب. ### | 802 - # أخبرنا أبو القاسم السراج، أنا أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن، أنا علي ~~بن عبد العزيز، أنا القاسم بن سلام، أنا حجاج، أنا عبد الملك بن جريج، ~~حدثني يعلى بن مسلم، أنه سمع سعيد بن جبير يحدث، عن ابن عباس: أن ناسا من ~~أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمدا، صلى الله ~~عليه وسلم، فقالوا: إن الذي تدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملناه ~~كفارة، فنزلت هذه الآية # ومعنى {أسرفوا على أنفسهم} [الزمر: 53] أي: بالشرك والزنا وإراقة الدماء. # {لا تقنطوا من رحمة الله} [الزمر: 53] وذلك أنهم ظنوا أنه لا توبة لهم، ~~{إن الله يغفر الذنوب جميعا} [الزمر: 53] وعد بغفران الذنوب وإن كثرت. ### | 803 - # أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النصراباذي، أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن ~~شارك، أنا زكريا بن يحيى الساجي، نا عبد الأعلى بن حماد، نا حماد بن سلمة، ~~عن ثابت البناني، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد، أنها سمعت النبي، صلى ~~الله عليه وسلم، يقرأ: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من ~~رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} ولا يبالي به {إنه هو الغفور الرحيم} ### | 804 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحافظ، أنا أبو بكر محمد بن # PageV03P587 # حشيش العدل، نا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي، نا محمد بن منصور، نا ~~حجاج بن محمد، نا ابن لهيعة، عن ms1602 أبي قبيل، قال: سمعت أبا عبد الرحمن ~~المقرئ، يقول: حدثني أبو عبد الله الجبلاني، أنه سمع ثوبان مولى رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم، يقول: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: ما أحب ~~أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا ~~تقنطوا من رحمة الله} " ثم دعاهم إلى التوبة # فقال: {وأنيبوا إلى ربكم} [الزمر: 54] أي: ارجعوا من الشرك والذنوب إلى ~~الله تعالى فوحدوه، وأسلموا له وأخلصوا له التوحيد، {من قبل أن يأتيكم ~~العذاب ثم لا تنصرون} [الزمر: 54] لا تمنعون من عذاب الله. # {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم} [الزمر: 55] يعني القرآن، يقول: ~~أحلوا حلاله وحرموا حرامه. # وقال السدي: الأحسن ما أمر الله به في كتابه. # {من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة} [الزمر: 55] يريد الموت، وذلك أنهم ~~يموتون بغتة فيقعون في العذاب، وهو قوله: {وأنتم لا تشعرون {55} أن تقول ~~نفس} [الزمر: 55-56] قال المبرد: أي بادروا خوف أن تقول، وحذرا من أن تقول ~~نفس. # وقال الزجاج: خوف أن تصيروا إلى حال تقولون فيها هذا القول. # {يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله} قال الفراء: الجنب القرب، أي: في قرب ~~الله وجواره، والجنب # PageV03P588 # بمعنى القرب كثير في الكلام، يقال: فلان يعيش في جنب فلان، أي في قربه ~~وجواره، ومنه قوله تعالى: والصاحب بالجنب والمعنى على هذا القول: على ما ~~فرطت في طلب جنب الله، أي: في طلب جواره وقربه، وهو الجنة. # وهذا معنى قول ابن الأعرابي في قرب الله من الجنة. # وقال الزجاج: أي فرطت في الطريق الذي هو طريق الله من توحيده والإقرار ~~بنبوة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا الجنب بمعنى الجانب، أي: قصرت في ~~الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله عز وجل. # والمفسرون ذكروا هذه المعاني، فقال عطاء، عن ابن عباس: ضيعت في ثواب ~~الله. # وقال مجاهد، والسدي: في أمر الله. # وقال الحسن: في طاعة الله. # {وإن كنت لمن الساخرين} [الزمر: 56] أي: وما كنت إلا من المستهزءين ~~بالقرآن وبالمؤمنين ms1603 في الدنيا، أو تقول: {لو أن الله هداني} [الزمر: 57] ~~أرشدني إلى دينه، {لكنت من المتقين} [الزمر: 57] الشرك. # {أو تقول حين ترى العذاب} [الزمر: 58] مشاهدة وعيانا: {لو أن لي كرة} ~~[الزمر: 58] رجعة إلى الدنيا، {فأكون من المحسنين} [الزمر: 58] الموحدين. # ثم يقال لهذا القائل: {بلى قد جاءتك آياتي} [الزمر: 59] يعني القرآن، ~~{فكذبت بها واستكبرت} [الزمر: 59] قلت: إنها ليست من الله تعالى واستكبرت ~~تكبرت عن الإيمان بها. # قوله: {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم ~~مثوى للمتكبرين {60} وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا ~~هم يحزنون {61} } [الزمر: 60-61] {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله} ~~[الزمر: 60] فزعموا أن له ولدا أو شريكا، وجوههم مسودة. # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا عبد الله قحطبة، نا ~~محمد بن الصباح، نا عمرو بن الأزهري، عن أبي الربيع، عن كثير بن زياد، قال: ~~سئل الحسن عن هذه الآية {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم ~~مسودة} [الزمر: 60] # PageV03P589 # فقال: هم الذين يقولون: الأشياء إلينا إن شئنا فعلنا، وإن شئنا لم نفعل. # وباقي الآية مفسر في هذه ال { [. # قوله: وينجي الله أي: من جهنم، الذين اتقوا الشرك، بمفازتهم المفازة ~~الفوز، هو الظفر بالخير والنجاة من الشر. # قال المبرد: المفازة مفعلة من الفوز، وهو السعادة، وإن جمع فحسن، كقولك: ~~السعادة والسعادات. # والمعنى: ينجيهم الله بفوزهم، أي بنجاتهم من النار وفوزهم بالجنة،] لا ~~يمسهم السوء} [سورة الزمر: 61] لا يصيبهم العذاب، {ولا هم يحزنون} [الزمر: ~~61] لأنهم رضوا بالثواب. # {الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل {62} له مقاليد السموات والأرض ~~والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون {63} قل أفغير الله تأمروني ~~أعبد أيها الجاهلون {64} ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ~~ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين {65} بل الله فاعبد وكن من الشاكرين {66} ~~} [الزمر: 62-66] {الله خالق كل شيء} [الزمر: 62] أي: إن ما في الدنيا ~~والآخرة فهو خالقه، {وهو على كل شيء وكيل} [الزمر: 62] أي: الأشياء كلها ~~موكولة إليه، فهو القائم ms1604 بحفظها والتصرف فيها. # {له مقاليد السموات والأرض} [الزمر: 63] واحدها مقليد ومقلاد. # PageV03P590 # قال ابن عباس، ومقاتل: يريد مفاتيح السموات والأرض بالرزق والرحمة. # وهو قول قتادة. # وقال الليث: # PageV03P591 # المقلاد الخزانة، ومقاليد السموات والأرض خزائنها. # وهو قول الضحاك. # {والذين كفروا بآيات الله} [الزمر: 63] يعني القرآن، {أولئك هم الخاسرون} ~~[الزمر: 63] خسروا حين صاروا إلى النار. # ثم أعلم أنه إنما ينبغي أن يعبد الخالق وحده، فقال: قل لهم: {قل أفغير ~~الله تأمروني أعبد} [الزمر: 64] قال مقاتل: وذلك أن كفار قريش دعوه إلى دين ~~آبائه. # وفي تأمروني وجوه من القراءة: تأمرونني بنونين، وهو الأصل، وتأمروني بنون ~~مشددة على إسكان الأولى وإدغامها في الثانية، وتأمروني بنون خفيفة على حذف ~~إحدى النونين. # وقوله: أيها الجاهلون أي: فيما تأمرونني. # ثم حذره أن يتبع دينهم، فقال: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن ~~أشركت ليحبطن عملك} [الزمر: 65] قال ابن عباس: هذا أدب من الله تعالى لنبيه ~~صلى الله عليه وسلم، وتهديد لغيره، لأن الله تعالى قد عصمه من الشرك ~~ومداهنة الكفار. # ثم أمره بتوحيده، فقال: {بل الله فاعبد} [الزمر: 66] قال عطاء، ومقاتل: ~~وحده، لأن عبادته لا تصح إلا بتوحيده. # {وكن من الشاكرين} [الزمر: 66] لإنعامه عليك. # قوله: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات ~~مطويات بيمينه # PageV03P592 # سبحانه وتعالى عما يشركون {67} ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في ~~الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون {68} وأشرقت ~~الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم ~~لا يظلمون {69} ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون {70} } [الزمر: ~~67-70] {وما قدروا الله حق قدره} [الزمر: 67] أي: ما عظموه إذ عبدوا غيره، ~~وأمروا النبي صلى الله عليه وسلم بعبادة غيره، ثم أخبر عن عظمته، فقال: ~~{والأرض جميعا قبضته يوم القيامة} [الزمر: 67] القبضة في اللغة ما قبضت ~~عليه بجميع كفك، وأخبر الله عن قدرته فذكر أن الأرض كلها مع عظمتها ~~وكثافتها في مقدوره كالشيء الذي يقبض عليه القابض بكفه، فذكر ms1605 القبضة، وإن ~~كان لا يقبض عليها تفهيما لنا على عادة التخاطب فيما بيننا، لأنا نقول: هو ~~في يد فلان وفي قبضته للشيء الذي يهون عليه التصرف فيه، وإن لم يقبض عليه. # وكذا قوله تعالى: {والسموات مطويات بيمينه} [الزمر: 67] ذكر اليمين ~~للمبالغة في الاقتدار، يعني أنه يطويها بقدرته كما يطوي الواحد منا الشيء ~~المقدور له طيه بيمينه. # قال الأخفش: بيمينه، يقول: أي في قدرته نحو قوله: {وما ملكت أيمانكم} ~~[النساء: 36] أي ما كانت لكم عليه قدرة. # وليس الملك لليمين دون الشمال وسائر الجسد، ثم نزه نفسه عن شركهم فقال: ~~{سبحانه وتعالى عما يشركون} [الزمر: 67] . # قوله: {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض} [الزمر: 68] ~~الآية، قال المفسرون: مات من الفزع وشدة الصوت أهل السماء والأرض. # {إلا من شاء الله} [الزمر: 68] . ### | 805 - # أخبرنا أبو الفتح محمد بن علي الكوفي الصوفي، أنا أبو الحسن علي بن الحسن ~~التميمي، نا محمد بن إسحاق الرملي، نا هشام بن عمار، نا إسماعيل بن عياش، ~~عن عمر بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن ~~رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه سأل جبريل عن هذه الآية {ونفخ في الصور ~~فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله} من الذين لم يشإ الله أن ~~يصعقهم؟ قال: «هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش» ، وهذا قول # PageV03P593 # سعيد بن جبير، وعطاء، عن ابن عباس، وقال مقاتل، والسدي، والكلبي: هو ~~جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت # {ثم نفخ فيه أخرى} [الزمر: 68] يعني نفخة البعث، {فإذا هم قيام} [الزمر: ~~68] يعني: الخلق كلهم قيام على أرجلهم، ينظرون ينتظرون ما يقال لهم، وما ~~يؤمرون به. # {وأشرقت الأرض بنور ربها} [الزمر: 69] وهو أن الله عز وجل يخلق في ~~القيامة نورا يلبسه وجه الأرض فتشرق به من غير شمس ولا قمر، ووضع الكتاب ~~قال مقاتل: يعني كتب الأعمال. # {وجيء بالنبيين والشهداء} [الزمر: 69] وهم الذين يشهدون للرسل بالتبليغ، ~~وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن ms1606 عباس. # وقال عطاء: يعني الحفظة، كقوله: {معها سائق وشهيد} [ق: 21] . # {وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون} [الزمر: 69] لا ينقضون من ثواب ~~أعمالهم، وهو قوله: {ووفيت كل نفس ما عملت} [الزمر: 70] أي: ثواب ما عملت، ~~{وهو أعلم بما يفعلون} [الزمر: 70] قال عطاء: يريد أني عالم بفعلهم، لا ~~أحتاج إلى كاتب ولا شاهد. # قوله: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال ~~لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم ~~هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين {71} قيل ادخلوا أبواب ~~جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين {72} } [الزمر: 71-72] {وسيق الذين ~~كفروا إلى جهنم زمرا} [الزمر: 71] أفواجا كفارا، كل أمة على حدة، والزمر ~~جماعات في تفرقة بعضها على إثر بعض، واحدتها زمرة. # وقوله: {حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل ~~منكم} [الزمر: 71] أي: من أنفسكم، {يتلون عليكم آيات ربكم} [الزمر: 71] ~~يعني: ما أنزل الله على الأنبياء، {قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على ~~الكافرين} [الزمر: 71] وهو قوله: {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} ~~[ص: 85] . # {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ~~وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين {73} وقالوا الحمد لله ~~الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ # PageV03P594 # من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين {74} وترى الملائكة حافين من حول ~~العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين {75} ~~} [الزمر: 73-75] قوله: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة} [الزمر: 73] إلى ~~قوله: {وفتحت أبوابها} [الزمر: 73] هذه الواو زيادة عند الأخفش والكوفيين، ~~والمعنى: فتحت حتى يكون جوابا لقوله: {حتى إذا جاءوها} [الزمر: 73] كالذي ~~في قصة سوق الكفار. # وقال الزجاج: القول عندي أن الجواب محذوف على تقدير حتى إذا جاءوها وكانت ~~هذه الأشياء التي ذكرت إلى قوله: فادخلوها خالدين دخلوها، فالجواب دخلوها ~~حذف، لأن في هذا الكلام دليل عليه. # وقوله: سلام عليكم أخبر الله تعالى أن خزنة الجنة يسلمون على المؤمنين ~~ويخبرونهم بطيب مقامهم ms1607 فيها. # قال ابن عباس طبتم: طاب لكم المقام. # وقال قتادة: إنهم قد طيبوا قبل دخول الجنة بالمغفرة، واقتص لبعضهم من ~~بعض، لما هذبوا وطيبوا قال لهم الخزنة: {طبتم فادخلوها خالدين} [الزمر: 73] ~~. # فلما دخلوها قالوا: {الحمد لله الذي صدقنا وعده} [الزمر: 74] أي بالجنة، ~~وأورثنا الأرض أرض الجنة، {نتبوأ من الجنة حيث نشاء} [الزمر: 74] نتخذ فيها ~~من المنازل ما نشاء، يقول الله تعالى: {فنعم أجر العاملين} [الزمر: 74] نعم ~~ثواب المحسنين الجنة. # وترى الملائكة يومئذ، {حافين من حول العرش} [الزمر: 75] محيطين محدقين ~~به، يقال: حف القوم بفلان إذا أطافوا به. # {يسبحون بحمد ربهم} [الزمر: 75] يحمدون الله حيث أدخل الموحدين الجنة، ~~وقضي بينهم بين الخلائق، بالحق بالعدل، {وقيل الحمد لله رب العالمين} ~~[الزمر: 75] أهل الجنة يقولون ذلك شكرا لله على إنجاز وعده حين تم وعد الله ~~لهم. # PageV03P595 # بسم الله الرحمن الرحيم ### | تفسير سورة حم المؤمن # مكية، وهي ثمانون وخمس آيات. ### | 806 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر المطوعي، أنا أبو علي بن أحمد ~~الفقيه، نا محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، نا عبد الرحمن بن سراج ~~الكندي، نا محمد بن مروان السدي، حدثني إسماعيل بن رافع، عن أبي إسحاق، عن ~~أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يرتع ~~في رياض الجنة فليقرأ بالحواميم في صلاة الليل» ### | 807 - # أخبرنا سعيد بن محمد الحيري، أن محمد بن جعفر بن مطر، نا إبراهيم بن ~~شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، عن زيد بن ~~أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال لي رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة حم المؤمن لم يبق روح نبي ولا صديق ولا مؤمن ~~إلا صلوا عليه واستغفروا له» . # بسم الله الرحمن الرحيم {حم {1} تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم {2} ~~غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ~~{3} } [غافر: 1-3] . # حم قال ابن عباس في رواية الوالبي ms1608: حم قسم. # وقال في رواية عكرمة: الر، # PageV04P003 # وحم و «نون» حروف الرحمن مقطعة. # وقال في رواية عطاء، والكلبي: حم قضى ما هو كائن، هذا {تنزيل الكتاب من ~~الله العزيز} [غافر: 2] في ملكه، العليم بخلقه. # غافر الذنب لمن يقول: لا إله إلا الله. # وهم أولياؤه، وأهل طاعته، وقابل التوب من الشرك وهو جمع توبة، ويجوز أن ~~تكون مصدرا من تاب يتوب توبا، شديد العقاب لمن لا يوحده، ذي الطول: ذي ~~الغنى عمن لا يوحده، ولا يقول: لا إله إلا الله. # وقال الكلبي: ذي الفضل على عباده، والمن عليهم. # وقال مجاهد: ذي السعة والغنى. # {لا إله إلا هو إليه المصير} [غافر: 3] : مصير العباد إليه في الآخرة، ~~فيجزيهم بأعمالهم. # قوله: {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في ~~البلاد {4} كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ~~ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب {5} وكذلك ~~حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار {6} } [غافر: 4-6] . # {ما يجادل في آيات الله} [غافر: 4] : ما يخاصم فيها بالتكذيب، وفي دفعها ~~بالباطل، {إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد} [غافر: 4] ~~بالتجارات والغنى، وسلامتهم في ترفهم بعد كفرهم، فإن عاقبة أمرهم العذاب، ~~كعاقبة من قبلهم من الكفار. # ثم بين ذلك، فقال: {كذبت قبلهم قوم نوح} [غافر: 5] يعني: رسولهم نوحا، ~~{والأحزاب من بعدهم} [غافر: 5] وهم الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب نحو ~~عاد، وثمود، ومن بعدهم، {وهمت كل أمة برسولهم} [غافر: 5] فصدوه، ليأخذوه ~~قال ابن عباس: ليقتلوه، ويهلكوه. # كقوله: # PageV04P004 # {ثم أخذتهم فكيف كان نكير} [الحج: 44] ، وجادلوا بالباطل خاصموا رسولهم، ~~فقالوا: {ما أنتم إلا بشر مثلنا} [يس: 15] وهلا أرسل الله إلينا ملائكة؟ ~~وأمثال هذا القول، {ليدحضوا به الحق} [غافر: 5] الذي جاءت به الرسل، ~~فأخذتهم بالعذاب، {فكيف كان عقاب} [غافر: 5] استفهام تقرير لعقوبتهم ~~الواقعة بهم. # وكذلك ومثل ما حق على الأمم المكذبة، {حقت كلمت ربك} [غافر: 6] بالعذاب، ~~{على الذين كفروا} [غافر: 6] من قومك، {أنهم أصحاب النار} [غافر: 6] قال ~~الأخفش: لأنهم أو ms1609 بأنهم. # ثم أخبر بفضل المؤمنين، فقال: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ~~ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر ~~للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم {7} ربنا وأدخلهم جنات عدن ~~التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم ~~{8} وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم {9} ~~} [غافر: 7-9] . # {الذين يحملون العرش ومن حوله} [غافر: 7] يعني: حملة العرش والطائفين به، ~~الكروبيون، سادة الملائكة، {يسبحون بحمد ربهم} [غافر: 7] ينزهون الله ~~بالتحميد والتسبيح، ويؤمنون به يصدقون بأنه واحد لا شريك له، ويقولون: ~~{ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما} [غافر: 7] وسعت رحمتك وعلمك كل شيء، {فاغفر ~~للذين تابوا} [غافر: 7] من الشرك، واتبعوا سبيلك دينك: الإسلام وما بعد هذا ~~ظاهر إلى قوله: وقهم السيئات قال قتادة: يعني: العذاب. # {ومن تق السيئات يومئذ} [غافر: 9] : يوم القيامة، فقد رحمته لأن المعافى ~~من العذاب مرحوم. # قوله تعالى: {إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ ~~تدعون # PageV04P005 # إلى الإيمان فتكفرون {10} قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ~~فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل {11} ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده ~~كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير {12} } [غافر: 10-12] . # {إن الذين كفروا ينادون} [غافر: 10] الآية. # قال المفسرون: إنهم لما رأوا أعمالهم، ونظروا في كتابهم، وأدخلوا النار، ~~مقتوا أنفسهم لسوء صنيعهم، ناداهم مناد: لمقت الله إياكم في الدنيا، {أكبر ~~من مقتكم} [غافر: 10] ، {إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون} [غافر: 10] أنفسكم ~~اليوم. # قال قتادة: ينادون يوم القيامة لمقت الله أهل الضلالة، حين عرض عليهم ~~الإيمان في الدنيا فتركوه، أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله. # ثم أخبر عما يقولون في النار بقوله: {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا ~~اثنتين} [غافر: 11] أي: كنا نطفا في الدنيا أمواتا، فخلقت فينا الحياة، ثم ~~أمتنا وبعثتنا بعد الموت، وهذا كقوله: {وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم ~~يحييكم} [البقرة: 28] وإنما قالوا هذا، لأنهم كانوا قد كذبوا في الدنيا ~~بالبعث، فاعترفوا ms1610 في النار بما كذبوا به، وهو قوله: فاعترفنا بذنوبنا أي: ~~بالتكذيب، وما كنا نكذب به في الدنيا، ثم سألوا الرجعة، فقالوا: {فهل إلى ~~خروج من سبيل} [غافر: 11] هل من خروج من النار إلى الدنيا فنعمل بطاعتك؟ ~~قال الله تعالى لهم: ذلكم أي: ذلكم العذاب الذي نزل بكم، {بأنه إذا دعي ~~الله وحده كفرتم} [غافر: 12] إذا قيل: لا إله إلا الله، أنكرتم، وقلتم: ~~{أجعل الآلهة إلها واحدا} [ص: 5] . # {وإن يشرك به تؤمنوا} [غافر: 12] : وإن يجعل له شريك، تؤمنوا: تصدقوا ذلك ~~الذي أشرك، وتشهدوا أن له شريكا، فالحكم لله أي: أنه حكم بعذاب من أشرك به، ~~ولا يرد حكمه، العلي الكبير الذي لا أعلى منه، ولا أكبر. # {هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب ~~{13} فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون {14} رفيع الدرجات ذو ~~العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق {15} يوم ~~هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد # PageV04P006 # القهار {16} اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع ~~الحساب {17} } [غافر: 13-17] {هو الذي يريكم آياته} [غافر: 13] مصنوعاته ~~التي تدل على قدرته، وتوحيده من السماء والأرض، والشمس والقمر، والسحاب، ~~{وينزل لكم من السماء رزقا} [غافر: 13] يعني: المطر الذي هو سبب الأرزاق، ~~وما يتذكر وما يتعظ بهذه الآيات، فيوحد الله، {إلا من ينيب} [غافر: 13] ~~يرجع إلى طاعته. # ثم أمر المؤمنين بتوحيده، فقال: {فادعوا الله مخلصين له الدين} [غافر: ~~14] موحدين، تخلصون له الطاعة، {ولو كره الكافرون} [غافر: 14] من أهل مكة. # ثم عظم نفسه، فقال: رفيع الدرجات قال عطاء، عن ابن عباس: يريد درجاتكم، ~~والرفيع بمعنى الرافع. # والمعنى: أنه يرفع درجات الأنبياء، والأولياء في الجنة، ذو العرش: خالقه ~~ومالكه، يلقي الروح ينزل الوحي من السماء، من أمره قال ابن عباس: من قضائه. # وقال مقاتل: بأمره. # لينذر النبي صلى الله عليه وسلم بما أوحي إليه، يوم التلاق بيوم التلاق، ~~يلتقي في ذلك اليوم أهل ms1611 السماء، وأهل الأرض. # {يوم هم بارزون} [غافر: 16] من قبورهم، {لا يخفى على الله منهم شيء} ~~[غافر: 16] لا يستتر منهم أحد، وقال ابن عباس: لا يخفى على الله من أعمالهم ~~شيء. # ويقول الله في ذلك: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} [غافر: 16] . # قال الحسن: هو السائل وهو المجيب، لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه، فيجيب ~~نفسه. # وهذا قول جماعة المفسرين. # {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت} [غافر: 17] يجزى المحسن بإحسانه، والمسيء ~~بإساءته. # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى: أنا الملك، أنا ~~الديان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، ولا لأحد من أهل النار ~~أن يدخل النار وعنده مظلمة حتى أقصها منه ". # وتلا هذه الآية. # {وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ~~ولا شفيع يطاع {18} يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور {19} والله يقضي ~~بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير {20} ~~أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم # PageV04P007 # كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم ~~من الله من واق {21} ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم ~~الله إنه قوي شديد العقاب {22} } [غافر: 18-22] . # وأنذرهم يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم: وأنذر أهل مكة ب يوم الآزفة ~~يعني: القيامة، قال ابن عباس: أزف أمرها، أي: دنا. # يقال: أزف الشيء يأزف أزفا. # قال الزجاج: وقيل لها آزفة، لأنها قريبة، وإن استبعد الناس أمرها، وما هو ~~كائن فهو قريب. # {إذ القلوب لدى الحناجر} [غافر: 18] وذلك أنها تزول عن مواضعها من الخوف، ~~حتى تصير إلى الحنجرة، كقوله: {وبلغت القلوب الحناجر} [الأحزاب: 10] . # كاظمين: مغمومين، مكروبين، ممتلئين غما، ما للظالمين قال ابن عباس، ~~ومقاتل: يريد المشركين، والمنافقين. # من حميم قريب ينفعهم، {ولا شفيع يطاع} [غافر: 18] فيهم، فتقبل فيهم ~~شفاعته. # {يعلم خائنة الأعين} [غافر: 19] خيانتها، وهي مسارقة النظر إلى ما لا ~~يحل، {وما تخفي الصدور} [غافر: 19] : وما تسر القلوب ms1612، في السر من المعصية. # {والله يقضي بالحق} [غافر: 20] يحكم به، فيجزي بالحسنة والسيئة، {والذين ~~يدعون من دونه} [غافر: 20] من الشركاء، {لا يقضون بشيء} [غافر: 20] لا ~~يجازون، لأنهم لا يعلمون ولا يقدرون، {إن الله هو السميع} [غافر: 20] لما ~~يقوله الخلق، البصير بأعمالهم. # قوله: {أولم يسيروا في الأرض} [غافر: 21] ظاهر إلى قوله: {وما كان لهم من ~~الله} [غافر: 21] أي: من عذاب الله، من واق يقي العذاب عنهم. # ذلك أي: ذلك العذاب الذي نزل بهم، {بأنهم كانت تأتيهم} [غافر: 22] الآية. # ثم ذكر قصة موسى وفرعون ليعتبروا، فقال: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ~~وسلطان مبين {23} إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب {24} فلما ~~جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم ~~وما كيد الكافرين إلا في ضلال {25} وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه ~~إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد {26} وقال موسى إني عذت ~~بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب {27} } [غافر: 23-27] . # {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} [غافر: 23] إلى قوله: {قالوا اقتلوا أبناء ~~الذين آمنوا معه} [غافر: 25] قال ابن عباس: أعيدوا عليهم القتل فيهم كالذي ~~كان أولا. # وقال قتادة: كان فرعون أمسك عن قتل الولدان، فلما بعث الله موسى، عليه ~~السلام، إليه أعاد عليهم القتل ليصدهم بذلك عن متابعة موسى. # قوله: {وما كيد الكافرين إلا في # PageV04P008 # ضلال} [غافر: 25] أي: يذهب كيدهم باطلا، ويحيق بهم ما يريده الله عز وجل. # {وقال فرعون ذروني أقتل موسى} [غافر: 26] وإنما قال هذا، لأنه كان في ~~خاصة قوم فرعون، من يمنعه من قتله خوفا من الهلاك، وليدع ربه الذي يزعم أنه ~~أرسله إلينا رسولا، فليمنعه من القتل إن قدر، {إني أخاف أن يبدل دينكم} ~~[غافر: 26] : يبدل عبادتكم إياي، {أو أن يظهر في الأرض الفساد} [غافر: 26] ~~أراد ظهور الهدى، وتغير أحكام فرعون، فجعل ذلك فسادا، ومعنى أو: وقوع أحد ~~الشيئين، المعنى: أخاف أن يبدل دينكم، وإن لم يبدله أوقع فيه الفساد، ومن ~~قرأ: وأن يظهر فيكون المعنى: أخاف إبطال دينكم والفساد ms1613 معه، وقرئ يظهر بضم ~~الياء، الفساد نصبا وهو أشبه بما قبله، لإسناد الفعل إلى موسى. # فلما قال فرعون هذا، استعاذ موسى بالله، فقال: {إني عذت بربي وربكم من كل ~~متكبر} [غافر: 27] : متعظم عن الإيمان. # ولما قصد فرعون قتل موسى وعظهم المؤمن من آله، وهو قوله: {وقال رجل مؤمن ~~من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات ~~من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن ~~الله لا يهدي من هو مسرف كذاب {28} يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض ~~فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم ~~إلا سبيل الرشاد {29} وقال الذي # PageV04P009 # آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب {30} } [غافر: 28-30] . # {وقال رجل مؤمن من آل فرعون} [غافر: 28] قال مقاتل، والسدي: كان قبطيا ~~ابن عم فرعون. # {يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول} [غافر: 28] لأن يقول: ربي الله وهو ~~استفهام إنكار، {وقد جاءكم بالبينات من ربكم} [غافر: 28] أي: بما يدل على ~~صدقه من المعجزات، {وإن يك كاذبا فعليه كذبه} [غافر: 28] لا يضركم ذلك، ~~{وإن يك صادقا} [غافر: 28] وكذبتموه، {يصبكم بعض الذي يعدكم} [غافر: 28] ~~قال أبو عبيدة، وأبو الهيثم: كل الذي يعدكم أي: ينذركم، ويتوعدكم به. # أي: إن قتلتموه وهو صادق، أصابكم ما يتوعدكم به من العذاب، والمراد ~~بالبعض الكل في هذه الآية، وقال الليث: بعض ههنا صلة يريد: يصبكم الذي ~~يعدكم. # وقال أهل المعاني: هذا على المظاهرة في الحجاج. # كأنه قال لهم: أقل ما يكون في صدقه، أن يصيبكم بعض الذي يعدكم، وفي بعض ~~ذلك هلاككم، فذكر البعض ليوجب الكل، لا أن البعض هو الكل، وقوله: {إن الله ~~لا يهدي} [غافر: 28] أي: إلى دينه، {من هو مسرف} [غافر: 28] مشرك، كذاب ~~مفتر. # ثم ذكرهم هذا المؤمن ما هم فيه من الملك، لتشكروا ذلك بالإيمان بالله، ~~فقال: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض} [غافر: 29] غالبين في أرض ~~مصر، {فمن ms1614 ينصرنا من بأس الله} [غافر: 29] من يمنعنا من عذاب الله، إن ~~جاءنا والمعنى: أنه يقول: لكم الملك، فلا تتعرضوا لعذاب الله بالتكذيب، ~~وقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فلا مانع من عذابه إن حل بكم. # فقال فرعون عند ذلك: ما أريكم من الرأي، {إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل ~~الرشاد} [غافر: 29] ما أدعوكم إلا إلى طريق الهدى. # ثم ذكرهم # PageV04P010 # المؤمن ما نزل بمن قبلهم، فقال: {يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب} ~~[غافر: 30] . # ثم فسر ذلك، فقال: {مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله ~~يريد ظلما للعباد {31} ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد {32} يوم تولون ~~مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد {33} } [غافر: ~~31-33] . # {مثل دأب قوم نوح} [غافر: 31] الآية، أي: مثل حالهم في العذاب، أو مثل ~~عادتهم في الإقامة على التكذيب، حتى أتاهم العذاب، {وما الله يريد ظلما ~~للعباد} [غافر: 31] لا يهلكهم قبل اتخاذ الحجة عليهم. # ثم حذرهم عذاب الآخرة، فقال: {ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد} [غافر: ~~32] يعني: يوم القيامة، لأنه ينادى فيه كل أناس بإمامهم، وينادي فيه أهل ~~النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار، وينادى فيه بسعادة السعداء، ~~وبشقاوة الأشقياء. # {يوم تولون مدبرين} [غافر: 33] قال قتادة، ومقاتل: إلى النار بعد الحساب. # وقال الضحاك: إنهم إذا سمعوا زفير النار، ولوا هربا، فلا يأتون قطرا من ~~الأقطار إلا وجدوا ملائكة صفوفا، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه. # {ما لكم من الله من عاصم} [غافر: 33] ما لكم من عذاب الله من يعصمكم ~~ويمنعكم. # ثم وعظهم ليفكروا، فقال: {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في ~~شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل ~~الله من هو مسرف مرتاب {34} الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ~~كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ~~{35} } [غافر: 34-35] . # PageV04P011 # {ولقد جاءكم يوسف} [غافر ms1615: 34] يعني: يوسف بن يعقوب، من قبل من قبل موسى، ~~بالبينات يعني: قوله لهم: {أأرباب متفرقون خير} [يوسف: 39] الآية. # {فما زلتم في شك مما جاءكم به} [غافر: 34] قال ابن عباس: من عبادة الله ~~وحده لا شريك له. # {حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا} [غافر: 34] أي: أقمتم على ~~كفركم، وظننتم أن الله لا يجدد عليكم إيجاب الحجة، كذلك مثل ذلك الضلال، ~~{يضل الله من هو مسرف} [غافر: 34] مشرك، مرتاب شاك في توحيد الله، وصدق ~~أنبيائه. # قوله: {الذين يجادلون في آيات الله} [غافر: 35] قال الزجاج: هذا تفسير ~~المسرف المرتاب على معنى هم الذين يجادلون. # ومعنى {في آيات الله} [غافر: 35] أي: في إبطالها ودفعها، والتكذيب بها، ~~بغير سلطان بغير حجة أتتهم من الله، كبر مقتا كبر جدالهم مقتا، {عند الله ~~وعند الذين آمنوا} [غافر: 35] قال ابن عباس: يمقتهم الله، ويمقتهم الذين ~~آمنوا بذلك الجدال. # كذلك كما طبع الله على قلوبهم حتى كذبوا، وجادلوا بالباطل، {يطبع الله ~~على كل قلب متكبر جبار} [غافر: 35] قال ابن عباس: يختم على قلوبهم فلا ~~يسمعون الهدى، ولا يعقلون الرشاد. # قال مقاتل: متكبر عن عبادة الله والتوحيد، جبار قتال في غير حق. # وقرئ: # PageV04P012 # على كل قلب بالتنوين. # قال الزجاج: الوجه الإضافة، لأن المتكبر هو الإنسان. # قال: ويجوز أن تقول: قلب متكبر، أي: صاحبه متكبر. # وإذا وصف القلب بالتكبر، كان صاحبه في المعنى متكبرا. # ولما وعظه المؤمن من أهل فرعون وأقاربه، وزجره عن قتل موسى، قال فرعون ~~لوزيره: {وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب {36} أسباب ~~السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله ~~وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب {37} وقال الذي آمن يا قوم اتبعون ~~أهدكم سبيل الرشاد {38} يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي ~~دار القرار {39} من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو ~~أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب {40} } [غافر: ~~36-40] . # {يا ms1616 هامان ابن لي صرحا} [غافر: 36] قصرا مشيدا بالآجر، {لعلي أبلغ ~~الأسباب} [غافر: 36] يعني: الطرق من سماء إلى سماء. # {فأطلع إلى إله موسى} [غافر: 37] بالرفع نسق على قوله: أبلغ الأسباب أي: ~~لعلي أبلغ ولعلي أطلع، ومن نصب جعله جوابا للفعل بالفاء على معنى: إني إذا ~~بلغت اطلعت، {وإني لأظنه كاذبا} [غافر: 37] أي: فيما يقول من أن له ربا في ~~السماء، وما قال موسى له ذلك قط، ولكنه لما قال له: {وما رب العالمين} ~~[الشعراء: 23] ، قال موسى: {رب السموات والأرض} [الشعراء: 24] ظن فرعون ~~باعتقاده الباطل أنه لما لم يره في الأرض، أنه في السماء، فرام الصعود إلى ~~السماء، لرؤية إله موسى، وكذلك ومثل ما وصفنا، {زين لفرعون سوء عمله وصد عن # PageV04P013 # السبيل} [غافر: 37] قال ابن عباس: صده الله عن سبيل الهدى. # ومن قرأ: وصد بنى الفعل لفرعون، أراد وصد فرعون الناس عن السبيل، {وما ~~كيد فرعون} [غافر: 37] في إبطال آيات موسى، {إلا في تباب} [غافر: 37] خسار ~~وهلاك. # ثم عاد الكلام إلى ذكر نصيحة المؤمن لقومه، وهو قوله: {وقال الذي آمن يا ~~قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد} [غافر: 38] طريق الهدى. # {يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا} [غافر: 39] يعني: الحياة في هذه الدار، ~~متاع يتمتع بها أياما، ثم تنقطع، {وإن الآخرة هي دار القرار} [غافر: 39] ~~التي تستقر فلا تزول. # {من عمل سيئة} [غافر: 40] يعني: الشرك، {فلا يجزى إلا مثلها} [غافر: 40] ~~في العظم، يعني: النار، {ومن عمل صالحا} [غافر: 40] قال ابن عباس: يريد ~~قول: لا إله إلا الله. # {من ذكر أو أنثى وهو مؤمن} [غافر: 40] مصدق بالله وبجميع الأنبياء، ~~{فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب} [غافر: 40] قال مقاتل: يقول: ~~لا تبعة عليهم فيما يعطون في الجنة من الخير. # ثم قال: {ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار {41} ~~تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز ~~الغفار {42} لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة ~~وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين ms1617 هم أصحاب النار {43} فستذكرون ما أقول لكم ~~وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد {44} فوقاه الله سيئات ما مكروا ~~وحاق بآل فرعون سوء العذاب {45} النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم ~~الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب {46} } [غافر: 41-46] . # {ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة} [غافر: 41] أي: ما لكم، كما تقول: ما ~~لي أراك حزينا، معناه: ما لك. # يقول: أخبروني عنكم كيف هذه الحال، {أدعوكم إلى النجاة} [غافر: 41] من ~~النار، بالإيمان بالله، {وتدعونني إلى النار} [غافر: 41] إلى الشرك الذي ~~يوجب النار. # ثم فسر الدعوتين، فقال: {تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم} ~~[غافر: 42] بأنه شريك له، {وأنا أدعوكم إلى العزيز} [غافر: 42] في انتقامه ~~ممن كفر، الغفار لذنوب أهل التوحيد. # لا جرم حقا، {أنما تدعونني إليه} [غافر: 43] من المعبودين من دون الله، ~~{ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة} [غافر: 43] قال السدي: لا يستجيب ~~لأحد لا في الدنيا، ولا في الآخرة. # PageV04P014 # والتقدير: ليس له استجابة دعوة، {وأن مردنا إلى الله} [غافر: 43] مرجعنا ~~ومصيرنا إليه، فيجازي كلا بما يستحقه، وأن المسرفين المشركين، {هم أصحاب ~~النار {43} فستذكرون} [غافر: 43-44] إذا نزل بكم العذاب، {ما أقول لكم} ~~[غافر: 44] في الدنيا من النصيحة، {وأفوض أمري إلى الله} [غافر: 44] لا ~~أشتغل بمجازاتكم، {إن الله بصير بالعباد} [غافر: 44] بأوليائه، وأعدائه. # ثم خرج المؤمن من بينهم، فطلبوه، فلم يقدروا عليه، وذلك قوله: {فوقاه ~~الله سيئات ما مكروا} [غافر: 45] ما أرادوا به من الشر، وحاق أحاط، ونزل ~~بهم، سوء العذاب قال الكلبي: غرقوا في البحر، ودخلوا النار. # وذلك قوله: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} [غافر: 46] ، # PageV04P015 # قال ابن مسعود: إن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود، يعرضون على النار كل ~~يوم مرتين، فيقال: يا آل فرعون هذه داركم. # وقال مقاتل: تعرض روح كل كافر على النار، غدوا وعشيا ما دامت الدنيا. # وهو قول قتادة، والسدي، والكلبي. ### | 808 - # أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الصوفي، أنا بشر بن أحمد بن بشر، ~~أنا جعفر بن المستفاض، نا قتيبة ms1618 بن سعيد، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده ~~بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن الجنة، وإن كان من أهل النار فمن ~~النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة ". # رواه البخاري، عن إسماعيل بن أبي أويس، ورواه مسلم، عن يحيى بن يحيى، ~~كلاهما عن مالك # ثم أخبر بمستقرهم في الآخرة، فقال: {ويوم تقوم الساعة} [غافر: 46] أي: ~~يقال للملائكة: {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [غافر: 46] . # ومن قرأ بالوصل، فهو على الأمر لهم بالدخول، قال ابن عباس: يريد ألوان ~~العذاب، غير الذي كانوا يعذبون به منذ غرقوا. # قوله: # PageV04P016 # {وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا ~~فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار {47} قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن ~~الله قد حكم بين العباد {48} وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم ~~يخفف عنا يوما من العذاب {49} قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا ~~بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال {50} } [غافر: 47-50] . # وإذ يتحاجون واذكر يا محمد لقومك إذ يختصمون، يعني: أهل النار، في النار ~~والآية مفسرة في { [إبراهيم. # ] قال الذين استكبروا} [سورة غافر: 48] وهم القادة والرؤساء، {إنا كل ~~فيها} [غافر: 48] نحن وأنتم، أي: الملوك والأتباع، {إن الله قد حكم بين ~~العباد} [غافر: 48] وقضى بهذا علينا وعليكم. # فلما ذاقوا شدة العذاب، قالوا لخزنة جهنم: {ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من ~~العذاب} [غافر: 49] فاحتج عليهم الخزنة في ترك التخفيف عنهم، بإتيان الرسل ~~إياهم، وتركهم الإجابة، وهو قوله: {قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ~~قالوا بلى قالوا فادعوا} [غافر: 50] أنتم، أي: إنا لا ندعو لكم بالتخفيف، ~~لأنهم علموا أن الكفار لا يخفف عنهم العذاب، قال الله تعالى: {وما دعاء ~~الكافرين إلا في ضلال} [غافر: 50] أي: أن ذلك يبطل ويضل، فلا ينفع. # قوله: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ~~{51} يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ms1619 ولهم اللعنة ولهم سوء الدار {52} ولقد ~~آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب {53} هدى وذكرى لأولي الألباب ~~{54} فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ~~{55} } [غافر: 51-55] . # {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا} [غافر: 51] النصر قد ~~يكون بالحجة، ويكون بالغلبة والقهر، ويكون بإهلاك العدو، وكل هذا قد كان ~~للأنبياء والمؤمنين من قبل الله تعالى، فهم منصورون بالحجة على من خالفهم، ~~وقد نصرهم الله بالقهر على من ناوأهم، وقد نصرهم بإهلاك عدوهم، # PageV04P017 # وأنجاهم مع من آمن معهم، وقد يكون نصر بالانتقام لهم، كما نصر يحيى بن ~~زكريا لما قتل، حتى قتل به سبعون ألفا، فهم لا محالة منصورون في الدنيا ~~بأحد هذه الوجوه، وقوله: {ويوم يقوم الأشهاد} [غافر: 51] يعني: يوم ~~القيامة، تقوم الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالتبليغ، وعلى الكفار ~~بالتكذيب، وواحد الأشهاد شاهد مثل طائر وأطيار. # ثم أخبر عن ذلك اليوم، فقال: {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم} [غافر: 52] ~~إن اعتذروا من كفرهم لم يقبل منهم، وإن تابوا لم تنفعهم التوبة، ولهم ~~اللعنة البعد من الرحمة، {ولهم سوء الدار} [غافر: 52] جهنم. # قوله: {ولقد آتينا موسى الهدى} [غافر: 53] قال مقاتل: الهدى من الضلالة، ~~يعني: التوراة، وأورثنا من بعد موسى، {بني إسرائيل الكتاب} [غافر: 53] وما ~~فيه من البيان. # هدى أي: هو هدى، وذكرى وتذكير، لأولي الألباب. # قوله: فاصبر على أذاهم، {إن وعد الله} [غافر: 55] في نصرتك، وإظهار دينك، ~~{حق واستغفر لذنبك} [غافر: 55] يعني: الصغائر على قول من جوزها على ~~الأنبياء، وعند من لا يجوزها، يقول: هذا تعبد من الله لنبيه بهذا الدعاء، ~~لكي يزيده درجة، وليصير سنة لمن بعده، {وسبح بحمد ربك} [غافر: 55] وصل ~~شاكرا لربك، بالعشي والإبكار قال ابن عباس: يريد الصلوات الخمس. # {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ~~ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير {56} لخلق السموات والأرض ~~أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون {57} وما يستوي الأعمى ~~والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا ms1620 المسيء قليلا ما تتذكرون {58} إن ~~الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون {59} } [غافر: 56-59] ~~. # قوله تعالى: {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان} [غافر: 56] ~~يعني: كفار قريش، وقد تقدم تفسير هذا، {إن في صدورهم إلا كبر} [غافر: 56] ~~قال ابن عباس: ما يحملهم على تكذيبك إلا ما في صدورهم من العظمة. # {ما هم ببالغيه} [غافر: 56] مقتضى ذلك الكبر، لأن الله تعالى مذلهم، وقال ~~ابن قتيبة: {إن في صدورهم إلا كبر} [غافر: 56] تكبر على محمد صلى الله عليه ~~وسلم، وطمع أن يغلبوه، وما هم ببالغي ذلك. # فاستعذ بالله من شرهم، وكرهم، {إنه # PageV04P018 # هو السميع} [غافر: 56] لقولهم، البصير بهم. # ثم نبه على عظم قدرته، بقوله: {لخلق السموات والأرض} [غافر: 57] مع ~~عظمهما، وكثرة أجزائهما، ووقوفهما من غير عمد، وجريان الأفلاك بالكواكب من ~~غير سبب، أعظم في النفس، وأهول في الصدر، {من خلق الناس} [غافر: 57] وإن ~~كان عظيما بالحواس المهيأة للإدراك، {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [غافر: ~~57] يعني: الكفار حين لا يستدلون بذلك على توحيد خالقهما. # ثم ضرب مثل الكافر والمؤمن، فقال: وما يستوي إلى قوله: {قليلا ما ~~تتذكرون} [غافر: 58] يعني: الكفار، يقول: قل نظرهم فيما ينبغي أن ينظروا ~~فيه مما دعوا إليه. # وقرأ أهل الكوفة بالتاء، أي: قل لهم ذلك. # قوله: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون ~~جهنم داخرين {60} الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن ~~الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون {61} ذلكم الله ربكم ~~خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون {62} كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات ~~الله يجحدون {63} الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن ~~صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين {64} هو ~~الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين {65} } ~~[غافر: 60-65] . # وقال ربكم قال مقاتل: يعني: لأهل الإيمان. # {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60] قال ابن عباس: وحدوني واعبدوني أثبكم. # ويدل على صحة هذا التفسير ms1621: ### | 809 - # ما أخبرناه أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أنا أبو جعفر محمد بن علي بن ~~رحيم، نا إبراهيم بن عبد الله العبسي، أنا وكيع، عن الأعمش، عن ذر، عن يسيع ~~الحضرمي، عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ~~الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60] ~~الآية. # والدعاء بمعنى: العبادة # PageV04P019 # كثير في التنزيل، ولما عبر عن العبادة بالدعاء، جعل الإثابة استجابة ~~ليتجانس اللفظ، ويدل على هذه الجملة قوله: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي ~~سيدخلون جهنم داخرين} [غافر: 60] صاغرين ذليلين. # ثم ذكرهم النعم، فقال: {الله الذي جعل لكم الليل} [غافر: 61] الآية، وما ~~بعد هذا ظاهر إلى قوله: {الله الذي جعل لكم الأرض قرارا} [غافر: 64] أي: ~~موضع قرار، كما قال: {فيها تحيون وفيها تموتون} [الأعراف: 25] . # والسماء بناء سقفا كالقبة، {وصوركم فأحسن صوركم} [غافر: 64] قال مقاتل: ~~خلقكم فأحسن خلقكم. # وقال ابن عباس: خلق ابن آدم قائما معتدلا، يأكل بيده ويتناول بيده، وكل ~~ما خلق الله يتناول بفيه. # وقال الزجاج: خلقكم أحسن الحيوان كله. # {ورزقكم من الطيبات} [غافر: 64] يعني: من غير رزق الدواب، {ذلكم الله ~~ربكم} [غافر: 64] الذي فعل ذلك الذي ذكر كله، وروى مجاهد، عن ابن عباس، ~~قال: من قال: لا إله إلا الله، فليقل على أثرها: الحمد لله رب العالمين. # يريد قول الله تعالى: {فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين} ~~[غافر: 65] . # {قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي ~~وأمرت أن أسلم لرب العالمين {66} هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من ~~علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من ~~قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون {67} هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى ~~أمرا فإنما يقول له كن فيكون {68} } [غافر: 66-68] . # قوله: {هو الذي خلقكم من تراب} [غافر: 67] الآية أكثرها مفسر في { [الحج، ~~وقوله:] ولتبلغوا أجلا مسمى} [سورة غافر: 67] قال ابن عباس: يريد أجل ~~الحياة إلى الموت، فلكل ms1622 أجل حياته تنتهي إليه. # ولعلكم تعقلون ولكي تعقلوا توحيد ربكم، وقدرته في خلقكم وله. # {ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون {69} الذين كذبوا ~~بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون {70} إذ الأغلال في أعناقهم ~~والسلاسل يسحبون {71} في الحميم ثم في النار # PageV04P020 # يسجرون {72} ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون {73} من دون الله قالوا ضلوا ~~عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين {74} ذلكم بما كنتم ~~تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون {75} ادخلوا أبواب جهنم خالدين ~~فيها فبئس مثوى المتكبرين {76} } [غافر: 69-76] . # {ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله} [غافر: 69] يعني: القرآن أنه ~~ليس من عند الله، وهم المشركون، أنى يصرفون كيف صرفوا عن دين الله، الذي هو ~~الحق إلى الباطل؟ ثم وصفهم، فقال: {الذين كذبوا بالكتاب} [غافر: 70] ~~بالقرآن، {وبما أرسلنا به رسلنا} [غافر: 70] من التوحيد، فسوف يعلمون عاقبة ~~أمرهم. # قوله: {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون} [غافر: 71] يجرون. # {في الحميم ثم في النار يسجرون} [غافر: 72] قال مقاتل، ومجاهد: توقد بهم ~~النار. # فصاروا وقودها. # {ثم قيل لهم} [غافر: 73] على وجه التوبيخ: {أين ما كنتم تشركون} [غافر: ~~73] . # {من دون الله قالوا ضلوا عنا} [غافر: 74] فقدناهم فلا نراهم، {بل لم نكن ~~ندعو من قبل شيئا} [غافر: 74] أي: شيئا ينفع ويضر، كما يقول من ضاع عمله: ~~ما كنت أعمل شيئا، كذلك أي: كما أضل هؤلاء، {يضل الله الكافرين} [غافر: 74] ~~. # ذلكم العذاب الذي نزل بكم، {بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق} [غافر: ~~75] أي: الباطل الذي كنتم تشتغلون به، {وبما كنتم تمرحون} [غافر: 75] قال ~~مقاتل: يعني: البطر والخيلاء. # {فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا ~~يرجعون {77} ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص ~~عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي ~~بالحق وخسر هنالك المبطلون {78} } [غافر: 77-78] . # PageV04P021 # {فاصبر إن وعد الله} [غافر: 77] بنصرك، {حق فإما نرينك} [غافر: 77] الآية ms1623 ~~مفسرة في { [الرعد. # وقوله:] وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله} [سورة غافر: 78] بأمر ~~الله تعالى، وبإرادته، وذلك أن كفار مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أن يأتيهم بآية، {فإذا جاء أمر الله} [غافر: 78] قضاؤه بين أنبيائه ~~وأممهم، قضي بالحق أي: لم يظلموا إذا عذبوا، وهو قوله: وخسر هنالك عند ~~كذلك، المبطلون المكذبون بالعذاب والمفترون، والمبطل: صاحب الباطل. # ثم ذكر منته عليهم بقوله: {الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها ~~تأكلون {79} ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى ~~الفلك تحملون {80} ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون {81} أفلم يسيروا في ~~الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة ~~وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون {82} } [غافر: 79-82] . # {الله الذي جعل لكم الأنعام} [غافر: 79] إلى قوله: {ولتبلغوا عليها حاجة ~~في صدوركم} [غافر: 80] قال مجاهد، ومقاتل: تحمل أثقالكم من بلد إلى بلد، ~~وتبلغوا عليها حاجاتكم في البلاد ما كانت. # {وعليها وعلى الفلك تحملون} [غافر: 80] على الإبل في البر، وعلى السفن في ~~البحر. # ويريكم آياته أي: دلائل قدرته، {فأي آيات الله تنكرون} [غافر: 81] ~~استفهام توبيخ، يقول: أيها تنكرون، بأنها ليست من الله؟ ثم ذكر أن الرسل ~~أتت من قبلهم، وأنهم لم يؤمنوا، بقوله: {فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا ~~بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون {83} فلما رأوا بأسنا ~~قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين {84} فلم يك ينفعهم ~~إيمانهم لما # PageV04P022 # رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون {85} } ~~[غافر: 83-85] . # {فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم} [غافر: 83] رضوا ~~بما عندهم من العلم، وقالوا: نحن أعلم لن نبعث، ولن نعذب. # وسمي ذلك علما على ما يدعونه ويزعمونه، وهو في الحقيقة جهل. # وقوله: {سنت الله التي قد خلت في عباده} [غافر: 85] قال ابن عباس: يريد ~~هذا قضائي في خلقي، أن من كذب أنبيائي، وجحد ربوبيتي، فإذا نزل به العذاب ~~استكان، وتضرع ms1624، لم ينفعه ذلك عندي. # والمعنى: سن الله هذه السنة في الأمم كلها، أن لا ينفعهم الإيمان إذا ~~رأوا العذاب، {وخسر هنالك الكافرون} [غافر: 85] قال ابن عباس: هلك عند ذلك ~~المكذبون. # وقال الزجاج: الكافر خاسر في كل وقت، ولكنه لم يتبين لهم خسرانهم إذا ~~رأوا العذاب. # PageV04P023 ### | تفسير سورة حم السجدة # مكية، وهي خمسون وأربع آيات. ### | 810 - # أخبرنا الأستاذ أبو عثمان المقري، نا أبو عمرو بن مطر، نا أبو إسحاق ~~الكوفي، نا أحمد بن يونس المدايني، نا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن ~~أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «من قرأ سورة حم السجدة أعطي من الأجر بعدد كل حرف منها عشر حسنات» # {حم {1} تنزيل من الرحمن الرحيم {2} كتاب فصلت آياته قرءانا عربيا لقوم ~~يعلمون {3} بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون {4} وقالوا قلوبنا في ~~أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا ~~عاملون {5} } [فصلت: 1-5] . # بسم الله الرحمن الرحيم {حم {1} تنزيل من الرحمن الرحيم {2} } [فصلت: ~~1-2] قال الأخفش، والزجاج: تنزيل مبتدأ، وخبره قوله: {كتاب فصلت آياته} ~~[فصلت: 3] . # بين حلاله وحرامه، {قرءانا عربيا لقوم يعلمون} [فصلت: 3] اللسان العربي. # بشيرا لأولياء الله تعالى، ونذيرا لأعدائه، فأعرض أكثرهم أكثر أهل مكة، ~~{فهم لا يسمعون} [فصلت: 4] تكبرا عنه. # {وقالوا قلوبنا في أكنة} [فصلت: 5] مثل الكنانة التي فيها السهام، فهي لا ~~تفقه ما تقول، ولا يصل إليها دعاؤك، {وفي آذاننا وقر} [فصلت: 5] ثقل وصمم، ~~يمنع من استماع قولك، والمعنى: إنا في ترك القبول عنك بمنزلة من لا يفهم ~~ولا يعقل، ولا يسمع قولك، {ومن بيننا وبينك حجاب} [فصلت: 5] أي: بيننا ~~وبينك فرقة في الدين، وحاجز في النحلة فلا نوافقك على ما تقول، وقال مقاتل: ~~إن أبا جهل رفع ثوبه بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، ~~أنت من ذلك الجانب، ونحن من هذا الجانب. # فاعمل # PageV04P024 # أنت على دينك ومذهبك، إننا عاملون على ديننا ومذهبنا. # قال الله تعالى: {قل إنما ms1625 أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ~~فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين {6} الذين لا يؤتون الزكاة وهم ~~بالآخرة هم كافرون {7} إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ~~{8} } [فصلت: 6-8] . # {قل إنما أنا بشر مثلكم} [فصلت: 6] أي: إنما أنا كواحد منكم، ولولا الوحي ~~ما دعوتكم، وهو قوله: {يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه} ~~[فصلت: 6] لا تميلوا عن سبيله، وتوجهوا إليه بالطاعة، واستغفروه من الشرك، ~~ثم توعدهم، فقال: {وويل للمشركين {6} الذين لا يؤتون الزكاة} [فصلت: 6-7] ~~قال ابن عباس في رواية عطاء، وعكرمة: لا يقولون: لا إله إلا الله. # والمعنى: لا يطهرون أنفسهم من الشرك بالتوحيد، وقال الحسن وقتادة: لا ~~يقرون بالزكاة، ولا يرون إيتاءها، ولا يؤمنون بها. # وقال الكلبي: عابهم الله بها، وقد كانوا يحجون ويعتمرون. # وقال قتادة: كان يقال: الزكاة قنطرة الإسلام، فمن قطعها برئ ونجا، ومن لم ~~يقطعها هلك. # ثم أخبر عنهم # PageV04P025 # بأعظم من هذا، فقال: {وهم بالآخرة هم كافرون {7} إن الذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات لهم أجر غير ممنون {8} } [فصلت: 7-8] غير مقطوع، ولا منقوص. # ثم وبخهم على كفرهم، فقال: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ~~وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين {9} وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك ~~فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين {10} ثم استوى إلى ~~السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ~~{11} فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء ~~الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم {12} } [فصلت: 9-12] . # {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} [فصلت: 9] الأحد والاثنين، ~~{وتجعلون له أندادا} [فصلت: 9] تتخذون معه آلهة، ذلك الذي فعل ما ذكر، {رب ~~العالمين {9} وجعل فيها رواسي من فوقها} [فصلت: 9-10] جبالا ثوابت من فوق ~~الأرض، وبارك فيها بالأشجار، والثمار، والحبوب، والأنهار. # {وقدر فيها أقواتها} [فصلت: 10] قال الحسن، ومقاتل: وقسم في الأرض أرازق ~~العباد والبهائم. # وقال الكلبي: قدر الخبز لأهل قطر، والتمر لأهل قطر، والسمك لأهل قطر. # {في أربعة أيام} [فصلت ms1626: 10] أي: في تتمة أربعة أيام، ويعني: الثلاثاء ~~والأربعاء، وهما مع الأحد والاثنين أربعة، سواء نصب على المصدر، على معنى: ~~استوت سواء واستواء، كما تقول: في أربعة # PageV04P026 # أياما تماما، ومن خفض فعلى النعت للأيام، ومن رفع فعلى معنى: هي سواء، ~~للسائلين قال السدي، وقتادة: سواء لا زيادة ولا نقصان، جوابا لمن سأل: في ~~كم خلقت الأرض والأقوات؟ فيقال: في أربعة أيام. # {ثم استوى إلى السماء} [فصلت: 11] عمد، وقصد إلى خلقها، وهي دخان قال ~~السدي: كان ذلك الدخان من نفس الماء، حين تنفس خلقها سماء واحدة، ثم فتقها ~~فجعلها سبعا في يومين الخميس والجمعة. # {فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها} [فصلت: 11] أي: ائتيا ما آمركما، ~~أي: افعلاه، كما يقال: إيت ما هو الأحسن، أي: افعله، قال المفسرون: إن الله ~~تعالى، قال: أما أنت يا سماء، فأطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وأما أنت يا أرض، ~~فشققي أنهارك، وأخرجي ثمارك ونباتك، قال لهما: افعلا ما آمركما طوعا، وإلا ~~ألجأتكما إلى ذلك حتى تفعلاه كرها. # قال الزجاج: أطيعا طاعة، أو تكرهان كرها، فأطاعتا وأجابتا بالطوع. # وهو قوله: {قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 11] أي: أتينا أمرك طائعين، ولما ~~ركب الله فيهن العقول، وخوطبن خطاب من يعقل، جمعهن جمع من يعقل، كما قال: ~~{وكل في فلك يسبحون} [يس: 40] . # فقضاهن صنعهن وأحكمهن، وفرغ من خلقهن، {سبع سموات في يومين وأوحى في كل ~~سماء أمرها} [فصلت: 12] قال مقاتل: وأمر في كل سماء بما أراد. # وقال عطاء، عن ابن عباس: خلق في كل سماء من الملائكة، والبرد، والثلوج، ~~وما لا يعلمه إلا الله. # {وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا} [فصلت: 12] وحفظناها من استماع ~~الشياطين # PageV04P027 # بالكواكب حفظا، ذلك الذي ذكر من صنعه، تقدير العزيز في ملكه، العليم ~~بخلقه. # قوله: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود {13} إذ جاءتهم ~~الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا ~~لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون {14} } [فصلت: 13-14] . # فإن أعرضوا عن الإيمان بعد هذا البيان، {فقل أنذرتكم صاعقة مثل ms1627 صاعقة عاد ~~وثمود} [فصلت: 13] هلاكا مثل هلاكهم، والصاعقة: المهلكة من كل شيء. # {إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم} [فصلت: 14] أتت الرسل آباءهم، ومن كان ~~قبلهم، ومن خلفهم من خلف الرسل، الذين بعثوا إلى آبائهم رسل إليهم أن لا، ~~بأن لا، {تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة} [فصلت: 14] أي: ~~لو شاء ربنا دعوة الخلق، لأنزل ملائكة، ثم أظهروا الكفر بهم، وهو قولهم: ~~{فإنا بما أرسلتم به كافرون} [فصلت: 14] . # ثم قص قصة عاد وثمود، فقال: {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق ~~وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ~~وكانوا بآياتنا يجحدون {15} فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات ~~لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ~~{16} وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب ~~الهون بما كانوا يكسبون {17} ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون {18} } ~~[فصلت: 15-18] . # {فأما عاد فاستكبروا في الأرض} [فصلت: 15] تكبروا عن الإيمان وعملوا، ~~بغير الحق وأعجبتهم أجسامهم، {وقالوا من أشد منا قوة} [فصلت: 15] وذلك أن ~~هودا هددهم بالعذاب، فقالوا: نحن نقدر على دفعه عنا، بفضل قوتنا. # فقال الله تعالى، ردا عليهم: {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم ~~قوة وكانوا بآياتنا يجحدون} [فصلت: 15] يكفرون بحججنا عليهم. # ثم ذكر عذابهم، بقوله: {فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا} [فصلت: 16] عاصفا، ~~شديدة الصوت، من الصرة وهي: الصيحة، وقال ابن عباس: وهي الباردة من الصر، ~~وهي: البرد. # وقال الفراء: هي الباردة، تحرق كما تحرق النار. # {في أيام نحسات} [فصلت: 16] نكدات مشئومات، ذات نحوس، # PageV04P028 # قال ابن عباس: كانوا يتشاءمون بتلك الأيام. # والقراء قرءوا بكسر الحاء وسكونها، قال الزجاج: من قرأ بكسر الحاء ~~فواحدها نحس، ومن قرأ بالسكون فواحدها نحس. # {لنذيقهم عذاب الخزي} [فصلت: 16] أي: عذاب الهوان والذل، وهو العذاب الذي ~~يخزون به، {ولعذاب الآخرة أخزى} [فصلت: 16] أشد إهانة، {وهم لا ينصرون} ~~[فصلت: 16] أي، لا يمنعون من العذاب. # ثم ذكر قصة ثمود، فقال: {وأما ثمود فهديناهم} [فصلت: 17] قال ابن ms1628 عباس: ~~بينا لهم سبيل الهدى. # وقال مجاهد: دعوناهم. # وقال الفراء: دللناهم على مذهب الخير، أي: بإرسال الرسول. # {فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت: 17] فاختاروا الكفر على الإيمان، ~~{فأخذتهم صاعقة العذاب الهون} [فصلت: 17] أي: ذي الهوان، وهو الذي يهينهم ~~ويخزيهم، {بما كانوا يكسبون} [فصلت: 17] من تكذيبهم صالحا، وعقرهم الناقة. # قوله: {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون {19} حتى إذا ما ~~جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون {20} وقالوا ~~لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول ~~مرة وإليه ترجعون {21} وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ~~ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون {22} وذلكم ظنكم ~~الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين {23} } [فصلت: 19-23] . # {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون} [فصلت: 19] يحبس أولهم على ~~آخرهم، ليتلاحقوا، والمعنى: إذا حشر أعداء الله، وقفوا. # {حتى إذا ما جاءوها} [فصلت: 20] جاءوا النار التي حشروا إليها، {شهد ~~عليهم سمعهم وأبصارهم} [فصلت: 20] قال مقاتل: تنطق جوارحهم بما كتبت ~~الألسن، من عملهم بالشرك. ### | 811 - # أخبرني عقيل بن محمد الجرجاني فيما أجاز لي، أن # PageV04P029 # أبا الفرج القاضي أخبرهم، عن محمد بن جرير، نا أحمد بن حازم الغفاري، نا ~~علي بن قادم، أنا شريك، عن عبيد المكتب، عن الشعبي، عن أنس، قال: ضحك رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا تسألوني مما ~~ضحكت؟ قالوا: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال: " عجبت من مجادلة العبد ربه يوم ~~القيامة، قال: يقول: يا رب، أليس وعدتني أن لا تظلمني؟ قال: فإن لك ذلك، ~~قال: فإني لا أقبل علي شاهدا إلا من نفسي، قال: أوليس كفى بي شهيدا ~~وبالملائكة الكرام الكاتبين؟ فيقول: أي رب، أجرتني من الظلم فلن أجيز اليوم ~~علي شاهدا إلا من نفسي. # قال: فيختم على فيه وتتكلم أركانه بما كان يعمل، قال: فيقول لهن: بعدا ~~لكن وسحقا، عنكن كنت أجادل. # وقوله: {وجلودهم} [فصلت: 20] قال ابن عباس: يريد فروجهم. # وهو ms1629 قول الجميع. # قالوا: كنى الله تعالى عنها بالجلود. # {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} ~~[فصلت: 21] أي: مما ينطق، وتم الكلام، ثم قال الله تعالى: {وهو خلقكم أول ~~مرة} [فصلت: 21] وليس هذا من جواب الجلود. # {وما كنتم تستترون أن يشهد} [فصلت: 22] أي: من أن يشهد، عليكم لأنكم ما ~~كنتم تظنون ذلك، ولكن ظننتم الآية، قال ابن عباس: إن الكفار كانوا يقولون: ~~إن الله لا يعلم ما في أنفسنا، ولكنه يعلم ما نظهر. # {وذلكم ظنكم الذي ظننتم} [فصلت: 23] أي: ظنكم أن الله لا يعلم ما تعملون، ~~أرداكم أهلككم. # وقال ابن عباس: طرحكم في النار. # ثم أخبر عن حالهم، فقال: # PageV04P030 # {فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين {24} ~~وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في ~~أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين {25} وقال الذين ~~كفروا لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه لعلكم تغلبون {26} فلنذيقن الذين ~~كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون {27} ذلك جزاء أعداء ~~الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون {28} وقال ~~الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ~~ليكونا من الأسفلين {29} } [فصلت: 24-29] . # فإن يصبروا أي: على النار، {فالنار مثوى لهم} [فصلت: 24] مسكن، {وإن ~~يستعتبوا فما هم من المعتبين} [فصلت: 24] أن يسألوا أن يرجع بهم إلى ما ~~يحبون، لم يرجع بهم، لأنهم لا يستحقون ذلك، يقال: أعتبني فلان، أي: أرضاني ~~بعد إسخاطه إياي، واستعتبته: طلبت منه أن يعتب، أي: يرضى. # قوله: {وقيضنا لهم قرناء} [فصلت: 25] قال مقاتل: هيأنا لهم. # قرناء من الشياطين، وقال الزجاج: سببنا لهم حتى أضلوهم. # وهو قوله: {فزينوا لهم ما بين أيديهم} [فصلت: 25] من أمر الآخرة، أنه لا ~~جنة ولا نار، ولا بعث ولا حساب، وما خلفهم من أمر الدنيا، فزينوا لهم ~~اللذات، وجمع الأموال، وترك النفقة في وجوه البر، وباقي الآية قد تقدم ~~تفسيره. # قوله: {وقال الذين كفروا ms1630 لا تسمعوا لهذا القرءان} [فصلت: 26] أي: لا ~~تستمعون، وعارضوه باللغو والباطل، وهو قوله: والغوا فيه يقال: لغى يلغي لغا ~~فهو لغ، واللغا واللغو كل كلام لا وجه له، ولا فائدة فيه، وكان الكفار يوصي ~~بعضهم بعضا، إذا سمعتم القرآن من محمد وأصحابه، فارفعوا أصواتكم، حتى ~~تلبسوا عليهم قولهم، فيسكنون، وهو قوله تعالى: لعلكم تغلبون فيسكنون، قال ~~مقاتل: لكي تغلبوهم فيسكنون. # ثم وعدهم الله تعالى بقوله: {فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم ~~أسوأ الذي} [فصلت: 27] . # قال مقاتل: بأسوأ ما. # كانوا يعملون وهو الشرك. # ذلك العذاب الشديد، {جزاء # PageV04P031 # أعداء الله} [فصلت: 28] وقوله: النار بدل من قوله: {جزاء أعداء الله} ~~[فصلت: 28] ثم ذكر أن إقامتهم فيها دائمة، أي: فقال لهم فيها في النار، دار ~~الخلد دار الإقامة، لا انتقال منها، جزاء أي: للجزاء، {بما كانوا بآياتنا ~~يجحدون} [فصلت: 28] قال مقاتل: يعني: القرآن يجحدون أنه من عند الله. # {وقال الذين كفروا} [فصلت: 29] أي: في النار، يقولون: {ربنا أرنا الذين ~~أضلانا من الجن والإنس} [فصلت: 29] يعنون: إبليس وقابيل، لأنهما سنا ~~المعصية، {نجعلهما تحت أقدامنا} [فصلت: 29] أسفل منا في النار، ليكونا في ~~الدرك الأسفل من النار، قال ابن عباس: ليكونا أشد عذابا منا. # ثم ذكر المؤمنين بقوله: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل ~~عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ~~{30} نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ~~ولكم فيها ما تدعون {31} نزلا من غفور رحيم {32} ومن أحسن قولا ممن دعا إلى ~~الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين {33} } [فصلت: 30-33] . # {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} [فصلت: 30] قال أبو بكر الصديق ~~رضي الله عنه: استقاموا على أن الله ربهم. ### | 812 - # أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النصراباذي، أنا أبو الحسن السراج، نا أبو ~~شعيب الحراني، نا أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني، نا زهير، نا أبو ~~إسحاق، عن عامر بن سعد، عن سعيد بن نمران، أنه قال: قرأ # PageV04P032 # أبو بكر الصديق رضي الله عنه، أو قرأ ms1631 عليه رجل {إن الذين قالوا ربنا الله ~~ثم استقاموا} [فصلت: 30] قالوا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ~~الاستقامة؟ قال: الاستقامة أن لا تشرك بالله شيئا. # وقال مجاهد: هم الذين لم يشركوا بالله شيئا حتى يلقوه. ### | 813 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم، أنا أبو عبد الله بن بطة، نا عبد الله ~~بن محمد بن عبد العزيز، نا محمد بن جعفر الوركاني، نا إبراهيم بن سعد، عن ~~ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن ماعز العامري، عن سفيان بن عبد الله الثقفي، ~~قال: قلت: يا رسول الله، " مرني بأمر أعتصم به، قال: قل: ربي الله، ثم ~~استقم، قال: قلت: يا رسول الله، ما أكثر ما تخاف علي؟ قال: فأخذ بلسان ~~نفسه، ثم قال: هذا ". # وكان الحسن إذا تلا هذه الآية، قال: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة ### | 814 - # أخبرنا أبو سعد بن أبي المطوعي، أنا عبد الله بن محمد الرازي، نا يوسف بن ~~عاصم، نا الجراح بن مخلد، نا أبو قتيبة سلم بن قتيبة، نا سهيل بن أبي حزم، ~~نا ثابت، عن أنس، قال: قرأ علينا رسول الله # PageV04P033 # صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} ~~[فصلت: 30] فقال: " قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حتى يموت فهو ~~ممن استقام عليها. # وذهب كثير من المفسرين إلى: أن الاستقامة على طاعة الله، وأداء فرائضه، ~~ولزوم السنة. # قال الكلبي، عن ابن عباس: استقاموا على ما فرض عليهم. # وروى الزهري، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه تلا هذه الآية، فقال: ~~«استقاموا لله بطاعته، ولم يروغوا روغان الثعالب» . # وقوله: {تتنزل عليهم الملائكة} [فصلت: 30] قال ابن عباس: عند الموت. # وقال قتادة، ومقاتل: إذا قاموا من قبورهم. # ألا بأن لا، تخافوا من الموت، ولا تحزنوا على ما خلفتم من أهل وولد، وروى ~~جعفر، عن ثابت، أنه قال: بلغنا أنه إذا انشقت الأرض يوم القيامة، نظر ~~المؤمن إلى حافظيه، قائمين على رأسه، يقولان له: لا تخف اليوم ولا تحزن، ~~وأبشر بالجنة ms1632 التي كنت توعد، نحن أولياؤك في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ~~أبشر يا ولي الله، إنك سترى اليوم أمرا لم تر مثله، فلا يهولنك، وإنما يراد ~~به غيرك. # قال ثابت: فما عظيمة تغشى الناس يوم القيامة، إلا وهي لكل مؤمن قرة عين ~~لما هداه الله في الدنيا. # وقال مجاهد: لا تخافوا ما تقدمون عليه من أمر الآخرة، ولا تحزنوا على ما ~~خلفتم من أمر دنياكم، من ولد أو أهل أو دين، فإنه سيخلفكم في ذلك كله. # {نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا} [فصلت: 31] هذا من قول الملائكة ~~للمؤمنين، يقولون: نحن الحفظة الذين كنا معكم في الحياة الدنيا، وفي الآخرة ~~يقولون: لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة. # ولكم فيها في الآخرة، {ما تشتهي أنفسكم} [فصلت: 31] من الكرامات واللذات، ~~{ولكم فيها ما تدعون} [فصلت: 31] تتمنون، كقوله: {ولهم ما يدعون} [يس: 57] ~~وقد مر. # نزلا يجوز أن يكون جمع نازل، ويكون المعنى: ولكم فيها ما تدعون {من غفور ~~رحيم} [فصلت: 32] نازلين، ويجوز أن يراد به: القوت الذي # PageV04P034 # يقام للنازل والضيف، والمعنى: ثبت لهم ما يدعون {نزلا من غفور رحيم} ~~[فصلت: 32] . # قوله: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله} [فصلت: 33] قال ابن عباس: هو ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله. # وقال الحسن: هو المؤمن أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله ~~فيه من دعوته. # وعمل صالحا في إجابته، {وقال إنني من المسلمين} [فصلت: 33] لربي، وقالت ~~عائشة رضي الله عنها: «أرى هذه الآية نزلت في المؤذنين» . # وقال عطاء: وعمل صالحا: قام لله بحقه وفرائضه. # وقال قيس بن أبي حازم: هو الصلاة بين الأذان والإقامة. # {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه ~~عداوة كأنه ولي حميم {34} وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ ~~عظيم {35} وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ~~{36} } [فصلت: 34-36] {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} [فصلت: 34] لا الثانية ~~زائدة، لأن المعنى: ولا تستوي الحسنة ms1633 والسيئة، يعني: الصبر والغضب، والحلم ~~والجهل، والعفو والإساءة، {ادفع بالتي هي أحسن} [فصلت: 34] كدفع الغضب ~~بالصبر، والإساءة بالعفو، {فإذا الذي بينك # PageV04P035 # وبينه} [فصلت: 34] أي: فإذا فعلت ذلك، ودفعت السيئة بالتي هي أحسن، صار ~~{الذي بينك وبينه عداوة} [فصلت: 34] كالصديق القريب، وقال عطاء: التي هي ~~أحسن: السلام إذا لقي من يعاديه، سلم عليه ليلين له. # وقال مقاتل بن حيان: هو أبو سفيان بن حرب، وذلك أنه لان للمسلمين بعد شدة ~~عداوته بالمصاهرة التي حصلت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم ~~فصار وليا في الإسلام، حميما بالقرابة. # وما يلقاها قال الزجاج: وما يلقى هذه الفعلة وهذه الحالة، وهي دفع السيئة ~~بالحسنة. # {إلا الذين صبروا} [فصلت: 35] على كظم الغيظ، واحتمال المكروه، {وما ~~يلقاها إلا ذو حظ عظيم} [فصلت: 35] في الثواب والخير، وقال قتادة: الحظ ~~العظيم: الجنة، أي: ما يلقاها إلا من وجبت له الجنة. # ثم أمره أن يستعيذ بالله إن صرفه الشيطان عن الاحتمال، فقال: {وإما ~~ينزغنك من الشيطان} [فصلت: 36] الآية مفسرة في آخر { [الأعراف. # ثم ذكر علامات توحيده، ودلالات قدرته، فقال:] ومن آياته الليل والنهار ~~والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم ~~إياه تعبدون {37} فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل # PageV04P036 # والنهار وهم لا يسأمون {38} ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا ~~عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ~~{39} } [سورة فصلت: 37-39] . # {ومن آياته الليل والنهار} [فصلت: 37] الآية ظاهرة. # فإن استكبروا تكبروا عن عبادتي، والسجود لي، {فالذين عند ربك} [فصلت: 38] ~~يعني: الملائكة، {يسبحون له بالليل والنهار} [فصلت: 38] يصلون له، وينزهونه ~~عن السوء، {وهم لا يسأمون} [فصلت: 38] لا يملون، ويفترون. # ومن آياته دلائل قدرته، {أنك ترى الأرض خاشعة} [فصلت: 39] قال الأزهري: ~~إذا يبست الأرض ولم تمطر قيل: قد خشعت. # قال ابن عباس: مقشعرة. # {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت} [فصلت: 39] تحركت بالنبات، وهذا مفسر ~~فيما سبق. # قوله: {إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى ms1634 في النار خير ~~أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير {40} إن ~~الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز {41} لا يأتيه الباطل من بين ~~يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد {42} ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل ~~من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم {43} ولو جعلناه قرءانا أعجميا ~~لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين ~~لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد {44} } ~~[فصلت: 40-44] . # {إن الذين يلحدون في آياتنا} [فصلت: 40] تقدم تفسير الإلحاد، وقال مقاتل: ~~يميلون عن الإيمان بالقرآن. # وقال مجاهد: {يلحدون في آياتنا} [فصلت: 40] بالمكاء، واللغط. # {لا يخفون علينا} [فصلت: 40] أي: إنا نعلمهم، فنجازيهم بما يعملون، {أفمن ~~يلقى في النار} [فصلت: 40] وهو أبو جهل، {خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة} ~~[فصلت: 40] وهو حمزة، ثم هددهم بقوله: {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40] قال ~~الزجاج: لفظه لفظ الأمر، ومعناه الوعيد. # {إن الذين كفروا بالذكر} [فصلت: 41] بالقرآن، لما جاءهم ثم أخذ في وصف ~~الذكر، وترك جواب {إن الذين كفروا} [فصلت: 41] على تقدير: إن # PageV04P037 # الذين كفروا بالذكر، يجازون بكفرهم، {وإنه لكتاب عزيز} [فصلت: 41] قال ~~الكلبي: كريم على الله. # وقال قتادة: أعزه الله، فلا يجد الباطل إليه سبيلا. # وهو قوله: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} [فصلت: 42] قال ~~مقاتل: لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله، ولا يجيء من بعده كتاب ~~فيبطله. # وهو قول الكلبي. # وقال الزجاج: معناه أنه محفوظ من أن ينقص منه، فيأتيه الباطل من بين ~~يديه، أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه. # وهذا قول قتادة، والسدي. # ومعنى الباطل على هذا: الزيادة والنقصان. # {تنزيل من حكيم} [فصلت: 42] في خلقه، حميد إليهم. # ثم عزى نبيه صلى الله عليه وسلم على تكذيبهم، فقال: {ما يقال لك إلا ما ~~قد قيل للرسل من قبلك} [فصلت: 43] قال قتادة: يقول: قد قيل للأنبياء من ~~قبلك: ساحر، وكذبوا كما كذبت. # {إن ربك ms1635 لذو مغفرة} [فصلت: 43] لمن آمن، {وذو عقاب أليم} [فصلت: 43] أليم ~~لمن كذبك. # قوله: {جعلناه قرءانا أعجميا} [فصلت: 44] لو جعلنا هذا الكتاب الذي تقرؤه ~~على الناس بغير لغة العرب، {لقالوا لولا فصلت آياته} [فصلت: 44] هلا بينت ~~آياته بالعربية، حتى نفهمه، أأعجمي وعربي أكتاب أعجمي ونبي عربي؟ وهذا ~~استفهام على وجه الإنكار، أي: أنهم كانوا يقولون: المنزل عليه عربي، ~~والمنزل أعجمي، فكان ذلك أشد لتكذيبهم، قل لهم يا محمد: هو أي: القرآن، ~~{للذين آمنوا هدى} [فصلت: 44] من الضلالة، وشفاء من الأوجاع، وقال مقاتل: ~~شفاء لما في القلوب، للبيان الذي فيه، {والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر} ~~[فصلت: 44] لأنهم صم عن استماع القرآن، والانتفاع بما فيه من البيان، {وهو ~~عليهم عمى} [فصلت: 44] قال قتادة: عموا عن القرآن، وصموا عنه. # وقال السدي: عميت قلوبهم عنه. # والمعنى: وهو عليهم ذو عمى، {أولئك ينادون من مكان بعيد} [فصلت: 44] أي: ~~أنهم لا يسمعون ولا يفهمون، كما أن من دعي من مكان بعيد لم يسمع، ولم يفهم، ~~قال الفراء: تقول للرجل الذي لا يفهم كلامك: أنت تنادي من مكان بعيد. # {ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ~~وإنهم لفي # PageV04P038 # شك منه مريب {45} من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام ~~للعبيد {46} إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من ~~أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من ~~شهيد {47} وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص {48} } ~~[فصلت: 45-48] . # قوله: {ولقد آتينا موسى الكتاب} [فصلت: 45] هذا تعزية للنبي صلى الله ~~عليه وسلم، يقول: كما آتيناك الكتاب، فكذب به قومك، وصدق بعضهم، آتينا موسى ~~الكتاب، فمن مكذب به، ومن مصدق، وهو قوله: {فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ~~ربك} [فصلت: 45] في تأخير العذاب عن مكذبي القرآن إلى أجل مسمى، يعني: ~~القيامة، لقضي بينهم بالعذاب الواقع لمن كذب، {وإنهم لفي شك منه} [فصلت: ~~45] من صدقك، وكتابك، مريب موقع لهم ms1636 الريبة. # قوله تعالى: {إليه يرد علم الساعة} [فصلت: 47] أخبر أن علم القيامة متى ~~يقوم عند الله، لا يعلمه غيره، فعلمها إذا سئل عنها مردود إليه، وما تخرج ~~من ثمرة من أكمامها أوعيتها، وهي ما كانت فيه الثمرة، واحدها كم، وقرئ ~~ثمرات، والإفراد يدل على الكثرة، فيستغنى به عن الجمع، ويوم يناديهم ينادي ~~الله تعالى المشركين، أين شركائي أي: في قولكم وزعمكم، كما قال: {أين ~~شركائي الذين كنتم تزعمون} [القصص: 62] ، قالوا آذناك أعلمناك، {ما منا من ~~شهيد} [فصلت: 47] شاهد بأن لك شريكا، يتبرءون يومئذ من أن يكون مع الله ~~شريك. # {وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل} [فصلت: 48] زال وبطل في الآخرة، ما ~~كانوا يعبدون في الدنيا، وظنوا علموا وأيقنوا، {ما لهم من محيص} [فصلت: 48] ~~فرار عن النار. # قوله: {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط {49} ولئن ~~أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن ~~رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم ~~من عذاب غليظ {50} وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر ~~فذو دعاء عريض {51} } [فصلت: 49-51] . # PageV04P039 # {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} [فصلت: 49] لا يمل الكافر، ولا يزال ~~يسأل ربه الخير والمال، والغنى، {وإن مسه الشر} [فصلت: 49] البلاء، والشدة، ~~والفقر، فيئوس قنوط شديد اليأس، قنوط من روح الله. # {ولئن أذقناه رحمة منا} [فصلت: 50] ولئن آتيناه خيرا، وعافية، وغنى، ~~{ليقولن هذا لي} [فصلت: 50] قال مجاهد: هذا بعملي، وأنا محقوق به. # وكل هذا من أخلاق الكافر حب المال، والغنى، غير سائم منه، حتى إذا مسه ~~الشر، صار إلى حال الآيس، فإذا عاد إليه المال، نسي أن الله هو المتفضل ~~عليه بما أعطاه، فيبطر ويظن أنه المستحق لذلك، ثم يشك في البعث، فيقول: ~~{وما أظن الساعة قائمة} [فصلت: 50] ثم يتوهم أن له مع كفره في الآخرة ~~منزلة، فيقول: {ولئن رجعت إلى ربي} [فصلت: 50] أي: لست على يقين من البعث، ~~فإن كان الأمر على ذلك ms1637، ورددت إلى ربي، {إن لي عنده للحسنى} [فصلت: 50] ~~الجنة، أي: كما أعطاني في الدنيا، سيعطيني في الآخرة الجنة، قال الله ~~تعالى: {فلننبئن الذين كفروا بما عملوا} [فصلت: 50] قال ابن عباس: لنقفنهم ~~يوم القيامة على مساوئ أعمالهم. # {وإذا أنعمنا على الإنسان} [فصلت: 51] مفسر في { [بني إسرائيل، قوله:] ~~فذو دعاء عريض} [سورة فصلت: 51] أي: كثير، والمعنى: أنه يسأل ربه أن يكشف ~~ما به، لا يمل من الدعاء في الشدة، ويعرض عن الدعاء في الرخاء. # {قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد ~~{52} سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف ~~بربك أنه على كل شيء شهيد {53} ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل ~~شيء محيط {54} } [فصلت: 52-54] . # قل يا محمد لأهل مكة، {أرأيتم إن كان} [فصلت: 52] القرآن، {من عند الله ~~ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق} [فصلت: 52] خلاف للحق، بعيد عنه، وهو ~~أنتم، أي: فلا أحد أضل منكم. # {سنريهم آياتنا في الآفاق} [فصلت: 53] ما يفتح من القرى على محمد صلى ~~الله عليه وسلم، وللمسلمين في النواحي والأطراف، وفي أنفسهم يعني: فتح مكة، ~~وهذا قول مجاهد، والسدي، والحسن، قالوا: هي ظهور محمد صلى الله عليه وسلم ~~على الآفاق، وعلى مكة. # يقول: يفتح القرى ومكة على محمد، حتى يعرفوا # PageV04P040 # أن الذي أتى به من القرآن هو من عند الله، لأنهم بذلك يعرفون أنه مؤيد من ~~قبل الله، بعد ما كان واحدا لا ناصر له، وهو قوله: {حتى يتبين لهم أنه ~~الحق} [فصلت: 53] أي: أن القرآن من عند الله، {أولم يكف بربك أنه على كل ~~شيء شهيد} [فصلت: 53] قال مقاتل: أولم يكف بربك شاهدا أن القرآن من الله. # قال الزجاج: ومعنى الكفاية ههنا: أن الله عز وجل قد بين لهم ما فيه كفاية ~~في الدلالة. # والمعنى: أولم يكف بربك، لأنه على كل شيء شهيد، شاهد للأشياء لا يغيب عنه ~~شيء. # {ألا إنهم في مرية من لقاء ms1638 ربهم} [فصلت: 54] في شك من البعث، والثواب ~~والعقاب، {ألا إنه بكل شيء محيط} [فصلت: 54] أحاط بكل شيء علما، لأنه عالم ~~الغيب والشهادة. # PageV04P041 ### | تفسير سورة حم عسق # مكية، وهى خمسون وثلاث آيات. ### | 815 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي العرافي، أنا أبو عمرو بن أبي الفضل الشروطي، ~~نا أبو إسحاق الأسدي، نا أحمد بن يونس، نا المدائني، نا هارون بن كثير، عن ~~زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: " من قرأ سورة {حم {1} عسق {2} } [الشورى: 1-2] كان ~~ممن تصلي عليه الملائكة ويستغفرون له ويسترحمون له ". # بسم الله الرحمن الرحيم {حم {1} عسق {2} كذلك يوحي إليك وإلى الذين من ~~قبلك الله العزيز الحكيم {3} له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي ~~العظيم {4} تكاد السموات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ~~ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم {5} والذين اتخذوا من ~~دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل {6} } [الشورى: 1-6] . # حم عسق روى عكرمة، عن ابن عباس، أنه قال: ح: حلمه، م: مجده، ع: علمه، س: ~~سناؤه، ق: قدرته، أقسم الله تعالى بها. # {كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك} [الشورى: 3] قال عطاء، عن ابن عباس: ~~يريد إخبار الغيب. # وما يكون قبل أن يكون أوحي إليك وإلى الذين من قبلك، والمعنى: كالوحي ~~الذي تقدم، يوحي إليك إخبار الغيب، وقرأ ابن كثير يوحى بضم الياء وفتح ~~الحاء، وحجته قوله: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك} [الزمر: 65] ، # PageV04P042 # وقوله: {الله العزيز الحكيم} [الشورى: 3] على هذه القراءة تبيين للفاعل، ~~كأنه قيل: من يوحي؟ فقيل: الله. # {تكاد السموات يتفطرن} [الشورى: 5] يريد كل واحدة منها تتفطر فوق التي ~~تليها، من قول المشركين: اتخذ الله ولدا. # نظيرها التي في آخر { [مريم،] والملائكة يسبحون بحمد ربهم} [سورة الشورى: ~~5] ينزهونه عما لا يجوز في صفته، ويعظمونه، {ويستغفرون لمن في الأرض} ~~[الشورى: 5] قال ابن عباس: للمصدقين بالله ورسوله. # قال قتادة: للمؤمنين منهم. # {ألا إن الله هو ms1639 الغفور الرحيم} [الشورى: 5] لأوليائه، وأهل طاعته. # {والذين اتخذوا من دونه أولياء} [الشورى: 6] يعني: كفار مكة، اتخذوا ~~آلهة، فعبدوها من دون الله، {الله حفيظ عليهم} [الشورى: 6] حافظ على ~~أعمالهم، ليجازيهم بها، {وما أنت عليهم بوكيل} [الشورى: 6] لم نوكلك بهم، ~~حتى تؤاخذ بهم. # {وكذلك أوحينا إليك قرءانا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم ~~الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير {7} ولو شاء الله لجعلهم ~~أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ~~{8} أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل ~~شيء قدير {9} } [الشورى: 7-9] . # وكذلك ومثل ما ذكرنا، {أوحينا إليك قرءانا عربيا} [الشورى: 7] ليفهموا ما ~~فيه، {لتنذر أم القرى} [الشورى: 7] أي: أهل أم القرى، وهي مكة، سميت أم ~~القرى، لأن الأرض دحيت من تحتها، ومن حولها يعني: قرى الأرض كلها، {وتنذر ~~يوم الجمع} [الشورى: 7] وتنذرهم بيوم الجمع، وهو يوم القيامة، يجمع الله ~~تعالى فيه الأولين والآخرين، وأهل السموات وأهل الأرض، {لا ريب فيه} ~~[الشورى: 7] لا شك في الجمع أنه كائن، ثم بعد الجمع يتفرقون، وهو قوله: ~~{فريق في الجنة وفريق في السعير} [الشورى: 7] قال ابن عباس: فريق في الجنة ~~يتمتعون ويتنعمون، وفريق في السعير يعذبون. # PageV04P043 ### | 816 - # أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الحيري، أنا أبو الحسين أحمد بن جعفر ~~البحتري، أنا محمد بن إسحاق السراج، نا قتيبة، نا بكر بن مضر، نا الليث بن ~~سعد، وابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن شفي الأصبحي، عن عبد الله بن عمرو، قال: ~~خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان، فقال: " أتدرون ما ~~هذان الكتابان؟ فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا، فقال للذي في يده ~~اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين فيه تسمية أهل الجنة وتسمية آبائهم، ثم ~~أجمل على آخرهم، لا يزاد فيهم ولا ينقص، وقال للذي في شماله: هذا كتاب كتبه ~~رب العالمين فيه تسمية أهل النار وتسمية آبائهم، ثم أجمل على ms1640 آخرهم، لا ~~يزاد فيهم ولا ينقص. # قالوا: ففيم العمل يا رسول الله؟ قال: إن عامل الجنة يختم له بعمل أهل ~~الجنة وإن عمل أي عمل، وإن عامل النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي ~~عمل. # فرغ الله من خلقه، ثم قرأ: {فريق في الجنة وفريق في السعير} [الشورى: 7] ~~". # ثم ذكر سبب افتراقهم، فقال: {ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة} [الشورى: 8] ~~قال ابن عباس: على دين واحد. # وقال مقاتل: على ملة الإسلام. # كقوله: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} [الأنعام: 35] فبين لهم أنهم ~~افترقوا بالمشيئة الأزلية، {ولكن يدخل من يشاء في رحمته} [الشورى: 8] في ~~دينه الإسلام، والظالمون الكافرون، {ما لهم من ولي} [الشورى: 8] يدفع عنهم ~~العذاب، ولا نصير يمنعهم من النار. # {أم اتخذوا من دونه أولياء} [الشورى: 9] بل اتخذ الكافرون من دون الله ~~أولياء، {فالله هو الولي} [الشورى: 9] قال ابن عباس: وليك يا محمد وولي من ~~اتبعك. # {وهو يحيي الموتى} [الشورى: 9] يبعثهم للجزاء، {وهو على كل شيء} [الشورى: ~~9] من الإحياء، وغيره، قدير. # قوله: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت ~~وإليه أنيب {10} فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام ~~أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله # PageV04P044 # شيء وهو السميع البصير {11} له مقاليد السموات والأرض يبسط الرزق لمن ~~يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم {12} } [الشورى: 10-12] . # {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} [الشورى: 10] قال الكلبي: أي من ~~أمر الدين. # {فحكمه إلى الله} [الشورى: 10] أي: يقضي فيه، وقال مقاتل: إن أهل مكة كفر ~~بعضهم بالقرآن، وآمن به بعضهم، فقال الله تعالى: الذي اختلفتم فيه، فإن ~~حكمه إلي، أحكم فيه. # يعني: يوم القيامة، يحكم للمؤمنين بالقرآن بالجنة، وللمكذبين به بالنار، ~~وقيل: إن هذا عام فيما اختلف فيه العباد، يحكم الله فيه يوم القيامة بالفصل ~~الذي يزيل الريب، ويبطل الاختلاف، ذلكم الله الذي يحكم بين المختلفين، هو ~~{ربي عليه توكلت} [الشورى: 10] في كفاية مهماتي، وإليه أنيب أرجع في ~~المعاد. # {فاطر السموات والأرض} [الشورى: 11] تقدم تفسيره ms1641، {جعل لكم من أنفسكم ~~أزواجا} [الشورى: 11] جعل لكم مثل خلقكم نساء، {ومن الأنعام أزواجا} ~~[الشورى: 11] أصنافا: ذكورا وإناثا، أي: خلق الذكر والأنثى من الحيوان كله، ~~يذرؤكم فيه يخلقكم في هذا الوجه الذي ذكر من جعل الأزواج، وذلك أنه جعل سبب ~~خلقنا الأزواج، والكفاية في قوله: فيه تعود إلى الجعل المراد بقوله: جعل ~~لكم، وقال الزجاج: المعنى: يذرؤكم به، أي: يجعله منكم، ومن الأنعام ~~أزواجنا. # وهذا قول الفراء، جعل في بمعنى: الباء. # وقوله: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] قال ابن عباس: ليس له نظير. # والكاف مؤكدة، والمعني: ليس مثله شيء، وهو السميع لما يقال، البصير ~~بأعمال الخلق. # {له مقاليد السموات والأرض} [الشورى: 12] قال ابن عباس: يريد مفاتيح ~~الرزق في السموات والأرض. # وقال الكلبي: مقاليد السموات: خزائن المطر، وخزائن الأرض النبات. # والمعنى: أنه يقدر على فتحها، يملك فتح السماء بالمطر، والأرض بالنبات، ~~يدل على هذا قوله: {يبسط # PageV04P045 # الرزق لمن يشاء ويقدر} [الشورى: 12] لأن مفتاح الرزق بيده، {إنه بكل شيء} ~~[الشورى: 12] من البسط والقدر، عليم. # {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به ~~إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما ~~تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب {13} وما تفرقوا ~~إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى ~~لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب {14} فلذلك ~~فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ~~وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا ~~وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير {15} } [الشورى: 13-15] . # شرع لكم بين لكم، وأوضح، {من الدين ما وصى به نوحا} [الشورى: 13] يعني: ~~التوحيد، والبراءة من الشرك، {والذي أوحينا إليك} [الشورى: 13] من القرآن، ~~وشرائع الإسلام، وما وصينا وشرع لكم، {وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى} ~~[الشورى: 13] ، ثم بين ما وصى به هؤلاء، فقال: {أن أقيموا الدين ms1642} [الشورى: ~~13] قال مقاتل: يعني: التوحيد. # {ولا تتفرقوا فيه} [الشورى: 13] يقول: لا تختلفوا في التوحيد، وقال ~~مجاهد: يعني: أنه شرع لكم، ولمن قبلكم من الأنبياء دينا واحدا. # {كبر على المشركين ما تدعوهم إليه} [الشورى: 13] قال ابن عباس: من توحيد ~~الله تعالى، والإخلاص له وحده لا شريك له. # وقال مقاتل: عظم على مشركي مكة ما تدعوهم إليه من التوحيد، لأنهم قالوا: ~~{أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} [ص: 5] . # ثم خص أولياءه بقوله: {الله يجتبي إليه من يشاء} [الشورى: 13] يصطفي الله ~~من عباده لدينه من يشاء، ويهدي إلى دينه، من ينيب من يقبل إلى طاعته، واتبع ~~دينه. # ثم ذكر تفرقهم بعد الإيصاء بترك الفرقة، فقال: {وما تفرقوا إلا من بعد ما ~~جاءهم العلم} [الشورى: 14] أي: ما تفرقوا إلا عن علم بأن الفرقة ضلالة، ~~ولكنهم فعلوا ذلك للبغي، وهو قوله: بغيا بينهم قال عطاء: بغيا منهم على ~~محمد صلى الله عليه وسلم. # {ولولا كلمة سبقت من ربك} [الشورى: 14] في تأخير المكذبين من هذه الأمة، ~~{إلى أجل مسمى} [الشورى: 14] يعني: يوم القيامة، لقضي بينهم بين من آمن، ~~وبين من كفر، يعني: لنزل العذاب بالمكذبين في # PageV04P046 # الدنيا، {وإن الذين أورثوا الكتاب} [الشورى: 14] يعني: اليهود والنصارى، ~~من بعدهم من بعد أنبيائهم، {لفي شك منه} [الشورى: 14] من محمد صلى الله ~~عليه وسلم، {مريب {14} فلذلك فادع} [الشورى: 14-15] قال الفراء، والزجاج: ~~فإلى ذلك فادع، كما تقول: دعوت إلى فلان ولفلان. # وذلك إشارة إلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد، {واستقم كما أمرت} ~~[الشورى: 15] على الدين الذي أمرت به، {ولا تتبع أهواءهم} [الشورى: 15] ~~أهواء أهل الكتاب، وذلك أنهم دعوه إلى دينهم، وقل لهم: {آمنت بما أنزل الله ~~من كتاب} [الشورى: 15] أي: آمنت بكتب الله كلها، {وأمرت لأعدل بينكم} ~~[الشورى: 15] قال ابن عباس: أمرت أن لا أحيف عليكم بأكثر مما افترض الله ~~عليكم في الأحكام. # ومعنى العدل بينهم في الأحكام: هو أنهم إذا ترافعوا إليه، لم يلزمهم ~~شيئا، لا يلزمهم الله، {الله ربنا وربكم} [الشورى: 15] أي: إلهنا واحد، وإن ~~اختلفت ms1643 أعمالنا، فكل يجازى بما يعمل، وهو قوله: لنا أعمالنا أي: ثوابها، ~~{ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم} [الشورى: 15] لا خصومة، وهذا قبل أن ~~أمر بالقتال، وإذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة، لم تكن بينه وبين من لا ~~يجيب خصومة، ولا قتال، ثم ذكر مصير الفريقين إلى الله، فيجازي كلا بعمله ~~وهو قوله: {الله يجمع بيننا وإليه المصير} [الشورى: 15] . # {والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم ~~غضب ولهم عذاب شديد} [الشورى: 16] . # {والذين يحاجون في الله} [الشورى: 16] يخاصمون في دين الله نبيه، قال ~~قتادة: هم اليهود والنصارى، قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا فبل نبيكم، ~~فنحن خير منكم. # فهذه خصومتهم، وإنما قصدوا بما قالوا دفع ما أتى به محمد صلى الله عليه ~~وسلم، وقوله: {من بعد ما استجيب له} [الشورى: 16] أي: من بعد ما دخل الناس ~~في الإسلام، وأجابوه إلى ما دعاهم إليه، {حجتهم داحضة عند ربهم} [الشورى: ~~16] خصومتهم باطلة حين زعموا أن دينهم أفضل من الإسلام، {وعليهم غضب ولهم ~~عذاب شديد} [الشورى: 16] في الآخرة. # {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب {17} ~~يستعجل بها الذين لا # PageV04P047 # يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين ~~يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد {18} الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو ~~القوي العزيز {19} } [الشورى: 17-19] . # {الله الذي أنزل الكتاب} [الشورى: 17] القرآن، بالحق بما ضمنه من الأمر ~~والنهي، والفرائض، والأحكام وكله حق من الله تعالى، وقوله: والميزان قال ~~قتادة، ومجاهد، ومقاتل: العدل. # وسمي العدل ميزانا، لأن الميزان آلة الإنصاف، والتسوية بين الخلق، قال ~~ابن عباس: أمر الله تعالى بالوفاء، ونهى عن البخس. # وقال مقاتل: وذكر النبي صلى الله عليه وسلم الساعة، وعنده قوم من ~~المشركين، فقالوا: متى تقوم الساعة؟ تكذيبا بها، فأنزل الله تعالى: {وما ~~يدريك لعل الساعة قريب} [الشورى: 17] . # وقد تقدم هذا في آخر { [الأحزاب. # ] يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها} [سورة الشورى: 18] لأنهم لا يخافون ما ~~فيها، إذ لم يؤمنوا بها، فهم ms1644 يطلبون قيامها إبعادا لكونها، {والذين آمنوا ~~مشفقون منها} [الشورى: 18] قال مقاتل: لأنهم لا يدرون على ما يهجمون. # وقال الزجاج: لأنهم يعلمون أنهم محاسبون، ومجزيون. # {ويعلمون أنها الحق} [الشورى: 18] أنها آتية لا ريب فيها، {ألا إن الذين ~~يمارون} [الشورى: 18] يدخلهم المرية والشك، {في الساعة لفي ضلال بعيد} ~~[الشورى: 18] حين لم يفكروا، فيعلموا أن الله الذي خلقهم أولا، قادر على ~~بعثهم. # {الله لطيف بعباده} [الشورى: 19] حفي، بار، رفيق بأوليائه وأهل طاعته، ~~وقال مقاتل: لطيف بالبر والفاجر، لا يهلكهم جوعا. # يدل على هذا قوله: {يرزق من يشاء} [الشورى: 19] فكل من رزقه الله تعالى ~~من مؤمن وكافر، # PageV04P048 # وذي روح، فهو ممن شاء الله أن يرزقه، وهو القوي على ما أراد من رزقه من ~~يرزقه، العزيز الغالب، فلا يغلب فيما أراد. # قوله: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا ~~نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب {20} أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ~~ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب ~~أليم {21} ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير {22} ~~} [الشورى: 20-22] . # {من كان يريد حرث الآخرة} [الشورى: 20] معنى الحرث في اللغة: الكسب، ~~يقال: هو يحرث لعياله ويحترث، أي: يكتسب، قال ابن عباس: من كان يريد العمل ~~لله بما يحب الله، ويرضى. # {نزد له في حرثه} [الشورى: 20] أعينه على عبادتي، وأسهل عليه، {ومن كان ~~يريد حرث الدنيا} [الشورى: 20] أي: من كان يسعى لدنياه، وآثرها على آخرته، ~~نؤته منها قال قتادة: أي: بقدر ما قسم له، كقوله: {من كان يريد العاجلة ~~عجلنا له فيها ما نشاء} [الإسراء: 18] . # {وما له في الآخرة من نصيب} [الشورى: 20] لأن عمل لدنياه، لا لآخرته، ~~وهذا يعني به الكافر. # قوله: {أم لهم شركاء} [الشورى: 21] يعني: كفار مكة، يقول: ألهم آلهة سنوا ~~لهم من الدين ما لم يأذن به الله؟ قال ابن عباس: شرعوا ms1645 لهم دينا غير دين ~~الإسلام. # {ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم} [الشورى: 21] لولا أن الله تعالى حكم في ~~كلمة الفصل بين الخلق، بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الآخرة، لفرغ من عذاب ~~الذين يكذبونك في الدنيا، وإن الظالمين الذين يكذبونك، {لهم عذاب أليم} ~~[الشورى: 21] في الآخرة. # ترى الظالمين يعني: في الآخرة، مشفقين خائفين، مما كسبوا من الكفر ~~والتكذيب، {وهو واقع بهم} [الشورى: 22] أي: وجزاؤه واقع بهم، قال الزجاج: ~~وجزاء كسبهم واقع بهم. # وباقي الآية ظاهر التفسير. # قوله: {ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا ~~أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن ~~الله غفور شكور {23} أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشإ الله يختم على # PageV04P049 # قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور {24} وهو ~~الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون {25} ويستجيب ~~الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد {26} ~~} [الشورى: 23-26] . # {ذلك الذي يبشر} [الشورى: 23] يعني: ما تقدم ذكره من الجنات، يبشر الله ~~به، {عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [الشورى: 23] ، وقوله: {قل لا ~~أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} [الشورى: 23] . ### | 817 - # أخبرنا أبو الفتح محمد بن علي الكوفي الصوفي، أنا أبو القاسم المؤمل بن ~~أحمد الشيباني، نا يحيى بن صاعد، نا عمرو بن علي، نا يزيد بن زريع، نا ~~شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن طاوس، قال: سأل رجل ابن عباس عن هذه ~~الآية: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} [الشورى: 23] فقال ~~سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس: عجبت أنه ~~لم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة، ~~وإنما قال: قل لا أسألكم أجرا إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة. # رواه البخاري، عن بندار، عن شعبة. # وقال الشعبي: أكثر الناس علينا في هذه الآية، فكتبنا إلى ابن عباس فسأله، ~~فكتب ms1646 ابن عباس: " إن رسول الله كان أوسط النسب في قريش، ليس بطن من بطونهم ~~إلا وقد ولدوه، فقال الله تعالى: {قل لا أسألكم} [الشورى: 23] على ما ~~أدعوكم إليه أجرا إلا أن تودوني في قرابتي منكم، وتحفظوني لها. # وقال عكرمة: لا أسألكم أجرا على ما أدعوكم إليه من الحق، إلا أن تحفظوني ~~في قرابتي بيني وبينكم، قال: وليس كما يقول الكذابون. # PageV04P050 # أخبرنا محمد بن عبد العزيز المروزي فيما كتب إلي، أنا محمد بن الحسين ~~الحدادي، أنا محمد بن يزيد بن يحيى، أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا علي بن عبد ~~الله مولى بني قراد، عن عبد الكريم وهو أبو أمية، قال: سألت مجاهدا عن هذه ~~الآية، فقال: " أما إني لا أقول قول الخشبية، يقول: يا معشر قريش، لا ~~أسألكم على ما أقول أجرا، ارقبوني في الذي بيني وبينكم، لا تعجلوا إلي، ~~ودعوني والناس ". # وهذا قول قتادة، ومقاتل، والسدي، والضحاك، وابن زيد، ورواية الوالبي، ~~والعوفي، عن ابن عباس. # وقال الحسن: إلا أن توددوا إلى الله تعالى، فيما يقربكم إليه من العمل ~~الصالح. ### | 818 - # أخبرنا أبو القاسم بن عبدان، نا محمد بن عبد الله الضبي، حدثني علي بن ~~حمشاذ، نا محمد بن شاذان الجوهري، نا حسن بن موسى الأشيب، نا قزعة بن سويد، ~~نا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~قال: «لا أسألكم على ما آتيتكم من البينات والهدى أجرا إلا أن توادوا الله ~~وأن تتقربوا إليه بطاعته» . # وفي الآية قول ثالث: ### | 819 - # أخبرنا أبو حسان المزكي، أنا أبو العباس محمد بن إسحاق، نا الحسن بن علي ~~بن زياد السدي، نا # PageV04P051 # يحيى بن عبد الحميد الحماني، نا حسين الأشقر، نا قيس، نا الأعمش، عن سعيد ~~بن جبير، عن ابن عباس، قال: " لما نزلت {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة ~~في القربى} [الشورى: 23] ، قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين يأمرنا ~~الله تعالى مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولديهما ". ### | 820 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا أبو الشيخ، نا ms1647 عبد الله بن محمد بن زكريا، ~~نا إسماعيل بن زيد، نا قتيبة بن مهران، # PageV04P052 # نا عبد الغفور أبو الصباح، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن علي رضي ~~الله عنه، قال: فينا في آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن، ثم قرأ: {قل ~~لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} [الشورى: 23] # وقال الكلبي: قل لا أسألكم على الإيمان جعلا، إلا أن تودوا أقاربي، حث ~~الله تعالى الناس عن ذوي قرابته. # وعلى الأقوال كلها قول: إلا المودة استثناء ليس من الأول، وليس المعنى ~~أسألكم المودة في القربى، لأن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون أجرا على ~~تبليغ الرسالة، والمعنى: ولكني أذكركم المودة في القربى، وأذكركم قرابتي ~~منكم، وغلط من قال: إن هذه الآية نسخت، بقوله: {قل ما سألتكم من أجر فهو ~~لكم} [سبأ: 47] ، وقوله: {قل ما أسألكم عليه من أجر} [الفرقان: 57] لأنه لا ~~يصح أن يقال: نسخت مودة النبي صلى الله عليه وسلم، وكف الأذى عنه لأجل ~~قرابته، ولا مودة آله وأقاربه، ولا التقرب إلى الله بالطاعة، ومن ادعى ~~النسخ، توهم أن الاستثناء متصل، ورأى إبطال الأجر في هاتين الآيتين، وليس ~~الأمر على ذلك، فإن الاستثناء منقطع، ولا تنافي بين هذه الآية، والآيتين ~~الأخرتين، وقوله: {ومن يقترف حسنة} [الشورى: 23] قال مقاتل: يكتسب حسنة ~~واحدة. # {نزد له فيها حسنا} [الشورى: 23] نضاعفها بالواحدة عشرا فصاعدا، {إن الله ~~غفور} [الشورى: 23] للذنوب، شكور للقليل حتى يضاعفه. # أم يقولون بل أيقولون، يعنى: كفار مكة، {افترى على الله كذبا} [الشورى: ~~24] حين زعم أن القرآن من عند الله، {فإن يشإ الله يختم على قلبك} [الشورى: ~~24] يربط على قلبك، بالصبر على أذاهم، حتى لا يشق عليك قولهم: إنه مفتر. # ثم أخبر أنه يذهب ما يقولونه باطلا، فقال: {ويمح الله الباطل ويحق الحق} ~~[الشورى: 24] أي: الإسلام، بكلماته بما أنزله من كتابه، وقد فعل الله ذلك، ~~فأزهق باطلهم، وأعلى كلمة الإسلام، {إنه عليم بذات الصدور} [الشورى: 24] ~~بما في قلوب خلقه. # {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} [الشورى: 25] قال ابن ms1648 عباس: يريد ~~أولياءه، وأهل طاعته. # {ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون} [الشورى: 25] من خير وشر، ومن قرأ ~~بالتاء فهو خطاب للمشركين، وتهديد لهم. # قوله: {ويستجيب الذين آمنوا وعملوا # PageV04P053 # الصالحات} [الشورى: 26] يجيبهم إلى ما يسألونه، وقال عطاء، عن ابن عباس: ~~{يثبت الله الذين آمنوا} [إبراهيم: 27] ، {ويزيدهم من فضله} [الشورى: 26] ~~سوى ثواب أعمالهم، تفضلا عليهم. # وقال أبو صالح عنه: يشفعهم في إخوانهم. # قوله: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء ~~إنه بعباده خبير بصير {27} وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر ~~رحمته وهو الولي الحميد {28} } [الشورى: 27-28] . # {ولو بسط الله الرزق لعباده} [الشورى: 27] قال خباب بن الأرت: فينا نزلت ~~هذه الآية، وذلك أنا نظرنا إلى أموال قريظة والنضير، فتمنيناها، فأنزل الله ~~هذه الآية. # قال مقاتل: يقول: لو أوسع الله الرزق لعباده، فرزقهم من غير كسب. # {لبغوا في الأرض} [الشورى: 27] لعصوا، وبطروا النعمة، وطلبوا ما ليس لهم ~~أن يطلبوه، {ولكن ينزل بقدر ما يشاء} [الشورى: 27] نظرا منه لأوليائه وأهل ~~طاعته، {إنه بعباده خبير بصير} [الشورى: 27] يعلم أنه لو أعطاهم ما يتمنون ~~بغوا. # قوله: {وهو الذي ينزل الغيث} [الشورى: 28] أي: المطر، {من بعد ما قنطوا} ~~[الشورى: 28] من بعد ما يئس الناس منه، وذلك أدعى لهم إلى شكر منزله، ~~والمعرفة بموقع إحسانه، قال مقاتل: حبس الله تعالى المطر عن أهل مكة سبع ~~سنين، حتى قنطوا، ثم أنزل الله المطر، فذكرهم النعمة. # وينشر رحمته يبسط مطره، وهو الولي لأهل طاعته، الحميد عند خلقه. # {ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا ~~يشاء قدير {29} وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير {30} ~~وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير {31} } ~~[الشورى: 29-31] . # {ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة} [الشورى: 29] يعني: ~~الناس وغيرهم من الملائكة، قال مجاهد: الناس والملائكة. # {وهو على جمعهم} [الشورى: 29] يوم القيامة في الآخرة، {إذا يشاء قدير} ~~[الشورى: 29] . # {وما أصابكم من ms1649 مصيبة} [الشورى: 30] يعني: ما يلحق المؤمن مما يكره من ~~نكبة حجر، أو عثرة قدم، فصاعدا، # PageV04P054 # {فبما كسبت أيديكم} [الشورى: 30] من المعاصي، {ويعفو عن كثير} [الشورى: ~~30] من السيئات، فلا يعاقب بها، وقال الحسن: لما نزلت هذه الآية، قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، ما من خدش عود، ولا عثرة قدم، ~~ولا اختلاج عرق، إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر» . ### | 821 - # أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الفضل، أنا عبد المؤمن بن خلف، أنا أبو ~~عبد الله محمد بن الحسين الحلبي، نا عبيد بن جناد الحلبي، نا عطاء بن مسلم، ~~عن أزهر بن راشد، عن الخضر بن القواس، عن أبي سخيلة، عن علي رضي الله عنه، ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير آية في كتاب الله: {وما ~~أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [الشورى: 30] يا علي، ما ~~من خدش ولا نكبة قدم إلا بذنب وما عفا الله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن ~~يعود فيه، وما عاقب عليه في الدنيا فهو أعدل من أن يثني على عبده ". # في # PageV04P055 # مصاحف المدينة والشام بما كسبت أيديكم بغير فاء، قال الزجاج: إثبات الفاء ~~أجود، لأن الفاء مجازاة جواب الشرط. # ومن حذف الفاء فعلى أن ما في معنى الذي، والمعنى: الذي أصابكم وقع بما ~~كسبت أيديكم. # وما أنتم يا معشر المشركين، {بمعجزين في الأرض} [الشورى: 31] لا تعجزونني ~~حيث ما كنتم، ولا تسبقونني هربا في الأرض، ولا في السماء لو كنتم فيها. # قوله: {ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام {32} إن يشأ يسكن الريح ~~فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور {33} أو يوبقهن بما ~~كسبوا ويعف عن كثير {34} ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ~~{35} فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين ~~آمنوا وعلى ربهم يتوكلون {36} } [الشورى: 32-36] . # {ومن آياته الجوار} [الشورى: 32] السفن التي تجري، {في البحر كالأعلام} ~~[الشورى: 32] كالجبال، جمع علم، وهو الجبل الطويل ms1650. # {إن يشأ يسكن الريح} [الشورى: 33] التي تجريها، فيظللن يعني: الجواري، ~~رواكد يعني: ثوابت على ظهر البحر، لا تجري ولا تبرح، {إن في ذلك} [الشورى: ~~33] الذي ذكر، {لآيات لكل صبار شكور} [الشورى: 33] أي: لكل مؤمن، لأن من ~~صفة المؤمن الصبر في الشدة، والشكر في الرخاء. # أو يوبقهن يهلكهن ويغرقهن، يعني: أهلها، بما كسبوا بما أشركوا، واقترفوا ~~من الذنوب، {ويعف عن كثير} [الشورى: 34] من ذنوبهم، فينجيهم من الهلكة، ولا ~~يفرقهم. # {ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص} [الشورى: 35] يعني: أن ~~الكفار الذين يكذبون بالقرآن، إذا صاروا إلى الله تعالى بعد البعث، علموا ~~ألا مهرب لهم من عذاب الله، والوجه قراءة ويعلم رفعا، لأنه يقطعه من الأول، ~~ويجعله جملة معطوفة على جملة، ومن قرأ بالنصب، فقال الفراء: هو مردود على ~~الجزم، إلا أنه صرف، والجزم إذا صرف عنه # PageV04P056 # معطوفة نصب. # قوله: {فما أوتيتم من شيء} [الشورى: 36] مفسر فيما تقدم إلى قوله: للذين ~~آمنوا وهو بيان أن ما عند الله خير للمؤمنين، لا للكافرين، فقد استوى ~~الفريقان في أن ما أعطوه من الدنيا متاع يتمتعون به ثم يزول، فإذا صاروا ~~إلى الآخرة كان ما عند الله خيرا {للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} [الشورى: ~~36] . # {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون {37} ~~والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ~~ينفقون {38} والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون {39} وجزاء سيئة سيئة ~~مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين {40} ولمن انتصر ~~بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل {41} إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ~~ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم {42} ولمن صبر وغفر إن ذلك ~~لمن عزم الأمور {43} } [الشورى: 37-43] . # {والذين يجتنبون كبائر الإثم} [الشورى: 37] تقدم تفسير الكبائر في { ~~[النساء، وقرأ حمزة: كبير الإثم على الواحد وهو يريد الجمع، كقوله:] وإن ~~تعدوا نعمة الله} [سورة النحل: 18] ، أو يريد بكبير الإثم: الشرك، على ما ~~فسره ابن عباس، قال: يريد: الشرك. # وقوله: والفواحش يعني: الزنا وأنواعه، وقال ms1651 مقاتل: يعني: ما تقام فيه ~~الحدود في الدنيا. # {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} [الشورى: 37] أي: يكظمون الغيظ، ويعفون عمن ~~ظلمهم، يطلبون بذلك ثواب الله تعالى، وعفوه. # {والذين استجابوا لربهم} [الشورى: 38] أجابوه إلى ما دعاهم إليه، من ~~توحيد الله تعالى، وعبادته، {وأمرهم شورى بينهم} [الشورى: 38] هي فعلى من ~~المشاورة، وهي الأمر الذي يتشاور فيه، يقال: صار هذا الأمر شورى بين القوم، ~~إذا تشاوروا فيه، والمعنى: أنهم يتشاورون فيما يبدو لهم، ولا يعجلون في ~~الأمر، قال الحسن: والله ما تشاور قوم قط، إلا هداهم الله لأفضل ما ~~بحضرتهم. ### | 822 - # أخبرنا الأستاذ أبو عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز الفقيه، أنا أبو عمرو ~~محمد بن أحمد الحيري، أنا # PageV04P057 # الحسن بن سفيان، نا عبد الله بن معاوية الجمحي، نا صالح المري، عن سعيد ~~الجريري، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأمركم شورى بينكم ~~فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم ~~وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها» . # قوله: {والذين إذا أصابهم البغي} [الشورى: 39] الظلم والعدوان، هم ~~ينتصرون ممن ظلمهم، قال عطاء: يعني المؤمنين الذين أخرجهم الكفار من مكة، ~~وبغوا عليهم، ثم مكنهم الله في الأرض، حتى انتصروا ممن ظلمهم. # وقال ابن زيد: جعل الله المؤمنين صنفين: صنف يعفون عن ظالمهم، فبدأ ~~بذكرهم، وهو قوله: {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} [الشورى: 37] : وصنف ينتصرون ~~من ظالمهم، وهم الذين ذكروا في هذه الآية. # ومن انتصر فأخذ بحقه، ولم يجاوز في ذلك ما حد الله تعالى له، فهو مطيع ~~لله، ومن أطاع الله فهو محمود. # ثم ذكر حد الانتصار، فقال: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40] قال ~~مقاتل: يعني القصاص في الجراحات والدماء. # وقال مجاهد، والسدي: هو جواب القبيح إذا قال: أخزاك الله، يقول: أخزاك ~~الله من غير أن يعتدي. # ثم ذكر العفو، فقال: فمن عفا أي: عمن ظلمه، وأصلح بالعفو بينه وبين ~~ظالمه، {فأجره على الله} [الشورى ms1652: 40] ضمن الله تعالى له أجره بالعفو، وقال ~~الحسن: إذا كان يوم القيامة، قام مناد، فنادى: من كان له على الله أجر ~~فليقم، فلا يقوم إلا من عفا، ثم قرأ هذه الآية: {إنه لا يحب الظالمين} ~~[الشورى: 40] . # قال مقاتل: يعني من يبدأ بالظلم. # ثم ذكر المنتصر، فقال: {ولمن انتصر بعد ظلمه} [الشورى: 41] بعد ظلم ~~الظالم إياه، والمصدر ههنا مضاف إلى المفعول، كقوله: {من دعاء الخير} ~~[فصلت: 49] ، وبسؤال نعجتك، فأولئك يعني: المنتصرين {ما عليهم من سبيل} ~~[الشورى: 41] بعقوبة ومؤاخذة. # {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} [الشورى: 42] قال # PageV04P058 # ابن عباس: يريد: يبدءون بالظلم. # {ويبغون في الأرض بغير الحق} [الشورى: 42] يعملون فيها بالمعاصي. # ولمن صبر فلم ينتصر، {وغفر إن ذلك} [الشورى: 43] الصبر والتجاوز، {لمن ~~عزم الأمور} [الشورى: 43] قال مقاتل: من الأمور التي أمر الله بها. # وقال الزجاج: الصابر يؤتى بصبره ثوابا، فالرغبة في الثواب أتم عزم. # {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب ~~يقولون هل إلى مرد من سبيل {44} وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون ~~من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم ~~القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم {45} وما كان لهم من أولياء ينصرونهم ~~من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل {46} } [الشورى: 44-46] . # {ومن يضلل الله} [الشورى: 44] عن الهدى، {فما له من ولي من بعده} ~~[الشورى: 44] فما له من أحد يلي هدايته، بعد إضلال الله إياه، وترى ~~الظالمين المشركين، {لما رأوا العذاب} [الشورى: 44] في الآخرة، يسألون ~~الرجعة إلى الدنيا، يقولون: {هل إلى مرد من سبيل} [الشورى: 44] . # {وتراهم يعرضون عليها} [الشورى: 45] على النار، قبل دخولهم النار، ~~{خاشعين من الذل} [الشورى: 45] ساكنين، متواضعين، {ينظرون من طرف خفي} ~~[الشورى: 45] يعني: خفي النظر لما عليهما من الذل، يسارقون النظر إلى ~~النار، خوفا منها، وذلة في أنفسهم، وعرف المؤمنون خسران الكافرين ذلك ~~اليوم، فقالوا: {إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم} [الشورى: 45] بأن صاروا ~~إلى النار، وأهليهم في الجنة، بأن صاروا لغيرهم، قال الله ms1653 تعالى: {ألا إن ~~الظالمين في عذاب مقيم} [الشورى: 45] . # قوله: {وما كان لهم من أولياء ينصرونهم} [الشورى: 46] ظاهر. # قوله: {استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ~~ملجأ يومئذ وما لكم من نكير {47} فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن ~~عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة ~~بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور {48} } [الشورى: 47-48] . # PageV04P059 # استجيبوا لربكم أجيبوا داعي ربكم، يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم، {من ~~قبل أن يأتي يوم} [الشورى: 47] لا يقدر أحد على رده ودفعه، وهو يوم ~~القيامة، {ما لكم من ملجأ يومئذ} [الشورى: 47] تلجئون إليه، {وما لكم من ~~نكير} [الشورى: 47] إنكار وتغيير للعذاب. # قوله: فإن أعرضوا عن الإجابة، {فما أرسلناك عليهم حفيظا} [الشورى: 48] ~~تحفظ أعمالهم، وإنما أرسلناك داعيا ومبلغا، وهو قوله: {إن عليك إلا البلاغ} ~~[الشورى: 48] ما عليك إلا أن تبلغهم، {وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة} ~~[الشورى: 48] قال ابن عباس: يعني الغنى والصحة. # فرح بها يعني: الكافر، {وإن تصبهم سيئة} [الشورى: 48] يعني: قحط المطر، ~~{بما قدمت أيديهم} [الشورى: 48] من الكفر، {فإن الإنسان كفور} [الشورى: 48] ~~أي: لما تقدم من نعمة الله عليه، ينسى ويجحد بأول شديدة جميع ما سلف من ~~النعم. # {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء ~~الذكور {49} أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير ~~{50} } [الشورى: 49-50] . # {لله ملك السموات والأرض} [الشورى: 49] له التصرف فيهما بما يريد، {يخلق ~~ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا} [الشورى: 49] يعني: البنات ليس فيهم ذكر، كما ~~وهب للوط عليه السلام، لم يولد له إلا بنات، {ويهب لمن يشاء الذكور} ~~[الشورى: 49] يعني: البنين ليس معهم أنثى، كإبراهيم عليه السلام، لم يولد ~~له إلا ذكور. # أو يزوجهم يعني: الإناث والذكور، يجعلهم أزواجا، وهو أن يولد للرجل ذكور ~~وإناث، قال الحسن: يجمع لهم الإناث والذكران، كما جمع لمحمد صلى الله عليه ~~وسلم. # فإنه ولد له أربعة بنين وأربع بنات، {ويجعل من ms1654 يشاء عقيما} [الشورى: 50] ~~لا يولد له، كعيسى ويحيى عليهما السلام، والآية عامة، وهذه الأقسام موجودة ~~في غير الأنبياء، وإنما ذكر الأنبياء تمثيلا، إنه عليم بما خلق، قدير على ~~ما يشاء. # قوله: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل ~~رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم {51} وكذلك أوحينا إليك روحا من ~~أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء ~~من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم {52} صراط الله الذي له ما في ~~السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور {53} } [الشورى: 51-53] . # {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا} [الشورى: 51] يريد الوحي في ~~المنام، أو الإلهام، كما كان الأنبياء # PageV04P060 # عليهم السلام، {أو من وراء حجاب} [الشورى: 51] كما كلم موسى عليه السلام، ~~يريد أن كلامه يسمع من حيث لا يرى، كما يرى سائر المتكلمين ليس إن ثم حجابا ~~يفصل موضعا من موضع، فيدل ذلك على تحديد المحجوب، فهو بمنزلة ما يسمع من ~~وراء حجاب، حيث لم ير المتكلم، {أو يرسل رسولا} [الشورى: 51] جبريل، أو ~~غيره من الملائكة، فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن الله، ما يشاء ~~الله، قال الزجاج: المعنى: أن كلام الله للبشر، إما أن يكون بإلهام يلهمهم ~~الله، أو يكلمهم من وراء حجاب، كما كلم موسى، أو برسالة ملك إليهم، وتقدير ~~الكلام: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي وحيا، أو يكلمه من وراء ~~حجاب، أو يرسل رسولا. # ومن قرأ يرسل رفعا، أراد وهو يرسل، فهو ابتداء واستئناف، والوقف كاف على ~~ما قبله. # {وكذلك أوحينا إليك} [الشورى: 52] أي: فعلنا في الوحي إليك، كما فعلنا ~~بالرسل من قبلك، {روحا من أمرنا} [الشورى: 52] قال مقاتل: يعين الوحي ~~بأمرنا. # ومعناه: القرآن، لأنه يهتدى به، ففيه حياة من موت الكفر، {ما كنت تدري} ~~[الشورى: 52] قبل الوحي، {ما الكتاب ولا الإيمان} [الشورى: 52] لأنه كان لا ~~يعرف القرآن قبل الوحي، وما كان يعرف شرائع الإيمان ومعالمه، وهي ms1655 كلها ~~إيمان، وهذا القول هو اختيار إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة، واحتج ~~بقوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143] يعني: الصلاة ~~سماها إيمانا، وشيخنا الأستاذ أبو إسحاق، يقول في هذا التخصيص بالوقت، ~~فقال: كان هذا قبل البلوغ، وحين كان طفلا في المهد ما كان يعرف الإيمان. # والحسين بن الفضل البجلي يجعل الآية من باب حذف المضاف، يقول: معناه: ولا ~~أهل الإيمان، يعني: من الذي يؤمن، ومن الذي لا يؤمن؟ إجماع الأصوليين على ~~أن الرسل قبل الوحي كانوا مؤمنين، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يعبد ~~الله قبل الوحي على دين إبراهيم عليه السلام. # PageV04P061 ### | 823 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن النصراباذي، أنا الإمام أبو بكر محمد بن ~~علي القفال الشاشي، أنا الحسين بن موسى بن خلف الرسعني، نا إسحاق بن زريق، ~~نا إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التميمي، نا أبو سيار، عن الضحاك، عن ~~النزال بن سبرة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قيل للنبي صلى الله ~~عليه وسلم: " هل عبدت وثنا قط؟ قال: لا. # قالوا: هل شربت خمرا قط؟ قال: لا، وما زلت أعرف أن الذي هم عليه كفر، وما ~~كنت أدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولذلك أنزل الله في القرآن: {ما كنت تدري ~~ما الكتاب ولا الإيمان} [الشورى: 52] . # قوله: ولكن جعلناه يعني: القرآن، نورا يعني: ضياء، ودليلا على التوحيد ~~والإيمان، {نهدي به من نشاء من عبادنا} [الشورى: 52] نرشده إلى الدين الحق، ~~وإنك لتهدي قال ابن عباس، ومقاتل، والسدي، وقتادة: وإنك لتدعو. # فالهدى ههنا دعوة وبيان، والمعنى: وإنك لتدعو بما أوحينا إليك، إلى طريق ~~مستقيم، يعني: الإسلام. # {صراط الله الذي} [الشورى: 53] شرعه لعباده، الذي {له ما في السموات وما ~~في الأرض} [الشورى: 53] ملكا وخلقا، {ألا إلى الله تصير الأمور} [الشورى: ~~53] يعني: أمور الخلائق في الآخرة. # PageV04P062 ### | تفسير سورة حم الزخرف # مكية، وهي ثمانون وتسع آيات. ### | 824 - # أخبرنا محمد بن علي بن أحمد العزايمي، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر، ~~نا إبراهيم بن شريك، نا ms1656 أحمد بن يونس، نا سلام بن سلهم، نا هارون بن كثير، ~~عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: " ومن قرأ سورة الزخرف كان ممن يقال له يوم القيامة: ~~يا عبادي، لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون، ادخلوا الجنة بغير حساب ". # بسم الله الرحمن الرحيم {حم {1} والكتاب المبين {2} إنا جعلناه قرءانا ~~عربيا لعلكم تعقلون {3} وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم {4} أفنضرب عنكم ~~الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين {5} } [الزخرف: 1-5] . # {حم {1} والكتاب المبين {2} } [الدخان: 1-2] أقسم الله تعالى بالقرآن، ~~الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة، وأبان ما تحتاج إليه الأمة في ~~الشريعة. # {إنا جعلناه قرءانا عربيا} [الزخرف: 3] أي: صيرنا قراءة هذا الكتاب ~~عربيا، لأن من التنزيل ما هو عبري وسرياني، وكتاب محمد صلى الله عليه وسلم ~~يقرأ بالعربية، وهذا يدل على أنه إذا قرئ بغير العربية لا يكون قرآنا. # وإنه يعني: القرآن، {في أم الكتاب} [الزخرف: 4] في اللوح المحفوظ، قال ~~الزجاج: أم الكتاب: أصل الكتاب، وأصل كل شيء أمه، والقرآن مثبت عند الله في ~~اللوح المحفوظ، كما قال: {بل هو قرءان مجيد {21} في لوح محفوظ {22} } ~~[البروج: 21-22] . # وقوله: لدينا قال ابن عباس: يريد الذي عندنا. # لعلي حكيم قال # PageV04P063 # قتادة: يخبر عن منزلته وشرفه، وفضله، أي: إن كذبتم به يأهل مكة، فإنه ~~عندنا رفيع شريف، محكم من الباطل. # قوله: {أفنضرب عنكم الذكر صفحا} [الزخرف: 5] يقال: ضربت عنه، وأضربت عنه، ~~أي: تركته، وأمسكت عنه، والصفح مصدر قولهم: صفحت، عند إذا أعرضت عنه، وذلك ~~أنك توليه صفحة وجهك وعنقك، والمراد بالذكر ههنا القرآن، قال الكلبي: يقول ~~الله لأهل مكة: أفنترك عنكم الوحي صفحا، فلا نأمركم ولا ننهاكم، ولا نرسل ~~إليكم رسولا؟ وهذا استفهام معناه الإنكار، أي: لا نفعل ذلك، ومعنى الآية: ~~أفنمسك عن إنزال القرآن ونهملكم، فلا نعرفكم ما يجب عليكم، من أجل أنكم ~~أسرفتم في كفركم؟ وهو قوله: {أن كنتم قوما مسرفين} [الزخرف: 5] والمعنى: ~~لأن كنتم، والكسر في إن ms1657 على أنه جزاء استغنى عن جوابه بما تقدمه، كما تقول: ~~أنت ظالم إن فعلت كذا. # قال الفراء: ومثله {ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم} [المائدة: 2] بالفتح ~~والكسر، وقد تقدم. # ثم عزى نبيه صلى الله عليه وسلم، بقوله: {وكم أرسلنا من نبي في الأولين ~~{6} وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزءون {7} فأهلكنا أشد منهم بطشا ~~ومضى مثل الأولين {8} } [الزخرف: 6-8] . # {وكم أرسلنا من نبي} [الزخرف: 6] إلى قوله: {فأهلكنا أشد منهم بطشا} ~~[الزخرف: 8] أقوى من قومك، يعني: الأولين الذين أهلكوا بتكذيبهم الرسل، ~~{ومضى مثل الأولين} [الزخرف: 8] سبق فيما أنزلنا إليك تشبيه حال الكفار ~~الماضية بحال هؤلاء في التكذيب، ولما أهلكوا أولئك بتكذيبهم، فعاقبة هؤلاء ~~أيضا إلى هلاك. # {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم {9} الذي ~~جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون {10} والذي نزل من ~~السماء ماء بقدر فأنشرنا # PageV04P064 # به بلدة ميتا كذلك تخرجون {11} والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك ~~والأنعام ما تركبون {12} لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا ~~استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين {13} وإنا ~~إلى ربنا لمنقلبون {14} } [الزخرف: 9-14] . # ولئن سألتهم سألت قومك، {من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز ~~العليم} [الزخرف: 9] أقروا بعزتي وعلمي، وهذا إخبار عن غاية جهلهم، إذ ~~أقروا بأن الله خلق السموات والأرض، ثم عبدوا معه غيره، وأنكروا قدرته على ~~البعث، وقد تم الإخبار عنهم. # ثم ابتدأ جل وعز دالا على نفسه بصنيعه، فقال: {الذي جعل لكم الأرض مهدا} ~~[الزخرف: 10] وتفسير هذه الآية قد سبق في { [طه، وقوله:] لعلكم تهتدون} ~~[سورة الزخرف: 10] لكي تهتدوا في أسفاركم إلى مقاصدكم. # {والذي نزل من السماء ماء بقدر} [الزخرف: 11] قال ابن عباس: يريد ليس كما ~~أنزل على قوم نوح بغير قدر، حتى أغرقهم وأهلكهم، بل هو بقدر، حتى يكون ~~معاشا لكم، ولأنعامكم. # {والذي خلق الأزواج كلها} [الزخرف: 12] الأصناف والضروب والألوان، والذكر ~~والأنثى، وكل هذا قول للمفسرين، {وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون} ~~[الزخرف: 12] في ms1658 البحر، والبر. # {لتستووا على ظهوره} [الزخرف: 13] على ظهور ما جعل لكم، فالكناية تعود ~~إلى لفظ ما، {ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه} [الزخرف: 13] يعني: ~~النعمة بتسخير ذلك المركب في البر والبحر، قال مقاتل، والكلبي: هو أن يقول: ~~الحمد لله الذي رزقني هذا، وحملني عليه. # {وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا} [الزخرف: 13] ذلل لنا هذا المركب، قال ~~قتادة: قد علمكم كيف تقولون إذا ركبتم. # {وما كنا له مقرنين} [الزخرف: 13] قال ابن عباس: يريد: ولا طاقة لنا ~~بالإبل، ولا بالفلك، ولا بالبحر لولا أن الله تعالى سخره لنا. # ومعنى المقرن: المطيق، يقال: أقرنت هذا البعير، أي: أطقته. ### | 825 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي، أنا علي بن محمد بن أحمد ~~بن عطية، نا الحارث بن أبي أسامة، نا روح، نا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، ~~أن عليا الأزدي أخبره، أن ابن # PageV04P065 # عمر علمه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره ~~خارجا في سفره كبر ثلاثا، وقال: " {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له ~~مقرنين} [الزخرف: 13] {وإنا إلى ربنا لمنقلبون} [الزخرف: 14] اللهم إنا ~~نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، والعمل بما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا ~~واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال، ~~اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل ~~والمال ". # وإذا رجع، قال: «آيبون تائبون لربنا حامدون» . # رواه مسلم، عن هارون بن عبد الله، عن حجاج، عن ابن جريج، ورواه إسحاق ~~الحنظلي في تفسيره، عن روح. # ثم رجع إلى ذكر الكفار الذين قدم ذكرهم، فقال: {وجعلوا له من عباده جزءا ~~إن الإنسان لكفور مبين {15} أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين {16} ~~وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم {17} أومن ينشأ ~~في الحلية وهو في الخصام غير مبين {18} } [الزخرف: 15-18] . # {وجعلوا له من عباده جزءا} [الزخرف: 15] حكموا بأن بعض العباد، وهم ~~الملائكة، له أولاد، ومعنى الجعل ههنا: الحكم بالشيء ms1659، وهذا معنى قول ابن ~~عباس، ومجاهد، والحسن، قالوا: زعموا أن الملائكة بنات الله. # تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وقال الأزهري: ومعنى الآية: أنهم ~~جعلوا لله من عباده نصيبا على معنى أنهم جعلوا نصيب الله من الولد. # إن الإنسان يعني: الكافر، لكفور جحود لنعم الله، مبين ظاهر الكفران. # ثم أنكر عليهم هذا، فقال: {أم اتخذ مما يخلق بنات} [الزخرف: 16] وهذا ~~استفهام توبيخ وإنكار، يقول: أتخذ ربكم لنفسه البنات؟ وأصفاكم أخلصكم، ~~بالبنين كقوله: {أفأصفاكم ربكم بالبنين} [الإسراء: 40] الآية. # ثم زاد في الاحتجاج عليهم بقوله: {وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا} ~~[الزخرف: 17] بما جعل لله شبها، وذلك أن ولد كل شيء شبيهه وجنسه، والآية ~~مفسرة في { [النحل. # ثم وبخهم بما افتروه، فقال:] أومن ينشأ # PageV04P066 # في الحلية} [سورة الزخرف: 18] قال المبرد: تقدير الآية: أوتجعلون له من ~~ينشأ في الحلية؟ يعني: البنت تنبت في الزينة، وقرأ حمزة: ينشأ بالتشديد على ~~غير تسمية الفاعل، وهو رديء، لأنه لم يحك في اللغة نشأ بمعنى أنشأ، إلا أن ~~قال: إنه في القياس بلغ وأبلغ، وفرج وأفرج. # {وهو في الخصام} [الزخرف: 18] يعني: المخاصمة، غير مبين للحجة، قال ~~قتادة: قل ما تتكلم امرأة بحجتها، إلا تكلمت بالحجة عليها. # {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ~~ويسألون {19} وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم ~~إلا يخرصون {20} أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون {21} بل قالوا ~~إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون {22} } [الزخرف: 19-22] ~~وجعلوا الملائكة الجعل ههنا بمعنى القول، والحكم على الشيء، كما تقول: جعلت ~~زيدا أفضل الناس، أي: وصفته بذلك، وحكمت به، {الذين هم عباد الرحمن} ~~[الزخرف: 19] وقرئ: عند الرحمن وكل صواب، وقد جاء التنزيل بالأمرين جميعا ~~في وصف الملائكة، وذلك قوله: {بل عباد مكرمون} [الأنبياء: 26] ، وقوله: {إن ~~الذين عند ربك لا يستكبرون} [الأعراف: 206] ، وفي قوله: عند الرحمن دلالة ~~على رفع # PageV04P067 # المنزلة، والقربة من الكرامة، وقوله: إناثا يعني قولهم: الملائكة بنات ~~الله، قال الله تعالى ms1660: أشهدوا خلقهم من الشهادة التي هي بمعنى الحضور، ~~وبخوا على ما قالوا ما لم يشاهدوا، مما يعلم بالمشاهدة، وقرأ نافع: أو ~~أشهدوا خلقهم على أفعلوا من الإشهاد، وقبلها همزة الاستفهام، وتخفيف الهمزة ~~الثانية على معنى: أحضروا خلقهم حتى علموا أنهم إناث؟ وهذا كقوله: {أم ~~خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون} [الصافات: 150] ، قال ابن عباس: يريد: ~~أحضروا أم عاينوا خلقهم؟ وقال الكلبي، ومقاتل: لما قالوا هذا القول، سألهم ~~النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «وما يدريكم أنهم إناث؟» قالوا: سمعنا من ~~آبائنا، ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا أنهم إناث. # فقال الله تعالى: {ستكتب شهادتهم ويسألون} [الزخرف: 19] عنها في الآخرة. # {وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم} [الزخرف: 20] يعني: بني مليح من ~~خزاعة، كانوا يعبدون الملائكة، {وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم ~~بذلك من علم} [الزخرف: 20] أي: بما قالوا من قولهم: الملائكة إناث، وهم ~~بنات الله، أخبر الله تعالى أنهم لم يقولوا ذلك عن علم، وأنهم كذبوا في ~~ذلك، وهو قوله: {إن هم إلا يخرصون} [الزخرف: 20] أي: ما هم إلا كاذبون فيما ~~قالوا، ولم يتعرض لقولهم: {لو شاء الرحمن ما عبدناهم} [الزخرف: 20] بشيء، ~~قال صاحب النظم: لأن هذا القول من الكفار حق، وإن كان من الكفار. # وهذا كقوله: {وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء} ~~[النحل: 35] . # وإن جعلت قوله: {ما لهم بذلك من علم} [الزخرف: 20] ردا لقولهم: {لو شاء ~~الرحمن ما عبدناهم} [الزخرف: 20] كان المعنى: أنهم قالوا: إن الله قررنا ~~على عبادتها، فلا يعاقبنا، لأنه رضي بذلك منا. # وهذا كذب منهم، لأن الله تعالى وإن أراد كفر الكافر لا يرضاه، وتقريره ~~الكافر على كفره، لا يكون # PageV04P068 # رضا منه. # قوله: {أم آتيناهم كتابا من قبله} [الزخرف: 21] يقول: هل أعطيناهم كتابا ~~من قبل القرآن، بأن يعبدوا غير الله، {فهم به مستمسكون} [الزخرف: 21] ~~يأخذون بما فيه؟ ثم أعلم أنهم اتبعوا ملة آباءهم في الضلالة، فقال: {بل ~~قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة} [الزخرف: 22] على سنة وملة، ودين، {وإنا ~~على آثارهم ms1661 مهتدون} [الزخرف: 22] جعلوا أنفسهم باتباع آبائهم مهتدين، وليست ~~لهم حجة إلا تقليد آبائهم. # ثم أخبر الله أن غيرهم قال هذا القول. # فقال: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا ~~وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون {23} قال أولو جئتكم بأهدى ~~مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون {24} فانتقمنا منهم ~~فانظر كيف كان عاقبة المكذبين {25} } [الزخرف: 23-25] . # وكذلك أي: وكما قالوا، {ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال ~~مترفوها} [الزخرف: 23] ملوكها وأغنياؤها، ورؤساؤها: {إنا وجدنا آباءنا على ~~أمة وإنا على آثارهم مقتدون} [الزخرف: 23] بهم. # فقال الله تعالى لنبيه عليه السلام، قال: {أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم ~~عليه آباءكم} [الزخرف: 24] قال الزجاج: قل لهم: أتتبعون ما وجدتم عليه ~~آباءكم، وإن جئتكم بأهدى منه؟ فأبوا أن يقبلوا ذلك، {قالوا إنا بما أرسلتم ~~به} [الزخرف: 24] أيها الرسل، كافرون. # ثم ذكر ما فعل بالأمم المكذبة، تخويفا لهم، فقال: فانتقمنا منهم الآية، ~~يعني: ما صنع بقوم نوح، وعاد، وثمود. # قوله: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون {26} إلا الذي ~~فطرني فإنه سيهدين {27} وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون {28} } ~~[الزخرف: 26-28] . # {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه} [الزخرف: 26] يعني: حين خرج من المسرب، ~~وهو ابن سبع عشرة سنة، رأى قومه وأباه يعبدون الأصنام، فقال لهم: {إنني ~~براء مما تعبدون} [الزخرف: 26] والبراء: مصدر لا يثنى، ولا يجمع، ويريد ~~بالمصدر الفاعل. # ثم استثنى خالقه من البراء، فقال: {إلا الذي فطرني فإنه سيهدين} [الزخرف: ~~27] يرشدني لدينه. # وجعلها وجعل كلمة التوحيد، وهى لا إله إلا الله، {كلمة باقية في عقبه} ~~[الزخرف: 28] في ذرية إبراهيم، ونسله، قال قتادة: لا يزال في ذريته من يعبد ~~الله ويوحده. # لعلهم يرجعون لعل أهل مكة يتبعون هذا الدين، ويرجعوه إلى دينك دين ~~إبراهيم، إذ كانوا من ولده، قال السدي: لعلهم يتوبون، ويرجعون عما هم عليه ~~إلى عبادة # PageV04P069 # الله. # ثم ذكر نعمته على قريش، فقال: {بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ~~ورسول مبين ms1662 {29} ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون {30} وقالوا ~~لولا نزل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم {31} أهم يقسمون رحمت ربك ~~نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ~~ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون {32} ولولا أن يكون الناس ~~أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها ~~يظهرون {33} ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون {34} وزخرفا وإن كل ذلك ~~لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين {35} } [الزخرف: 29-35] . # {بل متعت هؤلاء وآباءهم} [الزخرف: 29] يعني: المشركين، يقول: أمتعتهم ~~بأنفسهم وأموالهم، وأنواع النعم، ولم أعاجلهم بعقوبة كفرهم، {حتى جاءهم ~~الحق} [الزخرف: 29] يعني: القرآن، ورسول مبين يبين لهم الأحكام والدين، ~~وكان من حق هذا الإنعام أن يطيعوا الرسول بإجابته، فلم يجيبوه، وعصوا. # وهو قوله: {ولما جاءهم الحق} [الزخرف: 30] يعني: القرآن، {قالوا هذا سحر ~~وإنا به كافرون} [الزخرف: 30] . # {وقالوا لولا نزل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم} [الزخرف: 31] ~~يعنون: الوليد بن المغيرة بمكة، وعروة بن مسعود الثقفي بالطائف. # فقال الله عز وجل ردا عليهم، وإنكارا لما قالوا: {أهم يقسمون رحمت ربك} ~~[الزخرف: 32] يعني: النبوة، وذلك أنهم اعترضوا على الله بقولهم: لم لم ينزل ~~هذا القرآن على غير محمد صلى الله عليه وسلم؟ فبين الله أنه هو الذي يقسم ~~النبوة لا غيره، قال مقاتل: يقول: أبأيديهم مفاتيح الرسالة، فيضعونها حيث ~~شاءوا؟ ثم قال: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} [الزخرف: 32] ~~أي: قسمنا الرزق في المعيشة، وليس لأحد أن يتحكم في شيء من ذلك، فكما فضلنا ~~بعضهم على بعض في الرزق، كذلك اصطفينا للرسالة من نشاء، ومعنى الآية: إنا ~~تولينا قسم معايشهم، فكذلك تولينا قسم النبوة. ### | 826 - # أخبرنا أبو القاسم بن عبدان، نا محمد بن عبد الله البايع، نا محمد بن ~~يعقوب الشيباني، نا محمد بن عبد الوهاب، أنا يعلى بن عبيد، نا أبان بن ~~إسحاق، عن الصباح بن محمد، عن مرة، عن عبد الله: {أهم يقسمون رحمت ربك # PageV04P070 # نحن قسمنا بينهم معيشتهم} [الزخرف ms1663: 32] الآية. # قال عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قسم بينكم ~~أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا من أحب ومن لا يحب، ~~ولا يعطي الدين إلا من أحب فمن أعطاه الدين فقد أحبه. # وقال قتادة في قوله: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم} [الزخرف: 32] : تلقى ~~الرجل ضعيف الحيلة، عيي اللسان، وهو مبسوط له في الرزق، وتلقاه شديد ~~الحيلة، بسط اللسان، وهو مقتر عليه. # وقوله: {ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} [الزخرف: 32] يعني: الفضل في الغنى ~~والمال، {ليتخذ بعضهم بعضا سخريا} [الزخرف: 32] ليستخدم بعضهم بعضا، فيتسخر ~~الأغنياء بأموالهم الفقراء، ليلتئم قوام أمر العالم، وقال قتادة: ليملك ~~بعضهم بما لهم بعضا، فيتخذونهم عبيدا ومماليك. # وقوله: {ورحمت ربك خير مما يجمعون} [الزخرف: 32] يعني: الجنة للمؤمنين ~~خير مما يجمع الكفار من الدنيا، أي: النبوة لك خير من أموالهم التي ~~يجمعونها. # ثم أخبر عن قلة الدنيا عنده، فقال: {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة} ~~[الزخرف: 33] لولا أن يجتمعوا على الكفر، {لجعلنا لمن يكفر بالرحمن} ~~[الزخرف: 33] لهوان الدنيا عندنا، {لبيوتهم سقفا من فضة} [الزخرف: 33] ~~يعني: سماء البيت، وهو واحد يدل على الجمع، وعلم بقوله: لبيوتهم أي: أن لكل ~~بيت سقفا، وقرئ: سقفا وهو جمع سقف، مثل رهن ورهن، وفرس ورد، وخيل ورد، ~~ومعارج يعني: الدرج، عليها يظهرون يرتقون ويعلون، يقال: ظهر على البيت وعلى ~~السطح، إذا علاه. # ولبيوتهم أبوابا أي: من فضة، وسررا من فضة، وهو جمع سرير، عليها يتكئون ~~من الاتكاء، وهو التحامل على الشيء. # وزخرفا كلهم قالوا: إنه الذهب. # والمعنى: ونجعل لهم مع ذلك ذهبا وغنى، ومعنى الآية: لولا أن تميل الدنيا ~~بالناس، فيصير الخلق كفارا، لأعطى الله # PageV04P071 # الكافر في الدنيا غاية ما يتمنى فيها، لقلتها عنده، ولكنه عز وجل لم يفعل ~~ذلك، لعلمه بأن الغالب على الخلق حب العاجلة، ثم أخبر أن جميع ما ذكر إنما ~~يتمتع به في الدنيا، فقال: {وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا} [الزخرف: ~~35] الفراء على تخفيف لما وهو لغو، والمعنى: لمتاع الحياة الدنيا ms1664، وقرأ ~~حمزة: لما بالتشديد، جعله في معنى إلا، حكى سيبويه: نشدتك الله لما فعلت، ~~بمعنى: إلا فعلت، ويقوي هذه القراءة أن في حرف أبي: وما ذلك إلا متاع ~~الحياة الدنيا قال ابن عباس: يزول ويذهب. # وقال مقاتل: يتمتعون فيها قليلا. # والآخرة يعني: الجنة، {عند ربك للمتقين} [الزخرف: 35] خاصة لهم. # قوله: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين {36} وإنهم ~~ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون {37} حتى إذا جاءنا قال يا ليت ~~بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين {38} ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم ~~في العذاب مشتركون {39} } [الزخرف: 36-39] . # {ومن يعش عن ذكر الرحمن} [الزخرف: 36] يعرض عن القرآن، ويقال: عشوت إلى ~~النار أعشو عشوا، أي: قصدتها مهتديا بها، وعشوت عنها: أعرضت عنها، كما ~~تقول: عدلت إلى فلان، وعدلت عنه، وملت إليه، وملت عنه، قال الزجاج: معنى ~~الآية: أن من أعرض عن القرآن وما فيه من الحكمة، إلى أباطيل المضلين، ~~نعاقبه بشيطان، نقيضه له حتى يضله، ويلازمه قرينا له، فلا يهتدي، مجازاة له ~~حين آثر الباطل على الحق البين. # وهو قوله: {فهو له قرين} [الزخرف: 36] صاحب له، يزين له العمى، ويخيل ~~إليه أنه على الهدى، وهو على الضلالة. # وذلك قوله: {وإنهم ليصدونهم عن السبيل} [الزخرف: 37] وإن الشياطين ~~ليمنعونهم عن سبيل الهدى، وجمع الكناية، لأن قوله: {ومن يعش عن ذكر الرحمن ~~نقيض له شيطانا} [الزخرف: 36] في مذهب جمع، وإن كان اللفظ على الواحد، ~~{ويحسبون أنهم مهتدون} [الزخرف: 37] يحسب كفار بني آدم أنهم على هدى. ### | 827 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، أنا أبو يعلى، نا محرز بن ~~عون، نا عثمان بن مطر، نا # PageV04P072 # عبد الغفور، عن أبي نضير، عن أبي رجاء، عن أبي بكر رضي الله عنه، عن ~~النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار، ~~فأكثروا منهما، فإن إبليس قال: أهلكت الناس بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا ~~الله والاستغفار، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء وهم يحسبون أنهم مهتدون ~~". # قوله: {حتى إذا جاءنا} [الزخرف: 38] يعني: الكافر ms1665، وقرئ: جاآنا يعني: ~~الكافر وشيطانه، جعلا في سلسلة واحدة، وروى معمر عن الجريري، قال: بلغنا أن ~~الكافر إذا بعث يوم القيامة من قبره، أخذ بيده شيطان، فلم يفارقه حتى ~~يصيرهما الله إلى النار. # فذلك حيث يقول: {يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين} [الزخرف: 38] بعد ما ~~بين المشرق والمغرب، فغلب لفظ المشرق، كما قالوا: القمران، والعمران، فبئس ~~القرين أنت أيها الشيطان. # ويقول الله تعالى في ذلك اليوم للكفار: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم} ~~[الزخرف: 39] أشركتم في الدنيا، {أنكم في العذاب مشتركون} [الزخرف: 39] قال ~~المفسرون: لا يخفف الاشتراك عنهم شيئا من العذاب، لأن لكل واحد من الكفار ~~والشياطين الحظ الأوفر من العذاب. # ثم ذكر أنه لا ينفع الدعوة والوعظ من سبقت له الشقاوة، فقال: {أفأنت تسمع ~~الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين {40} فإما نذهبن بك فإنا منهم ~~منتقمون {41} أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون {42} فاستمسك بالذي ~~أوحي إليك إنك على صراط مستقيم {43} وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون {44} ~~} [الزخرف: 40-44] . # {أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي} [الزخرف: 40] قال ابن عباس: يريد أنهم ~~لا يعقلون ما جئت به، ولا يبصرونه، لأن من أعميت قلبه لم يهتد. # {ومن كان في ضلال مبين} [الزخرف: 40] يريد من ظهرت ضلالته بتكذيب الصادق ~~الأمين. # PageV04P073 # قوله: {فإما نذهبن بك} [الزخرف: 41] بأن نميتك قبل أن نريك النقمة في ~~كفار مكة، {فإنا منهم منتقمون} [الزخرف: 41] بالقتل بعدك. # أو نرينك في حياتك، ما وعدناهم من العذاب بالذل، والقتل، {فإنا عليهم ~~مقتدرون} [الزخرف: 42] يقول الله تعالى لنبيه عليه السلام مطيبا قلبه: إن ~~ذهبنا بك انتقمنا لك، ممن كذبك بعدك، أو أريناك في حياتك ما وعدناهم من ~~العذاب، فإنا قادرون عليهم، متى شئنا عذبناهم. # ثم أري ذلك يوم بدر. # ثم أمره بالتمسك بالقرآن، فقال: {فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط ~~مستقيم} [الزخرف: 43] يعني: دين الإسلام. # وإنه وإن القرآن الذي أوحي إليك، {لذكر لك ولقومك} [الزخرف: 44] شرف لك ~~بما أعطاك الله من الحكمة، ولقومك المؤمنين بما هداهم به، حتى أدركوا الحق ms1666. # وروى الضحاك، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل: لمن ~~هذا الأمر بعدك؟ لم يخبر بشيء، حتى نزلت هذه الآية، فكان بعد ذلك إذا سئل، ~~قال: «لقريش» . # فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم من هذا أنه يلي على ~~المسلمين بحكم النبوة وشرف القرآن، ثم قومه من قريش يخلفونه في الولاية، ~~بشرف القرآن الذي أنزل على رجل منهم، ومذهب مجاهد: أن القرآن ههنا العرب، ~~والقرآن لهم شرف إذ أنزل بلغتهم، ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من ~~العرب، حتى يكون الشرف أكثر لقريش من غيرهم، ثم لبني هاشم. # وسوف تسألون عن شكر ما جعله الله لكم من الشرف، قاله الكلبي، والزجاج. # وقال غيرهما: تسألون عن القرآن، وعما يلزمكم من القيام بحقه. # قوله: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة ~~يعبدون {45} ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب ~~العالمين {46} فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها # PageV04P074 # يضحكون {47} وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب ~~لعلهم يرجعون {48} } [الزخرف: 45-48] . # {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا} [الزخرف: 45] الآية. # قال عطاء، عن ابن عباس: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم، بعث الله له ~~آدم ومن ولد من المرسلين، فأذن جبريل، ثم أقام وقال: يا محمد، تقدم فصل ~~بهم. # فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة، قال له جبريل: سل يا ~~محمد {من أرسلنا من قبلك من رسلنا} [الزخرف: 45] الآية. # فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أسأل، قد اكتفيت» . # وهذا قول الزهري، وسعيد بن جبير، وابن زيد، قالوا: جمع له الرسل ليلة ~~أسري به، فلقيهم، وأمر أن يسألهم، فلم يشكك، ولم يسأل. # وقال أكثر المفسرين: سل مؤمني أهل الكتاب، الذين أرسلت إليهم الأنبياء: ~~هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد؟ وعلى هذا قال الزجاج: المعنى: سل أمم من ~~أرسلنا؟ فحذف المضاف. # وقال ابن الأنباري: سل أتباع من أرسلنا. # ومعنى الأمر بالسؤال ms1667: التقرير لمشركي قريش، بأنه لم يأت رسول، ولا كتاب ~~بعبادة غير الله. # {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} [الزخرف: 46] إلى قوله: {إذا هم منها يضحكون} ~~[الزخرف: 47] أي: يهزءون بآياته، ويضحكون منها، جهلا وغفلة. # {وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها} [الزخرف: 48] يعني: ما ترادف ~~عليهم من الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمس وكانت كل آية ~~من هذه الآيات أكبر من # PageV04P075 # التي قبلها، وهي العذاب المذكور في قوله: وأخذناهم بالعذاب لأنهم عذبوا ~~بهذه الآيات، فكانت عذابا لهم، ودلالات لموسى عليه السلام، فغلب عليهم ~~الشقاء، ولم يؤمنوا. # {وقالوا يأيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون {49} فلما ~~كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون {50} } [الزخرف: 49-50] . # {وقالوا يأيها الساحر} [الزخرف: 49] قال الكلبي: يأيها العالم، وكان ~~الساحر فيهم عظيما يعظمونه، ولم يكن صفة ذم. # وقال الزجاج: خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر. # {ادع لنا ربك بما عهد عندك} [الزخرف: 49] فيمن آمن به من كشف العذاب عنه، ~~إننا لمهتدون مؤمنون بك. # فدعا موسى ربه، فكشف عنهم، فلم يؤمنوا، فذلك قوله: {فلما كشفنا عنهم ~~العذاب إذا هم ينكثون} [الزخرف: 50] العهد الذي عاهدوا موسى. # {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من ~~تحتي أفلا تبصرون {51} أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين {52} ~~فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين {53} فاستخف ~~قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين {54} فلما آسفونا انتقمنا منهم ~~فأغرقناهم أجمعين {55} فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين {56} } [الزخرف: 51-56] ~~. # ونادى فرعون إلى قوله: وهذه الأنهار يعني: أنهار النيل، {تجري من تحتي} ~~[الزخرف: 51] أراد: من تحت قصوري، وقال قتادة: بين يدي في جناني. # وقال الحسن: بأمري. # وعلى هذا معناه: تجري تحت أمري، أفلا تبصرون عظمتي، وشدة ملكي، وفضلي على ~~موسى. # PageV04P076 # قال قتادة: افتخر عدو الله بملكه، وقال: {أم أنا خير} [الزخرف: 52] أي: ~~بل أنا خير وأفضل، {من هذا الذي هو مهين} [الزخرف: 52] ضعيف حقير. # يعني: موسى {ولا يكاد يبين} [الزخرف: 52] الكلام، يعني ms1668: آفة بلسانه، وهي ~~اللثغة التي كانت بلسان موسى صلى الله عليه وسلم. # {فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب} [الزخرف: 53] هلا حلي بأ { [الذهب إن كان ~~عظيما، وكان الرجل فيهم إذا سودوه سوروه بسوار، وطوقوه بطوق من ذهب، أي: إن ~~كان سيدا تجب طاعته، هلا سور،] أو جاء معه الملائكة مقترنين} [سورة الزخرف: ~~53] متتابعين، يعينوه على أمره الذي بعث له، ويشهدون له بصدقه. # فاستخف فرعون، قومه القبط، أي: حملهم على خفة الجهل بكيده وغروره، ~~فأطاعوه على تكذيب موسى، وقبلوا قوله، {إنهم كانوا قوما فاسقين} [الزخرف: ~~54] عاصين لله. # قوله: {فلما آسفونا انتقمنا} [الزخرف: 55] قال المفسرون: أغضبونا. # والأسف الغضب، ذكرنا ذلك عند قوله: غضبان أسفا. # أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي، فيما كتب إلي أن أبا الفضل الحدادي ~~أخبرهم، عن محمد بن يزيد، أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، نا معمر، ~~عن سماك بن الفضل، قال: كنا عند عروة بن الزبير، وإلى جانبه وهب بن منبه، ~~فجاء قوم فشكوا عاملهم، وذكروا منه شيئا قبيحا، فتناول وهب عصا كانت في يد ~~عروة، فضرب بها رأس العامل، حتى سال دمه، فضحك عروة، واستلقى على قفاه، ~~وقال: يعيب علينا أبو عبد الله الغضب، وهو يغضب. # فقال وهب: وما لي لا أغضب، وقد غضب الذي خلق الأحلام، إن الله يقول: ~~{فلما آسفونا انتقمنا منهم} [الزخرف: 55] ، يقول: أغضبونا. # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا أبو بكر ابن الأنباري، نا ~~محمد بن أبي العوام، يقول: # PageV04P077 # سمعت أبي، يقول: سمعت شعيب بن حرب، يقول: قال عمر بن ذر: يا أهل المعاصي، ~~لا تغتروا بطول حلم الله عز وجل عنكم، فاحذروا أسفه، فإنه قال عز من قائل: ~~{فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين} [الزخرف: 55] . # فجعلناهم سلفا جمع سالف، مثل خادم وخدم، وحارس وحرس، يقال: سلف يسلف ~~سلوفا، إذا تقدم ومضى. # قال الفراء، والزجاج، يقول: جعلناهم متقدمين، ليتعظ بهم الآخرون. # وقرأ حمزة: سلفا بالضم، وهو جمع سليف من سلف بضم اللام، أي: تقدم، فهو ~~سليف، ومثلا للآخرين أي ms1669: عبرة وعظة لمن بقي بعدهم، والمعنى: أن حال غيرهم ~~يشبه حالهم، إذا أقاموا على العصيان. # قوله: {ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون {57} وقالوا أآلهتنا ~~خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون {58} إن هو إلا عبد أنعمنا ~~عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل {59} ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض ~~يخلفون {60} وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم {61} ~~ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين {62} } [الزخرف: 57-62] . # {ولما ضرب ابن مريم مثلا} [الزخرف: 57] أكثر المفسرين على أن هذه الآية ~~نزلت في مجادلة ابن الزبعري مع النبي صلى الله عليه وسلم، لما نزل قوله ~~تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله} [الأنبياء: 98] الآية. # وقد ذكرنا تلك القصة، قال مقاتل: ولما وصف ابن مريم شبها في العذاب ~~بالآلهة، أي: فيما قالوه وعلي زعمهم. # لأن الله تعالى لم يذكر عيسى ابن مريم عليه السلام في تلك الآية، ولم # PageV04P078 # يرده بقوله: {إنكم وما تعبدون من دون الله} [الأنبياء: 98] الآية، وإنما ~~أراد أوثانهم، ولكنهم ألزموه عيسى جدالا، وعنتا، وضربوه مثلا لآلهتهم، ~~وشبهوه بها في أنه معبود للنصارى من دون الله، وقوله: {إذا قومك منه يصدون} ~~[الزخرف: 57] يعني: قومه الكفار، كانوا يضجون ضجيج المجادلة حيث خاصموه، ~~وقالوا: رضينا أن تكون آلهتنا بمنزلة عيسى. # وهو قوله: {وقالوا أآلهتنا خير أم هو} [الزخرف: 58] أي: ليست آلهتنا خيرا ~~من عيسى، فإن كان عيسى في النار بأنه يعبد من دون الله فكذلك آلهتنا، وقرئ ~~يصدون بكسر الصاد وضمها، قال الفراء، والزجاج، والأخفش، والكسائي: هما ~~لغتان، معناهما: يضجون. # قال الله تعالى: {ما ضربوه لك إلا جدلا} [الزخرف: 58] قال مقاتل: ما ~~وصفوا لك ذكر عيسى إلا ليجادلوك به، لأنهم قد علموا أن المراد بحصب جهنم ما ~~اتخذوه من الموات، ثم ذكر أنهم أصحاب خصومات، فقال: {بل هم قوم خصمون} ~~[الزخرف: 58] . # ثم ذكر عيسى، فقال: {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه} [الزخرف: 59] أي: ~~بالنبوة، {وجعلناه مثلا لبني إسرائيل} [الزخرف: 59] آية وعبرة لهم، يعرفون ~~به قدرة ms1670 الله على ما يريد، حيث خلقه من غير أب، فهو مثل لهم يشبهون به ما ~~يرون من أعاجيب صنع الله. # ثم خاطب كفار مكة، فقال: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة} [الزخرف: 60] أي: ~~لو نشاء أهلكناكم، وجعلنا بدلا منكم ملائكة، {في الأرض يخلفون} [الزخرف: ~~60] يكونون خلفا منكم، قال الأزهري: ومن قد تكون للبدل، كقوله: جعلنا منكم، ~~يريد: بدلا منكم. # ثم رجع إلى ذكر عيسى، فقال: {وإنه لعلم للساعة} [الزخرف: 61] يعني: نزول ~~عيسى من أشراط الساعة، يعلم به قربها، {فلا تمترن بها} [الزخرف: 61] قال ~~ابن عباس: لا تكذبون بها. # واتبعون على التوحيد، هذا الذي أنا عليه، صراط مستقيم من دين إبراهيم. # قوله: {ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي ~~تختلفون فيه فاتقوا الله # PageV04P079 # وأطيعون {63} إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم {64} فاختلف ~~الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم {65} هل ينظرون إلا ~~الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون {66} الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو ~~إلا المتقين {67} } [الزخرف: 63-67] . # {ولما جاء عيسى} [الزخرف: 63] بني إسرائيل، بالبينات قال قتادة، ومقاتل: ~~يعني: الإنجيل. # وهو قوله: {قد جئتكم بالحكمة} [الزخرف: 63] وقال عطاء: يريد النبوة. # {ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه} [الزخرف: 63] قال مجاهد: يعني: من ~~أحكام التوراة. # وقال ابن عباس: ما تختلفون فيه من أمري، وأمر دينكم. # وقال قتادة: يعني: اختلاف الفرق الذين تحزبوا في أمر عيسى. # وقال الزجاج: الذي جاء به عيسى في الإنجيل، وإنما هو بعض الذي اختلفوا ~~فيه، وبين لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه. # وما بعد هذا مفسر فيما مضى إلى قوله: {هل ينظرون إلا الساعة} [الزخرف: ~~66] أي: هل يرتقبون إلا القيامة، يعني: أن تأتيهم لا محالة، فكأنهم ~~يرتقبونها، وإن كانوا أمواتا فهم أيضا يرتقبونها، ولكن لا يدري، متى تفجأ؟ ~~وهو قوله: {أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون} [الزخرف: 66] . # الأخلاء في الدنيا، يومئذ يوم تأتي الساعة، {بعضهم لبعض عدو} [الزخرف: ~~67] يعني: أن الخلة إذا كانت على المعصية والكفر، صارت عداوة يوم القيامة ms1671، ~~إلا المتقين يعني: الموحدين المؤمنين، الذين يخال بعضهم بعضا على الإيمان ~~والتقوى، فإن خلتهم لا تصير عداوة. # قوله: {يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون {68} الذين آمنوا ~~بآياتنا وكانوا مسلمين {69} ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون {70} يطاف ~~عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها ~~خالدون {71} وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون {72} لكم فيها ~~فاكهة كثيرة منها تأكلون {73} } [الزخرف: 68-73] . # {يا عباد لا خوف عليكم اليوم} [الزخرف: 68] قال مقاتل: إذا وقع الخوف يوم ~~القيامة، نادى مناد: يا # PageV04P080 # عبادي لا خوف عليكم، أي: من عذاب اليوم، فإذا سمعوا النداء، رفع الخلائق ~~رءوسهم. # فيقال: {الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين} [الزخرف: 69] فينكس أهل ~~الأديان رءوسهم غير المسلمين. # ويقال لهم: {ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون} [الزخرف: 70] تكرمون، ~~وتنعمون. # {يطاف عليهم بصحاف} [الزخرف: 71] جمع صحفة، وهي القصعة الواسعة العريضة، ~~وأكواب جمع كوب، وهو إناء مستدير مدور الرأس، لا عرى لها، وفيها ما تشتهي ~~الأنفس، وقرئ: تشتهيه بالهاء، وحذف الهاء ههنا كإثباتها، وأكثر ما جاء في ~~التنزيل حذف الهاء من الصلة، كقوله: {أهذا الذي بعث الله رسولا} [الفرقان: ~~41] ، {وسلام على عباده الذين اصطفى} [النمل: 59] ، وإنما صنعوا كيد سحر، ~~والأصل إثبات الهاء، والحذف حسن كثير، وقد جاءت مثبتة كقوله: {إلا كما يقوم ~~الذي يتخبطه الشيطان من المس} [البقرة: 275] ، وقوله: وتلذ الأعين يقال: ~~لذذت الشيء ألذه، مثل استلذذته، والمعنى: أنه ما من شيء اشتهته نفس، أو ~~استلذته عين، إلا وهو في الجنة، وقد عبر الله تعالى بهذين اللفظين عن جميع ~~نعيم أهل الجنة، فإنه ما من نعمة إلا وهي نصيب النفس، أو العين، ثم تمم هذه ~~النعم بقوله: {وأنتم فيها خالدون} [الزخرف: 71] لأنها لو انقطعت لم تطب. # وتلك الجنة يعني: الجنة التي ذكرها في قوله: ادخلوا الجنة، التي ~~أورثتموها قال ابن عباس: الكافر يرث نار المؤمن، والمؤمن يرث جنة الكافر. # وهذا كقوله: {أولئك هم الوارثون} [المؤمنون: 10] وقد تقدم. # {إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون {74} لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون {75} ~~وما ظلمناهم ms1672 ولكن كانوا هم الظالمين {76} ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك ~~قال إنكم ماكثون {77} لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون {78} أم ~~أبرموا أمرا فإنا مبرمون {79} أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ~~ورسلنا لديهم يكتبون {80} } [الزخرف: 74-80] . # وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: وما ظلمناهم أي: ما عذبناهم على غير ذنب، ~~{ولكن كانوا هم الظالمين} [الزخرف: 76] # PageV04P081 # لأنفسهم، بما جنوا عليها من العذاب. # وقوله: {ونادوا يا مالك} [الزخرف: 77] يدعون خازن جهنم، {ليقض علينا ربك} ~~[الزخرف: 77] الموت، والمعنى: أنهم توسلوا بمالك إلى الله تعالى، ليسأل لهم ~~الموت، فيستريحوا من شدة العذاب، فيسكت عنهم، ولا يجيبهم أربعين سنة في قول ~~عبد الله بن عمرو، والكلبي، ومقاتل. # وألف سنة فيما روي عن ابن عباس. # ثم يقول: {إنكم ماكثون} [الزخرف: 77] مقيمون في العذاب. # {لقد جئناكم بالحق} [الزخرف: 78] يقول الله تعالى: أرسلنا إليكم يا معشر ~~قريش محمدا رسولنا، {ولكن أكثركم للحق كارهون} [الزخرف: 78] قال ابن عباس: ~~يريد: كلكم كارهون لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. # {أم أبرموا أمرا} [الزخرف: 79] بل أحكموا أمرا في كيد محمد، والمكر به، ~~فإنا مبرمون محكمون في مجازاتهم، قال مجاهد: إن كادوا شرا، كدتهم مثله. # {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم} [الزخرف: 80] سرهم: ما يسرونه من ~~غيرهم، ونجواهم: ما يتناجون به بينهم، بلى نسمع ذلك، ورسلنا من الملائكة، ~~يعني: الحفظة، لديهم يكتبون. # قوله: {قل إن كان للرحمن ولد} [الزخرف: 81] في قولكم، وعلى زعمكم، {فأنا ~~أول العابدين} [الزخرف: 81] أول من عبد الله ووحده، والمعنى: فأنا أول ~~الموحدين، لأن من عبد الله واعترف بأنه إلهه، فقد دفع أن يكون له ولد. # قال ابن قتيبة: لما قال المشركون: لله ولد. # ولم يرجعوا عن مقالتهم، بما أنزل الله على رسوله من التبرؤ من ذلك، قال ~~الله عز وجل لرسوله: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين {81} سبحان ~~رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون {82} فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى ~~يلاقوا يومهم الذي يوعدون {83} } [الزخرف: 81-83] . # قل لهم، {إن كان للرحمن ولد} [الزخرف: 81] أي: عندكم ms1673، وفي ادعائكم، {فأنا ~~أول العابدين} [الزخرف: 81] أول الموحدين، ومن وحد الله فقد عبده، ومن جعل ~~له ولدا أو ندا، فليس من العابدين، وإن اجتهد. # PageV04P082 # وقال ابن عباس في رواية عطاء: إن كان للرحمن ولد كما تزعمون، فأنا أول من ~~غضب للرحمن أن يقال: له ولد. # وعلى هذا القول العابد من العبد بمعنى الغضب، قال الفراء: عبد عليه، أي: ~~غضب. # وروي أن سفيان بن عيينة سئل عن هذه الآية، فقال: يقول: فكما أني لست أول ~~من عبد الله، فكذلك ليس لله ولد. # وهذا كما تقول: إن كنت كاتبا فأنا حاسب، تريد: لست أنت كاتبا ولا أنا ~~حاسب. # ثم نزه نفسه، فقال: {سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون} ~~[الزخرف: 82] قال مقاتل: عما يقولون من الكذب. # فذرهم يعني: كفار مكة، حين كذبوا بالعذاب في الآخرة، يخوضوا في باطلهم، ~~ويلعبوا في دنياهم، حتى يلاقوا يوم القيامة. # {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم {84} وتبارك ~~الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون {85} ~~ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون {86} ~~ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون {87} وقيله يا رب إن هؤلاء ~~قوم لا يؤمنون {88} فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون {89} } [الزخرف: ~~84-89] . # {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} [الزخرف: 84] قال قتادة: يعبد في ~~السماء، وفي الأرض، وهو إله واحد لا إله إلا الله. # وقال أبو علي الفارسي: المعنى عن الإخبار بإلهيته، لا عن الكون في ~~السماء، أي: أنه تبارك اسمه يقصد بالعبادة في السماء والأرض. # وهو الحكيم في ملكه، العليم بخلقه. # ذكر أنه لا شفاعة لمعبوديهم عند الله، فقال: {ولا يملك الذين يدعون من ~~دونه # PageV04P083 # الشفاعة} [الزخرف: 86] ، ثم استثنى عيسى وعزيرا والملائكة، فقال: {إلا من ~~شهد بالحق} [الزخرف: 86] قال قتادة: إنهم عبدوا من دون الله، ولهم عند الله ~~شفاعة ومنزلة. # ومعنى شهد بالحق: شهد أنه لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وهم يعلمون ~~بقلوبهم ms1674 ما شهدوا به بألسنتهم، وفي هذا دليل على أنه لا يتحقق إيمان، ~~وشهادة حتى يكون ذلك عن علم بالقلب، لأن الله تعالى، شرط مع الشهادة العلم، ~~وقد قال أصحابنا: إن شرط الإيمان طمأنينة القلب على ما اعتقده، بحيث لا ~~يتشكك إذا شكك، ولا يضطرب إذا حرك. # {وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} [الزخرف: 88] قال قتادة: هذا نبيكم ~~يشكو قومه إلى ربه. # وقال ابن عباس: شكا إلى ربه تخلف قومه عن الإيمان، قال: وتقدير الآية: أم ~~يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم وقيله يا رب. # قال المبرد: العطف على المنصوب حسن، وإن تباعد المعطوف من المعطوف عليه. # ومن قرأ بكسر اللام فعلى معنى: وعندهم علم الساعة وعلم قيله يا رب، ~~والقيل: مصدر كالقول، قال أبو عبيد: يقال: قلت قولا، وقيلا، وقالا. # {فاصفح عنهم} [الزخرف: 89] أعرض عنهم، وقل سلام قال عطاء: يريد مداراة ~~حتى ينزل حكمي فيهم، ومعناه: المتاركة، كقوله: {سلام عليكم لا نبتغي ~~الجاهلين} [القصص: 55] . # فسوف يعلمون عاقبة كفرهم، وهذا تهديد، ومن قرأ بالتاء فعلى الأمر للنبي ~~صلى الله عليه وسلم علم بأن يخاطبهم بهذا، قال مقاتل: نسخ السيف الإعراض ~~والسلام. # PageV04P084 ### | تفسير سورة حم الدخان # مكية، وهي خمسون وتسع آيات. ### | 828 - # أخبرنا الأستاذ أبو عثمان سعيد بن محمد المقبري، أنا أبو عمرو بن محمد بن ~~جعفر، نا إبراهيم بن شريك، أنا أحمد بن عبد الله اليربوعي، نا سلام بن ~~سليم، نا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن ~~كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة الدخان في ليلة ~~الجمعة غفر له» . # بسم الله الرحمن الرحيم {حم {1} والكتاب المبين {2} إنا أنزلناه في ليلة ~~مباركة إنا كنا منذرين {3} فيها يفرق كل أمر حكيم {4} أمرا من عندنا إنا ~~كنا مرسلين {5} رحمة من ربك إنه هو السميع العليم {6} } [الدخان: 1-6] {حم ~~{1} والكتاب المبين {2} } [الدخان: 1-2] قال ابن عباس: يريد القرآن، وما ~~أنزل فيه من البيان، والحلال والحرام. # {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} [الدخان ms1675: 3] يعني: ليلة القدر، قال مقاتل: ~~كان ينزل من اللوح كل ليلة قدر من الوحي، على مقدار ما ينزل به جبريل في ~~السنة إلى مثلها من العام، حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر. # وقد ذكرنا بيان هذا عند قوله: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان} ~~[البقرة: 185] . # وقوله: فيها في تلك الليلة المباركة، يفرق يفصل ويبين، من قولهم: فرقت ~~الشيء أفرقه فرقا، {كل أمر حكيم} [الدخان: 4] والأمر الحكيم: المحكم، يعني: ~~أمر السنة إلى مثلها من العام القابل. # قال ابن عباس: يكتب في أم الكتاب في ليلة القدر، ما هو كائن في السنة من ~~الخير والشر، والأرزاق، والآجال، حتى الحجاج يقال: يحج فلا، ويحج فلان. # وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إنك لترى الرجل يمشي في # PageV04P085 # الأسواق، وقد وقع اسمه في الموتى. # {أمرا من عندنا} [الدخان: 5] قال الزجاج: أمرا نصب ب يفرق بمنزلة فرقا، ~~لأن أمرا بمعنى: فرقا. # والمعنى أنا نأمر ببيان ذلك، ونسخه من اللوح المحفوظ، {إنا كنا مرسلين} ~~[الدخان: 5] محمدا صلى الله عليه وسلم، ومن قبله من الأنبياء عليهم السلام. # {رحمة من ربك} [الدخان: 6] قال ابن عباس: رأفة مني بخلقي، ونعمة عليهم ~~بما بعثنا إليهم من الرسل. # نصبه على أنه مفعول له على تقدير للرحمة، وقال الزجاج: {إنا أنزلناه في ~~ليلة مباركة} [الدخان: 3] للرحمة. # {إنه هو السميع} [الدخان: 6] لمن دعاه، العليم بخلقه. # {رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين {7} لا إله إلا هو يحيي ~~ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين {8} بل هم في شك يلعبون {9} } [الدخان: 7-9] ~~. # {رب السموات والأرض} [الدخان: 7] بالرفع على قوله: هو السميع العليم رب ~~السموات، وبالخفض على البدل من ربك في قوله: {رحمة من ربك} [الدخان: 6] ، ~~وما بينهما من الخلق والهواء، {إن كنتم موقنين} [الدخان: 7] بذلك، وهو أنه ~~لا إله غيره. # بل هم يعني: الكفار، في شك من هذا القرآن، يلعبون يهزءون به، لاهين عنه، ~~وقال ابن عباس: في ضلال يتمادون. # {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين {10} يغشى الناس هذا عذاب أليم {11} ~~ربنا اكشف عنا ms1676 العذاب إنا مؤمنون {12} أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ~~{13} ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون {14} إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم ~~عائدون {15} يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون {16} } [الدخان: 10-16] . # فارتقب فانتظر يا محمد، {يوم تأتي السماء بدخان مبين} [الدخان: 10] وذلك ~~أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قومه لما كذبوه، فقال: «اللهم ~~سبعا كسنين يوسف» . # فأجديت الأرض، فأصابت قريشا المجاعة، وكان الرجل لما به من الجوع يرى ~~بينه وبين السماء كالدخان. ### | 829 - # أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، أنا محمد بن عبد الله العفار، أنا أحمد بن ~~محمد بن عيسى البرتي، نا محمد بن كثير، نا سفيان، نا الأعمش ومنصور، عن أبي ~~الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، قال: إن قريشا أبطئوا عن الإسلام فدعا عليهم ~~النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم أعني بسبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنة حتى ~~هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، ويرى الرجل ما بينه وبين السماء والأرض ~~كهيئة الدخان» ، فجاءه أبو سفيان، فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وقومك ~~قد هلكوا، فادع الله عز وجل، فقرأ هذه الآية: # PageV04P086 # {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} [الدخان: 10] ". # {يغشى الناس هذا عذاب أليم {11} ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون {12} ~~أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين {13} ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون ~~{14} إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون {15} يوم نبطش البطشة الكبرى إنا ~~منتقمون {16} } قوله: {يغشى الناس هذا عذاب أليم} [الدخان: 11] إلى قوله: ~~{إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون} [الدخان: 15] فكشف عنهم، ثم عادوا ~~إلى الكفر، فذلك قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى} [الدخان: 16] وذلك يوم ~~بدر. # رواه البخاري، عن محمد بن كثير. # قوله: يغشى الناس، من صفة قوله: بدخان، والناس هم أهل مكة، وهم الذين ~~يقولون: {هذا عذاب أليم {11} ربنا اكشف عنا العذاب} [الدخان: 11-12] الجوع ~~والدخان، إنا مؤمنون بمحمد، والقرآن. # قال الله تعالى: {أنى لهم الذكرى} [الدخان: 13] التذكر والاتعاظ، يقول: ~~كيف يتذكرون ويتعظون، وحالهم أنه {قد جاءهم رسول مبين} [الدخان: 13] ظاهر ~~الصدق، والدلالة. # {ثم تولوا عنه} [الدخان ms1677: 14] أعرضوا عنه، ولم يقبلوا قوله، وقالوا معلم ~~أي: هو معلم، يعلمه بشر، مجنون بادعائه النبوة. # قال الله تعالى: {إنا كاشفو العذاب} [الدخان: 15] يعني: عذاب الجوع، ~~قليلا أي: زمانا يسيرا، قال مقاتل: يعني: إلى يوم بدر. # {إنكم عائدون} [الدخان: 15] في كفركم، وتكذيبكم. # {يوم نبطش البطشة الكبرى} [الدخان: 16] أي: واذكر لهم ذلك اليوم، يعني: ~~يوم بدر، وهذا قول الأكثرين، قالوا: لما كشف عنهم الجوع، عادوا إلى ~~التكذيب، فانتقم الله منهم بيوم بدر. # وقال الحسن: البطشة الكبرى يوم القيامة. # وهو قول ابن عباس في رواية عكرمة. # ومعنى البطش: الأخذ بشدة، إنا منتقمون منهم ذلك اليوم. # PageV04P087 # {ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم {17} أن أدوا إلي عباد الله ~~إني لكم رسول أمين {18} وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين {19} ~~وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون {20} وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون {21} } ~~[الدخان: 17-21] . # {ولقد فتنا قبلهم} [الدخان: 17] بلونا قبل هؤلاء، قوم فرعون بإرسال موسى ~~إليهم، وهو قوله: {وجاءهم رسول كريم} [الدخان: 17] على ربه، وقال مقاتل: ~~حسن الخلق. # {أن أدوا} [الدخان: 18] بأن أدوا، {إلي عباد الله} [الدخان: 18] هذا من ~~وقول موسى لفرعون وقومه، يقول: أطلقوا بني إسرائيل من العذاب والتسخير، ~~فإنهم أحرار. # كما قال: {فأرسل معي بني إسرائيل} [الأعراف: 105] ، {إني لكم رسول أمين} ~~[الدخان: 18] على الرسالة. # {وأن لا تعلوا على الله} [الدخان: 19] لا تتجبروا عليه، بترك طاعته، {إني ~~آتيكم بسلطان مبين} [الدخان: 19] بحجة بينة، تدل على صدقي. # فلما قال هذا، توعدوه بالقتل، فقال: {وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون} ~~[الدخان: 20] تقتلون. # {وإن لم تؤمنوا لي} [الدخان: 21] لم تصدقوني، فاعتزلون فاتركوني، لا معي ~~ولا علي، وقال ابن عباس: فاعتزلوا أذاي. # {فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون {22} فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون {23} ~~واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون {24} كم تركوا من جنات وعيون {25} وزروع ~~ومقام كريم {26} ونعمة كانوا فيها فاكهين {27} كذلك وأورثناها قوما آخرين ~~{28} فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين {29} } [الدخان: 22-29] ~~. # فكفروا ولم يؤمنوا {فدعا ربه أن هؤلاء} [الدخان: 22] بأن هؤلاء، قوم ~~مجرمون قال ms1678 الكلبي، ومقاتل: مشركون، لا يؤمنون. # فأجاب الله دعاه، وأمره أن يسري، وهو قوله: {فأسر بعبادي ليلا} [الدخان: ~~23] يعني: من آمن به من بني إسرائيل، إنكم متبعون يتبعكم فرعون وقومه، ~~أعلمه الله أنهم يتبعونهم، إذا سروا ليلا لطلبهم. # ثم يكون ذلك سببا لغرقهم {واترك البحر رهوا} [الدخان: 24] أي: ساكنا، ~~والرهو: مشي في سكون، يقال: رها يرهو رهوا فهو راه، ويقال لكل شيء ساكن، لا ~~يتحرك: راه. # قال مجاهد: رهوا ساكنا كما هو، أي: كهيئته بعد أن ضربه. # يقول: لا تأمره يرجع، اتركه # PageV04P088 # حتى يدخله آل فرعون وجنوده. # وقال قتادة: لما قطع موسى البحر، عطف ليضرب البحر بعصاه ليلتئم، وخاف أن ~~يتبعه فرعون وجنوده، فقيل له: {واترك البحر رهوا} [الدخان: 24] أي: كما هو. # ونحو هذا قال مقاتل. # والمعنى: اترك البحر راهيا، أي: ساكنا على حاله، فسمي بالمصدر، أو يكون ~~المعنى: ذا رهو، فحذف المضاف، وقال ابن عباس: اتركه طريقا. # والرهو يكون بمعنى الفرجة بين الشيئين، قال الأصمعي: ونظر أعرابي إلى ~~فالج، قال: سبحان الله رهو بين سنامين! ويكون المعنى على هذا: ذا رهو، أي: ~~ذا فرجة، يعني: الطريق الذي أظهره فيما بين الماء، قوله: {إنهم جند مغرقون} ~~[الدخان: 24] أخبر الله موسى أنه يغرقهم، ليطمئن قلبه في ترك البحر كما ~~جاوزه. # ثم ذكر ما تركوا بمصر من عقارهم، ومساكنهم، فقال: كم تركوا يعني: بعد ~~الغرق، من جنات والآية مفسرة في { [الشعراء. # ونعمة وعيش لين رغد،] كانوا فيها فاكهين} [سورة الدخان: 27] مفسر فيما ~~تقدم. # كذلك قال الكلبي: كذلك أفعل بمن عصاني. # {وأورثناها قوما آخرين} [الدخان: 28] صيرناها إليهم، وأعطيناهم إياها، ~~كما قال في الشعراء: {وأورثناها بني إسرائيل} [الشعراء: 59] . # {فما بكت عليهم السماء والأرض} [الدخان: 29] . ### | 830 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، أنا أبو بحر محمد بن الحسن بن كوثر، ~~نا محمد بن العباس، نا إسماعيل بن عيسى العطار، عن إسماعيل بن زكريا، عن ~~موسى بن عبيدة الربذي، # PageV04P089 # عن يزيد بن أبان الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: " ما ms1679 من مسلم إلا وله بابان باب يصعد فيه عمله وباب ينزل منه ~~رزقه، فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله عز وجل: {فما بكت عليهم السماء والأرض} ~~[الدخان: 29] . # وفي غير هذه الرواية، أنهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملا صالحا تبكي ~~عليهم، ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم، ولا من عملهم كلام طيب، ولا عمل ~~صالح، فيفقدهم، ويبكي عليهم، وهذا قول جماعة المفسرين، قالوا: لم تبك عليهم ~~مصاعد أعمالهم من السماء، ولا مواضع سجودهم من الأرض. # وقال مجاهد: ما مات مؤمن، إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا. # {وما كانوا منظرين} [الدخان: 29] لم ينظروا حين أخذهم العذاب لتوبة، ولا ~~لغيرها. # {ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين {30} من فرعون إنه كان عاليا ~~من المسرفين {31} ولقد اخترناهم على علم على العالمين {32} وآتيناهم من ~~الآيات ما فيه بلاء مبين {33} } [الدخان: 30-33] . # {ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين} [الدخان: 30] يعني: قتل ~~الأبناء، واستخدام النساء، والتعب في العمل. # {من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين} [الدخان: 31] كان جبارا عاصيا من ~~المشركين، والعالي في الإحسان صفة مدح، والعالي في الإساءة صفة ذم. # ولقد اخترناهم يعني: بني إسرائيل، على علم علمه الله فيهم، على العالمين ~~على عالمي زمانهم. # {وآتيناهم من الآيات} [الدخان: 33] يعني: فلق البحر، وتظليل الغمام، ~~وإنزال المن والسلوى، والنعم التي أنعمها عليهم، وهو قوله: {ما فيه بلاء ~~مبين} [الدخان: 33] أي: نعمة ظاهرة. # ثم رجع إلى ذكر كفار مكة، فقال: {إن هؤلاء ليقولون {34} إن هي إلا موتتنا ~~الأولى وما نحن بمنشرين {35} فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين {36} أهم خير أم ~~قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين {37} } [الدخان: ~~34-37] . # {إن هؤلاء ليقولون {34} إن هي إلا موتتنا الأولى} [الدخان: 34-35] ما ~~الموتة إلا موتة نموتها في الدنيا، ثم لا بعث بعدها، وهو قوله: {وما نحن ~~بمنشرين} [الدخان: 35] بمبعوثين. # {فأتوا بآبائنا} [الدخان: 36] أي: ابعثوهم لنا، {إن كنتم صادقين} ~~[الدخان: 36] في البعث بعد الموت. # ثم خوفهم مثل عذاب الأمم الخالية، فقال: {أهم خير أم قوم تبع} [الدخان: ~~37] أي: # PageV04P090 # ليسوا ms1680 خيرا منهم، يعني: أقوى وأشد وأكثر، قالت عائشة رضي الله عنها: ~~«وكان تبع رجلا صالحا، ألا ترى أن الله تعالى ذم قومه، ولم يذمه» . # قوله: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين {38} ما خلقناهما إلا ~~بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون {39} إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين {40} يوم لا ~~يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون {41} إلا من رحم الله إنه هو العزيز ~~الرحيم {42} } [الدخان: 38-42] . # {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين} [الدخان: 38] قال مقاتل: ~~لم نخلقهما عابثين لغير شيء. # {ما خلقناهما إلا بالحق} [الدخان: 39] أي: للحق، يعني: الثواب على ~~الطاعة، والعقاب على المعصية، ولكن أكثرهم يعني: المشركين، لا يعلمون. # قوله: {إن يوم الفصل} [الدخان: 40] يعني: يوم يفصل الرحمن بين العباد، ~~ميقاتهم ميعادهم، أجمعين يوافي يوم القيامة الأولون والآخرون. # ثم نعت ذلك اليوم، فقال: {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا} [الدخان: 41] ~~لا ينفع قريب قريبا، ولا يدفع عنه شيئا، {ولا هم ينصرون} [الدخان: 41] لا ~~يمنعون من عذاب الله. # {إلا من رحم الله} [الدخان: 42] يريد: المؤمنين، فإنه يشفع بعضهم في بعض، ~~{إنه هو العزيز} [الدخان: 42] في انتقامه من أعدائه، الرحيم بالمؤمنين. # قوله تعالى: {إن شجرة الزقوم {43} طعام الأثيم {44} كالمهل يغلي في ~~البطون {45} كغلي الحميم {46} خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم {47} ثم صبوا ~~فوق رأسه من عذاب الحميم {48} ذق إنك أنت العزيز الكريم {49} إن هذا ما ~~كنتم به تمترون {50} } [الدخان: 43-50] . # {إن شجرة الزقوم} [الدخان: 43] تقدم تفسيره. # طعام الأثيم ذي الإثم، وهو أبو جهل، لعنه الله. # كالمهل # PageV04P091 # وهو دردي الزيت، وعكر القطران، وقد تقدم تفسيره، {يغلي في البطون} ~~[الدخان: 45] يعني: بطون الكفار، وقرئ بالتاء لتأنيث الشجرة، ومن قرأ ~~بالياء حمله على الطعام، واختار أبو عبيد الياء، قال: لأن المهل مذكر، وهو ~~الذي يلي الفعل، فصار أولى به، للتذكير وللقرب. # قال أبو علي الفارسي: لا يجوز أن يحمل الغلي على المهل، لأن المهل إنما ~~ذكر للتشبيه به في الذوب. # ألا ترى أن المهل لا يغلي في البطون، إنما يغلي ما شبه به، وهو قوله: ~~كغلي ms1681 الحميم يعني: الماء الحار إذا اشتد غليانه؟ خذوه أي: يقال للزبانية: ~~خذوه، يعني: الأثيم، فاعتلوه العتل: القود بالعنف، يقال: عتله يعتله ~~ويعتله، إذا جره بالعنف، وذهب به إلى مكروه، قال مقاتل، ومجاهد: ادفعوه على ~~وجهه. # {إلى سواء الجحيم} [الدخان: 47] وسطه، كقوله تعالى: {فرآه في سواء ~~الجحيم} [الصافات: 55] . # {ثم صبوا فوق رأسه} [الدخان: 48] قال مقاتل: إن خازن النار يضربه على ~~رأسه، فيثقب رأسه عن دماغه، ثم يصب فيه ماء حميما قد انتهى حره. # ويقول له: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} [الدخان: 49] وذلك أنه كان يقول: ~~أنا أعز أهل هذا الوادي، وأكرمهم. # فيقول له الملك: ذق العذاب، أيها المتعزز المتكرم في زعمك، وفيما كنت ~~تقوله. # وقرأ الكسائي أنك بفتح الألف، على تأويل: ذق العذاب بأنك، أو لأنك، قال ~~الفراء: أي بهذا القول الذي قلته في الدنيا. # ويقول لهم الخازن: إن هذا العذاب، {ما كنتم به تمترون} [الدخان: 50] ~~تشكون في الدنيا، وتكذبون به. # ثم ذكر مستقر المتقين، فقال: {إن المتقين في مقام أمين {51} في جنات ~~وعيون {52} يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين {53} كذلك وزوجناهم بحور عين ~~{54} يدعون فيها بكل فاكهة آمنين {55} لا يذوقون # PageV04P092 # فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم {56} فضلا من ربك ذلك ~~هو الفوز العظيم {57} } [الدخان: 51-57] . # {إن المتقين في مقام أمين} [الدخان: 51] أمنوا فيه الغير من الموت ~~والحوادث، والمقام: المجلس كقوله: ومقام كريم، وقرئ بضم الميم، يراد به: ~~موضع الإقامة، ومعنى القراءتين واحد. # وما بعد هذا مفسر فيما تقدم إلى قوله: كذلك أي: الأمر كما وصفنا، ~~{وزوجناهم بحور عين} [الدخان: 54] أي: قرناهم بهن، وليس من عقد التزويج، ~~لأنه لا يقال: زوجته بامرأة. # وقال أبو عبيدة: جعلناهم أزواجا بهن، كما يزوج النعل بالنعل، أي: جعلناهم ~~اثنين اثنين. # ونحو هذا، قال الأخفش: جعلناهم أزواجا بالحور. # وهن البيض الوجوه، وقال أبو عبيدة: الحوراء: الشديدة بياض العين، الشديدة ~~سوادها. # والعين جمع عيناء، وهي: العظيمة العينين. # {يدعون فيها بكل فاكهة آمنين} [الدخان: 55] من التخم، والأسقام، ~~والأوجاع. # {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} [الدخان: 56] أي: سوى ms1682 الموتة ~~التي ذاقوها في الدنيا، وهذا قول الفراء، والزجاج، وقالا: إلا بمعنى سوى. # كقوله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} [النساء: 22] ~~أي: سوى ما قد سلف، وقال ابن قتيبة: إنما استثنى الموتة الأولى، وهي في ~~الدنيا، من موت في الجنة، لأن السعداء حين يموتون، يصيرون بلطف الله ~~وقدرته، إلى أسباب من الجنة، يلقون الروح والريحان، ويرون منازلهم من ~~الجنة، ويفتح لهم أبوابها، فإذا ماتوا في الدنيا، فكأنهم ماتوا في الجنة، ~~لاتصالهم بأسبابها، ومشاهدتهم إياها. # وقوله: {فضلا من ربك} [الدخان: 57] أي: فعل الله ذلك بهم فضلا منه. # {فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون {58} فارتقب إنهم مرتقبون {59} } ~~[الدخان: 58-59] . # {فإنما يسرناه بلسانك} [الدخان: 58] هونا القرآن على لسانك، لعلهم ~~يتذكرون لكي يتعظوا، فيؤمنوا به. # فارتقب فانتظر بهم العذاب، إنهم مرتقبون منتظرون هلاكك. # PageV04P093 ### | تفسير سورة حم الجاثية # مكية، وهي ثلاثون وسبع آيات. ### | 831 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي العزايمي، أنا محمد بن جعفر بن مطر، نا ~~إبراهيم بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم المدايني، نا هارون بن ~~كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة حم الجاثية ستر الله عورته ~~وسكن روعته عند الحساب» . # بسم الله الرحمن الرحيم {حم {1} تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم {2} ~~إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين {3} وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات ~~لقوم يوقنون {4} واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق ~~فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون {5} تلك آيات ~~الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون {6} } [الجاثية: ~~1-6] . # حم مبتدأ، وخبره: تنزيل الكتاب. # ثم أخبر لما يدل على قدرته، فقال: {إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين} ~~[الجاثية: 3] قال مقاتل: إن في خلق، السموات والأرض وهما خلقان عظيمان، ~~لآيات للمؤمنين. # قال الزجاج: ويدل على أن المعنى في خلق السموات والارض، قوله: وفي خلقكم. # قال ابن عباس ms1683، ومقاتل: وفي خلق أنفسكم من تراب ثم من نطفة إلى أن يصير ~~إنسانا. # {وما يبث من دابة} [الجاثية: 4] وما يفرق في الأرض من جميع ما خلق، على ~~اختلاف ذلك في الخلق والصور، والمشي، آية على توحيد من خلقها، وقدرته، لقوم ~~يوقنون أنه لا إله غيره، وقرأ حمزة آيات، وكذلك تصريف الرياح آية بالكسر، ~~وهي # PageV04P094 # في موضع نصب، نسقا على قوله: {إن في السموات} [الجاثية: 3] على معنى: وإن ~~في خلقكم آيات، ومن رفع فقال الفراء: الرفع على الاستثناف بعد إن تقول ~~العرب: إن لي عليك مالا، وعلى أخيك مال. # ينصبون الثاني ويرفعونه، والآية التي بعدها ظاهرة وقد تقدم تفسيرها. # {تلك آيات الله} [الجاثية: 6] قال ابن عباس: يريد هذا الذي قصصنا عليك من ~~آيات الله نقصها. # {عليك بالحق فبأي حديث بعد الله} [الجاثية: 6] بعد كتاب الله تعالى، ~~وآياته يؤمنون إن لم يؤمنوا بهذا، ومن قرأ بالتاء فعلى تأويل قل لهم يا ~~محمد: فبأي حديث تؤمنون. # {ويل لكل أفاك أثيم {7} يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم ~~يسمعها فبشره بعذاب أليم {8} وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك ~~لهم عذاب مهين {9} من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما ~~اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم {10} هذا هدى والذين كفروا بآيات ~~ربهم لهم عذاب من رجز أليم {11} } [الجاثية: 7-11] . # {ويل لكل أفاك أثيم} [الجاثية: 7] كذاب صاحب إثم، يعني: النضر بن الحارث، ~~والآية الثانية مفسرة في { [لقمان. # ] وإذا علم من آياتنا شيئا} [سورة الجاثية: 9] قال مقاتل: إذا سمع من ~~آيات القرآن شيئا. # {اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين} [الجاثية: 9] رد الكلام إلى معنى: كل ~~في قوله: {لكل أفاك أثيم} [الجاثية: 7] . # فلذلك جمع {من ورائهم جهنم} [الجاثية: 10] قال ابن عباس: يريد أمامهم ~~جهنم. # يعني: أنهم في الدنيا، ولهم في الآخرة النار يردونها، ويدخلونها، {ولا ~~يغني عنهم ما كسبوا} [الجاثية: 10] من الأموال، شيئا ولا ما عبدوا من دون ~~الله من الآلهة. # هذا هدى هذا القرآن بيان من الضلالة، والذين ms1684 كفروا به، {لهم عذاب من رجز ~~أليم} [الجاثية: 11] # PageV04P095 # بالرفع على نعت العذاب، وبالكسر على نعت الرجز، والرجز: معناه: العذاب، ~~كقوله: {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء} [البقرة: 59] . # {الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم ~~تشكرون {12} وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك ~~لآيات لقوم يتفكرون {13} } [الجاثية: 12-13] . # وقوله: {وسخر لكم ما في السموات} [الجاثية: 13] من شمس وقمر، ونجوم ومطر، ~~وثلج وبرد، وماء، {وما في الأرض} [الجاثية: 13] من دابة، وشجر، ونبات، ~~وثمار، وأنهار ومعنى تسخيره لها هو: أنه خلقها لانتفاعنا بها، فهو مسخر ~~لنا، من حيث إنا ننتفع به على الوجه الذي نريده، وقوله تعالى: جميعا منه ~~قال ابن عباس: كل ذلك رحمة منه لكم. # وقال في رواية عكرمة: منه النور، ومنه الشمس، ومنه القمر. # وقال الزجاج: كل ذلك تفضل منه، وإحسان. # ويحسن الوقف على قوله: جميعا ثم يقول: منه أي: ذلك التسخير منه لا من ~~غيره، فهو فضله وإحسانه، {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [الجاثية: 13] في ~~صنع الله وإحسانه، فيوحدونه. # {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا ~~يكسبون {14} من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون {15} ~~} [الجاثية: 14-15] قوله: {قل للذين آمنوا يغفروا} [الجاثية: 14] الآية ~~نزلت في عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: شتمه رجل بمكة، فهم أن يبطش به عمر، ~~فأمره الله بالعفو، والتجاوز. # والمعنى: قل للذين آمنوا: اغفروا، ولكنه شبهه بالشرط والجزاء، كقوله: {قل ~~لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} [إبراهيم: 31] وقد مر، وقوله تعالى: ~~{للذين لا يرجون أيام الله} [الجاثية: 14] قال مقاتل: لا يخشون مثل عذاب ~~الأمم الخالية، وذلك أنهم لا يؤمنون به، فلا يخافون عقابه. # وذكرنا تفسير أيام الله عند قوله: {وذكرهم بأيام الله} [إبراهيم: 5] وهذه ~~الآية منسوخة بآية القتال، وقوله: {ليجزي قوما بما كانوا يكسبون} [الجاثية: ~~14] أي: ليجزي الله الكفار بما عملوا من # PageV04P096 # السيئات، كأنه قال: لا تكافئوهم أنتم، لنكافئهم نحن. # ثم ذكر المؤمنين وأعمالهم ms1685، والمشركين وأعمالهم، بقوله: {من عمل صالحا} ~~[الجاثية: 15] الآية. # {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات ~~وفضلناهم على العالمين {16} وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من ~~بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا ~~فيه يختلفون {17} } [الجاثية: 16-17] {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب} ~~[الجاثية: 16] التوراة، والحكم الفهم في الكتاب، {ورزقناهم من الطيبات} ~~[الجاثية: 16] يعني: المن والسلوى، {وفضلناهم على العالمين} [الجاثية: 16] ~~تقدم تفسيره. # قال ابن عباس: لم يكن أحد من العالمين في زمانهم أكرم على الله، ولا أحب ~~إليه منهم. # {وآتيناهم بينات من الأمر} [الجاثية: 17] يعني: العلم بمبعث محمد صلى ~~الله عليه وسلم، وما بين لهم من أمره، فما اختلفوا إلى آخر الآية مفسر في ~~مواضع. # {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ~~{18} إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ~~ولي المتقين {19} } [الجاثية: 18-19] ثم جعلناك يا محمد، {على شريعة من ~~الأمر} [الجاثية: 18] على دين وملة، ومنهاج وطريقة، يعني: بعد موسى وقومه، ~~{فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} [الجاثية: 18] توحيد الله، يعني: ~~كفار قريش، قالوا له: ارجع إلى دين آبائك، فهم كانوا أفضل منك. # ثم ذكر أن اتباعهم لا ينفعه، ولا يدفعون عنه شيئا، فقال: {إنهم لن يغنوا ~~عنك من الله شيئا} [الجاثية: 19] لن يدفعوا عنك من عذاب الله شيئا لو ~~اتبعتهم، {وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض} [الجاثية: 19] يعني: المشركين، ~~{والله ولي المتقين} [الجاثية: 19] يعني: المؤمنين، الذين اتقوا الشرك. # {هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون {20} أم حسب الذين اجترحوا ~~السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ~~ما يحكمون {21} وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم ~~لا يظلمون {22} } [الجاثية: 20-22] هذا يعني: هذا القرآن، بصائر للناس ~~فسرناها في آخر { [الأعراف. # قوله:] أم حسب الذين # PageV04P097 # اجترحوا السيئات} [سورة الجاثية: 21] الآية نزلت حين قال كفار مكة ~~للمؤمنين: إنا نعطي في الآخرة من الخير، مثل ما تعطون ms1686 من الآجر. # والمعنى: بل أحسب، وهو استفهام إنكار الذين عملوا الشرك، واكتسبوا ~~الآثام، أن نجعلهم في الآخرة كالمؤمنين في الدرجة والثواب، وهو قوله: ~~كالذين آمنوا أي: بمحمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن، وعملوا الصالحات ~~الطاعات من الصلاة والزكاة، وتم الكلام، ثم قال: {سواء محياهم ومماتهم} ~~[الجاثية: 21] وارتفع سواء بأنه خبر ابتداء مقدم، تقديره: محياهم ومماتهم ~~سواء، والضمير فيهما يعود إلى القبيلين، المؤمنين والكافرين، يقول: المؤمن ~~مؤمن محياه مؤمن مماته، والكافر كافر محياه ومماته. # والمعنى: أن المؤمن يموت على إيمانه ويبعث عليه، والكافر يموت على كفره ~~ويبعث عليه، يريد: أن محيا القبيلين ومماتهم سواء، ومن قرأ سواء نصبا جعله ~~مفعولا ثانيا، على تقدير: أن نجعل محياهم ومماتهم سواء، يعني: أحسبوا أن ~~حياتهم ومماتهم، كحياة المؤمنين وموتهم؟ كلا، فإنهم يعيشون كافرين ويموتون ~~كافرين، والمؤمنون يعيشون مؤمنين ويموتون مؤمنين، وقد ميز الله بين ~~الفريقين: فجعل حزب الإيمان في الجنة، وحزب الكفر في النار، {ساء ما ~~يحكمون} [الجاثية: 21] بئس ما يقضون، حين يرون أن لهم في الآخرة ما ~~للمؤمنين. # أخبرنا أبو نصر المهرجاني، أنا أبو عبد الله بن بطة، أنا أبو القاسم ابن ~~بنت منيع، نا علي بن الجعد، أنا شعبة، عن عمرو بن مرة، سمعت أبا الضحى، عن ~~مسروق، قال: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري، لقد رأيته ~~ذات ليلة حتى أصبح أو كرب، أن يصبح يقرأ آية من القرآن يركع بها، ويسجد، ~~ويبكي {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات} [الجاثية: 21] الآية، ثم ذكر أنه خلق السموات والأرض، للحق ~~والجزاء {كل نفس بما كسبت} [الجاثية: 22] كيلا يظن الكافر أنه لا يجزى ~~بكفره، وأنه يستوي مع المؤمن، وهو قوله: {وخلق الله السموات والأرض} ~~[الجاثية: 22] الآية. # قوله: # PageV04P098 # {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل ~~على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون {23} وقالوا ما هي إلا ~~حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم ms1687 بذلك من علم إن هم ~~إلا يظنون {24} وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ~~ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين {25} قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى ~~يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون {26} ولله ملك السموات ~~والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون {27} } [الجاثية: 23-27] . # {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} [الجاثية: 23] قال سعيد بن جبير، عن ابن عباس ~~في هذه الآية: كان أحدهم يعبد الحجر، فإذا رأى ما هو أحسن منه، رمى به وعبد ~~الآخر، فهو يعبد ما تهواه نفسه. # وقال قتادة: هو الكافر لا يهوى شيئا إلا ركبه. # وهو قول عطاء، عن ابن عباس، قال: إذا هوي شيئا هو لله سخط اتبعه. # وهذا كما يقال: الهوى إله يعبد من دون الله، يعني: أن ذا الهوى يترك أمر ~~الله وطاعته لهواه. ### | 832 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا الحسين بن عمر بن أبي ~~الأحوص، نا أحمد بن يونس، نا إسماعيل بن عياش، حدثني الحسن بن دينار، عن ~~الخصيب بن جحدر، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «ما تحت ظل السماء إله يعبد من دون الله أبغض إلى الله من ~~هوى» # وقوله: {وأضله الله على علم} [الجاثية: 23] قال سعيد بن جبير: على علمه ~~فيه. # قال الزجاج: أي: على ما سبق في علمه، أنه ضال قبل أن يخلقه. # {وختم على سمعه} [الجاثية: 23] طبع عليه، فلم يسمع الهدى، وعلى قلبه فلم ~~يعقل الهدى، {وجعل على بصره غشاوة} [الجاثية: 23] يعني: ظلمة، فهو لا يبصر ~~الهدى، وليس يبقي للقدرية مع هذا البيان في منع الكافر عن الإيمان عذر ولا ~~حيلة، ثم أكد ذلك بقوله: {فمن يهديه من بعد # PageV04P099 # الله} [الجاثية: 23] أي: من بعد إضلال الله، أي: من يهديه بعد أن أضله ~~الله؟ أفلا تذكرون فتعرفوا قدرته على ما يشاء. # وقالوا يعني: منكري البعث، ما هي ما الحياة، {إلا حياتنا الدنيا} ~~[الجاثية: 24] ما هم فيه من الحياة، نموت ms1688 ونحيا قال مقاتل: نموت نحن، ويحيا ~~آخرون ممن يأتون بعدنا. # وهو قول المفسرين. # وقال الزجاج: المعنى: نحيا ونموت والواو للاجتماع. # {وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية: 24] إلا طول العمر، واختلاف الليل ~~والنهار، قال الله تعالى: {وما لهم بذلك} [الجاثية: 24] الذي قالوه، من علم ~~أي: لم يقولوه عن علم علموه، قالوه ضلالا شاكين، وهو قوله: {إن هم إلا ~~يظنون} [الجاثية: 24] . # وما بعد هذا ظاهر التفسير، سابق فيما تقدم، إلى قوله: يخسر المبطلون ~~يعني: المكذبين الكافرين، الذين هم أصحاب الأباطيل، يظهر في ذلك اليوم ~~خسرانهم بأن يصيروا إلى النار. # قوله: {وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم ~~تعملون {28} هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ~~{29} فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز ~~المبين {30} وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم ~~قوما مجرمين {31} } [الجاثية: 28-31] . # {وترى كل أمة جاثية} [الجاثية: 28] جالسة على الركب عند الحساب، كما يجثي ~~بين يدي الحاكم ينتظر القضاء، قال سلمان الفارسي: إن في يوم القيامة ساعة ~~هي عشر سنين، يخر الناس فيها جثاء على ركبهم، حتى إن إبراهيم عليه السلام ~~ينادي: نفسي، لا أسالك إلا نفسي. # وقوله تعالى: {كل أمة تدعى إلى كتابها} [الجاثية: 28] يعني: إلى كتاب ~~أعمالها، ويقال لهم: {اليوم تجزون ما كنتم تعملون} [الجاثية: 28] . # هذا كتابنا يعني: ديوان الحفظة، ينطق يشهد، عليكم بالحق أي: يبينه بيانا ~~شافيا، حتى كأنه ناطق، {إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} [الجاثية: 29] نأمر ~~الملائكة بنسخ أعمالكم، أي: بكتبها، وإثباتها عليكم، وأكثر المفسرين على أن ~~هذا الاستنساخ من اللوح المحفوظ، تستنسخ الملائكة كل عام ما يكون من أعمال ~~بني آدم، فيجدون ذلك موافقا لما يعملونه. # قالوا: والاستنساخ لا يكون إلا من أصل هو أن يستنسخ كتاب من كتاب. # ثم ذكر الفريقين من المؤمنين والكافرين، فقال: {فأما الذين آمنوا} ~~[الجاثية: 30] الآية ظاهرة. # {وأما الذين كفروا} [الجاثية: 31] فيقال لهم: {أفلم تكن آياتي تتلى ~~عليكم} [الجاثية: 31] يعني: آيات القرآن، فاستكبرتم ms1689 عن الإيمان بها، {وكنتم ~~قوما مجرمين} [الجاثية: 31] متكبرين، كافرين. # PageV04P100 # {وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن ~~نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين {32} وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما ~~كانوا به يستهزءون {33} وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ~~ومأواكم النار وما لكم من ناصرين {34} ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا ~~وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون {35} } ~~[الجاثية: 32-35] . # وإذا قيل لكم، {إن وعد الله} [الجاثية: 32] بالبعث، حق كائن، {والساعة لا ~~ريب فيها} [الجاثية: 32] والقيامة آتية، كائنة بغير شك، {قلتم ما ندري ما ~~الساعة} [الجاثية: 32] أنكرتموها، {إن نظن إلا ظنا} [الجاثية: 32] أي: ما ~~نعلم ذلك إلا حدسا وتوهما، {وما نحن بمستيقنين} [الجاثية: 32] ما نستيقن ~~كونها. # {وبدا لهم} [الجاثية: 33] في الآخرة، {سيئات ما عملوا} [الجاثية: 33] في ~~الدنيا. # وقيل لهم: اليوم ننساكم نترككم في النار، {كما نسيتم لقاء يومكم هذا} ~~[الجاثية: 34] كما تركتم الإيمان والعمل، للقاء هذا اليوم. # ذلكم الذي فعلنا بكم، {بأنكم اتخذتم آيات الله} [الجاثية: 35] القرآن، ~~هزوا مهزوءا به، {وغرتكم الحياة الدنيا} [الجاثية: 35] حتى قلتم: إنه لا ~~بعث ولا حساب، {فاليوم لا يخرجون منها} [الجاثية: 35] من النار، {ولا هم ~~يستعتبون} [الجاثية: 35] لا يطلب منهم أن يرجعوا إلى طاعة الله، لأن ذلك ~~اليوم لا يقبل فيه منهم عذر، ولا توبة. # ثم ذكر عظمته، فقال: {فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين {36} ~~وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم {37} } [الجاثية: 36-37] ~~. # {فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين} [الجاثية: 36] . # {وله الكبرياء} [الجاثية: 37] العظمة والجبروت، {في السموات والأرض} ~~[الجاثية: 37] . ### | 833 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم، أنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد ~~الجرجاني، أنا عبد الله بن زيدان البجلي، نا كريب، نا عبد الرحمن بن محمد ~~المحاربي، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ~~فمن نازعني في واحدة ms1690 منهما ألقيته في النار» . # PageV04P101 ### | تفسير سورة حم الأحقاف # مكية، وهي ثلاثون وخمس آيات. ### | 834 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن محمد بن إبراهيم، أنا محمد بن جعفر بن محمد ~~السجستاني، نا إبراهيم بن شريك، نا أحمد بن عبد الله، نا المدايني، نا ~~هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة الأحقاف أعطي من ~~الأجر بعدد كل رمل في الدنيا عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر ~~درجات» . # بسم الله الرحمن الرحيم {حم {1} تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم {2} ~~ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما ~~أنذروا معرضون {3} } [الأحقاف: 1-3] . # {حم {1} تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم {2} } [الجاثية: 1-2] ذكرنا ~~نظم هذه الآية في { [الجاثية. # ] ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق} [سورة الأحقاف: 3] قال ~~ابن عباس: لم يخلقهما باطلا لغير شيء، ما خلقناهما إلا للثواب والعقاب. # وأجل مسمى يعني: يوم القيامة، وهو الأجل الذي تنتهي إليه السموات والأرض، ~~وهذا إشارة إلى فنائهما وانقضاء أمدهما، ذكر أن الكفار أعرضوا عن الإيمان، ~~فقال: {والذين كفروا عما أنذروا معرضون} [الأحقاف: 3] أي: خوفوا به في ~~القرآن من البعث، والحساب والجزاء معرضون. # قوله: {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم ~~شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل # PageV04P102 # هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين {4} ومن أضل ممن يدعو من دون الله من ~~لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون {5} وإذا حشر الناس ~~كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين {6} } [الأحقاف: 4-6] . # {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله} [الأحقاف: 4] مفسر في { [فاطر، إلى ~~قوله:] ائتوني بكتاب من قبل هذا} [سورة الأحقاف: 4] من قبل القرآن، فيه ~~برهان ما تدعون من عبادة الأصنام، أو أثارة أي: بقية، من علم يقال: ناقة ~~ذات أثارة، أي: بقية من شحم. # قال ابن قتيبة: أي: بقية من علم ms1691 عن الأولين. # وقال الفراء، والمبرد: يعني: ما يؤثر من علم من كتب الأولين. # وهو معنى قول المفسرين. # وقال عطاء: يريد: أو شيء تأثرونه عن نبي كان قبل محمد صلى الله عليه ~~وسلم. # وقال مقاتل: أو رواية من علم عن الأنبياء. # {إن كنتم صادقين} [الأحقاف: 4] أن لله شريكا. # ثم ذكر ضلالتهم، فقال: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له} ~~[الأحقاف: 5] يعني: الأصنام لا تجيب عابديها إلى شيء يسألونه، {إلى يوم ~~القيامة} [الأحقاف: 5] يعني: أبدا ما دامت الدنيا، {وهم عن دعائهم غافلون} ~~[الأحقاف: 5] لأنها جماد لا تسمع. # ثم إذا قامت القيامة، صارت الآلهة أعداء لمن عبدها في الدنيا، وهو قوله: ~~{وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء} [الأحقاف: 6] وهذا كقوله: {ويكونون عليهم ~~ضدا} [مريم: 82] وذلك أنهم يتبرءون من عابديهم، كقوله: {تبرأنا إليك ما ~~كانوا إيانا يعبدون} [القصص: 63] . # ثم ذكر أنهم يسمون القرآن سحرا، فقال: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال ~~الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين {7} أم يقولون افتراه قل إن ~~افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا ~~بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم {8} قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما ~~يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين {9} قل ~~أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ~~فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين {10} } [الأحقاف: 7-10] . # {وإذا تتلى عليهم آياتنا} [الأحقاف: 7] الآية. # ويقولون: إن محمدا أتى به من قبل نفسه، وهو قوله: {أم يقولون افتراه} ~~[الأحقاف: 8] . # فقال الله: {قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا} [الأحقاف: 8] لا ~~تقدرون على أن تردوا عني عذابه، أي: فكيف أفتري على الله من أجلكم، وأنتم ~~لا تقدرون على دفع عقابي عني، إن # PageV04P103 # افتريت عليه شيئا؟ هو أي: الله، {أعلم بما تفيضون فيه} [الأحقاف: 8] بما ~~تقولون في القرآن، وتخوضون فيه من التكذيب به، والقول فيه بأنه ms1692 سحر، ~~وكهانة، {كفى به شهيدا بيني وبينكم} [الأحقاف: 8] أن القرآن جاء من عند ~~الله، {وهو الغفور الرحيم} [الأحقاف: 8] في تأخير العذاب عنكم، حين لا يعجل ~~عليكم بالعقوبة، وقال الزجاج: هذا دعاء لهم من الله إلى التوبة، معناه: أن ~~من أتى من الكبائر بمثل ما أوتيتم به، من الافتراء على الله وعلي، ثم تاب، ~~فالله غفور له رحيم به. # قوله: {قل ما كنت بدعا من الرسل} [الأحقاف: 9] ما أنا بأول رسول، قد بعث ~~قبلي كثير من الرسل، والبدع والبديع من كل شيء: المبتدأ، {وما أدري ما يفعل ~~بي ولا بكم} [الأحقاف: 9] أيتركني بمكة، أو يخرجني منها، ويخرجكم؟ وقال ~~الحسن: لا أدري أأموت أم أقتل؟ ولا أدري أيها المكذبون، أترمون بالحجارة من ~~السماء، أم يخسف بكم، أم أي شيء يفعل بكم، مما فعل بالأمم المكذبة؟ وهذا ~~إنما هو في الدنيا، فأما في الآخرة فقد علم أنه في الجنة، وأن من كذبه في ~~النار، {إن أتبع إلا ما يوحى إلي} [الأحقاف: 9] ما أتبع إلا القرآن، ولا ~~أبتدع من عندي شيئا، {وما أنا إلا نذير مبين} [الأحقاف: 9] أنذركم العذاب، ~~وأبين لكم الشرائع. # قل أرأيتم معناها: أخبروني، أي: ماذا تقولون؟ إن كان القرآن، {من عند ~~الله} [الأحقاف: 10] هو أنزله، وكفرتم أنتم أيها المشركون، {به وشهد شاهد ~~من بني إسرائيل} [الأحقاف: 10] يعني: عبد الله بن سلام، كان شاهدا على صدق ~~محمد صلى الله عليه وسلم في نبوته، على مثله المثل صلة، معناه: عليه، أي: ~~على أنه من عند الله، فآمن يعني: الشاهد، واستكبرتم أنتم عن الإيمان به، ~~وجواب قوله: {إن كان من عند الله} [الأحقاف: 10] # PageV04P104 # محذوف على تقدير: أليس قد ظلمتم. # ويدل على هذا المحذوف قوله: {إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [الأحقاف: ~~10] وقال الحسن: جوابه: فمن أضل منكم؟ كما قال: {قل أرأيتم إن كان من عند ~~الله ثم كفرتم به من أضل} [فصلت: 52] الآية، وقال أبو علي الفارسي: تقديره ~~أتأمنون عقوبة الله. # ومعنى قوله: {إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [الأحقاف: 10] إن الله جعل ~~جزاء ms1693 المعاندين للإيمان بعد الوضوح والبيان، أن نمدهم في ضلالتهم، ونحرمهم ~~الهداية. # {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا ~~به فسيقولون هذا إفك قديم {11} ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب ~~مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين {12} } [الأحقاف: ~~11-12] . # {وقال الذين كفروا} [الأحقاف: 11] يعني: المشركين، للذين آمنوا من أصحاب ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، {لو كان خيرا} [الأحقاف: 11] لو كان ما جاء ~~به محمد خيرا، {ما سبقونا إليه} [الأحقاف: 11] نظم الكلام يوجب أن يكون ما ~~سبقتمونا إليه، ولكنه على ترك المخاطبة. # أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر ~~الحافظ، أنا أبو العباس الهروي، نا يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهب، ~~أخبرني ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال: كانت زنيرة امرأة ضعيفة البصر، فلما ~~أسلمت كان الأشراف من مشركي قريش يستهزئون بها، ويقولون: والله لو كان ما ~~جاء به محمد خيرا ما سبقتنا إليه زنيرة، فأنزل الله فيها وفي أمثالها هذه ~~الآية. # {وإذ لم يهتدوا به} [الأحقاف: 11] لم يصيبوا الهداية بالقرآن، فسيقولون: ~~إنه كذب، وهو قوله: {فسيقولون هذا إفك قديم} [الأحقاف: 11] أي: أساطير ~~الأولين. # ومن قبله قبل القرآن، كتاب موسى يعني: التوراة، إماما يقتدى به، ورحمة من ~~الله للمؤمنين به، من قبل القرآن، قال الزجاج: إماما منسوب على الحال. # وتقدير الكلام: وتقدمه كتاب موسى إماما، وفي الكلام محذوف به يتم المعنى، ~~وتقديره: فلم يهتدوا به، ودل # PageV04P105 # عليه قوله في الآية الأولى: {وإذ لم يهتدوا به} [الأحقاف: 11] ، وذلك أن ~~المشركين لم يهتدوا بالتوراة، فيتركوا ما هم عليه من عبادة الأوثان، ~~ويعرفوا منها صفة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: {وهذا كتاب مصدق} ~~[الأحقاف: 12] أي: للكتب التي قبله، لسانا عربيا منصوب على الحال، المعنى: ~~مصدقا لما بين يديه عربيا، وذكر اللسان توكيدا، كما تقول: جاءني زيد رجلا ~~صالحا، فيذكر رجلا توكيدا، لتنذر الذين ظلموا يعني: مشركي مكة، ومن قرأ ~~بالياء أسند الفعل إلى الكتاب ms1694، وبشرى وهو بشرى، يعني: الكتاب للمحسنين ~~الموحدين، يقول: الكتاب لهم بشرى بالجنة. # قوله: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم ~~يحزنون {13} أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون {14} } ~~[الأحقاف: 13-14] . # {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} [الأحقاف: 13] تقدم تفسيره. # قوله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها ~~وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني ~~أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ~~ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين {15} أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما ~~عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون {16} ~~} [الأحقاف: 15-16] . # {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا} [الأحقاف: 15] تقدم تفسيره في { ~~[العنكبوت، وقرئ ههنا إحسانا والمعنى: أمرناه بالإحسان إليهما، كقوله: ~~وبالوالدين إحسانا، ثم ذكر ما # PageV04P106 # قاسته الأم في حمل الولد، ووضعه، فقال:] حملته أمه كرها} [سورة الأحقاف: ~~15] يعني: حين أثقلت، وثقل عليها الولد، ووضعته كرها قال ابن عباس: يريد ~~شدة الطلق. # {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} [الأحقاف: 15] يريد: أن مدة حمله إلى أن فصل ~~من الرضاع، كانت هذا القدر، روى عكرمة، عن ابن عباس، أنه قال: إذا حملت ~~المرأة تسعة أشهر، أرضعته واحدا وعشرين شهرا، وإذا حملته ستة أشهر، أرضعته ~~أربعة وعشرين شهرا. # وقال مقاتل، وعطاء، والكلبي، عن ابن عباس: هذه الآية نزلت في أبي بكر ~~الصديق رضى الله عنه، وكان حمله وفصاله هذا القدر. # ويدل على صحة هذا قوله: {حتى إذا بلغ أشده} [الأحقاف: 15] إلى آخر الآية، ~~وقد علمنا أن كثيرا من الناس ممن بلغ هذا المبلغ لم يكن منه هذا القول، وهو ~~ما ذكر الله تعالى عنه {قال رب أوزعني} [الأحقاف: 15] إلى آخر الآية، فدل ~~على أنه إنسان بعينه، وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومعنى قوله: بلغ ~~أشده قال عطاء: يريد ثماني عشرة سنة. # وذلك أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة، والنبي ms1695 ~~ابن عشرين سنة، في تجارته إلى الشام، فكان لا يفارقه في أسفاره وحضوره، ~~فلما بلغ أربعين سنة، ونبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا ربه، فقال: رب ~~أوزعني ألهمني، {أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي} [الأحقاف: 15] بالهداية ~~والإيمان، حتى لا أشرك بك، وعلى والدي أبي قحافة عثمان بن عمرو، وأم الخير ~~بنت صخر بن عمرو، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هذه الآية في أبي بكر ~~رضي الله عنه، أسلم أبواه جميعا، ولم يجتمع لأحد من الصحابة، رضي الله ~~عنهم، المهاجرين أبواه غيره، وأوصاه الله بهما، ولزم ذلك من بعده. # وقوله: {وأن أعمل صالحا ترضاه} [الأحقاف: 15] قال ابن عباس: # PageV04P107 # أجابه الله تعالى، فأعتق تسعة من المؤمنين، يعذبون في الله، ولم يرد شيئا ~~من الخير إلا أعانه الله عليه، واستجاب الله له في ذريته إذ قال: {وأصلح لي ~~في ذريتي} [الأحقاف: 15] فلم يبق له ولد، ولا والد، ولا والدة إلا آمنوا ~~بالله وحده. # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا عبد الله بن محمد الحافظ، أنا إسحاق بن أحمد ~~الفارسي، سمعت محمد بن إسماعيل البخاري، يقول: حدثني عبد الرحمن بن عبد ~~الملك بن شيبة، قال: قال لي موسى بن عقبة: لم يدرك أربعة النبي صلى الله ~~عليه وسلم هم وأبناؤهم إلا هؤلاء: أبو قحافة، وأبو بكر، وابنه عبد الرحمن , ~~وأبو عتيق بن عبد الرحمن بن أبي بكر. # قال البخاري: أبو عتيق أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن عبد ~~الرحمن بن أبي بكر. # وقوله: {إني تبت إليك وإني من المسلمين} [الأحقاف: 15] قال عطاء، عن ابن ~~عباس: إني رجعت إلى كل ما تحب، وأسلمت لك بقلبي ولساني. # أولئك يعني: أهل هذا القول، {نتقبل عنهم أحسن ما عملوا} [الأحقاف: 16] ~~يعني: الأعمال الصالحة التي عملوها في الدنيا، وكلها حسن، فالأحسن بمعنى: ~~الحسن، {ونتجاوز عن سيئاتهم} [الأحقاف: 16] قال عطاء: يريد ما كان في ~~الشرك. # {في أصحاب الجنة} [الأحقاف: 16] أي: في جملة من يتجاوز عنهم، وهم أصحاب ~~الجنة، وعد الصدق يعني: ما وعد الله ms1696 أهل الإيمان أن يتقبل من محسنيهم، ~~ويتجاوز عن مسيئيهم، {الذي كانوا يوعدون} [الأحقاف: 16] في الدنيا على لسان ~~الرسل. # {والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي ~~وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير ~~الأولين {17} أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن ~~والإنس إنهم كانوا خاسرين {18} ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم ~~لا يظلمون {19} } [الأحقاف: 17-19] . # {والذي قال لوالديه} [الأحقاف: 17] المفسرون على أنها نزلت في عبد الرحمن ~~بن أبي بكر قبل إسلامه، كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام # PageV04P108 # وهو يأبي، ويسيء القول لهما، وهو قوله: أف لكما، وكانا يخبرانه بالبعث ~~بعد الموت، فيقول: {أتعدانني أن أخرج} [الأحقاف: 17] من القبر، {وقد خلت ~~القرون من قبلي} [الأحقاف: 17] يعني: الأمم الخالية، فلم أر أحدا منهم بعث؟ ~~أين عبد الله بن جدعان، أين فلان وفلان؟ وهما يعني: والديه، يستغيثان الله ~~يدعوان الله له بالهدى، والاستغاثة بالله دعاء الله، ليعينك على ما نابك، ~~والجار محذوف، لأن التقدير: يستغيثان بالله، ويقولان له: ويلك آمن صدق ~~بالبعث. # {إن وعد الله حق فيقول} [الأحقاف: 17] لهما، ما هذا الذي تقولان، {إلا ~~أساطير الأولين} [الأحقاف: 17] ، والصحيح: أن الآية نزلت في كافر عاق ~~لوالديه، قال الزجاج: قول من قال الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل ~~إسلامه، يبطله قوله تعالى: {أولئك الذين حق عليهم القول} [الأحقاف: 18] ~~الآية، أعلم الله أن هؤلاء قد حقت عليهم كلمة العذاب، وعبد الرحمن مؤمن من ~~أفاضل المسلمين، لا يكون ممن حقت عليه كلمة العذاب. # قال صاحب النظم، رضي الله عنه: ذكر الله تعالى في الآيتين قبل هذه من بر ~~والديه، وعمل بوصية الله، ثم ذكر من لم يعمل بالوصية، فقال: {لوالديه أف ~~لكما} [الأحقاف: 17] يصفه بالعقوق، حين لم يطع الله في قوله: {فلا تقل لهما ~~أف} [الإسراء: 23] ، ثم دخل في هذه الآية من # PageV04P109 # كان بهذه الصفة من الكفر والعقوق، لقوله: {أولئك الذين حق عليهم القول} ~~[الأحقاف: 18] . # والآية مفسرة ms1697 في حم السجدة. # قوله: {ولكل درجات مما عملوا} [الأحقاف: 19] قال ابن عباس: يريد من سبق ~~إلى الإسلام، فهو أفضل ممن تخلف عنه ولو بساعة. # وقال مقاتل: ولكل فضائل بأعمالهم. # وليوفيهم الله جزاء أعمالهم، وثوابها. # {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ~~واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير ~~الحق وبما كنتم تفسقون} [الأحقاف: 20] . # {ويوم يعرض الذين كفروا على النار} [الأحقاف: 20] يعني: كفار مكة، ويقال ~~لهم: {أذهبتم طيباتكم} [الأحقاف: 20] قرئ بالاستفهام والخبر، قال الفراء، ~~والزجاج: العرب توبخ بالألف وبغير الألف، فتقول: أذهب ففعلت كذا، وذهبت ~~ففعلت كذا. # والمعنى في القراءتين سواء، وهو التوبيخ لهم. # قال الكلبي: يعني اللذات، وما كانوا فيه من المعايش، وتمتعهم بها في ~~الحياة الدنيا. # ولما وبخ الله الكافرين بالتمتع بالطيبات في الدنيا، آثر النبي صلى الله ~~عليه وسلم، وأصحابه والصالحون اجتناب نعيم العيش ولذته، وآثروا التقشف ~~والزهد، رجاء أن يكون ثوابهم في الآخرة أكمل. ### | 835 - # أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النصراباذي، أنا محمد بن الحسن بن الحسين ~~بن منصور، حدثني الحسين بن أحمد بن منصور، نا عبد الله بن عمر بن أبان، نا ~~المحاربي، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن ~~عباس، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: استأذنت على رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فدخلت عليه في # PageV04P110 # مشربة، وإنه لمضطجع على خصفة، وإن بعضه لعلى التراب، وتحت رأسه وسادة ~~محشوة ليفا، فسلمت عليه ثم جلست، فقلت: يا رسول الله، أنت نبي الله، ~~وصفوته، وخيرته من خلقه، وكسرى وقيصر على سرر الذهب، وفرش الديباج والحرير، ~~فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمر إن أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم ~~وهي وشيكة الانقطاع، وإنا أخرت لنا طيباتنا» . ### | 836 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا إبراهيم بن محمد بن ~~الحسن، نا أبو الربيع سليمان بن داود، نا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، ~~عن سعيد بن أبي هلال ms1698، عن موسى بن سعد، عن سالم بن عبد الله، أن عمر بن ~~الخطاب رضي الله عنه كان يقول: والله ما نعبأ بلذات العيش أن نأمر بصغار ~~المعزى فتسمط لنا، ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا، ونأمر بالزبيب فينبذ لنا ~~حتى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا وشربنا هذا ولكنا نريد أن نستبقي ~~طيباتنا لأنا سمعنا الله تعالى يذكر قوما، فقال: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم ~~الدنيا واستمتعتم بها} [الأحقاف: 20] . ### | 837 - # وأخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، أنا أبو يحيى، نا سهل ~~بن عثمان، نا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي سفيان، # PageV04P111 # عن جابر بن عبد الله، قال: رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحما معلقا في ~~يدي، فقال: ما هذا يا جابر؟ فقلت: اشتهيت لحما فاشتريته. # فقال عمر: أو كلما اشتهيت يا جابر اشتريت؟ أما تخاف هذه الآية يا جابر ~~{أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا} [الأحقاف: 20] ### | 838 - # أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه، أن محمد بن محمد بن الحسين ~~الحداد أخبرهم، عن محمد بن يحيى، أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا جرير، عن عمارة ~~بن القعقاع، عن أبي زرعة، قال: دخل عتبة بن فرقد على عمر بن الخطاب رضي ~~الله عنه وهو يكدم كعكا شاميا ويتفوق لبنا جازرا فقال: يا أمير المؤمنين، ~~لو أمرت أن أضع لك طعاما ألين من هذا؟ فقال: يا ابن فرقد أترى أحدا من ~~العرب أقدر على ذلك مني؟ فقال: ما أحد أقدر على ذلك منك يا أمير المؤمنين، ~~فقال عمر: سمعت الله عير أقواما، فقال: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ~~واستمتعتم بها} [الأحقاف: 20] الآية. # قوله: فاليوم يعني: يوم القيامة، {تجزون عذاب الهون} [الأحقاف: 20] يعني: ~~العذاب الذي فيه ذلك، وخزي، {بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق} ~~[الأحقاف: 20] تتكبرون عن عبادة الله، والإيمان به، {وبما كنتم تفسقون} ~~[الأحقاف: 20] تعصون. # {واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن ~~خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ms1699 {21} قالوا أجئتنا ~~لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين {22} قال إنما العلم ~~عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون {23} فلما رأوه ~~عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها ~~عذاب أليم {24} تدمر # PageV04P112 # كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين ~~{25} } [الأحقاف: 21-25] . # واذكر يا محمد، لقومك أهل مكة، أخا عاد هودا، {إذ أنذر قومه} [الأحقاف: ~~21] حذرهم عذاب الله إن لم يؤمنوا به، بالأحقاف وهي: جمع حقف، وهو المستطيل ~~المعوج من الرمال، قال عطاء: يعني: رمال بلاد الشحر. # وقال مقاتل: هي باليمن في حضرموت. # {وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه} [الأحقاف: 21] وقد مضت الرسل، من ~~قبل هود ومن بعده، إلى قومهم {ألا تعبدوا إلا الله} [الأحقاف: 21] أي: لم ~~أبعث رسولا قبل هود، ولا بعده إلا بالأمر بعبادة الله وحده، وهذا كلام ~~اعترض بين إنذار هود، وكلامه لقومه، ثم عاد إلى كلام هود لقومه، بقوله: ~~{إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} [الأحقاف: 21] وتقدير الكلام: إذ أنذر قومه ~~بالأحقاف، فقال: إني أخاف، الآية. # فقالوا له: {أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا} [الأحقاف: 22] لتصرفنا عن عبادتها ~~بالإفك، {فأتنا بما تعدنا} [الأحقاف: 22] من العذاب، {إن كنت من الصادقين} ~~[الأحقاف: 22] أن العذاب نازل بنا. # قال هود: {إنما العلم عند الله} [الأحقاف: 23] هو يعلم متى يأتيكم ~~العذاب؟ {وأبلغكم ما أرسلت به} [الأحقاف: 23] من الوحي والإنذار، يعني: أنا ~~مبلغ، والعلم بوقت العذاب عند الله، {ولكني أراكم قوما تجهلون} [الأحقاف: ~~23] حين أدلكم على الرشاد، وأنتم تصدون، وتعرضون عنه. # قوله: فلما رأوه أي: ما يوعدون في قوله: بما تعدنا، عارضا سحابا يعرض في ~~ناحية من السماء، ثم يطبق السماء، مستقبل أوديتهم قال المفسرون: كانت عاد ~~قد حبس عنهم المطر أياما، فساق الله تعالى إليهم سحابة سوداء، فخرجت عليهم ~~من واد لهم يقال له: المغيث، {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم} [الأحقاف: ~~24] استبشروا، {قالوا هذا عارض ممطرنا} [الأحقاف: 24] غيم فيه مطر، فقال ~~هود: {بل هو ما ms1700 استعجلتم به} [الأحقاف: 24] ثم بين ما هو، فقال: {ريح فيها ~~عذاب أليم} [الأحقاف: 24] والريح التي عذبوا بها نشأت من ذلك السحاب. # قال ابن عباس: # PageV04P113 # كانت الريح تطير بهم بين السماء والأرض، حتى أهلكتهم. # تدمر تهلك، كل شيء مرت به من الناس، والدواب، والأموال، فأصبحوا يعني: ~~عادا، {لا يرى إلا مساكنهم} [الأحقاف: 25] ، قال الزجاج: تأويله: لا يرى ~~شيء إلا مساكنهم. # وقرئ لا ترى بفتح التاء، إلا مساكنهم بالنصب، على معنى: لا ترى أيها ~~المخاطب، أي: لا تشاهد شيئا إلا مساكنهم، لأن السكان والأنعام بادت بالريح، ~~وقال ابن عباس: فلم يبق إلا هود ومن آمن معه. # ثم خوف كفار مكة، وذكر فضل عاد بالأجسام، والقوة عليهم، فقال: {ولقد ~~مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم ~~سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ~~ما كانوا به يستهزءون {26} ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات ~~لعلهم يرجعون {27} فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ~~ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون {28} } [الأحقاف: 26-28] {ولقد ~~مكناهم فيما إن مكناكم فيه} [الأحقاف: 26] أي: في الشيء الذي لم نمكنكم فيه ~~من المال، والعمر، وشدة الأبدان، قال المبرد: ما في قوله: فيما بمنزلة ~~الذي، وإن بمنزلة ما، وتقديره: ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه. # وجعلنا لهم الآية، أخبر الله تعالى: أنهم أعرضوا عن قبول الحجج، والتفكر ~~فيما يدلهم على التوحيد، مع ما أعطاهم الله من الحواس التي بها تدرك ~~الأدلة. # ثم زاد في التخويف، فقال: {ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى} [الأحقاف: 27] ~~الخطاب لأهل مكة، وأراد: القرى المهلكة باليمن، والشام، وصرفنا الآيات ~~بيناها، لعلهم لعل أهل القرى، يرجعون. # ثم ذكر أنهم لم ينصرهم من الله ناصر، حين حل بهم العذاب، وهو قوله: فلولا ~~نصرهم فهلا نصرهم؟ وهذا استفهام إنكار، أي: لم ينصرهم، {الذين اتخذوا من ~~دون الله قربانا آلهة} [الأحقاف: 28] قال ابن قتيبة: اتخذوهم آلهة، يتقربون ~~بها إلى الله. # والقربان: ما ms1701 يتقرب به إلى الله، {بل ضلوا عنهم} [الأحقاف: 28] قال ~~مقاتل: ضلت الآلهة عنهم، فلم تنفعهم عند نزول العذاب بهم. # وذلك إفكهم أي: اتخاذهم الآلهة دون الله كذبهم، وافتراؤهم، وهو قوله: ~~{وما كانوا يفترون} [الأحقاف: 28] يكذبون من أنها آلهة شركاء. # قوله تعالى: # PageV04P114 # {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرءان فلما حضروه قالوا أنصتوا ~~فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين {29} قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل ~~من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم {30} يا ~~قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ~~{31} ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء ~~أولئك في ضلال مبين {32} } [الأحقاف: 29-32] {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} ~~[الأحقاف: 29] قال المفسرون: لما أيس رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه ~~أهل مكة أن يجيبوه، خرج إلى الطائف، ليدعوهم إلى الإسلام، فلما انصرف إلى ~~مكة وكان ببطن نخلة، قام يقرأ القرآن في صلاة الفجر، فمر به نفر من أشراف ~~جن نصيبين، واستمعوا لقرآنه. # قال ابن عباس: كانوا سبعة نفر. # وقال الكلبي، ومقاتل: كانوا تسعة صرفوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ~~ليستمعوا منه، وينذروا قومهم. # وهو قوله: {يستمعون القرءان فلما حضروه} [الأحقاف: 29] أي: حضروا استماع ~~القرآن، قالوا أنصتوا قال بعضهم لبعض: اسكتوا، أي: لنستمع إلى قراءته، فلا ~~يحول بيننا وبين الاستماع شيء، فلما قضي أي: فرغ من التلاوة، {ولوا إلى ~~قومهم منذرين} [الأحقاف: 29] انصرفوا إليهم، محذرين إياهم عذاب الله إن لم ~~يؤمنوا. # ثم أخبر عنهم بما قالوا لقومهم، وهو قوله: {قالوا يا قومنا إنا سمعنا ~~كتابا أنزل من بعد موسى} [الأحقاف: 30] يعنون: القرآن، {مصدقا لما بين ~~يديه} [الأحقاف: 30] الآية. # {يا قومنا أجيبوا داعي الله} [الأحقاف: 31] يعنون محمدا صلى الله عليه ~~وسلم، وهذا يدل على أنه كان مبعوثا إلى الجن، كما كان مبعوثا إلى الإنس، ~~قال مقاتل: ولم يبعث الله نبيا إلى الإنس والجن قبله. # {ومن لا يجب داعي الله ms1702 فليس بمعجز في # PageV04P115 # الأرض} [الأحقاف: 32] لا يعجز الله، فيسبقه ويفوته، {وليس له من دونه ~~أولياء} [الأحقاف: 32] أنصار يمنعونه من الله، أولئك الذين لا يجيبون ~~الرسل، {في ضلال مبين} [الأحقاف: 32] . # ثم احتج على إحياء الموتى، بقوله: {أولم يروا أن الله الذي خلق السموات ~~والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ~~{33} ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال ~~فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون {34} فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا ~~تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل ~~يهلك إلا القوم الفاسقون {35} } [الأحقاف: 33-35] . # {أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن} [الأحقاف: ~~33] لم يعجز عن ذلك، يقال: عيي فلان بأمره، إذا لم يهتد له، ولم يقدر عليه، ~~بقادر قال أبو عبيدة، والأخفش: الباء زائدة مؤكدة. # وقال الفراء: العرب تدخل الباء مع الجحد، مثل قولك: ما أظنك بقائم. # وهو قول الكسائي، والزجاج. # وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل} ~~[الأحقاف: 35] قال ابن عباس، وقتادة: يريد: نوحا، وإبراهيم، وموسى، وعيسى ~~عليهم السلام. # وقال مقاتل: هم ستة: نوح صبر على أذى قومه، وإبراهيم صبر على النار، ~~وإسحاق صبر على الذبح، ويعقوب صبر على فقد الولد وذهاب البصر، ويوسف صبر في ~~البئر والسجن، وأيوب صبر على الضر. # وقال الكلبي: هم الذين أمروا بالجهاد والقتال، فأظهروا المكاشفة، وجاهدوا ~~في الدين. # وهذا قول السدي. # وقال أهل المعاني والتحقيق: كل الرسل أولو العزم، ولم يبعث الله رسولا ~~إلا كان ذا عزم، وحزم، ورأي، وكمال عقل. # ومن في قوله: من الرسل تبيين لا تبعيض، كما يقال: أكسيه من الخز، وكأنه ~~قيل له: اصبر كما صبر الرسل قبلك على أذى قومهم، ووصفهم بالعزم، لصبرهم ~~ورزانتهم، ويدل على صحة هذا ما ### | 839 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا عبد الله بن محمد بن حيان، أنا عبد الرحمن ~~بن أبي حاتم، نا محمد بن ms1703 أبي حاتم، نا # PageV04P116 # محمد بن الحجاج، نا السري بن حيان، نا عباد بن عباد، نا مجالد بن سعيد، ~~عن الشعبي، عن مسروق، قال: قالت لي عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد، يا عائشة إن الله ~~تعالى لم يرض من أولي العزم إلا الصبر على مكروهها والصبر على محبوبها، ولم ~~يرض إلا أن كلفني ما كلفهم، فقال الله عز وجل: {فاصبر كما صبر أولو العزم ~~من الرسل} [الأحقاف: 35] وإني والله ما بد لي من طاعته، وإني والله لأصبرن ~~كما صبروا، وأجهدن ولا قوة إلا بالله " # وقوله تعالى: {ولا تستعجل لهم} [الأحقاف: 35] أي: العذاب، وكأنه صلى الله ~~عليه وسلم ضجر بعض الضجر، وأحب أن ينزل العذاب بمن أبى من قومه، فأمر ~~بالصبر، وترك الاستعجال، ثم أخبر أن العذاب منهم قريب بقوله: {كأنهم يوم ~~يرون ما يوعدون} [الأحقاف: 35] أي: من العذاب في الآخرة، لم يلبثوا في ~~الدنيا، {إلا ساعة من نهار} [الأحقاف: 35] أي: إذا عاينوا العذاب، صار طول ~~لبثهم في الدنيا، والبرزخ كأنه ساعة من نهار، لأن ما مضى كأنه لم يكن وإن ~~كان طويلا، وتم الكلام، ثم قال: بلاغ أي: هذا القرآن، وما فيه من البيان، ~~بلاغ عن الله إليكم، والبلاغ بمعنى: التبليغ، {فهل يهلك إلا القوم ~~الفاسقون} [الأحقاف: 35] أي: لا يقع العذاب إلا بالعاصين، الخارجين عن أمر ~~الله، وقال قتادة: اعلموا، والله ما يهلك على الله إلا هالك مشرك ولى ظهره ~~للإسلام، أو منافق صدق بلسانه وخالف بعمله. # وقال الزجاج: تأويله لا يهلك مع رحمة الله وتفضله، إلا القوم الفاسقون. # ولهذا قال قوم: ما في الرجاء لرحمة الله تعالى آية أقوى، وأتم من هذه ~~الآية. # PageV04P117 ### | تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم # وهي ثلاثون وثمان آيات، مدنية. ### | 840 - # أخبرنا سعيد بن محمد الحيري، أنا محمد بن جعفر الحيري، نا إبراهيم بن ~~شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، عن زيد بن ~~أسلم، عن ms1704 أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «ومن قرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم كان حقا على الله أن ~~يسقيه من أنهار الجنة» . # بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل ~~أعمالهم {1} والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو ~~الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم {2} ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا ~~الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ~~{3} } [محمد: 1-3] . # الذين كفروا بتوحيد الله، وصدوا الناس، {عن سبيل الله} [محمد: 1] ~~الإيمان، والإسلام، يعني: مشركي قريش، أضل أعمالهم أبطلها، وأذهبها حتى ~~كأنها لم تكن، إذ لم يروا في الآخرة لها ثوابا، وأراد بأعمالهم: إطعامهم ~~الطعام، وصلتهم الأرحام. # {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} [محمد: 2] يعني: أصحاب النبي صلى الله ~~عليه وسلم، {وآمنوا بما نزل على محمد} [محمد: 2] من آيات القرآن، وهو الحق ~~الصدق، من ربهم من عند ربهم، {كفر عنهم سيئاتهم} [محمد: 2] سترها عنهم: بأن ~~غفرها لهم، فلا يحاسبون عليها يوم القيامة، كما أضل أعمال الكفار، وأصلح ~~بالهم قال المبرد: البال الحال ههنا. # قال ابن عباس: عصمهم أيام حياتهم، يعني: أن هذا الإصلاح يعود إلى إصلاح ~~أعمالهم حتى لم يعصوا، ويعود إلى إصلاح حالهم في الدنيا من إعطاء المال. # ثم ذكر السبب في ذلك، فقال: # PageV04P118 # {ذلك بأن الذين كفروا} [محمد: 3] أي: ذلك الإصلاح والإضلال، باتباع ~~الكافرين الشرك، وعبادة الشيطان، واتباع المؤمنين التوحيد، والقرآن، {كذلك ~~يضرب الله للناس أمثالهم} [محمد: 3] قال الزجاج: كذلك يبين الله للناس ~~أمثال حسنات المؤمنين، وإضلال أعمال الكافرين. # يعني: أن من كان كافرا أضل الله عمله، ومن كان مؤمنا كفر سيئاته، كما ذكر ~~ههنا في الفريقين. # ثم علم المؤمنين كيف يصنعون بالكافرين إذا لقوهم، فقال: {فإذا لقيتم ~~الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما ~~فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو ~~بعضكم ببعض والذين ms1705 قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم {4} سيهديهم ويصلح ~~بالهم {5} ويدخلهم الجنة عرفها لهم {6} } [محمد: 4-6] . # {فإذا لقيتم الذين كفروا} [محمد: 4] أي: في القتال، فضرب الرقاب أي: ~~فاضربوا رقابهم، والمعنى: اقتلوهم، لأنه أكثر مواضع القتل ضرب العنق، فإن ~~ضربه على مقتل آخر كان كما لو ضرب عنقه، لأن القصد قتله، {حتى إذا ~~أثخنتموهم} [محمد: 4] بالغتم في قتلهم، وأكثرتم القتل، فشدوا الوثاق يعني: ~~في الأسر، والأسر يكون بعد المبالغة في القتل، كما قال: {ما كان لنبي أن ~~يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} [الأنفال: 67] ، والوثاق اسم من الإيثاق، ~~يقال: أوثقه إيثاقا ووثاقا إذا شد أسره، كيلا يفلت، {فإما منا بعد وإما ~~فداء} [محمد: 4] أي: بعد أن تأسروهم، إما مننتم عليهم منا فأطلقتموهم بغير ~~عوض، وإما أن تفدوا فداء، قال الوالبي، عن ابن عباس: لما كثر المسلمون، ~~واشتد سلطانهم، أنزل الله على نبيه في الأسارى: {فإما منا بعد وإما فداء} ~~[محمد: 4] فجعل الله النبي صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين بالخيار في ~~الأسارى: إن شاءوا قتلوهم، وإن شاءوا استعبدوهم، وإن شاءوا فادوهم. # ويجوز الإطلاق بغير فداء، لقوله تعالى: {فإما منا بعد} [محمد: 4] والإمام ~~يتخير في الأسارى البالغين من الكفار بين هذه الخلال الأربع: من القتل، ~~والاسترقاق، والفداء، والمن وذهب جماعة من المفسرين إلى نسخ المن والفداء ~~بالقتل، لقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] ، وقوله: ~~{فإما تثقفنهم في الحرب} [الأنفال: 57] الآية، وهو قول قتادة، ومجاهد، ~~والحسن، والسدي. # قال أبو عبيد: لم يزل رسول الله # PageV04P119 # صلى الله عليه وسلم عاملا بهذه الأحكام كلها من القتل، والفداء، والمن، ~~حتى توفاه الله على ذلك، ولا نعلمه نسخ شيئا منها. # وقوله: {حتى تضع الحرب أوزارها} [محمد: 4] قال ابن عباس: حتى لا يبقى أحد ~~من المشركين. # وقال مجاهد: حتى لا يكون دين إلا دين الإسلام. # وقال سعيد بن جبير: يعني: خروج المسيح. # ومعنى الآية: حتى تضع حربكم، وقتالكم أوزار المشركين، وقبائح أعمالهم بأن ~~يسلموا، فلا يبقى دين غير الإسلام، ولا يعبد وثن، وهذا كما قال النبي صلى ~~الله عليه ms1706 وسلم: «الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن تقاتل آخر أمتي الدجال» ~~. # قال الزجاج: أي: اقتلوهم وأسروهم حتى يؤمنوا، فما دام الكفر فالحرب قائمة ~~أبدا. # وقال الفراء: المعنى: حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم. # وقوله: ذلك أي: الأمر ذلك الذي ذكرنا، {ولو يشاء الله لانتصر منهم} ~~[محمد: 4] أن أنه قادر على الانتصار من الكفار بإهلاكهم، وتعذيبهم بما شاء، ~~ولكن أمركم بالحرب، {ليبلو بعضكم ببعض} [محمد: 4] قال ابن عباس: يريد من ~~قتل من المؤمنين صار إلى الثواب، ومن قتل من المشركين صار إلى العذاب. # والمعنى: أن الله تعالى ابتلى الفريقين أحدهما بالآخرة، ليثيب المؤمن، ~~ويكرمه بالشهادة، ويخزي الكافر بالقتل، والذين قاتلوا في سبيل الله جاهدوا ~~المشركين، {فلن يضل أعمالهم} [محمد: 4] كما أضل أعمال الكافرين، وقرأ أبو ~~عمرو {والذين قتلوا} [محمد: 4] والوجه قراءة العامة، لأنها تشمل من قاتل ~~ممن قتل ولم يقتل، وقراءة أبي عمرو تخص المقتولين. # PageV04P120 # ولأن الله تعالى قال: {سيهديهم ويصلح بالهم} [محمد: 5] ، قال ابن عباس: ~~سيهديهم إلى أرشد الأمور، ويعصمهم أيام حياتهم في الدنيا. # وهذا لا يحسن في وصف المقتولين. # ويدخلهم الجنة في الآخرة، عرفها لهم بينها لهم حتى عرفوها من غير ~~استدلال، وذلك أنهم إذا دخلوا الجنة، تفرقوا إلى منازلهم، فكانوا أعرف بها ~~من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم، هذا قول عامة المفسرين. # وروى عطاء، عن ابن عباس، قال: يريد طيبها لهم. # وهذا من العرف وهو الرائحة الطيبة، وطعام معرف، أي: مطيب، والمعنى: طيبها ~~لهم بما خلق فيها من الروائح الطيبة. # قوله: {يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم {7} ~~والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم {8} ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله ~~فأحبط أعمالهم {9} } [محمد: 7-9] . # {يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله} [محمد: 7] تنصروا دينه، ورسوله، ~~ينصركم على عدوكم، ويثبت أقدامكم عند القتال. # {والذين كفروا فتعسا لهم} [محمد: 8] قال المبرد: فمكروها لهم وسوءا. # وهذا إنما يقال لمن دعي عليه بالشر والهلكة، يقال: تعس يتعس تعسا، إذا ~~انكب وعثر. # قال ابن عباس: يريد في الدنيا العثرة، وفي ms1707 الآخرة التردي في النار. # وأضل أعمالهم ذكرنا تفسيره. # ذلك التعس والإضلال، {بأنهم كرهوا ما أنزل الله} [محمد: 9] على نبيه محمد ~~صلى الله عليه وسلم، وبين من الفرائض من الصلاة والزكاة، فأحبط أعمالهم ~~لأنها لم تكن في إيمان. # ثم خوف كفار مكة، بقوله: {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة ~~الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها {10} ذلك بأن الله مولى ~~الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم {11} إن الله يدخل الذين آمنوا ~~وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون ~~كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم {12} وكأين من قرية هي أشد قوة # PageV04P121 # من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم {13} } [محمد: 10-13] . # أفلم يسيروا إلى قوله: وللكافرين أمثالها أي: أمثال عاقبة الأولين، من ~~إهلاكهم بالعذاب، والتدمير عليهم. # ثم ذكر سبب نصر المؤمنين، فقل: ذلك النصر، {بأن الله مولى الذين آمنوا} ~~[محمد: 11] وليهم، وناصرهم، {وأن الكافرين لا مولى لهم} [محمد: 11] لا ولي، ~~ولا ناصر لهم. ### | 841 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا عبد الله بن محمد بن حيان، أنا أبو يحيى ~~الرازي، نا العسكري، نا المحاربي، عن سعيد بن عبيد الطائي، عن علي بن ~~ربيعة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه سأل ابن الكواء: من رب الناس؟ ~~قال: الله، قال: فمن مولى الناس؟ قال: الله، قال: كذبت، الله مولى الذين ~~آمنوا وإن الكافرين لا مولى لهم # ثم ذكر ما للفريقيين، فقال: {إن الله يدخل الذين آمنوا} [محمد: 12] إلى ~~قوله: {والذين كفروا يتمتعون} [محمد: 12] أي: في الدنيا، {ويأكلون كما تأكل ~~الأنعام} [محمد: 12] تأكل وتشرب، ولا تدري ما في غد، كذلك الكفار لا ~~يلتفتون إلى الآخرة، {والنار مثوى لهم} [محمد: 12] منزل، ومقام، ومصير. # ثم خوفهم ليحذروا، فقال: {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك} [محمد: 13] ~~يعني: مكة، التي أخرجتك أخرجك أهلها، الكلام على القرية والمراد الأهل، قال ~~ابن عباس: كم من رجال هم أشد من أهل مكة. # ولهذا قال: أهلكناهم فكنى عن الرجال، قال مقاتل: أي ms1708: بالعذاب حين كذبوا ~~رسولهم. # {فلا ناصر لهم} [محمد: 13] قال ابن عباس: لم يكن لهم ناصر. # ثم ذكر ما بين المؤمن والكافر، فقال: {أفمن كان على بينة من ربه كمن زين ~~له سوء عمله واتبعوا أهواءهم {14} مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار ~~من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين ~~وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في ~~النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم {15} } [محمد: 14-15] . # {أفمن كان على بينة من ربه} [محمد: 14] يقين من دينه، {كمن زين له سوء ~~عمله} [محمد: 14] يعني: عبادة الأوثان، واتبعوا أهواءهم في عبادتها. # ثم وصف الجنات التي وعدها المؤمنين بقوله: مثل الجنة أي: صفتها، وقد تقدم ~~تفسير هذا في { [الرعد،] التي وعد المتقون} [سورة محمد: 15] قال الكلبي، ~~ومقاتل: هم أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتقون الشرك. # {فيها أنهار من ماء غير آسن} [محمد: 15] يقال: أسن الماء، يأسن ويأسن ~~أسنا وأسنا وأسونا إذا تغير، وهو الذي لا يشربه أحد من نتنه فهو آسن وأسن، ~~مثل حاذر وحذر، {وأنهار من لبن لم يتغير طعمه} [محمد: 15] لم يحمض، كما ~~يتغير ألبان أهل الدنيا، لأنها لم تخرج من ضروع الإبل والغنم، # PageV04P122 # {وأنهار من خمر لذة للشاربين} [محمد: 15] لذيذة لهم، كما قال: {بيضاء لذة ~~للشاربين} [الصافات: 46] ، {وأنهار من عسل مصفى} [محمد: 15] من العكر ~~والكدر، ولهم فيها في الجنة، {من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في ~~النار} [محمد: 15] قال الفراء: أراد: أمن كان في هذا النعيم، كمن هو خالد ~~في النار؟ {وسقوا ماء حميما} [محمد: 15] شديد الحر، تستعر عليه جهنم منذ ~~خلقت، فقطع أمعاءهم في الجوف، من شدة الحر. ### | 842 - # أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان، نا محمد بن عبد الله بن محمد البايع، أخبرني ~~الحسن بن حليم المروزي، نا أبو الموجه، أنا عبدان، نا عبد الله بن المبارك، ~~نا صفوان بن عمرو، عن عبد الله بن بسر، عن أبي أمامة، عن النبي ms1709 صلى الله ~~عليه وسلم، قال: " إذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره يقول الله تعالى: ~~{وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم} [محمد: 15] . # أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الفضل، أنا عبد المؤمن بن خلف، أنا أبو ~~العباس أحمد بن محمد المسروقي، حدثني علي بن يحيى، عن محمد بن عبيد الله ~~الكاتب، قال: قدمت من مكة، فلما صرت إلى طيزناباذ، ذكرت بيت أبي نواس: # بطيزناباذ كرم ما مررت به ... إلا تعجبت ممن يشرب الماء # فهتف بي هاتف، أسمع صوته، ولا أراه: # PageV04P123 # وفي الجحيم حميم ما تجرعه حلق ... فأبقى له في البطن أمعاء # والأمعاء: جميع ما في البطن من الحوايا، وأحدها معاء. # {ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ~~ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم {16} ~~والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم {17} فهل ينظرون إلا الساعة أن ~~تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم {18} فاعلم أنه لا ~~إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ~~ومثواكم {19} } [محمد: 16-19] . # ومنهم يعني: من المنافقين، كانوا يستمعون إلى خطبة النبي صلى الله عليه ~~وسلم يوم الجمعة، وكان يعرض بهم، ويعينهم، فإذا خرجوا من المسجد، قالوا ~~لأولي العلم من الصحابة: {ماذا قال آنفا} [محمد: 16] أي: الساعة، ومعنى ~~الآنف من الائتناف، يقال: ائتنفت الأمر، أي: ابتدأته، وأصله من الأنف وهو ~~ابتداء كل شيء، وإنما سألوا أولي العلم، لأنهم لم يعقلوا ما قاله النبي صلى ~~الله عليه وسلم، لمنع الله تعالى إياهم عن ذلك، وهو قوله: {أولئك الذين طبع ~~الله على قلوبهم} [محمد: 16] قال مقاتل: ختم الله على قلوبهم بالكفر، فلا ~~يعقلون الإيمان. # {واتبعوا أهواءهم} [محمد: 16] في الكفر والنفاق. # والذين اهتدوا يعني: أهل الإسلام، زادهم ما قال الرسول صلى الله عليه ~~وسلم، هدى قال الضحاك: كلما أتاهم من الله تنزيل فرحوا به، فزادهم الله به ~~هدى. # وآتاهم تقواهم وفقهم للعمل بما أمروا به، وهو التقوى، ويجوز أن يكون ~~المعنى: وآتاهم ثواب تقواهم، أي ms1710: في الآخرة. # ثم خوف كفار مكة بقرب الساعة، وأنها إذا أتت لم يقبل منهم شيء، فقال: ~~{فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة} [محمد: 18] وقد تقدم تفسير هذا في ~~آي كثيرة، وقوله: {فقد جاء أشراطها} [محمد: 18] أي: علاماتها واحدها شرط، ~~قال ابن عباس: معالمها. # يريد أن النبي صلى الله عليه وسلم من أشراطها، وقد قال: «بعثت أنا ~~والساعة كهاتين» . # وقال مقاتل: يعني: أعلامها من انشقاق القمر، والدخان، وخروج النبي صلى ~~الله عليه وسلم، فقد عاينوا هذا كله. # {فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم} [محمد: 18] قال قتادة: يقول: أني لهم أن ~~يتذكروا، أو يتوبوا إذا جاءتهم الساعة. # وقال عطاء: من أين لهم التوبة إذا جاءتهم الساعة؟ ومثله قوله: {يومئذ ~~يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى} [الفجر: 23] . # وقوله: {فاعلم # PageV04P124 # أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19] قال الزجاج: الخطاب للنبي صلى الله عليه ~~وسلم والمراد به غيره، ويجوز أن يكون المعنى: أقم على ذلك العلم، واثبت ~~عليه. # ويجوز أن يكون هذا متعلقا بما قبله، على معنى: إذا جاءتهم الساعة {فاعلم ~~أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19] ، يعني: أن الممالك تبطل عند ذلك، فلا ~~ملك، ولا حكم لأحد إلا الله تعالى، واستغفر لذنبك إنما أمر بالاستغفار مع ~~أنه مغفور له، لتستن به أمته في الاستغفار. ### | 843 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، نا أحمد بن جعفر بن مالك، نا عبد الله ~~بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، نا إسماعيل ابن علية، عن خالد الحذاء، عن ~~الوليد بن أبي بشر، عن حمدان، عن عثمان بن عفان، قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة» . # رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن إسماعيل ابن علية، وهذا يدل على ~~أن المراد بقوله: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19] الدوام والثبات ~~عليه. ### | 844 - # أخبرنا أبو القاسم الحذامي، نا محمد بن عبد الله الضبي، نا أحمد بن عبيد ~~الحافظ، نا محمد بن المغيرة السكري، نا محمد بن القاسم الأسدي ms1711، نا سفيان ~~الثوري، عن أبي إسحاق، عن عبيد بن المغيرة، يقول: سمعت حذيفة بن اليمان رضي ~~الله عنه وتلا قول الله عز وجل: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19] ~~{واستغفر لذنبك} [محمد: 19] ، قال: كنت رجلا ذرب اللسان على أهلي، فقلت: يا ~~رسول الله، إني لأخشى أن يدخلني لساني النار، فقال النبي صلى الله عليه ~~وسلم: «فأين أنت من الاستغفار؟ إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة» # وقوله: وللمؤمنين والمؤمنات هذا إكرام من الله تعالى لهذه الأمة، حين أمر ~~نبيهم صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنوبهم، وهو الشفيع المجاب فيهم، ثم ~~أخبر عن علمه بأحوال الخلق ومآلهم، بقوله تعالى: {والله يعلم متقلبكم ~~ومثواكم} [محمد: 19] قال ابن عباس: متصرفكم في أعمالكم في الدنيا، ومصيرهم ~~في الآخرة، إلى الجنة أو إلى النار. # وقال مقاتل: منتشركم بالنهار، ومأواكم بالليل. # والمعنى: أنه عالم بجميع أحوالكم، فلا يخفى عليه شيء منها. # PageV04P125 # {ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها ~~القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ~~فأولى لهم {20} طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا ~~لهم {21} فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم {22} ~~أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم {23} أفلا يتدبرون القرءان أم ~~على قلوب أقفالها {24} } [محمد: 20-24] . # {ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة} [محمد: 20] قال ابن عباس: إن ~~المؤمنين سألوا ربهم أن ينزل { [فيها ثواب القتال في سبيل الله. # قال الله تعالى:] فإذا أنزلت سورة محكمة} [سورة محمد: 20] أي: لم ينسخ ~~منها شيء، {وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض} [محمد: 20] وهم ~~المنافقون، {ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت} [محمد: 20] قال ابن ~~قتيبة، والزجاج: يريد: أنهم يشخصون نحوك بأبصارهم، وينظرون نظرا شديدا، كما ~~ينظر الشاخص بصره عند الموت، وإنما ذلك لأنهم منافقون، يكرهون القتال. # فأولى لهم تهديد، ووعيد لهم، قاله مقاتل، والكلبي، وقتادة. # قال الأصمعي: معنى قولهم في التهديد أولى لك، أي: وليك، وقاربك ms1712 ما تكره. # {طاعة وقول معروف} [محمد: 21] ابتداء محذوف الخبر، تقديره: طاعة وقول ~~معروف أمثل وأحسن، والمعنى على هذا: أن الله تعالى، قال: لو أطاعونا، ~~وقالوا قولا معروفا، كان أمثل وأحسن. # ويجوز أن يكون هذا متصلا بما قبله، على معنى: فأولى لهم طاعة الله ورسوله ~~وقول معروف بالإجابة، أي: لو أطاعوا كانت الطاعة والإجابة أولى لهم، وهذا ~~معنى قول ابن عباس، في رواية عطاء، واختيار الكسائي، {فإذا عزم الأمر} ~~[محمد: 21] أي: جد الأمر، ولزم فرض القتال، وصار الأمر معزوما عليه، وجواب ~~إذا محذوف، يدل عليه قوله: {فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم} [محمد: 21] ~~وتقديره: فإذا عزم الأمر نكلوا، أو كذبوا فيما وعدوا من أنفسهم، {فلو صدقوا ~~الله} [محمد: 21] في إيمانهم وجهادهم، {لكان خيرا لهم} [محمد: 21] من ~~المعصية، والكراهية. # {فهل عسيتم} [محمد: 22] يقول: فلعلكم، إن توليتم أعرضتم عن الإسلام، وما ~~جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، {أن تفسدوا في # PageV04P126 # الأرض} [محمد: 22] يعني: تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية فتفسدوا، ~~ويقتل بعضكم بعضا، وهو قوله تعالى: {وتقطعوا أرحامكم} [محمد: 22] وكأن الله ~~تعالى يذكر منته عليهم بالإسلام حين جمعهم به، وأكرمهم بالألفة، بعدما ~~كانوا عليه من القتل، والبغي، وقطيعة الرحم، فيقول: لعلكم إذا كرهتم ~~الإسلام، تريدون أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه. # ثم ذم من يريد هذا، بقوله: {أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى ~~أبصارهم} [محمد: 23] فلا يسمعون الحق، ولا يهتدون لرشد. # {أفلا يتدبرون القرءان} [محمد: 24] فيعرفوا ما أعد الله للمتمسك ~~بالإسلام، {أم على قلوب أقفالها} [محمد: 24] قال مقاتل: يعني: الطبع على ~~القلب. # والأقفال استعارة لانغلاق القلب عن معرفة الإسلام والقرآن، ومعنى تنكير ~~القلوب: إرادة قلوب هؤلاء، ومن كان مثلهم من غيرهم، وفي إضافة الأقفال إلى ~~القلوب تنبيه على أن المراد بها ما هو للقلوب بمنزلة الأقفال للأبواب، إذ ~~ليست للقلوب أقفال حقيقية، ومعنى الاستفهام في قوله: أم: الإخبار أنها ~~كذلك، لأن معنى أم ههنا: بل. ### | 845 - # أخبرني أبو عمرو المروزي في كتابه، أنا أبو الفضل الحدادي، أنا أبو يزيد ~~الخالدي، أنا إسحاق ms1713 بن إبراهيم، أنا المغيرة بن سلمة، نا وهيب، نا هشام بن ~~عروة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ شابا فقرأ: {أفلا ~~يتدبرون القرءان أم على قلوب أقفالها} [محمد: 24] فقال الشاب: عليها ~~أقفالها حتى يفرجها الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدقت» # ثم ذكر اليهود، وسوء عاقبتهم حين ارتدوا بعد المعرفة، فقال: {إن الذين ~~ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ~~{25} ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله ~~يعلم إسرارهم {26} فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم {27} ~~ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم {28} } [محمد: ~~25-28] . # {إن الذين ارتدوا على أدبارهم} [محمد: 25] رجعوا كفارا، {من بعد ما تبين ~~لهم الهدى} [محمد: 25] ظهر لهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنعته، وصفته ~~في كتابهم، {الشيطان سول لهم} [محمد: 25] زين لهم القبيح، وأملى لهم الله ~~أمهلهم موسعا عليهم، ليتمادوا في طغيانهم، ولم يعجل عليهم بالعقوبة، كما ~~قال: {وأملي لهم إن كيدي متين} [الأعراف: 183] ويحسن الوقف على قوله: {سول ~~لهم} [محمد: 25] لأنه فعل الشيطان، والإملاء فعل الله تعالى. # وعلى قول الحسن لا يحسن الوقف، لأنه يقول في تفسير وأملى لهم: مد لهم ~~الشيطان في الأمل. # وقرأ أبو عمرو وأملي لهم على ما لم # PageV04P127 # يسم فاعله، وهي حسنة للفصل بين فعل الشيطان وفعل الله، ويعلم يقينا أنه ~~لا يؤخر أحد مدة أحد، ولا يوسع فيها إلا الله عز وجل، وإن كان قد بني الفعل ~~للمفعول. # وقوله: ذلك أي: ذلك الإملاء لليهود، {بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل ~~الله} [محمد: 26] يعني: المشركين، {سنطيعكم في بعض الأمر} [محمد: 26] يعنى: ~~في التعاون على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم قالوا ذلك سرا فيما ~~بينهم، فأخبر الله به عنهم، وأعلم أنه يعلم ذلك، فقال: والله يعلم أسرارهم ~~وقرئ بكسر الألف على المصدر. # ثم خوفهم، فقال: {فكيف إذا توفتهم الملائكة} [محمد: 27] أي: فكيف يكون ~~حالهم، {إذا توفتهم الملائكة يضربون ms1714 وجوههم وأدبارهم} [محمد: 27] وقد مر ~~تفسيره. # ثم ذكر سبب ذلك الضرب، فقال: {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله} [محمد: 28] ~~قال ابن عباس: بما كتموا من التوراة، وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ~~{وكرهوا رضوانه} [محمد: 28] كرهوا ما فيه رضوان الله وهو الطاعة والإيمان، ~~وإذا كرهوا ما فيه الرضوان فقد كرهوا الرضوان، {فأحبط أعمالهم} [محمد: 28] ~~التي كانوا يعملونها من صلاة، وصدقة، وصلة رحم، لأنها في غير إيمان. # ثم رجع إلى ذكر المنافقين، فقال: {أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج ~~الله أضغانهم {29} ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن ~~القول والله يعلم أعمالكم {30} ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم ~~والصابرين ونبلو أخباركم {31} إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا ~~الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم {32} } ~~[محمد: 29-32] . # {أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم} [محمد: 29] أن لن ~~يطلع الله على ما في قلوبهم، من الحقد والعداوة لرسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، وللمؤمنين، ومعنى يخرج الله: يظهر الله ذلك من ستر الكتمان، والضغن ~~والضغينة: الحقد. # {ولو نشاء لأريناكهم} [محمد: 30] لأعلمناكهم، ولعرفناكهم، فلعرفتهم ~~بسيماهم قال الزجاج: المعنى: لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة وهي ~~السيماء، فلعرفتهم بتلك العلامة. # {ولتعرفنهم في لحن القول} [محمد: 30] قال أبو زيد يقال: لحنت له ألحن إذا # PageV04P128 # قلت له قولا يفقهه عنك، ويخفى على غيره. # ولحن القارئ فيما قرأ إذا ترك الإعراب الصواب وعدل عنه، قال المفسرون: ~~ولتعرفنهم في فحوى القول ومعناه، ومقصده، ومغزاه، وما يعرضون به من تهجين ~~أمرك، وأمر المسلمين والاستهزاء بهم. # وكان بعد هذا لا يتكلم منافق عنده إلا عرفه بكلامه لما نبهه الله على ذلك ~~بقوله: {ولتعرفنهم في لحن القول} [محمد: 30] استدل بفحوى كلامهم على فساد ~~دخيلتهم. # ولنبلونكم ولنعاملنكم معاملة المختبر، بأن نأمركم بالقتال والجهاد، حتى ~~يتبين المجاهد، والصابر على دينه، من غيره وهو قوله: {حتى نعلم المجاهدين ~~منكم والصابرين} [محمد: 31] أي: العلم الذي هو علم وجود، وهو الذي يقع به ms1715 ~~الجزاء، {ونبلو أخباركم} [محمد: 31] أي: نظهرها، ونكشفها، بإباء من يأبى ~~القتال، ولا يصبر على الجهاد. # {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله} [محمد: 32] يعني: قريظة والنضير، ~~{من بعد ما تبين لهم الهدى} [محمد: 32] بما بين لهم في التوراة، {لن يضروا ~~الله شيئا} [محمد: 32] إنما يضرون أنفسهم، بتركهم الهدى، وسيحبط الله ~~أعمالهم، فلا يرون لها في الآخرة ثوابا. # {يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم {33} ~~إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ~~{34} } [محمد: 33-34] . # قوله: {يأيها الذين آمنوا} [محمد: 33] إلى قوله: {ولا تبطلوا أعمالكم} ~~[محمد: 33] قال عطاء: بالشك والنفاق. # وقال الكلبي: بالرياء، والسمعة. # وقال الحسن: بالمعاصي والكبائر. # وقال أبو العالية: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا ~~يضر مع الإخلاص لله ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، فأنزل الله تعالى هذه ~~الآية، فخافوا الكبائر بعد أن تحبط الأعمال. # ثم قال للمسلمين: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ~~ولن يتركم أعمالكم {35} إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا ~~يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم {36} إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج ~~أضغانكم {37} هأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن ~~يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما ~~غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم {38} } [محمد: 35-38] . # PageV04P129 # {فلا تهنوا} [محمد: 35] لا تضعفوا، {وتدعوا إلى السلم} [محمد: 35] لا ~~تدعوا الكفار إلى الصلح ابتداء، قال الزجاج: منع الله المسلمين أن يدعوا ~~الكفار إلى الصلح، وأمرهم بحربهم حتى يسلموا. # وأنتم الأعلون الغالبون، قال الكلبي: آخر الأمر لكم، وإن غلبوكم في بعض ~~الأوقات. # والله معكم بالعون، والنصرة على عدوكم، {ولن يتركم أعمالكم} [محمد: 35] ~~لن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم، يقال: وتره يتره وترا، وترة إذا نقصه حقه، ~~قال مقاتل بن حيان: لن يظلمكم أعمالكم الصالحة. # أي: يؤتيكم أجورهم. # ثم حض على طلب الآخرة، فقال: {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو} [محمد: 36] ~~باطل وغرور، وتفنى وتزول عن ms1716 قريب، وإن تؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ~~وتتقوا الفواحش والكبائر، يؤتكم أجوركم بجزاء أعمالكم في الآخرة، {ولا ~~يسألكم أموالكم} [محمد: 36] كلها في الصدقة. # {إن يسألكموها فيحفكم} [محمد: 37] يجهدكم بمسألة جميعها، يقال: أحفى فلان ~~فلانا إذا أجهده , وألحف عليه بالمسألة، تبخلوا بها فلا تعطوها، قال السدي: ~~إن يسألكم جميع ما في أيديكم {تبخلوا ويخرج أضغانكم} [محمد: 37] ويظهر ~~بغضكم، وعداوتكم لله ورسوله، ولكنه فرض عليكم يسيرا: ربع العشر. # قال قتادة: علم الله تعالى أن في مسألة الأموال خروج الأضغان. # {هأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله} [محمد: 38] يعني: ما فرض عليهم ~~في أموالهم، أي: إنما تؤمرون بإخراج ذلك، وإنفاقه في طاعة الله، {فمنكم من ~~يبخل} [محمد: 38] بما فرض عليه من الزكاة، {ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه} ~~[محمد: 38] قال مقاتل: إنما يبخل بالخير، والفضل في الآخرة عن نفسه. # والله الغني عما عندكم من الأموال، وأنتم الفقراء إليه، وإلى ما عنده من ~~الخير والرحمة، وإن تتولوا عن الإسلام، وعما افترضت عليكم من حقي، {يستبدل ~~قوما غيركم} [محمد: 38] أمثل، وأطوع لله منكم، {ثم لا يكونوا أمثالكم} ~~[محمد: 38] بل يكونون خيرا منكم وأطوع، قال الكلبي: لم يتولوا، ولم يستبدل ~~بهم. ### | 846 - # أخبرنا الحسين بن محمد الفارسي، أنا محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق، نا ~~جدي، أنا علي بن # PageV04P130 # حجر، أنا إسماعيل بن جعفر، حدثني عبد الله بن جعفر بن نجيح، عن العلاء، ~~عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن ~~إن تولينا استبدلوا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: وكان سلمان إلى جنب رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على فخذ ~~سلمان، فقال: «هذا وقومه، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا ~~لتناوله رجال من أهل فارس» . # PageV04P131 ### | تفسير سورة الفتح # وهي عشرون وتسع آيات، مدنية. ### | 847 - # أخبرنا سعيد بن محمد الحيري، أنا محمد بن جعفر ms1717 الحيري، نا إبراهيم بن ~~شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، عن زيد بن ~~أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «ومن قرأ سورة الفتح فكأنما كان مع من شهد مع محمد صلى الله ~~عليه وسلم فتح مكة» ### | 848 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، أنا أبو بكر القطيعي، نا عبد الله بن ~~أحمد بن حنبل، حدثني أبي، نا أبو نوح، أنا مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن ~~أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم في سفر، فقال: " نزلت علي البارحة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها ~~{إنا فتحنا لك فتحا مبينا {1} ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} ~~[الفتح: 1-2] . # رواه البخاري، عن القعنبي، عن مالك ### | 849 - # أخبرنا منصور بن أبي منصور الساماني، أنا عبيد الله بن محمد الفامي، أنا ~~محمد بن إسحاق الثقفي، نا أبو الأشعث، نا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي ~~يحدث، عن قتادة، عن أنس، قال: لما رجعنا من غزوة الحديبية وقد حيل بيننا ~~وبين نسكنا، فنحن بين الحزن والكآبة، أنزل الله عز وجل {إنا فتحنا لك # PageV04P132 # فتحا مبينا} [الفتح: 1] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أنزلت ~~علي آية هي أحب إلي من الدنيا كلها» . # {إنا فتحنا لك فتحا مبينا {1} ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ~~ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما {2} وينصرك الله نصرا عزيزا {3} } ~~[الفتح: 1-3] . # بسم الله الرحمن الرحيم {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} [الفتح: 1] يعني: صلح ~~الحديبية، كان فتحا بغير قتال، قال الفراء: الفتح قد يكون صلحا. # ومعنى الفتح في اللغة: فتح المنغلق، والصلح الذي حصل مع المشركين ~~بالحديبية كان مسدودا متعذرا، حتى فتحه الله، قال جابر: ما كنا نعد فتح مكة ~~إلا يوم الحديبية. # وقال الزهري: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، وذلك أن المشركين ms1718 اختلطوا ~~بالمسلمين، فسمعوا كلامهم، فتمكن الإسلام في قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين ~~خلق كثير. # قوله: {ليغفر لك الله} [الفتح: 2] قال ابن الأنباري: سألت أبا # PageV04P133 # العباس عن اللام في قوله: {ليغفر لك الله} [الفتح: 2] . # فقال: هي لام كي، معناها: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} [الفتح: 1] لكي ~~يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح، فلما انضم إلى المغفرة شيء حادث ~~واقع، حسن معنى كي، وغلط من قال: ليس الفتح سبب المغفرة، ولكن المعنى: ~~ليجمع لك مع المغفرة تمام النعمة. # وقوله: {ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [الفتح: 2] قال ابن عباس: ما تقدم ما ~~كان عليك من إثم الجاهلية، وما تأخر مما يكون. # وهذا على طريقة من جوز الصغائر على الأنبياء عليهم السلام، وقال سفيان ~~الثوري: ما تقدم مما عملت في الجاهلية، {وما تأخر} [الفتح: 2] ما لم تعمله. # ويذكر هذا على طريقة التأكيد كما يقال: أعطى من رآه ومن لم يره، وضرب من ~~لقيه ومن لم يلقه. ### | 850 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن ~~بلال البزار، نا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي، نا عبد الرحمن بن محمد ~~المحاربي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: كان النبي صلى ~~الله عليه وسلم يقوم حتى ترم قدماه، فقيل له: يا رسول الله، أتصنع هذا وقد ~~جاءك من الله عز وجل، أن قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا ~~أكون عبدا شكورا # وقوله: {ويتم نعمته عليك} [الفتح: 2] قال ابن عباس: في الجنة. # وروي عنه أي: بالنبوة والمغفرة، والمعنى: ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة ~~بالمغفرة، والهداية إلى صراط مستقيم وهو الإسلام. # وينصرك الله على عدوك، نصرا عزيزا إذا عز لا يقع معه ذل. # PageV04P134 # {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله ~~جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما {4} ليدخل المؤمنين والمؤمنات ~~جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند ~~الله ms1719 فوزا عظيما {5} ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ~~الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم ~~جهنم وساءت مصيرا {6} ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزا حكيما {7} ~~} [الفتح: 4-7] . # {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين} [الفتح: 4] الطمأنينة والوقار، ~~لئلا تنزعج نفوسهم بما يرد عليهم، وذلك لأنهم يجدون برد اليقين في قلوبهم، ~~{ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} [الفتح: 4] وهو أنهم كلما أمروا بشيء من ~~الشرائع والفرائض، كالصلاة، والصيام، والصدقة صدقوا به، فازدادوا تصديقا، ~~وذلك السكينة التي أنزلها الله في قلوبهم، وقال الكلبي: كلما نزلت آية من ~~السماء فصدقوا بها، ازدادوا تصديقا، وذلك بالسكينة إلى تصديقهم. # {ولله جنود السموات والأرض} [الفتح: 4] قال ابن عباس: يعني: الملائكة، ~~والجن، والإنس، والشياطين. # {وكان الله عليما} [الفتح: 4] بما في قلوب عباده، حكيما في حكمه وتدبيره. # {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار} [الفتح: 5] . ### | 851 - # أخبرنا سعيد بن محمد المقرئ، أنا أبو بكر محمد بن أحمد المديني، نا أحمد ~~بن عبد الرحمن، نا يزيد بن هارون، أنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس، ~~قال: لما نزلت {إنا فتحنا لك فتحا مبينا {1} ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك ~~وما تأخر} [الفتح: 1-2] قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم: ~~يا رسول الله، هنيئا لك ما أعطاك الله، فما لنا؟ فأنزل الله تعالى: {ليدخل ~~المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار} [الفتح: 5] # وقوله: وكان ذلك أي: ذلك الوعد بإدخالهم الجنة، وتكفير سيئاتهم، عند الله ~~في حكمه، فوزا عظيما لهم، أي: حكم لهم بالفوز، فلذلك # PageV04P135 # وعدهم إدخال الجنة. # {ويعذب المنافقين والمنافقات} [الفتح: 6] من أهل المدينة، والمشركين ~~والمشركات من أهل مكة، أي: بأيدي المؤمنين، لأن نصرة الرسول والفتح عليه ~~يقتضي ذلك، {الظانين بالله ظن السوء} [الفتح: 6] هو أنهم ظنوا أن محمدا صلى ~~الله عليه وسلم لا ينصر، {عليهم دائرة السوء} [الفتح: 6] أي: العذاب ~~والهلاك يقع بهم، وقد تقدم الكلام في هذا. # قوله: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا {8} لتؤمنوا بالله ورسوله ~~وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة ms1720 وأصيلا {9} إن الذين يبايعونك إنما يبايعون ~~الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد ~~عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما {10} } [الفتح: 8-10] . # {إنا أرسلناك شاهدا} [الفتح: 8] على أمتك بتبليغ الرسالة، ومبشرا بالجنة ~~للمطيعين، ونذيرا لأهل المعصية. # ليؤمنوا بالله يعني: من آمن به وصدقه، ومن قرأ بالتاء فمعناه: قل لهم: ~~لتؤمنوا به، وتعزروه وتعينوه، وتنصروه بالسيف واللسان، وتوقروه تعظموه ~~وتبجلوه، {وتسبحوه بكرة وأصيلا} [الفتح: 9] تصلوا لله بالغداة والعشي، ~~وكثير من القراء اختاروا الوقف على: وتوقروه لاختلاف الكناية فيه، وفيما ~~بعده. # قوله: {إن الذين يبايعونك} [الفتح: 10] يعني: بيعة الرضوان بالحديبية، ~~بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يفروا ويقاتلوا، {إنما يبايعون ~~الله} [الفتح: 10] لأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة، والعقد كان مع النبي ~~صلى الله عليه وسلم، {يد الله فوق أيديهم} [الفتح: 10] نعمة الله في ~~الهداية فوق أيديهم في الطاعة، أي: إحسان الله إليهم بأن هداهم للإيمان، ~~أبلغ وأتم من إحسانهم إليك بالنصرة والبيعة. # وقال ابن كيسان: قوة الله ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم. # أي: ثق بنصرة الله لك، لا بنصرتهم وإن بايعوك، فمن نكث نقض ما عقد من ~~البيعة، {فإنما ينكث على نفسه} [الفتح: 10] يرجع ضرر ذلك النقض عليه، قال ~~ابن عباس: وليس له الجنة، ولا كرامة. # ومن أوفى ثبت على الوفاء، {بما عاهد عليه الله} [الفتح: 10] من البيعة، ~~{فسيؤتيه أجرا عظيما} [الفتح: 10] يعني: الجنة فما فوقها. # قوله: # PageV04P136 # {سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا ~~يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد ~~بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا {11} بل ظننتم أن ~~لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن ~~السوء وكنتم قوما بورا {12} ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين ~~سعيرا {13} ولله ملك السموات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله ~~غفورا رحيما {14} } [الفتح: 11-14] . # {سيقول لك المخلفون من الأعراب} [الفتح: 11] وهم ms1721: الذين خلفهم الله عن ~~صحبة رسوله حين خرج عام الحديبية: شغلتنا عن الخروج معك، أموالنا وأهلونا ~~يعني: النساء والذراري، أي: لم يكن لنا من يخلفنا فيهم، فاستغفر لنا تخلفنا ~~عنك، {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} [الفتح: 11] أي: من أمر ~~الاستغفار، لا يبالون استغفر لهم النبي أم لا، {قل فمن يملك لكم من الله ~~شيئا} [الفتح: 11] قال ابن عباس: فمن يمنعكم من عذاب الله. # {إن أراد بكم ضرا} [الفتح: 11] يعني: سوءا، وقرئ بضم الضاد وهو سوء ~~الحال، {أو أراد بكم نفعا} [الفتح: 11] يعني: الغنيمة، وذلك أنهم ظنوا أن ~~تخلفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم يدفع عنهم الضر، ويعجل لهم النفع ~~بالسلامة في أنفسهم وأموالهم، فأخبرهم الله أنه إن أراد بهم شيئا، لم يقدر ~~أحد على دفعه عنهم، {بل كان الله بما تعملون خبيرا} [الفتح: 11] كان عالما ~~بما كنتم تعملون في تخلفكم. # {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا} [الفتح: 12] ~~ظننتم أنهم لا يرجعون إلى من خلفوا بالمدينة من الأهل والأولاد، لأن العدو ~~يستأصلهم، {وزين ذلك في قلوبكم} [الفتح: 12] زين الشيطان ذلك الظن في ~~قلوبكم، قال قتادة: ظنوا بنبي الله، وأصحابه أنهم لن يرجعوا من وجههم ذلك، ~~وأنهم سيهلكون، فذلك الذي خلفهم. # وهو قوله {وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا} [الفتح: 12] هلكى، لا تصلحون ~~لخير، قال الزجاج: هالكين عند الله. # وقد تقدم تفسيره. # وما بعد هذا ظاهر، إلى قوله: {سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم ~~لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال ~~الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا # PageV04P137 # قليلا {15} قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ~~تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما ~~توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما {16} } [الفتح: 15-16] سيقول المخلفون ~~يعني: هؤلاء، إذا انطلقتم سرتم، وذهبتم أيها المؤمنون، {إلى مغانم ~~لتأخذوها} [الفتح: 15] يعني: غنائم خيبر، وذلك أنهم لما انصرفوا من ~~الحديبية بالصلح، وعدهم الله فتح خيبر ms1722، وخص بغنائمها من شهد الحديبية، فلما ~~انطلقوا إليها، قال هؤلاء المخلفون: ذرونا نتبعكم قال الله تعالى: {يريدون ~~أن يبدلوا كلام الله} [الفتح: 15] وقرئ كلم الله وهو جمع قلة، قال ابن ~~عباس: يريدون مواعيد الله لأهل الحديبية بغنيمة خيبر خاصة. # وقال مقاتل: يعني: أمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ألا يسير معه منهم ~~أحد. # {قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل} [الفتح: 15] أي: قال الله ~~بالحديبية قبل خيبر مرجعنا إليكم، إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية، ~~{فسيقولون بل تحسدوننا} [الفتح: 15] يمنعكم الحسد أن نصيب معكم الغنائم، ~~فقال الله: {بل كانوا لا يفقهون} [الفتح: 15] لا يعلمون عن الله ما لهم، ~~وما عليهم من الدين، إلا قليلا يسيرا منهم، وهو من صدق الله والرسول، ولم ~~ينافق. # {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} [الفتح: 16] أكثر ~~المفسرين: على أن هؤلاء بنو حنيفة أتباع مسيلمة، وقال رافع بن خديج: كنا ~~نقرأ هذه الآية، ولا نعلم من هم، فلما دعا أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، ~~إلى قتال بني حنيفة، فعلمنا أنهم هم. # وقال ابن جريج: سيدعوكم عمر، رضي الله عنه، إلى قتال فارس. # {تقاتلونهم أو يسلمون} [الفتح: 16] أو يكون منهم الإسلام، فإن تطيعوا أبا ~~بكر، وعمر رضي الله عنهما، {يؤتكم الله أجرا حسنا} [الفتح: 16] يعني: ~~الجنة، وإن تتولوا تعرضوا عن طاعتهما، {كما توليتم من قبل} [الفتح: 16] ~~أعرضتم عن طاعة محمد صلى الله عليه وسلم في المسير إلى الحديبية، يعذبكم في ~~الآخرة، عذابا أليما والآية تدل على خلافة الشيخين رضي الله عنهما لأن الله ~~تعالى وعد على طاعتهما الجنة، وعلى مخالفتهما العذاب الأليم. # PageV04P138 # {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ~~ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما} ~~[الفتح: 17] . # {ليس على الأعمى حرج} [الفتح: 17] قال مقاتل: عذر الله أهل الزمانة، ~~الذين تخلفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه الآية. # ثم ذكر الذين أخلصوا نيتهم لله، وشهدوا بيعة الرضوان، فقال: {لقد ms1723 رضي ~~الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة ~~عليهم وأثابهم فتحا قريبا {18} ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا ~~حكيما {19} وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس ~~عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما {20} وأخرى لم تقدروا ~~عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا {21} } [الفتح: 18-21] ~~. # {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} [الفتح: 18] يعني: ~~بيعة الحديبية، وهي تسمى بيعة الرضوان لهذه الآية، قال عطاء، عن ابن عباس: ~~إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة، فلما بلغ الحديبية، وقفت ~~ناقته، فزجرها، فلم تنزجر وبركت، فقال أصحابه: خلأت الناقة. # فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا لها بعادة، ولكن حبسها حابس ~~الفيل» . # ودعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ليرسله إلى أهل مكة، ليأذنوا له بأن ~~يدخل مكة، ويحل من عمرته، وينحر هديه، فقال: يا رسول الله، ما لي بها حميم، ~~وإني أخاف قريشا على نفسي، ولقد علمت قريش شدة عداوتي # PageV04P139 # إياها، ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني، عثمان بن عفان. # قال: «صدقت» . # فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأرسله، ~~فجاء الشيطان، وصاح في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أهل مكة ~~قتلوا عثمان بن عفان، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشجرة فاستند ~~إليها، وبايع الناس على قتال أهل مكة، قال عبد الله بن أبي أوفي: كنا يومئذ ~~ألف وثلاث مائة. # وقال جابر: كنا ألف وأربع مائة. # وقال البراء: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة، والحديبية ~~بئر فنزحناها، فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ~~فأتاها فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ وتمضمض، ودعا ثم صبه ~~فيها، فتركناها غير بعيد، ثم إنا أصدرنا، فأنشأنا نشرب نحن وركابنا. # وقوله: {فعلم ما في قلوبهم} [الفتح: 18] أي: من الصدق والوفاء ms1724، {فأنزل ~~السكينة عليهم} [الفتح: 18] يعني: فتح خيبر. # {ومغانم كثيرة يأخذونها} [الفتح: 19] من أموال يهود خيبر، وكانت ذات عقار ~~وأموال، {وكان الله عزيزا} [الفتح: 19] غالبا، حكيما في أمره: حكم لكم ~~بالغنيمة، ولأهل خيبر بالسبي والهزيمة. # ثم ذكر سائر المغانم التي يأخذونها فيما يأتي من الزمان، فقال: {وعدكم ~~الله مغانم كثيرة تأخذونها} [الفتح: 20] قال مقاتل: مع النبي صلى الله عليه ~~وسلم، ومن بعده إلى يوم القيامة. # {فعجل لكم هذه} [الفتح: 20] يعني: غنيمة خيبر، {وكف أيدي الناس عنكم} ~~[الفتح: 20] وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصد خيبر، وحاصر أهلها، ~~قبائل من أسد، وغطفان، أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة، فكف ~~الله تعالى أيديهم، بإلقاء الرعب في قلوبهم، ولتكون الغنيمة التي عجلها ~~الله لكم، آية للمؤمنين على صدقك، حيث وعدتهم أن يصيبوها، {ويهديكم صراطا ~~مستقيما} [الفتح: 20] يزيدكم هدى، بالتصديق لمحمد صلى الله عليه وسلم ولما ~~جاء به، مما # PageV04P140 # ترون من عدة الله في القرآن بالفتح والغنيمة. # {وأخرى لم تقدروا عليها} [الفتح: 21] قال عطاء، عن ابن عباس: يريد فارس ~~والروم، وما كانت العرب تقدر على القتال فارس والروم، وفتح مدائنهم. # بل كانوا خولا لهم حتى قدروا عليها بالإسلام، {قد أحاط الله بها} [الفتح: ~~21] جعلها لكم، وحواها لكم، قال الفراء: أحاط الله بها لكم حتى يفتحها ~~عليكم، كأنه قال: حفظها لكم، ومنعها عن غيركم، حتى تفتحوها فتأخذوها. # {وكان الله على كل شيء} [الفتح: 21] من فتح القرى، وغير ذلك، قديرا. # قوله تعالى: {ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا ~~نصيرا {22} سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا {23} وهو ~~الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان ~~الله بما تعملون بصيرا {24} هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي ~~معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم ~~فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا ~~الذين كفروا منهم عذابا ms1725 أليما {25} إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية ~~حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة ~~التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما {26} } [الفتح: ~~22-26] . # {ولو قاتلكم الذين كفروا} [الفتح: 22] يعني: أسدا وغطفان، الذين أرادوا ~~نهب ذراري المسلمين، لولوا الأدبار لانهزموا عنكم، لأن الله تعالى ينصركم ~~عليهم، {ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا} [الفتح: 22] قال ابن عباس: من تولى ~~غير الله، خذله الله ولم ينصره. # ثم ذكر أن سنة الله النصرة لأوليائه، فقال: {سنة الله التي قد خلت من ~~قبل} [الفتح: 23] قال ابن عباس: يريد هذه سنتي في أهل طاعتي، وأهل معصيتي: ~~أنصر أوليائي، وأخذل أعدائي. # ثم ذكر منته بالمحاجزة بين الفريقين، بقوله: {وهو الذي كف أيديهم عنكم ~~وأيديكم عنهم} [الفتح: 24] وذلك أن المشركين جاءوا يصدون رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم عن البيت عام الحديبية. # PageV04P141 ### | 852 - # أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الصيدلاني، نا محمد بن عبد الله بن ~~محمد البيع، أنا أبو العباس السياري، نا إبراهيم بن هلال، نا علي بن الحسن ~~بن شقيق، أنا الحسين بن واقد، حدثني ثابت البناني، عن عبد الله بن مغفل ~~المزني، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة ~~التي قال الله تعالى في القرآن، فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا ~~عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ ~~الله أبصارهم، فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: " هل جئتم في عهد، أو هل جعل لكم أحد أمانا؟ فقالوا: اللهم لا، فخلى ~~سبيلهم فأنزل الله عز وجل: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة ~~من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا} [الفتح: 24] . ### | 853 - # أخبرنا أبو بكر الفارسي، أنا محمد بن عيسى بن عمرويه، نا إبراهيم بن ~~محمد، نا مسلم، حدثني عمرو الناقد، نا يزيد بن هارون، أنا حماد بن سلمة، عن ~~ثابت، عن أنس، أن ثمانين رجلا ms1726 من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي صلى الله عليه وسلم ~~وأصحابه، فأخذهم سلما فاستحياهم # PageV04P142 # وأنزل الله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من ~~بعد أن أظفركم عليهم} [الفتح: 24] والمعنى أن الله تعالى ذكر منته بحجزه ~~بين الفريقين حتى لم يقتتلا، وحتى اتفق بينهم الصلح الذي كان أعظم من الفتح # ثم ذكر سبب منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك العام دخول مكة، فقال: ~~{هم الذين كفروا} [الفتح: 25] يعني: كفار مكة، {وصدوكم عن المسجد الحرام} ~~[الفتح: 25] أن تطوفوا به، وتحلوا من عمرتكم، والهدي وصدوا الهدي، وهي: ~~البدن التي ساقها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، وكانت سبعين بدنة، ~~معكوفا محبوسا، يقال: عكفته عن كذا عكفا، أي: حبسته فعكف عكوفا، كما يقال: ~~رجعته رجعا، فرجع رجوعا، {أن يبلغ محله} [الفتح: 25] منحره، وهو حيث تحل ~~نحره يعني: الحرم، {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} [الفتح: 25] يعني: ~~المستضعفين من المؤمنين الذين كانوا بمكة بين الكفار، لم تعلموهم لم ~~تعرفوهم، أن تطئوهم بالقتل وتوقعوا بهم، قال الزجاج: المعنى: لولا أن تطئوا ~~رجالا مؤمنين، ونساء مؤمنات. # {فتصيبكم منهم معرة} [الفتح: 25] إثم، وجناية بغير علم، وذلك: أنهم لو ~~كبسوا مكة وفيها قوم مؤمنون، لم يتميزوا من الكفار، لم يأمنوا أن يقتلوا ~~المؤمنين فتلزمهم الكفارة، وتلحقهم سبة بأنهم قتلوا من هو على دينهم، فهذه ~~المعرة التي صان الله المؤمنين عنها، وقوله: بغير علم موضعه التقديم، لأن ~~التقدير: لولا أن تطئوهم بغير علم، {ليدخل الله في رحمته من يشاء} [الفتح: ~~25] اللام متعلقة بمحذوف دل عليه معنى الكلام على تقدير: حال بينكم وبينهم، ~~ليدخل الله في رحمته من يشاء، يعني: من أسلم من الكفار بعد الصلح، لو ~~تزيلوا لو تميزوا، يعني: المؤمنين من الكفار، {لعذبنا الذين كفروا منهم ~~عذابا أليما} [الفتح: 25] يعني: بالقتل، والسبي بأيديكم. # {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية} [الفتح: 26] وهي الأنفة والإنكار، ~~يقال: فلان ذو حمية منكرة، إذا كان ms1727 ذا غضب وأنفة، قال المقاتلان: قال أهل ~~مكة: قد قتلوا أبناءنا وإخواننا، ويدخلون علينا في منازلنا، فتحدث العرب ~~أنهم قد دخلوا علينا رغم أنفنا! واللات والعزى لا يدخلونها عليها. # فهذه حمية الجاهلية التي دخلت قلوبهم، {فأنزل الله # PageV04P143 # سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} [الفتح: 26] حتى لم يدخلهم ما دخلهم من ~~الحمية، فيعصوا الله في قتالهم، وقوله: {وألزمهم كلمة التقوى} [الفتح: 26] ~~وهي: لا إله إلا الله، الكلمة التي ينفى بها الشرك. ### | 854 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي، أنا محمد بن محمد بن يعقوب، ~~أنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، نا الحسن بن قزعة، نا سفيان بن حبيب، نا شعبة، ~~عن ثوير، عن أبيه، عن أبي الطفيل، عن أبيه، أنه سمع النبي صلى الله عليه ~~وسلم يقول: {وألزمهم كلمة التقوى} [الفتح: 26] قال: لا إله إلا الله. ### | 855 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان، أنا أحمد بن جعفر القطيعي، نا عبد الله بن ~~أحمد بن حنبل، حدثني أبي، نا عبد الوهاب الخفاف، نا شعبة، عن قتادة، عن ~~مسلم بن يسار، عن حمدان بن أبان، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: سمعت ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من ~~قلبه إلا حرم على النار» فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنا أحدثك ما ~~هي، هي كلمة الإخلاص التي ألزمها الله تعالى محمدا وأصحابه، وهي كلمة ~~التقوى التي ألاص عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب عند ~~الموت، شهادة أن لا إله إلا الله # {وكانوا أحق بها} [الفتح: 26] من كفار مكة، وكانوا أهلها في علم الله، ~~لأن الله تعالى اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولدينه أهل الخير، ومن هم ~~أولى بالهداية من غيرهم، {وكان الله بكل شيء عليما} [الفتح: 26] من أمر ~~الكفار وما يستحقونه، وأمر المؤمنين وما يستحقونه. # قوله: # PageV04P144 # {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ~~آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا ms1728 فجعل من دون ذلك ~~فتحا قريبا {27} هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ~~وكفى بالله شهيدا {28} } [الفتح: 27-28] . # {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق} [الفتح: 27] قال المفسرون: إن الله ~~تعالى أرى نبيه صلى الله عليه وسلم في المنام، بالمدينة قبل أن يخرج إلى ~~الحديبية، كأنه وأصحابه حلقوا، وقصروا، فأخبر بذلك أصحابه، ففرحوا، وحسبوا ~~أنهم دخلوا مكة عامهم ذلك، وقالوا: إن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حق. # فلما انصرفوا، ولم يدخلوا مكة، قال المنافقون: والله ما حلقنا، ولا ~~قصرنا، ولا دخلنا المسجد الحرام. # فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأخبر أنه أرى رسوله الصدق في منامه لا ~~الباطل، وأنهم يدخلونه، فقال: {لتدخلن المسجد الحرام} [الفتح: 27] يعني: ~~العام المقبل، {إن شاء الله} [الفتح: 27] قال أبو عبيدة: إن بمعنى: إذ، ~~يعني: إذ شاء الله حيث أرى رسوله ذلك. # وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: استثنى الله فيما يعلم، ليستثني الخلق ~~فيما لا يعلمون. # يعني: أنه تعالى علم أنهم يدخلونه، ولكنه استثنى على ما أمر به في قوله: ~~{ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا {23} إلا أن يشاء الله} [الكهف: 23-24] ، ~~وقوله: آمنين أي: من العدو، محلقين رءوسكم يقال: حلق رأسه، وحلقه بمعنى، ~~ومقصرين أي: من الشعر، يقال: قصر شعره: إذا جزه من طوله، وهذا يدل على أن ~~المحرم بالخيار عند التحلل من الإحرام، إن شاء حلق، وإن شاء قصر، لا تخافون ~~أي: غير خائفين عدوا من المشركين، {فعلم ما لم تعلموا} [الفتح: 27] علم ~~الله ما في تأخير الدخول من الخير والصلاح، ولم تعلموا أنتم، وهو خروج ~~المؤمنين من بيتهم، والصلح المبارك موقعة، {فجعل من دون ذلك} [الفتح: 27] ~~من قبل الدخول، فتحا قريبا يعني: فتح خيبر، في قول عطاء، ومقاتل. # وفي قول الآخرين يعني: صلح الحديبية. # قوله: {هو # PageV04P145 # الذي أرسل رسوله بالهدى} [الفتح: 28] مفسر في { [براءة،] وكفى بالله ~~شهيدا} [سورة الفتح: 28] أي: على ما أرسل. # قوله: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ~~ركعا سجدا يبتغون فضلا من ms1729 الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك ~~مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى ~~على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} [الفتح: 29] . # {محمد رسول الله} [الفتح: 29] قال ابن عباس: شهد له بالرسالة. # والذين معه قال: يعني: أهل الحديبية. # وقال مقاتل: والذين آمنوا معه من المؤمنين. # {أشداء على الكفار} [الفتح: 29] غلاظ عليهم، كالأسد على فريسته، رحماء ~~بينهم متوادون ببعضهم لبعض، كالولد لوالده، والعبد لسيده، كقوله تعالى: ~~{أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} [المائدة: 54] ، {تراهم ركعا سجدا} ~~[الفتح: 29] إخبار عن كثرة صلاتهم، ومداومتهم عليها، {يبتغون فضلا من الله ~~ورضوانا} [الفتح: 29] يعني: الجنة، ورضا الله، {سيماهم في وجوههم من أثر ~~السجود} [الفتح: 29] لكثرة صلاتهم بالليل، يتبين في وجوههم أثر السهر، قال ~~الضحاك: إذا سهر الرجل أصبح مصفرا. # وقال عطية: مواضع السجود أشد وجوههم بياضا يوم القيامة. # وهذا قول الزهري، وقال مجاهد: هو الخشوع والتواضع. # وهو قول ابن عباس، في رواية الوالبي، قال: الهدى والسمت الحسن. # المعنى: أن السجود أورثهم ذلك الخشوع، والسمت الحسن الذي يعرفون به، وقال ~~عكرمة: هو التراب على الجباه. # قال أبو العالية: لأنهم يسجدون على الترب، لا على الأثواب. # {ذلك مثلهم في التوراة} [الفتح: 29] يعني: ما ذكر من وصفهم هو ما وصفوا ~~به في التوراة أيضا، ثم ذكر نعتهم في الإنجيل، فقال: {ومثلهم في الإنجيل ~~كزرع أخرج شطأه} [الفتح: 29] أي: فراخه، وجمعه أشطاء، يقال: أشطأ الزرع إذا ~~فرخ، والشطأ والشطأ لغتان، كالنهر والنهر، فآزره ستره، وأعانه، وقواه، قال ~~المبرد: يعني: أن هذه الأفرخ لحقت الأمهات حتى صارت مثلها. # PageV04P146 # وقرأ ابن عامر: فأزره مقصورا، قال الفراء: أزرت فلانا آزره، إذا قويته. # فاستغلظ أي: غلظ ذلك الزرع، {فاستوى على سوقه} [الفتح: 29] قام على قصبه ~~وأصوله، فأعجب ذلك زراعه، وهو قوله: يعجب الزراع وهذا مثل ضربه الله تعالى ~~لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالزرع محمد، والشطأ أصحابه، والمؤمنون ~~حوله، وكانوا في ضعف وقلة كما كان ms1730 أول الزرع دقيقا، ثم غلظ وقوي، وتلاحق، ~~كذلك المؤمنون قوي بعضهم بعضا، حتى استغلظوا، واستووا على أمرهم، {ليغيظ ~~بهم الكفار} [الفتح: 29] أي: إنما كثرهم وقواهم، ليكونوا غيظا للكافرين. ### | 856 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا أبو الشيخ، نا العباس بن الفضل بن شاذان، ~~نا رسته، نا أبو غزوة، قال: كنا عند مالك بن أنس، فذكروا رجلا ينتقص أصحاب ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال مالك: من أصبح من الناس، وفي قلبه غيظ ~~على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية. # {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم} [الفتح: 29] قال الزجاج: ~~منهم تخليص للجنس، وليس يريد بعضهم، لأنهم كلهم مؤمنون. # {مغفرة وأجرا عظيما} [الفتح: 29] يعني: الجنة. # PageV04P147 ### | تفسير سورة الحجرات # وهي ثماني عشرة آية، مدنية. ### | 857 - # أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري، أبو محمد الحسن بن ~~أحمد بن محمد المخلدي، أنا أبو بكر محمد بن حمدويه بن خالد، نا هلال بن ~~العلاء، قال: نا حجاج بن محمد، عن أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن ~~شداد بن عبد الله، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، أن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم قال: «إن الله أعطاني السبع الطول مكان التوراة، وأعطاني المئين. ~~. . . . . . . . . # PageV04P148 # مكان الإنجيل، وأعطاني مكان الزبور المثاني، وفضلني ربي بالمفصل» ### | 858 - # أخبرنا سعيد بن محمد المقري، نا أبو عمرو محمد بن جعفر العدل، نا إبراهيم ~~بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا المدائني، نا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، ~~عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«من قرأ سورة الفتح فكأنما كان مع من شهد مع محمد فتح مكة، ومن قرأ سورة ~~الحجرات أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من أطاع الله ومن عصاه» . # بسم الله الرحمن الرحيم {يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ~~ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم {1} يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا ~~أصواتكم فوق صوت النبي ولا ms1731 تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط ~~أعمالكم وأنتم لا تشعرون {2} إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك ~~الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم {3} إن الذين ينادونك ~~من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون {4} ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان ~~خيرا لهم والله غفور رحيم {5} } [الحجرات: 1-5] . # {يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات: 1] قدم ~~ههنا بمعنى: تقدم، وهو لازم، يدل عليه قراءة الضحاك لا تقدموا بفتح التاء ~~والدال، قال أبو عبيدة: العرب # PageV04P149 # تقول: لا تقدم بين يدي الإمام، وبين يدي الأب. # أي: لا تعجل بالأمر والنهي دونه. # ومعنى بين اليدين ههنا: الأمام والقدام، وذلك راجع إلى قدام الأمر ~~والنهي، لأن المعنى: لا تقدموا قبل أمرهما ونهيهما، وبين اليدين عبارة عن ~~الأمام، لأن ما بين يدي الإنسان أمامه، ومعنى الآية: لا تقطعوا أمرا دون ~~الله ورسوله، أي: ولا تعجلوا به، قال جابر: نزلت في النهي عن الذبح يوم ~~الأضحى قبل الصلاة. # وقالت عائشة رضي الله عنها: نزلت في النهي عن صوم يوم الشك. ### | 859 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم المزكي، أنا محمد بن جعفر بن الهيثم الأنباري، نا ~~محمد بن أبي العوام، نا أبي، نا النعمان بن عبد السلام التميمي، عن زفر بن ~~الهذيل، عن يحيى بن عبد الله، عن حبال بن رفيدة، عن مسروق، عن عائشة رضي ~~الله عنها في قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ~~ورسوله} [الحجرات: 1] قالت: لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم صلى الله عليه ~~وسلم # واتقوا لله في تضييع حقه، ومخالفة أمره، {إن الله سميع} [الحجرات: 1] ~~لأقوالكم، عليم بأفعالكم. # قوله: {يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} [الحجرات: 2] ~~قال أنس: لما نزلت هذه الآية، قال ثابت بن قيس الأنصاري: أنا الذي كنت أرفع ~~صوتي فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجهر له بالقول، حبط عملي، ~~وأنا من أهل النار. # وكان ثابت رفيع الصوت، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ms1732: # PageV04P150 # «هو من أهل الجنة» . # {ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض} [الحجرات: 2] قال الزجاج: أمرهم ~~الله تعالى بتبجيل نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يغضوا أصواتهم، وأن ~~يخاطبوه بالسكينة والوقار. # {أن تحبط أعمالكم} [الحجرات: 2] أي: لئلا تحبط، أو مخافة أن تحبط ~~أعمالكم، {وأنتم لا تشعرون} [الحجرات: 2] لا تعلمون به، وهذا يدل على أنه ~~يجب أن يعظم النبي صلى الله عليه وسلم غاية التعظيم، فقد يأتي الإنسان ~~الشيء اليسير في بابه، فيكون ذلك محبطا لعمله، مهلكا إياه وهو لا يعلم ذلك. # {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله} [الحجرات: 3] قال عطاء، عن ابن ~~عباس: لما نزل قوله: {لا ترفعوا أصواتكم} [الحجرات: 2] تألى أبو بكر رضي ~~الله عنه، أن لا يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا كأخي السرار، ~~فأنزل الله تعالى في أبي بكر هذه الآية. ### | 860 - # أخبرنا أبو بكر القاضي، نا محمد بن يعقوب القرشي، نا محمد بن إسحاق ~~الصغاني، نا يحيى بن عبد الحميد، نا حصين بن عمر الأحمسي، نا مخارق، عن ~~طارق، عن أبي بكر رضي الله عنه، قال: لما نزلت على النبي صلى الله عليه ~~وسلم {إن الذين يغضون أصواتهم} [الحجرات: 3] الآية آليت على نفسي أن لا ~~أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار # وقال ابن الزبير: ما حدث عمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله: {لا ~~ترفعوا أصواتكم} [الحجرات: 2] فيسمع النبي صلى الله عليه وسلم كلامه حتى ~~يستفهمه مما يخفض صوته، فأنزل الله تعالى فيه: {إن الذين يغضون أصواتهم} ~~[الحجرات: 3] والغض: النقص من كل شيء. # ذكرنا عند قوله: {واغضض من صوتك} [لقمان: 19] ، {أولئك الذين امتحن الله ~~قلوبهم للتقوى} [الحجرات: 3] قال الفراء: أخلص قلوبهم للتقوى، كما يمتحن ~~الذهب بالنار، فيخرج جيده من رديئه ويسقط خبثه. # وعلى هذا تقدير الكلام: {امتحن الله قلوبهم} [الحجرات: 3] فأخلصها ~~للتقوى، فحذف الإخلاص لدلالة الامتحان عليه، ولهذا قال مقاتل، ومجاهد، ~~وقتادة: أخلص الله قلوبهم. # قوله: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} [الحجرات: 4] هم الجفاة من # PageV04P151 # بني تميم، قدموا على ms1733 النبي صلى الله عليه وسلم لفداء ذراري لهم سبيت، ~~فنادوا: يا محمد اخرج إلينا. # وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نام للقابلة، فتأذى بأصواتهم، ولم ~~يعلموا في أي حجرة هو، فكانوا يطوفون على الحجرات، وينادونه، {أكثرهم لا ~~يعقلون} [الحجرات: 4] وصفهم الله بالجهل، وقلة الصبر، وقلة العقل، فقال: ~~{ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم} [الحجرات: 5] . # قال مقاتل: يعني بالخير: أنهم لو صبروا، لخلى سبيلهم بغير فداء، فلما ~~نادوه، أعتق نصف ذراريهم، وفادى نصفهم. # يقول الله تعالى: ولو صبروا، لكنت تعتق كلهم. # {والله غفور رحيم} [الحجرات: 5] لمن تاب منهم. # قوله: {يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما ~~بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين {6} واعلموا أن فيكم رسول الله لو ~~يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في ~~قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون {7} فضلا من ~~الله ونعمة والله عليم حكيم {8} } [الحجرات: 6-8] . # {يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ} [الحجرات: 6] نزلت في الوليد بن ~~عقبة، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا إلى بني المصطلق، فلما ~~سمعوا به، اجتمعوا ليتلقوه، وكانت بينهم عداوة في الجاهلية، ففرق الوليد، ~~ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إنهم قد منعوا الصدقة، وارتدوا. # فنزلت فيه هذه الآية، قوله: فتبينوا ذكرنا القراءة فيه في { [النساء،] أن ~~تصيبوا} [سورة الحجرات: 6] أي: لئلا تصيبوا، {قوما بجهالة} [الحجرات: 6] ~~بحالهم، وما هم عليه من الإسلام، والطاعة، {فتصبحوا على ما فعلتم} ~~[الحجرات: 6] من إصابتهم بالخطأ، نادمين وذلك أن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم هم بالإيقاع بهم حتى نزلت هذه # PageV04P152 # الآية. # ثم وعظهم، فقال: {واعلموا أن فيكم رسول الله} [الحجرات: 7] معناه: اتقوا ~~أن تكذبوا، أو تقولوا باطلا، فإن الله تعالى يخبره، فتفتضحوا، ثم قال: لو ~~يطيعكم أي: الرسول، {في كثير من الأمر} [الحجرات: 7] مما تخبرونه فيه ~~بالباطل، لعنتم أي: لوقعتم في عنت، وهو الإثم والهلاك، ثم خاطب المؤمنين ~~الذين لا يكذبون، فقال: {ولكن الله ms1734 حبب إليكم الإيمان} [الحجرات: 7] جعله ~~أحب الأديان إليكم، {وزينه في قلوبكم} [الحجرات: 7] حتى اخترتموه، {وكره ~~إليكم الكفر} [الحجرات: 7] جعل الكفر تكرهونه، والفسوق قال ابن عباس: يريد ~~الكذب. # والعصيان جميع معاصي الله. # ثم عاد إلى الخبر عنهم، فقال: {أولئك هم الراشدون} [الحجرات: 7] هم ~~المهتدون إلى محاسن الأمور. # ثم بين أن جميع ذلك تفضل من الله تعالى، فقال: {فضلا من الله ونعمة} ~~[الحجرات: 8] قال ابن عباس: يريد تفضلا مني عليهم، ورحمة مني لهم. # والله عليم بما في قلوبهم، حكيم فيهم بعلمه. # قوله: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما ~~على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا ~~بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين {9} إنما المؤمنون إخوة ~~فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون {10} } [الحجرات: 9-10] . # {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9] . ### | 861 - # أخبرنا محمد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أنا محمد بن أحمد بن سنان المقرئ، ~~أنا أحمد بن علي بن المثنى، نا إسحاق بن أبي إسرائيل، نا المعتمر بن ~~سليمان، قال: سمعت أبي يحدث، عن أنس، قال: قيل: يا نبي الله لو أتيت عبد ~~الله بن أبي، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم فركب حمارا، وانطلق ~~المسلمون يمشون، وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ~~إليك عني فوالله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار: والله لحمار ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه ~~وغضب لكل واحد منهما أصحابه، وكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال، ~~فبلغنا أنه أنزلت فيهم {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} ~~[الحجرات: 9] رواه البخاري، عن مسدد، ورواه مسلم، عن محمد بن عبد الأعلى ~~كلاهما عن المعتمر # قال الحسن، وقتادة، والسدي: فأصلحوا بينهما # PageV04P153 # بالدعاء إلى حكم كتاب الله، والرضا بما فيه، لهما وعليهما. # {فإن بغت إحداهما} [الحجرات: 9] طلبت ما ليس لها، ولم ترجع إلى الصلح، ~~{فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} [الحجرات: 9] ترجع ms1735 إلى طاعة ~~الله، والصلح الذي أمر الله به. ### | 862 - # أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن علي التاجر، أنا أحمد بن شاذان، نا أبو ~~القاسم البغوي، نا أبو نصر التمار، نا كوثر بن حكيم، عن نافع، عن ابن عمر، ~~أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا ابن أم عبد " هل تدري كيف حكم الله، ~~فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: لا يجهز على جريحها، ~~ولا يقتل أسيرها، ولا يطلب هاربها، ولا يقسم فيئها " # وأقسطوا أي: اعدلوا في الإصلاح بينهما، وفي كل حكم، {إن الله يحب ~~المقسطين} [الحجرات: 9] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم الذين ~~يعدلون في حكمهم وأهليهم، وما ولوا» . # {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات: 10] قال الزجاج: أعلم الله أن الدين ~~يجمعهم، وأنهم إخوة إذا كانوا متفقين في دينهم، فرجعوا بالاتفاق في الدين ~~إلى أصل النسب، لأنهم لآدم وحواء. # {فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات: 10] يعني: بين كل مسلمين تخاصما، ~~وتقاتلا، ومعنى الآيتين يأتي على الجميع، لأن تأويله بين كل أخوين. ### | 863 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى التميمي، نا أبو أحمد الحسين بن ~~علي بن يحيى التميمي، نا محمد بن إسحاق الثقفي، نا قتيبة، نا الليث، عن ~~عقيل، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ~~«المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه من كان في حاجة أخيه كان الله في ~~حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ~~ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» رواه البخاري، عن يحيى بن بكير، ~~ورواه مسلم، عن قتيبة كلاهما عن الليث. # {يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء ~~من نساء عسى أن يكن خيرا منهن # PageV04P154 # ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ~~ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون {11} يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من ~~الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب ms1736 بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل ~~لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم {12} يأيها الناس ~~إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند ~~الله أتقاكم إن الله عليم خبير {13} قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن ~~قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم ~~من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم {14} إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ~~ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم ~~الصادقون {15} قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في ~~الأرض والله بكل شيء عليم {16} يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي ~~إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين {17} إن الله ~~يعلم غيب السموات والأرض والله بصير بما تعملون {18} } [الحجرات: 11-18] . # {يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم} [الحجرات: 11] قال مقاتل: يقول: ~~لا يستهزئ الرجل من أخيه، فيقول: إنك رديء المعيشة، لئيم الحسب، وأشباه ذلك ~~مما ينتقصه به، ولعله خير منه عند الله. # وهو قوله: {عسى أن يكونوا خيرا منهم} [الحجرات: 11] ، وقوله: {ولا تلمزوا ~~أنفسكم} [الحجرات: 11] أي: لا تعيبوا إخوانكم الذين هم كأنفسكم، كقوله: ~~{ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 29] ، {ولا تنابزوا بالألقاب} [الحجرات: 11] ~~التنابز: التفاعل من النبز، وهو مصدر والنبز الاسم، والألقاب: جمع اللقب، ~~وهو اسم غير الاسم الذي سمي به الإنسان، قال المفسرون: هو أن يقول لأخيه ~~المسلم: يا فاسق يا منافق، أو يقول لمن أسلم: يا يهودي، يا نصراني. # يدعوه بما كان عليه في الشرك، وقال عطاء: هو كل شيء أخرجت به أخاك عن ~~الإسلام، كقوله: يا كلب، يا حمار، يا خنزير. # {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} [الحجرات: 11] أي: بئس الاسم أن تقول له: ~~يا يهودي، يا نصراني، وقد آمن، {ومن لم يتب} [الحجرات: 11] من التنابز، ~~{فأولئك هم الظالمون} [الحجرات: 11] . # قوله: {يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن} [الحجرات: 12] قال ~~الزجاج: هو أن تظن بأهل الخير سوءا، فأما أهل السوء، والفسق، فلنا ms1737 أن نظن ~~بهم مثل الذي ظهر منهم. # وقال المقاتلان: هو أن يظن بأخيه المسلم سوءا، ولا بأس به ما لم يتكلم ~~به، فإن تكلم بذلك الظن، # PageV04P155 # وأبداه أثم. # وهو قوله: {إن بعض الظن إثم} [الحجرات: 12] يعني: ما أعلنه مما ظن بأخيه ~~المسلم، ولا تجسسوا التجسس: البحث عن عيوب المسلمين وعوراتهم، يقول: لا ~~يبحث أحدكم عن عيب أخيه، حتى يطلع عليه إذا ستره الله. ### | 864 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أنا أبو الحسن محمد بن الحسن السراج، ~~أنا يوسف بن يعقوب القاضي، نا عمرو بن مرزوق، أنا سليم بن حيان، عن أبيه، ~~عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إياكم والظن، فإن الظن ~~أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تقاطعوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا ~~عباد الله إخوانا» # وقوله: {ولا يغتب بعضكم بعضا} [الحجرات: 12] ، يقول: لا يتناول بعضكم ~~بعضا بظهر الغيب، بما يسوءه مما هو فيه، فإن تناوله بما ليس فيه، فهو بهت ~~وبهتان. ### | 865 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، وأبو منصور بن طاهر، وأبو سعد بن أبي ~~رشيد، قالوا جميعا: أنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن علي بن زياد، نا ~~محمد بن إبراهيم البوشنجي، نا أمية بن بسطام، نا يزيد بن زريع، نا روح بن ~~القاسم، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم سئل ما الغيبة؟ قال: " ذكرك أخاك بما يكره، قال: أفرأيت إن كان في أخي ~~ما أقول؟ قال: إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته ~~" رواه مسلم، عن قتيبة، عن إسماعيل بن العلاء ### | 866 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان، أنا أبو بكر عبد الله بن محمد الحافظ بواسط، ~~نا أبو بكر خليل بن محمد الواسطي، أنا جدي تميم بن المنتصر، أنا أسباط بن ~~محمد، نا أبو رجاء الخراساني، عن عباد بن كثير، عن الجريري، عن ابن الزبير، ~~عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والغيبة، فإن ~~الغيبة ms1738 أشد من الزنا» ، # PageV04P156 # قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل يزني ثم يتوب فيتوب ~~الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبها» . ### | 867 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم الدركي، أنا أبو بحر محمد بن الحسن بن كوثر، نا ~~أبو علي الحسن بن يزداد الراسي، نا محمد بن بشير، عن سليمان بن عمرو، حدثني ~~أبو حازم، عن سهل بن سعد الساعدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«إذا اغتاب أحدكم أخاه من خلفه، فليستغفر له، فإن ذلك كفارة له» ### | 868 - # حدثنا الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني إملاء، أنا الإمام ~~أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، أنا محمد بن عبد الله بن سليمان، نا ~~جعدية بن يحيى الليثي، عن العلاء بن بشير، عن سفيان الثوري، عن بهز بن ~~حكيم، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس لفاسق غيبة» # ثم ضرب للغيبة مثلا، فقال: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا} [الحجرات: ~~12] قال الزجاج: تأويله: إن ذكرك بسوء من لم يحضرك، بمنزلة أكل لحمه وهو ~~ميت لا يحس بذلك. # قال مجاهد: لما قيل لهم: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا} [الحجرات: ~~12] قالوا: لا. # قيل: فكرهتموه أي: فكما كرهتم هذا، فاجتنبوا ذكره بالسوء غائبا. # ويقال للمغتاب: فلان يأكل لحوم الناس. ### | 869 - # أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم، أنا أبو عمرو بن نجيد، نا جعفر بن محمد بن ~~سوار، أنا قتيبة بن سعيد، نا يحيى بن زكريا، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن ~~قيس بن أبي حازم، قال: مر عمرو بن العاص على بغل ميت، فقال: لأن يأكل أحدكم ~~من هذا حتى يمتلئ جوفه خير له من أن يأكل من لحم رجل مسلم. # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أنا إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني، ~~أنا محمد بن إسحاق السراج، نا قتيبة، عن مروان بن سالم القرشي، نا # PageV04P157 # مسعدة بن اليسع، عن الربيع بن صبيح، عن يزيد الرقاشي: أن رجلا اغتاب ms1739 عنده ~~رجلا، قال: فأخبرني أنه رأى في المنام، كأن زنجيا أتاه بطبق عليه جنب لحم ~~خنزير لم أر لحما أنتن منه، فقال: كل. # فقلت: آكل لحم خنزير! قال: فتهددني، وقال لي: كل. # فأكلت، قال يزيد: فحلف لي أنه لم يزل شهرا يجد نتن ذلك في فيه. # واتقوا الله في الغيبة، {إن الله تواب} [الحجرات: 12] على من تاب، رحيم ~~به. # قوله: {يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} [الحجرات: 13] يعني: آدم ~~وحواء، أي: إنكم متساوون في النسب، لأن كلكم يرجع بالنسب إلى آدم وحواء، ~~نزلت الآية في الزجر عن التفاخر بالأنساب. ### | 870 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا محمد بن الحسن بن علي ~~بن بحر، نا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، نا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن ~~حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إنما أنتم ~~من رجل وامرأة كطف الصاع ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى» # ثم ذكر أنه إنما فرق بين أنساب الناس، ليتعارفوا، لا ليتفاخروا، فقال: ~~وجعلناكم شعوبا وهي جمع شعب، وهو الحي العظيم مثل مضر وربيعة، والقبائل ~~دونها، وهم كبكر من ربيعة، وتميم من مضر، هذا قول جماعة المفسرين، وروى ~~عطاء، عن ابن عباس، قال: يريد بالشعوب الموالي، وبالقبائل العرب. # وإلى هذا ذهب قوم، فقالوا: الشعوب من العجم، وهم من لا يعرف لهم أصل، ولا ~~نسب كالهند، والجيل، والترك، والقبائل من العرب. # وقوله: لتعارفوا أي: # PageV04P158 # يعرف بعضكم بعضا في قرب النسب وبعده، ثم أعلمهم أن أرفعهم عنده منزلة ~~أتقاهم، فقال: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] . ### | 871 - # أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان، نا محمد بن عبد الله بن حمدويه، نا محمد بن ~~يعقوب الشيباني، نا محمد بن عبد الوهاب، نا محمد بن الحسن المخزومي، حدثتني ~~أم سلمة بنت العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيها، عن جدها، عن أبي هريرة، أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أمرتكم ~~فضيعتم ما عهدت إليكم فيه ms1740، ورفعتم أنسابكم فاليوم أرفع نسبي وأضيع أنسابكم، ~~أين المتقون أين المتقون {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] # أخبرنا أبو الحسن محمد أحمد بن محمد بن الفضل، أنا أبو يعلي النسفي، أنا ~~محمد بن يونس الكريمي، نا أبو عاصم، نا موسى بن عبيد، عن سعيد المقبري، ~~قال: سأل رجل عيسى ابن مريم عليه السلام: أي الناس أفضل؟ فأخذ قبضتين من ~~تراب، فقال: أي هاتين أفضل؟ الناس خلقوا من تراب، فأكرمهم عند الله أتقاهم. # وقال قتادة: أكرم الكرم التقوى، وألأم واللؤم الفجور. # وقال صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يكون أكرم الناس، فليتق الله بقوله» ~~. # {قالت الأعراب آمنا} [الحجرات: 14] نزلت في بني أسد، أتوا رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم في سنة جدبة، وأظهروا الإسلام، # PageV04P159 # ولم يكونوا مؤمنين في السر، إنما كانوا يطلبون الصدقة، والمعنى: أنهم ~~يقولون: صدقنا ما جئت به. # {قل لم تؤمنوا} [الحجرات: 14] لم تصدقوا، {ولكن قولوا أسلمنا} [الحجرات: ~~14] انقدنا واستسلمنا، مخافة القتل والسبي، ثم بين أن الإيمان محله القلب ~~لا اللسان، بقوله: {ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} [الحجرات: 14] . # قال الزجاج: الإسلام إظهار الخضوع، وقبول ما أتى به النبي صلى الله عليه ~~وسلم، وبذلك يحقن الدم، فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد، وتصديق بالقلب، ~~فذلك الإيمان وصاحبه المؤمن. # وقد أخرج هؤلاء من الإيمان بقوله: {ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} ~~[الحجرات: 14] أي: لم تصدقوا، إنما أسلمتم تعوذا من القتل. ### | 872 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر، نا إبراهيم بن ~~محمد بن الحسن، نا إبراهيم بن يعقوب، نا زيد بن الحباب، نا علي بن مسعدة، ~~حدثني قتادة، حدثني أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإسلام ~~علانية والإيمان في القلب، وأشار إلى صدره» # {وإن تطيعوا الله ورسوله} [الحجرات: 14] قال ابن عباس: تخلصوا الإيمان. # {لا يلتكم من أعمالكم شيئا} [الحجرات: 14] وقرأ أبو عمرو لا يألتكم ~~بالألف، من ألت يألت ألتا إذا نقص، ويقال أيضا: لات يليت ليتا بهذا المعنى، ~~قال ابن عباس، ومقاتل: لا ينقصكم من ms1741 ثواب أعمالكم شيئا. # ثم نعت الصادقين في إيمانهم، فقال: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ~~ورسوله ثم لم يرتابوا} [الحجرات: 15] لم يشكوا في دينهم بعد الإيمان، ~~{وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله} [الحجرات: 15] وذلك أن الجهاد مع ~~النبي صلى الله عليه # PageV04P160 # وسلم كان فرضا في ذلك الوقت، {أولئك هم الصادقون} [الحجرات: 15] في ~~إيمانهم، فلما نزلت الآيتان أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحلفون ~~أنهم مؤمنون صادقون. # وعرف الله غير ذلك منهم، فأنزل: {قل أتعلمون الله بدينكم} [الحجرات: 16] ~~علم ههنا بمعنى: أعلم، لذلك أدخلت الباء في بدينكم، يقول: أتخبرون الله ~~بالدين الذي أنتم عليه؟ أي: أنه عالم بذلك، لا يحتاج إلى إخباركم به، وهو ~~قوله: {والله يعلم ما في السموات وما في الأرض} [الحجرات: 16] الآية. # وكان هؤلاء الأعراب يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئناك ~~بالعيال، والمال، والأنفال، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان. # يمنون عليه بذلك، فأنزل الله تعالى: {يمنون عليك أن أسلموا} [الحجرات: ~~17] الآية، وهي ظاهرة إلى آخر السورة. # PageV04P161 ### | تفسير سورة ق # وهي أربعون وخمس آيات، مكية. ### | 873 - # أخبرنا أبو عثمان الزعفراني، أنا أبو عمرو السختياني، أنا أبو إسحاق ~~الأسدي الكوفي، نا أحمد بن عبد الله، نا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، ~~عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة ق هون الله عليه تارات الموت وسكراته» # بسم الله الرحمن الرحيم {ق والقرءان المجيد {1} بل عجبوا أن جاءهم منذر ~~منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب {2} أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ~~{3} قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ {4} بل كذبوا بالحق لما ~~جاءهم فهم في أمر مريج {5} } [ق: 1-5] . # ق قال المفسرون: هو اسم جبل محيط بالدنيا، من زبرجد أو زمردة، والسماء ~~مقببة عليه، وهو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة. # وحكى الفراء، والزجاج: أن قوما قالوا: معنى ق قضي الأمر ما هو كائن، كما ~~قيل ms1742 في حم: حم الأمر. # والقرءان # PageV04P162 # المجيد الكريم على الله، الكثير الخير. # {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم} [ق: 2] مفسر في { [ص،] فقال الكافرون هذا ~~شيء عجيب} [سورة ق: 2] معجب، عجبوا من كون محمد صلى الله عليه وسلم رسولا ~~إليهم، فأنكروا رسالته، وأنكروا البعث بعد الموت، وهو قوله: {أئذا متنا ~~وكنا ترابا} [ق: 3] أي: أنبعث إذا متنا؟ ذلك رجع رد إلى الحياة، بعيد غير ~~كائن، أي: يبعد عندنا أن نبعث بعد الموت. # قال الله عز وجل: {قد علمنا ما تنقص الأرض منهم} [ق: 4] أي: ما تأكل من ~~لحومهم، ودمائهم، وأشعارهم، يعني: أن ذلك لم يعزب عن علمه، وأخبر أن عنده ~~بذلك كتبا، فقال: {وعندنا كتاب حفيظ} [ق: 4] حافظ لعدتهم وأسمائهم، وهو ~~اللوح المحفوظ، وقد أثبت فيه ما يكون. # ثم أخبر بتكذيبهم، فقال: {بل كذبوا بالحق} [ق: 5] بالقرآن، {لما جاءهم ~~فهم في أمر مريج} [ق: 5] مختلط ملتبس، قال الحسن: ما ترك قوم الحق إلا مرج ~~أمرهم. # وذكر الزجاج معنى اختلاط أمرهم، فقال: هو أنهم كانوا يقولون للنبي صلى ~~الله عليه وسلم مرة: شاعر، ومرة: ساحر، ومرة: معلم. # وللقرآن: إنه سحر، ومرة يقولون: إنه رجز , ومرة يقولون: مفترى. # فكان أمرهم ملتبسا، مختلطا عليهم. # ثم دلهم على قدرته على البعث بعظيم خلقه، فقال: {أفلم ينظروا إلى السماء ~~فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج {6} والأرض مددناها وألقينا ~~فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج {7} تبصرة وذكرى لكل عبد منيب {8} ~~ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد {9} والنخل باسقات ~~لها طلع نضيد {10} رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج {11} } ~~[ق: 6-11] . # {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها} [ق: 6] بغير عمد، وزيناها ~~بالكواكب، {وما لها من فروج} [ق: 6] فتوق، وشقوق، وصدوع. # والأرض مددناها بسطناها، {وألقينا فيها رواسي} [ق: 7] جبالا ثوابت، ~~{وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج} [ق: 7] من كل لون حسن. # تبصرة وذكرى قال الزجاج: أي: فعلنا ذلك لنبصر، ونذكر به. # فهي تذكير لكل عبد منيب يرجع إلى الله، ويفكر ms1743 في قدرته. # {ونزلنا من السماء ماء مباركا} [ق: 9] كثير الخير، وفيه حياة كل شيء، وهو ~~المطر، {فأنبتنا به جنات وحب الحصيد} [ق: 9] يعني: ما يقتات به، ويحصد من ~~الحبوب، وأراد نبت الحب الحصيد. # PageV04P163 # والنخل باسقات طوالا، يقال: بسقت النخلة بسوقا إذا طالت، لها طلع وهو: ~~أول ما يظهر من ثمر النخل قبل أن ينشق، نضيد منضود بعضه على بعض، وذلك قبل ~~أن ينفتح وهو نضيد في أكمامه، فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد. # رزقا للعباد أي: أنبتنا هذه الأشياء للرزق، {وأحيينا به بلدة ميتا} [ق: ~~11] يعني: بالمطر أنبتنا الكلأ، كذلك الخروج من القبور، أي: كما خلقنا هذه ~~الأشياء نبعثكم. # ثم ذكر الأمم المكذبة، تخويفا لكفار مكة، فقال: {كذبت قبلهم قوم نوح ~~وأصحاب الرس وثمود {12} وعاد وفرعون وإخوان لوط {13} وأصحاب الأيكة وقوم ~~تبع كل كذب الرسل فحق وعيد {14} أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق ~~جديد {15} } [ق: 12-15] . # {كذبت قبلهم قوم نوح} [ق: 12] إلى قوله: وقوم تبع وهو: تبع الحميري، الذي ~~ذكر في قوله: {أهم خير أم قوم تبع} [الدخان: 37] ، كل من هؤلاء المذكورين: ~~{كذب الرسل فحق وعيد} [ق: 14] أي: وجب عليهم عذابي، وحقت عليهم كلمة ~~العذاب. # ثم أنزل جوابا لقولهم: {ذلك رجع بعيد} [ق: 3] : {أفعيينا بالخلق الأول} ~~[ق: 15] يعني: أعجزنا حين خلقناهم أولا ولم يكونوا شيئا؟ فكيف نعجز عن ~~بعثهم؟ وهذا تقرير لهم، لأنهم اعترفوا بأن الله هو الخالق، وأنكروا البعث، ~~ويقال لكل من عجز عن شيء: عيي به. # ثم ذكر أنهم في شك من البعث بعد الموت، فقال: {بل هم في لبس من خلق جديد} ~~[ق: 15] أي: في ضلال وشك عن إعادة الخلق جديدا. # {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل ~~الوريد {16} إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد {17} ما يلفظ من ~~قول إلا لديه رقيب عتيد {18} وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ~~{19} ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد {20} وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد {21} ~~لقد كنت في ms1744 غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد {22} } [ق: ~~16-22] . # قوله: {ولقد خلقنا الإنسان} [ق: 16] ابن آدم، {ونعلم ما توسوس به نفسه} ~~[ق: 16] يحدث به قلبه، أي: نعلم ما يخفي، ويكن في نفسه، {ونحن أقرب إليه} ~~[ق: 16] بالعلم، {من حبل الوريد} [ق: 16] وهو عرق يتفرق في البدن، # PageV04P164 # مخالط للإنسان في جميع أعضاءه، وذلك أن أبعاض الإنسان يحجب بعضها بعضا، ~~ولا يحجب علم الله عنه شيء. # ثم ذكر أنه مع علمه، وكل به ملكين، يكتبان ويحفظان عليه عمله، إلزاما ~~للحجة، فقال: {إذ يتلقى المتلقيان} [ق: 17] قال مقاتل: يعني: الملكين ~~يتلقيان عمل ابن آدم ومنطقه، أي: يأخذان ذلك ويثبتانه. # والتلقي: الأخذ، ذكر ذلك عند قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} [البقرة: ~~37] ، {عن اليمين وعن الشمال قعيد} [ق: 17] أراد: عن اليمين قعيد، وعن ~~الشمال قعيد، فاكتفى بأحدهما عن الآخر، والمراد بالقعيد ههنا: الملازم الذي ~~لا يبرح، لا القاعد الذي هو ضد القائم. # قال مجاهد: عن اليمين كاتب الحسنات، وعن الشمال كاتب السيئات. # {ما يلفظ من قول} [ق: 18] ما يتكلم عن كلام، فيلفظه، أي: يرميه من فمه، ~~{إلا لديه رقيب} [ق: 18] حافظ، يعني: الملك الموكل به: إما صاحب اليمين، ~~وإما صاحب الشمال، عتيد حاضر معه أينما كان. ### | 874 - # أخبرنا أبو منصور بن أبي طاهر، أنا أبو عمرو بن مطر، أنا جعفر بن محمد بن ~~المستفاض، نا إبراهيم بن العلاء، نا إسماعيل، عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن ~~عروة بن رويم، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ~~«إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات، عن العبد المسلم المخطئ أو المسيء، ~~فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كتب واحدة» ### | 875 - # أخبرنا المفضل بن # PageV04P165 # إسماعيل، أنا جدي الإمام أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، أنا الحسن بن علي ~~بن سليمان القطان، نا إسماعيل هو ابن علي مولى عيسى العطار، نا المسيب بن ~~شريك، عن بشر بن نمير، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: " صاحب اليمين أمير ms1745 على صاحب الشمال، فإذا عمل حسنة كتبها ~~له صاحب اليمين بعشر أمثالها، وإذا عمل سيئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها، ~~قال له صاحب اليمين: أمسك , فيمسك عنه سبع ساعات، فإن استغفر الله منها لم ~~يكتب عليه شيء، وإن لم يستغفر كتبت عليه سيئة واحدة ". ### | 876 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، أنا محمد بن أحمد بن حامد العطار، نا أحمد بن ~~الحسن بن عبد الجبار، نا شريح بن يونس، نا هشيم، عن الهيثم بن جماز، عن ~~ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: " إن الله تعالى وكل بعبده ملكين يكتبان عليه، فإذا مات قالا: ~~يا رب قد قبضت عبدك فلانا، فإلى أين؟ قال: سمائي مملوءة من ملائكتي ~~يعبدونني وأرضي مملوءة من خلقي يطيعونني، اذهبا إلى قبر عبدي فسبحاني، ~~وكبراني، وهللاني، واكتبا ذلك في حسنات عبدي إلى يوم القيامة ". # قوله: {وجاءت سكرة الموت} [ق: 19] أي: غمرته، وشدته التي تغشى # PageV04P166 # الإنسان، وتغلب على عقله، بالحق قال مقاتل: يعني: أنه حق كائن. # ويقال لمن جاءته سكرة الموت: ذلك أي: ذلك الموت، {ما كنت منه تحيد} [ق: ~~19] تهرب وتميل، يقال: حاد عنه يحيد حيدا إذا مال عنه. # قال أبو عباس: تكره. # {ونفخ في الصور} [ق: 20] يعني: نفخة البعث، ذلك اليوم، يوم الوعيد قال ~~مقاتل: يعني بالوعيد: العذاب في الآخرة. # والمعنى: ذلك يوم وقوع الوعيد. # وجاءت في ذلك اليوم، {كل نفس معها سائق} [ق: 21] يسوقها إلى المحشر، ~~وشهيد يشهد عليها بما عملت، قال الكلبي: السائق هو الذي كان يكتب عليه ~~السيئات، والشهيد الذي كان يكتب الحسنات. # والمراد بالنفس ههنا: نفس الكافر، يدل عليه قوله: {لقد كنت في غفلة من ~~هذا} [ق: 22] أي: يقال له: لقد كنت في غفلة من هذا اليوم في الدنيا، ~~{فكشفنا عنك غطاءك} [ق: 22] الذي كان في الدنيا يغشي قلبك، وسمعك، وبصرك، ~~{فبصرك اليوم حديد} [ق: 22] فأنت اليوم عالم، نافذ البصر، تبصر ما كنت تنكر ~~في الدنيا. # {وقال قرينه هذا ما لدي عتيد {23} ألقيا في ms1746 جهنم كل كفار عنيد {24} مناع ~~للخير معتد مريب {25} الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد ~~{26} قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد {27} قال لا تختصموا ~~لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد {28} ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد ~~{29} يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد {30} } [ق: 23-30] . # وقال قرينه يعني: الملك الذي كان يكتب عمله السيئ في الدنيا، يقول لربه: ~~كنت وكلتني به، وقد أحضرته. # وهو قوله: {هذا ما لدي عتيد} [ق: 23] يعني: الشخص الذي أتى به، وما بمعنى ~~من، وهذا قول مجاهد، وقال ابن قتيبة: يعني: ديوان أعماله، وما كتبه عليه، ~~يقول: ما كتبته من عمله، حاضر عندي. # يقول الله تعالى: {ألقيا في جهنم} [ق: 24] هذا خطاب للواحد بلفظ الثنية ~~على عادة العرب، يقولون للواحد: ارحلاها وازجراها. # والخطاب لخازن النار، وقال الزجاج: هذا أمر للملكين الموكلين به، وهما ~~السائق والشهيد. # كل كفار للنعم، عنيد مجانب للإيمان. # مناع للخير لا يبذل خيره، ولا يعطي في حق الله، معتد آثم ظالم، لا يقر ~~بتوحيد الله، مريب شاك في الحق، وهو توحيد الله، من قولهم: أراب الرجل إذا ~~صار ذا ريب. # قال قرينه يعني: شيطانه، {ربنا ما أطغيته} [ق: 27] ما أضللته، وما ~~أغويته، أي: لم أتول ذلك من نفسي، ولكنه كان في الدنيا في ضلال بعيد عن ~~الحق، بخذلانك إياه، وذلك أن شيطانه يعتذر إلى ربه، فيقول: لم تكن لي قوة ~~أن أضله بغير سلطانك. # ومعنى: ضلال بعيد طويل، لا يرجع عنه إلى الحق. # فيقول الله تعالى: {لا تختصموا لدي} [ق: 28] وذكر الله اختصامهم في { ~~[الصافات عند قوله:] وأقبل بعضهم على بعض # PageV04P167 # يتساءلون {27} قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين {28} } [سورة الصافات: ~~27-28] الآيات، {وقد قدمت إليكم بالوعيد} [ق: 28] قد أخبرتكم على لسان ~~الرسل، بعذابي في الآخرة لمن كفر. # {ما يبدل القول لدي} [ق: 29] لا خلف لوعدي، وقد قضيت ما أنا قاض عليكم من ~~العذاب، فلا تبديل له، وقال قوم: معنى قوله: {ما يبدل القول لدي} [ق ms1747: 29] : ~~ما يكذب عندي، ولا يغير القول عن جهته، لأني أعلم الغيب، أعلم كيف ضلوا، ~~وكيف أضللتموهم. # وهذا قول الكلبي، واختيار الفراء، وابن قتيبة وهو أظهر، لأنه قال: {ما ~~يبدل القول لدي} [ق: 29] ولم يقل: ما يبدل قولي، {وما أنا بظلام للعبيد} ~~[ق: 29] فأعاقب من غير جرم. # {يوم نقول لجهنم} [ق: 30] وقرأ نافع: يقول بالياء، على معنى: يقول الله ~~لجهنم، هل امتلأت قال المفسرون: أراها الله تصديق قوله: لأملأن جهنم، فلما ~~امتلأت، قال لها: هل امتلأت. # {وتقول هل من مزيد} [ق: 30] أي: قد امتلأت، ولم يبق في موضع لم يمتلئ، ~~وهذا استفهام إنكار، هذا الذي ذكرنا قول عطاء، ومجاهد، ومقاتل بن سليمان، ~~وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: إنها تستزيد إلى ما فيها. # ووجه هذا القول، أن هذا السؤال في قوله: هل امتلأت كان قبل دخول جميع ~~أهلها فيها، ويجوز أن يكون المعنى: أنها طلبت أن يزداد فيها في سعتها، ~~لتضايقها بأهلها. # قوله: {وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد {31} هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ ~~{32} من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب {33} ادخلوها بسلام ذلك يوم ~~الخلود {34} لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد {35} } [ق: 31-35] . # وأزلفت الجنة قربت الجنة، وأدنيت للمتقين الشرك، غير بعيد ينظرون إليها ~~قبل دخولها. # ويقال لهم: هذا الذي ترونه: {ما توعدون لكل أواب} [ق: 32] راجع عن معاصي ~~الله، قال مجاهد: هو الذي يذكر ذنبه، فيستغفر منه. # وقال سعيد بن المسيب: هو الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب. # حفيظ يحفظ ذنوبه حتى يرجع عنها، ويستغفر لها، ذكره يحيى بن وثاب، عن ابن ~~عباس. # {من خشي الرحمن} [ق: 33] أي: هو من خشي، يعني: الأواب # PageV04P168 # الحفيظ، {من خشي الرحمن بالغيب} [ق: 33] خافه، وأطاعه، ولم يره، {وجاء ~~بقلب منيب} [ق: 33] مخلص، راجع عن معاصي الله إلى طاعة الله. # ادخلوها أي: يقال لهم: ادخلوا الجنة، بسلام أي: بسلامة من الهموم، ~~والعذاب، {ذلك يوم الخلود} [ق: 34] في الجنة، لأنه لا موت فيها. # {لهم ما يشاءون فيها} [ق: 35] وذلك أنهم يسألون الله حتى ms1748 تنتهي مسألتهم، ~~فيعطون ما شاءوا، ثم يزيدهم الله من عنده ما لم يسألوه، وهو قوله: ولدنيا ~~مزيد. ### | 877 - # أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان، أنا عبد الله بن محمد بن عثمان ~~الواسطي، أنا محمد بن محمد بن سليمان الواسطي، نا محمد بن المصفى، أنا سويد ~~بن عبد العزيز، نا عمرو بن خالد الواسطي، نا زيد بن علي بن الحسين، عن ~~أبيه، عن جده، عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول ~~الله عز وجل {ولدينا مزيد} [ق: 35] قال: يتجلى لهم # ثم خوف كفار مكة، فقال: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا ~~فنقبوا في البلاد هل من محيص {36} إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى ~~السمع وهو شهيد {37} } [ق: 36-37] . # {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد} [ق: 36] ~~ساروا، وتقلبوا، وطافوا، وأصله من النقب وهو: الطريق، كأنهم سلكوا كل طريق، ~~فلم يجدوا محيصا عن أمر الله. # قال الزجاج: لم يروا محيصا من الموت. # وفي هذا إنذار لأهل مكة، وأنهم على مثل سبيلهم، لا يجدون مفرا # PageV04P169 # من الموت، يموتون فيصيرون إلى عذاب الله. # {إن في ذلك} [ق: 37] الذي ذكر من الإهلاك للقرى، لذكرى تذكرة، وموعظة، ~~{لمن كان له قلب} [ق: 37] قال ابن عباس: عقل. # قال الفراء: وهذا جائز في العربية، أن تقول ما لك قلب، وما قلبك معك، أي: ~~ما عقلك معك. # {أو ألقى السمع} [ق: 37] أي: استمع ما يقال له، يقال: ألق سمعك إلى، أي: ~~استمع مني، وهو شهيد شاهد القلب والفهم، وليس بغافل، ولا ساه. ### | 878 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أنا أبو علي محمد بن أحمد بن معقل، ~~نا محمد بن يحيى الذهلي، نا أبو عاصم النبيل، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن ~~عباس في قوله: {لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} [ق: 37] قال: كان ~~المنافقون يجلسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخرجون فيقولون: ~~ماذا قال آنفا ms1749؟ قال: ليس معهم قلوبهم # قوله: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من ~~لغوب {38} فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ~~{39} ومن الليل فسبحه وأدبار السجود {40} واستمع يوم يناد المناد من مكان ~~قريب {41} يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج {42} إنا نحن نحيي ونميت ~~وإلينا المصير {43} يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير {44} نحن ~~أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرءان من يخاف وعيد {45} } ~~[ق: 38-45] . # {ولقد خلقنا السموات والأرض} [ق: 38] الآية، قال جماعة المفسرين: إن ~~اليهود قالت: خلق الله السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، أولها يوم ~~الأحد، وآخرها يوم الجمعة، واستراح يوم السبت، فلذلك لا يعمل فيه شيئا. # فأكذبهم الله تعالى بقوله: {وما مسنا من لغوب} [ق: 38] يقال: لغب يلغب ~~لغوبا، إذا أعيا من التعب. # {فاصبر على ما يقولون} [ق: 39] في بهتهم وكذبهم، وهذا من قبل أن أمر ~~بالقتال، {وسبح بحمد ربك} [ق: 39] صل حمدا لله تعالى، {قبل طلوع # PageV04P170 # الشمس} [ق: 39] يعني: الفجر، وقبل الغروب يعني: الظهر، والعصر. ### | 879 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، ~~أنا عبد الله بن محمد البغوي، نا محمد بن زياد البلوي، نا أبو شهاب، نا ~~إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن حازم، عن جرير بن عبد الله، قال: كنا عند ~~رسول الله فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم عيانا كما ~~ترون هذا لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع ~~الشمس وقبل الغروب فافعلوا، وقرأ: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل ~~الغروب} [ق: 39] رواه البخاري، عن يوسف بن موسى، عن عاصم بن يوسف، عن أبي ~~شهاب # {ومن الليل فسبحه} [ق: 40] يعني: المغرب والعشاء، وإدبار السجود بكسر ~~الهمزة، مصدر أدبر الشيء إدبارا إذا ولى، ومن فتح الهمزة جعله جمع دبر، ~~بمعنى: خلف، قال عطاء، عن ابن عباس: يريد الوتر، الذي جعله الله تعالى ms1750 سنة ~~بعد الصلاة. # وأكثر المفسرين على أن المراد به: ركعتان بعد صلاة المغرب، وروي ذلك ~~مرفوعا. ### | 880 - # أخبرنا محمد بن # PageV04P171 # إبراهيم المزكي، أنا إسماعيل بن أحمد الجرجاني، أنا عبد الله بن أحمد بن ~~زيدان البجلي، نا أبو كريب، نا ابن فضيل، عن رشد بن كريب، عن أبيه، عن ابن ~~عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا ابن عباس «ركعتان قبل صلاة ~~الغداة إدبار النجوم، وركعتان بعد المغرب إدبار السجود» # واسمتع أي: صيحة القيامة، والبعث، والنشور، {يوم يناد المناد} [ق: 41] ~~قال مقاتل: هو إسرافيل ينادي بالحشر، فيقول: يأيها الناس، هلموا إلى ~~الحساب. # {من مكان قريب} [ق: 41] قال قتادة: كنا نحدث أنه ينادي من صخرة بيت ~~المقدس. # قال الكلبي: وهي أقرب الأرض إلى السماء باثني عشر ميلا. # {يوم يسمعون الصيحة بالحق} [ق: 42] يعني: قول المنادي: يا أيتها العظام ~~البالية، والأوصال المتقطعة، واللحوم المتمزقة، إن الله يأمركن، أن تجتمعن ~~لفصل القضاء. # وقوله: بالحق قال الكلبي: بالبعث. # وقال مقاتل: يعني: أنها كائنة حقا. # {ذلك يوم الخروج} [ق: 42] من القبور. # قوله: {إنا نحن نحيي ونميت} [ق: 43] أراد نميت في الدنيا، ونحيي بالبعث، ~~وإلينا المصير بعد البعث. # وهو قوله: {يوم تشقق الأرض عنهم سراعا} [ق: 44] أي: خارجين سراعا يسرعون ~~إلى الداعي، {ذلك حشر علينا يسير} [ق: 44] جمع علينا هين. # ثم عزى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: {نحن أعلم بما يقولون} [ق: 45] في ~~تكذيبك، يعني: كفار مكة، {وما أنت عليهم بجبار} [ق: 45] بمسلط، قال ابن ~~عباس: لم تبعث لتجبرهم على الإسلام، إنما بعثت مذكرا. # وذلك قبل أن يؤمر بالقتال، فذكر بالقرءان فعظ به، {من يخاف وعيد} [ق: 45] ~~ما أوعدت من عصاني من العذاب. # PageV04P172 ### | تفسير سورة الذاريات # وهي ستون آية، مكية. ### | 881 - # أخبرنا سعيد بن محمد المقرئ، أنا أبو عمرو بن مطر، نا إبراهيم بن شريك، ~~نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن ~~أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله ms1751 عليه ~~وسلم: «ومن قرأ سورة الذاريات أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل ريح هبت ~~وجرت في الدنيا» # بسم الله الرحمن الرحيم. # {والذاريات ذروا {1} فالحاملات وقرا {2} فالجاريات يسرا {3} فالمقسمات ~~أمرا {4} إنما توعدون لصادق {5} وإن الدين لواقع {6} } [الذاريات: 1-6] . # والذاريات ذروا يعني: الرياح تذرو التراب، وهشيم النبات، أي: تفرقه وهي ~~مخفوضة على القسم. # فالحاملات وقرا يعني: السحاب يحمل ثقلا من الماء. # فالجاريات يسرا يعني: السفن تجري ميسرة في الماء، جريا سهلا. # فالمقسمات أمرا يعني: الملائكة يقسمون الأمر بين الخلق على ما أمروا به، ~~أقسم الله تعالى بهذه الأشياء، لما فيها من الدلالة على صنيعه وقدرته. # ثم ذكر المقسم عليه، فقال: إنما توعدون أي: من الثواب والعقاب، {لصادق ~~{5} وإن الدين} [الذاريات: 5-6] الجزاء، لواقع لكائن. # {والسماء ذات الحبك {7} إنكم لفي قول مختلف {8} يؤفك عنه من أفك {9} قتل ~~الخراصون {10} الذين هم في غمرة ساهون {11} يسألون أيان يوم الدين {12} يوم ~~هم على النار يفتنون {13} ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون {14} } ~~[الذاريات: 7-14] . # PageV04P173 # {والسماء ذات الحبك} [الذاريات: 7] ذات الخلق الحسن المستوي، هذا قول ~~الأكثرين، وروى معمر، عن قتادة: ذات الخلق الشديد. # وقال مقاتل، والكلبي: ذات الطرائق، كحبك الماء إذا ضربته الريح، وحبك ~~الرمل، والشعر، الجعد. # ولكنا لا نرى تلك الحبك، لبعدها عنا. # ثم ذكر جواب القسم، فقال: إنكم يا أهل مكة: {لفي قول مختلف} [الذاريات: ~~8] في محمد صلى الله عليه وسلم بعضكم يقول: شاعر، وبعضكم يقول: مجنون. # وفي القرآن تقولون: إنه سحر، وكهانة، ورجز، وما سطره الأولون. # {يؤفك عنه من أفك} [الذاريات: 9] يصرف عن الإيمان به من صرف، حتى يكذب ~~به، يعني: من حرمه الله تعالى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. # قوله: قتل الخراصون قالوا جميعا: لعن الكذابون. # قال ابن الأنباري: والقتل إذا أخبر عن الله به كان بمعنى اللعنة، لأن من ~~لعنه الله كان بمنزلة المقتول الهالك. # وقال الزجاج: الخراصون هم الكذابون، يقال: قد تخرص على فلان الباطل. # قال الفراء: هم الذين، قالوا: محمد شاعر كذاب، مجنون، ساحر، خرصوا ما لا ~~علم لهم به ms1752. # {الذين هم في غمرة} [الذاريات: 11] غفلة وعمي، وجهالة عن أمر الآخرة، ~~ساهون لاهون غافلون، والسهو: الغفلة عن الشيء، وذهاب القلب عنه. # {يسألون أيان يوم الدين} [الذاريات: 12] يقولون: يا محمد متى يوم الجزاء؟ ~~تكذيبا منهم، واستهزاء. # ثم أخبر عن ذلك اليوم، فقال: {يوم هم على النار يفتنون} [الذاريات: 13] ~~يحرقون، ويعذبون بها، قال عكرمة: ألم تر أن الذهب إذا أدخل في النار، قيل: ~~فتن؟ وتقول لهم خزنة النار: ذوقوا فتنتكم حريقكم، وعذابكم. # {هذا الذي كنتم به تستعجلون} [الذاريات: 14] في الدنيا تكذيبا به. # ثم أعلم ما لأهل الجنة عنده، فقال: {إن المتقين في جنات وعيون {15} آخذين ~~ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين {16} كانوا قليلا من الليل ما ~~يهجعون {17} وبالأسحار هم يستغفرون {18} وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ~~{19} وفي الأرض آيات للموقنين {20} وفي أنفسكم أفلا تبصرون {21} وفي السماء ~~رزقكم وما توعدون {22} فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون {23} ~~} [الذاريات: 15-23] . # PageV04P174 # {إن المتقين في جنات وعيون {15} آخذين ما آتاهم ربهم} [الذاريات: 15-16] ~~ما أعطاهم ربهم من الخير والكرامة، {إنهم كانوا قبل ذلك} [الذاريات: 16] ~~يعني: في الدنيا، محسنين في أعمالهم. # ثم ذكر إحسانهم، فقال: {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون} [الذاريات: 17] ~~الهجوع: النوم بالليل دون النهار، وما صلة، والمعنى: كانوا يهجعون قليلا من ~~الليل، يصلون أكثر الليل، قال عطاء: وذلك حين أمروا بقيام الليل، ثم نزلت ~~الرخصة. # ويجوز أن يكون المعنى: كان الليل الذي ينامون فيه كله قليلا، ويكون الليل ~~اسما للجنس، وهذا معنى قول سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانوا قل ليلة ~~تمر بهم إلا صلوا فيها. # وقال مطرف بن الشخير: قل ليلة أتت عليهم هجعوها كلها. # وقال مجاهد: كانوا لا ينامون كل الليل. # واختار قوم الوقف على قوله: قليلا على معنى: كانوا من الناس قليلا، وهو ~~قول الضحاك، ومقاتل، ثم ابتدأ فقال: {من الليل ما يهجعون} [الذاريات: 17] ~~وهذا على نفي النوم عنهم البتة، قال عطاء: المراد بهؤلاء القليل: يمانون من ~~نصارى نجران، والشام آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وصدقوه. # {وبالأسحار ms1753 هم يستغفرون} [الذاريات: 18] قال الحسن: مدوا الصلاة إلى ~~الأسحار، ثم أخذوا في الأسحار بالاستغفار. # وقال الكلبي، ومقاتل، ومجاهد: وبالأسحار هم يصلون، وذلك أن صلاتهم ~~بالأسحار طلب منهم للمغفرة. # ثم ذكر صدقاتهم، فقال: {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} [الذاريات: 19] ~~وهو الذي ليس له في الغنيمة سهم، ولا يجري عليه من الفيء شيء، ومعناه في ~~اللغة: الذي منع الخير والعطاء، وقال قتادة، والزهري: هو المتعفف الذي لا ~~يسأل. # وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يقطن ~~بحاجته فيتصدق عليه. # قوله: {وفي الأرض آيات للموقنين} [الذاريات: 20] يعني: ما فيها من ~~الجبال، والبحار، والأشجار، والأنهار، والثمار، والنبت عاما بعام، ففيها ~~آيات للموقنين # PageV04P175 # بالله، يعرفونه بصنعه. # وفي أنفسكم آيات، إذ كانت نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما إلى أن نفخ ~~فيها الروح، وقال عطاء، عن ابن عباس: يريد اختلاف الألسنة، والصور، ~~والألوان، والطبايع. # وقال ابن الزبير: يعني: سبيل الخلاء والبول، يأكل ويشرب من مدخل واحد، ~~ويخرج من سبيلين. # وتم الكلام، ثم عنفهم، فقال: أفلا تبصرون قال مقاتل: أفلا تبصرون كيف ~~خلقكم، فتعرفون قدرته على البعث. # قوله: {وفي السماء رزقكم} [الذاريات: 22] قال ابن عباس، ومقاتل، ومجاهد: ~~يعني: المطر الذي هو سبب الأرزاق. # وما توعدون قال عطاء: من الثواب والعقاب. # وقال الكلبي: من الخير والشر. # وقال مجاهد: الجنة والنار. # ثم أقسم الرب عز وجل بنفسه، فقال: {فورب السماء والأرض إنه لحق} ~~[الذاريات: 23] قال الكلبي: يعني: ما قص في الكتاب كائن. # وقال الزجاج: وهو ما ذكر من أمر الرزق، والآيات. # وقال مقاتل: يعني: أمر الساعة. # {مثل ما أنكم تنطقون} [الذاريات: 23] من قرأ بالرفع فهو من صفة الحق، ومن ~~نصب جعل: مثل مع ما: بمنزلة شيء واحد، ذكر ذلك أبو عثمان المازني , وأبو ~~علي الفارسي، قال: ومثله قول حميد: # وويحا لمن لم يدر ما هن ويحما # فبنى ويح مع ما، ولم يلحقه التنوين، وقال الفراء: من نصب مثل مع ما، جعله ~~في مذهبه مصدرا، # PageV04P176 # كقولك: إنه لحق حقا، ويجوز ذلك. # قال الزجاج ms1754: والمعنى: إنه لحق كما أنكم تنطقون. # شبه الله تعالى تحقق ما أخبر عنه، بتحقيق نطق الآدمي ووجوده، وهذا كما ~~يقول: إنه لحق كما أنك تقول ههنا، وإنه لحق كما أنك تتكلم، والمعنى: أنه في ~~صدقه ووجوده كالذي تعرفه ضرورة. # قوله تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين {24} إذ دخلوا عليه ~~فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون {25} فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين {26} ~~فقربه إليهم قال ألا تأكلون {27} فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه ~~بغلام عليم {28} فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم {29} } ~~[الذاريات: 24-29] . # هل أتاك قال ابن عباس، ومقاتل: يريد: قد أتاك، ولم يكن إذ ذاك أتاه. # {حديث ضيف إبراهيم المكرمين} [الذاريات: 24] يعني: عند الله، وذلك أنهم ~~كانوا ملائكة كراما، وقد قال الله تعالى في صفتهم: {بل عباد مكرمون} ~~[الأنبياء: 26] ، وذكر ابن عباس أسماءهم، فقال: يريد: إسرافيل، وجبريل، ~~وميكائيل. # وقال مقاتل: أكرمهم إبراهيم، فأحسن القيام، وكان لا يقوم على رأس ضيف، ~~فلما رأى هيأتهم حسنة، قام هو وامرأته سارة لخدمتهم. # وقال الكلبي، أكرمهم بالعجل. ### | 882 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب، نا ~~أبو يحيى زكريا بن يحيى، نا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، أنه سمع ~~نافع بن جبير يخبر، عن أبي شريح الخزاعي، أن النبي صلى الله عليه وسلم، ~~قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن ~~بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل ~~خيرا أو ليسكت» # PageV04P177 # {إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام} [الذاريات: 25] مفسر في { [هود، ~~قوم منكرون قال ابن عباس: قال في نفسه: هؤلاء قوم لا نعرفهم، وذلك أنه ظنهم ~~من الإنس، ولم يعرفهم. # ] فراغ إلى أهله} [سورة الذاريات: 26] أي: عدل ومال إلى سارة، {فجاء بعجل ~~سمين} [الذاريات: 26] وكان مشويا، لأنه قال في آية أخرى: بعجل حنيذ. # {فقربه إليهم} [الذاريات: 27] ليأكلوا، فلم يأكلوا، {فقال ألا تأكلون} ~~[الصافات: 91] وما بعد هذا مفسر إلى قوله: {فأقبلت امرأته في ms1755 صرة} ~~[الذاريات: 29] في ضجة وصيحة، أي: أخذت تولول، كما قال: {قالت يا ويلتا} ~~[هود: 72] ، فصكت وجهها قال مقاتل، والكلبي: جمعت أصابعها، فضربت جبينها ~~تعجبا. # ومعنى الصك: ضرب الشيء بالشيء العريض، {وقالت عجوز عقيم} [الذاريات: 29] ~~أي: إني عجوز عقيم، فكيف ألد؟ كما: {قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز} [هود: ~~72] . # {قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم {30} قال فما خطبكم أيها ~~المرسلون {31} قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين {32} لنرسل عليهم حجارة من ~~طين {33} مسومة عند ربك للمسرفين {34} فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ~~{35} فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين {36} وتركنا فيها آية للذين ~~يخافون العذاب الأليم {37} } [الذاريات: 30-37] . # {قالوا كذلك قال ربك} [الذاريات: 30] أي: كما قلنا لك، قال ربك: إنك ~~ستلدين غلاما. # وما بعد هذا مفسر فيما تقدم إلى قوله: للمسرفين قال ابن عباس، ومقاتل: ~~للمشركين. # والشرك أسرف الذنوب، وأعظمها. # {فأخرجنا من كان فيها} [الذاريات: 35] يعني: في قرى قوم لوط، من المؤمنين ~~وذلك قوله: فأسر بأهلك الآية، وهو أن الله تعالى أمر لوطا بأن يخرج هو ومن ~~معه المؤمنين، لئلا يصيبهم العذاب. # {فما وجدنا فيها غير بيت} [الذاريات: 36] غير أهل بيت، من المسلمين يعني: ~~لوطا وبنتيه، وصفهم الله تعالى بالإيمان والإسلام جميعا، لأنه ما من مؤمن ~~إلا وهو مسلم. # وتركنا فيها في مدينة قوم لوط، آية علامة للخائفين، تدلهم على أن الله ~~أهلكهم، فيخافون مثل عذابهم. # {وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين {38} فتولى بركنه وقال ساحر ~~أو مجنون {39} فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم {40} } [الذاريات: ~~38-40] . # PageV04P178 # وفي موسى أيضا، {إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين} [الذاريات: 38] بحجة ~~ظاهرة، وهي العصا. # فتولى بركنه أي: بجمعه، وجنده الذي كان يتقوى بهم، كالركن الذي يقوى ~~البنيان، والباء في بركنه للتعدية، أي: جعلهم يتولون، وقال لموسى، {ساحر أو ~~مجنون {39} فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم} [الذاريات: 39-40] فطرحناهم ~~في البحر، يعني: حين أغرقهم، وهو مليم أتى ما يلام عليه، حين ادعى ~~الربوبية، وكذب الرسول. # {وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم {41} ما تذر من شيء ms1756 أتت عليه إلا ~~جعلته كالرميم {42} وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين {43} فعتوا عن أمر ~~ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون {44} فما استطاعوا من قيام وما كانوا ~~منتصرين {45} وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين {46} } [الذاريات: ~~41-46] . # وفي عاد أيضا آية، أي: في إهلاكهم، وهو قوله: {إذ أرسلنا عليهم الريح ~~العقيم} [الذاريات: 41] وهي التي لا خير فيها، ولا بركة: لا تلقح شجرا، ولا ~~تحمل مطرا، إنما هي ريح الإهلاك. # ثم وصفها، فقال: {ما تذر من شيء أتت عليه} [الذاريات: 42] من أنفسهم، ~~وأنعامهم، وأموالهم، {إلا جعلته كالرميم} [الذاريات: 42] كالشيء الهالك ~~البالي، وهو نبات الأرض إذا يبس وديس. # وفي ثمود أيضا، {إذ قيل لهم تمتعوا} [الذاريات: 43] وذلك أنهم لما عقروا ~~الناقة، قال لهم صالح: تمتعوا ثلاثة أيام. # وهو قوله: {تمتعوا حتى حين} [الذاريات: 43] . # فأخذتهم الصاعقة بعد مضي الأيام الثلاثة، وهي: الموت في قول ابن عباس، ~~وقال مقاتل: يعني: العذاب. # والصاعقة: كل عذاب مهلك، وقرأ الكسائي: الصعقة وهو الصوت الذي يكون عن ~~الصاعقة، وهم ينظرون يرون ذلك عيانا. # {فما استطاعوا من قيام} [الذاريات: 45] قال قتادة: من نهوض. # يعني: لم ينهضوا من تلك الصرعة، {وما كانوا منتصرين} [الذاريات: 45] ~~ممتنعين من العذاب. # {وقوم نوح} [الذاريات: 46] نصبه بالحمل على المعنى، وهو: أن قوله: ~~{فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم} [الذاريات: 40] يدل على إغراقهم، فكأنه ~~قال: فأغرقناهم، أغرقنا قوم نوح من قبل، أي: من قبل هؤلاء، {إنهم كانوا ~~قوما فاسقين} [الذاريات: 46] عاصين، خارجين عن أمر الله. # PageV04P179 # {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون {47} والأرض فرشناها فنعم الماهدون ~~{48} ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون {49} ففروا إلى الله إني لكم منه ~~نذير مبين {50} ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين {51} } ~~[الذاريات: 47-51] . # {والسماء بنيناها بأيد} [الذاريات: 47] بقدرة وقوة، {وإنا لموسعون} ~~[الذاريات: 47] لذو سعة لخلقنا، والمعنى: قادرون على رزقهم، لا نعجز عنه، ~~والموسع ذو الوسع والسعة، وهو: الغنى والجدة. # والأرض فرشناها بسطناها، فنعم الماهدون نحن، قال ابن عباس: نعم ما وطأت ~~لعبادي. # {ومن كل شيء خلقنا زوجين} [الذاريات: 49] صنفين ms1757، ونوعين: كالبحر والبر، ~~والحلو والمر، الشمس والقمر، والسماء والأرض، والنور والظلمة، {لعلكم ~~تذكرون} [الذاريات: 49] فتعلموا أن خالق الأزواج فرد. # {ففروا إلى الله} [الذاريات: 50] بالتوبة من ذنوبكم، والمعنى: فروا من ~~الكفر والعصيان، إلى الطاعة والإيمان، {إني لكم منه} [الذاريات: 50] من ~~الله، نذير مبين أنذركم العقاب على الكفر والمعصية. # {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون {52} ~~أتواصوا به بل هم قوم طاغون {53} فتول عنهم فما أنت بملوم {54} وذكر فإن ~~الذكرى تنفع المؤمنين {55} } [الذاريات: 52-55] . # كذلك أي: الأمر كذلك، وهو أنه: {ما أتى الذين من قبلهم} [الذاريات: 52] ~~من قبل كفار مكة، {من رسول إلا قالوا} [الذاريات: 52] هو: {ساحر أو مجنون} ~~[الذاريات: 52] . # يقول الله تعالى: أتواصوا أوصى أولهم آخرهم بالتكذيب، والاستفهام ~~للتوبيخ، {بل هم قوم} [الذاريات: 53] يعني: أهل مكة، طاغون قال ابن عباس: ~~حملهم الطغيان فيما أعطيتهم، ووسعت عليهم، على تكذيبك. # فتول عنهم أعرض عن هؤلاء المشركين، فقد بلغت وأنذرت، وهو قوله: {فما أنت ~~بملوم} [الذاريات: 54] لا لوم عليك إذا أديت الرسالة، قال ابن عباس، ~~والمفسرون: لما نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~والمؤمنون، وظنوا أن الوحي قد انقطع، وأن العذاب قد حضر، حتى نزلت الآية ~~الثانية. ### | 883 - # أخبرنا المفضل بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، أنا جدي الإمام ~~أبو بكر الإسماعيلي، أنا أبو خليفة الجمحي، نا سليمان بن حرب، نا حماد بن ~~زيد، عن أيوب، عن مجاهد، قال: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه معتما ~~مشتملا في قميصه، فقال: لما # PageV04P180 # نزلت {فتول عنهم فما أنت بملوم} [الذاريات: 54] لم يبق منا أحد إلا أيقن ~~بالهلكة إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولى عنهم، فلما نزلت {وذكر ~~فإن الذكرى تنفع المؤمنين} [الذاريات: 55] طابت أنفسنا # قال مقاتل: عظ كفار مكة. # {فإن الذكرى تنفع المؤمنين} [الذاريات: 55] أي: من علم الله تعالى أن ~~يؤمن منهم، وقال الكلبي: عظ بالقرآن من آمن من قومك، فإن الذكرى تنفعهم. # قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون {56} ما ms1758 أريد منهم من رزق ~~وما أريد أن يطعمون {57} إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين {58} فإن للذين ~~ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون {59} فويل للذين كفروا من يومهم ~~الذي يوعدون {60} } [الذاريات: 56-60] . # {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56] قال المفسرون: هذا ~~خاص لأهل طاعته، يعني: من آمن من الفريقين، وهذا قول الكلبي، والضحاك، ~~واختيار الفراء، وابن قتيبة، والدليل على صحة هذا ما ### | 884 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله التميمي، نا عبد الله بن محمد الحافظ، ~~نا محمد بن أحمد بن يحيى، نا سعيد بن عثمان، نا أبو وهب الشامي، عن سليمان ~~القافلاني، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، قال: هي في قراءة أبي: وما ~~خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون # وقال أهل المعاني: إلا ليخضعوا لي، ويتذللوا. # ومعنى العبادة في اللغة: الذل والانقياد، وكل مخلوق من الإنس والجن خاضع ~~لقضاء الله، متذلل لمشيئته، خلقه على ما أراد، ورزقه كما قضى، لا يملك أحد ~~لنفسه خروجا عما خلق عليه. # {ما أريد منهم من رزق} [الذاريات: 57] أن يرزقوا أحدا من خلقي، ولا أن ~~يرزقوا أنفسهم، {وما أريد أن يطعمون} [الذاريات: 57] أن يطعموا أحدا، فقد ~~أطعمه، وهذا كما يروى أن الله تعالى، يقول: # PageV04P181 # عبدي استطعمتك فلم تطعمني، أي: لم تطعم عبدي. # وذلك أن الاستطعام، وسؤال الرزق يستحيل في وصف الله تعالى، ومعنى الآية: ~~أنه ما أوجب على عباده، ولم يكلفهم القيام برزق الخلق والإطعام. # ثم بين أن الرزاق هو لا غيره، فقال: {إن الله هو الرزاق} [الذاريات: 58] ~~يعني: خلقه، ذو القوة على ما خلق، المتين القوي، متن متانة إذا قوي. # ثم ذكر أن لمشركي مكة من العذاب، مثل ما لغيرهم من الأمم الكافرة، فقال: ~~{فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم} [الذاريات: 59] نصيبا من العذاب، ~~نصيب أصحابهم الذين أهلكوا، نحو قوم نوح، وعاد، وثمود، ومعنى الذنوب في ~~اللغة: الدلو العظيمة، قال ابن قتيبة: كانوا يستقون، فيكون لكل واحد ذنوب، ~~فجعل الذنوب مكان الحظ والنصيب. # فلا يستعجلون بالعذاب، يعني: أنهم ms1759 أخروا إلى يوم القيامة، يدل على ذلك: ~~{فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون} [الذاريات: 60] يعني: يوم ~~القيامة. # PageV04P182 ### | تفسير سورة الطور # أربعون وتسع آيات، مكية. ### | 885 - # أخبرنا محمد بن عبد الملك بن محمد بن يوسف الفارسي، أنا محمد بن محمد بن ~~إسحاق الحافظ، أنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الحافظ بن محمد بن إسحاق ~~الحافظ، أنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، نا كامل بن طلحة، نا مالك، عن ~~ابن شهاب، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم «يقرأ بالطور في المغرب» رواه البخاري، عن عبد الله بن يوسف، ~~ورواه مسلم، عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك. ### | 886 - # أخبرنا محمد بن علي بن أحمد العزايمي، أنا محمد بن جعفر السختياني، نا ~~أبو إسحاق الأسدي، نا أبو عبد الله اليربوعي، نا المدايني، عن هارون بن ~~كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة الطور كان حقا على الله أن ~~يؤمنه من عذابه وأن ينعمه في جنته» . # {والطور {1} وكتاب مسطور {2} في رق منشور {3} والبيت المعمور {4} والسقف ~~المرفوع {5} والبحر المسجور {6} إن عذاب ربك لواقع {7} ما له من دافع {8} ~~يوم تمور السماء مورا {9} وتسير الجبال سيرا {10} فويل يومئذ للمكذبين {11} ~~الذين هم في خوض يلعبون {12} يوم يدعون إلى نار جهنم دعا {13} هذه النار ~~التي كنتم بها تكذبون {14} أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون {15} اصلوها ~~فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون {16} } [الطور: ~~1-16] . # بسم الله الرحمن الرحيم والطور أقسم الله تعالى بالجبل، الذي كلم عليه ~~موسى عليه السلام. # وكتاب مسطور يعني: ما أثبت على بني آدم من أعمالهم. # {في رق منشور} [الطور: 3] الرق: ما يكتب فيه، والمنشور: المبسوط، قال ~~مقاتل: تخرج إليهم أعمالهم يومئذ في رق، يعني: أديم الصحف. # وقال الفراء: الرق: الصحائف التي تخرج إلى بني آدم # PageV04P183 # يوم القيامة، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه ms1760 بشماله. # وهذا كقوله: {ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا} [الإسراء: 13] ، ~~والبيت المعمور. ### | 887 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، أنا إسماعيل بن بجير، نا محمد بن الحسن بن ~~الخليل نا هشام بن عمار الوليد بن مسلم، نا روح بن جناح، عن الزهري، عن ~~سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«البيت المعمور في السماء الدنيا، وفي السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان ~~يدخله جبريل كل يوم طلعت فيه الشمس، فإذا خرج انتفض انتفاضة خرت منه سبعون ~~ألف قطرة، يخلق الله من كل قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور فيصلون ~~فيه فيفعلون ثم لا يعودون إليه أبدا» . ### | 888 - # أخبرنا أبو حسان المزكي، أنا هارون بن محمد الإستراباذي، أنا إسحاق بن ~~أحمد الخزاعي، أنا أبو الوليد الأزرقي، نا جدي، عن سعيد بن سالم، حدثني ابن ~~جريج، عن صفوان بن سليم، عن كريب، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: " البيت الذي في السماء، يقال له: الضراح، وهو بحذاء البيت ~~الحرام، ولو سقط سقط عليه، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون فيه ~~أبدا ". # أخبرنا إسماعيل النصراباذي، أنا المغيرة بن عمرو بن الوليد العدني، أنا ~~المفضل بن محمد الشعبي، نا محمد بن يوسف، نا أبو قرة، قال: سمعت عبد الله ~~بن عتبة بن طاوس، يذكر عن عمه عبد الله بن طاوس، أنه سمعه، يقول: إن البيت ~~المعمور في السماء السابعة بحذاء هذا البيت، تحج إليه الملائكة يوم حجكم ~~هذا. # والسقف المرفوع # PageV04P184 # يعني: السماء. # والبحر المسجور المملوء، يقال: سجرت الإناء إذا ملأته، روي عن علي بن أبي ~~طالب، رضي الله عنه، أنه قال: هو بحر تحت العرش، فيه ماء غليظ، يقال له: ~~بحر الحيوان، يمطر العباد بعد النفخة الأولى منه أربعين صباحا، فينبتون في ~~قبورهم. # وهذا قول الكلبي، ومقاتل، قالا: يحيى الله تعالى به الموتى فيما بين ~~النفختين. # وقال مجاهد: البحر المسجور الموقد. # من السجر وهو: إيقاد النار في التنور. # وهذا كما يروى ms1761: إن الله تعالى يجعل البحار كلها نارا، فتزداد في نار ~~جهنم. # أقسم الله تعالى بهذه الأشياء للتنبيه على ما قيل من عظيم القدرة، على أن ~~تعذيب المشركين حق. # وهو قوله: {إن عذاب ربك لواقع} [الطور: 7] لكائن في الآخرة. # {ما له من دافع} [الطور: 8] يدفع عنهم ذلك العذاب، قال جبير بن مطعم: ~~أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، لأكلمه في أسارى بدر، فدفعت إليه وهو يصلي ~~بأصحابه المغرب، وصوته يخرج من المسجد، فسمعته يقرأ: {إن عذاب ربك لواقع ~~{7} ما له من دافع {8} } [الطور: 7-8] ، فكأنما صدع عن قلبي حين سمعت ~~القرآن، ولم يكن أسلم يومئذ. # ثم بين أنه متى يقع، فقال: {يوم تمور السماء مورا} [الطور: 9] تدور ~~دورانا وتضطرب، وتتحرك وتستدير، كل هذا من عبارات المفسرين، والمور في ~~اللغة: الذهاب والمجيء، والتردد والدوران. # وتسير الجبال عن أماكنها، حتى تستوي بالأرض. # فويل فشدة عذاب، {يومئذ للمكذبين {11} الذين هم في خوض يلعبون {12} } ~~[الطور: 11-12] يخوضون في حديث محمد عليه السلام، بالتكذيب، والاستهزاء، ~~يلهون بذكره. # {يوم يدعون} [الطور: 13] يدفعون، {إلى نار جهنم دعا} [الطور: 13] دفعا ~~بعنف وجفوة، قال مقاتل: تغل أيديهم إلى أعناقهم، وتجمع نواصيهم إلى ~~أقدامهم، ثم يدفعون إلى جهنم دفعا على وجوهم. # حتى إذا دنوا منها، قال لهم خزنتها: {هذه النار التي كنتم بها تكذبون} ~~[الطور: 14] في الدنيا. # ثم وبخهم لما عاينوا ما كانوا يكذبون به، وهو قوله: أفسحر هذا الذي ترون، ~~{أم أنتم لا تبصرون} [الطور: 15] ؟ وذلك أنهم كانوا ينسبون محمدا صلى الله ~~عليه وسلم إلى السحر، وإلى أنه يغطي على الأبصار بالسحر، فلما شاهدوا ما ~~وعدوا به من العذاب، وبخوا بهذا. # وقيل لهم: اصلوها وآسوا شدتها، فاصبروا على العذاب، {أو لا تصبروا سواء ~~عليكم} [الطور: 16] الصبر والجزع، {إنما تجزون ما كنتم تعملون} [الطور: 16] ~~أي: جزاء ما كنتم تعملون من الكفر والتكذيب. # ثم ذكر ما للمؤمنين، فقال: {إن المتقين في جنات ونعيم {17} فاكهين بما ~~آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم {18} كلوا واشربوا # PageV04P185 # هنيئا بما كنتم تعملون {19} متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين ms1762 ~~{20} والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم ~~من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين {21} وأمددناهم بفاكهة ولحم مما ~~يشتهون {22} يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم {23} ويطوف عليهم ~~غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون {24} وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون {25} قالوا ~~إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين {26} فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم {27} ~~إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم {28} } [الطور: 17-28] . # {إن المتقين في جنات ونعيم {17} فاكهين بما آتاهم ربهم} [الطور: 17-18] ~~معجبين بذلك، ناعمين، وقد تقدم تفسيره، ووقاه ربهم وصرف عنهم، عذاب الجحيم. # ويقال لهم: {كلوا واشربوا هنيئا} [الطور: 19] أكلا وشربا هنيئا، مأمون ~~العاقبة من التخمة والسقم، قال زيد بن أرقم: جاء رجل من أهل الكتاب إلى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا القاسم، تزعم أن أهل الجنة ~~يأكلون ويشربون؟ فقال النبي: «والذي نفسي بيده، إن الرجل منهم ليؤتى قوة ~~مائة رجل في الأكل، والشرب، والجماع» . # قال: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة. # فقال: «عرق يفيض مثل ريح المسك، فإذا كان ذلك ضمر له بطنه» . # ثم ذكر له حالهم في الأكل والشرب، فقال: {متكئين على سرر} [الطور: 20] ~~جمع سرير، مصفوفة موضوعة بعضها إلى جنب بعض، {وزوجناهم بحور عين} [الطور: ~~20] مفسر في آخر { [الدخان. # قوله:] والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان} [سورة الطور: 21] يعني: ~~أولادهم الصغار والكبار، لأن الكبار يتبعون الآباء بإيمان منهم، والصغار ~~يتبعون الآباء بإيمان من الآباء، والولد يحكم له بالإسلام تبعا لوالده، ~~{ألحقنا بهم ذريتهم} [الطور: 21] يدفعون إليهم، فتقر بهم أعينهم، وإن كانوا ~~دونهم في العمل. ### | 889 - # أخبرنا محمد بن أبي بكر المطوعي، أنا محمد بن أحمد بن حمدان بن علي، أنا ~~محمد بن أحمد بن عبد الله بن أبي عون الراذاني، نا جبارة بن مغلس، نا قيس ~~بن الربيع، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن # PageV04P186 # ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليرفع ذرية ~~المؤمن حتى يلحقهم به، وإن كانوا دونه ms1763 في العمل لتقر بهم عينه ثم قرأ ~~{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} [الطور: 21] إلى ~~آخر الآية. ### | 890 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان، أنا أبو بكر القطيعي، نا عبد الله بن أحمد ~~بن حنبل، حدثني عثمان بن أبي شيبة، نا محمد بن فضل، عن محمد بن عثمان، عن ~~زاذان، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: " إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار، ~~ثم قرأ: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان} [الطور: 21] " الآية # {وما ألتناهم من عملهم من شيء} [الطور: 21] قال ابن عباس: لم ننقص الآباء ~~من الثواب، حين ألحقنا بهم ذريتهم. # وذكرنا تفسير الألت عند قوله: لا يلتكم، والفراء على فتح اللام في: ~~ألتناهم، وقرأ ابن كثير بكسر اللام، وذلك لا يعرفه أهل اللغة وتم الكلام، ~~ثم ذكر أهل النار، فقال: {كل امرئ بما كسب رهين} [الطور: 21] قال مقاتل: كل ~~امرئ كافر، بما عمل من الشرك، مرتهن في النار، والمؤمن لا يكون مرتهنا، ~~لقوله تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة {38} إلا أصحاب اليمين {39} } ~~[المدثر: 38-39] فاستثنى المؤمنين. # ثم ذكر ما يزيدهم من الخير والنعمة، فقال: {وأمددناهم بفاكهة ولحم مما ~~يشتهون} [الطور: 22] قال ابن عباس: زيادة غير الذي كان لهم. # يتنازعون يتعاطون، ويتناولون، {فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم} [الطور: ~~23] قال الزجاج: لا يجري بينهم ما يلغى، ولا ما فيه إثم، كما يجري في ~~الدنيا لشربه الخمر. # وقال ابن قتيبة: لا تذهب # PageV04P187 # بعقولهم، فيلغوا ويرفثوا، كما يكون من خمر الدنيا، ولا يكون منهم ما ~~يؤثمهم. # والتأثيم تفعيل من الإثم، يقال: أثمه، إذا جعله ذا إثم، والمعنى: أن تلك ~~الكأس لا تجعلهم آثمين. # ويطوف عليهم بالخدمة، {غلمان لهم كأنهم} [الطور: 24] في الحسن، والبياض، ~~لؤلؤ مكنون مستور، مصون لم تسمه الأيدي، قال قتادة: ذكر لنا أن رجلا، قال: ~~يا نبي الله، هذا الخادم، فكيف المخدوم؟ فقال: «والذي نفسي بيده، إن فضل ~~المخدوم على الخادم، كفضل القمر ليلة البدر على سائر ms1764 الكواكب» . # {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} [الطور: 25] قال ابن عباس: يتذكرون ما ~~كانوا فيه في الدنيا، من التعب والخوف. # وهو قوله: {إنا كنا قبل في أهلنا} [الطور: 26] في دار الدنيا، مشفقين ~~خائفين من العذاب. # {فمن الله علينا} [الطور: 27] بالمغفرة، {ووقانا عذاب السموم} [الطور: ~~27] يعني: عذاب جهنم، والسموم: اسم من أسماء جهنم في قول الحسن، ومقاتل، ~~وقال الكلبي: عذاب النار. # وهو قول أبي عبيدة، وقال الزجاج: عذاب السموم: عذاب سموم جهنم، وهو ما ~~يوجد من لفحها، وحرها. # {إنا كنا من قبل} [الطور: 28] أي: في الدنيا، ندعوه نوحده، ونعبده، {إنه ~~هو البر الرحيم} [الطور: 28] من فتح الهمزة كان المعنى: ندعوه لأنه هو البر ~~الرحيم، أي: فلرحمته ندعوه، لأنه يجيب من دعاه، ومن كسر الهمزة قطع الكلام ~~مما قبله. # واستأنف قوله: {فذكر فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون {29} أم يقولون ~~شاعر نتربص به ريب المنون {30} قل تربصوا فإني معكم من المتربصين {31} أم ~~تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون {32} أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون ~~{33} فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين {34} أم خلقوا من غير شيء أم هم ~~الخالقون {35} أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون {36} أم عندهم خزائن ~~ربك أم هم المسيطرون {37} أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان ~~مبين {38} } [الطور: 29-38] . # PageV04P188 # فذكر فعظ بالقرآن أهل مكة، {فما أنت بنعمت ربك} [الطور: 29] بإنعامه عليك ~~بالنبوة، {بكاهن} [الطور: 29] وهو: الذي يوهم أنه يعلم الغيب، ويخبر بما في ~~غد، من غير وحي، يقال: كهن يكهن كهانة، مثل: كتب يكتب كتابة، أي: لست تقول ~~ما تقوله كهانة، ولا تنطق إلا بوحي. # أم يقولون أي: بل يقولون: شاعر هو شاعر، {نتربص به ريب المنون} [الطور: ~~30] صروف الدهر وحوادثه، أي: ننتظر به حدثان الموت، وحوادث الدهر، فيهلك ~~كما هلك من قبله من الشعراء، والمنون يكون بمعنى: الدهر، ويكون بمعنى: ~~المنية. # قال الله تعالى: قل تربصوا انتظروا بي الموت، {فإني معكم من المتربصين} ~~[الطور: 31] من المنتظرين عذابكم، فعذبوا يوم بدر بالسيف. # {أم تأمرهم أحلامهم بهذا} [الطور: 32] قال ms1765 المفسرون: كانت عظماء قريش ~~توصف بالأحلام والعقول، فأزرى الله بحلومهم، حين لم تتم لهم معرفة الحق من ~~الباطل. # ثم أخبر عن طغيانهم، فقال: {أم هم قوم طاغون} [الطور: 32] قال ابن عباس: ~~يريد حملهم الطغيان على تكذيبك. # {أم يقولون تقوله} [الطور: 33] افتعل القرآن، وتكذبه من تلقاء نفسه، ~~والتقول: تكلف القول، ولا يستعمل إلا في الكذب، بل ليس الأمر على ما زعموا، ~~لا يؤمنون بالقرآن استكبارا. # ثم ألزمهم الحجة، فقال: {فليأتوا بحديث مثله} [الطور: 34] مثل القرآن في ~~نظمه، وحسن بيانه، {إن كانوا صادقين} [الطور: 34] أن محمدا تقوله. # ثم احتج عليهم بابتلاء الخلق، فقال: {أم خلقوا من غير شيء} [الطور: 35] ~~قال الزجاج: أم خلقوا لغير شيء، أي: أخلقوا باطلا، لا يحاسبون، ولا يؤمرون، ~~ولا ينهون، ونحو هذا. # قال ابن كيسان: أم خلقوا عبثا، وتركوا سدى، لا يؤمرون ولا ينهون. # {أم هم الخالقون} [الطور: 35] لأنفسهم، فلا يجب عليهم لله أمر. # {أم خلقوا السموات والأرض} [الطور: 36] فيكونوا هم الخالقين؟ ليس الأمر ~~على هذا، لا يوقنون بالحق، وهو توحيد الله، وقدرته على البعث. # {أم عندهم خزائن ربك} [الطور: 37] قال مقاتل: يقول: أبأيديهم مفاتيح ربك ~~بالرسالة، فيضعونها حيث شاءوا؟ وقال الكلبي: خزائن المطر والرزق. # {أم هم المسيطرون} [الطور: 37] أي: هم الأرباب المسلطون، فلا يكونوا تحت ~~أمر ونهي، يفعلون ما شاءوا. # {أم لهم سلم} [الطور: 38] مرقى ومصعد إلى السماء، يستمعون فيه، أي: عليه، ~~كقوله: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} [طه: 71] والمعنى: يستمعون الوحي، ~~فيعلمون أن ما هم عليه حق، فليأت مستمعهم إن ادعى ذلك، بسلطان مبين بحجة ~~واضحة. # PageV04P189 # {أم له البنات ولكم البنون {39} أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون {40} ~~أم عندهم الغيب فهم يكتبون {41} أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون ~~{42} أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون {43} } [الطور: 39-43] . # {أم له البنات ولكم البنون} [الطور: 39] هذا انكار عليهم، حيث جعلوا لله ~~ما يكرهون، كقوله: {فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون} [الصافات: 149] . # {أم تسألهم} [الطور: 40] يا محمد، على ما جئتهم به من الدين والشريعة، ~~{أجرا فهم من مغرم ms1766 مثقلون} [الطور: 40] أثقلهم ذلك الغرم الذي تسألهم، ~~فمنعهم ذلك عن الإسلام، قال قتادة: يقول: هل سألت هؤلاء القوم أجرا فجهدهم، ~~فلا يستطيعون الإسلام؟ {أم عندهم الغيب} [الطور: 41] قال قتادة: هذا جواب ~~لقولهم: {نتربص به ريب المنون} [الطور: 30] . # يقول الله تعالى: أعندهم الغيب حتى علموا أن محمدا يموت قبلهم؟ فهم ~~يكتبون قال ابن قتيبة: يحكمون بما يقولون. # {أم يريدون كيدا} [الطور: 42] مكرا به، فيهلكون بذلك المكر، {فالذين ~~كفروا هم المكيدون} [الطور: 42] المجزيون بكيدهم، يريد: أن ضرر ذلك يعود ~~عليهم، ويحيق بهم مكرهم، كما قصدوا المكر به لما اجتمعوا في دار الندوة، ~~فجزاهم الله بكيدهم، أن قتلهم ببدر. # {أم لهم إله غير الله} [الطور: 43] يرزقهم، ويحفظهم، وينصرهم، يعني: أن ~~الذين اتخذوهم آلهة، ليست بآلهة تدفع وتنفع، ثم نزه نفسه، فقال: {سبحان ~~الله عما يشركون} [الطور: 43] به من الآلهة. # ثم ذكر عنادهم، وقساوة قلوبهم، فقال تعالى: {وإن يروا كسفا من السماء ~~ساقطا يقولوا سحاب مركوم {44} فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون {45} ~~يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون {46} وإن للذين ظلموا عذابا دون ~~ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون {47} واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك ~~حين تقوم {48} ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم {49} } [الطور: 44-49] . # {وإن يروا كسفا من السماء ساقطا} [الطور: 44] يقول: إن عذبناهم بسقوط بعض ~~من السماء عليهم، لم ينتهوا عن كفرهم، وقالوا: هو قطعة من السحاب، وهو ~~قوله: {يقولوا سحاب مركوم} [الطور: 44] بعضه على بعض. # فذرهم فخل عنهم، حتى يعاينوا يوم موتهم، وهو قوله: {حتى يلاقوا يومهم ~~الذي فيه يصعقون} [الطور: 45] أي: يموتون، من قوله: {فصعق من في السموات ~~ومن في الأرض} [الزمر: 68] من قرأ يصعقون بضم الياء، فهو من أصعقهم الله، ~~إذا قتلهم وأهلكهم. # وذلك اليوم لا ينفعهم كيدهم، ولا يمنعهم من العذاب مانع، وهو قوله: {لا ~~يغني عنهم # PageV04P190 # كيدهم شيئا ولا هم ينصرون {46} وإن للذين ظلموا} [الطور: 46-47] يعني: ~~كفار مكة، عذابا في الدنيا، دون ذلك قبل عذاب الآخرة، يعني: القتل ببدر، ~~{ولكن أكثرهم لا يعلمون} [الطور ms1767: 47] بما هو نازل بهم. # {واصبر لحكم ربك} [الطور: 48] أي: إلى أن يقع بهم العذاب، الذي حكمنا ~~عليهم، فإنك بأعيننا قال ابن عباس: أرى ما يفعل بك. # وقال الزجاج: إنك بحيث نراك ونحفظك، ونرعاك، فلا يصلون إلى مكروهك. # {وسبح بحمد ربك حين تقوم} [الطور: 48] أمر أن يقول حين يقوم من مجلسه: ~~سبحان الله وبحمده. # وقال ابن عباس: صل لله حين تقوم من منامك. # {ومن الليل فسبحه} [الطور: 49] قال مقاتل: صل المغرب، والعشاء. # وإدبار النجوم يعني: الركعتين قبل صلاة الفجر، وذلك حين تدبر النجوم، أي: ~~تغيب بضوء الصبح. # PageV04P191 ### | تفسير سورة النجم # ستون وآيتان، مكية. ### | 891 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي بن أحمد الحيري، أنا محمد بن جعفر بن مطر، نا ~~إبراهيم بن شريك، نا اليربوعي، نا المدايني، نا هارون بن كثير، عن زيد بن ~~أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «ومن قرأ سورة النجم أعطي من الأجر بعدد كل من صدق بمحمد وجحده» ~~. # {والنجم إذا هوى {1} ما ضل صاحبكم وما غوى {2} وما ينطق عن الهوى {3} إن ~~هو إلا وحي يوحى {4} علمه شديد القوى {5} ذو مرة فاستوى {6} وهو بالأفق ~~الأعلى {7} ثم دنا فتدلى {8} فكان قاب قوسين أو أدنى {9} فأوحى إلى عبده ما ~~أوحى {10} ما كذب الفؤاد ما رأى {11} } [النجم: 1-11] . # بسم الله الرحمن الرحيم {والنجم إذا هوى} [النجم: 1] أقسم الله تعالى ~~بالقرآن، إذ أنزل نجوما متفرقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين ~~سنة، والمراد بالنجم: القرآن، سمي نجما، لتفريقه في النزول، والعرب تسمي ~~التفريق تنجيما، والمفرق منجما، وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء، وزاذان , ~~وهوى معناه: نزل من أعلى إلى أسفل، يقال: هوى يهوي هويا وهويا، إذا سقط من ~~علو إلى أسفل، وقال في رواية الوالبي، وعطية: يعني: الثريا إذا سقطت وغابت. # والعرب تطلق اسم النجم على الثريا خاصة، وقال في رواية عكرمة: يعني: ~~المرجوم من النجوم، وهو ما يرمى به الشياطين عند استراق السمع. # وجواب القسم قوله ms1768 تعالى: {ما ضل صاحبكم وما غوى} # PageV04P192 # [النجم: 2] يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ما ضل عن طريق الهدى. # {وما ينطق عن الهوى} [النجم: 3] وما يتكلم بالباطل، وذلك أنهم قالوا: إن ~~محمدا يقول القرآن من تلقاء نفسه. # فقال الله تعالى: ما ينطق محمد بالقرآن من هوى نفسه. # إن هو ما القرآن إلا من الله، وحي يوحى إليه، يأتيه به جبريل، وهو قوله: ~~{علمه شديد القوى} [النجم: 5] يعني: جبريل، والقوى: جمع قوة. # ذو مرة ذو قوة، وشدة في خلقه، فاستوى جبريل. # وهو كناية عن جبريل، بالأفق الأعلى يعني: أفق المشرق والمغرب، والمراد ~~بالأعلى: جانب المشرق، وهو فوق جانب المغرب، في صعيد الأرض لا في الهواء، ~~قال المفسرون: إن جبريل كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة ~~الآدميين، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه على صورته التي ~~خلق عليها، فأراه نفسه مرتين، مرة في الأرض، ومرة في السماء، فأما في ~~الأرض: ففي الأفق الأعلى، وذلك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان بحراء، ~~فطلع له جبريل عليه السلام من المشرق، فسد الأفق إلى المغرب، فخر رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم مغشيا عليه، فنزل جبريل في صورة الآدميين، فضمه إلى ~~نفسه، وهو يقول: {ثم دنا فتدلى} [النجم: 8] تقديره: ثم تدلى فدنا، أي: قرب ~~بعد بعده وعلوه في الأفق الأعلى، فدنا من محمد صلى الله عليه وسلم، قال ~~الحسن، وقتادة: ثم دنا جبريل، بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض، فنزل ~~إلى محمد صلى الله عليه وسلم. # وقال أبو صالح: جبريل الذي دنا فتدلى. # وقال الزجاج: معنى دنا وتدلى واحد، لأن المعنى: أنه قرب، وتدلى زاد في ~~القرب، كما تقول: قد دنا مني فلان وقرب، ولو قلت: قرب مني ودنا جاز. # {فكان قاب قوسين} [النجم: 9] يقال: قاب قوس، وقيب قوس، أي: قدر قوس، وهذا ~~قول جميع المفسرين في القاب، قال الكسائي: هي لغة حجازية، يقال: كان مني ~~قاب قوسين، وقاد قوسين، وقيد قوسين. # قال الزجاج: كان ما بينه ms1769 وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدار قوسين. # والقوس: ما يرمى به في قول # PageV04P193 # مجاهد، وعكرمة، وعطاء، عن ابن عباس، وخصت بالذكر على عادتهم، كما قال ~~الكسائي، وقال عبد الله بن مسعود: قدر ذراعين. # وهو قول شقيق بن سلمة، وأبي إسحاق الهمذاني، وروي ذلك مرفوعا. ### | 892 - # أخبرنا عبد الرحمن بن الحسين الحافظ، فيما أجاز لي أنا عمر بن أحمد ~~الواعظ، نا عثمان بن أحمد، نا الحسين بن علي، نا إسماعيل بن عيسى، نا ~~المسيب بن شريك، عن محمد بن عمرو، عن كثير بن خنيس، عن أنس بن مالك، قال: ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {فكان قاب قوسين أو أدنى} ~~[النجم: 9] أما قاب قوسين , فقول ذراعين أو أدنى من ذراعين ومعنى القوس على ~~هذا القول ما يقاس به الشيء، والذراع ما يقاس به # قال ابن السكيت: قاس الشيء يقوسه قوسا، لغة في قاسه يقيسه إذا قدره. ### | 893 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أنا محمد بن عيسى بن عمرويه، نا ~~إبراهيم بن محمد، نا مسلم بن الحجاج، نا ابن نمير، نا أبو أسامة، نا زكريا، ~~عن ابن أشوع، عن عامر، عن مسروق، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها في قوله: ~~{ثم دنا فتدلى {8} فكان قاب قوسين أو أدنى {9} فأوحى إلى عبده ما أوحى {10} ~~} [النجم: 8-10] قالت: إنما ذاك جبريل كان يأتيه في صورة الرجال، وإنه أتاه ~~في هذه المرة في صورته التي هي صورته فسد أفق السماء # ومعنى قوله: أو أدنى قال الزجاج: أي: فيما تقدرون أنتم، والله تعالى عالم ~~بمقادير الأشياء، ولكنه يخاطبنا على ما جرت به عادة المخاطبة فيما بيننا. # ومعنى الآية: أن جبريل عليه السلام مع عظمه، وكثرة أجزائه، حتى سد الأفق ~~بجناحيه، دنا من النبي صلى الله عليه وسلم في غير تلك الصورة، حتى قرب منه، ~~وفي ذلك بيان قدرة الله تعالى. ### | 894 - # أخبرنا محمد بن أبي إسحاق المطوعي، أنا محمد بن أحمد بن حمدان بن علي ~~المقري، أنا أبو يعلى، نا أبو خيثمة، نا ms1770 الحسن بن موسى، نا زهير، نا أبو # PageV04P194 # إسحاق الشيباني، قال: أتيت دارة زر بن حبيش، فألقيت على محبة منه، وعنده ~~شباب، فقالوا لي: سله {فكان قاب قوسين أو أدنى} [النجم: 9] فسألته فقال: ~~قال عبد الله بن مسعود: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل وله ست ~~مائة جناح، ورواه البخاري، عن قتيبة، عن أبي عوانة. # ورواه مسلم، عن أبي الربيع، عن عباد بن العوام كلاهما، عن أبي إسحاق # قوله: {فأوحى إلى عبده ما أوحى} [النجم: 10] قال ابن عباس في رواية عطاء، ~~والكلبي: أوحى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أوحى الله إليه. # وقال قتادة: يوحي الله إلى جبريل، ويوحي جبريل إلى محمد صلى الله عليهما. # قوله: {ما كذب الفؤاد ما رأى} [النجم: 11] يقال: كذبه، إذا قال له الكذب ~~ولم يصدقه، قال المبرد: معنى الآية: أنه رأى شيئا فصدق فيه. # وقال أبو الهيثم: ما رأى بمعنى: الرؤية، تقول: ما أوهمه الفؤاد أنه رأى ~~ولم ير، بل صدقه الفؤاد رؤيته. # وما رأى مصدر في موضوع النصب، لأنه مفعول كذب، وهذا إخبار عن رؤية النبي ~~صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ربه، قال ابن عباس: رأى محمد ربه بفؤاده، ~~ولم يره بعينه. # ويكون ذلك على أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده، أو خلق لفؤاده بصرا، حتى ~~رأى ربه رؤية غير كاذبة، كما ترى بالعين، ومذهب جماعة من المفسرين: أنه رآه ~~بعينه. # وهو قول أنس، وعكرمة، والحسن، وكان يحلف بالله: لقد رأى محمد ربه. # فكل هؤلاء أثبتوا رؤية صحيحة: إما بالعين، وإما بالفؤاد، ومذهب عبد الله ~~بن مسعود، وعائشة رضي الله عنهما في هذه الآية: أنه رأى جبريل في صورته ~~التي خلق عليها. # وقرأ ابن عامر ما كذب بالتشديد، وقال المبرد: في هذه القراءة بعد، لأنه ~~إذا رأى بقلبه، فقد # PageV04P195 # علمه أيضا، والقلب يكذب ويصدق، فإذا كان الشيء في القلب معلوما، فكيف ~~يكون معه تكذيب؟ وهذا على ما قال المبرد: إذا جعلت الرؤية للفؤاد، فإن ~~جعلتها للعين زال الإشكال ms1771، وصح المعنى، فيقال: ما كذب فؤاده ما رآه ببصره. # {ولقد رآه نزلة أخرى} [النجم: 13] قال ابن عباس: رأى محمد صلى الله عليه ~~وسلم ربه. ### | 895 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا أبو القاسم البغوي، نا ~~محمد بن جعفر الوركاني، نا إسماعيل بن زكريا، عن عاصم، عن عكرمة، عن ابن ~~عباس، قال: رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه. ### | 896 - # وأخبرنا أبو بكر، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا محمد بن يحيى المروزي، نا ~~عاصم بن علي، نا قيس، عن عاصم، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إن الله تعالى ~~اصطفى إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمدا بالرؤية. ### | 897 - # أخبرنا أبو منصور المهرجاني، أنا عبيد الله بن محمد الزاهد، أنا البغوي، ~~نا محمد بن إسحاق، قال: قرأت على محمد بن حاتم المؤدب، قلت: أخبركم القاسم ~~بن مالك المزني، نا سفيان بن زياد، عن عمه سليم بن زياد، قال: خرجت من مسجد ~~الرسول صلى الله عليه وسلم، فلقيت عكرمة مولى ابن عباس، فقال: يا أبا نضر ~~لا تبرح حتى أشهد على هذا الرجل وإذا الرجل معاذ بن عفراء، فقال: أخبرني ~~بما أخبرك أبوك، عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: حدثني أن رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم حدثه: أنه رأى رب العالمين في خضر من الفردوس، قال ~~سفيان: فلقيت عكرمة بعد، فسألته عن الحديث، فقال: نعم كذا حدثني إلا أنه ~~قال: رأى ربه بفؤاده. # والأكثرون على أنه رأى جبريل في صورته التي خلق عليها نازلا من السماء ~~نزلة أخرى، وذلك أنه رآه في صورته التي خلق عليها مرتين مرة بالأفق الأعلى، ~~ومرة أخرى رآه منهبطا # PageV04P196 # من السماء إلى الأرض سادا خلقه ما بينهما # وعلى قول ابن عباس معنى: نزلة أخرى هو: أنه كانت للنبي صلى الله عليه ~~وسلم عرجات في تلك الليلة، لما استحط ربه من أعداد الصلوات المفروضة، فيكون ~~لكل عرجة نزلة، فرأى ربه في بعض تلك النزلات. # قوله: {أفتمارونه على ما يرى {12} ولقد رآه نزلة أخرى {13} عند ms1772 سدرة ~~المنتهى {14} عندها جنة المأوى {15} إذ يغشى السدرة ما يغشى {16} ما زاغ ~~البصر وما طغى {17} لقد رأى من آيات ربه الكبرى {18} } [النجم: 12-18] . # {أفتمارونه على ما يرى} [النجم: 12] قال جماعة من المفسرين: أفتجادلونه. # وذلك أنهم جادلوه حين أسري به، فقالوا: صف لنا مسجد بيت المقدس، وأخبرنا ~~عن عيرنا في طريق الشام، وغير ذلك مما جادلوه به، والمعنى: أفتجادلونه ~~جدالا، ترومون به دفعه عما علمه وشاهده؟ ومن قرأ: أفتمرونه كان معناه: ~~أفتجحدونه، يقال: مريت الرجل حقه إذا جحدته، قال المبرد: أي: أفتدفعونه عما ~~يرى. # وعلى في موضع عن، والمعنيان متقاربان، لأن مجادلتهم جحود، وكل مجادل ~~جاحد. # {ولقد رآه نزلة أخرى} [النجم: 13] رأى جبريل في صورته التي خلق عليها، ~~نازلا من السماء نزلة أخرى، وذلك أنه رآه في صورته مرتين على ما ذكرنا. # {عند سدرة المنتهى} [النجم: 14] يعني: رآه محمد وهو عند سدرة المنتهى، ~~وقال الكلبي، ومقاتل: هي شجرة عن يمين العرش، فوق السماء السابعة، انتهى ~~إليها علم كل ملك. ### | 898 - # أخبرنا أبو منصور المنصوري، أنا علي بن عمر الحافظ، نا أبو بكر ~~النيسابوري، نا محمد بن يحيى، نا عبد الرزاق، نا معمر، عن قتادة، عن أنس، ~~أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " لما رفعت إلي سدرة المنتهى في السماء ~~السابعة نبقها مثل قلال هجر وورقها مثل آذان الفيلة، يخرج من ساقها نهران ~~ظاهران، ونهران باطنان، قلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: أما الباطنان ففي ~~الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات " # وقال عبد الله بن مسعود: إليها ينتهي ما يصعد به من الأرض فيقبض منها، ~~وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها. # والمنتهى: موضوع الانتهاء، وهذه الشجرة حيث تنتهي إليها الملائكة، # PageV04P197 # فأضيفت إليه. # {عندها جنة المأوى} [النجم: 15] قال عطاء، عن ابن عباس: جنة يأوي إليها ~~جبريل والملائكة. # وقال مقاتل، والكلبي: جنة يأوي إليها أرواح الشهداء. # {إذ يغشى السدرة ما يغشى} [النجم: 16] قالوا: فراش من ذهب يغشاها. # وقال الحسن، ومقاتل: تغشاها الملائكة أمثال الغربان، حتى يقعن على ~~الشجرة. # وروي أن النبي صلى الله ms1773 عليه وسلم، قال: «رأيت على كل ورقة من ورقها ~~ملكا، قائما يسبح الله عز وجل» . # {ما زاغ البصر} [النجم: 17] ما مال بصر النبي صلى الله عليه وسلم يمينا، ~~ولا شمالا، وما طغى وما جاوز ما رأى، وهذا وصف أدبه في ذلك المقام، إذ لم ~~يلتفت إلى جانب، ولم يمل بصره، ولم يمده أمامه إلى حيث ينتهي. # لقد رأى تلك الليلة، {من آيات ربه الكبرى} [النجم: 18] يعني: الآيات ~~العظام التي رآها تلك الليلة، وقال قوم: يعني: رأى من آيات ربه الآية ~~الكبرى. # وهو قول عبد الله بن عباس في رواية أبي صالح، قال: رأى جبريل في صورته ~~التي خلق عليها، له ست مائة جناح. # ولما قص الله تعالى هذه الأقاصيص، قال للمشركين: {أفرأيتم اللات والعزى ~~{19} ومناة الثالثة الأخرى {20} ألكم الذكر وله الأنثى {21} تلك إذا قسمة ~~ضيزى {22} إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من ~~سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى {23} ~~أم للإنسان ما تمنى {24} فلله الآخرة والأولى {25} وكم من ملك في السموات ~~لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى {26} إن ~~الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى {27} وما لهم به من ~~علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا {28} } [النجم: ~~19-28] . # {أفرأيتم اللات والعزى {19} ومناة} [النجم: 19-20] والمعنى: أخبرونا عن ~~هذه الآلهة، التي تعبدونها من دون الله، # PageV04P198 # هل لها قدرة توصف بها، كما يوصف الله تعالى بالقدرة والعظمة؟ وهذه أسماء ~~أصنام اتخذوها آلهة، فعبدوها من دون الله، وكانوا يشتقون لها أسماء من ~~أسماء الله تعالى، فقالوا: من الله: اللات، ومن العزيز: العزى. # وكان الكسائي يختار الوقف عليها بالهاء، وقال الزجاج: الوقف عليها بالتاء ~~لاتباع المصحف، فإنها تكتب بالتاء. # والعزى تأنيث الأعز، وهي بمعنى: العزيزة، وكانت شجرة بنخلة لغطفان ~~يعبدونها، فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها، ~~وقال: # يا عز كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد ms1774 أهانك # وقال قتادة: كانت مناة للأنصار. # وقال الضحاك، والكلبي: كانت لهذيل وخزاعة. # وكان ابن كثير يقرأها بالمد والهمزة، والصحيح: قراءة العامة، لأن العرب ~~سمت زيد مناة، وعبد مناة، ولم يسمع فيها المد، والثالثة نعت لمناة يعني: ~~الثالثة للصنمين في الذكر، والأخرى نعت لها أيضا. # {ألكم الذكر وله الأنثى} [النجم: 21] قال الكلبي: قال مشركو مكة: ~~الأصنام، والملائكة بنات الله. # فنحلوه البنات، وكان الرجل منهم إذا بشر بالأنثى كره. # فقال الله تعالى منكرا عليهم: ألكم الذكر يعني: البنين، وله الأنثى يعني: ~~ما نحلوه من الأصنام، وهي إناث في أسمائها والملائكة. # {تلك إذا قسمة ضيزى} [النجم: 22] جائرة غير معتدلة، يعني: القسمة التي ~~قسمتم، من نسبة البنات إلى الله تعالى، وإيثاركم أنفسكم البنين، # PageV04P199 # قسمة غير عادلة، والقراء على ترك الهمز من ضيزى، وقرأ ابن كثير بالهمز، ~~يقال: ضاز حقه يضيز، وضأز يضأز مثله، قال الفراء، وزجاج: ضيزى فعلى، فنقلت ~~إلى فعلى لتسلم الياء، كما قالوا: بيض وعين فكسروا أولهما لتكونا بالياء، ~~كذلك كرهوا أن يقولوا: ضوزى، فتصير بالواو وهي من الياء. # {إن هي إلا أسماء} [النجم: 23] أخبر الله تعالى أن هذه الأصنام التي ~~سموها بهذه الأسامي لا معاني تحتها، لأنه لا ضر عندها ولا نفع، فهي تسميات ~~ألقيت على جمادات، {سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} ~~[النجم: 23] قال مقاتل: لم ينزل كتابا، لكم فيه حجة بما تقولون إنها آلهة. # والمعنى: ما أنزل الله بعبادتها من سلطان، ثم رجع إلى الإخبار عنهم بعد ~~المخاطبة، فقال: {إن يتبعون إلا الظن} [النجم: 23] في أنها آلهة، وهو ما ~~زين لهم الشيطان، {ولقد جاءهم من ربهم الهدى} [النجم: 23] البيان والرشاد، ~~بالكتاب والرسول، وهذا تعجيب من حالهم، حيث لم يتركوا عبادتها، مع وضوح ~~البيان. # ثم أنكر على الكفار تمنيهم شفاعة الأصنام، فقال: أم للإنسان يعني: ~~الكافر، ما تمنى من شفاعة الأصنام. # {فلله الآخرة والأولى} [النجم: 25] أي: لا يملك فيهما أحد شيئا إلا ~~بإذنه. # ثم أكد هذا بقوله: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا} [النجم ms1775: ~~26] جمع الكناية لأن المراد بقوله: {وكم من ملك} [النجم: 26] الكثرة، {إلا ~~من بعد أن يأذن الله} [النجم: 26] في الشفاعة، {لمن يشاء ويرضى} [النجم: ~~26] أي: من أهل التوحيد، قال ابن عباس: يريد لا تشفع الملائكة، إلا لمن رضي ~~الله عنه، كقوله: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28] . # ثم ذم صنيعهم، فقال: {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة} [النجم: 27] بالبعث، ~~{ليسمون الملائكة تسمية الأنثى} [النجم: 27] حين زعموا أن الملائكة بنات ~~الله. # {وما لهم بذلك} [الجاثية: 24] أي: التسمية، من علم قال مقاتل: ما ~~يستيقنون أنهم إناث. # {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا} [النجم: 28] لا يقوم ~~مقام الحق، ولا يغني عن العلم، فالحق ههنا معناه: العلم، وهذا يدل على أن ~~الظان غير عالم. # ثم أمره بالإعراض عنهم، بقوله: {فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا ~~الحياة الدنيا {29} ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ~~وهو أعلم بمن اهتدى {30} ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزي الذين ~~أساءوا بما عملوا ويجزي # PageV04P200 # الذين أحسنوا بالحسنى {31} الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ~~إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون ~~أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى {32} } [النجم: 29-32] . # {فأعرض عن من تولى عن ذكرنا} [النجم: 29] يعني: القرآن، وهذا مما نسخته ~~آية القتال. # ثم صغر رأيهم، فقال: {ذلك مبلغهم من العلم} [النجم: 30] أي: لم يبلغوا من ~~العلم إلا ظنهم أن الملائكة بنات الله، وأن الأصنام تشفع لهم، فاعتمدوا ~~ذلك، وأعرضوا عن القرآن، {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} [النجم: 30] أي: ~~أنه عالم بهم، فهو يجازيهم، {وهو أعلم بمن اهتدى} [النجم: 30] أي: أنه عالم ~~بالفريقين، فلا يذهب عليه جزاؤهما. # {ولله ما في السموات وما في الأرض} [النجم: 31] إخبار عن قدرته، وسعة ~~ملكه، وهذا معترض بين الآية الأولى، وبين قوله: {ليجزي الذين أساءوا} ~~[النجم: 31] الآية، واللام في ليجزي متعلق بمعنى الآية الأولى، لأنه إذا ~~كان أعلم ms1776 بهم، جازى كلا بما يستحقه، وهي لام العاقبة، وذلك لأن علمه ~~بالفريقين أدى إلى جزائهم باستحقاقهم، وإنما يقدر على مجازاة المحسن ~~والمسيء إذا كان كثير الملك، لذلك أخبر به في قوله: {ولله ما في السموات ~~وما في الأرض ليجزي} [النجم: 31] في الآخرة، الذين أساءوا أشركوا، بما ~~عملوا من الشرك، {ويجزي الذين أحسنوا} [النجم: 31] وحدوا ربهم، بالحسنى ~~بالجنة. # ثم نعتهم، فقال: {الذين يجتنبون كبائر الإثم} [النجم: 32] وهو: كل ذنب ~~ختم بالنار، والفواحش كل ذنب فيه الحد، وقرأ حمزة كبير الإثم لأنه مضاف إلى ~~واحد في اللفظ، وإن كان يراد به الكثرة، فلتوحيده في اللفظ وحد الكبير، ~~وقوله: إلا اللمم يعني: صغائر الذنوب، كالنظرة، والقبلة، وما كان دون ~~الزنا، وهذا قول ابن مسعود، وأبي هريرة، والشعبي، ويصدق هذا ما: ### | 899 - # أخبرنا به محمد بن المفضل النسوي، أنا أبو القاسم النسوي، أنا أبو الحسن ~~بن سفيان، حدثني عبد الله بن فضالة، أنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، ~~عن أبيه، قال: سمعت ابن عباس، يقول: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو ~~هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من ~~الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين # PageV04P201 # النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تشتهي وتمنى ويصدق ذلك ويكذبه الفرج» ~~. # فإن تقدم بفرجه كان الزنا وإلا فهو اللمم. # رواه البخاري، عن محمود بن غيلان، عن عبد الرزاق # وقال ابن عباس: هو أن يلم بالذنب مرة، ثم يتوب منه، ولا يعود. # وهو قول الحسن، والسدي، قال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم، ~~يقول: # إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما # وهذا القول اختيار أبي إسحاق، فقال: اللمم هو: أن يكون الإنسان قد ألم ~~بالمعصية، ولم يقم على ذلك. # ويدل على هذا قوله: {إن ربك واسع المغفرة} [النجم: 32] قال ابن عباس: لمن ~~فعل ذلك، ثم تاب. # وتم الكلام هاهنا، ثم قال: {هو أعلم بكم} [النجم: 32] يعني: قبل أن ~~خلقكم، {إذ أنشأكم من الأرض} [النجم ms1777: 32] يريد: ما كان من خلق آدم من ~~التراب، {وإذ أنتم أجنة} [النجم: 32] جمع جنين، {في بطون أمهاتكم} [النجم: ~~32] قال الحسن: علم الله تعالى من كل نفس ما هي صانعة، وإلى ما هي صايرة. # {فلا تزكوا أنفسكم} [النجم: 32] لا تبرئوها عن الآثام، ولا تمدحوها بحسن ~~أعمالها، يدل على هذا ما روي أن زينب بنت أبي سلمة، قالت: سميت برة، فقال ~~النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بالبر منكم» . # {هو أعلم بمن اتقى} [النجم: 32] أي: بر، وأطاع، وأخلص العمل لله. # قوله: {أفرأيت الذي تولى {33} وأعطى قليلا وأكدى {34} أعنده علم الغيب ~~فهو يرى {35} أم لم ينبأ بما في صحف # PageV04P202 # موسى {36} وإبراهيم الذي وفى {37} ألا تزر وازرة وزر أخرى {38} وأن ليس ~~للإنسان إلا ما سعى {39} } [النجم: 33-39] . # {أفرأيت الذي تولى} [النجم: 33] أدبر عن الحق والإسلام، يعني: الوليد بن ~~المغيرة، كان قد آمن، ثم عيره بعض المشركين بترك دينه، فقال: إني خشيت عذاب ~~الله. # فقال: أنا أتحمل عنك العذاب، إن أعطيتني من مالك كذا وكذا. # فرجع إلى الشرك، وأعطى الذي عيره بعض ذلك المال، ومنعه تمامه، وذلك قوله: ~~{وأعطى قليلا وأكدى} [النجم: 34] قال الفراء: أمسك من العطية وقطع. # وقال المبرد: منع منعا شديدا. # {أعنده علم الغيب} [النجم: 35] ما غاب عنه من أمر العذاب، فهو يرى أي: ~~يعلم أن صاحبه يتحمل عنه عذابه. # {أم لم ينبأ} [النجم: 36] لم يخبر، ولم يحدث، {بما في صحف موسى} [النجم: ~~36] يعني: أسفار التوراة. # وإبراهيم وفي صحف إبراهيم، الذي وفى وتمم، وأكمل ما أمر به، قال ~~المفسرون: بلغ قومه، وأدى إليهم ما أمر به. # وقال آخرون: أكمل ما يجب لله عليه من الطاعة، في كل ما أمر، وامتحن به. # ثم بين ما في صحفهما، فقال: {ألا تزر وازرة وزر أخرى} [النجم: 38] أي: لا ~~تحمل نفس حاملة حمل أخرى، ومعناه: لا تؤاخذ نفس بإثم غيرها، وفي هذا إبطال ~~لقول من ضمن للوليد أن يحمل عنه الإثم، وهذا عام في كل شريعة، وقد روي في ~~شرعنا: أن رؤساء الكفر، والداعين ms1778 إلى الضلالة، يزاد لهم الوزر، بسبب ~~إضلالهم أتباعهم، وهو قوله تعالى: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} ~~[العنكبوت: 13] ، وقوله: {ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم} [النحل: 25] ~~فأما أن تحمل نفس ذنب نفس أخرى، حتى تصير المحمول عنها، كأنها لم تأت بذنب، ~~فليس ذلك في شريعة. # {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: 39] عطف على قوله تعالى: ألا تزر ~~وهذا أيضا مما في صحف إبراهيم وموسى، ومعناه: ليس له جزاء إلا جزاء سعيه، ~~إن عمل خيرا جزي خيرا، وإن عمل شرا جزي شرا، وروى الوالبي، عن ابن عباس: أن ~~هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة، بقوله: {ألحقنا بهم ذريتهم} [الطور: 21] ~~رفع الله درجة الذرية، وإن لم يستحقوها بأعمالهم. # ونحو هذا قال # PageV04P203 # عكرمة، وكان ذلك لقوم إبراهيم وموسى، فأما هذه الأمة: فلهم ما سعى غيرهم ~~نيابة عنهم، ومن قال: إنه غير منسوخ الحكم، قال: الآية تدل على منع النيابة ~~في الطاعات، إلا ما قام عليه الدليل كالحج. # وهو أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبي مات، ولم يحج. # قال: «فحجي عنه» . # {وأن سعيه سوف يرى {40} ثم يجزاه الجزاء الأوفى {41} وأن إلى ربك المنتهى ~~{42} وأنه هو أضحك وأبكى {43} وأنه هو أمات وأحيا {44} وأنه خلق الزوجين ~~الذكر والأنثى {45} من نطفة إذا تمنى {46} وأن عليه النشأة الأخرى {47} ~~وأنه هو أغنى وأقنى {48} وأنه هو رب الشعرى {49} وأنه أهلك عادا الأولى ~~{50} وثمود فما أبقى {51} وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى {52} ~~والمؤتفكة أهوى {53} فغشاها ما غشى {54} فبأي آلاء ربك تتمارى {55} هذا ~~نذير من النذر الأولى {56} أزفت الآزفة {57} ليس لها من دون الله كاشفة ~~{58} أفمن هذا الحديث تعجبون {59} وتضحكون ولا تبكون {60} وأنتم سامدون ~~{61} فاسجدوا لله واعبدوا {62} } [النجم: 40-62] . # {وأن سعيه سوف يرى} [النجم: 40] يوم القيامة في منزلته، من أريته الشيء. # ثم يجزاه يجزى الإنسان سعيه، يقال: جزيت فلانا سعيه. # يتعدى إلى مفعولين، الجزاء الأوفى الأكمل الأتم. # {وأن إلى ربك المنتهى} [النجم: 42] منتهى العباد، ومرجعهم إليه. # {وأنه هو أضحك وأبكى} [النجم: 43] هذا يدل على أن ms1779 كل ما يعمله الإنسان ~~فبقضاء الله وقدره، حتى الضحك والبكاء، قال الكلبي: أضحك أهل الجنة، وأبكى ~~أهل النار. # وقال الضحاك: أضحك الأرض بالنبات، وأبكى السماء بالمطر. # {وأنه هو أمات} [النجم: 44] في الدنيا، وأحيا بالبعث. # {وأنه خلق الزوجين} [النجم: 45] الصنفين، الذكر والأنثى من كل حيوان. # {من نطفة إذا تمنى} [النجم: 46] تصب في الرحم. # {وأن عليه النشأة الأخرى} [النجم: 47] الخلق الثاني للبعث يوم القيامة. # {وأنه هو أغنى} [النجم: 48] الناس، بالأموال ومولهم، وأقنى أعطى القنية، ~~وأصول الأموال، وما يدخرونه بعد الكفاية، وقال مقاتل، ومجاهد: أقنى: قنع، ~~ورضي بما أعطى الفقير. # {وأنه هو رب الشعرى} [النجم: 49] وهو كوكب خلف الجوزاء، كانت خزاعة ~~تعبدها، فقال الله تعالى: أنا رب الشعرى # PageV04P204 # فاعبدوني. # {وأنه أهلك عادا الأولى} [النجم: 50] وهم: قوم هود، أهلكوا بريح صرصر، ~~وكان لهم عقب، فكانوا عادا الأخرى. # وثمودا وهم: قوم صالح، أهلكهم الله بالصيحة، فما أبقى منهم أحدا. # {وقوم نوح من قبل} [النجم: 52] أهلك الله قوم نوح من قبل عاد، وثمود، ~~{إنهم كانوا هم أظلم وأطغى} [النجم: 52] من غيرهم، لطول دعوة نوح إياهم، ~~وعتوهم على الله بالمعصية، والتكذيب. # والمؤتفكة قرى قوم لوط، المخسوف بها، أهوى أسقط، أي: أهواها جبريل، بعد ~~أن رفعها، وأتبعهم الله بالحجارة، فذلك قوله: فغشاها ألبسها الله، ما غشى ~~يعني: الحجارة. # {فبأي آلاء ربك تتمارى} [النجم: 55] هذا خطاب للإنسان، لما عدد الله ما ~~فعله مما يدل على وحدانيته، قال: فبأي نعم ربك، التي تدلك على وحدانيته، ~~تتشكك؟ قال ابن عباس: يريد: تكذب يا وليد، يعني: الوليد بن المغيرة. # هذا نذير يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم، {من النذر الأولى} [النجم: 56] ~~من الرسل قبله، قال قتادة: يقول أنذر محمد، كما أنذر الرسل من قبله. # أزفت الآزفة دنت القيامة، واقتربت الساعة. # {ليس لها من دون الله كاشفة} [النجم: 58] أي: إذا غشيت الخلق بشدائدها، ~~وأهوالها، لم يكشفها عنهم أحد، ولم يردها، وهذا قول عطاء، والضحاك، وقتادة. # وتأنيث كاشفة على تقدير: نفس كاشفة، ويجوز أن تكون الكاشفة مصدرا، ~~كالجاثية، والعاقبة، والمعنى: ليس لها من دون ms1780 الله كشف، أي: لا يكشف عنها ~~غيره، ولا يظهرها، كقوله: {لا يجليها لوقتها إلا هو} [الأعراف: 187] . # قوله: {أفمن هذا الحديث} [النجم: 59] يعني: القرآن، تعجبون أي: من إنزاله ~~على محمد صلى الله عليه وسلم، فتكذبون به. # وتضحكون تستهزئون به، ولا تبكون مما فيه من الوعيد. # وأنتم سامدون لاهون، غافلون، معرضون، والسمود: الغفلة والسهو عن الشيء. # فاسجدوا لله الخالق، واعبدوا فإنه المستحق للعبادة. ### | 900 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا أبو ~~عمرو بن مطر، أنا أبو خليفة القاضي، أنا محمد بن كثير، أنا شعبة، عن أبي ~~إسحاق، عن الأسود، عن عبد الله بن مسعود، أن النبي صلى الله عليه وسلم " ~~قرأ سورة النجم فسجد فيها فما بقي من القوم إلا رجل واحد قد أخذ كفا من ~~حصا، فوضعه على جبهته، وقال: يكفيني، قال عبد الله: لقد رأيته بعد قتل ~~كافرا ". # رواه البخاري ومسلم عن بندار، عن غندر، عن شعبة. # PageV04P205 ### | تفسير سورة القمر # وهي خمسون وخمس آيات، مكية. ### | 1144 - # أخبرنا محمد بن علي بن أحمد العزايمي، أنا محمد بن جعفر بن مطر، نا ~~إبراهيم بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، عن ~~زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: " ومن قرأ سورة {اقتربت الساعة} [القمر: 1] في كل غب ~~بعث يوم القيامة ووجهه على صورة القمر ليلة البدر ومن قرأها كل ليلة كان ~~أفضل، وجاء يوم القيامة ووجهه مسفر على وجوه الخلائق ". # بسم الله الرحمن الرحيم {اقتربت الساعة وانشق القمر {1} وإن يروا آية ~~يعرضوا ويقولوا سحر مستمر {2} وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر {3} ~~ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر {4} حكمة بالغة فما تغن النذر {5} } ~~[القمر: 1-5] . # {اقتربت الساعة وانشق القمر} [القمر: 1] وقال ابن عباس: اجتمع المشركون ~~إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن كنت صادقا، فشق لنا القمر ~~فرقتين. # فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ms1781: «إن فعلت تؤمنون» . # قالوا: نعم. # وكانت ليلة بدر، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يعيطه ما ~~قالوا، فانشق القمر فرقتين، ورسول الله ينادي يا فلان يا فلان اشهدوا. ### | 1145 - # أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن جعفر، أنا أبو عمرو محمد ~~بن أحمد الحيري، أنا أحمد بن علي بن المثنى، نا أبو خيثمة، نا سفيان بن ~~عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن ابن مسعود، قال: " انشق ~~القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين، فقال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: اشهدوا " رواه البخاري، عن علي بن المديني، ورواه مسلم، عن ~~أبي خيثمة # PageV04P206 # كلاهما عن سفيان، وحديث انشقاق القمر رواه جماعة من الصحابة أنس بن مالك، ~~وجبير بن مطعم، وابن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وحذيفة بن ~~اليمان # روينا عن جميعهم ذلك في مسند التفسير، وجميع المفسرين على هذا، إلا ما ~~روى عثمان بن عطاء، عن أبيه، أنه قال: معناه: سينشق القمر. # والعلماء كلهم على خلافه وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر، لأن ~~انشقاقه من علامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ونبوته وزمانه من أشراط ~~اقتراب الساعة، قال الزجاج: زعم قوم عندوا عن القصد، وما عليه أهل العلم أن ~~تأويله: أن القمر ينشق يوم القيامة. # والأمر بين في اللفظ وإجماع أهل العلم، لأن قوله: {وإن يروا آية يعرضوا ~~ويقولوا سحر مستمر} [القمر: 2] يدل على أن هذا كان في الدنيا، لا في ~~القيامة، قال المفسرون: لما انشق القمر، قال المشركون: سحرنا محمد. # فقال الله تعالى: {وإن يروا آية} [القمر: 2] ، يعني: انشقاق القمر، ~~يعرضوا عن التصديق، والإيمان بها، {ويقولوا سحر مستمر} [القمر: 2] قوي ~~شديد، يعلو كل سحر، من قولهم: استمر الشيء إذا قوي واستحكم. # ثم ذكر تكذيبهم، فقال: وكذبوا يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، وما ~~عاينوا من قدرة الله، {واتبعوا أهواءهم} [القمر: 3] وما زين لهم الشيطان من ~~الباطل الذي هم عليه، {وكل أمر ms1782 مستقر} [القمر: 3] قال الكلبي: لكل أمر ~~حقيقة ما كان منه في الدنيا فسيظهر، وما كان منه في الآخرة فسيعرف. # وقال قتادة: وكل أمر مستقر فالخير يستقر بأهل الخير، والشر يستقر بأهل ~~الشر. # وقال الفراء: يقول: يستقر قرار تكذيبهم، وقرار قول المصدقين، حتى يعرفوا ~~حقيقته بالثواب # PageV04P207 # والعقاب. # ولقد جاءهم يعني: أهل مكة، من الأنباء من أخبار الأمم المكذبة في القرآن، ~~{ما فيه مزدجر} [القمر: 4] مصدر بمعنى الازدجار، أي: نهي وعظة، يقال: زجرته ~~وازدجرته إذا نهيته عن السوء. # حكمة بالغة يعني: القرآن حكمة تامة، قد بلغت الغاية، {فما تغني النذر} ~~يجوز أن تكون ما نفيا على معنى: فليست تغني النذر، وهو جمع نذير، ويجوز أن ~~تكون استفهاما، والمعنى: فأي شيء تغني النذر، إذا لم يؤمنوا؟ كقوله: {وما ~~تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} [يونس: 101] . # ثم أمره بالإعراض عنهم، بقوله: {فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر {6} ~~خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر {7} مهطعين إلى الداع ~~يقول الكافرون هذا يوم عسر {8} } [القمر: 6-8] . # فتول عنهم وههنا وقف التمام، وقوله: {يوم يدع الداع} [القمر: 6] قال ~~مقاتل: هو إسرافيل، ينفخ قائما على صخرة بيت المقدس. # {إلى شيء نكر} [القمر: 6] إلى أمر فظيع لم يروا مثله، فينكرونه استعظاما ~~له. # {خشعا أبصارهم} [القمر: 7] وقرئ خاشعا، ويجوز في أسماء الفاعلين إذا ~~تقدمت على الجماعة التوحيد، والجمع، والتأنيث، تقول: مررت بشباب حسن ~~أوجههم، وحسان أوجههم، وحسنة أوجههم، وفي قراءة عبد الله خاشعة أبصارهم أي: ~~ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب، {يخرجون من الأجداث} [القمر: 7] وهي القبور، ~~{كأنهم جراد منتشر} [القمر: 7] ينبت بعضها في بعض، والمعنى: أنهم يخرجون ~~فزعين، لا جهة لأحد منهم فيقصدها، والجراد لا جهة لها، تكون أبدا مختلفة ~~بعضها في بعض. # {مهطعين إلى الداع} [القمر: 8] مقبلين إلى صوت إسرافيل، {يقول الكافرون ~~هذا يوم عسر} [القمر: 8] صعب شديد، قال ابن عباس: عسير على الكافرين، سهل ~~يسير على المؤمنين. # كقوله: {يوم عسير {9} على الكافرين غير يسير {10} } [المدثر: 9-10] . # PageV04P208 # {كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر {9} فدعا ms1783 ربه أني ~~مغلوب فانتصر {10} ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر {11} وفجرنا الأرض عيونا ~~فالتقى الماء على أمر قد قدر {12} وحملناه على ذات ألواح ودسر {13} تجري ~~بأعيننا جزاء لمن كان كفر {14} ولقد تركناها آية فهل من مدكر {15} فكيف كان ~~عذابي ونذر {16} ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر {17} } [القمر: ~~9-17] . # {كذبت قبلهم قوم نوح} [القمر: 9] إلى قوله: {وازدجر} [القمر: 9] زجروه عن ~~دعوته بالشتم، والوعيد. # فدعا نوح، {ربه أني مغلوب فانتصر} [القمر: 10] فانتقم لي ممن كذبني. # {ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر} [القمر: 11] منصب انصبابا شديدا، لا ~~ينقطع أربعين يوما. # {وفجرنا الأرض عيونا} [القمر: 12] وذلك أن الله تعالى أرسل من السماء ماء ~~كما يسيل من أفواه القرب، وانفتحت الأرض بعيون الماء، حتى اجتمع الماءان، ~~وهو قوله: فالتقى الماء يعني: ماء السماء وماء الأرض، {على أمر قد قدر} ~~[القمر: 12] قضي عليهم، وقال مقاتل: قدر الله تعالى أن يكون الماءان سواء، ~~فكانا على ما قدر. # وحملناه يعني: نوحا، على سفينته، {ذات ألواح} [القمر: 13] وهي خشباتها ~~العريضة التي منها جمعت، ودسر قال الزجاج: يعني: المسامير التي تشد بها ~~الألواح، واحدها دسار، وكل شيء أدخل في شيء بشدة فهو الدسر. # تجري تلك السفينة، بأعيننا بمنظر ومرأى منا، وحفظ، كقوله: {واصنع الفلك ~~بأعيننا} [هود: 37] ، {جزاء لمن كان كفر} [القمر: 14] قال الفراء: يقول: ~~فعلنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم، ثوابا لمن كان كفر به، وجحد ~~أمره، وهو نوح عليه السلام. # {ولقد تركناها} [القمر: 15] يعني: الفعلة التي فعلنا، آية علامة يعتبر ~~بها، {فهل من مدكر} [القمر: 15] متذكر يعلم أن ذلك حق فيعتبر، ويخاف. # {فكيف كان عذابي} [القمر: 16] استفهام عن تلك الحالة، ومعناه: التعظيم ~~لذلك العذاب، ونذر وهو اسم من الإنذار يقوم مقام المصدر، وفي هذا تخويف ~~لمشركي مكة. # {ولقد يسرنا القرءان للذكر} [القمر: 17] للحفظ والقراءة، قال سعيد بن ~~جبير: ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن. # {فهل من مدكر} [القمر: 17] من ذاكر يذكره، وقارئ يقرأه، ومعناه: الحث على ~~قراءة القرآن، ودرسه، وتعلمه. # وقوله: {كذبت عاد فكيف كان ms1784 عذابي ونذر {18} إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ~~في يوم نحس مستمر {19} تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر {20} فكيف كان ~~عذابي ونذر {21} ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر {22} } [القمر: ~~18-22] . # PageV04P209 # وما بعده ظاهر إلى قوله: {إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا} [القمر: 19] ~~شديدة الهبوب، وقال ابن عباس: ريحا باردة. # وقد مر، {في يوم نحس مستمر} [القمر: 19] دائم الشؤم، استمر عليهم ~~بنحوسته، قال ابن عباس: كانوا يتشاءمون بذلك اليوم. # وقال الزجاج: قيل: في يوم الأربعاء، في آخر الشهر. # تنزع الناس تقلعهم من الأرض من تحت أقدامهم، فتصرعهم على الأرض موتى، ~~{كأنهم أعجاز نخل} [القمر: 20] جمع عجز، وهو مؤخر الشيء، منقعر منقلع ساقط، ~~يقال: قعرت النخلة إذا قعلتها من أصلها، حتى تسقط وقد انقعرت هي. # شبههم في طول قاماتهم حين صرعتهم الريح، وكبتهم على وجوههم، بالنخيل ~~الساقطة على الأرض التي ليست لها رءوس، وذلك أن الريح قلعت رءوسهم أولا، ثم ~~كبتهم على وجوههم. # {كذبت ثمود بالنذر {23} فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال ~~وسعر {24} أؤلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر {25} سيعلمون غدا من ~~الكذاب الأشر {26} إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر {27} ونبئهم ~~أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر {28} فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر {29} ~~فكيف كان عذابي ونذر {30} إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم ~~المحتظر {31} ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر {32} } [القمر: 23-32] ~~. # قوله: {كذبت ثمود بالنذر} [القمر: 23] بالإنذار الذي جاءهم به صالح. # {فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه} [القمر: 24] أي: هو آدمي مثلنا، وهو واحد ~~فلا نكون له تبعا، إنا إذا إن فعلنا ذلك، لفي ضلال خطأ، وذهاب عن # PageV04P210 # الحق، وسعر شقاء وعناء، وشدة عذاب مما يلزمنا من طاعته، وقال عطاء، عن ~~ابن عباس: وجنون من قولهم: ناقة مسعورة، إذا كان بها جنون. # ثم أنكروا أن يكون الوحي يأتيه، فقالوا: {أؤلقي الذكر عليه من بيننا} ~~[القمر: 25] كيف خص من بيننا بالنبوة والوحي، {بل هو كذاب} [القمر: 25] ~~فيما يقول، أشر بطر متكبر، يريد أن يتعظم علينا بالنبوة. # قال الله ms1785 تعالى: {سيعلمون غدا} [القمر: 26] حين ينزل بهم العذاب، وقال ~~الكلبي: يعني: يوم القيامة. # {من الكذاب الأشر} [القمر: 26] أهم، أم صالح؟ {إنا مرسلو الناقة} [القمر: ~~27] قال ابن عباس: إنهم تعنتوا على صالح، فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقة ~~حمراء عشراء، تضع لهم، ثم ترد ماءهم فتشربه، ثم تغدون عليهم بمثله لبنا. # فقال الله تعالى: {إنا مرسلو الناقة} [القمر: 27] أي: باعثوها بإنشائها، ~~فتنة لهم محنة واختبارا، فارتقبهم فانتظر، ما هم صانعون واصطبر على ما ~~يصيبك من الأذى. # {ونبئهم أن الماء قسمة بينهم} [القمر: 28] بين ثمود وبين الناقة، يوم لها ~~ويوم لهم، وهو قوله: {كل شرب محتضر} [القمر: 28] يحضر القوم يوما، وتحضر ~~الناقة يوما، وحضر واحتضر واحد. # فنادوا صاحبهم قدار بن سالف عاقر الناقة، فتعاطى تناول الناقة بالعقر، ~~فعقر وقد مضى تفسير العقر. # {إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة} [القمر: 31] قال عطاء: يريد: صيحة جبريل ~~عليه السلام. # {فكانوا كهشيم المحتظر} [القمر: 31] الهشيم: حطام الشجر والبقل، ~~والمحتظر: الذي يتخذ لغنمه حظيرة، يمنعها من برد الريح، يقال: احتظر على ~~غنمه، إذا جمع الشجر، ووضع بعضها فوق بعض، قال الزجاج: كانوا كالهشيم الذي ~~يجمعه صاحب الحظيرة. # والمعنى: أنهم بادوا وأهلكوا، فصاروا كيبيس الشجر إذا تحطم. # PageV04P211 # {كذبت قوم لوط بالنذر {33} إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم ~~بسحر {34} نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر {35} ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا ~~بالنذر {36} ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر {37} ~~ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر {38} فذوقوا عذابي ونذر {39} ولقد يسرنا ~~القرءان للذكر فهل من مدكر {40} } [القمر: 33-40] . # {إنا أرسلنا عليهم حاصبا} [القمر: 34] قال ابن عباس: يريد: ما حصبوا به ~~من السماء من الحجارة. # قال أبو عبيدة، والنضر: الحاصب: الحجارة في الريح. # وقد يكون الحاصب: الرامي، ويكون المعنى على هذا: إنا أرسلنا عليهم عذابا ~~يحصبهم يرميهم بحجارة، {إلا آل لوط} [القمر: 34] يعني: لوطا وبنتيه، ~~نجيناهم بسحر من ذلك العذاب الذي أصاب قومه. # {نعمة من عندنا} [القمر: 35] للإنعام عليهم، كذلك كما أنعمنا عليهم، ~~{نجزي من شكر} [القمر: 35] قال مقاتل: من ms1786 وحد الله، لم يعذب مع المشركين. # ولقد أنذرهم لوط، بطشتنا أخذنا إياهم بالعذاب، فتماروا بالنذر أي: شكوا ~~بالإنذار، ولم يصدقوه. # {ولقد راودوه عن ضيفه} [القمر: 37] طلبوا أن يسلم إليهم أضيافه، فطمسنا ~~أعينهم وهو أن جبريل عليه السلام صفق أعينهم بجناحه صفقة فأذهبها، والقصة ~~مذكورة في { [هود وتم الكلام، ثم قال: فذوقوا أي: فقلنا لقوم لوط لما ~~أرسلنا عليهم العذاب: ذوقوا، عذابي ونذر وما أنذركم به لوط من العذاب، سمي ~~العذاب باسم الإنذار. # ] ولقد صبحهم بكرة} [سورة القمر: 38] أتاهم صباحا، عذاب مستقر نازل بهم، ~~قال مقاتل: استقر بهم العذاب بكرة. # {ولقد جاء آل فرعون النذر {41} كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز ~~مقتدر {42} أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر {43} أم يقولون ~~نحن جميع منتصر {44} سيهزم الجمع ويولون الدبر {45} بل الساعة موعدهم ~~والساعة أدهى وأمر {46} } [القمر: 41-46] . # {ولقد جاء آل فرعون} [القمر: 41] يعني: القبط، النذر يجوز أن يكون بمعنى: ~~الإنذار، ويجوز أن يكون: جمع نذير، وهي الآيات التي أنذرهم بها موسى، وذلك ~~قوله: {كذبوا بآياتنا كلها # PageV04P212 # فأخذناهم} [القمر: 42] بالعذاب، أخذ عزيز غالب في انتقامه، مقتدر قادر ~~على إهلاكهم. # ثم خوف كفار مكة، فقال: أكفاركم يا معشر العرب، خير أشد وأقوى، من أولئكم ~~وهذا استفهام معناه: الإنكار، أي: ليسوا أقوى من قوم نوح، وعاد، وثمود وقد ~~أهلكناهم، {أم لكم براءة في الزبر} [القمر: 43] يقول: ألكم براءة من العذاب ~~في الكتب، أنه لن يصيبكم ما أصاب الأمم الخالية. # {أم يقولون نحن جميع منتصر} [القمر: 44] قال الكلبي: نحن جميع أمرنا ~~ننتصر من أعدائنا. # والمعنى: نحن يد واحدة على من خالفنا، ننتصر ممن عادانا، فيدلون بقوة ~~واجتماع عليك، ووحد المنتصر للفظ الجميع وهو واحد في اللفظ، وإن كان اسما ~~للجماعة، كالرهط والجيش. # قال الله تعالى: سيهزم الجمع يعني: جميع كفار مكة، ويولون الدبر ينهزمون، ~~فيولونكم أدبارهم في الهزيمة، أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، ~~أنه يظهره عليهم ويهزمهم، فكانت هذه الهزيمة يوم بدر. # ثم قال: {بل الساعة موعدهم} [القمر: 46] يعني: أن موعد الجميع ms1787 للعذاب يوم ~~القيامة، والساعة أدهى أعظم في الضر، وأفظع من الدهاء، وهو النكر والفظاعة، ~~وأمر أشد مرارة من القتل، والأسر في الدنيا. # {إن المجرمين في ضلال وسعر {47} يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس ~~سقر {48} إنا كل شيء خلقناه بقدر {49} وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ~~{50} ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر {51} وكل شيء فعلوه في الزبر {52} ~~وكل صغير وكبير مستطر {53} إن المتقين في جنات ونهر {54} في مقعد صدق عند ~~مليك مقتدر {55} } [القمر: 47-55] . # قوله تعالى: {إن المجرمين في ضلال وسعر} [القمر: 47] . ### | 1146 - # حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج إملاء، أنا أبو محمد عبد ~~الله بن محمد بن موسى الكعبي، نا حمدان بن صالح الأشج، نا عبد الله بن عبد ~~العزيز بن أبي رواد، نا سفيان الثوري، وأخبرنا أبو بكر التميمي، نا عبد ~~الله بن محمد الحافظ، نا عبدان، نا أبو بكر بن أبي شيبة، ويعقوب الدورقي، ~~قالا: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن زياد بن إسماعيل المخزومي، عن محمد بن عباد ~~بن جعفر، عن أبي هريرة، قال: جاء مشركو قريش يخاصمون النبي صلى الله عليه ~~وسلم في القدر، فأنزل الله تعالى {إن المجرمين في ضلال وسعر} [القمر: 47] ~~{يوم يسحبون # PageV04P213 # في النار} [القمر: 48] إلى قوله {خلقناه بقدر} [القمر: 49] رواه مسلم، عن ~~أبي بكر بن أبي شيبة ### | 1147 - # أشهد بالله لقد أخبرنا أبو الحارث محمد بن عبد الرحيم الحافظ، قال: أشهد ~~بالله لقد أخبرنا أبو نعيم أحمد بن محمد بن إبراهيم البزار، قال: أشهد ~~بالله لسمعت علي بن جندل، يقول: أشهد بالله لسمعت أبا الحسن محمد بن أحمد ~~بن أبي خراسان، يقول: أشهد بالله لسمعت عبد الله بن الصقر الحافظ، يقول: ~~أشهد بالله لسمعت عفير بن معدان، يقول: أشهد بالله لسمعت سليم بن عامر، ~~يقول: أشهد بالله لسمعت أبا أمامة الباهلي، يقول: أشهد بالله لسمعت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن هذه الآية نزلت في القدرية» {إن ~~المجرمين في ضلال وسعر {47} يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر ms1788 ~~{48} } [القمر: 47-48] . ### | 1148 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا أبو الشيخ الحافظ، أنا أبو بكر بن أبي ~~عاصم، نا علي بن ميمون، نا عبد الله بن خالد وهو عبدون القرقساني، نا عبد ~~الله بن يزيد، عن الحسن البصري، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: " مجوس هذه الأمة القدرية وهم المجرمون الذين ~~سماهم الله تعالى {إن المجرمين في ضلال وسعر {47} يوم يسحبون في النار على ~~وجوههم} [القمر: 47-48] # PageV04P214 ### | 1149 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو محمد بن حيان، نا إبراهيم بن علي عن ~~محمد بن زياد الزيادي، نا أبو العاص أمية بن عتبة، حدثني بقية، حدثني صفوان ~~بن عمرو السكسكي، حدثني جبير بن نفير، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله ~~عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة ~~أمر مناديا ينادي نداء يسمعه الأولون والآخرون أين خصماء الله، فيقوم ~~القدرية فيؤمهم إلى النار» # يقول الله تعالى {ذوقوا مس سقر {48} إنا كل شيء خلقناه بقدر {49} } ~~[القمر: 48-49] . # وإنما سموا خصماء الله، لأنهم يقولون: يكتب الله علينا المعاصي ثم ~~يعذبنا. # هذا ما لا يكون أبدا، يخاصمون في أنه لا يجوز أن يقدر المعصية على العبد ~~ثم يعذبه عليها، فقوله تعالى: إن المجرمين يريد: القدرية المشركين، ~~وإخوانهم من قدرية هذه الأمة، {في ضلال وسعر} [القمر: 47] ذهاب عن طريق ~~الجنة في الدنيا، وسعر ونار متسعرة في الآخرة. # {يوم يسحبون} [القمر: 48] يجرون في النار، على وجوههم ويقال لهم: {ذوقوا ~~مس سقر} [القمر: 48] أصابتهم إياهم بعذابها، وحرها. # {إنا كل شيء خلقناه بقدر} [القمر: 49] أي: كل ما خلقناه فمقدور، مكتوب في ~~اللوح المحفوظ قبل وقوعه. ### | 1150 - # أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الملك بن يوسف الفارسي، أنا محمد بن محمد ~~بن أحمد بن إسحاق، أنا محمد بن إسحاق السراج، نا قتيبة، نا مالك، عن زياد ~~بن سعد، عن عمرو بن مسلم، عن طاوس، قال: # PageV04P215 # سمعت ابن عمر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل شيء بقدر حتى ~~العجز ms1789 والكيس» رواه مسلم، عن قتيبة # وقال ابن عباس: كل شيء بقدر حتى وضعك يدك على خدك. # {وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر} [القمر: 50] قال عطاء، عن ابن عباس: ~~يريد: أن قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر. # وقال الكلبي، عنه: وما أمرنا بمجيء الساعة في السرعة إلا كلمح البصر. # ومعنى اللمح: النظر بالعجلة. # {ولقد أهلكنا أشياعكم} [القمر: 51] أشباهكم، ونظراءكم في الكفر من الأمم ~~الماضية، {فهل من مدكر} [القمر: 51] متعظ، يعلم أن ذلك حق فيخاف، ويعتبر. # ثم أخبر أن جميع ما فعلته الأمم قبلهم كان مكتوبا عليهم، فقال: {وكل شيء ~~فعلوه في الزبر} [القمر: 52] قال مقاتل: مكتوب عليهم في اللوح المحفوظ. # {وكل صغير وكبير} [القمر: 53] من الخلق، والأعمال، مستطر مكتوب على ~~فاعليه، قبل أن يفعلوه. # قوله: {إن المتقين في جنات ونهر} [القمر: 54] أراد: أنهارا، يعني: أنهار ~~الجنة من الماء، والخمر، واللبن، والعسل، فوحد لوفاق الفواصل. # {في مقعد صدق} [القمر: 55] في مجلس حسن، {عند مليك مقتدر} [القمر: 55] ~~عند ملك قادر، لا يعجزه شيء، والمعنى: في المكان الذي كرمه لأوليائه. # PageV04P216 ### | تفسير سورة الرحمن # وهي سبعون وثماني آيات، مكية. ### | 1151 - # أخبرنا أبو عثمان الزعفراني، أنا أبو عمرو السجستاني، نا إبراهيم بن ~~شريك، عن أحمد بن يونس، نا المدايني، نا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن ~~أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «ومن قرأ سورة الرحمن رحم الله ضعفه وأدى شكر ما أنعم الله عليه» # بسم الله الرحمن الرحيم {الرحمن {1} علم القرءان {2} خلق الإنسان {3} ~~علمه البيان {4} الشمس والقمر بحسبان {5} والنجم والشجر يسجدان {6} والسماء ~~رفعها ووضع الميزان {7} ألا تطغوا في الميزان {8} وأقيموا الوزن بالقسط ولا ~~تخسروا الميزان {9} والأرض وضعها للأنام {10} فيها فاكهة والنخل ذات ~~الأكمام {11} والحب ذو العصف والريحان {12} فبأي آلاء ربكما تكذبان {13} } ~~[الرحمن: 1-13] . # {الرحمن {1} علم القرءان {2} } [الرحمن: 1-2] قال الكلبي: علم القرآن ~~محمدا صلى الله عليه وسلم، وعلمه محمد صلى الله عليه وسلم أمته. # وقال الزجاج: معنى علم القرآن: يسره لأن يذكر. # خلق الإنسان يعني ms1790: آدم. # علمه البيان أسماء كل شيء، ويقال: الإنسان اسم للجنس، ومعناه: الناس ~~جميعا، علمه البيان النطق، والكتابة، والخط، والفهم والإفهام، حتى عرف ما ~~يقول، وما يقال له، وهذا قول أبي العالية، ومرة، وابن زيد، والحسن، والسدي. # {الشمس والقمر بحسبان} [الرحمن: 5] يجريان بحساب، ومنازل لا يعدوانهما، ~~وهما يدلان على عدد الشهور والسنين، # PageV04P217 # والأوقات. # والنجم يعني: نبت الأرض مما ليس له ساق، والشجر ما كان له ساق، يبقى في ~~الشتاء، يسجدان يعني: سجود ظلالهما، كقوله: {يتفيأ ظلاله عن اليمين ~~والشمائل سجدا لله} [النحل: 48] ، وكقوله: {ألم تر أن الله يسجد له من في ~~السموات} [الحج: 18] إلى قوله: والنجوم. # والسماء رفعها فوق الأرض، ووضع الميزان يعني: آلة الوزن، ليتوصل به إلى ~~الإنصاف والانتصاف، وقال الزجاج، وصاحب النظم: المراد بالميزان: العدل. # والمعنى: أنه أمر بالعدل، يدل عليه قوله: {ألا تطغوا في الميزان} ~~[الرحمن: 8] أي: لا تجاوزوا العدل. # {وأقيموا الوزن بالقسط} [الرحمن: 9] قال عطاء: لا تخونوا من وزنتم له، ~~أقيموا لسان الميزان بالعدل. # {ولا تخسروا الميزان} [الرحمن: 9] لاتنقصوا، ولا تبخسوا الوزن. # {والأرض وضعها للأنام} [الرحمن: 10] بسطها على الماء، لجميع الخلق الذين ~~ثبتهم فيها. # فيها فاكهة يعني: ما يتفكه من ألوان الثمار، {والنخل ذات الأكمام} ~~[الرحمن: 11] الأوعية والغلف، وثمرها يكون في غلف ما لم ينشق. # والحب يريد: جميع الحبوب، مما يحرث في الأرض من الحنطة، والشعير، ~~وغيرهما، ذو العصف يعني: الورق، فإذا يبس وديس صار تبنا، وقال السدي، ~~والفراء: هو بقل الزرع، وهو أول ما ينبت منه. # قال ابن كيسان: يبدو أولا ورقا وهو العصف، ثم يبدو له ساق، ثم يحدث الله ~~فيه أكماما، ثم يحدث الله في الأكمام حبا. # وقوله: والريحان يعني: الرزق في قول الأكثرين، وقال الحسن، وابن زيد: هو ~~ريحانكم الذي يشم. # وقرأ ابن عامر: والحب ذا العصف حمله على قوله: والأرض وضعها المعنى: وخلق ~~الحب، والوجه الرفع نسقا على قوله: {فيها فاكهة والنخل} [الرحمن: 11] ، ~~والحب أي: وفيها الحب والريحان، وقرأ حمزة بالخفض حملا على ذو كأنه قيل: ~~والحب ذو العصف وذو الريحان، وهو ms1791 رزق الناس والعصف رزق # PageV04P218 # الدواب، فذكر قوت الناس والأنعام. # ثم خاطب الجن والإنس، بقوله: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} [الرحمن: 13] فبأي ~~نعم ربكما تكذبان من هذه الأشياء المذكورة؟ لأنها كلها منعم عليكم بها، ~~وكررت هذه الآية في هذه السورة، تقريرا للنعمة، وتأكيدا في التذكير بها، ~~على عادة العرب في الإبلاغ والإشباع. ### | 1152 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي، أنا أبو الحسين محمد بن محمد ~~بن يعقوب، أنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، ومحمد بن الفيض، ومحمد بن ~~خزيم، أن هشام بن عمار حدثهم، نا الوليد بن مسلم، نا زهير بن محمد، عن محمد ~~بن المذكور، عن جابر بن عبد الله، قال: قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم سورة الرحمن حتى ختمها، ثم قال: " ما لي أراكم سكوتا للجن كانوا أحسن ~~منكم ردا، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة {فبأي آلاء ربكما تكذبان} ~~[الرحمن: 13] إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد ". # رواه الحاكم في صحيحه عن أحمد بن محمد بن مهران، عن أبيه، عن هشام. # {خلق الإنسان من صلصال كالفخار {14} وخلق الجان من مارج من نار {15} فبأي ~~آلاء ربكما تكذبان {16} رب المشرقين ورب المغربين {17} فبأي آلاء ربكما ~~تكذبان {18} مرج البحرين يلتقيان {19} بينهما برزخ لا يبغيان {20} فبأي ~~آلاء ربكما تكذبان {21} يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان {22} فبأي آلاء ربكما ~~تكذبان {23} وله # PageV04P219 # الجوار المنشآت في البحر كالأعلام {24} فبأي آلاء ربكما تكذبان {25} } ~~[الرحمن: 14-25] . # قوله: {خلق الإنسان من صلصال} [الرحمن: 14] تقدم تفسيره في { [الحجر،] ~~كالفخار} [سورة الرحمن: 14] وهو: الخزف الذي طبخ بالنار، معناه: من طين ~~يبسه كالخزف. # {وخلق الجان} [الرحمن: 15] يعني: أبا الجن، {من مارج من نار} [الرحمن: ~~15] وهو الصافي من لهب النار. # رب المشرقين يعني: مشرق الصيف، ومشرق الشتاء، وكذلك: المغربين. # {مرج البحرين يلتقيان} [الرحمن: 19] تفسير هذه الآية، والتي بعدها قد ~~تقدم في { [الفرقان، والمعنى: أن الله تعالى ذكر عظيم قدرته، حيث خلق ~~البحرين العذب والمالح، يلتقيان ثم لا يختلط أحدهما بالآخر، وهو قوله: ~~بينهما برزخ أي: حاجز من ms1792 قدرة الله تعالى، لا يبغيان فلا يبغي المالح على ~~العذب فيفسده، ولا العذب على المالح فيختلط به. # قوله: يخرج منهما أكثر القراء على يخرج بضم الياء، من الإخراج، لأنه يخرج ~~ولا يخرج بنفسه، ومن قرأ يخرج فهو اتساع، وذلك أنه إذا أخرج خرج، وقال: ~~منهما وإنما يخرج من المالح دون العذب، ولكن الله تعالى ذكرهما جميعا، ~~وجمعهما وهما بحر واحد، فإذا خرج من أحدهما، فقد خرج منهما، هذا قول ~~الزجاج. # وقال أبو علي الفارسي: أراد: من أحدهما، فحذف المضاف. # وقوله: اللؤلؤ والمرجان قال الفراء: اللؤلؤ: العظام، والمرجان: ما صغر. # وهو قول جميع أهل اللغة، وقال عطاء: اللؤلؤ: الكبير، والمرجان: الصغير. # وذكر مقاتل على الضد من هذا، وهو قول مجاهد، والسدي. # وله الجوار يعني: السفن الجارية في الماء، المنشآت المرفوعات، وهي التي ~~رفع خشبها بعضها على بعض فركب، حتى ارتفعت وطالت، والوجه فتح الشين، ومن ~~كسر أراد: المنشئات السير، أي: اللاتي ابتدأن وأنشأن السير، وقوله: ~~كالأعلام أي: كالجبال، والعلم: الجبل الطويل، قال مقاتل: شبه السفن في ~~البحر، كالجبال في البر. # PageV04P220 # [كل من عليها فان {26} ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام {27} فبأي آلاء ~~ربكما تكذبان {28} يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن {29} فبأي ~~آلاء ربكما تكذبان {30} } [سورة الرحمن: 26-30] . # {كل من عليها} [الرحمن: 26] على الأرض، {فان} [الرحمن: 26] هالك، يعني: ~~أن كل من دب ودرج على الأرض من حيوان، فهو فان هالك، يفنى ولا يبقى. # {ويبقى وجه ربك} [الرحمن: 27] أي: ربك الظاهر بأدلته، ظهور الإنسان ~~بوجهه، {ذو الجلال} [الرحمن: 27] العظمة والكبرياء، واستحقاق الصفات ~~بإحسانه، وإنعامه، {والإكرام} [الرحمن: 27] إكرامه أنبياءه وأولياءه، فهو ~~مكرمهم بلطفه مع جلاله وعظمته. # {يسأله من في السموات والأرض} [الرحمن: 29] قال قتادة: لا يستغني عنه أهل ~~السماء، ولا أهل الأرض. # وقال أبو صالح: يسأله من في السموات الرحمة، ويسأله من في الأرض المغفرة ~~والرزق. # وقال مقاتل: يسأل أهل الأرض الرزق والمغفرة، وتسأل الملائكة لهم أيضا ~~الرزق والمغفرة. # {كل يوم هو في شأن} [الرحمن: 29] قال المفسرون: من شأنه أنه يحيي ms1793 ويميت، ~~ويرزق، ويعز ويذل، ويشفي مريضا، ويجيب داعيا، ويعطي سائلا، ويغفر ذنبا، ~~ويكشف كربا، إلى ما لا يحصى من أفعاله، وأحداثه في خلقه ما يشاء. ### | 1153 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا يحيى بن منصور القاضي، نا ~~أحمد بن عثمان النسوي، نا هشام بن عمار، نا الوزير بن صبيح، نا يونس بن ~~حلبس، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ~~{كل يوم هو في شأن} [الرحمن: 29] قال: من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ~~ويرفع قوما ويضع آخرين. # PageV04P221 ### | 1154 - # أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم، نا محمد بن أحمد بن عبدوس ~~النحوي إملاء، أنا أبو حامد البلالي، نا يحيى بن الربيع، نا سفيان بن ~~عيينة، نا أبو حمزة الثمالي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إن مما ~~خلق الله عز وجل لوحا من درة بيضاء وقناة من ياقوتة حمراء، قلمه نور وكتابه ~~نور ينظر الله فيه كل يوم ثلاث مائة وستين نظرة يخلق ويرزق، ويحيي ويميت ~~ويعز ويذل ويفعل ما يشاء. # {سنفرغ لكم أيها الثقلان {31} فبأي آلاء ربكما تكذبان {32} يا معشر الجن ~~والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون ~~إلا بسلطان {33} فبأي آلاء ربكما تكذبان {34} يرسل عليكما شواظ من نار ~~ونحاس فلا تنتصران {35} فبأي آلاء ربكما تكذبان {36} } [الرحمن: 31-36] . # {سنفرغ لكم} [الرحمن: 31] هذا وعيد من الله تعالى للخلق بالمحاسبة، ولا ~~يشغله شأن عن شأن، وإنما حسن لفظ الفراغ لسبق ذكر الشأن، والمعنى: سنترك ~~ذلك الشأن إلى هذا، قال الزجاج: سنقصد لحسابكم. # وهذا قول ابن الأعرابي، واختيار أبي علي الفارسي، قال: ليس الفراغ ههنا ~~فراغا من شغل، ولكن تأويله القصد. # والمفسرون على أن هذا تهديد منه لبعاده، وقرئ بالياء سيفرغ لتقدم قوله: ~~{وله الجوار} [الرحمن: 24] ، {ويبقى وجه ربك} [الرحمن: 27] ، وقوله: {أيه ~~الثقلان} [الرحمن: 31] يعني: الجن والإنس، يدل عليه قوله: {يا معشر الجن ~~والإنس إن استطعتم أن تنفذوا} [الرحمن: 33] أي: تخرجوا، يقال: نفذ الشيء من ~~الشيء ms1794 إذا أخلص منه، كالسهم ينفذ من الرمية، {من أقطار السموات والأرض} ~~[الرحمن: 33] جوانبها ونواحيها، واحدها: قطر، والمعنى: إن استطعتم أن ~~تهربوا من الموت، بالخروج من أقطار السموات والأرض، فاهربوا واخرجوا منها، ~~والمعنى: أنكم حيث ما كنتم أدرككم الموت، كما قال الله # PageV04P222 # تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت} [النساء: 78] ، ولن تستطيعوا أن ~~تهربوا منه، {لا تنفذون إلا بسلطان} [الرحمن: 33] يقول: إلا بملكي، أي: حيث ~~توجهتم فتم ملكي، وأنا آخذكم بالموت، ومعنى السلطان: القوة التي يتسلط بها ~~على الأمر، ثم الملك، والقدرة، والحجة كلها سلطان. # قوله: {يرسل عليكما شواظ من نار} [الرحمن: 35] جاء في الخبر: يحاط على ~~الخلق بلسان من نار، ثم ينادون: يا معشر الجن والإنس، {إن استطعتم} ~~[الرحمن: 33] الآية، وذلك قوله: {يرسل عليكما شواظ من نار} [الرحمن: 35] ~~والشواظ: اللهب الذي لا دخان معه، وقرأ ابن كثير بكسر الشين، وهو لغة أهل ~~مكة، ومثله صوار من بقي وصوار، وقوله: {ونحاس} [الرحمن: 35] وهو الدخان، ~~وهو قول ابن عباس في رواية عطاء، والكلبي، وسعيد بن جبير، والوالبي، وأكثر ~~القراء فيه على الرفع، بالعطف على قوله: {شواظ} [الرحمن: 35] والمعنى: يرسل ~~عليكما شواظ، ويرسل نحاس، أي: يرسل هذا مرة وهذا مرة، ويجوز أن يرسلا معا ~~من غير أن يختلط أحدهما بالآخر، وقرئ بالكسر وهو ضعيف، لأنه لا يمكن أن ~~يعطف به على نار، في قوله: من نار لأنه لا يكون شواظ من نحاس، قال أبو علي: ~~وهو يجوز من وجه، على أن تقديره: يرسل عليكما شواظ من نار، وشيء من نحاس، ~~على أنه قد حكي أن الشواظ لا يكون إلا من النار والدخان جميعا. # ونحو هذا حكي عن أبي عمرو، وقوله: {فلا تنتصران} [الرحمن: 35] أي: لا ~~تمتنعان من الله، ولا يكون لكم ناصر منه. # {فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان {37} فبأي آلاء ربكما تكذبان {38} ~~فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان {39} فبأي آلاء ربكما تكذبان {40} يعرف ~~المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام {41} فبأي آلاء ربكما تكذبان ~~{42} هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون {43} يطوفون بينها وبين حميم ms1795 آن {44} ~~فبأي آلاء ربكما تكذبان {45} } [الرحمن: 37-45] . # {فإذا انشقت السماء} [الرحمن: 37] لنزول الملائكة، {فكانت وردة} [الرحمن: ~~37] كلون الفرس الورد، وهو الأبيض الذي يضرب إلى الحمرة والصفرة، قال ~~قتادة: هي اليوم خضراء كما ترون، ولها يوم القيامة لون # PageV04P223 # آخر إلى الحمرة. # {كالدهان} [الرحمن: 37] جمع دهن، قال الفراء: شبه تلون السماء بتلون ~~الوردة من الخيل، وشبه الوردة في اختلاف ألوانها، بالدهن واختلاف ألوانه. # وهذا قول الضحاك، ومجاهد، وقتادة، والربيع. # {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه} [الرحمن: 39] يعني: لا يسأل لتعرف ذلك بالمسألة ~~من جهته، لأن الله تعالى قد أحصى الأعمال، وحفظها على العباد، فلا يسألون ~~سؤال استفهام، ولكن يسألون سؤال تقريع وتوبيخ. # {يعرف المجرمون بسيماهم} [الرحمن: 41] قالوا: بسواد الوجوه، وزرقة ~~الأعين، يدل على هذا قوله: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} [آل عمران: 106] ، ~~وقوله: {ونحشر المجرمين يومئذ زرقا} [طه: 102] ، {فيؤخذ بالنواصي والأقدام} ~~[الرحمن: 41] تجعل الأقدام مضمومة إلى النواصي من خلف، ويلقون في النار، ~~روى الحسن، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ~~«والذي نفسي بيده، لقد خلقت ملائكة جهنم قبل أن تخلق جهنم بألف عام، فهم كل ~~يوم يزدادون قوة إلى قوتهم، حتى يقبضوا على من قبضوا عليه بالنواصي ~~والأقدام، فيستجير بالله منهم ومن جهنم» . # أخبرنا أبو نصر الجوزقي، أنا بشر بن أحمد، نا محمد بن موسى الحلواني، نا ~~الفضل بن زياد، نا مروديه الصايغ، قال: صلى بنا الإمام صلاة الصبح، فقرأ { ~~[الرحمن ومعنا علي بن الفضيل بن عياض، فلما قرأ الإمام:] يعرف المجرمون ~~بسيماهم} [سورة الرحمن: 41] الآية، خر علي مغشيا عليه، ففرغنا من الصلاة، ~~فلما كان بعد ذلك قلنا له: يا علي، أما سمعت الإمام يقول: {حور مقصورات في ~~الخيام} [الرحمن: 72] . # قال: شغلني عنها: {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام} ~~[الرحمن: 41] . # قوله: هذه جهنم أي: يقال لهم: هذه جهنم التي كنتم تكذبون بها، أي: أنها ~~لا تكون. # ثم أخبر عن حالهم فيها، فقال: {يطوفون بينها وبين حميم آن} [الرحمن: 44] ~~قال الفراء: هو الذي قد انتهى حره. # قال الزجاج ms1796: أنى # PageV04P224 # يأني فهو آن إذا انتهى في النضج والحرارة. # وقال الحسن: قد بلغ منتهى حره. # والمعنى: أنهم يسعون بين عذاب الجحيم وعذاب الحميم، فإذا استغاثوا من ~~النار، جعل غياثهم الحميم الآني، الذي قد صار كالمهل، وهو قوله: {وإن ~~يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل} [الكهف: 29] الآية. # وكل ما ذكر الله تعالى من قوله: {كل من عليها} [الرحمن: 26] إلى ههنا ~~مواعظ ومزاجر، وتهديد وتخويف، وهي كلها نعمة من الله تعالى الانزجارية عن ~~المعاصي، ولذلك ختم كل آية بقوله: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} [الرحمن: 28] . # ثم ذكر ما أعده لمن اتقاه وخافه، فقال: {ولمن خاف مقام ربه جنتان {46} ~~فبأي آلاء ربكما تكذبان {47} ذواتا أفنان {48} فبأي آلاء ربكما تكذبان {49} ~~فيهما عينان تجريان {50} فبأي آلاء ربكما تكذبان {51} فيهما من كل فاكهة ~~زوجان {52} فبأي آلاء ربكما تكذبان {53} } [الرحمن: 46-53] . # {ولمن خاف مقام ربه} [الرحمن: 46] أي: مقامه بين يدي ربه للحساب، فترك ~~المعصية والشهوة، قال مجاهد: هو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله، فيدعها. # جنتان قال مقاتل: يعني: جنة عدن وجنة النعيم. # وقال الضحاك: هذا لمن راقب الله في السر والعلانية بعمله، فما عرض له من ~~محرم تركه من خشية الله، وما عمل من خير أفضى به إلى الله، لا يحب أن يطلع ~~عليه أحد فله جنتان. # وقال قتادة: إن المؤمنين خافوا ذلك المقام، فعملوا لله، ودأبوا له بالليل ~~والنهار. ### | 1155 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، أنا أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي، ~~أنا محمد بن يونس القرشي، نا أبو العباس البصري، نا محمد بن عثمة، نا محمد ~~بن جعفر الأنصاري، عن محمد بن أبي حرملة، عن عطاء بن يسار، عن أبي الدرداء، ~~عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل {ولمن خاف مقام ربه جنتان} ~~[الرحمن: 46] ، # PageV04P225 # قال: قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ ~~قال: وإن زنى وإن سرق، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، وإن ~~رغم أنف أبي الدرداء # ثم وصف الجنتين، فقال: ذواتا أفنان ms1797 الأفنان: الأغصان، واحدها فنن وهو ~~الغصن المستقيم طولا، وهذا قول مجاهد، وعكرمة، وعطية , والكلبي، وقال ~~الزجاج: الأفنان: الألوان، واحدها فن وهو الضرب من كل شيء. # قال الضحاك: ذواتا ألوان من الفاكهة. # وهو قول سعيد بن جبير، وجمع عطاء بين القولين، فقال: يريد: في كل غصن ~~فنون من الفاكهة. # {فيهما عينان تجريان} [الرحمن: 50] قال الحسن: إحداهما السلسبيل، والأخرى ~~التسنيم. # {فيهما من كل فاكهة زوجان} [الرحمن: 52] أي: ضربان، وصنفان، ونوعان، ~~يعني: أن فيهما من كل ما يتفكه ضربين رطبا ويابسا، لا يقصر يابسه عن رطبه ~~في الفضل والطيب، ولا رطبه عن يابسه في العدم، كما يكون في الدنيا. # {متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان {54} فبأي آلاء ~~ربكما تكذبان {55} فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان {56} ~~فبأي آلاء ربكما تكذبان {57} كأنهن الياقوت والمرجان {58} فبأي آلاء ربكما ~~تكذبان {59} هل جزاء الإحسان إلا الإحسان {60} فبأي آلاء ربكما تكذبان {61} ~~} [الرحمن: 54-61] . # {متكئين} [الرحمن: 54] فيها، حال الذين ذكروا في قوله: {ولمن خاف مقام ~~ربه} [الرحمن: 46] ، {على فرش} [الرحمن: 54] جمع فراش، {بطائنها} [الرحمن: ~~54] جمع بطانة، وهي: التي تحت الظهارة، قال الزجاج: وهي ما يلي الأرض. # {من إستبرق} [الرحمن: 54] وهو كل ما غلظ من الديباج، قال ابن مسعود: ~~أخبرتم بالبطائن، فكيف بالظهاير؟ وقال أبو هريرة: هذه البطائن فما ظنكم ~~بالظواهر؟ وقيل لسعيد بن جبير: البطائن من إستبرق، فما الظواهر؟ فقال: هذا ~~مما قال الله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} [السجدة: 17] ~~. # وقال ابن عباس: وصف البطائن، وترك الظواهر، لأنه ليس في # PageV04P226 # الأرض أحد يعرف ما الظواهر. # وقوله: {وجنى الجنتين دان} [الرحمن: 54] الجنى: ما يجتنى من الثمار، قال ~~ابن عباس: تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله إن شاء قائما، وإن شاء قاعدا. # وقال قتادة: لا ترد أيديهم عنها بعد ولا شوك. # فيهن يعني: في الفرش التي ذكرها، ويجوز أن يكون في الجنان، لأنها معلومة ~~وإن لم يذكر، قاصرات الطرف قال قتادة: قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يردن ~~غيرهن. # وقال ابن زيد: إنها ms1798 تقول لزوجها: وعزة ربي ما أرى في الجنة شيئا أحسن ~~منك، فالحمد الله الذي جعلني زوجك، وجعلك زوجي. # لم يطمثهن قال الفراء: الطمث: الافتضاض، وهو النكاح بالتدمية، يقال: طمث ~~ويطمث وطمثت الجارية إذا افترعتها. # قال المفسرون: لم يطأهن، ولم يغشاهن، ولم يجامعهن. # قال مقاتل: لأنهن خلقن في الجنة، فعلى قوله: هؤلاء من حور الجنة. # وقال الشعبي: هن من نساء الدنيا، لم يمسسن منذ أنشئن خلقا. # وهو قول الكلبي: لم يجامعهن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنس ولا جان. # قال الزجاج: في هذه الآية دليل على أن الجني يغشى الإنس. # {كأنهن الياقوت والمرجان} [الرحمن: 58] أراد لهن صفاء الياقوت في بياض ~~المرجان. # {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن: 60] أي: ما جزاء من أحسن في ~~الدنيا إلا أن يحسن إليه في الآخرة، قال ابن عباس: هل جزاء من قال لا إله ~~إلا الله، وعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، إلا الجنة. ### | 1156 - # أخبرنا أبو الحسين علي بن أحمد بن الفضل، أنا عبد المؤمن بن خلف، نا ~~إسحاق بن إبراهيم بن بهرام، نا حجاج بن يوسف، نا قتيبة، نا بشر بن الحسين، ~~عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~هذه الآية {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن: 60] قال: هل تدرون ما ~~يقول ربكم، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن ربكم، يقول: هل جزاء من ~~أنعمنا عليه بالتوحيد إلا الجنة. # {ومن دونهما جنتان {62} فبأي آلاء ربكما تكذبان {63} مدهامتان {64} فبأي ~~آلاء ربكما تكذبان {65} فيهما # PageV04P227 # عينان نضاختان {66} فبأي آلاء ربكما تكذبان {67} فيهما فاكهة ونخل ورمان ~~{68} فبأي آلاء ربكما تكذبان {69} فيهن خيرات حسان {70} فبأي آلاء ربكما ~~تكذبان {71} حور مقصورات في الخيام {72} فبأي آلاء ربكما تكذبان {73} لم ~~يطمثهن إنس قبلهم ولا جان {74} فبأي آلاء ربكما تكذبان {75} متكئين على ~~رفرف خضر وعبقري حسان {76} فبأي آلاء ربكما تكذبان {77} تبارك اسم ربك ذي ~~الجلال والإكرام {78} } [الرحمن: 62-78] . # {ومن دونهما جنتان} [الرحمن: 62] أي: من دون الأوليين في الفضل، روى أبو ~~موسى، عن ms1799 النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، ~~وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما» . # ثم نعتهما، فقال: مدهامتان قال أبو عبيدة، والزجاج: من خضرتهما قد اسودتا ~~من الري وكل نبت أخضر، فتمام خضرته من الري أن يضرب إلى السواد، يقال: ~~ادهام الزرع إذا علاه السواد ريا ادهيماما فهو مدهام. # {فيهما عينان نضاختان} [الرحمن: 66] فوارتان، والنضخ: فوران الماء من ~~العين، قال ابن عباس: تنضخ على أولياء الله بالمسك، والعنبر، والكافور. # قوله: {فيهما فاكهة} [الرحمن: 68] يعني: ألوان الفاكهة، {ونخل ورمان} ~~[الرحمن: 68] حكى الزجاج، عن يونس النحوي، قال: وهو مثل الخليل في القدم ~~والحذق: أن الرمان والنخل من أفضل الفاكهة، وإنما فصلا بالواو لفضلهما، ~~واستشهد بقوله: {وملائكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة: 98] قال: فصلا ~~بالواو لفضلهما. # قال الأزهري: ما علمت أحدا من العرب، قال في النخيل، والكروم وثمارها ~~إنها ليست من الفاكهة، وإنما قال من قال ذلك، لقلة علمه بكلام العرب، وعلم ~~اللغة، وتأويل القرآن العربي المبين، والعرب تذكر أشياء جملة، ثم تخص شيئا ~~منها بالتسمية، تنبيها على فضل فيه، قال الله عز وجل: {من كان عدوا لله} ~~[البقرة: 98] إلى قوله: وميكال فمن قال: إنهما ليسا من الملائكة لإفراد ~~الله إياهما بالتسمية، فهو كافر، ومن قال ثمر النخل والرمان ليسا من ~~الفاكهة لإفراد الله إياهما بالتسمية بعد ذكر الفاكهة، فهو جاهل. # هذا كلام الأزهري. # قوله: فيهن يعني: في الجنان الأربع، خيرات جمع خيرة، قال المفسرون: خيرات ~~الأخلاق حسان الوجوه. # PageV04P228 ### | 1157 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، نا محمد بن يعقوب، نا بكر بن سهل، ~~نا عمرو بن هاشم البيروتي، نا سليمان بن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن ~~الحسن، عن أمه، عن أم سلمة، قالت: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن قول الله ~~عز وجل {فيهن خيرات حسان} [الرحمن: 70] قال: خيرات الأخلاق حسان الوجوه # {حور مقصورات} [الرحمن: 72] محبوسات، {في الخيام} [الرحمن: 72] يعني: ~~أنهن خدرن فيها، وهذا قول مقاتل، وأبي عبيدة، وقال المفسرون: قصرن على ~~أزواجهن، فلا يردن غيرهم. # والخيام ms1800 جمع خيم، وخيم جمع خيمة، وهي: أعواد تنصب وتظلل بالنبات، فتكون ~~أبرد من الأخبية، وأما خيام الجنة، فروى قتادة، عن ابن عباس، قال: الخيمة ~~درة مجوفة، فرسخ في فرسخ، فيها أربعة آلاف مصراع من ذهب. ### | 1158 - # أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق الثعالبي، أنا شعيب بن محمد، أنا مكي بن عبدان، ~~نا أبو الأزهر روح، عن همام، عن أبي عمران الجوني، أن أبا بكر بن عبد الله ~~بن قيس الأشعري أخبره، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا في كل زاوية منها أهل المؤمن ~~لا يراهم الآخرون» # {متكئين على رفرف # PageV04P229 # خضر} [الرحمن: 76] قال أبو عبيدة: الرفارف البسط. # وهو قول الضحاك، ومقاتل، والحسن، قالوا: المحابس والبسط. # وقال الزجاج: قالوا: الرفرف ههنا رياض الجنة، وقالوا: الرفرف: الوسائد، ~~وقالوا: الرفرف المحابس. # وقوله: {وعبقري} [الرحمن: 76] يعني: عتاق الزرابي، والطنافس المخملة ~~الموشية، قال أبو عبيدة: كل شيء من البسيط عبقري. # وعبقري ههنا جمع، واحدتها عبقرية، لذلك قال: {حسان} [الرحمن: 76] . # ثم ختم ال { [بما ينبغي أن يمجد به ويعظم، فقال:] تبارك اسم ربك ذي ~~الجلال والإكرام} [سورة الرحمن: 78] وقرأ ابن عباس: ذو الجلال إجراء على ~~الاسم، وذلك يدل على أن الاسم هو المسمى. # PageV04P230 ### | تفسير سورة الواقعة # وهي تسعون وست آيات. ### | 1159 - # أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الحيري، أنا محمد بن جعفر الحيري، نا أبو ~~إسحاق بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، عن ~~زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة الواقعة كتب ليس من الغافلين» . # أخبرنا عمرو بن أبي عمرو، أنا جدي، أنا محمد بن إسحاق الثقفي، نا قتيبة، ~~نا جرير، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن مسروق، قال: من أراد أن يعلم نبأ ~~الأولين والآخرين، ونبأ أهل الجنة، ونبأ أهل النار، ونبأ أهل الدنيا ~~والآخرة، فليقرأ { [الواقعة. # بسم الله الرحمن الرحيم] إذا وقعت ms1801 الواقعة {1} ليس لوقعتها كاذبة {2} ~~خافضة رافعة {3} إذا رجت الأرض رجا {4} وبست الجبال بسا {5} فكانت هباء ~~منبثا {6} وكنتم أزواجا ثلاثة {7} فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة {8} ~~وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة {9} والسابقون السابقون {10} أولئك ~~المقربون {11} في جنات النعيم {12} } [سورة الواقعة: 1-12] . # {إذا وقعت الواقعة} [الواقعة: 1] قال ابن عباس: إذا قامت القيامة. # والواقعة اسم للقيامة، كالآزفة وغيرها. # ليس لوقعتها لمجيئها وظهورها، كاذبة كذب، أي: أنها تقع صدقا وحقا، وليس ~~فيها، ولا في # PageV04P231 # الإخبار عن وقوعها كذب. # خافضة رافعة قال ابن عباس: تخفض ناسا، وترفع آخرين. # وقال عطاء عنه: تخفض أقواما كانوا في الدنيا مرتفعين، وترفع أقواما كانوا ~~في الدنيا متضعين. # وقال قتادة: خفضت أقواما في عذاب الله، ورفعت أقواما في كرامة الله. # والمعنى: أنها تخفض أقواما إلى أسفل سافلين في النار، وترفع أقواما آخرين ~~إلى أعلى عليين في الجنة. # {إذا رجت الأرض رجا} [الواقعة: 4] حركت حركة شديدة، قال قتادة، ومقاتل: ~~زلزلت زلزالا. # وقال جماعة من المفسرين: ترج كما يرج الصبي في المهد، حتى ينهدم كل بناء ~~عليها، وينكسر كل ما عليها من الجبال. # وهو قوله: {وبست الجبال بسا} [الواقعة: 5] قال عطاء: فتتت فتا. # وهذا قول مقاتل، ومجاهد، وقال السدي: كسرت كسرا. # وقال الحسن: قلعت من أصلها. # يقال: بس الشيء إذا فتته حتى يصير فتاتا. # {فكانت هباء منبثا} [الواقعة: 6] غبارا متفرقا، كالذي يرى في شعاع الشمس ~~إذا دخل من الكوة وهو الهباء. # ثم ذكر أحوال الناس، فقال: {وكنتم أزواجا ثلاثة} [الواقعة: 7] أي: أصنافا ~~ثلاثة. # ثم فسرها، فقال: فأصحاب الميمنة يعني: اليمين، وهم الذين يعطون كتبهم ~~بأيمانهم، ويجوز أن يراد بهم: الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، {ما ~~أصحاب الميمنة} [الواقعة: 8] تعجيب من شأنهم، كقولك: زيد ما زيد، ومثله: ~~{الحاقة {1} ما الحاقة {2} } [الحاقة: 1-2] . # {وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة} [الواقعة: 9] يعني: أصحاب الشمال، ~~وتفسير هذه الآية على الضد من تفسير التي قبلها. # {والسابقون السابقون} [الواقعة: 10] يعني: الذين سبقوا إلى توحيد الله، ~~والإيمان برسوله، وقال مقاتل: إلى الأنبياء بالإيمان. # {أولئك المقربون} [الواقعة: 11] إلى جزيل ثواب الله، وعظيم ms1802 كرامته، مثل ~~النبيين والمرسلين. # ثم أخبر أين محلهم، فقال: {في جنات النعيم} [الواقعة: 12] . # {ثلة من الأولين {13} وقليل من الآخرين {14} على سرر موضونة {15} متكئين ~~عليها متقابلين {16} يطوف عليهم ولدان مخلدون {17} بأكواب وأباريق وكأس من ~~معين {18} لا يصدعون عنها ولا ينزفون {19} وفاكهة مما يتخيرون {20} ولحم ~~طير مما يشتهون {21} وحور عين {22} كأمثال اللؤلؤ المكنون {23} جزاء بما ~~كانوا # PageV04P232 # يعملون {24} لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما {25} إلا قيلا سلاما سلاما ~~{26} } [الواقعة: 13-26] . # {ثلة من الأولين} [الواقعة: 13] يعني: من لدن آدم إلى زمان نبينا محمد ~~صلى الله عليه وسلم، والثلة: جماعة غير محصورة العدد، قال مقاتل: يعني: ~~سابق الأمم. # {وقليل من الآخرين} [الواقعة: 14] من هذه الأمة، قال الزجاج: الذين ~~عاينوا جميع النبيين، وصدقوا بهم، أكثر ممن عاين النبي صلى الله عليه وسلم. # {على سرر موضونة} [الواقعة: 15] منسوجة، كما توضن حلق الدرع، فيدخل بعضها ~~في بعض، قال المفسرون: منسوجة بقضبان الذهب. # {يطوف عليهم ولدان مخلدون} [الواقعة: 17] غلمان لا يهرمون، ولا يتغيرون، ~~قال الفراء: والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط: إنه لمخلد. # قال: ويقال: مخلدون مقرطون، يقال: خلد جاريته، إذ أخلدها بالخلد، وهي ~~القرطة. # قال ابن عباس: غلمان لا يموتون. # بأكواب هي الأقداح المستديرة الأفواه، لا آذان لها ولا عرى، والأباريق ~~ذات الخراطيم، واحدها: إبريق، وهو الذي برق لونه من صفائه. # وما بعد هذا مفسر في { [والصافات، إلى قوله: مما يتخيرون أي: يختارون، ~~يقال: تخيرت الشيء أخذت خيره. # ] ولحم طير مما يشتهون} [سورة الواقعة: 21] قال ابن عباس: يخطر على قلبه ~~الطير، فيصير ممثلا بين يديه على ما اشتهى. # وحور عين أكثر القراءة بالرفع على معنى: ولهم أو عندهم حور عين، ومن قرأ ~~بالخفض، فقال الفراء: هو وجه الكلام على أن يتبع آخر الكلام أوله، وإن لم ~~يحسن في الآخرة ما حسن في الأول، يعني: أنه عطف على الأول في الظاهر، وإن ~~لم يعطف في المعنى، كما قال الشاعر: # وزججن الحواجب والعيونا. # PageV04P233 # فعطف العيون على الحواجب وهي لا تتزجج، على معنى: كحلن العيون. # لذلك ههنا معناه: ويكرمون بفاكهة، ولحم ms1803 طير، وحور عين. # {جزاء بما كانوا يعملون} [الواقعة: 24] أي: يفعل ذلك بهم جزاء أعمالهم. # {لا يسمعون فيها لغوا} [الواقعة: 25] أي: لا لغو فيها فيسمع، {ولا ~~تأثيما} [الواقعة: 25] أي: لا يقولون بعضهم لبعض: أثمت، لأنهم لا يتكلمون ~~بما فيه إثم، وهذا معنى قول ابن عباس: لا يتكلمون بالإثم كما يتكلم أهل ~~الدنيا. # إلا قليلا أي: لكن يقولون قيلا، أو يسمعون قيلا، سلاما يسلمون فيه من ~~اللغو والإثم، وقال عطاء: يحيي بعضهم بعضا بالسلام. # ثم ذكر أصحاب اليمين، وعجب من شأنهم، فقال: {وأصحاب اليمين ما أصحاب ~~اليمين {27} في سدر مخضود {28} وطلح منضود {29} وظل ممدود {30} وماء مسكوب ~~{31} وفاكهة كثيرة {32} لا مقطوعة ولا ممنوعة {33} وفرش مرفوعة {34} إنا ~~أنشأناهن إنشاء {35} فجعلناهن أبكارا {36} عربا أترابا {37} لأصحاب اليمين ~~{38} ثلة من الأولين {39} وثلة من الآخرين {40} } [الواقعة: 27-40] . # {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين {27} في سدر} [الواقعة: 27-28] وهو نوع ~~من الشجر، مخضود منزوع الشوك، خضد شوكه أي: قطع شوكه، فلا شوك فيه. # وطلح وهو من أعظم أشجار العرب، منضود نضد بالحمل من أوله إلى آخره، فليست ~~له سوق بارزة. # وظل ممدود دائم باق لا يزول، ولا تنسخه الشمس، والعرب تقول لكل شيء طويل، ~~لا ينقطع: ممدود. # وماء مسكوب مصبوب، يجري الليل والنهار لا ينقطع عنهم، فهو مسكوب بسكب ~~الله إياه في مجاريه. # وفاكهة كثيرة يعني: ألوان فواكه الجنة. # لا مقطوعة قال ابن عباس: لا تنقطع إذا جنيت. # ولا ممنوعة لا تمنع من أحد أراد أخذها، وقال ابن قتيبة: يعني: أنها غير ~~محظورة عليها، كما يحظر على بساتين الدنيا. # فينظر الناظر إلى ثمارها، ولا يصل إليها فهي محظورة مقطوعة، ممنوعة عن ~~الناس ممنوعة، ويجوز أن يكون المعنى: أنها غير مقطوعة بالأزمان، كما تنقطع ~~أكثر فواكه الدنيا في الشتاء، ولا ممنوعة بالأثمان، لا يتوصل إليها إلا ~~بالثمن، يدل على هذا ما روي أن ابن شوذب، قال: مررت بالحجاج بن فرافصة، وهو ~~واقف على أصحاب الفاكهة، # PageV04P234 # فقلت له: ما يقيمك ههنا. # قال: أنظر إلى هذه المقطوعة الممنوعة. # وفرش مرفوعة على الأسرة، وهو قول علي ms1804 رضي الله عنه، قال: فوق السرير. # وجماعة المفسرين، قالوا: بعضها فوق بعض، فهي مرفوعة عالية. # قوله: {إنا أنشأناهن إنشاء} [الواقعة: 35] خلقناهن خلقا جديدا، قال ابن ~~عباس: يعني: النساء الآدميات العجز الشمط، يقول: خلقناهن بعد الكبر والهرم ~~في الدنيا خلقا آخر، وقال الضحاك: أنشأهن الله بعد إذ كن عجزا. # فجعلناهن أبكارا عذارى، وقال مقاتل: يعني: الحور العين أنشأهن الله ~~تعالى، لم تقع عليهن ولادة. # ثم نعتهن، فقال: عربا جمع عروب، وهي المتحببة إلى زوجها، قال المبرد: هي ~~العاشقة لزوجها. # أترابا أمثالا، مستويات في السن على سن واحد. # لأصحاب اليمين يريد: أنشأناهن لأصحاب اليمين. # ثم نعتهم، فقال: {ثلة من الأولين} [الواقعة: 39] من المؤمنين الذين كانوا ~~قبل هذه الأمة. # {وثلة من الآخرين} [الواقعة: 40] من مؤمني هذه الأمة، وهذا قول عطاء، ~~ومقاتل، وذهب جماعة: أن الثلثين جميعا من هذه الأمة، وهو قول مجاهد، ~~والضحاك، واختيار الزجاج، قال: جماعة ممن تبع النبي صلى الله عليه وسلم ~~وعاينه، وجماعة ممن آمن به وكان بعده. # وروي مرفوعا: ### | 1160 - # أخبرنا أبو بكر القاضي، نا محمد بن يعقوب، نا الحسن بن علي بن عفان، نا ~~معاوية بن هشام، عن سفيان، عن أبان بن أبي عياش، عن سعيد بن جبير، عن ابن ~~عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {ثلة من الأولين {39} وثلة من ~~الآخرين {40} } [الواقعة: 39-40] ، قال: جميع الثلثين من أمتي # ثم ذكر أصحاب الشمال، وذكر منازلهم، فقال: {وأصحاب الشمال ما أصحاب ~~الشمال {41} في سموم وحميم {42} وظل من يحموم {43} لا بارد ولا كريم {44} ~~إنهم كانوا # PageV04P235 # قبل ذلك مترفين {45} وكانوا يصرون على الحنث العظيم {46} وكانوا يقولون ~~أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون {47} أو آباؤنا الأولون {48} قل ~~إن الأولين والآخرين {49} لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم {50} ثم إنكم أيها ~~الضالون المكذبون {51} لآكلون من شجر من زقوم {52} فمالئون منها البطون ~~{53} فشاربون عليه من الحميم {54} فشاربون شرب الهيم {55} هذا نزلهم يوم ~~الدين {56} } [الواقعة: 41-56] . # {وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال {41} في سموم} [الواقعة: 41-42] أي: في ~~حر النار، {وحميم} [الواقعة: 42] ماء حار يغلي. # {وظل من يحموم ms1805} [الواقعة: 43] من دخان جهنم، واليحموم: يفعول من الأحم ~~وهو الأسود، والعرب تقول: أسود يحموم، إذا كان شديد السواد. # ثم نعت ذلك الظل، فقال: {لا بارد ولا كريم} [الواقعة: 44] قال ابن عباس: ~~يريد: لا بارد المدخل، ولا كريم المنظر. # قال الفراء: العرب تجعل الكريم تابعا لكل شيء نعت عنه وصفا ينوي به الذم، ~~تقول: ما هو بسمين ولا كريم، وما هذه الدار بواسعة ولا كريمة. # ثم ذكر أعمالهم التي أوجبت لهم هذا، فقال: {إنهم كانوا قبل ذلك مترفين} ~~[الواقعة: 45] كانوا في الدنيا منعمين، متكبرين في ترك أمر الله. # {وكانوا يصرون على الحنث العظيم} [الواقعة: 46] الحنث: الذنب الكبير. # قال أهل التفسير: عنى به الشرك، أي: كانوا لا يتوبون عن الشرك. # وقال الشعبي: {الحنث العظيم} [الواقعة: 46] : اليمين الغموس. # ومعنى هذا: أنهم كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون، وكذبوا في ذلك، فهذا ~~إصرارهم على الحنث العظيم، ويدل على هذا قوله: {وكانوا يقولون أئذا متنا} ~~[الواقعة: 47] الآية وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: {فشاربون شرب الهيم} ~~[الواقعة: 55] وقرئ بضم الشين، قال المبرد: الفتح على أصل المصدر، والضم ~~اسم للمصدر، والمعنى فيهما واحد، تقول: شغله شغلا والاسم الشغل، وضعف ضعفا ~~والاسم الضعف. # والهيم الإبل العطاش، وقال ابن عباس: هي التي بها الهيام لا تروى. # وقال مقاتل: يلقى على أهل النار العطش، فيشربون كشرب الهيم. # هذا نزلهم يعني: ما ذكر من الزقوم، والشراب غذاؤهم، يوم الدين يوم يجازون ~~بأعمالهم. # ثم احتج عليهم في البعث، بقوله تعالى: {نحن خلقناكم فلولا تصدقون {57} ~~أفرأيتم ما تمنون {58} أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون {59} نحن قدرنا بينكم # PageV04P236 # الموت وما نحن بمسبوقين {60} على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا ~~تعلمون {61} ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون {62} } [الواقعة: ~~57-62] . # نحن خلقناكم قال مقاتل: خلقناكم ولم تكونوا شيئا مذكورا، وأنتم تعلمون ~~ذلك. # فلولا فهلا، تصدقون بالبعث. # {أفرأيتم ما تمنون} [الواقعة: 58] ما تقذفون، وتصبون في أرحام النساء من ~~النطف. # أأنتم تخلقون ما تمنون بشرا، {أم نحن الخالقون {59} نحن قدرنا} [الواقعة: ~~59-60] وقرأ ابن كثير مخففا، وهما لغتان: قدرت الشيء ms1806 وقدرته، {بينكم الموت} ~~[الواقعة: 60] قال مقاتل: فمنكم من يموت كبيرا، ومنكم من يموت صغيرا، ~~وشابا، وشيخا. # وقال الضحاك: تقديره: أنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء. # وعلى هذا يكون معنى قدرنا: قضينا. # {وما نحن بمسبوقين} [الواقعة: 60] بمغلوبين. # {على أن نبدل أمثالكم} [الواقعة: 61] أي: نأتي بخلق مثلكم بدلا منكم، قال ~~الزجاج: إن أردنا أن نخلق خلقا غيركم، لم يسبقنا سابق، ولا يفوتنا. # {وننشئكم في ما لا تعلمون} [الواقعة: 61] من الصور، أي: إن أردنا أن نجعل ~~منكم القردة والخنازير لم نسبق، ولا فاتنا ذلك. # {ولقد علمتم النشأة الأولى} [الواقعة: 62] ابتداء الخلق، حين خلقتم من ~~نطفة، وعلقة، ومضغة، {فلولا تذكرون} [الواقعة: 62] فلا تنكروا قدرة الله ~~على النشأة الأخيرة. # قوله: {أفرأيتم ما تحرثون {63} أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون {64} لو ~~نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون {65} إنا لمغرمون {66} بل نحن محرومون ~~{67} أفرأيتم الماء الذي تشربون {68} أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن ~~المنزلون {69} لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون {70} أفرأيتم النار التي ~~تورون {71} أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون {72} نحن جعلناها تذكرة ~~ومتاعا للمقوين {73} فسبح باسم ربك العظيم {74} } [الواقعة: 63-74] . # {أفرأيتم ما تحرثون} [الواقعة: 63] تعملون في الأرض، وتلقون فيها من ~~البذر. # {أأنتم تزرعونه} [الواقعة: 64] تنبتونه، أم نحن المنبتون، قال المبرد: ~~يقال: زرعه الله أي: أنماه. # {لو نشاء لجعلناه} [الواقعة: 65] جعلنا ما تحرثون، {حطاما} [الواقعة: 65] ~~قال عطاء: تبنا لا قمح فيه. # قال الزجاج: أي: أبطلناه حتى يكون متحطما، لا حنطة فيه ولا شيء. # والمعنى: أنه يقول: لو نشاء لجعلنا ما تحرثون كلأ، يصير بعد يبسه حطاما ~~متكسرا، لا حنطة فيه، {فظلتم تفكهون} [الواقعة: 65] قال الفراء: تفكهون: ~~تتعجبون مما نزل # PageV04P237 # بكم في زرعكم. # وهو قول عطاء، والكلبي، ومقاتل، قال: ويقال: معناه: تندمون. # وهو قول عكرمة، وقتادة، والحسن، وقال أبو عمرو، والكسائي: هو التلهف على ~~ما فات. # ويقولون: إنا لمغرمون المغرم: الذي ذهب ماله بغير عوض، تقولون: إنا قد ~~غرمنا الحب الذي بذرناه، فذهب من غير عوض. # وهو قوله: {بل نحن محرومون} [الواقعة: 67] حرمنا ما كنا نطلبه من الريع ~~في ms1807 الزرع، وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: {أفرأيتم النار التي تورون} ~~[الواقعة: 71] تستخرجونها وتقدحونها، يقال: أوريت النار إذا قدحتها. # {أأنتم أنشأتم شجرتها} [الواقعة: 72] التي تقدح منها، {نحن جعلناها ~~تذكرة} [الواقعة: 73] قال عطاء: موعظة ليتعظ بها المؤمن. # وقال عكرمة، ومجاهد، ومقاتل: جعلنا النار تذكرة للنار الكبرى. # أي: إذا رآها الرائي، ذكر جهنم وما يخافه من العذاب، فذكر الله، واستجار ~~به منها، {ومتاعا للمقوين} [الواقعة: 73] المقوي: الذي ينزل بالقوى، وهي ~~الأرض الخالية، والمعنى: ينتفع بها أهل البوادي والأسفار، النازلين في ~~الأرض القي، ومنفعتهم بما بها أكثر من منفعة المقيم، وذلك أنهم يوقدونها ~~ليلا لتهرب منهم السباع، ويهتدي بها الضال من الطريق، وقال عكرمة، ومجاهد: ~~للمقوين: للمستمتعين بها من الناس أجمعين، المسافرين والحاضرين، يستضيئون ~~بها في الظلمة، ويصطلون من البرد، وينتفعون بها في الطبخ والخبز. # وعلى هذا القول المقوي من الأضداد، يقال للفقير: مقو، لخلوه من المال، ~~وللغني: مقو، لقوته على ما يريد، يقال: أقوى الرجل إذا صار إلى حالة القوة، ~~والمعنى: ومتاعا للأغنياء والفقراء، وذلك لأنه لا غنى لأحد عنها. # ولما ذكر الله تعالى ما يدل على توحيده، وما أنعم به عليهم، قال: {فسبح ~~باسم ربك العظيم} [الواقعة: 74] أي: فبرئ الله مما يقولون في وصفه. # {فلا أقسم بمواقع النجوم {75} وإنه لقسم لو تعلمون عظيم {76} إنه لقرءان ~~كريم {77} في كتاب مكنون {78} لا يمسه إلا المطهرون {79} تنزيل من رب ~~العالمين {80} أفبهذا الحديث أنتم مدهنون {81} وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ~~{82} } [الواقعة: 75-82] . # PageV04P238 # فلا أقسم لا زائدة، والمعنى: فأقسم، ويجوز أن تكون ردا لما يقوله الكفار ~~في القرآن، من أنه سحر، وشعر، وكهانة، ثم استأنف القسم على أنه قرآن كريم، ~~وقوله: بمواقع النجوم قال ابن عباس: أقسم بنزول القرآن، نزل متفرقا قطعا ~~نجوما. # وقال جماعة من المفسرين: يريد: مغارب النجوم ومساقطها. # وقرئ بموقع النجوم على واحد، وقال المبرد: موقع ههنا مصدر، فهو يصلح ~~للواحد والجمع. # ثم أخبر عن عظم هذا القسم، فقال: {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} [الواقعة: ~~76] قال الفراء، والزجاج: هذا يدل على أن المراد بمواقع النجوم ms1808 نزول ~~القرآن. # والضمير في: إنه يعود على القسم، ودل عليه أقسم، والمعنى: وإن القسم ~~بمواقع النجوم لقسم عظيم لو تعلمون. # ثم ذكر المقسم عليه، بقوله: {إنه لقرءان كريم} [الواقعة: 77] قال مقاتل: ~~كرمه الله وأعزه، لأنه كلامه. # وقال أهل المعاني: القرآن الكريم الذي من شأنه أن يعطي الخير الكثير ~~بالدلائل التي تؤدي إلى الحق في الدين. # وقال الأزهري: الكريم: اسم جامع لما يحمد، والقرآن الكريم يحمد لما فيه ~~من الهدى، والبيان، والعلم، والحكمة. # {في كتاب مكنون} [الواقعة: 78] مستور من خلقه عند الله، في اللوح ~~المحفوظ. # {لا يمسه إلا المطهرون} [الواقعة: 79] أكثر المفسرين على أن الكناية في ~~قوله: لا يمسه تعود إلى الكتاب المكنون، والمطهرون هم الملائكة، قال ~~المبرد: لا يمس ذلك اللوح المحفوظ إلا الملائكة، الذين وصفوا بالطهارة. # ومذهب قوم: أن الضمير يعود إلى القرآن، والمراد به: المصحف، كما روي في ~~الحديث: «نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو» ، يعني به: المصحف، والمراد ~~بقوله: المطهرون أي: من الأحداث والجنايات، وقالوا: لا يجوز للمحدث، ~~والحائض، والجنب مس المصحف. # وهذا قول محمد بن علي، وعطاء، وطاوس، وسالم، والقاسم، ومذهب مالك، ~~والشافعي. # PageV04P239 ### | 1161 - # أخبرنا أبو منصور المنصوري، أنا أبو الحسن علي بن عمر الحافظ، نا محمد بن ~~مخلد، نا الحسن بن أبي الربيع، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن عبد الله بن ~~أبي بكر، عن أبيه، قال: كان في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن ~~حزم: لا تمس القرآن إلا على طهر # {تنزيل من رب العالمين} [الواقعة: 80] يعني: القرآن، منزل من عند رب ~~العالمين على رسوله صلى الله عليه وسلم. # قوله: أفبهذا الحديث يعني: القرآن، أنتم يا أهل مكة، مدهنون تكفرون ~~وتكذبون، قال الزجاج: أي: أفبالقرآن تكذبون، قال: والمدهن المداهن: الكذاب ~~المنافق. # ومعنى المدهن: من الإدهان، وهو الجري في الباطن على خلاف الظاهر، هذا ~~أصله، ثم قيل للمكذب: مدهن. # وإن صرح بالتكذيب والكفر. # {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} [الواقعة: 82] قال المفسرون: تجعلون شكركم، ~~أنكم تكذبون بنعم الله عليكم، فتقولون: سقينا بنوء كذا. # وذلك أنهم ms1809 كانوا يقولون: مطرنا بنوء كذا. # ولا ينسبون السقيا إلى الله تعالى، فقيل لهم: أتجعلون رزقكم، أي: شكركم ~~بما رزقتم التكذيب، والمعنى: شكر رزقكم فحذف المضاف، قال الأزهري: معنى ~~الآية: وتجعلون بدل شكر رزقكم الذي رزقكم الله التكذيب، فإنه من عند الله ~~الرزاق. # قال: ومن جعل الرزق من عند الله، وجعل النجم وقتا وقته الله للغيث، ولم ~~يجعله المغيث الرازق، رجوت أن لا يكون مكذبا. # والله أعلم. ### | 1162 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المهرجاني، أنا ابن بطة، أنا البغوي، ~~حدثني أحمد بن زهير، نا عمرو بن # PageV04P240 # مرزوق، نا عمران القطان، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن معاوية الليثي، أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «يصبح الناس مجدبين فيأتيهم الله تعالى ~~برزق من عنده، فيصبحون مشركين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا» . ### | 1163 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الزاهد، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، ~~أنا الحسن بن سفيان، نا حرملة وعمرو بن سواد السرحي، قالا: أنا عبد الله بن ~~وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن ~~عتبة، أن أبا هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألم تر إلى ~~ما قال ربكم؟ قال: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها ~~كافرين يقولون: الكواكب وبالكواكب ". # رواه مسلم عن حرملة وعمرو بن سوادة. # {فلولا إذا بلغت الحلقوم {83} وأنتم حينئذ تنظرون {84} ونحن أقرب إليه ~~منكم ولكن لا تبصرون {85} فلولا إن كنتم غير مدينين {86} ترجعونها إن كنتم ~~صادقين {87} } [الواقعة: 83-87] . # {فلولا إذا بلغت الحلقوم} [الواقعة: 83] يقول: فهلا إذا بلغت الروح، أو ~~النفس الحلقوم عند الموت. # {وأنتم حينئذ تنظرون} [الواقعة: 84] قال الزجاج: وأنتم يا أهل الميت في ~~تلك الحال، ترون الميت قد صار إلى أن يخرج نفسه. # وقال صاحب النظم: معنى تنظرون ههنا: لا يمكنكم الدفع ولا تملكون شيئا. # {ونحن أقرب إليه منكم} [الواقعة: 85] أي: بالعلم، والقدرة، والرؤية، ~~{ولكن لا تبصرون} [الواقعة: 85] لا تعلمون ذلك، والخطاب للكفار، وقال ~~المفسرون: ونحن ms1810 أقرب يعني: ملك الموت وأعوانه. # والمعنى: ورسلنا القابضون روحه، {أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون} ~~[الواقعة: 85] أولئك الذي حضروه. # فلولا فهلا، {إن كنتم غير مدينين} [الواقعة: 86] غير مملوكين، وقال ~~أكثرهم: غير محاسبين. # ترجعونها تردونها إلى موضعها، إن كنتم محاسبين، ولا مجزيين كما تزعمون، ~~يقول: إن كان الأمر كما تقولون أنه لا بعث، ولا حساب، ولا جزاء، ولا إله ~~يحاسب ويجازي، فهلا تردون # PageV04P241 # نفس من يعز عليكم، إذا بلغت الحلقوم! وإذ لم يمكنكم ذلك بوجه، فاعلموا أن ~~الأمر إلى غيركم، وهو الله عز وجل. # ثم ذكر طبقات الخلق عند الموت، بقوله: {فأما إن كان من المقربين {88} ~~فروح وريحان وجنة نعيم {89} وأما إن كان من أصحاب اليمين {90} فسلام لك من ~~أصحاب اليمين {91} وأما إن كان من المكذبين الضالين {92} فنزل من حميم {93} ~~وتصلية جحيم {94} إن هذا لهو حق اليقين {95} فسبح باسم ربك العظيم {96} } ~~[الواقعة: 88-96] . # {فأما إن كان} [الواقعة: 88] الذي بلغت روحه الحلقوم، {من المقربين} ~~[الواقعة: 88] عند الله. # {فروح} [الواقعة: 89] أي: فله روح، وهو الراحة والاستراحة، وقال مجاهد: ~~الروح: الفرح. # {وريحان وجنة نعيم} [الواقعة: 89] يعني: الرزق في الجنة، وقال الحسن، ~~وأبو العالية: يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه. # {وأما إن كان} [الواقعة: 90] المتوفى، {من أصحاب اليمين {90} فسلام لك من ~~أصحاب اليمين {91} } [الواقعة: 90-91] أي: أنك ترى فيهم ما تحب من السلامة، ~~وقال مقاتل: هو أن الله تعالى يتجاوز عن سيئاتهم، ويقبل حسناتهم. # {وأما إن كان من المكذبين} [الواقعة: 92] بالبعث، الضالين عن الهدى. # {فنزل من حميم} [الواقعة: 93] فالذي يعد له حميم جهنم. # وتصلية جحيم وإدخال لنار عظيمة، كما يقال: ويصلى سعيرا في قراءة من شدد. ### | 1164 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي، أنا محمد بن محمد بن يعقوب ~~الحافظ، أنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن، نا علي بن ~~المديني، نا عيسى بن يونس، نا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن ابن أبي ليلى، ~~عن # PageV04P242 # جنادة، قال: نا فلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول ~~الله صلى الله ms1811 عليه وسلم قال: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره ~~لقاء الله كره الله لقاءه، فأنشأ القوم يبكون، فقال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: ما يبكيكم؟ قالوا: يا رسول الله ليس منا أحد إلا وهو يكره ~~الموت، فقال: ليس كذلك إن الله عز وجل قال: {فأما إن كان من المقربين {88} ~~فروح وريحان وجنة نعيم {89} } [الواقعة: 88-89] قال عند الموت فيحب لقاء ~~الله والله للقائه أحب {وأما إن كان من المكذبين الضالين {92} فنزل من حميم ~~{93} وتصلية جحيم {94} } [الواقعة: 92-94] فيكره لقاء الله والله للقائه ~~أكره ". # قوله: إن هذا يعني: ما ذكر من قصة المحتضرين، {لهو حق اليقين} [الواقعة: ~~95] حق الأمر اليقين. # {فسبح باسم ربك العظيم} [الواقعة: 96] نزه الله عنه السوء، والباء زائدة، ~~والاسم يكون بمعنى: الذات والنفس، كأنه قيل: فسم اسم ربك العظيم. # PageV04P243 ### | تفسير سورة الحديد # وهي عشرون وتسع آيات، مدنية. ### | 1165 - # أخبرنا سعيد بن محمد المقري، أنا محمد بن جعفر بن مطر، نا إبراهيم بن ~~شريك، نا أحمد بن يونس، حدثنا سلام بن سليم، نا هارون بن كثير، عن زيد بن ~~أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «ومن قرأ سورة الحديد كتب من الذين آمنوا بالله ورسله» . # بسم الله الرحمن الرحيم {سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ~~{1} له ملك السموات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير {2} هو الأول ~~والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم {3} } [الحديد: 1-3] . # {سبح لله ما في السموات والأرض} [الحديد: 1] قال المقاتلان: يعني: كل شيء ~~من ذي الروح وغيره، وكل خلق فيهما، ولكن لا تفقهون تسبيحهم. # وقد تقدم الكلام في تسبيح الجماد، في قوله: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} ~~[الإسراء: 44] وفي مواضع. # يحيي الموات للبعث، ويميت الأحياء في الدنيا. # قبل كل شيء كان هو ولا شيء موجود، فهو الأول بلا ابتداء، والآخر بعد كل ~~شيء بلا انتهاء، يفني الأشياء ويبقي آخرا، كما كان أولا، والظاهر الغالب ~~العالي على كل ms1812 شيء، ويجوز أن يكون معناه: الظاهر بالأدلة والشواهد، والباطن ~~العالم بما بطن، من قولهم: فلان يبطن أمر فلان. # أي: يعلم دخله أمره، ويجوز أن يكون معنى الباطن: أنه محتجب عن الأبصار. # {هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج ~~في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما ~~كنتم والله بما تعملون بصير {4} له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع ~~الأمور {5} يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات ~~الصدور {6} } [الحديد: 4-6] . # {هو الذي خلق السموات والأرض} [الحديد: 4] مفسر في { [الأعراف، إلى ~~قوله:] يعلم ما يلج في # PageV04P244 # الأرض} [سورة الحديد: 4] وهو مفسر في { [سبأ، إلى قوله:] وهو معكم أين ما ~~كنتم} [سورة الحديد: 4] يعني: بالعلم والقدرة، فليس يخلو أحد من تعلق علم ~~الله، وقدرته به، أين ما كان من أرض، وسماء، وبر، وبحر، وما بعد هذا ظاهر ~~إلى قوله: {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين ~~آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير {7} وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول ~~يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين {8} هو الذي ينزل على ~~عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم {9} ~~وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض لا يستوي منكم ~~من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد ~~وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير {10} من ذا الذي يقرض ~~الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم {11} } [الحديد: 7-11] . # {آمنوا بالله ورسوله} [الحديد: 7] يخاطب كفار قريش، {وأنفقوا مما جعلكم ~~مستخلفين فيه} [الحديد: 7] يعني: المال الذي كان بيد غيرهم، فأهلكهم الله، ~~وأعطى قريشا ذلك المال، وكانوا فيه خلفاء عمن مضوا، ثم ذكر ثواب من أنفق في ~~سبيل الله، بقوله: {فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير} [الحديد: 7] . # {وما لكم لا تؤمنون بالله} [الحديد: 8] هذا استفهام إنكار، أي: أي ms1813 شيء ~~لكم من الثواب في الآخرة إذا لم تؤمنوا بالله؟ {والرسول يدعوكم لتؤمنوا ~~بربكم وقد أخذ ميثاقكم} [الحديد: 8] حين أخرجكم من ظهر آدم، {إن كنتم ~~مؤمنين} [الحديد: 8] بالحجة والدليل، فقد بان وظهر على يد محمد صلى الله ~~عليه وسلم ببعثه، وإنزال القرآن عليه، ويدل على هذا قوله: {هو الذي ينزل ~~على عبده} [الحديد: 9] محمد صلى الله عليه وسلم، آيات بينات يعني: القرآن، ~~ليخرجكم من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان، {وإن الله بكم لرءوف رحيم} ~~[الحديد: 9] حين بعث الرسول، ونصب الأدلة. # ثم حثهم على الإنفاق، فقال: {وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث ~~السموات والأرض} [الحديد: 10] يقول: أي شيء لكم في ترك الإنفاق فيما يقرب ~~من الله تعالى، وأنتم ميتون تاركون أموالكم، ثم بين فضل من سبق بالإنفاق في ~~سبيل الله، فقال: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} [الحديد: 10] ~~يعني: فتح مكة، قال مقاتل: لا يستوي في الفضل من أنفق ماله، وقاتل العدو من ~~قبل فتح مكة، مع من أنفق من بعد وقاتل. # قال الكلبي، في رواية محمد بن فضيل: نزلت في أبي بكر رضوان الله عليه، ~~يدل على هذا أنه كان أول من أنفق المال على رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~في سبيل الله، وأول من قاتل على الإسلام. # قال ابن مسعود: أول من أظهر إسلامه بسيفه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو ~~بكر رضي الله عنه، وقد شهد # PageV04P245 # النبي صلى الله عليه وسلم بإنفاق ماله قبل الفتح. ### | 1166 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، نا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن ~~إبراهيم السليطي إملاء، نا علي بن سليم البغدادي المقري، نا يعقوب بن ~~إبراهيم المحرمي، نا عمر بن حفص الشيباني، نا العلاء بن عمرو أبو عمرو، نا ~~أبو إسحاق الفزاري، عن سفيان الثوري، عن آدم بن علي، عن ابن عمر رضي الله ~~عنه، قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس وعنده أبو بكر الصديق رضي ~~الله عنه عليه عباءة قد خلها ms1814 على صدره بخلال إذ نزل عليه جبريل عليه ~~السلام، فأقرأه من الله عز وجل السلام، وقال: يا محمد ما لي أرى أبا بكر ~~عليه عباءة قد خلها على صدره بخلال؟ قال: يا جبريل أنفق ماله من قبل الفتح ~~علي، قال: فأقرئه من الله تبارك وتعالى السلام وقل له يقول لك ربك: أراض ~~أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي ~~بكر، فقال: يا أبا بكر هذا جبريل يقرئك من الله عز وجل السلام، ويقول لك ~~ربك: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط، قال: فبكى أبو بكر، وقال: على ربي ~~أغضب أنا عن ربي راض، أنا عن ربي راض # وقوله: {أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا} [الحديد: 10] ~~قال عطاء: درجات الجنة تتفاضل، فالذين أنفقوا من قبل الفتح في أفضلها. # قال الزجاج: لأن المتقدمين نالهم من المشقة أكثر مما نال من بعدهم، وكانت ~~بصائرهم أيضا أنفذ. # {وكلا وعد الله الحسنى} [الحديد: 10] كلا الفريقين وعد الله الحسنى ~~الجنة، وقرأ ابن عامر: وكل بالرفع على لغة من يقول: زيد ضربت. # قوله: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} [الحديد: 11] قال مقاتل: طيبة به ~~نفسه. # وقد تقدم تفسيرة في { [البقرة، قال أهل # PageV04P246 # العلم: القرض الحسن أن يجمع عشرة أوصاف: أن يكون من الحلال، لأن النبي ~~صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله طيب، لا يقبل إلا الطيب» . # وقد قال أيضا: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول» . # وأن يكون من أكرم ما يملك، دون أن يقصد الرديء بالإنفاق، لقوله تعالى:] ~~ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [سورة البقرة: 267] ، وأن يتصدق وهو يحب ~~المال ويرجو الحياة، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل ~~الصدقة، فقال: " أن تعطيه وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش، وتخشى الفقر، ولا ~~تمهل، حتى إذا بلغت التراقي، قلت: لفلان كذا ولفلان كذا ". # وأن تضعه في الأحق الأحوج الأولى بأخذه، ولذلك خص الله تعالى أقواما بأخذ ms1815 ~~الصدقات وهم أهل السهمان، وأن يكتمه ما أمكن، لقوله تعالى: {وإن تخفوها ~~وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} [البقرة: 271] ، وأن لا تتبعه المن والأذى، ~~لقوله تعالى: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [البقرة: 264] ، وأن يقصد ~~به وجه الله تعالى، ولا يرائي بذلك، لأن المرائي مذموم على لسان الشرع، وأن ~~يستحقر ما يعطي وإن كثر، لأن الدنيا كلها قليلة، لقوله تعالى: {قل متاع ~~الدنيا قليل} [النساء: 77] ، وأن تكون من أحب ماله، لقوله تعالى: {لن ~~تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92] فهذه أوصاف عشرة، إذا ~~استكملتها الصدقة كانت قرضا حسنا إن شاء لله تعالى عز وجل، وقوله: {وله أجر ~~كريم} [الحديد: 11] يعني: الجنة. # PageV04P247 # {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم ~~اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم {12} ~~يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ~~ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة ~~وظاهره من قبله العذاب {13} ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم ~~أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله ~~الغرور {14} فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي ~~مولاكم وبئس المصير {15} } [الحديد: 12-15] . # {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم} [الحديد: 12] يعني: ~~على الصراط يوم القيامة، وهو دليلهم إلى الجنة، قال قتادة: إن المؤمن يضيء ~~له نوره، كما بين عدن إلى صنعاء ودون ذلك، حتى إن من المؤمنين من لا يضيء ~~له نوره إلا موضع قدميه. # وقال ابن مسعود: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم، منهم من نوره مثل الجبل، ~~وأدناهم نورا نوره على إبهامه يطفئ مرة، ويوقد أخرى. # وقوله: {وبأيمانهم} [الحديد: 12] قال الضحاك، ومقاتل: وبأيمانهم كتبهم ~~التي أعطوها، فكتبهم بأيمانهم، ونورهم بين أيديهم. # وتقول لهم الملائكة: {بشراكم اليوم} [الحديد: 12] الآية. # ثم ذكر حال المنافقين في ذلك اليوم، فقال: {يوم يقول المنافقون ~~والمنافقات} [الحديد: 13] الآية، قال أبو أمامة: يغشى الناس يوم القيامة ~~ظلمة شديدة، ثم يقسم النور ms1816، فيعطى المؤمن نورا، ويترك الكافر والمنافق فلا ~~يعطيان شيئا. # فيمضي المؤمنون، ويقول المنافقون: {للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} ~~[الحديد: 13] قال الكلبي: يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور، ~~فإذا سبقهم المؤمنون، قال: انظرونا نقتبس من نوركم، أي: انتظرونا، ونظر ~~بمعنى: انتظر، كثير في التنزيل. # وقرأ حمزة: انظرونا بقطع الألف من الإنظار، قال الزجاج: معناه: انتظرونا ~~أيضا، وأنشد بيت عمرو بن كلثوم: # أبا هند فلا تعجل علينا ... وانظرنا نخبرك اليقينا # PageV04P248 # قوله: {قيل ارجعوا وراءكم} [الحديد: 13] قال ابن عباس: يقول المؤمنون ~~لهم. # وقال مقاتل: قالت لهم الملائكة: ارجعوا وراءكم، من حيث جئتم من الظلمة، ~~فالتمسوا نورا. # فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور، فلا يجدون شيئا، فينصرفون إليهم ~~ليلحقوهم، فيميز بينهم وبين المؤمنين، وهو قوله: {فضرب بينهم} [الحديد: 13] ~~أي: بين المؤمنين والمنافقين، {بسور} [الحديد: 13] وهو الحائط، له لذلك ~~السور، {باب باطنه فيه الرحمة} [الحديد: 13] في باطن ذلك السور الرحمة، ~~وهي: الجنة التي فيها المؤمنين، وظاهره وخارج السور، {من قبله العذاب} ~~[الحديد: 13] أي: من قبله يأتيهم العذاب، يعني: جهنم والنار، قال قتادة: هو ~~حائط بين الجنة والنور. # والمعنى: أن المؤمنين يسبقونهم فيدخلون الجنة، والمنافقون يحصلون في ~~العذاب والنار، وبينهم السور الذي ذكره الله تعالى. # {ينادونهم ألم نكن معكم} [الحديد: 14] وهو أن المؤمنين إذا فاتوا ~~المنافقين ينادونهم من وراء السور، {ألم نكن معكم} [الحديد: 14] نصلي ~~بصلاتكم في مساجدكم، {قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم} [الحديد: 14] ~~استعملتموها في الكفر، والمعاصي، والشهوات، وكلها فتنة، {وتربصتم} [الحديد: ~~14] بمحمد صلى الله عليه وسلم الموت، وقلتم: يوشك أن يموت، فنستريح منه، ~~{وارتبتم} [الحديد: 14] شككتم في نبوته، وفيما أوعدكم، {وغرتكم الأماني} ~~[الحديد: 14] يعني: ما كانوا يتمنون من نزول الدوائر بالمؤمنين، {حتى جاء ~~أمر الله} [الحديد: 14] يعني: الموت، قال قتادة: ما زالوا في خدعة من ~~الشيطان حتى قذفهم الله في النار. # وهو قوله: {وغركم بالله الغرور} [الحديد: 14] أي: وغركم الشيطان بحلم ~~الله، وإمهاله. # {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية} [الحديد: 15] بدل بأن تفدوا أنفسكم من ~~العذاب، {مأواكم النار هي مولاكم} [الحديد: 15] هي ms1817 أولى بكم لما أسلفتم من ~~الذنوب والمعاصي، والمعنى: أنها هي التي تلي عليكم، لأنها قد ملكت أمركم، ~~فهي أولى بكم من كل شيء. # قوله: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ~~ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير ~~منهم فاسقون {16} اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات ~~لعلكم تعقلون {17} } [الحديد: 16-17] . # {ألم يأن للذين آمنوا} [الحديد: 16] يقال: أني لك يأني إنى إذا حان، ~~يقول: أما حان للمؤمنين، {أن تخشع} [الحديد: 16] ترق، وتلين قلوبهم، لذكر ~~الله أي: يجب أن يورثهم الذكر خشوعا، {ولا يكونوا} [الحديد: 16] كمن يذكره ~~بالغفلة فلا يخشع قلبه للذكر. # PageV04P249 # قال ابن مسعود: لم يكن بين إسلامهم وبين أن أعلمهم الله بهذه الآية إلا ~~أربع سنين. # وقال الزجاج: نزلت في طائفة من المؤمنين، حثوا على الرقة والخشوع، فأما ~~من وصفهم الله تعالى بالرقة والخشوع فطبقة من المؤمنين فوق هؤلاء. # {وما نزل من الحق} [الحديد: 16] يعني: القرآن، ومن قرأ بالتخفيف فالمعنى ~~فيهما واحد، لأنه لا ينزل إلا بأن ينزله الله تعالى، {ولا يكونوا كالذين ~~أوتوا الكتاب من قبل} [الحديد: 16] يعني: اليهود والنصارى، {فطال عليهم ~~الأمد} [الحديد: 16] الزمان بينهم وبين أنبيائهم، {فقست قلوبهم} [الحديد: ~~16] قال ابن عباس: مالوا إلى الدنيا، وأعرضوا عن مواعظ الله. # والمعنى: أنه ينهى المؤمنين أن يكونوا في صحبة القرآن كاليهود والنصارى، ~~الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر، ولهذا قال القرظي: يجب أن يزداد ~~المؤمن إيمانا، ويقينا، وإخلاصا في طول صحبة الكتاب. ### | 1167 - # أخبرنا الفضل بن أحمد الصوفي، أنا أبو علي الفقيه، أنا أبو الوليد، نا ~~سويد بن سعيد، نا علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن أبي حرب بن أبي ~~الأسود، عن أبيه، قال: بعث أبو موسى إلى قراء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاث ~~مائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه ولا ~~يطولن الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم. # رواه مسلم، عن ms1818 سويد بن سعيد # {وكثير منهم فاسقون} [الحديد: 16] يعني: الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد ~~عليهما السلام. # {إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم ~~{18} والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم ~~أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم {19} } ~~[الحديد: 18-19] . # PageV04P250 # {إن المصدقين والمصدقات} [الحديد: 18] قرأه العامة بتشديد الصاد، على ~~معنى: المتصدقين، فأدغمت التاء في الصاد، ومن قرأ بالتخفيف فهو من التصديق ~~الذي هو بمعنى: الإيمان، ومعناه: إن المؤمنين والمؤمنات، {وأقرضوا الله ~~قرضا حسنا} [الحديد: 18] تقدم تفسيره، يضاعف لهم ذلك القرض الحسن، بأن أثبت ~~لهم أضعافه، {ولهم أجر كريم} [الحديد: 18] ثواب حسن. # {والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون} [الحديد: 19] قال مجاهد: ~~كل من آمن بالله ورسله فهو صديقه ثم قرأ هذه الآية. # وقال المقاتلان: هم الذين لم يشكوا في الرسل حين أخبروهم، ولم يكذبوهم ~~ساعة. # وقال الضحاك: وهم ثمانية نفر من هذه الأمة، سبقوا أهل الأرض في زمانهم ~~إلى الإسلام: أبو بكر، وعلي، وزيد، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وحمزة، ~~وتاسعهم عمر ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته. # {والشهداء عند ربهم} [الحديد: 19] يعني: أولئك هم الشهداء عند ربهم، وقال ~~مسروق: هذه الآية للشهداء خاصة، وهم الأنبياء الذين يشهدون للأمم وعليهم. # وهذا قول مقاتل بن حيان، واختيار الفراء، والزجاج، وقال مقاتل بن سليمان، ~~وابن جرير يعني: الذين استشهدوا في سبيل الله. # {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في ~~الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون ~~حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا ~~متاع الغرور {20} سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ~~أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل ~~العظيم {21} } [الحديد: 20-21] . # PageV04P251 # وقوله: {اعلموا أنما الحياة الدنيا} [الحديد: 20] يعني: الحياة في هذه ~~الدار، {لعب ولهو} [الحديد: 20] يعني: حياة الكافر تكون باطلا وغرورا، ~~لأنها في غير طاعة الله تعالى ms1819، وهي تنقضي عن قريب، {وزينة} [الحديد: 20] ~~يعني: أن الكافر يشتغل في جميع حياته بالتزين للدنيا، دون العمل للآخرة، ~~{وتفاخر بينكم} [الحديد: 20] قال ابن عباس: يفاخر الرجل قريبه وجاره. # {وتكاثر في الأموال والأولاد} [الحديد: 20] قال: يجمع ما لا يحل له ~~تكاثرا به، ويتطاول على أولياء الله بماله، وخدمه، وولده. # والمعنى: أنه يفني عمره في هذه الأشياء، ثم بين أن لهذه الحياة الدنيا ~~شبها، فقال: {كمثل غيث} [الحديد: 20] يعني: مطرا، {أعجب الكفار} [الحديد: ~~20] الزراع، {نباته} [الحديد: 20] ما ينبت من ذلك الغيث، {ثم يهيج} ~~[الحديد: 20] ييبس، {فتراه مصفرا} [الحديد: 20] بعد خضرته وريه، {ثم يكون ~~حطاما} [الحديد: 20] يتحطم، وينكسر بعد يبسه، وشرح هذا المثل للحياة الدنيا ~~قد تقدم في قوله: {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه} [الكهف: 45] ~~الآية، وفي { [يونس أيضا،] وفي الآخرة عذاب شديد} [سورة الحديد: 20] قال ~~مقاتل: لأعداء الله. # {ومغفرة من الله ورضوان} [الحديد: 20] لأولياه، وأهل طاعته، {وما الحياة ~~الدنيا إلا متاع الغرور} [الحديد: 20] لمن اغتر بها، ولم يعمل لآخرته، قال ~~سعيد بن جبير: متاع الغرور لمن لم يشتغل بطلب الآخرة، ومن اشغل بطلبها فله ~~متاع بلاغ إلى ما هو خير منه. # قوله: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم} [الحديد: 21] الآية تقدم تفسيرها في { ~~[آل عمران، وقوله:] أعدت للذين آمنوا بالله ورسله} [سورة الحديد: 21] في ~~هذا أعظم رجاء، إذ ذكر أن الجنة أعدت لمن آمن، ولم يذكر مع الإيمان شيئا ~~آخر، ثم قال: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} [الحديد: 21] فبين أنه لا يدخل ~~أحد الجنة إلا بفضل الله. # {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ~~إن ذلك على الله يسير {22} لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ~~والله لا يحب كل مختال فخور {23} الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن ~~يتول فإن الله هو الغني الحميد {24} } [الحديد: 22-24] . # {ما أصاب من مصيبة في الأرض} [الحديد: 22] يعني: قحط المطر، وقلة النبات، ~~ونقص الثمار، {ولا في أنفسكم} [الحديد: 22] يعني: الأمراض، وفقد الأولاد، ~~{إلا في ms1820 كتاب} [الحديد: 22] يعني: اللوح المحفوظ، {من قبل أن نبرأها} ~~[الحديد: 22] بخلق الأنفس، يعني: أنه أثبتها في اللوح المحفوظ، وقدرها قبل ~~خلق الأنفس، {إن ذلك على الله يسير} [الحديد: 22] يعني: إثبات ذلك على ~~كثرته هين على الله. # {لكيلا تأسوا} [الحديد: 23] تحزنوا، {على ما فاتكم} [الحديد: 23] من ~~الدنيا، {ولا تفرحوا بما آتاكم} [الحديد: 23] بما أعطاكم الله منها، والذي ~~يوجب نفي الأسى والفرح من هذا أن الإنسان إذا علم أن ما قضي عليه من مفرح ~~أو محزن سيصيبه لا محالة، قل فرحه وحزنه لعلمه بذلك قبل وقوعه، وقرأ أبو ~~عمرو بما أتاكم مقصورا، من الإتيان عادل به، فاتكم ونقيض الفوت الإتيان، ~~قال # PageV04P252 # ابن عباس: ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا للمصيبة صبرا، وللخير ~~شكرا. # {والله لا يحب كل مختال فخور} [الحديد: 23] ذم للفرح الذي يختال فيه ~~صاحبه، ويبطر. # {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} [الحديد: 24] مفسر في { [النساء، ~~ومن يتول أي: عن الإيمان، فإن الله غني عن عبادته، حميد إلى أوليائه، وقرأه ~~العامة:] فإن الله هو الغني} [سورة الحديد: 24] وقرأ ابن عامر فإن الله ~~الغني، فمن أثبت هو كان فصلا ولم يكن مبتدأ، ومن حذف قال: فلأن الفصل حذفه ~~سهل، ألا ترى أنه لا موضع للفصل من الإعراب، فحذفه لا يخل بالمعنى. # قوله: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم ~~الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ~~ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز} [الحديد: 25] . # {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات} [الحديد: 25] بالآيات والحجج، {وأنزلنا معهم ~~الكتاب} [الحديد: 25] الذي يتضمن الأحكام، والميزان قال قتادة، ومقاتل بن ~~حيان: الميزان العدل. # ويكون المعنى: وأمرنا بالعدل، وهذا كقوله: {الله الذي أنزل الكتاب بالحق ~~والميزان} [الشورى: 17] وقال مقاتل بن سليمان: هو ما يوزن به. # ويكون المعنى على هذا القول: ووضعنا الميزان، أي: أمرنا به، كقوله: ~~{والسماء رفعها ووضع الميزان} [الرحمن: 7] ، {ليقوم الناس بالقسط} [الحديد: ~~25] ليتبعوا ما أمروا به من العدل، فيعاملوا بينهم بالنصفة، {وأنزلنا ~~الحديد} [الحديد: 25] روى ابن عمر، أن النبي ms1821 صلى الله عليه وسلم، قال: «إن ~~الله عز وجل أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض، أنزل الحديد، والنار، ~~والماء، والملح» . # وقال أهل المعاني: معنى وأنزلنا الحديد: أنشأناه وأحدثناه، كقوله تعالى: ~~{وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} [الزمر: 6] . # وهذا معنى قول مقاتل: بأمرنا كان الحديد. # وقال قطرب: معنى أنزلنا ههنا: هيأنا، وخلقنا من النزل، وهو ما يهيأ ~~للضيف. # والمعنى: أنعمنا بالحديد، وجعلناه مهيأ لكم، {فيه بأس شديد} [الحديد: 25] ~~قال الزجاج: يمتنع به ويحارب. # والمعنى أنه يتخذ منه آلتان للحرب، آلة الدفع، وآلة الضرب، كما قال ~~مجاهد: فيه جنة وسلاح. # ومنافع للناس ما ينتفعون به في # PageV04P253 # معاشهم مثل السكين، والفأس، والإبرة، وليعلم الله معطوف على قوله: ليقوم ~~الناس أي: ليعامل بالعدل، {وليعلم الله من ينصره} [الحديد: 25] وذلك أن ~~الله تعالى أمر في الكتاب الذي أنزل بنصرة دينه ورسله، فمن نصر دينه ورسله ~~علمه ناصرا، ومن عصى علمه بخلاف ذلك، وقوله: بالغيب أي: ولم ير الله، ولا ~~أحكام الآخرة، وإنما يحمد ويثاب إذا أطاع بالغيب، {إن الله قوي} [الحديد: ~~25] في أمره، عزيز في ملكه. # وما بعد هذا ظاهر التفسير إلى قوله: {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا ~~في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون {26} ثم قفينا على ~~آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين ~~اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان ~~الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم ~~فاسقون {27} } [الحديد: 26-27] . # {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه} [الحديد: 27] يعني: الحواريين، وأتباعهم ~~اتبعوا عيسى، رأفة ورحمة يعني: المودة، كانوا متوادين بعضهم لبعض، كما وصف ~~الله تعالى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: رحماء بينهم، وقوله: ~~ورهبانية ليس بعطف على ما قبله، وانتصابه بفعل مضمر يدل عليه ما بعده، كأنه ~~قال: وابتدعوا رهبانية، أي: جاءوا بها من قبل أنفسهم، وهو قوله: {ما ~~كتبناها عليهم} [الحديد: 27] قال ابن عباس: ما فرضناها عليهم. # وتلك الرهبانية: غلوهم في العبادة، من حمل المشاق على ms1822 أنفسهم في الامتناع ~~عن المطعم، والمشرب، والملبس، والنكاح، والتعبد في الجبال، {فما رعوها حق ~~رعايتها} [الحديد: 27] حين ضيعوها وكفروا بدين عيسى، حتى أدركوا محمدا صلى ~~الله عليه وسلم فآمنوا به، وهو قوله: {فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير ~~منهم فاسقون} [الحديد: 27] الذين تهودوا، وتنصروا. ### | 1168 - # أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، أنا ~~الحسن بن سفيان، نا شيبان، نا الصعق بن حزن، نا عقيل بن يحيى الجعدي، عن ~~أبي إسحاق الهمداني، عن سويد بن غفلة، عن ابن مسعود، قال: دخلت على رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن مسعود، قلت: لبيك يا رسول الله، ~~فقال: اختلف من كان قبلي على اثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثلاث وهلك ~~سائرهم، فرقة وازت الملوك وقاتلوهم على دينهم ودين عيسى ابن مريم اتخذوهم ~~فقتلوهم وقطعوهم بالمناشير، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك، ولا بأن ~~يقيموا بين ظهرانيهم، فيدعونهم إلى دين الله ودين عيسى فساحوا في البلاد ~~وترهبوا وهم الذين قال الله عز وجل: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم} ~~[الحديد: 27] الآية فقال # PageV04P254 # النبي صلى الله عليه وسلم: «من آمن بي وصدقني واتبعني، فقد رعاها حق ~~رعايتها، ومن لم يتبعني فأولئك هم الهالكون» . # رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن ابن هانئ، عن يحيى الشهيد، عن عبد ~~الرحمن بن المبارك، عن الصعق. ### | 1169 - # أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر الغازي، أنا أبو عمرو بن أبي جعفر الزاهد، أنا ~~أحمد بن علي بن المثنى، نا أحمد بن عيسى المصري، نا عبد الله بن وهب، حدثني ~~سعيد بن عبد الرحمن، أن سهل بن أبي أمامة، حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس ~~بن مالك وهو بالمدينة، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " ~~لا تشدوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم، فشدد عليهم ~~فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم} ~~[الحديد: 27] ". ### | 1170 - # أخبرنا أبو نصر المهرجاني، أنا عبيد الله بن محمد الزاهد، أنا ms1823 عبد الله ~~بن محمد بن عبد العزيز، نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن ~~الزهري، عن عروة، قال: دخلت امرأة عثمان بن مظعون على عائشة رضي الله عنها، ~~وهي باذة الهيئة، فسألتها: ما شأنك، فقالت: زوجي يقوم الليل ويصوم النهار، ~~فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت عائشة ذلك له فلقي رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم عثمان، فقال: يا عثمان «إن الرهبانية لم تكتب علينا فما لك ~~في أسوة، فوالله إن أخشاكم لله # PageV04P255 # وأحفظكم لحدوده لأنا» . ### | 1171 - # أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، أنا يحيى بن منصور القاضي، نا يوسف بن ~~يعقوب القاضي، نا عبد الله بن محمد بن أسماء، نا ابن المبارك، عن سفيان، عن ~~زيد العمي، عن أبي إياس، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ~~قال: «إن لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله» . # {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل ~~لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم {28} لئلا يعلم أهل الكتاب ~~ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو ~~الفضل العظيم {29} } [الحديد: 28-29] . # {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله} [الحديد: 28] الخطاب لأهل الكتابين من ~~اليهود والنصارى، يقول: يأيها الذين آمنوا بموسى وعيسى، اتقوا الله في ~~محمد، وآمنوا به {يؤتكم كفلين} [الحديد: 28] ضعفين، وأجرين، ونصيبين، من ~~رحمته وذكرنا تفسير الكفل في { [النساء،] ويجعل لكم نورا تمشون به} [سورة ~~الحديد: 28] يعني: الصراط، كما قال: {نورهم يسعى بين أيديهم} [التحريم: 8] ~~فهذا علامة المؤمنين في القيامة، وهذا قول ابن عباس، ومقاتل، ويجوز أن يكون ~~المعنى: ويجعل لكم سبيلا واضحا في الدين تهتدون به، وهذا معنى قول مجاهد: ~~يعني: الهدى والبيان. # وعد الله تعالى لمن آمن من أهل الكتاب أجرين اثنين: أجرا لإيمانهم بالنبي ~~الأول والكتاب الأول، وأجرا لإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وكتابه، كما ~~قال في موضوع آخر: {أولئك يؤتون أجرهم مرتين} [القصص: 54] . ### | 1172 - # أخبرنا أبو إبراهيم بن ms1824 أبي القاسم الصوفي النصراباذي، أنا أبو الحسن محمد ~~بن أحمد بن حامد، أنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، نا الحسن بن عرفة، ~~حدثني عبدة بن سليمان، عن صالح بن صالح الهمداني، عن الشعبي، عن أبي بردة، ~~عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له جارية، ~~فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها، # PageV04P256 # فأحسن تعليمها ثم أعتقها، فتزوجها فله أجران، وأيما رجل من أهل الكتاب ~~آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فله أجران، وأيما مملوك أدى حق ~~الله وحق مواليه، فله أجران، قال عبدة: قال صالح: قال لي الشعبي: أعطيتكما ~~بغير شيء، وإن كان الراكب ليركب فيما دونها إلى المدينة، رواه البخاري، عن ~~موسى بن إسماعيل، عن عبد الواحد. # ورواه مسلم، عن يحيى بن يحيى بن عبد الرحمن، عن هشيم، وعن أبي بكر بن أبي ~~شيبة، عن عبدة بن سليمان كلهم عن صالح بن صالح. # ولما نزلت هذه الآية، وآمن من آمن من أهل الكتاب، حسدهم الذين لم يؤمنوا، ~~فأنزل الله تعالى قوله: {لئلا يعلم} [الحديد: 29] أي: لأن يعلم، ولا صلة، ~~أهل الكتاب يعني: الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وحسدوا ~~المؤمنين منهم، {ألا يقدرون} [الحديد: 29] أنهم لا يقدرون، {على شيء من فضل ~~الله} [الحديد: 29] والمعنى: جعلنا الأجرين لمن آمن بمحمد صلى الله عليه ~~وسلم، ليعلم الذين لم يؤمنوا أنهم لا أجر لهم، ولا نصيب لهم في فضل الله، ~~{وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء} [الحديد: 29] فآتى المؤمنين منهم ~~أجرين، {والله ذو الفضل العظيم} [الحديد: 29] يتفضل على من يشاء من عباده ~~المؤمنين، وهذه الآية مشكلة ليس للمفسرين، ولا لأهل المعاني فيها بيان ~~ينتهي إليه، ويلقى به بين هذه الآية والتي قبلها، وأقوالهم مختلفة متدافعة، ~~وقد بان واتضح المعنى فيما ذكرنا، والله المحمود. # PageV04P257 ### | تفسير سورة المجادلة # عشرون وآيتان، مدنية. ### | 1173 - # أخبرنا أبو سعيد محمد بن أحمد الخفاف، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر ~~بإسناده، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله ms1825 صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ ~~سورة المجادلة كتب من حزب الله يوم القيامة» . # بسم الله الرحمن الرحيم {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي ~~إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير {1} الذين يظاهرون منكم من ~~نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من ~~القول وزورا وإن الله لعفو غفور {2} والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون ~~لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون ~~خبير {3} فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع ~~فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين ~~عذاب أليم {4} } [المجادلة: 1-4] . # {قد سمع الله} [المجادلة: 1] الآيات، قال المفسرون: نزلت هذه الآيات في ~~خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت، # PageV04P258 # وكان به لمم، فاشتد به لممه ذات يوم، فظاهر منها، ثم ندم على ذلك، وكان ~~الظهار طلاقا في الجاهلية، فقال لها: ما أراك إلا وقد حرمت علي. # فقالت: والله ما ذكرت طلاقا، ثم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~فقالت: يا رسول الله أوس بن الصامت أبو ولدي وابن عمي، وأحب الناس إلي، ~~ظاهر مني، والله ما ذكر طلاقا. # فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أراك إلا قد حرمت عليه» . # فهتفت، وشكت، وبكت، وجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا هي ~~في ذلك، إذ تربد وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم للوحي، ونزل عليه قوله: ~~{قد سمع الله} [المجادلة: 1] الآيات، قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه كل ~~شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى على بعضه، وهي تحاور رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم، فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات. # قوله: {قول التي تجادلك في زوجها} [المجادلة: 1] أي: في قول زوجها، وهو ~~أن النبي صلى الله عليه وسلم كلما قال لها: «حرمت عليه» ، قالت: والله ما ~~ذكر طلاقا. # فكان هذا جدالها، {وتشتكي إلى الله} [المجادلة: 1] وهو قولها ms1826: أشكو إلى ~~الله فاقتي ووحدتي، وإن لي صبية صغارا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم ~~إلى جاعوا. # وجعلت ترفع رأسها إلى السماء، وتقول: اللهم إني أشكو إليك. # {والله يسمع تحاوركما} [المجادلة: 1] تخاطبكما، ومراجعتكما الكلام، {إن ~~الله سميع} [المجادلة: 1] لمن يناجيه، ويتضرع إليه، بصير لمن يشكو إليه. # ثم ذم الظهار والمظاهر، فقال: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم} [المجادلة: ~~2] أي: يقولون لهن: أنتن كظهور أمهاتنا. # وذكرنا القرآن واللغات في ابتداء { [الأحزاب، ماهن أمهاتهم ما اللواتي ~~تجعلونهن من الزوجات كالأمهات بأمهات، وقراءة العامة بكسر التاء، وهي في ~~موضع نصب على خبر ما، المعنى: ليس هن بأمهاتهم، وقرأ عاصم في بعض الروايات ~~برفع التاء. # قال الفراء: وهي لغة أهل نجد، وأنشد على لغتهم: # PageV04P259 # ويزعم حسل أنه فرع قومه ... وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل # ] إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم} [سورة المجادلة: 2] ما أمهاتهم إلا ~~الوالدات، وإنهم يعني: المظاهرين، {ليقولون منكرا من القول} [المجادلة: 2] ~~لا يعرف في شرع، وزورا كذبا، {وإن الله لعفو غفور} [المجادلة: 2] عفا عنهم، ~~وغفر لهم بإيجاب الكفارة عليهم. # {والذين يظاهرون من نسائهم} [المجادلة: 3] يمتنعون منهن، أي: من جماعهن ~~بهذا اللفظ، {ثم يعودون لما قالوا} [المجادلة: 3] كثر الاختلاف في معنى ~~العود ههنا من المفسرين والفقهاء، والذي ذهب إليه الشافعي رضي الله عنه: أن ~~معنى العود لما قالوا: السكوت عن الطلاق بعد الظهار زمانا، يمكنه أن يطلق ~~فيه. # وذلك أنه إذا ظاهر فقد قصد التحريم، فإن وصل ذلك بالطلاق فقد جرى على ما ~~ابتدأه ولا كفارة، وإذا سكت عن الطلاق، فذلك للندم منه على ما أبتدأ به، ~~فهو عود منه إلى ما كان عليه، فحينئذ تجب الكفارة، ويدل على هذا أن ابن ~~عباس فسر العود في هذه الآية: بالندم، فقال: يندمون فيرجعون إلى الألفة. # قال الفراء: يعودون لما قالوا إلى ما قالوا، وفيما قالوا، معناه: يرجعون ~~عما قالوا، يقال: عاد لما فعل، أي: نقض ما فعل. # وهذا الذي ذكره الفراء يبين لك صحة ما ذهب إليه الشافعي رضي الله عنه، ~~وقال أهل ms1827 العراق: معنى العود: العزم على الوطء، فإذا عزم على وطئها كان ~~عودا، ويلزمها الكفارة. # وقال مقاتل، والحسن، وطاوس، والزهري: العود لما قالوا هو: الوطء. # وهو مذهب مالك، قال: إن وطئها كان عودا، وإن لم يطأها لم يكن عودا. # قال أصحابنا: العود المذكور ههنا: صالح للجماع كما قال مالك، وللعزم على ~~الجماع كما قال أهل # PageV04P260 # العراق، ولترك الطلاق كما قال الشافعي، وهو أول ما ينطلق عليه اسم العود، ~~فوجب تعلق الحكم به، لأنه الظاهر، وما زاد عليه يعرف بدليل آخر. # وقال أبو العالية: إذا كرر اللفظ بالظهار كان عودا، وإن لم يكرر لم يكن ~~عودا. # وإلى هذا ذهب أهل الظاهر: فجعلوا العود تكرير لفظ الظهار، واحتجوا بأن ~~ظاهر قوله: ثم يعودون يدل على تكرير اللفظ، وقال أبو علي الفارسي: ليس في ~~هذا ظاهر كما ادعوا، لأن العود قد يكون إلى شيء لم يكن عليه قبل، وسميت ~~الآخرة المعاد، ولم يكن فيها أحد ثم صار إليها. # وقال الأخفش: تقدير الآية: والذين يظاهرون من نسائهم، فتحرير رقبة لما ~~قالوا، ثم يعودون إلى نسائهم، أي: فعليهم تحرير رقبة لما نطقوا به من ذلك ~~التحريم، والتقديم والتأخير كثير في التنزيل. # وقال ابن قتيبة: أجمع الناس على أن الظهار يقع بلفظ واحد، وتأويل قوله: ~~{ثم يعودون لما قالوا} [المجادلة: 3] هو: أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون ~~بالظهار، فجعل الله حكم الظهار في الإسلام خلاف حكمه عندهم في الجاهلية، ~~فقال: {والذين يظاهرون من نسائهم} [المجادلة: 3] يريد: في الجاهلية، {ثم ~~يعودون لما قالوا} [المجادلة: 3] في الإسلام. # {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} [المجادلة: 3] أي: يجامعا، {ذلكم توعظون ~~به} [المجادلة: 3] قال الزجاج: ذلكم: التغليظ في الكفارة. # توعظون به أي: أن غلظ الكفارة وعظ لكم، حتى تتركوا الظهار. # ثم ذكر حكم العاجز عن الرقبة، فقال: {فمن لم يجد} [المجادلة: 4] أي: ~~الرقبة، فصيام شهرين فعليه صيام شهرين، {متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم ~~يستطع} [المجادلة: 4] الصيام، فكفارته {فإطعام ستين مسكينا ذلك} [المجادلة: ~~4] أي: الغرض من ذلك الذي وصفنا، {لتؤمنوا بالله ورسوله ms1828} [المجادلة: 4] ~~لتصدقوا بما أتى به الرسول، وتصدقوا أن الله أمر به، # PageV04P261 # {وتلك حدود الله} [المجادلة: 4] يعني: ما وصف من الكفارة في الظهار، ~~{وللكافرين عذاب أليم} [المجادلة: 4] قال ابن عباس: لمن جحد هذا، وكذب به. ### | 1174 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل، أنا محمد بن عبد الله بن ~~زكريا، أنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، نا أبو الحسن أحمد بن سيار، نا عبد ~~العزيز بن يحيى الحراني، حدثني محمد بن سلمة، عن أبي إسحاق، عن معمر بن عبد ~~الله بن حنظلة، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: حدثتني خولة بنت ثعلبة، ~~وكانت عند أوس بن الصامت، قالت: دخل علي ذات يوم، فكلمني بشيء وهو فيه ~~كالضجر فراددته فغضب، فقال: أنت علي كظهر أمي، ثم خرج فجلس في نادي قومه، ~~ثم رجع إلي فأرادني على نفسي، فامتنعت، فشادني فشاددته فغلبته بما تغلب به ~~المرأة الرجل الضعيف، فقلت: كلا والذي نفس خولة بيده لا تصل إلي حتى يحكم ~~الله في وفيك بحكمه، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أشكو ما لقيت، فما ~~برحت حتى نزل القرآن {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} [المجادلة: 1] ~~إلى قوله: {إن الله سميع بصير} [المجادلة: 1] حتى انتهى إلى الكفارة ثم ~~قال: مريه فليعتق رقبة، قلت: يا نبي الله والله ما عنده رقبة يعتقها، قال: ~~مريه فليصم شهرين متتابعين، قلت: يا نبي الله، شيخ كبير ما به من صيام، ~~قال: فليطعم ستين مسكينا، قالت: قلت: يا رسول الله، والله ما عنده ما يطعم، ~~فقال: بلى سنعينه بعرق من تمر مكيل يسع ثلاثين صاعا، قالت: قلت: يا رسول ~~الله، وأنا أعينه بعرق آخر. # {إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا ~~آيات بينات وللكافرين عذاب مهين {5} يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما ~~عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء # PageV04P262 # شهيد {6} ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من ~~نجوى ثلاثة إلا هو ms1829 رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر ~~إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء ~~عليم {7} } [المجادلة: 5-7] . # {إن الذين يحادون الله ورسوله} [المجادلة: 5] يعادونهما، ويخالفون ~~أمرهما، كبتوا أذلوا وأخزوا، يقال: كبت الله فلانا إذا أذله، والمردود ~~بالذي يقال له: مكبوت، قال المقاتلان: أخزوا كما أخزي من قبلهم من أهل ~~الشرك. # {وقد أنزلنا آيات بينات} [المجادلة: 5] قال ابن عباس: فرائض قيمة معروفة. # وللكافرين لمن لم يعمل، ولم يصدق بها، عذاب مهين. # ثم بين وقت ذلك العذاب، فقال: {يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا ~~أحصاه الله} [المجادلة: 6] حفظ الله أعمالهم، ونسوه. # ثم أخبر أنه يعلم ما يجري وما يكون، فقال: {ألم تر أن الله يعلم ما في ~~السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة} [المجادلة: 7] أي: من سرار ~~ثلاثة، قال ابن عباس: ما من شيء تناجي به صاحبيك إلا هو رابعهم بالعلم. # يعني: أن نجواهم معلومة عنده، كما تكون معلومة عند الرابع الذي هو معهم، ~~وباقي الآية ظاهر التفسير إلى قوله: {ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم ~~يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وإذا جاءوك ~~حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول ~~حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير {8} يأيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا ~~تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله ~~الذي إليه تحشرون {9} إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس ~~بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون {10} } [المجادلة: ~~8-10] . # {ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى} [المجادلة: 8] الآية، قال المفسرون: ~~إن المنافقين واليهود كانوا يتناجون فيما بينهم، ويوهمون المؤمنين أنهم ~~يتناجون فيما يسوءهم، فيحزنون لذلك، فلما طال ذلك وكثر، شكوا إلى رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم، فأمرهم ألا يتناجوا دون المسلمين، فلم ينتهوا عن ذلك، ~~وعادوا إلى مناجاتهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية. # وقوله: {ويتناجون بالإثم والعدوان} [المجادلة ms1830: 8] يعني: في مخالفة الرسول ~~في النهي عن النجوى، # PageV04P263 # وهو قوله: ومعصيت الرسول وذلك: أنه نهاهم عن النجوى، فعصوه، ويجوز أن ~~يكون الإثم والعدوان ذلك السر الذي يجري بينهم، لأنه شيء يسوء المسلمين، ~~ويوصي بعضهم بعضا بمعصية الرسول، وترك أمره، {وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك ~~به الله} [المجادلة: 8] وذلك أن اليهود كانوا يأتون النبي صلى الله عليه ~~وسلم، فيقولون: السام عليك. # والسام: الموت، وهم يوهمونه أنهم يقولون: السلام عليك، {ويقولون في ~~أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول} [المجادلة: 8] وذلك: أنهم قالوا: لو كان ~~محمد نبيا، لعذبنا الله بما نقول. # قال الله تعالى: {حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير} [المجادلة: 8] . ### | 1175 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الزاهد، أنا إبراهيم بن عبد الله الأصفهاني، ~~أنا محمد بن إسحاق الثقفي، نا قتيبة، نا جرير، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن ~~مسروق، عن عائشة، قالت: جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ~~فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقلت: السام عليكم وفعل الله بكم وفعل، ~~فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا عائشة، فإن الله لا يحب الفحش ~~ولا التفحش، فقلت: يا رسول الله، ألست ترى ما يقولون؟ قال: ألست ترين أرد ~~عليهم ما يقولون؟ أقول: وعليكم، قالت: ونزلت هذه الآية في ذلك {وإذا جاءوك ~~حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول} ~~[المجادلة: 8] قالت: بما يقولون لمحمد صلى الله عليه وسلم {حسبهم جهنم} ~~[المجادلة: 8] الآية # ثم نهى المنافقين عن التناجي، فقال: {يأيها الذين آمنوا إذا تناجيتم} ~~[المجادلة: 9] قال مقاتل: يعني: المنافقين. # وقال عطاء: يريد: آمنوا بزعمهم. # {فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول} [المجادلة: 9] تقدم تفسيره، ~~{وتناجوا بالبر والتقوى} [المجادلة: 9] بالطاعة، وترك المعصية، ثم خوفهم، ~~فقال: {واتقوا الله الذي إليه تحشرون} [المجادلة: 9] فيجزيكم بأعمالكم، ~~وذكر أن هذه الآية خطاب للمؤمنين، وأنهم نهوا أن يفعلوا كفعل المنافقين ~~واليهود، وهو اختيار الزجاج. # ثم ذكر أن ما يفعله اليهود والمنافقون من جهة الشيطان، وأن ذلك لا يضر ms1831 ~~المؤمنين، فقال: {إنما النجوى من الشيطان} [المجادلة: 10] أي: من تزيين ~~الشيطان، {ليحزن الذين آمنوا} [المجادلة: 10] أي: إنما يزين لهم ذلك، ليحزن ~~المؤمنين، وذلك: أن المؤمنين إذا رأوهم # PageV04P264 # متناجين، قالوا: لعلهم يتناجون بما بلغهم عن إخواننا الذين خرجوا في ~~السرايا قتل، أو موت، أو هزيمة، قال الله تعالى: {وليس بضارهم شيئا} ~~[المجادلة: 10] وليس الشيطان بضارهم شيئا، {إلا بإذن الله} [المجادلة: 10] ~~إلا ما أراد الله ذلك، قال مقاتل: يقول: إلا بإذن الله في الضرر. # {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [المجادلة: 10] أي: يكلون أمورهم على الله. # قوله: {يأيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح ~~الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا ~~العلم درجات والله بما تعملون خبير} [المجادلة: 11] . # {يأيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا} [المجادلة: ~~11] الآية، قال مقاتل بن حيان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرم أهل ~~بدر، فجاء ناس منهم يوما وقد سبقوا إلى المجلس، فقاموا حيال النبي صلى الله ~~عليه وسلم ينتظرون أن يوسع لهم، فلم يوسع، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه ~~وسلم، فقال لمن حوله: قم يا فلان، قم يا فلان. # وشق ذلك على من أقيم من مجلسه، فأنزل الله تعالى الآية. # ومعنى: تفسحوا توسعوا، وذلك: أنهم كانوا قد جلسوا متضايقين حول النبي صلى ~~الله عليه وسلم منضمين إليه، فلم يجد غيرهم مجلسا عند النبي صلى الله عليه ~~وسلم، فأمروا أن يتنحوا عنه في الجلوس ويتوسعوا، ليجد غيرهم مكانا يجلس ~~فيه، ليتساوى الناس في الأخذ بالحظ منه، وتظهر فضيلة أهل بدر بالجلوس قرب ~~النبي صلى الله عليه وسلم، وقرئ: في المجالس لأن لكل جالس مجلسا، ومعناه: ~~ليتفسح كل رجل منكم في مجلسه، والوجه التوحيد، لأنه يعنى به مجلس النبي صلى ~~الله عليه وسلم، وقوله: فافسحوا أي: فأوسعوا، يقال: فسح يفسح فسحا، إذا وسع ~~في المجلس، {يفسح الله لكم} [المجادلة: 11] يوسع الله لكم في الجنة، ~~والمجالس فيها، وقوله: {وإذا قيل انشزوا فانشزوا} [المجادلة: 11] قال ms1832 ~~عكرمة، والضحاك: كان رجال يتثاقلون عن الصلاة، فقيل لهم: إذا نودي للصلاة، ~~فانهضوا. # وقال مجاهد: إلى كل خير من قتال عدو، وأمر بمعروف، أو حق ما كان. # {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11] ~~قال ابن عباس: يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين، على الذين لم ~~يؤتوا العلم درجات. # PageV04P265 # قوله: {يأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ~~ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم {12} ءأشفقتم أن تقدموا ~~بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا ~~الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون {13} } [المجادلة: ~~12-13] . # {يأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} ~~[المجادلة: 12] قال ابن عباس في رواية الوالبي: إن المسلمين أكثروا المسائل ~~على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه، وأراد الله أن يخفف عن ~~نبيه صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلما نزلت ضن كثير ~~من الناس، فكفوا عن المسألة. # قال المفسرون: إنهم نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا، فلم يناجه أحد إلا علي ~~بن أبي طالب، رضي الله عنه، تصدق بدينار. ### | 1176 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا أبو محمد بن حيان، نا أبو يحيى، نا سهل بن ~~عثمان، نا أبو قبيصة، عن ليث، عن مجاهد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ~~قال: آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي , ولن يعمل بها أحد بعدي، آية ~~النجوى: كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم، فكلما أردت أن أناجي رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم قدمت درهما فنسخت بالآية الأخرى {ءأشفقتم أن تقدموا بين ~~يدي نجواكم صدقات} [المجادلة: 13] الآية. # وقوله: {ذلك خير لكم وأطهر} [المجادلة: 12] يعني: تقديم الصدقة على ~~المناجاة خير لكم، لما فيه من طاعة الله، {فإن لم تجدوا فإن الله غفور ~~رحيم} [المجادلة: 12] يعني: الفقراء الذين لا مال لهم، فمن لم يجد ما يتصدق ~~به كان معفوا عنه. # {ءأشفقتم} [المجادلة ms1833: 13] قال ابن عباس: أبخلتم. # والمعنى: أخفتم العيلة إن قدمتم، {بين يدي نجواكم صدقات} [المجادلة: 13] ~~فإذا لم تفعلوا ما أمرتم به، وتاب الله عليكم بعفوه، إياكم عن هذه الصدقة، ~~{فأقيموا الصلاة} [المجادلة: 13] المفروضة، {وآتوا الزكاة} [المجادلة: 13] ~~الواجبة. # {ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ~~ويحلفون على الكذب وهم يعلمون {14} أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما ~~كانوا يعملون {15} اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب # PageV04P266 # مهين {16} لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب ~~النار هم فيها خالدون {17} يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون ~~لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون {18} استحوذ عليهم الشيطان ~~فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون {19} } ~~[المجادلة: 14-19] . # قوله: {ألم تر إلى الذين تولوا قوما} [المجادلة: 14] الآية نزلت في ~~المنافقين، تولوا اليهود، ونقلوا إليهم أسرار المسلمين، وأراد بقوله: {قوما ~~غضب الله عليهم} [المجادلة: 14] اليهود، {ما هم منكم} [المجادلة: 14] يعني: ~~المنافقين ليسوا من المؤمنين في الدين والولاية، ولا من اليهود، {ويحلفون ~~على الكذب} [المجادلة: 14] وذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد ~~الله بن نبتل المنافق: على ماذا تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلفوا أنهم لم ~~يفعلوا، ولم يوالوا اليهود، فذلك قوله: {ويحلفون على الكذب وهم يعلمون} ~~[المجادلة: 14] أنهم كذبة. # {اتخذوا أيمانهم جنة} [المجادلة: 16] يتوقون بها من القتل، {فصدوا عن ~~سبيل الله} [المجادلة: 16] صدوا المؤمنين عن جهادهم، وأخذ مالهم. # {يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم} [المجادلة: 18] قال ~~مقاتل، وقتادة: يحلفون لله في الآخرة أنهم كانوا مؤمنين، كما حلفوا ~~لأوليائه في الدنيا. # {ويحسبون أنهم على شيء} [المجادلة: 18] من أيمانهم الكاذبة، {ألا إنهم هم ~~الكاذبون} [المجادلة: 18] في قولهم وأيمانهم. # {استحوذ عليهم الشيطان} [المجادلة: 19] غلب واستولى، قال المبرد: استحوذ ~~على الشيء: حواه وأحاط به، ومعناه: استدار عليهم الشيطان وأحاط بهم. # وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: {إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في ~~الأذلين {20} كتب الله لأغلبن ms1834 أنا ورسلي إن الله قوي عزيز {21} لا تجد قوما ~~يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو ~~أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح ~~منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا ~~عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون {22} } [المجادلة: 20-22] ~~. # PageV04P267 # {أولئك في الأذلين} [المجادلة: 20] قال عطاء: يريد الذل في الدنيا، ~~والخزي في الآخرة، أي: هم في جملة من يلحقهم الذل في الدنيا والآخرة. # كتب الله قضى الله قضاء ثابتا، {لأغلبن أنا ورسلي} [المجادلة: 21] قال ~~الزجاج: معنى غلبة الرسل على نوعين: من بعث منهم بالحرب، فهو غالب في ~~الحرب، ومن بعث منهم بغير حرب، فهو غالب الحجة. # قوله: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله} ~~[المجادلة: 22] الآية، أخبر الله: أن إيمان المؤمنين يفسد بمودة الكفار، ~~وإن من كان مؤمنا لا يوالي من كفر، وإن كان أباه، أو ابنه، أو أخاه، أو ~~واحدا من عشيرته، نزلت في الذين عادوا عشائرهم الكفار وقاتلوهم، غضبا لله ~~ولدينه، قال الله: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} [المجادلة: 22] أثبت ~~التصديق في قلوبهم، ومعناه: جمع الله في قلوبهم الإيمان حتى استكملوه، ~~{وأيدهم بروح منه} [المجادلة: 22] قال ابن عباس: قواهم بنصر منه في الدنيا ~~على عدوهم. # وهو قول الحسن، سمى نره إياهم روحا، لأن به يحيا أمرهم، وما بعد هذا إلى ~~آخر السورة ظاهر. # PageV04P268 ### | تفسير سورة الحشر # عشرون وأربع آيات، مدنية. ### | 1177 - # أخبرنا سعيد بن محمد المقرئ، أنا أبو عمرو بن مطر بالإسناد الذي ذكرنا، ~~عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة ~~الحشر لم تبق جنة ولا نار ولا عرش ولا الكرسي، والحجب والسموات السبع ~~والأرضون السبع، والهوام والرياح، والطير والجبال، والشجر والدواب، والشمس ~~والملائكة، إلا صلوا عليه واستغفروا له، فإن مات من يومه أو ليلته كان ~~شهيدا» . # بسم الله الرحمن الرحيم {سبح لله ما في السموات وما في الأرض ms1835 وهو العزيز ~~الحكيم {1} هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ~~ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث ~~لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ~~فاعتبروا يا أولي الأبصار {2} ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في ~~الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار {3} ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن ~~يشاق الله فإن الله شديد العقاب {4} ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة ~~على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين {5} } [الحشر: 1-5] . # سبح لله الآية تقدم تفسيرها. # {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب} [الحشر: 2] يعني: يهود بني ~~النضير، غدروا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن عاهدوه، وصاروا عليه مع ~~المشركين يدا واحدة، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضوا ~~بالجلاء، وذكر الله تلك القصة في هذه ال { [، وكان ابن عباس يسمي هذه # PageV04P269 # السورة سورة بني النضير،] لأول الحشر} [سورة الحشر: 2] كان جلاؤهم ذلك ~~أول حشر إلى الشام، ثم يحشر الخلق يوم القيامة إلى الشام، والنبي صلى الله ~~عليه وسلم قال لهم: «اخرجوا» . # قالوا: إلى أين؟ قال: «إلى أرض المحشر» . # وقال الكلبي: إنهم كانوا أول من أجلي من أهل الذمة من جزيرة العرب، ثم ~~أجلي آخرهم زمن عمر رضي الله عنه، فكان جلاؤهم أول حشر من المدينة. # ما ظننتم أيها المؤمنون، أن يخرجوا من ديارهم، لعزهم، ومنعتهم، وذلك أنهم ~~كانوا أهل حصون، وعقار، ونخيل كثيرة، وحلقة، وظن بنو النضير أن حصونهم ~~تمنعهم وذلك قوله: {وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله} [الحشر: 2] أي: من ~~سلطان الله، فأتاهم الله أي: أمر الله وعذابه، {من حيث لم يحتسبوا} [الحشر: ~~2] وهو أنه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بقتالهم، وإجلائهم، وكانوا لا ~~يظنون أن ذلك يكون، ولا يحتسبونه، {وقذف في قلوبهم الرعب} [الحشر: 2] بقتل ~~سيدهم كعب بن الأشرف، {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} [الحشر: 2] ~~وذلك: أنهم لما أيقنوا بالجلاء، حسدوا المسلمين أن يسكنوا منازلهم، فجعلوا ~~يخربونها من داخل ms1836، والمسلمون من خارج، قال الزجاج: ومعنى تخريبها بأيدي ~~المؤمنين: أنهم عرضوها لذلك. # وقرأه العامة: يخربون من الإخراب، وقرأ أبو عمرو مشددا من التخريب، وهما ~~واحد مثل فرحته وأفرحته، {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر: 2] معنى ~~الاعتبار: النظر في الأمور ليعرف بها شيء آخر من جنسها، والمعنى: تدبروا ~~وانظروا فيما نزل بهم يا أهل اللب، والعقل، والبصائر. # {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء} [الحشر: 3] قضى عليهم أنهم يخرجون من ~~أوطانهم إلى الشام وخيبر، {لعذبهم في الدنيا} [الحشر: 3] بالقتل، والسبي ~~كما فعل بقريظة، {ولهم في الآخرة عذاب النار} [الحشر: 3] مع ما حل بهم في ~~الدنيا، ذلك الذي لحقهم، {بأنهم شاقوا الله ورسوله} [الحشر: 4] خالفوهما ~~ولم # PageV04P270 # يطيعوهما، والآية مفسرة في الأنفال. # قوله: {ما قطعتم من لينة} [الحشر: 5] وهي النخل كله ما خلا البرني ~~والعجوة، وجمعها ليان، قال مجاهد: إن بعض المهاجرين وقعوا في قطع النخيل، ~~ونهاهم بعضهم، وقالوا: إنما هي مغانم المسلمين. # وقال الذين قطعوا: بل هو غيظ للعدو. # ونزل القرآن بتصديق من نهى عن القطع، وتحليل من قطعه من الإثم، فقال: {ما ~~قطعتم من لينة أو تركتموها} [الحشر: 5] الآية. ### | 1178 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم، أنا عمرو بن مطر، نا إبراهيم بن ~~علي، نا يحيى بن يحيى، أنا الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم " حرق نخل بني النضير وقطع، فأنزل الله: {ما قطعتم من ~~لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين} [الحشر: 5] ~~رواه البخاري ومسلم عن قتيبة، عن الليث # قال الزجاج: {وليخزي الفاسقين} [الحشر: 5] بأن يريهم أموالهم يتحكم فيها ~~المؤمنون كيف أحبوا من قطع، وترك. # والتقدير: وليخزي الفاسقين إذن في ذلك، ودل على هذا المحذوف قوله: فبإذن ~~الله. # قوله: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ~~ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير {6} ما أفاء الله ~~على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن ~~السبيل ms1837 كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما ~~نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب {7} } [الحشر: 6-7] . # {وما أفاء الله على رسوله} [الحشر: 6] أي: رده عليه من مال الكفار، يقال: ~~فاء يفيء إذا رجع، وأفاءه الله منهم من يهود بني النضير، {فما أوجفتم} ~~[الحشر: 6] يقال: وجف الفرس والبعير يجف وجيفا وهو: سرعة السير، وأوجفه # PageV04P271 # صاحبه إذا حمله على السير السريع، وقوله: عليه أي: على ما أفاء الله من: ~~{خيل ولا ركاب} [الحشر: 6] وهي الإبل التي تحمل القوم، واحدتها راحلة، قال ~~المفسرون: إن بني النضير لما جلوا عن أوطانهم، وتركوا رباعهم وضياعهم، طلب ~~المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخمسها بينهم، كما فعل بغنائم ~~بدر، فأنزل الله تعالى هذه الآية، يبين أنها في إذا لم يوجف المسلمون عليه ~~خيلا ولا ركابا، ولم يقطعوا إليه مسافة، {ولكن الله يسلط رسله على من يشاء} ~~[الحشر: 6] فجعل الله تعالى أموال بني النضير لرسوله خاصة، يفعل فيها ما ~~يشاء، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين، ولم يعط الأنصار ~~شيئا منها، إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة وهم: أبو دجانة، وسهل بن حنيف، ~~والحارث بن الصمة. # ثم ذكر حكم الفيء، فقال: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} [الحشر: ~~7] الآية، من أموال كفار أهل القرى، فلله يأمركم فيه بما أحب، ولرسوله ~~بتمليك الله إياه، ولذي القربى يعني: بني هاشم وبني المطلب، لأنهم قد منعوا ~~الصدقة، فجعل لهم حق في الفيء، {واليتامى والمساكين وابن السبيل} [الحشر: ~~7] أربعة أخماسه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والباقي لهؤلاء الذي ذكرهم ~~الله تعالى، {كي لا يكون} [الحشر: 7] الفيء، دولة وهي: اسم للشيء يتداوله ~~القوم بينهم، يكون لهذا مرة، ولهذا مرة، {بين الأغنياء منكم} [الحشر: 7] ~~يعني: الرؤساء يعمل فيه كما كان يعمل في الجاهلية، قال مقاتل: يغلب ~~الأغنياء الفقراء، فيقسمونه بينهم. # ثم قال للرؤساء: {وما آتاكم الرسول} [الحشر: 7] من الفيء، فخذوه فهو لكم ~~حلال، وما نهاكم عن أخذه، فانتهوا ms1838 وهذا نازل في أمر الفيء، ثم هو عام في كل ~~ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه، واتقوا الله في أمر الفيء، ~~{إن الله شديد العقاب} [الحشر: 7] . # ثم بين من المساكين الذين لهم الحق، بقوله: {للفقراء المهاجرين الذين ~~أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ~~ورسوله أولئك هم الصادقون {8} والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون ~~من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو ~~كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون {9} والذين جاءوا من ~~بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في ~~قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم {10} } [الحشر: 8-10] . # PageV04P272 # {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} [الحشر: 8] يعني: ~~أن كفار مكة أخرجوهم، {يبتغون فضلا من الله} [الحشر: 8] رزقا يأتيهم، ~~ورضوانا رضا ربهم حين خرجوا إلى دار الهجرة، {أولئك هم الصادقون} [الحشر: ~~8] في إيمانهم. # ثم مدح الأنصار حين طابت أنفسهم عن الفيء، فقال: {والذين تبوءوا الدار} ~~[الحشر: 9] يعني: المدينة، وهي دار الهجرة، تبوأها الأنصار قبل المهاجرين، ~~وتقدير الآية: والذين تبوءوا الدار من قبلهم والإيمان، لأن الأنصار لم ~~يؤمنوا قبل المهاجرين، وعطف الإيمان على الدار في الظاهر لا في المعنى، لأن ~~الإيمان ليس بمكان يتبوأ، والتقدير: وآثروا الإيمان، أو اعتقدوا الإيمان، ~~{يحبون من هاجر إليهم} [الحشر: 9] لأنهم أحسنوا إلى المهاجرين، وأشركوهم في ~~أموالهم ومساكنهم، {ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا} [الحشر: 9] أي: ~~حسدا، وحزازة مما أوتي المهاجرين دونهم، ويؤثرون المهاجرين، على أنفسهم ~~بأموالهم ومنازلهم، {ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9] فقر وحاجة، بين الله ~~تعالى أن إيثارهم لم يكن عن غنى وعن مال، ولكن كان حاجة، وكان ذلك أعظم ~~لأجرهم. ### | 1179 - # أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري، أنا أبو محمد الحسن بن ~~أحمد الشيباني، أنا أبو العباس محمد بن إسحاق، أنا محمود بن خداش وسمعته ~~يقول: ما أخذت بيدي ميزانا قط، نا محمد بن الحسن الشيباني، نا الفضيل ms1839 بن ~~غزوان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم، وقد أصابه الجهد فقال: يا رسول الله، إني جائع فأطعمني فبعث ~~النبي صلى الله عليه وسلم إلى أزواجه، هل عندكن شيء، فكلهن قلن: والذي بعثك ~~بالحق ما عندنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما عند رسول ~~الله ما يطعمك هذه الليلة، ثم قال: من يضيف هذا هذه الليلة رحمه الله؟ فقام ~~رجل فقال: أنا يا رسول الله، فأتى به منزله، فقال لأهله: هذا ضيف رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فأكرميه ولا تدخري عنه شيئا، فقالت: ما عندنا إلا قوت ~~الصبية، فقال: قومي فعلليهم عن قوتهم حتى يناموا ولا يطعموا شيئا، ثم أسرجي ~~وابرزي، فإذا أخذ الضيف ليأكل قومي كأنك تصلحين السراج، فأطفئيه وتعالي ~~نمضغ ألسنتنا لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يشبع، فقامت إلى ~~الصبية فعللتهم حتى ناموا عن قوتهم، ثم قامت وخرجت، فلما أخذ الضيف ليأكل ~~قامت كأنها تصلح السراج، فأطفأته وجعلا يمضغان ألسنتهما، فظن الضيف أنهما ~~يأكلان معه حتى شبع، وباتا طاويين، فلما أصبحا غدوا إلى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم، فلما نظر إليهما تبسم، ثم قال: لقد عجب الله من فلان وفلانة هذه ~~الليلة، وأنزل الله عز وجل: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} ~~[الحشر: 9] " # وقال داود بن أبي هند: كان أنس بن مالك يحلف بالله عز وجل: ما في الأنصار ~~بخيل، ويقرأ هذه # PageV04P273 # الآية: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9] . # وقوله: {ومن يوق شح نفسه} [الحشر: 9] قال مقاتل: حرص نفسه. # وقال أبو زيد: من لم يأخذ شيئا نهاه الله عنه، ولم يمنع شيئا أمره الله ~~بأدائه، فقد وقي شح نفسه. # وقال سعيد بن جبير: شح النفس هو أخذ الحرام، ومنع الزكاة. # وجاء رجل إلى عبد الله بن مسعود، فقال: لقد خفت ألا تصيبني هذه الآية: ~~{ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 9] والله أقدر أن أعطي ms1840 شيئا ~~أطيق منعه. # فقال عبد الله: إنما ذلك البخل، وبئس الشيء البخل، ولكن الشح أن تأخذ مال ~~أخيك بغير حقه. ### | 1180 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنا أبو عمرو بن مطر، نا محمود بن ~~محمد الواسطي، نا وهب بن بقية، أنا خالد بن عبد الله، عن محمد بن عمرو بن ~~علقمة، عن صفوان بن سليم، عن حصين بن اللجلاج، عن أبي هريرة، أن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجتمع الشح والإيمان في قلب رجل مسلم، ولا ~~يجتمع غبار في سبيل الله، ودخان جهنم في جوف رجل مسلم» . ### | 1181 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أنا أبو عمرو بن مطر، أنا أبو خليفة، نا ~~الحوضي، نا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن أبي كثير، عن ~~عبد الله بن عمرو، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إياكم ~~والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وإياكم والفحش، فإن الله يبغض ~~الفاحش، وإياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم # PageV04P274 # بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا» . # قال المفسرون: يعني: أن الأنصار ممن وقي الشح، حين طابت أنفسهم عن الفيء. # قوله: {والذين جاءوا من بعدهم} [الحشر: 10] يعني: التابعين، وهم الذين ~~يجيئون بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة، ثم ذكر أنهم يدعون ~~لأنفسهم، ولمن سبقهم بالإيمان بالمغفرة، بقوله: {يقولون ربنا اغفر لنا ~~ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا} ~~[الحشر: 10] أي: غشا وحسدا وبغضا، فكل من لم يترحم على جميع أصحاب رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم، وكان في قلبه غل على أحد منهم، فإنه ليس ممن عناه ~~الله بهذه الآية، لأن الله تعالى رتب المؤمنين على ثلاث منازل: المهاجرين، ~~والأنصار، والتابعين الموصوفين بما ذكر، فمن لم يكن من التابعين بهذه ~~الصفة، كان خارجا عن أقسام المؤمنين. ### | 1182 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، أنا محمد بن أحمد بن ~~سليمان، حدثني يونس بن حبيب أبو داود، نا أبو عتبة، عن عبد الملك ms1841 بن حميد، ~~قال: سمع ابن عباس رجلا ينال من بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فقال: أمن المهاجرين الأولين أنت؟ قال: لا، قال: أمن الأنصار أنت؟ ، قال: ~~لا، قال: فأنا أشهد أنك لست من التابعين بإحسان. # {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن ~~أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله ~~يشهد إنهم لكاذبون {11} لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ~~ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون {12} لأنتم أشد رهبة في صدورهم من ~~الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون {13} لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو ~~من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا ~~يعقلون {14} كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ~~{15} كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف ~~الله رب العالمين {16} فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء ~~الظالمين {17} } [الحشر: 11-17] . # قوله: {ألم تر إلى الذين نافقوا} [الحشر: 11] يعني: عبد الله بن أبي ~~وأصحابه، {يقولون لإخوانهم} [الحشر: 11] أي: في الدين، لأنهم # PageV04P275 # كفار مثلهم، وهم اليهود، وهو قوله: {الذين كفروا من أهل الكتاب لئن ~~أخرجتم} [الحشر: 11] أي: من المدينة، {لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم} [الحشر: ~~11] في خذلانكم، أحدا أبدا ووعدوهم النصر، بقولهم: {وإن قوتلتم لننصرنكم} ~~[الحشر: 11] وكذبهم الله تعالى في ذلك بقوله: {والله يشهد إنهم لكاذبون} ~~[الحشر: 11] . # ثم ذكر أنهم يخلفونهم ما وعدوهم من الخروج والنصر، بقوله: {لئن أخرجوا لا ~~يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم} [الحشر: 12] فكان الأمر على ما ذكره ~~الله تعالى، لأنهم أخرجوا من ديارهم، فلم يخرج معهم المنافقون، وقوتلوا فلم ~~ينصروهم، أظهر الله كذبهم، وبان صدق ما قال الله، وقوله: {ولئن نصروهم} ~~[الحشر: 12] معناه: ولئن قدر وجود نصرهم، لأن ما نفاه الله لا يجوز وجوده، ~~قال الزجاج: معناه: لو قصدوا نصر اليهود، لولوا الأدبار منهزمين، ثم لا ~~ينصرون. # يعني: ابن النضير لا ms1842 يصيرون منصورين، إذا انهزموا ناصروهم. # لأنتم أيها المؤمنون، {أشد رهبة في صدورهم من الله} [الحشر: 13] قال ابن ~~عباس: هم منكم أشد خوفا منهم من الله. # ذلك الخوف الذي لهم منكم من أجل، {بأنهم قوم لا يفقهون} [الحشر: 13] عظمة ~~الله. # ثم أخبر عن اليهود، فقال: {لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة} [الحشر: ~~14] أي: لا يبرزون لحربكم، إنما يقاتلون متحصنين بالقرى والجدران، وهو ~~قوله: {أو من وراء جدر} [الحشر: 14] ومن قرأ جدار فالمراد بالإفراد الجمع ~~أيضا، لأنه يعلم أنهم لا يقاتلونهم من وراء جدار واحد، {بأسهم بينهم شديد} ~~[الحشر: 14] بعضهم فظ على بعض، وبينهم مخالفة وعداوة، وهو قوله: {تحسبهم ~~جميعا وقلوبهم شتى} [الحشر: 14] أي: أنهم مختلفون، لا تستوي قلوبهم ~~ونياتهم، لأن الله خذلهم، ذلك أي: ذلك الاختلاف، {بأنهم قوم لا يعقلون} ~~[الحشر: 14] ما فيه الحظ لهم. # ثم ضرب لليهود مثلا، فقال: كمثل الذين أي: مثلهم، {كمثل الذين من قبلهم ~~قريبا} [الحشر: 15] يعني: مشركي مكة، {ذاقوا وبال أمرهم} [الحشر: 15] يعني: ~~القتل ببدر، وكان ذلك قبل غزوة بني النضير بستة أشهر، {ولهم عذاب أليم} ~~[الحشر: 15] في الآخرة. # ثم ضرب لليهود والمنافقين مثلا، فقال: كمثل الشيطان أي: مثل المنافقين في ~~غرورهم بني النضير وخذلانهم، {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر} [الحشر: ~~16] وهو عابد في بني إسرائيل ذكر ابن عباس قصته، فقال: كان في بني إسرائيل ~~عابد، عبد الله زمانا من الدهر، حتى كان يؤتي بالمجانين يداويهم، ويعودهم ~~فيبرأون على يده، وإنه أتى # PageV04P276 # بامرأة في شرف قد جنت، وكان لها إخوة فأتوه بها، فكانت عنده، فلم يزل به ~~الشيطان يزين له حتى وقع عليها، فحملت، فلما استبان حملها، قتلها ودفنها، ~~فلما فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها، فأخبره بالذي فعل الراهب، ~~وأنه دفنها في مكان كذا وكذا، ثم أتى بقية إخوانها رجلا رجلا، فذكر ذلك ~~فجعل الرجل يلقى أخاه، فيقول: والله لقد أتاني آت ذكر لي شيئا يكبر علي ~~ذكره. # فذكر بعضهم لبعض حتى بلغ ذلك ملكهم، فسار الملك والناس فاستنزلوه، فأقر ~~لهم ms1843 بالذي فعل، فأمر به فصلب، فلما رفع على خشبة، تمثل له الشيطان، فقال: ~~أنا الذي زينت لك هذه الفتنة، وألقيتك فيها، وهل أنت مطيعي فيما أقول لك ~~أخلصك مما أنت فيه؟ قال: نعم. # قال: اسجد لي سجدة واحدة. # قال: فسجد له وقتل الرجل. # فهو قوله: {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر} [الحشر: 16] تبرأ ~~منه الشيطان، وهو قوله: {إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين} [الحشر: ~~16] ذكرنا تفسيره في { [الأنفال، ضرب الله هذه القصة مثلا لبني النضير، حين ~~اغتروا بالمنافقين، ثم تبرءوا منهم عند الشدة، وأسلموهم. # ثم ذكر أنهما صارا إلى النار، بقوله: فكان عاقبتهما أي: عاقبة الشيطان ~~وذلك الإنسان،] أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين} [سورة ~~الحشر: 17] قال مقاتل: يعني: فكان عاقبة المنافقين واليهود أن صاروا إلى ~~النار، وذلك جزاؤهم. # ثم رجع إلى موعظة المؤمنين، فقال: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر ~~نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون {18} ولا # PageV04P277 # تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون {19} لا يستوي ~~أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون {20} } [الحشر: 18-20] . # {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد} [الحشر: 18] ~~يعني: ليوم القيامة، والمعنى: ينظر أحدكم أيش قدم ليوم القيامة لنفسه أعملا ~~صالحا ينجيه؟ أم سيئا يوبقه؟ {ولا تكونوا كالذين نسوا الله} [الحشر: 19] ~~تركوا أمر الله، فأنساهم أنفسهم حظوظ أنفسهم، حتى لم يعملوا بطاعة الله، ~~ولم يقدموا كذلك خيرا، قال ابن عباس: يريد: قريظة، والنضير، وبني قينقاع. # وهو قوله: {أولئك هم الفاسقون} [الحشر: 19] . # ثم ذكر فضيلة أصحاب الجنة بالآية التي بعد هذه. # {لو أنزلنا هذا القرءان على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك ~~الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون {21} هو الله الذي لا إله إلا هو عالم ~~الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم {22} هو الله الذي لا إله إلا هو الملك ~~القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون ~~{23} هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى ms1844 يسبح له ما في ~~السموات والأرض وهو العزيز الحكيم {24} } [الحشر: 21-24] . # قوله: {لو أنزلنا هذا القرءان على جبل} [الحشر: 21] الآية، أخبر الله ~~تعالى أن من شأن القرآن وعظمته وبيانه، أنه لو جعل في الجبل تمييز، وأنزل ~~عليه القرآن، لخشع وتشقق من خشية الله، والمعنى: أن الجبل على قساوته ~~وصلابته، يتشقق من خشية الله، وحذرا من أن لا يؤدي حق الله في تعظيم ~~القرآن، والكافر مستخف بحقه، معرض عما فيه من العبر كأن لم يسمعها، وهذا ~~وصف للكافر بالقسوة، حيث لم يلن قلبه لمواعظ القرآن، الذي لو نزل على جبل ~~لخشع، وهذا تمثيل يدل على ذلك قوله: {وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم # PageV04P278 # يتفكرون} [الحشر: 21] . # ثم أخبر بربوبيته وعظمته، فقال: هو الله وتفسير هذا سبق فيما تقدم، إلى ~~قوله: القدوس وهو الطاهر من كل عيب، المنزه عما لا يليق به، السلام الذي ~~سلم من النقص والعيب، المؤمن الذي أمن أولياءه عذابه، المهيمن الشهيد على ~~عباده بأعمالهم، وهو قول قتادة، ومجاهد، ومقاتل، يقال: هيمن يهيمن فهو ~~مهيمن. # إذا كان رقيبا على الشيء، وذهب كثير من المفسرين إلى أنه: مؤيمن على ~~الأصل من آمن يؤمن، فيكون بمعنى: المؤمن، وذكرنا هذا فيما تقدم، الجبار ~~العظيم، وجبروت الله عظمته، والعرب تسمى الملك: الجبار العظيم، ويجوز أن ~~يكون فعالا من جبر، إذا أغنى الفقير، وأصلح الكسير، يجوز أن يكون من جبره ~~على كذا، إذا أكرهه على ما أراد، وهو قول السدي، ومقاتل، قالا: هو الذي ~~يقهر الناس، ويجبرهم على ما أراد. # وهو اختيار الزجاج، {المتكبر} [الحشر: 23] قال قتادة: الذي تكبر على كل ~~سوء. # وقال ابن الأنباري: المتكبر: ذو الكبرياء وهو الملك. # وقال أهل المعاني: المتكبر في صفة الله تعالى الكبير. # والعرب تضع تفعل في موضوع فعل، مثل: تظلم بمعنى ظلم، وتشتم بمعنى: شتم، ~~والباقي إلى آخر السورة تقدم تفسيره فيما سبق. # PageV04P279 ### | 1183 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن الحسن الحافظ، أنا علي بن عمر بن مهدي، نا ~~محمد بن علي بن حمزة بن صالح الأنطاكي، نا أحمد بن نجدة ms1845، نا أبو المغيرة ~~عبد القدوس بن الحجاج، نا يحيى بن ثعلبة، حدثني الحكم بن عتيبة، عن سعيد بن ~~جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسم الله ~~الأعظم في ست آيات في آخر سورة الحشر» . # PageV04P280 ### | تفسير سورة الممتحنة # ثلاث عشرة آية، مدنية. ### | 1184 - # أخبرنا سعيد بن محمد الزعفراني بالإسناد الذي ذكرنا عن أبي بن كعب، قال: ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة الممتحنة كان المؤمنون ~~والمؤمنات له شفعاء يوم القيامة» . # بسم الله الرحمن الرحيم {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ~~تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن ~~تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون ~~إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء ~~السبيل {1} إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم ~~بالسوء وودوا لو تكفرون {2} لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة ~~يفصل بينكم والله بما تعملون بصير {3} } [الممتحنة: 1-3] . # {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} [الممتحنة: 1] . ### | 1185 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، نا أبو العباس المعقلي، أنا ~~الربيع، أنا الشافعي، أنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن ~~محمد بن علي، عن عبيد الله بن أبي رافع، قال: سمعت عليا رضي الله عنه، ~~يقول: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والمقداد والزبير، فقال: ~~انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخرجنا تتعادى بنا ~~خيلنا، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا لها: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، # PageV04P281 # فقلنا لها: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا ~~به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس ~~من المشركين بمكة يخبر ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا يا ~~حاطب؟ فقال: لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش، ولم أكن من ms1846 نفسها، ~~وقال: من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم، ولم تكن لي بمكة ~~قرابة، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا، والله ما فعلته شكا في ~~ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ~~قد صدقت، فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: " إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على ~~أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " ونزلت {يأيها الذين آمنوا لا ~~تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} [الممتحنة: 1] الآية رواه البخاري، عن الحميدي، ~~ورواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وجماعة كلهم عن سفيان # قال المفسرون: إن الآية نزلت في حاطب، حين كتب إلى مشركي قريش يخبرهم ~~بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم لما قصد فتح مكة، ينهاه الله عن ~~موالاة الكفار. # وقوله: {تلقون إليهم بالمودة} [الممتحنة: 1] قال الزجاج: تلقون إليهم ~~أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وسره، بالمودة التي بينكم وبينهم، وقد ~~كفروا والواو للحال، لأن المعنى: وحالهم، {وقد كفروا بما جاءكم من الحق} ~~[الممتحنة: 1] يعني: القرآن، {يخرجون الرسول وإياكم} [الممتحنة: 1] من مكة، ~~أن تؤمنوا لأن تؤمنوا، كأنه قال: يفعلون ذلك لإيمانكم، {بالله ربكم إن كنتم ~~خرجتم} [الممتحنة: 1] هذا شرط جوابه متقدم، وهو قوله: {لا تتخذوا عدوي ~~وعدوكم أولياء} [الممتحنة: 1] ، وقوله: {جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي} ~~[الممتحنة: 1] منصوبان لأنهما مفعول لهما، {تسرون إليهم بالمودة} ~~[الممتحنة: 1] # PageV04P282 # قال مقاتل: النصيحة. # ثم ذكر أنه لا يخفي عليه من أحوالهم شيء، فقال: {وأنا أعلم بما أخفيتم} ~~[الممتحنة: 1] من المودة للكفار، وما أعلنتم أظهرتم بألسنتكم، {ومن يفعله ~~منكم} [الممتحنة: 1] يعني: الإسرار والإلقاء إليهم، {فقد ضل سواء السبيل} ~~[الممتحنة: 1] أخطأ طريق الهدى. # ثم أخبر بعداوة الكفار، فقال: إن يثقفوكم يظفروا بكم، {يكونوا لكم أعداء ~~ويبسطوا إليكم أيديهم} [الممتحنة: 2] بالضرب، وألسنتهم بالشتم، {وودوا لو ~~تكفرون} [الممتحنة: 2] كما كفروا، والمعنى: التقريب إليهم بنقل أخبار رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم إليهم. # {لن ms1847 تنفعكم أرحامكم} [الممتحنة: 3] يعني: قراباتهم، والمعنى: ذوو ~~أرحامكم، يقول: لا تدعونكم، ولا تحملنكم قراباتكم، وأولادكم التي بمكة إلى ~~خيانة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فلن ينفعكم أولئك الذي ~~عصيتم الله لأجلهم، {يوم القيامة يفصل} [الممتحنة: 3] الله، بينكم فيدخل ~~أهل طاعته والإيمان به الجنة، وأهل معصيته والكفر به إلى النار، وقرأ ابن ~~كثير: يفصل بضم الياء، والمعنى: راجع إلى الله، كما أن قوله: {خلق الإنسان ~~من عجل} [الأنبياء: 37] معناه: خلق الله الإنسان، وقرئ من التفضيل بالوجهين ~~أيضا، {والله بما تعملون بصير} [الممتحنة: 3] يعني: بما عمل حاطب من ~~مكاتبته أهل مكة، حيث أخبر نبيه بذلك. # ثم ضرب لهم إبراهيم عليه السلام مثلا حين تبرأ من قومه، فقال: {قد كانت ~~لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما ~~تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى ~~تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله ~~من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير {4} ربنا لا تجعلنا فتنة ~~للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم {5} لقد كان لكم فيهم ~~أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني ~~الحميد {6} } [الممتحنة: 4-6] . # {قد كانت لكم أسوة حسنة} [الممتحنة: 4] اقتداء حسن، يقال: لي به أسوة في ~~هذا الأمر. # أي: اقتداء، أعلم الله تعالى أن إبراهيم وقومه تبرءوا من قومهم وعادوهم، ~~وقال لهم: {إنا برآء منكم} [الممتحنة: 4] قال الفراء: يقول أفلا تأسيت يا ~~حاطب # PageV04P283 # بإبراهيم، فتتبرأ من أهلك، كما تبرأ إبراهيم من قومه. # وقوله {إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك} [الممتحنة: 4] قال ابن عباس: ~~{كانت لكم أسوة} [الممتحنة: 4] في صنيع إبراهيم، إلا في استغفاره لأبيه وهو ~~مشرك. # وقال مجاهد: نهوا أن يتأسوا بإبراهيم في استغفاره للمشركين. # وهذا مذكور في آخر { [براءة، وقوله:] وما أملك لك من الله من شيء} [سورة ~~الممتحنة: 4] من قول إبراهيم لأبيه، يقول: ما أغني عنك، ولا أدفع عنك ms1848 عذاب ~~الله إن أشركت به، كان من دعاء إبراهيم وأصحابه: {ربنا عليك توكلنا وإليك ~~أنبنا وإليك المصير} [الممتحنة: 4] . # وقوله: {ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا} [الممتحنة: 5] قال الزجاج: لا ~~تظهرهم علينا، فيظنوا أنهم على حق فيفتتنوا بذلك. # وقال مجاهد: لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك، فيقولون: لو كان هؤلاء ~~على الحق ما أصابهم هذا. # ثم أعاد الكلام في ذكر الأسوة، فقال: {لقد كان لكم فيهم} [الممتحنة: 6] ~~أي: في إبراهيم، والذين معه من المؤمنين، أسوة حسنة قال ابن عباس: إنهم ~~كانوا يبغضون من خالف الله. # وقوله: {لمن كان يرجو الله} [الممتحنة: 6] بدل من قوله: لكم وبيان أن هذه ~~الأسوة لمن يخاف الله، ويخاف عقاب الآخرة، وهو قوله: {واليوم الآخر ومن ~~يتول} [الممتحنة: 6] يعرض عن الإيمان، ويوالي الكفار، {فإن الله هو الغني} ~~[الممتحنة: 6] عن خلقه، الحميد إلى أوليائه وأهل طاعته. # قال مقاتل: فلما أمر الله المؤمنين بعداوة الكفار، عادوا أقرباءهم، فأنزل ~~الله: {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير ~~والله غفور رحيم {7} لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم ~~يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين {8} إنما ~~ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على ~~إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون {9} } [الممتحنة: 7-9] . # {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم} [الممتحنة: 7] أي: من ~~كفار مكة، مودة ففعل بأن أسلم كثير منهم بعد الفتح: أبو سفيان بن حرب، وأبو ~~سفيان بن الحارث، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وحكيم بن حزام، وكانوا ~~من رؤساء الكفار، والمعادين لأهل الإسلام، والله قدير على جعل المودة، ~~{والله غفور رحيم} [الممتحنة: 7] بهم بعد ما تابوا # PageV04P284 # وأسلموا. # قوله: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} [الممتحنة: 8] ~~يعني: أهل العهد، الذين عاهدوا المؤمنين على ترك القتال والمظاهرة في ~~العداوة، وهم خزاعة، وقوله: أن تبروهم أي: لا ينهاكم الله عن بر الذين لم ~~يقاتلوكم، وهذا يدل على جواز ms1849 البر بين المسلمين والمشركين، وإن كانت ~~الموالاة منقطعة، وتقسطوا إليهم يقال: أقسطت إلى الرجل إذا عاملته بالعدل. # قال الزجاج: أي: وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد. # ثم ذكر من الذين ينهاهم عن صلتهم، فقال: {إنما ينهاكم الله عن الذين ~~قاتلوكم في الدين} [الممتحنة: 9] إلى قوله: أن تولوهم أي: إنما ينهاكم الله ~~أن تتولوا هؤلاء، يعني: أن مكاتبتهم بإظهار سر المسلمين موالاة لهم. # {يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم ~~بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم ~~يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ~~ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم ~~الله يحكم بينكم والله عليم حكيم {10} وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار ~~فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به ~~مؤمنون {11} } [الممتحنة: 10-11] . # قوله: {يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} [الممتحنة: 10] ~~لما صالح قريشا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، على أن يرد ~~عليهم من جاءهم من المسلمين، فلما هاجرت إليه النساء أبى الله أن يرددن إلى ~~المشركين، وأمر بامتحانهن، وهو قوله: فامتحنوهن وذلك أن تستحلف ما هاجرت ~~لبغض زوجها، ولا لحدث أحدثته، ولا خرجت عشقا لرجل من المسلمين، وما خرجت ~~إلا رغبة في الإسلام، هذا معنى الامتحان المأمور به، وقوله: {الله أعلم ~~بإيمانهن} [الممتحنة: 10] أي: إن هذا الامتحان لكم، والله أعلم بهن، والأمر ~~بالامتحان غير واجب، ولا يجوز رد المرأة إلى الكفار، إذا هاجرت إلى ~~المسلمين، وأظهرت الإيمان، وهو قوله: {فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى ~~الكفار} [الممتحنة: 10] وإنما يعلم إيمانها بإقرارها، {لا هن حل لهم # PageV04P285 # ولا هم يحلون لهن} [الممتحنة: 10] قال ابن عباس: لم يحل الله مؤمنة ~~لكافر، ولا نكاح كافرة لمؤمن. # وآتوهم يعني: أزواجهن الكفار، ما أنفقوا عليهن من المهر، {ولا جناح عليكم ~~أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن} [الممتحنة: 10] أباح الله نكاحها بشرط ~~المهر، لأن الإسلام فرق ms1850 بينها وبين زوجها الكافر، {ولا تمسكوا بعصم ~~الكوافر} [الممتحنة: 10] يقول: لا تعتد بامرأتك الكافرة، فإنها ليست لك ~~بامرأة، يعني: من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتد بها، فقد انقطعت عصمة ~~الزوجية بينهما، قال ابن عباس: يريد بالعصمة: النكاح فيما بينهما. # {واسألوا ما أنفقتم} [الممتحنة: 10] أي: إن لحقت امرأة منكم بأهل العهد ~~من الكفار مرتدة، فاسألوهم ما أنفقتم من المهر إذا منعوها، ولم يدفعوها ~~إليكم، فعليهم أن يغرموا لها صداقها كما يغرم لهم، وهو قوله: {وليسألوا ما ~~أنفقوا ذلكم حكم الله} [الممتحنة: 10] يعني: ما ذكر في هذه الآية. # فإن كانوا أهل حرب ولم يكونوا أهل عهد، فالحكم ما ذكر في قوله: {وإن ~~فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم} [الممتحنة: 11] قال المفسرون: ~~فغنمتم. # قال الزجاج: تأويله: فكانت العقبي لكم، أي: كانت الغلبة لكم حتى غنمتم. # ومعنى الآية: فغنمتم من العدو شيئا بأن صارت العاقبة في الظفر لكم، ~~فاعطوا الأزواج من رأس الغنيمة ما أنفقوا عليهن من المهر، وهو قوله: {فآتوا ~~الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} [الممتحنة: 11] . # {يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا ~~يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن ~~وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم} ~~[الممتحنة: 12] . # قوله: {يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} [الممتحنة: 12] لما فتح ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، جاءته النساء يبايعنه، فأنزل الله هذه ~~الآية، وشرط في مبايعتهن أن يأخذ عليهن هذه الشروط، وهو قوله: {أن لا يشركن ~~بالله شيئا} [الممتحنة: 12] فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبايعهن وهو على ~~الصفا، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه أسفل منه، وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة ~~مع النساء، خوفا أن يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبايعكن ~~على أن لا تشركن بالله شيئا. # فقالت هند: إنك لتأخذ علينا أمرا، ما رأيناك أخذته على الرجال. # وبايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد # PageV04P286 # فقط، فقال النبي صلى الله ms1851 عليه وسلم: {ولا يسرقن} [الممتحنة: 12] فقالت ~~هند: إن أبا سفيان رجل مسيك، وإني أصبت من ماله هنات، فلا أدري أيحل لي أم ~~لا؟ فقال أبو سفيان: ما أصبت من مالي من شيء، فيما مضى وفيما غبر، فهو لك ~~حلال. # فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها، فقال لها: وإنك لهند بنت ~~عتبة؟ قالت: نعم، فاعف عما سلف يا نبي الله، عفا الله عنك. # فقال: {ولا يزنين} [الممتحنة: 12] فقالت هند: أوتزني الحرة؟ فقال: {ولا ~~يقتلن أولادهن} [الممتحنة: 12] فقالت هند: ربيناهم وهم صغار، وقتلتموهم وهم ~~كبار، فأنتم وهم أعلم. # وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر، فضحك عمر رضي الله عنه حتى ~~استلقى، وتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، قال المفسرون: يعني: الوأد الذي ~~كان يفعله أهل الجاهلية. # قوله: {ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن} [الممتحنة: 12] قال ~~ابن عباس: لا تلحق بزوجها ولدا ليس منه. # قال الفراء: كانت المرأة تلتقط المولود، فتقول لزوجها: هذا ولدي منك، ~~فذلك البهتان المفترى. # {بين أيديهن وأرجلهن} [الممتحنة: 12] وذلك أن المولود إذا وضعته الأم، ~~سقط بين يديها ورجليها، وليس المعنى نهيهن من أن يأتين بولد من الزنا، ~~فينسبنه على الأزواج، لأن الشرط بنهي الزنا قد تقدم، ولما قال هذا، قالت ~~هند: والله إن البهتان لقبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق. # وقوله: {ولا يعصينك في معروف} [الممتحنة: 12] لما قال هذا، قالت هند: ما ~~جلسنا مجلسنا هذا في وقتنا هذا، وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء. # PageV04P287 # فأقرت النسوة بما أخذ عليهن، ومعنى: في معروف في كل أمر وافق طاعة الله، ~~وقال عطاء: في كل بر وتقوى. # وقال الكلبي، والمقاتلان: عنى بالمعروف النهي عن النوح، وتمزيق الثياب، ~~وجز الشعر، وشق الجيب، وخمش الوجه، والدعاء بالويل. # وروي عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية الأنصاري، عن جدته أم عطية، قالت: ~~قلت: ما المعروف الذي نهيتني عن المعصية فيه؟ قال: النياحة. ### | 1186 - # أخبرنا أبو سعيد فضيل بن أحمد الأبيوردي، أنا أبو علي الفقيه، نا أبو ~~لبيد محمد بن ms1852 إدريس، نا محمود بن غيلان، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن ~~الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه ~~وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية {على أن لا يشركن بالله شيئا} ~~[الممتحنة: 12] وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا ~~امرأة يملكها، رواه البخاري في كتاب الأحكام عن محمود بن غيلان # وقوله: فبايعهن جواب إذا في أول الآية، أي: إذا بايعنك على هذه الشرائط ~~فبايعهن. # {يأيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة ~~كما يئس الكفار من أصحاب القبور} [الممتحنة: 13] . # PageV04P288 # قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم} ~~[الممتحنة: 13] قال المقاتلان: يقول للمؤمنين: لا تتولوا اليهود. # وذلك أن ناسا من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأخبار المسملين، ~~ويتواصلون إليهم بذلك، فيصيبون من ثمارهم، فنهى الله عن ذلك، وقوله: {قد ~~يئسوا من الآخرة} [الممتحنة: 13] يعني: أن اليهود بتكذيبهم محمدا صلى الله ~~عليه وسلم وهم يعرفون صدقه، وأنه رسول صادق، يئسوا من أن يكون لهم في ~~الآخرة، {كما يئس الكفار} [الممتحنة: 13] الذين ماتوا وصاروا في القبور، من ~~أن يكون لهم في الآخرة حظ، وتبينوا أنه ليس لهم في الخير نصيب، قال مجاهد: ~~{يئسوا من الآخرة} [الممتحنة: 13] بكفرهم. # {كما يئس الكفار من أصحاب القبور} [الممتحنة: 13] من ثواب الآخرة، حين ~~تبين لهم عملهم، وقال سعيد بن جبير: {يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار} ~~[الممتحنة: 13] الذين ماتوا فعاينوا الآخرة. # PageV04P289 ### | تفسير سورة الصف # وهي أربع عشرة آية، مكية. ### | 1187 - # أخبرنا سعيد بن محمد المقرئ، أنا أبو عمرو بن مطر بالإسناد الذي ذكرنا، ~~عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة عيسى ~~عليه السلام، كان عيسى مصليا عليه مستغفرا له ما دام في الدنيا، ويوم ~~القيامة هو رفيقه» . # {سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم {1} يأيها الذين ~~آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون {2} كبر مقتا عند الله أن تقولوا ms1853 ما لا ~~تفعلون {3} إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص {4} ~~} [الصف: 1-4] . ### | 1188 - # أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر المزكي، أنا محمد بن عبد الله بن ~~زكريا، أنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن، نا محمد بن يحيى، نا محمد بن ~~كثير الصنعاني، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عبد ~~الله بن سلام، قال: قعدنا نقرأ مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى عملناه فأنزل الله تعالى: ~~{سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم {1} يأيها الذين ~~آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون {2} كبر # PageV04P290 # مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون {3} إن الله يحب الذين يقاتلون في ~~سبيله صفا} [الصف: 1-4] إلى آخر السورة، # فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. # قال المفسرون: إن المؤمنين، قالوا: وددنا أن الله يخبرنا بأحب الأعمال ~~إليه حتى نعمله، ولو ذهبت فيه أموالنا وأنفسنا. # فأنزل الله: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا} [الصف: 4] فكرهوا ~~الموت، وأحبوا الحياة، وتولوا يوم أحد، فأنزل الله تعالى: {لم تقولون ما لا ~~تفعلون} [الصف: 2] . # ثم ذم القول إذا لم يشفعه الفعل، فقال: {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما ~~لا تفعلون} [الصف: 3] أي: عظم ذلك عند الله في المقت، والبغض عند الله، أي: ~~إن الله يبغضه بغضا شديا أن تعدوا من أنفسكم شيئا ثم لم تفوا به. # {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا} [الصف: 4] أي: يصفون أنفسهم ~~عند القتال صفا، {كأنهم بنيان مرصوص} [الصف: 4] يقال: رصصت البناء أرصه ~~رصا، إذا صممت بعضه إلى بعض، قال مقاتل: مرصوص ملتزق بعضه إلى بعض. # أعلم الله أنه يحب من يثبت في القتال، ويلزم مكانه، كثبوت البناء ~~المرصوص. # {وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ~~فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين {5} وإذ قال ~~عيسى ابن ms1854 مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من ~~التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا ~~هذا سحر مبين {6} ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ~~والله لا يهدي القوم الظالمين {7} يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله ~~متم نوره ولو كره الكافرون {8} هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره ~~على الدين كله ولو كره المشركون {9} } [الصف: 5-9] . # PageV04P291 # قوله: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني} [الصف: 5] يعني: حين رموه ~~بالأدرة، وذكرنا ذلك عند قوله: {لا تكونوا كالذين آذوا موسى} [الأحزاب: 69] ~~، {وقد تعلمون أني رسول الله إليكم} [الصف: 5] هذا إنكار عليهم إيذاءه بعد ~~ما علموا أنه رسول الله، والرسول يعظم ولا يؤذى، وقوله: فلما زاغوا قال ~~مقاتل: عدلوا عن الحق. # {أزاغ الله قلوبهم} [الصف: 5] أمالها عن الحق، يعني: أنهم تركوا الحق ~~بإيذاء نبيهم، أمال الله قلوبهم عن الحق، جزاء لما ارتكبوا، {والله لا يهدي ~~القوم الفاسقين} [الصف: 5] قال الزجاج: لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق. # وما بعد هذا مفسر فيما سبق إلى قوله: {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه ~~أحمد} [الصف: 6] هذا بيان أن عيسى بشر قومه بمحمد صلى الله عليه وسلم، ~~وقوله: {اسمه أحمد} [الصف: 6] يحتمل معنيين: أحدهما: أن نجعل أحمد مبالغة ~~من الفاعل، فيكون معناه: أنه أكثر حمدا لله من غيره، والآخر: أن يجعل ~~مبالغة من المفعول، فيكون معناه: أنه يحمد بما فيه من الأخلاق، والمحاسن ~~أكثر مما يحمد غيره، وأحمد معروف في أسماء نبينا صلى الله عليه وسلم. ### | 1189 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا أبو الشيخ الحافظ، أنا أبو بكر بن أبي ~~عاصم، نا الشافعي، نا سفيان، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لي أسماء أنا أحمد، وأنا محمد، ~~وأنا الماحي الذي يمحو الله تعالى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس ~~على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعدي ms1855 نبي» رواه البخاري في تفسير هذه الآية ~~عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري # وما بعد هذا ظاهر مفسر في { [براءة، إلى قوله:] يأيها الذين آمنوا هل ~~أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم {10} تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في ~~سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون {11} يغفر لكم ~~ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك ~~الفوز العظيم {12} وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين {13} ~~} [سورة الصف: 10-13] . # {يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} [الصف: 10] ~~نزل هذا لما قالوا: لو نعلم أي الأعمال أفضل وأحب إلى الله. # وجعل ذلك العمل بمنزلة التجارة، لأنهم يربحون فيها رضا الله تعالى، ونيل ~~جنته، # PageV04P292 # والنجاة من النار. # ثم بين تلك التجارة ما هي، فقال: {تؤمنون بالله ورسوله} [الصف: 11] إلى ~~قوله: {يغفر لكم ذنوبكم} [الصف: 12] قال الزجاج: هذا جواب تؤمنون وتجاهدون، ~~لأن معناه الأمر، كأنه قال: آمنوا بالله ورسوله، وجاهدوا يغفر لكم. # وقوله: وأخرى تحبونها قال الفراء: وخصلة أخرى تحبونها في العاجل مع ثواب ~~الآخرة. # {نصر من الله وفتح قريب} [الصف: 13] قال الكلبي: يعني: النصر على قريش، ~~وفتح مكة. # وقال عطاء: يريد فتح فارس والروم. # وبشر يا محمد، المؤمنين بالنصر في الدنيا، والجنة في الآخرة. # ثم حض المؤمنين على نصرة دينه، فقال: {يأيها الذين آمنوا كونوا أنصار ~~الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون ~~نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا ~~على عدوهم فأصبحوا ظاهرين} [الصف: 14] . # {يأيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله} [الصف: 14] أي: دوموا على ما أنتم ~~عليه من النصرة، واختار أبو عبيدة قراءة من قرأ: كونوا أنصار الله بغير ~~تنوين، كقوله: {نحن أنصار الله} [الصف: 14] ، ولم يقل: أنصارا لله، قوله: ~~{كما قال عيسى ابن مريم للحواريين} [الصف: 14] أي: انصروا دين الله، مثل ~~نصرة الحواريين لما قال لهم عيسى: {من أنصاري إلى الله} [الصف: 14] أي: من ~~ينصرني مع ms1856 الله؟ فقالوا: {نحن أنصار الله} [الصف: 14] . # {فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة} [الصف: 14] قال ابن عباس: ~~يعني: في زمن عيسى. # وذلك أنه لما رفع تفرق قومه ثلاث فرق، فرقة قالوا: كان الله فارتفع. # وفرقة قالوا: كان ابن الله فرفعه إليه. # وفرقة قالوا: كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه. # وهم المؤمنون، واتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس، فاقتتلوا فظهرت ~~الفرقتان الكافرتان على المؤمنين، حتى بعث محمد صلى الله عليه وسلم، فظهرت ~~الفرقة المؤمنة على الكافرة، فذلك قوله: {فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم ~~فأصبحوا ظاهرين} [الصف: 14] غالبين عالين، وروى مغيرة، عن إبراهيم، قال: ~~أصبحت حجة من آمن بعيسى ظاهرة بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم أن عيسى كلمة ~~الله، وروحه. # PageV04P293 ### | تفسير سورة الجمعة # إحدى عشرة آية، مدنية. ### | 1190 - # أخبرنا أبو سعيد العزايمي، أنا أبو عمرو بن مطر بالإسناد الذي تقدم ذكره ~~عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة ~~الجمعة أعطي عشر حسنات بعدد من أتى الجمعة، وبعدد من لم يأتها في أمصار ~~المسلمين» . # بسم الله الرحمن الرحيم {يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك ~~القدوس العزيز الحكيم {1} هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم ~~آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين {2} ~~وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم {3} ذلك فضل الله يؤتيه من ~~يشاء والله ذو الفضل العظيم {4} } [الجمعة: 1-4] . # يسبح لله الآية، قال أهل المعاني: إنما أعيد ذكر التسبيح في هذه ال { [، ~~لاستفتاح السورة بتعظيم الله من جهة ما سبح له، كما يستفتح ب بسم الله ~~الرحمن الرحيم وإذا جعل المعنى في تعظيم الله حسن الاستفتاح به. # قوله:] هو الذي بعث في الأميين} [سورة الجمعة: 2] يعني: العرب , وكانت ~~أمة أمية، لا تكتب ولا تقرأ، ولم يبعث إليهم نبي، رسولا منهم يعني: محمدا ~~صلى الله عليه وسلم، نسبه نسبهم، وهو من جنسهم، كما قال: {لقد جاءكم رسول ~~من أنفسكم} [التوبة: 128] ، وقوله: {يتلو عليهم آياته ms1857} [الجمعة: 2] ~~والهداية إلى دينه. # {والله ذو الفضل العظيم} [الجمعة: 4] ذو المن العظيم على خلقه ببعثه ~~محمدا صلى الله عليه وسلم. # مفسر في { [البقرة إلى قوله:] وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} [سورة ~~الجمعة: 2] أي: ما كانوا قبل بعثه فيهم، إلا في ضلال مبين وهو الشرك، ~~وكانوا يعبدون الأوثان من الحجارة وآخرين وبعث في آخرين يعني: الأعاجم، ومن ~~لم يتكلم بلغة العرب، والنبي صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى من شاهده، وإلى ~~كل من كان بعدهم من العرب، والعجم، وقوله: منهم لأنهم إذا أسلموا صاروا ~~منهم، والمسلمون كلهم يد واحدة، وأمة واحدة، وإن اختلفت أجناسهم، كما قال ~~الله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} [التوبة: 71] ومن لم ~~يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنهم ليسوا ممن عناهم الله بقوله: وآخرين ~~منهم وإن كان مبعوثا إليهم بالدعوة، لأنه قال: {ويزكيهم ويعلمهم} [الجمعة: ~~2] ، ومن لم يؤمن فإنه ليس ممن زكاه، وعلمه القرآن والسنة، وقوله: {لما ~~يلحقوا بهم} [الجمعة: 3] أي: في الفضل والسابقة لأن التابعين لا يدركون شأو ~~الصحابة. # {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} [الجمعة: 4] يعني: الإسلام. # ثم ضرب لليهود الذين تركوا العمل بالتوراة مثلا، فقال: # PageV04P294 # {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل ~~القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين {5} قل يأيها ~~الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم ~~صادقين {6} ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين {7} قل ~~إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ~~فينبئكم بما كنتم تعملون {8} } [الجمعة: 5-8] . # {مثل الذين حملوا التوراة} [الجمعة: 5] كلفوا القيام بها، والعمل بما ~~فيها، {ثم لم يحملوها} [الجمعة: 5] أي: حق حملها من أداء حقها، والعمل ~~بموجبها، {كمثل الحمار يحمل أسفارا} [الجمعة: 5] جمع سفر، وهو الكتاب ~~الكبير، شبه اليهود إذ لم ينتفعوا بما في التوراة، وهي دالة على الإيمان ~~بمحمد صلى الله عليه وسلم، بالحمار يحمل كتب العلم، ولا يدري ما فيها ms1858، وهذا ~~المثل يلحق من لم يفهم معاني القرآن ولم يعمل به، ولهذا قال ميمون بن ~~مهران: يا أهل القرآن، اتبعوا القرآن قبل أن يتبعكم، ثم تلا هذه الآية. # وقوله: {بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله} [الجمعة: 5] ذم لمثلهم، ~~والمراد به ذمهم، واليهود كذبوا بالقرآن وبالتوراة، حين لم يؤمنوا بمحمد ~~صلى الله عليه وسلم، {والله لا يهدي القوم الظالمين} [الجمعة: 5] الذين ~~ظلموا أنفسهم بتكذيب الأنبياء، يعني: من سبق في علمه أنه لا يهديهم. # قوله: {قل يأيها الذين هادوا إن زعمتم} [الجمعة: 6] الآية والتي بعدها ~~سبق تفسيرها في { [البقرة. # قل يا محمد لليهود: {إن # PageV04P295 # الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} [سورة الجمعة: 8] وذلك أن اليهود ~~علموا أنهم أفسدوا على أنفسهم أمر الآخرة بتكذيبهم محمدا صلى الله عليه ~~وسلم، فكانوا يكرهون الموت أشد الكراهة، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله ~~عليه وسلم: قل لهم: إنكم وإن فررتم من الموت وكرهتموه، فإنه لا بد ينزل بكم ~~ويلقاكم، ثم تردون بعد الموت إلى عالم الغيب والشهادة، ما غاب عن العباد ~~وما شهدوه. # قوله: {يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر ~~الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون {9} فإذا قضيت الصلاة ~~فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ~~{10} وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله ~~خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين {11} } [الجمعة: 9-11] . # {يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة} [الجمعة: 9] يعني: النداء إذا جلس ~~الإمام على المنبر يوم الجمعة، لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم نداء سواه، كان إذا جلس على المنبر أذن بلال على باب المسجد، ~~وكذا كان على عهد أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، وقوله: للصلاة يعني: لوقت ~~الصلاة، يدل على ذلك قوله: {من يوم الجمعة} [الجمعة: 9] والصلاة لا تكون من ~~اليوم، والجمعة يوم يخص بهذا الاسم، لاجتماع الناس فيه. ### | 1191 - # أخبرنا أبو بكر القاضي، أنا حاجب بن أحمد ms1859، أنا عبد الرحيم بن منيب، نا ~~عبد الله بن عثمان، عن أبي حمزة، عن منصور، عن إبراهيم، عن القرثع، عن ~~سلمان، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتدري ما الجمعة؟ قال: ~~قلت: لا، قال: فيه جمع أبوك، يعني تمام خلقه في يوم الجمعة " # ونذكر هاهنا أحاديث يحتاج إليها في سنن هذا اليوم، وفضله. # PageV04P296 ### | 1192 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، نا محمد بن يعقوب المعقلي، أنا الربيع، أنا ~~الشافعي، أنا مالك، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله ~~عليه وسلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ~~ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة، ~~فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة ومن ~~راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة ~~يستمعون الذكر» . # رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ورواه مسلم، عن قتيبة كلاهما عن مالك. ### | 1193 - # أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، نا محمد بن يعقوب بن يوسف، نا أبو الدرداء ~~بن هاشم بن محمد الأنصاري، نا عتبة بن السكن، نا الضحاك بن حمزة، عن أبي ~~بصير، عن أبي رجاء العطاردي، عن عمران بن حصين، عن أبي بكر الصديق رضي الله ~~عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة غسلت ~~ذنوبه وخطاياه، فإذا راح كتب الله له بكل قدم عمل عشرين سنة، فإذا قضيت ~~الصلاة أجيز بعمل مائتي سنة» . ### | 1194 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أنا أبو عمرو بن مطر، أنا جعفر بن محمد بن ~~المستفاض، نا سليمان بن عبد الرحمن، نا ابن عباس، ونا محمد بن عجلان، عن ~~سعيد المقبري، عن أبيه، عن عبد الله بن وديعة، عن أبي ذر، قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة فأحسن غسله، ولبس من صالح ثيابه، ~~ومس من طيب بيته أو دهنه، ثم لم يفرق بين اثنين غفر له ms1860 ما بينه وبين الجمعة ~~الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام بعدها» رواه البخاري، عن آدم، عن ابن أبي ذئب، ~~عن المقبري. ### | 1195 - # حدثنا عبد الرحمن بن محمد السراج إملاء، نا أبو العباس المعقلي، نا محمد ~~بن إسحاق الصغاني، نا عثمان بن صالح، نا ابن لهيعة، حدثني عقيل، عن ابن ~~شهاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال # PageV04P297 # في جمعة من الجمع: «يا معشر المسلمين , إن هذا يوم جعله الله عيدا ~~للمسلمين فاغتسلوا فيه، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه، وعليكم ~~بالسواك» . ### | 1196 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، أنا أبو العباس إسماعيل بن ميكال، نا ~~عبد الله بن أحمد بن موسى، نا زيد بن الحريش، نا يحيى بن سليم، نا الأزور ~~بن غالب، عن سليمان التيمي، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن ~~لله عز وجل في كل يوم جمعة ست مائة ألف عتيق من النار كلهم قد استوجب ~~النار» . ### | 1197 - # أخبرنا أبو بكر الحيري، أنا محمد بن علي بن دحيم، نا محمد بن الحسين بن ~~أبي الحنين، نا عبيد الله بن يحيى الثقفي، نا عثمان بن مطر، عن سلام بن ~~سليم، عن زياد بن ميمون، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«إن الله تعالى ليس بتارك يوم الجمعة أحدا من المسلمين إلا غفر له» . ### | 1198 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم، أنا محمد بن جعفر السختياني، نا ~~عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمي، نا جندل بن والق، نا مندل بن علي، عن ~~ابن جريج، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، قال: قال # PageV04P298 # رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعل أحدكم أن يتخذ الضيعة على رأس ميل أو ~~ميلين أو ثلاثة، تأتي عليه الجمعة فلا يشهدها ثم تأتي عليه الجمعة، فلا ~~يشهدها ثم تأتي عليه الجمعة فلا يشهدها فيطبع على قلبه» . ### | 1199 - # أخبرنا أبو إبراهيم بن أبي القاسم الصوفي، أنا أبو القاسم عبد ms1861 الله بن ~~أحمد المروزي، أنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد، نا سفيان بن وكيع، نا ~~عبد الرحمن المحاربي، عن الوليد بن بكير، عن عبد الله بن محمد العدوي، عن ~~علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن جابر بن عبد الله، قال: خطبنا ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال: «يا أيها الناس، توبوا إلى ~~ربكم من قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الزاكية قبل أن تشغلوا، وصلوا ~~الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له والصدقة في السر والعلانية تنصروا ~~وتجبروا وترزقوا، واعلموا أن الله قد فرض عليكم الجمعة في مقامي هذا في ~~يومي هذا في شهري هذا في عامي هذا إلى يوم القيامة، فمن تركها في حياتي أو ~~بعد موتي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها أو جحودا لها ألا فلا جمع ~~الله له شمله، ولا بارك له في أمره، ألا لا صلاة له، ألا لا زكاة له، ألا ~~لا صيام له، ألا لا حج له، إلا أن يتوب فإن تاب تاب الله عليه» # قوله: {فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: 9] قال عطاء: يعني: الذهاب والمشي ~~إلى الصلاة. # قال الفراء: المضي، والسعي، والذهاب في معنى واحد. # يدل على ذلك قراءة ابن مسعود: فامضوا إلى ذكر # PageV04P299 # الله. # وقال الشافعي، رحمه الله: السعي في هذا الموضع هو العمل. # وتلا قوله تعالى: {إن سعيكم لشتى} [الليل: 4] ويكون المعنى على هذا: ~~فاعملوا على المضي إلى ذكر الله من التفرغ له، والاشتغال بالطهارة والغسل، ~~والتوجه إليه بالقصد والنية، {وذروا البيع} [الجمعة: 9] قال الحسن: إذا أذن ~~المؤذن يوم الجمعة، لم يحل الشراء والبيع. # قال أصحابنا من باع في تلك الساعة فقد خالف الأمر، وبيعه منعقد، لأن هذا ~~نهي تنزيه، لقوله: {ذلكم خير لكم} [الجمعة: 9] فدل هذا على الترغيب في ترك ~~البيع. # وقوله: {إن كنتم تعلمون} [الجمعة: 9] أي: ما هو خير لكم وأصلح. # {فإذا قضيت الصلاة} [الجمعة: 10] فإذا صليتم الفريضة، وفرغتم من الصلاة، ~~{فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10] هذا أمر إباحة. # قال ms1862 ابن عباس: إن شئت فاخرج، وإن شئت فصل إلى العصر، وإن شئت فاقعد. # وكذلك قوله: {وابتغوا من فضل الله} [الجمعة: 10] إباحة لطلب الرزق ~~بالتجارة بعد المنع بقوله: {وذروا البيع} [الجمعة: 9] ، ويروى أن عراك بن ~~مالك، كان إذا صلى الجمعة انصرف، فوقف على باب المسجد، وقال: اللهم أجبت ~~دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير ~~الرازقين. # قوله: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا} [الجمعة: 11] الآية، قال الحسن: ~~أصاب أهل المدينة جوع، وغلاء سعر، فقدمت عير، ورسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يخطب يوم الجمعة، فسمعوا بها وخرجوا إليها، والنبي صلى الله عليه وسلم ~~قائم كما هو، فقال: «لو ابتع آخرهم أولهم، التهب عليهم الوادي نارا» . # PageV04P300 ### | 1200 - # أخبرنا أبو طاهر الزيادي، أنا أبو الحسن إبراهيم بن علي العدل، نا محمد ~~بن مسلم بن وارة، أنا الحسن بن عطية، نا إسرائيل، عن حصين بن عبد الرحمن، ~~عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يخطب يوم الجمعة إذ أقبلت عير قد قدمت، فخرجوا إليها حتى لم يبق معه، إلا ~~اثنا عشر رجلا، فأنزل الله تعالى {وإذا رأوا تجارة أو لهوا} [الجمعة: 11] ~~الآية رواه البخاري، عن حفص بن عمر، عن خالد بن عبد الله، عن حصين. # وعنى بالتجارة واللهو العير والطبل # وقوله: {انفضوا إليها} [الجمعة: 11] أي: تفرقوا عنك خارجين إليها، وقال ~~المبرد: مالوا إليها والضمير للتجارة، وخصت برد الضمير إليها، لأنها كانت ~~أهم إليهم. # {وتركوك قائما} [الجمعة: 11] أجمعوا على أن هذا القيام كان في الخطبة، ~~قال جابر بن سمرة: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلا وهو ~~قائم، فمن حدثك أنه خطب وهو جالس فكذبه. # {قل ما عند الله} [الجمعة: 11] أي: من ثواب الصلاة، والثبات مع النبي صلى ~~الله عليه وسلم، {خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين} [الجمعة: ~~11] قال الزجاج: أي: ليس يفوتهم من أرزاقهم لتخلفهم عن النظر إلى الميرة ~~شيء، ولا بتركهم البيع في وقت الصلاة. # PageV04P301 ### | تفسير ms1863 سورة المنافقون # إحدى عشرة آية، مدنية. ### | 1201 - # أخبرنا أبو عثمان بن أبي بكر المقرئ، أنا أبو عمرو بن مطر بالإسناد الذي ~~ذكرنا، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ ~~سورة المنافقين برئ من النفاق» . # بسم الله الرحمن الرحيم {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ~~والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون {1} اتخذوا أيمانهم ~~جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون {2} ذلك بأنهم آمنوا ثم ~~كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون {3} وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن ~~يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم ~~قاتلهم الله أنى يؤفكون {4} } [المنافقون: 1-4] . # {إذا جاءك المنافقون} [المنافقون: 1] يعني: عبد الله بن أبي وأصحابه، ~~{قالوا نشهد إنك لرسول الله} [المنافقون: 1] وتم الخبر عنهم، ثم ابتدأ ~~فقال: {والله يعلم إنك لرسوله} [المنافقون: 1] أي: أنه أرسلك، فهو يعلم إنك ~~رسوله، {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1] جعلهم كاذبين، ~~لأنهم أضمروا غير ما أظهروا، فدل هذا على أن حقيقة الإيمان بالقلب، ومن قال ~~شيئا واعتقد خلافه فهو كاذب، ألا ترى أنهم كانوا يقولون بألسنتهم: نشهد إنك ~~لرسول الله. # وسماهم الله تعالى كاذبين. # {اتخذوا أيمانهم جنة} [المنافقون: 2] تقدم تفسيره في { [المجادلة، قال ~~الضحاك: حلفهم إنهم لمنكم. # ] فصدوا عن سبيل الله} [سورة المنافقون: 2] منعوا الناس عن الجهاد ~~والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. # ذلك أي: ذلك الكذب، بأنهم آمنوا باللسان، ثم كفروا في السر، {فطبع على ~~قلوبهم} [المنافقون: 3] بالكفر، {فهم لا يفقهون} [المنافقون: 3] الإيمان ~~والقرآن. # {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم} [المنافقون: 4] يعني: أن لهم أجساما ومناظر، ~~{وإن يقولوا} [المنافقون: 4] إنك لرسول الله، تسمع لقولهم فتحسب أنه حق ~~وصدق منهم، كأنهم خشب لا أرواح فيها، فلا # PageV04P302 # تعقل ولا تفهم، وكذلك المنافقون لا يسمعون الإيمان ولا يعقلونه، قال ~~الزجاج: وصفهم بتمام الصور، وحسن الإبانة، ثم أعلم أنهم في تركهم التفهم، ~~والاستبصار بمنزلة الخشب. # وقوله: مسندة أي: ممالة إلى الجدار، من قولهم: أسندت الشيء. # أي: أملته ms1864، والتفعيل للتكثير، لأنه صفة خشب، وهي جمع، وأراد أنها ليست ~~بأشجار تثمر وتنمو، أو تحسن منظرها، بل هي خشب مسندة إلى حائط، ثم عابهم ~~بالجبن، فقال: {يحسبون كل صيحة عليهم} [المنافقون: 4] لا يسمعون صوتا إلا ~~ظنوا أنهم قد أوتوا، إن نادى مناد في العسكر، أو انفلتت دابة، أو نشدت ~~ضالة، ظنوا أنهم هم المرادون، مما في قلوبهم من الرعب أن يكشف الله ~~أسرارهم، ثم أخبر بعداوتهم، فقال: {هم العدو فاحذرهم} [المنافقون: 4] أي: ~~احذر أن تأمنهم على سرك، لأنهم عيون لأعدائك من الكفار، {قاتلهم الله أنى ~~يؤفكون} [المنافقون: 4] مفسر في { [براءة. # ] وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون ~~وهم مستكبرون {5} سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله ~~لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين {6} هم الذين يقولون لا تنفقوا على من ~~عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا ~~يفقهون {7} يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله ~~العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون {8} } [سورة المنافقون: ~~5-8] . # {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله} [المنافقون: 5] وذلك: أن عبد ~~الله بن أبي لما رجع من أحد بكثير من الناس، مقته المسلمون وعنفوه، فقال له ~~بنو أبيه: إيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستغفر لك. # فقال: لا أذهب إليه، ولا أريد أن يستغفر لي. # فذلك قوله: لووا رءوسهم قال مقاتل: عطفوا رءوسهم رغبة عن الاستغفار. # ورأيتهم يصدون عن الاستغفار، وهم مستكبرون متكبرون عن استغفار رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم لهم. # ثم ذكر أن استغفاره لا ينفعهم، فقال: {سواء عليهم} [المنافقون: 6] الآية. # {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله} [المنافقون: 7] الآية. ### | 1202 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد، أنا أبو بكر بن أبي الحسن الحافظ، ~~أنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، أنا أبو بكر محمد بن معاذ، أنا عبيد الله ~~بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم، قال ms1865: كنت مع عمي، " ~~فسمعت عبد الله بن أبي يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، ~~ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن # PageV04P303 # الأعز منها الأذل، فذكرت ذلك لعمي، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم ~~فدعاني، فحدثته، فأرسل إلى عبد الله بن أبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، ~~فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدقهم فأصابني هم لم يصبني مثله قط، ~~وجلست في البيت، فأنزل الله تعالى {إذا جاءك المنافقون} [المنافقون: 1] ~~فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأها ثم قال: إن الله قد صدقك ~~"، رواه البخاري، عن عبيد الله # وقوله: {ولله خزائن السموات والأرض} [المنافقون: 7] أي: أنه هو الرازق ~~لهؤلاء المهاجرين لا هؤلاء، لأن خزائن الرزق من السموات والأرض، هو المطر ~~والنبات لله، {ولكن المنافقين لا يفقهون} [المنافقون: 7] قال ابن عباس: لا ~~يفقهون أن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. # {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة} [المنافقون: 8] من هذه الغزوة، وهي غزوة ~~بني المصطلق، {ليخرجن الأعز منها الأذل} [المنافقون: 8] عنى بالأعز نفسه، ~~والأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد الله عليه، فقال: ولله العزة ~~المنعة والقوة، ولرسوله وللمؤمنين بإعزاز الله، ونصره إياهم، وإظهار دينهم ~~على سائر الأديان، {ولكن المنافقين لا يعلمون} [المنافقون: 8] ذلك، ولو ~~علموا ما قالوا هذه المقالة. # قوله: {يأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن ~~يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون {9} وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي ~~أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ~~{10} ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون {11} } ~~[المنافقون: 9-11] . # {يأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم} [المنافقون: 9] يعني: لا تشغلكم ~~أموالكم، {ولا أولادكم عن ذكر الله} [المنافقون: 9] عن الصلوات المفروضة، ~~{ومن يفعل ذلك} [المنافقون: 9] أي: من شغله ماله، وولده عن ذكر الله ~~{فأولئك هم الخاسرون} [المنافقون: 9] . # {وأنفقوا من ما رزقناكم} [المنافقون: 10] قال ابن عباس: يريد زكاة ~~الأموال. # {من قبل أن يأتي أحدكم الموت} [المنافقون: 10] فيسأل ms1866 الرجعة إلى الدنيا، ~~وهو # PageV04P304 # قوله: {فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب} [المنافقون: 10] يعني: ~~استزاده في أجله، حتى يتصدق ويتزكى، وهو قوله: {فأصدق وأكن من الصالحين} ~~[المنافقون: 10] قال الضحاك: لا ينزل بأحد الموت لم يحج، ولم يؤد الزكاة، ~~إلا سأل الله تعالى الرجعة. # وقرأ هذه الآية، وقال في قوله: {وأكن من الصالحين} [المنافقون: 10] يعني: ~~الحج. # وروي ذلك عن أبي عباس. ### | 1203 - # أخبرنا أبو بكر القاضي، نا دعلج بن أحمد، نا محمد بن عبد الله بن سليمان، ~~نا فياض بن زهير، نا عبد الرزاق، نا سفيان الثوري، عن يحيى بن أبي حبة، عن ~~الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ~~كان عنده مال تجب فيه الزكاة فلم يزل يسأل الله الرجعة عند الموت» ، ~~فقالوا: يا ابن عباس إنما كنا نرى هذا الكافر، فقال: أقرأ عليكم بها قرآنا: ~~{يأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} [المنافقون: ~~9] إلى قوله: {فأصدق وأكن من الصالحين} [المنافقون: 10] . # قال الزجاج: معناه: هلا أخرتني، وجزم أكن عطف على موضع فأصدق، لأنه على ~~معنى: إن أخرتني أصدق وأكن. # ومن قرأ وأكون فهو على لفظ فأصدق. # ثم أخبر الله تعالى أنه لا يؤخر من انقضت مدته، وحضر أجله، فقال: {ولن ~~يؤخر الله نفسا} [المنافقون: 11] أي: الموت، {إذا جاء أجلها والله خبير بما ~~تعملون} [المنافقون: 11] من خير وشر. # PageV04P305 ### | تفسير سورة التغابن # ثماني عشرة آية، مدنية. ### | 1204 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي الخفاف، أنا محمد بن جعفر بن مطر بالإسناد ~~الذي ذكرناه عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن ~~قرأ سورة التغابن دفع عنه موت الفجأة» . # بسم الله الرحمن الرحيم {يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك ~~وله الحمد وهو على كل شيء قدير {1} هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ~~والله بما تعملون بصير {2} خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم ~~وإليه المصير {3} يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون ms1867 وما تعلنون ~~والله عليم بذات الصدور {4} } [التغابن: 1-4] . # {يسبح لله ما في السموات وما في الأرض} [التغابن: 1] الآية مفسرة فيما ~~تقدم. # {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} [التغابن: 2] قال عطاء: فمنكم ~~مصدق، ومنكم جاحد. # وقال الوالبي، عن ابن عباس: إن الله تعالى خلق بني آدم مؤمنا وكافرا، ثم ~~يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمنا وكافرا. # قال الزجاج: جاء في التفسير: أن يحيى بن زكريا، عليهما السلام، خلق في ~~بطن أمه مؤمنا، وخلق فرعون في بطن أمه كافرا. # وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: {ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا ~~وبال أمرهم ولهم عذاب أليم {5} ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم # PageV04P306 # بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد ~~{6} } [التغابن: 5-6] . # {ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل} [التغابن: 5] يخاطب أهل مكة، ويخوفهم ~~بما نزله بمن قبلهم من الكفار، وهو قوله: {فذاقوا وبال أمرهم} [التغابن: 5] ~~يعني: ما لحقهم من العذاب في الدنيا، {ولهم عذاب أليم} [التغابن: 5] في ~~الآخرة. # ذلك الذي لحقهم من العذاب، {بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات} [التغابن: ~~6] فينكرون ذلك، ويقولون: أبشر آدمي مثلنا، {يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى ~~الله} [التغابن: 6] عن إيمانهم وعبادتهم. # ثم أخبر عن إنكارهم البعث، بقوله: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى ~~وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير {7} فآمنوا بالله ~~ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير {8} يوم يجمعكم ليوم ~~الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله ~~جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم {9} والذين ~~كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير {10} } ~~[التغابن: 7-10] . # {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا} [التغابن: 7] الآية. # {يوم يجمعكم} [التغابن: 9] أراد: لتنبؤن يوم يجمعكم، {ليوم الجمع} ~~[التغابن: 9] يعني: يوم القيامة، يجمع فيه أهل السموات وأهل الأرض، {ذلك ~~يوم التغابن} [التغابن: 9] يغبن فيه أهل الحق أهل الباطل، وأهل الإيمان أهل ~~الكفر، فلا غبن أبين منه، هؤلاء يدخلون الجنة، وهؤلاء يدخلون النار ms1868. # وقوله: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله ~~بكل شيء عليم {11} وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على ~~رسولنا البلاغ المبين {12} الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون ~~{13} } [التغابن: 11-13] . # {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله} [التغابن: 11] قال ابن عباس: بعلمه ~~وقضائه. # {ومن يؤمن بالله يهد قلبه} [التغابن: 11] قال مقاتل بن حيان: يهد قلبه ~~عند المصيبة، فيعلم أنها من الله، فيسلم لقضائه ويسترجع. # قال أبو ظبيان: كنا # PageV04P307 # نعرض المصاحف عند علقمة بن قيس، فنمر بهذه الآية: {ما أصاب من مصيبة إلا ~~بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه} [التغابن: 11] فسألناه عنها، فقال: هو ~~الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم. # قوله: {يأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن ~~تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم {14} إنما أموالكم وأولادكم فتنة ~~والله عنده أجر عظيم {15} فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا ~~خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون {16} إن تقرضوا الله قرضا ~~حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم {17} عالم الغيب والشهادة ~~العزيز الحكيم {18} } [التغابن: 14-18] . # {يأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم} [التغابن: ~~14] قال ابن عباس: هؤلاء رجال من أهل مكة، أسلموا وأرادوا أن يأتوا ~~المدينة، فلم تدعهم أزواجهم وأولادهم. # فهو قوله: {عدوا لكم فاحذروهم} [التغابن: 14] أن تطيعوهم وتدعوا الهجرة، ~~قوله: {وإن تعفوا وتصفحوا} [التغابن: 14] قال: هو أن الرجل من هؤلاء إذا ~~هاجر، رأى الناس قد سبقوه في الهجرة، وتفقهوا في الدين، هم أن يعاقب زوجته، ~~وولده الذين ثبطوه عن الهجرة، وإن لحقوا به في دار الهجرة لم ينفق عليهم، ~~ولم يصبهم بخير. # فأنزل الله تعالى: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم {14} ~~إنما أموالكم وأولادكم فتنة} [التغابن: 14-15] بلاء وشغل عن الآخرة، ~~والإنسان بسبب المال والولد يقع في العظائم، ويتناول الحرام إلا من عصمه ~~الله، ويشهد لهذا ما: ### | 1205 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن حمدان، أنا أبو بكر ms1869 أحمد بن جعفر بن مالك ~~القطيعي، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل، نا أبي زيد بن الحباب، حدثني حسين ~~بن واقد المروزي، حدثني عبد الله بن بريدة، قال: سمعت أبي بريدة، يقول: كان ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فجاء الحسين والحسن رضي الله عنهما ~~عليهما قميصان أحمران يمشيان، ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~عن المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: صدق الله عز وجل # PageV04P308 # {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} [التغابن: 15] نظرت إلى هذين الصبيين ~~يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما # وقوله: {والله عنده أجر عظيم} [التغابن: 15] ثواب جزيل وهو الجنة، ~~والمعنى: لا تعصوه بسبب الأولاد، ولا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر ~~العظيم. # {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16] ما أطقتم، وقال الربيع: اتقوا ~~الله جهدكم. # وهذه الآية نسخت قوله تعالى: {اتقوا الله حق تقاته} [آل عمران: 102] ، ~~واسمعوا لله ولرسوله، وأطيعوهما فيما يأمرانكم، وأنفقوا من أموالكم في حق ~~الله، {خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه} [التغابن: 16] حتى يعطي حق الله من ~~ماله، {فأولئك هم المفلحون} [التغابن: 16] وقد مر هذا في سورة الحشر، وباقي ~~السورة مفسر فيما تقدم. # PageV04P309 ### | تفسير سورة الطلاق # اثنتا عشرة آية، مدنية. ### | 1206 - # أخبرنا أبو عثمان الزعفراني، أنا أبو عمرو بن مطر بالإسناد الذي ذكرنا، ~~عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة يا ~~أيها النبي إذا طلقتم النساء مات على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم» . # بسم الله الرحمن الرحيم {يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ~~وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن ~~يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا ~~تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} [الطلاق: 1] . # {يأيها النبي إذا طلقتم النساء} [الطلاق: 1] نادى النبي صلى الله عليه ~~وسلم، ثم خاطب أمته، لأنه السيد المقدم، فإذا نودي وخوطب خطاب الجمع، كانت ~~أمته داخلة في ذلك الخطاب، ومعنى ms1870: {إذا طلقتم النساء} [الطلاق: 1] إذا ~~أردتم التطليق، كقوله: {إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة: 6] ، {وإذا قرأت ~~القرءان} [الإسراء: 45] ، فطلقوهن لعدتهن نزلت في عبد الله بن عمر، لما طلق ~~امرأته وهي حائض، فأمر الله تعالى الزوج أن يطلق امرأته إذا شاء الطلاق في ~~طهرها، وهو قوله: لعدتهن أي: لزمان عدتهن وهو الطهر، والطلاق نوعان: سني، ~~وبدعي، والسني: أن يقع في طهر لم يجامع فيه، فذلك هو الطلاق للعدة، لأنها ~~تعتد بذلك الطهر من عدتها، وتحصل في العدة عقيب الطلاق، فلا يطول عليها ~~زمان العدة، والآية دلت على إيقاع الطلاق في الطهر، ودلت السنة على أن ذلك ~~الطهر يجب أن يكون غير مجامع فيه، حتى يكون الطلاق سنيا، وهو ما: ### | 1207 - # أخبرناه # PageV04P310 # منصور بن عبد الوهاب بن أحمد الصوفي، أنا عمر بن أحمد الحيري، نا محمد بن ~~زنجويه، نا عبد العزيز بن يحيى، نا الليث بن سعد، عن نافع، عن عبد الله بن ~~عمر، أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة واحدة، فأمره رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر وتحيض عنده حيضة أخرى، ثم يمهلها حتى ~~تطهر من حيضها، فإن أراد أن يطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها فتلك العدة ~~التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء، رواه البخاري ومسلم، عن قتيبة، عن ~~الليث # والطلاق البدعي: أن يقع في حال الحيض، أو في طهر قد جومعت فيه، وهو واقع، ~~وصاحبه آثم. ### | 1208 - # حدثنا الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني إملاء، أنا محمد بن ~~داود بن مسعود، نا محمد بن أيوب، أنا أبو عمر الحوضي، نا شعبة، عن أنس بن ~~سيرين، قال: سمعت ابن عمر، يقول: طلق ابن عمر امرأته وهي حائض، فذكر ذلك ~~عمر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «مره فليراجعها، فإذا طهرت فليطلقها ~~إن شاء» ، قلت: يحتسب بها، قال: «فمه» . # رواه البخاري، عن سليمان بن حرب، ورواه مسلم، عن عبد الرحمن بن بشر، عن ~~شهر كلاهما عن شعبة. ### | 1209 - # أخبرنا أبو منصور المنصوري، أنا علي بن ms1871 عمر الحافظ، قال: قرئ على أبي ~~القاسم بن منيع، وأنا أسمع، حدثكم سعيد بن يحيى الأموي، نا إدريس، عن هشام ~~بن حسان، عن ابن سيرين، عن يونس بن جبير أبي غالب، قال: قلت لابن عمر: ~~اعتددت بتلك الطلقة؟ فقال: وما لي لا أعتد بها، وإن كنت عجزت واستحمقت # قوله: {وأحصوا العدة} [الطلاق: 1] إنما أمر بإحصاء العدة لتوزيع الطلاق ~~على الأقراء، إذا أراد أن يطلق ثلاثا، وهو أحسن من جمعها # PageV04P311 # في قرء واحد، وللعلم ببقاء زمان الرجعة، ولمراعاة النفقة والسكنى، ~~{واتقوا الله ربكم} [الطلاق: 1] فلا تعصوه فيما أمركم به، {لا تخرجوهن من ~~بيوتهن} [الطلاق: 1] لا يجوز للزوج أن يخرج المطلقة المعتدة من مسكنه الذي ~~كان يساكنها فيه قبل الطلاق. # {ولا يخرجن} [الطلاق: 1] وعلى المرأة أيضا ألا تخرج في عدتها إلا لضرورة ~~ظاهرة، فإن خرجت أثمت، سواء خرجت ليلا أو نهارا، وقوله: {إلا أن يأتين ~~بفاحشة مبينة} [الطلاق: 1] أكثر المفسرين على أن المراد بالفاحشة ههنا: ~~الزنا، وهو أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها، وقال السدي، والكلبي: ~~الفاحشة: خروجها من البيت في زمان العدة. # وقال الضحاك، وقتادة: هي النشوز، وسوء الخلق. # فهي إذا زنت، أو خرجت في عدتها، أو نشزت، كان للزوج إخراجها من البيت، ~~وقطع سكناها، وقوله: {وتلك حدود الله} [الطلاق: 1] يعني: ما ذكر من سنة ~~الطلاق وما بعدها، {ومن يتعد حدود الله} [الطلاق: 1] فيطلق لغير السنة، ~~{فقد ظلم نفسه} [الطلاق: 1] أثم فيما بينه وبين الله تعالى، {لا تدري لعل ~~الله يحدث بعد ذلك أمرا} [الطلاق: 1] يوقع في قلب الزوج المحبة، لرجعتها ~~بعد الطلقة والطلقتين، وهذا يدل على أن المستحب في التطليق أن يوقع متفرقا، ~~وأن لا يجمع بين الثلاث، قال الزجاج: وإذا طلقها ثلاثا في وقت واحد، فلا ~~معنى لقوله: {لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} [الطلاق: 1] . # {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل ~~منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن ~~يتق الله يجعل له مخرجا {2} ويرزقه من حيث لا ms1872 يحتسب ومن يتوكل على الله فهو ~~حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا {3} } [الطلاق: 2-3] . # {فإذا بلغن أجلهن} [الطلاق: 2] قاربن انقضاء أجل العدة، فأمسكوهن بأن ~~تراجعوهن، بمعروف بما أمر الله به، وهذا مفسر في { [البقرة،] وأشهدوا ذوي ~~عدل منكم} [سورة الطلاق: 2] قال المفسرون: أمروا أن يشهدوا عند الطلاق، ~~وعند # PageV04P312 # الرجعة. # ثم قال للشهداء: {وأقيموا الشهادة لله} [الطلاق: 2] وهو مفسر فيما سبق، ~~إلى قوله: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} [الطلاق: 2] قال أكثر المفسرين: ~~نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، أسر العدو ابنا له، فأتى النبي صلى الله عليه ~~وسلم، فذكر له بذلك، وشكا إليه الفاقة أيضا، فقال له: " اتق الله واصبر، ~~وأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ". # ففعل الرجل ذلك، فبينا هو في بيته إذ أتاه ابنه، وقد غفل عنه العدو، ~~فأصاب إبلا، وجاء بها إلى أبيه. # فذلك قوله: {ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق: 3] . ### | 1210 - # أخبرنا أبو منصور بن طاهر، أنا القاسم بن غانم بن حمويه الطويل، نا محمد ~~بن إبراهيم بن سعيد، نا عمرو بن الحصين، نا سعيد بن راشد، حدثني عبد الله ~~بن سعيد، نا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، قال: قرأ رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: " {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} [الطلاق: 2] قال: ~~من شبهات الدنيا، ومن غمرات الموت، وشدائد يوم القيامة ". ### | 1211 - # أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، أنا أبو الحسن أحمد بن ~~محمد بن عبدوس العنزي، نا عثمان بن سعيد الدارمي، نا مهدي بن جعفر الرملي، ~~نا الوليد بن مسلم، عن الحكم بن مصعب، عن محمد بن # PageV04P313 # علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق ~~مخرجا» # وقوله: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق: 3] أي: ومن يثق به فيما ~~نابه، كفاه الله ما أهمه، كما ورد ms1873 في الحديث: «من سره أن يكون أقوى من ~~الناس، فليتوكل على الله» ، {إن الله بالغ أمره} [الطلاق: 3] سيبلغ أمره ~~فيما يريد منكم، ومن أضاف حذف التنوين وهو مراد، كقوله: {إنا مرسلو الناقة} ~~[القمر: 27] و {هديا بالغ الكعبة} [المائدة: 95] ، و {قد جعل الله لكل شيء} ~~[الطلاق: 3] من الشدة، والرخاء أجلا ينتهي إليه قدر الله ذلك كله لا يقدم ~~ولا يؤخر. # وقوله: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر ~~واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له ~~من أمره يسرا {4} ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ~~ويعظم له أجرا {5} } [الطلاق: 4-5] . # {واللائي يئسن} [الطلاق: 4] الآية، لما نزلت عدة النساء المطلقة، ~~والمتوفى عنها زوجها في { [البقرة، قال أبي بن كعب: يا رسول الله، إن ناسا ~~يقولون: قد بقي من النساء من لم يذكر فيه شيء. # قال: ما هو؟ قال: الصغار والكبار، وذوات الحمل. # فنزلت:] واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم} [سورة الطلاق: 4] ~~شككتم، فلم تدروا ما عدتهن، {فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} [الطلاق: ~~4] أي: هن بمنزلة الكبيرة التي قد يئست، عدتها ثلاثة أشهر، وأولات الأحمال ~~يعني: الحوامل، # PageV04P314 # أجلهن عدتهن، {أن يضعن حملهن} [الطلاق: 4] أجل كل حامل أن تضع ما في ~~بطنها، مطلقة كانت، أو متوفى عنها زوجها، {ومن يتق الله} [الطلاق: 4] في ~~جميع ما أمره الله بطاعته فيه، {يجعل له من أمره يسرا} [الطلاق: 4] يسهل ~~عليه أمر الدنيا والآخرة. # ذلك يعني: ما ذكر من الأحكام، {أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله} ~~[الطلاق: 5] بطاعته، {يكفر عنه سيئاته} [الطلاق: 5] من الصلاة إلى الصلاة، ~~ومن الجمعة إلى الجمعة، ويعظم له في الآخرة، أجرا. # {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات ~~حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا ~~بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى {6} لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر ~~عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ms1874 لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله ~~بعد عسر يسرا {7} } [الطلاق: 6-7] . # {أسكنوهن من حيث سكنتم} [الطلاق: 6] من صلة معناه: أسكنوهن حيث سكنتم، من ~~وجدكم سعتكم وطاقتكم، والوجد معناه: المقدرة، قال الفراء: يقول على ما يجد، ~~فإن كان موسعا وسع عليها في المسكن والنفقة، وإن كان مقترا فعلى قدر ذلك. # قال قتادة: وإن لم تجد إلا ناحية بيتك فأسكنها فيه. # {ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن} [الطلاق: 6] نهى الله تعالى عن مضارتهن، ~~بالتضييق عليهن في المسكن والنفقة، {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى ~~يضعن حملهن} [الطلاق: 6] لأن عدتها تكون بوضع الحمل، فلها النفقة إلى أن ~~تضع حملها، وإن كانت مطلقة ثانية أو ثالثة، فإنها تستحق النفقة إذا كانت ~~حاملا، {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطلاق: 6] يعني: حق الرضاع وأجرته، ~~{وأتمروا بينكم بمعروف} [الطلاق: 6] قال مقاتل: يتراضى الأب والأم أجر ~~مسمى. # والخطاب للأزواج من الرجال والنساء، يأمرهم أن يأتوا المعروف وما هو ~~الأحسن، ولا يقصدوا التعاسر والضرار، وإن تعاسرتم في الأجرة، ولم يتراض ~~الوالدان على شيء، {فسترضع له أخرى} [الطلاق: 6] أي: فليسترضع الوالد غير ~~والدة الصبي. # {لينفق ذو سعة من سعته} [الطلاق: 7] أمر أهل التوسعة أن يوسعوا على ~~نسائهم المرضعات أولادهن، على قدر سعتهم، {ومن قدر عليه رزقه} [الطلاق: 7] ~~أي: كان رزقه بمقدار القوت، {فلينفق مما آتاه الله} [الطلاق: 7] فلينفق على ~~قدر ذلك، {لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} [الطلاق: 7] أعطاها من الرزق، ~~{سيجعل الله بعد عسر يسرا} [الطلاق: 7] بعد ضيق وشدة غنى وسعة، وكان الغالب ~~على # PageV04P315 # أكثرهم في ذلك الوقت الفقر، ثم فتح الله عليهم بعد ذلك وجعل يسرا بعد ~~عسر. # {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها ~~عذابا نكرا {8} فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا {9} أعد الله لهم ~~عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ~~ذكرا {10} رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا ms1875 يدخله جنات تجري ~~من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا {11} الله الذي ~~خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل ~~شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما {12} } [الطلاق: 8-12] . # وكأين وكم، {من قرية عتت عن أمر ربها} [الطلاق: 8] قال ابن عباس: عتوا ~~على الله، وعلى أنبيائهم. # {فحاسبناها حسابا شديدا} [الطلاق: 8] قال مقاتل: حاسبها الله تعالى في ~~الدنيا، فجازاها بالعذاب. # وهو قوله: {وعذبناها عذابا نكرا} [الطلاق: 8] فجعل المجازاة بالعذاب ~~محاسبة. # {فذاقت وبال أمرها} [الطلاق: 9] ثقل عاقبة أمر كفرها، {وكان عاقبة أمرها ~~خسرا} [الطلاق: 9] خسرانا في الدنيا والآخرة، وهو قوله: {أعد الله لهم ~~عذابا شديدا} [الطلاق: 10] يخوف الله كفار مكة، ثم قال للذين آمنوا: ~~{فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا {10} ~~رسولا} [الطلاق: 10-11] يعني: أنزل إليكم قرآنا، وأرسل ورسولا، وإنزال ~~الذكر يدل على إرسال الرسول، يتلو عليكم يعني: الرسول، {آيات الله مبينات} ~~[الطلاق: 11] إلى قوله: {قد أحسن الله له رزقا} [الطلاق: 11] يعني: الجنة ~~التي لا ينقطع نعيمها. # {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن} [الطلاق: 12] خلق من الأرض ~~بعدد السموات، {يتنزل الأمر بينهن} [الطلاق: 12] قال قتادة: في كل أرض من ~~أرضه، وسماء من سمائه، خلق من خلقه، وأمر من أمره، وقضاء من قضائه. # {لتعلموا} [الطلاق: 12] أي: أعلمكم هذا، لتعلموا قدرته على كل شيء وعلمه، ~~وهو قوله: {وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} [الطلاق: 12] . # PageV04P316 ### | تفسير سورة التحريم # اثنتا عشرة آية، مدنية. ### | 1212 - # أخبرنا أبو عثمان بن أبي بكر المقرئ، أنا محمد بن جعفر السختياني، نا ~~إبراهيم بن شريك، نا أحمد بن يونس، نا المدايني بالإسناد الذي سبق ذكره عن ~~أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ومن قرأ سورة {يأيها ~~النبي لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: 1] أعطاه الله توبة نصوحا ". # {يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم ~~{1} قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ms1876 والله مولاكم وهو العليم الحكيم {2} وإذ ~~أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه ~~وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير {3} ~~إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه ~~وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير {4} عسى ربه إن طلقكن أن ~~يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات ~~وأبكارا {5} } [التحريم: 1-5] . # بسم الله الرحمن الرحيم {يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: ~~1] قال المفسرون: كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة، فزارت أباها، ~~فلما رجعت، أبصرت مارية في بيتها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تدخل ~~حتى خرجت مارية، ثم دخلت، وقالت: إني رأيت من كان معك في البيت. # وكان ذلك يوم عائشة، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في وجه حفصة ~~الغيرة والكآبة، قال لها: «لا تخبري عائشة، ولك علي ألا أقربها أبدا» . # فأخبرت حفصة عائشة، وكانتا # PageV04P317 # متصافيتين، فغضبت عائشة، ولم تزل بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى حلف ألا ~~يقرب مارية، فأنزل الله هذا ال { [. # قال سعيد بن جبير: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: جعلت امرأتي على حراما. # قال: كذبت، ليست عليك بحرام. # ثم تلا هذه ال::] يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: 1] ~~الآية، عليك أغلظ الكفارات عتق رقبة، وقوله: {تبتغي مرضات أزواجك} ~~[التحريم: 1] أي: تطلب رضاهن بتحريم مارية على نفسك، {والله غفور رحيم} ~~[التحريم: 1] غفر لك ما فعلت من تحريم الجارية على نفسك. # {قد فرض الله لكم} [التحريم: 2] أي: بين وأوجب، {تحلة أيمانكم} [التحريم: ~~2] تحليلها بالكفارة، وتحلة أصلها: تحللة، على وزن تفعلة فأدغمت، وتفعلة من ~~مصادر التفعيل، كالتوضية والتسمية، قال مقاتل: قد بين الله كفارة إيمانكم ~~في { [المائدة. # أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكفر يمينه، ويراجع وليدته، فأعتق ~~رقبة، قال الزجاج: وليس لأحد أن يحرم ما أحل الله. # ] والله مولاكم} [سورة التحريم ms1877: 2] وليكم وناصركم، وهو العليم بخلقه، ~~الحكيم فيما فرض من حكمه. # قوله: {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا} [التحريم: 3] قال جماعة ~~المفسرين: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الغيرة، والكراهية في وجه ~~حفصة، أراد أن يترضاها، فأسر إليها بشيئين: تحريم الأمة على نفسه، وتبشيرها ~~بأن الخلافة بعده في أبي بكر وأبيها عمر # PageV04P318 # رضي الله عنهما. # {فلما نبأت به} [التحريم: 3] أخبرت به حفصة عائشة، {وأظهره الله عليه} ~~[التحريم: 3] أطلع الله نبيه على قول حفصة لعائشة، فأخبر النبي الله صلى ~~الله عليه وسلم حفصة عند ذلك ببعض ما قالت، وهو قوله: عرف بعضه أي: عرف ~~حفصة بعض ما أخبرت به عائشة، {وأعرض عن بعض} [التحريم: 3] يعني: ذكر ~~الخلافة، كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتشر ذلك في الناس، فأعرض ~~عنه. ### | 1213 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا سلام بن عصام، نا عبد ~~الله بن سعد، نا عمي، نا سيف بن عمر، عن عطية بن الحارث، عن أبي أيوب، عن ~~علي، وعن الضحاك، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: «والله إن ~~إمارة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لفي كتاب الله» # {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا} [التحريم: 3] قال لحفصة: «أبوك ~~وأبو عائشة واليا الناس من بعدي، وإياك أن تخبري أحدا» . # وقرئ عرف بالتخفيف ومعناه: جازي عليه، ولا يكون أن العلم، لأنه لا يجوز ~~أن يعرف البعض مع إطلاع الله إياه على جميعه، وهذا كما تقول لمن يحسن إليك ~~أو يسيء: أنا أعرف لك هذا. # أي: لا يخفى علي فأجازيك بما يكون وفقا له. # قوله: {فلما نبأها به} [التحريم: 3] أي: أخبر حفصة بإفشائها السر، {قالت ~~من أنبأك هذا} [التحريم: 3] من أخبرك بأني أفشيت سرك؟ قال: {نبأني العليم ~~الخبير} [التحريم: 3] . # ثم خاطب عائشة وحفصة، فقال: {إن تتوبا إلى الله} [التحريم: 4] أي: من ~~التعاون على النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء، {فقد صغت قلوبكما} ~~[التحريم: 4] عدلت ومالت عن الحق، وهو: أنهما أحبتا ما كره ms1878 النبي صلى الله ~~عليه وسلم من اجتناب جاريته، {وإن تظاهرا عليه} [التحريم: 4] أي: تتظاهرا، ~~وتتعاونا على النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء. ### | 1214 - # أخبرنا أبو سعد النضروي، أنا أبو بكر القطيعي، نا عبد الله بن أحمد بن ~~حنبل، حدثني أبي، نا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن جبير، عن ابن ~~عباس، قال: أردت أن أسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فما رأيت موضعا فمكثت ~~سنتين، فلما كنا بمر الظهران وذهب ليقضي حاجته، فجاء وقد قضى حاجته، فذهبت ~~أصب عليه # PageV04P319 # من الماء، قلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: عائشة وحفصة. # رواه البخاري، عن الحميدي، عن سفيان. # قوله: {فإن الله هو مولاه} [التحريم: 4] أي: وليه في العون، يعني: يتولى ~~نصرته، وجبريل وليه، وصالح المؤمنين قال عطاء، عن ابن عباس: يريد: أبا بكر ~~وعمر رضي الله عنهما، يواليان النبي صلى الله عليه وسلم، وينصرانه. ### | 1215 - # أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن جعفر، أنا أبو عمرو محمد ~~بن أحمد الحيري، أنا أحمد بن علي المثنى، نا أبو خيثمة، نا عثمان بن عمر، ~~نا عكرمة بن عمار، عن سماك، أن أبا زميل الحنفي، حدثني عبد الله بن عباس، ~~حدثني عمر بن الخطاب، قال: لما اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه دخلت ~~عليه، وأنا أرى في وجهه الغضب، فقلت: يا رسول الله، ما يشق عليك من شأن ~~النساء؟ فإن كنت طلقتهن، فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو ~~بكر والمؤمنون معك وقل ما تكلمت وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يكون الله ~~يصدق قولي الذي أقول، قال: ونزلت هذه الآية {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو ~~مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير} [التحريم: 4] رواه ~~مسلم، عن أبي خيثمة. ### | 1216 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا جعفر بن أحمد بن فارس، ~~نا الحسين بن حريث، نا عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن شقيق بن ms1879 سلمة، ~~عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وصالح ~~المؤمنين} [التحريم: 4] ، قال: صالح المؤمنين أبو بكر وعمر ومعنى الآية، إن ~~تعاونتما على إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أبويكما يوافقانكما، ولا ~~يتظاهران معكما، فإنهما وليا رسول الله صلى الله عليه وسلم # {والملائكة بعد ذلك} [التحريم: 4] قال مقاتل: بعد الله جبريل وصالح ~~المؤمنين. # ظهير أعوان للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من الواحد الذي يؤدي عن ~~الجمع، كقوله: {وحسن أولئك # PageV04P320 # رفيقا} [النساء: 69] . # ثم خوف نساءه، فقال: {عسى ربه إن طلقكن} [التحريم: 5] أي: واجب من الله ~~إن طلقكن رسوله، {أن يبدله أزواجا خيرا منكن} [التحريم: 5] ، ثم نعت تلك ~~الأزواج التي كان يبدله لو طلق نساءه، فقال: مسلمات خاضعات لله بالطاعة، ~~مؤمنات مصدقات بتوحيد الله، قانتات طائعات، سائحات صائمات، وذكرنا تفسيره ~~عند قوله: {السائحون} [التوبة: 112] ، ثيبات جمع ثيب، وهي: المرأة التي قد ~~تزوجت، ثم بانت عن زوجها، فعادت كما كانت غير ذات زوج، وأبكارا يريد: ~~عذارى. # {يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ~~ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون {6} يأيها ~~الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون {7} يأيها الذين ~~آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم ~~جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم ~~يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على ~~كل شيء قدير {8} } [التحريم: 6-8] . # {يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم} [التحريم: 6] قال عطاء، عن ابن عباس: أي: ~~بالانتهاء عما نهاكم الله عنه، والعمل بطاعته. # وأهليكم قال عمر: يا رسول الله، نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟ قال: ~~«تنهونهم عما نهاكم الله عنه، وتأمرونهم بما أمركم الله به» . # قال مقاتل بن حيان: هو أن يؤدب الرجل المسلم نفسه وأهله، فيعلمهم الخير، ~~وينهاهم عن الشر. # وذلك حق على المسلم أن يفعل بنفسه، وأهله، وعبيده وإمائه، في تأديبهم ~~وتعليمهم، قال ms1880 مقاتل بن سليمان: قوا أنفسكم، وأهليكم بالأدب الصالح النار ~~في الآخرة. # وهو قوله: {نارا وقودها الناس والحجارة} [التحريم: 6] وقد سبق تفسيره، ~~عليها ملائكة يعني: خزنة النار، غلاظ على أهل النار، شداد أقوياء، يدفع ~~الواحد منهم بالدفعة الواحدة سبعين ألفا في جهنم، وما بعد هذا ظاهر إلى ~~قوله: {توبة نصوحا} [التحريم: 8] يعني: ينصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب ~~منه، قال أبو زيد: توبة نصوح صادقة، يقال: نصحته. # أي: صدقته، وروى عكرمة، عن ابن عباس، # PageV04P321 # قال: قال معاذ بن جبل: يا رسول الله، ما التوبة النصوح؟ قال: «أن يتوب ~~التائب، ثم لا يرجع في ذنب، كما لا يعود اللبن إلى الضرع» . # وقال ابن مسعود: التوبة النصوح تكفر كل سيئة، وهو في القرآن. # ثم قرأ: {يأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر ~~عنكم سيئاتكم} [التحريم: 8] . # وقوله: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} [التحريم: 8] أي: لا ~~يعذبهم الله بدخول النار، {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} [التحريم: 8] ~~مفسر في { [الحديد،] يقولون ربنا أتمم لنا نورنا} [سورة التحريم: 8] إذا ~~رأى المؤمنون نور المنافقين يطفأ، سألوا الله أن يتمم لهم نورهم، ويبلغهم ~~به الجنة، قال ابن عباس: ليس أحد من الموحدين إلا يعطى نورا يوم القيامة، ~~فأما المنافق فيطفأ نوره، والمؤمن مشفق مما رأى من إطفاء نور المنافق. # فهو يقول: {ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير} ~~[التحريم: 8] من إطفاء نور المنافقين، وإثبات نور المؤمنين. # {يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس ~~المصير {9} ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت ~~عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا ~~النار مع الداخلين {10} } [التحريم: 9-10] . # {يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين} [التحريم: 9] مفسر في { [براءة. # ثم خوف عائشة وحفصة في تظاهرهما على الرسول، وذكر أنهما إن عصتا ربهما، ~~لم يغن محمد صلى الله عليه وسلم عنهما شيئا، وضرب لهما امرأة نوح، وامرأة ~~لوط مثلا، فقال:] ضرب الله ms1881 مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط} [سورة ~~التحريم: 10] ثم ذكر حالهما، فقال: {كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين} ~~[التحريم: 10] يعني: نوحا ولوطا، {فخانتاهما} [التحريم: 10] قال ابن عباس: ~~ما بغت امرأة نبي قط، إنما كانت خيانتهما في الدين: كانت امرأة نوح تخبر ~~الناس أنه مجنون، وكانت امرأة لوط تدل على الأضياف: إذا نزل بلوط ضيف ~~بالليل أوقدت النار، وإذا نزل بالنهار دخنت، ليعلم قومه أنه قد نزل به ضيف. # وقال الكلبي: أسرتا النفاق وأظهرتا الإيمان. # {فلم يغنيا عنهما من الله شيئا} [التحريم: 10] لم يدفعا عنهما عذاب الله ~~أعلم الله تعالى، أن الأنبياء لا يغنون عمن عمل بالمعاصي شيئا، فقطع الله ~~تعالى بهذه الآية طمع من ركب المعصية، ورجا أن ينفعه صلاح غيره. # ثم أخبر أن معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعا، وهو قوله: # PageV04P322 # {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في ~~الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين {11} ومريم ابنت عمران ~~التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من ~~القانتين {12} } [التحريم: 11-12] . # {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون} [التحريم: 11] وهي: آسية ابنة ~~مزاحم، كانت قد آمنت بموسى، وسألت الله بيتا في الجنة، فقالت: {رب ابن لي ~~عندك بيتا في الجنة} [التحريم: 11] أي: حيث لا يتصرف فيه إلا بإذنك وهو ~~الجنة، قال أبو هريرة: إن فرعون أوتد لامرأته بأوتاد في يديها ورجليها، ~~فكانت إذا تفرقوا عنها، ظللتها الملائكة. # فقالت: {رب ابن لي عندك بيتا في الجنة} [التحريم: 11] فكشف الله لها ~~بيتها في الجنة، حتى رأته قبل موتها، وقوله: {ونجني من فرعون وعمله} ~~[التحريم: 11] قال مقاتل: وعمله الشرك. # وروى أبو صالح، عن ابن عباس: {وعمله} [التحريم: 11] قال: جماعة: {ونجني ~~من القوم الظالمين} [التحريم: 11] المشركين أهل دينه. # قال مقاتل: يقول الله تعالى لعائشة، وحفصة: لا تكونا بمنزلة امرأة نوح ~~وامرأة لوط في المعصية، كونا بمنزلة امرأة فرعون ومريم. # وهو قوله: {ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها} [التحريم: 12] وقد ms1882 تقدم ~~تفسيره، {فنفخنا فيه} [التحريم: 12] أي: في جنب درعها، وذلك: أن جبريل عليه ~~السلام مد جيب درعها بإصبعه، ثم نفخ في جيبها، فحبلت، والكناية من غير ~~مذكور. ### | 1217 - # أخبرنا بالإسناد أبو طاهر الزيادي، أنا علي بن حمشاد، أنا محمد بن غالب ~~بن حرب، نا عبد الصمد بن النعمان، نا شعبة، عن عمرو بن مرة، أنه سمع مرة ~~الهمذاني يحدث، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، # PageV04P323 # قال: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية ~~امرأة فرعون، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» # {وصدقت بكلمات ربها} [التحريم: 12] يعني: الشرائع التي شرعها الله للعباد ~~بكلماته المنزلة في كتبه، وهو قوله: وكتبه قال ابن عباس: يعني: التي أنزلت ~~على إبراهيم، وموسى، وداود، وعيسى عليهم السلام. # وقرئ: وكتابه والمراد به الكثرة أيضا، {وكانت من القانتين} [التحريم: 12] ~~قال قتادة: من القوم المطيعين لربهم. # وقال عطاء: من المصلين، كانت تصلي بين المغرب والعشاء. # ويجوز أن يريد بالقانتين رهطها وعشيرتها الذين كانت منهم مريم، وكانوا ~~مطيعين لله، أهل بيت صلاح وطاعة. # PageV04P324 ### | تفسير سورة الملك # ثلاثون آية، مكية. ### | 1218 - # أخبرنا سعيد بن محمد الحيري، أنا محمد بن جعفر الحيري بإسناده عن أبي بن ~~كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة تبارك فكأنما ~~أحيا ليلة القدر» ### | 1219 - # أخبرنا الحسين بن محمد الفارسي، أنا محمد بن عبد الله بن حمدون بن الفضل، ~~أنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، نا محمد بن يحيى، نا عثمان بن صالح، أنا ~~ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن تبارك الذي بيده الملك تجادل عن ~~صاحبها يوم القيامة» . ### | 1220 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أنا أبو عمرو بن مطر، أنا أبو خليفة، نا ~~الحوضي، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة الهمذاني، عن عبد الله بن مسعود، ~~قال: أتي رجل من جوانب قبره فجعلت ms1883 سورة من القرآن ثلاثون آية تجادل عنه حتى ~~منعته من عذاب القبر، قال: فنظرت أنا ومسروق، فلم نجدها إلا تبارك. # بسم الله الرحمن الرحيم {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير {1} ~~الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور {2} الذي ~~خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من # PageV04P325 # فطور {3} ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير {4} ولقد ~~زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب ~~السعير {5} } [الملك: 1-5] . # {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير {1} الذي خلق الموت والحياة} ~~[الملك: 1-2] قال عطاء، عن ابن عباس: يريد: الموت في الدنيا، والحياة في ~~الآخرة. # وقال قتادة: يعني: موت الإنسان أذل الله به ابن آدم، والحياة حياته في ~~الدنيا. # {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} [الملك: 2] اللام في: ليبلوكم تتعلق بخلق ~~الحياة دون خلق الموت، لأن الابتلاء بالحياة، وفيها قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم في قوله: {أيكم أحسن عملا} [الملك: 2] : «أيكم أحسن عقلا، وأورع ~~عن محارم الله» ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتمكم عقلا، أشدكم خوفا ~~لله، وأحسنكم فيما أمر الله به، ونهى عنه نظرا» . # وقال الحسن: أيكم أزهد في الدنيا، وأترك لها. # وهو العزيز في انتقامه ممن عصاه، الغفور لمن تاب إليه. # ثم أخبر عن صنعه الذي يدل على توحيده، فقال: {الذي خلق سبع سموات طباقا} ~~[الملك: 3] بعضها فوق بعض، {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} [الملك: 3] قال ~~مقاتل: يعني: ما ترى يابن آدم في خلق السموات من عيب. # وقال قتادة: ما ترى خللا ولا اختلافا. # وقال الكلبي: وهو الذي يفوت بعضه بعضا. # وقرئ تفاوت وهما بمنزلة واحدة، مثل: تصعد وتصاعد، وتعهد به وتعاهدته، ~~فارجع البصر كرر النظر، {هل ترى من فطور} [الملك: 3] شقوق، وصدوع، وخروق. # {ثم ارجع البصر كرتين} [الملك: 4] قال ابن عباس: مرة بعد مرة. # PageV04P326 # {ينقلب إليك البصر خاسئا} [الملك: 4] مبعدا صاغرا، لم ير ما يهوى، وهو ~~حسير كليل ms1884 منقطع، قال الزجاج: أي: وقد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللا. # وهو فعيل بمعنى: فاعل، من الحسور وهو الإعياء. # {ولقد زينا السماء الدنيا} [الملك: 5] الأولى إلى الأرض، وهي التي يراها ~~الناس، بمصابيح واحدها: مصباح وهو السراج، ويسمى الكوكب أيضا مصباحا ~~لإضاءته. # قال ابن عباس: بنجوم لها نور. # {وجعلناها رجوما للشياطين} [الملك: 5] يرجم بها الشياطين الذين يسترقون ~~السمع، وأعتدنا لهم في الآخرة، عذاب السعير النار الموقدة. # {وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير {6} إذا ألقوا فيها سمعوا لها ~~شهيقا وهي تفور {7} تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ~~ألم يأتكم نذير {8} قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من ~~شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير {9} وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في ~~أصحاب السعير {10} فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير {11} } [الملك: ~~6-11] . # {وللذين كفروا بربهم} [الملك: 6] الآية، وهي ظاهرة. # {إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا} [الملك: 7] صوتا مثل أول نهيق الحمار، ~~وهو أقبح الأصوات، {وهي تفور} [الملك: 7] تغلي بهم كغلي المرجل، وقال ~~مجاهد: تفور بهم كما يفور الماء الكثير بالحب القليل. # {تكاد تميز من الغيظ} [الملك: 8] تنقطع من تغيظها عليهم، قال ابن قتيبة: ~~تكاد تنشق غيظا على الكفار. # {كلما ألقي فيها فوج} [الملك: 8] جماعة منهم، سألهم خزنتها سؤال توبيخ، ~~{ألم يأتكم نذير} [الملك: 8] وهذا التوبيخ زيادة لهم في العذاب. # {وقالوا لو كنا نسمع} [الملك: 10] الهدى، أو نعقله، قال الزجاج: لو كنا ~~نسمع سمع من يعي ويفكر، أو نعقل عقل من يميز وينظر. # ما كنا من أهل النار. ### | 1221 - # حدثنا عبد الرحمن بن محمد السراج إملاء، أنا أبو منصور محمد بن القاسم ~~العتكي، نا محمد بن أشرس السلمي، نا سليمان بن عيسى السجزي، عن مالك بن ~~أنس، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، قال: «إن لكل # PageV04P327 # شيء دعامة ودعامة المؤمن عقله، فبقدر ما يعقل يعبد ربه، ولعمري لقد ندم ~~الكفار يوم القيامة» {وقالوا لو كنا ms1885 نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} ~~[الملك: 10] . ### | 1222 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، نا محمد بن يعقوب، نا العباس الدوري، نا ~~منصور بن سفيان، نا موسى بن أعين، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن ~~عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الرجل ليكون من أهل الجهاد، ~~ومن أهل الصلاة والصيام، وممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وما يجزى يوم ~~القيامة إلا على قدر عقله» . ### | 1223 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي، أنا علي بن أحمد بن محمد ~~بن عطية، نا الحارث بن أبي أسامة، نا داود بن المحبر، نا سلام أبو المنذر، ~~عن موسى بن جابان، عن أنس بن مالك، قال: أثنى قوم على رجل عند رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم حتى أبلغوا الثناء في خصال الخير، فقال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «كيف عقل الرجل؟» قالوا: يا رسول الله، نخبرك عن اجتهاده ~~في العبادة، وأصناف الخير، وتسألنا عن عقله؟ فقال نبي الله صلى الله عليه ~~وسلم: «إن الأحمق ليصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنما يرتفع العباد غدا ~~في الدرجات وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم» . # وقال الله تعالى: فاعترفوا بذنبهم يعني: بتكذيبهم الرسل، وهو قولهم: ~~{فكذبنا} [الملك: 9] ، فسحقا فبعدا، {لأصحاب السعير} [الملك: 11] من رحمة ~~الله. # ثم أخبر عن المؤمنين، وعما أعد لهم في الآخرة، فقال: {إن الذين يخشون ~~ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير {12} وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم ~~بذات الصدور {13} ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير {14} هو الذي جعل لكم ~~الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور {15} } [الملك: ~~12-15] . # {إن الذين يخشون ربهم بالغيب} [الملك: 12] يخافون عذاب ربهم، ولم يروه، ~~فيؤمنون به خوفا من عذابه، {لهم مغفرة وأجر كبير} [الملك: 12] وهو الجنة. # ثم عاد إلى خطاب الكفار، فقال: {وأسروا قولكم أو # PageV04P328 # اجهروا به} [الملك: 13] قال ابن عباس: كانوا ينالون من رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم، فيخبره جبريل، فقال بعضهم لبعض ms1886: أسروا قولكم كيلا يسمع إله ~~محمد. # فأنزل الله تعالى هذه الآية. # ألا يعلم ما في الصدور من خلقها، وهو اللطيف لطف علمه بما في القلوب، ~~الخبير بما فيها من السر، والوسوسة. # {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا} [الملك: 15] لم يجعلها بحيث يمتنع المشي ~~فيها بالحزونة، والغلظ، {فامشوا في مناكبها} [الملك: 15] جبالها وإكامها، ~~وقال مجاهد، والكلبي، ومقاتل: طرقها، وأطرافها، وجوانبها. # {وكلوا من رزقه} [الملك: 15] مما خلقه رزقا لكم في الأرض، وإليه النشور ~~وإلى الله تبعثون من قبوركم. # ثم خوف كفار مكة، فقال: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي ~~تمور {16} أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ~~{17} ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير {18} أولم يروا إلى الطير ~~فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير {19} } [الملك: ~~16-19] . # {أأمنتم من في السماء} [الملك: 16] قال المفسرون: يعني: عقوبة من السماء، ~~أو عذاب من في السماء. # والمعنى: من في السماء سلطانه، وملكه، وقدرته، لا بد من أن يكون المعنى ~~هذا، لاستحالة أن يكون الله في مكان أو موصوفا بجهة، وأهل المعاني يقولون: ~~من في السماء هو الملك الموكل بالعذاب وهو جبريل. # والمعنى: {أن يخسف بكم الأرض} [الملك: 16] بأمره، {فإذا هي تمور} [الملك: ~~16] تضطرب، وتتحرك، والمعنى: أن الله يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تضطرب ~~وتتحرك، فتلعو عليهم، وهم يخسفون فيها، والأرض تمور فوقهم، فتقلبهم إلى ~~أسفل. # {أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا} [الملك: 17] كما أرسل على ~~قوم لوط، فستعلمون في الآخرة، وعند الموت، كيف نذير أي: إنذاري إذا عاينتم ~~العذاب. # {ولقد كذب الذين من قبلهم} [الملك: 18] يعني: كفار الأمم السابقة، {فكيف ~~كان نكير} [الملك: 18] أي: إنكاري عليهم بالعذاب. # {أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات} [الملك: 19] تصف أجنحتها في الهواء، ~~ويقبضن أجنحتها بعد البسط، وهذا معنى الطيران، وهو: بسط الأجنحة، وقبضها ~~بعد البسط، {ما يمسكهن إلا الرحمن} [الملك: 19] أي: في الحالين: في حال ~~الصف، والقبض، # PageV04P329 # وفي هذا أكبر آية على ms1887 قدرة الله تعالى، إذ أمسكها في الهواء على ثقلها ~~ضخم أبدانها، وهذا كقوله تعالى: {ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء} ~~[النحل: 79] الآية. # قوله: {أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في ~~غرور {20} أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور {21} ~~أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم {22} قل هو ~~الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون {23} قل هو ~~الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون {24} ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم ~~صادقين {25} قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين {26} فلما رأوه ~~زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون {27} } [الملك: ~~20-27] . # {أمن هذا الذي هو جند لكم} [الملك: 20] لفظ الجند موحد، لذلك قيل: هذا ~~الذي هو استفهام إنكار، أي: لا جند لكم، ينصركم يمنعكم من عذاب الله، قال ~~ابن عباس: ينصركم مني إن أردت عذابكم. # {إن الكافرون إلا في غرور} [الملك: 20] أي: من الشيطان، يعدهم بأن العذاب ~~لا ينزل بهم. # {أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه} [الملك: 21] أي: من الذي يرزقكم ~~بالمطر، إن أمسكه الله عنكم؟ {بل لجوا في عتو ونفور} [الملك: 21] أي: ليسوا ~~يعتبرون ولا يتفكرون، بل لجوا في طغيانهم، وتماديهم، وتباعدهم عن الإيمان. # ثم ضرب مثلا، فقال: {أفمن يمشي مكبا على وجهه} [الملك: 22] الآية، ~~والإكباب مطاوع الكب، يقال: كببته فأكب. # ضرب المكب على وجهه مثلا للكافر، لأنه ضال أعمى القلب، فهذا {أهدى أمن ~~يمشي سويا} [الملك: 22] معتدلا يبصر الطريق، {على صراط مستقيم} [الملك: 22] ~~يعني به: الإسلام، وقال قتادة: هذا في الآخرة، يحشر الله الكافر مكبا على ~~وجهه يوم القيامة. # كما قال: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم} [الإسراء: 97] ، والمؤمن يمشي ~~سويا. # {قل هو الذي أنشأكم} [الملك: 23] إلى قوله: {قليلا ما تشكرون} [الملك: ~~23] قال مقاتل: يعني: أنهم لا يشكرون رب هذه النعم، فيوحدونه. # وذكر الله أنهم يستعجلون العذاب بقوله: {ويقولون متى هذا الوعد} [الملك: ~~25] . # ثم ذكر ms1888 حالهم عند معاينة العذاب، فقال: {فلما رأوه زلفة} [الملك: 27] ~~يعني: رأوا العذاب قريبا، # PageV04P330 # {سيئت وجوه الذين كفروا} [الملك: 27] اسودت، وعلتها الكآبة، ومعنى سيئت ~~أي: قبحت وجوههم بالسواد، يقال: ساء الشيء يسوء فهو سيئ، إذا قبح، وقيل ~~لهم، هذا العذاب، {الذي كنتم به تدعون} [الملك: 27] قال الفراء: يريد: ~~تدعون وهما واحد، مثل تذكرون، والمعنى: كنتم به تستعجلون، وتدعون الله ~~بتعجيله. # {قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب ~~أليم {28} قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين ~~{29} قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين {30} } [الملك: ~~28-30] . # {قل أرأيتم إن أهلكني الله} [الملك: 28] بعذابه، ومن معي من المؤمنين، أو ~~رحمنا فلم يعذبنا، {فمن يجير الكافرين} [الملك: 28] يمنعهم، ويؤمنهم، {من ~~عذاب أليم} [الملك: 28] والمعنى: إنا مع إيماننا بين الخوف والرجاء، فمن ~~يجيركم مع كفركم من العذاب؟ أي: أنه لا رجاء لكم كما للمؤمنين. # قل لهم، {هو الرحمن} [الملك: 29] الذي نعبده، {آمنا به وعليه توكلنا ~~فستعلمون} [الملك: 29] عند معاينة العذاب، من الضال منا، أنحن أم أنتم؟ ومن ~~قرأ بالياء فهو إخبار عن الكافرين الذين تقدم ذكرهم. # ثم احتج عليهم بقوله: {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم} [الملك: 30] يعني: ماء ~~زمزم، غورا ذاهبا في الأرض غائرا، {فمن يأتيكم بماء معين} [الملك: 30] ظاهر ~~تراه العيون، وتناله الدلاء. # PageV04P331 ### | تفسير سورة القلم # اثنتان وخمسون آية، مكية. ### | 1224 - # أخبرنا سعيد بن محمد المقري، أنا محمد بن جعفر بن مطر بإسناده، عن أبي بن ~~كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة ن والقلم أعطاه ~~الله ثواب الذين حسن أخلاقهم» # بسم الله الرحمن الرحيم {ن والقلم وما يسطرون {1} ما أنت بنعمة ربك ~~بمجنون {2} وإن لك لأجرا غير ممنون {3} وإنك لعلى خلق عظيم {4} فستبصر ~~ويبصرون {5} بأيكم المفتون {6} إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم ~~بالمهتدين {7} } [القلم: 1-7] . # ن قال ابن عباس: يعني: الحوت الذي على ظهر الأرض. # وهو قول مجاهد، ومقاتل، والسدي، قالوا: هو ms1889 الحوت الذي يحمل الأرض. # وروى عكرمة، عن ابن عباس، أن: {ن} [القلم: 1] ههنا آخر حروف الرحمن. # {والقلم} [القلم: 1] قال جماعة المفسرين: # PageV04P332 # هو القلم الذي كتب الله به اللوح المحفوظ. ### | 1225 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو محمد بن حيان، نا أبو يحيى الرازي، نا ~~سهل بن عثمان، نا المحاربي، وعبيدة، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، قال: ~~قال ابن عباس: إن أول ما خلق الله القلم، فقيل له: اكتب ما هو كائن إلى يوم ~~القيامة، قال: ثم خلق نونا فبسط الأرض على ظهره، وذلك قوله: {ن والقلم} ~~[القلم: 1] # وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: {ن} [القلم: 1] الدواة. # وهو قول الحسن، وقتادة، وروي ذلك مرفوعا. ### | 1226 - # أخبرناه أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا الوليد بن أبان، نا ~~أحمد بن القاسم، نا أبو مروان هشام بن خالج الأزرق، نا الحسن بن يحيى ~~الخشني، حدثني أبو عبد الله مولى بني أمية، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ~~قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن أول شيء خلقه الله ~~القلم، ثم خلق النون وهي الدواة، ثم قال: اكتب ما هو كائن من عمل أو أثر أو ~~رزق أو أجل فكتب ما كان وما يكون، وما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم ختم على ~~القلم فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة ". # وقوله: وما يسطرون يعني: ما تكتب الملائكة الحفظة من أعمال بني آدم. # {ما أنت بنعمة ربك بمجنون} [القلم: 2] هذا جواب لقولهم: {يأيها الذي نزل ~~عليه الذكر إنك لمجنون} [الحجر: 6] ، فأقسم الله بنون، وبالقلم، وبأعمال ~~بني آدم، فقال: ما أنت يا محمد بنعمة ربك، أي: بإنعامه عليك بالإيمان ~~والنبوة، بمجنون. # وقال الزجاج: هذا كما تقول: أنت بنعمة الله فهم، وما أنت بنعمة الله ~~بجاهل. # {وإن لك لأجرا} [القلم: 3] بصبرك على بهتهم، وافترائهم عليك، ونسبتهم ~~إياك إلى الجنون، {غير ممنون} [القلم: 3] غير منقوص، ولا مقطوع. # قوله: {وإنك لعلى # PageV04P333 # خلق عظيم} [القلم: 4] قال عطاء، عن ابن عباس: يريد: دين عظيم ms1890، لم أخلق ~~دينا أحب إلى ولا أرضى عندي منه. # وهذا قول الأكثرين، قالوا: يعني: الإسلام والدين. # وروى عكرمة، عن ابن عباس، قال: يعني: القرآن. # وهو قول الحسن، والعوفي: أدب القرآن. # وفسره قتادة، فقال: هو ما كان يأتمر به من أمر الله، وينتهي عنه من الله. # واختاره الزجاج، فقال: المعنى: إنك على الخلق الذي أمرك الله في القرآن. ### | 1227 - # أخبرنا الحسن بن أحمد بن عبد الله بن حمشاذ، أنا محمد بن الفضل السلمي، ~~نا أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي، نا الحسن بن عيسى، نا ابن ~~المبارك، نا المبارك بن فضالة، حدثني الحسن، عن سعيد بن هشام بن عامر، قال: ~~قلت لعائشة: ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: قال الله ~~تعالى {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 4] فخلقه القرآن. ### | 1228 - # أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزاز، أنا محمد بن أحمد بن علي الحيري، أنا ~~الحسن بن سفيان، نا عبد الله بن أحمد الدمشقي، نا مروان، نا الحسن بن يحيى، ~~نا زيد بن واقد، عن يسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ~~الدرداء، قال: سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان ~~خلقه القرآن، يسخط لسخطه، ويرضى لرضاه # قوله: فستبصر يا محمد، ويبصرون يعني: # PageV04P334 # أهل مكة، قال مقاتل: هذا وعيد بالعذاب ببدر. # يعني: سترى، ويرى أهل مكة إذا نزل بهم العذاب ببدر. # بأيكم الباء زائدة، والمعنى: أيكم، المفتون المجنون الذي فتن بالجنون، ~~أأنت أم هم؟ يعني: أنهم يعلمون عند العذاب أن الجنون كان بهم حين عبدوا ~~الأصنام، وتركوا دينك لا بك. # أخبر أنه عالم بالفريقين، فقال: {إن ربك هو أعلم} [القلم: 7] الآية. # {فلا تطع المكذبين {8} ودوا لو تدهن فيدهنون {9} ولا تطع كل حلاف مهين ~~{10} هماز مشاء بنميم {11} مناع للخير معتد أثيم {12} عتل بعد ذلك زنيم ~~{13} أن كان ذا مال وبنين {14} إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ~~{15} سنسمه على الخرطوم {16} } [القلم: 8-16] . # {فلا تطع المكذبين} [القلم: 8] يعني: رؤساء أهل مكة، وذلك: أنهم دعوه ms1891 إلى ~~دين آبائه، فنهاه الله أن يطيعهم. # {ودوا لو تدهن فيدهنون} [القلم: 9] تلين لهم، فيلينون لك، قال مجاهد: ~~تركن إليهم، وتترك ما أنت عليه من الحق، فيمالئونك. # قال ابن قتيبة: كانوا أرادوه على أن يعبد ألهتهم مدة، ويعبدوا الله مدة. # {ولا تطع كل حلاف} [القلم: 10] كثير الحلف بالباطل، مهين فعيل من ~~المهانة، وهي: القلة في الرأي والتمييز، قال عطاء: يعني: الأخنس بن شريق. # وقال مقاتل: يعني: الوليد بن المغيرة، عرض على النبي صلى الله عليه وسلم ~~المال ليرجع عن دينه. # هماز مغتاب، طعان للناس، مشاء بنميم يمشي بالنميمة بين الناس، ليفسد ~~بينهم. # مناع للخير بخيل بالمال، معتد ظلوم، يتعدى الحق، أثيم في جميع أفعاله. # عتل قال الفراء: هو الشديد الخصومة في الباطل. # وقال الزجاج: الغليظ الجافي. # وقال الليث: هو الأكول المنوع. # والمفسرون يقولون: هو الشديد الخلق، الفاحش الخلق. # بعد ذلك أي: مع ما وصفناه به، زنيم قال عطاء، عن ابن عباس: يريد مع هذا ~~هو دعي في قريش ليس منهم. # والزنيم: الملصق في القوم، وليس منهم. ### | 1229 - # أخبرنا أبو القاسم الحذامي، نا محمد بن عبد الله الحافظ، نا محمد بن عبد ~~الله الصفار، نا أحمد بن مهران، نا عبيد الله بن موسى، نا إسرائيل، نا أبو ~~إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: # PageV04P335 # {عتل بعد ذلك زنيم} [القلم: 13] قال: يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها # قال ابن قتيبة: ولا نعلم أن الله وصف أحدا، ولا بلغ من ذكر عيوبه ما بلغه ~~من ذكر عيوب الوليد بن المغيرة، لأنه وصفه بالحلف، والمهانة، والغيب للناس، ~~والمشي بالنمائم، والبخل، والظلم، والإثم، والجفاء، والدعوة، فألحق به عارا ~~لا يفارقه في الدنيا والآخرة. # قوله: {أن كان ذا مال وبنين} [القلم: 14] قال الفراء، والزجاج: {أن كان} ~~[القلم: 14] أي: لأن كان. # والمعنى: لا تطع كل حلاف مهين {أن كان ذا مال وبنين} [القلم: 14] أي: لا ~~تطعه لماله وبنيه، ومن قرأ: أأن كان فإنه توبيخ له، أي: جعل مجازاة النعم ~~التي خولها من البنين والمال ms1892 الكفر بآياتنا، وهو قوله: {إذا تتلى عليه ~~آياتنا قال أساطير الأولين} [القلم: 15] . # ثم أوعده، فقال: {سنسمه على الخرطوم} [القلم: 16] قال أبو عبيدة، وأبو ~~زيد، والمبرد: الخرطوم الأنف. # قال مقاتل: سنسمه بالسواد على الأنف، وذلك: أنه يسود وجهه قبل دخول ~~النار. # وهو قول الأكثرين، قال الفراء: والخرطوم وإن كان قد خص بالسمة، فإنه في ~~مذهب الوجه، لأن بعض الوجه يؤدي عن بعض. # وقال الزجاج: سنجعل له في الآخرة العلم الذي يعرف به أهل النار من اسوداد ~~وجوههم. # وقال قتادة: سنلحق به شيئا لا يفارقه. # واختاره ابن قتيبة، وقال: العرب تقول: قد وسمه ميسم سوء. # يريدون: ألصق به عارا لا يفارقه، لأن السمة لا ينمحي، ولا يعفو أثرها. # وقد ألحق الله بما ذكر من عيوبه عارا لا يفارقه كالوسم على الخرطوم، ~~وأبين ما يكون الوسم على الوجه. # {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين {17} ولا ~~يستثنون {18} فطاف عليها طائف من ربك وهم # PageV04P336 # نائمون {19} فأصبحت كالصريم {20} فتنادوا مصبحين {21} أن اغدوا على حرثكم ~~إن كنتم صارمين {22} فانطلقوا وهم يتخافتون {23} أن لا يدخلنها اليوم عليكم ~~مسكين {24} وغدوا على حرد قادرين {25} فلما رأوها قالوا إنا لضالون {26} بل ~~نحن محرومون {27} قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون {28} قالوا سبحان ~~ربنا إنا كنا ظالمين {29} فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون {30} قالوا يا ~~ويلنا إنا كنا طاغين {31} عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا ~~راغبون {32} كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون {33} } ~~[القلم: 17-33] . # {إنا بلوناهم} [القلم: 17] أي: بلونا أهل مكة بالجوع والقحط، كما ابتلينا ~~أصحاب الجنة حين هلكت جناتهم، وهم قوم من ثقيف كانوا باليمن مسلمين، ورثوا ~~من أبيهم ضيعة فيها جنان وزروع ونخيل، وكان أبوهم يجعل مما فيها من كل شيء ~~حظا للمساكين عند الحصاد والصرام، فقال بنوه: المال قليل، والعيال كثير، ~~ولا يسعنا أن نفعل كما كان يفعل أبونا. # وعزموا على حرمان المساكين، فصارت عاقبتهم إلى ما قص الله في كتابه، وهو ~~قوله: {إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين} [القلم: 17] حلفوا ليقطعن ثمر نخيلهم ms1893، ~~إذا أصبحوا بسدفة من الليل، من غير أن يشعر المساكين. # ولا يستثنون لا يقولون: إن شاء الله. # {فطاف عليها طائف من ربك} [القلم: 19] قال ابن عباس: أحاطت بها النار، ~~فاحترقت. # وقال قتادة: طرقها طارق من أمر الله. # وقال مقاتل: بعث الله نارا بالليل على جنتهم، فأحرقتها حتى صارت سوداء. # فذلك قوله: فأصبحت كالصريم كالليل المظلم، والصريمان: الليل والنهار، ~~لانصرام أحدهما من الآخر. # {فتنادوا مصبحين} [القلم: 21] لما أصبحوا، قال بعضهم لبعض: {اغدوا على ~~حرثكم} [القلم: 22] يعني: الثمار، والزروع، والأعناب، {إن كنتم صارمين} ~~[القلم: 22] قاطعين للنخل. # فانطلقوا ذهبوا على جنتهم، {وهم يتخافتون} [القلم: 23] يسرون الكلام ~~بينهم، بألا {يدخلنها اليوم عليكم مسكين} [القلم: 24] . # {وغدوا على حرد قادرين} [القلم: 25] الحرد في اللغة يكون بمعنى: المنع، ~~والغضب، والقصد، قال قتادة: على جد من أمرهم. # وهو قول مقاتل، والكلبي، والحسن، ومجاهد، وهذا بمعنى: # PageV04P337 # القصد، لأن القاصد إلى الشيء جاد، وقال أبو عبيدة، والمبرد، والقتيبي: ~~غدوا من بيتهم إلى جنتهم على منع المساكين. # وقال الشعبي، وسفيان: على حنق، وغضب على المساكين. # قادرين عند أنفسهم على جنتهم وثمارهم، لا يحول بينهم وبينها آفة. # {فلما رأوها قالوا إنا لضالون} [القلم: 26] لما رأوا الجنة محترفة، ~~قالوا: إنا قد ضللنا طريق جنتنا. # أي: ليست هذه. # ثم علموا أنها عقوبة، فقالوا: {بل نحن محرومون} [القلم: 27] أي: حرمنا ~~ثمر جنتنا بمنعنا المساكين. # قال أوسطهم أعدلهم، وأفضلهم، {ألم أقل لكم لولا تسبحون} [القلم: 28] هلا ~~تستثنون، فتقولون: إن شاء الله؟ أنكر عليهم ترك الاستثناء في قوله: {أقسموا ~~ليصرمنها مصبحين {17} ولا يستثنون {18} } [القلم: 17-18] وسمى الاستثناء ~~تسبيحا، لأنه تعظيم الله، وإقرار بأنه لا يقدر أحد أن يفعل شيئا إلا بمشيئة ~~الله تعالى. # {قالوا سبحان ربنا} [القلم: 29] نزهوه عن أن يكون ظالما فيما صنع، وأقروا ~~على أنفسهم بالظلم، فقالوا: {إنا كنا ظالمين} [القلم: 29] بمنعنا المساكين. # {فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} [القلم: 30] يلوم بعضهم بعضا في منع ~~المساكين حقوقهم. # ثم نادوا على أنفسهم بالويل، فقالوا: {يا ويلنا إنا كنا طاغين} [القلم: ~~31] حين لم نصنع ما صنع آباؤنا من قبل ms1894. # ثم رجعوا إلى الله، وسألوه أن يبدلهم بها خيرا منها، وهو قوله: {عسى ربنا ~~أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون} [القلم: 32] . # قال الله: {كذلك العذاب} [القلم: 33] يعني: كما ذكر من إحراقها بالنار، ~~وتمت قصة أصحاب الجنة، ثم قال: {ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون} ~~[القلم: 33] يعني: المشركين. # ثم أخبر بما عنده للمتقين، فقال: {إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم {34} ~~أفنجعل المسلمين كالمجرمين {35} ما لكم كيف تحكمون {36} أم لكم كتاب فيه ~~تدرسون {37} إن لكم فيه لما تخيرون {38} أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم ~~القيامة إن لكم لما تحكمون {39} سلهم أيهم بذلك زعيم {40} أم لهم شركاء ~~فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين {41} } [القلم: 34-41] . # {إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم} [القلم: 34] قال المشركون: إنا نعطى ~~في الآخرة أفضل مما يعطون. # فقال الله تعالى، مكذبا لهم: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين {35} ما لكم كيف ~~تحكمون {36} } [القلم: 35-36] إذ حكمتم أن لكم ما للمسلمين. # {أم لكم كتاب فيه تدرسون} [القلم: 37] تقرءون. # إن لكم في ذلك الكتاب، لما تخيرون تختارون. # {أم لكم أيمان علينا بالغة} [القلم: 39] يقول: ألكم عهود على الله بالغة؟ ~~{إلى يوم القيامة} [القلم: 39] أي: مؤكدة، وكل شيء متناه في الجودة والصحة ~~فهو: بالغ، ويجوز أن يكون المعنى: بالغة إلى يوم القيامة، أي: تبلغ تلك ~~الأيمان إلى يوم القيامة في لزومها، وتأكدها، {إن لكم لما تحكمون} [القلم: ~~39] لأنفسكم به من الخير والكرامة عند الله. # ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {سلهم أيهم بذلك زعيم} [القلم: 40] ~~أيهم كفيل لهم، بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين؟ {أم لهم شركاء} [القلم: 41] ~~يعني: الأصنام التي جعلوها شركاء لله، والمعنى: أم عندهم لله شركاء؟ ~~فليأتوا بهؤلاء الشركاء، {إن كانوا صادقين} [القلم: 41] في أنها شركاء لله. # قوله: # PageV04P338 # {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون {42} خاشعة أبصارهم ~~ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون {43} فذرني ومن يكذب ~~بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون {44} وأملي لهم إن كيدي متين {45} ~~أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون {46} أم ms1895 عندهم الغيب فهم يكتبون {47} } ~~[القلم: 42-47] . # {يوم يكشف عن ساق} [القلم: 42] يوم ظرف لقوله: {فليأتوا} [القلم: 41] أي: ~~فليأتوا بها في ذلك اليوم لتنفعهم، وتشفع لهم، قال المفسرون: في قوله: {عن ~~ساق} [القلم: 42] أي: عن شدة من الأمر. # قال مجاهد، عن ابن عباس، قال: هو أشد ساعة في يوم القيامة. ### | 1230 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الأصفهاني، أنا عبد الله بن محمد بن ~~جعفر، نا أبو يحيى الرازي، نا سهل بن عثمان، نا ابن المبارك، عن أسامة بن ~~زيد، عن عكرمة، قال: سئل ابن عباس عن قوله {يوم يكشف عن ساق} [القلم: 42] ~~فقال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن، فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب، ~~أما سمعتم قول الشاعر: وقامت الحرب بنا على ساق هو يوم كرب وشدة. # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، نا أبو العباس محمد بن يعقوب، نا يحيى بن ~~أبي طالب، أنا حماد بن مسعدة، أنا عمر بن أبي زائدة، قال: سمعت عكرمة سئل ~~عن قوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق} [القلم: 42] قال: إذا اشتد الأمر في ~~الحرب، قيل: كشفت الحرب عن ساق. # أخبرهم الله تعالى عن شدة ذلك اليوم، وقال ابن قتيبة: أصل هذا أن الرجل ~~إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجد فيه، شمر عن ساقة، فاستعير الكشف عن ~~الساق في موضع الشدة، وأنشد لدريد بن الصمة قوله: # PageV04P339 # كميش الإزار خارج نصف ساقه ... صبور على الجلاء طلاع أنجد # وتأويل الآية: يوم يشتد الأمر، كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يكشف عن ~~الساق، {ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} [القلم: 42] قال المفسرون: يسجد ~~الخلق كلهم لله سجدة واحدة، ويبقى الكفار والمنافقون، يريدون أن يسجدوا فلا ~~يستطيعون، لأن أصلابهم تيبس فلا تلين للسجود. # قال الربيع بن أنس: يكشف عن الغطاء، فيقع من كان آمن به في الدنيا ~~فيسجدون له، ويدعى الآخرون إلى السجود فلا يستطيعون، لأنهم لم يكونوا آمنوا ~~به في الدنيا. ### | 1231 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد، أنا أبو علي الفقيه، أنا عبد الله ~~بن ms1896 محمد بن عبد العزيز، نا هدبة، نا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عمارة ~~القرشي، عن أبي بردة، قال: وفدت إلى الوليد بن عبد الملك، وكان الذي يعمل ~~في حوائجي عمر بن عبد العزيز، فلما قضيت حوائجي أتيته فودعته، وسلمت عليه، ~~ثم مضيت، فذكرت حديثا حدثني به أبي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~فأحببت أن أحدثه به، لما أولاني من قضاء حوائجي، فرجعت إليه، فلما رآني، ~~قال: لقد رد الشيخ حاجة، فلما قربت منه قال: ما ردك؟ أليس قد قضيت حوائجك؟ ~~قلت: بلى، ولكن حديث سمعته من أبي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~يقول: " إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا، فيذهب ~~كل قوم إلى ما كانوا يعبدون في الدنيا، ويبقى أهل التوحيد، فيقال لهم: ما ~~تنتظرون وقد ذهب الناس؟ فيقولون: إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا لما نره، ~~فيقال لهم: وتعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون: نعم، فيقال لهم: فكيف تعرفونه ~~ولم تروه؟ قالوا: إنه لا شبه له، فيكشف لهم عن الحجاب، فينظرون إلى وجه ~~الله عز وجل، فيخرون له سجدا، ويبقى أقوام ظهورهم مثل صياصي البقر يريدون ~~السجود، فلا يستطيعون وذلك قوله عز وجل {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود ~~فلا يستطيعون} [القلم: 42] فيقول الله عز وجل: عبادي ارفعوا رءوسكم قد جعلت ~~بدل كل # PageV04P340 # رجل منكم من اليهود والنصارى في النار "، فقال عمر بن عبد العزيز: الله ~~الذي لا إله إلا هو ليحدثك أبوك بهذا الحديث سمعه من رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم؟ فحلفت له ثلاثة أيمان على ذلك، فقال عمر: ما سمعت في أهل ~~التوحيد، حديثا هو أحب إلي من هذا، رواه أبو العباس السراج في تاريخه عن ~~أبي يحيى البزاز، عن عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة # قوله: {خاشعة أبصارهم} [القلم: 43] يعني: حين أيقنوا بالعذاب، وعاينوا ~~النار، {ترهقهم ذلة} [القلم: 43] يغشاهم ذل الندامة والحسرة، {وقد كانوا ~~يدعون إلى السجود} [القلم: 43] يعني ms1897: بالأذان في دار الدنيا والإقامة، ~~ويؤمرون بالصلاة المكتوبة، {وهم سالمون} [القلم: 43] معافون، ليس في ~~أصلابهم مثل سفافيد الحديد، قال سعيد بن جبير: كانوا يسمعون حي على الفلاح، ~~فلا يجيبون. # وفي هذا وعيد لمن قعد عن الصلاة في الجماعة. # قوله: {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث} [القلم: 44] يقول: خل بيني وبين من ~~يكذب بهذا القرآن. # قال الزجاج: معناه: لا تشغل قلبك به، كله إلى فإني أكفيك أمره. # {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} [القلم: 44] وهذا مفسر في { [الأعراف مع ~~ال: التي بعدها. # وقوله:] أم تسألهم أجرا} [القلم: 46] مفسر مع الآية التي بعدها في { ~~[الطور. # ] فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم {48} لولا أن ~~تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم {49} فاجتباه ربه فجعله من ~~الصالحين {50} وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ~~ويقولون إنه لمجنون {51} وما هو إلا ذكر للعالمين {52} } [سورة القلم: ~~48-52] . # قوله: {فاصبر لحكم ربك} [القلم: 48] اصبر على أذاهم، لقضاء ربك الذي هو ~~آت، ولا تكن في الضجر، والغضب، والعجلة، {كصاحب الحوت} [القلم: 48] يونس بن ~~متى، ثم أخبر عن عقوبة يونس حين لم يصبر، فقال: {إذ نادى ربه} [الأنبياء: ~~83] من بطن الحوت، بقوله: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} ~~[الأنبياء: 87] ، وهو مكظوم مملوء غما، ومثله: {كظيم} [يوسف: 84] . # {لولا أن تداركه} [القلم: 49] أدركه، نعمة رحمة، من ربه وهو أن رحمه، ~~وتاب عليه، {لنبذ بالعراء} [القلم: 49] لألقي من بطن الحوت على وجه الأرض، ~~{وهو مذموم} [القلم: 49] يذم، ويلام # PageV04P341 # بالذنب. # {فاجتباه ربه} [القلم: 50] استخلصه، واصطفاه، {فجعله من الصالحين} ~~[القلم: 50] قال ابن عباس: رد إليه الوحي، وشفعه في قومه وفي نفسه. # قوله: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك} [القلم: 51] من أزلقه عن موضعه ~~إذا نحاه، يقال: زلق من مكانه، وأزلقته أنا. # وقرأ نافع بفتح الياء، يقال: زلق هو وزلقته، مثل حزن وحزنته، والأولى ~~أكثر وأوسع، نزلت الآية في قصد الكفار أن يصيبوا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم بالعين، فكانوا ينظرون إليه نظرا شديدا، وليس هذا بالوجه ms1898، قال الزجاج: ~~مذهب أهل اللغة والتأويل: أنهم من شدة إبغاضهم وعداوتهم، يكادون بنظرهم نظر ~~البغضاء، أن يصرعوك، وهذا مستعمل في الكلام، يقول القائل: نظر إلى نظرا كاد ~~يصرعني، ونظرا كاد يأكلني. # وقال ابن قتيبة: ليس يريد الله تعالى، يقال: إنهم يصيبوك بأعينهم، كما ~~يصيب العائن بعينه ما يعجبه، وإنما أراد: أنهم ينظرون إليك إذا قرأت ~~القرآن، نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء، يكاد يسقطك، كما قال الشاعر: # نظرا يزيل مواطئ الأقدام # ويدل على صحة هذا المعنى: أن الله تعالى قرن هذا النظر بسماع القرآن وهو ~~قوله: {لما سمعوا الذكر} [القلم: 51] وهم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهية، ~~فيحدون إليه النظر بالبغضاء، والإصابة بالعين تكون مع الإعجاب والاستحسان، ~~ولا تكون مع البغض، والقول الأول هو قول الكلبي، ولم يعرف معنى الآية، ~~{ويقولون إنه لمجنون} [القلم: 51] أي: ينسبونه إلى الجنون، إذا سمعوه يقرأ ~~القرآن، فقال الله: وما هو يعني: القرآن، {إلا ذكر للعالمين} [القلم: 52] ~~قال ابن عباس: موعظة للمؤمنين. # PageV04P342 ### | تفسير سورة الحاقة # اثنتان وخمسون آية، مكية. ### | 1232 - # أخبرنا أبو عثمان الحيري الزاهد، أنا أبو عمرو بن مطر بإسناده عن أبي بن ~~كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة الحاقة حاسبه ~~الله حسابا يسيرا» # بسم الله الرحمن الرحيم {الحاقة {1} ما الحاقة {2} وما أدراك ما الحاقة ~~{3} كذبت ثمود وعاد بالقارعة {4} فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية {5} وأما عاد ~~فأهلكوا بريح صرصر عاتية {6} سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى ~~القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية {7} فهل ترى لهم من باقية {8} وجاء ~~فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة {9} فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية ~~{10} إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية {11} لنجعلها لكم تذكرة وتعيها ~~أذن واعية {12} } [الحاقة: 1-12] . # الحاقة يعني: القيامة في قول جميع المفسرين، وسميت بذلك لأنها ذات الحواق ~~من الأمور، وهي الصادقة الواجبة الصدق، وجميع أحكام القيامة صادقة واجبة ~~الوقوع والوجود. # وقوله: ما الحاقة استفهام، معناه التفخيم لشأنها، كما تقول: زيد ما هو؟ ~~على التعظيم لشأنه. # ثم زاد في التهويل، فقال: {وما أدراك ms1899 ما الحاقة} [الحاقة: 3] أي: كأنك ~~لست تعلمها، إذ لم تعاينها، ولم تر ما فيها من الأهوال. # ثم أخبر عن المكذبين بها، فقال: {كذبت ثمود وعاد بالقارعة} [الحاقة: 4] ~~وهي التي تقرع قلوب العباد بالمخافة. # {فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية} [الحاقة: 5] يعني: بطغيانهم وكفرهم، وهو ~~قول ابن عباس، ومجاهد، # PageV04P343 # وقال آخرون: يعني: بالصيحة الطاغية، وهي التي جاوزت المقدار. # {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر} [الحاقة: 6] وقد سبق تفسيرها، عاتية عتت ~~على خزانها، فلم يكن لهم عليها سبيل، ولم يعرفوا كم خرج منها. # أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، أنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر، ~~أنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، نا محمد بن يحيى، نا سعيد بن أبي مريم، ~~حدثني عقيل، عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب، أنه قال: ما يخرج من الريح شيء ~~إلا عليها خزان يعلمون قدرها، وعددها، وكيلها، حتى كانت التي أرسلت على ~~عاد، فاندفق منها شيء لا يعلمون قدره غضبا لله تعالى، ولذلك سميت عاتية. # وقوله: سخرها عليهم قال مقاتل: سلطها. # وقال الزجاج: أقامها عليهم كما شاء. # {سبع ليال وثمانية أيام حسوما} [الحاقة: 7] ولاء متتابعة، يعني: أن هذه ~~الأيام والليالي تتابعت عليهم بالريح المهلكة، فلم يكن فيها فتور، ولا ~~انقطاع. # قال الفراء: والحسوم التتابع إذا تتابع الشيء ولم ينقطع أوله عن آخره، ~~قيل له: حسوم، وقال الزجاج: الذي توجبه اللغة في معنى حسوما أي: تحسمهم ~~حسوما تفنيهم وتذهبهم. # وهذا معنى قول النضر بن شميل: حسمتهم فقطعتهم، وأهلكتهم. # {فترى القوم فيها} [الحاقة: 7] أي: في تلك الليالي والأيام، {صرعى} ~~[الحاقة: 7] جمع صريع، يعني: أنهم صرعوا بموتهم، {كأنهم أعجاز نخل خاوية} ~~[الحاقة: 7] أصول نخل ساقطة، وهذا كقوله: {أعجاز نخل منقعر} [القمر: 20] ~~وقد مر. # {فهل ترى لهم من باقية} [الحاقة: 8] أي: من نفس باقية، يعني: لم يبق منهم ~~أحد. # {وجاء فرعون ومن قبله} [الحاقة: 9] من الأمم الكافرة، وقرئ ومن قبله ~~يعني: من يليه، ويحف به من جنوده وأتباعه، {والمؤتفكات} [الحاقة: 9] يعني: ~~قرى قوم لوط، ويكون المعنى: وأهل المؤتفكات، ويجوز أن يريد ms1900: الأمم ~~والجماعات الذين ائتفكوا بخطيئتهم، وقوله: {بالخاطئة} [الحاقة: 9] يعني: ~~الشرك والكفر، وهي: مصدر كالخطأ والخطيئة. # {فعصوا رسول ربهم} [الحاقة: 10] يعني: لوطا، وموسى، {فأخذهم أخذة رابية} ~~[الحاقة: 10] نامية، زائدة على # PageV04P344 # عذاب الأمم، قال الزجاج: تزيد على الأخذات. # وقال صاحب النظم: بالغة في الشدة، يقال: ربا الشيء يربو إذا زاد وتضاعف. # قوله: {إنا لما طغى الماء} [الحاقة: 11] أي: تجاوز حده حتى علا كل شيء، ~~وارتفع فوقه، يعني: زمن نوح، {حملناكم} [الحاقة: 11] حملنا آباءكم، وأنتم ~~في أصلابهم، {في الجارية} [الحاقة: 11] في السفينة، التي تجري في الماء. # لنجعلها لنجعل تلك الفعلة التي فعلناها، من إغراق قوم نوح، ونجاة من ~~حملناه، تذكرة لكم عبرة، وموعظة، {وتعيها أذن واعية} [الحاقة: 12] تحفظها، ~~وتسمعها أذن حافظة لما جاء من عند الله. # قال قتادة: أذن وسمعت، وعقلت ما سمعت. # وقال الفراء: لتحفظها كل أذن، فتكون عظة لمن يأتي بعد. # قوله: {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة {13} وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة ~~واحدة {14} فيومئذ وقعت الواقعة {15} وانشقت السماء فهي يومئذ واهية {16} ~~والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية {17} يومئذ تعرضون لا ~~تخفى منكم خافية {18} } [الحاقة: 13-18] . # {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة} [الحاقة: 13] قال عطاء: يريد النفخة ~~الأولى. # وقال الكلبي، ومقاتل: يريد النفخة الأخيرة. # {وحملت الأرض والجبال} [الحاقة: 14] رفعت من أماكنها، {فدكتا دكة واحدة} ~~[الحاقة: 14] كسرتا كسرة واحدة لا تثنى، حتى يستوي ما عليها من شيء مثل ~~الأديم الممدود. # {فيومئذ وقعت الواقعة} [الحاقة: 15] قامت القيامة. # {وانشقت السماء} [الحاقة: 16] لنزول من فيها من الملائكة، {فهي يومئذ ~~واهية} [الحاقة: 16] قال الزجاج: يقال لكل ما ضعف جدا: قد وهي فهو واه. # وقال الفراء: وهيها تشققها. # {والملك على أرجائها} [الحاقة: 17] أطرافها ونواحيها، واحدها: رجى، ~~مقصور، وتثنيته: رجوان، مثل: قفا وقفوان، قال الضحاك: إذا كان يوم القيامة، ~~أمر الله السماء الدنيا فتشققت، وتكون الملائكة على حافاتها، حتى يأمرهم ~~الرب فينزلون إلى الأرض، فيحيطون بالأرض ومن عليها. # {ويحمل عرش ربك فوقهم} [الحاقة: 17] فوق رءوسهم، يعني: الحملة، يومئذ ~~يعني: يوم القيامة، ثمانية ثمانية أملاك، على صورة ms1901 الأوعال، بين أظلافهم ~~إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء، # PageV04P345 # ويقال: ثمانية صفوف من الملائكة. # يومئذ تعرضون على الله لحسابكم، لا تخفى على الله، منكم خافية أي: نفس ~~خافية، أو فعلة خافية، قال الكلبي: لا يخفى على الله من أعمالكم شيء. ### | 1233 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي، نا أبو الفضل أحمد بن إسماعيل ~~بن محمد بن يحيى بن حازم، أنا محمد بن الفضل البلخي، نا إبراهيم بن يوسف، ~~نا سفيان بن عيينة، عن ثابت بن الحجاج، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله ~~عنه: زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وحاسبوها قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون عليكم ~~غدا وتزينوا للعرض الأكبر، وذلك يوم القيامة # {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية} [الحاقة: 18] . # وقال أبو موسى الأشعري: يعرض الناس ثلاث عرضات، فأما عرضتان: فجدال، ~~ومعاذير، وأما الثالثة: فعندما تتطاير الصحف، فآخد كتابه بيمينه، وآخذ ~~بشماله. # وذلك قوله: {فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه {19} ~~إني ظننت أني ملاق حسابيه {20} فهو في عيشة راضية {21} في جنة عالية {22} ~~قطوفها دانية {23} كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية {24} } ~~[الحاقة: 19-24] . # {فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه} [الحاقة: 19] ~~فيقول: تعالوا اقرءوا حسابيه. # وأهل اللغة يقولون: في تفسير {هاؤم} [الحاقة: 19] : خذوا. # قال ابن السكيت: يقال: هاء يا رجل، هاؤما يا رجلان، وهاؤم يا رجال. # إني ظننت علمت، وأيقنت في الدنيا، {أني ملاق حسابيه} [الحاقة: 20] أي: ~~حسابي في الآخرة. # {فهو في عيشة} [الحاقة: 21] حالة من العيش، {راضية} [الحاقة: 21] يرضاها، ~~بأن لقي الثواب، وآمن العقاب. # {في جنة عالية} [الحاقة: 22] المنازل. # {قطوفها دانية} [الحاقة: 23] ثمارها قريبة ممن يتناولها، وهي جمع قطف، ~~وهو ما يقطف من الثمار. ### | 1234 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم الدركي، أنا أبو عمرو بن مطر، أنا أبو خليفة، أنا ~~أبو الوليد، نا شعبة، عن أبي إسحاق، # PageV04P346 # قال: سمعت البراء بن عازب، يقول في هذه الآية {قطوفها دانية} [الحاقة: ~~23] : يتناول الرجل من الثمرة وهو نائم. # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنا بشر بن أحمد ms1902، حدثني أبي أحمد بن ~~بشر، ومحمد بن أحمد بن مسعود البدشي، قالا: نا إسحاق بن إبراهيم، نا عبد ~~الرزاق، عن الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عطاء بن يسار، عن سلمان، ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة أحدكم إلا بجواز ~~بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية، ~~قطوفها دانية» قوله: كلوا واشربوا، أي: ويقال لهم: كلوا وشربوا في الجنة، ~~{هنيئا بما أسلفتم} [الحاقة: 24] قدمتم من أعمالكم الصالحة، {في الأيام ~~الخالية} [الحاقة: 24] الماضية، يريد: أيام الدنيا. # {وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه {25} ولم أدر ~~ما حسابيه {26} يا ليتها كانت القاضية {27} ما أغنى عني ماليه {28} هلك عني ~~سلطانيه {29} خذوه فغلوه {30} ثم الجحيم صلوه {31} ثم في سلسلة ذرعها سبعون ~~ذراعا فاسلكوه {32} إنه كان لا يؤمن بالله العظيم {33} ولا يحض على طعام ~~المسكين {34} فليس له اليوم ههنا حميم {35} ولا طعام إلا من غسلين {36} لا ~~يأكله إلا الخاطئون {37} } [الحاقة: 25-37] . # {وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه} [الحاقة: 25] ~~يتمنى أنه لم يؤت، لما يرى فيه من قبائح أعماله، التي يسود بها وجهه. # {ولم أدر ما حسابيه} [الحاقة: 26] ولم أدر أي شيء حسابي، لأنه لا حاصل له ~~في ذلك الحساب، إنما كله عليه. # {يا ليتها كانت القاضية} [الحاقة: 27] ليت الموتة التي متها لم أحي ~~بعدها، ومعنى القاضية: القاطعة للحياة، تمنى دوام الموت، وأنه لم يبعث ~~للحساب. # {ما أغنى عني ماليه} [الحاقة: 28] لم يدفع عني من عذاب الله شيئا. # {هلك عني سلطانيه} [الحاقة: 29] ضلت عني حجتي، قال مقاتل: يعني: حين شهدت ~~عليه الجوارح بالشرك. # وحينئذ يقول الله تعالى: خذوه فغلوه اجمعوا يده إلى عنقه. # {ثم الجحيم صلوه} [الحاقة: 31] أدخلوه الجحيم. # {ثم في سلسلة} [الحاقة: 32] وهي: حلق منتظمة، {ذرعها سبعون ذراعا} ~~[الحاقة: 32] قال نوف الشامي: كل ذراع سبعون باعا، كل باع أبعد مما بينك ~~وبين مكة. # وكان في رحبة الكوفة، وقال الحسن: الله أعلم بأي ذراع هو ms1903. # PageV04P347 # فاسلكوه اجعلوه فيها، يقال: سلكته في الطريق، وفي القيد، وغيره. # إذا أدخلته فيه، قال الكلبي: كما يسلك الخيط في اللؤلؤ. # قال سويد بن أبي نجيح: بلغني أن جميع أهل النار في تلك السلسلة. # {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم} [الحاقة: 33] لا يصدق بتوحيد الله، ~~وعظمته. # {ولا يحض على طعام المسكين} [الحاقة: 34] لا يطعم المسكين في الدنيا، ولا ~~يأمر أهله بذلك. # {فليس له اليوم ههنا} [الحاقة: 35] في الآخرة، حميم قريب ينفعه، أو يشفع ~~له. # {ولا طعام إلا من غسلين} [الحاقة: 36] وهو صديد أهل النار، وما ينغسل من ~~أبدانهم من القيح، والدم. # وروى مجاهد، عن ابن عباس، قال: لو أن قطرة من الغسلين وقعت في الأرض، ~~أفسدت على الناس معايشهم. # ثم ذكر أن الغسلين أكل من هو، فقال: {لا يأكله إلا الخاطئون} [الحاقة: ~~37] قال الكلبي: يعني: من يخطأ بالشرك. ### | 1236 - # أخبرنا أبو نصر الجوزقي فيما أجاز لي، أنا الحسين الحجاجي، أنا محمد بن ~~إسحاق الثقفي، نا زياد بن أيوب، نا أبو تميلة، نا حسين بن واقد، عن يزيد ~~النحوي، عن عكرمة، قال: قرأ نافع عند ابن عباس {لا يأكله إلا الخاطئون} ~~[الحاقة: 37] فقال: مه كلنا نخطئ. # {فلا أقسم بما تبصرون {38} وما لا تبصرون {39} إنه لقول رسول كريم {40} ~~وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون {41} ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون {42} ~~تنزيل من رب العالمين {43} } [الحاقة: 38-43] . # قوله: فلا أقسم لا رد لكلام المشركين، كأنه قيل: ليس الأمر كما يقول ~~المشركون. # {أقسم بما تبصرون {38} وما لا تبصرون {39} } [الحاقة: 38-39] قال قتادة: ~~أقسم بالأشياء كلها، ما يبصر منها، وما لا يبصر، ويدخل في هذا جميع ~~المكونات، والموجودات في الدنيا والآخرة. # إنه إن القرآن، {لقول رسول كريم} [الحاقة: 40] يعني: محمدا صلى الله عليه ~~وسلم، والمعنى: إنه لتلاوة رسول كريم وتلاوته قوله. # {وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون} [الحاقة: 41] لا تصدقون بأن القرآن ~~من عند الله، وأريد بالقليل نفي إيمانهم أصلا، كما تقول لمن لا يزورك: قل ~~ما تأتينا. # وأنت تريد: لا يأتينا أصلا، ومن قرأ: يؤمنون بالياء ms1904، فهو إخبار عن ~~المشركين. # {ولا بقول كاهن} [الحاقة: 42] وهو الذي يقضي على الغائب. # PageV04P348 ### | 1237 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، أنا أبو بكر القطيعي، نا عبد الله بن ~~أحمد بن حنبل، حدثني أبي، نا ابن المغيرة، نا صفوان، نا شريح بن عبيد، قال: ~~قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: خرجت أتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم ~~قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، ~~فجعلت أعجب من تأليف القرآن فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، قال: فقرأ ~~{إنه لقول رسول كريم {40} وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون {41} } ~~[الحاقة: 40-41] قال: قلت: كاهن، قال: {ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون {42} ~~تنزيل من رب العالمين {43} } [الحاقة: 42-43] إلى آخر السورة، قال: فوقع ~~الإسلام في قلبي كل موقع. # {ولو تقول علينا بعض الأقاويل {44} لأخذنا منه باليمين {45} ثم لقطعنا ~~منه الوتين {46} فما منكم من أحد عنه حاجزين {47} وإنه لتذكرة للمتقين {48} ~~وإنا لنعلم أن منكم مكذبين {49} وإنه لحسرة على الكافرين {50} وإنه لحق ~~اليقين {51} فسبح باسم ربك العظيم {52} } [الحاقة: 44-52] . # {ولو تقول علينا} [الحاقة: 44] محمد ما لم نقله، أي: يكلف القول، وأتى به ~~من عند نفسه. # {لأخذنا منه باليمين} [الحاقة: 45] لأخذناه بالقوة، والقدرة، قاله ~~الفراء، والمبرد، والزجاج. # قال ابن قتيبة: وإنما أقام اليمين مقام القوة، لأن قوة كل شيء في ميامنه. # {ثم لقطعنا منه الوتين} [الحاقة: 46] وهو عرق يجري في الظهر حتى يتصل ~~بالقلب، إذا انقطع بطلت القوى، ومات صاحبه، والمفسرون يقولون: إنه نياط ~~القلب. # {فما منكم من أحد عنه حاجزين} [الحاقة: 47] ليس منكم أحد يحجزنا عنه، أي: ~~أنه لا يتكلف الكذب لأجلكم، مع علمه بأنه لو تكلف ذلك لعاقبناه، ثم لم ~~تقدروا أنتم على دفع عقوبتنا عنه. # ثم ذكر أن القرآن ما هو، فقال: {وإنه لتذكرة للمتقين} [الحاقة: 48] لعظة ~~لمن اتقى عقاب الله بطاعته. # {وإنا لنعلم أن منكم مكذبين} [الحاقة: 49] علمنا: أن بعضكم يكذبه. # {وإنه لحسرة على الكافرين} [الحاقة: 50] يعني: يوم القيامة، يندمون على ~~ترك الإيمان به. # {وإنه لحق اليقين ms1905} [الحاقة: 51] أنه من عند الله. # ثم أمره بتنزيهه عن السوء، بقوله: {فسبح باسم ربك العظيم} [الحاقة: 52] . # PageV04P349 ### | تفسير سورة المعارج # أربعون وأربع آيات، مكية. ### | 1238 - # أخبرنا سعيد بن محمد الحيري، أنا محمد بن جعفر بن مطر بإسناده، عن أبي بن ~~كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة سأل سائل أعطاه ~~الله ثواب الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون، والذين هم على صلاتهم يحافظون» ~~. # بسم الله الرحمن الرحيم {سأل سائل بعذاب واقع {1} للكافرين ليس له دافع ~~{2} من الله ذي المعارج {3} تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره ~~خمسين ألف سنة {4} فاصبر صبرا جميلا {5} إنهم يرونه بعيدا {6} ونراه قريبا ~~{7} } [المعارج: 1-7] . # {سأل سائل بعذاب واقع} [المعارج: 1] نزلت في النضر بن الحارث، حين قال: ~~{اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك} [الأنفال: 32] الآية، والمعنى: دعى داع ~~على نفسه، وهو قوله: {فأمطر علينا حجارة من السماء} [الأنفال: 32] الآية، ~~وقوله: {بعذاب واقع} [المعارج: 1] أي: كائن، يعني: أن العذاب كائن للكفار، ~~واقع بهم، فاستعجله النضر، والباء في بعذاب زيادة للتوكيد، كقوله تعالى: ~~{وهزي إليك بجذع النخلة} [مريم: 25] ، وتأويل الآية: سأل سائل عذابا واقعا، # PageV04P350 # ومن قرأ سال بغير همز، فإنه خفف الهمزة وقلبها ألفا، وقوله: للكافرين ~~تقدير الكلام: بعذاب للكافرين واقع، والمعنى: أن العذاب الذي سأله النضر في ~~الدنيا هو للكافرين في الآخرة، لا يدفعهم عنهم أحد، وهو قوله: {ليس له ~~دافع} [المعارج: 2] من الله، أي: بعذاب. # {من الله ذي المعارج} [المعارج: 3] وهي الدرجات، قال الكلبي: ذي السموات، ~~وسماها معارج، لأن الملائكة تعرج فيها. # وقوله: {تعرج الملائكة والروح إليه} [المعارج: 4] أي: إلى الموضع الذي لا ~~يجري لأحد سواه فيه حكم، فجعل عروجهم إلى ذلك الموضع عروجا إليه، كقول ~~إبراهيم: {إني ذاهب إلى ربي} [الصافات: 99] أي: إلى حيث أمرني ربي بالذهاب ~~إليه، وقوله: {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} [المعارج: 4] قال عكرمة، ~~وقتادة: يعني يوم القيامة. ### | 1239 - # أخبرنا محمد بن أبي بكر المطوعي، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، أنا ~~أحمد بن علي بن ms1906 المثنى، نا زهير، نا الحسن بن موسى، نا ابن لهيعة، نا دراج، ~~أن أبا الهيثم حدثه، عن أبي سعيد، قال: قيل يا رسول الله، يوم كان مقداره ~~خمسين ألف سنة ما أطول هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس ~~محمد بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها ~~في الدنيا» # وروى ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، أنه قال: في هذه الآية، وفي قوله: {وإن ~~يوما عند ربك كألف سنة} [الحج: 47] : يومان ذكرهما الله في كتابه، أكره أن ~~أقول في كتاب الله بما لا أعلم. # وقال قوم: معنى الآية: {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} [المعارج: 4] ~~لو ولي الحساب غير الله. # هذا معنى قول عطاء، عن ابن عباس، ومقاتل. # قال عطاء: ويفرغ الله في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا. # قوله: فاصبر يا محمد على تكذبيهم إياك، صبرا # PageV04P351 # جميلا لا جزع فيه، وهذا قبل أن يؤمر بالقتال. # إنهم يرونه يرون العذاب، بعيدا غير كائن. # ونراه قريبا كائنا، لأن ما هو آت قريب. # ثم أخبر متى يقع بهم العذاب، فقال: {يوم تكون السماء كالمهل {8} وتكون ~~الجبال كالعهن {9} ولا يسأل حميم حميما {10} يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي ~~من عذاب يومئذ ببنيه {11} وصاحبته وأخيه {12} وفصيلته التي تئويه {13} ومن ~~في الأرض جميعا ثم ينجيه {14} كلا إنها لظى {15} نزاعة للشوى {16} تدعو من ~~أدبر وتولى {17} وجمع فأوعى {18} } [المعارج: 8-18] . # {يوم تكون السماء كالمهل} [المعارج: 8] قال ابن عباس: كدردي الزيت. # وقال عطاء: كعكر القطران. # وقال الحسن: مثل الفضة إذا ذيبت. # {وتكون الجبال كالعهن} [المعارج: 9] كالصواف الأحمر في ختفها، وسيرها. # {ولا يسأل حميم حميما} [المعارج: 10] لا يسأل الرجل قرابته، من شدة ~~الأهوال، والمعنى: لا يسأل قرابة عن قرابته اشتغالا بنفسه، وروي عن ابن ~~كثير بضم الياء، أي: لا يقال لحميم أين حميمك؟ قال الفراء: ولست أشتهي ضم ~~الياء، لأنه مخالف للتفسير، ولما أجمع عليه القراء. # يبصرونهم يعرفونهم، ويرونهم، أي: يعرف الحميم حميمه حتى يعرفه، ومع ذلك ~~لا يسأل عن شأنه ms1907، لشغله بنفسه، ويقال: بصرت زيدا بكذا، إذا عرفته إياه، ثم ~~يحذف الجار، فيقال: بصرته كذا. # والآية على حذف الجار، يود المجرم المشرك الكافر، {لو يفتدي من عذاب ~~يومئذ ببنيه} [المعارج: 11] لشدة ما يرى، يتمنى أن لو قبل منه أولاده فداء ~~وأعزته، وهو قوله: {وصاحبته وأخيه {12} وفصيلته} [المعارج: 12-13] عشيرته ~~الأقربين، التي تئويه تضمه، ويأوي إليها، يقول الله تعالى: يود لو يفتدي ~~بهذه الأشياء. # ثم ينجيه ذلك الفداء. # كلا لا ينجيه ذلك، إنها لظى وهي من أسماء النار، ومعناها في اللغة: اللهب ~~الخالص، يقال: لظيت النار، تلظى لظى. # نزاعة أي: هي نزاعة، {للشوى} [المعارج: 16] وهي الأطراف: اليدان ~~والرجلان، قال مقاتل: تنزع النار الأطراف، فلا تترك لحما، ولا جلدا، إلا ~~أحرقته. # وقال الضحاك: تنزع الجلد، واللحم عن العظم. # PageV04P352 # ومن قرأ: {نزاعة} [المعارج: 16] بالنصب، فعلى أنها مؤكدة، كما قال: {هو ~~الحق مصدقا} [فاطر: 31] . # {تدعو من أدبر وتولى} [المعارج: 17] تدعو النار من أدبر، وتولى عن الحق، ~~فتقول: إلي يا مشرك، إلي يا منافق، إلي يا فاسق، إلي يا ظالم. # وجمع المال، فأوعى أي: أمسكه في الوعاء، ولم ينفقه في طاعة الله، فلم يؤد ~~زكاة، ولا وصل رحما. # {إن الإنسان خلق هلوعا {19} إذا مسه الشر جزوعا {20} وإذا مسه الخير ~~منوعا {21} إلا المصلين {22} الذين هم على صلاتهم دائمون {23} والذين في ~~أموالهم حق معلوم {24} للسائل والمحروم {25} والذين يصدقون بيوم الدين {26} ~~والذين هم من عذاب ربهم مشفقون {27} إن عذاب ربهم غير مأمون {28} والذين هم ~~لفروجهم حافظون {29} إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ~~{30} فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون {31} والذين هم لأماناتهم ~~وعهدهم راعون {32} والذين هم بشهاداتهم قائمون {33} والذين هم على صلاتهم ~~يحافظون {34} أولئك في جنات مكرمون {35} } [المعارج: 19-35] . # {إن الإنسان خلق هلوعا} [المعارج: 19] ضجورا، شحيحا، جزوعا، من الهلع ~~وهو: شدة الحرص، وقلة الصبر، والمفسرون يقولون: تفسير الهلوع: ما بعده، وهو ~~قوله: {إذا مسه الشر جزوعا {20} وإذا مسه الخير منوعا {21} } [المعارج: ~~20-21] إذا أصابه الفقر لا يصبر، ولا يحتسب، وإذا أصابه المال منعه من حق ~~الله. # ثم ms1908 استثنى الموحدين، فقال: {إلا المصلين {22} الذين هم على صلاتهم دائمون ~~{23} } [المعارج: 22-23] يقيمونها في أوقاتها، لا يدعونها بالليل والنهار، ~~يعني: المكتوبة. ### | 1240 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد، أنا أبو علي الفقيه، نا محمد بن ~~معاذ، نا الحسين بن الحسن بن حرب، أنا ابن المبارك، أنا ابن لهيعة، عن يزيد ~~بن أبي حبيب، أن أبا الخير أخبره، قال: سألنا عقبة بن عامر، عن قول الله ~~تعالى: {الذين هم على صلاتهم دائمون} [المعارج: 23] هم الذين يصلون أبدا؟ ~~قال: لا ولكنه الذي إذا صلى لم يلتفت عن يمينه ولا عن شماله # وهذا القول اخيتار الزجاج، قال: هم الذين لا يزيلون وجوههم عن سمت ~~القبلة. # {والذين في أموالهم حق معلوم} [المعارج: 24] يعني: الزكاة المفروضة. # للسائل وهو الذي يسأل، والمحروم الفقير الذي لا يسأل، يتعفف عن السؤال، ~~وقد سبق تفسيره. # PageV04P353 # وما بعد هذا مفسر في { [المؤمنين إلى قوله: والذين هم بشهادتهم قائمون، ~~وقرئ:] بشهاداتهم} [سورة المعارج: 33] والإفراد أولى لأنه مصدر، ومن جمع ~~ذهب إلى اختلاف الشهادات، والمعنى: أنهم يقومون فيها بالحق، ولا يكتبونها. # قوله: {فمال الذين كفروا قبلك مهطعين {36} عن اليمين وعن الشمال عزين ~~{37} أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم {38} كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ~~{39} فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون {40} على أن نبدل خيرا ~~منهم وما نحن بمسبوقين {41} فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي ~~يوعدون {42} يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون {43} خاشعة ~~أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون {44} } [المعارج: 36-44] . # {فمال الذين كفروا قبلك مهطعين} [المعارج: 36] نزلت الآية في جماعة من ~~الكفار، جلسوا حول النبي صلى الله عليه وسلم يستهزئون بالقرآن، ويكذبون به، ~~فقال الله تعالى: ما لهم ينظرون إليك، ويجلسون عندك، وهم لا ينتفعون بما ~~يسمعون. # وتفسير المهطع قد تقدم. # {عن اليمين وعن الشمال عزين} [المعارج: 37] جماعات في تفرقة، واحدتها: ~~عزة، وهي العصبة من الناس، وكانوا يقولون: إن كان أصحاب محمد يدخلون الجنة، ~~فإنما ندخلها قبلهم. # فقال الله تعالى: {أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل ms1909 جنة نعيم} [المعارج: 38] ~~قال ابن عباس: أيطمع كل رجل منهم أن يدخل جنتي، كما يدخلها المسلمون، ~~ويتنعم فيها، وقد كذب بنبيي. # كلا لا يكون ذلك، {إنا خلقناهم مما يعلمون} [المعارج: 39] أي: من ~~المقاذير والأنجاس، أي: فمتى يدخلون الجنة، ولم يؤمنوا بي، ولم يصدقوا ~~رسولي؟ نبه الناس بهذا على أن الناس كلهم من أصل واحد، وإنما يتفاضلون ~~بالإيمان، والطاعة. # PageV04P354 ### | 1241 - # أخبرنا أبو القاسم بن عبد الله، نا محمد بن عبد الله الحكم، نا محمد بن ~~يعقوب، نا أحمد بن الفضل الصائغ، نا آدم بن أبي إياس، نا جرير بن عثمان، نا ~~عبد الرحمن بن ميسرة، عن جبير بن نفير، عن بشر بن جحاش، قال: تلا رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم هذه الآية {كلا إنا خلقناهم مما يعلمون} [المعارج: 39] ~~ثم بزق على كفه فقال: يا ابن آدم، أنى تعجزني، وقد خلقتك من مثل هذه؟ حتى ~~إذا سويتك وعدلتك، مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا ~~بلغت التراقي قلت: أتصدق، وأنى أوان الصدقة؟ # قوله: فلا أقسم معناه: فأقسم، {برب المشارق والمغارب} [المعارج: 40] ~~يعني: مشرق كل يوم من السنة، ومغربه، {إنا لقادرون {40} على أن نبدل خيرا ~~منهم} [المعارج: 40-41] على أن نخلق أمثل منهم، وأطوع لله حين عصواهم، {وما ~~نحن بمسبوقين} [المعارج: 41] مفسر في { [الواقعة. # ] فذرهم يخوضوا} [سورة المعارج: 42] مفسر في { [الطور. # يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون أي: يخرجون بسرعة، ~~كأنهم يستبقون إلى علم نصب لهم، والنصب: كل شيء نصب، ومن قرأ:] نصب} [سورة ~~المعارج: 43] بضمتين، فقال الحسن: يعني: أنصابهم. # وهي الأصنام يسرعون إليها، أيهم يستلمها أولا، ومعنى يوفضون: يسرعون، ~~يقال: أوفض إيفاضا. # وباقي السورة مفسر فيما سبق. # PageV04P355 ### | تفسير سورة نوح # عشرون وثمان آيات، مكية. ### | 1242 - # أخبرنا سعيد بن محمد الزعفراني، أنا أبو عمرو السختياني بإسناده، عن أبي ~~بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة نوح كان من ~~المؤمنين الذي تدركهم دعوة نوح صلوات الله عليه» . # بسم الله الرحمن الرحيم {إنا أرسلنا نوحا ms1910 إلى قومه أن أنذر قومك من قبل ~~أن يأتيهم عذاب أليم {1} قال يا قوم إني لكم نذير مبين {2} أن اعبدوا الله ~~واتقوه وأطيعون {3} يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله ~~إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون {4} } [نوح: 1-4] . # {إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن} [نوح: 1] بأن، {أنذر قومك من قبل أن ~~يأتيهم عذاب أليم} [نوح: 1] يعني: الطوفان، والغرق، والمعنى: أرسلناه ~~لينذرهم بعذاب أليم إن لم يؤمنوا. # فقال: {يا قوم إني لكم نذير مبين} [نوح: 2] أنذركم، وأبين لكم. # {أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون {3} يغفر لكم من ذنوبكم} [نوح: 3-4] قال ~~مقاتل: من ههنا صلة، يريد: يغفر لكم ذنوبكم. # وقال أهل المعاني: يعني: ما سلف من ذنوبهم إلى وقت الإيمان، وهو بعض ~~ذنوبهم. # {ويؤخركم إلى أجل مسمى} [نوح: 4] أي: عن العقوبات والشدائد، والمعنى: ~~يعافيكم إلى منتهى آجالكم، {إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر} [نوح: 4] يقول: ~~آمنوا قبل الموت، تسلموا من العقوبات، فإن أجل الموت إذا حل لم يؤخر، فلا ~~يمكنكم الإيمان إذا جاء الأجل. # {قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا {5} فلم يزدهم دعائي إلا فرارا {6} ~~وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم ~~وأصروا واستكبروا استكبارا {7} ثم إني دعوتهم جهارا {8} ثم إني أعلنت لهم ~~وأسررت لهم إسرارا {9} فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا {10} يرسل السماء ~~عليكم مدرارا {11} } [نوح: 5-11] . # {قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا {5} فلم يزدهم دعائي إلا فرارا {6} } ~~[نوح: 5-6] قال مقاتل: يعني: تباعدا من الإيمان. # PageV04P356 # {وإني كلما دعوتهم} [نوح: 7] إلى طاعتك، والإيمان بك، {لتغفر لهم جعلوا ~~أصابعهم في آذانهم} [نوح: 7] لئلا يسمعون صوتي، {واستغشوا ثيابهم} [نوح: 7] ~~غطوا بها وجوهم، لئلا يروني، وأصروا على كفرهم، واستكبروا عن دعوتي، ~~والإيمان بك. # {ثم إني دعوتهم جهارا} [نوح: 8] معلنا لهم بالدعاء، قال ابن عباس: بأعلى ~~صوتي. # {ثم إني أعلنت لهم} [نوح: 9] أي: كررت لهم الدعاء، معلنا وإسرارا، وهو ~~قوله: {وأسررت لهم إسرارا} [نوح: 9] قال ابن عباس: يريد: الرجل بعد الرجل، ~~أكلمه سرا، فيما بيني وبينه، أدعوه ms1911 إلى عبادتك وتوحيدتك. # {فقلت استغفروا ربكم} [نوح: 10] قال مقاتل: إن قوم نوح لما كذبوه زمانا ~~طويلا، حبس الله عنهم المطر، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فقال لهم نوح: ~~استغفروا ربكم من الشرك. # أي: استدعوا مغفرته بالتوحيد. # {يرسل السماء عليكم مدرارا} [نوح: 11] كثير الدر، وهو التخلب بالمطر. ### | 1243 - # أخبرني أبو عمرو بن عبد العزيز في كتابه، أنا أبو الفضل الحدادي، أنا أبو ~~يزيد الخالدي، أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا جرير، عن مطرف، عن الشعبي، قال: ~~قحط المطر على عهد عمر رضي الله عنه، فصعد المنبر يستسقي، فلم يذكر إلا ~~الاستغفار حتى نزل، فلما نزل قيل له: يا أمير المؤمنين ما سمعناك استسقيت، ~~قال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي بها يستنزل القطر، ثم قرأ: {فقلت ~~استغفروا ربكم إنه كان غفارا} # {يرسل السماء عليكم مدرارا {11} } [نوح: 11] ، وقرأ التي في هود: {ويا ~~قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا} [هود: 52] . # وقوله: # PageV04P357 # {ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا {12} ما لكم لا ~~ترجون لله وقارا {13} وقد خلقكم أطوارا {14} ألم تروا كيف خلق الله سبع ~~سموات طباقا {15} وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا {16} والله أنبتكم ~~من الأرض نباتا {17} ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا {18} والله جعل لكم ~~الأرض بساطا {19} لتسلكوا منها سبلا فجاجا {20} } [نوح: 12-20] . # {ويمددكم بأموال وبنين} [نوح: 12] قال عطاء: يكثر أموالكم، وأولادكم. # {ويجعل لكم جنات} [نوح: 12] يعني: البساتين، {ويجعل لكم أنهارا} [نوح: ~~12] أعلمهم نوح: أن إيمانهم بالله يجمع لهم مع الحظ الوافر في الآخر الخصب ~~والغنا في الدنيا. # {ما لكم لا ترجون لله وقارا} [نوح: 13] لا تخافون لله عظمة، فالرجاء ههنا ~~بمعنى: الخوف، والوقار: العظمة، اسم من التوقير وهو التعظيم، والمعنى: لا ~~تعلمون حق عظمته فتوحدوه، وتطيعوه، وقد جعل لكم في أنفسكم آية تدل على ~~توحيده: من خلقه إياكم، ومن خلق السموات والأرض، وهو قوله: {وقد خلقكم ~~أطوارا} [نوح: 14] يعني: نطفة، ثم علقة شيئا بعد شيء إلى آخر الخلق، وطورا ~~بعد طور، بتقليبكم من حال إلى حال، قال ابن الأنباري ms1912: الطور: الحال، وجمعه ~~أطوار. # وتلا هذه الآية. # {وجعل القمر فيهن نورا} [نوح: 16] قال ابن عباس: وجهه في السموات، وقفاه ~~في الأرض. # وهذا قول عبد الله بن عمر، وقال في هذه الآية: وجوههما إلى السماء، ~~وأقفاهما إلى الأرض، يضيئان في السماء، كما يضيئان في الأرض. # ونحو هذا قال قتادة، وقال أهل المعاني: هذا على المجاز، كما تقول: أتيت ~~بني تميم، وإنما أتيت بعضهم، وركب إلى بغداد في السفر، وتوارى في دور بني ~~فلان، فيقام البعض مقام الكل، كذلك القمر جعل نورا في السماء الدنيا، ثم ~~جاز أن يقال فيهن. # {وجعل الشمس سراجا} [نوح: 16] يستضاء به، ويضيء العالم. # {والله أنبتكم من الأرض} [نوح: 17] يعني: مبتدأ خلق آدم، وآدم خلق من ~~الأرض، والناس ولده، وقوله: نباتا اسم جعل في موضع المصدر، والمعنى: ينبتون ~~نباتا. # {ثم يعيدكم فيها} [نوح: 18] بعد الموت، # PageV04P358 # قوله: ويخرجكم إخراجا للبعث. # {والله جعل لكم الأرض بساطا} [نوح: 19] فرشها، وبسطها، {لتسلكوا منها ~~سبلا فجاجا} [نوح: 20] طرقا واسعة. # {قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا {21} ~~ومكروا مكرا كبارا {22} وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا ~~يغوث ويعوق ونسرا {23} وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا {24} } ~~[نوح: 21-24] . # {قال نوح رب إنهم عصوني} [نوح: 21] لم يجيبوا دعوتي، واتبعوا اتبع السفلة ~~والفقراء الرؤساء والكبراء، الذين لم يزدهم كثرة المال، والأولاد، إلا ~~ضلالا في الدنيا، وعقوبة في الآخرة، وهو قوله: {من لم يزده ماله وولده إلا ~~خسارا {21} ومكروا مكرا كبارا {22} } [نوح: 21-22] عظيما، يقال: كبير وكبار ~~وكبار، ومعنى المكر: السعي بالفساد، وذلك بمنع الرؤساء أتباعهم عن الإيمان ~~بنوح. # وقوله: {لا تذرن آلهتكم} [نوح: 23] أي: عبادتها، {ولا تذرن ودا} [نوح: ~~23] إلى قوله: ونسرا وهذه أسماء آلهتهم، قال محمد بن كعب: هذه أسماء قوم ~~صالحين، كانوا بين آدم ونوح، فنشأ قوم بعدهم، يأخذون بأخذهم في العبادة، ~~فقال لهم إبليس: لو صورتم صورهم كان أنشط لكم، وأشوق إلى العبادة. # ففعلوا، ثم نشأ قوم بعدهم، فقال لهم إبليس: إن الذين من ms1913 قبلكم كانوا ~~يعبدونهم. # فعبدوهم. # فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك الوقت، وسميت تلك الصور بهذه الأسماء، ~~لأنهم صوروها على صورة أولئك القوم المسلمين، المسمين بهذه الأسماء، والفتح ~~في ود أشهر وأعرف، قال الأخفش: لعل الضم أن يكون لغة في اسم الصنم. # وقوله: {وقد أضلوا كثيرا} [نوح: 24] قال مقاتل: أضل كبراؤهم كثيرا من ~~الناس. # ويجوز أن يكون المعنى: أضل الأصنام كثيرا، أي: ضلوا # PageV04P359 # بسببها، كقوله تعالى: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} [إبراهيم: 36] ، ~~{ولا تزد الظالمين} [نوح: 24] الكافرين، إلا ضلالا هذا دعاء عليهم، بعد أن ~~أعلمه الله أنهم لا يؤمنون، وهو قوله: {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} ~~[هود: 36] . # قوله: {مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله ~~أنصارا {25} وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا {26} إنك إن ~~تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا {27} رب اغفر لي ولوالدي ولمن ~~دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا {28} } ~~[نوح: 25-28] . # مما خطيئاتهم وما صلة، والمعنى: من خطيئاتهم، أي: من أجلها وسببها، وقرئ ~~خطاياهم وكلاهما جمع خطيئة، أغرقوا بالطوفان، فأدخلوا نارا قال مقاتل: ~~أدخلوا في الآخرة نارا. # وقال الكلبي: سيدخلون في الآخرة نارا. # وجاء لفظ المضي بمعنى الاستقبال، لصدق الوعد به، {فلم يجدوا لهم من دون ~~الله أنصارا} [نوح: 25] لم يجدوا أحدا يمنعهم من عذاب الله. # {وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} [نوح: 26] نازل دار، ~~يعني: لا تدع أحدا منهم إلا أهلكته، يقال: ما بالدار ديار، أي: ما بها أحد. # {إنك إن تذرهم يضلوا عبادك} [نوح: 27] قال الكلبي، ومقاتل: هو أن الرجل ~~منهم كان ينطلق بابنه إلى نوح، يحذره تصديقه، والإيمان به، {ولا يلدوا إلا ~~فاجرا كفارا} [نوح: 27] أخبر الله نوحا، عليه السلام، أنهم لا يلدون مؤمنا، ~~لذلك علم فقال: {ولا يلدوا إلا فاجرا} [نوح: 27] خارجا عن طاعتك، كفارا ~~لنعمتك. # {رب اغفر لي ولوالدي} [نوح: 28] يعني: لمك بن متوشلخ، وسمخا بنت أنوش، ~~وكانا مؤمنين، {ولمن دخل بيتي ms1914 مؤمنا} [نوح: 28] قال الضحاك، والكلبي: يعني ~~مسجده. # وللمؤمنين والمؤمنات عام في كل من آمن بالله تعالى، وصدق بالرسل، {ولا ~~تزد الظالمين} [نوح: 28] يعني: قومه، إلا تبارا هلاكا، فاستجاب الله دعاءه، ~~وأهلكهم. # PageV04P360 ### | تفسير سورة الجن # عشرون وثمان آيات، مكية. ### | 1244 - # أخبرنا ابن الزعفراني، أنا السختياني بإسناده، عن أبي بن كعب، قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة الجن أعطي بعدد كل جني وشيطان صدق ~~بمحمد صلى الله عليه وسلم، وكذب به عتق رقبة» . # بسم الله الرحمن الرحيم {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا ~~سمعنا قرءانا عجبا {1} يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا {2} ~~وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا {3} وأنه كان يقول سفيهنا على ~~الله شططا {4} وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا {5} وأنه ~~كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا {6} وأنهم ظنوا كما ~~ظننتم أن لن يبعث الله أحدا {7} } [الجن: 1-7] . # {قل أوحي إلي أنه استمع نفر} [الجن: 1] الآية. ### | 1245 - # أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزار، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، ~~أنا أبو يعلى، نا شيبان بن فروخ، نا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن ~~جبير، عن ابن عباس، قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما ~~رآهم، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى ~~سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، فرجعت الشياطين إلى ~~قومهم، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: قد حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا ~~الشهب، قالوا: ما ذاك إلا لشيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فمر ~~النفر الذين أخذوا # PageV04P361 # نحو تهامة، بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخل عامدين إلى سوق عكاظ وهو ~~يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا: هذا الذي ~~حال بيننا وبين خبر السماء، فرجعوا إلى قومهم، وقالوا: {إنا سمعنا قرآنا ~~عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك ms1915 بربنا أحدا} ، فأوحى الله تعالى إلى ~~نبيه عليه السلام {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن} [الجن: 1] . # رواه البخاري، عن موسى بن إسماعيل، رواه مسلم، عن شيبان، كلاهما عن أبي ~~عوانة. ### | 1246 - # أخبرنا أبو بكر بن عمر الخشاب، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الزاهد، أنا ~~عمران بن موسى بن مجاشع، نا هدبة، نا وهيب بن خالد، نا داود، عن عامر، عن ~~علقمة بن قيس، قال: قلت لعبد الله: من كان منكم مع النبي صلى الله عليه ~~وسلم ليلة الجن؟ فقال: ما كان منا معه أحد، فقدناه ذات ليلة ونحن بمكة، ~~فقلنا: اغتيل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو استطير، فانطلقنا نطلبه في ~~الشعاب فلقيناه مقبلا من نحو حراء، قلنا: يا رسول الله أين كنت؟ لقد أشفقنا ~~عليك، وقلنا: بتنا الليلة بشر ليلة بات بها قوم حين فقدناك، فقال: إنه ~~أتاني داعي الجن، فذهبت أقرئهم القرآن، فذهب بنا فأرانا آثارهم وآثار ~~نيرانهم، فأما أن يكون صحبه منا أحد فلم يصحبه ### | 1247 - # قال الشعبي: فسألوه الزاد، فقال: كل عظم ذكر عليه اسم الله، يأخذونه يقع ~~في أيديكم # PageV04P362 # أوفر ما كان لحما، وكل بعرة علف لدوابكم، فقال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «لا تستنجوا بالعظام ولا بالبعر، فإنه زاد إخوانكم من الجن» قال ~~داود: ولا أدري هذا في حديث عبد الله إلا ذكر الزاد، رواه مسلم، عن علي بن ~~حجر، عن إسماعيل ابن علية، عن داود # ومعنى قوله: قرآنا عجبا قال ابن عباس: بليغا. # والمعنى: قرآنا ذا عجب، يعجب منه لبلاغته. # {يهدي إلى الرشد} [الجن: 2] يدعو إلى الصواب من التوحيد والإيمان، فآمنا ~~به بذلك القرآن، ولن نشرك لن نعدل، بربنا أحدا يعنون: إبليس، أي: لا نطيعه ~~في الشرك بالله. # قوله: {وأنه تعالى جد ربنا} [الجن: 3] الاختيار كسر إن، لأنه من قول الجن ~~لقومهم، فهو معطوف على قوله: {فقالوا إنا سمعنا قرءانا} [الجن: 1] ، ~~وقالوا: وإنه تعالى جد ربنا، وأما من فتح، فقال الفراء: رد أن في كل ال { ~~[على قوله:] فآمنا به ms1916} [سورة الجن: 2] وآمنا بكل ذلك، ففتح أنه: لوقوع ~~الإيمان عليه، ومعنى: جد ربنا جلال ربنا، وعظمته، يقال: جد فلان. # أي: عظم، ومنه الحديث: " كان الرجل إذا قرأ البقرة جد فينا، أي: عظم قدره ~~"، قال الزجاج: تعالى جلال ربنا، وعظمته عن أن يتخذ صاحبة، أو ولدا. # وهو قوله: {ما اتخذ صاحبة ولا ولدا} [الجن: 3] . # {وأنه كان يقول سفيهنا} [الجن: 4] يعني: الكفار والمشركين منهم، وقال ~~مجاهد، وقتادة: هو إبليس. # {على الله شططا} [الجن: 4] كذبا، وجورا، وهو وصفه بالشرك والولد. # وأنا ظننا قالت الجن: إنا ظننا أن الإنس والجن كانوا لا يكذبون على الله، ~~بأن له شريكا، وصاحبة، وولدا. # أي: كنا نظنهم صادقين حتى سمعنا القرآن. # قال الله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن} [الجن: ~~6] وهو أن الرجل في الجاهلية كان إذا سافر، فأمسى في قفر # PageV04P363 # من الأرض، قال: أعوذ بسيد هذا الوادي، من شر سفهاء قومه. # فيبيت في جوار منهم حتى يصبح. ### | 1248 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم، أنا عبيد الله بن محمد الزاهد، نا عبد ~~الله بن محمد بن عبد العزيز، نا محمد بن الهيثم، نا فروة بن أبي المفر، أنا ~~القاسم بن مالك، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبيه، عن كردم بن أبي السائب ~~الأنصاري رضي الله عنه، قال: خرجت مع أبي إلى المدينة، وذلك أول ما ذكر ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وآوانا المبيت إلى صاحب غنم، فلما ~~انتصف الليل جاء ذئب، فأخذ حملا من الغنم، فوثب الراعي فنادى: يا عامر ~~الوادي جارك، فنادى مناد لا نراه: يا سرحان أرسله، فإذا الحمل يشتد حتى دخل ~~الغنم لم تصبه كدمة، فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم {وأنه ~~كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} [الجن: 6] يعني # PageV04P364 # سفها وطغيانا وظلما وذلك أنهم كانوا يزدادون بهذا التعوذ طغيانا # يقولون: سدنا الجن والإنس. # وأنهم ظنوا يقول الله تعالى: ظن الجن، كما ظننتم أيها الإنس المشركون، ~~أنه لا بعث يوم القيامة ms1917. # أي: كانوا لا يؤمنوا بالبعث، كما أنكم لا تؤمنون به. # وقالت الجن: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا {8} وأنا ~~كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا {9} وأنا لا ~~ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا {10} } [الجن: 8-10] . # {وأنا لمسنا السماء} [الجن: 8] قال الكلبي: أتينا السماء. # {فوجدناها ملئت حرسا شديدا} [الجن: 8] وهم: الملائكة الذي يحرسون السماء ~~من استراق السمع، وشهبا وهي: النار التي ترجم بها الشياطين، كقوله: {فأتبعه ~~شهاب ثاقب} [الصافات: 10] . # {وأنا كنا نقعد منها} [الجن: 9] من السماء، مقاعد للسمع أي: كنا نستمع، ~~والآن حين حاولنا الاستماع رمينا بالشهب، وهو قوله: {فمن يستمع الآن يجد له ~~شهابا رصدا} [الجن: 9] أرصد له ليرمى به، قال معمر: قلت للزهري: أكان يرمى ~~بالنجوم في الجاهلية؟ قال: نعم. # قلت: أقرأت قوله: {وأنا كنا نقعد منها} [الجن: 9] الآية. # قال: غلظت، وشدد أمرها حين بعث محمد صلى الله عليه وسلم. # وقال ابن قتيبة: إن الرجم قد كان قبل مبعثه، ولكنه لم يكن مثله في شدة ~~الحراسة بعد مبعثه. # وكانوا يسترقون في بعض الأحوال، فلما بعث، منعوا من ذلك أصلا. # ثم قالوا: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض} [الجن: 10] أي: بحدوث ~~الرجم بالكواكب، وحراسة السماء، أم صلاح وهو قوله: {أم أراد بهم ربهم رشدا} ~~[الجن: 10] . # ثم أخبروا عن أحوالهم، فقالوا: {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا ~~طرائق قددا {11} وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا {12} ~~وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا {13} ~~وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا {14} وأما ~~القاسطون فكانوا لجهنم حطبا {15} # PageV04P365 # وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا {16} لنفتنهم فيه ومن يعرض ~~عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا {17} } [الجن: 11-17] . # {وأنا منا الصالحون} [الجن: 11] المؤمنون، المخلصون، {ومنا دون ذلك} ~~[الجن: 11] دون الصالحين، {كنا طرائق قددا} [الجن: 11] جماعات متفرقين، ~~وأصنافا مختلفة، والقدة: القطعة من الشيء، وصار القوم قددا إذا تفرقت ms1918 ~~حالاتهم، قال مجاهد: يعنون: مسلمين وكافرين. # وقال الحسن: الجن أمثالكم، فمنهم قدرية، ومنهم مرجئة، ورافضة، وشيعة. # وأنا ظننا علمنا وأيقنا، {أن لن نعجز الله في الأرض} [الجن: 12] لن نفوته ~~إذا أراد بنا أمرا، {ولن نعجزه هربا} [الجن: 12] أي: أنه يدركنا حيث كنا. # {وأنا لما سمعنا الهدى} [الجن: 13] القرآن، وما أتى به محمد صلى الله ~~عليه وسلم، آمنا به صدقنا أنه من عند الله، {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا} ~~[الجن: 13] نقصانا من عمله وثوابه، ولا رهقا ولا مكروها يغشاه. # {وأنا منا المسلمون} [الجن: 14] وهم الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه ~~وسلم، ومنا القاسطون الجائرون الظالمون، قال ابن عباس: هم الذين جعلوا لله ~~ندا. # {فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا} [الجن: 14] قصدوا طريق الحق، وقال الفراء: ~~أموا الهدى. # وأما القاسطون الذين عدلوا، وكفروا بربهم، {فكانوا لجهنم حطبا} [الجن: ~~15] وكانوا وقودا للنار في الآخرة. # ثم رجع إلى كفار مكة، فقال: وأن لو استقاموا على الطريقة. # لو آمنوا، واستقاموا على الهدى، {لأسقيناهم ماء غدقا} [الجن: 16] كثيرا، ~~قال مقاتل: ماء كثيرا من السماء، وذلك بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين. # وقال ابن قتيبة: لو آمنوا # PageV04P366 # جميعا لوسعنا عليهم في الدنيا. # وضرب الماء الغدق مثلا، لأن الخير كله والرزق بالمطر يكون، وهذا كقوله: ~~{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا} [الأعراف: 96] الآية، وقوله: {ولو أنهم ~~أقاموا التوراة والإنجيل} [المائدة: 66] الآية. # لنفتنهم فيه لنختبرهم، فنعلم كيف شكرهم، {ومن يعرض عن ذكر ربه} [الجن: ~~17] يعني: القرآن، نسلكه ندخله، عذابا صعدا شاقا، والمعنى: ذا صعد، أي: ذا ~~مشقة. # قوله: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا {18} وأنه لما قام عبد ~~الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا {19} قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا ~~{20} قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا {21} قل إني لن يجيرني من الله أحد ~~ولن أجد من دونه ملتحدا {22} إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ~~ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا {23} حتى إذا رأوا ما يوعدون ~~فسيعلمون من أضعف ms1919 ناصرا وأقل عددا {24} } [الجن: 18-24] . # {وأن المساجد لله} [الجن: 18] يعني: المواضع التي بنيت للصلاة وذكر الله، ~~{فلا تدعوا مع الله أحدا} [الجن: 18] قال قتادة: كانت اليهود والنصارى إذا ~~دخلوا كنائسهم وبيعهم، أشركوا بالله، فأمر الله أن يخلص المسلمون له الدعوة ~~إذا دخلوا مساجدهم. # وقال سعيد بن جبير: المساجد الأعضاء التي يسجد عليها العبد. # وهذا القول اختيار ابن الأنباري، قال: يقول: هذه الأعضاء التي يقع السجود ~~عليها مخلوقة لله، فلا يسجدوا عليها لغيره. # وقال الحسن: أراد البقاع كلها. # يعني: أن الأرض كلها مواضع للسجود، وجعلت مسجدا لهذه الأمة، # PageV04P367 # يقول: الأرض كلها مخلوقة لله، فلا يسجدوا عليها لغير خالقها. # وقوله: {وأنه لما قام عبد الله} [الجن: 19] يعني: النبي صلى الله عليه ~~وسلم في قول الجميع، وذلك حين كان يصلي ببطن نخلة، ويقرأ القرآن، يدعوه أي: ~~يعبده، {كادوا يكونون عليه لبدا} [الجن: 19] كادوا يركبونه حرصا على ~~القرآن، وحبا لاستماعه، قال الزجاج: ومعنى لبدا: يركب بعضهم بعضا. # ومن هذا اشتقاق هذه اللبود التي تفرش، ومن قرأ: لبدا بضم اللام، فهو ~~بمعنى: الكثير، من قوله تعالى: {أهلكت مالا لبدا} [البلد: 6] ، وإنما قيل ~~للكثير لبدا لركوب بعضه بعضا. # {قل إنما أدعو ربي} [الجن: 20] قال مقاتل: إن كفار مكة، قالوا للنبي صلى ~~الله عليه وسلم: إنك جئت بأمر عظيم لم نسمع بمثله، فارجع عنه. # فأنزل الله عز وجل: {قل إنما أدعو ربي} [الجن: 20] ومن قرأ قال حمل هذا ~~على أن النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم بهذا، فقال: {إنما أدعو ربي ولا ~~أشرك به أحدا {20} قل إني لا أملك لكم ضرا} [الجن: 20-21] لا أقدر أن أدفع ~~عنكم ضرا، ولا أسوق إليكم رشدا، أي: خيرا، يعني: أن الله يملك ذلك لا أنا. # {قل إني لن يجيرني من الله أحد} [الجن: 22] إن عصيته لم يمنعني منه أحد، ~~وذلك أنهم قالوا: اترك ما تدعو إليه، ونحن نجيرك. # {ولن أجد من دونه ملتحدا} [الجن: 22] ملجأ وحرزا، والملتحد معناه في ~~اللغة: فمال، والمعنى: موضعا أميل إليه في الالتجاء. # {إلا بلاغا من الله ورسالاته ms1920} [الجن: 23] أي: لا ينجيني إلا أن أبلغ عن ~~الله ما أرسلت به، قال مقاتل: ذلك الذي يجيرني من عذابه. # يعني: التبليغ، {ومن يعص الله ورسوله} [الجن: 23] في التوحيد، فلم يؤمن، ~~{فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا {23} حتى إذا رأوا ما يوعدون} [الجن: ~~23-24] يعني: من العذاب # PageV04P368 # يوم القيامة، فسيعلمون عند نزول العذاب، {من أضعف ناصرا} [الجن: 24] أهم ~~أم المؤمنين؟ وأقل عددا يعني: جندا وناصرا. # فلما سمعوا هذا، قال النضر بن الحارث: متى هذا الوعد الذي يوعدنا؟ فأنزل ~~الله عز وجل: {قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا {25} عالم ~~الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا {26} إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين ~~يديه ومن خلفه رصدا {27} ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم ~~وأحصى كل شيء عددا {28} } [الجن: 25-28] . # {قل إن أدري} [الجن: 25] ما أدري، {أقريب ما توعدون} [الجن: 25] من ~~العذاب، {أم يجعل له ربي أمدا} [الجن: 25] غاية وبعدا، قال عطاء: يريد: أنه ~~لا يعرف يوم القيامة إلا الله وحده. # والمعنى: أن علم وقت ذلك العذاب غيب، ولا يعلمه إلا الله، وهو قوله: عالم ~~الغيب أي: ما غاب عن العباد، فلا يظهر فلا يطلع، علي غيبه على الغيب الذي ~~يعلمه، أحدا من الناس. # ثم استثنى، فقال: {إلا من ارتضى من رسول} [الجن: 27] يعني: الرسل، لأنه ~~يستدل على نبوتهم بالآية المعجزة بأن يخبروا بالغيب، والمعنى: أن من ارتضاه ~~للرسالة والنبوة، فإنه يطلعه على ما شاء من غيبه، وفي هذا دليل على أن من ~~النجوم ما يدله على ما يكون من حادث، فقد كفر بما في القرآن، ثم ذكر أنه ~~يحفظ ذلك الذي يطلع عليه الرسول، {فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} ~~[الجن: 27] أي: يجعل بين يديه وخلفه مرصدا من الملائكة، يحوطون الوحي من أن ~~يسترقه الشياطين، فيلقوه إلى الكهنة، والرصد من الملائكة يدفعون الجن من أن ~~يستمع ما ينزل من الوحي. # ليعلم محمد، # PageV04P369 # {أن قد أبلغوا رسالات ربهم} [الجن: 28] أن الرسل قبله قد ms1921 أبلغوا الرسالة، ~~كما بلغ هو، إذ كانوا محروسين من الشيطان، {وأحاط بما لديهم} [الجن: 28] ~~علم الله ما عند الرسل، فلم يخف عليه شيء، {وأحصى كل شيء عددا} [الجن: 28] ~~قال ابن عباس: أحصى ما خلق، وعرف عدد ما خلق، لم يفته علم شيء حتى مثاقيل ~~الذر، والخردل. # PageV04P370 ### | تفسير سورة المزمل # عشرون آية، مكية. ### | 1249 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي الخفاف، أنا محمد بن جعفر بن مطر بإسناده، عن ~~أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة يا أيها ~~المزمل رفع عنه العسر في الدنيا والآخرة» . # بسم الله الرحمن الرحيم {يأيها المزمل {1} قم الليل إلا قليلا {2} نصفه ~~أو انقص منه قليلا {3} أو زد عليه ورتل القرءان ترتيلا {4} إنا سنلقي عليك ~~قولا ثقيلا {5} إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا {6} إن لك في النهار ~~سبحا طويلا {7} واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا {8} رب المشرق والمغرب لا ~~إله إلا هو فاتخذه وكيلا {9} } [المزمل: 1-9] . # {يأيها المزمل} [المزمل: 1] أصله المتزمل، فأدغمت التاء في الزاي، ~~والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يتزمل بالثياب في أول ما جاءه ~~جبريل فرقا منه، حتى أنس به، وقال السدي: يعني: يأيها النائم، وكان قد تزمل ~~للنوم. # ومعنى التزمل: التلفف في الثوب، وخوطب بهذه الآية في أول ما بدئ بالوحي ~~ولم يكن قد بلغ شيئا، ثم خوطب بعد ذلك بالنبي والرسول. # قم الليل أي: للصلاة، وكان قيام الليل فريضة على الرسول الله صلى الله ~~عليه وسلم، وقوله: إلا قليلا تقدير الآية: قم الليل، نصفه إلا قليلا، أي: ~~قم نصف الليل، أي: صل من الليل النصف إلا قليلا، وهو قوله: {أو انقص منه ~~قليلا} [المزمل: 3] أي: من النصف. # {أو زد عليه} [المزمل: 4] على النصف، قال المفسرون: أو انقص من النصف ~~قليلا إلى الثلث، أو زد على النصف قليلا إلى الثلثين، جعل له سعة في مدة ~~قيامه في الليل، وخيره في الساعات للقيام، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ~~وطائفة من المؤمنين معه يقومون على هذه ms1922 المقادير، وشق ذلك عليهم، فكان ~~الرجل لا يدري كم صلى؟ وكم بقي من الليل؟ فكان يقوم الليل كله، مخافة أن لا ~~يحفظ القدر الواجب، حتى خفف الله عنهم بآخر هذه السورة. ### | 1250 - # أخبرنا الحاكم أبو بكر محمد بن # PageV04P371 # إبراهيم الفارسي، أنا محمد بن عيسى بن عمرويه، نا إبراهيم بن سفيان، نا ~~مسلم، نا محمد بن مثنى، نا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن زرارة بن ~~أوفى، عن سعد بن هشام، قال: قلت لعائشة: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم بالليل، فقالت: ألست تقرأ: {يأيها المزمل} [المزمل: 1] قلت: ~~بلى، قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي ~~الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا ~~في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعا ~~بعد فريضة # وقوله: {ورتل القرءان ترتيلا} [المزمل: 4] قال عطاء، عن ابن عباس: بينه ~~بيانا. # قال الزجاج: والبيان لا يتم بأن يعجل في القرآن، إنما يتم بأن يبين جميع ~~الحروف، ويوفي حقها من الإشباع. # قال أبو حمزة: قلت لابن عباس: إني رجل في قراءتي، وفي كلامي عجلة. # فقال ابن عباس: لأن أقرأ البقرة أرتلها، أحب إلى من أن أقرأ القرآن كله. # {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: 5] ليس على ثقل الحفظ له، ولكن ما ~~قال الحسن: إنهم ليهذونه هذا. # ولكن العمل به ثقيل، وقال قتادة: ثقيل والله فرائضه وحدوده. # وقال مقاتل: ثقيل لما فيه من الأمر والنهي، والحدود. # وقال ابن زيد: هو والله ثقيل مبارك كما # PageV04P372 # ثقل في الدنيا، يثقل في الموازين يوم القيامة. # أخبرنا أبو سعد النصروي، أنا أبو العباس محمد بن إبراهيم المحاملي، أنا ~~أحمد بن سلمة، أنا محمد بن عماد الرازي، نا سليمان بن حرب، نا جرير بن ~~حازم، عن الحسن في قول الله عز وجل: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: ~~5] قال: العمل به العمل به. # قوله: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] يعني: ساعات الليل ms1923 وآناءه، قال ~~الزجاج: ناشئة الليل: كل ما نشأ منه أي حدث فهو نائشة. # قال المفسرون: الليل كله ناشئة. # وقال عبد الله بن مسعود: هي بالحبشية قيام الليل. # وهو قول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير، قال: هي بلسان الحبشة نشأ فلان ~~إذا قام. # وقالت عائشة، رضي الله عنها: الناشئة: القيام بعد النوم. # قال ابن الأعرابي: إذا نمت من أول الليل ثم قمت، فتلك النشأة، ومنه ناشئة ~~الليل. # {هي أشد وطأ} [المزمل: 6] أشد على المصلي من النهار، لأن الليل للنوم، ~~قال ابن قتيبة: أثقل على المصلي من ساعات النهار، من قول العرب: اشتدت على ~~القوم وطأة السلطان. # إذا ثقل عليهم ما يلزمهم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشدد ~~وطأتك على مضر» . # ومن قرأ # PageV04P373 # بكسر الواو والمد، فهو فعال من أوطأت فلانا على كذا موطأة، ووطأ إذا ~~وافقته عليه، ومنه قوله تعالى: {ليواطئوا عدة ما حرم الله} [التوبة: 37] ~~قال ابن عباس: يواطئ السمع القلب. # والمعنى: أن صلاة ناشئة الليل يواطئ السمع القلب فيها، أكثر مما يواطئ في ~~ساعات النهار، لأن البال أفرغ للانقطاع عن كثير مما يشغل بالنهار، وأقوم ~~قيلا وأشد استقامة، وقال الكلبي: وأبين قولا بالقرآن. # {إن لك في النهار سبحا طويلا} [المزمل: 7] فراغا وسعة لتصرفك، وقضاء ~~حوائجك، والمعنى: إن لك في النهار فراغا للنوم، والتصرف في الحوائج، فصل من ~~الليل، والتسبح التقلب، ومنه السابح في الماء لتقلبه بيديه ورجليه، قال ابن ~~قتيبة: أي: تصرفا، وإقبالا، وإدبارا في حوائجك وأشغالك. # {واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا} [المزمل: 8] انقطع إليه في العبادة، ~~وهو رفض الدنيا وما فيها، والتماس ما عند الله، والبتل في اللغة: القطع ~~وتمييز الشيء عن الشيء، وصدقة بتلة: منقطعة من مال صاحبها، والتبتل تفعيل ~~منه، قال: بتله فتبتل. # ومعنى تبتل إليه: بتل إليه نفسك، فلذلك جاء تبتيلا. # رب المشرق بالخفض بدلا من قوله: اسم ربك، وبالرفع على الابتداء، وخبره: ~~{لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا} [المزمل: 9] أي: كفيلا بما وعدك أنه سيفعله. # {واصبر على ما يقولون ms1924 واهجرهم هجرا جميلا {10} وذرني والمكذبين أولي ~~النعمة ومهلهم قليلا {11} إن لدينا أنكالا وجحيما {12} وطعاما ذا غصة ~~وعذابا أليما {13} يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا {14} ~~إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا {15} فعصى ~~فرعون الرسول فأخذناه أخذا # PageV04P374 # وبيلا {16} فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا {17} السماء ~~منفطر به كان وعده مفعولا {18} } [المزمل: 10-18] . # {واصبر على ما يقولون} [المزمل: 10] لك من التكذيب، والأذى، {واهجرهم ~~هجرا جميلا} [المزمل: 10] لا جزع فيه، وهذا قبل الأمر بالقتال. # وذرني والمكذبين أي: لا تهتم بهم، فإني أكفيكهم، أولي النعمة ذوي النعمة، ~~ذوي الغنى، وكثرة المال، قالت عائشة رضي الله عنها: لما نزلت: {وذرني ~~والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا} [المزمل: 11] لم يكن إلا قليلا، حتى ~~كانت وقعة بدر. # قوله: إن لدينا أي: عندنا في الآخرة، أنكالا واحدها: نكل، وهو القيد، قال ~~الكلبي: أغلالا من حديد. # وقال أبو عمران الجوني: هي قيود لا تحل. # {وطعاما ذا غصة} [المزمل: 13] لا يسوغ في الحلق، يعني: الزقوم، وقال ~~عكرمة: شوك يأخذ بالحلق، لا يدخل ولا يخرج. # قال الزجاج: يعني: الضريع، كما قال: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} ~~[الغاشية: 6] . ### | 1251 - # أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر الوراق، أنا محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ، ~~أنا أبو العباس إبراهيم بن محمد الفرائضي، أنا طاهر بن الفضل بن سعيد ~~البغدادي، نا وكيع، عن حمزة الزيات، عن حمران بن أعين، عن عبد الله بن عمر، ~~أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع قارئا قرأ {إن لدينا أنكالا وجحيما} ~~[المزمل: 12] فصعق، رواه إسحاق الحنظلي في تفسيره عن وكيع. # أخبرنا أبو # PageV04P375 # نصر الجوزقي فيما أجاز لي، أنا محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ، نا محمد بن ~~إسحاق الثقفي، نا حاتم بن الليث الجوهري، نا خالد بن خداش، نا صالح المري، ~~عن خليد بن حسان الهجري، قال: أمسى الحسن صائما، فلما أتي بإفطاره، عرضت له ~~هذه الآية: {إن لدينا أنكالا وجحيما {12} وطعاما ذا غصة} [المزمل: 12-13] ~~فقلصت يداه عن عشائه. # فقال: ارفعوه. # فرفع، فأصبح ms1925 صائما، فلما أتي بإفطاره، عرضت له أيضا هذه الآية فرفع، فلما ~~كان اليوم الثالث انطلق ابنه إلى ثابت البناني، ويزيد الضبي، ويحيى البكاء، ~~وناس من أصحابه، فقال: أدركوا أبي فإنه لم يذق طعاما منذ ثلاثة أيام، كلما ~~قربنا إليه الطعام، عرضت له هذه الآية: {إن لدينا أنكالا وجحيما} [المزمل: ~~12] فيتركه. # فأتوه، فلم يزالوا به حتى سقوه شربة من سويق. # ثم أخبر متى يكون ذلك، فقال: {يوم ترجف الأرض والجبال} [المزمل: 14] ~~تزلزل، وتتحرك، {وكانت الجبال كثيبا} [المزمل: 14] رملا، مهيلا سائلا، ~~ويقال لكل شيء أرسلته إرسالا من رمل، أو تراب، أو طعام: هلته أهيله هيلا. # قال الكلبي: هو الرمل الذي إذا أخذت منه شيئا، تبعك آخره. # قوله: {إنا أرسلنا إليكم} [المزمل: 15] يعني: أهل مكة، رسولا يعني: محمدا ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، شاهدا عليكم بالتبليغ والبيان، وإيمان من ~~آمن به وأجاب، وكفر من عصى، {كما أرسلنا إلى فرعون رسولا} [المزمل: 15] ~~موسى. # {فعصى فرعون الرسول} [المزمل: 16] ولم يجبه إلى ما دعاه إليه، {فأخذناه ~~أخذا وبيلا} [المزمل: 16] وهو الثقيل، الغليظ جدا، والمعنى: عاقبناه عقوبة ~~غليظة، يعني: الغرق، يخوف كفار مكة. # {فكيف تتقون إن كفرتم} [المزمل: 17] ولم تؤمنوا برسولكم، يوما أي: عذاب ~~يوم، {يجعل الولدان شيبا} [المزمل: 17] وصف لذلك اليوم وشدته، كما يقال: ~~هذا أمر يشيب منه الوليد. # إذا كان عظيما شديدا، والمعنى: بأي شيء تتحصنون من عذاب ذلك اليوم إن ~~كفرتم. # ثم وصف من # PageV04P376 # هول ذلك اليوم، فقال: {السماء منفطر به} [المزمل: 18] أي: لنزول ~~الملائكة، كما قال: {إذا السماء انفطرت} [الانفطار: 1] ، {كان وعده} ~~[المزمل: 18] بكل ما وعد من البعث، والحساب، مفعولا كائن. # {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا {19} إن ربك يعلم أنك تقوم ~~أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل ~~والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرءان علم أن ~~سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون ~~في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه ms1926 وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا ~~الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم ~~أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم {20} } [المزمل: 19-20] . # إن هذه يعني: آيات القرآن، تذكرة تذكير وموعظة، {فمن شاء اتخذ إلى ربه ~~سبيلا} [المزمل: 19] بالطاعة، والتصديق. # قوله: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى} [المزمل: 20] أقل، {من ثلثي الليل ~~ونصفه وثلثه} [المزمل: 20] ومن نصب عطفه على الأدنى، وهو في موضع نصب، ~~{وطائفة من الذين معك} [المزمل: 20] يعني: المؤمنين، كانوا يقومون معه، ~~{والله يقدر الليل والنهار} [المزمل: 20] قال عطاء: يريد: لا يفوته علم ما ~~يفعلون، أي: أنه يعلم مقادير الليل والنهار، فيعلم القدر الذي يقومونه من ~~الليل. # {علم أن لن تحصوه} [المزمل: 20] لن تطيقوه، قال الحسن: قاموا حتى انتفخت ~~أقدامهم، فنزل {علم أن لن تحصوه} [المزمل: 20] . # وقال مقاتل: كان الرجل يصلي الليل كله، مخافة أن لا يصيب ما أمر به من ~~القيام، فقال الله تعالى: {علم أن لن تحصوه} [المزمل: 20] لن تطيقوا معرفة ~~ذلك. # فتاب عليكم فعاد عليكم بالعفو، والتخفيف، {فاقرءوا ما تيسر من القرءان} ~~[المزمل: 20] يعني: في الصلاة من غير أن يوقت وقتا، قال الحسن: هو ما يقرأ ~~في صلاة المغرب والعشاء. ### | 1252 - # أخبرنا أبو منصور المنصوري، أنا علي بن عمر الحافظ، نا محمد بن مخلد، نا ~~أحمد بن عثمان بن حكيم الأزدي، نا سهل بن عامر البجلي، نا هريم بن سفيان، ~~عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: صليت خلف ابن عباس ~~بالبصرة، فقرأ في أول ركعة بالحمد وأول آية من البقرة، ثم قام في الثانية ~~فقرأ بالحمد، والآية الثانية من البقرة، ثم ركع، فلما انصرف أقبل علينا، ~~فقال: إن الله تعالى يقول: {فاقرءوا ما تيسر # PageV04P377 # منه} [المزمل: 20] # قال علي بن عمر: في هذا حجة لمن يقول: فاقرأ ما تيسر منه فيما بعد ~~الفاتحة. # ثم ذكر عذرهم، فقال: {علم أن سيكون منكم مرضى} [المزمل: 20] فلا يطيقون ~~قيام الليل، {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} [المزمل: 20] ~~يعني: المسافرين ms1927 للتجارة، يطلبون من رزق الله، فلا يطيقون قيام الليل، ~~{وآخرون يقاتلون في سبيل الله} [المزمل: 20] يعني: المجاهدين، لا يطيقون ~~قيام الليل، {فاقرءوا ما تيسر منه} [المزمل: 20] من القرآن، قال المفسرون: ~~كان هذا في صدر الإسلام، ثم نسخ بالصلوات الخمس عن المؤمنين، وثبت على ~~النبي صلى الله عليه وسلم خاصة. # وذلك قوله: وأقيموا الصلاة قال ابن عباس: يريد: هذه فريضة عليكم في ~~أوقاتها. # {وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا} [المزمل: 20] قال ابن عباس: يريد: ~~سوى الزكاة من صلة الرحم، وقرى الضيف. # {وما تقدموا لأنفسكم من خير} [المزمل: 20] يعني: من صدقة فريضة، أو تطوع، ~~{تجدوه عند الله هو خيرا} [المزمل: 20] تجدوا ثوابه في الآخرة أفضل مما ~~أعطيتم، وأعظم أجرا مما تؤخره إلى وصيتك عند الموت. ### | 1253 - # أخبرنا عمرو بن محمد بن أحمد بن جعفر، أنا محمد بن مكي، أنا محمد بن ~~يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، نا عمر بن حفص، نا أبي، نا الأعمش، حدثني ~~إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، قال عبد الله: قال النبي صلى الله عليه ~~وسلم: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد ~~إلا ماله أحب إليه، قال: فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر # واستغفروا الله لذنوبكم، {إن الله غفور} [المزمل: 20] لذنوب المؤمنين، ~~رحيم بهم. # PageV04P378 ### | تفسير سورة المدثر # خمسون وست آيات، مكية. ### | 1254 - # أخبرنا محمد بن علي بن أحمد الحيري، أنا أبو عمرو بن مطر بالإسناد الذي ~~سبق، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة ~~يا أيها المدثر أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد صلى الله عليه ~~وسلم، وكذب به بمكة» . # بسم الله الرحمن الرحيم {يأيها المدثر {1} قم فأنذر {2} وربك فكبر {3} ~~وثيابك فطهر {4} والرجز فاهجر {5} ولا تمنن تستكثر {6} ولربك فاصبر {7} ~~فإذا نقر في الناقور {8} فذلك يومئذ يوم عسير {9} على الكافرين غير يسير ~~{10} } [المدثر: 1-10] . # {يأيها المدثر} [المدثر: 1] ### | 1255 - # أخبرنا أبو بكر الفارسي، أنا أبو بكر محمد بن عيسى الجلودي، نا إبراهيم ~~بن ms1928 محمد بن سفيان، نا مسلم، نا زهير بن حرب، نا الوليد بن مسلم، حدثني ~~الأوزاعي، قال: سمعت يحيى بن أبي كثير، يقول: سألت أبا سلمة أي القرآن أنزل ~~قبل؟ قال: {يا أيها المدثر} ، فقلت: أو «اقرأ» ؟ فقال: سألت جابر بن عبد ~~الله أي القرآن أنزل قبل؟ فقال: {يا أيها المدثر} ، فقلت: أو «اقرأ» ؟ فقال ~~جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جاورت بحراء ~~شهرا، فلما قضيت جواري نزلت، فاستبطنت بطن الوادي، فنوديت فنظرت أمامي ~~وخلفي، وعن يميني وعن شمالي، فلم أر أحدا، ثم نوديت فنظرت فلم أر أحدا، ثم ~~نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء يعني جبريل عليه السلام، ~~فقلت: دثروني دثروني، فصبوا علي ماء، فأنزل الله تعالى {يأيها المدثر {1} ~~قم فأنذر {2} } [المدثر: 1-2] # قال المفسرون: لما بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي، أتاه جبريل، ~~فرآه رسول الله صلى الله # PageV04P379 # عليه وسلم على سرير بين السماء والأرض، كالنور المتلألئ، ففزع ووقع مغشيا ~~عليه، فلما أفاق دخل على خديجة، ودعا بماء فصبه عليه، وقال: دثروني. # فدثروه بقطيفة، فأتاه جبريل عليه السلام، فقال: {يأيها المدثر {1} قم ~~فأنذر {2} } [المدثر: 1-2] كفار مكة العذاب، إن لم يوحدوا ربك. # وربك فكبر فعظمه مما يقول له عبدة الأوثان. # وثيابك فطهر قال قتادة، ومجاهد: نفسك فطهر من الذنب، والثياب عبارة عن ~~النفس. # وقال عكرمة: يقول: البسها على غير غدرة، وغير فجرة. # وقال: أما سمعت قول الشاعر: # وإني بحمد الله لا ثوب فاجر ... لبست ولا من غدرة أتقنع # وهذا معنى قول من قال في هذه الآية: وعملك فأصلحه. # قال السدي: يقال للرجل إذا كان صالحا: إنه لطاهر الثياب. # وإذا كان فاجرا: إنه لخبيث الثياب. # وقال ابن سيرين، وابن زيد: أمر بتطهير ثيابه من النجاسات التي لا تجوز ~~صلاة معها. # وقال الزجاج: وثيابك فقصر، لأن تقصير الثوب أبعد من النجاسة، فإنه إذا ~~انجر على الأرض لم يؤمن أن يصيبه ما ينجسه. # وهذا قول طاوس. # والرجز فاهجر قال جماعة المفسرين: يريد: عبادة الأوثان ms1929 فاهجر. # والرجز معناه في # PageV04P380 # اللغة: العذاب، وفيه لغتان: كسر الراء وضمها، وسمي الشرك وعبادة الأوثان ~~رجزا، لأنه سبب العذاب المؤدي إليه. # {ولا تمنن تستكثر} [المدثر: 6] لا تعط شيئا من مالك لتأخذ أكثر منه، ~~ومعنى: ولا تمنن ولا تعط، قال المفسرون: لا تعط مالك مصانعة، لتعطى أكثر ~~منه في الدنيا. # أعط لربك وأرد به الله، وهذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة أدبه الله ~~تعالى بأشرف الآداب. # ولربك فاصبر على طاعته، وفرائضه، والمعنى: لأجل ربك، أي: لأجل ثوابه، ~~وقال مقاتل: يعني: على الأذى والتكذيب. # قوله: {فإذا نقر في الناقور} [المدثر: 8] أي: نفخ في الصور، وهو القرن ~~الذي ينفخ فيه إسرافيل، يعني: النفخة الثانية. # {فذلك يومئذ يوم عسير} [المدثر: 9] يعني: يوم النفخ في الصور، يوم عسير: ~~يعسر فيه الأمر. # {على الكافرين غير يسير} [المدثر: 10] غير هين. # {ذرني ومن خلقت وحيدا {11} وجعلت له مالا ممدودا {12} وبنين شهودا {13} ~~ومهدت له تمهيدا {14} ثم يطمع أن أزيد {15} كلا إنه كان لآياتنا عنيدا {16} ~~سأرهقه صعودا {17} إنه فكر وقدر {18} فقتل كيف قدر {19} ثم قتل كيف قدر ~~{20} ثم نظر {21} ثم عبس وبسر {22} ثم أدبر واستكبر {23} فقال إن هذا إلا ~~سحر يؤثر {24} إن هذا إلا قول البشر {25} سأصليه سقر {26} وما أدراك ما سقر ~~{27} لا تبقي ولا تذر {28} لواحة للبشر {29} عليها تسعة عشر {30} } ~~[المدثر: 11-30] . # {ذرني ومن خلقت وحيدا} [المدثر: 11] أي: ومن خلقته في بطن أمه وحيدا، لا ~~مال له ولا ولد، يعني: الوليد # PageV04P381 # بن المغيرة، قال مقاتل: يقول: خل بيني وبينه، وأنا أنفرد بهلاكه. # ثم ذكر أنه رزقه المال والولد، فقال: {وجعلت له مالا ممدودا} [المدثر: ~~12] قال عطاء، عن ابن عباس: ما بين مكة إلى الطائف الإبل الموبلة، والخيل ~~المسومة، والنعم المرحلة، وأحبة بالطائف، ومال وعين كثير، وعبيد وجواري. # والأولى في تفسير الممدود: أن يكون ما يمد له بالزيادة والنماء كالزرع، ~~والضرع، والتجارة، ويكون له مدد يأتي شيئا بعد شيء، قال الزجاج: مال غير ~~منقطع عنه. # وبنين شهودا أي: حضورا معه بمكة، كانوا لا يسافرون ولا يحتاجون أن ~~يتفرقوا ويغيبوا عنه ms1930، وكانوا عشرة. # {ومهدت له تمهيدا} [المدثر: 14] بسطت له في العيش، وطول العمر. # {ثم يطمع أن أزيد} [المدثر: 15] ثم يرجو أن أزيد في ماله، وولده. # كلا لا أفعل، ولا أزيده، {إنه كان لآياتنا عنيدا} [المدثر: 16] معاندا ~~لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. # سأرهقه صعودا سأكلفه مشقة من العذاب. ### | 1256 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن ~~السراج، نا محمد بن عبد الله بن سليمان، نا منجاب بن الحارث، أنا شريك، عن ~~عمار الذهني، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ~~{سأرهقه صعودا} [المدثر: 17] قال: جبل من نار يكلف أن يصعده، فإذا وضع يده ~~عليه ذابت، فإذا رفعها عادت، وإذا وضع رجله عليه ذابت، فإذا رفعها عادت # وقال الكلبي: هو جبل من صخرة ملساء في النار، يكلف أن يصعدها، حتى إذا ~~بلغ أعلاها أحدر إلى أسفلها، ثم تكلف أيضا أن يصعدها، فذلك دأبه أبدا، يجذب ~~من أمامه بسلاسل الحديد، ويضرب من خلفه بمقامع الحديد، فيصعدها في أربعين ~~سنة. # إنه فكر تفكر، ودبر ماذا يقول في القرآن، وقدر القول في # PageV04P382 # نفسه. # فقتل لعن وعذب، كيف قدر قال صاحب النظم: معناه: لعن على أي حال قدر ما ~~قدر من الكلام، كما يقال في الكلام: لأضربنه كيف صنع، أي: على أي حال كانت ~~منه. # {ثم قتل كيف قدر} [المدثر: 20] هذا تكرير للتأكيد. # ثم نظر في طلب ما يدفع به القرآن، ويرده به. # {ثم عبس وبسر} [المدثر: 22] كلح وكره وجهه، ونظر بكراهة شديدة، كالمهتم ~~المتفكر في شيء. # ثم أدبر عن الإيمان، واستكبر تكبر حين دعي إليه. # {فقال إن هذا} [المدثر: 24] ما هذا القرآن، {إلا سحر يؤثر} [المدثر: 24] ~~يروى عن السحرة. # أخبرنا أبو عمرو بن عبد العزيز، أنا محمد بن الحسين الحدادي، أنا محمد بن ~~بريد الخالدي، أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا محمد بن سواء، نا روح بن القاسم، ~~عن حميد الأعرج، عن مجاهد، أن الوليد بن المغيرة قال لقريش: إن لي إليكم ~~حاجة فاجتمعوا ms1931. # قال: فاجتمعوا في دار الندوة، فقال لهم: إنكم ذوو أحساب وذوو أحلام، وإن ~~العرب يأتونكم من كل قوم، فينطلقون من عندكم على أمر مختلف، فأجمعوا أمركم ~~على شيء واحد، ما تقولون في هذا الرجل؟ قالوا: نقول: إنه شاعر. # فعبس عندها، فقال: قد سمعنا الشعر، فما يشبه قوله للشعر. # فقالوا: نقول: إنه كاهن. # فقال: إذا يأتونه فلا يجدونه يحدث به الكهنة. # قالوا: نقول: إنه مجنون. # فقال: إذا يأتونه فلا يجدونه مجنونا. # فقالوا: نقول: إنه ساحر. # قال: وما الساحر. # قالوا: بشر يحببون بين المتباغضين، ويبغضون بين المتحابين. # قال: فهو ساحر. # فخرجوا، فجعل لا يلقى أحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم إلا قالوا: يا ~~ساحر، يا ساحر. # فاشتد ذلك عليه، فأنزل الله تعالى: {يأيها المدثر} [المدثر: 1] إلى قوله: ~~{إن هذا إلا سحر يؤثر {24} إن هذا إلا قول البشر {25} } [المدثر: 24-25] . # يعني: أنه كلام الإنس، وليس # PageV04P383 # من عند الله. # قال الله تعالى: سأصليه سقر سأدخله النار، وسقر: اسم من أسماء جهنم. # ثم ذكر عظيم شأنها، فقال: {وما أدراك ما سقر} [المدثر: 27] . # ثم أخبر عنها، فقال: {لا تبقي ولا تذر} [المدثر: 28] لا تبقي لهم لحما ~~إلا أكلته، ولا تذرهم إذا أعيدوا خلقا جديدا. # لواحة للبشر مغيرة للجلد حتى تجعله أسود، يقال: لاحه السقم والحزن. # إذا غيره. # قال أبو رزين: تلفح الجلد حتى تدعه أشد سوادا من الليل. # {عليها تسعة عشر} [المدثر: 30] قال المفسرون: يقول: على النار تسعة عشر ~~من الملائكة هم خزنتها، مالك ومعه ثمانية عشر، أعينهم كالبرق الخاطف، ~~وأنيابهم كالصياصي، يخرج لهب النار من أفواههم، ما بين منكبي أحدهم مسيرة ~~سنة، يسع كف أحدهم مثل ربيعة ومضر، نزعت منهم الرحمة، يرفع أحدهم سبعين ~~ألفا فيرميهم حيث أراد من جهنم، ولما نزلت هذه الآية قال اللعين أبو جهل: ~~أما لمحمد من الأعوان إلا تسعة عشر، يخوفكم محمد بتسعة عشر وأنتم الدهم، ~~أفيعجز كل مائة منكم أن يبطشوا بواحد منهم، ثم يخرجون من النار. # فقال أبو الأشدين، وهو رجل من بني جمح: يا معشر قريش، إذا ms1932 كان يوم ~~القيامة وأنا أمشي بين أيديكم على الصراط، فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن، وتسعة ~~بمنكبي الأيسر في النار، ونمضي ندخل الجنة. # فأنزل الله عز وجل: {وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم ~~إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا ~~إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض ~~والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك # PageV04P384 # يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ~~ذكرى للبشر {31} كلا والقمر {32} والليل إذ أدبر {33} والصبح إذا أسفر {34} ~~إنها لإحدى الكبر {35} نذيرا للبشر {36} لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ~~{37} } [المدثر: 31-37] . # {وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة} [المدثر: 31] يعني: خزانها، أي: فمن ~~يطيق الملائكة، ومن يغلبهم؟ {وما جعلنا عدتهم} [المدثر: 31] أي: عددهم في ~~القلة، {إلا فتنة للذين كفروا} [المدثر: 31] ضلالة لهم، حتى قالوا ما ~~قالوا، {ليستيقن الذين أوتوا الكتاب} [المدثر: 31] لأن عدد الخزنة في ~~كتابهم تسعة عشر، فيعلمون أن ما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم موافق لما ~~في كتابهم، فيستيقنوا صدقه، {ويزداد الذين آمنوا إيمانا} [المدثر: 31] ~~يعني: من آمن من أهل الكتاب يزدادون تصديقا لمحمد صلى الله عليه وسلم، إذا ~~وجدوا ما يخبرهم به من عدد الخزنة موافقا لما في كتابهم، {ولا يرتاب الذين ~~أوتوا الكتاب والمؤمنون} [المدثر: 31] ولئلا يشك هؤلاء في عدد الخزنة، ~~{وليقول الذين في قلوبهم مرض} [المدثر: 31] شك، ونفاق، والكافرون مشركو ~~العرب، {ماذا أراد الله بهذا مثلا} [المدثر: 31] أي شيء أراد الله بهذا ~~الحديث والخبر؟ يعني: أنهم لا يصدقون بهذا العدد، وهذا الحديث الذي ذكره ~~الله تعالى، والمثل يكون الحديث نفسه، أي: تقولون: ما هذا من الحديث؟ كذلك ~~أي: كما أضل من أنكر عدد الخزنة، وهدى من صدق ذلك، {يضل الله من يشاء ويهدي ~~من يشاء} [المدثر: 31] وأنزل في قول أبي جهل: أما لمحمد من الجنود إلا تسعة ~~عشر: {وما يعلم جنود ربك إلا هو} [المدثر: 31] وقال عطاء: يعني: من ~~الملائكة الذين خلقهم ms1933 لتعذيب أهل النار، لا يعلم عدتهم إلا الله. # والمعنى: أن تسعة عشر هم خزنة النار، لهم من الأعوان، والجنود من ~~الملائكة ما لا يعلمه إلا الله، ثم رجع إلى ذكر سقر، فقال: {وما هي إلا ~~ذكرى للبشر} [المدثر: 31] تذكرة، وموعظة للعالم. # ثم أقسم على عظم شأنهم، فقال: كلا أي: حقا، {والقمر {32} والليل إذ أدبر ~~{33} } [المدثر: 32-33] ذهب، وهو مثل دبر في المعنى، يقال: دبر الليل ~~وأدبر. # إذا ولى ذاهبا، {والصبح إذا أسفر} [المدثر: 34] أضاء، وتبين. # إنها إن سقر، لإحدى الكبر قال مقاتل، والكلبي: أراد بالكبر: دركات جهنم ~~وأبوابها، وهي سبعة: جهنم، ولظى، والحطمة، والسعير، وسقر، والجحيم، ~~والهاوية. # أعاذنا الله منها، والكبر جمع الكبرى. # {نذيرا للبشر} [المدثر: 36] قال الكسائي، والزجاج: هو حال من قوله: {قم} ~~[المدثر: 2] في أول # PageV04P385 # السورة { [. # ورواه عطاء، عن ابن عباس، قال: يريد: قم نذيرا للبشر. # لمن شاء بدل من قوله: للبشر، أن يتقدم أي: في الخير والإيمان، أو يتأخر ~~عنه، والمعنى: أن الإنذار قد حصل لكل أحد ممن آمن، أو كفر. # ] كل نفس بما كسبت رهينة {38} إلا أصحاب اليمين {39} في جنات يتساءلون ~~{40} عن المجرمين {41} ما سلككم في سقر {42} قالوا لم نك من المصلين {43} ~~ولم نك نطعم المسكين {44} وكنا نخوض مع الخائضين {45} وكنا نكذب بيوم الدين ~~{46} حتى أتانا اليقين {47} فما تنفعهم شفاعة الشافعين {48} } [سورة ~~المدثر: 38-48] . # {كل نفس بما كسبت رهينة} [المدثر: 38] مأخوذة بعملها، قال ابن عباس: ~~مرتهنة في جهنم. # {إلا أصحاب اليمين} [المدثر: 39] وهم المؤمنون، قال الكلبي: هم الذين قال ~~الله تعالى: هؤلاء في الجنة ولا أبالي. # وهم الذين كانوا على يمين آدم. # وقال مقاتل: هم الذين أعطوا كتبهم بأيمانهم، لا يرتهنون بذنوبهم في ~~النار. # وهو قوله: {في جنات يتساءلون {40} عن المجرمين {41} ما سلككم في سقر {42} ~~} [المدثر: 40-42] وما أدخلكم النار؟ فأجابوا عن أنفسهم، فقالوا: {لم نك من ~~المصلين} [المدثر: 43] لله في الدنيا، {ولم نك نطعم المسكين} [المدثر: 44] ~~لم نتصدق على المساكين، ولم نطعمهم في الله. # {وكنا نخوض مع الخائضين} [المدثر: 45] مع أهل الباطل في الباطل والتكذيب، ~~قال قتادة: كلما ms1934 غوى غاو، غوينا معه. # {وكنا نكذب بيوم الدين} [المدثر: 46] الجزاء، والحساب. # {حتى أتانا اليقين} [المدثر: 47] الموت. ### | 1257 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا عبد الرحمن بن محمد ~~الرازي، نا العسكري، نا المحاربي، عن ليث، عن بشر، عن أنس بن مالك، قال: ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بأدنى أهل النار منزلة يوم ~~القيامة فيقول الله تعالى: يا عبدي أتفتدي مني بملء الأرض ذهبا، فيقول: نعم ~~إن قدرت عليه، فيقول الله تعالى: قد كنت أسألك ما هو أيسر من ذلك أن تسألني ~~فأعطيك # PageV04P386 # وتستغفرني فأغفر لك وتدعوني فأستجيب لك، قال ثم يقول: هذا لم يخفني ساعة ~~من ليل ولا نهار قط ولم يرج ما عندي قط، ولم يخش عقابي ساعة قط، ثم قيل ~~لهم: ما سلككم، أي ماذا سلككم في سقر {قالوا لم نك من المصلين، ولم نك نطعم ~~المسكين} إلى قوله: {حتى أتانا اليقين} . # قال: يقول الله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} [المدثر: 48] قال: ~~بلغنا أن هذا بعد الشفاعة. # قال عطاء، عن ابن عباس: يريد: شفاعة الملائكة، والنبيين، كما نفعت ~~الموحدين. # وقال الحسن: لم تنفعهم شفاعة ملك، ولا شهيد، ولا مؤمن. # وقال عمران بن حصين: الشفاعة نافعة لكل أحد دون هؤلاء الذين تسمعون. ### | 1258 - # أخبرنا أحمد بن الحسين الحيرى، نا محمد بن يعقوب، نا يحيى بن أبي طالب، ~~أنا علي بن عاصم، أنا خالد الحذاء، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، قال: ~~قال عبد الله بن مسعود: يشفع نبيكم صلى الله عليه وسلم رابع أربعة: جبريل، ~~ثم إبراهيم، ثم موسى أو عيسى، ثم نبيكم صلى الله عليه وسلم، لا يشفع أحد في ~~أكثر مما يشفع فيه نبيكم صلى الله عليه وسلم، ثم النبيون ثم الصديقون، ثم ~~الشهداء، ويبقى قوم في جهنم فيقال لهم: {ما سلككم في سقر} ، {قالوا لم نك ~~من المصلين ولم نك نطعم المسكين} ، قرأ إلى قوله: {فما تنفعهم شفاعة ~~الشافعين} [المدثر: 48] قال ابن مسعود: فهؤلاء الذين يبقون في جهنم. # {فما لهم عن التذكرة ms1935 معرضين {49} كأنهم حمر مستنفرة {50} فرت من قسورة ~~{51} بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة {52} كلا بل لا يخافون ~~الآخرة {53} كلا إنه تذكرة {54} فمن شاء ذكره {55} وما يذكرون إلا أن يشاء ~~الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة {56} } [المدثر: 49-56] . # PageV04P387 # {فما لهم عن التذكرة معرضين} [المدثر: 49] يعني: كفار قريش، حين نفروا عن ~~القرآن والتذكرة، والتذكير بمواعظ القرآن، والمعنى: لا شيء لهم في الآخرة، ~~إذ أعرضوا عن القرآن فلم يؤمنوا به. # ثم شبههم في نفورهم عن القرآن بحمر نافرة، فقال: كأنهم حمر يعني: الحمر ~~الوحشية، مستنفرة نافرة، يقال: نفروا ستنفر. # مثل: عجب واستعجب، وقرئ بفتح الفاء وهي بمعنى: مذعورة، يقال: استنفرت ~~الوحش ونفرتها. # {فرت من قسورة} [المدثر: 51] يعني: الأسد، في قول عطاء، والكلبي. # قال ابن عباس: الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت منه، كذلك هؤلاء ~~المشركون، إذا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن، هربوا منه. # وقال الضحاك، ومقاتل: هم الرماة، رجال القنص. # لا واحد له من لفظه. # {بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة} [المدثر: 52] قال المفسرون: ~~إن كفار قريش قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: ليصبح عند رأس كل رجل منا ~~كتاب منشور من الله بأنك رسوله، تؤثر فيه باتياءك. # والصحف: الكتب، واحدتها: صحيفة، ومنشرة معناها: منشورة. # كلا لا يؤتون الصحف، {بل لا يخافون الآخرة} [المدثر: 53] يعني: عذاب ~~الآخرة، والمعنى: أنهم لو خافوا النار، لما اقترحوا الآيات بعد قيام ~~الدلالة. # كلا حقا، إنه إن القرآن، تذكرة تذكير، وموعظة. # {فمن شاء ذكره} [المدثر: 55] اتعظ به. # ثم رد المشيئة إلى نفسه، فقال: {وما يذكرون إلا أن يشاء الله} [المدثر: ~~56] قال مقاتل: إلا أن يشاء الله لهم الهدى. # {هو أهل التقوى وأهل المغفرة} [المدثر: 56] . ### | 1259 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، أنا أبو عمرو بن مطر، نا عبد الله بن ~~صالح البخاري، نا بشير بن الوليد الكندي، نا سهيل أخو حزم، عن ثابت، عن أنس ~~رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: # PageV04P388 # {هو أهل ms1936 التقوى وأهل المغفرة} [المدثر: 56] فقال: يقول الله تعالى: أنا ~~أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله، فمن اتقى أن يجعل معي إلها فإني أهل أن أغفر ~~له # وقال قتادة: أهل أن تتقى محارمه، وأهل أن يغفر الذنوب. # PageV04P389 ### | تفسير سورة القيامة # أربعون آية، مكية. ### | 1260 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي الحيري، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر الحيري ~~بالإسناد الذي ذكرنا، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «ومن قرأ سورة القيامة شهدت أنا وجبريل له يوم القيامة أنه كان مؤمنا ~~بيوم القيامة، وجاء ووجهه مسفر على وجوه الخلائق يوم القيامة» . # بسم الله الرحمن الرحيم {لا أقسم بيوم القيامة {1} ولا أقسم بالنفس ~~اللوامة {2} أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه {3} بلى قادرين على أن نسوي ~~بنانه {4} بل يريد الإنسان ليفجر أمامه {5} يسأل أيان يوم القيامة {6} فإذا ~~برق البصر {7} وخسف القمر {8} وجمع الشمس والقمر {9} يقول الإنسان يومئذ ~~أين المفر {10} كلا لا وزر {11} إلى ربك يومئذ المستقر {12} ينبأ الإنسان ~~يومئذ بما قدم وأخر {13} بل الإنسان على نفسه بصيرة {14} ولو ألقى معاذيره ~~{15} } [القيامة: 1-15] . # {لا أقسم بيوم القيامة} [القيامة: 1] معناه: أقسم، ولا صلة، وقال الفراء: ~~لا رد على الذين أنكروا البعث، والجنة والنار. # ويدل على أن المعنى إثبات القسم: قراءة من قرأ لأقسم، يجعلها لا ما دخلت ~~على أقسم، قال ابن عباس: يريد: أقسم بيوم القيامة. # وهو قول الجميع. # {ولا أقسم بالنفس اللوامة} [القيامة: 2] قال الحسن: أقسم بالأولى، ولم ~~يقسم بالثانية. # وقال الآخرون: معناه: أقسم كالأول. # قال الفراء: ليس من نفس برة، ولا فاجرة، إلا وهي تلوم نفسها، إن كانت ~~عملت خيرا قالت: هلا ازددت. # وإن كانت عملت سوءا، قالت: # PageV04P390 # ليتني لم أفعل. # وهذا قول عطاء، عن ابن عباس. # وقال الحسن: هي النفس المؤمنة، لا ترى المؤمن إلا يلوم نفسه على كل حال. # قوله: {أيحسب الإنسان} [القيامة: 3] يعني: الكافر بالبعث، {ألن نجمع ~~عظامه} [القيامة: 3] قال ابن عباس: يريد: أبا جهل، يقول: أيحسب أن لن يبعث. # بلى نجمعها، {قادرين على أن نسوي بنانه ms1937} [القيامة: 4] على ما كانت، وإن ~~قل عظامها وصغرت، نردها كما كانت، ونؤلف بينها حتى يستوي البنان، ومن قدر ~~على جمع صغار العظام، كان على جمع أكابرها أقدر، وهذا قول، الزجاج، وابن ~~قتيبة. # والمفسرون يقولون: نجعلها كخف البعير، أو كحافر الدابة. # والمعنى: نجعل بنانه مع كفه صفحة مستوية، لا شقوق فيها، فيعدم الارتفاق ~~بالأعمال اللطيفة كالكتابة، والخياطة. # {بل يريد الإنسان} [القيامة: 5] يعني: الكافر، ليفجر أمامه يقدم الذنب، ~~ويؤخر التوبة، والمعنى: يريد أن يعصي، ويكفر أبدا ما عاش، قال ابن ~~الأنباري: يريد أن يفجر ما امتد عمره، وليس في نيته أن يرجع عن ذنب يرتكبه. # {يسأل أيان يوم القيامة} [القيامة: 6] أي: متى يكون ذلك؟ تكذيبا به. # قال الله تعالى: {فإذا برق البصر} [القيامة: 7] فزع، وتحير لما يرى من ~~العجائب التي كان يكذب بها، قال الكلبي: وذلك عند رؤية جهنم، يبرق أبصار ~~الكفار. # والفتح في برق لغة. # {وخسف القمر} [القيامة: 8] ذهب ضوءه. # {وجمع الشمس والقمر} [القيامة: 9] كالبعيرين القرينين، وقال مجاهد: كورا ~~يوم القيامة. # وهو اختيار الفراء، والزجاج، قالا: جمعا في ذهاب نورهما. # يقول الإنسان المكذب بيوم القيامة: أين المفر أين الفرار؟ ويجوز أن يكون ~~الفرار موضع الفرار. # قال الله تعالى: {كلا لا وزر} [القيامة: 11] لا جبل، ولا حصن، ولا ملجأ ~~من الله. # {إلى ربك يومئذ المستقر} [القيامة: 12] # PageV04P391 # المنتهى والمرجع. # {ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر} [القيامة: 13] بأول عمله وآخره، وقال ~~قتادة: ما عمل من طاعة الله، وما آخر من طاعة الله، فلم يعمل به. # وقال زيد بن أسلم: بما قدم من أمواله، وما خلف للورثة. # {بل الإنسان على نفسه بصيرة} [القيامة: 14] يعني: أن جوارحه تشهد عليه ~~بما عمل، فهو شاهد على نفسه بشهادة جوارحه، قال الفراء: يقول: على الإنسان ~~من نفسه بصيرة، يعني: رقباء يشهدون عليه بعمله: اليدان، والرجلان، ~~والعينان، والذكر. # ودخول الهاء في البصيرة، لأن المراد بالإنسان ههنا الجوارح. # {ولو ألقى معاذيره} [القيامة: 15] ولو اعتذر، وجادل عن نفسه، لم ينفعه ~~ذلك، يقال: معذرة ومعاذر ومعاذير. # قال الفراء: أي: وإن اعتذر، فعليه من ms1938 يكذب عذره. # وقال الضحاك، والسدي: يعني: ولو أرخى الستور. # وقال الزجاج: المعاذير: الستور، واحدها معذار. # وقال المبرد: هي لغة يمانية. # والمعنى على هذا القول: وإن أسبل الستر ليخفي ما يعمل، فإن نفسه شاهدة ~~عليه. # قوله: {لا تحرك به لسانك لتعجل به {16} إن علينا جمعه وقرءانه {17} فإذا ~~قرأناه فاتبع قرءانه {18} ثم إن علينا بيانه {19} كلا بل تحبون العاجلة ~~{20} وتذرون الآخرة {21} وجوه يومئذ ناضرة {22} إلى ربها ناظرة {23} ووجوه ~~يومئذ باسرة {24} تظن أن يفعل بها فاقرة {25} } [القيامة: 16-25] . # {لا تحرك به لسانك لتعجل به} [القيامة: 16] قال سعيد بن جبير، عن ابن ~~عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان يشتد ~~عليه حفظه، فكان إذا نزل عليه الوحي، يحرك لسانه وشفتيه، قبل فراغ جبريل ~~عليه السلام من قراءة الوحي، مخافة أن لا يحفظ. # فقال الله تعالى: {لا تحرك به} [القيامة: 16] أي: بالوحي، أو بالقرآن، ~~لسانك يعني: بالقراءة، لتعجل به أي: تأخذه، كما قال: {ولا تعجل بالقرءان من ~~قبل أن يقضى إليك وحيه} [طه: 114] . # {إن علينا جمعه} [القيامة: 17] أي: نجمعه في صدرك، {وقرءانه} [القيامة: ~~17] وقراءته عليك، أي: أن جبريل يقرؤه # PageV04P392 # عليك حتى تحفظه. # {فإذا قرأناه} [القيامة: 18] قال ابن عباس: فإذا قرأه جبريل. # {فاتبع قرءانه} [القيامة: 18] أي: قراءته، والمعنى: اقرأه إذا فرع جبريل ~~من قراءته، فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا إذا نزل عليه جبريل ~~أطرق، فإذا ذهب قرأ كما وعده الله تعالى. # {ثم إن علينا بيانه} [القيامة: 19] أي: علينا أن نحفظه عليك، حتى تبين ~~للناس بتلاوتك إياه، وقراءتك عليهم، وقال الزجاج: علينا أن ننزله قرآنا ~~عربيا، فيه بيان للناس. ### | 1261 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو محمد بن حيان، نا أبو يحيى الرازي، نا ~~سهل بن عثمان، نا عبيدة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن ~~عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يعالج من ~~ذلك شدة كان يتلقاه ويحرك شفتيه كيلا ينسى، قال: فأنزل الله تعالى {لا تحرك ~~به ms1939 لسانك لتعجل به} [القيامة: 16] يقول: لتعجل بأخذه # {إن علينا جمعه وقرءانه} [القيامة: 17] إن علينا أن نجمعه في صدرك، ~~فتقرأه، {فإذا قرأناه فاتبع قرءانه} [القيامة: 18] يقول: إذا أنزلناه ~~فاستمع له. # {ثم إن علينا بيانه} [القيامة: 19] أي: نبينه بلسانك. # فكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله. # رواه البخاري، ومسلم، عن قتيبة، عن أبي عوانة، عن موسى بن أبي عائشة. # قوله: كلا قال عطاء: لا يؤمن أبو جهل بالقرآن وببيانه. # بل يحبون العاجلة يعني: كفار مكة يحبون الدنيا، ويعملون لها. # ويذرون العمل للآخرة، فيؤثرون الدنيا عليها، وقرئ بالتاء على تقدير: قل ~~لهم يا محمد: بل تحبون وتذرون. # قوله عز وجل: وجوه يومئذ يعني: يوم القيامة، ناضرة ناعمة، غضة، حسنة، ~~يقال: شجر ناضر، وروض ناضر. # يقال: وجهه ينضر، ونضر ينضر، ونضره الله، وأنضره ونضره. # والمفسرون يقولون: مضيئة، مشرقة، مسفرة. # {إلى ربها ناظرة} [القيامة: 23] قال ابن عباس، في رواية عطاء: يريد إلى ~~الله ناظرة. # وقال في رواية الكلبي: تنظر إلى الله # PageV04P393 # يومئذ، لا تحجب عنه. # وقال مقاتل: تنظر إلى ربها معاينة. # وقال الحسن: حق لها أن تنظر، وهي تنظر إلى الخالق. # وقال الزجاج: نضرت بنعيم الجنة، والنظر إلى ربها عز وجل. ### | 1262 - # أخبرنا أبو بكر الفارسي، أنا محمد بن عيسى بن عمرويه، نا إبراهيم بن ~~محمد، نا مسلم، نا عبد الله بن عمر بن ميسرة، حدثني عبد الرحمن بن مهدي، نا ~~حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن صهيب، عن ~~النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله ~~تعالى: تريدون شيئا أزيدكم، فيقولون: ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة ~~وتنجنا من النار، قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر ~~إلى ربهم ". ### | 1263 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا عبد الله محمد بن جعفر الحافظ، نا عبدان، ~~نا عثمان بن أبي شيبة، نا معاوية، نا عبد الملك بن أبجر، عن ثوير بن أبي ~~فاختة، عن ابن عمر، عن النبي صلى ms1940 الله عليه وسلم، قال: إن أدنى أهل الجنة ~~منزلة، لمن ينظر في ملكه ألف سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه ينظر في سرره ~~وأزواجه وخدمه، وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر في وجه الله تعالى كل يوم مرتين. # رواه الحاكم في صحيحه عن محمد بن يعقوب، عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبي ~~معاوية قال: وثوير وإن لم يخرج في الصحيح، فلم ينقم عليه غير التشيع # {ووجوه يومئذ باسرة} [القيامة: 24] كالحة، عابسة، كئيبة، مصفرة. # {تظن أن يفعل بها فاقرة} [القيامة: 25] تستيقن أن يعمل بها عظيم من # PageV04P394 # العذاب، والفاقرة: الداهية العظيمة، والأمر الشديد يكسر فقار الظهر، قال ~~ابن زيد: هي دخول النار. # وقال الكلبي: هي أن تحجب عن رؤية ربها، فلا تنظر إليه. # قال الله تعالى: {كلا إذا بلغت التراقي {26} وقيل من راق {27} وظن أنه ~~الفراق {28} والتفت الساق بالساق {29} إلى ربك يومئذ المساق {30} فلا صدق ~~ولا صلى {31} ولكن كذب وتولى {32} ثم ذهب إلى أهله يتمطى {33} } [القيامة: ~~26-33] . # كلا أي: لا يؤمن الكافر بهذا، إذا بغلت النفس، أو الروح، التراقي جمع ~~ترقوة، وهي: عظم وصل بين ثغرة النحر والعاتق، ويكنى ببلوغ النفس التراقي ~~عند الإشراف على الموت. # {وقيل من راق} [القيامة: 27] طبيب يرقي، ويشفي برقيته، قال قتادة: ~~التمسوا له الأطباء، فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئا. # {وظن أنه الفراق} [القيامة: 28] أيقن الذي بلغت روحه تراقيه، أنه الفراق ~~من الدنيا. # {والتفت الساق بالساق} [القيامة: 29] قال عطاء: شدة الموت بشدة الآخرة. # وقال المفسرون: تتابعت عليه الشدائد. # وقال الشعبي: هما ساقاه عند الموت. # وقال الحسن: هما ساقاه إذا لفتا في الكفن. # {إلى ربك يومئذ المساق} [القيامة: 30] هو مرجع العباد إلى الله تعالى، ~~يساقون إليه. # قوله: {فلا صدق ولا صلى} [القيامة: 31] يعنى: أبا جهل، يقول: لم يصدق ~~بالقرآن، ولا صلى لله. # ولكن كذب بالقرآن، وتولى عن الإيمان: {ثم ذهب إلى أهله} [القيامة: 33] ~~رجع إليهم، يتمطى يتبختر، ويختال في مشيه. # PageV04P395 # {أولى لك فأولى {34} ثم أولى لك فأولى {35} أيحسب الإنسان أن يترك سدى ~~{36} ألم يك نطفة من مني يمنى ms1941 {37} ثم كان علقة فخلق فسوى {38} فجعل منه ~~الزوجين الذكر والأنثى {39} أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى {40} } ~~[القيامة: 34-40] . # {أولى لك فأولى} [القيامة: 34] هذا تهديد من الله لأبي جهل، والمعنى: ~~وليك المكروه يا أبا جهل وقرب منك. # قال المفسرون: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد أبي جهل، ثم قال له: ~~{أولى لك فأولى {34} ثم أولى لك فأولى {35} } [القيامة: 34-35] توعده، فقال ~~أبو جهل: بأي شيء تهددني، لا تستطيع أنت، ولا ربك أن تفعلا بي شيئا، وإني ~~لأعز أهل هذا الوادي. # فأنزل الله تعالى كما قال له رسوله صلى الله عليه وسلم. ### | 1264 - # أخبرنا الحسن بن علي بن محمد بن عبد الله المقري، نا محمد بن عبد الله بن ~~نعيم، حدثني علي بن حمشاذ، نا إسماعيل بن إسحاق القاضي، نا أبو النعمان ~~محمد بن الفضل، نا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، قال: ~~قلت لابن عباس: {أولى لك فأولى} [القيامة: 34] أشيء قاله رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم، أشيء أنزله الله؟ قال: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ثم أنزله الله تعالى ". # أيحسب الإنسان يعني: أبا جهل، {أن يترك سدى} [القيامة: 36] هملا، ولا ~~يؤمر، ولا ينهى، ولا يحاسب بعمله في الآخرة، والسدى معناه: المهمل. # ألم يك هذا الإنسان في ابتداء خلقه، نطفة، {من مني يمنى} [القيامة: 37] ~~يصب في الرحم، ومن قرأ بالتاء فلتأنيث النطفة. # {ثم كان علقة فخلق} [القيامة: 38] فيه الروح، فسوى خلقه. # {فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى} [القيامة: 39] خلق من مائه أولادا: ~~ذكورا، وإناثا. # أليس ذلك الذي فعل هذا، {بقادر على أن يحيي الموتى} [القيامة: 40] وهذا ~~تقرير لهم، أي: من قدر على الابتداء، قدر على البعث بعد الموت. ### | 1265 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن حمدان، أنا أبو بكر # PageV04P396 # القطيعي، أنا محمد بن يونس القرشي، نا شعيب بن بيان الصفار، نا شعبة، ~~حدثني يونس الطويل جليس لأبي إسحاق الهمذاني، عن البراء بن عازب، قال: لما ~~نزلت هذه الآية {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} [القيامة ms1942: 40] قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحانك وبلى» . ### | 1266 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي، أنا أبو الحسن أحمد بن الحسن ~~السراج، نا محمد بن يحيى بن سليمان المروزي، نا عاصم بن علي، نا شعبة، عن ~~أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إذا قرأ أحدكم {أليس ذلك ~~بقادر على أن يحيي الموتى} [القيامة: 40] فليقل اللهم وبلى. # PageV04P397 ### | تفسير سورة الإنسان # إحدى وثلاثون آية، مدنية. ### | 1267 - # أخبرنا أبو عثمان بن أبي بكر الزاهد، أنا محمد بن جعفر بن مطر بإسناده، ~~عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة هل ~~أتى كان جزاؤه على الله جنة وحريرا» . # بسم الله الرحمن الرحيم {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا ~~مذكورا {1} إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ~~{2} إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا {3} } [الإنسان: 1-3] . # هل أتى قال المفسرون، وأهل المعاني: قد أتى، فهل ههنا خبر، وليس ~~باستفهام. # على الإنسان يعني: آدم، {حين من الدهر} [الإنسان: 1] قدر أربعين سنة، {لم ~~يكن شيئا مذكورا} [الإنسان: 1] لا في السماء، ولا في الأرض، يعني: أنه كان ~~جسدا ملقى من طين، قبل أن ينفخ فيه الروح، قال عطاء، عن ابن عباس: إنما تم ~~خلقه بعد عشرين ومائة سنة. # وسمع عمر بن الخطاب رجلا يقرأ هذه الآية، فقال: ليت ذلك تم. # يعني: ليته بقي على ما كان عليه. # فكان لا يلد، ولا يبتلى بأولاده. # {إنا خلقنا الإنسان} [الإنسان: 2] يعني: ولد آدم، {من نطفة أمشاج} ~~[الإنسان: 2] أخلاط، وأحدها: مشج، وهو شيئان مخلوطان، يعني: اختلاط نطفة ~~الرجل بنطفة المرأة، أحدهما أبيض والآخر أصفر، فما كان من عصب، وعظم، وقوة، ~~فمن نطفة الرجل، وما كان من لحم، ودم، وشعر، فمن ماء المرأة، وتم الكلام، ~~ثم قال: {نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا} [الإنسان: 2] قال الفراء: المعنى: ~~جعلناه سميعا بصيرا لنبتليه. # ذكر أنه أعطاه ما يصح معه الابتلاء، وهو السمع والبصر. # قوله: {إنا هديناه السبيل} [الإنسان: 3] قال ms1943 عطاء: بينا له سبيل الهدى. # {إما شاكرا وإما كفورا} [الإنسان: 3] إما موحدا طائعا لله، وإما مشركا ~~بالله في عمله، والمعنى: أنه بين له سبيل التوحيد # PageV04P398 # بنصب الأدلة، وبعث الرسل، شكر الإنسان فآمن، أو جحد فكفر. # ثم بين ما أعد للكافرين، فقال: {إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا ~~وسعيرا {4} إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا {5} عينا يشرب بها ~~عباد الله يفجرونها تفجيرا {6} يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ~~{7} ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا {8} إنما نطعمكم لوجه ~~الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا {9} إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ~~{10} فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا {11} وجزاهم بما صبروا ~~جنة وحريرا {12} } [الإنسان: 4-12] . # {إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا} [الإنسان: 4] يعني: في جهنم، كقوله تعالى: ~~{في سلسلة ذرعها} [الحاقة: 32] الآية، وتقرأ: سلاسلا بالتنوين، وكذلك ~~قواريرا و {قواريرا} [الإنسان: 15] وفيه وجهان: أحدهما: أن من العرب من ~~يصرف جميع ما لا ينصرف، وهو لغة الشعر، إلا أنهم اضطروا إليه في الشعر ~~فصرفوه، فجرت على ألسنتهم كذلك، والآخر: أن هذا الجمع أشبه الآحاد، لأنهم ~~قالوا: صواحبات يوسف. # ويقولون: مواليات. # في جمع الموالي، فمن حيث جمعوه جمع الآحاد المنصرفة، جعلوه في حكمها، ~~فصرفوه، وقوله: وأغلالا يعني: في أيديهم تغل إلى أعناقهم، وسعيرا وقودا ~~شديدا. # ثم ذكر ما أعد للشاكرين، فقال: إن الأبرار يعني: المطيعين لله، {يشربون ~~من كأس} [الإنسان: 5] من إناء فيه شراب، {كان مزاجها} [الإنسان: 5] ما ~~يمازجها، كافورا قال # PageV04P399 # عطاء، والكلبي: هو اسم عين ماء في الجنة. # وقال مقاتل، ومجاهد: يعني: الكافور الذي له رائحة طيبة، يمازجه ريح ~~الكافور، وليس ككافور الدنيا. # ويدل على صحة القول الأول قوله: عينا قال الفراء: وهي كالمفسرة للكافور. # وقال الأخفش: نصب {عينا} [الإنسان: 6] على وجه المدح، على أعني عينا. # وقال الزجاج: الأجود أن يكون المعنى من عين يشرب بها عباد الله. # قال ابن عباس: أولياء الله. # {يفجرونها تفجيرا} [الإنسان: 6] يفجرون تلك العين، بحيث يريدون يقودونها ~~حيث شاءوا، قوله: {يوفون بالنذر} [الإنسان: 7] هذا من صفاتهم في ms1944 الدنيا، ~~أي: كانوا في الدنيا كذلك يوفون بطاعة الله من الصلاة والحج، وهو قول ~~قتادة، ومجاهد، ومعنى النذر في اللغة: الإيجاب، والمعنى: ما أوجبه الله ~~تعالى عليهم من الطاعات، وقال عكرمة: إذا نذروا في طاعات الله وفوا به. # {ويخافون يوما كان شره مستطيرا} [الإنسان: 7] فاشيا، منتشرا، يقال: ~~استطار الحريق. # إذا انتشر، واستطار الصبح، إذا انتشر ضوءه، قال مقاتل: كان شره فاشيا في ~~السموات: فانشقت، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وكورت الشمس والقمر، ~~وفي الأرض: فنسفت الجبال، وغارت المياه، وتكسر كل شيء على الأرض من جبل، ~~وبناء، ففشا شر يوم القيامة فيهما. # قوله: {ويطعمون الطعام على حبه} [الإنسان: 8] على حب الطعام، والمعنى: ~~يطعمون الطعام أشد ما تكون حاجتهم إليه، وصفهم الله تعالى بالأثرة على ~~أنفسهم. ### | 1268 - # أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر الغازي، أنا أبو عمرو بن أبي جعفر الزاهد، أنا ~~أحمد بن علي بن المثنى، نا إسحاق بن إبراهيم، نا عبيدة، نا هشام، عن ~~الجارود، عن عطية، عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ما ~~من مسلم أطعم مسلما على جوع إلا أطعمه الله من ثمار الجنة، وما من مسلم كسا ~~أخاه على عري إلا كساه الله من خضر الجنة، ومن سقى مسلما على ظماء ماء سقاه ~~الله الرحيق» . # وقوله: مسكينا يعني: فقيرا، لا مال له، ويتيما لا أب له، وأسيرا قال ~~عطاء، # PageV04P400 # عن ابن عباس، وذلك أن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أجر نفسه يسقي نخلا ~~بشيء من شعير ليله حتى أصبح، فلما أصبح وقبض الشعير، طحن ثلثه، فجعلوا منه ~~شيئا ليأكلوه، يقال له: الحريرة، فلما تم إنضاجه أتى مسكين، فأخرجوا إليه ~~الطعام، ثم عمل الثلث الثاني، فلما تم انضاجه أتى يتيم، فسأل فأطعموه، ثم ~~عمل الثالث الباقي، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين، فسأل فأطعموه، ~~وطووا يومهم ذلك. # وهذا قول الحسن، وقتادة: أن الاسير كان من أهل الشرك. # PageV04P401 # وقال أهل العلم: الآية تدل على أن إطعام الأسارى، وإن كانوا من غير أهل ~~ملتنا ms1945، حسن يرجى ثوابه، فأما فريضة الكفارات والزكوات، فلا يجوز وضعها في ~~فقراء المشركين. # وقال عطاء، وسعيد بن جبير: الأسير هو المسجون من أهل القبلة. # {إنما نطعمكم لوجه الله} [الإنسان: 9] قال المفسرون: إنهم لن يتكلموا ~~بهذا، ولكن علمه الله تعالى من قلوبهم، فأثنى به عليهم وعلم من نياتهم، ~~أنهم فعلوا ذلك خوفا من الله، ورجاء ثوابه. # ومعنى: لوجه الله لطلب رضا الله، وخاصة لله مخلصا من الرياء، وطلب ~~الجزاء، وهو قوله: {لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} [الإنسان: 9] وهو مصدر ~~القعود، والخروج. # {إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا} [الإنسان: 10] قال مقاتل، والكلبي: تعبس ~~فيه الوجوه، من هول ذلك اليوم، فلا تنبسط. # قمطريرا يقبض الوجوه، والجباه بالتعبيس، وقال الفراء، وأبو عبيدة، ~~والمبرد: يوم قمطرير وقماطر، إذا كان صعبا شديدا. # {فوقاهم الله شر ذلك اليوم} [الإنسان: 11] بما أطاعوه في الدنيا، ولقاهم ~~نضرة حسنا، وبياضا في الوجوه، وسرورا لا انقطاع له. # {وجزاهم بما صبروا} [الإنسان: 12] على طاعته، واجتناب معصيته، جنة وحريرا ~~يعني: لباس أهل الجنة. # {متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا {13} ودانية ~~عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا {14} ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب ~~كانت قواريرا {15} قواريرا من فضة قدروها تقديرا {16} ويسقون فيها كأسا كان ~~مزاجها زنجبيلا {17} عينا فيها تسمى سلسبيلا {18} } [الإنسان: 13-18] . # {متكئين فيها على الأرائك} [الإنسان: 13] مفسر في { [الكهف،] لا يرون ~~فيها شمسا ولا زمهريرا} [سورة الإنسان: 13] لا يجدون الحر، والبرد، وقال # PageV04P402 # مقاتل: يعني: شمسا يؤذيهم حرهم، ولا زمهريرا يؤذيهم برده. # لأنهما يؤذيان في الدنيا، والزمهرير: البرد الشديد. # {ودانية عليهم ظلالها} [الإنسان: 14] قال مقاتل: يعني: شجرها قربت منهم. # {وذللت قطوفها تذليلا} [الإنسان: 14] قال ابن عباس: إذا هم أن يتناول من ~~ثمارها، نزلت إليه حتى يتناول منها ما يريد. # والمعنى قريب منهم، مذلل كيف شاءوا، كقوله: {قطوفها دانية} [الحاقة: 23] ~~. # {ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب} [الإنسان: 15] أقداح، لا عرى لها، ~~كانت قواريرا أي تلك الأكواب هي قوارير، يعني: الزجاج قوارير من فضة، قال ~~المفسرون: جعل الله قوارير أهل الجنة من الفضة ms1946، فاجتمع لها بياض الفضة ~~وصفاء القوارير. # قال الزجاج: القوارير التي في الدنيا من الرمل، فأعلم الله أن تلك ~~القوارير أن أصلها من فضة، ويرى من خارجها ما في داخلها. # قدروها تقديرا قدروا الكأس على قدر ريهم، لا يزيد ولا ينقص من الري، وهو ~~ألذ الشراب، والضمير في قدروا للسقاة والخدم الذين يسقونهم يقدرونها، ثم ~~يسقون، وقال القرطبي: أي: كانت كما يشتهون، يعني: أن الأكواب على ما اشتهوا ~~لم يعظم، ولم يثقل الكف حملها. # ويسقون يعني: أهل الجنة في الجنة، {كأسا كان مزاجها زنجبيلا} [الإنسان: ~~17] قال مقاتل: لا يشبه زنجبيل الدنيا. # وقال ابن عباس: كلما ذكر الله في القرآن مما في الجنة وسماه، ليس له مثل ~~في الدنيا. # ولكن الله سماه بالاسم الذي يعرف، والزنجبيل مما كانت العرب تستطيبه جدا، ~~فلذلك ذكره الله تعالى في القرآن، ووعدهم أنهم يسقون في الجنة الكأس ~~الممزوجة بزنجبيل الجنة. # {عينا فيها تسمى سلسبيلا} [الإنسان: 18] يقول: يمزج الخمر بالزنجبيل، ~~والزنجبيل من عين تسمى تلك العين سلسبيلا، قال ابن الأعرابي: لم أسمع ~~السلسبيل إلا في القرآن. # وقال الزجاج: سلسبيل صفة لما كان في غاية السلاسة. # والمعنى: أنها سلسة تتسلسل في الحلق، لذلك سميت سلسبيلا. # PageV04P403 # {ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا {19} وإذا ~~رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا {20} عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا ~~أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا {21} إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم ~~مشكورا {22} } [الإنسان: 19-22] . # {ويطوف عليهم ولدان مخلدون} [الإنسان: 19] سبق تفسيره، وقد وصف الله ~~تعالى في هذه ال { [الأقداح وما فيها من الشراب، والسقاة الذين يطوفون بها، ~~وهو قوله:] إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا} [سورة الإنسان: 19] قال عطاء: ~~يريد في بياض اللؤلؤ، وحسنه. # واللؤلؤ إذا نثر من الخيط على البساط كان أحسن منه منظوما، وقال أهل ~~المعاني: إنما شبهوا بالمنثور لانتثارهم في الخدمة، ولو كانوا صفا لشبهوا ~~بالمنظوم. # قوله: وإذا رأيت أي: إذا رميت ببصرك، ونظرت، ثم يعني: الجنة، رأيت نعيما ~~لا يوصف، وملكا كبيرا قال مقاتل، والكلبي: هو ms1947 أن رسول رب العزة من الملائكة ~~لا يدخل عليهم إلا بإذنهم. # {عاليهم ثياب سندس} [الإنسان: 21] من نصب عاليهم جعله ظرفا، بمنزلة قولك ~~فوقهم ثياب سندس، ويجوز أن تكون نصبا على الحال من # PageV04P404 # قوله: {وجزاهم بما صبروا} [الإنسان: 12] ومن أسكن الياء كان في موضع رفع ~~بالابتداء، وخبره: ثياب سندس، خضر بالرفع صفة لقوله: ثياب وبالخفض صفة ~~لقوله: سندس وهو إن كان واحدا أريد به الجنس، وإستبرق فيه الجر والرفع ~~أيضا، فالجر من حيث عطف على السندس، ومن رفع أراد العطف على الثياب، وهذه ~~الآية مفسرة في { [الكهف،] وسقاهم ربهم شرابا طهورا} [سورة الإنسان: 21] ~~قال الفراء: يقول طهور ليس بنجس كما كانت في الدنيا مذكورة بالنجاسة. # والمعنى: أن ذلك الشراب طاهر، ليس كخمر الدنيا، قال مقاتل: هو عين ماء ~~على باب الجنة، من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غش، وغل، وحسد. # وقال أبو قلابة، وإبراهيم: يؤتون بالطعام، فإذا كان آخر ذلك أتوا بالشراب ~~الطهور، فيشربون، فتضمر بذلك بطونهم، ويغيض عرق من جلودهم مثل ريح المسك. # إن هذا يعني: ما وصف من نعيم أهل الجنة، {كان لكم جزاء} [الإنسان: 22] ~~بأعمالكم، وكان سعيكم عملكم في الدنيا بطاعة الله، مشكورا قال عطاء: يريد ~~شكرتكم عليه، وأثبتكم أفضل الثواب. # قوله: {إنا نحن نزلنا عليك القرءان تنزيلا {23} فاصبر لحكم ربك ولا تطع ~~منهم آثما أو كفورا {24} واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا {25} ومن الليل فاسجد ~~له وسبحه ليلا طويلا {26} إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ~~{27} نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا {28} } ~~[الإنسان: 23-28] . # PageV04P405 # {إنا نحن نزلنا عليك القرءان تنزيلا} [الإنسان: 23] يعني: فصلناه في ~~الإنزال، فلم ننزله جملة واحدة. # {فاصبر لحكم ربك} [الإنسان: 24] مفسر في مواضع، {ولا تطع منهم} [الإنسان: ~~24] من مشركي مكة، آثما يعني: عتبة بن ربيعة، أو كفورا يعني: الوليد بن ~~المغيرة، قالا له: ارجع عن هذا الأمر، ونحن نرضيك بالمال، والتزويج. # {واذكر اسم ربك} [الإنسان: 25] اذكره بالتوحيد في الصلاة، بكرة وأصيلا ~~يعني: الفجر والعصر. # {ومن الليل فاسجد له ms1948} [الإنسان: 26] يعني: المغرب والعشاء، {وسبحه ليلا ~~طويلا} [الإنسان: 26] يعني: التطوع بعد المكتوبة. # إن هؤلاء يعني: كفار مكة، يحبون العاجلة الدار العاجلة، وهي الدنيا، ~~ويذرون وراءهم يعني أمامهم، يوما ثقيلا عسيرا، شديدا، والمعنى: يتركونه، ~~فلا يؤمنون به، ولا يعملون له. # ثم ذكر قدرته، فقال: {نحن خلقناهم وشددنا أسرهم} [الإنسان: 28] الأسر: ~~شدة الخلق، يقال: شدد الله أسر فلان. # أي: قوى خلقه، قال الحسن: يعني: أوصالهم بعضا إلى بعض بالعروق والعصب. # وروي عن مجاهد، أنه قال في تفسير الأسر: الشرج، يعني: موضعي مصرفي البول ~~والغائط، إذا خرج الأذى تقبضتا. # {وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا} [الإنسان: 28] إذا شئنا أهلكناهم، ~~وأتينا بأشباههم، فجعلناهم بدلا منهم. # {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا {29} وما تشاءون إلا أن يشاء ~~الله إن الله كان عليما حكيما {30} يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد ~~لهم عذابا أليما {31} } [الإنسان: 29-31] . # إن هذه ال { [، تذكرة تذكير وموعظة،] فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا} [سورة ~~الإنسان: 29] بالإيمان، والطاعة. # {وما تشاءون} [الإنسان: 30] اتخاذ السبيل، {إلا أن يشاء الله} [الإنسان: ~~30] ذلك لكم، قال الزجاج: أي: لستم تشاءون إلا بمشيئة الله. # {يدخل من يشاء في رحمته} [الإنسان: 31] قال عطاء: من صدق نيته، أدخله ~~جنته. # والظالمين المشركين من كفار مكة، {أعد لهم عذابا أليما} [الإنسان: 31] . # PageV04P406 ### | تفسير سورة المرسلات # خمسون آية، مكية. ### | 1269 - # أخبرنا أبو محمد بن علي الخفاف، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر ~~بإسناده، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ ~~سورة والمرسلات كتب ليس من المشركين» . # بسم الله الرحمن الرحيم {والمرسلات عرفا {1} فالعاصفات عصفا {2} ~~والناشرات نشرا {3} فالفارقات فرقا {4} فالملقيات ذكرا {5} عذرا أو نذرا ~~{6} إنما توعدون لواقع {7} فإذا النجوم طمست {8} وإذا السماء فرجت {9} وإذا ~~الجبال نسفت {10} وإذا الرسل أقتت {11} لأي يوم أجلت {12} ليوم الفصل {13} ~~وما أدراك ما يوم الفصل {14} ويل يومئذ للمكذبين {15} } [المرسلات: 1-15] . # والمرسلات عرفا يعني: الرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس. # فالعاصفات عصفا يعني: الرياح الشديدة الهبوب. # والناشرات نشرا يعني: الرياح التي تأتي بالمطر، وهي تنشر ms1949 السحاب. # فالفارقات فرقا يعني: الملائكة تأتي بما يفرق بين الحق والباطل، والحلال ~~والحرام، وقال مجاهد: هي الريح تفرق بين السحاب فتبدده. # وقال قتادة: هي آي القرآن، فرقت بين الحق والباطل، والحلال والحرام. # وهو قول الحسن. # فالملقيات ذكرا يعني الملائكة تلقي الذكر إلى الأنبياء. # عذرا أو نذرا أي: للإعذار أو الإنذار، ومن أول ال { [إلى ههنا أقسام ~~ذكرها الله تعالى على قوله: إنما توعدون أي: من أمر الساعة والبعث، لواقع ~~لكائن. # ثم ذكر متى يقع فقال:] فإذا النجوم طمست} [سورة المرسلات: 8] محي نورها. # {وإذا السماء فرجت} [المرسلات: 9] شقت. # {وإذا الجبال نسفت} [المرسلات: 10] قلعت من مكانها، كقوله تعالى: {ينسفها ~~ربي نسفا} [طه: 105] . # {وإذا الرسل أقتت} [المرسلات: 11] الهمزة في أقتت بدل من الواو المضمومة، ~~وكل واو # PageV04P407 # انضمت وكانت ضمتها لازمة جاز إبدالها بالهمزة، كقولهم: أجوه وأدور. # ومن قرأ بالواو فهو على الأصل ولم يبدله، والمعنى: جمعت لوقتها، وهو يوم ~~القيامة ليشهدوا على الأمم، وهو قوله: {لأي يوم أجلت} [المرسلات: 12] أي: ~~أخرت، وضرب لهم الأجل لجمعهم يعجب العباد من ذلك اليوم. # ثم بين، فقال: {ليوم الفصل} [المرسلات: 13] قال ابن عباس: يوم يفصل ~~الرحمن بين الخلائق. # ثم عظم ذلك اليوم، فقال: {وما أدراك ما يوم الفصل} [المرسلات: 14] . # ثم ذكر حال الذين كذبوا بذلك اليوم، فقال: {ويل يومئذ للمكذبين} ~~[المرسلات: 15] . # ثم أخبر بما فعل بالكفار من الأمم الخالية، فقال: {ألم نهلك الأولين {16} ~~ثم نتبعهم الآخرين {17} كذلك نفعل بالمجرمين {18} ويل يومئذ للمكذبين {19} ~~ألم نخلقكم من ماء مهين {20} فجعلناه في قرار مكين {21} إلى قدر معلوم {22} ~~فقدرنا فنعم القادرون {23} ويل يومئذ للمكذبين {24} ألم نجعل الأرض كفاتا ~~{25} أحياء وأمواتا {26} وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا ~~{27} ويل يومئذ للمكذبين {28} } [المرسلات: 16-28] . # {ألم نهلك الأولين} [المرسلات: 16] قال مقاتل: يعني: بالعذاب في الدنيا، ~~حين كذبوا رسلهم. # {ثم نتبعهم الآخرين} [المرسلات: 17] يعني: كفار مكة حين كذبوا بمحمد. # كذلك الذي فعلنا بمن تقدم من الأمم، نفعل بالمجرمين بالمكذبين من أهل ~~مكة. # ثم ذكر بدو خلقهم، فقال: {ألم نخلقكم من ماء مهين} [المرسلات: 20] يعني: ~~النطفة. # {فجعلناه ms1950 في قرار مكين} [المرسلات: 21] يعني الرحم. # {إلى قدر معلوم} [المرسلات: 22] يعني: مدة الحمل. # فقدرنا قال الكلبي: يعني: خلقه كيف يكون قصيرا أو طويلا، ذكرا أو أنثى. # وفيه قراءتان: التخفيف والتشديد، قال الفراء: والمعنى فيهما واحد. # ومعنى: فنعم القادرون المقدرون. # ثم بين لهم صنعه ليعتبروا، فيوحدوه، فقال: {ألم نجعل الأرض كفاتا} ~~[المرسلات: 25] معنى الكفت في اللغة: الضم والجمع، يقال: كفت الشيء. # إذا ضمه وجمعه، ومن هذا يقال للجراب والقدر: كفت. # قال الفراء: تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم، ومنازلهم، وتكفتهم أمواتا ~~في بطنها، أي: تحوزهم. # وهو قوله: أحياء وأمواتا وهذا قول جماعة المفسرين. # {وجعلنا فيها رواسي} [المرسلات: 27] جبالا ثوابت، شامخات عاليات، وكل عال ~~فهو شامخ، {وأسقيناكم ماء فراتا} [المرسلات: 27] تقدم تفسير هذا في آيتين، ~~قال # PageV04P408 # مقاتل: وهذا كله أعجب من البعث. # قال الله تعالى: {ويل يومئذ للمكذبين} [المرسلات: 28] أي: بالبعث. # ثم ذكر ما يقال لهم في الآخرة، فقال: {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ~~{29} انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب {30} لا ظليل ولا يغني من اللهب {31} إنها ~~ترمي بشرر كالقصر {32} كأنه جمالت صفر {33} ويل يومئذ للمكذبين {34} هذا ~~يوم لا ينطقون {35} ولا يؤذن لهم فيعتذرون {36} ويل يومئذ للمكذبين {37} ~~هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين {38} فإن كان لكم كيد فكيدون {39} ويل ~~يومئذ للمكذبين {40} } [المرسلات: 29-40] . # {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} [المرسلات: 29] تقول لهم الخزنة: ~~انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون في الدنيا. # {انطلقوا إلى ظل} [المرسلات: 30] من دخان نار جهنم قد سطع، ثم افترق ثلاث ~~فرق، وهو قوله: {ذي ثلاث شعب} [المرسلات: 30] فكونوا فيه إلى أن يفرغ من ~~الحساب. # ثم وصف ذلك الظل، فقال: لا ظليل لا يظل من الحر، {ولا يغني من اللهب} ~~[المرسلات: 31] لا يدفع عنكم من حره شيئا، قال الكلبي: لا يرد لهب جهنم ~~عنكم، والمعنى: أنهم إذا استظلوا بذلك الظل، لم يدفع عنهم حر اللهب. # ثم وصف النار، فقال: {إنها ترمي بشرر كالقصر} [المرسلات: 32] يقال: شررة ~~وشرر. # وهي ما تطاير من النار متفرقا، والقصر: البناء العظيم كالحصن، ثم شبهه في ms1951 ~~لونه بالجمالات الصفر، فقال: كأنه جمالات صفر وهي جمع جمال، من قرأ جمالة ~~فهو جمع جمل، كما قالوا: حجر وحجارة. # والصفر معناها: السود في قول المفسرين. # قال الفراء: الصفر سود الإبل، لا ترى أسود من الإبل إلا وهو مشرب صفرة، ~~لذلك سمت العرب سود الإبل صفرا. # قوله: {هذا يوم لا ينطقون} [المرسلات: 35] قال المفسرون: إن في يوم ~~القيامة مواقف، ففي بعضها يختصمون ويتكلمون، وفي بعضها يختم على أفواهم فلا ~~يتكلمون. # أخبرنا أبو عمرو بن المروزي، فيما كتب إلي، أن أبا الفضل الحدادي، أخبرهم ~~عن محمد # PageV04P409 # بن يزيد، أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن قتادة، ~~قال: جاء رجل إلى عكرمة، فقال: أرأيت قول الله تعالى: {هذا يوم لا ينطقون} ~~[المرسلات: 35] وقوله: {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} [الزمر: 31] ~~. # قال: إنها مواقف منها، فتكلموا واختصموا، ثم ختم على أفواههم، فتكلمت ~~أيديهم وأرجلهم، فحينئذ لا ينطقون، وهو قوله: {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} ~~[المرسلات: 36] . # وهذا يوم الفصل بين أهل الجنة والنار، جمعناكم يعني: مكذبي هذه الأمة، ~~والأولين الذين كذبوا أنبياءهم. # {فإن كان لكم كيد فكيدون} [المرسلات: 39] قال مقاتل: يقول: إن كانت لكم ~~حيلة فاحتالوا لأنفسكم. # ثم ذكرالمؤمنين، فقال: {إن المتقين في ظلال وعيون {41} وفواكه مما يشتهون ~~{42} كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون {43} إنا كذلك نجزي المحسنين {44} ~~ويل يومئذ للمكذبين {45} كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون {46} ويل يومئذ ~~للمكذبين {47} وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون {48} ويل يومئذ للمكذبين {49} ~~فبأي حديث بعده يؤمنون {50} } [المرسلات: 41-50] . # {إن المتقين في ظلال} [المرسلات: 41] الشجر، وظلال أكنان القصور، وعيون ~~ماء. # {وفواكه مما يشتهون} [المرسلات: 42] ويقال لهم: {كلوا واشربوا هنيئا بما ~~كنتم تعملون} [المرسلات: 43] في الدنيا بطاعتي. # ثم قال لكفار مكة: {كلوا وتمتعوا قليلا} [المرسلات: 46] أي: في الدنيا ~~إلى منتهى آجالكم، {إنكم مجرمون} [المرسلات: 46] مشركون بالله. # {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} [المرسلات: 48] إذا أمروا بالصلوات ~~الخمس، لا يصلون. # {فبأي حديث بعده يؤمنون} [المرسلات: 50] يقول: إن لم يصدقوا بهذا القرآن، ~~فبأي كتاب يصدقون، ولا كتاب بعد القرآن؟ # PageV04P410 ### | تفسير ms1952 سورة النبإ # أربعون آية، مكية. ### | 1270 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي الحيري، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر الحيري ~~بإسناده، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ ~~سورة عم يتساءلون سقاه الله عز وجل برد الشراب يوم القيامة» . # بسم الله الرحمن الرحيم {عم يتساءلون {1} عن النبإ العظيم {2} الذي هم ~~فيه مختلفون {3} كلا سيعلمون {4} ثم كلا سيعلمون {5} ألم نجعل الأرض مهادا ~~{6} والجبال أوتادا {7} وخلقناكم أزواجا {8} وجعلنا نومكم سباتا {9} وجعلنا ~~الليل لباسا {10} وجعلنا النهار معاشا {11} وبنينا فوقكم سبعا شدادا {12} ~~وجعلنا سراجا وهاجا {13} وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا {14} لنخرج به حبا ~~ونباتا {15} وجنات ألفافا {16} } [النبأ: 1-16] . # {عم يتساءلون} [النبأ: 1] أصله: عن ما، فأدغمت النون في الميم، وحذفت ألف ~~ما، كقولهم: فيم وبم. # قال المفسرون: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبرهم بتوحيد ~~الله، والبعث بعد الموت، وتلا عليهم القرآن، جعلوا يتساءلون بينهم، ~~فيقولون: ماذا جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟ وما الذي أتى به؟ فأنزل ~~الله عز وجل: {عم يتساءلون} [النبأ: 1] . # قال الزجاج: اللفظ لفظ استفهام، والمعنى: تفخيم القصة، كما تقول: أي شيء ~~زيد؟ إذا عظمت شأنه. # ثم ذكر أن يسألهم عما ذا فقال: {عن النبإ العظيم} [النبأ: 2] وهو: القرآن ~~في قول الجميع. # ومعناه: الخبر العظيم الشأن، لأنه ينبئ على التوحيد، وتصديق الرسول، ~~والخبر عما يجوز وعما لا يجوز، وعن البعث والنشور، وقال الضحاك: يعني نبأ ~~يوم القيامة. # ويدل على أن المراد به القرآن، قوله: {الذي هم فيه مختلفون} [النبأ: 3] ~~وذلك أنهم اختلفوا في القرآن، فجعله # PageV04P411 # بعضهم سحرا، وبعضهم كهانة وشعرا، وبعضهم أساطير الأولين. # ثم أوعد الله من كذب بالقرآن، فقال: كلا وهو نفي لاختلافهم، أي: ليس ~~الأمر على ما قالوا، سيعلمون عاقبة تكذيبهم، حين تنكشف الأمور. # {ثم كلا سيعلمون} [النبأ: 5] وعيد على أثر وعيد. # ثم ذكر صنعه، ليعرفوا توحيده، فقال: {ألم نجعل الأرض مهادا} [النبأ: 6] ~~فراشا، وبساطا، والجبال أوتادا للأرض حتى لا تميد. ### | 1271 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الواعظ، أنا محمد بن ms1953 عبد الله الحافظ، أنا ~~محمد بن يعقوب الشيباني، نا حامد بن أبي حامد المقرئ، نا إسحاق بن سليمان، ~~نا طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: لما أراد الله أن يخلق الخلق ~~مد الأرض حتى بلغت ما شاء الله من الطول والعرض، قال: وكانت هكذا تميد، ~~وأراني ابن عباس بيده هكذا وهكذا قال: فجعل الله {والجبال أوتادا} [النبأ: ~~7] وكان أبو قبيس من أول جبل وضع على الأرض. # وخلقناكم أزواجا ذكرانا وإناثا. # {وجعلنا نومكم سباتا} [النبأ: 9] قال الزجاج: السبات هو أن ينقطع عن ~~الروح والحركة في بدنه، أي: جعلنا نومك راحة لكم. # وقال ابن الأنباري: جعلنا نومك قطعا لأعمالكم، لأن أصل السبت القطع. # {وجعلنا الليل لباسا} [النبأ: 10] ساترا بظلمته ستر اللباس من الثوب. # {وجعلنا النهار معاشا} [النبأ: 11] المعاش: العيش، وكل شيء يعاش به فهو ~~معاش، والمعنى: وجعلنا النهار مبتغى معاش، أو مطلب معاش، قال عطاء، عن ابن ~~عباس: يريد: تبتغون فيه من فضل ربكم، وما قسم لكم فيه من رزقه. # {وبنينا فوقكم سبعا شدادا} [النبأ: 12] يريد: سبع سموات، غلظ كل واحدة ~~مسيرة خمس مائة عام. # {وجعلنا سراجا وهاجا} [النبأ: 13] يعني: الشمس، قال الزجاج: الوهاج: ~~الوقاد، وهو الذي وهج، يقال: وهجت تهج، وهجا ووهجانا. # PageV04P412 # قال مقاتل: جعل فيه نورا وحرا، والوهج يجمع النور والحرارة. # {وأنزلنا من المعصرات} [النبأ: 14] قال مجاهد، ومقاتل، والكلبي، وقتادة: ~~يعني الرياح. # وقال الأزهري: هي الرياح ذوات الأعاصير. # ومن معناه الباء، كأنه قال: بالمعصرات، وذلك أن الريح تستدر المطر. # وقال أبو العالية، والربيع، والضحاك: هي السحاب. # وهي رواية الوالبي، عن ابن عباس. # قال الفراء: المعصر: السحابة التي تتجلب المطر. # وقوله: ماء ثجاجا أي: صبابا، يقال: ثج الماء يثج ثجوجا. # إذا انصب. # لنخرج به أي: بذلك الماء، حبا وهو ما يأكله الناس، ونباتا ما تنبته ~~الأرض، مما يأكل الناس، والأنعام. # وجنات ألفافا ملتفة من الشجر، واحدها: لف، بالكسر، وقال أبو العباس: ~~واحدها لفا: وحمعها لف. # ثم يجمع ألفافا. # {إن يوم الفصل كان ميقاتا {17} يوم ينفخ في الصور فتأتون ms1954 أفواجا {18} ~~وفتحت السماء فكانت أبوابا {19} وسيرت الجبال فكانت سرابا {20} إن جهنم ~~كانت مرصادا {21} للطاغين مآبا {22} لابثين فيها أحقابا {23} لا يذوقون ~~فيها بردا ولا شرابا {24} إلا حميما وغساقا {25} جزاء وفاقا {26} إنهم ~~كانوا لا يرجون حسابا {27} وكذبوا بآياتنا كذابا {28} وكل شيء أحصيناه ~~كتابا {29} فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا {30} } [النبأ: 17-30] . # {إن يوم الفصل} [النبأ: 17] يوم القضاء بين الخلق، {كان ميقاتا} [النبأ: ~~17] لما وعد الله من الثواب، والعقاب. # {يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا} [النبأ: 18] زمرا من كل مكان للحساب. # وفتحت السماء لنزول الملائكة، فكانت أبوابا أي: ذات أبواب. # {وسيرت الجبال} [النبأ: 20] عن أماكنهم، فكانت سرابا أي: هباء منبثا لعين ~~الناظر، كالسراب بعد شدتها وصلابتها. # {إن جهنم كانت مرصادا} [النبأ: 21] قال الزهري: المرصاد: المكان الذي ~~يرصد الراصد فيه العدو. # وقال المبرد: مرصادا يرصدون به، أي: هو معد لهم، يرصد بها خزنتها الكفار. # ثم بين أنها مرصاد لمن، فقال: {للطاغين} [النبأ: 22] قال ابن عباس: ~~للمشركين الضالين. # {مآبا} [النبأ: 22] مرجعا يرجعون إليه. # {لابثين فيها} [النبأ: 23] وقرأ حمزة لبثين فيها وهما بمعنى واحد، مثل # PageV04P413 # طمع وطامع، وفره وفاره، أحقابا واحدها حقب، وهو ثمانون سنة، وقد مضى ~~الكلام فيه، قال المفسرون: الحقب الواحد بضع وثمانون سنة، السنة ثلاث مائة ~~وستون يوما، اليوم ألف سنة من أيام الدنيا. # وقال الحسن: لم يجعل الله لأهل النار مدة، بل قال: {أحقابا} [النبأ: 23] ~~فوالله ما هو إلا أنه إذا مضى حقب، دخل آخر ثم آخر، كذلك إلى الأبد. ### | 1272 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن الحسن التاجر، أنا أبو محمد كوهي بن الحسن، ~~نا محمد بن هارون الحضرمي، نا زياد بن أبي زياد هو البصري، نا سليمان بن ~~مسلم، نا سليمان التيمي، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «ولا يخرج من النار من دخلها حتى يمكث فيها أحقابا، والحقب بضع ~~وستون سنة والسنة ثلاث مائة وستون يوما، كل يوم كألف سنة مما تعدون، فلا ~~يتكلن على أن يخرج من النار» . ### | 1273 - # أخبرنا أبو محمد بن عمر الخشاب ms1955، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، أنا ~~أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، نا عبد الرحمن بن صالح الأودي، نا الحكم بن ~~ظهير، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله رفعه قال: لو علم أهل النار أنهم ~~يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا، ولو علم أهل الجنة أنهم يلبثون في ~~الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا # {لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا} [النبأ: 24] قال ابن عباس: يريد النوم ~~والماء. # PageV04P414 # وقال مقاتل: لا يذوقون في جهنم بردا ينفعهم من حرها، ولا شرابا ينفعهم من ~~عطشها. # {إلا حميما وغساقا} [النبأ: 25] تقدم تفسيرها. # {جزاء وفاقا} [النبأ: 26] قال مقاتل: وافق عذاب النار الشرك، لأنهما ~~عظيمان، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار. # وقال الزجاج: أي: جوزوا جزاء وفق أعمالهم. # ثم أخبر عنهم، فقال: {إنهم كانوا لا يرجون حسابا} [النبأ: 27] لا يخافون ~~أن يحاسبوا، والمعنى: كانوا لا يؤمنون بالبعث، ولا بأنهم يحاسبون. # {وكذبوا بآياتنا} [النبأ: 28] بما جاءت به الأنبياء، كذابا تكذبيا، وفعال ~~من مصادر التفعيل، قال الفراء: هي لغة فصيحة يمانية، قال لي أعرابي منهم ~~على المروة يستفتيني: الحلق أحب إليك أم القصار؟ {وكل شيء أحصيناه كتابا} ~~[النبأ: 29] أي: وكل شيء من الأعمال بيناه في اللوح المحفوظ، كقوله: {وكل ~~شيء أحصيناه في إمام مبين} [يس: 12] . # فذوقوا أي: فيقال لهم: ذوقوا جزاء ما كنتم تعملون، فلن نزيدكم إلا عذابا. # {إن للمتقين مفازا {31} حدائق وأعنابا {32} وكواعب أترابا {33} وكأسا ~~دهاقا {34} لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا {35} جزاء من ربك عطاء حسابا ~~{36} } [النبأ: 31-36] . # إن للمتقين الذين لم يجعلوا لله شريكا، مفازا فوزا بالجنة، ونجاة من ~~النار. # ثم فسر ذلك الفوز، فقال: حدائق وأعنابا يعني: أشجار الجنة، وثمارها، ~~وكواعب جواري تكعبت ثديهن، أترابا مستويات في السن. # وكأسا دهاقا ممتلئة. ### | 1274 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو محمد بن حيان، نا أبو يحيى الرازي، نا ~~سهل بن عثمان العسكري، نا مروان بن معاوية، عن يحيى بن ميسرة، عن مسلم بن ~~نسطاس، # PageV04P415 # قال: دعا ابن عباس غلاما، فقال: اسقنا ms1956 دهاقا فجاء الغلام بها ملأى، فقال ~~ابن عباس: هذا الدهاق، وقال سعيد بن جبير ومجاهد: هي المتتابعة. # أخبرنا عمرو بن أبي عمرو، أنا جدي، أنا محمد بن إسحاق الثقفي، نا قتيبة، ~~نا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: {وكأسا دهاقا} [النبأ: 34] قال: ~~ممتلئة. # {لا يسمعون فيها} [النبأ: 35] يعني: في الجنة إذا شربوها، {لغوا} [النبأ: ~~35] باطلا من الكلام، ولا كذابا ولا يكذب بعضهم بعضا، قال ابن عباس: وذلك ~~أن أهل الدنيا، إذا شربوا الخمر تكلموا بالباطل، وأهل الجنة إذا شربوا لم ~~يتكلموا عليها بشيء يكرهه الله عز وجل. # وروي عن الكسائي التخفيف في هذه الآية، قال الفراء: وهو حسن المعنى، لا ~~يكذب بعضهم بعضا. # قال أبو عبيدة: الكذاب: مخفف مصدر المكاذبة. # وقال أبو علي: هو مصدر كذب، كالكتاب في مصدر كتب. # {جزاء من ربك} [النبأ: 36] قال الزجاج: المعنى: جازاهم بذلك جزاء. # وكذلك: {عطاء} [النبأ: 36] أي: وأعطاهم عطاء، {حسابا} [النبأ: 36] قال ~~أبو عبيدة: كافيا. # وقال ابن قتيبة: كثيرا، يقال: أحسبت فلانا. # أي: أكثرت له وأعطيته ما يكفيه. # قال الزجاج: أي في ذلك الجزاء كل ما يشتهون. # {رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا {37} يوم يقوم ~~الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا {38} ذلك ~~اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا {39} إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ~~ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا {40} } [النبأ: ~~37-40] . # {رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن} [النبأ: 37] فيه ثلاثة أوجه من ~~القراءة: رفعهما بالقطع من الخبر الذي قبله رب السموات ابتداء، الرحمن ~~خبره، وخفضهما باتباع الجر الذي قبلهما، وهو قوله: من ربك، ومن خفض الأول ~~أتبعه الجر الذي قبله، واستأنف بقوله: الرحمن، وجعل لا يملكون في # PageV04P416 # موضع خبره، ومعنى: {لا يملكون منه خطابا} [النبأ: 37] قال مقاتل: لا يقدر ~~الخلق على أن يكلموا الرب إلا بإذنه. # قوله: {يوم يقوم الروح} [النبأ: 38] أي: في ذلك اليوم، قال مجاهد، ~~وقتادة، وأبو صالح: الروح خلق من خلق الله عز ms1957 وجل على صورة بني آدم، وليسوا ~~بناس يقومون صفا والملائكة صفا، هؤلاء جند وهؤلاء جند. # وقال عطاء، عن ابن عباس: الروح ملك من الملائكة، ما خلق الله مخلوقا أعظم ~~منه، فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا، وقامت الملائكة كلهم صفا ~~واحدا، فيكون عظم صفه مثل صفوفهم. # لا يتكلمون يعني: الخلق كلهم، {إلا من أذن له الرحمن} [النبأ: 38] وهم: ~~المؤمنون، والملائكة، وقال في الدنيا، صوابا أي: شهد بالتوحيد، وقال: لا ~~إله إلا الله. # {ذلك اليوم الحق} [النبأ: 39] الكائن، الواقع، يعني: يوم القيامة، {فمن ~~شاء اتخذ إلى ربه مآبا} [النبأ: 39] مرجعا بالطاعة، أي: فمن شاء رجع إلى ~~الله بطاعته. # ثم خوف كفار مكة، فقال: {إنا أنذرناكم عذابا قريبا} [النبأ: 40] يعني: ~~العذاب في الآخرة، وكل ما هو آت قريب، {يوم ينظر المرء ما قدمت يداه} ~~[النبأ: 40] يعني: أن كل أحد يرى عمله في ذلك اليوم، ما قدم من خير وشر ~~مثبتا عليه في صحيفته، فيرجو ثواب الله على صالح عمله، ويخاف العقاب على ~~سوء عمله، وأما الكافر فإنه يقول: {يا ليتني كنت ترابا} [النبأ: 40] قال ~~الحسن: إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة، فقضى بين الثقلين الجن والإنس، ~~وأنزلهم منازلهم، قال لسائر الخلق: كونوا ترابا. # فكانوا ترابا، فحينئذ يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا. # وقال الزجاج: وقيل: إن معنى: {يا ليتني كنت ترابا} [النبأ: 40] أي: ليتني ~~لم أبعث. # PageV04P417 ### | تفسير سورة النازعات # أربعون وست آيات، مكية. ### | 1275 - # أخبرنا أبو عثمان الزعفراني، أنا أبو عمرو السختياني بإسناده، عن أبي بن ~~كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة والنازعات لم ~~يكن حبسه أو حسابه في القيامة إلا كقدر صلاة مكتوبة حتى يدخل الجنة» . # بسم الله الرحمن الرحيم {والنازعات غرقا {1} والناشطات نشطا {2} ~~والسابحات سبحا {3} فالسابقات سبقا {4} فالمدبرات أمرا {5} يوم ترجف ~~الراجفة {6} تتبعها الرادفة {7} قلوب يومئذ واجفة {8} أبصارها خاشعة {9} ~~يقولون أئنا لمردودون في الحافرة {10} أئذا كنا عظاما نخرة {11} قالوا تلك ~~إذا كرة خاسرة {12} فإنما هي زجرة واحدة {13} فإذا هم بالساهرة {14} } ~~[النازعات: 1-14] . # والنازعات غرقا ms1958 يعني: الملائكة الذين ينزعون أرواح الكفار عن أبدانهم، ~~كما يغرق النازع في القوس، فيبلغ بها غاية المد، والغرق اسم أقيم مقام ~~الإغراق. # والناشطات نشطا هم الملائكة، ينشطون روح الكافر من قدميه إلى حلقه نشطا، ~~كما ينشط الصوف من سفود الحديد، والنشط الجذب، يقال: نشطت الدلو نشطا. # إذا نزعتها. # والسابحات سبحا يعني: الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلونها سلا رفيقا، ~~ثم يدعونها حتى تستريح، كالسابح بالشيء في الماء يرفق به، وقال أبو صالح، ~~ومجاهد: هم: الملائكة ينزلون من السماء مسرعين، كالفرس الجواد السابح. # فالسابقات سبقا هم الملائكة سبقت ابن آدم بالخير، والعمل الصالح، ~~والإيمان، والتصديق. # فالمدبرات أمرا يعني: جبريل، وميكائيل، وملك الموت، وإسرافيل، يدبرون أمر ~~الله في أهل الأرض، قال عطاء، عن ابن عباس: هم الملائكة وكلوا بأمور عرفهم ~~الله العمل بها. # وقال عبد الرحمن بن سابط: أما جبريل فوكل بالرياح والجنود، وأما ميكائيل ~~فوكل بالقطر والنبات، وأما ملك الموت فوكل بقبض الأنفس، وأما إسرافيل فهو ~~يتنزل بالأمر عليهم. # وجواب هذه الأقسام محذوف على تقدير: لتبعثن، # PageV04P418 # ولتحاسبن. # {يوم ترجف الراجفة} [النازعات: 6] يعني: النفخة الأولى التي تموت فيها ~~جميع الخلائق، والراجفة: صيحة عظيمة، فيها تردد واضطراب، كالرعد إذا تمخض. # تتبعها الرادفة يعني: النفخة الثانية ردفت النفخة الأولى. # {قلوب يومئذ واجفة} [النازعات: 8] مضطربة، قلقة، لما عاينت من أهوال يوم ~~القيامة. # أبصارها خاشعة ذليلة، وذلك عند معاينة النار، كقوله: {خاشعين من الذل} ~~[الشورى: 45] الآية، قال عطاء: يريد أبصار من مات على غير الإسلام. # ويدل على هذا أنه ذكر منكري البعث، فقال: {يقولون أئنا لمردودون في ~~الحافرة} [النازعات: 10] أنرد إلى أول حالنا، وابتداء أمرنا، فنصير أحياء ~~كما كنا! يقال: رجع فلان من حافرته. # أي: رجع من حيث جاء، والحافرة عند العرب اسم لأول الشيء، وابتداء الأمر. # أئذا كنا عظاما ناخرة ونخرة، أي: بالية، يقال نخر العضم، ينخر فهو ناخر. # ونخر إذا بلي وتفتت، قال الأخفش: هما جميعا لغتان أيهما قرأت فحسن. # والمعنى: أنهم أنكروا البعث، فقالوا: أنرد أحياء إذا متنا، وبليت عظامنا! ~~{قالوا تلك إذا كرة ms1959 خاسرة} [النازعات: 12] قالوا: إن رددنا بعد الموت، ~~لنخسرن بما يصيبنا بعد الموت مما يقول محمد. # ثم أعلم الله تعالى سهولة البعث عليه، فقال: {فإنما هي} [النازعات: 13] ~~يعني: النفخة الأخيرة، {زجرة واحدة} [النازعات: 13] صيحة واحدة من إسرافيل، ~~يسمعونها وهم في بطون الأرض أموات فيحيون. # وهو قوله: {فإذا هم بالساهرة} [النازعات: 14] يعني: وجه الأرض وظهرها في ~~قول الجميع. # قوله: {هل أتاك حديث موسى {15} إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى {16} اذهب ~~إلى فرعون إنه طغى {17} فقل هل لك إلى أن تزكى {18} وأهديك إلى ربك فتخشى ~~{19} فأراه الآية الكبرى {20} فكذب وعصى {21} ثم أدبر يسعى {22} فحشر فنادى ~~{23} فقال أنا ربكم الأعلى {24} فأخذه الله نكال الآخرة والأولى {25} إن في ~~ذلك لعبرة لمن يخشى {26} } [النازعات: 15-26] . # هل أتاك يقول: هل جاءك يا محمد: حديث موسى {إذ ناداه ربه} [النازعات: 16] ~~دعاه ربه، فقال: يا موسى {اذهب إلى فرعون إنه طغى} [النازعات: 17] علا، ~~وتكبر، وكفر بالله. # {فقل هل لك إلى أن تزكى} [النازعات: 18] تتطهر من الشرك، وقال ابن عباس: ~~تشهد أن لا إله إلا الله. # {وأهديك إلى ربك} [النازعات: 19] أدعوك إلى عبادته، وتوحيده، فتخشى ~~عقابه؟ {فأراه الآية الكبرى} [النازعات: 20] يعني: اليد، والعصا، فكذب ~~بأنهما من عند الله، # PageV04P419 # وعصى نبيه، فلم يطعه. # ثم أدبر أعرض عن الإيمان، يسعى يعمل بالفساد في الأرض. # فحشر فجمع قومه، وجنوده، فنادى لما اجتمعوا. # {فقال أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24] أي: لا رب فوقي. ### | 1276 - # أخبرنا أبو الحسن المؤمل بن محمد السواري، أنا محمد بن عبد الله الحافظ، ~~نا موسى بن إسماعيل القاضي، نا محمد بن أحمد بن البراء، نا عبد المنعم بن ~~إدريس، نا عبد الصمد بن معقل، عن أبيه، عن وهب بن منبه، عن ابن عباس، قال: ~~قال موسى: يا رب أمهلت فرعون أربع مائة سنة وهو يقول: {أنا ربكم الأعلى} ~~[النازعات: 24] يكذب بآياتك ويجحد رسلك فأوحى الله تعالى إليه أنه كان حسن ~~الخلق سهل الحجاب، فأحببت أن أكافئه # قوله: {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى} [النازعات: 25] يعني بالآخرة ~~والأولى: كلمتى فرعون، حين قال: ما علمت لكم ms1960 من إله غيري، وقوله: {أنا ربكم ~~الأعلى} [النازعات: 24] وكان بينهما أربعون سنة. # أخبرنا أبو نصر بن عباس، أنا إسماعيل بن نجيد، نا محمد بن إبراهيم بن ~~سعيد، نا أمية بن بسطام، نا يزيد بن زريع، نا روح، عن ابن أبي نجيح، عن ~~مجاهد: الآخرة والأولى قول فرعون: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24] و {ما ~~علمت لكم من إله غيري} [القصص: 38] . # وهذا قول الأكثرين. # وقال الحسن، وقتادة: جعله الله نكال الدنيا والآخرة، أغرقه في الدنيا، ~~وعذبه في الآخرة. # {إن في ذلك} [النازعات: 26] الذي فعل بفرعون، حين كذب وعصى، لعبرة عظة، ~~{لمن يخشى} [النازعات: 26] الله. # ثم خاطب منكري البعث، فقال: {أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها {27} رفع ~~سمكها فسواها {28} وأغطش ليلها وأخرج ضحاها {29} والأرض بعد ذلك دحاها {30} ~~أخرج منها ماءها ومرعاها {31} والجبال أرساها {32} متاعا لكم ولأنعامكم ~~{33} } [النازعات: 27-33] . # {أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها} [النازعات: 27] يعني: أخلقكم بعد الموت ~~أشد عندكم، أم السماء في تقديركم، وهما في قدرة الله تعالى واحد؟ ! وهذا ~~كقوله: {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس} [غافر: 57] ثم وصف خلق ~~السماء، فقال: {بناها {27} رفع سمكها} [النازعات: 27-28] سقفها، وما ارتفع ~~منها، فسواها بلا شقوق، ولا فطور. # وأغطش ليلها جعله مظلما، والغطش: # PageV04P420 # الظلمة. # وأخرج ضحاها أبرز نهارها، وأضافهما إلى السماء لأن الظلمة والنور كلاهما ~~ينزل من السماء. # {والأرض بعد ذلك} [النازعات: 30] بعد خلق السماء، دحاها بسطها، من الدحو ~~وهو البسط. # {أخرج منها ماءها} [النازعات: 31] قال ابن عباس: فجر الأنهار، والبحار، ~~والعيون. # ومرعاها ما يأكل الناس والأنعام، وهو قوله: {متاعا لكم ولأنعامكم} ~~[النازعات: 33] . # {فإذا جاءت الطامة الكبرى {34} يوم يتذكر الإنسان ما سعى {35} وبرزت ~~الجحيم لمن يرى {36} فأما من طغى {37} وآثر الحياة الدنيا {38} فإن الجحيم ~~هي المأوى {39} وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى {40} فإن الجنة ~~هي المأوى {41} يسألونك عن الساعة أيان مرساها {42} فيم أنت من ذكراها {43} ~~إلى ربك منتهاها {44} إنما أنت منذر من يخشاها {45} كأنهم يوم يرونها لم ~~يلبثوا إلا عشية أو ضحاها {46} } [النازعات: 34-46] . # {فإذا جاءت الطامة الكبرى} [النازعات: 34] يعني: النفخة ms1961 الثانية التي ~~فيها البعث، والطامة: الحادثة التي تطم على ما سواها، أي: تعلو فوقه، ومن ~~هذا يقال: فوق كل طامة، والقيامة تطم على كل شيء. # {يوم يتذكر الإنسان ما سعى} [النازعات: 35] ما عمل من خير وشر. # {وبرزت الجحيم لمن يرى} [النازعات: 36] قال مقاتل: يكشف عنها الغطاء، ~~فينظر إليها الخلق. # ثم ذكر مأوى الفريقين، فقال: {فأما من طغى} [النازعات: 37] في كفره، ~~{وآثر الحياة الدنيا} [النازعات: 38] على الآخرة، {فإن الجحيم هي المأوى ~~{39} وأما من خاف مقام ربه} [النازعات: 39-40] تقدم تفسيره، {ونهى النفس عن ~~الهوى} [النازعات: 40] عن المحارم التي تشتهيها، قال مقاتل: هو الرجل يهم ~~بالمعصية، فيذكر مقامه للحساب فيتركها. # قوله: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها} [النازعات: 42] متى وقوعها، ~~وقيامها. # {فيم أنت من ذكراها} [النازعات: 43] لست في شيء من عملها، وذكرها أي: لا ~~تعلمها. # {إلى ربك منتهاها} [النازعات: 44] منتهى علمها. # {إنما أنت منذر من يخشاها} [النازعات: 45] إنما أنت مخوف من يخاف قيامها، ~~أي: إنما ينفع إنذارك من يخافها، فأما من لا يخاشها، فكأنك لم تنذره، قال ~~الفراء: والتنوين وتركه في: {منذر} [النازعات: 45] صواب، كقوله: {بالغ ~~أمره} [الطلاق: 3] وبالغ أمره و {موهن كيد الكافرين} [الأنفال: 18] وموهن ~~كيد كأنهم يعني: كفار قريش، يوم يرونها يعاينون القيامة، لم يلبثوا في ~~الدنيا، {إلا عشية أو ضحاها} [النازعات: 46] إلا قدر آخر نهار أو أوله، ~~كقوله: {يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} [الأحقاف: 35] وقد ~~مر بيانه، والمعنى: أن ما أنكروه سيرونه، حتى كأنهم لم يلبثوا في الدنيا ~~إلا ساعة ثم مضت، كأنها لم تكن. # PageV04P421 ### | تفسير سورة عبس # أربعون وثنتان آية، مكية. ### | 1277 - # أخبرنا أبو عثمان الحيري، أنا أبو عمرو بن مطر بإسناده عن أبي بن كعب، أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ومن قرأ سورة عبس وتولى جاء يوم القيامة ~~ووجهه ضاحك مستبشر» . # بسم الله الرحمن الرحيم {عبس وتولى {1} أن جاءه الأعمى {2} وما يدريك ~~لعله يزكى {3} أو يذكر فتنفعه الذكرى {4} أما من استغنى {5} فأنت له تصدى ~~{6} وما عليك ألا يزكى {7} وأما من جاءك يسعى {8} وهو ms1962 يخشى {9} فأنت عنه ~~تلهى {10} كلا إنها تذكرة {11} فمن شاء ذكره {12} في صحف مكرمة {13} مرفوعة ~~مطهرة {14} بأيدي سفرة {15} كرام بررة {16} } [عبس: 1-16] . # عبس يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، وتولى أعرض، أن جاءه لأن جاءه، ~~الأعمى وهو ابن أم مكتوم، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده رهط من أشراف ~~قريش، وهو مقبل عليهم يدعوهم إلى الله، وإلى الإسلام، ويرجو أن يجيبوه إلى ~~ذلك، إذ أتى الأعمى، فجعل يناديه وهو يقول: علمني يا رسول الله مما علمك ~~الله. # ولا يدري أنه مشتغل عنه بغيره، فكلح النبي صلى الله عليه وسلم، وأعرض ~~عنه، فأنزل الله تعالى هذه الآيات. # {وما يدريك لعله يزكى} [عبس: 3] يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح، وما ~~يتعلمه منك. # أو يذكر يتذكر، فيتعظ بما تعلمه من مواعظ القرآن، {فتنفعه الذكرى} [عبس: ~~4] ومن قرأ بالنصب فعلى جواب لعل. # {أما من استغنى} [عبس: 5] قال ابن عباس: عن الله تعالى، وعن الإيمان، بما ~~له من المال. # {فأنت له # PageV04P422 # تصدى} [عبس: 6] تقبل عليه بوجهك، وتميل إليه، يقال: تصدى له. # أي: تعرض له، وفيه قراءتان: التشديد على الإدغام، والتخفيف على الحذف. # {وما عليك ألا يزكى} [عبس: 7] أي: أن لا يؤمن ولا يهتدى، والمعنى: أي شيء ~~عليك في ألا يسلم؟ فإنه ليس عليك إلا البلاغ. # {وأما من جاءك يسعى} [عبس: 8] يعمل في الخير، يعني: ابن أم مكتوم. # وهو يخشى الله عز وجل. # {فأنت عنه تلهى} [عبس: 10] تتشاغل، وتعرض عنه. # كلا لا تفعل ذلك، إنها إن آيات القرآن، تذكرة تذكير للخلق. # {فمن شاء ذكره} [عبس: 12] قال ابن عباس: فمن شاء الله ألهمه وفهمه القرآن ~~حتى يذكره ويتعظ به. # ثم أخبر بجلالته عنده، فقال: في صحف كتب، مكرمة قال المفسرون: يعني: ~~اللوح المحفوظ. # مرفوعة يعني: في السماء السابعة، مطهرة لا يمسها إلا المطهرون، وهم ~~الملائكة. # بأيدي سفرة يعني: الكتبة من الملائكة، واحدهم سافر، مثل: كاتب وكتبة، ~~وقال الفراء: السفرة ههنا الملائكة الذين يسفرون بالوحي بين الله وبين ~~رسله، من السفارة وهي السعي بين القوم. # ثم أثنى عليهم، فقال: كرام ms1963 أي: على ربهم، بررة مطيعين، جمع بار، قال ~~مقاتل: كان ينزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ~~إلى الكتبة من الملائكة، ثم ينزل به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم. # {قتل الإنسان ما أكفره {17} من أي شيء خلقه {18} من نطفة خلقه فقدره {19} ~~ثم السبيل يسره {20} ثم أماته فأقبره {21} ثم إذا شاء أنشره {22} كلا لما ~~يقض ما أمره {23} فلينظر الإنسان إلى طعامه {24} أنا صببنا الماء صبا {25} ~~ثم شققنا الأرض شقا {26} فأنبتنا فيها حبا {27} وعنبا وقضبا {28} وزيتونا ~~ونخلا {29} وحدائق غلبا {30} وفاكهة وأبا {31} متاعا لكم ولأنعامكم {32} } ~~[عبس: 17-32] . # قوله: قتل الإنسان يقول: لعن الكافر. # يعني: عتبة بن أبي لهب، ما أكفره ما أشد كفره بالله، قال الزجاج: معناه: ~~اعجبوا أنتم من كفره. # ثم بين من أمره ما كان ينبغي معه أن يعلم أن الله خالقه، فقال: {من أي ~~شيء خلقه} [عبس: 18] لفظه استفهام، ومعناه التقرير. # ثم فسر، فقال: {من نطفة خلقه فقدره} [عبس: 19] أطوارا نطفة، ثم علقة إلى ~~آخر خلقه، وذكرا أو أنثى، وشقيا أم سعيدا، وقال الكلبي: قدر خلقه، ورأسه، ~~وعينيه، # PageV04P423 # ويديه، ورجليه. # {ثم السبيل يسره} [عبس: 20] قال السدي، ومقاتل: أخرجه من الرحم، وهداه ~~للخروج من بطن أمه. # {ثم أماته فأقبره} [عبس: 21] جعل له قبرا يوارى فيه، ولم يجعله ممن يلقى ~~للسباع والطير. # {ثم إذا شاء أنشره} [عبس: 22] بعثه بعد الموت. # كلا قال الحسن: حقا. # {لما يقض ما أمره} [عبس: 23] ما عهد إليه في الميثاق الأول، ولما ذكر خلق ~~ابن آدم ذكر رزقه ليعتبر، فقال: {فلينظر الإنسان إلى طعامه} [عبس: 24] ~~لينظر كيف خلق الله طعامه، الذي جعله سببا لحياته. # ثم بين، فقال: {أنا صببنا الماء صبا} [عبس: 25] ومن فتح أنا فقال الزجاج: ~~الكسر على الابتداء، والاستئناف، والفتح على معنى البدل من الطعام، المعنى: ~~فلينظر الإنسان إلى أنا صببنا الماء صبا. # وأراد بصب الماء المطر. # {ثم شققنا الأرض شقا} [عبس: 26] بالنبات. # {فأنبتنا فيها حبا} [عبس: 27] يعني: الحبوب التي يتغذى بها. # وعنبا وقضبا وهو القت الرطب يقضب مرة بعد أخرى، يقطع ms1964 يكون علقا للدواب. # وزيتونا وهو ما يعتصر منه الزيت، ونخلا جمع نخلة. # وحدائق غلبا يريد: الشجر العظام، الغلاظ الرقاب، وقال مجاهد، ومقاتل: ~~الغلب الملتفة الشجر بعضه في بعض. # وفاكهة يعني: ألوان الفاكهة، وأبا وهو المرعى، والكلأ الذي لم يزرعه ~~الناس مما يأكله الأنعام. # {متاعا لكم ولأنعامكم} [عبس: 32] أي: منفعة لكم، ولأنعامكم. # ثم ذكر القيامة، فقال: {فإذا جاءت الصاخة {33} يوم يفر المرء من أخيه ~~{34} وأمه وأبيه {35} وصاحبته وبنيه {36} لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ~~{37} وجوه يومئذ مسفرة {38} ضاحكة مستبشرة {39} ووجوه يومئذ عليها غبرة ~~{40} ترهقها قترة {41} أولئك هم الكفرة الفجرة {42} } [عبس: 33-42] . # {فإذا جاءت الصاخة} [عبس: 33] يعني: صيحة القيامة، وهي الصاخة لشدة صوتها ~~تصخ الآذان. # ثم ذكر في أي وقت تجيء، فقال: {يوم يفر المرء من أخيه} [عبس: 34] إلى ~~قوله: وبنيه أي: لا يلتفت إلى واحد من أدانيه، لعظم ما هو فيه. # {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} [عبس: 37] لكل إنسان شأن يشغله عن ~~الأقرباء، # PageV04P424 # ويصرفه عنهم. ### | 1278 - # أخبرنا الحسن بن علي الواعظ، أنا محمد بن عبد الله بن الحاكم، نا أحمد بن ~~سليمان، نا إسماعيل بن إسحاق، نا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أبي، عن محمد ~~بن أبي عياش، عن عطاء بن يسار، عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ~~قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يبعث الناس حفاة عراة غرلا ~~يلجمهم العرق، ويبلغ شحمة الأذن، قالت: قلت يا رسول الله، واسوأتاه ينظر ~~بعضنا إلى بعض، قال: شغل الناس عن ذلك، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~{لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} [عبس: 37] . ### | 1279 - # أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، أنا محمد بن عبد الله بن حمدون، أنا أحمد ~~بن الحسن الحافظ، نا محمد بن يحيى، نا بريد بن عبد ربه، نا بقية، عن ~~الزبيدي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ~~يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا، فقالت عائشة: يا رسول الله، # PageV04P425 # فكيف بالعورات؟ فقال: {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} [عبس ms1965: 37] . # {وجوه يومئذ مسفرة} [عبس: 38] مشرقة، مضيئة، ضاحكة بالسرور، مستبشرة فرحة ~~بما نالت من كرامة الله. # {ووجوه يومئذ عليها غبرة} [عبس: 40] سواد، وكآبة للهم، ترهقها تعلوها، ~~وتغشاها، قترة سواد، وكسوف عند معاينة النار. # ثم بين من أهل هذه الحالة، فقال: {أولئك هم الكفرة الفجرة} [عبس: 42] جمع ~~الكافر، والفاجر. # PageV04P426 ### | تفسير سورة التكوير # عشرون وتسع آيات، مكية. ### | 1280 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي الحيري، أنا أبو عمرو بن مطر بإسناده، عن أبي ~~بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قرأ: «إذا الشمس كورت ~~أعاذه الله أن يفضحه حين تنشر صحيفته» . ### | 1281 - # أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم المقري، أنا علي بن محمد بن سهل ~~الفقيه، أنا المؤمل بن الحسن بن عيسى، نا أحمد بن منصور الرمادي، نا ~~إبراهيم بن خالد، نا عبد الله بن بحير القاضي، قال: سمعت عبد الرحمن بن ~~يزيد الصنعاني، قال: سمعت ابن عمر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: " من أحب أن ينظر إلي يوم القيامة، فليقرأ: {إذا الشمس كورت} ~~[التكوير: 1] " رواه الحاكم في صحيحه عن أبي بكر بن إسحاق، عن الحسن بن علي ~~بن زياد، عن إبراهيم بن موسى الفراء، عن هشام بن يوسف، عن عبد الله بن ~~بحير. # بسم الله الرحمن الرحيم # PageV04P427 # {إذا الشمس كورت {1} وإذا النجوم انكدرت {2} وإذا الجبال سيرت {3} وإذا ~~العشار عطلت {4} وإذا الوحوش حشرت {5} وإذا البحار سجرت {6} وإذا النفوس ~~زوجت {7} وإذا الموءودة سئلت {8} بأي ذنب قتلت {9} وإذا الصحف نشرت {10} ~~وإذا السماء كشطت {11} وإذا الجحيم سعرت {12} وإذا الجنة أزلفت {13} علمت ~~نفس ما أحضرت {14} } [التكوير: 1-14] . # {إذا الشمس كورت} [التكوير: 1] قال الزجاج: لفت كما تلف العمامة، يقال: ~~كرت العمامة على رأسي، أكورها كورا، وكورتها تكويرا، إذا لففتها. # قال مقاتل، وقتادة، والكلبي: ذهب ضوءها. # وقال مجاهد: اضمحلت. # قال المفسرون: تجمع الشمس بعضها إلى بعض، ثم تلف، فيرمى بها. # قال ابن عباس: يكور الله الشمس، والقمر، والنجوم يوم القيامة في البحر، ~~ثم يبعث عليها ريحا، فتضربها فتصير نارا. # {وإذا النجوم انكدرت} [التكوير: 2] تهافتت، وتناثرت ms1966، وتساقطت، يقال: ~~انكدر الطائر من الهواء. # إذا انقض، قال الكلبي، وعطاء: تمطر السماء يومئذ نجوما، فلا يبقى نجم في ~~السماء إلا وقع على الأرض. # وذلك أنها في قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من النور، وتلك ~~السلاسل بأيدي ملائكة، فإذا مات من في السموات ومن في الأرض، تساقطت تلك ~~السلاسل من أيدي الملائكة، لأنه مات من كان يمسكها. # {وإذا الجبال سيرت} [التكوير: 3] عن وجه الأرض، فكانت هباء منبثا. # وإذا العشار وهي النوق الحوامل إذا أتت عليها عشرة أشهر، وبعد الوضع تسمى ~~عشارا أيضا، واحدها عشرا، وهي أنفس مال عند العرب، وقوله: عطلت أي: تركت ~~هملا بلا راع، أهملها أهلها، لما جاءهم من أهوال يوم القيامة، وخوطبوا بأمر ~~العشار، لأن أكثر عيشهم من الإبل. # وإذا الوحوش يعني: دواب البر، حشرت جمعت حتى يقتص بعضها من بعض، وقال ابن ~~عباس: حشر البهائم موتها. # {وإذا البحار سجرت} [التكوير: 6] قال ابن عباس: أوقدت، فصارت نارا تضطرم. # وقال الفراء: ملئت بأن صارت بحرا واحدا، وكثر ماؤها. # وهو قول الكلبي. # PageV04P428 # {وإذا النفوس زوجت} [التكوير: 7] ### | 1282 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا أبو يحيى الرازي، نا ~~سهل بن عثمان، نا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، قال: ~~سئل عمر رضي الله عنه عن قول الله تعالى {وإذا النفوس زوجت} [التكوير: 7] ~~قال: يقرن بين الرجل الصالح بقرينه الصالح في الجنة، ويقرن الرجل الذي كان ~~يعمل السوء بصاحبه الذي كان يعينه على ذلك في النار، فذلك تزويج الأنفس، ~~وقال عطاء: زوجت نفوس المؤمنين بالحور العين، وقرنت نفوس الكافرين ~~بالشياطين # قوله: وإذا الموءودة كانت العرب إذا ولدت لأحدهم بنت دفنها حية، مخافة ~~العار، والحاجة، يقال: وأد يئد وأدا فهو وائد. # والمفعول به موءودا. ### | 1283 - # أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي، أن محمد بن الحسين أخبره، عن محمد بن ~~يحيى، أنا إسحاق بن إبراهيم عن إبراهيم بن الحكم، حدثني أبي، عن عكرمة، ~~قال: قال ابن عباس: الموءودة هي المدفونة، وكانت المرأة في الجاهلية إذا هي ~~حملت ms1967 وكان أوان ولادتها حفرت حفيرة، فتمخضت على رأس الحفيرة، فإن ولدت ~~جارية رمت بها في الحفيرة، وإن ولدت غلاما حبسته # وقوله: {سئلت {8} بأي ذنب قتلت {9} } [التكوير: 8-9] قال الفراء: سئلت ~~الموءودة، فقيل لها: بأي ذنب قتلت؟ ثم يجوز قتلت، كما تقول: سألته: بأي ذنب ~~قتل؟ وبأي ذنب قتلت؟ ومعنى سؤالها: توبيخ قاتلها، لأنها تقول: قتلت بغير ~~ذنب. ### | 1284 - # أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر المطوعي، أنا محمد بن # PageV04P429 # بشر بن العباس البصري، أنا محمد بن إدريس الشامي، نا سويد بن سعيد، نا ~~علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن علقمة بن قيس، عن سلمة بن يزيد ~~الجعفي، قال: " جئت أنا وأخي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا ~~رسول الله، إن أمنا هلكت في الجاهلية، وكانت تقري الضيف وتصل الرحم، وتفعل، ~~وتفعل، فهل ذلك نافع أمنا؟ قال: لا، قلنا: يا رسول الله إنها وارت أختا لنا ~~في الجاهلية لم تبلغ الحنث، فهل ذلك نافع أمنا؟ فقال: لا، الوائد والموءودة ~~في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فيغفر لها ". # قوله: وإذا الصحف يعني: صحائف أعمال بني آدم، نشرت للحساب. # {وإذا السماء كشطت} [التكوير: 11] قال الفراء: نزعت وطويت. # وقال الزجاج: قلعت كما يقلع السقف. # وقال مقاتل: يكشف عمن فيها. # ومعنى الكشط دفعك شيئا عن شيء قد غطاه، كما يكشط الجلد عن السنام. # {وإذا الجحيم سعرت} [التكوير: 12] أوقدت لأعداء الله من الكفار. # {وإذا الجنة أزلفت} [التكوير: 13] قربت لأولياء الله من المتقين. # وجواب هذه الأشياء، قوله: {علمت نفس ما أحضرت} [التكوير: 14] أي: إذا ~~كانت هذه الأشياء التي تكون في القيامة علمت في ذلك الوقت كل نفس ما أحضرته ~~من خير، أو شر تجزى به. # ثم أقسم، فقال: {فلا أقسم بالخنس {15} الجوار الكنس {16} والليل إذا عسعس ~~{17} والصبح إذا تنفس {18} إنه لقول رسول كريم {19} ذي قوة عند ذي العرش ~~مكين {20} مطاع ثم أمين {21} وما صاحبكم بمجنون {22} ولقد رآه بالأفق ~~المبين {23} وما هو على الغيب بضنين {24} وما هو بقول شيطان رجيم {25} فأين ~~تذهبون {26} إن هو ms1968 إلا ذكر للعالمين {27} لمن شاء منكم أن يستقيم {28} وما ~~تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين {29} } [التكوير: 15-29] . # فلا أقسم ولا زائدة، معناه: فأقسم، {بالخنس {15} الجوار الكنس {16} } ~~[التكوير: 15-16] يعني: النجوم وهي تخنس بالنار فتخفى ولا ترى، وتكتس في ~~وقت غروبها، فهذا وقت خنوسها وكنوسها. # {والليل إذا عسعس} [التكوير: 17] أدير وذهب، وقال الحسن: أقبل بظلامه. # PageV04P430 # قال أهل اللغة: هو من الأضداد، يقال: عسعس الليل إذا أقبل، وعسعس إذا ~~أدبر. # ويدل على أن المراد ههنا أدبر، قوله: {والصبح إذا تنفس} [التكوير: 18] ~~أي: امتد ضوءه حتى يصير نهارا. # ثم ذكر جواب القسم، فقال: {إنه لقول رسول كريم} [التكوير: 19] يعني: ~~جبريل، يقول: إن القرآن نزل به جبريل، فأخبر به محمدا صلى الله عليه وسلم ~~عن الله تعالى وقد تقدم هذا. # ثم وصف جبريل، فقال: {ذي قوة} [التكوير: 20] أي: فيها كلف وأمر به، {عند ~~ذي العرش مكين} [التكوير: 20] يعني: في المنزلة، يقال: مكن فلان عند فلان ~~تمكن مكانه. # {مطاع ثم} [التكوير: 21] أي: في السموات تطيعه الملائكة، قال المفسرون: ~~من طاعة الملائكة لجبريل، أنه أمر خازن الجنة ليلة المعراج بمحمد، حتى فتح ~~لمحمد صلى الله عليه وسلم أبوابها فدخلها، ورأى ما فيها، وأمر خازن جهنم ~~ففتح له عنها، حتى نظر إليها. # فذلك قوله: {مطاع ثم أمين} [التكوير: 21] أي: على وحي الله، ورسالته إلى ~~أنبيائه. ### | 1285 - # أخبرني عبد الرحمن بن الحسن التاجر فيما أجاز لي، أنا عمر بن أحمد ~~الواعظ، نا عثمان بن أحمد الدقاق، نا الحسن بن علي، نا إسماعيل بن عيسى، نا ~~المسيب بن شريك، نا بريد بن أبي زياد، عن معاوية بن قرة، قال: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما أحسن ما أثنى عليك ربك {ذي قوة عند ذي ~~العرش مكين {20} مطاع ثم أمين {21} } [التكوير: 20-21] فما كانت قوتك؟ وما ~~كانت أمانتك؟ قال: أما قوتي، فإني بعثت إلى مدائن لوط وهي أربع مدائن وفي ~~كل مدينة أربع مائة ألف مقاتل سوى الذراري، فحملتهم من الأرض السفلى حتى ~~سمع أهل السماء أصوات الدجاج ونباح الكلاب ms1969، ثم هويت بهن فقلبتهن، وأما ~~أمانتي فإني لم أومر بشيء فعدوته إلى غيره # قوله: وما صاحبكم يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم، بمجنون والخطاب لأهل ~~مكة، وهذا أيضا من جواب القسم، أقسم الله أن القرآن نزل به جبريل، وأن ~~محمدا ليس كما يقول أهل مكة، وذلك أنهم قالوا: إن محمدا مجنون، وهذا الذي ~~أتى به يتقوله من نفسه. # ولقد رآه رأى محمد جبريل، بالأفق المبين حيث تطلع الشمس , وهذا مفسر في { ~~[النجم. # ثم أخبر أنه ليس بمتهم فيما يأتي به من القرآن، فقال:] وما هو على الغيب} ~~[سورة التكوير: 24] يعني: على خبر السماء، وما أطلع عليه مما كان غائبا ~~علمه عن أهل مكة من الأنباء، والقصص، مما لم يعرفوه، بظنين بمتهم، يقول: ما ~~محمد على القرآن بمتهم. # أي: هو # PageV04P431 # ثقة فيما يؤدي عن الله، ومن قرأ بالضاد فمعناه ببخيل، أي: أنه يخبر ~~بالغيب فيبينه ولا يكتمه، كما يكتم الكاهن حتى يأخذ عليه حلوانا. # ثم ذكر أنه ليس من تعليم الشيطان، فقال: {وما هو بقول شيطان رجيم} ~~[التكوير: 25] قال الكلبي: يقول: إن القرآن ليس بشعر، ولا كهانة، كما قالت ~~قريش. # ثم بكتهم بقوله: فأين تذهبون قال الزجاج: معناه: أي طريق تسلكون أبين من ~~هذه الطريقة التي قد بينت لكم؟ ثم بين أن القرآن ما هو، فقال: {إن هو إلا ~~ذكر للعالمين} [التكوير: 27] يقول: ما القرآن إلا موعظة للخلق أجمعين. # {لمن شاء منكم أن يستقيم} [التكوير: 28] على الحق والإيمان، والمعنى: أن ~~القرآن إنما يتعظ به من استقام على حق. # ثم رد المشيئة إلى نفسه، فقال: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب ~~العالمين} [التكوير: 29] أعلمهم أن المشيئة في التوفيق إليه، وأنهم لا ~~يقدرون على ذلك إلا بمشيئة الله وتوفيقه، وهذا إعلام بأن الإنسان لا يعمل ~~خيرا إلا بتوفيق الله، ولا شرا إلا بخذلانه. # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا أبو يحيى، نا العسكري، ~~نا عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، قال: ~~لما ms1970 نزلت: {لمن شاء منكم أن يستقيم} [التكوير: 28] ، قال أبو جهل: الأمر ~~إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم. # فأنزل الله عز وجل: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} [التكوير: ~~29] . # PageV04P432 ### | تفسير سورة الانفطار # تسع عشرة آية، مكية. ### | 1286 - # أخبرنا محمد بن علي بن أحمد العزايمي، أنا محمد بن جعفر المؤذن بإسناده، ~~عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ إذا ~~السماء انفطرت أعطاه الله من الأجر بعدد كل قبر حسنة، وبعدد كل قطرة ماء ~~حسنة، وأصلح له شأنه يوم القيامة» . # بسم الله الرحمن الرحيم {إذا السماء انفطرت {1} وإذا الكواكب انتثرت {2} ~~وإذا البحار فجرت {3} وإذا القبور بعثرت {4} علمت نفس ما قدمت وأخرت {5} ~~يأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم {6} الذي خلقك فسواك فعدلك {7} في أي ~~صورة ما شاء ركبك {8} كلا بل تكذبون بالدين {9} وإن عليكم لحافظين {10} ~~كراما كاتبين {11} يعلمون ما تفعلون {12} } [الانفطار: 1-12] . # {إذا السماء انفطرت} [الانفطار: 1] قال المفسرون: انفطارها انشقاقها ~~كقوله: {ويوم تشقق السماء} [الفرقان: 25] . # {وإذا الكواكب انتثرت} [الانفطار: 2] تساقطت. # {وإذا البحار فجرت} [الانفطار: 3] فجر بعضها في بعض، فصارت بحرا واحدا، ~~واختلط العذب بالملح. # {وإذا القبور بعثرت} [الانفطار: 4] قلب ترابها، وبعث الموتى الذين فيها، ~~يقال: بعثر يبعثر بعثرة. # إذا قلب التراب، قال ابن عباس، ومقاتل: يريد عند البعث، بحث عن الموتى ~~فأخرجوا منها. # {علمت نفس ما قدمت وأخرت} [الانفطار: 5] وهذا كقوله: {ينبأ الإنسان يومئذ ~~بما قدم وأخر} [القيامة: 13] وقد تقدم تفسيره. ### | 1287 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أنا محمد بن الحسين بن الحسن بن الخليل ~~القطان، نا علي بن الحسين الهلالي، نا عبد الله بن عثمان، أنا عبد الله بن ~~المبارك، نا معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن زياد بن أبي مريم، عن عبد الله ~~بن مسعود في قوله تعالى: {علمت نفس ما قدمت وأخرت} [الانفطار: 5] قال: ما ~~قدمت من خير، وما أخرت من سنة # PageV04P433 # حسنة استن بها بعده، فله أجر من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء، أو ~~سنة سيئة عمل بها بعده ms1971 فعليه وزر مثل وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم ~~شيء # ويدل على صحة هذا التفسير ما ### | 1288 - # أخبرنا الحسن بن علي بن محمد المقري، أنا محمد بن عبد الله بن نعيم، أنا ~~الحسن بن حكيم، نا أبو الموجه، أنا عبد الله بن المبارك، أنا هشام بن حسان، ~~عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة، عن حذيفة بن اليمان، قال: قام ~~سائل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسأل، فسكت القوم، ثم إن رجلا أعطاه ~~فأعطاه القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من استن خيرا، فاستن به، ~~فله أجره، ومثل أجور من اتبعه، غير منتقص من أجورهم، ومن استن شرا فاستن ~~به، فعليه وزره، ومثل أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم شيء» ، قال: ~~وتلا حذيفة بن اليمان {علمت نفس ما قدمت وأخرت} [الانفطار: 5] . # قوله: يأيها الإنسان مخاطبة للكافر، {ما غرك بربك الكريم} [الانفطار: 6] ~~ما خدعك، وسول لك الباطل حتى أضعت، فأوجب عليك؟ والمعنى: ما الذين أمنك من ~~عقابه؟ يقال: غره بفلان. # إذا أمنه المحذور من جهته وهو غير مأمون. # قال عطاء: نزلت في الوليد بن المغيرة. # وقال الكلبي، ومقاتل: نزلت في أبي الأشدين، ضرب النبي صلى الله عليه ~~وسلم، فلم يعاقبه الله تعالى، وأنزل هذه الآية. # يقول: ما الذي غرك بربك الكريم، المتجاوز عنك، إذ لم يعاقبك عاجلا بكفرك؟ ~~قال قتادة: غره عدوه المسلط عليه، يعني: الشيطان. # وقال مقاتل: غره عفو الله عنه، حين لم يعاقبه في أول أمره. # أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي، أنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الحافظ، نا ~~أبو علي بن جيش المقري، نا أبو القاسم بن الفضل المقري، نا علي بن الحسين، ~~نا المقدمي، نا كثير بن هشام، نا جعفر بن برقان، حدثني # PageV04P434 # صالح بن مسمار، قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية ~~{يأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم} [الانفطار: 6] ثم قال: جهله وقال ابن ~~مسعود: ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة ms1972، فيقول: يابن آدم ما ~~غرك بي؟ يابن آدم ماذا عملت فيما علمت؟ يابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟ وقال ~~إبراهيم بن الأشعث: قيل للفضيل بن عياض: لو أقامك الله يوم القيامة، فقال: ~~ما غرك بربك الكريم؟ ماذا كنت تقول؟ قال: كنت أقول: غرني ستورك المرخاة. # فنظمه محمد ابن السماك، فقال: # يا كاتم الذنب أما تسحتي ... والله في الخلوة ثانيكا # غرك من ربك إمهاله ... وستره طول مساويكا # وتلا السري بن مغلس هذه الآية، فقال: غره رفق الله به. # وقال يحيى بن معاذ: لو أقامني الله بين يديه، فقال: ما غرك بي؟ قلت: غرني ~~بك برك بي سالفا وآنفا. # وقال أبو بكر الوراق: لو قال لي: ما غرك بربك الكريم؟ لقلت: غرني كرم ~~الكريم. # وقال منصور بن عمار: لو قال لي: ما غرك برك الكريم؟ قلت: يا رب، ما غرني ~~إلا ما علمته من فضلك على عبادك. # وأنشد أبو بكر بن طاهر الأبهري في هذا المعنى: # يا من غلا في الغي والتيه ... وغره طول تماديه # أملى لك الله فبارزته ... ولم تخف غب معاصيه # PageV04P435 # وقوله: الذي خلقك أي: من نطفة، ولم تك شيئا، فسواك رجلا، تسمع وتبصر، ~~فعدلك جعلك معتدلا، قال عطاء: جعلك قائما، معتدلا، حسن الصورة. # وقال مقاتل: عدل خلقك في العينين، والأذنين، واليدين، والرجلين. # والمعنى: عدل بين ما خلق لك من الأعضاء التي في الإنسان منها اثنان، وقرأ ~~الكوفيون فعدلك بالتخفيف، قال الفراء: فصرفك إلى أي صورة ما شاء. # قال: والتشديد أحسن الوجهين، لأنك تقول: عدلتك إلى كذا. # كما تقول: صرفتك إلى كذا. # ولا يحسن عدلتك فيه، ولا صرفتك فيه، وقال أبو علي الفارسي: معنى التخفيف: ~~عدل بعضه ببعض، وكنت معتدل الخلقة متناسبها، فلا تفاوت فيها، ولا يلزم على ~~هذا ما ألزم الفراء. # وقوله: {في أي صورة ما شاء ركبك} [الانفطار: 8] قال مقاتل، والكلبي: في ~~أي شبه من أب، أو أم، أو خال، أو عم. # يدل على صحة هذا التفسير ما ### | 1290 - # أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن عبد الله زكريا الشيباني ms1973، أنا أبو سهل ~~بشر بن أحمد بن بشر، نا أبو زكريا يحيى بن محمد بن محمد بن البحتري، نا أبو ~~كامل، نا وهب بن سوار، حدثني والدي سوار، أن أبا قلابة حدثه، أن رجلا من ~~الأنصار ولد له غلام على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه النبي صلى ~~الله عليه وسلم، فقال: يا أبا فلان مثل من أشبه ابنك، فقال: يا رسول الله ~~وهل عسى أن يشبه إلا أباه أو أمه؟ قال: فأنكره عليه ثم قال: إن الإنسان إذا ~~ما أخذ في خلقه أحضر كل عرق بينه وبين آدم ثم قرأ {في أي صورة ما شاء ركبك} ~~[الانفطار: 8] . ### | 1291 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق المزكي، أنا أبو بكر محمد بن جعفر بن ~~الهيثم الأنباري، نا جعفر بن محمد بن شاكر، نا أبو بكر بن أبي الأسود ~~البصري، نا # PageV04P436 # أنيس بن سوار الجرمي، حدثني أبي، عن مالك بن الحويرث، أن النبي صلى الله ~~عليه وسلم قال: «إذا أراد الله خلق عبد جامع الرجل المرأة فطار ماؤه في كل ~~عرق وعضو منها، فإذا كان يوم السابع جمعه الله ثم أحضره كل عرق له دون آدم، ~~وفي أي صورة ما شاء ركبه» . ### | 1292 - # أخبرنا الشيخ أبو معمر المفضل بن إسماعيل الإسماعيلي بجرجان، أنا جدي ~~الإمام أبو بكر الإسماعيلي، أخبرني أبو بكر محمد بن الحسن النحاس، نا محمد ~~بن المثنى، نا مظهر بن الهيثم الطائي، نا موسى بن علي، عن أبيه، عن جده، أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم، قال لرجل: ما ولد لك؟ قال: يا رسول الله، ما عسى ~~أن يولد لي؟ إما غلام وإما جارية، قال: فمن يشبه، قال: يشبه أمه أو أباه، ~~فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مه لا تقولن هذا، إن النطفة إذا استقرت ~~في الرحم أحضرها الله تعالى كل نسب بينها وبين آدم، أما قرأت هذه الآية في ~~كتاب الله عز وجل {في أي صورة ما شاء ركبك} [الانفطار: 8] أي من نسبك. # وذكر الفراء، والزجاج قولا آخر ms1974: {في أي صورة ما شاء ركبك} [الانفطار: 8] ~~: إما طويلا وإما قصيرا، وإما مستحسنا، وإما غير ذلك. # قوله: كلا أي: لا يؤمن هذا الإنسان الكافر، {بل تكذبون بالدين} ~~[الانفطار: 9] بالجزاء والحساب، فتزعمون أنه غير كائن. # ثم أعلم أن أعمالهم محفوظة عليهم، فقال: {وإن عليكم لحافظين} [الانفطار: ~~10] أي: من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم. # ثم نعتهم، فقال: كراما أي: على ربهم، # PageV04P437 # كاتبين يكتبون أعمال بني آدم. # {يعلمون ما تفعلون} [الانفطار: 12] من خير أو شر، فيكتبونه عليكم، قال ~~مجاهد: مع كل إنسان ملكان، ملك عن يمينه يكتب الخير، والذي عن شماله يكتب ~~الشر. ### | 1293 - # أخبرنا أبو حسان المزكي، أنا أبو عمرو بن نجيد، نا جعفر بن محمد بن سوار، ~~نا قتيبة بن سعيد، نا المغيرة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن ~~رسول الله قال: " يقول الله تعالى: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة، فلا ~~تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي ~~فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة، فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، ~~فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف ". # وقال قتادة: سمعت عقبة بن صهبان، يقول: أتى ابن عمر، رضي الله عنهما، على ~~قوم يعقدون التسبيح. # فقال: أتعدون على الله حسناتكم؟ إن معكم حافظين كراما كاتبين. # {إن الأبرار لفي نعيم {13} وإن الفجار لفي جحيم {14} يصلونها يوم الدين ~~{15} وما هم عنها بغائبين {16} وما أدراك ما يوم الدين {17} ثم ما أدراك ما ~~يوم الدين {18} يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله {19} } ~~[الانفطار: 13-19] . # قوله: إن الأبرار قال عطاء، ومقاتل: يريد أولياءه المطيعين في الدنيا. # لفي نعيم الجنة في الآخرة. ### | 1294 - # أخبرنا أبو سعد بن أبي رشيد، أنا أبو القاسم الحسين بن محمد بن شداد ~~بالأبلة، أنا أبو يعلى حمزة بن داود، نا محمد بن سعيد الكريزي، نا أبي، نا ~~حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ~~إنما سموا أبرارا، لأنهم بروا آباءهم وأبناءهم ثم تلا رسول ms1975 الله صلى الله ~~عليه وسلم: {إن الأبرار لفي نعيم} [الانفطار: 13] # قوله: وإن الفجار يعني: الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم، لفي جحيم ~~عظيم من النار. # أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن الفضل، أنا عبد المؤمن بن خلف، ~~حدثني محمد بن عبد بن حميد، بكش، نا يحيى بن المغيرة المخزومي، نا عبد ~~الجبار بن عبد العزيز بن أبي حازم، قال: # PageV04P438 # قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم المدني: ليت شعري ما لنا عند الله؟ ~~قال: اعرض عملك على كتاب الله عز وجل، فإنك تعلم ما لك عند الله. # قال: وأين أجده من كتاب الله؟ قال: عند قوله: {إن الأبرار لفي نعيم {13} ~~وإن الفجار لفي جحيم {14} } [الانفطار: 13-14] قال سليمان: فأين رحمة الله؟ ~~قال: قريب من المحسنين. # قوله: يصلونها يعني: يلزمونها مقاسين وهجها، يوم الدين يوم الجزاء على ~~الأعمال، وهو يوم القيامة. # ثم عظم ذلك اليوم، فقال: {وما أدراك ما يوم الدين} [الانفطار: 17] تعظيما ~~له، لشدته، قال الكلبي: الخطاب للإنسان الكافر، لا لرسول الله صلى الله ~~عليه وسلم. # ثم كرر تفخيما لشأنه، فقال: {ثم ما أدراك ما يوم الدين} [الانفطار: 18] . # ثم أخبر عنه، فقال: {يوم لا تملك نفس} [الانفطار: 19] أي: هو يوم لا ~~تملك، {نفس لنفس شيئا} [الانفطار: 19] ومن نصب يوما فهو ظرف، على معنى: أن ~~هذه الأشياء المذكورة تكون يوم لا تملك نفس لنفس شيئا، قال مقاتل: يعني نفس ~~كافرة شيئا من المنفعة. # {والأمر يومئذ لله} [الانفطار: 19] يقول: لا يملك الأمر يومئذ غيره، قال ~~قتادة: ليس ثم أحد يقضي شيئا، أو يصنع شيئا، إلا الله رب العالمين. # والمعنى: أن الله لا يملك في ذلك اليوم أحدا شيئا من الأمور كما ملكهم في ~~دار الدنيا. # PageV04P439 ### | تفسير سورة المطففين # ثلاثون وست آيات، مكية. ### | 1295 - # أخبرنا الأستاذ سعيد بن محمد المقري، أنا أبو عمرو بن جعفر بإسناده، عن ~~أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة ~~المطففين سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة» . # بسم الله ms1976 الرحمن الرحيم {ويل للمطففين {1} الذين إذا اكتالوا على الناس ~~يستوفون {2} وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون {3} ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ~~{4} ليوم عظيم {5} يوم يقوم الناس لرب العالمين {6} } [المطففين: 1-6] . # ويل للمطففين وهم الذين ينقصون المكيال والميزان، قال أبو عبيدة، ~~والمبرد: المطفف الذي يبخس في الكيل والوزن. # قال الزجاج: وإنما قيل للذين ينقص الميكال والميزان: مطفف، لأنه لا يكاد ~~يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف. # قال الكلبي: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسيئون كيلهم ~~ووزنهم لغيرهم، ويستوفون لأنفسهم، فنزلت هذه الآيات. # وقال السدي: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وبها رجل يقال ~~له: أبو جهينة، ومعه صاعان، يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر، فأنزل الله تعالى ~~هذه الآية. ### | 1296 - # حدثنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري بقراءته علينا، نا الحسن ~~بن أحمد بن علي بن مخلد، أنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، نا عبد الرحمن ~~بن بشر، نا علي بن الحسين بن واقد، حدثني أبي، حدثني يزيد النحوي، أن عكرمة ~~حدثه، عن ابن عباس، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ~~كانوا من أخبث الناس كيلا، فأنزل الله عز وجل {ويل للمطففين} [المطففين: 1] ~~فأحسنوا الكيل بعد ذلك # وروى # PageV04P440 # الضحاك، ومجاهد، وطاوس، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~قال: «خمس بخمس» . # قالوا: يا رسول الله، وما خمس بخمس؟ قال: «ما نقض قوم العهد إلا سلط الله ~~عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله عز وجل إلا فشا فيهم الفقر، وما ~~ظهرت فيه الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا الميكال إلا منعوا النبات، ~~وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر» . # وقال مالك بن دينار: دخلت على جار لي، وقد نزل به الموت، فجعل يقول: ~~جبلين من نار، جبلين من نار. # فقلت: ما تقول؟ أتهجر؟ قال: يا أبا يحيى، كان لي مكيالان، كنت أكيل ~~بأحدهما وأكتال بالآخر. # قال: فقمت، فجعلت أضرب أحدهما بالآخر. # فقال: يا أبا ms1977 يحيى كلما ضربت أحدهما بالآخر ازدادا عظما. # فمات في مرضه. # ثم بين أن المطففين من هم، فقال: {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون} ~~[المطففين: 2] الاكتيال: الأخذ بالكيل، قال الفراء: يريد اكتالوا من الناس، ~~وعلى ومن في هذا الموضع يعتقبان. # وقال الزجاج: المعنى: إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل، ولم ~~يذكر اتزنوا، لأن الكيل والوزن بهما الشراء والبيع، فأحدهما يدل على الآخر. # قال المفسرون: يعني: الذين إذا اشتروا لأنفسهم استوفوا في الكيل والوزن، ~~وإذا باعوا، أو وزنوا لغيرهم نقصوا. # وهو قوله: {وإذا كالوهم أو وزنوهم} [المطففين: 3] أي: كالوا لهم، أو ~~وزنوا لهم، يقال: كلتك الطعام. # أي: كلت لك، كما تقول: نصحتك ونصحت لك. # قال الفراء: وهو من كلام أهل الحجاز، ومن جاورهم. # وقوله: يخسرون أي: ينقصون كقوله: {ولا تخسروا الميزان} [الرحمن: 9] وقد ~~مر. # ثم خوفهم، فقال: ألا يظن ألا يعلم، أولئك الذين يفعلون ذلك، {أنهم ~~مبعوثون {4} ليوم عظيم {5} } [المطففين: 4-5] وهو يوم القيامة، قال ابن ~~عباس: يريد: ألا يستيقن من فعل هذا أنه مبعوث، ومحاسب. # وقال مقاتل: ألا يستيقن المطفف في الكيل والوزن بالبعث يوم القيامة؟ ثم ~~أخبر عن ذلك اليوم، فقال: {يوم يقوم الناس} [المطففين: 6] قال الزجاج: يوم ~~منصوب بقوله: {مبعوثون} [المطففين: 4] ، المعنى: ألا يظنون أنهم مبعوثون ~~يوم القيامة. # والمعنى: يوم يقوم الناس من قبورهم، لرب العالمين أي: لأمره، أو لجزائه، ~~أو حسابه، وقال جماعة من المفسرين: يقومون في رشحهم إلى أنصاف آذانهم. # ويدل على صحة هذا الحديث المجمع على صحته وهو ما # PageV04P441 ### | 1297 - # أخبرنا الفضيل بن أحمد البارودي، أنا أبو علي الفقيه، أنا عبد الله بن ~~محمد بن عبد العزيز، نا أبو نصر التمار، نا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن ~~نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية {يوم ~~يقوم الناس لرب العالمين} [المطففين: 6] قال: يقومون حتى يبلغ الرشح إلى ~~أطراف آذانهم. # رواه مسلم، عن أبي نصر التمار، ورواه البخاري من طريق مالك، عن نافع. ### | 1298 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز ms1978 الفقيه، أنا أبو منصور محمد بن ~~محمد بن سمعان المذكر، أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن زهير الطوسي، أن أبا ~~حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي حدثهم، قال: نا مالك بن أنس، أن نافعا حدثه، ~~أن عبد الله بن عمر أخبره، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {يوم يقوم ~~الناس} [المطففين: 6] يوم القيامة {لرب العالمين} [المطففين: 6] حتى يغيب ~~أحدهم في رشحه إلى أطراف أنصاف أذنيه. # رواه البخاري، عن إبراهيم بن المنذر، عن معن، عن مالك. ### | 1299 - # أخبرناه أبو بكر أحمد بن محمد الأصبهاني، أنا عبد الله بن محمد، عن أحمد ~~التاجر، نا جعفر بن محمد بن المستفاض، نا قتيبة بن سعيد، نا عبد العزيز بن ~~محمد، عن ثور بن زيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم، قال: «إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين ذراعا، وإنه ~~ليبلغ إلى أفواه الناس أو إلى آذانهم» شك ثور في أيهما قال رواه مسلم، عن ~~قتيبة. ### | 1300 - # أخبرنا أبو نصر المهرجاني، أنا عبيد الله بن محمد الزاهد، أنا أبو القاسم ~~البغوي، نا الحسن بن عيسى بن ماسرجس، نا ابن # PageV04P442 # المبارك، أنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني سليم بن عامر، حدثني ~~المقداد بن الأسود ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " إذا ~~كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين، قال ~~سليم: فلا أدري أمسافة الأرض؟ أم الميل الذي تكتحل به العين؟ ثم قال: ~~تصهرهم الشمس، فيكونون في العرق كقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه إلى عقبيه، ~~ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من يلجمه ~~إلجاما، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى فيه، قال: ~~تلجمه إلجاما "، رواه مسلم، عن الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة، عن عبد ~~الرحمن بن جابر # وروى القاسم بن أبي بزة، أن ابن عمر قرأ: {ويل للمطففين} [المطففين: 1] ~~حتى بلغ: {يوم يقوم الناس لرب العالمين ms1979} [المطففين: 6] قال: فبكى حتى خر، ~~وامتنع من القراءة. # {كلا إن كتاب الفجار لفي سجين {7} وما أدراك ما سجين {8} كتاب مرقوم {9} ~~ويل يومئذ للمكذبين {10} الذين يكذبون بيوم الدين {11} وما يكذب به إلا كل ~~معتد أثيم {12} إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين {13} كلا بل ران ~~على قلوبهم ما كانوا يكسبون {14} كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون {15} ثم ~~إنهم لصالو الجحيم {16} ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون {17} } [المطففين: ~~7-17] . # قوله: كلا هو ردع وزجر، أي ليس الأمر على ما هم عليه، فليرتدعوا، وتمام ~~الكلام ههنا، وعند أبي حاتم: كلا ابتداء يتصل بما بعده على معنى: حقا، {إن ~~كتاب الفجار لفي سجين} [المطففين: 7] وهو قول الحسن. # وسجين: الأرض السابعة السفلى، وهو قول قتادة، ومقاتل، ومجاهد، والضحاك. # وروي ذلك مرفوعا. ### | 1301 - # حدثنا أبو إسحاق المقري، أنا الحسين بن محمد الدينوري، نا موسى بن محمد، ~~نا الحسين بن علويه، نا إسماعيل بن عيسى، نا المسيب، نا الأعمش، عن ~~المنهال، عن زاذان، عن البراء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«سجين أسفل سبع أرضين» # وقال شمر بن عطية: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار. # PageV04P443 # فقال: أخبرني عن قول الله عز وجل: {إن كتاب الفجار لفي سجين} [المطففين: ~~7] قال: إن روح الفاجر يصعد بها إلى السماء، فتأبى السماء أن تقبلها، ثم ~~يهبط بها إلى الأرض، فتأبى الأرض أن تقبلها، فتدخل تحت سبع أرضين، فتهبط ~~حتى ينتهى بها إلى سجين، وهو موضع خد إبليس. # وقال عطاء الخراساني: هي الأرض السفلى، وفيها إبليس وذريته. # والمعنى في الآية: إن كتاب عملهم يوضع في الأرض السابعة، وذلك علامة ~~خسارهم، ودليل على خساسة منزلتهم، ولا يصعد به إلى السماء كما يصعد بكتاب ~~المؤمن، وهو قوله: {إن كتاب الأبرار لفي عليين} [المطففين: 18] . # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين القاضي، أنا حاجب بن أحمد، نا محمد بن ~~حماد، نا يحيى بن سليم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: سجين صخرة تحت ~~الأرض السابعة تقلب، فيجعل كتاب الفاجر تحتها. ### | 1302 - # أخبرني عقيل بن محمد ms1980 الإستراباذي، أنا معافى بن زكريا القاضي، أنا محمد ~~بن جرير، حدثني إسحاق بن وهب الواسطي، نا مسعود بن مشكان، نا نصر بن خزيمة، ~~عن شعيب بن صفوان، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله ~~عليه وسلم، قال: «الفلق جب في جهنم مغطى، وسجين جب في جهنم مفتوح» # والدليل على أن سجينا ليس مما كانت العرب تعرفه، قوله: {وما أدراك ما ~~سجين} [المطففين: 8] قال الزجاج: أي: ليس ذلك ما كنت تعلم أنت ولا قومك. # وقوله: كتاب مرقوم ذكر قوم أن هذا تفسير السجين، وهو بعيد، لأنه ليس ~~السجين من الكتاب المرقوم في شيء على ما حكينا عن المفسرين، والوجه أن يجعل ~~هذا بيانا للكتاب المذكور في قوله: {إن كتاب الفجار} [المطففين: 7] على ~~تقدير: هو كتاب مرقوم، أي: مكتوب قد ثبتت حروفه، وقال قتادة، ومقاتل: رقم ~~لهم بشر، كأنه أعلم بعلامة يعرف بها أنه # PageV04P444 # لكافر. # {فويل يومئذ للمكذبين} [الطور: 11] ذكر صاحب النظم أن هذا منتظم بقوله: ~~{يوم يقوم الناس} [المطففين: 6] ، وأن قوله: {كلا إن كتاب الفجار} ~~[المطففين: 7] وما اتصل به معترض بينهما، وما بعد هذا ظاهر التفسير إلى ~~قوله: كلا قال مقاتل: أي: لا يؤمنون. # ثم استأنف، فقال: {بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} [المطففين: 14] ~~قال أبو عبيدة: ران على قلوبهم: غلب عليها، والخمر ترين على عقل السكران ~~رينا ورينونا. # وقال أبو عبيد: كل ما غلبك وعلاك، فقد ران بك وران عليك. # وقال الفراء: هو أنه كثرت المعاصي منهم والذنوب، فأحاطت بقلوبهم، فذلك ~~الرين عليها. # وقال الحسن: هو الذنب على الذنب، والذنب على الذنب حتى يعمى القلب. # وقال ابن مسعود: إن الرجل ليذنب الذنب، فينكت في قلبه نكته سوداء، ثم ~~يذنب الذنب، فينكت أخرى، يصير قلبه مثل لون الشاة الربداء. # وقال إبراهيم التيمي في هذه الآية: إذا عمل الرجل الذنب، نكت في قلبه ~~نكتة سوداء، ثم يعمل الذنب بعد ذلك، فينكت في قلبه نكتة سوداء، ثم كذلك حتى ~~يسود قلبه، فإذا أتاح الله للعبد يسر له ms1981 عملا صالحا، فيذهب من السواد ~~ببعضه، ثم ييسر له العمل الصالح أيضا، حتى يذهب السواد كله. # ونحو هذا روي مرفوعا. ### | 1303 - # أخبرناه إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنا أبو الحسن علي بن محمد بن محمد ~~الكارزي، أنا محمد بن الحسن بن قتيبة، نا إدريس بن سليمان، نا ضمرة، عن ~~يحيى بن راشد، عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي ~~هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أذنب العبد كانت نكتة ~~في قلبه، فإذا تاب واستغفر جليت، وإن زاد زادت، وهو الرين الذي قال الله عز ~~وجل {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} [المطففين: 14] # قوله: كلا قال ابن عباس: يريد لا # PageV04P445 # يصدقون. # ثم استأنف: {إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطففين: 15] قال مقاتل: ~~يعني: أنهم بعد العرض والحساب، لا ينظرون إليه نظر المؤمنين إلى ربهم. # وقال الكلبي، عن ابن عباس: إنهم عن النظر إلى رؤية ربهم لحجوبون. # والمؤمن لا يحجب عن رؤية ربه، وقال الحسين بن الفضل: كما حجبهم في الدنيا ~~عن توحيده، حجبهم في الآخرة عن رؤيته. # وقال الحسن: لو علم الزاهدون والعابدون أنهم لا يرون ربهم في المعاد، ~~لزهقت أنفسهم في الدنيا. # وسئل مالك بن أنس عن هذه الآية، فقال: لما حجب أعداءه فلم يروه، تجلى ~~لأوليائه حتى رأوه. # سمعت أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري، يقول: سمعت الحسن بن محمد بن جعفر ~~السدوسي، يقول: سمعت أبا على الحسن بن أحمد النسوي، يقول: سمعت أبا نعيم ~~عبد الملك بن محمد بن عدي، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: كنت ذات يوم ~~عند الشافعي، رحمه الله، وجاءه كتاب من الصعيد، يسألونه عن قول الله تعالى: ~~{كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطففين: 15] فكتب فيه: لما حجب قوما ~~بالسخط، دل على أن قوما يرونه بالرضا. # فقلت له: أو تدين بهذا يا سيدي؟ فقال: والله لو لم يوقن محمد بن إدريس ~~أنه يرى ربه في المعاد، لما عبده في الدنيا. # أخبرنا أبو بكر الحارثي ms1982، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا عبد الله بن نصر، نا ~~أبو إبراهيم المزني، عن ابن هرم، قال: قال الشافعي، رحمة الله عليه: قول ~~الله عز وجل: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطففين: 15] دلالة على ~~أن أولياء الله يرون الله تعالى. # سمعت أبا عثمان الحيري الزاهد، سمعت أبا الحسن بن مقسم المقرئ ببغداد، ~~يقول: سمعت أبا إسحاق الزجاج، يقول: في هذه الآية دليل على أن الله تعالى ~~يرى في القيامة، ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة، ولا # PageV04P446 # خسست منزلة الكفار بأنهم محجوبون عن الله تعالى. # ولما أعلم أن المؤمنين ينظرون إليه في قوله: {إلى ربها ناظرة} [القيامة: ~~23] أعلم أن الكفار محجوبون عنه. # ثم أخبر أنهم بعد حجبهم عن الله تعالى يدخلون النار، وهو قوله: {ثم إنهم ~~لصالو الجحيم} [المطففين: 16] وتقول لهم الخزنة: هذا العذاب، {الذي كنتم به ~~تكذبون} [المطففين: 17] . # {كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين {18} وما أدراك ما عليون {19} كتاب مرقوم ~~{20} يشهده المقربون {21} إن الأبرار لفي نعيم {22} على الأرائك ينظرون ~~{23} تعرف في وجوههم نضرة النعيم {24} يسقون من رحيق مختوم {25} ختامه مسك ~~وفي ذلك فليتنافس المتنافسون {26} ومزاجه من تسنيم {27} عينا يشرب بها ~~المقربون {28} } [المطففين: 18-28] . # قوله: كلا قال مقاتل: لا يؤمن بالعذاب الذي يصلاه. # ثم أعلم أين محل كتاب الأبرار، فقال: {إن كتاب الأبرار} [المطففين: 18] ~~يعني: المطيعين له، لفي عليين قال المفسرون: يعني: السماء السابعة. # قال الفراء: {عليين} [المطففين: 18] : ارتفاع بعد ارتفاع، لا غاية له. # وقال الزجاج: أعلى الأمكنة. # وإعراب هذا الاسم كإعراب الجمع، لأنه على لفظ الجمع، ولا واحد له من ~~لفظه، نحو ثلاثين، وعشرين، وقنسرين. ### | 1304 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم، أنا الحسين بن محمد بن الحسين، نا موسى ~~بن محمد، نا الحسين بن علويه، نا إسماعيل بن عيسى، نا المسيب الأعمش، عن ~~المنهال، عن زاذان، عن البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ~~«عليين في السماء السابعة تحت العرش» # وقوله: {كتاب مرقوم} [المطففين: 20] ليس بتفسير عليين، وهو يحتمل ~~تأويلين: أحدهما: أن المراد به كتاب ms1983 أعمالهم، كما ذكرنا في كتاب الفجار، ~~والثاني: أنه كتاب في عليين كتب هناك ما أعد الله لهم من الكرامة والثواب، ~~وهو معنى قول مقاتل: مكتوب لهم بالخير في ساق العرش. # ويدل على صحة هذا قوله: {يشهده المقربون} [المطففين: 21] يعني: الملائكة ~~الذين هم في عليين يشهدون، ويحضرون ذلك # PageV04P447 # المكتوب، أو ذلك الكتاب الذين إذا صعد به إلى عليين. # قوله: {إن الأبرار لفي نعيم {22} على الأرائك} [المطففين: 22-23] قال ~~الحسن: ما كنا ندري ما الأرائك حتى قدم علينا رجل من اليمن، فزعم أن ~~الأريكة عنده الحجلة، إذا كان فيها سرير. # قوله: ينظرون يعني: إلى ما أعطوا من النعيم والكرامة، وقال مقاتل: ينظرون ~~إلى عدوهم حين يعذبون. # {تعرف في وجوههم نضرة النعيم} [المطففين: 24] إذا رأيتهم عرفت أنهم من ~~أهل النعمة، مما ترى من النور، والحسن، والبياض، وقال عطاء: وذلك أن الله ~~تعالى زاد في جمالهم، وفي ألوانهم، ما لا يصفه واصف. # وسبق تفسير النضرة عند قوله تعالى: {ناضرة} [القيامة: 22] . # {يسقون من رحيق} [المطففين: 25] قال أبو عبيدة، والمبرد، والزجاج: الرحيق ~~من الخمر: ما لا غش فيه، ولا شيء يفسده. # {مختوم} [المطففين: 25] وهو الذي له ختام، أي: عاقبة. # وقال مجاهد: مختوم مطين. # كأنه ذهب إلى معنى الختم الطين، ويكون المعنى: أنه ممنوع من أن تمسه يد ~~إلى أن يفك ختمه الأبرار. # ثم فسر المختوم، بقوله: ختامه مسك أي: آخر طعمه ريح المسك، إذا رفع ~~الشارب فاه من آخر شرابه، وجد ريحه كريح المسك. ### | 1305 - # أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد، أنا محمد بن الفضل بن محمد السلمي، نا محمد ~~بن الحسين بن الحسن، نا سهل بن عمار، نا اليسع بن سعدان، نا عثمان بن عبد ~~الرحمن، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «من صام لله في يوم صائف سقاه الله على الظمأ من الرحيق المختوم» . # ومعنى: ختامه عاقبته، وما يختم به، والمعنى: لذاذة المقطع، وذكاء ~~الرائحة، والختام آخر كل شيء، وكذلك الخاتم والخاتم، وهو قراءة الكسائي. # وقال مجاهد: طيبه ms1984 مسك. # وهو قول ابن زيد. # قال: ختامه عند الله مسك، وختامها اليوم في الدنيا طين. # ثم رغب فيه، فقال: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} [المطففين: 26] أي: ~~فليرغب الراغبون في المبادرة إلى طاعة الله، والتنافس # PageV04P448 # كالتشاح على الشيء والتنازع فيه، بأن يحب كل واحد أن ينفرد به دون صاحبه. # ومزاجه أي: ما يمزج به ذلك الشراب، من تسنيم وهو اسم عين في الجنة. # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الزاهد، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله ~~الأصبهاني، أنا محمد بن إسحاق الثقفي، نا قتيبة، نا جرير، عن الأعمش، عن ~~عبد الله بن مرة، عن مسروق في قوله عز وجل: {ومزاجه من تسنيم} [المطففين: ~~27] قال: عين في الجنة، يشربها المقربون صرفا، ويمزج منها كأس أصحاب اليمين ~~فتطيب. # وروى ميمون بن مهران، أن ابن عباس سئل عن قوله: {تسنيم} [المطففين: 27] ~~فقال: هذا مما يقول الله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} ~~[السجدة: 17] . # ونحو هذا قال الحسن: خفايا أخفاها الله لأهل الجنة. # ثم فسره، فقال: {عينا يشرب بها المقربون} [المطففين: 28] أي: يشربها، ~~كقوله: {يشرب بها عباد الله} [الإنسان: 6] وقد مر، قال عبد الله: يشربها ~~المقربون صرفا، وتمزج لأصحاب اليمين. # {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون {29} وإذا مروا بهم ~~يتغامزون {30} وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين {31} وإذا رأوهم قالوا ~~إن هؤلاء لضالون {32} وما أرسلوا عليهم حافظين {33} فاليوم الذين آمنوا من ~~الكفار يضحكون {34} على الأرائك ينظرون {35} هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ~~{36} } [المطففين: 29-36] . # {إن الذين أجرموا} [المطففين: 29] يعني: كفار قريش، {كانوا من الذين ~~آمنوا} [المطففين: 29] يعني: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، مثل عمار، ~~وخباب، وبلال، وغيرهم، يضحكون على وجه السخرية منهم. # {وإذا مروا بهم} [المطففين: 30] يعني: المؤمنين مروا بالكفار، يتغامزون ~~من الغمز وهو الإشارة بالجفن والحاجب، أي: يشيرون إليهم بالأعين استهزاء. # وإذا انقلبوا يعني: الكفار، {إلى أهلهم انقلبوا فكهين} [المطففين: 31] ~~معجبين بما هم فيه يتفكهون بذكرهم. # وإذا رأوهم رأوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، {قالوا إن هؤلاء ~~لضالون ms1985} [المطففين: 32] قال الله تعالى: وما أرسلوا يعني: الكفار، عليهم ~~يعني: على الذين آمنوا، حافظين يحفظون أعمالهم عليهم، أي: لم يوكلوا بحفظ ~~أعمالهم. # فاليوم يعني: في الآخرة، {الذين آمنوا من الكفار يضحكون} [المطففين: 34] ~~قال المفسرون: إن أهل الجنة إذا أرادوا نظروا من منازلهم إلى أعداء الله ~~وهم يعذبون في النار، فيضحكوا منهم، كما ضحكوا هم في # PageV04P449 # الدنيا منهم. # وقال المبرد، وأبو صالح: يقال لأهل النار وهم فيها: اخرجوا. # وتفتح لهم أبوابها، فإذا رأوها قد فتحت، أقبلوا إليها يريدون الخروج، ~~والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك، فإذا انتهوا إلى أبوابها، غلقت دونهم. # فذلك قوله: {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون {34} على الأرائك ~~ينظرون {35} } [المطففين: 34-35] إلى عذاب عدوهم. # {هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون} [المطففين: 36] أي: هل جوزوا بسخريتهم ~~بالمؤمنين في الدنيا؟ ومعنى الاستفهام ههنا: التقرير، وثوب بمعنى أثيب. # PageV04P450 ### | تفسير سورة الانشقاق # عشرون وخمس آيات، مكية. ### | 1306 - # أخبرنا أبو عثمان بن أبي بكر المقري، أنا أبو عمرو عمرو بن محمد بن جعفر ~~السختياني بإسناده، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«ومن قرأ سورة انشقت أعاذه الله أن يعطيه كتابه وراء ظهره» . # بسم الله الرحمن الرحيم {إذا السماء انشقت {1} وأذنت لربها وحقت {2} وإذا ~~الأرض مدت {3} وألقت ما فيها وتخلت {4} وأذنت لربها وحقت {5} يأيها الإنسان ~~إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه {6} فأما من أوتي كتابه بيمينه {7} فسوف ~~يحاسب حسابا يسيرا {8} وينقلب إلى أهله مسرورا {9} وأما من أوتي كتابه وراء ~~ظهره {10} فسوف يدعو ثبورا {11} ويصلى سعيرا {12} إنه كان في أهله مسرورا ~~{13} إنه ظن أن لن يحور {14} بلى إن ربه كان به بصيرا {15} } [الانشقاق: ~~1-15] . # {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] قال المفسرون: انشقاقها من علامات ~~القيامة. # وذكر ذلك في مواضع من القرآن. # وأذنت لربها قالوا: سمعت لربها، وأطاعت في الانشقاق. # من الإذن وهو الاستماع للشيء، والإصغاء إليه، وحقت وحق لها أن تطيع ربها ~~الذي خلقها. # {وإذا الأرض مدت} [الانشقاق: 3] قال ابن عباس: تمد مد الأديم، ويزداد في ~~سعتها. # وقال مقاتل: سويت كمد الأديم، فلا يبقى ms1986 عليها بناء، ولا جبل إلا دخل ~~فيها. # {وألقت ما فيها} [الانشقاق: 4] من الموتى، والكنوز، وتخلت وخلت منها، ~~وجواب إذا محذوف تقديره: إذا كانت هذه الأشياء: يرى الإنسان الثواب ~~والعقاب، ويدل # PageV04P451 # على صحة هذا المحذوف قوله: {يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك} [الانشقاق: ~~6] أي: ساع إليه في عملك، والكدح: عمل الإنسان من الخير والشر. # قال قتادة، والكلبي، والضحاك: عامل لربك عملا. # فملاقيه فملاق عملك، أي: ثوابه وجزاءه. # قوله: {فأما من أوتي كتابه بيمينه {7} فسوف يحاسب حسابا يسيرا {8} } ~~[الانشقاق: 7-8] قال مقاتل: لأنه يغفر له ذنوبه، ولا يحاسب بها. # وقال المفسرون: هو أن يعرض عليه سيئاته، ثم يغفرها الله له، فهو الحساب ~~اليسير. ### | 1307 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أنا محمد بن جعفر بن الهيثم ~~الأنباري، نا جعفر بن محمد بن شاكر، نا قبيصة، نا سفيان الثوري، عن عثمان ~~بن الأسود، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: " من نوقش الحساب هلك، قلت: يا رسول الله، فإن الله عز ~~وجل يقول في كتابه: {فأما من أوتي كتابه بيمينه {7} فسوف يحاسب حسابا يسيرا ~~{8} } [الانشقاق: 7-8] قال: ذاك العرض "، رواه البخاري، عن عمرو بن علي، ~~ورواه مسلم، عن عبد الرحمن بن بشر كلاهما، عن يحيى بن سعيد، عن عثمان بن ~~الأسود. ### | 1308 - # وأخبرنا أبو عبد الله، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر المؤذن، نا أحمد بن ~~داود السمناني، نا العباس بن الوليد النرسي، نا عبد الجبار بن الورد، قال: ~~سمعت ابن أبي مليكة، يقول: قالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول: " كل من حوسب يومئذ فقد هلك، فقلت: يا رسول الله إن الله تعالى، ~~يقول: {يحاسب حسابا يسيرا} [الانشقاق: 8] قال: ذاك العرض يا عائشة، فأما كل ~~من نوقش الحساب يومئذ فقد هلك ". # PageV04P452 ### | 1309 - # أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر المزكي، أنا زاهر بن أحمد، أنا ~~الحسين بن محمد بن مصعب، نا يحيى بن حكيم، نا حرمي، نا الحريش بن الخريت، ~~حدثني ms1987 ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وأنا رافعة يدي وأنا أقول: اللهم حاسبني حسابا يسيرا، قال: يا عائشة أتدرين ~~ما ذاك الحساب اليسير؟ فقلت: ذكر الله في كتابه {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} ~~[الانشقاق: 8] قال: «يا عائشة من حوسب خصم ذلك الممر بين يدي الله عز وجل» ~~. ### | 1310 - # حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج إملاء، أنا أبو علي حامد بن ~~محمد الهروي، نا أبو المثنى، نا سعيد بن سليمان، نا سليمان بن داود ~~اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من كن فيه حاسبه الله حسابا يسيرا، وأدخله ~~الجنة برحمته، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: تعطي من حرمك، وتعفو عمن ~~ظلمك، وتصل من قطعك. # قال: فإذا فعلت ذلك فما لي يا رسول الله؟ قال: أن تحاسب حسابا يسيرا، ~~ويدخلك الله الجنة برحمته " رواه الحاكم في صحيحه، عن محمد بن أحمد بن ~~بالويه، عن محمد بن شاذان الجوهري، عن سعيد بن سليمان. # قوله: {وينقلب إلى أهله} [الانشقاق: 9] يعني: في الجنة من الحور العين، ~~والآدميات، مسرورا بما أوتي من الخير والكرامة. # {وأما من أوتي كتابه وراء ظهره} [الانشقاق: 10] خلف ظهره، قال الكلبي: ~~لأن يمينه مغلولة إلى عنقه، وتكون يده اليسرى خلف ظهره. # وقال مقاتل: تخلع يده اليسرى، فيكون من وراء ظهره. # {فسوف يدعو ثبورا} [الانشقاق: 11] إذا قرأ كتابه، قال: يا ويلاه، يا ~~ثبوراه. # كقوله: {دعوا هنالك ثبورا} [الفرقان: 13] . # ويصلى سعيرا ويقاسي حر نارها، وشدتها، وقرئ # PageV04P453 # ويصلى بضم الياء وتشديد اللام، كقوله: {ثم الجحيم صلوه} [الحاقة: 31] . # {إنه كان في أهله} [الانشقاق: 13] يعني: في الدنيا، مسرورا باتباع هواه، ~~وركوب شهوته. # {إنه ظن أن لن يحور} [الانشقاق: 14] لن يرجع إلى الآخرة، أي: لن يبعث، ~~قال مقاتل: حسب أن لا يرجع إلى الله. # والحور الرجوع. # قال الله تعالى: بلى ليحورن، وليبعثن، {إن ربه كان به بصيرا} [الانشقاق: ~~15] بصيرا به، من يوم خلقه إلى يوم ms1988 بعثه، قال الزجاج: كان به بصيرا قبل أن ~~يخلقه، عالما بأن مرجعه إليه. # قوله: {فلا أقسم بالشفق {16} والليل وما وسق {17} والقمر إذا اتسق {18} ~~لتركبن طبقا عن طبق {19} فما لهم لا يؤمنون {20} وإذا قرئ عليهم القرءان لا ~~يسجدون {21} بل الذين كفروا يكذبون {22} والله أعلم بما يوعون {23} فبشرهم ~~بعذاب أليم {24} إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون {25} } ~~[الانشقاق: 16-25] . # {فلا أقسم بالشفق} [الانشقاق: 16] يعني: الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس ~~إلى وقت العشاء الآخرة، وهذا قول المفسرين، وأهل اللغة جميعا. # قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: عليه ثوب مصنوع كأنه الشفق، وكان أحمر. # وروي مثل هذا مرفوعا. ### | 1311 - # أخبرناه أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل، أنا محمد بن عبد الله البايع، ~~أنا علي بن جندل، نا الحسين بن إسماعيل، نا أبو حذافة، نا مالك بن أنس، عن ~~نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «الشفق الحمرة» # {والليل وما وسق} [الانشقاق: 17] قال الليث: الوسق: ضمك الشيء بعضه إلى ~~بعض، واستوسقت الإبل إذا اجتمعت وانضمت، والراعي يسقها أي: يجمعها. # والمفسرون يقولون: وما جمع وضم، وحوى ولف. # والمعنى: جمع وضم ما كان منتشرا بالنهار في تصرفه، وذلك أن الليل إذا ~~أقبل أوى كل شيء إلى مأواه. # {والقمر إذا اتسق} [الانشقاق: 18] استوى، واجتمع، وتكامل، وتم، # PageV04P454 # قال الفراء: اتساقه: امتلاؤه واجتماعه، واستواؤه ليلة ثلاث عشرة، وأربع ~~عشرة إلى ست عشرة. # وهو افتعل من الوسق الذي هو الجمع. # {لتركبن} [الانشقاق: 19] يا محمد، {طبقا عن طبق} [الانشقاق: 19] قال ~~الشعبي، ومجاهد: سماء بعد سماء. # قال الكلبي: يعني يصعد فيها، ويجوز أن تزيد درجة بعد درجة، ورتبة بعد ~~رتبة، في القربة من الله تعالى، ورفعة المنزلة. ### | 1312 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد العدل، أنا زاهر بن أحمد، أنا أحمد بن ~~الحسين بن الجنيد، نا زياد بن أيوب، نا هشيم، نا أبو بشر، عن مجاهد، عن ابن ~~عباس، أنه كان يقرأ: لتركبن بفتح الباء {طبقا عن طبق} [الانشقاق: 19] قال: ~~يعني نبيكم صلى الله عليه وسلم حالا ms1989 بعد حال. # رواه البخاري عن محمد بن محمد بن سعيد بن النضر، عن هشيم، ومن قرأ بضم ~~الباء فهو خطاب للناس # والمعنى: لتركبن حالا بعد حال، ومنزلا بعد منزل، وأمرا بعد أمر، يعني في ~~الآخرة، يعني: أن الأحوال تنقلب بهم، فيصيرون في الآخرة على غير الحال التي ~~كانوا عليها في الدنيا، وعن بمعنى بعد، وتم الكلام عند هذا، لتمام جواب ~~القسم. # ثم قال: فما لهم يعني: كفار مكة، لا يؤمنون بمحمد، والقرآن، والمعنى: أي ~~شيء لهم إذا لم يؤمنوا؟ وهو استفهام إنكار، أي: لا شيء لهم من النعيم ~~والكرامة، إذا لم يؤمنوا. # {وإذا قرئ عليهم القرءان لا يسجدون} [الانشقاق: 21] وقال الكلبي، وعطاء: ~~لا يصلون لله عز وجل. ### | 1313 - # أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر، أنا زاهر بن أحمد، نا الحسين بن ~~محمد بن مصعب، نا يحيى بن حكيم، نا حماد بن # PageV04P455 # مسعدة، عن سليمان التيمي، عن بكر بن عبد الله المزني، عن أبي رافع، قال: ~~صليت مع أبي هريرة صلاة العتمة فقرأ: {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] ~~فسجد فيها، فلما فرغ، قلت له: ما هذه السجدة؟ فقال: سجدت بها مع أبي القاسم ~~صلى الله عليه وسلم، أو قال: سجد بها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وأنا ~~معه فلا أزال أسجد بها حتى ألقى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. # رواه البخاري، عن أبي النعمان ورواه مسلم 7، عن عبيد الله بن معاذ كلاهما ~~عن المعتمر، عن أبيه، عن سليمان التيمي. ### | 1314 - # أخبرنا أبو منصور التميمي، أنا أبو عمرو بن مطر، أنا جعفر بن محمد بن ~~الحسن الفريابي، نا سليمان بن عبد الرحمن، نا الوليد بن مسلم، نا الأوزاعي، ~~عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: " قرأ رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] فسجد فيها ". # قال أبو سلمة: ثم قرأها أبو هريرة فسجد، قال يحيى: ثم قرأها أبو سلمة ~~فسجد، قال الوليد: ثم قرأها الأوزاعي فسجد، قال أبو أيوب: ثم قرأها الوليد ~~فسجد ms1990 # قوله: {بل الذين كفروا يكذبون} [الانشقاق: 22] بالبعث، والقرآن، والثواب، ~~والعقاب. # {والله أعلم بما يوعون} [الانشقاق: 23] في صدورهم من التكذيب، ويضمرون في ~~قلوبهم، ويكتمون، قاله ابن عباس، وقتادة، ومقاتل. # {فبشرهم بعذاب أليم} [الانشقاق: 24] أي: اجعل لهم ذلك بدل البشارة ~~للمؤمنين بالرحمة. # {إلا الذين آمنوا} [الانشقاق: 25] منهم، {وعملوا الصالحات لهم أجر غير ~~ممنون} [الانشقاق: 25] غير منقوص، ولا مقطوع، لأن نعيم الآخرة لا ينقطع. # PageV04P456 ### | تفسير سورة البروج # عشرون وآيتان، مكية. ### | 1315 - # أخبرنا أبو سعد محمد بن علي العزايمي، أنا عمرو بن جعفر بن مطر بإسناده، ~~عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة ~~البروج أعطاه الله من الأجر بعدد كل يوم جمعة، وكل يوم عرفة يكون في دار ~~الدنيا عشر حسنات» . # بسم الله الرحمن الرحيم {والسماء ذات البروج {1} واليوم الموعود {2} ~~وشاهد ومشهود {3} قتل أصحاب الأخدود {4} النار ذات الوقود {5} إذ هم عليها ~~قعود {6} وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود {7} وما نقموا منهم إلا أن ~~يؤمنوا بالله العزيز الحميد {8} الذي له ملك السموات والأرض والله على كل ~~شيء شهيد {9} إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب ~~جهنم ولهم عذاب الحريق {10} } [البروج: 1-10] . # {والسماء ذات البروج} [البروج: 1] ذكرنا تفسير البروج عند قوله: {جعل في ~~السماء بروجا} [الفرقان: 61] وهي النجوم، أو منازلها. # واليوم الموعود يعني: يوم القيامة، في قول جميع المفسرين. # وشاهد ومشهود. ### | 1316 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي، أنا علي بن أحمد بن محمد ~~بن عطية، نا الحارث بن أبي أسامة، نا روح، نا موسى بن عبيدة، أخبرني أيوب ~~بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «اليوم الموعود يوم القيامة والشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم ~~عرفة» ### | 1317 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، أنا أبو علي # PageV04P457 # حامد بن محمد الهروي، نا محمد بن صالح الأشج، نا يحيى بن نصر بن حاجب، نا ~~موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع ms1991، عن أبي هريرة رضي ~~الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليوم الموعود يوم ~~القيامة، والمشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، ما طلعت الشمس على يوم ~~ولا غربت أفضل منه، فيه ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله فيها بخير إلا ~~استجاب الله له، ولا استعاذ من شر إلا أعاذه منه» . # وهذا قول الأكثرين. # وسمي يوم الجمعة شاهدا، لأنه يشهد على كل عامل بما عمل فيه، وكذلك كل ~~يوم، ويوم عرفة يوم مشهود، يشهد الناس فيه موسم الحج، وتشهده الملائكة. ### | 1318 - # حدثنا أبو إسحاق المقري، أخبرني الحسين بن محمد أبو عبد الله الحافظ، نا ~~أحمد بن جعفر بن حمدان، نا إبراهيم بن سهلويه، نا أحمد بن إبراهيم الدورقي، ~~نا أبو غسان مالك بن ضيغم الراسبي، نا أبو سهل المنذراني، عن خباب، عن رجل، ~~قال: دخلت مسجد المدينة، فإذا أنا برجل يحدث عن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، والناس حوله، فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود، قال: نعم، أما الشاهد ~~فيوم الجمعة، وأما المشهود فيوم عرفة، فجزته إلى آخر يحدث عن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم، فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود، قال: نعم، أما الشاهد فيوم ~~الجمعة، والمشهود يوم النحر، فجزتهما إلى غلام كأن وجهه الدينار وهو يحدث ~~عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود، قال: نعم، ~~أما الشاهد فمحمد صلى الله عليه وسلم، وأما المشهود فيوم القيامة، أما ~~سمعته يقول: {يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} [الأحزاب: 45] ~~وقال الله عز وجل: {ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود} [هود: 103] ~~فسألت عن الأول، فقالوا: ابن عباس، وسألت عن الثاني، فقالوا: ابن عمر، ~~وسألت عن الثالث، فقالوا: الحسن بن علي رضي الله عنهم # قوله: {قتل # PageV04P458 # أصحاب الأخدود} [البروج: 4] معناه: لعن في قول الجميع. # كقوله: {قتل الخراصون} [الذاريات: 10] وقد مر، والأخدود الشق في الأرض ~~يحفر مستطيلا، وجمعه الأخاديد، ومصدره الخد وهو الشق، وأما حديث أصحاب ~~الأخدود: ### | 1319 - # حدثنا الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن ms1992 إملاء، أنا محمد بن عبد ~~الله بن عبد الوهاب بن نصير القرشي، نا يوسف بن عاصم الرازي، نا هدبة بن ~~خالد، نا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب، عن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كان ملك فيمن كان قبلكم له ساحر، فلما ~~مرض الساحر، قال: إني قد حضر أجلي، فارفع إلي غلاما أعلمه، فدفع إليه غلاما ~~فكان يعلمه ويختلف إليه، وبين الساحر والملك راهب فمر الغلام بالراهب ~~فأعجبه كلامه وأمره، فكان يطيل عنده القعود، فإذا أبطأ عن الساحر ضربه، ~~وإذا أبطأ عن أهله ضربوه، فشكى ذلك إلى الراهب، فقال: يا بني إذا استبطأك ~~الساحر، فقل: حبسني أهلي، وإذا استبطأك أهلك، فقل: حبسني الساحر، فبينما هو ~~ذات يوم مر بالناس وقد حبستهم دابة عظيمة فظيعة، فقال: اليوم أعلم أمر ~~الساحر أفضل أم أمر الراهب، فأخذ حجرا وقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب ~~إليك، فاقتل هذه الدابة، فرمى فقتلها ومضى الناس، فأخبر بذلك الراهب، فقال: ~~أي بني إنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي، قال: وجعل يداوي الناس، الأكمه ~~والأبرص، فبينما هو كذلك إذ عمي جليس للملك، فأتاه وحمل إليه مالا كثيرا، ~~فقال: اشفني ولك ما هاهنا، فقال: إني لا أشفي أحدا ولكن يشفي الله، فإن ~~آمنت بالله دعوت الله فشفاك، قال: فآمن بالله، فدعا الله له فشفاه فذهب ~~فجلس إلى الملك، فقال: يا فلان من شفاك؟ قال: ربي، قال: أنا؟ قال: لا، ربي ~~وربك الله، فقال: أو أن لك ربا غيري؟ قال: نعم، ربي وربك الله، فأخذه فلم ~~يزل به حتى دله على الغلام، فبعث إلى الغلام، فقال: لقد بلغ من أمرك أن ~~تشفي الأكمه والأبرص، فقال: ما أشفي أحدا ولكن ربي يشفي، قال: أو أن لك ربا ~~غيري؟ قال: نعم ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل به حتى دله على الراهب، فوضع ~~المنشار في مفرق رأسه، فأشره حتى وقع شقاه، ثم دعا بالأعمى، فقال: ارجع عن ~~دينك، فأبى فوضع المنشار ms1993 في مفرق رأسه، فأشره حتى وقع شقاه، وقال للغلام: ~~ارجع عن دينك فأبى، وأرسل معه نفرا، وقال: اصعدوا به إلى جبل كذا وكذا، فإن ~~رجع عن دينه وإلا فدهدهوه # PageV04P459 # منه، قال: فعلوا به الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، قال: فرجف بهم ~~الجبل فتدهدهوا أجمعون، وجاء إلى الملك، فقال: ما صنع أصحابك؟ فقال: ~~كفانيهم الله تعالى، فأرسل به مرة أخرى، قال: انطلقوا به فلججوا به في ~~البحر، فإن رجع وإلا فغرقوه، فانطلقوا به في قرقور، فلما توسطوا به البحر، ~~قال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة، وجاء حتى قام بين يدي ~~الملك، فقال: ما صنع أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، ثم قال: إنك لست بقاتلي ~~حتى تفعل ما آمرك، اجمع الناس ثم اصلبني على جذع، ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ~~ضعه على كبد القوس، ثم قل: بسم رب الغلام، فإنك ستقتلني، قال: فجمع الناس ~~وصلبه، ثم أخذ سهما من كنانته، فوضعه على كبد القوس، وقال: بسم رب الغلام، ~~ورمى فوقع السهم في صدغه، فوضع يده على صدغه ومات، فقال الناس: آمنا برب ~~الغلام، فقيل له: أرأيت ما كنت تخاف قد نزل والله بك، آمن الناس فأمر ~~بالأخدود، فخدت على أفواه السكك، ثم أضرمها، فقال: من رجع عن دينه، فدعوه ~~ومن أبى فأقحموه فيها، فجعلوا يقتحمونها وجاءت امرأة بابن لها، فقيل لها: ~~ارجعي عن دينك، فأبت، فقال لها: يا أمه اصبري، فإنك على الحق، رواه مسلم عن ~~هدبة بن خالد # وقال محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر: أن حربة احتفرت في زمن عمر ~~بن الخطاب رضي الله عنه، فوجدوا عبد الله بن التامر واضعا يده على ضربة في ~~رأسه، إذا أميطت يده انبعثت دما، وإذا تركت ارتدت مكانها، وفي يده خاتم من ~~حديد فيه ربي الله، فبلغ ذلك عمر، فكتب أن أعيدوا عليه الذي وجدتم عليه. # وروي عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في أصحاب الأخدود، قول آخر، وهو: ### | 1320 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد ms1994 بن جعفر، أنا أبو علي الفقيه، أنا محمد بن ~~معاذ الماليني، نا الحسين بن الحسن بن حرب المروزي، أنا الهيثم بن جميل، نا ~~يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، قال: لما انهزم أهل اسفندهان، قال ~~عمر بن الخطاب: ما هم يهود ولا نصارى، ولا لهم كتاب، وكانوا مجوسا، فقال ~~علي بن أبي طالب: بلى قد # PageV04P460 # كان لهم كتاب ولكنه رفع، وذلك أن ملكا لهم وقع على ابنته، أو قال على ~~أخته، فلما أفاق قال لها: كيف المخرج مما وقعت فيه؟ قالت: تجمع أهل مملكتك، ~~فأخبرهم أنك ترى ذلك حلالا، وتأمرهم أن يحلوه، فجمعهم وأخبرهم فأبوا أن ~~يبايعوه فخد لهم أخدودا في الأرض، وأوقد فيه النيران وعرضهم عليها، فمن أبى ~~قبول ذلك قذفه في النار، ومن أجاب خلى سبيله # وقال الحسن: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر عنده أصحاب الأخدود، ~~تعوذ بالله من جهد البلاء. # قوله: {النار ذات الوقود} [البروج: 5] بدل من الأخدود، كأنه قال: قتل ~~أصحاب النار ذات الوقود. # يعني: الذين أوقدوها لإحراق المؤمنين، وهو قوله: {إذ هم عليها قعود} ~~[البروج: 6] يعني: عند الأخدود يعذبون المؤمنين، قال ابن عباس: عندها جلوس. # وقال مقاتل: يعني: عند النار قعود، يعرضونهم على الكفر. # وقال مجاهد: كانوا قعودا على الكراسي عند الأخدود. # وهو قوله: وهم يعني: الملك وأصحابه الذين خدوا الأخدود، {على ما يفعلون ~~بالمؤمنين} [البروج: 7] من عرضهم على النار، وإرادتهم أن يرجعوا إلى دينهم، ~~شهود حضور، قال الزجاج: أعلم الله قصة قوم بلغت بصيرتهم، وحقيقة إيمانهم، ~~إلى أن صبروا على أن أحرقوا بالنار في الله. # {وما نقموا منهم} [البروج: 8] الآية، قال ابن عباس: ما كرهوا منهم إلا ~~أنهم آمنوا. # وقال مقاتل: ما عابوا منهم. # وقال الزجاج: ما أنكروا عليهم ذنبا إلا إيمانهم. # وهذا كقوله تعالى: {هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله} [المائدة: 59] ، ~~{والله على كل شيء} [البروج: 9] من فعلهم بالمؤمنين، شهيد لم يخف عليه ما ~~صنعوا. # ثم أعلم ما أعد لأولئك، فقال: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} ~~[البروج ms1995: 10] حرقوهم بالنار، يقال: فتنت الشيء أحرقته. # ومنه قوله تعالى: {يوم هم على النار يفتنون} [الذاريات: 13] ، {ثم لم ~~يتوبوا} [البروج: 10] من فعلهم ذلك، ومن الشرك الذي كانوا عليه، {فلهم عذاب ~~جهنم} [البروج: 10] بكفرهم، {ولهم عذاب الحريق} [البروج: 10] بما أحرقوا ~~المؤمنين، قال الربيع بن أنس: وذلك أن النار ارتفعت من الأخدود إلى الملك ~~وأصحابه فأحرقتهم. # وهو قول الكلبي. # ثم ذكر ما أعد للمؤمنين الذين حرقوا بالنار، فقال: {إن الذين آمنوا ~~وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير {11} إن ~~بطش ربك لشديد {12} إنه هو يبدئ ويعيد {13} وهو الغفور الودود {14} ذو ~~العرش المجيد {15} فعال لما يريد {16} هل أتاك # PageV04P461 # حديث الجنود {17} فرعون وثمود {18} بل الذين كفروا في تكذيب {19} والله ~~من ورائهم محيط {20} بل هو قرءان مجيد {21} في لوح محفوظ {22} } [البروج: ~~11-22] . # {إن الذين آمنوا} [البروج: 11] الآية، {إن بطش ربك لشديد} [البروج: 12] ~~قال ابن عباس: إن أخذه بالعذاب، إذا أخذ الظلمة، والجبابرة لشديد. # كقوله: {إن أخذه أليم شديد} [هود: 102] . # {إنه هو يبدئ} [البروج: 13] الخلق، يخلقهم أولا في الدنيا، ويعيدهم أحياء ~~بعد الموت. # وهو الغفور لذنوب المؤمنين، وأوليائه من أهل طاعته، الودود المحب لهم، ~~وقال الأزهري في تفسير أسماء الله: يجوز أن يكون ودود فعولا بمعنى: مفعول، ~~كركوب، وحلوب، ومعناه: أن عباده الصالحين يودونه ويحبونه، لما عرفوا من ~~فضله، ولما أسبغ عليهم من نعمائه، ويجوز أن تكون فعولا بمعنى فاعل، أي: ~~محبا لهم. # قال: وكلتا الصفتين مدح، لأنه جل ذكره إن أحب عبادة المطيعين فهو فضل ~~منه، وإن أحبه عباده العارفون، فلما تقرر عندهم من كريم إحسانه. # قوله: {ذو العرش المجيد} [البروج: 15] أكثر القراءة الرفع في: المجيد على ~~صفة: ذو العرش، لأن الله تعالى هو الموصوف بالمجد، ولأن المجيد لم يسمع في ~~غير صفة الله تعالى، وإن سمع الماجد، ومن كسر المجيد جعله من صفة العرش، ~~قال عطاء، عن ابن عباس: من قرأ بالخفض، فإنما يريد العرش وحسنه. # ويدل على صحة هذا: أن العرش وصف بالكرم في قوله: {رب العرش الكريم} ~~[المؤمنون: 116] فجاز أن ms1996 يوصف بالمجد، لأن معناه الكمال، والعرش على ما ذكر ~~أحسن شيء، وأكمله، وأجمعه لصفات الحسن. # {فعال لما يريد} [البروج: 16] أي: من الإبداء والإعادة، وقال عطاء: لا ~~يعجزه شيء يريده، ولا يمتنع منه شيء طلبه. ### | 1321 - # أخبرنا أبو بكر المحاربي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا أبو يحيى الرازي، نا ~~هناد، نا المحاربي، عن مالك بن مغول، عن أبي السفر، قال: دخل على أبي بكر ~~الصديق رضي الله عنه قوم يعودونه، فقالوا: يا خليفة رسول الله ألا تدعو لك ~~طبيبا ينظر إليك، قال: قد نظر إلي، قالوا: وأي شيء قال لك؟ قال: قال: إني ~~فعال لما أريد # ثم ذكر خبر الجموع الكافرة، فقال: {هل أتاك حديث الجنود} [البروج: 17] ~~يريد: قد أتاك، وهم الذين تجندوا على أنبياء الله. # ثم بين من هم، فقال: {فرعون وثمود {18} بل # PageV04P462 # الذين كفروا} [البروج: 18-19] يعني: مشركي مكة، في تكذيب لك وللقرآن، أي: ~~لم يعتبروا بمن كان قبلهم من الكفار. # {والله من ورائهم محيط} [البروج: 20] يقدر أن ينزل بهم، ما أنزل بمن ~~قبلهم. # {بل هو قرءان مجيد} [البروج: 21] قال ابن عباس، ومقاتل: كريم، لأنه كلام ~~الرب، ليس هو كما يقولون: شعر، وكهانة، وسحر. # {في لوح محفوظ} [البروج: 22] عند الله، وهو أم الكتاب، منه نسخ القرآن ~~والكتب، وهو الذي يعرف باللوح المحفوظ من الشياطين، ومن الزيادة فيه ~~والنقصان، وقرأ نافع: محفوظ رفعا على نعت القرآن، كأنه قيل: بل هو قرآن ~~مجيد محفوظ في لوح، وذلك أن القرآن وصف بالحفظ في قوله تعالى: {إنا نحن ~~نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] فكما وصف بالحفظ في تلك الآية، ~~كذلك وصف في هذه الآية بأنه محفوظ، ومعنى حفظ القرآن: أنه يؤمن من تحريفه، ~~وتبديله، وتغييره، فلا يلحقه من ذلك شيء، قال أبو الحسن الأخفش: والأول هو ~~الذي يعرف. # وقال أبو عبيد: الوجه الخفض، لأن الآثار الواردة في اللوح المحفوظ تصدق ~~ذلك. ### | 1322 - # أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر، أنا زاهر بن أحمد، أن الحسن بن ~~محمد بن مصعب، نا يحيى بن حكيم، نا ms1997 الحسن بن حبيب، نا أبو حمزة الثمالي، عن ~~سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إن الله عز وجل خلق لوحا محفوظا من درة ~~بيضاء، دفتاه ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، عرضه كما بين السماء ~~والأرض، ينظر فيه كل يوم ثلاث مائة وستين نظرة، يخلق بكل نظرة ويحيي ويميت ~~ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء. ### | 1323 - # حدثنا أبو إسحاق المقري، أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الثقفي، نا ~~مخلد بن جعفر، نا الحسن بن علويه، نا إسماعيل بن عيسى، نا إسحاق بن بشر، ~~أخبرني مقاتل، وابن جريج، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: إن في صدر اللوح ~~المحفوظ لا إله إلا الله وحده، دينه الإسلام، ومحمد عبده ورسوله، فمن آمن ~~بالله عز وجل وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة، قال: واللوح لوح من درة ~~بيضاء، طوله ما بين السماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق والمغرب. # PageV04P463 ### | تفسير سورة الطارق # سبع عشرة آية، مكية. ### | 1324 - # أخبرنا أبو عثمان بن أبي بكر المقري، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر بإسناده ~~عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة ~~الطارق أعطاه الله بعدد كل نجم في السماء عشر حسنات» # بسم الله الرحمن الرحيم {والسماء والطارق {1} وما أدراك ما الطارق {2} ~~النجم الثاقب {3} إن كل نفس لما عليها حافظ {4} فلينظر الإنسان مم خلق {5} ~~خلق من ماء دافق {6} يخرج من بين الصلب والترائب {7} إنه على رجعه لقادر ~~{8} يوم تبلى السرائر {9} فما له من قوة ولا ناصر {10} } [الطارق: 1-10] . # {والسماء والطارق} [الطارق: 1] قال المفسرون: أقسم الله تعالى بالسماء ~~والطارق، يعني: الكواكب تطرق بالليل، وتخفى بالنهار. # قال الفراء: {الطارق} [الطارق: 2] : النجم، لأنه يطلع بالليل، وما أتاك ~~ليلا فهو طارق. # ونحو هذا قال الزجاج، والمبرد. # ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وما أدراك ما الطارق} [الطارق: 2] ~~وذلك أن هذا الاسم يقع على كل ما طرق ليلا، ولم يكن النبي صلى الله عليه ~~وسلم يدري ما المراد به لو لم يبينه بقوله تعالى: {النجم الثاقب ms1998} [الطارق: ~~3] أي: المضيء، والنجم الثاقب اسم الجنس وأريد به العموم، قال ابن زيد: ~~أراد به الثريا. # والعرب تسميه النجم، ذكرنا ذلك عند قوله: {والنجم إذا هوى} [النجم: 1] ، ~~وجواب القسم قوله تعالى: {إن كل نفس لما عليها حافظ} [الطارق: 4] أقسم الله ~~تعالى بما ذكر، أنه ما من نفس إلا عليها حافظ من الملائكة، يحفظ عملها، ~~وقولها، وفعلها، ويحصي ما تكتسب من خير أو شر. # وفي قوله: لما عليها قراءتان: التخفيف والتشديد، فمن خفف كان ما لغوا، ~~والمعنى: لعليها حافظ، # PageV04P464 # ومن شدد جعل لما بمعنى إلا، تقول: سألتك لما فعلت. # بمعنى إلا فعلت. # ثم نبه على البعث، بقوله: فلينظر الإنسان قال مقاتل: يعني: المكذب ~~بالبعث. # مم خلق من أي شيء خلقه الله، والمعنى: فلينظر نظر التفكر والاستدلال، حتى ~~يعرف أن الذي ابتدأه من نطفة قادر على إعادته. # ثم ذكر من أي شيء خلقه، فقال: {من ماء دافق} [الطارق: 6] قال ابن عباس: ~~يعني: المني الذي يكون منه الولد، وهو ماء مهراق في رحم المرأة. # والدفق صب الماء، يقال: دفقت الماء. # أي: صببته، و {دافق} [الطارق: 6] ههنا بمعنى: مدفوق، قال الفراء: وأهل ~~الحجاز يجعلون الفاعل بمعنى المفعول في كثير من كلامهم، كقولهم: سر كاتم، ~~وهم ناصب، وليل نائم. # وذكرنا مثل هذا عند قوله: {لا عاصم اليوم} [هود: 43] : ثم وصف ذلك الماء، ~~فقال: {يخرج من بين الصلب والترائب} [الطارق: 7] وهي موضع القلادة من ~~الصدر، واحدها تريبة. # قال عطاء: يريد صلب الرجل، وترائب المرأة، لا يكون إلا من الماءين. # {إنه على رجعه لقادر} [الطارق: 8] قال مجاهد: على أن يرد الماء في ~~الإحليل. # وقال عكرمة، والضحاك: على أن يرد الماء في الصلب. # وقال مقاتل بن حيان: يقول: إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب ~~إلى الصبى، ومن الصبى إلى النطفة. # وقال قتادة: إن الله تعالى على بعث الإنسان وإعادته لقادر. # وهذا هو الاختيار، لقوله: {يوم تبلى السرائر} [الطارق: 9] أي: إنه قادر ~~على بعثه يوم القيامة، ومعنى الرجع: رد الشيء إلى أول حاله، و {تبلى} ~~[الطارق ms1999: 9] قال قتادة: تختبر. # وقال مقاتل: تظهر. # والسرائر: أعمال بني آدم، والفرائض التي أوجبت عليهم، وهي سرائر بين الله ~~وبين # PageV04P465 # العبد، فتختبر تلك يوم القيامة، حتى يظهر خيرها من شرها، ومؤداها عن ~~مضيعها. ### | 1325 - # أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، أنا حامد بن محمد الهروي، أنا محمد بن يونس ~~القرشي، نا أبو علي الحنفي، نا عمران القطان، عن قتادة، عن خليد العصري، عن ~~أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ضمن الله تعالى ~~لخلقه أربع خصال: الصلاة، الزكاة، وصوم شهر رمضان، والغسل من الجنابة " وهن ~~السرائر التي قال الله: {يوم تبلى السرائر} [الطارق: 9] . ### | 1326 - # أخبرني عبد الرحمن بن الحسن الحافظ، فيما أجاز لي أنا عمر بن أحمد ~~الواعظ، نا محمد بن عمران بن موسى الهمذاني، نا إبراهيم بن محمد بن الحسن ~~الأصبهاني، نا الحسين بن القاسم الأصبهاني، نا إسماعيل بن أبي زياد، عن ~~ثور، عن خالد بن معدان، عن معاذ، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: ما ~~هذه السرائر التي يبلى بها العباد في الآخرة؟ فقال: هي سرائركم في أعمالكم ~~من الصلاة، والصيام والزكاة، والوضوء، والغسل من الجنابة، وكل مفروض لأن ~~الأعمال كلها سرائر خفية، فإن شاء قال الرجل: صليت ولم يصل، وإن شاء، قال: ~~توضأت ولم يتوضأ فذلك قوله تعالى: {يوم تبلى السرائر} [الطارق: 9] # وقال ابن عمر: يبدئ الله تعالى يوم القيامة كل سر، فيكون زينا في الوجوه، ~~وشيئا في الوجوه، يعني: أن من أداها كان وجهه مشرقا، ومن ضيعها كان وجهه ~~أغبر. # فما له أي: لهذا الإنسان المنكر للبعث، من قوة يمتنع بها من عذاب الله، ~~ولا ناصر ينصره من الله. # ثم ذكر قسما آخر، فقال: {والسماء ذات الرجع {11} والأرض ذات الصدع {12} ~~إنه لقول فصل {13} وما هو بالهزل {14} إنهم يكيدون كيدا {15} وأكيد كيدا ~~{16} فمهل الكافرين أمهلهم رويدا {17} } [الطارق: 11-17] . # PageV04P466 # {والسماء ذات الرجع} [الطارق: 11] يعني: ذات المطر في قول جميع المفسرين. # قال الزجاج: {الرجع} [الطارق: 11] المطر، لأنه يجيء ويرجع، ويتكرر. # {والأرض ذات الصدع} [الطارق: 12] قال أبو عبيدة، والفراء: تتصدع بالنبات ms2000. # وهو معنى قول المفسرين: تتشقق عن النبات والأشجار. # والصدع الشق، وجواب القسم قوله: {إنه لقول فصل} [الطارق: 13] أي: أن ~~القرآن يفصل بين الحق والباطل بالبيان عن كل واحد منهما. # {وما هو بالهزل} [الطارق: 14] أي: أنه لم ينزل باللعب، فهو جد ليس ~~بالهزل. # ثم أخبر عن مشركي مكة، فقال: {إنهم يكيدون كيدا} [الطارق: 15] قال ~~الزجاج: يخاتلون النبي صلى الله عليه وسلم، ويظهرون ما هم على خلافه. # {وأكيد كيدا} [الطارق: 16] كيد الله: استدراجه إياهم من حيث لا يعلمون. # {فمهل الكافرين} [الطارق: 17] قال ابن عباس، ومقاتل: هو وعيد من الله ~~لهم. # {أمهلهم رويدا} [الطارق: 17] يريد: قليلا حتى أهلكهم، ففعل الله ذلك ~~ببدر، ونسخ الإمهال بآية السيف، ومعنى أمهل ومهل: أنظر ولا تعجل. # PageV04P467 ### | تفسير سورة الأعلى # تسع عشرة آية، مكية. ### | 1327 - # أخبرنا الزعفراني، أنا السختياني بإسناده، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة الأعلى أعطاه الله من الأجر عشر ~~حسنات بعدد كل حرف، أنزله الله تعالى على إبراهيم وموسى، ومحمد عليهم ~~السلام» . ### | 1328 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن حمدان، أنا أحمد بن جعفر بن مالك، نا عبد ~~الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، نا وكيع، نا إسرائيل، عن ثوير بن أبي ~~فاختة، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يحب هذه السورة سبح اسم ربك الأعلى. ### | 1329 - # أخبرنا أبو بكر بن علي المسيبي، نا محمد بن عبيد الله بن نعيم، نا أبو ~~عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، نا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي، ~~نا سعيد بن كثير بن عفير، نا يحيى بن أيوب، أنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن ~~عمرة، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين ~~اللتين يوتر بعدهما: سبح اسم ربك الأعلى وقل يأيها الكافرون ويقرأ في ~~الوتر: قل هو الله أحد { [، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. # بسم الله الرحمن الرحيم # PageV04P468 # ] سبح ms2001 اسم ربك الأعلى {1} الذي خلق فسوى {2} والذي قدر فهدى {3} والذي ~~أخرج المرعى {4} فجعله غثاء أحوى {5} سنقرئك فلا تنسى {6} إلا ما شاء الله ~~إنه يعلم الجهر وما يخفى {7} ونيسرك لليسرى {8} فذكر إن نفعت الذكرى {9} ~~سيذكر من يخشى {10} ويتجنبها الأشقى {11} الذي يصلى النار الكبرى {12} ثم ~~لا يموت فيها ولا يحيا {13} } [سورة الأعلى: 1-13] . # {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] أي: نزهه من السوء، وقل: سبحان ربي ~~الأعلى. # قال صاحب النظم: قد احتج بهذا الفصل من يقول: إن الاسم والمسمى واحد. # لأن أحدا لا يقول: سبحان اسم الله، وسبحان اسم ربنا. # فمعنى: {سبح اسم ربك} [الأعلى: 1] : سبح ربك، والرب أيضا اسم، فلو كان ~~غير المسمى، لم يجز أن يقع التسبيح عليه. ### | 1330 - # أخبرنا الحسن بن أحمد بن عبد الله بن حمشاذ، أنا محمد بن الفضيل بن محمد ~~بن إسحاق، أنا أبو بكر محمد بن حمدون، نا إبراهيم بن الهيثم الزهري، نا ~~آدم، نا محمد بن الفضل، عن زيد العمي، عن مرة الهمذاني، عن أبي هريرة، قال: ~~قلنا: يا رسول الله كيف نقول في سجودنا؟ فأنزل الله تعالى: {سبح اسم ربك ~~الأعلى} [الأعلى: 1] فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول في ~~سجودنا: سبحان ربي الأعلى ويسن للقارئ إذا قرأ هذه الآية أن يقول: سبحان ~~ربي الأعلى، وإن كان في الصلاة روي ذلك عن جماعة من الصحابة. ### | 1331 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا أبو محمد عبد الله بن محمد، نا أبو يحيى ~~الرازي، نا سهل بن عثمان، نا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، ~~قال: قال ابن عباس: من قرأ: {سبح اسم ربك الأعلى} ، فليقل: سبحان ربي ~~الأعلى # {الذي خلق فسوى} [الأعلى: 2] قال الكلبي: خلق كل ذي روح، فجمع خلقه ~~وسواه: اليدين، والرجلين، والعينين. # وقال الزجاج: خلق الإنسان مستويا. # ومعنى سوى: عدل قامته. # {والذي قدر} [الأعلى: 3] وقرئ بالتخفيف، وهما # PageV04P469 # بمعنى واحد، قال المفسرون: قدر خلق الذكر والأنثى من الدواب، فهدى الذكر ~~للأنثى كيف يأتيها. # قال صاحب النظم: معنى هدى: هداية الذكر لإتيان الأنثى ms2002 كيف يأتيها، لأن ~~إيتان ذكران الحيوان مختلف، لاختلاف الصور، والخلق، والهيئات، فلولا أنه عز ~~وجل جبل كل ذكر على معرفة كيف يأتي أنثاه، لما اهتدى لذلك. # وقال مجاهد: هدى الإنسان لسبيل الخير والشر، والسعادة والشقاوة. # وقال السدي: قدر مدة الجنين في الرحم، ثم هدى للخروج. # {والذي أخرج المرعى} [الأعلى: 4] أنبت العشب، وما يرعاه النعم. # فجعله بعد الخضرة، غثاء هشيما، جافا، كالغثاء الذي نراه فوق السيل، أحوى ~~أسود بعد الخضرة، وذلك: أن الكلأ إذا جف يبس واسود. # قوله: {سنقرئك فلا تنسى} [الأعلى: 6] أي: سنجعلك قارئا، بأن نلهمك ~~القراءة، فلا تنسى ما تقرأه، قال الزجاج: أعلم الله أنه سيجعل للنبي صلى ~~الله عليه وسلم آية، يتبين بها له الفضيلة، وهي أن ينزل عليه جبريل، فيقرئه ~~حتى يقرأ، فيقرأ ولا ينسى شيئا من ذلك، وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ، قال ~~المفسرون: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن، أكثر تحريك ~~لسانه، مخافة أن ينساه، وكان لا يفرغ جبريل من آخر الوحي حتى يتكلم هو ~~بأوله، مخافة النسيان، فقال الله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى} [الأعلى: 6] ~~وهذا كقوله: {ولا تعجل بالقرءان} [طه: 114] الآية، وكقوله: {لا تحرك به ~~لسانك لتعجل به} [القيامة: 16] الآية. # {إلا ما شاء الله} [الأعلى: 7] أن ينسيك بنسخه، ورفع حكمه، وتلاوته، كما ~~قال: {ما ننسخ من آية أو ننسها} [البقرة: 106] والإنساء نوع من النسخ، {إنه ~~يعلم الجهر} [الأعلى: 7] من القول والفعل، {وما يخفى} [الأعلى: 7] منها، ~~والمعنى: يعلم السر والعلانية. # {ونيسرك لليسرى} [الأعلى: 8] قال مقاتل: يهون عليك عمل الجنة. # وهو معنى قول ابن عباس: نيسرك لأن تعمل خيرا، واليسرى عمل الخير. # {فذكر إن نفعت الذكرى} [الأعلى: 9] أي: عظ يا محمد أهل مكة بالقرآن، إن ~~نفعت الموعظة والتذكير، والمعنى: إن نفعت أو لم تنفع، لأن النبي صلى الله ~~عليه وسلم بعث مبلغا للإعذار والإنذار، فعليه التذكير في كل حال، نفع أو لم ~~ينفع، ولم يذكر الحالة الثانية، كقوله: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] ~~الآية. # وقد نبه الله تعالى على تفصيل الحالتين، بقوله ms2003: {سيذكر من # PageV04P470 # يخشى} [الأعلى: 10] سيتعظ بالقرآن من يخشى الله، ويتجنبها ويتجنب الذكرى، ~~{الأشقى {11} الذي يصلى النار الكبرى {12} } [الأعلى: 11-12] العظيمة ~~الفظيعة، لأنها أعظم، وأشد حرا من نار الدنيا {ثم لا يموت فيها} [الأعلى: ~~13] فيستريح، ولا يحيى حياة تنفعه. # {قد أفلح من تزكى {14} وذكر اسم ربه فصلى {15} بل تؤثرون الحياة الدنيا ~~{16} والآخرة خير وأبقى {17} إن هذا لفي الصحف الأولى {18} صحف إبراهيم ~~وموسى {19} } [الأعلى: 14-19] . # {قد أفلح من تزكى} [الأعلى: 14] تطهر من الشرك، وقال: لا إله إلا الله. # {وذكر اسم ربه} [الأعلى: 15] بالخوف، فعبده، وصلى له، وهذا قول عطاء، عن ~~ابن عباس، ويدل على صحته ما: ### | 1332 - # ما حدثناه أبو إسحاق المقري، أنا عبد الله بن حامد، أنا أبو محمد أحمد بن ~~عبد الله المزني، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، نا عباد بن أحمد ~~العرزمي، نا عمي محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عطاء بن السائب، عن ابن ~~سابط، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قد أفلح من تزكى} ~~[الأعلى: 14] قال: من شهد أن لا إله إلا الله، وخلع الأنداد وشهد أني رسول ~~الله # {وذكر اسم ربه فصلى} [الأعلى: 15] قال: هي الصلوات الخمس، والمحافظة ~~عليها حين ينادى بها، والاهتمام بمواقيتها ". # وجماعة من المفسرين يحملون الآيتين على زكاة الفطر، وصلاة العيد. # قال الكلبي: أفلح من تصدق قبل مروره إلى العيد، وصلى مع الإمام. # وهو قول عكرمة، وأبي العالية، وابن سيرين، وابن عمر. # وروي ذلك مرفوعا. ### | 1333 - # أخبرناه أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن ~~أحمد بن رجاء، أنا محمد بن محمد بن سليمان الواسطي، نا رحيم، نا عبد الله ~~بن نافع، عن كثير بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله ~~عليه وسلم أنه سئل عن هذه الآية {قد أفلح من تزكى} [الأعلى: 14] قال: زكاة ~~الفطر، وفي غير هذه الرواية، قال: أخرج زكاة الفطر وخرج إلى المصلى فصلى. # PageV04P471 # وقال نافع: كان ابن عمر إذا صلى الغداة، قال: يا نافع أخرجت الصدقة ms2004؟ فإن ~~قلت: نعم، مضى إلى المصلى، وإن قلت: لا، قال: فالآن فأخرج، فإنما نزلت هذه ~~الآية: {قد أفلح من تزكى {14} وذكر اسم ربه فصلى {15} } [الأعلى: 14-15] في ~~هذه الصدقة. # قوله: {بل تؤثرون الحياة الدنيا} [الأعلى: 16] قرأه العامة بالتاء، لما ~~روي أن في حرف أبي: بل أنتم تؤثرون، قال الكلبي: تؤثرون عمل الدنيا على عمل ~~الآخرة. # وقال ابن مسعود: إن الدنيا أحضرت لنا، وعجل طعامها، وشرابها، ونساؤها، ~~ولذتها، وبهجتها، وإن الآخرة زويت عنا، فأخذنا بالعاجل وتركنا الآجل. # وقرأ أبو عمرو يؤثرون بالياء، وقال: يعني الأشقين الذين ذكروا في قوله: ~~{ويتجنبها الأشقى} [الأعلى: 11] . # ثم رغب في الآخرة، فقال: {والآخرة خير وأبقى} [الأعلى: 17] أي: والدار ~~الآخرة، يعني: الجنة، خير أفضل، وأبقى وأدوم من الدنيا. ### | 1334 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا أبو بكر عبد الله بن يحيى ~~بن معاوية الطلحي، أنا أبو علي الحسين بن جعفر القتات، نا أبو نعيم صراد بن ~~صرد، نا عبد العزيز، عن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن عبد الله، عن أبي ~~موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من طلب آخرته أضر بدنياه، ~~ومن طلب دنياه أضر بآخرته، فآثروا ما يبقى على ما يفنى» # إن هذا يعني: ما ذكر من عند قوله: قد أفلح أربع آيات، لفي الكتب، الأولى ~~التي أنزلت قبل القرآن، ذكر فيها فلاح المتزكي والمصلى، وإيثار الخلق ~~الدنيا على الآخرة، وأن الآخرة خير، قال ابن قتيبة: لم يرد الألفاظ بعينها، ~~وإنما أراد أن الفلاح لمن تزكى، وذكر اسم الله فصلى، في {الصحف الأولى} ~~[الأعلى: 18] كما هو في القرآن. # ثم بين أن الصحف الأولى ما هي، فقال: {صحف إبراهيم وموسى} [الأعلى: 19] ~~يعني: كتبا أنزلت على إبراهيم، وتوراة موسى، وقال عكرمة: هذه السورة في صحف ~~إبراهيم وموسى. # وقال السدي: نزلت هذه السورة كلها على موسى، وعلى إبراهيم. # PageV04P472 ### | تفسير سورة الغاشية # عشرون وست آيات، مكية. ### | 1335 - # أخبرنا أبو عثمان المقري، أنا أبو عمرو بن مطر بإسناده، عن أبي بن كعب، ~~قال: قال رسول الله ms2005 صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة الغاشية حاسبه الله ~~حسابا يسيرا» . # بسم الله الرحمن الرحيم {هل أتاك حديث الغاشية {1} وجوه يومئذ خاشعة {2} ~~عاملة ناصبة {3} تصلى نارا حامية {4} تسقى من عين آنية {5} ليس لهم طعام ~~إلا من ضريع {6} لا يسمن ولا يغني من جوع {7} } [الغاشية: 1-7] . # هل أتاك يريد: قد أتاك، {حديث الغاشية} [الغاشية: 1] خبر القيامة، وذلك: ~~أنها تغشى الناس بأهوالها، وشدائدها. # {وجوه يومئذ خاشعة} [الغاشية: 2] ذليلة بالعذاب، قال مقاتل: يعنى الكفار، ~~لأنها تكبرت عن عبادة الله. # عاملة ناصبة قال عطاء، عن ابن عباس: يعني الذين عملوا ونصبوا في الدنيا ~~على غير دين الإسلام، من عبدة الأوثان، وكفار أهل الكتاب، مثل الرهبان ~~وغيرهم، لا يقبل الله منهم، إلا ما كان لوجهه خالصا، لا يقبل اجتهادا في ~~بدعة وضلالة، لكنه يقبل رفقا في سنة. # وهذا قول سعيد بن جبير، وزيد بن أسلم، وأبي الضحى، عن ابن عباس. # قالوا: هم الرهبان، وأصحاب الصوامع. # والكلام خرج على الوجوه، والمراد بها أصحابها، ومعنى النصب: الدؤب في ~~العمل بالتعب، والمعنى: عاملة في الدنيا، ناصبة في الآخرة، لأنها عملت في ~~الدنيا بالمعاصي، فصارت ناصبة في النار يوم القيامة. ### | 1336 - # أخبرنا الحسين بن علي بن محمد المسيبي، أنا محمد بن عبد الله بن حمدويه، ~~نا محمد بن يعقوب، نا الخضر بن أبان، نا سيار بن حاتم، نا جعفر بن سليمان، ~~قال: سمعت أبا عمران الجوني، يقول: مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدير ~~راهب فناداه: يا راهب يا راهب، فأشرف عليه، فجعل عمر ينظر # PageV04P473 # إليه ويبكي، فقيل له: يا أمير المؤمنين، ما يبكيك من هذا؟ قال: ذكرت قول ~~الله تعالى في كتابه: {عاملة ناصبة} [الغاشية: 3] {تصلى نارا حامية} ~~[الغاشية: 4] فذلك الذي أبكاني # ثم ذكر نصبها، فقال: {تصلى نارا حامية} [الغاشية: 4] قال ابن عباس: قد ~~حميت فهي تتلظى على أعداء الله. # وقرأ أبو عمرو بضم التاء، من أصليته النار. # {تسقى من عين آنية} [الغاشية: 5] متناهية في الحرارة، قال الحسن: قد ~~أوقدت عليها جهنم منذ خلقت، فدفعوا إليها وردا عطاشا ms2006. # وقال المفسرون: لو وقعت منها نقطة على جبال الدنيا لذابت. # هذا شرابهم. # ثم ذكر طعامهم، فقال: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} [الغاشية: 6] وهو نوع ~~من الشوك، يقال له: الشبرق. # وأهل الحجاز يسمونه الضريع، إذا يبس أخبث طعام وأبشعه، لا ترعاه دابة، ~~قال أبو الجوازاء: هو السلاء. ### | 1337 - # أخبرني عبد الرحمن بن الحسن بن علي الحافظ أجازه، أنا عمر بن أحمد ~~الواعظ، نا عبد الله بن سليمان، نا محمد بن عامر الأصبهاني، عن أبيه، عن ~~نهشل، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«الضريع شيء يكون في النار يشبه الشوك، أمر من الصبر، وأنتن من الجيفة، ~~وأشد حرا من النار سماه الله عز وجل الضريع» # قال أبو الدرداء، والحسن: إن الله عز وجل يرسل على أهل النار الجوع، حتى ~~يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بالضريع، ثم يستغيثون ~~فيغاثون بطعام ذي غصة، فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالماء، ~~فيستسقون فيعطشهم ألف سنة، ثم يسقون من عين آنية شربة لا هنيئة، ولا مريئة، ~~فكلما أدنوه من وجوههم، سلخ جلود وجوههم وشواها، فإذا وصل إلى بطونهم ~~قطعها. # فذلك قوله تعالى: {وسقوا ماء حميما # PageV04P474 # فقطع أمعاءهم} [محمد: 15] ، ولما نزلت هذه الآية، قال المشركون: إن إبلنا ~~لتسمن على الضريع. # وكذبوا في ذلك، فإن الإبل لا ترعاه. # فقال الله تعالى تكذبيا لهم: {لا يسمن ولا يغني من جوع} [الغاشية: 7] . # ثم وصف أهل الجنة، بقوله: {وجوه يومئذ ناعمة {8} لسعيها راضية {9} في جنة ~~عالية {10} لا تسمع فيها لاغية {11} فيها عين جارية {12} فيها سرر مرفوعة ~~{13} وأكواب موضوعة {14} ونمارق مصفوفة {15} وزرابي مبثوثة {16} } ~~[الغاشية: 8-16] . # {وجوه يومئذ ناعمة} [الغاشية: 8] قال مقاتل: في نعمة وكرامة. # لسعيها في الدنيا، راضية حين أعطيت في الجنة بعملها. # {في جنة عالية} [الغاشية: 10] مرتفعة. # {لا تسمع فيها لاغية} [الغاشية: 11] وقرئ بالياء أيضا، لأن المراد ~~باللاغية اللغو، فالتأنيث على اللفظ، والتذكير على المعنى، وقرأ حمزة: لا ~~تسمع بتاء مفتوحة، لاغية نصبا على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ms2007. # {فيها عين جارية} [الغاشية: 12] قال الكلبي: لا أدري بماء أو بغيره. # {فيها سرر مرفوعة} [الغاشية: 13] قال ابن عباس: ألواحها من ذهب، مكللة ~~بالزبرجد، والدر، والياقوت، مرتفعة ما لم يجئ أهلها، فإذا أراد أن يجلس ~~عليها تواضعت له حتى يجلس عليها، ثم ترتفع إلى موضعها. # وأكواب أقداح لا عرى لها، موضوعة عندهم. # ونمارق يعني: الوسائد في قول الجميع. # واحدها نمرقة بضم النون، وزاد الفراء سماعا عن العرب نمرقة بكسر النون، ~~قال الكلبي: وسائد. # مصفوفة بعضها إلى بعض. # وزرابي يعني: البسط والطنافس، واحدها: زربية وزربي، مبثوثة مبسوطة ~~ومنشورة، ويجوز أن يكون المعنى: أنها مفرقة في المجالس. ### | 1338 - # أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي، أنا أبو الفضل الحدادي، أخبرهم عن ~~محمد بن زيد الخالدي، أنا إسحاق بن إبراهيم، نا وهب بن جرير، نا شعبة، عن ~~أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه ذكر أهل ~~الجنة، فقال: يجيئون فيدخلون الجنة، فإذا أساس بيوتهم من جندل اللؤلؤ، وسرر ~~مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة، فلولا أن الله قدرها ~~لهم لالتمعت أبصارهم لما يرون، فيعانقون الأزواج ويقعدون على السرر، ~~ويقولون: الحمد لله الذي هدانا لهذا. # PageV04P475 # وقال قتادة: لما نعت الله ما في الجنة، عجب من ذلك أهل الضلالة، فأنزل ~~الله: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت {17} وإلى السماء كيف رفعت {18} ~~وإلى الجبال كيف نصبت {19} وإلى الأرض كيف سطحت {20} فذكر إنما أنت مذكر ~~{21} لست عليهم بمسيطر {22} إلا من تولى وكفر {23} فيعذبه الله العذاب ~~الأكبر {24} إن إلينا إيابهم {25} ثم إن علينا حسابهم {26} } [الغاشية: ~~17-26] . # {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} [الغاشية: 17] وكانت الإبل عيشا من ~~عيشهم، يقول: أفلا ينظرون إليها، وما يخرج الله من ضروعها، من بين فرث ودم ~~لبنا خالصا، سائغا للشاربين؟ ! يقول: فكما صنعت هذا لكم، فكذلك أصنع لأهل ~~الجنة في الجنة. # وقال أبو عمرو بن العلاء: خص الإبل، لأنها من ذوات الأربع، تبرك فتحمل ~~عليها الحمولة. # وغيرها من ذوات الأربع لا يحمل عليه، إلا وهو قائم، وقال الزجاج ms2008: نبههم ~~على عظيم من خلقه، قد ذلله الصغير، يقوده، وينيخه، وينهضه، ويحمل عليه ~~الثقيل من الحمل وهو بارك، فينهض بثقل حمله، وليس ذلك في شيء من الحوامل ~~غيره، فأراهم عظيما من خلقه، ليدل بذلك على توحيده. # وسئل الحسن عن هذه الآية، وقيل له: الفيل أعظم في الأعجوبة. # فقال: أما الفيل فالعرب بعيدة العهد به، ثم هو خنزير لا يركب ظهره، ولا ~~يؤكل لحمه، ولا يحلب دره، والإبل من أعز مال العرب وأنفسه، تأكل النوى ~~والقت، وتخرج اللبن، ويأخذ الصبي بزمامها، فيأخذ بها حيث شاء من عظمها في ~~نفسها. # ويحكى: أن فأرة أخذت بزمام ناقة، فجعلت تجره وهي تتبعها، حتى دخلت في ~~الجحر، فجرت الزمام، فبركت، فجرت، فقربت فمها من جحر الفأرة، وكان شريح ~~يقول: اخرجوا بنا إلى الكناسة، حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت. # ثم قال الله: {وإلى السماء كيف رفعت} [الغاشية: 18] يعني: من الأرض، حتى ~~لا ينالها شيء، بغير عمد. # {وإلى الجبال كيف نصبت} [الغاشية: 19] على الأرض مرساة لا تزول. # {وإلى الأرض كيف سطحت} [الغاشية: 20] بسطت، والسطح بسط الشيء، ويقال لظهر ~~البيت إذا كان مستويا: سطح. # قال عطاء، عن ابن عباس: يقول: هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل، أو يرفع ~~مثل السماء، أو ينصب مثل الجبال، أو يسطح مثل الأرض، غيري؟ وهل يفعل مثل ~~هذا الفعل أحد سواي؟ قوله: {فذكر # PageV04P476 # إنما أنت مذكر} [الغاشية: 21] فعظ إنما أنت واعظ، ولم يؤمر إذ ذاك إلا ~~بالتذكرة، يدل عليه قوله: {لست عليهم بمسيطر} [الغاشية: 22] أي: بمسلط ~~فتقتلهم، وتكرههم على الإيمان، ثم نسختها آية القتال، وقد تقدم تفسير ~~المسيطر عند قوله: {أم هم المسيطرون} [الطور: 37] . # وقوله: {إلا من تولى} [الغاشية: 23] استثناء منقطع عما قبله، معناه: لكن ~~من تولى وكفر بعد التذكير: {فيعذبه الله العذاب الأكبر} [الغاشية: 24] وهو: ~~أن يدخله النار، ولا عذاب أعظم منها. # ثم ذكر أن مرجعهم إليه، فقال: {إن إلينا إيابهم} [الغاشية: 25] رجوعهم، ~~ومصيرهم بعد الموت، يقال: آب يئوب أوبا وإيابا. # وأما إيابهم بتشديد الياء، فشاذ، لم يجزه أحد غير ms2009 الزجاج، فإنه قال: ~~يقال: أيب إيابا على فيعل فيعالا. # {ثم إن علينا حسابهم} [الغاشية: 26] يعني: جزاءهم بعد المرجع إلى الله ~~تعالى. # PageV04P477 ### | تفسير سورة الفجر # ثلاثون آية، مكية. ### | 1339 - # أخبرنا سعيد بن محمد الحيري، أنا أبو عمرو بن جعفر الحيري بإسناده، عن ~~أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة والفجر ~~{1} وليال عشر غفر له، ومن قرأها سائر الأيام كانت له نورا يوم القيامة» . # بسم الله الرحمن الرحيم {والفجر {1} وليال عشر {2} والشفع والوتر {3} ~~والليل إذا يسر {4} هل في ذلك قسم لذي حجر {5} ألم تر كيف فعل ربك بعاد {6} ~~إرم ذات العماد {7} التي لم يخلق مثلها في البلاد {8} وثمود الذين جابوا ~~الصخر بالواد {9} وفرعون ذي الأوتاد {10} الذين طغوا في البلاد {11} ~~فأكثروا فيها الفساد {12} فصب عليهم ربك سوط عذاب {13} إن ربك لبالمرصاد ~~{14} } [الفجر: 1-14] . # والفجر أقسم الله تعالى بفجر النهار، وهو انفجار الصبح كل يوم، وهذا قول ~~عكرمة، ورواية أبي نصر، وأبي صالح، عن ابن عباس. # وقال في رواية عثمان بن محيصن: هو فجر المحرم. # وهو قول قتادة. # قال: أقسم بأول يوم من المحرم ينفجر منه السنة. # وقال الضحاك: هو في ذي الحجة، لأن الله تعالى قرن الأيام بها، فقال: ~~{وليال عشر} [الفجر: 2] وهي عشر ذي الحجة في قول أكثر المفسرين. ### | 1340 - # أخبرنا الحسن بن محمد بن علي المسيبي، أنا # PageV04P478 # محمد بن عبد الله بن محمد بن نعيم، أنا إبراهيم بن عصمة، نا السري بن ~~خزيمة، نا عمر بن حفص بن غياث، نا أبي، نا الأعمش، عن زياد بن أبي أوفى، عن ~~ابن عباس، قال: الليالي التي أقسم الله بهن العشر الأول من ذي الحجة # والشفع { [الفجر: 3] يوم النحر،} والوتر { [الفجر: 3] يوم عرفة. # وقال الضحاك: أقسم بعشر الأضحى، ليفضلهن على سائر الأيام،} والشفع والوتر ~~[الفجر: 3] أقسم بهما ليفضلهما على سائر العشر. ### | 1341 - # أخبرنا أبو عمرو المروزي في كتابه، أنا محمد بن الحسن، أنا محمد بن يزيد، ~~أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، قال: ~~سألنا ms2010 ابن عباس عن الفجر وليال عشر، فقال: {وليال عشر} [الفجر: 2] العشر ~~الأواخر من شهر رمضان. # أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النصراباذي، أنا عبد الله بن عمر بن علك ~~الجوهري، نا عبد الله بن محمود السعدي، نا موسى بن بحر، نا عبيدة بن حميد، ~~حدثني منصور، عن مجاهد، قال: الشفع الخلق، {والوتر} [الفجر: 3] الله الواحد ~~الصمد. # وهذا قول عطية العوفي، قال: الشفع الخلق، قال الله عز وجل: {وخلقناكم ~~أزواجا} [النبأ: 8] والوتر هو الله عز وجل. # وقال أبو صالح: خلق الله من كل شيء زوجين اثنين، والله وتر واحد. # وقال قتادة: {والشفع والوتر} [الفجر: 3] الصلاة # PageV04P479 # منها شفع ومنها وتر. # وهو رواية عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ### | 1342 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، نا محمد بن يعقوب بن يوسف الأموي، ~~نا أبو جعفر الوراق، نا مسلم بن إبراهيم، نا همام وخالد بن قيس جميعا، عن ~~قتادة، عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الشفع ~~والوتر، فقال: «من الصلاة شفع ومنها وتر» . ### | 1343 - # أخبرنا أبو إسحاق المقري، أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين، نا محمد بن ~~علي بن الحسين الصوفي، نا أحمد بن كثير القيسي، نا محمد بن عبد الله ~~المقري، نا مروان بن معاوية الفزاري، عن أبي سعيد بن عوف، قال: سمعت عبد ~~الله بن الزبير يقول على المنبر: سلوني فعلينا كان التنزيل، ونحن حضرنا ~~التأويل، فقام رجل، فقال: أخبرنا عن الشفع والوتر والليالي العشر، فقال: ~~أما الشفع والوتر، فقول الله عز وجل: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن ~~تأخر فلا إثم عليه} [البقرة: 203] فهما الشفع والوتر، وأما الليالي العشر ~~فالثمان وعرفة والنحر # قال أبو عبيدة: الشفع الزوج، والوتر الفرد. # وقال الفراء: الكسر قراءة الحسن، والأعمش، وابن عباس، والفتح قراءة أهل ~~المدينة، وهي لغة حجازية. # وقال الأصمعي: كل فرد وتر. # وأهل الحجاز يفتحون فيقولون وتر في الفرد. # وقوله: {والليل إذا يسر} [الفجر: 4] أي: إذا يمضي فيذهب، كما قال: ~~{والليل إذ أدبر} [المدثر ms2011: 33] أقسم الله تعالى بالليل، يمضي حتى ينقضي ~~بالنهار المقبل، # PageV04P480 # والمراد به كل ليلة، وقال مقاتل، والكلبي: يعني ليلة المزدلفة، ليلة جمع. # وقرئ يسري بإثبات الياء وحذفها، فمن أثبتها فلأنها لام فعل، والفعل لا ~~يحذف منه في الوقف نحو هو يقضي، وأنا أقضي. # قال الزجاج: والحذف أحب إلي، لأنها فاصلة، والفواصل يحذف منها الياءات، ~~وتدل عليه الكسرات. # {هل في ذلك} [الفجر: 5] أي: فيما ذكر، {قسم لذي حجر} [الفجر: 5] لذي عقل ~~ولب، والمعنى: أن من كان ذا عقل ولب، علم أن ما أقسم الله به من هذه ~~الأشياء فيه عجائب، ودلائل على صنع الله وقدرته وتوحيده، فهو حقيق بأن يقسم ~~به، لدلالته على خالقه، وجواب القسم قوله: {إن ربك لبالمرصاد} [الفجر: 14] ~~واعترض بين القسم وجوابه قوله: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد} [الفجر: 6] يخوف ~~أهل مكة، يعني: كيف أهلكهم، وهم كانوا أطول وأشد قوة من أهل مكة. # ثم قال: إرم قال محمد بن إسحاق: هو جد عاد، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام ~~بن نوح. # وقال أبو عبيدة: هما عادان، فالأولى هي إرم، وهي التي قال الله عز وجل: ~~{وأنه أهلك عادا الأولى} [النجم: 50] . # وقوله: ذات العماد يعني: أنهم كانوا أهل عمد سيارة في الربيع، فإذا هاج ~~النبت رجعوا إلى منازلهم، وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء، والكلبي، وقول ~~قتادة، ومجاهد. # وقال مقاتل: ذات العماد يعني: طولهم اثنا عشر ذراعا، يقال: رجل طويل ~~العماد أي: القامة. # ثم وصفهم، فقال: {التي لم يخلق مثلها في البلاد} [الفجر: 8] لم يخلق مثل ~~تلك القبيلة في الطول والقوة، وهم الذين قالوا: {من أشد منا قوة} [فصلت: ~~15] . # {وثمود # PageV04P481 # الذين جابوا الصخر} [الفجر: 9] ثقبوها، وقطعوها، قال ابن عباس: كانوا ~~يجوبون الجبال، فيجعلون منها بيوتا، كما قال الله عز وجل: {وتنحتون من ~~الجبال بيوتا} [الشعراء: 149] . # وقوله: بالواد يعني: وادي القرى. # {وفرعون ذي الأوتاد} [الفجر: 10] ذكرنا تفسير الأوتاد في سورة ص. ### | 1344 - # وأخبرني محمد بن عبد الرحمن الغازي، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، ~~أنا أحمد بن ms2012 علي بن المثنى، نا هدبة، نا حماد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن ~~أبي هريرة، أن فرعون أوتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها وفي رجلها. # ونحو هذا قال ابن مسعود: وتد لامرأته أربعة أوتاد، ثم جعل على ظهرها رحا ~~عظيمة حتى ماتت. # وقوله: الذين يعني: عادا، وثمودا، وفرعون، {طغوا في البلاد} [الفجر: 11] ~~عملوا فيها بالمعاصي، وتجبروا على أنبياء الله، وهو قوله: {فأكثروا فيها ~~الفساد} [الفجر: 12] قال الكلبي: يعني: القتل والمعصية. # {فصب عليهم ربك سوط عذاب} [الفجر: 13] يعني: ما عذبوا به، وأجاد الزجاج ~~في تفسيره هذه الآية، فقال: جعل سوطه الذي ضربهم به العذاب. # {إن ربك لبالمرصاد} [الفجر: 14] قال الكلبي: يقول عليه طريق العباد، لا ~~يفوته أحد. # والمعنى: لا يفوته شيء من أعمال العباد، كما لا يفوت من بالمرصاد، وهذا ~~معنى قول الحسن، وعكرمة: يرصد أعمال بني آدم. # والمرصاد والمرصد الطريق، ذكرنا ذلك عند قوله: {إن جهنم كانت مرصادا} ~~[النبأ: 21] وروى مقسم، عن ابن عباس في هذه الآية، قال: إن على جسر جهنم ~~سبع محابس، يسئل العبد عند باب أولها عن شهادة أن لا إله إلا الله، فإن جاء ~~بها تامة جاز إلى الثاني، فيسئل عن الصلاة، فإن جاء بها تامة جاز إلى ~~الثالث، فيسئل عن الزكاة، فإن جاء بها تامة جاز إلى الرابع، فيسئل عن ~~الصوم، فإن جاء به تاما جاز إلى الخامس، فيسئل عن الحج، فإن جاء به تاما ~~جاز إلى السادس، فيسئل عن العمرة، فإن جاء بها تامة # PageV04P482 # جاز إلى السابع، فيسئل عن المظالم، فإن خرج منها وإلا يقال: انظروا فإن ~~كان له تطوع، أكملوا به أعماله، فإذا فرغ انطلق به إلى الجنة. # {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن {15} وأما ~~إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن {16} كلا بل لا تكرمون ~~اليتيم {17} ولا تحاضون على طعام المسكين {18} وتأكلون التراث أكلا لما ~~{19} وتحبون المال حبا جما {20} } [الفجر: 15-20] . # {فأما الإنسان} [الفجر: 15] قال عطاء، عن ابن عباس: يريد عتبة بن ربيعة، ~~وأبا حذيفة بن ms2013 المغيرة. # وقال الكلبي: هو الكافر أبي بن خلف. # وقال مقاتل: نزلت في أمية بن خلف. # {إذا ما ابتلاه ربه} [الفجر: 15] اختبره بالغنى واليسر، {فأكرمه ونعمه} ~~[الفجر: 15] رزقه، وأنعم عليه، {فيقول ربي أكرمن} [الفجر: 15] فضلني بما ~~أعطاني، يظن أن ما أعطاه من الدنيا لكرامته عليه، فيقول: هذه كرامة من الله ~~لي. # {وأما إذا ما ابتلاه} [الفجر: 16] بالفقر، {فقدر عليه رزقه} [الفجر: 16] ~~ضيق عليه، بأن جعله على مقدار البلغة، قال: هذا هوان من الله لي. # {فيقول ربي أهانن} [الفجر: 16] أذلني بالفقر، قال الزجاج: وهذا يعنى به ~~الكافر، الذي لا يؤمن بالبعث، إنما الكرامة عنده والهوان بكثرة الحظ في ~~الدنيا وقلته، وصفة المؤمن أن الإكرام عنده بتوفيق الله إياه إلى ما يؤديه ~~إلى حظ الآخرة. # ولهذا رد الله على هذا الكافر، فقال: كلا أي: ليس الأمر كما تظن، قال ~~مقاتل: يقول الله تعالى: كلا لم أبتله بالغنى لكرامته علي، ولم أبتله ~~بالفقر لهوانه. # فقوله: كلا رد لتوهم من ظن أن سعة الرزق إكرام من الله، وإن الفقر إهانة، ~~فإن الله يوسع على الكافر لا لكرامته، ويقتر على المؤمن لا لهوانه، وقد # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري، أنا عبد الله بن حامد، أنا أحمد ~~بن شاذان، أنا جيغويه بن محمد، نا صالح بن محمد، نا إبراهيم بن محمد، عن ~~أبان، عن سليمان بن قيس العامري، عن كعب، قال: إني لأجد في بعض الكتب: لولا ~~أن يحزن عبدي المؤمن لكللت رأس الكافر بالأكاليل، فلا يصدع، ولا ينبض منه ~~عرق يوجع. ### | 1345 - # أخبرنا أبو القاسم بن عبدان، نا محمد بن عبد الله البائع، نا محمد بن ~~يعقوب الشيباني، نا محمد بن عبد الوهاب، أنا يعلى بن عبيد، نا أبان بن ~~إسحاق، عن الصباح بن محمد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود، قال: سمعت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم، # PageV04P483 # يقول: «إن الله تعالى يعطي الدنيا من أحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا ~~من أحب فمن أعطاه الدين فقد أحبه» . # ثم أخبر عن ms2014 الكفار، فقال: {بل لا تكرمون اليتيم} [الفجر: 17] قال مقاتل: ~~كان قدامة بن مظعون يتيما في حجر أمية بن خلف، فكان يدفعه عن حقه. # والآية تحتمل معنيين: أحدهما: أنهم لا يبرونه، ولا يحسنون إليه، والآخر: ~~أنهم لا يعطونه حقه من الميراث، على ما جرت به عاداتهم من حرمان اليتيم ما ~~كان له من الميراث، ويدل على هذا المعنى قوله: {وتأكلون التراث} [الفجر: ~~19] ويدل على المعنى الأول قوله: {ولا تحاضون على طعام المسكين} [الفجر: ~~18] أي: لا يأمرون بإطعامه، ومن قرأ لا تحاضون أراد لا يتحاضون فحذف الياء، ~~والمعنى: لا يحض بعضكم بعضا. # وتأكلون التراث أصله الوراث، فأبدلت من الواو المضمومة تاء، أكلا لما ~~شديدا، أي: تلمون جميعه في الأكل، قال الحسن: يأكل نصيبه ونصيب اليتيم، ~~وذلك أنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان، ويأكلون أموالهم. # {وتحبون المال حبا جما} [الفجر: 20] كثيرا، شديدا، والمعنى: يحبون جمع ~~المال، ويولعون به، فلا ينفقونه في خير. # قال الله تعالى: {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا {21} وجاء ربك والملك صفا ~~صفا {22} وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى {23} يقول ~~يا ليتني قدمت لحياتي {24} فيومئذ لا يعذب عذابه أحد {25} ولا يوثق وثاقه ~~أحد {26} يأيتها النفس المطمئنة {27} ارجعي إلى ربك راضية مرضية {28} ~~فادخلي في عبادي {29} وادخلي جنتي {30} } [الفجر: 21-30] . # كلا قال مقاتل: أي: لا يفعلون ما أمروا في اليتيم والمسكين. # ثم خوفهم بقوله: {إذا دكت الأرض دكا دكا} [الفجر: 21] كسر كل شيء عليها ~~من جبل، أو بناء، أو شجر حين زلزلت، فلم يبق على ظهرها شيء، قال ابن قتيبة: ~~دقت جبالها وأنشازها حتى استوت. # {وجاء ربك} [الفجر: 22] قال ابن عباس في رواية الكلبي، والحسن: وجاء أمر ~~ربك، وقضاء ربك، لأن في يوم القيامة # PageV04P484 # تجيء جلائل آيات الله، وتظهر العظائم. # وقال أهل المعاني: {وجاء ربك} [الفجر: 22] أي: وجاء ظهوره بضرورة ~~المعرفة، وضرورة المعرفة بالشيء تقوم مقام ظهوره ورؤيته، ولما صارت هذه ~~المعارف بالله في ذلك اليوم ضرورة، صار ذلك كظهوره، وتجليه للخلق فقيل: ~~وجاء ربك. # أي: زالت الشبهة، وارتفعت الشكوك ms2015، كما ترتفع عند مجيء الشيء الذي كان يشك ~~فيه. # وقوله: {والملك صفا صفا} [الفجر: 22] قال عطاء: يريد صفوف الملائكة، وأهل ~~كل سماء صف على حدة. # وقال الضحاك: أهل كل سماء إذا نزلوا يوم القيامة، كانوا صفا محيطين ~~بالأرض ومن فيها، فيكونون سبع صفوف. # فذلك قوله: {والملك صفا صفا} [الفجر: 22] . # {وجيء يومئذ بجهنم} [الفجر: 23] قال جماعة المفسرين: جيء بها يوم القيامة ~~مزمومة بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، يجرونها حتى تنصب عن ~~يسار العرش، فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا جثا لركبتيه، يقول: يا رب ~~نفسي نفسي. ### | 1346 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أنا محمد بن عيسى بن عمرويه، نا ~~إبراهيم بن محمد، نا مسلم، نا عمر بن حفص بن غياث، نا أبي، عن العلاء بن ~~خالد، عن شقيق، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى ~~بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» . ### | 1347 - # أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي رحمه الله، أخبرني أبو عبد الله ~~الحسين بن محمد الثقفي، نا ابن ماجه، نا يعقوب بن يوسف القزويني، نا القاسم ~~بن الحكم العربي، نا عبيد الله بن الوليد، قال: نا عطية، عن أبي سعيد، قال: ~~لما نزلت هذه الآية: {وجيء يومئذ بجهنم} [الفجر: 23] تغير لون رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم، وعرف في وجهه حتى اشتد على أصحابه ما رأوا من حاله، ~~فانطلق بعضهم إلى علي رضي الله عنه، فقالوا: يا علي لقد حدث أمر قد رأيناه ~~في النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء علي فاحتضنه من خلفه، ثم قبل بين ~~عاتقيه، ثم قال: يا نبي الله بأبي أنت وأمي ما الذي حدث اليوم؟ قال: جاء ~~جبريل، فأقرأني: {وجيء يومئذ بجهنم} [الفجر: 23] قلت: كيف يجاء بها؟ قال: ~~يجيء بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام، فتشرد # PageV04P485 # شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع، ثم أتعرض لجهنم، فتقول: ما لي ولك يا ~~محمد، فقد حرم ms2016 الله لحمك علي، فلا يبقى أحد إلا قال: نفسي نفسي وإن محمدا ~~يقول: رب أمتي أمتي # وقوله: يومئذ يعني: يوم يجاء بجهنم، يتذكر الإنسان يتعظ، ويتوب الكافر، ~~{وأنى له الذكرى} [الفجر: 23] قال الزجاج: يظهر التوبة، ومن أين له التوبة؟ ~~! يقول الكافر، {يا ليتني قدمت لحياتي} [الفجر: 24] أي: قدمت الخير والعمل ~~الصالح لآخرتي التي لا موت فيها، قال الحسن: علم والله إنه صادق، هناك حياة ~~طويلة لا موت فيها. # قال الله تعالى: {فيومئذ لا يعذب عذابه أحد} [الفجر: 25] يعذب عذاب الله ~~أحد من الخلق. # {ولا يوثق وثاقه أحد} [الفجر: 26] من الخلق، أي: لا يبلغ أحد من الخلق ~~كبلاغ الله في العذاب والوثاق، والمعنى: لا يعذب أحد في الدنيا عذاب الله ~~الكافر يومئذ، يعني: مثل عذابه، ولا يوثق أحد في الدنيا وثاق الله الكافر ~~يومئذ، أي: مثل وثاقه، وقرأ الكسائي لا يعذب، ولا يوثق بفتح العين فيهما، ~~وهو قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فيما ### | 1348 - # أخبرناه أبو نصر المهرجاني، أنا عبد الله بن محمد الزاهد ، أنا عبد الله ~~بن محمد بن عبد العزيز، حدثني جدي، نا ابن أبي زائدة، نا خالد الحذاء، عن ~~أبي قلابة، قال: أقرأني من أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم {فيومئذ لا ~~يعذب عذابه أحد {25} ولا يوثق وثاقه أحد {26} } [الفجر: 25-26] والمعنى: لا ~~يعذب أحد تعذيب هذا الكافر إن قلنا إنه كافر بعينه، أو تعذيب هذا الصنف من ~~الكفار وهم الذين ذكرهم الله في قوله: {لا تكرمون اليتيم} [الفجر: 17] ~~الآيات. # قوله {يأيتها النفس المطمئنة} [الفجر: 27] بالإيمان، المؤمنة، الموقنة، ~~المصدقة بما وعد الله، والطمأنينة: حقيقة الإيمان. # {ارجعي إلى ربك} [الفجر: 28] هذا عند خروجها من الدنيا، يقال لها: ارجعي ~~إلى الله. # راضية بالثواب، مرضية عنك. # أخبرنا عمرو بن أبي عمرو، أنا جدي، أنا محمد بن إسحاق السراج، نا قتيبة، ~~نا جرير، عن # PageV04P486 # منصور، عن مجاهد {يأيتها النفس المطمئنة} [الفجر: 27] التي أيقنت أن الله ~~ربها، وضربت جأشا لأمره وطاعته. # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا عبد الله بن محمد الحافظ، نا ms2017 محمد بن أحمد ~~بن أبي يحيى، نا سعيد بن عثمان، نا محمد بن حاتم، عن إبراهيم المكي، عن ابن ~~أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {يأيتها النفس المطمئنة} [الفجر: 27] ، قال: ~~الراضية بقضاء الله الذي قدر الله، فعلمت أن ما أصابها لم يكن ليخطئها، وأن ~~ما أخطأها لم يكن ليصيبها. ### | 1349 - # أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين الكاتب، أنا محمد بن أحمد بن شاذان، أنا ~~عبد الرحمن بن أبي حاتم، نا أبو سعيد الأشج، نا ابن يمان، عن أشعث، عن ~~جعفر، عن سعيد، قال: قرئت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم {يأيتها النفس ~~المطمئنة} [الفجر: 27] الآية، فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن هذا لحسن، ~~فقال: «أما إن الملك سيقولها لك عند الموت» # وقال عبد الله بن عمرو: إذا توفي العبد المؤمن، أرسل الله عز وجل ملكين، ~~وأرسل إليه بتحفة من الجنة، فيقال: اخرجي يا أيتها النفس المطمئنة، اخرجي ~~إلى روح وريحان، ورب عنك راض. # فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد في أنفه. # وقوله: {فادخلي في عبادي} [الفجر: 29] أي: جملة عبادي الصالحين المطيعين. # قال أبو صالح: فإذا كان يوم القيامة قيل: {فادخلي في عبادي {29} وادخلي ~~جنتي {30} } [الفجر: 29-30] . ### | 1350 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد الإسفراييني، أنا ابن بطة، أنا البغوي، ~~حدثني جدي، نا مروان بن شجاع الجزري، عن سالم بن الأفطس، عن سعيد بن جبير، ~~قال: مات ابن عباس، رضي الله عنهما، بالطائف، فشهدت جنازته، فجاء طائر لم ~~ير على خلقته، فدخل في نعشه لم ير خارجا منه، فلما دفن، تليت هذه الآية على ~~شفير القبر، لم يدر من تلاها: {يأيتها النفس المطمئنة {27} ارجعي إلى ربك ~~راضية مرضية {28} فادخلي في عبادي {29} وادخلي جنتي {30} } [الفجر: 27-30] ~~. # PageV04P487 ### | تفسير سورة البلد # عشرون آية، مكية. ### | 1351 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن محمد العدل، أنا محمد بن جعفر المؤذن بإسناده، عن ~~أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ومن قرأ: لا أقسم ~~بهذا البلد أعطاه الله تعالى الأمن من غضبه يوم القيامة ". # بسم الله الرحمن ms2018 الرحيم {لا أقسم بهذا البلد {1} وأنت حل بهذا البلد {2} ~~ووالد وما ولد {3} لقد خلقنا الإنسان في كبد {4} أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ~~{5} يقول أهلكت مالا لبدا {6} أيحسب أن لم يره أحد {7} ألم نجعل له عينين ~~{8} ولسانا وشفتين {9} وهديناه النجدين {10} } [البلد: 1-10] . # {لا أقسم بهذا البلد} [البلد: 1] أجمع المفسرون على أن هذا قسم بالبلد ~~الحرام وهو مكة، ولا أقسم بمعنى: أقسم، وقد تقدم بيانه، والإشارة بهذا إلى ~~مكة، وال { [نازلة بها. # ] وأنت حل بهذا البلد} [سورة البلد: 2] الحل، والحلال، والمحل واحد، وهو ~~ضد المحرم، أحل الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح حتى ~~قاتل وقتل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد ~~بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار» . # والمعنى: أن الله تعالى لما ذكر القسم بمكة، دل ذلك على عظم قدرها مع ~~كونها حراما، فوعد نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحلها له حتى يقاتل فيها، ~~وأن يفتحها على يده، فهذا وعد من الله تعالى بأن يحلها له حتى يكون بها ~~حلا. # ثم عطف على القسم بقوله: {ووالد وما ولد} [البلد: 3] يعني: آدم وذريته. # {لقد خلقنا الإنسان في كبد} [البلد: 4] قال ابن عباس، في رواية مقسم: ~~قائما على قدمية منتصبا، وكل شيء خلق مكبا إلا الإنسان، فإنه خلق منتصبا. # والكبد: الاستواء والاستقامة، وقال في رواية الوالبي: في نصب. # وهو قول مجاهد، وسعيد بن جبير، # PageV04P488 # والحسن. # قالوا: في شدة. # والكبد على هذا القول: من مكابدة الأمر، وهو معاناة شدته ومشقته، والرجل ~~يكابد الليل إذا قاسى هوله، وصعوبته. # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنا أبو عمرو بن مطر، نا أحمد بن محمد ~~بن منصور الحاسب، نا علي بن الجعد، نا علي بن علي الرفاعي، عن الحسن في ~~قوله: {لقد خلقنا الإنسان في كبد} [البلد: 4] قال: لا أعلم خليقة تكابد من ~~الأمر ما يكابد هذا الإنسان. # قال: وقال سعيد: أجده يكابد مضائق الدنيا، وشدائد الآخرة. ### | 1352 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان، أنا أبو الحسن ms2019 محمد بن أحمد بن حماد القرشي، ~~أنا عبد الله بن زيدان البجلي، أنا إسماعيل بن بهرام، أنا الحسن بن محمد بن ~~عثمان، عن سفيان الثوري، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «أعظم الناس هما المؤمن يهتم بأمر دنياه وآخرته» ~~. # وقال الحسن: ابن آدم لا يزال يكابد أمرا حتى يفارق الدنيا. # قوله: {أيحسب أن لن يقدر عليه أحد} [البلد: 5] قال الكلبي: يعني: أبا ~~الأشدين، وهو رجل من جمح، وكان قويا شديد الخلق. # يقول الله تعالى: أيظن من شدته أن لن يقدر عليه الله، وأن لا يعاقبه؟ ثم ~~أخبر عن مقالة هذا الإنسان، فقال: {يقول أهلكت مالا لبدا} [البلد: 6] وهو ~~المال الكثير بعضه على بعض، قال الليث: مال لبد لا يخاف فناؤه من كثرته. # وقال الكلبي، ومقاتل: يقول أهلكت في عداوة محمد مالا كثيرا. # قال الله تعالى: {أيحسب أن لم # PageV04P489 # يره أحد} [البلد: 7] قال قتادة: أيظن أن لم يره، ولا يسأله عن ماله من ~~أين كسبه، وأين أنفقه؟ وقال الكلبي: كان كاذبا لم ينفق ما قال. # فقال الله عز وجل: أيظن أن لم ير ذلك منه فعل أو لم يفعل، أنفق أو لم ~~ينفق؟ ثم ذكره النعم ليعتبر، فقال: {ألم نجعل له عينين} [البلد: 8] قال ~~الزجاج: ألم نفعل به ما يدله على أن الله قادر على أن يبعثه؟ {ولسانا ~~وشفتين} [البلد: 9] قال قتادة: نعم الله متظاهرة، يقررك بها كيما تشكره. # وروى عبد الحميد المدني، عن أبي حازم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~قال: إن الله تعالى، يقول: «ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك، فقد ~~أعنتك عليه بطبقتين فأطبق، وإن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك، فقد أعنتك ~~عليه بطبقتين فأطبق، وإن نازعك فرجك إلى ما حرمت عليك، فقد أعنتك عليه ~~بطبقتين فأطبق» . # قوله: {وهديناه النجدين} [البلد: 10] النجد: الطريق في ارتفاع، قال ابن ~~عباس، والمفسرون: بينا له طريق الخير وطريق الشر. # وقال الزجاج: المعنى: ألم نعرفه طريق الخير وطريق ms2020 الشر، بتبيين كتبيين ~~الطريقين العاليين؟ ! ### | 1353 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا أبو يحيى الرازي، نا ~~سهل بن عثمان، نا يحيى بن أبي زائدة، عن أبي الأشهب، عن الحسن، قال: ذكر ~~لرسول الله صلى الله عليه وسلم النجدين، فقال: «هما النجدان نجد الخير ونجد ~~الشر» . # {فلا اقتحم العقبة {11} وما أدراك ما العقبة {12} فك رقبة {13} أو إطعام ~~في يوم ذي مسغبة {14} يتيما ذا مقربة {15} أو مسكينا ذا متربة {16} ثم كان ~~من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة {17} أولئك # PageV04P490 # أصحاب الميمنة {18} والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة {19} عليهم ~~نار مؤصدة {20} } [البلد: 11-20] . # {فلا اقتحم العقبة} [البلد: 11] أي: لم يقتحمها ولا جاوزها، والاقتحام: ~~الدخول في الأمر الشديد، وذكر العقبة ههنا مثل ضربة الله تعالى لمجاهدة ~~النفس، والهوى، والشيطان في أعمال البر، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة، ~~يقول: لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة والإطعام، وهو قوله: {وما أدراك ~~ما العقبة} [البلد: 12] أي: ما اقتحام العقبة؟ ثم ذكره، فقال: {فك رقبة} ~~[البلد: 13] وهو تخليصها من أسر الرق، وكل شيء أطلقته فقد فككته، ومنه فك ~~الرهن، وفك الكتاب. # ومن قرأ فك رقبة على الفعل، فهو تفسير لاقتحام العقبة بالفعل، كقوله ~~تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم} [آل عمران: 59] ثم فسر المثل ~~بقوله: {خلقه من تراب} [آل عمران: 59] فكذلك قوله: {فك رقبة} [البلد: 13] . ### | 1354 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص، نا ~~السري بن خزيمة، نا أبو نعيم، نا عيسى بن عبد الرحمن، عن طلحة بن مصرف بن ~~عمرو بن كعب، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب، قال: جاء أعرابي ~~إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله علمني عملا يدخلني ~~الجنة، قال: «إن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك ~~الرقبة» ، فقال: أوليسا واحدا؟ قال: «لا عتق النسمة، أن تنفرد بعتقها، وفك ~~الرقبة أن تعين في ثمنها، والفيء على ذي الرحم الظالم، فإن لم يكن ذلك ~~فأطعم الجائع، واسق ms2021 الظمآن، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك ~~فكف لسانك إلا من خير» . # PageV04P491 ### | 1355 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن نعيم الإشكابي، أنا محمد بن عمر بن شبويه، أنا ~~محمد بن ### | .... # ، أنا محمد بن إسماعيل الجعفي، نا أحمد بن يونس، نا عاصم بن محمد، حدثني ~~واقد بن محمد، حدثني سعيد بن مرجانة صاحب علي بن حسين، قال: قال لي أبو ~~هريرة: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما رجل أعتق امرأ مسلما، ~~استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار» قال سعيد بن مرجانة: فانطلقت ~~به إلى علي بن حسين فعمد إلى عبد له قد أعطاه به عبد الله بن جعفر ألف ~~دينار فأعتقه. ### | 1356 - # أخبرنا أبو منصور البغدادي، أنا أبو خليفة، نا الحوضي، عن شعبة، عن عمرو ~~بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن شرحبيل بن السمط، أنه قال لكعب بن مرة، ~~أو مرة بن كعب حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ~~سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أيما رجل أعتق رقبة مسلمة كانت ~~فكاكه من النار يجزى مكان كل عظم من عظامها عظم من عظامه» # وقوله: {أو إطعام في يوم ذي مسغبة} [البلد: 14] ذي مجاعة، يقال: سغب يسغب ~~سغبا. # إذا جاع، قال ابن عباس: يريد بالمسغبة الجوع. ### | 1357 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق المزكي، أنا أبو عمرو بن مطر، نا عبدان ~~الأهوازي، نا هاشم بن عمار بن واقد، نا يونس بن ميسرة، عن أبي إدريس، عن ~~معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أشبع جائعا في ~~يوم سغب أدخله الله عز وجل يوم القيامة بابا من أبواب الجنة، لا يدخله إلا ~~من فعل مثل ما فعل» # وروى جابر بن عبد الله، أن # PageV04P492 # رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من موجبات المغفرة إطعام المسلم ~~السغبان» . # وقوله: {يتيما ذا مقربة} [البلد: 15] معناه: ذا قربة، قال مقاتل: يعني: ~~يتيما بينه وبينه قرابة. # {أو مسكينا ذا ms2022 متربة} [البلد: 16] قد لصق بالتراب من فقره، وضره، وروى ~~مجاهد، عن ابن عباس، قال: هو المطروح في التراب، لا يقيه شيء. # والمتربة مصدر من قولهم: ترب يترب تربا. # ومتربة إذا افتقر حتى لصق بالتراب ضرا. # ثم بين أن هذه القربة، إنما تنفع مع الإيمان، فقال: {ثم كان من الذين ~~آمنوا وتواصوا بالصبر} [البلد: 17] على فرائض الله وأمره، وتواصوا بالمرحمة ~~بالبر فيما بينهم، والرحمة لليتيم، والمسكين، والضعيف، أي: كان من الجملة ~~الذين هذه صفتهم. # ثم ذكر أن هؤلاء من هم، فقال: {أولئك أصحاب الميمنة} [البلد: 18] وقد سبق ~~تفسير أصحاب الميمنة في { [الواقعة، وكذلك تفسير أصحاب المشأمة. # وقوله:] عليهم نار مؤصدة} [سورة البلد: 20] مطبقة، يقال: أصدت الباب، ~~وأوصدته. # إذا أغلقته وأطبقته، لغتان: مهموز وغير مهموز، قال مقاتل: يعني أبوابها ~~عليهم مطبقة، فلا يفتح لهم باب، ولا يخرج منها غم، ولا يدخل فيها روح آخر ~~الأبد. # PageV04P493 ### | تفسير سورة الشمس # خمس عشرة آية، مكية. ### | 1358 - # أخبرنا الزعفراني بإسناده، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «ومن قرأ سورة والشمس، فكأنما تصدق بكل شيء طلعت عليه الشمس ~~والقمر» . # بسم الله الرحمن الرحيم {والشمس وضحاها {1} والقمر إذا تلاها {2} والنهار ~~إذا جلاها {3} والليل إذا يغشاها {4} والسماء وما بناها {5} والأرض وما ~~طحاها {6} ونفس وما سواها {7} فألهمها فجورها وتقواها {8} قد أفلح من زكاها ~~{9} وقد خاب من دساها {10} } [الشمس: 1-10] . # {والشمس وضحاها} [الشمس: 1] الضحى: حين تطلع الشمس فيصفو ضوءها، قال ~~مجاهد، والكلبي: يعني ضوء الشمس. # وقال قتادة: هو النهار كله. # {والقمر إذا تلاها} [الشمس: 2] تبعها، يقال: تلا يتلو تلوا إذا تبع. # قال المفسرون: وذلك في النصف الأول من الشهر، إذا غربت الشمس تلاها القمر ~~في الإضاءة، وخلفها في النور. # وقال الزجاج: {تلاها} [الشمس: 2] حين استدار، فكان يتلو الشمس في الضياء ~~والنور. # يعني: إذا كمل ضوءه فصار تابعا للشمس في الإنارة، وذلك الليالي البيض. # {والنهار إذا جلاها} [الشمس: 3] جلى الظلمة وكشفها، وجازت الكتابة عن ~~الظلمة، وإن لم تذكر، لأن المعنى معروف. # {والليل إذا يغشاها} [الشمس: 4] يعني: يغشى الشمس ms2023 # PageV04P494 # فيذهب بضوئها، فتغيب وتظلم الآفاق. # {والسماء وما بناها} [الشمس: 5] قال عطاء: يريد والذي بناها. # قال الكلبي: ومن بناها. # وقال الفراء، والزجاج: ما بمعنى المصدر بتقدير: وبنائها. # {والأرض وما طحاها} [الشمس: 6] في: ما وجهان كما ذكرنا، والمعنى: وسعها، ~~وبسطها على الماء. # {ونفس وما سواها} [الشمس: 7] خلقها، وسوى أعضاءها. # وقال عطاء: يريد جميع ما خلق من الإنس والجن. # {فألهمها فجورها وتقواها} [الشمس: 8] قال ابن عباس في راوية علي بن أبي ~~طلحة: بين لها الخير والشر. # وقال في رواية عطية: علمها الطاعة والمعصية. # وقال في رواية أبي صالح: عرفها ما تأتي وما تتقي. # وقال سعيد بن جبير: ألزمها فجورها وتقواها. # وقال ابن زيد: جعل فيها ذلك بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إياها للفجور. # واختار الزجاج هذا القول، وحمل الإلهام على التوفيق والخذلان، وهذا هو ~~الوجه لتفسير الإلهام، لأن التبيين، والتعليم، والتعريف دون الإلهام يوقع ~~في قلبه، ويجعل فيه، فإذا أوقع الله في قلب عبده شيئا، فقد ألزمه ذلك ~~الشيء، كما ذكره سعيد بن جبير، وهذا صريح في أن الله تعالى خلق في المؤمن ~~تقواه، وفي الكافر فجوره. # أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد التميمي، أنا عبد الله بن محمد الحافظ، نا ~~جعفر بن أحمد بن سنان، نا بندار، نا عبد الرحمن بن مهدي، نا حماد بن سلمة، ~~عن حنظلة بن أبي حمزة، عن سعيد بن جبير: {فألهمها فجورها وتقواها} [الشمس: ~~8] قال: ألزمها. # يروى هذا مرفوعا إلى ابن عباس. ### | 1359 - # أخبرنا أبو بكر الحسن بن علي الواعظ، أنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثني ~~علي بن عيسى الحيري، # PageV04P495 # نا إبراهيم بن أبي طالب، نا ابن أبي عمر، نا سفيان، عن حنظلة، عن سعيد بن ~~جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: {فألهمها فجورها وتقواها} [الشمس: 8] ~~قال: ألزمها فجورها وتقواها، وروي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ### | 1360 - # أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن إجازة، أنا عمر بن أحمد الواعظ، نا علي بن ~~محمد المصري، نا الحسن بن علية، نا عمران بن أبي عمران، أنا المؤمل بن عبد ms2024 ~~الرحمن، حدثني حميد، عن أنس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز ~~وجل: " {فألهمها فجورها وتقواها} [الشمس: 8] قال: ألزمها ". ### | 1361 - # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا الحسن بن علي ~~الزعفراني، نا سعيد بن عثمان الكريزي، نا أبو عمر الضرير، نا حماد بن زيد ~~ويزيد بن زريع، عن يونس بن عبيد، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، أنه سمع ~~النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن الله تعالى من على قوم فألهمهم الخير ~~وأدخلهم في رحمته، وابتلى قوما فخذلهم وذمهم على أفعالهم، ولم يستطيعوا ~~تغيير ما ابتلاهم به، فعذبهم وقد عدل فيهم» # وقد روي في هذه الآية الحديث الصحيح , وأن تفسيرها: التوفيق من الله ~~تعالى للخير، والخذلان للشر، وهو: ### | 1362 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر الزاهد، أنا محمد بن # PageV04P496 # عبد الله بن الفضل التاجر، أنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، نا شختويه ~~بن مازيار، نا صفوان بن عيسى، نا عزرة بن ثابت، نا يحيى بن عقيل، عن يحيى ~~بن يعمر، عن أبي الأسود الدؤلي، قال: قال لي عمران بن حصين ذات يوم غدوت ~~عليه: يا أبا الأسود، أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، أشيء قد قضي ~~عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق؟ أم فيما يستقبلون مما جاءهم به نبيهم، ~~واتخذت عليهم فيه الحجة؟ قلت: لا، بل شيء قد قضي عليهم ومضى عليهم من قدر ~~قد سبق، فقال لي: فهل يكون ذلك ظلما؟ ففزعت من ذلك فزعا شديدا، وقلت: إنه ~~ليس شيء إلا وهو خلق الله وملك يده، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فقال: ~~سددك الله، والله ما سألتك إلا لأحزر عقلك إن رجلا من جهينة أتى النبي صلى ~~الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء ~~قد قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق؟ أم فيما يستقبلون مما جاءهم به ~~نبيهم صلى الله عليه وسلم واتخذت عليهم فيه الحجة؟ قال: لا بل شيء ms2025 قضي ~~عليهم، ومضى عليهم من قدر قد سبق، قال: ففيم يعملون يا رسول الله، فقال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ومن كان الله خلقه لواحدة من المنزلتين ~~هيأه لعملها، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: {ونفس وما سواها {7} فألهمها ~~فجورها وتقواها {8} } [الشمس: 7-8] رواه مسلم، عن إسحاق بن إبراهيم، عن ~~عثمان بن عمر، عن عزرة بن ثابت. # قوله: {قد أفلح من زكاها} [الشمس: 9] قال ابن عباس: قد أفلحت نفس زكاها ~~الله، وأصلحها وطهرها. # والمعنى: وفقها للطاعة. # {وقد خاب من دساها} [الشمس: 10] خابت، وخسرت نفس أضلها الله وأغواها، ~~ودساها أصله: دسسها من التدسيس وهو: إخفاء الشيء، فأبدلت من السين الثانية ~~ياء، ومعنى دساها هنا: أخملها، وخذلها، وأخفى محلها، ولم يشهرها بالطاعة، ~~والعمل الصالح، وقد أقسم الله تعالى بهذه الأشياء التي ذكرها من خلقه، ~~لأنها تدل على وحدانيته، وعلى فلاح من طهره، وخسارة من خذله حتى لا يظن أحد ~~أنه هو الذي يتولى تطهير نفسه، أو إهلاكها بالمعصية، يدل على صحة هذا # PageV04P497 # ما ### | 1363 - # أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر، ~~أنا جعفر بن محمد بن المستفاض، نا سليمان بن عبد الرحمن، نا رواد بن ~~الجراح، نا نافع ابن عمر، عن، عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: قالت عائشة ~~رضي الله عنها: انتبهت ليلة، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ~~«رب أعط نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها» # وروينا هذا التفسير الذي ذكرناه مرفوعا فيما ### | 1364 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا عبد الله محمد بن جعفر بن علي الحافظ، نا ~~أبو يحيى الرازي، نا سهل بن عثمان العسكري، نا أبو مالك، عن جويبر، عن ~~الضحاك، عن ابن عباس، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله عز ~~وجل: " {قد أفلح من زكاها {9} وقد خاب من دساها {10} } [الشمس: 9-10] أفلحت ~~نفس زكاها الله، وخابت نفس خيبها الله من كل خير ". # {كذبت ثمود بطغواها {11} إذ انبعث أشقاها {12} فقال لهم ms2026 رسول الله ناقة ~~الله وسقياها {13} فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها {14} ولا ~~يخاف عقباها {15} } [الشمس: 11-15] . # قوله: {كذبت ثمود بطغواها} [الشمس: 11] الطغوى: اسم من الطغيان، كالدعوى ~~من الدعاء، قال المفسرون: كذبت ثمود بطغيانها أي: الطغيان حملهم على ~~التكذيب. # {إذ انبعث أشقاها} [الشمس: 12] أي: كذبوا بالعذاب، وكذبوا صالحا لما ~~انبعث الأشقى للعقر، ومعنى انبعث: انتدب، وقام به، يقال: بعثته على الأمر، ~~فانبعث له. # والأشقى عاقر الناقة، وهو أشقى الأولين على لسان رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم. ### | 1365 - # أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن جعفر، أنا محمد بن بشر بن ~~العباس البصري، أنا محمد بن إدريس السامي، نا # PageV04P498 # سويد بن سعيد، نا رشدين، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة، عن عثمان بن ~~صهيب، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: " من أشقى ~~الأولين؟ قال: عاقر الناقة، قال: صدقت، قال: فمن أشقى الآخرين؟ قال: قلت: ~~لا أعلم يا رسول الله، قال: الذي يضربك على هذه وأشار بيده إلى نافوخه ". ### | 1366 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم، أنا عبيد الله بن محمد ~~بن محمد الزاهد، أنا عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز، نا أبو خيثمة زهير ~~بن حرب، نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثني أبي، عن ابن إسحاق، حدثني يزيد ~~بن محمد بن خثيم، عن محمد بن كعب القرظي، عن محمد بن خثيم، عن عمار بن ~~ياسر، قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب في غزوة العسرة نائمين في صور من ~~النخل، ودقعاء من التراب، فوالله ما أهبنا إلا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يحركنا برجله، وقد تتربنا من تلك الدقعاء، فقال: ألا أحدثكما بأشقى ~~الناس رجلين؟ قلنا: بلى، يا رسول الله، قال: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، ~~والذي يضربك يا علي على هذه، ووضع يده على قرنه حتى يبل منها هذه وأخذ ~~بلحيته، فقال لهم رسول الله: صالح صلى الله عليه وسلم # ناقة الله قال الزجاج: ناقة الله ms2027 منصوبة على معنى: ذروا ناقة الله. # وقال الفراء: حذرهم إياها، وكل تحذير فهو نصب. # وسقياها عطف على ناقة الله، # PageV04P499 # وهي شربها من الماء، وما يسقاها، قال الكلبي، ومقاتل: قال لهم صالح: ذروا ~~ناقة الله فلا تعقروها، وذروا أيضا سقياها، وهي شربها من النهر، فلا تعرضوا ~~للماء يوم شربها. # فكذبوه بتحذيره إياهم العذاب بعقرها، فعقروها وتفسير العقر قد تقدم، ~~{فدمدم عليهم ربهم} [الشمس: 14] قال عطاء، ومقاتل: {فدمدم عليهم ربهم} ~~[الشمس: 14] . # وقال المؤرج: الدمدمة إهلاك باستئصال. # وقال ابن الأعرابي: دمدم إذا عذب عذابا تاما. # فسواها فسوى الدمدمة عليهم، وعمهم بها، فاستوت على صغيرهم وكبيرهم، وقال ~~الفراء: سوى الأمة: أنزل العذاب بصغيرها وكبيرها، بمعنى: سوى بينهم. # {ولا يخاف عقباها} [الشمس: 15] قال ابن عباس: لا يخاف الله من أحد تبعة ~~في إهلاكهم. # وهو قول الحسن، قال: ذاك الرب صنع بهم ولا يخاف تبعة. # والمعنى: لا يخاف أن يتعقب عليه في شيء مما فعله، وفي مصاحف الشام، ~~والحجاز: فلا يخاف بالفاء، قال الفراء: وكل صواب. # PageV04P500 ### | تفسير سورة الليل # إحدى وعشرون آية، مكية. ### | 1367 - # أخبرنا ابن الزعفراني، أنا أبو عمرو السختياني بإسناده، عن أبي بن كعب، ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة والليل أعطاه الله ~~عز وجل حتى يرضى، وعافاه الله عز وجل من العسر، ويسر له اليسر» . # بسم الله الرحمن الرحيم {والليل إذا يغشى {1} والنهار إذا تجلى {2} وما ~~خلق الذكر والأنثى {3} إن سعيكم لشتى {4} فأما من أعطى واتقى {5} وصدق ~~بالحسنى {6} فسنيسره لليسرى {7} وأما من بخل واستغنى {8} وكذب بالحسنى {9} ~~فسنيسره للعسرى {10} وما يغني عنه ماله إذا تردى {11} } [الليل: 1-11] . # {والليل إذا يغشى} [الليل: 1] قال ابن عباس، ومقاتل: أقسم الله تعالى ~~بالليل إذا يغشى بظلمته النهار. # قال الزجاج: يغشى الليل الأفق، وجميع ما بين السماء والأرض، فيذهب ضوء ~~النهار. # {والنهار إذا تجلى} [الليل: 2] بان، وظهر من بين الظلمة. # قال قتادة: هما آيتان عظيمتان، يكررهما الله تعالى على الخلائق. # {وما خلق الذكر والأنثى} [الليل: 3] قال الكلبي: والذي خلق. # وهو قول الحسن، وما على هذا بمعنى ms2028: من، وقال مقاتل: يعني: وخلق الذكر ~~والأنثى. # وما على هذا القول للمصدر، قال مقاتل، والكلبي: يعني: آدم وحواء. # PageV04P501 # وجواب القسم قوله: {إن سعيكم لشتى} [الليل: 4] قال ابن عباس: إن أعمالكم ~~لمختلفة: عمل للجنة، وعمل للنار. ### | 1368 - # حدثنا الشيخ أبو معمر المفضل بن إسماعيل الإسماعيلي إملاء بجرجان سنة ~~إحدى وثلاثين وأربع مائة، أنا أبو الحسن علي بن عمر الحافظ، نا أبو الحسن ~~علي بن الحسن بن هارون، نا العباس بن عبد الله الترقفي، نا حفص بن عمر، نا ~~الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إن رجلا كانت له نخلة، فرعها ~~في دار رجل فقير ذي عيال، وكان الرجل إذا جاء فيدخل الدار، فيصعد النخلة ~~ليأخذ منها التمر، فربما سقطت التمرة، فيأخذها صبيان الفقير، فينزل الرجل ~~من نخلته حتى يأخذ التمرة من أيديهم، فإن وجدها في فم أحدهم أدخل إصبعه حتى ~~يخرج التمرة من فيه، فشكا ذلك الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره ~~بما يلقى من صاحب النخلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب، ولقي ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب النخلة، فقال له: تعطيني نخلتك المائلة ~~التي فروعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة، فقال له الرجل: إن لي نخلا ~~كثيرا وما فيه نخلة أعجب إلي ثمرة منها، قال: ثم ذهب الرجل، فقال رجل كان ~~يسمع الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أتعطيني ما ~~أعطيت الرجل نخلة في الجنة إن أنا أخذتها، قال: نعم، فذهب الرجل ولقي صاحب ~~النخلة فساومها منه، فقال له: أشعرت أن محمدا صلى الله عليه وسلم أعطاني ~~بها نخلة في الجنة، فقلت له: يعجبني ثمرها وإن لي نخلا كثيرا، فما فيه نخلة ~~أعجب إلي ثمرا منها، فقال له الآخر: أتريد بيعها، فقال: لا إلا أن أعطى بها ~~ما لا أظنه أعطى، قال: فما مناك؟ قال: أربعون نخلة، فقال له الرجل: جئت ~~بعظيم تطلب بنخلتك المائلة أربعين نخلة ثم سكت عنه، فقال له: أنا ms2029 أعطيتك ~~أربعين نخلة، فقال له: أشهد إن كنت صادقا، فمر ناس فدعاهم فأشهد له بأربعين ~~نخلة ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن النخلة ~~قد صارت في ملكي فهي لك، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صاحب ~~الدار، فقال له: النخلة لك ولعيالك، فأنزل الله عز وجل: {والليل إذا يغشى ~~{1} والنهار إذا تجلى {2} وما خلق الذكر والأنثى {3} إن سعيكم لشتى {4} } ~~[الليل: 1-4] وقال المفسرون: نزلت في أبي بكر رضي الله عنه. ### | 1369 - # أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أنا أبو الشيخ الحافظ، أنا الوليد بن أبان، نا ~~محمد بن إدريس، نا منصور بن أبي مزاحم، # PageV04P502 # نا ابن أبي الوضاح، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن عبد الله، أن ~~أبا بكر رضي الله عنه اشترى بلالا من أمية بن خلف، وأبي بن خلف ببردة وعشر ~~أواق فأعتقه لله عز وجل، فأنزل الله عز وجل {والليل إذا يغشى} [الليل: 1] ~~إلى قوله: {إن سعيكم لشتى} [الليل: 4] يعني سعي أبي بكر وأمية وأبي # ثم فصل وبين، فقال: {فأما من أعطى} [الليل: 5] تصدق من ماله، واتقى معصية ~~ربه، يعني: الصديق رضى الله عنه. # وصدق بالحسنى بالجنة، وثواب الله، والخلف من الله. # فسنيسره لليسرى فسنهيئه لعمل الخير، والمعنى: نيسر له الإنفاق في سبيل ~~الخير، والعمل بالطاعة لله. # قال المفسرون: نزلت هذه الآيات في أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، اشترى ~~ستة نفر من المؤمنين، كانوا في أيدي أهل مكة يعذبونهم في الله. # قال عروة بن الزبير: أعتق أبو بكر على الإسلام قبل أن يهاجر من مكة ست ~~رقاب، بلال سابعهم، عامر بن فهيرة شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة ~~شهيدا، وأم عميس، وزئيرة، فأصيب بصرها حين أعتقها، فقالت قريش: ما أذهب ~~بصرها إلا اللات والعزى. # فقالت: وبيت الله لا تضر اللات والعزى، ولا تنفعان. # فرد الله إليها بصرها، وأعتق النهدية وابنتها، وكانت لامرأة من بني عبد ~~الدار، فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما يطحنان لها، وهي تقول: والله ms2030 لا ~~أعتقكما أبدا. # فقال أبو بكر، رضي الله عنه: حلا يا أم فلان؟ قالت: حلا أنت أفسدتهما ~~فأعتقهما. # قال: فبكم هما؟ قالت: بكذا وكذا. # قال: أخذتهما وهما حرتان. # ومر أبو بكر، رضي الله عنه، بجارية من بني نوفل وكانت مسلمة، وعمر بن ~~الخطاب رضي الله عنه، يعذبها لتترك الإسلام، وهو يومئذ مشرك، وهو يضربها ~~حتى إذا مل قال: إني أعتذر إليك، إني لم أتركك إلا ملالة. # فابتاعها أبو بكر فأعتقها، فقال عمار بن ياسر، وهو يذكر بلالا وأصحابه ~~وما كانوا فيه من البلاء، وإعتاق أبي بكر إياهم، وكان اسم أبي بكر عتيقا: # جزى الله خيرا عن بلال وصحبه ... عتيقا وأخزى فاكها وأبا جهل # عشية هما في بلال بسوءة ... ولم يحذرا ما يحذر المرء ذو العقل # بتوحيده رب الأنام وقوله ... شهدت بأن الله ربي على مهل # فإن تقتلوني فاقتلوني فلم أكن ... لأشرك بالرحمن من خيفة القتل # فيا رب إبراهيم والعبد يونس ... وموسى وعيسى نجني ثم لا تمل # لمن ظل يهوى الغي من آل غالب ... على غير حق كان منه ولا عدل # PageV04P503 # قوله: {وأما من بخل} [الليل: 8] بالنفقة في الخير والصدقة، واستغنى عن ~~ثواب الله، فلم يرغب فيه، يعني: أبا سفيان، ثم هو عام في الكفار. # {وكذب بالحسنى} [الليل: 9] بما صدق به أبو بكر. # {فسنيسره للعسرى} [الليل: 10] قال مقاتل: نعسر عليه أن يعطي خيرا. # وقال عكرمة، عن ابن عباس: {للعسرى} [الليل: 10] : للشر عليه أن الشر يؤدي ~~إلى العذاب، والعسرة في العذاب. # والمعنى: سنهيئه للشر بأن نجريه على يديه. ### | 1370 - # أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا الحذاء، نا علي بن ~~المديني، نا جرير، عن منصور بن المعتمر، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد ~~الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه، قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، ~~فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله وفي يده أو قال: ~~معه مخصرة، فنكس فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: " ما من نفس منفوسة إلا قد كتب ~~مكانها من الجنة والنار ms2031، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة، فقال رجل: يا رسول ~~الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير ~~إلى عمل أهل السعادة ومن كان منا من أهل الشقاوة، فسيصير إلى عمل أهل ~~الشقاوة؟ فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل ~~أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة، فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ: {فأما ~~من أعطى واتقى} [الليل: 5] الآيات رواه البخاري، عن عثمان بن أبي شيبة ~~ورواه مسلم، عن زهير بن حرب كلاهما عن جرير # ثم ذكر أن ما أمسك من ماله عن الإنفاق لا ينفعه، فقال: {وما يغني عنه ~~ماله} [الليل: 11] الذي بخل به عن الخير، {إذا تردى} [الليل: 11] مات، ~~وهلك، وقال ابن عباس، وقتادة: إذا تردى في جهنم، أي: سقط. # PageV04P504 # {إن علينا للهدى {12} وإن لنا للآخرة والأولى {13} فأنذرتكم نارا تلظى ~~{14} لا يصلاها إلا الأشقى {15} الذي كذب وتولى {16} وسيجنبها الأتقى {17} ~~الذي يؤتي ماله يتزكى {18} وما لأحد عنده من نعمة تجزى {19} إلا ابتغاء وجه ~~ربه الأعلى {20} ولسوف يرضى {21} } [الليل: 12-21] . # {إن علينا للهدى} [الليل: 12] يعني: البيان، قال الزجاج: علينا أن نبين ~~طريق الهدى من طريق الضلال. # وهو قول قتادة: على الله البيان، بيان حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته. # {وإن لنا للآخرة والأولى} [الليل: 13] يعنى الدارين، والمعنى: لنا ~~ملكهما، فليطلبا منا. # فأنذرتكم يا أهل مكة، نارا تلظى تتوقد، وتتوهج. ### | 1371 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، أنا حامد بن محمد الهروي، نا محمد بن ~~صالح، نا عبد الصمد بن حسان، نا إسرائيل بن يونس، عن سماك بن حرب، عن ~~النعمان بن بشير، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ~~«أنذرتكم النار أنذرتكم النار حتى لو أن الرجل كان في أقصى السوق لسمعه، ~~أسمع الناس صوته» # {لا يصلاها إلا الأشقى} [الليل: 15] يعني: المشرك، الذي كذب الرسول ~~والقرآن، وتولى أعرض عن الإيمان. # وسيجنبها سنبعدها، ويجعل منها على جانب، الأتقى يعني: أبا بكر في قول ~~الجميع. # ثم وصفه، فقال: {الذي يؤتي ماله يتزكى} [الليل ms2032: 18] يطلب أن يكون عند ~~الله زاكيا، لا يطلب رياء، ولا سمعة. # {وما لأحد عنده من نعمة تجزى} [الليل: 19] قال المفسرون: لما اشترى أبو ~~بكر، رضي الله عنه، بلالا من صاحبه، وكان قد سلح على الأصنام، فأسلمه مولاه ~~إلى المشركين ليعذبوه بما فعل، فاشتراه أبو بكر وأعتقه، فقال المشركون: ما ~~فعل هذا أبو بكر إلا ليد كانت عنده لبلال، أراد أن يجزيه بها. # فقال الله: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى} [الليل: 19] أي: لم يفعل ما فعل ~~ليد أسديت إليه، ولكنه ابتغى وجه الله، وهو قوله: {إلا ابتغاء وجه ربه ~~الأعلى} [الليل: 20] أي: إلا طلب ثواب الله الآجل بصفاته الكريمة. ### | 1372 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، نا أبو العباس بن ميكال، أنا ~~عبدان الأهوازي، نا زيد بن الحريش، # PageV04P505 # نا بشر بن السري، نا مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن ~~أبيه، قال: نزلت في أبي بكر رضي الله عنه {وما لأحد عنده من نعمة تجزى {19} ~~إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى {20} } [الليل: 19-20] # ثم وعده أن يرضيه في الآخرة بثوابه، فقال: {ولسوف يرضى} [الليل: 21] بما ~~يعطيه في الجنة من الكرامة، والثواب. # PageV04P506 ### | تفسير سورة الضحى # وهي إحدى عشرة آية، مكية. ### | 1373 - # أخبرنا محمد بن علي بن أحمد الجامعي، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر بإسناده، ~~عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة ~~والضحى كان فيمن يرضاه الله تعالى لمحمد أن يشفع له، وله عشر حسنات بعدد كل ~~يتيم وسائل» . # بسم الله الرحمن الرحيم {والضحى {1} والليل إذا سجى {2} ما ودعك ربك وما ~~قلى {3} وللآخرة خير لك من الأولى {4} ولسوف يعطيك ربك فترضى {5} ألم يجدك ~~يتيما فآوى {6} ووجدك ضالا فهدى {7} ووجدك عائلا فأغنى {8} فأما اليتيم فلا ~~تقهر {9} وأما السائل فلا تنهر {10} وأما بنعمة ربك فحدث {11} } [الضحى: ~~1-11] . # {والضحى} [الضحى: 1] ### | 1374 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر، أنا أبو الحسن محمد بن الحسن السراج، نا ~~الحسن بن المثنى بن معاذ، نا أبو حذيفة موسى بن مسعود، نا ms2033 سفيان الثوري، عن ~~الأسود بن قيس، عن جندب، قال: قالت امرأة من قريش للنبي صلى الله عليه ~~وسلم: ما أرى شيطانك إلا قد ودعك، فنزلت: {والضحى {1} والليل إذا سجى {2} ~~ما ودعك ربك وما قلى {3} } [الضحى: 1-3] رواه البخاري، عن أحمد بن يونس، ~~ورواه مسلم، عن محمد بن نافع، عن يحيى بن آدم كلاهما عن زهير، عن الأسود. # أقسم الله تعالى بالضحى، والمراد به النهار كله، لقوله في المقابلة: ~~{والليل إذا سجى} [الضحى: 2] إذا سكن، قال عطاء: إذا غطي بالظلمة. # وقال قتادة: إذا سكن، يعني: استقر ظلامه، فلا # PageV04P507 # يزداد بعد ذلك. # وروى ثعلب عن ابن الأعرابي: {سجى} [الضحى: 2] امتد ظلامه. # وقال الأصمعي: سجو الليل تغطيته للنهار. # {ما ودعك ربك وما قلى} [الضحى: 3] هذا جواب القسم، قال المفسرون: أبطأ ~~جبريل على النبي، عليهما السلام، فقال المشركون: قد قلاه الله وودعه. # فأنزل الله تعالى هذه الآية، قالوا: وإنما أبطأ. # لأن اليهود سألته عن الروح، وعن ذي القرنين، وأصحاب الكهف، فقال: سأخبركم ~~غدا. # ولم يقل: إن شاء الله. ### | 1375 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر، أنا أبو بكر بن أبي الحسن ~~الشيباني، أنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي، نا أبو عبد الرحمن محمد بن ~~يونس، نا أبو نعيم، نا حفص بن سعيد القرشي، حدثتني أمي، عن أمها خولة وكانت ~~خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن جروا دخل البيت، فدخل تحت ~~السرير، فمات فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما لا ينزل عليه الوحي، ~~فقال: يا خولة ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ جبريل لا ~~يأتيني، قالت خولة: فقلت: لو هيأت البيت وكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت ~~السرير، فإذا شيء ثقيل، فلم أزل حتى أخرجته، فإذا جرو ميت، فأخذته فألقيته ~~خلف الجدار، فجاء نبي الله صلى الله عليه وسلم ترعد لحياه، وكان إذا نزل ~~عليه الوحي استقبلته الرعدة، فقال: يا خولة، دثريني، فأنزل الله: {والضحى ~~{1} والليل إذا سجى {2} ما ودعك ربك وما قلى {3} } [الضحى: 1-3] # والمعنى: ما تركك ربك ms2034، وما أبغضك، والقلى: البغض، يقال: قلاه يقليه قلى. # قال أبو عبيدة: ودعك من التوديع كما يودع المفارق. # وقال الزجاج: # PageV04P508 # لم يقطع الوحي، ولا أبغضك. # {وللآخرة خير لك من الأولى} [الضحى: 4] قال عطاء، ومقاتل: الجنة خير لك ~~من الدنيا. ### | 1376 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي، أنا إسماعيل بن نجيد، أنا ~~محمد بن أيوب، أخبرني سهل بن بكار، نا مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أنس بن ~~مالك، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مرمول ~~بالشريط، وتحت رأسه وسادة من أدم وحشوها ليف، ودخل عليه عمر بن الخطاب رضي ~~الله عنه، وناس من أصحابه، فانحرف النبي صلى الله عليه وسلم انحرافة، فرأى ~~عمر أثر الشريط في جنبه فبكى، فقال له: ما يبكيك يا عمر؟ فقال: وما لي لا ~~أبكي وكسرى وقيصر يعبثان فيما يعبثان فيه من الدنيا، وأنت على الحال التي ~~أرى!!! ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا عمر أما ترضى أن تكون لهم ~~الدنيا ولنا الآخرة؟ قال: بلى، قال: هو كذلك # {ولسوف يعطيك ربك فترضى} [الضحى: 5] قال مقاتل: يعطيك ربك في الآخرة من ~~الخير، فترضى بما تعطى. ### | 1377 - # أخبرنا الأستاذ أبو إبراهيم بن أبي القاسم النصراباذي، أنا علي بن محمد ~~بن إسماعيل الكارذي، أنا محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني، نا موسى بن سهل ~~الرملي، نا عمرو بن هاشم البيروتي، نا الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبد الله ~~المخزومي، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: عرض على رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ما يفتح على أمته من بعده كفرا كفرا فسر بذلك، فأنزل ~~الله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} [الضحى: 5] فأعطاه الله ألف ألف قصر ~~في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم # PageV04P509 # وذكر آخرون أن هذه الآية في الشفاعة، وهو قول علي، والحسن، وعطاء، عن ابن ~~عباس. # قال: هو الشفاعة في أمته حتى يرضى. # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر، نا ms2035 ابن رستة، نا ~~شيبان، نا حرب بن سريح، قال: سمعت محمد بن علي، يقول: يا أهل العراق، ~~تزعمون أن أرجى آية في كتاب الله عز وجل {يا عبادي الذين أسرفوا على ~~أنفسهم} [الزمر: 53] وإنا أهل البيت نقول: أرجى آية في كتاب الله عز وجل: ~~{ولسوف يعطيك ربك فترضى} [الضحى: 5] وهي والله الشفاعة، ليعطينها في أهل لا ~~إله إلا الله حتى يقول: رب رضيت، وزدتني على أمتي في أمتي. ### | 1378 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أنا محمد بن عيسى بن عمرويه، نا ~~إبراهيم بن محمد بن سفيان، نا مسلم، حدثني يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن ~~وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن بكر بن سوادة حدثه، عن عبد الرحمن بن جبير، ~~عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم: تلا قول الله ~~عز وجل في إبراهيم: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني} ~~[إبراهيم: 36] الآية وقول الله عز وجل في عيسى: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن ~~تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة: 118] فرفع يديه وقال: " اللهم ~~أمتي وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما ~~يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، ~~فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك، ثم ~~ذكر منه عليه وأخبره عما كان عليه قبل الوحي، فقال: {ألم يجدك يتيما فآوى} ~~[الضحى: 6] # ذكر المفسرون في هذه الآية الحديث الذي ### | 1379 - # أخبرناه الشيخ أبو سعيد الفضل بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الصوفي، نا ~~زاهر بن أحمد، نا أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري، نا يحيى ~~بن محمد بن يحيى، نا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، نا حماد بن زيد، عن ~~عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: " لقد سألت ربي عز وجل مسألة وددت ms2036، أني لم أسأله، قلت: أي ~~رب إنه قد كانت أنبياء قبلي، منهم من سخرت له الريح وذكر سليمان بن داود، ~~ومنهم من # PageV04P510 # كان يحيي الموتى وذكر عيسى، ومنهم ومنهم، قال: فقال: ألم أجدك يتيما ~~فآويتك؟ قال: قلت: بلى أي رب، قال: ألم أجدك ضالا فهديتك؟ قال: قلت: بلى أي ~~رب، قال: ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ قال: قلت: بلى أي رب، قال: ألم أشرح لك ~~صدرك ووضعت عنك وزرك؟ قال: قلت: بلى أي رب " # والمعنى: ألم يجدك يتيما صغيرا حين مات أبواك، ولم يخلفا لك مالا، ولا ~~مأوى، فضمك إلى عمك أبي طالب، حتى أحسن تربيتك؟ ثم ذكر نعمة أخرى، فقال: ~~{ووجدك ضالا فهدى} [الضحى: 7] قال أكثر المفسرين: {ووجدك ضالا} [الضحى: 7] ~~عن معالم النبوة، وأحكام الشريعة، غافلا عنها، فهداك إليها. # دليله قوله تعالى: {وإن كنت من قبله لمن الغافلين} [يوسف: 3] ، وقوله: ~~{ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} [الشورى: 52] وهذا القول هو اختيار ~~الزجاج، قال: معناه: أنه لم يكن يدري القرآن، ولا الشرائع، فهداه الله إلى ~~القرآن، وشرائع الإسلام. # {ووجدك عائلا فأغنى} [الضحى: 8] أي: فقيرا لا مال لك، فأغناك الله بمال ~~خديجة، عن أبي طالب، وقال الكلبي: رضاك بما أعطاك من الرزق. # واختاره الفراء، فقال: لم يكن غنى عن كثرة المال، ولكن الله رضاه بما ~~آتاه. # وذلك حقيقة الغنى. # ثم أوصاه باليتامى والفقراء، فقال: {فأما اليتيم فلا تقهر} [الضحى: 9] ~~قال مجاهد: لاتحقر اليتيم، فقد كنت يتيما. # وقال الفراء، والزجاج: لا تقهره على ماله، فتذهب بحقه لضعفه. # وكذا كانت العرب تفعل في أمر اليتامى: تأخذ أموالهم، وتظلمهم حقوقهم، ~~وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسن إلى اليتيم ويبره، ويوصي باليتامى. ### | 1380 - # أخبرنا الفضيل بن أحمد، نا أبو علي الفقيه، أنا الحسين بن محمد بن مصعب، ~~نا علي بن خشرم، نا عيسى بن يونس، # PageV04P511 # عن أبي الورقاء، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: كنا جلوسا عند رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم، فأتاه غلام، فقال: غلام يتيم، وأخت لي يتيمة، وأم لي ms2037 ~~أرملة، أطعمنا مما أطعمك الله، وأعطاك الله مما عنده حتى ترضى، قال: ما ~~أحسن ما قلت يا غلام اذهب يا بلال فأتنا بما كان عندنا، فجاء بواحدة وعشرين ~~تمرة، فقال: سبع تمرات لك، وسبع لأختك، وسبع لأمك، فقام إليه معاذ بن جبل، ~~فمسح رأسه، وقال: جبر الله يتمك، وجعلك خلفا من أبيك وكان من أبناء ~~المهاجرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد رأيتك يا معاذ وما صنعت، ~~قال: رحمته، قال: لا يلي أحد منكم يتيما فيحسن ولايته، ويضع يده على رأسه ~~إلا كتب الله له بكل شعرة حسنة، ومحى عنه بكل شعرة سيئة، ورفع له بكل شعرة ~~درجة ". ### | 1381 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، أنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن ~~الفتح، أنا عبد الله بن أبي داود، نا قطن بن إبراهيم، نا الجارود بن يزيد، ~~نا سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن ربيعة السعدي، عن الربيع بن ~~خثيم، قال: سمعت ابن مسعود، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ~~مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمر على يده نور يوم القيامة» . # {وأما السائل فلا تنهر} [الضحى: 10] قال المفسرون: يريد السائل على ~~الباب. # يقول: لا تنهره إذا سألك، فقد كنت فقيرا، فإما أن تطعمه، وإما أن ترده ~~ردا لينا. # يقال: نهره وانتهره. # إذا استقبله بكلام يزجره، وقال قتادة: رد السائل برحمة ولين. # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تردوا السائل ولو بظلف محرق» . ### | 1382 - # أخبرنا سعيد بن أحمد بن جعفر، أنا أبو علي الفقيه، نا أبو عوانة، نا محمد ~~بن عبيد الله يزيد، نا إبراهيم بن هدبة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاك سائل على فرس باسط كفيه، فقد وجب الحق ~~ولو بشق تمرة» . # {وأما بنعمة ربك # PageV04P512 # فحدث} [الضحى: 11] قال مجاهد: بالقرآن. # وهو قول الكلبي. # قال: وكان القرآن أعظم ما أنعم الله عليه به، فأمره أن يقرئه. # قال الفراء: وكان يقرؤه، ويحدث ms2038 به. # وروى أبو بشر، عن مجاهد، قال: بالنبوة التي أعطاك ربك. # واختاره الزجاج، فقال: أي بلغ ما أرسلت به، وحدث بالنبوة التي آتاك الله، ~~وهي أجل النعم. # وقال مقاتل: يعني: اشكر لما ذكر من النعمة عليك، في هذه السورة من الهدى ~~بعد الضلالة، وجبر اليتيم، والإغناء بعد العيلة، فاشكر هذه النعم، والتحدث ~~بنعمة الله شكر. # يدل على ذلك ما: ### | 1383 - # أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزار، أنا محمد بن أحمد بن حمدان، نا أبو ~~يعلى، نا ابن حمويه، نا سوار، عن عبد الحميد البصري، عن الشعبي، عن النعمان ~~بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لا يشكر الناس لا ~~يشكر الله، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، وإن حديثا بنعمة الله شكر، ~~وإن السكوت عنه كفر، وإن الجماعة رحمة، والفرقة عذاب» . ### | 1384 - # أخبرنا أبو الحسين النسوي، أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم، أنا أبو رجاء ~~الغنوي، نا ابن أبي ميسرة، نا أبي والحميدي، قالا: نا إبراهيم بن أبي حية، ~~عن مجاهد، قال: قرأت على ابن عباس، فلما بلغت والضحى، قال: كبر إذا ختمت كل ~~سورة حتى تختم، وروي هذا مرفوعا. ### | 1385 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري، أنا أبو الفضل محمد بن جعفر ~~الخزاعي، نا أبو محمد عبد الله بن # PageV04P513 # محمد بن محمد المزني، نا الوليد بن أبان، ويحيى بن محمد بن صاعد، قالا: ~~نا ابن أبي بزة، نا عكرمة بن سليمان، قال: قرأت على إسماعيل بن عبد الله، ~~فلما بلغت والضحى قال: كبر حتى تختم به مع خاتمة كل سورة، فإني قرأت على ~~شبل بن عباد وعبد الله بن كثير، فأمرني بذلك. # وأخبرني عبد الله أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك، وأخبره مجاهد أنه قرأ ~~على ابن عباس، فأمره بذلك، وأخبره ابن عباس، أنه قرأ على أبي بن كعب، فأمره ~~بذلك، وأخبره أبي أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره بذلك، ~~ويقال: إن الأصل في ذلك أن الوحي لما فتر على رسول الله صلى ms2039 الله عليه ~~وسلم، وقال المشركون: قد هجره شيطانه وودعه اغتم لذلك، فلما نزل والضحى كبر ~~عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحا بنزول الوحي عليه، فاتخذه الناس ~~سنة. # PageV04P514 ### | تفسير سورة الشرح # ثمان آيات، مكية. ### | 1386 - # أخبرنا سعيد بن محمد الحيري، أنا محمد بن جعفر بن مطر بإسناده، عن أبي بن ~~كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة ألم نشرح أعطي ~~من الأجر، كمن لقي محمدا صلى الله عليه وسلم مغتما ففرج عنه» . # بسم الله الرحمن الرحيم {ألم نشرح لك صدرك {1} ووضعنا عنك وزرك {2} الذي ~~أنقض ظهرك {3} ورفعنا لك ذكرك {4} فإن مع العسر يسرا {5} إن مع العسر يسرا ~~{6} فإذا فرغت فانصب {7} وإلى ربك فارغب {8} } [الشرح: 1-8] . # {ألم نشرح لك صدرك} [الشرح: 1] معنى شرح الصدر: الفتح بإذهاب ما يصد عن ~~الإدراك، والله عز وجل فتح صدر نبيه صلى الله عليه وسلم بإذهاب الشواغل ~~التي تصد عن إدراك الحق، قال ابن عباس في هذه الآية: قالوا: يا رسول الله ~~أينشرح الصدر؟ قال: نعم. # قالوا: يا رسول الله، وهل لذلك علامة يعرف بها؟ قال: «نعم، التجافي عن ~~دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الموت» . # أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذهاب الشواغل التي تصد عن حقيقة ~~الإيمان، وذلك أن صدق الإيمان بالله ووعده، يوجب للإنسان الزهد في الدنيا، ~~والرغبة في الآخرة، والاستعداد للموت، فإنه باب الآخرة، وهذا معنى قول ~~الحسن في هذه الآية: ملئ حكما وعلما. # يعني أن معنى شرح صدره: أن ملأه الله علما وحكما حتى علم حقيقة الأشياء، ~~فحكم لها بحكمها، علم حقيقة الدنيا، # PageV04P515 # وأنها فانية فتركها، وأن الآخرة باقية فيها، وكذلك كل شيء، ومعنى هذا ~~الاستفهام التقرير أي: قد فعلنا ذلك، يدل على هذا قوله في النسق عليه: ~~{ووضعنا عنك وزرك} [الشرح: 2] قال ابن عباس، والحسن، وقتادة، والضحاك، ~~ومقاتل: حططنا عنك إثمك الذي سلف منك في الجاهلية. # وهذا كقوله: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [الفتح: 2] وقد ~~مر ms2040. # ثم وصف ذلك الوزر بقوله: {الذي أنقض ظهرك} [الشرح: 3] قال المفسرون: أثقل ~~ظهرك. # قال الزجاج: أثقله حتى سمع له نقيض، أي: صوت. # وهذا مثل معناه: أنه لو كان حملا يحمل، لسمع نقيض ظهره، قال قتادة: كانت ~~للنبي صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له. # وقوم يذهبون إلى أن هذا تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر من القيام ~~بأمرها، سهل الله ذلك عليه حتى تيسرت به، وذكر منته عليه بذلك. # وقوله: {ورفعنا لك ذكرك} [الشرح: 4] قال عطاء، عن ابن عباس: يريد الأذان ~~والإقامة، والتشهد، والخطبة على المنابر يوم الجمعة، ويوم الفطر، ويوم ~~النحر، ويوم عرفة، وأيام التشريق، وخطبة النكاح، وفي كل موطن، وعلى ~~الدنانير والدراهم، وكلمة الشهادة، ولو أن رجلا عبد الله وصدقه في كل شيء، ~~ولم يشهد أن محمدا رسول الله، لم ينتفع بشيء، وكان كافرا. # وقال الحسن في هذه الآية: ألا ترى أن الله تعالى لا يذكر في موضع إلا ذكر ~~معه نبيه صلى الله عليه وسلم. # وقال قتادة: رفع ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب، ولا متشهد، ولا صاحب ~~صلاة إلا ينادي به: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله. ### | 1387 - # أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك، نا ~~أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله، نا يحيى بن كثير، نا ابن لهيعة، عن دراج، عن ~~أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ~~{ورفعنا لك # PageV04P516 # ذكرك} [الشرح: 4] قال: قال لي جبريل عليه السلام: قال الله عز وجل: «إذا ~~ذكرت ذكرت معي» # وقال الضحاك: أي لا تقبل صلاة إلا به، ولا تجوز خطبة إلا به، ولا يذكر ~~الله إلا ذكر معه، فذلك الذي رفع به ذكره. # قال: ورفع ذكره بالأذان. # وفي هذا يقول حسان بن ثابت يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: # أغر عليه للنبوة خاتم ... من الله مشهود يلوح ويشهد # وضم الإله اسم النبي مع اسمه ... إذا قال ms2041 في الخمس المؤذن أشهد # وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد # ثم وعده اليسر، والرخاء بعد الشدة، وذلك: أنه كان بمكة في شدة، وهو قوله: ~~{فإن مع العسر يسرا} [الشرح: 5] قال الكلبي: مع الفقر سعة. # وقال مقاتل: يعني: تتبع الشدة الرخاء. # ثم كرر ذلك، فقال: {إن مع العسر يسرا} [الشرح: 6] قال ابن عباس، في رواية ~~عطاء: يقول الله تعالى: خلقت عسرا واحدا، وخلقت يسرين، فلن يغلب عسر يسرين. ### | 1388 - # أخبرنا الحسن بن علي الفارسي، أنا محمد بن عبد الله الحافظ، أنا محمد بن ~~علي الصنعاني، نا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن أيوب، عن ~~الحسن في قوله: {إن مع العسر يسرا} [الشرح: 6] قال: خرج النبي صلى الله ~~عليه وسلم يوما مسرورا، فرحا # PageV04P517 # وهو يضحك، ويقول: لن يغلب عسر يسرين # فإن مع العسر يسرا {5} إن مع العسر يسرا {6} { [الشرح: 5-6] . # وقال ابن مسعود: لو أن العسر دخل في حجر، لجاء اليسر حتى يدخل معه. # قال الله تعالى:} فإن مع العسر يسرا {5} إن مع العسر يسرا {6} { [الشرح: ~~5-6] وكتب عمر، رضي الله عنه، إلى أبي عبيدة وهو محصور: إنه مهما تنزل ~~بامرئ شدة، يجعل الله بعده فرجا، فإنه لن يغلب عسر يسرين. # وهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة، والمفسرين على أن العسر ~~واحد، واليسر اثنان، وفي ظاهر التلاوة عسران ويسران، إلا أن المراد عسر ~~واحد، لأنه مذكور بلفظ التعريف، واليسر مذكور بلفظ التنكير، فكان كل واحد ~~منهما غير الآخر. # أخبرنا أبو الحسن الفارسي، نا محمد بن محمد بن إبراهيم، نا أبو عمر، عن ~~تغلب، عن سلمة، عن الفراء، قال: العرب إذا ذكرت نكرة ثم أعادتها بنكرة، ~~مثلهما صارتا اثنتين، كقولك: إذا كسبت درهما فأنفق درهما. # فالثاني غير الأول، وإذا أعادتها معرفة، فهي هي كقولك: إذا كسبت درهما، ~~فأنفق # PageV04P518 # الدرهم. # فالثاني هو الأول. # ونحو هذا قال الزجاج: ذكر العسر مع الألف واللام، ثم ثنى ذكره، فصار ~~المعنى: إن مع العسر يسرين. # وقد أحسن صاحب النظم في تفسير هذه ms2042 الآية، فقال: إن الله بعث نبيه، صلى ~~الله عليه وسلم، وهو مقل مخف، فكانت قريش تعيره بذلك، حتى قالوا له: إن كان ~~بك من هذا القول الذي تدعيه طلب الغنى، جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل ~~مكة، فكرث النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وظن أن قومه إنما يكذبونه لفقره، ~~فعدد الله عليه مننه في هذه ال} [، ووعده الغنى، وأنزل:] ألم نشرح لك صدرك ~~{1} ووضعنا عنك وزرك {2} { [سورة الشرح: 1-2] أي: ما كنت فيه من أمر ~~الجاهلية، لأنه صلى الله عليه وسلم كان على كثير من مذاهب قومه، وإن لم يكن ~~عبد صنما، ثم ابتدأ فيما وعده من الغنى، ليسليه بذلك عما خامره من الهم ~~بقول من عيره بالفقر، فقال:} فإن مع العسر يسرا { [الشرح: 5] والتأويل: لا ~~يحزنك ما يقولون، وما أنت فيه من الإقلال، فإن مع ذلك يسرا في الدنيا ~~عاجلا، ثم أنجز ما وعده، فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز وما والاها من القرى ~~العربية، وعامة بلاد اليمن، وحتى أهل البوادي، فكان يعطي المائتين من ~~الإبل، ويهب الهبات السنية، ويعد لأهله قوت سنة. # ثم ابتدأ فضلا آخر، فقال:} إن مع العسر يسرا { [الشرح: 6] والدليل على ~~ابتدائه تعريه من فاء أو واو وهو وعد لجميع المؤمنين، لأنه يعني بذلك: إن ~~مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسرا في الآخرة، وربما اجتمع له اليسران: يسر ~~الدنيا وهو ما ذكر في الآية الأولى، ويسر الآخرة وهو ما ذكر في الآية ~~الثانية، فقوله صلى الله عليه وسلم: «لن يغلب عسر يسرين» ، أي: يسر الدنيا ~~والآخرة، فالعسر بين يسرين، إما فرج في الدنيا، وإما ثواب في الآخرة. # سمعت أبا إسحاق المقرئ رحمه الله، يقول: سمعت الحسن بن محمد النيسابوري، ~~سمعت محمد بن عامر البغدادي، يقول: سمعت عبد العزيز بن يحيى، يقول: سمعت ~~عمي، يقول: سمعت العتبي، يقول: كنت ذات يوم في البادية بحالة من الغم، ~~فألقي في روعي بيت شعر، فقلت: # أرى الموت أصبح ... مغموما له أروح # PageV04P519 # فلما أن جن الليل، سمعت هاتفا يهتف ms2043 من الهواء: # ألا يأيها المرء ... الذي الهم به برح # وقد أنشد بيتا لم ... يزل في فكره يسنح # إذا اشتد بك العسر ... ففكر في ألم نشرح # فعسر بين يسرين ... إذا أبصرته فافرح # قال: فحفظت الأبيات، وفرج الله غمي. # أنشدنا أبو إسحاق، رحمه الله، قال: أنشدنا الحسن بن محمد بن الحسن، قال: ~~أنشدنا أحمد بن محمد بن إسحاق الجيرنجي، قال: أنشدنا إسحاق بن بهلول ~~القاضي: # فلا تيأس وإن أعسرت يوما ... فقد أيسرت في دهر طويل # ولا تظنن بربك ظن سوء ... فإن الله أولى بالجميل # فإن العسر يتبعه يسار ... وقول الله أصدق كل قيل # وأنشدنا أبو إسحاق، قال: أنشدني الحسن، قال: أنشدني محمد بن سليمان بن ~~معاذ الكرخي، قال: أنشدنا أبو بكر ابن الأنباري: # إذا بلغ العسر مجهوده ... فثق عند ذلك بيسر سريع # ألم تر نحس الشتاء الفظيع ... يتلوه سعد الربيع البديع # وأنشدنا أبو إسحاق، قال: أنشدنا الحسن، قال: أنشدني عيسى بن زيد العقيلي، ~~قال: أنشدني سليمان بن أحمد الرقي: # توقع إذا ما غرتك الخطوب ... سرورا يشردها عنك قسرا # فما الله يخلف ميعاده ... وقد قال إن مع العسر يسرا # قوله:} فإذا فرغت فانصب { [الشرح: 7] أي: فاتعب، يقال: نصب ينصب نصبا. # قال قتادة، والضحاك، ومقاتل، والكلبي: إذا فرغت من الصلاة المكتوبة، ~~فانصب إلى ربك في الدعاء، وارغب إليه في # PageV04P520 # المسئلة يعطك. # ونحو هذا روى عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، قال: إذا صليت، فاجتهد في ~~الدعاء والمسألة. # وقال الشعبي: إذا فرغت من التشهد، فادع لدنياك وآخرتك. # ونحو هذا قال الزهري: إذا قضيت التشهد، فادع الله بعد التشهد بكل حاجتك. # وقال ابن مسعود: إذا فرغت من الفرائض، فانصب في قيام الليل. # وسئل علي بن أبي طلحة عن هذه الآية، فقال: القول فيه كثير، وقد سمعنا أنه ~~يقال: إذا صححت، فاجعل صحتك وفراغك نصبا في العبادة. # ويدل على هذا ما روي: أن شريحا مر برجلين يصطرعان، فقال: ليس بهذا أمر ~~الفارغ، إنما قال الله عز وجل:} فإذا فرغت فانصب {7} وإلى ربك فارغب {8} ~~[الشرح: 7-8] . # قال عطاء: يريد ms2044: تضرع إليه راهبا من النار، راغبا في الجنة. # وقال الزجاج: أي: اجعل رغبتك إلى الله وحده. # PageV04P521 ### | تفسير سورة التين # ثمان آيات، مكية. ### | 1389 - # أخبرنا أبو عثمان الحيري، أنا أبو عمرو الحيري بإسناده، عن أبي بن كعب، ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة والتين أعطاه الله ~~عز وجل خصلتين العافية واليقين ما دام في دار الدنيا، فإذا مات أعطاه الله ~~بعدد من يقرأ هذه السورة صيام يوم» . ### | 1390 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنا محمد بن إسماعيل القفال، أنا ~~الحسين بن موسى بن خلف الرسعني، نا عثمان بن الصياد، نا سفيان، عن يحيى بن ~~سعيد، ومسعر، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب، قال: سمعت النبي صلى الله ~~عليه وسلم يقرأ في المغرب والتين والزيتون زاد مسعر: فما رأيت إنسانا أحسن ~~قراءة منه، رواه مسلم، عن ابن نمير، عن أبيه، عن مسعر. # بسم الله الرحمن الرحيم {والتين والزيتون {1} وطور سينين {2} وهذا البلد ~~الأمين {3} لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم {4} ثم رددناه أسفل سافلين {5} ~~إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون {6} فما يكذبك بعد ~~بالدين {7} أليس الله بأحكم الحاكمين {8} } [التين: 1-8] . # PageV04P522 # {والتين والزيتون} [التين: 1] قال أكثر المفسرين: هو تينكم الذي تأكلون، ~~وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت. # وإنما ذكر الله تعالى القسم بالتين، لأنه فاكهة مخلصة من شوائب التنغيص، ~~وفيه أعظم العبرة، لدلالته على من هيأها على تلك الصفة، وجعلها على مقدار ~~اللقمة، فالله عز وجل المنعم به على عباده، وقد روى أبو ذر، رضي الله عنه، ~~أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: في التين: «لو قلت إن فاكهة نزلت من ~~الجنة قلت هذه، لأن فاكهة الجنة بلا عجم، فكلوها، فإنها تقطع البواسير، ~~وتنفع من النقرس» . # وأما الزيتون، فإنه يعتصر منه الزيت الذي يدور في أكثر الأطعمة مع ~~الاصطباغ به والأدهان، واتخاذ الصابون. # وقال قتادة: التين: الجبل الذي عليه دمشق، والزيتون: الجبل الذي عليه بيت ~~المقدس. # ونحو هذا قال عكرمة: هما جبلان بالشام، وإنما سيما بهما، لأنهما ms2045 ~~ينبتانهما. # {وطور سينين} [التين: 2] يعني: الجبل الذي كلم عليه موسى عليه، السلام، و ~~{سينين} [التين: 2] : المبارك الحسن بلغة الحبشة، وقال الكلبي: هو الجبل ذو ~~الشجرة. # وقال مقاتل: كل جبل فيه شجر مثمر، فهو سينين وسيناء بلغة النبط. # {وهذا البلد الأمين} [التين: 3] يعني: البلد الحرام مكة، يأمن فيه الخائف ~~في الجاهلية والإسلام، وسأل خزيمة بن حكيم السلمي رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم، عن البلد الأمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " {البلد ~~الأمين} [التين: 3] : مكة ". # وهذه أقسام. # ثم ذكر المقسم عليه، فقال: {لقد خلقنا الإنسان في # PageV04P523 # أحسن تقويم} [التين: 4] يعني: آدم وذريته، خلقهم الله في أحسن صورة، قال ~~المفسرون: إن الله تعالى خلق كل ذي روح مكبا على وجهه إلا الإنسان، خلقه ~~مديد القامة، يتناول مأكوله بيده. # وقال الكلبي: أقسم الله تعالى بما ذكر، لقد أنعم على الإنسان بتقويم ~~الخلق. # ومعنى التقويم: التعديل، يقال: قومته فاستقام. # {ثم رددناه أسفل سافلين} [التين: 5] يريد إلى الهرم، وأرذل العمر، فيخرف ~~وينقص عقله، والسافلون هم: الضعفاء، والزمن، والأطفال، والشيخ الكبير أسفل ~~هؤلاء جميعا، وقال مجاهد: ثم رددناه إلى النار. # وهو قول الحسن، وأبي العالية. # والنار أسفل سافلين، لأن جهنم بعضها أسفل من بعض، والمعنى إلى أسفل ~~سافلين. # ثم استثنى المؤمنين، فقال: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [التين: 6] ~~أي: إلا هؤلاء، فإنهم لا يردون إلى النار، ومن قال بالقول الأول، قال: إن ~~المؤمن لا يرد إلى الخرف، وأرذل العمر، وإن عمر طويلا. # أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن الكاتب، أنا محمد بن أحمد بن شاذان ~~الرازي، أنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، نا أبو سعيد الأشج، نا وكيع، عن حماد، ~~عن إبراهيم، قال: إذا بلغ المؤمن من الكبر ما يعجز عن العمل، كتب له ما كان ~~يعمل، وهو قوله: {فلهم أجر غير ممنون} [التين: 6] . # وقال عكرمة: من رد منهم إلى أرذل العمر، كتب له كصالح ما كان يعمل في ~~شبابه، وذلك أجر غير ممنون. ### | 1391 - # أخبرنا الحسن بن علي بن محمد المقرئ، أنا محمد بن ms2046 عبد الله بن محمد ~~الحافظ، حدثني علي بن عيسى الحيري، نا إبراهيم بن أبي طالب، نا ابن أبي ~~عمر، نا سفيان، عن عاصم # PageV04P524 # الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل ~~العمر وذلك قوله عز وجل: {ثم رددناه أسفل سافلين {5} إلا الذين آمنوا ~~وعملوا الصالحات} [التين: 5-6] . # قال: إلا الذين قرءوا القرآن. ### | 1392 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الواعظ، أنا الحسين بن محمد بن عبد الله ~~الحافظ، نا محمد بن عبد الله بن مهران، نا جعفر بن محمد القرباني، نا قتيبة ~~بن سعيد، نا خالد الزيات، نا داود بن سليمان، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن ~~معمر بن حزم الأنصاري، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتبت لوالديه، فإن عمل سيئة لم ~~تكتب عليه ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث وجرى عليه القلم أمر الله ~~الملكين الذين معه يحفظانه، ويسددانه، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام أمنه ~~الله تعالى من البلايا الثلاثة الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ خمسين سنة ~~خفف الله حسابه، فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة إليه وبما يحب، فإذا بلغ ~~سبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ ثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، ~~فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشفعه في أهل بيته ~~وكان اسمه أسير الله في الأرض، فإذا بلغ أرذل العمر كيلا يعلم من بعد علم ~~شيئا كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير، وإن عمل سيئة لم تكتب ~~عليه» . # وقوله: {فما يكذبك بعد بالدين} [التين: 7] أي: بمجازاتي إياك بعملك # PageV04P525 # أيها الإنسان، وأنا أحكم الحاكمين، قال مقاتل: يقول: فما يكذبك أيها ~~الإنسان بعد بيان الصورة الحسنة، والشباب، ثم الهرم بعد ذلك بالحساب. # والمعنى: ألا يتفكر في صورته، وشبابه، وهرمه فيعتبر، ويقول: إن الذي فعل ~~ذلك قادر على أن يبعثني، ويحاسبني. # ومعنى: {فما يكذبك بعد بالدين} [التين: 7] : ما ms2047 الذي يجعلك تكذب ~~بالمجازاة بعد هذه الحجج؟ {أليس الله بأحكم الحاكمين} [التين: 8] بأقضى ~~القاضين، قال مقاتل: يحكم بينك وبين أهل التكذيب يا محمد. ### | 1393 - # أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد السعدي، أنا محمد بن عبد الله بن محمد ~~بن الفتح بن الشخير، نا محمد بن بيان بن مسلم، نا الحسن بن عرفة، نا عبد ~~الرحمن بن مهدي، عن مالك، عن الزهري، عن أنس بن مالك، قال: لما نزلت سورة ~~التين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح لها فرحا شديدا حتى تبين لنا ~~شدة فرحه فسألنا ابن عباس عن تفسيرها، فقال: والتين بلاد الشام والزيتون ~~بلاد فلسطين {وطور سينين} [التين: 2] الذي كلم الله عز وجل موسى عليه {وهذا ~~البلد الأمين} [التين: 3] مكة {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} [التين: ~~4] محمد صلى الله عليه وسلم {ثم رددناه أسفل سافلين} [التين: 5] عبدة اللات ~~والعزى {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون} [التين: 6] ~~أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم {فما يكذبك بعد بالدين {7} أليس ~~الله بأحكم الحاكمين {8} } [التين: 7-8] إذ بعثك فيهم نبيا وجمعك على ~~التقوى يا محمد. # PageV04P526 ### | تفسير سورة العلق # تسع عشرة آية، مكية. ### | 1394 - # أخبرنا محمد بن علي بن أحمد الحيري، أنا محمد بن جعفر بن محمد الحيري ~~بإسناده، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ ~~سورة اقرأ باسم ربك فكأنما قرأ المفصل كله» . # بسم الله الرحمن الرحيم {اقرأ باسم ربك الذي خلق {1} خلق الإنسان من علق ~~{2} اقرأ وربك الأكرم {3} الذي علم بالقلم {4} علم الإنسان ما لم يعلم {5} ~~} [العلق: 1-5] {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1] أكثر المفسرين على أن هذه ~~السورة أول ما نزل من القرآن، وأول يوم نزل جبريل على رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وهو قائم على حراء، علمه خمس آيات من أول هذه السورة، وبيان ذلك ~~فيما ### | 1395 - # أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الفضل، أنا عبد المؤمن بن خلف، أنا ~~يحيى بن أيوب، أنا يحيى بن بكير، حدثني ms2048 الليث، حدثني عقيل بن خالد، عن ابن ~~شهاب الزهري، أخبرني عروة، عن عائشة، أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا ~~إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء، فيتحنث فيه ~~وهو التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود ~~لمثلها، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك، فقال: اقرأ، فقال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: فقلت له: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى ~~بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني # PageV04P527 # فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا ~~بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: {اقرأ ~~باسم ربك الذي خلق} [العلق: 1] حتى بلغ {ما لم يعلم} [العلق: 5] وذكر ~~الحديث، رواه البخاري، عن يحيى بن بكير، ورواه مسلم، عن محمد بن رافع، عن ~~عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري. ### | 1396 - # أخبرنا إسماعيل بن الحسن بن محمد الهاشمي، أنا جدي، نا أبو حامد بن الحسن ~~الحافظ، نا عبد الرحمن بن بشر، نا سفيان بن عيينة، عن محمد بن إسحاق، عن ~~الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: " إن أول ما نزل من ~~القرآن: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} [العلق: 1] " رواه الحاكم في صحيحه عن ~~أبي بكر بن إسحاق، عن بشر بن موسى، عن الحميدي، عن سفيان # قال أبو عبيدة: مجازه: اقرأ اسم ربك، يعني أن الباء زائدة، والمعنى: اذكر ~~اسمه، كأنه أمر أن يبتدئ القراءة باسم الله تأديبا. # الذي خلق قال الكلبي: يعني الخلائق. # ثم ذكر ذلك، فقال: خلق الإنسان يعني: ابن آدم، من علق جمع علقة. # اقرأ تكرير للتأكيد، ثم استأنف، فقال: وربك الأكرم، قال الكلبي: الحليم ~~عن جهل العباد: لا يعجل عليهم بالعقوبة. # الذي علم الكتابة، بالقلم قال الزجاج: علم الإنسان الكتابة بالقلم. # {كلا إن الإنسان ليطغى {6} أن رآه ms2049 استغنى {7} إن إلى ربك الرجعى {8} ~~أرأيت الذي ينهى {9} عبدا إذا صلى {10} أرأيت إن كان على الهدى {11} أو أمر ~~بالتقوى {12} أرأيت إن كذب وتولى {13} ألم يعلم بأن الله يرى {14} كلا لئن ~~لم ينته لنسفعا بالناصية {15} ناصية كاذبة خاطئة {16} فليدع ناديه {17} ~~سندع الزبانية {18} كلا لا تطعه واسجد واقترب {19} } [العلق: 6-19] . # {كلا إن الإنسان ليطغى} [العلق: 6] نزلت هذه الآية وما بعدها إلى آخر ال ~~{ [في أبي جهل، ومعنى: كلا حقا، إن الإنسان يعني: أبا جهل، ليطغى قال ~~مقاتل: كان إذا أصاب مالا زاد في ثيابه، ومركبه، وطعامه، وشرابه، فذلك ~~طغيانه. # ونحو هذا قال الكلبي: يرتفع عن منزلة إلى منزلة في اللباس والطعام. # {أن رآه # PageV04P528 # استغنى} [سورة العلق: 7] أي: رأى نفسه غنيا. ### | 1397 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، نا محمد بن يعقوب الأموي، نا إبراهيم بن ~~عبد الله العبسي، أنا جعفر بن عون، عن أبي عميس، عن القاسم، قال: قال عبد ~~الله بن مسعود: منهومان لا يشبعان طالب علم وصاحب الدنيا، ولا يستويان، أما ~~طالب العلم، فيزداد رضا للرحمن، وأما طالب الدنيا، فيزداد في الطغيان، ثم ~~قرأ: {كلا إن الإنسان ليطغى {6} أن رآه استغنى {7} } [العلق: 6-7] # قال مقاتل: ثم خوفه الله تعالى بالرجعة، فقال: {إن إلى ربك الرجعى} ~~[العلق: 8] أي: المرجع، والرجعى مصدر على فعلى، قوله: {أرأيت الذي ينهى} ~~[العلق: 9] . ### | 1398 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي، أنا أبو محمد عبد الله بن ~~محمد بن علي بن زياد الدقاق، أنا أحمد بن مكرم البرتي، نا علي بن المديني، ~~نا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن نعيم بن أبي هند، عن أبي حازم، عن أبي ~~هريرة، قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم، قالوا: نعم، قال: ~~فبالذي يحلف به لئن رأيته، يفعل ذلك لأطأن على رقبته، قال: فقيل له: ها هو ~~ذاك يصلي، فانطلق ليطأ على رقبته، فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي ~~بيديه، فأتوه فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟ قال: إن بيني وبينه خندقا من نار ~~وهولا وأجنحة، فقال نبي ms2050 الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو دنا ~~مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا، فأنزل الله عز وجل: {أرأيت الذي ينهى} ~~[العلق: 9] إلى آخر السورة. # رواه مسلم، عن عبيد الله بن معاذ، عن المعتمر # ومعنى: أرأيت ههنا: تعجيب للمخاطب، وكرر هذه اللفظة للتأكيد في التعجيب، ~~وهو قوله: {أرأيت إن كان على الهدى} [العلق: 11] يعني: العبد المنهي وهو ~~محمد صلى الله عليه وسلم. # {أو أمر بالتقوى} [العلق: 12] يعني: بالإخلاص، والتوحيد، ومخافة الله. # {أرأيت إن كذب} [العلق: 13] أبو جهل، وتولى عن الإيمان، وتقدير نظم ~~الآية: {أرأيت الذي ينهى {9} عبدا إذا صلى {10} } [العلق: 9-10] وهو على ~~الهدى، أمر بالتقوى، والناهي مكذب عن الإيمان؟ ! أي: فما أعجب من هذا! ألم ~~يعلم يعني: أبا جهل، {بأن الله يرى} [العلق: 14] ذلك فيجازيه به. # كلا لا يعلم ذلك، {لئن لم ينته} [العلق: 15] عن تكذيب محمد صلى الله عليه ~~وسلم وشتمه، وإيذائه، {لنسفعا بالناصية} [العلق: 15] السفع: الجذب الشديد، ~~والمعنى: لنجرن # PageV04P529 # بناصيته إلى النار، وهو كقوله: {فيؤخذ بالنواصي والأقدام} [الرحمن: 41] ، ~~قال مقاتل: ثم أخبر عنه أنه فاجر خاطئ، فقال: {ناصية كاذبة خاطئة} [العلق: ~~16] . # تأويله: صاحبها كاذب خاطئ، ولما نهى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو جهل: أتنتهرني يا ~~محمد؟ فوالله لقد علمت ما بها رجل أكثر ناديا مني. # فأنزل الله عز وجل: {فليدع ناديه} [العلق: 17] أي: أهل مجلسه، يعني ~~عشيرته، أي: فليستنصر بهم. ### | 1399 - # أخبرنا أبو منصور بن طاهر التميمي، أنا أبو عبد الله محمد بن يزيد ~~الجوزي، نا إبراهيم بن محمد بن سفيان، نا أبو سعيد الأشج، نا أبو خالد، عن ~~داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه ~~وسلم يصلي، فجاء أبو جهل، فقال: ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف إليه النبي صلى ~~الله عليه وسلم فزجره، فقال: والله إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني، فأنزل ~~الله عز وجل: {فليدع ناديه {17} سندع الزبانية {18} } [العلق: 17-18] فقال ~~ابن عباس: والله لو دعا ms2051 ناديه لأخذته زبانية الله # قال أبو عبيدة، والمبرد: واحد الزبانية زبينية، وهو الشديد الأخذ، وأصله ~~من زبنته إذا دفعته. # قال ابن عباس: يريد: الأعوان زبانية جهنم. # وقال الزجاج: هم الملائكة، الغلاظ الشداد. # ثم قال: كلا أي: ليس الأمر على ما عليه أبو جهل، لا تطعه في ترك الصلاة، ~~واسجد صل لله، واقترب إليه بالطاعة. ### | 1400 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم # PageV04P530 # الفارسي، أنا محمد بن عيسى بن عمرويه، نا إبراهيم بن محمد، نا مسلم، نا ~~هارون بن معروف، نا ابن وهب، عن عمرويه الحارث، عن عمارة بن غزية، عن سمي، ~~أنه سمع أبا صالح ذكوان يحدث، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء» . ### | 1401 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الدركي، أنا أبو العباس إسماعيل بن ~~عبد الله الميكالي، أنا عبدان الجواليقي، نا زيد بن الحريش، نا أبو همام، ~~عن مروان بن سالم، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، أن رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أقرب ما يكون العبد من الله إذا كان ساجدا» ~~. # PageV04P531 ### | تفسير سورة القدر # خمس آيات، مكية. ### | 1402 - # أخبرنا أبو عثمان بن أبي بكر المقري، أنا أبو عمرو بن أبي الفضل المؤذن ~~بإسناده، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ ~~سورة القدر أعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيا ليلة القدر» . # بسم الله الرحمن الرحيم {إنا أنزلناه في ليلة القدر {1} وما أدراك ما ~~ليلة القدر {2} ليلة القدر خير من ألف شهر {3} تنزل الملائكة والروح فيها ~~بإذن ربهم من كل أمر {4} سلام هي حتى مطلع الفجر {5} } [القدر: 1-5] . # {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1] يعني: القرآن أنزل جملة واحدة في ~~ليلة القدر إلى السماء الدنيا، ثم فرق في السنين بالإنزال على محمد صلى ~~الله عليه وسلم. ### | 1403 - # أخبرنا عمرو بن أبي عمرو، أنا جدي، أنا محمد بن إسحاق الثقفي، نا قتيبة، ~~نا جرير، عن منصور، عن ms2052 سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: {إنا ~~أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1] أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر ~~إلى السماء الدنيا، فكان بموقع النجوم، وكان الله تعالى ينزله على رسوله ~~صلى الله عليه وسلم بعضه في أثر بعض # وقال مقاتل: أنزله الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة، وهم الكتبة من ~~الملائكة في السماء الدنيا، فكان ينزله ليلة القدر من الوحي على قدر ما ~~ينزل به جبريل، صلى الله عليه وسلم، على النبي، صلى الله عليه وسلم، في ~~السنة كلها، إلى مثله من القابل حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر، ونزل به ~~جبريل على محمد، صلى الله عليه وسلم، في عشرين سنة. # وليلة القدر ليلة تقدير الأمور والأحكام، قدر الله في ليلة القدر أمر ~~السنة في عباده، وبلاده إلى السنة المقبلة، كقوله: {فيها يفرق كل أمر حكيم} ~~[الدخان: 4] والأخبار في ليلة القدر، وبيان فضلها، وأي ليلة هي، كثيرة نذكر ~~منها ما لا بد منه، والناس مختلفون في ليلة القدر، فذهب كثير منهم إلى أنها ~~إنما كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رفعت، # PageV04P532 # وقال بعضهم: هي في ليالي السنة كلها. # ومن علق طلاق امرأته على ليلة القدر لم تقع إلى مضي سنة، وهو مذهب أبي ~~حنيفة، رحمة الله عليه، وجمهور أهل العلم على أنها في رمضان كل سنة. ### | 1404 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، نا محمد بن يعقوب، نا العباس بن ~~الوليد، أخبرني أبي، قال: سمعت الأوزاعي، حدثني أبو كثير، عن أبيه، قال: ~~جلست إلى أبي ذر وهو عند الجمرة الوسطى، فكثر الناس عليه حتى مست ركبتي ~~ركبته، وقد جمعت أشياء أريد أن أسأله عنها، فتفلتت مني، فبلغت أرمي ببصري ~~نحو السماء أتذكر، فذكرت ليلة القدر، فسألته عنها، فقال: أنا كنت أسأل ~~الناس عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، أرأيت ليلة ~~القدر أشيء يكون في زمان الأنبياء ينزل عليهم فيها الوحي فإذا قبضوا رفعت؟ ~~قال: بل هي إلى ms2053 يوم القيامة، قلت: يا رسول الله حدثني في أي شهر هي؟ قال: ~~في رمضان، قلت: في أي؟ قال: لو أذن الله أن أخبركم بها لأخبرتكم التمسها في ~~أحد السبعين، ثم لا تسألني عنها بعد مرتك هذه، ثم أقبل على القوم يحدثهم، ~~فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استطلق له الحديث، قلت: أقسمت ~~عليك يا رسول الله لتخبرني في أي السبعين هي، قال: فغضب علي غضبة لم يغضب ~~علي قبلها ولا بعدها مثلها، ثم قال: أولم أنهك أن تسألني عنها؟ إن الله لو ~~أذن لي أن أخبركم بها لأخبرتكم بها لا آمن أن تكون في السبع الأواخر. ### | 1405 - # أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق المزكي، أنا محمد بن جعفر بن الهيثم ~~الأنباري، نا جعفر بن محمد بن شاكر، نا محمد بن سابق، نا مالك بن مغول، عن ~~عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، قال: قلت لأبي بن كعب: إن عبد الله كان ~~يقول في ليلة القدر: من قام الحول كله أدركها، فقال: رحمة الله عليه أبي ~~عبد الرحمن، أما والذي يحلف به لقد علم، أنها في رمضان، وأنها ليلة سبع ~~وعشرين. # قال: فلما رأيته يحلف لا يستثني، قلت: ما علمك بذلك؟ قال: بالآية التي ~~أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحسبنا وعددنا، فإذا هي بسبع ~~وعشرين، يعني أن الشمس ليس لها شعاع، ثم إنها في العشر الأواخر من رمضان، ~~وفي الأوتار منها. ### | 1406 - # حدثنا أبو # PageV04P533 # القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج إملاء، نا أبو العباس محمد بن يعقوب، ~~نا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، عن ~~أبيه، عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «تحروا ليلة ~~القدر في العشر الأواخر» رواه البخاري، عن محمد، عن عبدة، عن هشام. ### | 1407 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أنا أبو العباس عبد الله بن يعقوب ~~الكرماني، نا محمد بن أبي يعقوب الكرماني، نا عبد الوهاب الثقفي، نا ms2054 أيوب، ~~عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التمسوها ~~في العشر الأواخر في تاسعة تبقى أو في سابعة تبقى أو في خامسة تبقى» ثم ~~إنها قد تكون ليلة إحدى وعشرين وهو مذهب أبي سعيد الخدري، واختيار الشافعي ~~رحمة الله عليه. ### | 1408 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، نا محمد بن يعقوب، أنا الربيع، أنا ~~الشافعي، أنا مالك، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة، ~~عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت هذه ~~الليلة ثم أنسيتها، ورأيتني أسجد في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر، ~~والتمسوها في كل وتر» قال أبو سعيد: فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين. # رواه البخاري، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك، وقد تكون ليلة ثلاث ~~وعشرين. ### | 1409 - # أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، أنا حاجب بن أحمد بن أحمد الطوسي، نا عبد ~~الرحيم بن منيب، نا يعلى بن عبيد، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ~~قال: ذكرنا ليلة القدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كم مضى من ~~الشهر، قلنا: ثنتان وعشرون وبقي ثمان، فقال: مضى ثنتان وعشرون وبقي سبع ~~اطلبوها الليلة، الشهر تسع وعشرون ". ### | 1410 - # أخبرنا أبو # PageV04P534 # بكر القاضي، نا محمد بن يعقوب، نا بحر بن نصر، قال: قرئ على ابن وهب، ~~أخبرك واحد منهم مالك بن أنس، عن حميد، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، قال: «التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة، وقد تكون ليلة سبع ~~وعشرين» . ### | 1411 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الصوفي، أنا إسماعيل بن نجيد، أنا محمد بن ~~الحسن بن الخليل، نا محمد بن العلاء، نا رشدين بن سعد، نا ابن ثوبان، قال: ~~سئل عكرمة عن ليلة القدر، فقال: سمعت ابن عباس، يقول: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «التمسوها في السبع الأواخر من رمضان» قلت لابن عباس: أي ~~ليلة هي؟ قال ms2055: لا أراها إلا ليلة السابعة من آخر الشهر، لأن الله عز وجل ~~خلق الإنسان على سبعة أصناف فقال: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} ~~[المؤمنون: 12] إلى قوله: {فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 14] ثم ~~جعل رزقه في سبعة أصناف {فلينظر الإنسان إلى طعامه} [عبس: 24] وإلى {وفاكهة ~~وأبا} [عبس: 31] ثم تصلى الجمعة على رأس سبعة أيام كرامة لدينه وعيدا، وجعل ~~السموات سبعا، وجعل الأرضين سبعا، وجعل المثاني سبعا، فلا أرى ليلة القدر ~~إلا ليلة السابعة. ### | 1412 - # أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي، أنا علي بن حمشاد بن شختويه، نا محمد ~~بن غالب بن حرب، نا عبد الصمد بن النعمان، نا شعبة، عن عبدة بن أبي لبابة، ~~قال: سمعت زر بن حبيش يحدث، عن أبي بن كعب، قال: والله إني لأعلمها هي ~~الليلة التي «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقومها ليلة سبع ~~وعشرين» . # رواه مسلم، عن محمد بن مثنى، عن غندر، عن شعبة. ### | 1413 - # أخبرنا أبو بكر الحيري، أن حامد بن محمد الهرمي، نا محمد بن صالح الأشج، ~~نا عمرو بن حكام، نا سلام بن أبي مطيع، قال: سمعت أيوب السختياني يحدث، عن ~~نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «تحروها ليلة سبع ~~وعشرين، فمن كان متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين، يعني ليلة القدر، وقد ~~تكون ليلة تسع وعشرين» ### | 1414 - # أخبرنا أبو # PageV04P535 # إسحاق المقري، أنا عبد الله بن حامد، أنا مكي بن عبدان، نا عبد الله بن ~~هاشم، نا يحيى بن سعيد القطان، نا عيينة بن عبد الرحمن، حدثني أبي، قال: ~~ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة، فقال: ما أنا بطالبها بعد شيء سمعته من رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم إلا في العشر الأواخر، سمعت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يقول: «التمسوها في العشر الأواخر في تسع يبقين أو سبع يبقين أو ~~خمس يبقين أو ثلاث يبقين أو آخر ليلة» فكان أبو بكرة إذا دخل رمضان صلى كما ~~يصلي في السنة، فإذا دخل العشر اجتهد، ومن فضل ms2056 هذه الليلة أن قيامها مغفرة ~~للذنوب كلها. ### | 1415 - # أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي، أنا محمد بن عبد الله بن الفضل ~~التاجر، أنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، نا عبد الرحمن بن بشر، نا سفيان ~~بن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله ~~عليه وسلم، قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ~~ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» . # رواه البخاري، عن مسلم بن إبراهيم، عن هشام. # ورواه مسلم، عن زهير بن حرب، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن يحيى بن كثير، ~~عن أبي سلمة. ### | 1416 - # أخبرني الحاكم أبو عبد الرحمن الشاذياخي، أنا زاهر بن أحمد، أنا الحسين ~~بن محمد بن مصعب، نا يحيى بن حكيم، نا معاذ بن هاشم، حدثني أبي قتادة، عن ~~الحسن، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من قام ليلة ~~القدر إيمانا واحتسابا فإنه يغفر له ما مضى من ذنبه» . # وقد ذكر الله، عز وجل، فضلها في قوله: {ليلة القدر خير من ألف شهر} ~~[القدر: 3] ، قال مجاهد: قيامها، والعمل فيها خير من قيام شهر، وصيامه ليس ~~فيه ليلة القدر. # وهذا قول مقاتل، وقتادة، واختيار # PageV04P536 # الفراء، والزجاج، وذلك أن الأوقات إنما يفضل بعضها على بعض بما يكون فيه ~~من الخير والنفع، فلما جعل الله تعالى الخير الكبير في ليلة القدر، كانت ~~خيرا من ألف شهر لا يكون فيها من الخير والبركة ما يكون في هذه الليلة، ~~وقال عطاء، عن ابن عباس: ذكر لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، رجل من بني ~~إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر، فعجب لذلك رسول الله، ~~صلى الله عليه وسلم، عجبا شديدا، وتمنى أن يكون مثل ذلك في أمته، فقال: يا ~~رب، جعلت أمتى أقصر الأمم أعمارا، وأقلها أعمالا. # فأعطاه الله تعالى ليلة القدر، فقال: {ليلة القدر خير من ألف شهر} ~~[القدر: 3] الذي حمل الإسرائيلي ms2057 السلاح في سبيل الله لك، ولأمتك من بعدك ~~إلى يوم القيامة في كل رمضان. # ثم أخبر بما يكون في تلك الليلة، فقال: {تنزل الملائكة والروح} [القدر: ~~4] يعني: جبريل فيها، قال المفسرون: تنزل الملائكة ومعهم جبريل في ليلة ~~القدر، بالرحمة من الله، والسلام على أوليائه، فيسلمون على كل عبد قائم، أو ~~قاعد يذكر الله. # وهو قوله: {بإذن ربهم من كل أمر} [القدر: 4] أي: بكل أمر من الخير ~~والبركة، وهذا كقوله تعالى: {يحفظونه من أمر الله} [الرعد: 11] أي: بأمره. # سلام قال عطاء: يريد: سلام على أولياء الله، وأهل طاعته. # وقال الكلبي: كلما لقي الملائكة مؤمنا، أو مؤمنة في ليلة القدر، سلموا ~~عليه من ربه. # وقال مجاهد: إن ليلة القدر سالمة من أن يحدث فيها داء، أو يستطيع شيطان ~~أن يعمل فيها. # وسلام يعني سلامة، أي: سلامة، {هي حتى مطلع الفجر} [القدر: 5] والمطلع ~~مصدر بمعنى: الطلوع، ومن قرأ بكسر اللام، فهو اسم لوقت الطلوع. # PageV04P537 ### | تفسير سورة البينة # ثماني آيات، مدينة. ### | 1417 - # أخبرنا أبو عثمان بن أبي بكر المقري، أنا أبو عمرو بن جعفر بإسناده، عن ~~أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة لم يكن ~~كان يوم القيامة مع خير البرية مسافرا ومقيما» . ### | 1418 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أنا علي بن محمد بن الحسن ~~المقري، أنا محمد بن محمد بن يعقوب، نا محمد بن موسى بن النعمان، نا فهد بن ~~سليمان، نا إسحاق بن بشر الكاهلي، نا مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، عن ~~سعيد بن المسيب، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ~~لو يعلم الناس ما في لم يكن الذين كفروا لعطلوا الأهل والمال ولتعلموها، ~~فقال رجل من خزاعة: ما فيها من الأجر يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: لا يقرؤها منافق أبدا، ولا عبد في قلبه شك في الله عز وجل، ~~والله إن الملائكة المقربين يقرءونها منذ خلق السموات والأرض لا يفترون من ~~قراءتها ms2058، وما عبد يقرؤها بليل إلا بعث الله ملائكته يحفظونه في دينه ~~ودنياه، ويدعون له بالمغفرة والرحمة، وإن قرأها بنهار أعطي عليها من الثواب ~~مثل ما أضاء عليه النهار، وأظلم عليه الليل، فقال رجل من قيس عيلان: زدنا ~~من هذا الحديث فداك أبي وأمي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: " تعلموا {عم يتساءلون} [النبأ: 1] وتعلموا {ق والقرءان المجيد} [ق: ~~1] وتعلموا {والسماء ذات البروج} [البروج: 1] وتعلموا {والسماء والطارق} ~~[الطارق: 1] فإنكم لو تعلمون ما فيهن لعطلتم ما أنتم فيه، وتعلمتموهن ~~وتقربتم إلى الله عز وجل بهن، فإن الله تعالى يغفر بهن كل ذنب إلا الشرك ~~بالله، # PageV04P538 # واعلموا أن تبارك الذي بيده الملك، تجادل عن صاحبها يوم القيامة وتستغفر ~~له من الذنوب. # بسم الله الرحمن الرحيم {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ~~منفكين حتى تأتيهم البينة {1} رسول من الله يتلو صحفا مطهرة {2} فيها كتب ~~قيمة {3} وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة {4} وما ~~أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا ~~الزكاة وذلك دين القيمة {5} } [البينة: 1-5] . # {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} [البينة: 1] يعني: اليهود والنصارى، ~~والمشركين يعني: مشركي العرب، منفكين منفصلين، وزائلين، يقال: فككت الشيء ~~فانفك. # أي: انفصل منه، قال ابن عباس، في رواية عطاء، والكلبي: لم يكونوا منتهين ~~عن كفرهم بالله، وعبادتهم غير الله. # حتى تأتيهم أي: حتى أتتهم، لفظه مستقبل ومعناه المضي، كقوله عز وجل: {ما ~~تتلو الشياطين} [البقرة: 102] أي: ما تلت، وقوله: البينة قال ابن عباس: ~~يريد محمدا صلى الله عليه وسلم. # وهو قول مقاتل. # يعني محمدا، فبين لهم ضلاتهم وشركهم، ومعنى الآية: إخبار الله تعالى عن ~~الكفار، أنهم لم ينتهوا عن كفرهم وشركهم بالله حتى أتاهم محمد صلى الله ~~عليه وسلم بالقرآن، فبين لهم ضلالتهم وجهالتهم، ودعاهم إلى الإيمان، وهذا ~~بيان عن النعمة، والإنقاذ به من الجهل والضلالة، والآية فيمن آمن من ~~الفريقين، وهذه الآية من أصعب ما في القرآن نظما وتفسيرا، وقد تخبط فيها ms2059 ~~الكبار من العلماء، وسلكوا في تفسيرها طرقا لا تفضي بهم إلى الصواب، والوجه ~~ما أخبرتك به، فاحمد الله إذ أتاك بيانها من غير لبس ولا إشكال، ويدل على ~~أن المراد بالبينة محمد صلى الله عليه وسلم، أنه فسرها، وأبدل منها، فقال: ~~{رسول من الله يتلو صحفا} [البينة: 2] يعني: ما تضمنته الصحف من المكتوب ~~فيها، وهو القرآن، ويدل على ذلك، أنه كان يتلو عن ظهر قلبه، لا عن كتاب، ~~مطهرة من الباطل، والكذب، والزور. # فيها كتب يعني: الآيات، والأحكام المكتوبة فيها، قيمة عادلة، مستقيمة، ~~غير ذات عوج، تبين الحق من الباطل. # ثم ذكر من لم يؤمن من أهل الكتاب، بقوله: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ~~إلا من بعد ما جاءتهم البينة} [البينة: 4] قال المفسرون: لم يزل أهل الكتاب ~~مجتمعين في تصديق محمد صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله، فلما بعث، تفرقوا ~~في أمره واختلفوا، وآمن به بعضهم، وكفر آخرون. # ثم ذكر ما أمروا به في كتبهم، فقال: {وما أمروا # PageV04P539 # إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة: 5] قال ابن عباس: وما أمروا ~~في التوراة، والإنجيل إلا بإخلاص العبادة لله، موحدين لا يعبدون معه غيره. # حنفاء على دين إبراهيم، ويقيموا الصلاة المكتوبة في أوقاتها، ويؤتوا ~~الزكاة عند محلها، وذلك الذي أمروا به، هو: {دين القيمة} [البينة: 5] دين ~~الملة المستقيمة. # أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الحافظ، أنا عبد الله بن عبد ~~الملك، نا عبد الله بن عبد الوهاب، نا ابن نمير، نا أحمد الزبيري، عن معقل، ~~قال: قلت للزهري: قوم يزعمون أن الصلاة والزكاة ليستا من الإيمان. # فقرأ هذه الآية: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين} [البينة: 5] إلى ~~قوله: {دين القيمة} [البينة: 5] فمن زعم أن هذا ليس من الإيمان، فقد كذب. # ثم ذكر مال الفريقين، فقال: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في ~~نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية {6} إن الذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات أولئك هم خير البرية {7} جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها ~~الأنهار خالدين ms2060 فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه {8} } ~~[البينة: 6-8] . # إن الذين كفروا إلى قوله: شر البرية يعني: شر الخليقة من أهل الأرض، ~~وقراءة العامة بغير همز، وهي من برأ الله الخلق، والقياس فيها الهمز، إلا ~~أنه مما ترك همزه كالنبي، والذرية، والجابية، والهمز فيه كالرد إلى الأصل ~~المرفوض في الاستعمال. # ثم ذكر مستقر المؤمنين، فقال: إن الذين آمنوا وهو ظاهر التفسير، إلى ~~قوله: {ذلك لمن خشي ربه} [البينة: 8] يعني: في الدنيا، وتناهى عن معاصيه. # PageV04P540 ### | تفسير سورة الزلزلة # ثماني آيات، مدنية. ### | 1419 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي، أنا محمد بن القاسم بن ~~سعيد بن واضح الكرجي، أنا محمد بن أيوب البجلي، نا عبد الله بن مسلمة ~~القعنبي، نا سلمة بن وردان، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: " سأل النبي صلى ~~الله عليه وسلم رجلا من أصحابه، فقال: يا فلان هل تزوجت؟ قال: لا وليس عندي ~~ما أتزوج به، قال: أليس معك قل هو الله أحد قال: بلى، قال: ربع القرآن، ~~قال: أليس معك قل يأيها الكافرون؟ قال: بلى، قال: ربع القرآن، قال: أليس ~~معك إذا زلزلت؟ قال: بلى، قال: ربع القرآن، ثم قال: تزوج تزوج تزوج ". ### | 1420 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز الفقيه، أنا محمد بن محمد بن ~~إسحاق الحافظ، نا محمد بن إسحاق بن خزيمة، نا محمد بن موسى الحرشي، نا ~~الحسن بن سيار بن صالح، نا ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: " من قرأ إذا زلزلت عدلت له بنصف القرآن، ومن قرأ: قل يأيها الكافرون ~~عدلت له بربع القرآن ومن قرأ: قل هو الله أحد عدلت له بثلث القرآن ". ### | 1421 - # أخبرنا أبو عثمان المقري، أنا أبو عمرو بن مطر بإسناده، عن أبي بن كعب، ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة إذا زلزلت فكأنما ~~قرأ البقرة، وأعطي من الأجر كمن قرأ ربع القرآن» . # بسم الله الرحمن الرحيم {إذا زلزلت الأرض زلزالها {1} وأخرجت الأرض ms2061 ~~أثقالها {2} وقال الإنسان ما لها {3} يومئذ تحدث أخبارها {4} بأن ربك أوحى ~~لها {5} يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم {6} فمن يعمل # PageV04P541 # مثقال ذرة خيرا يره {7} ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره {8} } [الزلزلة: 1-8] ~~. # {إذا زلزلت الأرض زلزالها} [الزلزلة: 1] إذا حركت حركة شديدة، وذلك عند ~~قيام الساعة، تحرك الأرض فتضطرب حتى يتكسر كل شيء عليها، وتخرج كل شيء أدخل ~~فيها، وهو قوله: {وأخرجت الأرض أثقالها} [الزلزلة: 2] لفظت ما فيها من ~~كنوزها وموتاها، والأثقال: جمع ثقل، والموتى أثقال في بطن الأرض. # ثم ذكر أن الكافر ينكر تلك الحالة، فقال: {وقال الإنسان ما لها} ~~[الزلزلة: 3] يقول الكافر الذي لم يؤمن بالبعث: لأي شيء زلزالها. # قال الله تعالى: {يومئذ تحدث أخبارها} [الزلزلة: 4] تخبر بما عمل عليها. ### | 1422 - # أخبرنا الفضل بن أحمد الصوفي، أنا أبو علي الفقيه، أنا أبو بكر محمد بن ~~أحمد بن إسماعيل السوطي، نا سلمة بن أحمد بن مجاشع، نا خالد بن يزيد ~~العمري، نا شعبة، عن يحيى بن أبي سليمان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: " {يومئذ تحدث ~~أخبارها} [الزلزلة: 4] أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ~~أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل كذا وكذا ~~يوم كذا وكذا، فهذا أخبارها ". ### | 1423 - # أخبرنا أبو نصر المهرجاني، نا ابن بطة، أنا أبو القاسم ابن بنت منيع، ~~حدثني محمد بن إسحاق، نا أبو الأسود، أنا ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن ~~ابن رباح، عن ربيعة الجرشي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «حافظوا ~~على الوضوء، وخير أعمالكم الصلاة، وتحفظوا من الأرض، فإنها أمكم، وليس فيها ~~أحد يعمل فيها خيرا أو شرا إلا وهي مخبرة به» . # وقوله: {بأن ربك أوحى لها} [الزلزلة: 5] قال الفراء: تحدث أخبارها بوحي ~~الله، وإذنه لها. # قال ابن عباس: أذن لها لتخبر بما عمل عليها. # {يومئذ يصدر الناس أشتاتا} [الزلزلة: 6] يرجع الناس عن موقف الحساب بعد ~~العرض متفرقين: أهل الإيمان على ms2062 حدة، وأهل كل دين على حدة، كقوله تعالى: ~~{يومئذ يتفرقون} [الروم: 14] و {يومئذ يصدعون} [الروم: 43] ، ليروا أعمالهم ~~قال ابن عباس: ليروا جزاء أعمالهم. # والمعنى: أنهم يرجعون عن الموقف فرقا، لينزلوا منازلهم من # PageV04P542 # الجنة والنار. # {فمن يعمل مثقال ذرة} [الزلزلة: 7] وزن نملة أصغر ما يكون من النمل، قال ~~مقاتل: فمن يعمل في الدنيا، {مثقال ذرة خيرا يره} [الزلزلة: 7] يوم القيامة ~~في كتابه، فيفرح به. # وكذلك من الشر يراه في كتابة فيسوءه ذلك، قال: وكان أحدهم يستقل أن يعطي ~~اليسير، ويقول: إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه، وليس اليسير مما نحب. # ويتهاون بالذنب اليسير، ويقول: إنما أوعد الله النار على الكبائر. # فأنزل الله عز وجل هذه الآية، يرغبهم في القليل من الخير، ويحذرهم عن ~~اليسير من الشر. ### | 1424 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المزكي، أنا عبد الله بن محمد الزاهد، ~~أنا عبد الله بن محمد المنيعي، نا أبو الربيع الزهراني، نا جرير بن حازم، ~~عن الحسن، قال: " قدم صعصعة عم الفرزدق على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ~~سمع هذه الآية {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره {7} ومن يعمل مثقال ذرة شرا ~~يره {8} } [الزلزلة: 7-8] قال: حسبي ما أبالي أن لا أسمع من القرآن غيرها ~~". ### | 1425 - # أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبيد الله الفارسي، أنا علي بن أحمد بن محمد ~~بن عطية، نا الحارث بن أبي أسامة، نا داود بن المحبر، نا ميسرة، عن المغيرة ~~بن قيس، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قلت: " يا رسول الله، إلى ما ينتهي ~~الناس يوم القيامة؟ قال: إلى أعمالهم، من عمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن عمل ~~مثقال ذرة شرا يره ". # PageV04P543 ### | تفسير سورة العاديات # إحدى عشرة آية، مكية. ### | 1426 - # أخبرنا سعيد بن محمد بن محمد الحيري، أنا محمد بن جعفر بن مطر بإسناده، ~~عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة ~~والعاديات أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من بات بالمزدلفة وشهد جمعا» # بسم الله الرحمن الرحيم {والعاديات ضبحا ms2063 {1} فالموريات قدحا {2} ~~فالمغيرات صبحا {3} فأثرن به نقعا {4} فوسطن به جمعا {5} إن الإنسان لربه ~~لكنود {6} وإنه على ذلك لشهيد {7} وإنه لحب الخير لشديد {8} أفلا يعلم إذا ~~بعثر ما في القبور {9} وحصل ما في الصدور {10} إن ربهم بهم يومئذ لخبير ~~{11} } [العاديات: 1-11] . # {والعاديات ضبحا} [العاديات: 1] قال ابن عباس: هي الخيل في الغزو. # وهو قول عطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، والربيع. # قالوا: أقسم الله تعالى بالخيل العادية لغزو الكفار، وهي تضبح ضبحا. # وضبحها: صوت أجوافها إذا عدت، ليس بصهيل، ولا حمحمة، ولكنه صوت نفس. # {فالموريات قدحا} [العاديات: 2] قال ابن عباس: يريد ضرب الخيل بحوافرها، ~~فأورت منها النار، مثل الزناد، إذا قدح. # وقال مقاتل: يقدحن بحوافرهن في الحجارة. # وقال الزجاج: إذا عدت بالليل، وأصاب حوافرها الحجارة، انقدح منها ~~النيران. # {فالمغيرات صبحا} [العاديات: 3] هي التي تغير على العدو عند الصباح. # {فأثرن به نقعا} [العاديات: 4] يقال: ثار الغبار والدخان، وأثرته. # أي: هيجته، والنقع: الغبار، والمعنى: {فأثرن} [العاديات: 4] بمكان عدوها: ~~{نقعا} [العاديات: 4] . # {فوسطن به جمعا} [العاديات: 5] يقال: وسطت المكان. # أي: صرت في وسطه، يعني: صرن بعدوهن وسط جمع العدو، أقسم الله تعالى بهذه ~~الأشياء، فقال: {إن الإنسان لربه لكنود} [العاديات: 6] وهو الكفور للنعمة. ### | 1427 - # أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي، أنا محمد بن الحسين الحدادي، أنا ~~محمد بن يحيى، أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا المعتمر بن سليمان، عن # PageV04P544 # جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ~~في قوله عز وجل: {إن الإنسان لربه لكنود} [العاديات: 6] قال: الكنود الذي ~~يأكل وحده ويمنع رفده ويضرب عبده # {وإنه على ذلك} [العاديات: 7] قال عطاء، عن ابن عباس: وإن الله على كفره، ~~لشهيد. # {وإنه لحب الخير لشديد} [العاديات: 8] وإن الإنسان من أجل حب المال ~~لبخيل، يقال للبخيل: شديد ومتشدد. # {أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور} [العاديات: 9] أفلا يعلم هذا الإنسان ~~إذا بعث الموتى؟ وبعثر معناه: انتثر، وأخرج. # {وحصل ما في الصدور} [العاديات: 10] أي: ميز، وبين ما فيها من الخير ~~والشر، والتحصيل: تمييز ما يحصل. # {إن ربهم بهم يومئذ ms2064 لخبير} [العاديات: 11] قال الزجاج: الله خبير بهم في ~~ذلك اليوم وفي غيره، ويكون المعنى: الله يجازيهم على كفرهم في ذلك اليوم، ~~ومثله: {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم} [النساء: 63] معناه: أولئك ~~الذين لا يترك الله مجازاتهم. # PageV04P545 ### | تفسير سورة القارعة # إحدى عشرة آية، مكية. ### | 1428 - # أخبرنا الأستاذ سعيد المقري، أنا محمد بن جعفر بن مطر بإسناده، عن أبي بن ~~كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة القارعة ثقل ~~الله عز وجل بها ميزانه يوم القيامة» . # بسم الله الرحمن الرحيم {القارعة {1} ما القارعة {2} وما أدراك ما ~~القارعة {3} يوم يكون الناس كالفراش المبثوث {4} وتكون الجبال كالعهن ~~المنفوش {5} فأما من ثقلت موازينه {6} فهو في عيشة راضية {7} وأما من خفت ~~موازينه {8} فأمه هاوية {9} وما أدراك ما هيه {10} نار حامية {11} } ~~[القارعة: 1-11] . # القارعة اسم من أسماء القيامة، لأنها تفزع القلوب بالقرع، وتفزع أعداء ~~الله بالعذاب. # وقوله: {ما القارعة} [القارعة: 2] تهويل وتعظيم. # ثم عجب نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: {وما أدراك ما القارعة} [القارعة: ~~3] تعظيما لشأنها. # ثم بين أنها متى تكون، فقال: {يوم يكون الناس كالفراش المبثوث} [القارعة: ~~4] الفراش ما تراه يتهافت في النار، شبه الناس في وقت البعث بالفراش، لأنهم ~~إذا بعثوا ماج بعضهم في بعض، والفراش إذا ثار لم يتجه لجهة واحدة، فدل على ~~أنهم إذا بعثوا فزعوا، فاختلفوا في المقاصد على جهات مختلفة، كما قال: ~~{كأنهم جراد منتشر} [القمر: 7] و {المبثوث} [القارعة: 4] المفرق، يقال: ~~بثه، إذا فرقه. # {وتكون الجبال كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] وهو الذي نفش بالندف، ~~والمعنى: أنها تصير خفيفة في السير. # ثم ذكر أحوال الناس بقوله: {فأما من ثقلت موازينه} [القارعة: 6] يعني: ~~رجحت حسناته. # {فهو في عيشة راضية} [القارعة: 7] قال الزجاج: أي: ذات رضا، يرضاها ~~صاحبها. # {وأما من خفت موازينه} [القارعة: 8] رجحت سيئاته على حسناته. # {فأمه هاوية} [القارعة: 9] فمسكنه جهنم، وقيل لمسكنه: أمه. # لأن الأصل في السكون إلى الأمهات، والهاوية: من أسماء جهنم، وهي المهواة ~~لا يدرك قعرها، ويدل على صحة هذا التفسير ما روي، أن رسول الله ms2065 صلى الله ~~عليه وسلم، قال: " إذا # PageV04P546 # مات العبد تلقى روحه أرواح المؤمنين، فتقول له: ما فعل فلان. # فإذا قال: مات. # قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية ". # ثم أخبر الله عز وجل عنها، فقال: {وما أدراك ما هيه} [القارعة: 10] يعني: ~~الهاوية، والهاء في هيه للوقف. # ثم فسر، فقال: نار حامية حارة، قد انتهى حرها. # PageV04P547 ### | تفسير سورة التكاثر # ثمان آيات، مكية. ### | 1429 - # روي عن أبي بن كعب بالإسناد السابق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «ومن قرأ سورة ألهاكم التكاثر، لم يحاسبه الله عز وجل بالنعيم الذي ~~أنعم عليه في دار الدنيا، وأعطي من الأجر كأنما قرأ ألف آية» # بسم الله الرحمن الرحيم {ألهاكم التكاثر {1} حتى زرتم المقابر {2} كلا ~~سوف تعلمون {3} ثم كلا سوف تعلمون {4} كلا لو تعلمون علم اليقين {5} لترون ~~الجحيم {6} ثم لترونها عين اليقين {7} ثم لتسألن يومئذ عن النعيم {8} } ~~[التكاثر: 1-8] . # {ألهاكم التكاثر} [التكاثر: 1] قال المفسرون: شغلكم التكاثر بالأموال، ~~والأولاد، والتفاخر بكثرتها. # {حتى زرتم المقابر} [التكاثر: 2] حتى أدرككم الموت على تلك الحال، نزلت ~~في اليهود حين قالوا: نحن أكثر من فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان. # شغلهم ذلك عن الإيمان حتى ماتوا ضلالا، ثم يدخل في هذا كل من اشتغل ~~بالتكاثر، والتفاخر عن طاعة الله حتى يأتيه الموت وهو على ذلك، ويدل على ~~هذا ما: ### | 1430 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن، أنا حاجب بن أحمد، نا عبد الرحيم بن منيب، ~~نا النضر بن شميل، أنا شعبة، عن قتادة، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن ~~أبيه، قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: {ألهاكم ~~التكاثر} [التكاثر: 1] قال: " يقول ابن آدم: مالي مالي وما لك من مالك إلا ~~ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت " رواه مسلم، عن بندار، ~~عن غندر، عن شعبة # PageV04P548 # ثم رد الله تعالى عليهم هذا، فقال: كلا أي: ليس الأمر الذي ينبغي أن ~~تكونوا عليه التكاثر، ثم أوعدهم فقال: سوف تعلمون ثم وكد ذلك وكرره ms2066، فقال: ~~{ثم كلا سوف تعلمون} [التكاثر: 4] قال الحسن، ومقاتل: هو وعيد بعد وعيد، ~~والمعنى: سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم، إذا نزل بكم الموت. # {كلا لو تعلمون علم اليقين} [التكاثر: 5] كلام آخر، يقول: لو تعلمون ~~الأمر علما يقينا، لشغلكم ما تعلمون عن التكاثر والتفاخر، وجواب لو محذوف ~~وهو ما ذكرنا. # ثم أوعدهم وعيدا آخر، فقال: {لترون الجحيم} [التكاثر: 6] وقرأه العامة ~~بفتح التاء، وقرئ بضمها من أريته الشيء، والمعنى: أنهم يحشرون إليها ~~فيرونها. # {ثم لترونها عين اليقين} [التكاثر: 7] أي: مشاهدة، تقول: لترون الجحيم ~~بأبصاركم على البعد منكم، ثم لترونها مشاهدة. # {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} [التكاثر: 8] قال مقاتل: يعني كفار مكة، ~~كانوا في الدنيا في الخير والنعمة، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا ~~فيه، ولم يشكروا رب النعم، حيث عبدوا غيره، وأشركوا به، ثم يعذبون على ترك ~~الشكر بتوحيد المنعم. # وهذا قول الحسن. # قال: لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار. # وقال قتادة: إن الله سائل كل ذي نعمة عما أنعم عليه. # وعلى هذا ورد أكثر الأخبار. ### | 1431 - # أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله ~~الحافظ، أنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، نا أبو جعفر العبدي، نا يزيد بن ~~هارون، أنا محمد بن عمرو، عن صفوان بن سليم، عن محمود بن لبيد، قال: لما ~~أنزلت ألهاكم التكاثر، قالوا: يا رسول الله " عن أي النعيم نسأل؟ إنما هو ~~الأسودان التمر والماء وسيوفنا على عواتقنا، والعدو حاضر، فعن أي النعيم ~~نسأل؟ قال: إن ذلك سيكون ". ### | 1432 - # أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا أبو بحر محمد بن # PageV04P549 # الحسن بن كوثر، نا أبو جعفر بن علي الخزاز، نا عبد الله بن عاصم الحماني، ~~نا حماد بن سلمة، نا عامر بن أبي عامر، عن جابر بن عبد الله، قال: جاءنا ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، فأطعمناهم رطبا، وسقيناهم من ~~الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا من النعيم الذي تسألون ~~عنه ms2067» ### | 1433 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد بن إبراهيم، أن أبا عبد الله عبيد الله بن ~~محمد قال، أنا عبد الله بن محمد المنيعي، أنا أحمد بن محمد بن يحيى بن ~~سعيد، نا هشام بن عبد الملك، نا حشرج بن نباتة، نا أبو نصر، عن أبي عسيب، ~~قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا، فدعاني فخرجت إليه، ثم مر ~~بأبي بكر فدعاه، فخرج إليه، ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه، ثم انطلق يمشي ~~ونحن معه حتى دخل حائطا لبعض الأنصار، فقال لصاحب الحائط: أطعمنا بسرا، ~~فجاء بعذق فوضعه، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم دعا بماء، ~~فشرب، ثم قال: إنكم لمسئولون عن هذا يوم القيامة، فأخذ عمر العذق، فضرب به ~~الأرض حتى تناثر البسر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إنا ~~لمسئولون عن هذا يوم القيامة؟ قال: «نعم إلا من ثلاث خرقة يواري الرجل بها ~~عورته، أو كسرة يسد بها جوعته، أو حجر يدخل فيه من الحر والبرد» . # PageV04P550 ### | تفسير سورة العصر # ثلاث آيات، مكية. ### | 1434 - # أخبرنا ابن الزعفراني، أنا ابن مطر بإسناده، عن أبي بن كعب، قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة العصر ختم الله له بالصبر، ~~وكان من أصحاب الحق يوم القيامة» . # بسم الله الرحمن الرحيم {والعصر {1} إن الإنسان لفي خسر {2} إلا الذين ~~آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر {3} } [العصر: 1-3] . # قوله تعالى: والعصر أقسم الله تعالى بالدهر، لأن فيه عبرة للناظرين من ~~جهة مرور الليل والنهار على تقدير الأدوار، وقال مقاتل: أقسم الله تعالى ~~بصلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى. # وقال الزجاج: قال بعضهم: معناه ورب العصر. # إن الإنسان يعني: جميع الناس، {لفي خسر} [العصر: 2] الخسر كالخسران، وهو ~~النقصان، وذهاب رأس المال، والمعنى: إن كل إنسان، يعني: الكافر، لاستثنائه ~~المؤمنين، لفي ضلال حتى يموت ويدخل النار، وقال أهل المعاني: الخسر: هلاك ~~رأس المال، والإنسان في هلاك نفسه وعمره، وهما أكثر رأس ماله، إلا المؤمن ~~العامل بطاعة الله ms2068. # وهو قوله: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [العصر: 3] وصدقوا الله ~~ورسوله، وعملوا بطاعته، {وتواصوا بالحق} [العصر: 3] أوصى بعضهم بعضا ~~بالقرآن، وقال مقاتل: بتوحيد الله تعالى. # {وتواصوا بالصبر} [العصر: 3] عن معاصي الله، وعلى فرائض الله، وروى أبو ~~أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والعصر، ~~فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله ما تفسيرها؟ فقال: " {والعصر} [العصر: 1] قسم ~~من الله، أقسم ربكم بآخر النهار، {إن الإنسان لفي خسر} [العصر: 2] أبو جهل ~~بن هشام، إلا الذين آمنوا أبو بكر الصديق، وعملوا الصالحات عمر بن الخطاب، ~~{وتواصوا بالحق} [العصر: 3] عثمان بن عفان، {وتواصوا بالصبر} [العصر: 3] ~~علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم ". # PageV04P551 ### | تفسير سورة الهمزة # مكية، تسع آيات. ### | 1435 - # أخبرنا سعيد بن محمد الحيري، أنا محمد بن جعفر بن مطر بإسناده، عن أبي بن ~~كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قرأ سورة ويل لكل همزة ~~لمزة أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من استهزأ بمحمد صلى الله عليه وسلم» . # بسم الله الرحمن الرحيم {ويل لكل همزة لمزة {1} الذي جمع مالا وعدده {2} ~~يحسب أن ماله أخلده {3} كلا لينبذن في الحطمة {4} وما أدراك ما الحطمة {5} ~~نار الله الموقدة {6} التي تطلع على الأفئدة {7} إنها عليهم مؤصدة {8} في ~~عمد ممددة {9} } [الهمزة: 1-9] . # {ويل لكل همزة لمزة} [الهمزة: 1] قال أبو عبيدة، والزجاج: الهمزة اللمزة: ~~الذي يغتاب الناس. # قال بعضهم: نزلت في الأخنس بن شريق، كان يلمز الناس ويغتابهم. # وقال مقاتل: نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يغتاب النبي صلى الله عليه ~~وسلم من ورائه، ويطعن عليه في وجهه. # ثم وصفه، فقال: {الذي جمع مالا} [الهمزة: 2] وقرئ: جمع بالتشديد، وهو جمع ~~بالشيء بعد الشيء، وعدده قال الفراء: أحصاه. # وقال الزجاج: # PageV04P552 # وعدده للدهور، فيكون من العدة، يقال: أعددت الشيء، وعددته إذا أمسكته. # ثم ذكر طول أمله، فقال: {يحسب أن ماله أخلده} [الهمزة: 3] أي: يعمل عمل ~~من لا يظن مع يساره أنه يموت. # كلا لا يخلد ماله، ولا يبقى له، {لينبذن في الحطمة ms2069} [الهمزة: 4] ليلقين ~~في جهنم، وليطرحن فيها، والحطمة من أسماء جهنم، قال مقاتل: هي تحطم العظام، ~~وتأكل اللحوم حتى تهجم على القلوب. # وذلك قوله: {نار الله الموقدة {6} التي تطلع على الأفئدة {7} } [الهمزة: ~~6-7] قال: يخلص حرها إلى القلوب. # ثم يكسى لحما جديدا، ثم تقبل عليه فتأكله. # {إنها عليهم مؤصدة} [الهمزة: 8] مطبقة، في عمد وقرئ عمد وكلاهما جمع ~~عمود، وقال أبو عبيدة: كلاهما جمع العماد، وهي أوتاد الأطباق التي تطبق على ~~أهل النار. # قال مقاتل: أطبقت الأبواب عليهم، ثم سدت بأوتاد من حديد من نار، حتى يرجع ~~عليهم غمها وحرها، فلا يفتح عنهم باب، ولا يدخل عليهم روح. # وممددة من صفة العمد، أي: أنها ممدودة مطولة، وهي أرسخ من القصيرة. # PageV04P553 ### | تفسير سورة الفيل # خمس آيات، مكية. ### | 1436 - # في حديث أبي بن كعب بالإسناد الذي قد تقدم، قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «ومن قرأ سورة الفيل عافاه الله تعالى أيام حياته في الدنيا من ~~العدو والمسخ» . # بسم الله الرحمن الرحيم {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل {1} ألم يجعل ~~كيدهم في تضليل {2} وأرسل عليهم طيرا أبابيل {3} ترميهم بحجارة من سجيل {4} ~~فجعلهم كعصف مأكول {5} } [الفيل: 1-5] . # ألم تر قال الفراء: ألم تخبر. # وقال الزجاج: ألم تعلم. # وقال صاحب النظم: معناه التعجب. # و {كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} [الفيل: 1] يعني: الذين قصدوا تخريب الكعبة ~~من الحبشة. # {ألم يجعل كيدهم} [الفيل: 2] مكرهم، وسعيهم في تخريب الكعبة، واستباحة ~~أهلها، في تضليل عما قصدوا له، ضلل كيدهم حتى لم يصلوا إلى البيت، وإلى ما ~~أرادوه بكيدهم. # {وأرسل عليهم طيرا أبابيل} [الفيل: 3] أقاطيع يتبع بعضها بعضا، كالإبل ~~المؤبلة، قال أبو عبيدة: الأبابيل: جماعات في تفرقة، يقال: جاءت الخيل ~~أبابيل من ههنا وههنا، ولم نر أحدا يجعل لها واحدا. # وقال ابن عباس: كانت طيرا لها خراطيم، وأكف كأكف الكلاب. # وقال عطاء عنه، وقتادة: طير سود، جاءت من قبل البحر فوجا فوجا، مع كل ~~طائر ثلاثة أحجار، حجران في رجليه، وحجر في منقارة، لا يصيب شيئا إلا هشمه. # فذلك قوله: {ترميهم ms2070 بحجارة من سجيل} [الفيل: 4] قال ابن مسعود: ما وقع ~~منها حجر على رجل إلا خرج من الجانب الآخر، وإن وقع على رأسه خرج من دبره. # {فجعلهم كعصف مأكول} [الفيل: 5] كزرع، وتبن قد أكلته الدواب، ثم راثته، ~~وتفرقت أجزاؤه، شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث. # PageV04P554 ### | تفسير قريش # أربع آيات، مكية. # وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بن كعب: «ومن قرأ سورة لإيلاف ~~قريش، أعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد من طاف بالكعبة، واعتكف بها» . # بسم الله الرحمن الرحيم # لإيلاف قريش {1} إيلافهم رحلة الشتاء والصيف {2} فليعبدوا رب هذا البيت ~~{3} الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف {4} } [سورة قريش: 1-4] . # {لإيلاف قريش {1} إيلافهم} [قريش: 1-2] وقرئ: إلافهم وإلفهم يقال: ألفت ~~الشيء إلافا وإلفا، وألفته إيلافا بمعنى واحد. # يقال: آلفت الظباء الرمل. # إذ ألفته، واللام في الإيلاف تتعلق بالتي قبلها، وذلك أن الله تعالى ذكر ~~أهل مكة عظيم النعمة عليهم، فيما صنع بالحبشة، ثم قال: {لإيلاف قريش} [سورة ~~قريش: 1] يقول: فعلنا ذلك بهم لتألف قريش رحلتيها. # قال الزجاج: المعنى: فجعلهم # PageV04P555 # كعصف مأكول لإلف قريش، أي: أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش، وما قد ~~ألفوا من {رحلة الشتاء والصيف} [قريش: 2] . # وشرح ابن قتيبة هذا شرحا شافيا، فقال: هاتان سورتان متصلتا الألفاظ، ~~والمعنى: أن قريشا كانت بالحرم آمنة من الأعداء أن تهجم عليهم فيه، وأن ~~يعرض لها أحد بالسوء، إذا خرجت منه لتجارتها، والحرم واد جديب، إنما كانت ~~تعيش قريش فيه بالتجارة، وكانت لهم رحلتان في كل سنة، رحلة في الشتاء إلى ~~اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام، ولولا هاتان الرحلتان لم يكن به مقام، ~~ولولا الأمن بجوارهم البيت لم يقدروا على التصرف، فلما قصد أصحاب الفيل إلى ~~مكة، ليهدموا الكعبة، أهلكهم الله لتألف قريش هاتين الرحلتين اللتين بهما ~~تعيشهم ومقامهم بمكة. # وأما قريش فهم ولد النضر بن كنانة، فكل من ولده النضر فهو قرشي، ومن لم ~~يلده النضر فليس بقرشي، واختلفوا في سبب تسميتهم بهذا الأسم، فقال ~~الأكثرون: سموا قريشا للتجارة وجمع المال، وكانوا ms2071 أهل تجارة، ولم يكونوا ~~أصحاب ضرع ولا زرع. # والقرش: الكسب، يقال: هو يقرش لعياله ويقترض. # أي: يكتسب. ### | 1437 - # أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنا إسماعيل بن نجيد، نا محمد بن ~~الحسن بن الخليل، نا أبو كريب، نا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي ~~ريحانة، وكان من أصحاب معاوية، قال: قال معاوية لابن عباس: لم سميت قريش ~~قريشا، قال: بدابة تكون في البحر من أعظم دوابه يقال لها: القرش لا تمر ~~بشيء من الغث والسمين إلا أكلته، قال: فتنشد في ذلك شيئا، فأنشده شعر ~~الجمحي إذ يقول: # وقريش هي التي تسكن البحر ... بها سميت قريش قريشا # تأكل الغث والسمين ولا تترك ... فيه لذي الجناحين ريشا # هكذا في البلاد حتى قريش ... يأكلون البلاد أكلا كميشا # ولهم آخر الزمان نبي ... يكثر القتل فيهم والخموشا # PageV04P556 # {فليعبدوا رب هذا البيت} [قريش: 3] يقول: فليوحدوا رب هذه الكعبة. # {الذي أطعمهم من جوع} [قريش: 4] أي: بعد جوع، كما تقول: كسوتك من عرى. # وذلك: أن الله تعالى أمنهم بالحرم، وجعلهم من أهله حتى لم يتعرض لهم في ~~رحلتيهم، وكان ذلك سبب إطعامهم بعد ما كانوا فيه من الجوع، قال عطاء، عن ~~ابن عباس: إنهم كانوا في ضر، ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين، فكانوا ~~يقسمون ربحهم بين الفقير والغني، حتى كان فقيرهم كغنيهم، فلم يكن بنو أب ~~أكثر مالا، ولا أعز من قريش. # وقد قال الشاعر فيهم: # الخالطين فقيرهم بغنيهم ... حتى يكون فقيرهم كالكافي # وقوله: {وآمنهم من خوف} [قريش: 4] هو أنهم كانوا يسافرون آمنين، لا يتعرض ~~لهم أحد، وكان غيرهم لا يأمن في سفره، ولا في حضره. # PageV04P557 ### | تفسير سورة الماعون # سبع آيات، مكية. ### | 1438 - / # في حديث أبي بن كعب بالإسناد السابق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «ومن قرأ أرأيت الذي غفر الله عز وجل له بها إن كان للزكاة مؤديا» . # بسم الله الرحمن الرحيم {أرأيت الذي يكذب بالدين {1} فذلك الذي يدع ~~اليتيم {2} ولا يحض على طعام المسكين {3} فويل للمصلين {4} الذين هم عن ~~صلاتهم ساهون {5} الذين ms2072 هم يراءون {6} ويمنعون الماعون {7} } [الماعون: ~~1-7] . # {أرأيت الذي يكذب بالدين} [الماعون: 1] قال عطاء، عن ابن عباس: نزلت في ~~رجل من المنافقين. # وقال الكلبي: نزلت في العاصي بن وائل. # ومعنى: {يكذب بالدين} [الماعون: 1] : بالجزاء والحساب. # ثم أخبر عنه بقوله: {فذلك الذي يدع اليتيم} [الماعون: 2] يدفعه عن حقه ~~دفعا بعنف وجفوة. # {ولا يحض على طعام المسكين} [الماعون: 3] ولا يطعمه، ولا يأمر بإطعامه، ~~لأنه يكذب بالجزاء. # {فويل للمصلين {4} الذين هم عن صلاتهم ساهون {5} } [الماعون: 4-5] نزلت ~~في المنافقين الذين لا يرجون لها ثوابا إن صلوا، ولا يخافون عليها عقابا إن ~~تركوا، فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها، فإذا كانوا مع المؤمنين صلوا رياء، ~~وإذا لم يكونوا معهم لم يصلوا، وهو قوله: {الذين هم يراءون {6} ويمنعون ~~الماعون {7} } [الماعون: 6-7] أكثر المفسرين على أن الماعون: اسم لما ~~يتعاوره الناس بينهم من الدلو، والفأس، والقدر، ما لا يمنع كالماء، والملح ~~يدل على هذا ما: ### | 1439 - # أخبرناه أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل، أنا # PageV04P558 # أبو بكر بن أبي الحسن الشيباني، أنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي، نا أبو ~~الحسن أحمد بن سيار، نا قيس بن حفص الدارمي، نا دلهم بن دهثم العجلي، نا ~~عائذ بن ربيعة النميري، حدثني قرة بن دعموص، " أنهم وفدوا إلى رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم، قرة بن دعموص، وقيس بن عاصم، والحارث بن شريح، فسلموا ~~عليه وانطلقوا واتبعه الحارث بن شريح حتى صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ~~بين مكة والمدينة، ثم أذن له وأعطاه كتابه، فلحق بقومه، فقالوا: ما قال لك ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قال: لا تمنعوا الماعون، قالوا: يا ~~رسول الله وما الماعون؟ قال: الماعون في الحجر والحديدة والماء، قالوا: فأي ~~الحديدة، قال: قدر النحاس وحديد الفأس الذي يمتهنون به، قالوا: ما الحجر؟ ~~قال: قدوركم الحجارة ". # أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، نا محمد بن يعقوب، نا أحمد بن عبد الجبار، ~~نا وكيع، عن سنام، عن عكرمة، قال: الماعون: الفأس، والقدر، والدلو. # قلت: من منع هذا فله الويل ms2073؟ قال: لا، ولكن من جمعهن من رايا في صلواته، ~~وسها فيها، ومنع هذا، فله الويل. # PageV04P559 ### | تفسير الكوثر # ثلاث آيات، مكية. # في حديث أبي بن كعب: «ومن قرأ سورة إنا أعطيناك الكوثر، سقاه الله عز وجل ~~من أنهار الجنة، وأعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد كل قربان قربه العباد من ~~المسلمين في يوم عيد، وكل قربان ما يقربون من أهل الكتاب، والمشركين» . # بسم الله الرحمن الرحيم] إنا أعطيناك الكوثر {1} فصل لربك وانحر {2} إن ~~شانئك هو الأبتر {3} } [سورة الكوثر: 1-3] . # {إنا أعطيناك الكوثر} [الكوثر: 1] أكثر المفسرين على أن الكوثر نهر في ~~الجنة، يدل عليه ما: ### | 1440 - # أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد الغازي، أنا محمد بن أحمد بن سنان ~~الحيرى، أنا أحمد بن علي بن المثنى، نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا علي بن ~~مسهر، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك، قال: " بينا رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسما، فقلت: ~~ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن ~~الرحيم {إنا أعطيناك الكوثر {1} فصل لربك وانحر {2} إن شانئك هو الأبتر {3} ~~} [الكوثر: 1-3] ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ~~فإنه نهر وعدني عليه ربي خيرا كثيرا هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، ~~آنيته عدد نجوم السماء، فيختلج العبد منه، فأقول: رب إنه من أمتي، # PageV04P560 # فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة. ### | 1441 - # وأخبرنا محمد، أنا محمد، أنا أحمد، نا هدبة، نا همام، عن قتادة، عن أنس، ~~أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " بينا أنا أسير في الجنة إذ أنا ~~بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ فقال: هذا الكوثر ~~الذي أعطاك ربك، فضرب الملك بيده، فإذا طينه مسك أذفر "، رواه البخاري، عن ~~هدبة. ### | 1442 - # أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ~~نا أبو ms2074 العباس محمد بن يعقوب الأهوازي، نا معمر بن سهل، نا عامر بن مدرك، ~~نا محمد بن عبيد الله، نا أبو اليقظان، عن زاذان، عن علي، وأبي الزبير، عن ~~أنس بن مالك، قال: " لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أبصر نهرا في ~~الجنة قيل: هذا الكوثر، فأصبح يحدث به الناس، فقال منافق لصاحب له: سله ~~فوالله ما رأينا نهرا قط إلا على شطه نبات، ما نبته؟ فقال: يا نبي الله، ~~إنه ليس من نهر إلا على شطه نبت فما نبته؟ قال: قضبان الذهب الرطب مستعلية ~~عليه تظله، قالوا: إنا لم نر نبتا إلا له ثمر فما ثمره؟ قال: الياقوت ~~واللؤلؤ والزمرد، قالوا: إنا لم نر نهرا إلا له حمأة فما حمأته؟ قال: المسك ~~الأذفر، قالوا: فإنا لم نر نهرا قط إلا يجري على رضراض، فما رضراضه؟ قال: ~~جنادب اللؤلؤ والياقوت والزمرد "، وقال ابن عباس: الكوثر الخير الكثير الذي ~~أعطى الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم. # أخبرنا أبو نصر الجوزقي، أنا بشر بن أحمد بن بشر، أنا أحمد بن علي بن ~~المثنى، نا شيبان، نا # PageV04P561 # مبارك، عن الحسن، {إنا أعطيناك الكوثر} [الكوثر: 1] قال: العلم والقرآن. # قوله: {فصل لربك} [الكوثر: 2] يعني: الصلوات الخمس، وانحر البدن بمنى، ~~وقال محمد بن كعب: إن ناسا كانوا يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله، فأمر ~~الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاته ونحره له. # وقال ابن عباس، في رواية أبي الجوزاء في قوله: {وانحر} [الكوثر: 2] قال: ~~تضع يدك اليمنى على اليسرى في الصلاة. # وهو قول علي رضي الله عنه، {وانحر} [الكوثر: 2] قال: وضع اليمين على ~~الشمال في الصلاة. # وروي مرفوعا: أنه رفع اليمين في الصلاة. ### | 1443 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم المشاط، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن ~~مطر، نا إبراهيم بن إسحاق الأنماطي، نا أبو حاتم الرازي، نا وهب بن أبي ~~مرحوم، عن إسرائيل بن حاتم، عن مقاتل بن حبان، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي ~~بن أبي طالب رضي الله ms2075 عنه، قال: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ~~{إنا أعطيناك الكوثر {1} فصل لربك وانحر {2} } [الكوثر: 1-2] قال النبي صلى ~~الله عليه وسلم لجبريل: " ما هذه النحيرة التي أمرني بها، فقال: ليست ~~بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا ركعت، ~~وإذا رفعت رأسك من الركوع، فإنها من صلاتنا، وصلاة الملائكة الذين في ~~السموات السبع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع الأيدي من الاستكانة» # قال الله عز وجل: {فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} [المؤمنون: 76] . # PageV04P562 # {إن شانئك} [الكوثر: 3] مبغضك، {هو الأبتر} [الكوثر: 3] المنقطع عن ~~الخير، يعني: العاص بن وائل، كان يمر بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيقول له: ~~إني لأشنؤك، وإنك لأبتر من الرجال. # فأنزل الله عز وجل: {إن شانئك هو الأبتر} [الكوثر: 3] يعني: العاص من خير ~~الدنيا، وخير الآخرة. ### | 1444 - # أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، نا محمد بن يعقوب، نا أحمد بن عبد الجبار، ~~نا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، حدثني يزيد بن رومان، قال: كان العاص ~~بن وائل السهمي، إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوه، فإنما هو ~~رجل أبتر، لا عقب له، لو قد هلك لانقطع ذكره، واسترحتم منه. # فأنزل الله عز وجل: إنا أعطيناك الكوثر ما هو خير لك من الدنيا وما فيها. # والكوثر العظيم من الأمر {فصل لربك وانحر {2} إن شانئك هو الأبتر {3} } ~~[الكوثر: 2-3] العاص بن وائل. # PageV04P563 ### | تفسير سورة الكافرون # ست آيات، مكية. # في حديث أبي بن كعب: «ومن قرأ سورة قل يأيها الكافرون، فكأنما قرأ ربع ~~القرآن، وتباعدت منه مردة الشياطين، وبرئ من الشرك، ويعافى من الفزع ~~الأكبر» . ### | 1445 - # أخبرنا عبد القاهر بن طاهر، أنا أبو عمرو بن مطر، نا إبراهيم بن علي، نا ~~يحيى، أنا خيثمة، عن أبي إسحاق، عن فروة بن نوفل، عن أبيه، أنه أتى النبي ~~صلى الله عليه وسلم، فقال: " جئت يا رسول الله، لتعلمني شيئا أقوله عند ~~منامي، قال: فإذا أخذت مضجعك فاقرأ: قل يأيها الكافرون ثم نم على خاتمتها، ~~فإنها ms2076 براءة من الشرك ". ### | 1446 - # أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد بن إبراهيم، أنا عبيد الله بن محمد بن محمد، ~~أنا أبو القاسم المنيعي، نا منصور بن أبي مزاحم، نا أبو الأحوص، عن أبي ~~الحسن التميمي، قال: سمعت رجلا يحدث، قال: " كنت أمشي مع النبي صلى الله ~~عليه وسلم في ليلة ظلماء، فسمع قارئا يقرأ: قل يأيها الكافرون فقال: أما ~~هذا فقد برئ من الشرك، ثم سرنا، فسمع قارئا يقرأ: قل هو الله أحد فقال: أما ~~هذا فقد غفر له ". # بسم الله الرحمن الرحيم {قل يأيها الكافرون {1} لا أعبد ما تعبدون {2} ~~ولا أنتم عابدون ما أعبد {3} ولا أنا عابد ما عبدتم {4} ولا أنتم عابدون ما ~~أعبد {5} لكم دينكم ولي دين {6} } [الكافرون: 1-6] . # PageV04P564 # {قل يأيها الكافرون} [الكافرون: 1] قال جماعة المفسرين: لما قرأ رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم { [النجم بمكة على المشركين، وألقى في قراءته ~~الشيطان ما ألقى، طمع مشركو مكة فيه، وقالوا: إن محمدا قد دخل في بعض ~~ديننا. # فأتوه، وقالوا له: تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة، ثم تعبد آلهتنا سنة، ~~ونعبد إلهك سنة. # فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذ الله أن اشرك به غيره. # وأنزل الله: قل يأيها الكافرون {1} لا أعبد ما تعبدون {2} . # قال ابن عباس، ومقاتل: لا أعبد آلهتكم التي تعبدون اليوم،] ولا أنتم ~~عابدون} [سورة الكافرون: 3] إلهي الذي أعبد اليوم. # ومعنى: ما أعبد من أعبد، ولكنه يقابل قوله: ما تعبدون أي: من الأصنام، ~~فحمل الثاني عليه. # {ولا أنا عابد ما عبدتم} [الكافرون: 4] يعني: فيما بعد اليوم. # {ولا أنتم عابدون ما أعبد} [الكافرون: 3] فيما بعد اليوم، قال الزجاج: ~~نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه ال { [عبادة آلهتهم عن نفسه في ~~الحال، وفيما يستقبل، ونفى عنهم عبادة الله في الحال، وفيما يستقبل. # قال: وهذا في قوم أعلمه الله تعالى أنهم لا يؤمنون. # كقوله في قصة نوح عليه السلام:] أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} ~~[سورة هود: 36] . # لكم دينكم كفركم بالله، ولي دين التوحيد، والإخلاص ms2077، وهذا قبل أن يؤمر ~~بالحرب. # PageV04P565 ### | تفسير النصر # ثلاث آيات، مدنية. # في حديث أبي بن كعب: «ومن قرأ النصر، فكأنما شهد مع محمد صلى الله عليه ~~وسلم فتح مكة» . # بسم الله الرحمن الرحيم] إذا جاء نصر الله والفتح {1} ورأيت الناس يدخلون ~~في دين الله أفواجا {2} فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا {3} } [سورة ~~النصر: 1-3] . # {إذا جاء نصر الله} [النصر: 1] قال المفسرون: إذا جاء يا محمد نصر الله ~~على من عاداك، وهم قريش. # والفتح فتح مكة. # {ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا} [النصر: 2] قال الحسن: لما فتح ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، قالت العرب: أما إذا أظفر محمد بأهل ~~الحرم، وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل، فليس لكم به يدان. # فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا أي: جماعات كثيرة، بعد أن كانوا يدخلون ~~واحدا واحدا، واثنين اثنين، صارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام. # وقوله: {فسبح بحمد ربك واستغفره} [النصر: 3] قال ابن عباس: لما نزلت هذه ~~السورة، علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه نعيت إليه نفسه. # وقال الحسن: أعلم أنه قد أقترب أجله، فأمر بالتسبيح والتوبة، ليختم له في ~~آخر عمره بالزيادة في العمل الصالح، فكان يكثر أن يقول: سبحانك اللهم ~~وبحمدك، اغفر لي، إنك أنت التواب. # PageV04P566 # قال قتادة، ومقاتل: وعاش بعد نزول هذه السورة سنتين. ### | 1447 - # أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد بن إبراهيم الحيري سنة خمس ~~وعشرين، أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن زياد سنة ثلاث وستين، أنا ~~أبو سعيد المفضل بن محمد بن إبراهيم الجندي بمكة في المسجد الحرام سنة أربع ~~وثلاث مائة، نا علي بن زياد اللخمي، نا أبو قرة موسى بن طارق، قال: ذكر ~~سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة، أنها قالت: " كان رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا ~~ولك الحمد، اللهم اغفر لي. # يتأول القرآن. # قال أبو قرة: قال لي سفيان: يتأول رسول الله صلى ms2078 الله عليه وسلم {إذا جاء ~~نصر الله والفتح} [النصر: 1] رواه البخاري، عن عثمان بن أبي شيبة، ورواه ~~مسلم، عن زهير بن حرب كلاهما عن جرير، عن منصور. # PageV04P567 ### | تفسير سورة المسد # خمس آيات، مكية. # في حديث أبي بن كعب: «ومن قرأ سورة تبت، رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين ~~أبي لهب في دار واحدة» . ### | 1448 - # أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أنا حاجب بن أحمد الطوسي، نا محمد ~~بن حماد الأبيوردي، نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن ~~جبير، عن ابن عباس، قال: " صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ~~الصفا، فقال: يا صباحاه، قال: فاجتمعت إليه قريش، فقالوا له: ما لك؟ فقال: ~~أرأيتم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم، أو ممسيكم، أما كنتم تصدقوني؟ قالوا: ~~بلى، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك ألهذا ~~دعوتنا جميعا؟ فأنزل الله تعالى: {تبت يدا أبي لهب وتب} [المسد: 1] إلى ~~آخرها رواه البخاري، عن محمد بن سلام، عن أبي معاوية. # {تبت يدا أبي لهب وتب {1} ما أغنى عنه ماله وما كسب {2} سيصلى نارا ذات ~~لهب {3} وامرأته حمالة الحطب {4} في جيدها حبل من مسد {5} } [المسد: 1-5] . # قال مقاتل: قيل: سمي أبو لهب، لأن وجنتيه كانتا حمراوين، كأنما تلتهب ~~منهما النار. # قال مقاتل: خسرت يداه بترك الإيمان، وخسر هو بترك الإيمان. # وقال الفراء: الأول دعاء، والثاني خبر، كما تقول: # PageV04P568 # أهلكه الله، وقد أهلك. # وأبو لهب هو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان شديد ~~المعاداة له، قال طارق المحاربي: إني بسوق ذي المجاز، إذ أنا بشاب يقول: ~~يأيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. # وإذا رجل خلفه يرميه، قد أدمى ساقيه وعرقوبيه، يقول: أيها الناس، إنه ~~كذاب فلا تصدقوه. # فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا محمد، يزعم أنه نبي، وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه ~~كذاب. # وكان ابن كثير يقرأ أبي لهب ساكنة الهاء، ويشبه أنه لغة في اللهب، كالنهر ~~والنهر ms2079، واتفقوا في الثانية على الفتح لوفاق الفواصل، ولما أنذره النبي صلى ~~الله عليه وسلم بالنار، قال أبو لهب: إن كان ما تقوله حقا، فإني أفتدي ~~بمالي وولدي. # فقال الله عز وجل: {ما أغنى عنه ماله وما كسب} [المسد: 2] أي: ما دفع عنه ~~عذاب الله ما جمع من ماله وما كسب، يعني: ولده، لأن ولده من كسبه. # ثم أوعده بالنار، فقال: {سيصلى نارا ذات لهب} [المسد: 3] يعني: نارا ~~تلتهب عليه. # وامرأته وهي: أم جميل بنت حرب، أخت أبي سفيان، {حمالة الحطب} [المسد: 4] ~~كانت تحمل العضاه والشوك، فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ليعقره، وقال قتادة، ومجاهد، والسدي: كانت تمشي بالنميمة بين الناس، فتلقي ~~بينهم العداوة وتهيج نارها، كما يوقد النار بالحطب. # وتسمى النميمة حطبا، يقال: فلان يحطب على فلان. # إذا كان يغري به، ومن نصب {حمالة} [المسد: 4] فعلى معنى: أعني حمالة. # {في جيدها} [المسد: 5] عنقها، {حبل من مسد} [المسد: 5] يعني: سلسلة من ~~حديد في النار، طولها سبعون ذراعا، والمسد: الفتل، والمسد ما فتل وأحكم من ~~أي شيء كان، والمعنى: أن السلسلة التي في عنقها فتلت من الحديد فتلا محكما. # PageV04P569 ### | تفسير سورة الإخلاص # أربع آيات، مكية. ### | 1449 - # أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أنا أبو الحسن محمد بن ~~الحسن السراج، نا أبو العباس محمد بن حيان المازني، نا ابن عائشة، نا عبد ~~الواحد بن زياد، نا يزيد بن كيسان، نا أبو حازم، نا أبو هريرة، قال: قال ~~لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احتشدوا أقرأ عليكم ثلث القرآن، فخرج ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليهم {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] ثم ~~دخل بيته، قال: فقال القوم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احتشدوا ~~اقرأ عليكم ثلث القرآن فقرأ {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] ثم دخل، ما هذا ~~إلا لشيء، قال: فسمعها، فخرج إلينا، فقال: إن هذه السورة تعدل ثلث القرآن ~~"، رواه مسلم، عن محمد بن حاتم، ويعقوب الدورقي، عن يحيى بن سعيد، عن يزيد ms2080 ~~بن كيسان. ### | 1450 - # أخبرنا أبو طاهر الزيادي، أنا علي بن حمشاذ، أنا محمد بن غالب، أنا عبد ~~الصمد بن النعمان، نا شعبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن ~~أبي طلحة، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إن الله عز ~~وجل جزأ القرآن ثلاثة أجزاء {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] جزء ". ### | 1451 - # وأخبرنا أبو منصور بن طاهر، أنا أبو الحسن السراج، نا محمد بن عبد الله ~~الحضرمي، نا سريج بن يونس، نا إسماعيل بن مجالد، عن # PageV04P570 # مجالد، عن الشعبي، عن جابر، قال: قالوا: يا رسول الله، انسب لنا ربك، ~~فنزلت {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] إلى آخرها # ومن حديث أبي بن كعب: «ومن قرأ { [قل هو الله أحد، فكأنما قرأ ثلث ~~القرآن، وأعطي من الآجر عشر حسنات، بعدد من آمن بالله، وملائكته، ورسله، ~~واليوم الآخر، ومثل أجر مائة شهيد» . # بسم الله الرحمن الرحيم] قل هو الله أحد {1} الله الصمد {2} لم يلد ولم ~~يولد {3} ولم يكن له كفوا أحد {4} } [سورة الإخلاص: 1-4] . # {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] قال الزجاج: هو كناية عن ذكر الله عز وجل ~~والمعنى الذي سألتم، تبين نسبته {هو الله أحد} [الإخلاص: 1] . # قال ابن عباس: الواحد الذي ليس كمثله شيء. # وقال مقاتل: أحد لا شريك له. # {الله الصمد} [الإخلاص: 2] قال ابن عباس، في رواية عطاء: لما نزل {الله ~~الصمد} [الإخلاص: 2] قالوا: وما الصمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«السيد الذي يصمد إليه في الحوائج» . # ويقال: صمدت. # أي: قصدت، وقال الزجاج: {الصمد} [الإخلاص: 2] : السيد الذي انتهى إليه ~~السؤدد. # ومعنى هذا: أن السؤدد قد انتهى إليه، فلا سيد فوقه. # لم يلد كما ولدت مريم، ولم يولد كما ولد عيسى، وقال مقاتل: إن مشركي ~~العرب، قالوا: الملائكة بنات الله. # وقالت اليهود: عزير ابن الله. # وقالت النصارى: المسيح ابن الله. # فأكذبهم الله تعالى، فقال: لم يلد يقول: لم يكن له ولد، ولم يولد من أحد ~~كما ولد عيسى، وعزير، ومريم. # {ولم يكن له كفوا أحد} [الإخلاص ms2081: 4] لم يكن لا له أحد مثلا له، والكفو: ~~المثل المكافئ. # PageV04P571 ### | تفسير سورة الفلق # خمس آيات، مكية. ### | 1452 - # أخبرنا أبو طاهر الزيادي، أنا علي بن حمشاذ، أنا محمد بن غالب بن حرب، ~~أنا عبد الصمد بن النعمان، نا ورقاء بن عمر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن ~~قيس بن أبي حازم، عن عقبة بن عامر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ~~«أنزل علي آيات لم تنزل مثلهن، المعوذتان» . # رواه مسلم، عن ابن نمير، عن أبيه، عن إسماعيل بن أبي خالد # وفي حديث أبي بن كعب: «ومن قرأ قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس، ~~فكأنما قرأ جميع الكتب التي أنزلها الله سبحانه على الأنبياء عليهم السلام» ~~. # بسم الله الرحمن الرحيم {قل أعوذ برب الفلق {1} من شر ما خلق {2} ومن شر ~~غاسق إذا وقب {3} ومن شر النفاثات في العقد {4} ومن شر حاسد إذا حسد {5} } ~~[الفلق: 1-5] . # {قل أعوذ برب الفلق} [الفلق: 1] قال مقاتل، والكلبي: إن لبيد بن أعصم ~~اليهودي، سحر النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة في حبل معقد، ~~ودسه في بئر يقال له: ذروان. # فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، واشتد ذلك عليه ثلاث ليال، فنزلت ~~المعوذتان لذلك، وأخبره جبريل بمكان السحر، فأرسل رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم عليا، رضي الله عنه، فجاء بها، فقال جبريل للنبي، صلى الله عليه وسلم: ~~حل عقدة واقرأ آية. # ففعل، وجعل كلما يقرأ آية انحلت عقدة، وذهب عنه ما كان يجد. # و {الفلق} [الفلق: 1] : الصبح وبيانه، يقال: هو أبين من فلق الصبح. # {من شر ما خلق} [الفلق: 2] من الجن والإنس. # {ومن شر # PageV04P572 # غاسق إذا وقب} [الفلق: 3] قال ابن عباس: الغاسق: الليل إذا أقبلت ظلمته ~~من المشرق، فدخل في النهار. # وقال مقاتل: يعني # PageV04P573 # ظلمة الليل، إذا دخل سواده في ضوء النهار. # وقال الفراء: ويقال: غسق الليل وأغسق. # إذا أظلم. # {ومن شر النفاثات في العقد} [الفلق: 4] يعني: السحرة، والسواحر، والنفث: ~~النفخ، كما يفعل كل من يرقي، قال عطاء، عن ابن عباس: يريد ms2082 السحرة الذين ~~عقدوا السحر للنبي صلى الله عليه وسلم. # وقال أبو عبيدة: هن بنات لبيد بن أعصم اليهودي، سحرن النبي صلى الله عليه ~~وسلم. # {ومن شر حاسد إذا حسد} [الفلق: 5] يعني: اليهود حسدوا النبي صلى الله ~~عليه وسلم. # PageV04P574 ### | تفسير سورة الناس # ست آيات، مكية. # بسم الله الرحمن الرحيم] قل أعوذ برب الناس {1} ملك الناس {2} إله الناس ~~{3} من شر الوسواس الخناس {4} الذي يوسوس في صدور الناس {5} من الجنة ~~والناس {6} } [سورة الناس: 1-6] . # {قل أعوذ برب الناس {1} ملك الناس {2} إله الناس {3} من شر الوسواس} ~~[الناس: 1-4] قال الزجاج: هو الشيطان ذو الوسواس. # {الخناس} [الناس: 4] قال مجاهد: إذا ذكر الله خنس وانقبض، وإذا لم يذكر ~~الله انبسط على القلب. # وهذا معنى ما: ### | 1453 - # أخبرناه محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الغازي، أنا محمد بن أحمد بن حمدان ~~بن علي، أنا أحمد بن علي بن المثنى، نا محمد بن بجير، نا عدي بن أبي عمارة، ~~نا زياد النميري، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم ~~قلبه فذلك الوسواس الخناس» # وقد وصفه الله تعالى بهذا، فقال: {الذي يوسوس في صدور الناس} [الناس: 5] ~~أي: بالكلام الخفي، الذي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع. # ثم ذكر أن هذا الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس: من الجنة وهم الشياطين، ~~وعطف قوله: والناس على الوسواس المعنى: من شر الوسواس، ومن شر الناس، كأنه ~~أمر أن يستعيذ من شر الجن والإنس. ### | 1454 - # أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، ~~أنا عمران بن موسى بن مجاشع، نا هدبة بن خالد، نا حماد بن سلمة، عن عاصم بن ~~بهدلة، عن زر بن حبيش، قال: قلت لأبي بن كعب: إن ابن مسعود لا يكتب في ~~مصحفه المعوذتين، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال جبريل: ~~{قل أعوذ برب الفلق} [الفلق: 1] فقلتها: {قل أعوذ # PageV04P575 # برب الناس} [الناس: 1] " فقلتها ms2083 فنحن نقول ما قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم. ### | 1455 - # أخبرنا أبو منصور بن طاهر التميمي، أنا محمد بن عبد الله بن علي بن زياد ~~الدقاق، نا محمد بن إبراهيم البوشنجي، نا عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل، ~~نا زهير بن معاوية، نا عمرو بن قيس الملائي، عن المنهال، عن سيرين أم أبي ~~عبيدة، أن عبد الله دخل على امرأته وفي عنقها مير أو خيط معقود من مرض بها، ~~وعندها نسوة فاجتذبه حتى اختنقت، فقطعه فنبذه ثم قال: لقد أصبح ابن أم عبد ~~غنيا عن أن يكون في بيته شرك، فقال بعضهن: أو شرك هذا؟ قال: نعم، الرقى ~~والتمائم والتولة شرك، فقال بعضهن: وما التولة؟ قال: ما تحببن به إلى ~~أزواجكن، فقال بعضهن: إن إحدانا يأخذها الضربان في عينها، فإذا استرقت سكن، ~~فقال: ذاك الشيطان عدو الله ينزع في عين إحداكن فإذا استرقت كف، ولو أنه ~~إذا أحست شيئا من ذلك أخذت كفا من ماء فنضحته في عينها، وقرأت: قل هو الله ~~أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس سكن أو ذهب. # وهذا آخر الكتاب، قال الشيخ الإمام علي بن أحمد الواحدي مصنف هذا ~~التفسير: والحمد لله أولا وآخرا، وصلواته على المبعوث بالقرآن الكريم، ~~والذكر الحكيم، وتحياته وتسليمه. # وتقدم الفراغ منه منتصف رجب، سنة إحدى وستين وأربع مائة، اللهم اقبل ~~تقربي إليك، وسهل لي الطريق إلى كل خير من خير الدنيا والآخرة، إنك سميع ~~الدعاء، قدير على ما تشاء. PageV04P576 ms2084