######OpenITI# #META# 000.SortField :: Shamela_0009384 #META# 000.BookURI :: NOCODE #META# 010.AuthorAKA :: NODATA #META# 010.AuthorNAME :: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620هـ) #META# 011.AuthorBORN :: NOTGIVEN #META# 011.AuthorDIED :: 620 #META# 019.AuthorDIED :: NODATA #META# 020.BookTITLE :: الرقة والبكاء لابن قدامة #META# 020.BookTITLESUB :: NODATA #META# 021.BookSUBJ :: الأجزاء الحديثية #META# 022.BookVOLS :: 1 #META# 025.BookLANG :: NODATA #META# 029.BookTITLEalt :: NODATA #META# 030.LibURI :: Shamela_0009384 #META# 030.LibURIextra :: NODATA #META# 031.LibREADONLINE :: http://shamela.ws/browse.php/book-9384 #META# 031.LibURL :: http://shamela.ws/index.php/book/9384 #META# 031.LibURLFILE :: NODATA #META# 031.LibURLextra :: NODATA #META# 040.EdALL :: NODATA #META# 040.EdEDITOR :: محمد خير رمضان يوسف #META# 041.EdNUMBER :: الأولى، 1415 هـ - 1994 م #META# 041.EdNumber :: NODATA #META# 043.EdPUBLISHER :: دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت #META# 044.EdPLACE :: NODATA #META# 045.EdYEAR :: NODATA #META# 049.EdISBN :: NODATA #META# 049.EdPAGES :: NODATA #META# 049.EdPHYSICAL :: NODATA #META# 049.EdVOLUME :: NODATA #META# 090.RecMISC :: NODATA #META# 999.MiscINFO :: NODATA #META#Header#End# # PageV00P000 ### | الرقة والبكاء لابن قدامة ### | الفصل الأول ### | ذكر طرف من صفاتهم # أخبرنا الشيخ أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد، قال: أخبرنا أبو ~~الفضل حمد بن أحمد بن الحسن الحداد، قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله ~~الأصبهاني، حدثنا العباس بن محمد الكناني، حدثنا أبو الحريش الكلابي، حدثنا ~~علي بن يزيد بن بهرام، حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة، عن أبي حاجب، عن عبد ~~الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إن ~~المؤمن لدى الحق أسير، يعلم أن عليه رقيبا، على سمعه، وبصره، ولسانه، ويده، ~~ورجله، وبطنه، وفرجه، حتى اللمحة ببصره، وفتات الطين بأصبعه، وكحل عينيه، ~~وجميع سعيه، إن المؤمن لا يأمن قلبه، ولا يسكن روعته، ولا يأمن اضطرابه، ~~أنه يتوقع الموت صباحا ومساء، فالتقوى رقيبه، والقرآن دليله، والخوف محجته، ~~والشرف مطيته، والحذر رقيبه، والوجل شعاره، والصلاة كهفه، والصيام جنته، ~~والصدقة فكاكه، والصدق وزيره، والحياء أميره، وربه عز وجل من وراء ذلك كله ~~بالمرصاد، # PageV00P000 # يا معاذ، إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من هوى نفسه وشهواته، وحال بينه ~~وبين أن يهلك فيما يهوى بإذن الله. # يا معاذ، إني أحب لك ما أحب لنفسي، وأنهيت إليك ما أنهى إلي جبريل عليه ~~السلام، فلا أعرفنك توافيني يوم القيامة وأحد أسعد بما آتاك الله عز وجل ~~منك» # ! 150 أخبرنا الإمام أبو الحسن علي بن عساكر بن المرحب البطائحي بقراءتي ~~عليه، قلت له: أخبركم أبو طالب عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن محمد ~~بن يوسف اليوسفي، قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن المذهب التميمي، ~~قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي، قال: حدثنا ~~عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، قال: حدثني أبي رحمه الله، قال: حدثنا ~~إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه، قال: حدثني عبد الصمد بن معقل، ~~قال: سمعت وهب بن منبه، قال: " لما كلم الله تعالى موسى، قال: لا يعجبنكما ~~زينة ms01 فرعون، ولا ما متع به، ولا تمدن إلى ذلك أعينكما، فإنها زهرة الحياة ~~الدنيا، وزينة المترفين، وإني لو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة يعلم ~~فرعون حين ينظر إليكما أن مقدرته # PageV01P044 # تعجز عن مثل ما أوتيتما لفعلت، ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما، ~~وكذلك أفعل بأوليائي، وقديما ما خرت لهم في ذلك، فإني لأذودهم عن نعيمها ~~ورخائها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة، وإني لأجنبهم سلوتها ~~وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك العر، وما ذلك لهوانهم علي، ~~ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا، لم تكلمه الدنيا، ولم يطغه ~~الهوى، وأعلم أنه لم يتزين لي العباد بزينة هي أبلغ من الزهد في الدنيا، ~~فإنها زينة المتقين، عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع، سيماهم ~~في وجوههم من آثار السجود، أولئك هم أوليائي حقا حقا، فإذا لقيتهم فاخفض ~~لهم جناحك، وذلل لهم قلبك ولسانك، واعلم أنه من أهان لي وليا أو أخافه فقد ~~بارزني بالمحاربة وبادأني، وعرض لي نفسه ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى ~~نصرة أوليائي، أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي؟ أو يظن الذي يعاديني أن ~~يعجزني؟ أو يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني؟ وكيف وأنا الثائر لهم في ~~الدنيا والآخرة، # PageV01P045 # لا أكل نصرتهم إلى غيري؟ " # ! 151 قال أحمد: حدثنا عبد الرحمن، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن ~~عطاء بن يسار، قال: " قال موسى عليه السلام: " يا رب، من أهلك الذين هم ~~أهلك، الذين تظلهم في ظل عرشك؟ قال: هم البريئة أيديهم، الطاهرة قلوبهم، ~~الذين يتحابون بجلالي، الذين إذا ذكرت ذكروا بي، وإذا ذكروا ذكرت بذكرهم، ~~الذين يسبغون الوضوء عند المكاره، والذين ينيبون إلى ذكري كما تنيب النسور ~~إلى وكورها، ويكلفون بحبي كما يكلف الصبي بحب الناس، ويغضبون لمحارمي إذا ~~استحلت كما يغضب النمر إذا حرب " # ! 152 قال: وحدثنا غوث بن جابر، قال: سمعت محمد بن داود، عن # PageV01P046 # أبيه، عن وهب، قال: قال الحواريون: " يا عيسى، من أولياء الله الذين لا ms02 ~~خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ قال عيسى عليه السلام: الذين نظروا إلى باطن ~~الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، والذين نظروا إلى آجل الدنيا حين نظر ~~الناس إلى عاجلها، فأماتوا منها ما يخشون أن يميتهم، وتركوا ما علموا أن ~~سيتركهم، فصار استكثارهم منها استقلالا، وذكرهم إياها فواتا، وفرحهم بما ~~أصابوا منها حزنا، فما عارضهم من نائلها رفضوه، وما عارضهم من رفعتها بغير ~~الحق وضعوه، وخلقت الدنيا عندهم فليسوا يجددونها، وخربت بيوتهم فليسوا ~~يعمرونها، وماتت شهواتهم في صدورهم فليسوا يحيونها، يهدمونها فيبنون بها ~~آخرتهم، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم، ورفضوها، فكانوا برفضها هم ~~الفرحين، ونظروا إلى أهلها صرعى قد حلت بهم المثلات، فأحيوا ذكر الموت، ~~وأماتوا ذكر الحياة، يحبون الله عز وجل، ويحبون ذكره، ويستضيئون بنوره ~~ويضيئون به، لهم خبر عجيب، وعندهم الخبر العجيب، بهم قام الكتاب وبه قاموا، ~~وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا، وبهم علم الكتاب وبه علموا، وليسوا يرون نائلا ~~مع ما نالوا، ولا أمانا دون ما يرجون، ولا خوفا دون ما يحذرون " # PageV01P047 # قال: وحدثنا أبو بكر بن عياش، عن إدريس بن وهب بن منبه، عن أبيه، قال: ~~أخبر ابن عباس أن قوما عند باب بني سهم يختصمون، أظنه قال: في القدر، فنهض ~~إليهم فأعطى محجنه عكرمة، ووضع إحدى يديه علي، والأخرى على طاوس، فلما ~~انتهى إليهم أوسعوا له، ورحبوا به، فلم يجلس، فقال: «أو ما علمتم أن لله ~~عبادا أصمتتهم خشيته من غير بكم ولا عي، وإنهم لهم العلماء الفصحاء ~~والطلقاء والنبلاء، العلماء بأيام الله، غير أنهم إذا ذكروا عظمة الله طاشت ~~لذلك عقولهم، وانكسرت قلوبهم، وانقطعت ألسنتهم، حتى إذا استفاقوا من ذلك ~~سارعوا إلى الله عز وجل بالأعمال الزاكية» . # ورواه عبد الرحمن بن مهدي من طريق أخرى، وزاد فيه: " يعدون أنفسهم مع ~~المقصرين المفرطين، وإنهم لأكياس أقوياء، ومع المخطئين الظالمين وإنهم ~~لأنزاه برآء، ألا إنهم لا يستكثرون له الكثير، ولا يرضون له بالقليل، ولا ~~يدلون عليه بالأعمال، هم حيثما لقيتهم: مهتمون، مشفقون، وجلون، خائفون، ". # PageV01P048 # وانصرف عنهم ms03، فرجع إلى مجلسه # أخبرنا الشيخ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن صابر السلمي ~~قراءة عليه بدمشق، أخبرنا الشريف أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس ~~الحسيني، أخبرنا رشأ بن نظيف بن ما شاء الله المقرئ، أنبانا إسماعيل بن ~~محمد الضراب، أخبرنا أحمد بن مروان، حدثنا محمد بن عبد العزيز الدينوري، ~~حدثنا أبي، عن وكيع، عن عمرو بن منبه، عن أوفى بن دلهم، عن علي بن أبي طالب ~~رضي الله عنه، أنه قال: " تعلموا العلم تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من ~~أهله، وإنه يأتي من بعدكم زمان ينكر فيه الحق تسعة أعشاره، وإنه لا ينجو ~~منه إلا كل نؤمة منبت الداء، أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم، ليسوا بالعجل ~~المذاييع البذر، # PageV00P000 # ثم قال: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منها ~~بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، ألا وإن ~~الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطا، والتراب فراشا، والماء طيبا، ألا ~~من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن الحرمات، ومن ~~زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ألا إن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في ~~الجنة مخلدين، وأهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، ~~وأنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أياما قليلة لعقبى راحة طويلة، أما ~~الليل فصافون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى ربهم: ربنا ~~ربنا، يطلبون فكاك رقابهم، وأما النهار فعلماء، حلماء، بررة، أتقياء، كأنهم ~~القداح، ينظر الناظر، فيقول: مرضى، وما بالقوم من مرض! وخولطوا، ولقد خالط ~~القوم أمر عظيم " # أخبرنا أبو طالب المبارك بن علي بن محمد بن خضير الصيرفي، أخبرنا أبو ~~غالب شجاع بن فارس الذهلي، أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط، أخبرنا أحمد ~~بن محمد بن دوست، أخبرنا أبو علي الحسين بن # PageV00P000 # صفوان، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، حدثنا علي بن ~~الجعد، أخبرني عمرو بن شمر، عن السدي، عن أبي أراكة، قال: صليت ms04 مع علي بن ~~أبي طالب رضي الله عنه صلاة الفجر، فلما سلم انفتل عن يمينه، ثم مكث كأن ~~عليه كآبة، حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح، قلب يده، وقال: ~~«والله , ولقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فما أرى اليوم شيئا ~~يشبههم، ولقد كانوا يصبحون شعثا صفرا غبرا، بين أعينهم أمثال ركب المعزى، ~~قد باتوا لله سجدا وقياما، يتلون كتاب الله عز وجل، يراوحون بين جباههم ~~وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله عز وجل، مادوا كما يميد الشجر في يوم ~~الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين، ثم ~~نهض، فما رئي مفترا يضحك، حتى ضربه ابن ملجم، عدو الله الفاسق» # ! 154 وأخبرنا أبو طالب، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن العلاف، أخبرنا ~~أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن بشران، أخبرنا محمد بن الحسين # PageV01P051 # الآجري، أخبرنا محمد بن أحمد بن هارون، أخبرنا إبراهيم بن الحسن، حدثنا ~~أبو حفص عمر بن محمد بن الحكم، حدثنا أحمد بن أبي الحوارى، قال: " دخلت على ~~أبي سليمان الداراني يوما وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال لي: يا أحمد، ~~إنه إذا جن الليل على أهل المحبة، افترشوا أقدامهم ودموعهم تجري على ~~خدودهم، وقد أشرف الجليل عليهم فنادى: يا جبريل، بعيني من تلذذ بكلامي ~~واستراح إلى مناجاتي، وإني لمطلع عليهم، أسمع خنينهم، وأرى بكاءهم، فناد ~~فيهم: يا جبريل، ما هذا الجزع الذي أراه فيكم؟ هل أخبركم عني مخبر أن حبيبا ~~يعذب أحباءه؟ أم هل يجمل بي أن أبيت أقواما، وعند البيات أجدهم لي وقوفا، ~~فإذا جنهم الليل تملقوني؟ فبي حلفت، لأجعلن هديتي إياهم لو قد وردوا على ~~القيامة أن أكشف لهم عن وجهي الكريم، أنظر إليهم وينظرون إلي " # PageV01P052 # 155 أخبرنا الشيخ أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان، أخبرنا ~~الخطيب أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الأنباري، أخبرنا الحسين بن صفوان، ~~حدثنا عبد الله بن محمد، حدثني إسماعيل بن زكريا، حدثنا عبد الله بن ~~المبارك ms05، عن معمر، عن يحيى بن المختار، عن الحسن، قال: " المؤمن قوام على ~~نفسه، يحاسب نفسه لله. # وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة، إن ~~المؤمن يفجؤه الشيء ويعجبه فيقول: والله إني لأشتهيك، وإنك لمن حاجتي، ولكن ~~والله ما من صلة إليك، أيهات، حيل بيني وبينك، ويفرط منه شيء، فيقول: ما ~~أردت إلى هذا، ما لي ولهذا، والله ما أعذر بهذا، والله لا أعود إلى هذا ~~أبدا إن شاء الله، # PageV01P053 # إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن، وحال بينهم وبين هلكتهم، إن المؤمن أسير ~~في الدنيا، يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئا حتى يلقى الله، يعلم أنه ~~مأخوذ عليه في سمعه وبصره، وفي لسانه، وفي جوارحه، مأخوذ عليه في ذلك كله " # ! 156 وعن الحسن أنه كان، يقول: «المؤمن في الدنيا كالغريب، لا يجزع من ~~ذلها، ولا ينافس أهلها في عزها، للناس حال وله حال أخرى، قد أهمته نفسه، ~~الناس منه في راحة، ونفسه منه في عناء، والله ولقد أدركت أقواما، لهم كانوا ~~فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم الله عليكم، ولهم بدينهم أبصر ~~بقلوبهم منكم بأبصاركم، ولهم بحسناتهم أشد خوفا أن ترد عليهم منكم لسيئاتكم ~~أن تعاقبوا عليها، إذا جنهم الليل فقيام على أطرافهم، يفترشون وجوههم، تجري ~~دموعهم على خدودهم، يناجون ربهم في فكاك رقابهم» # ! 157 وقال: «والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد بالساعة إلا بكى، وإلا نصب، ~~وإلا ذبل، وإلا حزن، وإلا ضاقت عليه الأرض برحبها» # PageV01P054 # 158 وقال: «رحم الله عبدا جعل العيش عيشا واحدا، فأكل كسرة، ولبس خلقا، ~~ولزق بالأرض، واجتهد في العبادة، وبكى على الخطيئة، وهرب من العقوبة، ~~وابتغى الرحمة، حتى يأتيه الموت وهو على ذلك» # ! 159 أخبرنا أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد السلمي، أخبرنا ~~أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، ~~أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ، حدثنا محمد بن الحسن ~~النقاش، حدثنا محمد بن الفضل الطبري، حدثنا هناد بن ms06 السري، حدثنا عبد ~~الرحمن المحاربي، عن بكر بن خنيس، عن ضرار بن عمرو، عن الحسن، قال: " قراء ~~القرآن ثلاثة: رجل اتخذه بضاعة، ينقله من مصر إلى مصر، يطلب به ما عند ~~الناس، وقوم قرأوا القرآن: حفظوا حروفه، وضيعوا حدوده، واستجروا به الولاة، ~~واستطالوا به على أهل بلادهم، فقد كثر هذا الضرب في حملة القرآن، قال ~~الحسن: لا كثرهم الله، ورجل قرأ القرآن، فبدأ بما يعلم من دواء القرآن، ~~فوضعه على داء قلبه، فأسهر ليله، وهملت عيناه، وتسربلوا بالحزن، واربدوا ~~بالخشوع، وركدوا في محاريبهم، وخنوا # PageV01P055 # في برانسهم، فبهم يسقي الله الغيث، وينزل النصر، ويدفع البلاء، والله ~~لهذا الضرب في حملة القرآن أقل من الكبريت الأحمر " # ! 160 أخبرنا أبو طالب المبارك بن علي بن محمد بن خضير، قال: أخبرنا أبو ~~منصور القزاز، قال: أخبرنا محمد بن علي، حدثنا أحمد بن محمد، أخبرنا الحسين ~~بن صفوان، قال: أخبرنا ابن أبي الدنيا، حدثنا محمد بن جعفر الوركاني، حدثنا ~~نعيم بن سليمان، عن عبد الله بن منصور، عن سعيد الجرمي، أنه كان يقول: ~~«شباب متكهلون في حداثة أسنانهم، غبية عن الشر عيونهم، متنزهة عن اللهو ~~أسماعهم، ثقيلة عن الباطل أرجلهم، خمص البطون من كسب الحرام، قد نظر الله ~~إليهم في جوف الليل محنية على أجزاء القرآن أصلابهم، سابلة على الخدود ~~دموعهم، كلما مروا بآية من ذكر الجنة بكوا شوقا، وكلما مروا بآية من ذكر ~~النار صرخوا منها فرقا، كأن رماد النار في آذانهم، وكأن الجمرة نصب أعينهم، ~~قد أكلت الأرض جباههم وركبهم، وغير السهر والظمأ ألوانهم، وكانوا في ليلهم ~~أهل سهر وأهل بكاء، وكانوا في نهارهم أهل ذكر وأهل ظمأ، إذا ذكروا بالدنيا ~~استبانت زهادتهم فيها لمعرفتهم بفنائها، # PageV01P056 # وإذا ذكروا الآخرة عظمت فيها رغبتهم لمعرفتهم ببقائها، فصغرت الدنيا في ~~أعينهم، وأبغضتها أنفسهم، فذلت من بعد صعوبة، وأطاعتهم من بعد عصيان، ~~الحياة عندهم في الدنيا مصيبة لخوف الفتنة، والقتل عندهم نعمة فيما يرجون ~~بعده من الروح والراحة، لا تفتر بالضحك شفاههم، ولا تفارق الأحزان قلوبهم. # ادخروا ما ms07 قدموا من الأعمال لما يخافون من عظم الأهوال» . # وذكر بقية الحديث # PageV01P057 ### | الفصل الثاني ### | ذكر طرف من أخبار الأنبياء عليهم السلام آدم عليه السلام # ! 161 أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي، أخبرنا أحمد بن الحسن بن ~~خيرون المعدل، أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن شاذان، أخبرنا أبو علي عيسى ~~بن محمد الطوماري، أخبرنا محمد بن أحمد بن البراء، أخبرنا عبد المنعم بن ~~إدريس، أخبرنا أبي، عن وهب بن منبه: " أن آدم عليه السلام لبث في السخطة ~~سبعة أيام، ثم إن الله أطلعه في اليوم السابع وهو منكس محزون كظيم، فأوحى ~~الله إليه: " يا آدم ما هذا الجهد الذي أراك فيه؟ يا آدم وما هذه البلية ~~التي قد أجحف بك بلاؤها وشقاؤها؟ قال آدم: عظمت مصيبتي يا إلهي، وأحاطت بي ~~خطيئتي، وخرجت من ملكوت ربي، فأصبحت في دار الهوان بعد الكرامة، وفي دار ~~الشقاء بعد السعادة، وفي دار البلاء بعد العافية، وفي دار الظعن والزوال ~~بعد القرار والطمأنينة، وفي دار الفناء بعد الخلد والبقاء، وفي دار الغرور ~~بعد الأمن، يا إلهي! فكيف لا أبكي على خطيئتي؟ أم كيف لا تحزبني نفسي؟ أم ~~كيف # PageV01P058 # لي أن أجتبر هذه البلية والمصيبة يا إلهي؟ . # قال الله له: ألم أصطفك لنفسي، وأحللتك داري، واصطفيتك على خلقي، وتخصصتك ~~بكرامتي، وألقيت عليك محبتي، وحذرتك سخطي؟ ألم أباشرك بيدي، وأنفخ فيك من ~~روحي، وأسجد لك ملائكتي؟ ألم تكن جاري في بحبوحة كرامتي، تتبوأ في بحبوحة ~~جنتي حيث تشاء من كرامتي، فعصيت أمري، ونسيت عهدي، وضيعت وصيتي؟ فكيف ~~تستنكر نقمتي؟ فوعزتي وجلالي، لو ملأت الأرض رجالا، كلهم مثلك يسبحون الليل ~~والنهار لا يفترون، ثم عصوني، لأنزلتهم منازل العاصين، وإني قد رحمت ضعفك، ~~وأقلتك عثرتك، وقبلت توبتك، وسمعت تضرعك، وغفرت ذنبك، فقل لا إله إلا أنت ~~سبحانك اللهم وبحمدك، ظلمت نفسي، وعلمت السوء، فتب علي، إنك أنت التواب ~~الرحيم، فقالها آدم، ثم قال له ربه: قل: لا إله إلا أنت، سبحانك اللهم ~~وبحمدك، ظلمت نفسي، وعملت السوء فاغفر لي، إنك ms08 أنت أرحم الراحمين. # فقال آدم، ثم قال له ربه: قل: لا إله إلا أنت، سبحانك اللهم وبحمدك، ظلمت ~~نفسي، وعملت السوء فارحمني، إنك أنت أرحم الراحمين. # قال: وكان آدم قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان من عظم مصيبته، حتى أن كانت ~~الملائكة لتحزن لحزنه، وتبكي لبكائه، فبكى على الجنة، مائتي سنة، فبعث الله ~~إليه بخيمة من خيام الجنة، فوضعها له في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة "، # PageV01P059 # وفي رواية أخرى، قال: " فبكى آدم ثلاث مائة عام على جبل الهند، تجري ~~دموعه في أودية جبالها. # قال: فنبتت بتلك المدامع أشجار طيبكم هذا، قال: ثم خرج يؤم البيت العتيق، ~~فجعل يخطو الخطوة، فيكون مواضع قدميه دساكر وعمران، وبينهما مفاوز وبراري، ~~حتى أتى البيت، وطاف أسبوعا، فبكى حتى خاض في دموعه إلى ركبتيه، ثم صلى، ~~فبكى ساجدا حتى فاضت دموعه وجرت على الأرض، فنودي عند ذلك: يا آدم، قد رحمت ~~ضعفك، وقبلت توبتك، وغفرت ذنوبك، فقل: لا إله إلا الله، سبحانك وبحمدك، ~~عملت سوءا، وظلمت نفسي، فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، فاغفر لي وأنت خير ~~الغافرين، وارحمني وأنت خير الراحمين. # قال: فمكث بعد ذلك لا يبدي عن واضحه، حتى أتاه الملك، فقال: حياك الله يا ~~آدم وبياك. # قال: فضحك " # ! 162 ويروى عن ابن السماك، قال: حدثني عمر بن ذر، عن مجاهد: " أن آدم ~~عليه السلام لما أكل من الشجرة تساقط عنه جميع زينة الجنة، ولم يبق # PageV01P060 # عليه شيء من زينتها إلا التاج والإكليل، وجعل لا يستتر بشيء من ورق الجنة ~~إلا سقط عنه، فالتفت إلى حواء باكيا، وقال: استعدي للخروج من جوار الله، ~~هذا أول شؤم المعصية. # قالت: يا آدم ما ظننت أن أحدا يحلف بالله كاذبا. # وذلك أن إبليس قاسمهما على الشجرة، وآدم في الجنة هاربا، استحياء من رب ~~العالمين، فتعلقت به شجرة ببعض أغصانها، فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة، ~~فنكس رأسه يقول: العفو العفو. # فقال الله عز وجل: يا آدم أفرارا مني؟ قال: بل حياء منك سيدي. # فأوحى الله عز ms09 وجل إلى الملكين: أخرجا آدم وحواء من جواري فإنهما قد ~~عصياني، فنزع جبريل عليه السلام التاج عن رأسه، وحل ميكائيل الإكليل عن ~~جبينه، فلما هبط من ملكوت القدس إلى دار الجوع والمسغبة، بكى على خطيئته ~~مائة سنة، قد رمى برأسه على ركبتيه، حتى نبتت الأرض عشبا وأشجارا من دموعه، ~~حتى نقع الدمع في نقر الجلاهم وأقعيتها، فمر به نسر عظيم قد أجهده العطش، # PageV01P061 # فشرب من دموع آدم، وأنطق الله سبحانه النسر فقال: يا آدم أنا في هذه ~~الأرض قبلك بألفي عام، وقد بلغت شرق هذه الأرض وغربها، وشربت من بطون ~~أوديتها، وغدران جبالها، وسيف بحارها، ما شربت ماء أعذب ولا أطيب رائحة من ~~هذا الماء. # قال آدم: ويحك يا نسر! أتعقل ما تقول؟ من أين تجد عذوبة دمع عبد عصى ربه ~~وجرى على خدين عاصيين؟ وأي دمع أمر من دمع عاص! ولكن أظن أنك أيها النسر ~~أنك تعيرني لأني عصيت ربي، فأزعجت من دار النعمة إلى دار البؤس والمسكنة. # قال النسر: يا آدم أما ما ذكرت من التعيير فما أعيرك، ولكن هكذا وجدت طعم ~~دموعك، وأي دمع أعذب من دمع عبد عصى ربه، وذكر ذنبه، فوجل قلبه، وخشع جسمه، ~~وبكى على خطيئته خوفا من ربه عز وجل؟ " # ! 163 وذكر الإمام أحمد رحمه الله في الزهد: حدثنا إبراهيم بن خالد، ~~حدثنا رباح، قال: حدثت عن شعيب الجبائي، قال: «كانت الشجرة التي نهى الله ~~عز وجل عنها آدم وزوجته شبه البر، اسمها الدعة. # وكان لباسهما النور» # PageV01P062 ### | إبراهيم عليه السلام # ! 164 أخبرنا الإمام أبو الحسن علي بن عساكر المقرئ، أخبرنا الأمين أبو ~~طالب اليوسفي، أخبرنا أبو علي بن المذهب التميمي، أخبرنا أبو بكر بن مالك ~~القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، حدثنا شيبان، حدثنا أبو ~~هلال، حدثنا بكر، قال: " لما ألقي إبراهيم في النار جأرت عامة الخليقة إلى ~~ربها عز وجل فقالوا: يا رب، خليلك يلقى في النار فأذن لنا أن نطفئ عنه. # فقال: هو خليلي، ليس لي في الأرض خليل غيره ms10، وأنا ربه، ليس له رب غيري، ~~فإن استغاثكم فأغيثوه، وإلا فدعوه. # قال: فجاء ملك القطر، فقال: يا رب، خليلك يلقى في النار، فأذن لي أن أطفئ ~~عنه بالقطر. # فقال: هو خليلي، ليس لي في الأرض خليل غيره، وأنا ربه ليس له رب غيري، ~~فإن استغاثك فأغثه، وإلا فدعه. # قال: فلما ألقي في النار دعا ربه عز وجل بدعاء نسيه أبو هلال. # قال: فقال الله عز وجل: {يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم} ~~[الأنبياء: 69] . # قال: فبردت يومئذ على أهل المشرق والمغرب، فلم ينضج بها كراع " # ! 165 وأخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي، أخبرنا أحمد بن أحمد، # PageV01P063 # أخبرنا الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله، حدثنا أحمد بن السندي، حدثنا ~~الحسن بن علويه، حدثنا إسماعيل بن عيسى، حدثنا إسحاق بن بشر، قال: قال ~~مقاتل، وسعيد: " لما جيء بإبراهيم عليه السلام، فخلعوا ثيابه، وشدوا قماطه، ~~ووضع في المنجنيق: بكت السموات، والأرض، والجبال، والشمس، والقمر، والعرش، ~~والكرسي، والسحاب، والريح، والملائكة، كل يقول: يا رب، عبدك يحرق، فأذن لنا ~~في نصرته، فقالت النار وبكت: رب سخرتني لبني آدم وعبدك يحرق بي، فأوحى الله ~~إليهم: إن عبدي إياي عبد، وفي جنبي أوذي، إن دعاني أجبته، وإن استنصركم ~~فانصروه، فلما أن رمي استقبله جبريل عليه السلام بين المنجنيق والنار، ~~فقال: السلام عليك يا إبراهيم، أنا جبريل، ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا! ~~حاجتي إلى ربي " ### | داود عليه السلام # ! 166 وأخبرنا أبو الحسن علي، أخبرنا عبد القادر بن محمد، أخبرنا # PageV01P064 # التميمي، أخبرنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا يزيد ~~بن هارون، أخبرنا المسعودي، عن يونس بن خباب: " أن داود عليه السلام سجد ~~أربعين يوما حتى نبتت الخضرة من دموع عينيه، فقال في آخر ذلك: رب قرح ~~الجبين، ورقأ الدمع، وخطيئة داود كما هي، فأجيب: يا داود، أظمآن أنت فتسقى؟ ~~أم جائع فتطعم؟ أم مظلوم فينتصر لك؟ قال: فنحب نحبة هاج ما هنالك من ~~الخضرة. # قال: فغفر له عند ذلك " # ! 167 قال أحمد: وحدثنا الوليد بن ms11 مسلم، حدثنا ابن جابر، عن إسماعيل بن ~~أبي مهاجر: " أن داود كان يعاتب في كثرة البكاء، فيقول: ذروني أبك قبل يوم ~~البكاء، قبل تحريق العظام، واشتعال اللحى، وقبل أن يؤمر بي ملائكة غلاظ # PageV01P065 # شداد لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون " # ! 168 قال: وحدثنا عبد الصمد، حدثنا عبد الجليل، قال: حدثنا شهر بن حوشب، ~~قال: " كان داود عليه السلام يسمي النوح في الكتاب، وإنه انطلق حتى أتى ~~البحر، فقال: أيها البحر، إني هارب إلى ربي، فار من الطالب الذي لا ينأى ~~طلبه، فاجعلني قطرة من مائك، أو دابة مما فيك، أو تربة من تربك، أو صخرة من ~~صخرك. # فقال: أيها العبد الهارب الفار من الطالب الذي لا ينأى طلبه، ارجع من حيث ~~جئت، فإنه ليس شيء مني إلا بارز ينظر الله تعالى إليه، قد أحصاه وعده عدا، ~~فلست أستطيع ذلك، ثم انطلق حتى أتى الجبل، فقال: أيها الجبل، إني هارب فار ~~من الطالب الذي لا ينأى طلبه، اجعلني حجرا من حجارتك، أو تربة من تربك، أو ~~صخرة من صخرك، أو شيئا مما في جوفك. # فقال: أيها العبد الفار من الطالب الذي لا ينأى طلبه، إنه ليس مني شيء ~~إلا يراه الله عز وجل وينظر إليه، قد أحصاه وعده عدا، فلست أستطيع ذلك، ثم ~~انطلق حتى أتى الأرض يعني الرمل، فقال لها: أيها الرمل، # PageV01P066 # اجعلني تربة من تربك، أو صخرة من صخرك، أو شيئا مما في جوفك، فأوحى الله ~~تعالى إلى الرمل أن أجيبيه. # فقالت: أيها العبد الهارب من الطالب الذي لا ينأى طلبه، ارجع من حيث جئت، ~~فاجعل عملك قسمين: لرغبة أو لرهبة، فعلى أيهما أخذك ربك لم تبال " # ! 169 أخبرنا أبو الحسين أحمد بن حمزة بن علي السلمي، أخبرنا المبارك بن ~~الحسن، أنبانا أبو بكر محمد بن علي الخياط، حدثنا أبو عبد الله أحمد بن ~~محمد بن دوست، أخبرنا الحسين بن صفوان، حدثنا عبد الله بن محمد بن الحسين، ~~حدثني حفص بن عمر العدني، حدثنا أصحابنا الصنعانيون، عن وهب بن ms12 منبه، قال: ~~" لما أصاب داود عليه السلام الخطيئة، جعل يخرج إلى البراري، فيبكي، وتبكي ~~الوحوش معه، ثم يرجع إلى بني إسرائيل، فيبكي ويبكون معه، ثم يرجع إلى أهله، ~~فيبكي ويبكون معه، فلما طال ذلك عليه لا يرجع إليه بشيء، خر ساجدا، فبكى ~~حتى نبت البقل من دموعه، ثم نحب فهاج العود واحترق من زفيره، فنودي: يا ~~داود، أمظلوم فتنصر؟ أعار فتكسى؟ أظمآن فتسقى؟ أجائع فتطعم؟ قال: لا، ~~أوبقتني خطيئتي، فلم يرجع إليه بشيء، فجعل يئن في سجوده عند آخر بكائه، ثم ~~انقطع صوته، فكان لا يسمع إلا شبه الأنين الخفي، فعند ذلك رحم " # PageV01P067 # ! 170 وبالإسناد، قال عبد الله: حدثنا عبد الله الرومي، حدثنا أسد، حدثنا ~~الوليد، عن ابن أبي العاتكة، قال: " كان من قول داود عليه السلام: سبحان ~~خالق النور، إلهي، إذا ذكرت خطيئتي ضاقت علي الأرض برحبها، وإذا ذكرت رحمتك ~~ارتد إلي روحي. # سبحان خالق النور، إلهي، خرجت أسأل أطباء عبادك أن يداووا خطيئتي، وكلهم ~~عليك يدلني " # ! 171 قال محمد بن الحسين: وحدثنا المغيرة بن محمد، حدثني بكر بن خنيس، ~~عن أبي عبد الله الشامي، عن نوف الشامي، قال: " لما أصاب داود الخطيئة جعل ~~يبكي إلى بني إسرائيل ويبكون إليه، ثم يخرج إلى البراري، فيبكي إلى الوحوش ~~وتبكي إليه، ثم ينوح على نفسه، ويعكف عليه الطير فيبكي لبكائه، ثم تضيق به ~~خطيئته فيسيح في الجبال وينادي: إليك هربت إلهي من عظيم جرمي. # فلا يزال كذلك حتى يمسي، فيرجع إلى أهله، فيدخل بيت عبادته، فلا يزال ~~مصليا، باكيا، ساجدا. # قال: فأتاه ابن له صغير فناداه: يا أبتاه، هجم الليل، وأفطر الصائمون. # فقال: يا بني، إن أباك ليس كما كان يكون، إن أباك قد وقع في أمر عظيم، إن ~~أباك عنك وعن عشائك مشغول. # قال: فرجع الغلام باكيا إلى أمه، فجاءت # PageV01P068 # المرأة، فقالت: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، قد جاء الليل، وحضر فطر ~~الصائم، ألا نأتيك بطعام؟ فناداها من وراء الباب: وما يصنع داود بالطعام ~~بعد ركوب الخطيئة؟ . # فلم يزل على هذا ms13 حتى غفر له " # ! 172 وعن وهب بن منبه، قال: " كان لداود حشية محشوة بالرماد، يصلي ~~عليها، فكان يصلي، فيبكي في سجوده حتى يبل موضع سجوده، ثم تغلبه الدموع ~~فتجري حتى يبل موضع الحشية من تحته، وكان ينادي في سجوده: قرح الجبين، وجفت ~~الدمعة، وخطيئتي لم تغفر لي. # فقيل له: يا داود، أظمآن فتسقى؟ أجائع فتطعم؟ أعار فتكسى؟ قال: فازداد ~~بكاء على بكائه، وأخذ في الأنين عند منقطع النحيب. # قال: فعند ذلك رحمه، فغفر له " # ! 173 قال محمد: حدثنا عبيد الله بن محمد التيمي، حدثنا معاذ بن زياد ~~التميمي، قال: " لما أصاب داود الخطيئة، جعل يفزع إلى العباد، فيبكي إليهم ~~في رءوس الجبال، ويبكون إليه، فأتى على رجل منفرد، فناداه: أنا داود نبي ~~الله صاحب الخطيئة، أو ما بلغك أيها الرجل؟ قال: فبكى الرجل بكاء شديدا، ثم ~~قال: يا داود قد بلغت خطيئتك إلى العظاءة في جحرها، فكيف لم تبلغ بني ~~إسرائيل؟ فبكى داود عند ذلك، وخر ساجدا، فلم يزل يبكي حتى نبت العشب من ~~دموعه " # PageV01P069 # 174 وأخبرنا أبو طالب المبارك بن خضير، أخبرنا أبو غالب شجاع بن فارس، ~~أخبرنا أبو بكر الخياط، أخبرنا أبو عبد الله بن دوست، أخبرنا أبو علي، ~~أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد، حدثنا محمد بن الحسين، حدثني عمرو بن ~~جرير البجلي، حدثنا عامر بن يساف، عن يحيى بن أبي كثير، قال: بلغنا أنه " ~~كان إذا كان يوم نوح داود عليه السلام، مكث قبل ذلك سبعا لا يأكل الطعام، ~~ولا يشرب الشراب، ولا يقرب النساء، فإذا كان قبل ذلك بيوم أخرج له منبر إلى ~~البرية، وأمر سليمان مناديا يستقري البلاد وما حولها من الغياض، والآكام، ~~والجبال، والبراري، والديارات، والصوامع، والبيع فينادي فيها: ألا من أحب ~~أن يسمع نوح داود. # قال: فتأتي الوحوش من البراري والآكام، وتأتي السباع من الغياض، وتأتي ~~الهوام من الجبال، وتأتي الطير من الأوكار، ويأتي الرهبان من الصوامع ~~والديارات، وتأتي العذارى من خدورها، ويجتمع الناس لذلك اليوم، ويأتي داود ~~عليه السلام حتى يرقى على المنبر ms14، ويحيط به بنو إسرائيل، وكل صنف على حدته ~~مصغون إليه. # قال: وسليمان عليه السلام قائم على رأسه، قال: فيأخذ عليه السلام في ~~الثناء على ربه، فيصيحون بالبكاء والصراخ، ثم يأخذ في ذكر الجنة والنار، ~~فتموت # PageV01P070 # طائفة من الناس، وطائفة من السباع، وطائفة من الهوام، وطائفة من الوحوش، ~~وطائفة من الرهبان والعذارى المتعبدات، ثم يأخذ في ذكر الموت وأهوال ~~القيامة، ويأخذ في النياحة على نفسه، قال: فتموت طائفة من هؤلاء، وطائفة من ~~هؤلاء، ومن كل صنف طائفة، فإذا رأى سليمان ما قد كثر من الموت في كل فرقة ~~منهم، نادى: يا نبي الله، قد فرقت المستمعين كل ممزق، وماتت طوائف من بني ~~إسرائيل، ومن الوحوش، والهوام، والسباع والرهبان. # قال: فيقطع النياحة ويأخذ في الدعاء. # قال: فبينا هو كذلك، إذ ناداه عباد بني إسرائيل: يا داود عجلت بطلب ~~الجزاء على ربك. # قال: فخر داود عند ذلك مغشيا عليه. # قال: فلما نظر إليه سليمان وما أصابه، أتى بسرير فحمله عليه، ثم أمر ~~مناديا: من كان له مع داود حميم أو قريب، فليأت بسرير فليحمله، فإن الذين ~~كانوا مع داود قد قتلهم ذكر الجنة والنار، فإن كانت المرأة لتأتي بالسرير، ~~فتقف على أبيها وهو ميت، فتنادي: وا أبتاه من قتله ذكر النار، وا أبتاه من ~~قتله ذكر الجنة، وا أبتاه من قتله ذكر الخوف من الله تعالى. # قال: حتى إن الوحوش لتجتمع على من مات منهم فتحمله، والسباع والهوام ~~كذلك. # قال: ويتفرقون، فإذا أفاق داود من غشيته نادى: يا سليمان ما فعلت عباد ~~بني إسرائيل فلان وفلان؟ فيعد نفرا من بني إسرائيل، فيقول سليمان: موتوا عن ~~آخرهم، فيقوم داود فيضع يده على رأسه، ثم يدخل بيت عبادته، ويغلق عليه بابه ~~, ثم ينادي: أعصيان أنت على داود إله داود؟ أم كيف قصرت به أن يموت؟ خوفا ~~منك؟ أو فرقا من نارك؟ أو شوقا إلى جنتك ولقائك؟ إله داود، إله داود، فلا ~~يزال كذلك سبعا ينادي: # PageV01P071 # إله داود. # قال: فيأتي سليمان، فيقف على باب بيته فينادي ms15: يا أبت أتأذن لي في الدخول ~~عليك؟ فيأذن له، فيدخل ومعه قرص من شعير، فيقول: يا أبتاه، تقو على ما ~~تريد، قال: فيأكل من ذلك ما شاء الله، ثم يخرج إلى بني إسرائيل فيكون بينهم ~~" ### | يحيى عليه السلام # وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: دخل يحيى بن ### | زكريا عليه السلام # إلى بيت المقدس وهو ابن ثماني حجج، فنظر إلى عباد بيت المقدس قد لبسوا ~~مدارع الشعر وبرانس الصوف، ونظر إلى مجتهديهم، أو قال: متهجديهم، قد خرقوا ~~التراقي، وسلكوا فيها السلاسل وشدوها إلى حنايا بيت المقدس، فهاله ذلك، ~~ورجع إلى أبويه، فمر بصبيان يلعبون، فقالوا: يا يحيى هلم فلنلعب. # قال: إني لم أخلق للعب. # فذلك قول الله # PageV01P072 # عز وجل: {وآتيناه الحكم صبيا} [مريم: 12] . # فأتى أبويه، فسألهما أن يدرعاه الشعر، ففعلا، ثم رجع إلى بيت المقدس، ~~فكان يخدمه نهارا، ويصبح فيه ليلا، حتى أتت له خمس عشرة حجة، فأتاه الخوف، ~~فساح، ولزم أطراف الأرض وغيران الشعاب، وخرج أبواه في طلبه، فوجداه حين ~~نزلا من جبال الثنية على بحيرة الأردن، وقد قعد على شفير البحيرة، وأنقع ~~قدميه في الماء، وقد كاد العطش يذبحه، وهو يقول: وعزتك لا أذوق بارد الشراب ~~حتى أعلم مكاني منه، فسأله أبواه أن يأكل قريما كان معهما من شعير، ويشرب ~~من الماء، ففعل، وكفر عن يمينه، فمدح بالبر، فقال الله عز وجل: {وبرا ~~بوالديه ولم يكن جبارا عصيا} [مريم: 14] . # ورده أبواه إلى بيت المقدس، فكان إذا قام في صلاته بكى، وبكى زكريا ~~لبكائه، حتى يغمى عليه، فلم يزل كذلك حتى خرمت دموعه لحم خديه، وبدت ~~أضراسه، فقالت له أمه: يا يحيى، لو أذنت لي لاتخذت لك لبدا ليواري أضراسك ~~عن الناظرين. # قال: أنت وذاك. # فعمدت إلى قطعتي لبود، فألصقتهما على خديه، فكان إذا بكى استنقعت دموعه ~~في القطعتين، فتقوم إليه أمه فتعصرهما بيدها، فكان إذا نظر إلى دموعه تجري ~~على ذراعي أمه، قال: اللهم هذه دموعي، وهذه أمي، وأنا عبدك، وأنت أرحم ~~الراحمين. # PageV01P073 ### | زكريا عليه السلام ms16 # ! 175 أخبرنا أبو المعالي بن صابر قراءة عليه، أخبرنا أبو القاسم علي بن ~~إبراهيم الحسيني، حدثنا أبو الحسن رشأ بن نظيف المقرئ، حدثنا الحسن بن ~~إسماعيل بن محمد الغساني، حدثنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي، حدثنا أحمد ~~بن محمد البغدادي، حدثنا عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه، عن وهب بن منبه: " ~~أن زكريا عليه السلام هرب ودخل جوف شجرة، فوضع على الشجرة المنشار وقطع ~~نصفين، فلما وقع المنشار على ظهره أن، فأوحى الله إليه: يا زكريا، إما أن ~~تكف عن أنينك أو أقلب الأرض ومن عليها. # قال: فسكت حتى قطع نصفين عليه السلام " # ! 176 أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن هلال الدقاق، قراءة عليه، ~~وأنا أسمع سنة إحدى وستين وخمس مائة، قيل له: أخبركم أبو الحسين المبارك بن ~~عبد الجبار الصيرفي، أخبرنا أبو طالب محمد بن علي بن الفتح العشاري، أخبرنا ~~أبو الحسين محمد بن عبد الله ابن أخي # PageV01P074 # ميمي، أخبرنا الحسين بن صفوان، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، ~~حدثني علي بن أبي الحسن بن أبي مريم، عن الفرج بن سعيد، حدثنا أحمد بن يحيى ~~بن مالك، حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن: أن رجلا يقال له: " عقيب كان ~~يعبد الله، وكان في ذلك الزمان ملك يعذب الناس بالمثلات. # قال عقيب: لو نزلت إلى هذا فأمرته بتقوى الله عز وجل كان أوجب علي، فنزل ~~من الجبل، فقال له: يا هذا اتق الله عز وجل. # فقال له الجبار: يا كلب مثلك يأمر بتقوى الله عز وجل؟ لأعذبنك عذابا لم ~~يعذب به أحد من العالمين، فأمر به أن يسلخ من قدميه إلى رأسه وهو حي، فسلخ، ~~فلما بلغ بطنه أن أنة، فأوحى الله عز وجل إليه: عقيب اصبر أخرجك من دار ~~الحزن إلى دار الفرح، ومن دار الضيق إلى دار السعة، فلما بلغ السلخ وجهه ~~صاح، فأوحى الله تعالى إليه: أبكيت أهل سماواتي وأهل أرضي، وأذهلت ملائكتي ~~عن تسبيحي، لئن صحت الثالثة لأصبن العذاب صبا. # فصبر حتى سلخ ms17 وجهه، مخافة أن يأخذ قومه العذاب " ### | أيوب عليه السلام # ! 177 أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان، قال: ~~أخبرنا أبو الفضل أحمد بن الحسين بن خيرون، أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد ~~بن شاذان، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد الطوماري، أخبرنا أبو الحسن محمد بن # PageV01P075 # أحمد بن البراء بن مبارك العبدي، حدثنا عبد المنعم بن إدريس بن سنان، ~~أخبرنا والدي، عن وهب بن منبه: " أنه كان من حديث أيوب أنه كان رجلا من ~~الروم، وكان الله تعالى قد اصطفاه ونبأه وابتلاه بالغنى وكثرة المال ~~والولد، وبسط عليه في الدنيا، ووسع عليه في الرزق، وكانت له البثنية من أرض ~~الشام، أعلاها وأسفلها , وكان له من أصناف المال كله، وكان برا تقيا، رحيما ~~بالمساكين يطعمهم، ويحمل الأرامل، ويكفل الأيتام، ويكرم الضيف، ويبلغ ابن ~~السبيل، وكان شاكرا لنعم الله، مؤديا لحقه، وكان معه ثلاثة نفر قد آمنوا به ~~وصدقوه، وإن الله تعالى ابتلاه في ماله وولده ونفسه رحمة له ليعظم له ~~الثواب مما يصيبه من البلاء، عبرة للصابرين، وذكرى للعابدين، فسلط عليه عدو ~~الله إبليس، فجمع عفاريته وقال: إني قد سلطت على مال أيوب وأهله، فماذا ~~عندكم؟ فقال قائل منهم: أكون إعصارا فيه نار فلا أمر بشيء إلا أحرقته، قال: ~~أنت وذاك، فخرج حتى أتى إبله، فأحرقها ورعاتها، وجاء عدو الله إبليس متمثلا ~~بقهرمان الرعاة، وأيوب في مصلاه يصلي، فقال: أيا أيوب أقبلت نار حتى غشيت ~~إبلك فأحرقتها ومن فيها غيري، فجئتك أخبرك، فقال أيوب: الحمد لله الذي هو ~~أعطاها وهو أخذها، الذي أخرجك منها كما يخرج الزؤان من القمح، ولو علم الله ~~فيك خيرا لذهب بك مع تلك الأنفس. # PageV01P076 # وجعلت تصيب ماله مالا مالا، فكلما انتهى إليه هلاك شيء من ماله حمد الله ~~وأحسن عليه الثناء، ورضي بالقضاء، ووطن نفسه على البلاء، حتى إذا لم يبق له ~~مال أتى أهله وداره وهم في قصر له، فصار ريحا عاصفا، فاحتمل القصر من ~~نواحيه، فألقاه على أهله وولده حتى شدخهم ms18، ثم أتاه في صورة قهرمانة عليهم، ~~فأخبره، فجزع على ولده، وقال: ليت أمي لم تلدني، ثم رجع أيوب فيما قال، ~~فحمد الله وأثنى عليه، فسبقت توبته عدو الله إلى الله، ثم أقبل عدو الله ~~وهو ساجد، فنفخ في جسده، فصار ثآليل كثآليل الغنم، فحك بأظفاره حتى سقطت، ~~ثم بالفخار والحجارة حتى تساقط لحمه، ولم يبق منه إلا العروق والعصب ~~والعظام، وعيناه تجولان في رأسه للنظر، وقلبه للعقل، ولسانه للذكر، ولم ~~يخلص إلى شيء من حشوة البطن، لأنه لا بقاء إلا بها، ومن غير هذه الرواية: " ~~وتركه جميع الناس واطرحوه، إلا امرأته رحمة بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب ~~عليهم السلام، فإنها صبرت عليه، وكانت تتصدق بالكسرة واللقمة وتطعمها إياه، ~~وتطحن للناس بيدها وتأخذ أجرتها طعاما لم يزل على ذلك، ويروى عن سعيد بن ~~المسيب أنه بلغ من حاله أنه ألقي على زبل وسترت عورته بالرماد، تقع عنه ~~الدودة فيردها إلى موضعها في بدنه، رجع الحديث إلى وهب: قال: فلبث في ذلك ~~البلاء ثلاث سنين لم يزد يوما واحدا، فلما غلبه أيوب ولم يستطع منه شيئا، ~~اعترض لامرأته في هيئة ليست كهيئة بني آدم في العظم والطول والجسم، على ~~مركب ليس من مراكب الناس، فقال لها: أنت # PageV01P077 # صاحبة أيوب، هذا الرجل المبتلى؟ قال: هل تعرفيني؟ قالت: لا، قال: إنه إله ~~الأرض، وأنا الذي صنعت بصاحبك ما صنعت، وذلك أنه عبد إله السماء وتركني، ~~فأغضبني، ولو سجد لي سجدة واحدة رددت عليه وعليكما ما كان لكما من ولد ومال ~~فإنه عندي، ثم أراها إياهم فيما يرى ببطن الوادي الذي لقيها فيه، فرجعت إلى ~~أيوب، فأخبرته بما قال لها وما أراها، قال: ولقد أتاك عدو الله يفتنك عن ~~دينك، ثم أقسم إن الله عافاه ليضربنها مائة ضربة، فلما طال عليه البلاء ~~جاءه النفر الذين كانوا آمنوا معه وصدقوه، ومنهم فتى حديث السن، قد كان آمن ~~به وصدقه، فجلسوا إلى أيوب، ونظروا إلى ما به من البلاء، فأعظموا ذلك ~~وفظعوا به، فقال أحدهم: ولقد ms19 أعيانا أمرك يا أيوب، إن تكلمت فما للحديث فيك ~~من موضع، وإن سكت عنك على ما نرى فيك فذلك أشد علينا، غير أنا نرى من ~~أعمالك أعمالا لا نرجو لك من الثواب عليها غير ما نرى، وإنما يحصد امرؤ ما ~~زرع، وإنما يجزى بما عمل، مع أني أشهد على الله الذي لا يقدر قدر عظمته، ~~ولا يحصى عدد نعمته أنه حكم لا يجور، وهو إلى العفو والمغفرة أسرع منه إلى ~~الغضب والعقوبة، فتكلم أيوب بجوابهم، فقال الآخر: أتحاج الله يا أيوب في ~~أمره، أم تريد أن تناصفه في حكمه، أم تزكي نفسك وأنت خاطئ، أم تبرئها وأنت ~~سقيم؟ ماذا ينفعك ويغني عنك أن ترى أنك بريء وقد أحاطت بك خطيئتك، وأوثقك ~~عملك، وأحصي عليك ذنبك، وأنت مصر إصرار الماء الجاري في صب لا يطاق حبسه، ~~وذكر كلاما كثيرا، وكلام أيوب في جوابهم، فقال الفتى الذي حضرهم: إنكم ~~تكلمتم أيها الكهول قبلي، وكنتم # PageV01P078 # أحق بالكلام وأولى به مني لحق أسنانكم، ولأنكم قد جربتم قبلي ورأيتم، ~~وعلمتم ما لم أعلم، ومع ذلك تركتم من القول أحسن من الذي قلتم، ومن الرأي ~~أصوب من الذي رأيتم، ومن الأمر أجمل من الذي أتيتم، ومن الموعظة أحكم من ~~الذي وعظتم، وقد كان لأيوب عليكم من الحق والذمام أفضل من الذي فعلتم، فهل ~~تدرون أيها الكهول حق من انتقصتم؟ وحرمة من انتهكتم؟ ومن الرجل الذي عبتم ~~واتهمتم؟ ألم تعلموا أيها الكهول أن أيوب نبي الله وخيرته وصفوته من الأرض ~~يومكم هذا؟ اختاره الله لوحيه، واصطفاه لنفسه، وأمنه على نبوته، ثم لم ~~تعلموا ولم يطلعكم الله تعالى على أنه سخط شيئا من أمره منذ آتاه الله ما ~~آتاه عليه السلام إلى يومكم هذا، ولا على أن أيوب، قال على الله غير الحق ~~في طول ما صحبتموه إلى يومكم هذا، فإن كان البلاء هو الذي أزرى به عندكم ~~ووضعه في أنفسكم فقد علمتم أن الله يبتلي النبيين والصديقين والشهداء ~~والصالحين، ثم ليس بلاؤه لأوليائه بدليل على سخطه عليهم ms20، ولا هوانه لهم، ~~ولكنها كرامة وخيرة لهم، ولو كان أيوب ليس من الله في هذه المنزلة لا ~~بالنبوة، ولا بالأثرة، ولا بالفضيلة، ولا بالكرامة إلا أنه أخ آخيتموه على ~~وجه الصحابة لكان وهو لا يجمل بالحكيم أن يعذل أخاه # PageV01P079 # عند البلاء، ولا يعيره بالمصيبة، ولا يعيبه بما لا يعلم وهو مكروب حزين، ~~ولكنه يرحمه، ويبكي معه ويستغفر له ويحزن لحزنه، ويدله على مراشد أمره، ~~وليس بحكيم، ولا رحيم من جهل هذا، فالله الله أيها الكهول في أنفسكم، ثم ~~أقبل الفتى على أيوب بعدما فرغ من كلامه لأصحاب أيوب، فقال: وقد كان في ~~عظمة الله يا أيوب وجلاله وذكر الموت ما يقطع لسانك ويكسر قلبك وينسيك ~~حجتك، ألم يعلموا يا أيوب أن لله عبادا أسكتتهم خشيته من غير عي ولا بكم؟ ~~وإنهم لهم الفصحاء النطقاء الألباء النبلاء العالمون بالله وبأيامه، ولكنهم ~~إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم، واقشعرت جلودهم، وانكسرت قلوبهم، ~~إعظاما وإعزازا وإجلالا، فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله بالأعمال ~~الزاكية، يعدون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين، وإنهم لأنزاه براء، ومع ~~المقصرين والمفرطين وإنهم لأكياس أقوياء، ولكنهم لا يستكثرون لله الكثير، ~~ولا يرضون له بالقليل، ولا يدلون عليه بالأعمال. # فهم متى ما رأيتهم مروعون مفزعون مهتمون خاشعون وجلون مستكينون معترفون، # PageV01P080 # فقال أيوب عليه السلام: إن الله تعالى يزرع الحكمة بالرحمة في قلب الصغير ~~والكبير، فمتى ما نبتت في القلب يظهرها الله على اللسان، وليست تكون الحكمة ~~من قبل السن ولا الشيبة ولا طول التجربة، وإذا جعل الله العبد حكيما في ~~الصبا لم يسقط منزلته عند الحكماء، وهم يرون من الله عليه نور الكرامة " ~~وذكر ابن عباس قصة أيوب، فقال: " وألقي على الرماد، فقالت امرأته ذات يوم: ~~يا أيوب قد والله نزل بي من الجهد والفاقة ما بعت قرنا من قروني برغيف ~~فأطعمتك، فادع ربك فليشفك. # قال: ويحك، كنا في النعماء سبعين عاما فاصبري حتى تكوني في الضراء سبعين ~~عاما. # قال: فكان في ذلك البلاء سبع سنين. # قال: وقعد الشيطان في ms21 الطريق، فأخذ تابوتا يطبب، فأتته امرأة أيوب، ~~فقالت: يا عبد الله، إن ههنا إنسانا مبتلى، فهل لك أن نداويه؟ قال: إن شاء ~~فعلت، على أن يقول لي كلمة إذا برأ، يقول: أنت شفيتني. # قال: فأتته، فقالت: يا أيوب، إن ههنا رجلا يزعم أنه يداويك على أن تقول ~~له كلمة واحدة: أنت شفيتني. # قال: ويلك، ذلك الشيطان، لله علي إن شفاني الله أن أجلدك مائة جلدة ". # وفي غير هذه الرواية: فقال لها: " اذهبي فلا حاجة لي فيك , فذهبت # PageV01P081 # عنه، وقال: رب {مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} [الأنبياء: 83] ، فجاء ~~جبريل، فأخذ بيده، قال: قم، فقال له: اركض برجلك، فنبعت عين، فقال: اغتسل، ~~فاغتسل، ثم نحاه، فقال: اركض برجلك، فركض فنبعت عين، فقال: اشرب، فشرب، ثم ~~ألبسه حلة من الجنة، فإذا أيوب أحسن ما كان وأتمه! ثم إن امرأته رقت عليه ~~ورحمته، وقالت: إلى من أكله وإن طردت؟ ! فأقبلت إليه، فلم تره! فانطلقت ~~والهة إلى القرية تسعى، ثم عادت والهة لا تعقل. # قال: ومرت بأيوب، فقالت: يا عبد الله هل رأيت ذلك المبتلى الملقى على ~~الكساحة؟ قال: فقال لها أيوب: وماذا تخشين عليه؟ قالت: صدقت، ولكن أخشى أن ~~يكون قد أكله كلب أو سبع، فما تمالك أيوب أن بكى، وقال: تعرفينه لو رأيته؟ ~~فنظرت إليه، وقالت: والله إنك لأشبه الناس به لما كان صحيحا. # رجع الحديث إلى ابن عباس: قال: فقال: ويحك فأنا أيوب قد رد الله عز وجل ~~إلي نفسي، قال: فقالت: يا عبد الله اتق الله ولا تسخر بي. # قال: ويحك أنا أيوب ". # فروي أنهما اعتنقا، ورد الله عز وجل عليه ماله وولده عيانا، ومثلهم معهم. # PageV01P082 ### | الذبيح عليه السلام # ! 178 أخبرنا الشيخ أبو العباس أحمد بن المبارك بن سعد بن المرقعاتي ~~بقراءتي عليه، أخبرني جدي لأمي ثابت بن بندار بن إبراهيم، أخبرنا أبو علي ~~الحسن بن الحسين بن دوما النعالي، أخبرنا أبو علي مخلد بن جعفر الباقرحي، ~~أخبرنا أبو محمد الحسن بن علويه القطان، أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار، ~~أخبرنا أبو حذيفة ms22 إسحاق بن بشر، عن عبد الرحمن بن قبيصة، عن أبيه، قال: " ~~رأى إبراهيم عليه السلام في المنام: أن يا إبراهيم قم فقرب ابنك لي قربانا ~~وكانت الرؤيا بمكة، فقال إبراهيم: أخز الله إبليس يريد أن يعيبني. # فقام يصلي حتى أصبح، فلما كانت الليلة القابلة رأى مثلها، فقال مثل ~~مقالته، حتى كانت الليلة الثالثة أتاه نداء وهو قائم: أن يا إبراهيم ما كان ~~إبليس ليأمرك بالطاعة لربك، قم فامض لما أمرت ". # وعن إسحاق رفعه إلى كعب الأحبار: فلما أصبح، قال لأمه: " اغسلي رأسه. # فغسلت أمه رأسه، وألبسته ثوبه، ثم دهنته، وقال: يا بني، خذ المدية والحبل ~~ثم انطلق بنا ". # PageV01P083 # قال سعيد: " ومن غير حديث كعب، قال: قال إبليس: لأنتهزن فرصتي من ~~إبراهيم، فأتاه في صورة شيخ، فقال: يا إبراهيم، أين تريد؟ قال إبراهيم: لي ~~حاجة في هذا الشعب. # قال: إني أرى الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك هذا، فعرفه ~~إبراهيم، فقال: اغرب عني ويلك، والله لأمضين لأمر ربي. # فلما أيس عدو الله جاء إلى إسحاق، فقال: أين تذهب مع أبيك في هذا الشعب؟ ~~قال: أذهب معه في حاجة. # قال: أما تعلم أنه يريد أن يذبحك؟ قال: ويلك! هل رأيت والدا يذبح ابنه؟ ~~قال: نعم، قال: ولم ذاك؟ قال: يزعم أن الله أمره بذلك. # قال: فليفعل ما أمره به ربه، فسمعا وطاعة، فلما امتنع منه الغلام ذهب إلى ~~أمه، قال: هل تعلمين أين يذهب ابنك مع أبيه؟ قالت: إلى هذا الشعب لحاجة. # قال: وما ذهب به إلا ليذبحه، فقالت: كلا، هو أرحم به وأشد حبا له من ذلك. # قال: فإنه يزعم أن الله أمره بذلك. # قالت: فإن كان ربه أمره بذلك فنسلم لأمر الله. # فرجع عدو الله بغيظه ". # قال إسحاق: عن أبي إلياس، عن وهب: فانطلقا، حتى انتهيا إلى الشعب من منى، ~~فانتهيا إلى أصل بثير، فقال: " انزل يا بني. # فنزل، فقال: {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} ~~[الصافات: 102] . # قال: فتهلل وجهه، واضطربت مفاصله، ثم ms23 قال: وابتدر أباه، فقال: {يا أبت ~~افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} [الصافات: 102] . # قال له إبراهيم: يا بني إني أراك قد تهلل وجهك واضطربت مفاصلك ولم تتكسر، ~~ولم يدخلك شيء؟ ! قال: يا أبت ربي لي # PageV01P084 # عوض منك، والجنة عوض من الدنيا، وما أمرك ربي بهذا إلا لما رضي لي، إن ما ~~عنده خير لي فامض لأمر ربك، ولكن يا أبت شد يدي ورجلي لا أجتذب من حز ~~المدية فتنتضح بدمي، يا أبت كفني في ثوبيك، ورد ثوبي إلى أمي تستنشق من ~~ريحي يكون إسلالها. # قال: فشد يده ورجله، ثم شحذ مديته، وجلس عند رأسه، فقال: إلهي لك الحمد ~~في الدهر الباقي، رزقتني الولد على كبر السن، ووعدتني، وأنت لا تخلف ~~الميعاد، فابتليتني بهذا البلاء، فإن كان هذا رضا لك فأسلم لأمرك، وإن كان ~~من غضب منك علي فأستغفرك وأتوب إليك. # قال: فبكت الملائكة، وقالت: نبيا منكبا لوجهه والآخر يريد أن يذبحه! قال: ~~فدنا من ابنه وتله للجبين أي للوجه لئلا ينظر إلى وجهه فيجزع. # قال: ثم أدخل شفرته من تحت حنكه، ثم أمرها، فنبت السكين، وانثنت السكين، ~~وشحذه، واتقى النظر في وجهه، ثم أدخل الشفرة لحلقه، فنبت الشفرة، وكلت، ~~وقلبها الله في يده، ثم اجتذبها ليفرغ منه. # ونودي: أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، عليك بالذي خلفك فاذبحه دونه. # قال: فالتفت، فإذا هو بكبش أقرن أملح. # فترك إبراهيم إسحاق في وثاقه، واتبع الكبش، فروي عن ابن عباس أنه قال: ~~فأرسل إبراهيم ابنه كما هو في الوثاق # PageV01P085 # واتبع الكبش، فأخرجه إلى الجمرة الأولى، فرماه بسبع حصيات، ثم أفلته ~~فجاءه إلى الجمرة الوسطى، فأخرجه إليها، فرماه بسبع حصيات، ثم أفلته، ~~فأدركه عند الجمرة الكبرى، فرماه بسبع حصيات، ثم أخذه، فأتى به المنحر من ~~منى فذبحه. # قال وهب: فجاء جبريل إسحاق، فأطلق عنه، فقال: إن الله تعالى، يقول: لك ~~عندي دعوة مستجابة بصبرك. # قال: يا رب أسألك أن تعفو لكل من مات ولم يشرك بك شيئا، فلما جاءه ~~إبراهيم، قال ms24: يا بني من أطلقك؟ فقال: رجل، فوصفه له وما قال له، وسأله ~~قال: يا بني إنك لموفق. # قال: فأتاهما نداء من السماء: يا إبراهيم يا أصدق الصادقين، ويا إسحاق يا ~~أصبر الصابرين، كنتما بعيني، اختبرتكما فوفقتكما، وابتليتكما فصبرتما، ~~وإنما أردت بذلك بكما لأبلغ بكما المنزلة التي لا بعدها، والدرجات العلا من ~~الجنة، وفي الدنيا لسان صدق في الآخرين، إنا كذلك نجزي المحسنين " # PageV01P086 ### | عيسى عليه السلام # ! 179 قرئ على أبي الحسن علي بن عساكر بن المرحب البطائحي رحمه الله، ~~أخبركم الأمين أبو طالب عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا أبو بكر ~~محمد بن علي بن محمد الخياط المقرئ، قال: أخبرنا الحافظ أبو الفتح محمد بن ~~أحمد بن أبي الفوارس، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن سلم الختلي، ~~قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج المروذي، قال: حدثني نصر ~~الرفاء، وكان من خيار المسلمين، قال: " بينا عيسى بن مريم صلوات الله عليه ~~وسلم في سياحته، إذ أخذته السماء، فلجأ إلى الكهف، فإذا فيه راع، فتنحى ~~عنه، ثم لجأ إلى أجمة، فإذا فيها أسد رابض، فرفع رأسه، فقال: سيدي، جعلت ~~لكل أحد مأوى خلاي! فأوحى الله إليه: مأواك عندي، وفي ظل عرشي، وفي مستقر ~~من رحمتي، لأزوجنك ألف حوراء، ولأطعمن في عرسك ألف عام، ولينادين مناد يوم ~~القيامة: احضروا عرس ولي الله الزاهد " # ! 180 وعن عبد العزيز بن ظبيان، قال: قال المسيح: «من تعلم وعمل فذاك ~~يسمى أو يدعى عظيما في ملكوت السماء» # ! 181 وعن هلال بن يساف، قال: قال عيسى عليه السلام: # PageV01P087 # «إذا صلى أحدكم فليدن عليه من ستره، فإن الله عز وجل يقسم الثناء كما ~~يقسم الرزق» # قرأت على الكاتبة شهدة بنت أحمد بن الفرج الإبري: أخبركم أبو عبد الله ~~الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعالي، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن ~~عبيد الله الحنائي، قال: أخبرنا أبو عمرو عمر بن أحمد السماك، قال: أخبرنا ~~أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم بن محمد الختلي، حدثنا محمد بن ms25 حاتم الطوسي، ~~حدثنا أحمد بن عبد الله الهروي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم التغلبي، حدثنا ~~مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: " خرج عيسى بن مريم عليه السلام ~~يستسقي، فأوحى الله إليه: لا يستسقي معك خطاء، فأخبرهم بذلك، فقال: من كان ~~من أهل الخطيئة فليعتزل، فاعتزل الناس كلهم إلا رجلا مصابا بعينه اليمنى! ~~فقال له عيسى: ما لك لا تعتزل؟ قال: يا روح الله، ما عصيت الله طرفة عين، ~~ولقد التفت فنظرت إلى قدم امرأة من غير أن كنت أردت النظر إليها، فقلعتها! ~~ولو نظرت إليها باليسرى لقلعتها، قال: فبكى عيسى حتى ابتلت لحيته بدموعه، ~~ثم قال: فادع فأنت أحق بالدعاء مني فإني معصوم بالوحي، فلم أعص، وأنت لم ~~تعص، فقدم الرجل، ورفع يديه، وقال: اللهم إنك خلقتنا، وقد علمت ما نعمل من ~~قبل أن تخلقنا، فلم يمنعك ذلك أن تخلقنا، وتكفلت بأرزاقنا، فأرسل السماء ~~علينا مدرارا. # فوالذي نفس عيسى بيده ما خرجت الكلمة من فيه حتى أرخت السماء غزالتها، ~~وسقي الحاضر والبادي # PageV00P000 # أخبرنا الشيخ العالم الأوحد محيي الدين أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح ~~الجيلي رضي الله عنه قراءة منه وأنا أسمع في سنة إحدى وستين وخمس مائة في ~~أول ما قيل: أخبركم أبو بكر أحمد بن المظفر بن سوسن التمار، قال: أخبرنا ~~أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم، أخبرنا أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح ~~الحافظ، حدثنا يعقوب بن يوسف القزويني، حدثنا محمد بن سعيد، حدثنا عمرو بن ~~أبي قيس، عن سماك، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود: ~~أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن بني إسرائيل استخلفوا خليفة ~~عليهم بعد موسى، فقام يصلي في القمر فوق بيت المقدس، فذكر أمورا كان ~~يصنعها، قال: فخرج فتدلى بسبب، فأصبح السبب معلقا في المسجد وقد ذهب. # قال: فانطلق حتى أتى قوما على شط البحر، فوجدهم يصنعون لبنا، فسألهم كيف ~~يأخذون هذا اللبن؟ قال: فأخبروه، فلبن معهم، وكان يأكل من عمل ms26 يده، فإذا ~~كان حين الصلاة تطهر فصلى، فرفع ذلك العمال إلى قهرمانهم أن فينا رجلا يفعل ~~كذا وكذا، فأرسل إليه، فأبى أن يأتيه، ثلاث مرار، ثم جاءه بنفسه يسير على ~~دابته، فلما رآه فر فتبعه , فسبقه، فقال: أنظرني أكلمك، فأخبره خبره، فلما ~~أخبره أنه كان ملكا، وأنه فر من رهبة ربه عز وجل، # PageV00P000 # قال: إني لأظنني لاحق بك. # قال: فاتبعه، فعبدا الله عز وجل حتى ماتا برميلة مصر. # قال: فقال عبد الله: لو أني كنت ثم لاهتديت إلى قبريهما، من صفة رسول ~~الله التي وصف " # حدثنا زهير بن حرب، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا جرير بن حازم، حدثنا ~~محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " لم ~~يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلا ~~عابدا، فاتخذ صومعة، فكان فيها فأتته أمه وهو يصلي، فقالت: يا جريج. # فقال: يا رب أمي وصلاتي! فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد ~~أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج! فقال: يا رب أمي وصلاتي! فأقبل على صلاته، ~~فانصرفت. # فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج! فقال: يا رب أمي ~~وصلاتي! فأقبل على صلاته فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات! # PageV00P000 # فتذكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: ~~إن شئتم لأقتننه لكم، قال: فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأتت راعيا كان ~~يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها، فوقع عليها، فحملت، فلما ولدت، قالت: ~~هو من جريج! فأتوه، فاستنزلوه، وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما ~~شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك. # فقال: أين الصبي؟ فجاءوا به، فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى، فلما انصرف أتى ~~الصبي، فطعن في بطنه، وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي. # قال: فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ~~ذهب. # قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت. # ففعلوا. # وبينا صبي يرضع من أمه، فمر رجل راكب ms27 على دابة فارهة وشارة حسنة، فقالت ~~أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا. # فترك الثدي، وأقبل إليه، فنظر إليه، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل ~~على ثديه فجعل يرتضع. # PageV01P091 # قال: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكي ارتضاعه ~~بأصبعه السبابة في فمه فجعل يمصها. # قال: ومروا بجارية وهم يضربونها، ويقولون: زنيت، سرقت، وهي تقول: حسبي ~~الله ونعم الوكيل. # فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها. # فترك الرضاع، ونظر إليها، فقال: اللهم اجعلني مثلها. # فهناك تراجعا الحديث، فقالت: حلقي، مر رجل حسن الهيئة، فقلت: اللهم اجعل ~~ابني مثله، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ~~ويقولون: زنيت، سرقت، فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهم اجعلني ~~مثلها!! قال: إن ذاك الرجل كان جبارا، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، وإن هذه ~~يقولون لها: زنيت ولم تزن، وسرقت ولم تسرق، فقلت: اللهم اجعلني مثلها " # PageV01P092 # 182 قرئ على الشيخ أبي المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن ~~صابر السلمي، وأنا أسمع: أخبركم الشريف النسيب أبو القاسم علي بن الحسين بن ~~إبراهيم بن العباس الحسيني، أخبرنا أبو الفتح عبد الكريم بن محمد بن أحمد ~~بن القاسم المحاملي في كتابه إلينا من بغداد، أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر ~~الدارقطني الحافظ، حدثنا أبو بكر الأزرق يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن ~~البهلول، قال: حدثنا جدي، قال: حدثني أبي، عن إسحاق بن زياد من بني أسامة ~~بن لؤي، عن شبيب بن شيبة، عن خالد بن صفوان بن الأهتم، قال: " أوفدني يوسف ~~بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد العراق، قال: فقدمت عليه وقد خرج ~~مبتدئا بقرابته، وأهله، وحشمه، وغاشيته من جلسائه، فنزل في أرض قاع صحصح ~~متنائف أفيح، في عام قد بكر وسميه، وتتابع وليه، وأخذت الأرض فيه زينتها من ~~اختلاف أنوار نبتها، من نور ربيع مونق، فهو أحسن منظرا، وأحسن مستنظرا، ~~وأحسن مختبرا، بصعيد كأن ترابه قطع الكافور، لو أن قطعة ألقيت فيه ms28 لم تترب. # وقد ضرب له سرادق من حبرة كان صنعه له يوسف بن عمر باليمن فيه فسطاط، فيه ~~أربعة أفرشة من خز أحمر، مثلها مرافقها، وعليه دراعة من خز أحمر، مثلها ~~عمامتها. # قال: وقد أخذ الناس مجالسهم، فأخرجت رأسي من ناحية السماط، فنظر إلي شبه ~~المستنطق لي، فقلت: تمم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمه، وسوغكها بشكره، ~~وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشدا، وعاقبة ما تئول إليه حمدا، أخلصه لك ~~بالتقى، وكثره لك بالنماء، لا كدر # PageV01P093 # عليك منه ما صفا، ولا خالط مسروره الردي، فقد أصبحت للمسلمين ثقة ~~ومستراحا، إليك يقصدون في أمورهم، وإليك يفزعون في مظالمهم، وما أجد يا ~~أمير المؤمنين جعلني الله فداءك، شيئا هو أبلغ في قضاء حقك وتوقير مجلسك ~~مما من الله به علي من مجالستك والنظر إلى وجهك، من أن أذكرك نعم الله ~~عليك، وأنبهك لشكرها، وما أجد يا أمير المؤمنين شيئا هو أبلغ من حديث من ~~سلف من الملوك، فإن أذن لي أمير المؤمنين أخبرته عنه. # قال: فاستوى جالسا وكان متكئا، ثم قال: هات يا ابن الأهتم. # فقلت: يا أمير المؤمنين، إن ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامنا ~~هذا إلى الخورنق والسدير، في عام قد بكر # PageV01P094 # وسميه، وتتابع وليه، وأخذت الأرض زينتها من نور ربيع مونق، فهو في أحسن ~~منظر، وأحسن مستنظر، وأحسن مختبر، بصعيد كأن ترابه قطع الكافور، حتى لو أن ~~قطعة ألقيت فيه لم تترب، قال: وكان قد أعطي فتاء السن، مع الكثرة والغلبة ~~والقهر. # قال: فنظر، فأبعد النظر، فقال لجلسائه: لمن هذا؟ هل رأيتم مثل ما أنا ~~فيه؟ هل رأيتم مثل ما أعطيت؟ قال: وعنده رجل من بقايا حملة الحجة، والمضي ~~على أدب الحق ومنهاجه. # قال: ولن تخلو الأرض من قائم لله بحجته في عباده، فقال: أيها الملك! إنك ~~قد سألت عن أمر أفتأذن بالجواب عنه؟ قال: نعم، قال: أرأيت ما أنت فيه، أشيء ~~لم تزل فيه أم شيء صار إليك ميراثا من غيرك وهو زائل عنك ms29 وصائر إلى غيرك ~~كما صار إليك # PageV01P095 # ميراثا من لدن غيرك؟ ! قال: فكذلك هو , قال: أفلا أراك إنما أعجبت بشيء ~~يسير تكون فيه قليلا وتغيب عنه طويلا وتكون غدا بحسابه مرتهنا؟ قال: ويحك! ~~فأين المهرب؟ وأين المطلب؟ قال: إما أن تقيم في ملكك تعمل فيه بطاعة الله ~~ربك على ما ساءك وسرك ومضك وأرمضك، وإما أن تضع تاجك وتلبس أطمارك وأمساحك ~~وتعبد ربك في هذا الجبل حتى يأتيك أجلك! قال: فإذا كان بالسحر فاقرع على ~~بابي فإني مختار أحد الرأيين، فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا لا تعصى، وإن ~~اخترت فلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقا لا تخالف. # قال: فقرع عليه بابه عند السحر، فإذا هو قد وضع تاجه، ووضع أطماره، ولبس ~~أمساحه، وتهيأ للسياحة. # قال: فلزما والله الجبل، حتى أتتهما آجالهما. # وهو حيث يقول أخو بني تميم عدي بن سالم المراي العدوي: # PageV01P096 # أيها الشامت المعير بالدهر ... أنت المبرأ الموفور # أم لديك العهد الوثيق من أيام ... أم أنت جاهل مغرور # من رأيت المنون خلدن أم من ... ذا لديه من أن يضام خفير # أين كسرى؟ كسرى الملوك أبو ... ساسان أم أين قبله سابور؟ # وبنو الأصفر الكرام ملوك الروم ... لم يبق منهم مذكور # وأخو الحضر إذ بناه وإذ ... دجلة تجبى إليه والخابور # شاده مرمرا وجلله كلسا ... فللطير في ذراه وكور # لم يهبه ريب المنون فباد ... الملك عنه فبابه مهجور # وتذكر رب الخورنق إذ ... أشرف يوما وللهدى تفكير # سره ماله وكثرة ما يملك ... والبحر معرض والسدير # فارعوى قلبه وقال: وما ... غبطة حي إلى الممات يصير # ثم أضحوا كأنهم ورق جف ... فألوت به الصبا والدبور # PageV01P097 # ثم بعد الفلاح والملك والإمة ... وارتهم هناك القبور # قال: فبكى والله هشام حتى أخضل لحيته وبل عمامته، وأمر بنزع أبنيته، ~~وبنقلان قرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه، ولزم قصره. # قال: فأقبلت الحشم على خالد بن صفوان بن الأهتم فقالوا: ما أردت إلى أمير ~~المؤمنين؟ أفسدت عليه لذته، ونغصت عليه باديته. # قال: إليكم عني، فإني عاهدت الله تعالى عهدا أن ms30 لا أخلو بملك إلا ذكرته ~~الله عز وجل # PageV01P098 ### | الفصل الثالث ### | ذكر طرف من أخبار نبينا # 140 أخبرنا أبو محمد عبد الله بن منصور بن هبة الله الموصلي، قال: أخبرنا ~~أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن ~~عبد الواحد بن محمد بن جعفر، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن ~~بن شاذان، قال: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن المغلس، قال: أخبرنا ~~أبو عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، قال: حدثني عمي عبد الله بن سعيد، ~~عن زياد، عن ابن إسحاق، قال: ثم إن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه ~~وسلم أن يصدع بما جاء به، وأن يبادي الناس بأمره، وأن يدعو الناس إليه، ~~وكان بين ما أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره وأن استتر به إلى أن ~~أظهره: ثلاث سنين فيما بلغني من مبعثه، فقال تعالى: {فاصدع بما تؤمر وأعرض ~~عن المشركين} [الحجر: 94] . # وقال {وأنذر عشيرتك الأقربين {214} واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} ~~[الشعراء: 214-215] , {وقل إني أنا النذير المبين} [الحجر: 89] ، فلما بادى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالإسلام، وصدع به كما أمره الله، لم ~~يبعد منه قومه، ولم يردوا عليه كل الرد فيما بلغني، حتى ذكر آلهتهم وعابها، ~~فلما # PageV01P099 # فعل ذلك أعظموا ما قال وناكروه! وأجمعوا على خلافه وعداوته، إلا من عصم ~~الله منهم بالإسلام، وهم قليل مستخفون، وحدب على رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم عمه أبو طالب، وقام دونه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ~~الله لا يرده عنه شيء، فلما رأت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ~~يعتبهم من شيء أنكروه عليه، من فراقهم وعيب آلهتهم، ورأوا أن أبا طالب قد ~~حدب عليه وقام دونه فلم يسلمه، مشي رجال قريش إلى أبي طالب: عتبة بن ربيعة، ~~وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، وأبو البختري بن هشام، والأسود بن ~~المطلب، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام ms31، والعاص بن وائل، ونبيه ~~ومنبه ابنا الحجاج، أو من مشي منهم، فقالوا: يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد ~~سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما ~~أن تخلي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه، فقال ~~لهم أبو طالب قولا لينا، ورد عليهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه، ومضى رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه: يظهر دين الله، ويدعو إليه، ثم ~~شري الأمر بينه وبينهم، حتى تباعد الرجال وتضاغنوا وأكثرت قريش ذكر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم بينها وتذامروا فيه، وحض بعضهم بعضا عليه، ثم إنهم ~~مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى، فقالوا: يا أبا طالب، إن لك سنا وشرفا ومنزلة، ~~وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر # PageV01P100 # على هذا، من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا، أو ~~ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين، أو كما قالوا، ثم انصرفوا ~~عنه، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم ولا خذلانه " # قال ابن إسحاق: فحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، أنه حدثه أن ~~قريشا حين قالت لأبي طالب هذه المقالة، بعث إلى رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، فقال: يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني، فقالوا لي: كذا وكذا، فابق علي ~~وعلى نفسك، ولا تحملني ما لا أطيق، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ~~قد بدا لعمه فيه بداء، وأنه خاذله ومسلمه، وأنه ضعف عن نصرته والقيام معه، ~~فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله يا عم، لو وضعوا الشمس في ~~يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله، ~~أو أهلك فيه، ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى، ثم قام، فلما ~~ولى ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يا ابن أخي، فلما ms32 أقبل عليه رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم، قال: اذهب يا ابن أخي فافعل ما أحببت، فوالله لا أسلمك ~~لشيء أبدا " # قال الأموي: فحدثنا عمي محمد بن سعيد، عن إسحاق بن # PageV00P000 # يحيى، عن موسى بن طلحة، عن عقيل بن أبي طالب، قال: جاءت قريش إلى أبي ~~طالب، فقالوا: إن ابن أخيك قد بلغ حروتنا، وإنا غير مارين لك على ذلك ولا ~~مجامعيك عليه، فلا يكن دعاؤه هذا عند كعبتنا ولا نادينا، وإلا والله ~~أخرجناه. # قال: افعل يا عقيل، ادع لي محمدا، وخرجوا، فأتيته في دار عبد المطلب عند ~~المسعى، فخرج معي عليه بردان دنسان حضرميان، متقنعا حافيا يتبع الظل، حتى ~~أتينا أبا طالب في الشعب، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدة الباب، ~~فقال له أبو طالب: ههنا يا ابن أخي، فقال: «مكاني» ، قال: يا ابن أخي، إن ~~قومك قد أنصفوك، وقد عرضوا عليك أن يكون دعاؤك بينك وبين أصحابك، وحيث ~~تجالسون، ولا يكون في كعبتهم، ولا في ناديهم، فإنهم غير مقاربينا. # قال عقيل: فوالله ما سمعته دعاه باسمه قط قبل ذلك اليوم، وإنما كان يقول: ~~يا عم. # فقال: «يا أبا طالب، هل تستطيع إخفاء هذه الشمس لو أردت إخفاءها؟» , ~~فقال: اعمل على مهلك، فوالله لا خذلناك ولا تركناك، فداك أبي وأمي # PageV01P102 # ثم رجع إلى حديث زياد , قال: حدثني ابن إسحاق، قال: حدثني العباس بن عبد ~~الله بن معبد، عن بعض أهله، عن ابن عباس: " أن قريشا مشوا بعمارة بن الوليد ~~بن المغيرة، فقالوا: يا أبا طالب، هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش ~~وأشعره وأجمله، فخذه، فلك عقله ونصره، واتخذه ولدا، فهو لك، وأسلم إلينا ~~ابن أخيك، هذا الذي خالفك في دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك، وسفه ~~أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل كرجل. # قال: والله لبئس ما تسومونني إليه! تعطوني ابنكم أغذوه، وأعطيكم ابني ~~تقتلونه! لا يكون هذا أبدا. # فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف: والله يا أبا طالب ولقد أنصفك ~~قومك، وجهدوا ms33 على التخلص مما تكره، فما أراك تقبل شيئا. # فقال أبو طالب لمطعم: والله ما أنصفوني، ولكنك قد أجمعت على خذلاني ~~ومظاهرة القوم علي، فاصنع ما بدا لك، أو كما قال أبو طالب " # قال زياد: وحدثني المجالد بن سعيد، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ~~الحميري، عن سعد بن مسعود: " أن أبا طالب فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يومين، فشق ذلك عليه مشقة شديدة، وظن أنه قد اغتيل، فأرسل، فالتمسه، فلم ~~يجده، فدعا بنيه وبني أخيه ومن كان على مثل رأيه من بني هاشم وغيرهم، ~~فاجتمعوا إليه، فقال: حدوا سلاحكم، وكونوا على مكانكم، وأعطى بنيه وبني ~~أخيه كل إنسان منهم شفرة قد شحذها، وقال: ليجلس كل رجل منكم إلى جنب رجل من # PageV00P000 # قريش حتى أنطلق إلى هذا الجبل، فإني قد طلبت محمدا في مظانه إلا هذا ~~المكان من ناحية الجبل الذي يطل على مكة، فإذا أقبلت أنعي محمدا فليجأ كل ~~رجل منكم جليسه. # قال: وخرج أبو طالب وهو ينادي: يا محمد يا محمد! حتى بلغ أسفل مكة، فأتى ~~المكان الذي أراد، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فلما انصرف، قال ~~له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك يا عم؟ قال: ظننت والله أنك قد ~~اغتلت، فقد كدت تجرمني اليوم أن أقتل قومي فيك! ألا تخبرني إذا خرجت مكانا ~~أين مكانك فأعرفه؟ , فقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، ما من ~~الناس أحد أحب إلي أن يسعده الله بما بعثت به منك، أفلا أريك آية على أن ~~تسلم؟ قال: وما الآية يا ابن أخي؟ قال: أريك شيئا لا يستطيع أحد أن يريكه! ~~قال: فأرنيه! قال: ترى تلك الشجرة؟ قال: نعم، قال: فإني أدعو ربي فيأتيك ~~بها حتى تنظر إليها عندك. # قال: فافعل! قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه، ثم قال: أقبلي ~~بإذن الله، فأقبلت الشجرة تهتز حتى أتتهما، فقال: خذ من ورقها ومن بعض ~~غصونها. # فأخذ أبو طالب، ثم ms34 قال لها: ارجعي بإذن الله، فرجعت، ثم قال: يا عم عندك ~~اتبعني، فقال: يا ابن أخي لهذا يقول قومك إنك ساحر، فانطلق حتى أؤنسهم منك، # PageV01P104 # فأقبل أبو طالب آخذا بيد النبي صلى الله عليه وسلم إلى نادي قريش في ~~المسجد، فلما رآه، قالوا: هذا أبو طالب آخذ بيد محمد، ما ترونه يريد؟ ~~أترونه يريد أن يسلمه إليكم؟ قالوا: ما نراه إلا فاعلا، فأقبل أبو طالب حتى ~~وقف عليهم، فقالوا: ما لك يا أبا طالب؟ قال: كنت أراكم قد قتلتموه، ورب هذا ~~البيت الحرام والبلد الحرام، لو كنتم فعلتم لقتل كل واحد من هؤلاء جليسه، ~~أخرجوا شفاركم، فأخرجوها، فلما رأت قريش ذلك، يئسوا من رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ". # ومن غير رواية الأموي: فلما عرفت قريش أنه لا سبيل لهم إلى محمد صلى الله ~~عليه وسلم، أجمعوا على أن يكتبوا فيما بينهم على بني هاشم، وبني عبد المطلب ~~كتابا أن لا ينكحوهم، ولا يخطبوا إليهم، ولا يبايعوهم، ولا يبتاعوا منهم، ~~فلما اجتمعوا لذلك، كتبوه في صحيفة، ثم تعاهدوا عليه، وتواثقوا على ذلك، ثم ~~علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا على أنفسهم، فلما فعلت قريش ذلك انحازت ~~بنو هاشم، وبنو المطلب إلى أبي طالب بن عبد المطلب، فدخلوا معه في شعبه ~~واجتمعوا إليه، وخرج من بني هاشم أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب إلى ~~قريش، وظاهر عليهم قريشا، وقال لهند بنت عتبة: يا ابنة عتبة، هل نصرت اللات ~~والعزى وفارقت من فارقهما وظاهر عليهما؟ قالت: نعم، فجزاك الله خيرا يا أبا ~~عتبة، # PageV01P105 # ثم عدت قريش على من أسلم، فأوبقوهم، وآذوهم، واشتد البلاء عليهم، وعظمت ~~الفتنة فيهم، وزلزلوا زلزالا شديدا، ولما قدم عمرو بن العاص، وعبد الله بن ~~أبي ربيعة من عند النجاشي، وأخبروهم بما قال، اشتد وجدهم، وآذوا رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم وأصحابه أذى شديدا، وضربوهم في كل طريق، وحصروهم في ~~شعبهم، وقطعوا عنهم المادة والأسواق، فلم يدعوا أحدا يدخل عليهم طعاما، ولا ~~شيئا مما يرتفقون به، فكانوا ms35 يخرجون من الشعب إلى الأسواق، فكانت قريش ~~تبادرهم إلى الأسواق، فيشرونها ويغلونها عليهم، ففعلوا ذلك ثلاث سنين، حتى ~~بلغ القوم الجهد الشديد، حتى سمعوا أصوات صبيانهم يتضاغون من وراء الشعب، ~~فقال أبو طالب: # ألا أبلغا عني على ذات بيننا ... لؤيا وخصا من لؤي بني كعب # ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا نبيا ... كموسى خط في أول الكتب # وأن عليه في العباد محبة ولا خير ... ممن خصه الله بالحب # وأن الذي ألصقتم من كتابكم يكون ... لكم يوما كراغية السقب # فلسنا ورب البيت نسلم أحمدا لعزاء ... من عض الزمان ولا كرب # ولما تبن منا ومنكم سوالف ... وأيد أترت بالمهندة الشهب # PageV01P106 # بمعترك ضنك ترى كسر القنا ... به والنسور الطخم يعكفن كالشرب # كأن مجال الخيل في حجراته ... ومعمعة الأبطال معركة الحرب # ثم رجع الحديث إلى زياد: " فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا، حتى جهدوا، ~~ولا يصل إليهم شيء إلا مستخفى به من كل من أراد وصلهم من قريش، وقد كان أبو ~~جهل بن هشام، فيما يذكرون، لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ~~معه غلام له يحمل معه قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد بن أسد، وهي عند ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في الشعب، فتعلق به، وقال: أتذهب بالطعام ~~إلى بني هاشم؟ لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة، فجاءه أبو البختري بن ~~هشام بن الحارث بن أسد، فقال: ما لك وله؟ فقال: يحمل الطعام إلى بني هاشم، ~~فقال له أبو البختري: طعام كان لعمته عنده، فبعثت إليه، أتمنعه أن يأتيها ~~بطعامها؟ خل سبيل الرجل، فأبى أبو جهل، حتى نال أحدهما من الآخر، فأخذ أبو ~~البختري لحي بعير، فضربه، فشجه، ووطئه وطأ شديدا، وحمزة بن عبد المطلب قريب ~~يرى كل ذلك، وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ~~فيشمتوا بهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك يدعو قومه ليلا ~~ونهارا، وسرا، وجهارا، مباديا بأمر الله، لا يتقي فيه أحدا من ms36 الناس، # PageV01P107 # فجعلت قريش حين منعه الله منها بعمه وقومه من بني هاشم وبني المطلب، ~~وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من البطش بهم وبه، يهمزونه ويستهزئون به ~~ويخاصمونه، ثم أنه قام في نقض تلك الصحيفة التي تكاتبت فيها قريش على بني ~~هاشم، وبني المطلب نفر من قريش، ولم يبل فيها أحد بلاء أحسن من بلاء هاشم ~~بن عمرو بن الحارث بن حبيب بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وذلك أنه ~~كان ابن أخي نضلة بن هاشم بن هاشم بن عبد مناف لأمه، وكان نضلة وعمرو أخوين ~~لأم، وكان هاشم لبني هاشم واصلا، وكان ذا شرف في قومه، وكان فيما بلغني ~~يأتي بالبعير قد أوقره طعاما ليلا، حتى إذا أقبله فم الشعب، خلع خطامه من ~~رأسه، ثم ضرب على جنبيه، فيدخل الشعب عليهم، ويأتي به، قد أوقره برا، فيفعل ~~به مثل ذلك، ثم أنه مشي إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن ~~مخزوم، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب، فقال: أي زهير، قد رضيت أن تأكل ~~الطعام وتلبس الثياب وأخوالك حيث قد علمت، لا يبايعون ولا يبتاع منهم، ولا ~~ينكحون ولا ينكح إليهم؟ ! أما إني أحلف بالله لو كان أخوال أبي الحكم بن ~~هشام ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه ما أجابك إليه أبدا! قال: ويحك يا ~~هاشم! فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد، والله لو كان معي رجل آخر لقمت في ~~نقضها حتى أنقضها. # قال: قد وجدت رجلا. # قال: من هو؟ # PageV01P108 # قال: أنا، قال: أبغني ثالثا. # فذهب إلى المطعم بن عدي بن نوفل، فقال: يا مطعم، أقد رضيت أن يهلك بطنان ~~من بني عبد مناف وأنت شاهد لذلك، موافق لقريش فيه؟ أما والله لئن أمكنتموهم ~~من هذه لتجدنهم إليها منكم سراعا. # قال: ويحك! فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد، قال: قد وجدت ثانيا، قال: من ~~هو؟ قال: أنا، قال: أبغني ثالثا، قال: قد فعلت، قال: من هو؟ قال: زهير بن ~~أبي أمية ms37. # قال: أبغنا رابعا. # قال: فذهب إلى أبي البختري بن هشام، فقال له نحوا مما قال للمطعم بن عدي، ~~قال: وهل من أحد يعين على هذا؟ قال: نعم، قال: من هو؟ قال: زهير بن أبي ~~أمية، والمطعم بن عدي، وأنا، قال: أبغنا خامسا. # فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب، فذكر له قرابتهم وحقهم، قال: وهل على ~~هذا الأمر الذي تدعوني إليه أحد؟ قال: نعم، ثم سمى له القوم، فاتعدوا خطم ~~الحجون ليلا بأعلى مكة، فاجتمعوا هنالك، فأجمعوا أمرهم، وتعاهدوا على ~~القيام على الصحيفة حتى ينقضوها. # وقال زهير: أنا أبدؤكم، فأكون أولكم يتكلم، فلما أصبحوا، غدوا على ~~أنديتهم، وغدا زهير بن أبي أمية عليه حلة، فطاف بالبيت أسبوعا، ثم أقبل على ~~أهل مكة، فقال: يا أهل مكة، إنا نأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم ~~هلكى، لا يبايعون ولا يبتاع منهم! والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة ~~القاطعة الظالمة. # قال أبو جهل وكان في ناحية المسجد: كذبت والله لا تشق. # قال زمعة بن الأسود: أنت والله أكذب، ما رضينا كتابتها حين كتبت. # قال أبو البختري: صدق زمعة، لا نرضى ما كتب فيها، ولا نقر به. # PageV01P109 # قال المطعم بن عدي: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها ومما ~~كتب فيها. # وقال هاشم بن عمرو نحوا من ذلك، فقال أبو جهل عند ذلك: هذا أمر قضي بليل، ~~وتشوور فيه بغير هذا المكان. # وأبو طالب في ناحية المسجد. # فقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة فشقها، فوجد الأرضة قد أكلتها، إلا ~~«باسمك اللهم» . # قال: وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة، أخا بني عبد الدار، فشلت يده ~~فيما يزعمون. # قال غير زياد: فلما أفسد الله صحيفة مكرهم، خرج النبي صلى الله عليه وسلم ~~ورهطه، فعاشوا في الناس " # PageV01P110 # رجع الحديث إلى زياد: عن الأجلح، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عمرو بن ميمون ~~الأودي، عن عبد الله بن مسعود، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في ~~المسجد الحرام يصلي، وعتبة بن ربيعة، وشيبة ms38 بن ربيعة، والوليد بن عتبة، ~~وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط جلوس ~~في الحجر، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطال السجود، قال أبو ~~جهل: أيكم يأتي بني فلان، فإنهم قد نحروا وأجزروا، فيأتينا بسلاها ودمها ~~وفرثها فيلقيه على محمد؟ فانطلق أسفههم وأشقاهم: عقبة بن أبي معيط، فأتاهم ~~به، فألقاه بين كتفيه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا لم يتجلجل، ~~وأنا قائم لا أستطيع أن أتكلم ولا أمنعه، ليست لي عشيرة تمنعني. # فأنا أتكاءب، إذ سمعت فاطمة، فأقبلت حتى ألقت ذلك عنه، ثم استقبلت قريشا ~~فشتمتهم، فلم يرجعوا إليها شيئا، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ~~كما كان يرفعه. # فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، قال: «اللهم عليك بقريش ~~ثلاثا، اللهم عليك بعقبة بن أبي معيط، وعتبة، وشيبة، وأبي جهل، والوليد، ~~وأمية، والنضر» ، # PageV00P000 # ثم خرج، فلقيه أبو البختري، ومع أبي البختري سوط يتخصر به، فلما رأى ~~النبي صلى الله عليه وسلم أنكره! فأخذه، فقال: تعالى، ما لك؟ قال النبي صلى ~~الله عليه وسلم: خل عني، قال: علم الله لا أخلي عنك، أو تخبرني ما شأنك، ~~فلقد أصابك شيء، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه غير تاركه، أخبره ~~أن أبا جهل أمر به فطرح عليه فرث، قال أبو البختري: هلم ادخل المسجد. # فأتى بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأدخله المسجد، ثم أقبل على أبي جهل، ~~فقال: يا أبا الحكم، أنت أمرت بمحمد أن يطرح عليه الفرث؟ قال: فرفع أبو ~~البختري بن هشام السوط، فضرب به رأس أبي جهل، فثارت الرجال بعضها إلى بعض، ~~وصاح أبو جهل: ويحكم! هي له، إنما يريد محمد أن يوقع بينكم العداوة ~~والبغضاء وينجو هو وأصحابه، فقتلوا يوم بدر جميعا، فلقد قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يوم بدر: «من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله» ، ثم إن ~~خديجة وأبا طالب هلكا في عام واحد، وكان هلاكهما ms39 بعد عشر سنين مضين من مبعث ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~المصائب بهلاك خديجة، وكانت له وزير صدق على الإسلام، يسكن إليها , وهلك ~~أبو طالب عمه، وكان له عضدا، وحرزا، ومنعة، وناصرا، وذلك قبل مهاجرة رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين، فلما هلك أبو طالب نالت ~~قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم يكونوا يطمعون فيه في ~~حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش، فنثر على رأسه ترابا ". # PageV01P112 # قال زياد، عن ابن إسحاق: فحدثني هشام بن عروة، عن أبيه، قال: " لما نثر ~~ذلك السفيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب، دخل رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته، فجعلت تغسل ~~التراب عن رأسه وهي تبكي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لها: لا تبك ~~يا بنية، فإن الله مانع أباك، فقال: ويقول بين ذلك: ما نالت مني قريش شيئا ~~أكرهه حتى مات أبو طالب " # قال ابن إسحاق: عن يزيد بن أبي زياد: فحدثني محمد بن كعب القرضي، قال: ~~فلما أكثرت قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأذى، وجد فقد عمه ~~لما كان يكف عنه من أذى قومه، فخرج إلى الطائف على قدميه يريد ثقيفا ~~ليمنعوه ولينصروه وليعينوه، وليكونوا معه عليهم، حتى دخل على مسعود، وحبيب، ~~وعبد ياليل بني عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة، وهم يومئذ أشراف ~~قريش، فعرض عليهم نفسه، ودعاهم إلى نصرته، والقيام معه، وظلم عندهم قومه، ~~فلم يؤوا، ولم يمنعوا، ولم يرحموا، ولم يكتموا. # فقال أحدهم: إنا قد علمنا عامة أمرك، والذي بينك وبين قومك، وأنت رجل ~~تريد ما لا يكون، أما وجد الله أحدا يرسله غيرك؟ وقال الآخر: أنا أسرق حجاب ~~كعبة إن كان الله أرسلك بشيء قط! وقال الآخر: لست بقائل لك شيئا، والله لئن ~~كنت رسول الله كما ms40 تقول، لأنت أكرم على الله من أن نكلمك بشيء يؤذيك، ولئن ~~كنت تفتري على الله وعلى نفسك، لأنت أهون علي من أن أكلمك. # فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اكتموا علي، فإني أكره أن يبلغ ~~قومي أني أتيتكم فلم تصدقوني، فيزدادوا علي جرأة» . # PageV00P000 # فلم يفعلوا، وأفشوا عليه، وصيحوا به، فخرج من عندهم وقد جمع له أهل ~~الطائف صفين: عن يمينه وشماله، فلما خرج ومر بهم صيحوا به: تريد أن تفسدنا ~~كما أفسدت قومك؟ فلما خلص منهم وتوارى عنهم، أتى كرما لعتبة وشيبة ابني ~~ربيعة بن عبد شمس، فاستظل تحت حبلة منه مكروبا، فقال: «اللهم إني أشكو إليك ~~ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين، أنت رب ~~المستضعفين، أنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أو إلى عدو ملكته ~~أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك لي أوسع، أعوذ بنور ~~وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن تنزل بي ~~سخطك، أو يحل علي غضبك، لك العتبى حتى ترضى، لا حول ولا قوة إلا بك» . # وقد قال قائل: أنه قالها حين خرج إلى المدينة. # قال: ووجد في الكرم عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، فلما رآهما رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم استخفى منهما، وكره أن يجالسهما، فيريان الذي به، فبصرا ~~به، فأرسلا إليه غلاما يدعى عداسا، نصرانيا، فقالا: خذ هذا العنب فاجعله في ~~هذا الإناء فاذهب به إلى هذا الرجل. # قال: وعداس من أهل نينوى، فلما جاءه عداس بالعنب، وضع رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يده وسمى الله، فنظر عداس في وجهه، وقال: إن هذا لشيء ما تقوله ~~الناس اليوم! قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن أنت؟» , قال: أنا رجل ~~نصراني. # قال: «ومن أي أرض أنت؟» , قال: من أهل نينوى. # فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قرية يونس بن متى العبد الصالح» ~~، فلما سمع عداس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ms41 يونس بن متى، قال: وما ~~يدريك بارك الله فيك من يونس؟ , قال # PageV01P114 # رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك أخي وخليلي وإن كنت لم أره، ذاك نبي ~~من أنبياء الله وأنا نبي مثله , بعثني لله بالحق» . # وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحدا يذكر ذلك له، قال: فلما ~~سمع ذلك عداس خر ساجدا، وجعل يقبل قدميه، فلما بصر به عتبة وشيبة، ضحك ~~أحدهما إلى صاحبه، وقالا: غلامنا قد فسد، ونادياه، فجاءهما، فقالا: لم صنعت ~~بهذا الرجل ما لم تصنع بأحد منا قط؟ قبلت قدميه، وسجدت له؟ قال: قد فعلت، ~~هذا نبي من الأنبياء، أخبرني عن قومي أهل نينوى، وعن نبيهم يونس بن متى ~~بشيء لم يكن ليخبرني به في هذه الأرض إلا نبي. # فضحكا، وقالا: لا يخدعنك عن دينك، فإنه كذلك يفعل بالسفهاء، والله إنا ~~لنريد قتله. # قال لهما: لا تستطيعان قتل الذي رأيت، فأطيعاني، وأجيباه إلى ما دعاكما ~~إليه، فزجراه زجرا شديدا " # قال الأموي: حدثني أبي، قال: حدثنا محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، ~~عن ابن عباس، عن أبيه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله , ~~ما أرى عندك ولا عند بني أبيك منعة، فهل أنت خارج بي إلى الموسم فتعرفني ~~قبائل العرب؟» , قال: فركبت به، فأتيت به الموسم، قال: فبدأ بهذا الحي من ~~بني عمرو بن معونة. # قال: «من القوم؟» , قالوا: كندة، قال: «فهل لكم في خير؟» , قالوا: وما ~~هو؟ قال: «تشهدون أن لا إله إلا الله، وتقيمون الصلاة، وتؤمنون بما جاء من ~~عند الله» ، فقالوا: ومن أنت؟ قال: «أنا رسول الله» ، قالوا: لا حاجة لنا ~~بما جئتنا به، بدأت بنا لتصدنا عن آلهتنا وننابذ الناس على سواء وترمينا ~~العرب عن قوس واحدة؟ فالحق بقومك فلا حاجة لنا بما جئتنا به، فخرج من ~~عندهم، فلحق ببكر بن وائل، فيأتي بني قيس بن ثعلبة، فقال: «كيف العدد؟» , ~~قالوا: مثل الحصى، قال: «كيف المنعة؟» , قالوا: لا نمنع بطن # PageV00P000 # تلعة، جاورنا قوما من الفرس ms42، لا نجير عليهم، ولا نمنع منهم. # قال: «فلله عليكم إن أبقاكم الله حتى تنزلوا منازلهم، وتنكحوا نساءهم، ~~وتستعبدوا أبناءهم، أن تسبحوا الله ثلاثا وثلاثين، وتحمدوه ثلاثا وثلاثين، ~~وتكبروه أربعا وثلاثين» . # قالوا: ومن أنت؟ قال: «أنا رسول الله» . # قال: فلما جاوزهم، مر بهم أبو جهل بن هشام، فقالوا: يا أبا الحكم هل تعرف ~~هذا المولى الذي قام من عندنا آنفا؟ قال: نعم، في الذروة العليا منا، فعن ~~أي شأنه تسألوني؟ قالوا: قال لنا كذا وكذا. # قال: لا ترفعوا به رأسا فإنه مجنون، يهذي من أم رأسه. # قالوا: قد رأينا والله ذلك حين ذكر لنا من أمر فارس ما ذكر. # قال: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي بني عامر، فقال: «من ~~القوم؟» , قالوا: بنو قشير. # قال: «كيف المنعة؟» , قالوا: لا يرام ما قبلنا ولا يصطلى بنارنا. # قال: «فإني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم لتمنعوني حتى أبلغ رسالات ~~ربي، ولا أكره أحدا منكم على شيء» . # قالوا: ومن أنت؟ قال: «أنا ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم» . # قالوا: فأين قومك عنك؟ قال: «هم أول من طردني وكذبني» . # قالوا: لكنا لا نؤمن بك ولا نطردك , وسنمنعك حتى تبلغ رسالات ربك. # فجلس، فأتاهم بيحرة بن فراس بن عبد الله بن سلمة بن قشير، فوقف عليهم، ~~فقال: من هذا الرجل الذي أنكره فيكم؟ قالوا: هذا محمد بن عبد الله بن عبد ~~المطلب القرشي، زعم أنه رسول الله. # قال: وما لكم وله؟ , قالوا: أتانا لنمنعه حتى يبلغ رسالات ربه. # قال: فرددتم عليه ماذا؟ , قالوا: قلنا في الرحب والسعة، تحول إلى بلدنا ~~ونمنعك مما نمنع منه أنفسنا. # قال: فما قفل أحد ممن ههنا بشر مما قفلتم به، تريدون أن تنابذوا الناس ~~على سواء وترميكم عن # PageV01P116 # قوس واحدة؟ فقومه أعلم به، لو أنسوا منه خيرا كانوا أسعد به، فألحقوه ~~بقومه، تعمدون إلى دحيق قوم قد نفاه قومه وطردوه، فتئونه وتنصرونه؟ فبئس ~~الرأي رأيتم، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قم فالحق ms43 بقومك، فقام ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيركب ناقته، فيغمزها بيحرة في خاصرتها ~~بعنزة معه، فقمصت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وضباعة بنت عامر بن قرط ~~بن سلمة بن قشير هناك، فلما رأت ما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ~~قالت: يا لعامر! ألا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفر به ولا أستطيع ~~له منعة؟ قال: فوثب ثلاثة من بني عمها إلى ثلاثة ممن نفر به، فصرع كل رجل ~~منهم رجلا، ثم علقوا وجوههم لطما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«اللهم بارك على هؤلاء، والعن هؤلاء» ، فالملعونون: بيحرة بن فراس، وحرز بن ~~عبد الله بن سلمة بن قشير، وأبو حرب بن معاوية أحد بني عقيل: ماتوا كلهم ~~لعنا، وأما الذين نصروه: فغطيف، وغطفان ابنا سهيل، وعروة، أو عزرة بن عبد ~~الله بن سلمة: ماتوا كلهم شهداء. # قال محمد بن كعب القرظي: وفشا الإسلام، واتبعه رجال من قومه وغيرهم، على ~~خوف من قومهم، يسمعون الأذى، ويستهزأ بهم في كل ناد، وكان رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم يتعرض للعرب في كل موسم، يدعوهم إليه، ويخبرهم أنه نبي ~~مرسل، ويستنصرهم ليمنعوا له ظهره، حتى ينفذ عن الله ما بعثه به. # PageV01P117 # وعن ربيعة بن عباد الدؤلي، قال: والله إني لأذكره يطوف على المنازل بمنى، ~~وأنا مع أبي غلام شاب، ووراءه رجل حسن الوجه، أحول، ذو غديرتين، كلما وقف ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم، فقال: " إني رسول الله إليكم يأمركم ~~أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، قال: فيقول الذي خلفه: إن هذا الذي يدعوكم ~~إلى أن تفارقوا دينكم، وأن تسلخوا من أعناقكم اللات والعزى، وحلفاءكم من ~~بني مالك بن أقيش، إلى ما جاءكم به من البدعة. # فقلت لأبي: من هذا؟ قال: هذا عمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب " # قال الأموي: حدثني أبي، قال: حدثني معروف بن خربوذ، أن جعفر بن عبد ~~الرحمن بن محيصن بن أبي وداعة السهمي حدثه، أن النبي صلى ms44 الله عليه وسلم ~~لما توفي أبو طالب، رهقته قريش بالأذى والتطريد، فخرج ذات ليلة إلى أعلى ~~الوادي، فلم يزل به حتى أمسى من الغد، فلقي ابن أريقد، أحد بني عدي بن عمرو ~~بن خزاعة، وهو دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فقال له ~~النبي صلى الله عليه وسلم: «هل أنت معيني إلى الأخنس بن شريق؟» , قال: نعم، ~~قال: " ائته، فقل له: إن محمدا، يقول: أجرني من قومك "، قال: فأتاه، فقال: ~~إن محمدا بعثني إليك لتجيره من قومك. # قال: إن حليف قريش لا يجير على حميمها، فأتاه فأخبره ذلك، # PageV00P000 # فقال: " أعني إلى سهيل بن عمرو، فقل: إن محمدا يقول لك: أجرني من قومك "، ~~فأتاه، فقال: إن محمدا، يقول لك: أجرني من قومك. # فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب، فرجع إليه، فأخبره، فقال: ~~" هل أنت معيني إلى المطعم بن عدي؟ فقل له إن محمدا، يقول لك: أجرني من ~~قومك "، فقال: نعم أفعل، أنا له جار، أين هو؟ قال: بأعلى الوادي. # قال له: قل له: فليأت، فأتاه، فأخبره، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه ~~وسلم، فبات عنده تلك الليلة حتى أصبح. # قال: ثم قال له المطعم: قم فالبس ثيابك. # قال: فلبس ثيابه، ثم خرج ومعه مطعم بن عدي متقلدا سيفه، ومعه بنون له ستة ~~أو سبعة، أمثال الرماح، متقلدين السيوف، فدخلوا المسجد، فاستلموا الركن ~~جميعا، ثم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: طف، واحتبوا بحمائل سيوفهم في ~~المطاف، فأقبل أبو سفيان بن حرب , فقال: يا مطعم، أمجير أنت أم تابع؟ قال: ~~بل مجير. # قال: إذا لا يخفر جارك، فجلس معه حتى قضى النبي صلى الله عليه وسلم ~~طوافه، فقام المطعم بن عدي وبنوه مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقام أبو ~~سفيان إلى مجلسه، فمكث أياما، ثم أذن له في الهجرة، فلما قدم النبي صلى ~~الله عليه وسلم المدينة، لم يلبث إلا يسيرا، حتى ومي في جنازته المطعم، ~~فقال حسان: والله لأرثينه. # فقال له رجل ms45 من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كيف ترثي رجلا كافرا؟ ~~فقال: أشكر له ما صنع بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: # أعيني ألا ابكي سيد الناس واسفحي ... بدمع فإن أنزفته فاسكبي الدما # وبكي عظيم المشعرين كليهما ... على الناس معروفا له ما تكلما # فلو كان مجد يخلد اليوم واحدا ... من الناس نجى مجده اليوم مطعما # PageV01P119 # أجرت رسول الله منهم فأصبحوا ... عبيدك ما لبى محل وأحرما # وذكر سائرها. # ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن ~~عدي حيا ثم سألني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له» ، ثم إن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم لقي رهطا من الأنصار في الموسم، فعرض نفسه عليهم، فأجابوه، ~~وأسلموا، وكان ذلك خيرا ذخره الله تعالى لهم وخصهم به " # قال الأموي: فحدثني أبي، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن ~~قتادة، أنه حدثه رجال من قومه ممن لا يتهم: أنه بينا رهط منهم قدموا العقبة ~~ثم انصرفوا، فاعترضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ستة رهط: معاذ وعوف ~~ابنا عفراء، وجابر بن عبد الله بن رئاب، وقطبة بن عامر بن حديدة، كلاهما من ~~بني سلمة، وأسعد بن زرارة من بني النجار، ورفاعة بن رافع من بني زريق، ~~فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ممن هم؟» فقالوا: من الخزرج، فقال: ~~«أمن موالي يهود؟» , قالوا: نعم، قال: فكلمهم رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، وأخبرهم بالذي # PageV00P000 # بعثه الله به، وأكرمه به، فقال بعضهم لبعض: تعلمون والله أنه للرجل الذي ~~كانت يهود توعدكم به ويذكرون أنه كائن، فلا يسبقنكم إليه، وكانوا من أعلم ~~العرب بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك إنهم كانوا جيران يهود في ~~بلادهم، فكانوا يسمعون منهم، وكانت يهود تستفتح به عليهم، وذلك أن هذا الحي ~~من الأنصار كانوا أصحاب وثن، وكانت يهود أصحاب كتاب، وكانوا قد غزوهم، ~~فكانت يهود تقول: إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه، وهم يرجون أن يكون ~~منهم، فنتبعه ms46، فيقتلكم قتل عاد وإرم، كثيرا ما يقولون ذلك لهم، وكثيرا ما ~~يسمعونه منهم، فلما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعوا، ~~أجابوه بالإيمان به، وبالتصديق له، وقالوا: إنا قد فارقنا قومنا، ولا نعلم ~~أحدا من العرب بينهم من العداوة ما بينهم، وسنرجع بالذي سمعنا منك إليهم، ~~لعل الله يقبل بقلوبهم، ويصلح بك ذات بينهم، فإن يجمعوا لك على أمر واحد، ~~فلا رجل أعز منك. # ثم قدموا المدينة على قومهم، فأفشوا فيهم الإسلام، وذكروا لهم أمر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم، حتى فشا ذلك في قرى الأنصار # قال ابن إسحاق: عن عبد الله بن أبي بكر، قال: كتبت الأنصار إلى رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم رجلا يفقههم في الدين، فبعث مصعب بن ~~عمير، فنزل على أسعد بن زرارة، فكان يأتي به دور الأنصار، فيدعوهم إلى ~~الله، ويتلو عليهم القرآن، ويفقه من كان أسلم منهم في الإسلام. # قال: فخرج به أسعد بن زرارة إلى حائط من حوائط بني ظفر، فجلس به فيه، ~~وأتاه رجل ممن كان سمع بالإسلام، فوقع في نفسه من أهل الدارين: من بني ظفر، ~~ومن بني عبد الأشهل، قال: فسمع بذلك سعد بن معاذ، فقال لأسيد بن حضير: ائت ~~هذا الرجل فإنه لولا أنه مع أسعد بن زرارة وهو ابن # PageV00P000 # خالتي كنت أنا أكفيكه. # قال: فأخذ أسيد بن حضير الحربة، ثم خرج حتى انتهى إليهما، فوقف عليهما ~~متشتما. # قال: وقد قال أسعد بن زرارة حين رأى أسيد بن حضير: هذا سيد من سادات ~~قومي، له شرف وخطر، فابل الله فيه خيرا. # فقال: إن يسمع مني أكلمه. # قال: فلما انتهى إليهما كلمهما كلاما فيه غلظة، فقال له مصعب: أو تجلس ~~فتسمع؟ فإن سمعت خيرا قبلته، وإن سمعت شيئا تكرهه أو خالفك أعفيناك مما ~~تكرهه، فقال: ما بهذا بأس، ثم ركز حربته، وجلس، فتلا عليهم القرآن، وكلمهم ~~بالإسلام. # قال: فوالله لعرفنا فيه الإسلام قبل أن يتكلم، بإشراق وجهه وتسهله، ثم ~~قال: ما أحسن ms47 هذا القول، فدخل فيه، فأمروه، فتشهد بشهادة الحق، ثم قال: كيف ~~تصنعون إذا أردتم أن تدخلوه؟ قالا له: تقوم فتغتسل، ثم تطهر ثوبيك، وتسجد ~~سجدتين، وتشهد شهادة الحق. # قال: ففعل، ثم خرج راجعا، فلما رآه سعد بن معاذ مقبلا، قال: أحلف بالله ~~ولقد رجع إليكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف عليه، قال: ~~ما وراءك؟ قال: كلمت الرجلين، وقلت لهما نحوا مما قلت لي فكلماني بكلام ~~رقيق، وزعما أنهما سيتركان ذلك، وقد بلغني أن بني حارثة قد سمعوا بمكان ~~أسعد بن زرارة فأجمعوا لقتله، وهو ابن خالتك، وإنما يريدون بذلك إخفارك، ~~فإن كانت لك به حاجة فأدركه، قال: فوثب، وأخذ الحربة من يد أسيد، وقال: ~~والله ما أراك أغنيت شيئا، ثم خرج حتى جاءهما، فوقف عليهما متشتما، فقال ~~لأسعد بن زرارة: أجئتنا بهذا الرجل الغريب تسفه به سفهاءنا وضعفاءنا؟ والله ~~لولا ما بيني وبينك من الرحم ما تركتك وهذا، وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب ~~حين رأى سعدا # PageV01P122 # طالعا: هذا والله سيد من وراءه، إن تابعك لم يختلف عليك اثنان من قومه، ~~فابل الله فيه بلاء حسنا، قال: إن يقعد نسمعه ما أسمعنا صاحبه، قال: فلما ~~فرغ سعد من مقالته لأسعد بن زرارة، قال له مصعب: أو تجلس؟ فإن سمعت شيئا ~~تحبه قبلته، وإن خالفك شيء أو كرهته أعفيناك. # قال: أنصفت، ما بهذا بأس، قال: فركز حربته، ثم جلس، فكلمه الإسلام، وتلا ~~عليه القرآن. # قال: فوالله ما تكلم حتى عرفنا الإسلام في وجهه، بإشراقه وتسهله، فأسلم، ~~وقال: ما أحسن هذا وأجمله، نقبله ونعينك عليه، كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا ~~الأمر؟ قال: تغتسل، وتطهر ثوبك، ثم تصلي ركعتين، وتشهد شهادة الحق، قال: ~~ففعل، ثم خرج، حتى أتى دار بني عبد الأشهل، فقال: يا بني عبد الأشهل، كيف ~~تعلمون رأيي فيكم ومكاني منكم؟ قالوا: نعلمك والله سيدنا وخيرنا وأيمننا ~~وأرشدنا أمرا. # قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وحده، وتشهدوا ~~أن لا إله إلا ms48 الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، قال: فوالله ~~ما أمسى من ذلك اليوم في دار بني عبد الأشهل رجل وامرأة إلا مسلما " # قال الأموي: حدثنا أبو سليمان داود بن مهران، قال: حدثنا داود بن عبد ~~الرحمن العطار، عن ابن خثيم، عن أبي الزبير، أنه حدثه جابر بن عبد الله، أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الحاج في منازلهم في ~~المواسم بمجنة وعكاظ، ومنازلهم بمنى: من يؤويني وينصرني حتى أبلغ رسالات ~~ربي وله الجنة؟ فلا يجد أحدا يؤويه ولا ينصره، حتى إن الرجل يدخل من مصر ~~واليمن # PageV00P000 # , فيأتيه قومه أو ذوو رحمه، فيقولون: احذر فتى قريش لا يفتنك، وهو يمشي ~~بين رحالهم، يدعوهم إلى الله عز وجل، يشيرون إليه بأصابعهم، حتى بعثنا الله ~~له من يثرب، فيأتيه الرجل منا، فيؤمن به، ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله، ~~فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور يثرب إلا وفيها رهط من المسلمين ~~يظهرون الإسلام، ثم بعثنا الله، فائتمرنا واجتمعنا سبعين رجلا، فقلنا: حتى ~~متى نذر رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف؟ فرحلنا حتى ~~قدمنا عليه في الموسم، فواعدنا شعب العقبة، فاجتمعنا فيه من رجل ورجلين، ~~حتى توافينا فيه عنده، فقلنا: يا رسول الله، علام نبايعك؟ قال: «تبايعوني ~~على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى ~~الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله، لا تأخذكم لومة ~~لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم ~~وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة» ، فقمنا نبايعه، وأخذ بيده أسعد بن زرارة ~~وهو أصغر السبعين رجلا، فقال: رويدا يا أهل يثرب، إنا لم نضرب أكباد المطي ~~إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وإن إخراجه اليوم معاداة العرب كافة، وقتل ~~خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على عض السيوف إذا مستكم، ~~وعلى قتل خياركم، ومفارقة العرب كافة، فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم ~~تخافون من أنفسكم ms49 خيفة، فذروه فهو أعذر لكم عند الله، فقالوا: أمط عنا يدك ~~يا أسعد بن زرارة، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها، فقمنا إليه رجلا ~~رجلا، فيأخذ علينا شرطه، ويعطينا على ذلك # PageV01P124 # الجنة # قال: وحدثني أبي، قال: قال محمد بن إسحاق: فحدثني معبد بن كعب بن مالك، ~~عن أخيه عبد الله بن كعب، عن أبيه كعب، وغيره، إنهم واعدوا رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم من العام القابل بمكة بمن اتبعهم، فخرجوا من العام القابل ~~سبعين رجلا فيمن خرج من أرض الشرك من قومهم، حتى قدمنا مكة، ثم خرجنا إلى ~~منى، فقضينا الحج، حتى إذا كنا وسط أيام التشريق، أبعدنا نحن ورسول الله ~~صلى الله عليه وسلم، قال: فخرجنا من جوف الليل نتسلل من رحالنا، ونخفي ذلك ~~ممن معنا من مشركي قومنا، حتى إذا اجتمعنا عند العقبة، وأتى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ومعه عمه العباس بن عبد المطلب، قال: فتلا علينا رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم القرآن، فأجبناه، بأن صدقناه وآمنا به ورضينا ما قال، ~~ثم إن العباس بن عبد المطلب تكلم، فقال: يا معشر الخزرج، إن محمدا منا حيث ~~قد علمتم، وإنا قد منعناه ممن هو على مثل ما نحن عليه، وهو في عشيرته وقومه ~~ممنوع، قال: فتكلم البراء بن معرور، وأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، فقال: بايعنا، فقال: «أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، ~~ونساءكم، وأبناءكم» . # قالوا: نعم والله والذي بعثك بالحق، ومما نمنع من أزرنا، فنحن والله أهل ~~الحلقة والحرب، ورثناها كابرا عن كابر. # قال: فاعترض الحديث رجل من الأنصار ولم يسمه لي قال محمد: وقد # PageV00P000 # ذكره لي من لا أتهم أنه أبو الهيثم بن التيهان، فقال: يا رسول الله! إن ~~بيننا وبين القوم حبالا، وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن نحن بايعناك وخرجنا ~~معك، ثم نصرك الله وأظهرك أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسم رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «الدم الدم، والهدم الهدم، وأنا منكم ms50 وأنتم ~~مني، أسالم من سالمتم، وأحارب من حاربتم» . # قال محمد: وقد ذكر أنه قد تكلم ليلتئذ مع البراء بن معرور أسعد بن زرارة، ~~وعبد الله بن رواحة , وأن عباس بن عبادة بن نضلة، قال: والله يا رسول الله ~~لئن أحببت لنصبحن أهل منى غدا بأسيافنا. # فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم نؤمر بذلك» ، فلما ضرب على ~~أيديهم صرخ أزب العقبة بأعلى صوته، بأصلب صوت سمعته قط: يا أهل الجباجب هل ~~لكم في محمد والصباة معه، قد بايعوا على حربكم؟ , فقال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «هذا أزب العقبة، هذا ابن أزيب، وليس عليكم منه بأس، قد علم ~~مكانكم، فانفضوا إلى رحالكم» ، قال: ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«يا ابن أزيب، أما والله لأفرغن لك أي عدو الله» ، # PageV01P126 # قال: ثم رجعنا إلى رحالنا، فلما أصبحنا غدت علينا أجله قريش، فقالوا: يا ~~معشر الخزرج، إنه قد بلغنا عنكم، ولا ندري أحق هو أم باطل؟ إنكم لا قوم ~~أبغض إلينا من أن ينشب الحرب بيننا وبينهم منكم. # قال: فانبعث من كان معنا من قومنا من المشركين يحلفون بالله ما علموا ولا ~~فعلوا، قال: وقد صدقوا، ثم أتوا عبد الله بن أبي بن سلول وبه بدأوا، وكان ~~سيد الخزرج، فقال: والله ما علمت من هذا بشيء، ولو كان في قومي مثل هذا ما ~~غيبوه عني، قال: ثم تنطسوا الخبر فوجدوا ذلك قد كان، بعد أن خرج القوم، ~~فخرجوا في طلبهم، فأدركوا المنذر بن عمرو، وسعد بن عبادة بأذاخر، وأخذوا ~~سعدا، وأفلت المنذر، حتى خلصه الحرب بن أمية بن عبد شمس وجبير بن مطعم ~~لجوار مت به إليهما. # وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه المهاجرين من قريش أن: " ~~يلحقوا بإخوانهم بالمدينة، فتسللوا إليهم، فكان أول من خرج أبو سلمة بن عبد ~~الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، خرج مرتحلا معه ابنه سلمة ~~وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة، فلما جاز ببني ms51 المغيرة قاموا ~~إليه، فقالوا: هذا غلبتنا على نفسك، أرأيت صاحبتنا، علام نخلي بينك وبينها ~~تسير بها في # PageV01P127 # البلاد؟ ثم انتزعوا خطام بعيرها من يده، وغضبت بنو عبد الأسد، فقاموا إلى ~~سلمة وهو في حجرها، فأخذوا بيده، وقالوا: والله لا نترك صبينا معها إذ ~~أخذتموها من زوجها، فتجاذبوا الغلام بينهم حتى خلعوا يده، فانطلق أبو سلمة، ~~وأمسكني بنو المغيرة، وأخذ بنو عبد الأسد مني ابني، فما لقيت امرأة من ~~الحزن إلا دون ما لقيت، فرق بيني وبين زوجي وبين ابني، فكنت أخرج كل يوم ~~إلى البطحاء , فأبكي حتى الليل، فما أزال كذلك، حتى مر بي رجل من بني ~~المغيرة، فقال: ألا تخرجون هذه المسكينة؟ حبستموها عن زوجها، وحبستم عنها ~~ابنها؟ قالت: فردوا علي ابني، وخلوا بيني وبين الخروج إلى زوجي، فانطلقت ~~إليه ". # قال ابن إسحاق: «ثم إن قريشا تدبرت أمرها في رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم حين خافوه ورأوا من اتبعه، وعرفوا أن قد عاقده القوم على حربهم، فإنه ~~يوشك أن يزايلهم، فاجتمع أشرافهم في دار الندوة للمشورة فيه، فلم يمكنهم ~~الله تعالى منه، فمكثت قريش على ذلك، من أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~مجتمع رأيهم فيه، متظاهرين عليه، يغرون به سفهاءهم، فأقام رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة بمكة، ثم أذن الله له بالخروج إلى المدينة، ~~وأمره بالهجرة، وافترض الله عليه القتال على دينه» # PageV01P128 ### | ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم # أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان، قال: أخبرنا أبو ~~الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون، قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الملك بن محمد ~~بن عبد الله بن بشران، قال: أخبرنا أبو علي أحمد بن الفضل بن العباس بن ~~خزيمة، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام الرماحي، قال: حدثنا محمد بن ~~جعفر المدائني، قال: حدثنا سلام بن سلم، عن عبد الملك بن عبد الرحمن، عن ~~الحسن العرني، عن الأشعث بن طليق، عن مرة الهمداني، عن عبد ms52 الله بن مسعود، ~~قال: اجتمعنا في بيت أمنا عائشة، فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~فدمعت عيناه، فتشدد فنعى إلينا نفسه حين دنا الفراق، فقال: " مرحبا بكم، ~~حياكم الله، جمعكم الله، نصركم الله، رفعكم الله، نفعكم الله، وفقكم الله، ~~قبلكم الله، هداكم الله، سلمكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأوصي الله بكم، ~~لا تعلوا على الله في عباده وبلاده، فإن الله تعالى، قال لي ولكم: {تلك ~~الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة ~~للمتقين} [القصص: 83] ". # وقال: {أليس في جهنم مثوى للمتكبرين} [الزمر: 60] . # قلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، متى أجلك؟ قال: «دنا الأجل، ~~والمنتهى إلى الله عز وجل، وإلى سدرة المنتهى، وإلى جنة المأوى، والعرش ~~الأعلى» . # قلنا: يا رسول الله فمن يغسلك؟ , قال: «رجال أهل بيتي، الأدنى فالأدنى» . # قلنا: يا رسول الله فيم نكفنك؟ , قال: «في ثيابي هذه إن شئتم، # PageV00P000 # أو يمنه، أو بياض» . # قلنا: يا رسول الله , فمن يصلي عليك؟ , وبكى وبكينا، فقال: «مهلا غفر ~~الله لكم، وجزاكم عن نبيكم خيرا، إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على شفير ~~قبري، فإن أول من يصلي علي خليلي وجليسي جبريل، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل، ثم ~~ملك الموت، مع ملائكة كثيرة، ثم ادخلوا فصلوا علي وسلموا تسليما، ولا ~~تؤذوني بتزكية، ولا برنة، ولا بصيحة، وليبدأ بالصلاة علي رجال أهل بيتي، ثم ~~نساؤهم، ثم أنتم، وأقرئوا أنفسكم السلام كثيرا، ومن غاب عني من أصحابي ~~فأقرئوه سلاما كثيرا، ألا وإني أشهدكم أني قد سلمت على كل من دخل في ~~الإسلام، وعلى من تابعني في ديني من اليوم إلى يوم القيامة» ، قلنا: يا ~~رسول الله , فمن يدخلك في قبرك؟ قال: «رجال أهل بيتي، مع ملائكة كثيرة ~~يرونكم من حيث لا ترونهم» # أخبرنا أبو الحسن علي بن عساكر المقرئ، قال: أخبرنا أبو طالب بن يوسف، ~~قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا القطيعي، قال: حدثنا عبد الله، قال: ~~حدثني صفوان بن عيسى، قال: أخبرنا أنيس بن أبي يحيى، عن أبيه، عن ms53 أبي سعيد ~~الخدري رضي الله عنه، قال: # PageV00P000 # خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه وهو عاصب ~~رأسه، قال: فاتبعته حتى صعد المنبر، فقال: «إني الساعة لقائم على الحوض» . # قال: ثم قال: «إن عبدا عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة» ، قال: ~~فلم يفطن لها أحد من القوم إلا أبو بكر رضي الله عنه، فقال: بأبي وأمي ~~نفديك يا رسول الله، بأموالنا وأنفسنا وأولادنا، قال: ثم هبط رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم عن المنبر، فما رئي عليه حتى الساعة # قال أحمد: سمعت يعلى بن حكيم يحدث , عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: " خرج ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه، عاصبا رأسه بخرقة، ~~فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إنه ليس من الناس أحد أمن ~~علي بماله ونفسه من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذا من الناس خليلا ~~لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الإسلام، سدوا عني كل # PageV01P131 # خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر» . # ورواه ابن إسحاق، عن عروة، عن عائشة، قالت: " قال لنا رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: أفرغوا علي سبع قرب من سبعة أبئر لعلي أخرج إلى الناس فأعهد ~~إليهم ". # قال ابن إسحاق: عن محمد بن جعفر، عن عروة، عن عائشة: فصببنا عليه من سبع ~~قرب، فوجد راحة، فصلى بالناس، فخطبهم، واستغفر للشهداء من أصحاب أحد، وأوصى ~~بالأنصار خيرا، قال: " أما بعد: يا معشر المهاجرين، فإنكم قد أصبحتم ~~تزيدون، وأصبحت الأنصار على هيئتها، لا تزيد على هيئتها التي عليها اليوم، ~~والأنصار عيبتي التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم ". # PageV01P132 # قال: " ثم إن عبدا من عباد الله قد خير بين ما عند الله وبين الدنيا، ~~فاختار ما عند الله، فلم يفقهها إلا أبو بكر رضي الله عنه، فبكى، فظن أنه ~~يريد نفسه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر، سدوا ~~هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا ms54 باب أبي بكر، فإني لا أعلم امرءا أفضل ~~عندي يدا في الصحابة من أبي بكر " قال ابن إسحاق: عن ابن أبي مليكة، أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم، قال ورفع صوته حتى PageV01P133 ms55